حقيقه المهدويه و الغيبه

اشارة

نام كتاب: حقيقة المهدوية و الغيبة

نويسنده: يحيى عبد الحسن الدوخي

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

نوبت چاپ: 1

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

ديباجة المركز

الحمدلله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

إنّ الإعتقاد بمستقبل مشرق لأي أمّة بظهور المنقذ في آخر الزمان من أصول الاعتقادات المتفق عليها بين جمع الأمم، ولا يشذ المسلمون عن هذا الإعتقاد، بل هو من ضروريات دينهم الإسلامي، وقد عرّفه نبي الإسلام (ص) بالمهدي هذه الأمّة، وأنه من ولد فاطمة (س).

وقد حاول البعض ممن في قلوبهم مرض أن يروّجوا بأنّ العقيدة المهدوية عقيدة شيعيّه فحسب؛ تشويهاً لهذه الحقيقه الإلهية الناصعة، ويعد الدكتور عبدالله ناصر القفاري الوهابي في طليعة هؤلاء المنكرين لهذه الحقيقة؛ إذ لا يعبأ باستفاضة الأحاديث الواردة بخصوص المهدي (عج) في كتب المسلمين؛ ليطفأ بذلك نور الله يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ؛ مثيراً بذلك العديدة من الشبهات والادعائات والافترائات بهذا الخصوص.

وقد قام الأستاذ الدكتور يحيى عبدالحسن الدوخي، بدرء جميع هذه الشبهات

ص: 6

وإبطالها ببحثه الشامل تحت عنوان «حقيقة المهدوية والغيبة» ليكشف عن زيف هذه الإدعائات الكاذبة والشبهات الواهية، دفاعاً منه عن الحقيقة الإسلامية الثابتة عند الجميع.

وفي الختام يتقدّم مركز بحوث الحج بجزيل الشكر والتقدير إلى الأستاذ المحقق الفاضل، ونأمل بأن ينير هذا الأثر الطريق لطلاب الحقيقة والباحثين عن الحق.

انه ولي التوفيق

مركز بحوث الحج

قسم الكلام والعقائد الإسلامية

ص: 7

المقدمة

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمّد وآله الطيّبين الطاهرين، وبعد:

من الصعب أن ينطق الإنسان بالحقيقة ويلامسها إذا كان عاجزاً عن إيجاد بعض الثغرات إن لم نقل بعدمها، لاسيما في الأُمور العقائديّة والمذهبيّة، ومنطق التأريخ يحدّثنا عن صراع جدلي تحكمه الأيديولوجيّات والعادات والتقاليد والموروث السلفي التقليدي الجامد، فعندما ظهر التشيّع الذي أرسى أُصوله وقواعده رسول الله (ص) ظهرت معه بوادر ذلك الصراع من خلال التشكيك وإلقاء الشبهات، ولم يتوقّف هذا السيل المتدفّق من خصوم هذا المذهب تشكيكاً في أُصوله ومبادئه وفروعه.

ولا يزال يجترّ أصحاب هذه الشبهات ما ورثوه من أسلافهم، ولكن ألبسوها ثوباً جديداً محاولين أن يضفوا عليها طابع العلميّة والموضوعيّة، ولكنّ الحقيقة تأبى إلّا قبول الحقّ.

واليوم نجد أنّ هناك حملات مسعورة ضدّ التشيّع وأهله، فقد وجّهوا حملاتهم الضارية بافتراء وكَيْل الاتّهامات والشبهات جزافاً- ويكاد يكون العقل مغيّباً عن هذا الأمر- وذلك للنيل من كيان هذا الصرح الإسلامي

ص: 8

العريق.

في حين أنّ الآيات القرآنيّة الكريمة والسنّة النبويّة الشريفة تؤكّدان على أن يكون الجدل والنقاش بالتي هي أحسن مع إقامة الحجج والبراهين، وأن يكون مطابقاً للحقّ وعدم الخوض في الباطل.

قال تعالى: وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (النحل: 125).

وقال تعالى: الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ وَعِندَ الَّذِينَ آمَنُوا (غافر: 35).

وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِن فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَّا هُم بِبَالِغِيهِ (غافر: 56).

وقد فسّر السلطان بالحجّة والبرهان الصحيح.

وقال النبيّ الأكرم (ص): «ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتّى ينزع عنه، ومن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال (1) حتّى يخرج ممّا قال» (2).

المنهجيّة الصحيحة للحوار

فالواجب الذي يفرضه المنطق والعقل والحكمة أن يكون الباحث والمحقّق العلمي متحلّياً بالموضوعيّة والأمانة والصدق، متّبعاً بذلك المنهج العلمي الدقيق والصحيح، الذي يخلو من التشنّج والتحيّز إلى مذهبه أو طائفته، وأن


1- ردغة الخبال: هي عُصارة أهل النار. وقيل: هو الطين والوحل الكثير؛ لسان العرب، ج 8، ص 427 «ردغ».
2- سنن أبي داود، أبو داود السجستاني، ج 2، ص 164. وقد صحّحه الألباني في إرواء الغليل، قال: «قلت: وهذا إسناد صحيح، رجاله ثقات، رجال مسلم، غير يحيى بن راشد، وهو ثقة، وقد توبع من ثقات آخرين» ... إرواء الغليل، محمّد ناصر الألباني، ج 7، ص 349.

ص: 9

يبتعد قدر إمكانه عمّا ورثه من رواسب فكريّة جامدة من أشياخه وعمّن يقلّدهم؛ طالباً وراسماً بذلك هدفاً للوصول إلى الحقّ الذي ينشده.

وعليه أن يتحرّى ويستقي المصادر الصحيحة من الفرقة أو الطائفة التي يريد أن يجادلها ويناقش أفكارها، معتمداً على أقوال كبار علمائهم وفقهائهم التي تمثّل كلمتهم الفَصل في مسائل العقيدة وغيرها.

وكذا لابدّ أن يلاحظ أنّ المسألة التي يفنّدها أو يشكّك فيها هي مورد تسالم وإجماع عند الآخرين، لا أن يلتزم بقول من لا يمثّل إلّا رأيه ويجعله هو الفيصل، ومن ثمّ ينسبه بلا ورع ولا أمانة إلى تلك المدرسة أو الطائفة.

مضافاً إلى ذلك يجب عليه أن يراعي حرمة أدب الحوار في التعاطي مع من يناقشه أدباً وخلقاً ومنطقاً، منزّهاً لسانه عن السباب والذمّ والتهريج، بلا وازع من دين، فإذا كان الأسلوب المتّبع بهذه الطريقة والتي تتنافى مع خلق وروح الإسلام، فواضح أنّه يفتقد إلى الدليل والبرهان الذي يجب أن يقدّمه إلى من يناظره أو يجادله، فيلجأ إلى هذا الأُسلوب، هرباً وعجزاً عمّا وقع فيه.

فمن يريد طرق الحقيقة والبحث عنها والوصول إليها ومن ثمّ نوالها، لابدّ أن يسلك هذا المنهج الذي قدّمناه آنفاً، لاسيما وأنّ هذا المناظر أو المجادل أو الكاتب ممّن يريد أن يدافع عن الإسلام بحسب مدّعياته ومبتنياته الفكريّة والعقائديّة.

وأمّا إذا كانت غايته ومنهجه هي الهدم وليس النقد وكانت نيّته مبيّتة؛ والغرض هو التشنيع والتكفير والتبديع، فهذه من الطامّات التي ابتليت بها الأُمّة الإسلاميّة على طول التأريخ.

ومن البديهي أنّ من يسلك هذا المنهج فلازمه أن يكون خطأوه أكثر من صوابه، وفساده أكثر من إصلاحه.

ص: 10

غياب المنهجيّة العلميّة عند الدكتور ناصر القفاري

وهذا ما نجده شاخصاً وجليّاً عند الدكتور السلفي (ناصر بن عبد الله بن عليّ القفاري) في كتابه الموسوم ب- (أُصول مذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة) والذي هو في الأصل أُطروحة نال بها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأُولى من جامعة الملك محمّد بن سعود الإسلاميّة، ولاسيّما في بحثه الذي عقده للمهدويّة، والذي أسماه (المهديّة والغيبة).

فالمتتبّع لكلام الدكتور القفاري في كتابه هذا لم يجده يفهم كلام الآخرين ولم يتعلّمه إطلاقاً؛ لعدم وجود المنهج الذي ينطلق منه عند نقده لآرائهم وأُسسهم الفكريّة؛ وهذا ناشئ من أمرين:

إمّا الجهل، أو الحقد والبغض للتشيّع، ولعلّ كلا الأمرين لا يعدوانه؛ لذا تجده يتّهم ويتقوّل عليهم بلا برهان وحجّة صحيحة، وبهذا يخفى عجزه عن مواجهة الآخر، وتضطرب كلماته بدون تأمّل وإنصاف في نقل وجهة نظر الطرف المقابل له.

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا: إنّه متفهّم ومتعلّم لكلام الآخرين؛ ولكنّ الأمَرّ والأدهى من ذلك أنّ التهمة للآخرين هي الأصل عنده، فلا يمكن أن تكون كلماته متوازنة وفق منهج صحيح ورؤية صادقة فيما يقول، فهو ينطلق من أنّ الآخر ضالّ وكافر وخارج عن الدين.

وهذا ما نجده في طيّات كلامه، قال: «وقد تبيّن أنّهم كفرة ليسوا من الإسلام في شي ء ...» (1).

ثمّ عقد بحثاً أسماه (القول بكفرهم)، وأجهد نفسه مفتخراً ومزهواً في البحث


1- أُصول مذهب الشيعة، ناصر بن عبد الله القفاري، ج 3، ص 1552.

ص: 11

عمّن يقول بكفر الشيعة من أئمّة السنّة (1). وعليه يتّضح أنّ لغة التكفير للمسلمين هي اللغة السائدة عند الدكتور القفاري.

لذا نجد استغراب بعض العقول المتحرّرة من هذا الفكر، كالاستاذ السعودي حسن بن فرحان المالكي، حيث يستهجن هذا الخطاب وينقده بشدّة، مستغرباً ومستفهماً لغة هذا الخطاب اللامنهجي واللامعرفي،

قال: «أنا لا أستغرب صدور مثل هذه الأساليب، فنحن لم نتعلّم- إلى الآن- كيف نفهم كلام الآخرين؟! وكيف نحكم على أقوالهم ونيّاتهم؟! بمعنى إنّنا لم ندرس في حياتنا الدراسيّة منهجاً يعلّمنا ضوابط المعرفة لكلام الآخرين، وعلى


1- ادّعى القفاري أنّ أئمّة السنّة تفتي بكفر الشيعة كمالك وأحمد والبخاري، قال: «وقد ذهب إلى هذا كبار أئمّة الإسلام، كالإمام مالك، وأحمد، والبخاري، وغيرهم». ج 3، ص 1509.

ص: 12

هذا يجب على القارئ ألّا يستغرب أبداً أن يجد في كتابات بعض الناس اتّهامات كثيرة بالتلميح أو التصريح؛ لأنّ هذا هو الأصل في طريقة تفكير كثير منّا، وطريقة تناوله لموضوعات المختلفين معه في الرأي، ولأنّ فيها إخفاء للعجز عن المواجهة، كما أنّ التهمة عند كثير من الناس- للأسف- هي الأصل حتّى تثبت البراءة، بينما العكس هو الصحيح أو المفترض» (1).

وقد أصاب الشيخ ابن فرحان المالكي كبد الحقيقة، وهذا الكلام هو عين ما نجده عند الدكتور القفاري، فمنهجيّة الجدل بالتي هي أحسن، وبالحكمة والموعظة الحسنة والصدق والأمانة، لا نجد لها نصيباً في كتابه الذي يتّهم فيه الشيعة بأنواع التهم والافتراءات.

تحقيق خال من الصدق والأمانة والموضوعيّة

اشارة

ولنأخذ عيّنات من كلامه قبل الورود إلى صميم البحث؛ ليطّلع قارئنا العزيز على مدّعياته التي تخلو من الصدق في القول والأمانة في النقل:

1- شهادات مزوّرة لنفي ولادة الإمام المهدي (عج)

اشارة

قبل أن ننقل هذه الشهادات المحرّفة نأخذ عيّنات من كلامه، قال في مقدّمة كتابه: «وحقّقت القول بوجود المهدي الذي يقوم عليه مذهب الاثنا عشريّة اليوم، وعرض شهادات مهمّة صادرة من أُسرة الحسن العسكري وأهل البيت


1- مع الدكتور العودة في عبد الله بن سبأ ودوره في الفتنة الكبرى، حسن بن فرحان المالكي، ص 6.

ص: 13

والحسن العسكري نفسه، ومأخوذة من كتب الشيعة ذاتها» (1). ويقصد بتلك الشهادات هي الشهادة بعدم وجود وولادة الإمام المهدي (عج).

وقال أيضاً: «والموضوعيّة الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم، وأن تعدل في الحكم، وأن تحرص على الروايات الموثّقة عندهم أو المستفيضة في مصادرهم» (2).

وقال أيضاً: «والخلاصة أنّني لم أعمد إلّا إلى كتبهم المعتمدة عندهم (3)، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب» (4).

حينئذٍ نقول: إنّ أهمّ تحقيق وصل إليه الدكتور القفاري في نقده لمسألة المهدويّة هي عرض الشهادات المهمّة- بنظره- من أُسرة الإمام الحسن العسكري وأهل البيت (عليهم السلام)، والحسن العسكري (ع) بعدم ولادة الإمام المهدي (عج)، وألزم نفسه بأن يكون موضوعيّاً وصادقاً وأميناً في النقل من الكتب والمصادر المعتمدة عند الشيعة، وأن يكون عادلًا في الحكم.

أمّا الشهادات المهمّة- بنظره- فهي كالتالي:

1- شهادة أهل البيت (عليهم السلام)، أي: (ابن طومار) أحمد بن عبد الصمد، نقيب الطالبيّين كما يدّعي.


1- أُصول مذهب الشيعة، ناصر بن عبد الله القفاري، ج 1، صص 15 و 16.
2- المصدر نفسه، ص 16.
3- الكتب التي اعتمد عليها القفاري في الحكم على الشيعة معظمها من المصادر المعتمدة عندهم وليس العكس، لاسيّما كتب ابن تيميّة وابن الجوزي والجبهان، فهذه هي المرجعيّة الفكريّة له، وكثيراً مّا ينقل من كتب ثانويّة للشيعة كالبحار والوافي وغيرها، بل نجده ينقل من كتب مجهولة المؤلّف في بعض الأحيان، وذلك عندما طرح في بحث (عقيدة المعاصرين في كتاب الله) حيث نقل من كتاب اسمه (الشيعة والسنّة في الميزان، محاكمة بقلم س خ)، ج 3، ص 1204، فهنا نسب هذا الكتاب إلى الشيعة، ولا نعلم من هو (س خ)، فهل التزم القفاري بكلامه أنّه عمد إلى الكتب المعتمدة عند الشيعة؟!
4- أُصول مذهب الشيعة، ج 1، ص 27.

ص: 14

2- شهادة أُسرة الحسن العسكري (ع)، أي: جعفر الكذّاب (أخ الإمام العسكري (ع)).

3- شهادة الإمام العسكري (ع) نفسه.

شهادة ابن طومار

فلو تأمّلنا ورجعنا إلى كلماته وأقواله في الشهادة الأُولى- أي: شهادة ابن طومار- فهل صدق الدكتور القفاري في هذه الشهادة؟ وهل طبّق المعيار الآنف الذكر؟

قال: «إنّ لأهل البيت موقفاً صريحاً حاسماً في هذا الأمر، وهو من البراهين الواضحة على بطلان هذه الدعوى، حيث جاء في تاريخ الطبري في حوادث سنة 302 ه: إنّ رجلًا ادّعى في زمن الخليفة المقتدر أنّه محمّد بن الحسن بن عليّ بن موسى بن جعفر، فأمر الخليفة بإحضار مشايخ آل أبي طالب، وعلى رأسهم نقيب الطالبيّين أحمد بن عبد الصمد المعروف بابن طومار.

فقال له ابن طومار: لم يعقب الحسن، وقد ضجّ بنو هاشم من دعوى هذا المدّعي وقالوا: يجب أن يشهر هذا بين الناس، ويعاقب أشدّ عقوبة، فحمل على جمل وشهر يوم التروية ويوم عرفة، ثمّ حبس في حبس المصريّين بالجانب الغربي، وهذه الشهادة من بني هاشم، وعلى رأسهم نقيب الطالبيّين مهمّة؛ لأنّها من نقيب العلويّين الذي كان عظيم العناية بتسجيل أسماء مواليد هذه الأُسرة في سجّل رسمي» (1).

الجواب:

إنّ هذه الدعوى باطلة لعدّة وجوه:


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، صص 1094 و 1095.

ص: 15

الأوّل: إنّ هذه الواقعة ليس لها سند، فكيف يمكن الوثوق بحيثيّات هذه الواقعة؟! والدكتور ممّن ينادي ويطالب الشيعة بذكر الأسانيد، وهذا معيب جدّاً أن تذكر واقعة يفنّد بها عقائد الآخرين بلا سند.

فهذا لا يصدر إلّا ممّن جهل العلم في هذه الصناعة، أو أنّ العصبيّة غلبت عليه فأنسته كيفيّة الاستدلال.

أضف إلى ذلك إنّها وردت في صلة تاريخ الطبري للقرطبي (1)، وليس في تاريخ الطبري.

الوجه الثاني: من هو ابن طومار؟ فلابدّ أن نبحث عن ترجمة له لكي نثق بما يقول، فالشيعة لم تذكر ترجمة له، فهو مهمل عندهم.

وأمّا في التراجم السنّيّة فهو مجهول من حيث الوثاقة والضعف، بل نقل بعضهم أنّه من الذين لهم صنعة في الغناء.

قال الصفدي: «أحمد بن عبد الصمد أبو العبّاس المعروف بابن طومار، كان يتولّى النقابة على جميع بني هاشم العبّاسيّين والطالبيّين، جالس الموفّق والمعتضد .. له شعر وعلم بالغناء وصنعة فيه» (2).

إذن فمن كان مجهولًا ومهملًا، وله صنعة في الغناء، كيف نثق بنقله ونجعله حجّة للطعن في عقائد الطوائف الإسلاميّة؟!

الوجه الثالث: ولو سلّمنا- ولا نسلّم قطعاً؛ لعدم وجود السند- بصدق هذه الواقعة، لكن نقول: إنّها لا علاقة لها بالإمام المهدي ولا الإمام الحسن العسكري (عليهما السلام)؛ فليس فيها ذكر للإمام المهدي (عج)، فإنّ هذا الرجل ادّعى أنّه (محمّد بن الحسن بن عليّ بن موسى بن جعفر الرضا (ع))، ونؤكّد كلمة


1- صلة تاريخ الطبري، القرطبي، ص 35
2- الوافي بالوفيات، الصفدي، ج 7، ص 42.

ص: 16

«الرضا» التي ذكرت في المصدر الأصل عند الطبري، بينما الذي تعتقد به الشيعة ويعترف به غيرهم هو (محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر الصادق (ع)) وأين هذا من ذاك؟ وللأسف نجد أنّ الدكتور حذف كلمة «الرضا» لعلمه المسبق بأنّ هناك اختلافاً بين الاسمين.

الوجه الرابع: إنّ الدكتور أتحفنا بأنّ المعيار في النقل هو الصدق والموضوعيّة والأمانة، واعتماد المصادر الشيعيّة، بل ادّعى أنّه قد اعتمد ألّا ينظر في المصادر الناقلة عنهم، وأن يتعامل مباشرة مع الكتاب الشيعي حتّى لا يتوجّه البحث وجهة أُخرى.

ولم نجده يلتزم بهذا الأمر؛ فمن حيث المصادر فالطبري ليس شيعيّاً؛ ومن حيث السند فساقط لا اعتبار له، ومن حيث الدلالة فهناك حذف لبعض الكلمات التي لها علاقة بأصل المسألة، فهي غير مرتبطة بالإمام المهدي (عج) مطلقاً، فكان الأحرى بالدكتور أن ينأى بنفسه عن ذكر هذه الشروط؛ لعدم الوفاء بها، وكذلك يفقد مصداقيّة القارئ له.

شهادة الإمام العسكري (ع)

أمّا الشهادة الثانية التي ذكرها الدكتور القفاري فهي: أنّ الإمام العسكري (ع) هو من نفى ولادة ولده المهدي بنفسه، قال: «وعلاوة على ذلك كلّه فإنّ الحسن العسكري نفسه المنسوب له هذا الولد قد نفى ذلك وأنكره، حيث أسند وصيّته في مرضه الذي توفّي فيه إلى والدته، وأوكل لها النظر في أوقافه وصدقاته، وأشهد على ذلك وجوه الدولة وشهود القضاء، كما يروي ذلك الكليني في

ص: 17

الكافي، وابن بابويه في إكمال الدين» (1).

الجواب:

إنّ ما استدلّ به الدكتور القفاري على هذه الدعوى باطل من وجوه:

الأوّل: إنّ هذا الاستدلال غريب، وهو ينبئ عن جهل أو استخفاف بعقل القارئ، فمن أين فهم القفاري أنّ الإمام العسكري نفى وأنكر ولادة ولده؟ وهل إسناد الوصيّة لغير ولده تدلّ على نفي الولد؟! وأيّ ملازمة بين الأمرين؟ نعم، لو شهد الإمام بنفسه- بمعنى أنّه تفوّه بإنكار ولده بلسانه- لصحّ هذا الكلام.

ثمّ إنّ أجواء الرواية تدلّ على أنّ السلطة الحاكمة آنذاك تبحث عن الولد بحيث تقول الرواية: «كانت سر من رأى يومئذ شبيهاً بالقيامة .. والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن عليّ» (2). وهذا دليل على الثبوت وليس النفي.

الوجه الثاني: إنّ الدكتور القفاري أغفل ذكر الروايات الأُخرى التي ذكرت أنّ الإمام العسكري (ع) قد صرّح بوجود ولده، وهذه الروايات صريحة بالمطابقة، وليس بالملازمة مع بعدها عن الواقع.

ومن تلك الروايات ما ذكره الكليني بسند صحيح (3) عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: قلت لأبي محمّد (ع): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: «سل»، قلت: يا سيّدي، هل لك ولد؟ فقال: «نعم»، فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة» (4).


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، صص 1098 و 1099.
2- الكافي، محمّد بن يعقوب الكليني، ج 1، ص 505.
3- ترجمنا لهذا السند وإنّه في غاية الصحّة والوثاقة، راجع شبهة (أنّ الإمام العسكري 7 لم يعقب).
4- الكافي، ج 1، ص 328.

ص: 18

وروى الكليني أيضاً في الكافي والمفيد في الإرشاد بسند صحيح عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال، قال: «خرج إليّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده» (1). وهناك روايات أُخرى سنذكرها في بحوث لاحقة.

فكان الأولى بأمانة الدكتور ومصداقيّته أن يذكر هذه الروايات المصرّحة بالولادة، لاأن يكتفي برواية واحدة، وهي بالحقيقة لا تدلّ على مراده، بل هي تعلّل وتفسّر ما وقع على الإمام العسكري (ع) من جرأة السلطات الحاكمة؛ ممّا أدّى إلى إخفاء ولده، وهذا إثبات وليس نفي كما قلنا آنفاً.

الوجه الثالث: إنّ الشيخ الطوسي قد أجاب على هذا الإشكال، حيث فرضه أوّلًا، ثمّ أجاب عنه، قال: «فإن قيل: كيف يجوز أن يكون للحسن بن عليّ (ع) ولد مع إسناده وصيّته في مرضه الذي توفّي فيه. ..؟ ولو كان له ولد لذكره في الوصيّة.

قيل: إنّما فعل ذلك قصداً إلى تمام ما كان غرضه في إخفاء ولادته، وستر حاله عن سلطان الوقت، ولو ذكر ولده أو أسند وصيّته إليه، لناقض غرضه، خاصّة وهو احتاج إلى الإشهاد عليها وجوه الدولة، وأسباب السلطان، وشهود القضاة ليتحرّس بذلك وقوفه، ويتحفّظ صدقاته، ويتمّ به الستر على ولده بإهمال ذكره وحراسة مهجته بترك التنبيه على وجوده، ومن ظنّ أنّ ذلك دليل على بطلان دعوى الإماميّة في وجود ولد للحسن (ع)، كان بعيداً من معرفة العادات.

وقد فعل نظير ذلك الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) حين أسند وصيّته إلى خمسة نفر، أوّلهم المنصور؛ إذ كان سلطان الوقت، ولم يفرد ابنه موسى (ع) بها


1- الكافي، ج 1 ص 328؛ الإرشاد، ج 2، ص 348.

ص: 19

إبقاء عليه، وأشهد معه الربيع وقاضي الوقت، وجاريته أُم ولده حميدة البربريّة، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر (عليهما السلام)؛ لستر أمره وحراسة نفسه، ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده الباقين؛ لعلمه كان فيهم من يدّعي مقامه من بعده، ويتعلّق بإدخاله في وصيّته، ولو لم يكن موسى (ع) ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه، وصحّة نسبه واشتهار فضله وعلمه، وكان مستوراً لما ذكره في وصيّته، ولاقتصر على ذكر غيره، كما فعل الحسن بن عليّ والد صاحب الزمان (عج)» (1).

الوجه الرابع: إنّ علماء الأنساب والحفّاظ من أهل السنّة صرّحوا بولادة الإمام المهدي (عج)، وأنّه من ولد الإمام العسكري (ع)، وسنذكر بعض هذه الأقوال- كمثال- محيلين القارئ لشبهة (إنّ الإمام العسكري (ع) لم يعقب) فهناك فصّلنا القول في دفع هذه الشبهة.

فمن علماء الأنساب: السيّد الشريف نجم الدين أبي الحسن بن محمّد العلوي العمري، النسّابة المشهور، من أعلام القرن الخامس في كتابه «المجدي في أنساب الطالبيّين»، قال: «ومات أبو محمّد (ع) وولده من نرجس (س) معلوم عند خاصّة أصحابه وثقات أهله ... وامتحن المؤمنون، بل كافّة الناس بغيبته» (2).

وكذلك فخر الدين محمّد بن عمر الرازي الشافعي (ت 606 ه) في كتابه «الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّة»، قال: «أمّا الحسن العسكري الإمام (ع) فله ابنان وبنتان: أمّا الابنان فأحدهما: صاحب الزمان، والثاني موسى، درج في حياة أبيه ..» (3).


1- الغيبة، الطوسي، صص 107 و 108.
2- المجدي في أنساب الطالبيّين، عليّ بن محمّد العلوي العمري، ص 130.
3- الشجرة المباركة، الفخر الرازي، صص 78 و 79.

ص: 20

ومن الحفّاظ: شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه) في كتابه تاريخ الإسلام في ترجمة الإمام الحسن العسكري 7، قال: «وأمّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجّة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين ..» (1).

يقول الأستاذ مصطفى الرافعي في كتابه (إسلامنا) بعد أن ذكر جملة من كبار علماء السنّة الذين قالوا بولادته: «وكثير غيرهم من علماء السنّة الأجلّاء الذين ذاع صيتهم ويذكرون بكلّ إعجاب وتقدير، هؤلاء وكثير غيرهم ممّن لا يتّسع المقام لذكرهم يقولون بمقولة الإماميّة من أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري، وأنّه حيّ .. ولا يجدون في مقولتهم هذه ما يناهض العقل» (2).

إذن فهل يمكن أن يصدّق القارئ بهذه الدعاوى، أم من حقّه أن يحاكم هذا الكاتب لهذا التشويه والتزوير الجلي والواضح؟!

شهادة جعفر (أخ الإمام الحسن العسكري (ع))

أمّا الشهادة الثالثة، قال القفاري: «وعلاوة على شهادة نقيب الطالبيّين وبني هاشم، فإنّ أقرب الناس إلى الحسن العسكري- وهو أخوه جعفر- يؤكّد أنّ أخاه مات ولانسل له ولا عقب، والشيعة يعترفون بذلك، بل ينقلون أنّه حبس جواري أخيه وحلائله حتّى ثبت له براءتهن من الحمل، وأنّه شنّع على من ادّعى ذلك، وأبلغ دولة الخلافة الإسلاميّة بتآمره ..» (3).

ثمّ قال بعد أسطر: «ولموقف جعفر المتميّز ضدّ محاولات الرموز الشيعيّة


1- تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 19، ص 113، حوادث سنة (251- 260 ه).
2- إسلامنا، مصطفى الرافعي، ص 192.
3- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 1095.

ص: 21

اختراع ولد لأخيه، ضاق الشيعة ذرعاً بأمره، حتّى لقّبوه بجعفر الكذّاب» (1).

الجواب:

أيضاً هذه الشهادة باطلة لعدّة وجوه:

الأوّل: قول الدكتور القفاري باعتراف الشيعة بهذه الشهادة من أخيه جعفر يتناقض مع قوله الآخر: إنّ الشيعة ضاقت ذرعاً بأمر جعفر بحيث لقّبوه بالكذّاب، فكيف نجمع بين هذين القولين المتضاربين؟!

ثمّ كيف تعترف الشيعة بذلك وصلب عقيدتهم هي الإيمان بوجود الإمام الثاني عشر؟ وهو من أُصولهم الاعتقاديّة التي من المفترض أن يناقشهم عليها في أُطروحته التي تحمل عدد أئمّتهم (أُصول مذهب الشيعة الاثنى عشريّة)، فهو يعترف أنّهم يعتقدون باثني عشر إماماً، و المهدي هو الإمام الثاني عشر عند الشيعة الإماميّة، فكيف هم يعترفون بنفي ذلك؟! فلا نعلم أيّ تناقض هذا، أليس هذا الكلام ينفي موضوع الرسالة التي تحمل هذا العنوان؛ لأنّه فرض مسبقاً أنّ الشيعة تنفي ذلك؟!

الوجه الثاني: إنّ الشيخ الطوسي ردَّ على هذه الشبهة بكونها: «ليس بشبهة يعتمد على مثلها أحد من المحصّلين؛ لاتّفاق الكلّ على أنّ جعفراً لم يكن له عصمة كعصمة الأنبياء، فيمتنع عليه لذلك إنكار حقّ ودعوى باطل، بل الخطأ جائز عليه، والغلط غير ممتنع منه. وقد نطق القرآن بما كان من ولد يعقوب (ع) مع أخيهم يوسف (ع)، وطرحهم إيّاه في الجبّ، وبيعهم إيّاه بالثمن البخس، وهم أولاد الأنبياء، وفي الناس من يقول كانوا أنبياء. فإذا جاز منهم مثل ذلك مع عظم الخطأ فيه، فلِمَ لا يجوز مثله من جعفر بن عليّ مع ابن أخيه، وأن يفعل معه من الجحد طمعاً في الدنيا ونيلها؟ وهل يمنع من ذلك أحد


1- المصدر نفسه، ص 1096.

ص: 22

إلّا مكابر معاند؟!» (1).

وقد أشكل القفاري على هذا الدليل بقوله: «فالطوسي لا يقبل الإنكار من جعفر؛ لأنّه غير معصوم، ولكن الطوسي ومعه طائفة الاثنا عشريّة يقبلون دعوى عثمان بن سعيد في إثبات الولد ودعوى بابيّته، وهو غير معصوم، أليس هذا تناقضًا؟!» (2).

وهذا من الغرائب التي تنمّ عن جهل آخر يحمله الدكتور عن عقائد الشيعة وأُصولهم، فالطوسي والشيعة الاثنا عشريّة يؤمنون بإثبات ابن الإمام العسكري (ع) للأدلّة التي أخبر بها رسول الله (ص) والأئمّة من أهل بيته (عليهم السلام)، وينكرون من ينفي ذلك لما ورثوه من هذه الأدلّة؛ لذلك دفع الشيخ الطوسي شبهة جعفر الكذّاب؛ لعدم عصمته فالخطأ جائز في حقّه، ثمّ أعطى مصداقاً ذكره القران الكريم بما كان من ولد يعقوب (ع) مع أخيهم يوسف (ع)، وطرحهم إيّاه في الجبّ، وبيعهم إيّاه بالثمن البخس، لقاعدة: «حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد»، فإذا جاز هناك جاز في هذا المورد.

ثمّ متى كان عثمان بن سعيد/ في مقام الإثبات للإمام، فلم نسمع بهذه الدعوى إلّا من القفاري نفسه، فقياس جعفر الكذّاب بعثمان بن سعيد لا وجه له، وهو قياس مع الفارق.

الوجه الثالث: ولإبطال هذه الشهادة فقد اعترف جملة كبيرة من أعلام الطائفة السنّيّة بولادة الإمام المهدي (عج)، وهو من ولد الحسن العسكري (ع)، كما ذكرناه آنفاً وسيأتي لاحقاً بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

الوجه الرابع: أضف إلى ذلك إنّ هذه الشهادة باطلة؛ لأنّها تجر نفعاً


1- الغيبة، ص 107.
2- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، صص 1095 و 1096.

ص: 23

لصاحبها، كما تقرّر في باب القضاء، ومن المعلوم أنّ الروايات قد حدّثتنا أنّ جعفراً قد صرّح بذلك علناً عندما قال للسلطان: «اجعل لي مرتبة أبي وأخي وأوصل إليك في كلّ سنة عشرين ألف دينار مسلّمة ...» (1).

إذن فهذه الشهادات الثلاث التي عقد عليها الدكتور القفاري الأمل وأوصله التحقيق إليها كلّها باطلة، بل لم نجد تلك الأمانة والموضوعيّة والصدق التي وعدنا بها الدكتور، فكيف يمكن أن نثق ونطمئنّ بمجمل أبحاثه لهذه العقيدة؟ وسيجد قارئنا العزيز الكثير من هذه الدعاوى الموهومة والمختلقة التي سنكشف- بإذنه تعالى- زيفها، وسنثبت أنّها لا نصيب لها من الصحّة والواقعيّة.

2- أحكام جزافيّة روحها التعصّب المذهبي والطائفي

أ- الشيعة تتبع إمام معدوم وكتاب موهوم وجعفر مزعوم!!

اشارة

ومن النماذج الخالية من التحقيق العلمي والموضوعي أيضاً قوله في خلاصة خاتمة الكتاب: «وكم هي معاناة أن تقرأ وتستمع لقوم أشقاهم الله، فأضلّهم وأعمى أبصارهم، فصاروا يتبعون إماماً معدوماً، ويقولون بكتاب موهوم، وجعفر مزعوم، وأساطير أُخرى ..» (2).

في هذا المقطع أصدر الدكتور القفاري حكماً على الشيعة بأنّهم قوم أشقياء أعمى الله بصيرتهم؛ لأنّهم يتبعون الإمام المهدي (عج) المعدوم في نظره!! وكذلك يقولون بكتاب موهوم، ولعلّه إشارة إلى القرآن الكريم وأنّه محرّف!! وجعفر مزعوم!! إشارة إلى الإمام الصادق (ع) الذي يعدّ المرجع للطائفة


1- كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، ص 44.
2- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1541.

ص: 24

الشيعيّة في الأحاديث والروايات.

فهنا حكم سلفاً على طائفة من المسلمين بأُمور تجانب وتجافي الحقيقة تماماً، وأغمض عينيه عن الحقائق التي دعت الشيعة للتمسّك بأهل البيت (عليهم السلام)، فالشيعة إنّما تتبع الإمام المهدي (عج) لما ورثوه من روايات متواترة أنبأ وأخبر بها رسول الله (ص) قبل ولادته بمئات السنين، وقد أخرج الأئمّة من أهل السنّة أحاديث الإمام المهدي (عج) مسندة إلى الإمام عليّ (ع) وابن عبّاس وطلحة وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري وأُم سلمة وغيرهم.

فقد روى أبو داود السجستاني في سننه والترمذي في صحيحه قول رسول الله (ص): «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يبعث فيه رجلًا منّي أو من أهل بيتي، يواطئ اسمه اسمي» (1).

وقال الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السجزي (ت 36 ه) في كتابه (مناقب الشافعي): «وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (ص) بذكر المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض


1- وهناك من أورد إشكالًا على هذا الحديث بإضافة (اسم أبيه اسم أبي) فيكون اسم أب الإمام المهدي هو (عبد الله) وليس (الحسن العسكري)، ولكن يرد عليه:

ص: 25

عدلًا، وأنّ عيسى (ع) يخرج فيساعده على قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الامّة، ويصلّي عيسى خلفه. في طول من قصّته وأمره» (1).

وقال القرطبي المالكي (ت 716 ه) في تفسيره: «الأخبار الصحاح قد تواترت على أنّ المهدي من عترة الرسول (ص)» (2).

وهكذا جاءت عبائر طائفة كبيرة من كبار علماء أهل السنّة الذين صرّحوا بولادة الإمام المهدي (عج)، كما سيأتي بيانه مفصّلًا في لاحق الأبحاث.

وأمّا الكتاب الموهوم فلا يوجد في بيوت الشيعة ومساجدهم سوى هذا المصحف الذي بين يدي المسلمين، ولعلّ أكثر الطبعات هو ما كان على نفقة الملك فهد بن سعود المشهورة.

إقرار أهل السنّة بفضل الإمام الصادق (ع)

وأمّا الإمام الصادق (ع)- المزعوم عند القفاري- فقد ذكروا مشايخ القفاري أنّ جلّ علمائهم الكبار كانوا ممّن يرجع إليه ويأخذ العلم عنه، كمالك والزهري وأبي حنيفة والشافعي، فهم (عليهم السلام) قدوة وأُسوة أهل السنّة كما يعبّرون في نصوصهم.

يقول الدكتور أحمد محمود صبحي: «ويقرّ أهل السنّة للصادق بهذا الفضل (أي: بالرجوع إليه وأخذ العلم منه)؛ إذ يقول صاحب التحفة الاثني عشريّة إنّ الأئمّة المتأخّرين- كالسجاد والباقر والصادق والكاظم والرضا- كانوا قدوة أهل السنّة وأُسوة لهم؛ إذ علماؤهم- كالزهري وأبي حنيفة ومالك- أخذوا العلم عنهم، وقد روى محدّثو أهل السنّة عنهم في كلّ فن- لاسيّما في التفسير-


1- تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج 9، ص 126.
2- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج 8، صص 121 و 122.

ص: 26

أحاديث كثيرة» (1).

والذهبي المعروف بتشدّده يصف الإمام الصادق (ع) قائلًا: «أحد الأعلام، برّ، صادق، كبير الشأن» (2).

ومع عداوة ابن خلدون للشيعة (3)، فإنّه لا ينكر فضل الإمام الصادق (ع) وأهل بيته من الولاية، ويقرّ لهم بصحّة أسانيدهم، قال: «ولو صحّ السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه، فهم أهل الكرامات، وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوءة وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه».

وقال: «تقرّر في الشريعة أنّ البشر محجوبون عن الغيب إلّا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية». وقال: «وقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك، مستندهم فيه- والله أعلم- الكشف بما كانوا عليه من الولاية، فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة» (4).

إذن فهل يستقيم قول الدكتور القفاري حين قذف- وبلا حياء- طائفة كبيرة من المسلمين: «بأنّهم قوم أشقاهم الله فأضلّهم، وأعمى أبصارهم، فصاروا يتبعون إماماً معدوماً، ويقولون بكتاب موهوم، وجعفر مزعوم ...» (5)؟!

ب- رجال أحاديث الشيعة أسماء لا مسمّى لها

اشارة

1- نظريّة الإمامة لدى الشيعة الاثني عشريّة، أحمد محمود صبحي، ص 375؛ تاريخ ابن خلدون، ابن خلدون، ج 1، ص 331.
2- ميزان الاعتدال، الذهبي، ج 1، ص 114.
3- صرّح بهذه المفردة (العداوة للشيعة) الدكتور أحمد محمود صبحي، ص 375.
4- تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 331؛ وانظر: نظريّة الإمامة لدى الشيعة الاثني عشريّة، ص 375.
5- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1541.

ص: 27

وقال أيضاً: «ورجال أحاديثهم فيهم أسماء لا مسمّى لها، وأكثرهم ينتحل المذاهب الفاسدة في نظر الاثني عشريّة نفسها، فهم في عداد الكفرة ... والرافضة تقيم كلّ عقائدها ومبادئها على روايات من وضع هؤلاء الأفّاكين، نسبوها للأئمّة، والأئمّة منها براء؛ إذ منهم من هو خليفة راشد يجب طاعته كالخلفاء قبله وهو عليّ، ومنهم من هو من أئمّة العلم والدين كعليّ بن الحسين، وأبي جعفر الباقر، وجعفر الصادق، ويجب لهم ما يجب لأمثالهم من أئمّة العلم والدين، ومنهم دون ذلك، ومنهم من ضعّفه بعض أهل العلم وهو الحسن العسكري، ومنهم معدوم ولا وجود له وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (260 ه)، وكلّ ما ينسبونه لهم من غلو هو من اختراع زنادقة القرون البائدة» (1).

فهذا النصّ الذي ذكره الدكتور القفاري يكشف عن نفس عدوانيّة متعصّبة لا تعي ما تقول، وإن وعت فهي لا تريد إدراك الحقّ.

فنسأل الدكتور: من هم هؤلاء الأفّاكين الذين تقيم الشيعة عليهم عقائدها، وهم أسماء لا مسمّى لهم؟ فياليته ذكر ذلك وأفصح وأبان عنه، ولكن أنّى له ذلك؟! فرجال أحاديث الشيعة لهم من الفضل والعلم والتقوى ما هو مقرّر في كتب تراجمهم، ويشهد بفضلهم العامّ والخاصّ، وهم بدورهم يخضعون أسانيد كلّ كتبهم بما فيها الكتب الأربعة- للكليني والصدوق والطوسي- إلى القواعد المقرّرة في علم الرجال والدراية وعلم الجرح والتعديل.


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1548.

ص: 28

وثيقة الإمام عليّ (ع) في علم الدراية والرجال

ولو تأمّلنا في تلك الوثيقة الرائعة التي يرسمها أمير المؤمنين (ع) بأبهى وأروع صورة في علم الرجال والدراية والجرح والتعديل، فهو يُعدّ المؤسّس لهذا العلم (1)، قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:

ومن كلام له (ع) وقد سأله سائل عن أحاديث البدع، وعمّا في أيدي الناس من اختلاف الخبر، فقال (ع): «إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلًا، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعامّاً وخاصّاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب على رسول الله (ص) على عهده حتّى قام خطيباً، فقال: «من كذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار»، وإنّما أتاك بالحديث أربعة رجال ليس لهم خامس:

رجل منافق مظهر للإيمان، متصنّع بالإسلام، لا يتأثّم ولا يتحرّج، يكذب على رسول الله (ص) متعمّداً، فلو علم الناس أنّه منافق كاذب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوا قوله،.. فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله شيئاً لم يحفظه على وجهه، فوهم فيه ولم يتعمّد كذباً، فهو في يديه، ويرويه ويعمل به، ويقول: أنا سمعته من رسول الله (ص)، فلو علم المسلمون أنّه وهم فيه لم يقبلوه منه، ولو علم هو أنّه كذلك لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله (ص) شيئاً يأمر به، ثمّ إنّه نهى عنه، وهو لا يعلم، أو سمعه ينهى عن شي ء، ثمّ أمر به، وهو لا يعلم، فحفظ المنسوخ، ولم يحفظ الناسخ، فلو علم أنّه منسوخ لرفضه، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخ لرفضوه.


1- وبهذا تسقط تلك الشبهات التي تقول بأنّ الشيعة ليس لهم علم جرح وتعديل، فإنّ هذه الوثيقة تدحض هذه الشبهة.

ص: 29

وآخر رابع لم يكذب على الله ولا على رسوله مبغض للكذب؛ خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله (ص)، ولم يهم، بل حفظ ما سمع على وجهه، فجاء به على سمعه، لم يزد فيه ولم ينقص منه، فهو حفظ الناسخ فعمل به، وحفظ المنسوخ فجنّب عنه، وعرف الخاصّ والعامّ، والمحكم والمتشابه، فوضع كلّ شي ء موضعه.

وقد كان يكون من رسول الله (ص) الكلام له وجهان: فكلام خاصّ، وكلام عامّ، فيسمعه من لا يعرف ما عنى الله سبحانه به، ولا ما عنى رسول الله (ص)، فيحمله السامع ويوجّهه على غير معرفة بمعناه، وما قصد به، وما خرج من أجله، وليس كلّ أصحاب رسول الله (ص) من كان يسأله ويستفهمه، حتّى أن كانوا ليحبّون أن يجي ء الأعرابي والطارئ، فيسأله (ع) حتّى يسمعوا، وكان لا يمرّ بي من ذلك شي ء إلّا سألته عنه وحفظته. فهذه وجوه ما عليه الناس في اختلافهم وعللهم في رواياتهم» (1).

ولذا طالما كان أمير المؤمنين (ع) يخاطب شيعته قائلًا: «إذا حدّثتم بحديث فاسندوه إلى الذي حدّثكم، فإن كان حقّاً فلكم، وإن كان كذباً فعليه» (2).

والشيعة تتبع هذا المنهج الذي رسمه إمام الموحّدين، فهم الأكثر تشدّداً في هذا المجال، وتكفيك نظرة في (معجم رجال الحديث) للسيّد الخوئي (رحمة الله)، فقد دقّق ومحّص هذا العالم وأبلى البلاء الحسن في الأخذ والردّ في هذا الفن.

نعم، قد ورد في بعض الأسانيد من هو ليس من مذهبهم، فطبّقوا على تلك الأحاديث بعض القواعد، منها: الوثوق أو الوثاقة في حجّية الخبر، فالخبر إذا كان صحيحاً لا يضرّ فساد ناقله، وكتب الحديث السنّيّة المشهورة مشحونة بهذه


1- نهج البلاغة، محمّد عبده، ج 2، صص 190 و 191.
2- الكافي، ج 1، ص 52.

ص: 30

الأحاديث لاسيما في كتب الصحاح (البخاري) و (مسلم) فقد صحّحوا للنواصب والخوارج والمبتدعة وغيرهم، فهل يصحّ لنا أن نطرح هذه الصحاح لإفك هؤلاء كما يدّعي الدكتور القفاري؟

تصحيح الأحاديث المرويّة عن الخوارج والنواصب

قال المحقّق أحمد محمّد شاكر (ت 1377 ه) (1) في شرحه كتاب (الباعث الحثيث)، عند تعرّضه للأقوال في رواية المبتدع: «وهذه الأقوال كلّها نظريّة، والعبرة في الرواية بصدق الراوي وأمانته، والثقة بدينه وخلقه، والمتتبّع لأحوال الرواة يرى كثيراً من أهل البدع موضعاً للثقة والاطمئنان، وإن رووا ما يوافق رأيهم» (2).

وقال المحدّث أحمد بن الصدّيق المغربي (ت 1380 ه) (3) في كتابه (فتح


1- عالم بالحديث والتفسير، مصري، مولده ووفاته في القاهرة. وأبواه من بلاد (جرجا) بصعيد مصر ... انقطع للتأليف والنشر إلى أن توفّي. أعظم أعماله شرح (مسند الإمام أحمد بن حنبل) خمسة عشر جزءاً، و (عمدة التفسير) أربعة أجزاء منه في اختصار تفسير ابن كثير. ومن كتبه (نظام الطلاق في الإسلام) لم يتقيّد فيه بمذهب ... الأعلام، خير الدين محمود بن محمّد الزركلي، ج 1، ص 253.
2- الباعث الحثيث، أحمد محمّد شاكر، ص 102.
3- هو: شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمّد بن الصدّيق، الإدريسي الحسني، ينتهي نسبه إلى الحسن السبط بن عليّ بن أبي طالب:. ولد الشيخ يوم الجمعة السابع والعشرين من رمضان سنة 1320 بقبيلة بني سعيد، تلقّى الشيخ أحمد بن الصدّيق مبادئ العلوم في بلده على يد والده وتلامذته. ثمّ توجّه إلى مصر للدراسة بالأزهر الشريف سنة 1339 ه، يعدّ الشيخ أحمد بن الصدّيق الغماري رحمه الله أحد أعلام المحدّثين الذين برزوا في القرون المتأخّرة، ولا أدلّ على ذلك من كتبه وأجزائه الحديثيّة الكثيرة، التي برز فيها سعة اطّلاعه، وتمكّنه في الصناعة الحديثيّة، وقوّة استحضاره للمتون، وبراعته في توظيف القواعد الحديثيّة، ومعرفته التامّة بالرجال وطبقاتهم، الشي ء الذي أهلّه لأن يدّعي لنفسه الاجتهاد في التصحيح والتضعيف، والردّ والقبول، بل والتجريح والتعديل.

ص: 31

الملك العليّ): «وما سمعته في مطاوي فحاوي هذه النقولات من الخلاف في أصل المسألة إنّما هو في لسان المخالف لا في عمله، وفي مقاله لا في تصرّفه، فإنّهم مجمعون على توثيق المبتدعة، وقبول روايتهم، والاحتجاج بأخبارهم، لم يخالف في ذلك أحد منهم أصلًا» (1).

والذي صحّح ونظّر لهذه المعادلة هو ما نجده في طيّات كلام الخطيب البغدادي في «الكفاية» بسنده عن أبي عبيد محمّد بن عليّ الآجري، قال: «سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث يقول: ليس في أصحاب الأهواء أصحّ حديثاً من الخوارج، ثمّ ذكر عمران بن حطّان، وأبا حسّان الأعرج» (2).

ونجد عين هذا الكلام عند ابن تيميّة الحرّاني، قال: «والخوارج صادقون، فحديثهم من أصحّ الحديث، وحديث الشيعة من أكذب الحديث» (3).

وقال في كتابه «الجواب الصحيح»: «لم يكن فيهم [الخوارج] من يعرف بالكذب، بل يقال: هم من أصدق الناس حديثاً» (4).

وقال التهانوي: «والخوارج أصدق من الرافضة، بل الخوارج لا نعرف عنهم أنّهم يتعمّدون الكذب، بل هم من أصدق الناس» (5).


1- فتح الملك العليّ، أحمد بن الصدّيق المغربي، ص 104.
2- الكفاية في علم الرواية، الخطيب البغدادي، ص 158.
3- مجموع الفتاوى، ابن تيميّة الحرّاني، ج 13، ص 209.
4- الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، ابن تيميّة الحرّاني، ج 6، ص 455.
5- قواعد في علوم الحديث، ظفر أحمد التهانوي، ص 443.

ص: 32

وقد دافع ابن حجر في «فتح الباري» بحرارة عن البخاري ليصحّح ما رواه عن ابن حطّان الخارجي الناصبي، قائلًا: «إنّه من المتابعات»، ثمّ قال: «ورأيت بعض الأئمّة يزعم أنّ البخاري إنّما أخرج له ما حمل عنه قبل أن يرى رأي الخوارج، وليس ذلك الاعتذار بقويّ؛ لأنّ يحيى بن أبي كثير إنّما سمع منه باليمامة في حال هروبه من الحجّاج وكان الحجّاج يطلبه ليقتله لرأيه رأى الخوارج وقصّته في ذلك مشهورة» (1).

فهو يعترف بأنّ البخاري أخرج له، ثمّ ردّ من قال بأنّ البخاري خرّج له قبل أن ينتحل رأي الخوارج.

وقال ابن حجر في «النواصب»: «فأكثر من يوصف بالنصب يكون مشهوراً بصدق اللهجة والتمسّك بأُمور الديانة ..» (2).

إذن هناك ممّن هو خارجي مبتدع وناصبي، ولكن نجد أنّ كبار أهل السنّة وحفّاظهم قد خرّجوا لهم في كتبهم وصحاحهم، في حين أنّهم يروون في الوقت عينه أنّ الخوارج وغيرهم خارجين ومارقين عن الدين.

فقد أخرج البخاري في «صحيحه» بسنده عن يسير بن عمرو، قال: قلت لسهل بن حنيف: هل سمعت النبيّ يقول في الخوارج شيئاً؟ قال: سمعته يقول- وأهوى بيده قبل العراق-: «يخرج منه قوم يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية» (3).

وأخرج مسلم في صحيحه بسنده عن زيد وهب الجهني: أنّه كان في الجيش الذين كانوا مع عليّ الذين ساروا إلى الخوارج، فقال عليّ (ع): «أيّها الناس، إنّي سمعت رسول الله يقول: يخرج قوم من امّتي يقرأون القرآن ليس قراءتكم إلى


1- مقدّمة فتح الباري، ابن حجر العسقلاني، ج 1، ص 432.
2- تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، ج 8، ص 411.
3- صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل البخاري، ج 6، ص 2541.

ص: 33

قراءتهم بشي ء، ولاصلاتكم إلى صلاتهم بشي ء، ولا صيامكم إلى صيامهم بشي ء، يقرأون يحسبون أنّه لهم، وهو عليهم، لاتجاوز صلاتهم تراقيهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية» (1).

وحينئذ نقول للدكتور القفاري: هل أحاديث الشيعة فيها أسماء لا مسمّى لها، وأكثرهم ينتحل المذاهب الفاسدة، فهم في عداد الكفرة ... وأنّ الرافضة تقيم كلّ عقائدها ومبادئها على روايات من وضع الأفّاكين، أم أنّ صحاحكم هي من حوك هؤلاء الأفّاكين من الخوارج والمبتدعين والنواصب، الذين أجمعت عليهم أيضاً كتبكم بمروقهم عن الدين والملّة والإسلام؟! وعليه فلابدّ من مراجعة وتنقية تلك الأسانيد ممّا علق بها من شوائب النصب والبدع وغير ذلك، بدل قذف المسلمين بتهم لا طائل منها، وتفتقد للأمانة والصدق.

ج- استعارة لغة ابن تيميّة وابن الجوزي في التطاول على أئمّة أهل البيت: وتضعيف الإمام العسكري (ع)

اشارة

وأمّا قوله: «منهم من هو خليفة راشد يجب طاعته ..، ومنهم دون ذلك، ومنهم من ضعّفه بعض أهل العلم، وهو الحسن العسكري، ومنهم معدوم ولا وجود له، وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (260 ه) ..» (2).

نقول: في هذا النص نجد أنّ التطاول على رموز مذهب أهل البيت (عليهم السلام) قد طفح وبان شأوه (3)، فهو يستعير لغة ابن تيميّة وابن حزم في الطعن على أئمّة المذهب الشيعي، وهذا ليس غريباً فقد سبقه في ذلك شيخه شيخ الإسلام فقد اتّهم الإمام عليّ وفاطمة (عليهما السلام) بأبشع التهم التي يقشّعر منها بدن الإنسان، قال في


1- صحيح مسلم، مسلم بن الحجّاج النيسابوري القشيري، ج 2، ص 746.
2- أُصول مذهب الشيعة، ج 3 ص 1548.
3- شأوه: أي رائحته وغايته. كتاب العين، ج 6، ص 297 «شأو».

ص: 34

«منهاج السنة»: «وقد أنزل الله تعالى في عليّ: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)، لمّا صلّى فقرأ وخلط».

وقال النبيّ (ص): «وكان الإنسان أكثر شي ء جدلًا»، لمّا قال له ولفاطمة: «ألا تصلّيان؟»، فقالا: «إنّما أنفسنا بيد الله سبحانه وتعالى» (1).

فابن تيميّة ينصب العداء لأهل البيت (عليهم السلام)، بشهادة بعض العلماء كما سنذكره، وعليه فالقفاري يقتفي نفس الأثر في النصب، وهذه الشبهة تلاحقه في جميع أبحاثه؛ قال الغماري في «فتح الملك العليّ» فيمن تنكّر لفضائل عليّ (ع): «كما صرّح به بعض من رفع جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب، كابن تيميّة وأضاربه، ولذلك تراهم عندما يضيق بهم هذا المخرج ولا يجدون توصّلًا منه إلى الطعن في حديث- لتواتره أو وجوده في الصحيحين- يميلون به إلى مسلك آخر، وهو التأويل وصرف اللفظ عن ظاهره» (2).

ونفس هذا الأسلوب سار عليه واقتفاه الدكتور القفاري في تعامله مع أحاديث الإمام المهدي (عج) المتواترة، فتارة يقول بالخرافة والأُسطورة، وتارة أُخرى ينفي ولادته مع اعتراف جملة كبيرة من كبار علماء طائفته، وتارة يسخّف آراء الآخرين ويتلاعب بالألفاظ، وذلك بصرفها عن ظاهرها، كما ستجده في معظم أبحاثه التي سوف نطرقها قريباً.

إذن فمن كان هذا حاله فكيف يمكن الوثوق بموضوعيّته وأمانته وصدقه؟! فشهادته قطعاً تكون مجروحة، والقارئ الحصيف لا يمكن أن يطمئن بما ينقله عن عقائد الشيعة وإن ادّعى ذلك.


1- منهاج السنّة، ابن تيميّة الحرّاني، ج 7، ص 237.
2- فتح الملك العليّ، ص 109.

ص: 35

جلّ كتب ابن تيميّة (وجادة) لا سند متّصل لها

أضف إلى ذلك إنّ شيخ الإسلام الذي قد امتلأت رسالة الدكتور القفاري باجترار ما يقول- لو أحصينا كلماته لوجدناها تبلغ نصف هذه الرسالة أو أكثر- جلّ كتبه هي وجادة، فالإشكال الكبير الذي يرد على الدكتور القفاري هو أنّ رسالته حملت مفاهيم وأفكار ابن تيميّة في كتبه المشهورة، فقد أحصيت الموارد التي ردّدها عن ابن تيميّة فبلغت أكثر من مائة وخمسين مورداً، وغير ذلك من الموارد التي بلورت بصيغة أُخرى ولم ينسبها إليه، وعلى هذا تكون أكثر شبهات هذه الرسالة هي من كلام ابن تيميّة؛ في حين أنّ كتب ابن تيميّة وجادة لا سند متّصل لها، والوجادة- كما هو معلوم بداهةً عند أهل الفن- من أضعف طرق التحميل، وعليه فيكون كلام ابن تيميّة وتبعاً له كلام القفاري تشوبه هذه الشبهة ممّا يجعلنا نتوقّف في مرويّاته ومجازفاته وحملاته الظالمة ضدّ الشيعة.

الدكتور محمود سعيد ممدوح يصرّح بوجادة كتب ابن تيميّة

قال الدكتور محمود سعيد ممدوح، في محاضرة له عن السلفيّة: «إنّ جلّ مصنَّفاته (وجادة) ما معنى هذا؟ .. ابن تيميّة بينه و بين أهل عصره شدٌّ و جذبٌ، و كان بينه و بين أهل عصره ردود و مخالفات. و عندما تُوفّي رحمه الله انتقل هذا الشقاق و الخصام إلى تلاميذه، و لكن ضعُفت الحدّة والقوّة، (وبوفاة تلاميذه انتهى هذا الأمر نهائيّاً).

بعض الحنابلة كانوا يحبّون ابن تيميّة ووجدوا كتب ابن تيميّة و أرادوا أن يحافظوا عليها، وجاء أحدهم- و هو ابن عروة الحنبلي- و أخذ نسخة من هذه

ص: 36

الكتب، و كان كثير من الناس ينسخوا في حياته، فأخذ نسخة من هذه الكتب، فوضعها في داخل شرح له في البخاري، و وضعها في المكتبة الظاهريّة في دمشق- هذا ابن عروة الحنبلي- فعل ذلك بعد وفاة ابن تيميّة بعشرات السنين، ثمّ تركت هذه الكتب في المكتبة الظاهريّة، إلى أن جاء القرن الثالث عشر الهجري، ابتدأت العناية بعض الشي ء لكتب ابن تيميّة، فوجدوها، فهي (وجادة) يعني وجدوها هكذا لا سند متّصل بها بابن تيميّة، ولامقروءة على مشايخ قرأوها على مشايخهم إلى ابن تيميّة، كما هي العادة في جميع الكتب ... ينبغي أيّ كتاب يكون مخطوط يكون موثّق، قرئ على بعض العلماء، قرئ على المصنّف، و كتب على خطّ مصنّف، أو المصنّف عمل عليه سماعات أو مثل هذه الأشياء.

أمّا كتب ابن تيميّة فلا نجد فيها هذا، فهي عبارة عن وجادات، يعني أشياء قد وجدت، فالوجادة عند المحدّثين من أضعف طرق التحمّل» (1).

توبيخ علماء السنّة لابن تيميّة

أضف إلى ذلك أيضاً أنّ ابن تيميّة غير مرضي ولا مقبول الحال عند العلماء، فقد وبّخه وأنّبه كبار علماء أهل السنّة، منهم: ابن حجر العسقلاني، وابن حجر الهيتمي، والذهبي في رسالته الذهبيّة المشهورة وغيرهم.

قال ابن حجر العسقلاني: «ومنهم من ينسبه إلى النفاق؛ لقوله في عليّ: إنّه كان مخذولًا حيثما توجّه، وأنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وأنّه قاتل للرئاسة لا للديانة. ولقوله: إنّه كان يحبّ الرئاسة، وأنّ عثمان كان يحبّ المال.


1- () محاضرة عن السلفيّة للعلّامة محمود سعيد ممدوح، بثّت في عدّة مواقع على شبكة الإنترنيت، انظر موقع: الأصلين www .aslein .net والنفيس،www .elnafeas .net .

ص: 37

ولقوله: عليّ أسلم صبيّاً، والصبيّ لا يصحّ إسلامه، وبكلامه في خطبة بنت أبي جهل. فإنّه شنّع في ذلك فألزموه بالنفاق؛ لقوله (ص): ولا يبغضك إلّا منافق» (1).

وقال ابن حجر الهيتمي المكّي في (الفتاوى الحديثيّة): «ابن تيميّة عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه .... وبذلك صرّح الأئمّة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله .... ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وبلوغه مرتبه الاجتهاد أبي الحسن السبكي، وولده التاج، والشيخ الإمام العزّ بن جماعة، وأهل عصره وغيرهم من الشافعيّة والمالكيّة والحنفيّة ...».

ثمّ قال: «والحاصل: أن لا يقام لكلامه وزن، وأن يرمى في كلّ وعر وحزن ... ويعتقد فيه أنّه مبتدع ضالّ مضلّ غال، عامله اللّه بعدله، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله، آمين» (2).

وقال الذهبي في رسالته الذهبيّة (3): «أما آن لك أن ترعوي؟ أما حان لك أن تتوب وتنيب؟ أما أنت في عشر السبعين وقد قرب الرحيل؟ بلى- والله- ما أذكر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنّك تقبل على


1- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، ابن حجر العسقلاني، ج 1، صص 180 و 181.
2- الفتاوى الحديثيّة، ابن حجر المكّي، ص 58.
3- نسبة هذه الرسالة إلى الذهبي ثابتة وصحيحة، وقد ذكرها السخاوي قائلًا: «وقد رأيت له (أي: للذهبي) عقيدة مجيدة ورسالة كتبها لابن تيميّة، هي لدفع نسبته لمزيد تعصّبه مفيدة». الإعلان بالتوبيخ لمن ذمّ التاريخ، السخاوي، ص 136.

ص: 38

قولي، ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتّى أقول: وألبتّة سكت» (1).

ففي هذا المقطع يطالبه بالتوبة والإنابة والرجوع عن منهج يسوده ويشوبه الخطأ، ثمّ يقول: أنا أعلم أنّك لا تصغي لقولي ووعظي، بل جلّ همّك هو النقض بكلام خال من قبول الحقّ، والأدهى هو أنّك تقطع النصوص وأذناب الكلام، ثمّ يتمنّى الذهبي سكوته خير من كلامه.

وليت هذه النصائح والمواعظ تأخذ طريقها إلى فكر الدكتور القفاري الذي ما فتئ يكفّر المسلمين ويتّهمهم بشتّى أنواع التهم من التبديع والتشريك والتشكيك في عقائد المسلمين، وإلقاء للشبه بلا دليل وبرهان صحيح. وياليته سكت- كما يتمنّى الذهبي لابن تيميّة- لكان أولى.

ابن الجوزي يُضعّف الإمام العسكري 7

وقوله: «ومنهم من ضعّفه بعض أهل العلم، وهو الحسن العسكري! ومنهم معدوم ولا وجود له، وهو إمامهم المزعوم منذ سنة (260 ه)!».

نقول: الذي ضعّف الإمام العسكري (ع) هو ابن الجوزي في (الموضوعات)، قال: «والحسن بن عليّ صاحب العسكر، هو الحسن بن عليّ بن محمّد بن موسى بن جعفر، أبو محمّد العسكري آخر من تعتقد فيه الشيعة الإمامة ... وليس بشي ء» (2).

وهذا الذي وصفه الدكتور القفاري أنّه من أهل العلم لم يفسّر لنا ماهيّة هذا التضعيف، ولم نجد أحداً من كبار علماء الطائفة السنّيّة ممّن له الباع الطويل


1- السيف الصقيل، تقي الدين السبكي، صص 217 و 218.
2- الموضوعات، ابن الجوزي، ج 1، ص 415.

ص: 39

في علم الجرح والتعديل ضعّف الإمام العسكري (ع)، فهو انفرد بهذا الكلام، ولا علّة ولا تفسير لهذا الجرح، فهو جرح مبهم غير مفسّر، وقد تقرّر عند العلماء أنّ الجرح إذا كان غير مفسّر فلا قيمة له.

إذن فالتفسير الوحيد لهذا التضعيف هو النصب والعداوة لأهل البيت (عليهم السلام).

ابن الجوزي حاطب ليل

ثمّ إنّه في هذا المقطع يقول: إنّ الحسن العسكري هو آخر من تعتقد فيه الشيعة الإمامة.

والصحيح أنّ الإمام المهدي (عج) هو آخر الأئمّة الذين تعتقد فيهم الشيعة، فصدق قول ابن حجر فيه: إنّه حاطب ليل.

قال ابن حجر العسقلاني في «لسان الميزان» عند تعرّضه لقصّة نقلها ابن الجوزي: «دلّت هذه القصّة على أنّ ابن الجوزي حاطب ليل لا ينقد ما يحدّث به» (1).

سقطات ابن الجوزي وأغلاطه

مضافاً إلى ما صرّح به ابن حجر من عدم الدقّة في النقل وفيما يصنّفه،

قال الذهبي في «تذكرة الحفّاظ»: «وكان كثير الغلط فيما يصنّفه، فإنّه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره. قلت: نعم، له وهم كثير في تواليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحوّل إلى مصنّف آخر، ومن أنّ جلّ علمه من كتب وصحف ما مارس فيها أرباب العلم كما ينبغي» (2).

ولعلماء الطائفة السنّيّة أقوال كثيرة في أوهامه وسقطاته، كابن الصلاح


1- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ج 2، ص 84.
2- تذكرة الحفّاظ، الذهبي، ج 4، ص 1347.

ص: 40

والسيوطي وابن عراق وابن كثير والزين العراقي وابن جماعة الكناني وغيرهم.

إذن فهل يعتدّ بكلام حاطب ليل، كثير الغلط، صاحب غرائب، عجول؟! وهل هذا إلّا داء النصب الذي لا يستطيع ابن الجوزي أن يخرج أو يفرّ منه؟!

الذهبي يبجّل ويثني على الإمام الحسن العسكري (ع)

فالإمام الحسن العسكري (ع) ذكره الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظر (عج)، وقد أثنى وأطرى على هذه السلسلة الطاهرة بالجلالة والسيادة و الشرف والصلاح للإمامة.

قال: «المنتظر الشريف، أبو القاسم، محمّد بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن زين العابدين بن عليّ بن الحسين الشهيد بن الإمام عليّ بن أبي طالب، العلوي الحسيني، خاتمة الاثني عشر سيّداً ... فمولانا الإمام عليّ: من الخلفاء الراشدين، المشهود لهم بالجنّة نحبّه أشدّ الحبّ ... وابناه الحسن والحسين: فسبطا رسول الله (ص) وسيّدا شباب أهل الجنّة، لو استخلفا لكانا أهلًا لذلك. وزين العابدين: كبير القدر، من سادة العلماء العاملين، يصلح للإمامة. وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر: سيّد، إمام، فقيه، يصلح للخلافة. وكذا ولده جعفر الصادق: كبير الشأن، من أئمّة العلم، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور. وكان ولده موسى: كبير القدر، جيّد العلم، أولى بالخلافة من هارون، وله نظراء في الشرف والفضل. وابنه عليّ بن موسى الرضا: كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيّره المأمون ولي عهده؛ لجلالته، فتوفّي سنة ثلاث ومائتين. وابنه محمّد الجواد: من سادة قومه. وكذلك ولده

ص: 41

الملقّب بالهادي: شريف جليل. وكذلك ابنه الحسن بن عليّ العسكري» (1).

فنقول للدكتور القفاري الذي ضعّف بعضهم، واستهزأ بمن يقول بوجوب طاعتهم: هؤلاء الذين تتكلّم عنهم الشيعة هم أهل بيت النبيّ (ص) الذي أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهم الثقل الأصغر الذي لا ينفكّ عن الكتاب بشهادة حديث الثقلين الصحيح والمتواتر بين الفريقين (2). كيف لا ومن التجأ إلى سفنهم فقد نجا، ومن تخلّف ضلّ وهوى؟! كيف لا وهم معدن العلم؟! فرسول الله هو المدينة، وعليّ هو الباب (3)، والشيعة قد وردت وولجت هذا


1- سير أعلام النبلاء، ج 13، صص 119- 121.
2- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله 9: «إنّي قد تركت فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي، الثقلين، وأحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ألا إنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض»، ونحوه عن مسلم في صحيحه كتاب السنن، وصحيح الترمذي.
3- روى المناوي في فيض القدير حديث: «أنا مدينة العلم وعليّ بابها فمن أراد العلم فليأت الباب»، ثمّ علّق عليه قائلًا: «فإنّ المصطفى 9 المدينة الجامعة لمعاني الديانات كلّها ولابدّ للمدينة من باب، فأخبر أنّ بابها هو عليّ، فمن أخذ طريقه دخل المدينة، ومن أخطأه أخطأ طريق الهدى، وقد شهد له بالأعلميّة الموافق والمخالف، والمعادي والمحالف». ثمّ قال: «ذكر لعطاء أكان أحد من الصحب أفقه من عليّ؟ قال: لا والله. قال الحرّاني: قد علم الأوّلون والآخرون أنّ فهم كتاب الله منحصر إلى علم عليّ، ومن جهل ذلك فقد ضلّ عن الباب». فيض القدير، عبد الرؤوف المناوي، ج 3، صص 60 و 61.

ص: 42

الباب، وأيّ باب الذي يفتح ويتفتّق وينفجر منه ألف باب من ينابيع العلم والمعارف الإلهيّة (1)؟!

منهج متعثّر لا يرقى إلى الاعتداد والوثوق به.

إذن من خلال ما تقدّم من ذكرنا لنماذج من كلمات الدكتور القفاري في فصله الذي عقده للمهدويّة بان مدى الوهن والضعف الذي وقع وتخبّط فيه، ونعتقد أنّ الخلل هو في المنهج الذي اتّبعه وسار عليه، فهو منهج متعثّر يشوبه الكثير من عدم المصداقيّة في الطرح وفي النقل من التراث الشيعي، فهناك هفوات وسقطات، ومجازفات وتناقضات، ومفارقات لا ترتقي إلى مستوى باحث ومحقّق ينشد الحقيقة بحيث يمكن الوثوق والاطمئنان بما يدّعيه (2).


1- قال عليّ 7: «أيّها الناس، سلوني قبل أن تفقدوني، فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض». شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 2، ص 130.
2- أضف إلى ذلك الجهل الفاحش الذي حملته مفردات هذه الرسالة، والتي تثير السخرية والاستهجان، نذكر منها على سبيل المثال:

ص: 43

فحاول جهد إمكانه أن يشوّه المذهب الشيعي الإمامي بشتّى الوسائل، ولكن اتّضح وسيتّضح في فصول هذا البحث مدى جهل هذا الإنسان بما يحويه هذا التراث الثرّ من صدق وأمانة ونقاء؛ لأنّ حقيقة أُصوله ومبادئه وفروعه مستقاة من شجرة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، فأصلها رسول الله (ص)، وفرعها عترته الطاهرة الذين أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً.

سبب اختيار البحث

جاء اختيارنا لهذا البحث لتسليط الضوء حول فكر سلفي متشدّد متأثّر بنخبة

ص: 44

ومرجعيّة روّادها ابن تيميّة، وابن حزم، ومحبّ الدين الخطيب، وإحسان إلهي ظهير، وإبراهيم الجبهان. ونعتقد أنّ الدكتور القفاري بلور أفكار هذه النخبة- ولم يكن هو الوحيد في صياغة هذه الأباطيل، بل إنّ هناك عملًا لجانيّاً منتخباً ومبرمجاً لخلق فتنة طائفيّة بين المسلمين- وألبسها ثوباً جديداً بعبارات فضفاضة، توحي للقارئ بأنّه يتحرّى الصدق والأمانة فيما ينقله عن أُصول مذهب الشيعة، لاسيما في مسألة الإمام المهدي (عج)، وتوصّل من خلال تأثّره بتلك المرجعيّة التي تركت بصمات واضحة على سير بحثه وتحقيقه، إلى نتيجة مفادها: أنّ مذهب الإماميّة مبنيٌّ على خرافات، وأنّهم وضعوا الأحاديث والروايات من عند أنفسهم، وبنوا مذهباً يقوم على الأساطير.

وإليك بعض مفرداته في هذا الجانب، قال: «وقد أجهد روّاد التشيّع أنفسهم في نشر الخرافات والأساطير عن أئمّتهم في ثوب قصصي مثير، أو في خطبة أو في شعر مبالغ في الغلو في مدح الأئمّة» (1).

«وكيف يغيب المسؤول الأوّل عن الأُمّة هذه الغيبة الطويلة؟ أليس هذا كلّه دليلًا واضحاً جليّاً على أنّ حكاية الغيبة أُسطورة من الأساطير التي صنعها المرتزقة والزنادقة والحاقدون؟!» (2).

«وكم هي معاناة أن تقرأ وتستمع لقوم أشقاهم الله فأضلّهم، وأعمى أبصارهم، فصاروا يتبعون إماماً معدوماً، ويقولون بكتاب موهوم، وجعفر مزعوم، وأساطير أُخرى» (3).

«على أنّ واضعي هذه الأساطير هم قوم قد فرغت عقولهم ونفوسهم من


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1406.
2- المصدر نفسه، ج 2، ص 1100.
3- المصدر نفسه، ج 3، ص 1541.

ص: 45

العلم والإيمان، وشحنت بالحقد والتآمر على المصلحين والأخيار، وأرادوا الدخول على الناس لإفساد أمرهم من طريق التشيّع!» (1).

والهدف بحسب رأيه هو: «تطلّع الشيعة إلى قيام كيان سياسي لهم مستقلّ عن دولة الإسلام، وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة» (2).

ومن ثمّ ينهال على كبار علماء الشيعة بالقذف والسباب والشتائم والتكفير، وأقلّ ما تحلّى به من عبارات: «صاغرين، هربوا من الواقع إلى الآمال والأحلام»، و «النوكى» (3)، و «من أخبث من سلك هذا الطريق شيخهم الخوئي»، و «شيوخ السوء أمثال المجلسي والكاشاني وغيرهم» (4). وهلم جرّا من هذه السفاسف البشعة التي يندى لها الجبين!! فهل يا ترى هذه الكلمات تصدر عن عالم يدّعي التحقيق العلمي والأمانة والخلق؟!

وللأسف نجد أنّ هذه الأُطروحة كرّمت برتبة الشرف الأُولى، وروّج لها أصحاب هذا الفكر، بحيث أصبحت منهجاً تدريسيّاً في بعض الجامعات، وبدأت حملة لطبعها ونشرها في جميع الدول الإسلاميّة، وكذلك نشرها على شبكات الإنترنيت.

الهدف من البحث

فجاء هذا البحث لإماطة اللثام عن هذا المنهج الخطير، وأنّ روّاد هذه المرجعيّة لاعلاقة لها بالفكر العام للمذهب السنّي، فهذا الفكر محصور بهذه


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 1، ص 75.
2- المصدر نفسه، ج 2، ص 1009.
3- المصدر نفسه، ج 1، ص 370، والأنوك: الأحمق، وجمعه النوكى. لسان العرب، ابن منظور، ج 10، ص 501.
4- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1464.

ص: 46

الطبقة، وهي ليست بالضرورة تمثّل النخبة الكبيرة من الطوائف السنّيّة، من الشوافع والأحناف والمالكيّة وكذلك الحنابلة، فهناك طبقة كبيرة لا تلتقي مع هذا الفكر، وتشاطر إخواتها من الشيعة في عقيدة الإمام المهدي (عج)، فبعض مفكّري أهل السنّة اعتقدوا بخروجه وغيبته، كما سيأتي بيانه.

وأمّا هذا المنهج الذي يرى أنّ كلّ ما عداه قائم على الخرافة والأساطير، فيجب التفريق بينه وبين هذه النخب، وأنّ مسألة الإيمان بظهور المهدي من آل محمّد (ص) هي مسألة إجماعيّة، والشيعة ترى أنّ الإمام المهدي (عج) حيّ يرزق، وسيظهر في آخر الزمان عندما تمتلي ء الأرض بالظلم والطواغيت، فيأتي النداء الإلهي بظهور مخلِّص ينقذ الأُمّة الإسلاميّة من ذلك الفساد والظلم؛ لتشرق الأرض بنور ربّها، وتسود منظومة العدل الإلهي بأجمل وأبهى صورها على يد قائدها المؤمّل والعدل المنتظر.

وهذا الإيمان إنّما ورثته واستقته الشيعة من النصوص المتواترة والصحيحة التي بشّر بها رسول الله (ص) قبل ولادته، فليس الأمر بهذه السذاجة والسطحية التي تصوّر أنّ الشيعة قد اختلقوا هذه الأُسطورة على شكل قصصي؛ ليقيموا دولة مستقلّة عن دولة الإسلام، بل الإسلام الذي جاء به رسول الله (ص) هو من قرّر هذا الأمر بنصوص جليّة واضحة، والشيعة هي من التزمت بسنّة رسول الله (ص) من خلال التمسّك بأقواله وأفعاله وتقريراته.

وأمّا الاهتمام بمسألة الإمامة التي أدرجها الدكتور القفاري فهذا لا علاقة له بقيام كيان شيعي، فأيّ ربط بين الأمرين؟ بل الشيعة ترى أنّ مسألة الإمامة هي مسألة نصّ وتعيين؛ لأنّه لا يمكن أن يترك رسول الله (ص) أُمّته بلا وصيّ، وهو الأمين على صيانة رسالته من الانحراف؛ لأنّها لا زالت فتيّة، فهيهات أن يترك رسالته بدون أن يجد البديل له، فيختار بأمر الله سبحانه وتعالى شخصاً يرشّحه عمق وجوده في كيان الدعوة، فيعدّه إعداداً رساليّاً وقياديّاً خاصّاً،

ص: 47

لتمثّل فيه المرجعيّة الفكريّة والزعامة السياسيّة للتجربة، وليواصل بعده قيادة الأُمّة وبناءها عقائديّاً، وتقريبها باستمرار نحو المستوى الذي يؤهّلها لتحمّل المسؤوليّات القياديّة؛ لأنّ الدعوة عمليّة تغيير، ومنهاج حياة جديد، وهي تستهدف بناء أُمّة من جديد، واقتلاع كلّ جذور الجاهليّة ورواسبها من وجودها.

ولم يكن هذا الشخص الداعية المرشّح للإعداد الرسالي القيادي، والمنصوب لتسلّم مستقبل الدعوة، وتزعمّها فكريّاً وسياسيّاً إلّا عليّ بن أبي طالب (ع)، فهو ربيبه الذي فتح عينيه في حجره، ونشأ في كنفه (1)، وتهيّأت له من فرص التفاعل معه والاندماج بخطّه، ما لم يتوفّر لأيّ إنسان آخر (2).

ونفس هذا النصّ على أمير المؤمنين يسري على الأئمّة من بعده؛ لأنّهم الثقل الأصغر، الذي لا يفارق الكتاب ولا ينفكّ عنه، وهم الخلفاء الاثنا عشر الذين مهّد لهم رسول الله (ص) الخلافة والإمامة، أوّلهم أمير المؤمنين وآخرهم المهدي، وسيأتي الكلام مفصّلًا حول هذه النصوص.

منهجنا في البحث

إذن سينحصر منهجنا لهذا البحث بقراءة تأصيليّة تحقيقيّة متأنّية لما أثاره الدكتور ناصر القفاري، وما ورثه من مرجعيّة سلفيّة متشدّدة؛ لدحض شبهاته وتشكيكاته- والتي نجدها بعيدة كلّ البعد عن حقائق التأريخ وثوابته ووثائقه، وجهله بمعرفة علم الحديث ودرايته وروايته وطرقه- بالتحليل والمناقشة والنقد


1- الكنف: الجانب والناحية. لسان العرب، ج 9، ص 308 «كنف».
2- نشأة التشيّع والشيعة، السيّد محمّد باقر الصدر، ص 64.

ص: 48

بموضوعيّة ومنهجيّة صحيحة، معتمدين في ذلك الدليل النقلي الصحيح ووفق معايير أهل الفن والصناعة من كلا المدرستين، فقد وثّقنا الأدلّة من مصادرنا التي شكّك فيها، مدّعياً أنّه لم يعمد إلّا إلى كتبهم المعتمدة عندهم، في النقل والاقتباس لتصوير المذهب (1). وركّزنا على النقل من المصادر السنّيّة المعتبرة مع مراعاة الأقدميّة والأهمّيّة في تسلسل المصادر، لكي يكون الدليل أمتن وأقوى.

وكذلك اعتمدنا على أقوال علماء التأريخ والتراجم والسير، وأعطينا للعقل الدور والمساهمة في ردع ما يراه غير منسجم مع معطياته وفطرته.

واتّبعنا أُسلوب الحوار العلمي المنطقي والإسلامي الحضاري، الذي ينأى عن التهجّم والسبّ والشتم، بعكس ما تناوله الدكتور في منهجيّته العدوانيّة التكفيريّة، فأعطينا مساحة لاحترام ما يؤمن به من شخصيّات علمائيّة. وهذا هو ديدن الشيعة على طول التأريخ.

وابتعدنا قدر الإمكان عن المسائل الفلسفيّة التي لا يؤمن بها المذهب السلفي، وتركنا الإطناب المخلّ والمملّ في بعض الأحيان، وكذلك الاختصار الذي قد لا يوصل الفكرة بشكل كامل، فاقتصرنا في أجوبتنا على الشبهات على القدر الذي يفنّدها بإمعان ودقّة علميّة، ووفق موازين ممنهجة يؤمن بها الخصم.

وجاءت أجوبتنا على منهج توضيحي، وذلك من خلال بيان الشبهات ومرتكزاتها، ومن ثمّ الإجابة عليها، تارة بالنقض أو الحلّ، أو دمج كلا الأُسلوبين، أو بيانها بأُسلوب آخر.

وسيجد قارئنا العزيز مدى السذاجة في هذا الفكر والاختلال والتناقض في


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 1، ص 27.

ص: 49

المنهج الذي سار عليه في مسألة مهمّة ومحوريّة في تأريخ البشريّة، ألا وهي مسألة المهدويّة والغيبة.

خطّة البحث

تعتمد خطّة بحثنا على بحوث تمهيديّة وفصول أربعة، وهي كالتالي:

البحوث التمهيديّة:

فقد رأينا أن نذكر مقدّمة تمهيديّة نبيّن فيها المنهجيّة الصحيحة للحوار، ومن ثمّ تطبيق هذه المنهجيّة على كتاب الدكتور القفاري، فوجدنا أنّ هناك غياباً كاملًا للمنهجيّة العلميّة عنده، ولكي نثبت هذه الدعوى أخذنا عيّنات من تحقيقه لمسألة المهدويّة والغيبة، ونقدنا بعض تلك الأقوال بموضوعيّة وعلميّة، لكي نعطي للقارئ فكرة- ولو جزئيّة- حول المنهج الذي قدّمه لنا القفاري في مقدّمة كتابه، وأنّه ليس بذلك المستوى من الصدق والأمانة والموضوعيّة التي شرطها على نفسه في هذا الكتاب.

ثمّ ذكرنا سبب اختيارنا لهذا البحث، و الهدف منه، وماهيّة المنهج الذي نسير عليه، وكذلك بيان خطّة البحث. وهذا النوع من البيان فيه فائدة كبيرة، وهي اطّلاع القارئ على جزئيّات سير البحث قبل أن يلج في فصوله.

الفصل الأوّل: الشبهات التي أُثيرت حول أصل وجود الإمام المهدي (عج).

أ- الإمام المهدي (عج) شخصيّة خياليّة أُسطوريّة رمزيّة.

ب- التعارض في أحاديث الإمام المهدي (عج).

ج- عدم إخراج البخاري ومسلم أحاديث المهدي في صحيحهما.

د- إنّ الإمام العسكري (ع) مات بلا عقب.

ه- اضطراب أمر الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري (ع).

و- بطلان دعوى أنّ للإمام الحسن العسكري (ع) ولداً خفيّاً.

ص: 50

الفصل الثاني: الشبهات التي أُثيرت حول أسباب نشوء الاعتقاد بالمهدويّة والغيبة.

أ- تطلّع الشيعة لقيام كيان سياسي مستقلّ عن دولة الإسلام.

ب- القول بالمهديّة ينشط ويكثر دعاته بعد وفاة كلّ إمام.

ج- سبب القول بالغيبة الرغبة في الاستئثار بالأموال.

د- رجوع القول بالمهديّة والغيبة إلى أُصول مجوسيّة.

ه- المقابلة بين عبد الله بن سبأ وعثمان بن سعيد العمري.

و- سبأيّة عثمان بن سعيد العمري.

ز- تسريب نظريّة المهدي والغيبة عن طريق حكيمة.

الفصل الثالث: الشبهات التي يلزم منها عدم التصديق بالإمام المهدي (عج).

أ- التنافي بين علّة الغيبة- خوف القتل- وبين العلم بموته.

ب- غيبات بعض الأنبياء لا تدلّ على وقوع غيبة المهدي.

ج- استبعاد بقاء الإمام المهدي (عج) حيّاً كلّ هذه السنين.

د- دفع شبهة المقارنة بالهداية.

ه- شبهة الدفاع عن الغيبة أبطلها الشيعة أنفسهم.

الفصل الرابع: الطعن والتشكيك بعدد أئمّة الشيعة، ومنهم الإمام الثاني عشر.

أ- أئمّة الشيعة ثلاثة عشر وليس اثني عشر.

ب- حصر الأئمّة بعدد معيّن لا يقبله العقل ومنطق الواقع.

ج- كتمان وسرّيّة مبدأ الإمامة يؤدّي إلى عدم تعيين أشخاص الأئمّة.

د- خلاصة البحث.

ه- كلمة خاتمة.

ص: 51

شكر وتقدير:

لا يسعني وأنا أُقدّم هذا الكتاب لقارئي العزيز إلّا أن أشكر وأُثمّن كلّ من قدّم لي المعلومة وساهم في إنجاز هذا البحث، وأخصّ بالذكر الأُستاذ الدكتور السيّد محمّد الحسيني القزويني، فجزاه الله خيراً، وكذلك أتقدّم بالشكر لجميع أساتذتي الذين نهلت من علمهم الفيّاض واقتبست من حكمتهم، والشكر موصول لجميع الإخوة الذين بذلوا جهدهم في مساعدتنا لإخراجه بهذه الحلّة والهيئة الجميلة.

وأخيراً أسأل الله تبارك وتعالى أن يأخذ بأيدينا جميعاً إلى ما فيه خيرنا وصلاحنا في ديننا ودنيانا، إنّه وليّ التوفيق والسداد.

ص: 52

ص: 53

ص: 54

الفصل الأوّل: الشبهات المثارة حول أصل وجود الإمام المهدي (عج)

تمهيد

ذكر الدكتور ناصر القفاري مجموعة من الشبهات التي تجافي الحقيقة تماماً، وكذلك أورد مجموعة من القصص والاتّهامات جزافاً لا صلة لها بهذا الموضوع، وحاول أن يستخفّ بعقل القارئ ويستخفّ بطائفة كبيرة من المسلمين، لها مرتكزاتها الفكريّة والعقائديّة، ولها من الأدلّة التي استلهمتها من كتاب الله جلّ وعلا، وسنّة نبيّه (ص).

والطريف والملفت للنظر أنّه يستدلّ بكتب الشيعة وأقوال علمائهم- كالشيخ الطوسي والنعماني، وكذلك الأشعري القمّي والنوبختي- الذين من صلب عقيدتهم الإيمان بالإمام المهدي (عج) وغيبته، ليوحي للقارئ الكريم أنّهم على خلاف ما يقولون، وهذا إن دلّ على شي ء فإنّما يدلّ على أمرين:

الأوّل: فقد الدليل والحجّة الصحيحة على ما يدّعي.

والثاني: الخلط والتلاعب بالألفاظ ليوهم القارئ بصدق ما يقول.

وعند مطالعة أدلّته نجد أنّه جعل نفسه وصيّاً على الشيعة ليتقوّل بنظريّات ما أنزل الله بها من سلطان، وليتهجّم على كبار علماء مذهب الشيعة- كالشيخ الكليني والشيخ المفيد والشيخ الصدوق- رحمهم الله تعالى- الذين اعترف

ص: 55

بعلمهم ووثاقتهم الخاصّ والعامّ، والقاصي والداني.

لذا نجد أنّ مجمل تحليلاته لم تكن ذات طابع علمي رصين؛ وإنّما العصبيّة والمذهبيّة هي الطابع السائد فيما أورده في كتابه، لاسيما في فصل المهديّة والغيبة.

وعليه سوف تكون إجابتنا مقتصرة على أهمّ النقاط الأساسيّة التي أثارها في هذه المسألة، والتي يدور عليها محور البحث.

الإمام المهدي (عج) شخصيّة خيالية أُسطوريّة رمزيّة

اشارة

قال في فصل المهديّة والغيبة عند فرق الشيعة ج 2، ص 1003:

«الفكرة عند الاثني عشريّة فتختلف من حيث إنّها ارتبطت عندهم بشخصيّة خياليّة، لا وجود لها عند أكثر فرق الشيعة المعاصرة لظهور هذه (الدعوى)، وهي عند أصحابها شخصيّة رمزيّة، لم يرها الناس، ولم يعرفوها، ولا يعلمون مكانها ...».

وكرّر نفس الكلام في ص 1020 حيث قال:

«قصّة المهدي في كتب الشيعة قصّة غريبة، نسج الخيال خيوطها وبلغ مداه في صياغة أحداثها، وتحوّلت إلى أُسطورة كبرى لا تجد إلى العقل منفذاً، ولا في الفطر السليمة قبولًا ...».

الجواب: الإمام المهدي (عج) حقيقة وليس أُسطورة

المنكرون لفكرة المهدويّة

ليس غريباً أن نجد القفاري يطعن بفكرة الإمام المهدي (عج)، فقد سبقه غيره في هذا المضمار، وما هو إلّا مقلّد لأسلافه، ولا أُغالي إذا قلت: إنّه صاغ تلك

ص: 56

الأُحدوثة- بأنّ الشيعة اخترعت هذه الفكرة من ولادة و غيبة وغيرها من القصص- لينكر بذلك أصل ومنشأ فكرة الإيمان بالإمام المهدي (عج)؛ وذلك لأنّنا لم نجده يطرح الفكرة العامّة عند أهل السنّة، القائلة بولادته في آخر الزمان، ومن تصفّح كتابه في فصل «المهديّة والغيبة» وغيرها، يجد نفس الأُسلوب والنفس الذي اتّبعه منكري أصل المهدويّة.

أضف إلى ذلك أنّ الذي يناقش ويفنّد أفكار الآخرين من المفروض أن يطرح ما يؤمن به؛ لكي يقارنه بما خالفه، وبذلك يثبت صحّة مدّعاه، وهذا ما لم يفعله الدكتور القفاري؛ ولعلّ- والله العالم- السبب في ذلك هو عدم ورود أحاديث الإمام المهدي (عج) في صحيح البخاري ومسلم، أو التعارض الواقع في بعض الأحاديث- كما يُدّعى، والذي سنناقشه لاحقاً- فهو بذلك يطابق مقالة بعض منكري المهدويّة، فلنتتبّع بعض أقوال من سبقه لنرى مدى التطابق والوحدة بين الفكرين، ونذكر على سبيل المثال:

1- ابن خلدون: قال ناقداً ومنكراً لأحاديث الإمام المهدي (عج): «فهذه جملة الأحاديث التي خرّجها الأئمّة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلّا القليل أو الأقلّ منه».

ثمّ ردّ هذا القليل أو الأقلّ الذي صرّح به، بقوله: «فإن صحّ ظهور هذا المهدي فلا وجه لظهور دعوته إلّا بأن يكون منهم [أي: من الفاطميّين القاطنين في الحجاز وغيرهم] ويؤلّف الله بين قلوبهم ...» (1).

وواضح من كلامه أنّه ينكر مهدويّة الإمام المهدي (عج) الذي هو من صلب


1- تاريخ ابن خلدون، ج 1، صص 322 و 327.

ص: 57

الإمام الحسن العسكري (ع) ومن ولد الحسين (ع) كما سيأتي.

2- أحمد أمين: في كتابه «ضحى الإسلام»، فقد زعم بأنّ فكرة المهديّة مأخوذة من عقائد الشيعة والقائلين برجعة الأئمّة، قال:

«وزاد القول بالمهدي وانتشر خاصّة بين الشيعة، ووضعت فيه الأحاديث المختلفة، ولم يروِ البخاري ومسلم شيئاً من أحاديث المهدي، ممّا يدلّ على عدم صحّتها عندهما» (1).

وأحمد أمين نفسه قلّد واقتبس كلام ابن خلدون، الذي حاول أن ينكر هذه الأحاديث على منهج النقد لدى المحدّثين، وإن كان قد أخطأ في تطبيق قواعدهم، وقد تصدّى العالم أحمد بن محمّد بن الصدّيق المغربي في الردّ عليه برسالة أسماها: (إبراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، وهي من روائع ما كتب حول هذه المسألة، وقد فنّد ما أورده ابن خلدون في طعنه على الأحاديث الواردة في الإمام المهدي (عج)، وأثبت صحّة تلك الأحاديث وتواترها.

3- محمّد فريد وجدي: في كتابه (دائرة معارف القرن العشرين)، قال: «هذا ما ورد من الأحاديث في المهدي المنتظر، والناظرون فيها من أُولي البصائر لا يجدون في صدورهم حرجاً من تنزيه رسول الله (ص) من قولها، فإنّ فيها من الغلو والخبط في التواريخ، والإغراق في المبالغة، والجهل بأُمور الناس، والبعد عن سنن الله المعروفة، ما يشعر المطالع لأوّل وهلة أنّها أحاديث موضوعة تعمّداً، وضعها رجال من أهل الزيغ، أو المتشايعين لبعض أهل الدعوة من طلبة الخلافة في بلاد العرب أو المغرب ... إلى أن قال:

وقد ضعّف كثير من أئمّة المسلمين أحاديث المهدي واعتبروها ممّا لا يجوز النظر فيه، وإنّنا إنّما أوردناها مجتمعة؛ لتكون بمرأى من كلّ باحث في


1- ضحى الإسلام، أحمد أمين، ج 3، ص 238.

ص: 58

هذا الأمر، حتّى لا يجرأ بعض الغلاة على التضليل بها على الناس» (1).

4- سعد محمّد حسن: في كتابه «المهديّة في الإسلام»، قال:

«لقد كانت عقيدة المخلّص هذه- أكبر الظنّ- من أهمّ العوامل التي خلقت عقيدة المهدي في المجتمع الإسلامي، فحيكت هذه على غرار تلك، أمّا حاكتها فهم الشيعة على يد ابن السوداء اليهودي المتمسلم، الغالي في تشيّعه الموهوم ..» (2).

وقال أيضاً: «ونحن لا نشكّ في أنّ عقيدة العامّة من أهل السنّة، بل وكثير من الخاصّة إنّما هي أثر شيعي تسرّب إليهم، فعملت فيه العقليّة السنّية بالصقل والتهذيب» (3).

5- محمّد عبد الله عنان: في كتابه «تراجم إسلاميّة»، قال في صدد ذكره لابن تومرت، وأنّه قد انتحل له نسباً غير نسبه البربري الحقيقي نسبة تنسبه إلى أهل البيت، فقال:

«ومع ذلك فإنّه نظراً لانتحاله صفة المهدي والإمام المعصوم لم يعدم رواية تنسبه لآل البيت؛ إذ لابدّ- وفقاً لأُسطورة المهدي المنتظر- أن يكون المهدي منهم» (4).

نكتفي بهذه النماذج التي رفضت فكرة الإمام المهدي (عج)، والتي استقى منها القفاري نفس الأُسلوب والمنهج والطريق في إنكار أصل المهدويّة.

عالميّة الإيمان بفكرة المنقذ والمخلّص


1- دائرة معارف القرن العشرين، محمّد فريد وجدي، ج 10، صص 480 و 481.
2- المهديّة في الإسلام، سعد محمّد حسن، ص 44.
3- المصدر نفسه، ص 174.
4- تراجم إسلاميّة، محمّد عبد الله عنان، ص 237.

ص: 59

إنّ الإيمان بفكرة ظهور إمام منقذ ومخلّص للبشرية في آخر الزمان، ويتحقّق على يديه إقامة دولة العدل والمساواة، وذلك بالقضاء على الظلم والفساد في جميع العالم.

هذا الإيمان وهذه الفكرة قد تمسّكت بها معظم شعوب الأرض، واعتنقتها الأُمم على مرّ العصور، فقد آمن بها اليهود، كما آمن النصارى بعودة عيسى (ع)، وكذلك نجد فلاسفة الغرب وعباقرته تؤمن بوجود منتظر مصلح يوحّد العالم على يديه، وستترسخ مبادئ الحبّ والإخاء في دولته. ومن هؤلاء العلماء:

الفيلسوف الإنجليزي (برتراند راسل)، قال:

«إنّ العالم في انتظار مصلح يوحِّد العالم تحت علم واحد وشعار واحد» (1).

العالم (آينشتاين)، قال:

«إنّ اليوم الذي يَسُود العالم كلّه الصلح والصفاء، ويكون الناس مُتَحَابِّينَ مُتَآخِينَ ليس ببعيد» (2).

إذن هناك حقيقة فطريّة أوجدها الله تعالى في النفس البشريّة وهي تعيش في أعماق عقولها، ويشعر بها الضمير الإنساني، والعقل أيضاً يدرك في كينونته أنّ العالم قائم على موازين العدالة والحقّ، وإلّا لزم الفوضى والعبثيّة، وهو محال في ساحة قدسه تعالى، ومعلوم أنّ الإسلام يمثّل الرسالة العالميّة والرحمة الإلهيّة (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) (الأنبياء: 107).

فهذا الدين الذي أنقذ العالم من الجاهليّة وظلماتها سوف يعود مرّة أُخرى بمصلح عالمي ينشر العدالة الربّانيّة، ويقضي على الفوضى والجهل، ويملأ


1- حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي [، أحمد حسين يعقوب، ص 74.
2- المصدر نفسه.

ص: 60

الأرض قسطاً وعدلًا بعدما ملئت ظلماً وجوراً، قال تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (القصص: 5).

قال الإمام عليّ 7: «لتعطفنّ الدنيا علينا بعد شماسها (1) عطف الضروس (2) على ولدها» ثمّ تلا 7 الآية المتقدّمة وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ ..، وقد علّق ابن أبي الحديد قائلًا: «وأصحابنا يقولون: إنّه وعد بإمام يملك الأرض ويستولي على الممالك» (3).

وما ذلك الإمام إلّا هو المهدي (عج) من ولد النبيّ الأكرم، قال (ص)- كما يروي الجويني الشافعي شيخ الذهبي (4)-: «والذي بعثني بالحق بشيراً، لو لم يكن في الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج منه ولدي المهدي، فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلّي خلفه، فتشرق الأرض بنور ربّها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب» (5)، أي: يبلغ سلطانه جميع العالم شرقاً وغرباً،


1- أي: بعد نفورها وإدبارها وإبائها وامتناعها، ومنه شمست الغرس؛ إذا لم تمكّن أحداً من ركوبها، أو إسراجها. انظر: لسان العرب: ج 6، ص 113 «شمس».
2- الضروس: الناقة السيّئة الخلق تعضّ حالبها. كتاب العين، ج 7، ص 19 «ضرس».
3- شرح نهج البلاغة، ج 19، ص 29.
4- ترجمه الذهبي في معجم شيوخه، فهو تلميذه، وهذا أمر في غاية الأهمّيّة؛ إذ غالباً ما يُتّهم هذا الرجل بكونه شيعيّاً، وهذه تهمة باطلة لا أساس لها من الصحّة، فالذهبي المتشدّد يتتلمذ على يديه، ويمدحه ويطريه؛ بكونه الإمام الكبير وشيخ المشائخ وأنّه ذو دين؛ قال في معجم شيوخه: «إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد بن عبد الله بن عليّ بن محمّد بن حمويه الإمام الكبير المحدّث شيخ المشائخ، صدر الدين أبو الجامع الخراساني الجويني الصوفي ولد سنة أربع وأربعين وستمائة، وسمع بخراسان وبغداد والشام والحجاز، وكان ذا اعتناء بهذا الشأن».
5- فرائد السمطين، الجويني، ج 2، ص 312؛ ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، ج 3، ص 295.

ص: 61

ويسود العدل تلك البقاع، ويقضي على الظلم بقيام دولته المباركة.

لذا نجد أنّ ابن خلدون رغم إنكاره لأحاديث الإمام المهدي (عج)، لكنّه يصرّح باتّفاق المسلمين على ظهور رجل من أهل البيت اسمه المهدي (عج)، قال: «إنّ في المشهور بين الكافّة من أهل الإسلام على ممّر الأعصار، أنّه لابدّ في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيّد الدين، ويظهر العدل، ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلاميّة، ويسمّى بالمهدي، ويكون خروج الدجّال وما بعده من أشراط الساعة الثابتة في الصحيح على أثره، وأنّ عيسى ينزل من بعده» (1).

وكذلك أحمد أمين بعد نقله اعتراف ابن خلدون الآنف الذكر، قال: «قد أحصى ابن حجر الأحاديث المرويّة في المهدي، فوجدها نحو الخمسين» (2).

إذن فالإيمان بظهور المنقذ والمخلِّص متّفق عليه بين المسلمين، وكلام ابن حجر على لسان أحمد أمين الذي أنكر هذه الفكرة، شهد بوجود خمسين حديثاً وبطرق مختلفة تؤكّد هذا المعنى؛ لذا نجد أنّ هناك من جعل المهدي (عج) من أشراط الساعة، وقد أُلّفت الكتب في هذا المجال، وأثبتوا صحّة هذه الأحاديث وتواترها، كما سيأتي ذكره في الأبحاث اللاحقة.

صحّة أحاديث الإمام المهدي (عج)

إنّ أحاديث الإمام المهدي (عج) استفاضت وتواترت ولا نغالي إذا قُلنا أنّ منكرها يعدّ منكراً للضروريّات والبديهيّات، وذلك لأنّ أحاديث المهدي كما يصفها الدكتور عبدالمحسن العبّاد (3)، بلغت من الكثرة وتعدّد الطرق في كتب


1- تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 311.
2- المهدي والمهدويّة، ص 48. نقلًا عن المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، ص 10.
3- أُستاذ في الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنورة.

ص: 62

ودواوين أهل السنّة بحيث لاينكرها إلّا جاهل أو مكابر. والتصديق بها من الإيمان بأنّ محمّداً هو رسول الله (ص)؛ لأنّ رسول الله (ص)، لا ينطق إلّا عن الوحي، والوحي غيب من الله تعالى. وعلى ضوء ذلك فالإيمان بها من الضروريّات، بل البديهيّات.

قال: «فإنّ أحاديث المهدي على كثرتها وتعدّد طرقها وإثباتها في دواوين أهل السنّة، يصعب كثيراً القول بأنّه لا حقيقة لمقتضاها، إلّا على جاهل أو مكابر أو من لم يمعن النظر في طرقها وأسانيدها، ولم يقف على كلام أهل العلم المعتدّ بهم فيها، والتصديق بها داخل في الإيمان بأنّ محمّداً رسول الله (ص)؛ لأنّ من الإيمان به (ص) تصديقه فيم أخبر به، وداخل في الإيمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: الم* ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (البقرة: 1 و 2)» (1).

إذن فدواوين ومصادر أهل السنّة ذكرت هذه الحقيقة، بل وصحّحتها، وإليك جملة منها:

1- الترمذي (ت 279 ه) في «سننه»، صحّح ثلاثة أحاديث، ووصفها بالحسن الصحيح في باب ما جاء في المهدي (2).

2- الحاكم النيسابوري (ت 405 ه) في «المستدرك»، صحّح جملة من الأحاديث، ووصفها بكونها صحيحة على شرط الشيخين، ولم يخرجاه (3).

3- البيهقي (ت 458 ه) نقل عبارته المزي في «تهذيبه» حيث قال: «والأحاديث في التنصيص على خروج المهدي أصحّ إسناداً. وفيها بيان كونه


1- أُنظر: عقيدة أهل السنّة والأثر في المهدي المنتظر، عبد المحسن العبّاد، ص 160.
2- سنن الترمذي، الترمذي، ج 3، ص 343.
3- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج 4، صص 463، 502، 554، 557، 558.

ص: 63

من عترة النبيّ (ص)» (1).

4- البغوي (ت حدود 510 ه أو 516 ه) في (شرح السنّة)، أخرج ثلاثة أحاديث، ثمّ صحّح الحديث الثالث بقوله: «هذا حديث صحيح أخرجه مسلم» (2).

5- القرطبي (ت 671 ه) قال في كتابه (التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة) في كلامه على حديث «لا مهدي إلّا عيسى بن مريم»:

«إسناده ضعيف، والأحاديث عن النبيّ (ص) في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصحّ من هذا الحديث، فالحكم لها دونه» (3).

6- ابن تيمية (ت 728 ه) في (منهاج السنّة)، قال في معرض تعليقه على حديث «يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه اسمي ..»: «إنّ الأحاديث التي يحتجّ بها على خروج المهدي أحاديث صحيحة، رواها أبو داود والترمذي وأحمد وغيرهم من حديث ابن مسعود وغيره» (4).

7- الحافظ الذهبي (ت 748 ه) سكت عن جميع ما صحّحه الحاكم في (مستدركه) من أحاديث المهدي مصرّحاً بصحّة حديثين (5). وسكوته يكشف عن موافقته للحاكم.

8- المتّقي الهندي (ت 975 ه) في رسالته المسماة (الردّ على من حكم وقضى أنّ المهدي الموعود جاء ومضى)، قال: «اعلم رحمك الله، لا شكّ أنّ


1- تهذيب الكمال، المزي، ج 25، ص 150.
2- شرح السنّة، البغوي، ج 15، صص 84- 87.
3- التذكرة، القرطبي، ج 2، ص 617.
4- منهاج السنّة، ابن تيميّة الحرّاني، ج 8، ص 254.
5- التلخيص على المستدرك على الصحيحين، الذهبي، ج 4، صص 553 و 558.

ص: 64

وجود المهدي الموعود ثبت بالأحاديث والآثار نحو من ثلاثمائة فصاعداً» (1). وواضح أنّ هذه الأحاديث والآثار بهذا العدد فوق التواتر.

9- ناصر الدين الألباني: ذكر في مقال له بعنوان (حول المهدي) ما نصّه: «أمّا مسألة المهدي فليعلم أنّ في خروجه أحاديث صحيحة، قسم كبير منها له أسانيد صحيحة» (2).

تواتر أحاديث المهدي (عج)

أمّا من قال بتواتر هذه الأحاديث، فإليك جملة من كبار علمائهم:

1- الحافظ أبو الحسن محمّد بن الحسين الآبري السجزي (ت 363 ه):

قال في كتابه «مناقب الشافعي»: «وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله (ص) بذكر المهدي، وأنّه من أهل بيته، وأنّه يملك سبع سنين، وأنّه يملأ الأرض عدلًا، وأنّ عيسى (ع) يخرج فيساعده على قتل الدجّال، وأنّه يؤمّ هذه الأُمّة ويصلّي عيسى خلفه، في طول من قصّته وأمره» (3).

2- القرطبي المالكي (ت 716 ه) في تعليقه على حديث «المهدي هو عيسى فقط»، قال:

«الأخبار الصحاح قد تواترت على أنّ المهدي من عترة الرسول (ص)» (4).

3- الحافظ جمال الدين المزي (ت 742 ه) نقل قول الآبري وارتضاه، وهذا


1- رسالة في الردّ على من حكم وقضى أنّ المهدي الموعود جاء ومضى، المتّقي الهندي، ص 134. نقلًا عن كتاب المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، عبد العليم البستوي، ص 55.
2- مجلّة التمدّن الإسلامي، دمشق شهر ذي القعدة- 1371 ه.
3- تهذيب التهذيب، ج 9، ص 126.
4- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج 8، صص 121 و 122.

ص: 65

كاشف عن إيمانه به (1).

4- ابن القيّم (ت 751 ه) بعد أن نقل قول الآبري ذكر الأحاديث الصحيحة التي تؤيّد قول الآبري، وواضح أنّ كثرتها يدلّ على تواترها؛ لاستفاضتها وكثرة طرقها (2).

5- ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) قال:

«قال أبو الحسن الخسعي [السجزي] الأبري في مناقب الشافعي: تواترت الأخبار بأنّ المهدي من هذه الأُمّة، وأنّ عيسى يصلّي خلفه، ذكر ذلك ردّاً للحديث الذي أخرجه ابن ماجة عن أنس، وفيه: ولا مهدي إلّا عيسى ..».

ثمّ قال: «وفي صلاة عيسى خلف رجل من هذه الامّة مع كونه في آخر الزمان وقرب قيام الساعة، دلالة للصحيح من الأقوال أنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة، والله أعلم» (3).

6- القاضي محمّد بن عليّ الشوكاني: كما في «النظم المتناثر»، قال:

«والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها منها خمسون حديثاً، فيها الصحيح والحسن، والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شكّ ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما هو دونها في جميع الاصطلاحات المحرّرة في الأُصول، وأمّا الآثار عن الصحابة المصرّحة بالمهدي فهي كثيرة أيضاً، لها حكم الرفع؛ إذ لا مجال للاجتهاد في مثل ذلك» (4).

7- الشيخ محمّد بن جعفر الكتّاني في كتابه «نظم المتناثر من الحديث المتواتر» ذكر من خرّج أحاديث الإمام المهدي (عج) من الصحابة، قال:


1- تهذيب الكمال، القرطبي، ج 25، ص 149.
2- المنار المنيف، ابن القيّم الجوزيّة، ج 1، صص 142- 144.
3- فتح الباري، ج 6، ص 359.
4- نظم المتناثر من الحديث المتواتر، محمّد جعفر الكتّاني، ص 227.

ص: 66

«خروج المهدي الموعود المنتظر الفاطمي [رويت] عن:

أ- ابن مسعود: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة.

ب- وأُمّ سلمة: أخرجه أبو داود وابن ماجة والحاكم في المستدرك.

ج- وعلي بن أبي طالب: أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجة

د- وأبي سعيد الخدري: أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة وأبو يعلى والحاكم في المستدرك.

ه- وثوبان: أخرجه أحمد وابن ماجة والحاكم في المستدرك.

و- وقرة بن إياس المزني: أخرجه البزّار والطبراني في الكبير والأوسط.

ز- وعبد الله بن الحارث بن جزء: أخرجه ابن ماجة والطبراني في الأوسط.

ح- وأبي هريرة: أخرجه أحمد والترمذي وأبو يعلى والبزّار في مسندهما، والطبراني في الأوسط وغيرهم.

ط- وحذيفة بن اليمان: أخرجه الروياني.

ي- وابن عبّاس: أخرجه أبو نعيم في أخبار المهدي.

ك- وجابر بن عبد الله: أخرجه أحمد ومسلم، إلّا أنّه ليس فيه تصريح بذكر المهدي، بل أحاديث مسلم كلّها لم يقع فيها تصريح به.

ل- وعثمان: أخرجه الدارقطني في الإفراد.

م- وأبي أمامة: أخرجه الطبراني في الكبير.

ن- وعمّار بن ياسر: أخرجه الدارقطني في الإفراد، والخطيب وابن عساكر.

س- وجابر بن ماجد الصدفي: أخرجه الطبراني في الكبير.

ع- وابن عمر.

ف- وطلحة بن عبيد الله: أخرجهما الطبراني في الأوسط.

ص: 67

ص- وأنس بن مالك: أخرجه ابن ماجة.

ق- وعبد الرحمان بن عوف: أخرجه أبو نعيم.

ر- وعمران بن حصين: أخرجه الإمام أبو عمرو الداني في سننه. وغيرهم».

ثمّ قال: «.. والحاصل: أنّ الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر متواترة، وكذا الواردة في الدجّال، وفي نزول سيّدنا عيسى بن مريم (ع)» (1).

8- أحمد بن محمّد بن الصدّيق أبو الفيض الغماري (ت 1380 ه) في كتابه «إبراز الوهم المكنون في كلام ابن خلدون» قال في مقدّمته: «قد تواترت [الأخبار] بكونه من أعلام الساعة وأشراطها، وصحّت عن رسول الله (ص) في ذلك الآثار، وشاع ذكره وانتشر خبره بين الكافّة من أهل الإسلام على ممرّ الدهور والأعصار، فالإيمان بخروجه واجب، واعتقاد ظهوره- تصديقاً لخبر الرسول- محتمّ لازب (2)» (3).

9- ابن باز المفتي العام السابق في المملكة العربيّة السعوديّة، ورئيس الجامعة الإسلاميّة في المدينة المنوّرة، قال:

«إنّ أمر المهدي معلوم، والأحاديث فيه مستفيضة، بل متواترة متعاضدة، وقد حكى غير واحد من أهل العلم تواترها، وهي متواترة تواتراً معنوياً؛ لكثرة طرقها، واختلاف مخارجها ورواتها وألفاظها، فهي بحقّ تدلّ على أنّ هذا


1- نظم المتناثر من الحديث المتواتر، صص 226- 229.
2- اللازب: الثابت، وصار الشي ء ضربة لازب، أي: لازماً. لسان العرب، ج 1، ص 738 «لزب».
3- نقلًا عن مجلّة تراثنا، ص 28، العدد الثالث، 1413 ه، مقال للسيّد محمّد رضا الجلالي بعنوان: نقد الحديث بين الاجتهاد والتقليد.

ص: 68

الشخص الموعود به أمره ثابت، وخروجه حقّ» (1).

إذن تواتر أحاديث الإمام المهدي (عج) واستفاضتها حقيقة ناصعة واضحة، قد اعترف بها معظم علماء المسلمين، ومن تنكّر لها ما هو إلّا شاذّ ونادر، فلا عبرة ولا قيمة ولاوزن لكلامه.

إنكار خروج الإمام المهدي (عج) موجب للكفر

روى ابن حجر العسقلاني في لسان الميزان: عن جابر بن عبد الله، قال: قال رسول الله (ص): «من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمّد، ومن أنكر نزول عيسى فقد كفر، ومن أنكر خروج الدجّال فقد كفر» (2).

وقد سُئل ابن حجر المكّي الشافعي عمّن أنكر المهدي الموعود به، فأجاب: «فإن كان لإنكار السنّة رأساً فهو كفر يقضى عليهم بكفرهم وردّتهم ..، وإن كان لا لإنكارهم لها وإنّما هو محض عناد لأئمّة الإسلام، فهو يقتضي تعزيرهم البليغ وإهانتهم بما يراه الحاكم لائقاً بعظيم جريمتهم ... من حبس وضرب وصفع وغيرها ممّا يزجرهم عن هذه القبائح» (3).

وكذلك أفتى العلّامة يحيى بن محمّد الحنبلي بكفر من أنكر المهدي، فقال: «وأمّا من كذب بالمهدي الموعود به فقد أخبر عليه الصلاة والسلام بكفره» (4).

النصوص المبشّرة بالإمام المهدي (عج) قبل ولادته

إنّ الإيمان بالإمام المهدي (عج) الذي تؤمن به الشيعة الإماميّة لم يكن خيالًا أو أُسطورة كما يزعم البعض؛ بل جاء على أثر النصوص الصحيحة والصريحة


1- مجلّة الجامعة الإسلاميّة، السنة الأُولى، العدد 3، صص 161 و 162.
2- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ج 5، ص 130؛ ينابيع المودّة، ج 3، صص 295 و 383.
3- البرهان في علامات صاحب الزمان، المتّقي الهندي، ص 102.
4- المصدر نفسه.

ص: 69

التي تبشّر به وتتحدّث عنه، وأنّ الواقع يفرض وجوده، فيملأ الأرض عدلًا بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

ونقصد من تلك النصوص الروايات التي تحدّد شخصيّة الإمام وهويّته، وكونه من أهل البيت (عليهم السلام) ومن ولد رسول الله (ص)، ومن ولد فاطمة (س)، وأنّه من ولد الحسين (ع). ونستطيع أن نطلق على هذه الأحاديث ب- (الخاصّة)؛ وذلك لأنّها تحدّد وتضيّق دائرة ولادته المباركة في أنّه من ولد النبيّ، ثمّ من ولد عليّ وفاطمة، ومن صلب الحسين، ومن ولد الحسن العسكري (ع)، كما سيأتي.

وهناك أحاديث أُخرى كحديث «الاثني عشر»، و «الثقلين»، وحديث «لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة»، وحديث «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة»، وهذا ما نطلق عليه بالأحاديث «العامّة» التي تنصّ على أنّ هذا الإمام الذي هذه هويّته لابدّ من وجوده واستمرار حياته، وليس هناك تطبيقاً صحيحاً سوى ما تذهب إليه المدرسة الإماميّة، كما سيأتي.

الأحاديث الخاصّة التي تحدّد وتشخّص هويّة الإمام المهدي (عج)

المهدي من أهل البيت:

1- أخرج أبو داود في «سننه» وابن أبي شيبة في مصنّفه، عن عليّ (ع) عن رسول الله (ص)، قال: «لو لم يبق من الدهر إلّا يوم لبعث الله رجلًا من أهل بيتي يملأها عدلًا كما ملئت جوراً» (1). والحديث سنده صحيح غير «فطر» فقد روى له البخاري فقط مقروناً.

وقال الطبرسي في «مجمع البيان»- في معرض تفسيره لقوله تعالى:


1- سنن أبي داود، ابن الأشعث السجستاني، ج 2، ص 310؛ مصنّف، ابن أبي شيبة، ج 8، ص 679.

ص: 70

الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ وأنّ المراد بهم، كما عن أبي جعفر (ع)، أصحاب المهدي (عج) في آخر الزمان-: «ويدلّ على ذلك ما رواه الخاصّ والعام عن النبيّ (ص)، أنّه قال: «لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد ...» الحديث (1).

طعن ابن خلدون في هذا الحديث وجوابه

وقد تكلّم ابن خلدون عن هذا الحديث؛ لأنّ في سنده فطر بن خليفة، حيث قال: «وقطن بن خليفة وإن وثّقه أحمد ويحيى [و] ابن القطّان وابن معين والنسائي وغيرهم، إلّا أنّ العجلي قال: حسن الحديث، وفيه تشيّع قليل» (2).

نقول: أوّلًا: الاسم هو (فطر) وليس (قطن)، وقد وثّق، وهذا واضح لمن تتبّع ترجمته، ولا نعلم كيف وقع هذا الخلط من ابن خلدون؟

ثانياً: قال المزي في «تهذيبه»: «قال عبد الله بن حنبل عن أبيه: ثقة صالح الحديث، قال: وقال أبي: كان فطر عند يحيى بن سعيد ثقة، وقال أبو بكر بن أبي خيثمة، عن يحيى بن معين: ثقة، وقال العجلي: كوفي ثقة، حسن الحديث.

وقال أبو حاتم: صالح الحديث، كان يحيى بن سعيد يرضاه ويحسن القول فيه، ويحدّث عنه، وقال النسائي: ليس به بأس، وقال في موضع آخر: ثقة حافظ كيّس» (3).

وقال العظيم آبادي: «وثّقه أحمد بن حنبل ويحيى بن سعيد القطّان ويحيى بن معين والنسائي والعجلي وابن سعد والساجي، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وأخرج له البخاري. ويكفي توثيق هؤلاء الأئمّة لعدالته، فلا يلتفت إلى قول ابن يونس وأبي بكر بن عيّاش الجوزجاني في تضعيفه؛ بل هو قول


1- مجمع البيان، الطبرسي، ج 7، ص 120.
2- تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 313.
3- تهذيب الكمال، ج 23، صص 314 و 315.

ص: 71

مردود. والله أعلم» (1).

إذن الرجل موثّق ورواياته معتبرة ولا عبرة بقول ابن خلدون وغيره.

2- روى أبو يعلى وابن حبّان والحاكم النيسابوري عن أبي سعيد، قال: قال رسول الله (ص): «لا تقوم الساعة حتّى تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ يخرج رجل من أهل بيتي، فيملأها قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وعدواناً» (2).

وهذا الحديث صحّحه الحاكم النيسابوري قائلًا: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه» (3).

3- روى المقدسي الشافعي في «عقد الدرر» عن عليّ (ع) أنّه قال للنبيّ (ص): «أمِنَّا آل محمّد المهدي أم من غيرنا يا رسول الله؟ قال: بل منّا، يختم الله به كما فتح بنا ربّنا، يستنقذون من الفتنة كما أُنقذوا من الشرك، وبنا يؤلّف الله بين قلوبهم بعد عداوة الشرك، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً، كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم».

ثمّ عقّب عليه، حيث قال: «أخرجه جماعة من الحفّاظ في كتبهم، منهم أبو القاسم الطبراني، وأبو نعيم الأصبهاني، و عبد الرحمن بن أبي حاتم، وأبو عبد الله نعيم بن حمّاد، وغيرهم، وفيه: «أمِنّا المهدي أو من غيرنا؟ بل منّا، يختم الله به الدين، كما فتحه بنا»، وزاد في روايته الثانية: «وبنا ينقذون من الفتن، كما أُنقذوا من الشرك» ... (4).

وعن الشافعي في كتابه «البيان في أخبار صاحب الزمان»: «قلت: هذا


1- عون المعبود، العظيم آبادي، ج 11، ص 251.
2- مسند، أبو يعلى الموصلي، ج 2، ص 275؛ صحيح، ابن حبّان: ج 15، ص 275؛ المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 557.
3- المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 557.
4- عقد الدرر، المقدّسي الشافعي، صص 25 و 142.

ص: 72

حديث حسن عال، رواه الحفّاظ في كتبهم» (1).

المهدي (عج) من ولد النبيّ (ص)

1- أخرج أبو داود في «سننه»، والطبراني بنفس المعنى عن أبي سعيد الخدري، عن النبيّ (ص): «المهدي منّي، أجلى الجبهة (2)، أقنى الأنف (3)، يملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين» (4).

قال المباركفوري في «تحفة الأحوذي»: «أمّا حديث أبي سعيد فأخرجه أبو داود عنه مرفوعاً: «المهدي منّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً، ويملك سبع سنين»، قال المنذري: في إسناده عمران القطّان، وهو أبو العوّام عمران بن داود القطّان البصري، استشهد به البخاري، ووثّقه عفّان بن مسلم، وأحسن عليه الثناء يحيى بن سعيد القطّان» (5). إذن فالحديث صحيح.

2- روى الجويني الشافعي في «فرائد السمطين»، والقندوزي الحنفي في (ينابيع المودّة) عن أمير المؤمنين (ع)، عن رسول الله (ص) قال: «المهدي من ولدي تكون له غيبة وحيرة، تضلّ فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء:، فيملأها عدلًا وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً» (6).


1- البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي، ص 66.
2- أجلي الجبهة: أي الخفيف شعر مابين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته. لسان العرب، ج 14، ص 151 «جلا».
3- القنا: احديداب في وسط الأنف، وقيل: القنا في الأنف: طوله ورقّة أرنبته مع حدب في وسطه. الصحاح، ج 6، ص 2469؛ مجمع البحرين، ج 3، ص 1519 «قنا».
4- سنن أبي داود، ج 2 ص 310؛ المعجم الأوسط، الطبراني، ج 9، ص 176.
5- تحفة الأحوذي، المباركفوري، ج 6، ص 403.
6- فرائد السمطين، ج 2، ص 335؛ ينابيع المودّة، القندوزي الحنفي، ج 3، ص 296.

ص: 73

المهدي (عج) من ولد فاطمة (س)

قبل الورود في ذكر الأحاديث نلفت النظر إلى قول ابن حجر الهيتمي في «صواعقه»، عند تعليقه على الأحاديث الواردة في زواج عليّ من فاطمة (س): «وقد ظهرت بركة دعائه في نسلهما، فكان منه من مضى ومن يأتي، ولو لم يكن في الآتين إلّا الإمام المهدي لكفى، وسيأتي في الفصل الثاني جملة مستكثرة من الأحاديث المبشّرة به، ومن ذلك ما أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة والبيهقي وآخرون: «المهدي من عترتي من ولد فاطمة» ...» (1).

فالظاهر أنّ مسلم في «صحيحه» أخرج هذا الحديث حسب شهادة ابن حجر المتقدّمة، ومن البعيد أن يقع السهو منه، فهو ذلك الحافظ المدقّق الذي يتحرّى الأحاديث في مضانّها، ولكن هذا لا يضرّ بلحاظ الأحاديث الصحيحة التي سوف تأتي، وإن لم يذكرها مسلم والبخاري، فالعبرة بصحّة الحديث ولحاظ رواته وطرقه، وإن خلا منهما.

فهذا الحديث أخرجه بطريق صحيح ابن ماجة وأبو داود في «السنن»، والطبراني في «معجمه»، والحاكم النيسابوري في «مستدركه»: عن أُمّ سلمة، عن النبيّ (ص) أنّه قال: «المهدي من ولد فاطمة» (2).

وهذا الحديث صحّحه الألباني في «صحيح سنن ابن ماجة» (3).

وكذلك أخرجه البخاري في «تأريخه» عن أُمّ سلمة عن النبيّ (ص): «المهدي


1- الصواعق المحرقة، ج 2، ص 472.
2- سنن، ابن ماجة، ج 2، ص 1368؛ سنن، أبي داود، ج 2، ص 310؛ المعجم الكبير، ج 23، ص 267؛ المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 557.
3- صحيح سنن ابن ماجة، الألباني، ج 2، ص 389.

ص: 74

حقّ، وهو من ولد فاطمة» (1). وكذلك عن ابن المسيّب: «المهدي من ولد فاطمة» (2).

وقال السيوطي في «الجامع الصغير»: «ولأبي داود وابن ماجة، وللحاكم في مستدركه، كلّهم عن أُمّ سلمة، حديث صحيح» (3)، وصحّحه الألباني (4).

وقال العجلوني- بعد أن أورد حديث «المهدي من ولد فاطمة»-: «ورد ذكره في أحاديث أفردها بعض الحفّاظ بالتأليف، منهم: الحافظ السخاوي في كتاب سمّاه «ارتقاء الغرف»، ومنهم: ابن حجر الهيتمي في جزء سمّاه «القول المختصر في أحوال المهدي المنتظر»، وكذلك ذكر كثيراً منها في الفتاوى الحديثيّة، وكذلك شيخنا البرزنجي في «الإشاعة»، فمن تلك الأحاديث: ما أخرجه أبو داود وابن ماجة عن أُمّ سلمة مرفوعاً: «المهدي من ولد فاطمة».» (5).

وأخرج نعيم بن حمّاد في الفتن و أبو عمرو الداني في «سننه» بسند صحيح عن عبد الرزاق، عن معمر، عن سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، قال: «قلت لسعيد بن المسيّب: المهدي حقّ؟ قال: حقّ، قال: قلت: ممّن هو؟ قال: من قريش، قلت: من أيّ قريش؟ قال: من بني هاشم، قلت: من أيّ بني هاشم؟ قال: من بني عبد المطلب، قلت: من أيّ عبدالمطلب؟ قال: من ولد فاطمة» (6).


1- التأريخ الكبير، البخاري، ج 3، ص 346.
2- المصدر نفسه، ج 8، ص 406.
3- الجامع الصغير، السيوطي، ج 2، ص 672.
4- صحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، الألباني، ج 1، ص 1168.
5- كشف الخفاء، العجلوني، ج 2، ص 288.
6- الفتن، نعيم بن حمّاد، ص 228؛ السنن الواردة في الفتن، أبو عمرو الداني، صص 1050 و 1057.

ص: 75

وقال السيّد محمّد بن رسول البرزنجي الشافعي:

«وأمّا نسبه فإنّه من أهل بيت النبيّ (ص)، ثمّ الذي في الروايات الكثيرة الصحيحة الشهيرة أنّه من ولد فاطمة (س)» (1).

المهدي من ولد عليّ (ع)

1- أخرج الطبراني في «المعجم الأوسط»، ونقل عنه الهيثمي في «مجمع الزوائد»:

عن نافع، عن ابن عمر، قال: «كان رسول الله (ص) جالساً في نفر من المهاجرين والأنصار، عليّ بن أبي طالب عن يساره، والعباس عن يمينه، إذ تلاحى (2) العبّاس ورجل من الأنصار، فأغلظ الأنصاري للعبّاس، فأخذ رسول الله (ص) بيد العبّاس ويد عليّ، فقال: «سيخرج من صلب هذا [يعني العباس] فتى يملأ الأرض جوراً وظلماً، وسيخرج من صلب هذا [يعني عليّ بن أبي طالب (ع)] فتى يملأ الأرض عدلًا وقسطاً، فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي، فإنّه يقبل من المشرق، وهو صاحب راية المهدي» ...» (3).

وقال السيوطي في «الحاوي للفتاوى»: «أخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عمر، أنّ النبي (ص) أخذ بيد عليّ، فقال: «سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلًا» ...» (4).

2- روى الجويني في «فرائد السمطين» بسنده عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله: «إنّ عليّ بن أبي طالب إمام أُمّتي وخليفتي عليها


1- الإشاعة في أشراط الساعة، محمّد بن رسول البرزنجي، ص 88.
2- تلاحي الرجلان: تشاتما. لسان العرب، ج 15، ص 242 «لحو».
3- المعجم الأوسط، الطبراني، ج 4، ص 256؛ مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 7، صص 317 و 318.
4- الحاوي للفتاوي، السيوطي، ج 2، ص 59.

ص: 76

بعدي، ومن ولده القائم المنتظر، الذي يملأ به الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت جوراً وظلماً، والذي بعثني بالحقّ بشيراً ونذيراً، إنّ الثابتين على القول بإمامته في زمان غيبته لأعزّ من الكبريت الأحمر». فقام إليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فقال: يا رسول الله، وللقائم من ولدك غيبة؟ قال: «إي وربّي؛ ليمحّص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين، يا جابر، إنّ هذا الأمر من أمر الله، وسرّ من سرّ الله، علمه مطوي عن عباده، فإيّاك والشكّ فيه، فإنّ الشكّ في أمر الله عزّوجلّ كفر» (1).

3- وروى ابن حمّاد المروزي في الفتن عن عليّ (ع) قال: «هو رجل منّي» (2).

وهذه الأحاديث وإن نوقش في بعضها، ولكنّها صحيحة حتّى لو غضضنا الطرف عن سندها؛ لأنّ الأحاديث التي ذكرت أنّ «المهدي من ولد فاطمة» كما ستأتي لاحقاً، قد رويت بأسانيد صحيحة لا يشكّ فيها أحد. وكونه من ولد فاطمة (س) يستلزم أنّه من ولد عليّ (ع) بالبداهة.

المهدي من ولد الحسين (ع)

1- أخرج الدار قطني في كتابه «الجرح والتعديل» كما في «البيان في أخبار صاحب الزمان» للكنجي الشافعي و «الفصول المهمّة» لابن الصبّاغ المالكي و «فضائل الصحابة» للسمعاني، على ما في «ينابيع المودّة» للقندوزي (3)، عن سلمان الفارسي، وأبي سعيد الخدري، وأبي أيّوب


1- فرائد السمطين، الجويني الشافعي، ج 2، ص 335؛ ينابيع المودّة، ج 3، ص 296.
2- الفتن، ص 228.
3- هو: سليمان بن خوجة إبراهيم قبلان الحسيني الحنفي القندوزي، فاضل، من أهل بلخ، مات في القسطنطينيّة. له (ينابيع المودّة) في شمائل الرسول 9 وأهل البيت. انظر: الأعلام، ج 3، ص 125.

ص: 77

الأنصاري، وابن عباس، عن رسول الله (ص)، أنّه قال:

«يا فاطمة، إنّا أهل بيت اعطينا ستّ خصال لم يعطها أحد من الأوّلين، ولا يدركها أحد من الآخرين غيرنا أهل البيت: نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك .. ومنّا مهديّ الامّة الذي يصلّي عيسى خلفه»، ثمّ ضرب على منكب الحسين 7، فقال: «من هذا مهديُّ الامّة» (1).

2- وفي (عقد الدرر) للمقدسي الشافعي (2): عن الإمام الباقر (ع) في حديث


1- الدارقطني كما في البيان في أخبار صاحب الزمان للكنجي الشافعي، صص 56 و 57؛ الفصول المهمّة، ابن الصبّاغ المالكي، ص 1114؛ فضائل الصحابة، للسمعاني على ما في ينابيع المودة، ج 3، ص 394.
2- هو: قاضي القضاة بهاء الدين (بدر الدين) أبي الفضل يوسف بن يحيى بن محمّد بن عليّ بن محمّد بن يحيى بن عليّ بن عبد العزيز الشافعي، الدمشقي المولد والدار والوفاة، المشتهر بالزكي أو ابن الزكي (640- 685 ه). وقد حدث حذف واختصار في نسب المؤلّف، ومن جرّائه التبس الأمر على بعضهم. وبيت الزكي من البيوت العلميّة في دمشق في القرنين السادس والسابع، أنجبت علماء وقضاة ومحدّثين وفقهاء، وترجم له السبكي في الطبقتين، وقال في الكبرى منهما، ج 8، ص 365: وكان فقيهاً فاضلا مفتياً، متوقّد الذهن، سريع الحافظة، مناظراً محجاجاً، أخذ العلوم عن القاضي كمال الدين التفليسي وعن والده، وقيل: وكان أفضل من أبيه ... سمع منه الحافظ علم الدين البرزالي وغيره، وولي قضاء دمشق ... وله ترجمة في العبر في خبر «من غبر»، ج 5، ص 365؛ البداية والنهاية، ج 13، ص 308؛ طبقات الشافعيّة، لابن قاضي شهبة، ج 2، ص 267؛ النجوم الزاهرة، ج 7، ص 370؛ شذرات الذهب، ج 5، ص 394.

ص: 78

طويل جاء فيه: «والمهدي- يا جابر- رجل من ولد الحسين» (1).

3- وفي كتاب (الفتن) لابن حمّاد المروزي عن عبد الله بن عمرو، قال: «يخرج رجل من ولد الحسين، من قبل المشرق لو استقبلته الجبال لهدّها واتّخذ فيها طرقاً» (2).

4- وفي (ينابيع المودّة) للقندوزي الحنفي عن عليّ قال: قال رسول الله (ص):

«لا تذهب الدنيا حتّى يقوم بأُمّتي رجل من ولد الحسين يملأ الأرض عدلًا كما ملئت ظلماً» (3).

إذن ممّا تقدّم من الأحاديث اتّضح أنّ هويّة الإمام المهدي (عج) مشخّصة واضحة، لايمكن الشكّ والتردّد فيها، وهو كونه من ولد النبيّ (ص)، ومن ولد عليّ، من ولد فاطمة، ومن ذرّيّة الحسين (ع).

الأحاديث العامّة الدالّة على هويّته واستمرار وجوده (عج)

اشارة

ومن النصوص التي تدلّ على هويّته بشكل عام واستمرار وجوده وبقائه حيّاً، هو ما أخبر به رسول الله (ص) في جملة من الأحاديث نذكر منها:

1-- حديث الاثني عشر خليفة

اشارة

أ- روى البخاري في «الصحيح» في كتاب الأحكام عن جابر بن سمرة،


1- عقد الدرر، ص 126.
2- الفتن، ص 229.
3- ينابيع المودّة، ج 3، صص 290 و 291.

ص: 79

قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: «يكون اثنا عشر أميراً»، فقال كلمة لم أسمعها، فقال لي أبي: إنّه قال: «كلّهم من قريش» (1).

ب- وروى مسلم في «الصحيح» في كتاب الإمارة عن جابر بن سمرة، قال: سمعت النبيّ (ص) يقول: «لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلًا»، ثمّ تكلّم النبيّ (ص) بكلمة خفيت عليّ، فسألت أبي: ماذا قال رسول الله؟ فقال: «كلّهم من قريش» (2).

وروى أيضاً عن جابر بن سمرة، قال: دخلت مع أبي على النبيّ (ص) فسمعته يقول: «إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة»، قال: ثمّ تكلّم بكلام خفي عليّ. قال: فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (3).

ج- وروى الترمذي في «السنن» كتاب الفتن عن جابر بن سمرة، قال:

قال رسول الله (ص): «يكون من بعدي اثنا عشر أميراً»، قال: ثمّ تكلّم بشي ء لم أفهمه، فسألت الذي يلي، فقال: «كلّهم من قريش»، وقال الترمذي معلّقاً: هذا حديث حسن (4).

د- وروى أبو داود في «السنن» عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: «لا يزال هذا الدين قائماً حتّى يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلّهم تجتمع عليه الأُمّة»، فسمعت كلاماً من النبيّ (ص) لم أفهمه، قلت لأبي: ما يقول؟ قال: «كلّهم من قريش» (5).

وفي رواية أُخرى عن جابر بن سمرة، قال: سمعت رسول الله (ص): «لا


1- صحيح البخاري، ج 8، ص 128.
2- صحيح مسلم، ج 6، ص 3.
3- المصدر نفسه.
4- سنن الترمذي، ج 3، ص 340.
5- سنن أبي داود، ج 2، ص 309.

ص: 80

يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة»، فكبّر الناس وضجّوا، ثمّ قال كلمة خفيت عليّ، قلت لأبي: يا أبتِ، ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش» (1).

ه- وروى أبو يعلى في «مسنده»، والطبراني في «المعجم الكبير»، والحاكم النيسابوري في «مستدركه»:

عن الشعبي، عن مسروق، قال: «كنّا جلوساً عند ابن مسعود ليلة بالمغرب وهو يقرئنا القرآن، فسأله رجل: يا أبا عبد الرحمن، أسألتم رسول الله (ص) كم يملك هذه الأُمّة من خليفة؟ فقال ابن مسعود: ما سألني مذ قدمت العراق قبلك، قال: نعم، سألنا رسول الله (ص)، فقال: «اثنا عشر عدّة نقباء بني إسرائيل». ..» (2).

وعلى ضوء هذه الأحاديث نستنتج ما يلي:

أوّلًا: حصر الأئمّة باثني عشر خليفة.

ثانياً: إنّ هؤلاء الأئمّة هويّتهم أنّهم من قريش؛ بل ومن بني هاشم تحديداً، كما روي ذلك عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة:

كنت مع أبي عند رسول الله (ص) فسمعته يقول: «بعدي اثنا عشر خليفة»، ثمّ أخفى صوته، فقلت لأبي: ما الذي [قال في] أخفى صوته؟ قال: قال: «كلّهم من بني هاشم» (3).

ثالثاً: إنّ اختياره (ص) للمقارنة بينهم وبين عدّة نقباء بني إسرائيل فيه دلالة واضحة على أنّ خلافتهم ليست بانتخاب من الناس، بل تعيين من الله، فقد قال الله تعالى عن النقباء: وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً (المائدة: 12).


1- المصدر نفسه.
2- مسند أبي يعلى، ج 9، ص 222؛ المعجم الكبير، ج 10، ص 158؛ المستدرك على الصحيحين، ج 4، ص 501.
3- ينابيع المودّة، ج 2، ص 315.

ص: 81

رابعاً: عدم خلو الزمان منهم؛ لأنّ قيام الدين وعزّته مقرونة بهم (عليهم السلام)، بضميمة حديث الثقلين- كما سيأتي الكلام فيه لاحقاً- الذي يشير إلى عدم انفكاك العترة عن الكتاب، فالعترة خالدة بخلوده، وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليّ (ع): «إنّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة» (1). كما سيأتي الكلام عن هذه الأحاديث بالتفصيل.

وممّا تقدّم يأتي السؤال القهري: هل يوجد خلفاء فيهم هذه المزايا؟ وهل تحقّقت عزّة الإسلام وأهدافه في خلافة معاوية وابنه يزيد وأمثالهما في الدولتين الأُمويّة والعباسيّة؟ أم أنّ هناك أئمّة تصدق وتطبّق عليهم هذه الأحاديث؟

الأئمّة الاثنا عشر هم أهل البيت (عليهم السلام)

روي من طرق أهل السنّة في «ينابيع المودّة» عن أبي الطفيل عامر بن وائلة عن عليّ (ع) أنّه قال: قال رسول الله (ص): «يا عليّ، أنت وصيّي، حربك حربي وسلمك سلمي، وأنت الإمام وأبو الأئمّة الإحدى عشر الذين هم المطهّرون المعصومون، ومنهم المهدي الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلًا» (2).

وقال أيضاً: قال رسول الله (ص): «الأئمّة من بعدي اثنا عشر، أوّلهم أنت يا عليّ، وآخرهم القائم» (3).

وروى الحمويني في فرائد السمطين عن ابن عبّاس، قال: قال رسول الله (ص): «أنا سيّد النبيّين، وعليّ بن أبي طالب سيّد الوصيين، وأنّ أوصيائي اثنا


1- فتح الباري، ج 6، ص 351.
2- ينابيع المودّة، ج 1، ص 253.
3- المصدر نفسه، ج 3، ص 395.

ص: 82

عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، وآخرهم القائم» (1).

وروي عن ابن عبّاس أيضاً عن رسول الله (ص) قال: «إنّ خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثنا عشر، أوّلهم أخي، وآخرهم ولدي»، قيل: يا رسول الله (ص)، ومن أخوك؟ قال: «عليّ بن أبي طالب»، قيل: فمن ولدك؟ قال: «المهدي الذي يملأها قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً» (2).

فهذه الأحاديث تشير وتؤكّد على أنّ (الاثني عشر) هم أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)، أوّلهم عليّ بن أبي طالب (ع)، وآخرهم المهدي (عج).

ولو تأمّل الإنسان المنصف أكثر ودقّق في هذا الحديث- أي: الأمر في قريش إلى قيام الساعة- لوجد أنّ هناك خصوصيّة ناظرة إلى وجود إمام بشكل واضح وجلي حيّ باق إلى قيام الساعة، حيث جاء بلفظ بقائهم ما بقي الدين إلى قيام الساعة.

روى أحمد بن حنبل في «مسنده»، وأبو يعلى في «مسنده»، وابن حبّان في «صحيحه»، في باب أنّ ولاية أمر المسلمين يكون في قريش إلى قيام الساعة. واللفظ للأوّل:

عن عبد الله بن عمر .. يقول: قال رسول الله (ص): «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان» (3). والتعبير بلفظ «ما بقي اثنان»، أي: إلى قيام الساعة.

قال السيوطي في «الديباج على مسلم»: «لا يزال هذا الأمر في قريش»


1- فرائد السمطين، ج 2، صص 313 و 563.
2- ينابيع المودّة، ج 3، ص 395.
3- مسند أحمد، ج 2، ص 128؛ مسند أبي يعلى، ج 9، ص 438؛ صحيح ابن حبّان، ج 14، ص 162؛ فتح الباري، ج 13، ص 104.

ص: 83

أي: الخلافة «ما بقي في الناس اثنان»، أي: أنّ هذا الحكم مستمرّ إلى آخر الدنيا (1).

وواضح أنّ استمرار الحكم إلى آخر الدنيا ينطبق على ما تقوله الشيعة؛ بأنّ الإمام الثاني عشر (الإمام المهدي (عج)) حيّ في جميع الأزمنة، وأنّه لابدّ من ظهوره في آخر الزمان، ليملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً، على وفق ما بشّر به جدّه المصطفى (ص).

تضارب آراء السنّة في فهم حديث (الاثني عشر)

ولو قرأنا وتفحّصنا في أقوال علمائهم وآرائهم في هذا الحديث الشريف؛ نجد أنّها لاتنطبق مع خلفائهم أبداً، بل لم يجمعوا على تطبيقه في أناس مجمع عليهم عندهم؛ فاختلفوا فيما بينهم؛ بل اعترفوا أنّهم لم يفهموا هذا الحديث، كما قال ابن العربي المالكي في «شرح الترمذي»: «لم أعلم للحديث معنى» (2).

وقال ابن حجر في «فتح الباري» عن ابن البطال، أنّه حكى عن المهلّب قوله: «لم ألق أحداً يقطع في هذا الحديث بشي ء معيّن» (3).

وعن ابن الجوزي، قال: «قد أطلت البحث عن معنى هذا الحديث، وتطلّبت مضامينه، وسألت عنه، فلم أقع على المقصود» (4).

وقد علّق الشيخ محمود أبو ريّة متهكّماً على ما أورده السيوطي، قال:

«أمّا السيوطي فبعد أن أورد ما قاله العلماء في هذه الأحاديث المشكلة، خرج برأي غريب نورده هنا تفكهةً للقرّاء، وهو: وعلى هذا فقد وجد من


1- الديباج على مسلم، السيوطي، ج 4، ص 439.
2- عارضة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي، ابن العربي المالكي، ج 5، ص 67.
3- فتح الباري، ج 13، ص 182.
4- المصدر نفسه، ص 183.

ص: 84

الاثني عشر: الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز وهؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضمّ إليهم المهدي من العباسيّين؛ لأنّه فيهم كعمر بن عبد العزيز في بني أُميّة، وكذلك الظاهر، لما أُوتيه من العدل، وبقي الاثنان المنتظران!! أحدهما المهدي؛ لأنّه من أهل بيت محمّد- ولم يبيّن المنتظر الثاني- ورحم الله من قال في السيوطي: إنّه حاطب ليل» (1).

إذن أهل السّنة لم يتّفقوا على تسمية الاثني عشر، لذا لجأ بعضهم إلى إدخال يزيد بن معاوية ومروان وعبد الملك ونحوهم، وصولًا إلى عمر بن عبد العزيز لكي يكملوا العدد الوارد في نصّ حديث (الاثني عشر خليفة).

ولكن فاتهم أنّ الحديث يصرّح بأنّ الدين لا يزال قائماً بوجودهم ومستمرّ إلى آخر الدنيا، كما تقدّم في قول السيوطي.

ثمّ إنّ الخلافة انقطعت بعد عمر بن عبد العزيز، وهذا واضح، فلو فسّرنا أحاديث الخلفاء الاثني عشر على وجهة النظر السنّيّة فلا نستطيع أن نجد الحلّ الصحيح الذي يلائم ما قاله رسول الله (ص) في هذا الحديث الشريف؛ لأنّه لو تخلّينا عن حملها على معنى ورأي المدرسة الشيعيّة، لوقعنا في إشكاليّة أنّ الذين مارسوا الحكم وادّعوا أنّهم من قريش هم أضعاف العدد المنصوص عليه في هذه الأحاديث، فضلًا عن انقراضهم وموتهم، سواء كانوا أُمويّين أم عبّاسيّين.

لذا نجد أنّ القندوزي الحنفي كان ملتفتاً لهذا الأمر، وهذا ما صرّح به، حيث قال: «قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده (ص) اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول الله (ص) من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترته؛


1- أضواء على السنّة النبويّة، محمود أبو ريّة، ص 235.

ص: 85

إذ لا يمكن أن يحمل هذا الحديث على الخلفاء بعده من أصحابه، لقلّتهم عن اثني عشر، ولا يمكن أن نحمله على الملوك الأُمويّة لزيادتهم على اثني عشر، ولظلمهم الفاحش إلّا عمر بن عبد العزيز، ولكونهم غير بني هاشم؛ لأنّ النبيّ (ص) قال: «كلّهم من بني هاشم»، في رواية عبد الملك، عن جابر، وإخفاء صوته (ص) في هذا القول يرجّح هذه الرواية؛ لأنّهم لا يحسنون خلافة بني هاشم، ولا يمكن أن يحمل على الملوك العبّاسية، لزيادتهم على العدد المذكور، ولقلّة رعايتهم .. ويؤيّد هذا المعنى- أي: أنّ مراد النبيّ (ص) الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته- ويرجّحه حديث الثقلين» (1).

الانطباق القهري على أئمّة أهل البيت (عليهم السلام)

بعدما تقدّم من تضارب الأقوال عند أهل السنّة وأنّهم تحيّروا في التفسير الحقيقي والواقعي لهذا الحديث، لذا فالتطبيق الصحيح هو ما أثبتته المدرسة الإماميّة القائلة بإمامة اثني عشر إماماً من أهل البيت (عليهم السلام)- أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالب (ع)، وآخرهم المهدي (عج)- لذا يكون هذا الإثبات قهريّاً، فلا نعرف لهذه الروايات تطبيقاً آخر في تاريخنا المعاصر والقديم غيرهم، فلم يدّع غيرهم لنفسه العصمة، ولن يقل غيرهم إنّه الحجّة على الخلق وإنّه إمام، طاعته هدى ودين، ومخالفته ضلال وجاهليّة، ولم يدّع غيرهم أنّهم هم المقصودون بالأئمّة الاثني عشر.

ولكي تتّضح هذه الرؤية أكثر نقول:

أوّلًا: إنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم حجج الله تعالى على خلقه بمقتضى ما ورد عن رسول الله (ص) في حديث الثقلين، قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله


1- ينابيع المودّة لذوي القربة، ج 3، صص 292 و 293.

ص: 86

وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً» (1)، فمخالفتهم جاهليّة وضلال، فهم المنصوص عليهم، وهم المؤهّلون لهذا المنصب الربّاني، فهم حلقات متّصلة من وفاة رسول الله (ص) إلى أن تقوم الساعة.

ثانياً: لم نجد أحداً أحصى عليهم تناقضاً في قول أو فعل، ولم يتجرّأ أحد على النيل منهم من المسلمين، وتشهد لهم بذلك آية التطهير: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (الأحزاب: 33).

ثالثاً: لو فتّشنا في زوايا التأريخ والحديث فلم نجد من يدّعي لنفسه هذا الأمر من العصمة والحجّيّة وإمامة الدين، وأنّه لا يخلو منهم زمان، ولا تخلو الأرض من حجّة منهم، قال الإمام عليّ (ع): «أللّهمّ بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة إمّا خائفاً مستوراً؛ لئلّا تبطل حجج الله. ..» (2).

رابعاً: تقدّم ذكرنا للروايات التي تقول: «المهدي من ولد عليّ» أو «من ولد فاطمة» أو «من ولد الحسين (عليهم السلام)» فهذه الأحاديث تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على أنّهم من قريش، فهي مفسّرة لحديث (الاثني عشر، وأنّهم من قريش) وحيث إنّه (ع) كان من أبناء الحسين (ع) فهو بالضرورة قرشيّ.

هذه النقاط الأربعة بمجموعها لو قُرنت وضُمّت إلى تلك الأحاديث التي ذكرناها سابقاً في الصحاح التي أثبتت أنّ الأئمّة اثنا عشر، وهم من قريش، لما بقي شكّ في أنّ المصداق والتطبيق الصحيح- بل والقهري- هو ما ذهبت إليه المدرسة الإماميّة الاثنا عشريّة.


1- أخرجه مسلم، ج 4، ص 1873، بلفظ: «وأنا تارك فيكم ثقلين: أوّلهما كتاب الله .. وأهل بيتي»؛ الترمذي، ج 5، ص 622، بلفظ: «كتاب الله وعترتي أهل بيتي».
2- تذكرة الحفّاظ، ج 1، ص 12؛ شرح نهج البلاغة، ج 18، ص 347؛ كنزالعمّال، ج 10، صص 263 و 264.

ص: 87

حديث (الاثني عشر) سابق للتسلسل التأريخي للأئمّة (عليهم السلام)

إنّ حديث (الاثني عشر خليفة) سابق للتسلسل التأريخي للائمّة (عليهم السلام)، فقد بشّر رسول الله (ص) بهم وبولادتهم (عليهم السلام)، قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، وهذا يعبّر عن واقع وحقيقة لا يمكن إلّا أن يذعن لها المنكر والمشكّك؛ لأنّها وردت وضبطت في أصحّ الكتب وبأصحّ الطرق كما تقدّم.

قال السيّد محمّد باقر الصدر (رحمة الله): «إنّ الحديث المذكور سبق التسلسل التأريخي للأئمّة الاثني عشر، وضبط في كتب الحديث قبل تكامل الواقع الإمامي الاثني عشري، أمكننا أن نتأكّد من أنّ هذا الحديث ليس انعكاساً لواقع؛ وإنّما هو تعبير عن حقيقة ربّانيّة نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر» وجاء الواقع الإمامي الاثنا عشري ابتداءً من الإمام عليّ وانتهاء بالمهدي، ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف» (1).

2-- حديث الثقلين

اشارة

ومن الأدلّة العامّة أيضاً حديث الثقلين، روى أحمد بسنده عن رسول الله (ص) أنّه قال: «إنّي تارك فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (2). والذي يلتقي مع الحديث السابق- «لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي في الناس اثنان»- في حيثيّة بقائه إلى قيام الساعة، حيث جاء بلفظ «وعترتي» والمهدي من عترته (ص). وهذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب إلى أن يردا على النبيّ (ص)، وهذا لا يمكن توجيهه إلّا بوجود


1- بحث حول المهدي، محمّد باقر الصدر، ص 107.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج 3، ص 14.

ص: 88

الإمام المهدي (عج) وكونه حيّاً، وهو ما صرّح به علماء الشيعة، وإلّا يلزم الإخبار على خلاف الواقع.

صحّة حديث الثقلين عند أهل السنّة

بات من المسلّمات صحّة هذا الحديث لاسيما في مصادر أهل السنّة، بل هو من الأحاديث المتواترة، فقد ورد في صحيح مسلم:

«وأنا تارك فيكم ثقلين، أوّلهما: كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. .. وأهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي، أُذكّركم الله في أهل بيتي ...» (1).

وقال ابن كثير في «تفسيره»: «وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول الله (ص) قال في خطبته بغدير خم: «إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي، وإنّهما لم يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض» (2).

وقال أيضاً: «قال شيخنا أبو عبد اللّه الذهبي: وهذا حديث صحيح» (3).

وقال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات»، وقال في موضع آخر: «ورواه أحمد، وإسناده جيّد» (4).

وحكم بصحّته ابن حجر المكّي: «روى هذا الحديث ثلاثون صحابيّاً، وإنّ كثيراً من طرقه صحيح وحسن» (5). وهذا لازمه أنّ الحديث متواتر بلا شكّ ولا ريب.


1- صحيح مسلم، ج 7، ص 123.
2- تفسير القرآن العظيم، ج 4، ص 122.
3- السيرة النبويّة، ج 4، ص 416؛ البداية والنهاية، ج 5 ص 228.
4- مجمع الزوائد، الهيثمي، ج 1، ص 170؛ ج 9، ص 256.
5- الصواعق المحرقة، ص 122.

ص: 89

وكذلك صحّحه البغوي في «شرح السنّة»، والحاكم في «مستدركه» (1)، وشهد بصحّته الشيخ ناصر الدين الألباني في «صحيح الجامع الصغير» (2).

دلالة الحديث على وجود الإمام المهدى (عج)

بعدما تقدّم من صحّة هذا الحديث وتواتره فدلالته واضحة؛ لأنّ وجود إمام من العترة وهو الخليفة، وهو مع الكتاب، ولا يمكن أن يفترق عنه إلى يوم القيامة. والتطبيق الوحيد له هو أهل البيت المتمثّل بإمامة الإمام المهدي (عج)، وهو آخر الأئمّة (عليهم السلام)، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعدما ملئت ظلماً وجوراً؛ لأنّه لا معنى للتمسّك بهم والأخذ والاقتداء بإمامتهم والتسليم لهم إلّا إذا فسّر بما تقول به الإماميّة الاثنا عشريّة، وهو التفسير الحقيقي والواقعي والمنطقي.

3-- حديث (لا تخلو الأرض من قائم لله بحجّة)

اشارة

من هذا القبيل أيضاً حديث «إنّ الأرض لا تخلو من قائم لله بحجّة» (3) وهو حديث مشهور عندهم، فقد صحّحه ابن حجر وابن القيّم.

قال ابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»: «... دلالة للصحيح من الأقوال: «أنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة»، والله أعلم» (4).

وكذلك ابن القيّم صرّح بشهرته، حيث قال:

«... وحديث مشهور عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد؛ لشهرته


1- شرح السنّة، البغوي، ج 14، ص 118؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 109.
2- صحيح الجامع الصغير، ج 2، ص 217.
3- تذكرة الحفّاظ، ج 1، ص 12؛ تاريخ مدينة دمشق، ج 50، ص 253؛ المناقب، الموفّق الخوارزمي، ص 366؛ كنزالعمّال، ج 10، صص 363 و 364.
4- فتح الباري، ج 6، ص 359؛ عمدة القاري، العيني، ج 16، ص 40.

ص: 90

عندهم» (1).

الآلوسي يصرّح بخلافة الإنسان الكامل إلى قيام الساعة

صرّح الآلوسي في معرض كلامه في تفسير معنى «الخليفة» في قوله تعالى إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (البقرة: 30) قائلًا: «المشهور أنّ المراد به آدم (ع)»، ثمّ استدرك كلامه قائلًا: «ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام، بل متى فارق هذا الإنسان العالِم مات العالَم؛ لأنّه الروح الذي به قوامه، فهو العماد المعنوي للسماء، والدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه، ولمّا كان هذا الاسم الجامع قابل للحضرتين بذاته صحّت له الخلافة وتدبير العالم، والله سبحانه الفعّال لما يريد، ولا فاعل في الحقيقة سواه» (2).

ولكنّ الآلوسي سكت ولم يصرّح بالتطبيق، ومَن هو ذلك الإنسان الكامل الذي يبقى إلى قيام الساعة؟ فاكتفى بقوله: «وفي المقام ضيق، والمنكرون كثيرون، ولا مستعان إلّا بالله عزّوجلّ» (3).

فالآلوسي لم يفصح عن بيان ماهيّة هذا الإنسان الكامل، وحجّته كثرة المنكرين، ومن ثمّ يستعين على هذا السكوت بالله عزّوجلّ!

وواضح ما يروم إليه الآلوسي، أليس الإنسان الكامل الذي تصحّ له الخلافة، وتدبير العالم إلى قيام الساعة هو الإمام المهدي (عج)؟

أليس ما ذكرناه من تلك الأحاديث المتقدّمة، كحديث الاثني عشر، والثقلين،


1- إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، ابن قيّم الجوزيّة، ج 2، ص 195.
2- روح المعاني، الآلوسي، ج 1، صص 298 و 299.
3- المصدر نفسه، ص 299.

ص: 91

وعدم خلو الأرض منه، والبيعة في عنق المسلمين، وما لم يتمّ ذلك مات ميتة جاهليّة كما سيأتي؛ كلّها شواهد على تلك الحقيقة، وهي «الإنسان الكامل الذي تصحّ له الخلافة والإمامة» التي لا يمكن إلّا وأن يذعن لها العقل والفطرة السليمة.

4-- حديث (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة)

اشارة

وكذلك من الأدلّة العامّة هو حديث «من مات وليس في عنقه بيعة»، وهذا الحديث أخرجه مسلم في «صحيحه»، والبيهقي في «سننه»، ونصّه: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة» (1).

وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم والهيثمي بلفظ: أنّ النبيّ (ص) قال: «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليّة» (2). قال الألباني: «إسناده حسن ورجاله ثقات» (3).

وقال أيضاً: «رواه الطبراني في «الأوسط» وفيه العباس بن الحسن القنطري ولم أعرفه، وبقيّة رجاله رجال الصحيح. قلت: الظاهر أنّه العبّاس بن الحسين- مصغّراً- القنطري، وهو ثقة من شيوخ البخاري» (4).

وورد من طرق الشيعة والسنّة بلفظ: «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة» (5).


1- صحيح مسلم، ج 6، ص 22؛ السنن الكبرى، البيهقي، ج 8، ص 56.
2- مجمع الزوائد، ج 5، صص 224 و 225؛ كتاب السنّة، ابن أبي عاصم، ص 489.
3- ابن أبي عاصم، السنّة، ومعه ظلال الجنّة، الألباني، ص 490.
4- المصدر نفسه.
5- أُصول الكافي، ج 1، ص 3؛ الروضة، ج 8، ص 146؛ قرب الإسناد، الحميري القمّي، ص 351؛ كمال الدين وتمام النعمة، الصدوق، صص 409 و 412.

ص: 92

ولعلّ قائل يقول: إنّ هناك فرقاً بين الحديثين، فالأوّل يتحدّث عن نصب الإمام، والثاني يتحدّث عن معرفة الإمام.

نقول: لا فرق بينهما، فالمعرفة متفرّعة على أداء البيعة له، فكيف تتمّ البيعة بلامعرفة؟ والتي تقتضي- بداهة- طاعته وموالاته، ومعاداة أعدائه، والبراءة من كلّ ولاية غير ولايته التي هي ولاية الله ورسوله. وقد ذكر الكليني في الكافي رواية تؤكّد هذا المعنى، حيث روى بإسناده عن أبي جعفر (ع) أنّه قال: «من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهليّة، ومن مات وهو عارف لإمامه لم يضرّه تقدّم هذا الأمر أو تأخّر» (1).

فهناك مقابلة بين من ليس له إمام وبين المعرفة بالإمام، والأوّل ميتته جاهلية، والثاني لا يضرّه شي ء وهو على خير.

ولو نظرنا إلى حديث الثقلين فهو يفسّرهما معاً؛ بل نجد تطابقاً واضحاً فيما بينهما، فقد ورد في حديث الثقلين أنّه يجب التمسّك بهم، وهم العدل الآخر للكتاب، ولو تمسّك الناس بهم لن يضلّوا أبداً. وكذلك وردت مفردة «الجاهليّة» المترتّبة على عدم البيعة، إذن ف- «الجاهليّة والضلال» يتعانقان بعدم معرفتهم والتمسّك بهم (عليهم السلام).

دلالات الحديث وتفسيره

1- الكافي، ج 1، صص 371 و 372.

ص: 93

لو تأمّلنا في مفردات هذا الحديث ودلالاته لوجدنا أنّها تشير إلى حقيقة مهمّة تتمثّل بما يلي:

وجوب وجود الإمام وتعيينه.

وجوب البيعة الفعليّة.

الالتزام والتسليم المطلق بهذه البيعة.

البيعة مشروطة بإمام واحد فقط.

فقوله (ص): «من مات وليس في عنقه بيعة» يشعرنا بوجوب المبادرة الفوريّة لإمام المسلمين المفترض الطاعة، وعدم التهاون في لزوم هذا الأمر؛ لأنّ الموت قد يفاجأ الإنسان في كلّ لحظة، وعنده لا يعذر وتكون خاتمته خاتمة سوء.

وأمّا البيعة لشخص الإمام فقد ذكر ابن حزم في المسألة السابعة والثمانون:

«ولا يجوز أن يكون في الدنيا إلّا إمام فقط، ومن بات ليلة وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهليّة» (1).

وتفسير البيعة في هذا الحديث، مأخوذ من المعاقدة والمعاهدة، كأنّ كلّ واحد باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته (2)، فالبيعة بهذا المعنى تعني السمع والطاعة لمن بايعه.

وعليه فلا تقع إلّا للإمام الحيّ، وهذا واضح؛ لأنّ الميّت لا تتحقّق معه المعاهدة، واعتقاد إمامة الأئمّة الماضين لا يستلزم تحقّق البيعة لهم.

وأمّا مفهوم الميتة الجاهليّة فقد وصفها النووي، قائلًا: «أي على صفة موتهم من حيث هي فوضى لا إمام لهم» (3).


1- المحلّى، ابن حزم، ج 1، ص 45.
2- لسان العرب، ابن منظور، ج 8، ص 86.
3- شرح مسلم، النووي، ج 21، ص 238.

ص: 94

إذن هناك ميثاق وعهد وعقد بين الإنسان المسلم وبين الإمام الذي تجب بيعته؛ بحيث لو تخلّف عن بيعته لترتّب عليها الجهل والضلال، وبالتالي يكون جزاؤه الخسران المبين.

ومن تأمّل ونظر بإنصاف في معاني ومفردات هذا الحديث، يجزم بأنّ البيعة مشروطة بإمام حيّ مفترض الطاعة موجود في كلّ عصر وزمان، بحيث تتحقّق البيعة له، ولايوجد مصداق صحيح إلّا الإمام المهدي (عج)، الذي تقول به الشيعة الإماميّة.

شبهة التعارض في أحاديث الإمام المهدي (عج)

شبهة التعارض في أحاديث الإمام المهدي (عج) (1)

ذكر السيّد محمّد رشيد رضا في «تفسيره»، قائلًا: «وأمّا التعارض في أحاديث المهدي فهو أقوى وأظهر، والشبهة فيها أظهر، ولذلك لم يعتدّ الشيخان بشي ء من رواياتها في صحيحهما» (2)، وعليه فتتعارض وتتساقط.

جواب الشبهة:

إنّ هذه الشبهة مردودة من وجوه:

أوّلًا: قد تقدّم أنّ هناك جمّاً غفيراً من كبار العلماء ممّن قال بصحّة وتواتر أحاديث الإمام المهدي (عج)، وهذا بطبيعة الحال ناشئ من عدم الخلاف في هذه القضيّة.


1- نذكر هذه الشبهات وإن لم ترد على لسان القفاري، ولكن لبيان أنّ إنكار الدكتور القفاري للمهدويّة سببه اتّباع وتقليد أسلافه، الذين ردّوا الأحاديث الصحيحة والمتواترة التي تناولت هذا الموضوع.
2- تفسير القرآن الحكيم، محمّد رشيد رضا، ج 9، ص 499.

ص: 95

ثمّ نسأل ما هو التعارض؟ أليس هو التنافي بين دليلين أو أكثر، بحيث يتحيّر العرف في العمل بهما، بحيث نجد أنّ هناك تدافعاً أو تناقضاً بين الدليلين؟ فهل تحيّر العرف في الجمع بين أحاديث الإمام المهدي (عج) حتّى نقول بالتعارض أم أنّ أحاديثه صحيحة ومتواترة؟

ثانياً: إنّ التعارض يحصل بين الأدلّة الظنّية وليس القطعيّة، وما نحن فيه هو قطعيّ جزماً؛ لأنّ اتّفاق ما يزيد على خمسين حديثاً رواه أكثر من صحابي وصحابيّة يورث الاطمئنان، وكذلك التواتر بطرقها في جميع الطبقات.

ثالثاً: إنّ التعارض إن وجد، فهو ليس في أصل القضيّة وجوهرها، بل لعلّه في الروايات التي تتكلّم عن جزئيّات هذه المسألة، فهو تعارض بدوي يمكن حلّه بسهولة ويسر، وذلك بإرجاع بعض الأحاديث إلى بعضها الآخر، كإرجاع العامّ إلى الخاصّ، والمطلق إلى المقيّد، وهكذا دواليك.

أمّا الاعتقاد برجل من أهل البيت (عليهم السلام) أو العترة الطاهرة في آخر الزمان يملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت ظلماً وجوراً، فهو ممّا تسالم عليه الفريقان.

إذن ما فُرض من تعارض أحاديث الإمام المهدي (عج) باطل وفاقد للدليل، بل لا يوجد موضوع لهذا التعارض حتّى نقول به.

شبهة عدم إخراج البخاري ومسلم أحاديث المهدي في صحيحهما

من الشبهات التي أدّت إلى إنكار أحاديث الإمام المهدي (عج) عدم ورودها في صحيح «البخاري» و «مسلم»، وعليه فما ورد في الكتب الأُخرى تحمل على الضعف، أو أنّها مقتبسة من طوائف أُخرى، وقد تقدّم في كلام محمّد رشيد

ص: 96

رضا قوله: «لم يعتدّ الشيخان بشي ء من رواياتها في صحيحهما» (1).

وكذلك ما تقدّم من كلام أحمد أمين: «ولم يرو البخاري ومسلم شيئاً من أحاديث المهدي ممّا يدلّ على عدم صحّتها عندهما» (2). والقفاري قد نهج نفس الأُسلوب واقتفى نفس الأثر.

جواب الشبهة:

نقول: إنّ هذه الشبهة باطلة من وجوه:

الأوّل: إنّ البخاري أو مسلم لم يدّعيا أنّهما استوعبا في كتابيهما جميع الأحاديث الصحيحة، إن سلّمنا بجميع ما فيه من أحاديث صحيحة.

أمّا البخاري فواضح من اسم كتابه الذي ذكره ابن الصلاح في مقدّمته، قال: «اسمه الذي سمّاه به هو الجامع المسند الصحيح المختصر من أُمور رسول الله (ص) وسننه وأيّامه» (3).

فهو يصرّح بأنّه مختصر من أُمور رسول الله (ص)، فكلمة الجامع هي للمختصر، وليس لكلّ ما ورد في سننه (ص).

وقال الذهبي وابن حجر العسقلاني: «قال إبراهيم بن معقل سمعت محمّد بن إسماعيل يقول: ما أدخلت في كتاب «الجامع» إلّا ما صحّ، وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب» (4).

وقال الحازمي: «فقد ظهر أنّ قصد البخاري كان وضع مختصر في الحديث، وأنّه لم يقصد الاستيعاب لا في الرجال ولا في الحديث» (5).


1- تفسير القرآن الحكيم، ج 9، ص 499.
2- ضحى الإسلام، ج 3، ص 238.
3- مقدّمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن، ص 29.
4- سير أعلام النبلاء، ج 12، ص 402؛ تغليق التعليق، ابن حجر العسقلاني، ج 5، ص 420.
5- مقدّمة كتاب صحيح ابن حبّان، شعيب الارنؤوط، ج 1، ص 6.

ص: 97

أمّا مسلم فقد صرّح هو بنفسه قائلًا: «ليس كلّ شي ء عندي صحيح وضعته ههنا، إنّما وضعت ما أجمعوا عليه» (1).

وقال النووي في مقدّمة شرحه: «إنّ مسلماً قال: «إنّما أخرجت هذا الكتاب وقلت هو صحاح، ولم أقل ما لم أخرجه من الحديث في هذا الكتاب فهو ضعيف، وإنّما خرّجت هذا الحديث من الصحيح؛ ليكون مجموعاً عندي وعند من يكتبه عنّي».

وقال أيضاً: «ألزم الحافظ الدار القطني وغيرُهُ البخاري ومسلماً إخراج أحاديث تركا إخراجها، مع أنّ أسانيدها أسانيد قد أخرجا لرواتها في صحيحهما. وذكر الدار قطني وغيره: أنّ جماعة من الصحابة ممّن رووا عن رسول الله (ص) ورويت أحاديثهم من وجوه الصحاح لا مطعن في ناقليها، ولم يخرّجا من أحاديثهم شيئاً، فيلزمهما إخراجهما على مذهبهما. وذكر البيهقي: أنّهما اتّفقا على أحاديث صحيفة همام بن منبه، وأنّ كلّ واحد منهما انفرد عن الآخر بأحاديث منها، مع أنّ الإسناد واحد ... وهذا الإلزام ليس بلازم في الحقيقة، فإنّهما لم يلتزما استيعاب الصحيح؛ بل صحّ عنهما تصريحهما بأنّهما لم يستوعباه، وإنّما قصدا جمع جمل من الصحيح كما يقصد المصنّف في الفقه جمع جملة من مسائله، لا أنّه يحصر جميع مسائله» (2).

الثاني: تقرّر عند علماء هذا الفن أنّ الحديث المقبول أعمّ من الصحيح، فهو يشمل الصحيح لذاته والصحيح لغيره، والحسن لذاته والحسن لغيره، والصحيح ليس مقصوراً وجوده في كتاب الصحيحين كما هو بديهي، فالعلماء قسّموا الصحيح بحسب القوّة إلى سبعة درجات:

1- ما اتّفق عليه الشيخان.


1- صحيح مسلم، ج 2، ص 15.
2- النووي في شرحه على الصحيح، ج 1، صص 24- 26.

ص: 98

2- ما تفرّد به البخاري.

3- ما تفرّد به مسلم.

4- ما كان على شرط البخاري ومسلم.

5- ما هو على شرط البخاري.

6- ما هو على شرط مسلم.

7- ما رواه من غيرهم من الأئمّة الذين التزموا الصحّة وصحّحوه (1).

ومعلوم أنّه ليس في الصحيحين من هذه المراتب إلّا الثلاث الأُولى، أمّا الأربع الباقية فلا وجود لها إلّا خارج الصحيحين.

ومعلوم أيضاً أنّ العلماء في جميع العصور يحتجّون بالأحاديث الصحيحة، بل والحسنة الموجودة خارج الصحيحين، والعمل بها مطلقاً، واعتبار ما دلّت عليه، من غير حطّ من شأنها أو التقليل من قيمتها، سواء أكان ذلك في أُمور الاعتقاد أم في أُمور الأحكام.

إذن هناك كتب احتجّ بها القوم في غير الصحيحين، فليس بالضرورة أنّ كلّ حديث لم يخرّجه البخاري ومسلم هو ضعيف أو لا يحتجّ به.

الثالث: إنّ الأحاديث التي وردت في صحيح البخاري ومسلم لا نستطيع أن نجزم بعدم شمولها لأحاديث الإمام المهدي (عج)؛ بل هناك أحاديث وردت فيهما وإن لم يرد فيها التصريح بذكر المهدي (عج) على جهة التفصيل، فهناك أحاديث تدلّ إجمالًا على ظهور رجل صالح، يؤمّ المسلمين عند نزول عيسى (ع) في آخر الزمان، يصلّي عيسى بن مريم خلفه.

ومن ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري ومسلم في باب نزول عيسى بن مريم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله (ص): «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم


1- مقدّمة في أُصول الحديث، عبد الحقّ الدهلوي، ج 1، صص 87 و 88.

ص: 99

فيكم وإمامكم منكم؟!» (1).

وكذلك روى مسلم عن جابر بن عبد الله عنه، أنّه سمع النبيّ (ص)، يقول:

«لا تزال طائفة من أُمّتي يقاتلون على الحقّ ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم (ع)، فيقول أميرهم: تعال صلّ لنا، فيقول: لا، إنّ بعضكم على بعض أُمراء؛ تكرمة الله هذه الأُمّة» (2).

وجاء ما يفسّر- هذه الأحاديث في السنن والمسانيد الأُخرى- ويبيّن اسم هذا الأمير الذي يصلّي عيسى (ع) خلفه، وصفته أنّه هو المهدي (عج)، والسنّة تفسّر بعضها بعضاً.

روى ابن القيّم في «المنار المنيف» عن «مسند الحارث بن أبي اسامة» وصحْحه، قال:

«روى الحارث بن أبي أُسامة في مسنده: حدّثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدّثنا إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب بن منبّه، عن جابر، قال: قال رسول الله (ص): «ينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم المهدي: تعال صلّ بنا، فيقول: لا، إنّ بعضهم أمير بعض؛ تكرمة الله لهذه الأُمّة». ثمّ قال معلّقاً عليه: «وهذا إسناد جيّد» (3).

وأيضاً صحّحه الألباني في «السلسلة الصحيحة» (4).

خلاصة ونتيجة:

إنّ هذه الأحاديث وإن رويت في الصحاح بشكل مجمل، ولكن كتب السّنة فسّرتها وشرحتها؛ ولعلّ سبب عدم ذكر البخاري أو مسلم لهذه الأحاديث هو:


1- صحيح البخاري، ج 4، ص 143؛ صحيح مسلم، ج 1، ص 94.
2- صحيح مسلم، ج 1، ص 95.
3- ابن القيم الجوزيّة، ج 1، ص 147.
4- السلسلة الصحيحة، محمّد ناصر الألباني، ج 5، ص 276.

ص: 100

أنّ مجرّد ذكر المهدي المنتظر (عج) يثير الرعب في أوصال أركان السلطة العبّاسيّة آنذاك، فكانت عيونهم ومخابراتهم تتحرّى وترصد كلّ المواليد في ذلك الوقت، وهل يعقل والحال هذه أن يقدم ويجازف الشيخان على هذا الفعل، فلو فعلا ذلك لواجها دولة لا طاقة لهما بمواجهتها، ومع هذا فقد تطرّق الشيخان إلى الأحاديث الواردة بخروج الدجّال، وأحاديث نزول عيسى، وإمامة أمير المسلمين لعيسى، فهما يعبّران عن وجود الإمام المهدي بكلمة «أمير» أو «الإمام» مطلقاً (1).

إذن هناك أحاديث كثيرة منها الصحيح وغير الصحيح هي خارج إطار الكتابين المذكورين، لذا نجد الحفّاظ الآخرين- كابن خزيمة، وتلميذه ابن حبّان، وتلميذ ابن حبّان الحاكم النيسابوري، وغيرهم- استدركوا وجمعوا وصحّحوا الأحاديث وصنّفوها في مؤلّفاتهم المشهورة والمعروفة عند أهل العلم والمعرفة.

وبهذا البيان اتّضح سقوط شبهة أنّ أحاديث الإمام المهدي (عج) لم يخرّجها البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك شبهة التعارض.

ومن مجموع ما تقدّم سقطت أيضاً دعوى خرافة وأُسطورة القول بالإمام المهدي (عج) وغيبته، فهي محض افتراء لا واقع لها، والحقيقة تأبى إلّا أن تنصاع للقبول بتواتر وصحّة أحاديث الإمام المهدي (عج).

شبهة أنّ الإمام العسكري 7 مات بلا عقب

اشارة

قال القفاري في ص 1004، في فصل «نشأة فكرة الغيبة عند الشيعة


1- حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي، أحمد حسين يعقوب، ص 118.

ص: 101

الاثني عشريّة»:

«إذ بعد وفاة الحسن- إمامهم الحادي عشر- سنة (260 ه) لم ير له خلف، ولم يعرف له ولد ظاهر، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأُمّه، كما تعترف بذلك كتب الشيعة نفسها.

وبسبب ذلك اضطرب أمر الشّيعة، وتفرّق جمعهم؛ لأنّهم أصبحوا بلا إمام، ولا دين عندهم بدون إمام؛ لأنّه هو الحجّة على أهل الأرض ...».

ثمّ قال في ص 1094 في فصل «نقد عقيدة الغيبة»:

«حتّى قال بعضهم: إنّا قد طلبنا الولد بكلّ وجه فلم نجده، ولو جاز لنا دعوى أنّ للحسن ولداً خفيّاً لجاز مثل هذه الدعوى في كلّ ميّت من غير خلف، ولجاز أن يقال في النبيّ (ص): إنّه خلّف ابناً نبيّاً رسولًا؛ لأنّ مجي ء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجي ء الخبر بأنّ النبيّ (ص) لم يخلّف ولداً من صلبه، فالولد قد بطل لا محالة».

بيان الشبهة:

من خلال ما تقدّم نلخّص كلامه بالبيان التالي:

1- اعتراف كتب الشيعة بأنّ الإمام العسكري (ع) لم يخلّف ولداً؛ لذا قسّم إرثه بين أخيه جعفر وأُمّه.

2- وبسبب ذلك اضطرب أمر الشّيعة؛ لفقدان الإمام عندهم، وبذلك يبطل دينهم؛ لأنّهم يؤمنون بأنّ الأرض لا تخلو من حجّة، وهنا فقدت الحجّة؛ لأنّ الإمام الحسن العسكري (ع) ليس له عقب.

3- ثمّ استشهد بقول إحدى الفرق على زعمه، وهو: أنّنا لوقلنا بمثل هذه الدعوى- وهي أنّ للحسن ولداً خفيّاً- لقلنا بجواز ذلك في كلّ ميّت من غير خلف، ثمّ قاس ذلك بين النبيّ الأكرم 9 وبين الإمام الحسن العسكري 7؛ لأنّ

ص: 102

خبر المجي ء بوفاة الحسن بلا عقب هو نفسه بأنّ النبيّ 9 لم يخلّف ولداً من صلبه، وعليه تكون النتيجة هي بطلان الولد.

جواب الشبهة:

هذه الشبهة باطلة لعدّة وجوه:

الأوّل: تضارب الأقوال وتعارضها في نقل أقوال الشيعة.

ادّعى القفاري بأنّ كتب الشيعة تصرّح بأنّ الإمام العسكري (ع) لم يعرف له ولد ظاهر، ولو راجع القارئ نفس كلام القفاري لوجد تضارباً وتهافتاً في أقواله، فهو يصرّح في الصفحة الأُخرى التي تليها (ص 1006) من نفس هذا الفصل قائلًا:

«أمّا الاثنا عشريّة فقد ذهبت إلى الزّعم بأنّ للحسن العسكري ولداً كان قد أخفى (أي: الحسن) مولده، وستر أمره؛ لصعوبة الوقت وشدّة طلب السّلطان له، فلم يظهر ولده في حياته، ولا عرفه الجمهور بعد وفاته».

وهو بهذا يصرّح برأي الشيعة الإماميّة بشكل صريح، وأنّ للإمام العسكري ولداً وقد أُخفي مولده، وهذا الكلام بطبيعة الحال مقتبس من كتب الشيعة التي تمثّل رأيهم، وهذا واضح.

وإن قال: إنّي أقصد فرق الشيعة، وليس الشيعة الإماميّة.

فنقول: كتابكم كان في معرض نقد مذهب الشيعة الإماميّة كما هو المفهوم من عنوان كتابكم «أُصول مذهب الشيعة الاثني عشريّة»، والمفروض أن يوجّه الكلام لهذه الفرقة، لا أن يتشتّت البحث كما هو واضح لمن يتصفّح كتابكم، وهذا هو الخطأ الكبير والفاحش الذي وقع في منهج نقدكم لهذه الطائفة، فهناك خلط واضح بين الفرق الشيعيّة وغيرها، وبين مذهب الاثني عشريّة الإماميّة.

ص: 103

إذن كيف يجتمع كلامه السابق مع اللاحق؟ وهذا يدلّ على اضطرابه فيما ينقل؛ للخطأ في المنهج كما قلنا. هذا أوّلًا.

وثانياً: إنّ غرضه النيل من التشيّع، لذا نجده متسرّعاً في إلقاء الأحكام جزافاً وبلا تأمّل.

الوجه الثاني: اعتراف كتب الفرق بوجود الخلف من صلب الإمام الحسن العسكري (ع).

إنّ الدكتور القفاري نقل هذا القول من الأشعري صاحب كتاب المقالات والفرق، وهذا الرجل كان ينقل أقوال الفرق بعد وفاة الإمام الحسن العسكري (ع)، فبعد أن نقل الكلام المتقدّم، قال: «ففرقة منها وهي المعروفة بالإماميّة قالت: .. فنحن متمسّكون بإمامة الحسن بن عليّ، مقرّون بوفاته موقنون مؤمنون بأنّ له خلفاً من صلبه، متديّنون بذلك، وأنّه الإمام من بعد أبيه الحسن بن عليّ، وأنّه في هذه الحالة مستتر خائف، مأمور بذلك حتّى يأذن الله عزّوجلّ له، فيظهر ويعلن أمره» (1).

وواضح أنّ مراد الأشعري هو أنّ الإماميّة الاثني عشريّة موقنون مؤمنون متديّنون بأنّ للإمام الحسن العسكري (ع) خلفاً من صلبه، وأنّه الإمام من بعد أبيه. وهو يتبنّى هذا القول؛ لأنّ مذهبه وعقيدته هي الإيمان باثني عشر إماماً، فأين اعتراف كتب الشيعة بأنّ الإمام لم يخلّف ولداً؟! ثمّ ألا يعدّ هذا خيانة علميّة، فهل غفل أو لم يطّلع الدكتور على مراجعة هذا الكلام، فلماذا هذا التقطيع للنصوص؟!

الوجه الثالث: عدم الرؤية لا تدلّ على عدم الوجود.

إنّ قول الأشعري في النصّ الذي نقله القفاري: «ولم ير له خلف ولم


1- المقالات والفرق، سعد بن عبد الله الأشعري، صص 102 و 103.

ص: 104

يعرف له ولد ظاهر» ليس فيه دلالة على أنّ الإمام العسكري (ع) لم يخلّف ولداً، فعدم الرؤية والمعرفة له لا تدلّ على عدم وجوده، فلا ملازمة في البين، ولنقرّب ذلك بمثال حسّي:

وهو أنّنا لو لم نر أو لم نعرف فلاناً من الناس لغيبته بسبب السفر- مثلًا- أو أيّ سبب آخر، فهل يدلّ ذلك على أنّه معدوم وغير مولود؟ نعتقد أنّ هذا الكلام باطل ولايقرّه العقلاء.

الوجه الرابع: دعوى الميراث لا تنفي الولادة.

أمّا الاستدلال بقسمة ميراث الإمام العسكري (ع) على عدم الولادة- حيث قال: «فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأُمّه»- فهو استدلال غريب من سماحة الدكتور؛ لأنّ الشيعة عندما تنقل ذلك لا تدّعي أنّ الإمام المهدي غير مولود، بل تقول: إنّ جعفر الكذّاب ادّعى الإمامة بعد أخيه الحسن بن عليّ زوراً، وادّعى ميراثه مع علمه بوجود الإمام المهدي (عج).

روى الصدوق بسنده عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي خالد الكابلي، عن الإمام زين العابدين (ع) قال: حدّثني أبي عن أبيه (عليهما السلام): أنّ رسول الله (ص) قال: «إذا ولد ابني جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) فسمّوه الصادق، فإنّ للخامس من ولده ولداً اسمه جعفر يدّعي الإمامة اجتراءً على الله وكذباً عليه، فهو عند الله جعفر الكذّاب المفتري على الله عزّوجلّ، والمدّعي لما ليس له بأهل، المخالف على أبيه، والحاسد لأخيه، ذلك الذي يروم كشف ستر الله عند غيبة وليّ الله عزّوجلّ». ثمّ بكى عليّ بن الحسين (عليهما السلام) بكاءً شديداً.

ثمّ قال: «كأنّي بجعفر الكذّاب وقد حمل طاغية زمانه على تفتيش أمر وليّ الله، والمغيّب في حفظ الله، والتوكيل بحرم أبيه جهلًا منه بولادته، وحرصاً

ص: 105

منه على قتله إن ظفر به، (و) طمعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه» (1).

فالرواية وردت على لسان رسول الله (ص) تشير بشكل صريح أنّ جعفر كان يروم كشف ستر الله عند غيبته حرصاً منه على قتله وطمعاً في ميراثه.

وهذا الحديث يحمل صحّته معه؛ لوجود قرينة تدلّ على ذلك، وهي حكاية الواقع وصدقه بما أخبر به (ص)، فالواقع لا يمكن أن يكذّب تلك الواقعة، فجعفر كان حاسداً لأخيه، وطامعاً في ميراثه حتّى يأخذه بغير حقّه.

لذا نجد الشيخ المفيد رحمه الله يصرّح بقوله:

«وتولّى جعفر بن عليّ أخو أبي محمّد (ع) أخذ تركته، وسعى في حبس جواري أبي محمّد (ع) واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه بانتظارهم ولده، وقطعهم بوجوده، والقول بإمامته، وأغرى بالقوم حتّى أخافهم وشرّدهم، وجرى على مخلّفي أبي محمّد (ع) بسبب ذلك كلّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر السلطان منهم بطائل. وحاز جعفر ظاهر تركة أبي محمّد (ع) واجتهد في القيام عند الشيعة مقامه، فلم يقبل أحد منهم ذلك ولا اعتقده فيه، فصار إلى سلطان الوقت يلتمس مرتبة أخيه، وبذل مالًا جليلًا، وتقرّب بكلّ ما ظنّ أنّه يتقرّب به فلم ينتفع بشي ء من ذلك» (2).

رأي الإماميّة في جعفر الكذّاب

خلاصة أقوال الإماميّة في جعفر الكذّاب لاسيما في هذه المسألة هو التالي:

أوّلًا: إنّه ادّعى الإمامة وهو غير مؤهّل لها؛ ممّا اضطرّه إلى اللجوء للسلطة الحاكمة للتمهيد لهذا الأمر، ولكن خاب سعيه في ذلك.

لذا نجد أنّ الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان نهره عندما جاء إليه في هذا


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 320.
2- الإرشاد، ج 2، ص 336.

ص: 106

الأمر.

وننقل ما قاله الوزير ابن خاقان، حيث قال له:

«يا أحمق، السلطان جرّد سيفه في الذين زعموا أنّ أباك وأخاك أئمّة ليردّهم عن ذلك فلم يتهيّأ له ذلك، فإن كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة لك إلى السلطان ليرتبك مراتبهم ولا غير السلطان، وإن لم تكن عندهم بهذه المنزلة لم تنلها بنا ...» (1).

ولم يكتفِ جعفر بذلك؛ بل استخدم الأموال ليصل إلى مآربه الخبيثة، ولكن أيضاً لم يوفّق في هذا المسعى، فحمل للسلطة الحاكمة آنذاك أموالًا طائلة تقدّر ب- (عشرين ألف دينار) طالباً منها أن تجعل له مرتبة أخيه ومنزلته، فكان جوابها بنحو جواب الوزير ابن خاقان (2).

ثانياً: وكذلك ادّعى تركة الأموال والميراث التي تركها أخيه بلا وجه حقّ، ومن ثمّ حيازته لها بإذن من السلطة الحاكمة.

قال ابن شهر آشوب في مناقبه: «تولّى أخوه أخذ تركته وسعى إلى السلطان في حبس جواري أبي محمّد (ع) وشنّع على الشيعة في انتظارهم ولده، وجرى على المخلّف كلّ بلاء، واجتهد جعفر في المقام مقامه، فلم يقبله أحد، وبرئوا منه ولقبّوه: الكذّاب» (3).

ثالثاً: إفشاء سرّ أخيه العسكري (ع) إلى الدولة من خلال الإيعاز لهم بولادة الإمام المهدي (عج)، ومن هنا بدأت سلسلة من المطاردات والاعتقالات لعيال الإمام (عج)، ولم يتمكّنوا من العثور عليه.

إذن هذا هو حال جعفر؛ لذا جاءت تسميته ب- «الكذّاب» عند الإماميّة، وهذا


1- الكافي، ج 1، صص 505 و 506.
2- مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، ج 3، ص 524.
3- المصدر نفسه.

ص: 107

بطبيعة الحال، لا يدلّ على أنّ الإمام العسكري (ع) لم يخلّف أو لم يولد له ولد، كما صوّر وادّعى الدكتور ذلك.

الوجه الخامس: تواتر الأحاديث بولادة المهدي (عج).

إنّ الأحاديث التي تقدّم ذكرها في شبهة «أُسطوريّة الإمام المهدي» كحديث «الثقلين» وحديث «الاثني عشر» وحديث «عدم خلو الأرض من قائم لله بحجّة» وحديث «البيعة للإمام» والتي دلّت على استمرار وجوده، فهي بالقطع واليقين مستلزمة لولادته، وكذلك ما ورد من تطبيق لهذه الأحاديث من مصادر الحديث السنّية، وكذلك ما تواتر من أحاديث الهويّة، وكونه من قريش ومن أهل البيت، من ولد النبيّ، ومن ولد عليّ وفاطمة والحسين:، كما روي عن مجاهد التابعي المشهور، عن رسول الله (ص):

«وصيّي عليّ بن أبي طالب، وبعده سبطاي: الحسن والحسين، تتلوه تسعة أئمّة من صلب الحسين ... قال (ص): إذا مضى الحسين فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه جعفر، فإذا مضى جعفر فابنه موسى، فإذا مضى موسى فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه محمّد، فإذا مضى محمّد فابنه عليّ، فإذا مضى عليّ فابنه الحسن، فإذا مضى الحسن فابنه الحجّة محمّد المهدي، فهؤلاء اثنا عشر» (1). وغيرها من الأحاديث، وقد تقدّم ذكرها.

وسوف نتناول اعتراف جملة كبيرة من العلماء ممّن قالوا بولادته (عج) وكونه من ولد الإمام الحسن العسكري 7، ولاسيما ممّن له خبرة واطّلاع في علم الأنساب، لذا سنذكر الذين دوّنوا هذه الحقيقة واعترفوا بها في صحفهم، وكذلك نذكر بشكل عام مَن قال بولادته.

وكذلك ننقل الروايات والأحاديث من طرق الشيعة من خلال الشهادات


1- فرائد السمطين، ج 2، ص 133؛ ينابيع المودّة، ج 3، ص 282.

ص: 108

والوثائق التي تثبت لنا ولادته (عج)، ومع وضوح هذا الأمر عند الإماميّة؛ لأنّها من صلب عقيدتهم؛ ولكن لتشكيكهم في رواياتهم في هذا الأمر سنضطرّ لنقلها.

اعتراف علماء الأنساب بولادة الإمام المهدي (عج)

في البدء إليك عبارة الدكتور القفاري التي نفى فيها تصريح علماء الأنساب بولادة الامام المهدي (عج)، قال في ص 1091 في فصل «نقد عقيدة الغيبة»: «وقد ذكر أهل العلم بالأنساب والتواريخ أنّ الحسن بن عليّ لم يكن له نسل ولا عقب».

نقول: إنّ هذا الكلام افتراء بلا دليل، فقد ذهب جملة من علماء هذا الفن من الفريقين إلى القول بولادة الإمام المهدي (عج)، فهم الأدرى والأعلم بشجرة الأنساب، وقولهم يورث الاطمئنان بالصدق، فيكون حجّة بلا نزاع في ذلك، وهم كما يلي:

1- الشيخ أبو نصر البخاري:

وهو النسّابة الشهير الشيخ أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود بن سليمان بن أبان بن عبد الله البخاري، من أعلام القرن «الرابع الهجري» والذي كان حيّاً سنة (341 ه) فهو قريب من عصر غيبة الإمام المهدي (عج).

قال في (سرّ السلسلة العلويّة): «وولد عليّ بن محمّد النقي (ع) الحسن بن عليّ العسكري (ع) من أُمّ ولد نوبيّة تدعى «ريحانة»، وولد سنة إحدى وثلاثين ومائتين، وقبض سنة ستّين ومائتين بسامراء، وهو ابن تسع وعشرين سنة ... وولد علىّ النقي بن محمّد التقي (ع) جعفراً، وهو الذي تسمّيه الإماميّة جعفر الكذّاب، وإنّما تسمّية الإماميّة بذلك لادّعائه ميراث أخيه الحسن (ع) دون ابنه

ص: 109

القائم الحجّة (عج)، لا طعن في نسبه» (1).

2- السيّد الشريف نجم الدين أبو الحسن بن محمّد العلوي العمري، النسّابة المشهور، من أعلام (القرن الخامس) في كتابه «المجدي في أنساب الطالبيّين»، قال: «ومات أبو محمّد (ع) وولده من نرجس (س) معلوم عند خاصّة أصحابه وثقات أهله .. وامتحن المؤمنون، بل كافّة الناس بغيبته» (2).

3- فخر الدين محمّد بن عمر الرازي الشافعي (ت 606 ه) في كتابه «الشجرة المباركة في أنساب الطالبيّة»، قال: «أمّا الحسن العسكري الإمام (عج) فله ابنان وبنتان: أمّا الابنان فأحدهما: صاحب الزمان، والثاني موسى درج في حياة أبيه ...» (3).

4- ابن عنبة جمال الدين الحسني والمتوفّى (ت 828 ه) في كتابه «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب»، قال: «الإمام أبو محمّد الحسن العسكري (ع) كان من الزهد والعلم على أمر عظيم، وهو والد الإمام محمّد المهدي صلوات الله عليه، ثاني عشر الأئمّة عند الإماميّة، وهو القائم المنتظر عندهم، من أُمّ ولد اسمها نرجس، واسم أخيه أبو عبد الله جعفر الملقّب بالكذّاب لادّعائه الإمامة بعد أخيه الحسن» (4).

5- أبو المعالي محمّد سراج الدين الرفاعي (ت 885 ه): في كتابه «صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار» حيث قال: «وكان له (أي: الإمام الهادي) خمسة أولاد: الإمام الحسن العسكري والحسين ومحمّد وجعفر وعائشة، فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجّة المنتظر،


1- سرّ السلسلة العلويّة، أبو نصر البخاري، صص 40 و 41.
2- المجدي في أنساب الطالبيّين، عليّ بن محمّد العلوي العمري، ص 130.
3- الشجرة المباركة، الفخر الرازي، صص 78 و 79.
4- عمدة الطالب، ابن عنبة، ص 199.

ص: 110

وليّ الله الإمام محمّد المهدي (عج) ...» (1).

6- محمّد أمين السويدي (ت 1246 ه): في كتابه «سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب»، قال: «محمّد المهدي: وكان عمره عند وفاة أبيه خمس سنين، وكان مربوع القامة، حسن الوجه والشعر، أقنى الأنف، صبيح الجبهة» (2).

اعتراف علماء السنّة بولادة الإمام المهدي (عج)

اعترف جملة كبيرة من علماء أهل السنّة بولادة الإمام المهدي (عج)، وهم ما بين ذاكر لولادته، زاعم أنّه ناقل لرأي الشيعة- ولكنّنا في الوقت نفسه لم نجدهم يذكرون لنا متى وكيف توفّي الإمام المهدي (عج)؟ مع أنّ السيرة المعروفة عندهم هي أن تذكر الوفيات لكلّ من يترجم له، أو من تذكر سيرته عندهم، وهذا دأبهم في مثل هذه الموارد، وهذا واضح وبديهي (3)، ولكنّنا نجد أنّ الصمت يلف هذه المسألة! وليتهم سألوا أنفسهم عن هذا السرّ؟! إذن فيدور حالهم بين أمرين: إمّا أن يذعنوا ويعترفوا بما تقول به الشيعة من غيبته (عج)، أو أن يعطوا للقارئ المبرّر الموضوعي والعقلائي لهذا السكوت- ومنهم من هو


1- صحاح الأخبار في نسب السادة الفاطميّة الأخيار، صص 55 و 56. نقلًا عن شرح إحقاق الحقّ، ج 1، ص 623.
2- سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب، محمّد أمين السويدي، ص 346. نقلًا عن شرح إحقاق الحقّ، ج 29، ص 116.
3- في حين أنّ الذهبي والصفدي وغيرهم، عند ترجمتهم للإمام الحسن العسكري 7 يذكرون ابنه القائم المهدي 7؛ ولكن يقولون هذه العبارة: «عُدم، ولم يعلم كيف مات ..» ولم يذكروا لنا في أيّ سنة مات؟ وكيف وأين ومتى؟ وهذه العبارة فيها اعتراف ضمني بولادته؛ لأنّهم لا يعلمون كيف مات، كما هو صريح عبارتهم. أُنظر: تاريخ الإسلام، الذهبي، ج 19، ص 113؛ الوافي بالوفيات، الصفدي، ج 12، ص 70.

ص: 111

موافق بما تقول به الإماميّة الاثنا عشريّة.

وعليه نستطيع القول: إنّ هناك اتّفاقاً على ولادته في الجملة، وهذا كاف في رفع هذا الإشكال.

يقول مصطفى الرافعي في كتابه «إسلامنا» بعد أن ذكر جملة من علماء السنّة الذين قالوا بولادته: «وكثير غيرهم من علماء السنّة الأجلّاء الذين ذاع صيتهم ويذكرون بكلّ إعجاب وتقدير، هؤلاء وكثير غيرهم ممّن لا يتّسع المقام لذكرهم يقولون بمقولة الإماميّة من أنّ المهدي هو محمّد بن الحسن العسكري وأنّه حيّ ... ولا يجدون في مقولتهم هذه ما يناهض العقل، وبخاصّة إذا اعتبرت حياة المهدي من الأُمور الخارقة للعادة، كالتي أجراها الله معجزة لبعض أنبيائه أو كرامة لبعض أوليائه، وذلك كحياة المسيح والخضر من الأتقياء، وإبليس والدجّال من الأشقياء» (1).

وقد ذكر الشيخ مهدي فقيه إيماني في كتابه «المهدي المنتظر في نهج البلاغة» مائة واثنين من علماء أهل السنّة الذين قالوا بولادته مكتفياً بذكر الأسماء والمصادر، ونحن نكتفي بذكر بعضهم مع ذكر مضمون كلامهم، محيلين القارئ الكريم مراجعة الكتاب المذكور.

لذا سنذكر جملة من هؤلاء العلماء الذين صرّحوا بولادته، وهم كالتالي:

1- ابن الأثير الجزري (ت 630 ه): في كتابه «الكامل في التاريخ» في حوادث سنة (260 ه) قال: «وفيها توفّي أبو محمّد العلوي العسكري، وهو أحد الأئمّة الاثني عشر، على مذهب الإماميّة، وهو والد محمّد الذي يعتقدونه المنتظر ...» (2).


1- مصطفى الرافعي، إسلامنا: ص 192.
2- الكامل في التاريخ: ج 7، ص 274.

ص: 112

2- محيي الدين بن العربي (ت 638 ه): نقلًا عن الشعراني في كتابه «اليواقيت والجواهر» قال:

«وعبارة الشيخ محيي الدين في الباب السادس والستّين وثلاثمائة من الفتوحات: واعلموا أنّه لابدّ من خروج المهدي (عج)، ولكن لا يخرج حتّى تمتلئ الأرض جوراً وظلماً، فيملأها قسطاً وعدلًا، ولو لم يكن من الدنيا إلّا يوم واحد طول اللّه تعالى ذلك اليوم حتّى يلي ذلك الخليفة، وهو من عترة رسول الله (ص) من ولد فاطمة، وجدّه الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ووالده حسن العسكري ابن الإمام عليّ النقي» (1).

وهذه العبارة التي نقلها الشعراني عن ابن العربي قد حذفت من النسخ المطبوعة، وهذا خلاف الأمانة العلميّة، لذا أدرج الشيخ مهدي فقيه إيماني نسخة مصورة من الفصل المتعلّق بالموضوع في كتابه «المهدي عند أهل السنة»، وهذا إن دلّ فهو يشير إلى حقيقة ولادة الإمام المهدي (عج)، لذا نجد أنّ النصوص تارةً تقطّع وتارةً تحذف.

3- كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي (ت 652 ه) (2) في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»، قال: «محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القانع بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين الزكي بن عليّ المرتضى أمير المؤمنين بن أبي طالب، المهدي الحجّة الخلف الصالح المنتظر عليهم


1- الشعراني، اليواقيت والجواهر: ج 2، ص 143.
2- ترجم له الذهبي قائلًا: «العلّامة الأوحد كمال الدين أبو سالم محمّد بن طلحة بن محمّد بن حسن القرشي العدوي النصيبي الشافعي، ولد سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة، وبرع في المذهب وأُصوله». سير أعلام النبلاء، ج 23، ص 293.

ص: 113

السلام ورحمة الله وبركاته. ثمّ ذكر أبياتاً رائعة من الشعر:

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده الله هداه منهج الحقّ وأتاه سجاياه

وأعلى في ذرى العليا بالتأييد مرقاه وقد وآتاه حلى فضل عظيم فتحلّاه

قال رسول الله قولًا قد رويناه وذو العلم بما قال إذا أدرك معناه

ترى الأخبار في المهدي جاءت بمسمّاه وقد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه

إلى آخر أبياته، ثمّ قال: «فأمّا مولده فبسر من رأى في ثالث وعشرين رمضان سنة ثمان وخمسين ومائتين للهجرة» (1).

4- سبط ابن الجوزي الحنفي (ت 654 ه) (2):

في كتابه «تذكرة الخواص» فصل في ذكر الحجّة المهدي، قال:

«هو محمّد بن الحسن بن عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى الرضا بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وكنيته أبو عبد الله وأبو القاسم، وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان، القائم المنتظر، والتالي، وهو آخر الأئمّة ...» (3).

5- محمّد بن يوسف بن محمّد الكنجي الشافعي (ت 658 ه) (4):


1- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ج 2، ص 152.
2- قال اللكنوي: «يوسف بن فرغلي بن عبد الله البغدادي سبط الحافظ أبي الفرج ابن الجوزي الحنبلي تفقّه وبرع وسمع من جدّه لأُمّه ابن الجوزي، وكان بتربيته حنبليّاً ... ثمّ صار حنفيّاً، وكان عالماً فقيهاً واعظاً ... فارساً في البحث مفرطاً في الذكاء». الفوائد البهيّة في تراجم الحنفيّة، محمّد بن الحسين اللكنوي، ص 23.
3- تذكرة الخواصّ، ص 325.
4- قال الذهبي: «محمّد بن يوسف بن محمّد. الفخر الكنجي، نزيل دمشق. عني بالحديث، وسمع الكثير، ورحل وحصل .. وكان فقيهاً محدّثاً». تاريخ الإسلام، ج 48، ص 369.

ص: 114

في كتابه «كفاية الطالب»، قال: «ودفن في داره بسر من رأى، في البيت الذي دفن فيه أبوه، وخلّف ابنه، وهو الإمام المنتظر صلوات الله ..» (1).

وفي كتابه الآخر الذي أسماه «البيان في أخبار صاحب الزمان» في الباب الخامس والعشرين في الدلالة على كون المهدي حيّاً باقياً منذ غيبته إلى الآن، قال: «ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونين من أعداء الله تعالى ...» (2).

6- ابن خلّكان: (ت 681 ه) (3): في كتابه «وفيات الأعيان» تحت عنوان «الحجّة المنتظر»، قال: «أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكري بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد المذكور قبله، ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإماميّة، المعروف بالحجّة، وهو الذي تزعم الشيعة أنّه المنتظر، والقائم، والمهدي .. كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولمّا توفّي أبوه ... كان عمره خمس سنين» (4).

7- الجويني الشافعي (ت 722 ه) (5): في كتابه «فرائد السمطين» ذكر عدّة روايات في عدد الأئمّة وأسمائهم، ونصّ على أنّ المهدي هو الحجّة القائم


1- كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب 7، ص 312.
2- البيان في أخبار صاحب الزمان، ص 148.
3- قال الذهبي: «كان فاضلًا بارعاً متفنّنا عارفاً بالمذهب ... كثير الاطّلاع وافر الحرمة ..». تاريخ الإسلام، ج 51، صص 65 و 66.
4- وفيّات الأعيان، ج 4، ص 176.
5- تقدّمت ترجمته، وقلنا: إنّه شيخ الذهبي، وصفه الذهبي بكونه الإمام الأوحد الأكمل، وكان ديّناً.

ص: 115

المنتظر، كما نجد ذلك واضحاً عند ذكره لحديث اللوح، حيث ذكر الأئمّة الاثني عشر واحداً واحداً، وأنّ آخرهم القائم، المهدي المنتظر بن الحسن العسكري (1).

وأخرج كذلك بسنده إلى دعبل الخزاعي عن الإمام الرضا (ع)، قال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره ...» (2).

8- أبو الفداء عماد الدين إسماعيل بن عليّ (ت 732 ه) (3): في تاريخه «المختصر في تاريخ البشر» عند ذكره لوفاة الإمام الحسن العسكري في أحداث سنة (254 ه)، قال: «والحسن العسكري (ع) المذكور هو والد محمّد المنتظر صاحب السرداب، والمنتظر ثاني عشرهم، ويلقّب أيضاً القائم والمهدي والحجّة، ومولد المنتظر سنة خمس وخمسين ومائتين» (4).

9- شمس الدين محمّد بن أحمد بن عثمان الذهبي (ت 748 ه):

في كتابه «تاريخ الإسلام» في ترجمة الإمام الحسن العسكري (ع)، فقال: «وأمّا ابنه محمّد بن الحسن الذي يدعوه الرافضة القائم الخلف الحجّة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: سنة ستّ وخمسين، عاش بعد أبيه سنتين، ثمّ عُدم، ولم يعلم كيف مات ...» (5).


1- فرائد السمطين، ج 2، صص 136- 141.
2- فرائد السمطين، ج 2، ص 337.
3- قال السبكي: «كان رجلًا فاضلًا نظم الحاوي في الفقه، وصنّف تقويم البلدان وتاريخاً حسناً». طبقات الشافعيّة الكبرى، ج 9، صص 403 و 404.
4- المختصر في أخبار البشر، ج 2، ص 45.
5- تاريخ الإسلام، ج 19، ص 113، حوادث سنة (251- 260 ه).

ص: 116

10- محمّد بن يوسف الزرندي الشافعي (ت 750 ه) (1) في كتابه (معراج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول) قال: «الإمام أبو القاسم محمّد بن الحسن ... وكان مولده على ما نقلته الشيعة ليلة الجمعة للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، بسرّ من رأى في زمان المعتمد، وأُمّه: نرجس بنت قيصر الروم، أُمّ ولد، وكان نقش خاتمه: الله عصمتي، ومحمّد حجّتي، وعليّ قوّتي» (2).

11- خليل بن أيبك الصفدي الشافعي (ت 764 ه): في كتابه (الوافي بالوفيات) عند ترجمته للإمام الحسن العسكري (ع): «وأمّا ابنه محمّد الحجّة الخلف الذي تدّعيه الرافضة، فولد سنة ثمان وخمسين، وقيل: ستّ وخمسين، عاش بعد أبيه سنتين ومات، عُدِمَ، ولم يعلم كيف مات ...» (3).

12- أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني (ت 852 ه): في كتابه (لسان الميزان) عند ترجمته لجعفر الكذّاب، قال: «أخو الحسن الذي يقال له العسكري، وهو الحادي عشر من الأئمّة الإماميّة ووالد محمّد صاحب السرداب ...» (4).

13- نور الدين عليّ بن الصبّاغ المالكي (ت 855 ه): في كتابه (الفصول


1- قال ابن حجر العسقلاني: «كان عالماً، وأرّخ مولده سنة 693، ووفاته بشيراز سنة بضع وخمسين وسبعمائة ... بعد أبيه بالمدينة، وصنّف كتباً عديدة، ودرّس في الفقه والحديث، ثمّ رحل إلى شيراز فولّي القضاء بها حتّى مات سنة سبع أو ثمان وأربعين». الدرر الكامنة، ج 6، ص 50.
2- معراج الأُصول في معرفة آل الرسول، الزرندي الشافعي، ص 181.
3- الوافي بالوفيات، ج 12، ص 70.
4- لسان الميزان، ج 2، ص 119.

ص: 117

المهمّة في معرفة الأئمّة)، قال: «ولد أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة، وأمّا نسبه أباً وأمّاً، فهو أبوالقاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم أجمعين ... وأمّا لقبه فالحجّة والمهدي والخلف الصالح والقائم المنتظر وصاحب الزمان، وأشهرها المهدي ...» (1).

14- الفضل بن روزبهان (ت بعد 909 ه) (2).

في كتابه (إبطال الباطل): نظم أبياتاً شعريّة رائعة في فضل أهل البيت (عليهم السلام) واحداً تلو الآخر، ثمّ ذكر القائم المنتظر، وأنّه من سلالة الحسن العسكري، وأنّه سيملأ الأرض عدلًا، وبذلك فهو ينصّ على الاثني عشر إماماً، كما سترى من هذا النظم الشعري.

قال: «ونعم ما قلت فيهم منظوماً:


1- الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، ابن الصبّاغ المالكي، ج 2، ص 1104.
2- قال السخاوي: «فضل الله بن روزبهان الخنجي الأصل الشافعي الصوفي». الضوء اللامع، ج 6، ص 71.

ص: 118

سلام على المصطفى المجتبى سلام على ستّنا فاطمة

سلام على المسك أنفاسه سلام على الأورعيّ الحسين

سلام على سيّد العابدين سلام على الباقر المهتدي

سلام على الكاظم الممتحن سلام على الثامن المؤتمن

سلام على المتّقي التقي سلام على الأريحيّ النقي

سلام على السيّد العسكري سلام على القائم المنتظر

سيطلع كالشمس في غاسق ترى يملأ الأرض من عدله

س--- لام علي---- ه وآب-- ائ------ ه سلام على السيّد المرتضى

مَن اختارها الله خير النسا على الحسن الألمعيّ الرضا

شهيد يرى جسمه كربلا عليّ بن الحسين المجتبى

سلام على الصادق المقتدى رضي السجايا إمامِ التقى

عليّ الرضا سيّد الأصفيا محمّد الطيّب المرتجى

عليّ المكرّم هادي الورى إمام يجهّز جيش الصفا

أبي القاسم العرم نور الهدى ينجيه من سيفه المنتقى

كما ملئت جور أهل الهوى وأنص---- اره ما تدوم السما» (1)

15- محمّد بن طولون الدمشقي الحنفي (ت 953 ه) (2) في كتابه «الأئمّة الاثنا عشر»، قال: «وثاني عشرهم: ابنه محمّد بن الحسن، وهو أبو القاسم محمّد بن الحسن بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب ... كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين» (3).

16- القاضي حسين بن محمّد الديار بكري (ت 966 ه):

في كتابه (تاريخ الخميس)، قال: «وفي سنة ستّين ومائتين، مات الحسن بن عليّ الجواد بن الرضا العلوي، أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة


1- نقلًا عن كتاب إلزام الناصب، عليّ اليزدي الحائري، ص 299.
2- قال الزركلي: «مؤرخ عالم بالتراجم والفقه ... كانت أوقاته معمورة كلّها بالعلم والعبادة». الأعلام، ج 6، ص 291.
3- الأئمّة الاثنا عشر، ابن طولون، صص 117 و 118.

ص: 119

عصمتهم، وهو والد منتظرهم محمّد بن الحسن» (1).

17- عبد الوهّاب بن أحمد الشعراني الشافعي (ت 973 ه):

في كتابه (اليواقيت والجواهر) في المبحث الخامس والستّين من الجزء الثاني، في بيان أنّ جميع أشراط الساعة التي أخبرنا بها الشارع حقّ لابدّ أن تقع كلّها قبل قيام الساعة، قال: «وذلك لخروج المهدي، ثمّ الدجّال، ثمّ نزول عيسى- إلى أن قال-: ثمّ تأخذ في ابتداء الاضمحلال إلى أن يصير الدين غريباً كما بدأ، وذلك الاضمحلال يكون بدايته من مضي ثلاثين سنة من القرن الحادي عشر، فهناك يترقّب خروج المهدي، وهو من أولاد الإمام الحسن العسكري، ومولده ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، وهو باق إلى أن يجتمع بعيسى بن مريم، فيكون عمره إلى وقتنا هذا- وهو سنة ثمان وخمسين وتسعمائة- سبعمائة وثلاث سنين» (2).

18- ابن حجر الهيتمي الشافعي (ت 974 ه): في كتابه «الصواعق المحرقة»، قال: «أبو محمّد الحسن الخالص ... مات بسرّ من رأى، ودفن عند أبيه وعمّه، وعمره ثمانية وعشرون سنة. ويقال: إنّه سُمّ أيضاً، ولم يخلّف غير ولده أبي القاسم محمّد الحجّة، وعمره عند وفاة أبيه خمس سنين، لكن آتاه الله فيها الحكمة، ويسمّى القائم المنتظر، قيل: لأنّه سُتر بالمدينة، وغاب فلم يعرف أين ذهب» (3).

19- الملّا عليّ القاري (ت 1014 ه):

في كتابه «مرقاة المفاتيح» معلّقاً على حديث «الاثني عشر من قريش»، قال:


1- تاريخ الخميس، القاضي حسين الديار بكري، ج 2، ص 343.
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 292.
3- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، صص 313 و 314.

ص: 120

«قلت: وقد حمل الشيعة الاثني عشر على أنّهم من أهل بيت النبوّة متوالية، أعمّ من أن تكون لهم خلافة حقيقيّة أو استحقاقاً، فأوّلهم عليّ، فالحسن، فالحسين، فزين العابدين، فمحمّد الباقر، فجعفر الصادق، فموسى الكاظم، فعليّ الرضا، فمحمّد التقي، فعلي النقي، فحسن العسكري، فمحمّد المهدي، على ما ذكره زبدة الأولياء خواجة محمّد بارسا في كتاب «فصل الخطاب» مفصّلة، وتبعه مولانا نور الدين عبد الرحمن الجامي في أواخر «شواهد النبوّة» وذكر فضائلهم ومناقبهم وكراماتهم ومقاماتهم مجملة، وفيه ردّ على الروافض، حيث يظنّون بأهل السنّة أنّهم يبغضون أهل البيت باعتقادهم الفاسد ووهمهم الكاسد» (1).

20- ابن العماد الحنبلي (ت 1089 ه):

في كتابه «شذرات الذهب في أخبار من ذهب»، قال: «وفيها: [أي: سنة 260 ه توفي] الحسن بن عليّ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني، أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة، وهو والد المنتظر محمّد صاحب السرداب» (2).

21- سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي (ت 1294 ه): في كتابه «ينابيع المودّة» الباب التاسع والسبعون في ذكر ولادة القائم المهدي، قال: «فالخبر المعلوم المحقّق عند الثقات أنّ ولادة القائم كانت ليلة الخامس عشر من شعبان، سنة خمس وخمسين ومائتين في بلدة سامراء» (3).

22- خير الدين الزركلي (ت 1410 ه):

في كتابه «الأعلام»، قال: «محمّد بن الحسن العسكري «الخالص» بن عليّ الهادي، أبوالقاسم: آخر الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة، وهو المعروف


1- مرقاة المفاتيح، الملّا عليّ القاري، ج 9، ص 3864.
2- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد الحنبلي، ج 2، ص 290.
3- ينابيع المودّة لذوي القربى، ج 3، ص 306.

ص: 121

عندهم بالمهدي، وصاحب الزمان، والمنتظر، والحجّة، وصاحب السرداب، ولد في سامراء ...» (1).

23- محمّد ناصر الألباني (معاصر):

في كتابه «التعليقات الرضيّة على شرح الروضة النديّة» لمؤلّفه صديق حسن خان (ت 1307 ه) فصل «في بيان اعتبار الكفاءة في النكاح»، قال: «قال الماتن (رحمة الله) ومن هذا القبيل استثناء الفاطميّة من قوله: (ويغتفر برضا الأعلى والوليّ) وجعل بنات فاطمة أعلى قدراً وأعظم شرفاً من بنات رسول الله (ص) لصلبه، فيا عجباً!!. .. ثمّ يقول: انظر أُمّهات العترة الطاهرة الذين هم قدوة السادة وأُسوة القادة في كلّ خير ودين مَن كنّ؟ فأُمّ أبي العترة الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين شهربانو بنت يزدجرد بن شهريار بن شيرويه بن خسرو برويز بن هرمز بن نوشيروان- ملك الفرس- وأُمّ الإمام موسى الكاظم أُمّ ولد، اسمها حميدة، وأُمّ الإمام عليّ الرضا بن موسى الكاظم أُمّ ولد أيضاً، اسمها تكتم، وأُمّ الإمام عليّ بن محمّد بن عليّ المذكور الملقّب بالجواد والتقي أُمّ ولد، اسمها خيزران، وقيل: ريحانة، وأُمّ الإمام عليّ بن محمّد الملقّب بالهادي والعسكري أُمّ ولد، اسمها سمانة، وأُمّ الإمام حسن بن عليّ الملقّب بالزكي والخالص والعسكري أُمّ ولد، اسمها سوسن، وأُمّ الإمام محمّد بن حسن الملقّب بالحجّة والقائم والمهدي أُمّ ولد، اسمها نرجس، وهكذا كان شأن التزوّج في أصحاب رسول الله (ص) لم يعرج أحد منهم على الكفاءة في النسب» (2).

ونكتفي بنقل هذا المقدار من الأقوال التي فيها دلالة واضحة على ولادة الإمام المهدي (عج)، وننتقل إلى الروايات الشيعيّة الصحيحة التي صرّحت


1- الأعلام، ج 6، ص 80.
2- التعليقات الرضيّة على الروضة النديّة، محمّد ناصر الألباني، ج 2، ص 151.

ص: 122

بالولادة، وكذلك الشهادات والوثائق التي تدلّ على إثبات ذلك.

الروايات الدالّة على ولادة الإمام المهدي (عج) من طرق الشيعة

اشارة

من الواضحات والمسلّمات عند مذهب الإماميّة الاثني عشريّة إمامة وولادة الإمام المهدي (عج)، وهذا ليس محلًّا للجدل؛ ولكننّا نجد أنّ الدكتور القفاري يشكّك فيما ترويه الطائفة، مدّعياً أنّ كتب الشيعة تخلو من ذلك؛ لذا سنضطرّ لنقل بعض الروايات الصحيحة والشواهد والوثائق التي تدلّ على ذلك.

الإمام الحسن العسكري (ع) يخبر بولادة الإمام المهدي (عج)

الرواية الأُولى:

روى الكليني [بسند صحيح] عن محمّد بن يحيى العطّار، عن أحمد بن إسحاق، عن أبي هاشم الجعفري، قال: «قلت لأبي محمّد (ع): جلالتك تمنعني من مسألتك، فتأذن لي أن أسألك؟ فقال: «سل»، قلت: يا سيّدي، هل لك ولد؟ فقال: «نعم»، فقلت: فإن حدث بك حدث فأين أسأل عنه؟ قال: «بالمدينة» (1).

ترجمة السند:

1- محمّد بن يحيى العطّار: ثقة عين، قال النجاشي: «محمّد بن يحيى أبو جعفر العطّار القمّي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث» (2). وكذلك أورد العلّامة الحلّي في «خلاصته» نفس كلام النجاشي (3).

2- أحمد بن إسحاق: هو ابن سعد الأشعري، ثقة، قال النجاشي في «رجاله»: «وكان خاصّة أبي محمّد (ع)» (4).


1- الكافي، ج 1، ص 328.
2- رجال النجاشي، النجاشي، ص 353.
3- خلاصة الأقوال، الحلّي، ص 260.
4- رجال النجاشي، ص 91.

ص: 123

وقال الطوسي في «رجاله»: «أحمد بن إسحاق بن سعد الأشعري، قمّي ثقة» (1).

وقال في «الفهرست»: «كان من خواصّ أبي محمّد (ع)، ورأى صاحب الزمان (عج)، وهو شيخ القمّيين ووافدهم» (2).

3- أبو هاشم الجعفري: هو داود بن القاسم يكنّى أبا هاشم، ثقة، عظيم المنزلة.

قال النجاشي والطوسي في رجالهما: «كان عظيم المنزلة عند الأئمّة (عليهم السلام)، شريف القدر، ثقة» (3).

إذن فالرواية في غاية الصحّة والوثاقة.

أمّا دلالة الرواية فواضحة في النصّ الصريح الذي يخبر به الإمام العسكري (ع) بولادة ابنه المهدي (عج).

الرواية الثانية:

وروى الكليني أيضاً في «الكافي» والمفيد في «الإرشاد» بسند صحيح عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن بلال، قال: «خرج إليّ من أبي محمّد قبل مضيّه بسنتين يخبرني بالخلف من بعده، ثمّ خرج إليّ من قبل مضيّه بثلاثة أيّام يخبرني بالخلف من بعده» (4).

ترجمة السند:

1- عليّ بن محمّد: هو القاضي أبوالحسن عليّ بن بندار بن محمّد، وهو من


1- رجال الطوسي، ص 397.
2- رجال النجاشي، ص 353.
3- المصدر نفسه، ص 165؛ رجال الطوسي، ص 375.
4- الكافي، ج 1، ص 328؛ الإرشاد، ج 2، ص 348.

ص: 124

مشايخ الكليني والصدوق، قال الشيخ منتجب الدين في (فهرسته): «القاضي أبو الحسن عليّ بن بندار بن محمّد الهوشمي، فاضل، ثقة» (1).

وقال الأردبيلي في «جامع الرواة»: «عليّ بن بندار بن محمّد الهوشمي القاضي أبوالحسن، فاضل ثقة» (2).

2- محمّد بن عليّ بن بلال: وثّقه الشيخ الطوسي في «رجاله» قائلًا: «محمّد بن عليّ بن بلال، ثقة» (3).

وقال العلّامة الحلّي في «الخلاصة»: «أحمد بن عليّ بن بلال، من أصحاب أبي محمّد العسكري (ع)، ثقة» (4).

ونقل السيّد الخوئي في «معجمه» وثاقته قائلًا: «والمتلخّص من جميع ما ذكرنا: أنّ الرجل كان ثقة مستقيماً ... فلا مانع من العمل برواياته، بناء على كفاية الوثاقة في حجّية الرواية، كما هو الصحيح» (5).

إذن فالرواية صحيحة، ودلالتها واضحة في إخبار الإمام الحسن العسكري بولادة وإمامة الخلف من بعده (عليهما السلام).

الرواية الثالثة:

روى الصدوق بسنده عن أبي الغنائم خادم الإمام 7، قال: ولد لأبي محمّد (ع) ولد، فسمّاه محمّداً، فعرضه على أصحابه يوم الثالث، وقال: «هذا صاحبكم من بعدي وخليفتي عليكم، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الأعناق


1- معجم رجال الحديث، الخوئي، ج 12، ص 309.
2- جامع الرواة، الأردبيلي، ج 1، ص 560.
3- رجال الطوسي، ص 401.
4- خلاصة الأقوال، ص 242.
5- معجم رجال الحديث، ج 17، صص 332- 335.

ص: 125

بالانتظار، فإذا امتلأت الأرض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلًا» (1).

وممّا تقدّم من صحّة الروايتين السابقتين نقطع بصحّة هذه الرواية أيضاً؛ لأنّها تعطي نفس مدلول ومضمون تلك الروايات، بغض النظر عن السند.

وهناك روايات مستفيضة ولعلّها تصل إلى التواتر، تؤكّد هذا المعنى، ولك أن تراجع كتاب «الكافي» (2).

وكتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي (3). وكتاب «إكمال الدين وتمام النعمة» (4)، وغيرها من الكتب في هذا المجال، والتي تدلّ على ما ندّعيه.

الشهادات الحسية لولادة الإمام المهدي (عج)

1- شهادة من رآه من أصحابه ومن كان معه ومع أبيه 8

إنّ من أوضح الأدلّة الحسّيّة والملموسة التي دلّت على ولادته (عج) هي شهادة من رآه من أصحابه، ومن كان معه ومع أبيه.

وهذه الشهادات لا يمكن أن يتطرّق إليها الشكّ؛ لصحّة متنها بغضّ النظر عن أسانيدها؛ لأنّه قد تقدّم ذكرنا للروايات الصحيحة الدالّة على ولادته، وكذلك عضدناها بأقوال أهل السنّة التي تصرّح بذلك، وكذلك كثرتها وشهرتها وتعدّد طرقها، إذن فلا نحتاج لتصحيح السند.

ونذكر منهم:

1- حكيمة بنت محمّد بن عليّ (ع):


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 431.
2- الكافي، ج 1، ص 328.
3- الغيبة، الطوسي، ص 234.
4- كمال الدين وتمام النعمة، ص 431.

ص: 126

روى الكليني وتبعه المفيد، واللفظ للأوّل بسنده عن موسى بن محمّد بن القاسم، قال: «حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ- وهي عمّة أبيه- أنّها رأته ليلة مولده وبعد ذلك» (1).

وروى الصدوق بسنده عن حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد (ع)، قالت: «بعث إليّ أبومحمّد الحسن بن عليّ (ع)، فقال: «يا عمّة اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته في أرضه ...»، ثمّ إنّ حكيمة عمّة الإمام العسكري (ع) تتحدّث عن ولادة الإمام المهدي (عج) وتقول: فضممته إليّ، فإذا أنا به نظيف، متنظّف، فصاح بي أبو محمّد (ع): «هلمّ إليّ ابني يا عمّة ...» (2).

2- محمّد بن عثمان العمري:

روى الصدوق في إكمال الدين بسند صحيح عن محمّد بن الحسن، قال: «حدّثنا عبدالله بن جعفر الحميري، قال: قلت لمحمّد بن عثمان العمري: إنّي أسألك سؤال إبراهيم ربّه جلّ جلاله حين قال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، فأخبرني عن صاحب هذا الأمر هل رأيته؟ قال: نعم، وله رقبة مثل ذي، وأشار بيده إلى عنقه» (3).

3- معاوية بن حكيم ومحمّد بن أيّوب بن نوح:

روى الصدوق بسنده عن معاوية بن حكيم، ومحمّد بن أيّوب بن نوح، ومحمّد بن عثمان العمري، قالوا: «عرض علينا أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ونحن في منزله، وكنّا أربعين رجلًا، فقال: «هذا إمامكم من بعدي، وخليفتي


1- الكافي، ج 1، ص 331؛ الإرشاد، ج 2، ص 351.
2- كمال الدين، صص 424 و 425.
3- المصدر نفسه، ص 435.

ص: 127

عليكم، أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي في أديانكم فتهلكوا، أما إنّكم لا ترونه بعد يومكم هذا»، قالوا: فخرجنا من عنده، فما مضت إلّا أيّام قلائل حتّى مضى أبو محمّد (ع)» (1).

4- أبو عمرو العمري:

روى المفيد بسنده عن حمدان القلانسي، قال: «قلت لأبي عمرو العمري: قد مضى أبو محمّد، فقال لي: قد مضى، ولكن قد خلّف فيكم من رقبته مثل هذه- وأشار بيده» (2).

5- أبو عبد الله بن صالح:

روى الكليني عن عليّ بن محمّد، عن محمّد بن عليّ بن إبراهيم، عن أبي عبد الله بن صالح: «أنّه رآه بحذاء الحجر والناس يتجاذبون عليه ...» (3).

6- يعقوب بن منقوش:

روى الصدوق بسنده عنه، قال: دخلت على أبي محمّد الحسن بن عليّ (ع) وهو جالس على دكّان في الدار ... فقلت له: [يا] سيّدي، مَن صاحب هذا الأمر؟ فقال: «ارفع الستر»، فرفعته فخرج إلينا غلام خماسي له عشر أو ثمان أو نحو ذلك، واضح الجبين، أبيض الوجه، درّي المقلتين ... فجلس على فخذ أبي محمّد (ع)، ثمّ قال لي: «هذا صاحبكم ...» (4).

7- إبراهيم بن محمّد بن فارس النيسابوري:

وأيضاً روى عن فارس النيسابوري، قال: «لمّا همّ الوالي عمر بن عوف بقتلي ... غلب عليّ خوف عظيم، فودّعت أهلي وأحبّائي، وتوجّهت إلى دار


1- المصدر نفسه.
2- الإرشاد، ج 2، صص 351 و 352.
3- الإرشاد، ج 2، صص 352 و 353.
4- كمال الدين و تمام النعمة، ص 407.

ص: 128

أبي محمّد (ع) لأُودّعه، وكنت أردت الهرب، فلمّا دخلت عليه رأيت غلاماً جالساً في جنبه، وكان وجهه مضيئاً كالقمر ليلة البدر، فتحيّرت من نوره وضيائه ... فقلت لأبي محمّد (ع): يا سيّدي، جعلني الله فداك، من هو؟- وقد أخبرني بما كان في ضميري- فقال: «هو ابني وخليفتي من بعدي» (1).

وغيرهم الكثير ممّن رآه وتشرّف بلقائه ورؤيته، فقد أفرد الشيخ الكليني باباً (فيمن رآه (ع))، وقد ذكر خمس عشرة رواية تدلّ على مشاهدته من قبل أصحابه (2)، وكذلك الشيخ الصدوق (3) والشيخ المفيد (4) رحمهم الله، فراجع.

2- إكثار العقائق عن الإمام المهدي (عج)

لعلّ واحدة من الإجراءات الإعلاميّة التي اتّخذها وسلكها الإمام العسكري (ع) لإثبات ولادة ولده القائم المهدي (عج)، هي كثرة العقائق عن ولده، فقد حدّثتنا الروايات عن حالات اتّخذها الإمام جديرة بأن يُلتفت لها، منها:

أ- إنّه لم يعقّ عن أحد من مواليد الأئمّة (عليهم السلام) كما كان للإمام المهدي (عج)، فقد أمر وكيله عثمان بن سعيد بهذه المهمّة وكلّفه بشراء (عشرة آلاف رطل خبز ومثله من اللحم) وفرّقه على الفقراء.

روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي جعفر العمري، قال: لمّا ولد السيّد [أي: الإمام المهدي] (عج)، قال أبو محمّد (ع): «ابعثوا إلى أبي عمرو [أي: عثمان بن سعيد]»، فبعث إليه فصار إليه، فقال له: «اشتر عشرة آلاف رطل خبز، وعشرة آلاف رطل لحم وفرّقه ... وعقّ عنه بكذا وكذا شاة» (5).


1- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج 12، ص 281.
2- أصول الكافي، ج 1، ص 329.
3- كمال الدين، صص 442 و 443.
4- الإرشاد، ج 2، ص 351.
5- كمال الدين وتمام النعمة، ص 431.

ص: 129

ب- تنوّع عدد الأماكن التي أمر الإمام العسكري (ع) بتفريق تلك العقائق فيها، وهذا التعدّد فيه دلالة إعلاميّة للإخبار بولادة ولده صاحب الزمان (عج)، حيث بعث بأربعة من العقائق إلى صاحبه إبراهيم، وكتب إليه بعد البسملة: «هذه عن ابني محمّد المهدي، كُلْ منها وأطعم مَن وجدت من شيعتنا» (1).

ولا يخفى أنّ هذا الإخبار هو للثقات من أصحابه فقط، وإلّا فالإمام في نفس الوقت كان يأمر بكتمان أمره؛ خوفاً عليه من بطش السلطات الحاكمة.

إذن بهذه الظاهرة أراد الإمام العسكري (ع) أن يوجّه أنظار الخواصّ من شيعته إلى ولادة ابنه المهدي (عج)؛ لأنّه كان يعلم بما سيؤول الأمر من بعده، وأنّ السلطات ستوحي للناس بأنّ الإمام لم يخلّف ولداً، ولذا جاء بهذا الإثبات ليطمئن شيعته بأنّ ولده هو المهدي، وهو من يتولّى أمر الإمامة من بعده.

3- رؤية الوكلاء له (عج)

وأيضاً من الشهادات الحسّيّة الواضحة، رؤية الوكلاء له (عج)، ونذكر ما رواه الصدوق، حيث قال:

ورآه من الوكلاء ببغداد: العمري وابنه، وحاجز، والبلالي، والعطّار. ومن الكوفة: العاصمي.

ومن أهل الأهواز: محمّد بن إبراهيم بن مهزيار.

ومن أهل قمّ: أحمد بن إسحاق.

ومن أهل همدان: محمّد بن صالح.

ومن أهل الريّ: البسامي، والأسدي.

ومن أهل آذربيجان: القاسم بن العلاء.


1- بحارالأنوار، ج 51، ص 28.

ص: 130

ومن أهل نيسابور: محمّد بن شاذان.

ومن همدان: محمّد بن كشمرد، وجعفر بن حمدان، ومحمّد بن هارون بن عمران.

ومن الدينور: حسن بن هارون، وأحمد بن أخية، وأبو الحسن.

ومن إصفهان: ابن باذشالة.

ومن الصيمرة: زيدان.

ومن قمّ: الحسن بن النضر، ومحمّد بن محمّد، و عليّ بن محمّد بن إسحاق، وأبوه، والحسن بن يعقوب.

ومن أهل الريّ: القاسم بن موسى وابنه، وأبو محمّد بن هارون، وصاحب الحصاة، وعليّ بن محمّد، ومحمّد بن محمّد الكليني، وأبو جعفر الرفاء.

وغيرهم ممّن ذكرهم الصدوق (رحمة الله) (1).

4- تعامل السلطة العبّاسيّة بعد وفاة الإمام العسكري (ع)
اشارة

ومن الأدلّة الحسّيّة أيضاً التي رافقت الأحداث المؤلمة بعد وفاة الإمام العسكري (ع) هو تصرّف وتحرّي السلطة الحاكمة المتمثّلة بالخليفة المعتمد العباسي (ت 279 ه)، فقام هذا الخليفة مباشرة بعد وفاة الإمام العسكري (ع) بتفتيش داره وحبس جواريه واعتقال حلائله.

وقد تقدّم قول المفيد (رحمة الله): «وسعى في حبس جواري أبي محمّد (ع) واعتقال حلائله، وشنّع على أصحابه ... وجرى على مخلفي أبي محمّد (ع) بسبب ذلك كلّ عظيمة، من اعتقال وحبس وتهديد وتصغير واستخفاف وذلّ، ولم يظفر


1- كمال الدين وتمام النعمة، صص 442 و 443.

ص: 131

السلطان منهم بطائل» (1).

وعلى ماذا يدلّ هذا الفعل وهذا التصرّف؟ ألا يكشف عن أنّ الخليفة يؤمن بوجود أحاديث قد تواترت عن رسول الله بوجود مهدي من آل محمّد، وأنّه من ولد فاطمة، ومن ذرّيّة الحسين، ومن ولد الحسن العسكري (عليهما السلام)؟! قطعاً هذا الشعور وهذا الإيمان كان يراود خلجات وفكر المعتمد العبّاسي.

أمّا أن تكون الحجّة هي المطالبة بميراث جعفر الكذّاب، فهذه القضيّة ممكن أن يكتفى بها في القضاء، والطريق الشرعي لها- إن كان هناك حقّ تدّعيه السلطة- هو سلطة القضاء، لاسيما في مثل هذه القضايا، أمّا أن تباشر السلطة بنفسها هذا الفعل، ومباشرة بعد وفاة الإمام العسكري (ع)، فهذا يكشف عن أنّ هناك أيماناً مسبقاً بوجود خلف وعقب للإمام العسكري، وهذا ما دلّت عليه الأحاديث السابقة كحديث «الثقلين» وحديث «الاثني عشر» وحديث «من مات وليس في عنقه بيعة» وغيرها، وهذه الأحاديث لم تكن غائبة عن مسامع الخليفة، لذا جاءت هذه الإجراءات لتؤكّد هذا المعنى، ولكن شاءت القدرة والسنّة الإلهيّة أن تحفظ الوليد كما حفظت موسى (ع) من قبله من فرعون.

خلاصة ما تقدّم

إذن ممّا تقدّم من روايات الفريقين وأقوال علمائهم وشهادة الإمام العسكري بولادة ابنه المهدي (عج)، وكذلك من خلال الشهادات الحسّيّة، كشهادة من رآه من أصحابه، وكثرة العقائق عنه، ورؤية الوكلاء له، وممّن وقف على معجزاته، وكذلك تصرّف السلطات العبّاسيّة مع هذا الحدث، كلّها شهادات تدلّنا وتثبت لنا ولادته وإمامته (عج).


1- الإرشاد، ج 2، ص 336.

ص: 132

شبهة اضطراب أمر الشيعة بعد وفاة الإمام العسكري 7

وأمّا قول القفاري ص 1004:

«وبسبب ذلك اضطرب أمر الشّيعة، وتفرّق جمعهم؛ لأنّهم أصبحوا بلا إمام، ولادين عندهم بدون إمام؛ لأنّه هو الحجّة على أهل الأرض ...».

الجواب:

نقول: مَن هم الشيعة الذين اضطرب أمرهم؟ هل هم الاثنا عشريّة الإماميّة أم غيرهم؟ فإن كان الثاني فالمفروض أنّ كلام القفاري مع الإماميّة الاثني عشريّة، وإن كان الأوّل فقد اتّضح من مجموع بحثنا اتّفاق الشيعة الإماميّة على ولادة الإمام المهدي (عج) وإمامته، وعضدنا ذلك بأقوال جملة كبيرة من علماء أهل السنّة الذين صرّحوا بولادته، فأين اضطراب الشيعة وتفرّقهم؟! وكيف أصبحوا بلا إمام؟!!

أمّا قول الإماميّة: إنّ الأرض لا تخلو من حجّة، فهذا الكلام لم تنفرد فيه الشيعة فقط؛ بل هذا الحديث تقدّم الكلام عنه، وقلنا هناك: إنّ ابن حجر العسقلاني قال في «فتح الباري»: «.. دلالة للصحيح من الأقوال: أنّ الأرض لا تخلو عن قائم لله بحجّة، والله أعلم» (1).

وكذلك ابن القيّم يقول بشهرته، حيث قال: «... وحديث مشهور عند أهل العلم، يستغني عن الإسناد لشهرته عندهم» (2).

وتصحيح هذه الأحاديث والقول بشهرتها نتيجة لما فهموه من أحاديث أُخرى تؤيّد هذه الحقيقة، وهي كون أهل البيت (عليهم السلام) أماناً لأهل الأرض، وهم


1- فتح الباري، ج 6، ص 359؛ عمدة القاري، ج 16، ص 40.
2- إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، ابن قيّم الجوزيّة، ج 2، ص 195.

ص: 133

القيّمون على هذا الدين.

روى الحاكم في مستدركه عن جابر، قال: قال رسول الله (ص): «... وأهل بيتي أمان لأُمّتي، فإذا ذهب أهل بيتي أتاهم ما يوعدون»، صحيح الإسناد ولم يخرجاه (1).

وأخرج القندوزي الحنفي، عن الجويني في كتابه «فرائد السمطين» عن الإمام جعفر الصادق 7 عن جدّه عليّ بن الحسين (ع) قال: «نحن أئمّة المسلمين، وحجج الله على العالمين، وقادة الغرّ المحجّلين، ونحن أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، وبنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلّا بإذنه، وبنا يُنزّل الله الغيث، وتنشر الرحمة، وتخرج بركات الأرض؛ ولولا ما على الأرض منّا لساخت بأهلها».

ثمّ قال: «ولم تخل الأرض منذ خلق الله الأرض من حجّة فيها؛ إمّا ظاهر مشهور، أو غائب مستور، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجّة فيها، ولولا ذلك لم يعبدالله» (2).

وهذا الحديث تشهد بصحّته الأحاديث المتقدّمة.

وكذلك تقدّم الكلام عن حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين، حيث قلنا هناك: إنّ العترة لا يمكن أن تنفكّ وتفترق عن الكتاب، والتمسّك بهما عاصم عن الضلال، وهذا لازمه الاستمرار والبقاء مع الكتاب إلى أن يردا على النبيّ (ص).

إذن لابدّ في كلّ زمان من حجّة في الأرض من أهل بيت النبيّ (ص)، يكون


1- المستدرك على الصحيحين، ج 2، ص 448.
2- ينابيع المودّة، ج 1، ص 75؛ ج 3، صص 360 و 361.

ص: 134

أماناً لأهل الأرض ولا يفترق عن القرآن، وإلّا ماجت الأرض بأهلها، كما ينقل ذلك المتّقي الهندي في (كنزه) عن ابن النجّار، قال: «إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها» (1).

شبهة بطلان دعوى أنّ للإمام الحسن 7 ولداً خفيّاً

اشارة

قال في ص 1094 في فصل نقد عقيدة الغيبة.

«حتّى قال بعضهم: إنّا قد طلبنا الولد بكلّ وجه فلم نجده، ولو جاز لنا دعوى أنّ للحسن ولداً خفيّاً لجاز مثل هذه الدعوى في كلّ ميّت من غير خلف، ولجاز أن يقال في النبيّ (ص) أنّه خلّف ابناً نبيّاً رسولًا؛ لأنّ مجي ء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب كمجي ء الخبر بأنّ النبيّ (ص) لم يخلّف ولداً من صلبه، فالولد قد بطل لا محالة».

الجواب: هذه الشبهة باطلة من وجوه:

الأوّل: قطع أوصال النصوص المثبتة للولادة

إنّ القفاري اقتطع من النصّ ولم يذكر ذيل الكلام كعادته، وذيل النصّ هو: «... فالولد قد بطل لا محالة، ولكن هناك حبل قائم قد صحّ في سرِّية له وستلد ذكراً إماماً ... فنحن في الولد أصدق منكم؛ لأنّه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف أن يكون للرجل ولد مستور، لا يعرف في الظاهر، ويظهر بعد ذلك، ويصحّ نسبه» (2).

إذن هناك تدليس وقطع للنصوص واضح و بيّن، والعبارة واضحة في أنّ


1- كنز العمّال، ج 12، ص 34.
2- فرق الشيعة، النوبختي، ص 104.

ص: 135

هناك حبلًا قائماً، وهو إشارة إلى الإمام المهدي (عج)، والعرف والعادة لا تأبى عن أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف، ثمّ يظهر وتصحّ نسبته إلى والده.

الثاني: ادّعاء بلا دليل

قوله: «حتّى قال بعضهم» نسأل من هم هؤلاء البعض؟ فكان الأولى أن يعرّفنا بهم، فليس هناك من يقول بذلك في كتب الإماميّة، فكلامنا هو حول مذهب الإماميّة الاثني عشريّة- والنوبختي والأشعري- ينقلون آراء الفرق الإسلاميّة، وهي لا تعبّر بالضرورة عن رأي الإماميّة، وهذا غير خفي لمن تتبّع هذا الأمر.

أضف إلى ذلك أنّ معظم فرق الشيعة قد انقرضت ولا يذكر لها أثر. فهذه مجرد دعوى لا نعلم من هو قائلها من الشيعة.

الثالث: قياس مع الفارق

إنّ النبيّ (ص) قد علم بالقطع واليقين أنّه لم يكن له ولد، ولم يدّع ذلك إطلاقاً، وهذا واضح، أمّا الإمام المهدي (عج) فقد أخبر بولادته رسول الله (ص) وأمير المؤمنين (ع)، وقد تقدّم ذكرنا للروايات الصحيحة الدالّة على ذلك، وأقوال جملة كبيرة من علماء أهل السنّة قد ذكرت ولادته بلا ريب أو شكّ فيه.

الرابع: عصمة النبيّ ونبوّته وإجماع الأُمّة تنفيان هذه الدعوى

قال الشيخ الطوسي ردّاً على هذه الدعوى: «فأمّا علمنا بأنّه لم يكن للنبيّ (ص) ابن عاش بعده، فإنّما علمناه لما علمنا عصمته ونبوّته، ولو كان له ولد لأظهره؛ لأنّه لا مخافة عليه في إظهاره، وعلمنا أيضاً بإجماع الأُمّة على أنّه لم يكن له ابن عاش بعده. ومثل ذلك لا يمكن أن يدّعي العلم به في ابن

ص: 136

الحسن (ع)؛ لأنّ الحسن (ع) كان كالمحجور عليه، وفي حكم المحبوس، وكان الولد يخاف عليه؛ لما علم وانتشر من مذهبهم أنّ الثاني عشر هو القائم بالأمر (المؤمّل) لإزالة الدول، فهو مطلوب لا محالة، وخاف أيضاً من أهله كجعفر أخيه الذي طمع في الميراث والأموال، فلذلك أخفاه ووقعت الشبهة في ولادته» (1).

إذن ممّا تقرّر من جميع بحثنا ثبت أنّ ما تقوّله الدكتور خال عن المصداقيّة، وأنّ هناك خطأً واضحاً في المنهج، وكذلك تقطيعه للنصوص الدالّة على ولادته وإمامته وغيبته، وهذا ما اعترفت به أحاديث الفريقين وأقوال علمائهم، والشهادات والوثائق كلّها تدلّ على هذه الحقيقة التي لا يمكن بمجردّ إلقاء الشبهات وذرّها في عيون بصائر الضعفاء أن تزيل وتلغي ما تحدّث به التأريخ، ووثّقته الروايات الصحيحة والصريحة.


1- الغيبة، الطوسي، ص 78.

ص: 137

ص: 138

ص: 139

الفصل الثاني: أسباب نشوء الاعتقاد بالمهدويّة والغيبة

شبهة تطّلع الشيعة لقيام كيان سياسي مستقلّ عن دولة الإسلام

اشارة

وقال في فصل أسباب القول بالمهديّة بالغيبة، ص 1009:

«ولعلّ من أسباب القول بالمهديّة والغيبة أيضاً تطّلع الشيعة إلى قيام كيان سياسي لهم مستقلّ عن دولة الإسلام، وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة، ولمّا خابت آمالهم، وغلبوا على أمرهم وانقلبوا صاغرين هربوا من الواقع إلى الآمال والأحلام، كمهرب نفسي ينقذون به أنفسهم من الإحباط وشيعتهم من اليأس، وأخذوا يبثّون الرجاء والأمل في نفوس أصحابهم، ويمنّونهم بأنّ الأمر سيكون في النهاية لهم؛ ولذلك فإنّ القول بالمهديّة والغيبة ينشط دعاته بعد وفاة كلّ إمام؛ لمواجهة عوامل اليأس وفقدان الأمل، بالإضافة إلى تحقيق المكاسب المادّية».

وقال في نفس الفصل، ص 1008:

«وأنّ وراء دعوى غيبة الإمام وانتظار رجعته الرغبة في الاستئثار بالأموال، وأنّ هناك فئات منتفعة بدعوى التّشيّع تغرّر بالسّذّج، وتأخذ أموالهم باسم أنّهم نوّاب الإمام، فإذا ما توفّي الإمام أنكروا موته لتبقى الأموال في أيديهم، ويستمرّ دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب، وهكذا تدور عمليّات النهب والسلب».

ص: 140

وقال في نفس الفصل، ص 1011:

«وأُرجّح في هذه المسألة أنّ عقيدة الاثني عشريّة في المهديّة والغيبة ترجع إلى أُصول مجوسيّة، فالشّيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسيّة، والمجوس تدّعي أنّ لهم منتظراً حيّاً باقياً مهديّاً من ولد بشتاسف بن بهراسف، يُقال له: أبشاوثن، وأنّه في حصن عظيم من خراسان والصّين».

بيان الشبهة:

1- ادّعى القفاري أنّ من أسباب قول الشيعة بالإمام المهدي (عج) وغيبته هو تطلّعهم لقيام كيان سياسي مستقلّ بهم منفصل عن دولة الإسلام.

2- ثمّ يسوق الدليل على ذلك بقوله: «وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة، ويدّعي أنّ آمالهم خابت وغلبوا على أمرهم ...».

3- لذا لجأوا إلى بثّ الرجاء والأمل لكي يكون الأمر لهم في النهاية، فيدّعون بعد وفاة كلّ إمام أنّه المهدي؛ لمواجهة فقدان الأمل واليأس، وكذلك للحصول على الأموال من خلال هذه الدعوى.

4- وادّعى أنّ من أسباب القول بالغيبة أيضاً هي الاستئثار بالأموال، فإذا ما توفّي الإمام أنكروا موته؛ لتبقى الأموال في أيديهم، ويستمرّ دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب.

5- ثمّ يرجّح الدكتور أنّ عقيدة الشيعة الاثني عشريّة أُصولها مجوسيّة؛ لأنّ الشيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسيّة، إذن فالقول بالمهدويّة يكون أصله مجوسي.

جواب الشبهة:

أمّا قوله: «ولعلّ من أسباب القول بالمهديّة والغيبة (1) أيضاً تطلّع الشيعة إلى


1- قوله: ولعلّ من أسباب القول بالمهديّة .. إلخ هو عدم إيمانه وإنكاره لأصل هذه الفكرة، وهو وجود مهدي من آل محمّد 9، وهذا ما أكّدناه في الإجابة عن الشبهات السابقة، فراجع.

ص: 141

قيام كيان سياسي لهم مستقلّ عن دولة الإسلام، وهذا ما نلمسه في اهتمامهم بمسألة الإمامة ...»، فجوابه:

الإمامة الامتداد الطبيعي للنبوّة

إنّ مسألة الإمامة التي تقول بها الشيعة هي من المسائل المهمّة في الإسلام؛ كونها تشكّل البنية العقائديّة والفكريّة والسياسيّة، فهي الركيزة الأساسيّة لفهم الإسلام وتجسيده بأُصوله وأركانه وفروعه، والاثنا عشريّة عندما اعتنقوا بهذه النظريّة واهتمّوا بها كان دليلهم الكتاب والسنّة الشريفة، المتمثّلة بالنبيّ الأكرم (ص) وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)، فليست المسألة بهذه السذاجة، وهي كونهم يريدون بناء كيان سياسي لهم؛ بل الأدلّة والنصوص هي التي أخذت بأعناقهم للقول بنظريّة الإمامة، أو بحسب تعبير السيّد شرف الدين في كتابه «المراجعات»، حيث قال:

«إنّ تعبّدنا في الأُصول بغير المذهب الأشعري، وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة، لم يكن لتحزّب أو تعصّب، ولا للريب في اجتهاد أئمّة تلك المذاهب، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علماً وعملًا، لكن الأدلّة الشرعيّة أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمّة من أهل بيت النبوّة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، فانقطعنا إليهم في فروع الدين وعقائده، وأُصول الفقه وقواعده، ومعارف السنّة والكتاب، وعلوم الأخلاق والسلوك والآداب؛ نزولًا على حكم الأدلّة والبراهين، وتعبّداً بسنّة سيّد النبيّين والمرسلين، صلى الله عليه وآله وعليهم أجمعين. ولو سمحت لنا الأدلّة بمخالفة الأئمّة من آل محمّد، أو تمكّنا من تحصيل نيّة القربة لله سبحانه في مقام العمل على مذهب غيرهم لقصصنا أثر الجمهور، وقفونا إثرهم؛ تأكيداً

ص: 142

لعقد الولاء، وتوثيقاً لعرى الإخاء، لكنّها الأدلّة القطعيّة تقطع على المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم» (1).

وهناك مئات النصوص من الآيات والروايات التي تدلّ على إمامة الأئمّة الاثني عشر، فقد تقدّم الكلام مفصّلًا حول حديث «الثقلين»، وحديث «عدم خلو الأرض من قائم لله بحجّة»، وحديث «الاثني عشر من قريش» وغيرها من النصوص، فراجع.

فأئمّتنا الذين ندين لهم هم سفن نجاة الأُمّة، وباب حطّتها، وأمانها من الاختلاف في الدين، وأعلام هدايتها، وثقل رسول الله (ص)، وبقيّته في أُمّته.

روى الطبراني في «المعجم الكبير» وعنه الهيثمي في «الزوائد» و المتّقي الهندي في «كنز العمّال»، بسنده عن رسول الله (ص): «.. إنّي سألت ذلك لهما، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولاتقصروا عنهما فتهلكوا، ولا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم» (2).

وقال ابن حجر الهيتمي: «وفي قوله (ص): «فلا تقدّموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلّموهم؛ فإنّهم أعلم منكم» دليل على أنّ من تأهّل منهم للمراتب العليّة والوظائف الدينيّة كان مقدّماً على غيره» (3).

وقال المنّاوي في «فيض القدير» معلّقاً على حديث الثقلين: «إنّي تارك فيكم. .. تلويح، بل تصريح بأنّهما كتوأمين خلّفهما ووصّى أُمّته بحسن معاملتهما وإيثار حقّهما على أنفسهم والاستمساك بهما في الدين» (4).


1- المراجعات، السيّد شرف الدين، ص 160.
2- المعجم الكبير، ج 3، ص 66؛ مجمع الزوائد، ج 9، ص 164؛ كنز العمّال، ج 1، ص 188.
3- الصواعق المحرقة، ج 2، ص 493.
4- فيض القدير، المنّاوي، ج 3، ص 20.

ص: 143

ثمّ نبّه على قول الشريف، قال: «تنبيه: قال الشريف: هذا الخبر يفهم وجود من يكون أهلًا للتمسّك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كلّ زمن إلى قيام الساعة، حتّى يتوجّه الحثّ المذكور إلى التمسّك به كما أنّ الكتاب كذلك، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض، فإذا ذهبوا ذهب أهل الأرض» (1).

وقال التفتازاني في «شرح المقاصد»: «ألا ترى أنّه عليه الصلاة والسلام قرنهم بكتاب الله تعالى في كون التمسّك بهما منقذاً عن الضلالة، ولا معنى للتمسّك بالكتاب إلّا الأخذ بما فيه من العلم والهداية، فكذا في العترة» (2).

فلو سألنا القفاري: من هم هؤلاء الذين من تقدّمهم ومن قصر عنهم هالك، وكذلك من يدّعي أنّ غيرهم أعلم منهم؟ ومن هم الذين قرنهم الله بكتابه فكان التمسّك بهما منقذاً من الضلالة إلى قيام الساعة؟ ومن هم الأمان لأهل الأرض كما ينقل المنّاوي؟ وعلى من تنطبق هذه الأوصاف؟

أليس هم العترة من أهل بيته (عليهم السلام) الذين جُعلوا عدلًا للقرآن وجعل التمسّك بهما نجاة من الضلال والهلاك؟! وهذا ما أجابت عنه نفس السنّة وأوضحته، فقد أخرج الترمذي في سننه عن عمر بن أبي سلمة، قال: «لمّا نزلت هذه الآية على النبيّ (ص): إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً في بيت أُمّ سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء، وعليّ خلف ظهره، فجلّله بكساء، ثمّ قال:

«اللّهمّ، هؤلاء أهل بيتي، فاذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً»، قالت أُمّ


1- المصدر نفسه.
2- شرح المقاصد، ج 2، ص 303.

ص: 144

سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «أنت على مكانك، وأنت إلى خير» (1)، قال عنه الألباني: «صحيح» (2)، وأخرجه غيره من المحدّثين والعلماء، كالطبري في «جامع البيان» (3) والطحاوي في «مشكل الآثار» (4).

إذن فأهل البيت سلام الله عليهم هم الامتداد الطبيعي للرسول الأكرم (ص)، وهم حملة لواء الشريعة الإسلاميّة، وأتباع أهل البيت وشيعتهم إنّما يتّبعون من أمر الله أن يُتمسّك بهم، ويُهتدى بهداهم، ويُقتبس من نورهم، وأمّا مسألة الإمام المهدي (عج)- الإمام الثاني عشر من أئمّة العترة الطاهرة، بالإضافة إلى ما أشرنا إليه آنفاً- فقد تقدّمت الأحاديث المتواترة، ومن قال بها وبصحّتها، وأيضاً اعتراف كبار علماء أهل السنّة بولادته وغيبته، وعطفنا البحث حول طرق الشيعة، وذكرنا أدلّتهم بأسانيد صحيحة، وكذلك نقلنا الوثائق والشواهد التي نفيتم صدورها من كتب الشيعة.

فأين الهروب من الواقع؟ بل إنّ الواقع كلّ الواقع هو الذي فرض هذه الحقيقة، كما أشرنا إلى ذلك في حديث الاثني عشر الذي يكون مصداقه وتطبيقه الوحيد هم أئمّة الشيعة الاثني عشريّة، فهذا الحديث ضبط قبل تكامل الواقع الإمامي، فهو انعكاس وحقيقة نطق بها من لا ينطق عن هوى، فقال: «إنّ الخلفاء بعدي اثنا عشر»، وجاء الواقع الإمامي الاثني عشري- ابتداءً من الإمام عليّ وانتهاءً بالمهدي- ليكون التطبيق الوحيد المعقول لذلك الحديث النبوي الشريف.


1- سنن الترمذي، ج 5، ص 351.
2- المصدر نفسه.
3- جامع البيان، الطبري، ج 22، ص 12.
4- شرح مشكل الآثار، ج 2، ص 335.

ص: 145

إذن فالاهتمام بمسألة الإمامة جاء لهذا الغرض وليس- كما يدّعي الدكتور- تطلّع الشيعة إلى قيام كيان سياسي لهم مستقلّ عن دولة الإسلام؛ بل الإسلام صميمه وروحه هو القول بإمامتهم وخلافتهم بمقتضى ما تقدّم من الأحاديث الدالّة على ذلك.

شبهة القول بالمهديّة ينشط دعاته بعد وفاة كلّ إمام

وأمّا قوله: «ولذلك فإنّ القول بالمهديّة والغيبة ينشط دعاته بعد وفاة كلّ إمام؛ لمواجهة عوامل اليأس وفقدان الأمل، بالإضافة إلى تحقيق المكاسب الماديّة».

فجوابه:

إنّ هذا الكلام افتراء وباطل؛ لأنّ الشيعة إنّما تقول بالمهديّة والغيبة بعد وفاة الإمام الحسن العسكري 7 حصراً، فالشيعة الإماميّة تعتقد بالمهدويّة من زمن رسول الله (ص) ووصيّه الإمام عليّ (ع)- وأكّدنا على ذلك مراراً وكراراً- وذلك للروايات المتواترة المصرّحة- على لسان النبيّ وأهل بيته:- بأنّ الأئمّة اثنا عشر، أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المهدي، وهكذا تعتقد الشيعة بغيبته بعد وفاة الإمام العسكري (ع) دون سائر الأئمّة، وهذا الأمر كان ثابتاً قبل ولادة الإمام المهدي (عج) بسنوات طويلة، وهناك مئات الكتب أُلّفت في هذا المضمار من الفريقين.

وأمّا النصوص التي دلّت على ذلك فكثيرة، وقد تقدّم بعضها في أحاديث الهويّة، حيث ذكرت أنّه من ولد رسول الله، ومن ولد عليّ وفاطمة، ومن ذرّيّة الحسين (عليهم السلام)، ونقلنا أيضاً أقوال علماء السنّة الذين قالوا: إنّه من ولد الحسن

ص: 146

العسكري (ع). وبعضها تضمّن تصريح الإمام الحسن العسكري بولادته (عج) وغيبته، وقد تقدّم أيضاً وقد أجبنا عن هذه الشبهة بالتفصيل فلا نطيل.

شبهة سبب القول بالغيبة الرغبة في الاستئثار بالأموال

اشارة

وأمّا قوله: «وأنّ وراء دعوى غيبة الإمام وانتظار رجعته الرغبة في الاستئثار بالأموال، وأنّ هناك فئات منتفعة بدعوى التّشيّع ... ويستمرّ دفع الأموال إليهم باسم خمس الإمام الغائب، وهكذا تدور عمليّات النهب والسلب».

فنقول: لم يقتصر القفاري باتّهام الشيعة بالاستئثار بالأموال في فصل الغيبة؛ بل نجده يكرّر هذا الكلام في أكثر من فصل من كتابه، لا سيما في الباب الخامس من الفصل الأوّل «في المجال الاقتصادي» وفي خاتمة كتابه، حيث قال: «وفي المجال الاقتصادي كان أثرهم واضحاً في أخذ أموال المسلمين بالقوّة أو الخديعة، وفي تدمير اقتصاد الأُمّة بأيّ وسيلة، وكان ما يأخذونه من أموال باسم آل البيت من أهمّ أسباب رغبة شيوخ الشيعة في بقاء شذوذهم وخلافهم مع المسلمين» (1).

الخمس في القرآن والسنّة

اشارة

الخمس في القرآن والسنّة (2)

إنّ اتّهام الشيعة بكنز الأموال ليس له ما يبرّره فهي تهمة أُلصقت بالشيعة بلا وجه حقّ؛ وذلك لأنّ تلك الأموال هي من الخمس، أو من الزكوات


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 3، ص 1552.
2- سيأتي البحث حول الخمس عند الفريقين، وكيفيّة توجيه كلّ منهما لهذه النظريّة، وهل أنّ الخمس مقصور على الغنائم أم أنّه مطلق يشمل غيرها من أرباح المكاسب؟

ص: 147

الشرعيّة التي نصّ عليها الكتاب والسنّة الشريفة، أمّا الكتاب فقوله تعالى: وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ (الأنفال: 41).

قال ابن قدامة في «المغني»: «إنّ سهم ذي القربى ثابت بعد موت النبيّ (ص)، وقد مضى ذكر ذلك والخلاف فيه، وقد ذكرهم الله تعالى في كتابه من ذوي السهام، وثبت أنّ النبيّ (ص) كان يعطيهم، فروى جبير بن مطعم، قال: وضع رسول الله (ص) سهم ذي القربى في بني هاشم وبني المطلب، وترك بني نوفل وبني عبد شمس، وذكر الحديث. رواه أبو داود ولم يأت لذلك نسخ ولا تغيير، فوجب القول به والعمل بحكمه» (1).

البخاري يعترف بالخمس للإمام

وأمّا السنّة الشريفة فقد ذكر البخاري في «صحيحه» الدليل على الخمس، حيث قال: «ومن الدليل على أنّ الخمس للإمام، وأنّه يعطي بعض قرابته دون بعض، ما قسّم النبي (ص) لبني المطلب وبني هاشم من خمس خيبر ... حدّثنا عبد الله بن يوسف، حدّثنا الليث، عن عقيل بن ابن شهاب، عن ابن المسيّب، عن جبير بن مطعم، قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى رسول الله (ص)، فقلنا: يا رسول الله، أعطيت بني المطّلب وتركتنا ونحن وهم منك بمنزلة واحدة؟! فقال رسول الله (ص): «إنّما بنو المطّلب وبنو هاشم شي ء واحد» (2)».

فالبخاري يعترف أنّ الخمس مختصّ بالإمام، ويعطيه لبعض قرابته من بني هاشم وبني عبد المطّلب حسب ما تقتضيه المصلحة، ولكن مَن هو الإمام الذي


1- المغني، عبد الله بن قدامة، ج 3، ص 304.
2- صحيح البخاري، ج 4، ص 56.

ص: 148

يعطى هذه الأموال ... سيأتي بيانه.

وأيضاً روى في «صحيحه»: «حدّثنا شعبة، عن أبي جمرة، قال: كنت أترجم بين ابن عبّاس وبين الناس، فقال: إنّ وفد عبد القيس أتوا النبيّ (ص)، فقال: «من الوفد؟». .. فأمرهم بأربع ونهاهم عن أربع، أمرهم بالإيمان بالله عزّوجلّ وحده. قال: «هل تدرون ما الإيمان بالله وحده؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وتعطوا الخمس من المغنم» (1).

والمغنم في اللغة هو: ما يفوزون به بشكل عام، وليس مقيّداً بالغنائم، ومقتضى سياق هذا الحديث يدلّ عليه؛ لأنّ النبيّ (ص) لم يطلب من بني عبد قيس أن يدفعوا ما غنموه من الحرب؛ لأنّهم لا يستطيعون الخروج في غير الأشهر الحرم؛ خوفاً من المشركين، وعليه فتنصرف كلمة «المغنم» إلى خمس ما يربحونه، وهذا ما تقول به الشيعة الإماميّة.

الخمس عند الشيعة الإماميّة

أمّا نظريّة الشيعة في الخمس فهي تلتقي مع اعتراف البخاري بأنّ الخمس للإمام، فهو يعترف أنّه للإمام؛ ولكن الفرق هو أنّ الإمام عند الشيعة مختلف عن الإمام الذي يؤمن به البخاري، فالإمام عند الإماميّة هو من قال عنه رسول الله (ص) في غدير خم: «من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه» (2).


1- صحيح البخاري، ج 1، صص 19 و 30.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج 1، ص 152؛ ج 5، ص 297، وعلّق عليه قائلًا: «هذا حديث حسن غريب». والترمذي يقصد بالغريب أنّه ورد من هذا الوجه مع أنّ له طرقاً عديدة؛ وانظر كذلك المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 110، وعلّق الحاكم قائلًا: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه». وصحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة، ج 4، ص 330.

ص: 149

وكذلك نصّ رسول الله (ص) على اثني عشر خليفة من بعده.

وقد تقدّم في بحثنا أنّ الأدلّة تلزمنا أن نقول بإمامتهم، فهم الوريث الشرعي للرسول الكريم محمّد (ص)، كما تقدّم قول صاحب «المراجعات»: «لكنّها الأدلّة القطعيّة تقطع على المؤمن وجهته، وتحول بينه وبين ما يروم» (1).

نعم، هي الأدلّة تلوي أعناق أهلها وتأخذ بهم إلى حيث أراد الله ورسوله، وهذا هو الفوز العظيم؛ لأنّ رضا الله ورسوله هو الركن الذي تلجأ إليه الإماميّة، وتلوذ به للوصول إلى جنّات عدن في مجلس صدق عند مليك مقتدر.

روايات الخمس عند الشيعة

ذكر الإماميّة روايات كثيرة دالّة على أنّ الخمس هو لله وللرسول وللإمام؛ ولكن هناك لحاظ وقيد مهمّ تراه الشيعة، وهو: أنّ حيثيّة الإمامة في الروايات المذكورة حيثيّة «تقييديّة لا تعليليّة»؛ بمعنى أنّ الحيثيّة بنفسها هي الموضوع للملك، لا أنّها علّة وواسطة في الثبوت لملكيّة الأئمّة (عليهم السلام) للخمس، وإلّا فلو قلنا بعكس ذلك للزم انتقال الأموال إلى ورثته، لا إلى الإمام المنصوص عليه الذي يليه، وهذا ما لا تقول به الشيعة، وإليك الروايات:

1- روى الكليني بسند صحيح عن البزنطي عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن الرضا (ع)، قال: سئل عن قول الله عزّوجلّ: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى، فقيل له: فما كان لله فلمن هو؟ فقال: «لرسول الله (ص)، وما كان لرسول الله فهو للإمام»، فقيل له: أفرأيت إن كان صنف من الأصناف أكثر وصنف أقلّ، ما يصنع به؟ قال: «ذاك إلى الإمام، أرأيت رسول الله (ص) كيف يصنع؟ أليس إنّما كان يعطي على ما يرى؟


1- المراجعات، ص 60.

ص: 150

كذلك الإمام» (1).

ودلالة الرواية واضحة على أنّ المال كلّه للإمام يضعه حيث يشاء من المصلحة العامة ومصالح المسلمين.

2- روى الكليني بسند صحيح عن الوشّاء، عن أبان، عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) في قول الله تعالى: وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى قال: «هم قرابة رسول الله (ص)، والخمس لله وللرسول ولنا» (2).

3- وروى الشيخ الطوسي في الاستبصار بسند صحيح عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن محمّد بن الحسين، عن عبيد الله بن القاسم الحضرمي، عن عبد الله بن سنان، قال: قال أبو عبدالله (ع): «على كلّ امرئ غنم أو اكتسب الخمس ممّا أصاب لفاطمة (س)، ولمن يلي أمرها من بعدها من ورثتها الحجج على الناس، فذاك لهم خاصّة يضعونه حيث شاءوا، وحرّم عليهم الصدقة» (3).

وواضح أنّ المراد من قوله: «لفاطمة (س) ولمن يلي أمرها. .. الحجج على الناس» هو إشارة لأمر الإمامة ومقامها.

وكذلك نجد هذا الأمر نفسه في الروايات السنّيّة، حيث ذكر النووي في المجموع عن المنهال بن عمرو، قال: سألت عبد الله بن محمّد بن عليّ وعليّ بن الحسين الخمس، فقال: «هو لنا»، قلت لعليّ بن الحسين (ع): إنّ الله تعالى يقول: وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فقال: «أيتامنا ومساكيننا» (4).

وذكر القرطبي في تفسيره، عن مجاهد وعليّ بن الحسين: «أنّهم بنو هاشم


1- الكافي، ج 1، ص 544.
2- الكافي، ج 1، ص 539.
3- الاستبصار، ج 2، ص 55.
4- المجموع، النووي، ج 19، ص 373.

ص: 151

خاصّة»، وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وغيرهم (1).

إشارة إلى النبيّ وآله (عليهم السلام) إذن هو حقّ للإمام يصرفه فيما يراه من المصلحة.

الخمس حقّ لمنصب الإمامة

إنّ الخمس- كما تقدّم- هو حقّ جعل لمنصب الإمامة والحكومة الحقّة، فهو مال للإمام بما أنّه (إمام) لا لشخصه، وحيثيّة الإمامة لوحظت تقييديّة لا تعليليّة، ونحوه الأنفال أيضاً، والمتصدّي لأخذهما وصرفهما في شؤون الإمامة والحكومة من له حقّ الحكم، وهو النبيّ (ص) في عصره الشريف، وبعده للإمام المعصوم، وفي غيبته للفقيه العادل العالم بمصالح الإسلام والمسلمين (2).

فالفقيه العادل في عصر الغيبة هو من يتولّى هذه الأموال ليصرفها في مصالح الإسلام والمسلمين، وجمع وحدتهم ودفع الشرّ عن المظلوم أينما كان؛ ليحقّق بذلك آمال المسلمين في شرق الأرض وغربها لتحقيق حكومة صالحة تكون ملاذاً للعدل والقسط، وتنفيذ قوانين الإسلام بين الأُمّة الإسلاميّة كافّة.

هذه هي رؤية الشيعة للاستفادة من الخمس، وهذا ما استفاده فقهاء الشيعة رضوان الله عليهم، ومن يراجع كتب الفقه الشيعي يجد ذلك واضحاً لا لبس فيه.

شبهة رجوع القول بالمهديّة والغيبة إلى أُصول مجوسيّة

اشارة

وأمّا قوله في ص 1011:

«وأرجّح في هذه المسألة أنّ عقيدة الاثني عشريّة في المهديّة والغيبة ترجع


1- الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ج 8، ص 12.
2- دراسات في ولاية الفقيه، المنتظري، ص 110.

ص: 152

إلى أُصول مجوسيّة، فالشّيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسيّة. ..».

فجوابه:

لا ينتهي قاموس الغرائب من ترجيحات وتقوّلات وتهم جاهزة ما أنزل الله بها من سلطان.

فقوله: إنّ عقيدة الشيعة الاثني عشريّة ترجع إلى أُصول فارسيّة، ثمّ يعطف كلامه على الإمام المهدي (عج) وغيبته ليثبت أنّها من فكر ووحي الفكر الفارسي؛ لأنّهم هم الأكثر عددا؛ لأنّ الشيعة أكثرهم من الفرس، والفرس من أديانهم المجوسيّة، إذن فالقول بالمهدويّة يكون أصله مجوسي.

وهذه الدعوى باطلة وفاسدة، وذلك للوجوه التالية:

الأوّل: التشيّع عربي المولد والنشأة.

إنّ أُصول التشيّع ليس فارسيّاً، بل أُصوله عربيّة كما شهد بذلك أبو زهرة في كتابه الإمام جعفر الصادق، حيث قال:

«إنّ الفرس تشيّعوا على أيدي العرب، وليس التشيّع مخلوقاً لهم. .. وأمّا فارس وخراسان وما وراءهما من بلدان الإسلام، فقد هاجر إليها كثيرون من علماء الإسلام الذين كانوا يتشيّعون؛ فراراً بعقيدتهم من الأُمويّين أوّلًا، ثمّ العبّاسيّين ثانياً، وأنّ التشيّع كان منتشراً في هذه البلاد انتشاراً عظيماً قبل سقوط الدولة الأمويّة بفرار أتباع زيد ومن قبله إليها» (1).

كلمات المستشرقين

وكما نجد ذلك أيضاً في كلمات المستشرقين، نذكر منهم:


1- الإمام الصادق، أبو زهرة، ص 545.

ص: 153

أ- المستشرق جولد تسيهر:

قال: «إنّ من الخطأ القول بأنّ التشيّع في نشأته ومراحل نموّه يمثّل الأثر التعديلي الذي أحدثته أفكار الأمم الإيرانيّة في الإسلام بعد أن اعتنقته، أو خضعت لسلطانه عن طريق الفتح والدعاية، وهذا الوهم الشائع مبني على سوء فهم الحوادث التأريخيّة، فالحركة العلويّة نشأت في أرض عربيّة بحتة» (1).

ب- المستشرق آدم متز:

قال: «إنّ مذهب الشيعة ليس كما يعتقد البعض ردّ فعل من جانب الروح الإيرانيّة يخالف الإسلام، فقد كانت جزيرة العرب شيعة كلّها عدا المدن الكبرى، مثل: مكّة وتهامة وصنعاء، وكان للشيعة غلبة في بعض المدن أيضاً، مثل: عمان، وهجر، وصعدة، أمّا إيران فكانت كلّها سنّة، ما عدا قم، وكان أهل إصفهان يغالون في معاوية حتّى اعتقد بعض أهلها أنّه نبيّ مرسل» (2).

ج- المستشرق الألماني يوليوس فلهوزن:

في كتاب «الخوارج والشيعة»، يردّ فيه على المستشرق دوزي، الذي زعم أنّ التشيّع كمذهب ديني إيراني الأصل، قال:

«أمّا أنّ آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيّين، فهذا أمر لا سبيل إلى الشكّ فيه، أمّا كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيّين فليست تلك الملاءمة دليلًا عليه، بل الروايات التأريخيّة تقول بعكس ذلك؛ إذ تقول: إنّ التشيّع الواضح الصريح كان قائماً أوّلًا في الدوائر العربيّة، ثمّ انتقل بعد ذلك منها إلى الموالي» (3).

وقال الشيخ المظفّر في كتابه «تأريخ الشيعة»: «كان للإمام عليّ (ع) ثلاثة


1- العقيدة والشريعة في الإسلام، جولد تسيهر، ص 204.
2- الحضارة الإسلاميّة، آدم متز، ج 1، صص 101 و 102.
3- الخوارج والشيعة، يوليوس فلهوزن، ص 146.

ص: 154

حروب- الجمل وصفّين والنهروان- وكان جيشه كلّه عرباً أقحاحاً، بين عدنانيّة وقحطانيّة، أكانت قريش من الفرس؟ أم الأنصار- من أوس وخزرج- أم مذحج، أم همدان، أم طئ، أم كندة، أم تميم، أم مضر، أم أشباهها من القبائل؟ وهل كان زعماء جيشه غير رؤساء هذه القبائل؟ أكان عمّار فارسيّاً، أم هاشم المرقال، أم مالك الأشتر، أم صعصعة بن صوحان، أم أخوه زيد، أم قيس بن سعد الأنصاري، أم ابن عبّاس، أم محمّد بن أبي بكر الصدّيق، أم حجر بن عدي، أم عدي بن حاتم الطائي، وأمثال هؤلاء من القوّاد؟ أمّا أصحاب الإمامين- الحسن والحسين (عليهما السلام)- فكلّهم عرب، وجلّهما من أصحاب أبيهما أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع)» (1).

وكذلك السيّد الأمين في «أعيان الشيعة»، حيث قال:

«فالفرس الذين دخلوا في الإسلام لم يكونوا شيعة حتّى يقال في حقّهم ذلك إلّا القليل منهم، واستمرّوا على غير مذهب الشيعة الأحقاب الطويلة والعصور المتمادية، وجلّ علماء أهل السنّة وأجلّاؤهم هم من الفرس، كالبخاري، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة القزويني، والإمام الرازي، والقاضي البيضاوي، وأبو زرعة الرازي، والإمام فخر الدين الرازي، والفيروزآبادي الكازروني صاحب القاموس، والزمخشري .. وغيرهم».

ثمّ قال: «لكن الحقيقة أنّ بعض الفرس دان بالتشيّع للسبب الذي دان به غيرهم بالتشيّع، وبعضهم دان بالتسنّن للسبب الذي دان به غيرهم بالتسنّن، سنّة الله في خلقه، وهذه التأويلات والاستنباطات لا تستند إلى مستند، وإنّما ساقت إليها العداوة للشيعة، وقصد التشنيع عليهم بكلّ طريق ليس إلّا» (2).


1- تأريخ الشيعة، محمّد حسين المظفّر، ص 8.
2- أعيان الشيعة، السيد الأمين، ج 1، ص 32.

ص: 155

فلو سألنا الدكتور القفاري قبل أن يوجّه اتّهامه إلى التشيّع الفارسي: مَن هم أُولئك العلماء الذين شيّدوا وأرسوا قواعد المذهب السنّي الذي يدين به؟ أليس البخاري ومسلم النيسابوري والترمذي والنسائي وابن ماجة القزويني، والرازي والبيضاوي وأبي زرعة الرازي، وفخر الدين الرازي وأبي حنيفة والشافعي والزمخشري وغيرهم الكثير؟!

فكان المفترض بالدكتور القفاري أن لا يغمض العين عن هذه الحقيقة التي لابدّ أن يذعن لها.

إذن فالتشيّع عربي المولد والنشأة، وأمّا الفرس الذين دخلوا للإسلام وتشيّعوا؛ فذلك لما فهموه من نصوص أخذت بأعناقهم لموالاة أهل البيت (عليهم السلام) وهم كغيرهم من سائر الأُمم، كالعرب والترك والروم وغيرهم، فإذا كان كذلك فكيف جوّز ورجّح أنّ القول بعقيدة المهدي والغيبة أُصولها مجوسيّة؟!

الوجه الثاني: تواتر أحاديث الإمام المهدي (عج) قبل ولادته يكذب هذه الدعوى.

فقد تقدّم في بحثنا القول بتواتر خروج الإمام المهدي (ع) من طرق الفريقين، وقلنا: إنّ الإمام المهدي وغيبته أنبأ عنها رسول الله (ص) قبل ولادته، فإذا أضفنا إلى هذه المقدّمة أنّ فتح مملكة الفرس قد وقع في عهد خلافة عمر بن الخطّاب، فقد أسلم الفرس بعد رحلة رسول الله (ص) بمدّة، فصدور الروايات المتواترة عن رسول الله (ص) في الإمام المهدي يكذب هذه الدعوى المفتراة على الشيعة.

الوجه الثالث: ليست الكثرة هي المقياس في قبول الأدلّة.

ليس المدار في الاستدلال بالأُمور العقائديّة على الكثرة، فبإمكاننا القول إنّ الشعب الماليزي أو الأندنوسي هم أكثر الشعوب المسلمة، فيتجاوز عددهم (مائتين وخمسين مليون مسلماً) أو أكثر، فهل يصحّ لنا أن ندّعي أنّ أصل

ص: 156

الإسلام هو ماليزي أو أندنوسي؟!

إذن فهذه الدعوى باطلة من أساسها، ولعلّ الحقد والبغض على التشيّع والشيعة هو المبرّر لهذه الأقوال الخالية من الدليل والبرهان الصحيح والمعقول.

الدكتور طه حسين يحمل على خصوم الشيعة

يقول الدكتور طه حسين: «إنّ خصوم الشيعة نسبوا إليهم ما يعلمون وما لايعلمون. .. ولا يكتفي خصوم الشيعة من الشيعة بما يسمعون عنهم، أو بما يرون من سيرتهم، وإنّما يضيفون إليهم أكثر ممّا قالوا، وأكثر ممّا سمعوا ... ويحملون عليهم الأعاجيب من الأقوال والأفعال، ثمّ يتقدّم الزمان، وتكثر المقالات، ويذهب أصحاب المقالات في الجدال كلّ مذهب، فيزداد الأمر تعقيداً وإشكالًا، ثمّ تختلط الأُمور بعد أن يبعد عهد الناس بالأحاديث، ويتجاوز الجدال خاصّة الناس إلى عامّتهم، ويتجاوز الذين يحسنونه إلى الذين لا يحسنونه، ويخوض فيه الذين يعلمون والذين لا يعلمون، فيبلغ الأمر أقصى ما يمكن أن يبلغ من الإيهام والإظلام، وتصبح الأُمّة في فتنة عمياء لا يهتدي فيها إلى الحقّ إلّا الأقلّون» (1).

إذن فخصوم الشيعة يحملون عليهم الأعاجيب من الأقوال والأفعال بدون علم ومعرفة، والغرض هو الكيد والتنكيل لإشاعة الفتنة والتضليل، وهذا ما شهد به الدكتور طه حسين.

شبهة المقابلة بين عبد الله بن سبأ وعثمان بن سعيد العمري

اشارة


1- الفتنة الكبرى، طه حسين، ص 173.

ص: 157

قال في فصل «واضع مبدأ الغيبة عند الشيعة»، ص 1011:

«إذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النصّ على عليّ بالإمامة- كما تذكره كتب الفرق عند الشيعة وغيرها- فإنّ هناك ابن سبأ آخر هو الذي وضع البديل «لفكرة الإمامة» بعد انتهائها حسّياً بانقطاع نسل الحسن، أو أنّه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة، لكنّه هو الوجه البارز لهذه الدعوى. هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد العمري ... ثمّ قال: هؤلاء الأبواب الأربعة: عثمان بن سعيد، وابنه، وابن روح، والسمري، هم المؤسّسون لقضيّة الغيبة والمهديّة، أو هم الوجوه البارزة التي رسمت نظريّة المهدي عند الاثني عشريّة، وتسمّى فترة عملهم بالبابيّة: «الغيبة الصغرى»، والتي استمرّت سبعين سنة أو تزيد ...».

بيان الشبهة

ادّعى القفاري مجموعة من الادّعاءات نبرزها بما يلي:

1- إنّ ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النصّ للشيعة، حسب نقل كتب الفرق الشيعيّة وغيرها.

2- إنّ هناك واضع البديل لفكرة الإمامة عند وفاة «الإمام الحسن العسكري» هو عثمان بن سعيد العمري، وهو من ضمن مجموعة مكوّنة من «ابنه محمّد بن عثمان والحسين بن روح وعليّ بن محمّد السمري» ولكنّه هو الوجه الأبرز، فهؤلاء هم من رسموا وخطّطوا لنظريّة المهدي (عج) وغيبته.

الجواب:

قوله: «إذا كان ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النصّ على عليّ بالإمامة، كما تذكره كتب الفرق عند الشيعة وغيرها ...».

ص: 158

الجواب: دعوى لا محصّل لها

قبل أن نلج في أصل الموضوع لابدّ من الإجابة عن شبهة طالما كرّرها القفاري في مجمل أبحاثه وإن لم تكن هي من صميم البحث، ولعلّه يرى أنّ هناك قاسماً مشتركاً، وهو الإمامة في كلا الأمرين.

فلو رجعنا إلى ما اعتمد عليه القفاري من كتب الفرق الشيعيّة- وهما «فرق الشيعة» للنوبختي، و «المقالات والفرق» للأشعري- والتي ذكرت عقيدة النصّ عند الشيعة لنرى جليّة الأمر وحقيقته.

لننقل كلام النوبختي والأشعري القمّي، حيث قالوا: «السبأيّة أصحاب «عبدالله بن سبأ»، وكان ممّن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة وتبرّأ منهم، وقال: إنّ عليّاً أمره بذلك، فأخذه عليّ [7] فسأله عن قوله هذا، فأقرّ به فأمر [عليّ 7] بقتله».

وقالوا أيضاً: «وحكى جماعة من أهل العلم: أنّ عبد الله بن سبأ كان يهوديّاً فأسلم، ووالى عليّاً، وكان يقول وهو على يهوديّته في يوشع بن نون وصيّ موسى بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة رسول الله (ص) في عليّ بمثل ذلك، وهو أوّل من شهد بالقول بفرض إمامة عليّ بن أبي طالب، وأظهر البراءة من أعدائه، وكاشف مخالفيه وأكفرهم، فمن هنا قال من خالف الشيعة أنّ أصل الرفض مأخوذ من اليهوديّة» (1).

هذه هي النصوص التي اعتمد عليها القفاري وبنى حكمه عليها، ولكن هل يمكن أن يستفاد منها النصّ على إمامة عليّ (ع) أم أنّ الأمر مجرّد تهمة يراد منها النيل والكيد من التشيّع؟!


1- فرق الشيعة، النوبختي، ص 22؛ المقالات والفرق، الأشعري، ص 20.

ص: 159

ملاحظات لبيان الحقيقة

وهنا نذكر بعض الملاحظات على هذه النصوص التي تدحض هذا المدّعى:

الملاحظة الأُولى:

إنّ ابن سبأ- على فرض أنّه حقيقة- (1) ادّعى أنّ عليّاً (ع) أمره بالطعن واللعن على الصحابة بما فيهم أبو بكر وعمر وعثمان!

وهذه الدعوى أبطلها الإمام عليّ (ع) وأمر بقتله؛ لكذبه وافترائه. ولكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل الأمر بالقتل الذي أمر به الإمام عليّ (ع) صحيح؟ نعتقد أنّ هذه القصّة مفتراة ومختلقة من أساسها؛ لأنّ مجرّد الطعن واللعن لا يوجب القتل، كما هو معلوم عند فقهاء المسلمين، فما بالك بمن هو إمام الفقهاء وباب مدينة علم رسول الله (ص).

الملاحظة الثانية:

قال النوبختي والأشعري في سند هذه القصّة: «حكى جماعة من أهل العلم» فالقصّة هي حكاية لمجهولين، مَن هم؟ وكيف وصلت إليهم؟ ومن اخترعها ولفّقها؟ فهل نستطيع أن نحكم بصحّة هذا الكلام؟ فأين موازين وضوابط الجرح والتعديل؟ وأين المناط والملاك في قبول مثل هكذا قصص وأوهام؟!

الملاحظة الثالثة:

ثمّ لو سلّمنا بذلك فهل كلام ابن سبأ يُفهم منه أنّه وضع عقيدة النصّ على عليّ (ع) بالإمامة؟


1- وسيأتي أنّه شخصيّة خياليّة منحولة ادّخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم، ولم يدّخروه للخوارج.

ص: 160

فلو تأمّلنا بمنطوق هذه العبارة: «أوّل من شهد بالقول» فأين الشهادة من «وضع عقيدة النصّ»؟! وعقيدة النصّ- كما هو معلوم- لا علاقة لها بهذا الكلام إطلاقاً، والشيعة إنّما اعتمدت على الأحاديث الصحيحة والمتواترة التي رواها رسول الله (ص) في إمامة أمير المؤمنين (ع)، كما في حديث الثقلين وغدير خم والسفينة والإنذار وغيرها من الأحاديث.

الملاحظة الرابعة:

لو دقّقنا في كلام النوبختي والأشعري لوجدنا أنّهما في مقام الاعتراض وليس الإقرار، بقرينة قولهم: «ومن هنا قال من خالف الشيعة: إنّ أصل الرفض مأخوذ من اليهوديّة» فهم في معرض التعجّب والغرابة؛ لأنّ أصل هذا الكلام حكاية لا سند لها ولا أصل.

الملاحظة الخامسة:

ثمّ من كانت عقيدته- أي: النوبختي والأشعري- الإيمان باثني عشر إماماً وفقاً للنصوص التي بشَّر بها رسول الله (ص)، كيف ينسب لنفسه أنّ أصل دينه مأخوذ من اليهود؟! فمن كان من شيوخ الطائفة وعلمائها كيف ينسب لنفسه هذه الاتّهامات الباطلة التي تخدش بمذهبه؟!

قال النجاشي في ترجمته للنوبختي: «موسى بن الحسن بن أبي سهل النوبختي، كان مفوّهاً، عالماً، حسن الاعتقاد» (1).

وأمّا الشيخ سعد بن عبدالله الأشعري، فقال عنه النجاشي: «شيخ هذه الطائفة وفقيهها ووجهها .. ولقي مولانا أبا محمّد (ع)» (2).

فمن كان حسن الاعتقاد في مذهبه وفقيه الطائفة ووجهها، كيف يطعن بما


1- رجال النجاشي، ص 407.
2- المصدر نفسه، ص 177.

ص: 161

آمن به؟!

إذن ما بناه القفاري على أنّ ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النصّ على علي (ع) من كتب الشيعة، باطل وغير صحيح.

علماء الشيعة وكتبهم تصرّح بأُسطورة عبد الله بن سبأ

اشارة

وأنقل للقارئ الكريم كتب الشيعة وآراء علمائهم التي تقول: إنّ هذه الشخصيّة وهميّة ومختلقة لا وجود لها في الخارج، ولا نعلم كيف نسب الدكتور القفاري اعتراف كتب الشيعة بذلك؟!

1- السيّد محمّد حسين كاشف الغطاء

قال: «إنّ عبد الله بن سبأ، ومجنون بني عامر، وأبي هلال، وأمثال هؤلاء الرجال أو الأبطال كلّها أحاديث خرافة، وضعها القصّاصون وأرباب السمر والمجون، فإنّ الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أواسط الدولتين الأُمويّة والعبّاسيّة، وكلّما اتّسع العيش وتوفّرت دواعي اللهو، اتّسع المجال للوضع، وراج سوق الخيال، وجعل القصص والأمثال؛ كي تأنس بها ربّات الحجال، وأبناء الترف والنعمة ...».

وقال أيضاً: «ثمّ لا يخفى عليك أخي القارئ الكريم أنّ أوّل الحائكين لهذه الأُسطورة الخرافيّة حول هذا الرجل- والذي قفى بعد ذلك أثره المؤرّخون- هو الطبري في (تاريخه)، وكان مصدره فيها سيف بن عمر البرجمي (ت 170 ه) الذي يطعن به معظم أصحاب التراجم والسير بشكل صريح وواضح، حتّى لقد قال عنه مرّة: فليس خير منه، وقال عنه أبو حاتم: متروك الحديث، وقال عنه أبو داود: ليس بشي ء، وأمّا النسائي والدار قطني وابن معين، فقد

ص: 162

قالوا عنه: ضعيف الحديث .. فراجع وتأمّل» (1).

2- السيّد محمّد حسين الطباطبائي

قال: «وهذان اللذان روى [أي: الطبري] عنهما الحديث، وعنهما يروى جلّ قصص عثمان؛ أعني شعيباً وسيفاً، هما من الكذّابين الوضّاعين المشهورين، ذكرهما علماء الرجال وقدحوا فيهما. والذي اختلقاه من حديث ابن السوداء، وهو الذي سمّوه عبد الله بن سبأ، وإليهما ينتهي حديثه، من الأحاديث الموضوعة، وقد قطع المحقّقون من أصحاب البحث أخيراً أنّ ابن السوداء هذا من الموضوعات الخرافيّة التي لا أصل لها» (2).

3- السيّد مرتضى العسكري

في كتابه «عبد الله بن سبأ»، فقد توصّل في نتائج بحثه أنّ هذه الشخصيّة أُسطورة وهميّة، والذي اختلقها هو «سيف بن عمر» الذي طعن فيه جميع علماء السنّة، فهو ضعيف، ساقط الرواية، والغريب أنّ الطبري قد أخذ عنه ووثّق رواياته، ومن ثمّ تبعه الآخرون، قال:

«أمثلة التصحيف عند سيف: تصحيفه كلمة «عبد الله بن وهب السبائي» رأس الخوارج إلى «عبد الله بن سبأ» واختلاق أُسطورة ضخمة له!! هكذا استطاع سيف أن يحرّف ويصحف ويقلب ويختلق أُمّة من الصحابة والتابعين ورواة الحديث، وقادة الفتوح والشعراء، وعدداً كبيراً من أماكن وكتباً سياسيّة وأراجيز وخطباً إلى غيرها! استطاع بكلّ ذلك أن يشوّه معالم التاريخ الإسلامي بدافع الزندقة! والأهمّ من كلّ ذلك أنّه استطاع أن يخفي أهدافه تحت


1- أصل الشيعة واصولها، محمّد حسين كاشف الغطاء، ص 181.
2- تفسير الميزان، ج 9، ص 260.

ص: 163

شعار الدفاع عن الصحابة، ونشر مناقبهم، وبذلك ضمن لأساطيره الرواج والبقاء ثلاثة عشر قرناً» (1).

4- السيّد الخوئي

في «معجم رجال الحديث»، قال: «إنّ أُسطورة عبد الله بن سبأ وقصص مشاغباته الهائلة موضوعة مختلقة، اختلقها (سيف بن عمر) الوضّاع الكذّاب، ولا يسعنا المقام الإطالة في ذلك والتدليل عليه، وقد أغنانا العلّامة الجليل والباحث المحقّق السيّد مرتضى العسكري فيما قدّم من دراسات عميقة دقيقة عن هذه القصص الخرافيّة، وعن سيف وموضوعاته في مجلّدين ضخمين طبعا باسم «عبد الله بن سبأ»، وفي كتابه الآخر خمسون ومائة صحابي مختلق» (2).

تطابق الرؤى في خرافة وأُسطورة ابن سبأ

اشارة

لو تأمّل الإنسان المنصف وراجع تلك الحقبة التاريخيّة- لاسيّما في مفردة هذا الرجل (عبد الله بن سبأ)- لوجد أنّ هناك أصابعاً خفيّة وراء ما يبثّه القصّاصون لزرع الفتنة بين المسلمين، وهناك من العلماء من أهل السنّة من تطابقت آراؤهم مع علماء الشيعة في الكشف عن هذه الحقيقة التي بالغوا وأسرفوا فيها، وننقل بعض كلمات علماء السنّة التي تطابقت رؤيتهم مع ما توصّل إليه علماء الشيعة.

1- الدكتور طه حسين

1- عبد الله بن سبأ، السيّد مرتضى العسكري، ج 2، ص 163.
2- السيّد الخوئي، معجم رجال الحديث، ج 11، ص 207.

ص: 164

في كتابه «الفتنة الكبرى»، قال: «أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أُصول هذا المذهب عنصراً يهوديّاً؛ إمعاناً في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحقّ والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقّدة المعضلة التي كانت بصفّين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب عليّ في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد، الذي كان يكره الصلح وينفر منه ويكفّر من مال إليه، أو شارك فيه. ولكنّا لا نرى لابن السوداء ذكراً في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال؟ أو كيف يمكن أن نعلّل غياب ابن سبأ عن وقعة صفّين وعن نشأة حزب المحكّمة؟

أمّا أنا فلا أُعلّل الأمرين إلّا بعلّة واحدة، وهي: أنّ ابن السوداء لم يكن إلّا وهماً، وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوّره المؤرّخون، وصوّروا نشاطه أيّام عثمان، وفي العام الأوّل من خلافة عليّ، وإنّما هو شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم، ولم يدّخروه للخوارج ...» (1).

2- الأُستاذ كرد عليّ

في كتابه «خطط الشام»، قال: «أمّا ما ذهب إليه بعض الكتّاب من أنّ أصل مذهب التشيّع من بدعة عبد الله بن سبأ فهو وهم وقلّة علم بحقيقة مذهبهم، ومن علم منزلة هذا الرجل عند الشيعة وبراءتهم منه ومن أقواله وأعماله، وكلام علمائهم في الطعن فيه بلا خلاف بينهم في ذلك، علم مبلغ هذا


1- الفتنة الكبرى، ج 2، صص 90 و 91.

ص: 165

القول من الصواب» (1).

3- حسن بن فرحان المالكي

في كتابه الردّ على «سليمان العودة»، قال: «يحاول الدكتور العودة أن يذكر الدكتور الهلابي وكأنّه المنكر الوحيد لشخصيّة ابن سبأ! ويذكرني وكأنّني مقلّد للهلابي فقط! بينما قد سبق الهلابي وسبقني من علماء أهل السنّة مَنْ نفى دور ابن سبأ على الأقلّ، أمثال العلّامة المحدّث عبد الرحمن المعلّمي في كتابه «الأنوار الكاشفة»، والعلّامة المحدّث محمّد العربي التبّاني في كتابه «تحذير العبقري»، والدكتور علي سامي نشار وغيرهم، بل إنّ علماء أهل السنّة والجماعة من المحدّثين والمؤرّخين لم تكن الأغلبيّة منهم يذكرون ابن سبأ بحرف واحد، لا دوراً ولا وجوداً» (2).

4- الدكتور حامد حفني داود

قال: «ولعلّ أعظم هذه الأخطاء التاريخيّة التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغمّ عليهم أمرها، فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفّقوا عليهم قصّة «عبد الله بن سبأ» فيما لفّقوه من قصص- أشرت إلى بعضها في مؤلّفاتي- وزعموا أنّ كلّ خرافة أو أُسطورة أو أُكذوبة جاءت من فجر التاريخ الإسلامي كانت من نسج لخيال علماء الشيعة، واعتبروها مغمزاً يغمزون به عليهم» (3).


1- المصدر نفسه، ج 1، ص 132.
2- مع الدكتور العودة، حسن بن فرحان المالكي، ص 130.
3- نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني داود، صص 102 و 103.

ص: 166

5- إبراهيم بيضون

قال: «إنّه الدور الأُسطورة وما اكتنفه من تضليل ومبالغة أكثر من الرجل الأُسطورة الذي قد يكون مجرّد تلفيق أو لا يكون، فهو أقلّ حجماً من أن يرقى إلى الدور وإلى مستوى يقود النخبة تحت قيادته» (1).

إذن هذه الأقوال تشير بصراحة لنفي هذه الأُسطورة من الفريقين، سواء كان كشخص أو كدور، ولو قَرنّا ذلك مع خلو وإهمال المصادر التأريخيّة المهمّة لذكر «عبدالله بن سبأ»، فلم نجد له ذكراً عند ابن سعد في «طبقاته»، والبلاذري في «أنساب الأشراف»، وأمّا الطبري فقد اعتمد على مرويّاته بواسطة «سيف بن عمر»، وهو ضعيف غير معتمد الرواية.

أضف إلى ذلك أيضاً: أنّ المسلمين في عهد عثمان كان بإمكانهم أن يجعلوا هذا الرجل- الذي أثار الفتنة والخلاف بين المسلمين- تحت أنظارهم ويراقبوه، ومن ثمّ يقبضوا عليه، لاسيّما معاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن سعد بن أبي سرح والي عثمان على مصر، فهم من الخبرة بتتبّع المعارضين والمعادين لهم، فكيف لا نجد ذلك في التأريخ؟! وهذا دليل على أنّ الرجل صنعه أعداء الشيعة وخصومهم؛ للنيل من التشيّع، كما تقدّم في كلام الدكتور طه حسين.

وهذا هو الأقرب علميّاً لمن يعتقد بوجوده ويعطيه هذا الدور الكبير والمؤثّر في الأُمّة الإسلاميّة، وما صوّره الدكتور القفاري للقارئ لا يعدو كونه محض افتراء بلا دليل وبرهان.


1- عبد الله بن سبأ، إبراهيم بيضون، ص 118.

ص: 167

سبأيّة عثمان بن سعيد العمري

اشارة

وأمّا قوله: «فإنّ هناك ابن سبأ آخر هو الذي وضع البديل لفكرة الإمامة بعد انتهائها حسيّاً بانقطاع نسل الحسن، أو أنّه واحد من مجموعة وضعت هذه الفكرة، لكنّه هو الوجه البارز لهذه الدعوى. هذا الرجل يدعى عثمان بن سعيد العمري».

فجوابه:

تقدّم أنّ ابن سبأ الذي صنّفه القفاري أنّه هو واضع فكرة النصّ على الإمامة، ما هو إلّا شخصيّة خياليّة ليس لها وجود في الخارج كما اتّضح ذلك من شهادة الفريقين، وأمّا فكرة الإمامة عند الشيعة الاثني عشريّة فهي قائمة على النصّ، وهذا ما تمّ بحثه في فصل الإمامة.

فالقول بأنّ هناك ابن سبأ آخر! لا يعدو كونه فرضيّة وهميّة لم نسمع من قال بها سوى القفاري نفسه، فهي من مختلقاته التي يبثّها زوراً وبهتاناً.

فقد تقدّم في شبهة «أُسطوريّة ورمزيّة الإمام المهدي» بأنّ الأحاديث قد استفاضت وتواترت بخروجه، ومنكرها يعد منكراً للضروريّات والبديهيّات، ونقلنا جملة كبيرة من علماء أهل السنّة الذين قالوا بصحّة تلك الأحاديث وتواترها، وكذلك نقلنا الأحاديث الصحيحة التي تحدّد شخصيّته وهويّته، وكونه من أهل البيت، من ولد فاطمة ومن ولد الحسين (ع)، وكذلك نقلنا الأحاديث التي تفرض وجوده حيّاً في جميع الأزمنة كحديث «الثقلين»، وحديث «الاثني عشر»، وحديث «عدم خلو الأرض من قائم لله بحجّة»، وحديث «من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة»، وقرّرنا هناك أنّه لا تطبيق صحيح سوى ما تذهب إليه المدرسة الإماميّة، فهو الإمام الثاني عشر بمقتضى هذه

ص: 168

النصوص، فراجع.

وأمّا قوله: «... بعد انتهائها [أي: الإمامة] حسيّاً بانقطاع نسل الحسن ...».

فنقول: إنّ الإمامة لم تنته بالحسّ أو غيره؛ لأنّنا قلنا في شبهة «أنّ الإمام الحسن العسكري (ع) مات بلا عقب»: إنّ الإمام بشّر بولده المهدي (عج) ونصّ على إمامته من بعده، وذكرنا بالتفصيل الأدلّة على ولادته، منها: أقوال أهل الأنساب، وأقوال العلماء من الفريقين، وذكرنا الروايات الصحيحة على ذلك، وترجمنا لسندها، ثمّ ذكرنا الشهادات الحسّيّة التي تؤكّد ولادته، كشهادة حكيمة، وممّن رآه من أصحابه، وكثرة العقائق عنه، وتصرّف السلطة العبّاسيّة مع الإمام الحسن العسكري (ع)، وقلنا هناك: إنّ كلّ هذه الأُمور هي شواهد صدق لولادة الإمام المهدي (عج).

أحاديث الغيبة في كتب الفريقين

أحاديث الغيبة في كتب الفريقين (1)

وأمّا قوله: «هؤلاء الأبواب الأربعة: عثمان بن سعيد، وابنه، وابن روح، والسمري، هم المؤسّسون لقضيّة الغيبة ...».

فنقول: أمّا الغَيبة فالشيعة تؤمن بأنّ للإمام المهدي (عج) غيبتين: صغرى وكبرى، أو قصرى وطولى، وهذا ما نبّأتنا به الأحاديث الواردة عن رسول الله (ص) وأهل بيته الأطهار- كما سنأتي على ذكرها- أمّا الغيبة الصغرى، فمن مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته بوفاة السفراء وعدم نصب غيرهم، وهي أربع وسبعون سنة، ففي هذه المدّة كان السفراء يرونه، وربّما رآه غيرهم، ويَصِلون إلى خدمته، وتخرج على أيديهم توقيعات منه إلى شيعته في أجوبة مسائل وفي أُمور شتّى.


1- سوف نسلّط البحث على مسألة الغيبة؛ لأنّ القفاري قد ركّز عليها، فتارةً يقول: بأنّ السفراء الأربعة هم الذين ابتكروها وأسّسوها، وتارةً يقول: بأنّها تسرّبت من حكيمة، كما سيأتي بيانه.

ص: 169

وأمّا الغيبة الكبرى فهي بعد الأُولى، وفي آخرها يقوم بالسيف، وقد جاء في بعض التوقيعات أنّه بعد الغيبة الكبرى لا يراه أحد، وإنّ من ادّعى الرؤية قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذّاب، وجاء في عدّة أخبار أنّه يحضر المواسم كلّ سنة، فيرى الناس ويعرفهم ويرونه ولا يعرفونه (1).

غياب هويّة وليس غياب شخص

ومعلوم أنّ الشيعة لا تقول بغيبة شخصه؛ بل غياب هويّة، فليس هو معدوم أو ميّت؛ بل هو موجود ولكنّه غائب عن الأبصار، فهو (عج) يشهد الموسم ويرى الناس ولايرونه، كما نجد ذلك في الخضر (ع)، حيث كان شخصه بين الناس ويتصرّف فيهم التصرّف الولائي، كما في القصّة المعروفة التي دارت بينه وبين موسى (ع) (2).

لذا فالتراث الشيعي قد أشبع هذا الموضوع، ومصادره حافلة بأحاديث الغيبة عن رسول الله (ص) والأئمّة المعصومين (عليهم السلام) قبل ولادة الإمام المهدي (عج).

بل إنّ هذا الأمر يُعد من الأُمور التي تسالمت عليه الطائفة الشيعيّة؛ ولعلّ منشأ ذلك هو تهيئة أذهان الأُمّة لتقبل هذا الأمر الحتمي الوقوع، وكذلك إزالة الغموض الذي قد يثيره البعض حول هذه المسألة المهمّة.

ولم تغب تلك الأحاديث أيضاً عن المدرسة الأُخرى، فقد ذكروا في بعض مصادرهم الحديثيّة غيبة الإمام المهدي (عج)؛ لذا سننقل ما رواه الفريقان في هذه المسألة.

روايات الغيبة في كتب أهل السنّة
اشارة

1- أعيان الشيعة، ج 2، ص 64.
2- الكهف: 60- 82.

ص: 170

1- المقدسي الشافعي (ت ق 7 ه)

1- المقدسي الشافعي (ت ق 7 ه) (1)

في (عقد الدرر) بسنده عن أبي عبد الله الحسين بن عليّ (عليهما السلام)، أنّه قال: «لصاحب هذا الأمر- يعني المهدي (عج)- غيبتان؛ إحداهما تطول حتّى يقول بعضهم:

مات، وبعضهم: قتل، وبعضهم: ذهب، ولا يطّلع على موضعه أحد من وليّ ولا غيره. ..» (2).

وروى أيضاً: بسنده عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام)، فقال: «يكون لصاحب هذا الأمر- يعني المهدي (عج)- غيبة في بعض هذه الشعاب، وأومأ بيده إلى ناحية ذي طوى ...» (3).

2- الحمويني الشافعي (ت 722 ه)

2- الحمويني الشافعي (ت 722 ه) (4)

في كتابه «فرائد السمطين» بسنده عن أبي جعفر محمّد بن عليّ الباقر، عن أبيه سيّد العابدين عليّ بن الحسين، عن أبيه سيّد الشهداء الحسين بن عليّ بن أبي طالب، عن أبيه سيّد الأوصياء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام)، قال: قال رسول الله (ص): «المهدي من ولدي، يكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأُمم، يأتي بذخيرة الأنبياء فيملأها قسطاً وعدلًا كما ملئت جوراً وظلماً» (5).


1- تقدّمت ترجمته.
2- المقدسي الشافعي، عقد الدرر، ص 31، موقع الوراق. moC. qarrawla. www
3- المصدر نفسه.
4- تقدّمت ترجمته، وهو من شيوخ الذهبي.
5- فرائد السمطين، ج 2، ص 335.

ص: 171

3- القندوزي الحنفي (ت 1294 ه)

3- القندوزي الحنفي (ت 1294 ه) (1)

في كتابه «ينابيع المودّة» بسنده عن جابر بن عبد الله رفعه: «المهدي من ولدي اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خلقاً وخلقاً، يكون له غيبة وحيرة يضلّ فيها الامم، يقبل كالشهاب الثاقب، يملؤها عدلًا وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً» (2).

وروى أيضاً بسنده عن الباقر عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب رفعه: «المهدي من ولدي، يكون له غيبة وحيرة تضلّ فيها الأُمم، يأتي به خير الأنبياء، يملأ الأرض قسطاً وعدلًا كما ملئت جوراً وظلماً» (3).

مفهوم الغيبة في الفكر الشيعي

إنّ عناية الفكر الشيعي في الأحاديث المرويّة عن أهل البيت (عليهم السلام) في غيبة الإمام المهدي (عج) واضحة وجليّة، فالتراث الشيعي قد أغنى هذه المسألة وأشبعها وأثراها، فتجسد ذلك في مؤلّفاتهم ورسائلهم التي أفردوها لهذا الغرض، وقد اندرس بعض هذه المؤلّفات، والبعض الآخر مطبوع متداول بين الأوساط الشيعيّة.

مفهوم الغيبة في مؤلّفات الشيعة

ونذكر على سبيل المثال بعض المؤلّفات الشيعيّة في هذا المجال:

كتاب «أخبار القائم (عج)» لعليّ بن محمّد بن إبراهيم المعروف بعلّان الكليني الرازي، وكتاب «الغيبة» لعليّ بن محمّد بن عليّ أبي الحسن القلّاء،


1- تقدّمت ترجمته.
2- ينابيع المودّة، ج 3، ص 386.
3- ينابيع المودّة، ج 3، ص 386.

ص: 172

وكتاب «الغيبة» لأبي محمّد عبد الوهاب البادرائي، وكتاب «إزالة الرين عن قلوب الأخوان في الغيبة» للفقيه أبي علىّ محمّد بن محمّد المشهور بابن الجنيد، وكتاب «أخبار المهديّ (عج)» لعبّاد بن يعقوب الرواجني، وكتاب «الغيبة» لإبراهيم بن إسحاق النهاوندي، وكتاب «الغيبة» لأبي النظر محمّد بن مسعود العيّاشي (1)، وكتاب «الغيبة» للشيخ النعماني، وكتاب «الإمامة والتبصرة» لعليّ بن الحسين بن بابويه القمّي «والد الصدوق»، وكتاب «إكمال الدين وتمام النعمة» للشيخ الصدوق (الابن).

وأمّا مؤلّفات الشيخ المفيد فقد ذكر الشيخ الطهراني في «الذريعة» عدّة كتب له، منها: كتاب «الغيبة الكبير»، وكتاب «الجوابات في خروج المهدي»، وكتاب «المسائل أو الفصول العشرة في الغيبة» (2)، وكتاب «المقنع في الغيبة» للسيّد المرتضى علم الهدى، وكتاب «الغيبة» للشيخ الطوسي، وغيرها الكثير.

ومن راجع تلك الكتب يقطع بتواتر وصحّة تلك الأحاديث، أضف إلى ذلك تعدّد طرقها وكثرة مخارجها، فالسند لا يبحث عنه في هذه المسألة؛ بل إنّ تراثنا الشيعي يعدّها من المتواترات البديهيّات والمسلّمات.

روايات الغيبة عند الشيعة

وبما أنّنا في مقام إدحاض حجّة الخصم؛ لذا سيكون بحثنا عن الأسانيد الصحيحة، وسننقل بعض هذه الروايات، وهي كالتالي:

1- روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن محمّد بن يحيى، عن محمّد بن


1- راجع كتاب رجال النجاشي، صص 247، 259، 260 و 393.
2- الذريعة، ج 16، ص 80؛ رجال النجاشي، ص 399.

ص: 173

الحسين، عن ابن محبوب، عن إسحاق بن عمّار، قال: قال أبو عبد الله (ع): «للقائم غيبتان: إحداهما قصيرة والأُخرى طويلة، الغيبة الأُولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته، والأُخرى لايعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه» (1).

2- وروى أيضاً بسند صحيح عن عليّ بن إبراهيم، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عبد الله بن موسى، عن عبد الله بن بكير، عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «إنّ للغلام غيبة قبل أن يقوم»، قال: قلت: ولم؟ قال: «يخاف»- وأومأ بيده إلى بطنه- ثمّ قال: «يا زرارة، وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول: مات أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول: حمل، ومنهم من يقول: إنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أنّ الله عزّوجلّ يحبّ أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون ...» (2).

3- وروى ابن بابويه القمّي بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر الحميري، عن أيّوب بن نوح، عن محمّد بن أبي عمير، عن جميل بن درّاج، عن زرارة، قال: قال أبو عبدالله (ع): «يأتي على الناس زمان يغيب عنهم إمامهم». فقلت له: ما يصنع الناس في ذلك الزمان؟ قال: «يتمسّكون بالأمر الذي هم عليه حتّى يتبيّن لهم» (3).

4- وروى الصدوق بسند صحيح، قال: حدّثنا محمّد بن الحسن، قال: حدثنا سعد بن عبد الله، قال: حدّثنا أبو جعفر محمّد بن أحمد العلوي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، قال: سمعت أبا الحسن صاحب العسكر (ع) يقول: «الخلف من بعدي ابني الحسن، فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف؟» فقلت: ولِمَ


1- الكافي، ج 1، ص 340.
2- المصدر نفسه، ص 337.
3- الإمامة والتبصرة، ابن بابويه القمّي، ص 125؛ كمال الدين وتمام النعمة، ص 350.

ص: 174

جعلني الله فداك؟ فقال: «لأنّكم لا ترون شخصه ...» (1). وعدم رؤية شخصه إشارة إلى غيبته (عج).

5- وروى الصدوق أيضاً بسند صحيح، قال: حدّثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، قال: حدّثنا عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد السلام بن صالح الهروي، قال: سمعت دعبل بن عليّ الخزاعي يقول: لما أنشدت مولاي الرضا (ع) قصيدتي التي أوّلها: مدارس آيات خلت من تلاوة ... قال: «يا خزاعي، نطق روح القُدُس على لسانك بهذين البيتين، هل تدري من هذا الإمام؟ ومتى يقوم؟» فقلت: لا يا سيدي، إلّا أنّي سمعت بخروج إمام منكم يطهّر الأرض من الفساد ويملأها عدلًا، فقال: «يا دعبل، الإمام بعدي محمّد ابني، وبعد محمّد ابنه عليّ، وبعد عليّ ابنه الحسن، وبعد الحسن ابنه الحجّة القائم المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، لو لم يبق من الدنيا إلّا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتّى يخرج، فيملأها عدلًا كما ملئت جوراً وظلماً ...» (2). وواضح من هذا الحديث النصّ على إمامة الإمام المهدي (عج) فضلًا عن غيبته الصغرى والكبرى.

ونكتفي بهذه الأحاديث الواضحة الدلالة على غيبته والصحيحة السند، لننتقل إلى مطلب آخر، وهو أنّ الغيبة ليست بدعة أو شيئاً استحدثه الشيعة؛ بل إنّ هناك غيبات لبعض الأنبياء، كنبيّ الله هود وصالح وعزير وإبراهيم وموسى ويوسف عليهم أفضل الصلاة والسلام، فهذه سنّة تاريخيّة شاءت الأقدار أن تتكرّر في الإمام المهدي (عج).

السنن التأريخيّة للغيبة
اشارة

1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 381.
2- عيون أخبار الرضا 7، ج 1، ص 297.

ص: 175

عندما نطالع ونراجع بعض تلك السنن نجد أنّ هناك تشابهاً كبيراً بين غيبات الأنبياء: وبين غيبة الإمام المهدي (عج)، لاسيّما غيبة نبيّ الله إبراهيم (ع)، حيث إنّه غاب مرّتين، وأدوار حياته من ولادة وغيبة لها شبه كبير بأدوار وحياة الإمام المهدي (عج)؛ بل لعلّها- كما يعبّر الشيخ الصدوق- أعجب منها. وعليه فالغرابة والاستهجان لدى المشكّكين يرتفع إذا وجدنا بعض تلك الغيبات قد وقعت للأنبياء قبله، لاسيّما وأنّ السنن تتكرّر في الأُمم اللاحقة، قال تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ (الانشقاق: 19) أي: سنن من كان قبلكم.

قال الامام الصادق (ع): «إنّ الله عزّوجلّ أبى إلّا أن تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وإنّه لابدّ من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي: سنن من كان قبلكم» (1).

وروى البخاري عن مجاهد، قال: «لتركبن طبقا عن طبق حالًا بعد حال»، قال هذا نبيّكم (ص) (2).

وكذلك روى الطبراني عن كثير بن عبد الله، عن أبيه، عن جدّه، عن رسول الله، قال: «.. جاءكم جبرئيل يتعاهد دينكم، لتسلكنّ سنن من قبلكم حذو النعل بالنعل، ولتأخذن بمثل أخذهم، إن شبراً فشبراً، وإن ذراعاً فذراعاً، وإن باعاً فباعاً (3)، حتّى لو دخلوا في جحر ضبّ دخلتم فيه» (4).

فقانون السنن قد يتكرّر ولا ضير في ذلك، وإليك بعض ما رواه الصدوق والمفيد لبعض تلك الغيبات.


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 481.
2- صحيح البخاري، ج 6، ص 81.
3- الباع: مسافة ما بين الكفّين إذا بسطتهما. (لسان العرب، ج 8، ص 21 «بوع»).
4- المعجم الكبير، ج 17، ص 13؛ كنز العمّال، ج 1، ص 211.

ص: 176

غيبة نبي الله إدريس (ع)

قال الصدوق: «فأوّل الغيبات غيبة إدريس النبيّ (ع) المشهورة حتّى آل الأمر بشيعته إلى أن تعذّر عليهم القوت، وقتل الجبّار من قتل منهم، وأفقر وأخاف باقيتهم، ثمّ ظهر (ع)، فوعد شيعته بالفرج وبقيام القائم من ولده، وهو نوح (ع)، ثمّ رفع الله عزّوجلّ إدريس (ع) إليه، فلم تزل الشيعة يتوقّعون قيام نوح (ع) قرناً بعد قرن، و خلفاً عن سلف، صابرين من الطواغيت على العذاب المهين حتّى ظهرت نبوة نوح (ع)» (1).

ثمّ ذكر حديثاً عن الإمام الباقر (ع) يتضمّن غيبة إدريس عشرين سنة مختفياً في غار لمّا خاف من جبّار زمانه، وملك من الملائكة يأتيه بطعامه وشرابه، ثمّ ذكر ظهور نبوّة نوح (ع).

غيبة نبي الله هود (ع)

أمّا غيبة هود (ع) فقد ذكرها نبي الله نوح، وأوصى قومه بالانتظار والترقّب لغيبته.

روى الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (ع): «أنّه لمّا حضرت نوحاً (ع) الوفاة دعا الشيعة، فقال لهم: اعلموا أنّه ستكون من بعدي غيبة، يظهر فيها الطواغيت، وأنّ الله عزّوجلّ يفرّج عنكم بالقائم من ولدي اسمه هود، فلم يزالوا يترقّبون هوداً (ع)، وينتظرون ظهوره حتّى طال عليهم الأمد، وقست قلوب أكثرهم، فأظهر الله تعالى ذكره نبيّه هوداً (ع) عند اليأس وتناهي البلاء، وأهلك الأعداء بالريح العقيم، ثمّ وقعت الغيبة بعد ذلك إلى أن ظهر صالح (ع)» (2).


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 127.
2- المصدر نفسه، ص 135.

ص: 177

غيبة نبيّ الله إبراهيم (ع)

قال الصدوق: «وأمّا غيبة إبراهيم خليل الرحمن (ع) فإنّها تشبه غيبة قائمنا صلوات الله عليه، بل هي أعجب منها؛ لأنّ الله عزّوجلّ غيّب أثر إبراهيم (ع) وهو في بطن أُمّه حتّى حوّله عزّوجلّ بقدرته من بطنها إلى ظهرها، ثمّ أخفى أمر ولادته إلى بلوغ الكتاب أجله».

ثمّ روى بسند صحيح (1) عن الإمام الصادق قصّة إبراهيم (ع) مع النمرود، وخلاصتها: أنّ النمرود بعد أن علم بأنّه سيولد مولود يقضي على سلطانه وملكه حجب النساء عن الرجال، فلم يترك امرأة إلّا جعلت بالمدينة حتّى لا يخلص إليهنّ الرجال، فأرسل إلى نساء من القوابل لا يكون في البطن شي ء إلّا علمن به، فنظرن إلى أُمّ إبراهيم، فألزم الله تعالى ذكره ما في الرحم الظهر، فقلن: ما نرى شيئاً في بطنها، فلمّا وضعت أُمّ إبراهيم (به) أراد أبوه أن يذهب به إلى نمرود. .. [ثمّ أنجاه الله تعالى منه] فصدع بأمر الله تعالى، ثمّ غاب الغيبة الثانية، وذلك حين نفاه الطاغوت عن المصر، فقال: وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ (مريم: 48)، الآية (2).

غيبة نبي الله صالح (ع)

روى الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (ع): «أنّ صالحاً (ع) غاب عن قومه زماناً، وكان يوم غاب عنهم كهلًا مبدح البطن، حسن الجسم، وافر اللحية، خميص البطن، خفيف العارضين، مجتمعاً، ربعة من الرجال، فلمّا رجع إلى


1- والسند هو: «حدّثنا أبي، ومحمّد بن الحسن قالا: حدّثنا سعد بن عبد الله الأشعري (ثقة)، عن يعقوب بن يزيد الكاتب (ثقة صدوق)، عن محمّد بن أبي عمير (ثقة)، عن هشام بن سالم (ثقة)، عن أبي بصير (ثقة)، عن أبي عبد الله 7 .. الحديث»، فرجال السند كلّهم ثقات أجلّاء.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ص 135.

ص: 178

قومه لم يعرفوه، وكانوا على ثلاث طبقات: طبقة جاحدة، وأُخرى شاكّة، وأُخرى على يقين- إلى أن قال-: وإنّما مثل القائم مثل صالح» (1).

غيبة نبيّ الله يوسف (ع)

وأمّا غيبة يوسف (ع) فإنّها كانت عشرين سنة، كان منها ثلاثة أيّام في الجبّ، وفي السجن بضع سنين، فاختلفت عليه الأحوال في غيبته من إجماع إخوته على قتله وإلقائهم إيّاه في غيابة الجبّ، ثمّ بيعهم إيّاه بثمن بخس، ثمّ بلواه بامرأة العزيز، ثمّ بالسجن بضع سنين، ثمّ صار إليه ملك مصر، وجمع الله تعالى شمله وأراه تأويل رؤياه.

روى الصدوق بسنده عن الصادق (ع) قال: «كان يعقوب (ع) يعلم أنّ يوسف حيّ لم يمت، وأنّ الله سيظهره له بعد غيبته، وكان يقول لبنيه: وَ أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ، وكان بنوه يفنّدونه على ذكره ليوسف».

ثمّ قال: «فحال العارفين في وقتنا هذا بصاحب زماننا الغائب حال يعقوب في معرفته بيوسف وغيبته، وحال الجاهلين به وبغيبته والمعاندين في أمره حال إخوة يوسف الذين قالوا لأبيهم: تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ، وقول يعقوب (ع): أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ دليل على أنّه قد كان علم أنّ يوسف حيّ وأنّه إنّما غيّب عنه للبلوى والامتحان» (2).

روى الطبري بسنده عن مبارك بن فضالة عن الحسن، قال: «القي يوسف في الجبّ وهو ابن سبع عشرة، فغاب عن أبيه ثمانين سنة، ثمّ عاش بعد ما جمع الله له شمله ورأى تأويل رؤياه ثلاثاً وعشرين سنة» (3).


1- المصدر نفسه، ص 137.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ص 148.
3- تفسير الطبري، ج 7، ص 301.

ص: 179

وروى ابن كثير في تفسيره: «وقال محمّد بن إسحاق: ذكر- والله أعلم- أنّ غيبة يوسف عن يعقوب كانت ثماني عشرة سنة، قال: وأهل الكتاب يزعمون أنّها كانت أربعين سنة أو نحوها، وأنّ يعقوب (ع) بقي مع يوسف بعد أن قدم عليه مصر سبع عشرة سنة» (1).

وقال الشيخ المفيد: «وكان من قصّة يوسف بن يعقوب (عليهما السلام) ما جاءت به سورة كاملة بمعناه، وتضمّنت ذكر استتار خبره عن أبيه، وهو نبي الله تعالى، يأتيه الوحي منه سبحانه صباحاً ومساءً، وأمره مطوي عنه وعن إخوته، وهم يعاملونه ويبايعونه ويبتاعون منه، ويلقونه ويشاهدونه، فيعرفهم ولا يعرفونه، حتّى مضت على ذلك السنون، وانقضت فيه الأزمان، وبلغ من حزن أبيه (ع) عليه لفقده، ويأسه من لقائه، وظنّه خروجه من الدنيا بوفاته ما انحنى له ظهره، وأنهك به جسمه، وذهب لبكائه عليه بصره. وليس في زماننا الآن مثل ذلك، ولا سمعنا بنظير له في سواه» (2).

غيبة نبيّ الله موسى (ع)

وقد كان من غيبة موسى بن عمران (ع) عن وطنه وفراره من فرعون ورهطه ما نطق به الكتاب، قال تعالى: فَخَرَجَ مِنْها خائِفاً يَتَرَقَّبُ قالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (القصص: 20). ولم يظهر عليه أحد مدّة غيبته عنهم فيعرف له مكاناً، حتّى ناجاه الله عزّوجلّ وبعثه نبيّاً، فدعا إليه وعرفه الولي والعدو إذ ذاك (3).

غيبة نبيّ الله يونس (ع)

1- تفسير ابن كثير، ج 2، ص 644.
2- المسائل العشرة في الغيبة، ص 84.
3- الفصول العشرة في الغيبة، المفيد، ص 84.

ص: 180

وكان من أمر نبيّ الله يونس 7 مع قومه وفراره عنهم عند تطاول المدّة في خلافهم عليه واستخفافهم بحقوقه، وغيبته عنهم عن كلّ أحد من الناس حتّى لم يعلم بشر من الخلق مستقرّه ومكانه إلّا الله تعالى؛ إذ كان المتولّي لحبسه في جوف حوت في قرار بحر، وقد أمسك عليه رمقه حتّى بقي حيّاً، ثمّ أخرجه من ذلك إلى تحت شجرة من يقطين، بحيث لم يكن له معرفة بذلك المكان من الأرض، ولم يخطر له ببال سكناه. وهذا أيضاً خارج عن عادتنا وبعيد من تعارفنا، وقد نطق به القرآن (1)، وأجمع عليه أهل الإسلام وغيرهم من أهل الملل والأديان (2).

غيبة أصحاب الكهف

وكذلك غيبة أصحاب الكهف فقد نزل القرآن الكريم بخبرهم وشرح أمرهم، وفرارهم بدينهم من قومهم وحصولهم في كهف ناء عن بلدهم، فأماتهم الله فيه وبقي كلبهم باسطاً ذراعيه بالوصيد، ودبّر أمرهم في بقاء أجسامهم على حال أجساد الحيوان لا يلحقها بالموت تغيّر، فكان يقلّبهم ذات اليمين وذات الشمال كالحي الذي يتقلّب في منامه بالطبع والاختيار، ويقيهم حرّ الشمس التي تغيّر الألوان، والرياح التي تمزّق الأجساد، فبقوا على ذلك ثلاثمائة سنة وتسع سنين على ما جاء به الذكر الحكيم، ثمّ أحياهم، فعادوا إلى معاملة قومهم ومبايعتهم، وأنفذوا إليهم بورقهم ليبتاعوا منهم أحلّ الطعام وأطيبه وأزكاه بحسب ما تضمّن القرآن من شرح قصّتهم، مع استتار أمرهم عن قومهم وطول غيبتهم عنهم وخفاء أمرهم عليهم.

وليس في عادتنا مثل ذلك ولا عرفناه، ولولا أنّ القرآن جاء بذكر هؤلاء القوم وخبرهم وما ذكرناه من حالهم لتسرّعت الناصبة لإنكار ذلك كما يتسرّع


1- قال تعالى: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ... فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَ هُوَ مُلِيمٌ* فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (الصافات: 140- 143).
2- الفصول العشرة، ص 85.

ص: 181

إلى إنكاره الملحدون والزنادقة والدهريّون (1).

قصص أُخرى يذكرها القرآن

لو تأمّلنا في قصص القرآن الكريم ومدى القدرة الإلهيّة الإعجازيّة على التصرّف بنظام الكون في الإحياء والإماتة، وفي الغيبة والحضور وفي جميع جوانب الكون، فلو أخذنا ذلك المثال البسيط الذي يحدّثنا به جلّ وعلا عن قصّة صاحب الحمار الذي مرَّ على تلك القرية الخاوية على عروشها، فتعجّب سائلًا: كيف تعمّر مرّة أُخرى؟ وهل يرجع أهلها بعد أن أماتهم الله تعالى؟ ونتيجة لتلك الأفكار التي استبعدها من مخيّلته لقصر فهمه ومحدوديّة عقله، فضرب الله تعالى له ولنا المثل للعبرة والعظة.

قال الله تعالى حكاية عنه: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَ هِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها (البقره: 259).

فجاء القدر والإعجاز الإلهي وهو أن يميته مائة عام بدون أن تتغيّر خلاياه الإنسانيّة، وتشيخ تلك النفس لتغيّر تلك الخلايا وهرمها، (فَأَماتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عامٍ) (البقره: 259)، وأيضاً طعامه لم تجر عليه سنّة الفساد والتغيّر، وبعد أن أحياه الله تعالى خاطبه بقوله: (فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ وَ شَرابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَ انْظُرْ إِلى حِمارِكَ وَ لِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَ انْظُرْ إِلَى الْعِظامِ كَيْفَ نُنْشِزُها ثُمَّ نَكْسُوها لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ) (البقره: 259).

فالله جلّ وعلا جعل هذه الآية وهذه العلامة ليقول لنا: إنّ القدرة الإلهية تتجاوز عقولكم، فنحن قادرون أن نتصرّف بكم كيفما نشاء؛ لأنّنا نحن الخالقون لكم، وبيدنا مبدأكم ومنتهاكم.


1- الفصول العشرة، صص 85 و 86.

ص: 182

الخلاصة:

إذن فالإمكان للغيبة واقع وله تحقّق كما تقدّم، وعليه فلا يجوز إنكار غيبة الإمام المهدي (عج)، لاسيّما أنّ الأحاديث النبويّة من الفريقين قد ذكرت غيبته (عج)، فالاستبعاد لها أمر في غاية الجهل الذي لا مبرّر له سوى العناد والمكابرة.

نعم، قد يقال: إنّ غيبة الأنبياء قصيرة ومحدودة بزمن معيّن.

نقول: نحن نتكلّم في أصل الغيبة، فهناك غيبات وقعت للأنبياء والأولياء، وهذا أمر ممكن، ولو تكرّر مرّة أُخرى، فالأمر ليس غريباً أو مستهجناً، أمّا طول هذه الغيبة أو قصرها فهذا أمر راجع إلى تقدير الله تعالى شأنه، فهو العالم بملاكات هذه الأُمور، فإنّ القادر على أن يغيّب أصحاب الكهف أو غيرهم ثلاثمائة سنة، قادر أن يفعل ما يشاء، لايسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

سفراء الإمام المهدي (عج)
اشارة

أمّا دور السفراء الأربعة للإمام المهدي (عج) الذي حاول القفاري أن يجعل منهم مبتكرين لفكرة الإمامة والغيبة، فهذا من الغرائب والعجائب التي نعتقد أنّها لا تنطلي على أحد، فمسألة المهدويّة والغيبة- كما قلنا آنفاً- هي من تقدير المولى جلّ وعلا، ورسول الله (ص) قد نطق بها قبل ولادته (ع) كما ذكرنا ذلك كراراً ومراراً، وذكرنا أحاديث غيبته من الفريقين، وذكرنا أيضاً غيبات الأنبياء، ووقوع الغيبة لأصحاب الكهف وغيرهم، فالعقل لا يمكن أن ينكر ذلك بعد الوقوع والتحقّق في الخارج.

وثاقة السفراء الأربعة الذين اتّهمهم القفاري باختلاق المهدويّة

ولكي نقف على معرفة هؤلاء السفراء العظام- الذي أراد الدكتور القفاري

ص: 183

أن يحطّ من منزلتهم باختلاقهم الكذب وغيره- ومدى ثقتهم وجلالتهم وإخلاصهم، وكيفيّة ارتباطهم بالإمام الحسن العسكري (ع) ومن ثمّ ولده الإمام المهدي (عج)، ولننقل ترجمة حياتهم وأدوارهم في نقل أوامر الإمام المهدي في توجيه الأُمّة وتربيتها وكيفيّة التصرّف بعد غيابه في غيبته الكبرى، وبذلك سوف يزول الإبهام الذي لفّق لهذه المسألة، وأنّه لاعلاقة لهؤلاء السفراء الأجلّاء بما ادّعاه القفاري في نسبته لهم باختلاق فكرة المهديّة والغيبة.

السفير الأوّل: عثمان بن سعيد العمري الأسدي
صفاته

كان الشيخ العمري من الفقهاء والعلماء الكبار، فهو الأمين والعفيف، وهو الصادق، فهو موضع ثقة الجميع؛ لذا جاء اختياره لهذه المهمّة والمسؤوليّة مع ما فيها من مخاطر قد تؤدّي إلى موته أو قتله؛ لأنّ السلطة الحاكمة كانت تترصّد حركات الإمام المهدي (عج) وأتباعه، فامتهن تجارة بيع السمن، وجاءت تسميته بالسمّان؛ تقيّة وخوفاً من ملاحقته أو مطاردته، وليكون عمله سرّيّاً، ولأداء مهمّة إيصال الرسائل والأموال وغيرها من وإلى الأئمّة (عليهم السلام).

سفارته

تعدّ سفارة الشيخ عثمان بن سعيد العمري هي الأُولى في عصر الغيبة الصغرى، وقد نصّ عليه الإمام المهدي (عج) لتسنّم هذا المنصب، كما أنّه حاز شرف الوكالة من قبل الإمامين العسكريين، الإمام الهادي والعسكري (عليهما السلام) (1).


1- رجال الطوسي، صص 389 و 401.

ص: 184

أمّا مسألة النصّ عليه فقد قال الإمام المهدي (عج) مخاطباً ولده- أي: محمّد بن عثمان- عند وفاة والده: «.. وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره» (1).

وهذا النصّ يكشف بصورة جليّة سفارة العمري رحمه الله ووكالته.

وأمّا مدّة سفارته فقد بلغت خمس سنوات، من 260 إلى 265 ه.

وثاقته وجلالته

نذكر بعض ما ورد من مدح وإطراء لهذه الشخصيّة العظيمة، والذي تدلّ على كبر منزلته وجلالته وورعه وصدقه.

روى الشيخ الطوسي بسنده عن أحمد بن إسحاق بن سعد القمّي، عن الإمام الهادي (ع) قال: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ما قاله لكم فعنّي يقوله، وما أدّاه إليكم فعنّي يؤدّيه» (2).

وروى أيضاً بنفس السند عن الإمام العسكري (ع)، قال: «هذا أبو عمرو الثقة الأمين، ثقة الماضي وثقتي في المحيا والممات ...» (3).

وكتب الإمام العسكري (ع) إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوري فيه توثيق للعمري، قال: «.. فلا تخرجن من البلدة حتّى تلقى العمري، وتسلّم عليه وتعرفه ويعرفك، فإنّه الطاهر الأمين العفيف القريب منّا وإلينا» (4).

وعند وفاة عثمان بن سعيد رضوان الله عليه خاطب الإمام المهدي (عج) ولده محمّداً، وقد مدح أباه وأثنى عليه، وهذا الخطاب يكشف عن مدى حبّ الإمام


1- الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 362.
2- المصدر نفسه، ص 354.
3- المصدر نفسه.
4- اختيار معرفة الرجال، الشيخ الطوسي، ج 2، ص 848.

ص: 185

له، وأنّه في منزلة وجلالة ووثاقة عالية عنده، قال: «إنّا لله وإنّا إليه راجعون، تسليماً لأمره ورضاء بقضائه ... عاش أبوك سعيداً ومات حميداً، فرحمه الله وألحقه بأوليائه ومواليه، فلم يزل مجتهداً في أمرهم، ساعياً في ما يقرّبه إلى الله عزّ وجلّ، نضّر الله وجهه وأقاله عثرته» (1).

قال الشيخ الطوسي: «كانت توقيعات صاحب الأمر (عج) تخرج على يدي عثمان بن سعيد وابنه أبي جعفر محمّد بن عثمان إلى شيعته وخواصّ أبيه أبي محمّد (ع)، بالأمر والنهي والأجوبة عمّا يسأل الشيعة عنه إذا احتاجت إلى السؤال فيه بالخطّ الذي كان يخرج في حياة الحسن (ع)، فلم تزل الشيعة مقيمة على عدالتهما إلى أن توفّي عثمان بن سعيد، وغسّله ابنه أبو جعفر وتولّى القيام به، وحصل الأمر كلّه مردوداً إليه، والشيعة مجتمعة على عدالته وثقته وأمانته؛ لما تقدّم له من النصّ عليه بالأمانة والعدالة، والأمر بالرجوع إليه في حياة الحسن (ع)، وبعد موته في حياة أبيه عثمان رحمة الله عليه» (2).

وخلاصة الكلام: أنّ العمري كان همزة الوصل بين الإمام المهدي (عج) وشيعته في مراسلاتهم وقضاياهم، فهو ذلك النابغة في الفكر والعقل والحكمة، مضافاً إلى صفات تحلّى بها وهو أهل لها، كالتقوى والورع والصدق والأمانة، ممّا أهّله ذلك إلى تسنّم تلك المراتب الراقية، فكان أهلًا للنيابة الخاصّة والوكالة العامّة رضوان الله عليه.


1- الغيبة، ص 361؛ كمال الدين وتمام النعمة، ص 510.
2- الغيبة، صص 356 و 357.

ص: 186

وفاته

توفّي الشيخ العمري رضوان الله عليه في بغداد، ودفن بجانب الرصافة في بغداد، وقبره معروف يزار.

السفير الثاني: محمّد بن عثمان العمري، أبو جعفر
منزلته

كانت له منزلة عظيمة عند الشيعة الإماميّة فقد تواترت وثاقته وجلالته عند الإماميّة، وكان يلقّب بالخلّاني، لتجارته وبيعه لمادّة الخلّ المعروفة، ولعلّ ذلك كان ليختفي ويتستّر عن السلطة الحاكمة؛ مخافة قتله لو علموا بكونه وكيلًا أو سفيراً للإمام المهدي (عج)، فهم لم يتورّعوا- كما قلنا سابقاً- عن تفتيش بيت الإمام العسكري (ع) والعبث والتنكيل بكلّ ما يطالهم عند ولادة الإمام (عج)، فكيف لو علموا بأنّه الوكيل الشرعي له.

وقيل: لحلمه وورعه وتقواه، فهو الخِلّ والصديق والصاحب لكلّ الناس، فجاءت شهرته لهذه العلّة. وعلى كلا القولين فهو ذلك الإنسان الورع الجليل، محلّ ثقة الإمام المهدي (عج).

قال الشيخ الطوسي: «محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنّى أبا جعفر، وأبوه يكنّى أبا عمرو، جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان (عج)، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة» (1).

سفارته

1- رجال الطوسي، ص 477.

ص: 187

أمّا سفارته فقد تمّ تعيينه من قبل الإمام المهدي (عج) سفيراً ثانياً له، وقائماً بأعماله، بعد وفاة والده مباشرة، وقد قام الإمام المهدي (عج) بخطوات عمليّة لإثبات سفارته، وذلك من خلال خطاباته إلى شيعته ومواليه في أرجاء العالم الإسلامي يعلمهم بخبر نيابة وخلافة محمّد بن عثمان محلّ والده، فهو النائب والوكيل عنه (عج).

ومن تلك الخطابات والرسائل هو ما بعثه الإمام المهدي (عج) إلى محمّد بن مهزيار الأهوازي، حيث جاء في كلامه:

«والابن- وقاه الله- لم يزل ثقتنا في حياة الأب وأرضاه ونضّر وجهه، يجري عندنا مجراه، ويسدّ مسدّه، وعن أمرنا يأمر الابن، وبه يعمل، تولّاه الله، فانته إلى قوله وعرّف معاملتنا ذلك» (1).

وواضح من هذا الخطاب أنّ الإمام المهدي (عج) وضع ثقته المطلقة في «محمّد بن عثمان» الذي لا يختلف عن أبيه في القيام في هذا الدور الحيوي والمهمّ، في تبليغ وصايا الإمام، وتوجيه الأُمّة نحو الصلاح والكمال، في ظرف قد يجعله عرضة للقتل في كلّ لحظة، لاسيّما وعيون السلطة تراقب حركاتهم وسكناتهم، لذا كانت حركته في سرّيّة وكتمان.

ولذا كان موضع رضا وقبول الإمام المهدي (عج)، بحيث كان يدعو له أن يعينه ويقوّيه، ويحفظه في تحمل المهامّ الصعبة الملقاة عليه، وذلك حين خاطبه عند وفاة أبيه معزّياً و محفّزاً لتسلّم مهامّ النيابة من بعده، حيث قال له:

«أجزل الله لك الثواب، وأحسن لك العزاء، رزئت ورزئنا، وأوحشك فراقه وأوحشنا، فسرّه الله في منقلبه، وكان من كمال سعادته أن رزقه الله تعالى ولداً مثلك، يخلفه من بعده، ويقوم مقامه بأمره، ويترحّم عليه، وأقول الحمد لله، فإنّ


1- الغيبة، ص 362.

ص: 188

الأنفس طيّبة بمكانك، وما جعله الله عزّوجلّ فيك وعندك، أعانك الله وقوّاك، وعضدك ووفّقك، وكان لك وليّاً وحافظاً وراعياً وكافياً ومعيناً» (1).

أمّا مدّة سفارته فكانت أربعين سنة، من سنة 265 إلى 305 ه.

وثاقته وجلالته

قال ابن الأثير في «الكامل»: «مات أبو جعفر بن محمّد بن عثمان العسكري المعروف بالسمّان، ويعرف أيضاً بالعمري رئيس الإماميّة، وكان يدّعي أنّه الباب إلى الإمام المنتظر، وأوصى إلى أبي القاسم الحسين بن روح» (2).

وقال الشيخ الطوسي: «محمّد بن عثمان بن سعيد العمري، يكنّى أبا جعفر، وأبوه يكنّى أبا عمرو، جميعاً وكيلان من جهة صاحب الزمان (عج)، ولهما منزلة جليلة عند الطائفة» (3).

وروى الشيخ الطوسي أيضاً بسنده عن إسحاق بن يعقوب عن الإمام المهدي (عج) قال: «وأمّا محمّد بن عثمان العمري، وعن أبيه من قبل، فإنّه ثقتي، وكتابه كتابي» (4).

وروى الشيخ الطوسي عن الإمام العسكري (ع): «العمري وابنه ثقتان، فما أدّيا فعنّي يؤدّيان، وما قالا فعنّي يقولان، فاسمع لهما وأطعهما، فإنّهم الثقتان المأمونان» (5).

وتقدّم توثيقه من الإمام (عج) حين عزّى والده عند وفاته بقوله: «والابن وقاه


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 510؛ الغيبة، ص 362.
2- الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج 8، ص 109.
3- رجال الطوسي، ص 477.
4- الغيبة، ص 291.
5- المصدر نفسه، ص 243.

ص: 189

الله لم يزل ثقتنا في حياة الأب» (1).

رؤيته للإمام المهدي (عج)

روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن عبد الله بن جعفر الحميري، قال: سألت محمّد بن عثمان العمري، فقلت له: أرأيت صاحب هذا الأمر؟ فقال: نعم، وآخر عهدي به عند بيت الله الحرام وهو يقول: «اللّهمّ أنجز لي ما وعدتني» (2).

وروى أيضاً بنفس السند عن محمّد بن عثمان العمري، قال: سمعته يقول: والله، إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كلّ سنة، فيرى الناس ويعرفهم، ويرونه ولايعرفونه (3).

إذن من خلال هذه الروايات الصحيحة فقد تشرّف العمري برؤية الإمام (عج)، وفي هذا دلالة على عظم هذه الشخصيّة وكونه من المقرّبين والموثوق بهم عند الإمام المهدي (عج).

وفاته

توفّي الشيخ محمّد بن عثمان العمري بعد أن أوصى لخلفه الشيخ الحسين بن روح النوبختي بالنيابة بعده بأمر الإمام المهدي (عج)، ودفن في بغداد، وقبره معروف يزار.

السفير الثالث: الحسين بن روح أبو القاسم النوبختي
اشارة

1- المصدر نفسه، ص 362.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ص 440.
3- كمال الدين وتمام النعمة، 440.

ص: 190

جلالته ووثاقته

عرف عنه بكونه من الثقات الأجلّاء عند الخاصّة والعامّة، فكانت العامّة تعظّمه وتحترمه، وترى فيه الصدق والأمانة، فهو رأس الشيعة والشيخ الصالح بشهادة الذهبي، وكان فاضلًا موثوقاً، يختلف في ذلك اثنان، حتّى كان أبو سهل النوبختي يقول في حقّه: «لو كان الحجّة (عج) تحت ذيله وقرّض بالمقاريض ما كشف الذيل» (1).

قال الذهبي: «أبو القاسم الحسين بن روح رأس الشيعة، الملقّب بالباب إلى صاحب الزمان» (2).

وقال في تاريخ الإسلام: «هو الشيخ الصالح أحد الأبواب لصاحب الأمر، نصّ عليه بالنيابة أبو جعفر محمّد بن عثمان بن سعيد العمري عنه، وجعله من أوّل من يدخل عليه حين جعل الشيعة طبقات. وقد خرج على يديه تواقيع كثيرة، فلمّا مات أبوجعفر صارت النيابة إلى أبي القاسم. وجلس في الدار ببغداد، وجلس حوله الشيعة ...» (3).

سفارته

الشيخ الحسين بن روح تأتي مرتبته في السفارة هي الثالثة بعد العمري (الابن)، وقد وكّله بعده للنيابة والسفارة والقيام بالمهمّات بين الإمام وشيعته بأمر الإمام المهدي (عج)، روى الشيخ الطوسي:

«إنّ أبا جعفر العمري لما اشتدّت حاله اجتمع جماعة من وجوه الشيعة ... فقالوا له: إن حدث أمر فمن يكون مكانك؟ فقال لهم: هذا أبو القاسم الحسين بن


1- الغيبة، ص 391.
2- سير أعلام النبلاء، ج 14، ص 567.
3- تاريخ الإسلام، ج 24، ص 190.

ص: 191

روح بن أبي بحر النوبختي، القائم مقامي، والسفير بينكم وبين صاحب الأمر (ع)، والوكيل له والثقة الأمين، فارجعوا إليه في أُموركم، وعوّلوا عليه في مهمّاتكم، فبذلك أُمرت وقد بلّغت» (1).

وكانت مدّة سفارته إحدى وعشرين سنة، من 305 إلى 326 ه.

وفاته

توفّي رضوان الله عليه في شهر شعبان سنة 326 ه في بغداد، ودفن بجانب الرصافة في بغداد، وقبره معروف يزار.

السفير الرابع: عليّ بن محمّد السمري
وثاقته وسمو شأنه

لا يختلف اثنان في وثاقة وسمو ورقي مكانة السمري رضوان الله عليه عند الطائفة الشيعيّة، فيكفيه فخراً أنّ الإمام اختاره لهذه المرتبة الجليلة في كونه نائباً ووكيلًا عنه، فلاينال ذلك إلّا من كان ثقة جليلًا مؤهّلًا لتحمّل المسؤوليّة، وهذا ما خوّله لتسنّم هذه الوظيفة.

سفارته

نال شرف السفارة والقيام بأعباء المسؤوليّة عن الإمام المهدي (عج) بعد وفاة السفير الثالث الشيخ الحسين بن روح النوبختي، وكانت مدّة سفارته ثلاث سنوات، من 326 إلى 329 ه، فهي أقصر مدّة تولّى فيها هذا المقام السامي،


1- الغيبة، ص 372.

ص: 192

وبعدها انتهت الغيبة الصغرى، وذلك بالبيان الذي بلّغه به الإمام (عج)، ليأتي الدور الآخر، وهو الغيبة الكبرى، وآخر كلمات وخطابات الإمام له هي قوله:

«بسم الله الرحمن الرحيم، يا عليّ بن محمّد السمري، أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيّام، فاجمع أمرك ولا توصِ إلى أحد يقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة الثانية، فلا ظهور إلّا بعد إذن الله عزّوجلّ، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جوراً، وسيأتي شيعتي من يدّعي المشاهدة، ألا فمن ادّعى المشاهدة قبل خروج السفياني والصيحة فهو كاذب مفتر، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العليّ العظيم ... فلمّا كان اليوم السادس عدنا إليه وهو يجود بنفسه، فقيل له: من وصيّك من بعدك؟ فقال: لله أمر هو بالغه» (1).

وبنهاية هذه النيابة اقتضت حكمة الله تعالى أن يغيب ويحتجب عن عيون محبّيه وشيعته، لتبدأ مرحلة ودور آخر، وهو ما نسمّيه بالغيبة الكبرى، فأرجع شيعته إلى الفقهاء للقيام بمهامّ التبليغ إلى ما شاء الله أن يصدع بأمر ظهوره؛ ليملأ الأرض قسطاً وعدلًا بعد أن تمتلئ بالظلم والجور.

وفاته

توفّي الشيخ السمري في بغداد، ودفن بجانب الرصافة في بغداد، وقبره معروف يزار.

وبذلك اتّضح جلالة ووثاقة ونزاهة هؤلاء السفراء، وأنّ دورهم كان محصوراً في تبليغ الأحكام الشرعيّة في عصر الغيبة، وكذلك كونهم وسطاء بين الإمام ورعيّته.


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 516؛ الغيبة، ص 395؛ الاحتجاج، الطبرسي، ج 2، ص 297.

ص: 193

تحقيق الأهداف بالغيبة الصغرى
اشارة

إنّ الغيبة الصغرى قد حقّقت الغرض وذلك بتحقيق أهدافها، فحصّنت الشيعة بهذه العمليّة التدريجيّة للنيابة وتهيئة الأُمّة للغيبة الكبرى، والتكيّف لقبول النيابة العامّة بزعامة الفقهاء العدول، قال السيّد محمّد باقر الصدر (رحمة الله):

«نيابة النوّاب الأربعة التي استمرّت حوالي سبعين عاماً، وكان السمري هو آخر النوّاب، فقد أعلن عن انتهاء مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميّز بنوّاب معيّنين، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معيّنون بالذات للوساطة بين الإمام القائد والشيعة، وقد عبّر التحوّل من الغيبة الصغرى إلى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافها وانتهاء مهمّتها؛ لأنّها حصّنت الشيعة بهذه العمليّة التدريجيّة عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام، واستطاعت أن تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة، وتعدّهم بالتدريج لتقبّل فكرة النيابة العامّة عن الإمام، وبهذا تحوّلت النيابة من أفراد منصوصين إلى خطّ عام، وهو خطّ المجتهد العادل، البصير بأُمور الدنيا والدين، تبعاً لتحوّل الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى» (1).

نتيجة ما تقدّم

بعد ترجمتنا لهؤلاء الثقات التي أجمعت الطائفة على صدقهم ووثاقتهم، وكذلك ما ورد من كلمات بعض أهل السنّة بكونهم من رؤوس الشيعة، فهل يعقل أن يضعوا ويختلقوا قصّة بهذا الحجم لنظريّة المهدويّة التي أطبق على ذكرها الفريقان، وبطرق صحيحة، وقبل أن يلد الإمام المهدي (عج)؟!

ثمّ هل يعقل أنّ الوكلاء والنوّاب الذين لم يحص عليهم خطأ أو كذب أو


1- بحث حول المهدي، محمّد باقر الصدر، ص 110.

ص: 194

تحايل في تصرّف، أو تهافت في نقل، مدّة سبعين عاماً، أن يخلقوا لنا مثل هذه الفكرة، ويتّفقوا على نقلها دون إثارة الشكوك حولها، ويكسبوا بذلك ثقة الشيعة طوال هذه السنوات؟!

أضف إلى ذلك أنّ منطق الحياة العمليّة التي لو احتملنا أو شككنا بجزء يسير ممّا ينقل عن طريق هؤلاء السفراء، لشكّل لنا قرينة بكذبهم، وحاشاهم، ولكن حساب الاحتمالات يشير لنا بأنّ الحوادث بعضها يصدّق بعضاً، و يتلاءم تمام الملائمة مع الواقع الذي ينقلونه لنا، فلا يمكن أن نكذّب الواقع، ولا يمكن إلّا أن نذعن ونسلّم بولادة الإمام وحياته وغيبته.

السيّد محمّد باقر الصدر ونظريّة حساب الاحتمالات

قال: «المهدي حقيقة عاشتها أُمّة من الناس، وعبّر عنها السفراء والنوّاب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين، ولم يلحظ عليهم أحد كلّ هذه المدّة تلاعباً في الكلام، أو تحايلًا في التصرّف، أو تهافتاً في النقل، فهل تتصوّر أنّ بإمكان أُكذوبة أن تعيش سبعين عاماً، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلّهم يتّفقون عليها، ويظلّون يتعاملون على أساسها وكأنّها قضيّة يعيشونها بأنفسهم، ويرونها بأعينهم دون أن يبدر منهم أيّ شي ء يثير الشكّ، ودون أن يكون بين الأربعة علاقة خاصّة متميّزة تتيح لهم نحواً من التواطؤ، ويكسبون من خلال ما يتّصف به سلوكهم من واقعيّة ثقة الجميع، وإيمانهم بواقعيّة القضيّة التي يدّعون أنّهم يحسّونها ويعيشون معها؟! ومنطق الحياة يثبت أيضاً أنّ من المستحيل عمليّاً بحساب الاحتمالات أن تعيش أُكذوبة بهذا الشكل، وكلّ هذه المدّة، وضمن كلّ تلك العلاقات والأخذ والعطاء، ثمّ تكسب ثقة جميع من

ص: 195

حولها. وهكذا نعرف أنّ ظاهرة الغيبة الصغرى يمكن أن تعتبر بمثابة تجربة علميّة لإثبات ما لها من واقع موضوعي، والتسليم بالإمام القائد بولادته وحياته وغيبته» (1).

إذن الدعوى التي ساقها الدكتور القفاري- وأبدع بل وأجهد نفسه في صياغة مفرداتها- اتّضح بطلانها، فهي مجرّد إنشاء للعبارات ليس إلّا، والواقع يكذّبها، ومنطق العقل يدفعها أيضاً.

فقد اتّضح أنّ هؤلاء السفراء في درجة عالية من الوثاقة والجلالة، ولا يمكن أن يحصى عليهم الخطأ في القول والفعل، ودورهم كان محصوراً بالنيابة والوكالة بين الإمام المهدي (عج) وشيعته.

فنظريّة المهدي (عج) والغيبة عند الشيعة الإماميّة ليست وليدة سفراء نقلوها لنا، بل إنّ معالم هذه النظريّة نطق بها من لا ينطق عن الهوى إنّما هو وحي يوحى، فجاءت الأحاديث عن رسول الله (ص) وعن أهل بيته (عليهم السلام) مبشّرة بهذه النظريّة التي سوف تغيّر الدنيا بأسرها، بعد أن يمتد الظلم أرجاء العالم، فيأتي المصلح العالمي ليكشف الجور، ويملأ الأرض قسطاً بعد ما ملئت ظلماً وجوراً.

شبهة تسريب نظريّة المهدي والغيبة عن طريق حكيمة

اشارة

قال في ص 1024:

«فمسألة المهدي وغيبته تسرّبت إلى الشيعة عن طريق حكيمة، كما تقوله رواية شيخ الطائفة، وما أدري كيف يقبل الشيعة قول امرأة واحدة غير معصومة في أصل المذهب، وهم الذين يردّون إجماع الأُمّة بأسرها إذا لم يكن


1- بحث حول المهدي، صص 110 و 111.

ص: 196

المعصوم فيهم ولو في مسألة فرعيّة؟! وتلاحظ أنّ إمامهم يأمر بحجب أمر المهدي وغيبته إلّا عن الثقات من شيعته، مع أنّ من لم يعرف الإمام- عندهم- فإنّما يعرف ويعبد غير الله».

لفت نظر وتنبيه

قبل الإجابة أذكر تنبيهاً يفيدنا في فهم منهج القفاري في طرحه لهذه الشبهة وغيرها- ولعلّنا كرّرنا هذا التنبيه- لخطر ما ينسبه للطوائف الأُخرى بلا رقابة ووازع من ضمير، وأنّه يجيد المراوغة في صياغة القصص وسبك العبارة وحبكها، قاذفاً المسلمين بشتّى التهم من دون دليل وبرهان؛ ولكي يكون القارئ على بيّنة ونكون قد رفعنا بعض ما ينسبه للآخرين من كلام غير دقيق وغير صحيح.

نقول: إنّ أُسلوب وتحليل القفاري في طرحه لهذه الشبهة كان سطحيّاً وهشّاً؛ وذلك لاقتطاعه بعض النصوص، وكذلك المفارقات والمغالطات، كما في قوله: «تسرّبت غيبة الإمام المهدي من حكيمة»، «وأنّ واضعها هو عثمان بن سعيد». وكذلك التدليس والكذب في نسبته للآراء، كما نرى ذلك في قوله: «إنّ إمامهم يأمر بحجب المهدي وغيبته» ولم يبيّن من هو ذلك الإمام؟ وأين المصدر لهذا الكلام؟

والأنكى من ذلك والذي يثير الدهشة والعجب أنّه يطرح ويفرض فهمه على أنّه الرأي السائد عند الإماميّة، وأنّه في كتبهم، كما في قوله: «ابن سبأ هو الذي وضع عقيدة النصّ على عليّ بالإمامة، كما تذكره كتب الفرق عند الشيعة» مع أنّ هذا الفهم غير صحيح، ولم تقل به الشيعة على الإطلاق، كما سيأتي.

وكذلك نراه يجهد نفسه بنقل بعض النصوص ويقصرها لتتلاءم مع

ص: 197

تصوّره وفهمه، وليس حسب رؤية الطرف الآخر التي ينقلها وينسب إليها القول، كما نجد ذلك في تصويره وإيحائه للقارئ أنّ (المعرفة) في قوله: «مع أنّ من لم يعرف الإمام عندهم- أي: الشيعة-» هي المعرفة الحسّيّة العيانيّة، وهذا ما لا تقول به الإماميّة مطلقاً، فهو بذلك يموّه على القرّاء الكرام الكذب فيما ينسبه من أقوال إلى الطوائف والفرق الأُخرى.

وحري بالقارئ الكريم أن يلتفت لهذه الأقوال الجزافيّة، وأن يبحث عن الصدق في كلّ ما يطرحه؛ لكي تكون الحقيقة واضحة وغير مشوّشة ومشوّهة ومدلّسة ومختلقة في بعض الأحيان، وسنأتي على كشف زيف تلك الأقوال.

الجواب: تارة ينقل لنا القفاري أنّ مسألة الإمام المهدي (عج) وغيبته المؤسّسون لها أو الوجوه البارزة لها هم: عثمان بن سعيد والآخرون معه، ومن ثمّ تكوّنت كعقيدة للشيعة، وتارة يقول: إنّها تسرّبت إلى الشيعة عن طريق حكيمة، فلا نعلم أيّ تناقض هذا؟ فمن هو القائل؟ ومن هو المبتكر والمؤسّس لها؟!

هل هي حكيمة التي سرّبتها لنا أو عثمان بن سعيد؟ ولعلّه يأتي بناقل ثالث ورابع ليكتشف لنا السرّ الذي كان خافياً على البشريّة.

فهذه الترّهات (1) الساذجة كيف يمكن أن يستسيغها المتلقّي؛ لأنّ القصّة التي تروى للآخرين لابدّ أن يكون فيها نوع من الإقناع للقارئ، ولكن القفاري أوقع نفسه في أُمور لا يكاد يجد المخرج منها، فتراه يتخبّط خبط عشواء في أقواله؛ لأنّه لا يستطيع إنكار فكرة متواترة، بل وبديهيّة عند المسلمين عامّة.

ومن تأمّل بهذه الكلمات يقطع بأنّ القفاري ينكر أصل فكرة المهدويّة كما


1- الترّهات: الأباطيل، وهي الطرق الصغار غير الجادّة، تتشعّب عنها. لسان العرب، ج 13، ص 480 «تره».

ص: 198

تقدّم سابقاً، وإلّا فمثل هذه الدعاوى لا يمكن أن تصدر عن إنسان يدّعي العلم وقرأ الحديث وطرقه ومَن خرّجه؛ لأنّ النصوص تواترت بهذا المضمون، فمسألة المهدويّة لا يمكن تكذيبها أو الالتفاف على النصوص التي أكّدتها السنّة النبويّة الشريفة، وقد ذكرنا النصوص عن النبيّ الأكرم (ص) وأهل بيته في ذلك، فلا نطيل في تكرارها.

أمّا السيّدة حكيمة التي حاول أن يطعن بكلامها فهي شاهدة على ولادة الإمام المهدي (عج)، والشيعة تذكر ذلك من باب الشهادة الحسّيّة ليس إلّا، وهي واحدة من الأدلّة والشواهد على ولادة الإمام المهدي (عج)، ولا علاقة لها بتسريب نظريّة الإمام المهدي (عج) وغيبته، فلا نعلم كيفيّة الربط بين الأمرين التي يحاول القفاري دمجهما معاً بلا تأمّل فيما يطرحه من شبهات.

ولكن السؤال الذي يجب أن نتناوله هنا: من هي السيّدة حكيمة؟ وهل شهادتها تورث الاطمئنان بصدق الولادة أم لا؟

والجواب على الأمر الثاني هو: نعم، شهادتها تورث الصدق في أقوالها، فهي من أهل بيت طهّرهم الله تعالى وأذهب عنهم الرجس.

وأمّا من هي السيّدة حكيمة؟ فننقل ترجمتها لكي يقف القارئ على درجة وفضل هذه السيّدة الجليلة.

ترجمة السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد 7

اسمها ونسبها

السيّدة حكيمة بنت الإمام محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام).

ص: 199

جلالتها ووثاقتها

من خلال نسبها الطاهر تتّضح وثاقتها وجلالتها، فهي من العلويّات النجيبات الكريمات؛ لما لها من الفضل والعلم والتقوى، فكانت المودعة لأسرار الأئمّة (عليهم السلام)، بشهادة الشيخ المجلسي والسيّد محسن الأمين رحمهما الله.

قال المجلسي: «ثمّ اعلم أنّ في القبّة الشريفة قبراً منسوباً إلى النجيبة الكريمة العالمة الفاضلة التقيّة الرضيّة حكيمة بنت أبي جعفر الجواد 8 ... ظهور فضلها وجلالتها وإنّها كانت مخصوصة بالأئمّة:، ومودعة أسرارهم، وكانت أُمّ القائم عندها، وكانت حاضرة عند ولادته (ع)، وكانت تراه حيناً بعد حين في حياة أبي محمّد العسكري (ع)، وكانت من السفراء والأبواب بعد وفاته، فينبغي زيارتها بما أجرى الله على اللسان ممّا يناسب فضلها وشأنها» (1).

وقال السيّد محسن الأمين: «كانت من الصالحات العابدات القانتات» (2).

مشاهدتها وحضورها لولادة الإمام المهدي (عج)

روى القندوزي الحنفي عن السيّدة حكيمة: «فلمّا كانت ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، دخلت حكيمة عند الحسن، فقال لها: «يا عمّتي، كوني الليلة عندنا لأمر»، فأقامت، فلمّا كان وقت الفجر اضطربت نرجس، فقامت إليها حكيمة، فوضعت المولود المبارك ...» (3).

روى الشيخ الصدوق بسنده عن السيّدة حكيمة، قالت: «بعث إليّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عليهما السلام) فقال: «يا عمّة، اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإنّ الله تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو


1- بحارالأنوار، ج 99، ص 79.
2- أعيان الشيعة، ج 6، ص 217.
3- ينابيع المودّة، ج 3، صص 171، 301 و 304.

ص: 200

حجّته في أرضه»، قالت: فقلت له: ومن أُمّه؟ قال لي: «نرجس، إنّ الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة»، قالت: فخجلت واستحيت، فلمّا أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذت مضجعي، فرقدت ... فجلست وقرأت ألم السجدة ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة فوثبتُ إليها، فقلت: اسم الله عليك، ثمّ قلت لها: أتحسّين شيئاً؟ قالت: نعم يا عمّة، فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت: فأخذتني فترة وأخذتها فترة، فانتبهت بحسّ سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (ع)» (1).

وفاتها

توفّيت السيّدة حكيمة (س) سنة (274 ه)، ودفنت بجوار مرقد الإمامين العسكريّين (عليهما السلام) بمدينة سامراء.

إذن ممّا تقدّم من ترجمتها يتّضح أنّ السيّدة حكيمة كانت شاهدة وحاضرة عمليّة الولادة الطاهرة للإمام الثاني عشر، وهذا دليل على وجود الإمام الحجّة، وهي من الوثاقة والجلالة، فلا يمكن إلّا أن نصدّق بكلماتها ورواياتها. أمّا أنّها هي التي سرّبت نظريّة المهدويّة فهذا من مفتريات وغرائب القفاري التي لا نجد لها واقعاً صحيحاً يصدّقها.

وأمّا قوله: «وتلاحظ أنّ إمامهم يأمر بحجب أمر المهدي وغيبته إلّا عن الثقات من شيعته، مع أنّ مَن لم يعرف الإمام- عندهم- فإنّما يعرف ويعبد غير الله، وإن مات على هذه الحالة مات ميتة كفر ونفاق».

نقول: لا نعلم من هو ذلك الإمام الذي أمر بحجب الإمام المهدي (عج) إلّا عن


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 424.

ص: 201

الثقات من شيعته؟ فبعد مراجعة «الكافي» لم نجد هذه الرواية أو هذا الكلام، وعلى فرض وجودها فالإمام يحتجب خوفاً على نفسه من القتل الذي قد يطاله في كلّ لحظة، وقد تقدّمت الروايات في ذلك.

أمّا ربط هذا الكلام بمعرفة الإمام وأنّ بعضهم لم يشاهده ويعرفه سوى الثقات، فهو محتجب عن الآخرين، وكيف تُفسّر الروايات التي تقول: من مات ولم يعرف إمامه مات ميتة كفر ونفاق؟

نقول أيضاً: إنّ هذا الكلام ليس له وجه صحيح ودقيق، وهو وليد عقليّة جامدة على ظاهر النصّ، فالشيعة لا تقصد المعرفة الحسّيّة العيانيّة؛ بل المقصود هو المعرفة الإيمانيّة، فنحن نعتقد بالله ورسوله وملائكته، وهذا الاعتقاد هو إيماني غيبي، وليس المقصود منه أن نشاهده حضوراً ثمّ نؤمن به! كلا فليس الأمر كذلك.

ثمّ إنّ هذا الحديث قد ذكرته المصادر السنّية بألفاظ متعدّدة، منها: «من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة»، وطرق مختلفة وصحيحة، وأثبتنا هناك دلالته على وجود الإمام المهدي (عج)، وكذلك يقتضي أن يكون حيّاً يرزق إلى يوم القيامة؛ لأنّ الحديث عامّ مطلق، كما رواه مسلم في «صحيحه»، وعمرو بن أبي عاصم في «السنّة»، والطبراني في «المعجم الكبير» (1)، وغيرهم. فكلمة «من» يفهم منه أهل اللسان بأنّه عامّ ولكلّ فرد مكلّف، ومطلق يشمل كلّ زمان، وهذا واضح وبديهي.

فلو ضممنا مع هذا الحديث حديثاً آخر صحيحاً أيضاً، وهو قوله (ص) في حديث الثقلين، حيث قال فيه: «كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأنّهما لن يفترقا


1- صحيح مسلم، ج 6، ص 21؛ السنة، عمرو بن أبي عاصم، ص 489؛ المعجم الكبير، ج 19، ص 335.

ص: 202

حتّى يردا عليّ الحوض»، فنفي الافتراق والانفكاك عن بعضهما البعض محال، إذن فلا يمكن أن يوجد الكتاب بدون العترة القرينة له، فالإمام الذي نتكلّم عن وجوده لابدّ أن يكون في كلّ زمان.

وهذا المعنى قد فهمه ابن حجر في «صواعقه المحرقة»، حيث قال معلّقاً على حديث الثقلين:

«وفي أحاديث الحثّ على التمسّك بأهل البيت إشارة إلى عدم انقطاع متأهّل منهم للتمسّك به إلى يوم القيامة، كما أنّ الكتاب العزيز كذلك، ولهذا كانوا أماناً لأهل الأرض، ويشهد بذلك الخبر السابق: «في كلّ خلف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ...» (1).


1- الصواعق المحرقة، ص 149.

ص: 203

ص: 204

ص: 205

الفصل الثالث: شبهات يلزم منها عدم التصديق بالإمام المهدي (عج)

شبهة التنافي بين علّة الغيبة- خوف القتل- وبين العلم بموته

اشارة

قال القفاري: «أمّا سبب غيبته فقد جاء في الكافي عن زرارة، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: «إنّ للقائم عليه السلام غيبة قبل أن يقوم»، قلت: ولم؟ قال: «إنّه يخاف»- وأومأ بيده إلى بطنه- يعني القتل. وجاءت عندهم روايات عدّة في هذا، وأكّد ذلك شيخ الطائفة الطوسي بقوله: لا علّة تمنع من ظهوره إلّا خوفه على نفسه من القتل؛ لأنّه لو كان غير ذلك لما ساغ له الاستتار، وكان يتحمّل المشاق والأذى، فإنّ منازل الأئمّة وكذلك الأنبياء: إنّما تعظم لتحمّلهم المشاقّ العظيمة في ذات الله تعالى.

ولكن هذا التعليل للغيبة الذي يؤكّده شيخ الطائفة لا يتصوّر في حقّ الأئمّة- على ما يعتقد الشيعة- لأنّ الأئمّة يعلمون متى يموتون، ولا يموتون إلّا باختيار منهم، كما أثبت ذلك الكليني في الكافي في روايات عديدة، وأثبت ذلك المجلسي في بحارالأنوار. .. فكيف يخرجون من هذا التناقض؟» (1).

جواب الشبهة


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 1036.

ص: 206

إنّ ما أورده الدكتور القفاري لهذه الإشكاليّة مدفوع بأمرين:

الأوّل- حياة الإمام المهدي (عج) مقيّدة ولها شروط:

إنّ حياة الإمام (عج) مدّة طويلة مشروطة بشرائط، منها: اختفاؤه عن الناس، وهذا لايتنافى مع علمه بمدّة عمره ووقت موته أو قتله، وذلك لأنّنا نقول: إنّ علمه بموته لم يكن مطلقاً، بل هو مشروط باختفائه وهروبه من القتل، وهذا ليس ببعيد، فإنّ رسول الله (ص) كان يعلم متى يموت، ولكنّه خرج وفرّ عن الناس وأوى إلى الغار، ثمّ هاجر إلى المدينة، فهل تستطيع أن تقول: هذا تناقض كيف هرب من الموت وهو عالم به؟!

إذن هناك شروط لحياة الأنبياء أو الأئمة (عليهم السلام)، منها الهروب أو الخوف من القتل لمصلحة تقتضي هذا الخوف، ولا تلازم أو تناقض بين الأمرين.

الثاني- لوح المحو والإثبات يشمل الموت والحياة:

إنّ الله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه الشريف في قوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (الرعد: 39). وهذا ما يطلق عليه بلوح المحو والإثبات، فيشمل الموت والحياة والرزق وغير ذلك.

قال الشيخ المفيد: «وقد يكون الشي ء مكتوباً بشرط، فيتغيّر الحال فيه، قال تعالى: ثُمَّ قَضى أَجَلًا وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ (الأنعام: 2)، فتبيّن أنّ الآجال على ضربين، ضرب منها مشترط، يصحّ فيه الزيادة والنقصان، ألا ترى إلى قوله تعالى: وَ ما يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَ لَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتابٍ (فاطر: 11)، وقوله

ص: 207

تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ (الأعراف: 96)، فتبيّن أنّ آجالهم كانت مشروطة في الامتداد بالبرّ، والانقطاع بالفسوق» (1).

أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّ (ع) أنّه سأل رسول الله (ص) عن هذه الآية الكريمة: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ، فقال له رسول الله (ص): لأقرنّ عيني أُمّتي بتفسيرها: الصدقة على وجهها، وبرّ الوالدين، واصطناع المعروف يحوّل الشقاء سعادة، ويزيد في الرزق، ويقي مصارع السوء» (2).

إذن الآجال مشروطة بأفعال معيّنة قد يطول العمر بها وقد يقصر، والإمام المعصوم (ع) لا يخرج عن ذلك القانون الإلهي، مع علمه بموته وأجله، ولكن مع ذلك يعلم بطرو محو الله على الأجل، ولذا يحتاط ويخاف من وقوع بعض الأُمور التي قد تقع طبقاً لذلك القانون الربّاني، وهذا الأمر حدّثتنا عنه الروايات، فعن أصبغ بن نباتة: أنّ أمير المؤمنين 7 عدل من حائط مائل إلى آخر، فقيل له: يا أمير المؤمنين، أتفرّ من قضاء الله؟ قال: «أفرّ من قضاء الله إلى قدره عزّوجلّ» (3).

قال السيّد الطباطبائي: «إنّ القدر لا يحتّم المقدّر، فمن المرجو أن لا يقع ما قدّر، أمّا إذا كان القضاء فلا مندفع له» (4).

فالإمام عليّ (ع) كما في هذه الرواية- مع علمه المسبق بأنّه سوف يقتل بيد أشقى الآخرين في مسجد الكوفة- فرّ من ذلك الحائط.


1- تصحيح اعتقادات الإماميّة، الشيخ المفيد، ص 66.
2- كنز العمّال، ج 2، ص 443؛ الدرّ المنثور، ج 4، ص 66.
3- مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليم الحلّي، صص 136 و 137.
4- الميزان، ج 13، ص 75.

ص: 208

وكذلك الأمر فيما نحن فيه، فإنّ الإمام المهدي (عج) يخضع لتلك القاعدة الربّانيّة، وهي المحو والإثبات في اللوح المحفوظ، وهذا لا يتنافى مع علمه المسبق بطول عمره.

ولا يرد إشكال الجهل على الله تعالى ذكره؛ لأنّ ذلك بداء، والبداء يستلزم الجهل بعلمه تعالى. فهذا مردود؛ لأنّ البداء معناه ظهور الشي ء بعد خفائه، ولكن ليس المراد هنا ظهور الشي ء لله جلّ شأنه بعد خفائه عنه، بل المراد ظهور الشي ء من الله لمن يشاء من خلقه بعد إخفائه عنهم، ف- (بدا لله) أي: بدا حكم الله أو شأن الله.

إذن فلا تعارض بين علمه المحيط بكلّ شي ء وبين تغيير حكمه.

شبهة غيبات بعض الأنبياء لا تدلّ على وقوع غيبة المهدي

اشارة

وقال في ص 1048:

«ويلتمس الإماميّة من الغيبة التي وقعت لبعض الأنبياء دليلًا على صحّة وقوع غيبة مهديّهم ... أقول: إنّ هذه المقارنات غير مجدية في إثبات فكرة غيبة إمامهم؛ لأسباب كثيرة، منها: أنّ غيبة موسى ويوسف ويونس: قد أخبر الله سبحانه بها في كتابه بنصّ واضح صريح لا لبس فيه ولا غموض، أمّا غيبة مهديّهم فتنتهي رواياته إلى حكيمة إن صحّت النسبة إليها، ثمّ أخبار الأبواب الأربعة المطعون في شهادتهم؛ لأنّهم يجرّون المصلحة إليهم، حيث المال المتدفّق».

الجواب

اشارة

إنّ الشيعة عندما تذكر بعض الغيبات للأنبياء وغيرهم؛ لأنّ ذلك أمر قد

ص: 209

وقع فعلًا وتحقّق في الخارج، إذن فهو ممكن، وعندئذ يناقشون من هو جاهل متعصّب ولا يريد أن يفتح عينيه ليرى الحقيقة ليعيها، فيقرّبون له ذلك بالمثال الحسّي، فهذه المقارنة بهذا اللحاظ تكون مجدية، وليس العكس.

وأمّا هل أخبر الله تعالى عن هذه الغيبة؟

نقول: نعم، فقد تقدّمت الأخبار عن الغيبة من الفريقين، فهي مرويّة عن رسول الله (ص)، وأخبر بها عترته من أهل بيته (عليهم السلام)، وهم بدورهم أخبروا بها شيعتهم قبل وقوعها بمئات السنين.

قال الشيخ الصدوق: «إنّ الأئمّة (عليهم السلام) قد أخبروا بغيبته (عج)، ووصفوا كونها لشيعتهم فيما نقل عنهم، واستحفظ في الصحف، ودوّن في الكتب المؤلّفة من قبل أن تقع الغيبة بمائتي سنة أو أقلّ أو أكثر، فليس أحد من أتباع الأئمّة (عليهم السلام) إلّا وقد ذكر ذلك في كثير من كتبه ورواياته ودوّنه في مصنّفاته، وهي الكتب التي تعرف بالأُصول، مدوّنة مستحفظة عند شيعة آل محمّد (عليهم السلام)، من قبل الغيبة بما ذكرنا من السنين» (1).

وقد أكّد الإمام الصادق (ع) على مفهوم الغيبة بشكل واضح لا يقبل الشكّ، كما تقدّم وسيأتي أيضاً.

ولا يقال: إنّ تلك الأخبار هي من علم الغيب فلا يصحّ الاحتجاج بها؟

فهذا القول مردود بما صرّح به ابن خلدون (ت 808 ه) في تأريخه، قال: «ولو صحّ السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه، فهم أهل الكرامات، وقد صحّ عنه أنّه كان يحذّر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصحّ كما يقول، وقد حذّر يحيى ابن عمّه زيد من مصرعه،


1- كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 19.

ص: 210

وعصاه، فخرج وقتل بالجوزجان كما هو معروف، وإذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنّك بهم علماً وديناً وآثاراً من النبوءة، وعناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيّبة، وقد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب لأحد» (1).

وقال أيضاً: «وقع لجعفر وأمثاله من أهل البيت كثير من ذلك، مستندهم فيه- والله أعلم- الكشف بما كانوا عليه من الولاية، وإذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم وأعقابهم، وقد قال (ص): «إنّ فيكم محدّثين»، فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة والكرامات الموهوبة» (2).

وقد أشار أبو العلاء المعرّي (ت 449 ه-) إلى هذه الحقيقة في قوله:

لقد عجبوا لأهل البيت لما أتاهم علمهم في مسك جفر

ومرآة المنجّم وهي صغرى أرته كل عامرة وقفر (3)

وعلمهم: ليس ذاتي، بل عرضي أفاضه الله عليهم، وأنقل هنا قول الآلوسي (ت 1270 ه)، الذي لا يرى مانعاً للعلم بالغيب، لاسيّما للخواصّ من الناس، حيث قال:

«ولعلّ الحقّ أن يقال: إنّ علم الغيب المنفي عن غيره جلّ وعلا هو ما كان للشخص لذاته، أي: بلا واسطة في ثبوته له، وهذا ممّا لا يعقل لأحد من أهل السموات والأرض لمكان الإمكان فيهم ذاتاً وصفة، وهو يأبى ثبوت شي ء لهم بلا واسطة ... وما وقع للخواصّ ليس من هذا العلم المنفي في شي ء؛ ضرورة أنّه من الواجب عزّوجلّ أفاضه عليهم بوجه من وجوه الإفاضة، فلا يقال: إنّهم


1- تاريخ ابن خلدون، ج 1، ص 334.
2- المصدر نفسه، ص 331.
3- أبو العلاء المعرّي هو: أحمد بن عبد الله بن سليمان توفّي بمعرّة النعمان، انظر: الكنى والألقاب، القمّي، ج 3، ص 196.

ص: 211

علموا الغيب بذلك المعنى، ومن قاله كفر قطعاً، وإنّما يقال: إنّهم أظهروا أو اطّلعوا- بالبناء للمفعول- على الغيب أو نحو ذلك ممّا يفهم الواسطة في ثبوت العلم لهم» (1).

وهذا عين ما تقول به الإماميّة، فعلمهم هو بالإفاضة والإشاءة الإلهيّة؛ لأنّهم محدّثون من الله تعالى كما مرّ في كلام ابن خلدون، وقد أكّد الإمام الصادق (ع) هذا المعنى، حيث قال: «نحن اثنا عشر محدّثاً» (2).

أحاديث الغيبة عند الإمام الصادق (ع)

ولتأكيد هذا المعنى ولدفع وإبطال المقدّمة التي ساقها الدكتور القفاري محاولًا بذلك الالتفاف على النصوص التي وردت في غيبة الإمام المهدي (عج)، لا سيّما في كتب ومصادر الشيعة الإماميّة، والتي ادّعى أنّها تنتهي رواياته إلى حكيمة، لذا سننقل أحاديث الغيبة على لسان الإمام الصادق (ع) قبل ولادة الإمام المهدي (عج):

1- عن الإمام الصادق (ع) قال: «إنّ للقائم منّا غيبة يطول أمدها»، قال: فقلت له: يا بن رسول الله، ولِمَ ذلك؟ قال: «لأنّ الله عز وجلّ أبى إلّا أنّ تجري فيه سنن الأنبياء (عليهم السلام) في غيباتهم، وأنّه لابدّ له- يا سدير- من استيفاء مدد غيباتهم، قال الله تعالى: لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ أي: سنن من كان قبلكم» (3).

2- عن أبي بصير، قال: «قلت لأبي عبد الله (ع): إنّ أبا جعفر (ع) يقول: «للقائم من آل محمّد عليه وعليهم السلام غيبتان: واحدة طويلة، والأخرى قصيرة». قال: فقال لي: «نعم يا أبا بصير، إحداهما أطول من


1- روح المعاني، ج 20، ص 11.
2- الكافي، ج 1، ص 534.
3- كمال الدين وتمام النعمة، صص 480 و 481؛ علل الشرائع، ج 1، ص 245.

ص: 212

الأُخرى ...» (1).

3- عن أبي بصير أيضاً، قال: سمعت أبا عبد الله (ع) يقول: «إنّ للقائم غيبتين، يرجع في أحداهما، وفي الأُخرى لا يدرى أين هو، يشهد المواسم، يرى النّاس ولا يرونه».

4- عن إبراهيم بن عمر اليماني، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين»، وسمعته يقول: «لا يقوم القائم ولأحد في عنقه بيعة» (2).

5- عن الإمام الصادق (ع) قال: «للقائم غيبتان، يشهد في إحداهما المواسم، يرى النّاس ولا يرونه» (3).

6- عن الإمام الصادق (ع) قال: «للقائم غيبتان، أحداهما قصيرة، والأُخرى طويلة، الغيبة الأُولى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة شيعته، والأُخرى لا يعلم بمكانه فيها إلّا خاصّة مواليه» (4).

7- عن حازم بن حبيب، قال: قال لي أبو عبد الله (ع): «يا حازم، إنّ لصاحب هذا الأمر غيبتين، يظهر في الثانية، إن جاءك من يقول إنّه نفض يده من تراب قبره فلا تصدّقه» (5).

8- عن الإمام الصادق (ع): «إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم»، قلت: ولم؟ قال: «إنّه يخاف»، وأومأ بيده إلى بطنه، يعني: القتل (6).

9- عن الإمام الصادق (ع) قال: «أما والله، ليغيبنّ إمامكم سنيناً من دهركم،


1- مختصر بصائر الدرجات، ص 195.
2- الغيبة، النعماني، ص 176.
3- الكافي، ج 1، ص 339.
4- المصدر نفسه، ص 340.
5- الغيبة، الطوسي، ص 424.
6- الكافي، ج 1، ص 340.

ص: 213

ولتمحصنّ حتّى يقال: مات أو هلك بأيّ وادي سلك، ولتدمعنّ عليه عيون المؤمنين، ولتكفأنّ كما تكفأ السفن في أمواج البحر، ولا ينجو إلّا من أخذ الله ميثاقه، وكتب في قلبه الإيمان ...» (1).

10- عن محمّد بن مسلم قال: سمعت الإمام الباقر (ع) يقول: «القائم منّا منصور بالرّعب، مؤيّد بالنّصر، تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز كلّها، ويظهر الله تعالى به دينه على الدين كلّه ولو كره المشركون». .. قال: قلت: يابن رسول الله، متى يخرج قائمكم؟ قال (ع): «إذا تشبّه الرجال بالنساء، والنساء بالرجال. .. وذلك بعد غيبة طويلة» (2).

11- عن الإمام الصادق (ع): «قال رسول الله (ص): كيف إذا استيأستم من المهدي؟ فيطلع عليكم صاحبكم مثل قرن الشمس، يفرح به أهل السماء والأرض. فقيل: يا رسول الله، وأنّى يكون ذلك؟ قال (ص): «إذا غاب عنهم المهديّ وأيسوا منه» (3).

من أنكر المهدي فقد أنكر رسول الله (ص)

عند مراجعة الروايات التي وردت من طرقنا يتّضح أنّ المنكر للإمام المهدي (عج) وغيبته يكون منكراً للنبيّ الأكرم (ص)، وكذلك العكس لو صدّقه يكون مصدّقاً للرسول (ص)؛ لأنّ هذا الإنكار حقيقته هو إنكار لأقوال وأحاديث رسول الله (ص) الذي لاينطق عن الهوى، فهي أحاديث صادرة عن الله تعالى، وهذا قد تجلّى في روايات الإمام الصادق (ع) أيضاً، وإليك بعضها:

1- عن الإمام الصادق، عن آبائه (عليهم السلام)، عن رسول الله (ص)، قال:


1- المصدر نفسه، ص 336.
2- كمال الدين وتمام النعمة، ص 331.
3- دلائل الإمامة، محمّد بن جرير الطبري، ص 468.

ص: 214

«القائم من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، وشمائله شمائلي، وسنّته سنّتي، يقيم الناس على ملّتي وشريعتي، ويدعوهم إلى كتاب ربّي عزّ وجلّ، من أطاعه فقد أطاعني، ومن عصاه فقد عصاني، ومن أنكره في غيبته فقد أنكرني، ومن كذّبه فقد كذّبني، ومن صدّقه فقد صدّقني» (1).

2- عن الإمام الصادق (ع) قال: «إن بلغكم عن صاحب هذا الأمر غيبة فلا تنكروها» (2).

أمّا قول القفاري: «أمّا غيبة مهديّهم فتنتهي رواياته إلى حكيمة إن صحّت النسبة إليها»؛

فنقول: اتّضح كذب هذه الدعوى من خلال الأحاديث المرويّة عن الإمام الصادق (ع) الآنفة الذكر، وأيضاً قد تناولنا هذا البحث سابقاً وترجمنا للسيّدة حكيمة، وقلنا: إنّ دورها في قضيّة ومسألة المهدويّة كونها شاهدة على ولادة الإمام المهدي (عج)، وهي سيّدة جليلة عظيمة، ينتهي نسبها إلى العترة الطاهرة، فأقوالها ورواياتها تورث العلم والاطمئنان، لذا فهي شاهد حسّي على هذه الواقعة.

أمّا ولادته وغيبته فالقفاري قد نسي أو تناسى أنّها مروية بأسانيد صحيحة، لاسيّما في كتب الشيعة- الذي يحاول أن يطعن فيها- ودلالتها واضحة، وقد فصّلنا القول في ذلك، فراجع فصل أحاديث الغيبة في كتب الفريقين.

وقوله الآخر: «ثمّ أخبار الأبواب الأربعة المطعون في شهادتهم؛ لأنّهم يجرّون المصلحة إليهم، حيث المال المتدفّق».

نقول: من هو الذي طعن في شهادتهم؟ وأين ومتى؟ نعم، إذا كان الطعن


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 411.
2- الكافي، ج 1، ص 338.

ص: 215

ناشئاً عن هوى وعصبيّة فهذا لا يسمّى طعناً.

أضف إلى ذلك: أنّه تقدّمت ترجمتنا لهؤلاء العظماء، وأنّهم محلّ ثقة جميع الطائفة الشيعيّة، فهم الفقهاء والأُمناء العدول، وهم رؤوس الشيعة كما في شهادة بعض علماء السنّة كالذهبي وغيره، ثمّ أين هي المصلحة في جرّ النفع إليهم، والذي فسّرتموه بالأموال؟!

إنّ هذا الكلام غير دقيق، وفيه من البهتان والجرأة على علماء الشيعة، فالأموال هي من مستحقّات الخمس والزكاة وموردها الفقراء ليس إلّا، وهؤلاء الوكلاء هم الصادقون والأُمناء- بشهادة علماء الرجال كالنجاشي والطوسي والحلّي وغيرهم- في نقل تلك الأموال إلى الإمام لصرفها لمستحقّها، فهم واسطة بين الإمام وشيعته.

إذن هذا الكلام لا يعدو كونه مغالطة لا محصّل لها، والغرض منها التشويش وإلقاء الشبهات بلا دليل ناهض، وقد تعرّضنا لمسألة الخمس في فصول سابقة، وأثبتنا براءة الشيعة من هذه التهمة، وكذلك تقدّم الكلام في شبهة (سبأيّة عثمان بن سعيد) فراجع.

شبهة استبعاد بقاء الإمام المهدي (عج) حيّآً كلّ هذه السنين

اشارة

وقال في ص 1052:

«إنّ ممّا يعرف به كذب دعوى الشيعة وجود إمامها، هو استبعاد بقائه حيّاً طول هذه المدّة التي تجاوزت الآن ألف ومائة سنة؛ فإنّ تعمير واحد من المسلمين هذه المدّة هو- كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة- أمر يعرف كذبه بالعادة المطّردة في أُمّة محمّد، فلا يعرف أحد ولد في زمن الإسلام عاش مائة

ص: 216

وعشرين سنة فضلًا عن هذا العمر، وقد ثبت في الصحيح عن النبيّ (ص) أنّه قال في آخر عمره: أرأيتكم ليلتكم هذه، فإنّ على رأس مائة سنة منها لا يبقى على وجه الأرض ممّن هو اليوم عليها أحد ...».

جواب الشبهة

اشارة

من الشبهات التي تثار ويروّج لها، هي مسألة طول عمر الامام المهدي (عج)، وكيف تؤمنون بإنسان يمدّ الله في عمره هذه الفترة الطويلة؟ وهذا التساؤل ليس وليد هذه الأيّام، بل طرح منذ زمن طويل، وقد أجاب عنه علماؤنا رضوان الله عليهم بأدلّة ناصعة لاتقبل الريب والشكّ، ولكن هناك من يجادل بلا مسوّغ علمي، مدّعياً أنّ الإسلام لايقبل هذه الفكرة، إذن هو شرك وضلالة وكفر، وهذا ما دأبنا عليه في سطور كتاب الدكتور القفاري.

وهذا الكلام بطبيعة الحال غير مقبول عندنا؛ لأنّ كلّ دعوة لابدّ أن نخضعها للدليل، فالمفصل الرئيسي والمحور الذي يسبق الخلاف في أيّ مسألة كانت لابدّ أن ينطلق من هذه الرؤية، ورؤيتنا ترتكز على أدلّة قرآنيّة صافية، وسنّة نبويّة طاهرة، هذا هو الفيصل والمحور عندنا، وخلاف هذا الكلام فالفطرة السليمة ترفضه، والعقل يأباه، إذن نحن والدليل.

ابن تيميّة والمنافاة بين طول العمر والعادة المطّردة

أمّا ما استشهد به من قول ابن تيميّة: «فإنّ تعمير واحد من المسلمين هذه المدّة هو- كما يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة- أمر يعرف كذبه بالعادة المطّردة في امّة محمّد. ..»، فنقول:

لا ملازمة بين الأمرين

ص: 217

إنّ هذا الكلام باطل جزماً، فلا ملازمة بين الأمرين، وذلك بالبيان التالي:

أوّلًا: إنّ العادة المطّردة ليست هي الدليل؛ وذلك لأنّ تقدير الله تعالى لأيّ أمر خاضع لنظام المصلحة، فهناك ملاكات يعلمها ويقدّرها المولى جلّ شأنه، وخوارق العادات كثيرة لا تحصى، ومسألة طول العمر هي من تلك المعاجز، وهي خاضعة لهذا القانون الإلهي الربّاني، فالمصلحة اقتضت تقدير هذا الأمر، وهذا ليس بدعاً، فالقرآن الكريم قد صدعت آياته المحكمات بهذه الحقيقة محدّثاً عن شيخ الأنبياء نوح (ع) حيث عاش مبلّغاً وداعياً إلى الله قرابة ألف سنة، قال تعالى: فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً (العنكبوت: 14).

وأيضاً امتلأت كتب المسلمين من الفريقين بذكر المعمّرين ككتاب (المعمّرين) لأبي حاتم السجستاني، و إكمال الدين للصدوق، والكراجكي في رسالته التي وسمها باسم «البرهان على صحّة طول عمر الإمام صاحب الزمان» وغيرهم.

إذن فالتشكيك في هذا الأمر في الحقيقة يعود إلى الشكّ في قدرة الله جلّ وعلا، الذي يقود في النهاية إلى نسبة الظلم إليه عزّ شأنه.

ثانياً: إنّ التفريق والتمييز بين أُمّة وأُخرى- سواء كان قبل الإسلام أو بعده- لامعنى له، فليس هناك خصوصيّة أو مدخليّة للوقت، فليس بمقدورنا أن نقول: إنّ هذه الأُمّة تختلف عن الأُمّة الأُخرى فتلك مدّ الله في عمر أنبيائهم- مثلًا- وهذه ليس كذلك!! فهذا الكلام خارج عن إرادة الإنسان؛ لأنّ الملاك في ذلك راجع لتقدير الله وإرادته، وهو العالم والمقدّر لذلك.

ثالثاً: أمّا ما استشهد به في صحيح البخاري فهو حجّة عليهم لا علينا، وهذا واضح. نعم، لو كان احتجاجه من كتبنا نسلّم به، أضف إلى ذلك أنّه خبر آحاد.

قال الشيخ أبو ريّة: «قال الجمهور: إنّ أخبار الآحاد لا تفيد العلم قطعاً ولو

ص: 218

كانت مخرجة في البخاري ومسلم ... أطلق ابن عبد البرّ وجماعته: إنّه قول جمهور أهل العلم والنظر حتّى قال بعضهم: ولو مع قرينة، أي: أنّه لا يفيد العلم ولو مع قرينة. وقال الرازي في تفسيره: ورواية الواحد إنّما تفيد الظنّ» (1).

رابعاً: إنّ الاستبعاد الذي تفوّه به ابن تيميّة نستطيع أن نصحّحه ونضعه في دائرة جريان عادة الطبيعة، فهذا صحيح، أمّا بالنسبة لقدرته وإرادته جلّ شانه اللامتناهية التي يستطيع أن يحيي بها الإنسان ويعمّره يوم القيامة يوماً كان مقداره خمسين ألف سنة قبل الجنّة والنار، وكذلك ما نجده في حياة بعض الأنبياء كالخضر وعيسى وغيرهم، فتقدير هذه الأعمار هي من مختصّاته جلّ وعلا، وهو الأعلم بالمصلحة، فلا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون.

الإمكان وعدمه في مسألة طول العمر

لعلّ الدكتور القفاري وكذلك شيخه ابن تيميّة واجها معضلة الإمكان- بمعنى كيف يمكن إطالة هكذا عمر كلّ هذه السنين؟!- وهي بالنسبة إليه عقبة كؤود، فلم يستطع أن يتعدّاها أو يتحمّلها أو يستسيغها؛ لأنّه لم يدرك هذا المعنى بحسب نظرنا لعدّة أسباب:

الأوّل: أُنسه بعالم المادّة.

الثاني: رفضه للمعجز، وأنّ الله تعالى قادر على فعل ذلك إذا اقتضت المصلحة.

الثالث: رفضه المسبق لهذه الفكرة؛ وذلك لتقليده من سبقه تقليداً أعمى بلا تحريك لعقله، فما هو إلّا مقلّد لأسلافه، لاسيّما ابن تيميّة الحرّاني والقارئ


1- أضواء على السنة، محمود أبو رية، ص 277.

ص: 219

الحصيف (1) يرى ذلك واضحاً.

المفكّر الإسلامي محمّد باقر الصدر يقرّر نظريّة الإمكان

والواقع أنّ الإمكان نستطيع أن نفرضه بثلاثة أُمور، وندفع بذلك ما قد توهّمه الدكتور القفاري وغيره من استبعاد لهذه المسألة بما قرّره السيّد محمّد باقر الصدر في كتابه «البحث حول المهدي».

فنقول: إنّ الإمكان له ثلاثة معان:

المعنى الأوّل: الإمكان العلمي.

المعنى الثاني: الإمكان العملي.

المعنى الثالث: الإمكان المنطقي أو العقلي.

والإمكان العلمي: هو أنّ العلم لا يرفض هذا الإمكان ولا يأبى عن قبوله، فهو غير ممتنع من ناحية علميّة.

والإمكان العملي: هو الإمكان الذي نستطيع أن نطبّقه على أرض الواقع، وله تحقّق وتعيّن في الخارج.

والإمكان المنطقي: وهو أن لا يوجد لدى العقل وفق ما يدركه من قوانين قبلية ما يبرر رفض الشي ء والحكم باستحالته.

أمّا الإمكان الأوّل والثاني «العلمي والعملي»:

فنجد أنّ العلم دؤوب في تجاربه العلميّة لإطالة عمر الإنسان وتوقيف هرم الخلايا التي تؤدّي إلى شيخوخته؛ لذا لم يستبعد «ريمند بول» الأُستاذ في جامعة جونس هبكنس الأمريكيّة، حيث قال:

«إنّه يظهر من بعض التجارب العلميّة أنّ أجزاء جسم الإنسان يمكن أن


1- الحصيف: المحكم العقل، وذو رأي وتدبير. لسان العرب، ج 9، ص 48 «حصف».

ص: 220

تحيا إلى أيّ وقت أُريد، وعليه فمن المحتمل أن تطول حياة الإنسان إلى مائة سنة، وقد لا يوجد مانع يمنع من إطالتها إلى ألف سنة» (1).

إذن فلا يوجد ما يبرّر رفض ذلك من الناحية النظريّة؛ لأنّ التجارب آخذه بالازدياد لتحويله وتطبيقه إلى إمكان عملي واقعي، وهي سائرة بهذا الاتّجاه من زاوية محاولاتها لتعطيل قانون الشيخوخة. وفي ضوء هذا لا يبقى مبرّر منطقي للاستغراب والإنكار.

وأمّا الإمكان المنطقي، فلا شكّ أنّ امتداد عمر الإنسان آلاف السنين ممكن منطقيّاً؛ لأنّ ذلك ليس مستحيلًا من وجهة نظر عقليّة تجريديّة، ولا يوجد في افتراض من هذا القبيل أيّ تناقض؛ لأنّ الحياة كمفهوم لا تستبطن الموت السريع، ولا نقاش في ذلك، والقرآن الكريم والأحاديث تشهد بذلك، كما في طول عمر نوح والخضر وإلياس وغيرهم.

إذن بعد أن ثبت إمكان هذا العمر الطويل منطقيّاً وعلميّاً، وأنّ العلم سائر في طريق تحويل الإمكان النظري إلى إمكان عملي تدريجاً، لا يبقى للاستغراب محتوى إلّا استبعاد أن يسبق المهدي العلم نفسه، فيتحوّل الإمكان النظري إلى إمكان عملي في شخصه قبل أن يصل العلم في تطوّره إلى مستوى القدرة الفعليّة على هذا التحويل، فهو نظير من يسبق العلم في اكتشاف دواء ذات السحايا أو دواء السرطان (2).


1- مجلّة المقتطف المصريّة: الجزء الثاني من المجلد 95/ سنة 1339 ه، ص 206 تحت عنوان «خلود الإنسان على الأرض». نقلًا عن كتاب المهدي المنتظر في الفكر الإسلامي، إصدار: مركز الرسالة.
2- أُنظر: بحث حول المهدي، صص 66 و 67. حيث قرّر هذا البحث بأروع وأبهى تصوير، ودفع ما قد يتوهّمه البعض من رفضه لهذه الفكرة، ونحن اقتصرنا على ما بحثه باختصار وتصرّف في العبارة.

ص: 221

وقد علّق الأُستاذ حامد حفني داود على ما تعرّض له السيّد محمّد باقر الصدر (رحمة الله) وأنّه من المهارة والعلم بحيث رسّخ مفهوم المهدويّة من خلال تصويره الرائع للإمكان، وأنّه لا مانع من ذلك، فالعلم والمنطق لا يأبى قبول هذه الحقيقة، حيث قال:

«وإنّي أشدّ على يديه مهنّئاً بهذا النجاح العظيم الذي أحرزه في تفسير هذه الخارقة المهدويّة حين أوضح للباحثين المنطقيّين مراتب التصديق، ووازن بمهارة العالم الراسخ بين الإمكان الواقعي، والإمكان العلمي، والإمكان المنطقي، وذلك حين تعرّض لمدى العمر الذي بلغه الإمام المهدي من لدن القرن الثالث الهجري إلى هذا العصر، وأوضح أنّ هذا التصوّر لئن كان ممّا ينكره الواقع، فإنّه من الناحية الفلسفيّة يعتبر جائز الوقوع، ولئن كان العلم يأبى هذا التصوّر لهذه الحياة الممتدّة نحو الألف والثلاثمائة عام إلّا أنّه ليس من المستحيل علميّاً أن تكون هناك حالات شاذّة تتغلّب فيها الخلايا الحيّة على عوامل الهدم والفناء» (1).

ثمّ أردف مقالته هذه بأنّ التجربة العلميّة قد تناولها العلماء، وقد نجحت في إطالة بعض الأعمار، وبالتالي ما فرض فإنّه واقع ولا شبهة في ذلك.

مقالة الأُستاذ الحفني:

قال: «أقول: وقد دلّت تجارب علماء الأحياء وما يقومون بإجرائه على بعض الحيوانات، من إطالة أعمار بعضها، ما يدلّ على أنّ الفروض التي ذهب إليها العلّامة الصدر فروض علميّة وممكنة الوقوع في نظر «العلم». لكن هذا المعنى الجميل الذي حقّق فيه هذا النجاح من إقناع المنكرين وخصوم الدين له دون شكّ- كما أعتقد- ما يؤيّده في مجال «المنقول»، فقد جاء في


1- نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني داود، ص 75.

ص: 222

الأحاديث المتواترة عن سيّد الأنبياء قوله: «لتتبعنّ سنن من قبلكم حتّى لو دخلوا جحر ضبّ لدخلتموه» والمقصود- في نظرنا- من هذا الحديث أنّ أُمّته (ع) تلخيص لكلّ ما مرّت به الأُمم السالفة من حيث المعجزات والخوارق، وليس كما يظنّ البعض أنّ الحديث مقصور على الآثام والابتلاء، بدليل أنّ أُمّته لم يحدث فيها خسف ولا فسخ؛ إحقاقاً لكرامته عند الله، وبذلك يتعيّن أنّ المقصود هو ما جرى في الأُمم السالفة من خوارق، كقصّة أهل الكهف وقصّة العزير» (1).

إذن اتّضح ممّا تقدّم أنّ طول العمر ممكن، واستبعاده لا مبرّر له، وهو باطل بما قرّرناه، وبهذا ننتقل إلى مبحث الوقوع، ولكي يتّضح الأمر أكثر وتكون الحجّة دامغة نذكر ثلاثة أدلّة على وقوع بعض المصاديق التي مدّ الله تعالى بأعمارهم، وذلك من خلال القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، والعقل.

الأدلّة على الوقوع

الدليل الأوّل: القرآن الكريم
اشارة

من تأمّل بآي الذكر الحكيم يجد أنّه يشير بشكل واضح إلى أنّ طول الأعمار أمر وارد وليس عليه غبار أوشكّ.

وإليك بعض الآيات في هذا المضمار:

1- قوله تعالى: وَ قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَ ما قَتَلُوهُ وَ ما صَلَبُوهُ وَ لكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً (النساء: 157).


1- نظرات في الكتب الخالدة، صص 75 و 76.

ص: 223

روى ابن أبي حاتم في (تفسيره) بسند صحيح عن قتادة قوله: «وقولهم: إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ، أولئك أعداء الله، ابتهروا بقتل نبيّ الله عيسى، وزعموا أنّهم قتلوه وصلبوه».

وروى أيضاً بسند صحيح عن رسول الله (ص) قال: قال رسول الله (ص) لليهود: «إنّ عيسى لم يمت، وإنّه راجع إليكم قبل يوم القيامة» (1).

ودلالة الآية صريحة في أنّ عيسى بن مريم (ع) لم يقتل كما خُيّل لهم، بل إنّ الله جلّ وعلا رفعه إليه، ثمّ يأتي التأكيد الإلهي لهذه الحقيقة بقوله: وَ ما قَتَلُوهُ يَقِيناً لنفي القتل، وهنا اليقين الإلهي يعزّز الحياة الخالدة لعيسى (ع) إلى أن يأذن الله، إذن هناك يقين إلهي، فنسأل هل هناك من يشكّك بهذا اليقين؟

2- قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً (النساء: 159).

قال ابن كثير في تفسيره: «الضمير في قوله قَبْلَ مَوْتِهِ عائد على عيسى (ع)، أي: وإنّ من أهل الكتاب إلّا ليؤمننّ بعيسى، وذلك حين ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة، فحينئذٍ يؤمن به أهل الكتاب كلّهم؛ لأنّه يضع الجزية ولا يقبل إلّا الإسلام. وقال ابن أبي حاتم: حدّثنا أبي، حدّثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدّثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، حدّثنا الربيع بن أنس، عن الحسن أنّه قال في قوله تعالى: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ؛ يعني وفاة المنام رفعه الله في منامه، قال الحسن: قال رسول الله (ص) لليهود: «إنّ عيسى لم يمت، وإنّه راجع إليكم قبل يوم القيامة» (2).

إذن الآية تدلّ على أنّ عيسى (ع) حيّ يرزق، وأهل الكتاب يؤمنون بهذه


1- تفسير ابن أبي حاتم، ج 4، ص 1110.
2- تفسير ابن كثير، ج 1، ص 374.

ص: 224

الحقيقة.

3- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَ هُمْ ظالِمُونَ (العنكبوت: 14).

الفخر الرازي و نظريّة البقاء الذاتي الإنساني

وقد علّق الفخر الرازي على هذه الآية الشريفة حيث قال:

«المسألة الثالثة: قال بعض الأطبّاء: العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة، والآية تدلّ على خلاف قولهم، والعقل يوافقها، فإنّ البقاء على التركيب الذي في الإنسان ممكن لذاته، وإلّا لما بقي، ودوام تأثير المؤثّر فيه ممكن؛ لأنّ المؤثّر فيه إن كان واجب الوجود فظاهر الدوام، وإن كان غيره فله مؤثّر، وينتهي إلى الواجب وهو دائم، فتأثيره يجوز أن يكون دائماً، فإذن البقاء ممكن في ذاته، فإن لم يكن فلعارض لكن العارض ممكن العدم، وإلّا لما بقي هذا المقدار لوجوب وجود العارض المانع، فظهر أنّ كلامهم على خلاف العقل والنقل، ثمّ نقول: لا نزاع بيننا وبينهم؛ لأنّهم يقولون: العمر الطبيعي لا يكون أكثر من مائة وعشرين سنة، ونحن نقول هذا العمر ليس طبيعيّاً بل هو عطاء إلهي، وأمّا العمر الطبيعي فلا يدوم عندنا ولا لحظة، فضلًا عن مائة أو أكثر» (1).

توضيحه:

أراد الفخر الرازي الاعتراض على من قال بأنّ العمر الإنساني لا يزيد على مائة وعشرين سنة، وذلك من خلال النقاط التالية:

الأُولى: لأنّ هذه الآية الشريفة تخالف قولهم، والقرآن حجّة قاطعة لا يمكن


1- تفسير الفخر الرازي، ج 25، ص 42.

ص: 225

إلّا التصديق به والإذعان له.

الثانية: إنّ العقل يتوافق ويتواءم مع القرآن؛ لأنّ بقاء الإنسان بتركيبه من الأعضاء المختلفة في الشكل والطبع والصفة، فهو ممكن في حدّ نفسه وذاته، ولو قلنا خلاف ذلك لما وجد هذا الإنسان وانتفى بقاؤه، فالمؤثّر والموجد له هو الله تعالى، والإنسان يبقى في دائرة الإمكان، وتابع لمؤثّره وموجده، ويتصرّف به حيث يشاء فهو القادر على كلّ الممكنات، وهو الدائم لبقائه، وذلك يدلّ على كمال قدرته وإرادته، فالمؤثّر هو الله واجب الوجود، وإن كان غيره فله مؤثّر ولكن ينتهي إليه، وإلّا لزم التسلسل، فتأثيره لابدّ أن يتّصف بالدوام، وعليه فالبقاء يكون ممكناً.

الثالثة: ثمّ يتنزّل الفخر الرازي للمعترضين فيقول: نحن نتّفق معكم؛ ولكن لابدّ أن تسلّموا بالإعجاز والعطاء الإلهي، فهذا ما لا تستطيعون أن تنكرونه، وعليه فلابدّ من التسليم والإقرار بطول العمر.

وهناك الكثير من الآيات التي فيها إشارة صريحة، إلى أنّ هناك ظواهر قد تقتضي الحكمة الإلهيّة أن يمدّ بأجلها، ولا ضير في ذلك.

الدليل الثاني: السنّة النبويّة
مسلم النيسابوري يروي حياة الدجّال الأبديّة

ونذكر من السنّة ما جاء في صحيح مسلم «حديث الجسّاسة»، حيث ذكر في هذا الحديث أنّ الدجّال حيّ يرزق وعمره طويل مقارنة بأعمار البشر العاديّين، ولكن بعض فقهاء السنّة اختلفوا بعد القطع بكونه حيّاً، هل هو لا يزال محبوساً ومقيّداً بالسلاسل في الجزيرة التي شاهدها فيها الصحابي تميم الداري، وأنّه لم يؤذن له في الخروج منها أو لم يكن كذلك؟

وأمّا الحديث فقد اختصرنا على جملة من مفرداته:

ص: 226

روى مسلم في صحيحه: «عن فاطمة بنت قيس أنّها قالت: سمعت نداء المنادي «منادي رسول الله (ص)» ينادي الصلاة جامعة، فخرجت إلى المسجد، فصلّيت مع رسول الله وكنت في النساء اللاتي يلين ظهور القوم، فلمّا قضى رسول الله صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال: «ليلزم كلّ إنسان مصلّاه». ثمّ قال: «أتدرون لما جمعتكم؟» قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (والله، إنّي ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة، ولكن جمعتكم لأنّ تميماً الداري كان رجلًا نصرانيّاً فجاء فبايع وأسلم، وحدّثني حديثاً وافق الذي كنت أُحدّثكم عن المسيح الدجّال، حدّثني أنّه ركب في سفينة بحريّة مع ثلاثين ... فدخلنا الجزيرة فلقيتنا دابّة أهلب كثير الشعر ... فقلنا: ويلك ما أنت؟ فقالت: أنا الجسّاسة، قلنا: وما الجساسة؟ قالت: اعمدوا إلى هذا الرجل بالدير. فإنّه إلى خبركم بالأشواق. فأقبلنا إليك سراعاً ... قال لهم: «قد كان ذاك أما أنّ ذلك خير لهم أن يطيعوه وإنّي أُخبركم عنّي: أنا المسيح وأنّي أُوشك أن يؤذن لي في الخروج فأخرج فأسير في الأرض، فلا أدع قرية إلّا هبطتها في أربعين ليلة غير مكّة وطيبة، فهما محرّمتان عليّ كلتاهما كلّما أردت أن أدخل واحدة أو إحداهما استقبلني ملَك بيده السيف صلتاً يصدّني عنها، وإنّ على كلّ نقب منها ملائكة يحرسونها» قالت فاطمة: قال رسول الله وطعن بمخصرته في المنبر: «هذه طيبة. هذه طيبة. هذه طيبة» يعني المدينة، «ألا هل كنت حدّثتكم ذلك؟ فقال الناس: (نعم) قال الرسول: (فإنّه أعجبني حديث تميم، فإنّه وافق الذي كنت أُحدّثكم عنه وعن المدينة ومكّة، إلّا أنّه في بحر الشام أو في بحر اليمن، لا بل من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق ما هو من قبل المشرق، وأومأ بيده الشريفة إلى المشرق» (1).


1- صحيح مسلم، ج 8، صص 204 و 205.

ص: 227

قال النووي: «هذا [الحديث] معدود في مناقب تميم؛ لأنّ النبي (ص) روى عنه هذه القصّة، وفيه رواية الفاضل عن المفضول، ورواية المتبوع عن تابعه» (1).

ومن الطريف في قصّة الدجّال، أنّ أحد المفكّرين المصريّين- وهو محمّد عيسى داود- في أبحاثه المتعلّقة بالدجّال، وظاهرة الأطباق الطائرة، ومثلّث برمودا، قال:

«إنّ الدجّال كان مقيّداً وفكّ قيده، وهو الآن حرّ طليق، ويقف خلف المؤامرات العالميّة ومنظّمات الماسونيّة، وأنّه يتسبّب في حوداث الاختفاء في مثلّث برمودا، وأنّه مسؤول عن ظاهرة الأطباق الطائرة، وأنّه هو أيضاً السامري المذكور في القرآن الذي أضلّ بني إسرائيل، وجعلهم يعبدون عجلًا ذهبيّاً له خوار (2)، صنعه لهم من حلّي المصريّين في عهد الخروج مع موسى» (3).

وهذا القول يدلّ بصورة واضحة على أنّ الدجّال حيّ، وهناك من يرى أنّه يتصرّف بنظام الكون كما رأينا تحليل الدكتور محمّد عيسى داود، ولعلّه استند في ذلك لما رواه مسلم كما تقدّمت الرواية.

عيسى (ع) يقتل الدجّال

وهناك روايات تتحدّث عن أنّ عيسى (ع) هو مَن يقتل الدجّال، وفي هذا دلالة على أنّه حيّ إلى وقت عيسى (ع).

روى البخاري بسنده عن سعيد بن المسيّب عن أبي هريرة: قال قال رسول


1- شرح صحيح مسلم، ج 18، ص 81.
2- الخوار: صوت الثور وما اشتدّ من صوت البقرة والعجل. لسان العرب، ج 4، ص 261 «خور».
3- أُنظر موقع: gro. aidepikiw. ra//: ptth

ص: 228

الله (ص): «ألا إنّ عيسى بن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول، ألا إنّه خليفتي من بعدي يقتل الدجّال، ويكسر الصليب، ويضع الجزية، وتضع الحرب أوزارها، ألا مَن أدركه منكم فليقرأ 7» (1).

ففي هذه الرواية نرى أنّ أبا هريرة يتمنّى أن يدرك عيسى، ودلالته واضحة في بقائه.

حياة الخضر وإلياس (عليهما السلام)

قال القفاري: ج 2 ص 1055:

«أمّا الخضر وإلياس فإنّ الذي عليه المحقّقون من أهل العلم أنّهما قد ماتا، وعلى تقدير حياتهما فلا نسلّم لهما المقارنة؛ لأنّهما ليسا بمكلّفين في هداية هذه الأُمّة ...».

علماء السنّة يذهبون إلى بقاء حياتهما

أمّا قوله: «فإنّ الذي عليه المحقّقون من أهل العلم أنّهما قد ماتا».

فهذا الكلام مردود بقول جملة من علماء أهل السنّة الذين أكّدوا حياتهما، ونذكر منهم:

1- الثعلبي (ت 427 ه) في كتاب «العرائس».

قال: «والصحيح أنّ الخضر نبي معمّر، محجوب عن الأبصار» (2).

2- القرطبي (ت 671 ه) في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن».

بعدما ذكر الأقوال النافية لحياة الخضر (ع) صرّح برأيه قائلًا: «..


1- المعجم الصغير، ج 1، ص 257.
2- نقلًا عن القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: ج 11، ص 43.

ص: 229

والصحيح القول الثاني، وهو أنّه حي» (1).

ثمّ يؤكّد قوله الذي اختاره:

«قلت: قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه، وبيّنا حياة الخضر إلى الآن، والله أعلم» (2).

ثمّ روى أنّ الخضر وإلياس (عليهما السلام) لا يزالان حيّين مادام القرآن موجوداً على الأرض، قال:

«وعن عمرو بن دينار، قال: إنّ الخضر وإلياس لا يزالان حيّين في الأرض ما دام القرآن على الأرض، فإذا رفع ماتا.

وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمّد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة له: للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنّهم رأوا الخضر (ع) ولقوه، يفيد مجموعها غلبة الظنّ بحياته، مع ما ذكره النقّاش والثعلبي وغيرهما.

وقد جاء في «صحيح مسلم»: «أنّ الدجّال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس- أو- من خير الناس»، الحديث، وفي آخره قال أبو إسحاق: يعني أنّ هذا الرجل هو الخضر ..» (3).

إذن فالخضر وإلياس (عليهما السلام) لا يزالان حيّين إلى الآن على رأي القرطبي، وهو من كبار علماء أهل السنّة.

3- النووي (ت 676 ه) في «شرح صحيح مسلم».

قال: «جمهور العلماء على أنّه حيّ موجود بين أظهرنا، وذلك متّفق عليه عند الصوفيّة وأهل الصلاح والمعرفة وحكاياتهم في رؤيته، والإجتماع به،


1- الجامع لأحكام القرآن، ج 11، ص 41.
2- المصدر نفسه، ص 45، ومن أراد التفصيل فليراجع: ج 11، صص 41- 44.
3- الجامع لأحكام القرآن، ج 11، ص 43.

ص: 230

والأخذ عنه، وسؤاله وجوابه، ووجوده في المواضع الشريفة، ومواطن الخير أكثر من أن يحصر، وأشهر من أن يستر، وقال الشيخ أبو عمر بن الصلاح: هو حيّ عند جماهير العلماء والصالحين والعامّة معهم في ذلك، قال: وإنّما شذّ بإنكاره بعض المحدّثين» (1).

فالنووي وابن الصلاح ينقلون عن جمهور العلماء والعامّة بأنّ الخضر (ع) حيّ، وهو بين أظهرهم، ومن خالف هذا القول هو شاذّ لا عبرة بكلامه.

4- ابن حجر العسقلاني (ت 852 ه) في «الإصابة في تميّيز الصحابة».

روى عن الحسن البصري أنّه قال:

«وكّل إلياس بالفيافي، ووكّل الخضر بالبحور، وقد أُعطيا الخلد في الدنيا إلى الصيحة الأُولى، وأنّهما يجتمعان في موسم كلّ عام».

ثمّ روى عن أنس، قال: قال رسول الله (ص): «إنّ الخضر في البحر، واليسع في البرّ، يجتمعان كلّ ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس، وبين يأجوج ومأجوج، ويحجّان ويعتمران كلّ عام، ويشربان من زمزمكم شربة تكفيهما إلى قابل ...» (2).

5- الكنجي الشافعي من أعلام القرن السابع في «البيان في أخبار صاحب الزمان».

قال: «ولا امتناع في بقائه بدليل بقاء عيسى وإلياس والخضر من أولياء الله تعالى، وبقاء الدجّال وإبليس الملعونين أعداء الله تعالى، وهؤلاء قد ثبت بقاؤهم بالكتاب والسنّة ...» (3).


1- شرح صحيح مسلم، ج 15، ص 136.
2- الإصابة، ج 2، ص 251.
3- البيان في أخبار صاحب الزمان، الكنجي الشافعي، ص 97.

ص: 231

وأمّا عن طول عمر نبي الله نوح (ع) فلا نحتاج إلى أقوال العلماء بعد أن نصّ عليه القرآن الكريم.

وتقدّم الكلام حول بقاء أهل الكهف أكثر من ثلاثة قرون وهم نيام، ولعلّ بقاءهم هذه الفترة أعجب من طول عمر نوح (ع)؛ إذ هم في رقدتهم لا يأكلون ولا يشربون.

كما أنّ الرجل الذي أماته الله مائة عام ثمّ أحياه، وطعامه لم يتسنّه خير شاهد وخير مثال، وكلّ ذلك قد ورد في الكتاب العزيز، وتقدّم الكلام عنه.

دفع شبهة المقارنة بالهداية

وأما قوله: «وعلى تقدير حياتهما [أي إلياس والخضر] فلا نسلّم لهما المقارنة؛ لأنّهما ليسا بمكلّفين في هداية هذه الأُمّة».

فجوابه

هذا باطل جزماً؛ لأنّه بعدما تقرّر من أنّه حيّ وبين أظهرنا كما عليه جمهور العلماء فلا نستطيع أن نقطع أن ليس من مهامّه الهداية؛ بل ذلك مرجعه وعلمه عند الله، وهو أعلم بتقدير المصلحة؛ لأنّه لا يمكن أن يفعل العبث.

ثم إنّ النووي يذكر أنّه موجود في مواطن الخير أكثر من أن يحصى- كما تقدّم- ومعلوم أنّ مواطن الخير هي الهداية، فلا نعلم من أين علم الدكتور القفاري أنّ الخضر ليس من مهامّه الهداية إلّا أن يعلم الغيب، وهذا خلاف الواقع؟!

وكذلك ورد في الحديث عن القندوزي الحنفي «ولم تخل الأرض منذ خلق

ص: 232

الله آدم من حجّة الله فيها، إمّا ظاهر مشهور أو غائب مستور، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجّة فيها، ولولا ذلك لم يعبد الله» (1). أو «لساخت بأهلها» (2).

وأمّا المقارنة التي أجهد الدكتور نفسه فيها، فعلماء الشيعة- كما قلنا سابقاً ونكرّر الآن- يذكرون ذلك من باب الإمكان ليس إلّا.

وأمّا أدوارهم في الهداية أو غيرها، فهذا مرجعه وتقديره إلى علم الله وإرادته واختياره، فهو الأعلم بالمصلحة، وهو المقدّر لها.

وأختم ردّ هذه الشبهة بأبيات شعريّة للسيّد رضا الموسوي الهندي تدلّ على المقصود، حيث أنشد قائلًا:

وإن تسترب فيه لطول بقائه أجابك إدريس وإلياس والخضر

ومكث نبي الله نوح بقومه كذا نوم أهل الكهف نصّ به الذكر

وقد وجد الدجّال في عهد أحمد ولم ينصرم منه إلى الساعة العمر

وقد عاش عوج ألف عام وفوقها ولولا عصا موسى لأخّره الدهر

ومن بلغت أعمارهم فوق مائة وما بلغت ألفاً فليس لهم حصر (3)

إذن هذه شهادة صريحة وواضحة توثّق أنّ طول العمر أمر وارد في الحياة ولا ضير فيه، فمتى ما اقتضت الحكمة الإلهيّة والمصلحة أن يطيل الأعمار أطالها، ولا مانع من ذلك.

فإذا جوّزنا ذلك في الأنبياء وغيرهم- كما تقدّم- فلِمَ لا نقول ذلك في الإمام المهدي (عج) بمقتضى الحكمة والعطاء الإلهي- كما يعبّر الفخر الرازي؟!-


1- ينابيع المودّة، ج 3، ص 360.
2- المصدر نفسه.
3- ديوان السيّد رضا الهندي، صص 29 و 30.

ص: 233

وحكم الأمثال كما هو معلوم فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد، فإذا جاز هناك جاز هنا بلا تردّد.

شبهة الدفاع عن الغيبة أبطلها الشيعة أنفسهم

قال الدكتور القفاري: في ج 2 ص 1054.

«وهذا الدفاع [عن طول أمد الغيبة] قد أبطله الشيعة أنفسهم؛ لأنّهم يقولون بأنّ مهديّهم هو الحاكم الشرعي للأُمّة منذ أحد عشر قرناً أو يزيد، وهو القيّم على القرآن، ولا يحتجّ بالقرآن إلّا به، ولا هداة للبشر إلّا بواسطته ... وهو الذي معه القرآن الكامل ومصحف فاطمة والجفر والجامعة، وما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم، فمهديّهم مسؤول عن الأُمّة، ومعه وسائل هدايتهم وسعادتها في الدنيا والآخرة».

الجواب

تقدّم أنّ دفاع الشيعة في محلّه، ولا يوجد أيّ إبطال لما قلناه، والشيعة تقول: إنّ الامام المهدي (عج) هو إمام مفترض الطاعة، وأمّا الحاكم الشرعي فهو من نصبه الإمام؛ لورود الأدلّة على ذلك كما في قوله:

«انظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا، فارضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً» (1).

وهذه الحاكميّة لها شرائط وضوابط لابدّ أن تجتمع فيه لكي يكون حاكماً، منها: أن يكون صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه.

وأمّا قوله: «لا يحتجّ بالقرآن إلّا به»،


1- الكافي، ج 7، ص 412.

ص: 234

فنقول: إنّ الشيعة حجّتها القاطعة هي القرآن الكريم، وما من حديث يروى في كتبهم مخالفاً لهذه الحجّة إلّا وطرحوه، وهذا ما تسالم عليه الإماميّة الاثنا عشريّة بلا خلاف.

وجلّ كتبنا الحديثيّة تحمل هذه القاعدة، فالكليني/ في مقدّمة كتابه «الكافي» أكّد على هذا المفهوم، حيث قال:

فاعلم يا أخي- أرشدك الله- أنّه لا يسع أحداً تمييز شي ء ممّا اختلف الرواية فيه عن العلماء (عليهم السلام) برأيه، إلّا على ما أطلقه العالم (ع) بقوله: «اعرضوها على كتاب الله، فما وافق كتاب الله جلّ وعزّ فاقبلوه، وما خالف كتاب الله فردّوه» (1).

وهذا شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي في كتابه «التهذيب» قال:

«روي عن النبي (ص) وعن الأئمة: أنّهم قالوا: «إذا جاءكم منّا حديث فاعرضوه على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالفه فاطرحوه» (2).


1- الكافي، ج 1، ص 8.
2- تهذيب الأحكام، ج 7، ص 275.

ص: 235

ص: 236

ص: 237

ص: 238

الفصل الرابع: الطعن والتشكيك بعدد أئمّة الشيعة

تمهيد

لم يكتف الدكتور القفاري بإنكاره للمهدويّة والغيبة، بل تعدّى ذلك لإنكار أصل الإمامة، وبالتالي الطعن والتشكيك مرّة أُخرى بإمامة الإمام الثاني عشر، ومن أهمّ ما طرحه في هذا الشأن، هو نفي أنّ الأئمّة اثنا عشر؛ لأنّ روايات الشيعة- كما يدّعي- تثبت أنّهم ثلاثة عشر، وبذلك ينفي أصل إمامتهم؛ للاختلاف الوارد في هذا العدد.

ثمّ يستبعد قبول العقل لهذا العدد؛ لأنّه خلاف منطق الواقع، مع أنّ الواقع يتلاءم مع هذه الحقيقة التي نصّ عليها رسول الله (ص) في حديث «الاثني عشر خليفة أو أمير، وأنّهم من قريش» على اختلاف ألفاظه وطرقه المختلفة، والتي بلغت رواياته أكثر من مائتين وسبعين رواية، وفي أشهر كتب الفريقين، علماً أنّ هذا الحديث قد روي قبل أن يولد الإمام المهدي (عج)، وقد تقدّم أنّه لا تطبيق صحيح يتلاءم مع مضمون هذا الحديث سوى الواقع الإمامي الاثنا عشري، ابتداء بالإمام عليّ وانتهاء بالمهدي (عليهم السلام)، ليكون هو التطبيق الوحيد المعقول له، كما تقدّم الكلام عنه مفصّلًا.

ثمّ يختلق الدكتور القفاري فكرة أنّ الإمامة لمّا كانت سرّيّة ومحاطة بالكتمان

ص: 239

- كما يستنتج ذلك من الروايات- أنّ الله أسرّها إلى عليّ (ع) وعليّ يختار ما يريد، وليس الله هو الذي عيّن هذا العدد من الأئمّة، ثمّ شكّك في الروايات في تعيين العدد المنصوص عليه عند الشيعة. وهدف الدكتور القفاري واضح، وهو نسف فكرة الإمامة أوّلًا، وفي الآن نفسه الطعن بفكرة المهدويّة والغيبة، وكونها أُسطورة وخيال من وحي الشيعة أنفسهم.

ولكن هذه الأفكار سيتّضح أنّها مجرّد دعاوى يسهل لكلّ إنسان أن يصيغها بألفاظ مسوقة ومرتّبة بقوالب لفظيّة، ولكن الحقيقة ستثبت خلاف ما يدّعي؛ لأنّ هناك قلباً وتشويهاً للحقائق بشكل غريب، كما سيتّضح من خلال سير البحث.

شبهة أئمّة الشيعة ثلاثة عشر وليس اثني عشر

اشارة

قال القفاري: «كما أنّك ترى الكافي أصحّ كتبهم الأربعة قد احتوى على جملة من أحاديثهم تقول بأنّ الأئمة ثلاثة عشر»، فقد روى الكليني بسنده عن أبي جعفر، قال: «قال رسول الله (ص): إنّي واثني عشر إماماً من ولدي وأنت يا عليّ زرّ الأرض- يعني أوتادها وجبالها- بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا» (1).

فهذا النصّ أفاد أنّ أئمّتهم- بدون عليّ- اثنا عشر ومع عليّ يصبحون ثلاثة عشر. وهذا ينسف بنيان الاثني عشريّة ... كذلك روت كتب الشيعة الاثني عشريّة عن أبي جعفر عن جابر، قال: دخلت على فاطمة وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد،


1- الكافي، ج 1، ص 534.

ص: 240

وثلاثة منهم عليّ» (1).

فانظر كيف اعتبروا أئمّتهم اثني عشر كلّهم من أولاد فاطمة، فإذن عليّ ليس من أئمّتهم؛ لأنّه زوج فاطمة لا ولدها، أو يكون مجموع أئمّتهم ثلاثة عشر.

وممّا يدلّ أيضاً على أنّهم لم يعتبروا عليّاً من أئمّتهم قوله: ثلاثة منهم عليّ، فإنّ المسمّى بعليّ من الأئمّة عند الاثني عشريّة أربعة: أمير المؤمنين عليّ، وعليّ بن الحسين، وعليّ الرضا، وعليّ الهادي ...».

ثمّ قال: «والقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به، ولعلّ تلك النصوص من آثارها، وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في ردّه على من خالف الاتّجاه الاثني عشري، الذي ينتمي إليه (2)، وكذلك النجاشي في ترجمة هبة الله أحمد بن محمّد (3).

وكلّ فرقة من هذه الفرق تدّعي أنّها على الحقّ، وأنّ الخبر في تعيين أئمّتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعيّة الأُخرى، وهذا دليل على أنّهم ليسوا على شي ء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم» (4).

بيان الشبهة

إنّ القفاري أراد أن يصوّر الشبهة بما يلي:

إنّ الشيعة قد تسالم عندهم أنّ عدد أئمّتهم «اثنا عشر إماماً»؛ في حين أنّنا نجد


1- المصدر نفسه، ص 532؛ كمال الدين وتمام النعمة، ج 1، ص 264؛ الإرشاد، ص 393؛ الغيبة، الطوسي، ص 92.
2- الغيبة، ص 137.
3- رجال النجاشي، ص 343.
4- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، صص 809- 811.

ص: 241

أن أصحّ كتاب عندهم وهو «الكافي» وغيره من الكتب الشيعيّة الأُخرى تروي: أنّهم «ثلاثة عشر إماماً»، ومن يدّعي ذلك هم فرقة من فرق الشيعة أيضاً، وتلك النصوص القائلة بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر هو من آثار هذه الفرقة، فهناك فرقتان وكلّ فرقة تدّعي أنّ عدد أئمّتها متواتر، وهذا التضارب يكشف عن بطلان كلتا الفرقتين في دعواهما؛ لأنّ تواتر خبر إحدى الفرقتين موجب لعدم وقوع الخلاف، وبهذا ينكشف بطلان عقيدة الشيعة في اعتقادهم بعدد الأئمّة.

مرتكزات الشبهة

لقد ارتكز في دعواه على ما يلي:

1- ذكر رواية للشيخ الكليني، في كتابه «الكافي» وصحّح هذه الرواية بناءً على أنّه أصحّ الكتب عند الشيعة، وفسّرها وفق ذوقه الخاصّ، بقوله: «إنّ هذا النصّ أفاد أنّ أئمّتهم- بدون عليّ- اثنا عشر، ومع عليّ يصبحون ثلاثة عشر».

2- لقد دلّس وحرّف وأدرج كلاماً غير موجود في أصل رواية «الكافي»، وهذا مخلّ بالمنهجيّة العلميّة التي وصف نفسه بها في مقدّمة كتابه (1)، فالرواية التي ذكرها الكليني هي: «إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا عليّ زرّ الأرض ...» (2)، فلا توجد كلمة «إماماً» بل هي من مدرجات القفاري.

3- وذكر أيضاً حديث اللوح، وأيضاً فسّره بأنّ الاثني عشر كلّهم من أولاد


1- قال القفاري في المقدّمة: «والموضوعيّة الصادقة أن تنقل من كتبهم بأمانة، وأن تختار المصادر المعتمدة عندهم ...»، أُصول مذهب الشيعة، ج 1، ص 16.
2- الكافي، ج 1، ص 534.

ص: 242

فاطمة، فإذن عليّ ليس من أئمّتهم؛ لأنّه زوج فاطمة لا ولدها، وعليه فيكون المجموع ثلاثة عشر.

4- إنّ الشيعة لم تعتبر «عليّاً (ع)» من أئمّتهم؛ لأنّه ذكر: «ثلاثة منهم محمّد، وثلاثة منهم عليّ»، فإنّ أسماء «عليّ» فقط ثلاثة في حين أنّهم أربعة، وهم: أمير المؤمنين عليّ، وعليّ بن الحسين، وعليّ الرضا، وعليّ الهادي (عليهم السلام).

5- إنّ هناك فرقة من الشيعة تعتقد: بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر، ثمّ تسرّبت هذه المقالة إلى مذهب الاثني عشر؛ لذا ردّها الطوسي والنجاشي.

6- إنّ كلّ فرقة من هذه الفرق تدّعي أنّها الحقّ، وأنّ الخبر في تعيين أئمّتها متواتر، وهذا دليل على أنّهم ليسوا على شي ء؛ إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قطّ بينهم.

الجواب

تُعرف الشيعة الإماميّة بالفرقة الاثني عشريّة، وهذا ما تسالم عليه كلّ من له إلمام بأبجديّة الفرق وعلومها، ومنشأ هذه التسمية: هو اعتقادهم باثني عشر إماماً من بني هاشم، نصّ عليهم رسول الله (ص) كما هو معلوم للجميع، ومن ثمّ نصّ كلّ إمام على الإمام الذي بعده، بشكل يخلو من الشكّ والإبهام.

قال الشهرستاني في «الملل والنحل»: «أسامي الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة: المرتضى والمجتبى والشهيد والسجّاد والباقر والصادق والكاظم والرضا والتقي والنقي والزكي والحجّة القائم المنتظر» (1).

وقد تقدّم منّا قريباً في بحث «سرّيّة وكتمان أمر الإمامة» تضافر الروايات- وبأسانيد صحيحة- الدالّة على عددهم والنصّ عليهم، كما ورد من طرقنا


1- الملل والنحل، الشهرستاني، ج 1، ص 173.

ص: 243

الشيعيّة في روايات «الأئمّة من ولد الحسين»، وكذلك التي نصّت عليهم جميعاً.

إذن مذهب الإماميّة عموده الفقري قائم على أنّ أئمّتهم اثنا عشر إماماً. وكتبهم تعجّ بذلك، ومن تتبّع مصادرهم يعرف هذه الحقيقة التي لا يعتريها الشكّ والريب.

علماء أهل السنّة يصرّحون أنّ الأئمّة اثنا عشر عند الشيعة

إنّ أعلام أهل السنّة الذين ترجموا لأئمّة هذا المذهب الشريف عبّروا عنهم بالأئمّة الاثني عشر، ولم نجد أحداً خالف منهم وقال: إنّ الأئمّة ثلاثة عشر، فهذا الأمر من المسلّمات حديثيّاً و تأريخيّاً، ومن يدّعي خلافه شاذّ نادر، لا يعبأ به ولا يعتمد عليه، وإليك بعض النصوص التي تشير إلى ذلك:

قال الذهبي في ترجمته للإمام الباقر (ع): «وهو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تبجّلهم الشيعة الإماميّة وتقول بعصمتهم وبمعرفتهم بجميع الدين» (1).

قال ابن خلّكان في ترجمة الإمام الباقر (ع): «أبو جعفر محمّد بن زين العابدين، الملقّب بالباقر، أحد الأئمّة الاثني عشر في اعتقاد الإماميّة» (2).

وقال الذهبي في ترجمة الإمام الجواد (ع): «هو أحد الأئمّة الاثني عشر الذين تدّعي الشيعة فيهم العصمة» (3).

وقال الصفدي في ترجمة الإمام الهادي (ع): «عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر بن محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، وهو أبو الحسن الهادي بن الجواد بن الرضا بن الكاظم بن الصادق بن الباقر بن زين


1- سير أعلام النبلاء، ج 4، ص 402.
2- وفيات الأعيان، ج 1، ص 327.
3- تأريخ الإسلام، ج 13، ص 385.

ص: 244

العابدين، أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة» (1).

وقال ابن كثير في تعليقه على حديث «الاثني عشر كلّهم من قريش»: «وليس المراد الأئمّة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الرافضة الذين أوّلهم عليّ بن أبي طالب وآخرهم المنتظر بسرداب سامرا، وهو محمّد بن الحسن العسكري» (2).

فهنا ابن كثير يعتقد ويسلّم أنّ الأئمّة عند الشيعة هم اثنا عشر إماماً، أوّلهم الإمام عليّ (ع) وآخرهم الإمام المهدي المنتظر (عج).

وقال ابن خلدون في «تأريخه» عند تعليقه على نسب الطالبيّين: «وكان الكاظم على زي الأعراب مائلًا إلى السواد، وكان الرشيد يؤثره ويتجافى عن السعاية فيه كما مرّ، ثمّ حبسه، ومن عقبه بقيّة الأئمّة الاثني عشر عند الإماميّة من لدن عليّ بن أبي طالب الوصيّ ووفاته سنة خمس وثلاثين، ثمّ ابنه الحسن ووفاته سنة خمس وأربعين، ثمّ أخوه الحسين ومقتله سنة إحدى وستّين، ثمّ ابنه زين العابدين ووفاته [سنة أربع وتسعين]، ثمّ ابنه محمّد الباقر ووفاته سنة إحدى وثمانين ومائة، ثمّ ابنه جعفر الصادق ووفاته سنة ثلاث وأربعين ومائة، ثمّ ابنه موسى الكاظم ووفاته سنة ثلاث وثمانين ومائة، وهو سابع الأئمّة عندهم، ثمّ ابنه عليّ الرضا ووفاته سنة ثلاث ومائتين، ثمّ ابنه محمّد المقتفى ووفاته سنة عشرين ومائتين، ثمّ ابنه عليّ الهادي ووفاته سنة أربع وخمسين ومائتين، ثمّ ابنه حسن العسكري ووفاته سنة ستّين ومائتين، ثمّ ابنه محمّد المهدي، وهو الثاني عشر، وهو عندهم حيّ منتظر، وأخبارهم معروفة» (3).


1- الوافي بالوفيات، ج 22، ص 48.
2- البداية والنهاية، ج 1، ص 177.
3- تاريخ ابن خلدون، ج 4، ص 115.

ص: 245

إذن اتّضح أنّ هناك اتّفاقاً بين أرباب أهل التراجم على أنّ أئمّة الشيعة هم اثنا عشر وليس ثلاثة عشر.

دعوى أصحّيّة جميع ما ورد في الكافي

اشارة

كثيراً ما يُرَدّد في أكثر من مقال أنّ «الكافي» أو «نهج البلاغة» هما أصحّ الكتب عند الشيعة؛ حيث قال القفاري في مقاطع متعدّدة: «كما أنّك ترى الكافي أصحّ كتبهم الأربعة»، أو قوله: «وفي كتاب الكافي- أصحّ كتاب عندهم- روايات كثيرة في هذا»، أو قوله: «وهذه الرواية وردت في الكافي، أصحّ كتاب عندهم» أو «وكتاب النّهج الذي هو أصحّ كتاب عند الشيعة»، أو «.. باعتراف أصحّ كتاب في نظر الشيعة» (1).

الجواب

نقول: الظاهر من تكرار هذه الكلمات أنّه يريد أن يقول: إنّ جميع ما ورد في «الكافي» هو صحيح، لذا نجد أنّه يقول في مقدّمة كتابه: «قال محب الدين الخطيب: إنَّ الكافي عند الشيعة هو كصحيح مسلم عند المسلمين ... ولذا كانت منابع اطّلاعات الكليني قطعيّة الاعتبار» (2).

فإن كان هذا هو مقصوده فجوابه:

إنّ علماء الشيعة رضوان الله عليهم تعاملوا مع كتاب «الكافي» بروح الاعتدال والإنصاف بعيداً عن التعصّب إذا ما قارنّا ذلك مع صحيح البخاري ومسلم؛ حيث نجد هالة القداسة والعصمة قد أُضفيت عليهما، فعلماء الشيعة لم يتنكّروا


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، صص 809 و 813.
2- المصدر نفسه، ج 1، ص 23.

ص: 246

لحسناته، ولم يتجاهلوا ما فيه من ضعف بعض الأسانيد ومناقشتهم لدلالاتها، ومع ضبطه ودقّته وجلالة قدره رحمه الله؛ مع ذلك كلّه لم نجد أحداً يقول بصحّة جميع ما يحتويه «الكافي».

قال المحدّث النوري في «مستدركه» في حديثه عن «الكافي»: «ويمتاز عمّا سواه من كتب الحديث بقرب عهده إلى الأُصول المعوّل عليها والمأخوذ عنها، وما فيه من دقّة الضبط، وجودة الترتيب، وحسن التبويب، وإيجاز العناوين، فلا ترى فيه حديثاً ذكر في غير بابه، كما أنّه لم ينقل الحديث بالمعنى أصلًا، ولم يتصرّف فيه، كما حدث للبخاري مرّات ومرّات.

ومع جلالة قدره وعلو شأنه بين الأصحاب، لم يقل أحد بوجوب الاعتقاد بكلّ ما فيه، ولم يسمّ صحيحاً كما سمّي البخاري ومسلم» (1).

لذا فإنّنا لم نجد من علمائنا من يقول بأنّ من روى عنه الكليني فقد جاز القنطرة، كما قال الكثيرون من محدّثي أهل السنّة في «صحيح البخاري» (2).

إذن هذا هو موقف علماء الشيعة من كتاب «الكافي»، بل كلّ كتاب من كتبهم وكتب غيرهم أيضاً، فهم يمحّصون كلّ كلمة تقال ويعرضونها على كتاب الله جلّ وعلا، فما وافقه أخذوا به، وما خالفه ضربوا به عرض الجدار.

وإن كان مقصوده أنّ كتاب «الكافي» بالنسبة لغيره هو أصحّ كتاب، وأنّ هذه النسبة إضافيّة، فهذه الدعوى صحيحة؛ لأنّ الشيخ الكليني أمضى عشرين


1- مستدرك الوسائل، ج 1، صص 28 و 29.
2- قال ابن حجر العسقلاني: «وقد كان الشيخ أبو الحسن المقدسي يقول في الرجل الذي يخرّج عنه في الصحيح: هذا جاز القنطرة، يعنى بذلك أنّه لا يلتفت إلى ما قيل فيه». مقدّمة فتح الباري، ص 381.

ص: 247

سنة في شأن تصنيف «الكافي»، ولا يخفى أنّ تلك المدّة الطويلة تستدعي تحرّي الدقّة والضبط في الرجال والأسانيد والمتون والطرق، وهذا بدوره يستلزم الإحاطة بما ورد فيه من روايات؛ لذا أصبح هذا الكتاب موضع إجلال وتقدير علماء الطائفة رضوان الله عليهم.

فكون «الكافي» أصحّ الكتب عند الشيعة لا يلزم منه صحّة كلّ ما فيه كما هو واضح؛ بل رواياته خاضعة لميزان التصحيح والتضعيف وفق المباني المتّبعة عند علماء الشيعة، وقد كرّرنا ذلك مراراً.

روايات الكليني التي يتوهّم منها أنّ الأئمّة ثلاثة عشر

كما أشرنا أنّ مذهب الشيعة الإماميّة قائم على أنّ الأئمّة «اثنا عشر» وبروايات متواترة لا يمكن التشكيك فيها؛ بل أصبح هذا الاعتقاد عَلماً للشيعة، فضلًا عمّن اعترف من علماء أهل السنّة بذلك كما أسلفنا سابقاً، فلو فرضنا جدلًا صحّة هذه الأحاديث، فلا يمكن أن تمسّ ما ورد من الروايات المتعدّدة وبطرق كثيرة جدّاً، والتي عقد لها نفس الكليني أبواباً كما سيأتي، مع أنّ روايات الثلاثة عشر ضعيفة من حيث السند وقابلة للتأويل من حيث الدلالة.

وقد استشهد القفاري بروايتين من «الكافي» لإثبات ادّعائه، ولكي نقف على دفع هذه الشبهة لابدّ من دراسة وافية لجميع الروايات في كتبنا الحديثيّة التي يبدو منها القول بهذه المسألة، كما ورد في كتاب «الكافي» لثقة الإسلام الكليني (رحمة الله).

وهذه الروايات مع ضعف سندها- كما سيتّضح- وقع فيها التصحيف الناشئ من خطأ النسّاخ وسوء تعبير بعض الرواة، فإنّنا نجد ذلك الخطأ أو السهو أمراً مألوفاً ووارداً في الكتب القديمة؛ لأنّ معظم هذه الكتب قد نُسخت باليد، ولهذا نجد كثيراً من علماء الحديث وضعوا دراسات لمعالجة هذا الداء،

ص: 248

وأيضاً هناك من أهل السنّة من كتب في هذا المجال كما في كتاب «بيان خطأ البخاري في تأريخه»، وأشاروا فيه إلى الخطأ من بعض النسّاخ، حيث نقرأ في مقدّمة هذا الكتاب:

«موضوع الكتاب على التحديد بيان ما وقع من خطأ أو شبهة في النسخة التي وقف عليها الرازيان من تأريخ البخاري. والشواهد تقضي أنّ أبا زرعة استقرأ تلك النسخة من أوّلها إلى آخرها، ونبّه على ما رآه خطأ أو شبهة مع بيان الصواب عنده» (1).

وممّا يؤكّد لنا أنّ هذه الروايات من سوء تعبير الرواة أو خطأ النسّاخ، هو أنّ الكليني هدفه وغرضه من تأليف «الكافي» بيان عقيدة الشيعة الإماميّة الصحيحة، وذلك من خلال الروايات التي تنصّ على عددهم مع النصّ على أسمائهم، وهذا واضح في أبواب كتابه، فلو قلنا بعكس ذلك لزم نقض الغرض، وهو قبيح.

إذن بلا شكّ هناك خطأ قد وقع في بعض النسخ لكتاب «الكافي»، وبمراجعة فاحصة في الكتب التي تنقل عن الكليني، أو بمراجعة الأصل المنقول منه الحديث والنظر فيه يتّضح صدق ما نقول.

ثمّ لو تنزّلنا وقلنا بعدم التصحيف فإنّنا سننقل أقوال علمائنا الذين شرحوا هذه الأحاديث التي يتراءى منها أنّهم ثلاثة عشر، وسوف يتضّح الجواب بعد طرح الأُمور التالية:

1- نقل روايات «الكافي» التي ورد فيها التصحيف.

2- مناقشة سند هذه الروايات.

3- شرح متن هذه الروايات.


1- بيان خطأ البخاري، ص 3.

ص: 249

4- نقل الروايات من الكتب بدون تصحيف.

5- نقل الروايات من «الكافي» بلفظ «الأئمّة اثنا عشر».

6- نتيجة ومقارنة.

روايات الكليني التي وقع فيها التصحيف
الرواية الأُولى
اشارة

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه «الكافي»:

محمّد بن يحيى، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع) قال: «قال رسول الله (ص): إنّي واثني عشر من ولدي وأنت يا عليّ زِرّ الأرض- يعني أوتادها وجبالها- بنا أوتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الاثنا عشر من ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا» (1).

سند الرواية

الرواية ضعيفة: فيها زياد بن المنذر أبو الجارود: تنسب إليه الجاروديّة، رويت في ذمّه روايات، كان إماميّاً، ثمّ صار زيديّاً (2).

قال التفرشي في نقد الرجال عن الكشي: «تنسب إليه السرحوبيّة من الزيديّة، وسمّاه بذلك الباقر (ع)، وذكر أنّ سرحوباً اسم شيطان أعمى يسكن


1- الكافي، ج 1، ص 534. فالرواية تقول «اثني عشر من ولدي» وليس «اثني عشر إماماً» كما يدّعي القفاري.
2- رجال النجاشي، ص 170؛ الفهرست، الطوسي، صص 131 و 132؛ خلاصة الأقوال، العلّامة الحلّي، ص 348.

ص: 250

البحر، ثمّ فيه رواية تدلّ على كذبه» (1).

شرح متن الرواية

قال المازندراني شارحاً ومعلّقاً على هذه الرواية:

«قوله: «واثنا عشر من ولدي» هم اثنا عشر مع فاطمة (عليهم السلام). قوله: «رزّ الأرض» بالزرّ بالراء المهملة والزاي المعجمة، يقال: رززت الشي ء في الأرض رزّاً، أي: أثبته فيها، والرزّة الحديدة التي يدخل فيها القفل، فيستحكم بها الباب» (2).

فظاهر الحديث أنّ فاطمة (س) مشمولة به ضمن لفظ «الاثني عشر».

هذا، مضافاً إلى صحّة إطلاق الولد على أمير المؤمنين، وعلى سائر الأئمة (عليهم السلام) تغليباً. وعطف «أنت» عليه من قبيل عطف الخاصّ على العامّ تأكيداً وتشريفاً، كعطف جبرئيل على الملائكة (3).

الكتب التي ذكرت الرواية الأُولى من دون تصحيف

الأصول الستّة عشر: ذكرت هذه الرواية من دون تصحيف في كتاب «الأُصول الستّة عشر» الذي ألّفه نخبة من الرواة، وإليك نصّها:

عباد، عن عمرو، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع) قال: «قال رسول الله (ص): إنّي وأحد عشر من ولدي وأنت يا علىّ زرّ الأرض- أعني أوتادها [و] جبالها- وقال: وتد الله الأرض أن تسيخ بأهلها، فإذا ذهب الأحد عشر من


1- نقد الرجال، ج 2، صص 279 و 280.
2- شرح أُصول الكافي، ج 7، ص 380.
3- بحارالأنوار، ج 36، ص 260.

ص: 251

ولدي ساخت الأرض بأهلها ولم ينظروا» (1).

الرواية الثانية
اشارة

روى ثقة الإسلام الكليني (رحمة الله) في كتابه «الكافي»:

محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن مسعدة بن زياد، عن أبي عبد الله ومحمّد بن الحسين، عن إبراهيم، عن أبي يحيى المدائني، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري، قال: أقبل يهودي من عظماء يهود يثرب، وتزعم يهود المدينة أنّه أعلم أهل زمانه حتّى رفع إلى عمر، فقال له: يا عمر، إنّي جئتك أُريد الإسلام، فإن أخبرتني عمّا أسألك عنه فأنت أعلم أصحاب محمّد بالكتاب والسنّة وجميع ما أُريد أن أسأل عنه، قال: فقال له عمر: إنّي لست هناك، لكنّي أرشدك إلى من هو أعلم أُمّتنا بالكتاب والسنّة وجميع ما قد تسأل عنه، وهو ذاك- فأومأ إلى عليّ (ع)-. .. فقال له أمير المؤمنين (ع): «إنّ لهذه الأُمّة اثني عشر إمام هدى من ذرّيّة نبيّها، وهم منّي، وأمّا منزل نبيّنا في الجنّة ففي أفضلها وأشرفها جنّة عدن، وأمّا من معه في منزله فيها فهؤلاء الاثنا عشر من ذرّيّته وأُمّهم وجدّتهم وأُمّ أُمّهم وذراريهم، لا يشركهم فيها أحد» (2).

سند الرواية

الرواية ضعيفة: وذلك للأسباب التالية:

أوّلًا: الظاهر أنّ في هذا السند تصحيف؛ لأنّ إبراهيم: هو ابن أبي يحيى المدائني وحرف «عن» تصحيف ل- «أبي»، وهذا الرجل لم يُتعرّض لذكره


1- الأصول الستّة عشر، ص 16.
2- الكافي، ج 1، ص 531.

ص: 252

في أُصول الرجال (1).

ثانياً: قال الشيخ لطف الله الصافي:

«قال المجلسي في مرآة العقول: سنده الأوّل صحيح، لكنّ الظاهر أنّ فيه إرسالًا؛ إذ مسعدة من أصحاب الصادق (ع)، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب من أصحاب الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) لكن يروي هارون بن مسلم عنه كثيراً، مع أنّه قال النجاشي فيه: لقي أبا محمّد وأبا الحسن، فيحتمل أن يكون مسعدة معمّراً، روى عنه محمّد.

أقول: لا يدفع بذلك احتمال الإرسال؛ لبعد مسعدة بن زياد بلقاء مولانا الكاظم، والرضا، والجواد (عليهم السلام) في مدّة تزيد على خمسين سنة، وعدم روايته عنهم ولو بالمكاتبة أو بالواسطة، فالظاهر أنّه توفّي في زمان الصادق (عليهم السلام)، وقد قبض في شوّال سنة ثمان وأربعين ومائة أو أوائل عصر الكاظم (ع)، ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب توفّي في سنة اثنتين وستّين ومائتين، وبذلك يستبعد رواية محمّد بن الحسين عنه بلا واسطة، بل ورواية هارون بن مسلم، فبقي احتمال الإرسال على حاله، والله أعلم» (2).

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله: «من ذرّيّة نبيّها» هذا باعتبار الأكثريّة في التغليب، وكذا في قوله: «من ذرّيّته».» (3).

وقال المجلسي: «قوله (ع): «من ذرّيّة نبيّها». أقول: يخطر بالبال في حلّ الإشكال الوارد عليه من عدم كون أمير المؤمنين من الذرّيّة وجوه: الأوّل: إنّ


1- معجم رجال الحديث، ج 1، ص 182.
2- لمحات، لطف الله الصافي، ص 226.
3- شرح أُصول الكافي، ج 7، ص 373.

ص: 253

السائل لمّا علم بوفور علمه (ع) وما شاهد من آثار الإمامة والوصاية فيه أنّه أوّل الأوصياء: فكأنّ سؤاله عن التتمّة، فالمراد بالاثني عشر تتمّتهم وتكملتهم غيره (ع).

الثاني: أن يكون إطلاق الذرّيّة عليه للتغليب، وهو مجاز شائع.

الثالث: أن استعير لفظ الذرّيّة للعترة ويريد بها ما يعمّ الولادة الحقيقيّة والمجازيّة، فإنّ النبيّ (ص) كان والد جميع الأُمّة، لا سيّما بالنسبة إلى أمير المؤمنين (ع) فإنّه كان مربّيه ومعلّمه، وعلاقة المجاز هنا كثيرة.

الرابع: أن يكون «من ذرّيّة نبيّها» خبر مبتدأ محذوف، أي: بقيتهم من الذرّيّة، أو هم من الذرّيّة بارتكاب استخدام في الضمير، بإرجاع الضمير إلى الأغلب تجوّزاً، وأكثر تلك الوجوه يجري في قوله: «من ذرّيّته»، وكذا قوله: «أمّهم» يعني فاطمة، وجدّتهم يعني خديجة (عليهما السلام). وقوله: «وهم منّي» على الأوّل والرابع ظاهر، وعلى الوجهين الأخيرين يمكن أن ترتكب تجوّز في كلمة «من» بما يشمل العينيّة أيضاً، أو يقال: ضمير «هم» راجع إلى الذرّيّة مطلقاً» (1).

الكتب التي ذكرت الرواية الثانية من دون تصحيف

وردت هذه الرواية بطرق أُخرى ولكن بنفس المضمون:

1- كتاب «الغيبة» لمحمّد بن إبراهيم النعماني:

«عن أبي هارون العبدي، عن عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله (ص)؛ وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال:. .. وأخبرني عن موضع محمّد في الجنّة، أيّ موضع هو؟ وكم مع محمّد في منزلته؟ فقال عليّ (ع): «يا يهودي، لهذه الأُمّة اثنا عشر إماماً مهديّاً، كلّهم هاد مهديّ لا يضرّهم خذلان من


1- بحار الأنوار، ج 36، ص 382.

ص: 254

خذلهم» إلى آخر الرواية (1).

2- «كمال الدين وتمام النعمة» للشيخ الصدوق:

عن أبي عبد الله (ع) قال: «لمّا بايع الناس عمر بعد موت أبي بكر أتاه رجل من شباب اليهود وهو في المسجد، فسلّم عليه والناس حوله، فقال: يا أمير المؤمنين، دلّني ... وأمّا قولك: من مع محمّد من أُمّته في الجنّة فهؤلاء الاثنا عشر أئمّة الهدى، قال الفتى: صدقت، فو الله الذي لا إله إلّا هو، إنّه لمكتوب عندي بإملاء موسى وخطّ هارون بيده» إلى آخر الرواية (2).

وروى أيضاً عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، قال: شهدنا الصلاة على أبي بكر- إلى أن قال-: « (أمّا) منزل محمّد (ص) من الجنّة في جنّة عدن، وهي وسط الجنان وأقربها من عرش الرحمن جلّ جلاله، قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت، قال له عليّ (ع): «والذين يسكنون معه في الجنّة هؤلاء «الأئمّة» الاثنا عشر» قال له اليهودي: أشهد بالله لقد صدقت» (3).

3- «الخصال» للشيخ الصدوق:

عن جعفربن محمّد (ع) قال: «... قال: والثلاث الأُخرى كم لهذه الأُمّة من إمام هدى لايضرّهم من خذلهم؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، قال: فأين يسكن نبيّكم من الجنّة؟ قال: في أعلاها درجة وأشرفها مكاناً في جنّة عدن، قال: صدقت والله، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى، ثمّ قال: فمن ينزل بعده في منزله؟ قال: اثنا عشر إماماً، قال: صدقت والله، إنّه لبخطّ هارون وإملاء موسى» إلى آخر الرواية (4).


1- الغيبة، محمّد بن إبراهيم النعماني، صص 98 و 99.
2- كمال الدين وتمام النعمة، صص 297 و 298.
3- المصدر نفسه، صص 299 و 300.
4- الخصال، صص 475 و 476.

ص: 255

إذن فالروايات التي ذكرها النعماني والصدوق، لم نجد فيها ذكر لكلمة «من ذرّيّة نبيّها أو من ذرّيّته»؛ وذُكر فقط «الاثنى عشر»، وواضح أنّ المراد ينصرف إليهم جميعاً بما في ذلك أمير المؤمنين (ع).

الرواية الثالثة
اشارة

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه «الكافي»:

«محمّد بن يحيى، عن محمّد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «دخلت على فاطمة (س) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء من ولدها، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عج)، ثلاثة منهم محمّد وثلاثة منهم عليّ» (1).

سند الرواية

الرواية ضعيفة: لضعف أبي الجارود كما تقدّم.

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله: «فعددت اثني عشر» أي: فعددت الأوصياء أو أسماءهم جميعاً اثني عشر، فلا ينافي هذا قوله: «من ولدها»؛ لأنّ الأوّل باعتبار البعض، والثاني باعتبار الجميع. قوله: «ثلاثة منهم عليّ» أي: ثلاثة من ولدها، فلا ينافي هذا أنّ عليّاً أربعة» (2).


1- الكافي، ج 1، ص 532.
2- شرح أُصول الكافي، ج 7، ص 373.

ص: 256

الكتب التي ذكرت الرواية الثالثة من دون تصحيف

1- «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدوق:

عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «دخلت على فاطمة (س) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ (عليهم السلام)».

وقال أيضاً: عن أبي الجارود، عن أبي جعفر (ع)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «دخلت على فاطمة (س) وبين يديها لوح فيه أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (ع)، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ (عليهم السلام)» (1).

وقد رواها أيضاً المجلسي في «بحارالأنوار» والميرزا النوري في خاتمة «المستدرك» بنفس اللفظ عن «العيون»: «ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم علي (عليهم السلام)» (2).

2- «الإرشاد» للشيخ المفيد:

عن أبي الجارود، عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السلام)، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «دخلت على فاطمة بنت رسول الله (ص) وبين يديها لوح، فيه أسماء الأوصياء والأئمّة من ولدها، فعددت اثني عشر اسماً آخرهم القائم من ولد فاطمة، ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ» (3).

3- «العدد القويّة» لعليّ بن يوسف الحلّي:

وفي رواية أُخرى قال: «دخلت على فاطمة (س) وبين يديها لوح، مكتوب فيه


1- عيون أخبار الرضا 7، ج 2، ص 52.
2- بحارالأنوار، ج 36، ص 202؛ خاتمة المستدرك، ج 5، صص 417 و 418.
3- الإرشاد، ج 2، ص 346.

ص: 257

أسماء الأوصياء، فعددت اثني عشر آخرهم القائم (عج)» (1).

إذن هذه الروايات لسانها واضح في أنّ الأئمّة اثنا عشر ثلاثة منهم محمّد، وأربعة منهم عليّ، فيكون أمير المؤمنين (ع) داخلًا فيهم.

الرواية الرابعة
اشارة

روى الكليني في كتابه «الكافي»:

أبو عليّ الأشعري، عن الحسن بن عبيد الله، عن الحسن بن موسى الخشّاب، عن عليّ بن سماعة، عن عليّ بن الحسن بن رباط، عن ابن أُذينة، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «الاثنا عشر الإمام من آل محمّد كلّهم محدّث، من ولد رسول الله (ص) وولد عليّ بن أبي طالب (ع)، فرسول الله (ص) وعليّ (ع) هما الوالدان» (2).

سند الرواية

الرواية ضعيفة؛ لجهالة عليّ بن سماعة، فليس له ذكر في كتب الرجال.

شرح متن الرواية

قال المازندراني: «قوله: «كلّهم محدّث» مبتدأ وخبر، وإفراد الخبر باعتبار لفظ الكلّ، وقوله: «من ولد رسول الله (ص) ومن ولد عليّ (ع)» خبر بعد خبر على الظاهر، وهذا الحكم باعتبار الأكثر، والقرينة علم المخاطب به» (3).

الكتب التي ذكرت الرواية الرابعة من دون تصحيف

1- العدد القويّة، ص 71.
2- الكافي، ج 1، ص 533.
3- شرح أُصول الكافي، ج 7، ص 370.

ص: 258

1- «عيون أخبار الرضا» للشيخ الصدوق:

عن زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «نحن اثنا عشر إماماً من آل محمّد كلّهم محدّثون بعد رسول الله (ص)، وعليّ بن أبي طالب منهم» (1).

2- «الإرشاد» للشيخ المفيد:

عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «الاثنا عشر الأئمّة من آل محمّد كلّهم محدّث، عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده، ورسول الله وعليّ هما الوالدان، صلى الله عليهما» (2).

وقد رواها الطبرسي في «أعلام الورى»، و الكراجكي في «الاستنصار»، والأربلي في «كشف الغمّة» بنفس اللفظ: «عليّ بن أبي طالب وأحد عشر من ولده»، عن المفيد، عن (الكافي) (3).

الرواية الخامسة
اشارة

روى ثقة الإسلام الكليني في كتابه «الكافي»: وبهذا الإسناد، عن أبي سعيد رفعه، عن أبي جعفر (ع)، قال: «قال رسول الله (ص): من ولدي اثنا عشر نقيباً، نجباء، محدّثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلًا كما ملئت جوراً» (4).

سند الرواية

الرواية ضعيفة؛ لأنّ سند أبي سعيد العصفوري ينتهي إلى زياد بن المنذر


1- عيون أخبار الرضا 7، ج 2، ص 60.
2- الإرشاد، ج 2، ص 347.
3- أعلام الورى، ج 2، ص 171؛ الاستنصار، الكراجكي، ص 17؛ كشف الغمّة، الأربلي، ج 3، ص 246.
4- الكافي، ج 1، ص 534.

ص: 259

أبي الجارود، وقد تقدّم أنّه ضعيف.

شرح متن الحديث

قال المازندراني: «قوله: «من ولدي اثنا عشر نقيباً» من باب التغليب، أو أطلق الولد على عليّ (ع) مجازاً» (1).

الكتب التي ذكرت الرواية الخامسة من دون تصحيف

الأصول الستّة عشر: عبّاد رفعه إلى أبي جعفر (ع) قال: «قال رسول الله (ص): من ولدي أحد عشر نقيباً نجيباً «نقباء نجباء»، محدّثون، مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها الأرض عدلًا كما ملئت جوراً» (2).

قال التستري في «قاموس الرجال» في ترجمة «عبّاد أبو سعيد العصفوري»:

«وقوله (أي: عبّاد) في خبر بعده: عن النبي (ص): «من ولدي اثنا عشر نقباء نجباء»، محرّف «أحد عشر»، كما هو كذلك في أصل أبي سعيد المشتمل على تسعة عشر حديثاً» (3).

وواضح من كلام الشيخ التستري أنّ هناك تصحيفاً في الرواية، والأصل رواية أبي سعيد، التي تقول: «من ولدي أحد عشر»، وبالطبع فإنّ أمير المؤمنين هو الثاني عشر.

هذا مجمل الروايات التي ذكرها الكليني (رحمة الله) والتي يُدعى أنّ الأئمّة «ثلاثة عشر»، وقد تقدّم الكلام فيها.


1- شرح اصول الكافي، ج 7، ص 381.
2- الأصول الستة عشر، ص 15.
3- قاموس الرجال، التستري، ج 11، ص 347.

ص: 260

الأئمّة (الاثنا عشر) في روايات الكافي

إنّ الكليني عقد أبواباً وفصولًا في النصّ على الأئمّة وبيان عددهم (عليهم السلام)، وهذا بطبيعة الحال لغي مفاد تلك الروايات القليلة النادرة، ولا تعارضها؛ لاستفاضتها وكثرة طرقها.

والأبواب هي كالتالي:

1- باب فيما جاء في الاثني عشر والنصّ عليهم (1).

2- باب ما نصّ الله عزّوجلّ ورسوله على الأئمّة واحداً فواحداً (2).

3- أبواب التأريخ، حيث ذكر الشيخ الكليني ولادة النبي (ص) والأئمّة الاثني عشر من بعده (3).

وننقل بعض النصوص الصحيحة التي تدلّ على أنّ الأئمّة (اثنا عشر)، وأترك للقارى ء المحترم مراجعة الروايات الأُخرى الكثيرة الطرق التي يشدّ بعضها بعضاً.

كثرة الروايات التي مفادها أنّ الأئمّة اثنا عشر

1- روى الكليني بسند صحيح عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: «يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن عليّ، تاسعهم قائمهم» (4).


1- الكافي، ج 1، ص 525.
2- المصدر نفسه، ص 286.
3- المصدر نفسه، ص 439.
4- المصدر نفسه، ص 533، أمّا السند إلى ابن أبي عمير فواضح، وكلّهم ثقات، وسعيد بن غزوان وثّقه النجاشي، قال: «سعيد بن غزوان الأسدي مولاهم، كوفي، روى عن أبي عبد الله 7، ثقة». رجال النجاشي، ص 181.

ص: 261

2- ما رواه أيضاً بسند صحيح عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبدالله الصادق (ع) من كلام يذكر فيه الأئمّة- إلى أن قال-: «فلم يزل الله يختارهم لخلقه من وُلد الحسين من عقب كلّ إمام، كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً وعلماً هادياً ...» (1).

3- وروى أيضاً بسند صحيح عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد البرقي، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري، عن أبي جعفر الثاني (ع) قال: أقبل أمير المؤمنين (ع) ومعه الحسن بن عليّ (ع) وهو متّكئ على يد سليمان، فدخل المسجد الحرام، فجلس؛ إذ أقبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين، فردّ (ع) فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الأُخرى علمت أنّك وهم شرع سواء.

فقال له أمير المؤمنين (ع): سلني عمّا بدا لك، قال: أخبرني عن الرجل إذا نام


1- المصدر نفسه، ص 203. أمّا السند ففي غاية الصحة؛ فإنّ محمّد بن يحيى هو العطّار. محمْد بن يحيى أبو جعفر العطّار القمّي، شيخ أصحابنا في زمانه، ثقة، عين، كثير الحديث. رجال النجاشي، ص 353؛ الخلاصة، العلّامة الحلّي، ص 260. وأحمد بن محمّد هو: ابن عيسى الأشعري، وثّقه الشيخ في رجاله، وقال العلّامة: «وأبو جعفر شيخ قم ووجهها وفقيهها غير مدافع ... وكان ثقة» انظر: رجال الطوسي: ص 351؛ الخلاصة، ص 61.

ص: 262

أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟ فالتفت أمير المؤمنين 7 إلى الحسن، فقال: يا أبا محمّد أجبه، قال: فأجابه الحسن 7 فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّك وصي رسول الله 9 والقائم بحجّته- وأشار إلى أمير المؤمنين- ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيه والقائم بحجّته- وأشار إلى الحسن 7- وأشهد أنّ الحسين بن علي وصي أخيه والقائم بحجّته بعده، وأشهد على علي بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد بأنّه القائم بأمر محمّد، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على علي بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن علي أنّه القائم بأمر علي بن موسى، وأشهد على علي بن محمّد بأنّه القائم بأمر محمّد بن علي، وأشهد على الحسن بن علي بأنّه القائم بأمر علي بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن، لا يكنّى ولا يسمّى حتّى يظهر أمره فيملأها عدلًا كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى.

فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمّد، اتّبعه فانظر أين يقصد، فخرج الحسن بن عليّ (عليهما السلام)، فقال: ما كان إلّا أن وضع رجله خارجاً من المسجد فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين (ع) فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد، أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأمير المؤمنين أعلم، قال: هو الخضر (ع)» (1).

ثمّ ذكر روايات كثيرة في النصّ عليهم واحداً فواحداً، ابتداءً بأمير المؤمنين (ع)، وانتهاءً بالقائم المهدي بن الحسن العسكري (ع)، بعدّة طرق، وهذا


1- الكافي، ج 1، ص 526.

ص: 263

كافِ في صحّتها باعتضاد الروايات الصحيحة التي ذكرناها سابقاً.

نتيجة ومقارنة

ممّا تقدّم يتّضح بجلاء أنّ مجمل الروايات التي رواها الكليني رحمه الله في «الكافي» والتي يظهر منها أنّ الأئمّة ثلاثة عشر ضعيفة سنداً، وأنّ هناك تصحيفاً طرأ على هذه الروايات، وقد بيّنا أصل هذه الروايات، ونقلنا شروحها، واتّضح المقال فيها.

ثمّ نقلنا بعض الروايات الصحيحة بلفظ «الأئمّة الاثني عشر والنصّ عليهم»، وأبواب التأريخ التي ذكرت ولادتهم وحصرهم باثني عشر إماماً؛ ولكثرتها وتعدّد طرقها أعرضنا عن نقلها جميعاً.

وهناك روايات متواترة في كتبنا الأُخرى، كالتي ذكرها الصدوق وعقد لها أبواباً وفصولًا في كتابه «كمال الدين وتمام النعمة»، وفي كتابه «الخصال»، وكذلك ذكر الخزّاز القمّي كتاباً بعنوان «كفاية الأثر في النصّ على الاثني عشر» وذكر أكثر من ثلاثين طريقاً لإثبات النصّ على الأئمّة الاثني عشر.

بطلان دعوى أنّ هناك فرقة من الشيعة تقول: إنّ الأئمّة ثلاثة عشر

قال القفاري:

«والقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر قامت فرقة من الشيعة تقول به، ولعلّ تلك النصوص من آثارها، وقد ذكر هذه الفرقة الطوسي في ردّه على من خالف الاتّجاه الاثني عشري» (1).

الجواب على هذا الادّعاء:

إنّ هذا غير صحيح البتّة، فلا توجد «فرقة» للشيعة تقول بهذا الكلام، إلّا


1- أصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 809.

ص: 264

هبة الله بن أحمد حفيد العمري. وقد قال عنه النجاشي: «كان يتعاطى الكلام وحضر مجلس أبي الحسين بن أبي شيبة العلوي الزيدي المذهب، فعمل له كتاباً، وذكر أنّ الأئمّة ثلاثة عشر مع زيد بن عليّ بن الحسين، واحتجّ بحديث في كتاب سليم بن قيس الهلالي أنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد أمير المؤمنين (ع)» (1).

وهذا الرجل (هبة الله بن أحمد العمري) قال عنه التستري في «قاموسه»:

«الظاهر أنّ الرجل إمامي غير ورع، أراد استمالة جانب ابن أبي شيبة الزيدي بدرج زيد في الأئمّة (عليهم السلام)، لا أنّه زيدي، وكيف يكون زيديّاً والزيدي لا يرى إمامة السجّاد (ع) ومن بعده؛ لأنّهم يشترطون في الإمامة الخروج بالسيف» (2).

الأئمّة ثلاثة عشر في كتاب سليم بن قيس

أمّا ما ورد في «كتاب سليم بن قيس الهلالي» أنّ الأئمّة اثنا عشر من ولد أميرالمؤمنين (ع).

الجواب:

إنّ الشيخ التستري أيضاً أجاب عن هذه الشبهة قائلًا:

«قلت: نسخ كتاب سليم مختلفة بالزيادة والنقصان شديداً، والخبر الذي قال هبة الله وإن لم يك في ما وصل إلينا من نسخته ... والصواب في الجواب: ما تقدّم في «سليم» عن المفيد: أنّ الكتاب دسّ فيه، فالعمل منه بما لم يقم على صحّته شاهد غير جائز» (3).


1- رجال النجاشي، ص 440.
2- قاموس الرجال، ج 10، ص 499.
3- قاموس الرجال، ج 10، ص 500.

ص: 265

إذن لا توجد هناك «فرقة» تقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر؛ ولكن القفاري أراد أن يوهم القارئ بذلك فنسب إلى الشيخ الطوسي زوراً أنّه قال بهذه الفرقة، وأوهم أيضاً أنّ النجاشي قال بذلك؛ في حين أنّ النجاشي ذكر ترجمته، وقال: إنّه يقول بذلك ولم يتطرّق بكلامه حول هذه الفرقة إطلاقاً. وحسب تتبّعنا لم نجد في مصادرنا الشيعيّة من يقول بأنّ هناك فرقة من الشيعة تقول بذلك.

دعوى التواتر في من يرى أنّ الأئمّة ثلاثة عشر دعوى كاذبة

قال القفاري:

«وكلّ فرقة من هذه الفرق تدّعي أنّها على الحقّ، وأنّ الخبر في تعيين أئمّتها متواتر، وتبطل ما ذهبت إليه الفرق الشيعيّة الأُخرى، وهذا دليل على أنّهم ليسوا على شي ء، إذ لو تواتر خبر إحدى فرقهم لم يقع الاختلاف قط بينهم» (1).

الجواب:

أوّلًا: لا توجد فرقة تقول بأنّ الأئمّة ثلاثة عشر حتّى يترتّب عليها القول بأنّها على الحقّ؛ بل إنّ تصوير هذا الأمر بأنّ هناك فرقة ادّعت التواتر هو من مخيّلة القفاري ليس إلّا!! وهذا تدليس وتحريف تمجّه العقول التي تطلب الحقيقة، فأين التواتر المزعوم؟!

وثانياً: إنّ التواتر التي تدّعيه الشيعة الإماميّة هو أنّ الأئمّة اثنا عشر، ومذهبهم قائم على هذه الحقيقة، وكتبهم تنصّ على عددهم وكذلك أسمائهم، فالمسألة فوق التواتر، بل إنّها باتت من المسلّمات عند غير مذهب الشيعة، وقد أشرنا إلى ذلك في مقدّمة هذا البحث لما ذكره أعلام أهل السنّة الذين ترجموا


1- أصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 811.

ص: 266

لأئمّة الشيعة (عليهم السلام)، وقالوا بصراحة: إنّهم من الأئمّة الاثني عشر، ولم نجد أحداً قد خالف منهم، وقال: إنّ الأئمّة ثلاثة عشر.

وهذا دليل على تسالمهم في هذه المسألة.

وأيضاً تقدّم في البحوث السابقة التفصيل في ذكر الأدلّة والروايات الصحيحة من الفريقين على أنّ الأئمّة اثنا عشر.

ثمّ إنّ فرض الاختلاف بين الفرق ليس بالضرورة يبطل كلا الفرقتين، فخلق التعارض لا يسقطهما معاً؛ ومعلوم بالبداهة أنّ هناك فرقاً كثيرة من أهل السنّة تدّعي التواتر في إثبات صحّة فرقتها، بل تقول بتواترها وتبطل الدعاوى الأُخرى.

إذن دعوى التعارض بين تواتر فرقة وفرقة أُخرى يبطل كلا التواترين، باطل لا يقول به أهل العلم والمعرفة.

فهذه الفرية التي صاغها الدكتور القفاري لا يمكن أن تنطلي على أحد، وهي من مفترياته التي أراد بها تشويه الحقيقة بأيّ أسلوب كان- وللأسف- ولو بافتراء الكذب، وقد تبيّن أنّ هناك إدراجاً للكلام وإضافةً على النصوص الأصليّة من القفاري، وقد تمّت الإشارة إليه، وهذا يدعو الإنسان المنصف أن يتأمّل بأقواله التي يلصقها بالغير بلا دليل موضوعي وعلمي.

شبهة حصر الأئمّة عند الشيعة بعدد معيّن لا يقبله العقل ومنطق الواقع

اشارة

قال القفاري:

«ومسألة حصر الأئمّة بعدد معيّن لا يقبلها العقل ومنطق الواقع؛ إذ بعد انتهاء العدد المعيّن هل تظلّ الأُمّة بدون إمام؟ ولذلك فإنّ عصر الأئمّة الظاهرين عند الاثني عشريّة لا يتعدّى قرنين ونصف إلّا قليلًا.

ص: 267

وقد اضطر الشيعة للخروج عن حصر الأئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة ... وفي هذا العصر اضطرّوا للخروج نهائيّاً عن هذا الأصل الذي هو قاعدة دينهم، فجعلوا رئاسة الدولة تتمّ عن طريق الانتخاب ... لكنّهم خرجوا عن حصر العدد إلى حصر النوع، فقصروا رئاسة الدولة على الفقيه الشيعي» (1).

بيان الشبهة

إنّ حصر الأئمّة بعدد معيّن غير منطقي؛ لأنّ أعمار الأئمّة- باستثناء المهدي- لايتجاوز القرنين والنصف بينما الحياة أكبر من هذا الزمان بلا شكّ.

ومن هنا اضطرّوا إلى نظريّة نيابة المجتهد- فكلّ مجتهد يكون إماماً- ثمّ في هذا العصر تنازل الشيعة عن الاعتقاد بعدد معيّن، فجعلوا الرئاسة لشخص ومجتهد بعينه من خلال الانتخاب، وهكذا صار حصر العدد ليس مطلوباً، بل نوع الحصر متحقّق، وهو يكفي عندهم.

أساسيّات الشبهة

1- إنّ مسألة حصر الأئمّة بعدد معيّن خلاف العقل والواقع؛ لأنّه بعد انتهاء العدد تبقى الأُمّة بدون إمام، وهذا خلاف اعتقادات الشيعة الإماميّة.

2- لذا اضطرّ الشيعة إلى نيابة الفقيه، خروجاً من حصر العدد إلى الحصر النوعي.

3- ثمّ قاموا بتأسيس الحكومة بولاية ورئاسة الفقيه في هذا العصر.

4- ثمّ اختلفوا في حدود نيابة الفقيه.


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 814.

ص: 268

الجواب

إنّ العقل والواقع يشهدان بقبول هذه الحقيقة لا العكس؛ لأنّ العقل والواقع لا يمكن أن يتجاوزا الشرع، فهما يسيران بخطّين متوازيين، ولا يمكن أن يتقاطعاً إطلاقاً، والشيعة تسير ضمن مقرّرات الشريعة المحمّديّة الأصيلة؛ لذا فإنّ اعتقادهم بالأئمّة الاثني عشر- أوّلهم الإمام عليّ (ع) وآخرهم الإمام المهدي (عج)- قد جاء على أثر النصوص الشرعيّة الصحيحة من الفريقين، التي لا يمكن لمسلم أن يتجاوز مضامينها، فهي حجّة عليه، كحديث «الاثني عشر من قريش»، وحديث الثقلين «إنّي تارك فيكم الثقلين .. كتاب الله وعترتي أهل بيتي»، وحديث «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهليّة»، وغيرها من الأحاديث التي تنصّ على هذه الحقيقة.

وما ذكره من السبب لعدم قبول العقل والواقع لهذه المسألة بقوله:

«إذ بعد انتهاء العدد المعيّن هل تظلّ الأُمّة بدون إمام؟»

فهذا الفرض باطل؛ لأنّ الشيعة تعتقد بأنّ هناك إماماً حيّاً بين أظهرها، ولكنّه غائب يمارس مهامّ الإمامة بمعنى من معانيها، إذن ما فرضه من هذه المقدّمة غير تام.

ولعلّ الذي حدا به للقول بهذا الأمر هو النظر إلى استحالة طول العمر الذي اعتاد العرف أن يراه محدوداً بسنين قصيرة.

وهذا الفرض غير منتج؛ لأنّ مسألة طول عمر الإمام المهدي (عج) قد تقدّم الجواب عنها مفصّلًا في الردّ على شبهة «استبعاد بقاء الإمام حيّاً كلّ هذه السنين» وثبت طول العمر عقلًا ونقلًا، فراجع.

اضطرار الشيعة للقول بنيابة المجتهد

ص: 269

أمّا قوله: «وقد اضطرّ الشّيعة للخروج عن حصر الأئمّة بمسألة نيابة المجتهد عن الإمام، واختلف قولهم في حدود النيابة ...».

نقول: إنّ الشيعة لم تضطرّ للخروج عن حصر العدد؛ بل الشيعة تقول: إنّ عدد الأئمّة ينتهي بالإمام المهدي (عج)، وهو حيّ غائب، وهو الإمام الثاني عشر، كما هو معلوم من النصوص المتقدّمة، والتي لا تطبيق صحيح لها سوى ما تقوله المدرسة الإماميّة.

إذن هناك مغالطة واضحة، فالقفاري افتعل مسألة الاضطرار ليرتّب عليها مسألة النيابة، وهو باطل، وهذا واضح لكلّ من راجع عقائد الشيعة.

وأمّا مسألة النيابة: فهي مرتبطة بالغيبة الكبرى للإمام المهدي (عج)- بناءً على إيمان الشيعة وفق ما وجدوه من أدلّة تلزمهم بهذا الأمر؛ وليس من الضرورة أن يكون الطرف الآخر مقتنعاً بذلك، فلكلّ أدلّته، ولكلّ رؤيته فيما توصّل إليه من بيان الشريعة والسنّة النبويّة- وبيان الوظيفة الشرعيّة للمقلّد بعد قول الإمام (ع):

«أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله عليهم» (1).

وقد رسم الأئمّة: للناس طريقاً يسيرون عليه في أخذ دينهم، وهو التقليد، يقول الإمام الحسن العسكري (ع): «فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه» (2).

حدود نيابة الفقيه وقيام الدولة الإسلاميّة


1- كمال الدين وتمام النعمة، ص 484؛ الغيبة، الشيخ الطوسي، ص 291؛ وسائل الشيعة، ج 27، ص 140.
2- وسائل الشيعة، ج 18، صص 94 و 95؛ الاحتجاج، ج 2، ص 264.

ص: 270

واختلف فقهاء الشيعة في هذه النيابة، فهناك من يرى أنّ ولاية الفقيه محدودة وجزئيّة في أُمور معيّنة، وهناك من يرى الولاية المطلقة للفقيه، فهي أنظار اجتهاديّة، خاضعة لموازين وأدلّة فقهيّة، فكلّ فقيه له أدلّته التي استنبطها من وحي الشريعة.

ومن يؤمن بالولاية المطلقة للفقيه يؤمن بإقامة الدولة الإسلاميّة في زمن الغيبة، قال الإمام الخميني (رحمة الله) في كتابه «الحكومة الإسلاميّة»:

«إنّ خصائص الحاكم الشرعي لا يزال يعتبر توفّرها في أيّ شخص مؤهّلًا ليحكم في الناس، وهذه الخصائص- التي هي عبارة عن العلم بالقانون والعدالة- موجودة في معظم فقهائنا في هذا العصر، فإذا أجمعوا أمرهم كان في ميسورهم إيجاد وتكوين حكومة عادلة» (1).

فالسيّد الإمام الخميني واضح كلامه في أنّ الفقيه الجامع للشرائط- والتي منها: العلم بالقانون والعدالة- له أهليّة أن يقيم دولة إسلاميّة عادلة، وللفقهاء الآخرين أن يأخذوا بيده ويعضدوه في إقامة هذا الحكم الإسلامي؛ لأنّه يعتبر ضرورة في زمن الغيبة الكبرى.

أمّا قوله:

«جعلوا رئاسة الدولة تتمّ عن طريق الانتخاب، وذلك بتحديد جملة من المواصفات والمؤهّلات التي تعيّن الرئيس بالنوع، وهو الفقيه الشيعي ...».

فنقول: إنّ جعل رئاسة الدولة عن طريق الانتخاب لا يلغي الاعتقاد بمحدوديّة عدد الأئمّة؛ لأنّ كون الفقيه الجامع للشرائط حاكماً لا يعني كونه


1- الحكومة الإسلاميّة، الإمام الخميني، صص 48 و 49.

ص: 271

إماماً معصوماً، بل هو نائب عن الإمام في إدارة الدولة، ويبدو أنّ القفاري وفق اعتقاداته الخاطئة لا يميّز بين الإمام والرئيس، فهو لا يفهم الإمامة إلّا في معنى رئاسة الدولة، وهكذا يتّضح أنّ الاعتقاد بعدد الأئمّة باق في عقيدة الشيعة ولم يتخلّ عنه، وأنّ الإمامة لم تنقطع حتّى مع غياب الإمام المهدي (عج) لأنّنا نعتقد بأنّه يمارس الإمامة، وهو غائب.

شبهة كتمان وسرّيّة مبدأ الإمامة وعدم تعيين أشخاص الأئمّة

اشارة

قال القفاري: «إذا كانت الولاية صنو (1) النّبوّة أو أعظم، فلماذا تكون سرّيّة مُحاطة بالكتمان، حتّى أنّ رسول الله (ص)- والذي أمره الله أن يبلّغ ما أنزل إليه- يخفي أمرها ويسرّها إلى عليّ، ثمّ يسرّها عليّ إلى من شاء؟!

ولا تحدّد هذه الرواية الأشخاص الذين أسرّها عليّ إليهم ... وتترك الأمر لمشيئته يختار ما يريد، أمّا غير عليّ فلا خيرة له في الاختيار! فكيف تكون الولاية التي هي أصل النجاة عندهم، وأساس قبول الأعمال، والفيصل بين الإيمان والكفر، كيف تظلّ سرّيّة حتّى يتولّى نشرها ولد كيسان؟!» (2).

بيان الشبهة

إنّ أمر الإمامة التي تدّعي الشيعة أنّها الفصل بين الإيمان والكفر، وأنّها


1- الصنو: الأخ الشقيق والعمّ والابن. والصنو: المثل. لسان العرب، ج 14، ص 470 «صنو».
2- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 799، وأُنظر: ص 808، فقد كرّر نفس الكلام، والغريب أنّ منهج القفاري يعتمد على خلط الكلام بعضه بالبعض الآخر، بلا وجه مناسبة، فنجده يقفز على المنهج الموضوعي والعلمي، فمثلًا: عندما يتحدّث عن (سرّيّة مبدأ الإمامة) في ص 808 نجده في نفس الصفحة يتحدّث عن (البداء) فأين البداء من سرّيّة مبدأ الإمامة؟!

ص: 272

النجاة عندهم، قد أُحيطت بسرّيّة بالغة وكتمان شديد، فلو كانت أمراً مهمّاً وصنواً للنبوّة، فلماذا كانت متّسمة بهذا الخفاء، بحيث يتولّى نشرها ولد كيسان؟! حتّى أنّهم قد أخفوا أسماء أئمّتهم، فهذا كلّه يدلّ على أنّ فكرة الإمامة باطلة من أساسها، وبالتالي يستلزم ذلك إسقاط روايات الشيعة التي تدلّ على عددهم.

مرتكزات الشبهة

لقد اعتمد القفاري في هذه الشبهة على عدّة روايات، ثمّ استنتج بحدسه وذهنيّته أنّ أمر الإمامة كانت سرّيّة، ومن ثمّ يرتّب على ذلك أنّ عليّاً (ع) لم يعيّن عدد الأئمّة الذين يلونه. والروايات هي ما يلي:

1- ما رواه الكليني في «الكافي»، قال أبو جعفر الصادق (ع): «ولاية الله أسرّها إلى جبرائيل، وأسرّها جبرائيل إلى محمّد، وأسرّها محمّد إلى عليّ، وأسرها عليّ إلى من شاء الله، ثمّ أنتم تذيعون ذلك! من الذي أمسك حرفاً سمعه؟!

قال أبو جعفر: «في حكمة آل داود: ينبغي لمسلم أن يكون مالكاً لنفسه، مقبلًا على شأنه، عارفاً بأهل زمانه، فاتّقوا الله ولا تذيعوا حديثنا» (1).

2- وكذلك ما رواه الكليني: «.. ولا تبثّوا سرّنا، ولا تذيعوا أمرنا» (2).

3- في حديث آخر أُسند إلى أبي جعفر (ع) ويقول: «المذيع حديثنا كالجاحد له» (3).


1- الكافي، ج 2، ص 224.
2- الكافي، ج 2، ص 222.
3- المصدر نفسه، ص 370.

ص: 273

4- وقالوا: «إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق، فمن هتك علينا أذلّه الله» (1).

5- وتحدّد بعض نصوصهم إذاعة أمر الولاية ... على يد طائفة الكيسانيّة، فتقول: «ما زال سرّنا مكتوماً حتّى صار في يد ولد كيسان» (2).

هذه مجمل الروايات التي نقلها القفاري، والتي يثبت من خلالها سرّيّة وكتمان أمر الإمامة.

فإذن لابدّ من دراسة هذه الروايات، وفهم المراد من الكتمان والسرّ فيها، ثمّ بعد ذلك الحكم بصحّة هذه الدعوى أو بطلانها، فنحاول أن نفهم هذه الروايات بموضوعيّة دون أن نلوي عنق الروايات بما ينسجم مع فكرة مبتدعة لا أصل لها، قد تكون مجرّد دعوى، وما أكثر الدعاوى.

الجواب

1- إنّ أمر الإمامة ليس فيه خفاء أو كتمان كما ادّعاه القفاري، كيف ذلك ورسول الله (ص) قد أولى هذا الأمر من الأهميّة والتدبير له منذ أوّل يوم دعا فيه إلى الإسلام، وأوّل يوم أخذ فيه البيعة لإقامة المجتمع الإسلامي، فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عبادة بن الصامت، قال: «بايعنا رسول الله [ (ص)] على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وأن لا ننازع الأمر أهله» (3).

فعدم منازعة «الأمر» إشارة إلى «الإمامة» في هذا الحديث الصحيح، والذي نجدهم قد تنازعوا عليه في سقيفة بني ساعدة.

2- قد عيّن صلوات الله عليه «وليّ الأمر» يوم دعا الأقربين إليه للإسلام،


1- المصدر نفسه، ص 227.
2- المصدر نفسه، ص 225.
3- صحيح البخاري، ج 8، ص 122؛ صحيح مسلم، ج 6، ص 16.

ص: 274

لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله (ص): وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (الشعراء: 214)، وكانت هذه الدعوة في السنة الثالثة من البعثة، وهي أوّل مرّة أظهر فيها الرسول الدعوة إلى الإسلام، وشخّص فيها الإمام من بعده وعرّفه للأقربين إليه (1).

3- أعلن رسول الله (ص) هذا الأمر في حجّة الوداع في الثامن عشر من ذي الحجّة، وكان معه من الصحابة والأعراب وممّن يسكن حول مكّة والمدينة مائة وعشرون ألفاً (2)، وهم شهدوا معه حجّة الوداع، وسمعوا منه حديث الغدير: «من كنت مولاه فعليّ مولاه» وهذا الحديث في أعلى مراتب الصحّة، فضلًا عن كونه متواتراً، كما صرّح بذلك الذهبي في سير أعلام النبلاء (3)، وابن حجر المكّي في الصواعق المحرقة (4)، والفقيه ضياء الدين المقبلي (5).

4- أكّد رسول الله (ص) أمر ولاية عليّ بن أبي طالب في قضيّة جيش اليمن عندما بعث (ص) سريّتين إلى اليمن، وكان على إحداها عليّ بن أبي طالب (ع)، وعلى الثانية خالد بن الوليد، فظفروا بالعدو وأصابوا غنائم، فأخذ عليّ (ع)


1- في حديث الدار أو حديث الإنذار، دعا رسول الله 9 رجال عشيرته، ودعاهم إلى الإسلام، فعن عليّ 7 قال: «لمّا نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فقال: يا عليّ، إنّ الله يأمرني أن أنذر عشيرتي ... قال: فأخذ برقبتي وقال: إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا». روي هذا الحديث بأسانيد صحيحة، روى أحمد قريباً منه في مسنده، ج 1، ص 111؛ وأخرجه الطبري في تاريخه، ج 2، ص 63؛ والحافظ النسائي في الخصائص، صص 86 و 87؛ وقال الهيثمي في زوائده: رواه أحمد، ورجاله ثقات، ج 8، ص 302.
2- تذكرة الخواصّ، سبط ابن الجوزي، ص 37.
3- قال الذهبي: «هذا حديث حسن عال جدّاً، ومتنه متواتر». سير أعلام النبلاء، ج 8، ص 335.
4- وقال ابن حجر: «إنّه حديث صحيح لا مرية فيه، وقد أخرجه جماعة كالترمذي والنسائي وأحمد وطرقه كثيرة جدّاً، ومن ثمّ رواه ستّة عشر صحابيّاً .. ولا التفات لمن قدح في صحّته» الصواعق المحرقة، ج 1، صص 106 و 107.
5- وقال الفقيه القبلي: «إن لم يكن هذا معلوماً فما في الدين معلوم؟!» هداية العقول إلى نهاية السؤول، عن كتاب الغدير للأميني، ج 1، ص 314.

ص: 275

جارية من السبي، فلم يرقّ ذلك لخالد وأصحابه، فشكوه إلى رسول الله (ص)، فردّهم رسول الله (ص) أنّه يستحقّ ذلك، وهو وليّكم، ومن له الأمر من بعدي.

أخرج أحمد في المسند وغيره عن بريدة، قال: «بعث رسول الله (ص) بعثين إلى اليمن، على أحدهما عليّ بن أبي طالب، وعلى الآخر خالد بن الوليد، فقال: «إذا التقيتم فعليٌّ على الناس، وإن افترقتما فكلّ واحد منكما على جنده»، فلقينا بني زيد (زبيد) من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون على المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرّيّة، فاصطفى عليّ امرأة من السبي لنفسه، قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلى رسول الله (ص) يخبره بذلك، فلمّا أتيت النبيّ (ص) دفعت الكتاب، فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (ص)، فقلت: يا رسول الله، هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به، فقال رسول الله (ص): «لا تقع في عليّ، فإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي، وإنّه منّي وأنا منه، وهو وليّكم بعدي» (1).

وقال حمزة أحمد الزين في حكمه على الحديث: «إسناده صحيح» (2).

5- أشار رسول الله (ص) في حديث الثقلين المتواتر والصحيح- الذي ورد ذكره في صحيح مسلم، وصحّحه الحاكم والذهبي، وابن كثير في «تفسيره»، والبغوي في «المصابيح»، والألباني في «الأحاديث الصحيحة» وغيرهم (3)، وكذلك في حديث المنزلة (4)، وغيرها من الأحاديث (5)- إلى ولاية عليّ بن أبي


1- مسند أحمد بن حنبل، ج 5، ص 356.
2- المصدر نفسه، ج 16، ص 486.
3- صحيح مسلم، ج 7، صص 122 و 123؛ المستدرك على الصحيحين، ج 3، ص 109؛ تفسير ابن كثير، ج 4، ص 622؛ مصابيح السنة، ج 2، ص 205، الأحاديث الصحيحة، الألباني، ص 1761.
4- حديث المنزلة رواه أكثر من عشرين صحابيّاً وصحابية، وخرّجه أكثر من أربعين عالماً، رواه البخاري في صحيحه: ج 4، ص 208؛ وفي صحيح مسلم: ج 7، ص 120، وقال الشيخ محمّد جعفر الكتاني بما نصّه: «حديث .. متواتر جاء عن نيف وعشرين صحابياً»؛ نظم المتناثر في الحديث المتواتر، ص 195. وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب: «هو من أثبت الآثار وأصحّها». الاستيعاب، ج 3، ص 1097.
5- كحديث الراية والسفينة والمؤاخاة وحديث تبليغ سورة براءة وحديث سدّ الأبواب وحديث باب حطّة.

ص: 276

طالب (ع).

إذن هل يعقل بعد كلّ هذه النصوص الصحيحة والمتواترة- مع وضوح دلالتها- والتي قد نطق وبلّغ بها رسول الله (ص) أُمّته- أن يخرج علينا القفاري بادّعاء أنّ أمر الإمامة سرّي ومحاط بالكتمان؟!

سرّيّة الإمامة بسبب الخوف من السلطة

أمّا الروايات التي تمسّك بها القفاري فالتفسير الصحيح لها هو أنّ لسانها يتحدّث على أنّ أمر الإمامة ليس خافياً وسرّيّاً، بل الحديث عنه في الظرف الذي يعيشه الأئمّة أمام السلطة الحاكمة آنذاك لابدّ أن يكون سرّيّاً؛ خوفاً على حياتهم من القتل وكذلك على شيعتهم، بحيث وصل الأمر إلى أنّ الحسن البصري لا يذكر اسم عليّ (ع) خوفاً من القتل.

روى المزي عن الحسن البصري، عن يونس بن عبيد، قال: «سألت الحسن، قلت: يا أبا سعيد إنّك تقول: قال رسول الله (ص) وإنّك لم تدركه؟ قال: يابن أخي، لقد سألتني عن شي ء ما سألني عنه أحد قبلك، ولولا منزلتك منّي ما أخبرتك، إنّي في زمان كما ترى- وكان في عمل الحجّاج-، كلّ شي ء سمعتني أقول: قال رسول الله (ص)، فهو عن عليّ بن أبي طالب، غير أنّي في زمان لا أستطيع أن أذكر عليّاً» (1).


1- تهذيب الكمال، ج 6، ص 124.

ص: 277

وكذلك نجد الشعبي يقول: «ما لقينا من عليّ بن أبي طالب إن أحببناه قتلنا، وإن أبغضناه هلكنا» (1).

وينقل لنا الطبري في «تأريخه» عن المغيرة أنّه يقول لصعصعة بن صوحان: «إيّاك أن يبلغني عنك أنّك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنّك تظهر شيئاً من فضل عليّ علانية، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئاً أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكن هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا بإظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيراً ممّا أُمرنا به، ونذكر الشي ء الذي لا نجد منه بدّاً، ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا، فإن كنت ذاكراً فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سرّاً، وأمّا علانية في المسجد فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا» (2).

بل تجاوز الأمر هذا الحدّ بكثير حتّى أصبح الرجل يخشى حتّى وهو في المنام- في عالم الرؤيا- أن يتّهم بالقرب من عليّ (ع).

فقد روى الخطيب عن الفتح بن شخرف، قال: «حملتني عيني فنمت، فبينا أنا نائم إذا أنا بشخصين، فقلت للذي يقرب منّي: من أنت يا هذا؟ فقال لي: من ولد آدم. قلت: كلّنا من ولد آدم، قلت: فما الذي وراءك؟ قال لي: عليّ بن أبي طالب، قال: قلت له: أنت قريب منه ولا تسأله؟! قال: أخشى أن يقول الناس: إنّي رافضي!» (3).

إذن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا في أجواء يشاع فيها القتل وسفك دمائهم ودماء شيعتهم، قال القرطبي:

«فقد صدر عنهم [بني أُميّة] من قتل أهل بيت رسول الله (ص)، وسبيهم وقتل


1- النصائح الكافية، محمّد بن عقيل، ص 153.
2- تاريخ الطبري، ج 4، ص 144؛ وكذلك ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 3، ص 430.
3- تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، ج 12، ص 382.

ص: 278

خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة وبمكّة وغيرهما، وغير خاف ما صدر عن الحجّاج وسليمان بن عبد الملك وولده، من سفك الدماء وإتلاف الأموال، وإهلاك الناس بالحجاز والعراق وغير ذلك. وبالجملة، فبنو أُميّة قابلوا وصيّة النبيّ (ص) في أهل بيته وأُمّته بالمخالفة والعقوق، فسفكوا دماءهم، وسبوا نساءهم، وأسروا صغارهم، وخرّبوا ديارهم، وجحدوا شرفهم، واستباحوا لعنهم وشتمهم، فخالفوا رسول الله (ص) في وصيّته، وقابلوه بنقيض قصده وأُمنيته، فوا خجلهم إذا وقفوا بين يديه، ويا فضيحتهم يوم يعرضون عليه» (1).

أمّا أمر الإمامة فالنصوص التي ذكرناها كانت ترنّ في آذانهم، ولا يمكن لعاقل أن يدّعي أنّها كانت محاطة بالسرّية والكتمان.

ومن البديهي أن يكون الحديث بإمامتهم في ذلك الظرف محاطاً بالكتمان والسريّة، فكان المبرّر يدعو إلى ذلك.

التحريف في مضامين الروايات

وبعد بيان المعنى المراد إجمالًا لابدّ من دراسة الروايات المذكورة بشكل دقيق، فنقول:

1- رواية الكليني (رحمة الله): «ولاية الله أسرّها إلى جبرائيل، وأسرّها جبرائيل ...».

ما هو المراد من كلمة (أسرّها)؟ وهل أنّ الله جلّ وعلا يمكن أن يطرأ على ذاته المقدّسة خوف حتّى يُخفي هذا الأمر على جبرائيل؟ وكذلك الأمر بالنسبة إلى جبرائيل، فهل هناك داع لكي يسرّها إلى النبيّ (ص)؟ إذاً لابدّ من فهم كلمة


1- التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، القرطبي، ص 563.

ص: 279

«أسرّ» وعلى ضوئها يتمّ فهم دلالة هذه الرواية.

فنقول: إنّ كلمة «أسرّ» معناها «الظهور» في اللغة، قال في مقاييس اللغة عن أبي عبيد: «قرأ: وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ (يونس: 54) قال: أظهروها، وأنشد قول امرئ القيس: (لو يسرّون مقتلي) أي: لو يظهرون» (1).

وكذلك فسّر البغوي هذه الآية بالظهور، قال: «معناه أظهروا الندامة؛ لأنّه ليس ذلك اليوم يوم تصبّر وتصنّع» (2).

فالسرّية هنا- كما في اللغة- بمعنى الظهور، ولايوجد هناك داع للسرّ في هذا الأمر. نعم، يمكن أن يقال: السرّية ناشئة من الظرف الذي هم فيه، فلابدّ أن يكون سرّياً ومحاطاً بالكتمان؛ مخافة أن يقتلوهم وشيعتهم، كما نفهمه من ذيل هذه الرواية التي حذفها القفاري، أمّا صدرها فواضح في ظهور أمر الإمامة العامّة كما تقدّم.

2- أمّا الرواية الثانية والثالثة: «... ولا تبثّوا سرّنا ولا تذيعوا أمرنا»، وكذا قوله (ع) «المذيع حديثنا كالجاحد له».

نقول: واضح ممّا تقدّم أنّ إذاعة أمرهم في ذلك الظرف يعود إلى الضرر عليهم وعلى شيعتهم، ولذلك نجد أنّ المعلّى بن خنيس (قُتل)؛ لأنّه أذاع أمر إمامتهم (عليهم السلام).

روى الكشّي بإسناده عن المفضّل، قال: «دخلت على أبي عبد الله (ع) يوم


1- مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس، ج 3، ص 67.
2- تفسير البغوي، ج 2، ص 357؛ وكذلك البيضاوي في تفسيره، ج 3، ص 203؛ ابن الجوزي في زاد المسير، ج 4، ص 39؛ وأُنظر: تفسير النسفي، ج 2، ص 132.

ص: 280

قتل فيه المعلّى، فقلت له: يابن رسول الله، ألا ترى إلى هذا الخطب الجليل الذي نزل بالشيعة في هذا اليوم؟ قال: «وما هو؟» قلت: قتل المعلّى بن خنيس، قال: «رحم الله المعلّى، قد كنت أتوقّع ذلك، إنّه أذاع سرّنا» (1).

وقال المازندراني معلّقاً على هذا الحديث: «وضرر الإذاعة يعود إلى المذيع وإلى المعصوم وإلى المؤمنين، واعلم أنّه (ع) كان خائفاً من أعداء الدين على نفسه المقدّسة وعلى شيعته، وكان في تقيّة شديدة منهم، فلذلك نهى عن إذاعة خبر دالّ على إمامته وإمامة آبائه وأولاده الطاهرين» (2).

إذن كتمان أمرهم لا علاقة له بأمر الإمامة العامّة التي نصّ عليها رسول الله (ص)، فأمر الإمامة العامّة شي ء، وإذاعة هذا الأمر خوفاً من السلطة الحاكمة من القتل شي ء آخر، فالرواية أجنبيّة، ولسانها يتحدّث عن الظرف الذي كانوا يحتاطون فيه خوفاً على أنفسهم وعلى شيعتهم.

3- أمّا الرواية الرابعة: «إنّ أمرنا مستور مقنّع بالميثاق، فمن هتك علينا أذلّه الله».

نقول: هذه الرواية لا تختلف في مضمونها عمّا سبق، قال المازندراني: «أي: أخذ الله عهداً على المقرّين بأمرنا على استتاره وكتمانه على المنكرين، فمن هتك علينا بإظهاره ... أذلّه الله لنقض عهده المتضمّن للإضرار علينا» (3).

فالإضرار عليهم هو السبب في كتمان هذا الأمر، وهذا الأمر لا علاقة له بإمامتهم العامّة (عليهم السلام).

4- أمّا الرواية الخامسة: «ما زال سرّنا مكتوماً حتّى صار في يد ولد


1- بحارالأنوار، ج 72، ص 85.
2- شرح أصول الكافي، ج 10، ص 33.
3- شرح أصول الكافي، ج 9، ص 136.

ص: 281

كيسان» التي يظهر منها أنّ الذي أخرج هذا السرّ «الإمامة» إلى العلن هم ولد كيسان.

نقول: هذه الرواية ضعيفة؛ لأنّ فيها الربيع بن محمّد المسلمي، وهو مجهول، إذن فتأسيس الكلام على رواية ضعيفة مخلّ بالمنهج العلمي، ولا يمكن قبوله بحال، وبهذا اندفع ما ارتكز عليه القفاري في هذه الشبهة.

نعم، يبقى الكلام في الرواية الأُولى التي استنتج منها أنّ أشخاص الأئمّة غير معلومي العدد، وإليك تفصيله.

بيان عدد الأئمة:

اشارة

شكّك القفاري في الروايات التي نقلها من مصادرنا، كما تقدّم في الرواية الأُولى عن الكليني (رحمة الله)، حيث قال: «ولا تحدّد هذه الرواية الأشخاص الذين أسرّها عليّ إليهم وتترك الأمر لمشيئته يختار ما يريد، أمّا غير عليّ فلا خيرة له في الاختيار» (1).

وقال في ص 812: «ليس هناك نصّ صحيح متواتر في تعيين أئمّتهم ...».

نقول: إنّ عدد الأئمّة في تراثنا الحديثي يكاد يكون متواتراً، فمذهبنا قائم على هذه الحقيقة، وقد حصرته الروايات الصحيحة وبطرق كثيرة باثني عشر إماماً، فليس الأمر مقصوراً على هذه الرواية، فهناك روايات شخّصت لنا عددهم، وهناك روايات نصّت على أسمائهم الشريفة، وسوف نقسّم الروايات التي تشير إلى ذلك، وهي كالتالي:

القسم الأوّل: الروايات التي تنصّ على أنّ الأئمّة هم من ولد الحسين (ع)

وهذه الروايات- بهذا العنوان- تجيب على عدّة أسئلة، فهي من جهة تجيب


1- أُصول مذهب الشيعة، ج 2، ص 799.

ص: 282

على نقطة هي مركز التشكيك عند المشكّكين المدّعين عدم وجود نصّ على الأئمّة بعد الإمام الحسين (ع)، بينما هذه الروايات تعتبر نصّاً على العنوان- أي: أولاد الحسين- وأيضاً هي تحدّد نسب الأئمّة بعده وتحصرهم في هذه الذريّة الطاهرة، فتنفي هذا المنصب عمّن ليس من هذه الذريّة بالخصوص، فكلّ من ادّعى الإمامة من غيرهم فادّعاؤه باطل، ولو كان هاشميّاً قرشيّاً، بل حتّى لو كان من أولاد أمير المؤمنين من غير نسل الحسين (ع).

وأيضاً هذه الروايات تدلّ بالدلالة الالتزاميّة على أنّهم من قريش، بل هي مفسِّرة لذلك الحديث المروي من طرق العامّة: «الاثنا عشر كلّهم من قريش».

ولهذا فما ورد من أنّ الأئمّة من قريش يكون مفسّراً بهذه الروايات، حيث إنّ من كان من أبناء الحسين فهو بالضرورة قرشيّ، وسيأتي البحث فيه.

وأمّا الروايات فهي كالتالي:

1- ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن سعيد بن غزوان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (ع) قال: «يكون تسعة أئمّة بعد الحسين بن عليّ، تاسعهم قائمهم» (1).

2- وأيضاً ما رواه الشيخ الكليني بسند صحيح عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله الصادق (ع) من كلام يذكر فيه الأئمّة- إلى أن قال-: «فلم يزل الله تبارك وتعالى يختارهم لخلقه، من وُلد الحسين (ع)، من عقب كلّ إمام، يصطفيهم لذلك


1- الكافي، ج 1، ص 533.

ص: 283

ويجتبيهم، ويرضى بهم لخلقه ويرتضيهم، كلّما مضى منهم إمام نصب لخلقه من عقبه إماماً، علماً وهادياً ...» (1).

3- وروى أيضاً عن الحسين بن محمّد، عن معلّى بن محمّد، عن الوشّاء، عن أبان، عن زرارة، قال: سمعت أبا جعفر (ع) يقول: «نحن اثنا عشر إماماً، منهم حسن وحسين، ثمّ الأئمّة من ولد الحسين (ع)» (2).

4- روى الشيخ الصدوق بسند صحيح عن محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ومحمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب والهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسن بن محبوب السرّاد، عن عليّ بن رئاب، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر (ع) قال: سمعته يقول: «إنّ أقرب الناس إلى الله عزّوجلّ وأعلمهم به وأرأفهم بالناس محمّد (ص) والأئمة (عليهم السلام)، فادخلوا أين دخلوا، وفارقوا من فارقوا- عنى بذلك حسيناً وولده (عليهم السلام)- فإنّ الحقّ فيهم، وهم الأوصياء ومنهم الأئمّة، فأينما رأيتموهم فاتّبعوهم، وإن أصبحتم يوماً لا ترون منهم أحداً فاستغيثوا بالله عزّوجلّ، وانظروا السنّة التي كنتم عليها واتّبعوها، وأحبّوا من كنتم تحبّون، وأبغضوا من كنتم تبغضون، فما أسرع ما يأتيكم الفرج» (3).

القسم الثاني: ما نصّ على أسماء الأئمّة: جميعاً

5- روى الشيخ الكليني بسند صحيح عن عدّة من أصحابنا (4)، عن أحمد بن


1- الكافي، ج 1، ص 203.
2- المصدر نفسه، ص 533.
3- إكمال الدين وتمام النعمة، ص 328.
4- قال العلّامة في الخلاصة: «قال الشيخ الصدوق: محمّد بن يعقوب الكليني في كتابه الكافي في أخبار كثيرة عدّة من أصحابنا .. وقال: كلّما ذكرته في كتابي المشار إليه عدّة من أصحابنا عن أحمد بن محمّد بن خالد البرقي، فهم عليّ بن إبراهيم ..». ومعلوم أنّ عليّ بن إبراهيم (ثقة) عند جميع أهل الرجال، خلاصة الأقوال: ص 430، الفائدة الثالثة.

ص: 284

محمّد البرقي (1)، عن أبي هاشم داود بن القاسم الجعفري (2)، عن أبي جعفر الثاني (ع) قال: «أقبل أمير المؤمنين (ع) ومعه الحسن بن علي (ع) وهو متّكئ على يد سليمان، فدخل المسجد الحرام فجلس، إذ قبل رجل حسن الهيئة واللباس، فسلّم على أمير المؤمنين، فردّ عليه السلام فجلس، ثمّ قال: يا أمير المؤمنين، أسألك عن ثلاث مسائل، إن أخبرتني بهنّ علمت أنّ القوم ركبوا من أمرك ما قضى عليهم، وأن ليسوا بمأمونين في دنياهم وآخرتهم، وإن تكن الأُخرى علمت أنّك وهم شرع سواء!

فقال له أمير المؤمنين (ع): سلني عمّا بدا لك.

قال: أخبرني عن الرجل إذا نام أين تذهب روحه؟ وعن الرجل كيف يذكر وينسى؟ وعن الرجل كيف يشبه ولده الأعمام والأخوال؟


1- قال النجاشي في رجاله، ص 76؛ الطوسي في الفهرست، ص 62: «كان ثقة في نفسه» وقال العلّامة في الخلاصة، ص 63: «أبو جعفر، كوفي، ثقة».
2- قال النجاشي، ص 156؛ الطوسي، ص 375 في رجالهما: «كان عظيم المنزلة عند الأئمّة:، شريف القدر، ثقة».

ص: 285

فالتفت أمير المؤمنين (ع) إلى الحسن، فقال: يا أبا محمّد أجبه! قال: فأجابه الحسن (ع)، فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلّا الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّ محمّداً رسول الله ولم أزل أشهد بذلك، وأشهد أنّك وصيّ رسول الله (ص) والقائم بحجّته- وأشار إلى أميرالمؤمنين- ولم أزل أشهد بها، وأشهد أنّك وصيّه والقائم بحجّته- أشار إلى الحسن-، وأشهد أنّ الحسين بن عليّ وصيّ أخيه والقائم بحجّته بعده، وأشهد على عليّ بن الحسين أنّه القائم بأمر الحسين بعده، وأشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن الحسين، وأشهد على جعفر بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد، وأشهد على موسى أنّه القائم بأمر جعفر بن محمّد، وأشهد على عليّ بن موسى أنّه القائم بأمر موسى بن جعفر، وأشهد على محمّد بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن موسى، وأشهد على عليّ بن محمّد أنّه القائم بأمر محمّد بن عليّ، وأشهد على الحسن بن عليّ أنّه القائم بأمر عليّ بن محمّد، وأشهد على رجل من ولد الحسن [العسكري] لا يكنّى ولا يسمّى حتّى يظهر أمره، فيملأها عدلًا كما ملئت جوراً، والسلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته، ثمّ قام فمضى.

فقال أمير المؤمنين: يا أبا محمّد، اتّبعه فانظر أين يقصد؟ فخرج الحسين بن عليّ (ع)، فقال: ما كان إلّا أن وضع رجله خارجاً من المسجد، فما دريت أين أخذ من أرض الله، فرجعت إلى أمير المؤمنين فأعلمته، فقال: يا أبا محمّد أتعرفه؟ قلت: الله ورسوله وأميرالمؤمنين أعلم. قال: هو الخضر» (1).

6- روى الصدوق بسند صحيح عن عبد الله بن جندب (2)، عن موسى بن


1- الكافي، ج 1، ص 526.
2- قال الشيخ الصدوق في المشيخة في كتاب من لا يحضره الفقيه، ج 4، ص 458: «ما كان فيه عن عبد الله بن جندب فقد رويته عن محمّد بن عليّ ماجيلويه، عن عليّ بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن عبد الله بن جندب».

ص: 286

جعفر (ع) أنّه قال: «تقول في سجدة الشكر: الّلهمّ إنّي أُشهدك وأشهد ملائكتك وأنبياءك ورسلك وجميع خلقك أنّك [أنت] الله ربّي، والإسلام ديني، ومحمّداً نبيّي، وعليّاً والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن علي، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ، والحجّة بن الحسن بن عليّ (عليهم السلام) أئمّتي، بهم أتولّى، ومن أعدائهم أتبرّأ» (1).

فهذه الرواية تنصّ على أسماء الأئمّة (عليهم السلام) في سجدة الشكر عقيب كلّ صلاة، حيث يشهد المصلّي ربّه والملائكة والخلق بمجمل اعتقاداته التي ينبغي أن يلقاه بها، ومنها تولّيه للأئمّة الطاهرين من أهل البيت (عليهم السلام) وأنّه يتولّاهم، ويتبرّأ من أعدائهم، ولا يخفى الارتباط بين الصلاة وبين ذكر الأئمّة الهادين وفضلهم على الخلق في تعليمهم معالم الدين.

وهناك روايات كثيرة قد بلغت المئات ذكرت هذه الحقيقة.

وذكر «الخزّاز القمّي» ثمانية وثلاثين طريقاً في النصّ على الأئمّة الاثني عشر وأسمائهم، حيث نقل عن أكثر من خمس وعشرين صحابيّاً وصحابيّة هذا المضمون، فالمسألة مستفيضة، ولعلّها تكاد تكون متواترة ولا تحتاج إلى مراجعة أسانيدها (2).


1- من لا يحضره الفقيه، ج 1، صص 329 و 330.
2- كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، الخزاز القمّي، ص 149.

ص: 287

وعلى ضوء ما تقدّم تمّ بطلان ما ادّعاه القفاري من عدم وجود النصّ الصحيح على عدد الأئمّة، فهو مجرّد ادّعاء لا دليل عليه، وأنّ القول بسرّية أمر الإمامة ليس صحيحاً؛ لأنّ ادّعاء ذلك يخالف النصوص الصحيحة التي نادى بها رسول الله (ص) في أكثر من مناسبة، والتي أشار فيها إلى إمامتهم وخلافتهم على رؤوس الأشهاد، وقد بينّا ذلك في بحوث سابقة.

ص: 288

خلاصة البحث

وقد اتّضح من جميع ما تقدّم بما لا يقبل الشكّ أنّ مسألة المهدويّة والغيبة لا يمكن التشكيك في مفرداتها، فهي حقيقة ناصعة متواترة، قد تناولتنا كتب الفريقين وبأسانيد صحيحة، ونطق بها رسول الله (ص) قبل أن يتحقّق هذا الوجود المبارك، وقد أجمع عقلاء هذه الأُمّة وعلماؤها على أنّ المهدي مِن ولد فاطمة، ومن ذريّة الحسين، ومن ولد الإمام الحسن العسكري (عليهم السلام).

وبان وهن وسقوط هذه الشبهات، وانهدم بنيان تلك الدعوات العارية عن الصحّة؛ لأنّ أساسها لم يكن رصيناً بدءً بدعواته بأُسطورة القول بالمهدي والتعارض في أحاديثه وعدم ولادته، مروراً بقوله: إنّ الشيعة تتطلّع إلى قيام كيان سياسي مستقلّ عن دولة الإسلام، والرغبة في الاستئثار في الأموال، وما شابه ذلك، وانتهاء باستبعاده العقلي ببقاء الإمام المهدي (عج) كلّ هذه العصور، ومن ثمّ تشكيكه بعدد أئمّة الشيعة والتي من لوازمها سقوط القول بالمهدويّة.

إذن فالاعتقاد بالإمام المهدي (عج) وغيبته اعتقاد راسخ في ذهن هذه الأُمّة، و هي تتطّلع لذلك اليوم الذي يرفع فيه لواء الحقّ، ويدفع الظلم عن كاهل الضعفاء، ويضع الموازين في نصابها الصحيح، ويتحقّق العدل على وجه الأرض، وتنشر راية الإسلام خفّاقة على ربوع المعمورة.

ص: 289

ص: 290

كلمة خاتمة

خطر الجهل والجمود الفكري على الدين والشريعة

من جميع ما تقدّم من بحثنا تبيّن بجلاء ووضوح أنّ مسألة المهدويّة والغيبة ليست وليدة مفاهيم طرحتها الشيعة- كما صوّرها الدكتور القفاري- بل هي حقيقة نطق بها رسول الله (ص) منذ بدأ الرسالة المحمّديّة، وتناولها المسلمون على مرّ الأعصار جيلًا بعد جيل على أنّها من مسلّمات الدين والشريعة، وذلك لما ورثوه من نصوص دينيّة متواترة تنطق بهذا الأمر، إذن فلماذا هذا الإصرار على طمس وتشويه هذه الحقيقة الناصعة؟! ولماذا اتّخذ هذا الأمر وسيلة لرمي المسلمين بشتّى أنواع التهم؟!

إنّه الجهل والجمود العقلي والفكري، فقد ابتليت الأُمّة الإسلاميّة بداء وبيل وخطير على الإسلام برمّته بسبب هذا الأمر، فهناك أزمة خانقة في الوعي تكاد تجهز وتقتل كلّ ما هو عقلي وعقلاني، ويمكن أن نقسّم- أو نصنّف- عمليّة اللاوعي واللامعرفة وعدم الفهم الصحيح للمفاهيم والنصوص الإسلاميّة واتّباع الحقّ إلى ثلاثة محاور.

الأوّل: الجهل بحقائق الأشياء وعدم إدراكها.

ص: 291

والثاني: الجحود والإنكار لما هو واضح بالبديهة.

والثالث: الجمود والانغلاق.

أمّا الصنف الأوّل: «الجهل»، فقد ابتلي به أمير المؤمنين (ع)، حيث وصف هذا الصنف في نهجه الشريف، قائلًا:

«فإن نزلت به- أي: الجاهل- إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً (1) من رأيه، ثمّ قطع به، فهو من لبس الشبهات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطأ، جاهل خبّاط (2) جَهالات، عاش ركاب عشوات لم يَعَضَّ على العلم بضرس قاطع، يُذري الروايات إذراء الريح الهشيم، لا مَلِي ءٌ والله بإصدار ما ورد عليه، ولا هو أهل لما فُوِّض إليه، لا يحسب العلم في شي ء ممّا أنكره، ولا يرى أنّ من وراء ما بلغ مذهباً لغيره. وإن أظلم عليه أمرٌ اكتتم به؛ لِمَا يعلم من جهل نفسه- إلى أن يقول (ع)-: إلى الله أشكو من معشر يعيشون جهّالًا ويموتون ضلّالًا ...» (3).

فالأمير (ع) يشكو من هذا الصنف؛ لأنّه يقلب الحقائق فهو لا يدري أصاب أم أخطأ، فإن أصاب خاف أن يكون أخطأ والعكس صحيح.

وأمّا الصنف الثاني: «الإنكار والجحود»، فهذا الصنف أكثر إيلاماً من الأوّل، فهو يعلم يقيناً أنّ الحقّ والصواب متمثّل بالرأي الكذائي مثلًا ولكن «جحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلوا» وهذه مشكلة تعيق مسألة الوعي والمعرفة.


1- حشواً رثّاً: كلام مخرجه الذمّ. والرث: الخلق، ضدّ الجديد. وقوله: حشواً: يعني كثيراً لافائدة فيه. شرح نهج البلاغه، ابن أبي الحديد، ج 1، ص 284.
2- الخبّاط: مبالغة في الخبط، وهو الضرب علي غير استواء، كخبط البصير الأرض بيده، والرصل الشجر بعصاه. أُنظر: مفردات للراغب، ص 273 «خبط».
3- نهج البلاغة، محمّد عبده، ج 1، صص 35 و 36.

ص: 292

وأمّا الصنف الثالث: «الجمود والانغلاق»، فهذه هي «الطامّة الكبرى» ولعلّ هذا الصنف أخطر من سابقيه؛ لأنّنا نستطيع أن نميّزهما ونشخّصهما؛ لأنّ الجاهل والمنكر للحقائق أمرهما واضح ومكشوف، وأمّا الجمود الفكري، فمن يمثّل هذا الفكر يدّعي أنّه هو الإسلام الصحيح، وينقل الأدلّة من الكتاب والسنّة، كما تقدّم في بحثه «المهدويّة والغيبة» حيث صوّر الدكتور القفاري هذه الفكرة بأنّها أُسطورة وخرافة، وبثّ كثيراً من الشبهات كما تقدّم في ثنايا البحث، بحيث ألبس وشبّه الأمر على الناس بأدلّة يدّعي أنّها من الكتاب والسنّة. ثمّ أسّس على هذا الأمر تكفيره ورميه لطوائف المسلمين، كما تقدّم في البحوث التمهيديّة، حيث قال:

«وقد تبيّن أنّهم كفرة ليسوا من الإسلام في شي ء ...»، أو قوله نقلًا عن شيخه ابن تيميّة: «كثيراً من أئمّة الرافضة وعامّتهم زنادقة وملاحدة ليس لهم غرض في العلم ولافي الدين»، فهو يرى أنّه الممثّل الصحيح للإسلام، والآخرين كفرة وملاحدة وزنادقة.

في حين أنّ نتاج هذه المفاهيم هو الجمود الفكري؛ لأنّهم يفسّرون ويأوّلون الحقائق العلميّة بغير علم، بل نجدها تناقض قواعد الإسلام، فتصدر الفتاوى وتصنّف الناس بالشرك والكفر والفسق والمبتدع وهلم جرّا ..، فأورث لنا ذلك القتل للآخرين والاتّهام لأدنى شبهة.

وخير مثال ما نجده اليوم من قتل للأبرياء نتيجة الفتاوى التي تبيح ذلك من دون تمييز؛ لأنّها أُسّست على ذلك النتاج الفكري.

بل وصل الأمر إلى أنّ كلّ من يخالفهم في الفكر (حتّى لو كان من أبناء جلدتهم) فهو لا يخلو إلّا أن يكون مشركاً، أو كافراً، أو فاسقاً، وبذلك يباح دمه وعرضه، فالحقد والكره للآخرين هو نتيجة ما قدّمناه من المحاور الثلاثة.

ص: 293

لذا فالشيعة عند هذا الفكر «كفّار» فنجد الدكتور القفاري ومن سار في ركبه يدّعون «أُسطوريّة الإمام المهدي (عج)» وغيرها من الحقائق، ويبثّون الشبهات والتشكيكات في عقائد المسلمين، وذلك لما قدّمناه من ذلك اللاوعي واللامعرفة.

وقد اتّضح من سير بحثنا أنّ الشيعة تمثّل الفكر المنفتح وتتعاطى مع النصوص بروح من الإنصاف، بحيث تجد هذا الفكر حرّ في تعاطيه مع نصوص الشريعة بلا جمود وإخضاع على ظواهر النصوص، وإغلاق باب الفهم، وسد الإدراكات والملاكات العقليّة.

ولعلّ الذي جعل الدكتور القفاري رافضاً لفكرة المهدويّة والغيبة هو ما قدّمناه آنفاً.

أخيراً أسأل الله تعالى أن يكون هذا البحث خالصاً لوجهه الكريم، وذخراً لنا يوم الدين، إنّه سميع مجيب، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين.

يحيى الدوخي/ قم المقدّسة

ص: 294

المراجع والمصادر

* القرآن الكريم

* نهج البلاغة

1. الأئمّة الاثنا عشر، شمس الدين محمّد بن طولون، بيروت، دار صادر.

2. الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن عليّ الطبرسي، النجف الأشرف، دار النعمان للطباعة والنشر، 1386 ه.

3. الأحكام السلطانية والولايات الدينية، عليّ بن محمّد بن حبيب الماوردي، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1982 م.

4. اختيار معرفة الرجال، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1404 ه.

5. الإرشاد، المفيد، ط 2، بيروت، دار المفيد، 1414 ه.

6. إرواء الغليل، محمّد ناصر الدين الألباني، ط 2، بيروت، المكتب الإسلامي، 1405 ه.

7. الاستبصار، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط 4، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1363 ه.

8. الاستنصار، أبو الفتح محمّد بن عليّ بن عثمان الكراجكي، ط 2، بيروت، دار الأضواء، 1405 ه.

9.

ص: 295

الاستيعاب في معرفة الأصحاب، يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البرّ، ط 1، بيروت، دار الجيل.

10. إسلامنا، مصطفى الرافعي، ط 2، بيروت، الدار الإسلاميّة، 1412 ه.

11. الإشاعة في أشراط الساعة، محمّد بن رسول البرزنجي، بيروت، دار الكتب العلميّة.

12. الإصابة في تمييز الصحابة، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415 ه.

13. أصل الشيعة وأُصولها، محمّد حسين كاشف الغطاء، مؤسّسة الإمام عليّ (ع).

14. الأصول الستة عشر، عدة من الرواة، ط 2، قم، دار الشبستري للمطبوعات، 1405 ه.

15. أُصول الكافي، أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني البغدادي، ط 5، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1363 ه. ش.

16. أصول مذهب الشيعة الإماميّة الاثني عشريّة، ناصر بن عبد الله بن عليّ القفاري، ط 3، الجيزة، دار الرضا، 1418 ه.

17. أضواء على السنّة المحمّديّة، أبو رية، محمود المصري، ط 5، البطحاء.

18. إعلام الموقعين عن ربّ العالمين، شمس الدين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب بن القيّم الجوزيّة، بيروت، دار الجيل، 1973 م.

19. إعلام الورى بأعلام الهدى، أبو علي فضل بن الحسن الطبرسي، ط 1، مؤسسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1417 ه.

20. الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمّد الدمشقي الزركلي، ط 5، بيروت، دار العلم للملايين، 1980 م.

21. الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ، محمّد بن عبد الرحمن السخاوي، بيروت، دار الكتب العلميّة.

22. أعيان الشيعة، محسن الأمين، بيروت، دار التعارف.

23. إلزام الناصب في إثبات الحجّة الغائب، عليّ اليزدي الحائري، مكتبة أهل البيت (عليهم السلام) الإلكترونيّة.

24.

ص: 296

الإمام الصادق، محمد أبو زهرة، القاهرة، دار الفكر العربي.

25. الإمامة والتبصرة من الحيرة، أبو الحسن عليّ بن الحسين القمّي (ابن بابويه)، ط 1، قم، مدرسة الإمام المهدي (عج)، 1404 ه.

26. بحار الأنوار، محمّد باقر المجلسي، ط 3، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ه.

27. بحث حول المهدي، محمّد باقر الصدر، ط 1، مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1417 ه.

28. البحر العميق، أحمد بن الصدّيق الحسني المغربي، مخطوط.

29. البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، ط 1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408 ه.

30. البرهان في علامات صاحب الزمان، علاء الدين عليّ بن حسام الدين المتّقي الهندي، ط 1، دار الصحابة للتراث، 1412 ه.

31. بيان خطأ البخاري، أبو محمّد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، ديار بكر تركيا، المكتبة الإسلاميّة.

32. البيان في أخبار صاحب الزمان، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، ط 1، دار المحجّة البيضاء، 1421 ه.

33. تاريخ ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمّد الحضرمي (ابن خلدون)، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات.

34. تاريخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي، ط 1، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ه.

35. تاريخ الخميس، القاضي حسين الديار بكري، بيروت، دار صادر.

36. تأريخ الشيعة، محمّد حسين المظفّر، النجف الأشرف، مطبعة الزهراء.

37. تاريخ الطبري، محمّد بن جرير الطبري، بيروت، مؤسّسة الأعلمي.

38. التاريخ الكبير، محمّد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري، ديار بكر تركيا، المكتبة الإسلاميّة.

39.

ص: 297

تاريخ بغداد، أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغدادي، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1417 ه.

40. تاريخ مدينة دمشق، أبو القاسم عليّ بن الحسن بن هبة الله بن عساكر، بيروت، دار الفكر، 1415 ه.

41. تحفة الأحوذي شرح صحيح الترمذي، أبو العلاء، محمّد عبد الرحمن المباركفوري، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1401 ه.

42. تذكرة الحفاظ، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي، دار إحياء التراث العربي.

43. تذكرة الخواص، أبو المظفر يوسف بن قزغلي سبط ابن الجوزي، قم، مؤسّسة أهل البيت (عليهم السلام).

44. التذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة، أبو عبد الله محمّد بن أحمد القرطبي الأنصاري، بيروت، دار الفكر، 1421 ه.

45. تراجم إسلاميّة، محمّد عبد الله عنان، ط 2، مكتبة الخانجي، 1390 ه.

46. تصحيح اعتقادات الإماميّة، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، ط 2، بيروت، دار المفيد، 1414 ه.

47. التعليقات الرضية على الروضة النديّة، محمّد ناصر الدين الألباني، ط 1، القاهرة، دار عفان، 1999 م.

48. تغليق التعليق، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 1، بيروت، المكتب الإسلامي، دار عمار، 1405 ه.

49. تفسير البغوي، الحسين بن مسعود الشافعي البغوي، بيروت، دار المعرفة.

50. تفسير البيضاوي، ناصر الدين عبد الله الشيرازي البيضاوي، بيروت، دار الفكر.

51. تفسير القرآن الحكيم، محمّد رشيد رضا، ط 2، بيروت، دار المعرفة، 1342 ه.

52. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، بيروت، دار المعرفة، 1412 ه.

53.

ص: 298

التفسير الكبير، أبو عبد الله محمّد بن عمر الشافعي الرازي، ط 3، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

54. التفسير الكبير، أبو عبد الله محمّد بن عمر بن حسين الشافعي الفخر الرازي، ط 3، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

55. تفسير النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، بيروت، دار النفائس، 2005 م.

56. تهذيب الأحكام، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، السيّد حسن الموسوي الخرسان، ط 3، طهران، دار الكتب الإسلاميّة، 1364 ه. ش.

57. تهذيب التهذيب، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 1، بيروت، دار الفكر، 1984 م.

58. تهذيب الكمال في أسماء الرجال، أبو الحجّاج جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن المزي، ط 4، بيروت، 1413 ه.

59. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، محمّد بن جرير الطبري، بيروت، دار الفكر، 1415 ه.

60. جامع الرواة، محمّد بن عليّ الغروي الأردبيلي، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي.

61. الجامع الصغير، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بيروت، دار الفكر، 1401 ه.

62. الجامع لأحكام القرآن، أبو عبد الله محمّد بن أحمد القرطبي الأنصاري، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1405 ه.

63. الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح، أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم الحرّاني (ابن تيمية)، ط 1، الرياض، دار العاصمة، 1414 ه.

64. الحاوي للفتاوي، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1425 ه.

65.

ص: 299

الحضارة الإسلاميّة، آدم متز، ط 3، القاهرة، مطبعة لجنة التأليف، 1377 ه.

66. حقيقة الاعتقاد بالإمام المهدي، أحمد حسين يعقوب، دار الملاك، 2000 م.

67. الحكومة الإسلاميّة، روح الله الموسوي الخميني، وزارة الإرشاد.

68. خصائص أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، طهران، مكتبة نينوى الحديثة.

69. الخصال، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، قم، جماعة المدرّسين، 1403 ه.

70. خلاصة الأقوال، أبو منصور الحسن بن يوسف بن المطهّر الأسدي (العلّامة الحلّي)، ط 1، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ه.

71. الخوارج والشيعة، يوليوس فلهوزن، ط 5، قاهره، دار الجيل، 1988 م.

72. دائرة معارف القرن العشرين، محمّد فريد وجدي، ط 3، بيروت، دار المعرفة، 1970 م.

73. الدرّ المنثور في التفسير بالمأثور، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، بيروت، دار المعروفة، 1409 ه.

74. دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلاميّة، حسين علي المنتظري، ط 1، المركز العالمي للدراسات الإسلاميّة، 1408 ه.

75. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 2، حيدرآباد هند، مجلس دائرة المعارف العثمانيّة، 1392 ه.

76. دلائل الإمامة، محمّد بن جرير الطبري، ط 1، قم، مؤسّسة البعثة، 1413 ه.

77. الديباج على صحيح مسلم بن الحجاج، أبو الفضل جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، المملكة العربية السعوديّة، دار ابن عفّان للنشر والتوزيع.

78. ديوان في الإمام المهدي، رضا الهندي، ط 1، بيروت، دار الأضواء، 1409 ه.

79. الذريعة إلى تصانيف الشيعة، آغا بزرك الطهراني، ط 3، بيروت، دار الأضواء، 1403 ه.

80.

ص: 300

رجال الطوسي، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، مؤسّسة النشر الإسلامي ط 1، قم، التابعة لجماعة المدرّسين، 1415 ه.

81. رجال النجاشي، أبو العبّاس أحمد بن عليّ بن أحمد النجاشي، ط 5، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1416 ه.

82. روح المعاني، أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، ط 1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1420 ه.

83. زاد المسير في علم التفسير، أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد بن الجوزي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1404 ه.

84. سرّ السلسلة العلويّة، أبو نصر سهل بن عبد الله بن داود البخاري، انتشارات الشريف الرضي، 1413 ه.

85. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الرياض، محمّد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع.

86. سنن ابن ماجة، محمّد بن يزيد القزويني (ابن ماجة)، بيروت، دار الفكر.

87. سنن أبي داود، أبو داود بن الأشعث السجستاني، ط 1، دار الفكر، 1410 ه.

88. سنن الترمذي، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي، ط 2، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 ه.

89. السنن الكبرى، أبو بكر أحمد بن الحسين بن عليّ البيهقي، بيروت، دار الفكر.

90. السنن الواردة في الفتن، أبو عمرو عثمان بن سعيد المقرئ الداني، ط 1، الرياض، دار العاصمة، 1416 ه.

91. سير أعلام النبلاء، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي، ط 4، بيروت، مؤسسة الرسالة.

92. السيرة النبويّة، أبو الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي، بيروت، دار المعرفة، 1396 ه.

93.

ص: 301

السيف الصقيل، تقي الدين السبكي، مكتبة زهران.

94. الشجرة المباركة، أبو عبد الله محمّد بن عمر بن حسين الشافعي الفخر الرازي، ط 1، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1409 ه.

95. شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ابن العماد عبد الحيّ بن أحمد الحنبلي، بيروت، دار الكتب العلميّة.

96. شرح إحقاق الحقّ، شهاب الدين المرعشي، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 1406 ه.

97. شرح أُصول الكافي، محمّد صالح المازندراني، ط 1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1421 ه.

98. شرح السنّة، الحسين بن مسعود الشافعي البغوي، بيروت، المكتب الإسلامي، 1403 ه.

99. شرح المقاصد في علم الكلام، سعد الدين مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازاني، ط 1، باكستان، دار المعارف النعمانيّة، 1401 ه.

100. شرح صحيح مسلم، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، بيروت، دار الكتاب العربي، 1407 ه.

101. شرح مشكل الآثار، أحمد بن محمّد بن سلامة الطحاوي، ط 2، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1408 ه.

102. شرح نهج البلاغة، أبو حامد بن هبة الله بن محمّد بن أبي الحديد المعتزلي، ط 1، دار إحياء الكتب العربيّة، 1378 ه.

103. صحيح ابن حبّان، محمّد بن حبّان التميمي البستي، ط 2، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1414 ه.

104. صحيح البخاري، محمّد بن إسماعيل بن المغيرة البخاري، بيروت، دار الفكر، 1401 ه.

105. صحيح مسلم (الجامع الصحيح)، أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوري، بيروت، دار الفكر.

106. صحيح وضعيف الجامع الصغير وزياداته، محمّد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي.

107.

ص: 302

صلة تاريخ الطبري، عريب بن سعد القرطبي، بيروت، مؤسّسة الأعلمي.

108. الصواعق المحرقة، أبو العبّاس أحمد بن محمّد بن عليّ بن حجر الهيتمي المكّي، ط 1، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1417 ه.

109. ضحى الإسلام، أحمد أمين، القاهرة، لجنة التأليف والترجمة، 1371 ه.

110. عارضة الأحوذي في شرح صحيح الترمذي، ابن العربي أبو بكر محمّد بن عبد الله بن محمّد، بيروت، دار الفكر، 1425 ه.

111. عبد الله بن سبأ، إبراهيم بيضون، ط 1، بيروت، دار المؤرّخ العربي، 1417 ه.

112. عبد الله بن سبأ، مرتضى العسكري، توحيد، 1413 ه.

113. العبر في خبر من غبر، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي، بيروت، دار الكتب العلمية.

114. العدد القوية، عليّ بن يوسف المطهّر الحلّي، ط 1، قم، مكتبة آية الله المرعشي العامّة، 1408 ه.

115. عقد الدرر في أخبار المنتظر، يوسف بن يحيى بن عليّ المقدسي الشافعي، موقع الوراق

.moc .qarrawla .www

116. العقيدة والشريعة في الإسلام، جولد تسيهر، طبعة القاهرة، 1946 م.

117. علل الشرائع، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، النجف الأشرف، منشورات المكتبة الحيدريّة ومطبعتها، 1385 ه.

118. عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب، جمال الدين أحمد بن عليّ الحسني بن عنبة، ط 2، النجف الأشرف، المطبعة الحيدريّة، 1380 ه.

119. عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين أبو محمّد محمّد بن أحمد الحنفي العيني، دار إحياء التراث العربي.

120. عون المعبود شرح سنن أبي داود، أبو الطيّب محمّد شمس الحقّ العظيم آبادي، ط 2، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415 ه.

121.

ص: 303

عيون أخبار الرضا، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، 1404 ه.

122. الغدير، عبد الحسين أحمد الأميني، ط 4، بيروت، دار الكتاب العربي، 1977 م.

123. الغيبة، محمّد بن إبراهيم النعماني، أنوار الهدى، 1422 ه.

124. فتح الباري، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 2، بيروت، دار المعرفة.

125. فتح الملك العليّ بصحّة حديث باب مدينة العلم عليّ، أحمد بن الصدّيق الحسني المغربي، ط 3، إصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين عليّ (ع) العامّة، 1403 ه.

126. الفتنة الكبرى، طه حسين، القاهرة، دار المعارف.

127. فرائد السمطين، إبراهيم بن محمّد بن المؤيّد بن عبد الله الجويني الشافعي، بيروت، مؤسّسة المحمودي.

128. فرق الشيعة، أبو محمّد، الحسن بن موسى النوبختي، النجف، المكتبة الرضويّة 1355 ه.

129. الفصل في الملل والأهواء والنحل، أبو محمّد أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، قاهره، مكتبة الخانجي.

130. الفصول العشرة في الغيبة، أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري البغدادي، ط 2، بيروت، دار المفيد، 1414 ه.

131. الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة، عليّ بن محمّد بن أحمد بن الصبّاغ المالكي، ط 1، دار الحديث، 1422 ه.

132. الفهرست، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط 1، مؤسّسة نشر الفقاهة، 1417 ه.

133. الفوائد البهيّة في تراجم الحنفيّة، محمّد بن الحسين اللكنوي، بيروت، دار المعرفة.

134. فيض القدير شرح الجامع الصغير، محمّد عبد الرؤوف المنّاوي، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1415 ه.

135.

ص: 304

قاموس الرجال، محمّد تقي التستري، ط 1، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1419 ه.

136. قرب الإسناد، أبو العبّاس عبد الله بن جعفر الحميري القمّي، ط 1، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1413 ه.

137. قواعد في علوم الحديث، ظفر أحمد العثماني التهانوي الحنفي، القاهرة، مكتبة المطبوعات الإسلاميّة.

138. الكامل في التاريخ، عزّ الدين أبو الحسن عليّ بن محمّد بن الأثير الجزري، بيروت، دار صادر، طبعة عام 1386 ه.

139. الكامل في ضعفاء الرجال، عبد الله بن محمّد بن عدي، بيروت، دار صادر.

140. كتاب السنّة، أبو بكر عمرو بن أبي عاصم الضحاك الشيباني، ط 3، بيروت، المكتب الإسلامي، 1413 ه.

141. كتاب الغيبة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، ط 1، قم، مؤسّسة المعارف الإسلامية، 1411 ه.

142. كتاب الفتن، نعيم بن حمّاد المروزي، بيروت، دار الفكر، 1414 ه.

143. الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث، إبراهيم بن محمّد بن خليل الحلبي الشافعي سبط ابن العجمي، ط 1، عالم الكتب- مكتبة النهضة العربية، 1407 ه.

144. كشف الخفاء ومزيل الإلباس، إسماعيل بن محمّد العجلوني الجرّاحي، ط 2، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1408 ه.

145. كشف الغمّة في معرفة الأئمّة، أبو الحسن عليّ بن عيسى الأربلي، بيروت، دار الأضواء.

146. كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر، أبو القاسم عليّ بن محمّد الخزّاز القمّي، انتشارات بيدار، 1401 ه.

147. كفاية الطالب في مناقب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، محمّد بن يوسف الكنجي الشافعي، مطبعة الغري.

148.

ص: 305

الكفاية في علم الرواية، أبو بكر أحمد بن عليّ بن ثابت الخطيب البغدادي، ط 1، بيروت، دار الكتاب العربي، 1405 ه.

149. كمال الدين وتمام النعمة، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1405 ه.

150. كنز العمّال في سنن الأقوال والأفعال، علاء الدين عليّ بن حسام الدين المتّقي الهندي، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1409 ه.

151. الكنى والألقاب، شيخ عباس القمّي، طهران، مكتبة الصدر.

152. لسان العرب، أبو الفضل جمال الدين بن مكرم (ابن منظور)، أدب حوزة، 1405 ه.

153. لسان الميزان، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 2، بيروت، مؤسّسة الأعلمي، 1390 ه.

154. لمحات، لطف الله الصافي، قسم الدراسات الإسلاميّة، مؤسّسة البعثة.

155. المجدي في أنساب الطالبين، عليّ بن محمّد العلوي العمري، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامّة.

156. مجمع البيان في تفسير القرآن، أبو علي فضل بن الحسن الطبرسي، ط 1، بيروت، مؤسّسة الأعلمي للمطبوعات، 1415 ه.

157. مجمع الرجال، زكي الدين عناية الله بن مشرف الدين القهبائي، قم، مؤسّسة إسماعيليان.

158. مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، نور الدين عليّ بن أبي بكر الهيثمي، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1408 ه.

159. مجموع الفتاوى، أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم الحرّاني (ابن تيمية)، ط 2، مكتبة ابن تيميّة.

160. المحلّى، أبو محمّد أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري، بيروت، دار الفكر.

161. مختصر بصائر الدرجات، الحسن بن سليم الحلّي، النجف الأشرف، المطبعة الحيدريّة، 1370 ه.

162.

ص: 306

المختصر في أخبار البشر (تأريخ أبي الفداء)، أبو الفداء إسماعيل بن عليّ بن محمود، القاهرة، مكتبة المتنبي.

163. المراجعات، عبد الحسين شرف الدين الموسوي، ط 2، 1402 ه.

164. مرقاة المفاتيح، عليّ بن سلطان محمّد القاري، بيروت، دار الفكر.

165. مستدرك الوسائل ومستنبط الوسائل، حسين بن محمّد تقي النوري الطبرسي، ط 1، بيروت، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1408 ه.

166. المستدرك على الصحيحين، محمّد بن عبد الله الحاكم النيسابوري، بيروت، دار المعرفة.

167. مسند أبي يعلى، أبو يعلى الموصلي، ط 1، دار المأمون للتراث، 1412 ه.

168. مسند أحمد بن حنبل أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، القاهرة، دار الحديث.

169. مصابيح السنّة، الحسين بن مسعود الشافعي البغوي، دار القلم.

170. المصنّف في الأحاديث والآثار، عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة، ط 1، بيروت، دار الفكر، 1409 ه.

171. مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي، قم، مؤسّسة أُمّ القرى، 1420 ه.

172. مع الدكتور العودة في عبد الله بن سبأ ودوره في الفتنة الكبرى، حسن بن فرحان المالكي، مركز الدراسات التاريخيّة.

173. المعجم الأوسط، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، القاهره، دار الحرمين، 1415 ه.

174. المعجم الصغير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، بيروت، دار الكتب العلميّة.

175. المعجم الكبير، أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ط 2، دار إحياء التراث العربي، 1404 ه.

176. معجم رجال الحديث، أبو القاسم بن عليّ أكبر الموسوي الخوئي، ط 5، 1413 ه.

177. معجم شيوخ الذهبي، شمس الدين أبو عبد الله محمّد بن أحمد الذهبي، ط 1، بيروت، دار الكتب العلميّة، 1413 ه.

178.

ص: 307

معراج الأُصول في معرفة آل الرسول، الزرندي الشافعي، مكتبة أهل البيت الإلكترونيّة.

179. المغني، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي بن قدامة، بيروت، دار الكتاب العربي.

180. المقالات والفرق، أبو القاسم سعد بن عبد الله الأشعري القمّي، ط 1، قم، مركز انتشارات علمي وفرهنكي، 1341 ه. ش.

181. مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس، مكتبة الإعلام الإسلامي، 1404 ه.

182. مقدّمة ابن الصلاح، عثمان بن عبد الرحمن بن الصلاح، بيروت، دار الكتب العلميّة.

183. مقدّمة في أُصول الحديث، عبد الحقّ الدهلوي، ط 2، بيروت، دار البشائر الإسلاميّة، 1406 ه.

184. الملل والنحل، أبو الفتح محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني، بيروت، دار المعرفة، 1404 ه.

185. من لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي (الصدوق)، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين.

186. المنار المنيف، شمس الدين محمّد بن أبي بكر بن أيّوب بن القيّم الجوزيّة، ط 2، حلب، مكتبة المطبوعات الإسلاميّة، 1403 ه.

187. مناقب آل أبي طالب، مشير الدين أبو عبد الله محمّد بن عليّ بن شهر آشوب، النجف الأشرف، مطبعة الحيدريّة، 1376 ه.

188. المناقب، الموفّق بن أحمد الحنفي الخوارزمي، ط 2، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، 1414 ه.

189. منهاج السنّة النبويّة، أبو العبّاس أحمد بن عبد الحليم الحرّاني (ابن تيمية)، ط 1، مؤسّسة قرطبة، 1406 ه.

190. المهدي المنتظر في ضوء الأحاديث والآثار الصحيحة، عبد العليم البستوي، ط 1، المكتبة المكية، 1420 ه.

191. المهديّة في الإسلام، سعد محمّد حسن، مصر، دار الكتاب العربي، 1373 ه.

192. المواقف، عبد الرحمن بن أحمد الشافعي الإيجي، ط 1، بيروت، دار الجبل، 1997 م.

193.

ص: 308

الموضوعات، أبو الفرج عبد الرحمن بن عليّ بن محمّد بن الجوزي، ط 1، المدينة المنوّره، المكتبة السلفيّة 1386 ه.

194. الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي، قم، منشورات جماعة المدرّسين في الحوزة العلمية.

195. نشأة التشيّع والشيعة، محمّد باقر الصدر، ط 1، مركز الغدير للدراسات الإسلاميّة، 1417 ه.

196. النصائح الكافية، محمّد بن عقيل بن عبد الله العلوي، قم، دار الثقافة للطباعة.

197. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني داود، القاهرة، دار العلم للطباعة.

198. نظريّة الإمامة لدى الشيعة الاثني عشريّة، أحمد محمود صبحي، بيروت، دار النهضة العربيّة.

199. نظم المتناثر من الحديث المتواتر، محمّد جعفر الكتّاني، ط 2، مصر، دار الكتب السلفيّة.

200. نقد الرجال، مصطفى بن الحسين الحسني التفرشي، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث.

201. نهج البلاغة، محمّد عبدة، ط 1، قم، دار الذخائر، 1412 ه.

202. هدي الساري مقدّمة فتح الباري، شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن عليّ بن حجر العسقلاني، ط 1، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1408 ه.

203. الوافي بالوفيات، صلاح الدين خليل الصفدي، بيروت، دار إحياء التراث، 1420 ه.

204. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، ط 2، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1414 ه.

205. وفيات الأعيان، أبو العبّاس شمس الدين أحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلّكان، بيروت، دار الثقافة.

206. ينابيع المودّة لذوي القربى، سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، دار الأسوة، 1416 ه.

207.

ص: 309

اليواقيت والجواهر في بيان عقائد الأكابر، عبد الوهّاب بن أحمد الشعراني، مصر، مطبعة البابي الحلبي، 1378 ه.

208. مجلّة التمدّن الإسلامي، دمشق شهر ذي القعدة، 1371 ه.

209. مجلّة الجامعة الإسلاميّة، السنّة الأُولى، العدد 3.

210. مجلّة المقتطف المصريّة، المجلد 95، 1339 ه.

211. مجلّة تراثنا، العدد الثالث، 1413 ه.

212. مجلّة الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنورة، العدد الثالث، 1388 ه.

213. موقع: الأصلين ten. nielsa. www

214. موقع النفيس ten. saefanle. www

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.