الامه الاسلاميه و التحديات الكبيره

اشارة

نام كتاب: الأمة الإسلامية و التحديات الكبيرة

نويسنده: محمد مهدي الآصفي

موضوع: اعتقادات و پاسخ به شبهات

زبان: عربي

تعداد جلد: 1

ناشر: نشر مشعر

مكان چاپ: تهران

سال چاپ: 1430 ه. ق.

نوبت چاپ: 1

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

ص: 5

المقدمه

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ* وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ البقرة: 125- 128

ص: 6

ص: 7

النهضة الإسلامية المعاصرة

والانتهاكات والتحديات الكبرى

في رحاب البيت الحرام

اشارة

ص: 8

ص: 9

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً (1)

.

جعل الله بيت الحرام مثابة وأمناً للناس، يرجعون ويثوبون إليه كل عام، ليؤدوا مناسكهم وليشهدوا منافع لهم.

لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ (2)

.

وهذا من أعظم نعم الله على هذه الأُمّة: أن جعل لهم من بيته الحرام مثابة، يرجعون إليه، ومكاناً آمناً يلجؤون إليه،


1- البقرة: 125
2- الحج: 28.

ص: 10

كلّما داهمتهم المصائب والمحن.

في هذا اللقاء المبارك العظيم، في رحاب بيت الله، يجتمع المسلمون كل عام، من كل بلاد الأرض، ومن كل فج عميق، ليؤدوا مناسكهم، وليتعارفوا فيما بينهم، ويتدارسوا ظروفهم السياسية والثقافية والاقتصادية، وما يحلّ بهم من محن ومصائب، ليتعاونوا على التغلب عليها وتجاوزها، وليستشعروا في رحاب بيت الله الحرام، في هذا اللقاء المبارك، أنهم أمة واحدة، في مشارق الأرض ومغاربها.

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (1)

.

وأنّهُم خير أمة أخرجت للناس إذا قاموا بمسؤولياتهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، ومقاومة الطاغوت والظلم.


1- الأنبياء: 92.

ص: 11

كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ (1)

.

وأنّهُم النموذج الوسط المعتدل من الأُمم التي أخرجت للناس، جعلهم الله تعالى في هذا الموقع الوسط، ليكونوا قيّمين شهداء على مسيرة الحضارة الإنسانية، ليقوموا بتصحيحها وتوجيهها ودعوتها إلى الله.

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا (2)

.

حضور الأمّة الواحدة في رحاب بيت الله:

يستشعر المسلمون في رحاب بيت الله الحرام أنهم أُمّة واحدة، وأنهم خير أمّة أخرجت للناس، وأنَّ الله تعالى وضع هذه الأُمّة في موضع القيمومة على سائر الأُمم.


1- آل عمران: 110
2- البقرة: 143.

ص: 12

ويستشعرون في هذا الملتقى الرباني المبارك أنّهم كما قال رسول الله (ص):

«كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (1).

وأنَّ ما يصيب بعضهم من الهموم والمصائب والمحن يصيبهم جميعاً، ومن أصبح منهم يعيش في رغد وعافية، ولا يستشعر آلام المسلمين ومصائبهم وما ينزل عليهم من الفتك والبطش والجوع والضراء والبأساء فهو ليس من هذه الأُمّة.

عن رسول الله (ص): «من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، ومن سمع رجلًا ينادي يا للمسلمين فلم يجبه، فليس بمسلم» (2).

في رحاب بيت الله نلتقي، ونتعاون، ونتفاهم ونجد أنفسنا، ونستشعر كياننا السياسي والحضاري والثقافي، ونستشعر


1- مسند احمد 270: 4، صحيح مسلم 20: 8، سنن البيهقي 353: 3
2- الكافي 164: 2 ح 5.

ص: 13

موقعنا الخطير الذي أحلّنا الله تعالى فيه، وهو موقع القيمومة والمسؤولية والتوجيه لمسيرة البشرية.

ونستشعر في أجواء بيت الله الحرام بالمصائب التي تحلّ بهذه الأُمّة، في آسيا وفي أفريقيا (في الشرق)، وبالمصائب التي تحل بالأقليات الإسلامية (في الغرب)، من خطر الانصهار الحضاري والثقافي في الحضارة المادية في الغرب.

نستشعر التحديات الكبيرة التي تواجه هذه الأمّة كلها، في عرضها العريض، وبالانتهاكات التي تتلقاها هذه الأمّة من أنظمة الاستكبار العالمي في الغرب، في عقائدهم، وتراثهم، ومواريثهم الحضارية، وقيمهم، وأخلاقهم، وفي أسواقهم واقتصادهم واستقلالهم وكرامتهم.

وهذا الوعي السياسي والثقافي يحمّلنا مسؤوليّة عظيمة للعمل من أجل التغلّب على هذه المحن والمصائب التي نزل بالمسلمين وإزالتها، ومواجهة التحديات والانتهاكات الكبيرة التي نتلقاها في كل مكان بتحديات مكافئة لها.

ص: 14

ولكي نكون في موضع المسؤولية التي أوجبها الله تعالى علينا يجب علينا أن نتفاهم ونتعاون، ونتعاضد، ونتكاتف، ونوحّد مواقفنا السياسية، ونترفّع عن المسائل التي تعيق هذا التكاتف والتعاون والتفاهم، ونستجيب لدعوة الله تعالى فينا.

وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ* وَلْتَكُن مِّنكُمْ أمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ* وَلَا تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (1).


1- آل عمران: 103- 105.

ص: 15

ونكون يداً واحدة على من يظلمنا، ونقف موقفاً واحداً من قضايانا السياسية، (الأُم)، نحفظ أمّتنا من الضياع والتشتت والضعف والعجز عن اتخاذ الموقف، ومواجهة التحديات.

ص: 16

النهضة الإسلامية المعاصرة والانتهاكات والتحديات

إنَّ أمتنا الإسلامية، تواجه اليوم تحدّيات كبيرة ضخمة وانتهاكات واسعة، وحرباً ضارية، على كل الأصعدة، ولابدَّ من وعي دقيق لهذه الانتهاكات والتحديات ودراسة واعية، وتخطيط متكامل وشامل لمواجهة هذه التحديات والانتهاكات.

فأنّها تمسُّ الإسلام والمسلمين جميعا، ولا تختص بشعب أو بإقليم من شعوب العالم الإسلامي وأقاليمه، وهذه معركة مصيرية، وصراع ضاري بين الإسلام وأنظمة الاستكبار العالمي.

فلابدّ من مواجهة واحدة وموقف واحد شامل إزاء هذه

ص: 17

التحديات والانتهاكات والعدوان.

ولقد ألفنا نحن أمثال هذه التحديات والعدوان في عصور التاريخ الإسلامي، ولكننا اليوم في عصر النهضة الإسلامية والثورة الانتفاضات الإسلامية نواجه أشرس مشاهد هذه الحملة العدوانية من قبل الغرب، وبشكل خاص، أمريكا، قائدة الاستكبار اليوم على وجه الأرض.

فقد شهد العالم الإسلامي منذ نصف قرن نهضة إسلامية ثقافية وسياسية وحركية كبيرة شملت أكثر أجزاء العالم الإسلامي ... بعد فترة طويلة من الخمول والتبعية السياسية والاقتصادية والثقافية للغرب.

حررّت هذه النهضة العقل الإسلامي من نفوذ الثقافة الغربية، وأجزاء واسعة من الوطن الإسلامي من النفوذ السياسي الغربي، وطرحت الإسلام منهاجاً ونظاماً متكاملًا للسياسة، بديلًا عن الأنظمة التي تسللت إلى العالم الإسلام من ناحية الغرب و (الشرق) في السياسة والتربية والإدارة والثقافة

ص: 18

والاقتصاد والقانون.

وقامت للإسلام دولة في إيران، وتراجعت إسرائيل لأول مرة أمام زحف شباب المقاومة الإسلامية في لبنان، وأعلنت عن عجزها من صد انتفاضة الحجارة في فلسطين، وتولى الإسلاميون المواقع الأساسية في الحكم في تركيا والجزائر والسودان وأفغانستان بعد غياب طويل عن المواقع السياسية والإدارية في الحكم، وسقط النظام البعثي الدموي الديكتاتوري في العراق، بعد معاناة طويلة، واضطهاد شرس، وتخريب واسع في العراق، بعد جهود طويلة وتضحيات كثيرة في مكافحة هذا النظام من قبل المؤمنين، رجالًا ونساءاً، وخرج الشعب العراقي إلى الشارع متحدياً لكل العقبات الإرهابية الدموية، ليقرر مصيره بنفسه، ويختار النظام الذي يرتضيه ويختار من يمثله في مواقع الحكم في البرلمان وفي المواقع التنفيذية عن وعي وثقة وحزم، غير عابئ بالإرهاب وبتهديداته والاحتلال وتحدياته ... وهبّ الشعب الفلسطيني

ص: 19

ليختار المقاومة الإسلامية (حماس) ليمثّله في المواقع البرلمانية والتنفيذية من الحكومة الفلسطينية، متحدياً أمريكا وإسرائيل.

وتعلن حماس رفضها القاطع للاعتراف بإسرائيل والتخلي عن المقاومة.

وهكذا تتوالى حلقات هذا المسلسل الإلهي في حياة الأُمّة الإسلامية نصراً بعد نصر، وانتفاضة بعد انتفاضة، وثورة بعد ثورة، في موقع بعد موقع، وشهد العالم عودة الإسلام إلى الحياة من أوسع أبوابها، تياراً قوياً جارفاً لا يصده ولا يحجزه شي ء.

ص: 20

موقف دول الاستكبار العالمي من المدّ الإسلامي المعاصر

اشارة

وكان أثر هذه النهضة الكبيرة على المصالح الاقتصادية الكثيرة لدول الاستكبار العالمي في العالم الإسلامي، وعلى نفوذها السياسي والعسكري أثراً سلبياً بطبيعة الحال، فبدأت الأنظمة الاستكبارية، وفي مقدمتها إسرائيل تخطط وتعمل لإجهاض هذه النهضة وإحباطها وإفشالها، بكل ما تعرف من وسائل الإحباط والإفشال الإعلامية والسياسية والثقافية.

وأخذت تمارس هجوماً شرساً على العالم الإسلامي، ضمن مخطط عالمي للإطاحة بهذه النهضة وتفريغها من محتواها وإحباطها.

ص: 21

وتكفي إطلالة سريعة على ساحة الصراع في العالم الإسلامي اليوم، بين دول الاستكبار العالمي والإسلام لنعرف مدى شراسة هذا الصراع وخطورته.

ونحن نشير هنا في هذا البيان إلى ستة نقاط في هذه الهجمة الشرسة التي نتعرّض لها، لنشخص أولًا أعدائنا ووسائلهم ومناهجهم وخططهم في إحباط النهضة الإسلامية المعاصرة، ولنعرف ثانياً كيف نواجه هذا المخطط الاستكباري الرهيب.

1- انتهاك الحرمات الإسلامية

إنّ الأحداث الأخير التي جرى في الغرب من الإساءة الساخرة إلى رسول الله (ص) لم يكن حدثاً عفوياً، حصل بصورة اعتباطية من ناحية رسام كاريكاتوري هنا وهناك في صحيفة دنماركية أو إنكليزية أو فرنسية ... ولو كان كذلك لم تنشر هذه الصورة في الصحف الغربية بصورة واسعة، وكان بوسع الحكومات الغربية أن تعاقب هذه الصحف وتعتذر إلى مليار

ص: 22

مسلم أغضبتهم هذه الصور، وينتهي بذلك هذا المشهد الاستفزازي الذي أثار غضب المسلمين في كل مكان، في الشرق والغرب.

ولكن هذه الحكومات لم تعتذر قط، وواجهت صرخات الإستنكار في العالم الإسلامي بصلافة ممتنعة عن أي اعتذار ولو كان صورياً ... ولم يقتصر الأمر على ذلك ... فقد أخذت الصحف الغربية تنشر هذه الصور متحدية مشاعر المسلمين ... ولم تكن هذه القضية المؤسفة هي القضية اليتيمة في تعامل الغرب المهين مع العالم الإسلامي. فقد سبقت منهم إهانات وإساءات وانتهاكات كثيرة لحرمات المسلمين، من قبل، كان أبرزها صدور كتاب (الآيات الشيطانية) للمرتد الهندي- الإنكليزي الجنسية- سلمان رشدي، وقد نشر هذا الكتاب بصورة واسعة وترجم إلى لغات كثيرة، وتبنت دور النشر الغربية نشرها وإشاعتها بصورة واسعة ...

إنّ هذه الانتهاكات التي تنال مقدسات المسلمين من

ص: 23

الغرب ليست مسألة عفوية غير مقصودة، وإنما المقصود بذلك احتقار المسلمين وثقافتهم ودينهم وإذلالهم، وترويض المسلمين لقبول هذا الاحتقار.

ولا يتصور أحد أن المسألة هي مسألة صحافة وحرية الصحافة، وكما يقول الأوربيون: أنْ ليس بوسعهم تحديد حرية الصحافة في بلادهم.

فهل يجرؤ صحفي أو خطيب أو كاتب أو مؤلف أو رسام كاريكاتوري أن يشكك في أسطورة المذابح النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية (هولوكاست)، أن من يجازف، ويقدم على ذلك فسوف ينال عقوبة عمله السجن والغرامات المالية الباهظة من المحاكم القضائية في الغرب.

أنا لا أدري كيف يتحمل حكام المسلمين مثل هذا الاحتقار من الغربيين ... ولو تعاملوا معهم باللغة التي يفهمونها ويحسنونها لكفّوا عن انتهاك حرمات المسلمين ... واحترمونا، واحترموا حرماتنا ... وهذه اللغة هي لغة الاقتصاد والسوق

ص: 24

والاستيراد والتصدير والنفط ... ولكن أكثر حكام المسلمين عاجزون عن استخدام هذه اللغة، والغربيون يعرفون جيداً ثغرات الضعف في بنيتنا السياسية ... إلّا أنهم لم يكونوا على معرفة بغيرة المسلمين الكبيرة على دينهم وحرماتهم، ولقد لقّنهم جماهير المسلمين في العالم، في هذا التجاوز درساً لن ينسوه.

وإذا تجاوز الغربيون حكّام المسلمين الساكتين والمتفرجين على هذه الجريمة، فقد اصطدموا بثورة شباب المسلمين، ومسيراتهم المليونية في مشارق الأرض ومغاربها.

2- الاحتلال

اشارة

بعد سقوط الاتحاد السوفيتي أعلن الرئيس الأمريكي في حينه أن استراتيجية أمريكا في السياسة الخارجية تحولت إلى سياسة المحور الواحد بعد سقوط المنافس السوفيتي في ساحة الصراع.

ص: 25

وعليه فقد قررت الولايات المتحدة أن تفرض هيمنتها على العالم على نحو القطب الواحد، وتنفرد بالهيمنة السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم.

ولسنا بصدد مناقشة الاستراتيجية الأمريكية في سياستها الخارجية، ومدى مطابقة هذه الاستراتيجية مع الواقع السياسي والاقتصادي والعسكري في العالم ... ولكننا نريد أن نقول: أن الولايات المتحدة بدأت تخطط بصورة جدية لتنفيذ هيمنتها السياسية والاقتصادية والعسكرية على العالم بالتدريج، بدءاً بالمنطقة التي كانوا يسمونها في عصر ثنائية الهيمنة الدولية ب- (العالم الثالث).

وكانت أحداث (11 سبتمبر) سنة 2001 فرصة ذهبية لأمريكا في إخراج النظرية العتيدة إلى مرحلة التنفيذ ... ومن هنا يأتي الشك في أن يكون بعض الأجنحة الحاكمة من حكومة الولايات المتحدة هي التي ساهمت في إخراج أحداث (11 سبتمبر) ... ولذلك كانت المواقف السياسية والإعلامية،

ص: 26

وردود الفعل الرئاسية جاهزة من الساعات الأولى للحدث.

ومهما يكن الأمر فانَّ أمريكا بدأت تفكر ب- (الغزو العسكري) على الطريقة المعروفة قبل الحرب العالمية الثانية من قبل الدول الكبرى ... الاحتلال العسكري على المنهج المغولي، ومناهج الأنظمة الغربية قبل وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية.

وحققت المرحلة الأولى من هذا الغزو في أفغانستان تحت عنوان تحرير أفغانستان من (القاعدة) و (الطالبان)، ثم أعقبت ذلك بغزو العراق تحت عنوان التخلص من الأسلحة الفتاكة ذات القدرة التخريبية الواسعة، لتأمين سلامة إسرائيل ... وكان هذا المنطق منطقاً مقبولًا في الشارع الأمريكي، وفي الرأي العام الغربي، وتَمّ غزو العراق، واستقرت القوات الأمريكية في أفغانستان والعراق تحت عنوان حماية أمن البلدين من بطش الإرهابيين ...

وهذه المعادلة معادلة وهمية، يتشبث بها الأمريكان لتمرير

ص: 27

الفترة المطلوبة لنفوذ الولايات المتحدة في المفاصل الإدارية، ومواقع القرار في كل من البلدين، عن طريق زرع عملاء لهم من داخل البلدين في هذه المواقع ودعمهم وإسنادهم، وعند ذلك لا تبقى حاجة للأمريكان في إبقاء قواتهم بعيداً عن عوائلهم، ولا تبقى حاجة لتحمل الخسائر في الأرواح والأنفس، بهذا الشكل، وهذه هي المعادلة الحقيقية التي تغطيها تلك المعادلة الوهمية (الإعلامية).

عمق الاحتلال الحديث وآليّاته:

ولا يقتصر دور الاحتلال الحديث على الغزو العسكري، كما كان يحصل في الغزوات العسكرية قديماً، إنما الاحتلال اليوم بسط النفوذ السياسي والاقتصادي والعسكري والثقافي من قبل المحتل على البلد الذي يحتله، فيتحكّم المحتل في إدارة البلد الذي تحتله، وفي أسواقه وصادراته ووارداته وثرواته الطبيعية وثقافته ولغته وأعرافه وتقاليده وتركيبته السكانية،

ص: 28

ويجردهم عن ثقافتهم وهويتهم الحضارية وثرواتهم.

والآليات التي يستخدمها الاحتلال الحديث يختلف عن الآليات التي كان يستخدمها الاحتلال ما قبل الحرب العالمية الثانية ... إن الاحتلال اليوم، يعتمد في ترسيخ مواقع نفوذه في البلد المحتل على آليات متطورة في الإعلام والاقتصاد والاستخبارات والتجسس والاتصالات والنقل والآليات العسكرية.

إن الآليات الإعلامية الفضائية المتطورة، وشبكات الانترنت الواسعة المدى، والمناهج التربوية، والجامعية الحديثة، والأفلام، والأقراص الليزرية، تمكّن الاحتلال من النفوذ في عمق ثقافة البلد المحتل، ومسخها، وتحريفها في فرصة قصيرة، وبصورة واسعة.

والآليات الاقتصادية المعقدة، والعولمة الاقتصادية تمكن المحتل من ربط أسواق البلد الذي تحتله، وزراعته، وصادراته، ووارداته بعجلته الاقتصادية بحيث لا تتمكن هذه الأسواق أن

ص: 29

تستغني عن المحتل في الاستيراد والتصدير ...، ولو لفترة قصيرة ...، ونتذكر جيداً ما حلّ بدول جنوب شرق آسيا من أزمة اقتصادية نتيجة هذا الارتباط الاقتصادي بعجلة الدول الصناعية الكبرى ... والأمر كذلك في (تركيا) وفي كثير من دول العالم الثالث.

إن (الاحتلال) اليوم يستخدم آليات متطورة، يضع البلد المحتل في مداره الاقتصادي والسياسي والثقافي بصورة جبرية ...

إن من الخطأ: أن نقلل من القيمة التخريبية لحضور الاحتلال في العالم الإسلامي.

ومن الخطأ أن نعتقد أن المحتل قدم إلينا بقواته العسكرية الهائلة، ليحرّر بلدنا من الحاكم الطائش الذي كان يحكم البلد، وأحرق الحرث والنسل، خلال فترة حكمه الرهيبة.

لقد قامت أمريكا بتمويه مزدوج، وفي وقت واحد، أعلنت للشعب الأمريكي وللدول الكبرى وهيئة الأمم أنها تقدم إلى

ص: 30

العراق لتخريب الأسلحة ذات القدرة التخريبية الواسعة التي إختزنها صدام في ترساناته العسكرية، وأعلنت للعراقيين أَنّها جاءت لتحرير بلدهم من حكم عصابة البعث.

وهي لم تطلب هذه الغاية ولا تلك، وإنما كانت تطلب من وراء غزو العراق، بسط نفوذها العسكري والسياسي والاقتصادي على العراق، وإدخال العراق في دائرة النفوذ الأمريكي في العالم.

إنَّ من الخطأ أن نتصور أنَّ أمريكا قدمت إلى العراق لتحرير العراق.

ومن الخطأ أن نتصور أنَّ الاحتلال يبقى ريثما تتمكن الأجهزة الأمنيّة من السيطرة على الوضع الأمني في العراق.

نحن نعلم المخطّطات والمشاريع السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافيّة التّي تعدّها أمريكا لتطويع العراق للإحتلال.

ولكننا نعلم أن الله تعالى لهم بالمرصاد، يُعين الشعب

ص: 31

العراقي على قطع الطريق الصعب، وتجاوز العقبات ويَدعمه، إذا صبرت وصمدت، وواجهت هذه المحاولات وما يلحقها بوعي وإيمان وصبر ومقاومة.

نحن لا نقول كما يقول الشاعر:

إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلابُدّ أن يستجيب القدر

فإن الأقدار كلها بيد الله، وليس بمقدور أحد أن يفرض إرادته على الأقدار.

ولكننا نقول كما قال الله تعالى:

إِنَّ اللّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (1)

.

إن الناس إذا واجهوا هذه الأعمال بالوعي، والإيمان، ووحدة الكلمة، والموقف، والصبر، والصمود، والتعاون على الحق، وعلى الصبر، فأن الله تعالى يعدهم بأن يغير ما بهم من سوء إلى رحمة وخير وقوة.


1- الرعد: 11.

ص: 32

إن المسالة واضحة لا تحوجنا إلى تفكير طويل.

إن الاحتلال لم يبذل هذا البذل الواسع، ولم يُقدّم أبناؤه للقتل، ليقدّم للعراق (المشروع الديمقراطي) في طبق من ذهب، وينقذهم من ديكتاتورية صدام، وإنّما يحمل الاحتلال مشروعه السياسي الذي يخدم أهدافه السياسية والاجتماعية والعسكرية والثقافية، ولهذا المشروع رجاله وأبطاله الذين ينتخبهم الاحتلال ...، وهذا هو القصد من وراء كل هذه الأعمال والشعارات والمحاولات ...، غير أن الاحتلال يعمل لتفنيد هذا المشروع من خلال الآلية الديمقراطية، فإذا لم تحقق الديمقراطية أهداف الاحتلال، ولم تستجب لمشروعه السياسي ... فأن الاحتلال عندئذ يلجأ إلى مشاريع ومخططات ومحاولات أخرى، محاولة بعد محاولة.

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (1)

.


1- الأنفال: 30.

ص: 33

3- الإرهاب

اشارة

الإرهاب صناعة غربية تاريخياً، لا نشك في ذلك، ونحتاج إلى دراسة مسهبة في التاريخ السياسي المعاصر، بدءاً من أفغانستان ومروراً بالعراق، لنعرف كيف توظّف أنظمة الاستكبار العالمي الإرهاب لتبرير حضورها العسكري في أفغانستان والعراق، كما استفادت منه في تبرير غزوها للعراق، ومن قبله لأفغانستان.

الإرهاب حالة فاقدة للخطاب السياسي:

الإرهاب حالة حركية- سياسية، تمارس الفتك والبطش، على أوسع نطاق، ومن دون حدود وحواجز من الضمير والدين والعقل، وهي حالة فاقدة للخطاب السياسي، لا نعرف له خطاباً سياسياً واضحاً، يتطابق مع الأعمال الإجرامية التي تمارسه من الفتك والبطش بالأبرياء وتخريب المساجد والمراقد المشرفة لأهل البيت (ع) ... وهي في نفس الوقت حالة

ص: 34

متوارية، تعيش تحت الأرض، ليس لها أي تمثيل وخطاب على سطح الأرض، تحت الضوء، ليمكن مناقشته ونقده ومعرفة أهدافه.

ومثل هذه الحالات تكون معرّضة عادة لاختراقات كثيرة من قبل شبكات الجاسوسية العالمية، وأشرس شبكات الإرهاب وأكثرها ضراوة وفتكاً تعشعش في العراق.

أهداف الإرهاب:

إن ما يطلبه الإرهاب في العراق من وراء كل هذا العبث والفساد والتخريب أمران:

الأمر الأول:

تفريغ الشارع من الجمهور الكبير الذي هبّ إلى الشوارع ليقرر مصيره السياسي بنفسه، ويواصل أشواط العملية السياسية بحزم وجدّ ... وهو أمر يغيظ هؤلاء الإرهابيين، ومطلبهم الأول من وراء هذا الإرهاب هو إرعاب الناس

ص: 35

وإرجاعهم إلى بيوتهم ومحلاتهم ووظائفهم الإدارية، وتهميش دورهم في الحياة السياسية مرة أخرى، ولدورة تاريخية أخرى.

الأمر الثاني:

إثارة الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة في العراق، ليطلّوا على مشاهد هذه الفتنة العارمة، يضربون الشيعة بالسنة والسنة بالشيعة، ثم يحققون في هذه الفتنة ما يريدون من العبث والإفساد والتخريب.

الإرهاب والمقاومة:

من الخطأ وخيانة التاريخ أن نخلط أوراق الإرهاب بأوراق (المقاومة).

إن المقاومة عمل شريف في الدفاع عن ثغور الإسلام وحقوق المسلمين وتعتبر وسيلة للدفاع المشروع في الإسلام ... والذي يجري في العراق أمر آخر يختلف تماماً في الشكل

ص: 36

والمحتوى عن المقاومة.

إن الإرهاب الشرس الذي يفتك ويبطش بالأبرياء، ويعيث في الأرض فساداً، ولا يبقي حرثاً ولا نسلًا إلّا أحرقه وأباده ... إرهاب من أشرس ما يعرفه الناس، وأكثرها فظاظة ووحشية وعنفاً، وليس له علاقة بالمقاومة، وإن كان يعمل تحت غطاء المقاومة.

4- الفتنة الطائفية

هذه الفتنة يمكن أن تندلع كل حين، وهي فتنة سهلة الإثارة، سريعة الاشتعال، واسعة الحرائق، صعبة الإخماد، وتصعب السيطرة عليها، كثيرة الأضرار، طويلة التفاعل ... وإنما فصلنا في تصوير هذه الفتنة لنحذر منها، ونحصّن مجتمعنا بشطريه: الشيعي والسني، منها.

ولكي نتمكن من أن نحصّن ساحتنا منها، ونحبط خطط الأعداء في تفجير هذه الفتنة، يجب علينا مراقبة الساحة، والأحداث، والفتن التي تشتعل هنا وهناك؛ وتشخيص أمثال

ص: 37

هذه الفتن بصورة مبكّرة، قبل أن تشتعل وتؤدّي إلى حرائق واسعة في مجتمعنا، تصعب السيطرة عليها، ثم التوعية والتثقيف الإسلامي- السياسي، وهو كفيل بتحصين الساحة وحفظها من أمثال هذه الفتن.

والتأكيد على حرمة المسلم وحصانته، وحرمة انتهاك كرامته، وحرمته، وحرمة تكفيره، ورميه بالشرك والكفر.

والتأكيد على وحدة الأمة الإسلامية، في محكم كتاب الله: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (1).

والتأكيد على الأخوّة الإسلامية إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (2) والتأكيد على وجوب الاعتصام بحبل الله جميعاً، والنهي عن الاختلاف والتفرقة وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْ (3).


1- الأنبياء: 92
2- الحجرات: 10
3- آل عمران: 103.

ص: 38

والتأكيد على الساحة المشتركة بين المسلمين الشيعة والسنة في أصول الدين، والفقه، والتفسير، والفرائض، والولاء، والبراءة، والمواقف السياسية والأعداء والأصدقاء والمصالح الإسلامية العالية؛ والتأكيد على وحدة العراق بشيعته وسنّته، وضرورة العيش المشترك، والتفاهم، والتواصي بالحق، والصبر على مواجهة العدو المشترك الذي لا يبقى ولا يذر على شيعي ولا سني.

وضرورة انعقاد اللقاءات الإسلامية المشتركة بين السنة والشيعة للوصول إلى تفاهم مشترك في المسائل والمواقف السياسية ... فإن الله تعالى جعل في اجتماع هذه الأمة المباركة من الرحمة والبركة، ما لم يجعل في غيره.

5- الغزو الثقافي

يتعرض العالم الإسلامي- اليوم- لغزو ثقافي واسع من ناحية الغرب يهدد سلامة بنيتنا الثقافية، والعقائدية،

ص: 39

والأخلاقية، وإذا لم نبادر ونتدارك مواقعنا الثقافية في هذا الغزو، فإن الخطر قريب منا، وبشكل خاص من شرائح الشباب في المجتمع.

إن الغرب استطاع، للأسف، أن يكسر الحواجز التي تفصلنا عنه ثقافياً وحضارياً بالآليات الخبرية، والإعلامية الفضائية، وشبكات الانترنيت، والصحافة المتطورة التي تطبع في عدة عواصم في وقت واحد.

ودخل الغرب بهذه العملية الاقتحامية عقر دورنا ومخادع نوم أبنائنا وبناتنا، ومن دون أي حاجز يذكر، كما لو كان السد يتهاوى أمام تدفق السيول المخربة، فتدخل السيول بقدرة تخريبية عالية دور الناس، وممتلكاتهم، ثم محلاتهم، وتسلب منهم كل قدرة على حجز هذا التدفق المخرب ومنعه.

إن الذي يجري اليوم في الأوساط الثقافية في العالم الإسلامي هو الكارثة الثقافية، بعينها، لو لم يتداركها المسلمون بوعي، وتخطيط دقيق للحد من خسائرها، وبالتالي

ص: 40

السيطرة عليها.

إن الانفتاح الثقافي والحضاري القائم فعلًا ليس عملًا ثقافياً وحضارياً (حواريّاً) متبادلًا بين ثقافتين وحضارتين، كما يأمرنا القرآن بالحوار، وتبادل الأفكار، والثقافات، وإنما هو اكتساح ثقافي. وليس من الصحيح أن نخدع أنفسنا في هذه الكارثة الثقافية التي تحل بأبنائنا وبناتنا، ونسبغ عليها عناوين وهميّة من قبيل الحوار والانفتاح، فإن الإسلام لا يمنع من الحوار والانفتاح، بل يأمر بهما، ولكن الذي يجري اليوم هو شي ء آخر، يختلف عن الحوار والانفتاح السياسي تماماً.

إن الذي يجري في الوسط الثقافي، في العلاقة بيننا وبين الغرب هو تماماً ما يجري في الأسواق التجارية في العلاقة الاقتصادية بيننا وبين الدول الصناعية، وفي مواقع النفوذ السياسي بيننا وبين الدول الكبرى في العلاقة السياسية، والنفوذ السياسي.

وهذا الذي يجري اليوم في نظام العولمة الجديد، سياسيا،

ص: 41

واقتصادياً، وثقافياً، ليس من مقولة الانفتاح المتكافئ، وتبادل العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية، وإنما هو من نوع الاجتياح السياسي والثقافي والاقتصادي.

وهذا الاجتياح الثقافي، يهددنا إذا لم نتداركه بوعي وعقل وتخطيط دقيق ... يهددنا بفقدان المناعة الثقافية والحضارية، وهو ما يطلق عليه الأطباء عنوان (الإيدز) طبياً ... فإن شيئاً من هذا القبيل يجري في عالم الثقافة كما يجري في عالم الطب من فقدان المناعة من الأمراض المعدية.

وليست أمامنا خيارات كثيرة في هذا الاجتياح الثقافي والحضاري الواسع، وليس بوسعنا أن نمنع الأثير من أن ينقل إلينا، ذبذبات الصوت والضوء، وليس بوسعنا أن نغلق أبواب دورنا، وغرف أبنائنا وبناتنا على هذا الاجتياح الثقافي الواسع كثيراً ..

والشي ء الوحيد الذي نملكه ويجب أن نخطط له هو التربية بالتقوى، وبناء الجيل الجديد على أساس من التقوى؛ فإن

ص: 42

التقوى عازل تربوي قوي، ولباس واق يحفظ الجيل الصاعد من حرائق التحلّل والابتذال الخلقي القادمة إلينا من ناحية الغرب، يقول تعالى: وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ، وكما يحفظ اللّباس الإنسان من الحرّ والبرد، ويستر سوأته عن أنظار الناس، كذلك التقوى يحفظ الشباب في وسط هذه الحرائق يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُو ارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ (1).

إن التقوى لباس يستر سوأة النفس، كما يستر اللباس سوأة الجسم، وهو كما يقول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع): (إن التقوى دار حصن عزيز، والفجور دار حصن ذليل، لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه) (2).

إن الأداة التي تمكّننا من مواجهة هذا الغزو الثقافي الهائل (بل القصف الثقافي)، هو التقوى، وهو أداة قوية، وعازل قوي،


1- الأعراف: 26
2- شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد 209: 9، ميزان الحكمة 3627: 4.

ص: 43

يحفظ الشباب من الجنسين من تأثيرات هذه الثقافة الحضارية المتحللة.

6- تطويق المقاومة الإسلامية

تعمد دول الاستكبار العالمي إلى تعطيل دور المقاومة الإسلامية، والإجهاز عليها بعنوان (الإرهاب) كما في لبنان وفلسطين بالنسبة إلى (حزب الله) و (حماس)، في الوقت الذي تقوم بدعم (الإرهاب الدولي) الكبير المتمثل في (إسرائيل)، تحت عنوان (الشرعية الدولية).

ويحير المنظرون عندنا في تعريف (المقاومة) و (الإرهاب)، ويتصورون أن المسألة من باب التشابك والتداخل في الحدود والتعاريف، ويتصورون أننا إذا عرّفنا (الإرهاب) والمقاومة تعريفا دقيقاً، ووضعنا (حزب الله) و (حماس) في موضعهما الصحيح من دائرة المقاومة المشروعة، فسوف تغيّر أمريكا موقفها من المسألة.

ص: 44

أمريكا تريد أن تبسط يد إسرائيل في البطش والفتك بالأبرياء، وتمنحها الضوء الأخضر في التجاوز والعدوان، وفي نفس الوقت تكبل كل من تحدثه نفسه بمعارضة إسرائيل، حتى ولو كان ب- (رشق حجارة)، مهما كانت الأسماء والمسميات.

تعلن أمريكا الحرب، على المقاومة الإسلامية في لبنان (حزب الله)، وتعمل المستحيل لإدخال حزب الله وحماس في قائمة الإرهاب في مجلس الأمن، وتقف متفرجة على المشاهد المروّعة للغارات الجوية الإسرائيلية على الجنوب اللبناني وبيروت والقرى والمدن المؤيدة لحزب الله.

وتعارض أن يتخذ مجلس الأمن قراراً بوقف القتال والغارات الإسرائيلية، لعل إسرائيل أن تحقق في هذه الغارات انتصاراً عسكرياً على حزب الله.

تأييد مطلق للعدوان الإسرائيلي، وشجب مطلق لدفاع المقاومة، وعمل سياسي وإعلامي واسع للخارجية الأمريكية لانتزاع سلاح المقاومة ...، كل ذلك من أجل إطلاق يد

ص: 45

إسرائيل في العدوان، وتطويق المقاومة الإسلامية وتعطيلها وإلغائها.

وقد شاهدنا جميعنا الحصار الاقتصادي الصعب لمليون ونصف فلسطيني مسلم في غزة من قبل إسرائيل وأمريكا والضالعين في تأييد السياسة الأمريكية بجوار غزة ...

وقد شاهد مليار مسلم من خلال شبكات الإعلام العالمية موت عشرات المرضى في مستشفيات غزة بسبب فقدان الدواء اللازم لعلاج هؤلاء المرضى، وتستغيث غزة ضمائر المسلمين والعرب والبشرية، ولا تجد من يغيثها في محنتها غير قارب الإغاثة اليتيم الذي تحرك إلى غزة بإمدادات رمزية، لعلها تنفع في يقظة ضمائر الأنظمة العربية التي تتفرج على محنة غزة ولا تحرك ساكناً.

وجريمة غزة أنّها لاتعترف بالشرعيةالدولية لإسرائيل، مهما كانت الظروف، و لاتدخل في المشروع الأمر يكي للشرق الأوسط، ولا تتراجع عن حقهافي مقاومة العدوان والاحتلال الإسرائيلي.

ص: 46

إن استعراضاً سريعاً للمواقف الأمريكية المعلنة من المقاومة الإسلامية وإسرائيل يوصلنا إلى نتيجة قطعية لا مجال للمنافسة فيها.

وهي أن أمريكا تبذل جهداً كبيراً لتطويق المقاومة الإسلامية، وتعطيل حركتها، وترويضها لقبول إسرائيل، والاعتراف بها، وانتزاع السلاح من يدها، بينما نجد أنها تقوم بدعم متواصل لإسرائيل، وتطلق يدها في العدوان على المسلمين والفتك والبطش بهم.

وهذا الموقف الأمريكي أمر واقع لا محالة.

وهو يتطلب موقفاً مكافئاً له من قبل المسلمين سياسياً واقتصادياً، غير أننا نواجه للأسف أيدي حكام المسلمين في يد الأمريكان، وبينهم وبين الأمريكان علاقات ودية حسنة.

وإذا كان الأمر كذلك، ولا أمل في أن يغيّر حكام المسلمين مواقفهم الضعيفة من الولايات المتحدة، فلابدّ أن يتخذ المسلمون المواقف المكافئة لأمريكا في انتهاكاتها المستمرة

ص: 47

للإسلام والمسلمين، وتجاوزاتها المتصلة للعالم الإسلامي.

وهذا الموقف الشعبي- غير الرسمي- جزء من التكليف الشرعي بإزاء الانتهاكات الأمريكية للعالم الإسلامي، وتعبير عن حيوية الضمير والوجدان الإسلامي ...

إن المسلمين يشعرون بأسى وأسف عميقين، لا حدّ لهما، عندما يواجهون العدوان الأمريكي على العالم الإسلامي، ووقوف أمريكا إلى جانب إسرائيل، وحربها التي لا هوادة فيها على المقاومة الإسلامية في لبنان وفلسطين، وسكوتها عن الرؤوس النووية ال- (300) التي تملكها إسرائيل، ومضايقتها لإيران لسعيها في تطوير أنشطتها النووية لأغراض سلمية.

... ثم يجد من جانب آخر حكام المسلمين يقصدون الأمريكان في أمريكا، ويستقبلونهم في بلادهم بابتسامة عريضة، وتودد وتملق وضعف وذل.

وهذا المشهد يتكرر يومياً في بلاد المسلمين على أيدي حكام المسلمين، وأنه ليؤسف كل مسلم أن تجتاح المجاعة

ص: 48

مسلمي الهند وباكستان وبنغلادش وأفغانستان، ويموت أطفال المسلمين بسبب الجوع، وقلة المواد الغذائية، ثم تتبرع دولة إسلامية ب- خمسمائة مليون دولار إلى أمريكا في حادث الإعصار الذي اجتاح السواحل الأمريكية ... وأن هذا المبلغ يكفي لإغاثة 000. 400 عائلة (أربعمائة ألف عائلة) مسلمة في باكستان والهند وبنغلادش وأفغانستان لمدة سنة واحدة، على الأقل ...

ص: 49

الحلّ والموقف من خلال آية الصبر والصلاة

الحلّ والموقف من خلال آية الصبر والصلاة

اشارة

ص: 50

ص: 51

فما هو الموقف تجاه هذه المؤامرة الواسعة ذات الطابع الإرهابي والتخريبي؟ وما هو أهم متطلبات هذه المرحلة الصعبة في مواجهة التحديات الصعبة التي تواجهها أمّتنا؟

إن هذه المرحلة منعطف من منعطفات التاريخ، والتهاون، والضعف، والتراجع أمام زحف العدو، والتخاذل، وفقدان الموقف والمسؤولية والخطاب، واليأس، والتعب في هذه المرحلة ينعكس انعكاساً سلبياً على هذا الجيل، والأجيال التي تلي هذا الجيل.

وبالعكس، الصمود، والمقاومة، والصبر، والعمل، وتحمّل عب ء المرحلة بروح الأمل، والانفتاح على الله تعالى، والثقة

ص: 52

بنصر الله، والتخطيط الهادف لمواجهة المرحلة، ووحدة الصف والكلمة والقرار والموقف، ينعكس على هذا الجيل والأجيال التي تلي هذا الجيل انعكاساً إيجابياً.

وهذه هي طبيعة المنعطفات في التاريخ ومرحلتنا الحاضرة واحدة من هذه المنعطفات.

فما هو الموقف؟ وما هي مسؤوليتنا في هذه المرحلة؟ وما هو خطابنا السياسي في مواجهة هذه الأزمات والتحدّيات الصعبة؟ وما هو منهج المواجهة والمقاومة في هذه المرحلة؟

الكلمات الثلاثة في آية الصبر والصلاة من سورة البقرة

اشارة

سوف ألخّص الموقف، ومنهج المواجهة والمقابلة، وآليّة العبور من هذه المرحلة الصعبة (عنق الزجاجة)، بآية من كتاب الله من سورة البقرة.

وهي الآية 153 من سورة البقرة، وهي تلخّص منهج التعامل في هذه المرحلة بثلاث كلمات، واليك الآية الكريمة

ص: 53

والكلمات الثلاثة:

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّل اةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (1)

.

الكلمة الاولى
اشارة

الكلمة الاولى في هذه الآية الاستعانة بالصبر في أزمات الحياة وأيام البأساء والضراء؛ والصبر هنا، أوسع من التحمّل، وإن كان التحمّل شرطاً أساسياً من شروط الموقف في المحنة.

وفي مقابل التحمّل: اليأس، والتعب، والانهيار، وهو معنى الخسران الكامل لكل مكاسب المرحلة، والاستسلام الكامل لكل خطط العدو وأهدافه، فلابُدَّ من التحمّل. والتحمّل شرط أساسي من شروط الموقف.

ولكنّ الصبر في الآية الكريمة أوسع من التحمّل، إنّه المواجهة، والمقاومة، والتخطيط، والتشهير بالمؤامرة الكبرى


1- البقرة: 153.

ص: 54

التي تطوّقنا بها أنظمة الإستكبار العالمي في الغرب ...، وفضح أهدافها، وتسقيطها، والتشهير بها، وتوعية الجمهور بغاياتها، لاجتياز هذه المرحلة الصعبة، وتوحيد الكلمة والموقف والقرار والخطاب، وتخفيف حالة التعدّدية السياسية مهما أمكن، وإزالة التوتّر من ساحتنا، وتعميق حالة التوافق والتفاهم واللقاء. والتضامن السياسي في الموقف والقرار والخطاب مهما أمكن، وتأكيد حالة الاخوة الإسلامية بين الطائفتين الإسلاميتين الكبيرتين (الشيعة والسنة)، والقضاء على حالة التوتّر الطائفي والمذهبي، وتغليب الحالة الإسلامية، على حالات التوتر والتشنج، وتحذير الناس من الإثارات التي تثيرها الفضائيات المحيطة بنا في كل يوم، والانتباه إلى التضليل والتغرير الإعلامي الذي تمارسه الشبكات الخبرية والإعلامية الفضائية في العالم، والاستعلاء على المسائل السياسية الصغيرة التي تثير الخلاف بين المسلمين من أجل التفاهم والتوافق على المسائل الكبيرة والقضايا الأُم التي تهم العالم الإسلامي.

ص: 55

توحيد القرار السياسي من القضايا التي تهم العالم الإسلامي:

ففي العالم الإسلامي قضايا سياسية كبرى تهمّ العالم الإسلامي جميعاً، مثل الاحتلال الإسرائيلي لفسلطين، والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، والإرهاب، والتطرف الديني، والفتن الطائفية وأمثال ذلك من القضايا الأم التي تهمّ كل العالم الإسلامي.

في مثل هذه القضايا لابدّ من توحيد القرار والموقف السياسي في الساحة الإسلامية، بمعزل عن القرار والموقف الذي يتخذه ويتبنّاه معظم الأنظمة في العالم الإسلامي عموماً، والعربي بشكل خاص ... أقصد الأنظمة المتخاذلة، والمرتبطة بعجلة أنظمة الاستكبار العالمي.

والقرار والموقف الواحد، ولو كان في دائرة النظرية فقط، يتحول إلى تيّار إسلامي واسع رافض للحلول والمواقف والقرارات الخاضعة للضغوط السياسية، والمبنيّة على التنازل

ص: 56

عن ثوابتنا السياسية.

فإذا وحّد المسلمون مواقفهم وآرائهم في المسائل السياسية الكبرى (الأُم) كانت يد الله تعالى عليهم ومعهم.

وعندئذ يتحول الرأي العام الإسلامي إلى قوة سياسية كبيرة ضاغطة، وعامل لتعديل وتصحيح الآراء والقرارات والمواقف السياسية المتخاذلة، وعندئذ يؤيدهم الله، ويمكّنهم من أعدائهم، ويمنحهم القوة والعزم.

وهذه المهمة الكبيرة تتطلب الترفّع عن المسائل الصغيرة والاستعلاء عليها وعلى المشاكل التي تحجبهم وتعيقهم عن اتخاذ القرار والموقف الواحد.

عناصر الصبر:

أقول: إنَّ مكونات (الصبر) في آية الصبر والصلاة من سورة البقرة، كثيرة منها: الصبر على العمل، والصبر على

ص: 57

البناء، والصبر على التخطيط، والصبر على الإعداد والتحضير، والصبر على مكافحة الإرهاب، والصبر على بناء أجهزة الدولة بناءً صحيحاً ... وليس الصبر فقط هو المعنى السلبي الذي يفهمه عامة الناس من الصبر بمعنى التحمّل، وان كان التحمّل من الصبر ومن ضرورات المرحلة، ومتى نفذ تحمّل الناس استسلموا للمؤامرة الكبيرة والتحدّيات الكبرى لا محالة ... فلابد من التحمّل والمقاومة، ولابد من تثقيف الناس على ذلك، ولابد من تعميق حالة الصبر- بمعناه الواسع الإيجابي- في المجتمع، هذه هي الكلمة الاولى من آية الصبر والصلاة في سورة البقرة.

الكلمة الثانية
اشارة

الكلمة الثانية في آية البقرة: 153 «الصلاة»: اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ، وللصلاة في هذه الآية معنى واسع يشمل الاستعانة بالله في البأساء والضراء، والدعاء بالنصر،

ص: 58

والتوكل على الله، واللجوء إليه، والاستعانة به تعالى ساعة العسرة والشدة.

وقد كان الأنبياء (ع) وأتباعهم وأنصارهم يلجأون إلى الله تعالى في ساحات الصراع، يلتمسون من الله تعالى النصر، ويستغيثون به، فيرزقهم الله تعالى النصر.

و قد قام رسول الله (ص) في وادي بدر بين يدي الله تعالى يسأله النصر، ويتضرع إليه في النصر، ويقول: أللهم إن شئت أن لا تعبد لا تعبد. ولم يزل واقفاً يستغيث ويتضرع إلى الله في طلب النصر حتى سقط رداؤه عن متنه.

عن أمير المؤمنين (ع)، أنه قال: لما أن كانت ليلة بدر، أصابنا وعك من حمى، وشئ من مطر، وافترق الناس يستترون تحت الشجر فنظرت إليهم من الليل، فلم أر أحداً غير رسول (ص)، فلم يزل قائماً يصلي والناس نيام حتى انفجر الصبح، فصاح: الصلاة عباد الله، فأقبل الناس إليه من تحت

ص: 59

الشجر، فصلى بهم (1).

ولنستمع إلى طرف من أدعية الأنبياء (ع) وأتباعهم في طلب النصر من عند الله في ساعات البأساء والضراء.

فهذا شعيب (ع) وقومه يدعون الله تعالى أن يفتح بينهم وبين قومهم بالحق:

رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (2).

وبازاء تهديد فرعون يتضرع السحرة إلى ربهم بعد أن آمنوا:


1- شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي 239: 3. وعن ابن عباس قال كان النبي 9 ليلة بدر قائماً يصلي ويبكي ويستعبر ويخشع ويخضع كاستطعام المسكين ويقول: اللّهم أنجز لي ما وعدتني، ويخر ساجداً ويخشع سجوده ويكثر التضرع، فأوحى الله تعالى إليه: قد أنجزنا وعدك وأيدناك بابن عمك علي، ومصارعهم على يديه، وكفيناك المستهزئين به، فعلينا فتوكل وعليه فاعتمد، فأنا خير من توكلت عليه، وهو أفضل من أُعتمد عليه. (كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي: 136)
2- الأعراف: 89.

ص: 60

رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ (1).

ويفزع قوم موسى (ع) إلى ربّهم في فتنتهم ومحنتهم المعروفة:

رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ* وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (2).

ويتضرع طالوت والذين آمنوا، وقاتلوا معه جالوت ... إلى الله تعالى أن ينصرهم الله على جالوت وجنوده:

وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ* فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ (3).


1- الأعراف: 126
2- يونس: 85- 86
3- البقرة: 250- 251.

ص: 61

ويُعَلِّمُ الله تعالى المؤمنين الذين وقفوا مع رسول الله (ص) أيام البأساء والضراء أن يستنصروا الله تعالى ويستغيثوا به في طلب النصر:

رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (1).

ولوط (ع) يسأل الله تعالى أن ينصره على قومه:

قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ (2).

ونوح (ع) يدعو الله أن ينصره على قومه الذين كذّبوه ورفضوه:

قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ (3).

أجل، إن الإقبال على الله بالدعاء والتماس النصر،


1- البقرة: 286
2- العنكبوت: 30
3- المؤمنون: 26 و 39.

ص: 62

والاستغاثة إلى الله تعالى في إنزال العقوبة بالقوم الظالمين من سنن الأنبياء (ع) ... وإنّ الله تعالى يُحبّ أن يُقْبِلَ عليه عباده في ساعات البأساء والضراء بقلوبهم ووجوههم ونواصيهم، يطلبون منه النصر، ويتضرّعون إليه في أن ينزل بهم النصر، وعلى عدوهم القهر والهزيمة.

وكانت هذه السنة سنة المرسلين من قبل رسول الله (ص) وسنة رسول الله (ص) وأهل بيته (ع)، والمؤمنين الصالحين من أمته.

ولن يلجأ المؤمنون إلى الله تعالى إلّا أن يستجيب لهم، ويدفع عنهم النصر، ويكشف عنهم السوء.

الاحتلال الأمريكي

إنّ أمريكا تحتل أرضنا، وتنشر قواتها المدعومة بقوات الاحتلال على مساحات واسعة من أرض العراق وأفغانستان، وليس في نيّتها أن تنسحب منهما، وقد دخلتهما لتبقى، لا لتخرج منهما.

ص: 63

إنّ من السذاجة أن نتصور أن الأمريكان دخلوا العراق ليحرّروا الشعب العراقي من ديكتاتورية صدّام وزمرته، ثم يعودون إلى بلادهم، بعد أن يطمئنوا إلى سير الأمن والديمقراطية في العراق!!! ودخلوا أفغانستان ليحرّروا الشعب الأفغاني من عناصر الطالبان.

إنّ أمريكا تفكّر في نفط العراق، وحماية ظهر إسرائيل من ناحية العراق والسيطرة على الخليج الفارسي، وتفكّر في استراتيجياتها العسكرية في المنطقة الإسلامية.

ولا تغيّر هذه الحقيقة الأكثرية الديمقراطية في مجلس الشيوخ والكونغرس الأمريكي، فإنّ اعتراض الديمقراطيين على الجمهوريين في أصل الدخول في المستنقع العراقي، وليس في الخروج منه، وبينهما فرق، ... وقد رفع (جان كري) المنافس الديمقراطي لبوش كل شعاراته وبرامجه السياسية في الحملة الانتخابية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولم يُشِرْ قط إلى نيّته في الخروج عن العراق.

ص: 64

ولقد لخّص أحد القادة الأمريكان المأزق الأمريكي كله في العراق بكلمة دقيقة، فقال: إنّ مشكلة أمريكا في العراق إنها لا تستطيع أن تبقى في العراق، ولا تستطيع أن تخرج منه.

إذن نحن أمام واحدة من أخطر تبعات العهد الصدّامي، وهو حضور الاحتلال الأمريكي في العراق ... وأن الدخول في العراق كان خطاءً والخروج منه خطاء أكبر من الخطاء الأول ... وهذا هو المأزق الأمريكي بين المتناقضات.

والأمريكان في العراق يرثون خبرات الإنكليز في فرض سيطرتهم على العراق، وفي العبث والإفساد في البلد. فهم قد تعلّموا من الإنكليز اللعب على حبل الطائفية المذهبية في العراق، والميل إلى السُنّة للضغط على الشيعة، والميل إلى الشيعة للضغط على السُنّة، وإثارة الصراع الطائفي في العراق، وتهديد الشيعة بالسُنّة، وتهديد السُنّة بالشيعة.

وليس لنا نحن بإزاء هذا الواقع السياسي الذي خلّفه لنا العهد الصدّامي المشؤوم غير اللجوء إلى الله تعالى، والاستعانة

ص: 65

به، والتوكل عليه، والاعتصام بحبله، والصمود، والمقاومة، والتخطيط، والعمل لتجاوز هذه المرحلة.

إنّ أمريكا وبريطانيا قوتان استعماريتان غاشمتان، ترثان مواريث الطغاة في الاستكبار على الشعوب، واستضعافها، وإذلالها، وإرهاقها بالمشاكل، ونهب خيراتها، وسلب حرّيتها وإرادتها، ومسخ هويّتها الدينية والحضارية. وتمتلكان إمكانات عسكرية وإعلامية واقتصادية هائلة.

وفي مثل هذا الابتلاء العريض، لايبقى لنا إلّا أن نلجأ إلى الله تعالى، ونتضرّع إليه، ونطلب منه النصر، ونركن إليه تعالى، ونثق بوعده بالنصر ... وهذا الدعاء إليه والثقة بوعده هو معنى الصلاة في آية البقرة: 153.

الربّانية في ساحة الصراع

إنّ الحالة (الربّانية) في المجتمع تمنح المؤمنين قوة وصموداً وثباتاً على أرض المعركة، وتدعم مواقفهم وتُثبّت أقدامهم،

ص: 66

وتُطمْئن قلوبهم، وتربط على قلوبهم.

وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (1).

إن الربانية في الحياة تُحَوِّل ضعف المؤمنين إلى القوّة، واستكانتهم للعدو إلى رفض ومقاومة ... والكلمة الأخيرة في الآية الكريمة: وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ... وهي توحي بالتلازم الشديد بين الصبر والمقاومة من جانب، والربانية من جانب آخر.

إنّ (الربانية) ليست شعاراً، ولا إنشاءاً ولا إطاراً للمعركة، وإنما هي التوجّه إلى الله، والإقبال على الله، والالتزام بحدوده وأحكامه وتعبيد الناس له، وإقامة الدين حنيفاً في وسط المجتمع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، وأن نغضب لله ونقاتل لله، وأن نعطي لمجتمعنا وساحتنا الصبغة


1- آل عمران: 146.

ص: 67

الربانية الإلهية، ونخلص له تعالى في أعمالنا ونيّاتنا، ونتحابب في الله، ونتعاون لله، ونأخذ بأمره ونهيه، ونتقرّب إليه بالأعمال الصالحة، ونحذر ونتجنّب ما يُحَرّمه ويحظره علينا، ونحب لله ونبغض في الله.

إن الربانية نية، وسلوك، وعطاء، وطاعة، وإخلاص، وتقوى، وذكر، ودعاء، وصلاة، وأخلاق، وقيم ... الخ وهذه النقاط وغيرها تدخل جميعاً في تكوين الحالة الربانية في المجتمع.

والحالة الربانية من أهم عوامل النصر والتغلب على المشاكل والأزمات.

نحن نفهم المقاومة، ومواجهة المشاكل، والصراع على طريقة مختلفة تماماً عن الطريقة التي يفهمها بها الغربيون، ونحن نحلل القضايا السياسية والحركية على منهج مختلف تماماً عن المنهج الغربي.

نحن نعتقد أنّ العامل الغيبي جزء أساسي من العوامل

ص: 68

المؤثرة في ساحة المعركة والصراع، وشرط أساسي للنصر، من دون أنْ نُهْملَ الجانب الميداني، والعوامل المؤثرة في الساحة. إنّ الصلاة، والدعاء، واللجوء إلى الله، تُكْسبنا الدعم والنصر الإلهي في هذه المعركة، والإيمان بهذه الحقيقة جزء من عقيدتنا في الله تعالى ... وهذه هي الكلمة الثانية في آية البقرة: 153.

الكلمة الثالثة

الكلمة الثالثة في آية البقرة: 153: (معيّة الله)، إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ...

إنّ معية الله تعالى للمؤمنين حقيقية على الأرض، في ساحة المواجهة والصراع والقتال أوّلًا.

وسبب يبعث الطمأنينة في قلوب المؤمنين، ويرفع معنوياتهم في ساحات المواجهة والصراع، ويمنحهم دعماً نفسياً قوياً، وشعوراً بالاستعلاء على العدو ومكره وكيده ثانياً.

وحقيقة في التاريخ نستخرجها من مسيرة الأنبياء

ص: 69

وأوصيائهم وأوليائهم والصالحين من عباد الله في مواجهة الطغاة والجبارين والمفسدين في الأرض ... ثالثاً.

فلم يزل ينصر الله تعالى عباده الصالحين على المفسدين في الأرض جيلًا بعد جيل.

وإليك إيضاح هذه النقاط الثلاثة:

أما النقطة الأولى:

فإن النصر الإلهي حقيقة قائمة على الأرض، وليس إيحاءاً نفسياً يحفظ المعنويات، وأدباً من أدبيات المعركة.

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (1)

.

ويقول تعالى:

إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ (2).


1- محمد: 7
2- غافر: 51.

ص: 70

والنصر هنا في الحياة الدنيا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وليس الفوز في الحياة الآخرة، وإن كان الفوز في الآخرة مما خصّ الله تعالى به رسله والذين آمنوا، دون الكافرين والمنافقين والمفسدين في الأرض، يَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ.

ويقول تعالى:

كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (1).

ولكن لابُدَّ أن نضيف إلى هذه النقطة أمرين يؤكدهما القرآن، وهما: (شروط النصر)، و (طريقة النصر)، فإنّ النصر حاصل لا محالة، وهو وعد الله تعالى الذي لا يخلف وعده:

وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (2).

أما (الشروط) التي يشترطها القرآن لتحقق الوعد الإلهي بالنصر فهو:


1- البقرة: 249
2- الروم: 47.

ص: 71

إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ، والشرط: إِن تَنصُرُوا اللَّهَ.

وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ (1)

، والشرط: مَن يَن صُرُهُ.

وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ (2)

، والشرط: إعداد القوة للساحة.

وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (3)

، والشرط: التقوى.

وأما (الطريق) الذي يمرّ عليه النصر لا محالة فهو طريق ذات الشوكة، ولابُدَّ من العبور على طريق ذات الشوكة على كل حال:

وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ


1- الحج: 40
2- الأنفال: 60
3- البقرة: 194.

ص: 72

اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ (1).

وقد أبى الله تعالى إلّا أن يجعل طريق النصر على ذات الشوكة؛ ومن دون أن يتحمّل المؤمنون ذات الشوكة لن ينالوا النصر.

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (2).

إن طريق النصر لا بُدَّ أن يمر بذات الشوكة على كل حال، ولكن (ذات الشوكة) عبور فقط، وأمّا العاقبة فهي النصر، بإذن الله: إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ (3)

.


1- الأنفال: 7
2- البقرة: 214
3- هود: 49.

ص: 73

وأمّا النقطة الثانية:

فإن الإيمان بمعية الله للمؤمنين في ساحة الصراع والمواجهة، يبعث في نفوس المؤمنين الثقة بنصر الله تعالى، ويمنحهم الطمأنينة، ويربط على قلوبهم، ويرفع معنوياتهم، ويشعرهم بالاستعلاء على عدوهم، وهذا هو الشطر الأول من النصر، فإن الشطر الأول من الانتصار يتم في عزيمة المقاتلين، وارتفاع معنوياتهم وإيمانهم بالنصر، والشطر الآخر يتم على أرض المعركة.

ويعتبر اليوم رفع معنويات المقاتلين في ساحات القتال، وإحباط معنويات العدو، واحداً من أهم مقومات المعركة، و (الحرب النفسية) جزء لا يتجزأ من (حرب الميدان).

ولا شي ء يمنح المقاتل القوة والعزم والإحساس بالاستعلاء على العدو، والإيمان بالنصر كالإحساس بمعية الله تعالى له في ساحة القتال.

وهذا هو التثبيت المعنوي لأقدام المؤمنين على أرض

ص: 74

المعركة، وربط القلوب: وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (1)

.

وبالعكس يحبط الله معنويات العدو، ويلقي في قلوبهم الرعب.

سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ (2).

وأما النقطة الثالثة:

فليست معية الله تعالى للمؤمنين حدثاً طارئا، وصدفة من الصدف، تحصل مرة ولا تحصل أخرى، وإنما هي سنّة ثابتة لا تحويل لها ولا تبديل:

وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا (3)، وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ


1- الأنفال: 11
2- آل عمران: 151
3- الأحزاب: 62، الفتح: 23.

ص: 75

اللَّهِ تَحْوِيلًا (1).

إن معيّة الله للمؤمنين سنة ثابتة، في الصراع بين معسكر التوحيد والشرك على امتداد التاريخ:

وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (2).

فَلَمَّاجَاءأَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (3).

وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ (4).

وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ (5).

وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ (6).


1- فاطر: 43
2- هود: 58
3- هود: 66
4- هود: 94
5- الأنفال: 26
6- آل عمران: 123.

ص: 76

لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ (1).

ونخرج من أعماق التاريخ، لندخل في آفاق الحاضر والمستقبل.

لقد شاهد أبناء الأربعينات وأبناء الخمسين كيف نصر الله تعالى المؤمنين المستضعفين في إيران بقيادة الإمام الخميني/، على أعتى قوة عسكرية وأمنية في المنطقة؟ وهي قوة الشاه، وكيف تهاوى الصرح الذي شيّده بهلوي على الدماء وجماجم المؤمنين؟ وكيف سقطت القلعة التي شيّدتها أمريكا في هذه الرقعة التي أعدتها، لتكون جزيرة للأمن والاستقرار لمصالح أمريكا في المنطقة ... سقطت على أيدي الجماهير العزّل من كل سلاح وقوة، إلّا الإيمان الذي كان يعمر قلوبهم وصدورهم، والثقة بنصر الله تعالى وتأييده؟

ولا نخرج عن آفاق الحاضر، حتى نذكر مثالًا آخر لتطمئن، أكثر من ذي قبل، قلوب المؤمنين إلى النصر في أجواء


1- التوبة: 25.

ص: 77

عاصفة بالإرهاب والعنف والاحتلال.

وهو انتصار حزب الله في لبنان على (إسرائيل) أعتى قوة عسكرية في الشرق الأوسط، مرتين خلال ستّ سنوات:

في المرة الأولى عام 2000 م حيث اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب عن جنوب لبنان تجرّ وراءها الخيبة والخسران إزاء العمليات الشجاعة التي كان يقودها حزب الله في وجه العدوان الإسرائيلي.

وفي العام 2006 م سجّل حزب الله مرة أخرى انتصاراً على إسرائيل بعد 34 يوماً من القتال الضاري بين حزب الله وإسرائيل، أدخلت فيه إسرائيل سلاحها البري والبحري والجوي، ووقفت أمريكا حتى النخاع للدفاع عنها، ودعم موقفها، ولكن مشيئة الله تعالى كانت فوق ما تريده إسرائيل وأمريكا.

هذا عن الحاضر، وأمّا عن المستقبل، فنقتصر على هاتين الآيتين الكريمتين من سورة القصص والأنبياء:

ص: 78

وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (1).

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (2).

وصدق الله العلي العظيم وصدق أنبياؤه ورسله.

والحمد لله رب العالمين.


1- القصص: 5
2- الأنبياء: 105.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.