تقرير الحقيقة

اشارة

نام كتاب: تقرير الحقيقة( المواريث)( بهشتى)

نويسنده: بهشتى، احمد

تاريخ وفات مؤلف: معاصر

موضوع: فقه استدلالى

زبان: عربى

تعداد جلد: 1

ناشر: موسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى( ره)

مكان چاپ: تهران

ص: 1

مقدّمة الناشر

اشارة

إنّ «تحرير الوسيلة» هو خير وسيلة يبتغيها المكلّف في سيره وسلوكه، وهو أوثقها عُرىً، وأصلحها منهاجاً؛ لِما امتاز به من سداد في تحديد الموقف العملي، وإصابة في تشخيص الوظائف المُلقاة على عاتق المكلّفين، وذلك على ضوء الدليلين: الاجتهادي والفقاهتي، النابعين من الكتاب والسنّة. ناهيك عن جمعه للمسائل العملية، ونأيه عن المسائل ذات الصبغة النظرية التي لا تمسّ إلى واقعنا المُعاش بصلة.

ولئن كتب الشهيد الأوّل- قدّس الله نفسه الزكيّة- كتاب «اللمعة الدمشقية» وهو سجين، فإنّ إمامنا العظيم- نوّر الله ضريحه- قد أ لّف هذا الكتاب حينما كان منفيّاً في مدينة بورسا التركيّة من قبل الطاغوت الغاشم، ولم يكن بحوزته إلا «وسيلة النجاة» و «العروة الوثقى» و «وسائل الشيعة».

نعم، لم تكن بيده المباركة إلا هذه الكتب الثلاثة، ولكنّ نفسه العلوية لو لم تكن خزانة للعلوم الحقّة، وفؤاده مهبطاً للإلهام والتحديث، لامتنع وجود هذا السِفر الخالد في تلك الظروف العصيبة.

ونظراً إلى أهمّية هذا الكتاب، وضرورة نشره على مختلف المستويات والأصع- دة؛ لذا فقد أخذت مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه) على عاتقها نشر شروح وتعاليق العلماء المحقّقين على «تحرير الوسيلة» ومن نفقتها الخاصّة.

ويعدّ الكتاب الذي بين يديك، واحداً من هذه السلسلة الضخمة التي تروم مؤسّستنا طبعها، وهو شرح كتاب المواريث من «تحرير الوسيلة»، تأليف الشيخ الدكتور احمد البهشتي دام بقائه.

نسأل الله تعالى أن يوفّقه وإيّانا وأن يختم لنا جميعاً بالحسنى، إنّه سميع الدعاء.

مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)

فرع قم المقدّسة

ص: 2

مقدّمة المؤلّف

الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.

أمّا بعد، فقد وفّقني الله في سالف الزمان حتّى الآن، أن أبحث بحوثاً في الفقه والاصول لدى جمع من فضلاء الحوزة المقدّسة العلميته، فالبحوث التي ألقيتها عليهم في الفقه ما يلي:

1- كتاب الزكاة على أساس متن العروة الوثقى.

2- كتاب الخمس عليه أيضاً وسمّيتها «النمرقة الوسطى في شرح خمس العروة الوثقي» التي طبعت بتعاون «بوستان كتاب قم» (1430 ق/ 1388 ش).

3- كتاب النكاح على أساس «تحرير الوسيلة»، للُاستاذ الأكبر الإمام الخميني (س)، وسيهيّأ للطبع، إن شاءالله تعالي.

4- كتاب المواريث على أساسه أيضاً وهو هذا الكتاب الذي سمّيته «تقرير الحقيقة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب المواريث» ويكون هذا العنوان الكلّي جامعاً لسائر الشروح.

5- كتاب الحج على أساسه أيضاً والآن نشتغل ببحثه ونرجو من الله تعالى التوفيق لاستمراره وإدامته.

وكان السبب في انتخاب متن التحرير- أولًا- عظمة المؤلّف والاستفادة من

دروسه وإلقاءاته في مسجد سلماسي قبل أن يصير منفياً إلى تركيا والعراق، و- ثانياً- من جهة أنّ التحرير كتاب جامع للفروع، وحاوٍ للمسائل المبتلى بها من أوّل الفقه إلى آخره، والمعتمد والمرجع للملّة والدولة الإسلامية في بلدنا الخالدة «إيران».

وكان مرجعي ومعتمدي في البحوث الروايات الواردة عن المعصومين (عليهم السلام) و «كتاب الإرث» من تأليفات الشيخ الأعظم الأنصاري (قدّس سرّه) ومستند النراقي و «جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام» للنحرير المحقّق النجفي وغيرها.

ووجه استنادي ورجوعي إلى هذه المجاميع الفقهية اشتمالها على أقوال القدماء واستدلالاتهم في إثبات آرائهم القيّمة ونقد سائر الأقوال ونقضها أحياناً، وبيان الإجماعات المحصّلة والمنقولة والآراء المشهورة وغير المشهورة.

هذا، مع أنّه قلّ ما يتّفق عدول سيدنا الاستاذ عن الآراء المشهورة ومع ذلك، هو (قدّس سرّه) من أبناء الدليل يميل حيث يميل.

وهذه الرويّة هي التي تعلّمنا واستفدنا منه في دراساته الفقهية والاصوليّة، ونحن الآن كأنّا جالسون في محضره الشريف في المسجد المذكور وكلماته الفصيحة واستدلالاته البليغة الدقيقة ووصاياه الأخلاقيّة متردّدة في أسماعنا وقلوبنا.

ونحن اقتفينا إثره في تبعيّة الدليل الذي كان أقوى في نظرنا القاصر، سواء كان مطابقاً لأنظاره الشريفة أم لا، ولو كان هذا قليلًا.

وفي الخاتمة أرجو من الله علوّ الدرجات له وللعلماء الماضين الصالحين. آمين يا ربّ العالمين.

قم المقدسة ذي الحجة الحرام 1432 ق

احمد البهشتي الفسائي

ص: 3

كتاب المواريث

اشارة

وقد يقال: كتاب الفرائض، كما في «الشرائع» وقد يقال: كتاب الفرائض والمواريث، كما في «المستند» وهما بحسب الاصطلاح بمعنى واحد وليس المراد من الفرائض هنا ما يقابل النوافل.

والمواريث جمع الميراث من الإرث وهو في اللغة بمعنى الأصل والبقيّة والأمر القديم. وفي الاصطلاح: «حقّ منتقل من ميّت حقيقة أو حكماً إلى حيّ كذلك ابتداءً بنسب أو بسبب»، ويشمل الحقّ الحقَّ المالي وغير المالي والميّت الحكمي هو المرتدّ عن فطرة، والحيّ الحكمي هو الحمل، ويخرج بقيد الابتداء الوقف والوصيّة(1).

والفريضة من الفرض بمعنى التوقيت والتقدير والقطع والبيان والوجوب والثبوت والعطية الموسومة. هذا بحسب اللغة، وأمّا بحسب الاصطلاح العامّ في الفقه فيطلق على الواجب، وأمّا بحسب الاصطلاح الخاصّ فيطلق على الميراث بملاحظة تقدير السهام.


1- مستند الشيعة 7: 19 و 8.

ص: 4

والنسبة بين الفريضة والميراث أعمّ وأخصّ مطلقاً، حيث إنّ الثاني يشمل الحقّ المالي وغير المالي بخلاف الأوّل، ويشمل الثاني المقدّر وغيره دون الأوّل. لكن يمكن الحكم بتساويهما تغليباً أو بتبع النصّ كما في «الجواهر»(1)، لما ورد في النبوي: «تعلّموا الفرائض وعلّموه الناس، فإنّي امرؤ مقبوض وإنّ العلم سيقبض وتظهر الفتن حتّى يختلف الاثنان في الفريضة فلا يجدان من يفصل بينهما»(2).

ويمكن أن يقال: إنّ المراد من الفريضة مطلق السهام حتّى الحاصلة من السنّة وآية اولى الأرحام فيتساويان. لكن قال صاحب «الجواهر»: «الأمر سهل»(3).

وأمّا ما ورد من أنّ «الفرائض نصف العلم» فقيل: فيه وجوه متعسّفة ومتكلّفة، والأولى أن يقال: مبالغة لأجل كثرة شعبها وشدّة الحاجة إليها والترغيب في تعلّمها خصوصاً بالنسبة إلى السنّة الجاهلية من عدم إعطاء الإرث النساء والصغار. فإنّه لمّا مات الأوس أخذ بنو أعمامه أمواله ولم يعطوا شيئاً امرأته وولده فجائت زوجته إلى النبي وشكى إليه فأحضرهم الرسول (ص) وسألهم عن فعلهم، فقالوا: إنّ ولدها لا يركب ولا ينكأ عدوّاً فأنزل الله تعالى بالآيتين:) وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبُوا وَ لِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكتَسَبْنَ ... ((4).) يُوصِيكُمُ اللهُ فِى أوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثْيينِ ... ((5).


1- جواهر الكلام 5: 39.
2- السنن الكبرى، البيهقي 208: 6.
3- جواهر الكلام 6: 39.
4- النساء( 4): 32.
5- النساء( 4): 11.

ص: 5

الإرث في الجاهلية

كان أهل الجاهلية يرثون بالحلف والنصرة وأمضاهما الشارع في صدر الإسلام، قال تعالى:) وَ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمّا تَرَكَ الوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ وَالّذِينَ عَقَدَتْ أيْمَانُكُم فآتُوهُمْ نَصِيبَهُم ... ((1). فعلى قول الراوندي في «فقه القرآن»: «يكون) وَالَّذِينَ عَقَدَتْ ... (عطف على:) الوَالِدَانِ وَالأقْرَبونَ (.(2) وقال صاحب «مجمع البيان»: «قيل: نزلت الآية في الميراث وكانوا يتوارثون بالهجرة فجعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون ذوي الأرحام وكان الذي آمن ولم يهاجر ولم يرث من أجل أنّه لم يهاجر، ولم ينصر وكانوا يعملون بذلك حتّى أنزل الله تعالى:) وَاولُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُم أولَى بِبَعضٍ (فنسخت هذه الآية وصار الميراث لذوي الأرحام المؤمنين ولا يتوارث أهل ملّتين، عن ابن عباس والحسن وقُتادة ومجاهد والسدي»(3). لكنّه حمل العطف في الآية على الانقطاع، كما عليه الأكثر، ثمّ نقل فيهم أقوالًا:

1. المقصود من) الَّذِينَ عَقَدَتْ أيْمَانُكُم (حلفاء الجاهلية وكان لهم السدس، ثمّ نسخ بآية اولى الأرحام.

2. المقصود منهم الذين عقد النبي (ص) بينهم عقد الاخوّة، ثمّ نسخ بآية الفرائض.

3. المقصود منهم ادعياء الجاهلية، فقال: سعيد بن المسيّب: «أمر الإسلام


1- النساء( 4): 33.
2- فقه القرآن 325: 2.
3- مجمع البيان 862: 4.

ص: 6

بإعطائهم شيئاً وإيتاءهم نصيبهم»(1).

فصار أولوا الأرحام أولى من المهاجرين. ثمّ إنّه ذكر سبع عشرة فريضة بحكم آية 12 و 176 من سورة النساء: ثلاثة في الأولاد وثلاثة في الوالدين وأربع في الزوج والزوجة واثنان في الاخت وأكثر من جانب الامّ وأربع في كلالة الأب وواحد في آية أولى الأرحام.


1- مجمع البيان 66: 3.

ص: 7

وفيه مقدّمات ومقصدان ولواحق، أمّا المقدّمات فامور:

الأوّل في موجبات الإرث

اشارة

وهي نسب وسبب:

أقول: يبحث في المقدّمات عن موجبات الإرث وموانعه والحجب ومقادير السهام، فالمقدّمات أربع.

ويبحث في المقصدين عن ميراث الأنساب وأحكام الأزواج.

لكن في سائر الكتب ك- «الشرائع» يبحث عن مقصد ثالث وهو الميراث بالولاء. وذكر الاستاذ مسألة الولاء بالإمامة فقط في ذيل البحث عن الميراث بالزوجية وقال: «الإرث بسبب الولاء غير مبتلىً به إلا بسبب الإمامة»(1).

ويبحث في اللواحق عن ميراث الخنثى وميراث الغرقى والمهدوم عليهم وميراث المجوس وسائر الكفّار.

وفي سائر الكتب يبحث في اللواحق عن ميراث ولد الملاعنة وولد الزنا أيضاً.

وصاحب «المستند» لم يذكر اللواحق، لكنّه ذكر خمس مقدّمات أوّلها في


1- تحرير الوسيلة 379: 2، مسألة 13.

ص: 8

معنى الفريضة والميراث وذكر في المقاصد ميراث الأنساب والأسباب والأحكام المتفرّقة.

وفي بعض الكتب ذكرت بعد اللواحق «الخاتمة في حساب الفرائض» وهي تشتمل على مقاصد:

1. في مخارج الفروض.

2. في المناسخات.

3. معرفة سهام الوارث من التركة.

أقول: هذا الحصر استقرائي. فالنسب عبارة عن اتّصال بين شخصين عرفاً، بالولادة شرعاً. فخرج بقولنا: «عرفاً» الاتّصال البعيد كالاتّصال بآدم (ع) أو بالنبي (ص)، وخرج بقيد «الولادة» الاتّصال بالزوجية أو بالولاء، وخرج بقولنا: «شرعاً» المتولّد بالزنا.

قال صاحب «الجواهر»: «فالمتولّد من الزنا لا إرث به، بخلاف الشبهة ونكاح أهل الملل الفاسدة»(1).

والسبب عبارة عن اتّصال بين شخصين بزوجية أو ولاء مخصوص كولاء العتق وولاء ضمان الجريرة وولاء الإمامة.

قال صاحب «المستند»: «لا يلزم خروج المطلّقة رجعية مع ارتفاع الزوجية وثبوت التوارث، لأنّ الزوجية وإن كانت مرتفعة إلا أنّها سبب لنوع اتّصال بيهما»(2).


1- جواهر الكلام 7: 39.
2- مستند الشيعة 10: 19.

ص: 9

وقال صاحب «الجواهر» في تعريف السبب: «هو الاتّصال بما عدا الولادة من ولاء أو زوجية»(1). والمال واحد.

فالأوّل ثلاث مراتب: الاولى: الأبوان والأولاد وإن نزلوا. والثانية: الأجداد والجدّات وإن علوا والإخوة والأخوات وأولادهم وإن نزلوا. والثالثة: الأعمام والعمّات والأخوال والخالات وإن علوا وأولادهم وإن نزلوا بشرط الصدق عرفاً.

والثاني قسمان: الزوجية والولاء. وهو ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثمّ ولاء ضمان الجريرة، ثمّ ولاء الإمامة.

أقول: يبحث في المقدّمة الاولى عن موجبات الإرث وهي النسب والسبب، ثمّ يبحث عن مراتب النسب وقسمي السبب؛ فعلينا أن نوضح معنى النسب والسبب ونبيّن مراتب الأوّل وقسمي الثاني.

المراد من السبب

قال صاحب «المستند»: «ثمّ للنسب عمود وحاشية، وعموده الآباء وإن صعدوا والأبناء وإن نزلوا والبواقي حاشيته»(2).

وقال الشيخ الأعظم: «والنسب ثلاث مراتب: المرتبة الاولى: الأبوان والأولاد. ولا يرث معهم أحد عدا الزوج والزوجة، بإجماع الإمامية


1- جواهر الكلام 7: 39.
2- مستند الشيعة 10: 19.

ص: 10

والسنّة المتواترة معنىً عن أهل البيت»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «فالنسب مراتب ثلاث: مترتّبة لا يرث أحد من غير الاولى مع وجود وارث منها، وكذا الثانية بالنسبة إلى الثالثة»(2).

فالمرتبة الاولى: الأبوان من غير ارتفاع، والولد وإن نزل.

والمرتبة الثانية: الإخوة وأولادهم وإن نزلوا والأجداد وإن علوا.

والمرتبة الثالثة: الأخوال والأعمام وأولادهم وإن نزلوا بشرط صدق اسم القرابة عليهم.

وليعلم: أنّ لكلّ من المرتبة الاولى والثانية صنفين وللمرتبة الثالثة صنف واحد.

قال صاحب «المستند»: «تشتمل الاولى على صنفين: أصل محصور وهو الأبوان وفرع غير محصور وهو الأولاد، وكذلك الثانية وصنفاها غير محصورين عروجاً ونزولًا وهما الإخوة والأجداد ولا تشتمل الثالثة إلا على واحد غير محصور»(3).

وبهذا المطلب الجليل صرّح صاحب «الجواهر» وحكم بأنّ في الطبقة الاولى والثانية صنفين ثمّ قال: «وأمّا الثالثة وهي طبقة اولِى الأرحام فصنف واحد، هم إخوة الآباء والامّهات وأولادهم»(4).

وثمرة كون كلّ من الطبقتين الاولَيين ذو صنفين دون الثالثة أنّ أحداً من صنف- وإن كان أقرب- لا يمنع أحداً من


1- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 177: 21.
2- جواهر الكلام 7: 39.
3- مستند الشيعة 12: 19.
4- جواهر الكلام 8: 39.

ص: 11

صنف آخر في طبقته وإن كان أبعد(1). فالأبوان لا يمنعان ولد الولد عن الإرث والإخوة لا يمنعون جدّ الجدّ وكذا الجدّ القريب لا يمنع أولاد الإخوة. لكنّ الخال يمنع ولد العمّ والعمّ يمنع ولد الخال إذ هما صنف واحد.

قال صاحب «الجواهر»: «الأقرب من كلّ صنف يحجب الأبعد عنه دون الآخر، فالأولاد للصلب يحجبون الحفدة ولا يحجبهم الأبوان، والجدّ والأدنى يحجب الأعلى دون أولاد الإخوة، والإخوة يحجبون أولاد الإخوة دون الصاعد من الأجداد، والعمّ القريب يحجب البعيد من الأعمام والأخوال وأولاد العمومة والخؤولة وكذا الخال لاتّحاد الصنف»(2).

وما قال الصدوق موافق لقول العامّة.(3)

ثمّ ليعلم: أنّ العمود الآباء وإن علوا والأولاد وإن نزلوا، لكنّ الأبوين لا يرتفعان في الإرث.

وأمّا الحواشي فهم مختلفون في القرب والبعد. فمع الأبوين والأولاد لا يرث معهم مناسب من غيرها، وأمّا المسابب الذي هو الزوج أو الزوجة فيرث معهم.

والبطن الأسفل من الأجداد يمنع الأعلى، والأعلى من غيرهم يمنع الأسفل والمتقرّب بالأبوين يمنع المتقرّب بالأب، كالإخوة للأبوين مع الإخوة للأب والأعمام والأخوال لهما مع الأعمام والأخوال له.


1- انظر: مستند الشيعة 12: 19.
2- جواهر الكلام 9: 39.
3- راجع: المقنع: 501.

ص: 12

أقسام الورّاث

اشارة

وهي خمس:

1. من لا يرث إلا بالفرض بدون الردّ وهو الزوجة.

2. من لا يرث إلا بالفرض مع الردّ، كالامّ.

3. من يرث تارة بالفرض وتارة بالقرابة، كالأب والبنت أو البنات والاخت والأخوات.

4. من لا يرث إلا بالقرابة، كالابن وغيره.

5. من يرث بالولاء، كالمعتق والضامن والإمام.

الصور الحاصلة من الأقسام

1. الوارث الذي لا فرض له وليس له شريك فالمال كلّه له، سواء كان مناسباً، كالعمّ أو مسابباً كالمعتق.

2. الفرض بحاله مع كون شريك له بلا فرض، فالمال لهما، إمّا بالسويّة كالابنين أو على التفاوت كابن وبنت. هذا مع اتّحاد الوصلة، كما في المثالين.

3. الفرض الثاني بحاله مع اختلاف الوصلة، فلكلّ طائفة نصيب من يتقرّب به، كالأخوال مع الأعمام، فللأخوال نصيب الامّ وهو الثلث يقتسمونه بالسويّة وللأعمام نصيب الأب يقتسمونه على التفاوت.

4. إذا كان الوارث ذا فرض ولم يكن معه مساوِ، فيأخذ فرضه ويرد عليه الباقي، كالبنت أو البنات، دون الزوجة.

5. الفرض بحاله مع كونه معه ذو فرض مساوٍ، كالبنت والامّ، فهنا صور؛ فإنّه

ص: 13

إمّا أن يتساوي التركة السهام أو تنقص أو تزيد:

الصورة الاولى: تساوي التركة والسهام، كالبنتين والأبوين، فللبنتين الثلثان وللأبوين الثلث.

الصورة الثانية: زيادة التركة على السهام، فالزائد يردّ عليهم على قدر السهام لا الرؤوس ما لم يكن لأحدهم حاجب؛ مثالها الامّ والأب والبنت مع عدم الحاجب للُامّ، فلكُلٍّ من الأبوين السدس وللبنت النصف ويبقى سدس، فيقسّم خمسة أقسام، لكلّ واحد من الأبوين خمس وللبنت ثلاثة أقسام، للأب ربع وللبنت ثلاثة أرباع.

وهذه الصورة، صورة التعصيب، وسيجي ء البحث عنه إن شاء الله.

الصورة الثالثة: نقصان التركة عن السهام، فيرد النقصان على المتقرّب بالأب؛ مثالها البنتان أو البنات والأبوان والزوج أو الزوجة فللبنتين أو البنات الثلثان ولكلّ واحد من الأبوين السدس وللزوج الربع وللزوجة الثمن فورود الزوج أو الزوجة على البنتين أو البنات والأبوين موجب لنقصان التركة عن السهام وهو العول، كما سيجي ء البحث عنه إن شاء الله.

6. إذا كان مع الوارث بالقرابة وارث بالفرض يأخذ الثاني نصيبه ويكون الباقي للأوّل. مثاله الأبوان والابن، أو الأب مع الزوج أو الزوجة.

اعتبار الدرجة في الطبقات

وليعلم: أنّ الدرجة معتبرة في كلّ الطبقات، فالأقرب من كلّ صنف يمنع الأبعد. فالأولاد يمنعون أولاد الأولاد فإنّهم مختلفون من حيث الدرجة، والإخوة

ص: 14

تمنع أولاد الإخوة، والأعمام والأخوال ليسوا مختلفين من حيث الصنف وهم صنف واحد. لكنّ الأولاد صنف والأبوان صنف آخر ولا يمنع الأبوان الأحفاد عن الإرث والأجداد صنف والإخوة صنف آخر، فيمنع الاجداد أجدادهم عن الإرث لا يمنعون أولاد الإخوة الذين يمنعون عن الإرث بواسطة الإخوة.

والحاصل: أنّ القريب من حيث الدرجة مقدّم على البعيد من حيث الدرجة.

ويستثنى من هذه القاعدة ما إذا كان للميّت عمّ للأب وابن عمّ للأبوين فإنّ الثاني يمنع الأوّل عن الإرث مع كون العمّ أقرب من حيث الدرجة من ابن العمّ. قال صاحب «الجواهر»: «إذا كان الأبعد ابن عمّ للأبوين فإنّه يحجب العمّ للأب بالنصّ والإجماع»(1).

وقال الصدوق: «فإن ترك عمّاً لأب وابن عمّ لأب وامّ، فالمال كلّه لابن العمّ للأب والامّ، لأنّه قد جمع الكلالتين كلالة الأب وكلالة الامّ»، وذلك بالخبر الصحيح المأثور عن الأئمّة (عليهم السلام)(2).

أمّا إذا كان للقريب مزاحم، كما إذا كان الولد نصفه حرّ ونصفه رقّ وللميّت أخ حرّ، فالمال بينهما نصفان.

وأمّا إذا كان للوارث سببان، فيرث بهما ما لم يحجب أحدهما بالآخر كما إذا كان الوارث عمّاً وخالًا أو عمّة وخالة، فحيث لم يكن أحدهما حاجباً للآخر فيرث بهما فيشترك هو مع الأعمام والأخوال. بشرط أن تكون الأعمام من جانب الأب فقط والأخوال من جانب الامّ فقط.


1- جواهر الكلام 14: 39.
2- الفقيه 276: 4؛ وسائل الشيعة 193: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 5، الحديث 5.

ص: 15

ونقول في الختام نقلًا عن «الجواهر»: «إنّ ما ذكرناه لك في هذه المقدّمة جملة اصول الميراث وأكثرها مجمع عليه»(1).

المراد من السبب

قال صاحب «المستند»: «اتّصال أحدهما بالآخر بزوجية أو ولاء مخصوص»(2).

ثمّ قال: «ولا يلزم خروج المطلّقة رجعية مع ارتفاع الزوجية وثبوت التوارث، لأنّ الزوجية وإن كانت مرتفعة إلا أنّها سبب لنوع اتّصال بينهما يمكن معه الرجوع، فالاتّصال الحاصل بينهما إنّما هو بسببها»(3).

وزاد المحقّق الطوسي ولاء من أسلم على يده كافر، وولاء مستحقّ الزكاة إذا اشتريت الرقبة منها وأعتقت(4).

والدليل على الأوّل، ما رواه الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن الصادق (ع) قال: «قال أمير المؤمنين (ع): بعثني رسول الله (ص) إلى اليمن فقال: يا علي: لا تقاتلنّ أحداً حتّى تدعوه إلى الإسلام وأيم الله لأن يهدي الله عزّ وجلّ على يديك رجلًا خير لك ممّا طلعت عليه الشمس وغربت ولك ولاؤه يا علي»(5).

والدليل على الثاني، ما رواه عبيد بن زرارة عن الصادق (ع) في العبد الذي اشترى من الزكاة واعتق، ثمّ صار ذا مال كثير ومات وليس له وارث، قال (ع):


1- جواهر الكلام 15: 39.
2- مستند الشيعة 10: 19.
3- مستند الشيعة 10: 19.
4- راجع: جواهر الكلام 8: 39.
5- وسائل الشيعة 43: 15، كتاب الجهاد، أبواب جهاد العدوّ، الباب 10، الحديث 1.

ص: 16

«يرثه الفقراء المؤمنون الذين يستحقّون الزكاة لأنّه إنّما اشترى بمالهم»(1).

لكن قال صاحب «الجواهر»: «ويضعّفه ضعف الأخبار وشذوذ القول بها مع جواز دخول الأخير في ولاء العتق كما عن جماعة، فلا يزداد به أقسام الولاء»(2).

ولعلّ وجه ضعف الرواية الاولى أنّ إسماعيل بن زياد السكوني كان عاميّاً وأنّ النوفلي الذي روى عنه، غلا في آخر عمره(3).

ثمّ اعلم: أنّ للولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق وولاء تضمّن الجريرة وولاء الإمامة.

وأوّل قسمي السبب- أي الزوجية- يجامع النسب والزوج والزوجة يرثان مع جميع الأنسباء. لكن للزوج الربع مع الأولاد والنصف مع عدمهم وللزوجة الثمن مع الأولاد والربع مع عدمهم.

ولا ممانعة بين الزوجية ومن له الولاء، إلا من كان له ولاء الإمامة، فلا يجامع مع الزوج على قول فيعطى الزوج نصفاً بالفرض ونصفاً بالردّ.


1- وسائل الشيعة 292: 9، كتاب الزكاة، أبواب المستحقّين للزكاة، الباب 43، الحديث 2.
2- جواهر الكلام 8: 39.
3- نقد الرجال 209: 1؛ و 124: 2.

ص: 17

الأمر الثاني: في موانع الإرث

اشارة

وهي كثيرة: منها ما يمنع عن أصله، وهو حجب الحرمان، ومنها ما يمنع عن بعضه، وهو حجب النقصان. فما يمنع عن أصله امور:

أقول: قد فرّقوا بين المنع والحجب، فذكروا في بحث المنع موانع يمنع الوارث عن الإرث كالكفر والرقية والقتل، وذكروا في بحث الحجب عن الذين يحجبون الآخرين عن إرثهم كلًّا أو بعضاً، ولذا قال صاحب «الجواهر» بعد البحث عن الموانع: «في الحجب، الذي هو لغةً المنع وشرعاً منع من قام به سبب الإرث بالكلّية أو من أوفَرِ نصيبه والأوّل المسمّى بحجب الحرمان والثاني بحجب النقصان»(1). ومثله ما في «المستند»(2).

ولأجل هذا ذكر صاحب «الجواهر» تبعاً ل- «الشرائع» موانع الإرث في المقدّمة الثانية والحجب في المقدّمة الثالثة، وذكر صاحب «المستند» الموانع في المقدّمة الثالثة والحجب في المقدّمة الرابعة.


1- جواهر الكلام 75: 39.
2- مستند الشيعة 117: 19.

ص: 18

وهذا أولى ممّا جاء في «التحرير»، حيث قسّم فيه الموانع إلى حجب الحرمان وحجب النقصان.

وأمّا «وسيلة النجاة» فهي للسيّد الفقيه الأصفهاني وهي كانت مكمّلة لرسالة «ذخيرة الصالحين» ولم يذكر المؤلّف فيها بحث الحجب، بل اكتفى بذكر الموانع فقط وذكر الكفر والقتل والرقية، ثمّ قال: «ويلحق بموانع الإرث أمور ينبغي أن يذكر في ضمن مسائل»(1). ثمّ ذكر في اللواحق اللعان والحمل فقط.

والإمام الخميني (قدّس سرّه) يقول: «فلمّا اقصيت في أواخر شهر جمادي الثانية عام 1384 عن مدينة قم إلى بورسا من مدائن تركيا ... وكنت فارغ البال .... أحببت أن ادرج التعليقة في المتن، لتسهيل التناول ولو وفّقني الله تعالى لأضيف إليه مسائل كثيرة الابتلاء»(2).

ونحن نقتفي في هذه المباحث أثر سيّدنا الاستاذ، حيث إنّه لا فرق عملًا ونتيجة بين أن نجعل الموانع مستقلّة عن الحجب كما في سائر الكتب وبين أن نجعل الموانع متّحدة مع الحجب ونقسّمها إلى حجب الحرمان وحجب النقصان. فحجب الحرمان عنده أعمّ من الموانع وحجب النقصان مساو لما ذكر في سائر الكتب.

قال صاحب «الجواهر» في ذيل موانع الإرث التي هي أخصّ ممّا في «التحرير»: «وهي كثيرة حتّى أنّه في «الدروس» أنهاها إلى عشرين، لكن ذكر المصنّف وغيره منها هنا الثلاثة المشهورة: الكفر والقتل والرق، ثمّ ألحق بها في


1- وسيلة النجاة مع تعاليق الإمام الخميني: 816.
2- تحرير الوسيلة 6: 1.

ص: 19

آخر المقدّمة (المقدّمة الثانية) أربعة، والأمر في ذلك سهل»(1) والأربعة عبارة عن اللعان والغيبة المنقطعة والحمل ومن مات وعليه دين مستوعب.

الأوّل: الكفر بأصنافه

اشارة

أصليّاً كان أو عن ارتداد، فلا يرث الكافر من المسلم وإن كان قريباً، ويختصّ إرثه بالمسلم وإن كان بعيداً، فلو كان له ابن كافر لا يرثه؛ ولو لم يكن له قرابة نسباً وسبباً إلا الإمام (ع) فيختصّ إرثه به دون ابنه الكافر.

أقول: أوّل موانع الإرث الكفر واللازم بيان معناه.

قال صاحب «المستند»: «المراد به كلّ ما يخرج معتقده عن الإسلام، سواء كان حربيّاً أو ذمّياً أو مرتدّاً أو منتحلًا للإسلام كالخوارج والغُلاة»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «الكفر المانع عنه هو ما يخرج به معتقده أو قائله أو فاعله عن سمة الإسلام»(3).

وادّعى صاحب «الجواهر» أنّ عدم إرث الذمّي والحربي والمرتدّ وغيرهم من


1- جواهر الكلام 15: 39.
2- مستند الشيعة 18: 19.
3- جواهر الكلام 15: 39.

ص: 20

أصناف الكفّار مسلّمٌ بلا خلاف فيه بين المسلمين، ثمّ قال: «بل الإجماع بقسميه عليه، بل المنقول منه مستفيض أو متواتر كالنصوص»(1).

والنصوص مذكورة في «الوسائل» في أبواب موانع الإرث خصوصاً الباب الأوّل منها ففي بعضها: «المسلم يرث امرأته الذمّية وهي لا ترثه»(2). وفي بعضها: «المسلم يحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه»(3). وفي بعضها: «لا يرث الكافر المسلم وللمسلم أن يرث الكافر، إلا أن يكون المسلم قد أوصى للكافر بشي ء»(4). ولذلك قال الشيخ: «تصحّ الوصيّة للذمّي ولو كان أجنبيّاً ومنهم من خصّ الجواز بذوي الأرحام والأوّل أشبه وفي الوصيّة للحربي تردّد، أظهره المنع»(5).

فعلى هذا، المسلم يرث الكافر والكافر لا يرث المسلم.

قال صاحب «المستند»: «المسلم يرث الكافر أصليّاً كان أم لا. خلافاً لأكثر العامّة فنفوا التوارث من الجانبين، ونسبوه إلى علي (ع) وزيد وعامّة الصحابة وهو فرية بلا مرية»(6).

ثمّ استدلّ بإجماع الأصحاب، الكاشف عن قول الحجّة وتمسّك بالروايات وعموم آيات الإرث ورواياته، خرج إرث الكافر من المسلم بالإجماع، فيبقى الباقي.

وفي «الفقيه»: «أنّ الله عزّ وجلّ حرّم إنّما على الكافر الميراث عقوبة لهم


1- جواهر الكلام 15: 39.
2- وسائل الشيعة 11: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 11: 26- 12، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 12: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 3.
5- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 113: 21.
6- مستند الشيعة 21: 19.

ص: 21

بكفرهم، كما حرّم على القاتل عقوبة لقتله، فأمّا المسلم فلأيّ جرم وعقوبة يحرم الميراث»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «ولا ينعكس عندنا بل يرث المسلم الكافر، أصليّاً ومرتدّاً فإنّ الإسلام لم يزده إلا عزّاً كما في النصوص(2)، ولا ينافيه النبوي: «لا يتوارث أهل ملّتين»(3). إذ المراد نفيه من الطرفين بأن يرث كلّ منهما الآخر، كما ورد تفسيره بذلك في بعضها لا أنّ المراد منه نفي إرث المسلم للكافر، خلافاً لأكثر أهل الخلاف»(4).

ومراده ممّا ورد في تفسيره كلام الصادق (ع) حيث قال: «نرثهم ولا يرثونا إنّ الإسلام لم يزده في حقّه إلا شدّة»(5).

ومثله في رواية علي بن إبراهيم، إلا أنّه قال: «إنّ الإسلام لم يزده إلا عزّاً في حقّه»(6).

استدلال العامّة

احتجّوا بما نقل اسامة عن رسول الله (ص): «لا يرث المسلم الكافر ولا يرث الكافر المسلم»(7) وبما ورد عنه (ص): «لا يتوارث أهل ملّتين»(8).


1- الفقيه 334: 4.
2- وسائل الشيعة 11: 26- 18، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث.
3- وسائل الشيعة 15: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 14.
4- جواهر الكلام 16: 39.
5- وسائل الشيعة 15: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 14.
6- وسائل الشيعة 15: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، ذيل الحديث 14.
7- صحيح مسلم 1233: 3/ 1614.
8- السنن الكبرى، البيهقي 218: 6.

ص: 22

قال صاحب «المستند»: «ثبوت الرواية عنه (ص) ممنوع على أنّه يمكن حمل الأخيرة على نفي التوارث من الجانبين كما هو مقتضي التفاعل وهو لا ينافي ثبوته من طرف، وقد فسّر التوارث بهذا المعنى في كثير من الروايات المتقدّمة»(1).

ويمكن حمل روايات نفي التوارث من الجانبين على التقيّة، حيث ورد في موثّقة البصري عن الصادق (ع): «قضى أمير المؤمنين (ع) في نصراني اختارت زوجته الإسلام ...: إنّها لا ترثه ولا يرثها»(2). وورد في رواية عبدالملك بن عمير القبطي عن عليّ (ع) قال للنصراني الذي أسلمت زوجته: «بعضها في يدك، ولا ميراث بينكما»(3).

وعبدالملك عامّي فاسد كان مع عسكر الشام في حرب الحسين (ع) وهو الذي ذبح عبدالله بن يقطر رسول الحسين (ع) إلى أهل الكوفة الذي رُمي بأمر اللعين ابن زياد من فوق القصر على الأرض فذبحه وهو الذي نقل حديث كفر أبي طالب.

وقال صاحب «الجواهر»: «لو مات كافر وله ورثة كفّار ووارث مسلم غير الإمام والزوجة كان ميراثه للمسلم، ولو كان مولى نعمة أو ضامن جريرة دون الكافر وإن قرب»(4).

واستدلّ هو بالإجماع المحصّل والمنقول وبعض الروايات التي أشرنا إليها.

ولذا ورد في بعض الروايات عن الصادق (ع): «من أسلم على ميراث قبل أن


1- مستند الشيعة 22: 19.
2- وسائل الشيعة 17: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 23.
3- وسائل الشيعة 17: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 22.
4- جواهر الكلام 16: 39.

ص: 23

يقسم فله ميراثه وإن أسلم وقد قسم فلا ميراث له»؛(1) وهذه تعمّ الإرث من المسلم والكافر، فيبطل قول العامّة.

(مسألة 1): لو مات الكافر- أصلياً أو مرتدّاً عن فطرة أو ملّة- وله وارث مسلم وكافر، ورثه المسلم كما مرّ. وإن لم يكن له وارث مسلم، بل كان جميع ورّاثه كفّاراً، يرثونه على قواعد الإرث، إلا إذا كان مرتدّاً فطرياً أو ملّياً، فإنّ ميراثه للإمام (ع)، دون ورّاثه الكفّار.

أقول: الميّت إمّا كافر أو مسلم، والكافر إمّا أصلي أو مرتدّ، والمرتدّ إمّا مسلم فقط أو كافر فقط أو مسلم وكافر، وهذه المسألة متعرّضة لحكم جميع الأقسام.

قال صاحب «المستند»: «المعروف من مذهب الأصحاب أنّه لو مات كافر وله ورثة كافر ومسلم كان ميراثه للمسلم وإن بعد، كمولى نعمة أو ضامن جريرة، دون الكافر وإن قرب كالولد»(2).

واستدلّ عليه بالإجماع، كما في «مفاتيح الشرائع» للمولى محسن الفيض(3)، وبعدم الخلاف كما في «السرائر» و «المسالك» و «الرياض» وببعض الروايات.

وقال صاحب «الجواهر»: «المسلم يحجب الوارث الكافر، فلو مات وله ورثة كفّار ووارث مسلم غير الإمام والزوجة، كان ميراثه للمسلم ولو كان مولى نِعمةٍ


1- وسائل الشيعة 21: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 2.
2- مستند الشيعة 23: 19- 24.
3- مفاتيح الشرائع 312: 3.

ص: 24

أو ضامن جريرة، دون الكافر وإن قرب، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه»(1).

والروايات منجبرة بعمل الأصحاب ففي مرفوعة ابن رباط(2) أو مرسلته عن علي (ع): «لو أنّ رجلًا ذمّياً أسلم وأبوه حيّ ولأبيه ولد غيره، ثمّ مات الأب ورثه المسلم جميع ماله ولم يرثه ولده ولا امرأته مع المسلم شيئاً»(3).

وعن الحسن بن صالح(4): «المسلم يحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه»(5).

هذا إذا كان للكافر وارث مسلم، وأمّا إذا لم يكن له وارث مسلم فإمّا أن يكون كافراً أصلياً أو مرتدّاً ملّياً أو فطرياً، فإن كان كافراً أصلياً يرثه الوارث الكافر وإن كان مرتدّاً- ملّياً أو فطرياً- يرثه الإمام.

قال صاحب «المستند»: «إذا مات المرتدّ، فإن كان له وارث مسلم كان الميراث له، كان معه كافر أو لا، قرب أم بعد، ويدلّ عليه بعد الإجماع ما مرّ من اختصاص الوارث المسلم بإرث الكافر. وإن لم يكن له وارث غير الكافر، فالمشهور أنّه يرثه الإمام ولا شي ء للكافر، فطرياً كان المرتدّ أم ملّياً، بل نفى عنه الخلاف في الأوّل»(6).


1- جواهر الكلام 16: 39.
2- علي بن حسن الرباط كوفي ثقة معوّل عليه. راجع: نقد الرجال 244: 3.
3- وسائل الشيعة 24: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الارث، الباب 5، الحديث 1.
4- مشترك بين الأحول وابن حيّ، الأوّل منهما تختلف روايته والثاني زيدي متروك العمل بما يختصّ بروايته. راجع: نقد الرجال 29: 2 و 30.
5- وسائل الشيعة 12: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 2.
6- مستند الشيعة 26: 19.

ص: 25

وقال صاحب «الجواهر»: «لو لم يخلف الكافر مسلماً ورثه الوارث الكافر، نعم يقيّد ذلك بما إذا كان الكافر أصلياً، وأمّا لو كان الميّت مرتدّاً عن ملّة أو فطرة ورثه الإمام (ع) مع عدم الوارث المسلم أو ما في حكمه كولده المنعقدة نطفتُه حالَ إسلام أبويه أو أحدهما»(1).

أمّا الفطري، فيستدلّ عليه بعدم الخلاف فيه كما في «المستند»(2) و «الجواهر». قال صاحب «الجواهر»: «بلا خلاف أجده فيه في الفطري بل الإجماع بقسميه عليه»(3).

وأمّا الملّي، فقال صاحب «المستند»: «صريح «المقنع» كظاهر «الفقيه» و «الاستبصار»: أنّ ميراثه للكافر إن ارتدّ عن ملّة، ورواه ابن الجنيد في الأحمدي عن ابن فضّال وابن يحيى عن أبي عبدالله (ع) وقال: لنا في ذلك نظر»(4).

واستدلّ على كون إرثه للإمام بتنزيله منزلة المسلم في كثير من أحكامه كقضاء عباداته الفائتة من الردّة وكونه في حكمه وبموثّقة أبان بن عثمان عمّن ذكره عن الصادق (ع) في رجل يموت مرتدّاً عن الإسلام وله أولاد، فقال: «ماله لولده المسلمين»(5). وتقييد الولد بالمسلمين يدلّ على عدم كون ارثه لأولاده الكافرين فيرثه الإمام (ع).

وحيث يمكن الإشكال في هذه الأدلّة، قال صاحب «المستند»: «قول


1- جواهر الكلام 17: 39.
2- مستند الشيعة 26: 19.
3- جواهر الكلام 17: 39.
4- مستند الشيعة 26: 19.
5- وسائل الشيعة 28: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 6.

ص: 26

«المقنع» لا يخلو عندي من قوّة»(1).

وحيث ورد في الأخبار الخاصّة أنّ إرثه يقسّم على ورثته، قال صاحب «المستند»: «لو رفعنا اليد عن هذه الأخبار الخاصّة بمخالفة الشهرة العظيمة للقدماء والشذوذ، فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب والسنّة»(2).

هذا، مع أنّه يمكن أن يقال في جوابه: إنّ عمومات الكتاب والسنّة قابلة للتخصيص بالشهرة العظيمة بل الإجماع، ولذا قال هو في آخر كلامه: «ومع ذلك مظنّة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة، والله العالم»(3).

وقال صاحب «الجواهر» في الاستدلال على كون إرث الملّي الذي ليس له وارث مسلم للإمام (ع): «على المشهور بين الأصحاب في الملّي شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك، لتحرّمه بالإسلام ولذا لا يجوز استرقاقه ولا يصحّ نكاحه لكافرة ولا مسلمة»(4).

واستدلّ بكون ميراثه لوارثه الكافر برواية إبراهيم بن عبدالحميد(5) قال: قلت لأبي عبدالله (ع): نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانية ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى» ومسلم تنصّر، قال: «ميراثه لولده المسلمين»(6).

قال صاحب «الجواهر»: «وهي شاذّة بل لم يعرف بها قائل سوى ما يظهر من


1- مستند الشيعة 29: 19.
2- مستند الشيعة 29: 19.
3- مستند الشيعة 29: 19.
4- جواهر الكلام 17: 39.
5- ثقة له أصل، واقفي. راجع: نقد الرجال 72: 1.
6- وسائل الشيعة 25: 26- 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 1.

ص: 27

تعبير الصدوق في «المقنع» بلفظها ومن الشيخ في كتابي الحديث، مع أنّه قال في «الفقيه»: الكافر بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون ... بل ظاهرها أنّ الميراث للولد النصارى وإن كان له ورثة مسلمون وهو خلاف الإجماع والنصّ، فلا ريب حينئذٍ في أنّ وارثه الإمام (ع)»،(1) فما في المتن ثابت.

(مسألة 2): لو كان الميّت مسلماً أو مرتدّاً فطرياً أو ملّياً، ولم يكن له وارث إلا الزوج والإمام (ع)، كان إرثه للزوج لا الإمام (ع)، ولو كان وارثه منحصراً بالزوجة والإمام (ع) يكون ربع تركته للزوجة والبقيّة للإمام (ع).

أقول: إذا كان وارث المسلم أو المرتدّ، منحصراً في الزوج أو الزوجة والإمام، فما حكمه؟

قال صاحب «المستند»: «إذا ماتت الزوجة عن زوج ولم يكن هناك مناسب ولا مسابب كان المال كلّه له نصفه بالفرض ونصفه بالردّ ولا أعرف في ذلك خلافاً؛ ونقل عليه الإجماع الشيخان في «الإعلام» و «الإيجاز» و «الاستبصار» و «المبسوط» والسيّدان في «الغنية» و «الانتصار» والحلّي والفاضل في «السرائر» و «المختلف» والشهيد الثاني في «المسالك» وفي «المهذّب» نفى الخلاف عنه»(2).

وقال أيضاً: «إذا مات عن زوجة كذلك، ففيه أقوال»(3).


1- جواهر الكلام 17: 39- 18.
2- مستند الشيعة 393: 19- 394.
3- مستند الشيعة 396: 19.

ص: 28

والأقوال الردّ عليها مطلقاً وعدم الردّ عليها كذلك، والتفصيل بالردّ عليها في حال الغيبة دون الحضور.

وقال صاحب «الجواهر» في صورة عدم الوارث عدا الزوج أو الزوجة والإمام: «النصف للزوج والباقي يردّ عليه على المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل عن الشيخين وجماعة دعواه عليه وهو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة ... وأمّا الزوجة حيث لا وارث غيرها عدا الإمام (ع) فلها أي الزوجة الربع قطعاً وهل يردّ عليها؟ فيه أقوال ثلاثة ...»(1).

وقال الشيخ: «للزوج من تركة زوجته الربع إن كان له ولد والباقي لسائر ورثتها بالنسب أو بالسبب ولو لم يوجد منهم عدا الإمام ردّ الباقي على الزوج على المعروف من غير سلّار من علماءنا وعن الشيخين والسيّدين والحلّي دعوى الإجماع وبه أخبار مستفيضة»(2).

وقال: «للزوجة من تركة زوجها الثمن إذا كان له ولد وإلا فالربع والباقي لسائر الورثة ومع عدمهم- عدا الإمام- ففي ردّ الباقي عليها أو كونه للإمام أقوال ...»(3).

حكم إرث الزوج

أشار العَلَمان إلى استفاضة الأخبار الدالّة على ردّ الباقي على الزوج لا الإمام. فلنذكر بعضها تيمّناً:


1- جواهر الكلام 79: 39- 80.
2- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 181: 21.
3- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 183: 21.

ص: 29

عن أبي بصير، قال كنت عند أبي عبدالله (ع) فدعا بالجامعة فنظر فيها- نظرنا ن. خ- فإذاً «امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، المال له كلّه»(1).

وعن محمّد بن قيس(2) عن أبي جعفر (ع) في امرأة توفّيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج، قال: «الميراث لزوجها»(3).

وعن أبي بصير عن الصادق (ع) قال: قلت له: امرأة هلكت وتركت زوجها قال: «المال كلّه للزوج»(4).

لكن في رواية جميل بن درّاج عن الصادق (ع) قال: «لا يكون الردّ على زوج ولا زوجة»(5).

قال الشيخ: «بذلك- أي ما دلّ على ردّ النصف الباقي على الزوج- يخصّص عموم قوله: «لا يردّ على الزوج والزوجة»، مع توجّه احتمال حمله على التقيّة أو وروده فيما إذا جامع أحد الزوجين لذي فرض من اولى الأرحام، بحيث تزيد التركة على فرضهما كأحد الزوجين مع الامّ أو الأخ»(6).


1- وسائل الشيعة 197: 26- 198، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 3.
2- هو أبو عبدالله البجلي يروى عنه عاصم بن حميد الحنّاط قال الشهيد الثاني في دراية الحديث: كلّما كان فيه محمّد بن قيس عن أبي جعفر فهو مردود لاشتراكه بين الثقة والضعيف وفيه نظر لأنّه ربما يظهر التمييز من الراوي كرواية عاصم عنه. راجع: نقد الرجال 307: 4.
3- وسائل الشيعة 197: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 200: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 14.
5- وسائل الشيعة 204: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 10.
6- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 181: 21- 182.

ص: 30

والمحكيّ عن أبي يعلى حمزة بن عبدالعزيز الديلمي المعروف بسلار صاحب كتاب «المراسم» أنّ ما زاد من التركة عن نصف الزوج فهو للإمام (ع).

واستدلّ عليه بالأصل وظاهر الآية(1) وموثّق جميل المنقول آنفاً.

أمّا الأصل فهو دليل حيث لا دليل، فلا يعارض النصّ المستفيض.

وأمّا الآية، فهي ساكتة عن الدلالة على المدّعى وعدمها، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «ودلالة الآية على عدم الردّ بمفهوم اللقب أو الوصف ولا حجّة فيه في مقابلة النصّ الصريح»(2). وأمّا موثّق جميل فلا يقاوم الصحاح. على أنّ صاحب «الجواهر» قال: «غير صريح في عدم الردّ عليهما مطلقاً فيحمل على وجود الوارث في جانب الزوج كما هو الغالب»(3).

قال صاحب «المستند»: «وظاهر «الإيضاح»(4) القول به من غيره أيضاً»(5).

ثمّ أجاب بأنّ العمل بالأصل والإطلاق والعموم عند عدم الرافع والمقيّد والمخصّص وهي هنا موجودة، فبها يدفع الأصل ويقيّد إطلاق ظاهر الآية بوجود وارث آخر ويخصّص عموم الموثّقة به. ثمّ قال: «مع أنّها لا تقاوم الأخبار المتقدّمة لوجوه عديدة، على أنّ حملها على التقيّة ممكن لموافقتها لمذاهب العامّة، كما صرّح به في «الانتصار»»(6). هذا كلّه في حكم إرث الزوج.


1- ( عليهم السلام) وَلَكمْ نِصْفُ مَا تَرَك أزْوَاجُكمْ إِنْ لَمْ يكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يوصِينَ بِهَا أوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُمْ إِنْ لَمْ يكنْ لَكمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ...( النساء( 4): 12).
2- جواهر الكلام 80: 39.
3- جواهر الكلام 80: 39.
4- إيضاح الفوائد 237: 4.
5- مستند الشيعة 396: 19.
6- مستند الشيعة 396: 19.

ص: 31

حكم إرث الزوجة

قد نقلنا عن «الإعلام» الثلاثة أنّ في الرجل الذي مات وليس له سوى وارث، أقوالًا ثلاثة.

فالآن نقول: أمّا القول بأنّه ليس لها سوى الربع فلجمّ غفير من الفقهاء، ولذا قال صاحب «المستند»: «دعوى الشهرة عليه متكرّرة. وظاهر «الانتصار» و «السرائر» دعوى الإجماع عليه»(1).

وأمّا القول بردّ الباقي عليها، فقال صاحب «المستند»: «نسب إلى ظاهر المفيد، حيث قال: إذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا سبب للميّت، ردّ باقي التركة على الأزواج، وهو غير ظاهر فيما نسب إليه، لاحتمال أن يريد بالأزواج الرجال»(2).

وأمّا القول بالتفصيل بالردّ عليها حال الغيبة دون الحضور فهو مختار «الفقيه» و «الجامع» و «التحرير» و «اللمعة» وفي «النهاية» أنّه قريب من الصواب.

قال صاحب «المستند»: «الحقّ هو الأوّل، للأصل، والمستفيضة من الأخبار المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة وبرواية العبدي- التي شهد الفضل بصحّتها- المتضمّنة لقوله (ع): «لا تزاد المرأة على الربع، ولا تنقص من الثمن»(3).

وقال صاحب «الجواهر» بعد نقل الأقوال وبيان أدلّتها وردّ بعضها وتقوية القول بكون الفاضل عن الربع للإمام بأنّه المشهور شهرة عظيمة، بل كادت تكون


1- مستند الشيعة 397: 19.
2- مستند الشيعة 397: 19.
3- مستند الشيعة 398: 19.

ص: 32

إجماعاً: «وعلى كلّ حال فلا ريب في أنّ الحقّ أنّه لا يردّ عليها وإن كان هو الأحوط في هذا الزمان إذا فرض كونها مصرفاً لماله»(1).

وقال الشيخ بعد نقل الأقوال: «وخيرها أوسطها، للأصل، لأنّ ثبوت الزائد عمّا فرض لها في الكتاب يحتاج إلى دليل ولا يعارض بأصالة عدم ثبوته للإمام (ع) لأنّه إذا ثبت ولو بحكم الأصل، عدم ثبوت وارث ومستحقّ لهذا المال، ثبت كونه للإمام (ع) لما دلّ على أنّه وارث، مع عدم الوارث وللأخبار المستفيضة المعتضدة بفتوى الأكثر، إذ لم يحك الأوّل إلا عن المفيد ... والقول الثالث للصدوق وجماعة من المتأخّرين ولا مستند لهم سوى الجمع بين الأخبار»(2).

يعني إذا جمعنا بين الأخبار الدالّة على أنّ الزائد على الربع للإمام وصحيحة أبي بصير الدالّة على أنّ «المال لها»(3) نحكم بالتفصيل بين عصر الحضور وعصر الغيبة أو كون المرأة قريبة له. لكن أنّى لنا هذا وقد حكموا بشذوذ صحيحة أبي بصير، وحكى عن الحلّي في «السرائر» برجوع المفيد عنه، وحكي عن «الانتصار» عدم عمل الطائفة بها وحكى- أيضاً- عن الحلّي في «السرائر» أنّه لا خلاف فيه بين المحصّلين. فالحقّ أنّ الزائد على الربع للإمام (ع).

(مسألة 3): لو مات مسلم أو كافر، وكا ن له وارث كافر ووارث مسلم غير الإمام (ع)، وأسلم وارثه الكافر بعد موته، فإن كان وارثه


1- جواهر الكلام 83: 39.
2- الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم 183: 21- 185.
3- وسائل الشيعة 204: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 9.

ص: 33

المسلم واحداً اختصّ بالإرث ولم ينفع لمن أسلم إسلامه. نعم، لو كان الواحد زوجة، ينفع إسلام من أسلم قبل قسمة التركة بينها وبين الإمام (ع) أو نائبه. ولو كان وارثه المسلم متعدّداً فإن كان إسلام من أسلم بعد قسمة الإرث لم ينفع إسلامه، وأمّا لو كان قبلها فيشاركهم فيه إن ساواهم في المرتبة واختصّ به وحجبهم إن تقدّم عليهم، كما إذا كان ابناً للميّت وهم إخوة.

أقول: إذا أسلم الوارث الكافر بعد موت المورّث، ففيه احتمالات:

1. لو أسلم الوارث الكافر بعد موت المورّث وكان الوارث المسلم واحداً غير الزوجة، فلم ينفعه إسلامه.

قال صاحب «المستند»: «لو كان الوارث واحداً سوى الإمام أو أحد الزوجين فالمال له، ولا ينتقل إلى من أسلم بعد الموت، ولا أعرف فيه أيضاً خلافاً، وفي «السرائر» و «التنقيح» الإجماع عليه»(1).

واستدلّ عليه بأنّ المال انتقل إليه بالموت وحصل في ملكه والانتقال منه إلى من أسلم بعد، يحتاج إلى دليل وهو مفقود.

وأمّا أخبار الإسلام قبل القسمة فلا تشمل المورد ولا توجب الانتقال.

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان الوارث واحداً غير الإمام وأحد الزوجين لم يكن له نصيب أيضاً لو أسلم، لما عرفت من أصالة عدم الإرث بعد عدم صدق القسمة مع الوحدة، مضافاً إلى ما عن «السرائر» و «التنقيح» وظاهر «النكت» من


1- مستند الشيعة 30: 19.

ص: 34

الإجماع على عدم إرثه أيضاً، خلافاً لابن الجنيد فورّثه مع بقاء التركة في يد الأوّل وهو شاذّ»(1).

2. لو أسلم الوارث الكافر وليس للميّت وارث سوى الإمام فهو أولى بالإرث.

قال صاحب «المستند»: «لو كان الواحد هو الإمام فالمسلم أولى وفاقاً للأكثر، لصحيحة أبي بصير»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «هو أولى من الإمام (ع) كما عن «المسالك» ومحكي «المعالم»، بل عن ابن فهد حكايته عن شيخه، وفخر المحقّقين عن المحقّق وكثير من الأصحاب، و «الكافية» عن المشهور»(3).

وفي صحيح أبي بصير(4) عن أبي عبدالله (ع) في رجل مسلمٍ مات وله امّ نصرانية، وله زوجة وولد مسلمون ... قلت: فإن لم يكن له امرأة، لا ولد، ولا وارث له سهم في الكتاب مسلمين، وله قرابة نصارى ممّن له سهم في الكتاب لو كانوا مسلمين، لمن يكون ميراثه؟ قال: «إن أسلمت امّه فإن ميراثه لها وإن لم تسلم امّه وأسلم بعض قرابته ممّن له سهم في الكتاب فإنّ ميراثه له فإن لم يسلم أحد من قرابته فإنّ ميراثه للإمام»(5).


1- جواهر الكلام 19: 39.
2- مستند الشيعة 31: 19.
3- جواهر الكلام 19: 39.
4- المرادي ليث بن البختري قال الصادق( ع):« بشر المخبتين بالجنّة بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمّد بن مسلم وزرارة، أربعة نُجباء امناء الله على حلاله وحرامه لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوّة واندرست» راجع: نقد الرجال 77: 4.
5- وسائل الشيعة 20: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 1.

ص: 35

لكن في صحيح أبي ولّاد(1) عنه (ع): «على الإمام أن يعرض على قرابته من أهل بيته الإسلام فمن أسلم منهم فهو وليّه ... فإن لم يسلم أحد كان الإمام ولىّ أمره»(2).

وظاهرها وجوب عرض الإسلام على قرابته وهو خلاف الاعتبار، لأنّه يلزم خلوّ المال من المالك قبل العرض على ما في «الجواهر»(3).

ويمكن أن يقال: هذا نظير إسلام الكافر قبل القسمة في صورة عدم انحصاره، فكما لا مانع هناك من استحقاقه لا مانع هنا.

3. إذا أسلم الكافر على ميراث قبل قسمته شارك أهله إن كان مساوياً في الدرجة وانفرد به إن كان أولى.

قال صاحب «المستند»: «لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل القسمة شارك أهله مع المساواة مرتبةً واسلاماً؛ واختصّ به مع التقدّم فيهما أو في أحدهما»(4). وبه قال صاحب «الجواهر». والدليل عليه الإجماع والروايات المستفيضة.

ففي صحيحة أبي بصير- المنقول بعضها آنفاً- في رجل مسلم مات وله امّ نصرانية وله زوجة وولد مسلمون، قال: «إن أسلمت امّه قبل أن يقسم ميراثه، اعطيت السدس»(5) ومثلها روايات اخر في «الوسائل» أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 2 و 3، والباب 3، الحديث 4 و 5.


1- حفص بن سالم، مخزومي ثقة خرج مع زيد بن على( ع) وظهر من الصادق( ع) تصويبه. راجع: نقد الرجال 129: 2- 130.
2- وسائل الشيعة 124: 29، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 60، الحديث 1.
3- جواهر الكلام 20: 39.
4- مستند الشيعة 29: 19.
5- وسائل الشيعة 20: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 1.

ص: 36

4. الفرض بحاله لكن أسلم الوارث بعد القسمة. ففي هذه الصورة لا شي ء له. وتدلّ عليه الروايات المشار إليها في الفرض السابق. وبه قال صاحب «المستند» وصاحب «الجواهر» بل يدلّ عليه الإجماع.

5. إذا كان الوارث هو الإمام وأحد الزوجين، فقال صاحب «المستند»: «يبنى- على الأقوى- على أنّ الزوجين إذا لم يكن وارث غيرهما هل يردّ الفاضل عليهما، أم لا يردّ على أحدهما أصلًا، أم يردّ على الزوج دون الزوجة؟»(1).

فلو أسلم الكافر والحال هذه، فقال صاحب «الجواهر»: «لو قيل يشارك مع الزوجة دون الزوج كان وجهاً»(2).

ووجهه: أنّ للزوج جميع المال من حين موت المورّث فلا يمكن تقسيم المال حتّى يشارك الكافر الذي أسلم معه، وأمّا لو كان الوارث هو الزوجة فلها الربع فقط على قول المشهور، فإذا أسلم الكافر فيرث الباقي، لكن بشرط عدم القسمة وعدم انتقال نصيب الإمام إلى بيت المال، فلو قسّم المال بين الإمام والزوجة فإسلام الكافر لا ينفع. اللّهمّ إلا أن يقال: كلّ المال للزوجة فإسلامه غير نافع، إذ الزوجة تنتقل إليها المال بمجرّد موت الزوج.

(مسألة 4): لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة دون بعض فالأحوط التصالح.

أقول: قد مرّ حكم إسلام الوارث الكافر غير المنحصر قبل قسمة التركة


1- مستند الشيعة 32: 19.
2- جواهر الكلام 21: 39.

ص: 37

وبعدها ولم نتعرّض لإسلامه بعد قسمة بعضها فإليك بيان حكمها.

قال صاحب «الجواهر»: «لو أسلم الوارث بعد قسمة بعض التركة شارك في الباقي مع المساواة أو اختصّ به مع الإنفراد وفاقاً للمشهور، لأنّه ميراث أسلم عليه قبل أن يقسّم، فله إرثه كما لو انحصر الإرث فيه»(1).

لكن نقل عن بعض احتمال العدم، واستدلّ عليه بصدق القسمة في الجملة. وفي مقابل هذا من قال بإرثه فيما قسّم أيضاً. كما عن «التحرير» و «القواعد» احتماله وعن «الإرشاد» اختياره، لأنّ الميراث هو المجموع ولم يقسّم.

فالأقوال ثلاثة ولكلّ دليلٌ، والترديد من حيث صدق القسمة وعدمه. فبعض فصّل بين ما قسّم وما لم يقسّم فأجرى حكم القسمة في بعض وحكم عدم القسمة في بعض آخر، وبعض حكم بصدق قسمة البعض على قسمة الكلّ وبعض حكم بكون اللازم قسمة المجموع، فحيث لم يقسّم المجموع فيرث من أسلم من المجموع والأقوى هو القول الأوّل ولذا اختاره صاحب «الجواهر»: «وفاقاً ل- «لوسيلة» و «الإيضاح» و «الروضة» و «المسالك» و «غاية المرام» و «المفاتيح» ... للأصل ولأنّ الميراث جنس يطلق على الكلّ، والبعض المقسوم ميراث أسلم عليه بعد قسمته، فلا يرث منه بمقتضى النصّ ولا يعارض بالمجموع، لخفاء فرديّته لغير المقسوم وظهور أنّ المناط هو الإشاعة لا مجرّد عدم القسمة»(2).

ومع ذلك كلّه، فالاحتياط طريق النجاة.


1- جواهر الكلام 23: 39.
2- جواهر الكلام 23: 39.

ص: 38

(مسألة 5): لو مات مسلم عن ورثة كفّار ليس بينهم مسلم، فأسلم بعضهم بعد موته، اختصّ هو بالإرث ولا يرثه الباقون ولا الإمام (ع). وكذا الحال لو مات مرتّد وخلّف ورثة كفّاراً، وأسلم بعضهم بعد موته.

أقول: إذا كان الميّت مسلماً أو مرتدّاً وله ورثة كفّار، فأسلم بعضهم، فما حكمه؟

وحيث إنّ الميّت الكافر أو المرتدّ لا وارث له في هذا الفرض سوى الإمام، فلو أسلم الوارث الكافر يكون إرثه له دون الإمام، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «لو أسلم الكافر كان الميراث له وان نقل إلى الإمام (ع) ....». ثمّ قال: «وفيه قول آخر»(1).

وقد مرّ صحيح أبي بصير الدالّ على أنّ المسلم الذي مات وله قرابة نصارى: «أسلم بعض قرابته ... فإنّ ميراثه له فإن لم يسلم أحد من قرابته، فإنّ ميراثه للإمام»(2).

لكن في صحيحة أبي ولاد وجوب عرض الإسلام عليهم من قِبَل الإمام كما مرّ(3).

وقد مرّ الإشكال فيها والجواب عنه.

وعن الشيخ وابن حمزة وغيرهما: «إن كان إسلام الوارث قبل نقل التركة إلى بيت المال ورث، وإن كان بعده لم يرث». لكن قال صاحب «الجواهر»: «لم


1- جواهر الكلام 42: 39.
2- وسائل الشيعة 20: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 124: 29، كتاب القصاص، أبواب القصاص في النفس، الباب 60، الحديث 1.

ص: 39

نعرف له مستنداً»(1). وعن الشيخ في «النهاية» وابن البرّاج لا يرث، لأنّ الإمام كالوارث الواحد قال صاحب «الجواهر»: «اجتهاد في مقابلة النصّ»(2).

فعلى هذا ففي الفرض، الحكم ثابت وما في المتن محكّم.

وأمّا لو مات مرتدّ وخلّف ورثة كفّاراً، فإن لم يسلم واحد منهم، فالإرث كلّه للإمام (ع) من غير فرق بين المرتدّ الملّي والفطري، فإنّ الإجماع بقسميه قام على الحكم في الفطري والشهرة العظيمة التي كادت تكون إجماعاً في الملّي.

وأمّا إن أسلم بعضهم بعد موته، فهو يرثه. لكن روى إبراهيم بن عبدالحميد(3) عن أبي عبدالله (ع) في نصراني أسلم، ثمّ رجع إلى النصرانية، ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده النصارى» ومسلم تنصّر ثمّ مات، قال: «ميراثه لولده المسلمين»(4).

وفي معناها روايات اخر كما في «الوسائل» الباب 6، من أبواب موانع الإرث، الحديث 3 و 5 وأبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 3.

قال صاحب «المستند» بعد ذكر الجواب عنها بالحمل على التقيّة أو على أنّ ولد المرتدّ صغير أو على كون ورثة المرتدّ مسلمين غالباً والإشكال في الأجوبة: «المسألة محلّ إشكال، حيث إنّ الحدس يأبى عن ذهاب فحول العلماء ومعظم الفقهاء إلى قول بلا مستند، مع دلالة الأخبار على خلافه وأنّ جواز الخروج عن مقتضى الأخبار الصحيحة والموثّقة والعمومات الكثيرة بمجرّد هذا الاستبعاد


1- جواهر الكلام 21: 39.
2- جواهر الكلام 21: 39.
3- كوفي انماطي أخو محمّد بن عبدالله بن زرارة لُامّه روى عن أبي عبدالله له كتاب نوادر روى عنه محمّد بن أبي عُمير وصفوان، ثقة إلا أنّه واقفي. راجع: نقد الرجال 71: 1- 72.
4- وسائل الشيعة 25: 26- 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 1.

ص: 40

وعدم ثبوت الإجماع وفقد المخرج غير معلوم». ثمّ قال: «وقول «المقنع» لا يخلو عندي من قوّة»(1).

و «المقنع» للصدوق صريح في أنّ ميراث المرتدّ الملّي لوارثه الكافر، كما أنّ فقيهه ظاهر فيه.

ثمّ إنّه قال: «لو رفعنا اليد عن هذه الأخبار الخاصّة بمخالفة الشهرة العظيمة للقدماء والشذوذ، فلا يمكن رفعها عن عمومات الكتاب والسنّة ومع ذلك مظنّة انعقاد الإجماع على ما ذهبوا إليه متحقّقة، والله العالم»(2).

وأمّا صاحب «الجواهر» فقد قال: «وهي شاذّة بل لم يعرف بها قائل سوى ما يظهر من تعبير الصدوق في «المقنع» بلفظها ومن الشيخ في كتاب الحديث، مع أنّه قال في «الفقيه»: الكفّار بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون، بل عن ابن الجنيد أنّه روى هذه الرواية عن ابن فضّال وابن يحيى وقال: لنا في ذلك نظر»(3).

ثمّ إنّه استشكل في دلالة رواية إبراهيم بن عبدالحميد وقال: «بل ظاهرها أنّ الميراث للولد النصارى وإن كان له ورثة مسلمون وهو خلاف الإجماع والنصّ، فلا ريب حينئذٍ في أنّ وارثه الإمام»(4).

(مسألة 6): لو مات كافر أصلي وخلّف ورثة كفّاراً ليس بينهم مسلم، فأسلم بعضهم بعد موته، فالظاهر أنّه لا أثر لإسلامه، وكان الحكم كما


1- مستند الشيعة 28: 19- 29.
2- مستند الشيعة 29: 19.
3- جواهر الكلام 17: 39- 18.
4- جواهر الكلام 18: 39.

ص: 41

قبل إسلامه، فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته، ويختصّ غيره به مع تأخّرها، وشاركهم مع المساواة. ويحتمل أن تكون مشاركته مع الباقين في الصورة الأخيرة فيما إذا كان إسلامه بعد قسمة التركة بينه وبينهم، وأمّا إذا كان قبلها اختصّ بالإرث. وكذا اختصاص الطبقة السابقة في الصورة الثانية إنّما هو فيما إذا كان مَن في الطبقة السابقة واحداً أو متعدّداً، وكان إسلام من أسلم بعد قسمة التركة بينهم، وأمّا إذا كان إسلامه قبلها اختصّ الإرث به.

أقول: لا ريب في أنّ الكفّار يتوارثون، كما أنّه لا ريب في أنّ الكافر لا يرث المسلم وكما أنّه لا ريب عندنا في أنّ المسلم يرث الكافر. بل لو كان للميّت الكافر وارث مسلم وكافر، يرثه المسلم، لأنّ المسلم يحجب الكافر. هذا إذا كان الكافر أصليّاً أمّا لو كان مرتدّاً ملّياً أو فطرياً ولم يكن له وارث مسلم، فإرثه للإمام، وقد مرّ البحث عن هذه الامور عند البحث عن المسألة الاولى.

لكنّ البحث هنا عمّا إذا مات الكافر الأصلي وكان له ورثة كفّار فأسلم بعضهم بعد موته، سواء كان إسلامه قبل القسمة أو بعدها فأفتى صاحب «الوسيلة» على أنّه اختصّ هو بالإرث ولم يرثه الباقون ولم ينته الأمر إلى الإمام، لكن صاحب «تحرير الوسيلة» قال: «الظاهر أنّه لا أثر لإسلامه وكان الحكم كما قبل إسلامه فيختصّ بالإرث مع تقدّم طبقته ويختصّ غيره به مع تأخّرها وشاركهم مع المساواة».

أقول: لو كان الظاهر أنّه لا أثر لإسلامه فهم في تقسيم الإرث يعملون بشريعتهم ولا نحتاج إلى أن نتكلّف ونقول باختصاصه بالإرث مع تقدّم طبقته

ص: 42

واختصاص غيره به مع تأخّرها ومشاركتهم مع المساواة. فإنّهم لا يلتزمون بأحكام شريعتنا، لكن هذا الحكم موافق لبعض الروايات(1).

ووجه الفتوى بعدم تأثير إسلامه أنّ المال انتقل بموت الكافر إلى ورثته الكفّار الذين هذا الذي أسلم بعد موت المورّث الكافر منهم ودخل في ملكهم، سواء حصلت القسمة أم لا، ويدلّ عليه مرسلة ابن أبي عمير عن غير واحد عن أبي عبدالله (ع) في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد غير مسلمين، فقال: «هُم على مواريثهم»(2).

قال صاحب «الجواهر»: «لو مات كافر وله ولد كافر مثلًا وزوجة مسلمة بأن أسلمت بعد موته قبل القسمة أو أنّه مات في عدّتها منه بعد إسلامها، يكون إرثه لها وللإمام، وفاقاً للمحكيّ عن الشيخ والقاضي ونجيب الدين وظاهر المعظم»(3).

وهذه الفتوى موافق لما أفتى به السيّد الأصفهاني (رحمه الله) وحكم صاحب «الجواهر» بكونها موافقة لما هو ظاهر متن «الشرائع» بل كاد يكون صريحه.

ومقتضاها حجب الكافر- أي الولد- بالمسلم، حيث إنّ زوجة الميّت الكافر أسلمت بعد موت زوجها الكافر فصارت حاجبة لإرث الولد الكافر.

ثمّ ذكر صاحب «الجواهر»: أنّ العلّامة في «القواعد» و «الإرشاد» خالف ظاهر المعظم فورّث الولد الكافر الفاضل عن فرض الزوجة وجعل لها الثمن ...(4).

وفتوى العلّامة موافقة لما حكم به الإمام الخميني (قدّس سرّه) في «التحرير» وإن


1- راجع: وسائل الشيعة 23: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3.
2- وسائل الشيعة 25: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 5، الحديث 3.
3- جواهر الكلام 29: 39.
4- جواهر الكلام 22: 39.

ص: 43

رجع عنه وقال: «ويحتمل أن تكون ...».

وصاحب «الجواهر» استشكل في فتوى العلّامة بوجوه:

1. «عموم حجب الكافر بالمسلم»(1).

وقد قال الصادق (ع): «المسلم يحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه»(2) والحكم بحجب الكافر بالمسلم إجماعي ورفع اليد عن العمومات غير موجّه.

2. «إطلاق الأصحاب عدم إرث الكافر مع وجود مسلم غير الإمام»(3).

والإطلاق يشمل صورة إسلام الوارث المسلم قبل موت المورّث الكافر وبعده.

3. «تنزيلهم الكفّار منزلة الموتى في الإرث»(4).

فإذا كان الكافر بمنزلة الميّت الذي لا يرث، فكيف يحكم بكونه كالحيّ في كونه وارثاً مع الوارث المسلم؟

4. «لو ورث فإمّا أن ترث معه الزوجة الربع وهو خلاف فرضها مع الولد الوارث، أو الثمن فيلزم حجب المسلم بالكافر وهو باطل بالنصّ والإجماع من الامّة عدا ابن مسعود، كما عن «الخلاف» ومتى بطل حجب الولد، سقط إرثه، الوارث حاجب بالإجماع»(5).


1- جواهر الكلام 22: 39.
2- وسائل الشيعة 12: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 2.
3- جواهر الكلام 22: 39.
4- جواهر الكلام 22: 39.
5- جواهر الكلام 22: 39.

ص: 44

ثمّ قال صاحب «الجواهر»: «فالمتّجه حينئذٍ في الفرض إعطائها الربع ودفع الفاضل للإمام، كما هو ظاهر الأكثر لبطلان الردّ عليها»(1).

واستدلال «الجواهر» في مقابل العلّامة محكم لا يرجع عنه إلى غيره.

وأمّا ما ذكر صاحب «الجواهر» من مخالفة ابن مسعود فمنقول في «الخلاف» عن الشافعي وابن عبّاس وزيد بن ثابت وابن مسعود وغيرهم(2).

ثمّ إنّ الإمام الخميني (قدّس سرّه) بعد ما أفتى به موافقاً لما أفتى به العلّامة كأنّه رجع عنه، واحتمل التفصيل بين أن يكون إسلام ذلك الوارث الكافر بعد قسمة التركة أو قبلها.

فإن كان بعد القسمة بينه وبينهم فلا أثر لإسلامه، بل شاركهم مع المساواة وينفرد بالإرث مع التقدّم ولا يرث مع التأخّر. وإن كان إسلامه قبل القسمة، اختصّ الإرث به.

ويمكن أن يستدلّ لهذا الاحتمال بروايات إسلام الكافر على الميراث، كما في روايات الباب الثالث من أبواب موانع الإرث من كتاب «الوسائل».

فانظر إلى ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (ع) في الرجل يسلم على الميراث، قال (ع): «إن كان قسم فلا حقّ له وإن كان لم يقسم فله الميراث ...»(3).

ومثله ما رواه أبو العبّاس البقباق(4) عنه (ع): «من أسلم على ميراث قبل أن يقسم فهو له»(5).


1- جواهر الكلام 22: 39.
2- سلسلة ينابيع الفقهية 15: 34.
3- وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 4.
4- هو فضل بن عبدالملك كوفي ثقة. راجع: نقد الرجال 23: 4.
5- وسائل الشيعة 22: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 3، الحديث 5.

ص: 45

وإطلاق هذين وأمثالهما يشمل ما لو كان المورّث مسلماً أو كافراً، لكن إطلاق حجب الكافر بالمسلم مانع عن إرث الكافر مع الوارث المسلم، ولذا نحكم بأولوية ما قاله المعظم كما في «الجواهر»(1).

ويظهر من صاحب «المستند» أنّه قائل بعدم الفرق بين الميّت الكافر أو المسلم، إذا أسلم الوارث الكافر على الميراث، فإنّه قال: «لو أسلم الكافر على ميراث كافر أو مسلم قبل قسمته شارك أهله مع المساواة مرتبة وإسلاماً واختصّ به مع التقدّم فيهما أو في أحدهما ولو أسلم بعدها فلا شي ء له»(2).

ثمّ إنّه تمسّك بالإجماع والروايات المستفيضة التي أشرنا إلى بعضها.

وكلامه موجّه في صورة كون المورّث مسلماً ويفرق بين إسلام الوارث قبل قسمة التركة أو بعدها، وأمّا إذا كان المورّث كافراً والورّاث كفّار وأسلم واحد منهم فيأتي فيه الخلاف السابق، فإن قلنا بما قاله العلّامة والإمام الراحل (رحمه الله) فلا أثر لإسلامه، لكن يرد عليه إشكالات صاحب «الجواهر» وإن قلنا بما قاله المعظم، فهذا المسلم يحجب الورّاث الكفّار ولا نفرّق بين كون إسلامه قبل القسمة أو بعدها.

ولو قلنا بتعارض إطلاق روايات الإسلام قبل القسمة، وإطلاق روايات منع المسلم عن إرث الكافر، فالمرجع الأصل العملي، وحيث إنّ هذا الذي أسلم بعد موت المورّث الكافر كان يقاس مع باقي الورّاث من حيث التقدّم والتأخّر والمساواة فيستصحب.


1- جواهر الكلام 22: 39.
2- مستند الشيعة 29: 19.

ص: 46

(مسألة 7): المراد بالمسلم والكافر- وارثاً ومورّثاً، وحاجباً ومحجوباً- أعمّ منهما حقيقة ومستقلًا أو حكماً وتبعاً، فكلّ طفل كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته، فهو مسلم حكماً وتبعاً، فيلحقه حكمه، وإن ارتدّ بعد ذلك المتبوع، فلا يتبعه الطفل في الارتداد الطارئ. نعم، يتبعه في الإسلام لو أسلم أحد أبويه قبل بلوغه، بعد ما كانا كافرين حين انعقاد نطفته. وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين- أصليين أو مرتدّين أو مختلفين- حين انعقاد نطفته، فهو بحكم الكافر حتّى أسلم أحدهما قبل بلوغه، أو أظهر إلاسلام هو بعده. فعلى ذلك لو مات كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اخت مسلمة، ترثه تلك الأطفال دون الأولاد، ولو كان له ابن كافر وطفل ابن مسلم يرثه هو دون ابنه. ولو مات مسلم وله طفل ثمّ مات الطفل، ولم يكن له وارث مسلم في جميع الطبقات، كان وارثه الإمام (ع)، كما هو الحال في الميّت المسلم، ولو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض الله دون الإمام (ع). هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين. وأمّا إذا كانا مرتدّين فهل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي؛ حتّى يكون وارثه الإمام (ع) أو حكم الكافر الأصلي؛ حتّى ترثه ورثته الكفّار؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوّة. وفي جريان حكم التبعية فيما تقدّم في الجدّة تأمّل، وكذا في الجدّ مع وجود الأب الكافر؛ وإن كان جريانه فيه مطلقاً لا يخلو من وجه.

أقول: هذه المسألة مشتملة على فروع كثيرة مهمّة نذكرها تفصيلًا بعون الله تعالى:

ص: 47

1. عدم الفرق بين أقسام الكفر والإسلام

الإسلام والكفر إمّا حقيقيان ومستقلان، أو حكميان وتبعيان.

فالمسلم الحقيقي والمستقلّ هو من يصدق الشهادتين ويكون بالغاً، والمسلم الحكمي والتبعي هو الطفل الصغير الذي يكون أحد أبويه مسلماً أو كلاهما مسلمَيْنِ وفي مقابلهما الكافر الأصلي والتبعي.

قال صاحب «المستند»: «إن كان الوارث بالغاً فالحكم بكفره أو إسلامه واضح. وإن كان طفلًا فهو في الإسلام تابع لأحد أبويه، فلو كان الأبوان أو أحدهما مسلماً وقت العلوق يحكم بإسلام الطفل ... ولعلّ التبعية في الإسلام والكفر من الضروريات ... ولو ارتدّ الأبوان وهو طفل لم يرتدد لسبق إسلامه فيستصحب وإيجاب ارتدادهما لارتداده غير ثابت»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إذا كان أحد أبوى الطفل مسلماً فضلًا عمّا لو كانا معاً حال ولادته أو انعقاده حكم بإسلامه تبعاً وإن ارتد بعد ذلك، المتبوع، بلا خلاف أجده. وكذا لو أسلم أحد الأبوين وهو طفل، فإنّه يحكم بإسلامه حينئذٍ أيضاً وإن ارتدّ المتبوع، بل في «المسالك»: الحكم بذلك موضع وفاق»(2).

2. حكم تبعية الطفل عن الأجداد

قال صاحب «المستند»: «وفي إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدّات بأبوين وجهان»(3).


1- مستند الشيعة 33: 19- 34.
2- جواهر الكلام 25: 39.
3- مستند الشيعة 34: 19.

ص: 48

ثمّ إنّه فصّل بين ما إذا كانت الواسطة حيّة أو غير حيّة، فحكم بالتبعية في صورة عدم حياتها.

وقال صاحب «الجواهر» نقلًا عن «المسالك»: «في إلحاق إسلام أحد الأجداد أو الجدّات بالأبوين وجهان، أظهرهما ذلك، سواء كانت الواسطة بينهما حيّاً أو ميّتاً ولعلّه كذلك»(1). وبه قال سيّدنا الاستاذ وحكم بعدم خلوّه من وجه.

3. حكم المتولّد من المرتدّين

قال صاحب «الجواهر»: «أمّا المتولّد بين المرتدّين فهل هو مرتدّ أو كافر أصلي أو مسلم؟ وجوه ثلاث: أوسطها أوسطها»(2).

وجه كونه مرتدّاً تولّده بين المرتدّين فيكون مرتدّاً تبعاً وهذا مشكل، إذ معنى الارتداد معلوم ويحتاج إلى الردّة ووجه كونه مسلماً إلحاقه بما قبل ارتداد الأبوين وهذا أشكل، فيبقى الحكم بكفره سليماً عن المعارض؛ وبه قال صاحب «الوسيلة» ومحرّرها حيث قالا: «وكلّ طفل كان أبواه معاً كافرين- أصلييّن أو مرتدّين أو مختلفين- حين انعقاد نطفته، بحكم الكافر، حتّى يسلم أحدهما قبل بلوغه أو أظهر الإسلام هو بعد بلوغه».(3)

4. الإشارة إلى بعض الفروع

1. إذا كان الطفل تابعاً في إسلامه وكفره، ف- «لو مات كافر وله أولاد كفّار


1- جواهر الكلام 25: 39.
2- جواهر الكلام 26: 39.
3- وسيلة النجاة مع تعاليق الإمام الخميني: 812.

ص: 49

وأطفال أخ مسلم أو اخت مسلمة، ترثه تلك الأطفال دون الأولاد» كما في المتن.

قال صاحب «المستند»: «لو مات مسلم أو كافر وله أولاد كفّار وأطفال أخ مسلم أو اخت مسلمة، يرثه الأطفال دون الأولاد»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «وكيف كان فالطفل المحكوم بإسلامه تبعاً حكمه حكم المسلم الكبير في أنّه يرث الكافر حينئذٍ ويحجبه ولا يرثه الكافر»(2).

وهذا الحكم واضح لأنّ الطفل مسلمٌ حكماً وتبعاً ويحجب الكافر.

2. لو كان للميّت ابن كافر وطفل ابن مسلم، ففي «الوسيلة» و «التحرير»: «يرثه هو دون ابنه».

قال صاحب «المستند»: «لو مات كافر وله ابن كافر وطفل ابن مسلم، ورثه الطفل دون الابن»(3).

ويستفاد هذا الحكم ممّا نقلناه عن «الجواهر» آنفاً ووجهه واضح أيضاً لأنّ هذا الطفل بحكم المسلم، فيحجب الكافر.

3. لو مات مسلم وله طفل، ثمّ مات الطفل ولم يكن له وارث مسلم في جميع

الطبقات، ففي «الوسيلة» و «التحرير»: «كان وارثه الإمام، كما هو الحال في الميّت المسلم».

وهذا الحكم أيضاً واضح وإن لم يتعرّض له العَلَمان صاحب «المستند» و «الجواهر». فإنّ الطفل محكوم بالإسلام تبعاً وليس له وارث مسلم


1- مستند الشيعة 35: 19.
2- جواهر الكلام 26: 39.
3- مستند الشيعة 35: 19.

ص: 50

في جميع الطبقات، فيرثه الإمام (ع).

4. لو مات طفل بين كافرين وله مال وكان ورثته كلّهم كفّاراً ورثه الكفّار على ما فرض الله دون الإمام، هذا إذا كان أبواه كافرين أصليين. كما في «الوسيلة» و «التحرير».

وهذا الحكم أيضاً واضح، إذ الكفّار يتوارثون وليس هناك مسلم في البين يحجب الورّاث الكفّار عن الإرث.

5. إذا كان الوالدان مرتدّين ومات الطفل الذي بينهما ففي «الوسيلة» وتحريرها: «هل لهذا الطفل حكم الكفر الارتدادي، حتّى يكون وارثه الإمام (ع) أو حكم الكافر الأصلي؛ حتّى ترثه ورثته الكفّار؟ وجهان، لا يخلو ثانيهما من قوّة».

وقد ذكرنا آنفاً أنّ فيه وجوهاً ثلاثة. أوسطها كونه محكوماً بالكفر فترث ورثته الكفّار منه، لأنّ الكفّار يتوارثون إذا لم يكن حاجب مسلم.

6. قال صاحب «المستند»: «لو مات مسلم وله أطفال أخ كافر وكانت امّهم أيضاً كافرة لم يرثوه»(1).

وهذا الحكم واضح وميراثه للإمام (ع) إذ ليس لهذا الميّت المسلم وارث مسلم سوى الإمام (ع).

7. قال أيضاً: «لو مات مسلم وله ابن كافر، يرثه طفل ابنه إن مات أبوه وإلا ففيه وجهان»(2).

ووجه هذا الحكم أنّه ألحق الولد بالجدّ والجدّة، إذا لم تكن الواسطة حيّاً،


1- مستند الشيعة 35: 19.
2- مستند الشيعة 35: 19.

ص: 51

وأمّا إذا كان حيّاً فقال: «فيه إشكال. وقوّى الشيخ- كالشهيد في «المسالك»- الإلحاق وظاهر «التحرير» ك- «الكفاية» التردّد»(1).

8. وقال أيضاً: «لو مات الكافر وخلف أباً وابناً صغيراً كافرين، فأسلم الأب يرثان معاً»(2).

ووجهه على رأيه أنّ الأب قد مات، فإذا أسلم الجدّ فلا مانع من تبعية الطفل عن جدّه فيرثان معاً.

9. وقال أيضاً: «لو مات كافر وله جدّ كافر وابن صغير، فأسلم الجدّ قبل القسمة، اختصّ الابن بالإرث»(3).

فإذا حكمنا بتبعية الطفل عن الجدّ فيرث هو دون الجدّ لأنّ الطفل في الطبقة الاولى والجدّ كالأخ في الطبقة الثانية، وأمّا اشتراط إسلام الجدّ بما قبل القسمة فعلى ما ذهب إليه وإلا فقد قلنا أنّ المعظم على عدم لزوم هذا الشرط.

(مسألة 8): المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والاصول والعقائد، فيرث المحقّ منهم عن المبطل وبالعكس ومبطلهم عن مبطلهم. نعم، الغلاة المحكومون بالكفر، والخوارج والنواصب، ومن أنكر ضرورياً من ضروريات الدين مع الالتفات والالتزام بلازمه كفّار أو بحكمهم، فيرث المسلم منهم وهم لا يرثون منه.


1- مستند الشيعة 34: 19- 35.
2- مستند الشيعة 35: 19.
3- مستند الشيعة 35: 19.

ص: 52

أقول: هذا الحكم مطابق لما في «الوسيلة» مع اختلاف يسير بينها وبين «التحرير» بحسب بعض الألفاظ.

قال صاحب «المستند»: «المسلمون يتوارثون، بمعنى أنّ بعضهم يرث بعضاً وإن اختلفوا في المذاهب، ما لم يخرجوا عن سمة الإسلام ولم يدخلوا في عنوان الكافر، وفاقاً للمشهور»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «المسلمون يتوارثون وإن اختلفوا في المذاهب والأصول والعقائدكما هو المشهور»(2).

ويستدلّ عليه بعموم أدلّة التوارث من الكتاب(3) والسنّة(4) وبالمعتبرة المتضمّنة لابتناء المواريث على الإسلام دون الإيمان وفيها: «الإسلام ... هو الذي عليه جماعة الناس من الفِرَق كلّها وبه حقنت الدماء وعليه جرت المواريث و جاز النكاح»(5).

والمخالف، المفيد في أكثر نسخ «المقنعة»، فعليه يرث المؤمن أهل البِدَع من المعتزلة والمرجئة والخوارج من الحشوية ولا يرثونه. وكذا الحلبي، حيث حكم بأنّه يرث المسلم المجبّر والمشبّه وجاحد الإمامة من غير عكس.

والنزاع صغروي، فإن ثبت كفر هؤلاء المذكورون، فيمنعون من إرث المسلم وإن لم يثبت، فلا.


1- مستند الشيعة 38: 19.
2- جواهر الكلام 31: 39.
3- النساء( 4): 7، 11، 12، 33 و 176.
4- راجع: وسائل الشيعة 63: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1.
5- الكافي 26: 2/ 5.

ص: 53

والمفيد حكم في إحدى نسختي «المقنعة» بأنّ اختلاف المسلمين في الأهواء والآراء لا يمنع من توريثهم.

هذا مع أنّ سيرة المسلمين تشهد على توريث بعض المسلمين من بعض وتتقوّى السيرة بالفتوى الظاهرة والشهرة المحقّقة.

ولذا قال صاحب «المستند»: «لنا: عموم أدلّة التوارث، وعدم ما يصلح للتخصيص، ولم أعثر للمخالف على دليل، ويمكن أن يكون بنائه على تكفيرهم وهو صحيح إن ثبت المبنى، لعمومات منع الكافر عن إرث المسلم، ولكنّ الكلام في المبنى»(1).

وقال صاحب «الجواهر» في توجيه فتوى المخالف: «لعلّ الوجه فيه إطلاق الكفر على المخالفين في بعض الأخبار وهو محمول على الكفر الإيماني دون الإسلامي، مع جواز تخصيص المخالفين بمقتضى الأدلّة ومن ثمّ حَكَم بإرثه بعض من قال بكفره كالحلّي»(2).

فإنّ الحلّي مع قوله بكفر المخالف جعل التوريث القول المعوّل والمذهب المحصّل(3).

وفي رواية المفضّل عن الكاظم (ع) في شأن الإمام الرضا (ع): «مَن أطاعه رشد ومن عصاه كفر»(4).

ولم يذكر «المستند» حكم الخوارج والغلاة والنواصب، ولعلّه اكتفى بثبوت


1- مستند الشيعة 38: 19.
2- جواهر الكلام 32: 39.
3- جواهر الكلام 31: 39.
4- وسائل الشيعة 340: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 10، الحديث 2.

ص: 54

كفرهم. وأمّا صاحب «الجواهر» فقال: «أمّا الغلاة والخوارج والنواصب وغيرهم ممّن علم منهم الإنكار لضروريات الدين فلا يرثون المسلمين قولًا واحداً»(1).

ومرجع هذا الكلام ثبوت إنكار هؤلاء المذكورين لبعض الضروريات- أي ضروريات الإسلام- وهذا واضح بشرط أن يكون إنكارها إنكار صاحب الدين، ولذا قال صاحب «المستند»: «لو لزم من إنكاره إنكار صاحب الدين ورجع إليه بأن لم تحتمل الشبهة في حقّه يمنع من إرثه وإن أظهر الشهادتين، لأنّ إيجابهما للإسلام إنّما هو إذا لم يقارنه ما ينافيهما قولًا أو فعلًا ويدلّ على اعتقاد خلافهما»(2).

(مسألة 9): الكفّار يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل، فيرث النصراني من اليهودي وبالعكس، بل يرث الحربي من الذمّي وبالعكس، لكن يشترط في إرث بعضهم من بعض فقدان الوارث المسلم، كما مرّ.

أقول: قانون التوارث بين الأرحام من الفطريات، ولذا عمل به جميع الملل والنحل إلى الآن، إلا أنّ قانون إرث الإسلام أكمل القوانين.

قال صاحب «المستند»: «وكذا الكفّار يتوارثون على اختلاف مللهم كما يأتي»(3) وقال أيضاً: «الكفّار يتوارثون بعضهم من بعض إذا لم يكن


1- جواهر الكلام 32: 39.
2- مستند الشيعة 38: 19.
3- مستند الشيعة 38: 19.

ص: 55

هناك وارث مسلم خاصّ بلا خلاف فيه ظاهر»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «وأمّا الكفّار فإنّهم يتوارثون وإن اختلفوا في الملل والنحل، بلا خلاف معتدّبه أجده فيه»(2).

واستدلّ هو عليه بعموم الأدلّة وخصوص النصوص والإجماع بقسميه، لأنّ الكفر ملّة واحدة ونفى التوارث بين الملّتين مفسّر في النصوص بالإسلام والكفر(3).

والمخالف في هذا الحكم ثلاثة:

1. الديلمي حيث حكم بأنّهم يتوارثون ما لم يكونوا حربيّين.

2. شارح «الإيجاز» حيث حكم بأنّ الحربي لا يرث الذمّي، بل يكون ميراثه للإمام، إذا لم يكن له وارث مسلم أو ذمّي.

3. الحلبي في «الكافي» حيث حكم بأنّ كفّار ملّتنا يرثون غيرهم وغيرهم لا يرثهم.

وحيث إنّه لا دليل على هذه الأقوال النادرة، فالحكم بتوارث الكفّار ما لم يكن وارث مسلم، محكّم، وأمّا ما في موثّقة حنّان بن سدير(4) حيث سأل الصادق (ع): عن توارث أهل ملّتين قال: «لا»(5) فمحمول على ملّتي الإسلام والكفر ويشعر به كثير من الأخبار، ولا يشمل ما إذا كانت الملّتان كافرتين ولو


1- مستند الشيعة 39: 19.
2- جواهر الكلام 32: 39.
3- جواهر الكلام 32: 39.
4- ثقة له كتاب روى عنه الحسن بن محبوب وفي رجال الشيخ أنّه واقفي من أصحاب الصادق والكاظم ولم يدرك الباقر( ع). راجع: نقد الرجال 175: 2.
5- وسائل الشيعة 16: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 1، الحديث 20.

ص: 56

سلّم عمومها فلا يعلّم أيّهما ممنوعة من الإرث؟ فإذا كان أحدهما يهودياً والآخر نصرانياً فيمكن أن يقال: أنّ التوارث من الجانبين ممنوع، فلا مانع من إرث جانب واحد، وحيث لم يتعيّن هذا الجانب فيكون كلّ منهما باقياً على الأصل.

وفي مرسلة ابن ابى عمير عن أبي عبدالله (ع): في يهودي أو نصراني يموت وله أولاد غير مسلمين، فقال: «هم على مواريثهم»(1).

وفيها احتمالان: أحدهما: أن يكونوا على ميراث ملّتهم. والثاني: أن يكونوا على ميراث الإسلام. ولعلّ الحاكم الإسلامي يتخيّر بين إجراء أحكام ملّتهم أو أحكام الإسلام.

لكن في صحيحة أبي حمزة عن أبي جعفر (ع): «إنّ علياً (ع) كان يقضي في المواريث فيما أدرك الإسلام من مال مشرك تركه، لم يكن قسم قبل الإسلام أنّه كان يجعل للنساء والرجال حظوظهم منه على كتاب الله عزّ وجلّ وسنّة نبيّه (ص)»(2). ومثله صحيحة محمّد بن قيس(3).

(مسألة 10): المرتدّ- وهو من خرج عن الإسلام واختار الكفر- على قسمين: فطري وملّي. والأوّل: من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه ثمّ خرج عنه. والثاني: مَن كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ، فصار كافراً أصلياً،


1- وسائل الشيعة 25: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 5، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 23: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 4، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 23: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 4، الحديث 2.

ص: 57

ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر، كنصراني بالأصل أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته مثلًا.

فالفطري: إن كان رجلًا تبين منه زوجته، وينفسخ نكاحها بغير طلاق، وتعتدّ عدّة الوفاة، ثمّ تتزوّج إن أرادت، وتقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت، ولا ينتظر موته ولا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه. نعم، تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه، وتصحّ عباداته، ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازة، والقهرية كالإرث، ويجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة. وإن كان امرأة بقيت أموالها على ملكها ولا تنتقل إلى ورثتها إلا بموتها، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها، ومع الدخول بها، فإن تابت قبل تمام العدّة- وهي عدّة الطلاق- بقيت الزوجية، وإلا انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الارتداد.

وأمّا الملّي: سواء كان رجلًا أو امرأة، فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلا بالموت، وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته، وإلا انكشف أنّها بانت عنه عند الارتداد. ثمّ إنّ هنا أقساماً أُخر في إلحاقها بالفطري أو الملّي خلاف موكول إلى محلّه.

ص: 58

أقول: يستفاد من العَلَمين- أي صاحب «المستند» وصاحب «الجواهر»- أنّ المرتدّ هو من خرج عن الإسلام واختار الكفر، سواء كان إسلامه السابق، مسبوقاً بالكفر أم غير مسبوق به.

ولم يتعرّضا لتعريفه ولعلّه لوضوحه.

قال الله الحكيم:) مَنْ يرْتَدَّ مِنْكمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يأتِى اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ ((1).

وقال أيضاً:) وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ فَاوْلَئِك حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ((2).

وأمّا تقسيمه فينقسم إلى قسمين. قال صاحب «المستند»: «المرتدّ إمّا فطري أو ملّي»(3).

وأمّا تعريفهما ففي المتن في تعريف الفطري: «من كان أحد أبويه مسلماً حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الإسلام بعد بلوغه، ثمّ خرج عنه»، وفي تعريف الملّي: «من كان أبواه كافرين حال انعقاد نطفته، ثمّ أظهر الكفر بعد البلوغ فصار كافراً أصلياً، ثمّ أسلم ثمّ عاد إلى الكفر، كنصراني أسلم ثمّ عاد إلى نصرانيته مثلًا»؛ وقال صاحب «الجواهر»: «من انعقد حال إسلام أحد أبويه»(4).

وتقييد إظهار الكفر أو الإسلام بما بعد البلوغ من جهة أنّ غير البالغ لا يترتّب على إظهاره الكفر أو الإسلام أثر.


1- المائدة( 5): 54.
2- البقرة( 2): 217.
3- مستند الشيعة 40: 19.
4- وفي كشف اللثام مضافاً إلى ما ذكر:« من أسلم أحد أبويه وهو طفل، ثمّ بلغ ووصف الإسلام كاملًا ثمّ ارتدّ». لكن قال صاحب الجواهر:« وهو مشكل»، راجع: جواهر الكلام 33: 39.

ص: 59

حكم المرتدّ الفطري

المرتدّ الفطري إمّا رجلٌ أو امرأة وليس حكمهما واحداً.

أمّا الرجل، فقال صاحب «المستند»: «تقسم تركته من حين ارتداده بين ورثته وإن كان حيّاً بالإجماع»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «تقسّم تركة الرجل المرتدّ عن فطرة حين ارتداده بالنصّ والإجماع بقسميه على ذلك»(2).

وفي المتن: «تقسّم أمواله التي كانت له حين ارتداده بين ورثته بعد أداء ديونه كالميّت ولا ينتظر موته».

قال صاحب «الجواهر»: «هذا- أي المرتدّ عن فطرة ... يتحتّم قتله»(3).

وفي «كشف اللثام» مضافاً إلى ما ذكر: من أسلم أحد أبويه وهو طفل ثمّ بلغ ووصف الإسلام كاملًا ثمّ ارتدّ. لكن قال صاحب «الجواهر»: «وهو مشكل»(4).

وأمّا زوجته ففي المتن أنّه «تبين منه زوجته وينفسخ نكاحها بغير طلاق وتعتد عدّة الوفاة».

وقال صاحب «الجواهر»: «تبين منه زوجته وتعتدّ منه عدّة الوفاة ... وإن التحق بدار الحرب أو اعتصم بما يحول بين الإمام وقتله بلا خلاف معتدّ به ... بل الإجماع بقسميه عليه»(5).


1- مستند الشيعة 41: 19.
2- جواهر الكلام 33: 39.
3- جواهر الكلام 605: 41.
4- جواهر الكلام 33: 39.
5- جواهر الكلام 605: 41.

ص: 60

والدليل على الأحكام المذكورة- أي تقسيم أمواله ووجوب قتله واعتداد زوجته منه- صحيحة محمّد بن مسلم عن الباقر (ع) «من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل الله على محمّد (ص) بعد إسلامه فلا توبة له وقد وجب قتله وبانت امرأته منه فليقسم ما ترك على ولده»(1).

وهذه الرواية شاملة للفطري والملّي لكن تحمل على الفطري لما ورد في موثّقة الساباطي عن أبي عبدالله (ع): «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً (ص) نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه وامرأته بائنة منه يوم ارتدّ ويقسّم ماله على ورثته وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه»(2).

وفي رواية صحيحة: سأل علي بن جعفر أخاه (ع) عن مسلم تنصّر، قال: «يقتل ولا يستتاب» قال: فنصراني أسلم، ثمّ ارتدّ، قال: «يستتاب فإن رجع وإلا قُتل»(3). فالمطلق يحمل على الفطري بقرينة ما ذكرنا.

حكم توبة المرتدّ الفطري

وفي المتن: «لا تفيد توبته ورجوعه إلى الإسلام في رجوع زوجته وماله إليه».

وقال صاحب «الجواهر»: «ولا يستتاب لأنّه لا توبة له بالنسبة إلى ذلك قطعاً ومطلقاً على الأصحّ»(4).


1- وسائل الشيعة 27: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 5.
2- وسائل الشيعة 324: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 325: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 1، الحديث 5.
4- جواهر الكلام 33: 39.

ص: 61

فالأمر دائر بين القول بعدم قبول توبته بالنسبة إلى تقسيم تركته واعتداد زوجته ووجوب قتله أو مطلقاً.

ففي المتن: «نعم تقبل توبته باطناً وظاهراً أيضاً بالنسبة إلى بعض الأحكام، فيطهر بدنه وتصحّ عباداته ويملك الأموال الجديدة بأسبابه الاختيارية كالتجارة والحيازه، والقهريّة كالإرث، ويجوز له التزويج بالمسلمة، بل له تجديد العقد على زوجته السابقة».

وهذه الأحكام لا تنافي وجوب قتله: لأنّ سيّدنا الاستاذ أفتى بوجوب قتله إن كان رجلًا وعدم قبول توبته ظاهراً(1).

فلو تاب ولم يقتل بالتحاقه إلى دار الحرب أو اعتصامه بما يحول بين الإمام وقتله، فيحكم ظاهراً بطهارة بدنه وصحّة عباداته وتملّكه الأموال الجديدة بأيّ سبب اختياري أو قهري وجواز تزويجه بالمسلمة، بل تجديد عقده على زوجته السابقة.

فعلينا: أن نطلب مقتضى الأدلّة. لأنّ القول بقبول توبته بالنسبة إلى الأحكام التي أشرنا إليها عن جماعة وهم مستدلّون عليها بوجوه:

1. عدم قبول توبته مقتض لتكليف ما لا يطاق، لأنّ تكليف قبول الإسلام متوجّه إلى كلّ أحدٍ، وحيث لم تقبل توبته فليس المكلّف به في طاقته، وهذا مناف لقواعد العدلية وحكمهم بقبح تكليف ما لا يطاق.

2. عدم قبول توبته مقتض لسقوط التكليف عن البالغ العاقل، وهذا ممتنع كسابقه.


1- تحرير الوسيلة 469: 2.

ص: 62

3. ما نقل عن غير واحد في بحث القضاء من الصلاة أنّ المرتدّ يقضي ما فات منه في أيّام ردّته وإن كان عن فطرة. وحكى عن غير واحد الإجماع عليه. وفي «الناصريات» للمرتضى إجماع المسلمين عليه.

4. قوله تعالى:) وَمَن يَرتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِه فيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَاولئِكَ حَبِطَتْ أعمالُهُم فِى الدُّنيَا وَالآخِرَةِ ((1). فإنّ الآية دلّت على عدم الفرق بين المرتدّ الملّي والفطري وعلى أنّ حبط الأعمال في الدنيا والآخرة مشروط بموت المرتدّ حال الكفر. فلو مات ولم يكن في حال الكفر، فلا يحبط أعماله، وهذا دليل على قبول توبته.

5. عمومات التوبة في الكتاب والسنّة قويّة، خرج منها ما خرج فيبقى غيره تحت العموم.

وناقش صاحب «الجواهر» في جميع هذه الأدلّة، حيث قال: «لا مانع عقلًا من عدم القبول وإن عوقب عقاب المكلّفين على ما وقع من سوء اختياره، خصوصاً بعد أن تقدّم إليه في ذلك، بل لو سلم اقتضاء العقل ذلك، أمكن أن يخذلهم اللهعن التوفيق لها كما أنّه لو سلّم القبح في مثل الفرض أمكن التزام سقوط التكليف باعتبار تنزيله منزلة الميّت، ولذا تعتدّ زوجته منه وتقسم أمواله، بل لو سلّم امتناع ذلك، أمكن رفع العقاب الاخروي بها دون إجراء أحكام الكفّار ظاهراً وإن عذر بها كالكافر المستضعف»(2).

ونتيجة كلامه أنّ الأخذ بالقدر المتيقّن وتنزيل عموم نفي التوبة في النصّ


1- البقرة( 2): 217.
2- جواهر الكلام 606: 41- 607.

ص: 63

والفتوى على خصوص الأحكام المزبورة، لا دليل عليه ولا داعي إليه، وأمّا ما استند إليه من الإجماع على قضاء زمان الردّة- ولو عن فطرة- فهو في مقام بيان الفرق بين الكفر الأصلي المسقط للقضاء والكفر الارتدادي غير المسقط ويكفي في المثال للفطري المرأة التي تقبل توبتها حتّى إذا كانت مرتدّة فطرية.

ثمّ إنّه قال بعد كلام: «نعم لا يخفى على مَن لاحظها وغيرها ممّا جاء في الواقفية وغيرهم ممّن هم محكومون بكفرهم قبول التوبة منهم، بل في بعضها التصريح بقبول توبة الغالي، والغالب في ارتداد فِرَق الشيعة كونه عن فطرة، فيكون ذلك مؤيّداً لعموم قبولها في الدنيا، بل ملاحظة ما جاء في عموم التوبة تفيد الظنّ بشموله للفرض»(1).

وهذا الكلام شاهد على إنصافه، ولو لاحظ الآية المذكورة في البقرة لَحكمَ بقبول توبة المرتدّ الفطري في غير قسمة المال واعتداد زوجته وقتله.

حكم المرتدّة الفطرية

وأمّا إن كان المرتدّ الفطري امرأة، ففي المتن: «وإن كانت امرأة بقيت أموالها على ملكها ولا تنتقل إلى ورثتها إلا بموتها، وتبين من زوجها المسلم في الحال بلا اعتداد إن كانت غير مدخول بها، ومع الدخول بها، فإن تابت قبل تمام العدّة وهي عدّة الطلاق، بقيت الزوجية وإلا انكشف عن الانفساخ والبينونة من أوّل زمن الاعتداد».

وفي «الوسيلة»: «عليها العدّة عدّة الطلاق فإن تابت وهي في العدّة عادت


1- جواهر الكلام 607: 41- 608.

ص: 64

الزوجية وإن لم تتب حتّى انقضت العدّة بانت من زوجها».

والفرق بينهما أنّ التوبة كاشفة عن بقاء الزوجية من أوّل الأمر وعدم التوبة كاشفة عن البينونة من أوّل الأمر- على ما في «التحرير»- أو ناقلة، حيث قال: «عادت الزوجية» فإن لم تتب فلم تعدّ الزوجية.

وقال صاحب «المستند» بعد بيان حكم المرتدّ الفطري إن كان رجلًا: «وغيره لا تقسّم تركته ما دام حيّاً»(1).

وهذا الحكم شامل للمرأة المرتدّة الفطرية والمرتدّ الملّي مطلقاً، واستدلّ هو عليه بالأصل وعدم الدليل.

وقال صاحب «الجواهر»: «المرأة المرتدّة عن فطرة لا تقتل وتستتاب، فإن لم تتب تحبس وتضرب أوقات الصلاة وتستخدم الخدمة الشاقة»(2).

وقال أيضاً: «لو ارتدّ أحد الزوجين ... قبل الدخول وقع الفسخ في الحال مطلقاً ... ويسقط المهر إن كان من المرأة ... ونصفه إن كان من الرجل و ... بعد الدخول وقف الفسخ على انقضاء العدّة .... نعم يعتبر في الزوج أن يكون عن ملّة»(3).

ودليل خروج المرأة المرتدّة عن نكاح الزوج- لو لم تتب إلى حين انقضاء عدّتها إن كانت مدخولة- عدم جواز نكاح المسلم بالكافرة وكذا خروجها عنه من حين ارتداد أحدهما إن كانت غير مدخولة، ولا فرق بين أن يكون النكاح قبل الكفر أو بعده، ويستثنى منه نكاح المسلم بالكتابية مطلقاً أو منقطعاً.


1- مستند الشيعة 41: 19.
2- جواهر الكلام 34: 39.
3- جواهر الكلام 47: 30- 49.

ص: 65

قال الصادق (ع) في مرسل الحسن بن محبوب: «والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت فإن تابت وإلا خلدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(1).

وقال الباقر (ع): «إذا ارتدّت المرأة عن الإسلام لم تقتل ولكن تحبس أبداً»(2).

وقال الصادق (ع) في المرتدّة عن الإسلام: «لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع الطعام والشراب إلا ما يمسك نفسها وتلبس خشن الثياب وتضرب على الصلوات»(3).

حكم المرتدّ الملّي

وأمّا إن كان المرتدّ ملّياً، ففي المتن: «وأمّا الملّي سواء كان رجلًا أو امرأة فلا تنتقل أمواله إلى ورثته إلا بالموت وينفسخ النكاح بين المرتدّ وزوجته المسلمة، وكذا بين المرتدّة وزوجها المسلم بمجرّد الارتداد بدون اعتداد مع عدم الدخول، ومعه وقف الفسخ على انقضاء العدّة، فإن رجع أو رجعت قبل انقضائها كانت زوجته وإلا انكشف أنّها بانت عنه عند الارتداد».

وقد نقلنا آنفاً كلام صاحب «المستند»، حيث قال: «وغيره لا تقسّم تركته ما دام حيّاً»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان المرتدّ لا عن فطرة ... استتيب فإن تاب وإلا قُتل إجماعاً بقسميه ونصوصاً ... و ... لا يقسّم ماله حتّى يقتل أو يموت وإن التحق


1- وسائل الشيعة 332: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 4، الحديث 6.
2- وسائل الشيعة 330: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 4، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 330: 28، كتاب الحدود والتعزيرات، أبواب حدّ المرتدّ، الباب 4، الحديث 1.
4- مستند الشيعة 41: 19.

ص: 66

بدار الحرب ... وتعتدّ زوجته عدّة الطلاق»(1).

هذا حكم الرجل المرتدّ عن ملّة، وأمّا حكم المرأة المرتدّة عن ملّة فقد علم ممّا ذكرنا لما علم أنّه لا فرق فيها بين الملّية والفطرية.

حكم المشتبه

قال سيّدنا الاستاذ بعد ذكر أحكام قسمي المرتدّ: «ثمّ إنّ هنا أقساماً اخر في إلحاقهما بالفطري أو الملّي خلاف موكول إلى محلّه».

وقال في مسألة 4 من مباحث الارتداد: «ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم، فلو بلغ واختار الكفر استتيب، فإن تاب وإلا قتل»(2).

ولعلّ كون ولد المرتدّ الملّي قبل ارتداده بحكم المسلم مقطوع مسلّم، وأمّا ولد المرتدّ الفطري إذا بلغ واختار الكفر، وكذا ولد المسلم الذي يختار الكفر حين البلوغ، فهل هما محكومان بحكم المرتدّ الفطري من حيث كونهما تابعين في أيّام صباوتهما للمسلم غير المسبوق إسلامه بالكفر أو بالملّي من حيث كون كفرهما غير مسبوق بالإسلام الأصلي، بل بالإسلام الحكمي؟ ففيه وجهان. ولذا قال الإمام الخميني في ذيل ذلك المسألة المشار إليها آنفاً: «وكذا ولد المرتدّ الفطري قبل ارتداده بحكم المسلم، فإذا بلغ واختار الكفر، وكذا ولد المسلم إذا بلغ واختار الكفر قبل إظهار الإسلام، فالظاهر عدم إجراء حكم المرتدّ فطرياً عليهما، بل يستتابان وإلا فيقتلان».

ووجه عدم إلحاقهما بالمرتدّ الفطري عدم كون كفرهما مسبوقاً بالإسلام


1- جواهر الكلام 35: 39.
2- تحرير الوسيلة 470: 2.

ص: 67

الأصلي فلا يقتلان بمجرّد كفرهما، لأنّ الحدود تدرء بالشبهات ووجه عدم إلحاقهما بالمرتدّ الملّي كون كفرهما مسبوقاً بالإسلام الحكمي. وهذا المقدار كافٍ في الحكم بارتدادهما فطرياً والأوّل أظهر.

الثاني: القتل

(مسألة 1): لا يرث القاتل من المقتول لو كان القتل عمداً وظلماً، ويرث منه إن قتله بحقّ، كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عرضه أو ماله، وكذا إذا كان خطاً محضاً، كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه. نعم، لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى. وأمّا شبه العمد: وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب، فأدّى إلى قتله، ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث، أو كالخطأ المحض، قولان، أقواهما ثانيهما.

أقول: لهذه المسألة صور:

الاولى: القتل عمداً وظلماً

قال صاحب «المستند»: «القاتل إذا كان متعمّداً بغير حقّ لا يرث، قريباً كان أو بعيداً، بلا خلاف يعرف، ونقل الإجماع عليه متكرّر»(1).


1- مستند الشيعة 43: 19.

ص: 68

وقال صاحب «الجواهر»: «يمنع القاتل من الإرث إذا كان عمداً وظلماً، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه وهما الحجّة»(1).

واستند إلى الحكمة، إذ لولاه لم يأمن مستعجل الإرث.

وتدلّ عليه الروايات:

منها: صحيحة هشام بن سالم عن الصادق (ع): «قال رسول الله (ص): لا ميراث للقاتل»(2).

ومنها: رواية أبي بصير عنه (ع): «لا يتوارث رجلان قتل أحدهما صاحبه»(3).

ومنها: رواية القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن رجل قتل امّه يرثها؟ قال: «سمعت أبي (ع) يقول: ... أيّما رجل ذي رحم قتل قريبه لم يرثه»(4).

ومنها: رواية الحلبي قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الرجل يقتل ابنه أيقتل به؟ فقال: «لا ولا يرث أحدهما الآخر إذا قتله»(5).

ومنها: روايته الاخرى عنه (ع): «إذا قتل الرجل أباه قتل به وإن قتله أبوه لم يقتل به ولم يرثه»(6).

ومنها: صحيحة عبدالله بن سنان، قال سألت أبا عبدالله (ع) عن رجل قتل امّه أيرثها؟ قال: «إن كان خطأ ورثها وإن كان عمداً لم يرثها»(7).


1- جواهر الكلام 36: 39.
2- وسائل الشيعة 30: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 7، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 31: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 7، الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 31: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 7، الحديث 6.
5- وسائل الشيعة 31: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 7، الحديث 7.
6- وسائل الشيعة 30: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 4.
7- وسائل الشيعة 34: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 2.

ص: 69

ومنها: صحيحة محمّد بن قيس عن الباقر (ع) «أنّ أمير المؤمنين (ع) قال: إذا قتل الرجل امّه خطاً ورثها ...»(1).

ومنها: روايته الاخرى: «إذا كان خطاً فإنّ له نصيبه من ميراثها وإن كان قتلها متعمّداً فلا يرث منها شيئاً»(2).

ومنها: موثّقة جميل عن أحدهما (عليهما السلام): في رجل قتل أباه قال: «لا يرثه وإن كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول»(3).

وليعلم: أنّ مطلقات هذه الروايات تقيّد بما دلّ على حرمان من قتل المورّث متعمّداً، ولذا قال صاحب «المستند» بعد ذكر المقيّدات: «إنّ هذه الروايات توجب تخصيص القاتل في روايات نفي الإرث للقاتل بالعامد»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «فما في الصحيح من أنّه: «لا ميراث للقاتل» بعد تسليم عدم ظهوره في العمد، يجب تخصيصه بما عرفت كما أنّه يجب طرح الخبر: «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطاً»، والمرسل: «من قتل أخاً له عمداً أو خطاً لم يرثه» لضعفهما وشذوذ القول بهما على الإطلاق»(5).

والقائل بعدم إرث القاتل مطلقاً الفضل والعمّاني والكليني.

ومستندهم رواية الفضيل المذكورة في كلام صاحب «الجواهر»: «لا يرث


1- وسائل الشيعة 33: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 34: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، ذيل الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 40: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 12، الحديث 1.
4- مستند الشيعة 47: 19.
5- جواهر الكلام 37: 39.

ص: 70

الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطاً»(1). وفي سندها محمّد بن سنان(2).

وأمّا الرواية الاخرى: «من قتل حميماً له عمداً أو خطاً لم يرثه»(3)، فمرسلة.

هذا مع أنّ الروايتين موافقتان لمذهب أبي حنيفة وأصحابه فتحملان على التقيّة.

الثانية: القتل بحقّ

وفي المتن: «ويرث منه إن قتله بحقّ، كما إذا كان قصاصاً أو حدّاً أو دفاعاً عن نفسه أو عِرضه أو ماله».

قال صاحب «المستند»: «لو كان بحقّ كحدّ أو قصاص أو نحوهما يرث كذلك، سواء جاز للقاتل تركه أم لا»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان بحقّ لم يمنع، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه»(5).

واستدلّ عليه: بخروجه عن ظاهر دليل المنع، إذ ظاهره كون القتل أعمّ ممّا كان بحقّ أو بغير حقّ، لكن يمكن دعوى انصرافه إلى غير هذه الصورة.

واستدلّ أيضاً برواية حفص بن غياث قال: سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن


1- وسائل الشيعة 35: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 4.
2- مشترك بين محمّد بن سنان الزاهري الذي لا يعوّل عليه جداً ومحمّد بن سنان الهاشمي المذكور في رجال الشيخ بدون توثيقه. راجع: نقد الرجال 226: 4- 223.
3- مستدرك الوسائل 147: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 6، الحديث 3.
4- مستند الشيعة 44: 19.
5- جواهر الكلام 36: 39.

ص: 71

طائفتين من المؤمنين، إحداهما باغية والاخرى عادلة، اقتتلوا فقتل رجل من أهل العراق أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي وهو وارثه أيرثه؟ قال: «نعم، لأنّه قتله بحقٍّ»(1). والتعليل دليل التعميم إلى كلّ قتل كان حقّاً وإن جاز تركه كالقصاص والدفاع عن المال.

وليعلم: أنّ حفصاً عامي(2) وضعف روايته ينجبر بعمل الأصحاب وبنقل الإجماع واختصاصها بالباغي غير مضرّ لأنّه يمكن التعميم لأجل التعليل. ودعوى اختصاصها بالقاتل بغير حقّ باطل، وبها تقيّد إطلاقات القاتل المتقدّمة ذكرها آنفاً.

الثالثة: القتل خطاً

اشارة

ففي المتن: «وكذا إذا كان خطأ محضاً كما إذا رمى إلى طائر فأخطأ وأصاب قريبه فإنّه يرثه. نعم لا يرث من ديته التي تتحمّلها العاقلة على الأقوى».

فنقول: القتل على أقسام: عمد محض وخطاً محض وشبيه عمد.

أمّا العمد، فيتحقّق بقصد القتل بفعل يقتل بمثله نوعاً، وكذا بقصد فعل يقتل به نوعاً وإن لم يقصد القتل، بل الظاهر تحقّقه بفعل لا يقتل به غالباً رجاء تحقّق القتل فتحقّق(3).

والخطأ المحض، هو أن لا يقصد الفعل ولا القتل كمن رمى صيداً أو ألقى حجراً فأصاب إنساناً فقتله، وكذا لو رمى إنساناً مهدور الدم فأصاب إنساناً آخر فقتله(4).


1- وسائل الشيعة 41: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 13، الحديث 1.
2- نقد الرجال 135: 2.
3- راجع: تحرير الوسيلة 525: 2، مسألة 2.
4- تحرير الوسيلة 526: 2، مسألة 7.

ص: 72

وشبيه العمد، ما يكون قاصداً للفعل الذي لا يقتل به غالباً غير قاصد للقتل، كما ضربه تأديباً بسوط ونحوه فاتّفق القتل، ومنه علاج الطبيب إذا اتّفق منه القتل مع مباشرته العلاج، ومنه الختان إذا تجاوز الحدّ، ومنه الضرب عدواناً بما لا يقتل به غالباً من دون قصد القتل(1).

وأمّا فعل الصبيّ والمجنون، فيلحق بالخطأ المحض شرعاً لأنّهما مصداقان لحديث: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتّى يستيقظ، وعن الصبيّ حتّى يحتلم، وعن المجنون حتّى يفيق»(2)، مضافاً إلى ما ورد: «في الصبيّ أنّ عمده خطأ»(3).

أقوال الفقهاء في الخطأ

1. يرث القاتل من المقتول مطلقاً وهو الأشهر رواية وفتوىً في الجملة.

قال صاحب «المستند»: «للأوّل: عمومات الإرث كتاباً وسنّة، ورفع المؤاخذة عن الخطأ»(4).

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر القائلين به ونقل بعض الروايات: «مع عموم الكتاب والسنّة وانتفاء حكمة المنع»(5).

ويدلّ عليه: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (ع): «إنّ أمير


1- تحرير الوسيلة 526: 2، مسألة 5.
2- راجع: وسائل الشيعة 45: 1، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 9.
3- راجع: تهذيب الأحكام 242: 10/ 962.
4- مستند الشيعة 46: 19.
5- جواهر الكلام 37: 39.

ص: 73

المؤمنين (ع) قال: إذا قتل الرجل امّه خطأ ورثها وإن قتلها متعمّداً فلا يرثها»(1).

ويدلّ عليه أيضاً: صحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق (ع) في جواب سؤاله عن القتل، فقال: «إن كان خطأ ورثها وإن كان عمداً لم يرثها»(2).

وتخصّص بهما صحيحة هشام الدالّة على أنّه لا ميراث للقاتل مطلقاً(3).

2. عدم إرثه مطلقاً. وهو قول ضعيف ومستنده بعض الروايات.

قال صاحب «المستند»: «للثاني: العمومات، وخصوص رواية الفضيل: «لا يرث الرجل الرجل إذا قتله وإن كان خطاً».

ثمّ قال: «واجيب بأنّ العمومات مخصّصة، والرواية مع كونها ضعيفة فإنّها رُويت بطرق ثلاثة، اثنان منها يشتمل على محمّد بن سنان والآخر مرسلة»(4).

وقد أشرنا سابقاً أنّها موافقة لمذهب أبي حنيفة وأتباعه فتسقط عن الحجّية.

وقال صاحب «الجواهر» بعد نقل الصحيحين الدالّين على إرث الخاطئ محضاً في القتل: «ومن ذلك يعلم ضعف القول بعدم إرثه مطلقاً كما عن الفضل والعمّاني والكليني»(5).

3. عدم إرثه من الدية فقط: قال صاحب «المستند»: «وللثالث: الجمع بين الدليلين. وقوله تعالى:) وَدِيَةٌ مُسَلّمَةٌ إلَى أهلِهِ (ولا يعقل تسليمه أو عاقلته إلى نفسه»(6).


1- وسائل الشيعة 33: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 34: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 30: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 7، الحديث 1.
4- مستند الشيعة 47: 19.
5- جواهر الكلام 37: 39.
6- مستند الشيعة 48: 19.

ص: 74

وقال صاحب «الجواهر»: «نعم ما أشار إليه المصنّف ... وهو المنع من الدية خاصّة دون باقي التركة وهو حسن قول قويّ»(1).

ووجه قوّته شهرته، لأنّه منقول عن المشايخ الأربعة والحَلَبيين(2) والطوسيين والقاضي والحلّي والكيدري والعلامة وولده والشهيدين وأبي العبّاس والصيمري وغيرهم وفي «الانتصار» و «الغنية» والخلاف ادّعى عليه الإجماع.

ففي النبوي: «ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه عمداً فلا يرثه من ماله ولا من ديته وإن قتله خطاً ورث من ماله ولا يرث من ديته»(3).

لكن في حسنة أبي يعفور قال: قلت لأبى عبدالله (ع): هل للمرأة من دية زوجها؟ وهل للرجل من دية امرأته شي ء؟ قال: «نعم، ما لم يقتل أحدهما الآخرَ»(4).

وليس بها قائل، إذ لم يوجد قول بالفصل بين الزوجين وغيرهما.

ثمّ قال صاحب «المستند»: «كلّ ما ذكر للأقوال الثلاثة دليلًا وجواباً وردّاً له وجه إلا ما قيل في ردّ الرواية النبوية من أنّها لضعفها غير صالحة للتخصيص، فإنّها وإن كانت ضعيفة ولكنها مرويّة في كتب أصحابنا الفقهية منجبرة بدعوى الشهرة العديدة وحكاية الإجماع المستفيضة، ومثل ذلك لا يقصر عن الصحاح في الحجّية»(5).


1- جواهر الكلام 37: 39.
2- أبو الصلاح وابن زهرة.
3- مستند الشيعة 48: 19؛ السنن الكبرى، البيهقي 221: 6.
4- وسائل الشيعة 32: 26- 33، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 8، الحديث 3.
5- مستند الشيعة 49: 19- 50.

ص: 75

ثمّ قال: «فالحقّ هو القول الثالث»(1).

وقوّاه صاحب «الجواهر» أيضاً بمقتضى الشهرة أو الإجماع المنقول والنبوي الصريح والجمع بين إطلاق إرث القاتل خطاً في الصحيحين صحيح محمّد بن قيس وعبدالله بن سنان(2) وعموم منع القاتل من الدية: «المرأة ترث من دية زوجها ويرث من ديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبه»(3).

ثمّ قال: «وعلى كلّ حال فقد بان لك أنّ هذا الأخير إلى الأوّل أقوى وإن كان هو أشبه بعمومات المواريث كتاباً وسنّة»(4)

الرابعة: شبه العمد

قال سيّدنا الاستاذ: «وأمّا شبه العمد: وهو ما إذا كان قاصداً لإيقاع الفعل على المقتول غير قاصد للقتل، وكان الفعل ممّا لا يترتّب عليه القتل في العادة، كما إذا ضربه ضرباً خفيفاً للتأديب، فأدّى إلى قتله ففي كونه كالعمد المحض مانعاً عن الإرث، أو كالخطأ المحض، قولان: أقواهما ثانيهما».

قال صاحب «المستند»: «وهل يلحق شبه العمد بالعمد أو الخطأ؟ قال في «القواعد» بالأوّل وحكى عن أبي علي، وبالثاني في «التحرير» و «المختلف» وحكى عن الديلمي»(5).


1- مستند الشيعة 50: 19.
2- وسائل الشيعة 33: 26 و 35، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 1 و 4.
3- وسائل الشيعة 32: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 8، الحديث 2.
4- جواهر الكلام 38: 39.
5- مستند الشيعة 50: 19.

ص: 76

ثمّ قال: «والأوّل أظهر، لعمومات منع القاتل ودعوى ظهورها في العامد المحض ممنوعة والاحتمال غير ضائر»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «وظاهر المصنّف وغيره بل المعظم- حيث قابلوا العمد بالخطأ- أنّ المراد بالخطأ ما يشمل شبيه العمد كما عن جماعة التصريح به ... فلا يمنع من التركة عند الجميع ولا من الدية عند الديلمي حيث خصّ المنع بالعمد وأطلق الإرث في الخطأ بنوعيه»(2).

فيستفاد من المعظم- حيث قابلوا بين العمد والخطأ ومن البعيد إهمالهم لحكم شبيه العمد- أنّ شبيه العمد محكوم بحكم الخطأ الذي ذكروا حكمه.

وحيث ذكر بعضهم كالحلبيين والحلّي أنّ إرثه ممّا عدا الدية المستحقّة عليه، مع أنّ الدية في الخطأ المحض على العاقلة دون القاتل، فيستفاد منه دخول الشبيه في الخطأ.

هذا حال الفتاوى. وأمّا حال النصوص فحيث أطلق فيها الخطأ وقوبل به العمد على نحو الحصر في الأمرين، فيعلم منها أنّ المراد بالخطأ هو المعنى الأعمّ، فللعمد مصداقان وهما قصد القتل بفعل يقتل به نوعاً أو قصد الفعل الذي يقتل به نوعاً وللخطأ مصداقان وهما عدم قصد القتل والفعل أو قصد الفعل الذي لا يقتل به غالباً غير قاصد للقتل. والاستدلال عليه بعموم حجب القاتل والجمع بين الصحيحين والخبرين(3).


1- مستند الشيعة 50: 19.
2- جواهر الكلام 38: 39- 39.
3- المذكورين في صفحة 68- 69.

ص: 77

(مسألة 2): لا فرق في القتل العمدي ظلماً في مانعيته من الإرث، بين ما كان بالمباشرة، كما إذا ذبحه أو رماه بالرصاص، وبين ما كان بالتسبيب، كما إذا ألقاه في مسبعة فافترسه السبع، أو حبسه في مكان زماناً طويلًا بلا قوت، فمات جوعاً أو عطشاً، أو أحضر عنده طعاماً مسموماً بدون علم منه فأكله ... إلى غير ذلك من التسبيبات التي ينسب ويستند معها القتل إلى المسبّب. نعم، بعض التسبيبات التي قد يترتّب عليها التلف، ممّا لا ينسب ولا يستند إلى المسبّب، كحفر البئر وإلقاء المزالق والمعاثر في الطرق والمعابر وغير ذلك؛ وإن أوجب الضمان والديه على مسبّبها، إلا أنّها غير مانعة من الإرث، فيرث حافر البئر في الطريق عن قريبه الذي وقع فيها ومات.

أقول: لا ريب في أنّ مباشر القتل قاتل ويترتّب عليه أحكامه. إنّما الكلام في التسبيب، فقد فرّق في المتن فيه بين ما يكون القتل مستنداً إلى المسبّب فيترتّب عليه أحكام القاتل وما لا يكون كذلك، فلا يكون المسبّب إذا كان عامداً محجوباً عن الإرث وإن أوجب الضمان والدية. هذا مقتضى المتن. لكن قال صاحب «المستند»: «هل يختصّ المنع بالمباشرة أو يعمّ التسبيب أيضاً فعمده يمنع وخطأه لا يمنع؟ الأوّل محكيّ عن الفضل بن شاذان والعمّاني، لعدم صدق القاتل على المسبّب، والثاني للقواعد. ولعلّ الأوّل أظهر، إذ يقال: إنّه صار سبباً للقتل لا أنّه قتل ولا أقلّ من الشكّ، فيعمل بالعمومات»(1).


1- مستند الشيعة 50: 19- 51.

ص: 78

وظاهره عدم الفرق بين قسمي التسبيب، الذين هما مذكوران في «الوسيلة» وتحريرها وأفتى بهما العلمان.

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر بعض الكلمات الدالّة على الفرق بين المباشر والسبب: «وفيه أنّ السبب كالمباشر كما صرّح به جماعة، بل في «الروضة» إسناده إلى ظاهر المذهب، للعموم وضعف منع الإطلاق، ولذا يثبت القصاص والدية في السبب كالمباشرة، فالمتّجه حينئذٍ المنع مطلقاً إن كان عمداً وإلا فممّا عدا الدية خاصّة على المختار»(1).

فالعَلَمان النراقي وصاحب «الجواهر» لم يفصّلا بين صورتي التسبيب والأوّل حكم بعدم صدق القاتل على المسبّب والثاني حكم بصدقه عليه.

ويمكن أن يقال: الحقّ مع صاحب «الجواهر» في حكمه بصدق القاتل على المسبّب وعدم التفصيل بين قسمي التسبيب، إذ بناءً على كون التسبيب موجباً للضمان والدية مطلقاً كما عليه العلمان الأصفهاني والإمام الخميني (قدّس سرّه) فكيف يمكن التفصيل؟ فإمّا أن يكون التسبيب كالمباشرة مطلقاً أولا، والأولى أن يقال: إنّه كالمباشرة وفي حكمه مطلقاً.

(مسألة 3): كما أنّ القاتل ممنوع عن الإرث من المقتول، كذلك لا يكون حاجباً عمّن دونه في الدرجة ومتأخّر عنه في الطبقة، فوجوده كعدمه، فلو قتل شخص أباه وكان له ابن ولم يكن لأبيه أولاد غير القاتل، يرث ابن القاتل عن جدّه. وكذا لو انحصر أولاد المقتول في ابنه القاتل


1- جواهر الكلام 41: 39.

ص: 79

وله إخوة، كان ميراثه لهم دون ابنه، بل لو لم يكن له وارث إلا الإمام (ع)، ورثه دون ابنه.

أقول: لمّا كان القاتل عمداً محذوف عن نظام إرث الإسلام فيكون وجوده كعدمه، ولذا لا يكون حاجباً لمن دونه في الدرجة كابن الابن إذا كان القاتل ابناً وليس للميّت ابن غيره ولا لمن دونه في الطبقة كما إذا كان القاتل عمداً أباً مثلًا وليس للمقتول غيره في طبقته فتصل النوبة إلى الطبقة الثانية.

قال صاحب «المستند»: «لا يمنع من كان تقرّبه بواسطة القاتل بلا خلاف يعرف، فلو كان له ولد يرث لولا من يحجبه وكذا ابن الأخ القاتل»(1).

واستدلّ عليه بروايتي جميل إحداهما موثّقة أو حسنة والاخرى مسكوت عنها.

أمّا اولى الروايتين، فعن أحدهما (ع) في رجل قتل أباه، قال: «لا يرثه وإن كان للقاتل ولد ورث الجدّ المقتول»(2).

وثانيتهما، عن جميل عن أحدهما (ع) قال: «لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده ولكن يكون الميراث لورثة القاتل»(3).

على أنّ القرب الموجب للإرث متحقّق، فالمقتضي موجود والمانع مفقود والواسطة- أي القاتل- لا يصلح للمانعية والقاتل وإن كان موجوداً لا يصلح للمانعية، لكن ليعلم أنّ المانع توريثه لا وجوده.


1- مستند الشيعة 51: 19.
2- وسائل الشيعة 40: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 12، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 40: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 12، الحديث 2.

ص: 80

وقال صاحب «الجواهر»: «لو قتل أباه وللقاتل ولد، ورث جدّه، إذا لم يكن هناك ولد للصلب ولم يمنع من الميراث بجناية أبيه، كما قال أحدهما (ع) في خبر جميل: «فإن كان للقاتل ابن ورث الجدّ المقتول» وفي خبر آخر له: «لا يرث الرجل إذا قتل ولده أو والده، لكن يكون الميراث لورثة القاتل»(1).

ثمّ قال: «ولو كان للقاتل وارث كافر منعا جميعاً، أحدهما بقتله والآخر بكفره وكان الميراث للإمام (ع) حتّى المطالبة بالدم»(2).

هذا إذا لم يسلم الكافر، فلو أسلم فالميراث له وله المطالبة بالدم، وهل يرث لو أسلم قبل انتقال التركة إلى بيت المال أو يرث مطلقاً، وقد مرّ البحث عن الأقوال فيه وأنّ الحقّ توريثه مطلقاً لبعض الروايات الصحيح(3).

(مسألة 4): لا فرق في مانعية القتل بين أن يكون القاتل واحداً أو متعدّداً، وعلى الثاني بين كون جميعهم وارثاً أو بعضهم دون بعض.

أقول: عدم الفرق بين وحدة القاتل وتعدّده واضح وكذا عدم الفرق بين كون القاتلين جميعهم وارثين وعدمه ويمكن أن يستدلّ عليه بعمومات منع القاتل عن الإرث والدية أو منعه عن الدية فقط.

ولم يتعرّض صاحب «المستند» لهذا الحكم. لكن قال صاحب «الجواهر»: «والمشارك في القتل كالمنفرد، كما عن جماعة التصريح به، فيمنع ممّا يمنع منه


1- جواهر الكلام 42: 39.
2- جواهر الكلام 42: 39.
3- انظر: جواهر الكلام 19: 39- 21.

ص: 81

المنفرد وإن لم يستقلّ بالتأثير لو انفرد»(1).

وقال الشهيد الثاني في «الدروس الشرعية»: «وهو (أي القتل) يمنع القاتل من الإرث إذا كان عمداً ظلماً ولو اشتركوا في القتل منعوا»(2).

وفي «بداية المجتهد» لابن رشد: «كان ابن مسعود يحجب بهؤلاء الثلاثة دون أن يورّثهم- أعني بأهل الكتاب وبالعبيد وبالقاتلين عمداً- وبه قال داود وأبو ثور»(3). وظاهره عدم الفرق بين وحدة القاتل وتعدّده. حيث ذكره تارة بصيغة المفرد وتارة بصيغة الجمع.

(مسألة 5): الدية في حكم مال المقتول يقضى منها ديونه، ويخرج منها وصاياه أوّلًا قبل الإرث، ثمّ يورّث الباقي كسائر الأموال، سواء كان القتل عمداً وصولحوا عن القصاص بالدية أو شبه عمد أو خطأ، وسواء كان في مورد الصلح ما يأخذونه أزيد من الدية أو أنقص أو مساوياً، وسواء كان المأخوذ من جنس الدية أم لا. ويرث الدية كلّ من يتقرّب إليه بالنسب والسبب حتّى الزوجين في القتل العمدي وإن لم يكن لهما حقّ القصاص، لكن إذا وقع الصلح والتراضي بالدية، ورثا نصيبهما منها. نعم لا يرث المتقرّب بالامّ وحدها من الدية شيئاً كالأخ والاخت للُامّ، بل سائر من يتقرّب بها كالخؤولة والجدودة من قبلها؛ وإن


1- جواهر الكلام 41: 39.
2- سلسلة الينابيع الفقهية 200: 34.
3- بداية المجتهد 352: 2.

ص: 82

كان الأحوط في غير الأخ والاخت التصالح.

أقول: هذه المسألة مشتملة على ثلاثة فروع:

الأوّل. كون الدية كسائر أموال المقتول. فقال العَلَمان في «الوسيلة» وتحريرها بكونها في حكم مال المقتول فيقضى منه ديونه ويعمل بوصاياه إلى آخر ما ذكر في المتن.

وقال صاحب «المستند»: «إنّ الدية في حكم مال المقتول، ويتفرّع عليه أنّه تقضى منها ديونه وتخرج منها وصاياه»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «الدية عندنا وإن تجدّدت بعده، في حكم مال المقتول، يقضى منها دينه ويخرج منها وصاياه، سواء قتل عمداً فأخذت الدية أو خطأ، بل في محكيّ «المهذّب» الإجماع عليه، بل في محكيّ «المبسوط» و «الخلاف» أنّه قول عامّة الفقهاء إلا أبا ثور»(2).

وربّما قيل بعدم صرفها في ديونه، لأنّ الدين يتعلّق بالمديون في حال حياته وبماله في حال مماته والدية ليست من أموال المقتول حتّى يتعلّق به الدين بعد مماته، بل تكون من أموال الورّاث.

فعلينا أن ننظر في الروايات ونستخرج منها ما هو الحقّ.

ففي رواية إسحاق بن عمّار، قال الصادق (ع): «أنّ رسول الله (ص) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال»(3).


1- مستند الشيعة 58: 19.
2- جواهر الكلام 44: 39- 45.
3- وسائل الشيعة 41: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 14، الحديث 1.

ص: 83

وفي خبر يحيى الأزرق عن الكاظم (ع) في رجل قتل وعليه دين ولم يترك مالًا فأخذ أهله الدية من قاتله، عليهم أن يقضوا دينه؟ قال: «نعم»(1).

وفي خبر السكوني: «من أوصى بثلثه ثمّ قتل خطاً فإنّ ثلث ديته داخل في وصيّته»(2).

وفي رواية محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (ع) قال: «قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل أوصي لرجل بوصيّة مقطوعة ... فقضى في وصيّته أنّها تنفذ من ماله ومن ديته كما أوصى»(3).

قال صاحب «المستند» في ردّ من قال بعدم صرفها في ديونه: «اجتهاد في مقابلة النصّ»(4).

ثمّ قال: «والحاصل أنّ اختصاص تعلّق الدين بالمديون أو ماله ممنوع، بل يتعلّق بديته أيضاً»(5).

وقال صاحب «الجواهر»: «ما عن بعضهم من أنّ دية العمد لا يقضى منها الدين، لانّ الواجب فيه القصاص الذي هو حقّ الوارث ... بل عن آخر المنع من قضاء الدين من الدية مطلقاً لأنّها ليست من أموال الميّت التي تركها، مع أنّهما اجتهاد في مقابلة النصّ والإجماع، كماترى، ضرورة كون الدية في الخطأ عوضاً عن النفس فيستحقّها الميّت عند خروج روحه»(6).


1- وسائل الشيعة 364: 18، كتاب التجارة، أبواب الدين والقرض، الباب 24، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 285: 19- 286، كتاب الوصايا، الباب 14، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 286: 19، كتاب الوصايا، الباب 14، الحديث 3.
4- مستند الشيعة 59: 19.
5- مستند الشيعة 59: 19.
6- جواهر الكلام 45: 39.

ص: 84

هذا، ويمكن أن يستدلّ عليه بأنّ ترتّب الدية على القتل ليس زمانياً، بل يكون ذاتياً كترتيب المعلول على العلّة فبإذهاق الروح يستحقّ المقتول القصاص أو الدية في العمد والدية في الخطأ.

وأمّا عدم الفرق بين العمد وشبه العمد والخطأ وكون مورد الصلح أقلّ أو أزيد أو مساوياً ومن جنس الدية أو غيره، فيستفاد من عموم الأدلّة، كما صرّح ببعض الموارد صاحب «المستند» وقال: «ثمّ إنّه لا فرق فيما ذكر بين دية العمد والخطأ، لعموم الأدلّة»(1). وقال أيضاً: «لا فرق في الدية المأخوذة على المشهور بين قتل العمد والخطأ. وربما قيل باختصاصه بالأخير ... ويدفعه إطلاق النصوص، بل صريح روايتي ابن عمّار وأبي بصير»(2).

الثاني: كون الدية ميراثاً لكلّ من يتقرّب إلى المقتول.

ففي المتن حكم بعدم الفرق بين المتقرّب بالنسب أو بالسبب وحكم بكون كلّ من الزوجين وارثاً وإن لم يكن لهما حقّ القصاص.

قال صاحب «المستند»: «لا فرق في ذلك بين مراتب النسب والسبب لعموم الأدلّة»(3).

وقال صاحب «الجواهر»: «يرث الدية كلّ مناسب ومسابب سواء كانت دية عمدٍ أو خطأ وسواء كان ممّن يرث القصاص منهم أو لا بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص فيه مستفيضة أو متواترة»(4).


1- مستند الشيعة 58: 19.
2- مستند الشيعة 60: 19.
3- مستند الشيعة 51: 19.
4- جواهر الكلام 46: 39.

ص: 85

ثمّ قال: «وعلى كلّ حال فلا يرث أحد الزوجين القصاص إجماعاً وإن كان لو وقع التراضي بين من عليه القصاص ومن له بالدية ورثاً نصيبهما منها إجماعاً أيضاً ونصوصاً منها خبر إسحاق بن عمّار»(1).

وقد دلّت رواية إسحاق عن الصادق (ع): «أنّ رسول الله (ص) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال»(2).

لكن في خبر السكوني «أنّ عليّاً (ع) كان لا يورث المرأة من دية زوجها شيئاً»(3). وهو ضعيف(4) أو يحمل على التقيّة أو على أنّ أحدهما قتل صاحبه خطأ بناءً على حرمان الخاطئ عن إرث الدية.

الثالث: لا يرث المتقرّب بالامّ من الدية شيئاً.

هل المتقرّب بالامّ لا يرث من الدية مطلقاً أو يفصل بين الأخ والاخت وغيرهما؟.

ففي «الوسيلة» للسيّد الأصفهاني (قدّس سرّه): «لا يرث المتقرّب بالامّ وحدها كالأخ والاخت للُامّ من الدية شيئاً» لكن في تحريرها لسيّدنا الاستاذ: «وإن كان الأحوط في غير الأخ والاخت التصالح».

وقال صاحب «المستند»: «اختلفوا في وارث الدية على أقوال»(5).


1- جواهر الكلام 47: 39.
2- وسائل الشيعة 41: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 14، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 39: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 11، الحديث 4.
4- إذ هو مشترك بين أشخاص متعدّدة. ولو كان إسماعيل بن أبي زياد الشعيري فهو عامىٌّ، وحيث إنّ الناقل عنه هو النوفلي فهو هو. وهو أيضاً مشترك ولو كان هو الحسين بن يزيد فقد ذكر أنّه غلافي آخر عمره. راجع: نقد الرجال 208: 1، و 124: 2، و 284: 5.
5- مستند الشيعة 53: 19.

ص: 86

ثمّ ذكر أقوالًا ثلاثة:

1. يرثها من يرث غيرها.

2. يرثها من عدا المتقرّب بالامّ.

3. يرثها غير المتقرّب الامّ وبالأب وحده.

ويدلّ على القول الأوّل عموم آيات الإرث وأخباره وخصوصاً رواية إسحاق بن عمّار عن الصادق (ع) «أنّ رسول الله (ص) قال: إذا قبلت دية العمد فصارت مالًا فهي ميراث كسائر الأموال»(1). ورواية العبدي عن علي (ع): «... الدية تقسم على مَن أحرز الميراث»(2). قال راويها الفضل بن شاذان: «هذا حديث صحيح على موافقة الكتاب». وقد نقلها الصدوق بإسناده عن الفضل.

ويدلّ على القول الثاني صحيحة سليمان بن خالد عن الصادق (ع): «قضى علي (ع) في دية المقتول: أنّه يرثها الورثة على كتاب الله وسهامهم إذا لم يكن على المقتول دين، إلا الإخوة والأخوات من الامّ فإنّهم لا يرثون من ديته شيئاً»(3).

وصحيحة ابن سنان عن الصادق (ع): «قضى أمير المؤمنين (ع) أنّ الدية يرثها الورثة، إلا الإخوة والأخوات من الامّ فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً»(4).


1- وسائل الشيعة 41: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 14، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 82: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 12.
3- وسائل الشيعة 35: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 10، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 36: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 10، الحديث 2.

ص: 87

وصحيحة محمّد بن قيس عن الباقر (ع): «الدية يرثها الورثة على فرائض المواريث، إلا الإخوة من الامّ فإنّهم لا يرثون من الدية شيئاً»(1).

ولا ريب أنّ هذه الروايات تخصّص ما يدلّ على القول الأوّل، إلا أنّ الكلام في كون المستثنى هو الإخوة فقط أو يعمّ غيرهم.

قال صاحب «المستند»: «هذه الروايات وإن كانت مخصوصة إلا أنّهم عمّموا الحكم، لمفهوم الموافقة وعدم القول بالفصل»(2).

وأمّا القول الثالث فمستنده غير معلوم، إلا أنّ صاحب «المستند» قال: «يظهر من الصيمري أنّ فيه رواية ولم أقف عليها ولا نقله غيره»(3).

فالمسلم خروج الإخوة من الامّ عن قاعدة إرث المتقرّبين. فهل يعمّ غير الإخوة من سائر الأقارب من جانب الامّ أو لا؟ هل ذكر الإخوة من قبيل المثال أو من قبيل بيان موضوع الحكم؟

قال صاحب «الجواهر»: «لم يذكر (أي في الروايات) إلا الإخوة والأخوات وعنوان المصنّف وغيره من يتقرّب بالامّ ويمكن أن يكون للقطع بالمساواة أو الأولوية، ضرورة أقربيّتهم من غيرهم»(4).

فعلى قوله وقول «المستند»، المساواة أو الأولوية ثابتة فيلحق غير الإخوة بهم.

ثمّ قال: «وممّا ذكرنا بان لك ضعف ما عن ابن إدريس من أنّه يرثها جميع الورثة، لعموم الأدلّة الذي يجب تخصيصه بما عرفت، كما أنّه يجب تخصيص


1- وسائل الشيعة 37: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 10، الحديث 4.
2- مستند الشيعة 55: 19.
3- مستند الشيعة 55: 19.
4- جواهر الكلام 47: 39.

ص: 88

ما في مواريث «الخلاف» من إطلاق إرثها جميع الورثة مدّعياً عليه الإجماع بما سمعته من جناياته»(1).

ثمّ قال: «وأضعف من ذلك القول بمنع المتقرّب بالأب وحده وما عن «المهذّب» من منع خصوص النساء منهم ...»(2).

فتحصل من ذلك: أنّ الأقوى هو القول الثاني والاحتياط سبيل النجاة.

الثالث من الموانع: الرقّ

على ما فصّل في المفصّلات.

أقول: قد أرجع سيّدنا الاستاذ البحث عن مانعية الرقّ إلى الكتب المفصّلة، لأنّ الرقّية لا تكون مبتلى بها الآن في عالم الإسلام وإن كانت رائجة في بعض الممالك. ولكن قد ذكر السيّد الأصفهاني (قدّس سرّه) في «الوسيلة» خمس مسائل في ذيل ثالث الموانع وهو الرقّ. لكن سقطها سيّدنا الاستاذ عن تحريرها لعدم كونها محلّ الابتلاء في العصر الحاضر. حتّى أنّ صاحب «الوسيلة» قال بعد ذكر المسائل الخمس: «وهنا فروع اخر، لا جدوى في التعرض بها، لقلّة الإبتلاء بها».

ونحن نكتفي بذكر بعض ما في «الشرائع»، فإنّه قال:

«وأمّا الرقّ فيمنع في الوارث والموروث، فمن مات وله وارث حرّ وآخر مملوك، فالميراث للحرّ ولو بَعُد، دون الرقّ وإن قرب، ولو كان الوارث رقّاً وله


1- جواهر الكلام 47: 39.
2- جواهر الكلام 47: 39.

ص: 89

ولد حرّ، لم يُمنع الولد برقِّ أبيه، ولو كان الوارث اثنين فصاعداً فعتق المملوك قبل القسمة شارك إن كان مساوياً وانفرد إن كان أولى. ولو كان عتقه بعد القسمة لم يكن له نصيب، وكذا لو كان المستحقّ للتركة واحداً لم يستحقّ العبد بعتقه نصيباً، وإذا لم يكن للميّت وارث سوى المملوك اشترى المملوك من التركة وأعتق وأعطى بقيّة المال. ويقهر المالك على بيعه ولو قصر المال عن ثمنه، قيل: يفكّ بما وجد ويسعى في الباقي. وقيل: لا يفكّ ويكون الميراث للإمام وهو الأظهر، وكذا لو ترك وارثين أو أكثر وقصر نصيب كلّ واحد منهم أو نصيب بعضهم عن قيمته لم يفكّ أحدهم وكان الميراث للإمام. ولو كان العبد قد انعتق بعضه ورث من نصيبه بقدر حرّيته ومنع بقدر رقّيته، وكذا يورّث منه وحكم الأمة كذلك»(1).

الرابع: التولّد من الزنا

قال صاحب «الجواهر»: «وأمّا ولد الزنا من الطرفين، فلا نسب له بأبيه شرعاً، لأنّ الولد للفراش وللعاهِرِ الحَجَر، وحينئذٍ فلا يرثه أي الزاني كالعكس بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه وهو الحجّة، مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة الدالّة على ذلك»(2).

فعن الصادق (ع): «أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً ثمّ اشتراها فادّعى


1- شرائع الإسلام 14: 4- 15؛ جواهر الكلام 48: 39- 57.
2- جواهر الكلام 275: 39.

ص: 90

ولدها فإنّه لا يورث منه شي ء فإنّ رسول الله (ص) قال: الولد للفراش وللعاهر الحجر ولا يورث ولد الزنا إلا رجل يدّعى ابن وليدته»(1).

ومثله سائر روايات الباب الثامن من أبواب ولد الملاعنة. ويستفاد منها أنّه لا ترثه التي ولدته ولا أحد من أنسابها ولا يرثهم. لكن نقل عن الصدوق وأبي الصلاح وأبي على أنّه يرث امّه ومن يتقرّب بها ويرثونه على حسب حال ابن الملاعنة. لكن دليلهم ضعيف وقاصر عن معارضة ما يدلّ على عدم الإرث، كما أشرنا اليه آنفاً.

فالحكم بعدم التوارث بين ولد الزنا والزاني والزانية الذين ولداه مسلّم لا يمكن الخدشة فيه.

فلننظر في المسائل الستّ التي ذكرت في «التحرير» دون «الوسيلة».

(مسألة 1): إن كان الزنا من الأبوين، لا يكون التوارث بين الطفل وبينهما، ولا بينه وبين المنتسبين إليهما، وإن كان من أحدهما دون الآخر- كما كان الفعل من أحدهما شبهة- لا يكون التوارث بين الطفل والزاني ولا بينه وبين المنتسبين إليه.

أقول: الزنا مانع عن التوارث، لأنّ ولد الزنا ليس ولداً شرعاً.

قال صاحب «المستند»: «ولد الزنا لا يرث من والده الزاني، ولا من أقرباء والده ولا يورثون منه .... والمشهور عدم التوارث بينه وبين امّه وقرابتها أيضاً،


1- وسائل الشيعة 274: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث ولد الملاعنه، الباب 8، الحديث 1.

ص: 91

ونقل الشهرة عليه مستفيضة ... خلافاً للمحكيّ عن الصدوق في «المقنع» والإسكافي والحلبي ويونس بن عبدالرحمان على احتمال قويّ، فقالوا: إنّه ترثه امّه وأقاربها ويرثهم. ونسبه في «الخلاف» إلى قوم من أصحابنا. وقال أبو الصلاح: يختلف فيه أصحابنا وظاهر بعض متأخّري المتأخّرين»(1).

وقد مرّ كلام صاحب «الجواهر» وما في بعض الروايات الدالّ على أنّ للعاهر الحجر.

وأمّا ولد الشبهة، فهو ولد لمن ليس زانياً فإن كانت الشبهة من كلا الرجل والمرأة فالتوارث بينهما والولد ثابت وإن كان من أحدهما فالتوارث بينه والولد فقط دون من كان زانياً.

قال صاحب «المستند»: «ولد الشبهة يرث ويورث منه بلا خلاف فيه، كما صرح به في «المفاتيح» وشرحه أيضاً، لصدق النسبة فتشمله عمومات الإرث طرّاً بلا معارض أصلًا»(2).

ثمّ قال: «ولو كان شبهة من أحد الأبوين زناً من الآخر يرث ويورث من جانب الشبهة، ولا يضرّ انكشاف الشبهة في صحّة الانتساب ... فالنسب صحيح شرعاً وإن ظهر فساد سببه، فالنسب صحيح وإن كان سببه فاسداً»(3).

ففرق بين الأنساب الفاسدة والأسباب الفاسدة، فالأوّل ينفي التوارث دون الثاني كما في «القواعد»(4).


1- مستند الشيعة 437: 19- 438.
2- مستند الشيعة 440: 19.
3- مستند الشيعة 441: 19.
4- قواعد الأحكام 190: 2.

ص: 92

فالسبب الفاسد كالنكاح الفاسد، كما لو تزوّج اخته الرضاعية جهلًا فبان فساده والنسب الفاسد كنسبة ولد الزنا، حيث حصلت لكنّها بالسبب الفاسد واقعاً وظاهراً.

وقال صاحب «الجواهر»: «ولد الزنا منهما ليس ولداً شرعاً بخلاف ولد الشبهة لهما»(1).

وقال في مقام ذكر بعض الفروع المترتّب على إرث الزوجة ذات الولد من جميع تركة الزوج: «ولو كان ولد شبهة لها دونه لم تستحقّ به على الظاهر، بل وكذا العكس في وجه»(2).

(مسألة 2): لا مانع من التوارث بين المتولّد من الزنا وأقربائه من غير الزنا، كولده وزوجته ونحوهما، وكذا بينه وبين أحد الأبوين الذين لا يكون زانياً، وبينه وبين المنتسبين إليه.

أقول: التوارث ثابت بين ولد الزنا وأقربائه من غير الزنا بلا شكّ وريب.

قال صاحب «المستند»: «وأمّا بالنسبة إلى الولد وإن نزل، فالتوارث متحقّق بلا خلاف، لتحقّق النسبة الشرعية، فتشمله العمومات بلا معارض وكذا الزوج والزوجة، والمنعم والمنعم له وضامن الجريرة، لعمومات الأدلّة. ولو عدم الجميع فميراثه للإمام كالزوائد عن نصيب الزوجة»(3).


1- جواهر الكلام 219: 39.
2- جواهر الكلام 219: 39.
3- مستند الشيعة 440: 19.

ص: 93

وقال صاحب «الجواهر»: «على كلّ حال فقد ظهر لك أنّ ميراثه- أي ابن الزنا- لولده خاصّة دون أبيه وامّه فضلًا عن أقاربهما، ومع عدمهم فلمولى المعتق، ثمّ الضامن، ثمّ الإمام (ع) بلا إشكال في شي ء من ذلك، بل ولا خلاف»(1).

فأولاد ولد الزنا- شرعاً- داخلة في عمومات الإرث كزوجته، وكذا زوجه إن كان ولد الزنا بنتاً.

وأمّا ولد الشبهة، فقد بيّنا حكمه فهو مولود من النكاح الصحيح ظاهراً الفاسد واقعاً، فإن كانت الشبهة من الطرفين فيرثان من ولد الشبهة ويرث منهما وإن كانت من طرف واحد فيثبت التوارث بينه وبين الولد دون الطرف الآخر، فإنّه كان زانياً، ولا يثبت النسب بالزنا لأنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر.

(مسألة 3): المتولّد من الشبهة كالمتولّد من الحلال، يكون التوارث بينه وبين أقاربه؛ أباً كان أو امّاً أو غيرهما من الطبقات والدرجات.

أقول: لا ريب شرعاً إنّ ثبوت النسب الشرعي تابع لأحد الأسباب المحلّلة ولا ريب أيضاً أنّ الأسباب المحلّلة عبارة عن النكاح الدائم والنكاح المنقطع والملكية، فقد قال تعالى في محكم كتابه الكريم:

) والّذينَ هُمْ لِفُرُوجِهِم حافِظوُنَ* إلا عَلى أزْواجِهِمْ أو ما مَلَكَتْ أيْمانُهُمْ ((2).


1- جواهر الكلام 277: 39.
2- المؤمنون( 23): 5- 6.

ص: 94

ولا ريب أيضاً: أنّ الاشتباه من الأسباب المحلّلة حال الاشتباه المثبتة للنسب شرعاً، فيكون النسب صحيحاً شرعاً وإن ظهر فساد سببه. ففرق بين النسب الفاسد شرعاً لكون سببه فاسداً ظاهراً وواقعاً والنسب الصحيح، سواء كان سببه صحيحاً ظاهراً وواقعاً- إذا ثبت زوجيّتهما شرعاً بالنكاح أو بملك اليمين- أو صحيحاً ظاهراً وفاسداً واقعاً، كما إذا كان الوطئ بزعم الزوجية أو بزعم الملكية من كليهما فكلاهما معذوران والولد لهما شرعاً، أو من أحدهما، فهو معذور والولد له شرعاً.

فإذا ثبت النسب شرعاً، يكون التوارث بين ولد الشبهة وجميع أقاربه، أباً كان أو امّاً أو غيرهما من الطبقات والدرجات بحكم العمومات التي هي حجّة فيما لم يخرج منها بالتخصيص.

(مسألة 4): لا يمنع من التوارث التولّد من الوطء الحرام غير الزنا، كالوطء حال الحيض وفي شهر رمضان ونحوهما.

أقول: من وطئ زوجته في حال الحيض أو الإحرام أو صوم شهر رمضان أو غيرها فقد ارتكب الحرام، لكن الولد الحاصل من هذا الوطئ الحرام ولدٌ شرعاً فإنّه ليس من الزنا ويصحّ سلب الزاني والزانية عن الزوج والزوجة اللذان تواقعا مع علمهما بالحرمة ولم نجد قائلًا بكون النسب فاسداً، بل لم يحتمله أحد فيمكن أن يدّعى على المسألة الإجماع، ولا أقلّ يمكن أن يحكم عليها بعدم الخلاف، فلا مجال لتخصيص عمومات الإرث بعد عدم ثبوت دليل يدلّ على التخصيص.

ص: 95

فأصالة عدم التخصيص ثابتة في ما لم يدلّ دليل عليه، فإنّ القدر المتيقّن من موارد تخصيص العمومات، القتل والكفر والرقّ. بل حكم الزنا لا يكون مستفاداً من التخصيص، فإنّ ولد الزنا خارج عن العمومات تخصّصاً، فإنّه لم يكن ولداً شرعاً، فلم يثبت مقتضى الإرث حتّى يبحث عن المانع ففي موارد القتل والكفر والرقّ، المقتضي للإرث وهو النسب موجود ويمنعه المانع، وأمّا في مورد الزنا فالمقتضي مفقود وحيث لم يدلّ دليل على سلب السبب عمّن ولد بالنكاح الصحيح في حال الحرمة، فيحكم بثبوت النسب الشرعي.

(مسألة 5): نكاح سائر المذاهب والملل لا يمنع من التوارث لو كان موافقاً لمذهبهم وإن كان مخالفاً لشرع الإسلام، حتّى لو كان التولّد من نكاح بعض المحارم لو فرض جوازه في بعض النحل.

أقول: العقد الواقع بين الكفّار صحيح لو وقع صحيحاً على طبق مذهبهم، ويترتّب عليه آثار الصحيح عندنا من غير فرق بين الكفّار الكتابيين والوثنيين وغيرهم. بل لو أسلم الزوج والزوجة الكافران معاً دفعة لم يبطل نكاحهما الأوّل من غير احتياج إلى عقد جديد. ولو أسلم الزوج فقط عن الزوجة الكتابية لم يبطل نكاحهما، فإنّه لا مانع من كون الزوج مسلماً والزوجة كتابية استمراراً، بل يمكن أن يقال بعدم المانع ابتداءً.

هذا إذا لم يكن نكاحهم مشتملًا على ما يقتضي الفساد، ابتداءً واستدامةً، كنكاح إحدي المحرّمات عيناً أو جمعاً كنكاح الاختين أو الامّ والبنت، أو نكاح

ص: 96

بنت الأخ أو بنت الاخت أو زوجة الأب وإلا فنكاحهم فاسد شرعاً.

وأمّا أولادهم الحاصلة من نكاحهم الصحيح عندهم فيحكم بثبوت نسبهم شرعاً، سواء حكم ببطلان نكاحهم بعد إسلامهم أو لم يحكم.

فلا فرق من حيث ثبوت النسب بين ما كان نكاحهم باطلًا عندنا وما لم يكن كذلك.

(مسألة 6): نكاح سائر المذاهب غير الاثني عشري لا يمنع من التوارث لو وقع على وفق مذهبهم، وإن كان باطلًا بحسب مذهبنا، كما لو كانت المنكوحة مطلّقة بالطلاق البدعي.

أقول: إذا كان نكاح الكفّار الذي وقع موافقاً لمذهبهم صحيحاً عندنا ولا يمنع من التوارث، فنكاح المذاهب الإسلامية- غير الإثنى عشري- لا يمنع من التوارث بشرط وقوعه موافقاً لمذهبهم سواء كان صحيحاً عندنا أو باطلًا، وهذا مطابق لفحوى ما دلّ على صحّة نكاح الكفّار.

ولم يكن بيننا وبينهم اختلاف كثير في المحرّمات والمحلّلات، وقد يظهر الاختلاف في موارد نادرة، كما إذا كانت المنكوحة مطلّقة بالطلاق البدعي، فإنّ الطلاق إمّا بدعي وإمّا سنّي، فالبدعي ما لا يكون جامعاً للشرائط وهي إمّا مربوطة بالمطلّق أو بالمطلّقة أو نفس الطلاق والسنّي ما يكون جامعاً لها.

قال صاحب «الوسيلة»: «لا فرق في ذلك- أي الحكم بصحّة ما هو صحيح عندهم فاسد عندنا- بين الطلاق ثلاثاً وغيره، ممّا هو صحيح عندهم فاسد عندنا، كالطلاق المعلّق والحلف بالطلاق والطلاق في طهر المواقعة والحيض وبغير

ص: 97

شاهدين، فإنّ المذكورات وإن كانت فاسدة عندنا، فإذا وقعت من رجل منّا لا نرتّب على زوجته آثار المطلّقة، ولكن إذا وقعت من أحد من المخالفين القائلين بصحّتها، نرتّب على طلاقه بالنسبة إلى زوجته آثار الطلاق الصحيح، فنتزوّج بها بعد انقضاء العدّة، وهذا الحكم جارٍ في غير الطلاق أيضاً، فنأخذ بالعول والتعصيب منهم الميراث- مثلًا- مع أنّهما باطلان عندنا، والتفصيل لا يسع هذا المختصر»(1).

الخامس: اللعان

(مسألة 1): يمنع اللعان عن التوارث بين الولد ووالده، وكذا بينه وبين أقاربه من قبل الوالد، وأمّا بين الولد وامّه وكذا بينه وبين أقاربه من قبلها، فيتحقّق التوارث ولا يمنع اللعان عنه.

أقول: يمنع اللعان عن توارث الأب وولده، دون الامّ وولده.

قال صاحب «المستند»: «وهو يقطع إرث الزوجين والولد المنفي من جانب الأب والابن فيرث الابن امّه وترثه، وكذا يرثه ولده وقرابة الامّ والزوج والزوجة، فإن اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس، لورود النصّ بذلك»(2).

لم يذكر صاحب «الجواهر» اللعان في عداد الموانع، فإنّه ذكره في لواحق


1- وسيلة النجاة مع تعاليق الإمام الخميني: 779.
2- مستند الشيعة 85: 19.

ص: 98

أسباب المنع، بخلاف النراقي، فإنّه ذكره في عداد الموانع وجعله رابع الموانع بعد ما أسقط الزنا منها ودليله عدم ثبوت مقتضى الإرث لمن كان من الزنا.

وعلى كلّ حال، فقد قال صاحب «الجواهر»: «وكيف كان فمن لواحق أسباب المنع أربعة، الأوّل: اللعان الجامع للشرائط سبب لسقوط نسب الولد، بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص وافية في الدلالة عليه، فلا توارث حينئذٍ بينهما لعدم النسب شرعاً، نعم لو اعترف به بعد اللعان، ألحق به وورثه الولد وهو لا يرثه، بلا خلاف أجده فيه»(1).

والدليل على إرث الولد، عموم إقرار العقلاء وخصوص رواية حمّاد عن الحلبي عن الصادق (ع): «في الملاعن: إن أكذب نفسه قبل اللعان ردّت إليه امرأته وضرب الحدّ وإن لاعَنَ، لم تحلّ له أبداً وإن قذف رجل امرأته كان عليه الحدّ وإن مات ولده ورثه أخواله، فإن ادّعاه أبوه لحق به وإن مات ورثه الابن ولم يرثه الأب»(2).

وذكره إلحاقاً بالموانع لا منها نفسها من حيث إنّ المنع فيه من حيث انقطاع النسب، والحال أنّ الكلام في الموانع على تقدير تحقّق النسب وليس ولد الملاعن ولداً شرعاً بل هو من الأجانب.

وقال أيضاً في باب ميراث ولد الملاعنة: «لا خلاف في أنّه يرث ولد الملاعنة ولده وامّه والزوج أو الزوجة، بل الإجماع بقسميه عليه، دون أبيه المنقطع نسبه


1- جواهر الكلام 62: 39- 63.
2- وسائل الشيعة 262: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث ولد الملاعنة، الباب 2، الحديث 1.

ص: 99

عنه باللعان الفاسخ للعقد والنافي للفراش وإن لم يكن الولد بذلك ابن زنا، بل من أطلق عليه ذلك كان عليه الحدّ»(1).

ففي رواية زرارة عن أبي جعفر (ع): «أنّ ميراث ولد الملاعنة لُامّه»(2).

وفي رواية أُخرى في جواب سؤال عبدالرحمن عن أبي عبدالله الإمام الصادق (ع) عن ميراث ولد الملاعنة قال: «امّه» قلت: فإن ماتت من امّه من يرثه؟ قال: «أخواله»(3).

وأمّا سائر الفروع فسيجي ء في ذيل المسائل الآتية فانتظر.

(مسألة 2): لو كان بعض الأقارب من الأبوين وبعضهم من الامّ فقط يرثون بالسويّة للانتساب إلى الامّ، ولا أثر للانتساب إلى الأب، فالأخ للأب والامّ بحكم الأخ للُامّ.

أقول: سيأتي حكم ميراث المتقرّبين بالامّ فقط وكون ميراثهم بالسويّة من غير فرق بين الذكر والانثى وعموم:) لِلذّكَرِ مِثلُ حَظِّ الانثَيَين (مخصّص بما دلّ على مساواة ميراث المتقرّبين بالامّ.

قال صاحب «الجواهر»: «لا عبرة بنسب الأب هنا بعد انتفائه شرعاً باللعان فلو


1- جواهر الكلام 265: 39- 266.
2- وسائل الشيعة 264: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث ولد الملاعنة، الباب 3، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 264: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث ولد الملاعنة، الباب 3، الحديث 2.

ص: 100

خلّف ابن الملاعنة أخوين أحدهما لأبيه وامّه والآخر لُامّه فهما سواء، وكذا لو كانا اختين أو أخاً واختاً وأحدهما للأب والامّ والآخر للُامّ، فإنّ الجميع يتساوون، كالإخوة والأخوات من الامّ خاصّة، وكذلك الكلام فيما لو خلّف ابن أخيه لأبيه وامّه وابن أخيه لُامّه، أو خلّف أخاً واختاً لأبويه مع جدٍّ وجدّةٍ للُامّ، للُامّ فإنّه يقسّم المال بينهم أثلاثاً، وذلك لأنّه بعد أن سقط اعتبار نسب الأب، لم يبق إلا التقرّب من جهة الامّ، وقد عرفت فيما سبق تساوي المتقرّبين بها في المال، ولو مات أخ لابن الملاعنة من أبيه وامّه وقد كان له أخ من أبيه، لم يحجبه، بل اشتركا في ميراثه، فيأخذ هو حصّة الأخ من الامّ السدس والباقي للأخ من الأب»(1). والملاك في جميع الصور سقوط نسب الأب.

(مسألة 3): لو اعترف الرجل بعد اللعان بأنّ الولد له لحق به فيما عليه لا فيما له، فيرثه الولد ولا يرث الأب إيّاه ولا من يتقرّب به، بل لا يرث الولد أقارب أبيه بإقراره.

أقول: اعتراف الرجل بالولد بعد اللعان موجب لإرث الولد منه فقط.

قال صاحب «المستند»: «إن اعترف به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس، لورود النصّ بذلك»(2).

لا كلام في أنّ اعتراف الرجل بعد اللعان بأنّ الولد له لا يوجب إرثه منه. إنّما الكلام في أقارب الأب وأنّهم هل يرثون من ولد الملاعن المعترف أو لا؟


1- جواهر الكلام 272: 39.
2- مستند الشيعة 85: 19.

ص: 101

قال صاحب «الجواهر»: «إن اعترف الأب بعد اللعان ورث هو الأب ... إجماعاً بقسميه ونصوصاً فيها الصحيح وغيره مضافاً إلى قاعدة الإقرار»(1).

والروايات مذكورة في «الوسائل»، الباب 2 من أبواب ميراث ولد الملاعنة.

وأمّا أقارب الأب فقيل، كما في «الجواهر»: «نعم يرثهم لأنّ الإقرار به كالبيّنة في إثبات النسب»(2). والقائل أبو الصلاح ومفيد الدين- ولد الشيخ- والحلّي على ما حكي عنهم.

لكن قال صاحب «الجواهر»: «الوجه أنّه لا يرثهم ولا يرثونه، لانقطاع النسب باللعان فيستصحب واختصاص حكم الإقرار بالمقرّ حسب، من دون تعدية إلى الغير الذي لا يمضي الإقرار في حقّه، وفاقاً للمشهور، بل عن «الغنية» و «السرائر» الإجماع عليه»(3).

ولعلّ وجه عدم إرث الولد من أقارب الأب المقرّ، عدم تأثير إقراره بالنسبة إلى الغير، وأمّا توريثه الأب مع الإقرار فيكون بحكم النصّ والإجماع والتعدّي إلى غير الأب يحتاج إلى دليل آخر وهو مفقود في البين، وقال صاحب «الجواهر» نقلًا عن «القواعد» للعلامة: «لو قيل يرثهم إن اعترفوا به وكذّبوا الأب في اللعان ويرثونه كان وجهاً»(4). وإثباته مشكل.

(مسألة 4): لا أثر لإقرار الولد ولا سائر الأقارب في التوارث بعد


1- جواهر الكلام 270: 39.
2- جواهر الكلام 270: 39.
3- جواهر الكلام 271: 39.
4- جواهر الكلام 271: 39.

ص: 102

اللعان، بل ما يؤثّر هو إقرار الأب فقط في إرث الولد منه.

أقول: حيث إنّ نفي الولد من قِبَل الملاعن الذي هو المنكر للبُنوّة وتكون الامّ مدّعية لها فإذا وقع اللعان فقد تكون الدعوى مختومة، فإذا أقرّ بها المنكر بعد اللعان فيثبت بإقراره ما عليه دون ما لَه. فلا أثر لإقرار المدّعية التي هي الامّ ولا لإقرار الولد الذي هو مورد الدعوى بين الأبوين، كما أنّه لا أثر لإنكاره، ولا يثبت بإقراره ما لَه وما عليه وإذا كان حال الولد وامّه ذلك فحال سائر الأقارب ذلك بطريق أولى كما لا يخفى على أولى النهى. هذا مع أنّه لا دليل على تأثير إقرارهم إلا الأب. ولذا قال صاحب «المستند»: «إن اعترف- أي الأب- به بعد اللعان يرثه الولد دون العكس لورود النصّ بذلك»(1).

وصاحب «الجواهر» لم يتعرّض لهذا الفرع ظاهراً، لكن يمكن استفادة هذا الحكم من إطلاق كلامه بانقطاع النسب باللعان، حيث يقول: «واختصاص حكم الإقرار بالمقرّ- أي الأب- حسب، من دون تعدية إلى الغير الذي لا يمضي الإقرار في حقّه»(2).

أضف إلى ذلك: أنّ إقرار الولد إذا كان لنفسه فلا أثر له كإقرار الأب، وإذا كان عليه فلا دليل على تأثيره. بل لو أغمضنا عن النصّ والإجماع المحصّل والمنقول لأمكن أن نقول بعدم تأثير الإقرار مطلقاً، سواء كان من قِبَل الأب أو الامّ أو الولد أو الأقارب. لكن نستثنى إقرار الأب بمقتضى النصّ والإجماع فيما عليه دون ما لَه فحسب.


1- مستند الشيعة 85: 19.
2- جواهر الكلام 271: 39.

ص: 103

الكلام في ما عدّ من الموانع

أقول: ذكر صاحب «المستند»: الكفر والقتل والرقّ واللعان من الموانع، ثمّ قال: «ويلحق بهذا المقام مسائل»(1) ثمّ ذكر في المسألة الاولى الغائب غيبة منقطعة وفي المسألة الثانية الحمل وفي المسألة الثالثة الدين.

وقال صاحب «الجواهر»: «وهي كثيرة حتّى أنّه في «الدروس» أنهاها إلى عشرين، لكن ذكر المصنّف وغيره منها هنا الثلاثة المشهورة: الكفر والقتل والرقّ، ثمّ ألحق بها في آخر المقدّمة أربعة والأمر في ذلك سهل»(2). والأربعة المذكورة في آخر المقدّمة- أي الثانية- اللعان والغيبة المنقطعة والحمل والدين المستوعب للتركة.

وذكر الإمام الخميني (قدّس سرّه): القتل والكفر والرقّ والتولّد من الزنا واللعان من الموانع، ثمّ ذكر الحمل والطبقة والدرجة المتقدّمتين فيما عدّ من الموانع مسامحة.

ووجه التسامح في عدّ الحمل من الموانع عدم وجود المقتضي فيه، ووجه التسامح في الثانية والثالثة عدم كون الطبقة والدرجة المتأخّرتين مقتضيتين للإرث مع وجود المتقدّمتين. هذا مع أنّه أدغم في «التحرير» الحجب في المنع، وذكر الحجب في «المستند» و «الجواهر» تحت عنوان مستقلّ بعد ذكر الموانع، وهذا أولى لأنّ المقتضي والمانع يكونان في شخص واحد والحجب والمقتضي يكونان في شخصين.


1- مستند الشيعة 85: 19.
2- جواهر الكلام 15: 39.

ص: 104

وهاهنا امور عدّت من الموانع، وفيه تسامح:

الأوّل: الحمل ما دام حملًا لا يرث وإن علم حياته في بطن امّه، ولكن يحجب من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة، فلو كان للميّت حمل وله أحفاد وإخوة يحجبون عن الإرث، ولم يعطوا شيئاً حتّى تبيّن الحال، فإن سقط حيّاً اختصّ به، وإن سقط ميّتاً يرثوا.

أقول: الدليل على أنّه لا يرث شيئاً قبل التولّد حيّاً، موثّقة أبي بصير عن الصادق (ع): «إذا تحرك المولود تحركّاً بيّناً فإنّه يرث ويورث فإنّه ربّما كان أخرس»(1). وفي معناها روايات اخر، ولذا قال صاحب «المستند»: «الحمل يرث ... إن انفصل حيّاً، ولو ولد ميّتاً لم يرث».

ثمّ قال: «أمّا الأوّل- أي إرثه إن انفصل حيّاً- فتدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع، عمومات الإرث والمستفيضة من الأخبار كصحيحة ربعي في المنفوس: «إذا تحرّك ورث، إنّه ربما كان أخرس»(2)».(3)

وقال صاحب «الجواهر»: «الحمل يرث بشرط انفصاله حيّاً إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة إن لم تكن متواترة منها الصحيحان وغيرهما».(4)

ومراده من الصحيحين صحيح الفضيل، وقد كان حاضراً في مجلس السؤال


1- وسائل الشيعة 304: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 302: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 3.
3- مستند الشيعة 105: 19.
4- جواهر الكلام 70: 39.

ص: 105

والجواب، حيث سأل الحكم بن عتيبة(1) ولم يوجد متن الصحيح الآخر المذكور في «الجواهر» في الروايات.

وأمّا الصحيح الأوّل فعن الفضيل قال: سأل الحكم بن عتيبة أبا جعفر (ع) عن الصبيّ يسقط من امّه غير مستهلّ أيورث؟ فأعرض عنه فأعاد عليه فقال: «إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث فإنّه ربما كان أخرس»(2).

وقال صاحب «المستند»: «وأمّا الثاني فيدلّ عليه بعد ظاهر الإجماع أيضاً مفاهيم الأخبار المتقدّمة، وما روى عن النبي (ص) أنّه قال: «السقط لا يرث ولا يورث»، خرج المتحرّك بالدليل فبقى غيره»(3).

والنبويّ مذكور في «سنن الترمذي»(4) وقد نقل «كنز العمّال» عنه. ثمّ قال: «وقد يستدلّ عليه بعدم صلاحية الميّت للمالكية»(5).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو سقط ميّتاً لم يكن له نصيب وإن تحرّك في البطن، بل وإن علم أنّ حركته فيها حركة أحياء، للاتّفاق نصّاً وفتوى على اعتبار ولادته حيّاً»(6).

حجب الحمل

وأمّا حجبه من كان متأخّراً عنه في المرتبة أو في الطبقة، فقال صاحب


1- رويت أحاديث صحيحة في ذمّه. وقيل: إنّه زيدي، وقيل: مرجئي. راجع: نقد الرجال 142: 2- 143.
2- وسائل الشيعة 304: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 8.
3- مستند الشيعة 108: 19.
4- سنن الترمذي 248: 2/ 1037.
5- كنز العمّال 6: 11/ 30383.
6- جواهر الكلام 71: 39.

ص: 106

«المستند»: «الحمل كما يُحجب عن الإرث إلى أن ينفصل وينكشف الأمر كذلك يحجب غيره من الوارث»(1).

ولما كان إرثه مشروطاً بانفصاله حيّاً فمقتضى الاحتياط عزل نصيبه، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف أجده بين الأصحاب في أنّه يوقف ويعزل للحمل نصيب ذكرين احتياطاً عن تولّده كذلك، بل لولا ندرة الزائد لعزل أزيد من ذلك»(2).

(مسألة 1): لو كان للميّت وارث آخر في مرتبة الحمل وطبقته- كما إذا كان له أولاد- يُعزل للحمل نصيب ذكرين ويُعطى الباقي للباقين، ثمّ بعد تبيّن الحال إن سقط ميّتاً يعطى ما عزله للوارث الآخر، ولو تعدّد وزّع بينهم على ما فرض الله.

أقول: الورّاث إمّا أن يكونوا في مرتبة الحمل وفي طبقته، وإمّا أن لا يكونوا كذلك، فإن كانوا في مرتبته يعزل له نصيب ذكرين ويعطى الباقي سائر الورّاث، فإن تولّد حيّاً يعطى نصيبه فمع الانفراد أو الانوثة يقسم الباقي بينه وبين سائر الورثة ومع التعدّد يعطى نصيبه ولا يبقى شي ء. وأمّا إن لم يكونوا في مرتبته فلا شي ء لهم حتّى يعلم الحال.

قال صاحب «المستند»: «الحمل ... يحجب غيره ... على قدر حجب ذكرين


1- مستند الشيعة 110: 19.
2- جواهر الكلام 73: 39.

ص: 107

موجودين إلى أن ينكشف ويستبين أمره»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد بيان عزل نصيب ذكرين للحمل احتياطاً لا أزيد لندرة الزائد: «فلو اجتمع مع الحمل ذكر أعطي الثلث وعزل للحمل الثلثان، أو انثى أعطيت الخمس حتّى يتبيّن حال الحمل، فإن وُلد حيّاً كما فرض وإلا وُزّع التركة بينهم على حسب ما يقتضيه حال الحمل وإن ولد ميّتاً خصّ باقيها بالولد الموجود»(2).

هذا إذا لم يكن مَن في طبقة الحمل ومرتبته ذا فرض وإلا فسيأتي حكمه في المسألة الآتية، سواء كان من له الفرض يتغيّر فرضه بوجوده وعدمه أو لا يتغيّر.

وليس في المسألة نصّ خاصّ، بل يستنبط حكمها بالعقل عن مجموع قواعد الإرث.

(مسألة 2): لو كان للوارث الموجود فرض لا يتغيّر بوجود الحمل وعدمه، كنصيب أحد الزوجين والأبوين إذا كان معه ولد يعطى كمال نصيبه، ومن ينقصه ولو على بعض الوجوه يعطى أقلّ ما يصيبه على تقدير ولادته على وجه تقتضيه، كالأبوين لو لم يكن هناك ولد غيره.

أقول: هذه المسألة مشتملة على ما أشرنا إليه في المسألة السابقة وهو كون من في مرتبة الحمل ذا فرض سواء تغيّر فرضه بوجود الحمل أو لم يتغيّر.


1- مستند الشيعة 110: 19.
2- جواهر الكلام 73: 39.

ص: 108

قال صاحب «المستند»: «لو كان الوارث ممّن لا يرث مع الولد حجب ... ولو كان ممّن ينقص نصيبه معه يمنع عن الزائد، كالأبوين والزوجين ولو كان ولداً واحداً أو متعدّداً منع عن نصيب ولدين ذَكَرين ولو كان مع الولد الواحد أحد الزوجين أو الأبوين أو كلاهما لم يكن حجب»(1).

وصاحب «الجواهر» ذكر هذا الحكم عيناً، ثمّ قال: «لعلّ الوجه في جميع ذلك- بعد ظهور الإجماع عليه وعلى كون الحمل مانعاً من إرث غيره- هو أصالة السلامة: في الحمل والتولّد حيّاً وعدم انتقال المال إلى الوارث غير الحمل، فهو حينئذٍ كالمال الذي يعلم عدد وارثيه»(2).

لكن يقال: كما أنّ الأصل سلامة الحمل والتولّد حيّاً وعدم الانتقال إلى غير الحمل، كذلك الأصل عدم التعدّد، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «وأصالة عدم التعدّد في الحمل يمكن المناقشة في جريانها باعتبار رجوعها إلى تشخيص كيفية انعقاد النطفة، وهي قاصرة عن إفادة ذلك»(3).

(مسألة 3): لو علم بالآلات المستحدثة حال الطفل يعزل مقدار نصيبه، فلو علم أنّه واحد وذكر يعزل نصيب ذكر واحد، أو انثى واحدة يعزل نصيبها، ولو علم أنّ الحمل أكثر من اثنين يعزل نصيبهم.

أقول: لا ريب أنّ القطع حجّة، ولذا قال المحقّق الخراساني في مباحث قطع


1- مستند الشيعة 110: 19.
2- جواهر الكلام 73: 39- 74.
3- جواهر الكلام 74: 39.

ص: 109

كفايته: «لا شبهة في وجوب العمل على وفق القطع عقلًا ولزوم الحركة على طبقه جزماً، وكونه موجباً لتنجّز التكليف الفعلي فيما أصاب باستحقاق الذمّ والعقاب على مخالفته وعذراً فيما أخطأ قصوراً وتأثيره في ذلك لازم، وصريح الوجدان به شاهد وحاكم، فلا حاجة إلى مزيد بيان وإقامة برهان. ولا يخفى أنّ ذلك لا يكون بجعل جاعل، لعدم جعل تأليفي حقيقة بين الشي ء ولوازمه ...»(1).

ولا فرق بين حصول العلم بحال الطفل بالآلات المستحدثة أو غيرها. إذ العلم حجّة مطلقاً من دون نظر إلى سبب حصوله، فلو كان العلم خطاً قصوراً يرجع سهم المولودين أو الأكثر من سهم الباقين، وأمّا إن كان الخطأ تقصيراً فلا ريب في عدم اعتبار العلم ابتداءً.

(مسألة 4): لو عزل نصيب اثنين وقسّمت بقيّة التركة فتولّد أكثر، استرجعت التركة بمقدار نصيب الزائد.

أقول: مبنى عزل نصيب ذَكَرين الاحتياط، وحيث إنّ الاحتياط سبيل النجاة فلا مانع من عزل نصيب أكثر، خصوصاً إذا كان وجود الأكثر محتملًا باحتمال قابل لاعتناء العقلاء.

وحيث لم يقل الفقهاء بعزل أكثر من نصيب ذكرين ولم يكن احتمال الأكثر احتمالًا عقلائياً فلم يكن الاحتياط بالنسبة إلى عزل نصيب أكثر واجباً. لكن لو تولّد أكثر من اثنين ذكرين فاللازم تقسيم التركة من رأس حتّى يستوفي حقّ الولد الزائد.


1- الوصول إلى كفاية الأصول 149: 3- 150.

ص: 110

فلو كان الوارث ذكرين وقُسمت التركة أرباعاً ثمّ تولّد الحمل وكان ذكوراً ثلاثاً، تقسّم التركة أخماساً، ويعطى كلّ واحد منهم خمس التركة. كما أنّه لو كان الحمل ذكوراً أربع قُسمت التركة أسداساً وأعطى كلّ واحد منهم سدس التركة.

لكن لو كان المتولّد أربع إناث فلا تتغيّر القسمة، إذ المعزول من التركة تقسّم أرباعاً ويعطى كلّ واحدة منهنّ ربع المعزول.

هذا إذا كان الورّاث الموجودون في طبقة الحمل يطلبون القسمة وإلا فتتوقّف القسمة حتّى يتولّد الحمل، وأمّا الورّاث الذين لم يكونوا في طبقة الحمل فليست لهم مطالبة القسمة إلا بعد تولّد الحمل ميّتاً.

(مسألة 5): الحمل يرث ويورث لو انفصل حيّاً وإن مات من ساعته، فلو علم حياته بعد انفصاله فمات بعده يرث ويورث، ولا يعتبر في ذلك الصياح بعد السقوط لو علم سقوطه حيّاً بالحركة البيّنة وغيرها.

أقول: الملاك في توارث الحمل انفصاله حيّاً وهو يعلم بالحركة البيّنة وسائر آثار الحياة، ولا دليل على اعتبار الصيّاح بعد السقوط، فلو مات بعد الانفصال حيّاً وعلم ذلك فيرث ويورث، سواء كان زمان حياته بعد الانفصال قصيراً أو طويلًا.

والموجود في بعض الروايات التحرّك وفي بعضها التحرك البيّن(1) وفي بعضها


1- في صحيحة ربعي:« إذا تحرّك ورث» وفي الاخرى:« إذا سقط من بطن امّه فتحرّك تحرّكاً بيّناً» وفي موثّقة أبي بصير:« إذا تحرّك المولود تحرّكاً بيّناً» وفي صحيحة الفضيل:« إذا تحرّك تحرّكاً بيّناً ورث فإنّه ربّما كان أخرس»( وسائل الشيعة 302: 26- 304، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 3 و 4 و 7 و 8).

ص: 111

الصياح والاستهلال صارخاً وسماع صوته(1). لكن قال صاحب «المستند»: «أمّا ما ورد في بعض الأخبار من اشتراط إرثه باستهلاله ... فلا تصلح لمعارضة ما مرّ (أي ما دل على اشتراط انفصاله حيّاً) لشذوذها المخرج لها عن الحجّية بالمرّة، حتّى قيل: إنّه أطبق الأصحاب على ترك العمل بها وهو كذلك، ومع ذلك فهي مرجوحة عند المعارضة لموافقتها العامّة، كما صرّح به الشيخ وكثير من الطائفة»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «الحمل يرث بشرط انفصاله حيّاً إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة إن لم تكن متواترة منها الصحيحان وغيرهما»(3).

ثمّ استدلّ ببعض الروايات. ثمّ قال: «ومنها يعلم إرادة المثال من نصوص الاستهلال ... وإن أبيت فلا مناص عن حملها على التقيّة ممّن يرى اعتبار الاستهلال في ميراثه من العامّة، بقرينة الأمر بالصلاة عليه في بعضها الموافق لهم أيضاً»(4).

ثمّ إنّ الفيض الكاشاني قال: «يمكن تخصيص اعتبار الصياحة بالإرث من الدية لتقييد الخبرين بها، وقد ورد الفرق بين الدية وغيرها في الإرث، وقد مضى


1- في صحيحة ابن سنان:« لا يصلّي على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهلّ ولم يصحّ ...» وفي الاخرى:« لا يرث شيئاً حتّى يصيح ويسمع صوته» ورواية السكوني:« إذا لم يستهل صارخاً لم يورث» وفي مضمرة بن عون:« إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتّى يستهل ويسمع صوته»( وسائل الشيعة 302: 26- 304، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 1 و 2 و 7، و 97: 3، كتاب الطهارة، أبواب صلاة الجنازة، الباب 14، الحديث 3).
2- مستند الشيعة 106: 19- 107.
3- جواهر الكلام 70: 39.
4- جواهر الكلام 70: 39- 71.

ص: 112

في أبواب الشهادات من كتاب الحسبة أنّه تجاز شهادة النساء في استهلال الصبيّ وصياحه وأنّه يرث بحساب شهادتهنّ، فإن شهدت واحدة ورث الربع وإن شهدت اثنتان فالنصف، وروينا أخباراً كثيرة في ذلك»(1).

وحاصل جمعه حمل روايات الصياح على الإرث من الدية، وروايات الحركة على الإرث من غيرها.

والشاهد على هذا الجمع مرسل ابن عون: «إنّ المنفوس لا يرث من الدية شيئاً حتّى يستهلّ ويسمع صوته»(2). وصحيح عبدالله بن سنان في ميراث المنفوس: «لا يرث شيئاً حتّى يصيح ويسمع صوته»(3).

لكنّ هذا الجمع مخالف لإجماع الأصحاب ومتوقّف على حجّية مفهوم اللقب ومناف لما في صحيحة عبدالله بن سنان الاخرى عن الصادق (ع): «لا يصلّي على المنفوس وهو المولود الذي لم يستهلّ ولم يصحّ ولم يورث من الدية ولا من غيرها، فإذا استهلّ فصلّ عليه وورّثه»(4). وإطلاقها دالّ على عدم الفرق بين الدية وغيرها.

قال صاحب «المستند»: «لعلّه لم يلتفت إليها، لما ذكره من اختلاف النسخ فيها ... ولكن مع ذلك أيضاً لا يمكن المصير إلى ذلك الجمع، لما عرفت من شذوذ تلك الأخبار وعدم وجود قائل بذلك التفضيل»(5).


1- الوافي 141: 13.
2- وسائل الشيعة 302: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 302: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 303: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 7، الحديث 5.
5- مستند الشيعة 107: 19.

ص: 113

وحكم صاحب «الجواهر» بأنّ أخبار الحركة كالنصّ في عدم اعتبار الاستهلال منطوقاً ومفهوماً ولو في الإرث من الدية، فلا نحتاج إلى هذا الجمع(1).

وهل يمكن أن نحكم بالتخيير بين العمل بأخبار الاستهلال وأخبار الحركة؟ قال صاحب «المستند»: «الجمع بين الأخبار بالتخيير، ينافي ما يستفاد من الأخبار الأخيرة من عدم التوريث قبل الاستهلال»(2).

ومقصودة أنّ روايات الاستهلال تنفي التوريث من الدية، فكيف يمكن أن نحكم بالتخيير بين العمل بالطائفتين؟

(مسألة 6): لا يشترط ولوج الروح فيه حين موت المورّث، بل يكفي انعقاد نطفته حينه، فإذا مات شخص وتبيّن الحمل في زوجته بعد موته، وكان بحيث يلحق به شرعاً، يرثه لو انفصل حيّاً.

أقول: مناط إرث الجنين انفصاله حيّاً سواءٌ تحقّق ولوج الروح فيه حين موت المورّث أو لم يتحقّق.

قال صاحب «المستند»: «لا يشترط حياته وولوج الروح فيه عند موت المورّث، بل لو كان نطفة ورث بشرطه بلا خلاف يعرف»(3).

والدليل عليه إطلاق الروايات التي تدلّ على اشتراط ولادته حيّاً، سواء كان حين موت المورث حيّاً وولج الروح فيه أم لا، وإذا شككنا في اشتراط الحياة


1- راجع: جواهر الكلام 71: 39.
2- مستند الشيعة 107: 19.
3- مستند الشيعة 109: 19.

ص: 114

والولوج، فنتمسّك بالأصل ونحكم بأنّ الأصل عدم الاشتراط.

وقال صاحب «الجواهر» بعد الإشارة إلى كلام بعض الأفاضل: «من ذلك ظهر لك عدم اعتبار حياته عند موت المورث بمعنى حلول الحياة فيه بلا خلاف يظهر، كما عن بعض الأصحاب الاعتراف به، لإطلاق النصوص»(1).

واللازم تبيّن الحمل حين موت المورّث وكان بحيث يلحق به شرعاً. قال صاحب «المستند»: «لا فرق في الحكم وجوداً وعدماً بين ما إذا كان التولّد في أقصى مدّة الحمل وما دونها»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «يشترط العلم بوجوده عند الموت ليحكم بانتسابه إليه. ويعلم ذلك: بأن تلده لما دون ستّة أشهر من حين موته مدّة يمكن تولّده منه فيها أو لأقصى الحمل إذا لم توطأ الامّ وطئاً صحيحاً يصلح استناد الولد معه إلى الواطي ء»(3).

تذييل

ثمّ إنّ صاحب «المستند» ذكر فروعاً في ذيل مباحث الحمل لا بأس بذكرها ملخّصاً:

1. لا يشترط استقرار حياته بعد سقوطه حيّاً، فلو سقط بجناية وتحرّك حركة المذبوح ورث بلا خلاف يعرف، لإطلاق الروايات.

2. الحركة المعلّق عليها الحكم، هي الحركة الدالّة على الحياة، لا التقلّص


1- جواهر الكلام 72: 39.
2- مستند الشيعة 109: 19.
3- جواهر الكلام 72: 39- 73.

ص: 115

والاختلاج، وادّعوا الإجماع على ذلك. ويدلّ عليه تقييدها بالبيّنة في الروايات.

3. إذا شكّ في الحركة لا يثبت الإرث، لاشتراط الإرث بها في الأخبار. والعلم بالمشروط يتوقّف على العلم بالشرط وليس لها حالة سابقة تستصحب.

4. تحرّكه في البطن لا يوجب إرث الجنين إذا سقط ميّتاً، لإناطة الإرث على حركة المولود لا حركة الجنين.

5. لا فرق بين ما إذا تولّد تامّاً سويّاً كامل الخلقة أو لا، ولا فرق بين خروجه بنفسه أو بسبب خارجي، لإطلاق الأدلّة.

6. اشتراط الحياة عند تمام الانفصال فلو سقط بعضه حيّاً وبعضه ميّتاً فلا يرث ولا يورث، كما صرّح به الأصحاب. فإنّ المولود الحيّ لا يصدق إلا على المنفصل تماماً.

7. لو مات بعد انفصاله حيّاً كان نصيبه لورثته.

8. الحمل حاجب ومحجوب، فالوارث إمّا أن يكون في طبقة الحمل فينقص نصيبه وإمّا أن يكون بعدها فلا يرث فهو حاجب، والحمل لا يرث أيضاً ما لم يتولّد حيّاً فهو محجوب.

الثاني: وجود طبقة مقدّمة، فإنّها مانعة عن الطبقة المؤخّرة إلا أن تكون ممنوعة بجهة عن الإرث.

أقول: إذا كانت الطبقة المتقدّمة غير ممنوعة عن الإرث- كالولد الذي ليس ممنوعاً عن الإرث بسبب القتل أو الرقّية أو الكفر أو التولّد من الزنا أو اللعان- فتكون مانعة عن إرث الطبقة المتأخرّة- كالأخ مثلًا- وحيث قلنا سابقاً: إنّ الطبقة

ص: 116

المتأخرّة لا ترث من جهة عدم وجود المقتضي فيها لا من حيث وجود المانع فعدّ الطبقة المتقدّمة من الموانع مسامحة.

قال صاحب «الجواهر»: «إذا عدم الآباء والأولاد وإن نزلوا فالإخوة والأجداد بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص وافية الدلالة عليه»(1).

هذا إذا كانت الآباء والأولاد معدومين، فلو كانوا موجودين، فهل يرث المتقرّب بالأب؟ الأقوى العدم. لكن قال يونس بن عبدالرحمان: إذا اجتمع أبو الأب مع ابن الابن فالإرث كلّه لأبي الأب، وقال أبو علي: لو خلف الميّت بنتاً وأبوين فالفاضل عن انصبائهم للجدّين أو الجدّتين، وقال الصدوق: لو خلّفت المرأة زوجها وابن ابنها وجدّاً فللزوج الربع وللجدّ السدس والباقي لابن الابن.

قال صاحب «الجواهر»: «هي أقوال شاذّة قد انعقد إجماع الإمامية على خلافها»(2).

لكن في خبر سعد بن أبي خلف(3) ما يدلّ على خلاف ما أجمع عليه، حيث سأل الكاظم (ع) عن بنات الابنة وجدّ، فقال (ع): «للجدّ السدس والباقي لبنات الابنة»(4). وهذا يدلّ على قول الصدوق.

قال صاحب «الوسائل»: «هذا محمول على التقيّة أو استحباب الطعمة وأنّ


1- جواهر الكلام 77: 39.
2- جواهر الكلام 76: 39.
3- ثقة من أصحاب الصادق والكاظم، له أصل، روى عنه الحسن بن محبوب وأحمد بن ميثم. راجع: نقد الرجال 303: 2.
4- وسائل الشيعة 113: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 10.

ص: 117

المراد بالجدّ جدّ البنات وهو أبو الميّت»(1).

وقال صاحب «المستند»: «كلّ قريب من الأنسباء يحجب البعيد منهم، ولا خلاف فيه إلا في مسألة إجماعية وإن وقع الخلاف في أقربية بعض بالنسبة إلى الآخر»(2).

ثمّ إنّه استدلّ بروايات تدلّ على أنّ المال للأقرب وكان علىٌّ (ع) يعطي المال للأقرب فالأقرب(3).

ولعلّه أشار بوقوع الخلاف في أقربية بعض بالنسبة إلى الآخر إلى قول الصدوق، حيث قال: «إنّ ولد الولد لا يرث مع الأبوين»(4). ومستنده جملة «لا وارث غيرهن» في رواية سعد بن أبي خلف(5) الدالّة على أن بنات الابنة يقمن مقام البنات وبنات الابن يقمن مقام الابن بشرط عدم كون وارث غيرهم، فإذا كان وارث غيرهن- كأبي الميّت- فلا يرثن، وردّ بأنّ المراد من عدم كون وارث غيرهن عدم الابن والبنت.

الثالث: وجود درجة مقدّمة في الطبقات، فإنّها مع عدم ممنوعيتها عن


1- وسائل الشيعة 114: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، ذيل الحديث 10.
2- مستند الشيعة 117: 19- 118.
3- انظر: وسائل الشيعة 85: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 8.
4- الفقيه 196: 4.
5- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 3.

ص: 118

الإرث مانعة عن الدرجة المتأخّرة، كالولد عن ولد الولد، وكالأخ عن ولد الأخ.

أقول: الأقرب يمنع الأبعد، فالدرجة المتقدّمة كالولد (أقرب من الدرجة المتأخّرة وإن كانت في الطبقة الواحدة، كولد الولد.

لكنّ الأب والامّ ليست درجتهما متقدّمة على ولد الولد وكذا الجدّ والجدّة ليست درجتهما متقدّمة على ولد الأخ والاخت وإن كان الأخ أو الاخت متقدّمين على ولدهما.

قال صاحب «الجواهر»: «يمنع الإخوة وأولادهم وإن نزلوا من يتقرّب بالأجداد من الأعمام والأخوال وأولادهم لما عرفت ولقول الباقر (ع) في صحيح يزيد الكناني: «وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك»(1). نعم لا يمنعون آباء الأجداد، فإنّ الجدّ وإن علا جدّ كما أنّهم لا يمنعون أولاد الإخوة وإن نزلوا خلافاً للعامّة»(2).

ولنشر إلى تتمّة الحديث المذكور لتكون هادية إلى فروع نحتاج إليها:

«وأخوك لأبيك وأمّك أولى بك من أخيك لأبيك، وأخوك لأبيك أولى بك من أخيك لُامّك» قال: «وابن أخيك لأبيك وامّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك» قال: «وابن أخيك من أبيك أولى بك من عمّك» قال: «وعمّك أخو أبيك من أبيه وامّه أولى بك من عمّك أخي أبيك من أبيه» قال: «وعمّك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لُامّه» قال: «وابن عمّك أخي أبيك


1- وسائل الشيعة 64: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 2.
2- جواهر الكلام 77: 39.

ص: 119

من أبيه وامّه أولى بك من ابن عمّك أخى أبيك لأبيه» قال: «وابن عمّك أخي أبيك من أبيه أولى بك من ابن عمّك أخي أبيك لُامّه».

قال صاحب «الوسائل»: «أولوية المتقرّب بالأب وحده على المتقرّب بالامّ وحدها من الإخوة والأعمام وأولادهم بمعنى زيادة الميراث، وفي غيرهم بمعنى الحجب لما يأتي»(1).

قال صاحب «المستند» بعد نقل روايات تدلّ على كون القريب يحجب البعيد، كرواية زرارة الموثّقة أو الصحيحة عن الصادق (ع) في اولى الأرحام الدالّة على أنّ أولاهم بالميّت أقربهم إليه من الرحم التي تجرّه إليها(2): «ثمّ إنّ كثيراً منهم فرّعوا على ذلك أنّ الولد للصلب يحجب أولاد الأولاد مطلقاً ويمنع الأقرب منهم الأبعد، كما يحجب من يتقرّب بالأبوين أو أحدهما، ولا يشاركه سوى الزوجين. والأبوين أو أحدهما يحجب من يتقرّب بهما أو به»(3).

وحيث إنّ ولد الولد ولد فمع عدم الولد يرث مع الأب والامّ، وأمّا أولاد الإخوة فلا يقومون مقام آبائهم، لعدم صدق الإخوة عليهم.

وأمّا الإخوة فلا يحجبون جدّ الجدّ مع عدم الجدّ، فإنّ الجدّ جدٌّ، سواء كان قريباً أو بعيداً فالجد القريب يحجب الجدّ البعيد ولا يحجب الإخوة الجدّ البعيد.


1- وسائل الشيعة 64: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، ذيل الحديث 2.
2- قال تعالى:( عليهم السلام) وَلِكلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِىَ مِمَّا تَرَك الْوَالِدَانِ وَالأقْرَبُونَ( النساء( 4): 33)، والرواية المذكورة في المتن واردة في تفسير هذه الآية. قال:« إنّما عنى بذلك: أولى الأرحام في المواريث ولم يعن أولياء النعمة فأولاهم ...». وسائل الشيعة 63: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 1.
3- مستند الشيعة 119: 19.

ص: 120

وهذا الحكم ثابت إذا كان القريب حيّاً عند موت المورّث، فلو كان ميّتاً فلا يمنع البعيد عن الإرث والوجه ظاهر.

والغائب القريب يحجب الحاضر البعيد ما لم يحكم بموته.

وأمّا حجب النقصان- أي ما يمنع عن بعض الإرث- فامور:

الكلام في حجب النقصان

أقول: ذكر صاحب «الجواهر» وصاحب «المستند» المنع، والحجب على حدة وقسّما الحجب إلى حجب الحرمان وحجب النقصان، كما أنّهما قسّما المنع إلى أقسام، لكن ذكر صاحب «الجواهر» أقسام المنع ثلاثة: الكفر والقتل والرقّ وذكر اللعان والحمل من اللواحق، وذكر صاحب «المستند» أقسام المنع أربعة: الكفر والقتل والرقّ واللعان وذكر الغيبة والحمل والدين المستغرق للتركة من اللواحق.

وأمّا الإمام الخميني (قدّس سرّه) فقد أدخل الحجب في المنع وقسّم المنع إلى قسمين: حجب الحرمان وهو ما يمنع عن أصل الإرث وحجب النقصان وهو ما يمنع عن بعضه.

والحقّ مع «الجواهر» و «المستند»؛ لأنّ بين المنع والحجب فرقاً واضحاً، فإنّ المقتضي والمانع مجتمعان في شخص واحد والحاجب والمحجوب مفترقان، فالوارث الذي هو القاتل يكون نفسه مجمعاً للبنوّة- مثلًا- ولقتل المورث، كما أنّ الولد الكافر يكون مجمعاً للبنوّة والكفر والولد الرقّ يكون مجمعاً للرّقية والبُنوّة، وهكذا سائر المصاديق. فالولد يحجب ولد الولد عن أصل الإرث، مع

ص: 121

كونهما في طبقة واحدة وكذا يمنع الولد من يتقرّب بالأب كالأخ والاخت والجدّ ويمنع الأخ من يتقرّب بالجدّ كالأعمام والأخوال. هذه أمثلة حجب الحرمان، وأمّا حجب النقصان فمثاله منع الولد الأبوين عمّا زاد عن السدس والزوج أو الزوجة عمّا زاد عن الربع أو الثمن وهكذا ....

الأوّل: قتل الخطأ وشبه العمد، فإنّه يمنع القاتل عن إرث خصوص الدية دون غيرها من التركة.

أقول: القتل إمّا بحقّ أو بغير حقّ، فإن كان بحقّ فلا يمنع عن الإرث مطلقاً، بلا خلاف، بل بالإجماع.

قال صاحب «الجواهر»: «لخروجه عن ظاهر دليل المنع وللخبر»(1).

وقال صاحب «المستند»: «القاتل إذا كان متعمّداً بغير حقّ لا يرث قريباً كان أو بعيداً بلا خلاف يعرف، ونقل الإجماع عليه متكرّر»(2).

فعلى هذا تقيّد الأدلّة التي دلّت بعمومها أو بإطلاقها على حرمان القاتل عن الإرث.

وفي رواية حفص بن غياث(3) قال: سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن طائفتين من المؤمنين إحداهما باغية، والاخرى عادلة اقتتلوا، فقتل رجل من أهل العراق


1- جواهر الكلام 36: 39.
2- مستند الشيعة 43: 19.
3- قاضي هارون الرشيد العبّاسي بشرق بغداد، عامي له كتاب معتمد يروى عن الصادقين( عليهما السلام) لم يذكر في قدحه شي ء. راجع: نقد الرجال 134: 2 و 135.

ص: 122

أباه أو ابنه أو أخاه أو حميمه وهو من أهل البغي، وهو وارثه، أيرثه؟ قال: «نعم، لأنّه قتله بحقّ»(1).

قال صاحب «المستند»: «وضعفها غير ضائر، لانجبارها بالعمل واعتضادها بنقل الإجماع كاختصاصها بالباغي، لإيجاب التعليل التعدّي إلى ما سواه»(2).

وإن كان بغير حقّ(3) فينقسم إلى العمد وغيره وهو الخطأ وشبه العمد. وقد ذكرنا الفرق بينهما في مبحث مانعيّته القتل عن إرث القاتل.

أمّا قتل العمد فمانع عن كلّ الإرث، وأمّا غير العمد فيمنع عن بعض الإرث وهو الدية فقط على قول المفيد.

قال صاحب «الجواهر»: «أمّا القتل ... فيمنع القاتل من الإرث إذا كان عمداً ظلماً بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه ... ولو كان القتل خطاً ورث على الأشهر رواية وفتوى في الجملة»(4).

فهل يعطى الإرث من جميع التركة أو من بعضها؟ وقد أفتى الأكثر بإرثه من


1- وسائل الشيعة 41: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 13، الحديث 1.
2- مستند الشيعة 44: 19.
3- سأل بعض أصحاب الدرس عن الفرق بين الحقّ والحكم. فنقول: الحقّ عبارة عن سلطة الإنسان على أمر، سواء كان له مقام رسمي أم لا، والحكم له معان مختلفة، لكن ما يقع في مقابل الحقّ هو ما ليس للإنسان سلطة عليه، فالحكم يدلّ على الإلزام وليس قابلًا للإسقاط من قِبَل مَن عليه الحكم، بخلاف الحقّ، فإنّه لا يدلّ على الإلزام ويكون قابلًا للإسقاط، وقد كتبنا مقالة في سالف الزمان تحت عنوان الحقّ، والتكليف في بعض المجلّات، ثمّ أنتشرت في كتاب« تأملات كلامي ومسائل روز» وهو مجموعة المقالات. ثمّ إنّه إذا اشتبه الحقّ والحكم، فحكم بعض بكونه حقّاً ترجيحاً لجانب الحرّية وحكم بعض بالرجوع إلى العرف وحكم بعض بالرجوع إلى الاستصحاب وحكم بعض بلزوم الرجوع إلى الدليل. انظر: دانشنامه حقوقي 137: 3- 143.
4- جواهر الكلام 36: 39.

ص: 123

الجميع بمقتضى الصحيحين، أحدهما صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر (ع) «أنّ أمير المؤمنين (ع) قال: إذا قتل الرجل امّه خطاً ورثها وإن قتلها متعمّداً فلا يرثها»(1). ثانيهما صحيح عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن رجل قتل امّه أيرثها؟ قال: «إن كان خطاً ورثها وإن كان عمداً لم يرثها»(2).

لكنّ المفيد خرج وجهاً آخر وهو الحرمان عن الدية خاصّة. قال صاحب «الجواهر»: «وهو حسن قول قويّ، بل في «الدروس» ومحكّي تلخيص الخلاف أنّه المشهور، ولعلّه كذلك لأنّه المنقول عن المشايخ الأربعة والحلبيين والطوسيين والقاضي والحلّي والكيدري والعلامة وولده والشهيدين وأبي العبّاس والصيمري وغيرهم، بل عن «الانتصار» و «الخلاف» و «الغنية» و «السرائر» الإجماع عليه»(3).

وذكر صاحب «المستند» في المسألة ثلاثة أقوال:

1. ما عن المفيد- على نقل- وغيره وهو عدم الحرمان عن الدية وغيرها. ويشهد له عمومات الإرث كتاباً وسنّة.

2. للعمّاني استناداً إلى رواية العلاء بن الفضيل، عن أبي عبدالله (ع) في حديث قال: «ولا يرث الرجلُ الرجلَ إذا قتله وإن كان خطاً»(4). وحيث إنّ سند هذه الرواية مشتمل على محمّد بن سنان فهو ضعيف، وأمّا ما نقل في «المستدرك» بعبارة «من قتل حميماً» فهو مرسل(5).


1- وسائل الشيعة 33: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 34: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 2.
3- جواهر الكلام 37: 39.
4- وسائل الشيعة 35: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 9، الحديث 4.
5- مستدرك الوسائل 147: 17، كتاب الفرائض والمواريث، الباب 6، الحديث 3.

ص: 124

3. ما عن المفيد- على نقل آخر- وهو الحرمان عن الدية فقط.

ثمّ قال في توجيه القول الثالث: «الجمع بين الدليلين، وقوله تعالى:) وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ((1)، ولا يعقل تسليمه أو عاقلته إلى نفسه»(2).

والدليل على ذلك ما روى عن النبي (ص): «ترث المرأة من مال زوجها ومن ديته ويرث الرجل من مالها وديتها ما لم يقتل أحدهما صاحبَه، عمداً فلا يرثه من ماله ومن ديته، وإن قتله خطاً ورث من ماله ولا يرث من ديته»(3).

الثاني: أكبر الأولاد الذكور، فإنّه يمنع باقي الورثة عن خصوص الحبوة ولو كان الولد الذكر واحداً يكون مانعاً عنها أيضاً.

أقول: دلّت على كون الحبوة للولد الذكر الأكبر روايات، بل تدلّ على مصاديقها أيضاً:

1. صحيح ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله (ع): «إذا مات الرجل فللأكبر من ولده سيفه ومصحفه وخاتمه ودرعه»(4).

2. حسن حريز عن أبي عبدالله (ع) قال: «إذا هلك الرجل وترك ابنين فللأكبر السيف والدرع والخاتم والمصحف فإن حدث به حدث، فللأكبر منهم»(5).


1- النساء( 4): 92.
2- مستند الشيعة 48: 19.
3- مستند الشيعة 48: 19؛ السنن الكبرى، البيهقي 221: 6.
4- وسائل الشيعة 97: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 2.
5- وسائل الشيعة 98: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 3.

ص: 125

3. مرسل ابن اذينة عن بعض أصحابه عن أحدهما: «أنّ الرجل إذا ترك سيفاً وسلاحاً فهو لابنه فإن كان له بنون فهو لأكبرهم»(1).

4. صحيح ربعي الآخر عن أبي عبدالله (ع): «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور»(2).

5. خبر أبي بصير عنه (ع): «الميّت إذا مات فإنّ لابنه الأكبر السيف والرحل والثياب: ثياب جلده»(3).

6. خبر شعيب العقرقوفي قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الرجل يموت، ما له من متاع بيته؟ قال: «السيف» وقال: «الميّت إذا مات فإنّ لابنه السيف والرحل والثياب، ثياب جلده»(4).

7. خبر سماعة(5) قال: سألته عن الرجل يموت، ما له من متاع البيت؟ قال: «السيف والسلاح والرحل وثياب جلده»(6).


1- وسائل الشيعة 98: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 97: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 98: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 7.
5- ولعلّه سماعة بن مهران يروى عن الصادق والكاظم ويمكن أن يكون سماعة بن عبدالرحمان لكن الاحتمال الأوّل مرجّح باعتبار نقل زرعة عنه. راجع: نقد الرجال 373: 2.
6- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 10.

ص: 126

8. خبر أبي بصير عن الباقر (ع) قال: «كم من إنسان له حقّ لا يعلم به» قلت: وما ذاك أصلحك الله؟ قال: «إنّ صاحبي الجدار كان لهما كنز تحته لا يعلمان به أمّا إنّه لم يكن بذهب ولا فضة»، قلت: وما كان؟ قال: «كان علماً». قلت: فأيّهما أحقّ به؟ قال: «الكبير، كذلك نقول نحن»(1).

9. خبر الفضيل عن أحدهما: «أنّ الرجل إذا ترك سيفاً أو سلاحاً فهو لابنه فإن كانوا اثنين فهو لأكبرهما»(2).

10. خبر علي بن أسباط عن الرضا (ع) قال: سمعناه وذكر كنز اليتيمين فقال: «كان لوحاً من ذهب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمّد رسول الله، عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح وعجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن وعجب لمن رأى الدنيا وتقلّبها بأهلها كيف يركن إليها وينبغي لمن عقل عن الله أن لا يستبطئ الله في رزقه ولا يتّهمه في قضائه»، فقال له حسين بن أسباط: فإلى مَن صار إلى أكبرهما؟ «قال نعم»(3).

قال صاحب «الجواهر»: «من متفرّدات الإمامية ومعلومات مذهبهم أنّه يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه»(4).

قال صاحب «المستند» بعد ذكر معنى الحبوة اللغوي: «واصطلاحاً قيل: هو


1- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 98: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 9.
4- جواهر الكلام 127: 39.

ص: 127

إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداءً، أو أعيان مخصوصة يُعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب ابتداءً»(1).

ثمّ قال: «والأولى أن يقال: هي إعطاء من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع، أو أعيان مخصوصة يعطاها من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداءً»(2).

وأصلها في الجملة ثابت، إنّما الكلام في خصوصياتها كيفاً أو كمّاً أو المحبوّ أو المحبوّ منه.

وجوب إعطاء الحبوة للولد الأكبر

اختلفوا في الإعطاء أنّه على سبيل الوجوب أو الاستحباب. لكنّ القول بالوجوب مشهور. ففي «المسالك»: أنّ عليه الأكثر، وفي غيرها: أنّ عليه الشهرة. وفي «الرياض» أنّه ادّعيت عليه الشهرة بحدّ الاستفاضة.

قال صاحب «الجواهر»: «الشهرة عليه محصّلة، بل عن الحلّي الإجماع عليه بل في المحكيّ من سرائره أنّه المجمع عليه عند أصحابنا المعمول به وفتاواهم في عصرنا هذا- وهو سنة ثمان وخمسمأة(3)- عليه بلا خلاف بينهم وهو الحجّة بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة»(4).

ويدلّ عليه ظهور حرف اللام في الملك والاستحقاق. هذا مع أنّ في موثّق


1- مستند الشيعة 201: 19.
2- مستند الشيعة 201: 19.
3- لكن في النسخة المخطوطة المحفوظة في المكتبة الرضوية بمشهد من السرائر: سنة ثمان وثمانين وخمسمأة. راجع: جواهر الكلام 129: 39 تعليقة المصحح.
4- جواهر الكلام 128: 39- 129.

ص: 128

أبي بصير عن أبي جعفر (ع): «كم من إنسان له حقّ لا يعلم به»(1). فهذا يدلّ على أنّ للولد الأكبر حقّاً في ميراث الأب، فهو مستحقّ للحبوة ومالك وجوباً. فعلى هذا ليس للورثة الامتناع عنها.

قال صاحب «المستند» بعد ذكر القائلين بالوجوب والقائلين بالاستحباب والقائلين بالتوقّف على ما يظهر من «المسالك» و «المفاتيح»: «الحقّ هو الأوّل»(2).

ثمّ إنّه استدلّ بموثّقة الفضلاء- أي زرارة ومحمّد بن مسلم وبكير وفضيل بن يسار- وصحيحتي ربعي وموثّقة العقرقوقي وصحيحة حريز ومرسلة ابن أبي عمير بكون اللام الواردة فيها ظاهرة في إفادة الملك، وقال في توضيح مراده: «أنّه لا تصلح اللام فيها من معانيها إلا الملكية أو الاستحقاق أو الاختصاص أو القدر المشترك بينها وهو الاختصاص أيضاً وعلى التقادير يثبت المطلوب»(3).

ولا ريب أنّ الملكية أو الاختصاص منافيان للاستحباب. إذ هو- أي الاستحباب- لا يجمع مع الملكية أو الاختصاص.

والمخالف استدلّ بالأصل وعموم الأدلّة، وكون المتيقّن من الاختصاص الاستحباب، واختلاف الأخبار في بيان مصاديق الحبوة.

والجواب عن الأصل، أنّه دليل حيث لا دليل وعن العمومات بوجود المخصّص وكون المتيقّن من الاختصاص هو الاستحباب ادّعاء بلا دليل، وأمّا اختلاف الأخبار في بيان المصاديق، فقال صاحب «المستند»: «لا دلالة له على


1- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 8.
2- مستند الشيعة 202: 19.
3- مستند الشيعة 204: 19.

ص: 129

الاستحباب، مع أنّ الاختلاف الذي قد يؤيّد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب والإيجاب دون المقدار»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «واختلاف النصوص المتقدّمة في مقدار ما يحبى به ... غير قادح ولا صالح للدلالة على الاستحباب، ضرورة عدم كون مطلق الاختلاف دالًّا على ذلك، وإلا فأغلب الأخبار في غالب الأحكام مختلفة»(2).

لكن هذا مشكل، فإنّ أخبار نزح ماء البئر مختلفة فحملت على الاستحباب، فكيف لا يقال بالاستحباب في هذا المقام؟!

اللهمّ إلا أن يقال بالفرق بينهما بحصول القطع بالاستحباب في أخبار البئر وعدم حصول القطع هنا.

هذا، مع أنّ في بعض الروايات الصحيح: «ماء البئر واسع لا يفسده شي ء إلا أن يتغيّر»(3). فإذا حكمنا بعدم الانفعال لابدّ أن نحمل أخبار النزح على الاستحباب، اللهمّ إلا في صورة التغيّر.

الشبهة على عدم الحجّية

اشارة

يمكن أن يقال: بعدم حجّية الأخبار باشتمالها على ما لا يقول به أحد من الطائفة، كالكتب والرحل والراحلة، فإنّه لو قيل بذلك لكان حجّة على القائل بالاستحباب أيضاً.


1- مستند الشيعة 205: 19- 206.
2- جواهر الكلام 129: 39- 130.
3- وسائل الشيعة 140: 1، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 3، الحديث 10. والرواية عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد( عن محمّد) بن إسماعيل بن بزيع ومحمّد بن إسماعيل كان من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم كثير العمل له كتب. راجع: نقد الرجال 141: 4.

ص: 130

ما هو ما يحبى به؟

أنّ ما يحبى به أربعة عند الأكثر وهو: السيف والمصحف والخاتم وثياب البدن.

وزاد الإسكافي: السلاح والصندوق الكتب والرحل والراحلة، ولم يذكر في «الانتصار» الثياب وكذا في «الغنية» و «الإصباح» و «الرسالة النصيرية» و «الإعلام» للمفيد، ولم يذكر في «الخلاف» الخاتم، وخصّصت الثياب في «الكافي» بثياب المصلّي.

وصاحب «الجواهر» اكتفى بكون الأربعة من متفرّدات الإمامية ولم يعتن بالأقوال الشاذّة(1).

وقال صاحب «المستند»: «وجوب الحباء بالأربعة ممّا لا إشكال فيه، لتصريح الأخبار المتقدّمة جميعاً بالكلّ وإن لم يذكر بعضها في البعض، ولا يضرّ عدم ذكر بعضها في البعض، لأنّ البعض الخالي عن بعض آخر لا ينفي ذلك الآخر إلا بمفهوم اللقب الذي ليس بحجّة أصلًا ولا يجب اشتمال كلّ حديث على كلّ حكم، كما لا يضرّ تضمّن كلّ من الأخبار ما لا يقول به أحد، لأنّ خروج جزء من الحديث عن الحجّية لا يوهن في حجّية الباقي، مع أنّه ليس في الكلّ، بل ولا في الأكثر ما لا يقول به أحد، نعم يتضمّن ما لا يقول به الأكثر، بل قد يقال بعدم معلومية ذلك أيضاً كما يظهر وجهه ممّا يأتي»(2).

ثمّ إنّه قال: «الأولى أن يقال: لعلّ مستندهم الإجماع»(3).


1- جواهر الكلام 127: 39.
2- مستند الشيعة 213: 19.
3- مستند الشيعة 215: 19.

ص: 131

ويمكن أن يقال: لابدّ للإجماع من مستند، والمستند هنا غير ظاهر. فيجاب بأنّ عدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود.

ويمكن أن يقال: الإجماع سكوتي وليس بحجّة. فيجاب: بأنّ كونه سكوتياً لنا لا يدلّ على كونه سكوتياً لهم.

ولعلّ المستند- أي المستند الإجماع أو الشهرة- دليل معتبر وصل إليهم ولم يصل إلينا. فقد يستدلّ بحجّية إجماع القدماء وشهرتهم بهذا الدليل وهو كافٍ في إثبات المطلوب، كما نقل عن استاذنا العلامة البروجردي (قدّس سرّه).

وقد يقال في توجيه الأربعة: أنّ الاقتصار على الأربع اقتصار على المتيقّن والباقي مشكوك فيه، فإنّ ذكر السلاح في بعض الروايات لعلّه تأكيد وتفسير للسيف. هذا مع أنّه لم يذكر إلا في موثّقة الفضلاء ومرسلة ابن اذينة. ففي الأوّل ذكر السلاح بلفظ «أو» ولعّله من الراوي، وأمّا المرسلة فليست بحجّة لإرسالها. هذا مع أنّهما مضمرتان، كما أنّ ذكره في خبر سماعة ليس قابلًا للاستدلال باعتبار إضمار خبره واشتراكه.

وأمّا الرحل فهو مشترك بين المسكن وما يستصحبه الإنسان من الأثاث ورحل البعير، وحيث إنّه لا قرينة على التعيين فيجب التوقّف، ويمكن أن يكون المراد به ما يستصحبه الإنسان كالثوب مثلًا ويكون عطف الكسوة عليه عطفاً تفسيرياً، كما في صحيحة الربعي الاولى.

وأمّا الراحلة المذكورة في إحدي صحيحتي الربعي فلم تذكر في بعض نسخ «الفقيه». على أنّ معناها مجمل.

وأمّا الكتب المذكورة فيها فيحتمل كونها تأكيداً للمصحف أو كونها الكتب

ص: 132

السماوية فتكون الحبوة لغير المسلم أيضاً.

وأمّا الدرع المذكور في صحيحته الاخرى فلاحتمال أن يكون المراد به القميص أو الثوب لإطلاقه عليهما.

لكن هذه التوجيهات وخصوصاً بعضها باردة، فإن أمكنت تكن فتح الباب لتوجيه سائر الأدلّة، والحكم بخلاف ما هو مقتضى سيرة الفقهاء.

شرائط إعطاء الحبوة للولد الأكبر

1. أن لا يكون سفيهاً ولا فاسد الرأي. والحكمة فيه أنّ عليه قضاء ما عليه من صلاة وصيام وليس السفيه وفاسد الرأي متعهّدين بقضاء الصلاة والصوم. لكن قال الكركي والشهيد الأوّل في «الدروس» بعدم الاشتراط، ونسبه صاحب «الشرائع» إلى المشهور ولعلّه مشعر بضعفه.

2. أن يخلّف الميّت مالًا غير ما يحبى به.

قال صاحب «الجواهر»: «ما عن بعضهم من عدم اشتراط ذلك للإطلاق، في غير محلّه»(1).

وهذا الحكم مشهور كما في «المسالك» والوجه فيه الإجحاف على سائر الورّاث لو لم يكن للميّت غيره. هذا مع أنّ المذكور في خبر سماعة أنّ السيف والسلاح والرحل وثياب الجلد من متاع البيت(2).

وأمّا في اعتبار بلوغ نصيب كلّ قدر الحبوة فقولان، ولعلّ الأظهر عدم


1- جواهر الكلام 134: 39.
2- وسائل الشيعة 100: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 10.

ص: 133

الاعتبار تمسّكاً بإطلاق الأدلّة.

3. أن لا يكون كافراً. ودليله واضح، حيث إنّ الكافر لا يرث من المسلم.

4. أن لا يشترط كونه بالغاً، للأصل وإطلاق النصوص لو لم نقل بعمومها.

5. يشترط عدم كونه مجنوناً، لعدم إمكان قضاء صلاة الميّت وصومه من المجنون، اللهمّ إلا أن يكون جنونه أدوارياً.

6. أن لا يكون للميّت دين مستغرق للتركة، ودليله عدم الإرث حينئذٍ، والحال أنّ الحباء نوع منه، ويمكن أن يقال باشتراط خلوّه عن مطلق الدين، إذ الحبوة توزّع على جميع التركة فتبطل في هذه الصورة بالنسبة إلى الدين. هذا إذا لم يوجد متبرّعٌ أو كان الدائن مبرءاً، وإلا فتعطى الحبوة للولد الأكبر.

وكما أنّ الدين مانع عن الحبوة كلًّا أو بعضاً يكون الكفن والوصيّة أيضاً مزاحمين لها.

قال صاحب «الجواهر»: «الأولى بل الأحوط أخذ قيمة ثلثها من المحبوّ ودفع نفس الأعيان إليه»(1).

تعدّد الأجناس الأربعة

يمكن أن يقال: إذا تعدّدت الأجناس الأربعة المحبوّ بها، فما كان في الأدلّة بلفظ الجمع كالثياب يعطى الأجمع، وما كان بلفظ المفرد فيها يعطى الواحد، فإن كان مساوياً تخيّر الوارث في إعطاء ما شاء، ولو قيل بالقرعة فهي أولى، لأنّها لكلّ أمر مشكل والترجيح في هذه الصورة مع ما كان نسبته إليه أغلب.


1- جواهر الكلام 136: 39.

ص: 134

قال صاحب «المستند»: «مال في «الكفاية» إلى عموم الجميع وهو أقرب»(1). ووجهه كون المراد من الخاتم وغيره ممّا ذكر بلفظ المفرد الجنس. فمن احتجّ بأنّ الحبوة على خلاف الأصل فيقتصر فيها على القدر المتيقّن ففيه ما فيه. لكن صاحب «الجواهر» قال بعد ذكر كون المحتمل الجنس: «إلا أنّ الأقوى الأوّل»(2).

ويشمل الثياب العمامة وغيرها ممّا يلبس حتّى القلنسوة.

بعض الفروع الباقية

1. لا ريب أنّ الحبوة للولد الأكبر فلا تعطى الانثى مطلقاً. للتقييد به في أكثر النصوص كما في إحدي صحيحتي الربعي.

2. لو تعدّد الأكبر بأن كان هناك ذَكَران توأمان أو ذكور متساوية السنّ فالمشهور على الاشتراك، للأصل، ولأنّ الأكبر اسم الجنس فيقع على الواحد والأكثر. والمخالف ابن حمزه، حيث قال: «إنّ الحبوة خلاف الأصل فيقتصر على موضع اليقين وأنّ الأكبر المصرّح به في الأخبار ظاهر في الواحد».

قال صاحب «المستند»: «لا يخفى ترجيح هذا القول، سيّما مع ... ندرة هذا الفرض، بحيث يشكّ في اندراجه تحت الإطلاقات، هذا. ثمّ إنّه على المشهور تقسّم الحبوة بينهم ... والوجه ظاهر، وقد يجوّز احتمال القرعة هاهنا وهو ضعيف»(3).

ثمّ قال: «الأكبر في التوأمين أوّلهما خروجاً ولو كان التفاوت يسيراً»(4).


1- مستند الشيعة 216: 19.
2- جواهر الكلام 138: 39.
3- مستند الشيعة 224: 19.
4- مستند الشيعة 224: 19.

ص: 135

وعن الصادق (ع): «الذي خرج أخيراً هو أكبر أ ما تعلم أنّها حملت بذاك أوّلًا وأنّ هذا دخل على ذاك فلم يمكنه أن يخرج حتّى خرج هذا فالذي يخرج أخيراً هو أكبرهما»(1).

لكنّه شاذّ ولعلّ المراد كِبَره في نفس الأمر وإن لم تتعلّق به حكم ويعارضه ما في «الفقيه» عن الصادق (ع): «أكبر ما يكون الإنسان يوم يولد وأصغر ما يكون يوم يموت»(2).

3. لو كان الأكبر مشتبهاً بين اثنين أو أكثر فأوجه الاحتمالات الحكم بالقرعة ويحتمل التشريك أو السقوط.

4. مستحقّ الحبوة الولد الأكبر والظاهر أنّه أكبر الأولاد الصلبية. فلو لم يكن الولد الصلبي موجوداً، فهل يقوم ولده مقامه أو لم يقم؟ الأظهر لا فإنّ حكم الحبوة خلاف الأصل فيقتصر على موضع اليقين.

5. لو كان الولد الأكبر حملًا حين موت المورّث، فهل يستحقّ الحبوة لو انفصل حيّاً؟ الأظهر نعم فكما أنّه يستحقّ الإرث في صورة الانفصال حيّاً فكذلك يستحقّ الحبوة بهذا الشرط، وظاهر «المسالك» التوقّف، ووجه التوقّف كونه المخالفة عدم فعلية الذكورية حين موت المورّث، وفيه ما لا يخفى؛ فإنّه لا دليل على لزوم فعلية الذكورية حين موت المورّث، بل يكفى استعداده لها. هذا مع أنّ الذكورية فعلية في بعض شهور الحمل فلا يوجه المخالفة أو التوقّف في جميع أيّام الحمل.


1- وسائل الشيعة 497: 21، كتاب النكاح، أبواب احكام الأولاد، الباب 99، الحديث 1.
2- الفقيه 124: 1/ 595.

ص: 136

6. إذا كان الولد الأكبر خنثى، فإن لم يكن مشكلًا فالحكم واضح، وإن كان مشكلًا فالظاهر حرمانه من الحبوة للشكّ في تحقّق سببها.

الثالث: الولد مطلقاً؛ ذكراً كان أو انثى، منفرداً أو متعدّداً، بلا واسطة أو معها، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن النصيب الأعلى؛ أي النصف والربع.

أقول: للزوج والزوجة أحوال:

1. أن يكون للميّت ولد- سواء كان واحداً أو متعدّداً، ذكراً أو انثى بلا واسطة أو معها- فللزوج أقلّ نصيبه وهو الربع وللزوجة أقلّهما وهو الثمن.

ويدلّ على هذا الحكم الكتاب والسنّة والإجماع بقسميه.

أمّا الكتاب فقال:) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنّ وَلَدٌ فَإنْ كَانَ لَهُنّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِينَ بِهَا أو دَيْنٍ وَلَهُنّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُم إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فإنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ تُوصُونَ بِهَا أوْ دَيْنٍ ((1).

وأمّا السنّة فراجع «الوسائل»، باب ميراث الأزواج(2).

وأمّا الإجماع بقسميه فيظهر من تتّبع فتاوى الفقهاء، في جميع القرون الماضية إلى زماننا هذا.

قال صاحب «الجواهر»: «ويحجب الولد أيضاً وإن نزل، الزوج والزوجة عن


1- النساء( 4): 12.
2- وسائل الشيعة 195: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 1.

ص: 137

النصيب الأعلى وهو النصف والربع إلى الأخفض، وهو الربع والثمن كتاباً وسنّة وإجماعاً بقسميه»(1).

وقال صاحب «المستند»: «الولد ... يحجب الزوجين عن النصيب الأعلى إلى الأخفض، فإنّ الزوج يرث لا معه النصف ومعه الربع والزوجة لا معه الربع ومعه الثمن»(2).

2. أن لا يكون هناك ولد ولا ولد ولد وإن نزل. قال صاحب «الجواهر»: «للزوج النصف وللزوجة الربع، كتاباً وسنّة وإجماعاً بقسميه»(3).

أمّا الكتاب فقد مضى حكمه، وأمّا السنّة فراجع «الوسائل»، باب ميراث الأزواج، وأمّا الإجماع فتحصيله سهل على الفقيه ونقله متواتر.

وقال صاحب «المستند»: «إنّ الزوج يرث لامعه النصف ... والزوجة لا معه الربع»(4).

3. أن لا يكون هناك وارث أصلًا من مناسب ولا مسابب عدا الإمام (ع).

وسيجي ء البحث عن الصورتين الأخيرتين في ذيل الأمر الرابع إن شاء الله.

ولا ريب أنّه لو لم يكن وارث- سبباً ونسباً- سوى الزوجة فلها الربع والباقي للإمام (ع)، وأمّا لو لم يكن وارث سبباً ونسباً سوى الزوج ففيه بحث سيجي ء.


1- جواهر الكلام 78: 39- 79.
2- مستند الشيعة 121: 19- 122.
3- جواهر الكلام 79: 39.
4- مستند الشيعة 121: 19.

ص: 138

الرابع: الوارث مطلقاً؛ النسبي والسببي، ذكراً كان أو انثى، متّحداً أو متعدّداً، فإنّه يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما؛ أي النصف أو الربع أو الثمن، فمع زيادة التركة عن الفريضة تردّ إلى غيرهما. نعم، لو كان الوارث منحصراً بالزوج والإمام (ع)، يرث الزوج النصف فريضة ويردّ عليه النصف الآخر، بخلاف ما لو كان منحصراً بالزوجة والإمام (ع) فإنّ الربع لها والبقيّة له (ع).

أقول: قد مضى البحث عن أحوال الزوج والزوجة وهي ثلاث وقد وعدنا البحث عن إرث الزوج والزوجة مع عدم وارث عدا الإمام. فقد أنى وقته.

1. إرث الزوجة

فنقول: لو كان الوارث منحصراً بالزوجة ولا وارث معه سبباً ونسباً عدا الإمام، فللزوجة الربع والباقي للإمام.

قال صاحب «الجواهر»: «لها أي الزوجة الربع قطعاً. وهل يردّ عليها؟ فيه أقوال ثلاثة»(1).

والأقوال الثلاثة: الردّ مطلقاً، وعدم الردّ مطلقاً، والردّ عليها في عصر الغيبة دون عصر الحضور.

وقال صاحب «المستند»: «إذا مات عن زوجة ... ففيه أقوال: عدم الردّ عليها مطلقاً ... والردّ عليها كذلك ... والتفصيل بالردّ عليها حال الغيبة دون الحضور ... والحقّ هو الأوّل»(2).


1- جواهر الكلام 80: 39.
2- مستند الشيعة 396: 19- 397.

ص: 139

ويستدلّ على القول الأوّل بالأصل والأخبار المستفيضة المعتضدة بالشهرة العظيمة والإجماعات المنقولة وبرواية العبدي عن علي (ع) قال: «لا تزاد المرأة على الربع ولا تنقص من الثمن»، وفي سندها الفضل بن شاذان، وقد قال: «وهذا حديث صحيح على موافقة الكتاب»(1).

قال صاحب «الجواهر»: «لا يردّ عليها شي ء فيكون الفاضل للإمام (ع) كما هو المشهور شهرة عظيمة كادت تكون إجماعاً، بل لعلّها كذلك، بل ظاهر المحكيّ عن ابن أدريس أو صريحه الإجماع عليه»(2).

ثمّ قال: «الحقّ أنّه لا يردّ عليها وإن كان هو الأحوط في هذا الزمان إذا فرض كونها مصرفاً لماله»(3).

وأمّا الروايات فمنها رواية موسى بن بكر عن علي بن سعيد عن زرارة وفيها: «لا يردّ على المرأة شي ء»(4).

ومنها: موثّقة جميل: «لا يكون الردّ على زوج ولا على زوجة»(5).

ومنها: روايتا أبي بصير اللتان تدلان على أنّ للمرأة عند عدم وارث، الربع والباقي للإمام(6).


1- وسائل الشيعة 196: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 2، الحديث 1.
2- جواهر الكلام 80: 39.
3- جواهر الكلام 83: 39.
4- وسائل الشيعة 132: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 199: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 8.
6- وسائل الشيعة 198: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 4 و 5.

ص: 140

وأمّا الجمع بين الأخبار الدالّة على الردّ وعلى عدمه فليس جمعاً عرفياً، بل جمعاً تبرّعياً، فالأقوى عدم الردّ مطلقاً.

وأمّا الدليل على الردّ مطلقاً فصحيح أبي بصير عن أبي عبدالله (ع) قال: قلت له (ع): رجل مات وترك امرأته، قال (ع): «المال لها»، فقال له امرأة ماتت وتركت زوجها، قال: «المال له»(1).

والجمع بينه وبين الأخبار الدالّة على عدم الردّ بالتفصيل بين عصر الحضور والغيبة قول الشهيد في «اللمعة» والعلّامة في بعض كتبه.

قال صاحب «الجواهر»: «وهو كما ترى بل عن ابن ادريس أنّه جمع بما هو أبعد ممّا بين المشرق والمغرب، بل في «المسالك»: أنّ الخبر الصحيح مشتمل على سؤال الباقر (ع) وهو حيّ ظاهر، فكيف يحمل ما فيه من الردّ على زمن الغيبة الذي هو متأخّر عن زمانه الذي قد أجاب بالردّ فيه بمأة وخمسين سنة»(2).

ولو قيل بلحوق قصور اليد بعصر الغيبة كما في صلاة الجمعة وإقامة الحدود وغيرهما فيقال في ردّه: هذا معارض بخبر ابن نعيم الصحّاف، حيث قال: مات محمّد بن أبي عمير بيّاع السابري وأوصى إليّ وترك امرأة لم يترك وارثاً غيرها، فكتبت إلى العبد الصالح (ع) فكتب إلىّ: «أعط المرأة الربع واحمل الباقي إلينا»(3).


1- صدر الحديث، في وسائل الشيعة 204: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 9، وذيله في وسائل الشيعة 198: 26، الحديث 6؛ وقال صاحب الوسائل:« ذكر الشيخ أنّه يحتمل شيئين: أحدهما ما ذكره ابن بابويه من أنّه محمول على حال غيبة الإمام والآخر وهو الأولى أنّه إذا كانت المرأة قريبة له».
2- جواهر الكلام 81: 39.
3- وسائل الشيعة 202: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 2.

ص: 141

فالأولى في توجيه الجمع بين النصوص كما في «الجواهر»: «أنّه لمّا كان راجعاً إلى الإمام (ع) أمر بنقله تارة وبإعطائه إلى الامرأة اخرى وبالصدقة به ثالثة»(1).

والشاهد على هذا الجمع صحيح علي بن مهزيار قال: كتب محمّد بن حمزة العلوي إلى أبي جعفر الثاني (ع) مولى لك أوصى بمأئة درهم إليّ وكنت أسمعه يقول: «كلّ شي ء هو لي فهو لمولاي فمات وتركها ولم يأمر فيها بشي ء وله امرأتان إحداهما ببغداد ولا أعرف لها موضعاً الساعة والاخرى بقم، ما الذي تأمرني في هذه المائة درهم؟ فكتب إليه: «أنظر أن تدفع من هذه المائة درهم إلى زوجتي الرجل وحقّهما من ذلك الثمن إن كان له ولد وإن لم يكن له ولد فالربع وتصدّق بالباقي على من تعرف أنّ له إليه حاجة إن شاء الله»(2).

والمقصود عدم الولد وغير الولد بقرينة السؤال.

ويحمل صحيح أبي بصير الدالّ على الردّ على صورة كون الزوجة من أقرباء الزوج وعدم قريب غيرها بقرينة رواية محمّد بن القاسم بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن الرضا (ع) عن رجل مات وترك امرأة قرابة ليس له قرابة غيرها قال: «يدفع المال كلّه إليها»(3).

2. إرث الزوج

اشارة

قال صاحب «المستند»: «إذا ماتت الزوجة عن زوج ولم يكن هناك مناسب


1- جواهر الكلام 82: 39.
2- وسائل الشيعة 201: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 205: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 5، الحديث 1.

ص: 142

ولا مسابب كان المال كلّه له نصفه بالفرض ونصفه بالردّ»(1).

وقال صاحب «الجواهر» في الفرض المذكور في كلام «المستند»: «النصف للزوج والباقي يردّ عليه»(2).

واستدلّ النراقي بعدم معرفة الخلاف وبالإجماعات المنقولة في «الإعلام» للمفيد و «الإيجاز» للشيخ و «المبسوط» و «الاستبصار» و «الغنية» و «الانتصار» و «السرائر» و «المختلف» و «المسالك» وبعدم الخلاف المذكور في «المهذّب» وبالأخبار المستفيضة.

واستدلّ النجفي بالشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعاً، وبدعوى إجماع الشيخين وجماعة. ثمّ قال: «وهو الحجّة مضافاً إلى المعتبرة المستفيضة»(3).

ولنذكر أخبار آل بيت العصمة تيّمناً وتبرّكاً وبعنوان أنّها قول فصل، بل هي مستندة الإجماعات المنقولة والشهرة المحصّلة ولا يسمن غيرها من جوع:

1. صحيح أبي بصير، قال: كنت عند أبي عبدالله (ع) فدعا بالجامعة فنظر فيها فإذا: «امرأة ماتت وتركت زوجها لا وارث لها غيره، المال له كلّه»(4). ورواه الكليني عن يحيى الحلبي.

2. موثّقه، قال: قرأ عَلَيّ أبو عبدالله (ع) فرائض عليٍّ (ع) فإذا فيها:


1- مستند الشيعة 393: 19.
2- جواهر الكلام 79: 39.
3- جواهر الكلام 79: 39.
4- وسائل الشيعة 197: 26- 198، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 3.

ص: 143

«الزوج يحوز المال إذا لم يكن غيره»(1).

3. وصحيحه أيضاً في امرأة ماتت و تركت زوجها، قال: «المال كلّه له» قلت: فالرجل يموت ويترك امرأته؟ قال: «المال لها»(2). وقد مرّ ذكره ووجه الجمع بين صدره وبين سائر الأخبار التي تدلّ على عدم الزيادة على الربع.

4. وروايته أيضاً: قرأ عليّ أبو جعفر (ع) في الفرائض: امرأة توفّيت وتركت زوجها، قال: «المال للزوج» ورجل توفّي وترك امرأته، قال: «للمرأة الربع وما بقي فللإمام»(3).

5. وروايته أيضاً قال: سألت أبا جعفر (ع) عن امرأة ماتت وتركت زوجها، لا وارث لها غيره، قال: «إذا لم يكن غيره فله المال، والمرأة لها الربع وما بقي فللإمام»(4).

6. وروايته أيضاً في امرأة توفّيت وتركت زوجها، قال: «المال كلّه للزوج، يعني إذا لم يكن لها وارث غيره»(5).


1- وسائل الشيعة 197: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 2، وليعلم: أنّ في طريق هذه الرواية أبان بن عثمان الأحمر الذي قال فيه العلّامة في الخلاصة: الأقرب عندي قبول روايته وإن كان فاسد المذهب ونقل عنه ولده الفخر عدم قبول روايته لفسقه وليس فسق أعظم من عدم الإيمان. ومع ذلك قال التفرشي:« الأقوى ما نقلناه عن الخلاصة»، راجع: نقد الرجال 45: 1- 46.
2- وسائل الشيعة 203: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 202: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 3، وليعلم أن في طريقها مشمعل الأسدي وهو ثقة. راجع: نقد الرجال 377: 4.
4- وسائل الشيعة 203: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 4، الحديث 8.
5- وسائل الشيعة 200: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 12.

ص: 144

7. وعنه أيضاً عن أبي جعفر (ع) قال: سألته عن المرأة تموت ولا تترك وارثاً غير زوجها، قال: «الميراث له كلّه»(1).

8. وعنه أيضاً عن الصادق (ع) قال: قلت له: امرأة هلكت وتركت زوجها، قال: «المال كلّه للزوج»(2).

9. موثّقة مثنى بن الوليد الحنّاط عن الصادق (ع) قال قلت: امرأة ماتت وتركت زوجها قال: «المال كلّه له إذا لم يكن لها وارث غيره»(3).

10. صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (ع) في امرأة توفّيت ولم يعلم لها أحد ولها زوج قال: «الميراث لزوجها»(4).

الإشكال في أسناد الروايات

1. في صحيحد محمّد بن قيس إشكال، فإنّ محمّداً بن قيس مشترك بين ثمانية بعضهم ضعيف كأبي أحمد الأسدي، وبعضهم الباقي إمّا ثقة وإمّا مسكوت عنه(5).

والجواب عنه أنّه روى عنه عاصم بن حميد وهو لا يروى إلا عن محمّد بن قيس أبي عبدالله البجلي فاحتمال الاشتراك بين الضعيف والثقة يرتفع بعاصم.

2. في الروايات المنقولة عن أبي بصير إشكال أيضاً، فإنّ أبا بصير كنية يحيى


1- وسائل الشيعة 198: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 200: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 14.
3- وسائل الشيعة 198: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 7.
4- وسائل الشيعة 197: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 1.
5- نقد الرجال 305: 4- 308.

ص: 145

بن القاسم وليث بن البختري المرادي وعبدالله بن محمّد الأسدي ويوسف بن الحارث وإن كان في الأوّلين أشهر(1).

أمّا الأوّل، فهو ثقة وجيه كان مكفوفاً. وقيل: كنيته أبو محمّد كان له كتب(2).

وأمّا الثاني، فقد روى في مدحه وذمّه أحاديث. لكن قال التفرشي: «لا يصلح روايات الذمّ معارضته»(3). قال الصادق (ع): «بشّر المخبتين بالجنّة بريد بن معاوية العجلي وأبو بصير ليث بن البختري المرادي ومحمّد بن مسلم وزرارة، أربعة نجباء أمناء الله على حلاله وحرامه، لولا هؤلاء انقطعت آثار النبوة واندرست»(4).

وأمّا الثالث، فهو مشترك بين من كان من أصحاب الباقر (ع) لم يذكر فيه مدح ولا ذمّ ومن كان من أصحاب الرضا (ع) وكان ثقة(5).

وأمّا الرابع، فهو أيضاً مشترك بين اثنين أحدهما من أصحاب الباقر (ع) كان بترياً والآخر ضعيف على ما قال النجاشي والشيخ في «الفهرست»(6).

فتحصّل ممّا ذكر ناصحة رواية محمّد بن قيس بقرينة رواية عاصم عنه، وأمّا الروايات المنقولة عن أبي بصير، فقال صاحب «المستند»: «... اشتراك أبي بصير بين الثقة وغيره إنّما هو في غير ما كان راوياً عن أبي عبدالله (ع) كما بيّنا في موضعه»(7).


1- نقد الرجال 125: 5.
2- نقد الرجال 80: 5.
3- نقد الرجال 77: 4.
4- نقد الرجال 77: 4.
5- نقد الرجال 135: 3- 136.
6- نقد الرجال 102: 5.
7- مستند الشيعة 395: 19 و 396.

ص: 146

القول الآخر: قال صاحب «المستند»: «قد ينسب إلى ظاهر الديلمي عدم الردّ عليه، بل هو للإمام وظاهر «الإيضاح» القول به من غيره أيضاً»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر ما هو معتمده: «خلافاً للمحكيّ عن الديلمي من الميل إلى أنّ الباقي للإمام (ع)»(2).

واستدلّ عليه بالأصل وظاهر الآية(3) وموثّق جميل بن درّاج عن الصادق (ع): «لا يكون الردّ على زوج ولا زوجة»(4).

وفيه: أنّ الأصل لا يعارض النصّ وأنّ دلالة الآية بمفهوم اللقب أو الوصف وهو لا يقاوم النصوص الصريحة، وأمّا الموثّق فلا يقاوم الروايات المستفيضة التي بعضها صحيح. هذا مع أنّه يمكن أن يقال بعدم صراحته في عدم الردّ عليهما مطلقاً، فيمكن أن يحمل على وجود الوارث في جانب الزوج. قال صاحب «المستند»: «حملها على التقيّة ممكن لموافقتها لمذاهب العامّة كما صرّح به في «الانتصار»»(5).

الخامس: نقص التركة عن السهام المفروضة، فإنّه يمنع البنت الواحدة والاخت الواحدة للأب والامّ أو للأب عن فريضتهما، وهي النصف، وكذا يمنع البنات المتعدّدة والأخوات المتعدّدة من الأب والامّ أو من الأب عن


1- مستند الشيعة 396: 19.
2- جواهر الكلام 80: 39.
3- النساء( 4): 14.
4- وسائل الشيعة 199: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 3، الحديث 8.
5- مستند الشيعة 396: 19.

ص: 147

فريضتهم، وهي الثلثان، فلو كان للميّت بنت واحدة وأبوان وزوج، أو بنات متعدّدة وأبوان وزوج، يرد النقص على البنت أو البنات، وكذا في سائر الفروض.

أقول: إذا كانت الوُرّاث جميعاً ذوي فروض، فإمّا أن تكون التركة زائدة على الفروض أو ناقصة.

فمثال زيادة التركة على الفروض، اجتماع أحد الأبوين والزوجة مع البنتين فصاعداً.

ومثال نقصان التركة عن الفروض ما في المتن وهو اجتماع بنت واحدة وأبوان وزوج، أو اجتماع بنات متعدّدة وأبوان وزوج.

والكلام الآن في هذا القسم وبيان حكمه وهو العول الذي اختلف فيه العامّة والخاصّة.

قال صاحب «المستند»: «يأخذ أحد الزوجين والأبوان أو أحدهما النصيب الأدنى بلا نقص والباقي للبنت أو البنتين، للإجماع وبطلان العول والأخبار المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس أبداً والزوج والزوجة من الربع

والثمن كذلك، فيختصّ النقص بالبنت أو البنتين»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «ممّا اختلف فيه الفريقان العول عندنا معاشر الإمامية باطل، لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يقوم به»(2).

وقال: «والعول بمعنى الزيادة أو النقصان أو الميل أو الارتفاع، يقال: عالت


1- مستند الشيعة 184: 19.
2- جواهر الكلام 105: 39- 106.

ص: 148

الناقة ذنبها إذا رفعته، لارتفاع الفريضة بزيادة السهام»(1).

وتاريخ وقوع العول في الإسلام كان في زمان خلافة الثاني. قالوا: «ماتت امرأة في زمانه عن زوج واختين فجمع الصحابة وقال لهم: فرض الله تعالى جدّه للزوج النصف وللُاختين الثلثين، فإن بدأت بالزوج لم يبق للُاختين حقّهما وإن بدأت بالاختين لم يبق للزوج حقّه فاشيروا عليّ، فاتّفق رأي أكثرهم على العول»(2).

فلنذكر بعض الروايات:

1. رواية زرارة عنهما: عن امرأة تركت زوجها وأمّها وابنتيها، قال: «للزوج الربع وللُامّ السدس وللابنتين ما بقي»(3).

2. عن محمّد بن مسلم عن الباقر (ع) في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها قال: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثني عشر سهماً وللأبوين لكلّ واحد منهما السدس سهمان من اثني عشر سهماً وبقي خمسة أسهم فهي للابنة ... لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً وأنّ الزوج لا ينقص من الربع شيئاً»(4).

3. صحيحة محمّد وبكير عن الباقر (ع) في زوج وأبوين وابنة: «للزوج الربع


1- جواهر الكلام 106: 39.
2- جواهر الكلام 106: 39.
3- وسائل الشيعة 132: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 132: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 2.

ص: 149

ثلاثة أسهم من اثنى عشر وللأبوين السدسان أربعة أسهم من اثني عشر سهماً وبقي خمسة أسهم فهو للابنة ... وإن كانت اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر»(1).

قال صاحب «الجواهر» بعد نقل بعض الروايات: «إلى غير ذلك من الروايات المتواترة عن الأئمّة الهداة (عليهم السلام) في بطلان العول والإنكار عليهم فيه والتشنيع به عليهم، فإنّه مستلزم لجعل الله تعالى المال نصفين وثلثاً وثلثين ونصفاً ونحو ذلك ممّا لا يصدر من جاهل فضلًا عن ربّ العزّة المتعال عن الجهل والعبث وعمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً، ضرورة ذهاب النصفين بالمال فأين موضع الثلث»(2).

وأمّا قياس ذلك بالدين، والحكم بأنّه كما يرد الضرر عند نقصان المال على جميع الديّان كذلك يرد الضرر على جميع الورّاث عند نقصان التركة عن السهام فهو من مصاديق العمل بالقياس المحرّم.

وكيف كان، فلا يتحقّق العول إلا بمزاحمة الزوج أو الزوجة إذا كان أحدهما مع البنت أو البنات والأبوين أو أحدهما أو مع الاخت أو الأخوات من قِبَل الأبوين أو الأب ومن قِبَل الامّ.

من يدخل عليه النقص

لا ريب في دخول النقص على البنت أو البنتين، وفي دخوله على الاخت أو الاختين من قِبَل الأب والامّ أو الأب.

فهل يدخل على الأب أيضاً كما يدخل على البنت أو البنتين أو البنات وعلى


1- وسائل الشيعة 131: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 1.
2- جواهر الكلام 108: 39.

ص: 150

الاخت والأخوات من قبل الأب والامّ أو الأب فقط؟

وجه الدخول أنّه تارة يرث بالفرض وتارة يرث بالقرابة كالبنات والأخوات.

ظاهر بعضهم الدخول. قال صاحب «الجواهر»: «فيه أنّ عدّ الأب مع هؤلاء لا وجه له، ضرورة كونه مع الولد لا ينقص عن السدس ومع عدمه ليس من ذوي الفروض ومن هنا تركه غير واحد»(1).

وقد نقلنا آنفاً بعض الروايات الصحيحة الدالّة على أنّ للأبوين السدسين وأنّهما لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً كالزوج والزوجة.

ولولا دلالة الروايات على عدم نقصان إرث الأب عن السدس لقلنا بدخول النقص عليه، فإنّه يرث تارة بالفرض وتارة بالقرابة، بخلاف الامّ، فإنّه ترث مع وجود الولد السدس ومع عدمه الثلث فلا ترث إلا بالفرض كالزوج والزوجة، بخلاف الأب فإنّه لا يكون كالامّ.

السادس: الاخت من الأبوين أو الأب، فإنّها تمنع الإخوة من الامّ عن ردّ ما زاد على فريضتهم، وكذا الأخوات المتعدّدة من الأبوين أو الأب، فإنّها تمنع الأخ الواحد الامّي أو الاخت كذلك عن ردّ ما زاد على فريضتهما، وكذا أحد الجدودة من قبل الأب، فإنّه يمنع الإخوة من قبل الامّ عمّا زاد عليها.

أقول: يذكر حجب النقصان في الطبقة الثانية. فلهذه المسألة ثلاثة فروض:


1- جواهر الكلام 110: 39.

ص: 151

الأوّل: إذا كانت الاخت من الأبوين أو الأب مع الإخوة من الامّ، فللإخوة من الامّ الثلث والباقي للُاخت من الأبوين أو الأب، لأنّ لها النصف فرضاً والسدس ردّاً.

قال صاحب «المستند»: «هو المشهور بين الأصحاب، بل عليه عامّة المتأخّرين، بل سوى الفضل والعماني كما في «الكفاية» وفي «السرائر» بل في كلام جماعة ... الإجماع عليه وهو الحقّ»(1).

الثاني: إذا كانت الأخوات المتعدّدة من الأبوين أو الأب مع الأخ الواحد الامّي أو الاخت كذلك، فللأخ الواحد الامّي أو الاخت كذلك السدس، ولا يردّ عليه أو عليها شي ء وللأخوات الثلثان بالفرض والسدس الباقي بالردّ.

وكلام «المستند» الذي نقلناه آنفاً يشمل هذه الصورة أيضاً.

قال صاحب «الجواهر» في بيان حكم كلتا الصورتين: «كان لمن يتقرّب بالامّ السدس فرضاً إن كان واحداً والثلث كذلك إن كانوا أكثر بينهم بالسويّة، من غير فرق بين الذكر والانثى، لما عرفت. وأمّا الثلثان فهما لمن يتقرّب بالأب والامّ واحداً كان أو أكثر»(2).

قال علي (ع) في رواية العبدي الذي شهد الفضل بصحّتها: «لا تزاد الإخوة من الامّ على الثلث»(3).

وقال الصادق (ع) في كلالة الأبوين والأب: «فهم الذين يزادون وينقصون»(4).


1- مستند الشيعة 272: 19.
2- جواهر الكلام 150: 39.
3- وسائل الشيعة 81: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 12.
4- وسائل الشيعة 155: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 2.

ص: 152

وقال الكليني: «الإخوة والأخوات من الامّ لا يزادون على الثلث ولا ينقصون من السدس والذَكَر والانثى فيه سواء، وهذا كلّه مجمع عليه»(1).

الثالث: إذا كان أحد الجدودة من قِبَل الأب مع الإخوة من قبل الامّ فللإخوة الثلث والباقي لأحد الجدودة من قبل الأب.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب مع كلالة الامّ كان الثلث للكلالة يقتسمون بالسويّة إن كانوا أكثر من واحدة والسدس إن كانت واحدة والباقي للجدّ أو الجدّة أو هما للذكر ضعف الانثى»(2).

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر الفروض: «بلا خلاف ... أجده ... مضافاً إلى النصوص المتواترة»(3). وفي صحيحة الحلبي في الإخوة من الامّ «فريضتهم الثلث مع الجدّ»(4).

السابع: الولد وإن نزل واحداً كان أو متعدّداً، فإنّه يمنع الأبوين عمّا زاد على السدس فريضة لا ردّاً.

أقول: لا ريب أنّ الولد الصلبي يمنع الأبوين عمّا زاد عن السدس فرضاً، لقوله تعالى:) وَلأبَوَيهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ


1- الكافي 74: 7.
2- مستند الشيعة 297: 19.
3- جواهر الكلام 157: 39.
4- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، الحديث أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 5 وكذا في غيرها.

ص: 153

يكنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ ((1).

والكلام الآن في الولد الغير الصلبي كولد الولد وإن نزل، فهل هو قائم مقام الولد الصلبي عند عدمه أو لا؟

قال صاحب «المستند»: «الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد- وإن نزلوا- يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «المعروف بين الأصحاب أنّ أولاد الأولاد وإن نزلوا- ذكوراً أو إناثاً- يقومون مقام آبائهم في مقاسمة الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع من عداهم من الأقارب»(3).

والمخالف في ذلك الصدوق في «المقنع» و «الفقيه»، حيث ذكر فيهما أنّ إرث أولاد الأولاد مشروط بعدم الأبوين، فقال: «إن ترك ابن ابن وأبوين فللأمّ الثلث وللأب الثلثان وسقط ابن الابن»(4).

لكن قول الصدوق مع عظمة القائل متروك، فإنّ ولد الولد ولد. قال تعالى:) يوصِيكمْ اللهُ فِى أوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((5). ويشمل الأولاد كلّ من ولد من صلبه، سواء كان مع الواسطة أو بلا واسطة فصدق الولد على ولد الولد إمّا حقيقة، وإمّا مجازاً، وعلى المجازية فشموله في الآية لولد الولد إجماعي، حيث استدلّوا بها بكون سهم بنت الولد نصف سهم ابنه.


1- النساء( 4): 11.
2- مستند الشيعة 186: 19.
3- جواهر الكلام 117: 39.
4- جواهر الكلام 118: 39.
5- النساء( 4): 11.

ص: 154

وقيل: هذه المسألة من فروع تعارض الحقيقة والمجاز الراجح فيرجّح المجاز الراجح- أي شمول الأولاد لولد الولد- على الحقيقة، وهي كون الولد بمعنى الولد الصلبي.

واستدلّ أيضاً ببعض النصوص.

منها: صحيح عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي عبدالله (ع) قال: «بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كنّ مكان البنات»(1).

ومنها: موثّق إسحاق بن عمّار عنه (ع) قال: «ابن الابن يقوم مقام أبيه»(2).

ومنها: حسن عبدالرحمان بن الحجّاج عنه (ع) قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال: «وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت»(3).

إلى غير ذلك من الأخبار. وضعف بعضها منجبر بعمل الأصحاب، وبالصحيح منها والشاهد لما قال به الصدوق خبر سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأوّل (ع) قال: «بنات الابنة يقمن مقام البنات إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهنّ وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت أولاد ولا وارث غيرهنّ»(4).


1- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 112: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 3.

ص: 155

وكذا صحيح عبدالرحمان(1) ويمكن أن يقال: إجمال هاتين لأجل التقيّة كما في «الوسائل» فإنّ كثيراً من العامّة وافقوا الصدوق.

وقد يجاب عن الروايات المؤيّدة لقول الصدوق بعدم الحجّية. قال صاحب «المستند»: «لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة والجديدة، بل الإجماع في الحقيقة وبلزوم التخصيص، للإجماع ولكون رواية زرارة خاصّة. مع اعتضادها بالعمل»(2).

ولنذكر رواية زرارة المنقولة عنهما (عليهم السلام) الخاصّة بالمورد، المعتضدة بالعمل، المفصّلة بين الموارد المبتلى بها وفي آخرها:

«إن لم يكن ولد وكان ولدُ الولدِ ذكوراً أو إناثاً، فإنّهم بمنزلة الولد، وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين، وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب»(3).

هذا وقد ذكر في صدر الرواية «عن زرارة قال: هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا عن أبي عبدالله وعن أبي جعفر (عليهما السلام)».

فبهذه الرواية نخصّص ما في صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن


1- وسائل الشيعة 112: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 4.
2- مستند الشيعة 189: 19.
3- وسائل الشيعة 133: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.

ص: 156

الصادق (ع): «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهن وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهن»(1).

الثامن: الإخوة والأخوات- لا أولادهم- فإنّهم يمنعون الامّ عن الزيادة على السدس- فريضة وردّاً- بشروط: أوّلها: أن لا يكون الأخ أقلّ من اثنين أو الاخت أقلّ من أربع، ويكفي الأخ الواحد والاختان. ثانيها: أن تكون الإخوة حيّاً في الدنيا حين فوت المورّث، فلا يكون الميّت والحمل حاجباً. ثالثها: أن تكون الإخوة مع الميّت من الأب والامّ أو من الأب، فلا يحجب الأمّي فقط. رابعها: أن يكون أب الميّت حيّاً حين موته. خامسها: أن لا يكون الإخوة والأب ممنوعين من الإرث؛ بكفر ورقّية وتولّد الإخوة الحاجبين من الزنا وكون الأب قاتلًا للمورّث. ولو كان الإخوة الحاجبين قاتلين للمورّث ففيه إشكال، فلا يترك الاحتياط. سادسها: أن يكون بين الحاجب والمحجوب مغايرة، ويتصوّر عدمها في الوطء بالشبهة.

أقول: ليس الإخوة حاجبين للُامّ عمّا زاد عن السدس فرضاً وردّاً إلا بشروط.

قال صاحب «المستند»: «حجبهم (أي الإخوة) إيّاها (أي الامّ) عنه (أي عمّا


1- وسائل الشيعة 112: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 4.

ص: 157

زاد عن السدس مطلقاً فرضاً وردّاً) في الجملة ثابت بالإجماع والكتاب والسنّة ولكنّه مشروط بامور»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «أمّا حجب الإخوة فإنّهم يمنعون الامّ عمّا زاد عن السدس كتاباً وإجماعاً بقسميه لكن بشروط أربعة»(2).

الكلام في الشروط

اشارة

وحيث لا كلام في ثبوته في الجملة، فالأولى أن نبحث عن الشروط، وهي ستّة على ما في المتن وفي «المستند» وأربعة على ما في «الجواهر» لكن ليست بينهم مخالفة في الشروط الستّة، حيث قال صاحب «الجواهر» في اشتراط وجودهم منفصلين: «لا يخفى عليك كون أظهره أنّه شرط»(3). ثمّ قال: «وأمّا اشتراط المغايرة فلا ريب فيه»(4). فالفحول الثلاثة: العلامة النراقي والمحقّق النجفي والإمام الخميني متّفقون في كون الشروط ستّة.

ولنذكر الشروط بترتيب المتن استدلالًا واجتهاداً:

أوّلها: عدد الإخوة

قال صاحب «المستند»: «الأوّل، أن لا يكونوا أقلّ من ذَكَرين أو ذكر وانثيين أو أربع إناث، فلو كانوا أقلّ لا يحجبون»(5).


1- مستند الشيعة 122: 19.
2- جواهر الكلام 83: 39.
3- جواهر الكلام 89: 39.
4- جواهر الكلام 91: 39.
5- مستند الشيعة 122: 19.

ص: 158

وقال صاحب «الجواهر»: «الأوّل، أن يكونوا رجلين فصاعداً أو رجلًا وامرأتين أو أربع نساء»(1).

ويستدلّ على عدم كفاية الأقلّ بعدم الخلاف، بل بقسمي الإجماع وبالسنّة المستفيضة أو المتواترة وعلى عدم لزوم الأكثر أيضاً بعدم الخلاف، بل بقسمي الإجماع وبدلالة السنّة.

قال تعالى:) وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَه وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَواهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ فَإنْ كَانَ لَهُ إخْوةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ ((2).

وحيث ذكر في الآية الكريمة لفظ:) إخوة (فلم يكتف ابن عبّاس بالذكرين، ومبناه كون أقلّ الجمع ثلاثة.

ويدفعه انعقاد الإجماع على خلافه، وكذا وجود الأخبار الكثيرة.

ففي صحيحة محمّد بن مسلم عن الصادق (ع) قال: «لا يحجب الامّ عن الثلث إذا لم يكن ولد إلا أخوان أو أربع أخوات»(3).

وفي موثّقة أبي العبّاس البقباق(4) عنه (ع) قال: «لا يحجب الامّ عن الثلث إلا أخوان أو أربع أخوات لأب وامّ أو لأب»(5).


1- جواهر الكلام 83: 39.
2- النساء( 4): 11.
3- وسائل الشيعة 121: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 11، الحديث 4.
4- الفضل بن عبدالملك أبو العبّاس البقباق كوفي ثقة عين من أصحاب الصادق وحيث إنّ في سند الرواية ابن فضّال والأشهر أنّه حسن بن علي بن فضّال وهو فطحي المذهب وقيل إنّه ثقة فتكون رواية أبي العبّاس موثّقة. وابناه أحمد ومحمّد فطحيان أيضاً. راجع: نقد الرجال 47: 27- 49.
5- وسائل الشيعة 120: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 11، الحديث 3.

ص: 159

وفي صحيحة(1) عنه (ع) قال: «إذا ترك الميّت أخوين فهم إخوة مع الميّت حجبا الامّ عن الثلث وإن كان واحداً لم يحجب الامّ» وقال: «إذا كنّ أربع أخوات حجبن الامّ عن الثلث لأنّهنّ بمنزلة الأخوين وإن كنّ ثلاثاً لم يحجبن»(2).

ثانيها: حياة الإخوة في الدنيا

واشترط في المتن كون الإخوة أحياءً في الدنيا حين فوت المورّث، فخرج صورة كون بعضهم أو كلّهم أمواتاً أو حملًا فينحلّ هذا الشرط إلى شرطين:

1. اشتراط عدم كونهم حملًا

قال صاحب «المستند»: «لا يحجب الحمل ولو بكونه متمّماً للعدد، وفاقاً للمشهور»(3).

وقال صاحب «الجواهر»: «في اشتراط وجودهم- أي الإخوة- منفصلين حال موت الأخ لا حملًا تردّد»(4).

ويستدلّ على عدم حجب الحمل بكونه المنساق نصّاً وفتوى، وبكون تحقّق الإخوة مشكوكاً في زمان الحمل، وبانتفاء العلّة التي هي إنفاق الأب عليهم، وبأصالة عدم الحجب فيقتصر على موضع اليقين وبخبر العلاء بن


1- في سند هذه الرواية محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي عمير عن سعد بن أبي خلف عن أبي العباس، فهي صحيحة.
2- وسائل الشيعة 120: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 11، الحديث 1.
3- مستند الشيعة 131: 19.
4- جواهر الكلام 89: 39.

ص: 160

الفضيل(1) المنجبر بالعمل عن الصادق (ع): «إنّ الطفل والوليد لا يحجبك ولا يرث إلا من آذن بالصراخ ولا شي ء أكنّه البطن وإن تحرك إلا ما اختلف عليه الليل والنهار»(2).

ويستدلّ على الحجب بكون الحمل حاجباً في غير هذا المقام، بل بأولوية هذا المقام من غيره وبصدق الإخوة عليه قبل التولّد، فالأحسن القول بعدم الاشتراط وأصالة العدم.

لكن قال صاحب «المستند»: «أصالة عدم الاشتراط إنّما تكون بعد ثبوت المقتضي وثبوته غير ثابت وعموم الأدلّة ممنوع»(3).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يخفى عليك كون أظهره أنّه شرط خصوصاً بعد الشهرة العظيمة، بل لم يعرف القائل بالعدم بل قيل: إنّه لا خلاف فيه، بل لم يعرف التردّد فيه قبل المصنّف»(4).

2. اشتراط عدم كونهم أمواتاً

قال صاحب «المستند»: «السادس: كونهم أحياءً عند موت المورّث، فلو كان بعضهم ميّتاً عنده أو كلّهم لم يحجب ووجهه ظاهر»(5).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يكفى وجود الإخوة الأموات، ضرورة انسياق


1- هو ثقة، لكن روى عنه محمّد بن سنان وأبوه الحسن فلما مات كفله جده فأشتهر بمحمد بن سنان وهو ضعيف غال وليس بعبداللّه بن سنان. راجع: نقد الرجال 213: 3، و 225: 4.
2- وسائل الشيعة 123: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 13، الحديث 1.
3- مستند الشيعة 132: 19.
4- جواهر الكلام 89: 39.
5- مستند الشيعة 133: 19.

ص: 161

ذلك من الكتاب والسنّة، بل الظاهر عدم حجبهم لو اقترن موتهم بموته، بل وكذا لو اشتبه المتقدّم والمتأخّر منهما»(1).

أمّا في صورة الاقتران فلأنّ الشرط- وهو وجودهم وحياتهم عند موت المورّث- غير حاصل، وأمّا في صورة الشكّ في التقدّم والتأخّر، فلأنّ أصالة عدم تقدّم موت الإخوة معارض بأصالة عدم تقدّم موت المورّث. هذا مع أنّ أصالة عدم التقدّم لا تثبت التأخّر ولو كانت سليمة عن المعارض وفي «الدروس» ما يؤيّد ذلك.

ثالثها: كون الإخوة من أبوي الميّت أو من أبيه

قال صاحب «المستند»: «لا تحجب كلالة الامّ ولا أعرف فيه خلافاً بين الأصحاب، والإجماع عليه منقول في «الانتصار» و «المسالك» و «المفاتيح» وخالفنا العامّة في ذلك»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يحجب الإخوة للُامّ خاصّة إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة»(3).

فمن النصوص موثّقة أبي العبّاس البقباق عن أبي عبدالله (ع)، قال: «لا يحجب الامّ عن الثلث إلا أخوان أو أربع أخوات، لأب وامّ أو لأب»(4).


1- جواهر الكلام 90: 39.
2- مستند الشيعة 130: 19.
3- جواهر الكلام 89: 39.
4- وسائل الشيعة 120: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 11، الحديث 3.

ص: 162

ومنها: موثّقة عبيد بن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله (ع) يقول في الإخوة من الامّ: «لا يحجبون الامّ عن الثلث»(1).

وفي طريق كلتا الروايتين ابن فضّال الفطحي الموثّق، ولذا حكم بكونهما موثّقتين.

ومنها: رواية زرارة عنه (ع) قال ... فقال لي: «ويحك يا زرارة أولئك الإخوة من الأب، إذا كان الإخوة من الامّ لم يحجبوا الامّ عن الثلث»(2).

ومنها: رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله (ع) في رجل مات وترك أبويه وإخوة لأمٍّ، قال: «الله سبحانه أكرم من أن يزيدها في العيال وينقصها من الميراث الثلث»(3) إلى غير ذلك من النصوص.

رابعها: كون الأب حيّاً حين موته

قال صاحب «المستند»: «الثالث: حياة الأب، وفاقاً للمعظم وظاهر «المجمع»- أي «مجمع البيان»- ادّعاء الإجماع عليه»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «الثالث: أن يكون الأب موجوداً كما هو المشهور نقلًا وتحصيلًا، بل قيل: إنّ عليه عامّة من تأخّر وتقدّم إلا الصدوق مع تأمّل في تحقّق مخالفته»(5).


1- وسائل الشيعة 116: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 10، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 117: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 10، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 118: 26- 119، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 10، الحديث 5.
4- مستند الشيعة 126: 19.
5- جواهر الكلام 87: 39.

ص: 163

ويدلّ عليه قوله تعالى:) وَلأبَوَيْهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإنْ لَمْ يَكنْ لَه وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ فَإنْ كَانَ لَه إخْوةٌ فَلُامِّهِ السُّدُس ((1).

وفي رواية بكير عن الصادق (ع) قال: «الامّ لا تنقص عن الثلث أبداً إلا مع الولد والإخوة إذا كان الأب حيّاً»(2).

وفي رواية زرارة عنهما (عليهما السلام): «إن مات رجل وترك امّه وإخوة وأخوات لأب وامّ وإخوة وأخوات لأب وإخوة وأخوات لُامّ وليس الأب حيّاً، فإنّهم لا يرثون ولا يحجبونها، لأنّه لم يورث كلالة»(3).

وحجب الإخوة لأجل وجوب إنفاقهم عليه، فإذا كان الأب ميّتاً فلا يجب عليه الإنفاق. قال زرارة: «وحجبها الإخوة من الأب والامّ والإخوة من الأب والامّ، لأنّ الأب ينفق عليهم فوفّر نصيبه»(4).

لكن ظاهر الصدوق الحجب. قال صاحب «الجواهر»: «لكنّه شاذّ يمكن دعوى الإجماع على خلافه بل لا دليل يعتدّ به له عدا خبرين مخالفين للمجمع عليه بين الإمامية»(5).


1- النساء( 4): 12.
2- وسائل الشيعة 122: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب إرث الأبوين والأولاد، الباب 12، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 123: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 12، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 117: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 10، الحديث 3.
5- جواهر الكلام 88: 39.

ص: 164

فأدلّة الحجب الخبران اللذان أشار إليهما صاحب «المستند» وصاحب «الجواهر» وإطلاق أدلّة الحجب.

أمّا إطلاق الأدلّة فممنوع خصوصاً في آية النساء(1) حيث ذكر فيها جملة «وورثه أبواه» فالأب الحيّ يرث دون الميّت والإخوة يحجبون في صورة حياته.

وأمّا الروايتان فالاولى منهما عن زرارة عن الصادق (ع) قال: قلت: امرأة تركت زوجها وأمّها وإخوتها لأمّها، وإخوتها لأبيها وامّها، فقال:

«لزوجها النصف ولأمّها السدس وللإخوة من الامّ الثلث وسقط الإخوة من الأب والامّ»(2).

والاخرى منهما عن زرارة عنه (ع) قال: قلت: امرأة تركت امّها، وأخواتها لأبيها وامّها، وإخوة لُامّ، وأخوات لأب، قال: «لأخواتها لأبيها، وامّها الثلثان، ولُامّها السدس، ولإخوتها من امّها السدس»(3).

وكلتاهما مخالفتان لإجماع الإمامية، حيث إنّ الإخوة من الطبقة الثانية، وليس لها شي ء مادام فرد من الطبقة الاولى موجوداً.

قال صاحب «الجواهر»: «حملهما الشيخ على التقيّة أو على إلزام الامّ لو كانت ترى رأيهم بذلك. لأنّهم يلزمون بما ألزموا به أنفسهم»(4).


1- النساء( 4): 11.
2- وسائل الشيعة 150: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 1، الحديث 13.
3- وسائل الشيعة 150: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 1، الحديث 12.
4- جواهر الكلام 88: 39.

ص: 165

خامسها: عدم كون الإخوة ممنوعين عن الإرث

إذا لم تكن الإخوة ممنوعين عن الإرث فلا ريب في حجبهم الامّ مع تحقّق سائر الشرائط، وأمّا إذا كان كلّهم أو بعضهم ممنوعين بالكفر أو الرقّية أو القتل أو الزنا فلا يحجبون لأنّهم لا يرثون.

قال صاحب «المستند» في مقام عدّ الشرائط: «الثاني: أن لا يكونوا كفرة ولا أرقّاء، فلا يحجب الكافر والرقّ إجماعاً محقّقاً ومحكيّاً في «الخلاف» و «المسالك» و «المفاتيح» وغيرها وهو الحجّة مع المستفيضة»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «الثاني، أن لا يكونوا كفرة ولا أرقّاء، للإجماع بقسميه على عدم حجبهما، بلِ المحكيّ منهما مستفيض كالسنّة المتضمّنة لعدم إرث المملوك والكافر وعدم حجبهما»(2).

هذا بالنسبة إلى المملوك والكافر، وأمّا بالنسبة إلى القتل فقد فرّق سيّدنا الاستاذ بين كون الأب قاتلًا للمورّث وكون الإخوة قاتلًا له، فحكم في الأوّل بالحجب واستشكل في الثاني وبنى على الاحتياط، لأنّه سبيل النجاة.

قال صاحب «المستند»: «المشهور اشتراط عدم كونهم قتلة والشيخ في «النهاية» والديلمي لم يتعرّضا له والصدوقان والعمّاني قالوا بعدم اشتراطه»(3).

ثمّ قال: «والحقّ عدم الاشتراط، لإطلاق الإخوة في الآية والرواية وعدم المعارض»(4).


1- مستند الشيعة 124: 19.
2- جواهر الكلام 85: 39.
3- مستند الشيعة 125: 19.
4- مستند الشيعة 125: 19.

ص: 166

وقال صاحب «الجواهر»: «هل يحجب الأخ القاتل لأخيه الموروث؟ فيه تردّد وخلاف والظاهر أنّه لا يحجب وفاقاً للمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن «الخلاف» إجماع الطائفة بل الأمّة عليه، لانقراض خلاف ابن مسعود»(1).

فصاحب «المستند» وصاحب «الجواهر» لم يتعرّضا للأب القاتل للمورّث، ولعلّه واضح لا غبار عليه، فإنّ الأب القاتل ممنوع عن الإرث وحجب الإخوة الامّ عن السدس لا ينفعه.

فلننظر إلى الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن المملوك والمشرك يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا»(2).

ومنها: رواية الفضل بن عبدالملك قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن المملوك والمملوكة هل يحجبان إذا لم يرثا؟ قال: «لا»(3).

ومنها: رواية الحسن بن صالح عن أبي عبدالله (ع) قال: «المسلم يحجب الكافر ويرثه والكافر لا يحجب المسلم ولا يرثه»(4).

ومنها: روايته الاخرى عنه (ع) قال: «الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه والكفّار


1- جواهر الكلام 86: 39.
2- وسائل الشيعة 124: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 14، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 124: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 14، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 125: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 15، الحديث 1.

ص: 167

بمنزلة الموتى لا يحجبون ولا يرثون»(1).

فالمسألة بالنسبة إلى عدم حجب الكفّار والأرقّاء واضحة، وكذا بالنسبة إلى الزنا فإنّ ولد الزنا ليس ولداً شرعاً، وليس من الإخوة فلا يحجب الامّ، وكذا بالنسبة إلى الأب القاتل للمورّث فيبقى حكم الإخوة القاتلين للمورّث. فصاحب «المستند» حكم بكونهم حاجبين تمسّكاً بإطلاق الآية والرواية وبعدم المعارض وصاحب «الجواهر» حكم بعدم كونهم حاجبين تمسّكاً بالشهرة العظمية. واحتاط الإمام الخميني ولم يفت بأحد طرفي الاحتمال.

قال صاحب «المستند» بعد ذكر دليل المشهور أي الإجماع ومشاركة القاتل للرقّ والكافر في وجود المانع من الإرث لو كان وارثاً: «تحقّق الإجماع ممنوع والمنقول لا يفيد، لعدم كونه حجّة عندنا كالشهرة والعلّة غير صالحة للعلّية ولو سلّم مستنبطة لا يحكم بها من لا يقيس»(2).

لكنّ الحقّ قول المشهور، لأنّ القاتل لا يرث فكيف يحجب؟ وأمّا مع الإغماض عن قول المشهور، فالاحتياط سبيل النجاة.

سادسها: وجود المغايرة بين الحاجب والمحجوب

لم يتعرض «المستند» لهذا الشرط. لكن قال صاحب «الجواهر»: «وأمّا اشتراط المغايرة فلا ريب فيه، ضرورة كونه المنساق أيضاً من الكتاب والسنّة، بل لظهوره لم يتعرّض له المصنّف وغيره. نعم في «الدروس»: الخامس: المغايرة، فلو كانت


1- وسائل الشيعة 125: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 15، الحديث 2.
2- مستند الشيعة 126: 19.

ص: 168

الامّ اختاً لأب فلا حجب، كما يتّفق في المجوس أو الشبهة بوطي الرجل ابنته فولدها أخوها لأبيها. وكأنّه من النصّ على الواضحات، والله العالم»(1).

ووضوح المسألة من جهة أنّ الحاجب والمحجوب ظاهران في كونهما شخصين. فلو كانا شخصاً واحداً فلم يتحقّق مغايرة بين الحاجب والمحجوب فلم يتحقّق الحجب.

ويمكن أن يقال: بكفاية المغايرة الاعتبارية بين الحاجب والمحجوب وبعدم لزوم المغايرة الخارجية فالشخص الواحد مصداق لعنوانين، فبعنوان أنّه اخت، حاجب وبعنوان أنّه امّ، محجوب. كما أنّ الشخص الواحد يمكن أن يكون قاتلًا ومقتولًا وأن يكون ضارباً ومضروباً وأن يكون طبيباً ومريضاً وأن يكون مصلّياً وصائماً، بل ومجاهداً أو حاجّاً. فإذا كان أحد العنوانين محكوم بحكم والآخر محكوماً بحكم آخر فلكلّ منهما حكمه، ولو كان المعنون واحداً. فيكفي تعدّد الحيثيات.

فروع

1. قال صاحب «الجواهر»: «لا يحجبها أولاد الإخوة، لعدم الصدق وإن قاموا مقام آبائهم في الميراث ... وكذا لا يحجبها من الخناثى المشكلة أقلُّ من أربعة لاحتمال أن يكونوا إناثاً والشكّ في الشرط شكّ في المشروط، أمّا إذا كنّ أربعة تحقّق قطعاً»(2).

2. الغائب يحجب ما لم يقض بموته، لأنّه مقتضى استصحاب حياته ومقتضى


1- جواهر الكلام 91: 39.
2- جواهر الكلام 91: 39.

ص: 169

استصحاب حجبه اليقيني قبل الغيبة.

3. لو مات أخوات غرقاً ومعهما أبوان وأخ، فقال صاحب «المستند»: «الحقّ عدم الحجب- كما في «الروضة»- للشكّ والوقوف فيما خالف الأصل على مورده»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «ثبوت حكم خاصّ للغرقى(2) في خصوص الإرث مخالف للأصل، لا يقتضى التعدية إلى ما نحن فيه بعد حرمة القياس»(3). ثمّ قال: «فلا ريب في أنّ المتّجه الحكم باستحقاقها الثلث في جميع ذلك من غير فرق بين الغرقى وغيرهم»(4).

4. قال صاحب «المستند»: «لا أعرف خلافاً بين الأصحاب في ثبوت حجب الإخوة عن الردّ أيضاً كحجبهم عن الفرض كما في أبوين وابنة والأدلّة قاصرة عن إفادته وسيأتي تحقيقه»(5).

وهذا الحكم واضح فإنّ للأبوين مع الابنة الثلث لكلّ واحد منهما السدس فيبقى سدس من المال، يقسّم على الأب والابنة ولا تعطى الامّ شيئاً زائداً عن السدس.

وقال الماتن (قدّس سرّه): «الإخوة والأخوات ... يمنعون الامّ عن الزيادة على السدس فريضة وردّاً بشروط».


1- مستند الشيعة 134: 19.
2- قال صاحب الجواهر:« وهؤلاء( أي الغرقى والمهدوم عليهم) يرث بعضهم من بعض بلا خلاف أجده فيه بالإجماع بقسميه عليه والنصوص به مستفيضة أو متواترة»، جواهر الكلام 306: 39.
3- جواهر الكلام 90: 39.
4- جواهر الكلام 91: 39.
5- مستند الشيعة 134: 19.

ص: 170

وحيث إنّ الامّ في صورة الإنفراد لها جميع المال، فيمكن أن يقال: إنّ الإخوة لا يحجبون الامّ عمّا زاد على السدس ردّاً، لكن قال صاحب «المستند»: «الإخوة يحجبون الامّ عمّا زاد عن السدس مطلقاً سواء كان بالفرض أو الردّ»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «وأمّا حجب الإخوة فإنّهم يمنعون الامّ عمّا زاد عن السدس كتاباً وإجماعاً»(2). يفهم من إطلاق عبارته كون الإخوة حاجبين مطلقاً أي فرضاً وردّاً.


1- مستند الشيعة 122: 19.
2- جواهر الكلام 83: 39.

ص: 171

الأمر الثالث: في السهام

اشارة

الوارث: إمّا يرث بالفرض أو بالقرابة. والمراد بالفرض: هو السهم المقدّر والكسر المعيّن الذي سمّاه الله تعالى في كتابه الكريم.

أقول: السهام المقدّرة والكسور المعيّنة هي النصف ونصفه وربعه، والثلثان ونصهما وربعهما.

قال صاحب «المستند»: «كلّ وارث مناسب أو مسابب إمّا سمّى الله له في كتابه سهماً معيّناً أو لا، والأوّل يسمّى ذا فرض والثاني قرابة، والأوّل إمّا سمّى له في جميع حالاته أو في حالة دون اخرى»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «ينقسم الورّاث فمنهم من لا يرث إلا بالفرض وهم الامّ ... والزوج والزوجة ومنهم ... من يرث تارة بالفرض واخرى بالقرابة وهم الأب والبنت أو البنات والاخت أو الأخوات ... ومن عدا هؤلاء كالإخوة والأعمام والأخوال والأجداد وغيرهم لا يرث إلا بالقرابة»(2).


1- مستند الشيعة 13: 19.
2- جواهر الكلام 10: 39- 11.

ص: 172

وليعلم: أنّ الذين لا يرثون إلا بالفرض على قسمين فمنهم من يرث بالفرض والردّ كالامّ والزوج ومنهم من لا يرث إلا بالفرض، كالزوجه.

وليعلم أيضاً: أنّ الفرض هو السهم المقدّر من السهام والكسر المعيّن من الكسور التي ذكرت في القرآن الحكيم والوحي العظيم.

وليعلم أيضاً: أنّ الورّاث ثلاثة باعتبار كونهم ذوي فروض وعدمه:

الأوّل: من كان ذا فرض فقط كالامّ والزوجين وكلالة الامّ.

أمّا الامّ فلقوله تعالى:) وَلأبَوَيْه لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإنْ لَمْ يَكنْ لَه وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَواهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ فَإنْ كَانَ لَه إخْوةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ ((1).

وأمّا الزوجان فلقوله تعالى:) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنّ وَلَدٌ فإنْ كَانَ لَهُنّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُع ((2).

وأمّا كلالة الامّ فلقوله تعالى:) وَإنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أوِ امْرَأةٌ وَلَهُ أخٌ أوْ اخْتٌ فَلِكُلّ وَاحدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإنْ كَانُوا أكثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُم شُرَكاءُ فِى الثُّلُث ((3).

الثاني: من كان ذا اعتبارين، فتارة يرث بالفرض وتارة يرث بالقرابة، كالأب والبنت والبنات والاخت الواحدة أو المتعدّدة من قِبَل الأبوين أو الأب.

أمّا الأب فلقوله تعالى:) وَلأبَوَيهِ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كَانَ


1- النساء( 4): 11.
2- النساء( 4): 12.
3- النساء( 4): 12.

ص: 173

لَهُ وَلَدٌ فَإنْ لَمْ يَكنْ لَه وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَواهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ ((1).

وأمّا البنت والبنات فلقوله تعالى:) يوصِيكمُ اللهُ فِى أَوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ((2).

وأمّا الاخت والأخوات فلقوله تعالى:) يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيَيْنِ ((3).

الثالث: من كان ذا قرابة لا غير كباقي الورّاث.

وليعلم: أنّ هذا التقسيم موافق لما في «الدروس»(4) وهو أتمّ التقاسيم التي ذكرت في كلمات القوم والأمر فيه سهل بعد وضوح الأحكام.

ويمكن أن يقال بالتقسيم الرباعي كما في «الجواهر»(5):

1. من لا يرث إلا بالفرض دائماً كالزوجة.

2. من لا يرث إلا بالفرض مع الردّ في بعض الأحيان وهو الامّ من بين الأنساب والزوج من بين الأسباب.

3. من يرث تارة بالفرض واخرى بالقرابة وهم الأب والبنت أو البنات


1- النساء( 4): 11.
2- النساء( 4): 11.
3- النساء( 4): 176.
4- مستند الشيعة 15: 19.
5- جواهر الكلام 10: 39.

ص: 174

والاخت أو الأخوات وكلالة الامّ التي ترث بالفرض إذا فارقت عن الجدّ وبالقرابة إذا كانت معه.

4. من لا يرث إلا بالقرابة، كالإخوة والأعمام والأخوال والأجداد وغيرهم، أعني كلّ من سوى الأقسام السابقة.

والفروض ستّة، وأربابها ثلاثة عشر:

أقول: قد أشرنا إلى السهام المقدّرة والكسور المعيّنة إجمالًا. والآن نذكرها مع أربابها تفصيلًا.

الفروض وأربابها

قال صاحب «المستند»: «اعلم أنّ السهام المنصوصة ستّة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس. وبعبارة اخرى: النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما وبثالثة: الربع والثلث وضِعف كلّ ونصفه ... ثمّ أهل هذه السهام ثلاثة عشر»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «السهام المنصوصة في كتاب الله عزّ وجلّ(2) ستّة: النصف والربع والثمن والثلثان والثلث والسدس أي النصف ونصفه ونصف نصفه والثلثان ونصفهما ونصف نصفهما»(3).


1- مستند الشيعة 135: 19.
2- النساء( 4): 11 و 12 و 176.
3- جواهر الكلام 92: 39.

ص: 175

ثمّ ذكر أهل السهام الستّة ولم يذكر أنّ أهل هذه السهام ثلاثة عشر في أوّل الكلام إجمالًا، بل عدّهم تفصيلًا.

وكون السهام ستّة وكون أهلها ثلاثة عشر مستفادان من الكتاب الكريم، فلا اختلاف فيهما.

والآيات التي استفيدت منها السهام قد ذكرنا في البحث عن الطوائف الأربع الذين يرثون بالفرض فقط بلا ردّ أو بالفرض مع الردّ أو بالفرض والقرابة معاً أو بالقرابة فقط، فراجع.

قال صاحب «المستند»: «قد يجعل مواضع السهام خمسة عشر بجعل كلّ من الاخت والاختين قسمين: ما يتقرّب بالأبوين، وما يتقرّب بالامّ خاصّةً مع عدم المتقرّب بالأبوين»(1).

الأوّل: النصف، وهو لبنت واحدة إذا لم يكن معها ولد غير ممنوع عن الإرث، ويعتبر هذا القيد في جميع الطبقات والدرجات الآتية. ولُاخت واحدة لأبوين أو لأب إذا لم يكن معها أخ كذلك، وللزوج إن لم يكن للزوجة ولد وإن نزل.

أرباب النصف

أقول: يستفاد منه (قدّس سرّه) أنّ أرباب النصف ثلاث: البنت منفردة والاخت الواحدة


1- مستند الشيعة 137: 19.

ص: 176

لأبوين أو لأب والزوج مع عدم ولد- مع الواسطة أو بلا واسطة- للزوجة.

قال صاحب «المستند»: «النصف لثلاثة: الزوج مع عدم الولد للزوجة وإن نزل، قال الله سبحانه:) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أزْوَاجُكُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنّ وَلَدٌ (.(1) والبنت المنفردة، قال تعالى:) وَإنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ (.(2) والاخت المنفردة لأب وامّ أو للأب مع عدمها قال عزّ من قائل:) وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك (.(3) وتقييد البنت والاخت بالإنفراد كالأخيرة بكونها لأب وامّ أو لأب مستفاد من الخارج كما يأتي»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «النصف نصيب الزوج مع عدم الولد وإن نزل اتّفاقاً ... وسهم البنت الواحدة والاخت للأب والامّ أو الاخت للأب إذا انفردتا»(5).

لكنّه زاد على ما في «المستند» هذه العبارة: «نعم في تنزيل عدم إرث الولد لرقّ ونحوه منزلة عدمه وجهان، أقواهما ذلك»(6).

الثاني: الربع، وهو للزوج إن كان للزوجة ولد وإن نزل، وللزوجة إن لم يكن للزوج ولد وإن نزل.


1- النساء( 4): 12.
2- النساء( 4): 11.
3- النساء( 4): 176.
4- مستند الشيعة 135: 19.
5- جواهر الكلام 92: 39.
6- جواهر الكلام 92: 39.

ص: 177

أرباب الربع

أقول: حكم إرث الزوج والزوجة في كلتا الصورتين مستفاد من القرآن الكريم.

قال صاحب «المستند»: «والربع لاثنين: الزوج مع الولد للزوجة وإن نزل، سواء كان منه أو من غيره، قال تعالى:) فَإنْ كَانَ لَهُنّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْنَ ((1) والزوجة لا مع الولد للزوج كذلك، قال تعالى:) وَلَهُنّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ (»(2).(3)

وقال صاحب «الجواهر»: «والربع سهم الزوج مع الولد الوارث أو مطلقاً وإن نزل، والزوجة مع عدمه، واحدة كانت أو متعدّدة»(4).

وقوله: «أو مطلقاً» إشارة إلى ما نقلنا سابقاً من صاحب «الجواهر» من تنزيل الولد لرقّ ونحوه منزلة عدمه وعدمه. فيمكن أن يفرّق بين الولد الوارث الذي لا مانع من إرثه والولد الذي له مانع فيمنع الأوّل دون الثاني. ويمكن أن يقال بعدم الفرق فيمنع مطلقاً، لكنّه حكم بأنّ الأقوى أنّ وجوده كعدمه وهو متجّه، لأنّ الولد إذا كان رقّاً أو قاتلًا فليس بوارث، فكيف يحجب غير الوارث عن الوارث ولا يقاس هذا بالإخوة لأنّ القياس باطل.


1- النساء( 4): 12.
2- النساء( 4): 12.
3- مستند الشيعة 136: 19.
4- جواهر الكلام 92: 39.

ص: 178

الثالث: الثمن، وهو للزوجة إن كان للزوج ولد وإن نزل.

أرباب الثمن

أقول: هذا إحدي الصور التي أشرنا أنّها مستفادة من القرآن الكريم.

قال صاحب «المستند»: «والثمن لواحد: الزوجة معه قال سبحانه:) فإنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنّ الثُّمُنُ (.(1) ولا فرق في المقامين بين الواحدة والمتعدّدة»(2).

ومراده من المقامين مقام وجود الولد- وإن نزل- معها وعدمه.

وقال صاحب «الجواهر»: «والثمن سهم الزوجة وإن تعدّدت مع الولد وإن نزل»(3).

ثمّ ذكر الآية وقال: «فقد جعل الله للزوج في حالتيه ضِعف ما للزوجة في حالتيها. لما فيه من الذكورة التي يستحقّ بسببها ضِعف الانثى كالإبن والبنت»(4).

ويعلم من كلامه أنّه حكم بمعونة الآيات القرآنية في باب الإرث والشهادة كون المرأتين بمنزلة الرجل الواحد، كما أنّ ديتها نصف دية الرجل.

وفي «التحرير» في مسأله 26 من مسائل مقادير الديات: «ما ذكر من التقادير دية الرجل الحرّ المسلم وأمّا دية المرأة الحرّة المسلمة فعلى النصف من جميع التقادير المتقدّمة» ثمّ قال في مسألة 27: «تتساوى المرأة والرجل في الجراح قصاصاً وديةً حتّى تبلغ ثلث دية الحرّ».


1- النساء( 4): 12.
2- مستند الشيعة 136: 19.
3- جواهر الكلام 92: 39.
4- جواهر الكلام 92: 39- 93.

ص: 179

الرابع: الثلث، وهو للُامّ بشرط أن لا يكون للميّت ولد مطلقاً وإن نزل، وأن لا يكون له إخوة متعدّدة، كما تقدّم بشرائطه وللأخ والاخت من الامّ مع التعدّد.

أرباب الثلث

أقول: لا كلام في أنّ للُامّ الثلث مع عدم الولد للميّت ومع عدم الحاجب وللأخ والاخت من الامّ مع التعدّد.

قال صاحب «المستند»: «والثلث لاثنين: الامّ مع عدم الحاجب والولد وإن نزل قال تعالى:) فَإنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أبَوَاهُ فَلُامّهِ الثُّلُثُ، فإنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلُامِّهِ السُّدُس ((1)، والأكثر من واحد من ولدها، قال سبحانه:) فَإنْ كَانُوا أكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِى الثُّلُثِ ((2) والتخصيص للمخصّص»(3).

وقال صاحب «الجواهر» مثله، إلا أنّه زاد في ذيل كليهما: «كتاباً وسنّة وإجماعاً بقسميه»(4).

وحيث إنّ الكلالة المذكورة في آية 12 وآيه 176 من سورة النساء عامّة تشمل كلّ أخ أو اخت، سواء كان من الأب والامّ أو أحدهما. قال صاحب «المستند»: «والتخصيص للمخصّص»، وقال صاحب «الجواهر»: «وإن كان الأوّل لا صراحة فيه بالإخوة من الامّ لكن يكفي فيه النقل، مضافاً إلى ما عن ابن


1- النساء( 4): 11.
2- النساء( 4): 12.
3- مستند الشيعة 136: 19- 137.
4- جواهر الكلام 94: 39.

ص: 180

مسعود من قراءة: وله أخ أو اخت من امّ، بناءً على أنّ القراءة وإن كانت شاذّة كالخبر الصحيح»(1). قال الصادق (ع): «يعطى الأخ للأم السدس»، وقال: «الإخوة من الامّ فريضتهم الثلث مع الجدّ»(2).

الخامس: الثلثان، وهو للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن للميّت، وللُاختين فصاعداً لأبوين مع عدم وجود الأخ لأبوين، أو لأب مع عدم وجود الأخ لأب.

أرباب الثلثين

أقول: لا كلام في أنّ الثلثين للبنتين أو البنات وللُاختين أو الأخوات لأب وامّ أو لأب.

قال صاحب «المستند»: «والثلثان لاثنين: البنتين فصاعداً إذا انفردن من الإخوة ... الاختين فصاعداً لأب وامّ أو لأب مع عدمهما»(3).

وبه صرّح صاحب «الجواهر»، لكنّه زاد في المورد الأوّل «إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة أو متواترة وأولويتهما من الاختين بذلك لكونهما أمسّ رحماً ولأنّ للبنت مع الابن الثلث فأولى أن يكون لها مع بنت اخرى ذلك»(4).


1- جواهر الكلام 95: 39.
2- وسائل الشيعة 172: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 1 و 2.
3- مستند الشيعة 136: 19.
4- جواهر الكلام 93: 39.

ص: 181

ثمّ قال: «لعلّ المراد من قوله تعالى:) فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ ((1) اثنتين فما فوق، نحو قوله (ص): «لا تسافر المرأة سفراً فوق ثلاثة أيّام إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها»(2).

وقال صاحب «المستند»: «أمّا على كون ثلثيه بالفرض فصريح الكتاب، ولكنّه يختصّ بما إذا كنّ فوق اثنتين، وأمّا فيهما فينحصر المستند بالإجماع والنقلُ الذي ادّعاه في المسالك ما عثرت عليه»(3).

لكنّ صاحب «الجواهر» استدلّ بقوله تعالى: (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ)(4). وقال في تقريب الاستدلال: «إنّ أقلّ عدد يراد بيانه بهذه الآية اجتماع ذَكَر وانثى، فلو لم يكن الثلثان حظاً للُانثيين في حال من الأحوال لم تصدق الآية وليس إلا حال انفرادهما، ضرورة عدم صدقه في حال اجتماعهما مع الذكر، إذ أقصاه اجتماعهما مع الذكر الواحد وحينئذٍ لهما النصف وله النصف»(5).

لكنّه استشكل فيه المولى محمّد مهدي النراقي في مشكلات العلوم على ما نقله عنه ابنه المولى أحمد النراقي في «المستند»: «بأنّ قوله:) لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَينِ (، بيان لإرث الذكور والإناث مع اجتماعهما»(6).

فمراد الآية أنّ الذكر والانثى إذا اجتمعوا يقسّم بينهم المال على كون سهم


1- النساء( 4): 11.
2- جواهر الكلام 93: 39.
3- مستند الشيعة 173: 19.
4- النساء( 4): 11.
5- جواهر الكلام 93: 39.
6- مستند الشيعة 173: 19.

ص: 182

الذكر ضِعفَ الانثى، سواء كان الوارث ذكراً وانثى أو ذكراً وانثيين أو ذكوراً وإناثاً كثيرة.

قال صاحب «المجمع» في ذيل الآية: «ظاهر هذا الكلام يقتضي أن البنتين لا يستحقّان الثلثين، لكنّ الامّة أجمعت على أنّ حكم البنتين حكم من زاد عليهما من البنات»(1).

ثمّ إنّه ذكر وجوهاً منها الوجهان اللذان في «الجواهر»:

ومنها: «أنّ البنتين أعطيتا الثلثين بدليل لا يفرض لهما مسمّى، والدليل قوله تعالى:) يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ (فقد صار للُاخت النصف، كما أنّ للبنت النصف؛) فَإنْ كَانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ ((2) واعطيت الابنتان الثلثين، كما اعطيت الاختان الثلثين، واعطيت جملة الأخوات الثلثين كما اعطيت البنات الثلثين. ويدلّ عليه أيضاً الإجماع».(3) وخالف ابن عباس بأنّ للبنتين النصف أو نصف وقيراط؛ لكنّ قوله متروك.(4)

السادس: السدس، وهو للأب مع وجود الولد مطلقاً، وللُامّ مع وجود الحاجب عن الثلث؛ أي الولد والإخوة على ما مرّ؛ وللأخ أو الاخت للُامّ


1- مجمع البيان 3 و 24: 4.
2- النساء( 4): 176.
3- مجمع البيان 3 و 29: 4- 30.
4- راجع تفسير مجمع البيان 3 و 30: 4.

ص: 183

مع عدم التعدّد من قبلها. فالفروض: نصف، ونصفه، ونصف نصفه، وثلثان ونصفهما ونصف نصفهما.

أرباب السدس

أقول: إلى هنا تمّ بيان الفروض الستّة وأربابها ولا ريب في أنّ مستحقّ السدس الأب مع وجود الولد والامّ مع وجود الحاجب والأخ للُامّ أو الاخت لها بشرط الانفراد.

قال صاحب «المستند»: «والسدس لثلاثة: الأب مع الولد والامّ معه أو بدونه مع الإخوة الحاجبة، قال تعالى:) وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ ((1). والواحد من كلالة الامّ مطلقاً، قال عزّ شأنه:) وَلَهُ أخٌ أوْ اخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ((2)، وقد يجعل مواضع السهام خمسة عشر»(3).

وكان عليه أن يذكر تتّمة الآية الدالة على حجب الإخوة وهي هكذا:) فَإنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ ((4).

وبه قال صاحب «الجواهر» وزاد عليه: «بلا خلاف أجده في شي ء من المواضع الثلاثة، بل الكتاب والسنّة والإجماع بقسميه عليه»(5).

وليعلم: أنّ الصور الحاصلة من ضرب الستّة في الستة ستّ وثلاثون إلا أنّ


1- النساء( 4): 11.
2- النساء( 4): 12.
3- مستند الشيعة 137: 19.
4- النساء( 4): 11.
5- جواهر الكلام 95: 39.

ص: 184

بعضها مكرّر وبعضها ممتنع فيبقى ثلاثة عشر أو خمسة عشر.

هذا بالنظر إلى أقسام الثنائي، وأمّا بالنظر إلى أقسام الثلاثى فالصور المحتملة مأتان وستّة عشر الحاصلة من ضرب الستّة في الستّة، وحاصلها أيضاً في الستّة. لكن الباقي بعد حذف المكرّرات والممتنعات سبعة:

1. النصف والسدس والربع.

2. النصف والسدس والثمن.

3. النصف والسدس والسدس.

4. الثلثان والسدس والسدس.

5. الثلثان والسدس والثمن.

6. الربع والسدس والسدس، كزوج وأب وامّ مع الولد.

7. السدس والسدس والثمن، كأب وامّ وزوجة مع الولد.

وأمّا أقسام الرباعي فهي بعد ضرب الستّة في مأتين وستّة عشر، ألف ومأتان وستّة وتسعون ويبقى بعد حذف المكرّرات والممتنعات، صورة واحدة وهي النصف والسدس والسدس والثمن لبنت وأب وامّ وزوجة.

وليعلم: أنّ مرادنا اجتماع السهام فرضاً وإلا فكثير من الصور الممتنعة في الفروض ممكن في القرابة.

وسيأتي تعرّض سيّدنا الاستاذ (قدّس سرّه) له في المسألة الخامسة والسادسة الآتيتين عن قريب.

ص: 185

(مسألة 1): قد ظهر ممّا ذكر: أنّ أهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب لا فرض لهم، ويرثون بالقرابة فقط، وأنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً إلا في صورة واحدة؛ وهي انحصار الوارث بالإمام (ع) والزوج. وأمّا الطبقة الاولى والثانية؛ فبعضهم لا فرض له أصلًا، كالابن والأخ لأبوين أو لأب، وبعضهم ذو فرض مطلقاً كالامّ، وبعضهم ذو فرض على حال دون حال كالأب، فإنّه ذو فرض مع وجود الولد للميّت، وليس له فرض مع عدمه، وكذا الاخت والاختان لأب وأبوين؛ فإنّ لهنّ فرضاً، إن لم يكن معهنّ ذكر، وليس لهنّ فرض إن كان.

أقول: هذه المسألة نتيجة البحوث السابقة ولبابها. فالورّاث على أربعة أقسام:

1. من يرث بالفرض فقط كالزوجة والزوج والامّ. والزوج والامّ يرثان بالفرض، سواء كان مع الردّ أو بدونه، واستثناء الزوج عمّن يرث بالفرض في صورة انحصار الوُرّات به وبالإمام محلّ نظر.

2. من يرث بالقرابة فقط كأهل الطبقة الثالثة من ذوي الأنساب.

3. من يرث تارة بالفرض وتارة بالقرابة كالأب مع وجود الولد وعدمه والبنت والبنتين وكذا الاخت والاختين لأب وامّ أو لأب مع وجود الذكر معهنّ ومع عدمه.

4. من يرث بالقرابة فقط كالإبن والأخ لأبوين أو لأب.

ص: 186

(مسألة 2): ظهر ممّا ذكر: أنّ من كان له فرض على قسمين: أحدهما: من ليس له إلا فرض واحد، ولا ينقص ولا يزيد فرضه بتبدّل الأحوال كالأب، فإنّه ذو فرض في صورة وجود الولد، وهو ليس إلا السدس مطلقاً، وكذلك البنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن، وكذا الاخت والاختان لأب أو لأبوين مع عدم الأخ، فإنّ فرضهنّ النصف أو الثلثان مطلقاً، وهؤلاء وإن كانوا ذوي فروض على حال دون حال إلا أنّ فرضهم لا يزيد ولا ينقص بتبدّل الأحوال، وقد يكون من له فرض على كلّ حال لا يتغيّر فرضه بتبدّل الأحوال، وذلك كالأخ للُامّ أو الاخت كذلك. فمع الوحدة فرضه السدس، ومع التعدّد الثلث؛ لا يزيد ولا ينقص في جميع الأحوال. الثاني: من كان فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال كالامّ؛ فإنّ لها الثلث تارة والسدس اخرى، وكذا الزوجان؛ فإنّ لهما نصفاً وربعاً مع عدم الولد، وربعاً وثمناً معه.

أقول: هذه المسألة أيضاً حاصل البحوث السابقة ولبابها، وحاصلها: أن ذوي الفروض على قسمين:

1. من ليس له إلا فرض واحد ولا يزيد ولا ينقص فرضه بتبدّل الأحوال.

2. من فرضه يتغيّر بتبدّل الأحوال كالامّ والزوجين.

(مسألة 3): غير ما ذكر من أصناف ذوي الفروض وارث بالقرابة.

أقول: قد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الفروض ستّة وأربابها ثلاثة عشر.

ص: 187

فالنصف للبنت الواحد والاخت الواحد لأبوين أو لأب والزوج والربع للزوج مع الولد وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد.

والثلث للُامّ مع عدم الولد والحاجب وللإخوة لُامّ.

والثلثان للبنتين فصاعداً مع عدم وجود الابن وللُاختين فصاعداً لأبوين أو لأب مع وجود الأخ لأبوين أو لأب.

والسدس للأب مع وجود الولد مطلقاً وللُامّ مع وجود الحاجب وللأخ أو الاخت للُامّ إذا كان منفرداً.

وأمّا سائر الأصناف الخارجة عن الأصناف الثلاثة عشر فيرثون بالقرابة، كالطبقة الثالثة مطلقاً وكالإبن والأخ لأب وامّ أو لأب وكالأولاد والإخوة لأب وامّ أو لأب والأجداد.

قال صاحب «المستند» بعد ذكر ذوي الفروض فقط وبعد ذكر ذوي الفروض والقرابة: «الثالث: ذو قرابة لا غير وهم الباقون»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر أرباب الفروض: «ومن عدا هؤلاء كالإخوة والأعمام والأخوال والأجداد وغيرهم لا يرث إلا بالقرابة»(2).

(مسألة 4): لو اجتمع جدّ وجدّة من قبل الامّ- كلاهما أو أحدهما- مع المنتسبين من قبل الأب، كالإخوة والأخوات من الأب والامّ أو من


1- مستند الشيعة 15: 19.
2- جواهر الكلام 11: 39.

ص: 188

الأب، وكالجدّ والجدّة من قبل الأب يكون حقّه ثلث مجموع التركة، وإن ورد النقص على ذي الفرض، فإن كان الوارث زوجاً وجدّاً أو جدّة من الامّ واختاً من الأب والامّ، فالنصف للزوج، والثلث للجدّ من قبل الامّ واحداً أو متعدّداً، والباقي- وهو السدس- للُاخت الواحدة من قبل الأب مع أنّ فريضتها النصف، ومع ذلك إرث الجدودة بالقرابة لا الفرض.

أقول: لمّا تبيّن حكم الفروض الستّة وأربابها، وتبيّن أنّ أرباب الفروض على قسمين وتبيّن حال الورّاث الذين يرثون بالقرابة فقط والورّاث الذين يرثون بالفرض فقط والورّاث الذين يرثون بهما، شرع في بيان حكم الجدّ والجدّة في هذه المسألة وبيان اجتماع الصور الستّة في المسألتين الآتيتين.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع أحد الزوجين مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الامّ، أو من قبل الأب، كان لأحد الزوجين نصيبه الأعلى من النصف أو الربع، والباقي للباقي واحداً كان أو متعدّداً»(1).

واستدلّ عليه- مضافاً إلى الإجماع- بأنّ الجدود بمنزلة الأب أو الامّ ولكلّ منهما الباقي بعد نصف أحد الزوجين.

واستدلّ صاحب «الجواهر» بالمشهور بين الأصحاب بل بالإجماع المدّعى في «كشف اللثام» وبعموم ما دلّ «على إرث كلّ قريب نصيب من يتقرّب به»(2).

ومعلوم أنّ نصيب الامّ الثلث ونصيب الأب الثلثان فللجدّ الامّي الثلث، ولو كان واحداً وللأبي الثلثان هكذا.


1- مستند الشيعة 287: 19.
2- جواهر الكلام 152: 39.

ص: 189

ففي صحيحة حمّاد أبي يوسف الخرّاز عن سليمان بن خالد عن الصادق (ع) قال: «كان علي (ع) يجعل العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الامّ وابن الأخ بمنزلة الأخ»، قال: «وكلّ ذي رحم لم يستحقّ له فريضة فهو على هذا النحو»، قال: «وكان علي (ع) يقول: إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال»(1).

وفي رواية أبي أيّوب عنه (ع) قال: «إنّ في كتاب علي (ع): أنّ العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الامّ وبنت الأخ بمنزلة الأخ، قال: وكلّ ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

فعلى هاتين الروايتين كلّ ذي رحم بمنزلة من ذكر في الميراث أي في قدر الميراث أو جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل.

فلا يقال: إنّ لبنت الابن مع ابن البنت سهماً واحداً ولابن البنت سهمين بقاعدة: «للذّكَر مثل حظّ الانثيين». إذ لو فرض كون الآية شاملة لهما فتكون عامّة فتخصّص بما ذكر.

ثمّ إنّه لا خلاف في أنّ أولاد الابن يقتسمون المال بقاعدة: «للذّكر مثل حظّ الانثيين». فهل أولاد البنت كذلك؟ المشهور أنّهم كذلك، بل ادّعى الإجماع عليه كما في «التنقيح» وظاهر «الشرائع». ونقل عن بعض اقتسامهم بالسويّة وهو ضعيف.


1- وسائل الشيعة 188: 26- 189، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 7.
2- وسائل الشيعة 188: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 6.

ص: 190

(مسألة 5): الفروض الستّة مع ملاحظة اجتماعها والصور المتصوّرة منه ستّة وثلاثون، حاصلة من ضرب الستّة في مثلها، وإذا سقطت الصور المتكرّرة- وهي خمس عشرة- بقيت إحدى وعشرون صورة.

أقول: هذا بالنظر إلى أقسام الثنائي. وأمّا أقسام الثلاثي والرباعي فقد مضى البحث عنها آنفاً وسنشير إليهما.

(مسألة 6): الصور المتقدّمة غير المتكرّرة: منها ما يصحّ اجتماعها، ومنها ما يمتنع ولو لبطلان العول. فالممتنع ثمانية: وهي اجتماع النصف مع الثلثين، والربع مع مثله، ومع الثمن، والثمن مع مثله، ومع الثلث، والثلثين مع مثلهما، والثلث مع مثله، ومع السدس. والصحيح هو البقيّة؛ فإنّ النصف يجتمع مع مثله، كزوج واخت واحدة لأب أو لأبوين، ومع الربع كبنت واحدة والزوج، ومع الثمن كبنت واحدة مع الزوجة، ومع الثلث كالزوج والامّ مع عدم الحاجب، ومع السدس كالزوج وواحد من كلالة الامّ، فالنصف يجتمع مع الفرائض الستّة، إلا واحدة منها لبطلان العول. فالاختان لو اجتمعتا مع الزوج ترثان بالقرابة، لا بالفرض، ويكون النقص وارداً عليهما. والربع يجتمع مع الثلثين كزوج وابنتين، ومع الثلث كزوجة والمتعدّد من كلالة الامّ، ومع السدس كالزوجة والمتّحد من كلالة الامّ. والثمن يجتمع مع الثلثين كالزوجة وابنتين، ومع السدس كزوجة وأحد الأبوين مع وجود الولد. والثلثان يجتمع مع الثلث كاختين

ص: 191

فصاعداً لأب وإخوة من الامّ، ومع السدس كبنتين وأحد الأبوين. والسدس يجتمع مع مثله، كالأبوين مع وجود الولد.

أقول: لقد أجاد سيّدنا الاستاذ في بيان الصور الصحيحة، وذكر أمثلتها فلا نحتاج إلى شرح وتوضيح زائداً على ما ذكر، والإطناب المملّ كالإيجاز المخلّ مردود عند أهل العلم والأدب.

وقد ذكرنا سابقاً صور الثلاثى، فإنّها مأتان وستّة عشر وتبقي بعد حذف الممتنعات والمكرّرات سبعة، فراجع.

وقد ذكرنا أيضاً صور الرباعي فإنّها ألف ومأتان وستّة وتسعون وتبقي بعد حذف المكرّرات والممتنعات صورة واحدة وهي النصف والسدس والثمن والسدس لبنت وأب وامّ وزوجة ولا يلزم العول، بل يزيد التركة عن الفروض ولا نلتزم بالتعصيب كما هو دأب العامّة فيعطى الزائد لأرباب الفروض ولا يعطى لعصبة الميّت، كما سيجي ء البحث عنه إن شاء الله وتكون العصبة في فيها التراب.

فيضرب الستّة في ثمانية فيصير الحاصل ثمانية وأربعون فيعطى البنت أربعاً وعشرين والزوجة ستّة، وكلّ من الأب والامّ ثمانية فيبقى سهمان فيقسم أخماساً: ثلاثة أسهم للبنت ولكلّ من الأب وللُامّ سهم واحد.

تنبيه: التعصيب والعول باطلان

أقول: بطلانهما متّفق عليه عندنا وليس لهم دليل معتبر قابل للاستناد إليه.

ص: 192

قال صاحب «المستند»: «إذا زادت التركة عن السهام ولم يكن مساوٍ لا فرض له، ردّ الزائد إلى ذوي الفروض على التفصيل الآتي عندنا، والعامّة ذهبوا فيه إلى التعصيب، أي يعطون الزائد العصبة»(1).

واختلافنا مع العامّة في أمرين: أحدهما بنائهم على التعصيب في أصل تقسيم الإرث، فلا يعطون الإرث لابن البنت وأب الامّ وابن الاخت وابن الأخ من الامّ والخال وابن الخالة والعمّ من الامّ(2). ثانيهما إعطاء الزائد من الفروض للعصبة وهو فتوى جمع من العامّة ورووها عن أمير المؤمنين (ع) وابن عبّاس وابن مسعود(3).

قال صاحب «المستند»: «اعتمادنا في بطلانهما على الإجماع القطعي الكاشف عن قول الحجّة، بل الضرورة المذهبية والأخبار المستفيضة، بل المتواترة معنى عن أئمّتنا الطاهرين، مضافة إلى أخبار مرويّة في طرقهم، ومنها الأخبار المتكثّرة الدالّة على لزوم تقديم الأقرب فالأقرب وأنّ العصبة في فيه التراب»(4).

وقال صاحب «الجواهر» بعد ذكر أدلّة على ردّ التعصيب واستشهاده بآية اولى الأرحام وبيان تمسّك العامّة بالوجوه الاستحسانية ومخالفتهم الكتاب والسنّة المرويّة من طرقهم كقول رسول الله (ص) بكون المال كلّه للبنت إذا كان الوارث بنتاً وأخاً: «التزموا بأمور شنيعة، ككون الابن للصلب أضعف سبباً من ابن العمّ ... وككون الاخت عصبة عندهم مع الأخ دون البنت مع الأب ... وكالتزامهم اشتراط توريث وارث بوجود وارث آخر فيما لو خلّف بنتين وابنة ابن وعمّ، فإنّ


1- مستند الشيعة 140: 19.
2- انظر: مستند الشيعة 140: 19.
3- مستند الشيعة 143: 19.
4- مستند الشيعة 143: 19.

ص: 193

للعمّ عندهم ما فضل من البنتين ولا شي ء لبنت الابن إلا إذا كان معها ذكر في درجتها أو فيما دونها فإنّ الثلث يكون بينهم حينئذٍ أثلاثاً ولا شي ء للعمّ»(1).

ثمّ قال: «وحيث كان التعصيب باطلًا بالضرورة من مذهب الإمامية لم يكن للإطناب فيه ثمرة»(2).

وأمّا العول فهو بمعنى الزيادة أو النقصان أو الميل أو الارتفاع. والمراد به «زيادة الفريضة لقصورها عن سهام الورثة على وجه يحصل به النقص على الجميع بالنسبة»(3).

قال صاحب «المستند»: «هو من لغات الأضداد جاء بمعنى الزيادة والنقصان وهو يتعدّى ولا يتعدّى كما صرّح به الجوهري»(4).

وقد وقع في زمن عمر مسألة العول فجمع الصحابة وسألهم عن حكمه فاتّفق رأي أكثرهم على العول.

واستدلّ العامّة عليه بوجوه ضعيفة.

منها: أنّه لابدّ من النقص وإدخاله على البعض ترجيح بلا مرجّح. وفيه: أنّ المرجّح موجود، كإجماع الطائفة المحقّة والأخبار المستفيضة، بل المتواترة عن المعصومين (عليهم السلام) وإنكارهم أشدّ الإنكار.

ومنها: قياسه على الوصيّة والدين، إذا قصرت التركة. وفيه: أنّه قياس لا نقول به.


1- جواهر الكلام 104: 39.
2- جواهر الكلام 105: 39.
3- جواهر الكلام 106: 39.
4- مستند الشيعة 150: 19.

ص: 194

ومنها: ما رووه عن علي (ع) وقد كان على المنبر فقام رجل وقال: رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وزوجته، فقال (ع): «صار ثمن المرأة تسعاً»(1). وفيه: أنّ سند هذه الرواية ضعيف، مع أنّها معارضة بخلافها، ويحتمل التقيّة أو الاستفهام الإنكاري.

ومنها: حكم عمر بالعول. وفيه: أنّ حكمه ليس بحجّة، مع أنّه أعترف بالجهل.

«كان أمير المؤمنين (ع) يقول: إنّ الذي أحصى رمل عالج ليعلم أنّ السهام لا تعول على ستّة، لو يبصرون وجهها لم تجز ستّة»(2).

وقال أيضاً: «لو كنتم قدّمتم من قدّم الله ... ما عال ولي الله ولا طاش سهم من فرائض الله»(3).

(مسألة 1): الورّاث الموجودون للميّت إن كانوا ورّاثاً بالفرض فهو على صور:

الاولى: ما إذا كانت تركة الميّت بقدر السهام المفروضة بلا زيادة ونقصية، كما إذا كان الوارث أبوين وبنات متعدّدة، فالثلثان للبنات، والثلث للأبوين، لكلّ سدس.

الثانية: ما لو كانت التركة أزيد من السهام فتردّ الزيادة على أرباب الفروض ولا تعطى لعصبة الميّت، وهي كلّ ذكر ينتسب إليه بلا واسطة


1- المغني، ابن قدامة 36: 7.
2- وسائل الشيعة 74: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 6، الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 78: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 5.

ص: 195

أو بواسطة الذكور، فلو كان الوارث منحصراً ببنت واحدة وامّ يعطى النصف البنت فرضاً والسدس الامّ فرضاً، ويردّ الثلث الباقي عليهما أرباعاً على نسبة سهمهما، ولو انحصر ببنات متعدّدة وامّ يعطى الثلثان البنات فرضاً والسدس الامّ فرضاً، والسدس الباقي يردّ عليهما أخماساً على نسبة السهام، والعصبة في فيها التراب.

الثالثة: ما إذا كانت التركة أقلّ من السهام، وذلك بدخول بنت أو بنتين فصاعداً، أو اخت من قِبَل الأبوين أو الأب، أو اختين كذلك فصاعداً في الورثة، فيرد النقص عليهنّ، ولا يعول بوروده على الجميع بالنسبة، فلو كان الوارث بنتاً وزوجاً وأبوين يردّ فرض الزوج والأبوين، ويرد النقص- وهو نصف السدس- على البنت، ولو كانت في الفرض بنات متعدّدة، يرد النقص- وهو الربع- عليهنّ. وكذا في الأمثلة الاخر.

أقول: في المسألة ثلاث صور، لأنّ التركة تكون إمّا بقدر السهام أو أزيد أو أنقص.

لا كلام في الصورة الاولى ولا كلام أيضاً في الصورة الثانية والثالثة بمقتضى المذهب القيّم، إنّما الكلام فيهما بمتقضى ما قاله أكثر العامّة، والحجّة لنا وعليهم وقد مرّ البحث عنهما إجمالًا.

ويدلّ على أنّ في الصورة الثانية، لا يردّ الزائد على الزوج والزوجة رواية زرارة عن الصادقين (عليهما السلام): «إن ترك الميّت امّاً أو أباً وامرأةً وابنة فإنّ الفريضة من أربعة وعشرين سهماً، للمرأة الثمن، ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين سهماً ولكلّ واحد من الأبوين السدس، أربعة أسهم وللابنة النصف، اثنا عشر سهماً

ص: 196

وبقي خمسة أسهم هي مردودة على الابنة وأحد الأبوين على قدر سهامهما، ولا يردّ على المرأة شي ء ...»(1).

وقد قال زرارة في أوّل هذه الرواية الطويلة التي لم ننقل كلّها: «هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا».

ويدلّ على الصورة الثالثة قوله (ع) في من ترك زوجاً وامّاً وبنتين: «للزوج الربع وللُامّ السدس وللابنتين ما بقي»(2). وكذا صحيحة محمّد بن مسلم وبكير(3)، تركنا ذكرهما اختصاراً.

(مسألة 2): لا تردّ الزيادة على طوائف من أرباب الفروض: منها: الزوجة مطلقاً، فتعطى فرضها ويردّ الباقي على غيرها من الطبقات حتّى الإمام (ع). ومنها: الزوج، فيعطى فرضه ويردّ الباقي على غيره إلا مع انحصار الوارث به وبالإمام (ع)، فيردّ عليه النصف مضافاً إلى فرضه. ومنها: الامّ مع وجود الحاجب من الردّ كما تقدّم. ومنها: الإخوة من الامّ مطلقاً مع وجود واحد من الجدودة من قبل الأب، أو واحد من الإخوة من قبل الأبوين أو الأب كما تقدّم.


1- وسائل الشيعة 133: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 132: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 131: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 1.

ص: 197

أقول: في هذه المسألة فروع:

الأوّل: عدم ردّ الزيادة على الزوجة مطلقاً.

لا كلام في عدم ردّ الزيادة إليها مادام بعض الطبقات موجوداً، إنّما الكلام في صورة عدم وارث سوى الإمام، وقد مرّ البحث عنها واخترنا أنّ لها الربع خاصّة بمقتضى الأصل، وبمقتضى الروايات المستفيضة المعتضدة بالشهرة والإجماعات المنقولة.

الثاني: ردّ الزيادة على الزوج إذا كان منفرداً.

لا كلام في عدم ردّ الزيادة على الزوج مع وجود وارث مناسب، وأمّا في صورة عدمه فيردّ عليه الباقي والمخالف الديلمي. ويؤيّده الأصل وظاهر الآية. لكنّ العمل بالأصل والإطلاق والعموم ممنوع بمقتضى الرافع والمقيّد والمخصّص.

الثالث: عدم ردّ الزيادة على الامّ مع الحاجب.

قد مرّ البحث عن هذا الفرع ولا خلاف فيه، لصريح الكتاب والروايات التي تدلّ على أنّ للُامّ مع وجود الإخوة الحاجبة السدس.

الرابع: عدم ردّ الزيادة على الإخوة من الامّ في بعض الصور.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة، أو هما للأب مع كلالة الامّ، كان الثلث للكلالة، يقتسمونه بالسويّة إن كانوا أكثر من واحدة، والسدس إن كانت واحدة، والباقي للجدّ أو الجدّة أو هما، للذكر ضعف الانثى»(1).

ومقتضى كلامه عدم الردّ على كلالة الامّ، فيكون الثلث لكلالة الامّ مع


1- مستند الشيعة 297: 19.

ص: 198

التعدّد، والسدس مع الانفراد وهذا إجماعي، ويكون الثلثان أو الخمسة من الأسداس للجدّ أو الجدّة من قِبَل الأب أو لهما.

ويدلّ على هذا التقسيم روايات:

منها: موثّقة الحلبي عن أحدهما (عليهما السلام): «للإخوة من الامّ الثلث مع الجدّ وهو شريك الإخوة من الأب»(1).

ومنها: صحيحته عن أبي عبدالله (ع) قال: سألته عن الإخوة من الامّ مع الجدّ، قال: «للإخوة فريضتهم الثلث مع الجدّ»(2).

ومنها: رواية أبي جميلة عنه (ع) في الإخوة من الامّ مع الجدّ، قال: «للإخوة من الامّ فريضتهم الثلث مع الجدّ»(3).

ومنها: رواية أبي الصباح الكناني قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن الإخوة من الامّ مع الجدّ، قال: «الإخوة من الامّ فريضتهم الثلث مع الجدّ»(4).

ومنها: رواية أبي الربيع عنه (ع) في الجدّ مع إخوة لُامّ قال: «إنّ في كتاب علي (ع): أنّ الإخوة من الامّ يرثون مع الجدّ الثلث»(5).


1- وسائل الشيعة 175: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 174: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 7.
4- وسائل الشيعة 172: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 2.
5- وسائل الشيعة 175: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 10.

ص: 199

ومنها: صحيحة الحلبي عنه (ع) في الإخوة من الامّ مع الجدّ، قال: «الإخوة من الامّ مع الجدّ نصيبهم الثلث مع الجدّ»(1).

ومنها: موثّقة أبي بصير عن أبي جعفر (ع) قال: «أعطِ الإخوة من الامّ فريضتهم مع الجدّ»(2).

ويدلّ على كون السدس للكلالة والباقي للقرابة جدّاً كان أو جدّة أو كليهما الإجماع، وقرابة الأب بمنزلة الأب فيرث الجميع إلا سهم الكلالة. ويدلّ عليه مضافاً إلى ما ذكر صحيحة عبدالله بن سنان عن الصادق (ع) في رجل ترك أخاه لأمّه ولم يترك وارثاً غيره قال: «المال له»، قلت: فإن كان مع الأخ للُامّ جدّ؟ قال: «يعطى الأخ للُامّ السدس ويعطى الجدّ الباقي»، قلت: فإن كان الأخ لأب وجدٍّ، قال: «المال بينهما سواء»(3).

هذا بالنظر إلى اجتماع كلالة الامّ مع الجدّ من قِبَل الأب، وأمّا بالنظر إلى اجتماعها مع الأخ من قبل الأبوين، أو الأب، فليعلم أنّ لكلالة الامّ السدس انفراداً والثلث اجتماعاً ويكون الباقي للأخ من قبل الأب والامّ أو من قبل الأب.

قال صاحب «الجواهر»: «إن فرضت الزيادة كما في واحد من كلالة الامّ- أخ مثلًا- مع اخت لأب وامّ، كان الفاضل بعد فرضي النصف والسدس- وهو الثلث-


1- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 174: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 172: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 1.

ص: 200

للُاخت من الأبوين خاصّة دون غيرها»(1).

وحكم صاحب «الجواهر» بعدم خلاف معتدّ به فيه، ونقل عن «المختلف» أنّه ادّعى أكثر العلماء الإجماع عليه.

(مسألة 3): الذكور من الأولاد وكذا الإناث مع وجود الذكور يرثون بالقرابة، وكذا الأب بشرط عدم وجود الولد للميّت، وكذا الجدودة مطلقاً والإخوة من قبل الأبوين أو الأب بشرط وجود ذكور فيهم، وكذا جميع أصناف الطبقة الثالثة من العمومة والخؤولة وأولادهم، فهؤلاء يرثون بالقرابة لا بالفرض.

أقول: الورّاث على ثلاثة أقسام: ذو فرض فقط، وذو قرابة تارة، وذو فرض اخرى وذو قرابة فقط.

القسم الأوّل: هو الامّ والزوجان وكلالة الامّ.

قال تعالى في فرض الامّ:) وَلأبَوَيهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يكنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ ((2).

وقال في فرض الزوجين:) وَلَكمْ نِصْفُ مَا تَرَك أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يكنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يوصِينَ بِهَا أَوْ دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا


1- جواهر الكلام 159: 39.
2- النساء( 4): 11.

ص: 201

تَرَكتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَينٍ ((1).

وقال في فرض كلالة الامّ متّحدة أو متعدّدة:) وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يورَثُ كلالَةً أوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ اخْتٌ فَلِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكثَرَ مِنْ ذَلِك فَهُمْ شُرَكاءُ فِى الثُّلُثِ ((2).

القسم الثاني: هو الأب والبنت أو البنات والاخت من قبل الأبوين أو الأب.

قال تعالى في الأب:) وَلأبَوَيهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يكنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ ((3). فيرث الأب مع الولد بالفرض ولا معه بالقرابة.

وقال في البنت أو البنات:) يوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((4). فيرثن بالقرابة مع الذكور. وقال أيضاً:) فَإِنْ كنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَك وَإِنْ كانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ((5). فيرثن بالفرض إذا لم يدخل عليهنّ الذكور.

وقال في الاخت من قبل الأب أو الأبوين مع الاجتماع مع الذكور:) وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((6).

وقال أيضاً في بيان صورة انفرادهنّ عن الذكور:) إِن امْرُؤٌ هَلَك لَيسَ لَهُ وَلَدٌ


1- النساء( 4): 12.
2- النساء( 4): 12.
3- النساء( 4): 11.
4- النساء( 4): 11.
5- النساء( 4): 11.
6- النساء( 4): 176.

ص: 202

وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ ((1).

القسم الثالث: باقي الوُرّاث. قال صاحب «المستند» بعد ذكر الأقسام: «إنّ ما ذكرنا من التقسيم هو الموافق ل- «الدروس» وهو أحسن ما ذكر في المقام، ولكنّه يصحّ إذا لم يجعل الردّ داخلًا في القرابة أو قطع النظر عنه وهو بعيد، بل خلاف مدلول كلمات القوم»(2).

ثمّ إنّه نقل تقسيماً آخر واستشكل فيه وقال: «ما عثرت في عباراتهم في هذا المقام على كلام خال عن القصور والخلل، إمّا استقصاء أو تعبيراً أو تمثيلًا أو معنى وأكثرها خللًا كلام المسالك»(3).

وأخيراً ذكر تقسيمين آخرين وحكم بأنّهما الأولى وحيث إنّه لا فائدة عملًا في هذا البحث، نشير إلى كلام «الجواهر»، فإنّه ذكر خمسة أقسام:

1. من لا يرث إلا بالفرض دائماً من غير ردّ.

2. نفس القسم الأوّل مع الردّ أحياناً.

3. من يرث تارة بالفرض وتارة بالقرابة.

4. من لا يرث إلا بالقرابة.

5. الوارث بالولاء أي المعتق والضامن والإمام(4).


1- النساء( 4): 176.
2- مستند الشيعة 15: 19.
3- مستند الشيعة 15: 19.
4- جواهر الكلام 10: 39- 11.

ص: 203

(مسألة 4): لو اجتمع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة، فالفرض للوارث بالفرض، والباقي للوارث بالقرابة. فلو اجتمع الأبوان مع أولاد- الذكور والإناث- يعطى فرض الأبوين وهو السدسان، والباقي للأولاد بالقرابة، ولو كان الوارث الأبوين، فللُامّ السدس مع وجود الحاجب، والثلث مع عدمه فرضاً، والباقي للأب قرابة، ولو اجتمعت الاخت أو الأخوات من الأبوين مع الجدودة من قبل الامّ، فالفرض للُاخت أو الأخوات والباقي للجدودة بالقرابة، وهكذا غير ما ذكر.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن حكم اجتماع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة.

قال صاحب «المستند»: «إذا وجد وارث ذو فرض أو أكثر، فإمّا يكون معه مساوٍ لا فرض له أو لا يكون وعلى التقديرين فإمّا تكون التركة مساوية للفرض أو أزيد أو انقص فهذه ستّة أقسام: اثنان منها ممتنعان وقوعاً وهما أن يكون مع ذوي الفروض مساوٍ لا فرض له ونقصت التركة عن فرضهم أو ساوتها»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إذا أبقت الفريضة شيئاً، فإن كان هناك مساو لا فرض له، فالفاضل له بالقرابة، مثل أبوين وزوج أو زوجة، للُامّ ثلث الأصل، وللزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى وللأب الباقي».

ثمّ قال: «ولو كان إخوة حاجبون كان للُامّ السدس وللزوج مثلًا النصف وللأب الباقي وكذا أبوان وابن وزوج فإنّ للزوج ربعه وللأبوين لكلّ واحدٍ منهما


1- مستند الشيعة 139: 19.

ص: 204

السدس وللإبن الباقي، لأنّه ممّن يرث بالقرابة»(1).

ويستفاد من استقراء المصاديق المذكورة في «التحرير» و «الجواهر»، أنّ القاعدة الكلّية في صورة اجتماع الوارث بالفرض مع الوارث بالقرابة، أنّ الوارث بالفرض يأخذ فرضه ويكون الباقي للوارث بالقرابة.

وهذه القاعدة معلومة من دين آل محمّد (ص) كما صرّح به صاحب «الجواهر»(2).

ثمّ إنّه ذكر مصداقاً آخر، وقال: «وكذا زوج وأخوان من امّ وأخ أو إخوة من أب وامّ أو من أب، فإنّ للزوج النصف وللأخ من الامّ الثلث والباقي للأخ أو الإخوة من ألأب والامّ، أو من الأب، لأنّهم لا فرض لهم»(3).

هذا إذا كان الوارث بالفرض والوارث بالقرابة مساويين في الدرجة وإلا لم يرث الوارث البعيد، فإن لم يزد شي ء على الفروض، فلا كلام وإن زاد، يردّ الفاضل على ذوي الفروض عدا الزوج والزوجة، فإن كان الوارث أبوين أو أحدهما وبنتا وأخاً أو عمّاً، فللبنت النصف ولكلّ واحدٍ من الأبوين السدس ويبقى سدس، فيردّ عليهم أخماساً على نسبة سهامهم ولا يعطى الأخ ولا العمّ شيئاً، بل «يفيهما وغيرهما من العصبة التراب، كما تواترت به نصوصنا، لقاعدة منع الأقربِ الأبعدَ، المستفادة من الكتاب والسنّة والإجماع من المؤالف والمخالف»(4).


1- جواهر الكلام 100: 39.
2- جواهر الكلام 99: 39.
3- جواهر الكلام 100: 39.
4- جواهر الكلام 100: 39.

ص: 205

قال تعالى:) وَاوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِى كتَابِ اللهِ ((1).

وقال أيضاً:) وَاوْلُوا الأرْحَامِ بَعْضُهُمْ أوْلَى بِبَعْضٍ فِى كتَابِ اللهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إلا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أوْلِيائِكمْ مَعْرُوفاً ((2).

وقال الصادق (ع): «فأولاهم- أي الأرحام- بالميّت أقربهم إليه من الرحم التي تجرّه إليها»(3).

وقال الباقر (ع): «ابنك أولى بك من ابن ابنك وابن ابنك أولى بك من أخيك»(4).

وقال الصادق (ع): «المال للأقرب والعصبة في فيه التراب»(5).

إلى هنا تمّ- بعون الله الملك العلّام- البحث عن المقدّمات الثلاث، أي موجبات الإرث وموانعه الخمسة- أي الكفر والقتل والرقّ والتولّد من الزنا واللعان- والسهام، وفي ذيل المقدّمة الثالثة بحثنا عن العول والتعصيب الذين هما باطلان عندنا وصحيحان عند أهل السنّة.


1- الأنفال( 8): 75.
2- الأحزاب( 33): 6.
3- وسائل الشيعة 63: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 64: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 2.
5- وسائل الشيعة 64: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 3.

ص: 206

ص: 207

المقصد الأوّل: في ميراث الأنساب

اشارة

وهم ثلاث مراتب:

الاولى: الأبوان بلا واسطة والأولاد إن نزلوا الأقرب فالأقرب.

أقول: قد مضى في أوّل كتاب المواريث: أنّ فيه مقدّمات ومقصدين ولواحق، أمّا المقدّمات ففي امور ثلاثة: موجبات الإرث وموانعه والسهام. وقد مضى البحث عنها مفصّلًا.

فالكلام الآن في المقصد الأوّل، ففي ميراث الأنساب ولهم مراتب ثلاثة: الأبوان بلا فصل والأولاد، والإخوة والأجداد، والأعمام والعمّات والأخوال والخالات.

والكلام هنا في الأبوين بلا واسطة والأولاد وإن نزلوا، وهم الطبقة الاولى، فلا يرث الطبقة الثانية والثالثة مع وجود الطبقة الاولى سواء زادت التركة على السهام المفروضة أو نقصت أو ساوت، فإنّ العول والتعصيب عندنا باطلان على ما مرّ. إذ في صورة النقصان، يرد النقص على البنت أو البنات ولا يرد

ص: 208

النقص على الزوج والزوجة والأبوين.

وأمّا المقصد الثاني ففي ميراث الأسباب أو بعضها- أي الزوجية- وسيجي ء إن شاء الله تعالى.

(مسألة 1): لو انفرد الأب فالمال له قرابة، أو الامّ فلها الثلث فرضاً والباقي يردّ عليها، ولو اجتمعا فللُامّ الثلث فرضاً، والباقي للأب إن لم يكن للُامّ حاجب، وإلا فلها السدس والباقي للأب، ولا ترث الإخوة في الفرض شيئاً وإن حجبوا.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن إرث الأب والامّ سواء كان للُامّ حاجب أم لا.

قال صاحب «المستند»: «الأب إذا انفرد، كان له المال كلّه بالإجماع، والوجه ظاهر، فإنّه لا وارث غيره يمنعه إيّاه، والامّ إذا انفردت كان لها المال كلّه كذلك، ثلثه بالفرض والباقي بالردّ»(1).

واستدلّ على الأوّل بالإجماع والكتاب والسنّة، أمّا الأوّلان فظاهران، وأمّا الثالث، فالروايات الواردة في باب حجب الإخوة.

واستدلّ على الثاني بالإجماع والسنّة، وهي التي تدلّ على أنّ الأقرب يمنع الأبعد وأنّ السابق أحقّ بميراث قريبه. والأحقّية أعمّ من الفريضة وما بالقرابة.

ثمّ قال: «لو اجتمع الأبوان فللُامّ الثلث مع عدم الإخوة الحاجبة والباقي للأب


1- مستند الشيعة 161: 19.

ص: 209

ولها السدس مع الإخوة وله الباقي بلا خلاف فيهما»(1).

واستدلّ على حكم الامّ في الصورتين بصريح الكتاب وعلى حكم الأب بالروايات المستفيضة.

منها: صحيحة زرارة عن الباقر (ع) في رجل مات وترك أبويه، قال: «للأب سهمان وللُامّ سهم»(2).

ومنها: صحيحة أبي بصير عن الصادق (ع) في رجل ترك أبويه، قال: «هي من ثلاثة أسهم، للُامّ سهم وللأب سهمان»(3). إلى غير ذلك من الروايات.

ومثل ما ذكر في «المستند»، ذكر في «الجواهر»، فقال المحقّق النجفي صاحب «الجواهر»: «إن انفرد الأب عمّن في درجته والزوج، فالمال له قرابة لآية أولى الأرحام وإن انفردت الامّ فلها الثلث فرضاً والباقي ردّ عليها عندنا، خلافاً للعامّة فللعصبة»(4). والتعصيب باطل عندنا كالعول.

(مسألة 2): لو انفرد الابن فالمال له قرابةً، ولو كان أكثر، فهم سواء. ولو انفردت البنت فلها النصف فرضاً والباقي ردّاً، والعصبة لا نصيب لها، وفي فيها التراب. ولو كانت بنتان فصاعداً فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً


1- مستند الشيعة 163: 19.
2- وسائل الشيعة 115: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 9، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 115: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 9، الحديث 2.
4- جواهر الكلام 111: 39- 112.

ص: 210

والباقي ردّاً، ولو اجتمع الذكور والإناث فالمال لهم؛) للذّكَرِ مِثلُ حظِّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن صورة انفراد الابن أو اجتماع الأبناء، وصورة انفراد البنت أو اجتماع البنات، وصورة اجتماع الذكور والإناث.

قال صاحب «المستند»: «الابن المنفرد من الأبوين والزوجين له المال كلّه بالإجماع لقضية الأقربية، ولاستفاضة الروايات بأنّ الابنة المنفردة لها المال كلّه كما يأتي، فلو نقص عن الابن المنفرد شي ء، لزم نقص الرجل عن المرأة لو كان مكانها وهو باطل»(1).

وقال أيضاً: «البنت المنفردة لها المال كلّه، نصفه بالفرض والباقي بالردّ، أمّا الأوّل: فبالثلاثة، وأمّا الثاني: فبالإجماع والسنّة كروايات ميراث الرسول (ص) وصحيحتي زرارة والبزنطي وروايات العجلي وابن خداش وعبدالله بن محرز وسلمة بن محرز»(2).(3)

وقال أيضاً: «وإن تعدّدت البنات، فالمال كلّه لهنّ يقسم بينهنّ بالسويّة، الثلثان بالفرض والثلث بالردّ»(4).

واستدلّ عليه بعد الإجماع بل الضرورة، بحديث الأقربية، وبموثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله التي تدلّ على أنّ مولى لعلي (ع) مات فقال (ع): «انظروا


1- مستند الشيعة 171: 19.
2- مستند الشيعة 171: 19- 172.
3- راجع: وسائل الشيعة 100: 26- 107، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 4، الحديث 1، 3 و 5، والباب 5، الحديث 2، 3، 5، 8 و 11.
4- مستند الشيعة 172: 19.

ص: 211

هل تجدون له وارثاً؟ فقيل له: إنّ له ابنتين باليمامة مملوكتين، فاشتراهما من مال الميّت، ثمّ دفع إليهما بقيّة الميراث»(1).

وفي رواية علي بن أبي حمزة عن أبي الحسن (ع) قال: سألته عن جار له هلك وترك بنات قال: «المال لهنّ»(2). وفي معناها روايات اخر.

نعم يدلّ الكتاب في آية النساء:) فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ((3)، أنّ الثلثين للبنات إن كنّ فوق اثنتين وأمّا في البنتين فينحصر الدليل في الإجماع.

لكنّ الأقدمين استدلّوا عليه بقوله تعالى:) لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((4). بتقريب أنّ المراد أنّ نصيب الابن في حالة الاجتماع مثل نصيب البنتين في حالة الإنفراد واستشكل عليه: بأن الآية تدلّ على إرث الذكور والإناث مع اجتماعهما ولا تدلّ على إرث الذكور والإناث في حالة الانفراد(5).

وقال صاحب «الجواهر»: «والثلثان سهم البنتين فصاعداً مع عدم مشاركة الذكر المساوي إجماعاً بقسميه ونصوصاً مستفيضة أو متواترة وأولويتهما من الاختين بذلك لكونهما أمسّ رحماً ولأنّ للبنت مع الابن الثلث، فأولى أن يكون لها مع بنت اخرى ذلك»(6).


1- وسائل الشيعة 52: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موانع الإرث، الباب 20، الحديث 8.
2- وسائل الشيعة 102: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 4، الحديث 5.
3- النساء( 4): 11.
4- النساء( 4): 11.
5- مستند الشيعة 173: 19- 174.
6- جواهر الكلام 93: 39.

ص: 212

وأشار بقوله: «أولوليتهما من الاختين» إلى آية النساء:) فِإن كانتا اثْنتَينِ فَلَهُما الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ ((1).

ّ قال: «بل لعلّ المراد من قوله تعالى:) فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَينِ (اثنتين فما فوق، نحو قوله (ص): «لا تسافر المرأة سفراً فوق ثلاثة أيّام إلا ومعها زوجها أو ذو محرم لها»، إذ لو أريد التقييد بالزيادة على اثنتين لم يكن إلا تأكيداً، ضرورة استفادة ذلك من لفظ الجمع، بل يخلو الكلام حينئذٍ عن حكم الاثنتين، فالمراد حينئذ، فإن كنّ نساء فوق اثنتين فلهما الثلثان فضلًا عن اثنتين»(2).

ثمّ أشار إلى الاستدلال بما يدلّ على أنّ للذكر مثل حظّ الانثيين، فإنّ أقلّ ما يدلّ عليه اجتماع ذَكَر وانثى، فللُانثى في هذه الحالة الثلث، فإذا كانت مع انثى اخرى فلها الثلث أيضاً وإلا ففي حالة اجتماع الانثيين مع الذكر الواحد لهما النصف.

ثمّ قال: «والأمر في ذلك سهل بعد تطابق السنّة والإجماع عليه، بل لعلّه بين المسلمين، وخلاف ابن عباس- بعد أن سبقه الإجماع ولحقه- غير قادح»(3).

بقيت صورة واحدة مذكورة في المتن وهو اجتماع الذكور والإناث.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الذكور والإناث فالمال كلّه لهم، لكلّ ذَكَر مثل حظّ الانثيين»(4).

أمّا كون كلّ المال لهم فبدليل الأقربية، وأمّا كون حظّ الذكر مثل حظّ


1- النساء( 4): 176.
2- جواهر الكلام 93: 39.
3- جواهر الكلام 94: 39.
4- مستند الشيعة 174: 19.

ص: 213

الانثيين، فبالضرورة الدينية والكتاب والسنّة، أمّا الكتاب فقوله تعالى:) يوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((1). وأمّا السنّة فكثيرة مذكورة في أبواب ميراث الأبوين والأولاد من كتاب «الوسائل»، فراجع.

(مسألة 3): لو اجتمع الأولاد مع أحد الأبوين: فإن كان الولد بنتاً واحدة يردّ عليها النصف فرضاً، وعلى أحد الأبوين السدس فرضاً، والباقي يردّ عليهما أرباعاً. ولو كان بنتين فصاعداً يردّ على البنات أربعة أخماس فرضاً وردّاً، وعلى أحد الأبوين الخمس فرضاً وردّاً. ولو كان ذكراً- سواء كان واحداً أو متعدّداً- فلأحد الأبوين السدس فرضاً، والباقي للولد.

أقول: للمسألة ثلاث صُوَر:

الصورة الاولى: اجتماع البنت الواحدة مع أحد الأبوين، فللبنت النصف ولأحد الأبوين السدس ويبقى سدس، يقسّم عليهما أرباعاً بالردّ. بل نقول: يقسّم المال عليهما أرباعاً ابتداءً. فنضرب الأربعة في الستّة فيحصل أربعة وعشرون. ربعها لأحد الأبوين وثلاثة أرباع منها للبنت.

ويدلّ عليه بعد الإجماع الأخبار المستفيضة:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: أقرأني أبوجعفر (ع) صحيفة كتاب الفرائض التي هي إملاء رسول الله (ص) وخطّ علي (ع) بيده، فوجدت فيها:


1- النساء( 4): 11.

ص: 214

«رجل ترك ابنته وامّه، للابنة النصف، ثلاثة سهم وللُامّ السدس سهم، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهماً فللُامّ». قال: «وقرأت فيها: رجل ترك ابنته وأباه، للابنة النصف ثلاثة أسهم وللأب السدس سهم، يقسم المال على أربعة أسهم فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهماً فللأب»(1).

ومنها: صحيحته الاخرى عنه (ع) قريبة منها في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وابنتها، قال: «للزوج الربع ثلاثة أسهم من اثنى عشر سهماً، وللأبوين لكلّ واحدٍ منهما السدس سهمان من اثنى عشر سهماً وبقي خمسة أسهم، فهي للابنة، لأنّه لو كان ذكراً لم يكن له أكثر من خمسة أسهم من اثنى عشر سهماً، لأنّ الأبوين لا ينقصان كلّ واحد منهما من السدس شيئاً وأنّ الزوج لا ينقص من الربع شيئاً»(2).

ومنها: صحيحة زرارة عن الصادق (ع) مثلها إلا أنّه زاد فيها: «وإن كانت اثنتين فلهما خمسة من اثني عشر»(3).

الصورة الثانية: إذا كان الوارث بنتين فصاعداً مع أحد الأبوين فيكون للبنتين أو البنات ثلثين ولأحد الأبوين سدساً ويبقى سدس آخر يردّ على البنتين أو


1- وسائل الشيعة 128: 26- 129، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 17، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 132: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 131: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 1.

ص: 215

البنات وأحد الأبوين أخماساً، بل الكلّ يقسّم على البنات وأحد الأبوين أخماساً فرضاً وردّاً.

قال صاحب «المستند» بعد ما صرّح بأنّ هذا الحكم في هذه الصورة الحقّ المشهور: «فخمسه له وأربعة أخماسه لهما أو لهنّ فتكون التركة من ثلاثين، لرواية بكير في رجل ترك ابنته وامّه: «أنّ الفريضة من أربعة، للبنت ثلاثة أسهم وللُامّ السدس سهم وبقي سهمان، فهما أحقّ بهما من العمّ والأخ والعصبة، لأنّ الله تعالى قد سمّى لهما ومن سمّي لهم فيردّ عليهما بقدر سهامهما». وقريبة منها رواية حمران ورواية اخرى لبكير وفيها: «ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب»(1).

فإن قلت: إنّ هذه الروايات واردة في البنت الواحدة وأحد الأبوين وكلامنا في البنتين أو البنات مع أحد الأبوين.

قلنا: هذا صحيح، لكنّ العلّة التي توجب ردّ الزائد على البنت الواحدة وأحد الأبوين موجودة في البنتين أو البنات، فالعلّة في الموارد التي علّتها منصوصة تعمّم وتخصّص.

ويمكن أن يستدلّ عليه: بأنّ الزائد لابدّ أن يكون له مستحقّ، ولا يمكن استحقاق الطبقة الثانية مع وجود الطبقة الاولى، كما لا يمكن استحقاق الطبقة الثالثة مع وجود ما قبلها، لمنع الأقرب من الأبعد، ولا يمكن أن يقال باستحقاق بعض أفراد الطبقة دون بعض لتساوي نسبتهما وعدم الأولوية.

قال صاحب «الجواهر»: «لو كان أحد الأبوين كان له السدس وللبنتين


1- مستند الشيعة 178: 19- 179.

ص: 216

فصاعداً الثلثان، والباقي يردّ عليهم أخماساً على حسب السهام، لظاهر التعليل في الخبر السابق، بل لعلّه ظاهر الصحيح أيضاً، بل لا أجد فيه خلافاً إلا من الإسكافي فخصّ الردّ بهنّ، لورود النقص عليهنّ بدخول الزوجين، فيكون الفاضل لهنّ وللموثّق في رجل ترك ابنتيه وأباه «أنّ للأب السدس وللابنتين الباقي». والتعليل- مع ضعفه- منقوض بالبنت، لاعترافه بالردّ عليها مع الأب والخبر- مع عدم صحّته واحتمال كون الابنتين فيه تصحيف الابنين، كما يشهد به وقوع التغيير في بعض النسخ- مردود بالشذوذ وربّما حمل على وجود الذكر معهما، وكذا كلام الإسكافي، لكنّه بعيد»(1).

الصورة الثالثة: إذا كان الوارث ذكراً- واحداً أو متعدّداً- فلأحد الأبوين السدس فرضاً والباقي للولد بالسويّة.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع أحد الأبوين أو كلاهما مع الولد الذكر- واحداً كان أم متعدّداً- كان لكلّ منهما نصيبه الأدنى السدس، والباقي للولد»(2).

واستدلّ على كون إرث الأبوين أو أحدهما، النصيب الأدنى بالإجماع وصريح الكتاب، وعلى كون الباقي للولد بأنّه لو كان مكان الولد انثى كان لها الباقي، فلو نقص عن الذكر شي ء، لزم نقص الرجل عن المرأة، وهو باطل.

وقال صاحب «الجواهر»: «لو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع الأولاد، فلكلّ واحدٍ من الأبوين السدس كما في الكتاب العزيز، والباقي للأولاد بالسويّة، إن


1- جواهر الكلام 115: 39.
2- مستند الشيعة 177: 19.

ص: 217

كانوا ذكوراً، وإن كان معهم انثى أو إناث، فللذكر مثلُ حظّ اللُانثيين كما قال الله تعالى»(1).

وبهذا البيان تتمّ الصور الثلاثة التي ذكرت في المسألة المبحوث عنها.

(مسألة 4): لو اجتمع الأولاد مع الأبوين: فإن كان الولد بنتاً واحدة ولم يكن للُامّ حاجب من الردّ، فثلاثة أخماس للبنت فرضاً وردّاً، وخُمسان للأبوين بالمناصفة فرضاً وردّاً. وإن كان للُامّ حاجب من الردّ فالسدس لها، والبقيّة تقسّم بين البنت والأب أرباعاً فرضاً وردّاً. وإن كان انثى متعدّدة، أو ذكراً واحداً أو متعدّداً، أو إناثاً وذكراناً، فالسدسان للأبوين، والبقيّة للأولاد تقسّم بينهم بالسويّة مع وحدة الجنس، وللذكر ضعف الانثى مع الاختلاف.

أقول: للمسألة صورتان: اجتماع الأبوين مع البنت الواحدة- سواء كان للُامّ حاجب أم لا- واجتماع الأبوين مع الانثى المتعدّدة أو الذكر- واحداً أو متعدّداً- أو الإناث والذكران.

الصورة الاولى: إذا اجتمع الأبوان مع بنت واحدة ففيه فرضان:

الأوّل: لو كان اجتماع الأبوين مع البنت الواحدة ولم يكن للُامّ حاجب فقال صاحب «المستند»: «يقسّم المال على خمسة أسهم، فما أصاب ثلاثة فللبنت وما أصاب سهمين فللأبوين»(2).


1- جواهر الكلام 113: 39.
2- مستند الشيعة 180: 19.

ص: 218

والدليل عليه بعد الإجماع، الأخبار المستفيضة كصحيحتي محمّد بن مسلم ورواية زرارة وما في «فقه الرضا» (ع).

ففي الأخير: «فإن ترك أبوين وابنة فللابنة النصف وللأبوين السدسان، يقسم المال على خمسة، فما أصاب ثلاثة أسهم فللابنة وما أصاب سهمين، فللأبوين»(1).

ثمّ قال صاحب «المستند»: «لكن هذا الحكم مختصّ بما إذا لم يكن معهم إخوة حاجبة»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان مع الأبوين بنت خاصّة، فللأبوين السدسان وللبنت النصف والباقي يردّ عليهم أخماساً على حسب سهامهم»(3).

ومراده عدم وجود الحاجب للُامّ وإلا فلا يردّ عليها شي ء زايداً على السدس.

الثاني: الفرض بحاله مع وجود الحاجب للُامّ، فالزائد مخصوص بالبنت والأب. قال صاحب «المستند»: «والمخصّص الإجماع المحقّق وبه أيضاً صرّح في «المسالك» وقال في «الكفاية»: لا أعرف خلافاً بين الأصحاب»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان إخوة للأب صالحون للحجب كان الردّ على البنت والأب أرباعاً على نسبة سهامهما ولا ردّ للُامّ للحاجب الذي يحجب الامّ عمّا زاد على السدس من غير فرق بين الردّ وغيره بلا خلاف أجده فيه، بل


1- مستدرك الوسائل 172: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 13، الحديث 3.
2- مستند الشيعة 181: 19.
3- جواهر الكلام 113: 39.
4- مستند الشيعة 181: 19.

ص: 219

في «المسالك» و «كشف اللثام» ومحكيّ «المجمع» الاتّفاق عليه، وهو الحجّة في تخصيص أدلّة الردّ»(1).

لكن نسب إلى معين الدين المصري أنّ الزائد يردّ على الأب والبنت أخماساً سهمان للأب وثلاثة للبنت، فيكون سهم الامّ المحجوبة للأب وهو خلاف المشهور ولم يوجد له موافق.

وقد يستدلّ على محجوبية الامّ من الزائد بامور:

1.) فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ ((2).

لكن يحتمل أن يكون سياقها مقتضياً للاختصاص بصورة عدم الولد، وإذا جاء الاحتمال بطل الاستدلال.

2.) وَلأبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ((3). فيكون لكلّ منهما السدس فخرج ما خرج بالدليل، وفيه إشكال.

3. الاستدلال بالأولوية، لأنّ الإخوة توجب حرمان الامّ عن الفريضة العليا فتوجب حرمانها عن الردّ بطريق أولى، وفيه أنّه يمكن منع الأولوية.

ثمّ إنّ صاحب «المستند» ردّ قول المصري بأنّه خلاف المشهور، وما عثر لقوله على دليل(4).

الصورة الثانية: إذا اجتمع الأبوان مع الانثى المتعدّدة، أو الذكر- واحداً كان أو متعدّداً- أو الذكور والإناث فلكلّ واحد من الأبوين سهمهما الأدنى،


1- جواهر الكلام 113: 39.
2- النساء( 4): 11.
3- النساء( 4): 11.
4- مستند الشيعة 182: 19.

ص: 220

والباقي للأولاد، تقسّم بينهم بالسويّة أو بقاعدةِ للذّكَر مثل حظّ الانثيين، ومع عدم التعدّد، فالثلثان له.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الأبوان مع البنتين أو أكثر فلكلٍّ منهما السدس لهما أو لهنّ الثلثان يقسّم بينهم بالسويّة والوجه في الكلّ ظاهر»(1).

ووجهه ما في الآية الكريمة:) وَلأبَوَيهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ((2).

ولا فرق بين كون الولد بنتاً أو ابناً ولا بين كونه واحداً أو متعدّداً ولا بين كون الأولاد كلّهم ذكوراً أو إناثاً أو بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

ففي كلّ هذه الفروض يأخذ كلّ واحد من الأبوين سهمه الأدنى ويبقى ثلثان للأولاد فإن كانوا إناثاً أو ذكوراً، يقسّم بينهم الباقي بالسويّة، وإلا فللذّكر مثل حظّ الانثيين وإن كان الولد واحداً فالثلثان له فقط.

قال صاحب «الجواهر» في بيان أقسام هذا الفرض: «لكلّ واحد من الأبوين السدس- كما في الكتاب العزيز- والباقي للأولاد بالسويّة إن كانوا ذكوراً، وإن كان معهم انثى أو إناث فللذكر مثل حظّ الانثيين كما قال الله تعالى»(3).

(مسألة 5): لو اجتمع أحد الأبوين وأحد الزوجين، فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى والباقي لأحد الأبوين، للأب قرابةً، وللُامّ فرضاً وردّاً.


1- مستند الشيعة 180: 19.
2- النساء( 4): 11.
3- جواهر الكلام 113: 39.

ص: 221

أقول: لا ريب في أنّ للزوج أو الزوجة مع عدم الولد نصيبه الأعلى ومعه له نصيبه الأدنى.

والدليل على أنّ لأحد الزوجين نصيبه الأعلى ما في الكتاب العزيز:) وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَك أَزْوَاجُكمْ إِنْ لَمْ يكنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيةٍ يوصِينَ بِهَا أَوْ دَينٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكتُمْ إِنْ لَمْ يكُنْ لَكمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَينٍ ((1).

وأمّا أحد الأبوين فإن كان أباً فهو وارث بالقرابة لا بالفرض، وإن كان امّاً فترث الثلث بالفرض والباقي بالردّ.

قال تعالى:) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلُامِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيةٍ يوصِى بِهَا أَوْ دَينٍ ((2).

فالامّ إذا كانت منفردة ترث الثلث بالفرض وترث الزائد على الثلث والنصف أو الربع بالردّ، وأمّا الأب فهو وارث بالقرابة في هذا الفرض.

(مسألة 6): لو اجتمع الأبوان وأحد الزوجين فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى وللُامّ الثلث من مجموع التركة مع عدم الحاجب، والسدس معه فرضاً، والباقي للأب قرابةً.

أقول: فرض هذه المسألة اجتماع الأبوين مع أحد الزوجين.


1- النساء( 4): 12.
2- النساء( 4): 11.

ص: 222

قال صاحب «الجواهر»: «لو كان مع الأبوين خاصّة زوج فله النصف وللُامّ ثلث الأصل والباقي للأب، ومع الإخوة للُامّ سدس الأصل والباقي للأب الذي لا فرض له مع عدم الولد، فله حينئذٍ حالتان: حالة لا فرض له وهي إذا لم يكن ولد وحالة له السدس فرضاً وهي إذا اجتمع معه ولد وحينئذٍ إمّا أن يردّ عليه أو لا، وللُامّ أيضاً حالتان: إمّا الثلث أو السدس، وعلى كلّ حالٍ إمّا أن يردّ عليها أو لا، والبنت إمّا لها النصف فرضاً مع ردّ أو نقص أو لا فرض لها وهو فيما إذا كان معها ابن، والبنتان إمّا لهما الثلثان مع ردّ أو نقص أو بدونهما أو لا فرض لهما وهو فيما إذا اجتمعا مع البنين الذين لا فرض لهم أصلًا»(1).

وكلامه زائد على ما ذكر في أصل الفرض، لكن مفيد في معرفة الضابطة.

(مسألة 7): لو اجتمع الأولاد مع أحد الزوجين، فلأحدهما نصيبه الأدنى والباقي للأولاد- متّحداً أو متعدّداً- للذكر ضعف الانثى.

أقول: فرض هذه المسألة اجتماع أحد الزوجين مع الولد، متّحداً أو متعدّداً.

فقد أشرنا في ذيل المسألة الخامسة إلى الآية الشريفة الدالّة على أنّ لأحد الزوجين نصيبه الأدنى مع الولد، فراجع.

فعلى هذا إن كان للميّت زوجة وأولاد، فللزوجة الثمن والباقي للأولاد، للذكر مثل حظّ الانثيين وإن كان له زوج وأولاد فللزوج الرُّبع والباقي للأولاد للذكر مثل حظّ الانثيين.


1- جواهر الكلام 116: 39.

ص: 223

وليس في هذا الفرض فاضل على السهام، سواء كان الأولاد متّحداً أو متعدّداً ذكوراً جميعاً أو إناثاً جميعاً أو بعضهم ذكوراً وبعضهم إناثاً.

وليعلم: أنّه لو كانت للميّت بنت أو بنات فقط فيردّ على البنت الواحدة الزائد على الربع أو الثمن وعلى البنات المتعدّدة الزائد على الثلثين والربع أو الثمن.

(مسألة 8): لو اجتمع أحد الأبوين والأولاد وأحد الزوجين: فلو كان الولد بنتاً واحدة فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والباقي يقسّم بين الباقي أرباعاً؛ ربع لأحد الأبوين والباقي للبنت. وإن كان بنتين فصاعداً، فإن كان أحد الزوجين هي الزوجة، فلها نصيبها الأدنى، والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً، وإن كان هو الزوج فله نصيبه الأدنى، ولأحد الأبوين السدس، والبقيّة للبنتين فصاعداً. وإن كان ذكراً واحداً أو متعدّداً أو ذكوراً وإناثاً فلأحدهما نصيبه الأدنى، والسدس من أصل التركة لأحد الأبوين، والباقي للباقي، ومع الاختلاف) فلِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْن (.

أقول: لهذه المسألة ثلاث صور: كون الولد بنتاً واحدة وكون الولد بنتين فصاعداً وكون الولد ذكراً واحداً أو متعدّداً أو ذكوراً وإناثاً.

الصورة الاولى: إذا اجتمع أحد الأبوين والبنت الواحدة وأحد الزوجين فيأخذ أحد الزوجين نصيبه الأدنى، والباقي يقسّم بين البنت وأحد الأبوين أرباعاً بالفرض والردّ، فإنّ للبنت ثلاثة أسهم من ستّة ولأحد الأبوين سهماً من ستّة ويبقى سهمان يقسّم بينهما بنسبة سهامهم أرباعاً، فالكلّ يقسّم بينهما أرباعاً.

ص: 224

قال صاحب «المستند» في بيان هذه الصورة: «وفي الثاني على البنت وأحدهما أرباعاً»(1).

ففي رواية زراره: «إن ترك الميّت امّا أو أباً وامرأة وابنة فإنّ الفريضة من أربعة وعشرين سهماً، للمرأة الثُّمن ثلاثة أسهم من أربعة وعشرين سهماً، ولكلّ واحد من الأبوين السدس أربعة أسهم وللابنة النصف اثنا عشر سهماً وبقي خمسة أسهم، هي مردودة على الابنة وأحد الأبوين على قدر سهامهما ولا يردّ على المرأة شي ء»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو دخل معهما- أي أحد الأبوين والبنت- زوج أو زوجة كان الفاضل ردّاً على البنت وأحد الأبوين، دون الزوج والزوجة بلا خلاف، بل الإجماع بقسميه عليه والنصوص»(3).

الصورة الثانية: هذه الصورة كالصورة الاولى، إلا أنّ فيها البنتين فصاعداً مكان البنت الواحدة. فيأخذ أحد الزوجين نصيبه الأدنى والباقي يقسّم بين الباقي أخماساً، فالصحيح ما في نسخة ذيل الصفحة لا ما ذكر في المتن.

قال صاحب «المستند»: «يردّ الزائد ... على البنتين وأحد الأبوين أخماساً»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان أحد الأبوين، كان له السدس وللبنتين فصاعداً الثلثان والباقي يردّ عليهم أخماساً على حسب السهام لظاهر التعليل في الخبر السابق،


1- مستند الشيعة 183: 19.
2- وسائل الشيعة 132: 26- 133، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
3- جواهر الكلام 114: 39 و 115.
4- مستند الشيعة 183: 19.

ص: 225

بل لعلّه ظاهر الصحيح أيضاً، بل لا أجد فيه خلافاً إلا من الإسكافي»(1).

وقد مرّ سابقاً ما في فتوى الإسكافي ودليله ومراده من التعليل في ذيل الخبر السابق هذه العبارة: «لأنّ البنت والامّ سمّي لهما ولم يسمّ لهم (أى العصبة) فيردّ عليهما بقدر سهامهما»(2).

ومراده من الصحيح، ما عن محمّد بن مسلم: «رجل ترك ابنته وامّه للابنة النصف ثلاثة سهم وللُامّ السدس سهم يقسم المال على أربعة أسهم ...»(3).

الصورة الثالثة: إذا كان مع أحد الأبوين وأحد الزوجين ذكراً أو ذكوراً مع الإناث أو بدونهنّ فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى والباقي للباقي.

فإنّ الأولاد يرثون في هذه الصورة بالقرابة، فأحد الزوجين وأحد الأبوين يأخذان سهمهما والباقي للأولاد. فليس المقام مقام الزيادة والنقص.

قال صاحب «الجواهر»: «ملخّصه أنّه لو دخل أحد الزوجين على هذه الطبقة، فإن كان على الأبوين أو أحدهما خاصّة فله فرضه الأعلى: للزوج النصف وللزوجة الربع وللُامّ بدون الحاجب الثلث ومعه السدس والباقي للأب إذا اجتمعا، فلو انفرد فله الباقي بعد فرض الزوجية بالقرابة، أو انفردت فلها الثلث بالفرض والباقي بالردّ ...»(4). وأمّا دخوله على الأولاد فحكمه واضح.


1- جواهر الكلام 115: 39.
2- وسائل الشيعة 130: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 17، الحديث 3.
3- وسائل الشيعة 128: 26- 129، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 17، الحديث 1.
4- جواهر الكلام 116: 39.

ص: 226

(مسألة 9): لو اجتمع الأبوان والأولاد وأحد الزوجين: فإن كان الولد بنتاً واحدة فللزوج نصيبه الأدنى، وللأبوين سدسان من التركة، والباقي للبنت، والنقص يرد عليها، وللزوجة نصيبها الأدنى، وتقسّم البقيّة بين الباقي أخماساً إن لم يكن للُامّ حاجب عن الردّ، وإلا فلها السدس، والباقي يقسّم بين الأب والبنت أرباعاً. ولو كان الولد بنتين فصاعداً فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، والسدسان من أصل التركة للأبوين، والباقي للبنات، فيرد النقص عليهنّ. ولو كان ذكراً واحداً أو متعدّداً، أو ذكوراً وإناثاً، فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى، وللأبوين سدسان من الأصل، والباقي للأولاد،) لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ (.

أقول: لهذه المسألة خمس صور: ثلث صور للبنت مع الزوج وللبنت مع الزوجة، إمّا مع وجود الحاجب للُامّ أو مع عدمه والصورة الرابعة للبنتين فصاعداً مع الأبوين وأحد الزوجين والصورة الخامسة للذكر الواحد أو المتعدّد وللذكور والإناث، فلنذكر الصور الخمسة تفصيلًا.

الصورة الاولى: إذا اجتمعت البنت الواحدة مع الأبوين والزوج، فللزوج نصيبه الأدنى الربع وللأبوين السدسان فيضرب الثلاث في الأربع فيصير اثنى عشر، ثلاثة للزوج وأربعة للأبوين ويبقى خمسة للبنت، فيرد النقص عليها، لبطلان العول.

قال صاحب «المستند»: «يأخذ أحد الزوجين والأبوان أو أحدهما النصيب الأدنى بلا نقص والباقي للبنت أو البنتين للإجماع، وبطلان العول، والأخبار المصرّحة بأنّ الأبوين لا ينقصان من السدس أبداً والزوج والزوجة من الربع

ص: 227

والثمن كذلك، فيختصّ النقص بالبنت أو البنتين»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو دخل معهم زوج، كان له نصيبه الأدنى وهو الربع وللأبوين كذلك وهما السدسان والباقي للبنت، لعدم العول عندنا»(2).

الصورة الثانية: إذا اجتمع البنت مع الزوجة والأب والامّ غير المحجوبة، فيضرب الأربعة في الستّة فيصير أربعاً وعشرين، فللزوجة الثمن ثلاثة أسهم وللأبوين السدسان ثمانية أسهم وللبنت النصف اثنا عشر سهماً ويبقى سهم واحد يردّ على الأب والامّ والبنت أخماساً.

قال صاحب «الجواهر»: «لو كان معهم زوجة أخذ كلّ ذي فرض فرضه، فتأخذ البنت النصف والأبوان السدسين والزوجة الثمن والباقي ربع السدس يردّ على البنت والأبوين أخماساً دون الزوجة فإنّه لا يردّ عليها كما عرفت»(3).

الصورة الثالثة: هي الصورة الثانية مع كون الامّ محجوبة بالإخوة فتحرم من الزائد، فيقسّم الباقي أرباعاً.

قال صاحب «الجواهر» بعد بيان حكم الامّ غير المحجوبة الذي نقلناه آنفاً: «ومع الإخوة الحاجبين للُامّ يردّ الباقي على البنت والأب أرباعاً»(4).

الصورة الرابعة: إذا اجتمع البنتان فصاعداً مع الأبوين وأحد الزوجين، فيعطى أحد الزوجين نصيبه الأدنى، الثمن أو الربع ويعطى الأبوان السدسان، لا من الباقي، بل من أصل التركة والباقي للبنتين فصاعداً.


1- مستند الشيعة 184: 19.
2- جواهر الكلام 113: 39.
3- جواهر الكلام 114: 39.
4- جواهر الكلام 114: 39.

ص: 228

ولذا قال صاحب «الجواهر»: «ولو كان معهما بنتان فصاعداً، فللأبوين السدسان وللبنتين فصاعداً الثلثان بالسويّة»(1). هذا إذا لم يكن معهم زوج أو زوجة. فيكون المال بقدر السهام لا يزيد ولا ينقص، فلا يرد العول ولا التعصيب وأمّا إذا كان معهم زوج أو زوجة، فينقص المال عن السهام فيدخل الضرر على البنات، ولذا قال صاحب «الجواهر» بعد بيان الحكم المذكور: «ولو كان معهم زوج أو زوجة، كان لكلّ واحد منهما نصيبه الأدنى وهو الربع والثمن وللأبوين السدسان والباقي للبنتين فصاعداً، لعدم العول عندنا»(2).

وطريق التقسيم مع الزوج أن يضرب الأربعة في الستّة فيصير الحاصل أربعة وعشرين، فيعطى الزوج ستّة ويعطى كلّ واحد من الأبوين أربعة فيصير مجموع سهام الأبوين والزوج أربعة عشر ويبقى عشر أسهم فيعطى البنتان أو البنات، مع أنّ سهامهما أو سهامهنّ ستّة عشر، لكن يرد الضرر عليهما أو عليهنّ.

وأمّا إذا كان معهم زوجة فتعطى الزوجة ثلاثة من أربعة وعشرين ويعطى الأبوان ثمانية ويصير المجموع أحد عشر ويبقى ثلثة عشر فيعطى البنتين أو البنات، مع أنّ الفريضة الثلثان أي الستّة عشر، فيدخل الضرر عليهنّ لبطلان العول.

الصورة الخامسة: إذا اجتمع الذكر والانثى- واحداً أو متعدّداً- مع أحد الزوجين ومع الأبوين فليس للأولاد فرض، بل يرثون بالقرابة فقط، فلأحد الزوجين نصيبه الأدنى ولكلّ واحد من الأبوين السدس والبقيّة للباقي.

قال النراقي في «المستند»: «إذا دخل عليهم أحد الزوجين، فلا يخلو إمّا أن


1- جواهر الكلام 115: 39.
2- جواهر الكلام 115: 39.

ص: 229

يكون في الأولاد ذكر منفرداً أو مع انثى أو لا، فإن كان فلكلّ من الأبوين وأحد الزوجين النصيب الأدنى، بالإجماع والآية، والأخبار، والباقي للأولاد للإجماع، وصحيحة محمّد وبكير وفيها: «فإن تركت المرأة زوجها وأبويها وابناً أو ابنين أو أكثر، فللزوج الربع وللأبوين السدسان، وما بقي فللبنين بينهم بالسويّة، فإن تركت زوجها وأبويها وابنة وابناً أو بنين وبنات، فللزوج الربع، وللأبوين السدسان، وما بقي فللبنين والبنات، للذّكر مثل حظّ الانثيين». وإن لم يكن، ويكون الجميع حينئذٍ ذوي فروض، فإمّا أن تكون التركة زائدة على الفروض ... أو ناقصة ...»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو اجتمع الأبوان أو أحدهما مع الأولاد، فلكلّ واحد من الأبوين السدس- كما في الكتاب العزيز- والباقي للأولاد بالسويّة إن كانوا ذكوراً وإن كان معهم انثى أو إناث، فللذكر مثل حظّ الانثيين»(2).

ولا يتغيّر حكم الأولاد في الفرض المذكور في «الجواهر»، بدخول الزوج أو الزوجة عليهم، فالأولاد في الفرض يرثون بالقرابة، كما لا يخفى، ونقصان المال عن السهام أو زيادته يتصوّر في صورة كون الولد ذا فرض مع دخول أحد الزوجين أو عدمه.

وهاهنا امور:

الأوّل: أولاد الأولاد وإن نزلوا، يقومون مقام الأولاد في مقاسمة


1- مستند الشيعة 183: 19.
2- جواهر الكلام 113: 39.

ص: 230

الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما، ومنع من عداهم من الأقارب؛ سواء كان والدا الميّت موجودين أم لا، ويتقدّم كلّ بطن على البطن المتأخّر.

أقول: لمّا فرغ عن البحث عن ميراث المرتبة الاولى ذكر اموراً لابدّ من ذكرها:

منها: البحث عن ميراث أولاد الأولاد.

ومنها: البحث عن الحبوة.

ومنها: استحباب إطعام الجدّ والجدّة لأحد الأبوين.

قال صاحب «المستند»: «الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد وإن نزلوا يرثون مع الأبوين أو أحدهما كآبائهم»(1).

ثمّ إنّه بعد ما عدّ الأكابر الذين أفتوا بما هو المشهور، قال: «وذهب الصدوق في «المقنع» و «الفقيه» إلى أنّهم يمنعون بالأبوين أو أحدهما ولا يرثون إلا مع فقدهما ويظهر من «الوافي» الميل إليه»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «المعروف بين الأصحاب أنّ أولاد الأولاد وإن نزلوا- ذكوراً أو إناثاً- يقومون مقام آباءهم في مقاسمة الأبوين وحجبهم عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع عن عداهم من الأقارب»(3).

قال الصدوق: «إذا ترك الرجل أبوين وابن ابن أو بنت بنت، فالمال للأبوين، للُامّ الثلث وللأب الثلثان لأنّ ولد الولد إنّما يقومون مقام الولد إذا لم يكن هناك


1- مستند الشيعة 186: 19.
2- مستند الشيعة 186: 19.
3- جواهر الكلام 117: 39.

ص: 231

ولد ولا وارث غيره والوارث هو الأب والامّ»(1).

ثمّ إنّه نقل عن فضل بن شاذان خلاف قوله، وأسند إليه الخطأ، وقال صاحب «الوافي» بعد نقل رواية البجلي عن الصادق (ع) الدالّة على أنّ بنات الابن والابنة يقمن مقام الابن والابنة إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهنّ: «كأنّه يعني به الأبوين والأولاد الصّلبية جميعاً لاقتضاء العطف المغايرة، كما لا يخفى وبه أفتى في «الفقيه»»(2).

ويمكن أن يقال: إنّ قول الصدوق متروك والإجماع المنقول عن أكابر القدّماء بل المحصّل على خلافه، كما في «المستند» و «الجواهر».

الاستدلال على القول المشهور

1.) يوصِيكُمُ اللهُ فِى أَوْلادِكمْ لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الانثَيينِ ((3). تدلّ هذه الآية على عدم الفرق بين الولد وولد الولد. بناءً على أنّ ولد الولد ولد حقيقة.

قال صاحب «الجواهر» بعد نقل كلام ابن إدريس الدالّ على أنّ كون ولد الولد ولد حقيقة: «بل وعلى القول بالمجازية، فإنّه مراد هنا قطعاً لإجماع الأصحاب على الاستدلال بهذه الآية على اقتسام أولاد الابن نصيبهم للذّكر ضِعف الانثى واحتجاجهم على بعض من شذّ منهم في قسمة ولد الانثى نصيبهم بالسويّة، وما ذاك إلا للإجماع على أنّ المراد بالولد هنا المعنى الأعمّ»(4).


1- الفقيه 196: 4- 197.
2- الوافي 790: 25- 791.
3- النساء( 4): 11.
4- جواهر الكلام 118: 39.

ص: 232

2.) وَلأبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ ... ((1)

فإنّ الولد في هذه الآية أعمّ من ولد الولد.

قال صاحب «الجواهر»: «وقد حكى المرتضى وغيره الإجماع على ذلك، وإذا كان ولد الولد حاجباً للأبوين إلى السدسين لم يكن لهما معه جميع المال»(2).

والدليل على استعمال الولد في ولد الولد وفي ولد ولد الولد، اشتراكهم في القرب الحاصل بالإيلاد.

قال صاحب «الجواهر»: «ومن الأصحاب من جعل المسألة من فروع التعارض بين الحقيقة والمجاز الراجح، بناءً على أنّ لفظ الولد حقيقة في الولد الصلب مجاز راجح في المعنى الأعمّ، لكونه الغالب في الاستعمال، فيترجّح إرادته على القول بترجيح هذا النوع من المجاز؛ وفيه نظر»(3).

ولعلّ وجه نظره أنّ ملاك الترجيح في باب تعارض الأحوال الظهور، فإن كان اللفظ ظاهراً في المعنى المجازي فيرجّح على المعنى الحقيقى وإلا فلا، كما عليه المحقّق الخراساني.

3. صحيح عبدالرحمان بن الحجّاج عن أبي عبدالله (ع) قال: «بنات الابنة يرثن إذا لم يكن بنات كنّ مكان البنات»(4).


1- النساء( 4): 11.
2- جواهر الكلام 118: 39.
3- جواهر الكلام 119: 39.
4- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 1.

ص: 233

4. حسنته(1) عن الصادق (ع) قال: «بنات الابنة يقمن مقام الابنة إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهنّ وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت ولد ولا وارث غيرهنّ»(2).

5. عنه (ع): «ابن الابن يقوم مقام أبيه»(3).

6. عن زرارة، قال: هذا ممّا ليس فيه اختلاف عند أصحابنا، عن أبي عبدالله وعن أبي جعفر (عليهما السلام) أنّهما سئلا عن امرأة تركت زوجها وأمّها وابنتيها، قال: «... ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة، وإن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً أو إناثاً فإنّهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين يرثون ميراث البنين وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر، يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب»(4).

7. الخبر المرويّ عن «دعائم الإسلام» عن الصادق (ع) في رجل ترك أباً وابن ابن، قال: «للأب السدس وما بقي فلابن الابن، لأنّه ابن يقوم مقام أبيه إذا


1- التعبير بالحسن مذكور في الجواهر، ولعلّه بملاحظة محمّد بن إسماعيل الذي ينقل عن الفضل بن شاذان عن صفوان عن عبدالرحمان. قال صاحب نقد الرجال:« كان محمّد بن إسماعيل هذا هو الذي يروى كثيراً في« الكافي» عن الفضل بن شاذان»( 139: 4) وقال:« يكنّى أبا الحسن نيشابوري في من لم يرو عن الأئمّة».
2- وسائل الشيعة 112: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 2.
4- وسائل الشيعة 133: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.

ص: 234

لم يكن ابوه وكذا ولد الولد ما تسافلوا إذا لم يكن أقرب منهم من الولد فهم بمنزلة الولد، ومن قرب منهم حجب مَن بعد وكذلك بنو البنت ولد»(1).

قال صاحب «الجواهر»: «والضعف منجبر بعمل الأصحاب والموافقة لظاهر الكتاب والسنة المستفيضة بل المتواترة كما في «النهاية»»(2).

8. رواية عبدالرحمان عن الصادق (ع) قال: «ابن الابن إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قام مقام الابن» قال: «وابنة البنت إذا لم يكن من صلب الرجل أحد قامت مقام البنت»(3).

قال صاحب «المستند» بعد نقل روايتي عبدالرحمان البجلي- اللتين نقلناهما تحت رقمي 3 و 8: «دلّتا بعموم الشرط على أنّ ابن الابن وابنة البنت يقومان مقام الابن والبنت عند عدمهما دائماً، فيشمل حال وجود الأبوين أيضاً، والتخصيص يحتاج إلى المخصّص، والقول بعدم توريثهما مع وجودهما يستلزم عدم قيامهما حينئذٍ كما لا يخفى»(4).

استدلال الصدوق ونقده

1. ما مرّ من رواية البجلي عن الصادق (ع) تحت رقم 4 فإنّه يقال: دلّت بعموم النكرة على اشتراط قيامهنّ مقام الابن والابنة على انتفاء الوارث مطلقاً،


1- مستدرك الوسائل 168: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 6، الحديث 3.
2- جواهر الكلام 120: 39.
3- وسائل الشيعة 112: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 5.
4- مستند الشيعة 187: 19.

ص: 235

لكن خرج من عمومها غير الأبوين والأولاد الصلبية بالإجماع، فيبقى الأبوان والأولاد الصلبية موانع إرث الأولاد غير الصلبية.

قال صاحب «المستند»: «والجواب .... بعدم الدلالة أوّلًا، لاحتمال أن يكون المراد: ولا يرث معهنّ غيرهنّ كما لا يرث مع الابن والابنة غيرهما، فيكون قوله: «ولا وارث غيرهنّ» معطوفاً على بنات الابنة وبعدم الحجية ثانياً، لشذوذه بمخالفته للشهرتين القديمة والجديدة، بل الإجماع في الحقيقة وبلزوم التخصيص، للإجماع ولكون رواية زرارة خاصّة مع اعتضادها بالعمل ثالثاً»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «يمكن إرادة نفى غير أب الابن من أولاد الصلب من قوله (ع): «ولا وارث غيرهنّ» على معنى إذا لم يكن للميّت الابن الذي يتقرّب به ابن الابن أو البنت التي يتقرّب بها بنت البنت ولا وارث غيره من الأولاد للصلب»(2).

2. رواية سعد بن أبي خلف عن أبي الحسن الأوّل (ع) قال: «بنات الابنة يقمن مقام البنات، إذا لم يكن للميّت بنات ولا وارث غيرهنّ وبنات الابن يقمن مقام الابن إذا لم يكن للميّت أولاد ولا وارث غيرهنّ»(3).

ولننقل في جوابها ما ذكره صاحب «الوسائل»، فإنّه قال: «استدلّ به الصدوق على أنّ ولد الولد لا يرث مع الأبوين وليس بصريح في ذلك، وحملوا قوله: «ولا وارث غيرهنّ» على أنّ المراد به إذا لم يكن للميّت الابن الذي يتقرّب ابن الابن


1- مستند الشيعة 189: 19.
2- جواهر الكلام 121: 39.
3- وسائل الشيعة 110: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 3.

ص: 236

به أو البنت التي تتقرّب بنت البنت بها ولا وارث من الأولاد للصلب غيره لما مضى ويأتي ويمكن أن يراد به إذا لم يكن للميّت ولد ولا ولد ولد أقرب من أولاد الأولاد أو يراد به إذا لم يكن ولد ولا وارث غيره، ورث ولد الولد المال كلّه وإن كان له أبوان شاركهما فيه، والذي يظهر أنّ وجه الإجمال ملاحظة التقيّة، لأنّ كثيراً من العامّة وافقوا الصدوق فيما تقدّم كما نقله الكليني وغيره، وقال الشيخ في «النهاية»(1): ذكر بعض أصحابنا أنّ ولد الولد مع الأبوين لا يأخذ شيئاً وذلك خطأ، لأنّه خلاف لظاهرالتنزيل والمتواتر من الأخبار»(2).

3. كون الأبوين أقرب منه، دليل على عدم كون ولد الولد وارثاً مع وجودهما.

وفيه: أوّلًا: أنّ هذا معارض بأولاد الأخ والجدّ وأمثالهما(3).

وثانياً: أنّ عموم تقديم الأقرب مخصّص.

وثالثاً: أنّ الأقربية ممنوعة، كما في «الكفاية»، لأنّ ولد الولد بمنزلة الولد والأبوان ليسا أقرب من الولد.

4. نسبة ولد الولد كنسبة الجدّ وهو لا يرث مع الأبوين فكذلك هنا.

وفيه: أنّه قياس باطل.

5. الأبوان متساويا النسبة مع الولد والولد يحجب ولد الولد وكذا الأبوان.

وفيه: منع التساوي من جميع الوجوه والتساوي من بعض الوجوه غير مانع.


1- النهاية: 631.
2- وسائل الشيعة 449: 26.
3- راجع: مستند الشيعة 189: 19.

ص: 237

الثاني: يرث كلّ واحد منهم نصيب من يتقرّب به، فيرث ولد البنت نصيب أُمّه- ذكراً كان أو انثى- وهو النصف مع انفراده أو كان مع الأبوين، ويردّ عليه وإن كان ذكراً، كما يردّ على امّه لو كانت موجودة. ويرث ولد الابن نصيب أبيه- ذكراً كان أو انثى- فإن انفرد فله جميع المال، ولو كان معه ذو فريضة فله ما فضل عن حصص الفريضة.

أقول: قد ذكر في الأمر الأوّل البحث عن مقاسمة أولاد الأولاد الأبوين وحجبهم إيّاهما عن أعلى السهمين إلى أدناهما ومنع سائر الأقارب.

ويذكر في الأمر الثاني أنّ أولاد الأولاد يرثون نصيب من يتقرّبون به.

قال صاحب «المستند»: «الحقّ المشهور أنّ أولاد الأولاد يقومون مقام آبائهم ولكلّ منهم نصيب من يتقرّب به»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو انفرد أولاد الابن وأولاد البنت، كان لأولاد الابن الثلثان اللذان هما نصيب أبيهم في نحو الفرض ولأولاد البنت الثلث الذي هو نصيب امّهم في الفرض أيضاً على الأظهر الأشهر بل المشهور»(2).

فعلى هذا يرث ولد البنت نصيب امّه ولو كان ذكراً ويرث ولد الابن نصيب أبيه ولو كان انثى.

فلولد البنت الواحدة النصف بالفرض والباقي بالردّ، سواء كان منفرداً أو مجتمعاً مع الأبوين. لكن لو اجتمع مع الأبوين وأحد الزوجين، يردّ النقص عليه، ولا يعول بوروده على الجميع بنسبة سهامهم. فلو كان الوارث ابن بنت وزوجاً


1- مستند الشيعة 190: 19.
2- جواهر الكلام 123: 39.

ص: 238

وأبوين، يردّ ما فرض الله تعالى للزوج والأبوين إليهم ويردّ النقص- وهو نصف السدس- على ابن البنت.

ولأولاد البنات المتعدّدة الثلثان بالفرض والباقي بالردّ إن لم يكن أحد الزوجين والأبوان أو أحدهما في البين.

فلو اجتمع أولاد البنات المتعدّدة مع الزوج والأبوين، يردّ النقص- وهو الربع- عليهم ويأخذ أحد الزوجين والأبوان نصيبهم بالفرض وهو الربع والسدسان.

ولو اجتمعوا مع الزوجة والأبوين، كان النقص الوارد عليهم الثمن.

وولد الابن إذا كان واحداً أو متعدّداً، يرث بالقرابة، سواء كان مع الأبوين وأحد الزوجين أم لا، وسواء كان أبوهم واحداً أو متعدّداً.

فالزوج والزوجة كالأبوين يرثون نصيبهم الأدنى، سواء كانوا مع ولد الابن أو مع ولد البنت، وسواء كان الولد واحداً أو متعدّداً، وسواء كان من يتقرّب به واحداً أو متعدّداً.

الثالث: لو اجتمع أولاد الابن وأولاد البنت فلأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم، ولأولاد البنت الثلث نصيب أمّهم، ومع وجود أحد الزوجين فله نصيبه الأدنى، والباقي للمذكورين، الثلثان لأولاد الابن والثلث لأولاد البنت.

أقول: بعد ما ثبت أن لكلّ واحدٍ من أولاد الأولاد نصيب من يتقرّب به، فالآن نبحث عن صورة اجتماع أولاد الابن وأولاد البنت.

ص: 239

فلأولاد الابن الثلثان نصيب أبيهم ولأولاد البنت الثلث نصيب امّهم ...

هذا هو المشهور بين الصدوق والشيخين والعمّاني في أحد قوليه والحلبي والقاضي وابن حمزة وعامّة من تأخّر عنهم وفي «كنز العرفان» انعقاد الإجماع عليه بعد السيّد وفي «الغنية» أنّ عليه إجماع الطائفة.

لكن ذهب العمّاني في قوله الآخر والسيّد والمصري والحلّي إلى أنّهم يقتسمون تقاسم الأولاد من غير اعتبار من تقرّبوا به، فيكون للذكر- ولو كان منسوباً إلى البنت- مثل حظّ الانثيين، ولو كانت الانثى منسوبة إلى الابن. وحكم صاحب «المفاتيح» بقوة هذا القول وصاحب «الكفاية» برجحانه والأردبيلي بقربه.

أدلّة المشهور:

1. ما في رواية زرارة عنهما (عليهما السلام): «إن لم يكن ولد وكان ولد الولد ذكوراً أو إناثاً، فإنّهم بمنزلة الولد وولد البنين بمنزلة البنين، يرثون ميراث البنين وولد البنات بمنزلة البنات يرثون ميراث البنات ويحجبون الأبوين والزوجين عن سهامهم الأكثر وإن سفلوا ببطنين وثلاثة وأكثر يرثون ما يرث ولد الصلب ويحجبون ما يحجب ولد الصلب»(1).

قال صاحب «المستند»: «وهي نصّ في المطلوب، وضعفها سنداً غير ضائر من وجوه»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «عن «الغنية» أنّ عليه إجماع الطائفة وهو الحجّة،


1- وسائل الشيعة 133: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 18، الحديث 3.
2- مستند الشيعة 191: 19.

ص: 240

مضافاً إلى النصوص المتقدّمة المشتملة على قيام أولاد البنين مقامهم وأولاد البنات مقامهنّ الظاهرة في إرادة التنزيل في أصل الإرث وكيفيته»(1).

2. صحيحة سليمان بن خالد عن الصادق (ع) قال: «كان علي (ع) يجعل العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الامّ وابن الأخ بمنزلة الأخ ....»(2).

3. رواية أبي أيّوب(3) عن الصادق (ع) قال: «إنّ في كتاب علي (ع) أنّ العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الامّ وبنت الأخ بمنزلة الأخ» قال «وكلّ ذي رحم فهو بمنزلة الرحم الذي يجرّ به إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(4).

قال صاحب «المستند»: «وجه الاستدلال: أنّ المراد بكون العمّة والخالة وكلّ ذي رحم بمنزلة من ذكر في الميراث ليس كونهم بمنزلته في مطلق التوريث وإلا لم يكن لهذا التفصيل وجه ولا في الحاجبية والمحجوبية، لانتفاء التنزيل فيهما، فبقى أن يكون المراد في قدر الميراث، أو في جميع الأحكام إلا ما خرج بالدليل، إذ ليس شي ء آخر يصلح للتقدير سواهما»(5).

وهل يمكن أن يستدلّ بروايات البجلي التي قد استدلّ بها في الأمر الأوّل


1- جواهر الكلام 123: 39.
2- وسائل الشيعة 189: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 7.
3- إبراهيم بن عيسى الخراز وقيل ابن عثمان، روى عن أبي عبدالله وأبي الحسن ذكر ذلك أبوالعبّاس في كتابه، ثقة كبير المنزلة له كتاب نوادر، روى عنه الحسن بن محبوب. راجع: نقد الرجال 77: 1.
4- وسائل الشيعة 188: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 6.
5- مستند الشيعة 191: 19.

ص: 241

على إرث أولاد الأولاد مع الأبوين؟

يمكن أن يقال بعدم صحّة الاستدلال بها، لأنّها تدلّ على قيام أولاد الأولاد مقام الأولاد في الإرث والحجب، لا على قدر النصيب واحتماله بعيد.

قال صاحب «الجواهر»: «لا ريب في ترجيح المختار بالشهرة العظيمة والإجماع المزبور، بل تسليم الخصم ذلك في غير الفرض من الأرحام أقوى شاهد على ما هنا»(1).

ثمّ إنّه استدلّ برواية أبي أيّوب عن الصادق (ع) التي مرّ ذكرها ومرسل يونس عنه (ع): «إذا التقت القرابات فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت قام كلّ واحد منهم مقام قريبه»(2).

ثمّ قال: «نعم أجمل في خبر موسى بن بكير(3) السابق منها أوّلًا إلا أنّه نصّ على التفصيل ثانياً، بل هو كالصريح في المطلوب، لقوله (ع) فيه: «يرثون ميراث البنين والبنات» ولم يقل: كما يرثون، مع أنّه ظاهر أيضاً لو عبّر بذلك وإن لم يكن بتلك المرتبة»(4).

احتجاج المخالف

قال صاحب «المستند»: «ثمّ إنّ السيّد قد ذكر إلزامات على المذهب المختار


1- جواهر الكلام 124: 39.
2- وسائل الشيعة 69: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 2، الحديث 3.
3- هذا الخبر أوّل الأدلّة التي ذكرناها لإثبات قول المشهور، لكن سمّيناه برواية زرارة، فإنّ زرارة يروى عنهما وموسى بن بكر- لا بكير- يروى عن علي بن سعيد عن زرارة وإليك صدره الذي تركنا ذكره هناك،« ولا يرث أحد من خلق الله مع الولد إلا الأبوان والزوج والزوجة».
4- جواهر الكلام 124: 39.

ص: 242

وزعم أنّه لا مخلص منها»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «فما عن المرتضى ومن تبعه- من قسمة الميراث بينهم كأولاد الصلب من غير ملاحظة لمن يتقرّبون به، لأنّهم أولاد حقيقة، فتشملهم الآية، ولولا قاعدة الأقرب لشاركوا آبائهم في الإرث- واضح الضعف»(2).

فعلى المخالف أن يثبت عمومية الولد المذكور في الأدلّة لولد الولد وشموله له وصدق الولد على ولد الولد.

فاحتجّوا للشمول بقوله تعالى:) يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكُرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيينِ ((3). وبسائر عمومات قسمة الأولاد، فإنّ ولد الولد ولد حقيقة فيكون للذكر من أولاد الأولاد مثل حظّ الانثيين.

قال صاحب «المستند»: «لو سلّم الصدق، تكون الآية وما بمعناها عامّة فتخصّص بما ذكر»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو سلّمنا له كونهم أولاداً حقيقة إلا أنّه لا تنافي بين ذلك وبين كون إرثهم على الوجه المزبور، للأدلّة السابقة»(5).

فجواب العَلَمين مبتن على منع الصغرى أوّلًا، وهي الشمول والصدق ومنع الكبرى ثانياً، وهي تخصيص الأدلّة على فرض شمولها لأولاد الأولاد حقيقة،


1- مستند الشيعة 197: 19.
2- جواهر الكلام 124: 39- 125.
3- النساء( 4): 11.
4- مستند الشيعة 192: 19.
5- جواهر الكلام 125: 39.

ص: 243

وحيث إنّ صدق الصغرى لعلّه من المسلّمات، فالاولى منع الكبرى والاستدلال بتخصيص الأدلّة، فإنّ صدق الولد على ولد الولد لغة وعرفاً وشرعاً غير قابل للإنكار. ويظهر هذا من الشواهد التي ذكروها لإثبات الصدق وإليك أدلّتهم:

1. قوله تعالى:) وَلا تَنكحُوا مَا نَكحَ آبَاؤُكُمْ ((1). فإنّه لا خلاف في حرمة منكوحة الجدّ بهذه الآية، فيكون أب الأب والامّ أباً حقيقة، فيكون ولد الابن والبنت ولداً حقيقة بقاعدة التضايف.

2. قوله تعالى:) وَحَلائِلُ أَبْنَائِكمْ ((2). فبهذه الآية يستدلّ على حرمة زوجة ولد الولد ولازمه كون ولد الابن والبنت ولداً حقيقة.

3. قوله تعالى:) وَلا يبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ ((3). فإنّه يدلّ على أنّه يجوز لولد الولد أن ينظر إلى زينة جدّته أو زوجة جدّه.

4. قوله تعالى:) فَإِنْ كانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ ((4). و) فَإِنْ كانَ لَكمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ ((5) و) وَلأبَوَيهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَك إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يكنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلُامِّهِ الثُّلُثُ ((6). فإنّ الولد في جميع هذه الموارد يشمل ولد الولد والأحكام المذكورة جارية عليه بلا خلاف ولولا الصدق حقيقة لما جرت.


1- النساء( 4): 22.
2- النساء( 4): 23.
3- النور( 24): 31.
4- النساء( 4): 12.
5- النساء( 4): 12.
6- النساء( 4): 11.

ص: 244

5. الأخبار الواردة في تسمية الحسنين (عليهما السلام) وأولادهما أولاد الرسول، وما ورد في مدح الحسنين (عليهما السلام) بأنّهما ابنا رسول الله (ص).

6. إنّ لفظ الولد استعمل في ولد الولد، والأصل في الاستعمال الحقيقة إلا أن يثبت خلافها.

7. اقتسام التركة بين أولاد البنت للذكر مثل حظّ الانثيين.

كلّ هذه الأدلّة تدلّ على أنّ ولد الولد ولد حقيقة، ويصدق الولد على ولد الولد.

والعجب من صاحب «المستند»، حيث إنّه تكلّف في الجواب عنها، مع أنّه صرّح بكون الصدق لا يمنع صحّة فتوى المشهور، فإنّ تخصيص العمومات سديد محكّم، ولقد أجاد صاحب «الجواهر»، حيث لم يكلّف نفسه الشريفة بجواب أدلّتهم، وقد نقلنا كلامه آنفاً ولا نحتاج إلى التكرار.

بقي الجواب عن إلزامات السيّد المرتضى من التزام تفضيل الانثى على الذكر هنا في بعض الصور والتسوية في بعضها الآخر، فإنّ لبنت الابن الثلثين ولابن البنت الثلث إذا اجتمعا وإذا كان للميّت ابن من بنت وبنت من بنت اخرى فيتساويان في تقسيم المال، وكذا لو كان له ابن من ابن وبنت من ابن اخرى.

وليت شعري أي مانع للتفضيل والتسوية، إذا دلّ عليهما الدليل؟ ولذا قال صاحب «الجواهر»: «لا مانع من التزام تفضيل الانثى على الذكر هنا في بعض الصور والتسوية في بعض، للأدلّة المزبورة»(1). لكن ورد في موثّق عبدالرحمان بن الحجّاج قال: قال أبو عبدالله (ع): «بنت الابن أقرب من ابن البنت»(2).


1- جواهر الكلام 125: 39.
2- وسائل الشيعة 113: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 7، الحديث 8.

ص: 245

قال صاحب «الوسائل»: «يحتمل حمل الأقربية على أنّ سببها أقوى فإنّها ترث ميراث أبيها وهو مثل حظّ الانثيين».

وقال صاحب «الجواهر»: «وعليه يحمل ما في الموثّق ... على معنى كثرة النصيب، لا القرب الحاجب، بل لعلّ ذلك أولى من حمله على التقيّة، وحينئذٍ يكون دليلًا آخر على المطلوب»(1).

ثمّ إنّه حمد الله تعالى على أنّه لا إشكال في المسألة.

وقال صاحب «المستند» بعد نقل إلزامات السيّد المرتضى على مذهبه المختار، زعماً منه أنّه لا مخلص منها: «ولا يخفى أنّ هذه التشنيعات لازمة عليه في أولاد الإخوة والأخوات والأعمام والعمّات، فما يجيب به عنه نجيب به، على أنّه لا تشنيع في شي ء منها»(2).

وعمدة الدليل على عدم التشنيع أنّه لا مانع من مساواة إرث بنت الابن مع إرث ابن ابن آخر ولا مانع من زيادة إرث بنت ابن على ابن بنت. كما يقع مثلهما في أولاد الإخوة والأخوات وأولاد الأعمام والعمّات.

وأمّا تعليل زيادة إرث الذكر على الانثى في بعض الروايات بكونها مجعولًا لها الصداق، فلا يعمّ ولو سلّم فهو مخصّص. هذا مع أنّ «علل الشرائع» معرّفات يجوز التخلّف عنها لمانع ولا يجري الأصل عند وجود الدليل.


1- جواهر الكلام 125: 39.
2- مستند الشيعة 197: 19.

ص: 246

الرابع: أولاد البنت كأولاد الابن لو كانوا من جنس واحد يقتسمون بالسويّة، ومع الاختلاف) لِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيينِ (.

أقول: لا كلام في أنّ أولاد الابن يقتسمون المال بالسويّة- لو كانوا من جنس واحد- وللذكَر مثلُ حظِّ الانثيين مع الاختلاف.

فهل أولاد البنت كأولاد الابن في اقتسامهم بالسويّة إذا كانوا من جنس واحد أو للذكر مثل حظّ الانثيين إذا كانوا مختلفين من حيث الذكورة والانوثة؟

قال صاحب «المستند»: «هو المشهور ... وعليه الإجماع عن «التنقيح» وظاهر «الشرائع»»(1).

والقول بالمساواة منقول عن بعض الأصحاب وهو مختار القاضي في «المهذّب» ونقل في «التنقيح» عن بعض الفضلاء.

واستدلّ صاحب «الجواهر» على عدم المساواة بالشهرة العظيمة بين الأصحاب وبظاهر «الشرائع» وغيره، لصدق الأولاد حقيقة ودخولها في عموم:) يُوصِيكُمُ اللهُ (وحجبهم الأبوين عمّا زاد عن السدس والزوجين عمّا زاد عن النصف والربع، ثمّ قال: «لا إشكال والحمد لله»(2).

وحكم بكون القول بالاقتسام بالسويّة متروكاً شاذّاً، لا دليل له سوى دعوى أنّ التقرّب بالانثى يقتضي الاقتسام بالسويّة.

ثمّ قال: «لا دليل على كلّيتها بعد حرمة القياس على كلالة الامّ»(3).


1- مستند الشيعة 198: 19.
2- جواهر الكلام 126: 39.
3- جواهر الكلام 126: 39.

ص: 247

الخامس: يُحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه.

أقول: قبل الخوض في بيان أحكام الحبوة، نحتاج إلى بيان معناها اللغوي والاصطلاحي.

قال صاحب «المنجد»: «حباه كذا وبكذا أعطاه إيّاه بلا جزاء، والحَبوة والحُبوة والحِبوة، العطية».

وقال صاحب «الصحاح»: «حباه يحبوه أي أعطاه والحباء العطاء».

وقال: «احتبى الرجل إذا جمع ظهره وساقيه بعمامته وقد يحتبى بيديه والاسم الحِبوة والحُبوة» وفي نسخة اخرى من «الصحاح»: «الحبوة مثلثة».

وقال صاحب «المستند» بعد ذكر معناها اللغوى نقلًا عن «القاموس» وأنّها مثلّثة الحاء وتكون اسماً في اللغة للإعطاء بلا جزاء ولا منٍّ أو عامّ: «واصطلاحاً قيل: هو إعطاء الابن الأكبر من ميراث أبيه أشياء مخصوصة ابتداء، أو أعيانٌ مخصوصة يعطاها الابن الأكبر من ميراث الأب ابتداء»(1).

فعلى هذا يحتمل كون الحبوة اسماً للإعطاء أو المعطي.

وتقييد التعريف الاصطلاحي بكون الإعطاء أو المعطي ابتداءً، للاحتراز عمّا لو أوصى له بها أو ما وصل إليه بالقسمة؛ فإنّ الاختصاص حينئذٍ بواسطة الوصيّة أو القسمة.

وصاحب «الجواهر» سكت عن بيان معناها اللغوي والاصطلاحي، اعتماداً على وضوحه أو عدم ترتّب فائدة عليه، بل قال: إنّها «من متفرّدات الإمامية


1- مستند الشيعة 201: 19.

ص: 248

ومعلومات مذهبهم ... وبذلك تظافرت نصوصهم عن أئمّتهم (عليهم السلام)»(1).

لكن مع ذلك قال صاحب «المستند»: «والأولى أن يقال: هي إعطاء من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك أشياء مخصوصة من تركة أبيه بأمر الشارع أو أعيان مخصوصة يعطاها من لا أكبر منه من الأبناء من حيث هو كذلك بأمر الشارع ابتداءً»(2).

ولا فرق بين هذا التعريف والتعريف السابق إلا من حيث تبديل الولد الأكبر بمن لا أكبر منه، فيكون أدقّ منه.

فنقول: القول بثبوتها في الجملة ممّا اتّفقت عليه كلمة الطائفة الحقّة وتفرّدت به علماءنا المحقّة.

واختلفوا في خصوصيّاتها من حيث الكيفية والكمّية والمحبوّ والمحبوّمنه.

وسيأتي البحث عن الخصوصيات في مسائل تسعة.

وقد نقلنا سابقاً روايات المسألة عند البحث عن حجب النقصان أي ما يمنع عن بعض الإرث كقتل الخطأ وشبه العمد وكأكبر الأولاد الذكور وكمطلق الولد الذي يمنع أحد الزوجين عن نصيبه الأعلى وكمطلق الوارث النسبي والسببي الذي يمنع أحد الزوجين عن الزيادة عن فريضتهما وكنقص التركة عن السهام المفروضة وكمنع الاخت من الأبوين أو الأب، الإخوة من الامّ عمّا زاد عن فريضتهم وكمنع الولد الأبوين عمّا زاد عن السدس وكمنع الإخوة والأخوات الامّ عمّا زاد عن السدس.


1- جواهر الكلام 127: 39.
2- مستند الشيعة 201: 19.

ص: 249

فالمهمّ البحث عن الخصوصيات وحيث لم يبحث في «الوسيلة» للسيّد الإصفهاني ولا في «التحرير» لسيّدنا الاستاذ عن الوجوب أو الاستحباب، بل أرسل وجوبها إرسال المسلّمات، فالأولى أن نبحث عنه.

فنقول: القائل بالوجوب الشيخان والقاضي والحلّي وابن حمزة وابن سعيد والمحقّق والعلّامة في غير «المختلف» والشهيدان والسوراوي- أي الفاضل المقداد- وجماعة اخرى وادّعى الحلّي إجماع الأصحاب.

والقائل بالاستحباب السيّد والإسكافي والكاشاني في ظاهر «الوافي» والعلّامة في «المختلف» وبعض آخر.

قال صاحب «المستند»: «والحقّ هو الأوّل»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد بيان الاختلاف وكون الأكثر على الوجوب وادّعاء كون الشهرة عليه بحدّ الاستفاضة: «قلت: بل الشهرة عليه محصّلة، بل عن الحلّي الإجماع عليه، بل في المحكيّ من سرائره أنّه المجمع عليه عند أصحابنا المعمول به وفتاواهم في عصرنا هذا ... عليه بلاخلاف بينهم وهو الحجّة بعد الاعتضاد بالشهرة العظيمة»(2).

فالاستدلال على الندب بالأصل وعموم آيات الإرث ورواياته وعدم دلالة الاختصاص المذكور في الروايات على أكثر من الاستحباب، والاختلاف في الأخبار في غير محلّه، لأنّ الأصل مدفوع بما مرّ وعموم آيات الإرث ورواياته- لو سلّم- مخصّص، وادّعاء عدم دلالة اللّام على أكثر من الاستحباب ادّعاء بلا دليل.


1- مستند الشيعة 202: 19.
2- جواهر الكلام 128: 39- 129.

ص: 250

قال صاحب «المستند»: «واختلاف الأخبار لا دلالة له على الاستحباب، مع أنّ الاختلاف الذي قد يؤيّد به الاستحباب هو الاختلاف في السلب والإيجاب دون المقدار»(1).

كمّية المحبى: هل المحبى عبارة عن ثياب البدن والخاتم والسيف والمحصف من غير زيادة ونقصية أو لا؟

فنقول: ما ذكر في المتن موافق لما عليه الأكثر، لكن زاد عليها الإسكافي السلاح والصدوق الكتب والرحل والراحلة ولم يذكر السيّد في «الانتصار» وابن زهرة في «الغنية» وصاحب «الإصباح» و «الرسالة النصيرية» والمفيد في «الإعلام»، الثياب وذكر في «الكافي» اختصاص الثياب بثياب الصلاة ولم يذكر في «الخلاف» الخاتم.

ونقول أيضاً: لا إشكال في وجوب الحباء بالأربعة المذكورة في المتن لورودها في جميع الروايات وإن لم يشتمل بعضها على بعض، وهذا غير مضرّ إلا من باب مفهوم اللقب الذي ليس بحجّة عندنا.

لكن بقي الإشكال في الاقتصار بالأربعة المذكورة. قال صاحب «المستند»: «الروايات بين مقتصرة على بعضها ومشتملة على غيرها، فيجب إمّا الاقتصار على الاولى ... أو عدم الاقتصار على الأربعة»(2).

ثمّ قال: «والاولى أن يقال: لعلّ مستندهم الإجماع»(3)، فعلى هذا يكون أصل الوجوب ثابتاً، بالنصوص المتظافرة عن الأئمّة (عليهم السلام) وكمّية المحبى ثابتة


1- مستند الشيعة 205: 19- 206.
2- مستند الشيعة 213: 19.
3- مستند الشيعة 215: 19.

ص: 251

بالإجماع بحفظ الأربعة وإسقاط الزائدة.

لكن استشكل صاحب «المسالك» في الإجماع بعدم مستند له ظاهر. وأجاب عنه «المستند» وقال: «إنّ اللازم الثابت هو وجود المستند لا ظهوره لنا، لِمَ لا يجوز أن يكون هنا مستند خفيّ علينا؟ وعدم الوجدان لا يدلّ على عدم الوجود»(1).

على أنّا نقول: لو علمنا بالمستند، فالحجّة هو لا الإجماع، ولذا يقولون بعدم حجّية الإجماع المدركي من حيث هو، بل اللازم ملاحظة المدرك، فإن كان جامعاً لشرائط الحجّية فهو وإلا فليس بحجّة.

ثمّ قال: «أمّا نحن فيكفينا مستنداً للاقتصار اقتصار الأصحاب وشذوذ القول بالتعدّي عن الأربعة الموجب لخروج المتضمّن للزائد، عن الحجّية في الزائد»(2).

فلنعرض عن البحث عن الكمّية ونتوجّه إلى البحوث الاخرى.

(مسألة 1): تختصّ الحبوة بالأكبر من الذكور؛ بأن لا يكون ذكر أكبر منه، ولو تعدّد الأكبر، بأن يكونا بسنّ واحد؛ ولا يكون ذكر أكبر منهما، تقسّم الحبوة بينهما بالسويّة، وكذا لو كان أكثر من اثنين. ولو كان الذكر واحداً يحبى به. وكذا لو كان معه انثى وإن كانت أكبر منه.

أقول: لما فرغنا عن البحث عن كمّية المحبى فلنبحث عن المحبوّ.


1- مستند الشيعة 215: 19.
2- مستند الشيعة 215: 19.

ص: 252

من هو المحبوّ؟ هل هو أكبر الأولاد، سواء كان ذكراً أو انثى أو الأكبر من الذكور؟

قال صاحب «المستند»: «المحبوّ هو الولد الذكر، فلا حبوة للُانثى مطلقاً بالإجماع، للأصل وللتقييد به في أكثر النصوص»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان الأكبر انثى لم تُحبَ وأعطى الأكبر من الذكور، بلا خلاف أجده، بل في «المسالك» الإجماع عليه، لما سمعته من الصحيح، المعتضد بإناطة الحكم في غيره من النصوص بالأكبر من الذكور أو بالذكر، سواء كانت انثى أكبر منه أو لا»(2).

ومراده من الصحيح ما رواه ربعي بن عبدالله عن أبي عبدالله (ع) قال: «إذا مات الرجل فسيفه ومصحفه وخاتمه وكتبه ورحله وراحلته وكسوته لأكبر ولده، فإن كان الأكبر ابنة فللأكبر من الذكور»(3).

وأمّا ذكر مطلق الولد في بعض النصوص- كخبر شعيب العقرقوقي عن الصادق (ع): «الميّت إذا مات فإنّ لابنه السيف والرحل والثياب: ثياب جلده»(4) فلا يضرّ بالمقصود، فإنّ المطلق يحمل على المقيّد.

هذا ممّا لا كلام فيه، إنّما الكلام فيما إذا كان الأكبر متعدّداً. قال صاحب


1- مستند الشيعة 222: 19.
2- جواهر الكلام 137: 39.
3- وسائل الشيعة 97: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 99: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 7.

ص: 253

«المستند»: «لو تعدّد الأكبر، بأن كان هناك ذكور متساوية سنّاً فيشتركون فيها على المشهور»(1).

قال صاحب «الجواهر»: «لو فرض تعدّد الأكبر، كما لو ولد له ولدان من زوجتين على وجه لا يزيد أحدهما على الآخر بما يتحقّق به الأكبرية فالظاهر قسمتها بينهم بالسويّة، على ما صرّح به غير واحد، بل لعلّه المشهور»(2).

لكن حكى عن ابن حمزة سقوطها عند تعدّد الأكبر، نظراً إلى أنّ المتبادر من الأكبر الواحد دون المتعدّد.

وحكى عن «النهاية» و «المهذّب» أيضاً ونفى صاحب «الرياض» عنه البعد.

وقال صاحب «المستند»: «لا يخفى أنّه لا يبعد ترجيح هذا القول، سيّما مع ما أشير إليه من ندارة هذا الفرض، بحيث يشكّ في اندراجه تحت الإطلاقات»(3).

فادّعى صاحب «المستند» انصراف الأدلّة عن هذا الفرض لندرته. وفيه أنّ منشأ الانصراف هو كثرة الاستعمال لا كثرة الوجود.

فالحقّ ما قاله صاحب «الجواهر»، حيث ذكر أنّه: «لا تفاوت في صدق أفعل التفضيل بين الواحد والمتعدّد»(4).

فعلى هذا، الانثى محرومة من الحبوة، سواء كانت أكبر من أخيها أم لا.

وأمّا التوأمان فأكبرهما أولهما خروجاً، لكن ورد في «الكافي» عن أبي عبدالله (ع): «الذي خرج آخراً هو أكبر أما تعلم أنّها حملت بذاك أوّلًا وإنّ هذا


1- مستند الشيعة 223: 19.
2- جواهر الكلام 137: 39.
3- مستند الشيعة 224: 19.
4- جواهر الكلام 137: 39.

ص: 254

دخل على ذاك، فلم يمكنه أن يخرج حتّى خرج هذا، فالّذي يخرج آخراً هو أكبرهما»(1).

ولو اشتبه الأكبر، فالأوجه القرعة والحكم معلّق على الولد للصلب دون ولد الولد وأمّا إذا كان الأكبر حملًا فالأولى أن يقال باستحقاقه.

(مسألة 2): لا فرق في الثياب بين أن تكون مستعملة أو مخيطة للّبس وإن لم يستعملها، ولا بين الواحد والمتعدّد، كما لا فرق بين الواحد والمتعدّد في المصحف والخاتم والسيف لو كانت مستعملة أو معدّة للاستعمال.

أقول: الكلام في هذه المسألة في أمرين:

أمّا الأوّل فقال صاحب «المستند»: «الثياب التي تحبى بأجمعها هو ثياب بدنه وهي التي لبسها أو أعدّها للبسه وإن لم يلبسها، فتخرج الثياب المعدّة للتجارة أو إلباس الغير أو الادّخار ونحوها»(2).

واستدلّ عليه بالإجماع وبالتبادر من لفظ الكسوة وثياب الجلد، وهي وإن كانت ظاهرة فيما يلبس الجلد فعلًا، لكن يحمل على الأعمّ من المخيطة والملبوسة والمعدّة بحكم القرينة، وهي الإجماع.

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يندرج فيه ما أعدّه للبسه ولم يلبسه على الظاهر، بل فيما لبسه معدّاً له للتجارة إشكال كالإشكال في المصحف المعدّ للحفظ


1- الكافي 53: 6/ 8.
2- مستند الشيعة 216: 19.

ص: 255

والبركة والحرز ونحوها ممّا يستعمله من لم يحسن القراءة»(1).

وكلامه متين فيما سوى الأوّل، وأمّا الأوّل فالعرف حاكم بعدم الفرق بين المستعمل وغير المستعمل المعدّ للاستعمال.

وأمّا الثاني، فكلام القدماء خالٍ عن التعيين، والشهيد الثاني فصّل بين ما كان بصيغة الجمع، كالثياب وما كان بصيغة المفرد، كالباقي وفي «القواعد» حكم بالعموم في الثياب واستشكل في البواقي.

وقال صاحب «المستند»: «مال في «الكفاية» إلى عموم الجميع، وهو الأقرب»(2).

واستدلّ على عموم الثياب بأنّ الجمع المعرف باللام يفيد العموم، وعلى عموم البواقي بأنّ المفرد المضاف والمفرد المعرف باللام التي ليست للعهد يدلان على العموم.

وفصّل صاحب «الجواهر» بين الثياب وغيرها فتكون الثياب للولد الأكبر أجمع، وأمّا البواقي فلا، بل يختار ما يغلب نسبته إليه وعند التساوي تخيّر الوارث. ويحتمل القرعة، ثمّ رجع عن ذلك وقال: «بل يحتمل إعطاء الجميع مطلقاً كالثياب، بدعوى إرادة إعطاء جنس ذلك وأنّ مثل هذه الإضافة تفيد العموم»(3).

لكن قال أخيراً: «إلا أنّ الأقوى هو الأوّل».


1- جواهر الكلام 139: 39.
2- مستند الشيعة 216: 19.
3- جواهر الكلام 138: 39.

ص: 256

(مسألة 3): الأقوى عدم كون السلاح- غير السيف- والرحل والراحلة من الحبوة، والاحتياط بالتصالح مطلوب جدّاً.

أقول: لمّا كان بعض روايات الحبوة مشتملًا على السلاح والرحل والراحلة والكتب وأفتى الإسكافي بكون السلاح من الحبوة، وأفتى الصدوق بكون الكتب والرحل والراحلة منها، فعلى الفقيه أن يبحث عنها والإمام الراحل (رحمه الله) أفتى بعدم دخولها فيها ثمّ حكم بالاحتياط بالتصالح وكان عليه أن يذكر الكتب أيضاً.

وقد نقلنا سابقاً كلام «المستند» فلا نعيد وعمدة دليله الإجماع.

وصاحب «الجواهر» قال: «من متفرّدات الإمامية ومعلومات مذهبهم أنّه يحبى الولد الأكبر من تركة أبيه بثياب بدنه وخاتمه وسيفه ومصحفه»(1).

ولعلّ نظره إلى أنّ الأربعة المعهودة ممّا أجمعت عليه الإمامية والزائد عليها خارج عن محطّ الإجماع والقول به نادر فلا يعبأ به، ولذا سكت عن البحث عنه وبحث في الوجوب وسائر الأمور.

(مسألة 4): لو لم تكن الحبوة أو بعضها فيما تركه لا يعطى قيمتها.

أقول: لا ريب أنّ الحبوة هي الأعيان المذكورة في الروايات المضافة إلى المورّث، فلو لم يكن له شي ء من مصاديق الحبوة، فلا يتعلّق شي ء بالولد الأكبر ولا يستحقّ قيمتها.

والمدار في الحبوة صدق الإسم فلا تصدق- مثلًا- على الدار والبستان


1- جواهر الكلام 127: 39.

ص: 257

والذهب والفضّة وغيرها، ولا فرق بين فقدان بعض ما يصدق عليه الحبوة أو كلّه.

ولو شككنا في وجوب إعطاء القيمة فيدفع بأصالة البراءة أو باستصحاب العدم الأزلى، حيث إنّه لم يتعلّق حقّ الولد الأكبر بالقيمة أزلًا. فهل تعلّق به بموت المورّث؟ فيدفع هذا الشكّ بالأصل ولا مجال للتأمّل فيه، كما لا يخفى على المتأمّل المنصف.

ويمكن أن يستدلّ عليه بمفهوم مرسل ابن أذينة: «أنّ الرجل إذا ترك سيفاً وسلاحاً فهو لابنه فإن كان له بنون فهو لأكبرهم»(1). فإذا لم يترك سيفاً وسلاحاً فليس لابنه الأكبر شي ء.

(مسألة 5): لا يعتبر في الحبوة أن تكون بعض التركة، فلو كانت التركة منحصرة بها يحبى الولد الأكبر على الأقوى، والاحتياط حسن.

أقول: إذا لم يكن للمورّث مال سوى الحبوة، فهل يحبى الولد الأكبر بها أو لا؟

يمكن أن يقال: دلّت الروايات على اختصاصها به مطلقاً ولم يشترط فيها كونها بعض التركة ولا دليل على انصرافها إلى صورة كونها بعضاً.

لكن قال صاحب «الجواهر»: «ومن شرطه ... أن يخلّف الميّت مالًا غير ذلك، فلو لم يخلّف مالًا سواه .... لم يخصّ الأكبر بشي ء منه، وفاقاً لصريح جماعة، بل


1- وسائل الشيعة 98: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 4.

ص: 258

المشهور كما في «المسالك» وغيرها، للأصل السالم عن معارضة إطلاق الأدلّة المنساق إلى المفروض الذي هو الغالب»(1).

وحاصل استدلاله ادّعاء انصراف الأدلّة عن هذا الفرض والتمسّك بالأصل.

ثمّ إنّه استدلّ بمضمر سماعة، قال: سألته عن الرجل يموت ما له من متاع البيت؟ قال: «السيف والسلاح والرحل وثياب جلده»(2).

ويمكن أن يقال في جوابه أوّلًا: بضعف السند بالإضمار. وثانياً: بأنّ السؤال ورد مورد الغالب وكون المضمرة مشتملة على ما عدا الحبوة من متاع البيت، لا يوجب حرمان الولد الأكبر عنها إذا لم يكن للميّت مال غيرها.

ثمّ إنّه استدلّ بلزوم الإجحاف والإضرار على سائر الورّاث.

وفيه: أنّ الإجحاف والإضرار يتحقّقان فيما إذا كان للغير حقّ وثبت له، وهنا لم يثبت حقّ له حتّى يتحقّق الإجحاف والإضرار. فإنّ غير الولد الأكبر لم ينتقل إليه شي ء من الحبوة، بل الحبوة مختصّة بالولد الأكبر سواء كانت التركة منحصرة بها أم لا.

ثمّ إنّه قال: «فما عن بعضهم- من عدم اشتراط ذلك للإطلاق- في غير محلّه»(3) والأولى أن يقال في محلّه.

وعلى هذا لا نحتاج إلى البحث عن اشتراط كون الغير كثيراً، بحيث يعادل


1- جواهر الكلام 134: 39.
2- وسائل الشيعة 99: 26- 100، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 3، الحديث 10.
3- جواهر الكلام 134: 39.

ص: 259

نصيب كلّ من الورثة مقدار الحبوة أو نصيب الكلّ مقدارها أو عدمه، كما في «الجواهر»(1).

(مسألة 6): لا يعتبر بلوغ الولد، ولا كونه منفصلًا حيّاً حين موت الأب على الأقوى، فتعزل الحبوة له، كما يعزل نصيبه من الإرث، فلو انفصل بعد موت الأب حيّاً يحبى، ولو كان الحمل انثى، أو كان ذكراً ومات قبل الانفصال، فالظاهر أنّ الحبوة لأكبر الموجودين من الذكر.

أقول: هذه المسألة تبحث عن أمرين: عدم اعتبار بلوغ الولد الأكبر، وعدم اشتراط كونه منفصلًا حيّاً حين موت الأب.

أمّا الأمر الأوّل: فيمكن الاستدلال عليه بإطلاق الولد الأكبر، فإنّه لا دليل على انصرافه إلى البالغ ولا قرينة- حالية أو مقالية- تدلّ على أنّ المراد هو البالغ.

قال صاحب «المستند»: «لا يشترط في المحبوّ البلوغ فيحبى الصغير، للأصل وإطلاق النصوص، بل عمومها. وصريح ابن الحمزة كظاهر الحلّي الاشتراط لكونها في مقابلة القضاء ولا يتأتّى من الصبيّ. قلنا: لا نسلّم المقابلة ولو سلّمت ففورية القضاء ممنوعة»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «في اشتراط بلوغه قولان: من إطلاق النصوص ومن أنّها في مقابلة قضاء ما تركه من صوم وصلاة ولا يكلّف به إلا البالغ وإن كان قد يمنع كون ذلك في مقابلتها وإن اشترطه في ثبوتها ابن حمزة، بل لعلّه ظاهر غيره


1- جواهر الكلام 134: 39.
2- مستند الشيعة 229: 19.

ص: 260

أيضاً، إلا أنّ إطلاق الأدلّة يدفعه، على أنّه يمكن مراعاة ذلك منه بعد البلوغ، فلا ريب في أنّ الأقوى الأوّل»(1).

وأمّا الأمر الثاني: فقال صاحب «المستند»: «هل يشترط انفصال الولد عند موت أبيه أو يحبى ولو كان حملًا؟ فيه وجهان»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «الظاهر عدم اشتراط انفصاله حيّاً حال موت أبيه، وإن كان لم يصدق عليه الولد الذكر حينئذٍ لكونه متحقّقاً في نفس الأمر»(3).

ثمّ إنّ صاحب «المستند» بعد ذكر أدلّة للوجهين المذكورين في كلامه ونقد الأدلّة، فصّل بين ما إذا كان الحمل متّصفاً بالذكورية عند موت المورّث وما إذا لم يكن كذلك. فقال بعدم الاشتراط في الأوّل، وأمّا في الثاني فقال: «الحكم بذلك مشكل، لعدم صدق الوصف مطلقاً، لا في الواقع ولا في الظاهر والصدق المتأخّر لا يفيد»(4).

وقال صاحب «الجواهر» بعد حكمه بكون الحبوة قسماً من الميراث: «قد عرفت أنّه يعزل نصيبه منه، بل قلنا هناك: إنّه يكفي فيه صدق الولدية المتأخّرة، وحينئذٍ لا فرق بين كونه علقة ومضغة وغيرهما على حسب ما سمعته في الإرث»(5).

ثمّ إنّه استشكل على تفصيل «الروضة» بين كون الجنين تامّاً حتّى تتحقّق


1- جواهر الكلام 137: 39- 138.
2- مستند الشيعة 225: 19.
3- جواهر الكلام 138: 39.
4- مستند الشيعة 227: 19.
5- جواهر الكلام 138: 39.

ص: 261

الذكورية حين موت المورث وبين كونه علقة ومضغة، ووجه اسشتكاله تحقّق الذكورية في نفس الأمر وإن لم تكن ظاهرة حين موت المورّث.

وصاحب «المستند» حكم بعدم تحقّق الذكورية قبل تمام الحمل أربعة أشهر، استناداً إلى روايتين:

أحدهما: صحيحة زرارة عن الباقر (ع): «إذا وقعت النطفة في الرحم استقرّت فيها أربعين يوماً وتكون علقة أربعين يوماً وتكون مضغة أربعين يوماً، ثمّ يبعث الله ملكين خلّاقين، فيقال لهما: اخلقا كما يريد الله ذكراً أو انثى ...»(1).

ثانيهما: رواية الحسن بن الجهم عن الرضا (ع) عن الباقر (ع): «إنّ النطفة ... فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله مَلَكين خلّاقين فيقولان: يا ربّ ما تخلق ذكراً أو انثى؟ فيؤمران ....»(2).

ويمكن أن يقال بعدم دلالتهما على المدّعى، فإنّ الملكين مأموران لخلق ما أراد الله، وظاهر أنّ إرادة الله ليست حادثة فأراد في الأزل الذكورية أو الأنوثية والملكان يبرزان في الجنين ما أريد منه في نفس الأمر.

وأمّا ذيل رواية الحسن الدالّ على سؤاله عن جواز تحوّل الذكر الانثى وبالعكس وجوابه: بأن الله يفعل ما يشاء، فعدم دلالته على المدّعى أوضح. فعدم الاشتراط أقوى.


1- الكافي 16: 6/ 7.
2- الكافي 13: 6/ 3.

ص: 262

(مسألة 7): الأقوى عدم اشتراط كون الولد عاقلًا رشيداً، وفي اشتراط كونه غير المخالف من سائر فرق المسلمين تأمّل؛ وإن لا يبعد إلزامه بمعتقده إن اعتقد عدم الحبوة.

أقول: هذه المسألة مشتملة على أمرين: عدم اشتراط كون الولد الأكبر عاقلًا رشيداً والتأمّل في اشتراط كونه غير المخالف.

أمّا الأمر الأوّل: فقال صاحب «المستند»: «لا يشترط خلوّه عن السفة، وفاقاً للكركي والشهيد الثاني ومال إليه في «الدروس»، للإطلاق وعدم الدليل وجماعة على اشتراطه .... ولم نقف على مأخذه» ثمّ قال: «لا يشرط عقله لما مرّ. فيحبى ولو كان مجنوناً واختاره الشهيد الثاني»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «ومن شرط اختصاصه بالحباء عند ابنى حمزة وإدريس على ما حكي عنهما ألّا يكون سفيهاً»(2). ولم يتعرّض لحكم الجنون.

واستدلّ عليه بأنّ حكمة الحباء كونها كالعوض عمّا يؤدّيه من قضاء الصوم والصلاة وناقش فيه بمنع كون الحكمة ذلك وعدم وجوب اطراءها، ولذا قال: «بل في «الرياض» أنّ ذلك هو الأصحّ لإطلاق النصوص ولعلّه كذلك»(3).

ثمّ قال: «اللهمّ إلا أن يشكّ في إرادة هذا الفرد من هذا الإطلاق، فيبقى عموم الإرث حينئذٍ سالماً من المعارض، فتأمّل جيّداً»(4).


1- مستند الشيعة 230: 19.
2- جواهر الكلام 133: 39.
3- جواهر الكلام 133: 39.
4- جواهر الكلام 133: 39.

ص: 263

وأمّا الأمر الثاني: فقال صاحب «المستند»: «لا يشترط سداد رأيه، وفاقاً للكركي، ومال إليه في «الدروس»، للأصل وإطلاق النصّ»(1).

والشيخ في «النهاية» وصاحب «الجامع للشرائع» وابن حمزة والحلّي وأكثر من تأخّر عنهم كالشهيد في «اللمعة» وصاحب «الشرائع»- الذي نسب إلى قول مشهور- على اشتراطه.

واستدلّوا عليه بأنّ المخالف لا يعتقد ما يقابلها من وجوب القضاء ولا يرى استحقاقه لها فيمنع منها.

أمّا استدلالهم الأوّل ففيه نظر، لأنّا نمنع المقابلة ولزوم الاعتقاد بها.

وأمّا استدلالهم الثاني فيمكن أن يقال، كما في المتن: «وإن لا يبعد إلزامه بمعتقده، إن اعتقد عدم الحبوة» فلو لم يعتقد العدم، لا يبعد جواز إعطائه.

هذا في الإعتقاد بالمذهب المخالف. أمّا لو كان معتقداً بالدين المخالف، فقال صاحب «المستند»: «يشترط كونه مسلماً، لأنّ الحبوة ميراث والكافر لا يرث»(2).

(مسألة 8): يقدّم تجهيز الميّت وديونه على الحبوة مع تزاحمهما، بأن لا تكون له إلا الحبوة، أو نقص ما تركه- غير الحبوة- عن مصرف التجهيز والدين، ومع عدم التزاحم- بأن يكون ما تركه غيرها كافياً- فالأحوط للولد الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة.


1- مستند الشيعة 229: 19.
2- مستند الشيعة 230: 19.

ص: 264

أقول: لا ريب في أن تجهيز الميّت وديونه مقدّمان على الحبوة مع التزاحم، وأمّا مع عدم التزاحم فهل يعطى لهما منها بالنسبة أو لا؟

قال صاحب «المستند»: «يشترط الحباء بخلوّ الميّت عن دين مستغرق، فلو استغرق دينه تركته التي منها الحبوة لا يحبى. ولم أعثر في ذلك على مخالف وكلام الشهيد الثاني في الرسالة يشعر بوجوده»(1).

والدليل عليه أن الدين مقدّم على الإرث، كما قال تعالى:) مِنْ بَعْدِ وَصِيّةٍ يُوصِى بِهَا أَوْ دَينٍ ((2).

وقال صاحب «الجواهر»: «ومن شرطه عند جماعة أيضاً خلوّ الميّت من دين مستغرق للتركة لعدم الإرث حينئذٍ، والحباء نوع منه»(3).

فنقول من رأس تبعاً للمتن: أمّا أن تكون بين تجهيز الميّت وديونه وبين الحباء مزاحمة أوّلًا.

فعلى المزاحمة- بأن لا تكون للميّت إلا الحبوة أو نقص ما تركه غير الحبوة عن مصرف التجهيز والدين- يقدّم التجهيز والدين.

وأمّا على عدم المزاحمة، فهل يعطى الولد الأكبر الحباء تامّة أو ينقص منها بالنسبة.

قال في «التحرير»: «الأحوط للولد الأكبر أن يعطي لهما منها بالنسبة».

ولعلّ هذا هو الأقوى، إذ العدل والقسط يقتضيان ذلك. لكن قال صاحب «الجواهر»: «الذي يقوى في النظر مزاحمة الدين والكفن والوصيّة لها، مع فرض


1- مستند الشيعة 233: 19.
2- النساء( 4): 11.
3- جواهر الكلام 134: 39.

ص: 265

توقّفها عليها، لا مع عدم ذلك، بأن أمكن الوفاء والكفن وتنفيذ الوصيّة من غيرها»(1).

ثمّ إنّه حكم بالاحتياط، وأمّا صاحب «المستند» الذي جعل محطّ البحث الدين، فقال: «أمّا في توزيع الدين ... فوجهان: الأوّل التوزيع وجعله في «المسالك» الأظهر وفي الرسالة متّجهاً، لأنّ الدين يتعلّق بالتركة على الشياع والحبوة منها، فيصيبها نصيبها، والثاني .... عدمه لعموم النصوص .... ويؤيّده إطلاق النصوص والفتاوى باستحقاق جميع الحبوة»(2)، ثمّ قال بعد كلام مفصّل: «وبهذا يظهر أنّ الترجيح لما عليه ظاهر الأصحاب»(3).

(مسألة 9): لو أوصى بعين من التركة، فإن كان ما أوصى هي الحبوة فالوصيّة نافذة، إلا أن تكون زائدة على الثلث، فيحتاج إلى إجازة الولد الأكبر، وليس له شي ء من التركة في قبال الحبوة، ولو أوصى مطلقاً، أو بالحبوة وغيرها، فلو كانت الوصيّة غير زائدة على الثلث تنفذ، وفي صورة الإطلاق يحسب من جميع التركة حتّى الحبوة، وفي الصورة الثانية يحسب منها ومن غيرها حسب الوصيّة، ولو زادت على الثلث تحتاج في الحبوة إلى إذن صاحبها، وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة، ولو أوصى بمقدار معلوم- كألف أو كسر مشاع- فكذلك.


1- جواهر الكلام 136: 39.
2- مستند الشيعة 234: 19.
3- مستند الشيعة 236: 19.

ص: 266

أقول: الوصيّة إمّا تتعلّق بعين معيّن أو لا.

فعلى الأوّل إمّا أن يكون ما تتعلّق به هي الحبوة أو غيرها، فإن كان هي الحبوة فإمّا أن تكون زائدة على الثلث أو لا.

قال صاحب «المستند»: «إن كانت بعين منها فالأقوى الصحّة، لعموم الأدلّة، ولأنّ الميّت مسلّط على ماله مادام فيه الروح، واختصاص المحبوّ بها إنّما هو بعد الموت. وحينئذٍ لو زادت على الثلث، اعتبرت ... إجازة المحبوّ، واحتمال اعتبار إجازة الجميع- لإطلاق النصّ والفتوى- ضعيف، لأنّ الظاهر أنّ هذا الإطلاق مقيّد بالمستحقّ»(1).

وإن لم تكن بعين معيّن، فإمّا أن تكون مطلقاً أو بالحبوة وغيرها أو لا. فإن كان مطلقاً أو بالحبوة وغيرها.

فقال الإمام الخميني: «إن كان ما أوصى هي الحبوة، فالوصيّة نافذة، إلا أن تكون زائدة على الثلث، فيحتاج إلى إجازة الولد الأكبر، وليس له شي ء من التركة في قبال الحبوة».

وإن كان غيرها فإمّا أن يكون مطلقاً أو الحبوة وغيرها، فقال الإمام الخميني: «فلو كانت الوصيّة غير زائدة على الثلث تنفذ وفي صورة الإطلاق يحسب من جميع التركة، حتّى الحبوة وفي الصورة الثانية يحسب منها ومن غيرها حسب الوصيّة، ولو زادت على الثلث، تحتاج في الحبوة إلى إذن صاحبها وفي غيرها إلى إذن جميع الورثة».

ثمّ قال في صورة عدم كونه مطلقاً أو بالحبوة وغيرها: «ولو أوصى بمقدار


1- مستند الشيعة 236: 19.

ص: 267

معلوم- كألف أو كسر مشاع- فكذلك» فيكون حكم الجميع واحداً عنده، كما أنّه كذلك عند صاحب «المستند»، حيث قال: «وإن كانت بجزء من التركة مطلق- كمأة درهم- أو منسوب كالثلث، فالظاهر أنّها حينئذٍ كالدين»(1).

واختلافه مع الإمام الخميني من حيث كونها كالدين فيستحقّ الولد الأكبر الحبوة أو لا يستحقّ.

السادس: لا يرث الجدّ ولا الجدّة لأب أو لُامّ مع أحد الأبوين، لكن يستحبّ أن يطعم كلّ من الأبوين أبويه سدس أصل التركة لو زاد نصيبه من السدس، فلو خلّف أبويه وجدّاً وجدّة لأب أو لُامّ يستحبّ للُامّ أن تطعم أباها وأمّها السدس بالسويّة، وهو نصف نصيبها، وللأب أن يطعم أباه وامّه سدس أصل التركة، وهو ربع نصيبه، ولو كان الموجود واحداً منهما كان السدس له.

أقول: قد ذكر صاحب «المستند» حكم الجدّ والجدّة إذا اجتمعا أو أحدهما مع الأبوين والأولاد أو أحدهم في مسائل ثلاثة:

إحداها: في حكم الجدّ والجدّة مع الأبوين.

ثانيتها: في حكمهما مع الأولاد.

ثالثتها: في حكمهما مع أولاد الأولاد وختمها بخاتمة في الطعمة.

و في «التحرير» ذكر هنا حكمهما مع الأبوين فقط، وذكر حكم أولاد الأولاد


1- مستند الشيعة 236: 19.

ص: 268

في الأمر الأوّل من المقصد الأوّل وحكم بمنع من عداهم من الأقارب، سواء كان والداً الميّت موجودين أم لا. فاستغنى بذلك عن ذكر اجتماعهما مع أولاد الأولاد، وأمّا اجتماعهما مع الأولاد فلا يحتاج إلى ذكره، فإنّ الأقرب يمنع الأبعد.

فقال صاحب «المستند» في ذيل المسألة الاولى: «لا يرث الجدّ ولا الجدّة مع أحد الأبوين مطلقاً، وفاقاً لشيخ الصدوق، حيث شرّك الجدّ من الأب معه ومن الامّ معها ... والإسكافي حيث شرّك الجدّين والجدّتين مع الأبوين والبنت الواحدة، وجعل الفاضل عن سهام الأبوين والبنت لهم»(1).

واستدلّ على المدّعى بالإجماع المحقّق، وقاعدة منع الأقرب للأبعد وبروايتي الحسن بن صالح وصحيحة عبدالله بن جعفر وأبي بصير.

والرواية الاولى، عن الصادق (ع) فيمن ترك امّاً وزوجاً وأخوين وجدّاً، فقال: «يعطى الزوج النصف وتعطى الامّ الباقي ...»(2).

والرواية الثانية، عن أبي محمّد (ع) في امرأة ماتت وتركت زوجها وأبويها وجدّها وجدّتها، كيف يقسم ميراثها فوقّع (ع): «للزوج النصف وما بقي فللأبوين»(3).

والرواية الثالثة، عن الصادق (ع) في رجل مات وترك أباه وعمّه وجدّه، فقال:


1- مستند الشيعة 239: 19.
2- وسائل الشيعة 134: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 19، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 135: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 19، الحديث 4.

ص: 269

«حجب الأب الجدّ عن الميراث وليس للعمّ ولا للجدّ شي ء»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يرث الجدّ ولا الجدّة لأب كان أم لُامّ مع أحد الأبوين شيئاً على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل في محكيّ «الانتصار» و «الخلاف» و «التنقيح» وظاهر «المبسوط» و «الغُنية» و «المفاتيح» و «الكفاية» وغيرها الإجماع عليه، بل في «الروضة» هو موضع وفاق إلا من ابن الجُنيد في بعض الموارد»(2).

ثمّ قال صاحب «المستند»: «وأمّا الخاتمة ففي حكم الطعمة للجدّ، اعلم أنّ الجدّ والجدّة وإن كانا لا يرثان مع أحد الأبوين، ولا مع الأولاد، ولا مع أولاد الأولاد، لكن يستحبّ إطعامهما، والظاهر أنّ المراد بالإطعام الإعطاء من باب الإرزاق المأموربه في قوله سبحانه:) وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ اوْلُوا الْقُرْبَى وَالْيتَامَى وَالْمَسَاكينُ فَارْزُقُوهُمْ)(3).(4)

واستدلّ عليه بالأخبار المستفيضة وموافقة كلّ من لا يقول بتوريثهما.

وقال صاحب «الجواهر»: «يستحبّ أن يطعمهما أي كلّ من الأبوين أبويه أو أحدهما سدس الأصل إذا زاد نصيبه عن ذلك، مثل أن يخلّف أبويه وجدّاً وجدّة لأب وجداً وجدّة لُامّ، فللُامّ الثلث»(5).

فلنلاحظ الأخبار الواردة في الطعمة ووجه دلالتها على الاستحباب.


1- وسائل الشيعة 135: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 19، الحديث 3.
2- جواهر الكلام 139: 39.
3- النساء( 4): 8.
4- مستند الشيعة 246: 19.
5- جواهر الكلام 142: 39.

ص: 270

فمنها: صحيحته جميل عن أبي عبدالله (ع): «أنّ رسول الله (ص) أطعم الجدّة السدس»(1).

ومنها: صحيحة الاخرى عنه (ع) أيضاً: «أنّ رسول الله (ص) أطعم الجدّة امّ الامّ السدس وابنتها حيّة»(2).

ومنها: صحيحته الثالثة عنه (ع) أيضاً: «أنّ رسول الله (ص) أطعم الجدّة امّ الأب السدس وابنها حيّ وأطعم الجدّة امّ الامّ السدس وابنتها حيّة»(3)

فهل هذه الروايات تدلّ على الوجوب أو الاستحباب؟

استدلّ على استحبابها بأنّ الطعمة في اللغة بمعنى الهبة وهي غير الإرث.

وفيه: أنّ كون الطعمة بمعنى الهبة غير ثابت، ولو سلّم، فلا تدلّ على الاستحباب، سواء كانت إرثاً أم لا.

ولذا قال صاحب «المستند»: «وجه الدلالة على الاستحباب ... لما ثبت في محلّه من أنّ ما لم تظهر جهته لنا من أفعال النبي (ص) فيستحبّ لنا التأسّي ولا يجب»(4).

ومراده أنّ القدر المتيقّن من فعله الذي ليست جهته معلومة لنا، هو الاستحباب وينفي الزائد عليه بأصالة البراءة ولا مجال للحكم بالاشتغال اليقيني بالنسبة إلى الزائد.


1- وسائل الشيعة 137: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 136: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 139: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 9.
4- مستند الشيعة 247: 19.

ص: 271

وقال صاحب «الجواهر»: «إنّما القائل بمشاركة الجدّ للأبوين يقول بكونه ميراثاً، لا إطعاماً واجباً، فحينئذٍ جميع الأخبار دالّة على خلافه، ضرورة ظهورها أجمع بعدم كونه ميراثاً»(1).

وحاصل كلامه أنّه لا قائل بوجوب الطعمة للجدّ، فبعضهم- كابن الجنيد والصدوق- يثبت الإرث للجدّ مع الأبوين والأولاد وينفي الطعمة، والمشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة كاد أن يكون إجماعاً عدم الإرث له مطلقاً وإثبات استحباب الطعمة.

فما ظاهره من الأخبار، وجوب الطعمة، يحمل على الاستحباب:

منها: صحيحة عبدالرحمان بن أبي عبدالله قال: «دخلت على أبي عبدالله (ع) وعنده أبان بن تغلب، فقلت: أصلحك الله، إنّ ابنتي هلكت وامّي حيّة؟ فقال أبان: «لا، ليس لأمّك شي ء»، فقال أبو عبدالله (ع): «سبحان الله أعطها السدس»(2).

ومنها: رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبدالله (ع) في أبوين وجدّة لُامّ قال: «للُامّ السدس وللجدّة السدس وما بقي وهو الثلثان للأب»(3).

ومنها: مرفوعة ابن رباط عن أبي عبدالله (ع): «الجدّة لها السدس مع ابنها ومع ابنتها»(4).


1- جواهر الكلام 142: 39.
2- وسائل الشيعة 138: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 6.
3- وسائل الشيعة 140: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 140: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 11.

ص: 272

فإنّ هذه الأخبار تدلّ إمّا على الوجوب بدلالة صيغة الأمر، وإمّا على الملكية أو الاختصاص بدلالة حرف اللام. لكن تحمل على الاستحباب من جهة الإطعام دون التوريث. ولذا قال صاحب «المستند» في بيان علّة الحمل على الاستحباب: «لأنّ السدس المذكور فيها محمول على الإطعام ... والإطعام ليس إلا مستحبّاً، مع أنّ القول بالسدس .... على جهة التوريث، إمّا لا قائل به أو شاذّ لا اعتبار به»(1).

وحكم صاحب «الرياض» المتقدّم زماناً على النراقي والنجفي بعدم الخلاف في استحباب الطعمة في الجملة(2).

وتوضيح المقام يتوقّف على بيان امور:

الأمر الأوّل: المراد من المطعَم هو الجدّ والجدّة، سواء كانا من الأب أو الامّ وهو المشهور. وقيل باختصاصه بالمتقرّب بالأب، وقيل باختصاصه بامّ الامّ، وهذان التفصيلان مخالفان لصحيحتي جميل الأخيرتين وروايتي ابن عمّار وابن رباط وصحيحة البصري.

قال صاحب «المستند»: «تمام المطلوب يثبت بعدم القول بالفصل»(3).

وقال صاحب «الجواهر» في رد من قال باختصاص الإطعام بالجدّ والجدّة للأب: «وفيه أنّ النصوص بين ظاهرة وصريحة في خلافه»(4).

الأمر الثاني: مقدار الطعمة سدس الأصل على المشهور، إذ المتبادر من لفظ السدس الوارد في الأخبار ذلك، خلافاً للإسكافي، حيث يقول: «مقدار الطعمة


1- مستند الشيعة 248: 19.
2- رياض المسائل 519: 12.
3- مستند الشيعة 249: 19.
4- جواهر الكلام 143: 39.

ص: 273

سدس نصيب المطعم» وخلافاً لصاحب «القواعد» حيث يقول: «مقدار الطعمة أقلّ الأمرين من سدس الأصل وزيادة نصيب المطعِم من السدس مع الزيادة».

قال صاحب «المستند»: «لا دليل عليه وظاهر الأخبار وصريح الرواية يدفعه»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إنّ الظاهر إرادة سدس الأصل من السدس كما صرّح به غير واحد، بل نسبه بعضهم إلى الأصحاب مشعراً بدعوى الإجماع ... فما سمعته من الإسكافي من كونه سدس نصيب المطعم لا وجه له ولا دليل عليه، بل الظاهر خلافه»(2).

ثمّ قال: «قد يقال باستحباب أقلّ الأمرين من الزائد على السدس ومنه، لا السدس مطلقاً ... ولا الزيادة»(3).

ثمّ قال في ردّه: «ضرورة اقتصار النصوص على إطعام السدس، فالضابط حينئذٍ ذلك»(4).

الأمر الثالث: هل الولد يمنع عن استحباب الطعمة للجدّ والجدّة أو لا؟

ظاهر الأصحاب الأوّل. والدليل عليه الأصل وفقدان الدليل، فنأخذ بالقدر المتيقّن.

ويمكن أن يقال بإطلاق الأخبار. وفيه: أنّ بعض الأخبار واردة في مورد فقدان الولد وأنّ أخبار إطعام النبي لا تصلح للإطلاق والعموم فتكون مجملة. ولذا قال صاحب «المستند» بعد استدلاله بما ورد في: «أنّ رسول الله (ص) أطعم


1- مستند الشيعة 250: 19.
2- جواهر الكلام 146: 39.
3- جواهر الكلام 146: 39.
4- جواهر الكلام 147: 39.

ص: 274

الجدّ السدس مع الأب ولم يطعمه مع الولد»:(1) «ومن هذا يعلم عدم استحبابها مع ولد الولد أيضاً لو قلنا بحجبه للجدّ»(2).

ولم يتعرّض صاحب «الجواهر» لحكم هذا القسم.

الأمر الرابع: هل تستحبّ الطعمة على ولد الولد عند فقدان الجدّ والجدة؟ الأظهر عدم استحبابها بحكم الأصل، وبعدم الدليل عليه، والقدر المتيقّن استحبابها على الأبوين وأمّا غيرهما فلا.

قال صاحب «الرياض»: «لا طعمة لأحد الأجداد مع وجود من يتقرّب به من أب أو امّ»(3).

وقال صاحب «المستند»: «كما أنّه لا تستحبّ للأبوين الطعمة عند وجود الولد، كذلك لا تستحبّ للولد ولا لولده بدونهما الطعمة، والوجه ما مرّ»(4)

وقال صاحب «الجواهر»: «يعتبر فيه حياة الأبوين خصوصاً إذا قلنا بأنّهما المخاطبان بالاستحباب، فلا يطعم الجدّ للأب ولا الجدّة له إلا مع وجوده، ولا الجدّ للُامّ ولا الجدّة لها إلا مع وجودها، بلا خلاف أجده فيه»(5).

الأمر الخامس: إذا كان الوارث منحصراً بالجدّ والجدّة، مع الإخوة أو بدون الإخوة، فلا طعمة للجدّ والجدّة فإنّهما يرثان من التركة، فلا يطعمان.

الأمر السادس: كلّ من الجدودة يطعم مع وجود من يتقرّب به، فلو لم يكن


1- وسائل الشيعة 139: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 8.
2- مستند الشيعة 252: 19.
3- رياض المسائل 525: 12.
4- مستند الشيعة 252: 19.
5- جواهر الكلام 144: 39.

ص: 275

للميّت أب، فلا يطعم أبواه وكذا لو لم تكن له امّ فلا يطعم أبواها.

قال صاحب «المستند»: «ظاهر «الكفاية» و «المفاتيح» التردّد، والظاهر هو الأوّل، لأنّ الروايات بين مجملة ومبيّنة بوجود المتقرّب للمطعم- بالفتح- فيؤخذ بالمبيّن ويعمل بالأصل في غيره»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد نقل رواية سعد بن أبي خلف عن موسى (ع) الدالّة على أنّ في صورة فقدان الأبوين «للجدّ السدس والباقي لبنات البنت»(2): «فيجمع حينئذٍ بينه وبين الصحيح المزبور بتفاوت مراتب الاستحباب ... بل عن ابن فضّال: إنّ هذا الخبر ممّا أجمعت الطائفة على العمل بخلافه»(3).

الأمر السابع: يشترط في استحباب إطعام كلّ من الأبوين زيادة نصيبه عن السدس إن كان ظاهر «المفاتيح» و «الكفاية» التردّد.

قال صاحب «المستند» في إثبات هذا الشرط: «لنا: ما مرّ من إجمال غير المبيّن بهذا النحو، وهو رواية ابن عمّار، فينفى غيره بالأصل، ويؤيّده اختصاص الأخبار بحكم التبادر والاعتبار بما إذا كان هناك للمطعم عن نصيبه زيادة»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «يستفاد من لفظ الطعمة اعتبار زيادة نصيب المطعم على السدس في استحباب الإطعام وقد صرّح به غير واحد من الأصحاب، بل لا أجد فيه خلافاً»(5).


1- مستند الشيعة 252: 19.
2- وسائل الشيعة 141: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 15.
3- جواهر الكلام 145: 39.
4- مستند الشيعة 253: 19.
5- جواهر الكلام 144: 39.

ص: 276

الأمر الثامن: هل يشترط مسمّى الزيادة عن السدس أو يشترط كونها بقدر السدس؟

رجّح صاحب «المستند» الثاني وقال: «لا ثمرة لهذا النزاع إلا عند من قال بالاستحباب مع وجود الولد للميّت أيضاً»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «الضابط عدم نقصان الأب عن السدس بالإطعام ويمكن تنزيل النصّ والفتوى عليه»(2).

الأمر التاسع: هل يشترط اختصاص الاستحباب بجدّ واحد أو جدّة واحدة أو لا؟

قال صاحب «المستند» بعد ترجيح الأوّل بمقتضى الأصل الذي حصّله من إجمال الأخبار: «لعدم ظهور جميع الأخبار إلا في الصورة الاولى خاصّة»(3).

لكن قال صاحب «الجواهر»: «يمكن دعوى كون المستفاد من النصوص عدم الفرق في إطعام الأبوين السدس لأبويهما بين المتّحد منهما، ومتعدّده وإن لم يذكر فيها إلا الجدّ والجدّة ... ومن هنا لم يفرّق الأصحاب بينهما، فيشتركان حينئذٍ في السدس لعدم ترجيح أحدهما على الآخر فيه»(4).

ولعلّ المقام مقام التسامح، فلا يفرّق.

الأمر العاشر: هل الطعمة ثابتة للأجداد إذا علوا أو لا؟

روى الشيخ في الموثّق عن الباقر (ع): «أطعم رسول الله (ص) الجدّتين


1- مستند الشيعة 254: 19.
2- جواهر الكلام 147: 39.
3- مستند الشيعة 254: 19.
4- جواهر الكلام 147: 39.

ص: 277

السدس ما لم يكن دون امّ الامّ امّ ولا دون امّ الأب أب»(1).

قال صاحب «المستند»: «يكون المعنى أنّه (ص) أطعمهما حين عدم وجود الجدّ البعيد»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «نعم في «القواعد» لا طعمة للأجداد إذا علوا، للأصل واختصاص ظواهر النصوص بالأجداد الأقربين، وهو- إن لم يكن إجماعاً- لا يخلو من بحث»(3).

المرتبة الثانية: الإخوة وأولادهم- المسمّون بالكلالة- والأجداد مطلقاً، ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة.

أقول: الكلالة من الكلّ وهو الثقل أو من الإكليل وهو ما يزيّن بالجوهر شبه العصابة، سمّى الإخوة وأولادهم بها، لأنّهم ثقل على الرجل، أو إحاطتهم به كإحاطته بالرأس.

لا شكّ في أنّه إذا كان واحد من الطبقة الاولى موجوداً، فلا تصل النوبة إلى الإخوة والأجداد، ولا يحجبهم أحد سوى الأبوين والأولاد وأولادهم ولا يرث مع الإخوة والأخوات أحد إلا الجدودة والزوجين إجماعاً، إلا أنّه قال صاحب «المستند»: «وفي ابن الأخ للأبوين مع الأخ للُامّ خلاف يأتي»(4).


1- وسائل الشيعة 141: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 20، الحديث 14.
2- مستند الشيعة 257: 19.
3- جواهر الكلام 147: 39.
4- مستند الشيعة 259: 19.

ص: 278

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يرث أحد منهم (أي الإخوة والأجداد) مع وجود أحد من الأوّلين (أي الأبوين والأولاد) ولا يتقدّم عليهم أحد من غيرهم مع فقدهم»(1).

ثمّ إنّه أشار إلى الخلاف الذي أشار إليه صاحب «المستند» وقال: «المعروف بين الأصحاب، بل هو كالمجمع عليه بينهم أنّه لو اجتمع أخ من امّ مع ابن أخ لأب وامّ فالميراث كلّه للأخ من الامّ، ولأنّه أقرب، ولكن قال ابن شاذان: له السدس والباقي لابن الأخ للأب والامّ»(2).

(مسألة 1): لو انفرد الأخ لأب وامّ فالمال له قرابةً، ولو كان معه أخ أو إخوة كذلك فهو بينهم بالسويّة، ولو كان معهم إناث أو انثى كذلك) فَلِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: للمسألة صور ثلاث:

إحداها: صورة انفراد الأخ للأب والامّ.

قال صاحب «المستند»: «إذا انفرد الأخ للأب والامّ، كان له المال كلّه بالقرابة، للإجماع ومنع الأقرب للأبعد وأحقّية السابق»(3).

وقال صاحب «الجواهر»: «إذا انفرد الأخ للأب والامّ عمّن يرث معه من أهل


1- جواهر الكلام 147: 39.
2- جواهر الكلام 166: 39.
3- مستند الشيعة 260: 19.

ص: 279

طبقته فالمال له قرابة بلا خلاف ولا إشكال»(1).

قال تعالى:) إِنِ امْرُؤٌ هَلَك لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك وَهُوَ يرِثُهَا إِنْ لَمْ يكُنْ لَهَا وَلَدٌ ((2).

وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (ع) قال: سألته عن رجل مات وترك أخاه ولم يترك وارثاً غيره، قال: «المال له»(3).

وفي صحيحة بُكير- الطويلة- عن الباقر (ع): «فإنّ الله قد سمّى للأخ الكلّ والكلّ أكثر من النصف، لأنّه قال:) فَلَها النِصفُ (، وقال للأخ:) وَهُوَ يَرثُهَا (يعني جميع مالها إن لم يكن لها ولد»(4).

وفي رواية موسى بن بكر بعد نقله ما عن الباقر (ع) لزرارة وكون جميع التركة للأخ المنفرد، قال زرارة: «هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه»(5).

ثانيتها: صورة اجتماع الأخ مع الأخ أو الإخوة.

قال صاحب «المستند»: «إذا كانوا متعدّدين، كان لهم المال بالسويّة، أمّا الأوّل فللإجماع والأقربية والأحقّية ولأنّه لمّا كان المال كلّه للواحد فالتعدّد أولى بذلك وأمّا الثاني فللإجماع»(6).


1- جواهر الكلام 148: 39.
2- النساء( 4): 176.
3- وسائل الشيعة 152: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، الحديث 1.
4- وسائل الشيعة 156: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 153: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، ذيل الحديث 2.
6- مستند الشيعة 261: 19.

ص: 280

وقال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف، ولا إشكال أيضاً في أنّه إن كان معه أخ أو إخوة منهما أيضاً، فالمال بينهم بالسويّة التي هي الأصل بالشركة»(1).

فالمسألة إجماعية.

ثالثتها: صورة اجتماع الإناث أو انثى مع الأخ أو الإخوة.

قال صاحب «المستند»: «لو كانت معه أو معهم اخت أو أخوات من الأبوين فالمال كلّه للكلّ، للذكر مثل حظّ الانثيين، فللإجماع»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان معه أو معهم انثى أو إناث منهما أيضاً، فللذكر سهمان وللُانثى سهم كتاباً وسنّة وإجماعاً بقسميه»(3).

أمّا الكتاب، فيدلّ عليه قوله تعالى:) وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيينِ ... ((4).

وإطلاق الإخوة في الآية الكريمة يقيّد بالأخبار. ففي صحيحة بكير عن الصادق (ع): «قال في آخر سورة النساء:) يسْتَفْتُونَك قُلِ اللهُ يفْتِيكمْ فِى الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَك لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ (، يعني اختاً لأب وامّ أو اختاً لأب،) فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك وَهُوَ يرِثُهَا إِنْ لَمْ يكنْ لَهَا وَلَدٌ () وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيينِ (، فهم الذين يزادون وينقصون وكذلك أولادهم هم الذين يزادون وينقصون»(5).


1- جواهر الكلام 148: 39.
2- مستند الشيعة 261: 19.
3- جواهر الكلام 148: 39.
4- النساء( 4): 176.
5- وسائل الشيعة 155: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، الحديث 52.

ص: 281

فلا ريب في أنّ الحكم بكون سهم الذكر ضعف الانثى لا يعمّ الإخوة والأخوات للُامّ، فإنّهم يأخذون الثلث ويقتسمون بالسويّة.

ففي رواية مسمع أبي سيّار قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن رجل مات وترك إخوة وأخوات لُامّ وجدّاً، قال: قال: «الجدّ بمنزلة الأخ من الأب، له الثلثان، وللإخوة والأخوات من الامّ الثلث، فهم شركاء سواء»(1).

وسيأتي حكم اجتماع الإخوة مع الأجداد.

(مسألة 2): لو انفردت الاخت لأب وامّ كان لها النصف فرضاً، والباقي يردّ عليها قرابةً، ولو تعدّدت كان لها الثلثان فرضاً والباقي يردّ عليها قرابة.

أقول: في المسألة صورتان:

الصورة الاولى: انفراد الاخت لأب وامّ. فقال صاحب «المستند»: «لو انفردت اخت لأب وامّ كان لها النصف فرضاً والباقي ردّاً»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان المنفرد اختاً لهما كان لها النصف فرضاً في كتاب الله والباقي يردّ عليها عندنا قرابة بآية أولى الأرحام وغيرها»(3).

وهذه الفتوى مخالفة لفتوى العامّة، حيث إنّهم يردّون الزائد على العصبة.

أمّا كون الاخت لأب وامّ المنفردة لها النصف فرضاً فبالإجماع، وبقوله


1- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 4.
2- مستند الشيعة 261: 19.
3- جواهر الكلام 148: 39.

ص: 282

تعالى:) إِنِ امْرُؤٌ هَلَك لَيسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ اخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَك ((1). وإطلاق الاخت في الآية مقيّد بالأخبار.

وأمّا كون الباقي لها ردّاً فبالإجماع أيضاً، وقاعدة منع الأقرب للأبعد، وأحقّية السابق ورواية سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (ع) عن علي (ع) يقول: «إذا كان وارث ممّن له فريضة فهو أحقّ بالمال»(2).

الصورة الثانية: تعدّد الأخوات لأب وامّ.

قال صاحب «المستند»: «لو كانوا اختين أو أخوات من الأبوين كان لهما أو لهنّ الثلثان والباقي يردّ عليهما أو عليهنّ»(3).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو كان اختان فصاعداً كان لهما أو لهنّ الثلثان فرضاً في كتاب الله أيضاً والباقي يردّ عليهما أو عليهنّ قرابة أيضاً»(4).

واستدلّ عليه بالإجماع وبقوله تعالى:) فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَينِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَك ((5).

وأمّا كون الزائد على الثلثين لهما أو لهنّ بالقرابة فبالإجماع، ورواية سليمان المذكورة آنفاً.

وفي «تفسير علي بن إبراهيم» عن الباقر (ع) قال: «إذا مات الرجل وله اخت تأخذ نصف الميراث بالآية، كما تأخذ الابنة لو كانت، والنصف الباقي يردّ


1- النساء( 4): 176.
2- وسائل الشيعة 188: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 7.
3- مستند الشيعة 262: 19.
4- جواهر الكلام 148: 39.
5- النساء( 4): 176.

ص: 283

عليها بالرحم، إذا لم يكن للميّت وارث أقرب منها، فإن كان موضع الاخت أخ أخذ الميراث كلّه بالآية، لقول الله:) وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَد (، وإن كانتا اختين أخذتا الثلثين بالآية والثلث الباقي بالرحم ...»(1).

(مسألة 3): يقوم كلالة الأب مقام كلالة الأب والامّ مع عدمهم، فيكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالتهما، فلو انفرد الأخ فالمال له، ولو تعدّد فهو لهم بالسويّة، ولو كان فيهم انثى فللذكر ضعفها، ولو انفردت الاخت كان لها النصف فرضاً والباقي ردّاً، ولو تعدّدت فلهما أو لهنّ الثلثان فرضاً والباقي ردّاً.

أقول: لا ريب في حرمان كلالة الأب مع كلالة الأب والامّ، وأمّا مع عدمهم فيقومون مقامهم.

قال صاحب «المستند»: «حكم المتقرّب بالأب وحده، حكم المتقرّب بالأبوين- حال عدم المتقرّب بهما- في الإرث والتقسيم»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «يقوم مقام كلالة الأب والامّ مع عدمهم كلالة الأب- أي الإخوة والأخوات له- ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع حكم كلالة الأب والامّ»(3).


1- وسائل الشيعة 153: 26- 154، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، الحديث 5.
2- مستند الشيعة 266: 19.
3- جواهر الكلام 148: 39.

ص: 284

واستدلّ صاحب «المستند» عليه بالإجماع والعمومات الدالّة على حكم الأخ مطلقاً وعمومات تفضيل الرجال على النساء بعد تخصيصها بالأدلّة الدالّة على حكم المتقرّب بالامّ وبعض الروايات.

منها: صحيحة بكير عن الباقر (ع) وفيها: «للزوج النصف ثلاثة أسهم وللإخوة للُامّ الثلث سهمان وللُاخت من الأب السدس سهم»(1).

ومنها: رواية موسى بن بكر عن بكير عن الباقر (ع): «أنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والامّ يزادون وينقصون»(2).

وحكم صاحب «الجواهر» بعدم الخلاف فيه، ثمّ قال: «بل الإجماع بقسميه عليه»(3).

ثمّ قال: «لكن لا يرث أخ ولا اخت من أب مع واحد من الإخوة للأب والامّ ولو انثى بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، لاجتماع السببين في كلالة الأبوين فيكون أقرب من كلالة الأب، وقد قال الله تعالى:) وَاوْلُوا الأرْحَامِ (إلى آخره وفي النبوي والمرتضوي: «أعيان بني الامّ أحقّ بالميراث من بني العَلات»(4).


1- وسائل الشيعة 156: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 152: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، الحديث 2.
3- جواهر الكلام 148: 39.
4- وسائل الشيعة 183: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 13، الحديث 3 و 4.

ص: 285

والأعيان الإخوة للأب والامّ من عين الشي ء أي النفيس منه وبنو العلات الذين للأب وحده.

وفي صحيحة بريد الكناسي عن الصادق (ع): «أخوك لأبيك وأمّك أولى بك من أخيك لأبيك» قال: «وابن أخيك لأبيك وأمّك أولى بك من ابن أخيك لأبيك»(1).

(مسألة 4): لا يرث أخ واخت لأب مع أحد من الإخوة للأب والامّ.

أقول: هذه المسألة إجماعية نقلًا وتحصيلًا، ومع ذلك يدلّ عليه عمومات الكتاب والسنّة.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمعت الإخوة أو الأخوات المتفرّقون في جهة التقرّب، فيسقط المتقرّب بالأب وحده، سواء كان ذكراً أو انثى أو ذكراً وانثى، واحداً أو متعدّداً»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يرث أخ ولا اخت من أب مع واحد من الإخوة للأب والامّ ولو انثى»(3).

واستدلّ العَلَمان بالإجماع المحصّل والمنقول، وذكر النراقي أنّ الإجماع محكيّ في كلام جماعة منهم الفضل بن شاذان من قدماء الطائفة والسيّد


1- وسائل الشيعة 182: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 13، الحديث 1.
2- مستند الشيعة 267: 19.
3- جواهر الكلام 149: 39.

ص: 286

المرتضى في «الانتصار»، وذكر النجفيّ أنّ الدليل على المدّعى سوى الإجماع اجتماع السببين في كلالة الأبوين فيكون أقرب من كلالة الأب، وقد قال الله تعالى:) وَاوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ ((1).

ويدلّ عليه صحيحة يزيد الكناسي المذكورة في ذيل المسألة الثالثة آنفاً، وما في «فقه الرضا» (ع): «فإذا ترك الرجل أخاه لأبيه و أخاه لُامّه وأخاه لأبيه وامّه فللأخ من الامّ السدس، وما بقي فللأخ من الامّ والأب وسقط الأخ من الأب ...»(2).

(مسألة 5): لو انفرد الواحد من ولد الامّ خاصّة عمّن يرث معه، كان له السدس فرضاً والباقي ردّاً قرابة ذكراً كان أو انثى، ولو تعدّد الولد اثنين فصاعداً فلهما أو لهم الثلث فرضاً والباقي قرابة، ويقسّم بينهم بالسويّة وإن اختلف الجنسان.

أقول: للمسألة صورتان: صورة انفراد كلالة الامّ وصورة تعدّدها.

أمّا حكم الصورة الاولى: فقال صاحب «المستند»: «إذا انفرد الأخ أو الاخت للُامّ، كان له أو لها المال، السدس بالفرض والباقي بالردّ، بالإجماع فيهما»(3).


1- الأنفال( 8): 75، والأحزاب( 33): 6.
2- مستدرك الوسائل 178: 17- 179، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 4.
3- مستند الشيعة 262: 19.

ص: 287

وقال صاحب «الجواهر»: «لو انفرد الواحد من ولد الامّ خاصّة عمّن يرث معه كان له السدس فرضاً والباقي يردّ عليه قرابة ذكراً كان أو انثى»(1).

والدليل على أنّ له السدس بالفرض قوله تعالى:) وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يورَثُ كلالَةً أوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أخٌ أوْ اخْتٌ فَلِكلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ ((2).

وحيث إنّ الأخ والاخت في الآية مطلقان يقيّد إطلاقهما بعد الإجماع بأخبار كثيرة، منها ما في رواية بكير بن أعين عن أبي عبدالله (ع): «والذي عني الله تبارك وتعالى في قوله:) وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يورَثُ كلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ اخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كانُوا أَكثَرَ مِنْ ذَلِك فَهُمْ شُرَكاءُ فِى الثُّلُثِ (، إنّما عني بذلك: الإخوة والأخوات من الامّ خاصّة ...»(3).

والدليل على أنّ الباقي يردّ عليه بالقرابة ما مرّ في الردّ على الاخت والأخ للأبوين وقاعدة الأقربية والأحقّية.

وأمّا حكم الصورة الثانية: فقال صاحب «المستند»: «لو كان المتقرّب بالامّ متعدّداً، سواء كانوا اثنين أو أكثر، ذكوراً أو إناثاً، أو ذكوراً وإناثاً كان المال لهما أو لهم، الثلث بالفرض والباقي بالردّ بالإجماع»(4).

وقال صاحب «الجواهر»: «للاثنين من ولد الامّ فصاعداً بينهم الثلث فرضاً بالسويّة، لظاهر قوله تعالى:) فَهُمْ شُرَكاءُ (، وأصالة التسوية في الشركة، خصوصاً


1- جواهر الكلام 149: 39.
2- النساء( 4): 12.
3- وسائل الشيعة 155: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 2.
4- مستند الشيعة 263: 19.

ص: 288

مع اتّحاد السبب وللإجماع بقسميه والسنّة، والباقي يردّ عليهم قرابة ذكراناً كانوا أو إناثاً، أو ذكراناً وإناثاً، بلا خلاف ولا إشكال في شي ء من ذلك، لتطابق الكتاب والسنّة والإجماع عليه»(1).

وفي رواية مسمع: قال سألت أبا عبدالله (ع) عن رجل مات وترك إخوة وأخوات لُامّ وجدّاً، قال: قال: «الجدّ بمنزلة الأخ من الأب له الثلثان، وللإخوة والأخوات من الامّ الثلث، فهم شركاء سواء»(2).

وفي رواية العبدي عن علي (ع): «لا تزاد الإخوة من الامّ على الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء، الذكر والانثى»(3).

(مسألة 6): لو كان الإخوة متفرّقين- فبعضهم للُامّ وبعضهم للأب والامّ- كان لمن يتقرّب بالامّ السدس فرضاً مع وحدته، والثلث كذلك مع التعدّد، يقسّم بالسويّة ولو مع الاختلاف، ولمن يتقرّب بالأب والامّ البقيّة- خمسة أسداس أو الثلثان- يقسّم بينهم، ومع الاختلاف للذكر ضعف الانثى.

أقول: لا كلام في المسألة في ما إذا لم تزد التركة على السهام وأمّا إذا زادت، ففيه كلام سيأتي.


1- جواهر الكلام 149: 39- 150.
2- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 4.
3- وسائل الشيعة 82: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 12.

ص: 289

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمعت الكلالتان، كلالة الامّ وكلالة الأبوين، فلكلالة الامّ السدس مع الوحدة، والثلث مع التعدّد، والباقي لكلالة الأبوين إجماعاً، إن كانت غير ذات فرض، بأن كانت ذكراً، أو ذكراً وانثى ... وإن كانت كلالة ذات فرض، فإن لم تزد التركة ... فلا إشكال. وإن زادت التركة ... هل يردّ الزائد على كلالة الأبوين خاصّة أو يردّ عليهما على قدر نصيبهما؟»(1).

ولم يتعرّض صاحب «الجواهر» للاختلاف الذي أشار إليه صاحب «المستند»، بل استند إلى الكتاب والسنّة والإجماع بقسميه في جميع الصور المفروضة مع عدم الإشارة إلى بعض الصور المختلف فيها.

فنقول: لا كلام فيما إذا لم تزد التركة على السهام، كما أنّه لا كلام فيما إذا لم تكن كلالة الأبوين ذات فرض، بأن كانت ذكراً أو ذكراً وانثى، وأمّا إذا كانت ذات فرض وزادت التركة عن السهام، فالمشهور بين الأصحاب أنّ الزائد يردّ على كلالة الأبوين وليس لكلالة الامّ من الزائد شي ء، وهذا فتوى كافّة المتأخّرين وادّعى عليه الإجماع في «المسالك» و «المختلف» كما في «الجواهر».

والمخالف فضل بن شاذان والعمّاني.

والدليل على حرمان كلالة الامّ عن الزائد على السهام روايات.

منها: قول علي (ع) في رواية العبدي التي شهد الفضل بصحّتها: «لا تزاد الإخوة من الامّ على الثلث ولا ينقصون من السدس وهم فيه سواء، الذكر والانثى»(2).


1- مستند الشيعة 271: 19.
2- وسائل الشيعة 82: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 12.

ص: 290

ومنها: ما في «فقه الرضا» (ع): «فإن ترك اختين أو أخوين أو أخاً واختاً لُامّ أو أكثر من ذلك وجدّاً، فللإخوة والأخوات من الامّ الثلث بينهم بالسويّة، وما بقي فللجدّ»(1).

ومنها: المرسلة المرويّة في «المجمع» عند تفسير قوله تعالى:) وَلَكمْ نِصْفُ مَا تَرَك أَزْوَاجُكمْ ... (، «متى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الامّ مع استوائهم في الدرج كان لقرابة الامّ الثلث بينهم بالسويّة والباقي لقرابة الأب ...»(2).

ومنها: صحيحة بكير بن أعين عن الصادق (ع) «لا ينقص الزوج من النصف ولا الإخوة من الامّ من ثلثهم ... فهم الذين- أي الذين ينتسبون إلى الأب والامّ- يزادون وينقصون وكذلك أولادهم هم الذين يزادون وينقصون»(3).

وقال الكليني في بيان الفرائض: «والإخوة والأخوات من الامّ لا يزادون على الثلث ولا ينقصون عن السدس والذكر والانثى فيه سواء، وهذا كلّه مجمع عليه»(4).

ويمكن أن يستدلّ عليه بأن المتقرّب بالأبوين أقرب من المتقرّب بالامّ فيمنعه عن الزائد، خرج ما خرج بالدليل، كما في «السرائر»(5). و «المفاتيح»(6).

وأمّا دليل المخالف، فلعلّه لما يتوهّم من التساوي في القرب وعدم الأولوية.


1- مستدرك الوسائل 182: 17، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 7، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 65: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 154: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 2.
4- الكافي 74: 7.
5- السرائر 260: 3.
6- مفاتيح الشرائع 326: 3.

ص: 291

والمنع ظاهر لمنع التساوي في القرب والأولوية، ولو سلّم فالدليل الدالّ على عدم الزيادة على الثلث وعدم النقصان عن السدس كافٍ في إثبات المدّعى.

ولا يمكن الاستدلال عليه برواية حمران الدالّة على ردّ الزائد عن الفريضة على الامّ والبنت: «فهما أحقّ بهما من العمّ وابن الأخ والعصبة، لأنّ البنت والامّ سمّى لهما ولم يسمّ لهم فيردّ عليهما بقدر سهامهما»(1). فإنّه قياس الإخوة من جانب الامّ على الامّ والقياس باطل عندنا.

هذا مع أنّه لو لم يكن القياس باطلًا فلا يمكن الحكم بما حكم به الفضل والعمّاني لوجود الأدلّة التي ذكرناها على خلافهما، والقياس- لو كان دليلًا- دليل حيث لا دليل وهنا الدليل موجود، كما لا يخفى.

ولعلّ قولهما النادر الذي لا دليل عليه، لا يضرّ بإجماع الفقهاء على خلافهم، ولو أغمضنا النظر عن الإجماع المدّعى في كلام «المسالك» و «المختلف» و «الجواهر»، فالشهرة الفتوائية محقّقة عند القدّماء وهي حجّة عندنا.

(مسألة 7): مع فقد الإخوة من الأب والامّ، واجتماع الإخوة من الأب مع الإخوة من الامّ، كان الحكم كما ذكر في المسألة السابقة، فيقومون مقامهم.

أقول: لا ريب في قيام كلالة الأب مقام كلالة الأبوين عند فقدها، ولا فرق بين صورة اتّحاد كلالة الأب وصورة اجتماعها مع كلالة الامّ، ولذا قال صاحب


1- وسائل الشيعة 130: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأبوين والأولاد، الباب 17، الحديث 3.

ص: 292

«المستند»: «إذا اجتمعت الكلالتان كلالة الامّ وكلالة الأب خاصّة، فلكلالة الامّ السدس مع الوحدة والثلث مع التعدّد والباقي لكلالة الأب إجماعاً إن كانت غير ذا فرض ... وإن كانت ذا فرض، فلا إشكال مع عدم زيادة التركة على الفرائض أيضاً ومعها فيأخذ كلّ ذي فرض فرضه. والزائد يردّ على كلالة الأب خاصّة، وفاقاً للشيخين والصدوق والقاضي والتقي وابن حمزة ونجيب الدين والفاضل في بعض كتبه وأكثر المتأخّرين كما في «المسالك» و «الكفاية»، لا على الكلالتين أرباعاً أو أخماساً كما اختاره الشيخ في «المبسوط» والإسكافي والفضل والعمّاني وابن زهرة والحلّي والمحقّق والكيدري و «التحرير» ولا يتردّد كظاهر «القواعد»»(1).

وحكم صاحب «الجواهر» وصاحب «الشرائع» بقيام كلالة الأب مقام كلالة الأبوين في جميع الأحكام ولم يتعرّضا للتفصيل الذي جاء في «المستند»(2).

واستدلّ صاحب «المستند» على المشهور بأنّ النقص يردّ على كلالة الأب فتكون الزيادة لها.

ففي حسنة ابن اذينة عن زرارة: «إذا أردت أن تلقى العول، فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب، وأمّا الزوج والإخوة من الامّ فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّى لهم شيئاً»(3).

لكنّ القاعدة المذكورة في هذه الحسنة ليست عامّة، فإنّ الأبوين مع البنت لا يردّ عليهما النقص ولهما الزيادة ولا يضرّ بالمقصود، فإنّ من له


1- مستند الشيعة 273: 19- 274.
2- جواهر الكلام 148: 39.
3- وسائل الشيعة 76: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 1.

ص: 293

الغنم فعليه الغرم، إلا ما خرج بالدليل.

هذا مع أنّ المرسلة الواردة في «المجمع» صريحة في الدلالة على المطلوب، ففيها: «إذا فضلت التركة عن سهامهم يردّ الفاضل على كلالة الأب والامّ أو الأب، دون كلالة الامّ»(1).

وأمّا المخالف فاستدلّ بما ذكرنا في المسألة السابقة، والجواب الجواب.

(مسألة 8): لو انفرد الجدّ فالمال له، لأب كان أو لُامّ أو لهما، ولو انفردت الجدّة فكذلك.

أقول: لما فرغ من بيان أحكام الإخوة شرع في بيان أحكام الأجداد.

قال صاب «المستند»: بعد بيان أنّ الحاجب عن إرث الجدّ لا يكون إلا الأبوين والأولاد وأولاد الأولاد، إجماعاً: «إذا انفرد الجدّ كان المال كلّه له، لأب كان أو لُامّ كذا الجدّة، للإجماع والأقربية»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «وأمّا الأجداد، فالجدّ وإن علا، إذا انفرد عمّن يرث معه، فالمال كلّه له، لأب كان أو لُامّ، أو لهما، وكذا الجدّة، لو انفردت، يكون المال كلّه لها»(3).

فصاحب «المستند» استند إلى الإجماع والأقربية وظاهر كلام صاحب «الجواهر»، استناده إلى الشهرة.


1- وسائل الشيعة 66: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 5.
2- مستند الشيعة 280: 19.
3- جواهر الكلام 152: 39.

ص: 294

ويدلّ عليه رواية سالم بن أبي الجعد: «أنّ عليّاً (ع) أعطى الجدّة المال كلّه»(1).

وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر (ع) قال: سئل عن ابن عمّ وجدّ، قال: «المال للجدّ»(2).

وقول الرضا (ع) في فقهه: «من ترك عمّاً وجّداً فالمال للجدّ»(3).

ولا يضرّ ضعف بعض هذه الأخبار، فإنّ البعض الآخر يجبر ضعفه، على أنّ عمل الأصحاب- خصوصاً المتقدّمين منهم- يجبر ضعفه سنداً، بل دلالة، فإنّ المنقّح في علم الاصول أنّ الشهرة العملية جابرة وكاسرة فضلًا عن الإجماع المحصّل في المسألة، سيّما إذا كانت الشهرة أو الإجماع منتسباً إلى قدماء الأصحاب.

فلا يبقى ريب في أنّ للجدّ المنفرد أو الجدّة المنفردة يرث المال كلّه، ولا فرق بين كون الجدّ أو الجدّة في صورة الانفراد، وارثاً بالفرض أو بالقرابة، لكن في صورة الاجتماع، يظهر الفرق بين الوارث بالفرض والوارث بالقرابة، فانتظر.

(مسألة 9): لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما لُامّ مع جدّ أو جدّة أو


1- وسائل الشيعة 176: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 9، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 181: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 12، الحديث 2.
3- مستدرك الوسائل 189: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 1، الحديث 1.

ص: 295

هما لأب، فللمتقرّب بالامّ منهم الثلث بالسويّة وللمتقرّب بالأب الثلثان) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: قد مضى البحث في المسألة السابقة عن إرث الجدّ أو الجدّة- من قِبَلِ الأب أو من قِبَل الامّ- في صورة الانفراد، والآن لنبحث عن إرثهما في صورة الاجتماع، أي في صورة اجتماع الجدّ أو الجدّة أو هما لُامّ. مع جدّ أو جدّة أو هما لأب ولا نتعرّض في هذا البحث للبحث عن صور اجتماع الأجداد مع الإخوة وسيجي ء البحث عنها في المسائل الآتية.

قال صاحب «المستند»: «لو كان جدّاً أو جدّة أو هما لُامّ، وجدّاً أو جدّة أو هما لأب، كان لمن يتقرّب منهم بالامّ الثلث، ولمن يتقرّب بالأب الثلثان، في الصور التسع، الحاصلة من ضرب ثلاث صور وجود المتقرّب بالامّ- الجدّ أو الجدّة أو هما- في ثلاث صور وجود المتقرّب بالأب»(1).

وهذا رأى علي بن بابويه وصاحب «النهاية» والقاضي والحلّي وابن حمزة وعامّة المتأخّرين، كما في «المسالك» وغيره وعن «الخلاف» الإجماع عليه.

وقال صاحب «الجواهر» بعد بيان أصل المسألة والحكم بكون إرث الجدّ أو الجدّة أو هما لُامّ مع الجدّ أو الجدّة أو هما لأب الثلث والثلثين: «على المشهور بين الأصحاب في أنّ القسمة بينهم بالثلث والثلثين ولو مع الأنوثة والاتّحاد، بل عليه عامّة المتأخّرين، بل ربما أشعرت بعض العبارات بالإجماع عليه، بل في «كشف اللثام» عن «الخلاف» الإجماع»(2).


1- مستند الشيعة 280: 19- 281.
2- جواهر الكلام 152: 39.

ص: 296

والدليل على ذلك عموم ما دلّ على إرث كلّ قريب نصيب من يتقرّب به.

قال الصادق (ع): «إذا التقت القرابات، فالسابق أحقّ بميراث قريبه، فإن استوت، قام كلّ واحد منهم مقام قريبه»(1).

وقال (ع) أيضاً: «إنّ في كتاب علي (ع) أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(2).

ومن المعلوم أن سهم الامّ إذا كانت مع الأب فقط الثلث وسهم الأب الثلثان فيكون للجدّ الامّي أو الجدّة الامّية أو هما الثلث نصيب الامّ ويكون للجدّ أو الجدّة أو هما من قِبَل الأب الثلثان بمقتضى القاعدة التي اصطيدت من الروايتين اللتين نقلناهما آنفاً.

ولا يستشكل بأن نصيب الامّ السدس مع الولد أو الحاجب، فإنّه يستفاد من الآية أنّ نصيبها الأصلي الثلث، اللّهم أن يمنع مانع.

وأمّا الإخوة والأخوات من قِبَل الامّ فلها في صورة الانفراد السدس، ولعلّ ذلك موهم لانتقاض الدليل، لكن نمنع ذلك فإنّه لنصّ خاصّ.

ويدلّ على المدّعى أيضاً الروايتان الخاصّتان الآتيتان:

1. موثّقة محمّد بن مسلم عن الباقر (ع): «إذا لم يترك الميّت إلا جدّه، أبا أبيه وجدّته امّ امّه، فإن للجدّة الثلث وللجدّ الباقي»، قال: «وإذا ترك جدّه من قِبَل أبيه وجدّ أبيه وجدّته من قبل امّه وجدّة امّه، كان للجدّة من قبل الامّ الثلث


1- وسائل الشيعة 69: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 2، الحديث 3.
2- وسائل الشيعة 68: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 2، الحديث 1.

ص: 297

وسقط جدّة الامّ والباقي للجدّ من قبل الأب وسقط جدّ الأب»(1).

2. ما حكى في «فقه الرضا» (ع): «فإن ترك جدّاً من قبل الأب وجدّاً من قبل الامّ فللجدّ من قبل الامّ الثلث وللجدّ من قبل الأب الثلثان»(2).

الأقوال الاخر:

قد بيّنا قول المشهور واستدلالهم وأنّهم حكموا بأنّ الحكم في جميع الصور التسعة واحد، لكن في مقابل هذا القول أقوال اخر بالتفصيل.

فقال الفضل بن شاذان والعمّاني: «إذا اجتمعت الجدّتان فللجدّة للُامّ السدس وللجدّة للأب النصف والباقي يردّ عليهما بالنسبة، تنزيلًا لهما منزلة الاختين».

وقال الصدوق: «إنّ لأب الامّ السدس ولأب الأب الباقي، تنزيلًا لهما منزلة الأخوين».

وقال التقي وابن زهرة والكيدري: «إنّ للمتّحد من قبل الامّ السدس، ذكراً كان أو انثى، وللمتعدّد الثلث نحو كلالة الامّ».

قال صاحب «الجواهر» بعد نقل الأقوال المذكورة: «ولم نعرف لهم ما يدلّ على ذلك سوى خبر زرارة: «أقرأني أبو جعفر (ع) صحيفة الفرائض، فإذا فيها لا ينقص الجدّ من السدس شيئاً ورأيت سهم الجدّ فيها مثبتاً»، وما دل على تنزيل الجدّ منزلة الأخ والجدّة منزلة الاخت»(3).


1- وسائل الشيعة: 176: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 9، الحديث 2.
2- مستدرك الوسائل 183: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 2.
3- جواهر الكلام 153: 39.

ص: 298

ثمّ قال في ردّه: «والخبر مع ضعفه واحتماله الطعمة وموافقته للعامّة بإطلاق السدس للجدّ، قاصر عن معارضة ما عرفت من وجوه، والتنزيل المزبور إنّما هو في حال اجتماع الجدّ أو الجدّة مع الأخ أو الاخت أو الإخوة أو الأخوات لا مطلقاً كما لا يخفى على من لاحظ النصوص المتضمّنة لذلك لا أنّ الجدّ أخ مطلقاً والجدّة اخت كذلك، على أنّه لو سلّم وجب تقييده بالنسبة إلى ذلك بما عرفت، كما هو واضح»(1).

تكملة

بقي شي ء: وهو أنّه ما الدليل على التسوية في جدودة الامّ، والتفاوت في جدودة الأب؟

فنقول: مع أنّه لا نجد فيه خلافاً كما اعترف به جماعة يدلّ عليه مرسل الطبرسي في «مجمع البيان» عند تفسير قوله تعالى:) وَلَكمْ نِصْفُ مَا تَرَك أَزْوَاجُكمْ (، حيث ذكر جملة موجزة منقولة عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) تدلّ على تقدير سهام المواريث فقال في ميراث قرابة الأب وقرابة الامّ: «متى اجتمع قرابة الأب مع قرابة الامّ مع استوائهم في الدرج، كان لقرابة الامّ الثلث بينهم بالسويّة والباقي لقرابة الأب للذكر مثل حظّ الانثيين، ومتى بعد إحدى القرابتين بدرجة سقطت مع التي هي أقرب»(2).

ويدلّ ذيله على ردّ قول التقي وابن زهرة والكيدري.


1- جواهر الكلام 153: 39- 154.
2- وسائل الشيعة 67: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 1، الحديث 5.

ص: 299

(مسألة 10): لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الامّ، مع الإخوة من قبلها، كان الجدّ كالأخ منها والجدّة كالاخت منها، ويقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً.

أقول: هذه المسألة شروع في البحث عن اجتماع الإخوة والأجداد.

قال صاحب «المستند» في فرض المسألة: «المال كلّه لهم بالسويّة، بمعنى أنّ الجدّ أو الجدّة بمنزلة واحد من الكلالة»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إذا اجتمع مع الإخوة للُامّ جدّ وجدّة أو أحدهما من قبلها، كان الجدّ كالأخ منها والجدّة كالاخت منها وكان الثلث(2) بينهم بالسويّة»(3).

وجه كون المال لهم لا للغير، ظاهر؛ فإنّه ليس وارث في البين أقرب منهم.

ووجه كون المال لهم، الإجماع المحقّق ومرسلة الطبرسي وغيرها، كما في «المستند»(4).

وحكم صاحب «الجواهر» بعدم الخلاف فيه، ثمّ قال: «بل عن الشهيدين نسبته إلى الأصحاب مشعرين بالإجماع، بل المحكيّ عن «كنز العرفان» كالصريح في ذلك»(5).

ويدلّ على التسوية روايات:


1- مستند الشيعة 288: 19.
2- لعلّ الصحيح: المال، بدل الثلث.
3- جواهر الكلام 155: 39.
4- مستند الشيعة 288: 19- 289.
5- جواهر الكلام 155: 39.

ص: 300

منها: موثّقة أبي بصير عن الصادق (ع) في ستّة إخوة وجدّ، قال: «للجدّ السبع»(1)

ومنها: صحيحته عنه (ع) في رجل مات وترك ستّة إخوة وجدّاً، قال: «هو كأحدهم»(2).

ومنها: روايته عنه (ع) في رجل ترك خمسة إخوة وجدّاً قال: «هي من ستّة لكلّ واحدٍ سهم»(3).

هذا مع أنّ جملة من الأخبار تدلّ على أنّ الجدّ والجدّة مع الإخوة بمنزلتهم. ففي رواية زرارة وبكير ومحمّد والفضيل وبريد عن أحدهما، قال: «... إن ترك إخوة وأخوات لأب وامّ أو لأب وجدّاً فالجدّ أحد الإخوة والمال بينهم) لِلذِّكَرِ مَثلُ حَظِّ الانثَيَينِ (»(4).

قال زرارة: «ليس عندنا في ذلك شكّ ولا اختلاف»(5).

وهذه الرواية التي تعرف برواية الفضلاء تقيّد إطلاق الروايات السابقة، حيث ذكر فيها الجدودة والإخوة مطلقاً، ومثلها رواية اخرى لهم عن أحدهما أيضاً(6).


1- وسائل الشيعة 168: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 15.
2- وسائل الشيعة 165: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 7.
3- وسائل الشيعة 168: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 16.
4- وسائل الشيعة 166: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 9.
5- وسائل الشيعة 166: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 9.
6- وسائل الشيعة 164: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 4 و 9.

ص: 301

(مسألة 11): لو اجتمع جدّ وجدّة أو أحدهما من قبل الأب والامّ أو الأب مع الإخوة من قبله، فالجدّ بمنزلة الأخ من قبله والجدّة بمنزلة الأخت من قبله،) فَلِلذّكَرِ مِثلُ حظِّ الانثيَيَن (.

أقول: هذه المسألة تبحث عن اجتماع الجدّ والجدّة أو أحدهما من قِبَل الأب والامّ أو الأب مع كلالته وحكمه كون الجدّ بمنزلة الأخ والجدّة بمنزلة الاخت كما صرّح به صاحب «المستند»(1) وصاحب «الجواهر»(2).

ويدلّ عليه أولًا الإجماع وثانياً الروايات.

منها: حسنة الفضلاء- زرارة وبكير ومحمّد والفضيل وبريد، عن أحدهما (عليهما السلام)، قال: «إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا» قال: قلت: رجل ترك أخاه لأبيه وامّه وجده أو أخاه لأبيه، أو قلت: ترك جده وأخاه لأبيه وامّه، فقال: «المال بينهما وإن كانا أخوين أو مائة فله مثل نصيب واحد من الإخوة» قال: قلت: رجل ترك جده واخته، فقال: «للذكر مثل حظّ الانثيين وإن كانتا اختين فالنصف للجدّ والنصف الآخر للُاختين وإن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة وأخوات لأب وامّ أو لأب وجدّاً فالجدّ أحد الإخوة والمال بينهم للذكر مثل حظّ الانثيين» وقال زرارة: هذا ممّا لا يؤخذ عليّ فيه قد سمعته من أبيه ومنه قبل ذلك(3).


1- مستند الشيعة 298: 19.
2- جواهر الكلام 157: 39.
3- وسائل الشيعة 165: 26- 166، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 9.

ص: 302

ومنها: صحيحة زرارة قال: سألت أبا جعفر (ع) عن رجل ترك أخاه لأبيه وامّه وجدّه، قال: «المال بينهما نصفان، فإن كانا أخوين أو مائة كان الجدّ معهم كواحد منهم يصيب الجدّ ما يصيب واحداً من الإخوة» قال: «وإن ترك اخته وجدّه فللجدّ سهمان وللُاخت سهم وإن كانتا اختين فللجدّ النصف وللُاختين النصف» قال: «وإن ترك إخوة وأخوات وجدّاً كان الجدّ كواحد من الإخوة للذكر مثل حظّ الانثيين»(1).

إلى غير ذلك من الأخبار المتكثّرة التي ذكرها يطول المقام.

فعلى هذا في صورة اجتماع الجدّ والجدّة للأب مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب يكون الجدّ بمنزلة الأخ والجدّة بمنزلة الاخت.

لكن قال الصدوق: «إن ترك اختين لأب وامّ أو لأب، وجدّاً فللُاختين الثلثان وما بقي فللجدّ»(2).

قال صاحب «الجواهر»: «ويوافقه في الجملة خبر الحلبي والكناني والشحام وأبي بصير جميعاً عن الصادق (ع): «في الأخوات مع الجدّ أنّ لهنّ فريضتهنّ، إن كانت واحدة فلها النصف وإن كانت اثنتين أو أكثر من ذلك فلها الثلثان وما بقي فللجدّ»(3).

ثمّ قال: «وهو إن لم يكن حكاية ما عند بعض العامّة يمكن حمله على الجدّ من قبل الامّ، فلا خلاف حينئذٍ في المسألة ولا إشكال»(4).


1- وسائل الشيعة 167: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 13.
2- المقنع: 499.
3- جواهر الكلام 158: 39.
4- جواهر الكلام 158: 39.

ص: 303

فعلى هذا الحمل- إن كان ممّا يرضى من قال بكون الباقي للجدّ، وعدم جعله بمنزلة الأخ- لا خلاف في البين، ومع فرض وجود الخلاف فهو شاذٌّ نادر لم يعيّن الأصحاب به.

(مسألة 12): لو اجتمع الإخوة من قبل الأب والامّ أو من قبل الأب مع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الامّ فالثلث من التركة للجدّ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان للإخوة، ومع التعدّد والاختلاف للذكر ضعف الانثى. نعم، لو كانت اخت واحدة مع الجدودة من الامّ فالنصف للُاخت فرضاً والثلث للجدودة، وفي السدس إشكال؛ من حيث إنّه هل يردّ على الاخت أو عليها وعلى الجدودة؟ فلا يترك الاحتياط؛ وإن كان الأرجح أنّ للُاخت الثلثين وللجدودة الثلث كسائر الفروض.

أقول: مبنى هذه المسألة على اجتماع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الامّ مع كلالة الأب أو الأبوين، ففيها ثلاثة فروع:

الأوّل: الكلالة ترث بالقرابة لا بالفرض كالذكر أو الذكر والانثى.

ففي هذه الصورة يكون الثلث للجدّ أو الجدّة أو هما والباقي للكلالة، للذكر مثل حظّ الانثيين. لأنّ كلّ قريب ليس له فريضة، فله نصيب من يتقرّب به، فللكلالة الثلثان نصيب الأب ومع التعدّد والاختلاف يكون للذكر مثل حظّ الانثيين، وللجدّ الثلث نصيب الامّ ومع التعدّد يكون بينهم بالسويّة

ص: 304

وهذا الفرض واضح ليس عليه غبار(1).

الثاني: الكلالة ترث بالفرض إذا كانت انثى، لكن تكون أكثر من واحد، كما إذا كانت اختين أو أكثر فيكون للكلالة الثلثان وللجدّ الثلث وتقتسم الكلالة بالسويّة كالجدّ مع التعدّد.

الثالث: الصورة بحالها لكن مع اتّحاد الكلالة، فلها النصف وللجدّ الثلث ويبقى سدس. فهل يردّ على الاخت فقط أو عليها وعلى الجدّ؛ فرجّح المصنّف الأوّل، فيكون للُاخت الثلثان وللجدّ الثلث.

والقائل بهذا القول صاحب «النهاية» والقاضي وابن نما وصاحب «الدروس» وصاحب «النكت» وصاحب «الإيضاح»، على ما يظهر من عبارته.

لكن نقل عن ابن زهرة والكيدري أنّهما قائلان بردّ السدس عليهما، واستشكل في «القواعد» و «التحرير» في الاخت للأب خاصّة دون الاخت للأبوين.

والأرجح هو الأوّل، كما في المتن، ويدلّ عليه روايات:

1. رواية بكير بن أعين عن أبي عبدالله (ع): «أصل الفرائض من ستّة أسهم، لا تزيد على ذلك ولا تعول عليها، ثمّ المال بعد ذلك لأهل السهام الذين ذكروا في الكتاب»(2).


1- وحمل صاحب« المستند»:« الأخبار الدالّة على أنّ مطلق الجدّ كواحد من الإخوة للأب، فمحمولة على الجدّ للأب. والأخبار الدالّة على أن مطلقه كواحد من الإخوة مطلقاً، فمحمولة على أنّ الجدّ للأب كواحد من الإخوة له، والجدّ للُامّ كواحد من الإخوة لها. والدليل على هذا الحمل هو الإجماع». راجع: مستند الشيعة 290: 19.
2- وسائل الشيعة 73: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 6، الحديث 8.

ص: 305

فالجدّ ليس من أهل السهام المذكورة في الكتاب الكريم، فليس له شي ء ممّا زاد على السهام.

2. صحيحته عنه (ع) في امرأة تركت زوجها وإخوتها وأخواتها لأمّها وإخوتها وأخواتها لأبيها قال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم وللإخوة من الامّ الثلث، الذكر والانثى فيه سواء، وبقي سهم فهو للإخوة والأخوات من الأب للذكر مثل حظّ الانثيين، لأنّ السهام لا تعول ولا ينقص الزوج من النصف ولا الإخوة من الامّ من ثلثهم ... فهم- أي الإخوة للأب- الذين يزادون وينقصون ...»(1).(2)

ويستفاد من مفهوم الحصر أنّ غير الإخوة للأب لا يزاد ولا ينقص، ولذا قال زرارة على ما حكى عمر بن اذينة: «إذا أردت أن تلقى العول فإنّما يدخل النقصان على الذين لهم الزيادة من الولد والإخوة من الأب وأمّا الزوج والإخوة من الامّ، فإنّهم لا ينقصون ممّا سمّى لهم شيئاً»(3).

3. رواية عبيد الله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عبّاس: «... والأخوات لها النصف والثلثان، فإذا أزالتهنّ الفرائض عن ذلك، لم يكن لهنّ إلا ما بقي»(4).


1- وقريب منه ما روى عن الباقر والناقل في كليهما بُكير لكن قال عمر بن اذينة سمعته من محمّد بن مسلم يرويه مثل ما ذكر بكير المعنى سواء ...( وسائل الشيعة 155: 26، الباب 3، الحديث 3) ولذا قلنا صحيحة محمّد بن مسلم والأولى أن يقال رواية بكير.
2- وسائل الشيعة 154: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 76: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 1.
4- أوّل من أعال عمر، لأنّه لم يدر من هو المتقدّم ومن هو المتأخّر في الإرث، فقال ابن عباس:« كلّ فريضة لم يهبطها الله عن فريضة إلا إلى فريضة فهذا ما قدّم الله. وأمّا ما أخّر فكلّ فريضة إذا زالت عن فرضها لم يبق لها إلا ما بقي فتلك التي أخّر»( وسائل الشيعة 79: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب موجبات الإرث، الباب 7، الحديث 6) فالمتقدّم هو الزوج والزوجة والامّ والمتأخّر هو البنات والأخوات.

ص: 306

4. رواية موسى بن بكر عن بكير عن الباقر (ع): «إنّ الإخوة للأب والأخوات للأب والامّ يزادون وينقصون»(1).

وقال زرارة: «هذا قائم عند أصحابنا لا يختلفون فيه»(2).

5. صحيحة بكير بن أعين عنه (ع) في امرأة تركت زوجها وإخوتها لُامّها واختاً لأبيها فقال: «للزوج النصف ثلاثة أسهم وللإخوة للُامّ الثلث سهمان وللُاخت من الأب السدس سهم»(3).

6. صحيحة محمّد بن مسلم عنه (ع) في ابن اخت لأب وابن اخت لُامّ: «لابن الاخت من الامّ السدس ولابن الاخت من الأب الباقي»(4).

وأمّا القائلون بالردّ عليهما فاستدلّوا بالتساوي في الدرجة، فإنّ الإخوة ليست بأولى من الجدودة حتّى تختصّ بالردّ، فيردّ الزائد عليهما بنسبة سهامهما.

وفيه أوّلًا: أنّ القول بعدم الأولوية ممنوع. وثانياً: لو سلّمنا عدم الأولوية فإيجابه للردّ ممنوع.

وأمّا ما استشكل العلّامة في «القواعد» و «التحرير» من الفرق بين الاخت للأب والاخت للأبوين، فلعلّ وجهه أنّ الاخت للأبوين أكثر تقرّباً من الاخت للأب،


1- وسائل الشيعة 152: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 152: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 2، ذيل الحديث 2.
3- وسائل الشيعة 155: 26- 156، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 3، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 162: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 5، الحديث 11.

ص: 307

فتتقدّم على الجدودة، وأمّا الاخت للأب فتكون أقلّ تقرّباً فلا تتقدّم على الجدودة فلا يختصّ الزائد بها، بل يقسم بينها وبين الجدودة بنسبة السهام.

(مسألة 13): لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الإخوة من قبل الامّ، فمع وحدة الأخ أو الاخت فالسدس له أو لها، ومع التعدّد فالثلث لهم بالسويّة ولو مع الاختلاف، والباقي في الفرضين للجدودة،) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: هذه المسألة تكون متكفّلة لبيان صورة اجتماع الجدودة من قبَل الأب مع الإخوة من قبَلِ الامّ.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما للأب، مع كلالة الامّ كان الثلث للكلالة يقتسمونه بالسويّة، إن كانوا أكثر من واحدة، والسدس إن كانت واحدة، والباقي للجدّ أو الجدّة أو هما، للذكر ضعف الانثى»(1).

ولم يتعرّض صاحب «الجواهر» لهذه المسألة كسابقتها.

ففي المسألة فرضان:

أحدهما: اجتماع الكلالة من جانب الامّ متعدّدة مع الجدودة من جانب الأب. فيكون الثلث للكلالة بالإجماع.

ويدلّ على ثلث الكلالة الآية وعلى ثلثي الجدودة أخبار المنزلة، حيث إنّها بمنزلة الأب.


1- مستند الشيعة 297: 19.

ص: 308

ففي موثّق الحلبي عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «للإخوة من الامّ الثلث مع الجدّ وهو شريك الإخوة من الأب»(1)

وفي صحيحة الحلبي عن الصادق (ع) في الإخوة من الامّ مع الجدّ قال:

«للإخوة فريضتهم الثلث مع الجدّ»(2)

وفي كتاب علي (ع): «إنّ الإخوة من الامّ يرثون مع الجدّ الثلث»(3).

وفي موثّقة أبي بصير عن الباقر (ع) قال: قال: «أعط الأخوات من الامّ فريضتهنّ مع الجدّ»(4).

ثانيهما: كون السدس للكلالة إذا اجتمعت مع الجدودة من جانب الأب وكانت الكلالة واحدة.

فتعطى الكلالة السدس وتعطى الجدودة الباقي، سواء كانت واحدة أو متعدّدة، ومع التعدّد للذكر مثل حظّ الانثيين.

وهذا الحكم ثابت بالإجماع، فإنّ قرابة الأب بمنزلة الأب، فيرث الجميع مع عدم الولد، لكن سدس الكلالة يخرج بحكم الآية الشريفة.

ففي صحيحة عبداله بن سنان عن الصادق (ع) في رجل ترك أخاً لُامّ وجدّاً:


1- وسائل الشيعة 175: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 9.
2- وسائل الشيعة 173: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 5.
3- وسائل الشيعة 175: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 10.
4- وسائل الشيعة 174: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 6.

ص: 309

«يعطى الأخ للُامّ السدس ويعطى الجدّ الباقي»(1).

(مسألة 14): لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب- مع عدم الإخوة من قبلهما- والأجداد من قبل الأب والإخوة من قبل الامّ، فالسدس مع الاتّحاد والثلث مع التعدّد للإخوة من قبل الامّ بالسويّة، والباقي للإخوة من قبلهما أو قبله والجدودة، ومع الاختلاف في الجنس للذكر ضعف الانثى.

أقول: إنّ الكلالة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب في مرتبة واحدة، فمع الاتّحاد يقتسمون المال بالسويّة، ومع الاختلاف للذكر مثل حظّ الانثيين. فإذا دخلت عليهم كلالة الامّ فمع الاتّحاد لها السدس ومع التعدّد لها الثلث، فيكون الباقي للجدودة وكلالة الأبوين أو الأب.

قال صاحب «الجواهر»: «إذا اجتمع مع الاخت أو مع الاختين فصاعداً للأب والامّ أو للأب جدّ وجدّة أو أحدهما من قبله، كان الجدّ كالأخ من قبله والجدّة كالاخت ... وينقسم الباقي بعد كلالة الامّ إن كانت بينهم للذكر مثل حظّ الانثيين بلاخلاف أيضاً أجده في تنزيل الجدّ معها أو معهما أو مع الإخوة منزلة الأخ للأب والجدّة منزلة الاخت له، بل عن ظاهر جماعة الإجماع عليه، بل عن الكليني والشيخ دعواه صريحاً»(2).


1- وسائل الشيعة 172: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 8، الحديث 1.
2- جواهر الكلام 157: 39.

ص: 310

وفي المرسل عن رسول الله (ص): «إنّ الجدّ مع الإخوة يرث حيث ترث الإخوة، ويسقط حيث تسقط، وكذلك الجدّة اخت مع الأخوات ترث حيث يرثن وتسقط حيث يسقطن»(1).

وفي صحيح الفضلاء- زرارة وبكير ومحمّد والفضيل وبريد- عن أحدهما (عليهما السلام): «إنّ الجدّ مع الإخوة من الأب يصير مثل واحد من الإخوة ما بلغوا ... وإن كانتا اختين فالنصف للجدّ والنصف الآخر للُاختين، وإن كنّ أكثر من ذلك فعلى هذا الحساب، وإن ترك إخوة وأخوات لأب وامّ أو لأب وجدّاً، فالجدّ أحد الإخوة والمال بينهم للذكر مثل حظّ الانثيين»(2).

وفي صحيحة عبدالله بن سنان في أخ لأب وجدّ: «المال بينهما سواء»(3). إلى غير ذلك.

(مسألة 15): لو اجتمع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الامّ فالثلث للجدودة من قبل الامّ، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة، والثلثان للباقي) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (. ونصيب الجدّ كالأخ والجدّة كالاخت.


1- وسائل الشيعة 170: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 22.
2- وسائل الشيعة 165: 26- 166، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 9.
3- وسائل الشيعة 166: 26- 167، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 6، الحديث 12.

ص: 311

أقول: يذكر في هذه المسألة صورة اجتماع الإخوة من قِبَل الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب والامّ.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع النوعان من الجدّ أو الجدّة أو هما مع كلالة الأب، فللمتقرّب بالامّ الثلث بالسويّة مع التعدّد، وللمتقرّب بالأب الثلثان بالتفاوت، إجماعاً، والوجه واضح»(1).

ووجه الوضوح أنّ الجدّ الامّي له الثلث، سواء كان واحداً أو متعدّداً، لكن على فرض التعدّد يقسم الثلث بالسويّة فيبقى الثلثان وهما لكلالة الأب والجدّ للأب بلا شكّ، فمع الاتّحاد يقسّمان بالسويّة ومع التعدّد يقسّمان كذلك إن كانت الكلالة والجدودة من جنس واحد وللذكر مثل حظّ الانثيين إن لم يكن كذلك.

وحيث إنّ فرض الامّ الثلث، فيكون ذلك لمن يقوم مقامها. خرج منه كلالتها في صورة عدم التعدّد فلها السدس.

(مسألة 16): لو اجتمع الجدودة من قبل الامّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب، والإخوة من قبل الامّ فالثلث للمتقرّب بالامّ بالسويّة، والثلثان للمتقرّب بالأب، للذكر الضعف.

أقول: في هذه المسألة اجتمعت الكلالتان مع الجدودة من قبل الامّ ويكون الحكم واضحاً بل إجماعياً، فإنّ لكلالة الامّ مع الجدّ للُامّ ثلثا، حيث لم يكن


1- مستند الشيعة 301: 19.

ص: 312

لمن يتقرّبان به سهم زائد على الثلث والباقي وهو الثلثان لكلالة الأب.

وكلالة الأب أو الأبوين إمّا أن تكون واحدة أو متعدّدة، لا كلام في صورة التعدّد وكذا لا كلام في صورة عدمه إذا كانت ذكراً. أمّا لو كانت انثى واحدة، ففرضها النصف، فيبقى سدس، فهل يرد على كلالة الأب والجدّ الامّي بنسبة سهامها أو يرد على الكلالة الواحدة بالفرض.

قد رجّحنا سابقاً عند البحث عن المسألة 12 أنّ الترجيح لقول من قال بردّه على كلالة الأب فلا نعيد.

(مسألة 17): لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الامّ والإخوة من قبل الامّ فالثلث للمتقرّب بالامّ بالسويّة والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الانثى.

أقول: هذه المسألة- أيضاً- من الواضحات، فإنّ الجدودة من قبل الامّ تكون بمنزلة الإخوة وليس للُامّ،- لو كانت حيّة- سوى الثلث، فإذا كانت كلالتها مجتمعة مع الجدودة للُامّ، فليس لهما سوى سهم الامّ، بينهما بالسويّة. وأمّا الجدودة من قبل الأب فلها الثلثان ويجري فيها قاعدة الضعف كما لا يخفى.

قال صاحب «المستند»: «لو اجتمع الجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب والامّ معاً مع كلالة الامّ، كان للجدّ أو الجدّة أو هما من قبل الأب الثلثان، وله أو لهما من قبل الامّ وكلالتها الثلث، للإجماع، ولانتفاء الفرض، أمّا من المتقرّب بالأب

ص: 313

فظاهر وأمّا من المتقرّب بالامّ فلما مرّ في المسألة الثالثة، فيكون كلّ متقرّب بمنزلة قريبه»(1).

فنوع أقرباء الامّ يأخذون نصيبها ونوع أقرباء الأب نصيبه.

(مسألة 18): لو اجتمع الجدودة من قبل الأب مع الجدودة من قبل الامّ والإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الامّ فالثلث للمتقرّب بالامّ بالسويّة، والثلثان للمتقرّب بالأب للذكر ضعف الانثى.

أقول: في هذه المسألة اجتمع النوعان من الكلالة مع النوعين من الجدودة.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع النوعان مع الكلالتين، فللمتقرّب بالامّ الثلث وبالأب الثلثان، بالإجماع، والدليل ظاهر»(2).

ففي هذا الفرض- أيضاً- لأقرباء الامّ نصيبها وهو الثلث ويقتسمون بالسويّة ولأقرباء الأب الثلثان ويقتسمون بالضعف، كما لا يخفى.

وحيث إنّ الجدّ من قبل الأب بمنزلة الأخ للأب والجدّة من قبله بمنزلة الاخت له، والجدّ من قبل الامّ بمنزلة الأخ من قبلها والجدّة من قبل الامّ بمنزلة الاخت من قبلها فيقسّم المال، أوّلًا أثلاثاً. ثلثة لقرابة الامّ وثلثاه لقرابة الأب، ثانياً. وأقرباء الامّ يقتسمون ثلثهم بالسويّة وأقرباء الأب يقتسمون ثلثيهم للذكر مثل حظّ الانثيين.


1- مستند الشيعة 300: 19- 301.
2- مستند الشيعة 301: 19.

ص: 314

(مسألة 19): لو اجتمع أحد الزوجين مع الإخوة من قبل الأبوين، أو الأب أو مع الجدودة من قبل الأب فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى، والباقي للباقي في الصورتين للذكر ضعف الانثى. ولو اجتمع أحدهما مع إحدى الطائفتين من قبل الامّ، فلأحدهما نصيبه الأعلى، والباقي للباقي في الصورتين بالسويّة مطلقاً.

أقول: لا ريب أنّ للزوج والزوجة في صورتي المسألة نصيبهما الأعلى، فيأخذ الزوج النصف والزوجة الربع.

ففي الصورة الاولى المذكورة في المسألة- أي اجتماع كلالة الأبوين أو الأب مع الجدودة من قبل الأب- الباقي وهو النصف أو الثلاثة أرباع للكلالة والجدودة، للذكر مثل حظّ الانثيين إن كانوا مختلفين وإلا فبالسويّة.

وفي الصورة الثاني:- أي اجتماع الطائفتين من قبل الامّ أو أحدهما فقط- فالباقي بعد كسر النصف أو الربع لكلالة الامّ والجدودة من قبلها أو لأحداهما إن كانت منفردة ويقتسمون بالسويّة في فرض التعدّد.

(مسألة 20): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من الامّ، أو مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الامّ، فلأحدهما نصيبه الأعلى، وللمتقرّب بالامّ السدس من التركة مع الانفراد والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، وللمتقرّب بالأب أو الأبوين الباقي؛ للذكر ضعف الانثى.

ص: 315

أقول: لا ريب في أنّ للزوج أو الزوجة في هذه المسألة كسابقتها نصيبه الأعلى، النصف أو الربع ولكلالة الامّ السدس مع الانفراد، والثلث مع التعدّد ويبقى الباقي لكلالة الأب.

فلو كان الوارث زوجاً وأخاً لُامّ، وأخاً لأب أو أبوين، فللزوج النضف وللأخ للُامّ السدس وللأخ للأبوين أو الأب الثلث.

ولو كان زوجة وأخاً لُامّ وأخاً لأب، فللزوجة الربع وللأخ للُامّ السدس وللأخ للأبوين أو الأب سبعة سهام.

ويعلم باقي الفروض بالدقّة، ولا نحتاج إلى تفصيلها، وليس في فرض من الفروض زيادة.

(مسألة 21): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من قبل الامّ أو مع الجدودة من قبل الأب والجدودة من قبل الامّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالامّ يقسّم بالسويّة مع التعدّد مطلقاً، والباقي للمتقرّب بالأب أو الأبوين للذكر ضعف الانثى.

أقول: في هذه المسألة أيضاً للزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى، النصف أو الربع ويبقى الباقي لكلالة الأبوين أو الأب والجدودة.

فجدودة الامّ تأخذ نصيبها وهو الثلث مع التعدّد بالسويّة.

وأمّا المتقرّب بالأب سواء كان إخوة فقط أو جدّاً فقط أو هما معاً فله الباقي

ص: 316

وتجري قاعدة الضعف بلا شكّ ولا ريب. فللأخ والجدّ ضعف الاخت والجدة ولهما نصف سهم الأخ والجدّة.

فالمسألة واضحة لا غبار عليها.

(مسألة 22): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الامّ والجدودة من قبلها، فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من مجموع التركة للمتقرّب بالامّ يقسّم بالسويّة، والباقي للإخوة من قبل الأبوين أو الأب للذكر الضعف، وكذا الحال لو اجتمع أحدهما مع الجدودة من قبل الأب والإخوة من قبل الامّ والجدودة من قبلها.

أقول: لا ريب أنّ نصيب المتقرّب بالامّ إذا كان جدّاً أو جدّة الثلث، وكذا لو كان معه كلالة الامّ، ففي المسألة صورتان:

إحداهما: اجتماع الزوج أو الزوجة مع كلالة الأب وكلالة الامّ والجدودة من قبلها، فيأخذ الزوج أو الزوجة نصيبه الأعلى ويأخذ المتقرّب بالأب الثلث ويأخذ كلالة الأب الباقي.

ثانيتهما: اجتماع أحدهما مع الجدودة من قبل الأب وكلالة الامّ والإخوة من قبل الامّ فيأخذ أحدهما نصيبه الأعلى ويأخذ المتقرّب بالامّ- جدّاً كان أو كلالة- الثلث ويأخذ الجدودة من قبل الأب الباقي.

ص: 317

(مسألة 23): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب والامّ أو الأب والجدودة من قبل الأب، فلأحدهما نصيبه الأعلى، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى، ولو كان الإخوة من قبل الامّ وكذا الجدودة فالباقي لهم بالسويّة.

أقول: في هذه المسألة- أيضاً- صورتان:

إحداهما: اجتماع أحدهما مع كلالة الأب والجدودة من قبله، فيأخذ أحدهما نصيبه الأعلى ويبقى الباقي للمتقرّب بالأب، جدّاً كان أو كلالة، للذكر مثل حظّ الانثيين، سواء كان ذا فرض أم لا.

ثانيتهما: اجتماع أحدهما مع كلالة الامّ والجدودة من قبلها فيأخذ أحدهما نصيبه الأعلى ويبقى الباقي للمتقرّب بالامّ بالسويّة.

ففي كلتا الصورتين الباقي للباقي ولا يزاد على فرض الزوج أو الزوجة شي ء ولا فرق بين كون المتقرّب بالأب أو الامّ ذا فرض أو لا.

(مسألة 24): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأب أو الأبوين والجدودة من قبل الأب والإخوة من الامّ فلأحدهما نصيبه الأعلى، والسدس من التركة للإخوة من قبلها مع الانفراد، والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى.

أقول: إذا اجتمع أحد الزوجين، مع المتقرّب بالأب، كلالة وجدودة، ومع كلالة الامّ، فيكون لأحدهما نصيبه الأعلى بالفرض ويكون لكلالة الامّ في

ص: 318

صورة الانفراد نصيبها الأدنى، أي السدس، وفي صورة التعدّد، نصيبها الأعلى أي الثلث بالسويّة.

وأمّا المتقرّب بالأب فيأخذ الباقي سواء كان مشتملًا على ذي الفرض كالاخت أو الاختين أو أكثر أو لم يكن.

والمسألة واضحة كسابقتها.

(مسألة 25): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والجدودة من الأب والجدودة من الامّ، فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للجدودة من الامّ بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: لم تكن في البين كلالة الامّ، فاجتمع أحدهما مع كلالة الأب أو الأبوين والجدودة من قبله والجدودة من قبل الامّ.

فيكون لأحدهما نصيبه الأعلى، ثمّ لجدودة الامّ الثلث بالسويّة ويبقى الباقي لكلالة الأب والجدودة من قبله.

فيأخذ الزوج النصف، ثلاثة أسهم من ستّة وجدودة الامّ سهمين والباقي للباقي.

ويأخذ الزوجة الربع ثلاثة أسهم من اثنى عشر وجدودة الامّ الثلث أربعة أسهم والباقي للباقي.

ص: 319

(مسألة 26): لو اجتمع أحدهما مع الإخوة من قبل الأبوين أو الأب والإخوة من قبل الامّ والجدودة من قبلها والجدودة من الأب فلأحدهما نصيبه الأعلى، والثلث للمتقرّب بالامّ بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى.

أقول: هذه المسألة واضحة لا تحتاج إلى الشرح والتوضيح.

وليعلم: أنّه يمكن أن يقال: فروض الطبقة الثانية- أي الإخوة والأجداد- أربعة، فإمّا أن يكون الوارث الإخوة من قبل الأب أو الأبوين فقط، أو الإخوة من قبل الامّ فقط أو جدودة الأب فقط، أو جدودة الامّ فقط، ففي كلّ هذه الصور المال للوارث الموجود، يقسم بالسويّة أو بالضعف ومع وجود أحد الزوجين له نصيبه الأعلى.

وأمّا في صورة الاجتماع فإمّا أن يكون الاجتماع بين الكلالتين أو بين الجدودتين أو بين إحدى الكلالتين وإحدى الجدودتين فهذه أربع صور.

ويمكن أن يكون الاجتماع بين الكلالتين وجدودة الأب أو بين الكلالتين وجدودة الامّ أو بين كلالة الأب والجدودتين أو بين كلالة الامّ والجدودتين، فهذه أيضاً أربع صور.

ويمكن الاجتماع بين الأربع وهذا صورة واحدة.

وإذا اجتمع أحد الزوجين مع الفروض فيحصل من ضرب الاثنين في الثلاثة عشر، ستّ وعشرون صورة.

وجدودة الأب في صور الاجتماع بمنزلة كلالة الأب وجدودة الامّ بمنزلة كلالة الامّ، فللزوج أو الزوجة في جميع الصور نصيبه الأعلى ولجدودة الامّ

ص: 320

وكلالتها الثلث ولكلالة الامّ مع الانفراد السدس، والباقي لجدودة الأب وكلالته سواء نقص عن فرضهم- مع وجود صاحب الفرض- أو زاد. كما لا يخفى على المدقّق.

هاهنا امور:

الأوّل: أولاد الإخوة بحكم أولاد الأولاد؛ في أنّه مع وجود أحد من الإخوة من الأب أو الامّ- ولو كان انثى- لا يرث أولاد الإخوة ولو كانوا من الأب والامّ.

أقول: الدليل على هذا المدّعى أنّ الأقرب يمنع الأبعد.

قال صاحب «المستند»: «لا يرث أولاد الأخ مع الأخ مطلقاً، بلا خلاف يعرف، إلا ما نقل عن الفضل بن شاذان أنّه شرّك ابن الأخ من الأبوين مع الأخ من الامّ وابن ابن الأخ منهما مع ابن الأخ منها ونحو ذلك، فجعل السدس للمتقرّب بالامّ والباقي للمتقرّب بالأبوين»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «المعروف بين الأصحاب، بل هو كالمجمع عليه بينهم أنّه لو اجتمع أخ من امّ مع ابن أخ لأب وامّ، فالميراث كلّه للأخ من الامّ، لأنّه أقرب، ولكن قال ابن شاذان: له السدس والباقي لابن الأخ للأب والامّ، بل في «الكافي» عنه أنّ ابن الأخ للأب أو بنته كذلك أيضاً، وابن ابن الأخ للأب أو لهما فنازلًا مع ابن الأخ للُامّ كذلك أيضاً وكذا ابن الاخت وبني الأخوات لهما


1- مستند الشيعة 308: 19.

ص: 321

مع اخت لها لاختلاف جهة القرابة»(1).

واستدلّ على هذا التفريق بأنّ هذا لا يشبه ولد الولد، فإنّ ولد الولد ولد وليس ولد الإخوة أخاً، فولد الولد يرث ما يرث الولد ويحجب ما يحجب الولد وولد الإخوة ليس كذلك.

فالأخ من الامّ يحجب ولد الأخ للأب ولو كان أقرب، كما أنّ الجدّ الأدنى يحجب الجدّ الأعلى، لأنّ الأقرب يمنع الأبعد مع اتّحاد الجهة، لا مع اختلافها.

ولباب دليل الفضل أن ابن الأخ للأبوين جامع للسببين.

وفيه: أنّ كثرة الأسباب تؤثّر مع التساوي في الدرجة، لا مع التفاوت، مع أنّه يلزم أن لا يكون الأخ للأب حاجباً لأولاد الأخ للُامّ، مع أنّ الفضل وافق المشهور في هذا الفرض.

ولذا ورد في «فقه الرضا» (ع) أنّه إذا ترك الرجل أخاه وابن أخيه فالأخ أولى من ابن أخيه(2).

فنقول: إنّ رأى الفضل مخالف للإجماع ومخالف لقاعدة الأقربية، لأنّ الأخ وإن كان من امّ أقرب من ابن الأخ وإن كان من الأبوين لغة وعرفاً.

الثاني: يرث أولاد الإخوة إرث من يتقرّبون به، فلو خلّف أحد الإخوة من الامّ وارثاً فالمال له فرضاً وردّاً مع الوحدة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة،


1- جواهر الكلام 166: 39.
2- فقه الرضا( ع): 289؛ مستدرك الوسائل 180: 17، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 4، الحديث 4.

ص: 322

ولو كان من أحد الإخوة من الأب فله المال مع الانفراد، ومع التعدّد يقسّم بينهم للذكر ضعف الانثى. ولو كان الأولاد من الإخوة المتعدّدة من الامّ، فلا بدّ من فرض حياة الوسائط والتقسيم بينهم بالسويّة، ثمّ يقسّم قسمة كلّ بين أولادهم بالسويّة. ولو كان الأولاد من الاختين أو الزيادة للأب والامّ أو للأب مع فقد الأبويني، فكالفرض السابق، لكن للذكر ضعف الانثى، ولو كان الأولاد من الذكور الأبويني أو الأبي، أو كانوا من الذكور والإناث من الأب والامّ أو من الأب، فلا بدّ من فرض الوسائط حيّاً، والقسمة بينهم للذكر ضعف الانثى، ثمّ قسمة نصيب كلّ منهم بين الأولاده للذكر ضعف الانثى.

أقول: الفروض الخمسة المذكورة في الأمر الثاني كلّها مبتنية على أصل واحد وهو أنّ أولاد الإخوة يرثون إرث من يتقرّبون به.

وتفصيل الفروض على ما يلي:

1. إذا خلّف أحد الإخوة من الامّ وارثاً فله نصيب مورّثه السدس فرضاً والباقي ردّاً، فمع الوحدة له كلّ المال ومع التعدّد يقسّم بالسويّة.

2. لو خلّف أحد الإخوة من الأب وارثاً فله المال مع الانفراد، ومع التعدّد يقسّم بينهم بقاعدة الضعف.

3. إذا كان الأولاد من الإخوة المتعدّدة للُامّ، فنفرض كون الوسائط أحياء ونقسّم المال بينهم بالسويّة، ثمّ نقسّم نصيب كلّ منهم بين أولاده بالسويّة.

4. إذا كان الأولاد من الاختين أو الأخوات للأب والامّ أو للأب، فكالفرض السابق، لكن للذكر ضعف الانثى.

ص: 323

5. إذا كان الأولاد من الذكور الأبويني أو الأبي أو من الذكور والإناث، فنفرض الوسائط حيّاً ثمّ نقسّم بينهم بقاعدة الضعف، ثمّ نقسّم نصيب كلّ بين أولاده بنفس القاعدة.

قال صاحب «المستند»: «والدليل على ذلك كلّه الإجماع وعموم الأخبار المصرّحة بأنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به»(1).

وبه قال صاحب «الجواهر» وقال: «بلا خلاف نصّاً وفتوىً ولا إشكال فيه»(2).

لكن في رواية محمّد بن مسلم عن الباقر (ع) في بنات الأخ وابن أخ قال: «المال لابن الأخ»(3). ولا يعمل بها لضعفها بالشذوذ، فلا تصلح للمعارضة وحملت على التقيّة.

الثالث: الكلام في الأولاد مع الوسائط المتعدّدة، كالكلام في المسألة السابقة في إرث من يتقرّبون به وكيفية التقسيم.

أقول: إذا لم يكن للميّت أولاد الإخوة وكان له أولاد الأولاد، فيقمون مقام الأولاد، كما أنّ الأولاد يقومون مقام الإخوة، لكن مع وجود الأولاد لا يرث أولاد الأولاد، لأنّ الأقرب يمنع الأبعد.

وقاعدة تقسيم الإرث بينهم كقاعدة المسألة السابقة، فنفرض الإخوة أحياء


1- مستند الشيعة 312: 19.
2- جواهر الكلام 168: 39.
3- وسائل الشيعة 163: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 5، الحديث 13.

ص: 324

ونقسّم بينهم، ثمّ نقسّم نصيب كلّ بين أولاده ونفرض أولاده أحياء، ثمّ نقسّم نصيب كلّ بين أولاده.

هذا، مع مراعاة حال المورّث الأوّل، فإن كان لُامّ فالتقسيم بالسويّة وإن كان لأب وامّ أو لأب فالتقسيم بقاعدة الضعف، كما لا يخفى.

ولم يتعرّض «المستند» ولا «الجواهر» لهذا الفرض ولعلّه لوضوحه.

وليعلم: أنّ الإخوة لا يحجبون الأجداد العُليا كما أنّ الأجداد الدنيا لا يحجبون أولاد الإخوة.

الرابع: لا يرث أولاد الإخوة من الأب فقط مع وجود أولاد الإخوة للأب والامّ في جميع الوسائط؛ بشرط أن يكونا في درجة واحدة.

أقول: لمّا كان أولاد الإخوة بمنزلة الإخوة، فكما أنّ الإخوة من قبل الأب لا ترث مع وجود الإخوة من قبل الأبوين، كذلك لا يرث أولادهم مع وجود أولاد الإخوة من قبل الأبوين، ولذا قال صاحب «المستند»: «لو اجتمعت أولاد الكلالات الثلاث سقطت أولاد من يتقرّب بالأب وكان لأولاد من يتقرّب بالامّ السدس مع وحدة من يتقرّب به والثلث مع التعدّد، ولأولاد من يتقرّب بالأب والامّ الباقي مع كون من يتقرّب بهما ذكراً أو ذكراً وانثى، والنصف أو الثلثان بالفرض إن كان انثى، أو إناثاً، يردّ الباقي عليهم أو عليهما على الاختلاف المتقدّم»(1).


1- مستند الشيعة 312: 19.

ص: 325

ثمّ ذكر أنّ لأحد الزوجين لو دخل في هذه الفروض النصيب الأعلى.

والدليل على ذلك كلّه الإجماع وعموم الأخبار الدالّة على أنّ كلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، لكن سقوط أولاد الإخوة من الأب مع وجود أولاد الإخوة من الأبوين مشروط بكونهما في درجة واحدة وإلا فيقدّم الأقرب على الأبعد.

الخامس: لا يرث الجدودة مع الواسطة مع وجود واحد من الجدودة بلا واسطة، ولو كان واحد من الجدودة الأربعة بلا واسطة موجوداً، لا يرث الجدودة مع الواسطة، ومع وجود واحد من ذي وسط واحد لا يرث ذو وسائط متعدّة، وهكذا كلّ أقرب مقدّم على الأبعد.

أقول: مبنى هذه المسألة تقدّم الأقرب على الأبعد.

قال صاحب «المستند»: «الأقرب من الأجداد يمنع الأبعد، للإجماع ومنع الأقرب للأبعد، وموثّقة محمّد»(1).

ففي موثّقة محمّد بن مسلم عن الباقر (ع): «إذا لم يترك الميّت إلا جدّه أبا أبيه وجدّته امّ امّه فإنّ للجدّة الثلث وللجدّ الباقي» قال: «وإذا ترك جدّه من قبل أبيه وجدّ أبيه وجدّته من قبل امّه وجدّة امّه كان للجدّة من قبل الامّ الثلث وسقط جدّة الامّ والباقي للجدّ من قبل الأب وسقط جدّ الأب»(2).


1- مستند الشيعة 302: 19.
2- وسائل الشيعة 176: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 9، الحديث 2.

ص: 326

السادس: الجدّ الأعلى بأيّ واسطة كان يرث مع الإخوة إذا لم يكن في صنفه أقرب منه، كما أنّ الإخوة وأولادهم مع أيّ واسطة يرثون مع الجدّ، بشرط أن لا يكون في صنفهم أقرب منهم، فلو اجتمع جدّ الجدّ وإن علا مع الأخ يرث، فضلًا عمّا إذا كان مع ولده، وكذا لو اجتمع ولد الإخوة وإن دنى مع الجدّ بلا وسط يرث، فضلًا عن كونه مع الوسط. وبالجملة: الأقرب من كلّ صنف مقدّم على الأبعد من هذا الصنف، لا الصنف الآخر.

أقول: مبنى هذه المسألة القاعدة الشريفة التي أشير إليها في آخرها.

قال صاحب «المستند»: «لو اجتمعت الأجداد العُليا والدنيا والإخوة كان المقاسم للإخوة الأجداد الدنيا دون العليا».

ثمّ قال: «المصرّح به في كلماتهم أنّ الجدودة العليا مطلقاً ما لم يسلب عنه صدق النسبة عرفاً تقاسم الإخوة والأخوات مطلقاً ونفى بعضهم عنه الخلاف ظاهراً ونسبه إلى فتوى الأصحاب، بل نقل عليه الإجماع أيضاً»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف بيننا في أنّ الجدّ وإن علا يقاسم الإخوة ... نعم إنّما يقاسمهم مع عدم وجود الجدّ الأدنى وإلا كان هو المشارك دونه ... فلو اجتمعا .... مع الإخوة شاركهم الأدنى وسقط الأبعد»(2).


1- مستند الشيعة 302: 19.
2- جواهر الكلام 162: 39.

ص: 327

السابع: لو اجتمع الأجداد الثمانية- أي الأبوين من أب الأب وأب الامّ وامّ الأب وامّ الامّ- فلا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي؛ سواء كان معهم غيرهم أم لا.

قال صاحب «المستند»: «قد جرت عادة الفقهاء بالبحث عن الأجداد الثمانية الواقعة في الدرجة الثانية إذا اجتمعوا ونحن أيضاً نكتفي بهم»(1).

وقال صاحب «الجواهر» في فرض المسألة «لأجدادها أي الامّ، الثلث بينهم أرباعاً، إذ الفرض أنّهم أربعة وبمنزلة كلالة الامّ التي قد عرفت اقتسامها بالسويّة ولأجداد الأب الأربعة أيضاً الثلثان، ولكن لكونهم بمنزلة كلالة الأب يقسّمان بينهم أثلاثاً، ثلثا ذلك لجدّه وجدّته لأبيه بينهما للذكر مثل حظّ الانثيين والثلث الآخر لجدّه وجدّته لُامّه أثلاثاً .... على ما ذكره الشيخ وجماعته، بل حكى غير واحد عليه الشهرة»(2).

وذهب معين الدين المصري إلى أنّ ثلث الثلثين بين الجدّ والجدّة لأب الميّت من قبل امّه بالسويّة، لكونهما متقرّبين إلى الميّت بواسطة الامّ.

وقال الشيخ زين الدين البرزهي: «يقتسم ثلثا التركة بين الأجداد الأربعة لأب الميّت أثلاثاً وثلث التركة لأبوي امّ الامّ بالسويّة وثلثا لأبوي أبيها أثلاثاً».

قال صاحب «المستند»: «إنّهم صرّحوا بأنّه ليس هنا دليل يرجّح أحد الأقوال»(3). فالتصالح والتراضي طريق الاحتياط.


1- مستند الشيعة 303: 19.
2- جواهر الكلام 163: 39.
3- مستند الشيعة 305: 19.

ص: 328

المرتبة الثالثة: الأعمام والأخوال ولا يرث واحد منهم مع وجود واحد من الطبقة السابقة

أقول: لمّا فرغنا من البحث عن إرث الأجداد والإخوة من المرتبة الثانية، شرعنا في البحث عن إرث المرتبة الثالثة، أي الأعمام والأخوال.

قال صاحب «المستند»: «لا يرث العمّ مع واحد من الإخوة وأولادهم والأجداد وآبائهم بالإجماع»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا يرث أحد منهم مع وجود أحد من الطبقة السابقة بلا خلاف يعتدّ به أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى النصوص الدالّة عليه وقاعدة الأقرب»(2).

لكن حكى عن الفضل بن شاذان من قسمة المال نصفين بين الخال والجدّة للُامّ، وفي «الدروس» أنّ الذي ثبت في كتابه أنّ الميّت لو ترك عمّة وخالة وجدّة، فالمال للجدّة.

وفي صحيحة بريد الكناسي عن الباقر (ع): «وعمّك أخو أبيك من أبيه وامّه أولى بك من عمك أخي أبيك من أبيه»، قال: «وعمّك أخو أبيك من أبيه أولى بك من عمّك أخي أبيك لُامّه ...»(3).

تدلّ هذه الرواية على كون الأقرب يمنع الأبعد، فلا وجه لإرث الأعمام والأخوال مع وجود من كان أقرب منهم إلى الميّت.


1- مستند الشيعة 319: 19.
2- جواهر الكلام 172: 39.
3- وسائل الشيعة 191: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 4، الحديث 1.

ص: 329

والوجه في ذلك أنّ من ولد الميّت أو ولده المّيت أولى من غيره، ثمّ من ولد أب الميّت أو امّه ومن ولده أب الميّت أو امّه أولى من غيره وهم الأجداد والإخوة، ثمّ تصل النوبة إلى من ولده الأجداد وهم الأعمام والأخوال.

(مسألة 1): لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الأب والامّ أو من قبل الأب فالتركة لهم، ومع اختلاف الجنس) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْن (.

أقول: في فرض المسألة لا شكّ في كون المال كلّه للعمومة، ولا شكّ أيضاً في أن للذكر ضعف الانثى مع اختلاف الجنس.

قال صاحب «المستند»: «إذا أنفرد العمّ كان المال كلّه له وكذا العمّة وإذا تعدّد العمّ أو العمّة كان المال كلّه لهم بالسويّة إذا كانوا لأب أو لُامّ أو لهما»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «العمّ يرث المال إذا أنفرد وكذا العمّان والأعمام ويقسّمون المال بالسويّة إن تساووا في المرتبة ... وكذا العمّة والعمّتان والعمّات ... وإن اجتمعوا ... فللذكر مثل حظّ الانثيين»(2).

وادّعى «المستند» في جميع الصور المذكورة الإجماع وحكم صاحب «الجواهر» بعدم الخلاف وعدم الإشكال فيه.


1- مستند الشيعة 319: 19.
2- جواهر الكلام 174: 39.

ص: 330

وفي خبر سلمة بن محرز عن الصادق (ع) في عمّ وعمّة قال: «للعمّ الثلثان وللعمّة الثلث»(1).

ويدلّ عل التفاضل قاعدة تفضيل الذكر على الأثنى في باب الإرث وهي المستفادة من الكتاب والسنّة والنصوص المشتملة على بيان الحكمة كافية في ذلك، كما لا يخفى.

(مسألة 2): لو كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الامّ فالتركة لهم، ومع التعدّد واتّحاد الجنس يقسّم بالسويّة، ومع الاختلاف لا يترك الاحتياط بالتصالح والتراضي.

أقول: إذا كان الوارث منحصراً بالعمومة من قبل الامّ، فحكم صاحب «المستند» بتفضيل الرجال على النساء «وفاقاً للفضل والمفيد والصدوق و «النهاية» و «الشرائع» و «النافع» و «الغنية» مدّعياً عليه إجماع الإمامية»(2).

واستدلّ عليه بالتفضيل وبعض الروايات كخبر سلمة.

والمخالف الشهيدان والفاضل وغيرهم فحكموا بالاقتسام بالسويّة.

وأمّا صاحب «الجواهر» فاستشكل في كلام «القواعد» و «الدروس» و «اللمعة» و «الرياض» و «الكفاية»، حيث إنّ ظاهرها- إن لم يكن صريحها- وجوب الاقتسام بالسويّه، بدليل أصالة التسوية في إطلاق الشركة المقتصر في الخروج


1- وسائل الشيعة 189: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 2، الحديث 9.
2- مستند الشيعة 319: 19- 320.

ص: 331

منها على المتقرّب بالأبوين أو بالأب.

فقال في بيان الإشكال: «وفيه .... أنّها مقطوعة بما عرفت من إطلاق معقد الإجماع والرواية وبقاعدة التفضيل»(1).

أقول: إن كان التفضيل قاعدة متقنة خرج منها ما خرج فالحقّ ما قال صاحب «الجواهر» وإلّا فالاحتياط سبيل النجاة.

(مسألة 3): لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو من قبل الأب مع العمومة من قبل الامّ فالسدس لعمومة الامّ مع الانفراد، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس، ويحتاط بالصلح مع الاختلاف، والباقي للعمومة من قبل الأبوين أو الأب للذكر ضعف الانثى مع الاختلاف.

أقول: لا كلام في أنّ لعمومة الامّ السدس مع الانفراد والثلث مع التعدّد، ولكنّ الكلام في اقتسامهم بالسويّة مع التعدّد واختلاف الجنس أو بالضعف.

قال صاحب «المستند»: «لو اجتمع المتفرقون من الأعمام أو العمّات أو منهما فيسقط المتقرّب بالأب مع الوجود المتقرّب بالأبوين، لخصوص صحيحة الكناسي وسائر ما تقدّم في مسألة اجتماع الإخوة المتفرّقين ... والمشهور أنّ السدس للمتقرّب بالامّ إذا كان واحداً والثلث إذا كان أكثر والباقي للمتقرّب بالأبن أو الأب».

ثمّ قال: «ولم أقف على حجّة عليه سوى الشهرة وإلحاق الأعمام بالكلالة


1- جواهر الكلام 175: 39.

ص: 332

والأوّل مردود بعدم حجيّته والثاني بكونه قياساً»(1).

فهو معتقد بتسوية الأعمام والعمّات في تقسيمهم للذكر مثل حظّ الانثيين.

وقال صاحب «الجواهر»: «قاعدة التفضيل غير متحقّق إقعادها، بحيث يشمل ما نحن فيه، وعلى تقديره تقيّد أيضاً بما عرفت خصوصاً بعد الاتّفاق ظاهراً على الحكم المزبور»(2).

ثمّ إنّه يأتي الخلاف السابق في كيفية اقتسام العمومة من قبل الامّ، والسيّد الاستاذ حكم بالتصالح احتياطاً كما في المسألة السابقة.

(مسألة 4): لو كان الوارث منحصراً بالخؤولة من قبل الأبوين أو الأب، فالتركة لهم، ومع التعدّد تقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً، وكذا الحال في الخؤولة من قبل الامّ.

أقول: لمّا كانت الخؤولة متقرّبة بالامّ حكم بكون المال لهم بالسويّة.

قال صاحب «المستند»: «لو اجتمع الخال والخالة، أو الأخوال والخالات، فالمعروف من مذهب الأصحاب أنّهم يقتسمون المال بالسويّة أيضاً والذكر والانثى فيهم سواء»(3).

واستدلّ عليه بالإجماع المنقول ومرسلة «المجمع» وما في «فقه الرضا»، لكن لا شاهد عليه صريحاً، بل ظاهراً في المرسلة و «فقه الرضا»، فالأولى أن يستدلّ


1- مستند الشيعة 321: 19.
2- جواهر الكلام 176: 39.
3- راجع: مستند الشيعة 328: 19.

ص: 333

عليه بعدم الخلاف، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «لو اجتمعوا- أي الأخوال والخالات- ... فالذكر والانثى سواء، سواء كانوا جميعاً لأب وامّ أو لأب أو لُامّ بلا خلاف أجده فيه، إلا ما عساه يشعر به ما عن «المقنع»»(1).

ثمّ قال صاحب «المستند»: «نقل الشيخ في «الخلاف» عن بعض الأصحاب، أنّهم إذا كانوا متقرّبين بالأبوين أو الأب، يقتسمونه للذكر ضعف الانثى وهو ضعيف شاذّ مردود بالإجماع والأخبار»(2).

وحيث إنّ المقول المخالف ضعيف شاذّ، فالحقّ ما عليه المتن.

(مسألة 5): لو اجتمع الخؤولة من قبل الأب والامّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الامّ فالسدس للُامّي مع الانفراد، والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للخوؤلة من قبل الأب والامّ، ومع فقدهم للخؤولة من قبل الأب، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً.

أقول: من صور اجتماع بعض أصناف الطبقة الثالثة مع بعضهم اجتماع الخؤولة من قبل الأب والامّ أو الأب مع الخؤولة من قبل الامّ.

قال صاحب «المستند» في فرض المسألة: «المعروف في كيفية القسمة أنّ للمتقرّب بالامّ السدس مع الوحدة، ذكراً كان أو انثى والثلث مع التعدّد يقسّم بينهم بالسويّة، والباقي للمتقرّب بالأبوين أو بالأب مع عدمه، والمشهور أنّهم


1- جواهر الكلام 181: 39.
2- مستند الشيعة 327: 19.

ص: 334

أيضاً يقتسمونه كذلك وإن اختلفوا بالذكورية والانوثية»(1).

لكن نقل الشيخ في «الخلاف» عن بعض الأصحاب أنّ الخؤولة للأبوين يقتسمون للذكر ضعف الانثى، ونقل عن القاضي أيضاً، وفي «الجواهر»: «الباقي للخؤولة من الأب والامّ بينهم للذكر مثل حظّ الانثى»(2).

وهذا فتوى صاحب «الشرائع» وليس معتمداً لصاحب «الجواهر»، ولذا قال: «يمكن هنا ترجيح أصالة التسوية وقرابة الامّ»(3). فالأولى ما في المتن.

(مسألة 6): لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب فالثلث للخؤولة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة، والثلثان للعمومة، للذكر ضعف الانثى مع التعدّد والاختلاف.

أقول: هذا صورة اخرى من صور اجتماع بعض أصناف الطبقة الثالثة مع بعض.

قال صاحب «المستند» في فرض المسألة وهو اجتماع العمومة والخؤولة: «للخال أو الخالة أو الأخوال الثلث وللعمّ أو العمّة أو الأعمام الثلثان، وفاقاً للمشهور، لكون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الامّ، والعمّ أو العمّة أو الأعمام بمنزلة الأب، فلكلّ نوع نصيب من يتقرّب به»(4).


1- مستند الشيعة 328: 19.
2- جواهر الكلام 181: 39.
3- جواهر الكلام 181: 39.
4- مستند الشيعة 331: 19.

ص: 335

وجعل جماعة كالعمّاني والديلمي والمفيد والكيدري وابن زهرة والمصري الخؤولة منزلة كلالة الامّ والعمومة منزلة كلالة الأب. لكن قال صاحب «المستند»: «لم أعثر على حجّة لهم والقياس على الكلالة باطل»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «لو اجتمع الأخوال والأعمام كان للأخوال الثلث وكذا لو كان واحداً، ذكراً كان أو انثى لأب وامّ أو لُامّ، وللأعمام الثلثان ... على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة لاستفاضة النصوص أو تواترها في ذلك»(2).

وفي كتاب علي (ع): «أنّ العمّة بمنزلة الأب والخالة بمنزلة الامّ وبنت الأخ بمنزلة الأخ وكلّ ذي رحم بمنزلة الرحم الذي يجرّ به، إلا أن يكون وارث أقرب إلى الميّت منه فيحجبه»(3).

(مسألة 7): لو اجتمع العمومة من قبل الامّ والخؤولة كذلك فالثلث للخؤولة، وفي صورة التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان للعمومة، ومع التعدّد يقسّم بالسويّة مع عدم الاختلاف، ومعه يحتاط بالتصالح.

أقول: المشهور كون الخال أو الخالة أو الأخوال بمنزلة الامّ وكون العمّ أو العمّة أو الأعمام بمنزلة الأب، فلكلّ نوع نصيب من يتقرّب به. قال صاحب «المستند»: «جعل الخؤولة بمنزلة الاخت والعمومة بمنزلة الأخ ... لا وجه له»(4).


1- مستند الشيعة 332: 19.
2- جواهر الكلام 182: 39.
3- وسائل الشيعة 162: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الإخوة والأجداد، الباب 5، الحديث 9.
4- مستند الشيعة 331: 19.

ص: 336

وهو الظاهر من كلام صاحب «الجواهر» وأسنده إلى الشهرة العظيمة واستفاضة النصوص أو تواترها.

ثمّ قال: «إن كان الأخوال مجتمعين في جهة القرابة فالمال بينهم للذكر مثل حظّ الانثى»(1).

ثمّ استشكل فيه بقوّة ملاحظة جانب الأمومة وأصالة التساوي. وحيث إنّ بعضاً من الفقهاء قال بالتفضيل، فحكم الاستاذ (قدّس سرّه) في صورة الاختلاف بالاحتياط والتصالح وهو سبيل النجاة، إن شاء الله تعالى.

(مسألة 8): لو اجتمع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من قبل الامّ فالثلث للخؤولة بالسويّة مع التعدّد مطلقاً، والسدس من الثلثين للعمومة من قبل الامّ مع الاتّحاد، والثلث مع التعدّد بالسويّة، ومع اختلاف الجنس يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأبوين أو الأب، ومع التعدّد والاختلاف) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: لا ريب في أنّ للخؤولة في فرض المسألة الثلث وللأعمام الثلثان، وهذا هو المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، على ما في «الجواهر»(2).

وقد بيّنا حكم اجتماع العمومة والخؤولة ذيل مسألة 6 وكون الثلث بين الخؤولة بالسويّة لكونهم بمنزلة الامّ.

وقد أضاف إلى الأعمام من قبل الأبوين أو الأب العمومة من قبل الامّ، فهم


1- جواهر الكلام 183: 39.
2- جواهر الكلام 182: 39.

ص: 337

بمنزلة كلالة الامّ، فمع الانفراد له سدس الثلثين ومع التعدّد له ثلثهما. لا إشكال في صورة اتّحاد الجنس ومساواتهم وأمّا في صورة اختلاف الجنس فحكم سيّدنا الاستاذ بالاحتياط والتصالح؛ إذ يحتمل تغليب جانب الامّ، فالحكم الاقتسام بالسويّة وتغليب جانب الأب فالحكم التفضيل، والله أعلم.

(مسألة 9): لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الامّ فالثلث للخؤولة من قبل الامّ يقسّم مع التعدّد بالسويّة مطلقاً، والسدس من الثلثين في صورة الاتّحاد والثلث في صورة التعدّد للعمومة من قبل الامّ ويحتاط في صورة التعدّد والاختلاف، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى مع التعدّد والاختلاف.

أقول: الفرق بين هذه المسألة والمسألة السابقة واضح، فإنّ الخؤولة كانت هناك من قبل الأب وهنا من قبل الامّ. ولا ريب أنّ للخؤولة الثلث يقسّم بالسويّة مطلقاً.

وأمّا العمومة من قبل الامّ ففي صورة الاتّحاد لها السدس وفي صورة التعدّد لها الثلث، فإنّها بمنزلة كلالة الامّ.

ففي صورة التعدّد، لا ريب في الاقتسام بالسويّة مع اتّحاد الجنس، وأمّا مع الاختلاف، فإن رجّحنا جانب الامّ فأصالة التسوية محكّمة وإلا فالتفضيل، وحيث إنّ سيّدنا الاستاذ ما اختار أحد طرفي المسألة في نظائرها فحكم بالاحتياط.

ص: 338

وأمّا العمومة من قبل الأب فلها الباقي ومع التعدّد والاختلاف، فللذكر ضعف الانثى.

(مسألة 10): لو اجتمع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع الخؤولة كذلك والخؤولة من قبل الامّ، فالثلث للخؤولة مطلقاً، والسدس من الثلث مع الاتّحاد، والثلث منه مع التعدّد، للُامّي منهم يقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً، وبقيّته للخؤولة من الأب أو الأبوين بالسويّة مطلقاً، والثلثان من التركة للعمومة، ومع التعدّد والاختلاف) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: فرض المسألة اجتماع العمومة من قبل الأبوين أو الأب مع طائفتين من الخؤولة: إحداهما من قبل الأب والاخرى من قبل الامّ.

فلكلا الطائفتين من الخؤولة جميعاً الثلث وللعمومة الثلثان.

والسدس من ثلث الخؤولة للُامّي، منهم مع الإنفراد والثلث مع التعدّد بالسويّة مطلقاً والباقي لباقي الخؤولة يقتسمون بالسويّة أيضاً من غير فرق بين الذكر والانثى.

وأمّا ثلث العمومة فمع التعدّد واتّحاد الجنس يقتسمان بالسويّة وإلا فللذكر مثل حظّ الانثيين.

(مسألة 11): لو اجتمع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب مع العمومة والخؤولة من قبل الامّ، فالثلث للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد

ص: 339

وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الامّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً، والثلثان من التركة للعمومة من قبل الامّ، ومع التعدّد والاختلاف يحتاط بالتصالح.

أقول: فرض المسألة اجتماع طائفتين من الخؤولة- الأبويني أو الأبي والامّي- والعمومة من قبل الامّ.

ففي هذا الفرض يكون ثلث التركة لطائفة الأخوال وثلثاها للعمومة.

أمّا الخؤولة من كلتا الطائفتين فلهما الثلث وسدس هذا الثلث للخؤولة من قبل الامّ مع الانفراد وثلثه مع التعدّد بالسويّة مطلقاً والباقي للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب ومع التعدّد يقتسمون بالسويّة أيضاً.

وأمّا العمومة من قبل الامّ فلها الثلثان يقتسمون بالسويّة مطلقاً إن رجّحنا جانب الامّ وإلا فالتفضيل والاحتياط بالتصالح والتراضي سبيل النجاة.

(مسألة 12): لو اجتمع الأصناف الأربعة فالثلث للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الاتّحاد وثلثه مع التعدّد، للخؤولة من قبل الامّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً، والسدس من ثلثي التركة مع الاتّحاد، والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الامّ، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح، والباقي من الثلثين للعمومة من قبل الأب أو الأبوين للذكر ضعف الانثى مع التعدّد والاختلاف.

أقول: فرض المسألة اجتماع العمومة مطلقاً مع الخؤولة مطلقاً، فالأصناف

ص: 340

أربعة: العمومة للأبوين أو الأب وللُامّ والخؤولة للأبوين أو الأب وللُامّ.

فيكون ثلثا التركة للعمومة جميعاً وثلثها للخؤولة كذلك.

أمّا ثلث الخؤولة فسدسه للُامّي مع الاتّحاد وثلثه له مع التعدّد والباقي للأبويني أو الأبي والاقتسام بالسويّة مطلقاً من غير فرق بين الأبويني أو الأبي والامّي.

وأمّا ثلثا العمومة فيكون سدسهما للُامّي مع الانفراد وثلثهما له مع التعدّد. لا كلام في صورة عدم الاختلاف وأمّا فيه فيأتي الخلاف السابق، فنحكم بالتسوية أو بالتفاضل أو الاحتياط والتصالح. وأمّا الباقي من ثلثي العمومة فللأبويني أو الأبي وفي صورة التعدّد والاختلاف، للذكر ضعف الانثى.

(مسألة 13): لو كان أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى، ولو كان مع الخؤولة من قبلهما أو قبله فكذلك، إلا أنّه يقسّم الباقي بين الباقي بالسويّة مطلقاً، وكذا لو كان مع الخؤولة من قبل الامّ، ولو كان مع العمومة من قبلها فكذلك إلا مع الاختلاف في الجنس، فلا يترك الاحتياط بالتصالح.

أقول: في جميع صور اجتماع أحد الزوجين مع الطبقة الثالثة له نصيبه الأعلى من الربع أو النصف والباقي للباقي.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع أحد الزوجين مع الأخوال والأعمام فله

ص: 341

نصيبه الأعلى ... إجماعاً. وتدلّ عليه الأخبار الكثيرة»(1).

ففي صورة اجتماع أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب، للعمومة الباقي للذكر ضعف الانثى.

وفي صورة اجتماع أحدهما مع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب أو الامّ الباقي لهم بالسويّة.

وفي صورة اجتماع أحدهما مع العمومة من قبل الامّ الباقي لهم. لا كلام في صورة الاتّحاد ولا في صورة التعدّد وعدم الاختلاف، وأمّا فيها مع الاختلاف فالحكم التسوية أو التفضيل أو الاحتياط والتصالح.

(مسألة 14): لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والعمومة من قبل الامّ فله نصيبه الأعلى. وللعمومة من قبل الامّ السدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد يقسّم بالسويّة مع وحدة الجنس، ويحتاط مع الاختلاف، والباقي للعمومة من قبل الأب أو الأبوين،) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (، ولو كان مع الخؤولة من الأبوين أو الأب والخؤولة من الامّ فله نصيبه الأعلى، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث منها مع التعدّد للخؤولة من الامّ يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي بالسويّة كذلك.

أقول: هذه المسألة مشتملة على صورتين:


1- مستند الشيعة 341: 19.

ص: 342

إحداهما: اجتماع أحد الزوجين مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والعمومة من قبل الامّ فيأخذ نصيبه الأعلى النصف أو الربع والباقي للعمومة. فللعمومة من قبل الامّ سدس الباقي مع الانفراد وثلثه مع التعدّد يقسّم بالسويّة مطلقاً أو يحتاط بالتصالح في صورة اختلاف الجنس والباقي لباقي العمومة للذكر مثل حظّ الانثيين.

ثانيتهما: اجتماعه مع الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة من قبل الامّ، فله نصيبه الأعلى النصف أو الربع والباقي للخؤولة. فيأخذ الخؤولة من قبل الامّ السدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد يقسّم بينهم بالسويّة مطلقاً والباقي لباقي الخؤولة يقسّم بالسويّة أيضاً.

(مسألة 15): لو كان أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك فله نصيبه الأعلى، وثلث مجموع التركة للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى، ولو كان في الفرض الخؤولة من قبل الامّ لا الأب أو الأبوين فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة، والباقي للباقي) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: هذه المسألة مشتملة أيضاً على صورتين:

إحداهما: اجتماع أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك، فلأحدهما نصيبه الأعلى وللخؤولة ثلث أصل التركة، حيث إنّ لهم نصيب الامّ فيقتسمون بالسويّة مطلقاً، والباقي للعمومة، للذكر مثل حظّ الانثيين.

ص: 343

ثانيتهما: اجتماع أحدهما مع العمومة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة من قبل الامّ. فيأخذ أحدهما نصيبه الأعلى والثلث من أصل التركة للخؤولة بالسويّة والباقي للعمومة يقتسمون بينهم للذكر مثل حظّ الانثيين، كما لا يخفى.

(مسألة 16): لو كان مع أحدهما العمومة من الامّ والخؤولة من الأبوين أو الأب فله نصيبه الأعلى، والثلث من المجموع للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للباقي، ويحتاط مع الاختلاف، ولو كان في الفرض الخُؤولة من الامّ- لا الأبوين أو الأب- فالحال كما تقدّم في التقسيم والاحتياط في العمومة.

أقول: لهذه المسألة أيضاً صورتان:

إحداهما: اجتماع أحد الزوجين مع العمومة من الامّ والخؤولة من الأبوين أو الأب، فله نصيبه الأعلى وثلث الأصل للخؤولة يقسّم بالسويّة مطلقاً والباقي للعمومة بالسويّة مطلقاً أو يحتاط في صورة التعدّد والاختلاف بالتصالح والتراضي، كما في نظائرها.

ثانيتهما: اجتماعه مع العمومة من الامّ والخؤولة من الامّ فله نصيبه الأعلى وللخؤولة ثلث الأصل بالسويّة مطلقاً، وللعمومة الباقي يقسّمون بالسويّة مطلقاً أو يحتاط بالتصالح والتراضي في صورة التعدّد والاختلاف.

ص: 344

(مسألة 17): لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والعمومة من الامّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة بالسويّة مطلقاً، والسدس من الباقي مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الامّ يقسّم بالسويّة، ومع الاختلاف يحتاط بالتصالح، والباقي للباقي للذكر ضعف الانثى، ولو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والعمومة من الامّ والخؤولة من الامّ، فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة من الامّ يقسّم بالسويّة مطلقاً، والسدس من البقيّة مع الانفراد والثلث مع التعدّد للعمومة من قبل الامّ يقسّم بالسويّة إلا مع الاختلاف في الجنس، فيحتاط كما تقدّم، والباقي للباقي) لِلذّكِرِ مِثْلُ حَظِّ الانْثَيَيْنِ (.

أقول: لهذه المسألة أيضاً صورتان:

إحداهما: اجتماع أحد الزوجين مع العمومة مطلقاً والخؤولة من الأبوين أو الأب، فيأخذ نصيبه الأعلى، وثلث الأصل للخؤولة يقسّمون بالسويّة مطلقاً وسدس الباقي أو ثلثه للعمومة من الامّ مع الانفراد أو التعدّد، يقتسمون بالسويّة أو يحتاطون بالتصالح والتراضي.

ثانيتهما: الفرض بحاله مع كون الخؤولة من الامّ فيأخذ نصيبه الأعلى وثلث الأصل للخؤولة بالسويّة، وسدس الباقي أو ثلثه للعمومة من الامّ مع الانفراد أو التعدّد ويقتسمون بالسويّة أو يحتاطون.

وفي كلتا الصورتين يكون الباقي لباقي العمومة، للذكر مثل حظّ الانثيين.

ص: 345

(مسألة 18): لو كان مع أحدهما العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة كذلك والخؤولة من الامّ فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الامّ بالسويّة مطلقاً، والباقي من هذا الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة مطلقاً، والباقي من التركة للعمومة للذكر ضعف الانثى.

أقول: إذا اجتمع أحد الزوجين مع العمومة من الأبوين أو الأب والخؤولة مطلقاً، أي من الأب والامّ أو الأب، ومن الامّ، فالحكم كما يلي.

فلأحد الزوجين نصيبه الأعلى الربع أو النصف من أصل التركة وللخؤولة ثلثها، ثمّ يقسّم هذا الثلث بين الخؤولة من قبل الأبوين أو الأب والخؤولة من قبل الامّ، سدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من قبل الامّ بالسويّة والباقي للخؤولة من قبل الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً.

وأمّا العمومة من قبل الأبوين أو الأب فلهم الباقي للذكر مثل حظّ الانثيين.

(مسألة 19): لو كان مع أحدهما الخؤولة من الأبوين أو الأب، والخؤولة من الامّ والعمومة منها، فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الامّ بالسويّة مطلقاً، وباقي الثلث لسائر الخؤولة بالسويّة مطلقاً، والباقي من التركة للعمومة يقسّم بالسويّة إلا مع الاختلاف، فيجب الاحتياط بالتصالح.

أقول: إذا اجتمع أحد الزوجين مع الخؤولة مطلقاً- من الأبوين أو الأب ومن

ص: 346

الامّ- والعمومة من الامّ. فيأخذ أحد الزوجين نصيبه الأعلى النصف أو الربع ويأخذ الخؤولة الثلث من أصل التركة، والباقي للعمومة من الامّ بالسويّة ومع الاختلاف يجب الاحتياط أو التصالح بمقتضى المتن.

ثمّ إنّ للخؤولة من قبل الامّ سدس الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد بالسويّة والباقي للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً.

(مسألة 20): لو كان أحدهما مع العمومة من الأبوين أو الأب ومن الامّ، والخؤولة من الأبوين أو الأب ومن الامّ، فله نصيبه الأعلى، والثلث من التركة للخؤولة، والسدس من هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخُؤولة من الامّ يقسّم بالسويّة، وباقي الثلث للخؤولة من الأبوين أو الأب يقسّم بالسويّة مطلقاً، والباقي للعمومة، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد، للعمومة من الامّ يقسّم بالسويّة، إلا مع الاختلاف فيجب الاحتياط المذكور، والباقي للعمومة من الأبوين أو الأب، للذكر ضعف الانثى.

أقول: إذا اجتمع أحدالزوجين مع الطوائف الأربع من الأعمام والأخوال، فيأخذ الزوج أو الزوجة النصف أو الربع.

ثمّ يأخذ الخؤولة جميعاً ثلث الأصل، وسدس هذا الثلث مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للخؤولة من الامّ بالسويّة والباقي للخؤولة من الأبوين أو الأب بالسويّة أيضاً.

ويبقى الباقي للعمومة جميعاً، وسدسه مع الانفراد وثلثه مع التعدّد للعمومة من

ص: 347

الامّ بالسويّة إلا مع الاختلاف فيحتاط بالتصالح بمقتضى المتن والباقي بعد كسر السدس أو الثلث للعمومة من الأبوين أو الأب، للذكر ضعف الانثى.

(مسألة 21): لا يرث العمومة من قبل الأب مع وجودها من قبل الأبوين، وكذا الحال في الخؤولة.

أقول: كما أنّ الإخوة من الأب لا يرث مع وجود الإخوة من قبل الأبوين كذلك لا يرث العمومة والخؤولة من الأب مع العمومة والخؤولة من الأبوين.

قال صاحب «المستند»: «المعروف أنّه يسقط المتقرّب بالأب مع المتقرّب بالأبوين، للإجماع، وكون المتقرّب بهما أقرب عرفاً كما مرّ، فيقسّم المال بين المتقرّب بهما والمتقرّب بالامّ»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «يسقط الخؤولة من الأب إلا مع عدم الخؤولة من الأب والامّ»(2).

وقال أيضاً: «يسقط الأعمام للأب بالأعمام للأب والامّ ... من دون خلاف يعرف بينهم، كما عن جماعة الاعتراف به، بل عن «الغنية» و «السرائر» الإجماع عليه، مضافاً إلى قوله (ع): «وعمّك أخو أبيك لأبيه وامّه أولى بك من عمّك أخي أبيك لأبيه»(3).


1- مستند الشيعة 328: 19.
2- جواهر الكلام 182: 39.
3- جواهر الكلام 175: 39- 176.

ص: 348

وهاهنا امور:

الأوّل: لا يرث أحد من أولاد العمومة والخؤولة مع وجود واحد من العمومة أو الخؤولة، فمع وجود خالة من قبل الامّ- مثلًا- لا يرث أولاد العمومة ولا أولاد الخؤولة مطلقاً إلا في مورد واحد، وهو ما إذا كان عمّ من قبل الأب وابن عمّ من قبل الأبوين، فيقدّم الثاني على الأوّل، بشرط أن لا يكون معهما عمّ من قبل الأبوين، ولا من قبل الامّ، ولا العمّة مطلقاً، ولا الخال ولا الخالة مطلقاً. ولا فرق بين كون العمّ من الأب واحداً أو متعدّداً، وكذا بين كون ابن العمّ من قبل الأبوين واحداً أو متعدّداً. فحينئذٍ يكون الإرث لابن العمّ، لا العمّ ولا أبناء الأعمام والعمّات والأخوال والخالات. ولا فرق في ذلك بين وجود أحد الزوجين وعدمه، ولا يجري الحكم المذكور في غير ذلك. نعم، مع كون الوارث العمّة من قبل الأب وابن العمّ من قبل الأبوين فالاحتياط بالتصالح مطلوب.

أقول: كما أنّ الأولاد والإخوة يحجبون أولاد الأولاد وأولاد الإخوة، كذلك الأعمام والأخوال يحجبون أولادهم، إلا في صورة واحدة.

قال صاحب «المستند»: «لا يرث مع العمّ أو العمّة مطلقاً أحد من أولادهم للأصل الثابت بالإجماع والأخبار من منع الأقرب للأبعد، إلا في مسألة واحدة إجماعية، هي ابن عمّ لأب وامّ، مع عمّ لأب، فابن العمّ أولى وهي مخصّصة بالإجماع المحقّق ونقله أيضاً في «النهاية» و «اللمعة» و «المسالك» و «التنقيح» و «القواعد» و «الكفاية» و «المفاتيح» وغيرها، بل قيل بتواتر نقل الإجماع هنا»(1).


1- مستند الشيعة 322: 19.

ص: 349

وقال صاحب «الجواهر» بعد بيان عدم إرث أولاد العمومة والخؤولة مع وجود العمومة والخؤولة: «إلا في مسألة واحدة إجماعية، وهي ابن عمّ لأب وامّ مع عمّ لأب، فابن العمّ أولى، بلا خلاف فيه بيننا، بل الإجماع بقسميه عليه»(1).

ثمّ قال: «لم نعثر في النصوص إلا على قول الصادق (ع) للحسن بن عمّار: «أيّما أقرب ابن عمّ لأب وامّ أو عمّ لأب؟»، فقال: حدّثنا أبو إسحاق السبيعي عن الحارث الأعور عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) أنّه كان يقول: «أعيان بني الامّ أقرب من بني العلّات»، فاستوى (ع) جالساً، ثمّ قال: «جئت بها من عين صافية، إنّ عبدالله أبا رسول الله (ص) أخو أبي طالب لأبيه وامّه»(2).

ثمّ قال: «وهو- بعد انجباره بما عرفت- الحجّة مع الإجماع إلا أنّهما معاً خاصّان في ابن العمّ والعمّ».

وقال صاحب «المستند»: «وفي الاقتصار في المسألة على موضع الإجماع ... أو التعدّي إلى غيره خلاف»(3).

وحيث إنّ هذا الحكم على خلاف القاعدة، فالتعدّي منه إلى غيره مشكل، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «ومن هنا- أي كون الإجماع والرواية خاصّين بابن العمّ والعمّ- قيّد المصنّف وجماعة ذلك بما دامت الصورة على حالها باقية، فلو انضمّ إليهما ولو خال، تغيّرت الحال وسقط ابن العمّ ويرجع الحكم إلى القاعدة، بل ظاهر بعضهم الجمود على خصوص الفرض المزبور حتّى لو تغيّر بانضمام الزوج أو الزوجة أو التعدّد في ابن العمّ أو العمّ أو بالذكورة والانوثة أو ببعد


1- جواهر الكلام 176: 39.
2- جواهر الكلام 177: 39.
3- مستند الشيعة 322: 19.

ص: 350

الدرجة ...»(1) فعلى ذلك التعدّي إلى العمّة من الأب وابن العمّ من الأبوين مشكل.

الثاني: أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم عند عدمهم وعدم من هو في درجتهم، وأنّ الأقرب مقدّم وإن اتّحد سببه على الأبعد وإن تقرّب بسببين، إلا في مورد واحد تقدّم آنفاً، ويرث أولاد العمومة والخؤولة إرث من يتقرّبون به.

أقول: كما أنّ أولاد الأولاد وأولاد الإخوة يقومون مقام آبائهم وامّهاتهم عند فقدانهم، كذلك أولاد الأعمام والأخوال يقومون مقامهم عند فقدانهم.

قال صاحب «المستند»: «اعلم: أنّه إذا فقدت العمومة والخؤولة جميعاً، فالميراث لأولادهم وإن نزلوا، بالإجماع وحديث المنزلة»(2).

ثمّ قال: «إنّ أولادهم يتقاسمون المال تقاسم آبائهم، لأنّ لكلّ ذي رَحم نصيب من يتقرّب به»(3).

وفي رواية سلمة بن محرز عن الصادق (ع) في ابن عمّ وخال، قال: «المال للخال» وفي ابن عمّ وابن خالة قال: «للذكر مثل حظّ الانثيين»(4).

فالأقرب مقدّم على الأبعد، ولو كان الأبعد ذا سببين والأقرب ذا سبب واحد، ككون الأقرب ابن عمّ- مثلًا- والأبعد ابن ابن عمّ وابن بنت عمّ.


1- جواهر الكلام 177: 39.
2- مستند الشيعة 337: 19.
3- مستند الشيعة 337: 19.
4- وسائل الشيعة 193: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأعمام والأخوال، الباب 5، الحديث 4.

ص: 351

وقد مرّ أن العمّ من قبل الأب مؤخّر عن ولد العمّ من قبل الأبوين.

وقال صاحب «الجواهر»: «قد عرفت أنّ أولاد العمومة والعمّات يقومون مقام آبائهم عند عدمهم وعدم من هو في درجتهم من الأخوال»(1).

الثالث: المنتسبون بامّ الميّت في هذه الطبقة، سواء كان الخال أو الخالة أو أولادهما، وسواء كانوا من قبل الأبوين أو الأب، يرثون بالسويّة مطلقاً، والمنتسبون بأبيه- أي العمومة وأولادهم- يرثون بالتفاوت) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (. نعم، في العمومة من قبل الامّ وأولادهم لا بدّ من الاحتياط بالتصالح.

أقول: في هذا الأمر يتبيّن حكم المنتسبين بأمّ الميّت وأبيه وكيفية إرثهم.

قال صاحب «المستند»: «لو اجتمعوا جميعاً- أي أولاد الأعمام والأخوال- فلأولاد الخال الواحد أو الخالة الواحدة للُامّ سدس الثلث، ولأولاد الخالين أو الخالتين فصاعداً أو هما ثلث الثلث، والباقي للمتقرّب منهم بالأب وهكذا الحكم في البواقي»(2).

وقال صاحب «الجواهر» بعد فرض اجتماع أولاد الأعمام والأخوال: «سدس الثلث لأولاد الخال أو الخالة للُامّ بالسويّة، إن اتّحد الخال أو الخالة، وثلثه لأولاد المتعدّد، لكلّ قبيل نصيب من يتقرّب به بالسويّة وباقي الثلث لولد الخال أو الخالة اتّحد أو تعدّد للأبوين أو للأب لكلّ نصيب من يتقرّب به بالسويّة،


1- جواهر الكلام 189: 39.
2- مستند الشيعة 338: 19.

ص: 352

وسدس الثلثين لأولاد العمّ أو العمّة للُامّ، للذكر مثل الانثى، إن اتّحد من تقرّبوا به، وثلثهما لأولاد المتعدّد، ولكلّ نصيب من يتقربّ به للذكر مثل الانثى، والباقي لأولاد العمّ أو العمّة أو لهما للأبوين أو للأب، لكلّ نصيب من يتقرّب به، للذكر ضعف الانثى»(1).

والإمام الخميني (قدّس سرّه) يحتاط بالتصالح في أولاد العمومة للُامّ كما يحتاط في العمومة للُامّ أنفسهم.

الرابع: مع وجود أولاد العمومة من الأبوين لا يرث أولادهم من الأب فقط، وكذا في أولاد الخؤولة، لكن مع وجود أولاد العمومة من قبل الأبوين يرث أولاد الخؤولة من قبل الأب مع عدم أولاد الخؤولة من قبل الأبوين، وكذا مع أولاد الخؤولة من قبل الأبوين يرث أولاد العمومة من قبل الأب مع فقد أولادهم من الأبوين.

أقول: كما أنّ العمومة للأبوين يحجبون العمومة للأب، كذلك أولاد العمومة للأبوين يحجبون أولاد العمومة للأب، وكما أنّ الخؤولة للأبوين يحجبون الخؤولة للأب، كذلك أولاد الخؤولة للأبوين يحجبون أولاد الخؤولة للأب، لكنّ أولاد العمومة للأبوين لا يحجبون أولاد الخؤولة للأب، كما أنّ أولاد الخؤولة للأبوين لا يحجبون أولاد العمومة للأب.

والدليل عليه: أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقام آبائهم وامّهاتهم،


1- جواهر الكلام 190: 39.

ص: 353

فكما أنّ الأعمام من الأبوين يحجبون الأعمام من الأب ولا يحجبون الأعمام من الامّ كذلك أولادهم، وكما أنّ الأعمام للأبوين لا يحجبون الأخوال للأب فكذلك أولادهم.

الخامس: قد مرّ أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقامهم، وإذا كانوا من العمومة المتعدّدة والخؤولة كذلك، لا بدّ في كيفية التقسيم من فرض حياة الوسائط والتقسيم بالسويّة في المنتسبين بالامّ، و) لِلذّكَرِ مِثْلُ حَظّ الانْثَيَيْنِ (في المنتسبين بالأب. ثمّ تقسيم نصيب كلّ بين أولادهم كالتقسيم بين الوسائط، ويحتاط في أولاد الأعمام من قبل الامّ بالتصالح كما مرّ، وهكذا الكلام في الوسائط المتعدّدة.

أقول: لا يخفى أنّ أولاد العمومة والخؤولة يقومون مقام آبائهم وامّهاتهم، فمع تعدّد آبائهم وامّهاتهم نفرض كون الوسائط أحياء ونقسّم بينهم- أي الوسائط- حسب ما مرّ في المسائل السالفة، ثمّ نقسّم سهم كلّ منهم بين أولاده مع التعدّد ونعطيه السهم مع الانفراد.

فللمنتسبين بالامّ- كأولاد الخال والخالة- نصيب أحدهما أو كليهما بالسويّة وللمنتسبين بالأب نصيب كلّ للذكر مثل حظّ الانثيين، اللهمّ إلا في أولاد الأعمام من قبل الامّ، فيأتي فيهم القول بالسويّة أو بالتفضيل أو الاحتياط بالتصالح.

ص: 354

السادس: ترتّب الأرحام الذين هم من حواشي نسب الميّت، فأعمامه وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا- مع الصدق العرفي- وكذا أخواله وخالاته، أحقّ بالميراث من أعمام الأب والامّ وعمّاتهما وأخوالهما وخالاتهما. نعم، مع فقد الطائفة الاولى تقوم الثانية مقامهم مرتّبين؛ الأقرب منهم مقدّم على الأبعد، ومع فقدهم عمومة جدّ الميّت وجدّته وخؤولتهما وأولادهم، مرتّبون بحسب القرب والبعد.

أقول: كما أنّ الأعمام والأخوال وأولادهم يرثون من الميّت مع فقد الطبقة المتقدّمة، كذلك يرث أعمام الأب والامّ وأخوالهما مع فقد أعمام الميّت وأخواله، مراعاة لقاعدة أولوية الأقرب من الأبعد.

قال صاحب «المستند»: «إذا اجتمع الأعمام والأخوال الثمانية، أي عمّ الأب وعمّته وخاله وخالته، وعمّ الامّ وعمّتها وخالها وخالتها، فذهب الشيخ في «النهاية»، بل هو المشهور كما في «الإيضاح» و «المسالك» وغيرهما أنّ الثلث لمن يتقرّب منهم بالامّ بالسويّة، والثلثين لمن يتقرّب منهم بالأب، ثلث الثلثين لخال الأب وخالته بينهما بالسويّة، وثلثاهما للعمّ والعمّة بينهما للذكر مثل حظّ الانثيين»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «عمومة الميّت وعمّاته وأولادهم وإن نزلوا وخؤوله وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أحقّ بالميراث من عمومة الأب وعمّاته وخؤوله وخالاته وأحقّ من عمومة الامّ وعمّاتها وخؤولها وخالاتها، لأنّ عمومة الميّت وخؤولته أقرب إليه وكلّ أقرب أولى من الأبعد كتاباً وسنّة وإجماعاً. وأولادهم


1- مستند الشيعة 333: 19.

ص: 355

يقومون مقامهم ... فما عن الحسن من تشريك عمّة الامّ وابنة الخالة واضح البطلان»(1).

السابع: لو اجتمع لوارث موجبان للإرث أو الزيادة، يرث بجميعها إن لم يكن بعضها مانعاً عن الآخر، ككون أحدهما- مثلًا- أقرب من الآخر، وإلا يرث من جهة المانع دون الممنوع، مثل ابن عمّ هو أخ لُامّ، ولا فرق بين كون الموجب نسباً أو سبباً، فلو اجتمع السببان أو نسب وسبب، فإن كان أحدهما مانعاً يرث به دون الآخر، كالمعتق وضامن الجريرة، وإلا بهما كالزوج وابن العمّ مثلًا، وكيفية الإرث عند الاجتماع كالكيفية عند الانفراد، والاحتياط المتقدّم في الأعمام من قبل الامّ جارٍ في المقام.

أقول: كما أنّ السبب الواحد يوجب الإرث، كذلك، قال صاحب «المستند»: «اعلم أنّه قد يجتمع للوارث سببان أو أكثر من أسباب الإرث، وحينئذٍ فإن كان مع ذي السببين من هو أقرب منه فيهما لم يرث ذو السببين باعتبار شي ء من سببيه والوجه واضح، وإن كان معه من هو أقرب منه في أحدهما ... فيرث بالسبب الذي ليس معه من هو أقرب منه ... وإن لم يكن معه من هو أقرب في شي ء منهما ... فالمال كلّه له»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «إن منع أحدهما الآخر ورث من جهة المانع، مثل ابن عمّ هو أخ لُامّ، ومعتق هو ضامن أو إمام، وابن ابن عمّ هو ابن ابن خال هو


1- جواهر الكلام 188: 39.
2- مستند الشيعة 338: 19.

ص: 356

ابن بنت بنت عمّة. وابن بنت بنت خالة، فإنّه يرث بالأخوة خاصّة مثلًا، في الأوّل، وبولاء العتق في الثاني، وببنوّة العمّ والخال في الثالث، إذ تعدّد السبب كتعدّد الوارث»(1).

والسببان إمّا أن يكونا نسبيّين- كابن عمّ لأب هو ابن خال لُامّ أو سببيين- كمعتق أو ضامن هو زوج أو زوجة- أو مختلفين- مثل زوج هو ابن عمّ أو ابن خال أو بنت عمّ هي زوجة- وقد يجتمع الأسباب كابن ابن عمّ هو ابن ابن خال هو ابن بنت عمّة.

والضابط أنّ الوارث الذي اجتمع فيه السببان أو الأسباب يرث بجميعهما أو جميعها إن لم يكن بعضها مانع للآخر وإلا يرث من جانب المانع دون الممنوع ولا فرق في هذا الضابط بين كون الموجب سبباً أو نسباً، وكيفية الإرث عند الاجتماع ككيفيته عند الانفراد.


1- جواهر الكلام 191: 39.

ص: 357

المقصد الثاني: في الميراث بسبب الزوجية

اشارة

(مسألة 1): لا يرث أحد الزوجين جميع المال بسبب الزوجية إلا في صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام (ع)، فيرث الزوج جميع المال فرضاً وردّاً كما تقدّم. وقد ظهر ممّا مرّ: أنّ فرض الزوج نصف تارة ورُبع اخرى، وفرض الزوجة ربع تارة وثمن اخرى، ولا يزيد نصيبهما ولا ينقص مع اجتماعهما بأيّ طبقة أو درجة، إلا في الفرض المتقدّم آنفاً.

أقول: قد مرّ في الأمر الثالث من المقدّمات، ذيل مسألة 1 أنّ الزوجين وراثتهما بالفرض مطلقاً إلا في صورة واحدة، وهي انحصار الوارث بالزوج والإمام.

وقد مرّ أيضاً أن من له الفرض على قسمين:

أحدهما: من ليس له إلا فرض واحد، كالأب والبنت الواحدة والبنتان فصاعداً مع عدم الابن.

ص: 358

ثانيهما: من له فرضان كالامّ، فإنّ فرضها الثلث تارة والسدس اخرى وكالزوجين.

فللزوج النصف دائماً مع عدم الولد للميّت والربع مع وجوده ولا يزيد ولا ينقص إلا في صورة انحصار الوارث به وبالإمام، وللزوجه الثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه دائماً.

(مسألة 2): يشترط في التوارث بالزوجية أن يكون العقد دائماً، فلا توارث في الانقطاع، لا من جانب الزوج ولا الزوجة بلا اشتراط بلا إشكال، ومعه من جانب أو جانبين في غاية الإشكال، فلا يترك الاحتياط بترك الشرط، ومعه لا يترك بالتصالح. وأن تكون الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها، فيتوارثان ولو مع عدم الدخول، والمطلّقة الرجعية بحكم الزوجة ما دامت في العدّة، بخلاف البائنة، فلو مات أحدهما في زمان العدّة الرجعية يرثه الآخر، بخلاف ما لو مات في العدّة البائنة. نعم، لو طلّقها في حال المرض- ولو بائناً- ومات بهذا المرض ترثه إلى سنة من حين الطلاق؛ بشرط أن لا يكون الطلاق بالتماس منها، فلا ترث المختلعة والمباراة. وأن لا تتزوّج، فلو طلّقها حال المرض، وتزوّجت بعد انقضاء عدّتها، ثمّ مات الزوج قبل انقضاء السنة لم ترثه، وأن لا يبرأ الزوج من المرض الذي طلّقها فيه، فلو برئ منه ثمّ مرض ولو بمثل هذا المرض لم ترثه، ولو ماتت هي في مرضه قبل تمام السنة لا يرثها إلا في العدّة الرجعية.

ص: 359

أقول: للتوارث بالزوجية شرطان: دوام العقد وكون الزوجة في حبال الزوج.

1. دوام العقد

قال صاحب «المستند»: «في ثبوت التوارث بين الزوج والمتمتّع بها أقوال أربعة»(1).

فمنها: التوارث مطلقاً حتّى مع شرط السقوط.

ومنها: عدم التوارث مطلقاً.

ومنها: التوارث بشرط عدم اشتراط العدم.

ومنها: التوارث مع الاشتراط.

قال صاحب «الجواهر»: «لو شرطا التوارث أو شرط أحدهما، قيل ... يلزم عملًا بالشرط وقيل ... لا يلزم لأنّه ... لا يثبت إلا شرعاً فيكون اشتراطاً لغير وارث، كما لو شرط لأجنبيّ ... لكن مع ذلك الأوّل أشهر، بل في «الرياض» كاد يكون مشهوراً»(2).

وقال الشيخ الأعظم: «لا ميراث وإن شرطاه على رأي. وقيل يثبت وإن شرطا سقوطه وقيل لا يثبت إلا مع الاشتراط»(3).

ولا ريب أنّ منشأ الخلاف اختلاف الأخبار وعموم آية الإرث للأزواج.

ثمّ قال الشيخ: «وأوسط الأقوال ثالثها فيكون الزوجية المنقطعة بضميمة اشتراط الإرث سبباً للإرث، لا الزوجية نفسها حتّى يرد عدم الحاجة إلى


1- مستند الشيعة 393: 19.
2- جواهر الكلام 193: 30.
3- كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 227: 20- 228.

ص: 360

الاشتراط، ولا الشرط فقط حتّى يرد جواز اشتراط توارثهما أزيد من نصيب الزوجين أو اشتراط عدم منعها من العقار وغيرها ممّا لا ترثه الدائمة»(1).

لكن قال صاحب «الجواهر»: «التحقيق عدم إرثها مطلقاً، بل لو اشترطا ذلك في العقد على غير جهة الوصيّته، بطل العقد، بناءً على اقتضاء بطلان الشرط بطلانه»(2).

والدليل على ثبوت التوارث بالاشتراط صحيحتا محمّد بن مسلم عن الصادق (ع) والبزنظي عن الرضا (ع) ففي الاولى منهما: «إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما»(3). وفي الثانية منهما: «تزويج المتعة نكاح بميراث ونكاح بغير ميراث، إن اشترطت كان، وإن لم تشترط لم يكن»(4).

ونقل صاحب «الجواهر» عن ثاني الشهيدين: «أنّه بهما يجاب عن أدلّة الفريقين لدلالتهما على كون اشتراط الميراث سائغاً لازماً فيثبت به، وعلى أنّ أصل الزوجية لا يقتضيه، فتكون الآية مخصوصة بهما»(5).

وعمدة الإشكال، أنّ المتمتّع بها إن كانت زوجة ترث بحكم الآية وإن لم تكن زوجة لا ترث سواء اشترطا أم لا. ويدلّ على عدم التوارث مطلقاً صحيح سعيد بن يسار عن الصادق (ع): «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط»(6).


1- كتاب النكاح، ضمن تراث الشيخ الأعظم 228: 20.
2- جواهر الكلام 195: 30.
3- وسائل الشيعة 67: 21، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 5.
4- وسائل الشيعة 66: 21، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 1.
5- جواهر الكلام 193: 30- 194.
6- وسائل الشيعة 67: 21، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 7.

ص: 361

ومرسل الكليني في «الكافي»: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط»(1). فبعد تعارض الأخبار وتساقطها نرجع إلى كتاب الله فإن اقتضى عقد المتعة الزوجية، فالتوارث ثابت وإلا فلا.

2. كون الزوجة في حبال الزوج

قال صاحب «المستند»: «الزوجان يتوارثان مادامت الزوجة في حبال الزوج وإن لم يدخل بها، للإجماع وصدق الزوجية وأصالة عدم اشتراط الدخول، فيدلّ عليه جميع العمومات والإطلاقات المتقدّمة».

وقال صاحب «الجواهر»: «الزوجة ترث مادامت في حبال الزوج وكانت خالية من موانع الإرث السابقة وإن لم يدخل بها، ضرورة صدق اسمها بدونه، فيندرج فيما دلّ على إرثها من الكتاب والسنة وكذا يرثها الزوج وإن لم يدخل بها كذلك أيضاً، مضافاً إلى الإجماع بقسميه فيهما والنصوص المستفيضة بالخصوص فيهما، فالحكم فيهما معاً واضح»(2).

فالمدّعى في ذيل هذا الشرط أربعة:

أ- عدم اشتراط الدخول

فلو مات أحدهما قبل الدخول يرث الآخر منه، وحيث إنّ المسألة إجماعية واضحة- كما في «الجواهر»- فلا نطيل البحث عنها.

ب- ثبوت التوارث في الطلاق الرجعي

فلو كان الطلاق رجعياً ومات أحدهما قبل انقضاء العدّة، يرث الآخر منه.


1- وسائل الشيعة 67: 21، كتاب النكاح، أبواب المتعة، الباب 32، الحديث 4.
2- جواهر الكلام 196: 39.

ص: 362

قال صاحب «المستند»: «يتوارثان ... بالإجماع، للأخبار العديدة، كصحيحة الحلبي، قال ... هو يرث ويورث ما لم تر الدمّ من الحيضة الثالثة، إذا كان له عليها رجعة. وصحيحة محمّد بن قيس ... وموثّقته»(1).

وحكم صاحب «الجواهر» بعدم الخلاف فيه، ثمّ قال: «بل الإجماع بقسميه عليه»(2).

ج- المطلّقة البائن ترث بشروط

لو طلّق المريض زوجته في حال المرض ولو بالطلاق البائن ومات، ترث منه بشروط أربعة:

1. أن يكون موت الزوج بهذا المرض، فلو برء منه ثمّ مرض ومات، لا ترث منه.

قال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف ولا إشكال في أنّها ترثه هي سواء كان الطلاق بائناً أو رجعياً ما بين الطلاق وبين سنة لا أزيد ولو لحظة ما لم تتزوّج أو يبرأ من مرضه الذي طلّقها فيه، ولو برء ثمّ مرض ثمّ مات لم ترثه إلا في العدّة الرجعية، بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك، بل الإجماع بقسميه عليه»(3).

وعن الصادق (ع) في رواية عبيد بن زرارة: «ترثه إذا كان في مرضه الذي طلّقها لم يصحّ بين ذلك»(4).

2. أن يكون موته قبل انقضاء السنة، فلو مات بعده لا ترث منه. ويدلّ على


1- مستند الشيعة 348: 19.
2- جواهر الكلام 197: 39.
3- جواهر الكلام 152: 32.
4- وسائل الشيعة 153: 22، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب 22، الحديث 7.

ص: 363

هذا الشرط بعض الروايات المذكورة في «الجواهر» وغيره بعد ادّعاء صاحب «الجواهر»: «الإجماع بقسميه عليه».

3. أن لا تتزوّج الزوجة، قبل انقضاء السنة، فلو تزوجت قبله فلا ترث منه، ففي خبر الحذّاء ومالك بن عطية عن أبي الورد عن الباقر (ع): «فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء العدّة فإنّها لا ترثه»(1).

والمسألة إجماعية نقلًا وتحصيلًا على ما في «الجواهر»(2).

4. أن لا يكون الطلاق بالتماس الزوجة كالمختلعة والمبارئة.

قال صاحب «الجواهر»: «في ثبوت الإرث مع سؤالها الطلاق تردّد، من إطلاق الأدلّة ومن خصوص خبر الهاشمي السابق، أشبهُه أنّه لا إرث، وكذا لو خالعته أو بارئته، للخبر المزبور المعتضد بالأصول، بل بخبر سماعة والمرسل وإن لم يحكم بهما في السابق، لكن لا بأس بتقوية الدليل بهما»(3).

ففي خبر محمّد بن القاسم الهاشمي عن الصادق (ع): «لا ترث المختلعة ولا المبارئة ولا المستأمرة في طلاقها من الزوج شيئاً إذا كان ذلك منهنّ في مرض الزوج وإن مات، لأنّ العصمة قد انقطعت منهنّ ومنه»(4). ومثله خبر سماعة(5).


1- وسائل الشيعة 152: 22، كتاب الطلاق، أبواب أقسام الطلاق، الباب 22، الحديث 5.
2- جواهر الكلام 152: 32.
3- جواهر الكلام 154: 32.
4- وسائل الشيعة 229: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 15، الحديث 1.
5- وسائل الشيعة 228: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 14، الحديث 9.

ص: 364

د- لو ماتت الزوجة المطلّقة بالطلاق البائن في مرضه قبل تمام السنة، فهل يرث الزوج منها؟

قال صاحب «المستند»: «قد عرفت أنّ المطّلقة بالطلاق البائن لا ترث الزوج وقد استثنى من ذلك صورة واحدة، وهي ما إذا كان الزوج حين الطلاق مريضاً، فإنّها ترثه إلى سنة ولا يرثها، والأصل في ذلك الإجماع والروايات المستفيضة»(1).

وقال صاحب «الرياض»: «لو طلّقها حالكونه مريضاً ورثت منه هي خاصّة وإن كان الطلاق بائناً مالم تخرج السنة من ابتداء الطلاق إلى حين موت الزوج ولم يبرأ الزوج من مرضه الذي طلّقها فيه ولم تتزوّج هي»(2).

وفي رواية الحلبي وأبي بصير وأبي العبّاس جميعاً عن أبي عبدالله (ع): «ترثه ولا يرثها إذا انقضت العدّة»(3).

قال صاحب «الوسائل»: «هذا مخصوص بالمريض لما مرّ».

وسأل الصادق (ع) عن العلّة التي من أجلها إذا طلّق الرجل امرأته وهو مريض في حال الإضرار ورثته ولم يرثها وعن حدّ الإضرار، فقال: «هو الإضرار، ومعنى الإضرار منعه إيّاها ميراثها منه فألزم الميراث عقوبة»(4).


1- مستند الشيعة 393: 19.
2- رياض المسائل 376: 14- 377.
3- وسائل الشيعة 226: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 14، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 228: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 14، الحديث 7.

ص: 365

(مسألة 3): لو نكح المريض في مرضه، فإن دخل بها أو برئ من ذلك المرض يتوارثان، وإن مات في مرضه ولم يدخل بطل العقد، ولا مهر لها ولا ميراث. وكذا لو ماتت في مرضه ذلك المتّصل بالموت قبل الدخول لا يرثها، ولو تزوّجت وهي مريضة لا الزوج فماتت أو مات يتوارثان، ولا فرق في الدخول بين القبل والدبر، كما أنّ الظاهر أنّ المعتبر موته في هذا المرض قبل البرء، لا بهذا؛ فلو مات فيه بعلّة اخرى لا يتوارثان أيضاً، والظاهر عدم الفرق بين طول المرض وقصره، ولو كان المرض شبه الأدوار؛ بحيث يقال بعدم برئه في دور الوقوف، فالظاهر عدم التوارث لو مات فيه، والأحوط التصالح.

أقول: هذه المسألة تشتمل على امور:

1. لو نكح المريض في مرضه، فإن دخل بها أو برء من ذلك المرض، ثمّ مات، يتوارثان.

وهذا واضح، لأنّ الدخول تحقّق أو المانع- وهو المرض- قد زال.

2. لو نكح المريض ومات في مرضه قبل الدخول بطل العقد ولا ميراث.

قال صاحب «المستند»: «لو تزوّجها مريضاً ولم يدخل بها فمات في مرضه، فالحقّ المعروف من مذهب الأصحاب- كما في «الكفاية»- أنّها لا ترثه وظاهر «السرائر» كصريح «التذكرة» دعوى الإجماع عليه، وفي «المسالك» جزم الأكثر بالحكم من غير أن يذكروا فيه خلافاً وإشكالًا»(1).


1- مستند الشيعة 388: 19- 389.

ص: 366

وبه قال صاحب «الجواهر». بل حكم ببطلان النكاح(1).

ويدلّ عليه صحيحة الحنّاط عن الصادق (ع): «إذا دخل بها فمات في مرضه ورثته وإن لم يدخل بها لم ترثه ونكاحه باطل»(2).

ومثلها موثّقة عبيد بن زرارة وصحيحة أبيه(3).

3. لو نكح المريض وماتت الزوجة قبل برء الزوج وقبل الدخول، لا يرث منها الزوج.

قال صاحب «المستند»: «لو ماتت هي في مرضه قبل الدخول، فاستشكل في «المسالك» و «الكفاية»، وظاهر «القواعد» و «الإيضاح» التردّد»(4).

وحكم صاحب «الجواهر» بعدم إرث الزوج(5). والدليل عليه تزلزل العقد، كما في صورة موت الزوج، ولزوم العقد بحيث يترتّب عليه الأحكام موقوف على الدخول والبرء.

لكن حكم صاحب «المستند» بأنّه يرثها، للأصل والاستصحاب والعمومات وأجاب عن التزلزل: بأنّ النكاح عقد لازم لا ينفسخ إلا بنصّ الشارع، والقدر المتيقّن من التزلزل هو موت الزوج قبل الزوجة لا مطلقاً(6). ولعلّ دليله أقوى.

4. لو تزوّجت المريضة، فماتت أو مات قبل الدخول، يتوارثان.

والدليل عليه: أنّ توارث الزوجين قاعدة عامّة وليس شرطه الدخول، كما مرّ،


1- جواهر الكلام 220: 39.
2- وسائل الشيعة 231: 26، كتاب النكاح، أبواب ميراث الأزواج، الباب 18، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 232: 26، كتاب النكاح، أبواب ميراث الأزواج، الباب 18، الحديث 2 و 3.
4- مستند الشيعة 392: 19.
5- جواهر الكلام 220: 39.
6- راجع: مستند الشيعة 392: 19- 393.

ص: 367

خرج منها صورة واحدة وهي كون عقد النكاح في زمان مرض الزوج مع عدم تحقّق الدخول. ولا دليل على استثناء غير هذه الصورة، قال صاحب «الجواهر»: «نعم ترثه ويرثها لو تزوّجت هي مريضة وماتت قبل الدخول، لحرمة القياس، فالعمومات حينئذٍ بحالها»(1).

5. لا فرق بين كون الدخول في القبل أو الدبر. فإنّ بالدخول ثبوت كلّ المهر والعدّة، ومعلوم أنّ الدخول في القبل والدبر مشترك في الأحكام.

6. لا فرق بين موت الزوج قبل البرء من هذا المرض أن يكون موته به أو بعلّة اخرى.

قال صاحب «المستند»: «لو مات في هذا المرض ولكن لا بسببه، بل بمرض آخر أو سبب غير المرض كغرق أو حرق أو الهدم عليه، ففي توريثها وعدمه احتمالان: من إطلاق الأخبار وكون لفظ في حقيقة «في» الظرفية فيصدق الموت في المرض وإن كان بسبب آخر، ومن مخالفة الحكم للأصل وتبادر إرادة السببية هنا، ولكلّ وجه، والمسألة محلّ إشكال»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لعلّ المتبادر الموت بذلك المرض، فلو فرض الموت بمرض آخر أو فرض قتله أو نحو ذلك، ورثته وإن كان قد مات قبل البرء من مرضه، لكن الإنصاف عدم خلوّه من الإشكال الناشئ من احتمال السببية في لفظ «في» والزمانية»(3).

وحيث إنّ الحكم مخالف للأصل، فالأولى الاقتصار على القدر المتيقّن.


1- جواهر الكلام 222: 39.
2- مستند الشيعة 392: 19.
3- جواهر الكلام 222: 39.

ص: 368

7. لا فرق بين طول المرض وقصره، قال صاحب «الجواهر»: «قد يستشكل أيضاً في طول المرض بحيث بقي سنين، خصوصاً إذا كان يمشي به»(1).

فعلى إشكال «الجواهر» يمكن أن يقال بالفرق بين طول المرض وقصره في صورة كون المريض يمشي، فلو كان الزوج مريضاً سنين ويمشي ويأكل ويتصرّف، فهل طلاقه البائن لا يمنع عن إرث الزوجة حتّى انقضاء السنة؟ الأولى أن يقال بمنعه.

8. لو كان المرض أدوارياً فأمّا أن يحكم ببرئه في دور الوقوف أو لا، فعلى الأوّل ترث الزوجة منه، وعلى الثاني فيه إشكال. ولذا قال صاحب «الجواهر»: «وكذا لو كان مرضه شبه الأدوار ونحو ذلك من أقسام المرض التي قد يتوقّف في شمول إطلاق نصوص المقام لها على وجه يخصّص بها عمومات الكتاب والسنة، فتأمّل جيّداً»(2).

(مسألة 4): إن تعدّدت الزوجات فالثمن مع وجود الولد والربع مع عدمه يقسّم بينهنّ بالسويّة، فلهنّ الربع أو الثمن من التركة. ولا فرق في منع الولد عن نصيبها الأعلى بين كونه منها أو من غيرها، أو كان من دائمة أو منقطعة، ولا بين كونه بلا واسطة أو معها، والزوجة المطلّقة حال مرض الموت شريكة في الربع أو الثمن مع الشرائط المتقدّمة.

أقول: كما أنّ الزوجة الواحدة لها الثمن أو الربع، كذلك للمتعدّدة ليس


1- جواهر الكلام 222: 39.
2- جواهر الكلام 222: 39.

ص: 369

سوى الثمن أو الربع، يقسّم بينهنّ بالسويّة.

قال صاحب «المستند»: «إذا كنّ الزوجات أكثر من واحدة، فلا يزيد لهنّ من الربع عند عدم الولد والثمن معه، بل هنّ مشتركات في الربع أو الثمن يقتسمونه(1) بالسويّة، بالإجماع والأخبار»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «للزوجة مع عدم الولد منها ومن غيرها الربع ولو كنّ أكثر من واحدة كنّ شركاء فيه بالسويّة، لأصالتها ولو كان له ولد منها أو من غيرها كان لهنّ الثمن بالسويّة»(3).

ثمّ قال: «لو طلّق المريض أربعاً وخرجن من العدّة، ثمّ تزوّج أربعاً ودخل بهنّ ثم طلّقهنّ وخرجت عدّتهنّ ثمّ تزوّج أربعاً وفعل كالأول وهكذا إلى آخر السنة ومات قبل بلوغ السنة في ذلك المرض من غير برء ولم تتزوّج واحدة من النساء المطّلقات ورث الجميع، المطلّقات وغيرهنّ الربع أو الثمن بينهنّ بالسويّة»(4).

وقال صاحب «المستند»: «قد يعلّل أيضاً بأنّه لو أعطيت كلّ زوجة ذلك لاستغرق نصيبهنّ التركة على بعض الوجوه ... وهو خلاف الإجماع، بل الأخبار الكثيرة»(5).

(مسألة 5): يرث الزوج من جميع تركة زوجته من منقول وغيره،


1- الصحيح:« يقتسمنه».
2- مستند الشيعة 351: 19.
3- جواهر الكلام 198: 39.
4- جواهر الكلام 198: 39.
5- مستند الشيعة 252: 19.

ص: 370

وترث الزوجة من المنقولات مطلقاً، ولا ترث من الأراضي مطلقاً- لا عيناً ولا قيمة- سواء كانت مشغولة بالزرع والشجر والبناء وغيرها أم لا. وترث القيمة خاصّة من آلات البناء، كالجذوع والخشب والطوب ونحوها، وكذا قيمة الشجر والنخل، من غير فرق بين أقسام البناء، كالرحى والحمّام والدكّان والإصطبل وغيرها، وفي الأشجار بين الصغيرة والكبيرة واليابسة التي معدّة للقطع ولم تقطع والأغصان اليابسة، والسعف كذلك مع اتّصالها بالشجر.

أقول: يذكر في هذه المسألة امور خمسة:

1. يرث الزوج من جميع تركة الزوجة.

قال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف بين المسلمين في أنّ الزوج يرث من جميع ما تركته زوجته من أرض وبناء وغيرهما»(1). فالمسألة واضحة بل ضرورية وعمومات الأدلّة تدلّ عليها.

2. ترث الزوجة من المنقولات مطلقاً.

لم يقل أحد من الفقهاء بحرمانها من المنقولات، فترث منها مطلقاً.

3. لا ترث الزوجة من الأراضي مطلقاً.

هذه المسألة مختلف فيها، لكن قال صاحب «المستند»: «الدليل عليه بعد الإجماع المحقّق والمنقول في «الانتصار» و «السرائر» وغيرهما غير الثلاثة الأخيرة من الأخبار المتقدّمة بأجمعها»(2).


1- جواهر الكلام 207: 39.
2- مستند الشيعة 369: 19.

ص: 371

ومراده من الأخبار المتقدّمة ما نقلها سابقاً وأنهاها إلى إحدى وعشرين.

ففي رواية محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (ع): «النساء لا يرثن من الأرض ولا من العقار شيئاً»(1).

وعن يزيد الصائغ قال: سألت الصادق (ع) عن النساء هل يرثن من الأرض، فقال: «لا، ولكن يرثن قيمة البناء»(2).

وعن أبان الأحمر عن ميسر بياع الزطي عن الصادق (ع): «لهنّ قيمة الطوب والبناء والخشب والقصب، فأمّا الأرض والعقارات فلا ميراث لهنّ فيه»(3). إلى غير ذلك من الأخبار.

لكن قال صاحب «الجواهر»: «قد يقال: إنّ خلوّ جملة من كتب الأصحاب- على ما قيل- ك- «المقنع» و «المراسم» و «الإيجاز» و «التبيان» و «مجمع البيان» و «جوامع الجامع» و «الفرائض النصيرية» عن هذه المسألة مع وقوع التصريح في جميعها بكون إرث الزوجة ربع التركة أو ثمنها الظاهر في العموم، ربّما يؤذن بموافقة الإسكافي، بل لعلّ الظاهر عدم تعرّض علي بن بابويه وابن أبي عقيل لذلك أيضاً وإلا لنقل، بل لعلّ خلوّ «الفقه الرضوي» الذي هو أصل الأوّل منهما ومعتمده ممّا يؤيّد موافقته أيضاً»(4).

ومستند ابن الجنيد ما رواه أبان عن ابن أبي يعفور أو الفضل بن عبدالملك عن أبي عبدالله (ع)، قال: سألته عن الرجل، هل يرث من دار امرأته أو أرضها من


1- وسائل الشيعة 207: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 6، الحديث 4.
2- وسائل الشيعة 209: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 6، الحديث 8.
3- وسائل الشيعة 206: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 6، الحديث 3.
4- جواهر الكلام 207: 39- 208.

ص: 372

التربة شيئاً؟ أو يكون في ذلك بمنزلة المرأة، فلا يرث من ذلك شيئاً؟ فقال: «يرثها وترثه من كلّ شي ء ترك وتركت»(1).

ثمّ قال صاحب «الجواهر»: «لعلّ جميع رواة الصحيح- الذي هو مستند ابن الجنيد بعد عموم الكتاب والسنة- عن أبي عبدالله (ع) مذهبهم ذلك، لأنّ مذاهب الرواة تعرف بروايتهم»(2).

وحيث إنّ مستند ابن الجنيد موافق لعمومات الكتاب والسنة، فيرجّح على ما دلّ على حرمانها من الأرض أو غيرها.

4. ترث الزوجة من قيمة آلات مطلق البناء.

ويستدلّ عليها بصحيحة مؤمن الطاق عن الصادق (ع): «لا يرثن النساء من العقار شيئاً ولهنّ قيمة البناء والشجر والنخل. يعني: من البناء الدور وإنّما عنى من النساء الزوجة»(3).

لكن بعد ما رجّحنا مستند الإسكافي بمطابقته لعمومات الكتاب والسنّة يسقط هذا الصحيح أيضاً فللزوجة فرضها من أصل البناء كأصل الأرض.

5. ترث الزوجة من قيمة الشجر والنخل وغيره مطلقاً صغيرة وكبيرة.

قال صاحب «المستند»: «وأمّا الحكم الخامس، فمأخذه واضح»(4).

ومستنده في الحكم بالوضوح صحيحة مؤمن الطاق المذكورة آنفاً.


1- وسائل الشيعة 212: 26- 213، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 7، الحديث 1.
2- جواهر الكلام 208: 39.
3- وسائل الشيعة 211: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 6، الحديث 16.
4- مستند الشيعة 371: 19.

ص: 373

ثمّ قال: «قد يضعّف دلالة بعض هذه الأخبار على بعض هذه الأحكام باحتمالات ضعيفة وتأويلات سخيفة، لا تقبلها العقول والأوهام، وفتح بابها موجب لسدّ باب شريعة الملك العلام»(1).

لكنّ الحقّ ما قاله صاحب «الجواهر» تأييداً لفتوى الإسكافي.

(مسألة 6): المراد من الأعيان التي ترث الزوجة من قيمتها هي الموجودة حال الموت، فإن حصل منها نماء وزيادة عينية من حين الموت إلى حين القسمة لا ترث من تلك النماء والزيادة.

أقول: لا ريب أنّ الزوجة- لو فرض حرمانها من عين الأعيان غير المنقولة واستحقاقها من قيمتها- تستحقّ قيمة ما يكون موجودة حين الموت، لا ما يحدث من النماء والزيادة العينية بعد الموت، فإنّ النماء تابع للعين فمن ملك العين- سواء كان بالإشاعة أم لا- ملك النماء ومن لم يملك العين لم يملك النماء ولا الزيادة العينية، فلو كان العين شجراً ونمى بعد الموت وقبل القسمة فليس للزوجة من النماء شي ء، وكذا ليس لها من الأغصان والأزهار والأوراق والفواكة التي حدثت بعد الموت إلى حين القسمة شي ء.

هذا على ما اختار سيّدنا الاستاذ وبعض الفحول من حرمان الزوجة من أعيان التركة غير المنقولة وأمّا على ما اخترنا، فهذا الفرع ساقط.

وأمّا نماء الأعيان المنقولة فلا كلام فيها من حيث استحقاق الزوجة لها.


1- مستند الشيعة 371: 19- 372.

ص: 374

(مسألة 7): المدار في القيمة يوم الدفع لا الموت، فلو زادت القيمة على القيمة حين الموت ترث منها، ولو نقصت نقصت من نصيبها. نعم، الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح.

أقول: هل مدار القيمة التي يدفع إلى الزوجة قيمة يوم الموت أو قيمة يوم الدفع؟

قال سيّدنا الاستاذ (قدّس سرّه): «لو تلف المغصوب وكان قيميّاً ... وإن تفاوتت- بأن كانت قيمته يوم الغصب أزيد من قيمته يوم التلف أو العكس- فهل يراعى الأوّل أو الثاني؟ فيه قولان مشهوران، وهنا وجه آخر، وهو مراعاة قيمة يوم الدفع. والأحوط التراضي فيما به التفاوت بين يوم الغصب إلى يوم الدفع»(1).

وهنا اختار ذلك الوجه الآخر المخالف للقولين المشهورين، لكنّه احتاط هنا- كما احتاط هناك- وحكم بأنّ الأحوط مع تفاوت القيمتين التصالح ولا ريب أنّ الاحتياط طريق النجاة.

هذا إذا أمكن التصالح، وأمّا إذا لم يمكن فالحقّ وجوب إعطائها قيمة يوم الدفع، لأنّ في إعطائها قيمة يوم الموت ضرراً عليها وهو مدفوع.

(مسألة 8): طريق التقويم أن تقوّم الآلات والشجر والنخل باقية في الأرض مجّاناً إلى أن تفنى، وتعطى حصّتها من ذلك، فلو زادت قيمتها مثبتة إلى أن تفنى عنها غير مثبتة فلها الزيادة.


1- تحرير الوسيلة 173: 2، مسألة 30.

ص: 375

أقول: هذه المسألة في صدد بيان كيفية التقويم.

قال صاحب «المستند»: «هل تقوّم الأبنية والطوابيق وأمثالها حال كونها مجتمعة باقية على هيآتها البنائية أم يقدّر انفكاكها فيقوّم الآجر منفرداً والجصّ منفرداً واللبن كذلك؟ الظاهر هو الأوّل كما صرّح به بعضهم، بل هو الظاهر من كلام الأصحاب في بيان كيفية التقويم. والحاصل أنّ البناء يقوّم على حاله»(1).

ثمّ قال: «والظاهر أنّ الشجر أيضاً كذلك، كما صرّح به في «المسالك» و «الكفاية»(2).

ففي صحيحة زرارة ومحمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (ع): «لا ترث النساء من عقار الدور شيئاً، ولكن يقوّم البناء والطوب وتعطى ثمنها أو ربعها» قال: «وإنّما ذلك لئلا يتزوّجن فيفسدن على أهل المواريث مواريثهم»(3).

ويدلّ عليه روايات اخر، فإذا كان لهنّ قيمة البناء فلا ريب أنّ البناء هو الهيئة الاجتماعية الكائنة في الأرض.

وقال صاحب «الرياض» نقلًا عن الصيمري: «يقوّم الأرض على تقدير خلوّها من الأبنية والأشجار ما يسوّى، فإذا قيل: عشرة مثلًا، قوّمت اخرى مضافة إليهما، فإذا قيل: عشرون مثلًا، كانت شريكة في العشرة الزائدة»(4).


1- مستند الشيعة 383: 19.
2- مستند الشيعة 384: 19.
3- وسائل الشيعة 208: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 6، الحديث 7.
4- رياض المسائل 590: 12.

ص: 376

(مسألة 9): المدار كون الآلات مثبتة حين الموت. فلو خربت البناء وقطعت الأشجار قبل الموت، وبقيت بتلك الحالة إلى حين الموت، ترث من أعيانها كسائر المنقولات، ومن المنقول الثمر على الشجر والزرع والبذر المزروع، وكذا القدر المثبت في الدكّان ليطبخ فيه، فإنّ الظاهر أنّه من المنقول. كما أنّ الظاهر أنّ الدولاب والعريش الذي يكون عليه أعضان الكرم من غير المنقول.

أقول: إذا خربت البناء وقطعت الأشجار قبل الموت فتكون من المنقولات إن بقيت بتلك الحالة إلى حين الموت وإلا فلا.

قال صاحب «المستند»: «أمّا ما كان من هذه الآلات مثبتة ثمّ انتقضت، فمقتضى الأصل عدم الدخول، ولكنّ التصريح في الأخبار بدخول النقض يدخلها، والاحتياط في كثير من هذه مطلوب»(1).

والظاهر أنّه لا فرق بين الآلات المعدّة للبناء ولم تستعمل فيه قبل الموت وبين ما استعملت فيه وخربت قبله ولا وجه الاحتياط، ولذا حكم صاحب «المستند» بعدم دخول الآلات المعدّة قطعاً.

وقال أيضاً: «أمّا الزرع الذي لم يحصد والثمر الذي لم يجنى والعلف والبذر المزروع فلا تدخل فيها، والزوجة ترث من أعيانها للأصل وعدم صدق الاسم، وعلى هذا فإذا كان الثمر غير منضوج والزرع غير بالغ حدّ الحصاد فهل يجب على الورثة إبقاؤهما إلى أو أوانهما مجّاناً، أم لا، بل لهم أمرها بأخذ حقّهاً أو


1- مستند الشيعة 382: 19.

ص: 377

الإبقاء مع أخذ اجرة الأرض والشجر؟ أختار في «المسالك» الأوّل. والظاهر هو الثاني»(1).

والأولى أن يقال: كون الشي ء من المنقول أو غير المنقول موكول بنظر العرف. والقدر المثبت من المنقول عرفاً، كما أنّ الدولاب والعريش كذلك.

(مسألة 10): الأقوى أنّ الزوجة تستحقّ القيمة، ويجوز لها أن لا تقبل نفس الأعيان، كما ليس لها مطالبة الأعيان.

أقول: على فرض استحقاقها القيمة لا تجبر على قبول الأعيان كما ليس لها مطالبتها.

قال صاحب «المستند»: «هل إعطاء الورثة القيمة على سبيل الرخصة أم لا، بل يجب عليهم إعطاؤها؟ وتظهر الفائدة فيما لو امتنعت الزوجة إلا من أخذ القيمة وأراد الوارث إعطاء العين»(2).

استقرب صاحب «الكفاية» وجمع من المتأخّرين الأوّل، لكن قال صاحب «المستند»: «الحقّ هو الثاني، لأنّه المستفاد من اللام الظاهرة في الاختصاص والتمليك، سيّما في المواريث ... ولأنّه مقتضى كون القيمة إرثاً لها ... ولأنّه المفهوم من الحصر بالاستثناء ... ولأنّه مدلول الجعل ... بل هو الظاهر من قوله: ويقوّم، أو لكن يقوّم»(3).


1- مستند الشيعة 282: 19.
2- مستند الشيعة 385: 19.
3- مستند الشيعة 385: 19.

ص: 378

واستدلّ على الأوّل بأنّ العين مختصّة بها، ولكن جوّز الشارع الابتياع القهري وإعطاء القيمة.

وفيه: أنّ الابتياع القهري وإعطاء القيمة أمر واجب أو لا. فإن كان واجباً فلا يمكن للزوجة مطالبة غيرها وإلا فيمكن، والظاهر أنّه أمر واجب، فليس للزوجة مطالبة غيرها كما ليس يجب عليها قبول الأعيان. اللهمّ إلا إذا تراضيا بالعين.

(مسألة 11): لا يجوز للزوجة التصرّف في الأعيان التي تستحقّ قيمتها بلا رضا سائر الورثة، والأحوط لسائر الورثة عدم التصرّف فيها- قبل أداء قيمتها- بغير إذنها.

أقول: هل تتعلّق القيمة بذمّة الورثة أو التركة، فعلى الأوّل للزوجة مطالبة القيمة من الوارث من أينما أرادوا وشاؤوا. ويتفرّع عليه عدم جواز تصرفها في الأعيان التي تستحقّ قيمتها.

ويحتمل أن يكون حقّ الزوجة متعلّقاً بقيمة التركة لا بذمّة الورثة، ويترتّب عليه أنّه كما لا يجوز للزوجة التصرف في الأعيان بلا رضا سائر الورثة، كذلك لا يجوز للورثة التصرّف فيها قبل أداء قيمتها، فالأحوط للورّاث- غير الزوجة- عدم التصرّف فيها حتّى يؤدّون قيمتها.

ولو تلف البناء أو الشجر بعد الموت، وقبل التقسيم والتقويم، فهل يسقط من قيمته حقّ الزوجه أو لا؟

فبناءً على كون حقّ الزوجة متعلّقاً بذمّة الوارث، لا يسقط حقّه، لأنّه بمجرّد

ص: 379

الموت انتقلت العين إلى الوارث واستحقّت القيمة فتلف العين يكون من مال الوارث، وأمّا بناءً على كون حقّها متعلّقاً بالعين ففيه تأمّل.

هذا كلّه بناءً على حرمان الزوجة من الأعيان، وأمّا بناءً على عدم حرمانها فتسقط هذه الفروع.

(مسألة 12): لو زوّج الصغيرة أبوها أو جدّها لأبيها بالكفو بمهر المثل أو الأكثر يرثها الزوج وترثه، وكذا لو زوّج الصغيرين أبوهما أو جدّهما لأبيهما، بل لو كان التزويج بالكفو بدون مهر المثل مع عدم المفسدة، فضلًا عمّا كان فيه الصلاح، وكذا لو زوّج الحاكم في مورد جاز له التزويج. وقد مرّ بعض ما يناسب المقام في النكاح.

أقول: بناء التوارث بين الزوجين على صحّة النكاح ولا فرق بين كونهما كبيرين أو صغيرين أو مختلفين.

قال صاحب «المستند»: «إذا زوّج الصبية وليّها لبالغ أو الصبيّ وليّه لبالغة، أو الصبيّ والصبية وليّاهما، ورث كلّ منهما الآخر لو مات، بلا خلاف ظاهر. ويدلّ على الجميع عمومات ميراث الزوج والزوجة، وعلى الأخير خصوص صحيحة محمّد عن أبي جعفر (ع) في الصبيّ يتزوّج الصبيّة، يتوارثان؟ قال: «إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إذا زوّج الصبيّة أبوها أو جدّها لأبيها بالكفو بمهر


1- مستند الشيعة 355: 19.

ص: 380

المثل ورثها الزوج وورثته وكذا لو زوّج الصغيرين أبواهما أو جدّهما لأبيهما بالكفو بمهر المثل توارثا بلا خلاف محقّق أجده فيه، لتحقّق الزوجية من الطرفين بذلك»(1).

ثمّ قال صاحب «المستند»: «هذا إذا كان التزويج من كفو وبمهر المثل. ولو تخلّف أحدهما أو كلاهما، فإن قلنا بصحّة العقد وعدم الخيار فكذلك أيضاً بلا إشكال، وكذا إن قلنا في صورة تخلّف مهر المثل بالخيار بين المسمّى والرجوع إلى مهر المثل، وإن قلنا بالبطلان فلا توارث بلا إشكال أيضاً»(2).

فإن قلنا بأنّ للصبيّ الخيار لو بلغ- كما عن الشيخ وجماعة من الأصحاب بمقتضى خبر يزيد الكناسي- فهل يسقط الإرث؟

قال صاحب «الجواهر» بعد حكمه بأن خبر الكناسي معارض بما هو أقوى منه سنداً أو أكثر عدداً، وحكمه بأنّ عموم الولاية يقتضي عدم الخيار، قال: «ومع تسليمه- أي خبر الكناسي- لا ينافي الإرث، ضرورة عدم منافاة الخيار لتحقّق الزوجية المسبّبة للإرث، فهو حينئذٍ كالعيب المسلّط على الفسخ ونحوه من أقسام الخيار في النكاح وغيره المقتضي للفسخ من حينه»(3).

ثمّ قال: «نعم لو زوّجها بغير الكفو بدون مهر المثل ونحو ذلك ممّا هو مفسدة في الظاهر أمكن القول بعدم التوارث بهذا العقد الذي هو فضوليّ، لعدم نفوذ تصرّف الوليّ ولو الإجباري مع المفسدة في الظاهر ... إلا أن يقوم دليل معتدّ به من إجماع أو غيره بصحّة ذلك من الوليّ في خصوص النكاح مع جبره، بأنّ لها


1- جواهر الكلام 201: 39.
2- مستند الشيعة 356: 19.
3- جواهر الكلام 201: 39.

ص: 381

الخيار في العقد بعد البلوغ على وجه يكون كخيار العيب، فحينئذٍ يتّجه التوارث فيه أيضاً»(1).

ومن هذه المطالب يظهر حكم ما لو زوّج الحاكم في مورد جاز له التزويج.

(مسألة 13): الإرث بسبب الولاء غير مبتلىً به إلا بسبب الإمامة، فمن مات وليس له وارث من الطبقات المتقدّمة ولا بولاء العتق وضمان الجريرة، ولم يكن له زوج، يرثه الإمام (ع). ولو كان الوارث الزوجة فقط فالبقيّة بعد الربع له (ع). وأمره في عصر غيبة وليّ الأمر- عجلّ الله تعالى فرجه- كسائر ما للإمام (ع) بيد الفقيه الجامع للشرائط.

أقول: أقسام الولاء ثلاثة مترتّبة: ولاء العتق، وولاء تضمّن الجريرة وهي الجناية، وولاء الإمامة.

أمّا ولاء العتق فغير مبتلى به في زماننا هذا فلنعرض عنه.

وأمّا ولاء تضمّن الجريرة فمن توالي إنساناً بأن يضمن ذلك الإنسان حدثه وجنايته بشرط أن يثبت له ولائه يثبت له ميراثه.

وبهذا العقد كانت الجاهلية يتوارثون دون الأقارب فأقرّهم الله به في صدر الإسلام ثمّ نسخ بالإسلام والهجرة، فإذا كان للمسلم ولد لم يهاجر، ورثه المهاجرون دون ولده، ثمّ نسخ بالتوارث بالأنساب وبعض الأسباب. لكن قال الشافعي: إنّ الإرث بضمان الجريرة منسوخ مطلقاً وعندنا باقي على بعض الوجوه.


1- جواهر الكلام 202: 39.

ص: 382

فإن وقع عقد الضمان يختصّ الإرث بالضامن دون المضمون له إلا أن يتحقّق الضمان من الجانبين، فيتوارثان بشرط عدم الوارث النسبي وولاء العتق.

وحيث إنّ أهل زماننا هذا لا يعقدون هذا العقد فلا يكون مبتلى به كالأوّل. فلنعرض عنه.

وأمّا ولاء الإمامة، فقال صاحب «المستند»: «اعلم: أنّ من مات وليس له وارث نسبي خال عن موانع الإرث من قتل أو كفر مع إسلام الميّت ونحوهما ولا سببي يحاز به الإرث من الزوج والمنعم وضامن الجريرة، فالإمام وارثه وميراثه له حاضراً كان الإمام أو غائباً، على الحقّ المشهور، بل المدّعى عليه الإجماع في كتب الأصحاب مستفيضاً ... بل بالإجماع المحقّق، لشذوذ ما يخالف ذلك»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «إن كان ... الإمام (ع) موجوداً حاضراً فالمال له يصنع به ما يشاء على حسب تسلّط غيره على ماله ... وإن كان غائباً فعن جماعة أنّه يحفظ له بالوصاية أو الدفن إلى حين حضوره كسائر حقوقه ... والمشهور أنّه يقسّم بين الفقراء والمساكين مطلقاً وفي «اللمعة» هنا و «الدروس» في بحث الأنفال من كتاب الخمس قمسته بين فقراء بلد الميّت ومساكينه والأوسط أوسط»(2).

وقال صاحب «المستند»: «إذ عرفت أنّ ميراث من لا وارث له للإمام، فمع حضوره يحمل إليه ... وأمّا مع غيبته ... يصرف في الفقراء والمساكين من شيعته ... لما اشير إليه في كتاب الخمسن من الإذن الحاصل من شاهد الحال من جهة


1- مستند الشيعة 426: 19.
2- جواهر الكلام 261: 39- 262.

ص: 383

استغناء الإمام واحتياج مواليه وشيعته الذين هم من عياله حقيقة، فيعلم بذلك قطعاً رضاء الإمام بصرف ماله إليهم ورفع ذلّتهم واحتياجهم»(1).

ثمّ قال: «يجب أن يكون المتولي للصرف النائب العامّ، لأنّه أعرف بوجوه المصالح، بل لا شاهد حال لتصرّف غيره مع وجوده»(2).

وبهذا حكم صاحب «الجواهر» وقال: «الأولى إيصاله إلى نائب الغيبة المأمون، فيصرفه على حسب ما يراه من المصلحة التي تظهر له من أحوال سيّده ومولاه»(3).

ولعلّ نظر صاحب «الجواهر»- كنظر السيّد الماتن- أوسع من نظر صاحب «المستند»، فإنّ الأخير حكم بصرف النائب العامّ في الفقراء وهما حكما بكون الصرف على حسب ما يراه النائب العامّ من المصلحة.

وحيث إنّ ميراث من لا وارث له من الأنفال فحكمه حكم الأنفال، وقد تكلّمنا فيه في كتاب الخمس مفصّلًا.


1- مستند الشيعة 431: 19- 432.
2- مستند الشيعة 433: 19.
3- جواهر الكلام 263: 39.

ص: 384

وأمّا اللواحق ففيها فصول:

الأوّل: في ميراث الخُنثى

اشارة

(مسألة 1): لو كان بعض الورّاث خُنثى- بأن كان له فرج الرجال والنساء- فإن أمكن تعيين كونه رجلًا أو امرأة بإحدى المرحّجات المنصوصة أو غير المنصوصة، فهو غير مشكل، ويعمل على طبقها، وإلا فهو مشكل.

أقول: قد مرّ أن في كتاب المواريث مقدّمات ومقصدين ولواحق.

إلى هنا تمّ البحث عن المقدّمات والمقصدين. فلنشرع في بيان اللواحق في فصول، يبحث فيها عن ميراث الخنثى والغرقى والمهدوم عليهم والكفّار.

الخنثى إمّا واضح كونه رجلًا أو امرأة أو غير واضح.

قال صاحب «المستند»: «الخنثى إمّا واضح أو مشكل، والأوّل من يمكن استعلام حاله أنّه ذكر أو انثى، إمّا بعلامات ظاهرة، كاللحية والجماع والحيض والثدي والحبل أو نحوها أو بما ورد الامتياز به في الشرع. والثاني من لم يمكن، ويظهر من السيّد في «الانتصار» أنّ من يحتاج في التمييز إلى ما به الامتياز الشرعي فهو أيضاً مشكل. والأمر في ذلك هيّن»(1).

ولم يتعرّض صاحب «الجواهر» لبيان الخنثى الواضح والمشكل، بل تعرّض لبيان كيفية التشخيص وبيان حكم المشكل، إلا أنّه قال في مدخل البحث: «في ميراث الخنثى التي هي إمّا ذكر أو انثى في الواقع، لعدم الواسطة على الظاهر


1- مستند الشيعة 441: 19.

ص: 385

المستفاد من تقسيم الإنسان، بل مطلق الحيوان إلى الذكر والانثى في جميع الأصناف في الكتاب والسنة، على وجه لا يستطاع إنكاره»(1).

لكن نقول: إن كان بعض الأفراد من الأنواع الحيوانية جامعاً لصفة الذكورية والانوثية، فهل يدلّ الكتاب والسنّة على ردّه؟

(مسألة 2): المرجّحات المنصوصة امور: الأوّل: أن يبول من أحد الفرجين دائماً، أو غالباً بحيث يكون البول من غيره نادراً كالمعدوم، وإلا فمحلّ إشكال، فيرث على الفرج الذي يبول منه، فإن بال من فرج الرجال يرث ميراث الذكر، وإن بال من فرج النساء يرث ميراث الانثى. الثاني: سبق البول من أحد الفرجين دائماً، أو غالباً بنحو عدّ ما عداه كالمعدوم لو بال منهما، فإن سبق ممّا للرجال يرث ميراث الذكر، وإن سبق ممّا للنساء يرث ميراث الانثى. الثالث: قيل تأخّر الانقطاع من أحد الفرجين دائماً أو غالباً مع فقد الأمارة الثانية، وفيه إشكال؛ لا يترك الاحتياط بالتصالح مع فقد سائر الأمارات. الرابع: عدّ الأضلاع، فإن كان أضلاع جنبه الأيمن أكثر من الأيسر فهو من الرجال، ويرث إرث الذكر، وإن كانتا متساويين يرث إرث الانثى.

أقول: العلامات المذكورة في هذه المسألة لإيضاح حال الخنثى المشكل.

قال صاحب «المستند»: «إنّما المهمّ بيان كيفية الاستعلام والتشخيص إن لم


1- جواهر الكلام 277: 39- 278.

ص: 386

يتشخّص من العلامات الظاهرة»(1).

كيفية الاستعلام

1. إن بال من فرج الرجال فيلحق بهم وإن بال من فرج النساء فيلحق بهنّ ولا خلاف فيه، كما صرّح به صاحب «المستند»(2). وقال صاحب «الجواهر»: «لا خلاف ولا إشكال في أنّه يرث على الفرج الذي يبول منه»(3).

وفي صحيح هشام بن سالم عن أبي عبدالله (ع): «قضى علي (ع) في الخنثى له ما للرجال وله ما للنساء، قال: يورّث من حيث يبول، فإن خرج منهما جميعاً فمن حيث سبق، فإن خرج سواء، فمن حيث ينبعث، فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء»(4).

2. سبق البول من إحدي الفرجين دائماً أو غالباً بنحو عدّ ما عداه كالمعدوم.

قال صاحب «المستند»: «إن لم يتشخّص من ذلك، بأن يبول من الفرجين، اعتبر ابتداء بوله وسبقه، فمن أيّهما سبق، يلحق بأهله، وفاقاً للأكثر»(5).

وقال صاحب «الجواهر»: «وإن بال منهما فمن حيث يسبق منه البول، بلا خلاف محقّق أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه أيضاً»(6).

ويدلّ عليه الصحيح المذكور وغيره.


1- مستند الشيعة 441: 19.
2- مستند الشيعة 441: 19.
3- جواهر الكلام 278: 39.
4- تهذيب الأحكام 354: 9/ 1269.
5- مستند الشيعة 443: 19.
6- جواهر الكلام 278: 39.

ص: 387

3. تأخّر الانقطاع. قال صاحب «المستند»: «ذهب جماعة ... أنّه يورّث على ما ينقطع عنه أخيراً وعن الحلّي نفي الخلاف فيه. واستدلّ له بقوله: «من حيث ينبعث» في صحيحة هشام، وقوله: «يستدرّ»، وقوله: «فمن أبعد هما» في مرسلة «الكافي» المتقدّمتين. ولا أرى له وجهاً فإنّ الظاهر من الانبعاث والاستدرار الاقتضاء والدغدغة»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «فإن جاء البول منهما دفعة اعتبر الذي ينقطع أخيراً، فيورث عليه إجماعاً في محكيّ «السرائر» و «التحرير» و «المفاتيح» وظاهر «الغنية» و «الخلاف»، بل وكتاب «الإعلام» للمفيد، مضافاً إلى ظهور كونه المراد من قوله (ع) في المرسل: «أبعدهما»، على معنى أبعدهما زماناً ... بل قيل: إنّه المراد أيضاً من الانبعاث في الصحيح بدعوى ملازمته، بمعنى الثوران والقوّة والكثرة ...»(2).

ثمّ إنّه حكم به بتعاقد الإجماعات وشهادة الوجدان. فالقول به أقوى وإلا فيجب الاحتياط.

4. عدّ الأضلاع. قال صاحب «المستند»: «لا يضرّ أيضاً ما قيل من أنّ الموافق للحسّ والتشريح تساوي أضلاع الرجال والنساء عدداً. لأنّه يمكن أن تكون العلّة المذكورة في الأخبار من خلقة حوّاء من ضلع آدم، موجبة لحصول الاختلاف ولو في الأكثر أو في الجملة، دون الكلّية»(3).

وقال صاحب «الجواهر» نقلًا عن المفيد في كتاب «الإعلام» والمرتضى في


1- مستند الشيعة 446: 19.
2- جواهر الكلام 279: 39.
3- مستند الشيعة 449: 19- 450.

ص: 388

المحكيّ من «الانتصار» والحلّي في المحكيّ من «السرائر»: «تعدّ أضلاعه- أي الخنثى فإن استوى جنباه فهو امرأة وإن اختلفا بأن كانت تسعة في اليمين وثمانية في اليسار أو غير ذلك على ما اختلفت به الرواية فهو ذكر وهي رواية شريح القاضي حكاية لفعل علي (ع) في الخنثى التي حبلت وأحبلت واحتجّاه أي الأوّلان بل والثالث بالإجماع مع ذلك، ولكنّ الرواية ضعيفة السند»(1).

ثمّ ذكر أنّ الرواية منقولة بطريق صحيح والإجماع المنقول غير قابل للردّ وقال: «لا ريب في عدم تيسّره غالباً على وجه تطمئنّ النفس بمعرفة ذلك ... بل قيل: إنّ أهل التشريح يدّعون التساوي ... إلا أنّه كما ترى بعد الرواية الصحيحة المشتملة على المعجزة البالغة لحلال المشكلات التي حكاه عنه (ع) المخالف والمؤالف ... فلا ينبغي التأمّل في اعتبارها مع فرض تحقّقها وإلا فنصف النصيبين أو القرعة»(2).

(مسألة 3): لو فقدت العلائم المنصوصة، فإن كانت فيه علائم خاصّة بالنساء، كرؤية الدم حسب ما ترى النساء، أو خاصّة بالرجال كإنبات اللحية- مثلًا- فإن حصل منها الاطمئنان يحكم بحسبه، وإلا فهو من المشكل.

أقول: بعد ما ذكرت العلائم المنصوصة، يبحث عن صورة فقدها.

قال صاحب «الجواهر»: «وكيف كان، فإن كانت مشكلًا، بأن كان المخرجان


1- جواهر الكلام 284: 39.
2- جواهر الكلام 284: 39- 285.

ص: 389

قد تساوياً في السبق والتأخّر ولم يكن هناك أمارة، قال الشيخ في «الخلاف»: يعمل فيه بالقرعة»(1).

(مسألة 4): الخنثى المشكل- أي الذي لا تكون فيه المرجّحات المنصوصة، ولا العلائم الموجبة للاطمئنان- يرث نصف نصيب الرجال ونصف نصيب النساء.

أقول: في هذه المسألة يبحث عن حكم الخنثى المشكل.

قال صاحب «المستند»: «اختلفوا في حكمه على أقوال: الأوّل: الرجوع إلى القرعة، ذهب إليه الشيخ في «الخلاف» .... والثاني: أنّه تعدّ أضلاعه .... والثالث: أنّه يعطى نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة»(2).

وقال صاحب «الجواهر» بعد نقل القولين الأوّلين: «وقيل: كما عن جماعة، بل في محكيّ «الإيضاح» وتعليق الكركي على «النافع» و «التنقيح» أنّه المشهور وفي «المسالك» أنّه أظهر بينهم يقسّم الفريضة مرّتين وتفرض في مرّة ذكراً وفي الاخرى انثى ويعطى نصف النصيبين»(3).

والدليل على القول الأوّل ما روى عنهم (ع): «إنّ القرعة لكلّ أمر مشتبه» وتعضده المستفيضة الآمرة بالقرعة في توريث الخنثى.

والدليل على القول الثاني ما مرّ.


1- جواهر الكلام 281: 39.
2- مستند الشيعة 446: 19- 447.
3- جواهر الكلام 287: 39.

ص: 390

وليعلم: أنّ الفقهاء لم يذكروا عدّ الأضلاع في العلائم، بل ذكروه في تعيين ميراث الخنثى المشكل.

والدليل على الثالث روايات بعضها معتبر غير صريح، وبعضها صريح وغير معتبر، ولذا قال صاحب «المستند»: «الروايات المعتبرة غير صريحة والصريحة منها ضعيفة»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «هو المشهور نقلًا وتحصيلًا، بل عن «الغنية» الإجماع بل قد دلّت رواية هشام بن سالم في الحسن ... «فإن كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء» بعد القطع، بعدم إرادة مجموعهما، خصوصاً بعد قول علي (ع) في الحسن كالصحيح: «فإن مات ولم يبل فنصف عقل امرأة ونصف عقل رجل»، المراد من العقل فيه الميراث، على أنّ ذلك هو الموافق لقاعدة قسمة المال المشتبه بين شخصين بالنصف ... وانحصار الناس في الذكر والانثى غير مناف لذلك، بعد الدليل على كون حصّته ذلك»(2).

ويمكن أن يجاب عن إشكال «المستند» بأنّ فهم المشهور من الروايات يجبر ضعف الدلالة وكون الحسنة التي هي كالصحيحة مختصّة بما بعد موت الخنثى الذي لم يبل لا يضرّ بالدلالة، فإنّ الخنثى إذا مات لا يمكن اختباره بالبول فيكون مشكلًا فيستفاد منها حكم كلّ خنثى مشكل ولا دخل للموت والحياة في كونه مشكلًا فيعطى نصف ما للرجال ونصف ما للنساء.

وأمّا كون القرعة لكلّ أمر مشكل أو مشتبه، فهي جارية فيما لم يبيّن


1- مستند الشيعة 450: 19.
2- جواهر الكلام 283: 39.

ص: 391

الشرع حكم المشكل أو المشتبه، وأمّا فيما بيّنه، فلا تجري القرعة، كما في ما نحن فيه.

(مسألة 5): لو لم يكن لشخص فرج الرجال ولا النساء، وخرج بوله من محلّ آخر كدبره، فالأقوى العمل بالقرعة.

أقول: من لم يكن له فرج الرجال ولا النساء فكيف يرث؟

قال صاحب «المستند»: «من ليس له فرج الرجال ولا النساء يورث بالقرعة، لدلالة المعتبرة المستفيضة المعتضدة بعمل جلّ الطائفة عليه، ولو قيل بالاعتبار أوّلًا بتنحّى البول وعدمه، فالأوّل ذكر والثاني انثى- كما في مرسلة ابن بكير- ومع التساوي يرجع إلى القرعة أمكن»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «من ليس له فرج الرجال ولا فرج النساء ولا غيرهما ممّا يتشخّص به كلّ منهما ... يورث بالقرعة عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن «السرائر» وظاهر «الغنية» و «التنقيح» الإجماع عليه»(2).

ومثاله- كما في «الجواهر»- شخص وجد ليس في قبله إلا لحمة ناتئة كالربوة يرشّح البول منها رشحاً وليس له قبل وآخر ليس له إلا مخرج واحد بين المخرجين منه يتغوّط ومنه يبول وآخر ليس له مخرج لا قبل ولا دبر وإنّما يتقيّأ ما يأكله ويشربه.

ففي صحيح الفضيل عن الصادق (ع): «يقرع عليه الإمام أو المقرع، يكتب


1- مستند الشيعة 451: 19.
2- جواهر الكلام 295: 39.

ص: 392

على سهم عبدالله وعلى سهم أمة الله .... ثمّ تطرح السهام في سهام مبهمة، ثمّ تجال السهام على ما خرج ورّث عليه»(1) وفي مرسلة ابن بكير عنهم (ع): «إن كان إذا بال يتنحّى بوله ورّث ميراث الذكر وإن كان لا يتنحّى بوله ورّث ميراث الانثى»(2).

قال صاحب «الوسائل» بعد نقلها: «رواه الكليني عن محمّد بن يحيى عن أحمد بن محمّد، عن ابن فضّال عن ابن بكير. قال الشيخ: الأحاديث السابقة مخصوصة بما إذا لم يكن هناك طريق يعلم به أنّه ذكر أو انثى فإذا أمكن على ما تضمّنته هذه الرواية، فلا يمتنع العمل عليها، وإن كان الأخذ بالروايات الاولة أحوط».

ثمّ قال: «وأحاديث القرعة كثيرة يأتي بعضها إن شاء الله».

فنقول: إن كان التنحّى من العلائم المطمئنّة فهو وإلا فالعمل بروايات القرعة- كما ذكره الشيخ- أحوط، خصوصاً بملاحظة كثرة رواياتها كما أشار إليه صاحب «الوسائل». بل الحكم بالقرعة عامّ في جميع مصاديق الخنثى المشكل، لو لا بعض الروايات التي دلّت على أنّ له نصف ما للرجال ونصف ما للنساء في غير مَن له فرج الرجال وفرج النساء.

(مسألة 6): لو كان لشخص رأسان على صدر واحد، أو بدنان على حقو واحد، فطريق الاستعلام أن يوقظ أحدهما، فإن انتبه دون الآخر فهما


1- وسائل الشيعة 293: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 4، الحديث 2.
2- وسائل الشيعة 294: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 4، الحديث 5.

ص: 393

اثنان يورثان ميراث الاثنين، وإن انتبها يورث إرث الواحد، ثمّ إنّ لهذا الموضوع فروعاً كثيرة جدّاً سيّالة في أبواب الفقه مذكور بعضها في المفصّلات.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن حكم مَن له رأسان على صدر واحد أو بدنان على حقو واحد.

قال صاحب «المستند»: «من كان له رأسان أو بدنان على حقو واحد، يوقظ أحدهما أو يصاح به، فإن انتبه أحدهما خاصّة فهو إثنان، فله ميراثان، وإلا فواحد بلا خلاف فيه كما قيل، لرواية حريز المجبرة»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «من له رأسان وبدنان على حقو واحد، كما عن أبي جميلة أنّه رأى بفارس امرأة لها رأسان وصدران في حقو واحد متزوّجة تغار هذه على هذه وهذه على هذه، وعن غيره أنّه رأى رجلًا كذلك وكانا حائكين يعملان جميعاً على حقو واحد، وحكمه أنّه يوقظ أحدهما فإن انتبها فهما واحد، وإن انتبه أحدهما فهما اثنان»(2).

وفي خبر حريز بن عبدالله، عن الصادق (ع) قال: «ولد على عهد أمير المؤمنين (ع) مولود له رأسان وصدران على حقو واحد، فسئل أمير المؤمنين (ع): يورث ميراث اثنين أو واحداً؟ فقال: يترك حتّى ينام، ثمّ يصاح به، فإن انتبها جميعاً معاً كان له ميراث واحد، وإن انتبه واحد وبقي الآخر نائماً


1- مستند الشيعة 451: 19.
2- جواهر الكلام 297: 39.

ص: 394

فإنّما يورّث ميراث اثنين»(1). وهذا وإن كان ضعيفاً إلا أنّه منجر بالعمل به بلا خلاف.

ومثله رواية محمّد بن محمّد بن المفيد في «الإرشاد»(2).

فلو تولّد من له رأسان أو صدران حيّاً ثمّ مات قبل الاستعلام وانتقل ميراثه إلى امّه أو إلى امّه وأبيه فيحصل الإشكال.

قال صاحب «المستند»: «العمل بأصالة عدم تولّد الاثنين وعدم انتقال إرث الاثنين إلى الامّ ممكن»(3).

وقد ذكر في «الجواهر» فروعاً متعدّدة، فهل يختصّ الحكم المزبور بالميراث أو يعمّ غيره؟ فيه وجوه ليس هنا موضع البحث عنها، بل اللازم أن يبحث بعضها في الطهارة وبعضها في النكاح وبعضها في غيرهما.


1- وسائل الشيعة 295: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 5، الحديث 1.
2- وسائل الشيعة 296: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الخنثى، الباب 5، الحديث 2.
3- مستند الشيعة 451: 19.

ص: 395

الفصل الثاني: في ميراث الغرقى والمهدوم عليهم

(مسألة 1): لو مات اثنان بينهما توارث في آن واحد، بحيث يعلم تقارن موتهما، فلا يكون بينهما توارث؛ سواء مات أو مات أحدهما حتف أنف أو بسبب، كان السبب واحداً أو لكلّ سبب، فيرث من كلّ منهما الحيّ من ورّاثه حال موته، وكذا الحال في موت الأكثر من اثنين.

أقول: إذا علم تقارن الموتين فلا توارث بين الميّتين.

قال صاحب «المستند»: «يشترط في إرث شخص عن آخر العلم بحياة الوارث بعد المورّث، ولو بطرفة عين»(1).

ثمّ ذكر أنّه لو لم يعلم ذلك، فله صور خمسة وذكر أنّ في فرض المسألة لا إشكال، «لأنّ بعد العلم بالمعية يعلم عدم حياة الوارث بعده، التي هي شرط الإرث، ولا خلاف فيه، بل هو إجماعي محقّقاً ومحكيّاً، فهو الدليل عليه»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «لا توارث لو كان الموت لسبب هو الغرق أو الهدم، فضلًا عن غيرهما ولكن علم اقتران موتهما أو تقدّم أحدهما بخصوصه على الآخر، أو ظنّ على وجه يقوم مقام العلم، بل ينتفي الإرث مطلقاً أو عن المتقدّم خاصّة وهو واضح»(3).


1- مستند الشيعة 452: 19.
2- مستند الشيعة 452: 19.
3- جواهر الكلام 308: 39.

ص: 396

فإذا علم أو ظنّ ظنّاً معتبراً قائماً مقام العلم بالتقارن فينفى التوارث، فإنّ للتوارث شروطاً سنذكرها من ذي قبل إن شاء الله، كما أنّه ينتفي إرث أحدهما من الآخر، فإنّه مشروط بتقدّم موت المورّث على الوارث وهو هنا منتف، ولا فرق بين الاثنين والأكثر.

(مسألة 2): لو مات اثنان حتف أنف أو بسبب، وشكّ في التقارن وعدمه، أو علم عدم التقارن وشكّ في المتقدّم والمتأخّر، فإن علم تأريخ أحدهما المعيّن يرث الآخر- أي مجهول التأريخ- منه، دون العكس، وكذا في أكثر من واحد، ولا فرق في الأسباب كما تقدّم.

أقول: المذكور في هذه المسألة فرضان:

1. الشكّ في التقارن وعدمه. مع كون الموت حتف أنف أو بسبب، ومع العلم بتاريخ أحدهما المعيّن، فيرث الآخر- أي مجهول التاريخ- منه.

2. العلم بعدم التقارن والشكّ في المتقدّم والمتأخّر مع العلم بتاريخ أحدهما المعيّن، فيرث الآخر منه.

قال صاحب «المستند» بعد حكمه بعدم الإشكال في الفرضين اللذين يعلم فيهما زمان موت أحدهما مع كون التقارن مشكوكاً أو عدم التقارن معلوماً:

«يعمل بأصالة تأخّر الحادث، ولعلّه لا خلاف فيه»(1).

ولا فرق بين كون الميّت اثنين أو أكثر، كما أنّه لا فرق بين الأسباب كالغرق


1- مستند الشيعة 452: 19.

ص: 397

والهدم والحرق والقتل بالآلة أو بالسمّ والملاك كلّ الملاك في الجميع أصالة تأخّر الحادث أو عدم تقدّمه.

(مسألة 3): لو مات اثنان وشكّ في التقارن والتقدّم والتأخّر ولم يعلم التأريخ، فإن كان سبب موتهما الغرق أو الهدم، فلا إشكال في إرث كلّ منهما من الآخر. وإن كان السبب غيرهما- أيّ سبب كان- أو كان الموت حتف أنف، أو اختلفا في الأسباب، فهل يحكم بالقرعة، أو التصالح، أو كان حكمه حكم الغرقى والمهدوم عليهم؟ وجوه، أقواها الأخير وإن كان الاحتياط بالتصالح مطلوباً، سيّما فيما كان موتهما أو موت أحدهما حتف أنف، ويجري الحكم في موت الأكثر من اثنين.

أقول: إذا لم يعلم التقارن والتقدّم والتأخّر ولم يعلم التاريخ ففي المسألة فرضان:

أحدهما: كون سبب موتهما الغرق أو الهدم. قال صاحب «المستند» بعد بيان أنّ الأصل والقاعدة توريث أحد المشتبهين عن الآخر بشرط العلم ببقاء حياته بعد الآخر: «استثنى من القاعدة المذكورة الغرقى والمهدوم عليهم، فإنّه يرث بعض المغرقين بعضاً وبعض المهدومين بعضاً مع اشتباه المتقدّم والمتأخّر، بالإجماع المحقّق والمحكيّ مستفيضاً»(1).

ويدلّ عليه النصوص المتكثّرة، منها صحيحة عبدالرحمان بن حجّاج البجلي


1- مستند الشيعة 455: 19.

ص: 398

قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن القوم يغرقون في السفينة أو يقع عليهم البيت، فيموتون، فلا يعلم أيّهم مات قبل صاحبه، قال: «يورث بعضهم من بعض، كذلك هو في كتاب علي (ع)»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد بيان شرائط التوارث من كون جميع الغرقى والمهدوم عليهم أو بعضهم ذوي مال، وكون التوارث بينهم، وكون الحال مشتبهة في تقدّم موت بعض على بعض أو اقترانه، وكون الموت عن سبب: «فإذا أثبت هذا فلا إشكال في أنّه مع حصول الشرائط التي أشرنا إليها يورث بعضهم من بعض، بمعنى يفرض كلّ منهما حيّاً بعد موت الآخر، عملًا بالاحتمالين بعد فقد الترجيح في أحدهما»(2).

ثمّ استدلّ بروايات:

منها: صحيحة البجلي التي نقلناها آنفاً.

ومنها: صحيحته الاخرى قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن القوم يغرقون أو يقع عليهم البيت، قال (ع): «يورث بعضهم من بعض»(3).

ومنها: غيرهما كخبر الفضل وخبر محمّد بن قيس(4).

ثانيهما: كون سبب موتهما غير الغرق والهدم، سواء كان بسبب غيرهما


1- وسائل الشيعة 307: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، الباب 1، الحديث 1.
2- جواهر الكلام 312: 39.
3- وسائل الشيعة 308: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، الباب 1، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 308: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، الباب 1، الحديث 2 و 4.

ص: 399

كالحرق والقتل أو بلا سبب كحتف الأنف، فهل يلحق بالغرقى والمهدوم عليهم أو يحكم بالقرعة أو التصالح؟

قال صاحب «المستند»: «هل يختصّ هذا الحكم بالغرقى والهدمى أو يثبت في غيرهما من الأموات المشتبهين بغير ما ذكر من الأسباب الخارجية كالقتل والحرق، سوى الأموات حتف أنفهم، فإنّهم لا يتوارثون إجماعاً، كما صرّح به جماعة»(1).

فعلى قوله: «الأموات حتف الأنف» خارجون عن هذا البحث، فيبقى سائر الأموات الذين يكون موتهم بسبب غير الغرق والهدم.

ثمّ نقل أنّ المفيد، بل المعظم- كما في «المسالك» و «الروضة» و «الكفاية»- ذهبوا إلى الاختصاص وقال: «وهو الأصحّ، اقتصاراً فيما يخالف الأصل على موضع النصّ، ولما روي من أنّ قتلى اليمامة وقتلى صفّين لم يرث بعضهم من بعض، بل ورثوا الأحياء وضعفه منجبر بعمل الأكثر»(2).

واستدلّ القائل بالتعميم كالحلبي وابن حمزه والحلّي في «القواعد» بأنّ الظاهر أنّ العلّة في التوارث الاشتباه وهو حاصل في الجميع.

وفيه: أنّ العلّة- وهي الاشتباه- مستنبطة ظنّاً لا قطعاً، ولذا لم يحكموا في الموت حتف الأنف بالتوارث مع أنّ العلّة- وهي الاشتباه- موجودة.

وقال صاحب «الجواهر»: «في ثبوت هذا الحكم- أي حكم الغرقى إذا كان الموت بسبب، إلا أنّه غير سبب الهدم والغرق، كالحرق والقتل في معركة ونحو


1- مستند الشيعة 462: 19.
2- مستند الشيعة 463: 19.

ص: 400

ذلك، ممّا يحصل معه الاشتباه المزبور- تردّد وخلاف، فكلام الشيخ (رحمه الله) في «النهاية» يؤذن بطرده مع أسباب الاشتباه، بل قيل: إنّه صريحها وصريح أبي علي وأبي الصلاح وابني حمزة وسعيد والمحقّق الطوسي وظاهر «المبسوط» و «السرائر» و «المراسم» و «المهذّب»، للاشتراك في الاشتباه الذي هو العلّة»(1).

ثمّ قال بعد بيان أنّ الأكثر على عدم الاطراد: «وهو الأقوى، اقتصاراً فيما خالف الأصل على المتيقّن بعد عدم العلم، بل والظنّ المعتبر بكون العلّة الاشتباه والعلم بحرمة القياس، مضافاً إلى ما روي: «أن قتلى اليمامة وصفّين والحرّة لم يورث بعضهم من بعض»(2).

ثمّ إنّه استشكل على صاحب «الرياض»، حيث قال: «لعلّ الوجه في التقوية ... قوّة احتمال كون العلّة المحتجّ بها قطعية منقّحة بطريق الاعتبار لا مستنبطة بطريق المظنّة، لتلحق بالقياس المحرّم في الشريعة ويعضده وقوع التعدية عن مورد النصوص المخصّصة للقاعدة كثيراً لأخصيّتها من المدّعى كذلك، كما لا يخفى، والإجماع وإن كان هو المستند في ذلك، إلا أنّه لا ينافي الاعتضاد»(3).

وقال صاحب «الجواهر» في الردّ عليه: «هو كما ترى من غرائب الكلام، فإنّ قوّة احتمال كون العلّة قطعية لا يكاد يتصوّر لها معنى محصّل ... على أنّ احتمال القطع أو ظنّه على فرض تصوّره غير مجد في الخروج عن حرمة القياس»(4).

فحاصل الكلام: أنّ التعدية من الغرقى والمهدوم عليهم إلى القتلى أو الحرقى


1- جواهر الكلام 308: 39.
2- جواهر الكلام 309: 39.
3- رياض المسائل 658: 12- 659.
4- جواهر الكلام 310: 39.

ص: 401

أو من مات بسبب آخر غير السببين الدالّ عليهما النصّ مشكل مشمول للقياس المحرّم، فإن كانت العلّة المستنبطة- وهي الاشتباه- قطعية، فهو وإلا فالأقوى عدم الإلحاق والحكم بالقرعة والاحتياط بالتصالح طريق النجاة.

(مسألة 4): لو ماتا وعلم تقدّم أحدهما عن الآخر، وشكّ في المتقدّم وجهل تأريخهما، فالأقوى الرجوع إلى القرعة؛ سواء كان السبب الغرق أو الهدم، أو غيرهما أو ماتا أو أحدهما حتف أنف.

أقول: فرض هذه المسألة مغاير للفروض التي بحثنا عنها في المسائل السابقة؛ إذ في هذا الفرض تقدّم موت أحدهما معلوم، لكن شكّ في المتقدّم وجهل تاريخهما، فحكم السيّد الاستاذ بأنّ الأقوى الرجوع إلى القرعة ولم يفرّق بين الموت بالأسباب- أيّ سبب كان- والموت حتف أنف.

قال صاحب «المستند»: «إذا علم عدم المعية، ولكن لم يعلم المتقدّم موته منهما عن المتأخّر، فلا يورث أحدهما عن الآخر»(1).

واستدلّ عليه برواية القدّاح عن جعفر عن أبيه قال: «ماتت امّ كلثوم بنت علي (ع) وابنها زيد بن عمر بن الخطّاب في ساعة واحدة، لا يدري أيّهما هلك قبل فلم يورث أحدهما من الآخر وصلّى عليهما جميعاً»(2).

لكنّ الظاهر عدم دلالة هذه الرواية على مدّعاه فإنّه قال: «ظاهر قوله:

ص: 402

«لا يدري أيّهما هلك قبل»، أنّ التشكيك في المتقدّم والمتأخّر، دون التقدّم وعدمه»(3). مع أنّ الظاهر أنّ التشكيك في التقدّم وعدمه.

وقال صاحب «الجواهر»: «لو علم غرقهم، ولكن كان مع الفصل بزمان طويل ولكن لم نعلم السابق من اللاحق، فالظاهر عدم جريان حكم الغرقى عليهم، بل قد يشكل فيمن أصابهم الغرق دفعة بانكسار سفينة ونحوها، ولكن ترتّب زمان موتهم وهلاكهم إلا أنّا لم نعلم السابق من اللاحق، ونحو ذلك ممّا يقوى فيه احتمال القرعة، كقوّته في الموت حتف الأنف والموت بسبب غير سبب الغرق والهدم، مع العلم بتقدّم أحدهما على الآخر، من غير تعيين للقطع بوارثية أحدهما واشتباهه، وهو محلّ القرعة، وقد يحتمل حينئذٍ سقوط التوارث في ذلك، للشكّ في الشرط بالنسبة إلى كلّ منهما، بل لعلّ الظاهر من خبر القدّاح أنّ ذلك هو المدار في سقوط الإرث، لكنّ الأقوى الأوّل»(4).

ولمّا كان دلالة خبر القدح على مفروض المسألة مشكلًا فالحكم بالقرعة أقوى.

(مسألة 5): طريق التوريث من الطرفين: أن يفرض حياة كلّ واحد منهما حين موت الآخر، ويرث من تركته حال الموت، ثمّ يرث وارثه الحيّ ما ورثه. نعم، لا يرث واحد منهما ممّا ورث الآخر منه، فلو مات ابن وأب ولم يعلم التقدّم والتأخّر والتقارن، وكان للأب- غير الابن الذي


1- مستند الشيعة 454: 19.
2- وسائل الشيعة 314: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، الباب 5، الحديث 1.
3- مستند الشيعة 454: 19.
4- جواهر الكلام 311: 39.

ص: 403

مات معه- ابنة، وكان ما تركه تسعمائة، وكان للابن الميّت ابن وما تركه ستّمائة، فيفرض أوّلًا موت الأب وحياة الابن، فيرث من أبيه ستّمائة ثلثي التركة، وهي حقّ ابنه أي ابن ابن الميّت، والباقي حقّ اخته، ثمّ يُفرض موت الابن وحياة الأب، فيرث منه مائةً سدس تركته، ويؤتى ابنته، والباقي حقّ ابن ابنه.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن طريق التوريث من الطرفين.

قال صاحب «المستند»: «لا يخفى أنّ توريث كلّ من الغرقى أو الهدمى عن الآخر إنّما هو بقدر نصيبه المقدّر شرعاً كما صرّح به في صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة»(1).

وهي محمّد بن قيس، عن أبي جعفر (ع) قال: «قضى أمير المؤمنين (ع) في رجل وامرأة انهدم عليهما بيت فماتا ولا يدرى أيّهما مات قبل، فقال: يرث كلّ واحد منهما زوجه كما فرض الله لورثتهما»(2).

قال صاحب «الجواهر» بعد نقل رواية محمّد بن قيس: «إلى غير ذلك من النصوص التي كادت تكون متواترة»(3).

وقال أيضاً في بيان طريق التوريث من الطرفين: «يفرض كلّ منهما حيّاً بعد موت الآخر عملًا بالاحتمالين بعد فقد الترجيح في أحدهما»(4).


1- مستند الشيعة 461: 19.
2- وسائل الشيعة 308: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم، الباب 1، الحديث 2.
3- جواهر الكلام 313: 39.
4- جواهر الكلام 312: 39.

ص: 404

ثمّ قال: «لا إشكال في أصل الحكم. نعم الظاهر أنّه لا يورث الثاني ممّا ورثه منه أو من غيره الأوّل، بل يختصّ الإرث فيما بينهم في صلب المال وتالده دون طارفه الذي حصل لهم بالإرث، لمرسل حمران بن أعين عن أمير المؤمنين (ع) في قوم غرقوا جميعاً أهل البيت واحد، قال: «يورث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء، ولا يرث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً ولا يورث هؤلاء ممّا ورثوا من هؤلاء شيئاً»(1).

(مسألة 6): يشترط في التوريث من الطرفين عدم الحاجب من الإرث في كلّ منهما، ولو كان أحدهما محجوباً يرث منه صاحبه، كما أنّه لو لم يكن لأحدهما ما ترك من مال أو حقّ يرث ممّن له ذلك، فلا يشترط في إرثه منه إرث الطرف منه.

أقول: يبحث في هذه المسألة عن شرائط التوريث من الطرفين.

قال صاحب «المستند»: «يشترط الحكم بتوريث بعضهم من بعضهم بشروط أربعة: الأوّل أن يشتبه الحال ... الثاني أن يكون لجميع المهلكين أو لواحد منهم مال ... الثالث أن يتحقّق سبب الإرث بينهم ... فلو انتفى السبب، كما لو لم يكن استحقاق إرث بالكلّية، إمّا لعدم النسب والسبب، أو لوجود مانع من كفر أو رقّ، أو وجود وارث حيّ لكلّ منهم أو لأحدهم حاجب للميّت الآخر، لم يثبت الحكم بالنسبة إلى ذي المانع، فلو غرق أخوان ولكلّ منهما ولد، فلا توارث


1- جواهر الكلام 314: 39.

ص: 405

بينهما، بل كلّ منهما يحوز ميراثه ولدُه، بلا خلاف فيه أيضاً وذلك أيضاً إجماعي، ووجهه أيضاً ظاهر. وتدلّ عليه عمومات منع الأقرب والحجب وعمومات موانع الإرث»(1).

فلو كان الغريقان زوجاً وزوجة ولأحدهما أو كليهما ولد فيحجب الولد أحدهما أو كليهما عن نصيبه الأعلى فللزوج الربع على تقدير وجود الولد للزوجة ولها الثمن على تقدير وجود الولد للزوج.

ولو كان الغريقان امرأة وابنها وللمرأة زوج وأب وامّ، فهل يحجب الولد الزوج عن نصيبه الأعلى أي النصف والامّ عن نصيبها الأعلى أي الثلث؟ قال صاحب «الجواهر» في نظير المسألة- وهو ما إذا كان سبب الموت غير الغرق والهدم مع احتمال الاقتران-: «لو احترقت أمرأة وابنها مثلًا ولم يعلم حال موتهما سقط التوارث بينهما لما عرفت، فلو كان لها زوج وأب وامّ مثلًا، كان للزوج نصيبه الأعلى وهو النصف، والنصف الآخر لهما، لعدم ثبوت حجب الولد هنا بعد معلومية اشتراط حجبه ببقائه بعدها والفرض عدم العلم بذلك»(2).

فلنحكم في الفرض بعدم حجب الولد الزوج والامّ، إذ حجبه مشروط ببقائه بعد الامّ وهو هنا منتف.


1- مستند الشيعة 158: 19.
2- جواهر الكلام 311: 39.

ص: 406

الفصل الثالث: في ميراث المجوس وغيرهم من الكفّار

(مسألة 1): المجوس وغيرهم من فرق الكفّار، قد ينكحون المحرّمات عندنا بمقتضى مذهبهم على ما قيل، وقد ينكحون المحلّلات عندنا، فلهم نسب وسبب صحيحان وفاسدان.

أقول: لم يتعرّض صاحب «المستند» لميراث المجوس وغيرهم من الكفّار وهو الأنسب، إذ ليس علينا بيان أحكام إرثهم فهم تبع لشريعتهم الباطلة، لكن لو أسلموا- مع عدم منع المسلم عن إرث الكافر- فما حكمهم؟ ولو ترافعوا إلى حكّام الإسلام فكيف يحكمون بينهم؟.

ولذا قال صاحب «الرياض»: «إذا ترافعوا إلى حكّام الإسلام أو اشترط عليهم التزامه بأحكامه، وقد اختلف الأصحاب فيه، فالمحكّي عن يونس ... أنّه لا يورّثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب دون فاسدهما ... وعن الفضل ... أنّه يورّثهم بالنسب صحيحه وفاسده وبالسبب الصحيح خاصّة ... وقال الشيخ ... والصيمري: إنّهم يورثون بالصحيح والفاسد فيهما»(1).

وقال صاحب «الجواهر»: «المجوسي قد ينكح المحرّمات عند المسلمين بشبهة اعتقاده في دينه، وقد ينكح المحلّلات له في دين الإسلام، فيحصل له بذلك النسب الصحيح والفاسد والسبب الصحيح والفاسد، ونعني بالفاسد ما يكون عن نكاح محرّم عندنا لا عندهم، كما إذا نكح امّه وأولدها، فنسب الولد فاسد عندنا وسبب زوجيّتها فاسد عندنا، وإن كان هو صحيحاً صحّة معاملة،


1- رياض المسائل 664: 12.

ص: 407

بمعنى ترتّب بعض الآثار عليه، ولا ينافي ذلك تكليفه بالفروع، ضرورة حرمة ذلك عليه، وإن ترتّب أثر العقد الصحيح عليه، بل يكفي في صدق فساده عندنا، عدم ترتّب جميع الآثار عليه التي منها إباحة الوطء»(1).

قال عبدالله بن سنان: «قذف رجل مجوسياً عند أبي عبدالله (ع)، فقال: «مه»، فقال الرجل: إنّه ينكح امّه واخته، فقال: «ذاك عندهم نكاح في دينهم»(2).

وقال (ع): «إنّ كلّ قوم دانوا بشي ء يلزمهم حكمه»(3).

(مسألة 2): لا يرث مجوسي ولا غيره ممّن لا يكون بينه وبينه نسب أو سبب صحيح في مذهبه.

أقول: قد مرّ أنّ سبّ المجوسي بسبب تزويج امّه مذموم، بدليل: أنّ ذلك نكاح في دينهم، ونقل عن الصادق (ع): «إنّ كلّ قوم دانوا بشي ء يلزمهم حكمه»(4).

وعنه عن أبيه: «أنّه كان يورّث المجوسي إذا تزوّج بامّه وبابنته من وجهين، من وجه أنّها امّه ووجه أنّها زوجته»(5).


1- جواهر الكلام 320: 39.
2- وسائل الشيعة 319: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 2، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 318: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 3.
4- وسائل الشيعة 318: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 3.
5- وسائل الشيعة 317: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 1.

ص: 408

وحكم (ع) بأنّ تزويج المجوسي بامّه نكاح عندهم(1).

فعلى هذا يكون ملاك التوارث بالسبب والنسب الصميمين عندهم لا عندنا وهو قول الشيخ في جملة من كتبه والديلمي والقاضي والإسكافي والصيمري.

قال صاحب «الرياض»: «ولعلّ هذا القول أظهر، لاعتبار سند الأحاديث الدالّة عليه، سيّما مع اعتضادها بالشهرة المحكيّة في الفتوى والرواية، ولكنّ الإجماع المتقدّم في كلام المرتضى على القول الأوّل المعتضد بدعوى المفيد الشهرة عليه يوجب التوقّف فيه»(2).

وقال صاحب «الجواهر»: «والظاهر أنّ هذا هو الحقّ والقسط الذي قد أنزله الله وأمر نبيّه بالحكم به عليهم»(3). فالصحّة عندهم لا عندنا كافية في الحكم به عليهم، أمّا الفاسد عندهم فلا أثر له.

(مسألة 3): لو كان نسب أو سبب صحيح في مذهبهم وباطل عندنا، كما لو نكح أحدهم بامّه أو بنته وأولدها، فهل لا يكون بين الولد وبينهما وكذا بين الزوج والزوجة توارث مطلقاً، وإنّما التوارث بالنسب والسبب الصحيحين عندنا، أو يكون التوارث بالنسب ولو كان فاسداً، وبالسبب الصحيح دون الفاسد، أو يكون بالأمرين صحيحهما وفاسدهما؟ وجوه وأقوال أقواها الأخير.


1- وسائل الشيعة 318: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 2.
2- رياض المسائل 666: 12.
3- جواهر الكلام 323: 39.

ص: 409

أقول: قد مرّ أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة:

الأوّل: ما حكي عن يونس بن عبدالرحمان وهو من أجلّاء رجال الكاظم والرضا ومتابعيه كالمفيد والمرتضى والتقي والحلّي والفاضل وهو عدم توريثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

ودليلهم ما دلّ على فساده للمسلم والكافر، فلا يندرج في عموم قوله تعالى:) وَأنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أنْزَلَ اللهِ ((1).

الثاني: ما اختاره الفضل بن شاذان من الفرق بين النسب والسبب فيورث بالنسب مطلقاً وبالسبب الصحيح. فإنّ النسب الناشئ عن الشبهة صحيح شرعاً فيدخل في عموم أدلّة الإرث، بخلاف السبب، وهذا مختار الفاضلين والشهيدين وغيرهم.

الثالث: ما عن المفيد في أحد قوليه والشيخ الطوسي ومتابعيه وسلار والقاضي وابن حمزة وغيرهم وهو توريثهم بالصحيح والفاسد من السبب والنسب، وقد ذكرنا وجه ترجيح هذا القول، فإنّ عليّ (ع): «كان يورث المجوسي إذا تزوّج بامّه وبابنته»(2). وكان يورّث أيضاً المجوسي إذا أسلم من وجهين بالنسب ولا يورّث على النكاح(3). وعدم توريثه (ع) على النكاح بعد إسلام المجوسي لا ينافي ما ذكرنا.


1- المائدة( 5): 49.
2- وسائل الشيعة 317: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 1.
3- وسائل الشيعة 318: 26، كتاب الفرائض والمواريث، أبواب ميراث المجوس، الباب 1، الحديث 4.

ص: 410

(مسألة 4): لو اجتمع موجبان للإرث أو أكثر لأحدهم يرث بالجميع، مثل امّ هي زوجته، فلها نصيب الزوجة من الربع أو الثمن ونصيب الامومة، ولو ماتت فله نصيب الزوج والابن.

أقول: إذا اجتمع موجبان للإرث أو أكثر فهل يورث بالجميع؟

قال صاحب «الرياض»: «لو خلّف المجوسي، امّاً هي زوجة له، فلها نصيب الامّ دون الزوجة على مختار الفضل ونصيبهما على مختار الشيخ، وعلى قول يونس إن كانت امّه على نكاح صحيح فكذلك، وإلا فلا شي ء لها»(1).

وقال صاحب «الجواهر» بعد أن اختار القول الثالث: «لو اجتمع الأمران لواحد ورث بهما مثل امّ هي زوجة، فإنّ لها نصيب الزوجية وهو الربع مع عدم الولد، والثلث نصيب الامومة من الأصل، فإن لم يكن لها مشارك كالأب، فالباقي يردّ عليها بالامومة، كما أنّ له منها نصيب الزوجية النصف مع عدم الولد والربع معه، والباقي إن لم يكن له مشارك»(2).

ثمّ ذكر فروعاً أخر كبنت هي زوجة واخت كذلك، وحكم بكون التوريث بالنسب والسبب، بناءً على القول الثالث وهو مختار المتن.

(مسألة 5): لو اجتمع سببان، وكان أحدهما مانعاً من الآخر، ورث من جهة المانع فقط، مثل بنت هي اخت من امّ، فلها نصيب البنت لا الاخت، وبنت هي بنت بنت، فلها نصيب البنت فقط.


1- رياض المسائل 667: 12.
2- جواهر الكلام 323: 39.

ص: 411

أقول: إذا كان أحد السببين مانعاً عن الآخر، يكون الإرث من جهة المانع فقط.

قال صاحب «الجواهر»: «لو اجتمع السببان وأحدهما يمنع الآخر، ورث من جهة المانع، مثل بنت هي اخت من امّ، فإنّ لها نصيب البنت، دون الاخت، لأنّه لا ميراث عندنا لُاخت مع بنت كما عرفته في الطبقات، وكذا بنت هي بنت بنت، فإنّ لها نصيب البنت، دون بنت البنت، لأنّه لا ميراث لبنت البنت مع البنت عندنا.

وكذا عمّة هي اخت من أب، كما لو تزوّج زيد بامّه وله ابن فأولدها بنتاً، فهي عمّة الابن واخته، فإنّ لها نصيب الاخت دون العمّة، لأنّه لا ميراث لها مع الاخت، وكذا عمّة هي بنت عمّة، كما لو كان لزيد بنت وابن وللابن أولاد، فتزوّج زيد ببنته، فأولدها بنتاً، فهي اخت الابن وبنت اخته وعمّة أولاد الابن وبنت عمّتهم، فإنّ لها نصيب العمّة، لأنّه لا ميراث لبنت العمّة مع العمّة»(1).

(مسألة 6): لو كان لامرأة زوجان أو أكثر- وصحّ في مذهبهم- فماتت، فالظاهر أنّ إرث الزوج- أي النصف أو الربع- يقسّم بينهم بالسويّة كإرث الزوجات منه، ولو مات أحد الزوجين فلها منه نصيبها من الربع أو الثمن، ولو ماتا فلها من كلّ منهما نصيبها من الربع أو الثمن.

أقول: للمسألة فرضان:

الأوّل: كون المرأة ذات زوجين أو أكثر- وصحّ في مذهبهم- فماتت، فقال


1- جواهر الكلام 323: 39- 324.

ص: 412

صاحب «الجواهر»: «لو فرض مشروعية الاشتراك في الزوجة عندهم، فتزوّج اثنان منهم امرأة، كانا معاً شريكين في نصيب الزوجية منها: النصف والربع، لا أنّ كلّ واحد منهما يستحقّ ذلك منها كي يقع العول حينئذٍ، ضرورة صيرورتهم كالزوجات المشتركات في الثمن من الزوج أو الربع»(1).

الثاني: الفرض بحاله لكن مع موت الزوجين أو أكثر. فقال صاحب «الجواهر»: «لا يبعد استحقاقها هي من كلّ واحد منهم نصيب الزوجية الثمن أو الربع، لا نصف الثمن ونصف الربع مع احتماله، فتأمّل»(2).

فالفرق بين الفرضين، أنّ في الفرض الأوّل إرث الأزواج كإرث الزوجات بخلافه في الثاني.

(مسألة 7): لو تزوّجوا بالسبب الفاسد عندهم والصحيح عندنا، فلا يبعد جريان حكم الصحيح عليه، ولكن الزموا فيما عليهم بما ألزموا به أنفسهم.

أقول: إذا كان السبب صحيحاً عندنا وفاسداً عندهم، فهل يجري حكم الصحيح عندنا أو الفاسد عندهم؟

قال صاحب «الجواهر»: «لو تزوّجوا بالسبب الفاسد عندهم، الصحيح عندنا، أمكن جريان أحكام الصحيح عليه، لإطلاق ما دلّ على صحّته التي لا يقدح فيها زعمهم الفساد، ويحتمل إلزامهم بأحكام الفاسد معاملة لهم بما يقتضيه دينهم


1- جواهر الكلام 324: 39.
2- جواهر الكلام 324: 39.

ص: 413

وإلزامهم بما ألزموا به أنفسهم، فالعامي المطلّق ثلاثاً بصيغة واحدة لا يترتّب على رجوعه بها في العدّة حكمه، بل لنا أن نتزوّجها، وإن كان قد رجع بها، إلزاماً لهم بما ألزموا أنفسهم، ولعلّ هذا هو الأقوى، والله العالم»(1).

أقول: ولعلّ احتمال الأوّل أقوى، لأنّ الملاك- كلّ الملاك- هو حكم الله في حقّهم، فلنحكم بما أنزل الله كما أمرنا الله به(2).

(مسألة 8): المسلم لا يرث بالسبب الفاسد، فلو تزوّج أحد محارمه لم يتوارثا بهذا التزويج وإن فرض كونه عن شبهة، فلو تزوّج امّه من الرضاع أو من الزنا فلا يتوارثان به.

أقول: لا ريب أنّ نكاح المسلم بالسبب الفاسد لا يكون موجباً للإرث.

قال صاحب «الجواهر»: «المسلم لا يرث بالسبب الفاسد إجماعاً»(3).

فعلى هذا لو تزوّج الرجل إحدي المحرّمات نسباً أو سبباً أو رضاعاً فلا توارث، ولا فرق بين كون التزويج عن علم أو عن شبهة، فلو تزوّج بامّه من الرضاع أو من النسب، فليس بينهما توارث، حتّى مع الاعتقاد بالحلّية، ولذا قال صاحب «الجواهر»: «سواء كان الزوج معتقداً للتحليل أو لم يكن، بل لو كاناً معاً معتقدين لم يكن له أثر، فإنّ أقصى الاعتقاد يصيّر النكاح


1- جواهر الكلام 324: 39.
2- راجع: المائدة( 5): 42 و 49.
3- جواهر الكلام 325: 39.

ص: 414

شبهة وهي لا أثر لها في السبب للمسلم»(1).

وليعلم: أنّه فرق بين النكاح بالشبهة وولد الشبهة، فإنّ الأوّل لا يوجب التوارث بين الزوجين، بخلاف الثاني، فإنّه يوجبه. اللهمّ إلا أن يكون الأب أو الامّ عالماً بالحكم أو بالموضوع، فلا يرث. وقد مرّ البحث عنه عند البحث عن مسألة 1 في مانعية التولّد من الزنا.

(مسألة 9): المسلم يرث بالنسب الصحيح وكذا الفاسد لو كان عن شبهة، فلو اعتقد أنّ امّه أجنبيّة فتزوّجها وأولد منها، يرث الولد منهما، وهما منه، فيأتي في المسلم مع الشبهة الفروع التي تتصوّر في المجوس. ولا فرق في الشبهة بين الموضوعية والحكمية.

أقول: النسب الفاسد إذا كان عن شبهة لا يمنع عن الإرث.

قال صاحب «الجواهر»: «المسلم يرث بالنسب الصحيح والفاسد فساد شبهة، لأنّ الشبهة كالعقد الصحيح في التحاق النسب، بلا خلاف ولا إشكال، وحينئذٍ يحصل للمسلم نحو ما سمعته في المجوس من الفروع الكثيرة الغريبة التي لا يخفى حكمها بعد الإحاطة بما ذكرناه، والله العالم»(2).

فليعلم: أنّه بعد عدم الفرق بين الشبهة الموضوعية والحكمية، يفرّق بين التزويج بالشبهة والتولّد بها، ففي الأوّل لا توارث قطعاً بين الزوجين، فإنّ النكاح


1- جواهر الكلام 325: 39.
2- جواهر الكلام 325: 39.

ص: 415

الفاسد لا أثر له، وفي الثاني التوارث ثابت بين الولد وأبويه، إن كان الأبوان جاهلين بالحرمة سواء كانت شبهتهما موضوعية أو حكمية، وأمّا إن كان أحدهما عالماً والآخر جاهلًا بالحكم أو بالموضوع فيثبت التوارث بين الولد ومن كان جاهلًا ولا يثبت بين الولد ومن كان عالماً.

(مسألة 10): لو اختلف اجتهاد فقيهين في صحّة تزويج وفساده، كتزويج امّ المزني بها، أو المختلقة من ماء الزاني، فتزوّج القائل بالصحّة أو مقلّده، ليس للقائل بالفساد ترتيب آثار الصحّة عليه، فلا توارث بينهما عند المبطل.

أقول: تزويج المسلم على أقسام:

منها: ما يكون بالمحلّلة التي تكون حلّيتها ثابتة ومسلّمة عند الجميع، فيكون موجباً للتوارث بلا إشكال.

ومنها: ما يكون بالمحرّمة التي تكون حرمتها ثابتة ومسلّمة عند الجميع، فلا يكون موجباً للتوارث بلا إشكال.

ومنها: ما يكون بالتي تكون حرمتها مختلفاً فيها.

قال صاحب «الجواهر»: «لو تزوّج محرمة لم يتوارثا ... سواء كان تحريمها متّفقاً عليه، كالامّ من الرضاع، فإنّها لا ترثه ولا يرثها عند الجميع بالتزويج أو مختلفاً فيه، كامّ المزني بها أو المختلقة من ماء الزاني، فلا توارث عند المبطل لو ترافعوا إليه، فإنّه ليس الحكم بمذهب المصحّح، وإن جاز له نحو ذلك في

ص: 416

المجوس ونحوهم، ممّا لا أمر فيه بالإلزام، فلو ترافع مقلّدة مجتهد مثلًا يرى الصحّة عند مجتهد يرى البطلان، حكم عليهم بمقتضى مذهبه، وليس له إلزامهم بما وقع منهم من التقليد قبل المرافعة»(1).

ووجهه واضح، فإنّه يرى أنّ اجتهاده حقّ واجتهاد غيره باطل، فكيف يجوز له أن يحكم بالباطل وأن يلزم المتخاصمين بما وقع منهم من التقليد قبل المخاصمة؟

تبصرة: هل يستقر مهر على الزوج بموته قبل الدخول، كما يستقرّ عليه بالدخول؟

ادّعى السيّد في «الناصريات» الإجماع على كونه كالدخول، ونفى في «الغنية» الخلاف فيه.

لكن يستفاد من الصدوق في «المقنع» و «الفقيه» كون الموت كالطلاق، ولعلّه ظاهر من الكليني لاقتصاره على نصوص التنصيف.

قال صاحب «الجواهر» بعد الإشارة إلى رواة لا يكونون قائلين بالاستقرار بالموت: «فلا ريب في أنّ الاستقرار هو الأشهر، بل المشهور، بل الخلاف فيه نادر أو منقرض ومن هنا كان هو الأصحّ»(2).

ثمّ ذكر أنّه مقتضى الملك بالعقد المبنيّ على اللزوم، وعموم قوله تعالى:) وآتُو النِّساءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحلَةً ((3).

وقال الصادق (ع): «إذا توفّى الرجل عن امرأته ولم يدخل بها فلها المهر


1- جواهر الكلام 325: 39.
2- جواهر الكلام 327: 39.
3- النساء( 4): 4.

ص: 417

كلّه إن كان سمّي لها مهراً وسهمها من الميراث وإن لم يكن سمّى لها مهراً لم يكن لها مهر وكان لها الميراث». وروي عنه (ع) في صحيح الحلبي وخبر منصور بن حازم(1).

قد تمّ هذا الشرح الوجيز وإلقاء البحث عن ميراث «تحرير الوسيلة» لسيّدنا الاستاذ الإمام روح الله الخميني (قدّس سرّه) عند جمع من الفضلاء الكرام في المدرسة المباركة المسمّاة بالفيضية بقم المقدّسة في شهر جمادي الثانية، عام 1430، المطابق لخرداد 1388 من الهجرة النبوية وأشكر الله شكراً كثيراً للتوفيقات التي أعطاها بمنّه وكرمه وأسأله التوفيق لإدامة المباحث الفقهية والاصوليه في الشهور والسنوات الآتية واصلّي واسلّم على رسوله والأئمّة الميامين كثيراً.


1- وسائل الشيعة 332: 21، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 58، الحديث 21.

ص: 418

ص: 419

فهرس المصادر

1. إيضاح الفوائد في شرح إشكالات القواعد، محمّد بن الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي، قم، المطبعة العلمية، 1387.

2. تحرير الوسيلة، الإمام الخميني (قدّس سرّه)، قم، مؤسّسة تنظيم ونشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)، 1421.

3. تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، محمّد بن الحسن الطوسي، تحقيق الخرسان، طهران، دارالكتب الإسلامية، 1390.

4. جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، محمّدحسن النجفي، دار إحياء التراث العربى، بيروت، الطبعة السابعة، 1981 م.

5. الخلاف، شيخ الطائفة، أبوجعفر الطوسي، دانشگاه تهران، 1344 ش.

6. دانشنامه حقوقي، محمّد جعفر لنگرودي، انتشارات ابن سينا، 1352 ش.

7. رياض المسائل في بيان الأحكام الشرع بالدلائل، السيّد على الطباطبائي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1412.

8. السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، أبو جعفر محمّد بن منصور بن أحمد بن إدريس الحلّي، قم، مؤسّسة النشر الإسلامي، 1410- 1411.

9.

ص: 420

سلسلة الينابيع الفقهية، تحت إشراف على أصغر مرواريد، الوقوف والمواريث، الطبعة الاولى، بيروت، مؤسسة فقه الشيعه 1413.

10. سنن الترمذي، أبو عيسى محمّد بن عيسى بن سورة الترمذي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

11. السنن الكبرى، أبوبكر أحمد بن الحسين بن علي البيهقي، بيروت، دارالمعرفة، 1408.

12. شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، المحقّق الحلّي جعفر بن الحسن، قم، مؤسّسة إسماعيليان، 1409.

13. صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، بيروت، دار الفكر، 1398.

14. فقه القرآن، قطب الدين أبو الحسن سعيد بن هبة الله الراوندى، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 1405.

15. قواعد الأحكام، العلّامة الحلّي، حسن بن يوسف بن مطهّر، الطبع الحجري، قم، منشورات الرضي.

16. الكافي، ثقة الإسلام، محمّد بن يعقوب بن إسحاق الكليني، تصحيح على أكبر الغفّاري، دارالكتب الإسلامية، 1350 ش.

17. كنز العمّال، علاء الدين علي المتقي بن حسام الدين الهندي، بيروت، مؤسّسة الرسالة، 1405.

18. مجمع البيان في تفسير القرآن، فضل بن الحسن الطبرسي، تحقيق السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، طهران، المكتبة الإسلامية، 1395.

19.

ص: 421

مستدرك الوسائل، الحاج الميرزا حسين المحدّث النوري، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، 1407.

20. مستند الشيعة في أحكام الشريعة، أحمد بن محمّد مهدي النراقي، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، الطبعة الاولى، 1417.

21. المغني، عبدالله بن أحمد بن محمّد بن قدامه المقدسي، بيروت، عالم الكتب.

22. مفاتيح الشرائع، المولى محسن الفيض الكاشاني، قم، مطبعة الخيام، 1401.

23. المقنع، الصدوق، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، قم، المؤسّسة الإمام الهادي، 1415.

24. من لا يحضره الفقيه، محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي، طهران، دارالكتب الإسلامية، 1390.

25. نقد الرجال، السيّد مصطفى بن الحسين الحسيني التفرشي، مؤسسة آل البيت، الطبعة الاولى، 1418.

26. النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى، شيخ الطائفة محمّد بن الحسن الطوسي، قم، منشورات قدس.

27. الوافي، محمّد بن المرتضى المولى محسن المعروف بالفيض الكاشاني، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين (ع)، 1412.

28. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، الحرّ العاملي، محمّد بن الحسن، قم، مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، 1409.

29. وسيلة النجاة مع تعاليق الإمام الخميني، مؤسسة تنظيم ونشر آثار الإمام

ص: 422

الخميني، الطبعة الاولى، 1380 ش.

30. الوصايا والمواريث، ضمن تراث الشيخ الأعظم، الشيخ مرتضى الأنصاري، قم، المؤتمر العالمي بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد الشيخ الأنصاري، 1415.

31. الوصول إلى كفاية الاصول، السيّد محمّد الشيرازي، قم، مكتبة الوجداني، 1346.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.