التوحيد عند مذهب الاماميه

اشارة

سرشناسه : الحسون، علاء، 1975 - م.

عنوان و نام پديدآور : التوحيد عند مذهب الاماميه/ علاء الحسون.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر، 1390.

مشخصات ظاهري : 304 ص.

شابك : 978-964-540-323-0

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

موضوع : توحيد

موضوع : الهيات

رده بندي كنگره : BP217/4/ح53ت9 1390

رده بندي ديويي : 297/42

شماره كتابشناسي ملي : 2421552

ص:1

مقدمة المركز

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

إنَّ التوحيد من الأصول الأساسية في دعوة جميع الأنبياء: وخصوصاً دعوة خاتم النبيين وسيدالمرسلين أبي القاسم محمد (ص) .

وكان أهل بيت الرسول: في هذا الأمر الحافظين للمعارف الإلهية، والمنادين بالتوحيد الخالص، بعيداً عن التشبيه والتجسيم، بحيث قال بعض: العدل والتوحيد علويان، والجبر والتشبيه أمويان.

ولو لم تكن كلمات أهل بيت النبي (ص) القيّمة والنورانية، لوقع المسلمون في حبائل الشرك والضلال، ولكن الجهود التي بذلها آل الرسول (ص) لحفظ ما جاء به الرسول (ص) أنارت للمسلمين الصراط المستقيم، وبالخصوص أنارت الطريق لأتباعهم، وأنقذت شيعتهم من الوقوع في أودية الضلال والاضطراب.

وأمّا تفصيل الكلام حول بحوث التوحيد، فهذا ما جاء في تحقيق الأستاذ الفاضل علاء الحسّون، وهو تحقيق يمتاز بالشمولية والتنظيم الدقيق والاستناد إلى الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة، فلا يسعنا إلاّ أن نتقدّم له بجزيل الشكر والتقدير متمنين له من الله المزيد من التوفيق، وآملين أن يكون هذا الأثر مصباحاً لإنارة طريق الحقيقة.

قسم الكلام والمعارف

مركز بحوث الحج والزيارة

ص:6

ص:7

مقدّمة المؤلّف

كلّما يكون الإنسان «أعلم» بمسائل التوحيد فإنّه سيكون «أقدر» على توسيع آفاق رؤيته الكونية، وارتقاء مستواه الديني في الصعيد الفكري والمعرفي، وامتلاك العقيدة الدينية الحقّة.

ولهذا تمّ تأليف هذا الكتاب، فإنّه كتاب يستهدف بيان عقيدة أتباع مذهب أهل البيت: حول الأصل الأوّل من أصول الدين.

وقد حاولت في هذه الدراسة بيان المعلومات العقائدية المرتبطة بالتوحيد بصورة شاملة وميسّرة وعلى شكل فقرات موجزة وتقسيمات واضحة تستهدف مساعدة القارئ على امتلاك عقيدة توحيدية ذات قواعد معرفية متينة وبنية علمية رصينة.

ومن الأُمور المهمّة التي أودّ الإشارة إليها في هذه المقدّمة أنّ الشعور بالتعطّش إلى الحقائق المرتبطة بالتوحيد هو الذي يدفع الإنسان نحو البحث عن هذه الحقائق، أمّا الذي يعيش حالة الاستغناء المعرفي - ولا سيما نتيجة الرغبة في البقاء على الموروث العقائدي - فإنّه لا يشعر بالحاجة نحو هذه البحوث ولا يجد في نفسه الدافع والمحفّز للانجذاب نحوها.

والأمر الآخر الذي أودّ الإشارة إليه أنّ مضامين هذا الكتاب لا تمنح القارئ إلاّ «العلم» بالحقائق المرتبطة بالتوحيد.

و «العلم» لا يشكّل العلّة التامّة لنيل البصيرة، وإنّما هو جزء العلّة، والجزء الآخر هو ارتفاع الموانع عن القلب.

ص:8

وأبرز هذه الموانع هي الآثار التي تتركها الذنوب والمعاصي على القلب بمختلف الأشكال المعبّر عنها بالزيغ والرين والأدران.

وبمقدار وجود الحواجز بين القلب والعلم يقلّ مقدار انتفاع الإنسان من نور العلم؛ لأنّ العلم لا يترك أثره في القلب إلاّ بمقدار طهارة القلب من الأدران والشوائب.

ولهذا نجد أشخاصاً لديهم «العلم» بوجود اللّه وصفاته، ولكنّهم في مقام «العمل» لا فرق بين عملهم وعمل الجاحدين بوجود اللّه عزّ وجلّ.

بل قد نجد أشخاصاً يحملون قبساً من نور العلم ويضيئون به الدرب للآخرين، ولكنّهم لا ينتفعون من هذا النور أبداً؛ لأنّ قلوبهم تعيش في الظلام نتيجة وقوعها في أسر حجب الأهواء والشهوات وتلوّثها بأدران الشوائب.

والسبيل لإزالة هذه الأدران والشوائب هو تهذيب النفس في الواقع العملي وكبح جماحها أمام مغريات الحياة.

وعموماً؛ فليس العلم هدفاً بالذات، وإنّما هو وسيلة يتقرّب به الإنسان إلى كماله الحقيقي.

والعلم الذي لا يترك أثره المطلوب فإنّه يعدّ مجرّد مفاهيم يختزنها الإنسان في ذهنه في الدنيا، وسيكون هذا العلم وبالاً وحجّة عليه في الآخرة.

والهدف الحقيقي - في الواقع - هو بلوغ مرحلة البصيرة والارتواء من معين الإيمان بالله تعالى، والنهوض بكلّ حيوية نحو حياة مفعمة بتقوى الله عزّوجلّ.

علاء الحسّون

ص:9

الفصل الأوّل: وجود الله تعالى

اشاره

* خصائص مسألة وجود الله تعالى

* إثبات وجود الله عن طريق الفطرة

* برهان النظم

* برهان الحدوث

* برهان الإمكان

ص:10

ص:11

المبحث الأوّل: خصائص مسألة وجود الله تعالى

١- تناول القرآن الكريم موضوع التوحيد من جهة وحدانية الله وألوهيته وربوبيته وغيرها من مراتب التوحيد.

ولم يرد في القرآن دليل صريح على إثبات أصل وجود الله؛ لأنّ القرآن تعامل مع مسألة وجود الله كمسألة ثابتة ومفروغ عنها، وكأنّها مسألة بديهية لا يحتاج إثباتها إلى دليل أو برهان.

ولهذا قال تعالى: أَ فِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [إبراهيم: ١٠]

تنبيه: المشكلة الأساسية التي واجهتها البشرية - على مرّ العصور - لم تكن في مسألة «أصل وجود الله» ، وإنّما كانت في مسألة «وحدانية الله وربوبيته» ، ولهذا:

أصبح «توحيد وجود الله» الأصل الأوّل من أصول الدين.

ولم يصبح «إثبات وجود الله» الأصل الأوّل من أصول الدين.

أهم طرق إثبات وجود الله:

أوّلاً- طريق الفطرة، وسنبيّن تفاصيل هذا الطريق في المبحث القادم.

ثانياً- طريق الاستدلال، أي: طريق إقامة الأدلة والبراهين العقلية، من قبيل: برهان الحدوث وبرهان الإمكان، وهي البراهين التي سنبيّنها بصورة مفصّلة في المباحث الآتية.

المبحث الثاني: إثبات وجود الله عن طريق الفطرة

الفطرة : الفطرة منبع كامن في باطن الإنسان يجذبه نحو المبدأ الأعلى.

وهذا المنبع هو الذي يرشد الإنسان إلى حقائق كامنة في أعماق ذاته ويدفعه نحو البحث عمّا يروي تعطّشه الروحي في الصعيد الديني والمعنوي.

ص:12

خصائص الأمور الفطرية:

١- موجودة في أعماق ذات كلّ إنسان.

٢- تتحرّك بوحي داخلي، ولا تحتاج إلى تعليم وتعلّم.

٣- لا تخضع لتأثير العوامل الخارجية(1)

4- تعتريها حالة الشدّة والضعف، ولكنّها ثابتة، ولا يمكن استئصالها أو القضاء عليها.

الفطرة والإيمان بوجود الله:

إنّ الايمان بوجود الله أمر فطري.

دليل ذلك : وجود «الرغبة الدينيّة» بين أبناء البشر على مرّ العصور واختلاف الشعوب، وهذا ما يدفعنا إلى الإذعان بأنّ هذا الشعور أمر فطري.

ولو كان هذا الشعور:

١- يتواجد عند بعض الناس دون غيرهم.

٢- يحتاج إلى تعليم وتعلّم.

٣- يخضع للعوامل والظروف الخارجية.

4- غير ثابت في الذات البشرية.

لوجب أن تكون هذه الرغبة الدينيّة فقط عند من تتوفّر عندهم هذه الشروط.

ولوجب أن توجد هذه الرغبة الدينيّة عند بعض الأشخاص أو بعض الطبقات الخاصة أو بعض الشعوب فقط دون غيرهم.

ولكن الواقع يكشف عكس هذا الأمر تماماً، ونحن نرى بأنّ الرغبة الدينيّة تستيقظ في باطن كلّ إنسان، ويشعر بها الإنسان تلقائياً، ولا سيما في حالة الشدّة والبلاء.

فيثبت أنّ «الرغبة الدينيّة» أمر فطري في الذات الإنسانيّة، وهي تمتلك كلّ خصائص الأمور الفطرية التي ذكرناها آنفاً.


1- من قبيل العوامل الجغرافية والسياسية والاقتصادية وغيرها.

ص:13

تنبيهات:

١- إنّ الأمور الفطرية - في خصوص معرفة الله - تنقسم إلى قسمين:

أوّلاً: المدركات الفطرية، من قبيل: معرفة الله الفطرية.

ولهذا تسمّى معرفة الله التي لا تحتاج إلى تعلّم ب- «معرفة الله الفطرية» .

ثانياً: الميول والرغبات الفطرية، من قبيل: عبادة الله الفطرية.

ولهذا يسمّى الشعور بوجود اللّه والرغبة في عبادته في كلّ إنسان ب- «عبادة الله الفطرية» أو «التديّن الفطري»(1)

٢- يتّجه الإنسان بفطرته نحو «عبادة الله» كما يتّجه بغريزته نحو حبّ الذات وحبّ الخير وحبّ الجاه وحبّ الاستطلاع.

٣- تعتبر الفطرة الدافع الابتدائي نحو الإيمان بوجود الله، ثمّ يتكامل هذا الإيمان بمساعدة العقل.

بعبارة أخرى:

إنّ «الفطرة» تقوم بعملية الاستعداد والتوجّه نحو الله تعالى.

أمّا الطريق إلى الله تعالى فهو «العقل» .

ودور «الأنبياء» هو التنبيه ومخاطبة العقل وإقناعه بالدليل والبرهان.

4- إنّ التيارات المعاكسة والمخالفة للإيمان بوجود الله قد تؤدّي إلى تضعيف الاتّجاه الفطري للإنسان نحو الإيمان، ولكن هذه التيارات لا تستطيع أبداً أن تستأصل هذا الاتّجاه أو تقضى عليه بالمرّة.

5- كانت أبرز وظائف الأنبياء تحذير الناس من عبادة الموجودات التي لاتستحق العبادة، من قبيل: الأصنام، الشمس، القمر و. . . كي لا يروي الناس تعطّشهم الفطري للعبادة بمصاديق كاذبة للآلهة.

الفطرة في أحاديث أهل البيت: :

١- قال رسول الله (ص) : «كلّ مولود يولد على الفطرة، يعني: المعرفة بأنّ


1- انظر: نظرة حول دروس في العقيدة الإسلامية، محمّد تقي مصباح اليزدي، إعداد: عبدالجواد الإبراهيمي: الدرس الخامس، ص ٣١.

ص:14

الله عزّوجلّ خالقه»(1)

٢- أقوال أهل البيت: حول قوله تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها [الروم: ٣٠]:

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«فطرهم على معرفته أنّه ربّهم، ولولا ذلك لم يعلموا- إذا سُئلوا- من ربّهم ولا من رازقهم»(2)

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«فطرهم على التوحيد»(3)

٣- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى ]الأعراف: ١٧٣[، فقال (ع) :

«ثبتت المعرفة في قلوبهم، ونسوا الموقف، وسيذكرونه يوماً ما، ولولا ذلك لم يدر أحد مَن خالقه ولا مَن رازقه» (4)

المبحث الثالث: برهان النظم

اشاره

معنى النظم:

«النظم» هو الائتلاف بين الأشياء لأداء مهمّة معيّنة.

ويقابل هذا المعنى «الفوضى» .

مثال ذلك:(5)

١- الكلمات: التي تشاهدها على هذه الصفحة رُتّبت لتفهم منها مقاصد معيّنة، فلهذا يقال حول هذه الكلمات: إنّها «منظّمة» .

ولو كانت هذه الكلمات منثورة نثراً عشوائياً، لما حصل منها المقصود المطلوب، ولقيل عنها: إنّها «غير منظّمة» .

٢- مواد البناء: إذا رتّبها بانيها على هيئة دار للسكنى، فسيُقال عنها: إنّها «منظّمة» .


1- الكافي، الشيخ الكليني، ج٢، ص١٣، ح ٣
2- المحاسن، أبو جعفر البرقي، ج١، صص ٣٧5 و ٣٧6، ح ٨٢4 / ٢٢6
3- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص٣٢١، ح 5
4- المحاسن، ج١، ص ٣٧6، ح ٨٢6/ ٢٢٨.
5- انظر: محاضرات في العقيدة الإسلامية، أحمد البهادلي، صص ٢٣٩ و ٢4٠ بتصرّف .

ص:15

ولكن هذه المواد لو كُدّست دون ترتيب معيّن فإنّها ستفقد قابليتها للسكنى، وسيقال عنها في هذه الحالة: إنّها «غير منظّمة» .

٣- رتّب مخترع جهاز المذياع أدوات هذا الجهاز لسحب ذبذبات الأصوات التي ترسلها محطّات الإذاعة، فيقال لهذه الأدوات: إنّها «منظّمة» .

ولكن هذه الأدوات لو جُمعت وجعلت في صندوق من غير تنسيق فإنّها ستفقد القدرة على سحب ما يذاع من المحطّات، فسيُقال عنها في هذه الحالة: بأنّها «غير منظّمة» .

تقرير برهان النظم:

عندما يتأمّل الإنسان في السماوات والأرض وما بينها. . .

فإنّه يرى بأنّها مخلوقة بأحسن نظم وأتقن تدبير. .

فيحكم العقل بأنّه:

لابدّ لهذا النظم من منظّم حكيم.

ولابدّ لهذا التدبير من مدبّر عليم.

فيثبت بذلك وجود منظّم حكيم ومدبّر عليم لهذا العالم.

تنبيه: غاية ما يثبته «برهان النظم» ضرورة وجود «منظّم» و «مدبّر» للعالم فقط، أعم من كونه هو الله تعالى أو غيره، وتوجد في هذا الصعيد أدلة أخرى -سنبيّنها لاحقاً - تثبت وجود الله ووحدانيته تعالى.

برهان النظم في القرآن الكريم وأحاديث أهل البيت: :

يعدّ برهان النظم من أكثر البراهين التى اهتمّ بها القرآن الكريم، وأكّدت عليه أحاديث أهل البيت: ، ومن هذه النصوص:

١. قال تعالى: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ اْلأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ لَآيات لِاُولِي اْلأَلْبابِ . [آل عمران: ١٩٠]

٢. قال تعالى: إِنَّ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لِآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَ فِي خَلْقِكُمْ وَ ما يَبُثُّ مِنْ دابَّةٍ آياتٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ

ص:16

مِنَ السَّماءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها وَ تَصْرِيفِ الرِّياحِ آياتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ . [الجاثية: ٣- 5].

٣. بيّن الإمام الصادق (ع) في الحديث المعروف المروي عن المفضّل في التوحيد الكثير من مصاديق النظم في مخلوقات الله تعالى، وقال (ع) في هذا الحديث:

«. . . ولعمري ما أتى الجهّال من قبل ربّهم وأنّهم ليرون الدلالات الواضحة والعلامات البيّنات في خلقهم وما يعاينون من ملكوت السماوات والأرض والصنع العجيب المتقن الدال على الصانع. . .

والعجب من مخلوق يزعم أنّ الله يخفى على عباده وهو يرى أثر الصنع في نفسه بتركيب يبهر عقله وتأليف يبطل حجّته.

ولعمري لو تفكّروا في هذه الأمور العظام لعاينوا من أمر التركيب البيّن ولطف التدبير الظاهر. . . ما يدلّهم ذلك على الصانع، فإنّه لا يخلو شيء منها من أن يكون فيه أثر تدبير وتركيب يدلّ على أنّ له خالقاً مدبّراً. . .» .(1)

مناقشة رأي الماديين حول منشأ النظم:(2)

ذهب بعض الماديين إلى أنّ العالم وُجد نتيجة سلسلة من العلل المتتالية.

ولكلّ شيء في هذا العالم علّة، ولهذه العلّة علّة إلى ما لا يتناهى من العلل.

وهذا في نفسه يوجد النظم بصورة لا إرادية، ويشكّل في هذا العالم سلسلة مترابطة ومنظّمة.

بعبارة أخرى:

إنّ الناظم في العالم عبارة عن العلل المكوّنة لهذا العالم.

وليس النظم شيئاً آخر وراء العلل الموجودة في العالم.

بل النظم عبارة عن الترابط الموجود فيما بين هذه العلل الحاكمة على هذا العالم.


1- بحار الأنوار، ج٣، صص١5٢ و ١5٣، ب 5، خبر الإهليلجة
2- انظر: التوحيد، مرتضى مطهري، صص64 - ٨٧.

ص:17

يرد عليه:

١- التسلسل - كما سنبيّن - باطل، وإذا كان لكلّ علّة في العالم علّة أخرى، فلابدّ أن يصل الأمر إلى علّة قائمة بذاتها تشكّل الانطلاقة لهذه السلسلة.

٢- «العلل» التي لا تمتلك «الشعور» و «الإدراك» ، تعمل بصورة عشوائية وغير متّجهة نحو هدف معيّن.

ولهذا لابدّ من توجيه مركزي لهذه العلل، ولابدّ من وجود قوّة عُليا ذات شعور وإدراك تدبّر وتدير نظام الأسباب والمسبّبات، وتغرس في كلّ علّة ما يهديها إلى أهدافها المطلوبة.

مثال ذلك:

القوّة المحرّكة ليد الكاتب قادرة فقط على تحقّق الكتابة.

ولكن الكتابة لا تكون مفهومة وذا هدف إلاّ أن يكون الكاتب صاحب شعور وإدراك بحيث يتمكّن من إيصال مقصوده إلى المخاطب عن طريق اختيار أفضل الكلمات.

الصدفة وحدوث العالم:

معنى الصدفة:

الصدفة تعني تحقّق أحداث منظّمة في العالم من دون أن يكون وراءها تخطيط أو محاسبة أو تنظيم.

تنبيه: ليس المقصود من «الصدفة» أن يوجد حدث بنفسه ومن دون علّة لوجوده، أو تتحقّق ظاهرة بذاتها ومن دون سبب خارجي لها؛ لأنّ هذا الأمر لم يقل به أحد، كما أنّه يتنافى مع «قانون العلّية» ، وإنّما المقصود من «الصدفة» أن يوجد حدث منظّم من دون أن يكون وراءه جهة ذات شعور وإدراك تدير وتنظّم شؤونه.

مناقشة رأي الماديين القائلين بالصدفة في نشوء العالم:

أنكر بعض الماديين وجود التخطيط والتنظيم في نشوء العالم من قبل جهة

ص:18

ذات شعور وإدراك تدير وتنظّم شؤون هذا العالم، وقالوا بأنّ العالم لم يخلق على أساس من التنظيم المتقن والمسبق، وإنّما خُلِق نتيجة سلسلة من التفاعلات الطويلة والحركات المتتالية من دون أن يكون وراء هذه العلل أيّ تخطيط أو تنظيم.

يرد عليه:

١- البحوث العلمية التي أجراها العلماء في مختلف مجالات العلوم أثبتت بأنّ الأشياء الموجودة في العالم خُلقت وفق نظام تهيمن عليه حسابات دقيقة مدهشة بحيث يكون من المستحيل للمادّة الصمّاء والعلل التي لا تمتلك الشعور والإدراك أن تكون سبباً لخلق هذا النظام.

٢- لا ينكر أحد وجود «الصدفة» في العالم؛ لأنّها موجودة بمفهوم نسبي لامطلق، ولكن لا يخفى بأنّ «الصدفة» عمياء وغير مدركة وغير منظّمة ولاتخضع لأيّ حساب وقانون، ولهذا كلّما ازداد الشيء تعقيداً في نظامه ضعف احتمال الصدفة في حصول أثره.

مثال:

إذا مسك أحد الأطفال قلماً، وكتب حرفين على ورقة، فإنّنا يسعنا احتمال وقوع الصدفة في كتابة هذا الطفل لهذين الحرفين.

ولكن إذا كتب هذا الطفل رسالة ذات معاني رائعة وجميلة، فإنّنا نجزم بأنّ الأمر لم يحدث صدفة، بل يثبت عندنا بأنّ هذا الطفل عارف بالقراءة والكتابة.

٣- لو سلّمنا بأنّ «الصدفة» لعبت دوراً هامّاً في خلق هذا العالم، فإنّنا لانسلّم بأنّ الصدفة قادرة على خلق شيء لا من شيء، بل غاية ما تقوم به الصدفة عبارة عن إيجاد مخلوق جديد متكوّن من أشياء كانت موجودة قبله، ولهذا تعجز نظرية «الصدفة» عن بيان منشأ الذّرات الأوّلية المكوّنة للعالم.

4- غاية ما تقوم به الصدفة عبارة عن «تأثير الأشياء بصورة لا شعورية على الأشياء الأخرى» ، ولكنّنا عندما نتأمّل ونتدبّر في هذا العالم نرى وجود انسجام بين أحداثه وظواهره.

ص:19

وهذا ما يثبت وجود مدبّر ومنظّم وراء مجموع العلل والمعاليل الموجودة في هذا العالم.

المبحث الرابع: برهان الحدوث

اشاره

تمهيد:

معنى الحدوث:

عندما نقول: هذا الشيء «حادث» ، معنى ذلك: أنّ هذا الشيء لم يكن ثمّ كان، أي: كان «معدوماً» ثمّ صار «موجوداً»(1)

معنى القديم (الأزلي) :

عندما نقول: هذا الشيء «قديم» ، معنى ذلك: أنّ هذا الشيء موجود في الأزل، ولا بداية لوجوده، وهو «الموجود» الذي لم يسبقه «العدم» (2)

برهان الحدوث:

(3)

المقدّمة الأولى: العالم(4)حادث.

المقدّمة الثانية: كلّ حادث يحتاج إلى مُحدِث.

النتيجة: العالم يحتاج إلى مُحدِث.

بيان المقدّمة الأولى: أدلة حدوث العالم (أي: حدوث الأجسام)

الدليل الأوّل: كلّ جسم لا يخلو من الحوادث. وكلّ ما لا يخلو من الحوادث


1- انظر: التوحيد، ص ٢٩6؛ النكت الاعتقادية، الشيخ المفيد، ص١6؛ تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي، ص٢4٢؛ قواعد المرام، ميثم البحراني، ص6٧؛ كشف المراد، العلاّمة الحلّي، ص٨٢
2- التوحيد، ص٢٩6؛ النكت الاعتقادية، ص١6؛ الرسائل العشر، الشيخ الطوسي، ص٩٣؛ كشف المراد، العلاّمة الحلّي، ص٨٢
3- انظر: شرح جمل العلم والعمل، الشريف المرتضى، ص4٣؛ المسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي، ص٣٩ - 4٠؛ قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي، ص46؛ قواعد المرام، ص6٧؛ كشف المراد، ص ٣٩٢؛ مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي، ص١5٨
4- «العالم» عبارة عما سوى الله تعالى؛ انظر: قواعد العقائد، ص٣٩؛ قواعد المرام، ص5٩؛ كشف الفوائد، العلامّة الحلّي، ص١٣٣.

ص:20

فهو حادث. فكلّ جسم حادث(1)

هذا الدليل مبني على إثبات ثلاث قضايا:

الأولى: وجود الحوادث.

الثانية: كلّ جسم لا يخلو من الحوادث.

الثالثة: كلّ ما لا يخلو من الحوادث فهو حادث.

القضية الأولى: إثبات وجود الحوادث ٢

(2)

الحوادث عبارة عن:

١- الحركة؛ ٢- السكون؛ ٣- الاجتماع؛ 4- الافتراق.

ووجود هذه الحالات في الأجسام أمر بديهي لا يحتاج إلى استدلال.

التعريف بالحوادث:(3)

١- الحركة: هي كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان آخر.

٢- السكون: هي كون الجسم في مكان بعد كونه في ذلك المكان.

٣- الاجتماع: هي كون الجسمين في مكانين بحيث لا يكون بينهما مسافة ولابُعد.

4- الافتراق: هي كون الجسمين في مكانين بحيث يكون بينهما مسافة وبُعد.

القضية الثانية: إثبات أنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث

إنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث، أي: لا تخلو من «الحركة» و «السكون» و «الاجتماع» و «الافتراق» .

توضيح ذلك:

لابدّ لكلّ «جسم» أن يكون في «مكان» .

ومن المستحيل أن يكون «الجسم» في لا «مكان» .


1- انظر: قواعد العقائد، ص٣٩؛ كشف الفوائد، ص١٣5
2- المصدر
3- انظر: التوحيد، ص٢٩6. قواعد العقائد، ص4٠.

ص:21

وكون «الجسم» في «مكان» معناه: أنّه لا يخلو من «السكون» و «الحركة» ، أي:

١- يستقر «الجسم» في «مكانه» فيكون في «سكون» .

٢- ينتقل «الجسم» إلى «مكان آخر» ، فيكون في «حركة» .

وإذا كان مع «الجسم» «جسماً» آخر:

فلا تخلو علاقة هذا الجسم مع الجسم الآخر من «الاجتماع» و «الافتراق» ، أي:

١- لا يتوسّط بين «الجسمين» شيء آخر، فيكونان في «اجتماع» .

٢- يتوسّط بين «الجسمين» شيء آخر، فيكونان في «افتراق» .

فنستنتج: أنّ الأجسام لا تخلو من الحوادث(1).

القضية الثالثة: إثبات كلّ ما لا يخلو من «الحوادث» فهو «حادث» .

إنّ الأجسام تعتريها حالات خارجية، وهي:

١- الحركة؛ ٢- السكون؛ ٣- الاجتماع؛ 4- الافتراق.

وماهية جميع هذه الحالات هي «التغيير» (2)الدال على «الحدوث» ، أي: الدال على الاتّصاف ب- «الوجود» المسبوق ب- «العدم» .

فيثبت أنّ الأجسام حادثة.

قال الشيخ الصدوق: «ومن الدليل على أنّ الأجسام مُحدَثة:

أنّ الأجسام لا تخلو من أن تكون مجتمعة أو مفترقة، ومتحرّكة أو ساكنة.

والاجتماع والافتراق والحركة والسكون مُحدَثة.

فعلمنا أنّ الجسم محدَث؛ لحدوث ما لا ينفك منه»(3)

الدليل الثاني على حدوث الأجسام :(4)لا يصح أن تكون الأجسام أزلية.


1- انظر: قواعد العقائد، ص4٠؛ كشف الفوائد، ص ١٣٧
2- يتمثّل هذا التغيير بتبدّل بعض الأجسام إلى البعض الآخر، وتطرّق الزيادة والنقصان إليها واحتياجها في وجودها إلى غيرها و. .
3- التوحيد، ص٣٠٠
4- انظر: قواعد العقائد، صص 4٣ - 44؛ كشف الفوائد، ص١44.

ص:22

لأنّها لو كانت أزلية لكانت في الأزل إمّا «متحرّكة» أو «ساكنة» وكلاهما محال.

دليل استحالة كون الأجسام متحرّكة في الأزل:

«الأزلية» تستدعي عدم المسبوقية بالغير(1)

و «الحركة» تستدعي المسبوقية بالغير(2)

ف- «الأزلية» و «الحركة» لا يجتمعان.

فيثبت أنّ الأجسام لا يصح أن تكون أزلية.

حدوث العالم في أحاديث أهل البيت: :

١- قال رسول الله (ص) :

«الحمد لله الذي لا إله إلاّ هو الملك الحقّ المبين. . .

كُنتَ قبل كلّ شيء.

وكَوّنتَ كلّ شيء.

وابْتَدَعْتَ كلّ شيء»(3)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«. . . لم يخلق الأشياء من أصول أزليّة.

ولا من أوائل أبديّة.

بل خلق ما خلق فأقام حدّه.

وصوّر ما صوّر، فأحسن صورته»(4)

٣- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«كان الله ولا شيء غيره. . .»(5)

4- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«ياذا الذي كان قبل كلّ شيء، ثمّ خلق كلّ شيء، ثمّ يبقى ويفنى كلّ شيء. .» (6)

5- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :


1- لأنّ «الأزلي» عبارة عن الشيء الذي لا بداية له، فلا يكون قبله شيء
2- لأنّ «الحركة» عبارة عن كون الجسم في مكان بعد كونه في مكان آخر
3- بحار الأنوار، ج5٧، صص ٣6 و ٣٧، ب ١، ح ٩
4- نهج البلاغة، الخطبة ١6٣
5- التوحيد، ص ١45، ب ١١، ح ١٢
6- المصدر، ص 4٨.

ص:23

« خلق [الله تعالى] الشيء لا من شيء كان قبله.

ولو خلق الشيء من شيء، إذن لم يكن له انقطاع أبداً، ولم يزل الله إذن ومعه شيء.

ولكن كان الله ولا شيء معه، فخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه. . .»(1)

6- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

« إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل عالماً قديماً خلق الأشياء لا من شيء.

ومن زعم أنّ الله تعالى خلق الأشياء من شيء فقد كفر.

لأنّه لو كان ذلك الشيء الذي خلق منه الأشياء قديماً معه في أزليّته وهويته كان ذلك الشيء أزلياً. بل خلق الله تعالى الأشياء كلّها لا من شيء. . .» (2).

٧- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

« الحمد لله الذي كان إذ لم يكن شيء غيره. وكوّن الأشياء فكانت كما كوّنها. . .»(3)

٨- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : ما الدليل على حدث الأجسام؟

فقال (ع) :

«إنّي ما وجدت شيئاً صغيراً ولا كبيراً إلاّ إذا ضمّ إليه مثله صار أكبر، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى.

ولو كان قديماً ما زال ولا حال؛ لأنّ الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث. . .» (4)

٩- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«إنّه ليس شيء إلاّ يبيد أو يتغيّر أو يدخله الغِيَر والزوال، أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة إلاّ ربّ العالمين. . .»(5)

١٠- قال الإمام موسى بن جعفر (ع) :


1- التوحيد، ص 66، ب ٢، ح ٢٠
2- علل الشرائع، الشيخ الصدوق، ج٢، ص6٠٧، ب ٣٨5، ح ٨١
3- التوحيد، ص ٧٣، ٢، ح ٢٩٠
4- المصدر، ص٢٩٠، ب 4٢، ح 6
5- المصدر، ص٣٠٧، ب 4٧، ح ٢.

ص:24

«. . . وهو الأوّل الذي لا شيء قبله. والآخر الذي لا شيء بعده.

وهو القديم وما سواه مخلوق مُحدَث، تعالى عن صفات المخلوقين علوّاً كبيراً»(1)

النتيجة: إنّ الله سبحانه وتعالى متفرّد بالأزلية، ولا حقّ لأحد أن يوصف شيئاً غير الله تعالى بالقدم والأزلية.

تنبيه: ١- قولنا بحدوث العالم لا يعني وجود مدّة بين الله تعالى وأوّل المحدثات؛ لأنّ الأوقات محدثة، بل المقصود أنّه تعالى قبلها (2)

٢- وصفه تعالى ب- «كان» لا يعني تحديده تعالى في إطار الزمان، بل معنى ذلك كما قال الإمام علي (ع) :

« إن قيل: «كان» فعلى تأويل أزلية الوجود، وإن قيل: «لم يكن» فعلى تأويل نفي العدم» (3).

بيان المقدّمة الثانية لبرهان الحدوث: كلّ حادث يحتاج إلى مُحدِث:

هذه المقدّمة بديهية، ولهذا فهي غنيّة عن الإثبات بالدليل والبرهان.

ويطلق على هذه المقدّمة ب- «قانون العلّية» ، وهو قانون عام شامل، ويعتبر الأساس لجميع المساعي العلمية والعادية للبشرية.

دور «قانون العلّية» في إثبات الصانع لهذا العالم:

١- قال الشيخ الصدوق: «[لولا قبول قانون العلّية لجاز] وجود كتابة لاكاتب لها، ودار مبنية لا باني لها، وصورة محكمة لا مصوّر لها [وهذا غير معقول، فيثبت وجود صانع لهذا العالم]»(4)

٢- قال الشيخ الطوسي: «الذي يدل على أنّ لها [أي: للأجسام] مُحدِثاً هو


1- التوحيد، ص ٧4، ب ٢، ح ٣٢
2- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي، ج١، ص46
3- التوحيد، ص ٧١، ب ٢، ح ٢٧
4- المصدر، ص ٢٩٢، ب 4٢، ذيل ح 6.

ص:25

ما يثبت في الشاهد من أنّ الكتابة لابدّ لها من كاتب، والبناء لابدّ له من بان، والنساجة لابدّ لها من ناسج، وغير ذلك من الصنائع» (1)

٣- قال ابن زهرة الحلبي: «إذا ثبت حدوث الأجسام فلابدّ لها من مُحدِث لحاجة كلّ محدَث في الشاهد في حدوثه مع الجواز إلى مُحدِث منّا، كالصياغة مثلاً والكتابة، وقد ثبت حدوث الأجسام على هذا الوجه، فيجب أن يكون لها مُحدِث»(2)

تنبيه: هذه الأقوال كلّها مقتبسة من حديث شريف للإمام علي (ع) قال فيه:

« فالويل لمن أنكر المقدِّر، وجحد المدبِّر! زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع ولالاختلاف صورهم صانع، لم يلجؤوا إلى حجّة فيما ادّعوا، ولا تحقيق لما وَعَوا! وهل يكون بناء من غير بان. . . ؟ !»(3)

برهان الحدوث في أحاديث أهل البيت: :

١- قال الإمام علي (ع) :

«الحمد لله. . . الدالّ على قِدَمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه على وجوده. . . مستشهدٌ بحدوث الأشياء على أزليّته»(4)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«الحمد لله الدالّ على وجوده بخلقه، وبمُحدَثِ خلقِه على أزليّته» (5)

٣- قال الإمام علي (ع) :

«بصنع الله يستدل عليه. . . جعل الخلق دليلاً عليه. . .»(6)

4- سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : ما الدليل على صانع العالم؟

قال (ع) :

«وجود الأفاعيل التي دلّت على أنّ صانعها صنعها، ألا ترى أنّك إذا نظرت إلى بناء مشيّد مبني، علمت أنّ له بانياً وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده»(7)


1- الاقتصاد، الشيخ الطوسي، ص 4٩
2- غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، ج٢، ص ٢٧
3- بحار الأنوار، ج٣، ص ٢6، ب ٣، ح ١
4- نهج البلاغة، الخطبة ١٨5
5- المصدر، الخطبة ١5٢
6- الإرشاد، الشيخ المفيد، ج١، صص ٢٢٣ - ٢٢4
7- التوحيد، ص ٢٣٩، ب ٣6، ح ١.

ص:26

5- سُئل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) : . . . ما الدليل على حدوث العالم؟

قال (ع) :

«أنت لم تكن، ثمّ كنت، وقد علمت أنّك لم تكوّن نفسك، ولا كوّنك من هو مثلك»(1)

تنبيه: إثبات «وجود الله» عن طريق «وجود الحوادث» في برهان الحدوث، يعدّ دليلاً لأصحاب المستويات المتوسّطة في الوعي الديني، وإلاّ فإنّ دليل إثبات وجود الله تعالى عند أصحاب المستويات الرفيعة في الوعي الديني أسمى من هذا الاستدلال.

ولهذا ورد عن أهل البيت: :

١ - قال الإمام علي (ع) :

« يا من دلّ على ذاته بذاته» (2).

٢ - قال الإمام الحسين (ع) :

« كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك؟ ! أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتّى يكون هو المظهر لك؟ ! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ! ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ ! عميت عين لا تراك عليها رقيباً»(3)

المبحث الخامس: برهان الإمكان

تمهيدات:

التمهيد الأوّل: بطلان الدور

معنى الدور: «الدور» عبارة عن توقّف كلّ واحد من الشيئين على صاحبه(4)

بعبارة أخرى:

«الدور» هو أن يكون وجود أحد الأشياء متوقّفاً على وجود شيء ثان، وفي نفس الوقت يكون وجود هذا الشيء الثاني متوقّفاً على وجود الشيء الأوّل.


1- التوحيد، ص ٢٨6، ب 4٢، ح ٣
2- بحارالأنوار، ج ٧٨، ص ٣٣٩، ب ٨٢، ح ١٩
3- المصدر، ج 64، ص ١4٢، ب 4، ذيل ح ٧
4- النكت الاعتقادية، صص ٢٠ و ٢١؛ الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي، شرح مقداد السيوري، ص٨.

ص:27

دليل بطلان الدور:

مقتضى كون وجود الشيء الأوّل متوقّفاً على وجود الشيء الثاني أن يكون الشيء الثاني متقدّماً على الشيء الأوّل.

ومقتضى كون وجود الشيء الثاني متوقّفاً على وجود الشيء الأوّل أن يكون الشيء الثاني متأخّراً عن الشيء الأوّل.

فينتج كون الشيء الواحد في حالة واحدة وبالنسبة إلى شيء واحد:

متقدّم وغير متقدّم، ومتأخّر وغير متأخّر.

وهذا جمع بين نقيضين، ولا شك في بطلانه(1)

النتيجة: كلّ أمر قائم على «الدور» لا يتحقّق أبداً.

مثال ذلك: إذا كان شخصان في مكان.

فقال أحدهم: لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الشخص الثاني.

وقال الثاني: لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الشخص الأوّل.

فإذا أراد كلّ واحد منهما أن يلتزم بقوله، فلن يتحقّق خروج أحدهما من ذلك المكان أبداً.

لأنّ خروج الشخص «الأوّل» متوقّف على خروج الشخص «الثاني» .

وخروج الشخص «الثاني» متوقّف على خروج الشخص «الأوّل» .

والشخص «الأوّل» لا يخرج حتّى يخرج الشخص «الثاني» .

والشخص «الثاني» لا يخرج حتّى يخرج الشخص «الأوّل» .

فلن يتحقّق الخروج أبداً.

لأنّه قائم على «الدور» .

التمهيد الثاني: بطلان التسلسل

معنى التسلسل: لكلّ معلول علّة، ولهذه العلّة علّة أخرى، وهكذا يستمر الأمر إلى ما لا نهاية من العلل المفتقرة في وجودها إلى العلل الأخرى(2)


1- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي، ص ٢45؛ مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي، ص ١5٧
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢١؛ الباب الحادي عشر، صص ٨ و ٩.

ص:28

دليل بطلان التسلسل:

جميع «العلل» في التسلسل غير قائمة بذاتها، بل مفتقرة إلى غيرها.

فيُطرح - في هذا المقام - هذا السؤال:

ما هو السبب الذي أخرج هذا التسلسل من «العدم» إلى «الوجود» ؟

وهذا السؤال هو الذي يفنّد التسلسل ويثبت بطلانه.(1)

النتيجة: يحكم العقل عند تسلسل العلل بلزوم انتهاء هذه العلل إلى علّة قائمة بذاتها وغير مفتقرة في وجودها إلى غيرها، لتكون هذه العلّة هي السبب لخروج هذا التسلسل من «العدم» إلى «الوجود»(2)

مثال ذلك: لو فرضنا وجود مجموعة لا متناهية من الأشخاص في مكان فقال أحدهم: لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الثاني.

وقال الثاني: لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الثالث.

وقال الثالث: لا أخرج من هذا المكان حتّى يخرج الرابع.

وهكذا كلّ واحد من هؤلاء يعلّق خروجه على خروج الذي بعده.

فالنتيجة واضحة، وهي عدم تحقّق خروج أي واحد من هولاء من هذا المكان.

لأنّ خروج كلّ واحد من هؤلاء متوقّف على الآخر، وهذا التوقّف لا نهاية له.

ولهذا:

لا يوجد طريق لتحقّق «الخروج» إلاّ بوجود شخص في هذه المجموعة يخرج من ذلك المكان بذاته ومن دون تعليق خروجه على غيره، فبذلك يتحقّق خروج الباقين واحداً تلو الآخر.

التمهيد الثالث: تعريف الواجب والممكن والممتنع

لكلّ ما يتصوّره العقل «وجوداً» لا يخلو من إحدى الأوصاف التالية: (3)


1- المصدر
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢١؛ الباب الحادي عشر، صص ٨ و ٩
3- انظر: الباب الحادي عشر، صص 5 و 6.

ص:29

١- واجب الوجود؛ ٢- ممتنع الوجود؛ ٣- ممكن الوجود.

تعريف هذه الأقسام:

«الوجوب» عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل بحتمية وجوده.

و «واجب الوجود» هو الشيء الذي يكون موجوداً بذاته، ولا يفتقر في وجوده إلى غيره، ولا يتوقّف وجوده على وجود موجود آخر(1)

ممتنع الوجود:

«الامتناع» عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل باستحالة وجوده الخارجي.

و «ممتنع الوجود» هو الذي يستدعي من صميم ذاته عدم وجوده، فلا يحتاج إلى علّة في اتّصافه بالعدم.

مثال ذلك: وجود معلول بلا علّة، اجتماع النقيضين وارتفاعهما، شريك الباري.

ممكن الوجود: (2)

«الإمكان» عبارة عن صفة للشيء الذي يحكم العقل بجواز «وجوده» و «عدم وجوده» على السواء.

و «ممكن الوجود» هو الشيء الذي تكون نسبة كلّ من «الوجود» و «العدم» إليه متساوية، فهو قد يكون «موجوداً» وقد يكون «معدوماً» .

توضيح ذلك:

«واجب الوجود» هو الذي لا يحتاج إلى «علّة» في اتّصافه ب- «الوجود» ، بل


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢١؛ الرسائل العشر، ص ٩٣. تنبيه: من أمثلة عدم توقّف الشيء على غيره: إنّ الشيء «المضيء» يكتسب إضاءته من «النور» ، ولكن «النور» لا يكتسب إضاءته من شيء آخر، وإنّما هو مضيء بذاته. إنّ الطعام «الحلو» يكتسب حلاوته من «السكّر» ولكن «السكّر» لا يكتسب حلاوته من شيء آخر، وإنّما هو حلو بذاته
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢١؛ تلخيص المحصّل، ص٢4٢.

ص:30

يتّصف بالوجود من صميم ذاته.

و «ممتنع الوجود» هو الذي لا يحتاج إلى «علّة» في اتّصافه ب- «العدم» ، بل يتّصف بالعدم من صميم ذاته.

ولكن «ممكن الوجود» هو الذي يحتاج إلى «علّة» في اتّصافه ب- «الوجود» أو «العدم» ؛ لأنّه في حالة التساوي بين «الوجود» و «العدم» ، فيحتاج إلى علّة تخرجه من حالة التساوي، وتجرّه إمّا إلى جانب «الوجود» أو إلى جانب «العدم» .

برهان الإمكان:(1)

المقدّمة الأولى: الإذعان بأنّ هناك واقعية ووجوداً، وأنّ العالم ليس وهماً وخيالاً.

المقدّمة الثانية: كلّ «موجود» لا يخلو - بلحاظ ذاته - من إحدى القسمين التاليين:

١- واجب الوجود.

٢- ممكن الوجود.

المقدّمة الثالثة: «ممكن الوجود» يستحيل أن يكون موجوداً بذاته، بل يحتاج في «وجوده» إلى غيره.

وهذا هو «قانون العلّية» الذي يحكم به العقل بالبداهة.

المقدّمة الرابعة: موجِد العالم لا يخلو من وصفين:

١- أن يكون «واجب الوجود» ؛ ٢- أن يكون «ممكن الوجود» .

فإذا كان «واجب الوجود» ثبت المطلوب.

وإذا كان «ممكن الوجود» ، فإنّه سيكون مفتقراً في وجوده إلى موجِد آخر.

وننقل الكلام إلى هذا الموجِد، فإنّه:

إذا كان «واجب الوجود» ثبت المطلوب.

وإذا كان «ممكن الوجود» ، فإنّه سيكون أيضاً مفتقراً في وجوده إلى موجِد آخر. فإذا كان هذا الموجِد هو الموجِد الأوّل، لزم «الدور» ، وهو باطل، كما بيّناه سابقاً.


1- انظر: الإشارات والتنبيهات، ابن سينا، ج٣، صص ١٨ - ٢٠.

ص:31

وإذا استمر وجود الموجِدات إلى مالا نهاية له، لزم «التسلسل» ، وهو باطل، كما بيّناه سابقاً.

فنضطر - في نهاية المطاف - إلى الإذعان بوجود «موجِد» يكون وجوده من ذاته، وغير مفتقر إلى غيره، أي: يكون وجوده «واجب الوجود» وهو المطلوب(1)

النتيجة: إنّ العالم بحاجة إلى موجِد واجب الوجود، أي: موجد غير محتاج في وجوده إلى علّة أخرى، ولا يتوقّف وجوده على وجود غيره.

أهم خواص واجب الوجود:(2)

١- قائم بذاته، ولا يتوقّف وجوده على وجود غيره؛ لأنّه لو كان كذلك لزال بزوال ذلك التوقّف، ولكان ممكن الوجود.

٢- بسيط؛ لأنّه لو كان مركّباً، لكان محتاجاً إلى أجزائه- والأجزاء بما هي أجزاء غير الكل- فيلزم أن يكون محتاجاً في وجوده إلى الغير، فيكون ممكن الوجود.

٣- ليس بجسم؛ لأنّ كلّ جسم مركّب من أجزاء، وواجب الوجود لا يصح أن يكون مركّباً، للسبب المذكور في الخاصيّة السابقة.

4- ليس بعرض من قبيل الألوان والأشكال وأمثالها؛ لأنّ الأعراض تفتقر إلى الأجسام، والافتقار والاحتياج من صفات ممكن الوجود.

5- لا يقبل التغيّر أبداً؛ لأنّ التغيّر يحصل بوقوع الزيادة أو النقصان في ذات الشيء أو صفاته، وكلّ ذلك يستلزم أن يكون المتغيّر مركباً، وواجب الوجود لايكون مركبّاً، للسبب الذي مرّ ذكره في الخاصيّة الثانية.

6- لا يقبل التعدّد أبداً؛ لأنّ التعدّد يستلزم أن يكون المعدود مركّباً، وواجب الوجود لا يكون مركباً، للسبب المذكور في الخاصيّة الثانية.


1- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢45؛ قواعد العقائد، ص 46؛ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، ص ١4٨ و ١4٩؛ مناهج اليقين، ص ١5٨؛ الباب الحادي عشر، ص ٧
2- انظر: الباب الحادي عشر، ص 6.

ص:32

«واجب الوجود» لا يكون إلاّ واحداً:

لو افترضنا موجودين واجبي الوجود:

لكان كلّ واحد منهما:

مشاركاً للآخر في كونه واجباً.

ومبايناً عنه بما يميّزه عن الآخر.

و «ما به المشاركة» غير «ما به المباينة» .

فيلزم أن يكون كلّ واحد منهما مركّباً «مما به المشاركة» و «مما به المباينة» .

وكلّ مركّب ممكن الوجود.

لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه.

وما يحتاج إلى غيره لا يكون واجب الوجود.

فيكون واجب الوجود ممكن الوجود، وهذا خلاف ما ذكرناه في البداية.

فيثبت أنّ واجب الوجود لا يكون إلاّ واحداً.

برهان الإمكان في القرآن والسنّة:

١- إنّ برهان الإمكان قائم على هذه الحقيقة بأنّ ما في الوجود ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: واجب الوجود، وهو الموجود الغني بذاته.

ثانياً: ممكن الوجود، وهو الموجود الفقير بذاته.

وقد أشار الباري عزّ وجلّ إلى غناه واحتياج الإنسان إليه في القرآن الكريم بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَ اللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: ١5]

وَ اللهُ الْغَنِيُّ وَ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ [محمّد: ٣٨]

٢- يفيد برهان الإمكان بأنّ ممكن الوجود لا يتحقّق بلا علّة، ولا يكون هو العلّة لنفسه لبطلان الدور، وقد أشار الله عزّ وجلّ في القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى:

أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخالِقُونَ [الطور: ٣5]

ص:33

٣- أشار الإمام علي (ع) إلى حقيقة اتّصافه تعالى بصفة واجب الوجود:

«كلّ شيء قائم به [عزّ وجلّ]»(1)

تنبيه: إنّ القاعدة العقلية: «كلّ موجود يحتاج إلى علّة» غير منتقضة بقولنا:

«الله موجود لا يحتاج إلى علّة» ؛ لأنّ هذه القاعدة تشمل ما هو «ممكن الوجود» فقط.

والأصح أن نقول: «كلّ ممكن الوجود يحتاج إلى علّة» ، والله تعالى واجب الوجود، فلا تشمله هذه القاعدة العقلية.


1- نهج البلاغة، خطبة ١٠٩.

ص:34

ص:35

الفصل الثاني: معرفة اللّه تعالى

اشاره

* وجوب معرفة الله تعالى

* عجز الحواس عن معرفة الله تعالى

* عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى

* كيفية معرفة الله تعالى

ص:36

ص:37

المبحث الأوّل: وجوب معرفة الله تعالى

أدلة وجوب معرفة الله تعالى: ١

اشاره

(1)

١- وجوب دفع الضرر.

معرفة الله تعالى تزيل من الإنسان الخوف المحتمل والمُعتد به من استحقاق العقاب والحرمان من الثواب الذي بيّنه الأنبياء على مرّ العصور. وكلّ ما يؤمّل به زوال الخوف المُعتد به فهو واجب. فلهذا يثبت وجوب معرفة الله تعالى.

٢- وجوب شكر المنعم.

لا يخفى على الإنسان أن يكون له صانعاً أخرجه من العدم إلى الوجود، وأنعم عليه بمختلف النعم.

وبما أنّ شكر المنعم واجب، فلهذا تجب معرفة هذا المنعم؛ لأنّه لا يتم هذا الشكر إلاّ بعد معرفة المنعم.

تنبيه: معرفة الله أمر فطري، أي: الدافع لمعرفة الله في وجود الإنسان غير شعوري، والإنسان يمتلك في أعماق وجوده دافعاً ذاتياً يحفّزه على معرفة الله عزّوجلّ.

المبحث الثاني: عجز الحواس عن معرفة الله تعالى

اشاره

المقدّمة الأولى: الحواس والأدوات التجريبية مختصّة بمعرفة ما هو في دائرة عالم المادة فقط.


1- انظر: المسلك في أصول الدين، صص ٩٧ و ٩٨.

ص:38

المقدّمة الثانية: الله تعالى - كما سنثبت - منزّه عن عالم المادة.

النتيجة: لا تستطيع الحواس والأدوات التجريبية أن توصل الإنسان مباشرة إلى معرفة الله تعالى(1)

أحاديث لأهل البيت: حول عجز الحواس عن معرفة الله تعالى:

١- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«تعجز الحواس أن تدركه» (2)

٢- قال الإمام الحسين (ع) :

«لا يدرك بالحواس. . . معروف بالآيات موصوف بالعلامات»(3)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول الله تعالى:

«لا يدرك بالحواس. . . فكلّ شيء حسّته الحواس. . . فهو مخلوق» (4)

4- جاء في حوار جرى بين الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) وأحد الزنادقة حول إثبات وجود الله تعالى:

قال الزنديق: إنّي لا أرى حواسّي الخمس أدركته [أي: أدركت الله تعالى]، وما لم تدركه حواسّي فليس عندي بموجود!

قال الإمام الصادق (ع) :

«إنّه لمّا عجزت حواسّك عن إدراك الله أنكرته، وأنا لمّا عجزت حواسّي عن إدراك الله تعالى صدّقت به» .

ثمّ بيّن الإمام الصادق (ع) بأنّ الحواس لا تدرك إلاّ الأشياء المركّبة، والمركّب من شأنه الاحتياج إلى أجزائه، وبما أنّ الله تعالى منزّه عن الاحتياج فهو غير مركّب، فلهذا لا تستطيع الحواس إدراكه(5)

تنبيه: ليس من حقّ المتمسّك بالأدوات المعرفية الحسّية إنكار وجود الله، بل


1- تنبيه: إنّ الحواس عاجزة عن إثبات وجود الله تعالى بصورة مباشرة، ولكن يمكن الاستعانة في هذا المجال بصورة غير مباشرة، وذلك عن طريق معرفة النظام المهيمن على هذا العالم عن طريق الحواس، ومن ثمّ الاستنتاج عن طريق العقل بوجود منظّم حكيم وراء هذا النظام الدقيق
2- الكافي، ج ١، ص ١٣٨، ح ٣
3- التوحيد، ص ٧٨، ب ٢، ح ٣5
4- المصدر، ص 5٩، ب ٢، ح ١٧
5- انظر: بحار الأنوار، ج ٣، ص ١54، ب 5، حديث الإهليجة.

ص:39

غاية ما يسعه- مع لحاظ كثرة المجهولات البشرية- هو الاعتراف بعدم العلم، والإذعان بعجز الحواس عن إثبات وجود الله تعالى.

ولهذا جاء في حوار جرى بين الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) وأحد الزنادقة:

قال الإمام الصادق (ع) للزنديق: أتعلم أنّ للأرض تحتاً وفوقاً؟ !

الزنديق: نعم.

الإمام (ع) : فدخلت تحتها؟ !

الزنديق: لا.

الإمام (ع) : فما يدريك بما تحتها؟ !

الزنديق: لا أدري إلاّ أنّي أظّن أن ليس تحتها شيء.

الإمام (ع) : فالظن عجز ما لم تستيقن.

ثمّ سأل الإمام (ع) فصعدت السماء؟ !

الزنديق: لا.

الإمام (ع) : فتدري ما فيها؟

الزنديق: لا.

الإمام (ع) : فأتيت المشرق والمغرب فنظرت ما خلفهما؟

الزنديق: لا.

الإمام (ع) : فعجباً لك، لم تبلغ المشرق، ولم تبلغ المغرب، ولم تنزل تحت الأرض، ولم تصعد السماء، ولم تخبر هنالك فتعرف ما خلفهنّ، وأنت جاحد ما فيهنّ، وهل يجحد العاقل ما لا يعرف؟ !

الزنديق: ما كلّمني بهذا أحد غيرك!

الإمام (ع) : فأنت في شكّ من ذلك، فلعلّ هو أو لعلّ ليس هو.

الزنديق: ولعلّ ذاك.

الإمام (ع) : أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم، فلا حجّة للجاهل على العالم.

ص:40

يا أخا أهل مصر تفهّم عنّي، فإنّا لا نشك في الله أبداً، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان ولا يشتبهان، يذهبان ويرجعان، قد اضطُرّا، ليس لهما مكان إلاّ مكانهما؟

فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلا يرجعان فلِمَ يرجعان؟ !

وإن لم يكونا مضطرين فلِمَ لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً؟ ! اضطرّا والله يا أخا أهل مصر إلى دوامهما، والذي اضطرّهما أحكم منهما وأكبر منهما.

الزنديق: صدقت.

الإمام (ع) : يا أخا أهل مصر، الذي تذهبون إليه وتظنّونه بالوهم.

فإن كان الدهر يذهب بهم لِمَ لا يردّهم؟ !

وإن كان يردّهم لِمَ لا يذهب بهم؟ !

القوم مضطرّون.

يا أخا أهل مصر السماء مرفوعة والأرض موضوعة.

لِمَ لا تسقط السماء على الأرض؟

ولِمَ لا تنحدر الأرض فوق طاقتها؟

فلا يتماسكان ولا يتماسك من عليهما.

فآمن الزنديق بوجود الله تعالى، وأقرّ بأنّ الله تعالى هو المدبّر للعالم»(1)

المبحث الثالث: عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى

اشاره

أدلة ذلك:

١- لا يعرف العقل الأشياء إلاّ بحدود وجودها.

وبما أنّ الله منزّه عن الحدّ.

فلهذا يستحيل على العقل معرفة كنه ذات الله تعالى.

٢- لا يعرف العقل الأشياء إلاّ عن طريق مقايستها مع سائر الأشياء.

والله تعالى لا يقاس بأحد؛ لأنّه لا مثيل له ولا شبيه.


1- انظر: التوحيد، صص ٢٨6 و ٢٨٨، ب 4٢، ح 4.

ص:41

فلهذا يستحيل على العقل معرفة كنه ذات الله تعالى(1)

٣- غاية ما يقدر عليه العقل هو معرفة الله عن طريق المفاهيم الذهنية.

وبما أنّ هذه المفاهيم «محدودة» ، والذات الإلهية «غير محدودة» .

فلهذا يعجز العقل عن معرفة كنه الذات الإلهية(2)

تتمة: المفاهيم الذهنية، وإن كانت عاجزة عن تبيين كنه الذات الإلهية، ولكنّها قادرة على تبيين الذات الإلهية بصورة إجمالية، ومثال هذا التصوّر الإجمالي كمن يحس بحركة وراء جدار فيحكم بوجود شيء وراء ذلك الجدار.

أحاديث لأهل البيت: حول عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله تعالى:

١- قال الإمام علي (ع) :

«. . . لا تحيط به الأفكار، ولا تقدّره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، فكلّ ما قدّره عقل أو عرف له مثل فهو محدود» (3)

٢- قال الإمام الحسن بن علي (عليهما السلام) :

«لا تدرك العقول وأوهامها، ولا الفكر وخطراتها، ولا الألباب وأذهانها صفته» (4)

٣- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى أجلّ وأعظم من أن. . . تحيط بصفته العقول»(5)

4- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«أخطأ من اكتنهه»(6)

النهي عن التفكّر في ذات الله تعالى:

عجز العقل عن معرفة كنه ذات الله هو الذي أدّى إلى تأكيد أهل البيت: على التحذير من التفكير في ذات الله عزّ وجلّ، ومن هذه الأحاديث الشريفة:


1- ولهذا قال الإمام علي ع : «اعرفوا الله بالله» ؛ الكافي، ج ١، ص ٨5، ح ١؛ ومعنى قوله ع : اعرفوا الله بالله، أي: إنّ الله لا يشبه جسماً ولا روحاً. فإذا نُفي عنه الشبهين: شبهُ الأبدان وشبهُ الأرواح، فقد عرف الله بالله، وإذا شبّهه بالروح أو البدن أو النور فلم يعرف الله بالله. انظر: المصدر أعلاه بتصرّف يسير ، والتوحيد، ص ٢٨١، ب 4١، ح 5
2- للمزيد راجع: قواعد المرام، صص ٧5 و ٧6
3- التوحيد، ص ٧6 - ٧٧، ب ٢، ح ٣4
4- المصدر، ص 46، ح 5
5- المصدر، ص ٧٣، ح ٣٠
6- المصدر، ص ٣٨، ح ٢.

ص:42

١- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«اذكروا من عظمة الله ما شئتم ولاتذكروا ذاته. . .»(1)

٢- قال الإمام الباقر (ع) :

«تكلّموا في خلق الله، ولا تكلّموا في الله، فإنّ الكلام في الله لا يزيد صاحبه إلاّ تحيّراً»(2)

٣- قال الإمام الباقر (ع) :

«دعوا التفكير في الله، فإنّ التفكير في الله لا يزيد إلاّ تيهاً»(3)

4- قال الإمام الباقر (ع) :

«إيّاكم والتفكّر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خلقه»(4)

5- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«من نظر في الله كيف هو هلك»(5)

المبحث الرابع: كيفية معرفة الله تعالى

جعل الله تعالى لنفسه بعض الصفات والأسماء ليتعرّف العباد بها عليه(6)، كما أنّه تعالى منح العقل البشري القدرة على معرفته بصورة إجمالية، وإضافة إلى ذلك، فإنّ في ما بيّنه الأنبياء والأوصياء في هذا الخصوص الكفاية لمعرفة الله.

مراحل معرفة الله تعالى:

المرحلة الأولى: المعرفة الذهنية

وهي أن يتعرّف الإنسان على الله عن طريق المفاهيم الذهنية، سواء كانت هذه المفاهيم حصيلة الجهود العقلية أو كانت مما أرشد إليها الأنبياء والأوصياء.

المرحلة الثانية: المعرفة القلبية

وهي أن يلتزم الإنسان بتقوى الله والمجاهدة في سبيله وفق ما جاءت به الشريعة


1- التوحيد، ص 44١، ب 6٧، ح ٣
2- الكافي، ج ١، ص٩٢، ح ١
3- التوحيد، ص 44٣، ب 6٧، ح ١٣
4- الكافي، ج ١، ص٩٣، ح ٧
5- بحار الأنوار، ج ٣، ص ٢64، ب ٩، ح ٢4
6- للمزيد راجع الفصل الثالث، المبحث الأوّل من هذا الكتاب.

ص:43

الحقّة، ليصل بعد ذلك إلى نوع من الشهود الباطني والقلبي الذي يتعرّف به على الله من دون توسّط المفاهيم الذهنية.

قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً [الأنفال: ٢٩]

أي: يجعل في قلوبكم نوراً تفرّقون به بين الحق والباطل، وبهذا النور يهتدي الإنسان إلى معرفة ربّه.

تنبيه: المرحلة الذهنية لمعرفة الله عبارة عن معرفة الله بالعقل عن طريق خلقه.

ولهذا قال الإمام علي (ع) مشيراً إلى هذه المرحلة من معرفة الله:

«الحمد لله المتجلّي لخلقه بخلقه»(1)

ولكن إذا بلغ الإنسان في معرفته لله إلى المرحلة القلبية فإنّه سيستغني عن المعرفة الذهنية، وتكون المعرفة القلبية هي الأساس في معرفته لله تعالى.

ولهذا قال الإمام الحسين (ع) مشيراً إلى هذه المرحلة الرفيعة من معرفة الله تعالى:

«كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك، حتّى يكون هو المظهر لك؟ ! متى غبت حتّى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟ ! ومتى بعدت حتّى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ ! عميت عين لا تراك، ولا تزال عليها رقيباً»(2)


1- نهج البلاغة، خطبة ١٠٨
2- بحار الأنوار، ج 6٧، ص١4٢، ذيل ح ٧.

ص:44

ص:45

الفصل الثالث: صفات اللّه تعالى

اشاره

* معرفة الله عن طريق صفاته

* توقيفية صفات الله تعالى

* أقسام صفات الله تعالى

* خصائص صفات الله التنزيهيّة

* خصائص صفات الله الثبوتية

* صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات

ص:46

ص:47

المبحث الأوّل: معرفة الله عن طريق صفاته

الغاية من معرفة صفات الله هي معرفة الله؛ لأنّ الصفات عبارة عن سُبُل للتعبير عن الله وبيان ذاته المقدّسة.

أدلة إمكان معرفة صفات الله تعالى(1):

١- جعل الله تعالى «صفاته» سبيلاً ليتعرّف العباد عليه، فلو كانت معرفة صفات الله غير ممكنة، لم يبق للعبد سبيلاً لمعرفة ربّه، فتنسد أبواب عبودية الله تعالى؛ لأنّ العبودية لا يمكن القيام بها إلاّ بعد معرفة المعبود.

٢- ذكر الله تعالى صفاته في كتابه وسنّة نبيّه لكي يتدبّر فيها العباد بعقولهم.

فلو كانت معرفة صفات الله أمراً غير ممكن، لكان ذكر هذه الصفات في القرآن والسنّة والتحريض على التدبّر فيها لغواً يتنزّه عنه تعالى.

٣- ما لا يمكن معرفته هو الذات الإلهية، والنهي الذي ورد في بعض الأحاديث واقع على هذه المعرفة، لا على معرفة الصفات التي هي مفاهيم منتزعة من الذات.

مدى معرفته تعالى عن طريق معرفة صفاته:

القول بأنّ صفات الله هي السبيل لمعرفة الله لا يعني أنّ هذه الصفات قادرة على بيان كنه وحقيقة الذات الإلهية، بل هذه الصفات مفاهيم وُضِعت لترشد العباد- بمقدار وسعها المحدود- إلى معرفة الله الإجمالية. وما هو «محدود» لا يمكنه الكشف الكامل عمّا هو «غير محدود» .


1- انظر: مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني، ج6، ص٩.

ص:48

أحاديث أهل البيت: في هذا المجال:

١- قال الإمام محمّد بن علي الجواد (ع) :

«الأسماء والصفات مخلوقات»(1)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«لا وصف يحيط به»(2)

٣- قال الإمام علي (ع) :

«الله أجلّ من أن يدرك الواصفون قدر صفته التي هو موصوف بها، وإنّما يصفه الواصفون على قدرهم لا على قدر عظمته وجلاله، تعالى الله عن أن يدرك الواصفون صفته علواً كبيراً»(3)

4- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم:

« إنّ الله أعلى وأجل وأعظم من أن يبلغ كنه صفته»(4)

ومن هذا المنطلق ذهب بعض علمائنا الأعلام إلى القول بأنّه:

ليس المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم كنه وحقيقة الذات الإلهية؛ لأنّ هذا الفهم غير ممكن.

بل المقصود من نسبة الصفات إلى الله فهم هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه عن الاتّصاف بضدّ هذه الصفات.

مثال ذلك: «العلم» صفة من صفات الله، ويفهم الإنسان من هذه الصفة معنى معيّناً، ولكن الإنسان من المستحيل أن يعرف كنه وحقيقة معنى «علم الله» .

فإذا قيل: ما هو معنى كنه وحقيقة «العلم» الذي تصفون به الله؟

فالجواب الصحيح: المقصود من «العلم» في هذا المقام: «نفي الضدّ» ، أي: «نفي الجهل» .

بعبارة أخرى:

ما يكشف لنا مفهوم «العلم» عن كنه ذات الله أنّه منزّه عن الجهل.

وإلاّ فمن المستحيل للعقل البشري معرفة كنه وحقيقة علم الله تعالى.


1- الكافي، ج ١، ص ١١6، ح ٧
2- التوحيد، ص 6٩، ب ٢، ح ٢6
3- المصدر، ص ٢٣٣، ب ٣4، ح ١
4- الكافي، ج ١، ص١٠٠، ح ١.

ص:49

أقوال العلماء في هذا المجال:

١- قال الشيخ الصدوق:

«كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته، فإنّما نريد بكلّ صفة منها نفي ضدّها عنه عزّ وجلّ»(1)

٢- قال المحقّق السيوري:

«ليس من المعقول لنا من صفاته إلاّ السلوب. . .»(2)

٣- قال العلاّمة المجلسي:

«[يجب] نفي تعقّل كنه ذاته وصفاته تعالى. . . لمّا كان علمه تعالى غير متصوّر لنا بالكنه، وأنّا لمّا رأينا الجهل فينا نقصاً نفيناه عنه، فكأنّا لم نتصوّر من علمه تعالى إلاّ عدم الجهل، فإثباتنا العلم له تعالى إنّما يرجع إلى نفي الجهل؛ لأنّا لم نتصوّر علمه تعالى إلاّ بهذا الوجه»(3)

4- قال السيّد عبدالله شبر:

«المقصود من الصفات الثبوتية نفي أضدادها، إذ صفاته تعالى لا كيفية لها ولا سبيل إلى إدراكها»(4)

تنبيه: القول بنفي الضدّ عند تفسير صفات الله الثبوتية والكمالية لا يعني نفي هذه الصفات عنه تعالى، وإنّما هو ناظر إلى أمر تعقّل وإدراك هذه الصفات الإلهية.

المبحث الثاني: توقيفية صفات الله تعالى

لا يجوز وصف الله إلاّ بما وصف به نفسه في كتابه أو على لسان نبيّه أو عن طريق حججه من خلفاء نبيّه، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّد: وهو مذهب الإمامية(5)


1- الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ الصدوق، ص٧
2- الباب الحادي عشر، ص 4٩
3- بحار الأنوار، ج4، ص ١5٧، ذيل ح ١
4- حقّ اليقين، عبدالله شبر، ص 4١
5- انظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد، ص 5٣.

ص:50

أحاديث أهل البيت: حول توقيفية صفات الله تعالى:

١- قال الإمام علي (ع) :

«ما دلّك القرآن عليه من صفته [عزّ وجلّ] فاتّبعه، ليوصل بينك وبين معرفته، وأتمّ به، واستضىء بنور هدايته. . .

وما دلّك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه، ولا في سنّة الرسول وأئمة الهدى أثره، فكِل علمه إلى الله عزّ وجلّ، فإنّ ذلك منتهى حقّ الله عليك»(1)

٢- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . إنّ المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله جلّ وعزّ. . . ولا تعدوا القرآن فتضلّوا بعد البيان»(2)

٣- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«. . . صفوه [عزّ وجلّ] بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك» (3)

4- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) لأحد أصحابه:

«لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى في كتابه فتهلك» (4)

5- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون»(5)

6- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك. . . اللّهم لا أصفك إلاّ بما وصفت به نفسك»(6)

٧- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) لأحد أصحابه حول توصيف الله تعالى:

«لا تجاوز ما في القرآن»(7)


1- التوحيد، ص 55، ب ٢، ح ١٣
2- الكافي، ج ١، ص ١٠٠، ح ١
3- المصدر، ص ١٠٢، ح 6
4- التوحيد، ص ٧4، ب ٣، ح ٣٢
5- المصدر، ص 6٠، ب ٢، ح ١٨
6- الكافي، ج ١، ص ١٠١، ح ٣
7- المصدر، ص ١٠٢، ح ٧.

ص:51

٨- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على الله»(1)

صحّة توصيف الله تعالى بأنّه شيء:

١- سئل الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«أيجوز أن يقال: إنّ الله عزّ وجلّ شيء؟

قال (ع) :

«نعم، يخرجه عن الحدّين حدّ التعطيل وحدّ التشبيه»(2)

٢- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول الله تعالى:

«هو شيء بخلاف الأشياء، أرجع بقولي: «شيء» إلى إثبات معنى وأنّه شيء بحقيقة الشيئية، غير أنّه لا جسم ولا صورة. . .»(3)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«كلّ ما وقع عليه اسم شيء ما خلا الله تعالى فهو مخلوق»(4)

المبحث الثالث: أقسام صفات الله تعالى

١- الصفات السلبية (الجلالية) (التنزيهيّة) :

وهي الصفات التي يجب سلبها عن الله تعالى؛ لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله تعالى، من قبيل: الاحتياج، التركيب، والتجسيم.

٢- الصفات الثبوتية (الجمالية) (الكمالية) :

اشاره

وهي الصفات الثابتة لله تعالى، والمثبتة له كلّ وصف يعدّ كمالاً له تعالى.

وتنقسم صفات الله الثبوتية إلى قسمين 5:
اشاره

(5)

١- الصفات الذاتية:

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الذات الإلهية فقط، ومن دون لحاظ أيّ شيء آخر.


1- بحار الأنوار، ج 4، ص 5٣، ح ٣١
2- التوحيد، صص ١٠١ و ١٠٢، ب ٧، ح ١
3- الكافي، ج ١، ص ٨٣، ح 6
4- المصدر، ح 5
5- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 4١.

ص:52

مثال ذلك: الحياة، العلم، القدرة.

٢- الصفات الفعلية:

وهي الصفات التي يكون ثبوتها لله تعالى من خلال لحاظ الأفعال الإلهية.

أي: هي الصفات التي يتّصف بها الله من خلال الأفعال الصادرة عنه.

مثال ذلك: الخالق، الرازق، الغافر.

وتنقسم صفات الله الذاتية إلى قسمين:

١- حقيقية محضة:

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء.

ومثالها صفة الحياة.

٢- حقيقية ذات إضافة:

وهي الصفات الذاتية التي لا يعتبر في ثبوتها لله لحاظ أيّ شيء، ولكنّها تتطلّب في تأثيرها الخارجي لحاظ أمر إضافي.

ومثالها صفة القدرة والعلم حيث لا يتحقّق أثرهما إلاّ بوجود مقدور ومعلوم.

المبحث الرابع: خصائص صفات الله التنزيهيّة

اشاره

صفات الله التنزيهيّة عبارة عن الصفات التي يجب تنزيه الله عنها؛ لأنّها صفات نقص ولا تليق بالله عزّوجلّ.

خصائص الصفات السلبية:

١- وجه إطلاق كلمة «السلب» على هذه الصفات هو باعتبار لزوم سلبها عن الذات الإلهية.

٢- الصفات التنزيهيّة مهما تعدّدت وتنوّعت فإنّ مرجعها واحد، وهو تنزيه اللّه عن الفقر والاحتياج.

٣- إنّ السبب الأساس الدال على نفي الصفات التنزيهيّة عنه تعالى هو استحالة اتّصافه تعالى بهذه الصفات؛ لأنّه تعالى كامل ولا سبيل للنقص إليه.

لهذا تتلخّص الصفات التنزيهيّة في عبارة واحدة، وهي:

ص:53

«إنّ ذات الله تعالى منزّهة عن النقص من جميع الجهات» .

قال الإمام الكاظم (ع) :

«فاحذروا فى صفاته [تعالى] من أن تقفوا له على حدّ تحدّونه بنقص أو زيادة أو تحريك أو تحرّك أو زوال أو استنزال أو نهوض أو قعود، فإنّ الله جلّ وعزّ عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهّم المتوهّمين» ١.

4- تنقسم الصفات التنزيهيّة إلى قسمين:

أوّلاً: ما لفظه لفظ الإثبات ومعناه النفي وهو:

الف - وصفه تعالى بصفة «الغني» التي تعني أنّه ليس بمحتاج.

ب - وصفه تعالى بصفة «الواحد» التي تعني أنّه لا ثاني له في وجوب الوجود.

ثانياً: ما لفظه ومعناه النفي، من قبيل: نفي التركيب، الجسمانية، التشبيه، والمكان و. . . عنه تعالى ٢.

المبحث الخامس: خصائص صفات الله الثبوتية

اشاره

تنقسم صفات الله الثبوتية- كما ذكرنا في المبحث الثالث من هذا الفصل- إلى صفات الله الذاتية وصفات الله الفعلية.

خصائص صفات الله الذاتية:

١- ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

وإنّما هي مختلفة مع الذات في «معانيها ومفاهيمها» لا في «حقائقها ووجوداتها» .

أي: هذه الصفات زائدة على ذاته تعالى من الناحية «الذهنية» لا من الناحية «الواقعية» .

٢- لا يصح أبداً سلب هذه الصفات من الله تعالى، ولهذا لا يصح سلب صفة العلم أو القدرة عن الله تعالى في جميع الأحوال.

خصائص صفات الله الفعلية:

١- لا يوصف الله بهذه الصفات قبل قيامه بالفعل المرتبط بهذه الصفات، ولهذا:

ص:54

لا يوصف الله بصفة «الخالق» قبل أن يخلق.

ولا يوصف الله بصفة «الرازق» قبل أن يرزق(1)

٢- يصح سلب هذه الصفات عنه تعالى في بعض الأحوال، ومثاله:

يصح أن يقال بأنّه تعالى خلق هذا، ولم يخلق ذاك.

يصح أن يقال بأنّه تعالى رزق هذا، ولم يرزق ذاك(2)

٣- تعدّ هذه الصفات من أفعاله تعالى لا من ذاته تعالى.

وما يرتبط منها بالذات الإلهية أنّه تعالى قادر على فعل ما هو ممكن في جميع الأحوال.

4- لا توجب صفات الله الفعلية كمالاً لله تعالى.

دليل ذلك:

إنّ الصفات التي توجب الكمال يجب أن تكون:

أوّلاً: حقائق عينية لها واقع خارجي.

ثانياً: غير زائدة عن الذات الإلهية.

ولكن صفات الله الفعلية، عبارة عن صفات:

أوّلاً: اعتبارية يتم انتزاعها من مقام الفعل.

ثانياً: متأخّرة عن رتبة الذات.

وما هو اعتباري وانتزاعي ومتأخّر عن رتبة الذات لا يصلح أن يكون كمالاً للذات.

إذن:

عدم اتّصاف الله تعالى بالصفات الفعلية لا يوجب النقص للذات الإلهية.

وإنّما الذات الإلهية كاملة بذاتها، ولا توجب لها صفات الفعل أيّ كمال.

بعبارة أخرى: صفات الله الفعلية «ناشئة» من كمال الذات الإلهية، لا أنّها «موجبة» لكمال الذات الإلهية.


1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 4١
2- انظر، المصدر.

ص:55

الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل:

١- صفات الذات منتزعة من الذات وتحكي عنها.

صفات الفعل منتزعة من مقام الفعل وهي مغايرة للذات.

٢- صفات الذات قديمة بقدم الذات الإلهية.

صفات الفعل حادثة بحدوث الأفعال الإلهية.

٣- صفات الذات غير متناهية؛ لأنّها عين الذات.

صفات الفعل متناهية ومحدودة؛ لأنّها زائدة على الذات.

4- صفات الذات لا يصح سلبها عن الله تعالى أبداً.

فلهذا لا يوصف الله بعدم العلم أو عدم القدرة في أيّ حال.

صفات الفعل يصح سلبها عن الله تعالى أحياناً.

فلهذا يمكن القول بأنّه تعالى: يخلق ولا يخلق، يرزق ولا يرزق(1)

المبحث السادس: صفات الله الذاتية عين الذات أو زائدة عن الذات؟

اشاره

أهم أقوال المسلمين حول صفات الله الذاتية:

١- قول بعض المعتزلة: نيابة الذات عن الصفات.

٢- قول بعض المعتزلة: القول بالأحوال.

٣- قول الكرامية: الزيادة والحدوث.

4- قول الأشاعرة: الزيادة والقدم.

5- قول الإمامية: عينية الصفات والذات.

القول الأوّل (قول بعض المعتزلة) : نيابة الذات عن الصفات

أنكر أصحاب هذا القول اتّصاف الذات الإلهية بالصفات، وقالوا بنيابة الذات عن الصفات.

أي: ليس للّه صفة، وإنّما ذاته تعالى هي التي تقوم مقام الصفة «فقالوا: هو عالم بذاته، قادر بذاته، حي بذاته، لا بعلم وقدرة وحياة»(2)


1- انظر: الكافي، ج ١، ص ١١١؛ تصحيح اعتقادات الإمامية، ص4١
2- انظر: شرح الأصول الخمسة، القاضي عبدالجبار، ص ١٨٣؛ الملل والنحل للشهرستانيّ، ص44.

ص:56

يرد عليه:

١- يستلزم هذا القول خلو الذات عن الصفات الكمالية، وهو باطل(1)

٢- القرآن والسنّة يثبتان الصفات لله، ولا يوجد أيّ دليل لصرف هذه النصوص عن ظواهرها.

القول الثالث (قول الكرامية) : الزيادة والحدوث ٣

اشاره

(2)

ذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية صفات حادثة وهي قائمةبه.

يرد عليه:(3)

١- إذا كانت صفات الله الأزلية حادثة، فهي لا تخلو من أمرين:

الأوّل: هي التي أوجدت نفسها، وهذا محال.

الثاني: أنّ الغير أوجدها، وهذا الغير لا يخلو من أمرين:

الأوّل: هو غير الله، فلابدّ أن ينتهي إلى الله وإلاّ لزم التسلسل، وهو محال.


1- قواعد المرام، ص ١٠١
2- ينسب هذا القول إلى أتباع محمّد بن كرام السجستاني ٢٢5ه ؛ انظر: الملل والنحل للشهرستاني، ج١، ص١٠٨
3- انظر: اللوامع الإلهية، مقداد السيوري، ص١٠6.

ص:57

الثاني: هو الله تعالى، فيلزم أن يكون فاقد الشيء معطياً له؛ لأنّ الله تعالى -وفق هذا الرأي - كان فاقداً لها قبل إحداثها، وهذا باطل.

٢- يلزم اتّصاف الله بصفات حادثة افتقاره تعالى إلى غيره، والباري منزّه عن جميع أنواع الاحتياج والافتقار.

القول الثاني (قول بعض المعتزلة) : القول بالأحوال ٢

(1)

يذهب أتباع هذا الرأي إلى وجود واسطة بين الوجود والعدم، وهي ثابتة، وسمّوها «الحال» ، وقالوا بأنّ صفات الله الحقيقية أحوال، والأحوال لا يكون لها ذات، فلهذا لا تكون «موجودة» ولا «معدومة» ، بل هي «حال» .

يرد عليه:

يحكم العقل بأنّ كلّ أمر مفروض لا يخلو من الوجود أو العدم ولا واسطة بينهما.

القول الرابع (قول الأشاعرة) : القول بالقدم والزيادة ١

(2)

قال الفضل بن روزبهان: «مذهب الأشاعرة أنّه تعالى له صفات، موجودة، قديمة، زائدة على ذاته، فهو عالم بعلم، وقادر بقدرة، ومريد بإرادة. . .»(3)

ثم ذهب إلى أنّ معنى «الزيادة على الذات» هو: «لا هي عين الذات ولاغيرها»(4)

وقال أبو الحسن الأشعري: «الباري تعالى عالم بعلم، قادر بقدرة، حيّ بحياة. . . ، وهذه الصفات أزلية قائمة بذاته تعالى، لا هي هو، ولا هي غيره، ولا: لاهو، ولا: لا غيره!»(5)

يرد عليه:

١- إذا كانت صفات الله «زائدة» على الذات، فإنّها ستكون «مغايرة» لذاته تعالى.

وإذا كانت صفات الله «عين» الذات، فإنّها ستكون «غير مغايرة» لذاته تعالى.

وأمّا القول بأنّ صفات الله: «لا هي عين الذات ولا غيرها» ، فإنّه كلام ينتهي إلى ارتفاع النقيضين، وهو باطل.

٢- يلزم قول الأشاعرة أن يكون مع الله تعالى قدماء كُثُر بقدر صفاته، وهذا محال.


1- يذهب أبو هاشم الجبائي من المعتزلة إلى هذا الرأي؛ انظر: محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين، لفخر الدين الرازي، ص ١٨٠
2- انظر: المواقف، عضدالدين الأيجي، بشرح: الشريف الجرجاني، ج٣، ص 6٨؛ شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني: ج 4، ص 6٩
3- دلائل الصدق، محمّد حسن المظفر، ج ٢، ص ٢٧٠
4- المصدر، ص ٢٧٣
5- الملل والنحل، الشهرستاني، ج ١، ص ٩5.

ص:58

لهذا قال الفخر الرازي في مقام ردّه على قول الأشاعرة:

«إنّ النصارى كفروا لأنّهم أثبتوا قدماء ثلاثة، وأصحابنا أثبتوا تسعة قدماء، الذات وثماني صفات!»(1)

٣- لو كان الله باقياً ببقاء قائم بذاته، لكان تعالى ممكناً؛ لأنّ البقاء هو الوجود المستمر، فلو كان استمرار وجوده مستنداً إلى سوى ذاته كان ممكناً (2)

4- إذا كان مقصود الأشاعرة من قيام صفاته تعالى بذاته حلول هذه الصفات فيه تعالى فهو محال.

وإذا كان مقصودهم إثبات الأحوال كما أثبته بعض المعتزلة وذكرناه في القول الثاني آنفاً، فهو أيضاً باطل(3)

فلا يبقى للأشاعرة سوى القول بزيادة الصفات على الذات، وهذا ما سنبيّن بطلانه لاحقاً.

أدلة بطلان زيادة صفات الله الحقيقية على ذاته:

١- إذا كانت صفات الله الحقيقية زائدة على ذاته، فهي لا تخلو من أمرين (4):

أوّلاً: أن تكون قديمة، فيلزم منه تعدّد القدماء، وهذا ما تبطله أدلة وحدانية الله تعالى.

ثانياً: أن تكون حادثة، فيلزم خلو الذات الإلهية قبل إحداثها، كما نواجه مشكلة مَن أحدثها، وقد بيّنا ذلك آنفاً عند الردّ على قول الكرامية.

٢- يلزم القول بالزيادة أن تكون الذات خالية من العلم والقدرة في مرتبة الذات، ويلزم هذا الخلو كونه تعالى ناقصاً في ذاته، وهذا ما لا يليق بالذات الإلهية، فيثبت بطلان القول بزيادة صفات الله على ذاته.


1- انظر: الرسالة السعدية، ص 5١
2- انظر: المصدر
3- انظر: المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي، ج١، صص١٣٩و١4٠
4- انظر: التوحيد، ص ٢١٧، ب ٢٩، ذيل ح ١4؛ الرسائل العشر، ص ٩6؛ المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي، ص ١٣٩؛ اللوامع الإلهية، ص ٢٠٨.

ص:59

٣- يلزم القول بالزيادة اتّصاف الله بالاحتياج والافتقار إلى غيره؛ لأنّ معنى القول بالزيادة:

أنّ الله تعالى يحيى بحياة غير ذاته.

وأنّ الله تعالى يعلم بالعلم الذي هو غير ذاته.

وأنّ الله تعالى قادر بالقدرة التي هي خارجة عن حقيقته.

ويلزم- في جميع هذه الأحوال- أن لا يكون الله غنيّاً بذاته، بل يكون محتاجاًإلى غيره، ولكن الله تعالى منزّه عن الاحتياج، فيثبت بطلان القول بزيادةصفات الله على ذاته (1)

4- يلزم القول بالزيادة أن يكون الله مركّباً من ذات وصفات قديمة، ولكنّه تعالى يستحيل أن يكون مركّباً؛ لأنّ كلّ مركّب محتاج إلى جزئه، وكلّ محتاج يكون ممكناً(2)

موقف أهل البيت: من القول بالزيادة والقدم:

١- عن أبان بن عثمان الأحمر، قال: قلت للصادق جعفر بن محمّد (ع) : إنّ رجلاً ينتحل موالاتكم أهل البيت، يقول: إنّ الله تبارك وتعالى لم يزل سميعاً بسمع وبصيراً ببصر وعليماً بعلم وقادراً بقدرة.

فغضب (ع) ، ثمّ قال:

«من قال ذلك، ودان به، فهو مشرك، وليس من ولايتنا على شيء، إنّ الله تبارك وتعالى ذات علاّمة، سميعة، بصيرة، قادرة»(3)

٢- عن الحسين بن خالد، قال: سمعت الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) يقول:

«لم يزل الله تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً» .

فقلت له: يابن رسول الله إنّ قوماً يقولون: إنّه عزّ وجلّ لم يزل عالماً بعلم، وقادراً بقدرة، وحياً بحياة، وقديماً بقدم، وسميعاً بسمع، وبصيراً ببصر.

فقال (ع) :

«من قال ذلك، ودان به، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى، وليس من


1- انظر: الرسالة السعدية، ص 5٠. كشف المراد، ص4١٠؛ إرشاد الطالبين، ص ٢١٧
2- انظر: كشف الفوائد، ص ١٩٧
3- التوحيد، ص ١٣٩، ب ١١، ح ٨.

ص:60

ولايتنا على شيء. . .»(1)

٣- قال الإمام علي (ع) حول الله تعالى:

«كمال الإخلاص له نفي الصفات [أي: الصفات الزائدة] عنه، لشهادة كلّ صفة أنّها غير الموصوف، وشهادة كلّ موصوف أنّه غير الصفة.

فمن وصف الله سبحانه [أي: وصفه بوصف زائد على ذاته] فقد قرنه [أي: قرن ذاته بشيء غيرها].

ومن قرنه فقد ثنّاه [أي: من قرنه بشيء من الصفات الزائدة فقد اعتبر في مفهومه أمرين: أحدهما الذات والآخر الصفة].

ومن ثنّاه فقد جزّأه، ومن جزّأه جهله»(2)

تنبيه: لا يخفى أنّ الإمام (ع) - كما بيّنا أثناء ذكر خطبته- عندما قال

« كمال الإخلاص نفي الصفات عنه» ، لم يقصد نفي مطلق الصفات عنه تعالى، بحيث لانصفه تعالى بالعلم والقدرة وغير ذلك من صفات الكمال؛ لأنّ الإمام (ع) أثبت وجود الصفات لله تعالى في بداية هذه الخطبة، وقال حول الله تعالى:

«الذي ليس لصفته حدّ محدود» .

فنستنتج بأنّ مقصود الإمام من نفي الصفات هو نفي الصفات المحدودة، أي: نفي الصفات الزائدة على ذاته، ثم بيّن الإمام (ع) أسباب ذلك في تكملة خطبته.

القول الخامس (قول الإمامية) : القول بأنّ صفات الله تعالى عين ذاته ٣

(3)

يذهب أتباع هذا القول إلى أنّ صفات الله الحقيقية عين ذاته.

أي: ليس لهذه الصفات وجود إلاّ وجود الذات.

وأنّ هذه الصفات على رغم تعدّد مفاهيمها في الصعيد الذهني والاعتباري، فإنّها تشير إلى مصداق ووجود واحد في الواقع الخارجي، وذلك الوجود الواحد هو الذات الإلهية(4)


1- التوحيد، ص ١٣5
2- نهج البلاغة، الخطبة ١
3- انظر: كشف المراد، ص 4١٠، إرشاد الطالبين، ص ٢٢٢
4- هذا القول لا يعني مقولة النيابة؛ لأنّ النيابة مبنية على نفي الصفات الكمالية كالعلم والقدرة، ولكن هذا القول يعترف بوجود هذه الصفات الكمالية في مقام الذات؛ انظر: أوائل المقالات، ص 5٢.

ص:61

دليل ذلك: كلّ ما دلّ على بطلان زيادة الصفات على الذات بدوره دليل على عينية الصفات والذات.

توضيح ذلك: ١- لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم احتياجه تعالى في صفاته إلى ما سواه وافتقاره إلى شيء وراء ذاته، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

٢- لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم خلو ذاته تعالى من العلم والقدرة في مرتبة الذات، وهذا لا يليق بالذات الإلهية، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

٣- لو لم تكن صفاته تعالى عين ذاته لزم أن تكون الذات مركّبة من أجزاء، والتركيب مستحيل عليه تعالى، ولكن إذا كانت صفاته عين ذاته لم يقع هذا المحذور.

بيان معنى كون صفاته تعالى عين ذاته:

من أهم الأمور التي تساعد على فهم معنى كون صفاته تعالى عين ذاته هي مسألة فهم «المفهوم والمصداق» :

المفهوم: مجموع الصفات والخصائص الموضّحة لمعنى كلّي(1)

المصداق: الفرد الذي يتحقّق فيه معنى كلّي(2)

تنبيه: من الأمور المهمّة التي ينبغي الالتفات إليها أنّ المصداق الواحد يصح أن تطلق عليه العديد من المفاهيم.

مثاله:

إنّ الإنسان بكلّ وجوده «مخلوق» لله تعالى.

وهو أيضاً بكلّ وجوده «معلوم» لله تعالى.

ففي هذا المقام: الإنسان «مصداق» واحد.

و «مخلوق» و «معلوم» «مفهومان» يطلقان على هذا «المصداق» الواحد.


1- انظر: المعجم الوسيط: مادة ف ه م
2- انظر: المصدر: مادة ص د ق .

ص:62

وهذا الإطلاق لا يعني:

جزء من ذات الإنسان مخلوق لله تعالى.

وجزء آخر من ذات هذا الإنسان معلوم لله تعالى.

بل:

هذا الإنسان بكلّ وجوده مخلوق لله تعالى.

وهو في نفس الوقت بكلّ وجوده معلوم لله تعالى.

ولا يخفى بأنّ مفهوم «مخلوق» مغاير لمفهوم «معلوم» .

وهما على رغم هذا التغاير من ناحية «المفهوم» يطلقان على «مصداق» واحد.

بيان المفهوم والمصداق الإلهي:

١- وجود الله تعالى واحد، ولكن ينتزع منه بالنظر إلى تجلّياته المختلفة مفاهيم كثيرة.

أي: إنّ لله تعالى حقيقة واحدة، وتعتبر صفاته الذاتية كلّها مفاهيم تعبّر عن مصداق واحد، هو الله تعالى.

٢- تعدّد الصفات لا يستلزم التركيب في ذاته تعالى؛ لأنّ كلّ صفة من صفاته تعالى لا تشكّل جزءاً خاصّاً من ذاته تعالى، بل كلّ واحدة من هذه الصفات تشكّل تمام الذات، والكثرة هنا تكون في عالم المفهوم دون الواقع الخارجي الذي هو المصداق.

٣- أوصاف العلم والقدرة والحياة أوصاف مشتركة بين الله تعالى والإنسان من حيث المفهوم ولكنّها تختلف من حيث المصداق.

فهذه الأوصاف في الإنسان ممكنة، فقيرة، محدودة، مجسّمة، ولكنّها في الله تعالى واجبة غنية لا متناهية.

والله تعالى في المصداق لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]

4- السبب في فهم الإنسان لله الواحد الحقيقي البسيط بمجموعة مختلفة من المفاهيم يعود إلى الإنسان ذاته وإلى تركيبة جهازه الإدراكي؛ لأنّ دأب العقل أنّه

ص:63

لايستوعب الحقيقة التي يواجهها إلاّ بعد تجزئتها (1)

5- المفاهيم أوعية محدودة، ويبقى الإنسان مقيّداً بهذه الحدود في معرفته التوحيدية، وتبقى الذات الإلهية فوق جميع التصوّرات.

أحاديث أهل البيت: المبيّنة بأنّ صفات الله عين ذاته:

١- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم، والسمع ذاته ولا مسموع، والبصر ذاته ولا مبصر، والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم، وقع العلم منه على المعلوم، والسمع على المسموع، والبصر على المبصر، والقدرة على المقدور(2)

٢- عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر (ع) أنّه قال في صفة القديم: إنّه واحد صمد أحدي المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة.

قال: قلت: جعلت فداك يزعم قوم من أهل العراق أنّه يسمع بغير الذي يبصر، يبصر بغير الذي يسمع.

قال: كذبوا وألحدوا وشبّهوا، تعالى الله عن ذلك، إنّه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع(3)

٣- جاء في حديث الزنديق الذي سأل أبا عبدالله (ع) : أنّه قال له: أتقول: إنّه سميع بصير؟

فقال أبو عبدالله (ع) : هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه وليس قولي: إنّه سميع بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر، ولكنّي أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول يسمع بكلّه لا أنّ كلّه له بعض؛ لأنّ الكل لنا [له] بعض، ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك


1- انظر: التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري، جواد علي كسار، ج١، صص١٧٧ - ١٨٧
2- الكافي، ج ١، ص ١٠٧، ح ١؛ التوحيد، صص ١٣4 و ١٣5، ب ١١، ح ١
3- الكافي، ج ١، ص ١٠٨، ح ١.

ص:64

كلّه إلاّ أنّه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى»(1)

ردّ الإشكالات الواردة على القول بالعينية:

الإشكال الأوّل:

لو قلنا بأنّ صفات الله عين ذاته لما صح عندئذ حمل أيّة صفة من الصفات على الذات؛ لأنّه يشترط في صحة حمل شيء على شيء أن يكون هناك نوع تغاير بينهما، وإلاّ لكان من قبيل حمل الشيء على نفسه، وهو باطل (2)

يرد عليه:

المقصود من القول بأنّ صفاته تعالى عين ذاته:

أنّها عين الذات من ناحية المصداق.

لا أنّها عين الذات من ناحية المفهوم.

بل الصفات مغايرة للذات من ناحية المفهوم.

ولوجود هذه المغايرة في المفهوم يصح حمل الصفات على الذات(3)

الإشكال الثاني:

لوكان العلم نفس الذات، والقدرة نفس الذات، لكان العلم نفس القدرة، وهذاواضح البطلان (4)

يرد عليه(5)

المقصود من القول: بأنّ «العلم» نفس الذات، و «القدرة» نفس الذات هو: أنّ مصداق «العلم» ومصداق «القدرة» في الله تعالى واحد.


1- الكافي، ج١، ص ١٠٨ و ١٠٩، ح٢
2- انظر: المواقف، عضدالدين الايجي، ج ٣، ص 6٩
3- انظر: المصدر
4- انظر: المصدر، ص ٧٠
5- انظر: المصدر.

ص:65

وأمّا في صعيد المفهوم:

فلا يخفى بأنّ مفهوم «العلم» مغاير لمفهوم «القدرة» .

ولا يصح القول بأنّ مفهوم «العلم» نفس مفهوم «القدرة» .

وانّما يصح القول بأنّ هذين المفهومين يطلقان على مصداق واحد.

وكما بيّنا لا إشكال في إطلاق مفاهيم متعدّدة على مصداق واحد.

بعبارة أخرى: عندما نقول «العلم» و «القدرة» نفس الذات، فالمقصود:

إنّ «العلم» و «القدرة» مفهومان يطلقان على مصداق واحد، وهذا المصداق هو ذات الله تعالى.

وليس المقصود: أنّ مفهوم «العلم» نفس مفهوم «القدرة» ليرد عليه الإشكال المذكور.

الإشكال الثالث:

لو كان علمه تعالى عين ذاته لصح القول: يا علم الله اغفر لي وارحمني(1)

يرد عليه:

المقصود من القول بأنّ علمه تعالى عين ذاته: أنّ مصداق «العلم» ومصداق «الذات» واحد.

وليس المقصود: أنّ مفهوم «العلم» ومفهوم «الذات» واحد.

ولهذا لا يصح استعمال مفهوم «العلم» بدل مفهوم «الذات» فيما لو كان المقصود الإشارة إلى مفهوم «الذات» ؛ لأنّ ما يفهم من «العلم» غير ما يفهم من «لفظ الجلالة» .

أضف إلى ذلك:

إنّ «العلم» مصدر، ولا يصح في اللغة أن ينادى المسمّى بالمصدر، بل الصحيح أن ينادى المسمّى بالاسم.

ولهذا فالصحيح أن نقول: يا عليم اغفر لي وارحمني.


1- الإبانة، أبو الحسن الأشعري، ص ١٠٩.

ص:66

ص:67

الفصل الرابع: صفات اللّه التنزيهيّة

اشاره

(حسب الحروف الألفبائية)

* الاتّحاد t t t * الرؤية

* الاحتياج t t t * الزمان

* التركيب t t t * الشبيه

* الجسمانية t t * الشريك

* الجهة t t t * الضدّ

* الجوهر والعرض t t * الكيفيات المحسوسة

* الحدّ t t t * اللذّة والألم

* الحركة والسكون t t * tالمثيل

* الحلول t t t * المكان

* الحوادث

ص:68

ص:69

الصفات التنزيهيّة (١) : الاتّحاد

الاتّحاد عبارة عن صيرورة الشيئين شيئاً واحداً من غير زيادة ولا نقصان(1)

القائلون بالاتّحاد:

١- النصارى: قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بالمسيح، أو قالوا باتّحاد الأقانيم الثلاثة الأب والابن وروح القدس(2)

٢- الصوفية: قالوا بأنّ الله تعالى يتّحد بالعارف عندما يصل العارف في سيره وسلوكه إلى مرحلة الفناء في الله تعالى(3)

٣- النصيرية: قالوا بأنّ الله تعالى اتّحد بعلي بن أبي طالب (ع)(4)

أدلة نفي اتّحاده تعالى بالأشياء:

١- الاتّحاد بنفسه محال؛ لأنّ الأقسام المتصوّرة بعد فرض اتّحاد شيئين عبارة عن:

أوّلاً: بقاء الشيئين موجودين على ما كانا عليه: فلا اتّحاد بينهما؛ لأنّهما في هذه الحالة اثنان متمايزان لا واحد.

ثانياً: انعدام الشيئين معاً وإيجاد شيء ثالث: فلا اتّحاد بينهما؛ لأنّ المعدوم لايتّحد بالمعدوم.


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٩؛ قواعد المرام، ميثم البحراني، ص ٧4؛ كشف الفوائد، ص ٢٢٣
2- انظر: قواعد المرام، ص ٧4؛ مناهج اليقين، ص ٢٠5؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٣٨
3- انظر: المصدر؛ قواعد العقائد، ص ٧٢
4- انظر: الملل والنحل، ج١، ص ١٨٨.

ص:70

ثالثاً: انعدام أحدهما وبقاء الآخر: فلا اتّحاد بينهما؛ لأنّ المعدوم لا يتّحد بالموجود(1)

٢- الأقسام المتصوّرة للشيء قبل اتّحاد الله تعالى به:

أ: واجب الوجود: فيلزم تعدّد الواجب، وهو محال.

ب: ممكن الوجود: فالشيء الحاصل بعد الاتّحاد لا يخلو من أمرين:

الأوّل: واجب الوجود: فتكون النتيجة أن يصبح الممكن واجباً.

الثاني: ممكن الوجود: فتكون النتيجة أن يصبح الواجب ممكناً.

وكلاهما باطل، فيثبت بطلان اتّحاد الباري بغيره (2)

الصفات التنزيهيّة (٢) : الاحتياج

أدلة نفي الاحتياج عنه تعالى:

١- إنّ الله تعالى غني عن الغير في كلّ شيء.

لأنّ الاحتياج من صفات الممكنات، وواجب الوجود منزّه عن الاحتياج (3)

٢- إنّ الله تعالى قديم، والقديم هو الذي يتقدّم على الكل فيكون غنيّاً عن الكل.

قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللهِ وَ اللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر:١5]

تنبيه: أقسام الاحتياج:

١- في الذات: كاحتياج الأثر إلى الموثِّر.

٢- في الصفات: كاحتياج القادر- في كونه قادراً- إلى القدرة.

٣- في جلب المنافع ودفع المضار.


1- انظر: قواعد العقائد، ص ٧١. المسلك في أصول الدين، ص 65. قواعد المرام، ص ٧4. كشف المراد، ص4٠٧. مناهج اليقين، ص ٢٠5. إرشاد الطالبين، ص ٢٣٨
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٩ و ٣٠؛ كشف المراد، ص 4٠٧
3- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٣١؛ عجالة المعرفة في أصول الدين، ص ٣٠. كشف المراد، ص4٠٨. مناهج اليقين، ص ٢١٩؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٣٩.

ص:71

والله تعالى غني في جميع هذه الأقسام:

١- إنّه تعالى غني بذاته؛ للأدلة الواردة أعلاه.

٢- إنّه تعالى غني بصفاته؛ لأنّ صفاته عين ذاته.

٣- إنّه تعالى لا يصح عليه النفع والضرر.

لأنّ النفع والضرر لا يجوزان إلاّ على من يلتذّ ويتألّم.

واللذّة والألم لا يجوزان إلاّ على صاحب الشهوة والنفور.

والشهوة والنفور من خواص الأجسام.

والله تعالى منزّه عن الجسمانية(1)

حديث شريف:

قال الإمام الكاظم (ع) حول تنزيه الله تعالى عن الاحتياج:

«لم يحتج إلى شيء بل يُحتاج إليه»(2)

الصفات التنزيهيّة (٣) : التركيب

أقسام التركيب :(3)

١- التركيب الخارجي: وهو التركيب من الأجزاء الخارجية، وهذه الأجزاء:

عند الفلاسفة: متكوّنة من المادة والصورة.

وعند علماء الطبيعة: متكوّنة من المادة والصورة والأجزاء العنصرية والذرية.

٢- التركيب الذهني: وهو التركيب من الأجزاء العقلية، من قبيل: الوجود والماهية والجنس والفصل.

٣- التركيب من الجهات والحيثيات، كحيثية الذات والصفة في الصفات الزائدة على ذاته تعالى.


1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص ٧١؛ تقريب المعارف، ص ٨٧؛ الاقتصاد، ص ٧4؛ المسلك في أصول الدين، ص 54؛ مناهج اليقين، ص ٢١٨؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٣٨ و ٢٣٩
2- الكافي، ج١، ص١٢5، ح ١
3- انظر: كشف المراد، ص 4٠6. إرشاد الطالبين، ص ٢٢5؛ قواعد العقائد، ص 6٨.

ص:72

4- التركيب من الأجزاء الوهمية، كأجزاء الخط والسطح والجسم.

والله تعالى منزّه عن جميع أنواع التركيب.

أدلة نفي التركيب في ذات الله تعالى:

١- المركّب يحتاج ويفتقر إلى أجزائه، ولكن الله تعالى- كما ثبت سابقاً- منزّه عن الاحتياج والافتقار(1)

بعبارة أخرى: وجود «الجزء» مقدّم على وجود «الكل» .

وكلّ «جزء» من المركّب مغاير لغيره.

فيكون المركّب مفتقراً إلى أجزائه.

ولكن الله تعالى هو الغني الذي لا يفتقر إلى غيره (2)

٢- إذا كانت الذات الإلهية مركّبة، فإنّ هذه الأجزاء لا تخلو من أمرين:

أوّلاً- أجزاء قديمة، فيلزم تعدّد القدماء، وهذا باطل.

ثانياً- أجزاء حادثة، فيلزم تركيب الواجب من أجزاء غير واجبة، وهذا باطل.

٣- المركّب بحاجة إلى من يركّبه، وهو منفي عن الذات الإلهية.

4- «الكل» مركب من «أجزاء» خارجية يكون ذات جوانب.

وجانبه هذا غير جوانبه الأخرى.

فهو بجانبه هذا منعدم عن الجوانب الأخرى، ويكون بجوانبه الأخرى منعدم عن هذا الجانب.

فيلزم هذا الأمر النقص في جميع الجوانب، وبالتالي يستوجب هذا الأمر النقص والقصور في الذات الإلهية، وهذا باطل(3)

5- لو كان الله تعالى مركّباً من الأجزاء لكان علمه وقدرته ثابتة لكلّ واحدة من أجزائه المتغايرة، فيكون كلّ جزء من الله عالماً قادراً، فتتعدّد الآلهة، وهذا باطل.


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٣٠؛ قواعد العقائد: ص 6٨؛ كشف الفوائد: صص ٢١٣ - ٢١4؛ الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، ص ٧١؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢4
2- انظر: كشف المراد، ص 4٠5؛ مناهج اليقين، صص ٢٠١ و ٢٠٢
3- انظر: براهين أصول المعارف الإلهية والعقائد الحقّة للامامية، ص ٧٢.

ص:73

الصفات التنزيهيّة (4) : الجسمانية

الجسم هو الشيء المستلزم للأبعاد الثلاثة، وهي: الطول والعرض والعمق(1)

و «التجسيم» هو الاعتقاد بأنّ الله تعالى جسم.

أدلة تنزيه الله عن الجسمانية:

١- الجسم بطبيعته يحتاج إلى مكان، وبما أنّ الله منزّه عن جميع أنواع الاحتياج، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية (2)

٢- الجسم بطبيعته يتأثّر بالحوادث، فلو كان الله جسماً لما انفك عن الأمور الحادثة من قبيل الحركة والسكون، وكلّ ما لا ينفك عن هذه الأمور فهو حادث، ولكنّه تعالى أزلي قديم، فيثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(3)

٣- الجسم بطبيعته محدود، فلو كان الله جسماً لكان محدوداً، وبما أنّه تعالى منزّه عن المحدودية، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(4)

4- الجسم بطبيعته مركّب، فلو كان الله جسماً لكان مركباً، وبما أنّه تعالى منزّه عن التركيب، فلهذا يثبت تنزيهه تعالى عن الجسمانية(5)

أحاديث لأهل البيت: في تنزيه الله عن الجسمانية:

١- قال الإمام علي (ع) :

«. . . ولا بجسم فيتجزّأ»(6)

٢- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

. . . إنّ الجسم محدود متناه.

والصورة محدودة متناهية.

فإذا احتمل الحدّ، احتمل الزيادة والنقصان.


1- انظر: التوحيد، ص ٢٩٣، ب 4٢، ذيل ح 6
2- انظر: الباب الحادي عشر، ص 5١؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٣٧
3- انظر: نهج الحق وكشف الصدق، ص 56
4- انظر: مناهج اليقين، ص ٢٠٢
5- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢56؛ قواعد المرام، ص 6٩؛ مناهج اليقين، ص ٢٠٢
6- التوحيد، ص ٧6.

ص:74

وإذا احتمل الزيادة والنقصان، كان مخلوقاً»(1)

٣- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«إنّ الجسم محدود»(2)

4- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«سبحان من ليس كمثله شيء، لاجسم ولا صورة» (3)

5- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«ليس منّا من زعم أنّ الله عزّ وجلّ جسم. . . إنّ الجسم مُحدَث»(4)

الصفات التنزيهيّة (5) : الجهة

أدلة نفي الجهة عن الله تعالى:

١- الجهة لا تعقل إلاّ في المكان، والمكان - كما سيثبت لاحقاً - منفي عنه تعالى(5)

٢- الشيء الذي يكون في جهة لا يخلو من حالتين:

الأولى: يكون لابثاً في تلك الجهة.

الثانية: يكون متحرّكاً عن تلك الجهة.

فيكون الشيء في كلتا الحالتين غير منفك عن الحوادث.

وكلّ ما لا ينفك عن الحوادث، فهو حادث.

ولكن الله - كما سيثبت لاحقاً - منزّه عن الحوادث (6)

٣- الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون محدودة في إطار تلك الجهة، وبما أنّ الله منزّه عن الحدّ، فلهذا يكون منزّهاً عن الوجود في جهة معيّنة.

ولهذا قال الإمام علي (ع) :

«من أشار إليه فقد حدّه»(7)

4- الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون مفتقرة إلى تلك الجهة.


1- الكافي، ص ١٠6، ح 6
2- المصدر، ص ١٠6، ح ٧
3- المصدر، ص ١٠4، ح ٢
4- التوحيد، ص ١٠١، ب 6، ح ٢٠
5- انظر: مناهج اليقين، ص ٢٠4
6- انظر: نهج الحق وكشف الصدق، ص5٧، إرشاد الطالبين، صص ٢٢٧ و ٢٢٨
7- نهج البلاغة، الخطبة ١.

ص:75

وبما أنّ الله منزّه عن الافتقار، فلهذا يكون منزّهاً عن الوجود في جهة معيّنة(1)

5- الذات الموجودة في جهة معيّنة تكون غير موجودة في الجهة الأخرى، فإذا كان الله تعالى في جهة، فسيلزم خلوّه عن سائر الجهات، وهذا باطل.

سبب رفع الأيدي نحو السماء في الدعاء:

١- قال الإمام علي (ع) :

«إذا فرغ أحدكم من الصلاة، فليرفع يديه إلى السماء، ولينصب في الدعاء» .

فسأله أحد الأشخاص: يا أميرالمؤمنين أليس الله في كلّ مكان؟

قال (ع) :

«بلى» .

قال: فلِمَ يرفع يديه إلى السماء؟

فقال (ع) :

«أو ما تقرأ وَ فِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وَ ما تُوعَدُونَ [الذاريات: ٢٢] فمن أين يطلب الرزق إلاّ من موضع الرزق، وموضع الرزق وما وعد الله السماء»(2)

٢- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : ما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال (ع) :

«ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنّه عزّ وجلّ أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش؛ لأنّه جعله معدن الرزق»(3)

تفسير بعض الآيات القرآنية بعد معرفة استحالة إثبات الجهة لله تعالى:

١- قوله تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [الأنعام: ١٨]

المقصود من الفوقية هنا التعالي والعظمة والهيمنة في القوّة والقدرة(4)، وليس المقصود الفوقية الحسيّة، ومن الشواهد القرآنية على الفوقية غير الحسيّة قوله تعالى حكاية عن فرعون: وَ إِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ [الأعراف: ١٢٧]

٢- قوله تعالى: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر: ١٠]


1- انظر: قواعد العقائد، ص 6٩؛ كشف الفوائد، صص ٢١5 و ٢١6؛ الباب الحادي عشر، ص5٢
2- علل الشرائع، ج ٢، ص ٣44، ب 5٠، ح ١
3- التوحيد، ص ٢4٢، ب ٣6، ح ١
4- انظر: اللوامع الإلهية، ص ١٨5.

ص:76

أي: إنّ الأعمال الصالحة تصعد إلى الملائكة الكرام حفظة الأعمال الذين مسكنهم في السماء، ولهذا نُسب هذا الصعود إليه تعالى(1)

٣- قوله تعالى: أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأرْضَ [الملك:١6]

أي: أءمنتم من الله الذي يوجد في السماء ملائكته الموكّلون بإنزال العذاب عليكم متى ما يشاء(2)

4- قوله تعالى: يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 5٠]

أي: يخافون ربّهم أن ينزل عليهم العذاب من فوقهم(3)

الصفات التنزيهيّة (6) : الجوهر والعرض

دليل كونه تعالى ليس بجوهر:

إنّ الجوهر إمّا جوهر فرد أو خط أو سطح أو جسم.

وكلّ واحد منها مفتقر وحادث.

ولكن الله ليس بمفتقر ولا حادث(4)

دليل كونه تعالى ليس بعرض:

«العرض» يعتمد في وجوده على محلّه، وهو مفتقر إلى غيره، ولكنّه تعالى منزّه عن الافتقار(5)

حديث شريف:

قال عبدالعظيم الحسني للإمام علي بن محمّد الهادي (ع) :

يابن رسول الله إنّي أريد أن أعرض عليك ديني، فإن كان مرضياً أثبت عليه حتّى ألقى الله عزّ وجلّ.

فقال (ع) : هات. . .


1- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي، ج ٢، ص ١٠6
2- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٠٨
3- انظر: اللوامع الإلهية، ص ١٨5
4- النكت الاعتقادية، ص ٢٨، غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، ص 4٧
5- النكت الاعتقادية، ص ٢٩؛ مناهج اليقين، ص ٢٠٣؛ المسلك في أصول الدين، صص 64 و 65.

ص:77

فقال عبدالعظيم: إنّي أقول: إنّ الله تبارك وتعالى. . . لا عرض ولا جوهر. . .» .

فقال (ع) : . . . هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه. . .»(1)

الصفات التنزيهيّة (٧) : الحدّ

إنّ الله تعالى منزّه عن الحدّ.

قال الإمام علي (ع) :

«ليس له [سبحانه وتعالى] حدّ ينتهي إلى حدّه»(2)

«من زعم أنّ إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود» (3)

أدلة تنزيه الله عن الحدّ:

١- قال الإمام علي (ع) :

«من حدّه [تعالى] فقد عدّه، ومن عدّه فقد أبطل أزله» .(4)

٢- طلب أحد الأشخاص من الإمام علي بن موسى الرضا (ع) أن يحدّ الله تعالى له.

قال (ع) : لا حدّ له.

قال ذلك الشخص: ولم؟

قال (ع) : لأنّ كلّ محدود متناه إلى حدّ.

وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة.

وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان.

فهو غير محدود ولا متزايد ولا متناقص ولا متجزّء. . .»(5)

الصفات التنزيهيّة (٨) : الحركة والسكون

أدلة نفي الحركة عنه تعالى:

١- قال الإمام علي (ع) :

«لا تجري عليه [تعالى] الحركة والسكون، وكيف


1- التوحيد، صص ٧٩ و ٨٠، ب ٢، ح ٣٧
2- التوحيد، ص ٣5، ب ٢، ح ١
3- المصدر، ص ٧٧، ح ٣4م
4- نهج البلاغة، الخطبة ١5٢
5- التوحيد، ص ٢46، ب ٣6، ح ٣.

ص:78

يجرى عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتدأه، إذاً لتفاوتت ذاته، ولتجزّأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه. . .» (1)

٢- سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«لم يزل الله متحرّكاً؟

فقال (ع) : تعالى الله [عن ذلك]، إنّ الحركة صفة محدثة بالفعل»(2)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) قال:

«إنّ الله تبارك وتعالى لايوصف بزمان ولا مكان، ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون، تعالى الله عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً»(3)

4- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«كلّ متحرّك محتاج إلى من يحرّكه أو يتحرّك به، فمن ظنّ بالله الظنون هلك»(4)

بصورة عامّة:

الحركة تستلزم خلو الذات المتحرّكة من المكان التي كانت فيه واستقرارها في مكان غير المكان السابق، وهذا باطل بالنسبة إلى الله؛ لأنّه تعالى منزّه عن المكان.

الصفات التنزيهيّة (٩) : الحلول

الحلول عبارة عن: «قيام موجود بموجود على سبيل التبعية» (5)

أي: الحلول عبارة عن دخول شيء في محل يحويه، ويحلّ داخله على سبيل التبعية.

ومعنى «على سبيل التبعية» :

أن تكون الصلة بين «الحال» و «المحل» صلة تبعية كالصلة بين الجسم ومكانه.

القائلون بالحلول: 6

(6)

ذهب بعض النصارى إلى القول بحلول الله في المسيح (ع) .


1- التوحيد، ص 4١، ب ٢، ح ١
2- الكافي، ج ١، ص ١٠٧، ح١
3- بحار الأنوار، ج ٣، ص ٣٣٠، ب ١4، ح ٣٣
4- الكافي، ص ١٢5، ح ١
5- انظر: تلخيص المحصل، صص ٢6٠ و ٢6١؛ قواعد المرام، ص ٧٣؛ كشف المراد، ص 4٠٧؛ إشراق اللاهوت، ص ٢5٠؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢٧
6- المصدر.

ص:79

ذهب بعض الصوفية إلى القول بحلول الله في أبدان العارفين.

أدلة استحالة حلوله تعالى في الأشياء:

١- الحلول ملازم للجسمانية، والله منزّه عن الجسمانية(1)

٢- إذا جوّزنا الحلول على الله فإنّه تعالى:

أوّلاً: إمّا يكون حالاًّ في محل واحد:

فيلزم كونه تعالى جزءاً لا يتجزّأ، وهو محال.

لأنّ الجزء الذي لا يتجزّأ صغير جدّاً، والله منزّه عن الاتّصاف بهذه الصورة.

ثانياً: أن يكون حالاًّ في أكثر من محل واحد:

فيلزم كونه تعالى مركّباً وقابلاً للقسمة، وهو محال(2)

حديث شريف:

قال الإمام أميرالمؤمنين (ع) حول تنزيه الله عن الحلول:

«. . . لم يحلل فيها [أي: في الأشياء] فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن، ولم يخل منها فيقال له: أين، لكنّه سبحانه أحاط بها علمه وأتقنها صنعه، وأحصاها حفظه. . .»(3)

الصفات التنزيهيّة (١٠) : الحوادث

الحوادث هي ما يطرء على الذات من التغيّرات المختلفة، من قبيل: الحركة والسكون، النوم واليقظة، اللذّة والألم، النشاط والضعف، ونحوها من الأعراض التي تنقل الذّات من حالة إلى أخرى.

دليل بطلان كونه تعالى محلاًّ للحوادث:

الحوادث تستلزم التغيّر والانفعال والتأثّر.

لأنّ الذات التي تطرء عليها الحوادث تتغيّر وتنفعل وتنتقل من حالة إلى أخرى.


1- حقّ اليقين، عبدالله شبر، ص 6١
2- مناهج اليقين، ص ٢٠٣
3- الكافي، ج١، ص١٣5، ح ١.

ص:80

وهذه من صفات الأشياء المادية والجسمانية.

وبما أنّه تعالى منزّه عن الأمور المادية والجسمانية، فلهذا يستحيل عليه أن يكون محلاًّ للحوادث(1)

حديث شريف:

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . إنّه ليس شيء إلاّ يبيد أو يتغيّر، أو يدخله التغيّر والزوال، أو ينتقل من لون إلى لون، ومن هيئة إلى هيئة، ومن صفة إلى صفة، ومن زيادة إلى نقصان، ومن نقصان إلى زيادة، إلاّ ربّ العالمين فإنّه لم يزل ولا يزال بحالة واحدة. . .»(2)

الصفات التنزيهيّة (١١) : الرؤية

قال الشيخ المفيد: «لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل، ونطق القرآن، وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمّد: ، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامّة متكلّميهم. . . والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك»(3)

وسنتناول هذا الموضوع بصورة مفصّلة لاحقاً(4).

الصفات التنزيهيّة (١٢) : الزمان

اختلفت الأقوال حول حقيقة الزمان، ومن هذه الأقوال أنّ الزمان عبارة عن:

١- الفلك الأعظم؛ لأنّه محيط بكلّ الأجسام.

٢- مقدار حركة الفلك الأعظم (قول أرسطو) .

٣- مقدار حركة الطبيعة الفلكية(5)


1- قواعد المرام، ص ٧4. كشف المراد، ص 4٠٨. إرشاد الطالبين، ص ٢٣٢
2- الكافي، ج ١، ص ١١5، ح 5
3- أوائل المقالات، ص 5٧
4- راجع في هذا الكتاب: الفصل الخامس: رؤية الله بالبصر
5- للمزيد راجع: صراط الحق، محمّد آصف المحسني، ج ٢، ص ٣٢.

ص:81

تنزيه الله عن إحاطة الزمان به:

١- قال الإمام علي (ع) :

«الحمد لله الذي. . . لم يسبقه وقت، ولم يتقدّمه زمان»(1)

٢- سئل الإمام علي (ع) : يا أميرالمؤمنين متى كان ربّنا؟

فقال (ع) :

«. . إنّما يقال: متى كان لمن لم يكن فكان، هو كائن بلا كينونة كائن. . .»(2)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى لا يُوصف بزمان. . . بل هو خالق الزمان»(3)

4- سأل أحد الأشخاص الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) : أخبرني عن الله متى كان؟ فقال له (ع) : ويلك أخبرني أنت متى لم يكن حتّى أخبرك متى كان، سبحان من لم يزل ولم يزال. . .»(4)

دليل تنزيه الله عن إحاطة الزمان به:

يلزم إحاطة الزمان بالله تعالى:

أن يتقدّم جزء من الزمان على الله، وأن يتأخّر جزء آخر منه عليه فيكون الجزء الأوّل ماضياً.

ويكون الجزء الثاني مستقبلاً.

وهذا ما لا شك في امتناعه عليه تعالى.

لأنّ الله تعالى، لا يتقدّم عليه شيء، وهو عزّ وجلّ بكلّ شيء محيط.

الصفات التنزيهيّة (١٣) : الشبيه

لا خلاف بأنّ الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئاً من مخلوقاته.


1- التوحيد، ص ٣٣، ب ٢، ح ١
2- المصدر، ص ١٧١، ب ٢٧، ح 6
3- الأمالي، للشيخ الصدوق، ص٣5٣، مجلس 4٧، ح 4٣٠/٧
4- التوحيد، ص ١6٨، ب ٢٨، ح ١.

ص:82

وقد قال تعالى واصفاً نفسه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١].

وسنتناول هذا الموضوع بصورة مفصّلة لاحقاً(1)

الصفات التنزيهيّة (١4) : الشريك

أدلة استحالة وجود الشريك لله تعالى:

١- دليل الاشتراك والامتياز

لو فُرض إلهان في الوجود، فإنّهما:

سيشتركان في مفهوم «الإله» .

وسيمتاز كلّ واحد منهما بأمر مغاير لما فيه اشتراكهما.

وحينئذ يكون كلّ واحد منهما مركّباً مما به الاشتراك ومما به الامتياز.

وكلّ مركّب ممكن، ولكن الله تعالى واجب الوجود.

فيثبت بطلان وجود الشريك له تعالى (2)

٢- دليل التمانع

وجود الشريك يستلزم اختلاف إرادتيهما في بعض الأحيان.

وهذا ما يؤدّي إلى الفساد في نظام الوجود والإخلال بنظام الكون.

وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة بقوله تعالى: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا [الانبياء: ٢٣]

أحاديث لأهل البيت: حول تنزيه الله عن الشريك:

١- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . إن قلت: إنّهما اثنان لم يخل من أن يكونا:

متّفقين من كلّ جهة.

أو مفترقين من كلّ جهة.


1- راجع في هذا الكتاب: «الفصل الخامس عشر، المبحث الثاني، قول المشبّهة: تشبيه صفات اللّه بصفات الإنسان.
2- انظر: المسلك في أصول الدين، ص 55.

ص:83

فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر، دلّ صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدبّر واحد»(1)

توضيح ذلك:

لو كان في الوجود إلهان، لكان كلّ واحد منهما قادراً لذاته.

فإذا أراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه في حالة واحدة، فلا يخلو الأمر من الأقسام التالية:

الأوّل: يقع مرادهما، وهو محال؛ لأنّه جمع بين النقيضين، ويكون الجسم في هذه الحالة متحرّكاً وساكناً في وقت واحد، وهو محال.

الثاني: لا يقع مرادهما، ويلزم منه عجزهما، والإله لا يكون عاجزاً.

الثالث: يقع مراد أحدهما، فيكون الإله هو القادر، وأمّا العاجز فليس أهلاً للألوهية(2)

٢- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : لِمَ لا يجوز أن يكون صانع العالم أكثر من واحد؟

قال (ع) :

«لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من أن يكونا قديمين قويين، أو يكونا ضعيفين، أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً.

فإن كانا قويين فلِمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالربوبية؟

وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد- كما نقول- للعجز الظاهر في الثاني»(3)

٣- جاء في وصية الإمام علي (ع) لولده الإمام الحسن (ع) :

«لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد كما وصف نفسه. . . .»(4)


1- الكافي، الشيخ الكليني: ج ١، ص ٨١، ح 5
2- انظر: المسلك في أصول الدين، صص55 و 56
3- بحار الأنوار، ج ٣، ص ٢٣٠، ب 6، ح ٢٢
4- نهج البلاغة، ص 54١، رسالة ٣١.

ص:84

الصفات التنزيهيّة (١5) : الضدّ

معاني «الضدّية» بين الشيئين:

المعنى الأوّل: لا يجتمعان في محل وزمان واحد.

مثال ذلك: الحرارة والبرودة، السواد والبياض.

المعنى الثاني: لكلّ واحد منهما أثر ينافي أثر الآخر.

مثال ذلك: الماء والنار.

المعنى الثالث: لأحدهما قدرة تمنع الآخر.

مثال ذلك: أن يتنازع شخصان في فعل واحد، وأحدهما أقوى من الآخر(1)

أدلة تنزيه الله عن وجود ضدّ له(2):

بالنسبة إلى المعنى الأوّل :

إنّ الله منزّه عن المكان والزمان، كما أنّ اجتماعه مع شيء آخر في مكان واحد يستلزم الحلول، والحلول - كما ثبت سابقاً - محال بالنسبة إلى الله تعالى.

بالنسبة إلى معنى الثاني :

كلّ ما سوى الله مخلوق، وليس له الاستقلالية في وجوده؛ لأنّ وجوده قائم بغيره، فلهذا يستحيل على أيّ مخلوق أن يترك أثراً منافياً عليه تعالى.

بالنسبة إلى المعنى الثالث :

كلّ ما سوى الله ممكن الوجود، والممكن لا يستطيع أبداً مواجهة الواجب، ولهذا قال تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ [الأنعام: ١٨].

حديث شريف:

قال أميرالمؤمنين (ع) حول تنزيه الله عن الضد:

« ليس له [تعالى] فيما خلق ضد. . . بذلك أصف ربّي فلا إله إلاّ الله من عظيم ما أعظمه؟ ! ومن جليل ما أجلّه؟ ! ومن عزيز ما أعزّه؟ ! وتعالى عمّا يقول الظالمون علوّاً كبيراً»(3)


1- انظر: كشف المراد، ص 4٠6. اللوامع الإلهية، ص ١56. إيضاح المراد، ص ٨٧
2- انظر: المصدر
3- الكافي، ج١، ص١٣5، ح ١.

ص:85

الصفات التنزيهيّة (١6) : الكيفيات المحسوسة

الكيفيات المحسوسة، من قبيل: اللون والطعم والرائحة والحرارة والبرودة والرطوبة و. . .

أدلة تنزيه الله عن الكيفيات المحسوسة:

١- الكيفيات المحسوسة من خواص الجسم، والله تعالى منزّه عن الجسمانية.

٢- الكيفيات المحسوسة حادثة، لكن الباري غير حادث، فيمتنع أن يكون قابلاً للحوادث.

٣- الكيفيات المحسوسة تستلزم الانفعال، والله منزّه من الانفعال(1)

أحاديث لأهل البيت: : حول تنزيه الله عن الكيفية:

١- سئل رسول الله (ص) عن الله تعالى: كيف هو؟

قال (ص) :

«وكيف أصف ربّي بالكيف، والكيف مخلوق الله، والله لا يوصف بخلقه»(2)

٢- قال رسول الله (ص) حول الله تعالى:

«لا كيف له ولا أين؛ لأنّه عزّ وجلّ كيّف الكيف، وأيّن الأين»(3)

٣- قال الإمام علي (ع) حول الله تعالى:

«. . . المعروف بغير كيفية»(4)

4- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول الله تعالى:

«. . . ولا يوصف بكيف. . . فكيف أصفه بكيف، وهو الذي كيّف الكيف حتّى صار كيفاً. . .»(5)

5- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«من نظر في الله كيف هو هلك»(6)


1- انظر: تلخيص المحصّل، صص ٢6٧ و ٢6٨؛ مناهج اليقين، ص ٢٠٩
2- التوحيد، ص ٣٠٣، ب 44، ح ١
3- المصدر، ص ٣٠4، ب 44، ح ٢
4- المصدر، ص ٧6، ب ٢، ح ٣4
5- المصدر، ص ١١١، ب ٨، ح ١4
6- الكافي، ج ١، ص ٩٣، ح 5.

ص:86

6- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«إذا سألوك عن الكيفية، فقل كما قال الله عزّوجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]»(1)

الصفات التنزيهيّة (١٧) : اللذّة والألم ٢

(2)

تعريف اللذّة والألم عند المتكلّمين:

اللذة: حالة حاصلة من تغيّر المزاج إلى الاعتدال.

الألم: حالة حاصلة من تغيّر المزاج إلى الفساد.

تعريف اللذّة والألم عند الفلاسفة:

اللذّة: إدراك الذات ما يلائمها.

الألم: إدراك الذات ما ينافيها.

الألم في الذات الإلهية:

اتّفق الجميع على انتفاء الألم عنه تعالى، ودليل ذلك:

المتكلّمون: الألم من توابع المزاج، والمزاج يوجب التغيير والانفعال، والله تعالى منزّه عن هذه الأمور.

الفلاسفة: الألم إدراك الذات ما ينافيها، ولا مناف له تعالى؛ لأنّ ما عداه صادر عنه، فلا يكون منافياً له.

اللذّة في الذات الإلهية:

وقع الخلاف بين العلماء حول وجود اللذّة في الذات الإلهية:

المتكلّمون: إنّ الله تعالى منزّه عن اللذّة؛ لأنّ اللذّة من توابع المزاج، وملازمة للانفعال، ولا تصح إلاّ في الأجسام، والله تعالى منزّه عن المزاج والانفعال والجسمانية.


1- التوحيد، صص ٩٢ و ٩٣، ب 4، ح ١4
2- انظر: قواعد العقائد، ص٧٠؛ قواعد المرام، ص ٧5؛ كشف المراد، ص 4٠٩؛ مناهج اليقين، صص ٢٠٨ و ٢٠٩؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٣٣.

ص:87

الفلاسفة: اللذّة عبارة عن إدراك الذات ما يلائمها، والله تعالى مدرك لذاته بذاته، وذاته في غاية الجمال والكمال والبهاء، فلهذا يكون لله تعالى أعظم البهجة والسرور واللذّة بذاته.

تنبيه: منع العلماء توصيفه تعالى باللذّة؛ لأنّ أوصاف الله توقيفية، ولا يجوز توصيفه تعالى إلاّ بما وصف به نفسه (1)

وقال مقداد السيوري في هذا الخصوص: «والذي يقتضيه العقل هو عدم التهجّم على هذه الذات المقدّسة بما لا ضرورة إلى إثباته ولم يرد الإذن فيه»(2)

الصفات التنزيهيّة (١٨) : المثيل

«المثل» هو الشيء الذي يتوافق مع غيره في الماهية.

مثال ذلك: زيد مثل عمر في الإنسانية.

أدلة استحالة مماثلته تعالى لغيره:

١- المماثلة تكون في «الماهية» ، والله تعالى ليس له ماهية، فلا مثل له.

٢- إذا كان الشيئان متماثلين، فسيلزم من ذلك:

اشتراكهما في لوازم الذات.

ومن لوازم ذات الله تعالى «القدم» .

ومن لوازم ذات غيره تعالى «الحدوث» .

فإذا قلنا بأنّ ذاته تعالى مماثلة لذات غيره، فمعنى ذلك: أن يكون «الحدوث» من لوازم ذات الله تعالى الذي هو قديم.

وأن يكون «القدم» من لوازم ذات غير الله الذي هو حادث.

فيصبح الحادث قديماً، والقديم حادثاً، وهذا خلف.

فيثبت استحالة مماثلته تعالى لغيره (3)


1- انظر من المصدر السابق: قواعد المرام: ص٧5، كشف المراد: ص4٠٩، مناهج اليقين: ص٢٠٩، إرشاد الطالبين: ص٢٣6
2- اللوامع الإلهية، ص ١6١
3- انظر: كشف المراد، ص4٠5، نهج الحق وكشف الصدق، ص 54. إرشاد الطالبين، ص ٢٢4.

ص:88

٣- كلّ ذاتين اشتركا في أمر ذاتي:

فلابد أن يتميّز أحدهما عن الآخر بأمر عرضي.

فيكون «ما به الامتياز» جزء لكلّ واحد منهما.

فلو شارك الله غيره في شيء من الأشياء، لكان مركّباً، وبما أنّ الله منزّه عن التركيب، فلا يصح أن يكون له مماثل(1)

نفي المثيل عنه تعالى في القرآن الكريم:

قال عزّ وجلّ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١]

أي: ليس مثله شيء على وجه من الوجوه (2)

نفي المثيل عنه تعالى في الأحاديث الشريفة:

١- قال الإمام علي (ع) :

«. . . فلا شبه له من المخلوقين، وإنّما يُشبّه الشيء بعديله، فأمّا ما لا عديل له، فكيف يُشبّه بغير مثاله. . .» (3)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«كلّ ما في الخلق لا يوجد في خالقه»(4)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«كلّ شيء وقع عليه اسم شيء سواه [تعالى] فهو مخلوق»(5)

4- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«ما وقع همّك عليه من شيء فهو خلافه، لا يشبهه شيء. . .»(6)

الصفات التنزيهيّة (١٩) : المكان

أدلة تنزيه الله عن وجوده في مكان:


1- مناهج اليقين، ص ٢١١
2- فتكون «الكاف» في «كمثله» زائدة؛ وقال الشريف المرتضى: «الكاف ليست زائدة، وإنّما نفى أن يكون لمثله مثل، فإذا ثبت ذلك عُلم أنّه لا مثل له؛ لأنّه لو كان له مثل لكان له أمثال، وكان لمثله مثل. . . نعلم بذلك أنّه لا مثل له أصلاً. . . فأراد الله تعالى أن يبيّن أنّه منزّه عن التشبيه أنّه كشيء أو مثل شيء» ؛ متشابه القرآن ومختلفه، محمّد بن علي بن شهر آشوب، ص ١٠4
3- التوحيد، ص 5٢، ب ٢، ح ١٣
4- المصدر، ص 4١، ح ١
5- المصدر، ص 5٨، ح ١6
6- الكافي، ج ١، ص ٨٢، ح ١.

ص:89

١- يستلزم ذلك احتياج الله إلى المكان، ولكنّه تعالى هو الغني الذي لا يحتاج إلى شيء(1)

سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : هل يجوز أن نقول: إنّ الله عزّوجلّ في مكان؟

فقال (ع) :

«سبحان الله وتعالى عن ذلك، إنّه لو كان في مكان لكان محدَثاً؛ لأنّ الكائن في مكان محتاج إلى المكان، والاحتياج من صفات المُحدَث لا من صفات القديم»(2)

٢- إنّ المكان الذي يكون الله فيه لا يخلو من أمرين:

الأوّل: قديم، فيستلزم ذلك تعدّد القدماء، وهذا باطل.

الثاني: حادث، والحادث محدود، ولكنّه تعالى غير محدود، والشيء المحدود لايسعه إحاطة الشيء غير المحدود.

فيثبت بطلان وجوده تعالى في مكان(3)

أحاديث لأهل البيت: حول تنزيه الله تعالى عن الوجود في مكان:

١- قال الإمام علي (ع) :

«. . . إنّ الله جلّ وعزّ أيّن الأين فلا أين له، وجلّ عن أن يحويه مكان. . .»(4)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«كان الله ولا مكان»(5)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد (ع) :

«ولا يوصف [عزّ وجلّ] بكيف ولاأين. . . ، كيف أصفه بأين وهو الذي أيّن الأين حتّى صار أيناً، فعرفت الأين بما أيّنه لنا من الأين. . .»(6)


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٩؛ قواعد العقائد: ص 6٩؛ قواعد المرام، ص ٧١؛ الباب الحادي عشر، ص5٢
2- التوحيد، ص١٧4، ب ٢٨، ح ١١
3- انظر: كنز الفوائد، ج ٢، ص ١٠4؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢٧
4- بحار الأنوار، ج 5٧، ص ٨٣، ب ١، ح 6٣
5- الإرشاد، ج ١، ص ٢٠١
6- الكافي، ج ١، صص ١٠٣ و ١٠4، ح ١٢؛ التوحيد، ص ١١١ و ١١٢، ب ٨، ح ١4.

ص:90

4- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : أين كان ربّنا قبل أن يخلق سماءً أو أرضاً؟ فقال (ع) :

«أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان»(1)

معنى نسبة بعض الأماكن إلى الله تعالى:

١- ورد في معنى قول إبراهيم (ع) : إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ [الصافات:٩٩]

ومعنى قول موسى (ع) : وَ عَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى [طه: ٨4]

وقوله عزّ وجلّ: فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ [الذاريات: 5١]

وغيرها من الآيات القرآنية التي تدل بظاهرها على وجود مكان لله تعالى(2)

قال الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع)

«. . إنّ الكعبة بيت الله فمن حجّ بيت الله فقد قصد إلى الله.

والمساجد بيوت الله، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله وقصد إليه. والمصلّي مادام في صلاته فهو واقف بين يدي الله جلّ جلاله. . .

وإنّ لله تبارك وتعالى بقاعاً في سماواته، فمن عُرج به إليها، فقد عرج به إليه، ألا تسمع الله عزّ وجلّ يقول: تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج: 4] ويقول عزّ وجلّ: إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:1[» .(3)

٢- سئل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

لأيّ علّة عرج الله بنبيّه (ص) إلى السماء، ومنها إلى سِدرَة المنتهى، ومنها إلى حجب النور، وخاطبه وناجاه هناك، والله لا يوصف بمكان؟

فقال (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان، ولا يجري عليه زمان، ولكنّه عزّ وجلّ أراد أن يشرّف به ملائكته وسكّان سماواته ويكرمهم بمشاهدته، ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه، وليس ذلك على ما يقول المشبّهون، سبحان الله وتعالى عما يشركون»(4)


1- الكافي، ج ١، صص ٨٩ و ٩٠، ح 5؛ التوحيد، ص ١٧٠، ب ٢٨، ح 4
2- من قبيل قوله تعالى في قصّة عيسى: بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ [النساء: ١5٨] راجع: بحارالأنوار، ج٣، ص٣٢١
3- التوحيد، صص ١٧٢ - ١٧٣، ب ٢٨، ح ٨
4- المصدر، ص ١٧٠، ب ٢٨، ح 5.

ص:91

معنى وجود الله في كلّ مكان:

١- قال رسول الله (ص) :

«هو في كلّ مكان، وليس هو في شيء من المكان بمحدود. . .»(1)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«. . . هو في كلّ مكان بغير مماسة ولا مجاورة، يحيط علماً بما فيها، ولا يخلو شيء منها من تدبيره. . .»(2)

٣- قال الإمام علي (ع) :

« لم يحلُل في الأشياء فيقال هو فيها كائن.

ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن

ولم يخل منها فيقال أينَ.

ولم يقرب منها بالالتزاق.

ولم يبعد عنها بالافتراق.

بل هو في الأشياء بلا كيفية(3)

4- سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : فهو [عزّ وجلّ] في كلّ مكان؟

أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض؟ !

وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء؟ !

فقال (ع) :

«إنّما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان، واشتغل به مكان، وخلا منه مكان، فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه.

فأمّا الله العظيم الشأن المَلِك الديّان فلا يخلو منه مكان، ولا يشتغل به مكان، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان»(4)

5- عن محمّد بن نعمان قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن قول الله عزّوجلّ: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ [الأنعام: ٣]


1- التوحيد، ص ٣٠٣، ب 44، ح ١
2- الإرشاد، ج ١، ص ٢٠١
3- التوحيد، ص ٧٧، ب ٢، ح ٣4
4- المصدر، ص٢4٨، ب ٣6، ح ٣.

ص:92

قال (ع) :

«كذلك هو في كلّ مكان» .

قلت: بذاته.

قال (ع) :

«ويحك! إنّ الأماكن أقدار، فإذا قلت: في مكان بذاته، لزمك أن تقول: في أقدار وغير ذلك، ولكن هو بائن من خلقه، محيط بما خلق علماً وقدرة وإحاطة وسلطاناً وملكاً. . . لا يبعد منه شيء، والأشياء له سواء علماً وقدرة وسلطاناً وملكاً وإحاطة»(1)


1- التوحيد، صص ١٢٨ و ١٢٩، ب ٩، ح ١5.

ص:93

الفصل الخامس: رؤية اللّه تعالى بالبصر

اشاره

* معنى الرؤية البصرية

* عقيدة الشيعة وأهل السنّة

* أدلة نفي رؤية الله بالبصر

* مناقشة أدلة القائلين بإمكانية رؤية الله بالبصر

ص:94

ص:95

المبحث الأوّل: معنى الرؤية البصرية

الرؤية البصرية عبارة عن: انعكاس صورة المرئي على العين عن طريق وصول النور النابع أو المنعكس من الأشياء إلى العين، ثمّ انتقال هذا النور على شكل أمواج عصبية إلى الدماغ من أجل تحليله وتفسيره وتعقّل شكل وصورة المرئي.

تنبيه: ما يجدر الالتفات إليه عند دراسة الخلاف الواقع بين المسلمين حول رؤية الله تعالى هو أنّ الرؤية التي وقع الاختلاف حول إمكانها أو استحالتها هي الرؤية بمعنى إدراكه تعالى عن طريق حاسّة البصر، أمّا تفسير رؤية الله بالإدراك المعرفي أو الكشف الشهودي (الرؤية القلبية) أو العلم الحضوري فهو مما لم يقع الاختلاف حول إمكانه ولا خلاف في جوازه.

المبحث الثاني: عقيدة الشيعة وأهل السنّة حول رؤية الله تعالى

عقيدة الشيعة:

قال الشيخ المفيد: «لا يصح رؤية الباري سبحانه بالأبصار، وبذلك شهد العقل ونطق القرآن وتواتر الخبر عن أئمة الهدى من آل محمّد: ، وعليه جمهور أهل الإمامة وعامّة متكلّميهم. . . والمعتزلة بأسرها توافق أهل الإمامة في ذلك»(1)

عقيدة أهل السنّة:

قال أبو الحسن الأشعري: «وندين بأنّ الله يُرى في الآخرة بالأبصار كما يُرى القمر ليلة البدر»(2)


1- أوائل المقالات، ص 5٧
2- الإبانة، ص ١٧.

ص:96

وجاء في كتب الحديث لأهل السنّة:

ورد عن جرير بن عبدالله قال: كنّا عند النبي (ص) ، فنظر إلى القمر ليلةً- يعني البدر- فقال:

« إنّكم سترون ربّكم كما ترون هذا القمر. . .»(1)

قال النبي (ص) :

«إنّكم سترون ربّكم عياناً» (2)

المبحث الثالث: أدلة نفي رؤية الله بالبصر

الأدلة العقلية على استحالة رؤية الله بالبصر:

١- تستلزم رؤية الله عن طريق حاسّة البصر إثبات الجهة له تعالى، وبما أنّه تعالى منزّه عن الجهة، فلهذا تكون رؤيته أمراً محالاً.

بعبارة أخرى: تستلزم الرؤية البصرية أن يكون المرئي مقابلاً للرائي (3)، وكلّ مقابل فهو في جهة من الجهات، وبما أنّه تعالى منزّه عن الجهة، فلهذا تستحيل عليه الرؤية (4)

٢- لا تتحقّق الرؤية البصرية إلاّ عن طريق وصول الأشعة من المرئي إلى العين، ويستلزم هذا الأمر أن يكون المرئي جسماً.

وبما أنّ الله منزّه عن الجسمانية، فلهذا تستحيل رؤيته عن طريق حاسّة البصر(5)

٣- لا تتحقّق الرؤية البصرية إلاّ عن طريق انطباع صورة المرئي في العين، وبما أنّه تعالى منزّه عن الصورة، فلهذا تستحيل رؤيته عن طريق حاسّة البصر.

4- رؤية الله عن طريق حاسّة البصر لا تخلو من أمرين:

أوّلاً: أن تقع على كلّ الذات الإلهية.


1- صحيح البخاري، ج١، ص١٣٨؛ صحيح مسلم، ج ١، ص ٣6٧
2- المصدر، ج 4، ص 45٣
3- أو في حكم المقابل للرائي، كرؤية الإنسان المرئيات التي حوله عن طريق المرآة
4- انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي، صص ٧4 و ٧5. غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، ج ٢، صص 5٢ و 5٣. قواعد المرام، ميثم البحراني، ص ٧6. كشف المراد، ص 4١١. اللوامع الإلهية، ص١6٣
5- انظر: الرسائل العشر، ص ١٠5.

ص:97

فيستلزم أن تكون الذات الإلهية محدودة ومحصورة في ناحية من النواحي، ولكنّه تعالى منزّه عن المحدودية والحصر.

ثانياً: أن تقع على بعض الذات الإلهية.

فيستلزم أن تكون الذات الإلهية مركّبة وذات أجزاء، ولكنّه تعالى منزّه عن التركيب والأجزاء.

فلهذا نستنتج استحالة رؤية الله عن طريق حاسّة البصر.

النتيجة:

القول برؤية الله عن طريق حاسّة البصر تستلزم نسبة الجهة والمحدودية والجسمانية والشكل والصورة إلى الله، وبما أنّه تعالى منزّه عن هذه الأمور، فلهذا نستنتج استحالة وقوع الرؤية البصرية عليه تعالى.

الأدلة القرآنية على نفي رؤية الله بالبصر:

١- لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَْبْصارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: ١٠٣]

و «الإدراك» المضاف إلى «البصر» يفيد «الرؤية» ، وقد بيّنت هذه الآية بأنّه تعالى منزّه عن الرؤية البصرية(1)

٢- وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي. . . [الأعراف: ١4٣]

و «لن» تفيد النفي الأبدي، فيثبت من قوله تعالى لموسى (ع) : (لَنْ تَرانِي) أنّه تعالى لن يُرى بالبصر أبداً (2)

ولو كان الله ممكن الرؤية بحاسّة البصر لكان النبي موسى (ع) أولى الناس برؤيته(3)


1- انظر: التبيان، ج 4، صص ٢٢٣ - ٢٢4. المسلك في أصول الدين، ص 6٧. المنقذ من التقليد، ج١، ص ١٢٢. إرشاد الطالبين، ص ٢4١
2- انظر: التبيان، ج 4، ص 5٣6. المسلك في أصول الدين، ص 6٨. نهج الحقّ وكشف الصدق، ص4٨. اللوامع الإلهية، ص ١64
3- انظر: قواعد المرام، ص ٧٧.

ص:98

وتوجد مناقشات أخرى حول هذه الآية سنذكرها لاحقاً.

أحاديث لأهل البيت: حول نفي رؤية الله بالبصر:

١- جاء شخص إلى أميرالمؤمنين (ع) فقال: يا أميرالمؤمنين هل رأيت ربّك حين عبدته؟

فقال (ع) : ويلك ما كنت أعبد ربّاً لم أره.

قال: وكيف رأيته؟

قال (ع) : ويلك لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان(1)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«انحسرت الأبصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفاً»(2)

٣- وقال (ع) حول الله تعالى:

«. . . ولا بمحدث فيبصر. . .»(3)

4- وقال (ع) :

«الحمد لله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر»(4)

5- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول الله تبارك وتعالى هل يُرى في المعاد؟

فقال (ع) :

«سبحان الله وتعالى عن ذلك علواً كبيراً. . . إنّ الأبصار لا تُدْرِك إلاّ ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية» (5)

6- سئل الإمام الصادق (ع) : إنّ رجلاً رأى ربّه عزّ وجلّ في منامه، فما يكون ذلك؟ فقال (ع) :

«ذلك رجل لا دين له، إنّ الله تبارك وتعالى لا يُرى في اليقظة، ولا في المنام، ولا في الدنيا، ولا في الآخرة»(6)


1- الكافي، ج ١، ص ٩٨، ح 6؛ التوحيد، ص ١٠6، ب ٨، ح 6
2- التوحيد، ص 5١، ب ٢، ح ١٣
3- المصدر، ص ٧6، ب ٢، ح ٣4
4- نهج البلاغة، الخطبة ١٨5
5- الأمالي، للشيخ الصدوق، ص 4٩5، المجلس 64، ح 6٧4/٣
6- المصدر، ج 6، ص ٧٠٨، المجلس ٨٩، ح ٩٧4/6.

ص:99

٧- سئل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) : . . . إنّا روينا أنّ الله قسّم الرؤية والكلام بين نبيّين، فقسّم الكلام لموسى (ع) ولمحمّد (ص) الرؤية.

قال (ع) :

«. . . كيف يجيىء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله، فيقول: لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ ، (وَ لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ثمّ يقول: أنا رأيته بعيني. . . ؟ !»(1)

٨- سئل الإمام الرضا (ع) : هل رأى رسول الله (ص) ربّه عزّ وجلّ؟

فقال (ع) :

«نعم، بقلبه رآه، أما سمعت الله عزّوجلّ يقول: (ما كذب الفؤاد ما رأى) أي: لم يره بالبصر، ولكن رآه بالفؤاد»(2)

المبحث الرابع: مناقشة أدلة القائلين بإمكان رؤية الله بالبصر

الدليل العقلي:

ملاك الرؤية هو «الوجود» ، وكلّ موجود يصح رؤيته، وبما أنّه تعالى موجود فيمكن رؤيته(3)

يرد عليه:

ملاك الرؤية ليس «الوجود» بما هو وجود، بل هو الوجود المقيّد بقيود، منها كونه جسماً مادّياً واقعاً في إطار ظروف خاصّة، لتصح رؤيته.

ولهذا توجد أُمور، من قبيل: العلم، الإرادة، العقل، النفس، اللذّة، والألم موجودة، ولكنّها لا ترى بالعين(4)

مناقشة الأدلة القرآنية التي تمسّك بها القائلون بإمكان رؤية الله:

الآية الأولى:


1- الكافي، ج ١، ص ٩6، ح ٢
2- التوحيد، ص ١١٢، ب ٨، ح ١٧
3- الإبانة عن أصول الديانة، ص ٢6
4- انظر: المسلك في أصول الدين، ص 6٩. كشف المراد، ص 4١٣.

ص:100

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ * وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ * تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ [القيامة: ٢٢- ٢5]

الاستدلال:

استعمال «النظر» مع حرف «إلى» يعني «الرؤية» .

واستعمل «النظر» في هذه الآية مع حرف «إلى» ، فيكون معنى الآية بأنّ أصحاب الوجوه المبتهجة تنظر إلى ربّها يوم القيامة، وهذا ما يثبت إمكانية رؤية الله تعالى(1)

يرد عليه:

١- «النظر» لا يفيد «الرؤية» دائماً؛ لأنّ حقيقة «النظر» في اللغة هو تقليب حدقة العين نحو الشيء طلباً لرؤيته(2)، وقد يقلّب الإنسان نظره طلباً للعثور على شيء، ولكنّه لا يراه، ولذلك يقال: «نظرت إلى الهلال فلم أره»(3)

٢- البراهين العقلية والقرآنية، على استحالة رؤية الله بالبصر- والتي أشرنا إليها سابقاً- تلزمنا اتّباع تفسير يجنّبنا الوقوع في محاذير القول برؤية الله بالبصر.

وقد فسّر لنا أهل البيت: هذه الآية بتقدير مضاف محذوف(4)

فيكون الأصل: وجوه يومئذ ناضرة إلى [ثواب] ربّها ناظرة.

والنظر إلى الثواب- في الواقع- كناية عن توقّع مجيئه وانتظار قدومه من الله تعالى(5)


1- انظر: الإبانة عن أصول الديانة، ص ٢٢
2- ورد في الصحاح للجوهري، ج٢، ص٨٣٠؛ وجاء في مفردات ألفاظ القرآن للراغب، ص ٨١٢
3- انظر: الأمالي، ج ١، ص ٣6. الاقتصاد في شرح الاعتقاد، ص ٧6. المسلك في أصول الدين، ص٧٠. المنقذ من التقليد، ص ١٢٨. كشف المراد، ص4١٢
4- من أمثلة حذف المضاف وقيام المضاف إليه مكانه في القرآن الكريم: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف: ٨٢] أي: واسأل أهل القرية، لعدم إمكان السؤال من أحجار القرية وبيوتها. وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢] أي: وجاء أمر ربّك؛ لأنّ الحركة من لوازم الجسمانية، والله تعالى منزّه عن ذلك
5- ورد في لسان العرب، ج١4، ص١٩١.

ص:101

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول تفسير قوله تعالى:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ * إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ : «يعني مشرقة تنتظر ثواب ربّها»(1)

دعم سياق الآية لهذا المعنى:

توجد في هذه الآية أمور متقابلة:

التقابل الأوّل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ويقابلها: وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ

أي: وجوه يومئذ مستبشرة ومبتهجة، ويقابلها وجوه يومئذ كالحة وعابسة.

التقابل الثاني: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ ، ويقابلها: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ

وهنا يتمّ رفع الإبهام الموجود في الفقرة الأولى عن طريق التأمّل في الفقرة الثانية التي تقابلها.

لأنّ التقابل الموجود بين هاتين الآيتين يرشدنا إلى تفسير الفقرة الأولى بما يقابل الفقرة الثانية.

والمقصود من الفقرة الثانية: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ

أي: إنّ الطائفة العاصية ذات الوجوه الكالحة والعابسة نتوقّع أن ينزل عليها عذاب يكسر فقارها ويقصم ظهرها.

ومن هنا يتبيّن مقصود الفقرة الأولى: إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ

أي: إنّ الطائفة المطيعة ذات الوجوه المستبشرة والمبتهجة تتوقّع عكس ما تتوقّعه الطائفة العاصية، فهي تتوقّع ثواب الله ورحمته وكرمه وفضله تعالى.

فنستنتج بأنّ «النظر» في هذه الآية كناية عن «التوقّع والانتظار» .

النتيجة:

محور البحث في هذه الآية هو: «توقّع الرحمة» و «توقّع العذاب» .

والعباد المطيعون لله يتوقّعون الرحمة.

والعباد العاصون لله يتوقّعون العذاب.

وليست الآية بصدد الحديث عن رؤية الله البصرية أو القلبية.


1- التوحيد، ص ١١٣، ب ٨، ح ١٩.

ص:102

ومن هنا نستنتج بأنّ مصطلح «النظر» استخدم في هذه الآية كناية عن التوقّع والانتظار.

تنبيه: قيل: بأنّ الانتظار يوجب الغم والتنغيص والتكدير، ولكن الآية جاءت لبيان النعم، فلهذا لا يصح تفسير النظر بمعنى الانتظار في هذه الآية(1).

يرد عليه:

«الانتظار» الذي يورث الغم والتنغيص والتكدير هو انتظار النعم مع عدم الاطمئنان من الحصول عليها، وهذا ما يؤدّي إلى الإزعاج والتوتّر والقلق.

ولكن هذه الآية تشير إلى انتظار النعم بعد البشارة الإلهية بها واطمئنان الحصول عليها، وهذا لا يوجب الغم، بل يوجب الفرح والسرور ونضارة الوجه (2)

بعبارة أخرى:

«الانتظار يوجب الغم. . . في وعد من يجوز منه خلف الوعد.

أمّا إذا كان وعد من لا يخلف الوعد- مع علم الموعود بذلك- فإنّه لا يوجب الغم، بل هو سبب للفرح والسرور ونضارة الوجه»(3)

الآية الثانية:

وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمَّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ [الأعراف:١4٣]

أوجه دلالة هذه الآية على إمكانية رؤية الله تعالى:

الوجه الأوّل:

لو كانت رؤية الله مستحيلة لما سألها النبي (ع) من الله، وبما أنّه سألها فهذا يدل على أنّها غير مستحيلة (4)


1- انظر: الإبانة عن أصول الديانة، ص ٢١
2- انظر: كشف المراد، صص 4١٢ و 4١٣
3- إرشاد الطالبين، صص ٢4٨ و ٢4٩
4- الإبانة عن أصول الديانة، ص٢٣.

ص:103

توضيح ذلك:

رؤية الله لا تخلو من أمرين:

١- الإمكان، وهو المطلوب.

٢- الاستحالة، فإذا كانت رؤية الله بالبصر مستحيلة، فلا يخلو علم النبي موسى (ع) باستحالة هذه الرؤية عندما طلبها من الله تعالى من أمرين:

أوّلاً: يعلم استحالة الرؤية، وهذا غير صحيح؛ لأنّه لو كان كذلك لما سأل الله ذلك؛ لأنّ العاقل لا يسأل المستحيل.

ثانياً: لا يعلم استحالة الرؤية، وهذا غير صحيح؛ لأنّ النبي- في الواقع- أعلم الناس بالله وصفاته.

فنستنتج إمكانية رؤية الله تعالى.

يرد عليه:

لم يطلب النبي موسى (ع) من الله الرؤية نتيجة علمه بإمكانية هذه الرؤية أو عدم علمه باستحالتها، بل طلب ذلك لدواعي أخرى تتبيّن من خلال ما جرى بينه (ع) وبين قومه بني إسرائيل، ومجمل ما جرى هو:

١- كلّم الله تعالى النبي موسى (ع) .

٢- أخبر النبي موسى (ع) قومه بني إسرائيل بأنّ الله كلّمه وناجاه.

٣- قال قومه له: لن نؤمن لك حتّى نسمع كلام الله كما سمعت!

4- اختار النبي موسى (ع) من قومه سبعين رجلاً لميقات ربّه.

5- خرج النبي موسى (ع) مع هؤلاء السبعين إلى طور سيناء، وسأل الله أن يكلّمه.

6- كلّم الله النبي موسى (ع) ، وسمع هؤلاء كلام الله.

٧- قال هؤلاء للنبي موسى (ع) : لن نؤمن بأنّ هذا الكلام الذي سمعناه هو كلام الله حتّى نرى الله جهرة!

٨- عندما قال هؤلاء هذا القول الدال على استكبارهم بعث الله عليهم صاعقة قضت عليهم جميعاً، فماتوا.

ص:104

٩- طلب النبي موسى (ع) من الله أن يُحيي هؤلاء السبعين لئلا يشكل عليه بنوإسرائيل بأنّك أخذت هؤلاء وقتلتهم لئلا يشهدوا عليك بأنّك لم تكلّم الله.

١٠- استجاب الله دعاء النبي موسى (ع) وأحياهم.

١١- قال النبي موسى (ع) لهم: ياقوم إنّ الله لا يُرى بالأبصار، ولا كيفية له، وإنّما يعرف بآياته، ويعلم بأعلامه.

١٢- لجّ قوم موسى وقالوا: إنّك إذا طلبت من الله أن يريك تنظر إليه أجاب الله دعاءك.

١٣- قال النبي موسى (ع) للّه: ياربّ إنّك قد سمعت بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم.

١4- أوحى الله: يا موسى سلني ما سألوك، فلن أؤاخذك بجهلهم.

١5- طلب النبي موسى (ع) من الله هذه الرؤية ليكون الجواب الإلهي حجّة على قومه، فقال (ع) : رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ .

١6- أجابه الله بصوت سمعه بنو إسرائيل: لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي

١٧- فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً

١٨- فَلَمَّا أَفاقَ النبي موسى (ع) قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ أي: رجعت من معرفتي بك عن جهل قومي وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ بأنّك لا تُرى ١.

النتيجة:

لم يطلب النبي موسى (ع) من الله الرؤية لنفسه نتيجة علمه بإمكان هذه الرؤية أو جهله باستحالتها، بل قام بذلك نتيجة إلحاح وإصرار قومه، فطلب هذه الرؤية منه تعالى ليكون الجواب الإلهي حجّة على هؤلاء ٢.

ولهذا لا نجد أيّ عتاب أو مؤاخذة من الله لموسى (ع) إزاء طلبه للرؤية، بل

١) انظر: التوحيد، صص ١١٧ و ١١٨، ب ٨، ح ٢4

٢) للمزيد راجع: الأمالي، الشريف المرتضى: ج٢، ص ٢١5. مجمع البيان، ج 4، ص ٧٣٠. تلخيص المحصّل، ص ٣٢٠. المسلك في أصول الدين، ص 6٨. كشف المراد، ص 4١٢.

ص:105

نجد العتاب والمؤاخذة موجّه لقوم موسى (ع) إزاء طلبهم للرؤية، حيث وصفهم النبي موسى (ع) ب- «السفهاء» نتيجة هذا الطلب(1)

الوجه الثاني:

علّق الله الرؤية على استقرار الجبل، وهو أمر ممكن، والمعلّق على الممكن ممكن(2)

بعبارة أخرى:

كما أنّه تعالى قادر - بعد تجلّيه للجبل - أن يجعل الجبل بدون استقرار.

فإنّه تعالى قادر - بعد تجلّيه للجبل - أن يجعل الجبل مع استقرار.

فنستنتج:

كما أنّه تعالى قادر على أن لا يُري نفسه لموسى وقومه، فإنّه تعالى قادر على أن يُري نفسه لموسى وقومه (3)

يرد عليه:

لم يعلّق الله رؤيته على أمر ممكن، بل علّقها على أمر مستحيل.

بيان ذلك:

إنّ «استقرار» الجبل قبل تحطيم الله له أمر ممكن.

ولكن «استقرار» الجبل حين تحطيم الله له أمر محال.

والرؤية في هذه الآية تعلّقت باستقرار الجبل حين تحطّمه لا قبل ذلك.

توضيح ذلك:

إنّ قوله تعالى حول الجبل: فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي .

يعني: لو صار الجبل مستقراً في الزمان المستقبل فسوف تراني.


1- عندما طلب قوم موسى رؤية الله تعالى أنزل الله تعالى عليهم صاعقة من السماء وأهلكهم، فقال موسى لله تعالى: أَ تُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ [الأعراف: ١55] فنلاحظ أنّ موسى ع يصف «طلب رؤية الله تعالى» بالسفاهة، فكيف يطلبها بعد ذلك لنفسه؟ ! ؛ انظر: تخليص المحصّل، ص٣٢٠
2- انظر: الإبانة، ص ٢٣
3- المصدر.

ص:106

وفي الزمان المستقبل جعل الله الجبل متحرّكاً عن طريق تحطيمه.

فالله- في الواقع- علّق الرؤية باستقرار جبل متحرّك.

ولا يخفى أنّ استقرار الشيء حال كونه متحرّكاً محال.

ومن المستحيل أن يكون الشيء الواحد ساكناً ومتحرّكاً في وقت واحد(1)

النتيجة:

علّق الله رؤيته على أمر مستحيل، والمعلّق على أمر مستحيل أيضاً مستحيل، فنستنتج استحالة رؤية الله بالبصر.

وهذا الأسلوب في بيان امتناع تحقّق بعض الأمور نظير قوله تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ [الأعراف: 4٠]

أي: من المستحيل أن يدخل هؤلاء الجنّة كما يستحيل دخول الجمل بحجمه الكبير في ثقب إبرة الخياطة بحجمها الصغير.

تتمة:

توجد آيات أخرى، ظنّ البعض أنّها تدل على رؤية الله، ولكنّها في الواقع لا تفيد ذلك، منها:

١- قال الله تعالى حول النبي محمّد (ص) عند المعراج: وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى [النجم: ١٣].

فظن البعض بأنّ هذه الآية تثبت رؤية الرسول (ص) لله في المعراج بالرؤية البصرية، في حين تصرّح الآية بأنّ رؤية الرسول (ص) لم تكن بالبصر، بل كانت بالقلب.

وقال تعالى في سياق هذه الآية: ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى [النجم: ١١].

كما أخبر الله ما رآه الرسول بالبصر بعد ذلك حيث قال تعالى: لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى [النجم: ١٨] وآيات الله عزّ وجلّ غير الله(2)

٢- قوله تعالى: كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ [المطفّفين: ١5]


1- انظر: التبيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 5٣6؛ تلخيص المحصّل، ص ٣١٩
2- انظر: الكافي، ج ١، ص ٩6، ح ٢؛ التوحيد، ص ١٠٨، ب ٨، ح ٩.

ص:107

فظن البعض أنّ المقصود من الحجاب هو الحجاب عن الرؤية، وأنّ الآية تفيد بأنّ البعض غير محجوبين، وهذا ما يدل على إمكانية روية الله بالبصر(1)

ولكن أجاب الإمام علي بن موسى الرضا (ع) عن هذه الشبهة قائلاً:

«إنّ الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يُحلّ فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنّه يعني أنّهم عن ثواب ربّهم لمحجوبون»(2)


1- انظر: الإبانة عن أصول الديانة، ص ٢4
2- التوحيد، ص ١5٧، ب ١٨، ح ١.

ص:108

ص:109

الفصل السادس: وحدانيّة اللّه تعالى

اشاره

* معنى أحدية الله ووحدانيته

* أحدية الله ووحدانيته في القرآن والسنّة

* أدلة أحدية الله ووحدانيته

* الثنوية

* التثليث

* الله تعالى واتّخاذ الولد

* عبادة الأصنام

* أقسام وحدانية الله

ص:110

ص:111

المبحث الأوّل: معنى أحدية الله ووحدانيته

١- أحدية الله:

المقصود من التوحيد الأحدي: نفي التركيب عنه تعالى.

والله تعالى أحد، أي: لا يتجزّأ ولا ينقسم في ذاته.

٢- وحدانية الله:

المقصود من التوحيد الواحدي: نفي الكثرة العددية(1)

والله تعالى واحد، أي: ليس له نظير ولا مثيل ولا شريك.

المبحث الثاني: أحدية الله ووحدانيته في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة

أوّلاً: في القرآن الكريم

١- قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: ٢]

وَ إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ [البقرة: ١6٣]

٢- وَ قالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ [النحل: 5١]

٣- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ [المائدة:٧٣]

4- مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ ما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَ لَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ [المؤمنون: ٩١]


1- قال الإمام علي ع في وصف الله تعالى: «واحد لا من عدد» ؛ التوحيد، ص 6٩، ب ٢، ح ٢6.

ص:112

ثانياً: في الأحاديث الشريفة

قال الإمام علي (ع) :

«إنّ القول في أنّ الله واحد على أربعة أقسام:

فوجهان منها لا يجوزان على الله عزّ وجلّ، ووجهان يثبتان فيه.

فأمّا اللذان لا يجوزان عليه:

١- فقول القائل: واحد، يقصد به باب الأعداد، فهذا ما لا يجوز.

لأنّ ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد، أما ترى أنّه كفّر من قال: ثالث ثلاثة.

٢- وقول القائل: هو واحد من الناس، يريد به النوع من الجنس، فهذا ما لا يجوز عليه؛ لأنّه تشبيه، وجلّ ربّنا عن ذلك وتعالى.

وأمّا الوجهان اللذان يثبتان فيه:

١- فقول القائل: هو واحد ليس له في الأشياء شبه، كذلك ربّنا. [أي: توحيد الواحدية]

٢- وقول القائل: إنّه عزّ وجلّ أحديّ المعنى، يعني به أنّه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم، كذلك ربّنا عزّ وجلّ. [أي: توحيد الأحدية]»(1)

سُئل الإمام الرضا (ع) : الله واحد والإنسان واحد، فليس قد تشابهت الوحدانية؟ فقال (ع) :

«. . . إنّما التشبيه في المعاني، فأمّا في الأسماء فهي واحدة، وهي دلالة على المسمّى. . .

والإنسان نفسه ليس بواحد؛ لأنّ أعضاءه مختلفة، وألوانه مختلفة غير واحدة، وهو أجزاء مجزّأة. . .

فالإنسان واحد في الاسم، لا واحد في المعنى.

والله جلّ جلاله واحد لا واحد غيره. . .»(2)

المبحث الثالث: أدلة أحدية الله ووحدانيته

دليل أحدية الله:

لو لم يكن الله أحدياً، فسيلزم ذلك كونه تعالى مركّباً من أجزاء، والمركب من


1- التوحيد، ص ٨١، ب ٣، ح٣
2- المصدر، ص 6١، ب ٢، ح ١٨.

ص:113

جزاء «محتاج» إلى أجزائه، و «الاحتياج» نقص، والله منزّه عن النقص، فيثبت كونه تعالى أحدياً وبسيطاً لا جزء له.

سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : فكيف هو الله واحد؟

فقال (ع) :

«واحد في ذاته، فلا واحد كواحد؛ لأنّ ما سواه من الواحد متجزّئ، وهو تبارك وتعالى واحد لا يتجزّئ، ولا يقع عليه العدّ»(1)

أدلة وحدانية الله تعالى:

الدليل الأوّل:

لو كان لله شريك في الوجود، لزم أن يكون كلّ واحد من الله وشريكه مركّباً من:

١- ما به الاشتراك مع الآخر.

٢- ما به الامتياز عن الآخر.

و «المركّب» في الواقع «محتاج» إلى أجزائه.

وبما أنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، فلهذا يثبت أنّه تعالى منزّه عن وجود الشريك له(2)

الدليل الثاني:

لو كان لله شريك في الوجود، وكان بين الله وشريكه ما به الاشتراك وما به الامتياز، فسيلزم أن يكون كلّ واحد من الله وشريكه «محدوداً» بحدود تميّزه عن الآخر.

والمحدود مقهور للحدود والقيود الحاكمة عليه، فيثبت أنّ «الحدّ» نقص.

وبما أنّه تعالى منزّه عن النقص، فيثبت أنّه تعالى منزّه عن وجود الشريك له(3)


1- الاحتجاج، ج ٢، ص ٢١٧، رقم ٢٢٣
2- انظر: قواعد العقائد، صص 6٢ و 6٣؛ المسلك في أصول الدين، ص 55؛ قواعد المرام، ص١٠٠؛ كشف المراد، ص 4٠5؛ إرشاد الطالبين، ص ٢4٩ و ٢5٠
3- لهذا نجد الله تعالى يصف نفسه بالوحدانية ثمّ يتبعها بصفة القاهرية، لتكون صفة «القاهرية» دليلاً على صفته ب- «الوحدانية» . قال تعالى: اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [يوسف: ٣٩] وقال تعالى: وَ ما مِنْ إِلهٍ إِلاَّ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [ص: 65] وقال تعالى: سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ [الزمر: 4]

ص:114

الدليل الثالث:

لو كان في الوجود إلهان، لم يخلُ الأمر فيهما من أن يكون كلّ واحد منهما:

١- قادراً على منع الآخر:

فيكون الآخر عاجزاً، وليس من صفات الله العجز.

فيثبت أنّ الله واحد، وهو المتّصف بالقدرة المطلقة.

٢- عاجزاً عن منع الآخر:

فيكون هذا الإله عاجزاً، وليس من صفات الله العجز.

فيثبت أنّ الله تعالى واحد، وهو المتصّف بالقدرة المطلقة(1)

بعبارة أخرى:

لو كان في الوجود إلهان:

وأراد أحدهما تحريك جسم، وأراد الآخر تسكينه في حالة واحدة.

فلا يخلو الأمر عندئذ من ثلاث نتائج:

١- يقع مرادهما، فيلزم الاجتماع بين الضدّين، وهو باطل.

٢- لا يقع مرادهما، فيلزم كونهما عاجزين، والعجز يتنافى مع الألوهية.

٣- يقع مراد أحدهما، فيلزم عجز من لم يقع مراده، فتنتفي ألوهيته(2)

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) في مقام الردّ على مقولة أحد الزنادقة:

«لا يخلو قولك: إنّهما اثنان من:

أن يكونا قديمين قويين.

أو يكونا ضعيفين.


1- انظر: التوحيد، ص ٢6٣، ب ٣6، ذيل ح 5؛ الملخّص في أصول الدين، ص ٢6٩؛ شرح جمل العلم والعمل، ص٧٩؛ تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي، صص ٨٨ و ٨٩؛ غنية النزوع، ج ٢، صص 64 و 65؛ تلخيص المحصل، ص٣٢٢؛ كشف الفوائد، ص ١٩4
2- انظر: التبيان في تفسير القرآن، ج ٧، ص ٢٣٩؛ المنقذ من التقليد، سديد الدين الحمصي، ج١، ص١٣5؛ مناهج اليقين، ص ٢٢٠.

ص:115

أو يكون أحدهما قويّاً والآخر ضعيفاً.

فإن كانا قويين فلمَ لا يدفع كلّ واحد منهما صاحبه ويتفرّد بالتدبير؟ !

وإن زعمت أنّ أحدهما قوي والآخر ضعيف ثبت أنّه واحد كما نقول للعجز الظاهر في الثاني (1)

وقال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

« لو كان إلهين من دون الله كما زعمتم، لكانا يختلفان:

فيخلق هذا ولا يخلق هذا.

ويريد هذا ولا يريد هذا.

ولطلب كلّ واحد منهما الغلبة.

وإذا أراد أحدهما خلق الإنسان، وأراد الآخر خلق بهيمة.

فيكون إنساناً وبهيمة في حالة واحدة، وهو محال.

فلمّا بطل هذا، ثبت التدبير والصنع لواحد.

ودلّ أيضاً التدبير وثباته وقوام بعضه ببعض على أنّ الصانع واحد جلّ جلاله»(2)

قال (ع) أيضاً:

«. . . ثمّ يلزمك إن ادّعيت اثنين [فلابدّ من] فرجة بينهما حتّى يكونا اثنين، فصارت الفرجة ثالثاً بينهما قديماً معهما فيلزمك ثلاثة.

فإن ادّعيت ثلاثة لزمك ما قلت في الاثنين حتّى تكون بينهم فُرجة فيكونوا خمسة، ثمّ يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية له في الكثرة»(3)

سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : ما الدليل على أنّ الله واحد؟ فقال (ع) :

«اتّصال التدبير (4)، وتمام الصنع (5)، كما قال عزّ وجلّ: لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتا [الأنبياء: ٢٢]» (6).


1- الكافي، ج١، صص٨٠ و ٨١، ح 5
2- بحار الأنوار، ج٩، ص٢٢6، ب ١، ح ١١٣
3- الكافي، ج١، ص ٨١، ح 5
4- اتّصال التدبير: استمراره على التوالي وعدم انقطاعه؛ لأنّ انقطاعه يؤدّي إلى الفساد
5- تمام الصنع: إتقانه وكماله
6- التوحيد، ص ٢44، ب ٣6، ح ٢.

ص:116

وقال الإمام الصادق (ع) أيضاً:

« فلمّا رأينا الخلق منتظماً، والفلك جارياً، والتدبير واحداً، والليل والنهار والشمس والقمر، دلّ صحّة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أنّ المدّبر واحد»(1)

الدليل الرابع:

جاء في وصية الإمام علي (ع) لولده الإمام الحسن (ع) :

«. . . واعلم يا بني! أنّه لو كان لربّك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار مُلكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته» (2)

النتيجة:

لا يصح نسبة الشريك إلى الله؛ لأنّ هذه النسبة دليل الحاجة والعجز والافتقار، والله منزّه عن جميع هذه النواقص.

المبحث الرابع: الثنوية

ادّعاء الثنوية:

يوجد في الكون خير وشر، وهما ضدّان.

والفاعل الواحد لا يترك أثرين ضدّين، بل لكلّ فاعل أثره الخاص المنسجم سنخياً معه.

فنستنتج وجود مؤثّرين في الكون، هما النور والظلمة.

والنور يفعل الخير بطبعه، والظلمة تفعل الشرّ بطبعها(3)

والنور إله الخير، وهو يُدعى «يزدان» .

والظلمة إله الشرّ، وهي تُدعى «أهريمن» .

وهما في صراع دائم حتّى يغلب النور الظلمة.


1- الكافي، ج ١، ص ٨١، ح 5
2- نهج البلاغة، رسالة ٣١، ص 54٢
3- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١4٠.

ص:117

أدلة بطلان ادّعاء الثنوية:

١- لو كان التضاد بين الخير والشر سبباً في ادّعاء وجود إلهين في الكون، فيلزم ادّعاء أكثر من إلهين؛ لأنّ الأضداد لا تنحصر في ضدّين، بل هي أضداد كثيرة.

قال رسول الله (ص) في مناظرته مع الثنوية:

« أفلستم قد وجدتم سواداً وبياضاً وحمرة وصفرة وخضرة وزرقة، وكلّ واحدة ضدّ لسائرها لاستحالة اجتماع اثنين منها في محل واحد، كما كان الحرّ والبرد ضدّين لاستحالة اجتماعهما في محل واحد؟

قالوا: نعم.

قال (ص) : فهلاّ أثبتم بعدد كلّ لون صانعاً قديماً، ليكون فاعل كلّ ضدّ من هذه الألوان غير فاعل الضدّ الآخر؟ فسكتوا»(1)

٢- يترك كلّ من النور والظلمة أثره على الآخر، ويوجب فيه التغيير.

و «التغيير» من علامات «المحدثات» .

و «الإله» يلزم أن يكون منزّهاً من «الحدوث» .

فنستنتج استحالة ألوهية النور والظلمة.

٣- ما هو خير لإنسان قد يكون شراً لإنسان آخر.

وما هو شرّ لإنسان قد يكون خيراً لإنسان آخر.

فلو كان خالق «الخير» غير خالق «الشر» .

فمَن سيكون خالق هذا الشيء الذي يكون في حالة واحدة خيراً وشراً لجهات متعدّدة؟ !(2)

النتيجة:

وجود الخير والشر في الكون ينبىء عن وجود الحكمة في خلقهما فحسب، ولابد للإنسان من البحث لمعرفة هذه الحكمة بمقدار وسعه في العلم والمعرفة.


1- الاحتجاج، ج ١، ص ٣٨، رقم ٢٠
2- انظر: الملخّص في أصول الدين، ص٢٨٧؛ الاقتصاد، ص ٧٩؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص١4٠؛ مناهج اليقين، ص ٢١١.

ص:118

والجهل بهذه الحكمة لا يعني القول بوجود الحاجة إلى أكثر من إله لتفسير الظواهر الكونية المتضادّة، وإسناد كلّ واحدة منها إلى إله.

المبحث الخامس: التثليث

خصائص مسألة التثليث:

١- نظرية التثليث - في الواقع - نظرية غير معقولة، وقلّما توجد في مختلف الأديان مثل هذه المسألة في غاية التعقيد والإبهام والغموض.

٢- ورد في بعض التحقيقات بأنّ عقيدة التثليث تسرّبت إلى الديانة المسيحية من الديانة البراهمانية الهندوسية، وهي ديانة كانت تعتقد قبل المسيحية بأنّ الربّ الأزلي والأبدي متجسّد في ثلاثة مظاهر، وهي:

أوّلاً: برهما (الخالق) : وهو الموجد في بدء الخلق.

ثانياً: فيشو (الواقي) : وهو الواقي والابن الذي جاء من قبل أبيه.

ثالثاً: سيفا (الهادم) : وهو المفتي الهادم المُعيد للكون إلى سيرته الأولى(1)

٣- يعتبر المسيحيون «الاعتقاد بالتثليث» من المسائل التعبّدية التي لا تدخل في نطاق التحليل العقلي، وهي منطقة محرّمة على العقل؛ لأنّ حقيقتها فوق القياسات المادية.

يرد عليه:

لا يخفى خطأ مقايسة عالم ما وراء الطبيعة مع عالم الطبيعة، ولكن لا يعني هذا الأمر هيمنة الفوضى على عالم ما وراء الطبيعة وخلوّه من المعايير المنطقية.

كما لا يخفى وجود سلسلة من القضايا العقلية البديهية التي لا يوجد أدنى شك في أنّ هيمنتها على «عالم ما وراء المادة» و «عالم المادة» سواء.

مثال ذلك:

مسألة احتياج المعلول إلى علّة.


1- للمزيد راجع: مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني، ج6، صص 4٨٨ و 4٨٩.

ص:119

مسألة امتناع اجتماع النقيضين.

حقيقة التثليث:

الطبيعة الإلهية تتألّف من ثلاثة أقانيم(1)متساوية الجوهر، هي الأب والابن وروح القدس، وهذه الأقانيم الثلاثة مع ذلك ذات رتبة واحدة وعمل واحد(2)

يرد عليه:

القول بأنّ الإله «ثلاثة أقانيم وجوهر واحد» لا يخلو من أمرين:

١- الإله حال كونه ثلاثة واحد، وحال كونه واحداً ثلاثة!

وهذا كلام متناقض وباطل.

٢- الإله جملة واحدة ذات أجزاء ثلاثة.

كما نقول في الإنسان: إنّه واحد ذات أجزاء كثيرة.

ويلزم من هذا المعنى أنّه تعالى مركّب، وبما أنّ المركّب محتاج إلى أجزائه فسيكون الإله أيضاً محتاجاً في تحقّق وجوده إلى الأقانيم، ولكنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، فلهذا نستنتج بطلان القول بإله ذي ثلاثة أقانيم وجوهر واحد(3)

الأدلة القرآنية على إبطال ألوهية المسيح:

١- كان المسيح يعبد الله ويدعو الناس إلى عبادة الله أيضاً: فلو كان المسيح إلهاً لما صحّ منه هذا الفعل.

قال تعالى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ [المائدة: ٧٢]

٢- كان المسيح كبقيّة البشر يأكل الطعام، وليس من صفات الإله هذا الأمر.

قال تعالى: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَ أُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ [المائدة: ٧5]


1- الأقانيم: الأصول، واحدها أقنوم؛ لسان العرب، ابن منظور، ج١١
2- انظر: قاموس الكتاب المقدّس، ص ٢٣٢
3- انظر: الملخّص، صص ٢٩١ و ٢٩٢؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص١45.

ص:120

٣- الله تعالى قادر على إهلاك المسيح فتثبت ألوهية الله تعالى فحسب دون غيره.

قال تعالى: فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً [المائدة: ١٧](1)

المبحث السادس: الله تعالى واتّخاذ الولد

ذهب النصارى إلى أنّ الله اتّخذ المسيح ولداً له.

يرد عليه:

قول النصارى بأنّ الله اتّخذ المسيح ابناً له لا يخلو من أمرين:

١- المعنى الحقيقي: والولد - حقيقة - جزء من والده انفصل عنه ونما خارجه.

وبعبارة أخرى: الولد هو انفصال جزء من الوالد واستقراره في رحم الأم.

وهذا المعنى يستلزم كون الله مركّباً ومتّصفاً بالآثار الجسمانية، ولكنّه تعالى منزّه عن ذلك، فنستنتج بطلان اتّخاذ الله ابناً له حقيقة.

٢- المعنى المجازي: يستعمل هذا المعنى بين الناس بأن يتّخذ أحد الأشخاص شخصاً آخر ابناً له، وذلك في الموارد التي يكون هذا التبني متناسباً، ولهذا لا يصح للإنسان أن يتّخذ الجمادات والبهائم ولداً له أو يتّخذ من هو أكبر سنّاً ولداً له.

ومن هذا المنطلق لا يصح نسبة هذا المعنى إلى الله؛ لأنّه تعالى منزّه عن الجسمانية، فلهذا لا يصح أن يتّخذ ما هو جمساني ابناً له(2)

أضف إلى ذلك:

١- يستلزم اتّخاذ الله ابناً له أن تكون له صاحبة.

قال تعالى: بَدِيعُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَ لَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ [الأنعام: ١٠١]


1- انظر: الملخّص، ص ٢٩٩
2- الملخّص، صص٢٩٣ و ٢٩4؛ الاقتصاد، ص٨١؛ غنية النزوع، ابن زهرة الحلبي، صص 6٩ و٧٠.

ص:121

٢- يستلزم اتّخاذ الله ابناً له أن يكون الابن مثيلاً ونظيراً له في الاتّصاف بالصفات الإلهية، من قبيل: الاستقلال والغنى عن الغير، فيلزم وجود الشريك لله، وهو محال.

قال تعالى: الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ [الفرقان: ٢ ]

وقال تعالى: وَ قالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ [البقرة: ١١6.]

تنبيه: قال بعض النصارى: بأنّ المسيح وُلد من غير أب، فلهذا يصح القول بأنّه ابن لله تعالى. فجاء في القرآن الكريم ردّاً على هذه المقولة:

إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ [آل عمران: 5٩]

حديث شريف:

قال أميرالمؤمنين حول تنزيه الله عن اتّخاذ الولد:

«. . . لم يلد فيكون في العزّ مشاركاً، ولم يولد فيكون موروثاً هالكاً» (1)

المبحث السابع: عبادة الأصنام

ورد في مناظرة رسول الله (ص) مع عبدة الأصنام أنّه (ص) قال لهم:

« لمَ عبدتم الأصنام من دون الله؟

فقالوا: نتقرّب بذلك إلى الله تعالى. . . ، إنّ هذه [الأصنام] صور أقوام سلفوا، كانوا مطيعين لله قبلنا، فمثّلنا صورهم وعبدناها تعظيماً لله. . . . كما تقرّبت الملائكة بالسجود لآدم إلى الله تعالى، وكما أمرتم بالسجود - بزعمكم - إلى جهة «مكة» ففعلتم، ثمّ نصبتم في غير ذلك البلد بأيديكم محاريب سجدتم إليها وقصدتم الكعبة لا محاريبكم، وقصدتم بالكعبة إلى الله عزّ وجلّ لا إليها.

فقال رسول الله (ص) : أخطأتم الطريق وضللتم. . . لقد ضربتم لنا مثلاً، وشبّهتمونا بأنفسكم ولسنا سواء، وذلك أنّا عباد الله مخلوقون مربوبون، نأتمر له


1- الكافي، ج١، ص١4١، ح ٧.

ص:122

فيما أمرنا، وننزجر عمّا زجرنا، ونعبده من حيث يريده منّا، فإذا أمرنا بوجه من الوجوه أطعناه ولم نتعدّ إلى غيره مما لم يأمرنا به ولم يأذن لنا، لأنّا لا ندري لعلّه إن أراد منّا الأوّل فهو يكره الثاني، وقد نهانا أن نتقدّم بين يديه.

فلمّا أمرنا أن نعبده بالتوجّه إلى الكعبة أطعناه، ثمّ أمرنا بعبادته بالتوجّه نحوها في سائر البلدان التي نكون بها فأطعناه، ولم نخرج في شيء من ذلك من اتّباع أمره.

والله عزّ وجلّ حيث أمر بالسجود لآدم لم يأمر بالسجود لصورته التي هي غيره، فليس لكم أن تقيسوا ذلك عليه؛ لأنّكم لا تدرون لعلّه يكره ما تفعلون إذ لم يأمركم به.

ثمّ قال لهم رسول الله (ص) : أرأيتم لو أذن لكم رجل دخول داره يوماً بعينه، ألكم أن تدخلوها بعد ذلك بغير أمره؟ أولكم أن تدخلوا داراً له أخرى مثلها بغير أمره؟ أو وهب لكم رجل ثوباً من ثيابه، أو عبداً من عبيده أو دابة من دوابه، ألكم أن تأخذوا ذلك؟

قالوا: نعم.

قال: فإن لم تأخذوه ألكم أخذ آخر مثله؟

قالوا: لا؛ لأنّه لم يأذن لنا في الثاني كما أذن في الأوّل. . .

قال (ص) : فلم فعلتم ومتى أمركم أن تسجدوا لهذه الصور؟» .

فقال القوم: سننظر في أمورنا، وسكتوا (1). . . ثمّ عادوا بعد ثلاثة أيام وأسلموا.

المبحث الثامن: أقسام وحدانية الله

١- توحيد الذات

أي: إنّ الله تعالى أحد لا جزء له، وواحد لا ثاني له(2)

٢- توحيد الصفات

أي: صفات الله عين ذاته تعالى (3)


1- الاحتجاج، ج١، صص ٣٩ - 44، رقم ٢٠
2- للمزيد راجع المباحث السابقة في هذا الفصل
3- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثالث، المبحث السادس، القول الخامس.

ص:123

٣- توحيد العبودية

أي: تخصيص العبادة لله، ونفي الشريك عنه في استحقاق العبودية(1)

تنبيه: أشار بعض العلماء إلى أقسام أخرى من التوحيد - تدخل في إطار التوحيد الأفعالي - ولكن الصحيح عدم إلحاق هذه الأقسام بالتوحيد؛ لأنّها غير مختصة بالله، بل يصح للعباد القيام بها بإذن الله تعالى.

ومن هذه الأقسام: التوحيد في الأفعال.

فالله تعالى يفعل، والإنسان أيضاً يفعل

ولكن الفرق أنّه تعالى يفعل بصورة مستقلة

ولكن الإنسان يفعل بإذن الله تعالى وبحوله وقوّته.

فلهذا لا يصح القول: لا فاعل إلاّ الله تعالى.

وإنّما الصحيح القول: لا فاعل - على نحو الاستقلال - إلاّ الله تعالى.

تتمة:

ويتفرّع عن التوحيد في الأفعال أقسام أخرى للتوحيد، منها:

التوحيد في الخالقية والمؤثّرية والتدبير والتقنين والمالكية والرازقية والطاعة والحاكمية والاستعانة و. . .

فالله تعالى خالق ومؤثّر ومدبّر ومقنّن ومالك ورازق ومطاع وحاكم و. . .

والإنسان أيضاً خالق ومؤثّر ومدبّر ومقنّن ومالك ورازق ومطاع وحاكم و. . .

ولكن الفرق أنّه تعالى يخلق ويؤثّر ويدبّر و. . . على نحو الاستقلال.

ولكن الإنسان يخلق ويؤثّر ويدبّر و. . . بإذن الله تعالى.

ولهذا لا يصح القول: لا خالق ولا مؤثّر ولا مدبّر و. . . إلاّ الله تعالى.

وإنّما الصحيح القول: لا خالق ولا مؤثّر ولا مدبّر و. . . - على نحو الاستقلال- إلاّ الله تعالى.


1- تنبيه: إنّ توحيد الذات والصفات متقدّم في الرتبة عن توحيد العبودية؛ لأنّ الله تعالى منزّه عن الشريك والتركيب سواء كان هناك معبوداً أو لا.

ص:124

ص:125

الفصل السابع: حياة اللّه تعالى

اشاره

* معنى الحياة

* أدلة ثبوت صفة الحياة للذات الإلهية

* خصائص حياة الله تعالى

* حياة الله في القرآن والأحاديث الشريفة

ص:126

ص:127

المبحث الأوّل: معنى الحياة

مفهوم «الحياة» واضح وبديهي يدركه الإنسان بالوجدان إدراكاً فطرياً، ويمكن القول بأنّ كثرة وضوح وظهور هذا المفهوم أدّى إلى عسر تعريفه بالبيان.

وقد ذكر العلماء في بيان مفهوم الحياة عدّة معاني، أهمّها:

المعنى العام للحياة:

الحياة صفة تجعل المتّصف بها مبدءاً للآثار المتوقّع صدورها منه.

مثال ذلك:

حياة الأرض كونها نابتة ومخضرة، وموتها خلافه.

حياة العمل عبارة عن انتهائه إلى الغرض المبتغى منه، وموته خلافه.

حياة القلب عبارة عن ازدهار الفضائل الأخلاقية فيه، وموته خلافه.

المعنى الخاص للحياة:

الحياة صفة توجب صحة الاتّصاف بالعلم والقدرة.

أي: لا تتصف أيّة ذات بصفة العلم والقدرة إلاّ بعد اتّصافها بصفة الحياة.

والضرورة تقضي بأنّ كلّ عالم وقادر حي(1)


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢4؛ شرح جمل العلم والعمل، ص 5١. تقريب المعارف، أبوالصلاح الحلبي، ص ٧4. المسلك في أصول الدين، ص 45. قواعد العقائد، ص 55. المنقذ من التقليد، ص 4١. كشف المراد ص 4٠١. الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، ص 6٠.

ص:128

تنبيه: ذكر البعض (1)بأنّ الحي هو «المدرك الفاعل» أو «الدرّاك الفعّال» أو «الفعّال المدبّر» .

ولكن لا يخفى بأنّ نسبة هذا المعنى من الحياة إلى الله تعالى يستلزم القول بقدم العالم.

لأنّ «الحياة» من صفات الله الذاتية.

و «الفعل والتدبير» من صفات الله الفعلية.

وجعل «الحياة» وهي صفة ذاتية ملازمة «للخلق والتدبير» وهي صفة فعلية يستلزم القول بأنّه تعالى خالق ومدبّر مادام حيّاً، فيؤدّي هذا الأمر إلى القول بقدم العالم.

ولكن هذه النظرية- كما بيّنا سابقاً- باطلة، وكلّ ما سوى الله تعالى حادث.

تتمّة:

يمكن القول بأنّ المقصود من تعريف الحي بالفعّال المدبّر أنّه تعالى متمكّن من الفعل دائماً وله القدرة على التأثير؛ لأنّ ما يقابل الحي هو الميّت، والميّت هو الذي لا يصدر منه فعل، ولا أثر له على الواقع الخارجي.

المبحث الثاني: أدلة ثبوت صفة الحياة للذات الإلهية

١- الضرورة تحكم باتّصاف كلّ عالم وقادر بصفة الحياة.

وحيث ثبت اتّصافه تعالى بالعلم والقدرة، فلهذا يلزم كونه تعالى حيّاً (2)


1- ينسب هذا القول إلى الفلاسفة؛ انظر: بحار الأنوار، صص 6٨ - 6٩؛ ونسب العلاّمة الحلّي هذا التعريف إلى الأوائل في كتابه مناهج اليقين، وصرّح به في كتابه الأبحاث المفيدة؛ انظر: مناهج اليقين: ص ١٧٠؛ الأبحاث المفيدة: ص ٣٣؛ والغريب أنّ الشيخ الصدوق على رغم اعتقاده ببطلان قدم العالم انظر: التوحيد: باب 4٢ ، فإنّه قال: الحي معناه أنّه الفعّال المدبّر التوحيد: باب٢٩، ص ١٩5 وهذا المعنى يستلزم القول بقدم العالم؛ لأنّ الفعل والتدبير والخلق أمور متأخّرة عن وجود الذات الإلهية، والقول بأنّ الحي فعّال ومدبّر يستلزم القول بأنّ الفعل والتدبير الإلهي صفة ذاتية فيكون الخلق قديماً بقدم الذات الإلهية، وقد بيّن الشيخ الصدوق بطلان قدم العالم في باب 4٢ من كتابه التوحيد
2- انظر: النكت الاعتقادية: ص ٢4، تقريب المعارف: ص ٧4، المسلك في أصول الدين: ص 45، وقد أشرنا إلى هذه المصادر قبل قليل؛ وانظر: الملخّص في أصول الدين، ج٢، ص ٨٢. غنية النزوع، ج٢، ص٣6. مناهج اليقين، ص ١٧٠.

ص:129

٢- «الحياة» صفة كمالية، وبما أنّ لله الكمال كلّه، فلهذا يثبت كونه تعالى حياً.

٣- وهب الله الحياة لبعض مخلوقاته، وقد ذكرنا بأنّ «الحياة» صفة كمالية، فلهذا يثبت من منطلق «معطي الكمال غير فاقد له» بأنّه تعالى حيّ وغير فاقد لهذه الصفة الكمالية.

المبحث الثالث: خصائص حياة الله تعالى

١- «الحياة» صفة من صفات الله الذاتية، والله حيّ بذاته، ولا يصح أبداً سلب هذه الصفة عنه تعالى(1)

٢- «الحياة» التي تطلق على الله مغايرة تماماً عن «الحياة» التي تطلق على غيره تعالى من الكائنات الحيّة، ومن أوجه التغاير:

أوّلاً: حياة الله أزلية وباقية ولا تفنى.

حياة ما سوى الله مسبوقة دائماً بالعدم.

ثانياً: حياة الله منزّهة عن الخصائص الجسمانية.

حياة ما سوى الله ممزوجة بالكيفيات النفسانية والمزاجية، ومقترنة بالجذب والتماسك والنمو والإحساس وغيرها من الأمور الجسمانية أو الأمور المحدودة.

ثالثاً: حياة الله عين ذاته، وليست هذه الصفة زائدة على ذاته تعالى.

حياة ما سوى الله تعالى صفة زائدة على الذات.

تنبيه: ما نتصوّره بصورة عامّة من «الحياة» هي الحياة المرتبطة بالمخلوقات الحيّة، وحياة الله مغايرة لحياة المخلوقات، فلهذا يلزم علينا عند نسبة صفة الحياة إلى الله أن نقوم بتنزيه هذه الصفة عن كلّ نقص وشائبة ليكون ما ننسبه إلى الله تعالى لائقاً بمقامه الأسمى ومنزلته العليا.

المبحث الرابع: حياة الله في القرآن وأحاديث أهل البيت:

حياة الله في القرآن الكريم:

١- قال تعالى: اللَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: ٢55]


1- انظر: قواعد المرام، ص ٨٧.

ص:130

٢- قال تعالى: هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [غافر: 65]

٣- قال تعالى: وَ تَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ وَ سَبِّحْ بِحَمْدِهِ [الفرقان: 5٨]

حياة الله في أحاديث أهل البيت: :

١- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره. . . حيّاً لا موت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبداً»(1)

٢- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . والله. . . حي لا موت له. . . حيّ الذات»(2)

٣- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«إنّ الله. . . حيّاً بلا كيف. . . حيّاً بلا حياة حادثة. . . بل حي لنفسه. . .»(3)

4- قيل للإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«روينا أنّ الله. . . حياة لا موت فيه. . .» .

قال:

«كذلك هو»(4)


1- التوحيد، ص ١٣6، ب ١١، ح 5
2- المصدر، ص ١٣6، ح 4
3- المصدر، ص ١٣٧، ح 6
4- المصدر، ص ١٣٣، ب ١٠، ح ١٢.

ص:131

الفصل الثامن: علم اللّه تعالى

اشاره

* معنى العلم

* أقسام العلم

* خصائص علم الله تعالى

* كيفية علم الله تعالى

* أقسام علم الله تعالى

* علم الله الذاتي

* علم الله بذاته

* علم الله بالأشياء قبل إيجادها

* علم الله بالأشياء بعد إيجادها

* سعة علم الله تعالى

ص:132

ص:133

المبحث الأوّل: معنى العلم

العلم: صفة من شأنها كشف المعلومات انكشافاً تامّاً لا يحتمل الخطأ.

وتكون هذه الصفة لله تعالى من غير سبق خفاء.

قال الشيخ المفيد: «العالم بالشيء هو الذي يكون الشيء منكشفاً له حاضراً عنده غير غائب عنه»(1)

تنبيه: قال سديدالدين الحمصي: «قد حُدّ العلم بحدود [أي: عُرِّف العلم بتعاريف] لا تصلح، فالأولى أن لا يُحدّ [أي: لا يعرّف] العالم والعلم»(2)

المبحث الثاني: أقسام العلم ٣

اشاره

(3)

١- العلم الحضوري

وهو عبارة عن حضور «المعلوم» عند «العالم»(4)بواقعيته ومن دون توسّط أيّ شيء.

أي: يكون الشيء معلوماً عند العالم بنفسه لا بتوسّط صورته.

نماذج من العلم الحضوري:

١- علم الإنسان بذاته.

٢- علم الإنسان بأحاسيسه ومشاعره.


1- النكت الاعتقادية، ص ٢٣
2- المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٣٨
3- انظر: كشف المراد، ص ٣٩٩ و 4٠٠
4- انظر: الأسرار الخفية، ص 56١.

ص:134

أقسام العلم الحضوري:

١- أن يكون «العالِم» هو «المعلوم» ، من قبيل: علم الإنسان بذاته.

٢- أن يكون «العالم» غير «المعلوم» ، من قبيل: علم الإنسان بأحاسيسه و مشاعره.

٢- العلم الحصولي:

وهو العلم بالشيء عن طريق صورته المنتزعة منه والحاكية عنه، ومعظم علم الإنسان من هذا القبيل، وفيه يعلم الإنسان الأشياء عن طريق انعكاس الصورة الحاصلة منها على صفحة ذهنه.

تنبيهات حول العلم الحصولي:

١- الأدوات الحسيّة في الإنسان كلّها، موظّفة في خدمة هذا العلم.

٢- يكون «الشيء الخارجي» في العلم الحصولي معلوماً عن طريق صورته، وتكون الصورة معلومة بذاتها.

أي: يكون الشيء معلوماً بغيره (بالصورة المطابقة له) .

وتكون الصورة معلومة بنفسها بالعلم الحضوري.

٣- تكون الصورة المطابقة للأشياء في العلم الحصولي هي الوسيلة الوحيدة لإدراك الخارج، ولولاها لانقطعت صلة الإنسان بالخارج.

4- العلم الحصولي في الواقع ليس بعلم حقيقة، وإنّما هو طريق إلى الواقع لمن لم يتمكّن من العلم الواقعي والعيان الحقيقي بالأشياء.

المبحث الثالث: خصائص علم الله تعالى

١- علم الله تعالى غير حصولي.

دليل ذلك:

أوّلاً: إنّ العالِم بالعلم الحصولي، يحتاج في علمه إلى «صورة» الشيء الذي يريد أن يعلمه.

ص:135

والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

فلهذا لا يكون علمه تعالى من قبيل العلم الحصولي الذي يفتقر إلى «صورة الأشياء» .

ثانياً: إنّ العلم الحصولي علم جزئي، وفيه تغيب بعض أجزاء المعلوم لدى العالم، والله تعالى منزّه عن هذه الجزئية والتبعيض.

٢- لا يوجد أيّ تشابه بين علمنا وعلم الله تعالى أبداً.

لأنّ علمنا مهما كان بديهياً فهو علم محدود، حادث، عارض وطارىء على وجودنا.

ولكن علمه تعالى ليس كمثله شيء، وهو علم غير محدود، قديم، ذاتي ولايشوبه أيّ نقص.

٣- إنّ «العلم» من صفات الله الذاتية.

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«ليس بين الله وبين علمه حدّ»(1)

ولهذا:

أوّلاً: لا يصح سلب صفة العلم عنه تعالى في جميع الأحوال.

دليل ذلك:

نفي العلم عن الله في أيّ حالة من الحالات يوجب المنقصة له تعالى، فلهذا لايصح نفي صفة العلم عنه تعالى في جميع الأحوال.

ثانياً: لا يصح القول بأنّ علم الله غير ذاته، بل علمه تعالى عين ذاته.

دليل ذلك:

ألف - إذا كان علم الله غير ذاته، فسيكون الله عند علمه بالأشياء:

١- محتاجاً إلى شيء خارج عن ذاته.

٢- ناقصاً بذاته ومستفيداً للكمال من غيره.

ولكنّ الله منزّه عن الاحتياج والنقص.


1- التوحيد، ص ١٣4، ب ١٠، ح ١6.

ص:136

فلهذا يقتضى تنزيهه القول بأنّ علمه عين ذاته.

ب - إذا قلنا بأنّ العلم غير الله، ثمّ قلنا لم يزل الله عالماً، أثبتنا معه شيئاً قديماً لم يزل، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً (1)

ولهذا قيل للإمام علي بن موسى الرضا (ع) : إنّ قوماً يقولون: إنّه عزّوجلّ لم يزل عالماً بعلم. . .

فقال (ع) :

«من قال ذلك، ودان به، فقد اتّخذ مع الله آلهة أخرى. . .» .

ثم قال (ع) :

«لم يزل الله عزّ وجلّ عليماً. . . لذاته» . (2)و (3)

ثالثاً: علم الله تعالى لا حدّ له ولا نهاية.

دليل ذلك:

الذات الإلهية لا حدّ لها ولا نهاية، وعلم الله عين ذاته.

ولهذا قال الإمام الصادق (ع) لأحد أصحابه:

«لا تقل ذلك [أي: لا تقل الحمدلله منتهى علمه]، فإنّه ليس لعلمه [تعالى] منتهى»(4)

رابعاً: علم الله لا يتغيّر ولا يتبدّل.

دليل ذلك:

علم الله عين ذاته، ويلزم التغيير والتبدّل فيه التغيير والتبدّل في ذات الله تعالى، وهذا محال؛ لأنّه تعالى ليس محلاًّ للتغيّرات والتبدّلات، وإنّما التغيير والتبدّل يكون في «المعلومات» لا في «العلم» .

المبحث الرابع: كيفية علم الله تعالى

لا يصح السؤال أو البحث عن كيفية علم الله تعالى.


1- التوحيد، ص ١٣١، ب ١٠، ح ١٣١
2- المصدر، ص ١٣5، ب ١١، ح ٣
3- تنبيه: قال تعالى: لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [النساء: ١66]؛ لا يصح القول بأنّ هذه الآية تدلّ على أنّه تعالى عالم بعلم؛ لأنّ «أنزله بعلمه» تعني: أنزله وهو عالم به، ولو كان المقصود من العلم ذاتاً أخرى لوجب أن يكون العلم آلة في الإنزال، كما يقال: «كتبت بالقلم» ، ولكن العلم ليس آله
4- التوحيد، ص ١٣٠، ب ١٠، ح ١.

ص:137

دليل ذلك:

ورد في أحاديث أئمة أهل البيت: النهي عن الكلام أو البحث عن كيفية ذات الله، وبما أنّ العلم الإلهي من صفات الله الذاتية، فلهذا لا يصح الكلام أو البحث عن كيفيته.

قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

« لا يوصف العلم من الله بكيف»(1)

وما يجب علينا معرفته أنّه تعالى «عالم» بمعنى أنّه لا يجهل شيئاً. ولهذا ورد في أحاديث أئمة أهل البيت: .

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«إنّما سُمّي [الله تعالى] عليماً؛ لأنّه لا يجهل شيئاً من الأشياء، لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء»(2)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«إنّما سُمّي الله عالماً؛ لأنّه لا يجهل شيئاً»(3)

قال الإمام محمّد بن علي الجواد (ع) :

«قولك [عن الله]: عالم، إنّما نفيت بالكلمة الجهل، وجعلت الجهل سواه»(4)

المبحث الخامس: أقسام علم الله تعالى

ينقسم علم الله بحسب متعلَّق العلم إلى عدّة أقسام، منها:

١- علم الله الذاتي.

٢- علم الله بذاته.

٣- علم الله بالأشياء قبل إيجادها.

4- علم الله بالأشياء بعد إيجادها.

وسنبيّن هذه الأقسام في المباحث القادمة.


1- التوحيد، ص ١٣4، ب ١٠، ح ١6
2- بحارالأنوار، ج ٣، ص ١٩4،
3- التوحيد، ص١٨٣، ب ٢٩، ح ٢؛ الكافي، ج١، ص١٢١، ح ٢
4- التوحيد، ص ١٨٨، ب ٢٩، ح ٧.

ص:138

المبحث السادس: علم الله الذاتي

علم الله الذاتي: هو العلم الذي يبتدع الله سبحانه وتعالى به الخلائق.

وقد أشار الإمام علي بن موسى الرضا (ع) إلى هذا العلم بقوله:

« سبحان من خلق الخلق بقدرته، وأتقن ما خلق بحكمته، ووضع كلّ شيء منه موضعه بعلمه» (1)

أدلة اتّصافه تعالى بالعلم الذاتي:

الدليل الأوّل(2):

فعل الله الأفعال المحكمة المتقنة.

وكلّ من فعل ذلك كان عالماً(3)

فلهذا نستنتج بأنّ الله تعالى عالم (4)

تنبيهات:

١- المقصود من الفعل المحكم والمتقن صدوره مرّة بعد أخرى، لا صدوره مرّة واحدة، ولهذا لا يصح الإشكال بأنّ الفعل المحكم والمتقن لا يدل على علم الفاعل؛ لأنّ النائم والساهي والجاهل قد تصدر منه بعض الأفعال المحكمة والمتقنة وهو غير عالم بها.

ودليل عدم صحة هذا الإشكال أنّ صدور الفعل المحكم والمتقن مرّة واحدة أو مرّتين قد لا يدل على علم الفاعل، ولكن صدور هذا الفعل مرّة بعد أخرى يدل


1- بحار الأنوار، ج 4، ص ٨5، ح ٢٠
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٣؛ تلخيص المحصّل، ص ٢٧٧؛ المسلك في أصول الدين، ص44؛ قواعد المرام، ص ٨5؛ كشف الفوائد، ص ١6٧؛ كشف المراد، ص ٣٩٧؛ مناهج اليقين، ص١64؛ إرشاد الطالبين، ص ١٩4
3- أي: لا يتأتّى ذلك إلاّ من عالم؛ وإنّ غير العالم يستحيل منه وقوع الفعل المتقن مرّة بعد أخرى؛ انظر: كشف المراد، ص ٣٩٧
4- إنّ هذا الدليل يثبت فقط اتّصاف الله تعالى بالعلم، وأمّا السبيل لمعرفة سعة علم الله تعالى فهو يتطلّب بيان أدلة أخرى سنذكرها في المباحث القادمة.

ص:139

بالضرورة على علم الفاعل، وذلك لاستحالة وقوع الفعل المحكم والمتقن مرّة بعد أخرى من غير العالم (1).

٢- الفعل المحكم والمتقن هو المطابق للمنافع المقصودة منه(2)

وبما أنّ المقصود من هذا العالم هو اختبار الإنسان، فلهذا تكون الشرور والآلام والآفات من الأفعال المحكمة والمتقنة؛ لأنّها الوسيلة المطلوبة لهذا الاختبار، وهي الأداة اللازمة لمعرفة مدى صبر وتحمّل الإنسان.

٣- إنّ الله تعالى هو الذي يدبّر الحيوانات، وهو الذي يهديها إلى القيام ببعض الأفعال المحكمة والمتقنة.

ولهذا فإنّ قيام هذه الكائنات الحيّة ببعض الأفعال المحكمة مع عدم امتلاكها للعلم لا يعني صحّة صدور الفعل المحكم والمتقن من الجهة غير العالمة.

الدليل الثاني:

«إنّه [تعالى] مختار، وكلّ مختار عالم. . . لأنّ فعل المختار تابع لقصده، ويستحيل قصد شيء من دون العلم به» (3)

الدليل الثالث:

العلم صفة من صفات الكمال، ووجوده عند المخلوقات دليل على وجوده عند الخالق بأكمل مراتبه وأظهر مصاديقه.

الدليل الرابع:

الجهل نقص، والله منزّه عن جميع أنواع النقص.

المبحث السابع: علم الله بذاته

يتعلّق العلم الإلهي بجميع الأشياء، وبما أنّ الله «شيء» ، فلهذا يتعلّق هذا العلم بذات الله، فيثبت علم الله تعالى بذاته.


1- انظر: قواعد العقائد، ص 5٢. قواعد المرام، ص ٨5
2- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٧٧
3- النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، ص ٣5.

ص:140

سُئل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) : هل كان الله عارفاً بنفسه قبل أن يخلق الخلق؟

قال (ع) : نعم»(1)

شبهة علم الله بذاته(2):

«العلم» نسبة قائمة بين «العالم» و «المعلوم» .

والنسبة إنّما تكون بين شيئين متغايرين.

فإذا قلنا بأنّ الله يعلم بذاته، فإنّه يلزم أن يكون «علم الله» شيئاً مغايراً «لذات الله» .

وهذا يخالف القول بأنّ «علم الله» عين «ذاته» .

جواب الشبهة:

أوّلاً:

ليس «العلم» نسبة قائمة بين «العالم» و «المعلوم» .

وإنّما العلم حقيقة.

قد تكون بين شيئين متغايرين.

وقد تكون في شيء واحد.

فإذا قلنا بأنّ الله يعلم بذاته، فإنّه لا يلزم التغاير بين «علم الله» و «ذاته» .

وإنّما المقصود بيان حقيقة في شيء واحد.

ثانياً:

لو سلّمنا بأنّ العلم نسبة قائمة بين «العالم» و «المعلوم» .

فإنّ التغاير الموجود بين العالم والمعلوم في هذا المقام تغاير من حيث «المفهوم» لا من حيث «المصداق» .


1- التوحيد، ص ١٨6، ب ٢٩، ح 4
2- أُشير إلى هذه الشبهة وجوابها في كتاب: تلخيص المحصّل، صص ٣٩4 و ٣٩5؛ كشف المراد، ص٣٩٩؛ اللوامع الإلهية، ص ١٩٩.

ص:141

وتعدّد «المفهوم»(1)لا يوجب تعدّد «المصداق»(2)

ومثاله:

إنّ لله تعالى العديد من الأسماء وهي مفاهيم، وتعدّد هذه الأسماء لا يوجب تعدّد الذات الإلهية التي هي مصداق لهذه الأسماء والمفاهيم.

بعبارة أخرى:

الشبهة المذكورة واردة فيما لو كان التغاير الموجود بين العالم والمعلوم في هذا المقام هو التغاير «الحقيقي» ، ولكن التغاير الموجود هنا تغاير «اعتباري» ، ولا يرد الإشكال المذكور في هذا النمط من التغاير.

المبحث الثامن: علم الله بالأشياء قبل ايجادها

قال الشيخ المفيد: «إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يكون قبل كونه، وإنّه لا حادث إلاّ وقد علمه قبل حدوثه. . . وبهذا قضت دلائل العقول والكتاب المسطور والأخبار المتواترة عن آل الرسول: ، وهو مذهب جميع الإماميّة»(3)

أحاديث أهل البيت: حول علم الله بالأشياء قبل إيجادها:

١- وردت إلى الإمام علي بن موسى الرضا (ع) رسالة فيها سؤال حول الله، والسؤال:

« أكان يعلم الأشياء قبل أن خلق الأشياء وكوّنها أو لم يعلم ذلك حتّى خلقها وأراد خلقها وتكوينها فعلم ما خلق عندما خلق وما كوّن؟»

فوقّع (ع) بخطه: «لم يزل الله عالماً بالأشياء قبل أن يخلق الأشياء كعلمه بالأشياء بعدما خلق الأشياء» (4)


1- المفهوم: مجموع الصفات والخصائص الموضّحة لمعنى كلّي؛ انظر: المعجم الوسيط، مادة ف ه م
2- المصداق: الفرد الذي يتحقّق فيه معنى كلّي؛ انظر: المعجم الوسيط: مادة ص د ق
3- أوائل المقالات، صص 54 و 55
4- الكافي، ج ١، ص ١٠٧، ح 4.

ص:142

٢- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«كان الله ولا شيء غيره ولم يزل عالماً بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه» (1)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«لم يزل الله عزّوجلّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم. . . ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم»(2)

4- قال الإمام علي (ع) :

«. . . كلّ عالم فمن بعد جهل تعلّم، والله لم يجهل ولم يتعلّم، أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً، علمُه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها. . .»(3)

5- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس كان في علم الله؟

قال (ع) :

«بلى، قبل أن يخلق السماوات والأرض»(4)

6- سئل الإمام علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) : أيَعلم الله الشيء الذي لم يكن أن لو كان كيف كان يكون، أو لا يعلم إلاّ ما يكون؟

فقال (ع) :

«إنّ الله تعالى هو العالم بالأشياء قبل كون الأشياء»(5)

٧- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : عن الله تبارك وتعالى أكان يعلم المكان قبل أن يخلق المكان، أم علمه عندما خلقه وبعدما خلقه؟

فقال (ع) :

«تعالى الله، بل لم يزل عالماً بالمكان قبل تكوينه كعلمه به بعد ما كوّنه، وكذلك علمه بجميع الأشياء كعلمه بالمكان»(6)

٨- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله تعالى.

قال (ع) :

«لا، من قال هذا فأخزاه الله» .


1- الكافي، ج ١، ص ١٠٧، ح ٢
2- المصدر، ح ١
3- التوحيد، ص 44، ب ٢، ح ٣
4- المصدر، ص ١٣١، ح 5
5- المصدر، ص ١٣٢، ح ٨
6- المصدر، ح ٩.

ص:143

أرأيت ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة أليس في علم الله؟ !

قال (ع) :

«بلى، قبل أن يخلق الخلق» (1)

٩- عن جعفر بن محمّد بن حمزة قال: كتبت إلى الرجل (ع) أسأله: أنّ مواليك اختلفوا في العلم، فقال بعضهم: لم يزل الله عالماً قبل فعل الأشياء. وقال بعضهم: لا نقول: لم يزل الله عالماً؛ لأنّ معنى يعلم يفعل، فإن أثبتنا العلم فقد أثبتنا في الأزل معه شيئاً.

فإن رأيت - جعلني الله فداك - أن تعلّمني من ذلك ما أقف عليه ولا أجوزه؟

فكتب (ع) بخطه:

«لم يزل الله عالماً تبارك وتعالى ذكره»(2)

١٠- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

«. . . لم يزل الله عزّ وجلّ علمه سابقاً للأشياء قديماً قبل أن يخلقها. . .»(3)

تنبيه: دور علم الله بالأشياء قبل وجودها هو الكشف عمّا سيقع في الواقع الخارجي فقط، وليس لهذا العلم أيّ دور في علّة صدور الأشياء(4)، بل يستحيل أن يكون لهذا العلم أيّ أثر على أفعال الله تعالى.

كيفية علم الله بالأشياء قبل إيجادها:

ذهب بعض الفلاسفة (5)إلى أنّ العلم بالعلّة يوجب العلم بالمعلول (6)

وبما أنّ الله تعالى عالم بذاته، أنّ الذات الإلهية علّة لجميع ما سواه، استنتجوا بأنّ علم الله بذاته يستلزم علمه تعالى بجميع ما سواه(7)


1- التوحيد، ص ٣٢5، ب 54، ح ٨
2- الكافي، ج١، ص١٠٨، ح 5
3- التوحيد، ص ١٣٢، ب ١٠، ح ٨
4- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٩6
5- انظر: كشف المراد، ص ٣٩٨. الأسرار الخفية، ص 56٠؛ إشراق اللاهوت، ص ٢٧5
6- قال العلاّمة الحلّي بأنّ العلم بالعلّة يقع على ثلاثة أقسام، وفي قسمين لا يوجب العلم بالعلّة العلم التام بالمعلول، وإنّما يوجب العلم بالعلّة العلم التام بالمعلول فيما لو كان العلم بالعلّة من حيث هي هي، ومن حيث لوازمها وأعراضها وملزوماتها ومعروضاتها ومالها في نفسها ومالها بالقياس إلى الغير؛ انظر: الأسرار الخفية، ص56٠
7- تنبيه: لا يصحّ القول بأنّنا عالمون بذواتنا التي هي علل لأفعالنا الآتية ولكننا مع ذلك لا نعلم ما سيصدر منّا؛ دليل ذلك: إنّ ذواتنا ليست علّة مستقلّة لأفعالنا، بل أفعالنا محتاجة إلى أسباب خارجية بخلاف أفعال الله تعالى.

ص:144

يرد عليه:

١ - العلم بالعلّة لا يوجب العلم بالمعلول إلاّ إذا كانت العلّة غير ممتلكة للإرادة، وغير مختارة(1) ولكن إذا كانت العلّة لها إرادة ومختارة، أي: كانت العلّة تفعل متى ماتشاء ولا تفعل متى ما لا تشاء، فلا يؤدّي العلم بها العلم بمعلولاتها.

وبما أنّ الذات الإلهية، علّة مختارة فلا يؤدّى العلم بها العلم بمعلولاتها.

٢ - العلم بالمعلول من خلال العلم بالعلّة لا يثبت إلاّ العلم الإجمالي، ولكن علم الله بالأشياء قبل ايجادها - كما ورد في أحاديث أهل البيت: - علم تام و غير إجمالي.

النتيجة:

إنّ الله تعالى عالم بالأشياء قبل إيجادها، ولكنّنا نجهل كيفية ذلك؛ لأنّ هذا العلم يرتبط بذات الله تعالى، وعلم الله - كما قال الإمام الكاظم (ع) - لا يوصف بكيف، وقد بيّنا هذه الحقيقة في المحبث الرابع من هذا الفصل.

المبحث التاسع: علم الله بالاشياء بعد ايجادها (العلم الفعلي)

إنّ الله تعالى محيط بجميع الأشياء بعد إيجادها.

وتسمّى هذه الإحاطة بعد تحقّق الأشياء في الواقع الخارجي ب- «العلم الفعلي لله» .

تنبيه: لا يوجد فرق بين علم الله بالشيء قبل وجوده وبين علمه تعالى به بعد وجوده إلاّ في متعلّق العلم.

فإذا كان متعلّق العلم «ما هو موجود» ، يسمّى هذا العلم ب- «العلم الفعلي» .

قال الشيخ الطوسي حول تفسير قوله تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ


1- مثاله: إنّ علم المنجّم بالقوانين الكونية وحركة الشمس والأرض والقمر يوجب علمه بوقوع الخسوف والكسوف وما شابه ذلك.

ص:145

عَمَلَكُمْ [التوبة: ١٠5]:

«إنّما قال فَسَيَرَى اللَّهُ على وجه الاستقبال، وهو عالم بالأشياء قبل وجودها؛ لأنّ المراد بذلك أنّه سيعلمها «موجودة» بعد أن علمها «معدومة» ، وكونه عالماً بأنّها «ستوجد» من كونه عالماً «بوجودها» إذا «وُجدت» لا يجدّد حال له بذلك»(1)

الآيات القرآنية المشيرة إلى العلم الفعلي لله:

١- الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً [الأنفال: 66]

٢- فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً [الكهف: ١١- ١٢]

٣- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصَّابِرِينَ [محمّد: ٣١]

4- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [آل عمران: ١4٢]

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَ رِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ [المائدة: ٩4]

6- وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ [الحديد: ٢5]

٧- وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [البقرة: ١4٣]

تنبيه: إذن، المقصود من علم الله بهذه الأمور هو علمه تعالى «بوجودها» ؛ لأنّ قبل وجود هذه الأمور لا يصح القول بأنّه تعالى عالم بوجودها، بل الله تعالى يعلم قبل ذلك بأنّها «ستوجد» أو «لا توجد» ، فإذا «وُجدت» صح القول بأنّه تعالى عالم «بوجودها» .


1- التبيان في تفسير القرآن، ج 5، ص ٢٩5.

ص:146

المبحث العاشر: سعة علم الله تعالى

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح أن يكون معلوماً، سواء كان هذا المعلوم موجوداً أو معدوماً، واجباً أو ممكناً، قديماً أو حادثاً، كلّياً أو جزئياً، متناهياً أو غير متناه و. . (1).

دليل ذلك:

إنّ الله تعالى عالم بكلّ ما يصح تعلّق العلم به من دون وجود مخصّص يخصّصه ببعض المعلومات دون البعض.

ولهذا يلزم أن يكون علمه تعالى شاملاً لجميع المعلومات(2)

بعبارة أخرى:

نسبة تعلّق علم الله بجميع المعلومات متساوية.

وعدم تعلّق علم الله بمعلوم يحتاج إلى سبب.

ولا يوجد في هذا الصعيد أيّ سبب.

فنستنتج بأنّ علم الله يتعلّق بجميع المعلومات(3)

علم الله بالجزئيات:

إنّ الله تعالى عالم بالجزئيات.

دليل ذلك:

١- العلم بالجزئيات صفة كمال، والجهل بها صفة نقصان.

وبما أنّ الله أكمل الموجودات، فلهذا يوجب وصفه بالكمال الاعتقاد بأنّه عالم بالجزئيات.

تنبيه: علم الله بالجزئيات المتغيّرة لا يوجب التغيّر في علمه تعالى؛ لأنّ التغيير


1- انظر: قواعد العقائد، ص 5٣. كشف الفوائد، ص١٧١. النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، ص٣6
2- انظر: المنقذ من التقليد، ج١، ص٨٢
3- انظر: الياقوت، ص 4٢؛ النكت الاعتقادية، ص ٢4. إشراق اللاهوت، ص ٢٧٣. النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، ص ٣6.

ص:147

في هذا المقام يكون في «المعلومات» لا في «العلم» .

وحقيقة علم الله شيء واحد، وهي الإحاطة الشاملة بكلّ المعلومات المتغيّرة من دون أن يطرء على هذه الإحاطة أيّ تغيير، بل لا معنى لوقوع التغيير في الإحاطة(1).

الآيات القرآنية الدالة على سعة علم الله تعالى:

١- أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: ٧5] [التوبة: ١١5] [العنكبوت:6٢]

٢- أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق: ١٢]

٣- وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ و. . . [الأنعام: 5٩]

4- لا يَعْزُبُ [أي: لا يغيب] عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ [سبأ: ٣]

5- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى [الأعلى: ٧]

6- إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَ لا فِي السَّماءِ [آل عمران: 5]

٧- وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [الأعراف: ٨٩]

٨- قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ [آل عمران: ٢٩]

أقوال أهل البيت: حول سعة علم الله:

١- قال الإمام علي (ع) :

«اللّهم إنّي أسألك. . . بعلمك الذي أحاط بكلّ شيء»(2)

٢- قال الإمام الباقر (ع) :

«وسع ربّنا كلّ شيء علماً»(3)

٣- قال الإمام الصادق (ع) :

«ليس لعلمه [تعالى] منتهى» (4)


1- انظر: الياقوت، ص 4٢. تلخيص المحصّل، ص ٢٩5. قواعد المرام، صص ٩٨ و ٩٩. كشف المراد، ص 4٠٠. إشراق اللاهوت، صص ٢٧5 و ٢٧6. اللوامع الإلهية، ص ٢٠٠
2- الكافي، ج4، ص٧٢، ح ٣
3- التوحيد، ص١٣٢، ب ١٠، ح ٧
4- المصدر، ص١٣٠، ح ٢.

ص:148

ص:149

الفصل التاسع: إدراك اللّه تعالى

اشاره

* معنى الإدراك (لغة واصطلاحاً)

* صلة الإدراك بالعلم

* صلة الإدراك بالحياة

* خصائص الإدراك عند الله تعالى

ص:150

ص:151

المبحث الأوّل: معنى الإدراك (لغة واصطلاحاً)

«الإدراك» صفة من صفات الله المذكورة في القرآن الكريم.

قال تعالى: (وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) [الأنعام: ١٠٣]

معنى الإدراك (لغةً) :

الإدراك في أصل اللغة هو بلوغ أقصى الشيء ومنتهاه(1)

معنى الإدراك (اصطلاحاً) :

اختلف العلماء في معنى الإدراك نتيجة اختلافهم في صلة «الإدراك» بصفة «العلم» ، والمشهور وجود معنيين، سنذكرهما في المبحث التالي.

المبحث الثاني: صلة الإدراك بالعلم

الرأي الأوّل:

الإدراك هو العلم بالمُدَرك.

أي: الإدراك نوع من أنواع العلم، وهو علم خاص يشمل العلم بالموجودات الجزئية العينية(2)

وبعبارة أخرى: إدراك الله عبارة عن علمه بالأشياء الخارجية.


1- راجع المعاجم اللغوية، من قبيل: المنجد في اللغة، والمعجم الوسيط مادة درك
2- للمزيد انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢5. المسلك في أصول الدين، ص 4٧. قواعد المرام، ص٩5- 6٠، ص٣4. إرشاد الطالبين، ص ٢٠٧.

ص:152

الرأي الثاني:

الإدراك لا يتعلّق بالعلم، وهو وصف مستقل وزائد على العلم(1)

دليل ذلك:

إنّنا نجد في أنفسنا بأنّ «الإدراك» يفترق عن «العلم» .

فنعلم ما لا ندركه.

وندرك ما لا نعلمه.

فنستنتج مطلقاً بأنّ «الإدراك» مغاير «للعلم» .

مثال ذلك:

مثال علم الإنسان بما لا يدركه:

١- المعدومات، فإنّها تقع في دائرة علم الإنسان، ولكنّها لا تقع في دائرة إدراكه؛ لأنّ الإدراك مختص بالموجودات (2)

٢- الموجودات التي يعلمها الإنسان وليس له اتّصال مباشر بها، أي: لم تقع في دائرة إدراكه.

مثال إدراك الإنسان ما لا يعلمه:

إدراك النائم الأصوات وغيرها التي تكون سبباً في انتباهه.

وهذه الأصوات يدركها الإنسان من دون علمه بها؛ لأنّه لا يمكن له العلم بها وهو نائم، ولا يمكن القول بأنّه يدركها بعد الانتباه؛ لأنّه لا يوجد سبب في استيقاظه إلاّ هي (3).


1- ذهب الشريف المرتضى والشيخ الطوسي إلى هذا الرأي، وسيأتي لاحقاً بيان أقوالهما في هذا المجال مع ذكر المصدر
2- إنّ «الإدراك» يشمل «العلم بالموجودات» فقط، ولا يشمل «العلم بالمعدومات» ؛ انظر: عجالة المعرفة، ص٣٢. وخالف ميثم البحراني هذا الرأي وقال: «لا نسلّم أنّ المعدومات غير مدركة لنا» ، فإنّ المفهوم المتعارف من «الإدراك» هو لحوق العقل أو الحس للمعقول أو المحسوس، وهو بهذا الاعتبار صادق على المعدومات» ؛ قواعد المرام، ص ٩6
3- انظر: الملخّص في أصول الدين، ص ٩٢. الاقتصاد، ص56. غنية النزوع، ج ٢، ص ٣١. قواعد المرام، ص6٠.

ص:153

قال الشريف المرتضى: «لا يجوز أن ترجع هذه الصفة [الإدراك] إلى كونه عالماً؛ لأنّه قد يعلم ما لا يدركه؛ مثل: القديم سبحانه والقيامة، وذلك غير مدرك»(1)

قال الشيخ الطوسي: «[لا يرجع الإدراك] إلى كونه عالماً؛ لأنّه تعالى يكون عالماً بها قبل إدراكها وبعد انقضائها» (2)

المبحث الثالث: صلة الإدراك بالحياة

الرأي الأوّل:

إنّه تعالى مدرك؛ لأنّه حي، وكلّ من كان حيّاً فهو مدرك(3)

الرأي الثاني:

إدراك الله لا يستند إلى كونه حيّاً.

دليل ذلك:

١- إنّ «الإدراك» من صفات الله الفعلية.

لكن «الحياة» من صفات الله الذاتية.

ولا يصح أن تكون «صفة لفعل» بعينها «صفة الذات» (4)

قال الشريف المرتضى: «لا يجوز أن [ترجع صفة الإدراك]. . . إلى كونه حيّاً؛ لأنّ كونه حيّاً قد كان حاصلاً، فلم يجد نفسه على هذا الأمر [أي: الإدراك]»(5)

قال الشيخ الطوسي: [الإدراك] لا يستند إلى كونه حياً؛ لأنّه كان حيّاً قبل ذلك ولم يجد نفسه كذلك [أي: لم يكن مدركاً للمعدومات؛ لأنّ الإدراك لا يتعلّق بالمعدومات، وإنّما يتعلّق بالموجودات]»(6)


1- شرح جمل العلم والعمل، ص 5٣
2- الاقتصاد، ص 56
3- انظر: الباب الحادي عشر، ص4١
4- انظر: الملخّص في أصول الدين، ج١، ص ٩4. المنقذ من التقليد، ج١، ص 56
5- شرح جمل العلم والعمل، ص 5٣
6- الاقتصاد، ص 56.

ص:154

٢- يتطلّب «الإدراك» مُدركات مختلفة، كالسمع والبصر وغيرهما.

ولا تتطلّب «الحياة» إلى شيء من ذلك.

فيثبت أنّ الإدراك مغاير للحياة، ووصفه تعالى بكونه مدركاً أمر زائد على كونه حيّاً(1)

المبحث الرابع: خصائص صفة الإدراك عند الله تعالى

١- «الإدراك» من صفات الله الفعلية؛ لأنّ الإدراك لا يكون إلاّ بعد وجود «المُدرَك» في الواقع الخارجي، فلهذا لا يتّصف الله بهذه الصفة إلاّ بعد خلقه تعالى للأشياء، والخالقية- كما لا يخفى- من صفات الله الفعلية (2)

٢- يدرك الله الأشياء بذاته ومن دون الاستعانة بشيء، وهو تعالى بخلاف الإنسان الذي يدرك الأشياء عن طريق حواسه؛ لأنّه تعالى منزّه عن الاحتياج، وهو لا يفتقر أبداً إلى الآله في الإدراك (3)

٣- لا يصح وصفه تعالى بأنّه:

«ذائق» لإدراكه الطعوم.

«شام» لإدراكه الروائح.

«لامس» لإدراكه الحرارة والبرودة.

لأنّ «الذوق» و «الشمّ» و «اللمس» ليست إدراكات، وإنّما هي طرق للإدراك.

والمطلوب بالنسبة إلى الله إثبات حقيقة الإدراك دون طرقها(4)

4- لا يصح وصفه تعالى بصفة الملتذ والمتألّم على الرّغم من إدراكه للذّة والألم؛ لأنّ اللذّة والألم من خصائص الأشياء المادية، والله تعالى منزّه عنها (5)


1- انظر: الملخّص في أصول الدين، ج١، ص ٩5
2- انظر: غنية النزوع، ج ٢، ص 4٠
3- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢5. المنقذ من التقليد، ج ١، ص 5٨. كشف المراد، ص 4٠٣
4- انظر: الملخّص في أصول الدين، ج١، ص ٩٠. المنقذ من التقليد، ج ١، ص 6٠
5- انظر: المصدر، ص ١٠٠. الذخيرة الشريف المرتضى، ص ٢١٢.

ص:155

صفة الإدراك لله تعالى في أحاديث أهل البيت: :

١- قال الإمام علي (ع) :

«والله الذي لا إله إلاّ هو. . المدرك الذي يعلم السرّ والعلانية»(1)

٢- قال الإمام زين العابدين (ع) :

«اللّهم. . . فأنت المدرك غير المدرك»(2)


1- من لا يحضره الفقيه، ج٣، ص65، ب 4٧، ح ٢
2- بحار الأنوار، ج٨٢، ص٢١6، ب ٣٣، قنوت الامام زين العابدين ع .

ص:156

ص:157

الفصل العاشر: سمع اللّه تعالى وبصره

اشاره

* حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

* الصلة بين «السمع والبصر» وبين «العلم»

* الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

ص:158

ص:159

المبحث الأوّل: حقيقة وصفه تعالى بالسميع والبصير

قال تعالى: إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [البقرة: ٢44] [المجادلة: ١]

وقال تعالى لموسى وهارون (عليهما السلام) : إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَ أَرى [طه: 46]

سبب تسمية الله بالسميع والبصير:

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«إنّما يُسمّى تبارك وتعالى بهذه الأسماء؛ لأنّه. . . لا تخفى عليه خافية، ولا شيء مما أدركته الأسماع والأبصار»(1)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«وسمّى ربّنا سميعاً. . . أخبر أنّه لا يخفى عليه الأصوات. . . الله بصير لا يجهل شخصاً منظوراً إليه»(2)

النتيجة:

إنّ الله تعالى سميع، أي: لا يخفى عليه شيء من المسموعات.

إنّ الله تعالى بصير، أي: لا يغيب عنه شيء من المبصرات.

الله سميع وبصير بذاته:

المخلوقات تسمع وتبصر عن طريق الحواس وآلتي السمع والبصر، ولكنّ الله تعالى لا يسمع ولا يبصر عن طريق الحواس، وإنّما يسمع ويبصر بذاته؛ لأنّه تعالى منزّه عن الحواس، ومنزّه عن الاحتياج إلى آلة أو أداة في هذا المجال.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :


1- بحار الأنوار، ج ٣، ص ١٩4، ب 5
2- التوحيد، ص ٣٨٣، ب ٢٩، ح ٢.

ص:160

«هو سميع بصير، سميع بغير جارحة، وبصير بغير آلة.

بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه.

ليس قولي: إنّه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنّه شيء والنفس شيء آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً، وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً»(1)

السميع والبصير من صفات الله الذاتية:

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«لم يزل الله تعالى. . . سميعاً بصيراً»(2)

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) حول الله تعالى:

«إنّه واحد، صمد، أحدي المعنى، ليس بمعاني كثيرة مختلفة» .

فسأله الراوي: جعلت فداك! يزعم قوم من أهل العراق، أنّه يسمع بغير الذي يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع.

[أي: إنّ السمع صفة زائدة على ذاته تعالى.

وإنّ البصر صفة زائدة على ذاته تعالى.

وما يحتاج الله إليه في خارج ذاته عند السمع مغاير لما يحتاجه في خارج ذاته عند البصر].

فقال (ع) :

«كذبوا وألحدوا وشبّهوا، تعالى الله عن ذلك، إنّه سميع بصير، يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع» .

[أي: إنّ صفة السمع والبصر من صفات الله الذاتية، والله تعالى يسمع بذاته، ويبصر بذاته.

وذاته هي التي يسمع بها وهي التي يبصر بها.

وهذا معنى قوله (ع) : يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع](3)

الفرق بين «السميع» و «السامع» وبين «البصير» و «المبصر» :

«السميع» و «البصير» من صفات الله الذاتية.


1- التوحيد، ص ٢٣٩، ب ٣6، ح ١
2- الكافي، ج ١، ص ٨6، ح ٢
3- المصدر، ص ١٠٨، ح ١.

ص:161

ويصح القول بأنّه تعالى لم يزل سميعاً وبصيراً؛ لأنّ معنى ذلك أنّه تعالى متمكّن من السمع والبصر فيما لو وُجدت المسموعات والمبصرات.

أمّا «السامع» و «المبصر» فهما من صفات الله الفعلية.

ولا يصح القول بأنّه تعالى لم يزل سامعاً ومبصراً؛ لأنّه تعالى لا يوصف بالسامع والمبصر إلاّ بعد وجود المسموعات والمبصرات (1)

المبحث الثالث: الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

الرأي الأوّل:

السمع والبصر معناهما العلم،(2)وكشف الأشياء بالسمع والبصر نوع من العلم.

والله تعالى سميع، أي: عالم بالمسموعات.

والله تعالى بصير، أي: عالم بالمبصرات (3)

الرأي الثاني:

السمع والبصر لا يرجعان إلى العلم.

والانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم.

والله تعالى سميع، أي: أنّه تعالى على صفة يدرك المسموعات إذا وجدت.

والله تعالى بصير، أي: أنّه تعالى على صفة يدرك المبصرات إذا وجدت (4)

توضيح الرأي الأوّل:

السمع والبصر معناهما العلم.


1- انظر: التوحيد، ص ١٩٢؛ شرح جمل العلم والعمل، ص 56؛ الاقتصاد، ص 5٧
2- انظر: أوائل المقالات، ص 54
3- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢4؛ المسلك في أصول الدين، ص ٢٩6. قواعد المرام، ص ٩٠. اللوامع الإلهية، ص ٢٠٢
4- انظر: التوحيد، ص ١٩٢؛ شرح جمل العلم والعمل، ص 55؛ غنية النزوع، ج ٢، ص ٣١؛ وأشار العلاّمة الحلّي إلى هذين الرأيين في كتابه كشف المراد، ص 4٠٣.

ص:162

وحقيقة كونه تعالى سميعاً، أي: أنّه عالم بالمسموعات.

وحقيقة كونه تعالى بصيراً، أي: أنّه عالم بالمبصرات.

دليل تفسير السمع والبصر بالعلم:

حقيقة السمع والبصر عند المخلوقات مشروطة بوجود الحواس والأدوات، وبما أنّه تعالى منزّه عن ذلك، فلهذا يلزم القول بأنّ صفة «السمع» و «البصر» له تعالى مجازية، ويراد منهما العلم بالمسموعات والمبصرات(1)

المقصود من «العلم» في علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات:

إنّ تفسير السمع والبصر بالعلم لا يعني مطلق العلم، بل المقصود من العلم في هذا المقام هو علم خاص، وهو عبارة عن علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات بعد وجودها.

وهذا النمط من العلم يختلف مفهوماً عن العلم العام الذي يشمل العلم بالمسموعات والمبصرات قبل وجودها.

تنبيه : حقيقة علم الله بالأشياء (من قبيل: المسموعات والمبصرات) هو نفس حقيقة علمه تعالى بها قبل كونها، وعلم الله واحد لا يتعدّد ولا يتغيّر، وإنّما الاختلاف الموجود هنا في «المفهوم» فقط دون «المصداق» .

ولهذا قال الإمام علي (ع) حول علمه تعالى:

« أحاط بالأشياء علماً قبل كونها، فلم يزدد بكونها علماً.

علمه بها قبل أن يكوّنها كعلمه بعد تكوينها»(2)

دور علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات في توصيفه بالسميع والبصير:

ليس «علمه تعالى بالمسموعات والمبصرات» هو السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير، ليُقال: لماذا لا يصح توصيفه تعالى بأنّه لامس وذائق وشام؛


1- انظر: كنز الفوائد، ج١، القول في سميع وبصير، ص ٨5. قواعد المرام، ص ٩٠. اللوامع الإلهية، ص ٢٠٢
2- الكافي، ج ١، ص ١٣5، ح ١.

ص:163

لأنّه عالم بالملموسات والمذوقات والمشمومات؟

بل السبب في توصيفه تعالى بالسميع والبصير هو ذكرهما في الكتاب والسنّة. وكما لا يخفى أنّ صفات الله وأسمائه توقيفية، ولا يصح وصفه تعالى إلاّ بما وصف به نفسه.

والسبب في أنّنا لا نصف الله باللمس والذوق والشم - على الرغم من علمه وإحاطته بها - هو عدم ذكر هذه الصفات في الكتاب والسنّة(1)

تنبيه: قد يكون السبب في تأكيد الشارع على وصفه تعالى بالسمع والبصر هو ردع المكلّفين عن المعاصي؛ لأنّ علم المكلّف بأنّ الله يراه ويسمعه يدفعه إلى المزيد من التحرّز عن ارتكاب الذنوب والمعاصي.

توضيح الرأي الثاني:

السمع والبصر للّه وصفان لهما خصائصهما الذاتية، ولهما معناهما الخاص، ولاتعود حقيقتهما إلى العلم، بل لهما حقيقة خاصّة بهما.

وليس معنى قولنا: الله سميع وبصير: أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات(2)

دليل خطأ تفسير السمع والبصر بالعلم:

إنّا نجد فرقاً - معلوماً لنا بالضرورة -:

بين إدراكنا حين فتح أعيننا ومشاهدة المرئي، وبين إدراكنا حين تغميض أعيننا مع وجود العلم بالمرئي.

ومن هنا يثبت لنا بأنّ السمع والبصر لهما سماتهما الخاصّة، وأنّ صفتهما مغايرة لصفة العلم (3)

المبحث الثالث: الأدلة العقلية على كونه تعالى سميعاً وبصيراً

الدليل الأوّل:

إنّ الله تعالى عالم بجميع المعلومات التي من جملتها المسموعات والمبصرات؛


1- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٨٨
2- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص 55
3- انظر: إشراق اللاهوت، ص ٢١١.

ص:164

فلهذا يصح اتّصافه تعالى بأنّه سميع بصير(1)

يلاحظ عليه:

ينسجم هذا الدليل فقط مع الرأي الأوّل الذي يفسّر السمع والبصر بأنّهما عبارة عن العلم بالمسموعات والمبصرات، ولا ينسجم مع الرأي الثاني القائل بوجود تغاير بين حقيقة السمع والبصر وبين حقيقة العلم.

الدليل الثاني:

كلّ حيّ يصح اتّصافه بالسمع والبصر.

والله تعالى حي.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(2)

يلاحظ عليه:

أوّلاً: لا يصح القول بأنّ كلّ حي سميع وبصير، لوجود كائنات حيّة فاقدة للسمع والبصر.

مثال ذلك:

أكثر الهوام والسمك لا سمع لها.

العقرب والخُلد(3)لا بصر لهما(4)

ثانياً: لو سلّمنا بأنّ حياة الإنسان توجب اتّصافه بالسمع والبصر.

فإنّ حياته تعالى مخالفة لحياتنا.

فلهذا لا يلزم الاشتراك بيننا وبين الله في كلّ ما يلازم حياتنا.

ومثال ذلك: إنّ حياتنا تستلزم الشهوة دون حياته تعالى(5)


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢4؛ كشف الفوائد، ١٨5 - ١٨٧
2- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص 55. الملخص في أصول الدين، ج١، ص ٩٩. تقريب المعارف، ص ٨4. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، ص 5٧
3- الخُلد: الفارة العمياء. المعجم الوسيط: مادة خلد ، ص ٢4٩؛ الخلد نوع من القواضم يعيش تحت الأرض وهو ليس له عينان ولا أذنان. المنجد، مادة خلد ، ص١٩١
4- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٨٨
5- انظر: إشراق اللاهوت، ص ٢١٠.

ص:165

الدليل الثالث:

لو لم يتّصف الله بالسمع والبصر، لزم أن يتّصف بضدّهما.

وضدّهما نقص، والنقص على الله محال، فيثبت بالضرورة كونه تعالى سميعاً بصيراً.

يلاحظ عليه:

ليس كلّ من لا يتّصف بصفة يتّصف بضدّ تلك الصفة.

بل الاتّصاف بضدّ الصفة يكون لمن شأنه الاتّصاف بها، ولكنّه لا يتّصف بها، كالإنسان الذي من شأنه أن يكون سميعاً وبصيراً، فإذا لم يتّصف بهما اتّصف بضدّهما، أي: بالصمم والعمى.

ولم يثبت عقلاً أنّه تعالى من شأنه الاتّصاف بالسمع والبصر، ولا سيما إذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مشروطة بوجود الحواس، فيكون السمع والبصر من لوازم الكائنات الجسمانية، والله تعالى منزّه عن ذلك(1)

الدليل الرابع:

إنّ السميع والبصير أكمل ممن لا يسمع ولا يبصر.

والواحد منّا سميع بصير.

فلو لم يكن الله سميعاً، لكان الواحد منّا أكمل من الله، وهذا محال.

فيثبت أنّه تعالى سميع بصير(2)

يلاحظ عليه:

ليس كلّ ما كان كمالاً في حقّنا يكون كمالاً في حقّه تعالى.

مثال ذلك: إنّ الماشي منّا أكمل ممّن لا يمشي.

فهل يمكننا القول بأنّه تعالى لو لم يكن ماشياً لكان أحدنا أكمل منه.

وقد يُقال: إنّ المشي صفة كمال في الأجسام، والله تعالى ليس بجسم.


1- انظر: قواعد المرام، ص ٩١، إشراق اللاهوت، ص ٢١5
2- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٨٨.

ص:166

ولكن السمع والبصر غير مختصّين بالأجسام، ولهذا يصح نسبتهما إليه تعالى.

والجواب: لا يوجد دليل عقلي على أنّ السمع والبصر غير مختصّين بالأجسام، والواقع يكشف أنّهما ملازمان للجسمانية، ومفتقران إلى الحواس والجوارح(1)

أضف إلى ذلك:

لو جاز عقلاً وصفه تعالى بالسميع والبصير لجاز عقلاً وصفه تعالى باللمس والذوق والشم؛ لأنّ من يتّصف منّا بهذه الصفات أفضل ممن لا يتّصف بها، ولكنّنا نجد أنّ الشارع لم يجوّز لنا وصفه تعالى بهذه الصفات.

تنبيه مهم: هذه الردود الواردة على أدلة إثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً لا تعني إنكار كونه تعالى سميعاً وبصيراً، بل تعني عدم وجود دليل عقلي لهذا الإثبات، وأنّ السبيل الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو النقل (الكتاب والسنّة) فحسب.

النتيجة:

إذا قلنا بأنّ الله سميع وبصير بمعنى أنّه عالم بالمسموعات والمبصرات، فالدليل العقلي الوحيد لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً هو إثبات علمه تعالى.

وإذا قلنا بأنّ حقيقة السمع والبصر مغايرة لحقيقة العلم، فلا يبقى دليل عقلي محكم لإثبات كونه تعالى سميعاً وبصيراً، ويكون الدليل النقلي والاعتماد على القرآن والسنّة هو السبيل الوحيد لإثبات ذلك.


1- انظر: تلخيص المحصل، ص ٢٨٨. قواعد المرام، ص ٩٢.

ص:167

المبحث الثاني: الصلة بين السمع والبصر» و بين العلم

الرأي الأوّل:

السمع والبصر معناهما العلم، (1)وكشف الأشياء بالسمع والبصر نوع من العلم.

والله تعالى سميع، أي: عالم بالمسموعات.

والله تعالى بصير، أي: عالم بالمبصرات(2)

الرأي الثاني:

السمع والبصر لا يرجعان إلى العلم.

والانكشاف بالسمع والبصر يغاير الانكشاف بالعلم.

والله تعالى سميع، أي: أنّه تعالى على صفة يدرك المسموعات إذا وجدت.

والله تعالى بصير، أي: أنّه تعالى على صفة يدرك المبصرات إذا وجدت(3)

توضيح الرأي الأوّل:

السمع والبصر معناهما العلم.

الفصل الحادي عشر: قدرة اللّه تعالى

اشاره


1- انظر: أوائل المقالات، ص 54
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢4؛ المسلك في أصول الدين، ص ٢٩6. قواعد المرام، ص ٩٠. اللوامع الإلهية، ص ٢٠٢
3- انظر: التوحيد، ص ١٩٢؛ شرح جمل العلم والعمل، ص 55؛ غنية النزوع، ج ٢، ص ٣١؛ وأشار العلاّمة الحلّي إلى هذين الرأيين في كتابه كشف المراد، ص 4٠٣.

ص:168

ص:169

المبحث الأوّل: معنى القدرة (لغةً واصطلاحاً)

معنى القدرة (في اللغة) :

القدرة تعني التمكّن من الفعل وتركه.

ورد في «مجمع البحرين» : قدرت على الشيء: قويت عليه وتمكّنت منه(1)

ورد في «لسان العرب» : يقال: قدر على الشيء، أي: ملكه، فهو قادر(2)

ورد في «مصباح الكفعمي» : القادر هو الموجد للشيء اختياراً من غير عجز ولا فتور (3)

وقال الشيخ الصدوق: قَدِر، أي: ملك، وقدرته على ما لم يوجد واقتداره على إيجاده هو قهره وملكه له(4)

تنبيه: «القدير» هو الذي لا تتناهى قدرته، فهو أبلغ من «القادر» ، ولهذا لايوصف بصفةالقدير إلاّ الله تعالى.

و «المقتدر» هو التام في القدرة الذي لا يمنعه شيء عن مراده(5)

معاني القدرة (في الاصطلاح العقائدي) :

المعنى الأوّل:

قال الشيخ الصدوق: «إنّ الله لم يزل قادراً، إنّما نريد بذلك نفي العجز عنه، ولا نريد إثبات شيء معه؛ لأنّه عزّ وجلّ لم يزل واحداً لا شيء معه»(6)


1- مجمع البحرين، ج٣، ص466
2- لسان العرب، ابن منظور: مادة قدر
3- مصباح الكفعمي، ج ١، ص ٣٨٢
4- التوحيد، ص ١٩٢، ب ٢٩، ذيل ح ٩
5- مصباح الكفعمي، ج ١، ص ٣٨٣
6- التوحيد، ص ١٢٧، ب ٩، ذيل ح ١٢.

ص:170

وهذا المعنى مقتبس من قول الإمام محمّد بن علي الجواد (ع) حيث قال لأحد أصحابه:

« فقولك: إنّ الله قدير خبّرت أنّه لا يعجزه شيء، فنفيت بالكلمة العجز، وجعلت العجز سواه» (1)

المعنى الثاني:(2))

القدرة هي «الفعل» عند «المشيئة» ، و «ترك الفعل» عند «عدم المشيئة» . والقادر هو الذي إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل.

بعبارة أخرى: إذا شاء أن يفعل فعل، وإذا شاء أن يترك ترك.

المعنى الثالث:(3)

القدرة تعني صحّة الفعل والترك(4)

والقادر هو الذي يصح أن يفعل ويصح أن يترك (أي: لا يفعل) .

بعبارة أخرى: القادر هو الذي يصح أن يصدر عنه الفعل ويصح أن لا يصدر عنه الفعل.

تنبيه: إنّ الله تعالى قادر على الأشياء كلّها على ثلاثة أوجه:

أوّلاً: على المعدومات بأن يوجدها.

ثانياً: على الموجودات بأن يفنيها أو يتصرّف فيها بجمعها أو تفريقها أو تحويلها أو نحو ذلك.

ثالثاً: على مقدور غيره بأن يقدر عليه ويمنع منه(5)


1- التوحيد، ص ١٨٨
2- انظر: الرسائل العشر، ص ٩4. قواعد المرام، ص ٨٣. مناهج اليقين، ص ١6١
3- انظر: قواعد العقائد، ص 4٨. تلخيص المحصّل، ص ٢6٩. المسلك في أصول الدين، ص 4٢. عجالة المعرفة، ص ٣٠. المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٣5. مناهج اليقين، ص ١6٠
4- إذا كان الفعل ممكناً ولم يمنع منه مانع؛ انظر: المسلك في أصول الدين، ص 4٢
5- انظر: مجمع البيان، ج ١، ص ١5٢.

ص:171

أسماء الله التي تعود إلى صفة قدرة الله تعالى(1))

١- القوي

أي: ذو القوّة الكاملة، فلا يعجزه أمر ممكن في إيجاد أو إعدام، ولا يمسّه نَصَب، ولا يلحقه ضعف.

قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [هود: 66]

٢- المتين

أي: ذو المتانة الكاملة. والمتانة أبلغ من مطلق القوّة؛ لأنّها القوّة الزائدة.

فمعنى المتين: هو الذي له كمال القوّة التي لا تعارضها ولا تشاركها ولا تدانيها قوّة، كما لا يعرض لها عجز ولا تعب ولا تناقض في التصرّف بكلّ أمر ممكن.

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 5٨]

٣- القادر

أي: ذو القدرة الكاملة، وقد مرّ معنى القدرة قبل قليل.

قال تعالى: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام: 65]

4- المقتدر

أي: ذو القدرة الكاملة. والمقتدر أبلغ من القادر.

قال تعالى: وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف: 45]

5- الواجد

أي: ذو الجدّة الكاملة، والجدة هي الغنى مع امتلاك قدرة التصرّف وعدم الاحتياج إلى مساعد ومعين. فمعنى الواجد: القادر على التصرّف بكلّ شيء وفق مراده. ولم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم.

6- العزيز

أي: ذو العزّة الكاملة، والعزّة هي القدرة على التغلّب.

قال تعالى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ [هود: 66]


1- العقيدة الإسلامية، عبدالرحمن حسن جنكة الميداني، صص١6١ - ١6٣ بتصرّف .

ص:172

٧- المُقيت

أي: الحافظ للشيء والشاهد والمقتدر، وبعبارة أخرى: المُقيت يعني المستولي القادر على كلّ شيء. وهذا المعنى هو أحد معاني هذا الاسم.

قال تعالى: وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً [النساء: ٨5]

٨- مالك المُلك

أي: الذي تنفذ مشيئته في ملكه كيف يشاء، لا مردّ لقضائه، ولا يكون ذلك إلاّ من كمال القوّة والمتانة والقدرة والعزّة والغنى.

قال تعالى: قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ [آل عمران: ٢6]

٩- المِلك (بكسر الميم)

أي: المتصرّف بالأمر والنهي التكويني في كلّ شيء، فإذا قال لشيء: كُن، وُجد ذلك الشيء حسب مشيئته تعالى، وهذا يرجع إلى كمال القدرة على التصرّف بالممكنات.

قال تعالى: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ [طه: ١١4]

المبحث الثاني: أقسام القادر

١- القادر المختار

مثاله: الله سبحانه وتعالى، الإنسان في أفعاله الاختيارية.

٢- القادر الموجب (المضطر)

مثاله: الشمس بالنسبة إلى الإشراق، والنار بالنسبة إلى الإحراق.

الفرق بين «القادر المختار» و «القادر الموجب» :

١- القادر المختار هو المتمكِّن من الفعل والترك.

القادر الموجب هو المتمكِّن من الفعل فقط دون الترك(1)

٢- القادر المختار يصح منه أن لا يفعل.


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٢؛ الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، ص 56.

ص:173

القادر الموجب يمتنع منه أن لا يفعل (1)

٣- القادر المختار يصح منه أن يفعل الفعل.

القادر الموجب يجب أن يصدر عنه الفعل (2)

4- القادر المختار هو الذي يفعل مع شعوره بفعله.

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل مع عدم شعوره به(3)

5- القادر المختار هو الذي يعلم بأثره.

القادر الموجب هو الذي لا يعلم بأثره(4)

وبصورة عامّة:

القادر المختار هو الذي يؤدّي فعله بإرادته واختياره.

القادر الموجب هو الذي يصدر منه الفعل من دون إرادته واختياره(5)

تنبيهان:

١- اشتهر عند بعض الفلاسفة القول بأنّ الله تعالى «قادر موجب» لا «قادر مختار»(6)

ولهذا قال هؤلاء بقدم العالم (7)، وأثبتوا لله إرادة وقدرة لا بالمعنى الذي أثبته


1- انظر: قواعد المرام، ص ٩٣
2- انظر: قواعد العقائد، ص 4٩
3- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٣5
4- انظر: قواعد المرام، ص ٨٣
5- انظر: الأنوار الجلاليه، ص ٧5
6- انظر: قواعد العقائد، ص 4٧. كشف الفوائد، ص ١5٩. إرشاد الطالبين، ص ١٨٢. الأنوار الجلالية، ص ٧5
7- لأنّ الموجب هو الذي لا يتخلّف أثره عنه بالضرورة، وهو الذي لا ينفك عنه فعله، والذين يقولون بأنّه تعالى قادر موجب، يعتقدون بأن العالم بالنسبة إلى الله كالنور بالنسبة إلى الشمس، وبما أنّه تعالى كان من الأزل، فالعالم أيضاً كان معه من الأزل؛ لأنّ العالم لا ينفك عن الله: وهو كالنور بالنسبة إلى الشمس، فما دامت الشمس موجودة فالنور موجود معها. انظر: الباب الحادي عشر، العلاّمة الحلّي: الفصل الثاني، ص ٣٢؛ الاعتماد، مقداد السوري في صفات الله تعالى، ص 5٧. وإثبات حدوث العالم أي: وجود العالم بعد عدمه يثبت بأنّ الله تعالي قادر مختار لا قادر موجب. انظر: الاقتصاد، الشيخ الطوسي، القسم الأوّل، الفصل الثاني، صص 5٣ و 54؛ تجريد الاعتقاد، نصيرالدين الطوسي، المقصد الثالث، الفصل الثاني، ص ١٩١.

ص:174

المتكلّمون، بل شبّهوا الله تعالى بجهاز مبرمج يعمل من دون إرادة واختيار وفق ما يملي عليه علمه بالنظام الأحسن. تعالى الله عن ذلك، وسبحانه عمّا يصه هؤلاء (1).

٢- القادر المختار أشرف وأسمى من القادر الموجب.

لأنّ القادر الموجب لا فضل له في ألطافه وتفضّله على العباد؛ لأنّه يفعل من دون إرادته واختياره.

ولكن القادر المختار، فإنّه متفضّل في تقديم ألطافه ومواهبه؛ لأنّه إن شاء منح هذه الألطاف والمواهب وإن شاء منعها.

المبحث الثالث: أدلة اثبات قدرة الله تعالى

الدليل الأوّل:

إنّ «الفعل» كما يكشف عن وجود «الفاعل» ، فإنّه يكشف أيضاً عن اتّصاف الفاعل بالقدرة التي مكّنته من أداء هذا الفعل.

ومن هذا المنطلق:

فإنّنا كما نكتشف من خلال النظر في هذا العالم بأنّ لهذا العالم خالقاً. فإنّنا نكتشف أيضاً من خلال هذا النظر بأنّ خالق هذا العالم متّصف بالقدرة؛ لأنّ «الفعل لا يصح أن يصدر إلاّ من قادر»(2) . (3)

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«العجب كلّ العجب للشاك في قدرة الله، وهو يرى خلق الله»(4)

الدليل الثاني:

فقدان «القدرة» يثبت «العجز» ، و «العجز» نقص لا يليق بالذات الإلهية،


1- لمعرفة المزيد من أدلة تنزيه الله عن الاتّصاف بالقادر الموجب راجع: مناهج اليقين، العلاّمة الحلّى، المنهج الرابع، البحث الرابع، صص ١6٠ و ١6١
2- الاقتصاد، ص 5٣
3- انظر: التوحيد، ص ١٢٩؛ تقريب المعارف، ص ٧٣. كشف المراد، ص ٣٩٣
4- المحاسن، أبو جعفر البرقي، ج ١، باب ٢٣: باب جوامع من التوحيد، ح [٢٣٣ [٨٣١.

ص:175

والله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية، ومنزّه عن جميع النقائص والصفات الجلالية.

الدليل الثالث:

لو لم يكن الله قادراً، لكان محتاجاً إلى غيره، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

المبحث الرابع: خصائص قدرة الله تعالى

١- «القدرة» من صفات الله الذاتية الكمالية.

والله تعالى قادر فيما لم يزل(1)

ولا يصحّ - في جميع الأحوال - سلب القدرة من الله، ونسبة «العجز» إليه تعالى؛ لأنّ هذا السلب يوجب احتياجه تعالى في الخلق إلى شيء غير ذاته، والله تعالى منزّه عن الاحتياج.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«لم يزل الله عزّ وجلّ ربّنا. . . والقدرة ذاته ولا مقدور، فلمّا أحدث الأشياء. . . وقع. . . القدرة على المقدور. . .» (2).

سُئل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) : خلق الله الأشياء بالقدرة أم بغير القدرة؟ فقال (ع) :

«لا يجوز أن يكون خلق الأشياء بالقدرة.

لأنّك إذا قلت: خلق الأشياء بالقدرة فكأنّك قد جعلت القدرة شيئاً غيره، وجعلتها آلة له بها خلق الأشياء، وهذا شرك.

وإذا قلت: خلق الأشياء بغير قدرة، فإنّما تصفه أنّه جعلها باقتدار عليها وقدرة، ولكن ليس هو بضعيف ولا عاجز ولا محتاج إلى غيره، بل هو سبحانه قادر لذاته لا بالقدرة»(3)

٢- قدرة الله غير مقيّدة بالقوانين والأسباب الطبيعية، بل الله تعالى قادر على فعل الأشياء من دون توسّط هذه القوانين والأسباب، كما أنّه تعالى قادر


1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص6٣. تقريب المعارف، ص ٨١
2- الكافي، ج ١، ص ١٠٧، ح ١
3- عيون أخبار الرضا ع ، ج ١، ص ١٠٨، ح٧.

ص:176

على إلغاء هذه القوانين والأسباب والعمل بمشيئته وفق قوله تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 4٠](1)

إذن:

لا تنحصر قدرة الله في المجالات العادية، بل لله تعالى أن يجري الأمور من طرق أخرى كالإعجاز.

٣- امتلاك «القدرة» على فعل شيء لا يعني لزوم فعل ذلك الشيء؛ لأنّ «القدرة» لا تؤثّر لوحدها، وإنّما يكون منها التأثير عند مقارنتها مع الإرادة.

فنستنتج بأنّ قدرة الله على جميع الممكنات لا يلزم وجود جميع هذه الكائنات، وإنّما تحقّق أيّ كائن يكون بعد إرادة الله تعالى له.

وبعبارة أخرى: إنّ الله تعالى قادر على كلّ الممكنات، ولكنّه غير مؤثّر في كلّها، وإنّما يؤثّر على بعضها وفق ما يريد(2)

4- مفهوم «القدرة» أوسع من مفهوم «الإرادة» .

مثال ذلك:

«القدرة» تتعلّق بالفعل والترك.

ولكن «الإرادة» لا تتعلّق إلاّ بواحدة من «الفعل» أو «الترك» .

توضيح ذلك:

قدرة الله تتعلّق بأن «يفعل» وأن «لا يفعل» ، ولهذا يكون نطاق قدرته تعالى واسع وشامل للفعل وترك الفعل.

ولكن إرادة الله لا تتعلّق إلاّ بواحد من «أن يفعل» أو أن «لا يفعل» ، والله تعالى إمّا أن يريد الفعل وإمّا أن لا يريده.


1- هذا بخلاف قدرة الإنسان التي مهما تعاظمت فإنّها تبقى في إطار الأسباب الطبيعية، وغاية ما يستطيع الإنسان فعله عبارة عن تسخير القوانين الطبيعية وتنفيذ إرادته في دائرة لا تتجاوز حدود هذه القوانين
2- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٩٩.

ص:177

ولا يمكن تعلّق الإرادة بالفعل والترك في آن واحد؛ لأنّ تعلّق الإرادة بكليهما مستحيل، ويلزم منه التناقض.

ولهذا يكون نطاق تعلّق «القدرة» أوسع من نطاق تعلّق «الإرادة» .

5- لا يوجد في قبال قدرة الله قدرة مضاهية أو معارضة أو مانعة من نفوذها؛ لأنّ كلّ ما سوى الله فهو «ممكن الوجود» وكلّ «ممكن الوجود» لا «استقلالية» له بذاته في الوجود، بل هو مقهور له تعالى، فلهذا ليس بإمكان هذا الممكن أن يزاحم القدرة الإلهية أو يمنعها من نفوذها.

المبحث الخامس: سعة قدرة الله تعالى

قدرة الله تعالى قدرة مطلقة وشاملة وغير محدودة.

دليل ذلك:

قدرة الله - كما ثبت في المبحث السابق - هي عين ذات الله، وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، فنستنتج بأنّ القدرة الإلهية أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية.

ولهذا:

لا تكون قدرة الله مختصّة ببعض المقدورات دون بعض، بل تكون هذه القدرة شاملة ومتعلّقة بكلّ ما هو ممكن ومقدور.

موارد تعلَّق القدرة الإلهية:

لا تتعلّق قدرة الله إلاّ بالأمور الممكنة والمقدورة.

ولا تتعلّق هذه القدرة أبداً بالأمور المستحيلة والممتنعة بالذات.

تنبيه: عدم تعلّق قدرة الله بالأمر المستحيل والممتنع بالذات ليس من جهة عجز أو قصور في قدرته تعالى، بل هو من جهة القصور في جانب الأمر المستحيل وعدم امتلاكه قابلية الإيجاد.

نماذج من الأمور المستحيلة عقلاً:

١- أن يخلق الله تعالى مثله.

ص:178

٢- أن يفني الله تعالى نفسه.

٣- أن يوجد الله تعالى شيئاً لا يقدر على تحريكه أو إفنائه.

4- أن يجعل الله تعالى الشيء الكبير (مثل العالم) في الشيء الصغير (مثل البيضة) من دون أن يصغر حجم العالم أو تكبر البيضة.

فإذا سُئل: هل الله تعالى قادر على القيام بهذه الموارد؟

فالجواب: القدرة إنّما تتعلّق بالموارد التي يمكن وقوعها، وهذه الموارد يستحيل وقوعها؛ فلهذا لا تتعلّق القدرة بها.

والسؤال عن تعلّق القدرة بالموارد المستحيلة سؤال خاطىء.

ولهذا ورد في الحديث الشريف:

سُئل الإمام علي (ع) : هل يقدر ربّك أن يدخل الدنيا في بيضة من غير أن يصغّر الدنيا أو يكبّر البيضة؟ !

قال (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسب إلى العجز، والذي سألتني لا يكون» (1)

مثال توضيحي:

١- إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تجعل نتيجة ٢ + ٢ تساوي 5؟

فسيكون جوابك: من المستحيل أن تكون نتيجة ٢ + ٢ تساوي 5.

وعدم قدرتي على الحصول على هذه النتيجة ليس لعجزي وقصور قدرتي، بل لأنّ هذا المورد محال ولا يمكن تحقّقه.

والاستفسار عن امتلاك القدرة أو عدم امتلاكها لا يصح إلاّ في الموارد التي


1- التوحيد، ص ١٢6، ب ٩، ح ٩. ورد في حديث آخر: سُئل الإمام علي بن موسى الرضا ع : هل يقدر ربّك أن يجعل السماوات والأرض وما بينهما في بيضة؟ قال ع : «نعم، وفي أصغر من البيضة، قد جعلها في عينك، وهي أقل من البيضة، لأنّك إذا فتحتها عاينت السماء والأرض وما بينهما، ولو شاء لأعماك عنها» ؛ التوحيد، ص ١٢6، ب ٩، ح١١؛ ولا يخفى بأنّ إجابة الإمام الرضا ع في هذا المقام وبهذه الصورة كانت لأجل إزالة حالة شكّ السائل في قدرة الله تعالى، فكلّم الإمام ع السائل على قدر عقله، ولم يبيّن له استحالة ما سأله لئلا يشوش ذهنه، وأجابه بجواب يصرف ذهنه إلى عظمة قدرة الله تعالى.

ص:179

يصح وقوعها.

٢- إذا سألك شخص: هل تستطيع أن تكون في وقت ومكان واحد موجوداً ومعدوماً؟

فسيكون جوابك:

إنّ هذا الأمر مستحيل، ولا يمكن وقوعه أبداً؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين، والعقل يحكم باستحالة اجتماع النقيضين.

ولا يقال لمن لا يفعل المستحيل أنّه عاجز؛ لأنّ عدم وقوع المستحيل ليس لعدم استطاعته من القيام به، بل لعدم امتلاك ذلك الشيء المستحيل قابليّة الإيجاد والتحقّق.

الفرق بين المستحيل العقلي والمستحيل العادي:

المستحيل الذي لا تتعلّق به قدرة الله هو المستحيل العقلي دون المستحيل العادي، وأمّا المستحيل العادي فهو ممّا تتعلّق به القدرة الإلهية.

توضيح ذلك:

ينقسم المستحيل إلى قسمين: (1)

١- المستحيل العقلي:

وهو الأمر الذي يحكم العقل بعدم إمكان وقوعه وتحقّقه أبداً.

من قبيل: ما يشتمل فرضه على التناقض (ويسمّى المستحيل ذاتاً) .

ومثاله: أن يكون الشيء الواحد موجوداً ومعدوماً في وقت ومكان واحد.

ومن قبيل: ما يشتمل وجوده في الواقع الخارجي على التناقض (ويسمّى المستحيل وقوعاً) .

ومثاله: وجود المعلول من دون علّته الخاصة في الواقع الخارجي.

٢- المستحيل العادي:

وهو أنّنا اعتدنا على تحقّق كلّ شيء في الواقع الخارجي من خلال علّة أو علل معيّنة، فإذا سُئلنا: هل يمكن تحقّق هذا الشيء من دون وجود علّته


1- انظر: معارف القرآن، محمّد تقي المصباح: صص٢٠٢ - ٢٠٣.

ص:180

المتعارفة؟ فإنّنا سنقول: هذا الأمر مستحيل.

ولكن قد يكون لتحقّق هذا الشيء علّة أخرى نجهلها، فإذا أدّت العلّة إلى وقوع ذلك الشيء فإنّنا نتصوّر وقوع المستحيل.

تنبيه: تسمية هذا القسم الثاني «بالمستحيل» من باب التسامح، وهذا المستحيل ليس من قبيل المستحيل الذي يحكم العقل باستحالة وقوعه، وإنّما هو المستحيل الذي يحكم العرف والعادة بعدم تحقّقه.

مثال المستحيل العادي:(1)

لو سُئل أحد الأشخاص قبل اختراع الهاتف: هل تستطيع أن تتكلّم فيسمع صوتك من يبعد عنك آلاف الكيلومترات.

فإنّه سيجيب: هذا مستحيل.

وهذا المستحيل هو من قبيل المستحيل العادي، وليس من قبيل المستحيل العقلي.

ويحكم الإنسان باستحالة الشيء عادةً لعدم علمه بالأسباب، فإذا عرف الأسباب، وأصبح عنده إلمام بجهاز الهاتف، فإنّه سيدرك عدم استحالة ما حكم عليه بالاستحالة.

جميع المعاجز هي من قبيل اختراق المستحيل العادي، وهي ظواهر لا توجد عن طريق العلل العادية، وإنّما توجد عن طريق العلل غير العادية الخارجة عن نطاق علمنا.

المبحث السادس: أدلة عموم قدرة الله تعالى

١- قدرة الله عين ذات الله.

وبما أنّ الذات الإلهية مطلقة وغير متناهية، نستنتج بأنّ قدرة الله أيضاً غير متناهية، ولا تعرف حدّاً، ولا تقف عند نهاية، (وقد ذكرنا هذا المعنى، وبيّنا موارد تعلّق القدرة الإلهية في المبحث السابق) .


1- انظر: المصدر.

ص:181

٢- نسبة ذات الله إلى جميع المقدورات متساوية.

فلهذا تتعلّق قدرة الله بجميع المقدورات من غير استثناء.

ومن هذا المنطلق:

يكون اختصاص قدرة الله بمقدور دون آخر ترجيح بلا مرجّح، وهو باطل(1)

فتثبت قدرة الله على كلّ مقدور(2)

٣- تجلّي القدرة الإلهية في إيجاد كائنات السماوات والأرض لا من شيء تنبىء عن عظمة قدرته تعالى، وتبيّن بأنّ كلّ ما نفترضه من أمور مقدورة وممكنة هي أهون عنده تعالى.

قال تعالى: أَ وَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ [يس: ٨١]

آيات قرآنية حول عمومية قدرة الله تعالى:

١- أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: ٢٠]

٢- وَ كانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً [الكهف: 45]

٣- تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك: ١]

4- لَهُ الْمُلْكُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [التغابن: ١٠]

5- وَ ما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الأَْرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً [فاطر: 44]

أحاديث لأهل البيت: حول عمومية قدرة الله تعالى:

١- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«الأشياء كلّها له سواء علماً


1- بعبارة أخرى: المقتضي لكون الشيء مقدوراً هو اتّصافه بصفة «الإمكان» ، وهذه الصفة متساوية بين جميع الممكنات، فلهذا تكون صفة «المقدورية» مشتركة بين جميع «الممكنات»
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص٢٣؛ الرسائل العشر، ص ٩4؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٨٢. تلخيص المحصّل، ص ٢٩٩. المسلك في أصول الدين، ص 5٣. قواعد المرام، صص ٩6 و ٩٧. مناهج اليقين، ص١6٣.

ص:182

وقدرة. . .»(1)

٢- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«إنّ الله تعالى. . . القادر الذي لايعجز»(2)

مناقشة أهم الإشكالات الواردة حول عموم قدرة الله تعالى:

الإشكال الأوّل:(3)

إنّ الله غير قادر على فعل القبيح.

دليل ذلك:

لو كان الله قادراً على فعل القبيح لصحّ منه فعله، وصحّة فعل القبيح منه تعالى دليل على اتّصافه بالجهل والاحتياج، ولكنّه تعالى منزّه عن هذه الأوصاف، فيثبت عدم قدرته على فعل القبيح.

يرد عليه:

الاتّصاف بالجهل والاحتياج يكون مع «فعل القبيح» لا مع «امتلاك القدرة على فعله» ، وعدم فعله تعالى للقبيح ليس لعدم قدرته على فعله، بل لأنّه تعالى حكيم، فلا يريد فعل القبيح.

أدلة قدرته تعالى على فعل القبيح:

١- إن الله تعالى قادر على كلّ مقدور، والقبيح مقدور، فيثبت أنّه تعالى قادر على فعل القبيح (4)

٢- إنّ «الفعل الحسن» من جنس «الفعل القبيح» ، والقادر على أحد


1- الكافي، ح 4، ص ١٢6، ح 4
2- التوحيد، ص ٧4، ب ٢، ح ٣٢
3- أشير إلى هذا الإشكال والردّ عليه في: تقريب المعارف، أبو الصلاح الحلبي، ص ١٠٠. المسلك في أصول الدين، ص ٨٩. المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١54. كشف المراد، ص ٣٩6. مناهج اليقين، صص ١6٢ و ١6٣
4- انظر: المسلك في أصول الدين، ص ٨٨.

ص:183

الجنسين يكون قادراً على الآخر(1)

٣- لو لم يكن الله قادراً على فعل القبيح، لم يستحق المدح إزاء عدم فعله للقبيح؛ لأنّ «المدح» يكون لمن يقدر على فعل القبيح ثمّ لم يفعله(2)

الإشكال الثاني(3)

إنّ الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد.

أي: إنّ الله تعالى لا يقدر على القيام بمثل الأفعال التي يقوم بها الإنسان.

دليل ذلك:

إنّ مقدور الإنسان (أي: الفعل الذي يقدر الإنسان على إيجاده) ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: ليس فيه غرض، فيوصف هذا الفعل ب- «العبث» .

ثانياً: فيه غرض.

وهذا الغرض ينقسم إلى قسمين:

أوّلاً: موافق للأوامر الشرعية، فيوصف الفعل ب- «الطاعة»

ثانياً: غير موافق للأوامر الشرعية، فيوصف الفعل ب- «المعصية» .

إذن، فعل الإنسان لا يخلو عن أحد هذه الأوصاف الثلاثة، وهي العبث والطاعة والمعصية.

فلو قلنا بأنّ الله تعالى قادر على القيام بمثل فعل الإنسان فسيكون معنى ذلك أنّ أفعال الله أيضاً ستوصف بالعبث أو الطاعة أو المعصية، وهذا باطل(4)، فيثبت عدم قدرة الله على مثل مقدور العبد.

يرد عليه:

إنّ لكلّ فعل بُعدين:


1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، صص٨٣ و ٨4؛ تقريب المعارف، ص ٩٩. الاقتصاد، ص ٨٨
2- الياقوت في علم الكلام، ص 5٧
3- أُشير إلى هذا الإشكال والردّ عليه في: قواعد المرام، صص ٩6 و ٩٧؛ كشف المراد، ص ٣٩6 و ٣٩٧. إرشاد الطالبين، ص ١٩١
4- دليل ذلك: أوّلاً: يستلزم وصف فعل الله بالعبث نفي الحكمة عنه، والله تعالى منزّه عن ذلك؛ ثانياً: يستلزم وصف فعل الله بالطاعة والمعصية أن يكون له تعالى آمر وناهي، وهذا محال.

ص:184

١- ذات الفعل.

٢- صفات الفعل، وهي الصفات التي تُنتزع من خلال لحاظ «دواعي» القيام بالفعل.

وهذه الصفات في أفعال الإنسان عبارة عن:

أوّلاً: «العبث» ، فيما لو كان داعي الفعل من دون غرض.

ثانياً: «الطاعة» ، فيما لو كان داعي الفعل تلبية الأوامر الشرعية.

ثالثاً: «المعصية» ، فيما لو كان داعي الفعل مخالفة الأوامر الشرعية.

وما ينبغي الالتفات إليه: أنّ ما يستلزم المحذور عبارة عن تشابه دواعي الله في الفعل مع دواعي الإنسان.

لأنّنا إذا قلنا بأنّ دواعي الله مشابهة لدواعي الإنسان، فإنّ أفعال الله تعالى ستُصوف بالعبث أو الطاعة أو المعصية، وهذا محال.

لكنّنا إذا قلنا بأنّ الله قادر على القيام بما يقوم به العبد من حيث ذات الفعل وهيئته، وله تعالى دواعي مغايرة لدواعي الإنسان، فإنّه لا يكون أيّ محذور في هذا المجال.

فتثبت قدرة الله على مثل ما يقدر عليه الإنسان.

بعبارة أخرى:

دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان.

فلهذا لا يوصف فعل الله بالأوصاف التي يوصف بها فعل الإنسان (وهي: العبث أو الطاعة أو المعصية) .

وعدم اتّصاف فعله تعالى بالأوصاف التي يتّصف بها فعل الإنسان لا يوجب إنكار قدرته تعالى على مثل ما يقوم به الإنسان.

بل غاية ما يثبته أنّ دواعي فعل الله مغايرة لدواعي فعل الإنسان.

فلا يبقى أيّ إشكال في أن يكون الله قادراً على مثل ما يقوم به الإنسان، وأن يكون الله فاعلاً لمثل الفعل الذي يفعله الإنسان من حيث «الذات والهيئة» لامن حيث «الداعي والأوصاف» .

ص:185

تنبيه: المقصود من قدرة الله على مثل ما يقوم به الإنسان هي الأفعال التي يصح نسبتها إلى الله عزّ وجلّ، وليس المقصود منها الأفعال القائمة بالفاعل المادي والجسماني كالأكل والشرب وما شابه ذلك؛ لأنّ هذه الأفعال ممّا يتنزّه عنها الله تعالى، وهي خارجة عن البحث.

الإشكال الثالث: (1)

إنّ الله تعالى لا يقدر على عين مقدور العبد.

أي: إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء فلا يمكن بعد ذلك أن تتعلّق قدرة الله بذلك الشيء.

دليل ذلك:

إذا تعلّقت قدرة الإنسان بشيء، وتعلّقت قدرة الله- في نفس الوقت- فإنّه يلزم اجتماع قادرين على مقدور واحد، وهو محال؛ لأنّ الإنسان قد يريد وقوع الشيء، ويريد الله تعالى عدم وقوعه.

فيكون ذلك الشيء - في نفس الوقت - «واقع» و «غير واقع» ، وهذا محال؛ لأنّه من قبيل اجتماع النقيضين.

فيثبت عدم تعلّق قدرة الله بالشيء فيما لو تعلّقت قدرة الإنسان بذلك الشيء.

يرد عليه:

إنّ هذا الإشكال يصحّ فيما لو قلنا بأنّ قدرة الإنسان قدرة مستقلة وقائمة بذاتها، فيؤدّي اجتماعها مع قدرة الله إلى اجتماع النقيضين.

ولكن قدرة الإنسان غير مستقلة، وهي لا تترك أثرها إلاّ بإذن الله، ولهذا لايشكّل فرض اجتماع قدرة الإنسان مع قدرة الله أيّ محذور أبداً؛ لأنّ قدرة الإنسان لوحدها لا تشكّل العلّة التامّة في التأثير، بل لابدّ من وجود إذن إلهي في هذا الصعيد لتترك هذه القدرة أثرها في الواقع الخارجي.


1- أشير إلى هذا الإشكال والرد عليه في: قواعد المرام، ص ٩٧. كشف المراد، ص ٣٩6. إرشاد الطالبين، ص١٩٣.

ص:186

الإشكال الرابع

نظرية الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد.

ذهب بعض الفلاسفة إلى أنّ قدرة الله تعالى لا تتعلّق مباشرة إلاّ بشيء واحد، أي: لا يفعل الله بذاته إلاّ شيئاً واحداً فقط، ثمّ يكون تعلّق قدرة الله بسائر الأشياء بصورة غير مباشرة وعن طريق وجود واسطة(1)

دليل ذلك:

إنّ الله تعالى واحد بذاته، وهو منزّه عن جميع أنواع الكثرة، وصدور أكثر من شيء واحد عنه تعالى يلزم وجود تكثّر في ذاته، فيكون الله تعالى مركّباً، وهذا محال.

يرد عليه:

١ - نظرية «الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد» تصحّ مع الفاعل الموجب (المضطر) ، وبما أنّ هؤلاء الفلاسفة يقولون أو يلازم قولهم بأنّ الله تعالى فاعل موجب، فلهذا يذهبون إلى أنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ شيئاً واحداً، ولاتتعلّق قدرته مباشرة إلاّ بشيء واحد.

ولكن الله تعالى - في الواقع - فاعل مختار، فلهذا لا تشمله هذه النظرية (2)

قال العلاّمة الحلّي:

«المؤثّر إن كان مختاراً جاز أن يتكثّر أثره مع وحدته وإن كان موجباً فذهب الأكثر إلى استحالة تكثّر معلوله باعتبار واحد» (3)

٢ - الامتناع وعدم الصدور في نظرية «الواحد لا يصدر عنه إلاّ الواحد»


1- انظر: قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي، الباب الثاني: في ذكر صفات الله، عموم العلم والقدرة، ص 54؛ كشف الفوائد، العلاّمة الحلّي، الباب الثاني: الصفات الثبوتية ٢ ، العلم، الواحد لايصدر عنه إلاّ الواحد، ص ١٧٠. وللمزيد راجع: المطالب العالية، فخرالدين الرازي، ج 4، صص ٣٩٧ - ٣٨١
2- مرّ في هذا الفصل، المبحث الثاني التعريف بالفاعل الموجب والفاعل المختار
3- كشف المراد، العلاّمة الحلي، المقصد الأول، الفصل الثالث، المسألة الثالثة، ص ١٧٢.

ص:187

يكون فيما لو كان الصدور من جهة واحدة، ولكن الله فاعل مختار، وبإمكانه أن يصدر عنه الفعل من جهات متعدّدة حسب اختلاف مشيئته وإرادته؛ فلهذا يصحّ عنه صدور أفعال كثيرة بحيث يكون لكلّ فعل جهة مغايرة للأخرى(1).

٣ - يلزم القول بأنّ الله تعالى لا يصدر عنه إلاّ الواحد:

أوّلاً: أن تكون رتبة الله في التأثير أقل من رتبة المؤثّرات الأخرى.

ثانياً: إنكار قدرة الله الشاملة لكلّ المقدورات.

ثالثاً: إخراج الله عن سلطانه.

وبما أنّه تعالي يتنزّه عن هذه الأمور فلا يصح قبول هذه النظرية.

الإشكال الخامس:(2)

إنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

دليل ذلك:

إنّ ما علم الله وقوعه، يقع قطعاً، فهو «واجب» الوقوع.

وإنّ ما علم الله عدم وقوعه، لا يقع قطعاً، فهو «ممتنع» الوقوع.

وما هو «واجب» أو «ممتنع» الوقوع، لا تتعلّق به القدرة.

لأنّ القدرة إنّما تتعلّق بما يصح «وقوعه» و «عدم وقوعه» ، ويمكن «فعله» و «عدم فعله» .

فيثبت أنّ الله تعالى غير قادر على خلاف ما يعلم.

بعبارة أخرى:

لو لم يقع ما علم الله وقوعه.

أو وقع ما علم الله عدم وقوعه.

لزم انقلاب علمه تعالى جهلاً، وهو محال.


1- انظر: تلخيص المحصّل، نصيرالدين الطوسي، رسالة في العلل والمعلومات، ص 5٠٩
2- أُشير إلى هذا الإشكال والرد عليه في: قواعد المرام، ص ٩٧. كشف المراد، ص ٣٩6. إرشاد الطالبين، صص ١٨٩ و ١٩٠.

ص:188

يرد عليه:

١- إنّ الله تعالى بكلّ شيء عليم، والأشياء كلّها تنقسم في علم الله تعالى إلى قسمين:

أوّلاً: يعلم بأنّها تقع، فتكون هذه الأشياء - حسب الإشكال المذكور - واجبة الوقوع.

ثانياً: يعلم بأنّها لا تقع، فتكون هذه الأشياء - حسب الإشكال المذكور - ممتنعة الوقوع.

ولازم هذا القول أن لا تتعلّق قدرة الله بأيّ شيء أبداً، لأنّه تعالى بكلّ شيء عليم، وهذا الأمر واضح البطلان.

والصحيح أن يُقال:

١- علم الله بوقوع شيء يعني أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء سيقع بتأثير من قدرته المباشرة أو غير المباشرة.

٢- إنّ علم الله تعالى بعدم وقوع شيء يعنى أنّه يعلم بأنّ ذلك الشيء لا يقع لعدم تعلّق قدرته أو قدرة مخلوقاته به أو عدم سعة قدرة غيره لتحقّقه.

فتكون القدرة - في جميع الأحوال - هي المؤثّرة في وقوع الأشياء.

بعبارة أخرى:

إنّ العلم لا يشكّل العلّة لوقوع أو عدم وقوع الأشياء، وإنّما العلم مجرّد كاشف يكشف عن:

وقوع الشيء عند تحقّق علّته التامّة.

أو عدم وقوع الشيء عند عدم تحقق علّته التامّة.

وإحدى العلل الحتمية لوقوع الشيء هي «القدرة» .

ومن المستحيل أن يقع شيء من دون وجود «قدرة» .

إذن:

تعلّق العلم بوقوع «شيء» لا يجعل ذلك الشيء واجب الوقوع نتيجة تعلّق

ص:189

العلم به.

وإنّما يكون الشيء واجب الوقوع من خلال علّته التامّة، والتي تكون القدرة جزءاً أساسياً من هذه العلّة.

ومهمّة «العلم» هو الكشف عن تلك العلّة والإخبار عن وقوع ذلك الشيء لا غير، وليس لهذا العلم أيّ أثر في وقوعه أبداً.

ص:190

ص:191

الفصل الثاني عشر: مشيئة اللّه تعالى وإرادته

اشاره

* مراتب صدور الفعل من الله تعالى

* معنى وأقسام مشيئة الله تعالى

* خصائص مشيئة الله تعالى

* معنى الإرادة (لغة واصطلاحاً)

* أقسام إرادة الله تعالى

* إرادة الله صفة ذات أم صفة فعل؟

* خصائص إرادة الله تعالى

* حسن وقبح الإرادة

* عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة

* كراهة الله لبعض الأفعال

ص:192

ص:193

المبحث الأوّل: مراتب صدور الفعل من الله تعالى

١- العلم

٢- المشيئة

٣- الإرادة

4- القدر

5- القضاء

6- الإمضاء

حديث شريف:

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع)

«عَلِم وشاء وأراد وقدّر وقضى وأمضى

. . . بعلمه كانت المشيئة

وبمشيئته كانت الإرادة

وبإرادته كان التقدير

وبتقديره كان القضاء

وبقضائه كان الإمضاء

والعلم متقدّم على المشيئة

والمشيئة ثانية

والإرادة ثالثة

ص:194

والتقدير واقع على القضاء بالإمضاء. . .

فبالعلم علم الأشياء قبل كونها

وبالمشيئة عرف صفاتها وحدودها، وأنشأها قبل إظهارها

وبالإرادة ميّز أنفسها في ألوانها وصفاتها

وبالتقدير قدّر أقواتها، وعرّف أوّلها وآخرها

وبالقضاء أبان للناس أماكنها، ودلّهم عليها

وبالإمضاء شرح عللها وأبان أمرها

وذلك تقدير العزيز العليم»(1)

معنى مراتب الفعل الإلهي:

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«. . . لا يكون إلاّ ما شاء الله وأراد وقدّر وقضى»

ثمّ عرّف الإمام (ع) هذه المراحل كما يلي:

المشيّة: الذكر الأوّل.

الإرادة: العزيمة على ما شاء.

القدر: وضع الحدود.

القضاء: إقامة العين(2).

وفي حديث آخر عنه (ع) :

المشيّة: همّه بالشيء.

الإرادة: إتمامه على المشيّة.

القدر: الهندسة من الطول والعرض والبقاء.

ثمّ قال (ع) : إنّ الله إذا شاء شيئاً أراده، وإذا أراده قدّره، وإذا قدّره قضاه، وإذا قضاه أمضاه(3).


1- الكافي، ج ١، صص ١4٨ و ١4٩، ح ١6
2- المصدر، ص ١5٨، ح 4
3- بحار الأنوار، ج 5، ص ١٢٢، ب ٣، ح 6٩.

ص:195

وجاء في حديث آخر عنه (ع) :

المشيّة: ابتداء الفعل.

الإرادة: الثبوت عليه.

القدر: تقدير الشيء من طوله وعرضه.

وإذا قضى أمضاه، فذلك الذي لا مردّ له (1)

وجاء في حديث آخر عنه (ع) :

المشيّة: الاهتمام بالشيء.

الإرادة: إتمام ذلك الشيء (2)

المبحث الثاني: معنى وأقسام مشيئة الله تعالى

معنى المشيئة:

المشيئة عبارة عن الاهتمام بفعل تمهيداً للقصد والميل القاطع نحو ذلك الفعل(3)

أقسام مشيئة الله تعالى:

١- مشيئة حتمية (مشيّة حتم) .

٢- مشيئة غير حتمية (مشيّة عزم) .

حديث شريف:

قال رسول الله (ص) :

«إنّ لله مشيّتين: مشيّة حتم، ومشيّة عزم. . .»(4)

المبحث الثالث: خصائص مشيئة الله تعالى

١- العلم الإلهي بوجود الحكمة والمصلحة في فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى مشيئة هذا الفعل.


1- بحار الأنوار، ج 5، ص ١٢٢، ب ٣، ح 6٨
2- المصدر، ص ١٢6، ح ٧5
3- هذا المعنى مقتبس من الأحاديث الشريفة التي ذكرناها في المبحث السابق
4- بحار الأنوار، ج 5، ص ١٢4، ب ٣، ح ٧٣.

ص:196

فالمشيئة- في الواقع- منبعثة من العلم، ولكن لا يمكن القول بأنّ هذا العلم هو المشيئة؛ لأنّ ماهية «العلم» غير ماهية «المشيئة» .

ولهذا جاز القول: «إن شاء الله» .

ولم يجز القول: «إن علم الله»(1)

٢- إنّ مشيئة الله مُحدثة، وهي من صفات الله الفعلية.

أحاديث أهل البيت: حول حدوث المشيئة:

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«المشيئة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد»(2)

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«المشيئة مُحدثة»(3)

وعنه (ع) :

«خلق المشيّة قبل الأشياء، ثمّ خلق الأشياء بالمشيّة»(4)

وعنه (ع) :

«خلق الله المشيئة بنفسها، ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة»(5)

تنبيه: ذكر العلاّمة المجلسي في بيان معنى «خلق الله المشيئة بنفسها» عدّة وجوه، منها:(6)

أوّلاً: «أن يكون المشيئة بنفسها كناية عن كونها لازمة لذاته تعالى غير متوقّفة على تعلّق إرادة أُخرى بها، فيكون نسبة الخلق إليها مجازاً عن تحقّقها بنفسها منتزعة عن ذاته تعالى بلا توقّف على مشيئة أخرى» .

ثانياً «لمّا كان ههنا مظنّة شبهة هي أنّه إن كان الله عزّ وجلّ خلق الأشياء بالمشيئة فبمَ خلق المشيئة، أبمشيئة أخرى؟ فيلزم أن تكون قبل كلّ مشيئة مشيئة إلى ما لا نهاية له.


1- هذا المعنى مقتبس من حديث شريف للإمام الصادق ع ؛ انظر: الكافي، ج ١، ص١٠٩، ح ٢
2- التوحيد، ص ٣٢٩، ب 55، ح 5
3- الكافي، ج ١، ص ١١٠، ح ٧؛ التوحيد، ص ١4٣، ب ١١، ح ١٨
4- التوحيد، ص ٣٣٠، ب 55، ح ٨
5- الكافي، ج ١، ص ١١٠، ح 4؛ التوحيد، ص ١4٣، ب ١١، ح ١٩
6- بحار الأنوار، ج 4، ب 4، ذيل ح ٢٠، صص ١45 - ١4٧.

ص:197

فأفاد الإمام (ع) : أنّ الأشياء مخلوقة بالمشيئة، وأمّا المشيئة نفسها فلا يحتاج خلقها إلى مشيئة أُخرى بل هي مخلوقة بنفسها. . .»

نظير ذلك:

١- «إنّ الأشياء إنّما توجد بالوجود، فأمّا الوجود نفسه فلا يفتقر إلى وجود آخر، بل إنّما يوجد بنفسه» .

٢- «الشهوة في الحيوان مشتهاة لذاتها، لذيذة بنفسها، وسائر الأشياء مرغوبة بالشهوة» .

المبحث الرابع: معنى الإرادة (لغة واصطلاحاً)

معنى الإرادة (في اللغة) :

الإرادة هي القصد والميل القاطع نحو الفعل(1)

معنى الإرادة (في الاصطلاح العقائدي) :(2)

الإرادة صفة توجب ترجيح أحد طرفي ما يقع في دائرة القدرة.

توضيح ذلك:

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:

١- إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل) .

٢- عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك) .

وترجيح أحد هذين الأمرين يحتاج إلى «مخصّص» .

وهذا «المخصّص» هو «الإرادة» .


1- انظر: الملخّص في أصول الدين، ج٢، ص ٣55
2- انظر: المصدر، صص ٣٧٢ - ٣٧٣؛ كنز الفوائد، ج ١، ص ٣١٧؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص6٣؛ تجريد الاعتقاد، ص ١٩٢؛ تلخيص المحصّل، ص ٢٨5؛ قواعد العقائد، صص 55 و 56؛ قواعد المرام، صص ٨٨ - ٨٩؛ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، صص ١٧٩ - ١٨٠؛ مناهج اليقين، ص ١٧١؛ نهج الحق وكشف الصدق، ص ١٣١؛ إرشاد الطالبين، ص٢٠٣؛ اللوامع الإلهية، ص ١٣6.

ص:198

أضف إلى ذلك:

يجد كلّ من يمتلك القدرة على الفعل أنّه قادر على أن:

١- تصدر منه بعض الأفعال دون البعض الآخر.

٢- تصدر منه الأفعال في وقت دون غيره من الأوقات.

٣- تصدر منه الأفعال بصورة وكيفية دون صورة وكيفية أخرى.

فلابدّ من أجل صدور الفعل- في وقت دون غيره وبصورة دون أخرى- إلى «مخصّص» ، وهذا المخصّص هو الذي يطلق عليه «الإرادة» .

تنبيه: لا يخفى بأنّنا لا يمكننا اعتبار «القدرة» من الأمور:

١- المخصّصة والمرجّحة لأحد طرفي الفعل والترك.

٢- المتمكّنة من تخصيص الفعل بوجه دون غيره وبوقت دون غيره.

لأنّ «القدرة» شأنها «الإيجاد» فقط، وليس من شأنها «التخصيص»(1)

المبحث الخامس: أقسام إرادة الله تعالى

١- إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية.

وتسمّى هذه الإرادة: «الإرادة التشريعية» .

٢- إرادة الله تعالى لأفعال نفسه.

وتسمّى هذه الإرادة: «الإرادة التكوينية»(2)

مثال إرادة الله التشريعية في القرآن:

قوله تعالى: كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ [النساء: ١65]

إرادة الله هنا إرادة تشريعية، أي: طلب الله من مخاطبيه في هذه الآية أن يكونوا قوّامين بالقسط.


1- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٨٣؛ قواعد المرام، ص ٨٩؛ كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، ص ١٧٩؛ كشف المراد، ص 4٠٢؛ مناهج اليقين، ص ١٧١؛ نهج الحق وكشف الصدق، ص١٣١؛ إرشاد الطالبين، ص٢٠4؛ اللوامع الإلهية، ص ٢٠١
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص٢5.

ص:199

مثال إرادة الله التكوينية في القرآن:

قوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين) [البقرة، 65]

إرادة الله هنا إرادة تكوينية، ولهذا انقلب أصحاب السبت بعد هذا الخطاب إلى قردة خاسئين.

المقارنة بين الإرادتين في هاتين الآيتين:

لو أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: (كونوا قوامين بالقسط) كما أراد الله أن يكون مخاطبيه في قوله تعالى: (كونوا قردة خاسئين) لكانوا كلّهم قوّامين بالقسط شاؤوا أم أبوا، ولكنّه لو فعل ذلك ما استحقّوا أجراً ولا ثواباً إزاء طاعتهم، ولهذا أراد الله أن يكون مخاطبيه (من العباد المكلّفين) قوّامين بالقسط باختيارهم، فتكون الإرادة في هذه الآية مغايرة للإرادة في الآية الأخرى.

دليل وجود إرادة الله التشريعية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لبعض أفعال عباده) :

أمر الله العباد ببعض الأفعال، فيلزم ذلك أنّه يريد قيامهم بهذه الأفعال؛ لأنّ الحكيم لا يأمر إلاّ بما يريد(1)

دليل وجود إرادة الله التكوينية (أي: دليل كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه) :

١- إنّ الله تعالى

صدرت منه بعض الأفعال دون غيرها.

وصدرت منه الأفعال في أوقات دون غيرها.

وصدرت منه الأفعال بصورة وكيفية دون غيرها.

وهذا يدل على لزوم وجود «مخصّص» قام بتحديد وقوع هذه الأفعال، وجعلها تقع في أوقات معيّنة وبصورة وكيفية خاصّة.

وهذا المخصّص هو «الإرادة» ، فثبت كونه تعالى مريداً لأفعال نفسه(2)

٢- يتضمّن كلام الله أوامر ونواهي وإخبارات و. . .


1- انظر: النكت الاعتقادية، صص٢6 - ٢٧؛ الملخّص في أصول الدين، ج٣، صص٣٨5 - ٣٨6
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص٢6؛ تلخيص المحصّل، ص٢٨١؛ تجريد الاعتقاد، ص ١٩٢؛ قواعد المرام، ص٨٩؛ كشف المراد، صص 4٠١ و 4٠٢؛ اللوامع الإلهية، ص ٢٠١.

ص:200

ولا يقع الكلام على أحد هذه الوجوه إلاّ بعد إرادته تعالى له، وهذه الإرادة هي التي تخصّص كلام الله ليكون أمراً أو نهياً أو إخباراً و. . . ولولا كونه تعالى مريداً لما وقع منه الأمر أمراً ولا الخبر خبراً، فوقوع الكلام على إحدى هذه الوجوه يدل على كونه تعالى مريداً(1)

معنى إرادة الله التشريعية (أي: معنى إرادة الله لأفعال الإنسان الاختيارية)

إرادة الله لأفعال عباده تعني أنّه تعالى يطلب منهم أداء هذه الأفعال على وجه الاختيار (لا على نحو الحتم والإجبار والاضطرار)(2)

حديث شريف:

قال الإمام الرضا (ع) حول إرادة الله ومشيئته في أفعال العباد:

«أمّا الطاعات فإرادة الله ومشيّته فيها الأمر بها، والرضا لها، والمعاونة عليها. وإرادته ومشيّته في المعاصي النهي عنها، والسخط لها، والخذلان عليها»(3)

معنى إرادة الله التكوينية (أي: معنى إرادة الله لأفعال نفسه) :

الرأي الأوّل: تفسير الإرادة بتنزيه الأفعال عن السهو والعبث

ذهب البعض (4)إلى أنّ المقصود من وصفه تعالى بأنّه «مريد» بيان هذه الحقيقة بأنّه تعالى منزّه في أفعاله عن صفة الساهي والعابث، وبيان أنّه غير مغلوب ولا مستكره في أفعاله(5).


1- انظر: الملخّص في أصول الدين، ج٣، ص ٣5٧؛ رسائل الشريف المرتضى، ج ١، ص ٣٧6؛ شرح جمل العلم والعمل، ص 56؛ الاقتصاد، ص 5٨؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص 64؛ المسلك في أصول الدين، ص5٠
2- انظر: التوحيد، ص ٣٣٧؛ النكت الاعتقادية، ص٢5؛ أوائل المقالات، ص 5٣؛ كنز الفوائد، ج١، ص٨٣؛ المسلك في أصول الدين، ص 5٠؛ مناهج اليقين، ص ١٧١؛ إرشاد الطالبين، ص ٢6٩
3- بحار الأنوار، ج 5، ص ١٢
4- ينسب هذا القول إلى «الحسين بن محمّد النجار» من متكلّمي أهل السنّة، توفّي حوالي سنة ٢٣٠ه؛ انظر: الملل والنحل، ج ١، ص ٨٩
5- انظر: كنز الفوائد، ج١، ص٣١٧؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص6٢؛ تلخيص المحصّل، ص٢٨١؛ المسلك في أصول الدين، ص5٠؛ كشف المراد، ص4٠٢؛ مناهج اليقين، ص١٧١؛ إرشاد الطالبين، ص٢٠5.

ص:201

يلاحظ عليه:

يبيّن هذا المعنى أوصافاً ملازمة لمعنى «الإرادة» ، ولا تعتبر هذه الأوصاف معنىً للإرادة نفسها(1).

الرأي الثاني: تفسير الإرادة بالعلم(2))

الإرادة هي علم الله الموجب لإيجاد فعل معيّن بسبب اشتمال ذلك الفعل على مصلحة داعية إلى إيجاده.

بعبارة أخرى:

معنى كونه تعالى مريداً، أي: عالماً بأنّ المصلحة والحكمة تقتضي صدور هذا الفعل منه بصورة محدّدة ووقت معيّن، فيدعوه هذا العلم إلى إيجاد هذا الفعل بتلك الصورة وفي ذلك الوقت دون غيره.

توضيح ذلك:

إنّ علم الله بوجود المصلحة في صدور فعل معيّن هو الذي يدعو الله إلى إيجاده، فيوجد الفعل بصورة دون غيرها وفي الوقت دون غيره لعلمه تعالى بأنّ هذا الفعل يشتمل على المصلحة في تلك الصورة وذلك الوقت دون غيره.

تفصيل ذلك:

الإرادة- كما ورد في تعريفها- عبارة عن «مخصّص» .

ويقوم هذا المخصّص بعملية تحديد الفعل وزمانه وكيفية وقوعه.

وبيان ذلك - كما ذكرناه سابقاً -:

من يمتلك القدرة يكون بين أمرين:

١- إجراء القدرة (ترجيح جانب الفعل) .

٢- عدم إجراء القدرة (ترجيح جانب الترك) .


1- انظر: إرشاد الطالبين، ص ٢٠5
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص٢5؛ عجالة المعرفة، ص ٣١. قواعد المرام، صص ٨٨ - ٩٨. إشراق اللاهوت، ص ٢١5. إرشاد الطالبين، صص ١١٨ - ١١٩. إثبات الإرادة لله تعالى، ص ٢٠4.

ص:202

ويقتضي إجراء القدرة إلى:

١- تحديد الحالة؛ لأنّ الفعل يمكنه أن يتّصف بحالات كثيرة.

٢- تحديد الوقت؛ لأنّ الفعل لابدّ أن يتحقّق في وقت دون وقت.

وتخصيص الفعل بحالة دون غيرها وبوقت دون غيره يحتاج إلى مخصّص، وهذا «المخصّص» عبارة عن علمه تعالى بالفعل والوجه والوقت المشتمل على المصلحة، فيكون هذا «العلم» سبباً لصدور الفعل وتخصيصه بوجه دون وجه ووقت دون وقت، فيكون هذا «العلم» هو «الإرادة» .

تنبيهات:

١- ليس المقصود من «العلم» في هذا المقام «العلم المطلق» ؛ لأنّ الله تعالى يعلم بعلمه المطلق كلّ شيء، ولكنّه لا يريد كلّ شيء.

وإنّما المقصود هو العلم الخاص، وهو العلم باشتمال بعض الأفعال على الخير والمصلحة.

٢- لا يخفى بأنّ المصلحة التي تدعو الله إلى الفعل ترجع إلى العباد ولا ترجع إلى الله عزّ وجلّ، لأنّ الله تعالى غني بالذات، وهو منزّه عن الاحتياج.

٣- تكون الإرادة- وفق هذا المعنى- من صفات الله الذاتية؛ لأنّ مرجعها هو «العلم» ، والعلم من صفات الله الذاتية، فتكون الإرادة من صفات الله الذاتية(1).

4- يعود سبب القول بهذا المعنى إلى الهروب من توصيف الله بأمر حادث يستلزم الفعل والانفعال كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.

مناقشة الرأي الثاني (تفسير الإرادة بالعلم) :

١- لا يوجد شك في أنّ الله تعالى عالم بذاته وعالم بالأفعال التي يؤدّي فعلها إلى فعل الأصلح والأنفع، ولكن تفسير الإرادة بالعلم يؤدّي إلى إنكار حقيقة الإرادة، ويؤدّي إلى القول بأنّ الله تعالى موجود غير إرادي يعمل وفق البرمجة المسبقة الكامنة في ذاته، والله تعالى منزّه عن ذلك(2).


1- انظر: قواعد المرام، ص ٨٩؛ الأنوار الجلالية، ص ٨٩
2- انظر: الإلهيات، محاضرات، جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي، ج١، ص١6٩.

ص:203

ويقتضي إجراء القدرة إلى:

١- تحديد الحالة؛ لأنّ الفعل يمكنه أن يتّصف بحالات كثيرة.

٢- تحديد الوقت؛ لأنّ الفعل لابدّ أن يتحقّق في وقت دون وقت.

وتخصيص الفعل بحالة دون غيرها وبوقت دون غيره يحتاج إلى مخصّص، وهذا «المخصّص» عبارة عن علمه تعالى بالفعل والوجه والوقت المشتمل على المصلحة، فيكون هذا «العلم» سبباً لصدور الفعل وتخصيصه بوجه دون وجه ووقت دون وقت، فيكون هذا «العلم» هو «الإرادة» .

تنبيهات:

١- ليس المقصود من «العلم» في هذا المقام «العلم المطلق» ؛ لأنّ الله تعالى يعلم بعلمه المطلق كلّ شيء، ولكنّه لا يريد كلّ شيء.

وإنّما المقصود هو العلم الخاص، وهو العلم باشتمال بعض الأفعال على الخير والمصلحة.

٢- لا يخفى بأنّ المصلحة التي تدعو الله إلى الفعل ترجع إلى العباد ولا ترجع إلى الله عزّ وجلّ، لأنّ الله تعالى غني بالذات، وهو منزّه عن الاحتياج.

٣- تكون الإرادة- وفق هذا المعنى- من صفات الله الذاتية؛ لأنّ مرجعها هو «العلم» ، والعلم من صفات الله الذاتية، فتكون الإرادة من صفات الله الذاتية(1)

4- يعود سبب القول بهذا المعنى إلى الهروب من توصيف الله بأمر حادث يستلزم الفعل والانفعال كما هو الحال في الإرادة الإنسانية.

مناقشة الرأي الثاني (تفسير الإرادة بالعلم) :

١- لا يوجد شك في أنّ الله تعالى عالم بذاته وعالم بالأفعال التي يؤدّي فعلها إلى فعل الأصلح والأنفع، ولكن تفسير الإرادة بالعلم يؤدّي إلى إنكار حقيقة الإرادة، ويؤدّي إلى القول بأنّ الله تعالى موجود غير إرادي يعمل وفق البرمجة المسبقة الكامنة في ذاته، والله تعالى منزّه عن ذلك(2)


1- انظر: قواعد المرام، ص ٨٩؛ الأنوار الجلالية، ص ٨٩
2- انظر: الإلهيات، محاضرات، جعفر السبحاني، بقلم: حسن محمّد مكي العاملي، ج١، ص١6٩.

ص:204

تنبيه: لا يصح القول بأنّ حقيقة «إرادة الله» نفس «علم الله» بذريعة أنّ صفات الله الذاتية عين ذاته.

دليل ذلك:

ليس المقصود من كون صفات الله الذاتية عين ذاته إرجاع مفهوم كلّ واحدة من هذه الصفات إلى الأخرى، وأن يقال- على سبيل المثال- علمه قدرته، وقدرته حياته و. . . ؛ لأنّ لازم ذلك إنكار جميع هذه الصفات، بل المقصود إثبات حقيقة بسيطة اجتمعت فيها الحياة والعلم والقدرة من دون أن يحدث في الذات تكثّر وتركّب(1)

النتيجة:

الإرادة صفة غير العلم، وهي صفة زائدة على ذاته تعالى.

الرأي الثالث حول معنى إرادة الله لأفعال نفسه: تفسير الإرادة بالخلق والإيجاد

إرادة الله لشيء تعني نفس عملية الخلق والإيجاد لذلك الشيء.

فعندما نقول: أراد الله شيئاً، أي: خلقه وأوجده.

وعندما نقول: أراد الله كذا ولم يرد كذا، أي: فعل كذا ولم يفعل كذا(2)

قال تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:٨5] (3)

قال الشيخ المفيد: «إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله، . . . وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمّد»(4).

حديث شريف:

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو


1- انظر: معارف القرآن، ج١، ص ١65
2- انظر: كنز الفوائد، ج ١، ص ٨٣
3- تنبيه: ليس المقصود من هذه الآية أنّه تعالى يخاطب شيء غير موجود، بل الآية من باب المجاز، والمقصود أنّه تعالى إذا أراد شيئاً فإنّ هذا الشيء سيوجد بسهولة ومن دون أي مانع أو تأخير؛ انظر: كنز الفوائد، ج ١، صص 5٧ - 5٨
4- أوائل المقالات، ص 5٣.

ص:205

له بعد ذلك من الفعل. وأمّا من الله عزّ وجلّ فإرادته إحداثه لا غير ذلك؛ لأنّه لا يروّي (1)ولا يهمّ ولا يتفكّر، وهذه الصفات منفية عنه، وهي من صفات الخلق.

فإرادة الله هي الفعل لا غير ذلك.

يقول له: كن فيكون بلا لفظ ولا نطق بلسان، ولا همّة، ولا تفكّر، ولا كيف لذلك، كما أنّه بلا كيف»(2).

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التكوينية:

١- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢]

٢- إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل: 4٠]

٣- وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ [الرعد: ١١]

4- إِنْ أَرادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: ٣٨]

5- قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الأَْرْضِ جَمِيعاً [المائدة: ١٧]

الآيات القرآنية المشيرة إلى إرادة الله التشريعية:

- تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللَّهُ يُرِيدُ الآْخِرَةَ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:6٧]

- وَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَ يُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً [النساء: ٢٧]

أقسام إرادة الله التكوينية:

١- زمن صدور الإرادة وتحقّقها واحد

أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في نفس وقت صدورها. (ومعنى صدورها نفس تحقّقها في الواقع الخارجي) .

مثال ذلك قوله تعالى: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ


1- روّى في الأمر: نظر فيه وتفكّر
2- التوحيد، ص ١4٢، ب ١١، ح ١٧.

ص:206

[يس: ٨٢]

٢- زمن صدور الإرادة وتحقّقها مختلف

أي: تصدر الإرادة الآن لتتحقّق في المستقبل. (ومعنى صدورها تسجيلها في اللوح المحفوظ أو لوح المحو والإثبات)

وتنقسم هذه الإرادة إلى قسمين:

١- إرادة حتم (الإرادة الحتمية) : وهي الإرادة التي لا يطرء عليها تغيير، ولابدّ من تحقّقها في المستقبل.

٢- إرادة عزم (الإرادة غير الحتمية) : وهي الإرادة التي قد يطرء عليها تغيير، فيعتريها البداء ولا تتحقّق في المستقبل (1).

قال رسول الله (ص) :

«إنّ لله إرادتين: إرادة حتم وإرادة عزم، إرادة حتم لاتخطىء، وإرادة عزم تخطىء وتصيب(2). . .»(3).

المبحث السادس: إرادة الله صفة ذات أم صفة فعل

إنّ إرادة الله من صفات الله الفعلية؛ لأنّ إرادة الله تعني قصده تعالى للفعل، وهذا القصد لا ينفك عن الفعل.

تبيين فعلية صفة الإرادة:

١- من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: الصفات الذاتية لا تقع في دائرة النفي والإثبات.

فلا يقال: إنّ الله يعلم ولا يعلم.

ولا يقال: إنّ الله قادر وغير قادر.

ولكن الصفات الفعلية تقع في دائرة النفي والإثبات.

فيقال: إنّ الله يعطي ولا يعطي.


1- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثالث عشر، المبحث الرابع والثامن
2- أي: إرادة عزم قد لا تقع وقد تقع
3- بحار الأنوار، ج 5، ص ١٢4، ب ٣، ح ٧٣.

ص:207

ويقال: إنّ الله يرزق ولا يرزق.

وعلى ضوء هذا المقياس نجد بأنّ الإرادة تقع في دائرة النفي والإثبات، ويقال: إنّ الله يريد كذا ولا يريد كذا.

فيثبت أنّ إرادة الله تعالى من صفات الله الفعلية.

٢- من مقاييس تمييز الصفات الذاتية عن الصفات الفعلية: صفات الذات تُنتزع من الذات الإلهية مع قطع النظر عن مخلوقاته تعالى، من قبيل: الحياة، العلم، القدرة.

وصفات الفعل تُنتزع من الأفعال الإلهية، ولا يمكن نسبتها إلى الله إلاّ بعد لحاظ إحدى مخلوقاته تعالى (1)، من قبيل: الخالق، الرازق، المدبّر.

والإرادة - في الواقع - تنتزع من الأفعال الإلهية.

لأنّ الإرادة تعني «الحدوث بعد العدم» و «الوجود بعد اللاوجود» ، وبهذا المعنى يستحيل أن تكون الإرادة وصفاً لذاته تعالى.

فيثبت أنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وليست من صفات الله الذاتية.

الأحاديث الشريفة المبيّنة بأنّ الإرادة من صفات الله الفعلية:

١- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) ؟

«المشيّة والإرادة من صفات الأفعال، فمن زعم أنّ الله تعالى لم يزل مريداً فليس بموحّد»(2).

٢- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : لم يزل الله مريداً؟ فقال (ع) :

«إنّ المريد لا يكون إلاّ لمراد معه، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد»(3).

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«كان الله، وهو لا يريد بلا عدد أكثر مما كان مريداً»(4).

ومن هذا المنطلق قال السيّد عبدالله شبّر:


1- أي: تحكي هذه الصفات عن الأفعال الإلهية وكيفيتها
2- التوحيد، ص ٣٢٩، ب 55، ح 5
3- الكافي، ح١، ص١٠٩، ح ١؛ التوحيد، ص ١4١، ب ١١، ح ١5
4- بحار الأنوار، ج 4، ص ١45، ب 4، ح ١٧.

ص:208

«ورد في جملة من الأخبار عن الأئمة الأطهار: الملك الغفّار أنّ إرادته عبارة عن إيجاده وإحداثه، وأنّها من صفات الفعل الحادثة كالخالقية والرازقية ونحوها، لا من صفات الذات بمعنى العلم بالأصلح»(1)

تنبيه: لو كانت الإرادة قديمة ومن الصفات الذاتية، فسيلزم ذلك قدم المرادات، وهو باطل(2).

النتيجة:

إنّ الإرادة من صفات الله الفعلية، وهي حادثة.

وما هو من صفات الله الذاتية هو «الاختيار» بمعنى أنّه تعالى غير مضطر ولا مجبور.

المبحث السابع: خصائص إرادة الله تعالى

١- العامل المؤثّر في حدوث الفعل هو القدرة فحسب.

والإرادة لا تؤثّر في حدوث الفعل، وإنّما تؤدّي إلى إعمال القدرة في اتّجاه معيّن، فتنطلق القدرة وتحقّق الفعل المقصود وفق الخصائص المطلوبة(3).

٢- لا يكون الله مريداً لشيء بإرادة أخرى، ليحتاج في إرادته إلى إرادة أخرى.

دليل ذلك:

أوّلاً: يوجب احتياج الإرادة إلى إرادة أخرى تسلسل الإرادات إلى ما لا نهاية له، وهذا محال، فيثبت أنّ إرادة الله تصدر منه تعالى من دون احتياجها إلى إرادة أخرى(4)4.

ثانياً: لا يحتاج تحقّق الإرادة إلى وجود إرادة أُخرى؛ لأنّ الإرادة لا تقع على وجوه مختلفة لتحتاج إلى ما يؤثّر في وقوعها على بعض تلك الوجوه(5).

ثالثاً: لا تتحقّق الإرادة لغرض يخصّها، وإنّما تتحقّق والمراد والمقصود شيء


1- حقّ اليقين، ج١، ص 54
2- انظر: كشف المراد، ص 4٠٢؛ إشراق اللاهوت، ص 4٠٨
3- انظر: الملخّص، ج٣، ص٣4٧
4- انظر: مسألة في الإرادة، صص٧ و ٨؛ الملخّص، ج٣، ص ٣4٧؛ غنية النزوع، ج ٢، ص4٣
5- انظر: رسائل الشريف المرتضى، ص ٣٨٩.

ص:209

آخر، فلا تكون الإرادة مُرادة ليتطلّب تحقّقها إلى إرادة أخرى، وإنّما المقصود هو ذلك الشيء فيحتاج تحقّقه إلى إرادة(1)

المبحث الثامن: حسن وقبح الإرادة

١- الإرادة لا تمتلك «الحسن» أو «القبح» الذاتي.

ولا تؤثّر في حسن وقبح الأشياء.

وإنّما تترك الإرادة الأثر في وقوع الشيء على بعض الوجوه.

وهذه الوجوه:

قد تكون حسنة.

وقد تكون قبيحة.

فتتصف الإرادة عن طريق هذه الوجوه بالحسن أو القبح(2)

مثال ذلك:

إنّ «الخبر» بذاته فاقد للحسن أو القبح.

وإنّما يكون حسنه وقبحه بالواسطة.

فإذا كان «الخبر» مطابقاً للواقع، كان صدقاً وحسناً.

وإذا كان «الخبر» مخالفاً للواقع، كان كذباً وقبيحاً(3)

٢- كلّ «إرادة» تعلّقت بمراد حسن فهي حسنة.

ولكن يشترط في هذا المقام «انتفاء وجوه القبح» ؛ لأنّ «المراد» قد يكون «حسناً» ، وتكون الإرادة قبيحة، من قبيل: إرادة الفعل الحسن ممن لا يطيقه(4)

٣- إرادة القبيح قبيحة؛ لأنّ الذمّ يتعلّق بمريد القبيح كما يتعلّق بفاعله (5)


1- انظر: الملخص، ج٣، ص ٣4٧. غنية النزوع، ج ٢، ص 44
2- انظر: الملخّص، ج٣، ص ٣4٨
3- انظر: المصدر
4- انظر: المصدر، ص٣4٧
5- انظر: الملخّص، ج٣، ص٣٨6؛ رسائل الشريف المرتضى، ص١4١. تقريب المعارف، ص١٠5. الاقتصاد، ص٨٩. المسلك في أصول الدين، ص٣٠٠. قواعد المرام، ص١١٢. كشف المراد، ص4٢٢. الاعتماد، ص٧6.

ص:210

المبحث التاسع: عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة

قال الشيخ المفيد: «إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الأفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الأعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عمّا يقول المبطلون علوّاً كبيراً»(1)

قال السيّد المرتضى: «إنّ الله تعالى لم يرد شيئاً من المعاصي والقبائح، ولا يجوز أن يريدها ولا يشاءها ولا يرضاها، بل هو تعالى كاره وساخط لها»(2)

قال سديدالدين الحمصي: «ذهب جماهير أهل العدل إلى أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح والفواحش والمعاصي، ولم يحبّها ولم يرض بها، بل كرهها»(3)

أدلة عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة:

١- نهى الله العباد عن القيام ببعض الأفعال.

وهذا ما يكشف كراهته تعالى لهذه الأفعال.

وليس من المعقول أن يكره الله صدور فعل من العبد، ثمّ تتعلّق إرادته تعالى به.

لأنّ تعلّق الإرادة والكراهة بشيء واحد في آن واحد محال.

فيثبت عدم تعلّق إرادة الله بما نهى العباد عنه وكرهه لهم.

أي: لا تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة(4)

٢- لو كان الله مريداً لفعل القبائح التي تصدر من العباد، لكان العاصي مطيعاً لله بفعل القبائح؛ لأنّ العاصي يكون- في حالة عصيانه- مؤدّياً لما أراده الله، فيكون بذلك مطيعاً لله(5)

٣- من مستلزمات الإرادة: الحبّ والرضا.

فلو جاز أن تتعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة، جاز أن يحبّ الله هذه الأفعال القبيحة ويرضى بها.


1- تصحيح اعتقادات الإمامية، صص 4٩ و 5٠
2- رسائل الشريف المرتضى، ص ١4٠
3- المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٧٩
4- انظر: الملخّص، ج٣، ص ٣٨٧؛ الاقتصاد، ص ٨٩. غنية النزوع، ج ٢، ص ٧6. المنقذ من التقليد، ج ١، ص١٨٠. إرشاد الطالبين، ص ٢6٩
5- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٨٠؛ كشف المراد، ص 4٢٣. الرسالة السعدية، ص 6٠.

ص:211

فلمّا لم يجز أن يحبّ الله هذه الأفعال أو يرضى بها، لم يجز أن تتعلّق إرادته بها(1)

4- إذا كان مرجع الإرادة هو الداعي، فلا شك في أنّه تعالى لا داعي له إلى فعل القبيح، فلا تتعلّق إرادته بالفعل القبيح.

وإذا كان مرجع الإرادة أمراً زائداً على الداعي، فلا يمكن أيضاً نسبة إرادة القبيح إلى الله؛ لأنّ إرادة القبيح قبيحة، وهي بمنزلة فعل القبيح، والله تعالى منزّه عن ذلك.

وبهذا يثبت أنّه تعالى لا يريد شيئاً من القبائح التي تصدر من العباد (2)

5- لا يرضى الله أن يُفترى عليه أو يُكذّب أنبياؤه، فكيف يريد ذلك؟ ! فيثبت أنّ إرادة الله، لا تتعلّق بأفعال العباد القبيحة(3)

6- «إن قالوا: إنّ الذي نريده من الكفّار الإيمان.

قيل لهم: فأيّهما أفضل ما أردتم من الإيمان أو ما أراد الله من الكفر؟

فإن قالوا: ما أراد الله خير مما أردنا من الإيمان.

فقد زعموا أنّ الكفر خير من الإيمان!

وإن قالوا: إنّ ما أردنا من الإيمان خير مما أراده الله من الكفر.

فقد زعموا أنّهم أولى بالخير والفضل من الله!

وكفاهم بذلك خزياً»(4)

وبهذا يثبت عدم تعلّق إرادة الله بأفعال العباد القبيحة.

بعض الآيات القرآنية التي تنزّه الله عن إرادة الفعل القبيح:

١- شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَ الْمَلائِكَةُ وَ أُولُوا الْعِلْمِ قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨]

٢- وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً [الأنبياء:4٧]


1- انظر: رسائل الشريف المرتضى، ج ٢، ص٢٣١
2- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٧٩
3- انظر: رسائل الشريف المرتضى، ج ٢، ص ٢٣١
4- المصدر، ص ٢٣٩.

ص:212

٣- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [يونس:44]

4- وَ ما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [التوبة: ٧٠]

5- إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء: 4٠]

6- وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً [الكهف: 4٩]

٧- وَ ما رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ [فصّلت: 46]

٨- وَ مَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ [آل عمران: ١٠٨]

المبحث العاشر: كراهة الله لبعض الأفعال

معنى الكراهة:

الكراهة هي القصد والميل القاطع نحو ترك الفعل.

الداعي إلى الكراهة:

العلم باشتمال الفعل أو اشتمال بعض خصائصه على المفسدة.

وهذا العلم هو الصارف عن إيجاد الفعل أو إيجاده وفق تلك الخصائص (1)

أقسام كراهة الله لصدور بعض الأفعال:(2)

١- كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من نفسه.

٢- كراهته تعالى لصدور بعض الأفعال من عباده.

تنبيهات:

١- لا يصح أن يكره الله شيئاً من أفعاله؛ لأنّ كراهته تعالى لأيّ فعل تقتضي قبح ذلك الفعل، والله تعالى منزّه عن فعل القبيح.(3)(4)


1- انظر: النكت الاعتقادية، صص ٢5 و ٢6؛ قواعد المرام، صص ٨٨ و ٨٩. عجالة المعرفة، ص٣١. الاعتماد، ص 6٧
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢5
3- انظر: الملخّص، ج٣، ص ٣٨5؛ تقريب المعارف، ص ١٠٣
4- وإنّما يصح من الإنسان أن يكره بعض أفعاله ليصرف نفسه بذلك عن فعلها، وليوطّن نفسه على أن لا يفعلها، وكلّ ذلك لا يجوز عليه تعالى.

ص:213

٢- لا يصح أن يكره الله شيئاً مما أراده من أفعال عباده وأمرهم بها؛ لأنّ كراهيته تعالى لشيء تستلزم قبح ذلك الشيء، وقد علمنا حسن هذه الأفعال نتيجة أمر الله تعالى بها (1)

٣- تتمثّل كراهة الله لبعض أفعال عباده في نهيه إيّاهم عنها، ليتركوها على وجه الاختيار(2)


1- انظر: تقريب المعارف، ص ١٠4
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢6. الاعتماد، ص 6٧.

ص:214

ص:215

الفصل الثالث عشر: البداء

اشاره

* خصائص مسألة البداء

* أهمية الاعتقاد بالبداء

* معنى البداء

* بيان كيفية وأسباب وقوع البداء

* أسباب التسمية بالبداء

* المقصود من «الظهور لله تعالى»

* صلة البداء بالقضاء الإلهي

* البداء ولوح المحو والإثبات

* أمثلة وقوع البداء لله تعالى

* أسباب أهمية البداء

* البداء والردّ على مقولة اليهود

* البداء ومشكلة عدم تحقّق إخبار الأنبياء بالمغيّبات

* مستثنيات البداء

* المشابهة والفرق بين البداء والنسخ

ص:216

ص:217

المبحث الأوّل: خصائص مسألة البداء

١- وقعت مسألة البداء موقع سوء الفهم عند أهل السنّة، وفهم هؤلاء من البداء ما لم يقصده أتباع مذهب أهل البيت: ، ولهذا جعل هؤلاء مسألة البداء ذريعة لشنّ الهجمات ضدّ مذهب أهل البيت: .

٢- أدّى الصراع العقائدي بين الشيعة ومخالفيهم حول مسألة البداء إلى اشتهار هذه المسألة، وتسليط المزيد من الأضواء عليها في الساحات العلمية وغير العلمية.

٣- الأمر الباعث على الاستغراب حول مسألة البداء أنّها مسألة: يعتبرها أتباع مذهب أهل البيت: من صميم الدين! ويعتبرها أتباع مذهب أهل السنّة عقيدة هدّامة للدين!

4- أكّد أهل السنّة على إنكار عقيدة البداء؛ لأنّهم ظنّوا بأنّها تستلزم اتّصاف الله تعالى بالجهل وخفاء الأمور عليه، ويعود هذا الظن إلى عدم فهمهم الصحيح لهذه المسألة، واكتفائهم بالمعنى اللغوي الظاهري لمصطلح البداء.

المبحث الثاني: أهمية الاعتقاد بالبداء

أكّد أئمة أهل البيت: على أهمية الاعتقاد بالبداء أشدّ التأكيد بحيث ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

١- قال (ع) :

«لو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه»(1)


1- الكافي، ج ١، ص ١4٨، ح ١٢.

ص:218

٢- وقال (ع) :

«ما عُظِّم الله بمثل البداء»(1)

٣- وقال (ع) :

«ما عُبد الله بشيء مثل البداء»(2)

4- وقال (ع) :

«ما بعث الله عزّ وجلّ نبيّاً حتّى أخذ عليه ثلاث خصال: . . . ، أنّ الله يقدّم ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء»(3)

وسيتبيّن لاحقاً- بعد بيان معنى البداء- أسباب أهمية الاعتقاد بالبداء والفوائد المترتبة على الإيمان به.

المبحث الثالث: معنى البداء

معنى البداء(4)في الاصطلاح اللغوي:

البداء يعني الظهور. (5)و (6)

قال الشيخ الصدوق: «البداء. . . هو ظهور أمر، يقول العرب: بدا لي شخص في طريقي، أي: ظهر»(7)

قال الشيخ المفيد: «الأصل في البداء هو الظهور»(8)

قال الشيخ الطوسي: «البداء حقيقة في اللغة هو الظهور»(9)

المعنى اللغوي للبداء في آيات القرآن الكريم:

١- بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ [الأنعام: ٢٨] أي: ظهر لهم.

٢- ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الآْياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ [يوسف: ٣5] أي: ظهر لهم.


1- الكافي، ج ١، ص ١46، ح ١
2- المصدر
3- المصدر، ص ١4٧، ح ٣
4- البداء مصدر بدا، يبدو، بدواً من الناقص الواوي ؛ وليس من بدا بالهمز الذي يعني الابتداء
5- تنبيه: لا يكون «الظهور» إلاّ بعد «الخفاء» ، ولهذا فالمعنى الأدق للبداء هو «الظهور بعد الخفاء»
6- انظر: لسان العرب، ابن منظور: مادة بدو ، ج١، ص٣٣4؛ مفردات ألفاظ القرآن، ص ١١٣
7- التوحيد، ص ٣٢٧، ب 54، ذيل ح ٩
8- تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 65
9- الغيبة، للشيخ الطوسي، ص 4٢٩، ذيل ح 4١٨.

ص:219

٣- وَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ [المائدة: ٩٩] أي: يعلم ما تظهرون.

4- بَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا [الجاثية: ٣٣] أي؛ ظهر لهم.

5- فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما [الأعراف: ٢٢] أي، ظهرت لهما.

معنى البداء في الاصطلاح العرفي:

اكتسب «البداء» في الاستعمال العرفي معنىً آخر له صلة بالظهور، وهو كما أشار إليه الشيخ المفيد: «إنّ لفظ البداء أطلق في أصل اللغة على تعقّب الرأي والانتقال من عزيمة إلى عزيمة»(1)

توضيح ذلك:

يقال: بدا له.

ويُقصد: أراد أن يقوم بفعل معيّن، فظهر له أمر دفعه إلى تغيير موقفه الذي كان يقصده فيما سبق.

وعلى ضوء هذا المعنى يكون المقصود من البداء المنسوب إلى الله هو: أن يقدّر الله شيئاً في المستقبل بالنسبة إلى العباد، فيصدر بعد ذلك من العباد شيء يدعو الله إلى تغيير ما قدّره لهم.

وهل يصلح نسبة هذا المعنى إلى الله أم لا؟

هذا ما سيتبيّن في البحوث القادمة.

المبحث الرابع: بيان كيفية وقوع البداء في أفعال الله وأسباب ذلك

إذا أراد الله وقوع فعل من أفعاله في المستقبل، فستتجلّى هذه الإرادة الإلهية في الواقع الخارجي على شكل «تقدير» يتمّ تثبيته في «لوح المحو والإثبات» .

وبعد ذلك:

توجد مرحلة بين «ما قدّر الله وقوعه» وبين «تحقّق هذا التقدير» وفي هذه


1- تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 6٧.

ص:220

المرحلة لا يلزم على الله أن يحقّق ما قدّر وقوعه، بل الله مخيّر بعد ذلك:

بين «تحقّق» هذا التقدير.

وبين «عدم تحقّق» هذا التقدير.

فإذا حقّق الله ما قدّره، وأبقاه على ما كان عليه، ولم يغيّره بتقدير آخر، سُمّي هذا الأمر ب- «الإمضاء» .

وإذا لم يحقّق الله ما قدّره، ولم يبقه على ما كان عليه، وغيّره بتقدير آخر، سُمّي هذا الأمر ب- «البداء» .

بعبارة أخرى:

«الإمضاء» عبارة عن إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه، وعدم استبداله بتقدير آخر، وإيصال التقدير الأوّل إلى مرحلة التنفيذ.

و «البداء» عبارة عن عدم إبقاء التقدير الأوّل على ما كان عليه، بل استبداله بتقدير آخر، وإيصال التقدير الثاني إلى مرحلة التنفيذ.

فقوله تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ [الرعد: ٣٩]

«يمحو الله ما يشاء» هو البداء.

«ويثبت» هو الإمضاء.

وإذا أمضى الله شيئاً فلا بداء بعد ذلك.

إذ لا معنى بعد وقوع الفعل أن نقول بأنّ هذا الفعل هل سيقع أو لا يقع.

ولهذا قال الإمام علي بن موسى (ع) :

«فإذا وقع القضاء بالإمضاء فلا بداء»(1)

أسباب تغيير التقدير الإلهي إزاء العباد:

لا يتعامل الله مع العباد وفق مشيئة أو إرادة محدّدة مسبقاً، أو قضاء وقدر غير قابل للتغيير، بل يتّخذ الله دائماً إزاء العباد المواقف المنسجمة مع المتطلّبات الجديدة.


1- الكافي، ج ١، ص ١4٩، ح ١6.

ص:221

وقد جعل الله لأفعال العباد الدور الكبير في كيفية تعامله معهم.

ومن هذا المنطلق يغيّر الله ما قدّره للعباد بموازات تغييرهم لسلوكهم وتصرّفاتهم.

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ [الرعد:١١]

مثال ذلك:

١- يشاء الله أن يرزق أحد العباد مالاً، فيقدّر له أن يحصل على هذا الرزق بعد يومين، وفي اليوم التالي يصدر من العبد فعلٌ، فيغيّر الله تعالى تقديره السابق وفق المتطلّبات الجديدة، ويقدّر حرمان هذا العبد من هذا الرزق أو يقدّر وصول هذا الرزق إلى هذا العبد بعد أربعة أيام.

٢- يشاء الله أن ينزل البلاء على أحد العباد، فيقدّر أن يتحقّق نزول هذا البلاء بعد يومين، وفي اليوم التالي يتوسّل هذا العبد بالدعاء ويسأل الله أن يرحمه برحمته الواسعة، فيغيّر الله تبعاً لذلك ما قدّره لهذا العبد، ويستبدل تقديره السابق بتقدير جديد منسجم مع المتطلّبات الجديدة.

ولهذا:

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«الدعاء يردّ القضاء بعد ما أُبرم إبراماً»(1)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«عليكم بالدعاء، فإنّ الدّعاء لله والطلب إلى الله يردّ البلاء وقد قدّر وقضي ولم يبق إلاّ إمضاؤه»(2)

المبحث الخامس: أسباب التسمية بالبداء

الرأي الأوّل:

نسبة «البداء» إلى الله نسبة مجازية.

والمقصود من «البداء» هو «الإبداء» بمعنى «الإظهار» .


1- الكافي، ج ٢، ص 4٧٠، ح ٧
2- المصدر، ح ٨.

ص:222

أي: يظهر من أفعال الله للعباد ما كان خافياً عنهم، وما لم يتوقّعوه، ولم يكن في حسبانهم لعدم اطّلاعهم على علله وأسبابه.

قال الشيخ المفيد:

إنّ «اللام» في مقولة «بدا لله» بمعنى «من» .

أي: بدا من الله للناس.

يقول العرب: قد بدا لفلان عمل حسن أو بدا له كلام فصيح.

كما يقولون: بدا من فلان كذا، فيجعلون «اللام» مقام «من» .

فقولهم «بدا لله» ، أي: بدا من الله سبحانه(1)

قال الشيخ الطوسي:

«إنّ البداء في اللغة هو الظهور، فلا يمتنع أن يظهر لنا من أفعال الله تعالى ما كنّا نظن خلافه أو نعلم ولا نعلم شرطه»(2)

يلاحظ عليه:

هذا المعنى بحدّ ذاته صحيح.

ولكن يستبعد أن يكون هذا المعنى هو المقصود من البداء الذي اهتمّ به أئمة أهل البيت: ، وأكّدوا عليه أشدّ التأكيد، كما اتّضح من أحاديثهم الشريفة التي أشرنا إلى أهمّها في المبحث الثاني من هذا الفصل.

دليل ذلك:

إنّ ظهور ما لم يتوقّعه العباد من الله شيء طبيعي، وذلك لقصور معرفة العباد وقلّة إلمامهم وعلمهم، وقد قال تعالى: وَ ما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً [الإسراء: ٨5]

ويتبيّن من هنا بأنّ المعنى المقصود من البداء أرفع شأناً من هذا المعنى الذي لايدل إلاّ على قلّة مستوى علم الإنسان بالأفعال الإلهية.


1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 65. بتصرّف
2- الغيبة، للشيخ الطوسي، ص 4٣٠.

ص:223

الرأي الثاني:

البداء عبارة عن تغيير الله ما قدّره للعباد، وقد سمّي البداء ب- «البداء» ؛ لأنّ هذا التغيير لا يتحقّق إلاّ بعد أن يظهر لله تعالى في الواقع الخارجي أمر من العباد يدعوه إلى هذا التغيّر في التعامل معهم. وسيتبيّن في المبحث اللاحق المقصود من «الظهور لله تعالى» .

المبحث السادس: المقصود من الظهور لله تعالى»

معنى الظهور الذي لا يصح نسبته إلى الله تعالى(1):

الظهور بعد الخفاء بمعنى العلم بعد الجهل.

دليل تنزيه الله تعالى عن هذا الظهور:

يتضمّن هذا المعنى اتّصاف الله بالجهل، وخفاء الأمور عنه تعالى، وعدم معرفته بعواقب الأمور، ولكنّه عزّ وجلّ منزّه عن هذه الأمور، وهو الذي لا تخفى عليه خافية، وهو بكلّ شيء عليم.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«ما بدا لله في شيء إلاّ كان في علمه قبل أن يبدو له»(2)

قال (ع) :

«إنّ الله لم يُبد له من جهل»(3)

قال (ع) :

«ليس شيء يبدو له إلاّ وقد كان في علمه، إنّ الله لا يبدو له من جهل» (4)

سُئل (ع) : «هل يكون اليوم شيء لم يكن في علم الله بالأمس؟ قال (ع) :

«لا، من قال هذا فأخزاه الله»(5)


1- انظر: تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 65
2- الكافي، ج ١، ص ١4٨، ح ٩
3- المصدر، ص ١4٨، ح ١٠
4- بحار الأنوار، ج4، ص ١٢١، ب ٣، ح 6٣
5- الكافي، ج١، ص ١4٨، ح ١١.

ص:224

قال (ع) :

«من زعم أنّ الله عزّوجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه»(1).

قال (ع) :

«من زعم أنّ الله بدا له في شيء بداء ندامة، فهو عندنا كافر بالله العظيم»(2).

معنى الظهور الذي يصح نسبته إلى الله تعالى:

الظهور بعد الخفاء بمعنى أن يجد الله تحقّق الشيء في الواقع الخارجي بعد عدمه.

توضيح ذلك:

ينقسم ظهور الأشياء لله إلى قسمين:

١- ظهور في مقام العلم الذاتي لله تعالى.

وجميع الأشياء - على ضوء هذا المعنى - ظاهرة لله، ولا يمكن استثناء شيء منها.

٢- ظهور في مقام العلم الفعلي لله تعالى.

والعلم الفعلي عبارة عن ظهور الأشياء لله بعد تحقّقها في الواقع الخارجي.

والأشياء- على ضوء هذا المعنى- لا تكون ظاهرة لله في مقام الفعل إلاّ بعد تحقّقها في الواقع الخارجي، أمّا الأشياء التي لم توجد بعد، ولم يكن لها وجود في الواقع الخارجي فهي لا تتّصف بالظهور في مقام الفعل، بل لا معنى للقول بأنّها ظاهرة في مقام الفعل وهي بعد معدومة وليس لها وجود في الواقع الخارجي(3).

بعبارة أخرى:

إنّ الأشياء الموجودة والمتحقّقة في الواقع الخارجي:

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي، ولها عنده تعالى ظهور في الواقع الخارجي.

إنّ الأشياء غير الموجودة والتي ستتحقّق في الواقع الخارجي.

يعلمها الله تعالى بالعلم الذاتي، ولكن ليس لها عنده ظهور إلاّ بعد تحقّقها.


1- بحار الأنوار، ج 4، ص ١١١، ب ٣، ح ٣٠
2- الاعتقادات، ص 4١
3- انظر: عدّة الأصول، ج ٢، ص 4٩6.

ص:225

النتيجة:

نستنتج من التقسيم الذي تمّ بيانه حول مصطلح «الظهور» بأنّ قولنا في البداء:

ظهر لله كذا بعد أن لم يكن ظاهراً.

أي: وجد الله كذا في الواقع الخارجي بعد أن لم يجده.

مثال هذا الظهور في القرآن الكريم:

قال تعالى: وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ [محمّد: ٣١]

أي: «حتّى نعلم جهادكم موجوداً»(1)؛ لأنّ قبل وجود الجهاد لا يُعلم الجهاد موجوداً، وإنّما يُعلم كذلك بعد حصوله» (2).

قال تعالى: وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ [البقرة: ١4٢]

أي: لنعلم ذلك في مقام الفعل وفي الواقع الخارجي.

وإلاّ فالله عالم بالأشياء قبل كونها بعلمه الذاتي الأزلي.

وإنّما المقصود هنا هو «العلم الفعلي» الذي هو عبارة عن وجود وتحقّق الشيء في الواقع الخارجي(3).

المبحث السابع: صلة البداء بالقضاء الإلهي

أقسام القضاء الإلهي:

١- القضاء المحتوم:

وهو القضاء القطعي الذي لا يقبل المحو والتبديل والتغيير.


1- التبيان في تفسير القرآن، ج٩، ص٣٠6. مجمع البيان في تفسير القرآن، ج٩، ص١6١
2- عدّة الأصول، ج ٢، ص 4٩6
3- للمزيد راجع في هذا الكتاب: الفصل الثامن: علم الله تعالى، المبحث التاسع: علم الله بالأشياء بعد إيجادها.

ص:226

٢- القضاء غير المحتوم:

وهو القضاء غير القطعي الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.

ولهذا يقع التبديل والتغيير في هذا القضاء فيما لو لم تتوفّر بعض شروطه أو فيما لو لم تنتف منه بعض الموانع.

صلة البداء بالقضاء الإلهي:

البداء يكون في القضاء غير المحتوم دون المحتوم.

ولهذا قال الشيخ المفيد: «فالبداء من الله تعالى يختص ما كان مشترطاً في التقدير»(1).

مثال للقضاء الإلهي المحتوم وغير المحتوم: الأجل

معنى الأجل: هو المدّة المعيّنة للإنسان ليعيش في الحياة الدنيا.

أقسام الأجل:

١- الأجل المحتوم (المقضي) (المسمّى) :

وهو الأجل الذي قضاه الله وقدّره بصورة حتمية بحيث جعله لا يقبل التقديم والتأخير.

٢- الأجل غير المحتوم (الموقوف) (غير المسمّى) :

وهو الأجل الذي جعل الله فيه قابلية التقديم والتأخير.

أقوال أهل البيت: حول قوله تعالى:

ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَ أَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام: ٢]

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق: .

« هما أجلان:

أجل موقوف يصنع الله ما يشاء.


1- تصحيح اعتقادات الإمامية، ص 6٧.

ص:227

وأجل محتوم»(1)

وقال (ع) أيضاً:

« الأجل الذي غير مسمّى موقوف يقدّم منه ما يشاء ويؤخّر منه ما يشاء.

وأمّا الأجل المسمّى. . . [فهو محتوم، ومنه] قول الله: إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف: ٣4]»(2)

سأل حمران بن أعين الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) حول هذه الآية، فقال (ع) :

إنّهما أجلان: أجل محتوم وأجل موقوف.

قال حمران: ما المحتوم؟

قال (ع) : الذي لا يكون غيره.

قال: وما الموقوف؟

قال (ع) : هو الذي لله فيه المشيّة [أي: يقدّم أو يؤخّر منه ما يشاء]. . .»(3).

المبحث الثامن: البداء ولوح المحو والإثبات

قال تعالى: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: ٣٩]

أنواع اللوح:

١- اللوح المحفوظ (أم الكتاب)

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي المحتوم، ولهذا يكون هذا اللوح مصوناً من المحو والإثبات والتغيير والتبدّل، ولا يطرأ البداء على ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

٢- لوح المحو والإثبات

وهو اللوح الذي يُكتب فيه القدر والقضاء الإلهي غير المحتوم، أي: القدر والقضاء الذي جعل الله تحقّقه متوقّفاً على توفّر بعض الشروط وانتفاء بعض الموانع.


1- التفسير، العياشي، ج ١، ص ٣55، ح ٧
2- المصدر، ص ٣54، ح 5
3- بحار الأنوار، ج 5٢، ص ٢4٩، ب ٢5، ح ١٣٣.

ص:228

ولهذا يقع التغيير والتبديل في ما تمّ تدوينه في هذا اللوح.

ويمحو الله تعالى في هذا اللوح ما يشاء ويثبت ما يشاء.

توضيح:

يكتب الله في لوح المحو والإثبات ما قدّر تحقّقه في المستقبل.

وبما أنّ لأفعال ومواقف العباد دوراً في تغيير ما قدّره الله لهم، فلهذا إذا غيّر العباد سلوكهم وتصرّفاتهم فإنّ الله سيغيّر ما قدّره لهم، وسيمحو ما كتبه في لوح المحو والإثبات ويبدّل ذلك بتقدير آخر.

صلة البداء بعلم الله الذاتي:

وقوع التغيير في التقدير الإلهي لا يوجب وقوع التغيير في العلم الإلهي الذاتي؛ لأنّه تعالى كما هو عالم بالتقدير الأوّل فإنّه كذلك عالم من الأزل بأنّه سيغيّر هذا التقدير بتقدير آخر.

المبحث التاسع: أمثلة وقوع البداء لله تعالى

البداء الأوّل: رفع العذاب عن قوم يونس (ع)

قال تعالى: فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ [يونس: ٩٨]

خطوات تحقق البداء الإلهي بالنسبة إلى قوم يونس (ع) : (1))

١- أرشد النبي يونس (ع) قومه إلى الهدى والإيمان.

٢- أصرّ قوم يونس على الكفر والعصيان.

٣- أيس النبي يونس (ع) من دعوة قومه، فطلب من الله أن ينزل عليهم العذاب.

4- استجاب الله دعاء النبي يونس (ع) على قومه.

5- قضى الله قضاءً غير حتمياً بإنزال العذاب على قوم يونس (ع) .


1- انظر: مجمع البيان، ج 5، صص ٢٠٣ - ٢٠5.

ص:229

6- أخبر الله النبي يونس (ع) بأنّه سينزل على قومه العذاب في يوم كذا.

٧- أخبر النبي يونس (ع) قومه بتعلّق الإرادة الإلهية بإنزال العذاب عليهم في يوم كذا.

٨- خرج النبي يونس (ع) في اليوم المحدّد من المنطقة التي يسكنها قومه.

٩- ظهرت آثار نزول العذاب الإلهي على قوم يونس (ع) في الوقت المحدّد.

١٠- ندم قوم يونس (ع) على عصيانهم لله، فتابوا وفزعوا إلى الله تعالى.

١١- ظهر لله في الواقع الخارجي ندم وتوبة قوم يونس (ع) واستغاثتهم به لرفع العذاب.

١٢- غيّر الله ما قدّره من العذاب على قوم يونس (ع) بعد توبتهم.

١٣- محا الله تقديره الأوّل بإنزال العذاب على قوم يونس (ع) واستبدله بتقدير آخر.

١4- كان التقدير الإلهي الثاني أن يرفع عنهم العذاب ويمتّعهم إلى حين.

١5- وهنا وقع البداء، وكذلك يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أُمّ الكتاب.

البداء الثاني: بداء آخر بالنسبة إلى النبي يونس (ع)

قال تعالى: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات: ١4٣و١44]

خطوات تحقّق هذا البداء:(1))

١- استاء النبي يونس (ع) لعدم نزول العذاب على قومه، فلم يرجع إليهم.

٢- قدّر الله وقضى أن تبلع الحوت النبي يونس (ع) ، وأن يلبث في بطنها إلى يوم القيامة.

٣- أكثر النبي يونس (ع) في بطن الحوت من ذكر الله وتسبيحه.

4- ظهر لله في الواقع الخارجي توسّل النبي يونس (ع) بالذكر والتسبيح.

5- غيّر الله ما قدّره للنبي يونس (ع) في خصوص بقائه في بطن الحوت إلى يوم القيامة.


1- انظر: مجمع البيان، ج 5، صص ٢٠٣ - ٢٠5.

ص:230

6- استبدل الله تقديره الأوّل بتقدير آخر، وهو إخراج النبي يونس (ع) من بطن الحوت.

٧- أخرج الله النبي يونس (ع) من بطن الحوت، وقال تعالى: فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [الصافات: ١4٣و ١44]

البداء الثالث: تغيير مدّة ميقات النبي موسى (ع)

قال تعالى: وَ واعَدْنا مُوسى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَ أَتْمَمْناها بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً [الأعراف: ١4٢]

خطوات تحقّق هذا البداء:

١- قدّر الله أن يستدعي النبي موسى (ع) لميقاته مدّة ثلاثين ليلة.

٢- أخبر النبي موسى (ع) قومه بأنّه سيغيب عنهم ثلاثين ليلة، وقال لهم:

«إنّ ربّي وعدني ثلاثين ليلة أن ألقاه»(1).

٣- ذهب النبي موسى (ع) إلى ميقات ربّه وناجى الله ثلاثين ليلة.

4- غيّر الله تقديره الأوّل في خصوص مدّة بقاء النبي موسى (ع) في الميقات، واستبدله بتقدير آخر، وهو أن يزيد الميقات عشرة ليال أخرى.

5- قد يكون سبب هذا التغيير ما ظهر لله من أحوال قوم موسى (ع) ، فأراد أن يختبرهم ويرى ما هو موقفهم عند تأخير عودة النبي موسى (ع) من الميقات.

البداء الرابع: إبعاد الله الموت عن العروس

روي أنّ المسيح عيسى بن مريم مرّ بقوم مُجلَبين(2).

فقال: ما لهؤلاء؟

قيل: يا روح الله، إنّ فلانة بنت فلان تُهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه.

قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً.

فقال قائل منهم: ولِمَ يارسول الله؟


1- الجامع لأحكام القرآن، ج ٧، ص ١٧5
2- مجلبين، أي: في حالة صياح وصخب.

ص:231

قال: لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه. . .

فلمّا أصبحوا جاؤوا، فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء.

فقالوا: ياروح الله إنّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميّتة لم تمت!

فقال عيسى (ع) : يفعل الله ما يشاء، فاذهبوا بنا إليها.

. . . قالت: . . . كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة، فننيله ما يقوته إلى مثلها، وأنّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري، وأهلي بمشاغيل، فهتف فلم يجبه أحد، ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً، فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى أنَلْتهُ كما كنّا نُنيله.

فقال [عيسى (ع)] لها: تنحّي عن مجلسك، فإذا تحت ثيابها أفعى مثل جَذَعة عاض على ذنبه.

فقال (ع) : بما صنعتِ صرف الله عنكِ هذا»(1).

البداء الخامس: إبعاد الله الموت عن اليهودي

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) ، قال:

مرّ يهودي بالنبي (ص) ، فقال: السّام عليك.

فقال رسول الله (ص) : عليك!

فقال أصحابه: إنّما سلّم عليك بالموت، قال: الموت عليك، فقال رسول الله (ص) : وكذلك رددت.

ثمّ قال النبي (ص) : إنّ هذا اليهودي يعضّه أسود في قفاه فيقتله، قال: فذهب اليهودي فاحتطب حطباً كثيراً، فاحتمله ثمّ لم يلبث أن انصرف، فقال له رسول الله (ص) : ضعه.

فوضع الحطب، فإذا أسود في جوف الحطب عاضّ على عود.

فقال (ص) : يا يهودي ما عملت اليوم؟

قال: ما عملت عملاً إلاّ حطبي هذا احتملته فجئت به، وكان معي كعكتان، فأكلت واحدة وتصدّقت بواحدة على مسكين.


1- الأمالي، للشيخ الصدوق، صص 5٨٩ و 5٩٠، المجلس ٧5، ح ٨١6/١٣.

ص:232

فقال رسول الله (ص) : بها دفع الله عنه.

وقال (ص) : إنّ الصدقة تدفع ميتة السوء عن الإنسان(1).

البداء السادس: التأجيل والتأخير في النصر الإلهي

ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

« كان في بني إسرائيل نبي وعده الله أن ينصره إلى خمس عشرة ليلة، فأخبر بذلك قومه.

فقالوا: والله إذا كان ليفعلن وليفعلن!

فأخّره الله إلى خمس عشرة سنة.

وكان فيهم من وعده الله النصرة إلى خمس عشرة سنة.

فأخبر بذلك النبي قومه.

فقالوا: ما شاء الله.

فعجّله الله لهم في خمس عشرة ليلة» (2).

البداء السابع: تأجيل الله أجل المَلِك

قال الإمام علي بن موسى (ع) : لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله (ص) قال:

إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه: أن أخبر فلان المَلِك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا.

فأتاه ذلك النبي فأخبره، فدعا الله المَلك وهو على سريره حتّى سقط من السرير، فقال: ياربّ أجّلني حتّى يشبّ طفلي وأقضي أمري.

فأوحى الله عزّ وجلّ إلى ذلك النبي: أن ائت فلان المَلِك فأعلمه أنّي قد أنسيت في أجله، وزدت في عمره خمس عشرة سنة.

فقال ذلك النبي: ياربّ إنّك لتعلم أنّي لم أكذب قطّ!

فأوحى الله عزّ وجلّ إليه: إنّما أنت عبد مأمور، فأبلغه ذلك، والله لا يسأل عمّا يفعل (3).


1- الكافي، ج١، ص5، ح ٣
2- الإمامة والتبصرة، ص ٩5؛ بحار الأنوار، ج4، ص ١١٢، ب ٣، ح ٣٢
3- التوحيد، صص 4٣٠ و 4٣١، ب 66، ح ١.

ص:233

المبحث العاشر: أسباب أهمية البداء

١- التأكيد على حرّية الله في أفعاله.

إنّ الله تعالى غير مقيّد بحدود معيّنة مقدّرة منه تعالى منذ الأزل بحيث يكون الله تعالى - والعياذ بالله - عاجزاً عن تخطّيها أو تجاوز حدّها، بل الله تعالى قادر على تغيير ما قدّره مسبقاً بتقدير آخر، ومجرّد تقديره لشيء لا يحدّد أفعاله ولايمنعه من تغيير ذلك.

بعبارة أخرى:

إذا قدّر الله شيئاً فإنّه غير مقيّد بالعمل وفق ما قدّره مسبقاً، بل له الحرّية والقدرة على تغيير هذا التقدير واستبداله بتقدير آخر.

٢- التأكيد على هيمنة الله وسلطانه على أمور العالم كلّها، وتصرّفه المباشر فيها حسب مشيئته وإرادته الحكيمة.

٣- التأكيد على مسألة اختيار الإنسان ودوره في تغيير مصيره بأفعاله وأعماله.

وهذا ما يحثّ الإنسان على الجدّ والاجتهاد لرفع مستواه والوصول إلى ما هو الأفضل عن طريق تمسّكه بالأسباب المادّية المتاحة له والأسباب المعنوية كالدعاء والتوسّل والصدقات وأنواع البرّ والطاعات.

وهذا بعكس ما لو كانت عقيدة الانسان بأنّ التقدير كلّه بيد الله من دون أن يكون للإنسان أيّ أثر في ذلك، وقد كُتب مصير كلّ إنسان، وجفّ القلم، والإنسان غير قادر على تغيير ما قُدّر له.

فهذه العقيدة تبعث الإنسان نحو الإحباط واليأس والقنوط، وتشلّ قدرته وتسلب منه القوّة والعزم والإرادة على تغيير مصيره نحو الأفضل.

وبصورة عامّة:

الاعتقاد بالبداء يعني الاعتقاد بامتلاك القدرة على تغيير المصير المقدّر من قبل الله تعالى، وهذا ما يحثّ الإنسان على العمل الدؤوب والجاد من أجل تغيير مصيره بيده نحو الأفضل.

ص:234

4- التأكيد على أنّ إرادة الله حادثة وليست قديمة.

وتنقسم إرادة الله إلى قسمين:

أوّلاً: إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

ثانياً: إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

فالقسم الأوّل: إرادة وقوع فعل معيّن في نفس الوقت.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق تحقّق الفعل المقصود في الواقع الخارجي.

قال تعالى: إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: ٨٢]

والقسم الثاني: إرادة وقوع فعل معيّن في المستقبل.

تتجسّد هذه الإرادة عن طريق الكتابة في الألواح.

فتتجسّد إرادة الله الحتمية في لوح أم الكتاب.

وتتجسّد إرادة الله غير الحتمية في لوح المحو والإثبات.

المبحث الحادي عشر: البداء والردّ على مقولة اليهود

قال الشيخ الصدوق: «البداء هو ردّ على اليهود؛ لأنّهم قالوا: إنّ الله قد فرغ من الأمر، فقلنا: إنّ الله كلّ يوم في شأن، يحيي ويميت ويرزق ويفعل ما يشاء»(1).

عقيدة اليهود:

ذهب اليهود إلى أنّ الله قدّر أمور العالم منذ الأزل، وفرغ من الأمر، فلا تغيير ولا تبديل فيما قدّر الله، فقد «جفّ القلم» .

ولازم هذا القول أن يكون الله عاجزاً عن تغيير ما جرى به قلم التقدير فيما سبق.

ردّ عقيدة اليهود:

جاءت عقيدة «البداء» ردّاً على ماذهب إليه اليهود لتؤكّد بأنّ الأمر بيد الله، وأنّه تعالى لم يفرغ من الأمر، بل يمكن إيقاع التغيير في كلّ قضاء وقدر إلهي غير حتمي.


1- التوحيد، ص ٣٢٧، ب 54، ذيل ح ٩.

ص:235

عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول قول الله عزّ وجلّ: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ [المائدة: 64]

قال (ع) : . . . قالوا: قد فرغ من الأمر، فلا يزيد ولا ينقص.

فقال الله جلّ جلاله تكذيباً لقولهم: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ [المائدة: 64]، ألم تسمع الله عزّ وجلّ يقول: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ [الرعد: 39]»(1)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«قالت اليهود يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ يعنون: أنّ الله تعالى قد فرغ من الأمر، فليس يحدث شيئاً.

فقال الله عزّ وجلّ: غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَ لُعِنُوا بِما قالُوا . .»(2)

«. . . فكيف قال تعالى: يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ

وقال عزّ وجلّ: يَمْحُوا اللَّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ

وقد فرغ من الأمر؟ !»(3)

ولهذا قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) لأحد أصحابه:

« ادع ولا تقل إنّ الأمر قد فرغ منه»(4)

المبحث الثاني عشر: البداء ومشكلة عدم تحقّق إخبار الأنبياء بالمغيّبات

قد يشكل البعض على البداء، ويقول بأنّه يستلزم تكذيب الأنبياء والرسل وعدم الوثوق بهم؛ لأنّ هؤلاء قد يخبروا عن تحقّق حدث معيّن، ثمّ لا يتحقّق ذلك نتيجة وقوع البداء الإلهي فيه.

الجواب:

تنقسم الأمور التي يريد الله تحقّقها في المستقبل إلى قسمين:


1- التوحيد، ص ١6٣، ب٢5، ح ١
2- عيون أخبار الرضا ع ، ج٢، ص ١6١، ب ١٣، ح ١
3- المصدر، ص ١6٧
4- الكافي، ج ٢، ص 466، ح ٣.

ص:236

١- أمور حتمية:

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن تقع حتماً، وهي من القضاء والقدر الإلهي الذي لم يجعل الله فيه قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

٢- أمور غير حتمية:

وهي الأمور التي تعلّقت إرادة الله بها على أن يكون تحقّقها مشروطاً بتوفّر بعض المتطلّبات وانتفاء بعض الموانع، ولهذا فهي أمور فيها قابلية المحو والإثبات والتبديل والتغيير.

نوعية إخبارات الأنبياء:

أغلب إخبارات الأنبياء والرسل تكون من الأمور الحتمية التي لا يكون فيها البداء، ولهذا ورد في الحديث الشريف:

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

« من الأمور أمور محتومة كائنة لا محالة

ومن الأمور أمور موقوفة عند الله، يقدّم منها ما يشاء، ويمحو ما يشاء، ويثبت منها ما يشاء، لم يطلع على ذلك أحداً، يعني الموقوفة، فأمّا ما جاءت به الرسل، فهي كائنة لا يكذّب نفسه ولا نبيّه ولا ملائكته»(1).

قال (ع) أيضاً:

« العلم علمان:

فعلم عند الله مخزون لم يطلع عليه أحداً من خلقه

وعلم علّمه ملائكته ورسله

فأمّا ما علّمه ملائكته ورسله، فإنّه سيكون، ولا يكذّب نفسه ولا ملائكته ولا رسله، وعلم عنده مخزون يقدّم فيه ما يشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويثبت ما يشاء»(2)و(3).


1- تفسير العياشي، ج ٢، ص ٢١٧، ح 65
2- تنبيه: ليس المقصود من العلم في هذا الحديث هو العلم الإلهي الذاتي، بل: المقصود من العلم الأوّل: ما هو مدوّن في أمّ الكتاب، وهو الذي لا يتعلّق به البداء؛ لأنّه مما لا يقبل المحو والتبديل والتغيير؛ والمقصود من العلم الثاني: ما هو مدوّن في لوح المحو والإثبات، وهو الذي يتعلّق به البداء؛ لأنّه يقبل المحو والتبديل والتغيير
3- المحاسن، البرقي، ج ١، ص ٣٧٨، ح ٨٣٣/٢٣5.

ص:237

تنبيه: ليس المقصود من قوله (ع) :

«لا يكذّب نفسه ولا ملائكته ورسله» إنكار وقوع البداء في إخبارات الأنبياء؛ لأنّ القرآن الكريم- كما أشرنا فيما سبق- يدل على وقوع مثل هذا البداء كقصّة النبي يونس (ع) ، بل المقصود أنّه تعالى لا يفعل البداء الذي يؤدّي إلى تكذيب نفسه أو ملائكته أو رسله، وسنبيّن كيفية ذلك لاحقاً.

حل مشكلة إخبار الأنبياء عن الأمر غير الحتمي ووقوع البداء فيه:

وقوع البداء في ما أخبر عنه الأنبياء لا يؤدّي إلى تكذيبهم أو عدم الوثوق بهم؛ لأنّه تعالى جعل دائماً القرائن الواضحة الدالة على صدق إخبار الأنبياء، ولهذا نجد أكثر حالات البداء المروية في الأحاديث مقرونة بما يفيد التصديق وصحة إخبار الأنبياء، منها:

١- رفع العذاب عن قوم يونس (ع)

قرينة صحة إخبار النبي يونس (ع) بوقوع العذاب: شاهد قومه آثار العذاب الإلهي، ويكفي هذا في صحة خبر النبي يونس (ع) .

٢- قصّة المسيح (ع) وإخباره بموت العروس

قرينة صحّة إخباره (ع) : وجود الأفعى تحت ثياب العروس، ثمّ قال لها (ع) :

«بما صنعت [أي: نتيجة مساعدتك لذلك السائل] صرف عنك هذا» .

٣- قصّة النبي محمّد (ص) وإخباره بهلاك اليهودي

قرينة صحّة إخباره (ص) : أنّه (ص) أمر اليهودي بوضع الحطب، فإذا أفعى أسود في جوف الحطب عاض على عود، ثمّ قال (ص) :

«بها [أي: بالصدقة التي أعطيتها للمسكين] دفع الله عنه» .

النتيجة:

الأمور التي يخبر الأنبياء: بوقوعها، ثمّ لا تقع نتيجة البداء الإلهي، فإنّه تعالى يجعل فيها القرائن الدالة على صحّة إخبارهم، والهدف من تبيين هذا البداء هو التأكيد على حريّة الله في أفعاله والتأكيد على دور الإنسان في تغيير مصيره بأفعاله، كما بيّنا ذلك في المبحث العاشر من هذا الفصل.

ص:238

المبحث الثالث عشر: مستثنيات البداء

تستلزم الحكمة الإلهية عدم وقوع البداء في موارد، منها:

١- الأمور التي يصرّح النبي عند إخباره عن تحقّقها أو عدم تحقّقها بأنّها من الأمور الحتمية؛ لأنّ البداء يشمل الأمور غير الحتمية فقط، وأمّا الأمور الحتمية فلا يشملها البداء أبداً، ولهذا فإنّ وقوع البداء في ما يصرّح النبي بوقوعه حتماً يؤدّي إلى توصيف النبي بالكذب وخلف الوعد وغيرها من الأمور التي تؤدّي بالناس إلى عدم الوثوق بكلامه وإخباره.

٢- الأمور التي يخبر النبي عن وقوعها على نحو الإعجاز، من قبيل قول المسيح (ع) : وَ أُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَ ما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: 4٩]، فإنّه يلزم أن يكون هذا الإخبار من الأمور الحتمية، وإلاّ ينتفي الغرض فيما لو كان هذا الإخبار من الأمور غير الحتمية التي يقع فيها البداء بعد ذلك.

٣- الأمور الأساسية المرتبطة بصميم الدين، من قبيل الأمور المتعلّقة بالنبوّة والإمامة؛ لأنّ وقوع البداء في هذه الأمور يؤدّي إلى إضلال العباد وإخلال نظام التشريع.

ولهذا ورد في الحديث الشريف عن أئمة آل الرسول (ص) :

« مهما بدا لله في شيء فإنّه لا يبدو له في نقل نبي عن نبوّته، ولا إمام عن إمامته. . .»(1).

تنبيه: ولهذا أخطأ من ظنّ بأنّ البداء الذي حصل لإسماعيل بن الإمام جعفربن محمّد الصادق (ع)(2)كان حول مسألة الإمامة(3)، بل كان هذا البداء حول مسألة أخرى بيّنها الإمام الصادق (ع) بقوله:


1- المسائل العكبرية، ص ١٠٠، المسألة ٣٧
2- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق ع : «ما بدا لله بداء كما بدا له في إسماعيل ابني» ؛ التوحيد، ص٣٢٧، ب 54، ح ١٠
3- أي: ليس المقصود أنّ الله اختار إسماعيل للإمامة، ثمّ أعرض عنه واختار موسى بن جعفر لذلك؛ انظر: المسائل العكبرية، ص ١٠٠، المسألة ٣٧.

ص:239

« كان القتل قد كتب على إسماعيل مرّتين، فسألت الله في دفعه عنه فدفعه»(1)

أي: كان في تقدير الله أن يُقتل إسماعيل مرّتين، ولكن بسبب دعاء أبيه الإمام الصادق (ع) غيّر الله تعالى هذا التقدير(2).

المبحث الرابع عشر: المشابهة والفرق بين البداء والنسخ

تعريف النسخ:

النسخ عبارة عن زوال حكم شرعي واستبداله بحكم شرعي آخر.

قال تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة:١٠6]

أمثلة للنسخ:

١- تعلّقت إرادة الله بأن يحلّ الطيّبات لبني إسرائيل، ثمّ تغيّرت إرادة الله في هذا المجال، فحرّم الطيّبات عليهم، وتبيّن الآية التالية أسباب هذا التغيير:

قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً * وَ أَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَ قَدْ نُهُوا عَنْهُ وَ أَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ [النساء: ١6٠- ١6١]

٢- كتب الله على المسلمين الاتّجاه نحو بيت المقدس حين الصلاة، ثمّ نسخ الله هذا الحكم، وأبدله بالاتّجاه نحو الكعبة.

٣- قال تعالى: إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الأنفال: 65]

ثمّ نسخ الله هذا الحكم بقوله تعالى: الآْنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ


1- تصحيح اعتقادات الإمامية، الشيخ المفيد: فصل في معنى البداء، ص 66
2- ذكر بعض العلماء تفاسير مختلفة حول هذا البداء، منها: المقصود من هذا البداء هو: ما ظهر من الله عزّ وجلّ على خلاف ما يتوقّعه الناس كما ظهر منه في إسماعيل بن جعفر الصادق حيث كان الكثير يظن بأنّه الإمام بعد أبيه، فلمّا قبض الله إسماعيل وتوفّاه ظهر للناس خلاف ما كانوا يتوقّعوه؛ للمزيد راجع: التوحيد، ج ١٠، ص ٣٢٧، ب 54، ذيل ح ١٠؛ الاعتقادات، ص 4١؛ وقد ناقشنا ضعف نسبة هذا المعنى للبداء في المبحث الخامس من هذا الفصل.

ص:240

فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَ اللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ [الأنفال: 66]

بيان أهم موارد الشبه والفرق بين البداء والنسخ

المورد الأوّل:

في البداء: تتعلّق إرادة الله التكوينية أن يفعل «الله» كذا، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة، وتأتي مكانها إرادة أخرى(1).

في النسخ: تتعلّق إرادة الله التشريعية أن يفعل «العبد» كذا، ثمّ تتغيّر هذه الإرادة، وتأتي مكانها إرادة أخرى.

المورد الثاني:

في البداء: يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التكوينات.

في النسخ: يكون تغيير الإرادة والقدر والقضاء الإلهي في التشريعات.

المورد الثالث:

يكون البداء في قضايا تكوينية قدّر الله لها أن تتحقّق، ثمّ يمحو الله ما قدّره ويستبدله بقدر آخر.

يكون النسخ في قضايا تشريعيّة تحقّقت (أي: أحكام تمّ تشريعها) ، ثمّ يزيلها الله تعالى ويستبدلها بحكم آخر.

أقوال العلماء حول المشابهة بين البداء والنسخ:

قال الشيخ الصدوق:

«يجب علينا أن نقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له البداء، ومعناه. . . لا يأمر الله عباده بأمر في وقت ما إلاّ وهو يعلم أنّ الصلاح لهم في ذلك الوقت أن يأمرهم بذلك، ويعلم أنّ في وقت آخر الصلاح لهم في أن ينهاهم عن مثل ما أمرهم به، فإذا كان ذلك الوقت أمرهم بما يصلحهم.


1- لا يخفى بأنّ إرادة الله حادثة، والمقصود من إرادته فعله، والمراد من استبدال الله إرادة مكان إرادة أخرى، أي: استبدال فعل مكان فعل آخر.

ص:241

فمن أقرّ لله عزّ وجلّ بأنّ له أن يفعل ما يشاء، ويَعْدم ما يشاء، ويخلق مكانه ما يشاء، ويقدّم مايشاء، ويؤخّر ما يشاء، ويأمر بما يشاء كيف يشاء فقد أقرّ بالبداء»(1)

قال الشيخ المفيد:

«أقول في معنى البداء ما يقوله المسلمون بأجمعهم في النسخ وأمثاله، من الافتقار بعد الإغناء، والإمراض بعد الإعفاء، والإماتة بعد الإحياء، وما يذهب إليه أهل العدل خاصّة من الزيادة في الآجال والأرزاق والنقصان منها بالأعمال»(2)

قال الشيخ الطوسي:

«إذا أضيفت هذه اللفظة [أي: البداء] إلى الله تعالى:

فمنه ما يجوز إطلاقه عليه ومنه ما لا يجوز

فأمّا ما يجوز من ذلك فهو ما أفاد النسخ بعينه. . .

[وأمّا ما لا يجوز من ذلك فهو] حصول العلم بعد أن لم يكن»(3).

تنبيه: إنّ الله تعالى منزّه عن الجهل أو الندم عند نسخه لبعض الأحكام الشرعية واستبدالها بأحكام أخرى، بل يعود سبب ذلك إلى لحاظ الله مصالح العباد في التشريع، وقد تتغيّر مصالح العباد نتيجة حدوث بعض التغييرات في الواقع الخارجي، فيؤدّي هذا الأمر إلى نسخ الله للحكم الشرعي واستبداله بحكم آخر أكثر انسجاماً مع المتطلّبات الجديدة.

حديث شريف:

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

« جاء قوم من اليهود إلى رسول الله (ص) فقالوا: يا محمّد، هذه القبلة بيت المقدس قد صلّيت إليها أربع عشرة سنة، ثمّ تركتها الآن، أفحقّاً كان ما كنت


1- التوحيد، ص ٣٢٧، ب 54، ذيل ح ٩
2- أوائل المقالات، ص ٨٠، القول 5٨
3- عدّة الأصول، ج ٢، ص 4٩5.

ص:242

عليه؟ فقد تركته إلى باطل، فإنّما يخالف الحق الباطل، أو باطلاً كان ذلك؟ فقد كنت عليه طوال هذه المدّة، فما يؤمننا أن تكون الآن على الباطل؟

فقال رسول الله (ص) : بل ذلك كان حقّاً، وهذا حقّ، يقول الله: قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [البقرة: ١4٢] إذا عرف صلاحكم- يا أيّها العباد- في استقبال المشرق أمركم به.

وإذا عرف صلاحكم في استقبال المغرب أمركم به.

وإذا عرف صلاحكم في غيرهما أمركم به.

فلا تنكروا تدبير الله تعالى في عباده، وقصده إلى مصالحكم»(1)


1- الاحتجاج، ج ١، ص ٨٣، رقم ٢5؛ ولمعرفة المزيد من الفرق بين البداء والنسخ راجع: الذخيرة، ص ٣56؛ شرح جمل العلم والعمل، ص ١٨6؛ تقريب المعارف، ، صص ١6٣ - ١65؛ كنز الفوائد، ج ١، صص ٢٢5 - ٢٢٧.

ص:243

الفصل الرابع عشر: كلام اللّه تعالى

اشاره

* خصائص مسألة كلام الله تعالى

* معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام

* اتّصاف الله بصفة المتكلّم

* حقيقة كلام الله تعالى

* قدم أو حدوث كلام الله تعالى

* صدق كلام الله تعالى

ص:244

ص:245

المبحث الأوّل: خصائص مسألة كلام الله تعالى

١- لا خلاف بين المسلمين في أنّ الله تعالى متكلّم، وإنّما وقع الخلاف في حقيقة كلام الله وكونه قديماً أو حادثاً.

٢- طرحت مسألة قدم القرآن الكريم أو حدوثه (أي: قدم كلام الله أو حدوثه) في أوائل القرن الثالث الهجري في أوساط المسلمين، وأدّت هذه المسألة إلى إثارة فتن كبيرة دفعت المسلمين إلى نزاعات أريقت خلالها دماء كثيرة سجّلها التاريخ، وعُرفت فيما بعد ب- «محنة القرآن»(1)

المبحث الثاني: معنى الكلام والمتكلّم وأقسام الكلام

معنى الكلام:

الكلام هو ما تألّف من حرفين فصاعداً من الحروف التي يمكن تهجّيها، إذا وقعت ممن يصح منه الإفادة(2)

معنى المتكلّم:

المتكلّم هو كلّ من يوجد حروفاً وأصواتاً لتدل على معنى يريد الإخبار بها عنه (3)


1- انظر: تاريخ الأمم والملوك، ج ٨، صص 6٣١ - 645
2- انظر: تقريب المعارف، ص١٠6؛ غنية النزوع، ج ٢، ص 5٩؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص٢١١؛ نهج الحق وكشف الصدق، ص 54٩
3- انظر: المسائل العكبرية، ص 44؛ إرشاد الطالبين، صص ٢٠٨ و ٢٠٩.

ص:246

أقسام الكلام:

١- الكلام اللفظي: واللفظ هو الحرف المشتمل على الصوت.

٢- الكلام الكتبي: والكتابة هي النقوش الحاكية عن تلك الحروف اللفظية.

٣- الكلام الفعلي: وهو الفعل الذي يفيد نفس المعنى الذي يفيده الكلام اللفظي.

بيان الكلام الفعلي الإلهي:

يمكن وصف جميع أفعال الله بأنّها من جملة كلام الله من باب التوسّع؛ لأنّها تكشف عن دلالات ومعان تفيد نفس الأثر الذي يفيده الكلام اللفظي.

مثال ذلك:

وصف الله عيسى بن مريم ب- «الكلمة» ، حيث قال تعالى: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ [النساء: ١٧١]

وسَمّى الله المسيح بالكلمة؛ لأنّ المسيح فعله وأثره المعبّر والكاشف عن كمال قدرته تعالى في خلق الإنسان من دون أب.

المبحث الثالث: اتّصاف الله بصفة المتكلّم

إنّ السبيل لإثبات كونه تعالى متكلّماً هو الدليل النقلي فحسب، أمّا الدليل العقلي فلا يثبت أكثر من كونه تعالى قادراً على الكلام(1)

الآيات القرآنية المشيرة إلى اتّصافه تعالى بالمتكلّم:

١- وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ [الشورى: 5١]

٢- مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ [البقرة: ٢5٣]


1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص ٨٩؛ الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، ص 6٠؛ تقريب المعارف، ص ١٠٧؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢١٢؛ كشف الفوائد، ص ١٨٩؛ مناهج اليقين، ص١٧٩.

ص:247

٣- وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: ١64]

4- وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ [الأعراف: ١44]

5- وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران: ٧٨]

المبحث الرابع: حقيقة كلام الله تعالى

كلام الله عبارة عن أصوات وحروف يخلقها الله ليوصل عن طريقها مقصوده إلى المخاطب، ويسمّى هذا الكلام ب- «الكلام اللفظي» (1)

مثال ذلك:

قال تعالى: وَ كَلَّمَ اللَّهُ مُوسى تَكْلِيماً [النساء: ١64]

أي: خلق الله الكلام في الشجرة في البقعة المباركة ليوصل بذلك مقصوده إلى موسى (ع) .

قال تعالى: فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [القصص: ٣٠]

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول كلام الله تعالى مع موسى وقومه:

«. . . إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [أحدث الكلام] في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها. . .» (2)

تنبيه: إضافة الكلام إلى الله تجري مجرى سائر الإضافات التي تقتضي الفعلية(3)

ويقال للّه «متكلّم» بعد إيجاده للكلام.

كما يقال له تعالى «رازق» بعد إيجاده للرزق.

وكما يقال له تعالى «منعم» بعد إيجاده للنعمة.

وكما يقال له تعالى «محرّك» بعد إيجاده للحركة.


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٧؛ المسلك في أصول الدين، صص 4٣ و ٧٢؛ نهج الحق وكشف الصدق، ص6٠
2- التوحيد، ص ١١٧، ب ٨، ح ٢4
3- انظر: تقريب المعارف، ص ١٠6؛ غنية النزوع، ج ٢، ص 5٨.

ص:248

ما وراء الكلام اللفظي:

وقع الخلاف بين الإمامية والأشاعرة حول الكلام اللفظي: هل هو كلام حقيقة أم يوجد وراءه حقيقة أخرى بحيث يكون الكلام اللفظي تعبيراً عن تلك الحقيقة الكامنة؟

عقيدة الإمامية:

الكلام اللفظي هو الكلام حقيقة، ولا يوجد ما وراء الكلام اللفظي سوى العلم والإرادة.

عقيدة الأشاعرة:

الكلام اللفظي ليس الكلام حقيقة، وإنّما الكلام الحقيقي هو الكلام النفسي، وهو مغاير للعلم والإرادة.

وسنوضّح لاحقاً كلّ واحدة من هاتين العقيدتين.

توضيح عقيدة الإمامية حول ما وراء الكلام اللفظي:

ينقسم الكلام إلى قسمين:

١- إخبار: ويتضمّن هذا الإخبار مجموعة تصوّرات وتصديقات.

الف: التصوّرات: عبارة عن «إحضار» الأمور التالية في الذهن:

أوّلاً: الموضوع

ثانياً: المحمول

ثالثاً: النسبة بين الموضوع والمحمول

ب: التصديقات: عبارة عن «الإذعان» بنفس النسبة بين الموضوع والمحمول.

٢- إنشاء: وهو يكون على شكل أمر أو نهي أو استفهام أو تمنّي أو ترجّي.

و «الأمر» تعبير عن «إرادة» الشيء.

و «النهي» تعبير عن «كراهة» الشيء.

والاستفهام والتمنّي والترجّي تعبير عمّا يناسبها.

ص:249

النتيجة:

إذا كان «الكلام» إخباراً (أي: متضمّن لمجموعة تصوّرات أو تصديقات) فهو من مقولة «العلم» .

وإذا كان «الكلام» إنشاءً (أي: متضمّن لمجموعة أوامر ونواهي وغيرها) فهو من مقولة «الإرادة والكراهة» .

فنستنتج انتفاء وجود شيء وراء الكلام اللفظي سوى «العلم» و «الإرادة والكراهة»(1)

توضيح عقيدة الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي:

ذهب الأشاعرة حول ما وراء الكلام اللفظي إلى إثبات أمر آخر مغاير للعلم والإرادة، وقاموا بتسميته ب- «الكلام النفسي» ، وقالوا بأنّ «الكلام النفسي» هو الكلام حقيقة، وإنّما «الكلام اللفظي» وسيلة لإبراز «الكلام النفسي» وتسمية «الكلام اللفظي» بالكلام تسمية مجازية(2)

يرد عليه:

لو كان «الكلام النفسي» هو الكلام الحقيقي، لكان الساكت متكلّم، ولكن لا يقول أحد بذلك(3) فيثبت: أنّ الكلام الحقيقي هو الكلام اللفظي، وما يطلق عليه الأشاعرة ب- «الكلام النفسي» فهو مجرّد تصوّرات تدخل في دائرة العلم لاغير، ولا يطلق صفة «المتكلّم» حقيقة على أحد إلاّ بعد إيجاده للحروف والأصوات في الواقع الخارجي.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للعلم:

إنّ الإنسان قد يُخبر عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه.

فنستنتج بأنّ الإخبار عن شيء قد يكون غير العلم به(4)


1- انظر: تلخيص المحصّل، ص ٢٩٠؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢٢٧؛ إرشاد الطالبين، ص٢١٢؛ اللوامع الإلهية، ص ٢٠٣
2- انظر: المواقف، ج ٣، صص ١٣5 و ١4٢؛ شرح المقاصد، ص ١44
3- انظر: إرشاد الطالبين، ص٢١١
4- انظر: المواقف، ج ٣، ص١٣4.

ص:250

يرد عليه:

إنّ العلم لا يشمل التصديق فحسب، بل يشمل التصوّرات لوحدها أيضاً، وإخبار الإنسان عمّا لا يعلمه أو عمّا يعلم خلافه هو إخبار عن مجموعة تصوّرات مع وجود نسبة بينها- سواء كانت هذه النسبة صحيحة أو خاطئة- وهذه التصوّرات والنسبة بينها من مقولة العلم.

دليل الأشاعرة على مغايرة الكلام النفسي للإرادة:

الإنسان قد يأمر غيره بما لا يريد.

مثال ذلك:

يأمر الأب ولده بأداء فعل معيّن، ويكون هدفه من هذا الأمر فقط اختبار ولده هل يطيعه أو لا؟

فهنا يأمر الأب ابنه بما لا يريد، وإنّما المقصود هو «اختبار الولد» لا «القيام بالفعل» .

فنستنتج بأنّ الأمر - وهو نوع من أنواع الكلام الإنشائي - قد يكون مغايراً للإرادة(1).

يرد عليه:

هذا القسم من الأوامر (الأوامر الاختبارية) ينشأ من الإرادة أيضاً، ولكن «الإرادة» في هذه الأوامر لا تتعلّق بالشيء «المأمور به» وإنّما تتعلّق ب- «الاختبار» .

بعبارة أخرى:

الأب الذي يأمر ولده بأداء فعل معيّن، ويكون قصده من ذلك هو اختبار الولد أيطيعه أم لا؟ فإنّ أمره هذا ناشئ من الإرادة أيضاً.

ولكن هذه «الإرادة» لم تتعلّق بأداء ذلك الفعل المعيّن.


1- انظر: المواقف، ج ٣، ص١٣4.

ص:251

وإنّما تعلّقت باختبار المأمور، أي: اختبار الولد.

فنستنتج بأنّ منشأ الأمر في هذه الحالة أيضاً هو «الإرادة» .

خصائص الكلام النفسي الإلهي عند الأشاعرة(1):

١- معنىً قديم قائم بذاته تعالى.

٢- إنّه واحد في نفسه ليس بخبر ولا أمر ولا نهي و. . .

٣- لا يدخل فيه ماض ولا حاضر ولا استقبال.

4- إنّه غير العبارات، وحقيقته مغايرة لما له صلة بالأمور المادية.

5- الكلام النفسي في الإنسان حادث تبعاً لحدوث ذاته.

والكلام النفسي في الله قديم تبعاً لقدم ذاته.

يرد عليه:

١- المعنى القائم بالذات لا يقال له كلام حقيقة، وما يسبق الكلام اللفظي عند الإنسان أيضاً فهو عبارة عن العلم بكيفية نظم الكلام أو العزم على الكلام، وجميع هذه الأمور من مقولة العلم والإرادة(2).

٢- الكلام النفسي عند الإنسان متتابع ومتوال، وهو متكوّن من مجموعة تصوّرات، وأمّا الكلام النفسي الذي ينسبه الأشاعرة إلى الله بالأوصاف التي ذكروها، فهو أمر لا يمكن تعقّله، ولا طريق إلى إثباته، فكيف يصح نسبته إلى الله تعالى(3)؟ !

المبحث الخامس: قدم أو حدوث كلام الله تعالى

قال الشيخ المفيد: «إنّ كلام الله مُحدث، وبذلك جاءت الآثار عن آل محمّد: ، وعليه إجماع الإمامية» .(4)(5)


1- انظر: المواقف، ج٣، صص ١٣4 و١٣٩؛ شرح المقاصد، ج 4، صص ١44، ١4٧، ١4٨، ١6٣
2- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢١5
3- انظر: غنية النزوع، ج ٢، ص 6٠؛ كشف المراد، ص 4٠٣؛ نهج الحقّ وكشف الصدق، ص 6٠
4- أوائل المقالات، ص 5٢
5- ذهب المعتزلة أيضاً إلى أنّ حقيقة كلام الله تعالى هو الكلام اللفظي فقط، وأنّه مُحدث؛ انظر: شرح الأصول الخمسة، ص 5٢٨.

ص:252

أدلة حدوث كلام الله:

١- كلام الله مركّب من حروف متتالية، متعاقبة في الوجود بحيث يتقدّم بعضها على بعض، ويسبق بعضها على بعض، ويعدم بعضها ببعض، وكلّ ما هو كذلك فهو حادث، فنستنتج بأنّ كلامه تعالى حادث (1)

٢- الهدف من الكلام إفادة المخاطب، ولهذا يكون وجود الكلام قبل وجود المخاطب لغواً وعبثاً.

وقد ورد في كتاب الله خطاباً للأنبياء: والعباد، منها قوله تعالى:

يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة: 6٨]

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب: ٢]

يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ [البقرة: ٢١]

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا. . . [البقرة: ١٠4]

فلو كان كلام الله تعالى قديماً لم يحسن الخطاب.

فنستنتج حدوث كلامه تعالى(2).

٣- ورد في كلام الله تعالى إخبار عن الماضي، من قبيل قوله تعالى:

إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ [نوح: ١]

وَ أَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ [النساء: ١6٢]

لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ [يونس: ١٣]

ضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ [إبراهيم: 45]

قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَ اللَّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما. . . [المجادلة: ١]

فلو كان الكلام الإلهي قديماً، لاستلزم الكذب عليه تعالى؛ لأنّ الإخبار عن شيء قبل وقوعه كلام غير مطابق للواقع(3)


1- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٧؛ المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢١6؛ مناهج اليقين، ص ١٩٣
2- انظر: تقريب المعارف، ص ١٠٧؛ تلخيص المحصّل، ص ٣٠٨؛ نهج الحق وكشف الصدق، ص6٢؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢٠
3- انظر: تلخيص المحصل، ص ٣٠٨؛ الرسالة السعدية، ص 46؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢٠؛ اللوامع الإلهية، ص٢٠٣.

ص:253

النتيجة:

الكلام مفهوم منتزع من العلاقة بين الله والمخاطب.

ولهذا فهو من صفات الله الفعلية.

وبما أنّ أفعال الله كلّها حادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله أيضاً حادث.

أضف إلى ذلك:

الفرق بين «صفات الله الذاتية» وبين «صفات الله الفعلية» هو: أنّ الصفات الذاتية لا يمكن اتّصاف الله بنقيضها.

فلا يُقال: الله غير عالم، أو الله غير قادر.

أمّا الصفات الفعلية فهي ممّا يمكن اتّصاف الله بها في حال واتّصافه تعالى بنقيضها في حال آخر.

فيقال: خلق الله كذا ولم يخلق كذا.

ويقال: رزق الله فلان ولم يرزق فلان.

والكلام مثل الخلق والرزق.

فيُقال: كلّم الله تعالى موسى (ع) ، ولم يكلّم فرعون.

الآيات القرآنية الدالة على حدوث كلام الله:

١- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء:٢]

٢- وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ [الشعراء: 5]

والذكر هو القرآن(1)، والمحدث بمعنى الجديد، أي: إنّ القرآن أتاهم بعد الإنجيل.

وتبيّن هاتين الآيتين بصراحة بأنّ القرآن (كلام الله تعالى) مُحدث(2)


1- قال تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر ٩] أي: إنّا نزّلنا القرآن
2- انظر: النكت الاعتقادية، ص ٢٧؛ شرح جمل العلم والعمل، ص ٩١.

ص:254

٣- وَ لَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً [الإسراء: ٨6]

فلو كان القرآن - وهو كلام الله - قديماً، لم يصح وصفه بالإذهاب والزوال.

4- وَ إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ. . . [البقرة: ٣٠]

و «إذ» ظرف زمان، والمختص بزمان معيّن مُحدَث، فنستنتج بأنّ قول الله المذكور في هذه الآية مُحدث.

5- وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى [هود: ١٧]

وما كان قبله شيء لا يكون قديماً (1)، وهذه الآية تصرّح بأنّ كلام الله في الإنجيل قبل كلام الله في القرآن، والقبلية والبعدية من علامات الحدوث، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث(2)

بصورة عامّة:

وصف الله كلامه في القرآن الكريم بالنزول (3)والتفريق(4)والجمع(5)والقراءة (6)والترتيل(7)والجعل (8)والناسخ والمنسوخ(9)و. . (10)

وجميع هذه الأمور من صفات الأشياء الحادثة، فنستنتج بأنّ كلام الله حادث.

أحاديث أهل البيت: حول حدوث كلام الله:

١- قال الإمام علي (ع) :

«يقول [تعالى] لما أراد كونه «كن» فيكون،


1- المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢١6
2- المنقذ من التقليد، ج ١، ص ٢١6
3- نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً [الإنسان: ٢٣]
4- وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ [الإسراء: ١٠6]
5- إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ [القيامة: ١٧]
6- فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: ١٨]
7- وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً [الفرقان: ٣٢]
8- إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف: ٣]
9- ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها [البقرة: ١٠6]
10- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص ٩١؛ كتاب الخلاف، ج 6، ص ١٢٢؛ تلخيص المحصّل، ص ٣٠٨؛ المنقذ من التقليد، ج ١، القول في كونه تعالى متكلّماً، ص ٢١6.

ص:255

لابصوت يَقرَع، ولا بنداء يُسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعلٌ منه، أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً»(1)

٢- سُئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : لم يزل الله متكلّماً؟ فقال (ع) :

«إنّ الكلام صفة مُحدَثة ليست بأزلية، كان الله عزّ وجلّ ولا متكلّم»(2)

٣- سئل الإمام الصادق (ع) أيضاً: لم يزل [تعالى] متكلّماً؟ فقال (ع) :

«الكلام مُحدَث، كان الله عزّ وجلّ وليس بمتكلّم، ثمّ أحدث الكلام»(3)

4- قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) حول تكلّم الله عزّ وجلّ مع النبي موسى (ع) في طور سيناء حيث سمع قومه كلام الله تعالى:

« إنّ الله عزّ وجلّ أحدثه [أي: أحدث كلامه تعالى] في الشجرة، ثمّ جعله منبعثاً منها حتّى سمعوه من جميع الوجوه»(4)

5- قال الإمام الكاظم (ع) :

«الكلام غير المتكلّم. . . وكلّ شيء سواه مخلوق»(5)

6- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وكلّ كتاب أُنزل، كان كلام الله، أنزله للعالمين نوراً وهدى، وهي كلّها مُحدَثة، وهي غير الله، حيث يقول: أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً [طه: ١١٣] وقال: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ [الأنبياء: ٢] والله أحدث الكتب كلّها التي أنزلها» (6)

موقف أهل البيت: من فتنة القول بقدم القرآن:

مرّ العالم الإسلامي في القرن الثالث بمحنة شديدة حول مسألة كون القرآن قديماً أو حادثاً، وبعبارة أخرى مخلوقاً أو غير مخلوق، ثمّ اتّخذت هذه المسألة طابعاً غير علمي، واستغلّها البعض لتكفير مخالفيهم وسفك دمائهم.


1- نهج البلاغة، ص ٣6٨، الخطبة ١٨6
2- التوحيد، ص ١٣5، ب ١١، ح ١
3- الأمالي، للشيخ الطوسي، ص ١6٨، المجلس 6، ح ٢٨٢/٣4
4- التوحيد، ص ١١٨، ب ٨، ح ٢4
5- الكافي، ج ١، ص ١٠6، ح ٧
6- الاحتجاج، ص ٣٧4، رقم ٢٨5.

ص:256

ولهذا نجد أنّ أئمة أهل البيت: منعوا أصحابهم في هذه الفترة من الخوض في هذه المسألة، واكتفوا في بياناتهم حول هذه المسألة بأنّ القرآن كلام الله عزّ وجلّ، ومن هذا الأحاديث:

١- سئل الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) : يابن رسول الله ما تقول في القرآن، فقد اختلف فيه من قِبَلنا، فقال قوم: إنّه مخلوق، وقال قوم: إنّه غير مخلوق؟

فقال (ع) :

«أمّا إنّي لا أقول في ذلك ما يقولون، ولكنّي أقول: إنّه كلام الله»(1)

٢- سئل الإمام الرضا (ع) أيضاً: ما تقول في القرآن؟ فقال (ع) :

«كلام الله لاتتجاوزوه. . .»(2)

وبعد انقضاء فترة الفتنة بيّن أئمة أهل البيت: موقفهم، وصرّحوا بحدوث القرآن- كما مرّ ذكرها- ونجد بوادر التصريح في الحديث الشريف التالي:

كتب الإمام علي بن موسى الرضا (ع) إلى بعض شيعته ببغداد:

«. . . نحن نرى أنّ الجدال في القرآن بدعة. . . وليس الخالق إلاّ الله عزّوجلّ وما سواه مخلوق. . .»(3)

أي: كلام الله غير الله تعالى، وكلّ ما هو غير الله فهو مُحدَث، فكلام الله مُحدَث.

تنبيه: الأفضل الاجتناب عن وصف القرآن بصفة «المخلوق» ؛ لأنّ «المخلوق» يأتي بعض الأحيان في اللغة العربية بمعنى «المكذوب» و «المضاف إلى غير قائله» ويُقال: هذه قصيدة مخلوقة، أي: مكذوبة على صاحبها أو مضافة إلى غير قائلها.

ومنه قوله تعالى: إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ [ص: ٧] أي: كذب.

ولهذا ينبغي الامتناع من وصف القرآن بوصف «المخلوق» فيما لو كان


1- التوحيد، ص ٢١٩، ب ٣٠، ح 5
2- المصدر، ص ٢١٨، ح ٢
3- المصدر، ص ٢١٨، ح 4.

ص:257

موهماًللمعنى السلبي، ويلزم - في هذه الحالة - الاقتصار على وصف القرآن بصفة «الحدوث»(1)

ولهذا نجد بأنّ أئمة أهل البيت: امتنعوا بعض الأحيان من وصف القرآن بصفة «المخلوق» ، منها:

١- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«القرآن كلام الله محدَث، غير مخلوق، وغير أزلي مع الله تعالى ذكره، وتعالى عن ذلك علوّاً كبيراً.

كان الله عزّ وجلّ ولا شيء غير الله معروف ولا مجهول.

كان عزّ وجلّ ولا متكلّم ولا مريد، ولا متحرّك ولا فاعل.

جلّ وعزّ ربّنا، فجميع هذه الصفات مُحدَثة، عند حدوث الفعل منه.

جلّ وعزّ ربّنا، والقرآن كلام الله غير مخلوق. . .»(2)

٢- سُئل الإمام الرضا (ع) : يابن رسول الله، أخبرني عن القرآن أخالق أو مخلوق؟ فقال (ع) :

«ليس بخالق ولا مخلوق، ولكنه كلام الله عزّ وجلّ» (3)

عقيدة الأشاعرة حول قدم كلام الله تعالى:

يعتقد الأشاعرة بوجوه:

١- كلام لفظي

٢- كلام نفسي

والكلام النفسي، هو الكلام الحقيقي.

وأمّا الكلام اللفظي فلا يعدّ كلاماً حقيقة، وإنّما هو وسيلة للإشارة إلى الكلام النفسي.

وكلام الله النفسي كلام قديم وقائم بذات الله(4)


1- انظر: التوحيد، ص ٢٢٠، ب ٣٠، ذيل ح 6؛ شرح جمل العلم والعمل، ص ٩١؛ تقريب المعارف، ص ١٠٨؛ كتاب الخلاف، ج6، ص١٢٠؛ غنية النزوع، ج ٢، ص64
2- التوحيد، ص ٢٢١، ب ٣٠، ح ٧
3- المصدر، ص ٢١٨، ح١
4- انظر: المواقف، ج ٣، صص ١٣5، ١4٢؛ شرح المقاصد، ج 4، ص ١44.

ص:258

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله (الأدلة العقليّة) :

الدليل الأوّل:

كلامه تعالى صفة لله.

وكلّ ما هو صفة لله فهو قديم.

فنستنتج بأنّ كلامه تعالى قديم(1)

يرد عليه:

ليس كلّ ما هو صفة لله فهو قديم.

بل صفات الله تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية.

والصفات الفعلية ليست قديمة، و «الكلام» من صفات الله الفعلية.

فلهذا نستنتج بأنّ كلام الله غير قديم، بل حادث.

الدليل الثاني:

يجب اتّصاف الحي بصفة الكلام، وإلاّ اتّصف بضدّها.

وضدّ الكلام هو الخرس والسكوت، وهما نقص.

والنقص على الله محال، فيلزم ثبوت أنّه تعالى لم يزل متكلّماً(2)

يرد عليه:

الهدف من الكلام إفادة الآخرين، ولا معنى للكلام من دون وجود مخاطب، والنقص على الله أن نقول بأنّه يتكلّم ولا يوجد مخاطب!

والاتّصاف بالسكوت والخرس من مختصّات من يحتاج في كلامه إلى آلة، ولكنّ الله منزّه في كلامه عن هذه الأدوات، بل كلامه نوع من أنواع أفعاله (3)

أدلة الأشاعرة على إثبات قدم كلام الله (الأدلة القرآنية) :

الدليل الأوّل:

قال تعالى: إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:4٠]


1- انظر: كتاب المواقف، ج ٣، ص ١٣٣
2- الإبانة عن أصول الديانة، ص٣٢
3- انظر: غنية النزوع، ج ٢، ص 6١.

ص:259

فلو كان القرآن (وهو كلام الله) مُحدثاً، لوجب أن يكون هذا القرآن مخاطباً بلفظة «كن» ولو كان الله قائلاً لكلامه «كن» لكان قبل كلّ كلامه كلام.

وهذا يوجب أحد أمرين:

أوّلاً: أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى ما لا نهاية.

فيستلزم هذا الأمر التسلسل، وهو باطل.

ثانياً: أن يقع كلّ كلام بكلام آخر إلى أن نصل إلى كلمة قديمة.

فيثبت أن كلام الله تعالى قديم(1)

يرد عليه:

ليس المقصود من «القول» - في هذا المقام- المخاطبة اللفظية بكلمة «كن» ، ليصح التقسيم المذكور في الدليل أعلاه؛ لأنّه لا معنى لتوجيه القول والخطاب للمعدوم.

وإنّما المقصود من «القول» هنا هو: الأمر التكويني المعبّر عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء(2)

وتستهدف هذه الآية بيان:

أوّلاً: إذا أراد الله شيئاً، فسيتحقّق هذا الشيء مباشرة من دون امتناع.

ثانياً: لا يحتاج الله في إيجاده لشيء إلى سبب يوجد له ما أراده أو يساعده في إيجاده أو يدفع عنه مانعاً(3)

ولهذا قال الإمام علي (ع) :

« يقول [تعالى] لما أراد كونه «كن» فيكون، لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه، أنشأه ومثّله، لم يكن من قبل ذلك كائناً. . .»(4)


1- انظر: الإبانة، صص ٣١ - ٣٢ وص٣٧
2- للمزيد راجع، صص 4٣٢ - 4٣٣
3- انظر: غنية النزوع، ج ٢، ص 6٣؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص٢١٨
4- نهج البلاغة، ص ٣6٨، الخطبة ١٨6.

ص:260

الدليل الثاني للأشاعرة على قدم كلام الله:

قال تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ [الأعراف: 54]

كلمة «الخلق» في هذه الآية تشمل جميع ما خلق الله، وكلمة «الأمر» في هذه الآية تدل على وجود شيء غير ما خلق الله، فيثبت بذلك وجود شيء- وهو أمر الله- غير مخلوق وغير حادث. وأمر الله هو كلامه.

فيثبت بأنّ كلام الله غير حادث، أي: قديم(1)

يرد عليه:

أوّلاً:

ليس «الأمر» في هذه الآية بمعنى «كلام الله»

بل «الأمر» في هذه الآية بمعنى التصرّف والتدبير للنظام المهيمن على العالم.

ففي قوله تعالى: لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف: 54]: «الخلق» بمعنى إيجاد ذوات أشياء العالم.

و «الأمر» بمعنى التصرّف في هذا الخلق، وتدبير النظام الحاكم على أشياء العالم(2).

قرائن تفسير «الأمر» بمعنى تدبير النظام:

قال تعالى في نفس هذه الآية: وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف: 54]

أي: والنجوم مسخّرات بتصرّفه تعالى وتدبيره.

ومن القرائن الأخرى الدالة على أنّ كلمة «الأمر» الواردة بعد كلمة «الخلق» تعني «تدبير الأمر» هو أنّ عبارة «تدبير الأمر» وردت بعد كلمة «الخلق» أو معنى «الخلق» في الآيتين التاليتين:

١- قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس: ٣]


1- انظر: الإبانة عن أصول الديانة، ص٣١
2- انظر: التبيان في تفسير القرآن، ج 4، ص 4٢٣.

ص:261

٢- قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَِجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ. . . [الرعد: ٢]

الهدف من ذكر «الأمر» بعد «الخلق» :

يستهدف قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ [الأعراف: 54] بيان أنّه تعالى بعد خلقه للعالم لم يترك تفويض تدبير نظامه لغيره، بل كما يقوم الله بخلق هذا العالم، فإنّه أيضاً يتولّى أمر تدبير نظامه والتصرّف في شؤونه.

وليس في هذه الآية أدنى إشارة أو قرينة على أنّ المقصود من الأمر هو الكلام الإلهي.

ثانياً:

لو سلّمنا بأنّ «الأمر» يعني «كلام الله» ، فإنّ إفراده عن الخلق لا يعني أنّه غير مخلوق، بل يفيد هذا الإفراد تعظيم شأنه فحسب.

مثال ذلك:

قوله تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ رُسُلِهِ وَ جِبْرِيلَ وَ مِيكالَ. . . [البقرة:٩٨]

فإفراد ذكر جبريل وميكال من الملائكة لا يدل أنّهما خارجان عن دائرة الملائكة، بل يفيد إفرادها تعظيم شأنهما فحسب (1)

أضف إلى ذلك:

لو سلّمنا بأنّ «الأمر» يعني كلام الله، فقوله تعالى: وَ كانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً [الأحزاب: ٣٧] دالّ على حدوث كلام الله؛ لأنّ المفعول من صفات المُحدث(2)

الدليل الثالث للأشاعرة على قدم كلام الله:

قال تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً [الكهف: ١٠٩]


1- انظر: غنية النزوع، ج ٢، صص 6٣ و 64
2- التبيان في تفسير القرآن، ج ٨، ص ٣45.

ص:262

فلمّا لم يجز أن تنفد كلمات الله صح أنّه لم يزل متكلّماً(1)

يرد عليه:

بيان نفاد البحر قبل نفاد كلمات الله لا يعني أزلية هذه الكلمات، بل غاية ما تدلّ هذه الآية: أنّ سعة كلمات الله أعظم من سعة البحر لو كان مداداً لكتابة هذه الكلمات.

والآية في الواقع بصدد بيان عظمة مقدورات وحكمة وعجائب الله تعالى(2)

الدليل الرابع للأشاعرة على قدم كلام الله:

قال تعالى: إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ [المدثر: ٢5]

قال أبو الحسن الأشعري: «فمن زعم أنّ القرآن مخلوق فقد جعله قولاً للبشر، وهذا ما أنكره الله على المشركين»(3)

يرد عليه:

١- ما أنكره الله على المشركين أنّهم قالوا بأنّ هذا القرآن ليس من عند الله، بل هو مما جاء به النبي محمّد (ص) من نفسه، فجاءت هذه الآية على مقولتهم هذه.

٢- ورد في الإشكال بأنّ من يعتقد بأنّ القرآن مخلوق - أي: مُحدث - فقد جعله قولاً للبشر، ولكن الذي يعتقد بأنّ القرآن مخلوق، فإنّه لا يجعله قولاً مخلوقاً للبشر، بل يجعله قولاً مخلوقاً لله تعالى.

تنبيه: يصح اعتبار صفة «التكلّم» لله صفة قديمة بمعنيين:

١- قدرته تعالى على إيجاد الأصوات والحروف لمخاطبة الآخرين.

٢- علمه تعالى بما سيوجد من الأصوات والحروف لمخاطبة الآخرين.

وأمّا إذا اعتبرنا «التكلّم» بمعنى خلقه تعالى للأصوات والحروف، فستكون هذه الصفة لله حادثة، وتكون من صفات الله الفعلية كالخالقية والرازقية.


1- انظر: الإبانة عن أصول الديانة، ص٣٢
2- انظر: مجمع البيان، ج 6، ص ٧٧٠
3- الإبانة عن أصول الديانة، ص ٣٢.

ص:263

المبحث السادس: صدق كلام الله تعالى

الكلام المتّصف بالصدق هو الكلام المطابق للواقع.

وضدّه الكلام المتّصف بالكذب وهو الكلام المخالف للواقع(1)

دليل وصفه تعالى بالصدق:

الكذب قبيح، والله تعالى منزّه عن ذلك.

ومن أسباب قبح الكذب أنّه يؤدّي إلى رفع الوثوق بإخبار الله وعدم الصدق بوعده ووعيده، فينتفي بذلك فائدة التكليف، ويترتّب على ذلك الكثير من المفاسد(2)

الآيات القرآنية المشيرة إلى صدق كلام الله:

١- وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء: ٨٧]

٢- وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً [النساء: ١٢٢]

٣- وَ أَتَيْناكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّا لَصادِقُونَ [الحجر: 64]


1- انظر: المعجم الوسيط، مادة صدق و كذب
2- انظر: مناهج اليقين، ص ١٩4؛ إرشاد الطالبين، ص ٢٢١.

ص:264

ص:265

الفصل الخامس عشر: صفات اللّه الخبرية

اشاره

* التعريف بالصفات الخبرية

* أهم الأقوال حول تفسير صفات الله الخبرية

المشبّهة

الأشاعرة

المعطّلة

المؤوّلة

الإمامية

* بيان المعاني المقصودة من الصفات الخبرية

ص:266

ص:267

المبحث الأوّل: التعريف بصفات الله الخبرية

صفات الله الخبرية هي الصفات التي لم يتمّ إثباتها إلاّ عن طريق إخبار الكتاب والسنّة، وهي التي يؤدّي الأخذ بظاهرها العرفي إلى التجسيم والتشبيه.

نماذج من صفات الله الخبرية:

١- الوجه: فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة: ١١5]

٢- العين: وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَ وَحْيِنا [هود: ٣٧]

٣- اليد: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠]

4- اليمين: وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 6٧]

5- القبضة: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: 6٧]

6- الساق: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: 4٢]

٧- الجنب: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]

٨- النفس: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة: ١١6]

٩- الروح: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: ٢٩]

١٠- المجيء: وَ جاءَ رَبُّكَ [الفجر: ٢٢]

١١- العرش: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5]

١٢- الكرسي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [البقرة: ٢55]

١٣- اللقاء: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: 46]

١4- القرب: فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ [البقرة: ١٨6]

ص:268

١5- الرضا والغضب: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة: ١١٩]، غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: 6]

١6- السخرية والاستهزاء والمكر والخداع: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: ٧٩]، اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15]، وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمران:54]، يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ [النساء: 142]

١٧- النسيان: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 6٧]

١٨- النور: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ [النور: ٣5]

المبحث الثاني: أهم الأقوال حول تفسير صفات الله الخبرية

١- قول المشبّهة:

الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها مع التشبيه:

(أي: إثبات هذه الصفات لله مع تشبيهها بصفات الإنسان) .

٢- قول الأشاعرة:

الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها لله بعد سلب كيفيتها.

(أي: إثبات هذه الصفات لله بعد انتزاع كيفيتها من مفهومها) .

٣- قول المعطّلة:

تعطيل العقل في مجال فهم معنى هذه الصفات، وتفويض معناها إلى الله تعالى.

(أي: إنّ الإنسان غير مكلّف بفهم معاني هذه الصفات، بل تكليفه هو الإيمان بلفظها فحسب) .

4- قول المؤوّلة:

عدم الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها مع التأويل.

(أي: إثباتها وتأويل معناها إلى المعنى المنسجم مع تنزيه الله) .

5- قول الإمامية:

عدم الأخذ بظواهر هذه الصفات وإثباتها على نحو المجاز من غير تأويل.

ص:269

(أي: حمل هذه الصفات على معانيها اللغوية من باب الكناية عن مفاهيم عالية لا من باب التأويل) .

القول الأوّل (قول المشبّهة) : تشبيه صفات الله بصفات الإنسان

يذهب أصحاب هذا القول إلى الأخذ بظواهر الصفات الخبرية، وإثباتها لله مع تشبيهها بصفات الإنسان.

ومن هذا المنطلق جوّز هؤلاء الانتقال والنزول والصعود والاستقرار المادي والملامسة والمصافحة لله؛ لأنّهم يتمسّكون بظواهر هذه الصفات ويفهمون منها ما يفهم عند إطلاقها على الأجسام(1)

موقف أهل البيت: من المشبّهة:

١- قال رسول الله (ص) : ما عَرَف الله من شبّهه بخلقه(2)

٢- قال الإمام علي (ع) :

«اتّقوا أن تمثّلوا بالربّ الذي لا مثل له، أو تشبّهوه من خلقه، أو تلقوا عليه الأوهام، أو تعملوا فيه الفكر، وتضربوا له الأمثال، أو تنعتوه بنعوت المخلوقين. . .»(3)

٣- كان الإمام زين العابدين (ع) ذات يوم في مسجد رسول الله (ص) إذ سمع قوماً يُشبِّهون الله تعالى بخلقه، ففزع لذلك وارتاعَ له، ونهض حتّى أتى قبر رسول الله (ص) فوقف عنده ورفع صوته يناجي ربّه، فقال في مناجاته:

«إلهي بدت قدرتُك ولم تبدُ هيئةٌ فجهلوك وقدّروك بالتقدير على غير ما به أنت، شبّهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك. . .»(4).

4- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . تعالى عمّا يصفه الواصفون المشبّهون الله بخلقه المفترون على الله»(5)


1- انظر: الملل والنحل، ج ١، صص ٩٢ و ١٠5 و ١٠6
2- التوحيد، ص 4٨، ب ٢، ح ١٠
3- بحار الأنوار، ج ٣، ص ٢٩٨، ب ١٣، ح ٢5
4- الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، ج ٢، ص ١5٣
5- الكافي، ج ١، ص ١٠٠، ح ١.

ص:270

5- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«إنّه من يصف ربّه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس، مائلاً عن المنهاج، ظاعناً في الاعوجاج، ضالاًّ عن السبيل، قائلاً غير جميل، أعرفه بما عرّف به نفسه من غير رؤية، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس معروف بغير تشبيه. . .» (1)

6- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

« إنّ للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب:

١- مذهب إثبات بتشبيه.

٢- ومذهب النفي.

٣- ومذهب إثبات بلا تشبيه.

فمذهب الإثبات بتشبيه لا يجوز.

ومذهب النفي لا يجوز.

والطريق في المذهب إثبات بلا تشبيه»(2)

القول الثاني (قول الأشاعرة) : الأخذ بالظاهر وإثباتها بعد سلب كيفيتها

يذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ الصفات الخبرية ثابتة لله بالمعنى المتبادر منها عرفاً، وأنّ لله وجهاً وعيناً ويداً و. . . ولكن كيفية هذه الصفات مغايرة لكيفية صفاتنا.

فله تعالى وجه، ولكنّه ليس كوجوهنا.

وله تعالى عين، ولكنّها ليست كأعيننا.

وله تعالى يد، ولكنّها ليست كأيدينا.

وله تعالى نزول، ولكنّه ليس كنزولنا.

قال أبو الحسن الأشعري: «إنّ له سبحانه وجهاً بلا كيف. . . وأنّ له سبحانه يدين بلا كيف. . . وأنّ له سبحانه عينين بلا كيف»(3)


1- بحار الأنوار، ج ٣، ص ٢٩٧، ب ١٣، ح ٢٣
2- التوحيد، ص ٩٨، ب 6، ح ١٠
3- الإبانة عن أصول الديانة، ص٣6.

ص:271

يرد عليه:

إنّ «الوجه» و «العين» و «اليد» وغيرها من الصفات الخبرية عبارة عن ألفاظ وضعت لأشياء لها كيفية خاصّة.

ولا يصح استعمال هذه الألفاظ في موارد وإثبات معانيها بلا كيفية.

لأنّ «الكيفية» هي المقوّمة والمثبتة للمعنى، فإذا حُذفت الكيفية فستكون الألفاظ من ناحية المعنى مبهمة ومجهولة، وما هو مبهم ومجهول غير صالح للدلالة على شيء أو حقيقة.

توضيح ذلك:

إنّ القول بأنّ لله تعالى يداً حقيقية ولكنّها بلا كيف، كلام متناقض؛ لأنّ اليد الحقيقية لها كيفية معلومة، وحذف الكيفية حذف لحقيقتها، فيكون لفظ «اليد» بعد حذف الكيفية لفظاً غير مفهوم وغير معقول، فلا يمكن جعل هذا اللفظ وسيلة للإشارة إلى حقيقة معيّنة؛ لأنّ اللفظ المبهم لا يصلح لذلك (1)

تنبيه: إن انتزاع «الكيفية» من اللفظ يجعل اللفظ غير مفهوم وغير معقول، ولا يصح هذا الانتزاع في جميع الأحوال حتّى في الكناية والاستعارة، ففي هذه الحالات أيضاً يُستعمل اللفظ مع كيفيته، ولكن يكون استعماله في غير ما وضع له، ويكون إطلاقه مع كيفيته على نحو المجاز.

القول الثالث (قول المعطّلة) : تعطيل العقل في فهم الصفات

يذهب أصحاب هذا القول إلى لزوم تعطيل العقل في مجال إمعان النظر في صفات الله الخبرية، ويقولون بأنّ معنى هذه الصفات غير معلوم لنا، ونحن غير مكلّفين بفهم معناها، وليس علينا سوى الإيمان بألفاظها فقط وتفويض أمر معناها إلى الله تعالى (2)

دليل ذلك:

آيات الصفات الخبرية من المتشابهة، وقد نهى الله عن تأويلها، وأمر العباد


1- انظر: شرح جمل العلم والعمل، ص ٧4؛ المسلك في أصول الدين، صص 5٧ - 5٨
2- انظر: الملل والنحل، ج ١، صص ٩٢ و ١٠4.

ص:272

بالإيمان بها فقط، فقال تعالى:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا [آل عمران: ٧]

ومن هذا المنطلق يجب الاجتناب عن التعرّض لفهم معنى هذه الصفات، وتفويض أمر معناها إلى الله تعالى.

يرد عليه:

صفات الله الخبرية ليست من الآيات المتشابهة؛ لأنّ الإنسان يستطيع أن يصل إلى معانيها عن طريق فهمه للمجاز والكناية والاستعارة في اللغة العربية، ولا يخفى بأنّ معرفة ظواهر الكتاب عن طريق معرفة ضوابط اللغة العربية ومعرفة كيفية التعامل مع المجازات والاستعارات والكنايات يعدّ نوعاً من أنواع البحث الذي من شأنه إيصال الباحث إلى العلم القطعي.

القول الرابع (قول المؤوّلة) : تأويل الصفات بصورة تنسجم مع تنزيه الله

يذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ الالتزام بظاهر صفات الله الخبرية يؤدّي إلى التجسيم والتشبيه فلا سبيل سوى صرف ظاهر هذه الصفات إلى خلاف الظاهر، وتأويل هذه الصفات إلى معان تنسجم مع تنزيه الله تعالى (1)

تنبيه: التمسّك بالتأويل لا يكون إلاّ في حالات الاضطرار، ولا يوجد هذا الاضطرار في فهم معنى الصفات الخبرية فيما لو كان لهذه الصفات في اللغة العربية- إضافة إلى المعاني الحسيّة- معان أخرى تنسب إليها من غير تأويل، وسنوضّح هذا الأمر في القول اللاحق.

القول الخامس (قول الإمامية) : الأخذ بالمعاني المجازية

يذهب أصحاب هذا القول إلى أنّ الصفات الخبريّة كما لها معان ظاهرية


1- انظر: إرشاد الطالبين، ص ٢٣٠.

ص:273

وحسيّة لا يمكن نسبتها إلى الله تعالى، فإنّ لها أيضاً معان أخرى مجازية يعرفها العربي من غير تأويل ولا محاولة تفسير.

والكلمات المتضمّنة للمعاني المجازية بلا تأويل كثيرة ومتعارفة جدّاً في اللغة العربية.

مثال ذلك:

إنّ كلمة «اليد» كما تطلق على اليد الحسيّة التي يحمل بها الإنسان الأشياء، فإنّها تطلق أيضاً على معنى «القدرة والسيطرة» .

ويمكن عند ذكر كلمة «اليد» فهم المعنى المقصود من خلال ملاحظة القرائن الموجودة، فإذا قيل: حمل الأمير الحقيبة بيده، فالمقصود واضح بأنّه حملها بيده الحسيّة، وإذا قيل: البلد في يد الأمير، فالمقصود أنّ البلد تحت سيطرة الأمير وقدرته، وليس هذا المعنى الثاني على نحو التأويل والتفسير على خلاف ظاهرها، بل هذا المعنى ثابت لها بالوضع في اللغة العربية.

مثال آخر:

كلمة «الأسد» كما تطلق على «الحيوان المفترس» ، فإنّها تطلق أيضاً على «الإنسان الشجاع» ، والسبيل للتمييز بين هذين المعنيين هو لحاظ القرائن، فإذا قال أحد الأشخاص: رأيت أسداً في حديقة الحيوانات، فإنّه يتبادر إلى الذهن «الحيوان المفترس» ولكنّه إذا قال: رأيت أسداً يرمي، فإنّ المتبادر من كلمة الأسد مع لحاظ قرينة يرمي هو «الإنسان الشجاع» .

تنبيه: الملاحظة المهمّة التي ينبغي الالتفات إليها في المثال السابق هي أنّ ثبوت معنى «الإنسان الشجاع» للفظ «الأسد» ثبوت «مجازي» متعارف في اللغة العربية، وليس هو من قبيل «التأويل» أو «التفسير على خلاف ظاهر الكلمة» .

المبحث الثالث: بيان المعاني المقصودة من الصفات الخبرية

١- الوجه

أوّلاً: «الوجه» إشارة إلى ذات الشيء(1)


1- انظر: أمالي المرتضى: ج١، ص5٩١؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص ١٠٨؛ المسلك في أصول الدين، ص6١.

ص:274

قال تعالى: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ * وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ [الرحمن: ٢6- ٢٧]

أي: تبقى ذات الله وحقيقته، وكلّ شيء ما سوى الله فان.

ثانياً: «وجه الله» إشارة إلى ما يتوجّه به إلى الله تعالى(1)

قال تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص: ٨٨]

أي: كلّ شيء من أعمال العباد هالك وباطل إلاّ ما أريد به الله تعالى، فإنّ ذلك يبقى ثوابه(2)

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) حول هذه الآية:

«. . . كلّ شيء هالك إلاّ دينه والوجه الذي يؤتى منه»(3)

وقال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول هذه الآية:

«كلّ شيء هالك إلاّ من أخذ طريق الحق» (4)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول هذه الآية:

«وجه الله أنبياؤه ورسله وحججه صلوات الله عليهم، هم الذين بهم يتوجّه إلى الله وإلى دينه ومعرفته»(5)

تنزيه الله تعالى عن الصورة:

إنّ الله تعالى منزّه عن الصورة.

وأمّا في الحديث المروي عن رسول الله (ص) :

«إنّ الله خلق آدم على صورته» . فقد بيّن أئمة أهل البيت: حقيقة هذا الحديث من زاويتين مختلفتين:

١- قال أحد الأشخاص للإمام الرضا (ع) :

«يابن رسول الله، إنّ الناس يروون أنّ رسول الله (ص) قال: إنّ الله خلق آدم على صورته.


1- انظر: الاعتقادات في دين الإمامية، ص 5؛ أمالي المرتضى: ج١، ص5٩١
2- انظر: أمالي المرتضى: ج١، ص5٩٢؛ مجمع البيان، ج ٧، ص 4٢١
3- التوحيد، ص ١44، ب ١٢، ح ١
4- المصدر، ح ٢
5- المصدر، ص ١١4، ب ٨، ح ٢١.

ص:275

فقال (ع) : قاتلهم الله، لقد حذفوا أوّل الحديث، إنّ رسول الله (ص) مرّ برجلين يتسابّان، فسمع أحدهما يقول لصاحبه: قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك، فقال (ص) : يا عبدالله، لا تقل هذا لأخيك، فإنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته»(1)

٢- سُئل الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) حول حديث:

«إنّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته» .

فقال (ع) : هي صورة محدثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على ساير الصور المختلفة، فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه، فقال: بَيْتِيَ [البقرة: ١٢5] وقال: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر:29](2)

تتمة:

١- سأل نصراني الإمام علي (ع) : أخبرني عن وجه الربّ تبارك وتعالى؟

فدعا علي (ع) بنار وحَطَب فأضرمه، فلمّا اشتعلت، قال علي (ع) : أين وجه هذه النار؟

قال النصراني: هي وجه من جميع حدودها.

قال علي (ع) : هذه النار مدبّرة مصنوعة لا يعرف وجهها، وخالقها لا يشبهها، ولله المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله. . .»(3)

٢- إنّ «وجه الله» في قوله تعالى: نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ [الإنسان: ٩] يعني موجّهاً إلى الله تعالى بإخلاص ومن دون رياء أو شائبة(4)

٢- العين:

العين كناية عن الرعاية والحفظ والإشراف والحماية.

قال تعالى: وَ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا [هود: ٣٧]


1- التوحيد، صص ١4٧ - ١4٨، ب ١٢، ح ١١
2- المصدر، ص١٠٠، ب 6، ح ١٨
3- المصدر، ص ١٧٧، ب ٢٨، ح ١6
4- انظر: مجمع البيان، ج ١٠، ص 6١٧.

ص:276

أي: واصنع الفلك في ظلّ إشرافنا ورعايتنا وحمايتنا(1)

وقال تعالى: وَ اصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا [طور: 4٨]

أي: واصبر لحكم ربّك فإنّك في ظلّ عنايتنا وحفظنا ورعايتنا(2)

٣- اليد:

المعنى الأوّل: اليد تعني «القوّة» و «القدرة»

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«اليد في كلام العرب القوّة والنعمة، قال [تعالى]: وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ [ص: ١٧] [أي: ذا القوّة]، وقال [تعالى]: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ [الذاريات: 4٧] أي: بقوّة» (3)

قال تعالى: يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح: ١٠]

أي: قوّة الله وقدرته أعلى وأقوى من قوّتهم وقدرتهم (4)

قال تعالى: يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: ٧5]

أي: لما خلقت بقوّتي وقدرتي(5)

المعنى الثاني: اليد تعني النعمة(6)

«غل اليد» يعني البخل والتقتير.

و «بسط اليد» يعني البذل والجود.

قال تعالى: قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ. . . بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ [المائدة: 64]


1- انظر: اللوامع الإلهية، ص ١٧٣
2- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٠٧
3- التوحيد، ص ١4٨، ب ١٣، ح ١
4- انظر: اللوامع الإلهية، ص ١٧٣
5- انظر: أمالي المرتضى: ج ١، صص 565 - 566؛ وقيل: «اليد» في هذه الآية كناية عن النفس، أي: ما منعك أن تسجد لما خلقت أنا. وهذا نظير قوله تعالى: فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى: ٣٠] أي: بما كسبتموه أنتم؛ لأنّه ليس كلّ ما اكتسبوه من ذنوب كان بأيديهم؛ انظر: أمالي المرتضى، ج١، ص 565؛ المنقذ من التقليد، ج١، ص ١٠٧؛ وقيل: «خلقت بيدي» تعني: تولّيت خلقه أي: خلق آدم ع بنفسي من غير واسطة؛ انظر: مجمع البيان، ج ٨، ص ٧5٧
6- قيل: أطلقت كلمة «اليد» على «النعمة» ؛ لأنّ اليد آلة إعطاء النعمة؛ انظر: اللوامع الإلهية، ص١٧٣.

ص:277

أي: قالت اليهود بأنّ الله تعالى بخيل ويقتّر الأرزاق على العباد.

فردّ الله تعالى عليهم: بل يداه(1)مبسوطتان، أي: إنّه تعالى في غاية الجود والبذل والسخاء.

تنبيه: إنّ أخذ عبارة «غل اليد» بمعنى البخل، و «بسط اليد» بمعنى البذل في هذه الآية يشبه قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً [الإسراء: ٢٩]

4- اليمين:

اليمين تعني القدرة والقوّة

قال تعالى: وَ السَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 6٧]

أي: السماوات مطويّات بقدرته وقوّته.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول هذه الآية:

«اليمين: اليد، واليد: القدرة والقوّة، يقول عزّ وجلّ: والسماوات مطويّات بقدرته وقوّته»(2)

5- القبضة:

القبضة تعني الملك.

قال تعالى: وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: 6٧]

أي: الأرض جميعاً ملكه يوم القيامة.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول هذه الآية:

«يعني [الأرض جميعاً ]ملكه لا يملكها معه أحد»(3)


1- وردت لفظة اليد على نحو التثنية، وسبب ذلك: ١ - مبالغة في الجود والإنعام؛ لأنّ ذلك أبلغ من أن يقول: بل يده مبسوطة. ٢ - المراد هي النعم الدنيوية والنعم الأخروية أو النعم الظاهرية والنعم الباطنية. وإذا ذهبنا إلى أنّ معنى اليد في هذه الآية هو «القوّة» فيكون المراد من تثنية لفظ اليد هو الإشارة إلى أنّ قوّة الله تعالى مبسوطة في إثابة العباد وعقابهم بخلاف قول اليهود الذين قالوا بأنّ يد الله مقبوضة عن عذابنا. انظر: مجمع البيان، ج ٣، ص ٣4٠
2- التوحيد، ص ١5٧، ب ١٧، ح ٢
3- المصدر.

ص:278

6- الساق:

المعنى الأوّل: الساق كناية عن شدّة الأمر(1)

قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: 4٢]

أي: يوم القيامة يوم الشدّة والأهوال.

قال الشيخ المفيد حول هذه الآية: «يريد به يوم القيامة يكشف فيه عن أمر شديد صعب عظيم، وهو الحساب والموافقة على الأعمال، والجزاء على الأفعال، وظهور السرائر، وانكشاف البواطن. . . فعبّر بالساق عن الشدّة» (2)

قال الشريف الرضي حول سبب استعمال العرب «الساق» كناية عن الشدّة: «لأنّ من عادة الناس أن يشمّروا عن سوقهم عند الأمور الصعبة»(3)

وقد ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول هذه الآية:

«أُفحِم القوم (4)ودخلتهم الهيبة، وشخصت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة. . .» (5)

المعنى الثاني: الساق إشارة إلى حجاب من نور.

قال تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ [القلم: 4٢]

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول هذه الآية:

«حجاب من نور يكشف»(6)

٧- الجنب:

جنب الله كناية عمّا هو قريب من الله، من قبيل: رسوله، وأوليائه، وما فيه مرضاته، وبصورة عامّة يمكن القول بأنّ جنب الله يعني طاعته تعالى(7)


1- انظر: الاعتقادات، ص 5
2- تصحيح اعتقادات الإمامية، صص ٢٨ - ٢٩
3- المسلك في أصول الدين، ص 6٢
4- الإفحام يعني الإسكات بالحجّة. t المنجد في اللغة: مادة فحم ، ص 5٧١
5- التوحيد، الشيخ الصدوق، ص ١5٠، ب ١4، ح ٢
6- المصدر، ص ١4٩، ح ١
7- انظر: التوحيد، صص ١6٠ - ١6١، ب ٢٢، ذيل ح ٢.

ص:279

قال تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ [الزمر:56]

أي: على ما فرّطت في اتّباع رسول الله واتّباع السبيل الذي أمرني بالتمسّك به من بعده، أو بصورة عامّة على ما فرّطت في طاعة الله عزّ وجلّ.

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«معنى جنب الله، أنّه ليس بشيء أقرب إلى الله من رسوله، ولا أقرب إلى رسوله من وصيّه، فهو في القرب كالجنب، وقد بيّن الله تعالى ذلك في كتابه بقوله: (أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت في جنب الله) يعني في ولاية أوليائه»(1)

٨- النفس:

النفس تعني ذات الشيء.

قال تعالى: تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ [المائدة: ١١6]

أي: تعلم ما أغيّبه ولا أعلم ما تغيّبه(2)

أي: يحذّركم الله إيّاه من عقابه.

ويحتمل أن يكون المقصود من ذكره تعالى لنفسه:

أن يحذّر العباد من العقاب الذي يأتي من قبله ويصدر عن أمره لا العقاب الذي يصدر من غيره؛ لأنّ العقاب الذي يصدر مباشرة من الله تعالى يكون أبلغ تأثيراً وأشدّ ألماً(3)

٩- الروح:

الروح عبارة عن مخلوق اصطفاه الله ونسبه إلى نفسه تكريماً له، كما نسب إلى نفسه بعض الأشياء المخلوقة، فقال: عبدي، جنّتي، ناري، سمائي وأرضي(4)

قال تعالى: وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: ٢٩]


1- بحار الأنوار، ج 4، أبواب تأويل الآيات، باب ١
2- انظر: الاعتقادات، ص ٧
3- انظر: حقائق التأويل، ص ٧٨
4- انظر: الاعتقادات، ص 5.

ص:280

قال الإمام محمّد بن على الباقر (ع) حول هذه الآية: «روح اختاره الله واصطفاه وخلقه وأضافه إلى نفسه وفضّله على جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم»(1)

وقال (ع) في حديث آخر أيضاً:

«. . . وإنّما أضافه إلى نفسه؛ لأنّه اصطفاه على سائر الأرواح كما اصطفى بيتاً من البيوت، فقال: بيتي، وقال لرسول من الرسل: خليلي، وأشباه ذلك، وكلّ ذلك مخلوق مصنوع محدَث مربوب مدبَّر»(2)

١٠- المجيء والإتيان:

نسبة المجيء والإتيان إلى الله تكون بعد حذف شيء مضاف إلى الله تعالى، وهذا الحذف أمر متعارف في اللغة العربية.

قال تعالى: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر: ٢٢]

أي: وجاء أمر ربّك(3)، كما قال تعالى في آية أخرى: يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ [النحل:٣٣]

وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول هذه الآية:

«إنّ الله عزّ وجلّ لايوصف بالمجيء والذهاب، تعالى عن الانتقال، إنّما يعني بذلك وجاء أمر ربّك. . .»(4)

وقال تعالى: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ [البقرة: ٢١٠]

أي: أن يأتيهم عذاب الله(5)، أو يأتيهم وعده ووعيده (6)


1- التوحيد، ص ١66، ب ٢٧، ح ١
2- المصدر، ص ١6٧، ح ٣
3- انظر: الاعتقادات، ص 6
4- التوحيد، ص ١5٨، ب ١٩، ح ١
5- انظر: الاعتقادات، ص 6
6- انظر: المنقذ من التقليد، ج ١، ص ١٠6

ص:281

١١- العرش:

قال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5]

ما هو عرش الله؟

قال الإمام علي (ع) :

«ليس العرش كهيئة السرير، ولكنّه شيء محدود، مخلوق، مدبّر، وربّك عزّ وجلّ مالكه. . . وأمر الملائكة بحمله، فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه»(1)

متى خلق الله العرش؟

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«إنّ الله تبارك وتعالى خلق العرش. . . قبل خلق السماوات والأرض» (2)

لماذا خلق الله العرش؟

قال الإمام علي (ع) :

«إنّ الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته، لا مكاناً لذاته»(3)

ويجد المتأمّل في الآيات القرآنية التي ورد فيها نسبة «العرش» إلى الله أنّه تعالى ذكر مسألة تدبير شؤون الخلق في العديد من هذه الآيات بعد ذكر استوائه على العرش.

قال تعالى: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [يونس: ٣]

وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ. . . يُدَبِّرُ الْأَمْرَ [الرعد: ٢]

وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ. . . مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة: 4- 5]

فنستنتج بأنّ العرش مخلوق جعله الله تعالى المنطلق لتدبير شؤون خلقه.


1- التوحيد، ص ٣٠٩، ب 4٨، ح ٣
2- المصدر، ص ٣١٣، ب 4٩، ح ٢
3- الفرق بين الفرق، البغدادي، ص ٢٠٠؛ نقلاً عن الإلهيات، ج٢، ص ١١٨.

ص:282

معنى استواء الله على العرش:

الاستواء يعني استقرار شيء على شيء، كما أنّه كناية عن الاستيلاء والهيمنة والسيطرة والسيادة(1)، وبما أنّ الله تعالى منزّه عن الاستقرار المكاني فيلزم الأخذ بالمعنى المجازي.

قال تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: 5]

أي: الرحمن على العرش استولى وهيمن وسيطر عليه؛(2)ليدبّر من خلال ذلك أمور خلقه.

أحاديث أهل البيت: حول استواء الله على العرش:

١- قال الإمام علي (ع) :

«. . . لا أنّه عليه ككون الشيء على الشيء. . .» (3).

٢- قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«. . . لا يوصف بالكون على العرش؛ لأنّه ليس بجسم، تعالى الله عن صفة خلقه علوّاً كبيراً. . .»(4)

٣- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«من زعم هذا [أي: من زعم أنّ الربّ فوق العرش] فقد صيّر الله محمولاً، ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أنّ الشيء الذي يحمله أقوى منه. . .»(5)

4- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . هو مستول على العرش، بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له، ولا أنّ العرش محلّ له. . . ونفينا أن يكون العرش. . . حاوياً له، وأن يكون عزّ وجلّ محتاجاً إلى مكان أو إلى شيء مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه»(6)

5- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) حول قوله تعالى: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى :

«استوى من كلّ شيء، فليس شيء أقرب إليه من شيء»(7)


1- انظر: مفردات ألفاظ القرآن، ص 4٣٩
2- انظر: التوحيد، صص٣١٠- ٣١١؛ غنية النزوع، ج٢، ص4٨؛ المسلك في أصول الدين، ص6٣
3- التوحيد، ص ٣٠٩، ب 4٨، ح ٣
4- المصدر، ص ٣١٣، ب 4٩، ح ٢
5- المصدر، ص ٣١٢، ح ١
6- بحار الأنوار، ج ٣، صص ٢٩ - ٣٠، ب ٣، ح ٣
7- التوحيد، ص ٣٠٨، ب 4٨، ح ١.

ص:283

١٢- الكرسي:

المعنى الأوّل: الكرسي المنسوب إلى الله عبارة عن وعاء محيط بالسماوات والأرض.

قال تعالى: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [البقرة: ٢55]

أي: الكرسي مخلوق إلهي محيط بالسماوات والأرض.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«خلق [الله تعالى] الكرسي فحشاه السماوات والأرض، والكرسي أكبر من كلّ شيء خلقه الله، ثمّ خلق العرش فجعله أكبر من الكرسي(1)

وعنه (ع) أيضاً:

«كلّ شيء خلقه الله في جوف الكرسي ما خلا عرشه، فإنّه أعظم من أن يحيط به الكرسي»(2)

المعنى الثاني: الكرسي في اللغة العربية له معنيان:

أوّلاً: السرير: قال تعالى في قصّة سليمان: وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً [ص: ٣4]

ثانياً: العلم(3)، ولهذا يقال للصحيفة المتضمّنة للعلم المكتوب: كراسة(4)

قال تعالى: يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ لا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ [البقرة: ٢55]

سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) عن قول الله عزّ وجلّ: (وسع كرسيه السماوات والأرض) قال (ع) : هو علمه(5)

١٣- اللقاء:

اللقاء بشخص عظيم يعني الدخول تحت حكمه وقهره.

قال تعالى: إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ [البقرة: 46]


1- الاحتجاج، ج ٢، ص ٢5٠، رقم ٢٢٣
2- المصدر، ص ٢4٩
3- انظر: لسان العرب، ج ١٢، ص 6٨
4- انظر: جامع البيان، ج ٣، ص ١5
5- التوحيد، ص ٣١٩، ب 5٢، ح ١.

ص:284

وقال تعالى: يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ [التوبة: ٧٧]

فيحتمل في معنى اللقاء في هاتين الآيتين:

أوّلاً: إنّهم سيكونون يوم القيامة تحت حكم الله وقهره.

ثانياً: في الكلام حذف مضاف، أي: إنّهم ملاقوا جزاء ربّهم(1)

١4- القرب:

القرب بالنسبة إلى الله يعني القرب بالعلم والقدرة، ولا يمكن نسبة القرب المكاني والزماني إلى الله؛ لأنّه تعالى منزّه عن ذلك.

قال تعالى: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق: ١6]

أي: نحن أقرب إليه بالعلم والإحاطة والإشراف والسمع والبصر(2)

١5- الرضا والغضب:

قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ [المائدة: ١١٩]

وقال تعالى: غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ [الفتح: 6]

سبب تنزيه الله تعالى عن الرضا والغضب الانفعالي:

١- سُئل الإمام الصادق (ع) عن الله تبارك وتعالى أله رضا وسخط؟ فقال (ع) : نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، وذلك أنّ الرضا والغضب دِخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال، مُعتَمَل(3)، مركّب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد، أحدي الذات، وأحدي المعنى. . .»(4)

٢- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . إنّه إذا دخله الضجر والغضب دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الإبادة، ولو كان ذلك


1- انظر: اللوامع الإلهية، ص ١٧٨
2- انظر: التبيان في تفسير القرآن، ج٩، ص٣64
3- معتمل يعني منفعل يتأثّر من الأشياء
4- التوحيد، ص ١65، ب ٢6، ح ٣.

ص:285

كذلك لم يعرف المكوِّن من المكوَّن، ولا القادر من المقدور، ولا الخالق من المخلوق، تعالى الله عن هذا القول علوّاً كبيراً»(1)

٣- قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) حول غضب الله تعالى:

«من زعم أنّ الله عزّ وجلّ زال من شيء إلى شيء فقد وصفه صفة مخلوق، إنّ الله عزّ وجلّ لايستفزّه شيء ولا يغيّره»(2)

4- قال الإمام علي (ع) :

«يحبّ ويرضى من غير رقّة، ويبغض ويغضب من غير مشقّة»(3)

المقصود من الرضا والغضب المنسوب إلى الله تعالى:

١- قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . فرضاه ثوابه وسخطه عقابه من غير شيء يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلى حال، فإنّ ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالى القويّ العزيز الذي لا حاجة به إلى شيء مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه»(4)

٢-

سئل الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) : يابن رسول الله أخبرني عن الله عزّ وجلّ هل له رضا وسخط؟

فقال (ع) : نعم، وليس ذلك على ما يوجد من المخلوقين، ولكنّ غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

النتيجة:

صفة الرضا والغضب تتضمّن معنى التغيير والانفعال، وبما أنّ الله منزّه عن هذه المعاني، فيلزم أن يكون إطلاق هذه الصفات عليه تعالى من باب المجاز، وتكون هذه الصفات كناية عن ثوابه وعقابه.

تنبيه : إذا تعلّق رضا الله وغضبه بالمكلَّف فالمقصود إثابة الله وعقابه. ولكن إذا تعلّق رضا الله وغضبه بأفعال العباد فالمقصود يكون الأمر والنهي.


1- التوحيد، صص ١64 - ١65، ح ٢
2- المصدر، ص ١64، ح ١
3- نهج البلاغة، صص ٣6٧ - ٣6٨، الخطبة ١٨6
4- التوحيد، ص ١65، ح ٣.

ص:286

فعندما نقول: إنّ الله يرضى الطاعة، فالمعنى: أنّه تعالى يأمر بها.

وعندما نقول: إنّ الله يغضب من المعصية، فالمعنى: أنّه تعالى ينهى عنها(1)

١6- السخرية والاستهزاء والمكر والخداع:

قال تعالى: سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة: ٧٩]

اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١5]

وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [آل عمران: 54]

يُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ [النساء: ١4٢]

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

« إنّ الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزىء ولا يمكر ولا يخادع، ولكنّه عزّ وجلّ يجازيهم جزاء السخرية، وجزاء الاستهزاء، وجزاء المكر والخديعة، تعالى الله عما يقول الظالمون علوّاً كبيراً»(2)

١٧- النسيان:

نسيان الله لبعض العباد يعني إهماله تعالى لهم، وعدم الاهتمام بهم، وتركهم لشأنهم، فإذا فعل الله بهم ذلك فإنّهم سينسون أنفسهم، ويكون ذلك عقوبة من الله لهم إزاء نسيانهم لله تعالى.

قال تعالى: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 6٧]

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول هذه الآية:

«إنّ الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو، وإنّما ينسى ويسهو المخلوق المحدَث، ألا تسمعه عزّ وجلّ يقول: وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا [مريم: 64]

وإنّما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عزّ وجلّ: وَ لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ [الحشر: ١٩]


1- انظر: كنز الفوائد، ج ١، ص٨4
2- التوحيد، ص ١5٩، ب ٢١، ح ١.

ص:287

وقوله عزّ وجلّ: فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا [الأعراف:5١].

أي: نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا» (1)

وقال الإمام علي (ع) :

«أمّا قوله: نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنّما يعني نسوا الله في دار الدنيا، لم يعملوا بطاعته، فنسيهم في الآخرة، أي: لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً فصاروا منسيين من الخير»(2)


1- التوحيد، ص ١55، ب ١6، ح ١
2- المصدر، ص ٢5٣، ب ٣6، ح 5.

ص:288

ص:289

الفصل السادس عشر: أسماء الله تعالى

اشاره

* معنى وأقسام الاسم

* الهدف من وجود الأسماء لله تعالى

* أسماء الله الحسنى

* إحصاء أسماء الله تعالى

* خصائص أسماء الله تعالى

* توقيفية أسماء الله تعالى

ص:290

ص:291

المبحث الأوّل: معنى وأقسام الاسم

معنى الاسم:

الاسم كلمة تدلّ على معنى تام غير مقيّد بزمان(1)

والأسماء: ألفاظ حاكية عن مسمّاها الخارجي(2)

أقسام الاسم:

يؤخذ الاسم من عدّة جهات، منها:

١ - يؤخذ من الذات بنفسها: كزيد وعمر، ومن قبيل لفظ الجلالة «الله» .

٢ - يؤخذ من جزء الذات: كالجسم للإنسان، وهذا القسم محال على الله تعالى؛ لأنّه ليس له جزء.

٣ - يؤخذ من وصف الذات (الوصف الإيجابي) : وهو الاسم الدال على الذات الموصوفة بصفة إيجابية معيّنة، كلفظ «العالم» ، فإنّه اسم يدل على ذات متّصفة بالعلم.

4 - يؤخذ من وصف الذات (الوصف السلبي) : وهو الاسم الذي يطلق على الذات باعتبار عدم اتّصافها بالصفة السلبية، كلفظ «القدّوس» ، ومعناه الطاهر المنزّه عن كلّ عيب ونقص.

5 - يؤخذ من مبدأ الفعل (الوصف الفعلي) : وهو الاسم الذي يطلق على الذات من حيث قيامها ببعض الأفعال، كالخالق والرازق.


1- انظر: مبادىء العربية، رشيد الشرتوني، ج ٢، ص ٣١
2- انظر: كنز الفوائد، أبو الفتح الكراجكي، ج ١، ص ٧٠؛ مناهج اليقين، العلاّمة الحلّي، المنهج الخامس، البحث الرابع عشر، ص ٢٢5.

ص:292

تقسيم آخر للاسم:(1)

١ - اسم محض: الاسم الدال على الذات من غير ملاحظة صفة.

٢ - اسم صفة: الاسم الدال على الذات باعتبار اتّصافها بصفة معيّنة.

الفرق بين الاسم والصفة:

١ - في خصوص وجود «ذات» و «صفة» :

إذا نظرنا إلى الصفة بما هي صفة فسيطلق عليها عنوان «الصفة» .

وإذا نظرنا إلى الذات من منطلق تلبّس الصفة بها فسيطلق عليها عنوان «الاسم» (2)

٢ - «الصفة» تشير إلى معنىً تتلبّس به الذات.

«الاسم» يشير إلى الذات باعتبار تلبّسه بإحدى الصفات.

فالحياة والعلم صفتان، والحي والعالم اسمان(3)

٣ - «الصفة» لا تكون محمولاً، فلا يقال: الله علم، الله خلق.

ولكن «الاسم» يكون محمولاً، فيقال: الله عالم، الله خالق.

المبحث الثاني: الهدف من وجود الأسماء لله تعالى

١- ليعرفه ويدعوه بها

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) حول اختيار الله الأسماء لنفسه:

«. . اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها؛ لأنّه إذا لم يدع باسمه لم يعرف. . .»(4)


1- معجم الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، رقم ١٨5، الفرق بين الاسم والتسمية، ص 5١. وانظر: بحارالأنوار، ج 4، ص ١55، ب ١، ذيل ح ١
2- انظر: التوحيد، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري، بقلم: جواد علي كسار، ج ١، ص ١١٢
3- انظر: الميزان في تفسير القرآن، للسيّد محمّد حسين الطباطبائي، ج٨، صص ١٨٠ - ١٨6؛ كلام في الأسماء الحسنى في فصول، ص ٣5٢
4- الكافي، كتاب التوحيد، باب حدوث الاسماء، ص ١١٣، ح ٢.

ص:293

٢- ليتوسّل بها إلى الله تعالى

قال الإمام محمّد بن علي الجواد (ع) :

«. . . ثمّ خلقها (أي: خلق الله الأسماء لتكون) وسيلة بينه وبين خلقه يتضرّعون بها إليه ويعبدونه. . .»(1)

نماذج من التوسّل بأسماء الله تعالى:

١ - عن رسول الله (ص) :

«أسألك بكلّ اسم سمّيت به نفسك. . .»(2)

٢ - عنه (ص) :

«. . . وأسألك يا الله بحقّ هذه الأسماء الجليلة الرفيعة عندك العالية المنيعة التي اخترتها لنفسك واختصصتها لذكرك. . . وجعلتها دليلةً عليك وسبباً إليك»(3)

٣ - قال الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (ع) في دعاء المشلول:

«اللّهم إنّي أسألك بكلّ اسم هو لك»(4)

4 - قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«أسألك بكلّ اسم مقدّس مطهّر مكنون اخترته لنفسك»(5)

المبحث الثالث: أسماء الله الحسنى

قال تعالى: وَ لِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها [الأعراف: ١٨٠]

المقصود من الأسماء الحسنى في هذه الآية:

١ - إنّ الألف واللام في الأسماء الحسنى ليست للعهد ليكون المقصود منها الإشارة إلى الأسماء الواردة في الكتاب والسنّة الصحيحة، بل الألف واللام هنا للاستغراق وإفادة العموم.

٢ - تقديم «الله» في هذه الآية يفيد الحصر.


1- الكافي، كتاب التوحيد، باب حدوث الاسماء، ص ١١6، ح ٧
2- بحارالأنوار، ج ٩٣، ص ٢6٧، ب ١٣، ح ١
3- المصدر السابق، ج ٩4، ص ٢١٨، ب ٣٨، ح ١٧
4- الكافي، ج 4، ص 45٢، ح ١
5- بحارالأنوار، ج ٨6، ص ٣١6، ب 6٧، ح 6٧.

ص:294

أي: إنّه تعالى هو المتفرّد في امتلاك أسمى مراتب الكمال بحيث أوجب له ذلك الاتّصاف بالأسماء الحسنى.

وأمّا غيره فليس له من الكمال إلاّ بمقدار ما يعطيه الله أو يتيح له مجال كسب ذلك.

المبحث الرابع: إحصاء أسماء الله تعالى

ورد عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (عليهما السلام) عن آبائه عن رسول الله (ص) :

إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلاّ واحداً، من أحصاها دخل الجنّة، وهي:

الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأوّل، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العليّ، الأعلى، الباقي، البديع، البارىء، الأكرم، الظاهر، الباطن، الحيّ، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحقّ، الحسيب، الحميد، الحفيّ، الربّ، الرحمن، الرحيم، الذارىء، الرازق، الرقيب، الرؤوف، الرائي، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، السيّد، السبّوح، الشهيد، الصادق، الصانع، الطاهر، العدل، العفوّ، الغفور، الغنيّ، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتّاح، الفالق، القديم، الملك، القدّوس، القوي، القريب، القيّوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المَولى، المنّان، المحيط، المبين، المقيت، المصوّر، الكريم، الكبير، الكافي، كاشف الضرّ، الوِتر، النور، الوهّاب، الناصر، الوَدود، الهادي، الوفيّ، الوكيل، الوارث، البَرّ، الباعث، التوّاب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديّان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي (1)(2).


1- التوحيد، ص ١٨٩، ب ٢٩، ح ٨
2- أسماء الله تعالى أزيد من تسعة وتسعين، ويعود سبب اقتصار هذا الحديث على هذا العدد لامتياز الأسماء المذكورة في هذا الحديث عن غيرها في امتلاكها خاصية دخول الجنّة لمحصيها. انظر: علم اليقين، محسن الكاشاني، ج ١، ص ١٠٠. وجاء في الدعاء المشهور بدعاء الجوشن الوارد عن رسول الله ص ألف اسم من أسماء الله الحسنى.

ص:295

معنى إحصاء أسماء الله تعالى:

١ - قال الشيخ الصدوق: «إحصاؤها هو الإحاطة بها والوقوف على معانيها، وليس معنى الإحصاء عدّها»(1)

٢ - معرفة معاني الأسماء على سبيل المشاهدة القلبية، والوصول إلى مرتبة اليقين من معرفتها عن طريق رؤية حقائقها بوضوح، ولا يتمّ ذلك إلاّ بعد تهذيب النفس من الشوائب وتطهير القلب من الأدران.

٣ - التخلّق بما يصح التخلّق به من هذه الأسماء الإلهية والتحلّي بمحاسنها. ولهذا قال (ع) :

«تخلّقوا بأخلاق الله»(2)

تنبيه:

التخلّق بأخلاق الله لا يعني وجود مشابهة بين العبد وربّه؛ لأنّه تعالى ليس كمثله شيء، وإنّما يكون التشابه في مظاهر الصفات لا حقيقتها.

4 - الإحصاء يعني الإطاقة، قال تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ ]المزمل: ٢٠[، أي: لن تطيقوه، فعبارة «من أحصى أسماء الله دخل الجنّة، تعني: من أطاق وتحمّل التحلّي والاتّصاف بها قدر وسعه دخل الجنّة»(3)

المبحث الخامس: خصائص أسماء الله تعالى

١ - أسماء الله كلّها توصيفية.

أي: جعلها الله تعالى لوصف نفسه.

قال الإمام محمّد بن علي الباقر (ع) :

«إنّ الأسماء صفات وصف ]الله تعالى [ بها نفسه»(4)

سئل الإمام علي بن موسى الرضا (ع) عن الاسم ]الذي يطلق على الله


1- التوحيد، ص ١٩٠، ب ٢٩، ذيل ح ٩
2- بحارالأنوار، ج 6١، ص ١٢٩
3- ذهب السيّد فضل الله الراوندي في شرح الشهاب إلى هذا القول، نقلاً عن علم اليقين في أصول الدين، للشيخ المولى محسن الكاشاني، ج ١، ص ١٠٢
4- الكافي، ج ١، صص ٨٧ - ٨٨، ح ٣.

ص:296

تعالى [ ما هو؟ فقال (ع) :

«صفة لموصوف»(1)

٢ - يدل كلّ واحد من الأسماء الإلهية على الذات الإلهية من ناحية اتّصافها بصفة معيّنة.

مثلاً: «القادر» يدل على الذات الإلهية من ناحية اتّصافها بالقدرة.

٣ - تعبّر أسماء الله كلّها عن الذات الإلهية في مقام التمجيد والتعظيم والتكبير والتحميد أو التقديس والتسبيح والتنزيه والتهليل.

4 - نطاق بعض الأسماء الإلهية أوسع من البعض الآخر.

مثلاً: اسم «العالم» - حسب أحد الأقوال - اسم واسع تنطوي تحته عدّة أسماء أخرى، منها: السميع، البصير، الشهيد، الخبير، ونحو ذلك.

5 - أسماء الله ليست مترادفة، بل لكلّ اسم معنى يغاير الاسم الآخر ولو باشتماله على زيادة دلالة لا يدل عليه الآخر (2)

6 - ليس المقصود من معنى أسماء الله ما يجري على المخلوقين، بل المقصود المعنى اللائق به تعالى.

٧ - يكون إطلاق أسمائه تعالى على غيره من باب الاشتراك اللفظي فقط، ولهذا فحقيقة معاني أسماء الله تعالى لا تشبه شيئاً من حقيقة معاني أسماء ما سواه.

٨ - يستحيل أن يكون لله اسم دال على جزء معناه؛ لأنّه تعالى غير مركّب، فلا جزء له.

٩ - يجب تنزيه أسماء الله إضافة إلى تنزيه ذاته تعالى، قال تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ]الأعلى:١[، وقال عزّوجلّ: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ ]الرحمن: ٧٨[.

١٠ - الاسم غير المسمّى.

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«الاسم غير المسمّى، فمن عبد الاسم دون المعنى فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك


1- الكافي، ج ١، ص ١١٣، ح ٣
2- علم اليقين، محسن الكاشاني، ج ١، ص ١٠١.

ص:297

وعبد اثنين، ومن عبد المعنى دون الاسم فذلك التوحيد»(1)

قال الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) :

«. . . الله يسمّى بأسماء، وهو غير أسمائه والأسماء غيره»(2)

قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«. . . لو كان الاسم هو المسمّى، لكان كلّ اسم منها إلهاً، ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلّها غيره»(3)

١١ - أسماء الله تعالى حادثة ومخلوقة.

قال الإمام محمّد بن علي الجواد (ع) حول أسماء وصفات الله:

«الأسماء والصفات مخلوقات»(4)

ولهذا نستنتج بأنّ الله لم يكن له اسم في الأزل، وإنّما خلق الأسماء في رتبة متأخّرة ليعرفه العباد ويدعوه بها.

ولا محذور أن لا يكون لله اسم في الأزل؛ لأنّ الاسم غير المسمّى، وفقدان الاسم لا يلازم فقدان المسمّى.

١٢ - المقصود من قوله تعالى في خطابه للمشركين: ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ [يوسف: 4٠] أنّهم عبدوا أسماء بلا مسمّيات.

أي: أنّهم عبدوا ذوات سمّوها آلهة وهي في الواقع ليست آلهة، كما يُقال لمن سمّى نفسه باسم السلطان: إنّه ليس له من السلطنة إلاّ الاسم.

المبحث السادس: توقيفية أسماء الله تعالى 5

(5)

قال الشيخ الصدوق: «أسماء الله تبارك وتعالى لا تؤخذ إلاّ عنه أو عن


1- الكافي، ج ١، ص ١١4، ح ٢
2- المصدر، صص ١١٣ - ١١4، ح ١
3- بحارالأنوار، ج 4، ص ١5٧، ح ٢
4- الكافي، ج ١، ص ١١6، ح ٧
5- المقصود من توقيفية أسماء الله تعالى عدم جواز تسمية الله تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في القرآن أو السنّة.

ص:298

رسول الله (ص) أو عن الأئمة الهداة:»(1)

قال الشيخ المفيد، «لا يجوز تسمية الباري تعالى إلاّ بما سمّى به نفسه في كتابه أو على لسان نبيّه (ص) أو سمّاه به حججه من خلفاء نبيّه، وكذلك أقول في الصفات، وبهذا تطابقت الأخبار عن آل محمّد: ، وهو مذهب جماعة الإمامية» .(2)و(3)

أحاديث أهل البيت: حول توقيفية أسماء الله تعالى:

١ - قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع) :

«إنّ الله أعلى وأجلّ وأعظم من أن يبلغ كنه صفته، فصفوه بما وصف به نفسه، وكفّوا عمّا سوى ذلك»(4)

٢ - قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) :

«. . . إنّ الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه، وأنّى يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحدّه، والأبصار عن الإحاطة به، جلّ عمّا وصفه الواصفون، وتعالى عمّا ينعته الناعتون. . .»(5)


1- التوحيد، ص ٢٩٣، ب 4٢، ذيل ح 6
2- أوائل المقالات، الشيخ المفيد، ص 5٣
3- رأي الأشاعرة حول توقيفية أسماء الله تعالى: أسماء الله تعالى توقيفية، والمرجع في تحديد أسماء الله هو الشرع الإلهي دون غيره، ولابدّ من الاستناد في تسمية الله إلى إذن الشارع. انظر: كتاب المواقف، الإيجي، بشرح الشريف الجرجاني، ج ٣، ص ٣٠6. وانظر: في علم الكلام، الأشاعرة، أحمد محمود صبحي، ص ٣٩. ورأي المعتزلة حول توقيفية أسماء الله تعالى: أسماء الله ليست توقيفية، ولا يشترط إذن الشارع في تسمية الله، ويجوز تسميته تعالى بالوصف الذي يصح معناه، ويدل الدليل العقلي على اتّصافه به تعالى، ولكن بشرط أن لا يوهم هذا الاسم نقصاً أو أمراً لا يليق بالله تعالى. انظر: شرح المقاصد، سعدالدين التفتازاني، ج 4، صص ٣4٣ - ٣44. وذهب بعض الأشاعرة أيضاً إلى هذا القول، منهم: القاضي أبو بكر الباقلاني. انظر: الباقلاني وآراؤه الكلامية، محمّد رمضان عبد الله، ص 5١٩
4- الكافي، ج ١، ص ١٠٢، ح 6
5- بحارالأنوار، ج 4، ص ٢٩٠، ب 4، ح ٢١.

ص:299

٣ - قال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) لمن حاوره حول أسماء الله تعالى:

«. . . ليس لك أن تسمّيه بما لم يسمّ به نفسه. . .»(1)

مشروعية تسمية الله تعالى ب- واجب الوجود:

١ - قال المحدّث الكاشاني في الوافي: «وأمّا الألفاظ الكمالية فإن لم يرد فيها من جهة الشرع إذن بالتسمية كواجب الوجود، فذلك إنّما يجوز إطلاقه عليه سبحانه توصيفاً لا تسمية»(2)

٢ - قال السيّد الطباطبائي في تفسير الميزان: «الاحتياط في الدين يقتضي الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع، وأمّا مجرّد الإجراء والإطلاق من دون تسمية فالأمر فيه سهل»(3)

٣ - ذهب الشيخ جعفر السبحاني إلى أنّ العقل يحكم ببعض الحقائق المرتبطة بالله تعالى، ولكن تسميته تعالى بتلك الحقائق لا يجتمع مع القول بتوقيفية أسمائه وصفاته، ثمّ قال: «وإنّ الحقيقة شيء والتسمية شيء آخر»(4)

تنبيه:

السيرة الجارية بين المؤمنين قراءة الأدعية المأثورة وإن لم تثبت صحّة أسانيدها.

ولم يقل مرجع تقليد بحرمة قراءة الأدعية المشتملة على أسماء الله فيما لو لم يثبت صحّة صدورها من الشرع.

وهذا ما يثبت عدم بلوغ النهي الوارد في الأحاديث حول تسمية الله تعالى حدّ الحرمة.


1- عيون أخبار الرضا، ج ١، ص ١6٧
2- كتاب الوافي، الفيض الكاشاني، ج ١، ص١١٠
3- الميزان في تفسير القرآن، العلاّمة الطباطبائي، ج ٨، صص٣5٩
4- الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، بقلم: الشيخ حسن محمّد مكي العاملي، ج ٢، ص ١٢4.

ص:300

ص:301

مصادر الكتاب

* القرآن الكريم

١. الإبانة عن أصول الديانة، أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري، تحقيق: عباس صباغ، الطبعة الأُولى، بيروت، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع، ١4١4ه. ق.

٢. الأبحاث المفيدة، العلاّمة الحلّي، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع) للبحوث والتعليم، ١٣٧١ه. ش.

٣. الاحتجاج، أبو منصور أحمد بن علي الطبرسي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري والشيخ محمّد هادي، الطبعة الثانية، قم، دار الأسوة للطباعة والنشر، ١4١6ه. ق.

4. إرشاد الطالبين إلى نهج المسترشدين، جمال الدين مقداد بن عبدالله السيوري (الفاضل المقداد) تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الطبعة الأُولى، قم، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي، ١4٠5ه. ق.

5. الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد، الشيخ المفيد، تحقيق: مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، الطبعة الأُولى، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

6. الاعتقادات في دين الإمامية، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين ابن بابويه القمي الصدوق، تحقيق: غلام رضا المازندراني، الطبعة الأُولى، قم، المطبعة العلمية، ١4١٢ه. ق.

٧. الاعتماد في شرح واجب الاعتقاد، المقداد بن عبدالله السيوري، تحقيق: صفاءالدين البصري، الطبعة الأُولى، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، ١4١٢ه. ق.

٨. الأسرار الخفية في العلوم العقلية، العلاّمة الحلّي، تحقيق: مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى، قم، مركز انتشارات مكتب الإعلام الاسلامي، ١4٢١ه. ق.

ص:302

٩. أسماء الله الحسنى، شمس الدين أبو عبدالله محمّد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ابن قيم الجوزية) ، تحقيق: يوسف علي بديوي، أيمن عبدالرزاق الشوا، الطبعة الثالثة.

١٠. الأسماء الثلاثة، الإله والرب والعبادة، جعفر السبحاني، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع) ، ١4١٧ه. ق.

١١. الأسماء والصفات، الحافظ أبو بكر أحمد بن حسين البيهقي، تحقيق: الشيخ عماد الدين أحمد حيدر، الطبعة الثانية، بيروت، دار الكتاب العربي، ١4١5ه. ق.

١٢. الإشارات والتنبيهات (4ج) ، أبو علي بن سينا، مع شرح نصيرالدين الطوسي، تحقيق: د. سليمان دنيا، الطبعة الأُولى، بيروت، مؤسسة النعمان للطباعة والنشر، ١4١٣ه. ق.

١٣. إشراق اللاهوت في نقد شرح الياقوت، السيّد عميدالدين أبو عبدالله عبدالمطلب بن مجدالدين الحسين العُبَيدلي، تحقيق: علي أكبر ضيائي، الطبعة الأُولى، طهران، مركز نشر ميراث مكتوب، ١4٢٣ه. ق.

١4. الإقبال بالأعمال الحسنة فيما يعمل مرّة في السنة، السيّد رضي الدين علي بن موسى بن جعفر بن طاووس، تحقيق: جواد القيومي الأصفهاني، الطبعة الثانية، مركز النشر التابع لمكتب الإعلام الإسلامي، ١4١٩ه. ق.

١5. الاقتصاد فيما يتعلّق بالاعتقاد، الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، الطبعة الأُولى، النجف الأشرف، منشورات جمعية منتدى النشر، ١٣٩٩ه. ق.

١6. الإلهيات على هدى الكتاب والسنّة والعقل، محاضرات الشيخ جعفر السبحاني، بقلم: الشيخ حسن محمّد مكي العاملي، الطبعة الرابعة، منشورات المركز العالمي للدراسات الإسلامية، ١4١٣ه. ق.

١٧. الأمالي، الشيخ الصدوق، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، الطبعة الأولى، قم، مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة، ١4١٧ه. ق.

١٨. الأمالي، الشيخ أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، تحقيق: قسم الدراسات الإسلامية مؤسسة البعثة، الطبعة الأُولى، قم، دار الثقافة، ١4١4ه. ق.

١٩. أمالي المرتضى، غرر الفوائد ودرر القلائد، الشريف المرتضى، تحقيق: محمّد أبوالفضل إبراهيم، الطبعة الأولى، دار إحياء الكتب العربية، ١٣٧٣ه. ق.

ص:303

٢٠. الأمالي، الشيخ المفيد، تحقيق: حسين الأستاد ولي، علي أكبر الغفاري، الطبعة الأُولى، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

٢١. الإمامة والتبصرة من الحيرة، الشيخ الصدوق، تحقيق: مدرسة الإمام المهدي]، الطبعة الأولى، قم، مدرسة الإمام المهدي].

٢٢. الأنوار الجلالية في شرح الفصول النصيرية، مقداد بن عبدالله السيوري، تحقيق: علي حاجي آبادي - عباس جلالي نيا، الطبعة الأولى، مشهد، مؤسسة الطبع التابعة للآستانة الرضوية المقدّسة، ١4٢٠ه. ق.

٢٣. أوائل المقالات، الشيخ أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري، الطبعة الأُولى، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

٢4. إيضاح المراد في شرح كشف المراد، علي الرباني الكلبايكاني، الطبعة الأولى، قم، انتشارات مركز مديرية الحوزة العلمية، ١4٢4ه. ق.

٢5. الباب الحادي عشر للعلاّمة الحلّي، مع شرحه النافع يوم الحشر، لمقداد بن عبدالله السيوري ومفتاح الباب لأبي الفتح بن مخدوم الحسيني، تحقيق: د. مهدي محقّق، الطبعة الثالثة، مشهد، انتشارات الآستانة الرضوية المقدّسة، ١٣٧٢ه. ش.

٢6. الباقلاني وآراؤه الكلامية، محمّد رمضان عبدالله، الطبعة الأولى، بغداد، مطبعة الأُمّة، ١٩٨6م.

٢٧. بحارالأنوار، العلاّمة محمّد باقر المجلسي، طهران، دار الكتب الإسلامية.

٢٨. براهين أصول المعارف الإلهية والعقائد الحقة للإمامية، أبو طالب التجليل، الطبعة الأُولى، قم، مطبعة مهر، ١4١٨ه. ق.

٢٩. تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد مرتضى الزبيدي، بيروت، مكتبة الحياة.

٣٠. تاريخ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، تحقيق: محمّد أبو الفضل إبراهيم، بيروت.

٣١. التبيان في تفسير القرآن، شيخ الطائفة أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي، بيروت، دار إحياء التراث العربي.

٣٢. تجريد الاعتقاد، الشيخ نصيرالدين الطوسي، تحقيق: محمّد جواد الحسيني الجلالي، الطبعة الأُولى، مركز النشر مكتب الإعلام الإسلامي، ١4٠٧ه. ق.

ص:304

٣٣. تصحيح اعتقادات الإمامية (جزء 5 ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) ، الشيخ أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري المفيد، الطبعة الأولى، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

٣4. التفسير، أبو النضر محمّد بن مسعود بن عياش السمرقندي، تحقيق: السيّد هاشم الرسولي المحلاتي، الطبعة الأولى، طهران، المكتبة العلمية الإسلامية.

٣5. تقريب المعارف، أبو الصلاح تقي بن نجم الحلبي، تحقيق: فارس تبريزيان الحسّون، الطبعة الأُولى، قم، المحقّق، ١4١٧ه. ق.

٣6. تلخيص المحصّل المعروف بنقد المحصّل، خواجة نصيرالدين الطوسي، الطبعة الثانية، بيروت، دار الأضواء، ١4٠5ه. ق.

٣٧. التوحيد، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي (الشيخ الصدوق) ، تصحيح وتعليق: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، الطبعة السابعة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ١4٢٢ه. ق.

٣٨. التوحيد، مرتضى المطهري، ترجمة: إبراهيم الخزرجي، الطبعة الأولى، بيروت، دارالمحجة البيضاء، ١4١٨ه. ق.

٣٩. التوحيد، بحوث في مراتبه ومعطياته، تقريراً لدروس السيّد كمال الحيدري، جواد علي كسار، الطبعة الثالثة، دار فراقد للطباعة والنشر، ١4٢4ه. ق.

4٠. جامع البيان في تفسير القرآن، أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الطبعة السادسة، قم، انتشارات ناصر خسرو، ١4٢١ه. ق.

4١. الجامع لأحكام القرآن، أبو عبدالله محمّد بن أحمد القرطبي، تحقيق: سالم مصطفى البدري، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتب العلمية، ١4٢٠ه. ق.

4٢. حقّ اليقين في معرفة أصول الدين، السيّد عبدالله شبّر، الطبعة الأُولى، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ١4١٨ه. ق.

4٣. حقائق التأويل في متشابه التنزيل، الشريف المرتضى، شرح: محمّدالرضا آل كاشف الغطاء، الطبعة الأولى، بيروت، دار الأضواء، ١4٠6ه. ق.

44. كتاب الخلاف، الشيخ أبو جعفر بن الحسن الطوسي، الطبعة الأولى، قم، مركز الثقافة الإسلامية، ١4٠٣ه. ق.

ص:305

45. دلائل الصدق، الشيخ محمّد حسن المظفر، الطبعة الثانية، القاهرة، دار العلم للطباعة، ١٣٩6ه. ق.

46. الذخيرة في علم الكلام، الشريف المرتضى علم الهدى علي بن الحسين الموسوي، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، الطبعة الأُولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ١4١١ه. ق.

4٧. الرسائل العشر، الشيخ الطوسي، تحقيق: واعظ زاده الخراساني، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ١4٠4ه. ق.

4٨. الرسالة السعدية، العلاّمة أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي، تحقيق: عبدالحسين محمّد علي البقال، الطبعة الأُولى، قم، مكتبة السيّد المرعشي النجفي، ١4١٠ه. ق.

4٩. الروضة البهية، زين الدين بن علي العاملي (الشهيد الثاني) ، الطبعة الأولى، قم، انتشارات داوري، ١4١٠ه. ق.

5٠. شرح الأسماء الحسنى، الملاّ هادي السبزواري (مجلدين) ، مكتبة بصيرتي.

5١. شرح الأصول الخمسة، لقاضي القضاة عبدالجبار بن أحمد، تعليق: أحمد ابن الحسين بن أبي هاشم، تحقيق وتقديم: د. عبدالكريم عثمان، الطبعة الثانية، القاهرة، مكتبة وهبة، ١4٠٨ه. ق.

5٢. شرح جمل العلم والعمل، الشريف علي بن الحسين المرتضى علم الهدى، تحقيق: الشيخ يعقوب الجعفري المراغي، الطبعة الثانية، قم، دار الأسوة للطباعة والنشر، ١4١٩ه. ق.

5٣. شرح المقاصد، مسعود بن عمر الشهير بسعدالدين التفتازاني، تحقيق: د. عبدالرحمن عميرة، الطبعة الأُولى، قم، منشورات الشريف الرضي، ١4٠٩ه. ق.

54. الصحاح، إسماعيل بن حمّاد الجوهري، تحقيق: أحمد عبدالغفور، الطبعة الرابعة، بيروت، دار العلم للملايين، ١4٠٧ه. ق.

55. صحيح البخاري، أبو عبدالله محمّد بن إسماعيل، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، ١4٢٠ه. ق.

56. صحيح مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيشابوري، الطبعة الأولى، بيروت، دار ابن حزم، مكتبة المعارف، ١4١6ه. ق.

ص:306

5٧. صراط الحق في المعارف الإسلامية والأصول العقائدية، الشيخ محمّد آصف المحسني، الطبعة الثانية، قم، الحركة الإسلامية الأفغانية (القسم الثقافي) ، ١4١٣ه. ق.

5٨. عجالة المعرفة في أصول الدين، محمّد بن سعيد الراوندي، تحقيق: السيّد محمّد رضا الحسيني الجلالي، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، ١4١٧ه. ق.

5٩. عدة الأصول، الشيخ الطوسي، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الأولى، قم، المطبعة ستارة، ١4١٧ه. ق.

6٠. العقيدة الإسلامية وأسسها، عبدالرحمن حسن جنكه الميداني، الطبعة الثانية، دمشق، دار العلم، ١٣٩٩ه. ق.

6١. علل الشرائع، الشيخ الصدوق أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي، الطبعة الأُولى، المكتبة الحيدرية، ١٣٨6ه. ق.

6٢. علم اليقين في أصول الدين، الشيخ محمّد بن المرتضى المدعو بالمولى محسن الكاشاني، الطبعة الأُولى، بيروت، دار البلاغة للطباعة والنشر والتوزيع، ١4١٠ه. ق.

6٣. عيون أخبار الرضا، الشيخ أبو جعفر محمّد بن علي الحسين بن بابويه القمي المعروف بالصدوق، الطبعة الأُولى، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ١4٠4ه. ق.

64. غنية النزوع إلى علمي الأصول والفروع، السيّد حمزة بن علي بن زهرة الحلبي، تحقيق: الشيخ إبراهيم البهادري، الطبعة الأُولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع) ، ١4١٨ه. ق.

65. الغيبة، الشيخ الطوسي، تحقيق: الشيخ عباد الله الطهراني، الشيخ علي أحمد ناصح، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، ١4١١ه. ق.

66. في علم الكلام، دراسة فلسفية لآراء الفرق الإسلامية في أصول الدين، الأشاعرة، الدكتور أحمد محمود صبحي، الطبعة الرابعة، الاسكندرية مصر، مؤسسة الثقافة الجامعية، ١٩٨٢م.

6٧. قاموس الكتاب المقدّس، نخبة من الأساتذة، الطبعة الثانية عشر، دار الثقافة.

6٨. قواعد العقائد، نصيرالدين الطوسي، تحقيق: الشيخ علي الرباني الگپايگاني، الطبعة الأُولى، قم، لجنة إدارة الحوزة العلمية، ١4١6ه. ق.

ص:307

6٩. قواعد المرام في علم الكلام، كمال الدين ميثم بن علي البحراني، تحقيق: السيّد أحمد الحسيني، الطبعة الثانية: قم، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي، ١4٠6ه. ق.

٧٠. القواعد والفوائد، محمّد بن مكّي العاملي.

٧١. الكافي، الشيخ ثقة الاسلام أبو جعفر محمّد بن يعقوب الكليني، الطبعة السادسة، طهران، دار الكتب الإسلامية، ١4١٧ه. ق.

٧٢. كتاب العين، الخليل الفراهيدي، تحقيق: د. مهدي المخزومي، د. إبراهيم السامرائي، الطبعة الأولى، قم، انتشارات أسوة، ١4١4ه. ق.

٧٣. كشف الفوائد في شرح قواعد العقائد، العلاّمة الحلّي، تحقيق وتعليق: الشيخ حسن المكّي العاملي، الطبعة الأُولى، بيروت، دار الصفوة، ١4١٣ه. ق.

٧4. كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، العلاّمة الحلّي، تصحيح: الشيخ حسن حسن زادة الآملي، الطبعة التاسعة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين، ١4٢٢ه. ق.

٧5. كنز الفوائد، أبو الفتح الشيخ محمّد بن علي الكراجكي، تحقيق: عبدالله نعمة، الطبعة الأولى، بيروت، دار الأضواء، ١4٠5ه. ق.

٧6. لسان العرب، لابن منظور، الطبعة الثالثة، بيروت، دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع، ١4١٩ه. ق.

٧٧. اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، الجمال الدين مقداد بن عبدالله الأسدي السيوري الحلّي، تحقيق: السيّد محمّد علي القاضي الطباطبائي، الطبعة الثانية، مكتب الإعلام الإسلامي، ١4٢٢ه. ق.

٧٨. مبادئ العربية، رشيد الشرتوني، الطبعة الحادية عشر، قم، مؤسسة انتشارات دارالعلم، ١٣٧5ه. ش.

٧٩. متشابه القرآن ومختلفه، محمّد بن علي بن شهر آشوب، الطبعة الثالثة، قم، انتشارات بيدار، ١4١٠ه. ق.

٨٠. مجمع البحرين، الشيخ فخرالدين الطريحي، تحقيق: أحمد الحسيني، الطبعة الثانية، ١4٠٨ه. ق.

٨١. مجمع البيان في تفسير القرآن، الشيخ أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي، الطبعة السادسة، انتشارات ناصر خسرو، ١4٢١ه. ق.

ص:308

٨٢. المحاسن، أبو جعفر أحمد بن محمّد البرقي، تحقيق: السيّد مهدي الرجائي، الطبعة الثانية، قم، المجمع العالمي لأهل البيت: ، ١4١6ه. ق.

٨٣. محاضرات في العقيدة الإسلامية، أحمد البهادلي، الطبعة الأُولى، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، ١٣٩٩ه. ق.

٨4. محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين من العلماء والحكماء والمتكلّمين، فخرالدين الرازي، راجعه وقدّم له: طه عبدالرؤوف سعد، القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية.

٨5. مجمع الفروق اللغوية، أبو هلال العسكري، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامي، الطبعة الأُولى، قم، جامعة المدرسين، ١4١٢ه. ق.

٨6. المسائل العكبرية، الشيخ أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري المفيد، تحقيق: علي أكبر الإلهي الخراساني، الطبعة الأولى، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

٨٧. المسلك في أصول الدين، نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن سعيد الحلّي، تحقيق: رضا الأستادي، الطبعة الأُولى، مشهد، مجمع البحوث الإسلامية، ١4١4ه. ق.

٨٨. مصباح الكفعمي، جنة الأمان الواقية وجنة الإيمان الباقية، الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي العاملي الكفعمي، الطبعة الأولى، بيروتع، مؤسسة النعمان، ١4١٢ه. ق.

٨٩. مصباح المتهجد، الشيخ الطوسي، الطبعة الأولى، بيروت، مؤسسة فقه الشيعة، ١4١١ه. ق.

٩٠. المصطلحات الإسلامية، السيّد مرتضى العسكري، جمع وتنظيم: سليم الحسني، الطبعة الأُولى، بيروت، كلية أصول الدين، ١4١٨ه. ق.

٩١. المطالب العالية من العلم الا لهي، فخرالدين الرازي، تحقيق: أحمد حجازي السقا، الطبعة الأولى، بيروت، دار الكتاب العربي، ١4٠٧ه. ق.

٩٢. معارف القرآن في معرفة الله، محمّد تقي مصباح اليزدي، تعريب: محمّد عبدالمنعم الخاقاني، الطبعة الأُولى، قم، دار الهادي للمطبوعات، ١4٠4ه. ق.

٩٣. المعجم الوسيط، قام بإخراجه: إبراهيم مصطفى، أحمد حسن الزيّات، حامد عبدالقادر، محمّد علي النجار، مجمع اللغة العربية، الإدارة العامة للمعجمات وإحياء التراث، استانبول، دار الدعوة، مؤسسة ثقافية للتأليف والطباعة والنشر والتوزيع، ١4١٠ه. ق.

ص:309

٩4. مفاهيم القرآن، جعفر السبحاني، الطبعة الأُولى، قم، مؤسسة الإمام الصادق (ع) ، ١4١٢ه. ق.

٩5. مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصبهاني، تحقيق: صفوان عدنان الداوودي، الطبعة الثالثة، قم، انتشارات ذوي القربى، ١4٢4ه. ق.

٩6. الملخّص في أصول الدين، الشريف المرتضى، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الأولى، طهران، مركز نشر الجامعة ومكتبة مجلس الشورى الإسلامي، ١4٢٠ه. ق.

٩٧. الملل والنحل، أبو الفتح محمّد بن عبدالكريم الشهرستاني، تحقيق: محمّد سيد كيلاني، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع.

٩٨. مناهج اليقين في أصول الدين، العلاّمة الحسن بن يوسف بن المطهر الحلّي، تحقيق: محمّد رضا الأنصاري القمي، الطبعة الأُولى، قم، المحقّق، ١4١6ه. ق.

٩٩. المنجد في اللغة، الطبعة الحادية والعشرين، بيروت، دار المشرق، ١٩٧٣م.

١٠٠. المنقذ من التقليد، الشيخ سديدالدين محمود الحمصي الرازي، تحقيق: مؤسسة النشر الإسلامية، الطبعة الأُولى، التابعة لجماعة المدرسين، ١4١٢ه. ق.

١٠١. كتاب المواقف للقاضي عضدالدين عبدالرحمن بن أحمد الإيجي بشرح الشريف علي بن محمّد الجرجاني، تحقيق: د، عبدالرحمن عمير، الطبعة الأُولى، بيروت، دارالجليل، ١4١٧ه. ق.

١٠٢. الميزان في تفسير القرآن، العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، الطبعة الخامسة، قم، مؤسسة إسماعيليان، ١4١٢ه. ق.

١٠٣. النافع يوم الحشر في شرح الباب الحادي عشر، العلاّمة أبو منصور جمال الدين الحسن بن يوسف الحلّي، شرح الفقيه الفاضل المقداد السيوري، الطبعة الثانية، بيروت، دار الأضواء للطباعة والنشر والتوزيع، ١4١٧ه. ق.

١٠4. نظرة حول دروس في العقيدة الإسلامية، محمّد تقي مصباح اليزدي، إعداد: عبدالجواد الإبراهيمي، الطبعة الأولى، قم، مؤسسة أنصاريان، ١4١٧ه. ق.

١٠5. النكت الاعتقادية، الشيخ أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن النعمان العكبري المفيد، الطبعة الأُولى، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، ١4١٣ه. ق.

ص:310

١٠6. نهاية الحكمة، العلاّمة السيّد محمّد حسين الطباطبائي، قم، مركز الطباعة والنشر، دار التبليغ الاسلامي.

١٠٧. نهج الحق وكشف الصدق، العلاّمة الحسن بن يوسف المطهّر الحلّي، تعليق: الشيخ عين الله الحسني، الطبعة الأُولى، قم، مؤسسة دار الهجرة، ١4٠٧ه. ق.

١٠٨. كتاب الوافي، الفيض الكاشاني، الطبعة الأولى، قم، منشورات مكتبة السيّد المرعشي النجفي، ١4٠4ه. ق.

١٠٩. وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، محمّد بن الحسن الحرّ العاملي، تحقيق: مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، الطبعة الثانية، قم، ١4١4ه. ق.

١١٠. الياقوت في علم الكلام، أبو إسحاق إبراهيم بن نوبخت، تحقيق وتقديم: علي أكبر ضيائي، الطبعة الأولى، قم، مكتبة السيّد المرعشي النجفي العامّة، ١4١٣ه. ق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.