نام كتاب: الصحيفة السجادية الكاملة من أدعیة الإمام زین العابدین عليه السلام
تقدیم سماحة الإمام السید محمد باقر الصدر
موضوع: ادعيه و حديث
زبان: عربي
تعداد جلد: 1
ناشر: موسسة الأعلمی للمطبوعات
مكان چاپ: بیروت - لبنان
ص: 1
ص: 2
قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ
الدُّعاءُ يَنفعُ ممَّا نَزَلَ، وممَّا لمْ يَنزِلْ؛ فعليكم عبادَ اللهِ بالدُّعاءِ
****
***
دُعَاءُ اَلْأَخِ لِأَخِيهِ
بِظَهْرِ اَلْغَيْبِ لایُرَدّ.
****
***
اَلدُّعَاءَ هُوَ اَلْعِبَادَةُ ،
اَلدُّعَاءَ يَرُدُّ اَلْبَلاَءَ ،
اَلدُّعَاءُ سِلاَحُ اَلْمُؤْمِنِ ...
****
***
ص: 3
لآية اللَّه العظمى الشهيد السيّد محمّد باقر الصدر قدس سره
والحمدللَّه رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد، وعلى آله الطاهرين، وصحبه الميامين.
وبعد؛ فإنّ هذه الصّحيفة السجّادية مجموعة من الأدعية المأثورة، عن الإمام زين العابدين عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب؛ من أئمّة أهل البيت، الّذين أذهب اللَّه عنهم الرجس، وطهّرهم تطهيراً.
وهو الرابع من أئمّة أهل البيت، وجدّه الإمام
ص: 4
أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب؛ وصيّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وأوّل من أسلم به، وكان منه بمنزلةهارون من موسى، كما صحّ في الحديث عنه، وجدّته فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وبضعته وفلذة كبده وسيّدة نساء العالمين، كما كان أبوها يصفها، وأبوه الإمام الحسين أحد سيّدي شباب أهل الجنة، سبط الرسول وريحانته، و من قال فيه جدّه: «حسين منّي وأنا من حسين» وهو الذي استشهد في كربلاء يوم عاشوراء دفاعاً عن الإسلام والمسلمين.
وهو أحد الأئمّة الاثني عشر؛ الّذين أخبر عنهم النبي صلى الله عليه و آله كما جاء في صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما إذ قال: «الخلفاء بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش».
ص: 5
وقد ولد الإمام عليّ بن الحسين في سنة ثمان وثلاثين للهجرة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين، وعاش حوالي سبعة وخمسين عاماً، قضى بضع سنين منها في كنف جدّه الإمام عليّ عليه السلام، ثم نشأ في مدرسة عمّه الحسن وأبيه الحسين سبطي الرسول، وتغذّى من نمير علوم النبوّة، واستقى من مصادر آبائه الطاهرين.
وبرز على الصعيد العلمي والديني إماماً في الدين، ومناراً في العلم، ومرجعاً في الحلال والحرام، ومثلًا أعلى في الورع والعبادة والتقوى، وآمن المسلمون جميعاً بعلمه واستقامته وأفضليّته، وانقاد الواعون منهم إلى زعامته وفقهه ومرجعيّته.
قال الزهري: «ما رأيت هاشمياً أفضل من عليّ بن الحسين ولا أفقه منه» وقال في كلام
ص: 6
آخر: «ما رأيت قرشياً أفضل منه».
وقال سعيد بن المسيّب: «ما رأيت قط مثل عليّ بن الحسين».
وقال الإمام مالك: «سمّي زين العابدين لكثرة عبادته».
وقال سفيان بن عيينة: «ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين ولا أفقه منه».
وعدّ الإمام الشافعي عليّ بن الحسين «أفقه أهل المدينة».
وقد اعترف بهذه الحقيقة حتّى حكّام عصره من خلفاء بني اميّة- على الرغم من كلّ شي ء- فلقد قال له عبد الملك بن مروان:
«ولقد اوتيت من العلم والدين والورع ما لم يؤته أحد مثلك قبلك إلا من مضى من سلفك» وقال عمر بن عبد العزيز: «سراج الدنيا وجمال
ص: 7
الإسلام زين العابدين».
وقد كان للمسلمين عموماً تعلّق عاطفيّ شديد بهذا الإمام، وولاء روحيّ عميق له، وكانت قواعده الشعبية ممتدّة في كل مكان من العالم الإسلامي، كما يشير إلى ذلك موقف الحجيج الأعظم منه حينما حجّ هشام بن عبد الملك وطاف وأراد أن يستلم، فلم يقدر على استلام الحجرالأسود من الزحام، فنصب له منبر فجلس عليه ينتظر، ثم أقبل زين العابدين وأخذ يطوف، فكان إذا بلغ موضع الحجر انفرجت الجماهير وتنحّى الناس حتى يستلمه؛ لعظيم معرفتها بقدره وحبّها له على اختلاف بلدانهم وانتساباتهم، وقد سجّل الفرزدق هذا الموقف في قصيدة رائعة مشهورة. ولم تكن ثقة الامة بالإمام زين العابدين على اختلاف
ص: 8
اتّجاهاتها ومذاهبها مقصورة على الجانب الفقهي والروحي فحسب، بل كانت تؤمن به مرجعاً وقائداً ومفزعاً في كلّ مشاكل الحياة وقضاياها بوصفه امتداداً لآبائه الطاهرين، ومن أجل ذلك نجد أن عبد الملك، حينما اصطدم بملك الروم، وهدّده الملك الروماني باستغلال حاجة المسلمين إلى استيراد نقودهم من بلاد الرومان لإذلال المسلمين، وفرض الشروط عليهم، وقف عبد الملك متحيّراً وقد ضاقت به الأرض، كما جاء في الرواية وقال: أحسَبُني أشأمَ مولود ولد في الإسلام، فجمع أهل الإسلام واستشارهم فلم يجد عند أحد منهم رأياً يعمل به، فقال له القوم: إنك لتعلم الرأي والمخرج من هذا الأمر! فقال: ويحكم من؟ قالوا: الباقي من أهل بيت النبي صلى الله عليه و آله، قال
ص: 9
صدقتم، وهكذا كان. فقد فزع إلى الإمام زين العابدين فأرسل عليه السلام ولده محمد بن علي الباقر إلى الشام وزوّده بتعليماته الخاصة فوضع خطّة جديدة للنقد الإسلامي وأنقذ الموقف.
وقد قُدِّر للإمام زين العابدين أن يتسلّم مسؤولياته القياديّة والروحيّة بعد استشهاد أبيه، فمارسها خلال النصف الثاني من القرن الأوّل في مرحلة من أدقّ المراحل الّتي مرت بها الامّة وقتئذٍ، وهي المرحلة التي أعقبت موجة الفتوح الاولى، فقد امتدّت هذه الموجة بزخمها الروحيّ وحماسها العسكريّ والعقائديّ، فزلزلت عروش الأكاسرة والقياصرة، وضمّت شعوباً مختلفة وبلاداً واسعة إلى الدعوة الجديدة، وأصبح المسلمون قادة الجزء الأعظم من العالم المتمدّن وقتئذ خلال
ص: 10
نصف قرن.
وعلى الرغم من أن هذه القيادة جعلت من المسلمين قوّة كبرى على الصعيد العالمي من الناحية السياسيّة والعسكريّة، فإنّها عرّضتهم لخطرين كبيرين خارج النطاق السياسيّ والعسكريّ، وكان لا بد من البدء بعمل حاسم للوقوف في وجههما:
أحدهما: الخطر الّذي نجم عن انفتاح المسلمين على ثقافات متنوّعة وأعراف تشريعيّة وأوضاع اجتماعيّة مختلفة بحكم تفاعلهم مع الشعوب الّتي دخلت في دين اللَّه أفواجاً، وكان لا بدّ من عمل على الصعيد العلميّ يؤكد في المسلمين أصالتهم الفكريّة، وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدّة من الكتاب والسنّة، وكان لابدّ
ص: 11
من حركة فكريّة اجتهاديّة تفتح آفاقهم الذهنيّة ضمن ذلك الإطار، لكي يستطيعوا أن يحملوا مشعل الكتاب والسنّة بروح المجتهد البصير والممارس الذكيّ الّذي يستطيع أن يستنبط منها ما يفيده في كلّ ما يستجدّ له من حالات. كان لابدّ إذن من تأصيل للشخصيّة الإسلامية ومن زرع بذور الاجتهاد، وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين عليه السلام فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول صلى الله عليه و آله يحدث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية من تفسير وحديث وفقه ويفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين، ويمرّن النابهين منهم على التفقّه والاستنباط، وقد تخرَّج من هذه الحلقة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة هي المنطلق لما نشأبعد ذلك من مدارس الفقه والأساس لحركته الناشطة.
ص: 12
وقد استقطب الإمام عن هذا الطريق الجمهور الأعظم من القرّاء وحملة الكتاب والسنة، حتّى قال سعيد بن المسيّب «إنّ القراء كانوا لا يخرجون إلى مكّة حتّى يخرج عليّ بن الحسين، فخرج وخرجنا معه ألف راكب».
وأما الخطر الآخر: فقد نجم عن موجة الرخاء الّتي سادت المجتمع الإسلامي في أعقاب ذلك الامتداد الهائل؛ لأنّ موجات الرخاء تعرّض أيّ مجتمع إلى خطر الانسياق مع ملذّات الدنيا، والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وانطفاء الشعور الملتهب بالقيم الخلقيّة والصلة الروحيّة باللَّه واليوم الآخر، وبما تضعه هذه الصلة أمام الإنسان من أهداف كبيرة، وهذا ما وقع فعلًا، وتكفي نظرة واحدة في كتاب الأغاني لأبي الفرج
ص: 13
الأصبهاني ليتّضح الحال.
وقد أحسّ الإمام عليّ بن الحسين بهذا الخطر، وبدأ بعلاجه، واتّخذ من الدعاء أساساً لهذا العلاج، وكانت الصحيفة السجّادية التي بين يديك من نتائج ذلك؛ فقد استطاع هذا الإمام العظيم بما أوتي من بلاغة فريدة، وقدرة فائقة على أساليب التعبير العربيّ، وذهنيّة ربانيّة تتفتّق عن أروع المعاني وأدقّها في تصوير صلة الإنسان بربّه، ووجده بخالقه، وتعلّقه بمبدئه ومعاده، وتجسيد ما يعبّر عنه ذلك من قيم خلقيّة وحقوق وواجبات.
أقول: قد استطاع الإمام عليّ بن الحسين بما اوتي من هذه المواهب أن ينشر من خلال الدعاء جوّاً روحياً في المجتمع الإسلامي، يساهم في تثبيت الإنسان المسلم عندما تعصف به المغريات، وشدّه
ص: 14
إلى ربه حينما تجره الأرض إليها، وتأكيد ما نشأ عليه من قيم روحيّة لكي يظل أميناً عليها في عصر الغنى والثروة، كما كان أميناً عليها وهو يشدّ حجر المجاعة على بطنه.
وقد جاء في سيرة الإمام أنّه كان يخطب الناس في كلّ جمعة ويعظهم، ويزهّدهم في الدنيا، ويرغّبهم في أعمال الآخرة، ويقرع أسماعهم بتلك القطع الفنّية من ألوان الدعاء والحمد والثناء الّتي تمثّل العبوديّة المخلصة للَّه سبحانه وحده لا شريك له.
وهكذا نعرف أن الصحيفة السجاديّة تعبّر عن عمل اجتماعيّ عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل
ص: 15
هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّديّ العلويّ، وتزداد حاجة كلّما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.
فسلام على إمامنا زين العابدين يوم ولد، ويوم أدّى رسالته، ويوم مات، ويوم يبعث حيّاً.
النجف الأشرف - محمد باقر الصدر
ص: 16
هذه الصَّحِيفَة الكاملة الجامعة الشريفة للدعواتِ المأثورةِ إملاء سيدِ الساجِدِين عَلِيِّ بْن الْحُسَين زَيْنِ العَابدِينَ صلوات اللَّه وسلامه عليه.
بِسْمِ اَللّٰهِ اَلرَّحْمٰنِ اَلرَّحِيمِ
حَدّثَنَا السيِّدُ الأجَلُّ نَجْمُ الْدّينِ بَهَآءُ الشَّرَفِ أبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أحمَدَ بْنِ عَلِيّ بْنِ مُحَمَّدِ ابْنِ عُمَرَ بن يَحْيى الْعَلَوِيُّ الْحُسَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ:
أَخْبَرَنَا الشَّيْخُ السَّعِيدُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بنِ شَهْرَيارَ الْخَازنُ لِخِزَانَةِ مَوْلانا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طالِبٍ عَلَيْهِ السَّلامُ في شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتَّ عَشَرَةَ وَخَمْسِمائَةٍ قِرَاءةً عَلَيْهِ وَأَنَا أسْمَعُ قَالَ: سَمِعْتُها عَلَى الشَّيْخِ الصَّدُوق أَبي مَنْصُورِ مُحَمَّدِ بْن أَحْمَد بْن عَبْدِ
ص: 17
العَزيزِ العُكبَريِّ المُعَدَّلِ رَحِمهُ اللَّهُ عَنْ أبي المُفَضِّلِ محمَّد بنِ عبدِ اللَّهِ بن المُطّلبِ الشَّيْبانيِّ قال: حدَّثَنا الشريفُ أبو عبدِ اللَّهِ جعفرُ بنُ مُحمَّد بن جعفرَ بن الحسنِ بن جعفرَ بن الحسنِ بن الحسنِ بن أميرِ المؤْمنين عليِّ بن أبي طالبٍ عليهْمُ السَّلامُ قال:
حدَّثنا عبدُ اللَّهِ بنُ عمر بن خطَّابٍ الزَّيَّاتُ سنةَ خمسٍ وستّينَ ومائَتَيْنِ قال: حدّثني خالِي عليُّ بْنُ النُّعمان الأَعلمُ قال: حدَّثني عُميرُ بنُ متوكِّلٍ الثَّقَفيُّ البَلْخِيُّ عن أبيهِ مُتوَكِّلِ بنِ هارُونَ قال: لقِيتُ يحيى بنَ زيدِ بن عليٍّ عليهِ السَّلامُ وهوَ مُتَوجِّهٌ إلى خُراسانَ، فسلَّمْتُ عليهِ فقال لي: مِنْ أينَ أقبلْتَ؟ قلتُ من الحَجِّ، فسأَلنِي عَن أَهْلِهِ وبني عمِّهِ بالمدينَةِ، وأَحْفى السُّؤَالَ عَنْ جَعفرَ بن مُحمَّدٍ عليهِ السَّلامُ فأَخْبَرتُه بِخَبرِهِ وخبرهِمْ وحُزْنِهِمْ على أبيهِ زيدِ بن عليٍّ عليهِ
ص: 18
السَّلامُ فَقَالَ لِي: قَدْ كانَ عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ أَشَاْرَ عَلَى أَبِيْ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ، وَعَرَّفَهُ إنْ هُوَ خَرَجَ وَفَارَقَ الْمَدِيْنَةَ مَا يَكُونُ إلَيْهِ مَصِيْرُ أَمْرِهِ، فَهَلْ لَقِيتَ ابْنَ عَمِّي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَهُ يَذْكُرُ شَيْئَاً مِنْ أَمْرِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: بِمَ ذَكَرَنِي؟
خبِّرْني، قُلْتُ: جُعلْتُ فدَاكَ مَا احِبُّ أنْ أسْتَقْبلَكَ بِما سمِعْتُهُ مِنْهُ، فَقَالَ: أَبِالْمَوْتِ تُخَوِّفُنِي؟! هَاتِ مَا سَمِعْتَهُ فَقُلْتُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: إنَّكَ تُقْتَلُ وتُصْلَبُ كَمَا قُتِلَ أَبُوكَ وَصُلِبَ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ وَقَالَ:
، يَا مُتَوَكِّلُ إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجلَّ أَيَّدَ هَذَا الأَمْرَ بِنَا، وَجَعَلَ لَنَا الْعِلْمَ وَالسَّيْفَ، فَجُمِعَالَنَا وَخُصَّ بَنُو عَمِّنَا بِالعِلْم وَحْدَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إنّي رَأَيْتُ النَّاسَ إلَى ابْنِ عَمِّكَ جَعْفَرَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَمْيَلَ مِنْهُمْ إلَيْكَ وَإلَى أَبيكَ؟ فَقَالَ:
إنَّ عَمِّي مُحَمَّد بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ
ص: 19
جَعْفَرَاً عَلَيْهِمَا السَّلام دَعَوَا النَّاسَ إلَى الْحَيَاةِ، وَنَحْنُ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْمَوْتِ، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّه أَهُمْ أَعْلَمُ أَمْ أَنْتُمْ؟ فَأَطْرَقَ إلَى الَأرْضِ مَلِيّاً ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ وَقَالَ: كُلُّنَا لَهُ عِلْمٌ، غَيْرَ أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ كُلَّمَا نَعْلَمُ، وَلَا نَعْلَمُ كُلَّمَا يَعْلَمُونَ، ثُمَّ قَالَ لِي:
أَكَتَبْتَ مِنْ ابْنِ عَمِّي شَيْئاً؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَرِنِيْه، فَأَخْرَجْتُ إلَيْهِ وُجُوهاً مِنَ الْعِلْمِ، وَأَخْرَجْتُ لَهُ دُعَاءً أمْلَاهُ عَلَيَّ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، وَحَدَّثَنِي أَنَّ أَبَاهُ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَيْهِمَا السَّلامُ أَمْلَاهُ عَلَيْهِ وَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ مِنْ دُعَاءِ أَبِيهِ عَلِيِّ بنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ مِنْ دُعَاءِ الصَّحِيفَةِ الْكَامِلَةِ، فَنَظَرَ فِيهِ يَحْيَى حَتَّى أَتى عَلَى آخِرِهِ وَقَالَ لِيْ: أَتَأْذَنُ فِي نَسْخِهِ؟ فَقُلت: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ أَتَسْتَأْذِنُ فِيمَا هُوَ عَنْكُمْ؟! فَقَالَ: أَمَا لأُخْرِجَنَّ إلَيْكَ صحِيفَةً مِنَ الدُّعَآءِ الْكَامِلِ مِمَّا حَفِظَهُ أَبِي عَنْ أَبِيهِ، وَإنَ أبِي أَوْصَانِي بِصَوْنِهَا
ص: 20
وَمَنْعِهَا غَيْرَ أَهْلِهَا، قَالَ عُمَيْرٌ:
قَالَ أَبِي: فَقُمْتُ إلَيْهِ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إنِّي لأدِينُ اللَّهَ بِحُبِّكُم وَطَاعَتِكُمْ، وَإنِّي لَأرْجُو أَنْ يُسْعِدَنِيْ فِي حَيَاتِي وَمَمَاتِي بِوَلَايَتِكُمْ، فَرمَى صَحِيفَتِي الَّتِي دَفَعْتُهَا إلَيْهِ إلَى غُلامٍ كَانَ مَعَهُ وَقَالَ: اكْتُبْ هذَا الدُّعآءَ بِخَطٍّ بَيِّنٍ حَسَنٍ وَاعْرِضْهُ عَلَيَّ لَعَلِّي أَحْفَظُهُ؛ فَإنِّي كُنْتُ أَطْلُبُهُ مِنْ جَعْفَرَ حَفِظَهُ اللَّهُ فَيَمْنَعُنِيهِ، قَالَ مُتَوَكِّلٌ: فَنَدِمتُ عَلَى مَافَعَلْتُ، وَلَمْ أَدْرِ مَا أَصْنَعُ، وَلَمْ يَكُنْ أبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ تَقَدَّمَ إليَّ أَلَّا أَدْفَعَهُ إلَى أَحَدٍ، ثُمَّ دَعَا بِعَيْبَةٍ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا صَحِيفَةً مُقْفَلَةً مَخْتُومَةً، فَنَظَرَ إلَى الْخَاتَمِ وَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ فَضَّهُ وَفَتَحَ الْقُفْلَ، ثُمَّ نَشَرَ الصَّحِيفَةَ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ وَأَمَرَّهَا عَلَى وَجْهِهِ وَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مُتَوَكِّلُ لَوْلَا مَا ذَكَرْتَ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَمِّيْ إنَّنِيْ أُقْتَلُ وَاصْلَبُ لَمَا دَفَعْتُهَا إلَيْكَ، وَلَكُنْتُ
ص: 21
بِهَا ضَنِيناً وَلكِنّي أَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ حَقٌّ أَخَذَهُ عَنْ آبائِهِ، وَأَنَّهُ سَيَصِحُّ، فَخِفْتُ أَنْ يَقَعَ مِثْلُ هَذَا العِلْمِ إلَى بَنِي أُمَيَّةَ فَيَكْتُمُوهُ وَيَدَّخِرُوهُ فِي خَزَائِنِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، فَأَقْبِضْهَا وَأَكْفِنِيهَا وَتَرَبَّصْ بِهَا، فَإذَا قَضَى اللَّهُ مِنْ أَمْرِي وَأَمْرِ هؤُلآءِ الْقَوْمِ مَا هُوَ قَاضٍ فَهِيَ أَمَانَةٌ لِي عِنْدَكَ حَتَّى تُوصِلَها إلَى ابْنَيْ عَمِّي مُحَمَّدٍ وَإبْرَاهِيمَ ابْنَيْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ عليهما السلام فَإنَّهُمَا الْقَائِمَانِ فِي هذَا الأمْرِ بَعْدِيَ.
قَالَ الْمُتَوَكِّلُ: فَقَبَضْتُ الصَّحِيفَةَ، فَلَمَّا قُتِلَ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ صِرْتُ إلَى الْمَدِينَةِ، فَلَقِيتُ أبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام فَحَدَّثْتُهُ الْحَدِيْثَ عَنْ يَحْيى فَبَكَى وَاشْتَدَّ وَجْدُهُ بِهِ وَقَالَ:
رَحِمَ اللَّهُ ابْنَ عَمِّيَ وَأَلْحَقَهُ بِآبائِهِ وَأَجْدَادِهِ، وَاللَّهِ يَا مُتَوَكِّلُ مَا مَنَعَنِي مِنْ دَفْعِ الدُّعَآءِ إلَيْهِ إلّاالَّذِي خَافَهُ عَلَى صَحِيفَةِ أَبِيهِ، وَأَيْنَ الصَّحِيفَةُ؟ فَقُلْتُ هَا هِيَ، فَفَتَحَهَا وَقَالَ: هَذَا
ص: 22
وَاللَّهِ خَطُّ عَمِّي زَيْدٍ وَدُعَآءُ جَدِّي عليِّ بنِ الْحُسَيْنِ عليهما السلام ثُمَّ قَالَ لابْنِهِ: قُمْ يَا إسْماعِيلُ فَأْتِنِي بِالدُّعَاءِ الَّذِي أَمَرْتُكَ بِحِفْظِهِ وَصَوْنِهِ، فَقَامَ إسْماعِيلُ فَأَخْرَجَ صَحِيفَةً كَأَنَّهَا الصَّحِيفَةُ الَّتِي دَفَعَهَا إلَيَّ يَحْيَى بْنُ زَيْدٍ، فَقَبَّلَهَا أبو عَبْدِ اللَّهِ وَوَضَعَهَا عَلَى عَيْنِهِ وَقَالَ: هذَا خَطُّ أبِيْ وَإمْلَاءُ جَدِّيْ عليهما السلام بِمَشْهَدٍ مِنّي، فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ إنْ رَأَيْتَ أَن أَعْرِضَهَا مَعَ صَحِيفَةِ زَيْدٍ وَيَحْيَى؟ فَأَذِنَ لِي فِي ذلِكَ وَقَالَ: قَدْ رَأَيْتُكَ لِذلِكَ أَهْلًا، فَنظَرَتُ وَإذَا هُمَا أَمْرٌ وَاحِدٌ وَلَمْ أَجِدْ حَرْفاً مِنْهَا يُخَالِفُ مَا فِي الصَّحِيفَةِ الاخْرى، ثُمَّ اسْتَأذَنْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه عليه السلام في دَفْعِ الصَّحِيفَةِ إلَى ابْنَيْ عَبْدِ اللَّه بْنِ الْحَسَنِ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰٓ أَهْلِهَا(1)» نَعَمْ فَادْفَعْهَا إلَيْهِمَا، فَلَمَّا نَهَضْتُ لِلِقَآئِهِمَا قَالَ لِيْ: مَكَانَكَ ثُمَّ وَجَّهَ إلَى مُحَمَّدٍ وَإبْراهِيمَ فَجَآءَا
ص: 23
فَقَالَ: هَذَا مِيْرَاثُ عَمِّكُما يَحْيَى مِنْ أَبِيهِ قَدْ خَصَّكُهمَا بِهِ دُونَ إخْوَتِهِ وَنَحْنُ مُشْتَرِطُونَ عَلَيْكُمَا فِيهِ شَرْطاً، فَقَالا: رَحِمَكَ اللَّهُ قُلْ، فَقَوْلُكَ الْمَقْبُولُ، فَقَالَ: لَاتَخْرُجَا بِهَذِهِ الصَّحِيفَةِ مِنَ الْمَدِينَةِ، قَالَا: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: إنَّ ابْنَ عَمِّكُمَا خَافَ عَلَيْهَا أَمْراً أَخَافُهُ أَنَا عَلَيْكُمَا، قَالَا: إنَّمَا خَافَ عَلَيْهَا حِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: وَأَنْتَما فَلَا تَأْمَنَا فَوَاللَّه إنِّي لَأعْلَمُ أَنَّكُمَا سَتَخْرُجَانِ كَمَا خَرَجَ، وَسَتُقْتَلَانِ كَمَا قُتِلَ، فَقَامَا وَهُمَا يَقُولَانِ: لَاحَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، فَلَمَّا خَرَجَا قَالَ لِي أَبُوعَبْدِاللِّه عليه السلام: يَا مُتَوَكِّلُ كَيْفَ قَالَ لَكَ يَحْيَى إنَّ عَمِّي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ وَابْنَهُ جَعْفَرَ دَعَوَا الناسَ إلَى الحَيَاةِ وَدَعَوْنَاهُمْ إلَى الْمَوْتِ؟ قُلْتُ: نَعَم أَصْلَحَكَ اللَّهُ قَدْ قَالَ لِي ابْنُ عَمِّكَ يَحْيَى ذَلِكَ. فَقَالَ: يَرْحَمُ اللَّهُ يَحْيَى إنَّ أَبِي حَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ عَن
ص: 24
جَدِّهِ عَلِيٍّ عليه السلام:
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه و آله أَخَذَتْهُ نَعْسَةٌ وَهُوَ عَلَى مِنْبَرِهِ فَرَاى في مَنَامِهِ رِجالًا يَنْزُونَ عَلَى مِنْبَرِهِ نَزْوَ الْقِرَدَةِ يَرُدُّونَ النَّاسَ عَلَى أَعْقَابِهِمُ القهْقَرَى، فَاسْتَوَى رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ جَالِساً وَالْحُزْنُ يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ فَأَتَاهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ الآيَةِ: « وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِيٓ أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَانًا كَبِيرًا (1)»
يَعْنِي بَنِي امَيَّةَ فَقَالَ: يَا جَبْرَئِيلُ أَعَلَى عَهْدِي يَكُونُونَ وَفِي زَمَنِي؟ قَالَ: لَا وَنكِنْ تَدُورُ رَحَى الإِسْلَامِ مِنْ مُهَاجِرِكَ، فَتَلْبَثُ بِذَلِكَ عَشْراً ثُمَّ تَدُورُ رَحَى الإسْلَامِ عَلَى رَأْسِ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ مِنْ مُهَاجِرِكَ، فَتَلْبَثُ بذَلِكَ خَمْساً ثُمَّ لَابُدَّ مِنْ رَحَى ضَلَالَةٍ هِيَ قَائِمَةٌ عَلَى قُطْبِهَا، ثُمَّ مُلْكُ الفَرَاعِنَةِ قَالَ: وأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ:
«إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ *
ص: 25
وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (1)» تَمْلِكُهَا بَنُو امَيَّةَ لَيْسَ فِيهَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ قَالَ: فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ بَنِي امَيَّةَ تَمْلِكُ سُلْطَانَ هَذِهِ الامَّةِ وَمُلْكُهَا طُوْلَ هذِهِ الْمُدَّةِ، فَلَوْ طاوَلَتْهُمُ الْجِبَالُ لَطَالُوا عَلَيْهَا حَتّى، يَأْذَنَ اللَّهُ تَعَالَى بِزَوَاْلِ مُلْكِهِمْ وَهُمْ فِي ذَلِكَ يَسْتَشْعِرُونَ عَدَاوَتَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ وَبُغْضَنَا، أَخْبَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ بِمَا يَلْقَى أَهْلُ بَيْتِ مُحَمَّدٍ وَأَهْلُ مَوَدَّتِهِمْ وَشِيعَتُهُمْ مِنْهُمْ فِي أَيَّامِهِمْ وَمُلْكِهِمْ قالَ: وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِيْهِمْ:
وَنِعْمَةُ اللَّهِ مُحَمَّدٌ وَأَهْلُ بَيْتِهِ حُبُّهُمْ إيمانٌ يُدْخِلً الْجَنَّةَ، وَبُغْضُهُمْ كُفْرٌ وَنِفَاقٌ يُدْخِلُ النَّارَ، فَأَسَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ وَأَهْلِ بَيْتِهِ، قَالَ: ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اْللَّهِ عليه السلام: مَا خَرَجَ وَلَا
ص: 26
يَخْرُجُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ إلَى قِيَامِ قَائِمِنَا أَحَدٌ لِيَدْفَعَ ظُلْماً أَوْ يَنْعَشَ حَقّاً إلَّااصْطَلَمَتْهُ الْبَلِيَّةُ، وَكَانَ قِيَامُهُ زِيَادَةً فِيْ مَكْرُوهِنَا وَشِيعَتِنَا.
قَالَ الْمُتَوَكِّلُ بْنُ هارُونَ: ثُمَّ أمْلَى عَلَيَّ أبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلامُ الأدْعِيَةَ؛ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ بَاباً سَقَطَ عَنّيْ مِنْهَا أَحَدَ عَشَرَ باباً، وَحَفِظْتُ مِنْهَا نَيِّفاً وَسِتِّينَ باباً.
وَحَدَّثَنَا أَبُو الْمُفَضَّلِ قَالَ: وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ ابْنِ روزَبِهْ أبُو بَكْرٍ الْمَدَائِنِيُّ الْكَاتِبُ نَزِيلُ الرَّحْبَةِ فِي دَارِهِ قَالَ: حَدَّثنِي مُحَمَّدُ بنُ أحْمَدَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمُطَهَّرِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِيْ عَنْ عُمَيْرِ بنِ مُتَوَكِّلٍ الْبَلْخِيُّ عَنْ أَبِيهِ الْمُتَوَكِّلِ بْنِ هارُونَ قالَ: لَقِيتُ يَحْيى بْنَ زَيْدِ بنِ عَلِيٍّ عليهما السلام فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِتَمامِهِ إلَى رُؤْيَا النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله الَّتِي ذَكَرَهَا جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ عَنْ آبائِهِ صَلَوَاتُ اللَّه عَلَيْهِمْ، وَفِي رِوَايةِ الْمُطَهَّرِيِّ ذِكْرُ الأبوَابِ وَهِيَ:
ص: 27
1- التَّحْمِيدُ للِه عَزَّ وَجَلّ.
2- الصَّلَاةُ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.
3- الصَّلَاةُ عَلَى حَمَلَةِ الْعَرْشِ.
4- الصَّلَاةُ عَلَى مُصَدِّقي الرُّسُلِ.
5- دُعَاؤُهُ لِنَفْسِهِ وَخَاصّتِهِ.
6- دُعَاؤُهُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ.
7- دُعَاؤُهُ فِي الْمُهِمَّاتِ.
8- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِعَاذَةِ.
9- دُعَاؤُهُ فِي الاشْتِيَاقِ.
10- دُعَاؤُهُ فِي اللجَأ إلَى اللِّه تَعالى.
11- دُعَاؤُهُ بِخَوَاتِمِ الْخَيْرِ.
12- دُعَاؤُهُ فِي الاعْتِرَافِ.
13- دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ الْحَوَائِجِ.
14- دُعَاؤُهُ فِي الظُّلَامَاتِ.
15- دُعَاؤُهُ عند المَرَضِ.
ص: 28
16- دُعَاؤُهُ في الاسْتِقَالَةِ.
17- دُعَاؤُهُ عَلَى الشَّيْطَانِ.
18- دُعَاؤُهُ فِي الْمحْذُورَاتِ.
19- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِسْقَآءِ.
20- دُعَاؤُهُ فِي مَكَارِمِ الأخْلَاقِ.
21- دُعَاؤُهُ إذَا حَزَنَهُ أمْرٌ.
22- دُعَاؤُهُ عِنْدَ الشِّدَّةِ.
23- دُعَاؤُهُ بِالْعَافِيَة.
24- دُعَاؤُه لِأبَويْهِ عليهما السلام.
25- دُعَاؤُهُ لِوُلدِهِ عليه السلام.
26- دُعَاؤُهُ لِجِيْرَانِهِ وَأَوْلِيائِهِ.
27- دُعَاؤُهُ لِأهْلِ الثُّغُورِ.
28- دُعَاؤُهُ فِي التَّفَزُّعِ.
29- دُعَاؤُهُ إذَا قُتِّرَ عَلَيْهِ الرِّزقُ.
30- دُعَاؤُهُ فِي الْمَعُونَةِ على قضاءِ الدَّينِ.
ص: 29
31- دُعَاؤُهُ بِالتَّوْبَةِ.
32- دُعَاؤُهُ فِي صَلَاةِ اللّيلِ.
33- دُعَاؤُهُ فِي الاسْتِخَارَةِ.
34- دُعَاؤُهُ إذَا ابْتُلَي أَو رَأى مُبْتَلَىً بِفَضِيحَةٍ أوْ بِذَنْبٍ.
35- دُعَاؤُهُ فِي الرِّضَا بِالقَضَآء.
36- دُعَاؤُهُ عِنْدَ سَمَاعِ الرَّعْدِ.
37- دُعَاؤُهُ فِي الشُّكْرِ.
38- دُعَاؤُهُ فِي الاعْتِذَارِ.
39- دُعَاؤُهُ فِي طَلَب الْعَفْوِ.
40- دُعَاؤُهُ عِنْدَ ذِكْرِ الْمَوْتِ.
41- دُعَاؤُهُ فِي طَلَبِ السَّتْرِ وَالوِقايَةِ.
42- دُعَاؤُهُ عِنْدَ خَتْمِهِ الْقُرْآنَ.
43- دُعَاؤُهُ إذا نظرَ إلى الهِلال.
44- دُعَاؤُهُ لِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ.
ص: 30
45- دُعَاؤُهُ لِوَدَاعِ شَهْرِ رَمَضَان.
46- دُعَاؤُهُ لِعِيدِ الْفِطْرِ وَالْجُمُعَةِ.
47- دُعَاؤُهُ في يومِ عَرَفَةَ.
48- دُعَاؤهُ فِي يَوْمِ الأَضْحى وَالْجُمُعَةِ.
49- دُعَاؤُهُ فِي دَفْعِ كَيْدِ الأعْدَاءِ.
50- دُعَاؤُهُ فِي الرّهْبَة.
51- دُعَاؤُهُ فِي التَّضَرُّعِ والاسْتِكَانَةِ.
52- دُعَاؤُهُ فِي الإلْحاح.
53- دُعَاؤُهُ فِي التَّذَلُّل للَّهِ عَزَّ وَجَلّ.
54- دُعَاؤُهُ فِي اسْتِكْشافِ الْهُمُومِ.
وَبَاقِي الأبْوَابِ بِلَفْظِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْحَسَنيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ.
حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِاللَّه جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَسَنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ خَطَّابٍ الزَّيَّاتُ قَالَ: حَدَّثَنِي خَالي عَلِيٌّ بنُ النُّعْمانِ الأعْلَمُ قَالَ: حَدَّثَنِى
ص: 31
عُمَيْرُ بْنُ مُتَوَكِّلٍ الثَّقَفِيُّ الْبَلَخِيُّ عَنْ أَبِيْهِ مُتَوَكِّلِ بْنِ هَارُونَ قَالَ أَمْلَى عَلَىَّ سَيِّدِي الصَّادِقُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرُ بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
أَمْلَى جَدِّي عَلِىٌّ بنُ الْحُسَيْنِ عَلَى أَبِي مُحَمَّدِ بنِ عَلِيٍّ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ السَّلَامُ بِمَشْهَدٍ مِنّي:
ص: 32
أَلْحَمْدُ للَّهِ الأوَّلِ بِلا أَوَّلٍ كَانَ قَبْلَهُ، وَالآخِرِ بِلا آخِرٍ يَكُونُ بَعْدَهُ، الَّذِي قَصُرَتْ عَنْ رُؤْيَتِهِ أَبْصَارُ النَّاظِرِينَ، وَ عَجَزَتْ عَنْ نَعْتِهِ أَوهامُ الْوَاصِفِينَ، ابْتَدَعَ بِقُدْرَتِهِ الْخَلْقَ ابتِدَاعَاً، وَ اخْتَرَعَهُمْ عَلَى مَشِيَّتِهِ اخترَاعاً، ثُمَّ سَلَكَ بِهِمْ طَرِيقَ إرَادَتِهِ، وَبَعَثَهُمْ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِهِ، لا يَمْلِكُونَ تَأخِيراً عَمَّا قَدَّمَهُمْ إليْهِ، وَلا يَسْتَطِيعُونَ تَقَدُّماً إلَى مَا أَخَّرَهُمْ عَنْهُ، وَجَعَلَ لِكُلِّ رُوْحٍ مِنْهُمْ قُوتَاً مَعْلُوماًمَقْسُوماً مِنْ رِزْقِهِ، لَا يَنْقُصُ مَنْ زادَهُ نَاقِصٌ، وَلَا يَزِيدُ مَنْ نَقَصَ منْهُمْ زَائِدٌ. ثُمَّ ضَرَبَ لَهُ فِي الْحَيَاةِ أَجَلًا مَوْقُوتاً،
ص: 33
وَ نَصَبَ لَهُ أَمَداً مَحْدُوداً، يَتَخَطَّأُ إلَيهِ بِأَيَّامِ عُمُرِهِ، وَيَرْهَقُهُ بِأَعْوَامِ دَهْرِهِ، حَتَّى إذَا بَلَغَ أَقْصَى أَثَرِهِ، وَ اسْتَوْعَبَ حِسابَ عُمُرِهِ، قَبَضهُ إلَى ما نَدَبَهُ إلَيْهِ مِنْ مَوْفُورِ ثَوَابِهِ أَوْ مَحْذُورِ عِقَابِهِ،، عَدْلًا مِنْهُ تَقَدَّسَتْ أَسْمَآؤُهُ، وَتَظاهَرَتْ آلآؤُهُ،
وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي لَوْ حَبَسَ عَنْ عِبَادِهِ مَعْرِفَةَ حَمْدِهِ عَلَى مَا أَبْلَاهُمْ مِنْ مِنَنِهِ الْمُتَتَابِعَةِ، وَأَسْبَغَ عَلَيْهِمْ مِنْ نِعَمِهِ الْمُتَظَاهِرَةِ، لَتَصرَّفُوا فِي مِنَنِهِ فَلَمْ يَحْمَدُوهُ، وَتَوَسَّعُوا فِي رِزْقِهِ فَلَمْ يَشْكُرُوهُ، وَلَوْ كَانُوا كَذلِكَ لَخَرَجُوا مِنْ حُدُودِ الإنْسَانِيَّةِ إلَى حَدِّ الْبَهِيمِيَّةِ، فَكَانُوا كَمَا وَصَفَ فِي مُحْكَم كِتَابِهِ: وَالْحَمْدُللَّه عَلَى مَا عَرَّفَنا مِنْ نَفْسِهِ، وَأَلْهَمَنَا مِنْ شُكْرِهِ، وَفَتَحَ لَنَا من أبوَابِ الْعِلْمِ بِرُبُوبِيّته،
ص: 34
وَدَلَّناعَلَيْهِ مِنَ الإِخْلَاصِ لَهُ فِي تَوْحِيدِهِ، وَجَنَّبَنا مِنَ الإلْحَادِ وَالشَّكِّ فِي أَمْرِهِ، حَمْداً نُعَمَّرُ بِهِ فِيمَنْ حَمِدَهُ مِنْ خَلْقِهِ، وَنَسْبِقُ بِهِ مَنْ سَبَقَ إلَى رِضَاهُ وَعَفْوِهِ، حَمْداً يُضِي ءُ لَنَا بِهِ ظُلُمَاتِ الْبَرْزَخِ، وَيُسَهِّلُ عَلَيْنَا بِهِ سَبِيلَ الْمَبْعَثِ، وَيُشَرِّفُ بِهِ مَنَازِلَنَا عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ، يَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ حَمْداً يَرْتَفِعُ مِنَّا إلَى أَعْلَى عِلِّيِّينَ، فِي كِتَابٍ مَرْقُومٍ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، حَمْداً تَقَرُّ بِهِ عُيُونُنَا إذَا بَرِقَتِ الأبْصَارُ، وَتَبْيَضُّ بِهِ وُجُوهُنَا إذَا اسْوَدَّتِ الأبْشَارُ، حَمْداً نُعْتَقُ بِهِ مِنْ أَلِيمِ نَارِ اللَّهِ إلَى كَرِيمِ جِوَارِاللَّهِ، حَمْداً نُزَاحِمُ بِهِ مَلَائِكَتَهُ الْمُقَرَّبِينَ، وَنُضَامُّ بِهِ أَنْبِيآءَهُ المُرْسَلِيْنَ، فِي دَارِ الْمُقَامَةِ الَّتِي لا تَزُولُ، وَمَحَلِّ كَرَامَتِهِ الَّتِي لا تَحُولُ.
وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي اخْتَارَ لَنَا مَحَاسِنَ الْخَلْقِ، وَأَجرى
ص: 35
عَلَيْنَا طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَجَعَلَ لَنَا الفَضِيلَةَ بِالْمَلَكَةِ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ، فَكُلُّ خَلِيقَتِهِ مُنْقَادَةٌ لَنَا بِقُدْرَتِهِ، وَصَآئِرَةٌ إلَى طَاعَتِنَا بِعِزَّتِهِ. وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي أَغْلَقَ عَنَّا بَابَ الْحاجَةِ إلّا إلَيْهِ، فَكَيْفَ نُطِيقُ حَمْدَهُ، أَمْ مَتَى نُؤَدّي شُكْرَهُ؟!، لا، مَتى؟ وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي رَكَّبَ فِينَا آلَاتِ الْبَسْطِ، وَجَعَلَ لَنَا أدَوَاتِ الْقَبْضِ، وَمَتَّعَنا بِارْواحِ الْحَياةِ، وَأثْبَتَ فِينا جَوارِحَ الأعْمَالِ، وَغَذَّانَا بِطَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَأغْنانَا بِفَضْلِهِ، وَأقْنانَا بِمَنِّهِ، ثُمّ أَمَرَنا لِيَخْتَبِرَ طاعَتَنَا، وَنَهَانَا لِيَبْتَلِيَ شُكْرَنَا، فَخَالَفْنَا عَنْ طَرِيْقِ أمْرِهِ، وَرَكِبْنا مُتُونَ زَجْرهِ، فَلَم يَبْتَدِرْنا بِعُقُوبَتِهِ، وَلَمْ يُعَاجِلْنَا بِنِقْمَتِهِ، بَلْ تَأنَّانا بِرَحْمَتِهِ تَكَرُّماً، وَانْتَظَرَ مُراجَعَتَنَا بِرَأفَتِهِ حِلْماً. وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي دَلَّنَا عَلَى التَّوْبَةِ الَّتِي لَمْ نُفِدْهَا إلّا مِنْ فَضْلِهِ، فَلَوْ لَمْ نَعْتَدِدْ مِنْ فَضْلِهِ إلّا بِهَا لَقَدْ حَسُنَ بَلاؤُهُ عِنْدَنَا، وَ جَلَّ إحْسَانُهُ إلَيْنَا، وَجَسُمَ فَضْلُهُ عَلَيْنَا، فَمَا هكذا
ص: 36
كَانَتْ سُنَّتُهُ فِي التَّوْبَةِ لِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا، لَقَدْ وَضَعَ عَنَّا، وَلَمْ يُكَلِّفْنَا إلّا وُسْعاً، وَ لَمْ يُجَشِّمْنَا إلّا يُسْراً، وَلَمْ يَدَعْ لأَحَدٍ مِنَّا حُجَّةً وَلَا عُذْراً، فَالْهَالِكُ مِنَّا مَنْ هَلَكَ عَلَيْهِ، وَالسَّعِيدُ مِنَّا مَنْ رَغِبَ إلَيْهِ.
وَالْحَمْدُ للَّهِ بِكُلِّ مَا حَمِدَهُ بِهِ أدْنَى مَلائِكَتِهِ إلَيْهِ، وَ أَكْرَمُ خَلِيقَتِهِ عَلَيْهِ، وَأرْضَى حَامِدِيْهِ لَدَيْهِ، حَمْداً يَفْضُلُ سَآئِرَ الْحَمْدِ، كَفَضْلِ رَبِّنا عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، ثُمَّ لَهُ الْحَمْدُ مَكَانَ كُلِّ نِعْمَةٍ لَهُ عَلَيْنَا، وَعَلى جَمِيعِ عِبَادِهِ الْمَاضِينَ وَالْبَاقِينَ، عَدَدَ مَا أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ مِنْ جَمِيعِ الأشْيَآءِ، وَمَكَانَ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا عَدَدُهَا أَضْعافاً مُضَاعَفَةً أَبَداً سَرْمَداً إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، حَمْداً لَا مُنْتَهَى لِحَدِّهِ، وَلا حِسَابَ لِعَدَدِهِ وَ لَا مَبْلَغَ لِغَايَتِهِ، وَلا انْقِطَاعَ لأَمَدِهِ، حَمْدَاً يَكُونُ وُصْلَةً إلَى طَاعَتِهِ وَعَفْوِهِ، وَ سَبَباً إلَى رِضْوَانِهِ، وَذَرِيعَةً إلَى مَغْفِرَتِهِ، وَطَرِيقاً إلَى جَنَّتِهِ، وَخَفِيْراً مِنْ نَقِمَتِهِ، وَ أَمْناً
ص: 37
مِنْ غَضَبِهِ، وَ ظَهِيْراً عَلَى طَاعَتِهِ، وَ حَاجِزاً عَنْ مَعْصِيَتِهِ، وَعَوْناً عَلَى تَأدِيَةِ حَقِّهِ وَوَظائِفِهِ، حَمْداً نَسْعَدُ بِهِ فِي السُّعَدَاءِ مِنْ أَوْلِيَآئِهِ، وَنَصِيرُ بِهِ فِي نَظْمِ الشُّهَدَآءِ بِسُيُوفِ أَعْدَائِهِ، إنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيدٌ.
ص: 38
وَالْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَيْنَا بِمُحَمَّدٍ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ دُونَ الأُمَمِ الْمَاضِيَةِ، وَالْقُرُونِ السَّالِفَةِ، بِقُدْرَتِهِ الَّتِي لَا تَعْجِزُ عَنْ شَيْ ءٍ وَإنْ عَظُمَ، وَ لا يَفُوتُها شَي ءٌ وَإنْ لَطُفَ، فَخَتَمَ بِنَا عَلَى جَمِيعٍ مَنْ ذَرَأَ، وَجَعَلَنَا شُهَدَاءَ عَلَى مَنْ جَحَدَ، وَكَثَّرَنا بِمَنِّهِ عَلَى مَنْ قَلَّ. اللَّهمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ أَمِينِكَ عَلَى وَحْيِكَ، وَنَجِيبِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَصَفِيِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، إمَامِ الرَّحْمَةِ وَقَائِدِ الْخَيْرِ وَمِفْتَاحِ الْبَرَكَةِ، كَمَا نَصَبَ لِأَمْرِكَ نَفْسَهُ، وَ عَرَّضَ فِيْكَ لِلْمَكْرُوهِ بَدَنَهُ، وَكَاشَفَ فِي الدُّعآءِ إلَيْكَ حَامَّتَهُ، وَحَارَبَ فِي رِضَاكَ
ص: 39
اسْرَتَهُ، وَقَطَعَ فِيْ إحْياءِ دِينِكَ رَحِمَهُ، وَأقصَى الأدْنَيْنَ عَلى جُحُودِهِمْ، وَقَرَّبَ الأقْصَيْنَ عَلَى اسْتِجَابَتِهِمْ لَكَ، وَوالَى فِيكَ الأبْعَدِينَ، وَعَادى فِيكَ الأقْرَبِينَ، وَأدْأبَ نَفْسَهُ فِي تَبْلِيغِ رِسَالَتِكَ، وَأَتْعَبَهَا بِالدُّعآءِ إلَى مِلَّتِكَ، وَشَغَلَهَا بِالنُّصْحِ لِأَهْلِ دَعْوَتِكَ، وَهَاجَرَ إلَى بِلَادِ الْغُرْبَةِ وَمحَلِّ النَّأيِ، عَنْ مَوْطِنِ رَحْلِهِ، وَمَوْضِعِ رِجْلِهِ، وَمَسْقَطِ رَأسِهِ، وَمَأنَسِ نَفْسِهِ، إرَادَةً مِنْهُ لإعْزَازِ دِيْنِكَ، واسْتِنْصَاراً عَلَى أَهْلِ الْكُفْرِ بِكَ، حَتّى اسْتَتَبَّ لَهُ مَا حَاوَلَ فِي أَعْدَائِكَ، وَاسْتَتَمَّ لَهُ مَا دَبَّرَ فِي أوْلِيآئِكَ، فَنَهَدَ إلَيْهِمْ مُسْتَفْتِحاً بِعَوْنِكَ، وَمُتَقَوِّياً عَلَى ضَعْفِهِ بِنَصْرِكَ، فَغَزَاهُمْ فِي عُقْرِ دِيَارِهِمْ، وَهَجَمَ عَلَيْهِمْ فِي بُحْبُوحَةِ قَرَارِهِمْ، حَتّى ظَهَر أَمْرُكَ، وَعَلَتْ كَلِمَتُكَ اللَهُمَّ فَارْفَعْهُ بِمَا كَدَحَ فِيكَ إلَى الدَّرَجَةِالْعُلْيَا مِنْ جَنَّتِكَ، حَتَّى لَا يُسَاوَى فِي مَنْزِلَةٍ،
ص: 40
وَلا يُكَاْفَأَ فِي مَرْتَبَةٍ، وَلَا يُوَازِيَهُ لَدَيْكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلا نبيٌّ مُرْسَلٌ، وَعَرِّفْهُ فِي أهْلِهِ الطّاهِرِينَ، وَامَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ حُسْنِ الشَّفَاعَةِ أجَلَّ مَا وَعَدْتَهُ، يَا نَافِذَ الْعِدَةِ، يَا وَافِيَ الْقَوْلِ، يَا مُبَدِّلَ السَّيِّئات بِأضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الْجَوَادُ الْكَرِيمُ.
ص: 41
أَللَّهُمَّ وَحَمَلَةُ عَرْشِكَ، الَّذِينَ لا يَفْتُرُونَ مِنْ تَسْبِيحِكَ، وَلا يَسْأَمُونَ مِنْ تَقْدِيْسِكَ، وَلا يَسْتَحسِرُونَ مِنْ عِبَادَتِكَ، وَلَا يُؤْثِرُونَ التَّقْصِيرَ عَلَى الْجِدِّ فِي أَمْرِكَ، وَلا يَغْفُلُونَ عَنِ الْوَلَهِ إلَيْكَ. وَإسْرافِيْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ، الشَّاخِصُ، الَّذِي يَنْتَظِرُ مِنْكَ الإذْنَ وَحُلُولَ الأمْرِ، فَيُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعى رَهَائِنِ الْقُبُورِ. وَمِيكَآئِيلُ ذُو الْجَاهِ عِنْدَكَ، وَالْمَكَانِ الرَّفِيعِ مِنْ طَاعَتِكَ. وَجِبْريلُ الأمِينُ عَلَى وَحْيِكَ، الْمُطَاعُ فِي أَهْلِ سَمَاوَاتِكَ، الْمَكِينُ لَدَيْكَ، الْمُقَرَّبُ عِنْدَكَ، وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ عَلَى مَلائِكَةِ الْحُجُبِ،
ص: 42
وَالرُّوحُ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْرِكَ. أَللَّهُمَّ فَصَلِّ عليهم وَعَلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِمْ مِنْ سُكَّانِ سَمَاوَاتِكَ وَأَهْلِ الأمَانَةِ عَلَى رِسَالاتِكَ، وَالَّذِينَ لا تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دُؤُوبٍ، وَلَا إعْيَاءٌ مِنْ لُغُوبٍ وَلَا فُتُورٌ، وَلَا تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبِيحِكَ الشَّهَوَاتُ، وَلا يَقْطَعُهُمْ عَنْ تَعْظِيمِكَ سَهْوُ الْغَفَلَاتِ، الْخُشَّعُ الأبْصارِ فلا يَرُومُونَ النَّظَرَ إلَيْكَ، النَّواكِسُ الأذْقانِ الَّذِينَ قَدْ طَالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِيمَا لَدَيْكَ، الْمُسْتَهْتِرُونَ بِذِكْرِ آلآئِكَ، وَالْمُتَوَاضِعُونَ دُونَ عَظَمَتِكَ وَجَلَالِ كِبْرِيآئِكَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ إذَا نَظَرُوا إلَى جَهَنَّمَ تَزْفِرُ عَلَى أَهْلِ مَعْصِيَتِكَ:
سُبْحَانَكَ مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ. فَصَلِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الرَّوْحانِيِّينَ مِنْ مَلآئِكَتِكَ، وَأهْلِ الزُّلْفَةِ عِنْدَكَ، وَحُمَّالِ الْغَيْبِ إلى رُسُلِكَ، وَالْمُؤْتَمَنِينَ على وَحْيِكَ، وَقَبائِلِ الْمَلآئِكَةِ الَّذِينَ اخْتَصَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ، وَأَغْنَيْتَهُمْ عَنِ الطَّعَامِ
ص: 43
والشَّرَابِ بِتَقْدِيْسِكَ، وَأسْكَنْتَهُمْ بُطُونَ أطْبَاقِ سَمَاوَاتِكَ، وَالّذينَ عَلَى أرْجَآئِهَا إذَا نَزَلَ الأمْرُ بِتَمَامِ وَعْدِكَ، وَخزّانِ الْمَطَرِ وَزَوَاجِرِ السَّحَابِ، وَالّذِي بِصَوْتِ زَجْرِهِ يُسْمَعُ زَجَلُ الرُّعُوْدِ، وَإذَا سَبَحَتْ بِهِ حَفِيفَةُ السّحَابِ الْتَمَعَتْ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ، وَمُشَيِّعِيْ الْثَلْجِ وَالْبَرَدِ، وَالْهَابِطِينَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَر إَذَا نَزَلَ، وَالْقُوَّامِ عَلَى خَزَائِنِ الرّيَاحِ، وَالمُوَكَّلِينَ بِالجِبَالِ فَلا تَزُولُ، وَالَّذِينَ عَرَّفْتَهُمْ مَثَاقِيلَ الْمِياهِ، وَكَيْلَ مَا تَحْوِيهِ لَوَاعِجُ الأمْطَارِ وَعَوَالِجُهَا، وَرُسُلِكَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إلَى أهْلِ الأرْضِ بِمَكْرُوهِ مَا يَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ، وَمَحْبُوبِ الرَّخَآءِ، والسَّفَرَةِ الْكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالْحَفَظَةِ الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ، وَمَلَكِ الْمَوْتِ وَأعْوَانِهِ، وَمُنْكَرٍ وَنَكِيرٍ، وَرُومَانَ فَتَّانِ الْقُبُورِ، وَالطَّائِفِينَ بِالبَيْتِ الْمَعْمُورِ، وَمَالِكٍ، وَالْخَزَنَةِ، وَرُضْوَانَ، وَسَدَنَةِ الْجِنَانِ وَالَّذِيْنَ «لَا يَعْصُونَ اللَّهَ
ص: 44
مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (1)» وَالَّذِينَ يَقُولُونَ: «سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ(2)» والزّبانيةُ الذّينَ إذَا قِيْلَ لَهُمْ: ابْتَدَرُوهُ سِرَاعاً وَلَمْ يُنْظِرُوهُ. وَمَنْ أوْهَمْنَا ذِكْرَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ مَكَانَهُ مِنْكَ، وَبأيِّ أمْرٍ وَكَّلْتَهُ. وَسُكّانُ الْهَوَآءِ وَالأرْضِ وَالمآءِ، وَمَنْ مِنْهُمْ عَلَى الْخَلْقِ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ يَوْمَ تَأْتي، وَصَلِ عَلَيْهِمْ صَلَاةً تَزِيدُهُمْ كَرَامَةً عَلى كَرَامَتِهِمْ، وَطَهَارَةً عَلَى طَهَارَتِهِمْ.
أللّهُمَّ وَإذَا صَلَّيْتَ عَلَى مَلَائِكَتِكَ وَرُسُلِكَ، وَبَلَّغْتَهُمْ صَلَاتَنَا عَلَيْهِمْ، فَصَلِّ عَلَيْهِمْ بِمَا فَتَحْتَ لَنَا مِنْ حُسْنِ الْقَوْلِ فِيْهِمْ، إنَّكَ جَوَاْدٌ كَرِيمٌ.
ص: 45
أَللَّهُمَّ یامَنْ خَصَّ مُحَمَّداً وَآلَهُ بِالْکَرَامَهِ، وَحَباهُمْ بِالرِّسالَهِ، وَخَصَّصهُمْ بِالْوَسِیلَهِ، وَجَعَلَهُمْ وَرَثَهَ الأَنْبِیآءِ، وَخَتَمَ بِهِمُ الأَوْصِیآءَ وَالأَئِمَّهَ، وَعَلَّمَهُمْ عِلْمَ ما کَانَ وَعِلمَ مَا بَقِیَ، وَجَعَلَ أَفْئِدَهً مِنَ النَّاسِ تَهْوِی إلَیْهِمْ؛ فَصَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِینَ، وَافْعَلْ بِنا ما أَنْتَ أَهْلُهُ فِی الدِّینِ وَالدُّنْیا وَالآخِرَهِ، إنَّکَ عَلی کُلِّ شَیْ ءٍ قَدِیرٌ.
ص: 46
اللَّهُمَّ وَأَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَمُصَدِّقُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الأرْضِ بِالْغَيْبِ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْمُعَانِدينَ لَهُمْ بِالتَّكْذِيبِ وَالاشْتِيَاقِ إلَى الْمُرْسَلِينَ بِحَقائِقِ الإيْمَانِ. فِي كُلِّ دَهْرٍ وَزَمَانٍ أَرْسَلْتَ فِيْهِ رَسُولًا، وَأَقَمْتَ لأهْلِهِ دَلِيلًا، مِنْ لَدُنْ آدَمَ إلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى، وَقَادَةِ أَهْلِ التُّقَى عَلَى جَمِيعِهِمُ السَّلَامُ، فَاذْكُرْهُمْ مِنْكَ بِمَغْفِرَةٍ وَرِضْوَانٍ. اللَّهُمَّ وَأَصْحَابُ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً الَّذِينَ أَحْسَنُوا الصَّحَابَةَ، وَالَّذِينَ أَبْلَوْا الْبَلَاءَ الْحَسَنَ فِي نَصْرِهِ، وَكَانَفُوهُ وَأَسْرَعُوا إلَى وِفَادَتِهِ، وَسَابَقُوا إلَى دَعْوَتِهِ،
ص: 47
واسْتَجَابُوا لَهُ حَيْثُ أَسْمَعَهُمْ حجَّةَ رِسَالاتِهِ، وَفَارَقُوا الأزْوَاجَ وَالأوْلادَ فِي إظْهَارِ كَلِمَتِهِ، وَقَاتَلُوا الآباءَ وَالأبناءَ فِي تَثْبِيتِ نبُوَّتِهِ، وَانْتَصَرُوا بهِ وَمَنْ كَانُوا مُنْطَوِينَ عَلَى مَحبَّتِهِ يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ فِي مَوَدَّتِهِ، وَالّذينَ هَجَرَتْهُمُ العَشَائِرُ إذْ تَعَلَّقُوا بِعُرْوَتِهِ، وَانْتَفَتْ مِنْهُمُ الْقَرَاباتُ إذْ سَكَنُوا فِي ظِلِّ قَرَابَتِهِ، فَلَا تَنْسَ لَهُمُ اللّهُمّ مَا تَرَكُوا لَكَ وَفِيكَ، وَأَرْضِهِمْ مِنْ رِضْوَانِكَ وَبِمَا حَاشُوا الْخَلْقَ عَلَيْكَ، وَكَانُوا مَعَ رَسُولِكَ دُعَاةً لَكَ إلَيْكَ، وَاشكُرْهُمْ عَلَى هَجْرِهِمْ فِيْكَ دِيَارَ قَوْمِهِمْ، وَخُرُوجِهِمْ مِنْ سَعَةِ الْمَعَاشِ إلَى ضِيْقِهِ، وَمَنْ كَثَّرْتَ فِي إعْزَازِ دِيْنِكَ مِنْ مَظْلُومِهِمْ. أللّهُمّ وَأوْصِلْ إلَى التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإحْسَانٍ الَّذِينَ يَقُولُونَ:
«رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ(1)» خَيْرَ جَزَائِكَ، الَّذِينَ قَصَدُوا سَمْتَهُمْ، وَتَحَرَّوْا وِجْهَتَهُمْ، وَمَضَوْا عَلى شاكِلَتِهِمْ، لَمْ
ص: 48
يَثْنِهِمْ رَيْبٌ فِي بَصِيْرَتِهِمْ، وَلَمْ يَخْتَلِجْهُمْ شَكٌّ فِي قَفْوِ آثَارِهِمْ وَالائْتِمَامِ بِهِدَايَةِ مَنَارِهِمْ، مُكَانِفِينَ وَمُوَازِرِيْنَ لَهُمْ، يَدِيْنُونَ بِدِيْنِهِمْ، وَيَهْتَدُونَ بِهَدْيِهِمْ، يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَتَّهِمُونَهُمْ فِيمَا أدَّوْا إلَيْهِمْ. ألَّلهُمَّ وَصَلِّ عَلَى التّابِعِيْنَ مِنْ يَوْمِنَا هَذا إلى يَوْم الدِّينِ، وَعَلَى أزْوَاجِهِمْ، وَعَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ، وَعَلَى مَنْ أَطَاعَكَ مِنْهُمْ صَلاةً تَعْصِمُهُمْ بِهَامِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَتَفْسَحُ لَهُمْ فِي رِيَاضِ جَنَّتِكَ، وَتَمْنَعُهُمْ بِهَا مِنْ كَيْدِ الشَيْطَانِ، وَتُعِينُهُمْ بِهَا عَلَى مَا اسْتَعَانُوكَ عَلَيْهِ مِنْ بِرٍّ، وَتَقِيهِمْ طَوَارِقَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إلّا طَارِقاً يَطْرُقُ بِخَيْرٍ، وَتَبْعَثُهُمْ بِهَا عَلَى اعْتِقَادِ حُسْنِ الرَّجَاءِ لَكَ، وَالطَّمَعِ فِيمَا عِنْدَكَ، وَتَرْكِ النُّهَمَةِ فِيمَا تَحْويهِ أيْدِي الْعِبَادِ لِتَرُدَّهُمْ إلَى الرَّغْبَةِ إلَيْكَ وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَتُزَهِّدُهُمْ فِي سَعَةِ العَاجِلِ وَتُحَبِّبُ إلَيْهِمُ الْعَمَلَ لِلآجِلِ، وَالاسْتِعْدَادَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَتُهَوِّنَ عَلَيْهِمْ
ص: 49
كُلَّ كَرْبٍ يَحُلُّ بِهِمْ يَوْمَ خُرُوجِ الأنْفُسِ مِنْ أَبْدَانِهَا، وَتُعَافِيَهُمْ مِمَّا تَقَعُ بِهِ الْفِتْنَةُ مِنْ مَحْذُورَاتِهَا، وَكَبَّةِ النَّارِ وَطُولِ الْخُلُودِ فِيهَا، وَتُصَيِّرَهُمْ إلَى أَمْنٍ مِنْ مَقِيلِ الْمُتَّقِينَ.
ص: 50
يا مَنْ لا تَنْقَضِي عَجَائِبُ عَظَمَتِهِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْجُبْنَا عَنِ الإلْحَادِ فِي عَظَمَتِكَ، وَيَا مَنْ لَا تَنْتَهِي مُدَّةُ مُلْكِهِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعْتِقْ رِقَابَنَا مِنْ نَقِمَتِك، وَيَا مَنْ لا تَفْنَى خَزَائِنُ رَحْمَتِهِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ لَنا نَصِيباً فِي رَحْمَتِكَ، وَيَا مَنْ تَنْقَطِعُ دُونَ رُؤْيَتِهِ الأبْصَارُ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَدْنِنَا إلَى قُرْبِكَ، وَيَا مَنْ تَصْغُرُ عِنْدَ خَطَرِهِ الأخْطَارُ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَكَرِّمْنَا عَلَيْكَ، وَيَا مَنْ تَظْهَرُ عِنْدَهُ بَوَاطِنُ الأخْبَارِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلَا تَفْضَحْنَا لَدَيْكَ. اللَّهُمَّ أَغْنِنَا عَنْ هِبَةِ
ص: 51
الْوَهَابِيْنَ بِهِبَتِكَ، وَاكْفِنَا وَحْشَةَ الْقَاطِعِين بِصِلَتِكَ، حَتّى لا نَرْغَبَ إلَى أحَدٍ مَعَ بَذْلِكَ، وَلَا نَسْتَوْحِشَ مِنْ أحَدٍ مَعَ فَضْلِكَ. اللهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكِدْ لَنَا وَلا تَكِدْ عَلَيْنَا، وَامْكُرْ لَنَا وَلَا تَمْكُرْ بنَا، وَأدِلْ لَنَا وَلَا تُدِلْ مِنّا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَقِنَا مِنْكَ، وَاحْفَظْنَا بِكَ، وَاهْدِنَا إلَيْكَ، وَلَا تُبَاعِدْنَا عَنْكَ؛ إنّ مَنْ تَقِهِ يَسْلَمْ، وَمَنْ تَهْدِهِ يَعْلَمْ، وَمَنْ تُقَرِّبْهُ إلَيْكَ يَغْنَمْ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنَا حَدَّ نَوائِبِ الزَّمَانِ، وَشَرَّ مَصَائِدِ الشّيطانِ وَمَرَارَةَ صَوْلَةِ السُّلْطَانِ. اللّهُمَّ إنَّما يَكْتَفِي الْمُكْتَفُونَ بِفَضْلِ قُوَّتِكَ، فَصَلِّ عَلَى محَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنَا، وَإنَّمَا يُعْطِي الْمُعْطُونَ مِنْ فَضْلِ جِدَتِكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍوَآلِهِ وَأعْطِنَا، وَإنمَا يَهْتَدِي الْمُهْتَدُونَ بِنُورِ وَجْهِكَ، فَصَلِّ عَلَى محمّدٍ وَآلِهِ وَاهْدِنَا. اللّهُمَّ إنّكَ مَنْ وَالَيْتَ لَمْ يَضْرُرْهُ خِذْلانُ الْخَاذِلِينَ، وَمَنْ أعْطَيْتَ لَمْ يَنْقُصْهُ
ص: 52
مَنْعُ الْمَانِعِينَ، وَمَنْ هَدَيْتَ لَمْ يُغْوِهِ إضْلالُ المُضِلِّيْنَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَامْنَعْنَا بِعِزِّكَ مِنْ عِبَادِكَ، وَأغْنِنَا عَنْ غَيْرِكَ بِإرْفَادِكَ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَ الْحَقِّ بِإرْشَادِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ سَلَامَةَ قُلُوبِنَا فِي ذِكْرِ عَظَمَتِكَ، وَفَرَاغَ أبْدَانِنَا فِي شُكْرِ نِعْمَتِكَ، وَانْطِلَاقَ أَلْسِنَتِنَا فِي وَصْفِ مِنَّتِكَ. أللَهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْنَا مِنْ دُعَاتِكَ الدّاعِينَ إلَيْكَ، وَهُدَاتِكَ الدَّالّينَ عَلَيْكَ، وَمِنْ خَاصَّتِكَ الْخَاصِّينَ لَدَيْكَ، يَا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 53
أَلْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ بِقُوَّتِهِ، وَمَيَّزَ بَيْنَهُمَا بِقُدْرَتِهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدّاً مَحْدُوداً، وَأَمَداً مَمْدُوداً، يُولِجُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي صَاحِبِهِ، وَيُولِجُ صَاحِبَهُ فِيهِ، بِتَقْدِيرٍ مِنْهُ لِلْعِبَادِ فِيمَا يَغْذُوهُمْ بِهِ وَيُنْشئُهُمْ عَلَيْهِ، فَخَلَقَ لَهُمُ اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيْهِ مِنْ حَرَكَاتِ التَّعَبِ، وَنَهَضَاتِ النَّصَبِ، وَجَعَلَهُ لِبَاساً لِيَلْبَسُوا مِنْ رَاحَتِهِ وَمَنَامِهِ، فَيَكُونَ ذَلِكَ جَمَاماً وَقُوَّةً، وَلِيَنَالُوا بِهِ لَذَّةً وَشَهْوَةً. وَخَلَقَ لَهُمُ النَّهارَ مُبْصِراً لِيَبْتَغُوا فِيهِ مِنْ فَضْلِهِ، وَلِيَتَسَبَّبُوا إلَى رِزْقِهِ، وَيَسْرَحُوا فِي أَرْضِهِ، طَلَباً لِمَا فِيهِ نَيْلُ
ص: 54
الْعَاجِلِ مِنْ دُنْيَاهُمْ، وَدَرَكُ الآجِلِ فِيْ اخْراهُمْ، بِكُلِّ ذلِكَ يُصْلِحُ شَأنَهُمْ، وَيَبْلُو أَخْبَارَهُمْ، وَيَنْظُرُ كَيْفَ هُمْ فِي أَوْقَاتِ طَاعَتِهِ، وَمَنَازِلِ فُرُوضِهِ، وَمَوَاقِعِ أَحْكَامِهِ؛ اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَافَلَقْتَ لَنَامِنَ الإِصْبَاحِ، وَمَتَّعْتَنَابِهِ مِنْ ضَوْءِ النَّهَارِ، وَبَصَّرْتَنَا مِنْ مَطَالِبِ الأقْوَاتِ، وَوَقَيْتَنَا فِيهِ مِنْ طَوارِقِ الآفاتِ، أَصْبَحْنَا وَأَصْبَحَتِ الأَشْياءُ كُلُّهَا بِجُمْلَتِهَا لَكَ: سَمَاؤُها وَأَرْضُهَا وَمَا بَثَثْتَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، سَاكِنُهُ وَمُتَحَرِّكُهُ، وَمُقِيمُهُ وَشَاخِصُهُ، وَمَا عَلا فِي الْهَواءِ وَمَا كَنَّ تَحْتَ الثَّرى. أَصْبَحْنَا فِي قَبْضَتِكَ يَحْوِينَا مُلْكُكَ وَسُلْطَانُكَ، وَتَضُمُّنَا مَشِيَّتُكَ، وَنَتَصَرَّفُ عَنْ أَمْرِكَ، وَنَتَقَلَّبُ فِيْ تَدْبِيرِكَ، لَيْسَ لَنَا مِنَ الأمْرِ إلّا مَا قَضَيْتَ وَلا مِنَ الْخَيْرِ إلا مَا أَعْطَيْتَ، وَهَذَا يَوْمٌ حَادِثٌ جَدِيدٌ، وَهُوَ عَلَيْنَا شَاهِدٌ
ص: 55
عَتِيدٌ، إنْ أحْسَنَّا وَدَّعَنَا بِحَمْدٍ، وَإِنْ أسَأْنا فارَقَنا بِذَمٍّ. اللهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْنَا حُسْنَ مُصَاحَبَتِهِ، وَاعْصِمْنَا مِنْ سُوْءِ مُفَارَقَتِهِ؛ بِارْتِكَابِ جَرِيرَة، أَوِ اقْتِرَافِ صَغِيرَةٍ أوْ كَبِيرَةٍ، وَأجْزِلْ لَنَا فِيهِ مِنَ الْحَسَناتِ، وَأَخْلِنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ، وَامْلأ لَنَا مَا بَيْنَ طَرَفَيْهِ حَمْداً وَشُكْراً وَأجْراً وَذُخْراً وَفَضْلًا وَإحْسَاناً. اللَّهُمَّ يسِّرْ عَلَى الْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ مَؤُونَتَنَا، وَامْلأ لَنَا مِنْ حَسَنَاتِنَا صَحَائِفَنَا، وَلَا تُخْزِنَا عِنْدَهُمْ بِسُوءِ أَعْمَالِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْ لَنَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِهِ حَظّاً مِنْ عِبَادِكَ، وَنَصِيباً مِنْ شُكْرِكَ وَشَاهِدَ صِدْقٍ مِنْ مَلائِكَتِكَ. أللَّهَّمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أيْدِينَا وَمِنْ خَلْفِنَا، وَعَنْ أيْمَانِنَا وَعَنْ شَمَائِلِنَا، وَمِنْ جَمِيْعِ نَوَاحِيْنَا، حِفْظاً عَاصِماً مِنْ مَعْصِيَتِكَ، هَادِياً إلَى طَاعَتِكَ، مُسْتَعْمِلًا لِمَحَبَّتِكَ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَوَفِّقْنَا فِي يَوْمِنَا هذا،
ص: 56
ولَيْلَتِنَا هذِهِ، وَفِي جَمِيعِ أيّامِنَا، لاسْتِعْمَالِ الْخَيْرِ، وَهِجْرَانِ الشَرِّ، وَشُكْرِ النِّعَمِ، وَاتّبَاعِ السُّنَنِ، وَمُجَانَبَةِ البِدَعِ، وَالأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَحِياطَةِ الإسْلَامِ، وَانْتِقَاصِ الْبَاطِلِ وَإذْلالِهِ، وَنُصْرَةِ الْحَقِّ وَإعْزَازِهِ، وَإرْشَادِ الضَّالِّ، وَمُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ، وَإدْرَاكِ اللَّهِيْفِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْهُ أيْمَنَ يَوْمٍ عَهِدْنَاهُ، وَأَفْضَلَ صَاحِبٍ صَحِبْنَاهُ، وَخَيْرَ وَقْتٍ ظَلِلْنَا فِيْهِ. وَاجْعَلْنَا مِنْ أرْضَى مَنْ مَرَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ مِنْ جُمْلَةِ خَلْقِكَ، وأَشْكَرَهُمْ لِمَا أوْلَيْتَ مِنْ نِعَمِكَ، وَأقْوَمَهُمْ بِمَا شَرَعْتَ مِنْ شَرَائِعِكَ، وَأَوْقَفَهُمْ عَمَّا حَذَّرْتَ مِنْ نَهْيِكَ. اللَهُمَّ إنِّي اشْهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهِيداً، وَاشْهِدُ سَمَاءَكَ وَأَرْضَكَ وَمَنْ أَسْكَنْتَهُما مِنْ مَلائِكَتِكَ وَسَائِرِ خَلْقِكَ، فِي يَوْمِي هَذَا، وَسَاعَتِي هَذِهِ، وَلَيْلَتِي هَذِهِ، وَمُسْتَقَرِّي هَذَا، أنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أنْتَ اللَّهُ الِذَّي
ص: 57
لَا إلهَ إلّاأَنْتَ، قَائِمٌ بِالْقِسْطِ، عَدْلٌ فِي الْحُكْم، رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ، مَالِكُ المُلْكِ رَحِيمٌ بِالْخَلْقِ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَخِيرَتُكَ مِنْ خَلْقِكَ، حَمَّلْتَهُ رِسَالَتَكَ فَأدَّاهَا، وَأَمَرْتَهُ بالنُّصْحِ لِامَّتِهِ فَنَصَحَ لَهَا. اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أكْثَرَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، وَآتِهِ عَنَّا أَفْضَلَ مَا آتَيْتَ أَحَداً مِنْ عِبَادِكَ وَاجْزِهِ عَنَّا أَفْضَلَ وَأكْرَمَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ أَنْبِيائِكَ عَنْ امَّتِهِ، إنَّكَ أَنْتَ الْمَنَّانُ بِالْجَسِيمِ، الْغَافِر لِلْعَظِيمِ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ مِنْ كُلِّ رَحِيمٍ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ الأَخْيَارِ الأنْجَبِينَ.
ص: 58
يَا مَنْ تُحَلُّ بِهِ عُقَدُ الْمَكَارِهِ، وَيَا مَنْ يُفْثَأُ بِهِ حَدُّ الشَّدَائِدِ، وَيَا مَنْ يُلْتَمَسُ مِنْهُ الْمَخْرَجُ إلَى رَوْحِ الْفَرَجِ، ذَلَّتْ لِقُدْرَتِكَ الصِّعَابُ، وَتَسَبَّبَتْ بِلُطْفِكَ الأسْبَابُ، وَجَرى بِقُدْرَتِكَ الْقَضَاءُ، وَمَضَتْ عَلَى إرَادَتِكَ الأشْياءُ، فَهْيَ بِمَشِيَّتِكَ دُونَ قَوْلِكَ مُؤْتَمِرَةٌ، وَبِإرَادَتِكَ دُونَ نَهْيِكَ مُنْزَجِرَةٌ، أَنْتَ الْمَدْعُوُّ لِلْمُهِمَّاتِ، وَأَنْتَ الْمَفزَعُ فِي الْمُلِمَّاتِ، لَايَنْدَفِعُ مِنْهَاإلّا مَا دَفَعْتَ، وَلايَنْكَشِفُ مِنْهَا إلّامَا كَشَفْتَ، وَقَدْ نَزَلَ بِي يا رَبِّ مَا قَدْ تَكَأدَنيَّ ثِقْلُهُ، وَأَلَمَّ بِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ، وَبِقُدْرَتِكَ أَوْرَدْتَهُ عَلَيَّ، وَبِسُلْطَانِكَ
ص: 59
وَجَّهْتَهُ إليَّ، فَلَا مُصْدِرَ لِمَا أوْرَدْتَ، وَلَا صَارِفَ لِمَا وَجَّهْتَ، وَلَا فَاتِحَ لِمَا أغْلَقْتَ، وَلَا مُغْلِقَ لِمَا فَتَحْتَ، وَلَا مُيَسِّرَ لِمَا عَسَّرْتَ، وَلَا نَاصِرَ لِمَنْ خَذَلْتَ، فَصَلَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَافْتَحْ لِي يَا رَبِّ بَابَ الْفَرَجِ بِطَوْلِكَ، وَاكْسِرْ عَنِّيْ سُلْطَانَ الْهَمِّ بِحَوْلِكَ، وَأَنِلْيني حُسْنَ ألنَّظَرِ فِيمَا شَكَوْتُ، وَأذِقْنِي حَلَاوَةَ الضُّنْعِ فِيمَا سَالْتُ، وَهَبْ لي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَفَرَجاً هَنِيئاً، وَاجْعَلْ لِي مِنْ عِنْدِكَ مَخْرَجاً وَحِيّاً، وَلا تَشْغَلْنِي بالاهْتِمَامِ عَنْ تَعَاهُدِ فُرُوضِكَ، وَاسْتِعْمَالِ سُنَّتِكَ، فَقَدْ ضِقْتُ لِمَا نَزَلَ بِي يَا رَبِّ ذَرْعاً، وَامْتَلأتُ بِحَمْلِ مَا حَدَثَ عَلَيَّ هَمّاً، وَأنْتَ الْقَادِرُ عَلَى كَشْفِ مَامُنِيتُ بِهِ، وَدَفْعِ مَاوَقَعْتُ فِيهِ، فَافْعَلْ بِي ذلِكَ وَإنْ لَمْ أَسْتَوْجِبْهُ مِنْكَ، يَا ذَا العَرْشِ الْعَظِيمَ.
ص: 60
أَللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنْ هَيَجَانِ الْحِرْصِ، وَسَوْرَةِ الغَضَبِ، وَغَلَبَةِ الْحَسَدِ، وضَعْفِ الصَّبْرِ، وَقِلَّةِ الْقَنَاعَةِ، وَشَكَاسَةِ الْخُلُقِ، وَإلْحَاحِ الشَّهْوَةِ، وَمَلَكَةِ الْحَمِيَّةِ، وَمُتَابَعَةِ الْهَوَى، وَمُخَالَفَةِ الْهُدَى، وَسِنَةِ الْغَفْلَةِ، وَتَعَاطِي الْكُلْفَةِ، وَإيْثَارِ الْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ، وَالإصْرَارِ عَلَى الْمَأثَمِ، وَاسْتِصْغَارِ الْمَعْصِيَةِ، وَاسْتِكْثَارِ الطَّاعَةِ، وَمُبَاهَاةِ الْمُكْثِرِينَ، وَالإزْرآءِ بِالْمُقِلِّينَ، وَسُوءِ الْوِلَايَةِ لِمَنْ تَحْتَ أَيْدِينَا وَتَرْكِ الشُّكْرِ لِمَنِ اصْطَنَعَ الْعَارِفَةَ عِنْدَنَا، أَوْ أَنْ نَعْضُدَ ظَالِماً، أَوْ نَخْذُلَ مَلْهُوفاً، أَوْ نَرُومَ مَا لَيْسَ لَنَا بِحَقٍّ،
ص: 61
أَوْ نَقُولَ فِي العِلْمِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَنَعُوذُ بِكَ أَنْ نَنْطَوِيَ عَلَى غِشِّ أَحَدٍ، وَأَنْ نُعْجَبَ بِأَعْمَالِنَا، وَنَمُدَّ فِي آمَالِنَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ سُوءِ السَّرِيرَةِ، وَاحْتِقَارِ الصَّغِيرَةِ، وَأَنْ يَسْتَحْوِذَ عَلَيْنَا الشَّيْطَانُ، أَوْ يَنْكُبَنَا الزَّمَانُ، أَوْ يَتَهَضَّمَنَا السُّلْطَانُ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ تَنَاوُلِ الإِسْرَافِ، وَمِنْ فِقْدَانِ الْكَفَافِ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنَ الْفَقْرِ إلَى الأَكْفَاءِ، وَمِنْ مَعِيشَةٍ فِي شِدَّةٍ، وَمَيْتَةٍ عَلَى غَيْرِ عُدَّةٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الْحَسْرَةِ الْعُظْمى، وَالْمُصِيبَةِ الْكُبْرَى، وَأَشْقَى الشَّقَآءِ وَسُوءِ المَآبِ، وَحِرْمَانِ الثَّوَابِ، وَحُلُولِ الْعِقَابِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِذْنِي مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِرَحْمَتِكَ وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 62
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَصَيِّرْنَا إلَى مَحْبُوبِكَ مِنَ التَّوْبَةِ، وَأَزِلْنَا عَنْ مَكْرُوهِكَ مِنَ الإصْرَارِ. أللَّهُمَّ وَمَتَى وَقَفْنَا بَيْنَ نَقْصَيْنِ فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا، فَأَوْقِعِ النَّقْصَ بِأَسْرَعِهِمَا فَنَاءً، وَاجْعَلِ التّوْبَةَ فِي أَطْوَلِهِمَا بَقَاءً، وَإذَا هَمَمْنَا بِهَمَّيْنِ يُرْضِيكَ أَحَدُهُمَا عَنَّا وَيُسْخِطُكَ الآخَرُ عَلَيْنَا، فَمِلْ بِنَا إلَى مَا يُرْضِيْكَ عَنَّا، وَأَوْهِنْ قُوَّتَنَا عَمَّا يُسْخِطُكَ عَلَيْنَا، وَلَا تُخَلِّ فِي ذلِكَ بَيْنَ نُفُوسِنَا وَاخْتِيَارِهَا؛ فَإنَّهَا مُخْتَارَةٌ لِلْبَاطِلِ إلَّا مَا وَفَّقْتَ، أَمَّارَةٌ بالسُّوءِ إلّامَا رَحِمْتَ. اللَّهمَّ وَإنَّكَ مِنَ الضَّعْفِ خَلَقْتَنَا، وَعَلَى الْوَهْنِ بَنَيْتَنَا، وَمِنْ
ص: 63
ماءٍ مَهِينٍ ابْتَدَأتَنَا، فَلَا حَوْلَ لَنَا إلّابِقُوَّتِكَ وَلا قُوَّةَ لَنَا إلّابِعِزَّتِكَ [بِعَفْوِكَ]، فَأيِّدْنَا بِتَوْفِيقِكَ، وَسَدِّدْنَا بِتَسْدِيدِكَ، وَأعْمِ أَبْصَارَ قُلُوبِنَا عَمَّا خَالَفَ مَحَبَّتَكَ، وَلا تَجْعَلْ لِشَيْ ءٍ مِنْ جَوَارِحِنَا نُفُوذاً فِي مَعْصِيَتِكَ. اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْ هَمَسَاتِ قُلُوبِنَا، وَحَرَكَاتِ أَعْضَائِنَا، وَلَمَحَاتِ أَعْيُنِنَا، وَلَهَجَاتِ ألسِنَتِنَا فِيْ مُوجِبَاتِ ثَوَابِكَ، حَتَّى لَا تَفُوتَنَا حَسَنَةٌ نَسْتَحِقُّ بِهَا جَزَآءَكَ، وَلا تَبْقَى لَنَا سَيِّئةٌ نَسْتَوْجِبُ بِهَا عِقَابَكَ.
ص: 64
اللّهُمَّ إن تَشَأْ تعفُ عَنّا فَبِفضْلِكَ، وَإنْ تَشَأْ تُعَذِّبْنا فَبِعدْلِكَ، فَسَهِّلْ لَنَا عَفْوَكَ بِمنِّكَ، وَأَجِرْنَا مِنْ عَذَابِكَ بِتَجاوُزِكَ؛ فَإنَّهُ لَاطاقَةَ لَنَا بِعَدْلِكَ، وَلَانجاةَ لأحَدٍ مِنّا دُوْنَ عَفْوِكَ. يا غَنِيَّ الأغْنياءِ، هَا نَحَنُ عِبادُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأنا أفْقَرُ الفُقَراء إليْكَ، فَاجْبُرْ فاقَتَنا بِوُسْعِكَ، ولاتَقْطَعْ رَجَاءنا بِمَنْعِكَ؛ فَتَكُوْنَ قد أَشْقَيْتَ مَنِ اسْتَسْعَدَ بِكَ، وَحَرَمْتَ مَنِ اسْتَرْفَدَ فَضْلَكَ. فَإلى مَنْ حِيْنَئذٍ مُنْقَلَبُنَا عَنْكَ، وإلى أيْنَ مَذهَبُنَا عن بَابِكَ؟
سُبْحَانَكَ نَحْنُ المضْطرُّون الذّينَ أَوْجَبْتَ إجابَتَهُمْ، وَأهْلُ السُّوْء الذّيْنَ وَعَدْتَ
ص: 65
الْكَشْفَ عَنْهُمْ. وَأَشْبَهُ الأَشْياءِ بِمَشِيَّتِكَ، وَأَوْلَى الأمُورِ بِكَ فِيْ عَظَمَتِكَ رَحْمَةُ مَنِ اسْتَرْحَمَكَ، وَغَوْثُ مَنِ اسْتَغَاثَ بِكَ، فَارْحَمْ تَضَرُّعَنَا إلَيْكَ، وَأَغْنِنَا إذْ طَرَحْنَا أَنْفُسَنَا بَيْنَ يَدَيْكَ. أللَّهُمَّ إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ شمِتَ بِنَا إذْ شَايَعْنَاهُ عَلَى مَعْصِيَتِكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلا تُشْمِتْهُ بِنَا بَعْدَ تَرْكِنَا إيَّاهُ لَكَ، وَرَغْبَتِنَا عَنْهُ إلَيْكَ.
ص: 66
يا مَنْ ذِكْرُهُ شَرَفٌ لِلذَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ شُكْرُهُ فَوْزٌ لِلشَّاكِرِينَ، وَيَا مَنْ طَاعَتُهُ نَجَاةٌ لِلْمُطِيعِينَ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاشْغَلْ قُلُوبَنَا بِذِكْرِكَ عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ، وَأَلْسِنَتَنَا بِشُكْرِكَ عَنْ كُلِّ شُكْرٍ، وَجَوَارِحَنَا بِطَاعَتِكَ عَنْ كُلِّ طَاعَةٍ، فَإنْ قَدَّرْتَ لَنَا فَرَاغاً مِنْ شُغُلٍ فَاجْعَلْهُ فَرَاغَ سَلَامَةٍ لا تُدْرِكُنَا فِيهِ تَبِعَةٌ، وَلَا تَلْحَقُنَا فِيهِ سَامَةٌ، حَتَّى يَنْصَرِفَ عَنَّا كُتَّابُ السَّيِّئَاتِ بِصَحِيفَةٍ خَالِيَةٍ مِنْ ذِكْرِ سَيِّئاتِنَا، وَيَتَوَلّى كُتَّابُ الْحَسَنَاتِ عَنَّا مَسْرُورِينَ بِمَا كَتَبُوا مِنْ حَسَنَاتِنَا، وَإذَا انْقَضَتْ أَيَّامُ حَيَاتِنَا وَتَصَرَّمَتْ مُدَدُ أَعْمَارِنَا،
ص: 67
وَاسْتَحْضَرَتْنَا دَعْوَتُكَ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا وَمِنْ إجَابَتِهَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ خِتَامَ مَا تُحْصِي عَلَيْنَا كَتَبَةُ أَعْمَالِنَا تَوْبَةً مَقْبُولَةً، لا تُوقِفُنَا بَعْدَهَا عَلَى ذَنْبٍ اجْتَرَحْنَاهُ، وَلَا مَعْصِيَةٍ اقْتَرَفْنَاهَا، وَلَا تَكْشِفْ عَنَّا سِتْراً سَتَرْتَهُ عَلَى رُؤُوسِ الأشْهَادِ، يَوْمَ تَبْلُو أَخْبَارَ عِبَادِكَ، إنَّكَ رَحِيمٌ بِمَنْ دَعَاكَ، وَمُسْتَجيبٌ لِمَنْ نَادَاكَ.
ص: 68
أَللَّهُمَّ إنَّهُ يَحْجُبُنِي عَنْ مَسْأَلَتِكَ خِلَالٌ ثَلاثٌ، وَتَحْدُونِي عَلَيْهَا خَلَّةٌ وَاحِدَةٌ، يَحْجُبُنِي أَمْرٌ أَمَرْتَ بِهِ فَأَبْطَأتُ عَنْهُ، وَنَهْيٌ نَهَيْتَنِي عَنْهُ فَأَسْرَعْتُ إلَيْهِ، وَنِعْمَةٌ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ فَقَصَّرْتُ فِي شُكْرِهَا، وَيَحْدُونِي عَلَى مَسْأَلَتِكَ تَفَضُّلُكَ عَلَى مَنْ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ إلَيْكَ، وَوَفَدَ بِحُسْنِ ظَنِّهِ إلَيْكَ، إذْ جَمِيعُ إحْسَانِكَ تَفَضُّلٌ، وَإذْ كُلُّ نِعَمِكَ ابْتِدَاءٌ.
فَهَا أَنَا ذَا يَا إلهِيْ وَاقِفٌ بِبَابِ عِزِّكَ وُقُوفَ المُسْتَسْلِمِ الذَّلِيْل، وَسَائِلُكَ عَلَى الْحَيَاءِ مِنّي سُؤَالَ الْبَائِسِ الْمُعِيْلِ، مُقرٌّ لَكَ بأَنّي لَمْ أَسْتَسْلِمْ وَقْتَ إحْسَانِكَ إلَّا
ص: 69
بِالإِقْلَاعِ عَنْ عِصْيَانِكَ، وَلَمْ أَخْلُ فِي الْحَالاتِ كُلِّهَا مِنِ امْتِنَانِكَ، فَهَلْ يَنْفَعُنِي يَا إلهِي إقْرَارِي عِنْدَكَ بِسُوءِ مَا اكْتَسَبْتُ؟ وَهَلْ يُنْجِيْنِي مِنْكَ اعْتِرَافِي لَكَ بِقَبِيْحِ مَا ارْتَكَبْتُ؟ أَمْ أَوْجَبْتَ لِي فِي مَقَامِي هَذَا سُخْطَكَ؟ أَمْ لَزِمَنِي فِي وَقْتِ دُعَائِي مَقْتُكَ؟ سُبْحَانَكَ! لَا أَيْأَسُ مِنْكَ وَقَدْ فَتَحْتَ لِي بَابَ التَّوْبَةِ إلَيْكَ، بَلْ أَقُولُ مَقَالَ الْعَبْدِ الذَّلِيلِ الظَّالِمِ لِنَفْسِهِ الْمُسْتَخِفِّ بِحُرْمَةِ رَبِّهِ، الَّذِي عَظُمَتْ ذُنُوبُهُ فَجَلَّتْ وَأَدْبَرَتْ أَيّامُهُ فَوَلَّتْ، حَتَّى إذَا رَأى مُدَّةَ الْعَمَلِ قَدِ انْقَضَتْ، وَغَايَةَ الْعُمُرِ قَدِ انْتَهَتْ، وَأَيْقَنَ أَنَّهُ لا مَحيصَ لَهُ مِنْكَ، وَلَا مَهْرَبَ لَهُ عَنْكَ تَلَقَّاكَ بِالإنَابَةِ، وَأَخْلَصَ لَكَ التَّوْبَةَ، فَقَامَ إلَيْكَ بِقَلْبِ طَاهِرٍ نَقِيٍّ، ثُمَّ دَعَاكَ بِصَوْتٍ حَائِلٍ خَفِيٍّ، قَدْ تَطَأْطَأَ لَكَ فَانْحَنى، وَنَكَّسَ رَأسَهُ فَانْثَنَى، قَدْ أَرْعَشَتْ خَشْيَتُهُ رِجْلَيْهِ، وَغَرَّقَتْ دُمُوعُهُ خَدَّيْهِ، يَدْعُوكَ بِيَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَيَا أَرْحَمَ
ص: 70
مَنِ انْتَابَهُ الْمُسْتَرْحِمُونَ، وَيَا أَعْطَفَ مَنْ أَطَافَ بِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، وَيَا مَنْ عَفْوُهُ أكْثَرُ مِنْ نِقْمَتِهِ، وَيَا مَنْ رِضَاهُ أَوْفَرُ مِنْ سَخَطِهِ، وَيَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى خَلْقِهِ بِحُسْنِ التَّجاوُزِ، وَيَا مَنْ عَوَّدَ عِبادَهُ قَبُولَ الإنَابَةِ، وَيَا مَنِ اسْتَصْلَحَ فَاسِدَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَيَا مَنْ رَضِيَ مِنْ فِعْلِهِمْ بِالْيَسيرِ، وَيَا مَنْ كَافى قَلِيْلَهُمْ بِالْكَثِيرِ، وَيَا مَنْ ضَمِنَ لَهُمْ إجَابَةَ الدُّعاءِ، وَيَا مَنْ وَعَدَهُمْ عَلَى نَفْسِهِ بِتَفَضُّلِهِ حُسْنَ الْجَزاءِ، مَا أَنَا بِأَعْصَى مَنْ عَصَاكَ فَغَفَرْتَ لَهُ، وَمَا أَنَا بِأَلْوَمِ مَنِ اعْتَذَرَ إلَيْكَ فَقَبِلْتَ مِنْهُ، وَمَا أَنَا بِأَظْلَمِ مَنْ تَابَ إلَيْكَ فَعُدْتَ عَلَيْهِ، أَتُوبُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا تَوْبَةَ نَادِمٍ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، مُشْفِقٍ مِمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَالِصِ الْحَيَاءِ مِمَّا وَقَعَ فِيْهِ، عَالِمٍ بِأَنَّ الْعَفْوَ عَنِ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ لَا يَتَعاظَمُكَ، وَأَنَّ التَّجَاوُزَ عَنِ الإثْمِ الْجَلِيْلِ لا يَسْتَصْعِبُكَ، وَأَنَّ احْتِمَالَ الْجنَايَاتِ الْفَاحِشَةِ لا
ص: 71
يَتَكَأَّدُكَ، وَأَنَّ أَحَبَّ عِبَادِكَ إلَيْكَ مَنْ تَرَكَ الاسْتِكْبَارَ عَلَيْكَ، وَجَانَبَ الإِصْرَارَ، وَلَزِمَ الاسْتِغْفَارَ.
وَأَنَا أَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ أَنْ أَسْتَكْبِرَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أصِرَّ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا قَصَّرْتُ فِيهِ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا عَجَزْتُ عَنْهُ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِي مَا يَجبُ عَلَيَّ لَكَ، وَعَافِنِي مِمَّا أَسْتَوْجِبُهُ مِنْكَ، وَأجِرْنِي مِمَّا يَخَافُهُ أَهْلُ الإساءَةِ، فَإنَّكَ مَلِي ءٌ بِالْعَفْوِ، مَرْجُوٌّ لِلْمَغْفِرَةِ، مَعْرُوفٌ بِالتَّجَاوُزِ، لَيْسَ لِحَاجَتِي مَطْلَبٌ سِوَاكَ، وَلا لِذَنْبِي غَافِرٌ غَيْرُكَ، حَاشَاكَ، وَلَا أَخَافُ عَلَى نَفْسِي إلّاإيَّاكَ إنَّكَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ.
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاقْضِ حَاجَتِي، وَأَنْجِحْ طَلِبَتِي، وَاغْفِرْ ذَنْبِي، وَآمِنْ خَوْفَ نَفْسِيْ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَذلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 72
أللَّهُمَّ يَا مُنْتَهَى مَطْلَبِ الْحَاجَاتِ، وَيَا مَنْ عِنْدَه نَيْلُ الطَّلِبَاتِ، وَيَا مَنْ لا يَبِيْعُ نِعَمَهُ بالأثْمَانِ، وَيَا مَنْ لا يُكَدِّرُ عَطَايَاهُ بِالامْتِنَانِ، وَيَا مَنْ يُسْتَغْنَى بِهِ وَلَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ، وَيَا مَنْ يُرْغَبُ إلَيْهِ وَلا يُرْغَبُ عَنْهُ، وَيَا مَنْ لا تُفني خَزَآئِنَهُ الْمَسَائِلُ، وَيَا مَنْ لَا تُبَدِّلُ حِكْمَتَهُ الْوَسَائِلُ. وَيَا مَنْ لَا تَنْقَطِعُ عَنْهُ حَوَائِجُ الْمُحْتَاجِينَ، وَيَا مَنْ لَا يُعَنِّيهِ دُعَاءُ الدَّاعِينَ، تَمَدَّحْتَ بِالْغَنَاءِ عَنْ خَلْقِكَ وَأَنْتَ أَهْلُ الْغِنَى عَنْهُمْ، وَنَسَبْتَهُمْ إلَى الفَقْرِ وَهُمْ أَهْلُ الْفَقْرِ إلَيْكَ، فَمَنْ حَاوَلَ سَدَّ خَلَّتِهِ مِنْ عِنْدِكَ، وَرَامَ صَرْفَ الْفَقْر عَنْ نَفْسِهِ بِكَ،
ص: 73
فَقَدْ طَلَبَ حَاجَتَهُ فِي مَظَانِّها، وَأَتَى طَلِبَتَهُ مِنْ وَجْهِهَا، وَمَنْ تَوَجَّهَ بِحَاجَتِهِ إلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ جَعَلَهُ سَبَبَ نُجْحِهَا دُونَكَ، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلْحِرْمَانِ، وَاسْتَحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَوْتَ الإِحْسَانِ. أللَّهُمَّ وَلِي إلَيْكَ حَاجَةٌ قَدْ قَصَّرَ عَنْهَا جُهْدِي، وَتَقَطَّعَتْ دُونَهَا حِيَلِي، وَسَوَّلَتْ لِيْ نَفْسِي رَفْعَهَا إلَى مَنْ يَرْفَعُ حَوَائِجَهُ إلَيْكَ، وَلَا يَسْتَغْنِي فِي طَلِبَاتِهِ عَنْكَ، وَهِيَ زَلَّةٌ مِنْ زَلَلِ الْخَاطِئِينَ، وَعَثْرَةٌ مِنْ عَثَراتِ الْمُذْنِبِينَ، ثُمَّ انْتَبَهْتُ بِتَذْكِيرِكَ لِي مِنْ غَفْلَتِي، وَنَهَضْتُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ زَلَّتِي، وَنَكَصْتُ بِتَسْدِيدِكَ عَنْ عَثْرَتِي، وَقُلْتُ: سُبْحَانَ رَبّي كَيْفَ يَسْأَلُ مُحْتَاجٌ مُحْتَاجاً، وَأَنَّى يَرْغَبُ مُعْدِمٌ إلَى مُعْدِمٍ؟! فَقَصَدْتُكَ يا إلهِي بِالرَّغْبَةِ، وَأَوْفَدْتُ عَلَيْكَ رَجَائِي بِالثِّقَةِ بِكَ، وَعَلِمْتُ أَنَّ كَثِيرَ مَا أَسْأَلُكَ يَسِيرٌ فِي وُجْدِكَ، وَأَنَّ خَطِيرَ مَا أَسْتَوْهِبُكَ حَقِيرٌ فِيْ وُسْعِكَ، وَأَنَّ كَرَمَكَ لَا يَضِيقُ عَنْ سُؤَالِ
ص: 74
أحَدٍ، وَأَنَّ يَدَكَ بِالْعَطايا أَعْلَى مِنْ كُلِّ يَدٍ. أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْمِلْنِي بِكَرَمِكَ عَلَى التَّفَضُّلِ، وَلَا تَحْمِلْنِي بِعَدْلِكَ عَلَى الاسْتِحْقَاقِ، فَما أَنَا بِأَوَّلِ رَاغِبِ رَغِبَ إلَيْكَ فَأَعْطَيْتَهُ وَهُوَ يَسْتَحِقُّ الْمَنْعَ، وَلَا بِأَوَّلِ سَائِلٍ سَأَلَكَ فَأَفْضَلْتَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَسْتَوْجِبُ الْحِرْمَانَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكُنْ لِدُعَائِي مُجِيباً، وَمِنْ نِدائِي قَرِيباً، وَلِتَضَرُّعِي رَاحِماً، وَلِصَوْتِي سَامِعاً، وَلَا تَقْطَعْ رَجَائِي عَنْكَ، وَلا تَبُتَّ سَبَبِي مِنْكَ، وَلَا تُوَجِّهْنِي فِي حَاجَتيْ هذِهِ وَغَيْرِهَا إلى سِوَاكَ، وَتَوَلَّنِي بِنُجْحِ طَلِبَتِي، وَقَضاءِ حَاجَتِي، وَنَيْلِ سُؤْلِي قَبْلَ زَوَالِي عَنْ مَوْقِفِي هَذَا، بِتَيسِيرِكَ لِيَ الْعَسِيْرَ، وَحُسْنِ تَقْدِيرِكَ لِي فِي جَمِيعِ الأُمُورِ. وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلاةً دَائِمَةً نَامِيَةً لَا انْقِطَاعَ لِأبَدِهَا، وَلا مُنْتَهَى لِأمَدِهَا، وَاجْعَلْ ذلِكَ عَوْناً لِيْ وَسَبَباً لِنَجَاحِ طَلِبَتِي، إنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيْمٌ. وَمِنْ
ص: 75
حَاجَتِي يَا رَبِّ كَذَا وَكَذَا- وَتَذْكُرُ حَاجَتَكَ ثمّ تَسْجُدُ وَتَقُولُ فِي سُجُودِكَ:- فَضْلُكَ آنَسَنِي، وَإحْسَانُكَ دَلَّنِي، فَأَسْأَلُكَ بِكَ وَبِمُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَواتُكَ عَلَيْهمْ أَنْ لَا تَرُدَّنِي خَائِباً.
ص: 76
يَامَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ أَنْبَآءُ الْمُتَظَلِّمِينَ، وَيَا مَنْ لَا يَحْتَاجُ فِي قِصَصِهِمْ إلَى شَهَادَاتِ الشَّاهِدِينَ، وَيَا مَنْ قَرُبَتْ نُصْرَتُهُ مِنَ الْمَظْلُومِينَ، وَيَا مَنْ بَعُدَ عَوْنُهُ عَنِ الظَّالِمِينَ، قَدْ عَلِمْتَ يَا إلهِي مَا نالَنِي مِنْ [فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ] مِمَّا حَظَرْتَ، وَانْتَهَكَهُ مِنّي مِمَّا حَجَزْتَ عَلَيْهِ، بَطَراً فِي نِعْمَتِكَ عِنْدَهُ، وَاغْتِرَاراً بِنَكِيرِكَ عَلَيْهِ. فَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَخُذْ ظَالِمِي وَعَدُوِّي عَنْ ظُلْمِي بِقُوَّتِكَ، وَافْلُلْ حَدَّهُ عَنِّي بِقُدْرَتِكَ، وَاجْعَلْ لَهُ شُغْلًا فِيَما يَلِيهِ، وَعَجْزاً عَمَّا يُناوِيْهِ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلَا تُسَوِّغْ لَهُ
ص: 77
ظُلْمِي، وَأَحْسِنْ عَلَيْهِ عَوْنِي، وَاعْصِمْنِي مِنْ مِثْلِ أَفْعَالِهِ، وَلا تَجْعَلْنِي فِي مِثْلِ حَالِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِدْنِي عَلَيْهِ عَدْوى حَاضِرَةً، تَكُونُ مِنْ غَيْظِي بِهِ شِفَاءً، وَمِنْ حَنَقِي عَلَيْهِ وَفَاءً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَوِّضْنِي مِنْ ظُلْمِهِ لِي عَفْوَكَ، وَأَبْدِلْنِي بِسُوْءِ صنِيعِهِ بِيْ رَحْمَتَكَ، فَكُلُّ مَكْرُوهٍ جَلَلٌ دُونَ سَخَطِكَ، وَكُلُّ مَرْزِئَةٍ سَوَاءٌ مَعَ مَوْجِدَتِكَ. أللَّهُمَّ فَكَمَا كَرَّهْتَ إلَيَّ أَنْ أَظْلِمَ فَقِنِي مِنْ أَنْ اظْلَمَ. أللَّهُمَّ لَا أَشْكُو إلَى أَحَدٍ سِوَاكَ، وَلَا أَسْتَعِينُ بِحَاكِمٍ غَيْرِكَ حَاشَاكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَصِلْ دُعَائِي بِالإجَابَةِ، وَأَقْرِنْ شِكَايَتِي بِالتَّغْيِيرِ. أَللَّهُمَّ لا تَفْتِنِّي بِالْقُنُوطِ مِنْ إنْصَافِكَ، وَلَا تَفْتِنْهُ بِالأَمْنِ مِنْ إنْكَارِكَ، فَيُصِرَّ عَلَى ظُلْمِي، وَيُحَاضِرَنِي بِحَقِّيْ، وَعَرِّفْهُ عَمَّا قَلِيْلٍ مَا أَوْعَدْتَ الظَّالِمِينَ، وَعَرِّفْنِي مَا وَعَدْتَ مِنْ إجَابَةِ الْمُضْطَرِّينَ. أللَّهُمَّ
ص: 78
صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَوَفِّقْنِي لِقَبُولِ مَا قَضَيْتَ لِيْ وَعَليَّ، وَرَضِّنِي بِمَا أَخَذْتَ لي وَمِنِّي، وَاهْدِنِي لِلَّتِيْ هِي أَقْوَمُ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَسْلَمُ. أللَّهُمَّ وَإنْ كَانَتِ الْخِيَرَةُ لِيْ عِنْدَكَ فِي تَأْخِيرِ الأَخْذِ لِي وَتَرْكِ الانْتِقَامِ مِمَّنْ ظَلَمَنِيْ إلَى يَوْمِ الْفَصْلِ وَمَجْمَعِ الْخَصْمِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَيِّدْنِي مِنْكَ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ وَصَبْرٍ دَائِمٍ، وَأَعِذْنِي مِنْ سُوءِ الرَّغْبَةِ، وَهَلَعِ أَهْلِ الْحِرْصِ، وَصَوِّرْ فِي قَلْبِي مِثَالَ مَا ادَّخَرْتَ لِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَأَعْدَدْتَ لِخَصْمِي مِنْ جَزَائِكَ وَعِقَابِكَ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ سَبَباً لِقَنَاعَتِي بِمَا قَضَيْتَ، وَثِقَتِي بِمَا تَخَيَّرْتَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
ص: 79
أللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا لَمْ أَزَلْ أَتَصَرَّفُ فِيهِ مِنْ سَلَامَةِ بَدَنِي، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَحْدَثْتَ بِيْ مِنْ عِلَّةٍ فِي جَسَدِي. فَمَا أَدْرِي يَا إلهِي، أَيُّ الْحَالَيْنِ أَحَقُّ بِالشُّكْرِ لَكَ، وَأَيُّ الْوَقْتَيْنِ أوْلَى بِالْحَمْدِ لَكَ، أَوَقْتُ الصِّحَّةِ الَّتِي هَنَّأْتَنِي فِيهَا طَيِّبَاتِ رِزْقِكَ، وَنَشَّطْتَنِي بِهَا لابْتِغاءِ مَرْضَاتِكَ وَفَضْلِكَ، وَقَوَّيْتَنِي مَعَها عَلَى مَا وَفَّقْتَنِي لَهُ مِنْ طَاعَتِكَ أَمْ وَقْتُ الْعِلَّةِ الَّتِي مَحَّصْتَنِي بِهَا، وَالنِّعَمِ الَّتِي أَتْحَفْتَنِي بِهَا تَخْفِيفاً لِمَا ثَقُلَ بِهِ عَلَيَّ ظَهري مِنَ الْخَطِيئاتِ، وَتَطْهيراً لِمَا انْغَمَسْتُ فيهِ
ص: 80
مِنَ السَّيِّئاتِ، وَتَنْبِيهاً لِتَنَاوُلِ التَّوْبَةِ، وَتَذْكِيراً لِمَحْوِ الْحَوْبَةِ بِقَدِيمِ النِّعْمَةِ، وَفِي خِلَالِ ذَلِكَ مَا كَتَبَ لِيَ الْكَاتِبَانِ مِنْ زَكِيِّ الأعْمَالِ، مَا لا قَلْبٌ فَكَّرَ فِيهِ، وَلا لِسَانٌ نَطَقَ بِهِ، وَلَا جَارِحَةٌ تَكَلَّفَتْهُ، بَلْ إفْضَالًا مِنْكَ عَلَيَّ، وَإحْسَاناً مِنْ صَنِيعِكَ إلَيَّ. أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَحَبِّبْ إلَيّ مَا رَضِيتَ لِي، وَيَسِّرْ لِي مَا أَحْلَلْتَ بِيْ، وَطَهِّرْنِي مِنْ دَنَسِ مَا أَسْلَفْتُ، وَامْحُ عَنِّي شَرَّ مَا قَدَّمْتُ، وَأَوْجِدْنِي حَلَاوَةَ الْعَافِيَةِ، وَأَذِقْنِي بَرْدَ السَّلَامَةِ وَاجْعَلْ مَخْرَجِي عَنْ عِلَّتِي إلَى عَفْوِكَ، وَمُتَحَوَّلِي عَنْ صَرْعَتِي إلَى تَجَاوُزِكَ، وَخَلاصِي مِنْ كَرْبِي إلَى رَوْحِكَ، وَسَلَامَتِي مِنْ هَذِهِ الشِّدَّةِ إلَى فَرَجِكَ، إنَّكَ الْمُتَفَضِّلُ بِالإِحْسَانِ، الْمُتَطَوِّلُ بِالامْتِنَانِ، الْوَهَّابُ الْكَرِيمُ، ذُو الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ.
ص: 81
أللَّهُمَّ يَا مَنْ بِرَحْمَتِهِ يَسْتَغِيثُ الْمُذْنِبُونَ، وَيَا مَنْ إلَى ذِكْرِ إحْسَانِهِ يَفْزَعُ الْمُضْطَرُّونَ، وَيَا مَنْ لِخِيفَتِهِ يَنْتَحِبُ الْخَاطِئُونَ، يَا انْسَ كُلِّ مُسْتَوْحِش غَرِيبِ، وَيَا فَرَجَ كُلِّ مَكْرُوبٍ كَئِيبٍ، وَيَا غَوْثَ كُلِّ مَخْذُوْلٍ فَرِيدٍ، وَيَا عَضُدَ كُلِّ مُحْتَاجٍ طَرِيدٍ. أَنْتَ الَّذِي وَسِعْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً، وَأَنْتَ الَّذِي جَعَلْتَ لِكُلِّ مَخْلُوقٍ فِي نِعَمِكَ سَهْماً، وَأَنْتَ الَّذِيْ عَفْوُهُ أَعْلَى مِنْ عِقَابِهِ، وَأَنْتَ الَّذِي تَسْعَى رَحْمَتُهُ أَمَامَ غَضَبِهِ، وَأَنْتَ الَّذِي عَطَآؤُهُ أكْثَرُ مِنْ مَنْعِهِ، وَأَنْتَ الَّذِيْ اتَّسَعَ الْخَلَائِقُ كُلُّهُمْ فِي وُسْعِهِ، وَأَنْتَ الَّذِي
ص: 82
لا يَرْغَبُ فِي جَزَاءِ مَنْ أَعْطَاهُ، وَأَنْتَ الَّذِي لا يُفْرِطُ فِي عِقَابِ مَنْ عَصَاهُ، وَأَنَا يَا إلهِي عَبْدُكَ الَّذِي أَمَرْتَهُ بِالدُّعاءِ فَقَالَ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، هَا أَنَا ذَا يَا رَبِّ مَطْرُوحٌ بَيْنَ يَدَيْكَ، أَنَا الَّذِي أَوْقَرَتِ الْخَطَايَا ظَهْرَهُ، وَأَنا الَّذِي أَفْنَتِ الذُّنُوبُ عُمْرَهُ، وَأَنَا الَّذِي بِجَهْلِهِ عَصاكَ، وَلَمْ تَكُنْ أَهْلًا مِنْهُ لِذَاكَ. هَلْ أَنْتَ يَا إلهِي رَاحِمٌ مَنْ دَعَاكَ فَأُبْلِغَ فِي الدُّعَاءِ أَمْ أَنْتَ غَافِرٌ لِمَنْ بَكَاكَ فَأُسْرِعَ فِي الْبُكَاءِ أَمْ أَنْتَ مُتَجَاوِزٌ عَمَّنْ عَفَّرَ لَكَ وَجْهَهُ تَذَلُّلًا أَم أَنْتَ مُغْنٍ مَنْ شَكَا إلَيْكَ فَقْرَهُ تَوَكُّلًا؟ إلهِي لَا تُخيِّبْ مَنْ لا يَجدُ مُعْطِياً غَيْرَكَ، وَلَا تَخْذُلْ مَنْ لا يَسْتَغْنِي عَنْكَ بِأَحَدٍ دُونَكَ. إلهِي فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلَا تُعْرِضْ عَنِّي وَقَدْ أَقْبَلْتُ عَلَيْكَ، وَلا تَحْرِمْنِي وَقَدْ رَغِبْتُ إلَيْكَ، وَلا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ وَقَدْ انْتَصَبْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ. أَنْتَ الَّذِي وَصَفْتَ نَفْسَكَ بِالرَّحْمَةِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ
ص: 83
وَارْحَمْنِي، وَأَنْتَ الَّذِي سَمَّيْتَ نَفْسَكَ بِالعَفْوِ، فَاعْفُ عَنِّي. قَدْ تَرَى يَا إلهِي فَيْضَ دَمْعِي مِنْ خِيفَتِكَ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَانْتِفَاضَ جَوَارِحِي مِنْ هَيْبَتِكَ، كُلُّ ذَلِكَ حَياءً مِنِّي لِسُوءِ عَمَلِي، وَلِذَاكَ خَمَدَ صَوْتِي عَنِ الْجَأْرِ إلَيْكَ، وَكَلَّ لِسَانِي عَنْ مُنَاجَاتِكَ، يَا إلهِي فَلَكَ الْحَمْدُ؛ فَكَم مِنْ غَائِبَةٍ سَتَرْتَهَا عَلَيَّ فَلَم تَفْضَحْنِي، وَكَمْ مِنْ ذنْبٍ غَطَّيْتَهُ عَلَيَّ فَلَمْ تَشْهَرْنِي، وَكَمْ مِنْ شَائِبَةٍ أَلْمَمْتُ بِهَا فَلَمْ تَهْتِكْ عَنِّي سِتْرَهَا، وَلَمْ تُقَلِّدْنِي مَكْرُوهَ شَنَارِهَا، وَلَمْ تُبْدِ سَوْأَتَهَا لِمَنْ يَلْتَمِسُ مَعَايِبِي مِنْ جِيْرَتِي، وَحَسَدَةِ نِعْمَتِكَ عِنْدِي، ثُمَّ لَمْ يَنْهَنِي ذَلِكَ عَنْ أَنْ جَرَيْتُ إلَى سُوءِ مَا عَهِدْتَ مِنّي، فَمَنْ أَجْهَلُ مِنِّي يَا إلهِيْ بِرُشْدِهِ وَمَنْ أَغْفَلُ مِنِّي عَنْ حَظِّهِ، وَمَنْ أَبْعَدُ مِنِّي مِنِ اسْتِصْلَاحِ نَفْسِهِ حِيْنَ انْفِقُ مَا أَجْرَيْتَ عَلَيَّ مِنْ رِزْقِكَ فِيمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَمَنْ أَبْعَدُ
ص: 84
غَوْراً فِي الْبَاطِلِ، وَأَشَدُّ إقْدَاماً عَلَى السُّوءِ مِنّي حِينَ أَقِفُ بَيْنَ دَعْوَتِكَ وَدَعْوَةِ الشَّيْطَانِ، فَأتَّبعُ دَعْوَتَهُ عَلَى غَيْرِ عَمىً مِنّي فِيْ مَعْرِفَةٍ بِهِ، وَلا نِسْيَانٍ مِنْ حِفْظِي لَهُ، وَأَنَا حِينَئِذٍ مُوقِنٌ بِأَنَّ مُنْتَهَى دَعْوَتِكَ إلَى الْجَنَّةِ وَمُنْتَهَى دَعْوَتِهِ إلَى النَّارِ؟ سُبْحَانَكَ مَا أَعْجَبَ مَا أَشْهَدُ بِهِ عَلَى نَفْسِي، وَاعَدِّدُهُ مِنْ مَكْتُوْمِ أَمْرِي، وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ أَنَاتُكَ عَنِّي وَإبْطآؤُكَ عَنْ مُعَاجَلَتِي، وَلَيْسَ ذلِكَ مِنْ كَرَمِي عَلَيْكَ، بَلْ تَأَنِّياً مِنْكَ لِي، وَتَفَضُّلًا مِنْكَ عَلَيَّ، لأنْ أَرْتَدِعَ عَنْ مَعْصِيَتِكَ الْمُسْخِطَةِ وَاقْلِعَ عَنْ سَيِّئَاتِي الْمُخْلِقَةِ، وَلِأَنَّ عَفْوَكَ عَنّي أَحَبُّ إلَيْكَ مِنْ عُقُوبَتِي، بَلْ أَنَا يَا إلهِي أكْثَرُ ذُنُوباً، وَأَقْبَحُ آثاراً، وَأَشْنَعُ أَفْعَالًا، وَأَشَدُّ فِي الْباطِلِ تَهَوُّراً، وَأَضْعَفُ عِنْدَ طَاعَتِكَ تَيَقُّظاً، وَأَقَلُّ لِوَعِيْدِكَ انْتِبَاهاً وَارْتِقَاباً مِنْ أَنْ احْصِيَ لَكَ عُيُوبِي، أَوْ أَقْدِرَ عَلَى ذِكْرِ ذُنُوبِي، وَإنَّمَا اوبِّخُ بِهَذا
ص: 85
نَفْسِي، طَمَعَاً فِي رَأْفَتِكَ الَّتِي بِهَا صَلَاحُ أَمْرِ الْمُذْنِبِينَ، وَرَجَاءً لِرَحْمَتِكَ الَّتِي بِهَا فَكَاكُ رِقَابِ الْخَاطِئِينَ. اللَّهُمَّ وَهَذِهِ رَقَبَتِي قَدْ أَرَقَّتْهَا الذُّنُوبُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعْتِقْهَا بِعَفْوِكَ، وَهَذَا ظَهْرِي قَدْ أَثْقَلَتْهُ الْخَطَايَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَخَفِّفْ عَنْهُ بِمَنِّكَ. يَا إلهِي لَوْ بَكَيْتُ إلَيْكَ حَتَّى تَسْقُطَ أَشْفَارُ عَيْنَيَّ، وَانْتَحَبْتُ حَتَّى يَنْقَطِعَ صَوْتِي، وَقُمْتُ لَكَ حَتَّى تَتَنَشَّرَ قَدَمَايَ، وَرَكَعْتُ لَكَ حَتَّى يَنْخَلِعَ صُلْبِي، وَسَجَدْتُ لَكَ حَتَّى تَتَفَقَّأَ حَدَقَتَايَ، وَأكَلْتُ تُرَابَ الأرْضِ طُولَ عُمْرِي، وَشَرِبْتُ مَاءَ الرَّمَادِ آخِرَ دَهْرِي، وَذَكَرْتُكَ فِي خِلالِ ذلِكَ حَتَّى يَكِلَّ لِسَانِي، ثُمَّ لَمْ أَرْفَعْ طَرْفِي إلَى آفَاقِ السَّمَاءِ اسْتِحْيَاءً مِنْكَ، مَا اسْتَوْجَبْتُ بِذَلِكَ مَحْوَ سَيِّئَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ سَيِّئاتِي، وَإنْ كُنْتَ تَغْفِرُ لِي حِيْنَ أَسْتَوْجِبُ مَغْفِرَتَكَ وَتَعْفُو عَنِّي حِينَ أَسْتَحِقُّ عَفْوَكَ،
ص: 86
فَإنَّ ذَلِكَ غَيْرُ وَاجِبٍ لِيْ بِاسْتِحْقَاقٍ، وَلا أَنَا أَهْلٌ لَهُ بِاسْتِيجَابٍ؛ إذْ كَانَ جَزَائِي مِنْكَ فِي أَوَّلِ مَا عَصَيْتُكَ النَّارَ؛ فَإنْ تُعَذِّبْنِي، فَأَنْتَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِيْ. إلهِي فَإذْ قَدْ تَغَمَّدْتَنِي بِسِتْرِكَ؛ فَلَمْ تَفْضَحْنِي، وَتَأَنَّيْتَنِي بِكَرَمِكَ فَلَمْ تُعَاجِلْنِي، وَحَلُمْتَ عَنِّي بِتَفَضُّلِكَ؛ فَلَمْ تُغَيِّرْ نِعْمَتَكَ عَلَيَّ، وَلَمْ تُكَدِّرْ مَعْرُوفَكَ عِنْدِي، فَارْحَمْ طُولَ تَضَرُّعِيْ وَشِدَّةَ مَسْكَنَتِي وَسُوءَ مَوْقِفِيْ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَقِنِي مِنَ الْمَعَاصِي، وَاسْتَعْمِلْنِي بِالطَّاعَةِ، وَارْزُقْنِي حُسْنَ الإِنابَةِ، وَطَهِّرْنِي بِالتَّوْبَةِ، وَأَيِّدْنِي بِالْعِصْمَةِ، وَاسْتَصْلِحْنِي بِالْعَافِيَةِ، وَأَذِقْنِي حَلَاوَةَ الْمَغْفِرَةِ، وَاجْعَلْنِي طَلِيقَ عَفْوِكَ، وَعَتِيقَ رَحْمَتِكَ، وَاكْتُبْ لِي أَمَاناً مِنْ سَخَطِكَ وَبَشِّرْنِي بِذلِكَ فِي الْعَاجِلِ دُونَ الآجِلِ، بُشْرى أَعْرِفُهَا، وَعَرِّفْنِي فِيهِ عَلَامَةً أَتَبَيَّنُهَا إنَّ ذلِكَ لَا يَضيقُ عَلَيْكَ فِي وُسْعِكَ، وَلا يَتَكَأَّدُكَ فِي
ص: 87
قُدْرَتِكَ، وَلا يَتَصَعَّدُكَ فِي أناتِكَ، وَلا يَؤودُك فِي جَزِيلِ هِباتِكَ الَّتِي دَلَّتْ عَلَيْهَا آيَاتُكَ إنَّكَ تَفْعَلُ مَا تَشَاءُ وَتَحكُمُ مَا تُرِيدُ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. وصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ المُطَهَّرِينَ.
ص: 88
أَللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَكَيْدِهِ وَمَكَائِدِهِ، وَمِنَ الثِّقَةِ بِأَمَانِيِّهِ وَمَوَاعِيدِهِ وَغُرُورِهِ وَمَصَائِدِهِ، وَأَنْ يُطْمِعَ نَفْسَهُ فِي إضْلالِنَا عَنْ طَاعَتِكَ، وَامْتِهَانِنَا بِمَعْصِيَتِكَ، أَوْ أَنْ يَحْسُنَ عِنْدَنَا مَا حَسَّنَ لَنَا، أَوْ أَنْ يَثْقُلَ عَلَيْنَا مَا كَرَّهَ إلَيْنَا. أللَّهُمَّ اخْسَأْهُ عَنَّا بِعِبَادَتِكَ، وَاكْبِتْهُ بِدُؤوبِنَا فِي مَحَبَّتِكَ، وَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِتْراً لا يَهْتِكُهُ، وَرَدْماً مُصْمِتاً لا يَفْتُقُهُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاشْغَلْهُ عَنَّا بِبَعْضِ أَعْدَائِكَ، وَاعْصِمْنَا مِنْهُ بِحُسْنِ رِعَايَتِكَ، وَاكْفِنَا خَتْرَهُ، وَوَلِّنَا ظَهْرَهُ، وَاقْطَعْ عَنَّا إثْرَهُ.
ص: 89
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَمْتِعْنَا مِنَ الْهُدَى، بِمِثْلِ ضَلَالَتِهِ، وَزَوِّدْنَا مِنَ التَّقْوَى ضِدَّ غَوَايَتِهِ، وَاسْلُكْ بِنَا مِنَ التُّقى خِلافَ سَبِيلِهِ مِنَ الرَّدى. أللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ لَهُ فِي قُلُوبِنَا مَدْخَلًا، وَلَا تُوطِنَنَّ لَهُ فِيمَا لَدَيْنَا مَنْزِلًا.
اللَّهُمَّ وَمَا سَوَّلَ لَنَا مِنْ بَاطِلٍ فَعَرِّفْنَاهُ، وَإذَا عَرَّفْتَنَاهُ فَقِنَاهُ، وَبَصِّرْنَا مَا نُكَايِدُهُ بِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَا نُعِدُّهُ، وَأَيْقِظْنَا عَنْ سِنَةِ الْغَفْلَةِ بِالرُّكُونِ إلَيْهِ، وَأَحْسِنْ بِتَوْفِيقِكَ عَوْنَنَا عَلَيْهِ. اللَّهُمَّ وَأَشْرِبْ قُلُوبَنَا إنْكَارَ عَمَلِهِ، وَالْطُفْ لَنَا فِي نَقضِ حِيَلِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَوِّلْ سُلْطَانَهُ عَنَّا، وَاقْطَعْ رَجَاءَهُ مِنَّا، وادْرَأْه عَنِ الْوُلُوعِ بِنَا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ آباءَنَا وَامَّهَاتِنَا وَأَوْلَادَنَا وَأَهَالِيَنَا وَذَوِي أَرْحَامِنَا وَقَرَابَاتِنَا وَجِيْرَانَنَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْهُ فِي حِرْزٍ حَارِزٍ، وَحِصْنٍ حَافِظٍ، وَكَهْفٍ مَانِعٍ، وَألْبِسْهُمْ مِنْهُ جُنَناً
ص: 90
وَاقِيَةً، وَأَعْطِهِمْ عَلَيْهِ أَسْلِحَةً مَاضِيَةً. أللَّهُمَّ وَاعْمُمْ بِذلِكَ مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالرُّبُوبِيَّةِ، وَأَخْلَصَ لَكَ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَعَادَاهُ لَكَ بِحَقِيقَةِ الْعُبُودِيَّة، وَاسْتَظْهَرَ بِكَ عَلَيْهِ فِي مَعْرِفَةِ الْعُلُومِ الرَّبَّانِيَّةِ.
اللَّهُمَّ احْلُلْ مَا عَقَدَ، وَافْتقْ مَا رَتَقَ، وَافسَخ مَا دَبَّرَ، وَثَبِّطْهُ إذَا عَزَمَ، وَانْقُضْ مَا أَبْرَمَ. اللَّهُمَّ وَاهْزِمْ جُنْدَهُ وَأَبْطِلْ كَيْدَهُ وَاهْدِمْ كَهْفَهُ وَأَرْغِمْ أَنْفَهُ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي نَظْم أَعْدَآئِهِ، وَاعْزِلْنَا عَنْ عِدَادِ أَوْلِيَائِهِ، لا نُطِيعُ لَهُ إذَا اسْتَهْوَانَا، وَلا نَسْتَجِيبُ لَهُ إذَا دَعَانَا، نَأْمُرُ بِمُنَاوَاتِهِ مَنْ أَطَاعَ أَمْرَنَا، وَنَعِظُ عَنْ مُتَابَعَتِهِ مَنِ اتَّبَعَ زَجْرَنَا. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَأَعِذْنَا وَأَهَالِيَنَا وَإخْوَانَنَا وَجَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِمَّا اسْتَعَذْنَا مِنْهُ، وَأَجِرْنَا مِمَّا اسْتَجَرْنَا بِكَ مِنْ خَوْفِهِ، وَاسْمَعْ لَنَا مَا دَعَوْنَا بِهِ وَأَعْطِنَا مَا
ص: 91
أَغْفَلْنَاهُ وَاحْفَظْ لَنَا مَا نَسِيْنَاهُ، وَصَيِّرْنَا، بِذَلِكَ فِي دَرَجَاتِ الصَّالِحِينَ، وَمَرَاتِبِ الْمُؤْمِنِينَ، آمينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 92
أَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى حُسْنِ قَضَائِكَ، وَبِمَا صَرَفْتَ عَنِّي مِنْ بَلائِكَ، فَلَا تَجْعَلْ حَظِّي مِنْ رَحْمَتِكَ مَا عَجَّلْتَ لِي مِنْ عَافِيَتِكَ، فَأكُونَ قَدْ شَقِيتُ بِمَا أَحْبَبْتُ، وَسَعِدَ غَيْرِي بِمَا كَرِهْتُ، وَإنْ يَكُنْ مَا ظَلِلْتُ فِيهِ أَوْ بِتُّ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الْعَافِيَةِ بَيْنَ يَدَيْ بَلاءٍ لَا يَنْقَطِعُ، وَوِزْرٍ لا يَرْتَفِعُ فَقَدِّمْ لِي مَا أَخَّرْتَ، وَأَخِّرْ عَنّي مَا قَدَّمْتَ فَغَيْرُ كَثِيرٍ مَا عَاقِبَتُهُ الْفَنَاءُ، وَغَيْرُقَلِيلٍ مَا عَاقِبَتُهُ الْبَقَاءُ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.
ص: 93
أللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَانْشُرْ عَلَيْنَا رَحْمَتَكَ بِغَيْثِكَ الْمُغْدِقِ، مِنَ الْسَّحَابِ الْمُنْسَاقِ لِنَبَاتِ أَرْضِكَ الْمُونِقِ فِي جَمِيعِ الآفَاقِ، وَامْنُنْ عَلَى عِبَادِكَ بِإينَاعِ الثَّمَرَةِ، وأَحْيِ بِلَادَكَ بِبُلُوغِ الزَّهَرَةِ، وَأَشْهِدْ مَلائِكَتَكَ الْكِرَامَ السَّفَرَةَ بِسَقْيٍ مِنْكَ نَافِعٍ دَائِمٍ غُزْرُهُ، وَاسِعٍ دِرَرُهُ وَابِلٍ سَرِيعٍ عَاجِلٍ، تُحْيِي بِهِ مَا قَدْ مَاتَ، وَتَرُدُّ بهِ مَا قَدْ فَاتَ، وَتُخْرِجُ بِهِ مَا هُوَ آتٍ، وَتُوَسِّعُ بِهِ فِي الأقْوَاتِ، سَحَاباً مُتَرَاكِماً هَنِيئاً مَرِيئاً طَبَقاً مُجَلْجَلًا غَيْرَ مُلِثٍّ وَدْقُهُ، وَلا خُلَّبٍ بَرْقُهُ. أللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مَغيثَاً مَرِيعاً مُمْرِعاً عَرِيْضَاً
ص: 94
وَاسِعاً غَزِيراً، تَرُدُّ بِهِ النَّهِيضَ، وَتَجْبُرُ بِهِ الْمَهِيضَ. أللَّهُمَّ اسْقِنَا سَقْياً تُسِيلُ مِنْهُ الظِّرابَ، وَتَمْلأ مِنْهُ الْجِبَابَ، وَتُفَجِّرُ بِهِ الأنْهَارَ، وَتُنْبِتُ بِهِ الأشْجَارَ، وَتُرْخِصُ بِهِ الأسْعَارَ فِي جَمِيع الأمْصَارِ، وَتَنْعَشُ بِهِ البَهَائِمَ وَالْخَلْقَ، وَتُكْمِلُ لَنَا بِهِ طَيِّبَاتِ الرِّزْقِ، وَتُنْبِتُ لَنَا بِهِ الزَّرْعَ، وَتُدِرُّ بِهِ الضَّرْعَ، وَتَزِيدُنَا بِهِ قُوَّةً إلَى قُوَّتِنَا.
أللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ ظِلَّهُ عَلَيْنَا سَمُوماً، وَلَا تَجْعَلْ بَرْدَهُ عَلَيْنَا حُسُوماً، وَلَا تَجْعَلْ صَوْبَهُ عَلَيْنَا رُجُوماً، وَلا تَجْعَلْ مَاءَهُ عَلَيْنَا اجَاجاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَارْزُقْنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
ص: 95
أَللَّهمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَبَلِّغْ بِإيْمَانِي أكْمَلَ الإِيْمَانِ، وَاجْعَلْ يَقِينِي أَفْضَلَ الْيَقِينِ، وَانْتَهِ بِنِيَّتِي إلَى أَحْسَنِ النِّيَّاتِ، وَبِعَمَلِي إلى أَحْسَنِ الأعْمَالِ. أللَّهُمَّ وَفِّرْ بِلُطْفِكَ نِيَّتِي، وَصَحِّحْ بِمَا عِنْدَكَ يَقِينِي، وَاسْتَصْلِحْ بِقُدْرَتِكَ مَا فَسَدَ مِنِّي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍوَآلِهِ، وَاكْفِنِي مَا يَشْغَلُنِي الاهْتِمَامُ بِهِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا تَسْأَلُنِي غَداً عَنْهُ وَاسْتَفْرِغْ أَيَّامِي فِيمَا خَلَقْتَنِي لَهُ، وَأَغْنِنِي وَأَوْسِعْ عَلَيَّ فِي رِزْقِكَ، وَلَا تَفْتِنِّي بِالنَّظَرِ، وَأَعِزَّنِي، وَلا تَبْتَلِيَنِّي بِالْكِبْرِ، وَعَبِّدْنِي لَكَ، وَلَا تُفْسِدْ عِبَادَتِي بِالْعُجْبِ، وَأَجْرِ لِلنَّاسِ عَلَى
ص: 96
يَدَيَّ الْخَيْرَ، وَلا تَمْحَقْهُ بِالْمَنِّ، وَهَبْ لِي مَعَالِيَ الأَخْلَاقِ، وَاعْصِمْنِي مِنَ الْفَخْرِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَرْفَعْنِي فِيْ النَّاسِ دَرَجَةً إلّا حَطَطْتَنِي عِنْدَ نَفْسِي مِثْلَهَا، وَلا تُحْدِثْ لِي عِزّاً ظَاهِرَاً إلّاأَحْدَثْتَ لِي ذِلَّةً بَاطِنَةً عِنْدَ نَفْسِي بِقَدَرِهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمَتِّعْنِي بِهُدىً صَالِحٍ لا أَسْتَبْدِلُ بِهِ، وَطَرِيقَةِ حَقٍّ لا أَزِيْغُ عَنْهَا، وَنِيَّةِ رُشْدٍ لَا أَشُكُّ فِيْهَا وَعَمِّرْنِي مَا كَانَ عُمْرِيْ بِذْلَةً فِي طَاعَتِكَ، فَإذَا كَانَ عُمْرِي مَرْتَعاً لِلشَّيْطَانِ، فَاقْبِضْنِي إلَيْكَ قَبْلَ أَنْ يَسْبِقَ مَقْتُكَ إلَيَّ، أَوْ يَسْتَحْكِمَ غَضَبُكَ عَلَيَّ. أللَّهُمَّ لا تَدَعْ خَصْلَةً تُعَابُ مِنِّي إلّا أَصْلَحْتَهَا، وَلا عَائِبَةً اؤَنَّبُ بِهَا إلّاحَسَّنْتَهَا، وَلَا اكْرُومَةً فِيَّ نَاقِصَةً إلّاأَتْمَمْتَهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأَبْدِلْنِي مِنْ بِغْضَةِ أَهْلِ الشَّنَئانِ الْمَحَبَّةَ، وَمِنْ حَسَدِ أَهْلِ الْبَغْيِ الْمَوَدَّةَ،
ص: 97
وَمِنْ ظِنَّةِ أَهْلِ الصَّلَاحِ الثِّقَةَ، وَمِنْ عَدَاوَةِ الأَدْنَيْنَ الْوَلايَةَ، وَمِنْ عُقُوقِ ذَوِي الأَرْحَامِ الْمَبَرَّةَ، ومِنْ خِذْلانِ الأَقْرَبِينَ النُّصْرَةَ، وَمِنْ حُبِّ الْمُدَارِينَ تَصْحيحَ الْمِقَةِ، وَمِنْ رَدِّ الْمُلَابِسِينَ كَرَمَ الْعِشْرَةِ، وَمِنْ مَرَارَةِ خَوْفِ الظَّالِمِينَ حَلَاوَةَ الأَمَنَةِ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ لِيْ يَداً عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَلِسَاناً عَلَى مَنْ خَاصَمَنِي وَظَفَراً بِمَنْ عَانَدَنِي، وَهَبْ لِي مَكْراً عَلَى مَنْ كَايَدَنِي، وَقُدْرَةً عَلَى مَنِ اضْطَهَدَنِي، وَتَكْذِيباً لِمَنْ قَصَبَنِي، وَسَلَامَةً مِمَّنْ تَوَعَّدَنِي، وَوَفِّقْنِي لِطَاعَةِ مَنْ سَدَّدَنِي، وَمُتَابَعَةِ مَنْ أَرْشَدَنِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لِأَنْ أعَارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْحِ، وَأَجْزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ، وَاثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ، وَاكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ، واخَالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أَشْكُرَ الْحَسَنَةَ، وَاغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَةِ.
ص: 98
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَلِّنِي بِحِلْيَةِ الصَّالِحِينَ، وَأَلْبِسْنِي زِينَةَ المُتَّقِينَ، فِيْ بَسْطِ الْعَدْلِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ، وَإطْفَاءِ النَّائِرَةِ، وَضَمِّ أَهْلِ الْفُرْقَةِ وَإصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَإفْشَاءِ الْعَارِفَةِ، وَسَتْرِ الْعَائِبَةِ، وَلِينِ الْعَرِيكَةِ، وَخَفْضِ الْجَنَاحِ، وَحُسْنِ السِّيرَةِ، وَسُكُونِ الرِّيحِ، وَطِيْبِ الْمُخَالَقَةِ، وَالسَّبْقِ إلَى الْفَضِيلَةِ، وإيْثَارِ التَّفَضُّلِ، وَتَرْكِ التَّعْيِيْرِ، وَالإفْضَالِ عَلَى غَيْرِالْمُسْتَحِقِّ وَالقَوْلِ بِالْحَقِّ وَإنْ عَزَّ، وَاسْتِقْلَالِ الخَيْرِ وَإنْ كَثُرَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَاسْتِكْثَارِ الشَّرِّ وَإنْ قَلَّ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي، وَأكْمِلْ ذَلِكَ لِي بِدَوَامِ الطَّاعَةِ، وَلُزُومِ الْجَمَاعَةِ، وَرَفْضِ أَهْلِ الْبِدَعِ، وَمُسْتَعْمِلِ الرَّأي الْمُخْتَرَعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ أَوْسَعَ رِزْقِكَ عَلَيَّ إذَا كَبُرتُ، وَأَقْوَى قُوَّتِكَ فِيَّ إذَا نَصِبْتُ، وَلَا تَبْتَلِيَنّي بِالكَسَلِ عَنْ عِبَادَتِكَ، وَلا الْعَمَى عَنْ سَبِيلِكَ، وَلَا
ص: 99
بِالتَّعَرُّضِ لِخِلَافِ مَحَبَّتِكَ، وَلَا مُجَامَعَةِ مَنْ تَفَرَّقَ عَنْكَ، وَلا مُفَارَقَةِ مَنِ اجْتَمَعَ إلَيْكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أصُوْلُ بِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، وَأَسْأَلُكَ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَأَتَضَرَّعُ إلَيْكَ عِنْدَ الْمَسْكَنَةِ، وَلا تَفْتِنّي بِالاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِكَ إذَا اضْطُرِرْتُ، وَلا بِالْخُضُوعِ لِسُؤالِ غَيْرِكَ إذَا افْتَقَرْتُ، وَلَا بِالتَّضَرُّعِ إلَى مَنْ دُونَكَ إذَا رَهِبْتُ؛ فَأَسْتَحِقَّ بِذلِكَ خِذْلانَكَ وَمَنْعَكَ وَإعْرَاضَكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِي رَوْعِي مِنَ التَّمَنِّي وَالتَّظَنِّي وَالْحَسَدِ ذِكْراً لِعَظَمَتِكَ، وَتَفَكُّراً فِي قُدْرَتِكَ، وَتَدْبِيراً عَلَى عَدُوِّكَ، وَمَا أَجْرَى عَلَى لِسَانِي مِنْ لَفْظَةِ فُحْشٍ أَوْ هُجْرٍ أَوْ شَتْمِ عِرْضٍ أَوْ شَهَادَةِ بَاطِلٍ أو اغْتِيَابِ مُؤْمِنٍ غَائِبِ أَوْ سَبِّ حَاضِرٍ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ نُطْقاً بِالْحَمْدِ لَكَ، وَإغْرَاقاً فِي الثَّنَاءِ عَلَيْكَ، وَذَهَاباً فِي تَمْجيدِكَ وَ شُكْر اًلِنِعْمَتِكَ، وَاعْتِرَافاً بِإحْسَانِكَ، وَإحْصَاءً لِمِنَنِكَ.
ص: 100
أللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَلَا اظْلَمَنَّ وَأَنْتَ مُطِيقٌ لِلدَّفْعِ عَنِّي، وَلا أَظْلِمَنَّ وَأَنْتَ القَادِرُ عَلَى الْقَبْضِ مِنِّي، وَلَا أَضِلَّنَّ وَقَدْ أَمْكَنَتْكَ هِدَايَتِي، وَلَا أَفْتَقِرَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُسْعِي، وَلا أَطْغَيَنَّ وَمِنْ عِنْدِكَ وُجْدِي. أللَّهُمَّ إلَى مَغْفِرَتِكَ وَفَدْتُ، وَإلَى عَفْوِكَ قَصَدْتُ، وَإلَى تَجَاوُزِكَ اشْتَقْتُ، وَبِفَضْلِكَ وَثِقْتُ، وَلَيْسَ عِنْدِي مَا يُوجِبُ لِي مَغْفِرَتَكَ، وَلَا فِي عَمَلِي مَا أَسْتَحِقُّ بِهِ عَفْوَكَ، وَمَا لِي بَعْدَ أَنْ حَكَمْتُ عَلَى نَفْسِي إلَّا فَضْلُكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ. أللَّهُمَّ وَأَنْطِقْنِي بِالْهُدى، وَأَلْهِمْنِي التَّقْوَى، وَوَفِّقْنِي لِلَّتِيْ هِيَ أَزْكَى، وَاسْتَعْمِلْنِي بِمَا هُوَ أَرْضَى. أللَّهُمَّ اسْلُكْ بِيَ الطَّرِيقَةَ الْمُثْلَى، وَاجْعَلْنِي عَلَى مِلَّتِكَ أَمُوتُ وَأَحْيَى. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَمَتِّعْنِي بِالاقْتِصَادِ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ السَّدَادِ، وَمِنْ أَدِلَّةِ الرَّشَادِ، وَمِنْ صَالِحِي الْعِبَادِ، وَارْزُقْنِي فَوْزَ
ص: 101
الْمَعَادِ، وَسَلَامَةَ الْمِرْصَادِ. أللَّهُمَّ خُذْ لِنَفْسِكَ مِنْ نَفْسِي مَا يُخَلِّصُهَا، وَأَبْق لِنَفْسِي مِنْ نَفْسِي مَا يُصْلِحُهَا؛ فَإنَّ نَفْسِي هَالِكَةٌ أَوْ تَعْصِمَهَا. أَللَّهُمَّ أَنْتَ عُدَّتِي إنْ حَزَنْتُ، وَأَنْتَ مُنْتَجَعِي إنْ حُرِمْتُ، وَبِكَ استِغَاثَتِي إنْ كَرِثْتُ، وَعِنْدَكَ مِمَّا فَاتَ خَلَفٌ، وَلِمَا فَسَدَ صَلَاحٌ، وَفِيمَا أنْكَرْتَ تَغْييرٌ. فَامْنُنْ عَلَيَّ قَبْلَ الْبَلآءِ بِالْعَافِيَةِ، وَقَبْلَ الطَّلَبِ بِالْجِدَةِ، وَقَبْلَ الضَّلَالِ بِالرَّشَادِ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ مَعَرَّةِ الْعِبَادِ، وَهَبْ لِيْ أَمْنَ يَوْمِ الْمَعَادِ، وَامْنَحنِي حُسْنَ الإرْشَادِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَادْرَأ عَنّي بِلُطْفِكَ، وَاغْذُنِي بِنِعْمَتِكَ، وَأَصْلِحْنِي بِكَرَمِكَ، وَدَاوِنِي بصُنْعِكَ، وَأَظِلَّنِيْ فِي ذَرَاكَ، وجَلِّلْنِي رِضَاكَ، وَوَفِّقنِي إذَا اشْتَكَلَتْ عَلَيَّ الامُورُ لِأهْدَاهَا، وَإذَا تَشَابَهَتِ الأعْمَالُ لأزْكَاهَا، وَإذَا تَنَاقَضَتِ الْمِلَلُ لِأرْضَاهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَتَوِّجْنِي بِالْكِفَايَةِ،
ص: 102
وَسُمْنِي حُسْنَ الْوِلايَةِ، وَهَبْ لِيْ صِدْقَ الْهِدَايَةِ، وَلا تَفْتِنِّي بِالسَّعَةِ، وَامْنَحْنِي حُسْنَ الدَّعَةِ، وَلا تَجْعَلْ عَيْشِي كَدّاً كَدّاً، وَلَا تَرُدَّ دُعَائِي عَلَيَّ رَدّاً؛ فَإنِّي لا أَجْعَلُ لَكَ ضِدّاً وَلا أَدْعُو مَعَكَ نِدّاً. أللَّهُمَ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَامْنَعْنِي مِنَ السَّرَفِ، وَحَصِّنْ رِزْقِي مِنَ التَّلَفِ، وَوَفِّرْ مَلَكَتِي بِالْبَرَكَةِ فِيهِ، وَأَصِبْ بِي سَبِيلَ الْهِدَايَةِ لِلْبِرِّ فِيمَا انْفِقُ مِنْهُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنِي مَؤُونَةَ الاكْتِسَابِ، وَارْزُقْنِي مِنْ غَيْرِ احْتِسَابٍ، فَلَا أَشْتَغِلَ عَنْ عِبَادَتِكَ بِالطَّلَبِ، وَلا أَحْتَمِلَ إصْرَ تَبِعَاتِ الْمَكْسَبِ. أللَّهُمَّ فَأَطْلِبْنِي بِقُدْرَتِكَ مَا أَطْلُبُ، وَأَجِرْنِي بِعِزَّتِكَ مِمَّا أَرْهَبُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصُنْ وَجْهِي بِالْيَسَارِ، وَلَا تَبْتَذِلْ جَاهِي بِالإقْتارِ، فَأَسْتَرْزِقَ أَهْلَ رِزْقِكَ، وَأَسْتَعْطِيَ شِرَارَ خَلْقِكَ، فَأفْتَتِنَ بِحَمْدِ مَنْ أَعْطَانِي، وَابْتَلَى بِذَمِّ مَنْ مَنَعَنِي، وَأَنْتَ مِنْ دُونِهِمْ وَلِيُّ
ص: 103
الإعْطَاءِ وَالْمَنْعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي صِحَّةً فِيْ عِبَادَةٍ، وَفَراغاً فِي زَهَادَةٍ، وَعِلْماً فِي اسْتِعمَالٍ، وَوَرَعاً فِي إجْمَالٍ. أللَّهُمَّ اخْتِمْ بِعَفْوِكَ أَجَلي، وَحَقِّقْ فِي رَجَاءِ رَحْمَتِكَ أَمَلِي، وَسَهِّلْ إلَى بُلُوغِ رِضَاكَ سُبُلِي، وَحَسِّنْ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِيْ عَمَلِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَنَبِّهْنِي لِذِكْرِكَ فِي أَوْقَاتِ الْغَفْلَةِ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِطَاعَتِكَ فِي أَيَّامِ الْمُهْلَةِ، وَانْهَجْ لِي إلى مَحَبَّتِكَ سَبيلًا سَهْلَةً أكْمِلْ لِي بِهَا خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَأَفْضَلِ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ قَبْلَهُ، وَأَنْتَ مُصَلٍّ عَلَى أَحَدٍ بَعْدَهُ، وَآتِنا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنِي بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ النَّارِ.
ص: 104
أَللَّهُمَّ يَا كَافِيَ الْفَرْدِ الضَعِيْفِ، وَوَاقِيَ الأمْرِ الْمَخُوْفِ، أَفْرَدَتْنِي الْخَطَايَا؛ فَلَا صَاحِبَ مَعِي، وَضَعُفْتُ عَنْ غَضَبِكَ؛ فَلَا مُؤَيِّدَ لِي، وَأَشْرَفْتُ عَلَى خَوْفِ لِقَائِكَ؛ فَلَا مُسَكِّنَ لِرَوْعَتِي، وَمَنْ يُؤْمِنُنِي مِنْكَ وَأَنْتَ أَخَفْتَنِي؟
وَمَن يساعِدُنِي وَأَنْتَ أَفْرَدْتَنِي؟ وَمَنْ يُقَوِّيْنِي وَأَنْتَ أَضْعَفْتَنِي؟ لَا يُجيرُ يا إلهي إلّارَبٌّ عَلَى مَرْبُوبٍ، وَلَا يُؤْمِنُ إلّاغالِبٌ عَلَى مَغْلُوبٍ، وَلَا يُعِينُ إِلّا طالِبٌ عَلَى مَطْلُوبٍ، وَبِيَدِكَ يَا إلهِي جَمِيعُ ذلِكَ السَّبَبِ، وَإلَيْكَ الْمَفَرُّ وَالْمَهْربُ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْ هَرَبِي وَأَنْجِحْ مَطْلَبِي. أللَّهُمَّ
ص: 105
إنَّكَ إنْ صَرَفْتَ عَنِّي وَجْهَكَ الْكَرِيْمَ، أَوْ مَنَعْتَنِي فَضْلَكَ الْجَسِيمَ، أَوْ حَظَرْتَ عَلَيَّ رِزْقَكَ أَوْ قَطَعْتَ عَنِّي سَبَبَكَ لَمْ أَجِدِ السَّبِيلَ إلَى شَيْ ءٍ مِنْ أَمَلِي غَيْرَكَ، وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى مَا عِنْدَكَ بِمَعُونَةِ سِوَاكَ؛ فَإنِّي عَبْدُكَ، وَفِي قَبْضَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، لَا أَمْرَ لِي مَعَ أَمْرِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، وَلَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ سُلْطَانِكَ، وَلَا أَسْتَطِيعُ مُجَاوَزَةَ قُدْرَتِكَ، وَلَا أَسْتَمِيلُ هَوَاكَ، وَلَاأبْلُغُ رِضَاكَ، وَلَا أَنَالُ مَا عِنْدَكَ إلَّا بِطَاعَتِكَ وَبِفَضْلِ رَحْمَتِكَ. إلهِي أَصْبَحْتُ وَأَمْسَيْتُ عَبْداً دَاخِراً لَكَ، لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلَا ضَرّاً إلَّا بِكَ، أَشْهَدُبِذَلِكَ عَلَى نَفْسِي، وَأَعْتَرِفُ بِضَعْفِ قُوَّتِي وَقِلَّةِ حِيْلَتِي، فَأَنْجزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، وَتَمِّمْ لِي مَا آتَيْتَنِي؛ فَإنِّي عَبْدُكَ الْمِسْكِينُ الْمُسْتكِينُ الضَّعِيفُ الضَّرِيرُ الذَّلِيلُ الْحَقِيرُ الْمَهِينُ الْفَقِيرُ الْخَائِفُ الْمُسْتَجِيرُ.
ص: 106
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلَا تَجْعَلْنِي نَاسِيَاً لِذِكْرِكَ فِيمَا أَوْلَيْتَنِي، وَلَا غافِلًا لإحْسَانِكَ فِيمَا أَبْلَيْتَنِي، وَلا آيِسَاً مِنْ إجَابَتِكَ لِي وَإنْ أَبْطَأتَ عَنِّي فِي سَرَّاءَ كُنْتُ أَوْ ضَرَّاءَ، أَوْ شِدَّةٍ أَوْ رَخَاءٍ، أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ بَلاءٍ، أَوْ بُؤْسٍ أَوْ نَعْمَاءَ، أَوْ جِدَةٍ أَوْ لأوَاءَ، أَوْ فَقْرٍ أَوْ غِنىً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ ثَنائِي عَلَيْكَ وَمَدْحِي إيَّاكَ وَحَمْدِي لَكَ فِي كُلِّ حَالاتِي حَتَّى لَا أَفْرَحَ بِمَا آتَيْتَنِي مِنَ الدُّنْيَا، وَلَا أَحْزَنَ عَلَى مَا مَنَعْتَنِي فِيهَا، وَأَشْعِرْ قَلْبِي تَقْوَاكَ، وَاسْتَعْمِلْ بَدَنِي فِيْمَا تَقْبَلُهُ مِنِّي، وَاشْغَلْ بِطَاعَتِكَ نَفْسِي عَنْ كُلِّ مَايَرِدُ عَلَىَّ حَتَّى لَا احِبَّ شَيْئَاً مِنْ سُخْطِكَ، وَلا أَسْخَطَ شَيْئاً مِنْ رِضَاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَفَرِّغْ قَلْبِي لِمَحَبَّتِكَ، وَاشْغَلْهُ بِذِكْرِكَ، وَانْعَشْهُ بِخَوْفِكَ، وَبِالْوَجَلِ مِنْكَ، وَقَوِّهِ بِالرَّغْبَةِ إلَيْكَ، وَأَمِلْهُ إلَى طَاعَتِكَ، وَأَجْرِ بِهِ فِي أَحَبِّ السُّبُلِ إلَيْكَ،
ص: 107
وَذَلِّلْهُ بِالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَكَ أَيَّامَ حَيَاتِي كُلِّهَا، وَاجْعَلْ تَقْوَاكَ مِنَ الدُّنْيَا زَادِي، وَإلَى رَحْمَتِكَ رِحْلَتِي، وَفِي مَرْضَاتِكَ مَدْخَلِي.
وَاجْعَلْ فِي جَنَّتِكَ مَثْوَايَ، وَهَبْ لِي قُوَّةً أَحْتَمِلُ بِهَا جَمِيعَ مَرْضَاتِكَ، وَاجْعَلْ فِرَارِي إلَيْكَ، وَرَغْبَتِي فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْبِسْ قَلْبِي الْوَحْشَةَ مِنْ شِرارِ خَلْقِكَ. وَهَبْ لِيَ الأُنْسَ بِكَ وَبِأَوْلِيَآئِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، وَلَا تَجْعَلْ لِفَاجِرٍ وَلاكَافِرٍ عَلَيَّ مِنَّةً، وَلَا لَهُ عِنْدِي يَداً، وَلا بِي إلَيْهِمْ حَاجَةً، بَل اجْعَلْ سُكُونَ قَلْبِي وَانْسَ نَفْسِي وَاسْتِغْنَائِي وَكِفَايَتِي بِكَ، وَبِخِيَارِ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ قَرِيناً، وَاجْعَلْنِي لَهُمْ نَصِيْراً، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِشَوْقٍ إلَيْكَ، وَبِالْعَمَلِ لَكَ بِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَذَلِكَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.
ص: 108
أَللَّهُمَّ إنَّكَ كَلَّفْتَنِي مِنْ نَفْسِي مَا أَنْتَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي، وَقُدْرَتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَيَّ أَغْلَبُ مِنْ قُدْرَتِي، فَأَعْطِنِي مِنْ نَفْسِي مَا يُرْضِيْكَ عَنِّي، وَخُذْ لِنَفْسِكَ رِضَاهَا مِنْ نَفْسِي فِي عَافِيَةٍ. أللَّهُمَّ لَا طَاقَةَ لِي بِالجَهْدِ، وَلَا صَبْرَ لِي عَلَى البَلَاءِ، وَلَا قُوَّةَ لِي عَلَى الْفَقْرِ، فَلَا تَحْظُرْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَلَا تَكِلْنِيْ إلَى خَلْقِكَ، بَلْ تَفَرَّدْ بِحَاجَتِي، وَتَولَّ كِفَايَتِي، وَانْظُرْ إلَيَّ وَانْظُرْ لِي فِي جَمِيْعِ امُورِي، فَإنَّكَ إنْ وَكَلْتَنِي إلَى نَفْسِي عَجَزْتُ عَنْهَا، وَلَمْ اقِمْ مَا فِيهِ مَصْلَحَتُهَا، وَإنْ وَكَلْتَنِي إلَى خَلْقِكَ تَجَهَّمُونِي، وَإنْ أَلْجَأتَنِيْ إلَى قَرَابَتِي حَرَمُونِي،
ص: 109
وَإنْ أَعْطَوْا أَعْطَوْا قَلِيْلًا نَكِداً، وَمَنُّوا عَلَيَّ طَوِيلًا وَذَمُّوا كَثِيراً. فَبِفَضْلِكَ أللَّهُمَّ فَأَغْنِنِي، وَبِعَظَمَتِكَ فَانْعَشنِي، وَبِسَعَتِكَ فَابْسُطْ يَدِي، وَبِمَا عِنْدَكَ فَاكْفِنِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَخَلِّصْنِي مِنَ الْحَسَدِ، وَاحْصُرْنِي عَن الذُّنُوبِ، وَوَرِّعْنِي عَنِ الْمَحَارِمِ، وَلا تُجَرِّئْنِي عَلَى الْمَعَاصِي، وَاجْعَلْ هَوايَ عِنْدَكَ، وَرِضَايَ فِيمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكَ، وَبَارِكْ لِي فِيْمَا رَزَقْتَنِي، وَفِيمَا خَوَّلْتَنِي، وَفِيمَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَاجْعَلْنِي فِي كُلِّ حَالاتِي مَحْفُوظَاً مَكْلُوءاً مَسْتُوراً مَمْنُوعاً مُعَاذاً مُجَاراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاقْضِ عَنِّي كُلَّمَا أَلْزَمْتَنِيهِ وَفَرَضْتَهُ عَلَيَّ لَكَ فِي وَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ طَاعَتِكَ، أَوْ لِخَلْقٍ مِنْ خَلْقِكَ وَإنْ ضَعُفَ عَنْ ذَلِكَ بَدَنِي، وَوَهَنَتْ عَنْهُ قُوَّتِي، وَلَمْ تَنَلْهُ مَقْدِرَتِي، وَلَمْ يَسَعْهُ مَالِي وَلَا ذَاتُ يَدِي، ذَكَرْتُهُ أَوْ نَسِيتُهُ هُوَ يَا رَبِّ مِمَّا قَدْ أَحْصَيْتَهُ عَلَيَّ، وَأَغْفَلْتُهُ أَنَا مِنْ نَفْسِي،
ص: 110
فَأَدِّهِ عَنِّي مِنْ جَزِيْلِ عَطِيَّتِكَ، وَكَثِيرِ مَا عِنْدَكَ؛ فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ حَتَّى لَا يَبْقَى عَلَيَّ شَيْ ءٌ مِنْهُ تُرِيدُ أَنْ تُقَاصَّنِي بِهِ مِنْ حَسَنَاتِي، أَوْ تُضَاعِفَ بِهِ مِنْ سَيِّئاتِي يَوْمَ أَلْقَاكَ يَا رَبِّ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي الرَّغْبَةَ فِي الْعَمَلِ لَكَ لآخِرَتِي، حَتَّى أَعْرِفَ صِدْقَ ذلِكَ مِنْ قَلْبِي، وَحَتَّى يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيَّ الزُّهْدُ فِي دُنْيَايَ، وَحَتَّى أَعْمَلَ الْحَسَنَاتِ شَوْقاً، وَآمَنَ مِنَ السَّيِّئاتِ فَرَقاً وَخَوْفاً، وَهَبْ لِي نُوراً أَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ، وَأَهْتَدِي بِهِ فِي الظُّلُماتِ، وَأَسْتَضِي ءُ بِهِ مِنَ الشَّكِّ وَالشُّبُهَاتِ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْنِي خَوْفَ غَمِّ الْوَعِيْدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ حَتَّى أَجِدَ لَذَّةَ مَا أَدْعُوكَ لَهُ، وَكَأْبَةَ مَا أَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْهُ.
أللَّهُمَّ قَدْ تَعْلَمُ مَا يُصْلِحُنِي مِنْ أَمْرِ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي، فَكُنْ بِحَوَائِجِيْ حَفِيّاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَارْزُقْنِي
ص: 111
الْحَقَّ عِنْدَ تَقْصِيرِي فِي الشُّكْرِ لَكَ، بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فِي اليُسرِ وَالْعُسْرِ وَالصِّحَّةِوَالسَّقَمِ، حَتَّى أَتَعَرَّفَ مِنْ نَفْسِي رَوْحَ الرِّضَا وَطُمَأنِينَةَ النَّفْسِ مِنِّي، بِمَا يَحْدُثُ لَكَ فِيمَا يَحْدُثُ فِي حَالِ الْخَوْفِ وَالَأمْنِ، وَالرِّضَا وَالسُّخْطِ، وَالضَّرِّ وَالنَّفْعِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي سَلَامَةَ الصَّدْرِ مِنَ الْحَسَدِ، حَتَّى لَا أَحْسُدَ أَحَداً مِنْ خَلْقِكَ عَلَى شَيْ ءٍ مِنْ فَضْلِكَ، وَحَتَّى لَا أَرى نِعْمَةً مِنْ نِعَمِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ فِي دِيْنٍ أَوْ دُنْيا، أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ تَقْوَى، أَوْ سَعَةٍ أَوْ رَخاءٍ، إلّارَجَوْتُ لِنَفْسِي أَفْضَلَ ذلِكَ، بِكَ وَمِنْكَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي التَّحَفُّظَ مِن الْخَطَايَا، وَالاحْتِرَاسَ مِنَ الزَّلَلِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فِي حَالِ الرِّضَا وَالْغَضَبِ، حَتَّى أكُونَ بِمَا يَرِدُ عَلَيَّ مِنْهُمَا بِمَنْزِلَةٍ سَوَاءٍ، عَامِلًا بِطَاعَتِكَ مُؤْثِراً لِرِضَاكَ
ص: 112
عَلَى مَا سِوَاهُمَا فِي الأَوْلِياءِ وَالأعْدَاءِ، حَتّى يَأْمَنَ عَدُوِّي مِنْ ظُلْمِي وَجَوْرِي، وَيَيْأَسَ وَلِيِّي مِنْ مَيْلِي وَانْحِطَاطِ هَوَايَ، وَاجْعَلنِي مِمَّنْ يَدْعُوكَ مُخْلِصاً في الرَّخَاءِ دُعَاءَ الْمُخْلِصِينَ الْمُضْطَرِّينَ لَكَ فِي الدُّعَاءِ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجيدٌ.
ص: 113
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْبِسْنِي عَافِيَتَكَ، وَجَلِّلْنِي عَافِيَتَكَ، وَحَصِّنِّي بِعَافِيَتِكَ، وَأكْرِمْنِي بِعَافِيَتِكَ، وَأغْنِنِي بِعَافِيَتِكَ، وَتَصَدَّقْ عَلَيَّ بِعَافِيَتِكَ، وَهَبْ لِي عَافِيَتَكَ، وَأَفْرِشْنِي عَافِيَتَكَ، وَأَصْلِحْ لِي عَافِيَتَكَ، وَلا تُفَرِّقْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَافِيَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَافِنِي عَافِيَةً كَافِيَةً شَافِيَةً عَالِيَةً نَامِيةً، عَافِيَةً تُوَلِّدُ فِي بَدَنِي الْعَافِيَةَ، عَافِيَةَ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالصِّحَّةِ وَالأمْنِ وَالسَّلَامَةِ فِي دِيْنِي وَبَدَنِي، وَالْبَصِيرَةِ فِي قَلْبِي وَالنَّفَاذِ فِي امُورِيْ وَالْخَشْيَةِ لَكَ، وَالْخَوْفِ مِنْكَ،
ص: 114
وَالْقُوَّةِ عَلى مَا أَمَرْتَنِي بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ، وَالاجْتِنَابِ لِمَا نَهَيْتَنِي عَنْهُ مِنْ مَعْصِيَتِكَ. أللَّهُمَّ وَامْنُنْ عَلَيَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُكَ وَبَرَكَاتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ، وَآلِ رَسُولِكَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ أَبَداً مَا أَبْقَيْتَنِي، فِي عَامِي هَذَا وَفِي كُلِّ عَامٍ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ مَقْبُولًا مَشْكُوراً مَذْكُوراً لَدَيْكَ، مَذْخُوراً عِنْدَكَ، وَأَنْطِقْ بِحَمْدِكَ وَشُكْرِكَ وَذِكْرِكَ وَحُسْنِ الثَّناءِ عَلَيْكَ لِسَانِي، وَاشْرَحْ لِمَرَاشِدِ دِينِكَ قَلْبِي، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيم، وَمِنْ شَرِّ السَّامَّةِ وَالْهَامَّةِ وَالْعَامَّةِ وَاللَّامَّةِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، وَمِنْ شَرِّكُلِّ سُلْطَانٍ عَنِيدٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مُتْرَفٍ حَفِيدٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ضَعِيفٍ وَشَدِيدٍ، وَمِنْ شَرِّكُلِّ شَرِيفٍ وَوَضِيعٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ قَرِيْبٍ وَبَعِيدٍ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ مَنْ نَصَبَ لِرَسُولِكَ وَلِأهْلِ بَيْتِهِ حَرْبَاً مِنَ الْجِنِّ
ص: 115
وَالإنْسِ، وَمِنْ شَرّ كُلِّ دَابَّةٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا، إنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِهِ، وَمَنْ أَرَادَنِي بِسُوءٍ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَادْحَرْ عَنِّي مَكْرَهُ، وَادْرَأ عَنِّي شَرَّهُ، وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ، وَاجْعَلْ بَيْنَ يَدَيْهِ سَدّاً حَتَّى تُعْمِيَ عَنِّي بَصَرَهُ، وَتُصِمَّ عَنْ ذِكْري سَمْعَهُ، وَتُقْفِلَ دُونَ إخْطَارِي قَلْبَهُ، وَتُخْرِسَ عَنَي لِسَانَهُ، وَتَقْمَعَ رَأسَهُ، وَتُذِلَّ عِزَّهُ، وَتَكْسِرَ جَبَرُوتَهُ، وَتُذِلَّ رَقَبَتَهُ، وَتَفْسَخَ كِبْرَهُ، وَتُؤْمِنَنِي مِنْ جَمِيْعِ ضَرِّهِ وَشَرِّهِ وَغَمْزِهِ وَهَمْزِهِ وَلَمْزِهِ وَحَسَدِهِ وَعَدَاوَتِهِ وَحَبَائِلِهِ وَمَصَائِدِهِ وَرَجْلِهِ وَخَيْلِهِ، إنَّكَ عَزِيزٌ قَدِيرٌ.
ص: 116
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَأَهْلِ بَيْتِهِ الطَّاهِرِينَ، وَاخْصُصْهُمْ بِأَفْضَلِ صَلَوَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَبَرَكَاتِكَ وَسَلَامِكَ، وَاخْصُصِ اللَّهُمَّ وَالِدَيَّ بِالْكَرَامَةِ لَدَيْكَ، وَالصَّلَاةِ مِنْكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنِي عِلْمَ مَا يَجِبُ لَهُمَا عَلَيَّ إلْهَاماً، وَاجْمَعْ لِي عِلْمَ ذلِكَ كُلِّهِ تَمَاماً، ثُمَّ اسْتَعْمِلْنِي بِمَا تُلْهِمُنِي مِنْهُ، وَوَفِّقْنِي لِلنُّفُوذِ فِيمَا تُبَصِّرُنِيْ مِنْ عِلْمِهِ، حَتَّى لَا يَفُوتَنِي اسْتِعْمَالُ شَيْ ءٍ عَلَّمْتَنِيْهِ، وَلَا تَثْقُلَ أَرْكَانِي عَنِ الْحُفُوفِ فِيمَا أَلْهَمْتَنِيهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ،
ص: 117
كَمَا شَرَّفْتَنَا بِهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، كَمَا أَوْجَبْتَ لَنَا الْحَقَّ عَلَى الْخَلْقِ بِسَبَبِهِ. أللَّهُمَّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السُّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَأَبَرُّهُمَا بِرَّ الأُمِّ الرَّؤُوفِ، وَاجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيَّ وَبِرِّيْ بِهِمَا أَقَرَّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَأَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظَّمْآنِ، حَتَّى أوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا وَاقَدِّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَأَسْتَكْثِرَ بِرَّهُمَا بِي وَإنْ قَلَّ، وَأَسْتَقِلَّ بِرِّي بِهِمَا وَإنْ كَثُرَ. أللَّهُمَّ خَفِّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَأَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي، وَأَلِنْ لَهُمَا عَرِيْكَتِي، وَاعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَصَيِّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَعَلَيْهِمَا شَفِيقاً. أللَّهُمَّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي وَأَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَاحْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنِّي فِي صِغَرِي. اللَّهُمَّ وَمَا مَسَّهُمَا مِنِّي مِنْ أَذَىً، أَوْ خَلَصَ إلَيْهِمَا عَنِّي مِنْ مَكْرُوهٍ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقٍّ فَاجْعَلْهُ حِطَّةً لِذُنُوبِهِمَا، وَعُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا، وَزِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا، يَا مُبَدِّلَ
ص: 118
السَّيِّئاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ. أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْلٍ، أَوْ أَسْرَفَا عَلَىَّ فِيْهِ مِنْ فِعْلٍ، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ، أَوْقَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِبٍ فَقَدْ وَهَبْتُهُ وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا، فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَلَا أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي، يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاًعَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إحْسَاناً إلَيَّ، وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْلٍ، أَوْ اجَازِيَهُمَا عَلَى مِثْلٍ، أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَلَا ادْرِكُ مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا، وَلا أَنَا بِقَاضٍ وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ، وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلَاتَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلآباءِ
ص: 119
وَالأُمَّهاتِ يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَايُظْلَمُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَذُرِّيَّتِهِ، وَاخْصُصْ أَبَوَيَّ بِأَفْضَلِ مَا خَصَصْتَ بِهِ آبَاءَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ وَامَّهَاتِهِمْ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ لَا تُنْسِنِي ذِكْرَهُمَا فِي أَدْبَارِ صَلَوَاتِي، وَفِي أَناً مِنْ آناءِ لَيْلِي، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ نَهَارِي. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاغْفِرْ لِي بِدُعَائِي لَهُمَا، وَاغْفِرْ لَهُمَا بِبِرِّهِمَا بِي مَغْفِرَةً حَتْماً، وَارْضَ عَنْهُمَا بِشَفَاعَتِي لَهُمَا رِضَىً عَزْماً، وَبَلِّغْهُمَا بِالْكَرَامَةِ مَوَاطِنَ السَّلَامَةِ. أللَّهُمَّ وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لَهُمَا فَشَفِّعْهُمَا فِيَّ، وَإنْ سَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ لِي فَشَفِّعْنِي فِيْهِمَا، حَتّى نَجْتَمِعَ بِرَأفَتِكَ فِي دَارِ كَرَامَتِكَ وَمَحَلِّ مَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ، إنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ وَالْمَنِّ الْقَدِيْمِ، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
ص: 120
أللَّهُمَّ وَمُنَّ عَلَيَّ بِبَقَاءِ وُلْدِي، وَبِإصْلَاحِهِمْ لِي، وَبِإمْتَاعِي بِهِمْ. إلهِي امْدُدْ لِي فِي أَعْمَارِهِمْ، وَزِدْ لِي فِي آجَالِهِمْ، وَرَبِّ لِي صَغِيرَهُمْ وَقَوِّ لِي ضَعِيْفَهُمْ، وَأَصِحَّ لِي أَبْدَانَهُمْ وَأَدْيَانَهُمْ وَأَخْلَاقَهُمْ، وَعَافِهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَفِي جَوَارِحِهِمْ وَفِي كُلِّ مَا عُنِيْتُ بِهِ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَأَدْرِرْ لِي وَعَلَى يَدِي أَرْزَاقَهُمْ، وَاجْعَلْهُمْ أَبْرَاراً أَتْقِيَاءَ بُصَراءَ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ لَكَ، وَلأوْلِيَائِكَ مُحِبِّينَ مُنَاصِحِينَ، وَلِجَمِيْعِ أَعْدَآئِكَ مُعَانِدِينَ وَمُبْغِضِينَ آمِينَ. أللَّهُمَّ اشْدُدْ بِهِمْ عَضُدِي، وَأَقِمْ بِهِمْ أَوَدِيْ، وَكَثِّرْ بِهِمْ عَدَدِي، وَزَيِّنْ بِهِمْ مَحْضَرِي،
ص: 121
وَأَحْيِ بِهِمْ ذِكْرِي، وَاكْفِنِي بِهِمْ فِي غَيْبَتِي، وَأَعِنِّي بِهِمْ عَلَى حَاجَتِي، وَاجْعَلْهُمْ لِي مُحِبِّينَ، وَعَلَيَّ حَدِبِينَ مُقْبِلِينَ مُسْتَقِيمِينَ لِيْ، مُطِيعِينَ غَيْرَ عَاصِينَ وَلَا عَاقِّينَ وَلا مُخَالِفِينَ وَلَا خاطِئِينَ، وَأَعِنِّي عَلَى تَرْبِيَتِهِمْ وَتَأدِيْبِهِمْ وَبِرِّهِمْ، وَهَبْ لِيْ مِنْ لَدُنْكَ مَعَهُمْ أَوْلاداً ذُكُوراً، وَاجْعَلْ ذَلِكَ خَيْراً لي، وَاجْعَلْهُمْ لِي عَوناً عَلَى مَا سَأَلْتُكَ، وَأَعِذْنِي وَذُرِّيَّتِي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، فَإنَّكَ خَلَقْتَنَا وَأَمَرْتَنَا وَنَهَيْتَنَا وَرَغّبْتَنَا فِي ثَوَابِ ما أَمَرْتَنَا وَرَهَّبْتَنَا عِقَابَهُ، وَجَعَلْتَ لَنَا عَدُوّاً يَكِيدُنَا، سَلَّطْتَهُ مِنَّا عَلَى مَا لَمْ تُسَلِّطْنَا عَلَيْهِ مِنْهُ، أَسْكَنْتَهُ صُدُورَنَا، وَأَجْرَيْتَهُ مَجَارِيَ دِمَائِنَا، لَا يَغْفُلُ إنْ غَفَلْنَا، وَلَا يَنْسَى إنْ نَسِينَا، يُؤْمِنُنَا عِقَابَكَ، وَيَخَوِّفُنَا بِغَيْرِكَ، إنْ هَمَمْنَا بِفَاحِشَةٍ شَجَّعَنَا عَلَيْهَا، وَإنْ هَمَمْنَا بِعَمَلٍ صَالِحٍ ثَبَّطَنَا عَنْهُ، يَتَعَرَّضُ لَنَا بِالشَّهَوَاتِ، وَيَنْصِبُ لَنَا بِالشُّبُهَاتِ، إنْ وَعَدَنَا كَذَبَنَا، وَإنْ مَنَّانا
ص: 122
أَخْلَفَنَا، وَالإّ تَصْرِفْ عَنَّا كَيْدَهُ يُضِلَّنَا، وَإلّا تَقِنَا خَبالَهُ يَسْتَزِلَّنَا. أللَّهُمَّ فَاقْهَرْ سُلْطَانَهُ عَنَّا بِسُلْطَانِكَ حَتَّى تَحْبِسَهُ عَنَّا بِكَثْرَةِ الدُّعَاءِ لَكَ، فَنُصْبحَ مِنْ كَيْدِهِ فِي الْمَعْصُومِينَ بِكَ.
أللَّهُمَّ أَعْطِنِي كُلَّ سُؤْلِي، وَاقْضِ لِي حَوَائِجِي، وَلَا تَمْنَعْنِي الإجَابَةَ وَقَدْ ضَمِنْتَهَا لِي، وَلا تَحْجُبْ دُعَائِي عَنْكَ وَقَدْ أَمَرْتَنِي بِهِ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِكُلِّ مَا يُصْلِحُنِيْ فِيْ دُنْيَايَ وَآخِرَتِي مَا ذَكَرْتُ مِنْهُ وَمَا نَسِيتُ، أَوْ أَظْهَرتُ أَوْ أَخْفَيْتُ، أَوْ أَعْلَنْتُ أَوْ أَسْرَرْتُ، وَاجْعَلْنِي فِي جَمِيعِ ذلِكَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ بِسُؤَالِي إيَّاكَ، الْمُنْجِحِينَ بِالطَّلَبِ إلَيْكَ، غَيْرِ الْمَمْنُوعِينَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، الْمُعَوَّذِينَ بِالتَّعَوُّذِ بِكَ، الرَّابِحِينَ فِي التِّجَارَةِ عَلَيْكَ، الْمُجَارِيْنَ بِعِزِّكَ، الْمُوَسَّعِ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ الْحَلالُ مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ، الْمُعَزِّينَ مِنَ الذُّلِ بِكَ، وَالْمُجَارِينَ مِن الظُّلْمِ بِعَدْلِكَ، وَالْمُعَافَيْنَ مِنَ الْبَلاءِ
ص: 123
بِرَحْمَتِكَ، وَالْمُغْنَيْنَ مِنَ الْفَقْرِ بِغِنَاكَ، وَالْمَعْصومِينَ مِنَ الذُّنُوبِ وَالزَّلَلِ وَالْخَطَأِ بِتَقْوَاكَ، وَالْمُوَفَّقِينَ لِلْخَيْرِ وَالرُّشْدِ وَالصَّوَابِ بِطَاعَتِكَ، وَالْمُحَالِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ بِقُدْرَتِكَ، التَّارِكِينَ لِكُلِّ مَعْصِيَتِكَ، السَّاكِنِينَ فِي جِوَارِكَ. أللَّهُمَّ أَعْطِنَا جَمِيعَ ذلِكَ بِتَوْفِيقِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَأَعِذْنَا مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَأَعْطِ جَمِيعَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِثْلَ الَّذِي سَأَلْتُكَ لِنَفْسِي وَلِوُلْدِي، فِي عَاجِلِ الدُّنْيَا وَآجِلِ الآخِرَةِ، إنَّكَ قَرِيبٌ مُجِيبٌ سَمِيعٌ عَلِيمٌ عَفُوٌّ غَفُورٌ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ. وَآتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
ص: 124
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَتَوَلَّنِي فِي جِيرَانِي، وَمَوَالِيَّ، وَالْعَارِفِينَ بحَقِّنَا، وَالْمُنَابِذِينَ لأِعْدَائِنَا، بِأَفْضَلِ وَلَايَتِكَ، وَوَفِّقْهُمْ لإقَامَةِ سُنَّتِكَ، وَالأَخْذِ بِمَحَاسِنِ أَدَبِكَ، فِي إرْفَاقِ ضَعِيفِهِمْ، وَسَدِّ خَلَّتِهِمْ، وَعِيَادَةِ مَرِيضِهِمْ، وَهِدَايَةِ مُسْتَرْشِدِهِمْ، وَمُنَاصَحَةِ مُسْتَشِيرِهِمْ، وَتَعَهُّدِ قَادِمِهِمْ، وَكِتْمَانِ أَسْرَارِهِمْ، وَسَتْرِ عَوْرَاتِهِمْ، وَنُصْرَةِ مَظْلُومِهِمْ، وَحُسْنِ مُوَاسَاتِهِمْ بِالْمَاعُونِ، وَالْعَوْدِ عَلَيْهِمْ بِالْجِدَةِ وَالإِفْضَالِ، وَإعْطَآءِ مَا يَجِبُ لَهُمْ قَبْلَ السُّؤالِ، واجْعَلْنِي اللَّهُمَّ أَجْزِي بِالإحْسَانِ مُسِيْئَهُمْ، وَأُعْرِضُ
ص: 125
بِالتَّجَاوُزِ عَنْ ظَالِمِهِمْ، وَأَسْتَعْمِلْ حُسْنَ الظَّنِّ فِي كَافَّتِهِمْ، وَأَتَوَلَّى بِالْبِرِّ عَامَّتَهُمْ، وَأَغُضُّ بَصَرِي عَنْهُمْ عِفَّةً، وَألِينُ جَانِبِيْ لَهُمْ تَوَاضُعاً، وَأَرِقُّ عَلَى أَهْلِ الْبَلاءِ مِنْهُمْ رَحْمَةً، وَأسِرُّ لَهُمْ بِالْغَيْبِ مَوَدَّةً، وَاحِبُّ بَقَاءَ النِّعْمَةِ عِنْدَهُمْ نُصْحاً، وَاوجِبُ لَهُمْ مَا اوجِبُ لِحَامَّتِي، وَأَرْعَى لَهُمْ مَا أَرْعَى لِخَاصَّتِي. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمِّدٍ وَآلِهِ، وَارْزُقْنِي مِثْلَ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَاجْعَلْ لِي أَوْفَى الْحُظُوظِ فِيمَا عِنْدَهُمْ، وَزِدْهُمْ بَصِيْرَةً فِي حَقِّي، وَمَعْرِفَةً بِفَضْلِي، حَتَّى يَسْعَدُوا بِي وَأَسْعَدَ بِهِمْ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 126
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وَأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وَأَسْبغَ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، وَاشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، وَاحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وَامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وَأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، وَدَبِّرْ أَمْرَهُمْ، وَوَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وَتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مَؤَنِهِمْ، وَاعْضُدْهُمْ بِالنَّصْرِ، وَأَعِنْهُمْ بِالصَّبْرِ، وَالْطُفْ لَهُمْ فِي الْمَكْرِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَعَرِّفْهُمْ مَا يَجْهَلُونَ، وَعَلِّمْهُمْ مَا لَا يَعْلَمُونَ، وَبَصِّرْهُمْ مَا لَا يُبْصِرُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَآئِهِمُ
ص: 127
الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ، وَامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ، وَاجْعَلِ الْجَنَّةَ نَصْبَ أَعْيُنِهِمْ، وَلَوِّحْ مِنْهَا لِأبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ، وَمَنَازِلِ الْكَرَامَةِ، وَالْحُورِ الْحِسَانِ، وَالأنْهَارِ الْمُطَّرِدَةِ بِأَنْوَاعِ الأَشْرِبَةِ، وَالأَشْجَارِ الْمُتَدَلِّيَةِ بِصُنُوفِ الثَّمَرِ، حَتَّى لَا يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالإدْبَارِ، وَلا يُحَدِّثَ نَفْسَهُ عَنْ قِرْنِهِ بِفِرَارٍ. أللَّهُمَّ افْلُلْ بِذَلِكَ عَدُوَّهُمْ، وَاقْلِمْ عَنْهُمْ أَظْفَارَهُمْ، وَفَرِّقْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَسْلِحَتِهِمْ، وَاخْلَعْ وَثَائِقَ أَفْئِدَتِهِمْ، وَبَاعِدْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَزْوِدَتِهِمْ، وَحَيِّرْهُمْ فِي سُبُلِهِمْ، وَضَلِّلْهُمْ عَنْ وَجْهِهِمْ، وَاقْطَعْ عَنْهُمُ الْمَدَدَ، وَانْقُصْ مِنْهُمُ الْعَدَدَ، وَامْلأْ أَفْئِدَتَهُمُ الرُّعْبَ، وَاقْبِضْ أَيْدِيَهُمْ عَنِ البَسْطِ، وَاخْزِمْ أَلْسِنَتَهُمْ عَنِ النُّطْقِ، وَشَرِّدْبهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، وَنَكِّلْ بِهِمْ مَنْ وَرَاءَهُمْ، وَاقْطَعْ بِخِزْيِهِمْ أَطْمَاعَ مَنْ بَعْدَهُمْ. أللَّهُمَّ عَقِّمْ
ص: 128
أَرْحَامَ نِسَائِهِمْ، وَيَبِّسْ أَصْلَابَ رِجَالِهِمْ، وَاقْطَعْ نَسْلَ دَوَابِّهِمْ وَأَنْعَامِهِمْ، لَا تَأذَنْ لِسَمَائِهِمْ فِي قَطْرٍ، وَلَا لأرْضِهِمْ فِي نَبَاتٍ. أللَّهُمَّ وَقَوِّ بِذَلِكَ مِحَالَّ أَهْلِ الإسْلَامِ، وَحَصِّنْ بِهِ دِيَارَهُمْ، وَثَمِّرْ بِهِ أَمْوَالَهُمْ، وَفَرِّغْهُمْ عَنْ مُحَارَبَتِهِمْ لِعِبَادَتِكَ، وَعَنْ مُنَابَذَتِهِمْ للْخَلْوَةِ بِكَ، حَتَّى لا يُعْبَدَ فِي بِقَاعِ الأرْضِ غَيْرُكَ، وَلَا تُعَفَّرَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ جَبْهَةٌ دُونَكَ. أللَّهُمَّ اغزُ بِكُلِّ نَاحِيَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَنْ بِإزَائِهِمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، وَأَمْدِدْهُمْ بِمَلآئِكَةٍ مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ، حَتَّى يَكْشِفُوهُمْ إلَى مُنْقَطَعِ التُّرابِ قَتْلًا فِي أَرْضِكَ وَأَسْراً، أَوْ يُقِرُّوا بِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ الَّذِي لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ. أللَّهُمَّ وَاعْمُمْ بِذلِكَ أَعْدَاءَكَ فِي أَقْطَارِ الْبِلَادِ، مِنَ الْهِنْدِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَالْخَزَرِ وَالْحَبَشِ وَالنُّوبَةِ وَالزِّنْج والسَّقَالِبَةِ وَالدَّيَالِمَةِ، وَسَائِرِ امَمِ الشِّرْكِ الَّذِي
ص: 129
تَخْفَى أَسْمَاؤُهُمْ وَصِفاتُهُمْ، وَقَدْ أَحْصَيْتَهُمْ بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَشْرَفْتَ عَلَيْهِمْ بِقُدْرَتِكَ. أللَّهُمَّ اشْغَلِ الْمُشْرِكِينَ بِالمُشْرِكِينَ عَنْ تَنَاوُلِ أَطْرَافِ الْمُسْلِمِينَ، وَخُذْهُمْ بِالنَّقْصِ عَنْ تَنَقُّصِهِمْ، وَثَبِّطْهُمْ بِالْفُرْقَةِ عَنِ الاحْتِشَادِ عَلَيْهِمْ. أللَّهُمَّ أَخْلِ قُلُوبَهُمْ مِنَ الأَمَنَةِ، وَأَبْدَانَهُمْ مِنَ الْقُوَّةِ، وَأَذْهِلْ قُلُوبَهُمْ عَنِ الاحْتِيَالِ، وَأَوْهِنْ أَرْكَانَهُمْ عَنْ مُنَازَلَةِ الرِّجَالِ، وَجَبِّنْهُمْ عَنْ مُقَارَعَةِ الأَبْطَالِ، وَابْعَثْ عَلَيْهِمْ جُنْداً مِنْ مَلَائِكَتِكَ بِبَأسٍ مِنْ بَأْسِكَ، كَفِعْلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ، تَقْطَعُ بِهِ دَابِرَهُمْ، وَتَحْصُدُ بِهِ شَوْكَتَهُمْ، وَتُفَرِّقُ بهِ عَدَدَهُمْ. اللَّهُمَّ وَامْزُجْ مِيَاهَهُمْ بِالْوَبَاءِ، وَأطْعِمَتَهُمْ بِالَأدْوَاءِ، وَارْمِ بِلَادَهُمْ بِالْخُسُوفِ، وَأَلِحَّ عَلَيْهَابِالْقُذُوفِ، وَافْرَعْهَا بِالْمُحُولِ، وَاجْعَلْ مِيَرَهُمْ فِي أَحَصِّ أَرْضِكَ وَأَبْعَدِها عَنْهُمْ، وَامْنَعْ حُصُونَهَا مِنْهُمْ، أَصِبْهُمْ بِالْجُوعِ الْمُقِيمِ، وَالسُّقْمِ الألِيمِ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا غَازٍ
ص: 130
غَزَاهُمْ مِنْ أَهْلِ مِلَّتِكَ أَوْ مُجَاهِدٍ جَاهَدَهُمْ مِنْ أَتْبَاعِ سُنَّتِكَ، لِيَكُونَ دِينُكَ الأعْلَى، وَحِزْبُكَ الأقوَى، وَحَظُّكَ الأوْفَى، فَلَقِّهِ الْيُسْرَ، وَهَيِّئْ لَهُ الأمْرَ، وَتَوَلَّهُ بِالنُّجْحِ، وَتَخَيَّرْ لَهُ الأصْحَابَ، وَاسْتَقْوِ لَهُ الظَّهْرَ، وَأَسْبِغْ عَلَيْهِ فِي النَّفَقَةِ، وَمَتِّعْهُ بِالنَّشَاطِ، وَأَطْفِ عَنْهُ حَرَارَةَ الشَّوْقِ، وَأَجِرْهُ مِنْ غَمِّ الْوَحْشَةِ، وَأَنْسِهِ ذِكْرَ الأهْلِ وَالْوَلَدِ وَأَثُرْ لَهُ حُسْنَ النِّيَّةِ، وَتَوَلَّه بِالْعَافِيَةِ، وَأَصْحِبْهُ السَّلامَةَ، وَأَعْفِهِ مِنَ الْجُبْنِ، وَأَلْهِمْهُ الْجُرْأَةَ وَارْزُقْهُ الشِّدَّةَ، وَأَيِّدْهُ بِالنُّصْرَةِ، وَعَلِّمْهُ السِّيَرَ وَالسُّنَنَ، وَسَدِّدْهُ فِي الْحُكْمِ، وَاعْزِلْ عَنْهُ الرِّياءَ، وخَلِّصْهُ مِنَ السُّمْعَةِ وَاجْعَلْ فِكْرَهُ وَذِكْرَهُ وَظَعْنَهُ وَإقَامَتَهُ فِيْكَ وَلَكَ، فَإذا صَافَّ عَدُوَّكَ وَعَدُوَّهُ فَقَلِّلْهُمْ فِي عَيْنِهِ، وَصَغِّرْ شَأنَهُمْ فِي قَلْبِهِ، وَأَدِلْ لَهُ مِنْهُمْ، وَلَا تُدِلْهُمْ مِنْهُ، فَإنْ خَتَمْتَ لَهُ بِالسَّعَادَةِ، وَقَضَيْتَ لَهُ بِالشَّهَادَةِ، فَبَعْدَ أَنْ يَجْتَاحَ عَدُوَّكَ بِالْقَتْلِ، وَبَعْدَ أنْ
ص: 131
يَجْهَدَ بِهِمُ الأسْرُ، وَبَعْدَ أن تَأمَنَ أطرَافُ المُسْلِمِينَ، وَبَعْدَ أَنْ يُوَلِّيَ عَدُوُّكَ مُدْبِرِينَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ خَلَفَ غَازِياً أَوْ مُرَابِطاً فِي دَارِهِ، أَوْ تَعَهَّدَ خَالِفِيْهِ فِيْ غَيْبَتِهِ، أَوْ أَعَانَهُ بِطَائِفَةٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ أَمَدَّهُ بِعِتَادٍ، أَوْ شَحَذَهُ عَلَى جِهَادٍ، أَوْ أَتْبَعَهُ فِي وَجْهِهِ دَعْوَةً، أَوْرَعَى لَهُ مِنْ وَرَآئِهِ حُرْمَةً، فَأَجْرِلَهُ مِثْلَ أَجْرِهِ؛ وَزْناً بِوَزْنٍ وَمِثْلًا بِمِثْلٍ، وَعَوِّضْهُ مِنْ فِعْلِهِ عِوَضاً حَاضِراً يَتَعَجَّلُ بِهِ نَفْعَ مَا قَدَّمَ، وَسُرُورَ مَا أَتَى به، إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِهِ الْوَقْتُ إلَى مَا أَجْرَيْتَ لَهُ مِنْ فَضْلِكَ، وَأَعْدَدْتَ لَهُ مِنْ كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا مُسْلِمٍ أَهَمَّهُ أَمْرُ الإِسْلَامِ، وَأَحْزَنَهُ تَحَزُّبُ أَهْلِ الشِّرْكِ عَلَيْهِمْ، فَنَوَى غَزْواً، أَوْ هَمَّ بِجهَادٍ، فَقَعَدَ بِهِ ضَعْفٌ أَوْ أَبطَأَتْ بِهِ فَاقَةٌ، أَوْ أَخَّرَهُ عَنْهُ حَادِثٌ، أَوْ عَرَضَ لَهُ دُونَ إرَادَتِهِ مَانِعٌ، فَاكْتُبِ اسْمَهُ فِي الْعَابِدِينَ، وَأوْجبْ لَهُ ثَوَابَ الْمُجَاهِدِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي نِظَامِ
ص: 132
الشُّهَدَآءِ وَالصَّالِحِينَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَآلِ مُحَمَّدٍ صَلَاةً عَالِيَةً عَلَى الصَّلَوَاتِ، مُشْرِفَةً فَوْقَ التَّحِيَّاتِ، صَلَاةً لَا يَنْتَهِي أَمَدُهَا، وَلا يَنْقَطِعُ عَدَدُهَا، كَأَتَمِّ مَا مَضَى مِنْ صَلَوَاتِكَ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَوْلِيآئِكَ، إنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ الْمُبْدِئُ الْمُعِيدُ الفَعَّالُ لِمَا تُرِيْدُ.
ص: 133
اللَهُمَّ إنِّي أَخْلَصْتُ بِانْقِطَاعِي إلَيْكَ، وَأَقْبَلْتُ بِكُلِّي عَلَيْكَ، وَصَرَفْتُ وَجْهِي عَمَّنْ يَحْتَاجُ إلَى رِفْدِكَ، وَقَلَبْتُ مَسْأَلَتِي عَمَّنْ لَمْ يَسْتَغْنِ عَنْ فَضْلِكَ، وَرَأَيْتُ أَنَّ طَلَبَ الْمُحْتَاجِ إلَى الْمُحْتَاجِ سَفَهٌ مِنْ رَأيِهِ، وَضَلَّةٌ مِنْ عَقْلِهِ، فَكَمْ قَدْ رَأَيْتُ يَا إلهِيْ مِنْ اناسٍ طَلَبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِكَ فَذَلُّوا، وَرَامُوا الثَّرْوَةَ مِنْ سِوَاكَ فَافْتَقَرُوا، وَحَاوَلُوا الارْتِفَاعَ فَاتَّضَعُوا، فَصحَّ بِمُعَايَنَةِ أَمْثَالِهِمْ حَازِمٌ وَفَّقَهُ اعْتِبَارُهُ، وَأَرْشَدَهُ إلَى طَرِيقِ صَوَابِهِ اخْتِيَارُهُ، فَأَنْتَ يَا مَوْلايَ دُونَ كُلِّ مَسْؤُولٍ مَوْضِعُ مَسْأَلَتِي، وَدُونَ كُلِّ مَطْلُوبٍ إلَيْهِ
ص: 134
وَلِيُّ حَاجَتِي، أَنْتَ الْمَخْصُوصُ قَبْلَ كُلِّ مَدْعُوٍّ بِدَعْوَتِي، لَا يَشْرَكُكَ أَحَدٌ فِي رَجَائِي، وَلَا يَتَّفِقُ أَحَدٌ مَعَكَ فِي دُعَائِي، وَلَا يَنْظِمُهُ وَإيَّاكَ نِدَائِي لَكَ يَا إلهِي وَحْدَانِيَّةُ الْعَدَدِ، وَمَلَكَةُ الْقُدْرَةِ الصَّمَدِ، وَفَضِيلَةُ الْحَوْلِ وَالْقُوَّةِ، وَدَرَجَةُ الْعُلُوِّ وَالرِّفْعَةِ، وَمَنْ سِوَاكَ مَرْحُومٌ فِي عُمْرِهِ، مَغْلُوبٌ عَلَى أَمْرِهِ، مَقْهُورٌ عَلَى شَأنِهِ، مُخْتَلِفُ الْحَالاتِ، مُتَنَقِّلٌ فِي الصِّفَاتِ، فَتَعَالَيْتَ عَنِ الأشْبَاهِ وَالأضْدَادِ، وَتَكَبَّرْتَ عَنِ الأمْثَالِ وَالأنْدَادِ، فَسُبْحَانَكَ لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ.
ص: 135
أَللَّهُمَّ إنَّكَ ابْتَلَيْتَنَا فِي أَرْزَاقِنَا بِسُوءِ الظَّنِّ، وَفِي آجَالِنَا بِطُولِ الأمَلِ، حَتَّى الْتَمَسْنَا أَرْزَاقَكَ مِنْ عِنْدِ الْمَرْزُوقِينَ، وَطَمِعْنَا بِآمَالِنَا فِي أَعْمَارِ الْمُعَمَّرِينَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لَنَا يَقِيناً صَادِقاً تَكْفِينا بِهِ مِنْ مَؤونَةِ الطَّلَبِ، وَأَلْهِمْنَا ثِقَةً خَالِصَةً تُعْفِينَا بِهَا مِنْ شِدَّةِ النَّصَبِ، وَاجْعَلْ مَا صَرَّحتَ بِهِ مِنْ عِدَتِكَ فِي وَحْيِكَ، وَأَتْبَعْتَهُ مِنْ قِسَمِكَ فِي كِتَابِكَ، قَاطِعاً لاهْتِمَامِنَا بِالرِّزْقِ الَّذِيْ تَكَفَّلْتَ بِهِ، وَحَسْمَاً لِلاشْتِغَالِ بِمَا ضَمِنْتَ الْكِفَايَةَ لَهُ، فَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ الأصْدَقُ وَأَقْسَمْتَ وَقَسَمُكَ الأبَرُّ الأوْفى «وَفِي السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ * فَوَ رَبِّ السَّمَآءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (1)»
ص: 136
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِيَ الْعَافِيَةَ مِنْ دَيْنٍ تُخْلِقُ بِهِ وَجْهِي، وَيَحَارُ فِيهِ ذِهْنِي، وَيَتَشَعَّبُ لَهُ فِكْرِي، وَيَطُولُ بِمُمَارَسَتِهِ شُغْلِي، وَأَعُوذُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ هَمِّ الدَّيْنِ وَفِكْرِهِ، وَشُغْلِ الدَّيْنِ وَسَهَرِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَعِذْنِي مِنْهُ، وَأَسْتَجيرُ بِكَ يَا رَبِّ مِنْ ذِلَّتِهِ فِي الْحَيَاةِ، وَمِنْ تَبِعَتِهِ بَعْدَ الْوَفَاةِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْنِي مِنْهُ بِوُسْعٍ فاضِلٍ، أَوْ كَفَافٍ وَاصِلٍ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْجُبْنِي عَنِ السَّرَفِ وَالازْدِيَادِ، وَقَوِّمْنِي بِالْبَذْلِ وَالاقْتِصَادِ، وَعَلِّمْنِي حُسْنَ التَّقْدِيرِ، وَاقْبِضْنِي
ص: 137
بِلُطْفِكَ عَنِ التَّبْذِيرِ، وَأَجْرِ مِنْ أَسْبَابِ الْحَلَالِ أَرْزَاقِي، وَوَجِّهْ فِي أَبْوَابِ الْبِرِّ إنْفَاقِي، وَازْوِ عَنِّي مِنَ الْمَالِ مَا يُحْدِثُ لِي مَخْيَلَةً أَوْ تَأَدِّياً إلَى بَغْيٍ، أَوْ مَا أَتَعَقَّبُ مِنْهُ طُغْيَاناً. أللَّهُمَّ حَبِّبْ إلَيَّ صُحْبَةَ الْفُقَرآءِ، وَأَعِنِّي عَلَى صُحْبَتِهِمْ بِحُسْنِ الْصَّبْرِ، وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا الفَانِيَةِ، فَاذْخَرْهُ لِيْ فِي خَزَائِنِكَ البَاقِيَةِ، وَاجْعَلْ مَا خَوَّلْتَنِي مِنْ حُطَامِهَا، وَعَجَّلْتَ لِي مِنْ مَتَاعِهَا بُلْغَةً إلَى جِوَارِكَ، وَوُصْلَةً إلَى قُرْبِكَ، وَذَرِيعَةً إلَى جَنَّتِكَ إنَّكَ ذو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، وَأَنْتَ الْجَوَادُ الْكَرِيْمُ.
ص: 138
أَللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْوَاصِفِينَ، وَيَا مَنْ لَا يُجَاوِزُهُ رَجَاءُ الرَّاجِينَ، وَيَا مَنْ لَا يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ، وَيَا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعَابِدِيْنَ، وَيَا مَنْ هُوَ غَايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ. هَذا مَقَامُ مَنْ تَدَاوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ، وَقَادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطَايَا، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطَانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطَاً، وَتَعَاطى مَا نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيراً، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إحْسَانِكَ إلَيْهِ، حَتَّى إذَا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحَائِبُ الْعَمَى، أَحْصَى مَا ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فِيمَا خَالَفَ
ص: 139
بِهِ رَبَّهُ، فَرَأى كَبِيْرَ عِصْيَانِهِ كَبِيْراً، وَجَلِيل مُخالفَتِهِ جَلِيْلًا، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِّلًا لَكَ، مُسْتَحْيِيَاً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إخْلَاصَاً، قَدْ خَلَا طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوعٍ فِيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَخَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ مِنْهُ سِوَاكَ، فَمَثَّلَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَضَرِّعاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إلَى الأرْضِ مُتَخَشِّعَاً، وَطَأْطَأَ رَأسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلًا، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خَضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ مَا أَنْتَ أَحْصَى لَهَا خُشُوعاً، وَاسْتَغَاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ مَاوَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ، وَقَبِيحِ مَا فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ، مِنْ ذُنُوبٍ أدْبَرَتْ لَذَّاتُهَا فَذَهَبَتْ، وَأَقَامَتْ تَبِعَاتُهَا فَلَزِمَتْ، لا يُنْكِرُ يَا إلهِي عَدْلَكَ إنْ عَاقَبْتَهُ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ؛ لأِنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لايَتَعَاظَمُهُ غُفْرَانُ الذَّنْبِ الْعَظِيم. أَللَّهُمَّ فَهَا أَنَا ذَا قَدْ جئْتُكَ مُطِيعاً
ص: 140
لِأمْرِكَ فِيمَا أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعَاءِ، مَتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيمَا وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الإجَابَةِ، إذْ تَقُولُ أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَالْقَنِي بِمَغْفِرَتِكَ كَمَا لَقِيتُكَ بِإقْرَارِي، وَارْفَعْنِي عَنْ مَصَارعِ الذُّنُوبِ كَمَا وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَمَا تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الانْتِقَامِ مِنِّي. أللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طَاعَتِكَ نِيَّتِيْ، وَأَحْكِمْ فِي عِبَادَتِكَ بَصِيرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ الأَعْمَالِ لِمَا تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الخَطَايَا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إذَا تَوَفَّيْتَنِي.
أللَّهُمَّ إنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ فِي مَقَامِي هَذَا مِنْ كَبَائِرِ ذُنُوبِي وَصَغَائِرِهَا وَبَوَاطِنِ سَيِّئآتِي وَظَوَاهِرِهَا، وَسَوالِفِ زَلَّاتِي وَحَوَادِثِهَا، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَةٍ، وَلَا يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَةٍ، وَقَدْ قُلْتَ يَا إلهِي فِي مُحْكَمِ كِتابِكَ إنَّكَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِكَ، وَتَعْفُو عَنِ السَّيِّئآتِ،
ص: 141
وَتُحِبُّ التَّوَّابِينَ، فَاقْبَلْ تَوْبَتِي كَمَا وَعَدْتَ، وَاعْفُ عَنْ سَيِّئآتِي كَمَا ضَمِنْتَ، وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَمَا شَرَطْتَ، وَلَكَ يَا رَبِّ شَرْطِي أَلّا أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ، وَضَمَانِي أَلّا أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ، وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعَاصِيكَ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَعْلَمُ بِمَا عَمِلْتُ فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ، وَاصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إلَى مَا أَحْبَبْتَ.
أللَّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعَاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ، وَتَبِعَاتٌ قَدْ نَسيتُهُنَّ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ الَّتِي لَا تَنَامُ، وَعِلْمِكَ الَّذِي لا يَنْسَى، فَعَوِّضْ مِنْهَا أَهْلَهَا وَاحْطُطْ عَنّي وِزْرَهَا، وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَهَا، وَاعْصِمْنِي مِنْ أَنْ اقَارِفَ مِثْلَهَا. أللَّهُمَّ وَإنَّهُ لَا وَفَاءَ لِي بِالتَّوْبَةِ إلَّا بِعِصْمَتِكَ، وَلا اسْتِمْسَاكَ بِي عَنِ الْخَطَايَا إلّا عَنْ قُوَّتِكَ، فَقَوِّنِي بِقُوَّةٍ كَافِيَةٍ، وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَةٍ مَانِعَةٍ. أللَّهُمَّ أَيُّما عَبْدٍ تَابَ إلَيْكَ، وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ، وَعَائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ، فَإنِّي أَعُوذُ بِكَ أنْ
ص: 142
أَكُوْنَ كَذلِكَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ تَوْبَةً لا أَحْتَاجُ بَعْدَهَا إلَى تَوْبَةٍ، تَوْبَةً مُوجِبَةً لِمَحْوِ مَا سَلَفَ، وَالسَّلَامَةِ فِيمَا بَقِيَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِنْ جَهْلِي، وَأَسْتَوْهِبُكَ سُوْءَ فِعْلِي، فَاضْمُمْنِي إلَى كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلًا، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِ عَافِيَتِكَ تَفَضُّلًا. أللَّهُمَّ وَإنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا خَالَفَ إرَادَتَكَ، أَوْ زَالَ عَنْ مَحَبَّتِكَ مِنْ خَطَرَاتِ قَلْبِي، وَلَحَظَاتِ عَيْنِي، وَحِكَايَاتِ لِسَانِي، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِهَا كُلُّ جَارِحَةٍ عَلَى حِيَالِهَا مِنْ تَبِعَاتِكَ، وَتَأْمَنُ مِمَّا يَخَافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أَلِيْمِ سَطَوَاتِكَ. أَللَّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَاضْطِرَابَ أَرْكَانِي مِنْ هَيْبَتِكَ، فَقَدْ أَقَامَتْنِي يَا رَبِّ ذُنُوبِي مَقَامَ الْخِزْيِ بِفِنَائِكَ، فَإنْ سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ، وَإنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفَاعَةِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَشَفِّعْ فِي خَطَايَايَ كَرَمَكَ، وَعُدْ عَلَى سَيِّئاتِي
ص: 143
بِعَفْوِكَ، وَلَا تَجْزِنِي جَزَآئِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَابْسُطْ عَلَيَّ طَوْلَكَ وَجَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ، وَافْعَلْ بِي فِعْلَ عَزِيزٍ تَضَرَّع إلَيْهِ عَبْدٌ ذَلِيلٌ فَرَحِمَهُ، أَوْ غَنِيٍّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقِيرٌ فَنَعَشَهُ. أللَّهُمَّ لَا خَفِيرَ لِي مِنْكَ فَلْيَخْفُرْنِيْ عِزُّكَ، وَلا شَفِيعَ لِيْ إلَيْكَ فَلْيَشْفَعْ لِي فَضْلُكَ، وَقَدْ أَوْجَلَتْنِي خَطَايَايَ فَلْيُؤْمِنِّي عَفْوُكَ، فَمَا كُلُّ مَا نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْلٍ مِنِّي بِسُوْءِ أَثَرِي، وَلَا نِسيَانٍ لِمَا سَبَقَ مِنْ ذَمِيمِ فِعْلِي، وَلكِنْ لِتَسْمَعَ سَمَاؤُكَ وَمَنْ فِيْهَا، وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْهَا مَا أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ النَّدَمِ، وَلَجَأتُ إلَيْكَ فِيهِ مِنَ التَّوْبَةِ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَرْحَمُنِي لِسُوءِ مَوْقِفِي، أَوْ تُدْرِكُهُ الرِّقَّةُ عَلَيَّ لِسُوءِ حَالِي فَيَنَالَنِي مِنْهُ بِدَعْوَةٍ أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعَائِي، أَوْ شَفَاعَةٍ أَوْكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفَاعَتِي تَكُونُ بِهَا نَجَاتِي مِنْ غَضَبِكَ وَفَوْزَتِي بِرضَاكَ. أللَّهُمَّ إنْ يَكُنِ النَّدَمُ تَوْبَةً إلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ
ص: 144
اْلنَّادِمِينَ، وَإنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إنَابَةً فَأَنَا أَوَّلُ الْمُنِيبينَ، وَإنْ يَكُنِ الاسْتِغْفَارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإنَي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ. اللَّهُمَّ فَكَمَا أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ، وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ، وَحَثَثْتَ عَلَى الدُّعاءِ، وَوَعَدْتَ الإجَابَةَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍوَآلِهِ، وَاقْبَلْ تَوْبَتِي، وَلَا تُرْجِعْني مَرجَعَ الغَيبَةِ منْ رَحْمَتِك إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ، وَالرَّحِيمُ لِلْخَاطِئِينَ الْمُنِيبِينَ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَمَا هَدَيْتَنَا بِهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ كَمَا اسْتَنْقَذْتَنَا بِهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ صَلَاةً تَشْفَعُ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَوْمَ الْفَاقَةِ إلَيْكَ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.
ص: 145
أَللَّهُمَّ يَا ذَا الْمُلْكِ الْمُتأبِّدِ بِالْخُلُودِ، وَالْسُلْطَانِ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ جُنُودٍ وَلَا أَعْوَانٍ، وَالْعِزِّ الْبَاقِي عَلَى مَرِّ الدُّهُورِ، وَخَوَالِي الأَعْوَامِ، وَمَوَاضِي الأَزْمَانِ وَالأيَّامِ، عَزَّ سُلْطَانُكَ عِزّاً لا حَدَّ لَهُ بِأَوَّلِيَّةٍ، وَلَا مُنْتَهَى لَهُ بِآخِرِيَّةٍ، وَاسْتَعْلَى مُلْكُكَ عُلُوّاً سَقَطَتِ الأشْيَاءُ دُونَ بُلُوغِ أَمَدِهِ، وَلَا يَبْلُغُ أَدْنَى مَا اسْتَأثَرْتَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ أَقْصَى نَعْتِ النَّاعِتِينَ. ضَلَّتْ فِيْكَ الصِّفَاتُ وَتَفَسَّخَتْ دُونَكَ النُّعُوتُ، وَحَارَتْ فِي كِبْرِيِائِكَ لَطَائِفُ الأوْهَامِ، كَذلِكَ أَنْتَ اللَّهُ الأَوَّلُ فِي أَوَّلِيَّتِكَ، وَعَلَى ذلِكَ أَنْتَ دَائِمٌ لا تَزُولُ، وَأَنَا
ص: 146
الْعَبْدُالضَّعِيْفُ عَمَلًا، الجَسِيْمُ أَمَلًا، خَرَجَتْ مِنْ يَدِي أَسْبَابُ الْوُصُلَات إلّامَا وَصَلَهُ رَحْمَتُكَ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ الآمالِ إلّامَا أَنَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ، وَكَثُرَ عَلَيَّ مَا أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلَنْ يَضِيْقَ عَلَيْكَ عَفْوٌ عَنْ عَبْدِكَ وَإنْ أَسَاءَ فَاعْفُ عَنِّي. أللَّهُمَّ وَقَدْ أَشْرَفَ عَلَى خَفَايَا الأَعْمَالِ عِلْمُكَ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُورٍ دُونَ خُبْرِكَ، وَلَا تَنْطَوِي عَنْكَ دَقَائِقُ الأُمُورِ، وَلَا تَعْزُبُ عَنْكَ غَيِّبَاتُ السَّرَائِرِ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيَّ عَدُوُّكَ الَّذِي اسْتَنْظَرَكَ لِغِوَايتِي فَأَنْظَرْتَهُ، وَاسْتَمْهَلَكَ إلَى يَوْمِ الدِّيْنِ لإِضْلَالِي فَأَمْهَلْتَهُ، فَأوْقَعَنِيْ وَقَدْ هَرَبْتُ إلَيْكَ مِنْ صَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ، وَكَبَائِرِ أَعْمَالٍ مُرْدِيَةٍ، حَتَّى إذَا قَارَفْتُ مَعْصِيَتَكَ، وَاسْتَوْجَبْتُ بِسُوءِ سَعْيِي سَخْطَتَكَ، فَتَلَ عَنِّي عِذَارَ غَدْرِهِ، وَتَلَقَّانِي بكَلِمَةِ كُفْرهِ، وَتَوَلَّى الْبَراءَةَ مِنِّي،
ص: 147
وَأَدْبَرَ مُوَلِّيَاً عَنِّي، فَأَصْحَرنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً، وَأَخْرَجَني إلى فِنَاءِ نَقِمَتِكَ طَرِيداً، لَا شَفِيعٌ يَشْفَعُ لِيْ إلَيْكَ، وَلَا خَفِيرٌ يُؤْمِنُنِي عَلَيْكَ، وَلَا حِصْنٌ يَحْجُبُنِي عَنْكَ وَلَا مَلَاذٌ أَلْجَأُ إلَيْهِ مِنْكَ. فَهَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ، وَمَحَلُّ الْمُعْتَرِفِ لَكَ، فَلَا يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضْلُكَ، وَلا يَقْصُرَنَّ دونِي عَفْوُكَ، وَلا أكُنْ أَخْيَبَ عِبَادِكَ التَّائِبِينَ، وَلَا أَقْنَطَ وفُودِكَ الآمِلِينَ، وَاغْفِرْ لِي إنَّكَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَمَرْتَنِي فَتَرَكْتُ، وَنَهَيْتَنِي فَرَكِبْتُ، وَسَوَّلَ لِيَ الْخَطَأَ خَاطِرُ السُّوءِ فَفَرَّطْتُ، وَلا أَسْتَشْهِدُ عَلَى صِيَامِي نَهَاراً، وَلَا أَسْتَجِيرُ بِتَهَجُّدِي لَيْلًا، وَلَا تُثْنِي عَلَيَّ بِإحْيَائِهَا سُنَّةٌ حَاشَا فُرُوضِكَ الَّتِي مَنْ ضَيَّعَها هَلَكَ، وَلَسْتُ أَتَوَسَّلُ إلَيْكَ بِفَضْلِ نَافِلَةٍ مَعَ كَثِيرِ مَا أَغْفَلْتُ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامَاتِ حُدُودِكَ، إلَى حُرُمَاتٍ انْتَهَكْتُهَا، وَكَبَائِرِ ذُنُوبٍ اجْتَرَحْتُهَا، كَانَتْ
ص: 148
عَافِيَتُكَ لِي مِنْ فَضَائِحِهَا سِتْراً. وَهَذَا مَقَامُ مَنِ اسْتَحْيَى لِنَفْسِهِ مِنْكَ، وَسَخِطَ عَلَيْهَا، وَرَضِيَ عَنْكَ، فَتَلَقَّاكَ بِنَفْسٍ خَاشِعَةٍ، وَرَقَبَةٍ خَاضِعَةٍ، وَظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الْخَطَايَا، وَاقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إلَيْكَ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ، وَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ رَجَاهُ، وَأَحَقُّ مَنْ خَشِيَهُ وَاتّقاهُ، فَاعْطِنِي يَا رَبِّ مَا رَجَوْتُ، وَآمِنِّي مَا حَذِرْتُ، وَعُدْ عَلَيَ بِعَائِدَةِ رَحْمَتِكَ، إنَّكَ أكْرَمُ الْمَسْؤُولِينَ. أللَّهُمَّ وَإذْ سَتَرْتَنِي بِعَفْوِكَ وَتَغَمَّدْتَنِي بِفَضْلِكَ فِي دَارِ الْفَنَاءِ، بِحَضرَةِ الأكْفَاءِ، فَأَجِرْنِي مِنْ فَضِيحَاتِ دَارِالْبَقَاءِ، عِنْدَ مَوَاقِفِ الأشْهَادِ، مِنَ المَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ، وَالرُّسُلِ الْمُكَرَّمِينَ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، مِنْ جَارٍ كُنْتُ اكَاتِمُهُ سَيِّئآتِي، وَمِنْ ذِي رَحِمٍ كُنْتُ أَحْتَشِمُ مِنْهُ فِي سَرِيرَاتِي، لَمْ أَثِقْ بِهِمْ رَبِّ فِي السِّتْرِ عَلَيَّ، وَوَثِقْتُ بِكَ رَبِّ فِي الْمَغفِرَةِ لِيْ، وَأَنْتَ أوْلَى مَنْ وُثِقَ بِهِ، وَأَعْطَف مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَأَرْأَفُ مَنِ اسْتُرْحِمَ
ص: 149
فَارْحَمْنِي. أللهُمَّ وَأنتَ حَدَرْتَنِي مَاءً مَهِيناً مِنْ صُلبٍ، مُتَضَائِقِ الْعِظَامِ، حَرِجِ الْمَسَالِكِ إلَى رَحِمٍ ضَيِّقَةٍ سَتَرْتَهَا بِالْحُجُبِ، تُصَرِّفُنِي حَالَاً عَنْ حَالٍ، حَتَّى انْتَهَيْتَ بِيْ إلَى تَمَامِ الصُّورَةِ، وَأَثْبَتَّ فِيَّ الْجَوَارحَ كَمَا نَعَتَّ فِي كِتَابِكَ: نُطْفَةً ثُمَّ عَلَقَةً ثُمَّ مُضْغَةً ثُمَّ عِظَاماً ثُمَّ كَسَوْتَ الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأتَنِي خَلْقَاً آخَرَ كَمَا شِئْتَ، حَتَّى إذَا احْتَجْتُ إلَى رِزْقِكَ، وَلَمْ أَسْتَغْنِ عَنْ غِيَاثِ فَضْلِكَ، جَعَلْتَ لِي قُوتاً، مِنْ فَضْلِ طَعَامٍ وَشَرَابٍ، أَجْرَيْتَهُ لِأمَتِكَ الَّتِيْ أَسْكَنْتَنِي جَوْفَهَا، وَأَوْدَعْتَنِي قَرَارَ رَحِمِهَا، وَلَوْ تَكِلُنِي يَا رَبِّ فِي تِلْكَ الْحَالاتِ إلَى حَوْلِي، أَوْ تَضْطَرُّنِي إلَى قُوّتي، لَكَانَ الْحَوْلُ عَنِّي مُعْتَزِلًا، وَلَكَانَتِ الْقُوَّةُ مِنِّي بَعِيدَةً، فَغَذَوْتَنِي بِفَضْلِكَ غِذَاءَ البَرِّ اللَّطِيفِ، تَفْعَلُ ذَلِكَ بِي تَطَوُّلًا عَلَيَّ إلى غَايَتِي هذِهِ، لَا أَعْدَمُ بِرَّكَ وَلَا يُبْطِئُ بِي حُسْنُ صَنِيعِكَ، وَلَا تَتَأكَّدُ مَعَ ذَلِكَ
ص: 150
ثِقَتِي، فَأَتَفَرَّغَ لِمَا هُوَ أَحْظَى لِيْ عِنْدَكَ، قَدْ مَلَكَ الشَّيْطَانُ عِنَانِي فِي سُوءِ الظَّنِّ وَضَعْفِ الْيَقِينِ، فَأَنَا أَشْكُو سُوْءَ مُجَاوَرَتِهِ لِي وَطَاعَةَ نَفْسِي لَهُ، وَأَسْتَعْصِمُكَ مِنْ مَلَكَتِهِ، وَأَتَضَرَّعُ إلَيْكَ فِي أَنْ تُسَهِّلَ إلَى رِزْقِي سَبِيلًا، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى ابْتِدَآئِكَ بِالنِّعَمِ الْجِسَامِ، وَإلْهَامِكَ الشُّكْرَ عَلَى الإحْسَانِ وَالإِنْعَامِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَسَهِّلْ عَلَيَّ رِزْقِي، وَأَنْ تُقَنِّعَنِي بِتَقْدِيرِكَ لِيْ، وَأَنْ تُرْضِيَنِي بِحِصَّتِيْ فِيمَا قَسَمْتَ لِيْ، وَأَنْ تَجْعَلَ مَا ذَهَبَ مِنْ جِسْمِيْ وَعُمُرِيْ فِي سَبِيْلِ طَاعَتِكَ، إنَّكَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ. أللَهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مَنْ نَارٍ تَغَلَّظْتَ بِهَا عَلَى مَنْ عَصَاكَ، وَتَوَعَّدْتَ بِهَا مَنْ صَدَفَ عَنْ رِضَاكَ، وَمِنْ نَارٍ نورُهَا ظُلْمَةٌ وَهَيِّنُهَا أَلِيمٌ، وَبَعِيدُهَا قَرِيبٌ، وَمِنْ نَارٍ يَأْكُلُ بَعْضَهَا بَعْضٌ، وَيَصُولُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ، وَمِنْ نَارٍ تَذَرُ الْعِظَامَ رَمِيماً، وَتَسْقِي أَهْلَهَا حَمِيماً،
ص: 151
وَمِنْ نَارٍ لَا تُبْقِي عَلَى مَنْ تَضَرَّعَ إلَيْهَا، وَلَا تَرْحَمُ مَنِ اسْتَعْطَفَهَا، وَلا تَقْدِرُ عَلَى التَّخْفِيفِ عَمَّنْ خَشَعَ لَهَا، وَاسْتَسْلَمَ إلَيْهَا، تَلْقَى سُكَّانَهَا بِأَحَرِّ مَا لَدَيْهَا، مِنْ أَلِيْمِ النَّكَالِ، وَشَدِيدِ الْوَبَالِ، وَأَعُوذُ بكَ مِنْ عَقَارِبِهَا الْفَاغِرَةِ أَفْوَاهَهَا، وَحَيّاتِهَا الصَّالِقَةِ بِأَنْيَابِهَا، وَشَرَابِهَا الَّذِي يُقَطِّعُ أَمْعَاءَ وَأَفْئِدَةَ سُكَّانِهَا، وَيَنْزِعُ قُلُوبَهُمْ، وَأَسْتَهْدِيْكَ لِمَا باعَدَ مِنْهَا وَأَخَّرَ عَنْهَا. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَجِرْنِي مِنْهَا بِفَضْل رَحْمَتِكَ، وَأَقِلْنِي عَثَرَاتِي بِحُسْنِ إقَالَتِكَ، وَلَا تَخْذُلْنِي يَا خَيْرَ الْمُجيرِينَ، إنَّكَ تَقِي الْكَرِيهَةَ، وَتُعْطِي الْحَسَنَةَ، وَتَفْعَلُ مَا تُرِيدُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ إذَا ذُكِرَ الأبْرَارُ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ مَا اخْتَلَفَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، صَلَاةً لَا يَنْقَطِعُ مَدَدُهَا، وَلَا يُحْصَى عَدَدُهَا، صَلَاةً تَشْحَنُ الْهَواءَ، وَتَمْلأُ الأرْضَ وَالسَّماءَ. صَلَّى اللَّهُ
ص: 152
عَلَيْهِ حَتَّى يَرْضَى، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ بَعْدَ الرِّضَا، صَلَاةً لا حَدَّ لَها وَلَا مُنْتَهَى، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ.
ص: 153
أَللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاقْضِ لِيْ بِالْخِيْرَةِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ الاخْتِيَارِ، وَاجْعَلْ ذَلِكَ ذَرِيعَةً إلَى الرِّضا بِمَا قَضَيْتَ لَنَا، وَالتَّسْلِيْمِ لِمَا حَكَمْتَ، فَأزِحْ عَنَّا رَيْبَ الارْتِيَابِ، وَأَيِّدْنَا بِيَقِينِ الْمُخْلِصِينَ، وَلَا تَسُمْنَا عَجْزَ الْمَعْرِفَةِ عَمَّا تَخَيَّرْتَ، فَنَغْمِطَ قَدْرَكَ، وَنَكْرَهَ مَوْضِعَ رِضَاكَ، وَنَجْنَحَ إلى الَّتِي هِيَ أَبْعَدُ مِنْ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ، وَأَقْرَبُ إلى ضِدِّ الْعَافِيَةِ.
حَبِّبْ إلَيْنَا مَا نَكْرَهُ مِنْ قَضَائِكَ، وَسَهِّلْ عَلَيْنَا مَا نَسْتَصْعِبُ مِنْ حُكْمِكَ، وَأَلْهِمْنَا الانْقِيَادَ لِمَا أَوْرَدْتَ عَلَيْنَا مِنْ مَشِيَّتِكَ، حَتَّى لَا
ص: 154
نُحِبَّ تَأخِيْرَ مَا عَجَّلْتَ، وَلَا تَعْجيْلَ مَا أَخَّرْتَ، وَلا نَكْرَهَ مَا أَحْبَبْتَ، وَلا نَتَخَيَّرَ مَا كَرِهْتَ، وَاخْتِمْ لَنَابِالَّتِي هِيَ أَحْمَدُ عَاقِبةً، وَأكْرَمُ مَصِيراً، إنَّكَ تُفِيدُ الْكَرِيمَةَ، وَتُعْطِي الْجَسِيمَةَ، وَتَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
ص: 155
أَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ عَلَى سِتْرِكَ بَعْدَ عِلْمِكَ، وَمُعَافَاتِكَ بَعْدَ خُبْرِكَ، فَكُلُّنَا قَدِ اقْتَرَفَ الْعَائِبَةَ فَلَمْ تَشْهَرْهُ، وَارْتَكَبَ الْفَاحِشَةَ فَلَم تَفْضَحْهُ، وَتَسَتَّرَ بِالْمَسَاوِي فَلَمْ تَدْلُلْ عَلَيْهِ، كَمْ نهْيٍ لَكَ قَدْ أَتَيْنَاهُ، وَأَمْرٍ قَدْ وَقَفْتَنَا عَلَيْهِ فَتَعَدَّيْنَاهُ، وَسَيِّئَةٍ اكْتَسَبْنَاهَا، وَخَطِيئَةٍ ارْتَكَبْنَاهَا، كُنْتَ الْمُطَّلِعَ عَلَيْهَا دُونَ النَّاظِرِينَ، وَالْقَادِرَ عَلَى إعْلَانِهَا فَوْقَ الْقَادِرِينَ، كَانَتْ عَافِيَتُكَ لَنَا حِجَاباً دُونَ أَبْصَارِهِمْ، وَرَدْماً دُونَ أَسْمَاعِهِمْ، فَاجْعَلْ مَا ستَرْتَ مِنَ الْعَوْرَةِ، وَأَخْفَيْتَ مِنَ الدَّخِيلَةِ وَاعِظاً لَنا، وَزَاجِراً عَنْ سُوْءِ
ص: 156
الْخُلْقِ وَاقْتِرَافِ الخَطِيئَةِ، وَسَعْياً إلَى التَّوْبَةِ الْمَاحِيَةِ وَالطَّرِيْقِ الْمَحْمُودَةِ، وقَرِّبِ الْوَقْتَ فِيهِ، وَلَا تَسُمْنَا الْغَفْلَةَ عَنْكَ إنَّا إلَيْكَ رَاغِبُونَ، وَمِنَ الذُّنُوبِ تَائِبُونَ.
وَصَلِّ عَلَى خِيَرَتِكَ اللَّهُمَّ مِنْ خَلْقِكَ؛ مُحَمَّدٍ وَعِتْرَتِهِ الصِّفْوَةِ مِنْ بَرِيَّتِكَ الطَّاهِرِينَ، وَاجْعَلْنَا لَهُمْ سَامِعِينَ وَمُطِيعِينَ كَمَا أَمَرْتَ.
ص: 157
الْحَمْدُ للَّهِ رِضىً بِحُكْمِ اللَّهِ، شَهِدْتُ أَنَّ اللَّهَ قَسَمَ مَعَايِشَ عِبَادِهِ بِالْعَدْلِ، وَأَخَذَ عَلَى جَمِيْعِ خَلْقِهِ بِالْفَضْلِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلَا تَفْتِنِّي بِمَا أَعْطَيْتَهُمْ وَلا تَفْتِنْهُمْ بِمَا مَنَعْتَنِي فَأحْسُدَ خَلْقَكَ، وَأَغْمِطَ حُكْمَكَ.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَطَيِّبْ بِقَضَائِكَ نَفْسِي وَوَسِّعْ بِمَواقِعِ حُكْمِكَ صَدْرِي وَهَبْ لِي الثِّقَةَ؛ لِاقِرَّ مَعَهَا بِأَنَّ قَضَاءَكَ لَمْ يَجْرِ إلَّا بِالْخِيَرَةِ، وَاجْعَلْ شُكْرِي لَكَ عَلَى مَا زَوَيْتَ عَنّي أَوْفَرَ مِنْ شُكْرِي إيَّاكَ عَلَى مَا خَوَّلْتَنِي، وَاعْصِمْنِي مِن أنْ أظُنَّ بِذِي عَدْمٍ
ص: 158
خَسَاسَةً، أَوْ أَظُنَّ بِصَاحِبِ ثَرْوَةٍ فَضْلًا؛ فَإنَّ الشَّرِيفَ مَنْ شَرَّفَتْهُ طَاعَتُكَ، وَالْعَزِيزَ مَنْ أَعَزَّتْهُ عِبَادَتُكَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَمَتِّعْنَا بِثَرْوَةٍ لَا تَنْفَدُ، وَأَيِّدْنَا بِعِزٍّ لَا يُفْقَدُ، وَأَسْرِحْنَا فِيْ مُلْكِ الأَبَدِ، إنَّكَ الْوَاحِدُالأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ تَلِدْ وَلَمْ تُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ كُفُواً أَحَدٌ.
ص: 159
أَللَّهُمَّ إنَّ هذَيْن آيَتَانِ مِنْ آياتِكَ، وَهذَين عَوْنَانِ مِنْ أَعْوَانِكَ، يَبْتَدِرَانِ طَاعَتَكَ بِرَحْمَةٍ نَافِعَةٍ، أَوْ نَقِمَةٍ ضَارَّةٍ، فَلَا تُمْطِرْنَا بِهِمَا مَطَرَ السَّوْءِ، وَلا تُلْبِسْنَا بِهِمَا لِبَاسَ الْبَلَاءِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَنْزِلْ عَلَيْنَا نَفْعَ هَذِهِ السَّحَائِبِ وَبَرَكَتَهَا، وَاصْرِفْ عَنَّا أَذَاهَا وَمَضَرَّتَهَا، وَلا تُصِبْنَا فِيْهَا بآفَةٍ، وَلا تُرْسِلْ عَلَى مَعَايِشِنَا عَاهَةً.
أللَّهُمَّ وَإنْ كُنْتَ بَعَثْتَهَا نَقِمَةً وَأَرْسَلْتَهَا سَخْطَةً فَإنَّا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْ غَضَبِكَ، وَنَبْتَهِلُ إلَيْكَ فِي سُؤَالِ عَفْوِكَ، فَمِلْ بِالْغَضَبِ إلى الْمُشْركِينَ، وَأَدِرْ رَحَى نَقِمَتِكَ عَلَى الْمُلْحِدينَ.
ص: 160
أللَّهُمَّ أَذْهِبْ مَحْلَ بِلَادِنَا بِسُقْيَاكَ، وَأَخْرِجْ وَحَرَ صُدُورِنَا بِرِزْقِكَ، وَلَا تَشْغَلْنَا عَنْكَ بِغَيْرِكَ، وَلَا تَقْطَعْ عَنْ كَافَّتِنَا مَادَّةَ بِرِّكَ؛ فَإنَّ الغَنِيَّ مَنْ أَغْنَيْتَ، وَإنَّ السَّالِمَ مَنْ وَقَيْتَ، مَا عِنْدَ أَحَدٍ دُونَكَ دِفَاعٌ، وَلَا بِأَحَدٍ عَنْ سَطْوَتِكَ امْتِنَاعٌ، تَحْكُمُ بِمَا شِئْتَ عَلَى مَنْ شِئْتَ، وَتَقْضِي بِمَا أَرَدْتَ فِيمَنْ أَرَدْتَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا وَقَيْتَنَا مِنَ الْبَلاءِ، وَلَكَ الشُّكْرُ عَلَى مَا خَوَّلْتَنَا مِنَ النّعْمَاءِ، حَمْداً يُخَلِّفُ حَمْدَ الْحَامِدِينَ وَرَاءَهُ، حَمْداً يَمْلأُ أَرْضَهُ وَسَمَاءَهُ، إنَّكَ الْمَنَّانُ بِجَسِيمِ الْمِنَنِ، الْوَهَّابُ لِعَظِيمِ النِّعَمِ، القَابِلُ يَسِيْرَ الْحَمْدِ، الشَّاكِرُ قَلِيْلَ الشُّكْرِ، الْمُحْسِنُ الْمُجْمِلُ ذُو الطَّوْلِ، لا إلهَ إلّا أَنْتَ، إلَيْكَ الْمَصِيرُ.
ص: 161
أللَّهُمَّ إنَّ أَحَداً لَا يَبْلُغُ مِنْ شُكْرِكَ غَايَةً إلّاحَصَلَ عَلَيْهِ مِنْ إحْسَانِكَ مَا يُلْزِمُهُ شُكْرَاً، وَلا يَبْلُغُ مَبْلَغاً مِنْ طَاعَتِكَ وَإن اجْتَهَدَ إلَّا كَانَ مُقَصِّراً دُونَ اسْتِحْقَاقِكَ بِفَضْلِكَ، فَأَشْكَرُ عِبَادِكَ عَاجِزٌ عَنْ شُكْرِكَ، وَأَعْبَدُهُمْ مُقَصِّرٌ عَنْ طَاعَتِكَ، لا يَجبُ لأِحَدٍ أَنْ تَغْفِرَ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ، وَلا أَنْ تَرْضَى عَنْهُ بِاسْتِيجَابِهِ، فَمَنْ غَفَرْتَ لَهُ فَبِطَولِكَ، وَمَنْ رَضِيْتَ عَنْهُ فَبِفَضْلِكَ، تَشْكُرُ يَسِيرَ مَا شُكِرْتَهُ وَتُثِيبُ عَلَى قَلِيلِ مَاتُطَاعُ فِيهِ، حَتَّى كَأَنَّ شُكْرَ عِبَادِكَ الَّذِيْ أَوْجَبْتَ عَلَيْهِ ثَوَابَهُمْ، وَأَعْظَمْتَ عَنْهُ
ص: 162
جَزَاءَهُمْ، أَمْرٌ مَلَكُوا اسْتِطَاعَةَ الامْتِنَاعِ مِنْهُ دُونَكَ فَكَافَيْتَهُمْ، أَوْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ بِيَدِكَ فَجَازَيْتَهُمْ، بَلْ مَلَكْتَ يَا إلهِي أَمْرَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَمْلِكُوا عِبَادَتَكَ، وَأَعْدَدْتَ ثَوَابَهُمْ قَبْلَ أَنْ يُفِيضُوا فِي طَاعَتِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّتَكَ الإِفْضَالُ، وَعَادَتَكَ الإحْسَانُ، وَسَبِيلَكَ الْعَفْوُ، فَكُلُّ الْبَرِيِّةِ مُعْتَرِفَةٌ بِأَنَّكَ غَيْرُ ظَالِمٍ لِمَنْ عَاقَبْتَ، وَشَاهِدَةٌ بِأَنَّكَ مُتَفَضِّلٌ عَلَى مَنْ عَافَيْتَ، وَكُلٌّ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّقْصِيْرِ عَمَّا اسْتَوْجَبْتَ، فَلَوْلا أَنَّ الشَّيْطَانَ يَخْتَدِعُهُمْ عَنْ طَاعَتِكَ مَا عَصَاكَ عَاصٍ، وَلَوْلا أَنَّهُ صَوَّرَ لَهُمُ البَاطِلَ فِي مِثَالِ الْحَقِّ مَا ضَلَّ عَنْ طَرِيْقِكَ ضَالٌّ. فَسُبْحَانَكَ مَا أَبْيَنَ كَرَمَكَ فِي مُعَامَلَةِ مَنْ أَطَاعَكَ أَوْ عَصَاكَ! تَشْكُرُ للْمُطِيْعِ مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لَهُ، وَتُمْلِي لِلْعَاصِي فِيْمَا تَمْلِكُ مُعَاجَلَتَهُ فِيْهِ، أَعْطَيْتَ كُلًّا مِنْهُمَا مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ، وَتَفَضَّلْتَ عَلَى كُلٍ مِنْهُمَا بِمَا يَقْصُرُ عَمَلُهُ عَنْهُ، وَلَوْ كَافَأْتَ
ص: 163
الْمُطِيعَ عَلى مَا أَنْتَ تَوَلَّيْتَهُ لأوْشَكَ أَنْ يَفْقِدَ ثَوَابَكَ، وَأَنْ تَزُولَ عَنْهُ نِعْمَتُكَ، وَلكِنَّكَ بِكَرَمِكَ جَازَيْتَهُ عَلَى الْمُدَّةِ الْقَصِيرَةِ الفَانِيَةِ بِالْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ الْخَالِدَةِ، وَعَلَى الْغَايَةِ الْقَرِيبَةِ الزَّائِلَةِ بِالْغايَةِ الْمَدِيدَةِ الْبَاقِيَةِ، ثُمَّ لَمْ تَسُمْهُ الْقِصَاصَ فِيمَا أَكَلَ مِنْ رِزْقِكَ الَّذِي يَقْوَى بِهِ عَلَى طَاعَتِكَ، وَلَمْ تَحْمِلْهُ عَلَى الْمُنَاقَشَاتِ فِي الآلاتِ الَّتِي تَسَبَّبَ بِاسْتِعْمَالِهَا إلى مَغْفِرَتِكَ، وَلَوْ فَعَلْتَ ذلِكَ بِهِ لَذَهَبَ بِجَمِيْعِ مَا كَدَحَ لَهُ وَجُمْلَةِ مَا سَعى فِيهِ، جَزَآءً لِلصُّغْرى مِنْ أَيادِيْكَ وَمِنَنِكَ، وَلَبَقِيَ رَهيناً بَيْنَ يَدَيْكَ بِسَائِرِ نِعَمِكَ، فَمَتَى كَانَ يَسْتَحِقُّ شَيْئاً مِنْ ثَوَابِكَ، لا، مَتَى؟
هَذَا يا إلهِي حَالُ مَنْ أَطَاعَكَ وَسَبِيلُ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ، فَأَمَّا الْعَاصِيْ أَمْرَكَ وَالْمُوَاقِعُ نَهْيَكَ، فَلَمْ تُعَاجِلْهُ بِنَقِمَتِكَ لِكَيْ يَسْتَبْدِلَ بِحَالِهِ فِي مَعْصِيَتِكَ حَالَ الإِنَابَةِ إلَى طَاعَتِكَ، وَلَقَدْ كَانَ يَسْتَحِقُّ فِي أَوَّلِ مَا هَمَ
ص: 164
بِعِصْيَانِكَ كُلَّ مَا أَعْدَدْتَ لِجَمِيعِ خَلْقِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَجَمِيعُ مَا أَخَّرْتَ عَنْهُ مِنْ وَقْتِ الْعَذَابِ، وَأَبْطَأتَ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَطَوَاتِ النَّقِمَةِ وَالْعِقَابِ تَرْكٌ مِنْ حَقِّكَ، وَرِضىً بِدُونِ وَاجِبِكَ، فَمَنْ أكْرَمُ مِنْكَ يَا إلهِي، وَمَنْ أَشْقَى مِمَّنْ هَلَكَ عَلَيْكَ، لا، مَنْ؟ فَتَبَارَكْتَ أَنْ تُوصَفَ إلّا بِالإحْسَانِ، وَكَرُمْتَ أَنْ يُخَافَ مِنْكَ إلّاالْعَدْلُ، لا يُخْشَى جَوْرُكَ عَلَى مَنْ عَصَاكَ، وَلَا يُخَافُ إغْفَالُكَ ثَوَابَ مَنْ أَرْضَاكَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِيْ أَمَلِي، وَزِدْنِي مِنْ هُدَاكَ مَا أَصِلُ بِهِ إلَى التَّوْفِيقِ فِي عَمَلِي، إنَّكَ مَنَّانٌ كَرِيمٌ.
ص: 165
أَللَّهُمَّ إنِّي أَعْتَذِرُ إلَيْكَ مِنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرْهُ، وَمِنْ مَعْرُوفٍ اسْدِيَ إلَيَّ فَلَمْ أَشْكُرْهُ، وَمِنْ مُسِي ءٍ أعْتَذَرَ إلَيَّ فَلَمْ أَعْذِرْهُ، وَمِنْ ذِيْ فَاقَةٍ سَأَلَنِي فَلَمْ اوثِرْهُ، وَمِنْ حَقِّ ذي حَقٍّ لَزِمَنِي لِمُؤْمِنٍ فَلَمْ أوَفِّرْهُ، وَمِنْ عَيْبِ مُؤْمِنٍ ظَهَر لِي فَلَمْ أَسْتُرْهُ، وَمِنْ كُلِّ إثْمٍ عَرَضَ لِيْ فَلَمْ أَهْجُرْهُ، أَعْتَذِرُ إلَيْكَ يَا إلهِي مِنْهُنَّ وَمِنْ نَظَائِرِهِنَّ اعْتِذَارَ نَدَامَةٍ يَكُونُ وَاعِظاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنْ أَشْبَاهِهِنَّ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْ نَدَامَتِي عَلَى مَا وَقَعْتُ فِيهِ مِنَ الزَّلّاتِ، وَعَزْمِي عَلَى تَرْكِ مَا يَعْرِضُ لِيْ مِنَ
ص: 166
السَّيِّئاتِ، تَوبَةً تُوجِبُ لِيْ مَحَبَّتَكَ، يا مُحِبَّ التَّوَّابِيْنَ.
ص: 167
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْسِرْ شَهْوَتِي عَنْ كُلِّ مَحْرَمٍ، وَازْوِ حِرْصِي عَنْ كُلِّ مَأثَمٍ، وَامْنَعْنِي عَنْ أَذَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ وَمُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ، أللَّهُمَّ وَأَيُّمَا عَبْدٍ نالَ مِنِّي مَا حَظَرْتَ عَلَيْهِ، وَانْتَهَكَ مِنِّي ما حَجَرْتَ عَلَيْهِ، فَمَضَى بِظُلَامَتِي مَيِّتاً، أَوْ حَصَلْتَ لِيْ قِبَلَهُ حَيّاً، فَاغْفِرْ لَهُ مَا أَلَمَّ بِهِ مِنِّي، وَاعْفُ لَهُ عَمَّا أَدْبَرَ بِهِ عَنِّي، وَلَا تَقِفْهُ عَلَى مَا ارْتَكَبَ فِيَّ، وَلَا تَكْشِفْهُ عَمَّا اكْتَسَبَ بِيْ، وَاجْعَلْ مَا سَمَحْتُ بِهِ مِنَ الْعَفْوِ عَنْهُمْ، وَتَبَرَّعْتُ بِهِ مِنَ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ، أَزْكَى صَدَقَاتِ الْمُتَصَدِّقِينَ، وَأَعْلَى
ص: 168
صِلَاتِ الْمُتَقَرِّبِينَ، وَعَوِّضْنِي مِنْ عَفْوِي عَنْهُمْ عَفْوَكَ، وَمِنْ دُعَائِي لَهُمْ رَحْمَتَكَ، حَتَّى يَسْعَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِفَضْلِكَ، وَيَنْجُوَكُلٌّ مِنَّا بِمَنِّكَ. أللَّهُمَّ وَأَيُّما عَبْدٍ مِنْ عَبِيْدِكَ أَدْرَكَهُ مِنِّي دَرَكٌ، أَوْ مَسَّهُ مِنْ نَاحِيَتِي أَذَىً، أَوْ لَحِقَهُ بِي أَوْ بِسَبَبي ظُلْمٌ، فَفُتُّهُ بِحَقِّهِ، أَوْ سَبَقْتُهُ بِمَظْلَمَتِهِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَرْضِهِ عَنِّي مِنْ وُجْدِكَ، وَأَوْفِهِ حَقَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، ثُمَّ قِنيْ مَا يُوجِبُ لَهُ حُكْمُكَ، وَخَلِّصْنِي مِمَّا يَحْكُمُ بِهِ عَدْلُكَ، فَإنَّ قُوَّتِي لا تَسْتَقِلُّ بِنَقِمَتِكَ، وَإنَّ طَاقتِي لا تَنْهَضُ بِسُخْطِكَ، فَإنَّكَ إنْ تُكَافِنِي بِالْحَقِّ تُهْلِكْنِي، وَإلّا تَغَمَّدْنِي بِرَحْمَتِكَ تُوبِقْنِي. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَوْهِبُكَ يَا إلهِي مَا لا يَنْقُصُكَ بَذْلُهُ، وَأَسْتَحْمِلُكَ مَا لا يَبْهَظُكَ حَمْلُهُ، أَسْتَوْهِبُكَ يَا إلهِي نَفْسِيَ الَّتِيْ لَمْ تَخْلُقْهَا لِتَمْتَنِعَ بِهَا مِنْ سُوءٍ، أَوْ لِتَطَرَّقَ بِهَا إلى نَفْعٍ، وَلكِنْ أَنْشَأتَهَا إثْبَاتاً لِقُدْرَتِكَ عَلَى مِثْلِهَا، وَاحْتِجَاجاً بِهَا عَلَى
ص: 169
شَكْلِهَا، وَأَسْتَحْمِلُكَ مِنْ ذُنُوبِي مَا قَدْ بَهَظَنِي حَمْلُهُ، وَأَسْتَعِينُ بِكَ عَلَى مَا قَدْ فَدَحَنِي ثِقْلُهُ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَهَبْ لِنَفْسِي عَلَى ظُلْمِهَا نَفْسِيْ، وَوَكِّلْ رَحْمَتَكَ بِاحْتِمَالِ إصْرِي، فَكَمْ قَدْ لَحِقَتْ رَحْمَتُكَ بِالْمُسِيئِينَ، وَكَمْ قَدْ شَمِلَ عَفْوُكَ الظَّالِمِينَ. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنِي أُسْوَةَ مَنْ قَدْ أَنْهَضْتَهُ بِتَجَاوُزِكَ عَنْ مَصَارِعِ الْخَاطِئِينَ، وَخَلَّصْتَهُ بِتَوْفِيقِكَ مِنْ وَرَطَاتِ الْمُجْرِمِينَ، فَأَصْبَحَ طَلِيقَ عَفْوِكَ مِنْ إسَارِ سُخْطِكَ، وَعَتِيقَ صُنْعِكَ مِنْ وَثَاقِ عَدْلِكَ، إنَّكَ إنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ يَا إلهِي تَفْعَلْهُ بِمَنْ لَا يَجْحَدُ اسْتِحْقَاقَ عُقُوبَتِكَ، وَلَا يُبَرِّئُ نَفْسَهُ مِنِ اسْتِيجَابِ نَقِمَتِكَ، تَفْعَلُ ذلِكَ يَا إلهِي بِمَنْ خَوْفُهُ مِنْكَ أَكْثَرُ مِنْ طَمَعِهِ فِيكَ، وَبِمَنْ يَأْسُهُ مِنَ النَّجَاةِ أَوْكَدُ مِنْ رَجَآئِهِ لِلْخَلَاصِ، لَاأَنْ يَكُونَ يَأْسُهُ قُنُوطَاً أَوْ أَنْ يَكُونَ طَمَعُهُ اغْتِرَاراً بَلْ لِقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ بَيْنَ سَيِّئاتِهِ،
ص: 170
وَضَعْفِ حُجَجِهِ فِي جَمِيعِ تَبِعَاتِهِ، فَأَمَّا أَنْتَ يَا إلهِي فَأَهْلٌ أَنْ لَا يَغْتَرَّ بِكَ الصِّدِّيقُونَ، وَلَا يَيْأَسَ مِنْكَ الْمُجْرِمُونَ؛ لِأَنَّكَ ألرَّبُّ الْعَظِيمُ الَّذِيْ لَا يَمْنَعُ أَحَداً فَضْلَهُ، وَلَا يَسْتَقْصِي مِنْ أَحَدٍ حَقَّهُ، تَعَالى ذِكْرُكَ عَنِ الْمَذْكُورِينَ، وَتَقَدَّست أَسْمَآؤُكَ عَنِ الْمَنْسُوبِينَ، وَفَشَتْ نِعْمَتُكَ فِيْ جَمِيْعِ الْمَخْلُوقِينَ، فَلَكَ الْحَمْدُ عَلى ذلِكَ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 171
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْفِنَا طُولَ الأمَلِ، وَقَصِّرْهُ عَنَّا بِصِدْقِ الْعَمَلِ، حَتَّى لا نُأَمِّلَ اسْتِتْمَامَ سَاعَةٍ بَعْدَ سَاعَةٍ، وَلَا اسْتِيفَاءَ يَوْمٍ بَعْدَ يَوْمٍ، وَلَا اتِّصَالَ نَفَسٍ بِنَفَسٍ، وَلا لُحُوقَ قَدَمٍ بِقَدَمٍ، وَسَلِّمْنَا مِنْ غُرُورِهِ، وَآمِنَّا مِنْ شُرُوْرِهِ، وَانْصِبِ المَوْتَ بَيْنَ أَيْدِينَا نَصْباً، وَلَا تَجْعَلْ ذِكْرَنَا لَهُ غِبّاً، وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ صَالِحِ الأعْمَالِ عَمَلًا، نَسْتَبْطِئُ مَعَهُ الْمَصِيرَ إلَيْكَ، وَنحْرِصُ لَهُ عَلَى وَشْكِ اللِّحَاقِ بِكَ، حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ مَأنَسَنَا الَّذِي نَأنَسُ بِهِ، وَمَألَفَنَا الَّذِي نَشْتَاقُ إلَيْهِ، وَحَامَّتَنَا الَّتِي
ص: 172
نُحِبُّ الدُّنُوَّ مِنْهَا، فَإذَا أَوْرَدْتَهُ عَلَيْنَا، وَأَنْزَلْتَهُ بِنَا، فَأسْعِدْنَا بِهِ زَائِراً، وَآنِسْنَا بِهِ قَادِماً، وَلَا تُشْقِنَا بِضِيافَتِهِ، وَلا تُخْزِنَا بِزِيارَتِهِ، وَاجْعَلْهُ بَاباً مِنْ أَبْوَابِ مَغْفِرَتِكَ، وَمِفْتَاحاً مِنْ مَفَاتِيحِ رَحْمَتِكَ، أَمِتْنَا مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ، طائِعِينَ غَيْرَ مُسْتَكْرِهِينَ، تَائِبينَ غَيْرَ عاصِينَ وَلا مُصِرِّينَ، يَا ضَامِنَ جَزَاءِ الْمُحْسِنِينَ، وَمُسْتَصْلِحَ عَمَلِ الْمُفْسِدِينَ.
ص: 173
أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَفْرِشْنِي مِهَادَ كَرَامَتِكَ، وَأَوْرِدْنِي مَشَارِعَ رَحْمَتِكَ، وَأَحْلِلْنِي بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ، وَلَا تَسُمْنِي بِالرَّدِّ عَنْكَ، وَلا تَحْرِمْنِي بِالْخَيْبَةِ مِنْكَ، وَلَا تُقَاصَّنِي بِمَا اجْتَرَحْتُ، وَلَا تُنَاقِشْنِي بِمَا اكْتَسَبْتُ، وَلا تُبْرِزْ مَكْتُوْمِي، وَلَا تَكْشِفْ مَسْتُورِي، وَلَا تَحْمِلْ عَلَى مِيزانِ الإنْصَافِ عَمَلِي، وَلَا تُعْلِنْ عَلَى عُيُونِ الْمَلَا خَبَرِي. أَخْفِ عَنْهُمْ مَا يَكُونُ نَشْرُهُ عَلَيَّ عَاراً، وَاطْوِ عَنْهُمْ مَا يُلْحِقُنِي عِنْدَكَ شَنَاراً، شَرِّفْ دَرَجَتِي بِرِضْوَانِكَ، وَأكْمِلْ كَرَامَتِي بِغُفْرَانِكَ، وَانْظِمْنِي فِي أَصْحَابِ
ص: 174
الْيَمِينِ، وَوَجِّهْنِي فِي مَسَالِكِ الآمِنِينَ، وَاجْعَلْنِي فِي فَوْجِ الْفَائِزِينَ، وَاعْمُرْ بِي مَجَالِسَ الصَّالِحِينَ، آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 175
أَللَّهُمَّ إنَّكَ أَعَنْتَنِي عَلَى خَتْمِ كِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَهُ نُوراً، وَجَعَلْتَهُ مُهَيْمِناً عَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلْتَهُ، وَفَضَّلْتَهُ عَلى كُلِّ حَدِيثٍ قَصَصْتَهُ، وَفُرْقاناً فَرَقْتَ بِهِ بَيْنَ حَلالِكَ وَحَرَامِكَ، وَقُرْآناً أَعْرَبْتَ بِهِ عَنْ شَرَائِعِ أَحْكَامِكَ، وَكِتَاباً فَصَّلْتَهُ لِعِبَادِكَ تَفْصِيلًا، وَوَحْياً أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ تَنْزِيلًا، وَجَعَلْتَهُ نُوراً نَهْتَدِي مِنْ ظُلَمِ الضَّلَالَةِ وَالْجَهَالَةِ بِاتِّباعِهِ، وَشِفآءً لِمَنْ أَنْصَتَ بِفَهْم التَّصْدِيقِ إلى اسْتِمَاعِهِ، وَمِيزَانَ قِسْطٍ لَا يَحِيْفُ عَنِ الْحَقِّ لِسَانُهُ، وَنُورَ هُدىً لَا يُطْفَأُ عَنِ الشَّاهِدِينَ بُرْهَانُهُ، وَعَلَمَ نَجَاةٍ لَا يَضِلُّ مَنْ أَمَّ قَصْدَ سُنَّتِهِ، وَلَا
ص: 176
تَنَالُ أَيْدِي الْهَلَكَاتِ مَنْ تَعَلَّقَ بِعُرْوَةِ عِصْمَتِهِ، أَللَّهُمَّ فَإذْ أَفَدْتَنَا الْمعُونَةَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، وَسَهَّلْتَ جَوَاسِيَ أَلْسِنَتِنَا بِحُسْنِ عِبَارَتِهِ، فَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَرْعَاهُ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَيَدِينُ لَكَ بِاعْتِقَادِ التَّسْلِيْمِ لِمُحْكَمِ آياتِهِ، وَيَفْزَعُ إلى الإِقْرَارِ بِمُتَشَابِهِهِ وَمُوضَحَاتِ بَيِّناتِهِ. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَنْزَلْتَهُ عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ مُجْمَلًا، وَأَلْهَمْتَهُ عِلْمَ عَجَائِبِهِ مُكَمَّلًا، وَوَرَّثْتَنَا عِلْمَهُ مُفَسَّراً، وَفَضَّلْتَنَا عَلَى مَنْ جَهِلَ عِلْمَهُ، وَقَوَّيْتَنَا عَلَيْهِ لِتَرْفَعَنَا فَوْقَ مَنْ لَمْ يُطِقْ حَمْلَهُ. أللَّهُمَّ فَكَمَا جَعَلْتَ قُلُوبَنَا لَهُ حَمَلَةً، وَعَرَّفْتَنَا بِرَحْمَتِكَ شَرَفَهُ وَفَضْلَهُ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ الْخَطِيْبِ بِهِ، وَعَلَى آلِهِ الْخُزّانِ لَهُ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَرِفُ بِأَنَّهُ مِنْ عِنْدِكَ، حَتَّى لَا يُعَارِضَنَا الشَّكُّ فِي تَصْدِيقِهِ وَلَايَخْتَلِجَنَا الزَّيْغُ عَنْ قَصْدِ طَرِيقِهِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلْنَا مِمَّنْ يَعْتَصِمُ بِحَبْلِهِ، وَيَأْوِي مِنَ
ص: 177
الْمُتَشَابِهَاتِ إلَى حِرْزِ مَعْقِلِهِ، وَيَسْكُنُ فِي ظِلِّ جَنَاحِهِ، وَيَهْتَدِي بِضَوْءِ صَاحِبِهِ، وَيَقْتَدِي بِتَبَلُّجِ إسْفَارِهِ، وَيَسْتَصْبحُ بِمِصْباحِهِ، وَلا يَلْتَمِسُ الْهُدَى فِي غَيْرِهِ.
أللَّهُمَّ وَكَمَا نَصَبْتَ بِهِ مُحَمَّداً عَلَماً لِلدَّلالَةِ عَلَيْكَ، وَأَنْهَجْتَ بِآلِهِ سُبُلَ الرِّضَا إلَيْكَ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَلِ القُرْآنَ وَسِيلَةً لَنَا إلَى أَشْرَفِ مَنَازِلِ الْكَرَامَةِ، وَسُلَّماً نَعْرُجُ فِيهِ إلَى مَحَلِّ السَّلامَةِ، وَسَبَباً نُجْزَى بِهِ النَّجاةَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، وَذَرِيعَةً نُقْدِمُ بِهَا عَلَى نَعِيْمِ دَارِ الْمُقَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاحْطُطْ بالْقُرْآنِ عَنَّا ثِقْلَ الأوْزَارِ، وَهَبْ لَنَا حُسْنَ شَمَائِلِ الأَبْرَارِ، وَاقْفُ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ قَامُوا لَكَ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ، حَتَّى تُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ دَنَسٍ بِتَطْهِيرِهِ، وَتَقْفُوَ بِنَا آثَارَ الَّذِينَ اسْتَضَآؤُا بِنُورِهِ، وَلَمْ يُلْهِهِمُ الأَمَلُ عَنِ الْعَمَل فَيَقْطَعَهُمْ بِخُدَعِ غُرُورِهِ. أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
ص: 178
وَآلِهِ، واجْعَلِ القُرْآنَ لنا فِي ظُلَمِ اللَّيالِي مُونِساً، وَمِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَخَطَرَاتِ الْوَسَاوِسِ حَارِساً، وَلأقْدَامِنَا عَنْ نَقْلِهَا إلَى الْمَعَاصِيْ حَابِساً، وَلِألْسِنَتِنَا عَنِ الْخَوْضِ فِي الباطِلِ مِنْ غَيْرِ مَا آفَةٍ مُخْرِساً، وَلِجَوَارِحِنَا عَنِ اقْتِرَافِ الآثامِ زَاجِراً، وَلِمَا طَوَتِ الغَفْلَةُ عَنَّا مِنْ تَصَفُّحِ الاعْتِبَارِ نَاشِراً حَتَّى تُوصِلَ إلَى قُلُوبِنَا فَهْمَ عَجَائِبِهِ وَزَوَاجِرَ أَمْثَالِهِ الَّتِي ضَعُفَتِ الْجِبَالُ الرَّوَاسِي عَلَى صَلَابَتِهَا عَنِ احْتِمَالِهِ. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَدِمْ بِالْقُرْآنِ صَلَاحَ ظاهِرِنا، وَاحْجُبْ بِهِ خَطَراتِ الْوَسَاوِسِ عَنْ صِحَّةِ ضَمَائِرِنَا، وَاغْسِلْ بِهِ دَرَنَ قُلُوبِنَا وَعَلَائِقَ أَوْزَارِنَا، وَاجْمَعْ بِهِ مُنْتَشَرَ أُمُورِنَا، وَأَرْوِ بِهِ فِي مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ظَمَأَ هَوَاجِرِنَا، وَاكْسُنَا بِهِ حُلَلَ الأَمَانِ يَوْمَ الْفَزَعِ الأكْبَرِ فِي نشُورِنَا.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْبُرْ بِالْقُرْآنِ خَلَّتَنَا مِنْ عَدَمِ
ص: 179
الإمْلَاقِ، وَسُقْ إلَيْنَا بِهِ رَغَدَ الْعَيْشِ وَخِصْبَ سَعَةِ الأرْزَاقِ، وَجَنِّبْنَا بِهِ الضَّرَائِبَ الْمَذْمُومَةَ وَمَدَانِيَ الأخْلَاقِ، وَاعْصِمْنَا بِهِ مِنْ هُوَّةِ الكُفْرِ وَدَوَاعِي النِّفَاقِ، حَتَّى يَكُوْنَ لَنَا فِي الْقِيَامَةِ إلَى رِضْوَانِكَ وَجِنَانِكَ قَائِداً، وَلَنَا فِي الدُّنْيا عَنْ سَخَطِكَ وَتَعَدِّي حُدُودِكَ ذَائِداً، وَلِمَا عِنْدَكَ بِتَحْلِيلِ حَلَالِهِ وَتَحْرِيم حَرَامِهِ شَاهِداً.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍوَآلِهِ، وَهَوِّنْ بِالْقُرْآنِ عِنْدَ الْمَوْتِ عَلَى أَنْفُسِنَا كَرْبَ السِّيَاقِ، وَجَهْدَ الأنِينِ، وَتَرادُفَ الْحَشَارِجِ إذَا بَلَغَتِ النُّفُوسُ التَّراقِيَ،، وَتَجَلَّى مَلَكُ الْمَوْتِ لِقَبْضِهَا مِنْ حُجُبِ الْغُيُوبِ، وَرَمَاهَا عَنْ قَوْسِ الْمَنَايَا بِأَسْهُمِ وَحْشَةِ الْفِرَاقِ، وَدَافَ لَهَا مِنْ ذُعَافِ الْمَوْتِ كَأْساً مَسْمُومَةَ الْمَذَاقِ، وَدَنا مِنَّا إلَى الآخِرَةِ رَحِيلٌ وَانْطِلَاقٌ، وَصَارَتِ الأعْمَالُ قَلَائِدَ فِي الأَعْنَاقِ، وَكَانَتِ الْقُبُورُ هِيَ الْمَأوَى إلَى مِيقَاتِ يَوْمِ التَّلَاقِ.
ص: 180
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي حُلُولِ دَارِ البِلَى، وَطُولِ الْمُقَامَةِ بَيْنَ أَطْبَاقِ الثَّرى، وَاجْعَلِ القبُورَ بَعْدَ فِرَاقِ الدُّنْيَا خَيْرَ مَنَازِلِنَا، وَافْسَحْ لَنَا بِرَحْمَتِكَ فِي ضِيقِ مَلَاحِدِنَا، وَلا تَفْضَحْنَا فِي حَاضِرِي الْقِيَامَةِ بِمُوبِقَاتِ آثامِنَا، وَارْحَمْ بِالْقُرْآنِ فِيْ مَوْقِفِ الْعَرْضِ عَلَيْكَ ذُلَّ مَقَامِنَا، وَثَبِّتْ بِهِ عِنْدَ اضْطِرَابِ جِسْرِ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْمَجَازِ عَلَيْهَا زَلَلَ أَقْدَامِنَا، وَنَوِّرْ بِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ سُدَفَ قُبُورنا، وَنَجِّنَا بِهِ مِنْ كُلِّ كَرْبٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشَدَائِدِ أَهْوَالِ يَوْمِ الطَّامَّةِ، وَبَيِّضْ وُجُوهَنَا يَوْمَ تَسْوَدُّ وُجُوهُ الظَّلَمَةِ فِي يَوْمِ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، وَاجْعَلْ لَنَا فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ وُدّاً، وَلَا تَجْعَلِ الْحَيَاةَ عَلَيْنَا نَكَداً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ كَمَا بَلَّغَ رِسَالَتَكَ، وَصَدَعَ بِأَمْرِكَ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ. أللَّهُمَّ اجْعَلْ نَبِيَّنا صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَقْرَبَ النَّبِيِّينَ
ص: 181
مِنْكَ مَجْلِساً، وَأَمْكَنَهُمْ مِنْكَ شَفَاعَةً، وَأَجَلَّهُمْ عِنْدَكَ قَدْراً، وَأَوْجَهَهُمْ عِنْدَكَ جَاهَاً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَشَرِّفْ بُنْيَانَهُ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ، وَثَقِّلْ مِيزَانَهُ، وَتَقَبَّلْ شَفَاعَتَهُ، وَقَرِّبْ وَسِيلَتَهُ، وَبَيِّضْ وَجْهَهُ، وَأَتِمَّ نُورَهُ، وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ، وَأَحْيِنَا عَلَى سُنَّتِهِ، وَتَوَفَّنَا عَلَى مِلَّتِهِ، وَخُذْ بِنَا مِنْهَاجَهُ، وَاسْلُكْ بِنَا سَبِيلَهُ، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهِ، وَأَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَاسْقِنَا بِكَأسِهِ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاةً تُبَلِّغُهُ بِهَا أَفْضَلَ مَا يَأْمُلُ مِنْ خَيْرِكَ وَفَضْلِكَ وَكَرَامَتِكَ، إنَّكَ ذُوْ رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَفَضْلٍ كَرِيمٍ. أللَّهُمَّ اجْزِهِ بِمَا بَلَّغَ مِنْ رِسَالاتِكَ وَأَدَّى مِنْ آيَاتِكَ وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِكَ أَفْضَلَ مَا جَزَيْتَ أَحَداً مِنْ مَلآئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَأَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ الْمُصْطَفَيْنَ. وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ وَرَحْمَةُ اللَّه وَبَرَكَاتُهُ.
ص: 182
أيُّهَا الْخَلْقُ الْمُطِيعُ الدَّائِبُ السَّرِيعُ الْمُتَرَدِّدُ فِي مَنَازِلِ التَّقْدِيْرِ، الْمُتَصَرِّفُ فِي فَلَكِ التَّدْبِيرِ، آمَنْتُ بِمَنْ نَوَّرَ بِكَ الظُّلَمَ، وَأَوْضَحَ بِكَ الْبُهَمَ، وَجَعَلَكَ آيَةً مِنْ آياتِ مُلْكِهِ، وَعَلَامَةً مِنْ عَلَامَاتِ سُلْطَانِهِ، وَامْتَهَنَكَ بِالزِّيادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَالطُّلُوعِ وَالأُفُولِ، وَالإِنارَةِ وَالْكُسُوفِ، فِي كُلِّ ذلِكَ أَنْتَ لَهُ مُطِيعٌ وَإلى إرَادَتِهِ سَرِيعٌ، سُبْحَانَهُ مَا أَعْجَبَ مَا دَبَّرَ فِيْ أَمْرِكَ، وَأَلْطَفَ مَا صَنعَ فِي شَأْنِكَ، جَعَلَكَ مِفْتَاحَ شَهْرٍ حَادِثٍ لأِمْرٍ حادِثٍ، فَأَسْأَلُ اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكَ وَخَالِقِي وَخَالِقَكَ وَمُقَدِّرِي وَمُقَدِّرَكَ وَمُصَوِّرِي
ص: 183
وَمُصَوِّرَكَ، أَنْ يُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَكَ هِلَالَ بَرَكَةٍ لَا تَمْحَقُهَا الأيَّامُ، وَطَهَارَةٍ لَا تُدَنِّسُهَا الآثامُ، هِلَالَ أَمْنٍ مِنَ الآفاتِ، وَسَلَامَةٍ مِنَ السَّيِّئاتِ، هِلَالَ سَعْدٍ لَا نَحْسَ فِيْهِ، وَيُمْنٍ لَا نَكَدَ مَعَهُ، وَيُسْرٍ لَا يُمَازِجُهُ عُسْرٌ، وَخَيْرٍ لَا يَشُوبُهُ شَرٌّ، هِلَالَ أَمْنٍ وَإيمَانٍ وَنِعْمَةٍ وَإحْسَانٍ، وَسَلَامَةٍ وَإسْلَامٍ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاجْعَلْنَا مِنْ أَرْضَى مَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ، وَأَزْكَى مَنْ نَظَرَ إليْهِ، وَأَسْعَدَ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِلتَّوْبَةِ، وَاعْصِمْنَا فِيْهِ مِنَ الْحَوْبَةِ، وَاحْفَظْنَا فِيهِ مِنْ مُبَاشَرَةِ مَعْصِيَتِكَ، وَأَوْزِعْنَا فِيهِ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَلْبِسْنَا فِيهِ جُنَنَ الْعَافِيَةِ، وَأَتْمِمْ عَلَيْنَا بِاسْتِكْمَالِ طَاعَتِكَ فِيهِ الْمِنَّةَ، إنَّكَ الْمَنَّانُ الْحَمِيدُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.
ص: 184
الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِحَمْدِهِ، وَجَعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، لِنَكُونَ لإحْسَانِهِ مِنَ الشَّاكِرِينَ، وَلِيَجْزِيَنَا عَلَى ذلِكَ جَزَآءَ الْمُحْسِنِينَ. وَالْحَمْدُللَّهِ الَّذِي حَبَانَا بِدِينِهِ، وَاخْتَصَّنَا بِمِلَّتِهِ، وَسَبَّلَنَا فِي سُبُلِ إحْسَانِهِ، لِنَسْلُكَهَا بِمَنِّهِ إلَى رِضْوَانِهِ، حَمْدَاً يَتَقَبَّلُهُ مِنَّا، وَيَرْضَى بِهِ عَنَّا. وَالْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي جَعَلَ مِنْ تِلْكَ السُّبُلِ شَهْرَهُ شَهْرَ رَمَضَانَ، شَهْرَ الصِّيَامِ، وَشَهْرَ الإِسْلَام، وَشَهْرَ الطَّهُورِ، وَشَهْرَ التَّمْحِيْصِ،وَشَهْرَالْقِيَامِ، فَأَبَانَ فَضِيْلَتَهُ عَلَى سَائِرِ الشُّهُورِ بِمَا جَعَلَ
ص: 185
لَهُ مِنَ الْحُرُمَاتِ الْمَوْفُورَةِ وَالْفَضَائِلِ الْمَشْهُورَةِ، فَحَرَّمَ فِيْهِ ما أَحَلَّ فِي غَيْرِهِ إعْظَاماً، وَحَجَرَ فِيْهِ الْمَطَاعِمَ وَالْمَشَارِبَ إكْرَاماً، وَجَعَلَ لَهُ وَقْتاً بَيِّناً لَا يُجِيزُ جَلَّ وَعَزَّ أَنْ يُقَدَّمَ قَبْلَهُ، وَلا يَقْبَلُ أَنْ يُؤَخَّرَ عَنْهُ، ثُمَّ فَضَّلَ لَيْلَةً وَاحِدَةً مِنْ لَيَالِيهِ عَلَى لَيَالِي أَلْفِ شَهْرٍ، وَسَمَّاهَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ، تَنَزَّلُ الْمَلآئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ، سَلَامٌ دَائِمُ الْبَرَكَةِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ، عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا أَحْكَمَ مِنْ قَضَائِهِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَلْهِمْنَا مَعْرِفَةَ فَضْلِهِ، وَإِجْلالَ حُرْمَتِهِ، وَالتَّحَفُّظَ مِمَّا حَظَرْتَ فِيهِ وَأَعِنَّا عَلى صِيَامِهِ بِكَفِّ الْجَوَارِحِ عَنْ مَعَاصِيْكَ، وَاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ بِمَا يُرْضِيْكَ حَتَّى لَا نُصْغِي بِأَسْمَاعِنَا إلَى لَغْوٍ، وَلا نُسْرِعُ بِأَبْصَارِنَا إلَى لَهْوٍ، وَحَتَّى لَا نَبْسُطَ أَيْدِيَنَا إلَى مَحْظُورٍ، وَلَا نَخْطُوَ بِأَقْدَامِنَا إلَى مَحْجُورٍ، وَحَتَّى لَا تَعِيَ بُطُونُنَا إلَّامَا
ص: 186
أَحْلَلْتَ، وَلا تَنْطِقَ أَلْسِنَتُنَا إلَّا بِمَا مَثَّلْتَ، وَلا نَتَكَلَّفَ إلَّاما يُدْنِي مِنْ ثَوَابِكَ، وَلَا نَتَعَاطَى إلّاالَّذِى يَقِيْ مِنْ عِقَابِكَ، ثُمَّ خَلِّصْ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ رِئآءِ الْمُرَائِينَ، وَسُمْعَةِ الْمُسْمِعِينَ، لَا نَشْرِكُ فِيهِ أَحَداً دُونَكَ، وَلا نَبْتَغِيْ فِيهِ مُرَاداً سِوَاكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَقِفْنَا فِيْهِ عَلَى مَوَاقِيْتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْس، بِحُدُودِهَا الَّتِي حَدَّدْتَ، وَفُرُوضِهَا الَّتِي فَرَضْتَ، وَوَظَائِفِهَا الَّتِي وَظَّفْتَ، وَأَوْقَاتِهَا الَّتِي وَقَّتَّ، وَأَنْزِلْنَا فِيهَا مَنْزِلَةَ الْمُصِيْبينَ لِمَنَازِلِهَا، الْحَافِظِينَ لِأرْكَانِهَا، الْمُؤَدِّينَ لَهَا فِي أَوْقَاتِهَا، عَلَى مَا سَنَّهُ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ صَلَوَاتُكَ عَلَيْهِ وَآلِهِ، فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَجَمِيْعِ فَوَاضِلِهَا، عَلَى أَتَمِّ الطَّهُورِ وَأَسْبَغِهِ، وَأَبْيَنِ الْخُشُوعِ وَأَبْلَغِهِ، وَوَفِّقْنَا فِيهِ لِأنْ نَصِلَ أَرْحَامَنَا بِالبِرِّ وَالصِّلَةِ، وَأَنْ نَتَعَاهَدَ جِيرَانَنَا بِالإِفْضَالِ وَالْعَطِيَّةِ، وَأَنْ نُخَلِّصَ أَمْوَالَنَا مِنَ التَّبِعَاتِ،
ص: 187
وَأَنْ نُطَهِّرَهَا بِإخْرَاجِ الزَّكَوَاتِ، وَأَنْ نُرَاجِعَ مَنْ هَاجَرَنَا، وَأَنْ نُنْصِفَ مَنْ ظَلَمَنَا وَأَنْ نُسَالِمَ مَنْ عَادَانَا حَاشَا مَنْ عُودِيَ فِيْكَ وَلَكَ، فَإنَّهُ الْعَدُوُّ الَّذِي لَا نُوالِيهِ، وَالحِزْبُ الَّذِي لَا نُصَافِيهِ. وَأَنْ نَتَقَرَّبَ إلَيْكَ فِيْهِ مِنَ الأَعْمَالِ الزَّاكِيَةِ بِمَا تُطَهِّرُنا بِهِ مِنَ الذُّنُوبِ، وَتَعْصِمُنَا فِيهِ مِمَّا نَسْتَأنِفُ مِنَ الْعُيُوبِ، حَتَّى لا يُورِدَ عَلَيْكَ أَحَدٌ مِنْ مَلَائِكَتِكَ إلّادُونَ مَا نُورِدُ مِنْ أَبْوابِ الطَّاعَةِ لَكَ، وَأَنْوَاعِ القُرْبَةِ إلَيْكَ. أللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذَا الشَّهْرِ، وَبِحَقِّ مَنْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيهِ مِنِ ابْتِدَائِهِ إلَى وَقْتِ فَنَائِهِ مِنْ مَلَكٍ قَرَّبْتَهُ أَوْ نَبِيٍّ أَرْسَلْتَهُ أَوْ عَبْدٍ صَالِحٍ اخْتَصَصْتَهُ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَهِّلْنَا فِيهِ لِمَا وَعَدْتَ أَوْلِياءَكَ مِنْ كَرَامَتِكَ، وَأَوْجِبْ لَنَا فِيهِ مَا أَوْجَبْتَ لِأهْلِ الْمُبَالَغَةِ فِي طَاعَتِكَ، وَاجْعَلْنَا فِي نَظْمِ مَنِ اسْتَحَقَّ الرَّفِيْعَ الأعْلَى بِرَحْمَتِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ
ص: 188
وَآلِهِ، وَجَنِّبْنَا الإلْحَادَ فِي تَوْحِيدِكَ، وَالتَّقْصِيرَ فِي تَمْجِيدِكَ، وَالشَّكَ فِي دِينِكَ، وَالْعَمَى عَنْ سَبِيْلِكَ، وَالإغْفَالَ لِحُرْمَتِكَ، وَالانْخِدَاعَ لِعَدُوِّكَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَإذَا كَانَ لَكَ فِيْ كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيْ شَهْرِنَا هَذَا رِقَابٌ يُعْتِقُهَا عَفْوُكَ، أَوْ يَهَبُهَا صَفْحُكَ، فَاجْعَلْ رِقَابَنَا مِنْ تِلْكَ الرِّقَابِ، وَاجْعَلْنَا لِشَهْرِنَا مِنْ خَيْرِ أَهْلٍ وَأَصْحَابٍ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَامْحَقْ ذُنُوبَنَا مَعَ امِّحاقِ هِلَالِهِ، وَاسْلَخْ عَنَّا تَبِعَاتِنَا مَعَ انْسِلَاخِ أَيَّامِهِ، حَتَّى يَنْقَضِيَ عَنَّا وَقَدْ صَفَّيْتَنَا فِيهِ مِنَ الْخَطِيئاتِ، وَأَخْلَصْتَنَا فِيهِ مِنَ السَّيِّئاتِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَإنْ مِلْنَا فِيهِ فَعَدِّلْنا، وَإنْ زِغْنَا فِيهِ فَقَوِّمْنَا، وَإنِ اشْتَمَلَ عَلَيْنَا عَدُوُّكَ الشَّيْطَانُ فَاسْتَنْقِذْنَا مِنْهُ. أللَهُمَّ اشْحَنْهُ بِعِبَادَتِنَا إيَّاكَ، وَزَيِّنْ أَوْقَاتَهُ بِطَاعَتِنَا لَكَ، وَأَعِنَّا فِي نَهَارِهِ عَلَى صِيَامِهِ، وَفِي لَيْلِهِ عَلَى الصَّلَاةِ
ص: 189
وَالتَّضَرُّعِ إلَيْكَ وَالخُشُوعِ لَكَ، وَالذِّلَّةِ بَيْنَ يَدَيْكَ حَتَّى لا يَشْهَدَ نَهَارُهُ عَلَيْنَا بِغَفْلَةٍ، وَلا لَيْلُهُ بِتَفْرِيطٍ. أللَّهُمَ وَاجْعَلْنَا فِي سَائِرِ الشُّهُورِ وَالَأيَّامِ كَذَلِكَ مَا عَمَّرْتَنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ، هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، وَمِنَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، فِي كُلِّ وَقْتٍ وَكُلِّ أَوَانٍ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ عَدَدَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى مَنْ صَلَّيْتَ عَلَيْهِ، وَأَضْعَافَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِالأضْعافِ الَّتِي لا يُحْصِيهَا غَيْرُكَ، إنَّكَ فَعَّالٌ لِمَا تُرِيدُ.
ص: 190
أللَّهُمَّ يَا مَنْ لا يَرْغَبُ فِي الْجَزَاءِ، وَلَا يَنْدَمُ عَلَى الْعَطَآءِ، وَيَا مَنْ لَا يُكَافِئُ عَبْدَهُ عَلَى السَّوآءِ، مِنَّتُكَ ابْتِدَاءٌ، وَعَفْوُكَ تَفَضُّلٌ، وَعُقُوبَتُكَ عَدْلٌ، وَقَضَاؤُكَ خِيَرَةٌ، إنْ أَعْطَيْتَ لَمْ تَشُبْ عَطَآءَكَ بِمَنٍّ، وَإنْ مَنَعْتَ لَمْ يَكُنْ مَنْعُكَ تَعَدِّياً، تَشْكُرُ مَنْ شَكَرَكَ وَأَنْتَ أَلْهَمْتَهُ شُكْرَكَ، وَتُكَافِئُ مَنْ حَمِدَكَ وَأَنْتَ عَلَّمْتَهُ حَمْدَكَ، تَسْتُرُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ فَضَحْتَهُ، وَتَجُودُ عَلَى مَنْ لَوْ شِئْتَ مَنَعْتَهُ، وَكِلَاهُمَا أَهْلٌ مِنْكَ لِلْفَضِيحَةِ وَالْمَنْعِ، غَيْرَ أَنَّكَ بَنَيْتَ أَفْعَالَكَ عَلَى التَّفَضُّلِ، وَأَجْرَيْتَ قُدْرَتَكَ عَلَى التَّجَاوُزِ، وَتَلَقَّيْتَ
ص: 191
مَنْ عَصَاكَ بِالحِلْمِ، وَأمْهَلْتَ مَنْ قَصَدَ لِنَفْسِهِ بِالظُّلْمِ، تَسْتَنْظِرُهُمْ بِأناتِكَ إلى الإنَابَةِ، وَتَتْرُكُ مُعَاجَلَتَهُمْ إلَى التَّوْبَةِ؛ لِكَيْلَا يَهْلِكَ عَلَيْكَ هَالِكُهُمْ، وَلا يَشْقَى بِنِعْمَتِكَ شَقِيُّهُمْ إلَّا عَنْ طُولِ الإِعْذَارِ إلَيْهِ، وَبَعْدَ تَرَادُفِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ كَرَماً مِنْ عَفْوِكَ يَا كَرِيْمُ، وَعَائِدَةً مِنْ عَطْفِكَ يَا حَلِيمُ، أَنْتَ الَّذِيْ فَتَحْتَ لِعِبَادِكَ بَاباً إلَى عَفْوِكَ وَسَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، وَجَعَلْتَ عَلَى ذلِكَ البَابِ دَلِيلًا مِنْ وَحْيِكَ؛ لِئَلَّا يَضِلُّوا عَنْهُ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ:«تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّآتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)» فَمَا عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ ذلِكَ الْمَنْزِلِ بَعْدَ فَتْحِ الْبَابِ وَإقَامَةِ
ص: 192
الدَّلِيْلِ، وَأَنْتَ الَّذِي زِدْتَ فِي السَّوْمِ عَلَى نَفْسِكَ لِعِبَادِكَ، تُرِيدُرِ بْحَهُمْ فِي مُتَاجَرَتِهِمْ لَكَ، وَفَوْزَهُمْ بِالْوِفَادَةِ عَلَيْكَ وَالزِّيادَةِ مِنْكَ، فَقُلْتَ تَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَيْتَ:
وَقُلْتَ:«مَنْ جَآءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰٓ إِلَّا مِثْلَهَا (1)»
وَقُلْتَ:«مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَآءُ (2)»
وَقُلْتَ:«مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً(3)»
وَمَا أَنْزَلْتَ مِنْ نَظَائِرِهِنَّ فِي الْقُرْآنِ مِنْ تَضَاعِيفِ الْحَسَنَاتِ، وَأَنْتَ الَّذِي دَلَلْتَهُمْ بِقَوْلِكَ مِنْ غَيْبِكَ وَتَرْغِيْبِكَ الَّذِي فِيهِ حَظُّهُمْ، عَلَى مَا لَوْ سَتَرْتَهُ عَنْهُمْ لَمْ تُدْرِكْهُ أَبْصَارُهُمْ، وَلَمْ تَعِهِ أَسْمَاعُهُمْ، وَلَمْ تَلْحَقْهُ أَوْهَامُهُمْ فَقُلْتَ:«اذْكُرُونِيٓ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِي(4)» وَقُلْتَ:« لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي
ص: 193
لَشَدِيدٌ(1)»
وَقُلْتَ:«ادْعُونِيٓ أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ(2)» فَسَمَّيْتَ دُعَاءَكَ عِبَادَةً، وَتَرْكَهُ اسْتِكْبَاراً، وَتَوَعَّدْتَ عَلَى تَرْكِهِ دُخُولَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ، فَذَكَرُوكَ بِمَنِّكَ وَشَكَرُوكَ بِفَضْلِكَ، وَدَعَوْكَ بِأَمْرِكَ، وَتَصَدَّقُوا لَكَ طَلَباً لِمَزِيدِكَ، وَفِيهَا كَانَتْ نَجَاتُهُمْ مِنْ غَضَبِكَ، وَفَوْزُهُمْ بِرِضَاكَ، وَلَوْ دَلَّ مَخْلُوقٌ مَخْلُوقاً مِنْ نَفْسِهِ عَلَى مِثْلِ الَّذِيْ دَلَلْتَ عَلَيْهِ عِبَادَكَ مِنْكَ كَانَ مَوْصُوْفَاً بالإحْسَان وَمَنْعُوتاً بِالامْتِثَال ومحمُوداً بكلِّ لِسَانٍ، فَلَكَ الْحَمْدُ مَا وُجِدَ فِي حَمْدِكَ مَذْهَبٌ، وَمَا بَقِيَ لِلْحَمْدِ لَفْظٌ تُحْمَدُ بِهِ، وَمَعْنىً يَنْصَرِفُ إلَيْهِ يَا مَنْ تَحَمَّدَ إلَى عِبَادِهِ بِالإِحْسَانِ وَالْفَضْلِ، وَغَمَرَهُمْ بِالْمَنِّ وَالطَّوْلِ، مَا أَفْشَى فِيْنَا نِعْمَتَكَ، وَأَسْبَغَ عَلَيْنَا مِنَّتَكَ، وَأَخَصَّنَا بِبِرِّكَ! هَدْيَتَنَا لِدِيْنِكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَ، وَمِلَّتِكَ الَّتِي ارْتَضَيْتَ، وَسَبِيلِكَ
ص: 194
الَّذِي سَهَّلْتَ، وَبَصَّرْتَنَا الزُّلْفَةَ لَدَيْكَ وَالوُصُولَ إلى كَرَامَتِكَ. أللَّهُمَّ وَأَنْتَ جَعَلْتَ مِنْ صَفَايَا تِلْكَ الْوَظَائِفِ، وَخَصَائِصِ تِلْكَ الْفُرُوضِ شَهْرَ رَمَضَانَ الَّذِي اخْتَصَصْتَهُ مِنْ سَائِرِ الشُّهُورِ، وَتَخَيَّرْتَهُ مِن جَمِيعِ الأزْمِنَةِ وَالدُّهُورِ، وَآثَرْتَهُ عَلَى كُلِّ أَوْقَاتِ السَّنَةِ بِمَا أَنْزَلْتَ فِيهِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالنُّورِ، وَضَاعَفْتَ فِيهِ مِنَ الإيْمَانِ، وَفَرَضْتَ فِيْهِ مِنَ الصِّيَامِ، وَرَغَّبْتَ فِيهِ مِنَ القِيَامِ، وَأَجْلَلْتَ فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، ثُمَّ آثَرْتَنَا بِهِ عَلَى سَائِرِ الأُمَمِ وَاصْطَفَيْتَنَا بِفَضْلِهِ دُوْنَ أَهْلِ الْمِلَلِ، فَصُمْنَا بِأَمْرِكَ نَهَارَهُ، وَقُمْنَا بِعَوْنِكَ لَيْلَهُ مُتَعَرِّضِينَ بِصِيَامِهِ وَقِيَامِهِ لِمَا عَرَّضْتَنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَتَسَبَّبْنَا إلَيْهِ مِنْ مَثُوبَتِكَ، وَأَنْتَ الْمَلي ءُ بِمَا رُغِبَ فِيهِ إلَيْكَ، الْجَوَادُ بِما سُئِلْتَ مِنْ فَضْلِكَ، الْقَرِيبُ إلَى مَنْ حَاوَلَ قُرْبَكَ، وَقَدْ أَقَامَ فِينَا هَذَا الشَّهْرُ مَقَامَ حَمْدٍ وَصَحِبَنَا
ص: 195
صُحْبَةَ مَبْرُورٍ، وَأَرْبَحَنَا أَفْضَلَ أَرْبَاحِ الْعَالَمِينَ، ثُمَّ قَدْ فَارَقَنَا عِنْدَ تَمَامِ وَقْتِهِ، وَانْقِطَاعِ مُدَّتِهِ، وَوَفَاءِ عَدَدِهِ، فَنَحْنُ مُوَدِّعُوهُ وِدَاعَ مَنْ عَزَّ فِرَاقُهُ عَلَيْنَا، وَغَمَّنَا وَأَوْحَشَنَا انْصِرَافُهُ عَنَّا، وَلَزِمَنَا لَهُ الذِّمَامُ الْمَحْفُوظُ، وَالْحُرْمَةُ الْمَرْعِيَّةُ، وَالْحَقُّ الْمَقْضِيُّ، فَنَحْنُ قَائِلُونَ: السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا شَهْرَ اللَّهِ الأكْبَرَ، وَيَا عِيْدَ أَوْلِيَائِهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أكْرَمَ مَصْحُوبٍ مِنَ الأوْقَاتِ، وَيَا خَيْرَ شَهْرٍ فِي الأيَّامِ وَالسَّاعَاتِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ قَرُبَتْ فِيهِ الآمالُ وَنُشِرَتْ فِيهِ الأَعْمَالُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ قَرِينٍ جَلَّ قَدْرُهُ مَوْجُوداً، وَأَفْجَعَ فَقْدُهُ مَفْقُوداً، وَمَرْجُوٍّ آلَمَ فِرَاقُهُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ أَلِيفٍ آنَسَ مُقْبِلًا فَسَرَّ، وَأَوْحَشَ مُنْقَضِياً فَمَضَّ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ مُجَاوِرٍ رَقَّتْ فِيهِ الْقُلُوبُ، وَقَلَّتْ فِيهِ الذُّنُوبُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ نَاصِرٍ أَعَانَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَصَاحِبٍ سَهَّلَ سُبُلَ الإحْسَانِ،
ص: 196
السَّلَامُ عَلَيْكَ مَا أكْثَرَ عُتَقَاءَ اللَّهِ فِيكَ، وَمَا أَسْعَدَ مَنْ رَعَى حُرْمَتَكَ بكَ! السَّلَامُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَمْحَاكَ لِلذُّنُوبِ، وَأَسْتَرَكَ لِأَنْواعِ الْعُيُوبِ! السَّلَامُ عَلَيْكَ مَا كَانَ أَطْوَلَكَ عَلَى الْمُجْرِمِينَ، وَأَهْيَبَكَ فِي صُدُورِ الْمُؤْمِنِينَ! السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ لا تُنَافِسُهُ الأيَّامُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهْرٍ هُوَ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلَامٌ، السَّلَامُ عَلَيْكَ غَيْرَ كَرِيهِ الْمُصَاحَبَةِ وَلَا ذَمِيمِ الْمُلَابَسَةِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ كَمَا وَفَدْتَ عَلَيْنَا بِالْبَرَكَاتِ، وَغَسَلْتَ عَنَّا دَنَسَ الْخَطِيئاتِ.
السَّلَامُ عَلَيْكَ غَيْرَ مُوَدَّعٍ بَرَماً وَلَا مَتْرُوكٍ صِيَامُهُ سَأَماً، السَّلَامُ عَلَيْكَ مِنْ مَطْلُوبِ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَمَحْزُونٍ عَلَيْهِ قَبْلَ فَوْتِهِ. السَّلَامُ عَلَيْكَ كَمْ مِنْ سُوءٍ صُرِفَ بِكَ عَنَّا، وَكَمْ مِنْ خَيْرٍ افِيضَ بِكَ عَلَيْنَا، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى لَيْلَةِ الْقَدْرِ، الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ ما كَانَ أَحْرَصَنَا بِالأمْسِ عَلَيْكَ وَأَشَدَّ شَوْقَنَا غَدَاً
ص: 197
إلَيْكَ، السَلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى فَضْلِكَ الَّذِي حُرِمْنَاهُ، وَعَلَى مَاضٍ مِنْ بَرَكَاتِكَ سُلِبْنَاهُ. اللَّهُمَّ إنَّا أَهْلُ هَذَا الشَّهْرِ الِّذِي شَرَّفْتَنَا بِهِ وَوَفّقتَنَا بِمَنِّكَ لَهُ حِينَ جَهِلَ الأَشْقِيَاءُ وَقْتَهُ، وَحُرِمُوا لِشَقَائِهِم فَضْلَهُ، أَنْتَ وَلِيُّ مَا آثَرْتَنَا بِهِ مِنْ مَعْرِفَتِهِ، وَهَدَيْتَنَا مِنْ سُنَّتِهِ، وَقَدْ تَوَلَّيْنَا بِتَوْفِيقِكَ صِيَامَهُ وَقِيَامَهُ عَلى تَقْصِيرٍ، وَأَدَّيْنَا فِيهِ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. اللَّهُمَّ فَلَكَ الْحمدُ إقْرَاراً بِالإسَاءَةَ وَاعْتِرَافاً بِالإضَاعَةِ، وَلَك مِنْ قُلُوبِنَا عَقْدُ النَّدَمِ، وَمِنْ أَلْسِنَتِنَا صِدْقُ الاعْتِذَارِ، فَأَجِرْنَا عَلَى مَا أَصَابَنَا فِيهِ مِنَ التَّفْرِيطِ، أَجْرَاً نَسْتَدْرِكُ بِهِ الْفَضْلَ الْمَرْغُوبَ فِيهِ، وَنَعْتَاضُ بِهِ مِنْ أَنْوَاعِ الذُّخْرِ الْمَحْرُوصِ عَلَيْهِ، وَأَوْجِبْ لَنَا عُذْرَكَ عَلَى مَا قَصَّرْنَا فِيهِ مِنْ حَقِّكَ، وَابْلُغْ بِأَعْمَارِنَا مَا بَيْنَ أَيْديْنَا مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُقْبِلِ، فَإذَا بَلَّغْتَنَاهُ فَأَعِنَّا عَلَى تَنَاوُلِ مَا أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْعِبَادَةِ، وَأَدِّنَا إلَى الْقِيَامِ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الطَّاعَةِ،
ص: 198
وَأجْرِ لنا مِنْ صَالِحِ العَمَلِ مَا يَكون دَرَكاً لِحَقِّكَ فِي الشَّهْرَيْنِ مِنْ شُهُورِ الدَّهْرِ. أللَّهُمَّ وَمَا أَلْمَمْنَا بِهِ فِي شَهْرِنَا هَذَا مِنْ لَمَمٍ أَوْ إثْمٍ، أَوْ وَاقَعْنَا فِيهِ مِنْ ذَنْبِ، وَاكْتَسَبْنَا فِيهِ مِنْ خَطِيئَةٍ عَلَى تَعَمُّدٍ مِنَّا، أَوِ انْتَهَكْنَا بِهِ حُرْمَةً مِنْ غَيْرِنَا، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاسْتُرْنَا بِسِتْرِكَ، وَاعْفُ عَنَّا بِعَفْوِكَ، وَلَا تَنْصِبْنَا فِيهِ لِأعْيُنِ الشَّامِتِينَ، وَلَا تَبْسُطْ عَلَيْنَا فِيهِ أَلْسُنَ الطَّاغِينَ، وَاسْتَعْمِلْنَا بِمَا يَكُونُ حِطَّةً وَكَفَّارَةً لِمَا أَنْكَرْتَ مِنَّا فِيهِ بِرَأْفَتِكَ الَّتِي لَا تَنْفَدُ، وَفَضْلِكَ الَّذِي لا يَنْقُصُ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْبُرْ مُصِيبَتنَا بِشَهْرِنَا، وَبَارِكْ فِي يَوْمِ عِيْدِنَا وَفِطْرِنَا، وَاجْعَلْهُ مِنْ خَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْنَا؛ أَجْلَبِهِ لِعَفْوٍ، وَأَمْحَاهُ لِذَنْبِ، وَاغْفِرْ لَنا ما خَفِيَ مِنْ ذُنُوبِنَا وَمَا عَلَنَ. أللَّهُمَّ اسلَخْنَا بِانْسِلَاخِ هَذَا الشَّهْرِ مِنْ خَطَايَانَا، وَأَخْرِجْنَا بُخُرُوجِهِ مِنْ سَيِّئاتِنَا، وَاجْعَلْنَا مِنْ أَسْعَدِ أَهْلِهِ بِهِ، وَأَجْزَلِهِمْ قِسَمَاً
ص: 199
فِيهِ، وَأَوْفَرِهِمْ حَظّاً مِنْهُ. أللّهُمَّ وَمَنْ رَعَى حَقَّ هَذَا الشَّهْرِ حَقَّ رِعَايَتِهِ، وَحَفِظَ حُرْمَتَهُ حَقَّ حِفْظِهَا، وَقَامَ بِحُدُودِهِ حَقَّ قِيَامِهَا، وَأتَّقَى ذُنُوبَهُ حَقَّ تُقَاتِهَا، أَوْ تَقَرَّبَ إلَيْكَ بِقُرْبَةٍ أَوْجَبَتْ رِضَاكَ لَهُ، وَعَطَفَتْ رَحْمَتَكَ عَلَيْهِ، فَهَبْ لَنَا مِثْلَهُ مِنْ وُجْدِكَ وَأَعْطِنَا أَضْعَافَهُ مِنْ فَضْلِكَ فَإنَّ فَضْلَكَ لا يَغِيْضُ، وَإنَّ خَزَائِنَكَ لا تَنْقُصُ بَلْ تَفِيضُ، وَإنَّ مَعَادِنَ إحْسَانِكَ لا تَفْنَى، وَإنَّ عَطَاءَكَ لَلْعَطآءُ الْمُهَنَّا.
أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاكْتُبْ لَنَا مِثْلَ اجُورِ مَنْ صَامَهُ أَوْ تَعَبَّدَ لَكَ فِيْهِ إلى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ إنَّا نَتُوبُ إلَيْكَ فِي يَوْمِ فِطْرِنَا الّذِي جَعَلْتَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ عِيداً وَسُرُوراً، وَلأِهْلِ مِلَّتِكَ مَجْمَعاً وَمُحْتشداً مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ أَذْنَبْنَاهُ، أَوْ سُوْءٍ أَسْلَفْنَاهُ، أَوْ خَاطِرِ شَرٍّ أَضْمَرْنَاهُ، تَوْبَةَ مَنْ لَا يَنْطَوِيْ عَلَى رُجُوعٍ إلَى ذَنْبٍ وَلا يَعُودُ بَعْدَهَا فِي خَطِيئَةٍ، تَوْبَةً نَصوحاً خَلَصَتْ
ص: 200
مِنَ الشَّكِّ وَالارْتِيَابِ، فَتَقَبَّلْهَا مِنَّا وَارْضَ عَنَّا وَثَبِّتنَا عَلَيْهَا. أللَّهُمَّ ارْزُقْنَا خَوْفَ عِقَابِ الْوَعِيدِ، وَشَوْقَ ثَوَابِ الْمَوْعُودِ حَتّى نَجِدَ لَذَّةَ مَا نَدْعُوكَ بِهِ، وكَأْبَةَ مَا نَسْتَجِيْرُكَ مِنْهُ، وَاجْعَلْنَا عِنْدَكَ مِنَ التَّوَّابِيْنَ الَّذِينَ أَوْجَبْتَ لَهُمْ مَحَبَّتَكَ، وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مُرَاجَعَةَ طَاعَتِكَ، يَا أَعْدَلَ الْعَادِلِينَ. أللَّهُمَّ تَجَاوَزْ عَنْ آبآئِنَا وَأُمَّهَاتِنَا وَأَهْلِ دِيْنِنَا جَمِيعاً مَنْ سَلَفَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَبَرَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ نَبِيِّنَا وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلى مَلآئِكَتِكَ الْمُقَرَّبِينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى أَنْبِيَائِكَ الْمُرْسَلِينَ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَأَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، صَلَاةً تَبْلُغُنَا بَرَكَتُهَا، وَيَنَالُنَا نَفْعُهَا، وَيُسْتَجَابُ لَنَا دُعَاؤُنَا، إنَّكَ أكْرَمُ مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَأكْفَى مَنْ تُوُكِّلَ عَلَيْهِ، وَأَعْطَى مَنْ سُئِلَ مِنْ فَضْلِهِ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
ص: 201
يَا مَنْ يَرْحَمُ مَنْ لا يَرْحَمُهُ الْعِبَادُ، وَيَا مَنْ يَقْبَلُ مَنْ لا تَقْبَلُهُ الْبِلَادُ، وَيَا مَن لَا يَحْتَقِرُ أَهْلَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَيَا مَنْ لا يُخَيِّبُ الملِحِّيْنَ عَلَيْهِ، وَيَا مَنْ لَا يَجْبَهُ بِالرَّدِّ أَهْلَ الدَّالَّةِ عَليهِ، وَيَا مَنْ يَجْتَبِي صَغِيرَ مَايُتْحَفُ بِهِ، وَيَشْكُرُ يَسِيرَ مَا يُعْمَلُ لَهُ، وَيَامَنْ يَشْكُرُ عَلَى الْقَلِيْلِ، وَيُجَازِي بِالْجَلِيلِ، وَيَا مَنْ يَدْنُوإلَى مَنْ دَنا مِنْهُ، وَيَا مَنْ يَدعُو إلَى نَفْسِهِ مَنْ أَدْبَرَ عَنْهُ، وَيَا مَنْ لا يُغَيِّرُ النِّعْمَةَ، وَلا يُبَادِرُ بِالنَّقِمَةِ، وَيَا مَنْ يُثْمِرُ الْحَسَنَةَ حَتَّى يُنْمِيَهَا، وَيَتَجَاوَزُ عَنِ السَّيِّئَةِ حَتَّى يُعَفِّيَهَا، انْصَرَفَتِ الآمَالُ دُونَ مَدى كَرَمِكَ
ص: 202
بِالحَاجَاتِ، وَامْتَلأَتْ بِفَيْضِ جُودِكَ أَوْعِيَةُ الطَّلِبات، وَتَفَسَّخَتْ دُونَ بُلُوغِ نَعْتِكَ الصِّفَاتُ، فَلَكَ الْعُلُوُّ الأعْلَى فَوْقَ كُلِّ عَالٍ، وَالْجَلَالُ الأمْجَدُ فَوْقَ كُلِّ جَلَالٍ، كُلُّ جَلِيْلٍ عِنْدَكَ صَغِيرٌ، وَكُلُّ شَرِيفٍ فِي جَنْبِ شَرَفِكَ حَقِيرٌ، خَابَ الْوَافِدُونَ عَلَى غَيْرِكَ، وَخَسِرَ الْمُتَعَرِّضُونَ إلَّا لَكَ، وَضَاعَ الْمُلِمُّونَ إلّابِكَ، وَأَجْدَبَ الْمُنْتَجِعُونَ إلَّا مَنِ انْتَجَعَ فَضْلَكَ، بَابُكَ مَفْتُوحٌ لِلرَّاغِبِينَ، وَجُودُكَ مُبَاحٌ لِلسَّائِلِينَ، وَإغاثَتُكَ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمُسْتَغِيْثِينَ، لَا يَخِيبُ مِنْكَ الآمِلُونَ، وَلَا يَيْأَسُ مِنْ عَطَائِكَ الْمُتَعَرِّضُونَ، وَلا يَشْقَى بِنَقِمَتِكَ الْمُسْتَغْفِرُونَ، رِزْقُكَ مَبْسُوطٌ لِمَنْ عَصَاكَ، وَحِلْمُكَ مُعْتَرِضٌ لِمَنْ نَاوَاكَ، عَادَتُكَ الإحْسَانُ إلَى الْمُسِيئينَ، وَسُنَّتُكَ الإبْقَاءُ عَلَى الْمُعْتَدِينَ، حَتَّى لَقَدْ غَرَّتْهُمْ أَنَاتُكَ عَنِ الرُّجُوعِ، وَصَدَّهُمْ إمْهَالُكَ عَن النُّزُوعِ، وَإنَّمَا تَأَنَّيْتَ بهمْ
ص: 203
لِيَفِيئُوا إلَى أَمْرِكَ، وَأَمْهَلْتَهُمْ ثِقَةً بِدَوَامِ مُلْكِكَ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَتَمْتَ لَهُ بِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ خَذَلْتَهُ لَهَا، كُلُّهُمْ صَائِرُونَ إلَى حُكْمِكَ، وَأُمُورُهُمْ آئِلَةٌ إلَى أَمْرِكَ، لَمْ يَهِنْ عَلَى طُولِ مُدَّتِهِمْ سُلْطَانُكَ، وَلَمْ يَدْحَضْ لِتَرْكِ مُعَاجَلَتِهِمْ بُرْهَانُكَ، حُجَّتُكَ قَائِمَةٌ لَا تُدْحَضُ، وَسُلْطَانُكَ ثَابِتٌ لا يَزُولُ، فَالْوَيْلُ الدَّائِمُ لِمَنْ جَنَحَ عَنْكَ، وَالْخَيْبَةُ الْخَاذِلَةُ لِمَنْ خَابَ مِنْكَ، وَالشَّقاءُ الأشْقَى لِمَنِ اغْتَرَّ بِكَ. مَا أكْثَرَ تَصَرُّفَهُ فِي عَذَابِكَ، وَمَا أَطْوَلَ تَرَدُّدَهُ فِيْ عِقَابِكَ، وَمَا أَبْعَدَ غَايَتَهُ مِنَ الْفَرَجِ، وَمَا أَقْنَطَهُ مِنْ سُهُولَةِ الْمَخْرَجِ، عَدْلًا مِنْ قَضَائِكَ لَا تَجُورُ فِيهِ، وَإنْصَافاً مِنْ حُكْمِكَ لَا تَحِيفُ عَلَيْهِ، فَقَدْ ظَاهَرْتَ الْحُجَجَ، وَأَبْلَيْتَ الأعْذَارَ، وَقَدْ تَقَدَّمْتَ بِالْوَعِيْدِ، وَتَلَطَّفْتَ فِي التَّرْغِيْبِ، وَضَرَبْتَ الأمْثَالَ، وَأَطَلْتَ الإِمْهَالَ، وَأَخَّرْتَ وَأَنْتَ
ص: 204
مُسْتَطِيعٌ لِلْمُعَاجَلَةِ، وَتَأَنَّيْتَ وَأَنْتَ مَلي ءٌ بِالْمُبَادَرَةِ، لَمْ تَكُنْ أَنَاتُكَ عَجْزاً، وَلا إمْهَالُكَ وَهْناً، وَلَا إمْسَاكُكَ غَفْلَةً، وَلَا انْتِظَارُكَ مُدَارَاةً، بَلْ لِتَكُونَ حُجَّتُكَ أَبْلَغَ، وَكَرَمُكَ أكمَلَ، وَإحْسَانُكَ أَوْفَى، وَنِعْمَتُكَ أَتَمَّ، كُلُّ ذلِكَ كَانَ وَلَمْ تَزَلْ، وَهُوَ كائِنٌ وَلَا تَزَالُ، حُجَّتُكَ أَجَلُّ مِنْ أَنْ توصَفَ بِكُلِّهَا، وَمَجْدُكَ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ تُحَدَّ بِكُنْهِهِ، وَنِعْمَتُكَ أكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى بِأَسْرِهَا، وَإحْسَانُكَ أكْثَرُ مِنْ أَنْ تُشْكَرَ عَلَى أَقَلِّهِ، وَقَدْ قَصَّرَ بِيَ السُّكُوتُ عَنْ تَحْمِيدِكَ، وَفَهَّهَنِي الإمْسَاكُ عَنْ تَمْجيدِكَ، وَقُصَارَايَ الإقْرَارُ بِالْحُسُورِ، لَا رَغْبَةً- يا إلهِي- بَلْ عَجْزاً، فَهَا أَنَا ذَا أَؤُمُّكَ بِالْوِفَادَةِ، وَأَسأَلُكَ حُسْنَ الرِّفَادَةِ، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاسْمَعْ نَجْوَايَ، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَلَا تَخْتِمْ يَوْمِيَ بِخَيْبَتِي، وَلَا تَجْبَهْنِي بِالرَّدِّ فِي مَسْأَلَتِي، وَأكْرِمْ مِنْ عِنْدِكَ مُنْصَرَفِي، وَإلَيْكَ مُنْقَلَبِي، إنَّكَ غَيْرُ ضَائِقٍ بِمَا تُرِيْدُ
ص: 205
وَلَا عَاجِزٍ عَمَّا تُسْأَلُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيْرٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
ص: 206
الْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ بَدِيْعَ السَّموَاتِ وَالأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ، رَبَّ الأَرْبَابِ وَإلهَ كُلِّ مَألُوهٍ، وَخَالِقَ كُلِّ مَخْلُوقٍ، وَوَارِثَ كُلِّ شَيْ ءٍ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ، وَلا يَعْزُبُ عَنْهُ عِلْمُ شَيْ ءٍ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ مُحِيطٌ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ رَقِيبٌ، أَنْتَ اللَّه لَا إلهَ إلَّاأَنْتَ الأَحَدُ الْمُتَوَحِّدُ الْفَرْدُ الْمُتَفَرِّدُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إلهَ إلَّاأَنْتَ الْكَرِيمُ الْمُتَكَرِّمُ، الْعَظِيمُ الْمُتَعَظِّمُ، الْكَبِيرُ الْمُتَكَبِّرُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ العَلِيُّ الْمُتَعَالِ، الْشَّدِيْدُ الْمِحَالِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلَّاأَنْتَ الرَّحْمنُ
ص: 207
الرَّحِيمُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأَنْتَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ الْقَدِيمُ الْخَبِيرُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لَاإلهَ إلّاأَنْتَ الْكَرِيمُ الَأكْرَمُ الدَّائِمُ الأدْوَمُ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأَنْتَ الأوَّلُ قَبْلَ كُلِّ أَحَدٍ، وَالآخِرُ بَعْدَ كُلِّ عَدَدٍ، وَأَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلّاأَنْتَ الدَّانِي فِي عُلُوِّهِ، وَالْعَالِي فِي دُنُوِّهِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إلهَ إلَّا أَنْتَ ذُو الْبَهَاءِ وَالْمَجْدِ، وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ، وَأَنْتَ اللَّهُ لَا إلهَ إلّاأَنْتَ الَّذِي أَنْشَأْتَ الأشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ سِنْخٍ، وَصَوَّرْتَ مَا صَوَّرْتَ مِنْ غَيْرِ مِثالٍ، وَابْتَدَعْتَ الْمُبْتَدَعَاتِ بِلَا احْتِذآءٍ، أَنْتَ الَّذِي قَدَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَقْدِيراً، وَيَسَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَيْسِيراً، وَدَبَّرْتَ مَا دُونَكَ تَدْبِيْراً، وَأَنْتَ الَّذِي لَمْ يُعِنْكَ عَلَى خَلْقِكَ شَرِيكٌ، وَلَمْ يُؤازِرْكَ فِي أَمْرِكَ وَزِيرٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَكَ مُشَاهِدٌ وَلا نَظِيرٌ، أَنْتَ الَّذِي أَرَدْتَ فَكَانَ حَتْماً مَا أَرَدْتَ، وَقَضَيْتَ فَكَانَ عَدْلًا مَا قَضَيْتَ، وَحَكَمْتَ فَكَانَ نِصْفاً مَا
ص: 208
حَكَمْتَ، أَنْتَ الَّذِي لا يَحْوِيْكَ مَكَانٌ، وَلَمْ يَقُمْ لِسُلْطَانِكَ سُلْطَانٌ، وَلَمْ يُعْيِكَ بُرْهَانٌ وَلا بَيَانٌ، أَنْتَ الَّذِي أَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ عَدَدَاً، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْ ءٍ أَمَداً، وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْ ءٍ تَقْدِيْراً، أَنْتَ الَّذِي قَصُرَتِ الأوْهَامُ عَنْ ذَاتِيَّتِكَ، وَعَجَزَتِ الأفْهَامُ عَنْ كَيْفِيَّتِكَ، وَلَمْ تُدْرِكِ الأبْصَارُ مَوْضِعَ أَيْنِيَّتِكَ، أَنْتَ الَّذِي لا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً، وَلَمْ تُمَثَّلْ فَتَكُونَ مَوْجُوداً، وَلَمْ تَلِدْ فَتَكُونَ مَوْلُوداً، أَنْتَ الَّذِي لا ضِدَّ مَعَكَ فَيُعَانِدَكَ، وَلا عِدْلَ فَيُكَاثِرَكَ، وَلَا نِدَّ لَكَ فَيُعَارِضَكَ، أَنْتَ الَّذِي ابْتَدَأ وَاخْتَرَعَ، وَاسْتَحْدَثَ وَابْتَدَعَ، وَأَحْسَنَ صُنْعَ مَا صَنَعَ، سُبْحانَكَ! مَا أَجَلَّ شَأنَكَ، وَأَسْنَى فِي الأمَاكِنِ مَكَانَكَ، وَأَصْدَعَ بِالْحَقِّ فُرقَانَكَ، سُبْحَانَكَ مِنْ لَطِيفٍ مَا أَلْطَفَكَ، وَرَؤُوفٍ مَا أَرْأَفَكَ، وَحَكِيمٍ مَا أَعْرَفَكَ! سُبْحَانَكَ مِنْ مَلِيْكٍ مَا أَمْنَعَكَ، وَجَوَادٍ مَا أَوْسَعَكَ، وَرَفِيعٍ مَا أَرْفَعَكَ! ذُو الْبَهاءِ
ص: 209
وَالْمَجْدِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْحَمْدِ، سُبْحَانَكَ بَسَطْتَ بِالْخَيْرَاتِ يَدَكَ، وَعُرِفَتِ الْهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِكَ، فَمَنِ الْتَمَسَكَ لِدِينٍ أَوْ دُنْيا وَجَدَكَ، سُبْحَانَكَ خَضَعَ لَكَ مَنْ جَرى فِي عِلْمِكَ، وَخَشَعَ لِعَظَمَتِكَ مَا دُونَ عَرْشِكَ، وَانْقَادَ لِلتَّسْلِيْمِ لَكَ كُلُّ خَلْقِكَ. سُبْحَانَكَ لَا تُجَسُّ، وَلَا تُحَسُّ، وَلَا تُمَسُّ، وَلَا تُكَادُ، وَلَا تُمَاطُ، وَلَا تُنَازَعُ، وَلَا تُجَارى، وَلَا تُمارى، وَلَا تُخَادَعُ، وَلَا تُمَاكَرُ. سُبْحَانَكَ سَبِيلُكَ جَدَدٌ، وَأَمْرُكَ رَشَدٌ، وَأَنْتَ حَيٌّ صَمَدٌ. سُبْحَانَكَ قَوْلُكَ حُكْمٌ، وَقَضَآؤُكَ حَتْمٌ، وَإرَادَتُكَ عَزْمٌ. سُبْحَانَكَ لَا رَادَّ لِمَشِيَّتِكَ، وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِكَ، سُبْحَانَكَ قاهِرَ الأَرْبَابِ، بَاهِرَ الآياتِ، فَاطِرَ السَّمَوَاتِ بَارِئَ، النَّسَماتِ. لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَاً يَدُومُ بِدَوامِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً خَالِداً بِنِعْمَتِكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يُوَازِي صُنْعَكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً يَزِيدُ عَلَى رِضَاكَ، وَلَكَ الْحَمْدُ حَمْداً مَعَ
ص: 210
حَمْدِ كُلِّ حَامِدٍ، وَشُكْراً يَقْصُرُ عَنْهُ شُكْرُ كُلِّ شَاكِرٍ، حَمْداً لَا يَنْبَغِي إلَّالَكَ، وَلَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَّاإلَيْكَ، حَمْداً يُسْتَدَامُ بِهِ الأَوَّلُ، وَيُسْتَدْعَى بِهِ دَوَامُ الآخِرِ، حَمْداً يَتَضَاعَفُ عَلَى كُرُورِ الأَزْمِنَةِ، وَيَتَزَايَدُ أَضْعَافَاً مُتَرَادِفَةً، حَمْداً يَعْجِزُ عَنْ إحْصَآئِهِ الْحَفَظَةُ، وَيَزِيدُ عَلَى مَا أَحْصَتْهُ فِي كِتابِكَ الْكَتَبَةُ، حَمْداً يُوازِنُ عَرْشَكَ المَجِيْدَ، وَيُعَادِلُ كُرْسِيَّكَ الرَّفِيعَ، حَمْداً يَكْمُلُ لَدَيْكَ ثَوَابُهُ، وَيَسْتَغْرِقُ كُلَّ جَزَآءٍ جَزَآؤُهُ، حَمْداً ظَاهِرُهُ وَفْقٌ لِبَاطِنِهِ، وَبَاطِنُهُ وَفْقٌ لِصِدْقِ النِّيَّةِ فِيهِ، حَمْداً لَمْ يَحْمَدْكَ خَلْقٌ مِثْلَهُ، وَلَا يَعْرِفُ أَحَدٌ سِوَاكَ فَضْلَهُ، حَمْداً يُعَانُ مَنِ اجْتَهَدَ فِي تَعْدِيْدِهِ، وَيُؤَيَّدُ مَنْ أَغْرَقَ نَزْعَاً فِي تَوْفِيَتِهِ، حَمْداً يَجْمَعُ مَا خَلَقْتَ مِنَ الْحَمْدِ، وَيَنْتَظِمُ مَا أَنْتَ خَالِقُهُ مِنْ بَعْدُ، حَمْداً لَا حَمْدَ أَقْرَبُ إلى قَوْلِكَ مِنْهُ، وَلَا أَحْمَدَ مِمَّنْ يَحْمَدُكَ بِهِ، حَمْداً يُوجِبُ بِكَرَمِكَ الْمَزِيدَ
ص: 211
بِوُفُورِهِ، وَتَصِلُهُ بِمَزِيْدٍ بَعْدَ مَزِيْدٍ طَوْلًا مِنْكَ، حَمْداً يَجِبُ لِكَرَمِ وَجْهِكَ، وَيُقَابِلُ عِزَّ جَلَالِكَ. رَبِ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ الْمُنْتَجَبِ، الْمُصْطَفَى، الْمُكَرَّمِ، الْمُقَرَّبِ، أَفْضَلَ صَلَوَاتِكَ، وَبارِكْ عَلَيْهِ أَتَمَّ بَرَكاتِكَ، وَتَرَحَّمْ عَلَيْهِ أَمْتَعَ رَحَمَاتِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلَاةً زَاكِيَةً، لَا تَكُونُ صَلَاةٌ أَزْكَى مِنْهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً نَامِيَةً، لَا تَكُونُ صَلاةٌ أَنْمَى مِنْهَا، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلاةً رَاضِيَةً، لَا تَكُونُ صَلاةٌ فَوْقَهَا. رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلَاةً تُرْضِيهِ وَتَزِيدُ عَلَى رِضَاهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً تُرْضِيكَ وَتَزِيدُ عَلَى رِضَاكَ لَهُ، وَصَلِّ عَلَيْهِ صَلَاةً لَا تَرْضَى لَهُ إلَّابِهَا، وَلَا تَرى غَيْرَهُ لَهَا أَهْلًا. رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلَاةً تُجَاوِزُ رِضْوَانَكَ، وَيَتَّصِلُ اتِّصَالُهَا بِبَقَآئِكَ، وَلَا يَنْفَدُ كَمَا لَا تَنْفَدُ كَلِماتُكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلَاةً تَنْتَظِمُ صَلَوَاتِ مَلآئِكَتِكَ
ص: 212
وَأَنْبِيآئِكَ وَرُسُلِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ، وَتَشْتَمِلُ عَلَى صَلَوَاتِ عِبَادِكَ؛ مِنْ جِنّكَ وَإنْسِكَ وَأَهْلِ إجَابَتِكَ، وَتَجْتَمِعُ عَلى صَلَاةِ كُلِّ مَنْ ذَرَأْتَ وَبَرَأْتَ مِنْ أَصْنَافِ خَلْقِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، صَلَاةً تُحِيطُ بِكُلِّ صَلَاةٍ سَالِفَةٍ وَمُسْتَأْنَفَةٍ، وَصَلِّ عَلَيْهِ وَعَلى آلِهِ، صَلَاةً مَرْضِيَّةً لَكَ وَلِمَنْ دُونَكَ، وَتُنْشِئُ مَعَ ذلِكَ صَلَوَاتٍ تُضَاعِفُ مَعَهَا تِلْكَ الصَّلَوَاتِ عِنْدَهَا، وَتَزِيدُهَا عَلَى كُرُورِ الأَيَّامِ زِيَادَةً فِي تَضَاعِيفَ لَا يَعُدُّهَا غَيْرُكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَى أَطَائِبِ أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ اخْتَرْتَهُمْ لِأَمْرِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ خَزَنَةَ عِلْمِكَ، وَحَفَظَةَ دِيْنِكَ، وَخُلَفَآءَكَ فِي أَرْضِكَ، وَحُجَجَكَ عَلَى عِبَادِكَ، وَطَهَّرْتَهُمْ مِنَ الرِّجْسِ وَالدَّنَسِ تَطْهِيراً بِإرادَتِكَ، وَجَعَلْتَهُمْ الْوَسِيْلَةَ إلَيْكَ وَالْمَسْلَكَ إلَى جَنَّتِكَ، رَبِّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، صَلاةً تُجْزِلُ لَهُمْ بِهَا مِنْ تُحَفِكَ وَكَرَامَتِكَ، وَتُكْمِلُ لَهُمُ الأَشْيآءَ مِنْ
ص: 213
عَطَاياكَ وَنَوَافِلِكَ، وَتُوَفِّرُ عَلَيْهِمُ الْحَظَّ مِنْ عَوَائِدِكَ وَفَوائِدِكَ. رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ صَلَاةً لَا أَمَدَ فِي أَوَّلِهَا، وَلَا غَايَةَ لِأَمَدِهَا، وَلَا نِهَايَةَ لِآخِرِهَا. رَبِّ صَلِّ عَلَيْهِمْ زِنَةَ عَرْشِكَ وَمَا دُونَهُ، وَمِل ءَ سَماوَاتِكَ وَمَا فَوْقَهُنَّ، وَعَدَدَ أَرَضِيْكَ، وَمَا تَحْتَهُنَّ، وَمَا بَيْنَهُنَّ، صَلَاةً تُقَرِّبُهُمْ مِنْكَ زُلْفى، وَتَكُونُ لَكَ وَلَهُمْ رِضَىً، وَمُتَّصِلَةٌ بِنَظائِرِهِنَّ أَبَداً. أللَّهُمَّ إنَّكَ أَيَّدْتَ دِينَكَ فِي كُلِّ أَوَانٍ بِإمَامٍ أَقَمْتَهُ عَلَماً لِعِبَادِكَ وَّمَنارَاً فِي بِلَادِكَ، بَعْدَ أَنْ وَصَلْتَ حَبْلَهُ بِحَبْلِكَ، وَجَعَلْتَهُ الذَّرِيعَةَ إلَى رِضْوَانِكَ، وَافْتَرَضْتَ طَاعَتَهُ، وَحَذَّرْتَ مَعْصِيَتَهُ، وَأَمَرْتَ بِامْتِثَالِ أَمْرِهِ (أوَامِرِه خ ل) وَالانْتِهَآءِ عِنْدَ نَهْيِهِ، وَأَلَّا يَتَقَدَّمَهُ مُتَقَدِّمٌ، وَلَا يَتَأَخَّرَ عَنْهُ مُتَأَخِّرٌ، فَهُوَ عِصْمَةُ اللَّائِذِينَ، وَكَهْفُ الْمُؤْمِنِينَ، وَعُرْوَةُ الْمُتَمَسِّكِينَ، وَبَهَآءُ الْعَالَمِينَ.
أللَّهُمَّ فَأَوْزِعْ لِوَلِيِّكَ شُكْرَ مَا أَنْعَمْتَ بِهِ عَلَيْهِ، وَأَوْزِعْنَا مِثْلَهُ فِيهِ،
ص: 214
وَآتِهِ مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَاناً نَصِيراً، وَافْتَحْ لَهُ فَتْحاً يَسِيراً، وَأَعِنْهُ بِرُكْنِكَ الأعَزِّ، وَاشْدُدْ أَزْرَهُ، وَقَوِّ عَضُدَهُ، وَرَاعِهِ بِعَيْنِكَ، وَاحْمِهِ بِحِفْظِكَ، وَانْصُرْهُ بِمَلآئِكَتِكَ، وَامْدُدْهُ بِجُنْدِكَ الأَغْلَبِ وَأَقِمْ بِهِ كِتَابَكَ وَحُدُودَكَ، وَشَرَائِعَكَ وَسُنَنَ رَسُولِكَ صَلَوَاتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَأَحْيِ بِهِ مَا أَمَاتَهُ الظَّالِمُونَ مِنْ مَعَالِمِ دِينِكَ، وَاجْلُ بِهِ صَدَأَ الْجَوْرِ عَنْ طَرِيقَتِكَ، وَأَبِنْ بِهِ الضَّرَّآءَ مِنْ سَبِيلِكَ، وَأَزِلْ بِهِ النَّاكِبِينَ عَنْ صِرَاطِكَ، وَامْحَقْ بِهِ بُغَاةَ قَصْدِكَ عِوَجاً، وَأَلِنْ جَانِبَهُ لِأَوْلِيَآئِكَ، وَابْسُطْ يَدَهُ عَلَى أَعْدَائِكَ، وَهَبْ لَنا رَأْفَتَهُ وَرَحْمَتَهُ وَتَعَطُّفَهُ وَتَحَنُّنَهُ، وَاجْعَلْنَا لَهُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، وَفِي رِضَاهُ سَاعِينَ، وَإلَى نُصْرَتِهِ وَالْمُدَافَعَةِ عَنْهُ مُكْنِفِينَ، وَإلَيْكَ وَإلَى رَسُولِكَ صَلَواتُكَ اللَّهُمَّ عَلَيْهِ وَآلِهِ بِذَلِكَ مُتَقَرِّبِينَ. أللَّهُمَّ وَصَلِّ عَلَى أَوْلِيآئِهِمُ الْمُعْتَرِفِينَ بِمَقَامِهِمْ، الْمُتَّبِعِينَ مَنْهَجَهُمْ، الْمُقْتَفِيْنَ آثَارَهُمْ،
ص: 215
الْمُسْتَمْسِكِينَ بِعُرْوَتِهِمْ، الْمُتَمَسِّكِينَ بِوَلَايَتِهِمْ، الْمُؤْتَمِّينَ بِإمَامَتِهِمْ، الْمُسَلِّمِينَ لِأَمْرِهِمْ الْمُجْتَهِدِيْنَ فِي طاعَتِهِمْ، الْمُنْتَظِرِيْنَ أَيَّامَهُمْ، الْمَادِّينَ إلَيْهِمْ أَعْيُنَهُمْ، الصَّلَوَاتِ الْمُبَارَكَاتِ الزَّاكِيَاتِ النَّامِيَاتِ الغَادِيَاتِ، الرَّائِماتِ، وَسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَعَلى أَرْوَاحِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلى التَّقْوَى أَمْرَهُمْ، وَأَصْلِحْ لَهُمْ شُؤُونَهُمْ، وَتُبْ عَلَيْهِمْ، إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَخَيْرُ الْغَافِرِينَ، وَاجْعَلْنَا مَعَهُمْ فِي دَارِ السَّلَامِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمُ عَرَفَةَ، يَوْمٌ شَرَّفْتَهُ وَكَرَّمْتَهُ وَعَظَّمْتَهُ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ، وَتَفَضَّلْتَ بِهِ عَلى عِبَادِكَ. أللَّهُمَّ وَأَنَا عَبْدُكَ الَّذِي أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ قَبْلَ خَلْقِكَ لَهُ، وَبَعْدَ خَلْقِكَ إيَّاهُ، فَجَعَلْتَهُ مِمَّنْ هَدَيْتَهُ لِدِينِكَ، وَوَفَّقْتَهُ لِحَقِّكَ، وَعَصَمْتَهُ بِحَبْلِكَ، وَأَدْخَلْتَهُ فِيْ حِزْبِكَ، وَأَرْشَدْتَهُ لِمُوَالاةِ أَوْليآئِكَ، وَمُعَادَاةِ أَعْدَائِكَ،
ص: 216
ثُمَّ أَمَرْتَهُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ، وَزَجَرْتَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، وَنَهَيْتَهُ عَنْ مَعْصِيَتِكَ فَخَالَفَ أَمْرَكَ إلَى نَهْيِكَ، لَا مُعَانَدَةً لَكَ وَلَا اسْتِكْبَاراً عَلَيْكَ، بَلْ دَعَاهُ هَوَاهُ إلَى مَا زَيَّلْتَهُ، وَإلَى مَا حَذَّرْتَهُ، وَأَعَانَهُ عَلَى ذلِكَ عَدُوُّكَ وَعَدُوُّهُ، فَأَقْدَمَ عَلَيْهِ عَارِفاً بِوَعِيْدِكَ، رَاجِياً لِعَفْوِكَ، وَاثِقاً بِتَجَاوُزِكَ، وَكَانَ أَحَقَّ عِبَادِكَ- مَعَ مَا مَنَنْتَ عَلَيْهِ- أَلَّا يَفْعَلَ، وَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً، ذَلِيلًا، خَاضِعَاً، خَاشِعاً، خَائِفَاً، مُعْتَرِفاً بِعَظِيمٍ مِنَ الذُّنُوبِ تَحَمَّلْتُهُ، وَجَلِيْلٍ مِنَ الْخَطَايَا اجْتَرَمْتُهُ، مُسْتَجِيراً بِصَفْحِكَ، لآئِذاً بِرَحْمَتِكَ، مُوقِناً أَنَّهُ لَا يُجِيرُنِي مِنْكَ مُجِيرٌ، وَلَا يَمْنَعُنِي مِنْكَ مَانِعٌ. فَعُدْ عَلَيَّ بِمَا تَعُودُ بِهِ عَلى مَنِ اقْتَرَفَ مِنْ تَغَمُّدِكَ، وَجُدْ عَلَيَّ بِمَا تَجُودُ بِهِ عَلى مَنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إلَيْكَ مِنْ عَفْوِكَ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِمَا لَا يَتَعَاظَمُكَ أَنْ تَمُنَّ بِهِ عَلَى مَنْ أَمَّلَكَ مِنْ غُفْرَانِكَ، وَاجْعَلْ لِي فِي هَذَا الْيَوْمِ نَصِيباً أَنَالُ بِهِ حَظّاً مِنْ
ص: 217
رِضْوَانِكَ، وَلَا تَرُدَّنِي صِفْراً مِمَّا يَنْقَلِبُ بِهِ الْمُتَعَبِّدُونَ لَكَ مِنْ عِبَادِكَ، وَإنِّي وَإنْ لَمْ أُقَدِّمْ مَا قَدَّمُوهُ مِنَ الصَّالِحَاتِ، فَقَد قَدَّمْتُ تَوْحِيدَكَ، وَنَفْيَ الأَضْدَادِ وَالأَنْدَادِ وَالأشْبَاهِ عَنْكَ، وَأَتَيْتُكَ مِنَ الأَبْوَابِ الَّتِي أَمَرْتَ أَنْ تُؤْتى مِنْها، وَتَقَرَّبْتُ إلَيْكَ بِمَا لَا يَقْرُبُ بِهِ، أَحَدٌ مِنْكَ إلَّابِالتَّقَرُّبِ بِهِ ثُمَّ أَتْبَعْتُ ذلِكَ بِالإِنابَةِ إلَيْكَ، وَالتَّذَلُّلِ وَالاسْتِكَانَةِ لَكَ، وَحُسْنِ الظَّنِّ بِكَ، وَالثِّقَةِ بِمَا عِنْدَكَ، وَشَفَعْتُهُ بِرَجآئِكَ الَّذِي قَلَّ مَا يَخِيبُ عَلَيْهِ رَاجِيْكَ، وَسَأَلْتُكَ مَسْأَلَةَ الْحَقِيرِ الذّلِيلِ الْبَائِسِ الْفَقِيْرِ الْخَائِفِ الْمُسْتَجِيرِ، وَمَعَ ذَلِكَ خِيفَةً وَتَضَرُّعاً وَتَعَوُّذاً وَتَلَوُّذاً، لَا مُسْتَطِيلًا بِتَكبُّرِ الْمُتَكَبِّرِينَ، وَلَا مُتَعالِياً بِدالَّةِ الْمُطِيعِينَ، وَلَا مُسْتَطِيلًا بِشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ، وَأَنَا بَعْدُ أَقَلُّ الأَقَلِّيْنَ، وَأَذَلُّ الأَذَلِّينَ، وَمِثْلُ الذَّرَّةِ أَوْ دُونَهَا. فَيَا مَنْ لَمْ يَعَاجِلِ الْمُسِيئِينَ، وَلَا يَنْدَهُ الْمُتْرَفِينَ، وَيَا مَنْ
ص: 218
يَمُنُّ بِإقَالَةِ الْعَاثِرِينَ، وَيَتَفَضَّلُ بإنْظَارِ الْخَاطِئِينَ، أَنَا الْمُسِي ءُ الْمُعْتَرِفُ الْخَاطِئُ الْعَاثِرُ، أَنَا الَّذِيْ أَقْدَمَ عَلَيْكَ مُجْتَرِئاً، أَنَا الَّذِي عَصَاكَ مُتَعَمِّداً، أَنَا الَّذِي اسْتَخْفى مِنْ عِبَادِكَ وَبَارَزَكَ، أَنَا الَّذِي هَابَ عِبَادَكَ وَأَمِنَكَ أَنَا الَّذِي لَمْ يَرْهَبْ سَطْوَتَكَ وَلَمْ يَخَفْ بَأْسَكَ، أَنَا الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ، أَنَا الْمُرْتَهَنُ بِبَلِيَّتِهِ، أَنَا الْقَلِيلُ الْحَيَاءِ، أَنَا الطَّوِيلُ الْعَنآءِ، بِحَقِّ مَنِ انْتَجَبْتَ مِنْ خَلْقِكَ، وَبِمَنِ اصْطَفَيْتَهُ لِنَفْسِكَ، بِحَقِّ مَنِ اخْتَرْتَ مِنْ بَريَّتِكَ، وَمَنِ اجْتَبَيْتَ لِشَأْنِكَ، بِحَقِّ مَنْ وَصَلْتَ طَاعَتَهُ بِطَاعَتِكَ، وَمَنْ جَعَلْتَ مَعْصِيَتَهُ كَمَعْصِيَتِكَ، بِحَقِّ مَنْ قَرَنْتَ مُوَالاتَهُ بِمُوالاتِكَ، وَمَنْ نُطْتَ مُعَادَاتَهُ بِمُعَادَاتِكَ، تَغَمَّدْنِي فِي يَوْمِيَ هَذَا بِمَا تَتَغَمَّدُ بِهِ مَنْ جَارَ إلَيْكَ مُتَنَصِّلًا، وَعَاذَ بِاسْتِغْفَارِكَ تَائِباً، وَتَوَلَّنِي بِمَا تَتَوَلَّى بِهِ أَهْلَ طَاعَتِكَ، وَالزُّلْفَى لَدَيْكَ، وَالْمَكَانَةِ مِنْكَ، وَتَوَحَّدْنِي بِمَا تَتَوَحَّدُ بِهِ مَنْ
ص: 219
وَفى بِعَهْدِكَ، وَأَتْعَبَ نَفْسَهُ فِيْ ذَاتِكَ، وَأَجْهَدَهَا فِي مَرْضَاتِكَ، وَلَا تُؤَاخِذْنِي بِتَفْرِيطِيْ فِي جَنْبِكَ، وَتَعَدِّي طَوْرِيْ فِي حُدودِكَ، وَمُجَاوَزَةِ أَحْكَامِكَ، وَلَا تَسْتَدْرِجْنِي بِإمْلآئِكَ لِي اسْتِدْرَاجَ مَنْ مَنَعَنِي خَيْرَ مَا عِنْدَهُ، وَلَمْ يَشْرَكْكَ فِي حُلُولِ نِعْمَتِهِ بِي، وَنَبِّهْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْغَافِلِينَ، وَسِنَةِ الْمُسْرِفِينَ، وَنَعْسَةِ الْمَخْذُولِينَ، وَخُذْ بِقَلْبِي إلى مَا اسْتَعْمَلْتَ بِهِ القَانِتِيْنَ، وَاسْتَعْبَدْتَ بِهِ الْمُتَعَبِّدِينَ، وَاسْتَنْقَذْتَ بِهِ الْمُتَهَاوِنِينَ، وَأَعِذْنِي مِمَّا يُبَاعِدُنِي عَنْكَ، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ حَظِّي مِنْكَ، وَيَصُدُّنِي عَمَّا أُحَاوِلُ لَدَيْكَ. وَسَهِّلْ لِي مَسْلَكَ الْخَيْرَاتِ إلَيْكَ، وَالْمُسَابَقَةِ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ أَمَرْتَ، وَالْمُشَاحَّةَ فِيهَا عَلَى مَا أَرَدْتَ. وَلَا تَمْحَقْنِي فِيمَنْ تَمْحَقُ مِنَ الْمُسْتَخِفِّينَ بِمَا أَوْعَدْتَ، وَلَا تُهْلِكْنِي مَعَ مَنْ تُهْلِكُ مِنَ الْمُتَعَرِّضِينَ لِمَقْتِكَ، وَلَا تُتَبِّرْني فِيمَنْ تُتَبِّرُ مِنَ الْمُنْحَرِفِينَ عَنْ سُبُلِكَ. وَنَجِّنِيْ
ص: 220
مِنْ غَمَرَاتِ الْفِتْنَةِ، وَخَلِّصْنِي مِنْ لَهَوَاتِ الْبَلْوى، وَأَجِرْنِي مِنْ أَخْذِ الإِمْلآءِ، وَحُلْ بَيْنِي وَبَيْنَ عَدُوٍّ يُضِلُّنِي، وَهَوىً يُوبِقُنِي، وَمَنْقَصَةٍ تَرْهَقُنِي، وَلَا تُعْرِضْ عَنِّي إعْرَاضَ مَنْ لَا تَرْضَى عَنْهُ بَعْدَ غَضَبِكَ، وَلَا تُؤْيِسْنِي مِنَ الأمَلِ فِيكَ، فَيَغْلِبَ عَلَيَّ الْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَلَا تَمْنَحْنِي بِمَا لَا طَاقَةَ لِيْ بِهِ، فَتَبْهَظَنِي مِمَّا تُحَمِّلُنِيهِ مِنْ فَضْلِ مَحَبَّتِكَ، وَلَا تُرْسِلْنِي مِنْ يَدِكَ إرْسَالَ مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَلَا حَاجَةَ بِكَ إلَيْهِ، وَلَا إنابَةَ لَهُ، وَلَا تَرْمِ بِيَ رَمْيَ مَنْ سَقَطَ مِنْ عَيْنِ رِعَايَتِكَ، وَمَنِ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْخِزْيُ مِنْ عِنْدِكَ، بَلْ خُذْ بِيَدِيْ مِنْ سَقْطَةِ الْمُتَرَدِّدِينَ، وَوَهْلَةِ الْمُتَعَسِّفِيْنَ، وَزَلّةِ الْمَغْرُورِينَ، وَوَرْطَةِ الْهَالِكِينَ، وَعَافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَبَقَاتِ عَبِيدِكَ وَإمآئِكَ، وَبَلِّغْنِي مَبَالِغَ مَنْ عُنِيتَ بِهِ، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ، وَرَضِيتَ عَنْهُ، فَأَعَشْتَهُ حَمِيداً، وَتَوَفَّيْتَهُ سَعِيداً، وَطَوِّقْنِي طَوْقَ
ص: 221
الإِقْلَاعِ عَمَّا يُحْبِطُ الْحَسَنَاتِ، وَيَذْهَبُ بِالْبَرَكَاتِ، وَأَشْعِرْ قَلْبِيَ الازْدِجَارَ عَنْ قَبَائِحِ السَّيِّئاتِ، وَفَوَاضِحِ الْحَوْبَاتِ، وَلَا تَشْغَلْنِي بِمَا لَا أُدْرِكُهُ إلَّابِكَ عَمَّا لا يُرْضِيْكَ عَنِّي غَيْرُهُ، وَانْزَعْ مِنْ قَلْبِي حُبَّ دُنْيَا دَنِيَّةٍ تَنْهى عَمَّا عِنْدَكَ، وَتَصُدُّ عَنِ ابْتِغَآءِ الْوَسِيلَةِ إلَيْكَ، وَتُذْهِلُ عَنِ التَّقَرُّبِ مِنْكَ، وَزَيِّنَ لِيَ التَّفَرُّدَ بِمُنَاجَاتِكَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهَبْ لِي عِصْمَةً تُدْنِينِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَتَقْطَعُنِي عَنْ رُكُوبِ مَحَارِمكَ، وَتَفُكُّنِي مِنْ أَسْرِ الْعَظَائِمِ، وَهَبْ لِيَ التَّطْهِيرَ مِنْ دَنَسِ الْعِصْيَانِ، وَأَذْهِبْ عَنِّي دَرَنَ الْخَطَايَا، وَسَرْبِلْنِي بِسِرْبالِ عَافِيَتِكَ، وَرَدِّنِي رِدَآءَ مُعَافاتِكَ، وَجَلِّلْنِي سَوابِغَ نَعْمَائِكَ، وَظَاهِرْ لَدَيَّ فَضْلَكَ وَطَوْلَكَ، وَأَيِّدْنِي بِتَوْفِيقِكَ وَتَسْدِيْدِكَ، وَأَعِنِّي عَلَى صالِحِ النِّيَّةِ وَمَرْضِيِّ الْقَوْلِ وَمُسْتَحْسَنِ الْعَمَلِ، وَلَا تَكِلْنِي إلَى حَوْلِي وَقُوَّتِي دُونَ حَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ،
ص: 222
وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ تَبْعَثُنِي لِلِقائِكَ، وَلَا تَفْضَحْنِي بَيْنَ يَدَيْ أَوْلِيائكَ، وَلَا تُنْسِنِي ذِكْرَكَ، وَلَا تُذْهِبْ عَنِّي شُكْرَكَ، بَلْ أَلْزِمْنِيهِ فِي أَحْوَالِ السَّهْوِ عِنْدَ غَفَلَاتِ الْجَاهِلِينَ لِآلائِكَ، وَأَوْزِعْنِي أَنْ أُثْنِيَ بِمَا أَوْلَيْتَنِيهِ، وَأَعْتَرِفَ بِمَا أَسْدَيْتَهُ إلَيَّ، وَاجْعَلْ رَغْبَتِي إلَيْكَ فَوْقَ رَغْبَةِ الْرَّاغِبِينَ، وَحَمْدِي إيَّاكَ فَوْقَ حَمْدِ الْحَامِدِيْنَ، وَلَا تَخْذُلْنِي عِنْدَ فاقَتِي إلَيْكَ، وَلَا تُهْلِكْنِي بِمَا أَسْدَيْتُهُ إلَيْكَ، وَلَا تَجْبَهْنِي بِمَا جَبَهْتَ بِهِ الْمَعَانِدِينَ لَكَ، فَإنِّي لَكَ مُسَلِّمٌ، أَعْلَمُ أَنَّ الْحُجَّةَ لَكَ، وَأَنَّكَ أَوْلَى بِالْفَضْلِ، وَأَعْوَدُ بِالإحْسَانِ، وَأَهْلُ التَّقْوَى، وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَعْفُوَ أَوْلَى مِنْكَ بِأَنْ تُعَاقِبَ، وَأَنَّكَ بِأَنْ تَسْتُرَ أَقْرَبُ مِنْكَ إلَى أنْ تَشْهَرَ، فَأَحْيِنِي حَياةً طَيِّبَةً تَنْتَظِمُ بِما أُرِيدُ وَتَبْلُغُ مَا أُحِبُّ مِنْ حَيْثُ لَا آتِي مَا تَكْرَهُ، وَلَا أَرْتَكِبُ مَا نَهَيْتَ عَنْهُ، وَأَمِتْنِي مِيْتَةَ مَنْ يَسْعَى نُورُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَعَنْ يِمِيِنهِ،
ص: 223
وَذَلِّلْنِي بَيْنَ يَدَيْكَ، وَأَعِزَّنِيْ عِنْدَ خَلْقِكَ، وَضَعْنِي إذَا خَلَوْتُ بِكَ، وَارْفَعْنِي بَيْنَ عِبادِكَ، وَأَغْنِنِي عَمَّنْ هُوَ غَنِيٌّ عَنِّي، وَزِدْنِي إلَيْكَ فَاقَةً وَفَقْراً، وَأَعِذْنِي مِنْ شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ، وَمِنْ حُلُولِ الْبَلآءِ، وَمِنَ الذُّلِّ وَالْعَنَآءِ، تَغَمَّدْنِي فِيمَا اطَّلَعْتَ عَلَيْهِ مِنِّي بِمَا يَتَغَمَّدُ بِهِ الْقَادِرُ عَلَى الْبَطْشِ لَوْلَا حِلْمُهُ، وَالآخِذُ عَلَى الْجَرِيرَةِ لَوْلَا أَناتُهُ، وَإذَا أَرَدْتَ بِقَوْمٍ فِتْنَةً أَوْ سُوءً فَنَجِّنِي مِنْهَا لِواذاً بِكَ، وَإذْ لَمْ تُقِمْنِي مَقَامَ فَضِيحَةٍ فِي دُنْيَاكَ فَلَا تُقِمْنِي مِثْلَهُ فِيْ آخِرَتِكَ، وَاشْفَعْ لِي أَوَائِلَ مِنَنِكَ بِأَوَاخِرِهَا، وَقَدِيمَ فَوَائِدِكَ بِحَوَادِثِهَا، وَلَا تَمْدُدْلِيَ مَدّاً يَقْسُو مَعَهُ قَلْبِي، وَلَا تَقْرَعْنِي قَارِعَةً يَذْهَبُ لَها بَهَآئِي، وَلَا تَسُمْنِي خَسِيْسَةً يَصْغُرُ لَهَا قَدْرِي، وَلَا نَقِيصَةً يُجْهَلُ مِنْ أَجْلِهَا مَكَانِي، وَلَا تَرُعْنِي رَوْعَةً أُبْلِسُ بِها، وَلَا خِيْفةً أوجِسُ دُونَهَا، اجْعَلْ هَيْبَتِي في وَعِيدِكَ، وَحَذَرِي مِنْ إعْذارِكَ وَإنْذَارِكَ،
ص: 224
وَرَهْبَتِي عِنْدَ تِلَاوَةِ آياتِكَ، وَاعْمُرْ لَيْلِي بِإيقَاظِي فِيهِ لِعِبَادَتِكَ، وَتَفَرُّدِي بِالتَّهَجُّدِ لَكَ، وَتَجَرُّدِي بِسُكُونِي إلَيْكَ، وَإنْزَالِ حَوَائِجِي بِكَ، وَمُنَازَلَتِي إيَّاكَ فِي فَكَاكِ رَقَبَتِي مِنْ نَارِكَ، وَإجَارَتِي مِمَّا فِيهِ أَهْلُهَا مِنْ عَذَابِكَ. وَلَا تَذَرْنِي فِي طُغْيَانِي عَامِهاً، وَلَا فِي غَمْرَتِي سَاهِياً حَتَّى حِينٍ، وَلَا تَجْعَلْنِي عِظَةً لِمَنِ اتَّعَظَ، وَلَا نَكَالًا لِمَنِ اعْتَبَرَ، وَلا فِتْنَةً لِمَن نَظَرَ، وَلَا تَمْكُرْ بِيَ فِيمَنْ تَمْكُرُ بِهِ، وَلا تَسْتَبْدِلْ بِيَ غَيْرِي، وَلَا تُغَيِّرْ لِيْ إسْماً، وَلا تُبدِّلْ لِي جِسْماً، وَلَا تَتَّخِذْنِي هُزُوَاً لِخَلْقِكَ، وَلَا سُخْرِيّاً لَكَ، وَلا تَبَعاً إلَّالِمَرْضَاتِكَ، وَلَا مُمْتَهَناً إلَّابِالانْتِقَامِ لَكَ، وَأَوْجِدْنِي بَرْدَ عَفْوِكَ، وحَلَاوَةَ رَحْمَتِكَ وَرَوْحِكَ وَرَيْحَانِكَ وَجَنَّةِ نَعِيْمِكَ، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْفَرَاغِ لِمَا تُحِبُّ بِسَعَةٍمِنْ سَعَتِكَ، وَالاجْتِهَادِ فِيمَا يُزْلِفُ لَدَيْكَ وَعِنْدَك، وَأَتْحِفْنِي بِتُحْفَةٍ مِنْ تُحَفَاتِكَ، وَاجْعَلْ تِجَارَتِي رَابِحَةً، وَكَرَّتِي
ص: 225
غَيْرَ خَاسِرَةٍ، وَأَخِفْنِي مَقَامَكَ، وَشَوِّقْنِي لِقاءَكَ، وَتُبْ عَلَيَّ تَوْبَةً نَصُوحاً لَا تُبْقِ مَعَهَا ذُنُوباً صِغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً، وَلَا تَذَرْ مَعَهَا عَلَانِيَةً وَلَا سَرِيرَةً، وَانْزَعِ الْغِلَّ مِنْ صَدْرِي لِلْمُؤْمِنِينَ، وَاعْطِفْ بِقَلْبِي عَلَى الْخَاشِعِيْنَ، وَكُنْ لِي كَمَا تَكُونُ لِلصَّالِحِينَ، وَحَلِّنِي حِلْيَةَ الْمُتَّقِينَ، وَاجْعَلْ لِيَ لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْغَابِرِيْنَ، وَذِكْراً نامِياً فِي الآخِرِينَ، وَوَافِ بِي عَرْصَةَ الأَوَّلِينَ، وَتَمِّمْ سُبُوغَ نِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَظَاهِرْ كَرَامَاتِهَا لَدَيَّ، امْلأْ مِنْ فَوَائِدِكَ يَدَيَّ، وَسُقْ كَرَائِمَ مَوَاهِبِكَ إلَيَّ، وَجَاوِرْ بِيَ الأَطْيَبِينَ مِنْ أَوْلِيَآئِكَ فِي الْجِنَاْنِ الَّتِي زَيَّنْتَهَا لِأَصْفِيآئِكَ، وَجَلِّلْنِي شَرَآئِفَ نِحَلِكَ فِي الْمَقَامَاتِ الْمُعَدَّةِ لِأَحِبَّائِكَ، وَاجْعَلْ لِيَ عِنْدَكَ مَقِيْلًا آوِي إلَيْهِ مُطْمَئِنّاً، وَمَثابَةً أَتَبَوَّأُهَا وَأَقَرُّ عَيْناً، وَلَا تُقَايِسْنِي بِعَظِيمَاتِ الْجَرَائِرِ، وَلَا تُهْلِكْنِي يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، وَأَزِلْ عَنِّي كُلَ شَكٍّ وَشُبْهَةٍ، وَاجْعَلْ لِي فِي الْحَقِّ طَرِيقاً مِنْ
ص: 226
كُلِّ رَحْمَةٍ، وأَجْزِلْ لِي قِسَمَ الْمَواهِبِ مِنْ نَوَالِكَ، وَوَفِّرْ عَلَيَّ حُظُوظَالإِحْسَانِ مِنْ إفْضَالِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبِي وَاثِقاً بِمَا عِنْدَكَ، وَهَمِّيَ مُسْتَفْرَغاً لِمَا هُوَ لَكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي بِما تَسْتَعْمِلُ بِهِ خَالِصَتَكَ، وَأَشْرِبْ قَلْبِي عِنْدَ ذُهُولِ العُقُولِ طَاعَتَكَ، وَاجْمَعْ لِي الْغِنى، وَالْعَفَافَ، وَالدَّعَةَ، وَالْمُعَافَاةَ، وَالصِّحَّةَ، وَالسَّعَةَ، وَالطُّمَأْنِيْنَةَ، وَالْعَافِيَةَ، وَلَا تُحْبِطْ حَسَنَاتِي بِمَا يَشُوبُهَا مِنْ مَعْصِيَتِكَ، وَلَا خَلَواتِي بِمَا يَعْرِضُ لِيَ مِنْ نَزَغَاتِ فِتْنَتِكَ، وَصُنْ وَجْهِي عَنِ الطَّلَبِ إلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ، وَذُبَّنِي عَنِ التِماسِ مَا عِنْدَ الفَاسِقِينَ، وَلَا تَجْعَلْنِي لِلظَّالِمِينَ ظَهِيراً، وَلَا لَهُمْ عَلى مَحْوِ كِتَابِكَ يَداً وَنَصِيراً، وَحُطْنِي مِنْ حَيْثُ لَا أَعْلَمُ حِيَاطَةً تَقِيْنِي بِهَا، وَافْتَحْ لِيَ أَبْوَابَ تَوْبَتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَرَأْفَتِكَ وَرِزْقِكَ الواسِعِ، إنِّي إلَيْكَ مِنَ الرَّاغِبِينَ، وَأَتْمِمْ لِي إنْعَامَكَ، إنَّكَ خَيْرُ الْمُنْعِمِيْنَ، وَاجْعَلْ باقِيَ
ص: 227
عُمْرِيْ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ابْتِغَآءَ وَجْهِكَ يَاربَّ الْعَالَمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَبَدَ الآبِدِينَ.
ص: 228
أللَّهُمَّ هَذَا يَوْمٌ مُبَارَكٌ مَيْمُونٌ، وَالمُسْلِمُونَ فِيْهِ مُجْتَمِعُونَ فِي أَقْطارِ أَرْضِكَ، يَشْهَدُ السَّائِلُ مِنْهُمْ وَالطَّالِبُ وَالرَّاغِبُ وَالرَّاهِبُ، وَأَنْتَ النَّاظِرُ فِي حَوَائِجِهِمْ، فَأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ وَهَوانِ مَا سَأَلْتُكَ عَلَيْكَ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا بِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَلَكَ الْحَمْدَ، لَا إلهَ إلَّاأَنْتَ، الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ، الْحَنَّانُ الْمَنَّانُ، ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، بَدِيْعُ السَّمواتِ وَالأَرْضِ، مَهْمَا قَسَمْتَ بَيْنَ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ، مِنْ خَيْرٍ أَوْ عَافِيَةٍ أَوْ بَرَكَةٍ أَوْ هُدىً، أَوْ عَمَلٍ بِطَاعَتِكَ، أَوْ خَيْرٍ تَمُنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ،
ص: 229
تَهْدِيهِمْ بِهِ إلَيْكَ، أَوْ تَرْفَعُ لَهُمْ عِنْدَكَ دَرَجَةً، أَوْ تُعْطِيْهِمْ بِهِ خَيْراً مِنْ خَيْر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِأَنَّ لَكَ الْحَمْدَ لَا إلهَ إلَّاأَنْتَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ؛ عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ وَحَبِيبِكَ وَصِفْوَتِكَ وَخِيَرَتِكَ مِنْ خَلْقِكَ، وَعَلى آلِ مُحَمَّدٍ الأَبْرارِ الطَّاهِرِينَ الأَخْيَارِ، صَلَاةً لَا يَقْوَى عَلَى إحْصَائِها إلَّاأَنْتَ، وَأَنْ تُشْرِكَنَا فِي صَالِحِ مَنْ دَعَاكَ فِي هَذَا اليَوْمِ مِنْ عِبَادِكَ الْمُؤْمِنِينَ يَارَبَّ الْعَالَمِينَ، وَأَنْ تَغْفِرَ لَنَا وَلَهُمْ إنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
أللَّهُمَّ إلَيْكَ تَعَمَّدْتُ بِحَاجَتِي، وَبِكَ أَنْزَلْتُ اليَوْمَ فَقْرِي وَفاقَتِي وَمَسْكَنَتِي، وَإنِّي بِمَغْفِرَتِكَ وَرَحْمَتِكَ أَوْثَقُ مِنِّي بِعَمَلِي، وَلَمَغْفِرَتُكَ وَرَحْمَتُكَ أَوْسَعُ مِنْ ذُنُوبِي، فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَتَوَلَّ قَضَآءَ كُلِّ حَاجَةٍ هِيَ لِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهَا، وَتَيْسِيرِ ذلِكَ عَلَيْكَ، وَبِفَقْرِي إلَيْكَ، وَغِنَاكَ عَنِّي؛ فَإنِّي
ص: 230
لَمْ أُصِبْ خَيْراً قَطُّ إلّامِنْكَ، وَلَمْ يَصْرِفْ عَنِّي سُوءاً قَطُّ أَحَدٌ غَيْرُكَ، وَلَا أَرْجُو لِأَمْرِ آخِرَتِي وَدُنْيَايَ سِوَاكَ. أللَّهُمَّ مَنْ تَهَيَّأَ وَتَعَبَّأ، وَأَعَدَّ وَاسْتَعَدَّ، لِوَفادَةٍ إلَى مَخْلُوقٍ، رَجاءَ رِفْدِهِ وَنَوَافِلِهِ، وَطَلَبِ نَيْلِهِ وَجَائِزَتِهِ، فَإلَيْكَ يَا مَوْلَايَ كَانَتِ الْيَومَ تَهْيِئَتِي وَتَعْبِئَتِي، وَإعْدَادِي وَاسْتِعْدَادِي، رَجآءَ عَفْوِكَ وَرِفْدِكَ، وَطَلَبِ نَيْلِكَ وَجَائِزَتِكَ. أللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تُخَيِّبِ الْيَوْمَ ذلِكَ مِنْ رَجَائِي، يَا مَنْ لَا يُحْفِيهِ سَائِلٌ، وَلَا يَنْقُصُهُ نائِلٌ، فَإنِّي لَمْ آتِكَ ثِقَةً مِنِّي بِعَمَلٍ صَالِحٍ قَدَّمْتُهُ، وَلَا شَفَاعَةِ مَخْلُوقٍ رَجَوْتُهُ إلَّا شَفَاعَةَ مُحَمَّدٍ وَأَهْلِ بَيْتِهِ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ سَلامُكَ، أَتَيْتُكَ مُقِرّاً بِالْجُرْمِ وَالإِسَاءَةِ إلَى نَفْسِي، أَتَيْتُكَ أَرْجُو عَظِيمَ عَفْوِكَ الَّذِيْ عَفَوْتَ بِهِ عَنِ الْخَاطِئِينَ ثُمَّ لَمْ يَمْنَعْكَ طُولُ عُكُوفِهِمْ عَلَى عَظِيمِ الْجُرْمِ، أَنْ عُدْتَ عَلَيْهِمْ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ.
ص: 231
فَيَا مَنْ رَحْمَتُهُ وَاسِعَةٌ، وَعَفْوُهُ عَظِيمٌ، يَا عَظِيمُ يَا عَظِيمُ، يَا كَرِيْمُ يَا كَرِيمُ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَعُدْ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ، وَتَعَطَّفْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ، وَتَوَسَّعْ عَلَيَّ بِمَغْفِرَتِكَ. أللَّهُمَّ إنَّ هَذَا الْمَقَامَ لِخُلَفَائِكَ وَأَصْفِيَآئِكَ وَمَوَاضِعَ أُمَنائِكَ فِي الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ الَّتِي اخْتَصَصْتَهُمْ بِهَا، قَدِ ابْتَزُّوهَا وَأَنْتَ الْمُقَدِّرُ لِذَلِكَ، لَا يُغَالَبُ أَمْرُكَ، وَلَا يُجَاوَزُ الْمَحْتُومُ مِنْ تَدْبِيرِكَ، كَيْفَ شِئْتَ وَأَنَّى شِئْتَ، وَلِمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، غَيْرُ مُتَّهَمٍ عَلَى خَلْقِكَ، وَلا لإرَادَتِكَ، حَتَّى عَادَ صَفْوَتُكَ وَخُلَفَاؤُكَ مَغْلُوبِينَ مَقْهُورِينَ مُبْتَزِّيْنَ، يَرَوْنَ حُكْمَكَ مُبَدَّلًا، وَكِتابَكَ مَنْبُوذاً، وَفَرَائِضَكَ مُحَرَّفَةً عَنْ جِهَاتِ أشْرَاعِكَ، وَسُنَنَ نَبِيِّكَ مَتْرُوكَةً. أللَّهُمَّ الْعَنْ أَعْدآءَهُمْ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَمَنْ رَضِيَ بِفِعَالِهِمْ، وَأَشْيَاعَهُمْ، وَأَتْبَاعَهُمْ أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيْدٌ، كَصَلَوَاتِكَ
ص: 232
وَبَرَكَاتِكَ وَتَحِيَّاتِكَ عَلَى أَصْفِيآئِكَ؛ إبْراهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ، وَعَجِّلِ الْفَرَجَ وَالرَّوْحَ وَالنُّصْرَةَ وَالتَّمْكِينَ وَالتَّأْيِيدَ لَهُمْ. أللَّهُمَّ وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالإيْمَانِ بِكَ، وَالتَّصْدِيقِ بِرَسُولِكَ، وَالْأَئِمَّةِ الَّذِينَ حَتَمْتَ طَاعَتَهُمْ مِمَّنْ يَجْرِي ذلِكَ بِهِ وَعَلَى يَدَيْهِ آمِينَ رَبَّ الْعَالَمِينَ. أللَّهُمَّ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إلَّاحِلْمُكَ، وَلَا يَرُدُّ سَخَطَكَ إلَّاعَفْوُكَ، وَلَا يُجِيرُ مِنْ عِقَابِكَ إلَّا رَحْمَتُكَ، وَلَا يُنْجِيْنِي مِنْكَ إلَّاالتَّضَرُّعُ إلَيْكَ وَبَيْنَ يَدَيْكَ، فصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَهَبْ لَنا يَا إلهِيْ مِنْ لَدُنْكَ فَرَجاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِي أَمْوَاتَ الْعِبادِ، وَبِهَا تَنْشُرُ مَيْتَ الْبِلَادِ، وَلَا تُهْلِكْنِي يَا إلهِي غَمّاً حَتَّى تَسْتَجِيْبَ لِيْ، وَتُعَرِّفَنِي الإِجابَةَ فِيْ دُعآئِي، وَأَذِقْنِي طَعْمَ الْعَافِيَةِ إلى مُنْتَهى أَجَلِي، وَلَا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي، وَلَا تُمَكِّنْهُ مِنْ عُنُقِي، وَلا تُسَلِّطْهُ عَلَيَّ. إلهِي إنْ رَفَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي
ص: 233
يَضَعُنِيْ، وَإنْ وَضَعْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْفَعُنِي، وَإنْ أَكْرَمْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُهِينُنِي، وَإنْ أَهَنْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يُكْرِمُنِي، وَإنْ عَذَّبْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَرْحَمُنِي، وَإنْ أَهْلَكْتَنِي فَمَنْ ذَا الَّذِي يَعْرِضُ لَكَ فِي عَبْدِكَ أَوْ يَسْأَلُكَ عَنْ أَمْرِهِ، وَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلَا فِي نِقْمَتِكَ عَجَلَةٌ، وَإنَّمَا يَعْجَلُ مَنْ يَخَافُ الْفَوْتَ، وَإنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ، وَقَدْ تَعَالَيْتَ يَا إلهِي عَنْ ذلِكَ عُلُوّاً كَبِيراً. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَلَا تَجْعَلْنِي لِلْبَلاءِ غَرَضاً، وَلَا لِنِقْمَتِكَ نَصَباً، وَمَهِّلْنِي، وَنَفِّسْنِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَلَا تَبْتَلِيَنِّي بِبَلاءٍ عَلَى أَثَرِ بَلاءٍ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيْلَتِي وَتْضَرُّعِي إلَيْكَ، أَعُوذُ بِكَ اللَّهُمَّ اليَوْمَ مِنْ غَضَبِكَ، فصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِذْنِي، وَأَسْتَجِيرُ بِكَ الْيَوْمَ مِنْ سَخَطِكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَجِرْنِي، وَأَسْأَلُكَ أَمْناً مِنْ عَذَابِكَ،
ص: 234
فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَآمِنِّي، وَأَسْتَهْدِيْكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاهْدِنِي، وَأَسْتَنْصِرُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَانْصُرْنِي، وَأَسْتَرْحِمُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْحَمْنِي، وَأَسْتَكْفِيكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاكْفِنِي، وَأَسْتَرْزِقُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَارْزُقْنِي، وَأَسْتَعِينُكَ، فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَعِنِّي، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِي فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاغْفِرْ لِيْ، وَأَسْتَعْصِمُكَ فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَاعْصِمْنِي؛ فَإنِّي لَنْ أَعُودَ لِشَيْ ءٍ كَرِهْتَهُ مِنّيْ إنْ شِئْتَ ذلِكَ، يَارَبِّ يَارَبِّ، يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ، يَا ذَا الْجَلالِ وَالإكْرامِ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاسْتَجِبْ لِي جَمِيعَ مَا سَأَلْتُكَ، وَطَلَبْتُ إلَيْكَ وَرَغِبْتُ فِيهِ إلَيْكَ، وَأَرِدْهُ، وَقَدِّرْهُ، وَاقْضِهِ، وَأَمْضِهِ، وَخِرْ لِي فِيمَا تَقْضِي مِنْهُ، وَبَارِكْ لِي فِي ذلِكَ، وَتَفَضَّلْ عَلَيَّ بِهِ، وَأَسْعِدْنِي بِمَا تُعْطِينِي مِنْهُ، وَزِدْنِي مِنْ
ص: 235
فَضْلِكَ وَسَعَةِ مَا عِنْدَكَ، فَإنَّكَ وَاسِعٌ كَرِيمٌ. وَصِلْ ذَلِكَ بِخَيْرِ الآخِرَةِ وَنَعِيْمِهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
[ثُمَّ تَدْعُو بِمَا بَدا لَكَ وَتُصَلِّي عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ أَلْفَ مَرَّةٍ. هَكَذَا كَانَ يَفْعَلُ عَلَيْهِ السَّلَام].
ص: 236
إلهِي هَدَيْتَنِي فَلَهَوْتُ، وَوَعَظْتَ فَقَسَوْتُ، وَأَبْلَيْتَ الْجَمِيلَ فَعَصَيْتُ، ثُمَّ عَرَفْتُ مَا أَصْدَرْتَ؟ إذْ عَرَّفْتَنِيهِ فَاسْتَغْفَرْتُ، فَأَقَلْتَ فَعُدتُ، فَسَتَرْتَ فَلَكَ إلهِي الْحَمْدُ، تَقَحَّمْتُ أَوْدِيَةَ الْهَلَاكِ، وَحَلَلْتُ شِعَابَ تَلَفٍ تَعَرَّضْتُ فِيهَا لِسَطَوَاتِكَ، وَبِحُلُولِهَا عُقُوبَاتِكَ، وَوَسِيلَتِي إلَيْكَ التَّوْحِيدُ، وَذَرِيْعَتِي أَنِّي لَمْ أُشْرِكْ بِكَ شَيْئاً، وَلَمْ أَتَّخِذْ مَعَكَ إلهاً، وَقَدْ فَرَرْتُ إلَيْكَ بِنَفْسِي، وَإلَيْكَ مَفَرُّ الْمُسِي ءِ، وَمَفْزَعُ الْمُضَيِّعِ لِحَظِّ نَفْسِهِ الْمُلْتَجِئِ. فَكَمْ مِنْ عَدُوٍّ انْتَضى عَلَيَّ سَيْفَ عَدَاوَتِهِ، وَشَحَذَ لِيْ ظُبَةَ مُدْيَتِهِ، وَأَرْهَفَ لِي شَبَا حَدِّهِ،
ص: 237
وَدَافَ لِيْ قَوَاتِلَ سُمُومِهِ، وَسَدَّدَ نَحْوِي صَوَائِبَ سِهَامِهِ، وَلَمْ تَنَمْ عَنِّي عَيْنُ حِراسَتِهِ، وَأَضْمَرَ أَنْ يَسُومَنِي الْمَكْرُوهَ وَيُجَرِّعَني زُعَافَ مَرَارَتِهِ، فَنَظَرْتَ يا إلهِيْ إلَى ضَعْفِي عَنِ احْتِمَالِ الْفَوَادِحِ، وَعَجْزِي عَنِ الانْتِصارِ مِمَّنْ قَصَدَنِيْ بِمُحَارَبَتِهِ، وَوَحْدَتِي فِي كَثِيرِ عَدَدِ مَنْ نَاوَانِيْ، وَأَرْصَدَ لِيْ بِالْبَلآءِ فِيمَا لَمْ أُعْمِلْ فِيهِ فِكْرِي، فَابْتَدَأْتَنِي بِنَصْرِكَ، وَشَدَدْتَ أَزْرِي بِقُوَّتِكَ، ثُمَّ فَلَلْتَ لِي حَدَّهُ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ بَعْدِ جَمْعٍ عَدِيْدٍ وَحْدَهُ، وَأَعْلَيْتَ كَعْبِي عَلَيْهِ، وَجَعَلْتَ مَاسَدَّدَهُ مَرْدُوداً عَلَيْهِ، فَرَدَدْتَهُ لَمْ يَشْفِ غَيْظَهُ، وَلَمْ يَسْكُنْ غَلِيلُهُ، قَدْ عَضَّ عَلى شَوَاهُ، وَأَدْبَرَ مُوَلِّياً قَدْ أَخْلَفَتَ سَرَاياهُ. وَكَمْ مِنْ باغٍ بَغانِيْ بِمَكَائِدِهِ، وَنَصَبَ لِيْ شَرَكَ مَصَائِدِهِ، وَوَكَّلَ بِيْ تَفَقُّدَ رِعَايَتِهِ، وَأَظْبَأَ إلَيَ إظْبَآءَ السَّبُعِ لِطَرِيْدَتِهِ، انْتِظاراً لانْتِهَازِ الْفُرْصَةِ لِفَرِيسَتِهِ، وَهُوَ يُظْهِرُ لِيْ بَشَاشَةَ المَلَقِ، وَيَنْظُرُنِي عَلَى
ص: 238
شِدَّةِ الْحَنَقِ، فَلَمَّا رَأَيْتَ يَا إلهِي تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ دَغَلْ سَرِيرَتِهِ، وَقُبْحَ مَا انْطَوى عَلَيْهِ، أَرْكَسْتَهُ لِأُمِّ رَأْسِهِ فِي زُبْيَتِهِ، وَرَدَدْتَهُ فِي مَهْوى حُفْرَتِهِ، فَانْقَمَعَ بَعْدَ اسْتِطالَتِهِ ذَلِيلًا فِي رِبَقِ حِبالتِهِ الَّتِي كَانَ يُقَدِّرُ أَنْ يَرَانِي فِيهَا، وَقَدْ كَادَ أَنْ يَحُلَّ بِيْ لَوْلَا رَحْمَتُكَ مَا حَلَّ بِسَاحَتِهِ. وَكَمْ مِنْ حَاسِدٍ قَدْ شَرِقَ بِي بِغُصَّتِهِ، وَشَجِيَ مِنِّي بِغَيْظِهِ، وَسَلَقَنِي بِحَدِّ لِسَانِهِ، وَوَحَرَنِي بِقَرْفِ عُيُوبِهِ، وَجَعَلَ عِرْضِيْ غَرَضاً لِمَرَامِيهِ، وَقَلَّدَنِي خِلَالًا لَمْ تَزَلْ فِيهِ، وَوَحَرنِي بِكَيْدِهِ، وَقَصَدَنِي بِمَكِيدَتِهِ، فَنَادَيْتُكَ يَا إلهِي مُسْتَغِيْثاً بِكَ، وَاثِقاً بِسُرْعَةِ إجَابَتِكَ، عَالِماً أَنَّهُ لَا يُضْطَهَدُ مَنْ آوى إلَى ظِلِّ كَنَفِكَ، وَلَا يَفْزَعُ مَنْ لَجَأَ إلَى مَعْقِل انْتِصَارِكَ، فَحَصَّنْتَنِي مِنْ بَأْسِهِ بِقُدْرَتِكَ. وَكَمْ مِنْ سَحَائِبِ مَكْرُوهٍ جَلَّيْتَهَا عَنِّي، وَسَحَائِبِ نِعَمٍ أَمْطَرْتَهَا عَلَيَّ، وَجَدَاوِلِ رَحْمَةٍ نَشَرْتَهَا، وَعَافِيَةٍ أَلْبَسْتَهَا، وَأَعْيُنِ أَحدَاثٍ طَمَسْتَهَا،
ص: 239
وَغَواشي كُرُبَاتٍ كَشَفْتَهَا، وَكَمْ مِنْ ظَنٍّ حَسَنٍ حَقَّقْتَ، وَعَدَمٍ جَبَرْتَ، وَصَرْعَةٍ أَنْعَشْتَ وَمَسْكَنَةٍ، حَوَّلْتَ، كُلُّ ذَلِكَ إنْعَامَاً وَتَطَوُّلًا مِنْكَ، وَفِي جَمِيعِهِ انْهِمَاكاً مِنِّي عَلَى مَعَاصِيْكَ، لَمْ تَمْنَعْكَ إساءَتِي عَنْ إتْمَامِ إحْسَانِكَ، وَلَا حَجَرَنِي ذلِكَ عَنِ ارْتِكَابِ مَسَاخِطِكَ، لَا تُسْأَلُ عَمَّا تَفْعَلُ، وَلَقَدْ سُئِلْتَ فَأَعْطَيْتَ، وَلَمْ تُسْأَلْ فابْتَدَأْتَ، وَاسْتُمِيحَ فَضْلُكَ فَمَا أَكْدَيْتَ، أَبَيْتَ يَا مَوْلايَ إلَّاإحْسَاناً وَامْتِناناً وَتَطوُّلًا وَإنْعَاماً، وَأَبَيْتُ إلَّاتَقَحُّماً لِحُرُماتِكَ، وَتَعَدِّياً لِحُدُودِكَ، وَغَفْلَةً عَنْ وَعِيدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ إلهِي مِنْ مُقْتَدِرٍ لَا يُغْلَبُ، وَذِي أَناةٍ لَا تَعْجَلُ. هَذَا مَقَامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبوغِ النِّعَمِ، وَقَابَلَهَا بِالتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالتَّضْيِيْعِ. أللَّهُمَّ فَإنِّي أَتَقَرَّبُ إلَيْكَ بِالْمُحَمَّدِيَّةِ الرَّفِيعَةِ، وَالْعَلَوِيَّةِ الْبَيْضَآءِ، وَأَتَوَجَّهُ إلَيْكَ بِهِمَا، أَنْ تُعِيذَنِيْ مِنْ شَرِّ [كَذَا وَكَذَا] فَإنَّ ذَلِكَ لا يَضِيْقُ عَلَيْكَ فِي وُجْدِكَ، وَلَا
ص: 240
يَتَكَأَّدُكَ فِي قُدْرَتِكَ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، فَهَبْ لِي يا إلهِي مِنْ رَحْمَتِكَ وَدَوَامِ تَوْفِيقِكَ، مَا أَتَّخِذُهُ سُلَّماً أَعْرُجُ بِهِ إلى رِضْوَانِكَ، وَآمَنُ بِهِ مِنْ عِقَابِكَ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 241
أَللَّهُمَّ إنَّكَ خَلَقْتَنِي سَوِيّاً، وَرَبَّيْتَنِي صَغِيراً، وَرَزَقْتَنِي مَكْفِيّاً. أَللَّهُمَّ إنِّي وَجَدْتُ فِيمَا أَنْزَلْتَ مِنْ كِتَابِكَ، وَبَشَّرْتَ بِهِ عِبَادِكَ، أَنْ قُلْتَ:
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنِّي مَا قَدْ عَلِمْتَ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، فَيَا سَوْأَتا مِمَّا أَحْصَاهُ عَلَيَّ كِتَابُكَ، فَلَوْلَاالْمَوَاقِفُ الَّتِي أُؤَمِّلُ مِنْ عَفْوِكَ الَّذِي شَمِلَ كُلَّ شَيْ ءٍ لأَلْقَيْتُ بِيَدِي، وَلَوْ أَنَّ أَحَداً اسْتَطاعَ الْهَرَبَ مِنْ رَبِّهِ، لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِالهَرَبِ، وَأَنْتَ لَا تَخْفَى عَلَيْكَ خَافِيَةٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي
ص: 242
السَّمَآءِ إلَّاأَتَيْتَ بِهَا، وَكَفى بِكَ جَازِياً، وَكَفى بِكَ حَسِيباً. أللَّهُمَّ إنَّكَ طَالِبِي إنْ أَنَا هَرَبْتُ، وَمُدْرِكِي إنْ أَنَا فَرَرْتُ، فَهَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ خَاضِعٌ ذَلِيلٌ رَاغِمٌ، إنْ تُعَذِّبْنِي فَإنّي لِذلِكَ أَهْلٌ، وَهُوَ يَارَبِّ مِنْكَ عَدْلٌ، وَإنْ تَعْفُ عَنِّي فَقَدِيماً شَمَلَنِي عَفْوُكَ، وَأَلبَسْتَنِي عَافِيَتَكَ. فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِالْمَخْزونِ مِنْ أَسْمائِكَ، وَبِمَا وَارتْهُ الْحُجُبُ مِنْ بَهَائِكَ، إلَّا رَحِمْتَ هذِهِ النَّفْسَ الْجَزُوعَةَ، وَهَذِهِ الرِّمَّةَ الْهَلُوعَةَ، الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ حَرَّ شَمْسِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ حَرَّ نارِكَ؟ وَالَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ صَوْتَ رَعْدِكَ، فَكَيْفَ تَسْتَطِيعُ صَوْتَ غَضَبِكَ؟ فَارْحَمْنِي اللَّهُمَّ فَإنِّي امْرُؤٌ حَقِيرٌ، وَخَطَرِي يَسِيرٌ، وَلَيْسَ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ، وَلَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ يَكُونَ ذلِكَ لَكَ، وَلكِنْ سُلْطَانُكَ اللَّهُمَّ أَعْظَمُ، وَمُلْكُكَ أَدْوَمُ مِنْ أَنْ
ص: 243
تَزِيدَ فِيْهِ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ، أَوْ تُنْقِصَ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْمُذْنِبِينَ، فَارْحَمْنِي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَتَجاوَزْ عَنِّي يا ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ، وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
ص: 244
إلهِي أَحْمَدُكَ- وَأَنْتَ لِلْحَمْدِ أَهْلٌ- عَلَى حُسْنِ صَنِيعِكَ إلَيَّ، وَسُبُوغِ نَعْمَآئِكَ عَلَيَّ، وَجَزِيْلِ عَطَآئِكَ عِنْدِي، وَعَلَى ما فَضَّلْتَنِي مِنْ رَحْمَتِكَ، وَأَسْبَغْتَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَتِكَ، فَقَدِ اصْطَنَعْتَ عِنْدِي ما يَعْجِزُ عَنُهُ شُكْرِي، وَلَوْلا إحْسَانُكَ إلَيَّ، وَسُبُوغُ نَعْمَآئِكَ عَلَيَّ مَا بَلَغْتُ إحْرازَ حَظِّي، وَلَا إصْلَاحَ نَفْسِي، وَلكِنَّكَ ابْتَدَأْتَنِي بِالإحْسَانِ، وَرَزَقْتَنِي فِي أُمُورِي كُلِّهَا الْكِفَايَةَ، وَصَرَفْتَ عَنِّي جَهْدَ الْبَلآءِ، وَمَنَعْتَ مِنِّي مَحْذُورَ الْقَضَآءِ. إلهِي فَكَمْ مِنْ بَلآءٍ جَاهِدٍ قَدْ صَرَفْتَ عَنِّي، وَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ سَابِغَةٍ أَقْرَرْتَ بِهَا عَيْنِي، وَكَمْ مِنْ صَنِيعَةٍ كَرِيمَةٍ لَكَ
ص: 245
عِنْدِي. أَنْتَ الَّذِي أَجَبْتَ عِنْدَ الاضْطِرَارِ دَعْوَتِي، وَأَقَلْتَ عِنْدَ الْعِثَارِ زَلَّتِي، وَأَخَذْتَ لِي مِنَ الأَعْدَآءِ بِظُلَامَتِي. إلهِي مَا وَجَدْتُكَ بَخِيلًا حِينَ سَأَلْتُكَ، وَلَا مُنْقَبِضاً حِينَ أَرَدْتُكَ، بل وَجَدْتُكَ لِدُعَآئِي سَامِعاً، وَلِمَطالِبِي مُعْطِياً، وَوَجَدْتُ نُعْمَاكَ عَلَيَّ سَابِغَةً، فِي كُلِّ شَأْنٍ مِنْ شَأْنِي، وَكُلِّ زَمَانٍ مِنْ زَمَانِي، فَأَنْتَ عِنْدِي مَحْمُودٌ، وَصَنِيعُكَ لَدَيَّ مَبْرُورٌ، تَحْمَدُكَ نَفْسِي وَلِسَانِي وَعَقْلِي حَمْداً يَبْلُغُ الوَفَآءَ وَحَقِيقَةَ الشُّكْرِ، حَمْداً يَكُونُ مَبْلَغَ رِضَاكَ عَنِّي، فَنَجِّنِي مِنْ سَخَطِكَ يَا كَهْفِي حِينَ تُعْيينِي الْمَذَاهِبُ، وَيَا مُقيلِي عَثْرَتِي، فَلَوْلَا سَتْرُكَ عَوْرَتِي لَكُنْتُ مِنَ الْمَفْضُوحِينَ، وَيَا مُؤَيِّدِي بِالنَّصْرِ، فَلَوْلَا نَصْرُكَ إيَّايَ لَكُنْتُ مِنَ الْمَغْلُوبِينَ، وَيَا مَنْ وَضَعَتْ لَهُ الْمُلُوكُ نِيرَ الْمَذَلَّةِ عَلى أَعْنَاقِهَا، فَهُمْ مِنْ سَطَواتِهِ خَائِفُونَ، وَيَا أَهْلَ التَّقْوَى، وَيَا مَنْ لَهُ الأَسْمَآءُ الْحُسْنى، أَسْأَلُكَ أَنْ
ص: 246
تَعْفُوَ عَنِّي، وَتَغْفِرَ لِي فَلَسْتُ بَرِيئاً فَأَعْتَذِرَ، وَلَا بِذِي قُوَّةٍ فَأَنْتَصِرَ، وَلا مَفَرَّ لِي فَأَفِرَّ، وَأَسْتَقِيْلُكَ عَثَراتِي، وَأَتَنَصَّلُ إلَيْكَ مِنْ ذُنُوبِي الَّتِي قَدْ أَوْبَقَتْنِي، وَأَحَاطَتْ بِي فَأَهْلَكَتْنِي، مِنْهَا فَرَرْتُ إلَيْكَ رَبِّ تَائِباً، فَتُبْ عَلَيَّ مُتَعَوِّذاً، فَأَعِذْنِي مُسْتَجِيراً، فَلا تَخْذُلْنِي سَآئِلًا، فَلَا تَحْرِمْنِي مُعْتَصِماً، فَلَا تُسْلِمْنِي دَاعِياً، فَلَا تَرُدَّنِي خَائِباً، دَعوْتُكَ يَارَبِّ مِسْكِيناً، مُسْتَكِيناً، مُشْفِقاً، خَائِفاً، وَجِلًا، فَقِيراً، مُضْطَرّاً، إلَيْكَ أَشْكُو إلَيْكَ يَا إلهِي ضَعْفَ نَفْسِي عَنِ الْمُسَارَعَةِ فِيمَا وَعَدْتَهُ أَوْلِيَآءَكَ، وَالْمُجَانَبَةِ عَمَّا حَذَّرْتَهُ أَعْدَآءَكَ، وَكَثْرَةَ هُمُومِي وَوَسْوَسَةَ نَفْسِي. إلهِي لَمْ تَفْضَحْنِي بِسَرِيرَتِي، وَلَمْ تُهْلِكْنِي بِجَرِيرَتِي، أَدْعُوكَ فَتُجِيبُنِي وَإنْ كُنْتُ بَطِيئاً حِيْنَ تَدْعُونِي. وَأَسْأَلُكَ كُلَّمَا شِئْتُ مِنْ حَوَائِجِي، وَحَيْثُ مَا كُنْتُ وَضَعْتُ عِنْدَكَ سِرِّي، فَلَا أَدْعُو سِوَاكَ، وَلَا أَرْجُو غَيْرَكَ، لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ،
ص: 247
تَسْمَعُ مَنْ شَكَا إلَيْكَ، وَتَلْقى مَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْكَ، وَتُخَلِّصُ مَنِ اعْتَصَمَ بِكَ، وَتُفَرِّجُ عَمَّنْ لاذَ بِكَ. إلهِي فَلَا تَحْرِمْنِي خَيْرَ الآخِرَةِ وَالأُولى لِقِلَّةِ شُكْرِي، وَاغْفِرْ لِي مَا تَعْلَمُ مِنْ ذُنُوبِي، إنْ تُعَذِّبْ فَأَنَا الظَّالِمُ، الْمُفَرِّطُ، الْمُضَيِّعُ، الآثِمُ، الْمُقَصِّرُ، الْمُضْجِعُ، الُمُغْفِلُ حَظَّ نَفْسِي، وَإنْ تَغْفِرْ فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
ص: 248
يَا أَللَّهُ الَّذِي لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْ ءٌ فِي الأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَآءِ، وَكَيْفَ يَخْفى عَلَيْكَ يَا إلهِي مَا أَنْتَ خَلَقْتَهُ؟
وَكَيْفَ لَا تُحْصِي مَا أَنْتَ صَنَعْتَهُ؟ أَوْ كَيْفَ يَغِيبُ عَنْكَ مَا أَنْتَ تُدَبِّرُهُ؟ أَوْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَهْرُبَ مِنْكَ مَنْ لَا حَياةَ لَهُ إلَّابِرِزْقِكَ؟ أَوْ كَيْفَ يَنْجُو مِنْكَ مَنْ لَا مَذْهَبَ لَهُ فِي غَيْرِ مُلْكِكَ؟ سُبْحَانَكَ! أَخْشى خَلْقِكَ لَكَ أَعْلَمُهُمْ بِكَ، وَأَخْضَعُهُمْ لَكَ أَعْمَلُهُمْ بِطَاعَتِكَ، وَأَهْوَنُهُمْ عَلَيْكَ مَنْ أَنْتَ تَرْزُقُهُ وَهُوَ يَعْبُدُ غَيْرَكَ، سُبْحَانَكَ! لَا يُنْقِصُ سُلْطَانَكَ مَنْ أَشْرَكَ بِكَ، وَكَذَّبَ رُسُلَكَ، وَلَيْسَ
ص: 249
يَسْتَطِيعُ مَنْ كَرِهَ قَضَآءَكَ أَنْ يَرُدَّ أَمْرَكَ، وَلَا يَمْتَنِعُ مِنْكَ مَنْ كَذَّبَ بِقُدْرَتِكَ، وَلَا يَفُوتُكَ مَنْ عَبَدَ غَيْرَكَ، وَلَا يُعَمَّرُ فِي الدُّنْيَا مَنْ كَرِهَ لِقَآءَكَ. سُبْحَانَكَ! مَا أَعْظَمَ شَأْنَكَ، وَأَقْهَرَ سُلْطَانَكَ، وَأَشَدَّ قُوَّتَكَ، وَأَنْفَذَ أَمْرَكَ! سُبْحَانَكَ! قَضَيْتَ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ الْمَوْتَ:
مَنْ وَحَّدَكَ وَمَنْ كَفَرَ بِكَ، وَكُلٌّ ذَائِقُ المَوْتِ، وَكُلٌّ صَائِرٌ إلَيْكَ، فَتَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، لَا إلهَ إلَّاأَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، آمَنْتُ بِكَ، وَصَدَّقْتُ رُسُلَكَ وَقَبِلْتُ كِتَابَكَ، وَكَفَرْتُ بِكُلِّ مَعْبُودٍ غَيْرِكَ، وَبَرِئْتُ مِمَّنْ عَبَدَ سِوَاكَ. أللَّهُمَّ إنِّي أُصْبحُ وَأُمْسِي مُسْتَقِلّاً لِعَمَلِي، مُعْتَرِفاً بِذَنْبِي، مُقِرَّاً بِخَطَايَايَ، أَنَا بِإسْرَافِي عَلَى نَفْسِي ذَلِيلٌ، عَمَلِي أَهْلَكَنِي، وَهَوَايَ أَرْدَانِي، وَشَهَوَاتِي حَرَمَتْنِي.
فَأَسْأَلُكَ يَا مَوْلَايَ سُؤالَ مَنْ نَفْسُهُ لَاهِيَةٌ لِطُولِ أَمَلِهِ، وَبَدَنُهُ غَافِلٌ لِسُكُونِ عُرُوقِهِ، وَقَلْبُهُ مَفْتُونٌ بِكَثْرَةِ النِّعَمِ عَلَيْهِ، وَفِكْرُهُ قَلِيلٌ
ص: 250
لِمَا هُوَ صَائِرٌ إلَيْهِ، سُؤَالَ مَنْ قَدْ غَلَبَ عَلَيْهِ الأَمَلُ، وَفَتَنَهُ الْهَوى، وَاسْتَمْكَنَتْ مِنْهُ الدُّنْيَا، وَأَظَلَّهُ الأَجَلُ، سُؤَالَ مَنِ اسْتَكْثَرَ ذُنُوبَهُ، وَاعْتَرَفَ بِخَطِيئَتِهِ، سُؤَالَ مَنْ لَا رَبَّ لَهُ غَيْرُكَ، وَلَا وَلِيَّ لَهُ دُونَكَ، وَلَا مُنْقِذَ لَهُ مِنْكَ، وَلَا مَلْجَأَ لَهُ مِنْكَ إلَّاإلَيْكَ. إلهِي أسْأَلُكَ بِحَقِّكَ الْوَاجِبِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِكَ، وَبِاسْمِكَ الْعَظِيْمِ الَّذِي أَمَرْتَ رَسُولَكَ أَنْ يُسَبِّحَكَ بِهِ، وَبِجَلَالِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ الذِي لَا يَبْلى وَلَا يَتَغَيَّرُ، وَلَا يَحُولُ وَلَا يَفْنى، أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُغْنِيَنِي عَنْ كُلِّ شَيْ ءٍ بِعِبادَتِكَ، وَأَنْ تُسَلِّيَ نَفْسِيْ عَنِ الدُّنْيَا بِمَخَافَتِكَ، وَأَنْ تُثْنِيَنِي بِالْكَثِيْرِ مِنْ كَرَامَتِكَ بِرَحْمَتِكَ، فَإلَيْكَ أَفِرُّ، و مِنْكَ أَخَافُ، وَبِكَ أَسْتَغِيثُ، وَإيَّاكَ أَرْجُو، وَلَكَ أَدْعُو، وَإلَيْكَ أَلْجَأُ، وَبِكَ أَثِقُ، وَإيَّاكَ أَسْتَعِينُ، وَبِكَ أُؤمِنُ، وَعَلَيْكَ أَتَوَكَّلُ، وَعَلَى جُودِكَ وَكَرَمِكَ أَتَّكِلُ.
ص: 251
رَبِّ أَفْحَمَتْنِيْ ذُنُوبِي، وَانْقَطَعَتْ مَقَالَتِي، فَلَا حُجَّةَ لِي، فَأَنَا الأَسِيرُ بِبَلِيَّتِي، الْمُرْتَهَنُ بِعَمَلِي، الْمُتَرَدِّدُ فِي خَطِيئَتِي، الْمُتَحَيِّرُ عَنْ قَصْدِي، الْمُنْقَطَعُ بِي، قَدْ أَوْقَفْتُ نَفْسِي مَوْقِفَ الأَذِلَّاءِ الْمُذْنِبِينَ، مَوْقِفَ الأَشْقِيآءِ الْمُتَجَرِّينَ عَلَيْكَ، الْمُسْتَخِفِّينَ بِوَعْدِكَ. سُبْحَانَكَ! أَيَّ جُرْأَةٍ اجْتَرَأْتُ عَلَيْكَ؟ وَأَيَّ تَغْرِيرٍ غَرَّرْتُ بِنَفْسِي، مَوْلَايَ ارْحَمْ كَبْوَتِيْ لِحُرِّ وَجْهِي، وَزَلَّةَ قَدَمِي، وَعُدْ بِحِلْمِكَ عَلَى جَهْلِي، وَبِإحْسَانِكَ عَلَى إسَآءَتِي، فَأَنَا الْمُقِرُّ بِذَنْبِي، الْمُعْتَرِفُ بِخَطِيئَتِي، وَهَذِهِ يَدِيْ وَنَاصِيَتِي، أَسْتَكِينُ بِالْقَوْدِ مِنْ نَفْسِي،
ص: 252
ارْحَمْ شَيْبَتِي، وَنَفَادَ أَيَّامِي، وَاقْتِرَابَ أَجَلِي، وَضَعْفِي، وَمَسْكَنَتِي، وَقِلَّةَ حِيلَتِي. مَوْلَايَ وَارْحَمْنِي إذَا انْقَطَعَ مِنَ الدُّنْيَا أَثَرِي، وَامَّحى مِنَ الْمَخْلُوقِينَ ذِكْرِي، وَكُنْتُ فِي الْمَنْسِيِّينَ، كَمَنْ قَدْ نُسِيَ. مَوْلَايَ وَارْحَمْنِي عِنْدَ تَغَيُّرِ صُورَتِي وَحَالِي إذَا بَلِيَ جِسْمِي، وَتَفَرَّقَتْ أَعْضَائِي، وَتَقَطَّعَتْ أَوْصَالِيْ، يا غَفْلَتِي عَمَّا يُرَادُ بِيَ. مَوْلَايَ وَارْحَمْنِي فِي حَشْرِي وَنَشْرِي، وَاجْعَل فِي ذَلِكَ الْيَومِ مَعَ أَوْلِيَآئِكَ مَوْقِفِي، وَفِي أَحِبَّائِكَ مَصْدَرِي، وَفِي جِوَارِكَ مَسْكَنِي يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
ص: 253
يَا فَارِجَ الْهَمِّ وَكَاشِفَ الغَمِّ، يَا رَحْمنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَرَحِيمَهُمَا، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَافْرُجْ هَمِّيَ، وَاكْشِفْ غَمِّيَ، يَا وَاحِدُ يَا أَحَدُ، يَا صَمَدُ، يَامَنْ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ، اعْصِمْنِي وَطَهِّرْنِي، وَاْذهِبْ بِبَلِيَّتِي. [وَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرسِيّ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ:] أَللَّهُمَّ إنِّيْ أَسْأَلُكَ سُؤَالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ، وَضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، وَكَثُرَتْ ذُنُوبُهُ، سُؤَالَ مَنْ لَا يَجِدُ لِفَاقَتِهِ مُغِيْثاً، وَلَا لِضَعْفِهِ مُقَوِّياً، وَلَا لِذَنْبِهِ غَافِراً غَيْرَكَ، يَا ذَا الْجَلَالِ وَالإكْرَامِ. أَسْأَلُكَ عَمَلًا تُحِبُّ بِهِ مَنْ عَمِلَ
ص: 254
بِهِ، وَيَقِيناً تَنْفَعُ بِهِ مَنِ اسْتَيْقَنَ بِهِ حَقَّ الْيَقِينِ فِيْ نَفَاذِ أَمْرِكَ. أللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاقْبِضْ عَلى الصِّدْقِ نَفْسِي، وَاقْطَعْ مِنَ الدُّنْيَا حَاجَتِي، وَاجْعَلْ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتِي، شَوْقاً إلَى لِقَائِكَ، وَهَبْ لِي صِدْقَ التَّوَكُّلِ عَلَيْكَ. أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ كِتَابٍ قَدْ خَلَا وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كِتَابٍ قَدْ خَلَا أَسْأَلُكَ خَوْفَ الْعَابِدِينَ لَكَ، وَعِبَادَةَ الْخَاشِعِينَ لَكَ، وَيَقِيْنَ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْكَ، وَتَوَكُّلَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكَ. أَللَّهُمَّ اجْعَلْ رَغْبَتِي فِي مَسْأَلَتِي مِثْلَ رَغْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ فِي مَسَائِلِهِمْ، وَرَهْبَتِيْ مِثْلَ رَهْبَةِ أَوْلِيَآئِكَ، وَاسْتَعْمِلْنِي فِي مَرْضَاتِكَ، عَمَلًا لَا أَتْرُكُ مَعَهُ شَيْئاً مِنْ دِيْنِكَ مَخَافَةَ أَحْدٍ مِنْ خَلْقِكَ. أللَّهُمَّ هَذِهِ حَاجَتِي، فَأَعْظِمْ فِيهَا رَغْبَتِي، وَأَظْهِرْ فِيهَا عُذْرِي، وَلَقِّنِي فِيهَا حُجَّتِي وَعَافِ فِيْهَا جَسَدِيْ. أللَّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ لَهُ ثِقَةٌ أَوْ رَجَآءٌ غَيْرُكَ، فَقَدْ أَصْبَحْتُ وَأَنْتَ ثِقَتِي وَرَجآئِي فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، فَاقْضِ لِيْ بِخَيْرِها
ص: 255
عَاقِبَةً، وَنَجِّنِيْ مِنْ مُضِلَّاتِ الْفِتَنِ، بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رُسُولِ اللَّهِ المُصْطَفَى، وَعَلى آلِهِ الطَّاهِرِينَ.
ص: 256
1- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَحَنَانَيْكَ،
2- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَعَالَيْتَ،
3- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَالْعِزُّ إزارُكَ،
4- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَالْعَظَمَةُ رِدآؤُكَ،
5- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَالْكِبْرِيآءُ سُلْطانُكَ،
6- سُبْحَانَكَ مِنْ عَظِيمٍ ما أَعْظَمَكَ،
7- سُبْحَانَكَ سُبِّحْتَ فِي الملأِ الأَعْلى، تَسْمَعُ وَتَرى ما تَحْتَ الثَّرى،
ص: 257
8- سُبْحَانَكَ أَنْتَ شَاهِدُ كُلِّ نَجْوى،
9- سُبْحَانَكَ مَوْضِعُ كُلِّ شَكْوى،
10- سُبْحَانَكَ حاضِرُ كُلِّ مَلأٍ،
11- سُبْحَانَكَ عَظِيمُ الرَّجآءِ،
12- سُبْحَانَكَ تَرى ما فِي قَعْرِ الْمَاءِ،
13- سُبْحَانَكَ تَسْمَعُ أَنْفَاسَ الْحِيتَانِ فِي قُعُورِ الْبِحَارِ،
14- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ السَّمواتِ،
15- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الأَرَضِينَ،
16- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ،
17- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الظُّلْمَةِ وَالنُّورِ،
18- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الْفَيْ ءِ وَالْهَوآءِ،
19- سُبْحَانَكَ تَعْلَمُ وَزْنَ الرِّيحِ كَمْ هِيَ مِنْ
ص: 258
مِثْقَالِ ذَرَّةٍ،
20- سُبْحَانَكَ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ.
21- سُبْحَانَكَ عَجَبَاً مَنْ عَرَفَكَ كَيْفَ لَا يَخَافُكَ؟!
22- سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ،
23- سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
رَوى الزُّهْرِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ قالَ: كانَ الْقَوْمُ لا يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى يَخْرُجَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ سَيِّدُ الْعَابِدِينَ عَلَيْهِ السَّلامُ، فَخَرَجَ وَخَرَجْتُ مَعَهُ، فَنَزَلَ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَسَبَّحَ فِي سُجُودِهِ- يَعْنِي بِهذَا التَّسْبِيحِ- فَلَمْ يَبْقَ شَجَرٌ وَلا مَدَرٌ إلَّاسَبَّحَ مَعَهُ، فَفَزِعْنَا، فَرَفَعَ رَأسَهُ، فَقَالَ: يَا سَعِيدٌ أَفَزِعْتَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَاابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَقالَ: هذَا التَّسْبِيحُ الأعْظَمُ،
ص: 259
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ: لَا تَبْقَى الذُّنُوبُ مَعَ هَذَا التَّسْبِيحِ، وَأَنَّ اللَّهَ جَلَّ جَلالُهُ لَمَّا خَلَقَ جَبْرَئِيلَ أَلْهَمَهُ هذَا التَّسْبِيحَ، وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ الأَكْبَرُ.
ص: 260
1- الْحَمْدُ للَّهِ الَّذِي تَجَلَّى لِلْقُلُوبِ بِالْعَظَمَةِ، وَاحْتَجَبَ عِنِ الأَبْصَارِ بِالْعِزَّةِ، وَاقْتَدَرَ عَلَى الأَشْيآءِ بِالْقُدْرَةِ؛
2- فَلَا الأَبْصارُ تَثْبُتُ لِرُؤْيَتِهِ وَلَا الأَوْهَامُ تَبْلُغُ كُنْهَ عَظَمَتِهِ،
3- تَجَبَّرَ بالْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيآءِ، وَتَعَطَّفَ بِالْعِزِّ وَالْبِرِّ وَالْجَلالِ، وَتَقَدَّسَ بِالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، وَتَمَجَّدَ بِالْفَخْرِ وَالْبَهآءِ، وَتَجَلَّلَ بِالْمَجْدِ وَالْآلآءِ، وَاسْتَخْلَصَ بِالنَّورِ وَالضِّيآءِ،
ص: 261
4- خالِقٌ لا نَظِيرَ لَهُ، وَأَحَدٌ لا نِدَّ لَهُ، وَواحِدٌ لا ضِدَّ لَهُ، وَصَمَدٌ لَا كُفْوَ لَهُ، وَإلهٌ لا ثانِيَ مَعَهُ، وَفاطِرٌ لا شَرِيكَ لَهُ، وَرازِقٌ لا مُعِينَ لَهُ.
5- وَالأَوَّلُ بِلا زَوالٍ، والدَّآئِمُ بِلا فَناءٍ، وَالْقائِمُ بِلا عَنآءٍ، وَالْمُؤْمِنُ بِلا نِهَايَةٍ، وَالْمُبْدِئُ بِلا أَمَدٍ، وَالصَّانِعُ بِلا أَحَدٍ، وَالرَّبُّ بِلا شَرِيكٍ، وَالْفاطِرُ بِلا كُلْفَةٍ، وَالْفَعَّالُ بِلا عَجْزٍ،
6- لَيْسَ لَهُ حَدٌّ فِي مَكانٍ، وَلا غايَةٌ فِي زَمانٍ، لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزُولُ وَلَنْ يَزالَ كَذلِكَ أَبَدَاً هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ، الدَّآئِمُ الْقادِرُ الْحَكِيمُ.
7- إلهِي عُبَيْدُكَ بِفِنآئِكَ، سآئِلُكَ بِفِنآئِكَ، فَقِيرُكَ بِفِنآئِكَ (ثَلاثاً).
8- إلهِي لَكَ يَرْهَبُ الْمُتَرَهِّبُونَ، وَإلَيْكَ
ص: 262
أَخْلَصَ الْمُسْتَهِلُّونَ، رَهْبَةً لَكَ، وَرَجآءً لِعَفْوِكَ.
9- يا إلهَ الْحَقِّ ارْحَمْ دُعآءَ الْمُسْتَصْرِخِينَ، وَاعْفُ عَنْ جَرآئِمِ الْغافِلِينَ، وَزِدْ فِي إحْسَانِ الْمُنِيبِينَ، يَوْمَ الْوُفُودِ عَلَيْكَ يا كَرِيمُ.
ص: 263
1- أَللَّهُمَّ يامَنْ خَصَّ مُحَمَّداً وَآلَهُ بِالْكَرَامَةِ، وَحَباهُمْ بِالرِّسالَةِ، وَخَصَّصهُمْ بِالْوَسِيلَةِ، وَجَعَلَهُمْ وَرَثَةَ الأَنْبِيآءِ، وَخَتَمَ بِهِمُ الأَوْصِيآءَ وَالأَئِمَّةَ، وَعَلَّمَهُمْ عِلْمَ ما كَانَ وَعِلمَ مَا بَقِيَ، وَجَعَلَ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ؛
2- فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ، وَافْعَلْ بِنا ما أَنْتَ أَهْلُهُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيا وَالآخِرَةِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ.
ص: 264
1- أَللَّهُمَّ وَآدَمُ بَدِيعُ فِطْرَتِكَ، وَأَوَّلُ مُعْتَرِفٍ مِنَ الطِّينِ بِرُبوبِيَّتِكَ، وَبَدْوُ حُجَّتِكَ عَلى عِبادِكَ وَبَرِيَّتِكَ، وَالدَّلِيلُ عَلَى الاسْتِجَارَةِ بِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَالنَّاهِجُ سُبُلَ تَوْبَتِكَ، وَالْمُوَسَّلُ بَيْنَ الْخَلْقِ وَبَيْنَ مَعْرِفَتِكَ،
2- وَالَّذِي لَقَّنْتَهُ مَا رَضَيْتَ بِهِ عَنْهُ، بِمَنِّكَ عَلَيْهِ وَرَحْمَتِكَ،
3- وَالْمُنِيبُ الَّذِي لَمْ يُصِرَّ عَلَى مَعْصِيَتِكَ، وَسابِقُ الْمُتَذَلِّلِينَ بِحَلْقِ رَأْسِهِ فِي حَرَمِكَ، وَالْمُتَوَسِّلُ بَعْدَ الْمَعْصِيَةِ بِالطَّاعَةِ إلى عَفْوِكَ، وَأَبُو
ص: 265
الأَنْبِيآءِ الَّذِينَ أُوذُوا فِي جَنْبِكَ، وَأَكْثَرُ سُكَّانِ الأَرْضِ سَعْياً فِي طاعَتِكَ،
4- فَصَلِّ عَلَيْهِ أَنْتَ يا رَحْمنُ، وَمَلآئِكَتُكَ، وَسُكَّانُ سَمواتِكَ وَأَرْضِكَ كَما عَظَّمَ حُرُماتِكَ، وَدَلَّنا عَلى سَبِيلِ مَرْضَاتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 266
1- إلهِي لا تُشْمِتْ بِي عَدُوِّي، وَلَا تَفْجَعْ بِي حَمِيمِي وَصَدِيقِي.
2- إلهي هَبْ لِي لَحْظَةً مِنْ لَحَظاتِكَ تَكْشِفُ عَنِّي مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ، وَتُعِيدُنِي إلَى أَحْسَنِ عَادَاتِكَ عِنْدِي، وَاسْتَجِبْ دُعَائِي وَدُعَاءَ مَنْ أَخْلَصَ لَكَ دُعآءَهُ، فَقَدْ ضَعُفَتْ قُوَّتِي، وَقَلَّتْ حِيلَتِي، وَاشْتَدَّتْ حَالِي، وَأَيِسْتُ مِمَّا عِنْدَ خَلْقِكَ؛ فَلَمْ يَبْقَ لِي إلّا رَجآؤُكَ عَلَيَّ.
3- إلهِي إنَّ قُدْرَتَكَ عَلَى كَشْفِ مَا أَنَا فِيهِ كُقُدْرَتِكَ عَلى مَا ابْتَلَيْتَنِي بِهِ، وَإنَّ ذِكْرَ عَوآئِدِكَ
ص: 267
يُونِسُنِي، وَالرَّجآءُ فِي إنْعَامِكَ وَفَضْلِكَ يُقَوِّينِي؛ لِأَنِّي لَمْ أَخْلُ مِنْ نِعْمَتِكَ مُنْذُ خَلَقْتَنِي.
4- وَأَنْتَ إلهِي مَفْزَعِي وَمَلْجَأي، وَالْحَافِظُ لِي وَالذَّآبُّ عَنِّي،
5- الْمُتَحَنِّنُ عَلَيَّ، الرَّحِيمُ بِيَ، الْمُتَكَفِّلُ بِرِزْقِي، فِي قَضآئِكَ كَان ما حَلَّ بِي، وَبِعِلْمِكَ مَا صِرْتُ إلَيْهِ؛
6- فَاجْعَلْ يا وَلِيِّي وَسَيِّدِي فِيما قَدَّرْتَ وَقَضَيْتَ عَلَيَّ وَحَتَمْتَ عافِيَتِي، وَما فِيهِ صَلَاحِي، وَخَلاصِي مِمَّا أَنَا فِيهِ؛
7- فَإنِّي لا أَرْجُو لِدَفْعِ ذلِكَ غَيْرَكَ، وَلا أَعْتَمِدُ فِيهِ إلَّاعَلَيْكَ.
8- فَكُنْ يا ذَا الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ، عِنْدَ أَحْسَنِ ظَنِّي بِكَ،
ص: 268
9- وَارْحَمْ ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، وَاكْشِفْ كُرْبَتِي، وَاسْتَجِبْ دَعْوَتِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِذلِكَ، وَعَلى كُلِّ داعٍ لَكَ. أَمَرْتَنِي يا سَيِّدِي بِالدُّعآءِ، وَتَكَفَّلْتَ بِالإجابَةِ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ الَّذِي لا خُلْفَ فِيهِ وَلا تَبْدِيلَ،
10- فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ نَبِيِّكَ وَعَبْدِكَ، وَعَلَى الطَّاهِرِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ، وَأَغِثْنِي؛ فَإنَّكَ غِياثُ مَنْ لا غِيَاثَ لَهُ، وَحِرْزُ مَنْ لا حِرْزَ لَهُ، وَأَنَا الْمُضْطَرُّ الَّذِي أَوْجَبْتَ إجابَتَهُ، وَكَشْفَ ما بِهِ مِنَ السُّوءِ،
11- فَأَجِبْنِي، وَاكْشِفْ هَمِّي وَفَرِّجْ غَمِّي، وَأَعِدْ حالِي إلى أَحْسَنِ ما كانَتْ عَلَيْهِ وَلا تُجازِنِي بِالاسْتِحْقاقِ، وَلكِنْ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ يا ذَا الْجَلالِ وَالإِكْرامِ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاسْمَعْ وَأَجِبْ يا عَزِيزُ.
ص: 269
1- إلهِي إنَّهُ لَيْسَ يَرُدُّ غَضَبَكَ إلَّاحِلْمُكَ، وَلَا يُنْجِي مِنْ عِقَابِكَ إلَّاعَفْوُكَ، وَلَا يُخَلِّصُ مِنْكَ إلَّارَحْمَتُكَ وَالتَّضَرُّعُ إلَيْكَ،
2- فَهَبْ لِي يا إلهِي فَرَحاً بِالْقُدْرَةِ الَّتِي بِهَا تُحْيِي مَيْتَ الْبِلادِ، وَبِها تَنْشُرُ أَرْواحَ الْعِبادِ، وَلا تُهْلِكْنِي، وَعَرِّفْنِي الإجابَةَ يارَبِّ، وَارْفَعْنِي وَلا تَضَعْنِي، وَانْصُرْنِي، وَارْزُقْنِي، وَعافِنِي مِنَ الآفاتِ.
3- يارَبِّ إنْ تَرْفَعْنِي فَمَنْ يَضَعُنِي؟ وَإنْ تَضَعْنِي فَمَنْ يَرْفَعُنِي؟ وَقَدْ عَلِمْتُ يا إلهِي أَنْ لَيْسَ
ص: 270
فِي حُكْمِكَ ظُلْمٌ، وَلا فِي نَقِمَتِكَ عَجَلَةٌ، إنَّما يَعْجَلُ مَنْ يَخافُ الْفَوْتَ، وَيَحْتاجُ إلى الظُّلْمِ الضَّعِيفُ، وَقَدْ تَعالَيْتَ عَنْ ذلِكَ يا سَيِّدِي عُلُوَّاً كَبِيراً.
4- رَبِّ لا تَجْعَلْنِي لِلْبَلآءِ غَرَضَاً، وَلا لِنَقِمَتِكَ نَصَباً، وَمَهِّلْنِي وَنَفِّسْنِي، وَأَقِلْنِي عَثْرَتِي، وَلا تُتْبِعْنِي بِالْبَلآءِ، فَقَدْ تَرى ضَعْفِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي، فَصَبِّرْنِي، فَإنّي يارَبِّ ضَعِيفٌ مُتَضَرِّعٌ إلَيْكَ يا رَبِّ،
5- وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، فَأَعِذْنِي،
6- وَأَسْتَجِيرُ بِكَ مِنْ كُلِّ بَلآءٍ، فَأَجِرْنِي،
7- وَأَسْتَتِرُ بِكَ، فَاسْتُرْنِي يا سَيِّدِي مِمَّا أَخافُ وَأَحْذَرُ،
8- وَأَنْتَ الْعَظِيمُ أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ عَظِيمٍ،
ص: 271
9- بِكَ بِكَ بِكَ اسْتَتَرْتُ،
10- يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ يا أَللَّهُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ.
ص: 272
1- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْمَوْلَى، وَأَنَا الْعَبْدُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْعَبْدَ إلَّاالْمَوْلى،
2- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْعَزِيزُ، وَأَنَا الذَّلِيلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الذَّلِيلَ إلَّاالْعَزِيزُ،
3- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْخَالِقُ، وَأَنَا الْمَخْلُوقُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْمَخْلُوقَ إلَّا الْخَالِقُ،
4- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْمُعْطِي وَأَنَا السَّائِلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ السَّائِلَ إلَّاالْمُعْطِي،
5- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْمُغِيْثُ وَأَنَا
ص: 273
الْمُسْتَغِيثُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْمُسْتَغِيثَ إلَّا الْمُغِيثُ،
6- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْباقِي وَأَنَا الْفَانِي، وَهَلْ يَرْحَمُ الْفانِي إلَّاالْباقِي،
7- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الدَّائِمُ وَأَنَا الزَّائِلُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الزَّآئِلَ إلَّاالدَّآئِمُ،
8- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْحَيُّ وَأَنَا الْمَيِّتُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْمَيِّتَ إلَّاالْحَيُّ،
9- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْقَوِيُّ وَأَنَا الضَّعِيفُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الضَّعِيفَ إلَّاالْقَوِيُّ، 10- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْغَنِيُّ وَأَنَا الْفَقِيرُ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْفَقِيرَ إلَّاالْغَنِيُّ.
11- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْكَبِيرُ وَأَنَا الصَّغِيرُ،
ص: 274
وَهَلْ يَرْحَمُ الصَّغِيرَ إلَّا الْكَبِيرُ،
12- مَوْلايَ مَوْلايَ، أَنْتَ الْمَالِكُ وَأَنَا الْمَمْلُوكَ، وَهَلْ يَرْحَمُ الْمَمْلُوكَ إلَّاالْمالِكُ.
ص: 275
بسم الله الرحمن الرحیم
1- بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا أَرْجُو إِلَّا فَضْلَهُ، وَلَا أَخْشَى إلَّاعَدْلَهُ، وَلا أَعْتَمِدُ إلَّاقَوْلَهُ، وَلا أَتَمَسَّكُ إلَّا بِحَبْلِهِ،
2- بِكَ أَسْتَجِيرُ يا ذَا الْعَفْوِ وَالرِّضْوانِ، مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُدْوانِ، وَمِنْ غِيَرِ الزَّمانِ، وَتَواتُرِ الأَحْزانِ، وَمِنِ انْقِضآءِ الْمُدَّةِ قَبْلَ التَّأَهُّبِ وَالْعُدَّةِ،
3- وَإيَّاكَ أَسْتَرْشِدُ لِما فِيهِ الصَّلاحُ وَالإِصْلاحُ،
ص: 276
4- وَبِكَ أَسْتَعِينُ فِيما يَقْتَرِنُ بِهِ النَّجاحُ وَالإِنْجاحُ.
5- وَإيَّاكَ أَرْغَبُ فِي لِباسِ الْعافِيَةِ وَتَمامِها، وَشُمُولِ السَّلامَةِ وَدَوامِها، وَأَعُوذُ بِكَ يارَبِّ مِنْ هَمَزاتِ الشَّياطِينِ، وَأَحْتَرِزُ بِسُلْطانِكَ مِنْ جَوْرِ السَّلاطِينِ، فَتَقَبَّلْ ما كانَ مِنْ صَلاتِي وَصَوْمِي، واجْعَلْ غدي وَمَا بَعْدَهُ أفَضَلَ من سَاعَتي وَيَوْمِي، وَأَعِزَّنِي فِي عَشِيرَتِي وَقَوْمِي، وَاحْفَظْنِي فِي يَقْظَتِي وَنَوْمِي، فَأَنْتَ اللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً، وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
6- أَللَّهُمَّ إنِّي أَبْرَأُ إلَيْكَ فِي يَوْمِي هذا وَ ما بَعْدَهُ مِنَ الآحادِ مِنَ الشِّرْكَ وَالإلْحَادِ، وَأُخْلِصُ لَكَ دُعآئِي تَعَرُّضاً لِلإِجابَةِ
7- فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ خَيْرِ
ص: 277
خَلْقِكَ، الدَّاعِي إلى حَقِّكَ، وَأَعِزَّنِي بِعِزِّكَ الَّذِي لا يُضامُ، وَاحْفَظْنِي بِعَيْنِك الَّتِي لاتَنامُ، وَاخْتِمْ بِالانْقِطَاعِ إلَيْكَ أَمْرِي، وَبِالْمَغْفِرَةِ عُمْرِي، إنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
ص: 278
1- أَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُشْهِدْ أَحَدَاً حِينَ فَطَرَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ، وَلَا اتَّخَذَ مُعِيناً حِينَ بَرَأَ النَّسَماتِ،
2- لَمْ يُشارَكْ فِي الإلهِيَّةِ، وَلَمْ يُظَاهَرْ فِي الْوَحْدانِيَّةِ،
3- كَلَّتِ الأَلْسُنُ عَنْ غايَةِ صِفَتِهِ، وَ الْعُقُولُ عَنْ كُنْهِ مَعْرِفَتِهِ، وَتَوَاضَعَتِ الْجَبابِرَةُ لِهَيْبَتِهِ، وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِخَشْيَتِهِ، وَانْقَادَ كُلُّ عَظِيمٍ لِعَظَمَتِهِ؛
ص: 279
4- فَلَكَ الْحَمْدُ مُتَوَاتِراً مُتَّسِقاً، وَمُتَوَالِياً مُسْتَوْسِقَاً،
5- وَصَلَواتُهُ عَلَى رَسُولِهِ أَبَدَاً، وَسَلامُهُ دَآئِماً سَرْمَدَاً.
6- أَللَّهُمَّ اجْعَلْ أَوَّلَ يَوْمِي هذَا صَلاحَاً، وَأَوْسَطَهُ فَلاحَاً، وَآخِرَهُ نَجاحَاً، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ يَوْمٍ أَوَّلُهُ فَزَعُ، وَأَوْسَطُهُ جَزَعٌ، وَآخِرُهُ وَجَعٌ.
7- أَللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَغْفِرُكَ لِكُلِّ نَذْرٍ نَذَرْتُهُ، وَلِكُلِّ وَعْدٍ وَعَدْتُهُ، وَلِكُلِّ عَهْدٍ عاهَدْتُهُ، ثُمَّ لَمْ أَفِ لَكَ بِهِ.
8- وَأَسْأَلُكَ فِي مَظالِمِ عِبادِكَ عِنْدِي؛ فَأَيُّما عَبْدٍ مِنْ عَبِيدِكَ، أَوْ أَمَةٍ مِنْ إمآئِكَ، كَانَتْ لَهُ قِبَلِي مَظْلَمَةٌ ظَلَمْتُها إيَّاهُ فِي نَفْسِهِ، أَوْ فِي عِرْضِهِ، أَوْ فِي مالِهِ، أَوْ فِي أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ، أَوْ غَيْبَةٌ اغْتَبْتَهُ بِها، أَوْ
ص: 280
تَحامُلٌ عَلَيْهِ بِمَيْلٍ أَوْ هَوَىً، أَوْ أَنَفَةٍ، أَوْ حَمِيَّةٍ، أَوْ رِيآءٍ، أَوْ عَصَبِيَّةٍ غائِباً كانَ أَوْ شاهِداً، وَحَيّاً كانَ أَوْ مَيِّتاً، فَقَصُرَتْ يَدِي، وَضاقَ وُسْعِي عَنْ رَدِّها إلَيْهِ، وَالتَّحَلُّلِ مِنْهُ،
9- فَأَسْأَلُكَ يا مَنْ يَمْلِكُ الْحاجاتِ؛ وَهِيَ مُسْتَجِيبَةٌ بِمَشِيَّتِهِ ، وَمُسْرِعَةٌ إلى إرادَتِهِ، أَنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَنْ تُرْضِيَهُ عَنِّي بِما شِئْتَ، وَتَهَبَ لِي مِنْ عِنْدِكَ رَحْمَةً، إنَّهُ لا تَنْقُصُكَ الْمَغْفِرَةُ، وَلا تَضُرُّكَ المَوْهِبَةُ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
10- أَللَّهُمَّ أَوْلِنِي فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ نِعْمَتَيْنِ مِنْكَ ثِنْتَيْنِ: سَعادَةً فِي أَوَّلِهِ بِطاعَتِكَ، وَنِعْمَةً فِي آخِرِهِ بِمَغْفِرَتِكَ يامَنْ هُوَ الإِلهُ، وَلا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ سِواهُ.
ص: 281
بسم الله الرحمن الرحیم
1- أَلْحَمْدُ للَّهِ وَالْحَمْدُ حَقُّهُ كَما يَسْتَحِقُّهُ حَمْداً كَثِيراً،
2- وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ نَفْسِي، إنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلَّاما رَحِمَ رَبِّي،
3- وَأَعُوذُ بِهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ الَّذِي يَزِيدُنِي ذَنْباً إلى ذَنْبِي،
4- وَأَحْتَرِزُ بِهِ مِنْ كُلِّ جَبَّارٍ فاجِرٍ، وَسُلْطانٍ جآئرٍ، وَعَدُوٍّ قاهِرٍ.
ص: 282
5- أَللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ جُنْدِكَ؛ فَإنَّ جُنْدَكَ هُمُ الْغالِبُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ حِزْبِكَ؛ فَإنَّ حِزْبَكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَوْلِيآئِكَ؛ فَإنَّ أَوْلِيَاءَكَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
6- أَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِيْنِي؛ فَإنَّهُ عِصْمَةُ أَمْرِي، وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي؛ فَإنَّهَا دارُ مَقَرِّي، وَإلَيْها مِنْ مُجاوَرَةِ اللِّئامِ مَفَرِّي، وَاجْعَلِ الْحَياةَ زِيادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْوَفاةَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ.
7- أَللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَتَمامِ عِدَّةِ الْمُرْسَلِينَ، وَعَلَى آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَأَصْحَابِهِ الْمُنْتَجَبِينَ، وَهَبْ لِي فِي الثُلُثآءِ ثَلاثاً.
لا تَدَعْ لِي ذَنْباً إلَّا غَفَرْتَهُ، وَلا غَمّاً إلَّاأَذْهَبْتَهُ، وَلا عَدُوّاً إلَّادَفَعْتَهُ، بِبِسْمِ اللَّهِ خَيْرِ
ص: 283
الأَسْمآءِ، بِسْمِ اللَّهِ رَبِّ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ،
9- أَسْتَدْفِعُ كُلَّ مَكْرُوهٍ أَوَّلُهُ سَخَطُهُ، وَأَسْتَجْلِبُ كُلَّ مَحْبُوبٍ أَوَّلُهُ رِضاهُ؛
10- فَاخْتِمْ لِي مِنْكَ بِالْغُفْرانِ يا وَلِيَّ الإِحْسانِ.
ص: 284
1- أَلْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ لِباساً، وَالنَّوْمَ سُباتَاً، وَجَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً.
2- لَكَ الْحَمْدُ أَنْ بَعَثْتَنِي مِنْ مَرْقَدِي، وَلَوْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ سَرْمَداً، حَمْداً دَائِمَاً لا يَنْقَطِعُ أَبَداً، وَلا يُحْصِي لَهُ الْخَلآئِقُ عَدَدَاً.
3- أَللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْ خَلَقْتَ فَسَوَّيْتَ، وَقَدَّرْتَ وَقَضَيْتَ، وَأَمَتَّ وَأَحْيَيْتَ، وَأَمْرَضْتَ وَشَفَيْتَ، وَعافَيْتَ وَأَبْلَيْتَ، وَعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَيْتَ، وَعَلَى الْمُلْكِ احْتَوَيْتَ،
ص: 285
4- أَدْعُوكَ دُعآءَ مَنْ ضَعُفَتْ وَسِيلَتُهُ، وَانْقَطَعَتْ حِيلَتُهُ، وَاقْتَرَبَ أَجَلُهُ، وَتَدانى فِي الدُّنْيا أَمَلُهُ، وَاشْتَدَّتْ إلى رَحْمَتِكَ فاقَتُهُ، وَعَظُمَتْ لِتَفْرِيطِهِ حَسْرَتُهُ، وَكَثُرَتْ زَلَّتُهُ وَعَثْرَتُهُ، وَخَلُصَتْ لِوَجْهِكَ تَوْبَتُهُ.
5- فَصَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ خاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَعَلى أَهْلِ بَيْتِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ، وَارْزُقْنِي شَفاعَةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وَلا تَحْرِمْنِي صُحْبَتَهُ، إنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
6- أَللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الأَرْبِعآءِ أَرْبَعَاً: اجْعَلْ قُوَّتِي فِي طاعَتِكَ، وَنَشاطِي فِي عِبادَتِكَ، وَرَغْبَتِي فِي ثَوَابِكَ، وَزُهْدِي فِيما يُوجِبُ لِي أَلِيمَ عِقابِكَ، إنَّكَ لَطِيفٌ لِما تَشآءُ.
ص: 286
بسم الله الرحمن الرحیم
1- الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ اللَّيْلَ مُظْلِمَاً بِقُدْرَتِهِ، وَجآءَ بِالنَّهارِ مُبْصِراً بِرَحْمَتِهِ، وَكَسانِي ضِيآءَهُ وَآتانِي نِعْمَتَهُ.
2- أَللَّهُمَّ فَكَما أَبْقَيْتَنِي لَهُ فَأَبْقِنِي لِأَمْثالِهِ، وَصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَلا تَفْجَعْنِي فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ اللَّيالِي وَالأَيَّامِ، بِارْتِكابِ الْمَحارِمِ، وَاكْتِسابِ الْمَآثِمِ، وَارْزُقْنِي خَيْرَهُ، وَخَيْرَ ما فِيهِ، وَخَيْرَ ما بَعْدَهُ، وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّهُ، وَشَرَّ ما فِيهِ، وَشَرَّ ما بَعْدَهُ.
ص: 287
3- أَللَّهُمَّ إنِّي بِذِمَّةِ الإِسْلامِ أَتَوَسَّلُ إلَيْكَ، وَبِحُرْمَةِ الْقُرْآنِ أَعْتَمِدُ عَلَيْكَ، وَبِمُحَمَّدٍ الْمُصْطَفى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ أَسْتَشْفِعُ لَدَيْكَ، فَاعْرِفِ اللَّهُمَّ ذِمَّتِي الَّتِي رَجَوْتُ بِها قَضآءَ حاجَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
4- أَللَّهُمَّ اقْضِ لِي فِي الخَمِيسِ خَمْساً لا يَتَّسِعُ لَها إلَّا كَرَمُكَ وَلا يُطِيقُها إلَّانِعَمُكَ: سَلامَةً أَقْوى بِها عَلَى طاعَتِكَ وَعِبادَةً أَسْتَحِقُّ بِها جَزِيلَ مَثُوبَتِكَ، وَسَعَةً فِي الْحالِ مِنَ الرِّزْقِ الْحَلالِ، وَأَنْ تُؤْمِنَنِي فِي مَواقِفِ الْخَوْفِ بِأَمْنِكَ، وَتَجْعَلَنِي مِنْ طَوارِقِ الْهُمُومِ وَالْغُمُومِ فِي حِصْنِكَ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، وَاجْعَل تَوَسُّلِي بِهِ شافِعَاً يَوْمَ الْقِيامَةِ نافِعاً، إنَّكَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
ص: 288
1- أَلْحَمْدُ لِلَّهِ الأَوَّلِ قَبْلَ الإنْشآءِ وَالإحْيآءِ، وَالآخِرِ بَعْدَ فَنآءِ الأَشْيَآءِ، الْعَلِيمِ الَّذِي لا يَنْسَى مَنْ ذَكَرَهُ، وَلا يَنْقُصُ مَنْ شَكَرَه، وَلا يُخَيِّبُ مَنْ دَعاهُ، وَلا يَقْطَعُ رَجآءَ مَنْ رَجاهُ.
2- أَللَّهُمَّ إنِّي أُشْهِدُكَ وَكَفى بِكَ شَهِيداً، وَأُشْهِدُ جَمِيعَ مَلآئِكَتِكَ، وَسُكَّانَ سَمواتِكَ، وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ، وَمَنْ بَعَثْتَ مِنْ أَنْبِيآئِكَ وَرُسُلِكَ، وَأَنْشَأْتَ مِنْ أَصْنافِ خَلْقِكَ، أَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لا إلهَ إلَّاأَنْتَ، وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَلا عَدِيلَ
ص: 289
وَلا خُلْفَ لِقَوْلِكَ وَلا تَبْدِيْلَ، وَأَنَّ مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَدَّى ما حَمَّلْتَهُ إلَى الْعِبادِ، وَجاهَدَ فِي اللَّهِ حَقَّ الْجِهادِ، وَأَنَّهُ بَشَّرَ بِما هُوَ حَقٌّ مِنَ الثَّوابِ، وَأَنْذَرَ بِما هُوَ صِدْقٌ مِنَ الْعِقابِ.
3- أَللَّهُمَّ ثَبِّتْنِي عَلى دِينِكَ ما أَحْيَيْتَنِي، وَلا تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إذْ هَدَيْتَنِي، وَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَتْباعِهِ وَشِيعَتِهِ، وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَتِهِ، وَوَفِّقْنِي لأَداءِ فَرْضِ الْجُمُعاتِ، وَما أَوْجَبْتَ عَلَيَّ فِيها مِنَ الطَّاعاتِ، وَقَسَمْتَ لِأَهْلِها مِنَ الْعَطآءِ فِي يَوْمِ الْجَزآءِ، إنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ.
ص: 290
بسم الله الرحمن الرحیم
1- بِسْمِ الِلَّهِ كَلِمَةِ الْمُعْتَصِمِينَ، وَمَقالَةِ الْمُتَحَرِّزِينَ، وَأَعُوذُ بِالِلَّه تَعالى مِنْ جَوْرِ الْجآئِرِينَ، وَكَيْدِ الْحاسِدِينَ، وَبَغْيِ الظَّالِمِينَ، وَأَحْمَدُهُ فَوْقَ حَمْدِ الْحامِدِينَ.
2- أَللَّهُمَّ أَنْتَ الْواحِدُ بِلا شَرِيكٍ، وَالْمَلِكُ بِلا تَمْلِيكٍ، لا تُضَادُّ فِي حُكْمِكَ، وَلا تُنازَعُ فِي مُلْكِكَ،
3- أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ، عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ، وَأَنْ تُوزِعَنِي مِنْ شُكْرِ نُعْماكَ ما تَبْلُغُه
ص: 291
غايَةَ رِضاكَ، وَأَنْ تُعِينَنِي عَلى طاعَتِكَ، وَلُزُومِ عِبادَتِكَ، وَاسْتِحْقاقِ مَثُوبَتِكَ بِلُطْفِ عِنايَتِكَ، وَتَرْحَمَنِي، وَتَصُدَّنِي عَنْ مَعَاصِيكَ مَا أَحْيَيْتَنِي، وَتُوَفِّقَنِي لِما يَنْفَعُنِي ما أَبْقَيْتَنِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِكِتابِكَ صَدْرِي، وَتَحُطَّ بِتِلاوَتِهِ وِزْرِي، وَتَمْنَحَنِي السَّلامَةَ فِي دِينِي وَنَفْسِي، وَلاتُوحِشَ بِي أَهْلَ أُنْسِي، وَتُتِمَّ إحْسَانَكَ فِيما بَقِيَ مِنْ عُمُرِي، كَما أَحْسَنْتَ فِيما مَضَى مِنْهُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 292
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي أَلْبَسَتْنِي الْخَطايا ثَوْبَ مَذَلَّتِي، وَجَلَّلَنِي التَّباعُدُ مِنْكَ لِباسَ مَسْكَنَتِي، وَأَماتَ قَلْبِي عَظِيمُ جِنايَتِي، فَأَحْيِه بِتَوْبَةٍ مِنْكَ يا أَمَلِي وَبُغْيَتِي، وَيا سُؤْلِي وَمُنْيَتِي، فَوَعِزَّتِكَ ما أَجِدُ لِذُنُوبِي سِواكَ غافِراً، وَلا أَرى لِكَسْرِي غَيْرَكَ جابِراً، وَقَدْ خَضَعْتُ بِالإنابَةِ إلَيْكَ وَعَنَوْتُ بِالاسْتِكانَةِ لَدَيْكَ، فَإنْ طَرَدْتَنِي مِنْ بابِكَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ وَإنْ رَدَدْتَنِي عَنْ جَنابِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ فَوا أَسَفاهُ مِنْ خَجْلَتِي وَافْتِضَاحِي، وَوالَهْفاهُ مِنْ سُوءِ عَمَلِي وَاجْتِراحِي.
ص: 293
2- أَسْأَلُكَ يا غافِرَ الذَّنْبِ الْكَبِيرِ، وَيا جابِرَ الْعَظْمِ الْكَسِيرِ، أَنْ تَهَبَ لِي مُوبِقاتِ الْجَرآئِرِ، وَتَسْتُرَ عَلَيَّ فاضِحاتِ السَّرآئِرِ، وَلا تُخْلِنِي فِي مَشْهَدِ الْقِيامَةِ مِنْ بَرْدِ عَفْوِكَ وَغَفْرِكَ، وَلا تُعْرِنِي مِنْ جَمِيلِ صَفْحِكَ وَسَتْرِكَ.
3- إلهِي ظَلِّلْ عَلَى ذُنُوبِي غَمامَ رَحْمَتِكَ، وَأَرْسِلْ عَلى عُيُوبِي سَحابَ رَأْفَتِكَ.
4- إلهِي هَلْ يَرْجِعُ الْعَبْدُ الآبِقُ إلَّاإلَى مَوْلاهُ أَمْ هَلْ يُجِيرُهُ مِنْ سَخَطِهِ أَحَدٌ سِواهُ؟
5- إلهِي إنْ كانَ النَّدَمُ عَلى الذَّنْب تَوْبَةً، فَإنِّي وَعِزَّتِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَإنْ كَانَ الاسْتِغْفارُ مِنَ الْخَطيئَةِ حِطَّةً، فَإنِّي لَكَ مِنَ الُمُسْتَغْفِرِينَ، لَكَ الْعُتْبى حَتّى تَرْضى.
6- إلهِي بِقُدْرَتِكَ عَلَيَّ تُبْ عَلَيَّ، وَبِحِلْمِكَ
ص: 294
عَنِّي اعْفُ عَنِّي، وَبِعِلْمِكَ بِي ارْفَقْ بِي.
7- إلهِي أَنْتَ الَّذي فَتَحْتَ لِعِبادِكَ بَابَاً إلَى عَفْوِكَ سَمَّيْتَهُ التَّوْبَةَ، فَقُلْتَ:، فَما عُذْرُ مَنْ أَغْفَلَ دُخُولَ الْبابِ بَعْدَ فَتْحِهِ.
8- إلهِي إنْ كانَ قَبُحَ الذَّنْبُ مِنْ عَبْدِكَ فَلْيَحْسُنِ الْعَفْوُ مِنْ عِنْدِكَ.
9- إلهِي ما أَنَا بِأَوَّلِ مَنْ عَصاكَ، فَتُبْتَ عَلَيْهِ، وَتَعَرَّضَ بِمَعْرُوفِكَ، فَجُدْتَ عَلَيْهِ، يا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّ، يا كَاشِفَ الضُّرِّ، يا عَظِيمَ الْبِرِّ، يا عَليمَاً بِما فِي السِّرِّ، يا جَمِيلَ السِّتْرِ اسْتَشْفَعْتُ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ إلَيْكَ، وَتَوَسَّلْتُ بِجَنابِكَ وَتَرَحُّمِكَ لَدَيْكَ، فَاسْتَجِبْ دُعآئِي، وَلا تُخَيِّبْ فِيكَ رَجآئِي وَتَقَبَّلْ تَوْبَتِي وَكَفِّرْ خَطيئَتِي، بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 295
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي إليْكَ أَشْكُو نَفْساً بِالسُّوءِ أَمَّارَةً، وَإلَى الْخَطِيئَةِ مُبادِرَةً، وَبِمَعاصِيكَ مُولَعَةً، وَلِسَخَطِكَ مُتَعَرِّضَةً، تسْلُكُ بِي مَسالِكَ الْمَهالِكِ، وَتَجْعَلُنِي عِنْدَكَ أَهْوَنَ هالِكٍ، كَثِيرَةَ الْعِلَلِ، طَوِيلَةَ الأَمَلِ، إنْ مَسَّهَا الشَّرُّ تَجْزَعُ، وَإنْ مَسَّهَا الْخَيْرُ تَمْنَعُ، مَيَّالَةً إلَى اللَّعِبِ وَاللَّهْوِ، مَمْلُوَّةً بِالْغَفْلَةِ وَالسَّهُوِ، تُسْرِعُ بِي إلَى الْحَوْبَةِ، وَتُسَوِّفُنِي بِالتَّوْبَةِ.
2- إلهِي أَشْكُو إلَيْكَ عَدُوّاً يُضِلُّنِي، وَشَيْطانَاً يَغْوِينِي، قَدْ مَلأَ بِالْوَسْواسِ صَدْرِي، وَأَحاطَتْ
ص: 296
هَواجِسُهُ بِقَلْبِي، يُعاضِدُ لِيَ الْهَوى، وَيُزَيِّنُ لِي حُبَ الدُّنْيَا، وَيَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ الطَّاعَةِ وَالزُّلْفى.
3- إلهِي إلَيْكَ أَشْكُو قَلْبَاً قاسِياً مَعَ الْوَسْواسِ مُتَقَلِّباً، وَبِالرَّيْنِ وَالطَّبْعِ مُتَلَبِّساً، وَعَيْنَاً عَنِ الْبُكآءِ مِنْ خَوْفِكَ جامِدَةً، وَإلى ما تَسُرُّها طامِحَةً.
4- إلهِي لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إلَّابِقُدْرَتِكَ، وَلا نَجاةَ لِي مِنْ مَكارِهِ الدُّنْيا إلَّابِعِصْمَتِكَ، فَأَسْأَلُكَ بِبَلاغَةِ حِكْمَتِكَ، وَنَفاذِ مَشِيَّتِكَ، أَنْ لا تَجْعَلَنِي لِغَيْرِ جُودِكَ مُتَعَرِّضاً، وَلا تُصَيِّرَنِي لِلْفِتَنِ غَرَضاً، وَكُنْ لِي عَلى الأَعْدآءِ ناصِرَاً، وَعَلَى الْمَخَازِي وَالْعُيُوبِ ساتِراً، وَمِنَ الْبَلآءِ واقِياً، وَعَنِ الْمَعاصِي عاصِمَاً، بِرَأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 297
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي أَتَراكَ بَعْدَ الإِيْمانِ بِكَ تُعَذِّبُنِي، أَمْ بَعْدَ حُبِّي إيَّاكَ تُبَعِّدُنِي، أَمْ مَعَ رَجآئِي لِرَحْمَتِكَ وَصَفْحِكَ تَحْرِمُنِي، أَمْ مَعَ اسْتِجارَتِي بِعَفْوِكَ تُسْلِمُنِي؟ حاشا لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ أَنْ تُخَيِّبَنِي، لَيْتَ شِعْرِي، أَلِلشَّقآءِ وَلَدَتْنِي أُمِّي، أَمْ لِلْعَنآءِ رَبَّتْنِي؟ فَلَيْتَهَا لَمْ تَلِدْنِي وَلَمْ تُرَبِّنِي، وَلَيْتَنِي عَلِمْتُ أَمِنْ أَهْلِ السَّعادَةِ جَعَلْتَنِي؟ وَبِقُرْبِكَ وَجَوارِكَ خَصَصْتَنِي؟ فَتَقَرَّ بِذلِكَ عَيْنِي، وَتَطْمَئِنَّ لَهُ نَفْسِي.
2- إلهِي هَلْ تُسَوِّدُ وُجُوهاً خَرَّتْ ساجِدَةً
ص: 298
بِعَظَمَتِكَ؟ أَوْ تُخْرِسُ أَلْسِنَةً نَطَقَتْ بِالثَّنآءِ عَلَى مَجْدِكَ وَجَلالَتِكَ؟ أَوْ تَطْبَعُ عَلَى قُلُوبٍ انْطَوَتْ عَلى مَحَبَّتِكَ؟ أَوْ تُصِمُّ أَسْماعَاً تَلَذَّذَتْ بِسَماعِ ذِكْرِكَ فِي إرادَتِكَ؟ أَوْ تَغُلُّ أَكُفَّاً رَفَعَتْهَا الآمالُ إلَيْكَ رَجآءَ رَأْفَتِكَ؟ أَوْ تُعاقِبُ أَبْداناً عَمِلَتْ بِطاعَتِكَ حَتَّى نَحِلَتْ فِي مُجاهَدَتِكَ، أَوْ تُعَذِّبُ أَرْجُلًا سَعَتْ فِي عِبادَتِكَ.
3- إلهِي لا تُغْلِقْ عَلى مُوَحِّدِيكَ أَبْوابَ رَحْمَتِكَ، وَلا تَحْجُبْ مُشْتاقِيكَ عَنِ النَّظَرِ إلَى جَمِيلِ رُؤْيَتِكَ.
4- إلهِي نَفْسٌ أَعْزَزْتَها بِتَوْحِيدِكَ، كَيْفَ تُذِلُّها بِمَهانَةِ هِجْرانِكَ؟ وَضَمِيرٌا نْعَقَدَ عَلى مَوَدَّتِكَ كَيْفَ تُحْرِقُهُ بِحَرارَةِ نِيرانِكَ؟
5- إلهِي أَجِرْنِي مِنْ أَلِيمِ غَضَبِكَ وَعَظِيمِ
ص: 299
سَخَطِكَ، يا حَنَّانُ يا مَنَّانُ، يا رَحِيمُ يا رَحْمنُ، يا جَبَّارُ يا قَهَّارُ، يا غَفَّارُ يا سَتَّارُ، نَجِّنِي بِرَحْمَتِكَ مِنْ عَذابِ النَّارِ، وَفَضِيحَةِ الْعارِ، إذَا امْتازَ الأخْيارُ مِنَ الأَشْرارِ، وَحالَتِ الأَحْوالُ، وَهالَتِ الأَهْوالُ وَقَرُبَ الْمُحْسِنُونَ، وَبَعُدَ الْمُسِيؤُونَ، وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ.
ص: 300
1- يا مَنْ إذا سَأَلَهُ عَبْدٌ أَعْطَاهُ، وَإذا أَمَّلَ ما عِنْدَهُ بَلَّغَهُ مُناهُ، وَإذا أَقْبَلَ عَلَيْهِ قَرَّبَهُ وَأَدْناهُ، وَإذا جاهَرَهُ بِالْعِصْيانِ سَتَرَ عَلَى ذَنْبِهِ وَغَطَّاهُ، وَإذا تَوَكَّلَ عَلَيْهِ أَحْسَبَهُ وَكَفَاهُ.
2- إلهِي مَنِ الَّذِي نَزَلَ بِكَ مُلْتَمِساً قِراكَ فَما قَرَيْتَهُ؟ وَمَنِ الَّذِي أَناخَ بِبابِكَ مُرْتَجِياً نَداكَ فَما أَوْلَيْتَهُ؟ أَيَحْسُنُ أَنْ أَرْجِعَ عَنْ بابِكَ بِالْخَيْبَةِ مَصْرُوفاً، وَلَسْتُ أَعْرِفُ سِواكَ مَوْلىً بِالإِحْسانِ مَوْصُوفاً؟ كَيْفَ أَرْجُو غَيْرَكَ وَالْخَيْرُ كُلُّهُ بِيَدِكَ؟!
ص: 301
وَكَيْفَ أُوَمِّلُ سِوَاكَ وَالْخَلْقُ وَالأَمْرُ لَكَ؟! أَأَقْطَعُ رَجآئِي مِنْكَ وَقَدْ أَوْلَيْتَنِي ما لَمْ أَسْأَلْهُ مِنْ فَضْلِكَ؟! أَمْ تُفْقِرُنِي إلى مِثْلِي وَأَنَا أَعْتَصِمُ بِحَبْلِكَ؟! يا مَنْ سَعِدَ بِرَحْمَتِهِ الْقاصِدُونَ، وَلَمْ يَشْقَ بِنِقْمَتِهِ الْمُسْتَغْفِرُونَ، كَيْفَ أَنْسَاكَ وَلَمْ تَزَلْ ذاكِرِي؟! وَكَيْفَ أَلْهُو عَنْكَ وَأَنْتَ مُراقِبِي؟!
3- إلهِي بِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقتُ يَدِي، وَلِنَيْلِ عَطاياكَ بَسَطْتُ أَمَلِي، فَأَخْلِصْنِي بِخالِصَةِ تَوْحِيدِكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَةِ عَبِيدِك، يامَنْ كُلُّ هارِبٍ إلَيْهِ يَلْتَجِئُ، وَكُلُّ طالِبٍ إيَّاهُ يَرْتَجِي، يا خَيْرَ مَرْجُوٍّ، وَيا أَكْرَمَ مَدْعُوٍّ، وَيا مَنْ لا يُرَدُّ سآئِلُهُ، وَلا يُخَيَّبُ آمِلُهُ، يا مَنْ بابُهُ مَفْتُوحٌ لِدَاعِيهِ، وَحِجابُهُ مَرْفُوعٌ لِراجِيهِ، أَسْأَلُكَ بِكَرَمِكَ أَنْ تَمُنَّ عَلَيَّ مِنْ عَطآئِكَ بِما تَقَرُّ بِهِ عَيْنِي، وَمِنْ رَجآئِكَ بِما تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي، وَمِنَ الْيَقِينِ بِما
ص: 302
تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيَّ مُصِيباتِ الدُّنْيا، وَتَجْلُو بِهِ عَنْ بَصِيرَتِي غَشَواتِ الْعَمى بِرَحْمتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 303
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي إنْ كانَ قَلَّ زادِي فِي الْمَسِيرِ إلَيْكَ، فَلَقَدْ حَسُنَ ظَنِّي بِالتَّوَكُّلِ عَلَيْكَ، وَإنْ كَانَ جُرْمِي قَدْ أَخافَنِي مِنْ عُقُوبَتِكَ، فَإنَّ رَجآئِي قَدْ أَشْعَرَنِي بِالأَمْنِ مِنْ نِقْمَتِكَ، وَإنْ كانَ ذَنْبِي قَدْ عَرَّضَنِي لِعِقابِكَ، فَقَدْ آذَنَنِي حُسْنُ ثِقَتِي بِثَوابِكَ، وَإنْ أَنامَتْنِي الْغَفْلَةُ عَنِ الاسْتِعْدادِ لِلِقآئِكَ، فَقَدْ نَبَّهَتْنِي الْمَعْرِفَةُ بِكَرَمِكَ وَآلآئِكَ، وَإنْ أَوْحَشَ ما بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَرْطُ الْعِصْيانِ وَالطُّغْيانِ، فَقَدْ آنَسَنِي بُشْرَى الْغُفْرانِ وَالرِّضْوانِ، أَسْأَلُكَ بِسُبُحاتِ وَجْهِكَ
ص: 304
وَبِأَنْوارِ قُدْسِكَ، وَأَبْتَهِلُ إلَيْكَ بِعَوَاطِفِ رَحمَتِكَ وَلَطائِفِ بِرِّكَ، أَنْ تُحَقِّقَ ظَنِّي بِما أُؤمِّلُهُ مِنْ جَزِيلِ إكْرامِكَ، وَجَمِيلِ إنْعامِكَ فِي الْقُرْبى مِنْكَ، وَالزُّلْفى لَدَيْكَ، وَالتَّمَتُّعِ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ، وَها أَنَا مُتَعَرِّضٌ لِنَفَحاتِ رَوْحِكَ وَعَطْفِكَ، وَمُنْتَجِعٌ غَيْثَ جُودِكَ وَلُطْفِكَ، فَارٌّ مِنْ سَخَطِكَ إلى رِضاكَ، هارِبٌ مِنْكَ إلَيْكَ، راجٍ أَحْسَنَ ما لَدَيْكَ، مُعَوِّلٌ عَلى مَواهِبِكَ، مُفْتَقِرٌ إلى رِعايَتِكَ.
2- إلهِي ما بَدَأْتَ بِهِ مِنْ فَضْلِكَ فَتَمِّمْهُ، وَما وَهَبْتَ لِي مِنْ كَرَمِكَ فَلا تَسْلُبْهُ، وَما سَتَرْتَهُ عَلَيَّ بِحِلْمِكَ فَلا تَهْتِكْهُ، وَما عَلِمْتَهُ مِنْ قَبِيحِ فِعْلِي فَاغْفِرْهُ.
3- إلهِي اسْتَشْفَعْتُ بِكَ إلَيْكَ، وَاسْتَجَرْتُ بِكَ مِنْكَ أَتَيْتُكَ طامِعَاً فِي إحْسانِكَ، راغِباً فِي امْتِنانِكَ، مُسْتَسْقِياً وابِلَ طَوْلِكَ مُسْتَمْطِراً غَمامَ فَضْلِكَ،
ص: 305
طالِباً مَرْضاتِكَ، قاصِدَاً جَنابَكَ، وارِداً شَرِيعَةَ رِفْدِكَ، مُلْتَمِساً سَنِيَّ الْخَيْراتِ مِنْ عِنْدِكَ، وافِدَاً إلى حَضْرَةِ جَمالِكَ، مُرِيداً وَجْهَكَ، طارِقاً بابَكَ، مُسْتَكِيناً لِعَظَمَتِكَ وَجَلالِكَ، فَافْعَلْ بِي ما أَنْتَ أَهْلُهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَلا تَفْعَلْ بِي ما أَنَا أَهْلُهُ مِنَ الْعَذابِ وَالنِّقْمَةِ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 306
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي أَذْهَلَنِي عَنْ إقامَةِ شُكْرِكَ تَتابُعُ طَوْلِكَ، وَأَعْجَزَنِي عَنْ إحْصآءِ ثَنآئِكَ فَيْضُ فَضْلِكَ، وَشَغَلَنِي عَنْ ذِكْرِ مَحامِدِكَ تَرادُفُ عَوآئِدِكَ، وَأَعْيانِي عَنْ نَشْرِ عوارِفِكَ تَوالِي أَيادِيكَ، وَهذَا مَقامُ مَنِ اعْتَرَفَ بِسُبُوغِ النَّعْمآءِ، وَقابَلَها بِالتَّقْصِيرِ، وَشَهِدَ عَلى نَفْسِهِ بِالإهْمالِ وَالتَّضْيِيعِ، وَأَنْتَ الرَّؤُوفُ الرَّحِيمُ الْبَرُّ الْكَرِيمُ، الَّذِي لا يُخَيِّبُ قاصِدِيهِ، وَلا يَطْرُدُ عَنْ فِنآئِهِ آمِلِيهِ، بِساحَتِكَ تَحُطُّ رِحالُ الرَّاجِينَ، وَبِعَرْصَتِكَ
ص: 307
تَقِفُ آمالُ الْمُسْتَرْفِدِينَ، فَلا تُقابِلْ آمالَنا بِالتَّخْيِيبِ وَالإياسِ، وَلاتُلْبِسْنا سِرْبالَ الْقُنُوطِ وَالإِبْلاسِ.
2- إلهِي تَصاغَرَ عِنْدَ تَعاظُمِ آلائِكَ شُكْرِي، وَتَضَاءَلَ فِي جَنْبِ إكْرَامِكَ إيَّايَ ثَنآئِي وَنَشْرِي، جَلَّلَتْنِي نِعَمُكَ مِنْ أَنْوَارِ الإِيْمانِ حُلَلًا، وَضَرَبَتْ عَلَيَّ لَطآئِفُ بِرِّكَ مِنَ الْعِزِّ كِلَلًا، وَقَلَّدْتَنِي مِنْكَ قَلآئِدَ لا تُحَلُّ، وَطَوَّقْتَنِي أَطْوَاقَاً لا تُفَلُّ، فَآلاؤُكَ جَمَّةٌ ضَعُفَ لِسانِي عَنْ إحْصائِها، وَنَعْمآؤُكَ كَثِيرَةٌ قَصُرَ فَهْمِي عَنْ إدْرَاكِها فَضْلًا عَنِ اسْتِقْصآئِها، فَكَيْفَ لِي بِتَحْصِيلِ الشُّكْرِ، وَشُكْرِي إيَّاكَ يَفْتَقِرُ إلى شُكْرٍ، فَكُلَّما قُلْتُ: لَكَ الْحَمْدُ، وَجَبَ عَلَيَّ لِذلِكَ أَنْ أَقُولَ: لَكَ الْحَمْدُ.
3- إلهِي فَكَما غَذَّيْتَنا بِلُطْفِكَ، وَرَبَّيْتَنا بِصُنْعِكَ، فَتَمِّمْ عَلَيْنَا سَوابِغَ النِّعَمِ، وَادْفَعْ عَنَّا
ص: 308
مَكارِهَ النِّقَمِ، وَآتِنا مِنْ حُظُوظِ الدَّارَيْنِ أَرْفَعَهَا وَأَجَلَّها عاجِلًا وَآجِلًا، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلى حُسْنِ بَلَائِكَ وَسُبُوغِ نَعْمآئِكَ حَمْدَاً يُوافِقُ رِضاكَ، وَيَمْتَرِي الْعَظِيمَ مِنْ بِرِّكَ وَنَداكَ، يا عَظِيمُ يا كَرِيمُ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 309
بسم الله الرحمن الرحیم
1- أَللَّهُمَّ أَلْهِمْنا طاعَتَكَ، وَجَنِّبْنا مَعْصِيَتَكَ، وَيَسِّرْ لَنا بُلُوغَ ما نَتَمَنّى مِنِ ابْتِغآءِ رِضْوانِكَ، وَأَحْلِلْنا بُحْبُوحَةَ جِنانِكَ، وَاقْشَعْ عَنْ بَصائِرنا سَحابَ الارْتِيابِ، وَاكْشِفْ عَنْ قُلُوبِنا أَغْشِيَةَ الْمِرْيَةِ وَالْحِجابِ، وَأَزْهِقِ الْباطِلَ عَنْ ضَمآئِرِنا، وَأَثْبِتِ الْحَقَّ فِي سَرائِرِنا، فَإنَّ الشُّكُوكَ وَالظُّنُونَ لَواقِحُ الْفِتَنِ، وَمُكَدِّرَةٌ لِصَفْوِ الْمَنآئِحِ وَالْمِنَنِ.
2- أَللَّهُمَّ احْمِلْنا فِي سُفُنِ نَجاتِكَ، وَمَتِّعْنا بِلَذِيْذِ مُناجاتِكَ، وَأَوْرِدْنا حِياضَ حُبِّكَ، وَأَذِقْنا
ص: 310
حَلاوَةَ وُدِّكَ وَقُرْبِكَ، وَاجْعَلْ جِهادَنا فِيكَ، وَهَمَّنا فِي طاعَتِكَ، وَأَخْلِصْ نِيَّاتِنا فِي مُعامَلَتِكَ، فَإنَّا بِكَ وَلَكَ، وَلا وَسِيلَةَ لَنا إلَيْكَ إلَّاأَنْتَ.
3- إلهِي اجْعَلْنِي مِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيارِ، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ الأَبْرارِ، السَّابِقِينَ إلَى الْمَكْرُماتِ، الْمسارِعِينَ إلَى الْخَيْراتِ، الْعامِلِينَ لِلْباقِياتِ الصَّالِحاتِ، السَّاعِينَ إلى رَفِيعِ الدَّرَجاتِ، إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ، وَبِالإجابَةِ جَدِيرٌ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 311
بسم الله الرحمن الرحیم
1- سُبْحانَكَ ما أَضْيَقَ الطُّرُقَ عَلى مَنْ لَمْ تَكُنْ دَلِيلَهُ! وَما أَوْضَحَ الْحَقَّ عِنْدَ مَنْ هَدَيْتَهُ سَبِيلَه!
2- إلهِي فاسْلُكْ بِنا سُبُلَ الْوُصُولِ إلَيْكَ، وَسَيِّرْنا فِي أَقْرَبِ الطُّرُقِ لِلْوُفُودِ عَلَيْكَ، قَرِّبْ عَلَيْنَا الْبَعِيدَ، وَسَهِّلَ عَلَيْنَا الْعَسِيرَ الشَّدِيدَ، وَأَلْحِقْنا بِعِبادِكَ الَّذِينَ هُمْ بِالْبِدارِ إلَيْكَ يُسارِعُونَ، وَبابَكَ عَلَى الدَّوامِ يَطْرُقُونَ، وَإيَّاكَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ يَعْبُدُونَ، وَهُمْ مِنْ هَيْبَتِكَ مُشْفِقُونَ، الَّذِينَ صَفَّيْتَ لَهُمُ الْمَشارِبَ، وَبَلَّغْتَهُمُ الرَّغآئِبَ، وَأَنْجَحْتَ
ص: 312
لَهُمُ الْمَطالِبَ، وَقَضَيْتَ لَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ الْمَآرِبَ، وَمَلأْتَ لَهُمْ ضَمآئِرَهُمْ مِنْ حُبِّكَ وَرَوَّيْتَهُمْ مِنْ صافِي شِرْبِكَ، فَبِكَ إلى لَذِيذِ مُناجاتِكَ وَصَلُوا، وَمِنْكَ أَقْصى مَقاصِدِهِمْ حَصَّلُوا، فَيا مَنْ هُوَ عَلى الْمُقْبِلِينَ عَلَيْهِ مُقْبِلٌ، وَبِالْعَطْفِ عَلَيْهِمْ عآئِدٌ مُفْضِلٌ، وَبِالْغافِلِينَ عَنْ ذِكْرِهِ رَحِيمٌ رَؤُوفٌ، وَبِجَذْبِهمْ إلى بابِهِ وَدُودٌ عَطُوفٌ، أَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنِي مِنْ أَوْفَرِهِمْ مِنْكَ حَظّاً، وَأَعْلاهُمْ عِنْدَكَ مَنْزِلًا، وَأَجْزَلِهِمْ مِنْ وُدِّكَ قِسَماً، وَأَفْضَلِهِمْ فِي مَعْرِفَتِكَ نَصِيباً، فَقَدِ انْقطَعَتْ إلَيْكَ هِمَّتِي، وَانْصَرَفَتْ نَحْوَكَ رَغْبَتِي، فَأَنْتَ لَا غَيْرُكَ مُرادِي، وَلَكَ لا لِسِواكَ سَهَرِي وَسُهادِي، وَلِقاؤُكَ قُرَّةُ عَيْني، وَوَصْلُكَ مُنى نَفْسِي، وَإلَيْكَ شَوْقِي، وَفِي مَحَبَّتِكَ وَلَهِي، وَإلى هَواكَ صَبابَتِي، وَرِضاكَ بُغْيَتي، وَرُؤْيَتُكَ حاجَتِي، وَجِوارُكَ طَلَبِي، وَقُرْبُكَ
ص: 313
غايَةُ سُؤْلِي، وَفِي مُنَاجَاتِكَ رَوْحِي وَراحَتِي، وَعِنْدَكَ دَوآءُ عِلَّتِي، وَشِفآءُ غُلَّتِي، وَبَرْدُ لَوْعَتِي، وَكَشْفُ كُرْبَتِي؛ فَكُنْ أَنِيْسِي فِي وَحْشَتِي، وَمُقِيلَ عَثْرَتِي، وَغافِرَ زَلَّتِي، وَقابِلَ تَوْبَتِي، وَمُجِيبَ دَعْوَتِي، وَوَلِيَّ عِصْمَتِي، وَمُغْنِيَ فاقَتِي، وَلا تَقْطَعْنِي عَنْكَ، وَلا تُبْعِدْنِي مِنْكَ يا نَعِيمِي وَجَنَّتِي، وَيا دُنْيايَ وَآخِرَتِي، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 314
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي مَنْ ذَا الَّذِي ذَاقَ حَلاوَةَ مَحَبَّتِكَ، فَرامَ مِنْكَ بَدَلًا؟
وَمَنْ ذَا الَّذِي أَنِسَ بِقُرْبِكَ، فَابْتَغَى عَنْكَ حِوَلًا؟
2- إلهِي فَاجْعَلْنا مِمَّنِ اصْطَفَيْتَهُ لِقُرْبِكَ وَوِلايَتِكَ، وَأَخْلَصْتَه لِوُدِّكَ وَمَحَبَّتِكَ، وَشَوَّقْتَهُ إلى لِقَآئِكَ، وَرَضَّيْتَهُ بِقَضآئِكَ، وَمَنَحْتَهُ بِالنَّظَرِ إلى وَجْهِكَ، وَحَبَوْتَهُ بِرِضاكَ، وَأَعَدْتَهُ مِنْ هَجْرِكَ وَقِلاكَ، وَبَوَّأْتَهُ مَقْعَدَ الصِّدْقِ فِي جِوارِكَ، وَخَصَصْتَهُ بِمَعْرِفَتِكَ، وَأَهَّلْتَهُ لِعِبادَتِكَ، وَهَيَّمْتَ
ص: 315
قَلْبَهُ لإرادَتِكَ، وَاجْتَبَيْتَهُ لِمُشاهَدَتِكَ، وَأَخْلَيْتَ وَجْهَهُ لَكَ، وَفَرَّغْتَ فُؤادَهُ لِحُبِّكَ، وَرَغَّبْتَهُ فِيمَا عِنْدَكَ، وَأَلْهَمْتَهُ ذِكْرَكَ، وَأَوْزَعْتَهُ شُكْرَكَ، وَشَغَلْتَهُ بِطاعَتِكَ، وَصَيَّرْتَهُ مِنْ صالِحِي بَرِيَّتِكَ، وَاخْتَرْتَهُ لِمُناجاتِكَ، وَقَطَعْتَ عَنْهُ كُلَّ شَيْ ءٍ يَقْطَعُهُ عَنْكَ.
3- أَللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ دَأْبُهُمُ الارْتِياحُ إلَيْكَ وَالْحَنِينُ، وَدَهْرُهُمُ الزَّفْرَةُ وَالأَنِينُ، جِباهُهُمْ سَاجِدَةٌ لِعَظَمَتِكَ، وَعُيُونُهُمْ ساهِرَةٌ فِي خِدْمَتِكَ، وَدُمُوعُهُمْ سآئِلَةٌ مِنْ خَشْيَتِكَ، وَقُلُوبُهُمْ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحَبَّتِكَ، وَأَفْئِدَتُهُمْ مُنْخَلِعَةٌ مِنْ مَهابَتِكَ، يامَنْ أَنْوارُ قُدْسِهِ لِأَبْصارِ مُحِبِّيهِ رآئِقَةٌ، وَسُبُحاتُ وَجْهِهِ لِقُلُوبِ عارِفيهِ شآئِقَةٌ، يا مُنى قُلُوبِ الْمُشْتاقِينَ، وَيا غَايَةَ آمالِ الْمُحِبِّينَ أَسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ، وَحُبَّ كُلِّ عَمَلٍ يُوصِلُنِي إلى قُرْبِكَ، وَأَنْ تَجْعَلَكَ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا سِواكَ وَأَنْ تَجْعَلَ حُبِّي
ص: 316
إيَّاكَ قآئِداً إلى رِضْوانِكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ ذآئِداً عَنْ عِصْيانِكَ، وَامْنُنْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ عَلَيَّ، وَانْظُرْ بِعَيْنِ الْوُدِّ وَالْعَطْفِ إلَيَّ، وَلا تَصْرِفْ عَنِّي وَجْهَكَ، وَاجْعَلْنِي مِنْ أَهْلِ الإِسْعادِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَكَ، يا مُجِيبُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 317
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي لَيْسَ لِي وَسِيلَةٌ إلَيْكَ إلَّاعَواطِفُ رَأفَتِكَ، وَلا لِي ذَرِيعَةٌ إلَيْكَ إلَّاعَوارِفُ رَحْمَتِكَ، وَشَفاعَةُ نَبِيِّكَ؛ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، وَمُنْقِذِ الأُمَّةِ مِنَ الْغُمَّةِ، فَاجْعَلْهُما لِي سَبَباً إلى نَيْلِ غُفْرانِكَ، وَصَيِّرْهُمَا لِي وُصْلَةً إلى الْفَوْزِ بِرِضْوانِكَ، وَقَدْ حَلَّ رَجآئِي بِحَرَمِ كَرَمِكَ، وَحَطَّ طَمَعِي بِفِنآءِ جُودِكَ. فَحَقِّقْ فِيكَ أَمَلِيْ وَاخْتِمْ بِالْخَيْرِ عَمَلِي، وَاجْعَلْنِي مِنْ صَفْوَتِكَ الَّذِينَ أَحْلَلْتَهُمْ بُحْبُوحَةَ جَنَّتِكَ، وَبَوَّأْتَهُمْ دارَ كَرامَتِكَ وَأَقْرَرْتَ أَعْيُنَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَيْكَ يَوْمَ
ص: 318
لِقآئِكَ، وَأَوْرَثْتَهُمْ مَنازِلَ الصِّدْقِ فِي جِوارِكَ.
2- يامَنْ لا يَفِدُ الْوافِدُونَ عَلى أَكْرَمَ مِنْهُ، وَلا يَجِدُ الْقاصِدُونَ أَرْحَمَ مِنْهُ، يا خَيْرَ مَنْ خَلا بِهِ وَحِيدٌ، وَيا أَعْطَفَ مَنْ أَوى إلَيْهِ طَرِيدٌ، إلى سَعَةِ عَفْوِكَ مَدَدْتُ يَدِي، وَبِذَيْلِ كَرَمِكَ أَعْلَقْتُ كَفِّي، فَلا تُولِنِي الْحِرْمانَ، وَلا تُبْلِنِي بِالْخَيْبَةِ وَالْخُسْرانِ، يا سَمِيعَ الدُّعآءِ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 319
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي كَسْرِي لا يَجْبُرُهُ إلَّالُطْفُكَ وَحَنانُكَ، وَفَقْرِي لا يُغْنِيهِ إلَّاعَطْفُكَ وَإحْسانُكَ، وَرَوْعَتِي لا يُسَكِّنُهَا إلَّا أَمانُكَ، وَذِلَّتِي لا يُعِزُّها إلَّاسُلْطانُكَ، وَأُمْنِيَّتِي لا يُبَلِّغُنِيها إلَّافَضْلُكَ، وَخَلَّتِي لا يَسُدُّها إلَّاطَوْلُكَ، وَحاجَتِي لا يَقْضِيها غَيْرُكَ، وَكَرْبِي لَا يُفَرِّجُهُ سِوى رَحْمَتِكَ، وَضُرِّي لا يَكْشِفُهُ غَيْرُ رَأْفَتِكَ، وَغُلَّتِي لا يُبَرِّدُها إلَّا وَصْلُكَ، وَلَوْعَتِي لا يُطْفِيها إلَّالِقآؤُكَ، وَشَوْقِي إلَيْكَ لا يَبُلُّهُ إلَّاالنَّظَرُ إلى وَجْهِكَ، وَقَرارِي لا يَقِرُّ دُونَ دُنُوِّي
ص: 320
مِنْكَ، وَلَهْفَتِي لَا يَرُدُّها إلَّارَوْحُكَ، وَسُقْمِي لا يَشْفِيهِ إلَّاطِبُّكَ، وَغَمِّي لا يُزِيلُهُ إلَّاقُرْبُكَ، وَجُرْحِي لا يُبْرِئُهُ إلَّاصَفْحُكَ، وَرَيْنُ قَلْبِي لا يَجْلُوهُ إلَّا عَفْوُكَ، وَوَسْواسُ صَدْرِي لا يُزِيحُهُ إلَّاأَمْرُكَ.
2- فَيا مُنْتَهى أَمَلِ الآمِلِينَ، وَيا غايَةَ سُؤْلِ السَّآئِلِينَ، وَيا أَقْصى طَلِبَةِ الطَّالِبِينَ، وَيا أَعْلَى رَغْبَةِ الرَّاغِبِينَ، وَيا وَلِيَّ الصَّالِحِينَ، وَيا أَمانَ الْخآئِفِينَ، وَيا مُجِيبَ دَعْوَةِ الْمُضْطَرِّينَ، وَيا ذُخْرَ الْمُعْدِمِينَ، وَيا كَنْزَ الْبآئِسِينَ، وَيا غِياثَ الْمُسْتَغيثِينَ، وَيا قَاضِيَ حَوائِجَ الْفُقَرآءِ وَالْمَساكِينِ، وَيا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، لَكَ تَخَضُّعِي وَسُؤالِي، وَإلَيْكَ تَضَرُّعِي وَابْتِهالِيْ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُنِيلَنِي مِنْ رَوْحِ رِضْوانِكَ، وَتُدِيمَ عَلَيَّ نِعَمَ امْتِنانِكَ، وَها أَنَا بِبابِ كَرَمِكَ
ص: 321
واقِفٌ، وَلِنَفَحاتِ بِرِّكَ مُتَعَرِّضٌ، وَبِحَبْلِكَ الشَّدِيدِ مُعْتَصِمٌ، وَبِعُرْوَتِكَ الْوُثْقى مُتَمَسِّكٌ.
3- إلهِي ارْحَمْ عَبْدَكَ الذَّلِيلَ، ذَا اللِّسانِ الْكَلِيلِ، وَالْعَمَلِ الْقَلِيلِ، وَامْنُنْ عَلَيْهِ بِطَوْلِكَ الْجَزِيلِ، وَاكْنُفْهُ تَحْتَ ظِلِّكَ الظَّلِيلِ يا كَرِيمُ يا جَمِيلُ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 322
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي قَصُرَتِ الأَلْسُنُ عَنْ بُلُوغِ ثَنآئِكَ، كَما يَلِيقُ بِجَلالِكَ، وَعَجَزَتِ الْعُقُولُ عَنْ إدْراكِ كُنْهِ جَمالِكَ، وَانْحَسَرَتِ الأَبْصارُ دُونَ النَّظَرِ إلى سُبُحاتِ وَجْهِكَ، وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَرِيقاً إلى مَعْرِفَتِكَ إلَّابِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ.
2- إلهِي فَاجْعَلْنا مِنَ الَّذِينَ تَرَسَّخَتْ أَشْجارُ الشَّوقِ إلَيْكَ فِي حَدآئِقِ صُدُورِهِمْ، وَأَخَذَتْ لَوْعَةُ مَحَبَّتِكَ بِمَجامِعِ قُلُوبِهِمْ، فَهُمْ إلَى أَوْكارِ الأَفْكارِ يَأْوُونَ، وَفِي رِياضِ الْقُرْبِ وَالْمُكاشَفَةِ يَرْتَعُونَ،
ص: 323
وَمِنْ حِياضِ الْمَحَبَّةِ بِكَأْسِ الْمُلاطَفَةِ يَكْرَعُونَ، وَشَرايعَ الْمُصافاةِ يَرِدُونَ، قَدْ كُشِفَ الْغِطآءُ عَنْ أَبْصَارِهِمْ، وَانْجَلَتْ ظُلْمَةُ الرَّيْبِ عَنْ عَقآئِدِهِمْ، وَانْتَفَتْ مُخالَجَةُ الشَّكِّ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَرآئِرِهِمْ، وَانْشَرَحَتْ بِتَحْقِيقِ الْمَعْرِفَةِ صُدُورُهُمْ، وَعَلَتْ لِسَبْقِ السَّعادَةِ فِي الزَّهادَةِ هِمَمُهُمْ، وَعَذُبَ فِي مَعِينِ الْمُعامَلَةِ شِرْبُهُمْ وَطابَ فِي مَجْلِسِ الأُنْسِ سِرُّهُمْ، وَأَمِنَ فِي مَوْطِنِ الْمَخافَةِ سِرْبُهُمْ، وَاطْمَأَنَّتْ بِالرُّجُوْعِ إلى رَبِّ الأَرْبابِ أَنْفُسُهُمْ، وَتَيَقَّنَتْ بِالْفَوْزِ وَالْفَلاحِ أَرْواحُهُمْ، وَقَرَّتْ بِالنَّظَرِ إلى مَحْبُوبِهِمْ أَعْيُنُهُمْ، وَاسْتَقَرَّ بِإدْراكِ السُّؤْلِ وَنَيْلِ الْمَأْمُولِ قَرَارُهُمْ، وَرَبِحَتْ فِي بَيْعِ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ تِجارَتُهُمْ.
3- إلهِي ما أَلَذَّ خَواطِرَ الإِلْهامِ بِذِكْرِكَ عَلَى الْقُلُوبِ، وَما أَحْلَى الْمَسِيرَ إلَيْكَ بِالأَوْهامِ فِي
ص: 324
مَسالِكِ الْغُيُوبِ، وَما أَطْيَبَ طَعْمَ حُبِّكَ، وَما أَعْذَبَ شِرْبَ قُرْبِكَ، فَأَعِذْنا مِنْ طَرْدِكَ وَإبْعادِكَ، وَاجْعَلْنا مِنْ أَخَصِّ عارِفِيكَ، وَأَصْلَحِ عِبادِكَ، وَأَصْدَقِ طآئِعِيكَ وَأَخْلَصِ عُبَّادِكَ، يا عَظِيمُ، يا جَلِيلُ، يا كَرِيمُ، يا مُنِيلُ، بِرَحْمَتِكَ وَمَنِّكَ، يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 325
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي لَوْلا الْواجِبُ مِنْ قَبُولِ أمْرِكَ لَنَزَّهْتُكَ مِنْ ذِكْرِي إيَّاكَ، عَلى أَنَّ ذِكْرِي لَكَ بِقَدْرِي، لا بِقَدْرِكَ، وَما عَسى أَنْ يَبْلُغَ مِقْدارِي، حَتّى أُجْعَلَ مَحَلّاً لِتَقْدِيسِكَ، وَمِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ عَلَيْنا جَرَيانُ ذِكْرِكَ عَلى أَلْسِنَتِنَا، وَإذْنُكَ لَنا بِدُعآئِكَ، وَتَنْزِيهِكَ وَتَسْبِيحِكَ.
2- إلهِي فَأَلْهِمْنا ذِكْرَكَ فِي الْخَلآءِ وَالْمَلآءِ، وَاللَّيْلِ وَالنَّهارِ، وَالإِعْلانِ وَالإِسْرارِ، وَفِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ، وَآنِسْنا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَاسْتَعْمِلْنا بِالْعَمَلِ
ص: 326
الزَّكِيِّ، وَالسَّعْيِ الْمَرْضِيِّ، وَجازِنا بِالْمِيزانِ الَوَفِيِّ.
3- إلهِي بِكَ هامَتِ الْقُلُوبُ الْوالِهَةُ، وَعَلى مَعْرِفَتِكَ جُمِعَتِ الْعُقُولُ الْمُتَبايِنَةُ، فَلا تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ إلَّابِذِكْراكَ، وَلا تَسْكُنُ النُّفُوسُ إلّاعِنْدَ رُؤْياكَ، أَنْتَ الْمُسَبَّحُ فِي كُلِّ مَكانٍ، وَالْمَعْبُودُ فِي كُلِّ زَمانٍ، وَالْمَوْجُودُ فِي كُلِّ أَوانٍ، وَالْمَدْعُوُّ بِكُلِّ لِسانٍ، وَالْمُعَظَّمُ فِي كُلِّ جَنانٍ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمِنْ كُلِّ راحَةٍ بِغَيْرِ أُنْسِكَ، وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيْرِ قُرْبِكَ، وَمِنْ كُلِّ شُغْلٍ بِغَيْرِ طاعَتِكَ.
4- إلهِي أَنْتَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: «يَآ أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا *
وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (1)» وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُّ: «فَاذْكُرُونِي
ص: 327
أَذْكُرْكُمْ (1)» فَأَمَرْتَنا بِذِكْرِكَ، وَوَعَدْتَنا عَلَيْهِ أَنْ تَذْكُرَنا تَشْرِيفاً لَنا وَتَفْخِيماً وَإعْظاماً، وَها نَحْنُ ذاكِرُوكَ كَما أَمَرْتَنا، فَأَنْجِزْ لَنا مَا وَعَدْتَنا يا ذاكِرَ الذَّاكِرِينَ، وَيا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 328
بسم الله الرحمن الرحیم
1- أَللَّهُمَّ يا مَلَاذَ اللآئِذِينَ، وَيا مَعاذَ الْعآئِذِينَ، وَيا مُنْجِيَ الْهالِكِينَ، وَيا عاصِمَ الْبآئِسِينَ، وَيا راحِمَ الْمَساكِينِ، وَيا مُجِيبَ الْمُضْطَرِّينَ، وَيا كَنْزَ الْمُفْتَقِرِينَ، وَيا جابِرَ الْمُنْكَسِرِينَ، وَيا مَأْوَى الْمُنْقَطِعِينَ، وَيا ناصِرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، وَيا مُجِيرَ الْخآئِفِينَ، وَيا مُغِيثَ الْمَكْرُوبِينَ، وَيا حِصْنَ اللَّاجِينَ، إنْ لَمْ أَعُذْ بِعِزَّتِكَ فَبِمَنْ أَعُوذُ؟ وَإنْ لَمْ أَلُذْ بِقُدْرَتِكَ فَبِمَنْ أَلُوذُ؟ وَقَدْ أَلْجَأَتْنِي الذُّنُوبُ إلَى التَّشَبُّثِ بِأَذْيالِ
ص: 329
عَفْوِكَ، وَأَحْوَجَتْنِي الْخَطايا إلَى اسْتِفْتاحِ أَبْوابِ صَفْحِكَ، وَدَعَتْنِي الإِسآءَةُ إلَى الإِناخَةِ بِفِنآءِ عِزِّكَ، وَحَمَلَتْنِي الْمَخافَةُ مِنْ نِقْمَتِكَ عَلَى التَّمَسُّكِ بِعُرْوَةِ عَطْفِكَ، وَما حَقُّ مَنِ اعْتَصَمَ بِحَبْلِكَ أَنْ يُخْذَلَ، وَلا يَلِيقُ بِمَنِ اسْتَجَارَ بِعِزِّكَ أَنْ يُسْلَمَ أَوْ يُهْمَلَ. إلهِي فَلا تُخْلِنا مِنْ حِمايَتِكَ، وَلَا تُعْرِنَا مِنْ رِعَايَتِكَ، وَذُدْنا عَنْ مَوارِدِ الْهَلَكَةِ، فَإنَّا بِعَيْنِكَ وَفِي كَنَفِكَ وَلَكَ، أَسْأَلُكَ بِأَهْل خاصَّتِكَ مِنْ مَلآئِكَتِكَ، وَالصَّالِحِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْنا واقِيَةً تُنْجِينا مِنَ الْهَلَكاتِ، وَتُجَنِّبُنا مِنَ الآفاتِ، وَتُكِنُّنا مِنْ دَواهِي الْمُصِيباتِ، وَأَنْ تُنْزِلَ عَلَيْنا مِنْ سِكَيْنَتِكَ، وَأَنْ تُغَشِّيَ وُجُوهَنا بِأَنْوارِ مَحَبَّتِكَ، وَأَنْ تُؤْوِيَنا إلى شَدِيدِ رُكْنِكَ، وَأَنْ تَحْوِيَنا فِي أَكْنافِ عِصْمَتِكَ، بِرأْفَتِكَ وَرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
ص: 330
بسم الله الرحمن الرحیم
1- إلهِي أَسْكَنْتَنا داراً حَفَرَتْ لَنا حُفَرَ مَكْرِها، وَعَلَّقَتْنا بِأَيْدِي الْمَنايا فِي حَبائِلِ غَدْرِها، فَإلَيْكَ نَلْتَجِئُ مِنْ مَكآئِدِ خُدَعِها، وَبِكَ نَعْتَصِمُ مِنَ الاغْتِرارِ بِزَخارِفِ زِيْنَتِهَا، فَإنَّهَا الْمُهْلِكَةُ طُلَّابَها، الْمُتْلِفَةُ حُلَّالَها، الْمَحْشُوَّةُ بِالآفاتِ، الْمَشْحُونَةُ بِالنَّكَباتِ.
2- إلهِي فَزَهِّدْنا فِيها، وَسَلِّمْنا مِنْها بِتَوْفِيقِكَ وَعِصْمَتِكَ، وَانْزَعْ عَنَّا جَلابِيبَ مُخالَفَتِكَ، وَتَوَلَّ أُمُورَنا بِحُسْنِ كِفايَتِكَ، وَأَوْفِرْ مَزِيدَنا مِنْ سَعَةِ
ص: 331
رَحْمَتِكَ، وَأَجْمِلْ صِلاتِنا مِنْ فَيْضِ مَواهِبِكَ، وَاغْرِسْ فِي أَفْئِدَتِنا أَشْجارَ مَحَبَّتِكَ، وَأَتْمِمْ لَنا أَنْوارَ مَعْرِفَتِكَ، وَأَذِقْنا حَلاوَةَ عَفْوِكَ، وَلَذَّةَ مَغْفِرَتِكَ، وَأَقْرِرْ أَعْيُنَنا يَوْمَ لِقآئِكَ بِرُؤْيَتِكَ، وَأَخْرِجْ حُبَّ الدُّنْيا مِنْ قُلُوبِنا، كَما فَعَلْتَ بِالصَّالِحِينَ مِنْ صَفْوَتِكَ، وَالأَبْرارِ مِنْ خاصَّتِكَ، بِرَحْمَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وَيا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
لقد أنجز طباعة هذه الصحیفة السجادیة المبارکة بعد مقابلتها مع عدة نسخ مخطوطة ومطبوعة فجاء بحمدلله تعالی خالیاً من الأ غلاط المطبعیة وغیرها.
ناشر
ص: 332