ذكريات شهري الحج (ذي الققعده و ذي الحجه)

اشارة

سرشناسه : حائري، ايوب، 1344 -

عنوان و نام پديدآور : ذكريات شهري الحج (ذي الققعده و ذي الحجه)/ ايوب الحائري.

مشخصات نشر : تهران: مشعر، 1388.

مشخصات ظاهري : 148 ص.: جدول.

شابك : 10000 ريال: 978-964-540-199-1

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي

يادداشت : كتابنامه: ص.[ 141] - 148 ؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : اسلام -- تاريخ -- گاهشماري

موضوع : روزهاي خاص

رده بندي كنگره : DSR76/ح2ك7 1388

رده بندي ديويي : 955/002

شماره كتابشناسي ملي : 1839443

ص:1

تقديم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدلله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين.

في ايّام شهري ذي القعدة وذي الحجة الحرامَين ذكريّات عن مناسبات دينية اسلامية، وبعضها لبعض منتسبي أهل بيت رسول الله (ص) ويودّ المؤمن الحاج الي رحاب حرم الله وحرم رسوله (ص) أن يتذكّرها، ليوثق صلته بربّه وبنبيّه (ص) وآله (عليهم السلام)، ويؤدّي بعض ما عليه من الحقوق تجاههم.

و ان بعثه الحجّ الجمهورية الاسلامية في ايران بما عليها من التكاليف والواجبات، ولاسيَّما علي معاونية التعليم والبحوث، اطّلعت علي سابقه حسنة للاخ أيوب الحائري في التأليف، فطلبت منه أن يقوم بتدوين مناسبات شهري ذي القعدة وذي الحجة بما يناسب المخاطب في موسم الحج، فكانت هذه الكرّاسة القيّمة والباقة العطرة، نقدمها إلي وفود الرحمن بشكل خاص وإلي كل من رام

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

ص: 6

التعرف علي حقائق تاريخ الإسلام ومبادئه بشكل عام، عسي ان تكون هذه المحاولة إسهاماً في نشربعض معارف الاسلام الاصيل لأبناء أمّتنا الإسلامية ليتعرفوا علي تاريخهم المجيد من خلال هذا العرض الجديد.

وأخيراً نشكر الله تعالي أن وفقنا لهذا العمل الصالح، سائلين المولى القدير حسن القبول، واستمرار التوفيق، لخدمة الإسلام والمسلمين وشريعة سيد المرسلين ومذهب أهل بيته الطاهرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

معاونية التعليم والبحوث للبعثة الحج الايرانية

النصف من شعبان المعظم 1430 ه. ق

ذكري ميلاد المصلح العالمي المنتظر

ص: 7

(وَذَكّرْهُمْ بِأَيّامِ اللهِ) (1)

مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين.

لقد اهتم الإنسان أشد الاهتمام بالزمان والتاريخ كعامل مهم في حياته الفردية والإجتماعية، وأخذت كل أمّة تسعى لكي تحفظ تراثها من خلال تسجيل زمن حدوث الوقائع ومكانها بحسب المبدأ التاريخي الذي تختاره.

و في الإسلام تزداد مكانة بعض الأيام والتواريخ، بحسب الأحداث التي وقعت فيها، أو التي ستقع فيها، وهذا ما نلمسه من واقع حياتنا كمسلمين، إذ وردت أحاديث كثيرة في فضل بعض الأيام بالخصوص، فليلة القدر في القرآن خير من ألف شهر، ويوم الجمعة لها خصوصية معينة، وحدث هجرة الرسول (ص)

ص: 8


1- إبراهيم: الآية 5.

له مكانة عالية إذ جعل مبدأ للتاريخ في الإسلام، فسميت السنة بالهجرية نسبة إلى هذه الحادثة العظيمة وليست هذه منحصرة بالإسلام، فقد اعتمد المسيحيون يوم ميلاد السيد المسيح (ع) مبدءاً لتقاويمهم تخليداً لذلك الحدث المهم وهكذا سائر الامم والاديان.

ومما ينبغي الإشارة إليه في هذا المجال، هو التركيز على الاستفادة المثلى من هذه المناسبات لما فيه خير الإسلام والمسلمين، ولا يتم ذلك إلا من خلال نشر الوعي والثقافة الإسلامية الصحيحة، والسعي لتمثل تلك التجارب الإسلامية الناجحة في واقعنا المعاصر، ولاسيما فيما يتعلق بذكريات الشخصيات الإسلامية الخالدة، من خلال جعلهم قدوات في حياتنا العملية، وتذكير الأمة بالقدرات العلمية والثقافية والنماذج الصالحة التي زخرت بها في كل العصور إلى يومنا هذا وان ذالك مصداقا لتذكير المسلمين بايام الله وتعظيما لشعائره.

إنّ عرض المناسبات الاسلامية السنوية بهذا الشكل بهدف واضح ومركّز وهو تكوين ثقافة واعية وهادفة منبعثة من المبادئ والعقائد التي سنّها إسلامنا العزيز، ومواكبة لمسيرة مجتمع قام ببناء حضارة مميّزة فاقت الحضارة المادية منطلقاً من إيمانه الراسخ بثوابت وقيم وثقافة تشكل التراث الاسلامي الغني لطالما عمل على إحيائه والحفاظ عليه علماء هذه الأمة ومفكروها، وجاء الدور الينا اليوم

ص: 9

لكي نحييه ونحافظ عليه.

ومن هذا المنطلق وحيث ان المخاطب الاول في هذا المقال هم حجاج بيت الله الحرام جاء هذا الكتاب الموجز، لتعريف الأمة الإسلامية بقسم من تاريخها المجيد من خلال عرض أهم المناسبات التي مرت بها، في شهري ذي القعدة وذي الحجة الحرامَين.

و على ضوء هذا الهدف المقدس المنشود واحساسا بالمسؤلية والتكليف للمشاركة في احياء التراث الاسلامي المتمثل بتاريخه الحافل بالقيم والمبادئ وتلبية لنداء الامام الخميني الراحل (قدس سره) وخليفته بالحق ولي امر المسلمين الامام الخامنئي (دام ظله) في نشرالاسلام المحمدي الاصيل في اقطار العالم الاسلامي اجبت دعوة معاونية التعليم والبحوث لبعثة الحج فقمت بتدوين مناسبات هذين الشهرين بثوب جديد فكان هذا الإنجاز والعمل الرسالي الذي تمّ يوم ميلاد وليد الكعبة وصيّ رسول الله (ص) الإمام علي بن ابي طالب (ع) اقدّمه إلى عامّة المسلمين لاسيما ضيوف الرحمن، حجاج بيت الله الحرام سائلًا المولي العزيز حسن القبول واستمرار التوفيق لمواصلة الطريق.

وختاماً اتقدم بالشكر إلى العلامة الشيخ هادي اليوسفي الغروي لمراجعته للكتاب وتقيمه، كما اشكر كلَّ من ساهم في اخراجه بهذه الحلية القشبية، شكرالله مساعيهم جميعاً.

ص: 10

وأخيراً ارجوا أن ينتفع بهذا السِفر المختصر إخوتي في الإيمان والإسلام، وأن أنتفع به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وأهل بيته الطاهرين (عليهم السلام) وصحبه الأخيار المنتجبين.

13 رجب الحرام/ 1430 ه. ق ذكري ميلاد وليد الكعبة

أميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع)

قم المقدسة- ايوب الحائري

ص: 11

الفصل الاول: ذكريات شهر ذى القعدة

اشارة

ص: 12

نمايش تصوير

ص: 13

تمهيد: ذي القعدة، أعمال ومناسبات

الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على شمس الهداية نبينا محمد وعلى الأقمار المضيئة الأئمة الطاهرين.

شهر ذي القعدة الحرام هو أول الأشهر الحرم ومن أعمال هذا الشهر ومهامه عمل ليلة النصف منه، فقد روي في (الإقبال) عن أحمد بن جعفر بن شاذان قال: روي عن النبي (ص): أن في ذي القعدة ليلة مباركة وهي ليلة خمس عشرة، ينظر الله إلى عباده المؤمنين فيها بالرحمة، أجر العامل فيها بطاعة الله أجر مئة سائح له لم يعص الله طرفة عين. فإذا كان نصف الليل فخذ في العمل بطاعة الله والصلاة وطلب الحوائج، فقد روي أنه لا يبقى أحد سأل الله فيها حاجة إلا أعطاه.

واليوم الخامس والعشرين من هذا الشهر هو يوم دحو الارض وهو أحد الأيام الأربعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة وروي أن صيامه يعدل صيام سبعين سنة، وهو كفارة لذنوب سبعين

ص: 14

سنة (1) وعلى رواية اخرى: ومن صام هذا اليوم وقام ليلته فله عبادة مئة سنة. فعن أميرالمؤمنين (ع): «إن أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، ومن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مئة سنة، صام نهارها وقام ليلها». (2) وقد ورد من الاعمال ليوم دحو الارض سوى الصيام والعبادة وذكر الله تعالى والغسل ركعتان صلاة ودعاء مخصوص، من اراد الاطلاع علي كيفيتهما فليراجع اعمال شهر ذي القعدة من كتاب مفاتيح الجنان. وقال السيد الداماد في رسالته المسماة الاربعة ايام في خلال يوم دحو الارض: ان زيارة الامام الرضا (ع) في هذا اليوم هي اكد ادابه المسنونة.

وفيما يتعلق بمناسبات شهر ذي القعدة فهناك مجموعة من الأحداث والوقائع الإسلامية نقدمها للقارئ الكريم بباقات خضراء مكلّلة بورود عطرة، كذكرى تجديد بناء الكعبة المشرفة وذكرى ميلاد السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام موسى الكاظم (ع)، وميلاد أخيها سيدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا (ع).

وورد عن الامام الرضا (ع): ليلة خمس وعشرين من ذي القعدة ولد فيها ابراهيم (ع) وولد فيها عيسى بن مريم (ع)، وفيها دحيت الأرض من تحت الكعبة ... وقال (ع) في رواية اخري: الا ان فيه

ص: 15


1- مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي القعدة عن الإقبال.
2- إقبال الاعمال، أعمال شهر ذي القعدة.

ص: 16

يقوم القائم (ع).(1) وهناك مناسبات اخرى في هذا الشهر، كخروج النبي (ص) من المدينة لأداء الحج وغزوة بني قريظة، وفي آخره ذكرى شهادة الإمام محمد الجواد (ع) وفيما يلي عرض لتلك الاحداث والوقائع بايجاز.

ص: 17


1- راجع مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي القعدة.

1. تجديد بناء الكعبة المشرفة (اوائل ذي القعدة/ زمن النبي إبراهيم (ع))

اشارة

من المتواتر المقطوع به أن الذي جدّد بناء الكعبة إبراهيم الخليل (ع) وابنه إسماعيل، وأن الكعبة هي أول بيت وضعه الله تعالى للعبادة، حتى قبل بيت المقدس، لأن بيت المقدس بناه النبي سليمان (ع)، وهو بعد إبراهيم الخليل بزمن، كما قال تعالى: (إِنّ أَوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِبَكّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لّلْعَالَمِينَ) .(1)

ولكن هذه الآية وآيات أخرى تشير بشكل واضح إلى أن الكعبة كانت موجودة حتى قبل إبراهيم، وكان قائماً منذ زمن آدم (ع) ،(2) ومما يكشف عن ذلك أيضاً قوله تعالى عن لسان ابراهيم نفسه: (رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ) (3)، فإنّها تدل على أن الكعبة كان لها نوع من الوجود حين

ص: 18


1- آل عمران: 96.
2- الأمثل في تفسير القرآن 335: 1.
3- إبراهيم: 37.

جاء إبراهيم مع زوجته، وابنه إسماعيل الرضيع إلى مكة.

وقد أكد أميرالمؤمنين (ع) هذا المعنى فقال: «ألا ترون أن الله سبحانه اختبر الأولين من لدن آدم (صلوات الله عليه) إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار ... فجعلها بيته الحرام ... ثم أمر آدم (ع) وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ...»(1) .

فقد روى المسلمون وغيرهم أنه لما ولدت هاجر اسماعيل؛ أمرالله نبيه إبراهيم أن يُسكنهما البيت الحرام، وكان في ذلك الوقت على شكل قواعد، فجاء إبراهيم وبرفقته هاجر وابنها إسماعيل وتركهما عند البيت الحرام دون ماء ولا كلاء ولا حتى خيمة تطبيقاً لإرادة الله ونزولًا عند بلائه، فسألته هاجر، أتتركنا في أرض لا يوجد فيها أحد؟ فقال لها: ألله الذي أمرني أن أضعكم في هذا المكان، وهو الذي يكفيكم، ثم انصرف عنهما فلما بلغ (كداء) وهو جبل بذي طوى التفت إبراهيم، وقال: (رّبّنَآ إِنّيَ أَسْكَنتُ مِن ذُرّيّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرّمِ رَبّنَا لِيُقِيمُواْ الصّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مّنَ النّاسِ تَهْوِيَ إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مّنَ الثّمَرَاتِ لَعَلّهُمْ يَشْكُرُونَ)، ثم مضى وبقيت هاجر، فلما ارتفع النهار عطش إسماعيل، فقامت هاجر في موضع السعي فصعدت على الصفا، ولمع لها السراب في الوادي، فظنت أنه ماء، فنزلت في بطن الوادي، وسعت فلما بلغت المروة غاب عنها إسماعيل، فعادت حتى بلغت الصفا، وهكذا إلى سبعة أشواط، فلما

ص: 19


1- نهج البلاغة: الخطبة القاصعة.

كانت على المروة نظرت إلى إسماعيل وقد ظهر الماء من تحت رجليه فعادت حتى جمعت حوله الرمال وزمّته، فلذلك سميت زمزم، وكانت قبيلة جرهم نازلة بذي المجاز وعرفات، فلما ظهر الماء بمكة لهاجر وابنها قالوا لها: من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت: أنا أم ولد إبراهيم خليل الرحمن، وهذا ابنه، أمره الله ان ينزلنا هيهنا، فقالوا لها: أتأذنين لنا أن نكون بالقرب منكم؟ فقالت: حتى يأتي إبراهيم، فلما زارهم إبراهيم في اليوم الثالث، قالت هاجر: يا خليل الله إن ههنا قوماً من جرهم يسألونك أن تاذن لهم حتى يكونوا بالقرب منا، أفتأذن لهم في ذلك؟ فقال إبراهيم: نعم، فأذنت لهم هاجر، فنزلوا بالقرب منهم، وضربوا خيامهم، فأنست هاجر وإسماعيل بهم، فلما زارهما إبراهيم في المرة الثانية نظر إلى كثرة الناس حولهم، فسرّ بذلك سروراً شديداً (1).

تجديد بناء الكعبة المشرفة

مرت الأيام وبلغ إسماعيل مبلغ الرجال، فأمر الله تعالى خليله إبراهيم أن يبني البيت، وقد أرسل له جبرئيل ليعرّفه موضع القواعد وخطها له، فأخذ إسماعيل ينقل أ حجار البيت من ذي طوى، فجعل له جدراناً أربعة، ورفعه إلى السماء تسعة أذرع (2)، وجعل له أركاناً أربعة، وسمى الشمالي بالركن العراقي، والغربي بالركن الشامي،

ص: 20


1- الميزان في تفسير القرآن 288: 1.
2- الميزان في تفسير القرآن 288: 1.

والجنوبي بالركن اليماني، والشرقي الذي فيه الحجر بالركن الأسود، وتسمى المسافة التي بين الباب وركن الحجر بالملتزم، لالتزام الطائف إياه في دعائه واستغاثته، وأما الميزاب على الحائط الشمالي يسمى ميزاب الرحمة (1).

وقد جعل له بابين، باباً إلى الشرق، وباباً إلى الغرب، والباب الذي إلى الغرب يسمى المستجار، ثم لما فرغ من بنائه حج إبراهيم وإسماعيل (2) ، ونادي ابراهيم هلم الحج فلبي الناس الموجودون في زمانة ومن كان في اصلاب الرجال كما روى بسند معتبر عن أبي عبدالله (ع) قال: «لما أُمر إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) ببناء البيت وتم بناؤه، قعد إبراهيم على ركن ثم نادى: هلمّ الحجّ، فلو نادى هلمّوا إلى الحج لم يحجّ إلّا من كان يومئذ إنسيّا مخلوقاً، ولكنه نادى: هلم الحجّ، فلبّى الناس في أصلاب الرجال: لبيك داعي الله عزوجل لبيك داعي الله، فمن لبّى عشراً يحجّ عشراً، ومن لبّى خمساً يحجّ خمساً، ومن لبّى أكثر من ذلك فبعدد ذلك، ومن لبّى واحداً حجّ واحداً، ومن لم يلبّ لم يحجّ» (3).

منزلة الكعبة عند الامم والاديان

كانت الكعبة مقدسة ومعظمة عند الأمم المختلفة، فكانت الهنود يعظمونها، وكانت الصابئة من الفرس والكلدانيين يعدونها أحد

ص: 21


1- الميزان في تفسير القرآن 360: 3.
2- الميزان في تفسير القرآن 289: 1.
3- وسائل الشيعة 5: 8، ح 9.

البيوت السبعة المعظمة، وكان الفرس يحترمون الكعبة أيضاً، وكانت العرب أيضاً تعظمها كل التعظيم، وتعدها بيتاً لله تعالى، وكانوا يحجون إليها من كل جهة وهم يعدون البيت بناء إبراهيم، والحج من دينه الباقي بينهم بالتوارث ومن الاديان كانت اليهود تعظمها ويعبدون الله فيها على دين إبراهيم، وكانت في الكعبة صورتا العذراء والمسيح، ويشهد ذلك على تعظيم النصارى لأمرها أيضاً (1). ولماجاء الاسلام اهتم بالكعبة وطهرها من الاوثان وابعد المشركين عنها ودعى المسلمين الي الحج الخالص الابراهيمي ولذا ينسب حج المسلمين إلى إبراهيم الخليل فيقال الحج الابراهيمي.

الحج في الاسلام

تعتبر عبادة الحج من اهم العبادات الاسلامية. وتذكر بعض النصوص أنها تأتي بالدرجة الثانية بعد الصلاة في الاهمية والافضلية، وأنه أحد الجهادين. فقد روى الكليني بطريق معتبر عن عبد الله بن يحيى الكاهلي قال: «سمعت أبا عبد الله يقول ويذكر الحج فقال: قال رسول الله (ص): هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء ونحن الضعفاء. أما إنه ليس شي ء أفضل من الحج إلّا الصلاة، وفي الحج ههنا صلاة وليس في الصلاة قبلكم حج» (2).

ص: 22


1- الميزان في تفسير القرآن 361: 3.
2- وسائل الشيعة 77: 8، ح 2.

كما أن الحج عماد الدين وقوام وجوده، فقد ورد في الحديث: «لا يزال الدين قائماً ما قامت الكعبة»(1) .

ويجب الحج في العمر مرة واحدة على الانسان البالغ المستطيع الذي يملك مصارف السفر ونفقاته، ويرجع إلى أهله مع وجود ما يكفيهم دون أن يؤدي ذلك إلى اضطراب في حياته المعيشية أو حرج في أوضاعه الشخصية. ولكن في الوقت نفسه يستحب للانسان استحباباً مؤكداً تكراره، فهو أفضل من كثير من العبادات (2).

ولا يجوز تعطيل الكعبة والحج، ويجب على ولي أمر المسلمين الزام المسلمين أن يقوموا بأداء هذا الواجب والانفاق عليه إذا لم يتحقق ذلك امتيازات الحج على سائر العبادات «4»

بشكل اعتيادي.(3)

امتيازات الحج على سائر العبادات (4)

امتيازات الحج على سائر العبادات

الميزة الاولى: أن هذه العبادة تشتمل على عدة انواع من العبادات كالصلاة والصوم والجهاد والزكاة، فالطواف بالبيت صلاة بالاضافة إلى وجود صلاة الطواف، والاحرام مع محرماته نوع من الصوم والامساك عن الطيبات والشهوات، والانفاق والهدي نوع من الزكاة، والمشقة والسفر والاعمال المضنية نوع من الجهاد، مضافاً إلى

ص: 23


1- وسائل الشيعة 14: 8، ح 5.
2- راجع جامع أحاديث الشيعة 10: أبواب فضائل الحج.
3- دور اهل البيت: في بناء الجماعة الصالحة ج 2
4- دوراهل البيت: في بناء الجماعة الصالحة ج 2.

العبادات الاخرى كالوقوف والرمي والحلق فإنها ذات طبيعة مميزة لا نظير لها في العبادات الاخرى.

الميزة الثانية: الممارسة الجماعية الواسعة لهذه العبادة، حيث يأتي المسلمون الحجاج من طبقات الامة كلها، ومن كل فج عميق، ليؤدّوا هذه الفريضة في ايام معلومات بشكل جماعي، ويلبوا فيها النداء الالهي الذي اطلقه إبراهيم (ع)، يتحركون به على صعيد واحد وبشكل واحد يعبر عن المساواة الحقيقية بين بني البشر، ويحقق الوحدة الكاملة للامة بشكل عملي.

الميزة الثالثة: تنوع الاهداف المنشودة من هذه العبادة، سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، أو في جانبها المادي والروحي، أو في ابعادها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتربوية والاخلاقية.

وشرح ذلك وإن كان يحتاج إلى حديث واسع، ولكن يحسن بنا أن نشير فيه إلى نص رواه الشيخ الصدوق عن الامام الرضا (ع) الذي تناول بعض الابعاد المعنوية والمنافع الدنيوية، وكذلك الاهداف المقدسة التي استهدفتها هذه العبادة الجماعية.

روى الصدوق، عن الفضل بن شاذان (في حديث العلل التي سمعها من الرضا (ع) قال: «فإن قال فلم امر بالحج؟ قيل: لعلة الوفادة إلى الله عزوجل وطلب الزيادة، والخروج من كل ما اقترف العبد تائباً مما مضى مستأنفاً لما يستقبل، مع ما فيه من اخراج الاموال وتعب الابدان والاشتغال عن الاهل والولد وحظر النفس عن اللذات،

ص: 24

شاخصاً في الحر والبرد ثابتاً ذلك عليه دائماً، مع الخضوع والاستكانة والتذلل، مع ما في ذلك لجميع الخلق من المنافع ........، من في البر والبحر ممن يحج وممن لم يحج من بين تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاسب ومسكين ومكار وفقير، وقضاء حوائج أهل الاطراف في المواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، مع ما فيه من التفقّه ونقل أخبار الائمة (عليهم السلام) إلى كل صقع وناحية ...» (1).

وهناك تفاصيل كثيرة ترتبط بموضوع الحج تناولها الفقهاء في كتاب الحج والرسائل العملية الخاصة به المسماة (مناسك الحج) لا يتناسب ذكرها مع عنوان الكتاب.

ص: 25


1- جامع احاديث الشيعة 226: 10

2. ولادة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) (1/ ذي القعدة/ السنة 173 ه)

2. ولادة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)(1)(1/ ذي القعدة/ السنة 173 ه)

ولدت فاطمة المعصومة (عليها السلام) في المدينة المنورة في الأول من ذي القعدة سنة (173 ه)، أبوها الإمام موسى بن جعفر الكاظم (ع)، وأمها تسمى خيزران وتكتم ونجمة، وتكنى بأم البنين، فهي أ خت الإمام الرضا (ع) من الابوين.

كانت فاطمة (عليها السلام) من أعظم نساء زمانها علماً وعملًا وعبادة وتقوى وأخلاقاً وفضلًا وتحملًا للمحن والمصائب، فقد فقدت (عليها السلام) أباها وهي في العاشرة من عمرها، وفارقت أخاها الرضا (ع) بعد ذلك بمدة وجيزية، كما عاصرت قتل إخوانها الذين ثاروا في بقاع الأرض لدفع الظلم عن الناس منهم السيد احمد المعروف والمشهور عند الايرانيين بشاه جراغ وهو مع جمع من اخوته مدفونيين في

ص: 26


1- نقلنا مطالب هذا العنوان عن كتاب لمحات من حياة الإمام الرضا 7 وأخته السيدة فاطمة المعصومة 3.

مدينة شيراز مركز محافظة فارس.

لقبت فاطمة (عليها السلام) بألقاب عظيمة منها كريمة أهل البيت (عليهم السلام)، وفاطمة الثانية، وذلك لشدة شبهها بجدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام).

كما لقبت بالمحدثة لكثرة علمها، ومن أشهر ألقابها (المعصومة)، لإيمانها العميق وشدة ارتباطها بربها ولعظيم تقواها.

وامتازت السيدة المعصومة (عليها السلام) بعلمها الواسع، وكانت من المحدثات التي روت عن أبيها وأخيها، كما كانت تجيب على استفتاءات الناس في غيابهما، حيث روي أنه أتى جمع من الشيعة إلى المدينة لكي يعرضوا بعض أسئلتهم على الإمام الكاظم (ع)، غير أنه (ع) وولده الإمام الرضا (ع) لم يكونا حاضرين في المدينة، فاغتم الجميع وكتبوا أسئلتهم وأودعوها في بيت الإمام، بنية أن يحصلوا على جوابها في سفرهم القادم، وعزموا على الرجوع إلى حيث جاؤوا، وإذا بأجوبة أسئلتهم تأتي من قبل السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)، وعندئذٍ تبدل حزنهم بفرح، ورجعوا إلى بلدهم، وفي طريقهم التقوا بالإمام موسى الكاظم (ع) فأخبروه بما جرى، فنظر الإمام (ع) إلى أجوبة ابنته فقال: (فداها أبوها) (1).

كما أنه بعد وفاة أبيها، وسفر أخيها الإمام الرضا (ع) إلى خراسان كانت المرجع الديني للناس في المدينة وبقيت على هذه الحال ردحاً من الزمان، غير أنها ولشدة تعلقها بأخيها الرضا (ع)، حيث كانت

ص: 27


1- بحارالأنوار: 99 كتاب المزار.

تحبه حباً جماً، وكان عزيزها الذي كانت تشعر بالأمن والراحة إلى جواره، قررت (عليها السلام) أن تلتحق بالإمام (ع) في خراسان فتجهزت مع بعض إخوة الإمام وأبناء إخوته (1).

خرج في قافلة السيدة المعصومة (عليها السلام) خمسة من إخوتها وهم: فضل وجعفر وهارون وقاسم وزيد، ومعهم بعض أبناء إخوة السيدة المعصومة، وعدة من العبيد والجواري، وتحرّكت قافلة عشاق الإمام الرضا (ع) من المدينة المنوّرة قاصدين ديار الحبيب مرو في سنة 201 ه، ومرت الأيام والليالي والقافلة خلّفت صحراء الحجاز وراءها، ومع أنَّ قطع هذا الطريق الوعر والبعيد كان شاقّاً على شابة مثل السيدة فاطمة ولكن شدّة الشوق وأمل اللقاء بأخيها الرضا (ع) سهّل عليها صعوبة الطريق وعناء السفر، وأخيراً وصلت القافلة إلى إيران، وفي مدينة ساوة مرضت السيدة المعصومة (عليها السلام) مرضاً شديداً إثر مطاعب السفر (2) بحيث لم تقدر على مواصلة السير، فسألت عن المسافة بين المكان الذي هي فيه وبين بلدة قم التي تضمّ الكثير من وجوه الشيعة، فقيل لها المسافة عشرة فراسخ (3) فقالت: «ا حملوني إلى قم» فحُمِلت، ولما أشرفت على قم مرّ بظعينتها راكب، فسأل: لمن هذه الظعينة؟ فقيل له: هي لفاطمة بنت موسى بن جعفر، وهي وافدة

ص: 28


1- ترجمة تاريخ قم: 213.
2- وقيل مرضت من أثر السمّ الّذي دُس إليها في ساوة من قبل أعوان بني العباس.
3- أي: 55 ك م تقريباً، وقد سمعت المعصومة عن آبائها من الأحاديث في فضل قم وأهلها مما جعلها تختار هذه البلدة للقدوم إليها.

من الحجاز للقاء أخيها أبي الحسن الرضا (ع). فأقبل ذلك الرجل إلى مجلس موسى بن الخزرج الأشعري- وهو من وجوه الشيعة في قم آنذاك وزعيم الأشعريين- وكان حاشداً بالناس، فقال الرجل وهو باك: «يا موسى، لقد حلّ الشرف في بلدكم، ونزلت الخيرات والبركات بساحتكم»، فقال موسى: «لا زلت مبشراً بخير ما الذي جرى؟»، قال: «ظعينة أخت الرضا (ع) مقبلة على قم».

فلما سمع موسى بكى فرحاً وخرج من قم مع أصحابه وجمع كثير من الناس لاستقبالها، فلما وصل موسى إلى ظعينة السيدة فاطمة (عليها السلام) تناول يد القائد لناقتها فقبّلها، وطلب منه أن يسلّمه زمام الناقة ليقودها بيده وليتشرّف بذلك، فسلَّم إليه زمام الناقة فقادها موسى بيده حتى أنزل السيدة فاطمة (عليها السلام) بيته، وكان ذلك في 23 ربيع الأول سنة 201 للهجرة(1) .

بقيت السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) في بيت موسى بن خزرج (2) سبعة عشر يوماً معزّزة مكرمة، ثم توفّيت في اليوم العاشر من ربيع الثاني سنة 201 ه (3)، قبل أن تحظى برؤية أخيها الإمام الرضا (ع) وتقرّ عينها به.

وفجع أهالي قم بتلك المصيبة وحزنوا حزناً شديداً، وتولّت النساء تغسيلها وتكفينها، ثم صلّى عليها موسى في حشدٍ كبير من

ص: 29


1- ترجمة تاريخ قم: 213.
2- عرف واشتهر هذا البيت بعد ذلك ب بيت النور ويقع في ميدان مير في شارع عمار بن ياسر.
3- وقيل توفيت 3 في الثاني عشر من ربيع الثاني.

شيعة أهل البيت (عليهم السلام) في قم، وبعد التشييع رأى زعماء الأشعريّين أن يُدفن الجسد الطاهر في مكان مناسب غير المقبرة العامّة، فخصّص موسى بن خزرج بستاناً كبيراً له في منطقة يقال لها: «باغ بابلان» عند نهر قم (1) لدفن السيدة المعصومة (عليها السلام)، وبعد الدفن أقام الشيعة مآتم الحزن على السيدة المعصومة، وبنى أهل قم كوخاً على مرقدها، وبعد مضّي خمسين سنة وباهتمام السيدة زينب بنت الإمام الجواد (ع) بُنيت أول قبّة على قبر السيدة المعصومة (عليها السلام)، ثم جدّد بناء الحرم المطهّر من قبل محبّي وشيعة أهل البيت، وتوسّع حتى أصبح بالشكل الذي هو عليه الآن: زاهراً كأنّه جوهرة وسط مدينة قم.

وأصبح هذا المكان والمقام المقدّس يقصد من مختلف نقاط إيران والعالم لزيارة هذه السيدة العلوية الجليلة إظهاراً للمحبّة الخالصة للنبي ولأهل بيته (عليهم السلام).

وقد رأى زوّارها الكرامات العديدة منها منذ دفنها إلى يومنا هذا وقدجاء في فضل زياتها واجر زوارها إنّ ثمن وأجر زيارة السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) هو الجنة، وقد بشّر ثلاثة من المعصومين (عليهم السلام) زوّارها بذلك.

قال جدّها الإمام الصادق (ع): «إنّ لِلّهِ حَرَماً وَهُوَ مَكّة، وَلِرَسُولِهِ حَرَماً وَهُو المَدِينَة، ولأميرالمُؤمِنينَ حَرَماً وَهُوَ الكُوفَة، وَلَنا حَرَماً وَهُو

ص: 29


1- وهو مزارها الفعلي المشيد. ثم إنّ موسى بن خزرج أوقف البستان على المسلمين كي يُدفن فيه الشيعة الموالون حول المرقد الشريف.

قُم، وَستُدفَن امرَأة مِن وِلْدِي تُسمّى فَاطِمَة، مَنْ زَارَها وَجَبتْ لَهُ الجنّة» (1).

وورد عن أخيها الإمام الرضا (ع) أنّه قال: «مَنْ زَارَها عَارِفاً بِحقِّها فَلَه الجنّة»(2) ، وقال (ع): «مَن زَارَ المعصُومَة بِقم كَمَنْ زَارَني» وورد عن ابن أخيها الإمام الجواد (ع): «مَنْ زَارَ عَمّتِي بِقُم فَلَه الجنّة» (3).

ص: 31


1- تاريخ قم، وعنه في بحارالأنوار ج 99، كتاب المزار
2- بحارالأنوار 265: 102.
3- بحارالأنوار 7: 102، 266.

3. النبي (ص) وصلح الحديبية (2/ ذي القعدة/ السنة 6 ه)

اشارة

روي القمي في تفسيره بسنده عن الامام الصادق (ع): «إن الله عزوجل، أرى رسول الله (ص) في النوم أنه دخل بأصحابه المسجد الحرام مع الداخلين، وطاف مع الطائفين وحلق مع المحلقين، وكان ذلك أمراً له بذلك فاخبر اصحابه بذلك وامرهم بالخروج فخرجوا»(1) .

قال الواقدي: واغتسل رسول الله (ص) في بيته ولبس ثوبين هما أصلًا من نسج حمُار (وهي بلدة في عمان) (2)، وركب راحلته القصواء من عند بابه وخرج من المدينة يوم الاثنين لهلال ذي القعدة، واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم، فلما نزل ذي الحليفة وكان قد ساق رسول الله ستاً وستين بدنه (3) فأحرم بالعمرة وأشعرها عند

ص: 32


1- موسوعة التاريخ الإسلامي 599: 2.
2- النهاية 253: 2.
3- اعلام الورى 203: 1.

إحرامه، وأحرم المسلمون ملبين بالعمرة مشعرين وقال ابن إسحاق: وإنما ساق معه الهدي وأحرم بالعمرة ليعلم الناس أنه إنما خرج زائراً للبيت ومعظماً له فيأمن الناس من حربه (322: 3).(1) وكان رسول الله في طريقه يستنفر الأعراب، فلم يتبعه أحد منهم، وكانوا يقولون: أيطمع محمد وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريش في عقر دارهم فقتلوهم؟ إنه لا يرجع محمد وأصحابه إلى المدينة أبداً (2).

وروى المفيد في الإرشاد: نزل رسول الله (ص) في منزل الجحفة فلم يجد بها ماءً، فبعث سعد بن ملك (أبي وقاص الزهري) بالروايا، حتى إذا كان غير بعيد، رجع وقال يا رسول الله ما أستطيع أن أمضي، لقد وقفت قدماي رعباً من القوم!

وهكذا حصل مع رجلين آخرين. فبعث (ص) بعلي بن ابي طالب (ع)، فخرج علي بالروايا حتى ورد الحزار فاستقى ثم أقبل بها إلى النبي (ص) فكبر النبي (ص) ودعا له بخير (3).

بيعة الرضوان: قال الطبرسي: قال رسول الله (ص) إن الله أمرني بالبيعة. فبايعه الناس تحت الشجرة على أن لا يفروا عنه أبداً. (4) وبعثت قريش سُهيل بن عمرو العامري، وحويطب بن عبد

ص: 33


1- موسوعة التاريخ الإسلامي 600: 2.
2- تفسير القمي 31: 2.
3- الإرشاد 121: 1- 122.
4- اعلام الورى 204: 1.

العزى ومكرز بن حفص إلى رسول الله للصلح.، وعندما وصل سهيل بن عمرو وحويطب إلى رسول الله (ص) قالا: إن قومك يناشدونك الله والرحم أن تدخل عليهم بلادهم بغير إذنهم وتقطع أرحامهم وتجرئ عليهم عدوهم، فأبى رسول الله إلا أن يدخلها .(1)

وفي خبر القمي في تفسيره بسنده عنه (ع): فأجابهم رسول الله (ص) إلى ذلك وقالوا له: «وترد إلينا كل من جاءك من رجالنا، ونرد إليك كل من جاءنا من رجالك؟ فقال رسول الله (ص): من جاءكم من رجالنا فلا حاجة لنا فيه، ولكن: على أن المسلمين بمكة لا يؤذون في إظهارهم الإسلام، ولا يكرهون ولا ينكر عليهم شي ء يفعلونه من شرائع الإسلام فقبلوا ذلك، ورجع سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص بن الأحنف إلى قريش فأخبراهم بالصلح» .(2)

بنود صلح الحديبية

(محمد بن عبد الله والملأ من قريش وسهيل بن عمرو، اصطلحوا على:

وضع الحرب بينهم عشر سنين على أن يكف بعض عن بعض، وعلى أنه لا اسلال ولا إغلال، وان وبينهم غيبة مكفوفة، وأنه من أحب أن يدخل في عهد محمد وعقده فعل، وأن من أحب أن يدخل

ص: 34


1- روضة الكافي: 268.
2- موسوعة التاريخ الإسلامي 624: 2.

في عهد قريش وعقدها فعل، وأنه من أتى من قريش إلى أصحاب محمد بغير إذن وليه يردوه إليه، وأنه من أتى قريشاً من أصحاب محمد لم يردوه إليه.

وأن يكون الإسلام ظاهراً بمكة، لا يكره أحد على دينه ولا يؤذى ولا يعير، وأن محمداً يرجع عنهم عامه هذا وأصحابه، ثم يدخل في العام القابل مكة فيقيم فيها ثلاثة أيام ولا يدخل عليها بسلاح إلا سلاح الراكب أو سلاح المسافر: والسيوف في القراب» (1).

هناك ملاحظة مهمة في صلح الحديبية، وهي أن المشركين رفضوا أن يذكر اسم محمد (ص) مقروناً بالرسالة وكان الكاتب هو أميرالمؤمنين علي (ع)، فتردد في الإستجابة لسهيل بن عمر، ولكن الرسول أمر أن يستجيب وقال: ستدعى لمثلها وتجيب، إخباراً بالغيب عما سيؤول إليه حال الإمام مع معاوية في مؤامرة رفع المصاحف في حرب صفين.

ص: 35


1- موسوعة التاريخ الإسلامي 629: 2.

4. ولادة الإمام الرضا (ع) (11/ ذي القعدة/ السنة 148 ه)

اشارة

4. ولادة الإمام الرضا (ع) (1) (11/ ذي القعدة/ السنة 148 ه)

الإمام أبو الحسن علي بن موسى الرضا (ع) (2) في وجه تسميته بهذا اللقب انه: «رضى به المخالف من أعدائه كما رضى به الموافقون من أوليائه، ولم يكن ذلك لأحد من آبائه: فلذلك سمي من بينهمثامن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ولد في المدينة المنورة في الحادي عشر من ذي القعدة سنه (148 ه)، أبوه الإمام موسى بن جعفر (ع)، وأمه خيزران، وقيل نجمة، وتكنَّى بأم البنين، وقيل غير ذلك، استشهد (ع) بطوس متأثراً بسّم دسه إليه المأمون في نهاية صفر سنه (203 ه) على المشهور، أو في السابع عشر منه كما في خبر آخر، وقضى أكثر عمره في مدينة جده، إلى أن استدعاهُ المأمون سنة (200 ه) إلى خراسان، ليكون ولياً للعهد وخليفة من بعده، فعاش فيها ثلاث سنوات من عمره الشريف، إلى أن توفي ودفن فيها، ولم يترك الإمام (ع) إلا ولداً

ص: 36


1- نقلنا المطالب عن كتاب لمحات من حياة الإمام الرضا 7 وأخته السيدة فاطمة المعصومة 3.
2- ورد عن الإمام الجواد (ع)

واحداً هو الإمام الجواد (ع)، بناءً على (الإرشاد) للشيخ المفيد وله أربع بنون وبنت واحدة على رواية (كشف الغمة) للأربلي.

إمامة الإمام الرضا (ع)

قام الإمام الرضا (ع) بعد أبيه بإمامة المسلمين عشرين سنة، قال الشيخ المفيد (قدس سره): كان الإمام بعد موسى بن جعفر: «ابنه علي بن موسى الرضا (ع) فضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه، وورعه، واجتماع الخاصة والعامة على ذلك منه، ومعرفتهم به، ولنص أبيه (ع) على إمامته من بعده وأشار إليه بذلك دون إخوته وأهل بيته» (1)، وبالإضافة إلى النصوص العامة على إمامة الأئمة الاثني عشر من النبي (ص)، فلقد كان كل إمام ينص على الإمام من بعده ويُبّينُه للمسلمين وشيعته، حتى لا يدَّعي الإمامة أحد من بعده.

من خصائص الإمام الرضا (ع)

لابد وأن يكون الإمام المعصوم، جامعاً لجميع العلوم والمعارف الإلهية والطبيعية، والفضائل والمكارم الأخلاقية، ليكون مناراً يهتدى به، وأسوة لجميع الناس يقتدى به، لأنّه حجة الله في أرضه على خلقه، ويجب أن يكون في جميع هذه الخصائص والصفات أعلى من

ص: 37


1- الإرشاد: 304.

غيره لتتم الحجة.

والإمام الرضا (ع) كجده المصطفى (ص) وآبائه الأئمة البررة، قد اتصف بجميع تلك الخصال والصفات الحميدة، ولم تكن صفة يسمو بها الإنسان نحو الكمال إلّا وهي موجودة فيه.

أما أخلاقه؛ فيقول إبراهيم بن العباس الصولي: «ما رأيت أبا الحسن الرضا (ع) جفا أحداً بكلمة قط، ولا رأيته قطع على أحد كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجة يقدر عليها، ولا مد رجله بين يدي جليس له قط، ولا اتكأ بين يدي جليس له قط، ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط، بل كان ضحكه التبسم، وكان إذا خلا ونصب مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه، وكان كثير الصيام فلا يفوته صيام ثلاثة أيام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر، وكان (ع) كثير المعروف والصدقة في السّر، وأكثر ذلك منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنه رأى مثله في فضله فلا تصدقوه» (1).

وأما علمه: فقد أحاط الإمام بجميع العلوم، وكان أعلم أهل زمانه، وذلك مما اشتهر وهو الشي ء البارز في شخصية الإمام (ع) لايستطيع أن ينكره أحد، وقد لقّب بعالم آل محمد، وقد اعترف المأمون بنفسه أكثر من مرة، وهو من العلماء البارزين، وفي مناسبات عديدة أن الإمام الرضا (ع) أعلم أهل الأرض.

ص: 38


1- عيون أخبار الرضا 180: 2 7.

ومن مظاهر علم الإمام ومعرفته التامة؛ إخباره عن كثير من الملاحم والأحداث قبل وقوعها، ومن جملة ما أخبر يحل بهم، وقتل الأمين على يد أخيه المأمون، وقتل المأمون له، وقد تحقق كل ما اخبر به.

ومن مظاهر علم الإمام (ع) مناظراته في البصرة، والكوفة وخراسان مع علماء اليهود والنصارى، والمسلمين، والتي اعترف له فيها جميع هؤلاء العلماء بالفضل والعلم والتفوق عليهم (1).

أقوال علماء أهل السنة في الرضا (ع)

قال الإمام أحمد بن حنبل (ت: 241 ه)، معلّقاً على سند فيه الإمام الرضا (ع): «لو قرئت هذا الإسناد على مجنون لبرئ من جنونه» (2).

وجاء في كتاب (الثقات) لابن حبان (ت: 354 ه): «وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبي الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم، وجلة الهاشميين ونبلائهم .. ومات علي بن موسى الرضا بطوس من شربة سقاه إياها المأمون فمات من ساعته ..

وقبره بسناباد خارج النوقان مشهور يزار، قرب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت

ص: 39


1- راجع عيون أخبار الرضا 180: 2 7؛ بحار الأنوار 95: 49.
2- أورده ابن حجر في صواعقه المحرقة: 310.

قبر علي بن موسى الرضا صلوات الله على جده وعليه ودعوت الله إزالتها عني إلا استجيب لي وزالت عني تلك الشدة، وهذا شي ء جرّبته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته صلى الله عليهم أجمعين» (1).

وهكذا مدح عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت: 562 ه) الامام الرضا (ع) فقال في الأنساب: «والرضا كان من أهل العلم والفضل مع شرف النسب» (2).

وقال الفخر الرازي (ت: 604 ه) عند تفسيره الكوثر: «والقول الثالث في الكوثر، أولاده: فالمعنى أنه يعطيه نسلًا يبقون على مر الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيت ثم العالم ممتلئ منهم على مر الزمان، ولم يبق من بني أمية في الدنيا أحد يعبأ به، ثم انظر كم كان فيهم من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا ...»(3) .

دعبل الخزاعي عند الامام الرضا (ع)

جاء في رواية أبي الصلت الهروي (4)

أنه قال: دخل دعبل الخزاعي على الإمام الرضا (ع) في مدينة مرو بعد بيعة الناس له بولاية العهد، فقال: يا بن رسول الله، إنّي قد قلت فيكم قصيدة

ص: 40


1- الثقات 456: 8.
2- الانساب 74: 3.
3- تفسير الرازي 32: 16/ 125.
4- هو من خيرة أصحاب الإمام الرضا (ع)، وقد توفي في طوس ودفن فيها وله مقام في ضواحي مشهد المقدس يقصده الزوار.

وآليت على نفسي أن لا أُنشدها أحداً قبلك، فقال له الإمام الرضا (ع): هاتِها يا دعبل، فأنشد دعبل:

ذكرتُ محلَّ الرَّبعِ (1) من عَرَفاتِ فأجريتُ دَمعَ العَينِ بالعَبَراتِ

مَدارسُ آياتٍ خَلتْ مِنْ تلاوةومَنزلُ وحيٍ مُقفرُ العَرَصاتِ (2)

دِيارُ عَليٍّ والحسينِ وجعفرٍوحمزة والسجّادِ ذي الثفناتِ (3)

مَنازلُ كانت للصلاة وللتقى وللصومِ والتطهيرِ والحَسَناتِ

أفاطمُ لو خِلتِ الحسينَ مُجدّلًاوَقدْ مَاتَ عَطشاناً بِشَطّ فُراتِ

إذن للطَمتِ الخدَّ فَاطمُ عندَهُ وأجريتِ دَمَع العينِ في الوَجَناتِ

أفاطمُ قُومِي يا ابنة الخَيرِ واندُبي نُجومَ سَماواتٍ بأرضِ فَلاة

قُبورٌ بكوفانٍ وأُخرى بطيبةوأُخرى بِفخّ (4) نالها صَلَواتِي

وَقَبرٌ بأرض الجوزجانِ (5)باخمرى: مكان بين الكوفة والواسط في العراق، فيه قبر القاسم أخو الإمام الرضا (ع) لدى الغرباتِ

قُبورٌ بِجَنبِ النهرِ من أرضِ كربلامُعرّسهم فيها بِشطِّ فُراتِ

تُوفوا عطاشى بِالعراءِ فَليتَني تُوفّيت فِيهم قَبلَ حينِ وفَاتي

ص: 41


1- الربع: موضع في عرفات، يتوقف به ويطمأن.
2- العرصات: الساحات.
3- العرصات: الساحات.
4- فخ: موقع بمكة وقعت فيه حادثة فخ حيث استشهد جمع من بني هاشم على يدي أعوان بني العباس.
5- هناك مدينتان باسم الجوزجان: احداها في شمال إيران، والأُخرى في أفغانستان، وفي كلتيهما يوجد قبر ومقام ليحيى بن زيد الشهيد الذي قطع رأسه، ولعلّ في احدا محلّهُ وقبرٌ بباخمرى

وَقبرٌ بِبغدادٍ لِنفسٍ زَكيّةتضمّنَها الرّحمنُ في الغُرُفاتِ

(1) ولما وصل دعبل إلى هذا البيت من القصيدة، قال له الإمام الرضا (ع):

«أفلا أُلحق لك بيتين بهذا الموضع، بهما تمام قصيدتك؟»، فقال: بلى يا بن رسول الله، فقال الإمام الرضا (ع):

وَقَبرٌ بطوسٍ دُفن الإمام (ع) في قرية سناباد نوقان من قرى طوس، وقد عرفت بعد ذلك بمشهد لشهاده الامام فيها وطوس هي من مدن محافظة خراسان القديم وتقع حالياً قرب مشهد، وفيها قبر يا لها من مُصيبةألحَّتْ على الأحشاءِ بالزّفراتِ (2)

إلى الحشرِ حتّى يبعثَ اللَّهُ قائماًيُفرّجُ عنّا الغمَّ والكُرُباتِ

فقال دعبل: هذا القبر الذي بطوس قبر من؟ قال الإمام الرضا (ع):

«هُو قَبْري، وَلَا تَنقَضِي الأيّامُ وَالليالِي حتّى تَصيرَ طوسُ مُختَلَفَ شِيعتِي وزُوّارِي، ألا فَمَن زَارَني فِي غُربَتي بِطوسٍ كَانَ مَعي في دَرَجَتِي يومَ القِيامة مَغْفُوراً لَه».

(3)

ص: 42


1- الغرفات: غرف الجنة.
2- الزّفرات: تتابع الأنفاس من شدة الغم والحزن.
3- عيون أخبار الرضا 295: 2 7.

5. غزوة بني قريظة (22/ ذي القعدة/ السنة 5 ه)

لما قدم رسول الله (ص) في السنة الأولى من هجرته إلى المدينة، كان من أول ما أقدم على فعله عقد ميثاق تعايش بين سكان المدينة وما حولها، ذلك لأجل إنهاء جميع أشكال الاختلاف والتنازع والصراع الداخلي، وتوحيد المدينة سياسياً وعسكرياً.

فأقام ميثاقاً بين الأوس والخزرج، وبين أهل المدينة واليهود من بني النضير، وقينقاع وقريظة في أن يعيشوا جميعاً بأمان، وأن يدافعوا عن المدينة وما حولها.

هذا ما كان بين رسول الله (ص) وبين الطوائف الثلاثة من اليهود القاطنين حول المدينة، ولكن اليهود- جرياً على عادتهم في نقض العهود والمواثيق والإفساد في الأرض- لم يراعوا لرسول الله (ص) عهداً ولا ذمة، فأقدم بنو قينقاع على قتل مسلم ظلماً وعدواناً، كما أن بني النضير خططوا لاغتيال رسول الله (ص)، فما كان من

ص: 43

رسول الله (ص) إلّا أن أجلاهم عن المدينة، وإنما ذلك نزولًا عند رغبة الخزرج وبخاصة عبد الله بن أُبي (1) بشأن بني النضير. وإلا فكان له الحق في قتل رجالهم وسبي نسائهم وذراريهم، عملًا بالعهد والميثاق الذي أبرمه معهم، وأما بنوا قريظة فقد تعاونوا مع الأحزاب في وقعة الخندق للقضاء على النبي والمسلمين، فلمّا انهزم الأحزاب وغادرت آخر مجموعة من جيوشهم أرض المدينة خائفة ذعرة، وبعد هذا نادى منادي رسول الله (ص) لصلاة الظهر، وبعد أن صلى النبي (ص) بأصحابه صلاة الظهر، نادى منادياً على لسان النبي (ص): من كان سامعاً مطيعاً فلا يصلينّ العصر إلّا ببني قريظة.

فعقد النبي (ص) رايته لعلي (ع) وخرج ومعه الجيش، فوصلت الأنباء إلى بني قريظة بتحرك النبي (ص) إليهم فبادروا إلى إغلاق أبواب الحصون والتحصن في داخلها، فوصل المسلمون وحاصروا الحصون، ونشبت بينهما في اللحظات الأولى الحرب.

غير أن المسلمين حاصروا حصونهم ومنعوا من دخول المعونات عليهم، وبقي الأمر على هذه الشاكلة قرابة 15 يوماً.

فاشتد الحصار عليهم وقد اجبروا على الاتفاق على واحدة مما يلي لمعالجة الموقف، وهي:

1. أن يؤمنوا برسول الله، ويصدقونه؛ لأنه قد تبين لهم أنه نبيٌّ مرسل، وأنه (ص) الذي يجدونه في كتابهم، وبذلك يأمنون على دمائهم

ص: 43


1- المغازي للواقدي 177: 1.

وأموالهم ونسائهم، وأبنائهم.

2. أن يقتلوا أبناءهم ونساءهم، ثم يخرجوا إلى محمد وأصحابه يقاتلونهم، فاذا هلكوا لم يتركوا وراءهم نساءً ولا نسلًا يخشى عليهم، وإن انتصروا تزوجوا من جديد، ووجدوا أبناءاً لهم ونساء.

3. أن الليلة هي ليلة السبت، وأنه عسى أن يكون محمد وأصحابه قد منّاهم فيها، لعلمهم بأن اليهود لا يقاتلون في السبت، فلينزلوا من الحصون لعلهم يصيبون من محمد وأصحابه على غفلة .(1)

واستمرت المحاصرة أياماً فطلبوا ان يبعث إليهم النبي (ص) أبا لبابة الأوسي ليتشاوروا معه في الموقف، وقد كان حليفاً لهم قبل دخوله الإسلام، فأرسله (ص) إليهم، فلما رأوه قام إليه الرجال وجهش إليه النساء والصبيان يبكون في وجهه، وقالوا: يا أبا لبابة أترى أن ننزل على حكم محمد؟

فقال لهم: نعم وأشار بيده إلى حلقه، يريد أنهم سوف يقتلون، وأن النبي (ص) لن يحقن دماءهم لو سلّموا إليه.

أدرك أبو لبابة أنه خان بفعله هذا المسلمين، ومصالح الإسلام العليا، وافشى سرّاً كان عليه أن يكتمه قبل وقوعه، وقد نزل في خيانته قوله تعالى: يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لَا تَخُونُواْ اللهَ وَالرّسُولَ

ص: 45


1- السيرة النبوية 236: 2.

وَتَخُونُوَاْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ(1) ، فندم أبو لبابة ندماً شديداً، فخرج من حصن بني قريظة وهو يرتجف ويقول: إنّي خنت الله ورسوله، وانطلق على وجهه ولم يأت رسول الله (ص) مع أنه (ص) كان ينتظر رجوعه إليه، فربط نفسه في المسجد بعمود من أعمدته، وقال لا أبرح مكاني هذا حتى يتوب الله عليّ ما صنعت، فبلغ النبي (ص) خبره فقال (ص): أما إنه لو جاءني لاستغفرت له، فأما إذ قد فعل فما أنا بالذي اطلقه من مكانه حتى يتوب الله عليه.(2) وبقي أبو لبابة مرتبطاً بالعمود، وكانت زوجته أو ابنته تأتيه في مواعيد الصلاة، وتحل رباطه، فيصلّي ثم تعيد الرباط، فما مضى سبعة أيام حتى نزلت توبته في سحَرها، قال تعالى: وَآخَرُونَ اعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلًا صَالِحاً وَآخَرَ سَيّئاً عَسَى اللهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنّ اللهَ غَفُورٌ رّحِيمٌ .(3)

وقد حاول بنو قريظة ان يفاوضوا النبي (ص) حتى وصلوا إلى ان يدفعوا إليه ما يملكون ويتركون حصونها ويخرجون، كما فعل (ص) ببني النضير وقينقاع، غير أن النبي (ص) أجاب: لا، إلّا أن تنزلوا على حكمي.

وفعلًا نزلوا على حكم رسول الله (ص) ففتحوا الحصون، ودخل علي (ع) في كتيبة خاصة من المسلمين، وجرّدوا بني قريظة من

ص: 46


1- الأنفال: الآية 27.
2- السيرة النبوية 236: 2.
3- التوبة: الآية 102.

السلاح وحبسوهم في منازل بني النجار ليقرر النبي (ص) مصيرهم.

فجاء الأوسيون الذين كانوا متحالفين مع بني قريظة إلى رسول الله (ص) وأخذوا يستميلون النبي (ص) عن قتلهم وأصروا عليه إصراراً شديداً بأن يعفوا عنهم، وذلك منافسة للخزرج حيث تشفعوا من قبل في بني قينقاع الذين كانوا متحالفين معهم، فأجابهم النبي (ص):

ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟

فقالوا: بلى.

قال (ص): فذاك إلى سعد بن معاذ فهو يحكم فيهم.

والطريف في الأمر أن بني قريظة رضوا أيضاً بحكم سعد، حيث بعثوا إليه (ص): يا محمد ننزل على حكم سعد بن معاذ. (1) وجاء سعد لينفذ حكمه وكان جريحاً، فحكم بأن يقتل رجال بني قريظة، وتقسّم أموالهم وتسبى ذراريهم ونساؤهم. (2)

ص: 47


1- الإرشاد: 50.
2- السيرة النبوية 240: 2.

6. يوم دحو الأرض (25/ ذي القعدة/ قبل التاريخ)

أن الله تعالى أول ما خلق الأرض خلقها من الماء، والظاهر أنه كان ذلك بعد خلق السماء، ويشعر بذلك الآيات التي تقدم ذكر السماء على الأرض عند استعراض خلق الله تعالى، ولقد خلق الله تعالى الكعبة الشريفة قبل دحو الأرض بألفي عام على ما أخبر به الإمام الصادق (ع): حيث قال (ع): (وهذا بيت استعبد الله به عباده ليختبر طاعتهم في اتيانه فحثهم على تعظيمه وزيارته وجعله محل أنبيائه، وقبلة للمصلين له، فهو شعبة من رضوانه، وطريق يؤدي إلى غفرانه، منصوب على استواء الكمال، ومجتمع العظمة والجلال، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ...»(1) ، ثم بسط الأرض على الماء وبدأ البسط من تحت الكعبة المشرفة، إذن فمعنى الدحو الانبساط، ومنه قوله تعالى: وَالأرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا* أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا

ص: 48


1- بحارالأنوار 33: 2 ح 7.

وَمَرْعَاهَا (1)، أي بسطها، وهذا اليوم هو أحد الأيام الأربعة التي خصّت بالصيام بين أيام السنة وروي أن صيامه، يعدل صيام سبعين سنة، وهو كفارة لذنوب سبعين سنة(2) .

وفي فضل هذا اليوم ورد عن أميرالمؤمنين (ع): (إن أول رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، ومن صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة فله عبادة مئة سنة، صام نهارها وقام ليلها) (3).

ص: 49


1- النازعات: الآيتين 30- 31.
2- مفاتيح الجنان، اعمال شهر ذي القعدة.
3- إقبال الاعمال، أعمال شهر ذي القعدة.

7. خروج النبي (ص) من المدينة للحج (26/ ذي القعدة/ السنة 10 ه)

في أواخر السنة العاشرة للهجرة قرر النبي (ص) أن يسير إلى حج بيت الله الحرام في مكة المكرمة، فأمر مناديه أن ينادي في المدينة وبين القبائل بأن رسول الله (ص) يقصد مكة للحج هذا العام، فأحدث ذلك شوقاً وابتهاجاً عظيمين في نفوس جمع كبير من المسلمين، فتهيأت أعداد كبيرة لمرافقة رسول الله (ص)، وضربت مضارب وخيم كثيرة خارج المدينة المنورة بانتظار حركة النبي (ص) وتوجهه إلى مكة(1) .

وفي مطلع اليوم السادس والعشرين من شهر ذي القعدة خرج رسول الله (ص) من المدينة متوجهاً إلى مكة، وقد استخلف مكانه في المدينة أبا دجانة الأنصاري، وقد ساق معه ما يزيد عن ستين بدنة، وعندما بلغ الموكب ذي الحليفة- وهي نقطة فيها مسجد الشجرة

ص: 50


1- سرية الحلبية 389: 3.

أحرم بلبس قطعتين عاديتين من القماش الأبيض من مسجد الشجرة، ثم أحرم ولبى بقوله: (لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك ...).

وهذه التلبية هي في الحقيقية تلبية لنداء إبراهيم الخليل، كما أنه (ص) كان يكرر هذه التلبية كلما شاهد راكباً، أو علا مرتفعاً من الأرض، أو هبط وادياً، ولم يقطع تلبيته حتى شارف مكة في الثالث من ذي الحجة وسيأتي تفصيل ذلك في مناسبات شهر ذي الحجة في قضية حجة الوداع (1) .

ص: 51


1- المناسبات النبويّة، ادوار ومواقف.

8. شهادة الإمام محمد الجواد (ع) (آخر ذي القعدة/ السنة 220 ه)

اشارة

الإمام التاسع من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) المطهرين المعصومين؛ هو الإمام محمد الجواد ابن الإمام علي الرضا، ابن الإمام موسى الكاظم، ابن الإمام جعفر الصادق (عليهم السلام).

وأمه سبيكة من أهل بيت مارية القبطية أم إبراهيم بن رسول الله (ص)، ولادته كانت في المدينة المنورة في ليلة الجمعة (19) من شهر رمضان سنة 195 ه، ويكنى أبا جعفر الثاني تميزاً له عن جده الإمام الباقر (أبي جعفر)، من ألقابه الجواد والتقي.

تزوج أولًا بأم الفضل بنت المأمون، وبعدها سمانة المغربية، وله ولدان، هما الإمام علي الهادي، وموسى. وبنتان هما: فاطمة وامامة، عاصر عهدي المأمون والمعتصم.

تميزت ظروف الإمام الجواد (ع)، بمميزات كثيرة، أهمها صغر سنه، فقد قام بالإمامة وهو ابن ثمان سنين، فكان لموضوع عمره الشريف

ص: 52

خصوصية خاصة في لفت الأنظار إليه، حتى قيل إنه سئل في مجلس واحد عن ثلاثين ألف مسألة (1). وكان وقع كلامه يفصح عن مكنون النبوة بشكل مثلج لصدور المتقين وكان مفحماً ومغيضاً لصدور المنافقين والجبابرة، فإن في إجاباته مع صغر سنه معجزة جذبت إليه قلوب الخلق، وقد يستغرب المرء هذا المقال حول الإمام الجواد (ع) مع أنه تواتر به النقل، ورواه العلماء في كتبهم، وهذا ليس بكثير على الإمام الجواد (ع) وهو الوارث لآبائه (عليهم السلام) علماً وفهماً، لكن الشيخ المجلسي، يقول في بحار الأنوار تعليقاً على ما قيل في أنه (ع) أجاب على (30000) مسألة في مجلس واحد، بأمور هي:

أولًا: إن الكلام محمول على المبالغة في كثرة الأسئلة والأجوبة.

ثانياً: يمكن أن يكون في خواطر القوم أسئلة كثيرة متفقة، فلما أجاب عن واحد فقد أجاب عن الجميع.

ثالثاً: أن يكون إشارة إلى كثرة ما يستنبط من كلماته الموجزة، المشتملة على الأحكام(2) الكثيرة، وهذا وجه قريب.

إلى غيره من ما يعني الإعجاز وبسط الزمان الذي يقول به الصوفية .. والتي كلها تعني شيئاً واحداً وهو تميز الإمام الجواد (ع)، بالرد المقنع السريع المعجز الذي زاد في حنق العباسيين عليه، مما دفع

ص: 53


1- أصول الكافي 496: 1؛ المناقب 430: 2.
2- بحار الأنوار 120: 12.

المعتصم العباسي إلى إشخاصه من المدينة إلى بغداد سنة (220 ه)، ثم دس له السم على يد زوجته أم الفضل بنت المأمون.

وقد وصل بغداد في الثامن والعشرين من المحرم من ذلك العام حتى تسنى للسم أن ينال الجسد الطاهر في اليوم الآخر من ذي القعدة من نفس العام (220 ه).

قصة استشهاد الامام الجواد (ع)

فقد روي: «أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر (ع) وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر (ع) وشدّة غيرتها من ضرّتها ... فأجابته الى ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال: ما بكاؤك؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر، فماتت بعلّة في اغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً فانفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة، حتى احتاجت الى الاسترفاد». (1) وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً حتى لفظ انفاسه الاخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من الامامة والقيادة المعصومة في الاسلام.

وجُهّز بدن الإمام (ع) فغسّل وادرج في اكفانه، وبادر الواثق

ص: 54


1- بحار الانوار 17: 50.

والمعتصم فصليا عليه ان الصلاة من قبلهما على الإمام (ع) إنما هو للتعتيم الإعلامي على قتل الإمام (ع) فلا شك من حضور الإمام الهادي (ع) عند تجهيز أبيه الجواد (ع). راجع النص من الإمام الهادي على حضوره تغسي، وحمل الجثمان العظيم الى مقابر قريش في الكرخ، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للامام الجواد (ع) وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسى بن جعفر (ع).

و كان استشهاد الإمام الجواد (ع) سنة (220 ه) يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة، وقيل: لخمس ليال بقين من ذي الحجة، وقيل: في آخر ذي القعدة (1). فسلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.

واما عمر الإمام الجواد (ع) حين قضى نحبه مسموماً فكان خمساً وعشرين سنة على ما هو المشهور، وهو أصغر الائمة الطاهرين الاثني عشر (عليهم السلام) سنّاً، وقد أمضى حياته في سبيل عزة الاسلام والمسلمين.

ص: 55


1- حياة الإمام محمد الجواد 263: 7

الفصل الثانى: ذكريات شهر ذى الجحة

اشارة

ص: 56

نمايش تصوير

ص: 57

تمهيد: ذي الحجة، أعمال ومناسبات

شهر ذي الحجة الحرام هو من الشهور المهمة العبادية التي جعل الله تعالى فيها مواقيتا بغية تعميق العلاقة والارتباط به والتفرّغ له عمّا سواه، خصوصاً العشرة الأولى منه حيث جعلها الله تعالى موعداً للقائه والتقرب منه والزلفة إليه، وهي المراد بقوله تعالى: وَاذْكُرُواْ اللهَ فِيَ أَيّامٍ مّعْدُودَاتٍ .... (1)، وهي العشرة التي أتم بها موسى (ع) ميقاته مع ربه.

وهو شهر شريف وكان صلحاء الصّحابة والتّابعين يهتمّون بالعبادة فيه اهتماماً بالغاً، والعشر الأوائل من أيامه هي الأيام المعدودات المذكورة في القرآن الكريم وهي أيّام فاضلة غاية الفضل، وقد روي عن النّبي (ص): «ما من أيّام العمل فيها أحبّ الى الله عزّوجلّ من أيّام هذه العشرة»، ولهذه العشرة أعمال، منها:

الأوّل: صيام الأيّام التسّعة الأُول منها فإنّه يعدل صيام العمر كلّه.

الثّاني: أن يصلّي بين فريضتي المغرب والعشاء في كلّ ليلة من

ص: 58


1- سورة البقرة: الآية 203.

لياليها ركعتين يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب والتّوحيد مرّة واحدة، وهذه الآية (وَواعَدْنا مُوسى ثَلاثينَ لَيْلَةً وَاتْمَمْناها بِعَشْر فَتَمَّ ميقاتُ رَبِّهِ ارْبَعينَ لَيْلَةً وَقالَ مُوسى لِاخيهِ هارُونَ اخْلُفني في قَوْمي وَاصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبيلَ الْمُفْسِدينَ) (1) ليشارك الحجاج في ثوابهم.

الثّالث: أن يدعو بهذا الدّعاء من أوّل يوم من عشر ذي الحجّة الى عشيّة عرفة في دبر صلاة الصّبح وقبل المغرب، وقد رواه الشيخ الطوسي والسيد ابن طاووس عن الصادق (ع) وهو دعاء مخصوص، بالاضافة إلى دعوات اخرى جاء بها جبرئيل هدية إلى عيسى بن مريم (ع).

«اللّهُمَّ هذِهِ الأيّامُ الَّتي فَضَّلْتَها عَلَى الأيّامِ وَشَرَّفْتَها قَدْ بَلَّغْتَنيها بِمَنِّكَ وَرَحْمَتِكَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنا مِنْ بَرَكاتِكَ، وَأَوْسِعْ عَلَيْنا فيها مِنْ نَعْمائِكَ، اللّهُمَّ إِنّي أَسْأَلُكَ أَنْ تُصَلِّي عَلى مُحَمَّد وَآلِ مُحَمَّد وَأَنْ تَهْدِيَنا فيها لِسَبيلِ الْهُدى وَالْعِفافِ وِالْغِنى وَالْعَمَلِ فيها بِما تُحِبُّ وَتَرْضى، ...» الخ. (2)

وفيما يتعلق بمناسبات هذا الشهر الفضيل فان فيه مجموعة من الاحداث والوقائع المهة وذات الاهتمام فاليوم الاول منه كان مناسبة زواج الامام علي (ع) من فاطمة الزهراء (عليها السلام) واليوم الثالث منه كان

ص: 59


1- الأعراف: 142.
2- راجع مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي الحجة

ص: 60

تبليغ سورة براءة من قبل الامام علي (ع) وكذالك كان وصول النبي (ص) مكة لاداء حجة الوداع وفي اليوم السابع منه كان شهادة الامام الباقر (ع) وفي اليوم الثامن منه كان خروج الامام الحسين (ع) من مكة الي العراق والتاسع من الشهر هو يوم عرفة، اليوم الذي دعا الله تعالى عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده، وكذالك يوم شهادة مسلم ابن عقيل والعاشر منه جعله الله عيدا لجميع المسلمين وفي اليوم الثامن عشر منه اتم الله النعمة علي المسلمين بنصب الامام علي (ع) من قبل الرسول (ص) فكان اكمالا لدينه وغيرها من المناسبات العطرة فحريّ بالمسلم أن يستثمر هذا الشهر لكي يربّي نفسه تربية إلهية من خلال الاهتمام بالأعمال العبادية في هذا الشهر المبارك ويحيي تلك المناسبات تعظيما لشعائر الله تعالي وفيما يلي استعراضٌ لتلك المناسبات.

ص: 61

1. زواج الإمام علي (ع) من فاطمة الزهراء (عليها السلام) (1/ ذي الحجة/ السنة الثانية للهجرة)

1. زواج الإمام علي (ع) من فاطمة الزهراء (عليها السلام) (1) (1/ ذي الحجة/ السنة الثانية للهجرة)

كان عمر الإمام علي (ع) قد بلغ أربعاً وعشرين سنة فلا بد له من الزواج وبدء الحياة المشتركة والسيدة فاطمة الزهراء قد أكملت التاسعة من عمرها وقد تقدم إلى رسول الله (ص) الكثير من الصحابة يطلبون يدها، إلا أن الرسول (ص) امتنع عن ذلك وصرح بأنه ينتظر فيها قضاء الله (2)، إلى أن تقدم أميرالمؤمنين (ع)، لخطبتها من رسول الله (ص)، فقال له: (يا علي قد ذكرها قبلك رجال، فذكرت ذلك لها، فرأيت الكراهة في وجهها، ولكن على رسلك حتى أخرج إليك)، فلما دخل النبي (ص) على فاطمة (عليها السلام)، وأخبرها بالأمر الذي جاء لأجله علي (ع)، سكتت (عليها السلام) ولم تولّ وجهها، ولم يرَ فيه الكراهية التي كان يراها في عرض غيره عليها، فقام وهو يقول: (الله أكبر، سكوتها

ص: 62


1- نقلنا المطالب عن كتاب الإمام علي 7، ادوار ومواقف.
2- أنساب الأشراف 30: 2.

إقرارها)، فخرج إلى علي وموافقة الزهراء (عليها السلام) بادية على قسائم وجهه، تحكيها ابتسامته المباركة(1) ، فقال (ص): «يا علي هل معك ما أزوّجك به؟» فقال (ع): «فداك أبي وأمي، والله لا يخفى عليك من أمري شي ء، أملك سيفي ودرعي وناضحتي. فقال (ص): يا علي، أما سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد به في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحتك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه رحلك في سفرك، ولكني قد زوّجتك بالدرع، ورضيت بها منك، بع الدرع، وائتني بثمنه»(2) .

باع الإمام علي (ع) الدرع (3) بأربعمئة وثمانين درهماً، وقيل بخمسمئة (4)، وجاء بالدراهم وطرحها يبن يدي النبي (ص)، فكان هذا فقط صداق أشرف وأعظم فتاة عرفتها دنيا الإنسان.

ثم إنّ النبي (ص) قسّم المبلغ أثلاثاً، ثلثاً لشراء الجهاز، وثلثاً لشراء الطيب، وثلثاً تركه عند أم سلمة أمانة، ثم ردّه بعد ذلك إلى علي (ع) قُبيل الزفاف، إعانةً منه لوليمة الزفاف.

دفع النبي (ص) الثلث لأبي بكر وسلمان وبلال ليشتروا لفاطمة (عليها السلام) متاع بيتها، فكان ما اشتروه متواضعاً غاية التواضع، بحيث لما طرح بين يدي النبي (ص) أخذ يقلّبها بيده، ثم رفع رأسه إلى السماء، وقال:

ص: 63


1- وقد اشتهر عن النبي 9، قوله: «لولا علي ما كان لفاطمة كفؤ».
2- الإصابة في معرفة الصحابة 365: 4.
3- كان يسمى هذا الدرع ب- الحطمية لأنها كانت تحطم السيوف.
4- بحارالأنوار 144: 43.

(اللهم بارك لقوم جُلُّ آنيتهم الخزف)(1) .

ومن السنن النبوية الوليمة عند الزواج، وقد روي عن ابن عباس: أن النبي (ص) دعا بلالًا فقال: «يا بلال، إني قد زوجت ابنتي ابن عمي، وأنا أحب أن يكون من سُنّة أمتي إطعام الطعام عند النكاح، فائت الغنم فخذ شاة وأربعة أمداد أو خمسة، فاجعل لي قصعة لعلّي أجمع عليها المهاجرين والأنصار».

ومن خلال هذه النظرة السريعة لهذا الحدث الكبير في تاريخ الإسلام يمكن استقراء جملة من الدروس التربوية العظيمة التي جعلها النبي (ص) معالم للأجيال، يمكن الإشارة إلى أهمها وهي:

أولًا: اختيار علي (ع) لفاطمة (عليها السلام)- وإن كان من قبل السماء بقوله (ص): (إن الله أمرني بأن أزوِّج فاطمة من علي) (2)- لكنه كان وفق ضوابط الإيمان وأهلية كل طرف للطرف الآخر ويدلل ذلك بوضوح على أهمية هذه الضوابط واعتبارها هي الأساس في تشكيل الأسرة المسلمة وكيانها.

ولعلّ في الكلام الذي روي عن النبي (ص): «يا فاطمة، أما إني ما آليت أن أنكحتك خير أهلي» (3) إشارة إلى لزوم انتخاب الأصلح.

ثانياً: السنن والدروس النبوية التي طبعت في معالم تشكيل هذه الأسرة المباركة من قلة المهر وإطعام الطعام وإقامة الفرح والسرور

ص: 64


1- بحارالأنوار 130: 43 ح 32.
2- ذخائر العقبى: 70.
3- الطبقات الكبرى 24: 8.

وتوصية الطرفين أحدهما بالآخر والبساطة في تجهيز أثاث البيت ومتطلباته.

عاش علي وفاطمة (عليهما السلام) على أحسن حال، فلم يشتك علي من فاطمة طيلة حياته معها، وكذلك فاطمة (عليها السلام)، بل كان كل منهما نِعم العون على طاعة الله للآخر، وهناك كثير من النصوص تؤكّد هذه الحقيقة، فقد قال علي (ع) في بيان العلاقة بينهما: (فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عز وجل، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، لقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان) (1).

وجاء في آخر كلام لها (عليها السلام) مع علي (ع): (يا بن العم ما عهدتني كاذبة ولا خائنة، ولا خالفتك منذ عاشرتني)، فقال (ع): (معاذ الله أنتِ أعلم وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله أن أوبخك بمخالفتي) (2).

لقد كان التناغم والتلاؤم بين الإمام علي والسيدة فاطمة (عليهما السلام) ما تعكسه هاتان العبارتان، وكيف لا يكونان كذلك وهما من البيت الذي أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بنص كتابه العزيز إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (3).

ص: 65


1- مناقب الخوارزمي: 256؛ كشف الغمة 363: 1.
2- أمالي الطوسي 384: 1؛ بلاغات النساء: لابن طيفور 20.
3- الأحزاب: الآية 33.

2. تبليغ سورة البراءَة في الحج (3/ ذي الحجة/ السنة 9 ه)

وفي هذا اليوم من السنة التاسعة للهجرة أرسل النبي (ص) أبابكر إلى مكة بالآيات الأولى من سورة براءة ليقرأها على كفار مكة، فأتاه جبريل الأمين فقال: يا محمد إن الله يأمرك أن تبعث علي بن أبي طالب، وأنه لا يؤديها عنك غيره. وفي رواية أخرى: قال جبريل: إن الله يقرئك السلام ويقول لك: لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك، فاستدعى رسول الله (ص) علياً (ع) وقال: «اركب ناقتي العضباء، والحق أبا بكر فخذ براءة من يده وامض بها إلى مكة، وانبذ بها عهد المشركين إليهم، وخيِّر أبا بكر بين أن يسير مع ركابك، أو يرجع إليّ»، فركب أميرالمؤمنين (ع) ناقة رسول الله (ص) العضباء ولحق به وأخذها منه، وعاد أبو بكر إلى النبي (ص) مستفسراً عن الأمر قائلًا له (ص): أنزل فيّ قرآن؟ فقال (ص): «لا ولكن الأمين هبط إليّ عن الله (جلّ جلاله) بأنه لا يؤدي عنك إلا أنت أو رجل منك ولا يؤدي عني

ص: 66

إلا علي»(1) .

والحادثة تشير بوضوح إلى جملة من النقاط المهمة التي يمكن الإشارة إليها:

أولًا: الأهمية الخاصة لهذه الآيات الشريفة وما تتضمنه من إمهال الكفار والمشركين فترة أربعة أشهر، تبدأ من العاشر من ذي الحجة وتنتهي باليوم العاشر من شهر ربيع الأول للسنة العاشرة.

ثانياً: تبين الحادثة فضل أميرالمؤمنين (ع) عند الله عز وجل وعند رسوله (ص) وقد ورد في بعض النصوص كما في (مسند أحمد بن حنبل): أن علياً (ع) قال: يا رسول الله (ص) لست خطيباً، فقال النبي (ص): «لا محيص عن ذلك، فإما أن أذهب بها أو تذهب بها، فقال علي (ع): إذا كان ولا بد فأنا أذهب بها، فقال له النبي (ص): انطلق بها فإن الله يثبت لسانك ويهدي قلبك» (2).

ثالثاً: مع أهمية العهود والمواثيق في الإسلام إلا أن الأمر الإلهي اعلن من خلال هذه الآيات إعلاناً عاماً أمام الناس كافة: وَأَذَانٌ مّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجّ الأكْبَرِ أَنّ اللهَ بَرِيَ ءٌ مّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ...

فقد تصرف الوحي والرسول (ص) معهم كما تصرف مع اليهود الذين نقضوا عهودهم ومواثيقهم من جانب واحد، وذلك بالتآمر سراً

ص: 67


1- الإرشاد 65: 1.
2- مسند أحمد بن حنبل 331: 1.

مع أعداء الإسلام، أو محاولة اغتيال النبي (ص) فتمت مواجهتهم وطردهم من المدينة، لكن بعض المعاهدات بقيت سارية المفعول سواء كانت ذات أجل مسمى أم لم تكن ذات أجل مسمى.

إن القرائن والدلائل التي ظهرت من جانب المشركين تدل على أنهم كانوا على استعداد فيما لو استطاعوا أن يوجهوا ضربة قاضية للمسلمين دون أدنى اعتناء بعهودهم، ومن المنطقي أنه إذا رأى الإنسان عدوه يتربص به ويستعد لنقض عهده، ولديه قرائن على ذلك وعلائم واضحة، فمن المنطقي أن ينهض لمواجهته قبل أن يستغفله، ويعلن إلغاء عهده، ويرد عليه بما يستحق.

ومن الجدير ذكره في هذا الباب أن القوانين الدولية المعاصرة لا تعترف بالمعاهدات بين الدول إذا ما تم إقرارها والتوقيع عليها تحت الضغوط والقوة القاهرة.

رابعاً: إن الأديان والعقائد الفاسدة مثل عبادة الأصنام ليست عقيدة ولا فكراً، بل هي خرافة ووهم باطل خطر، فيجب القضاء عليها وإزالتها من المجتمع الإنساني. فإذا كانت قوة عبدة الأصنام وقدرتهم بالغة في الجزيرة العربية آنذاك، فاضطر النبي (ص) بسبب تلك الظروف إلى معاهدتهم ومصالحتهم، فإن ذلك لا يعني أنه لا يحق له إلغاء معاهدته- إذا ما قويت شوكته- وأن ينقض عهده الذي سيعتبر مخالفاً للمنطق والعقل فيما لو استمر عليه. كما أن هذا الحكم مختص بالمشركين، أما أهل الكتاب وسائر الأقوام الذين كانوا في

ص: 68

أطراف الجزيرة العربية فقد بقيت المعاهدات معهم على حالها ولم ينقض النبي (ص) مواثيقهم وعهودهم حتى وفاته.

إن البراءة في الآية المذكورة أعلاها لا تختصّ بمشركي الجزيرة بل إنها تشمل البراءة من مشركي العالم كله، الموجودين في عصر الرسالة ومن بعدهم إلى يوم القيامة. وهذه الآية تعلن عن أوضح موقف سياسي تجاه المشركين وأعداء الإسلام.

وأما من تمسّك بقوله تعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ ولا فُسُوقَ ولا جِدالَ فِي الْحَجِّ وما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى واتَّقُونِ يا أُولِي الأَلْبابِ(1) لتحريم المظاهرات وإعلان البراءة من المشركين، فمردود، لأنّ المشهور عند المفسرين في تفسير هذه الآية أنّ الرفث هو الجماع والفسوق هو جميع المعاصي، والمراد بالجدال هو المراء والمشاجرة (2)، هذا ما عند القوم، وأمّا عند أهل البيت (عليهم السلام) فقد فُسّر الجدال المذكور في الآية بقول الرجل: لا والله، وبلى والله (3)

، وأين هذا من تحريم مطلق الجدال الذي يدعيه القوم، وقد اتخذه الوهابيون دليلًا على حرمة المظاهرات وإظهار البراءة من الكفار والمنافقين في موسم الحج.

ومن هذا المنطلق كان الإمام الخميني (قدس سره) يرى بأن السياسة جزء

ص: 69


1- البقرة: 197.
2- الكشاف 263: 1.
3- نور الثقلين 162: 1.

من الدين، وأن عملية فصل السياسة عن الدين التي شاعت خلال العقود الأخيرة من هذا القرن، إنما روّج لها المستعمرون، وأن النتائج المشؤومة لهذا الفصل واضحة في العالم الإسلامي وبين أتباع سائر الأديان الإلهية.

وكان الإمام الخميني (قدس سره) يعتقد بأنّ الإسلام دين الهداية البشرية في جميع مراحل وأبعاد وأدوار الحياة الفردية والاجتماعية، ولما كانت العلاقات الاجتماعية والسياسية جزءاً لا يتجزأ من حياة البشر، فإنّ الإمام الخميني (قدس سره) كان يرى أن الإسلام الذي يهتم بالجوانب العبادية والأخلاقية الفردية فحسب، ويصدّ المسلمين عن تقرير مصيرهم وعن المسائل الاجتماعية والسياسية، إسلام محرّف، وعلى حد تعبير سماحته (إسلام أمريكي).

لقد بادر الإمام الخميني (قدس سره) بعد انتصار الثورة الإسلامية فضلًا عن الحكومة الإسلامية بأسلوب يختلف تماماً عن الأنظمة السياسية المعاصرة، أوضح أركانه وأصوله دستور الجمهورية الإسلامية، الى إحياء شعائر الإسلام الاجتماعية، وإعادة الروح السياسية للأحكام الإسلامية، وما إحياء وإقامة صلاة الجمعة، وصلاة الجماعة، وصلاة الأعياد الإسلامية الكبرى في مختلف أنحاء البلاد، إلّا توكيد على أنّ الإسلام عقيدة عبادية سياسية، وطرح المسائل والمشكلات التي يتعرض لها المجتمع الإسلامي داخل البلاد وخارجها في خطب صلوات الجمعة والأعياد الدينية، وتغيير أسلوب ومحتوى مراسم

ص: 70

العزاء والرثاء، وغيرها من مضامين التغيير إلا نماذج بارزة على ذلك. إن أحد أبرز إنجازات الإمام الخميني (قدس سره) إحياء الحج الإبراهيمي، واعتبر الحج من أبرز مظاهر التلاقي وإعلان البراءة من المشركين، إلا أن الناظر الى الحج لا يرى أيّ أثر من طرح لمشكلات العالم الإسلامي والبراءة من المشركين. وقد اعتبر (قدس سره) من خلال بياناته السنوية التي كان يوجّهها الى الحجاج في موسم الحج على وجوب اهتمام المسلمين بالأمور السياسية للعالم الإسلامي، واعتبار إعلان البراءة من المشركين ركناً من أركان الحج، وتوضيحاً لمسؤوليات الحجيج في هذا الخصوص.

وبالتدريج اتخذ مؤتمر الحج العظيم شكله الحقيقي وصارت سيرة البراءة تقام سنوياً بمشاركة عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين والمسلمين الثوريين من البلدان الأخرى، يردّدون خلالها شعارات تطالب بإعلان البراءة من أمريكا والاتحاد السوفيتي آنذاك وإسرائيل باعتبارها مصاديق بارزة للشرك والكفر العالمي، وتدعو المسلمين الى الاتحاد.

وفي هذا الصّدد يقول سماحة ولي أمر المسلمين الإمام الخامنئي في ندائه لحجاج بيت الله الحرام وذلك في موسم الحج لعام (1424 ه):

(إنهم (المستكبرون) يشعرون بوجود الصحوة الإسلامية، ويشعرون بالخطر من انتشار فكرة (الإسلام السياسي) وسيادة

ص: 71

الإسلام، وترتعد فرائصهم عندما يفكرون بيوم تنهض فيه الأمة الإسلامية موحدة مليئة بالأمل، فإن الأمة الإسلامية بما تملكه من ثروات طبيعية، وتراث حضاري تاريخي عظيم، ورقعة جغرافية مترامية الأطراف، وكمّاً بشري هائل، لن تسمح في ذلك اليوم المنشود، لقوى الهيمنة التي طفقت تمتص دم الأمة وتنتهك حرمتها وكرامتها طوال مئتي عام، أن تستمر في هذا الطغيان والعدوان.

إن النخب السياسية والفكرية في عالمنا الإسلامي تتحمل اليوم مسؤولية جسيمة في إقامة مناسك الحج وشعائره بما جاء به الإسلام العظيم.

إننا نستشرف أفق المستقبل مشرقاً أمام شعبنا والعالم الإسلامي مستمرين بعزيمة راسخة في الدرب الذي رسمه الإمام الخميني العظيم واثقين من تحقق الوعد الإلهي وثوقاً يتزايد يوماً بعد يوم» (1).

ص: 72


1- بيان الإمام الخامنئي مدظلّه في موسم الحج 2004 م.

3. وصول النبي (ص) إلى مكة لحجة الوداع (4/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

اشارة

3. وصول النبي (ص) إلى مكة لحجة الوداع(1)(4/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

كان وصول النبي (ص) إلى كدي أو كداء، يوم الاثنين الرابع من ذي الحجة في العام العاشر للهجرة، وكان في آخر نهار ذلك اليوم (2)، فلما أصبح في اليوم التالي اغتسل ودخل مكة نهاراً (3)

وذلك من العقبة، فلما انتهى إلى باب المسجد- باب شيبة- استقبل القبلة (الكعبة) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على أبيه إبراهيم (4)، ثم دخل بناقته العضباء واستلم الركن (الحجر الأسود) بمحجته (عصاً قصيرة معوجة الرأس)، وقبّل الحجر(5) ثم طاف بالبيت سبعة أشواط، ثم صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (ع)، قرأ في الأولى بعد الفاتحة

ص: 74


1- المناسبات النبويّة، ادوار ومواقف.
2- فروع الكافي 233: 1؛ بحارالأنوار 39: 21.
3- مغازي الواقدي 1097: 2.
4- فروع الكافي 234: 1؛ بحارالأنوار 396: 21.
5- فروع الكافي 283: 1؛ مغازي الواقدي 1098: 2؛ بحارالأنوار 402: 21.

سورة الكافرون، وفي الثانية التوحيد(1) ، ثم دخل زمزم فشرب منه، ثم استقبل الكعبة وقال: (اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كلّ داء وسقم). ثم رجع إلى الحجر الأسود ليستلمه وقال لأصحابه: (ليكن آخر عهدكم بالكعبة استلام الحجر) ثم استلمه وخرج إلى الصفا، وقال لأصحابه: ابدؤوا بما بدأ به الله تعالى إذ قال: إِنّ الصّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللهِ حتى صعد الصفا فقام عليه، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره ثم قال (ص): (لا إله لا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شي ء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده). قال مثل هذا ثلاث مرات، ودعا بين ذلك، ثم نزل إلى بطن الوادي ومشى حتى صعد المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا (2)

لحوق علي (ع) بركب الرسول (ص)

كان علي (ع) في اليمن، وكان الرسول (ص) قد كاتب علياً (ع) بالتوجه إلى الحج من اليمن، فخرج أميرالمؤمنين بمن معه من العسكر الذي صحبه، وساق معه أربعاً وثلاثين بدنة هدياً، معه الحلل (3) ، ولما بلغ يلملم عقد نيته بنية النبي، وقال: اللهم إهلالًا كإهلال نبيك.

ص: 74


1- صحيح مسلم 36: 4؛ مغازي الواقدي 1098: 2؛ بحارالأنوار 404: 21.
2- صحيح مسلم 36: 4؛ مغازي الواقدي 1099: 2.
3- قال الواقدي: إن الحلل هي الغنائم، وقال المفيد: كانت جزية نصارى نجران

فلما قارب رسول الله (ص) مكة من طريق المدينة قاربها أميرالمؤمنين (ع) من طريق اليمن، فلما كان بالفتق قرب الطائف خلّف على أصحابه أبا رافع القبطي، وتقدمهم للقاء النبي (ص)، فأدركه وقد أشرف على مكة، فسلم وأخبره بما صنع وأنه سارع للقائه قبل الجيش(1) .

فسرّ رسول الله (ص) بذلك وابتهج بلقاء علي (ع)، وكان محرماً فسأله: بمَ أهللت يا علي؟ فقال (ع): «يا رسول الله، إنك لم تكتب إليّ بإهلالك، ولا عرفتنيه، فعقدت نيتي بنيتك. وقلت: اللهم إهلالًا كإهلال نبيك، وسقت معي من البدن أربعاً وثلاثين بدنة»، فقال رسول الله (ص): «الله أكبر فقد سقت أنا ستاً وستين، وأنت شريكي في حجتي ومناسكي وهديي، فأقم على إحرامك، وعد إلى جيشك، فعجّل بهم إليّ حتى نجتمع في مكة إن شاء الله».

خطبته (ص) في آخر عمرته:

روى الكليني بسنده عن الصادق (ع): أنه لما فرغ رسول الله (ص) من سعيه وهو على المروة أقبل على الناس بوجهه، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

(إن هذا جبرائيل- وأومأ بيده إلى خلفه- يأمرني أن آمر من لم يسق هدياً أن يحل، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لصنعت

ص: 79


1- مغازي الواقدي 108: 2،.

مثل ما أمرتكم، ولكني سقت الهدي، ولا ينبغي لسائق الهدي أن يحل (حَتّىَ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلّهُ)، فقال رجل من القوم: أنخرجن حجاجاً ورؤوسنا وشعورنا تقطر؟!» (يعني من غسل الجنابة).

فقال رسول الله (ص): أما إنك لن تؤمن بهذا أبداً!

فقال سراقة بن ملك الكناني: يا رسول الله، علمنا ديننا كأننا خلقنا اليوم؛ فهذا الذي أمرتنا به ألعامنا هذا أم لما يستقبل؟

فقال رسول الله (ص): «بل هو للأبد إلى يوم القيامة، وشبك أصابعه وقال: دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» (1).

وفي يوم التروية خرج (ص) إلى مناسك الحج وكان بعد الزوال وبعد الغسل والإهلال بالحج، فمرّ بمنى وصلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم بعد طلوع الشمس جاء نمرة من موقف عرفات ثم سار إلى عرفات، وانتهى النبي (ص) إلى نمرة. بحيال شجر الأراك من بطن عرنة من عرفة فوجد قبته قد ضربت هناك فنزل بها حتى زاغت الشمس.

فلما زاغت الشمس أمر بناقته القصواء فرُحٍّلت له، فخرج وقد اغتسل فقال: أيها الناس، إن الله باهى بكم في هذا اليوم ليغفر لكم عامة، ثم التفت إلى علي (ع) فقال: ويغفر لعلي خاصة، ثم قال: ادن مني يا علي، ودنا منه فأخذ بيده وقال: (إن السعيد كل السعيد حق السعيد من أطاعك وتولاك من بعدي، وإن الشقي كل الشقي حق

ص: 76


1- فروع الكافي 233: 1؛ بحار الأنوار 391: 21.

الشقي من عصاك ونصب لك العداوة من بعدي) (1). ثم ركب وسار حتى وقف حيث المسجد اليوم (مسجد نمرة) في بطن الوادي فخطب الناس.

خطبة الرسول (ص) في عرفات

كان التأكيد على النقاط التالية في خطبته الشريفة في عرفات:

1. تحريم دماء المسلمين وأموالهم بعضهم على بعض، فقد قال (ص): (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بهذا الموقف أبداً، أيها الناس إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ...»

2. إلغاء العادات الجاهلية الوثنية في الأخذ بالثأر، فقد قال (ص): (إن كل دم كان في الجاهلية موضوع، وأنا أضع دم ابن ربيعة بن الحارث).

ما أروع النبي (ص) حيث إنه قدوة للمسلمين جميعاً، فبدأ بأقربائه في تنفيذ أحكام الإسلام فابن ربيعة بن الحارث الذي قتله البعض، وضع النبي (ص) دمه وأسقطه، لكي يشجع المسلمين على ترك الثأر.

3. أداء الأمانة إلى أهلها، فقد قال (ص): (إنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها ....).

ص: 77


1- أمالي المفيد: 161.

4. التأكيد على حرمة الربا، وأن ذلك المال الحاصل منه لا يملكه المرابي، وقد بدأ (ص) بأقربائه في إسقاط الربا، فأسقط ربا عمه العباس، قال (ص): (أيها الناس إن كل ربا موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وإن ربا عباس بن عبد المطلب موضوع كله).

5. الوصية بالنساء خيراً، قال (ص): (أيها الناس إن لكم على نسائكم حقاً، ولهن عليكم حقاً، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه، وعليهن أن لا يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع، وتضربوهن ضرباً غير مبرح، فإن تبن فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئاً، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمات الله، إعقلوا أيها الناس قولي فإني قد بلغت).

6. التركيز على حق المسلم على أخيه المسلم، قال (ص): (أيها الناس اسمعوا قولي واعقلوه تعلمون أن كل مسلم أخ للمسلم، وأن المسلمين إخوة، فلا يحل لامرئٍ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه، فلا تظلمُن أنفسكم ألا فليبلغ شاهدكم غائبكم؛ لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم، ألا كل شي ء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع).

ثم اشهد النبي (ص) ربه عليهم بقوله: «اللهم اشهد ... اللهم اشهد ...

ص: 78

اللهم اشهد»(1) .

وفي مني قد أخبر النبي (ص) الناس عند مسجد الخيف أن نفسه نعيت له، ومن خطبته هناك: (أيها الناس، إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ولن تزلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير، إنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض كإصبعي هاتين). وجمع بين سبابتين، (ولا أقول كهاتين) وجمع بين سبابته والوسطى، (فتفضل هذه على هذه) (2).

وهكذا أكمل النبي (ص) حجه، وعلّم المسلمين حجهم، وكانت آخر حجّة حجّها النبي (ص)، ولذلك سميت حجة الوداع.

وهكذا حتى يبلغ الرسول (ص) غدير خم فتكون لنا مناسبة أخرى نتحدث فيها في تناغم رسالي عن حقيقة الدين الذي أنزله الله على عباده.

ص: 79


1- نقلت هذه الخطبة الكثير من كتب الحديث.
2- أسنده الكليني في الكافي 403: 1 إلى الإمام الصادق، والصدوق في الخصال 149: 1.

4. شهادة الإمام محمد الباقر (ع) (7/ ذي الحجة/ السنة 95 ه)

هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، وهو الإمام الخامس من أئمة أهل البيت (ع). ولد (ع) بالمدينة سنة سبع وخمسين من الهجرة. وقبض في المدينة أيضاً سنة أربع عشرة ومئة، فعمره الشريف سبع وخمسون سنة وهو أول علوي من علويين، أبوه زين العابدين (ع) وأمّه فاطمة بنت الحسن السبط (ع) وقبره في البقيع في مدينة الرسول (ص) (1).

كانت شهادة الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر (ع) على يد هشام بن عبدالملك. وقيل إن عبد الملك بن مروان بعث بسرج مسموم إلى الإمام (ع) وعندما وضعوه فوق الفرس وجلس عليه الإمام أحس بحرارة السم، فتورم جسده الشريف وظهرت عليه آثار الموت.

ص: 80


1- الإرشاد 158: 2.

روي عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنه قال: (في أحد الأيام طلبني أبي وقال لي: يا جعفر إذا أنا مت فغسلني وكفّني وارفع قبري أربع أصابع ورشه بالماء (وكان عنده قوم من أصحابه) فلما خرجوا قلت: يا أبت لو أمرتني بهذا صنعته، ولم ترد أن أدخل عليك قوماً تشهدهم، فقال: يا بني أردت أن لا تنازع (أي: في أمر الإمامة)» (1).

والحادثة تشير إلى أنه (ع) أوضح للحاضرين من شيعته وأتباعه من هو الإمام المفترض الطاعة من بعده. لأن الشيعة يعرفون من خلال أئمتهم أن المعصوم لا يتولى تغسيله وتجهيزه ودفنه إلّا خليفته المعصوم من بعده.

والإمام الباقر (ع) يمثل حلقة الوصل في استكمال الخطة التي بدأها الإمام زين العابدين (ع) وذلك بالسعي الدؤوب في بث علوم آل البيت (عليهم السلام)، ومواجهة مخططات التحريف ونشر الشبه والضلالات والأفكار الإلحادية من قبل الزنادقة والمخطط الأموي في الطمس والتعتيم على أحقية آل البيت (عليهم السلام) في الإمامة السياسية والفكرية للأمة الإسلامية.

لقد أنشأ الإمام زين العابدين (ع) حلقات الدرس والمناظرات في مسجد جده رسول الله (ص) وتوسعت هذه الحركة الفكرية في زمن الإمام الباقر (ع) وبلغت ذروتها في زمن ولده الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع)، حيث كانت الدولة الأموية قد أوشكت

ص: 81


1- الخرائج ولجرائح: 197.

على الانهيار وقد نقلت التفاسير وكتب الحديث والتاريخ عن الإمام محمد الباقر (ع) أحاديث وحوارات كثيرة حصلت بينه وبين رجال الفكر والعلماء المعاصرين له (ع) من أمثال نافع مولى عمر بن الخطاب، حيث التقى به (ع) في داخل البيت الحرام، وكان نافع قد ذهب إلى الحج مع الخليفة هشام بن عبد الملك، فنظر نافع إلى الإمام الباقر (ع) في ركن البيت وقد اجتمع عليه الخلق وقال: يا أميرالمؤمنين من هذا الذي قد تكافأ عليه الناس. فقال: هذا محمد بن علي، قال: لآتينه ولأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلّا نبي أو وصي نبي، قال الخليفة هشام: فاذهب إليه لعلك تخجله، وذهب نافع والتقى الإمام الباقر (ع) وسأله عن مسائل كثيرة لا يتسع هذا البحث المختصر لإيرادها، ولكن نكتفي بسؤال واحد هو عن قول الله تبارك وتعالى: وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ قال نافع: من الذي سأل محمد (ص) وكان بينه وبين عيسى (ع) خمسمائة عام، فأجابه الإمام الباقر (ع) بأن ذلك كان من الآيات التي أراها الله عز وجل لنبيه (ص) الكريم في الإسراء إلى بيت المقدس.

قال تعالى: سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَىَ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَىَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ، حيث حشر الله الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرائيل فأذّن شفعاً وأقام شفعاً، وقال في أذانه حي على خير العمل، ثم تقدم

ص: 82

رسول الله (ص) فصلى بالقوم، فلما انصرف قال الله تعالى: (وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رّسُلِنَآ أَجَعَلْنَا مِن دُونِ الرّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ) فقال النبي (ص): على ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا اله إلّا الله وحده لا شريك له وأنك رسول الله، أخذت على ذلك عهودنا ومواثيقنا.

قال نافع: صدقت يا أبا جعفر.

وللإمام (ع) حوارات كثيرة مع الحسن البصري وطاووس اليماني، ومن أراد التوسعة والاطلاع فليراجع الارشاد للشيخ المفيد 244 والاحتجاج للمرحوم الطبرسي، وبحار العلامة المجلسي: 125: 6.

وختاماً نشير إلى ما روي عنه (ع) من أنه أوصى بثمانمئة درهم تعطى لإقامة المآتم عليه بعد موته، روي عن الصادق (ع) أنه قال: «قال لي أبي: يا جعفر أوقف لي من مالي كذا وكذا لنوادب يندبني عشر سنين بمنى أيام منى»(1) .

والحكمة من هذا الأمر الذي أمربه الإمام الباقر (ع) لولده الإمام جعفر الصادق (ع) أنه أراد ان يعرّف المسلمين عامة والشيعة خاصة بأهمية إقامة الشعائر وبالأخص إحياء مجالس أهل البيت (عليهم السلام) لأن إحياء مجالسهم وذكرهم هو إحياء للإسلام، والقرآن، فأهل البيت (عليهم السلام) هم عدل القرآن ولا يفترقان أبداً كما صرح بذلك نبي الإسلام محمد (ص) في حديث الثقلين المعروف.

ص: 83


1- فروع الكافي 117: 5.

5. يوم التروية وخروج الحسين (ع) من مكة (8/ ذي الحجة/ السنة 60 ه)

اشاره

سمي اليوم الثامن من شهر ذي الحجة بيوم التروية لأن الحجاج يخرجون فيه من مكة محرمين إلى منى وهم يتروون من الماء يحملونه معهم في الروايا إلى عرفات، لأنه لم يكن في الزمن السابق بعرفة ماء، وللصّيام في هذا اليوم فضل كثير، وروي أنّه كفّارة لذنوب ستّين سنة، وقال الشّيخ الشّهيد (قدس سره): أنّه يستحبّ فيه الغسل.

وفي هذا اليوم- الثامن من ذي الحجة سنة ستين- توجه الحسين (ع) من مكة إلى العراق بعد مقامه بمكة من اليوم الثالث من شعبان وكان قد اجتمع إليه مدة مقامه بمكة نفر من أهل الحجاز ونفر من أهل البصرة، وكان (ع) قد طاف وسعى وأحل إحرامه وجعلها عمرة لمّا بلغه أن يزيد أنفذ عمرو بن سعيد بن العاص في عسكر، وأمّره على الحاج وأوصاه بالفتك بالحسين أينما وجده فكره الإمام الحسين (ع) أن تستباح به حرمة البيت.

ص: 84

وخطب الإمام الحسين (ع) في مكة خطبته الشهيرة التي قال فيها: (الحمد لله وما شاء الله ولا قوة إلّا بالله وصلى الله على رسوله خُطّ الموت على وُلد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف، وخير لي مصرع أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلا فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغباً. لا محيص عن يوم خط بالقلم. رضا الله رضانا أهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا أجور الصابرين، لن تشذ عن رسول الله لحمته بل هي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه وينجز بهم وعده، ألا من كان فينا باذلًا مهجته، موطّناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا، فإني راحل مصبحاً إن شاء الله تعالى) (1).

وروي أنه (ع) قال لعبد الله بن الزبير: إن أبي حدثني أن بمكة كبشاً به تستحل حرمتها فما أحب أن أكون ذلك الكبش، ولئن أقتل خارجاً منها بشبر أحبّ إليّ من أقتل فيها، وأيم الله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام لاستخرجوني حتى يقضوا فيّ حاجتهم، والله ليعتدنّ عليّ كما اعتدت اليهود في السبت! (2).

ونقرأ في حركة الحسين وخروجه من مكة وخطابه فيها نداء يستصرخ الضمائر ويهز الوجدان في الأمة، يوضح فيه ملامح حركته وأهدافها، وأن رضا الله عن الأمة لا يكون في سكوتها عن الظلم

ص: 85


1- اللهوف: 33، عن مقتل الخوارزمي عن الفتوح لابن اعثم الكوفي المتوفى 310.
2- الكامل لابن الأثير 16: 1 عن أبي مخنف، راجع وقعة الطف لأبي مخنف، تحقيق: الشيخ اليوسفي الغروي

وانتهاك الحرمات وتعطيل الحدود وإماتة السنة وإحياء البدعة، وأن الصلاة والقصد إلى حج البيت الحرام لا معنى له وابن بنت النبي (ص) مهدد من قبل الدولة الأموية بالاغتيال، ولو كان متعلقاً بأستار الكعبة، قال (ع): (رضا الله رضانا أهل البيت (عليهم السلام))، فهذا هو العنوان الكبير الذي يجب على المسلمين تمثله والسير وراءه. (1)

ص: 86


1- موسوعة المناسبات الاسلامية والعالمية. ط مكتب الإمام الخامنئي في سورية.

6. يوم عرفة (9/ ذي الحجة/ من كل سنة)

اشارة

اليوم التاسع من ذي الحجة من كل سنة هو يوم عرفة، وهو يوم دعا الله عباده فيه إلى طاعته وعبادته وبسط لهم موائد إحسانه وجوده والشيطان فيه ذليل حقير طريد غضبان أكثر من أيّ وقت سواه، وفيه يتحرّك الحجاج الذين أحرموا وباتوا في منى (يوم التروية) إلى عرفات، والذين لم يذهبوا إلى منى فالواجب عليهم الإحرام من مكة والأفضل من الحرم، والوصول إلى عرفات قبل الزوال والبقاء فيها إلى غروب الشمس ويقضي الحاج هذه الفترة في تلاوة القرآن والذكر والدعاء والتضرع إلى الله عز وجل يطلبون منه العفو ويسألونه المغفرة والتكفير عن الذنوب، ولذا يمكن ان يطلق علي يوم عرفة يوم عيد قبول التوبة وغفران الذنوب والحصول على السعادة.

وروي أنّ الإمام زين العابدين (ع) سمع في يوم عرفة سائلًا

ص: 87

يسأل الناس، فقال له: (ويلك أتسأل غير الله في هذا اليوم؟ وهو يوم يُرجى فيه للأجنّة في الأرحام أن يعمّها فضل الله تعالى فتسعد)(1) .

ولهذا اليوم عدّة أعمال: الغسل عند الظهر وزيارة الإمام الحسين (ع) وصلاة ركعتين تحت السماء بعد فريضة العصر قبل البدء بدعوات يوم عرفة، والصوم لمن لا يضعفه الدعاء، والاقرارّ لله تعالى بالذنوب للفوز بثواب عرفات وقراءة الادعية المأثورة عن الحجج الطاهرة (ع)، وهي أكثر من أن تذكر في هذه الوجيزة. والمشهور منها دعاء عرفة لأبي عبدالله الحسين (ع) حيث دعا به في جمع من الناس في اواخر وقت يوم عرفة وكذلك دعاء الامام السجاد علي بن الحسين (ع) في هذا اليوم المذكور في الصحيفة السجادية، وهو الدعاء السابع والاربعون.

وقال الكفعمي في (المصباح): يستحب صوم عرفة لمن لا يضعف عن الدعاء، والاغتسال قبل الزوال، وزيارة الإمام الحسين (ع) فيه وفي ليلته، فإذا زالت الشمس فابرز تحت السماء وصلّ الظهرين تحسن ركوعهما وسجودهما، فإذا فرغت فصلّ ركعتين في الأولى بعد الحمد التوحيد، وفي الثانية بعد الحمد سورة «قل يا أيها الكافرون»(2)، ثم صلّ أربعاً أخرى في كل ركعة الحمد والتوحيد خمسين مرة.

ص: 88


1- وسائل الشيعة 28: 10، ح 1.
2- الكافرون: 1.

واقرأ في هذا اليوم الزّيارة الجامعة الثّالثة وقل في آخر نهار عرفة: «يا رَبِّ إنَّ ذُنُوبي لا تَضُرُّكَ، وَانَّ مَغْفِرَتَكَ لي لا تَنْقُصُكَ، فَاعْطِني ما لا يَنْقُصُكَ، وَاغْفِرْ لي ما لا يَضُرُّكَ وقل أيضاً: اللّهُمَّ لا تَحْرِمْني خَيْرَ ما عِنْدَكَ لِشَرِّ ما عِنْدي فَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَرْحَمْني بِتَعَبي وَنَصَبى فَلا تَحْرِمْني اجْرَ الْمُصابِ عَلى مُصيبَتِه».

والليلة التاسعة كيومها مباركة لأن التوبة تقبل فيها والدعاء مستجاب وأجر من أحياها كمن عبد الله تعالى سبعين سنة من العبادة، ومن المسنون فيها: دعاء (اللهم يا شاهد ...)، تسبيحات يوم عرفة 100 مرة، دعاء (اللهم من تعبّأ وتهيأ ...) وزيارة الإمام الحسين (ع).(1)

الوقوف بعرفات

وادي عرفات أرض الرحمة والمغفرة وقبول الدعاء، تبعد عن الكعبة (مدينة مكة) حوالي (21) كيلومتر، وفيها جبل الرحمة والمغفرة والحجيج يقصدها يوم عرفة لأداء حج التمتع، وذلك قول الله عز وجل: (ثُمّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاسُ ...)(2) فحجاج بيت الله الحرام بعد ارتدائهم لملابس الإحرام يفيضون الى عرفات ويقفون في هذه المنطقة من ظهر يوم التاسع من ذي الحجة إلى أوان غروب الشمس، منهمكين بالدعاء والتضرع، لينزل الله تعالى عليهم رحمته ويأتي جمع من الحجاج يوم عرفة إلى مسجد نمرة، ليصلوا

ص: 89


1- لزيادة الاطلاع راجع مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي الحجة.
2- البقرة: 199.

الظهر والعصر بأذان وإقامتين، ثم يشرعوا بالدعاء والتضرع ومسألة الله تعالى حتى الغروب واهم مايسألون الله هو غفران ذنوبهم بعد الاعتراف بها اقتداء بالنبي ابراهيم الخليل (ع) ففي رواية عن معاوية بن عمار قال: سألت أبا عبدالله (ع) عن عرفات لِمَ سميت عرفات؟ فقال: (إن جبرائيل (ع) خرج بإبراهيم (ع) يوم عرفة، فلما زالت الشمس قال جبرائيل: يا إبراهيم اعترف بذنبك، واعرف مناسكك، فسميت عرفات لقول جبرائيل اعترف فاعترف) (1) وهناك أسباب أخرى للتسمية.

اذن إحدى أهم الألطاف التي يحصل عليها الحجاج من رحلة الحج المعنوية، هو غفران الذنوب، ففي اليوم التاسع من شهر ذي الحجة الحرام، يأتي الحجيج من كل فج عميق ويجتمعون في عرفات، ويطلبون من الله تعالى أن يغفر لهم ما تقدم من ذنوبهم ويطهرهم من الأدران، فهم في دعاء وبكاء وتوسل فعن الامام علي (ع) قال: (إن رسول الله (ص) لما حج حجة الوداع، وقف بعرفة فأقبل على الناس بوجهه فقال: مرحباً بوفد الله- ثلاث مرات- الذين إن سألوا أعطوا، وتُخلف نفقاتهم، ويجعل لهم في الآخرة بكل درهم ألفاً من الحسنات، ثم قال: يا أيها الناس ألا أبشركم؟! قالوا: بلى يا رسول الله. قال: إنه إذا كانت هذه العشية باهى الله بأهل هذا الموقف الملائكة، فيقول: (يا ملائكتي انظروا إلى عبيدي وإمائي أتوني من أطراف الأرض، شعثاً

ص: 90


1- مستدرك الوسائل 26: 10 الباب 14 ح 1372

غبراً، هل تعلمون ما يسألون؟ فيقولون: ربنا يسألونك المغفرة، فيقول: أشهدكم أني قد غفرت لهم، فانصرفوا من موقفكم مغفوراً لكم ما سلف) (1).

الدعاء في يوم عرفة

الدعاء هو نداء العبد ربه، وإقباله عليه، وهو روح العبادة وجوهرها، فعن رسول الله (ص): «الدعاء مُخّ العبادة»(2) ، والعبادة هي الغاية من الخلق، قال تعالى: (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (3)، وكذلك فإن الله تعالى لايعبأ بالعباد لولا الدعاء، قال تعالى: (قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ ...) (4)، وقد جعل الدعاء من أعظم ما يتقرب العبد به إلى ربه، قال الإمام الصادق (ع): «عليكم بالدعاء فإنكم لا تتقربون بمثله» (5).

وللدعاء فوائد كثيرة، فإنه يطهر النفس من درن الذنوب والآثام، كما يوطّد العلاقة والارتباط مع الله سبحانه، كما أنه به يدفع البلاء ويحل القضاء بعدما أبرم إبراماً، وهو سلاح المؤمن عند الشدائد والمصائب، وبه شفاء المريض ونزول البركة، وسعة الأرزاق.

ص: 91


1- مستدرك الوسائل 36: 8.
2- بحارالأنوار 300: 93.
3- الذاريات: 56.
4- الفرقان: 77.
5- بحارالأنوار 293: 93/ 22.

ولعلّ من أعظم فوائده هو فهم وإدراك الكثير من المعارف الإسلامية على الصعيد العقائدي والأخلاقي والتربوي، بما تحمله أدعية أهل البيت (عليهم السلام) من علوم إسلامية صاغوها في قوالب دعائية، ويكفي للإذعان بهذه الفوائد العظيمة قراءة أدعية الصحيفة السجادية.

ونجد أئمة أهل البيت (عليهم السلام) قد أبدوا مزيداً من الاهتمام بالدعاء، ومنهم الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) الذي ورد عنه بعض الأدعية التي حفلت بالدروس التربوية الهادفة، حيث شملت أبعاداً متعددة ساهمت في بناء العقيدة والإيمان بالله تعالى، وتنمية حالة الرهبة لله تعالى في أعماق نفوس الناس، وقد حوت أدعيته (ع) أصول الأخلاق وقواعد السلوك والآداب، كما ألمّت بفلسفة التوحيد ومعالم الرسالة الإسلامية ومن بين تلك الادعية قد اشتهر دعاء عرفة الذي دعا به الامام ربه يوم عرفة في صحراء عرفات فهو السفر الخالد في عالم الروح، وهو بحق ثورة في عالم النفس، فإذا كانت ثورة الطف الخالدة تستهدف قلع الفساد الظاهر يأتي دعاؤه (ع) ليستهدف طغيان الذات، وبهذا شكّل هذا الدعاء وغيره عند الإمام الحسين بن علي (ع) ممارسة لا تنفكّ عنه، فنجده لم يتركه حتى في أحرج ساعات واقعة الطف، فقد دعا بدعاء جده النبي الأكرم (ص) يوم أحد والأحزاب.

وقد روى هذا الدعاء الشريف بشر وبشير الأسديان حيث

ص: 92

قالا: كنا مع الإمام الحسين بن علي (ع) عشية عرفة، فخرج (ع) من فسطاطه متذللًا خاشعاً، فجعل يمشي هوناً هوناً حتى وقف هو وجماعة من أهل بيته وولده ومواليه في ميسرة الجبل مستقبل البيت، ثم رفع يديه تلقاء وجهه كاستطعام المسكين، وقال (ع):

مقتطفات من دعاء عرفة

«أللَّهُمَّ اجْعَلْ غِنايَ في نَفْسي وَالْيَقينَ في قَلْبي وَالإِخْلاصَ في عَمَلي وَالنُّورَ في بَصَري وَالْبَصيرَةَ في ديني وَمَتِّعْني بِجَوارِحي وَاجْعَلْ سَمْعي وَبَصَريَ الْوارِثَيْنِ مِنّي وَانْصُرْني وَاسْتُرْ عَوْرَتي وَاغْفِرْ لي خَطيئَتي وَأخْسَأْ شَيْطاني وَفُكَّ رِهَانِي وَاْجَعْلْ لي يَا إِلهِي الدَّرَجَةَ الْعُلْيا فِي الآخِرَةِ وَالأُوْلى ...

أللَّهُمَّ ما أَخَافُ فَاكْفِني وَمَا أَحْذَرُ فَقِني وَفي نَفْسِي وَديني فَاحْرُسْني وَفِي سَفَري فَاحْفَظْنِي وَفِي أَهْلي وَمالي فَاخْلُفْنِي وَفِيمَا رَزَقْتَنِي فَبارِكْ لِي وَفِي نَفْسي فَذلِّلْني وَفِي أَعْيُنِ النَّاسِ فَعَظِّمْني وَمِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالإِنْسِ فَسَلِّمْني وَبِذُنُوبِي فَلَا تَفْضَحْنِي وَبِسَريرَتي فَلَا تُخْزِنِي وَبِعَمَلي فَلَا تَبْتِلْني وَنِعَمَكَ فَلَا تَسْلُبْنِي وَإِلى غَيْرِكَ فَلَا تَكِلْني ....

يَا مَوْلايَ أَنْتَ الَّذِي مَنْنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَنْعَمْتَ أَنْتَ الَّذِي أَحْسَنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَجْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَفْضَلْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْمَلْتَ أَنْتَ الَّذِي رَزَقْتَ أَنْتَ الَّذِي وَفَّقْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْطَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَغْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقْنَيْتَ أَنْتَ الَّذِي آوَيْتَ أَنْتَ الَّذِي كَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي هَدَيْتَ أَنْتَ

ص: 93

الَّذِي عَصَمْتَ أَنْتَ الَّذِي سَتَرْتَ أَنْتَ الَّذِي أَقَلْتَ أَنْتَ الَّذِي مَكَّنْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعْزَزْتَ أَنْتَ الَّذِي أَعَنْتَ أَنْتَ الَّذِي عَضَدْتَ أَنْتَ الَّذِي أَيَّدْتَ أَنْتَ الَّذِي نَصَرْتَ أَنْتَ الَّذِي شَفَيْتَ أَنْتَ الَّذِي عافَيْتَ أَنْتَ الَّذِي أَكْرَمْتَ تَبارَكْتَ وَتَعالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ دائِماً وَلَكَ الشُّكْرُ واصِباً أَبَداً.

يَا أَسْمَعَ السّامِعينَ وَيَا أَبْصَرَ النّاظِرينَ وَيَا أَسْرَعَ الْحاسِبينَ وَيا أَرْحَمَ الرّاحِمينَ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ السّادَةِ الْمَيامينَ وَأَسْأَلُكَ أللَّهُمَّ حاجَتِي الَّتِي إِنْ أَعْطَيْتَنيها لَمْ يَضُرَّنِي مَا مَنَعْتَنِي وَإِنْ مَنَعْتَنيهَا لَمْ يَنْفَعْنِي مَا أَعْطَيْتَنِي أَسْأَلُكَ فَكَاكَ رَقَبَتِي مِنَ النّارِ لَا إِلهَ إِلّا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَريكَ لَكَ، لَكَ الْمُلْكُ وَلَكَ الْحَمْدُ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَديرٌ يَا رَبِّ يا رَبِّ»(1) .

ص: 94


1- مفاتيح الجنان، أعمال شهر ذي الحجة

7. شهادة مسلم بن عقيل وهاني بن عروة (9/ ذي الحجة/ السنة 60 ه)

اشارة

هو مسلم بن عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب، ابن عم الإمام الحسين (ع) بن علي بن أبي طالب (ع)، ولد مسلم في المدينة واستشهد في الكوفة عام ستين، وروي أن عمره كان 34 أو 38 سنة، وربما كان أكثر من ذلك، وقد نشأ في بيت عمه أميرالمؤمنين (ع)، وحضر معه وقائع الجمل وصفين والنهروان، وكان لنشأته مع ابني عمه الحسن والحسين (ع) أثره البالغ في سلوكه وتربيته الرسالية، وتحمّله مسؤولية السفارة عن الحسين (ع)، بين أهل الكوفة وأدائه الرائع لرصّ الصفوف حوله ورفضه التخلي عنه ومواجهته الشجاعة للطاغية ابن زياد ودولة الظلم الأموية.

وقد كانت زوجته رقية الصغرى بنت أميرالمؤمنين (ع) مع الحسين (ع) في ركبه مع بنتها وأولادها الذين استشهدوا في واقعة الطف وبعدها.

ص: 95

مسلم على مستوى المهمة الموكلة إليه:

عندما وردت كتب أهل الكوفة إلى الحسين (ع) تستدعيه، وتعلن ولاء العراقيين له، واستعدادهم ليكونوا خلفه جنوداً مجنّدة، دعا الامام (ع) مسلم بن عقيل فسرحه مع قيس بن مسهر الصيداوي، وعُمارة بن عُبيد السلولي، وعبد الرحمن بن عبد الله ابن الكدن الأرحبي، فأمره بتقوى الله وكتمان أمره واللطف، فإن رأى الناس مجتمعين، مستوثقين عجّل إليه بذلك.، وأنفذ معه كتاباً إليهم: (وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي» وقد أوصاه قائلًا: (إني موجّهك إلى أهل الكوفة، وسيقضي الله من أمرك ما يحب ويرضى، وأنا أرجو أن أكون أنا وأنت في درجة الشهداء، فامض ببركة الله وعونه حتى تدخل الكوفة، فإذا دخلتها فانزل عند أوثق أهلها، وادع الناس إلى طاعتي، فإن رأيتهم مجتمعين على بيعتي فعجّل عليّ بالخبر حتى أعمل على حسب ذلك إن شاء الله تعالى) (1).

في بيت المختار الثقفي

ثم أقبل مسلم حتى دخل الكوفة، فنزل دار المختار بن أبي عبيدة، وهي التي تدعى اليوم دار مسلم بن المسيب، وأقبلت الشيعة تختلف إليه.

وأقبلت الشيعة تختلف إليه، فكلما اجتمعت إليه جماعة منهم قرأ

ص: 96


1- تاريخ الطبري 108: 6؛ الكامل في التاريخ 386: 3؛ بحارالأنوار 335: 44.

عليهم كتاب الحسين (ع) فيبكون، ويعدونه من أنفسهم القتال والنصرة.

وقد اختلف المؤرخون حول عدد الذين بايعوا مسلم للإمام الحسين (ع) فذكر أغلبهم أنهم كانوا ثمانية عشر ألفاً ، (1)لذلك كتب مسلم إلى ابن عمه الحسين (ع) في رسالة له، وهو يقول فيها:

(أما بعد، فإن الرائد لا يكذب أهله، وقد بايعني من أهل الكوفة ثمانية عشر ألفاً، فعجّل الإقبال حين يأتيك كتابي، فإن الناس كلهم معك، ليس لهم في آل معاوية رأي ولا هوى، والسلام».

مضت الدعوة إلى الحسين (ع) تتسع في الكوفة وجوارها، وأصبح الناس يهتفون باسمه حتى ضاق الأمر على النعمان بن بشير الأنصاري والي الكوفة. عندها كتب أنصار الأمويين إلى يزيد بن معاوية بالشام، وعرّفوه إقبال الناس على مسلم ودعوته، وبيعة الحسين (ع)، وضعف الوالي النعمان.

فجمع يزيد أنصاره ومستشاريه وعلى رأسهم سرجون الرومي، وسألهم ما العمل؟

فأشاروا عليه بتولية عبيد الله بن زياد وعزل النعمان بن بشير (2).

خرج عبيد الله بن زياد من البصرة، وأقبل إلى الكوفة حيث عُيّن

ص: 97


1- الإرشاد: 205؛ تاريخ الطبري 290: 3؛ الكامل في التاريخ 386: 3.
2- أنساب الأشراف، وأعيان الشيعة، 589: 1.

والياً عليها بدلًا من الوالي السابق النعمان، ولما قدم ابن زياد الكوفة انفضّ أنصار مسلم بن عقيل من حوله، لأن ابن زياد استخدم بحكم نفسيته الخبيثة الترهيب تارة والترغيب أخرى، فتوارى مسلم عن الأنظار وأقام في دار هاني بن عروة متكتماً لا يعلم بوجوده سوى خواص الشيعة.

مسلم لا يغدر

جاءت الأخبار لابن زياد: أن شريك بن الأعور مريض في بيت هاني فسارع لعيادته لأن شريكاً من كبار الأشراف والوجهاءولما علم شريك أن ابن زياد قادم لاحت بفكره خطة فقال لمسلم بن عقيل:

إن غايتك وغايتي هلاك الظالمين وهذا عبيد الله قادم لزيارتي فاقتله وأرح البلاد والعباد من جوره. فقال مسلم: وكيف ذلك؟ فقال شريك: أقم في هذه الخزانة- وأشار بيده إلى خزانة في الحائط- حتى إذا دخل ابن زياد وأخذ في الحديث أخرج أنت إليه فاقتله وأرح الناس من شره، وضع يدك على زمام الحكم ريثما يحضر مولانا الحسين (ع).

اختبأ مسلم في الخزانة، دخل ابن زياد منزل هاني بن عروة وجلس بالقرب من شريك وراح يستفسر عن صحته وكانت عين شريك ترمق الخزانة بين الحين والآخر يتوقع خروج ابن عقيل شاهراً سيفه يضرب ابن زياد ضربة واحدة ويقتله. لكن مسلماً لم

ص: 98

يخرج وطال الانتظار ولم يخرج مسلم. ونادى بأعلى صوته:

ما الانتظار بسلمى لا تحيّوهاحيّوا سليمى وحيّوا من يحيّيها

وإن تخشيت من سلمى مراقبةفلست تأمن يوماً من دواهيها

ولما خرج ابن زياد من دار هاني، التفت شريك إلى مسلم بن عقيل وقال له معاتباً: بالله عليك يا ابن عقيل ألا أخبرتني لماذا لم تقتله؟ وما الذي منعك من قتله؟ فقال مسلم: لقد منعني من قتله امران:

الأول: حديث أميرالمؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) حيث قال: (إن الإيمان قيد الفتك فلا يفتك مؤمن)، والثاني: امرأة هاني، فإنها تعلّقت بي وأقسمت عليّ بالله أن لا أفعل هذا في دارها، وبكت في وجهي.

فقال هاني: يا ويلها من حمقاء جاهلة، قتلتني وقتلت نفسها، والذي فرّت منه وقعت فيه.

شهادة مسلم بن عقيل وهاني

استطاع ابن زياد من السيطرة على أوضاع الكوفة بالإغراء والوعيد، وفرض عليها من الخوف والرعب، فتفرق أصحاب مسلم من حوله، وظل وحيداً غريباً بالكوفة بلا مأوى، فما زالوا يتفرقون حتى لم يبق من الأربعة آلاف الذين كانوا معه إلا ثلاثمائة رجل، ولما أمسى المساء صلّى مسلم بن عقيل المغرب والعشاء بالمسجد فلم يبق معه سوى ثلاثين رجلًا، ولما خرج من المسجد لم يبق معه غير

ص: 99

عشرة نفر، وبعد برهة نظر إلى خلفه وإذا به وحيداً ليس معه أحد يدلّه على الطريق، مشى في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب، واستبد بمسلم العطش والتعب، حتى وصل إلى باب دار امرأة يقال لها طوعة.

فقال مسلم: يا أمة الله هل لك أن تسقيني شربة ماء.

أجابت طوعة: حباً وكرامة. ودخلت الدار بسرعة وجاءت بالماء، شرب مسلم وأعاد إليها الإناء شاكراً. ثم جلس ليستريح واضعاً رأسه بين يديه مهموماً.

فقالت طوعة له: يا عبد الله اذهب إلى أهلك فإنه لا يصحّ لك الجلوس على باب داري.

عندها قام مسلم بتثاقل يجر رجليه ثم وقف وقال: يا أمة الله ما لي في هذا البلد أهل ولا عشيرة فهل إلى أجر ومعروف؟ ولعلّي أكافئك به بعد هذا اليوم.

فقالت طوعة بدهشة وتعجب: يا عبد الله ما هذه المكافأة وكيف ذلك؟ ومتى بعد هذا اليوم؟ فقال: يا أمة الله أنا مسلم بن عقيل من آل بيت رسول الله وأنا سفير الحسين إلى أهل الكوفة.

لكن طوعة ما إن سمعت باسمه حتى صاحت بلهفة: أحقاً أنت مسلم؟ أحقاً أنت سفير الإمام الحسين (ع)؟ أجاب مسلم: نعم يا أمة الله. فقالت: سيدي يا مسلم اغفر لي خشونتي وما بدر مني أدخل

ص: 100

بأبي أنت وأمي إلى داخل الدار (1).

وما كاد الصبح يتنفس حتى أسرع ولدها إلى القصر وأخبر بمكان مسلم، وفور وصول النبأ إلى ابن زياد أرسل قوة كبيرة إليه، وما أن سمع مسلم بالضجة حتى أدرك أن القوم يطلبونه، فخرج إليهم بسيفه وكانوا قد طوّقوا الدار من كل جهاتها فانهزموا بين يديه وهم أكثر من مائتي مقاتل، وبعد معارك ضارية بينه وبينهم في الشوارع استعملوا فيها النار والحجارة من أعلى السطوح استسلم لهم بعد أن أمنه ابن الأشعث وأعطاه العهود.

ومضى معهم إلى القصر فأدخل على ابن زياد ولم يسلم عليه وجرى بينهما حوار طويل كان فيه ابن عقيل رضوان الله عليه رابط الجأش منطلقاً في بيانه قوي الحجة حتى أعياه أمره وانتفخت أوداجه وجعل يشتم علياً والحسن والحسين، ثم أمر جلاوزته أن يصعدوا به إلى أعلى القصر ويقتلوه ويرموا جسده إلى الناس ويسحبوه في شوارع الكوفة ثم يصلبوه إلى جانب هانئ بن عروة، هذا وأهل الكوفة وقوف في الشوارع وكأنهم لا يعرفون من أمره شيئاً، وقد صوّر عبدالله بن الزبيرالاسدي الكوفي الزيدي هذه المأساة بقوله:

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري إلى هانئ في السوق وابن عقيل

إلى بطل قد غيّر الموت لونه وآخر يهوي من طمار قتيل

فإن أنتم لم تثأروا لأخيكم فكونوا نساء أرضيت بقليل

ص: 101


1- راجع مقاتل الطالبيين، قضية مسلم بن عقيل.

8. عيد الأضحى المبارك (يوم النحر) (10/ ذي الحجة/ من كل سنة)

اشارة

ليلة العاشرة من ذي الحجة هي احدي الليالي الاربع التي يستحب احياؤها وتفتح فيها ابواب السماء ونهار هذه الليلة هوعيد الاضحي المبارك وهو ثاني أعياد المسلمين بعد عيد الفطر المبارك، وفيه يقوم الحجاج بالإحلال من إحرامهم في منى بعد الإفاضة من المزدلفة، وأعمال هذا اليوم هي على الترتيب: رمي جمرة العقبة الكبرى، وذبح الهدي، والحلق أو التقصير. ويحرم في عيد الفطر والأضحى الصيام، ويستحب فيهما صلاة العيد، ويستحب لغير الحاج الأضحية في يوم عيد الأضحى المبارك.

وأعمال هذا اليوم عديدة منها:

الأوّل: الغُسل وهو سنّة مؤكّدة في هذا اليوم.

الثّاني: أداء صلاة العيد ولكن يستحبّ أن يؤخّر في هذا اليوم الإفطار عن الصّلاة.

ص: 102

الثّالث: التّضحية وهي سنّة مؤكّدة ويستحبّ أن يفطر على لحم الأضحية.

الرابع: قراءة الدّعوات المأثورة قبل صلاة العيد وبعدها، ولعلّ أفضل الأدعية في هذا اليوم هو الدّعاء الثّامن والأربعون من الصّحيفة السجادية الكاملة وقراءة دعاء النّدبة.

الخامس: أن يكبّر بالتّكبيرات الآتية عقيب خمسة عشر فريضة أوّلها فريضة ظهر العيد وآخرها فريضة فجر اليوم الثّالث عشر، هذا لمن كان في مِنى، وأمّا من كان في سائر البلاد فيكبر بها عقيب عشر فرائض تبدأ من فريضة ظهر العيد وتنتهي بفجر اليوم الثّاني عشر والتّكبيرات على رواية الكافي الصّحيحة كما يلي: «اللهُ اكْبَرُ اللهُ اكْبَرُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ اللهُ أَكْبَرُ وللهِ الْحَمْدُ، اللهُ أَكْبَرُ عَلى ما هَدانا، اللهُ اكْبَرُ عَلى ما رَزَقَنا مِنْ بَهيمَةِ الأنْعامِ، وَالْحَمْدُ للهِ عَلى ما أَبْلانا»، ويستحبّ تكرار هذه التكبيرات عقيب الفرائض ما تيسّر، كما يستحبّ التّكبير بها بعد النّوافل أيضاً.

اعمال ايام التشريق

ايام التشريق هي الايام الثلاثة بعد يوم عيد الاضحى، وهناك اعمال مستحبة يؤتى بها في هذه الايام

منها: الاضحية، وتستحب يوم العيد، ويمكن الاتيان بها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر في الامصار، وكذلك في اليوم

ص: 103

الثالث عشر في منى.

ومنها: التكبيرات المعروفة المذكورة انفا، حيث يستحب الاتيان بها في الحج ابتداءً من فريضة ظهر العيد إلى الثالث عشر من ذي الحجة بعد الفرائض والنوافل في منى، وأما في سائر الامصار فيستحب ذلك الى فجر الثاني عشر من ذي الحجة.

معنى العيد في الاسلام

والعيد في الإسلام، يعني العودة إلى الله عز وجل بنفس وقلب طاهرين ولا يكون هذا إلّا بعد عمل عبادي عظيم يؤدي إلى المغفرة والرضوان الإلهي، فالصيام الذي يستمر شهراً كاملًا، وفيه ليالي القدر التي يتم إحياؤها بالعبادة والتضرع إلى الله عز وجل، وفيه ربيع القرآن الكريم، وحيث يسعى المسلم في هذا الشهر الفضيل إلى تلاوته والتدبر فيه، فبعد هذه الفترة المباركة من صيانة السمع والبصر والقلب عن المحرمات والطاعة لله عز وجل يأتي عيد الفطر المبارك، وكذلك بالنسبة إلى عيد الأضحى المبارك إذ يقع بعد فترة عبادية هي الحج إلى بيت الله الحرام وأداء العمرة.

ومن مستحبات عيد الأضحى: صلاة العيد والغسل، وأن يلبس الإنسان أنظف ثيابه، والدعاء بالمأثور كما ورد في الإقبال: (الله أكبر الله أكبر لا إله إلّا الله والله أكبر ولله الحمد اللهم ربنا لك الحمد كما ينبغي لعز سلطانك وجلال وجهك لا إله إلا أنت الحليم الكريم ... إلى

ذكريات شهري الحج ؛ ؛ ص104

ص: 105

آخر الدعاء)، وورد في كتب الأدعية والزيارات أعمال مستحبة في ليلة عيد الأضحى يومها ومما ورد من المستحبات زيارة الإمام الحسين (ع) في ليلة العيد، وروي أن الصادق (ع) كان يعجبه أن يفرغ نفس إلى العبادة أربع ليال في السنة، وهي أول ليلة من رجب وليلة النصف من شعبان وليلة الفطر وليلة الأضحى (1) .

وفي يوم الأضحى المبارك يتذكر المسلم التسليم المطلق لله من قبل النبي إبراهيم ولده إسماعيل (عليهما السلام)، فالأب يصارح ولده البالغ من العمر 13 عاماً بالرؤيا التي رآها بأن يذبحه قرباناً لله تعالى، والولد يسلم لأمر الله بإخلاص والقرآن الكريم ينقل لنا هذا التخاطب الجميل بينهما بقوله تعالى: (فَلَمّا بَلَغَ مَعَهُ السّعْيَ قَالَ يَبُنَيّ إِنّيَ أَرَىَ فِي الْمَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىَ قَالَ يَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيَ إِن شَآءَ اللهُ مِنَ الصّابِرِينَ) (2). وبهذا يقدم إبراهيم وابنه إسماعيل أعظم درجة في الحب والعشق الإلهي والتضحية والفداء في سبيل الله، ولا يسع المجال في هذا المقال أن نبحث هذه القصة بكاملها فمن أراد التعرف عليها، عليه بمراجعة الآيات 102- 110 من سورة الصّافات ومعانيها في كتب التفاسير.

ص: 105


1- إقبال الاعمال، أعمال شهر ذي الحجة.
2- الصّافات: 102.

9. يوم غدير خم (علي (ع) وصي النبي (ص)) (18/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

اشارة

9. يوم غدير خم (علي (ع) وصي النبي (ص)) (1)الغدير 9: 1، إنّ الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول الآية 67 من سورة المائدة، كما أنّ الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول الآية الثالثة من سورة الما، ولم يحجّ غيرها منذ هاجر إلى أن توفّاه الله سبحانه.

فلما قضى مناسكه، وانصرف راجعاً نحو المدينة ومعه من كان من الجموع المذكورة، وصل إلى غدير خُم من الجحفة، وذلك يوم الخميس الثامن عشر من ذي الحجّة، نزل إليه جبرائيل الأمين (ع)

ص: 106


1- اقتباساً من كتاب ماذا حدث في الثامن عشر من ذي الحجة السنة العاشرة للهجرة من إصدار مكتب الإمام الخامنئي في سورية وقد طبعه المجمع العالمي لاهل البيت بع(18/ ذي الحجة/ السنة 10 ه) أجمع رسول الله (ص) الخروج إلى الحجّ في سنة عشرٍ من الهجرة، وأذّن في الناس بذلك، فقدم المدينة خلق كثير يأتمّون به في حجّته تلك التي يطلق عليها حجّة الوداع، وحجّة الإسلام، وحجّة البلاغ، وحجّة الكمال، وحجّة التمام

عن الله مذكٍّراً بقوله: (يا أيّها الرَّسُولُ بَلغ ما انزل إليك من ربّك ...)(1) ، وأمره أن يقيم عليّاً عَلَماً للناس، ويبلغهم ما نزل فيه من الولاية وفرض الطاعة على كلّ أحد، وكان أوائل القوم قريباً من الجحفة، فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم، ويحبس من تأخّر عنهم في ذلك المكان، ونهى عن سَمُرات (2) خمس متقاربات دَوْحات عظام أن لا ينزل تحتهنّ أحد، حتى إذا أخذ القوم منازلهم، فقمّ ما تحتهنّ، حتى إذا نودي بالصلاة- صلاة الظهر- عمد إليهنّ، فصلى بالناس تحتهنّ، وكان يوماً هاجراً يضع الرجل بعض ردائه على رأسه، وبعضه تحت قدميه، من شدّة الرمضاء. وظُلّل لرسول الله (ص) بثوب على شجرة سمرة من الشمس، فلما انصرف (ص) من صلاته، قام خطيباً وسط القوم على أقتاب الإبل (3) ، وأسمع الجميع، رافعاً عقيرته، فقال (ص):

أما بعد: أيّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير: أنه لم يُعمّر نبيّ إلا مثل نصف عمر الذي قبله. وإنّي أُوشك أن أُدعى فأُجيب، وإني مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟

قالوا: نشهد أنّك قد بلّغت ونصحت وجاهدت، فجزاك الله خيراً.

قال: (ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنّته حق وناره حقّ، وأنّ الموت حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب

ص: 107


1- المائدة: الآية 67.
2- سَمُرات، جمع سمرة: شجرة الطلح.
3- المستدرك للحاكم 533: 3؛ مجمع الزوائد 106: 9.

فيها وأن الله يبعث مَن في القبور؟).

قالوا: بلى نشهد بذلك. قال: (اللهم اشهد)، ثم قال: (أيها الناس ألا تسمعون؟) قالوا: نعم.

قال: (فإنّي فرط (1) على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبُصرى (2)، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين)(3) .

فنادى مناد: وما الثقلان يا رسول الله (ص)؟

قال: (الثقَل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجل وطرفٌ بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدّموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا).

ثم أخذ بيد عليّ (ع) فرفعها حتى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: (أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟) قالوا: الله ورسوله أعلم.

قال: (إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه)، يقولها ثلاث مرات- وفي لفظ أحمد إمام الحنابلة أربع مرات- ثم قال: (اللهمّ والِ من والاه، وعادِ

ص: 108


1- الفَرَط: المتقدم قومه الى الماء، راجع غريب الحديث، لابن سالم 45: 1.
2- صنعاء: عاصمة اليمن اليوم، وبُصرى: قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.
3- الثقل: كل شي ء خطير نفيس. راجع تاج العروس للزبيدي 245: 7.

من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهد الغائب).

ثم لم يتفرقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ..) (1).

فقال رسول الله (ص): (الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعليّ من بعدي».

ثم طفق القوم يهنِّئون أميرالمؤمنين صلوات الله عليه، وممّن هنّأه في مُقدّمة الصحابة الشيخان: أبو بكر وعمر كلّ يقول: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. قال ابن عباس: وجبت- واللهِ- في أعناق القوم.

فقال حسان: ائذن لي يا رسول الله أن أقول في عليٍّ أبياتاً تسمعهنّ، فقال: (قل على بركة الله).

فقام حسّان فقال: يا معشر مشيخة قريش أتبعها قولي بشهادةٍ من رسول الله (ص) في الولاية ماضية، ثم قال:

يناديهم يوم الغدير نبيهم بخمّ وأسمع بالرسول مناديا

وقال: فمن مولاكم ووليّكم؟فقالوا: ولم يبدوا هناك التعاديا

إلهك مولانا وأنت وليناولن تجدنّ منا لك اليوم عاصيا

ص: 109


1- المائدة: 3.

فقال له: قم يا علي فإنني رضيتك من بعدي إماماً وهاديا

فمن كنت مولاه فهذا وليه فكونوا له أنصار صدق مواليا

هناك دعا: اللهم وال وليه وكن للذي عادى علياً معاديا

فقال له رسول الله (ص): (لا تزال مؤيداً بروح القدس ما نصرتنا بلسانك)، هذا مجمل القول في واقعة الغدير(1).

عيد الغدير في التاريخ الإسلامي

لقد تعلّقت المشيئة الربّانية بأن تبقى واقعة الغدير التاريخية في جميع القرون والعصور كتاريخ حيّ يجتذب القلوب والأفئدة، ويكتب عنه الكتّاب الإسلاميون في كلّ عصر وزمان، ويتحدثون حوله في مؤلفاتهم المتنوعة، في مجال التفسير والتاريخ والحديث والعقائد، كما يتحدث حوله الخطباء في مجالس الوعظ والشعراء في قصائدهم، ويعتبرونها من فضائل الإمام علي (ع) الذي لا يتطرّق إليها أي شك أو ريب.

إنّ من أسباب خلود هذه الواقعة الكبرى ودوام هذا الحدث العظيم هو: نزول آيتين من آيات القرآن الكريم فيها (2)، فما دام القرآن الكريم باقياً مستمراً يُتلى آناء الليل وأطراف النهار، فسوف تبقى هذه الحادثة حيّة في العقول والقلوب.

ص: 110


1- وللتفصيل راجع الغدير للعلامة الأميني/ ج 1.
2- المائدة: 31 و 67.

إنّ أبناء المجتمع الإسلامي في العصور السالفة، لاسيّما أتباع أهل البيت (عليهم السلام)، كانوا يعتبرون هذا اليوم عيداً من الأعياد الإسلامية الكبرى.

وقد عدّه أبوريحان البيروني في كتابه (الآثار الباقية) ممّا استعمله أهل الإسلام من الأعياد(1) .

وقد روي عن أبي هريرة أنه قال: من صام يوم الثامن عشر من ذي الحجة؛ كتب الله له صيام ستين شهراً (أو سنة)، وهو يوم غدير خم؛ لمّا أخذ النبي (ص) بيد علي (ع) فقال: (مَن كنت مولاه فعلي مولاه، اللّهمّ والِ من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره)، فقال عمر بن الخطاب: بخٍ بخٍ لك يا ابن أبي طالب! أصبحت مولاي ومولى كل مسلم ومسلمة (2).

إنّ عهد هذا العيد الإسلامي وجذوره ترجع إلى يوم الغدير نفسه؛ لأن النبي (ص) أمر المهاجرين والأنصار بل أمر زوجاته ونساءه في ذلك اليوم بالدخول على علي (ع) وتهنئته بهذه الفضيلة الكبرى.

يقول زيد بن أرقم: كان أول من صافق النبي (ص) وعلياً (ع): أبو بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير ثم باقي المهاجرين والأنصار، ثم باقي الناس(3) .

ص: 111


1- ترجمة الآثار الباقية: 395؛ الغدير 267: 1.
2- راجع تاريخ بغداد 290: 8؛ تاريخ دمشق: 2/ 75 و 575.
3- راجع الغدير 270: 1، رواه عن أحمد بن محمد الطبري.

ويكفي في أهميّة هذا الحدث التاريخي أنّ هذه الواقعة التاريخية رواها مئة وعشرة من الصحابة(1) .

حديث الغدير لا يقبل التأويل

زعم البعض أنّ النبي (ص) لم يقصد من عمله ومما قاله في يوم الغدير أن ينصب عليّاً (ع) وليّاً، بمعنى كونه قائداً للمسلمين وخليفة له من بعده، وإنما أراد أن يبيّن فضله ومنزلته، فإنّ كلمة الولي تستعمل أيضاً بمعنى الناصر والصديق والحبيب، ولا ضرورة لحملها على الأولوية بالتصرّف لتكون بمعنى القائد والحاكم والمتولي لأمور المسلمين.

ولكن ملاحظة ظروف هذا الحدث التاريخي التي صنعها الرسول (ص) لا تدع مجالًا لهذا التأويل، وتجعله زعماً بلا دليل؛ فإنّ منع الألوف المؤلفة عن المسير وحبسهم في رمضاء الهجير، والاهتمام بإرجاع من تقدّم منهم وإلحاق من تأخّر عنهم، وأمرهم بأن يبلّغ الشاهد منهم الغائب عنهم، ونعي نفسه المباركة إليهم، وأخذ الإقرار منهم بالتوحيد والرسالة والمعاد، وأنّه الأولى بهم من أنفسهم، إنّما ينسجم كلّ هذا مع قصده (ص) لبيان أمر مهمّ جداً، فإنّ كلّ إنسان يفهم أنّه (ص) من هذا الاستعداد والإعداد إنّما كان يقصد أمراً مهمّاً في غاية الأهمية، ويرتبط به مصير الأمّة أيّما ارتباط.

ص: 112


1- الغدير 61: 1 و 314.

هذا فضلًا عن تهديد الله سبحانه له بأنّه إن لم يبلغ هذا الأمر المهم فكأنّه لم يبلغ رسالته التي جاهد لها ليل نهار طيلة ثلاثة وعشرين عاماً ...

بيان وتحليل للواقعة

الإسلام دينٌ عالمي، وشريعة خاتمة تتضمن كل ما تحتاجه البشرية في الحياة. وقد كانت قيادة الأُمّة الإسلامية من شؤون النبي الأكرم (ص) ما دام حيّاً، ولا يمكن للشريعة الخالدة أن تهمل أمر القيادة العليا للأمّة بعد النبي (ص)، وتوكل هذا الأمر إلى الصٍّدف والأهواء والرغبات أو إلى الاجتهادات الشخصية للصحابة الذين تختلف آراؤهم واجتهاداتهم واتجاهاتهم حيث ينتهي الأمر حينئذ بلا ريب إلى الاختلاف والتشتت وانهيار الدولة الإسلامية بشكل عام.

فلا يمكن للرسول الخاتم لمسيرة المرسلين جميعاً وللشريعة الإسلامية الخالدة أن يهملا هذا الأمر الخطير.

ومن هنا كان التنصيص من سيد المرسلين (ص) على من يتحمّل مسؤولية القيادة من بعده أمراً طبيعياً ولازماً ومتوقعاً للمسلمين جميعاً.

فمن هذا الذي نصّ الرسول (ص) على أنّه القائد للأمّة الإسلامية من بعده؟ ومتى نص الرسول (ص) على ذلك؟ وكيف تم هذا التنصيص منه؟

ص: 113

إن أهل البيت (عليهم السلام) وأتباعهم يعتقدون بأن القيادةالعليا للأمة الإسلامية وخلافة الرسول (ص) منصب ربّاني ينصّ عليه الرسول (ص) بأمر من الله تعالى ولم يتركه الله ورسوله إلى الانتخاب الشعبي والرأي العام ما دام الرسول القائد وخليفته يحكمان الشعب باسم الله تعالى وباسم دينه القويم ...

وقد اختار الله ورسوله أفضل أفراد الأمّة بعد الرسول (ص) ونصّ على إمامته وقيادته للأمّة من بعده، منذ بدايات الدعوة الإسلامية وظلّ يواصل طرحها ويمهّد لها ولطرحها العام خلال العهدين المكّي والمدني بدءً بيوم الإنذار والى يوم رجوعه من حجة الوداع بل وبشكل خاص في الثامن عشر من ذي الحجة السنة 10 للهجرة بعد إنذار إلهي صريح وفيما بعد ذلك وحتى في يوم ارتحاله (ص).

بينما يرى الخط الذي استلم الحكم بعد الرسول (ص) أن الخلافة لم تكن منصباً ربّانياً ولا حاجة للتنصيص فيها، بل يمكن لأن تقرر من قبل المسلمين حتى عدد قليل منهم لتكون الخلافة لهذا الشخص أو ذاك.

إن الأوضاع السياسية داخل الدولة الإسلامية وخارجها قبيل وفاة النبي (ص) كانت تتطلّب أن يعيّن النبي (ص) بأمر من الله تعالى خليفة له من بعده؛ إذ المنافقون وأهل الكتاب في داخل أراضي الدولة الإسلامية من جهة، والدولة البيزنطية وسائر القوى المشركة خارج الدولة الإسلامية من جهة أخرى كانوا يشكّلون عدة مراكز

ص: 114

للخطر الداهم ضد المسلمين.

إنّ هذا الوضع الاجتماعي والسياسي يفيد: أنّه كان ينبغي للرسول الأعظم (ص) أن يمنع من ظهور أيّ اختلاف وانشقاق في المجتمع من بعده، وأن يضمن استمرار وبقاء الوحدة الإسلامية، وذلك بإيجاد حصن قوي متين حول تلك الأمّة، من خلال تعيين قائد كفوء لها ليمنعها من التشتت والفرقة واختلاف الكلمة وتنازع الأهواء.

فإنّ تحصين الأُمّة، وصيانتها من الحوادث المشؤومة، وعدم السماح لأصحاب الأهواء ليطالب كل فريق بالزعامة لنفسه، وبالتالي التنازع على مسألة الخلافة والزعامة والحكم وقيادة الأمة سياسياً لم يكن ليتحقق إلّا بتعيين قائد كفوء للأمّة من قبل مكوّن الأُمة وربّانها وقائدها الأوّل، وعدم ترك الأمور للصٍّدَف والأهواء.

إن هذه المحاسبة الاجتماعية تهدينا إلى صحة نظرية «ضرورة التنصيص على القائد بعد رسول الله (ص)» وتحقّقها وعمل الرسول (ص) بها.

ومن هنا نعرف السرّ في طرح رسول الإسلام مسألة الخلافة في الأيام الأولى من ميلاد الرسالة الإسلامية، يوم لم يكن قد انضوى تحت راية رسالته سوى عدد قليل جداً ممّن أعلن إسلامه وآمن برسالة ربّه. كما نعرف السرّ في مواصلة طرحها من قبله (ص) والتذكير بها طوال حياته وحتى الساعات الأخيرة منها.

وقد كان أبرزها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة السنة العاشرة لهجرة، الذي عرف فيما بعد بيوم غدير خُم.

ص:115

الاستشهاد بالواقعة

وقد استشهد أميرالمؤمنين (ع) بهذه الواقعة العظيمة أمام الناس كافة في زمن خلافته عدة مرات- كما ذكر ذلك المؤرخون- منها ما روي عن زيد بن أرقم قال: نشد علي الناس في المسجد فقال: أنشدالله رجلًا سمع النبي (ص) يقول: (من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه) فقام اثنا عشر بدرياً، ستة من الجانب الأيمن، وستة من الجانب الأيسر، فشهدوا بذلك.

قال زيد بن أرقم: (وكنت أنا فيمن سمع ذلك فكتمته، فذهب الله ببصري)، وكان يتندم على ما فاته من الشهادة ويستغفر(1) .

ومن ذلك أيضاً ما روي عن طلحة بن عميرة قال: نشد علي (ع) الناس في قول النبي (ص): (من كنت مولاه فعلي مولاه) فشهد اثنا عشر رجلًا من الأنصار، وأنس بن مالك في القوم لم يشهد، فقال له أميرالمؤمنين (ع): يا أنس، قال: لبيك، قال: (ما يمنعك أن تشهد وقد سمعت ما سمعوا)؟ فقال: يا أميرالمؤمنين، كبرت ونسيت، فقال أميرالمؤمنين (ع): (اللهم إن كان كاذباً فاضربه ببياض- أو بوضَحٍ- لا تواريه العمامة) قال طلحة بن عميرة: فأشهد بالله لقد رأيتها بيضاء بين عينيه (2).

ص: 116


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 74: 4
2- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 74: 4- 19/ 217، 320، وحديث من كنت مولاه ومناشدة أميرالمؤمنين 7 يطلب من كتاب الغدير الجزء الأول.

10. شهادة ميثم التمار (22/ ذي الحجة/ السنة 60 ه)

وهو من خلّص أصحاب أميرالمؤمنين (ع) وكان الإمام (ع) يخرج من جامع الكوفة ويجلس عند ميثم فيحادثه. وروي أنه كان عبداً لامرأة من بني أسد فاشتراه أميرالمؤمنين (ع) وأعتقه، وقال له: ما اسمك، قال: سالم، قال: أخبرني رسول الله (ص) أن اسمك الذي سماك به أبوك في العجم ميثم، قال: صدق الله وصدق رسوله وصدقت يا أميرالمؤمنين، والله إنه لاسمي، قال فارجع إلى اسمك الذي سماك به رسول الله (ص) ودع سالماً، فرجع إلى ميثم واكتنى بأبي سالم.

قال له علي (ع) ذات يوم: ألا أبشرك يا ميثم؟ قال: بماذا يا مولاي؟ قال: بأنك تموت مصلوباً، قال: يا مولاي وأنا على فطرة الإسلام؟ فقال: نعم يا ميثم، فقال له: تريد أن أريك الموضع الذي تصلب فيه والنخلة التي تعلّق عليها وعلى جذعها؟ قال: نعم يا علي فجاء به إلى رحبة الصيارفة فقال له: ها هنا. ثم أراه النخلة فكان

ص: 117

يتعاهدها ويصلي عندها حتى قطعت وشقت نصفين فنصف تنصف منها وبقي النصف الآخر، فما زال يتعاهد هذا النصف ويصلي في الموضع ويقول لبعض جوار الموضع: يا فلان إني أجاورك عن قريب فأحسن جواري. فيقول ذلك الرجل في نفسه يريد ميثم: يشتري داراً في جواره.

وحج في السنة التي قتل فيها فدخل على أم المؤمنين أم سلمة فقالت: من أنت؟ قال: أنا ميثم، قالت: والله لربما سمعت رسول الله (ص) يوصي بك علياً في جوف الليل، فسألها عن الحسين، قالت هو في حائط له، قال: أخبريه أني قد أحببت السلام عليه، ونحن ملتقون عند رب العالمين إن شاء الله، فدعت له بطيب فطيب لحيته، وقالت له: أما إنها ستخضب بدم.

فقدم الكوفة فأخذه جلاوزة عبيدالله بن زياد فأدخل عليه فقيل: هذا كان من آثر الناس عند علي، قال: ويحكم، هذا الأعجمي! قيل له: نعم، قال له عبيد الله: أين ربك؟ قال: بالمرصاد لكل ظالم وأنت أحد الظلمة. قال: إنك على عجمتك لتبلغ الذي تريد، ما أخبرك صاحبك أني فاعل بك؟ قال: أخبرني أنك تصلبني عاشر عشرة، أنا أقصرهم خشبة وأقربهم من المطهرة، قال: لنخالفنه، قال: كيف تخالفه؟ فوالله ما أخبرني إلا عن النبي (ص) عن جبريل عن الله تعالى، فكيف تخالف هؤلاء!؟ ولقد عرفت الموضع الذي أصلب عليه أين هو من الكوفة، وأنا أول خلق الله ألجم في الإسلام، فحبسه وحبس

ص: 118

معه المختار بن أبي عبيد، فقال ميثم للمختار: إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين فتقتل هذا الذي يقتلنا.

فلما دعا عبيد الله بن زياد بالمختار ليقتله طلع بريد بكتاب يزيد إلى عبيد الله يأمره بتخلية سبيله، فخلاه وأمر بميثم أن يصلب، فأخرج. فقال له رجل لقيه: ما كان أغناك عن هذا يا ميثم! فتبسم وقال وهو يُوءمي إلى النخلة: لها خلقتُ ولي غُذِيَتْ.

وكان مقتل ميثم رحمة الله عليه قبل قدوم الحسين (ع) العراق بعشرة أيام، فلما كان اليوم الثالث من صلبه، طُعن ميثم بالحربة فكبر ثم انبعث في آخر النهار فمه وأنفه دماً. فمقتله إذن في نهاية شهر ذي الحجة من عام 60 ه. (1)

ص: 119


1- نقلًا عن موسوعة المناسبات الاسلامية والعالمية. ط مكتب الإمام الخامنئي في سورية.

11. يوم المباهلة مع نصارى نجران (24/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

إن يوم 24 من شهر ذي الحجة السنة العاشرة هو يوم المباهلة على الأشهر (1)، والقضية كما يلي:

لما انتشر الإسلام بعد فتح مكة وقوى سلطانه، وفد إلى النبي (ص) الوفود، فمنهم من أسلم ومنهم من استأمن ليعود إلى قومه برأيه (ص) فيهم، وكان ممن وفد عليه أبو حارثة أسقف نجران في ثلاثين رجلًا من النصارى، منهم العاقب والسيد وعبد المسيح، فقدموا المدينة وقت صلاة العصر، وعليهم لباس الديباج والصلب، فلما صلى النبي (ص) العصر توجهوا إليه يقدمهم الأسقف، فقال له: يا محمد ما تقول في السيد المسيح؟ فقال النبي عليه وآله السلام: (عبد الله اصطفاه وانتجبه) فقال الأسقف: أتعرف له- يا محمد- أباً ولده؟ فقال النبي (ص): (لم يكن عن نكاح فيكون له والد)، قال: فكيف

ص: 120


1- المشهور أنَّ يوم المباهلة كان بعد فتح مكة واختلف العلماء في سنة الواقعة ويومها.

قلت: إنه عبد مخلوق، وأنت لم تر عبداً مخلوقاً إلا عن نكاح وله والد؟ فأنزل الله تعالى الآيات من سورة آل عمران إلى قوله: (إِنّ مَثَلَ عِيسَىَ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ* الْحَقّ مِن رّبّكَ فَلَا تَكُنْ مّن الْمُمْتَرِينَ* فَمَنْ حَآجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لّعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ)(1) فتلاها النبي (ص) على النصارى، ودعاهم إلى المباهلة.

وقال (ص): (إن الله عز اسمه أخبرني أن العذاب ينزل على المبطل عقيب المباهلة، ويبين الحق من الباطل بذلك) (2)فاجتمع الأسقف مع عبد المسيح والعاقب على المشورة، فاتفق رأيهم على استنظاره إلى صبيحة غد من يومهم ذاك فلما رجعوا إلى رحالهم قال لهم الأسقف: انظروا محمداً في غد، فإن غدا بولده وأهله فاحذروا مباهلته، وإن غدا بأصحابه فباهلوه، فإنه على غير شي ء، فلما كان من الغد جاء النبي (ص) وقد اكتسى بعباءة، وأدخل معه تحت الكساء، علياً وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام)، وقال: (اللهم إنه قد كان لكل نبي من الأنبياء، أهل بيت هم أخص الخلق إليه، اللهم وهؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً)، فهبط جبرئيل بآية التطهير في شأنهم، ثم خرج النبي (ص)، بهم (عليهم السلام) للمباهلة، فلما بصر

ص: 121


1- آل عمران: الآيات 59- 61.
2- الإرشاد 166: 1.

بهم النصارى، ورأوا منهم الصدق، وشاهدوا أمارات العذاب، لم يجرؤوا على المباهلة، فطلبوا المصالحة، وقبلوا الجزية عليهم.

فصالحهم النبي (ص) على ألفي حلة من حلل الأواقي قيمة كل حلة أربعون درهماً جياداً، فما زاد أو نقص كان بحساب ذلك، وكتب لهم النبي (ص) كتاباً بما صالحهم عليه.

والخلاصة: إن هذا اليوم يوم شريف، وفيه عدة أعمال: الأول الغسل، الثاني الصيام، الثالث الصلاة ركعتين كصلاة عيد الغدير، وقتاً وصفة وأجراً، ولكن فيها تقرأ آية الكرسي إلى (هُمْ فِيها خالِدُونَ)، والرابع أن يدعو بدعاء المباهلة(1) .

ص: 124


1- راجع مفاتيح الجنان: أعمال شهر ذي الحجة، أعمال يوم المباهلة.

12. تصدق الإمام علي (ع) بالخاتم (24/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

12. تصدق الإمام علي (ع) بالخاتم(1)(24/ ذي الحجة/ السنة 10 ه)

هذا اليوم هويوم تصدق أميرالمؤمنين (ع) بالخاتم، في حال الركوع ونزول قوله تعالى: (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُواْ الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(2) .

جاء في تفسير (مجمع البيان)، وتفاسير وكتب أخرى، نقلًا عن عبد الله بن عباس (قدس سره) عن أبي ذر الغفاري (قدس سره) في حوار جرى بينهما في المسجد الحرام أمام الناس أنه قال: أيها الناس من لم يعرفني فأنا أبوذر الغفاري سمعت رسول الله (ص) بأذنيّ هاتين وإلا صُمّتا، ورأيت بعينيّ هاتين وإلا كفتا، أنه قال: (علي قائد البررة، وقاتل الكفرة، منصور من نصره مخذول من خذله).

وأضاف أبوذر (قدس سره) أنه كان في أحد الأيام يصلي مع النبي (ص)

ص: 123


1- نقلًا عن موسوعة المناسبات الاسلامية والعالمية. ط مكتب الإمام الخامنئي في سورية.
2- المائدة: 55.

فدخل سائل إلى المسجد وطلب إعانة من الناس، لكن لم يقدم له أحد شيئاً، فرفع هذا السائل يده إلى السماء وقال: (اللهم اشهد بأني طلبت العون في مسجد رسولك ولم يرد عليّ أحد بشي ء)، وكان علي (ع) يصلي في ذلك الوقت وهو في حالة الركوع، فأشار بخنصره الأيمن، فتقرب السائل فانتزع خاتماً كان في تلك الخنصر، وقد شاهد النبي (ص) ذلك وهو في حالة الصلاة وما أن فرغ (ص) من صلاته حتى رفع رأسه إلى السماء وناجى ربه قائلًا، بما مضمونه: (اللهم إن أخي موسى سألك أن تشرح له صدره وتيسر له أمره وتحلل عقدة من لسانه ليفقه الناس قوله وسألك أن تجعل هارون أخاه وزيراً له ليشد أزره ويشاركه في أمره، اللهم وإني نبيك الذي اصطفيته، فاشرح لي صدري ويسر لي أمري، واجعل لي من أهلي علياً (ع) وزيراً لتشدّ به أزري ...).

قال أبوذر: (وما كاد النبي (ص) ينهي دعاءه حتى نزل عليه جبريل وقال له: اقرأ .. فسأل النبي (ص): ماذا أقرأ؟ قال: اقرأ: (إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ...)).

لقد نقل هذه الواقعة الكثير من الرواة ومصادر أهل السنة، وقد صرح البعض بقصة التصدق بالخاتم واكتفى آخرون بتأييد نزول الآية في حق أميرالمؤمنين (ع)، وقد نقل هذه الروايات ثلة من كبار الصحابة كابن عباس، وعمار بن ياسر، وعبد الله ابن سلام، وسلمة بن كهيل، وأنس بن مالك، وعتبة بن حكيم، وعبدالله بن أبيّ،

ص: 124

وعبدالله بن غالب، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وأبي ذر الغفاري.

ونقل صاحب (غاية المرام) 24 حديثاً عن طريق أهل السنة و 19 حديثاً عن طريق الشيعة (1)، والقضية بدرجة من الوضوح بحيث أن حسان بن ثابت جاء بمضمون آية الولاية في قالب شعري من نظمه قاله في حق أميرالمؤمنين (ع) حيث يقول:

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاًزكاة فدتك النفس يا خير راكع

فأنزل فيك الله خير ولايةوبيّنها في محكمات الشرائع

ص: 124


1- لمزيد الاطلاع راجع تفسير الأمثل: 4، في تفسير الآية 55 من سورة المائدة.

13. نزول سورة الإنسان في أهل البيت (عليهم السلام) (25/ ذي الحجة)

يوم شريف، وهو اليوم الذي نزلت فيه سورة (هَلْ أَتَىَ) في شأن أهل البيت (عليهم السلام) لأنهم كانوا قد صاموا ثلاثة أيام، وأعطوا فطورهم مسكيناً، ويتيماً وأسيراً، وأفطروا على الماء، وينبغي لشيعة أهل البيت (عليهم السلام)، في هذه الأيام، ولا سيما في الليلة الخامسة والعشرين، أن يتأسوا بمولاهم في التصدق على المساكين والأيتام، وأن يجتهدوا في إطعامهم، وأن يصوموا هذا اليوم (1) .

وفي هذه الآيات المباركة من سورة الإنسان (الدهر) يتحدث القرآن عن أهل البيت (عليهم السلام) ويضعهم في قمة الإيثار والتقوى، ويعرضهم نماذج وقدوة للبشرية لتقتدي بهم الأجيال وتسير على نهجهم ... فالحادثة التاريخية التي نزلت بسببها الآيات المباركة تشير إلى مقام أهل البيت (عليهم السلام)، وتساميهم في التطبيق والالتزام الشرعي

ص: 126


1- مفاتيح الجنان: أعمال اليوم الخامس والعشرون.

والتجرد الكامل لله تعالى، وأنهم هم الأبرار المبشرون بالجنة، فمن اقتدى بهم وسار على نهجهم حشر معهم.

فقد أورد الزمخشري وغيره من المفسرين في تفسير هذه الآية، رواية الإطعام بكاملها(1) .

ص: 127


1- أورد الفخر الرازي في التفسير الكبير نفس الرواية عن الكشاف، كما أوردها عن الواحدي.

14. البيعة لعلي أميرالمؤمنين (ع) بالخلافة (25/ ذي الحجة/ السنة 35 ه) علي (ع) والخلافة

لما وجد أميرالمؤمنين (ع) أن الأمة قد تقاعست عن نصرته والثبات على موقفها الذي أبدته بحضور الرسول (ص) في يوم الغدير، وجد أنه بين أمرين لا ثالث لهما، فإما أن يرفع السيف مطالباً بحقه المشروع فيصاب الإسلام الذي دافع عنه طيلة حياته مع رسول الله (ص) بكل غال ونفيس، أو يكظم غيظه ويصبر حفاظاً على كرامة الدين وقوته وهو لا يزال غضاً طرياً. قال (ع): (وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء، يهرم فيها الكبير، ويشيب فيها الصغير، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى، فصبرت وفي العين قذى، وفي الحلق شجى، أرى تراثي نهباً)(1) .

ص: 128


1- نهج البلاغة: خ 3، الخطبة الشقشقية، وفي الحقيقة ليست خطبة وإنما هو حديث شجون مع ابن عباس.

وقال أيضاً (ع): (لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ما لم يكن فيها جور إلّا عليّ خاصة).

فصبر علي (ع) كان على حساب حقه الخاص في الخلافة والحاكمية على الأمة الإسلامية لأجل مصلحة الإسلام العليا، قال (ع): (ولئلّا يصاب الدين بما تكون مصيبته عليّ أعظم من إمرتكم هذه).

إننا نقرأ في موقفه العظيم الشجاع هذا ما يوازي مواقفه البطولية الكبيرة في الذود عن الدين بين يدي الرسول (ص)، فليس الصبر في مثل هذه المواقف المصيرية الصعبة بأقل مقاماً ومنزلة من مواقفه (ع) مع عمرو بن عبد ود المشركين ومرحب اليهود.

لقد بقيت المدينة أياماً بعد قتل عثمان والناس يلتمسون علياً (ع) للقيام بالأمر وهو يأبى وظلّ يأبى حتى ازدحم الناس وألحّوا عليه، وقالوا له: (لا نجد غيرك ولا نرضى إلا بك فبايعنا لا نفترق ولا نختلف). ثم أخذ الأشتر النخعي بيده فبايعه وبايعه الناس وكلهم يقول: لا يصلح لها إلا علي.

وهتف الناس باسم علي (ع) على عادة الناس إذ يولون عليهم خبيراً بحاجاتهم مؤمناً بحقهم خالصاً لهم، عالماً حكيماً أباً كريماً. وسرّوا بقبوله الولاية حتى لكأنهم يطلون على أمل لا ينتهي بعد أن عاشوا طويلًا في ظلمات دامسات من المهانة والحرمان.

وقد وصف هو نفسه بيعته بالخلافة وصفاً جميلًا قال: (وبلغ من

ص: 129

سرور الناس ببيعتهم إياي أن ابتهج بها الصغير، وهدج إليها الكبير، وتحامل نحوها العليل، وحسرت إليها الكعاب)(1) .

وبدأ علي من يومه الأول يجنّد قواه للإصلاح ويقوّم ما أعوج من شؤون الناس. فإذا هو يعزل الولاة من عمال عثمان واحداً بعد واحد، وهو لا يرى فيهم من يصلح للبقاء في عمله. وامتنع قوم عن بيعته من القرشيين وأصحاب الوجاهات والطامعين بالحكم، فهم يحقدون عليه إما حسداً وإما انتقاماً لزعامة ونفوذ وجاه يرغبون فيها ولا سبيل لها على يديه

أجل .. إن أميرالمؤمنين (ع) قد واجه المشاكل التي اعترضت خلافته بمنتهى الحكمة والسياسة الرشيدة، وإذا لم يكتب له النجاح في خلافته فمردّ ذلك إلى عدّة أسباب، أهمها أنه تولى الخلافة من المسلمين ولكنهم لم يجتمعوا على هدف واحد وغاية واحدة، وفي هذا الجو المحموم ووسط تمرّد وتحد وكره من أكثر القرشيين ومن الأمويين، وفي مناخ سادت فيه المصالح على جميع القيم واستعملت فيه الأموال لشراء الضمائر والأنصار.

لذلك كله كان قتال الناكثين والقاسطين والمارقين، ولا يخفى أن مردّ ذلك كله لأن علياً (ع) لم يهادن أحداً على حساب الإسلام، او يستعمل قرشاً واحداً من بيت المال في غير موضعه، فكان من الطبيعي أن تعترضه المشاكل من هنا وهناك، وهو يحاول أن يحمل

ص: 130


1- نهج البلاغة: من كلام له 7 في وصف بيعته بالخلافة، و هدج: مشى مشية الضعيف، والكعاب جميع كاعب وهي: الجارية إذا بلغت ونهد صدرها. وحسرت: كشفت عن وجهها.

الناس على كتاب الله وسنّة رسوله وتأسيس خلافة جديدة لم يعهد المسلمون نظيراً لها من قبل.

إن علياً (ع) كان يرى ان أقل ما يُطلب من خليفة رسول الله ان يحمي شريعة الله من التلاعب والأرض من الفساد، ويحتفظ بخيرات الأرض لا لفئة من الحاكمين ولا لفريق دون فريق، وقد عمل على ترسيخ هذه المبادئ وتنفيذها بدون هوادة ولم ينحرف عن سيرة رسول الله (ص) (1).

ص: 131


1- راجع كتاب الإمام علي 7 صوت العدالة الإنسانية.

15. واقعة الحرة في المدينة (28/ ذي الحجة/ السنة 63 ه)

اشارة

15. واقعة الحرة في المدينة (28/ ذي الحجة/ السنة 63 ه)(1)

وهي حادثة مؤلمة مشهورة وقعت في عام 63 هجرية، استباح فيها يزيد بن معاوية مدينة الرسول (ص) وكانت أول واقعة يتمرّد فيها أهل المدينة على حكومة يزيد بن معاوية بعد واقعة الطف، استنكاراً لمقتل الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام)، ورفضاً للسيادة الأموية على مقدّرات المسلمين، وانتهت الواقعة بسيطرة جيش الشام واستباحته المدينة ثلاثة أيام فكثر القتل (2) والنهب والسلب والاعتداء على الأعراض، خلافاً لتحذيرات رسول الله (ص) المتكررة من الاعتداء على أهل المدينةحيث قال (ص): (من أخاف أهل المدينة أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس

ص: 132


1- سجّل هذا التاريخ للواقعة كتاب موسوعة التاريخ الاسلامي 253: 6 عن الإمامةوالسياسة 22: 1 وفي تاريخ ابن الوردي 165: 1.
2- وقد دفن هؤلاء الشهداء في مقبرة البقيع بجوار شهداء أحد في المدينة المنورة.

أجمعين)(1) ولما مرّ رسول الله (ص) بالحرّة وقف فاسترجع، وقال: (يُقتل في هذه الحرة خيار أمتي)(2) .

العوامل والأسباب للواقعة

كان معاوية يستخدم الشدّة مع اللين في سياسته مع أهل المدينة، كما وكان مدارياً للأنصار بأساليب عديدة من إغراء وخداع وترغيب وإذا لم تنفع هذه فيأتي دور الترهيب، فأبقى أحقادهم وكراهيتهم لحكمه في نطاق المعارضة السلمية، واما في عهد يزيد، فتحولت المعارضة السلمية الى معارضة مسلحة أفرزتها الممارسات السلبية التي ارتكبها يزيد في سنوات حكمه القليلة.

منها: نشر الفسق والفجور والفساد حيث اشتهر يزيد بولعه بالمعازف وشرب الخمر والغناء واتخاذ الغلمان والقيان والكلاب، والنطاح بين الكباش والدباب والقرود، وما من يوم إلّا ويصبح فيه مخموراً، وكان يشدّ القرد على مسرجة ويسوق به ويلبسه قلانس الذهب (3).

ومنها: مقتل الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وخيرة الصحابة والتابعين: وكان ذلك ذا أثر كبير على نفوس أهل المدينة؛ لأن الإمام الحسين (ع) يمثل القيادة الحقيقية للمسلمين، والأمل المنشود في إعادة الإسلام الى ما كان عليه في عهد رسول الله (ص) مضافاً الى الحب

ص: 133


1- تاريخ الإسلام 26.
2- الإمامة والسياسة: 219: 1.
3- البداية والنهاية 235: 8.

والتكريم الذي يكنّه أهل المدينة له باعتباره ابن بنت رسول الله (ص) وابن أميرالمؤمنين علي (ع) الذي وقف أهل المدينة معه في جميع أدوار مسيرته التاريخية، فازدادت كراهية أهل المدينة خصوصاً والمسلمين عموماً للحكم الأموي بمقتل الحسين (ع) تلك القتلة المأساوية، من قتل الكبار والصغار، وما رافقها من تمثيل بجثث القتلى واقتياد بنات رسول الله (ص) سبايا الى الكوفة ثم الى الشام، وحمل رؤوس الشهداء على الرماح، وضرب عبيد الله بن زياد لثغر الحسين (ع) بالقضيب (1) .

إن هتك حرمة الإسلام بمقتل سبط رسول الله (ص) لم يُبق لأحد حرمة بعده، ومما زاد في كراهية اهل المدينة ليزيد وتحريك ضمائرهم باتجاه التمرد على حكم يزيد قيام الإمام علي بن الحسين (ع) وعمته زينب (عليها السلام) وزوجة أبيه الرباب بإثارة المظلومية وإبراز تفاصيل الظلم الذي تعرض له الإمام الحسين (ع) وأهل بيته، فحرّكت تلك المظلومية كوامن الغضب والكراهية، فتظافرت جميع الوقائع في إنضاج الموقف الثوري، وفي ذلك يقول الدياربكري: (إن أكابر أهل المدينة نقضوا بيعة يزيد لسوء سيرته، وأبغضوه لما جرى من قتل الحسين) (2).

ولم يكتف يزيد بقتل الحسين (ع) وأهل بيته، بل تسافل في موبقاته ليعلن بصراحة ما يختلج في خاطره من مفاهيم واعتقادات

ص: 134


1- تاريخ الطبري 456: 5؛ الكامل في التاريخ 79: 4- 80.
2- تاريخ الخميس 300: 2.

ومن أهداف أراد تحقيقها فتحققت أولى خطواتها بمقتل الحسين (ع)، فحينما شاهد يزيد رؤوس الشهداء على المحامل لم يتمالك خواطره وأفصح عن سريرته في شعره الذي يقول فيه:

لما بدت تلك الحمول وأشرقت تلك الرؤوس على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل فقد اقتضيت من الرسول ديوني

(1) فأثبت يزيد أن دوافع قتل الحسين دوافع جاهلية تعود إلى طلب ثأر المشركين الذين قتلهم رسول الله (ص) وأميرالمؤمنين علي (ع)، وتأسف يزيد على قتلى المشركين في معركة بدر وتمنّى حضورهم لمشاهدة أخذ الثأر فأنشد شعراً له أو لغيره متمثلًا به:

ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاًثم قالوا لي هنيّاً لا تُشَل

(2)وقد أضاف ابن العماد الحنبلي بيتاً آخر ليزيد:

لعبت هاشم بالملك فلاملك جاء ولا وحي نزل

(3)

سير أحداث واقعة الحرة

ولّى يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان المدينة وهو فتى حدث، لم يمر بتجربة في التعامل مع الأفراد أو التعامل مع الأحداث، فأرسل

ص: 135


1- روح المعاني 73: 26.
2- البداية والنهاية 192: 8.
3- شذرات الذهب 69: 1.

وفداً من أهل المدينة إلى يزيد ومنهم عبدالله بن حنظلة غسيل الملائكة، وعبدالله بن أبي عمرو بن حفص المخزومي فأكرمهم يزيد بالعطايا، ولكن ذلك لم يمنعهم من إظهار مساوئه المخالفة للمنهج الإسلامي التي اطلعوا عليها مباشرةً، فلما رجعوا إلى المدينة أظهروا شتم يزيد وعيبه وقالوا: «... قدمنا من عند رجل ليس له دين يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان ويلعب بالكلاب». وقال ابن حنظلة موضحاً دوافع الثورة: «... فوالله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان نرمى بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة» (1).

واتفقوا هؤلاء على خلع يزيد، ومنعوا من وصول الحنطة والتمر إلى الشام، فلما سمع يزيد بالخبر بعث الجيوش إليهم، فأعلنوا العصيان المسلح وتهيأوا للمقاومة وحصروا بني أمية ومواليهم وكانوا ألفاً ثم أخرجوهم بعدما أخذوا منهم المواثيق أن لا يظاهروا عدوّهم عليهم.

أوصى يزيد قائد الجيش مسلم بن عقبة: «أدع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلا فقاتلهم فإذا ظهرت عليهم فانهبها ثلاثاً».

وقام أهل المدينة بحفر خندقٍ حولها، وحين وصول جيش الشام؛ خان مروان وأبناؤه الميثاق، وظاهروا الجيش على قتال أهل المدينة، وأقنعوا بني حارثة بإدخال جيش الشام من جهتهم، فدخل الى

ص: 136


1- تاريخ الخلفاء: 167؛ تاريخ الإسلام: 27.

جوف المدينة، فكان الهجوم على أهلها من الأمام ومن الخلف ثم من الجهات الأربع، فحوصرت المدينة، لكن أهلها استبسلوا بالقتال واستطاع عبدالله بن حنظلة أن يهزم كل من توجه إلى قتاله إلى أن قُتل أخوه وأبناؤه العشرة، وبعد مقتلهم انهزم أهل المدينة، واستطاع الجيش الأموي إخماد حركتهم وأباح قائدهم المدينة ثلاثاً يقتلون الناس ويأخذون المتاع والأموال، ودعى ابن عقبة أهل المدينة إلى البيعة على أنهم عبيد ليزيد يحكم في دمائهم وأموالهم وأهليهم فمن أبى البيعة بهذه الصورة قُتل، واستثنى من ذلك الإمام علي بن الحسين (ع) واستطاع (ع) أن يشفع لبقية أهل المدينة، وأنقذهم من القتل (1)

نتائج الحقد الأموي على المدينة وأهلها

أولًا: عدد القتلى: استمرّ الجيش الشامي بإبادة أهل المدينة وإكثار القتل فيهم ثلاثة أيام، حتى بلغ العدد الذي أحصي يومئذٍ «من قريش والأنصار والمهاجرين ووجوه الناس ألفاً وسبعمائة، ومن سائر الناس عشرة آلاف سوى النساء والصبيان» وقتل من أصحاب النبي (ص) ثمانون رجلًا، ولم يبق بدريّ بعد ذلك وفي رواية ابن أعثم (6500) ورواية المسعودي (4200)(2) .

ومن الوجوه البارزة التي قتلت في الواقعة: عبدالله بن حنظلة


1- الإمامة والسياسة 215: 1؛ .
2- الفتوح 181: 5؛ مروج الذهب 70: 3.

ص: 137

غسيل الملائكة وأبناؤه العشرة وأخوه وغيرهم من أبناء الصحابة وبقية الصحابة من حملة القرآن ومن المشاركين في بدر، حتى كانت الحرّة نهاية للبدريين جميعاً وقتل فيها (سبعمائة من حملة القرآن)(1) .

ثانياً: الاعتداء على النساء والأطفال: لم يرع الجيش الشامي أية حرمة للنساء والأطفال، فاستقبلوا أوامر الإباحة باندفاع منقطع النظير، وحولوها إلى واقع ملموس، فبعد هزيمة أهالي المدينة (افتض فيها ألف عذراء) وأنه «حبلت ألف امرأة في تلك الأيام من غير زوج»(2) .

ودخلت الجيوش الشامية أحد البيوت فلم يجدوا فيها إلا امرأة وطفلًا ليس لديها مال أخذوا طفلها وضربوا رأسه بالحائط فقتلوه وقام أحد جنود الشام بتكرار العملية حينما ضرب ابناً لابن أبي كبشة الأنصاري بالحائط فانتثر دماغه في الأرض (3).

ثالثاً: النهب والسلب: استمر جيش الشام بالنهب والسلب ثلاثة أيام فما تركوا مالًا او ممتلكات عينية إلا أخذوها.

رابعاً: انتهاك المقدسات: لم يرع جيش الشام أي حرمة للمقدسات الإسلامية، فكان الجيش يخاطب بقايا المهاجرين


1- تاريخ الإسلام، للذهبي: 30.
2- تاريخ الخلفاء: 167؛ البداية والنهاية 221: 8.
3- الإمامة والسياسة 215: 1؛ المحاسن والمساوئ 104: 1.

ص: 138

والأنصار (يا يهود) (1). وسمّى ابن عقبة المدينة «نتنة وقد سماها رسول الله (ص) طيبة»(2) .

وحينما وصلت الأخبار الى يزيد وفي رواية حينما ألقيت الرؤوس بين يديه جعل يتمثل بقول ابن الزبعري:

ليت أشياخي ببدر شهدواجزع الخزرج من وقع الأسل

(3) وسبق ليزيد أن تمثل بهذه الأبيات حينما وصل إليه رأس الإمام الحسين (ع).

وهكذا كانت الواقعة تعبيراً عن الحقد الذي يكنّه الأمويون للأنصار منذ واقعة بدر، والذي ظهر في توجيهات يزيد لابن عقبة قبل الواقعة: «فإذا قدمت المدينة فمن عاقك على دخولها أو نصب لك الحرب، فالسيف السيف، أجهز على جريحهم وأقبل على مدبرهم وإياك أن تبقي عليهم» (4).


1- أنساب الأشراف: 327.
2- مروج الذهب 69: 3.
3- أنساب الأشراف: 333؛ العقد الفريد 139: 5.
4- الإمامة والسياسة 209: 1.

ص: 139

16. يوم الختام للسنة الهجرية القمرية (اليوم الأخير من ذي الحجة)

اليوم الأخير من ذي الحجة هو الختام للسنة الهجرية القمرية، وقد ذكر المحدث القمي في مفاتيح الجنان عن السيد في الإقبال، أنه يصلى فيه ركعتان، بفاتحة الكتاب وعشر مرات سورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)، وعشر مرات آية الكرسي ثم يدعى بعد الصلاة بهذا الدعاء: (اللَّهُمَّ ما عَمِلْتُ فِي هذِهِ السَّنةِ مِنْ عَمَل نَهَيْتَنِي عَنْهُ وَلَمْ تَرْضَهُ وَنَسِيتُهُ وَلَمْ تَنْسَهُ وَدَعَوْتَنِي إِلَى التَّوْبَةِ بَعْدَ اجْتِرائِي عَلَيْكَ اللَّهُمَّ فَإِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْهُ فَاغْفِرْ لِي وَما عَمِلْتُ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إِلَيْكَ فَاقْبَلْهُ مِنِّي وَلا تَقْطَعْ رَجائِي مِنْكَ يا كَرِيمُ).

فإذا قلت هذا: قال الشيطان: يا ويلي ما تعبت فيه هذه السنة هدمه أجمع بهذه الكلمات، وشهدت له السنة الماضية أنه قد ختمها بخير (1).

ص: 140


1- راجع مفاتيح الجنان: أعمال أواخر ذي الحجة.

تمّ بحمدالله في الثالث عشر من شهر رجب الحرام ذكرى ميلاد وصيّ رسول الله (ص)، وليد الكعبه وشهيد المحراب، الامام علي بن ابي طالب (ع).

وما توفيقنا إلّا بالله العلي العظيم و الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على خير خلقه أجمعين، محمد وآله الطيبين الطاهرين، وصحبه المنتجبين.

ايوب الحائري

قم المقدسة، رجب الحرام 1430 ه. ق

ص: 141

اهم مصادر الكتاب

1. القران الكريم

2. نهج البلاغة

3. الإرشاد/ للشيخ المفيد.

4. الغدير/ للعلامة الاميني.

5. مسند أحمد/ لابن حنبل.

6. تاريخ الإسلام/ للذهبي.

7. أنساب الاشراف/ للبلاذري.

8. السيرة النبوية/ لابن هشام.

9. البداية والنهاية/ لابن كثير.

10. مروج الذهب/ للمسعودي.

11. الكامل في التاريخ/ لابن اثير.

12. بلاغات النساء/ لابن طيفور.

13. المحاسن والمساوئ/ للبيهقي.

14. الإمامة والسياسة/ لابن قتيبة.

ص: 142

15. الكشاف/ لجار الله الزمخشري.

16. بحار الأنوار/ للعلامة المجلسي.

17. وسائل الشيعة/ للحر العاملي.

18. تاريخ بغداد/ للخطيب البغدادي.

19. اصول الكافي/ للكليني الرازي.

20. فروع الكافي/ للكليني الرازي.

21. روضة الكافي/ للكليني الرازي.

22. تذكرة الخواص/ للسبط الجوزي.

23. المغازي/ لمحمد بن عمرالواقدي.

24. الاصابة/ لابن حجرالعسقلاني.

25. سيرة الحلبية/ للحلبي الشافعي.

26. ذخائر العقبى/ لمحب الدين الطبري.

27. المناقب/ لضياء الدين الخوارزمي.

28. تاريخ الطبري/ لابن جرير الطبري.

29. تاريخ الخميس/ لحسين الدياربكري.

30. صحيح البخاري/ لمحمدبن اسماعيل.

31. تفسير نورالثقلين/ للعروسي الحويزي.

32. تاريخ قم/ للحسين بن محمد القمي.

33. تذكرة الخواص/ لسبط ا بن الجوزي.

ص: 143

34. مفاتيح الجنان/ للشيخ عباس القمي.

35. المجالس السنية/ للسيدمحسن الامين.

36. التفسير الكبير/ لفخرالدين الرازي.

37. تفسير القمي/ لعلي ابن ابراهيم القمي.

38. روضة الواعظين/ للفتال النيسابوري.

39. كشف الغمة/ لعلي بن عيس الاربلي.

40. العقد الفريد/ لابن عبد ربه الاندلسي.

41. تاريخ دمشق/ لابن عساكرالدمشقي.

42. شذرات الذهب/ لابن العماد الحنبلي.

43. تاريخ الخلفاء/ لجلال الدين السيوطي.

44. مجمع الزوائد/ لعلي ابن ابي بكرالهيثمي.

45. تهذيب التهذيب/ لابن حجرالعسقلاني.

46. الصواعق المحرقة/ لابن حجرالعسقلاني.

47. اللهوف/ لعلي بن موسى بن طاووس.

48. مقاتل الطالبيين/ لابي الفرج الاصفهاني.

49. إعلام الورى/ لفضل بن الحسن الطبرسي.

50. شرح نهج البلاغة/ لابن ابي الحديد المعتزلي.

51. الميزان في تفسير القرآن/ للعلامة الطباطبائي.

52. الأمثل في تفسير القران/ للمكارم الشيرازي.

ص: 144

53. جامع احاديث الشيعة/ للسيدالبروجردي.

54. روح المعاني/ لمحمود بن عبدالله الآلوسي.

55. امالي الطوسي/ لمحمد بن حسن الطوسي.

56. الخرائج والجرائح/ لقطب الدين الراوندي.

57. عيون أخبار الرضا (ع)/ لمحمدبن بابويه (الصدوق).

58. دور اهل البيت (عليهم السلام) في .../ للشهيد السيد باقر الحكيم.

59. صحيح مسلم/ لمسلم بن الحجاج النيسابوري.

60. إقبال الاعمال/ لعلي بن موسى بن طاووس.

61. مستدرك الوسائل/ للعلامة النوري الطبرسي.

62. الطبقات الكبري/ لمحمد بن سعد الزهري.

63. موسوعة التاريخ الإسلامي/ لليوسفي الغروي.

64. الإصابة في معرفة الصحابة/ لابن حجرالعسقلاني.

65. موسوعة المناسبات الاسلامية والعالمية/ للمؤلف.

66. الإمام علي (ع)، ادوار ومواقف/ للمؤلف.

67. المناسبات النبوية، ادوار ومواقف/ للمؤلف.

68. ماذا حدث في الثامن عشر من ذي الحجة/ للمؤلف.

69. افضل الليالي (ثلاثون ليلة على مائدة الرحمن)/ للمؤلف.

70. لمحات من حياة الإمام الرضا (ع) واخته السيدة فاطمة المعصومة/ للمؤلف.

ص: 145

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.