نفي ظاهرة التكفير عند الامامية

اشارة

سرشناسه : ساعدي، ابومحمد، 1346 -

عنوان و نام پديدآور : نفي ظاهره التكفير عندالاماميه: كتاب يقوم بابطال دعوي الوهابيه .../ بقلم ابومحمد الساعدي.

مشخصات نشر : تهران: نشر مشعر ، 1391.

مشخصات ظاهري : 310 ص.

شابك : 978-964-540-407-7

وضعيت فهرست نويسي : فيپا

يادداشت : عربي.

يادداشت : كتابنامه: ص. [285] - 302؛ همچنين به صورت زيرنويس.

موضوع : وهابيه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : شيعه اماميه -- دفاعيه ها و رديه ها

موضوع : تكفير

موضوع : اهل سنت و شيعه

رده بندي كنگره : BP207/6 /س17ن7 1391

رده بندي ديويي : 297/416

شماره كتابشناسي ملي : 2916818

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

مقدمة المعهد

ص 5

لم يكن الخلاف بين الوهابية وسائر المذاهب الإسلامية وليد الساعة، بل وجد منذ اللحظة الأولى التي قام بها ابن تيمية باتّهام وتخطئة جميع علماء المسلمين، سواء من عاصره أم من سبقه قبل ذلك، بدعوى ابتعادهم عن التوحيد وعدم انتهاج المنهج القويم للدين الإسلامي، حتّى أنّ ذلك جلب له الويل من قبل جميع علماء المسلمين، فكان أقلّ ما قاموا به أن رموه في السجن، وحذّروا الأمّة الإسلامية من أفكاره المسمومة، وقد خمدت نار الفتنة والفرقة بموته في السجن آنذاك، وعندها أضحت الأمّة الإسلامية في راحة من أمره.

ولكن سرعان ما خرج قرن الشيطان من جديد في الأمّة الإسلامية، فتجددت المعركة من جديد، وراحت ضحيّتها الكثير من علماء وأبناء الأمّة الإسلامية بسبب تلك الفتنة التي أجج نارها في مهبط الوحي والتنزيل، مجدد الفِرقة ومحيي البدعة محمّد بن عبد الوهاب، باسم الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك والوثنية، فهبّت الأمّة بأجمعها للوقوف بوجه هذا التيار الجارف، ولكن دون جدوى، حيث راح يقاتلهم قتالاً عنيفاً بعدما يحكم بكفرهم وخروجهم عن الدين الحنيف، فيقتل منهم العالم والشيخ الكبير والطفل الصغير ويسبي النساء ويغتصب الأموال ، والتاريخ الإسلامي حافل بنقل هذه الوقائع المؤلمة والمعاناة المريرة التي لم تمر بها الأمّة الإسلامية في حياتها على أيدي الطواغيت والسفّاحين الذي تسلّطوا على رقابها، كيزيد والحجاج وغيرهم.

والعجيب أنّ هؤلاء الوهابيون لا يبدأون بالهجوم على خصمهم ومقاتلته قبل أن يحكموا بكفره وخروجه عن الدين والملّة، ثمّ يهاجمونه باسم الدفاع عن الدين والدعوة إلى التوحيد،

ص 6

وقد ساعدهم في الوقت الحاضر ما يمتلكونه من موارد اقتصادية مهمّة، وحكومات موالية لهم وللاستكبار العالمي، الذي ما برح يزرع الفِرقة والفتنة بين صفوف المسلمين، مضافاً إلى امتلاكهم وسائل الإعلام المتطوّرة والحديثة في إيصال صوتهم إلى أبعد نقطة في العالم الثالث، حتّى بدأ بعض أبناء المذاهب الإسلامية يتقهقرون أمامهم ويستسلمون لرأيهم، نعم إنّ الأكثريّة من أهل السنّة وقاطبة الإماميّة لا تنطلي عليهم أكاذيب ومغالطات الوهابية؛ إذ تجدهم يقفون مواقف مشرّفة أمام هذا المدّ الوهابي، الذي بات بفضل الوعي الثقافي والديني لأبناء الأمّة الإسلامية غير خفي على أحد، خصوصاً وهو يرى مواقفها المناصرة لأعداء الدين والإنسانية، والتي تكشف عنها فتاوى كبارهم في العصر الحاضر، كابن جبرين وابن عثيمين وغيرهم، التي يفتون فيها بقتل ومقاتلة المسلمين وتحريم مقاتلة اليهود والإسرائيليين.

وهذا الكتاب الماثل بين يديك غيض من فيض، يوضّح لك فيه الكاتب العزيز بعض المواقف المخزية لهذه الغدّة السرطانية، التي زرعها ابن تيمية وأحيا أمرها محمّد بن عبدالوهاب من جديد في جسد الأمّة الإسلامية، وكيف أنّ هؤلاء بأساليبهم الشيطانية ومواقفهم البغيضة للشيعة الإمامية، يحاولون تضليل الأمّة وإبعادها عن منهج أهل البيت:، وكيف أنّهم يحاولون خلط الأوراق وقلب الحقائق باسم الدين؛ لكسب النصير والتأييد لهم من أبناء الأمّة الإسلامية، التي أراد لها الإسلام أن تكون قائدة للعالم الإنساني، وأرادوا لها أن تكون مقودة للشيطان الأكبر المتمثّل بالاستكبار العالمي؟!

وفي الختام لا يسعنا إلّا أن نتقدّم بجزيل الشكر والامتنان للباحث الكريم أبومحمّد الساعدي، ولجميع الأخوة العاملين في معهد الحج والزيارة، على أمل أن يستفيد منه كلّ من يروم طلب الحقيقة والواقع، سائلين المولى العلي القدير للجميع بالتوفيق والسداد.

إنّه ولي التوفيق

معهد الحج والزيارة

قسم الكلام والمعارف

مقدّمة المؤلف

اشارة

ص 7

الحمد للّه الّذي إليه مصائر الخلق، وعواقب الأمر. نحمده على عظيم إحسانه ونيّر برهانه، و نوامي فضله و امتنانه، حمداً يكون لحقّه قضاء ولشكره أداء، و إلى ثوابه مقرّباً ولحسن مزيده موجباً. ونستعين به استعانة راج لفضله، مؤمّل لنفعه، واثق بدفعه، معترف له بالطّول، مذعن له بالعمل والقول. ونؤمن به إيمان من رجاه موقناً: وأناب إليه مؤمناً، وخنع له مذعناً، وأخلص له موحّداً، وعظّمه ممجّداً، ولاذ به راغباً مجتهداً، لم يولد سبحانه فيكون في العزّ مشاركا، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً.

وأصلّي وأسلّم على أشرف الخلق أجمعين المسمّى في السماء بأحمد وفي الأرض بأبي القاسم محمّد، وعلى آله الطيّبين الطاهرين.

إنّ ظاهرة التكفير التي ظهرت بوادرها ونمت في الأمّة الإسلامية، واحدة من الأساليب الشيطانية التي استغلّها عدو الإسلام في حرب المسلمين بعيداً عن خطرهم وضرباتهم الموجعة على مختلف المستويات العلمية والعملية، التي قامت أسسها على أصول ومبادئ القاعدة المعروفة باسم (فرّق تسد)؛ إذ إنّ من أراد التحكّم والسيطرة على غيره قام بزرع الفرقة والاختلاف بين أبناء تلك المنطقة، حتّى يتسنّى له دخولها بسهولة والسيطرة عليها بلا مؤونة، فالنزاع الداخلي من أهمِّ الأخطار التي تمرّ به الأمّة الإسلامية، وحاله كحال الغدّة السرطانية، التي تبدأ صغيرة في جسم الإنسان، قابلة للمعالجة، ولكن ما أن تُهمل وتترك، إلّا أخذت بتناميها وتزايدها واستفحالها على قوى الجسم، حتّى تنهك قواه، وتضعف مقاومته،

ص 8

عندئذٍ يصعب على الطبيب معالجتها؛ فلا يرى بدّاً إلّا باستئصالها وإلّا فالموت والهلاك المحتوم، وهكذا هو حال زرع الفتنة والفرقة بين أبناء الأمّة الواحدة، فما لم نتوقّاها أو نعالجها منذ اللحظات الأولى فإنّها تستشري وتنتشر في جسد هذه الأمّة، التي وصفها المولى تبارك وتعالى بقوله: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [آل عمران:110]، فما دامت الفتنة والفرقة منكراً وخطراً على وحدة الأمّة وكيانها، فلماذا لا ننهى عنها، ونقف بوجهها وبوجه كلّ من يدعو لها؟

ونحن إذ نعيش عصر التقدّم والمدنية والتنوّر العلمي في مختلف المجالات الحياتية، فلماذا نجهل عقولنا فنتركها وراء ظهورنا؟ ولماذا نبقى نركض وراء دعاة الجاهلية الأولى؟ ولماذا وإلى متى نبقى ننتظر تدخّل عدوّنا لحلّ مشاكلنا والحل بأيدينا؟ إلى متى نبقى نحارب دعوة ديننا، والقرآن والسنّة والعلماء عندنا؟ وإلى متى ومتى ومتى...؟!

فيا إخوة الإيمان، ويا دعاة الإسلام، ويا علماءنا الأعلام، انتبهوا لما يخطط إليه الأعداء وقوى الاستكبار العالمي، وما يروم الوصول إليه، فالإسلام والمسلمين في عهدتكم، وهم اليوم يستغيثون بكم، وطلّاب الحرية والتحرر يدعونكم، فهلّا سمعتم دعوتهم، ونص_رتم استغاثتهم، واستجبتم لمطالبهم؟! وها هو التكفير يغزوكم في قعر دياركم، وها هو ينازعكم لينتصر عليكم، فلماذا هذا السكوت المخيّم عليكم؟ ولماذا كلّ هذا الخنوع والاستسلام لعدوّكم؟ ألقوّته وضعف حجّتكم، أم لخوفكم من شرّه وشراره، أم ماذا؟ فإنّكم بسكوتكم هذا تقضون على شوكتكم وقوّتكم، وتشتتوا أبناء أمّتكم، وعندها فلا فائدة بدعوة المصالحة الوطنية والوحدة الإسلامية !!

وعليه فمن هذا المنطلق الرامي إلى بيان الحقّ وكشف الحقيقة والواقع، وإلى بيان زيف الأقوال والمدّعيات باسم الدين والدفاع عن التوحيد من قبل بعض الأقلام المأجورة التي جنّدت كلّ قواها من أجل ضرب الإسلام، وإيقاد الفتنة بين أبنائه، من خلال كيل التهم لدعاة الحقّ، وتشويه الحقائق بمختلف الوسائل التبليغية المتاحة لها، كافتراءات داعية الضلال عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية، وبعض أذيال الوهابية، لمّا وجدوا أنفسهم عاجزين

ص 9

على مجابهة الحقّ بالحقّ، لجأوا لهذه الأباطيل والافتراءات كوسيلة لتضيل الأمّة الإسلامية حاولنا أن نضع النقاط على الحروف، ليتّضح للقارئ بأنّ مذهب أهل البيت:، الذي غرست بذرته بيد النبيّ الأكرم محمّد9 منذ اللحظة الأولى (وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) وإلى يومنا هذا باق ينتهج النهج القويم، ويسير على الص_راط المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم من آل محمّد:، فهو كما قيل عنه: «وكفاه فخراً أن يثبت حقّانيّته من كتب خصمه»، وهل بعد الحقّ إلّا الباطل؟!

منهجية البحث في هذا الكتاب

الكتاب الذي بين يديك عزيزي القارئ، يبيّن لك آراء علماء المسلمين من غير الشيعة الإمامية حول هذه الجماعة التكفيرية، التي اتّخذت من التكفير سمة لها، ومنهجاً لحركتها ودعوتها، ثمّ راحت ترمي به غيرها ممّن لا يعتقد بفكرها ولا يؤمن بمنهجها؛ لأنّها جماعة ضيّقت على نفسها، وحجرت على عقلها، فكان دعاتها يعتمدون في حركتهم التبليغية عبر وسائلهم الإعلامية، إطلاق الأكاذيب والدعوات الفارغة، والافتراءات الواضحة، كلّ ذلك في سبيل الوقيعة بمن يخالفهم في فكرهم وعقيدتهم، وسيرتهم العملية.

وقد برز من بين دعاتها في عصرنا الحاضر (عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية)، وهو من له القدرة على تحمّل عواقب هذا الأمر، فلم يكتف بنتائج الهزيمة التي تلقّاها عبر مناظراته لبعض مفكري ومثقفي أهل السنّة والشيعة الإمامية، حتّى جاء ليكتب بلا خجل ولا وجل من فضحية الأمر وانكشاف الواقع، عن حقيقة (أعني بها تكفير الإمامية لجميع أهل السنّة) باتت لا تخفيها ضبائب الأوهام وغبار الاتّهام؛ لأنّها أكذوبة أضحت في ظلّ وسائل الإعلام والتبليغ المعاصر أوضح من الشمس في رائعة النهار؛ إذ لا خوف من سطو الحكّام، ولا من انفجار أحزمة ناسفة ينسفون بها المسلمين أثناء صلاتهم؛ لأنّه بإمكان مسلم اليوم أن يتحدّث مع جميع الناس من غرفته، ومن محلّ إقامته، عبر شبكة الاتّصال المعلوماتية العالمية (Internet)، التي جعلت من العالم الثالث قرية واحدة صغيرة.

ص 10

وقد غفل هذا المسكين فأجهد نفسه ليؤلّف عنها كتاباً بعنوان (ظاهرة التكفير عند الشيعة الإمامية)، ولكن حاله كحال مَن ركب على فرسه وأراد الانطلاق به، فكبّ به وسقط من عليه في اللحظة الأولى، فهكذا هو حال هذا المسكين (الدمشقية)، فقد أوقعه حظه الرديء مع حزب الله لبنان _ الذي بات واضحاً للجميع في عمله ومنهجه وأهدافه، ويكفيه فخراً أنّ أمريكا وإسرائيل عدوّه الأوّل من يقوم بمساعدتهما من حكّام الدول الإسلامية _ ليتهجّم عليه باسم الدين وأهل التوحيد، ونسي بأنّه بذلك يدافع عن اليهود القتلة، ويخدم المخطط الصهيوني في المنطقة العربية، وكأنّه بتهجّمه على أمينه السيّد العلّامة حسن نص_رالله، يعيد إلى ذاكرتنا إطلاق ابن عثيمين لفتاواه، التي حرّم فيها مساعدة حزب الله أثناء حربه لعدو الإنسانية (إسرائيل) بل لم يكتفِ بذلك، حتّى صرّح فيها بحرمة الدعاء بالن_صرة لحزب الله؛ وحجته في ذلك بأنّهم يقاتلون أصحاب كتاب، الله أكبر ! فما أجرأه على الله تعالى، وخيانة الإسلام !!

وعليه فقد جاء البحث في هذا الكتاب في مدخل وبابين، تعرّضنا في المدخل إلى بيان حقيقة التكفير وخطورته على الأمّة الإسلامية، وأمّا الباب الأول فقد تضمّن توطئة وثلاثة فصول، كان الأول في بيان موقف ابن تيمية من الإمام علي7 وأهل السنّة، وأمّا الثاني في (تبادل التهم بين الوهابية وسائر علماء أهل السنّة)، وأمّا الثالث فكان في توضيح (تباين المواقف بين علماء السنّة والوهابية من الإمامية).

وأمّا الباب الثاني، فقد جاء تحت عنوان (افتراءات الدمشقية على الشيعة الإمامية)، وقد جاء في توطئة تضمّنت التعريف ب_ (عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية)، ثم بعد ذلك بدأنا في مباحث الفصل الأوّل، الذي كان البحث فيه عن مواقف الدمشقية المناصرة لإسرائيل، وتهجّمه على أمين حزب الله لبنان السيّد العلّامة حسن نصر الله، وأمّا الفصل الثاني فتعرّضنا فيه لإبطال مزاعم الوهابية والدمشقية بدعوة التحريف عند الشيعة الإمامية، وفي الفصل الثالث استعرضنا فيه بياناً وافياً لمسألة الخلط بين مفهومي الناصبي _ سنياً كان أم شيعياً _ والسنّي المخالف للإمامية في العقيدة والفكر، وكيف أنّ الإمامية وأهل السنّة

ص 11

_ عدا الوهابية _ يجمعون على تكفير الناصبي دون المخالف، وإن لم تعدّه الإمامية مؤمناً إمامياً اثني عش_رياً، ولكنّه مسلم لا يجوز تكفيره، وفي الفصل الرابع خُصص البحث فيه لدفع مزاعم الدمشقية في أنّ الإمامية تكفّر جميع المسلمين، بحيث لم يسلم منها حتّى فرق الشيعة والإمامية ممّن خالفها في الرأي أو الرؤيا، كفرق الزيدية والإسماعيلية والإخبارية والشيخية والواقفية وغيرها، فضلاً عن فرق أهل السنّة، وقد أثبتنا فيه كذب هذه الدعوى وبطلانها بشكل مبيّن وواضح ومستدل عليه.

والجدير بالذكر هو أنّنا قد أغضضنا النظر عن بعض المسائل الجزئية التي جاءت في كتابه (ظاهرة التكفير عند الإمامية)؛ لأنّه لا فائدة من الخوض فيها، خصوصاً وأنّ أغلبها مجرد ادّعاءات عارية عن الصحة، من قبيل أنّ الإمامية تنظر إلى غيرها نظرة دونية، في حين أنّ هذه المدرسة (الإمامية) قد انتهجت في الفكر والتربية والأخلاق منهج أهل البيت:، فتخرّج منها كبار العرفاء والزهّاد والعلماء والثوّار، الذين أشرقوا صفحات التاريخ الإسلامي بأسمائهم، ابتداءً من عمار بن ياسر وأبي ذر الغفاري وسلمان والمقداد والأشتر وانتهاءً بالإمام الخميني= والصدر= في عصرنا الحاضر.

وهذا ما سيتّضح لنا من خلال البحوث القادمة في هذا الكتاب، سائلاً المولى العلي القدير أن ينفع به طلّاب الحقّ وأهله، إنّه نعم المولى المجيب.

وما توفيقي إلّا بالله العلي العظيم، والحمدلله أوّلاً وآخراً، وأصلّي الصلاة واُسلّم على الحبيب المصطفى الأمجد أبي القاسم محمّد وعلى آله المخصوصين بذكره والمطهّرين بنص كتابه، الذين لا تتم الصلاة على النبي9 إلّا بالصلاة عليهم.

المدخل: في بيان خطورة التكفير وحقيقته

التكفير سلاح ذو حدّين

اشارة

ص: 12

ص 13

المدخل: في بيان خطورة التكفير وحقيقته

ص: 14

ص 15

التكفير سلاح ذو حدّين

التكفير أعظم خطر على الأمّة الإسلامية، فهو عدوّها اللدود من الداخل، الذي أخذ على نفسه أن ينهش بجسدها حتّى يسقطها، ويحطّم جميع قواها؛ وذلك عند انعدام المناعة وأساليب المعالجة، وما أشدّه على المسلمين من خطر؛ إذ النتائج وخيمة، والعواقب أليمة، وهذا ليس بجديد عليكم لتنخدعوا به، بل هو واحد من أساليب النفاق الذي دبّ في وسط هذه الأمّة المرحومة، وما زالت فروعه وتدبّ في جسد الأمّة الإسلامية، ولكن في هذه المرّة بعناوين وأسماء منمقة ومزخرفة بأنواع الجواهر وأزهى الألوان البارقة، فعلى سبيل المثال، تجدوا بعضهم يطلقون على أنفسهم دعاة التوحيد، أو أهل التوحيد، وأهل السلف، ولكن التوحيد والسلف بريء منهم ومن أفعالهم الشنيعة التي يرتكبونها في كلّ يوم وليلة، من قتل الأبرياء وانتهاك الحرمات والمقدّسات، والتجاوز على حقوق الآخرين وحرياتهم، وسلب أموالهم، وغيرها من الأفعال المحرمة والقبائح والأفعال اللاإنسانية واللا أخلاقية، فضلاً عنها لا إسلامية ودينية!!

وبهذا يقوم التكفير بالقضاء على التوحيد بنفس دعائه له بهذه الطريقة البشعة،التي أوجبت تنفر الناس من الإسلام والمسلمين، حتّى أصبحوا لا يعرفون الإسلام إلّا وهو مقترن باسم الإرهاب والقتل والتكفير واستباحة الأموال والأعراض وانتهاك الحرمات، هذا ما يدعو إليه اليوم دعاة الوهابية عبر ما يسمّى بتنظيمها الإرهابي (القاعدة)، لو تسمع من وسائل الإعلام سوى ما تقوم به هذه الجماعة من عمليات إجرامية

ص 16

باسم الدعوة إلى الدين ومحاربة أعدائه، والدين الإسلامي بريء منهم ومن أفعالهم الشنيعة بحقّ الإنسان والإنسانية، فلم يكن دين الإسلام في يوم من الأيام أداة انتقام واستئصال للإنسانية والتجاوز على حقوق الآخرين، بل كان منذ اللحظة الأولى دعوة إلى السلام والأمن وتحقيق الحرية التي حرمت منها الإنسانية طوال تاريخ حياتها تحت الطواغيت والجبابرة، فهو دين الرحمة لا دين النقمة والعذاب، فقد شوّهت صورته هذه القاعدة الإرهابية التي زرعها أعداء الدين في قلب المسلمين، لمحاربة الإسلام والمسلمين، فانتبهوا يا أولي الألباب !!

خوارج النهروان تداهمكم

اشارة

خوارج أمس هم خوارج اليوم، فالذي بقر بطن النساء وقتل الأطفال الأبرياء عند النهروان، تجده يبقر النساء ويقتل الأطفال اليوم في مختلف البلدان الإسلامية بحجّة ال_شرك في مرأى ومسمع من علماء وقادة الأمّة الإسلامية، نقل الطبري حكاية عن خوارج النهروان جاء فيها: «وأقبلوا إلى المرأة، فقالت: إنّي إنّما أنا امرأة ألا تتقون الله، فبقروا بطنها، وقتلوا ثلاث نسوة من طيئ، وقتلوا أم سنان الصيداوية».(1)

وهذه بنفسها اليوم ولكن الوسيلة اختلفت، فقد كان السيف وسيلتهم، واليوم التفخيخ والتفجير والأحزمة الناسفة، وهم بهذه التفجيرات يدعمون بفتاوى علمائهم ليضفوا على أفعالهم الإجرامية صفة شرعية، وهم بذلك يقتلون عشرات، بل مئات، بل ألوف النساء والشيوخ والأطفال في العراق وأفغانستان وباكستان، بدم بارد، وبلا رحمة أو شفقة على أحد، فماذا نقول لهؤلاء التكفيريين؟ فلماذا المسلمين بالذات؟ ولماذا هؤلاء الأبرياء بالذات؟ هل أصبحت الروضة التي يتعلّم بها هؤلاء الصبية معسكراً وجبهة لمقاتلتكم؟ أم أنّ السوق الذي تذهب المرأة والشيخ الكبير لتوفير متطلباتهم، أم المستشفى الذي يذهبون لمعالجة


1- تأريخ الأمم والملوك تاريخ الطبري، محمّد بن جرير الطبري، ج4، ص61؛ الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ج3، ص342؛ تاريخ الإسلام، الذهبي، ج3، ص588.

ص 17

آلامهم وأوجاعهم؟ أم.. هل كانت كلّ هذه معسكرات مواجهة معكم، وجبهات قتال في مقابلتكم؟ مالكم كيف تحكمون؟ أم حكم الجاهلية تبغون؟

هو النفاق بعينه !!

إنّ هذه الجماعة التكفيرية بدأت تحارب فكر أهل البيت: باسم الدفاع عن

أهل البيت:، ولم تكتفِ بمحاربته ومحاربة كلّ ما لهم من أثر باق على وجه الأرض، أو من يتمسّك به ويدعو إليه، بل راحت تطلق الدعوات عبر وسائلها الإعلامية المختلفة، أنّها تدعوا الناس إلى محبّة أهل البيت:، الذين أوصى الله تعالى ونبيّهم بهم خيراً، وأوجبا محبّتهم على جميع الناس، كما جاء في صحيح مسلم:

أنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه، ثمّ قال: وأهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي، أذكّركم الله في أهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي(1).

ولكن هذه الجماعة عمدت إلى هدم معالمهم الأثرية، وكلّ ما يدلّ عليهم، ويربط الأمّة بهم، مضافاً إلى قتل شيعتهم، وتبديع كلّ من يحاول الاقتراب أو إظهار محبّتهم أو إحياء ذكرهم، فأعلنتها حرباً شعواء عليهم من خلال محاربة شيعتهم ومحبيهم، وهي بذلك تريد طمس ما تبقى من معالمهم وآثارهم العلمية والخارجية، وحادثة الحرمين الشريفين للإمامين العسكريين في سامراء العراق، حيث قاموا بتفجيرهما في عام (2005م) ليست ببعيدة، وشاهد حيّ على همجيّة هذه الجماعة التكفيرية، إن تناسينا جرائمها يوم قيامها، وما لحق بالحرم المكي الشريف والبقيع، وهجومها وتجاوزها على حرم الإمام الحسين ونهب كلّ ما فيه من الذخائر النفيسة والمعالم الأثرية القيّمة، وغارتها على أهل نجد واليمن وغيرها من الجرائم التاريخية البشعة التي قامت بها هذه الجماعة التكفيرية؛ فلم يكن تفجيرهم للإمامين العسكريين في سامراء؛ لأنّ الشيعة تزورهم؛ لأنّ مثل ذلك يعود بالنفع المادي العظيم


1- صحيح مسلم، النيسابوري، ج7، ص123.

ص 18

على ذويهم وأهاليهم في سامراء، من خلال ما يتلقّونه من الهدايا التي تقدّم لخدمة هذين المرقدين الشريفين وحرّاسهما، مضافاً إلى ما يمارسه أهل هذه البلدة من بيع السلع التجارية على آلاف الزوّار الذين ما برحوا يأتون من كلّ فجّ عميق، ولكنّهم فجّروهما لطمس معالم وآثار أهل البيت:، التي باتت تهددهم في عقر ديارهم، وتكشف أكذوبتهم؛ لأنّها أدلة حيّة وشواهد تاريخية لما عاناه آل النبي من أمّة غلب على هواها الشيطان، وبات يتحكّم فيها الطاغوت، فهم بذلك يعلنونها حرباً على آل الرسول9، بدأت جذوتها بغصب خلافتهم والتجاوز على إرثهم بعدم السماع لحجّتهم، ثمّ تلتها قتل أميرهم الإمام علي، ثم قتل أبنائه واحداً تلو الآخر، قتلة شرّ من قتلة، فرحل حسنهم بالسم شهيداً، وحسينهم بالسيف مذبوحاً، وحريمهم للشام مسبية، ثمّ لم يكتفِ يزيد المجون والخمر والكفر إلّا أنّ ينتهك حرمة مدينة النبي وحرق بيت الله الحرام بالمنجنيق(1)، فما هي إلّا ثلاث سنوات، سنة قتل الإمام الحسين، وسنة نهب المدينة في واقعة الحرة، وسنة أحرق بيت الله بالمنجنيق.

وها هي اليوم أحفاده يحرقون بيوت النبي، وهي كما قال الله تعالى: ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) [النور: 36]، كما جاء ذلك في قصة فقيه أهل البصرة مع الإمام الصادق7 الذي جاء ليسأل الإمام عن مسائل، فقال له الإمام7:

من أنت؟ قال: أنا قتادة بن دعامة البصري، فقال له أبو جعفر: أنت فقيه أهل البصرة؟ قال: نعم، فقال له أبو جعفر: ويحك يا قتادة، إنّ الله جلّ وعز خلق خلقاً من خلقه فجعلهم حججاً على خلقه، فهم أوتاد في أرضه، قوّام بأمره، نجباء في علمه، اصطفاهم قبل خلقه أظلّة عن يمين عرشه، قال: فسكت قتادة طويلا ثم قال: أصلحك الله، والله لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّام ابن عباس فما اضطرب قلبي قدّام واحد منهم ما اضطرب قدّامك قال له أبو جعفر: ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي


1- اُنظر: الأعلام، خير الدين الزركلي، ج2، ص262؛ ومعجم البلدان، الحموي، ج2، ص249؛ قال فيه: ورمي الكعبة بالمنجنيق من أشنع شيء جرى في أيام يزيد، وغيرها.

ص 19

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) فأنت ثم، ونحن أولئك، فقال له قتادة: صدقت والله، جعلني الله فداك، والله ما هي بيوت حجارة ولا طين(1).

فالأيام هي الأيام، اليوم هو بالأمس بالنسبة لهذه الحركة مع تغيّر طفيف في أسلوبها وكيفية دعوتها، والأمّة في سباتها، لا تسمع منها إدانة، ولا موقف مش_رّف، نعم، إذا كانت أضحت رعاتها قادة الوهابية، فإنّك تجد لها موقف وتسمع لها صوت يسجّله لهم التاريخ، ألا وهو إطلاق الفتاوى بهدم ما تبقّى من معالم وآثار أهل البيت:، وقتل أتباعهم ومحبّيهم، وتبديع كلّ من له صلة بهم أو يظهر المحبّة لهم، في العراق أو مصر أو أفغانستان أو باكستان أو إيران أو لبنان أو غيرها من البلدان الإسلامية، حتّى راحت ضحية هذه الفتاوى الآلاف من الشيعة الإمامية، وأُحرقت مراقد لأبناء الأئمة والصحابة وبعض الصالحين في العراق، الذي عاش الأمرّين على أيدي القوّات المحتلّة من جهة، وعلى يد فرق التكفير من جهة أخرى؛ إذ لم يكتفوا هؤلاء بما فعله صدّام وزمرته الكافرة، بل راحوا يجددون العهد لأعداء الإنسانية بقتل ما تبقّى من أبناء وذرية رسول الله من ولد فاطمة (الذين يعرفون في أوساطنا بالسادة) بحجّة تشيّعهم للإمام علي$.

ولا أعلم كيف يفكّر هؤلاء، ويريدون من أبناء علي وفاطمة أن يكونوا أتباعاً لهم على منهجهم الانحرافي، وهم أعلم بما يتديّنون به ويتّبعونه، فأهل البيت: أعلم بما في البيت، فعجيب أمر هؤلاء، إمّا أن تكون من أتباع يزيد وزمرته القذرة، وإمّا أن تختار الموت لنفسك، والطمس والمحاربة لفكرك ومذهبك، فإن تعجب فعجباً لقولهم !!

الباب الأول: موقف الوهابية من سائر المسلمين

توطئة: الوهابية أولى بسمة التكفير


1- الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، ج6، ص257.

ص: 20

ص 21

الباب الأول: موقف الوهابية من سائر المسلمين

ص: 22

ص 23

توطئة: الوهابية أولى بسمة التكفير

قال تعالى:

(وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا) [فاطر: 43].

(...كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الحقّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ) [الرعد:17].

ظاهرة التكفير التي يتبجّح الوهابيون برمي الآخرين بها، لهي أجدر بهم عن غيرهم من سائر الفرق الإسلامية الأخرى، على اختلاف أطيافها وأفكارها ومذاهبها؛ إذ لم يشهد التاريخ الإسلامي حملة تكفيرية عشوائية كحملة الوهابية على سائر الفرق الإسلامية المخالفة لها في الفكر والعقيدة؛ إذ كان شعارهم الأوّل في قيام هذه الحركة في الأوساط الإسلامية، حيث سوّغوا لأنفسهم جميعاً برمي كلّ من خالفهم الرأي والعقيدة بالخروج عن الدين والملّة، مستغلّين بذلك حبّ الناس للتوحيد والدين الإسلامي، وبالخصوص عوام الناس وسذّاجهم؛ لأنّ مثل هذه الترّهات والأكاذيب والشعارات المبطنة لا تنطلي على من له أدنى معرفة بالدين وأهله، فضلاً عن علمائه ومفكريه المتبحّرين بمعارف الدين أصولها وفروعها، وأدلّ دليل على الشيء وقوعه، وهذا ما شهد به وكشف عنه أقرب الناس إليهم وأعرفهم بدعوتهم وأهدافها، ألا وهو سليمان بن عبد الوهاب العالم بالفقه الحنبلي، وشقيق محمّد بن عبد الوهاب، فتأمّل بما يقوله لك، حيث يصف هذه الظاهرة التكفيرية في خطابه الموجّه لهم:

ص 24

وأمّا هذه الأمور التي تكفّرون بها المسلمين فلم يسبقكم إلى التكفير بها أحد من أهل العلم ولا عدّوها في المكفّرات، بل ذكرها من ذكرها منهم في أنواع الشرك، وبعضهم ذكرها في المحرمات، ولم يقل أحد منهم: إنّ من فعله فهو كافر مرتد...(1).

وأمّا الشوكاني فقد قال في كتابه (الدواء العاجل في دفع العدو الصائل) وهو يصف حالهم أثناء هجومهم على أهل اليمن من المسلمين:

.. فكّرت في ليلة من الليالي في هذه الفتن التي قد نزلت بأطراف هذا القطر اليمني، وتأججت نارها وطار شررها، حتّى أصاب كلّ فرد من ساكنيه منها شواظ، وأقلّ ما قد نال من هو بعيد عنها ما صار مشاهداً معلوماً من ضيق المعاش، وتقطّع كثير من أسباب الرزق وعقم المكاسب، حتّى ضعفت أموال الناس وتجاراتهم ومكاسبهم، وأفضى إلى ذهاب كثير من الأملاك، وعدم نفاق نفائس الأموال، وحبائس الذخائر، ومن شك في هذا فلينظر بعين البصيرة حتّى يدفع عنه ريب الشك بطمأنينة اليقين.

هذا حال من هو بعيد عنها لم تطحنه بكلكلها، ولا وطئته بأخفافها، وأمّا من قد وفدت عليه وقدمت إليه، وخبطته بأشواظها، وطوته بأنيابها، وأناخت وقرّت بناحيته كالقطر اليماني وما جاوره فيالله كم من بحار دم أريقت !!! ومن نفوس أزهقت !!! ومن محارم هتكت !!! ومن أموال أبيحت !!! ومن قرى ومدائن طاحت بها الدوائح، وصاحت عليها الصوائح بعد أن تعطّلت وناحت بعرصاتها المقفرات النوائح، فلمّا تصوّرت هذه الفتنة أكمل تصوّر، وإن كانت متقررة عند كلّ أحد أكمل التقرر، ضاق ذهني عن تصورها، فانقلبت إلى النظر في الأسباب الموجبة لن_زول المحن وحلول النقم، من ساكني هذا القطر اليمني على العموم … (2).


1- الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية، للشيخ سليمان بن عبدالوهاب، ص7. ولكن من طرائف الأمور، هو أن يقوم الشيخ محمّد بن عبدالوهاب في الردّ على أخيه سليمان بن عبدالوهاب، معتبراً إيّاه تاركاً للتوحيد كافراً، كما جاء في كتابه الذي ردّ به عليه الذي سمّاه مفيد المستفيد في كفر تارك التوحيد. والعجيب هو أنّ كلّ من كتب عن تاريخ نجد والسعودية يذكر شيخ الحنابلة وعالمهم فيصفه بالعلم والورع والتقوى، وأنّه علّامة نحرير، فتأمّل!!
2- الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، الشوكاني، ص53، تحقيق حامد الفقي.

ص 25

إلى أن قال:

فقد سلّط الله على أهل الإسلام طوائف من عدوّهم، عقوبة لهم، حيث لم ينتهوا عن المنكرات، ولم يحرصوا على العمل بالشريعة المطهّرة، كما وقع من تسليط الخوارج في أوّل الإسلام، ثمّ تسليط القرامطة والباطنية بعدهم، ثمّ تسليط الترك حتّى كادوا يطمسون معالم الإسلام، وكما يقع كثيراً من تسليط الفرنج ونحوهم، فاعتبروا يا أولي الأبصار، إنّ في هذا لعبرة لمن ألقى السمع وهو شهيد...فبهذا يدفع الله الشرور عن البلاد والعباد، ويحول بينهم وبين من قد صار في بعض أطرافها من الطوائف التي تقاتل عباد الله مقاتلة أهل الش_رك المحقق !!! بل يتجاوزون ذلك إلى ما لا يبيحه الشرع !!! كما بلغنا أنهم يقتلون النساء الحوامل والصبيان ! ويشقّون بطون الحوامل!! فإنّ الشارع صلى الله عليه وسلم نهى عن مثل هذا وزجر عنه، ولم يحل للمسلمين أن يقتلوا صبيان المشركين وعجائزهم ونسائهم…(1).

الفصل الأوّل: موقف ابن تيمية من الإمام علي7 وأهل السن_ّة

المبحث الأوّل تحامل ابن تيمية على الإمام علي

اشارة

1- الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، الشوكاني، صص65-68.

ص: 26

ص 27

الفصل الأوّل: موقف ابن تيمية من الإمام علي وأهل السن_ّة

ص: 28

ص 29

المبحث الأوّل تحامل ابن تيمية على الإمام علي

لا يسلم من لسان وقلم ابن تيمية أحد أبداً، كما سيأتي في المبحث الثاني كيف أنّه كان يخطّئ علماء أهل السنّة وينسب إليهم الجهل، وهذا أمر بالنسبة إليه طبيعي؛ لأنّه يرى نفسه عالماً في قبال هؤلاء الذين لا يراهم يعلمون شيئاً، ولكن الأدهى من ذلك كلّه أن يضع نفسه في مقابل الإمام علي الذي شهد له المولى تبارك وتعالى ونبيّه الأعظم محمّد بأنّه عنده علم الكتاب كما جاء ذلك في الروايات المعتبرة والصحيحة، عند بيان المراد من قوله تعالى: (وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ)، فضلاً عن شهادة كبار الصحابة والتابعين في فضله وعلمه، بل وكلّ من عرف الإمام علي عن قرب أو عن بعد، أو قرأ في سيرته، فعلمه ومقامه ومنزلته كالشمس في رابعة النهار لا تحتاج إلى من يعرّفها ويكشف عنها، فقد رفعت بنورها وظهورها جميع الحجب عن نفسها، بل صارت منيرة ومزيلة لظلمة غيرها سوى الليل الذي أبى أن يكون معها فيرى نورها ويزيل بنورها ظلمته عن نفسه؛ إذ هي تسير مساراً غير مساره.

فليس بغريب أن يقوم ابن تيمية وهو من انتهج نهجاً مخالفاً لعلي، بل لا يطيق أن يسمع اسم الإمام علي، لينسب إليه الجهل وعدم الإيمان وقتل المسلمين، وغيرها من التهم والافتراءات الدالّة على تجاوز هذا الرجل وعداوته للإمام علي، حيث وجدناه مدافعاً عن الناكثين للعهد والمارقين والقاسطين، وكلّ من وقف بوجه الإمام علي وأعلن العداوة

ص 30

والبغضاء وقتل ذريته من آله الأطهار، كيزيد بن معاوية وغيرهم، وإليك بعض أقواله وسهامه الموجّه باتّجاه الإمام علي، ولا أرى أحداً من المسلمين يقبل بذلك إلّا إذا كان على هوى ابن تيمية؛ لأنّ الجميع أفتوا بكفر من تهجّم على صحابي من الصحابة، أو على أحد من الخلفاء، وإن لم يخصّ الإمام علي بالذكر كفتاوى ابن حنبل وغيره الآتي ذكرها في هذا الكتاب.

وهنا ننقل لك بعض أقوال ابن تيمية التي ملء كتبه فيها في تحامله على الإمام علي، حيث وجدناه يخطّئ الإمام علي في عدّة مواضع، كما جاء ذلك في كتاب في الدرر الكامنة(1) بأنّ ابن تيمية قد خطّأ أميرالمؤمنين علياً في مواضع خالف فيها نص الكتاب، وأنّ العلماء نسبوه إلى النفاق؛ لقوله في عدّة مواضع:

الموضع الأول: ات_ّهام الإمام علي بحبّ الرئاسة

قال ابن تيمية: «إنّه كان مخذولاً، وأنّه قاتل للرئاسة لا للديانة»(2).

الموضع الثاني: ات_ّهام الإمام علي بالجور وعدم الإنصاف

قال ابن تيمية: «وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا ولا تاركاً له، فأئمّة السنّة يسلّمون أنّه ما كان القتال مأموراً به لا واجباً ولا مستحباً»(3).

الموضع الثالث: ات_ّهام الإمام علي7 بقتل المسلمين

قال ابن تيمية: «...وإن لم يكن علي مأموراً بقتالهم، ولا كان فرضاً عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام»(4).

الموضع الرابع: لا مصلحة للمسلمين بقتلهم

1- اُنظر: الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني، ج1، ص114.
2- المصدر السابق.
3- منهاج السنة، ابن تيمية، ج2، ص203.
4- المصدر السابق، ص214.

ص 31

الموضع الرابع: لا مصلحة للمسلمين بقتلهم

قال ابن تيمية: «فلا رأي أعظم ذمّاً من رأي أريق به دم ألوف مؤلّفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم، بل نقص الخير عمّا كان، وزاد الشرّ على ما كان»(1).

الموضع الخامس: ترك قتال معاوية أفضل وأصلح للأمة

قال ابن تيمية:«وإنّ علياً مع كونه أولى بالحقّ من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيراً»(2).

الموضع السادس: اتهام الإمام علي7 بترك الفتح وقتل المسلمين

قال ابن تيمية: «فإنّ علياً قاتل على الولاية، وقتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم،

ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفّار، ولا فتح لبلادهم، ولا كان المسلمون في زيادة خير»(3).

فتسفيه ابن تيمية لقتال علي دليل على أنّه يضمر ضغينة لسيّدنا علي7، ويؤيّد هذا قول الحافظ ابن حجر في لسان الميزان عند ترجمة والد الحلي الذي ألّف ابن تيمية كتابه منهاج السنّة النبوية في الردّ عليه ونصّه: «وكم من مبالغة له لتوهين كلام الحلي أدّت به أحيانا إلى تنقيص علي رضي الله عنه» (4).

الموضع السابع: قوله بأنّ الإمام علي7 لم يجنِ من حروبه الثلاثة إلا ضعفاً

قال ابن تيمية: «فما زاد الأمر إلّا شدّة، وجانبه إلا ضعفاً، وجانب من حاربه إلّا قوّة والأمّة إلّا افتراقاً»(5).

الموضع الثامن: زعمه أنّ الإمام عليّاً يشرب الخمر

1- منهاج السنة، ج3، ص156.
2- المصدر السابق، ج2، ص203.
3- المصدر السابق، ج7، ص191.
4- الدرر الكامنة، ج6، ص316.
5- منهاج السنة، ج7، ص452.

ص 32

قال ابن تيمية: «وقد أنزل الله تعالى في علي: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ). سورة النساء. لمّا صلّى فقرأ وخلط»(1).

والجواب: ما رواه الحاكم في المستدرك بالإسناد إلى علي:

دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدّم رجل فقرأ: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) فالتبس عليه، فنزلت: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) الآية.

ثمّ قال الحاكم:

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وفي هذا الحديث فائدة كثيرة، وهي أنّ الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره، وقد برّأه الله منها، فإنّه راوي هذا الحديث(2).

الموضع التاسع: اتهام فضيع

ابن تيمية يجعل علياً مصداقاً لقوله تعالى: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83].

فيقول: «فمن أراد العلو في الأرض والفساد لم يكن من أهل السعادة في الآخرة. وعلي إنّما قاتل لأن يكون له العلو في الأرض، إنّه إنّما: قاتل ليطاع هو»(3).

الموضع العاشر: كذب صريح

قال ابن تيمية: «أمّا قتال الجمل وصفين، فقد ذكر علي أنّه لم يكن معه نصّ من النبيّ، وإنما كان رأياً، وأكثر الصحابة لم يوافقوه على هذا القتال»(4).


1- منهاج السنة، ج4، ص65.
2- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج2، ص307.
3- منهاج السنة، ج4، ص500.
4- المصدر السابق، ج6، ص33.

ص 33

إلى أن قال: «إنّ القتال كان قتال فتنة بتأويل، لم يكن من الجهاد الواجب ولا المستحب»(1).

وكأنّه لم يسمع قول النبي الأكرم محمّد9 الذي رواه عقاب بن ثعلبة، عن أبي أيوب الأنصاري في خلافة عمر بن الخطاب، قال: «أمر رسول الله علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(2)؛ ولذلك لمّا أُشكل عليه بقتال الناكثين بحرب الجمل والقاسطين في حرب صفين، والمارقين في حرب الخوارج، قال: «عهد إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في قتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(3).

قال الهيثمي في مجمع الزوائد: «وفي رواية: أمرت بقتال الناكثين. فذكره. رواه البزار والطبراني في الأوسط، وأحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح غير الربيع بن سعيد ووثّقه ابن حبان»(4).

الموضع الحادي عشر: يلعن الإمام علي7 ويحكم عليه بالخلود في النار

قال ابن تيمية: «وقتل خلقاً كثيراً من المسلمين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويصومون ويصلّون»(5).

فهو بهذا القول يريد أن يقول للمسلمين: ألم تقرأوا قوله تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) [النساء: 93]. وكأنّه نس_ي قول النبي فيه: «أنت أخي في الدنيا والآخرة»(6).

الموضع الثاني عشر: اتهام الإمام علي7 بعدم الإيمان والعدل

1- منهاج السنة، ج7، ص57.
2- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص139.
3- المعجم الأوسط، الطبراني، ج8، ص213؛ المعيار والموازنة، أبو جعفر الاسكافي، ص37؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص139؛ مسند أبي يعلى الموصلي، ج1، ص398، وغيرها.
4- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج7، ص238.
5- منهاج السنة، ج6، ص356.
6- سنن الترمذي، محمّد بن عيسى الترمذي، ج5، ص300؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص14؛ الاستيعاب، ابن عبد البر، ج3، ص1099؛ وغيرها.

ص 34

قال ابن تيمية:

إنّ الرافضة تعجز عن إثبات إيمان علي وعدالته... فإن احتجّوا بما تواتر من إسلامه وهجرته وجهاده، فقد تواتر إسلام معاوية ويزيد وخلفاء بني أمية وبني العباس، وصلاتهم وصيامهم وجهادهم(1).

الموضع الثالث عشر: اتهام الإمام علي7 بالنفاق

قال ابن تيمية: «لم يعرف أنّ علياً كان يبغضه الكفّار والمنافقون»(2).

وغيرها من الأقوال التي تنم عن بغضه وعداوته للإمام علي7، الذي لا يختلف فيه اثنان من أعداء الإسلام، فضلاً عن كونهم من أهل الإسلام.

وقال العلّامة علوي بن طاهر الحداد في كتابه (القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل) في الجزء الثاني منه ما نصّه:

وفي منهاجه من السب والذم الموجّه المورد في قالب المعاريض ومقدّمات الأدلة في أميرالمؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب، ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلّا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وآثارهم، فكن منه ومنهم على حذر(3).

والحاصل ممّا تقدّم وغيره ممّا جاء في كتبه التي ملأها بمثل هذه الأكاذيب والأحقاد الدفينة للإسلام وقادته الميامين، أنّ هذا الرجل لا يستحق أن يسمّى مسلماً فضلاً عن شيخ الإسلام الذي ما برح أن يذكر قبله، ولا منهاجه منهاجاً للإسلام، فما لكم كيف تحكم، أفحكم الجاهلية تبغون؟! وحرام عليكم أن تضلوا الناس بمدحكم لهذا الرجل بعدما عرفتموه وعرفتم مواقفه تجاه الدين وعلمائه، وهذا ما سنقوم بنقله من أقوالكم فيه وردودكم عليه في محلّه.

المبحث الثاني ابن تيمية يخطّئ أهل السنّة


1- منهاج السنة، ج2، ص62.
2- المصدر السابق، ج7، ص461.
3- القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل، العلامة علوي بن طاهر الحداد، ج2، ص417.

ص 35

قال ابن تيمية(1) في مجموع فتاوى:

وأيضاً فإنّ السلف أخطأ كثير منهم في كثير من المسائل، واتّفقوا على عدم التكفير


1- أقول: يعرف ابن تيمية بجرأته على الدين وعلمائه، سواء من كان من أهل السنّة أم من الشيعة، ولكن هذا لا يعني أن يبقى علماء المسلمين مكتوفي الأيدي أمام هجمات ابن تيمية وتسفيه لآرائهم، وتضعيفه للأحاديث الصحيحة والمعتبرة، بمجرد عدم موافقتها لعقيدته التي بناها على أهوائه الخاصّة، فمن جملة الكتب التي أُلّفت ضد ابن تيمية من قبل علماء المسلمين، ما سنذكر بعضها لك، وهي: 1 رسالة في الردّ على ابن تيمية في التجسيم والاستواء والجهة، شهاب الدين أحمد بن يحيى الكلابي الحلبي ت 733. 2 الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية _ علي بن عبد الكافي شيخ الإسلام التقي السبكي. 3 السيف الصقيل في ردّ ابن تيمية وابن قيم الجوزية _ تقي الدين السبكي. 4 شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام _ تقي الدين السبكي. 5 الإنصاف والاتّصاف لأهل الحقّ من الإسراف، تقي الدين أبي بكر بن أحمد الحصني ت829. 6 المقالة المرضية في الردّ على ابن تيمية _ قاضي قضاة المالكية تقي الدين بن عبدالله محمود الاقناعي. 7 فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان، سلامة القضاعي العزامي. 8 البراهين الساطعة في ردّ بعض البدع الشائعة _ سلامة القضاعي. 9 تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد _ محمّد بخيتي المطيعي. 10 خير الحجة في الردّ على ابن تيمية في العقائد _ احمد بن حسين بن جبرئيل شهاب الدين الشافعي. 11 الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية_ محمّد بن علي الشافعي الدمشقي المعروف بابن الزملكاني. 12 الردّ على ابن تيمية في الاعتقادات _ محمّد حميد الدين الحنفي الفرغاني. 13 ابن تيمية، حياته وعقائده وموقفه من الشيعة وأهل البيت _ صائب عبدالحميد. 14 ردّ على الشيخ ابن تيمية _ نجم الدين بن أبي الدر البغدادي. 15 الردّ على ابن تيمية في مسألة الطلاق _ عيسى بن مسعود المنكلائي. 16 نجم المهتدين برجم المعتدين _ الفخر بن المعلّم. 17 اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام _ احمد بن إبراهيم السروطي الحنفي. 18 ابن تيمية ليس سلفياً _ منصور محمّد محمّد عويس. 19 رسالة في الردّ على ابن تيمية في الطلاق _ محمّد بن علي المازني. 20 إكمال المنّة في نقض منهاج السنة _ سراج الدين حسن بن عيسى الكهنوي. 21 رسالة في مسألة الزيارة، محمّد بن علي المازني. 22 شرح ظلمات الصوفية والرد على ابن تيمية، محمود محمود غراب. 23 شمس الحقيقة والبداية على أهل الضلالة والغواية _ احمد علي بن أبي المنى. 24 مقدمة الرسائل السبكية _ كمال أبو المنى. 25 مقدّمة التوفيق الرباني في الردّ على ابن تيمية الحراني _ كمال أبو المنى.

ص 36

بذلك، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة، وأنكر بعضهم رؤية محمّد صلى الله عليه [وآله] وسلم ربّه، ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف، وكذلك لبعضهم في قتال بعض، ولعن بعض، وإطلاق تكفير بعض أقوال معروفة، وكان شريح يذكر قراءة من قرأ (بل عجبتُ) ويقول: إنّ الله لا يعجب، فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال: إنّما شريح شاعر يعجبه علمه، كان عبدالله أفقه منه، وكان يقول: (بل عجبتُ)، فهذا أنكر قراءة ثابتة، وأنكر صفة دلّ عليها الكتاب والسنّة، واتّفقت الأمّة على أنّه إمام من الأئمة، وكذلك بعض السلف، أنكر بعضهم حروف القرآن، مثل إنكار بعضهم قوله (أَفَلَمْ ييئس الَّذِينَ آمَنُوا)، وقال: إنّما هي «أولم يتبين الذين آمنوا»، وإنكار الآخر قوله: (وَقَضَى رَبُّكَ ألّا تَعْبُدُوا إلّا إِيَّاهُ)، وقال: إنّما هي «ووصى ربّك»، وبعضهم كان قد حذف المعوذتين، وآخر يكتب سورة القنوت، وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر، ومع هذا لم يكن تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفّروا، وإن كان يكفّر بذلك من قامت عليه الحجّة بالنقل المتواتر(1).

وقد قام بالردّ على ابن تيمية الحافظ الذهبي برسالة مفصلة، جاء فيها:

الحمد لله على ذلّتي، يا ربّ ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليّ إيماني، وا حزناه على قلّة حزني، ووا أسفاه على السنّة وأهلها، وا شوقاه إلى إخوان مؤمنين يعاونونني على البكاء، وا حزناه على فقد أناس كانوا مصابيح العلم وأهل التقوى وكنوز الخيرات، آه على وجود درهم حلال وأخ مؤنس، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وتباً لمن شغله عيوب الناس عن عيبه، إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينيك؟ إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعباراتك وتذم العلماء وتتبع عورات الناس؟ مع علمك بنهي الرسول: (لا تذكروا موتاكم إلّا بخير فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا) بل أعرف أنك تقول لي لتنص_ر نفسك: إنّما الوقيعة في هؤلاء الذين ما شموا رائحة الإسلام، ولا عرفوا ما جاء به محمّد9 وهو جهاد، بل والله عرفوا خيراً كثيراً مما إذا عمل به فقد فاز، وجهلوا


1- مجموع الفتاوى، ابن تيمية، ج1، ص429؛ واُنظر: الحقائق الإسلامية في الردّ على مزاعم الوهابية، مالك ابن الشيخ داود، ص6.

ص 37

شيئاً كثيراً ممّا لا يعنيهم، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه. يا رجل، بالله عليك كفّ عنّا، فإنّك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام، إيّاكم والغلوطات في الدين، كره نبيك9 المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: (إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللسان) وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام، فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفة وتلك الكفريات التي تعمى القلوب؟! والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية؟ لنرد عليها بعقولنا.

يا رجل، قد بلعت " سموم " الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات، وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم وتكمن والله في البدن، وا شوقاه إلى مجلس يذكر فيه الأبرار فعند ذكر الصالحين تنزل الرحمة، بل عند ذكر الصالحين يذكرون بالازدراء واللعنة، كان سيف الحجاج ولسان ابن حزم شقيقين فواخيتهما، بالله خلونا من ذكر بدعة الخميس وأكل الحبوب، وجدوا في ذكر بدع كنّا نعدّها من أساس الضلال، قد صارت هي محض السنّة وأساس التوحيد، ومن لم يعرفها فهو كافر أو حمار، ومن لم يكفّره فهو أكفر من فرعون، وتعدّ النصارى مثلنا.

والله في القلوب شكوك، إن سلم لك إيمانك بالشهادتين فأنت سعيد، يا خيبة من اتّبعك فإنّه معرض للزندقة والانحلال، لا سيّما إذا كان قليل العلم والدين باطوليا شهوانيا، لكنه ينفعك ويجاهد عندك بيده ولسانه وفي الباطن عدوّ لك بحاله وقلبه، فهل معظم أتباعك إلا قعيد مربوط خفيف العقل، أو عامي كذّاب بليد الذهن، أو غريب واجم قوي المكر، أو ناشف صالح عديم الفهم؟ فإن لم تصدّقني ففتشهم وزنهم بالعدل، يا مسلم ! أقدم حمار شهوتك لمدح نفسك، إلى كم تصادقها وتعادي الأخيار؟! إلى كم تصدقها وتزدري الأبرار؟! إلى كم تعظمها وتصغّر العباد؟! إلى متى تخاللها وتمقت الزهاد؟! إلى متى تمدح كلامك بكيفية لا تمدح - والله - بها أحاديث الصحيحين؟! يا ليت أحاديث الصحيحين تسلم منك، بل في كلّ وقت تغير عليها بالتضعيف والإهدار، أو بالتأويل والإنكار، أما آن لك أن ترعوي؟! أما حان لك أن تتوب وتنيب؟! أما أنت في عشر السبعين وقد قرب

ص 38

الرحيل؟! بلى _ والله _ ما أدكر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموت، فما أظنك تقبل على قولي ولا تصغي إلى وعظي، بل لك همة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات، وتقطع لي أذناب الكلام، ولا تزال تنتصر حتّى أقول: البتة سكت.

فإذا كان هذا حالك عندي وأنا الشفوق المحب الواد فكيف حالك عند أعدائك؟! وأعداؤك _ والله _ فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء، كما أنّ أولياءك فيهم فجرة وكذبة وجهلة وبطلة وعور وبقر، قد رضيت منك بأن تسبّني علانية وتنتفع بمقالتي سرّاً (فرحم الله امرءً أهدى إليّ عيوبي) فإنّي كثير العيوب غزير الذنوب، الويل لي إن أنا لا أتوب، ووافضيحتي من علّام الغيوب، ودوائي عفو الله ومسامحته وتوفيقه وهدايته، والحمد لله ربّ العالمين، وصلّى الله على سيّدنا محمّد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين(1).

الفصل الثاني: تبادل التهم بين الوهابية وسائر علماء أهل السن_ّة

المبحث الأوّل تكفير الوهابية لأهل السنة


1- نقلاً عن تكملة السيف الصقيل، الكوثري، ص190.

ص 39

الفصل الثاني: تبادل التهم بين الوهابية وسائر علماء أهل السن_ّة

ص: 40

ص 41

المبحث الأوّل تكفير الوهابية لأهل السنة

لم تقتصر الوهابية في عدائها وتكفيرها على الشيعة الإمامية فقط، كما يظن بعض من لا معرفة له بهذه الجماعة التكفيرية، بل طالت بذلك جميع الفرق الإسلامية التي لا تؤمن بأفكارها الفاسدة، وعقائدها الباطلة، وقد نقلنا قبل قليل ما صرّح به الشيخ سليمان بن عبدالوهاب العالم الحنبلي، في أنّ الوهابية تقول بتكفير كلّ فرق المسلمين بلا فرق، سنّية كانت أم شيعية، بشرط أن لا تكون تابعة لأفكارها الفاسدة، وسننقل بعد ذلك أقوال علماء المسلمين من كبار أهل السنّة في تكفير الوهابية، وأنّها كانت ومازالت جماعة مبتدعة، تهدف إلى هدم الدين وتقويضه، وقتل أهله الخيّرين بحجّة الخروج عنه، ولكن الذي يهمّنا هنا أن ننقل بعض أقوال علماء الوهابية في تكفير ما سواهم من المسلمين:

قال حاج مالك بن الشيخ داود، في مقدّمة كتابه مبيّناً للسبب الذي دفع به لتأليفه:

أمّا بعد، فإنّ الباعث الوحيد لي إلى وضع هذه الرسالة هو النصيحة لعامّة المسلمين والرد على بعض الوهابيين المتطرّفين الذين يظنّون بالمسلمين غير الحقّ ظن الجاهلية ويزعمون أنّ من لم يكن وهابياً فهو مشرك حتّى ولو أقر بالشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة وصام رمضان وحجّ البيت؛ لأنّ الوهابية عندهم بمثابة سنة نبوية يجب الاقتداء بها بالقلب والقالب وكأن الوحي الإلهي إنّما أنزل على محمّد بن عبد الوهاب (المتوفى سنّة 1206ه ) لا على

ص 42

محمّد بن عبدالله صلّى الله عليه وسلم.

وأقول: بأنّ هذه المزاعم وأمثالها ليس مصدرها إلّا الجهل الذي هو الداء العضال في كلّ زمان ومكان، والذي لا يقتل أعضاء الجسم وحدها إنما يقتل معها أعضاء الأمّة جمعاء.

ولا شك أنّ هذه الخلافات التي مني بها مجتمعنا القومي في عصرنا الحالي، جاءت نتيجة لسببين ظاهرين: أوّلهما: هو الجهل المركّب الذي لا يميّز صاحبه بين الخبيث والطيب ولا بين المندوب والمكروه، ثمّ لا يعترف بجهله فيسكت. والثاني: هو عدم فهم بعض المسائل الدينية فهماً حقيقياً، مما أتاح لهم فرصة ليحرفوا بعض الآيات والأحاديث عن مواضعها، فيترتب عليه إجرام البرئ تارة وإبراء المجرم تارة أخرى.

ولأجل هذين السببين عمّت البلوى بانتشار الخلافات الدينية ممّا أدّى إلى قطع الأرحام وهجران المساجد واختلاف المفاهيم والآراء، وأخيراً اختلط الدين بالطين وانتهى الأمر إلى الفوضى(1).

وقد حكم محمّد بن عبد الوهاب على أحد أئمة المساجد وحاكم بلد عيينة بالكفر، فعمد جماعته إلى قتله، فقتلوه بعد الانتهاء من صلاة الجمعة، كما جاء ذلك في كتاب (تاريخ نجد)، حيث نقل عن محمّد بن عبدالوهاب قوله فيه:

إنّ عثمان بن معمَّر _ حاكم بلد عيينة _ مشركٌ كافر، فلمّا تحقق المسلمون من ذلك تعاهدوا على قتله بعد انتهائه من صلاة الجمعة، وقتلناه وهو في مصلّاه بالمسجد في رجب 1163ه(2).

وقال طه حسين في بيان حال الوهابية في مصر:

شكّل ذلك العام [يعني به 1967م] فرصة ممتازة للفكر الوهابي، فمع الهزيمة لم تنكسر الحالة الناصرية أو الحالة الاشتراكية فحسب، بل ان_كسر الوعي الوسطي المصري، وباتت الدولة تتعرض إلى رؤى من نوعية أنّ السبب في الهزيمة ديني والحل في العودة للدين على طريقة الوهابية باسم العودة للسلف الصالح، ومع نبل الفكرة إلّا أنّ الغرض كان فرض


1- الحقائق الإسلامية في الردّ على مزاعم الوهابية، ص6.
2- تاريخ نجد، حسين بن غنام، ص97، نقلاً عن رسائل محمّد بن عبدالوهاب.

ص 43

الرؤية الوهابية تماماً دون غيرها، وبدأت الفكرة تزداد، والتغلغل الوهابي يزيد، ولعلّي أقف ضدّ القول بأنّ الوهابية لم تدخل الدخول الثاني بمصر بعد 1971م مع العهد الساداتي، بل أقول: إنّ الوهابية دخلت من يوم 15/6/1967م، ولعلّ أحداث الخانكة الطائفية 1972م خير دليل.

مع العهد السبعيني باتت مصر مع كارثة؛ إذ رأى أهل السلطة من ذوي التوجّهات الغربية ضرب الجانب اليساري بالتيارات الإسلامية، وبالتالي كان الوضع ممتازاً للفكر الوهابي، فمع التشجيع الرسمي دخل التكفير والطائفية والنقاب من أوسع الأبواب وبتأييد رسمي، ولعلّ شهادة بثينة رشوان عن ضرب الإسلاميين من ذوي الفكر السلفي لطلاب إحدى المسرحيات بالجنازير تحت رعاية الأمن 1976م خير دليل.

استبد الوهابيون خاصّة مع الثورة البترودولارية وارتفاع أسعار النفط حينها كان المصري يخرج للجزيرة العربية مصري ويعود بجسد المسافر وعقلية الوهابي المخلص، باختصار قفزت مخططات الوهابيين للقمة، ومع عودة الإخوان المسلمين من الخليج عادت التحالفات ثانية باستثناء أنّها باتت تتضاءل مع الوقت لكثرة التنظيمات بالبلاد وانتشار القوّة السياسية والمالية بين الإخوان فباتت التحالفات تقل والاستقلالية تكثر، وهكذا ولأوّل مرّة منذ 1819م _ تدهورت مصر، أمّا الوهابية _ السعودية إلى أن وصلنا لمرحلة اليوم الحالي… ولهذا قصّة أخرى(1).

وعدّ الجزيري بأنّ المذاهب الأربعة متّفقة على أنّ من يعتقد بالتجسيم، فهو كافر؛ وذلك لأنّ الاعتقاد بتجسيم الله تعالى وما يستلزم الاعتقاد بالتجسيم مستوجب للكفر، والمعتقد به كافر ومشرك(2)، وكأنّه يريد أن يقول لك: أيّها الشباب المعتقد والمؤمن بالفكر الوهابي حديثاً، إذا كنت تعتقد بالتجسيم، وتقول بالصفات الخبرية على ما هي عليه في الظاهر، بحيث تنسب لربّك اليد والوجه والساق و..الخ، فإنّك كافر باتّفاق وإجماع المذاهب الإسلامية الأربعة، فضلاً عن مذهب أهل البيت:، فما عليك إلّا أن تلتزم بقول الله تعالى، وهو يخاطب الجميع


1- راجع: كتاب الفتنة الكبرى، طه حسين.
2- راجع: الفقه على المذاهب الأربعة للجزيري، ج4، ص107و ج5، ص198.

ص 44

ويقول لهم عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [المائدة: 105]، ولا عليك بما يعتقد ابن تيمية وغيره، حينما تجده ينكر وجود الآيات المنزّهة لله تعالى عن التجسيم، حيث قال: «... إنّه ليس في شيء من ذلك (يعني الآيات) نفي الجهة والتحيّز عن الله، ولا وصفه بما يستلزم لزوماً بيناً نفي ذلك»(1).

ولكنّك إذا رجعت إلى ما يعتقد ابن تيمية كما هو مدوّن في كتبه، فإنّك ستقف على حقيقة أمره في باب القول بالتجسيم، فقد قال في كتاب (مجموع الفتاوى) ما نصه: «إنّ محمدًا رسول الله يجلسه ربّه على العرش معه» (2).

وقال في كتاب (مجموع الفتاوى) وكتاب شرح حديث الن_زول: «فما جاءت به الآثار عن النبي من لفظ القعود والجلوس في حقّ الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب وحديث عمر أولى أن لا يماثل صفات أجسام العباد(3).

وفي الصحيفة ذاتها يقول:إذا جلس تبارك وتعالى على الكرسي سُمِع له أطيط كأطيط الرَّحل الجديد(4).

ثمّ قارن كلامه بكلام الناهين عن ذلك، فمثلاً تجد في كتابه الفتاوى الهندية، يقول ما نصّه:يكفّر بإثبات المكان لله تعالى(5)، وفي كتاب المنهاج القويم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي على المقدّمة الحض_رمية، يقول: «واعلم أنّ القَرافي وغيرَه حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، وهم حقيقون بذلك» (6).


1- الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ج5، صص21-23.
2- مجموع الفتاوى، ج4، ص374.
3- المصدر السابق، ج5، ص527. وفي طبعة العاصمة، ص400.
4- المصدر السابق.
5- الفتاوى الهندية، ابن تيمية، ج2، ص259.
6- المنهج القويم، شرح ابن حجر على المقدمة الحضرمية، ص244.

ص 45

أصغي إلى قول صادق العترة الطاهرة7 ماذا يقول لك:

من زعم أنّ إلهنا في شيء، أو على شيء، أو من شيء فقد أشرك؛ إذ لو كان في شيء لكان محصورًا، ولو كان على شيء لكان محمولاً، ولو كان من شيء لكان محدثاً(1) أي مخلوقاً.

وعلى هذا نقل الإجماعَ إمامُ الحرمين أبو المعالي عبدالملك في كتابه الإرشاد حيث قال«مذهب أهل الحقّ قاطبة أنّ الله سبحانه وتعالى يتعالى عن الحيّز والتخصص بالجهات»(2).

وكذلك نقله الإمام الكبير عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في الفَرق بين الفِرق: «وأجمعوا على أنّه لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان»(3).

وقال النووي:

من اعتقد قدم العالم، أو حدوث الصانع، أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع، ككونه عالماً قادراً، أو أثبت ما هو منفيٌّ عنه بالإجماع كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافرًا(4).

وقال الشيخ عبد الغني النابلسي في كتاب الفتح الرباني: «من اعتقد أنّ الله ملأ السماوات والأرض أو أنّه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر وإن زعم أنّه مسلم»(5).

المبحث الثاني علماء السنة يردّون على ابن تيمية


1- كتاب التوحيد، الصدوق، ص178.
2- الإرشاد، الإمام الجويني، ص58.
3- الفرق بين الفرق، الخطيب البغدادي، ص333.
4- روضة الطالبين، النووي، ج10، ص64.
5- الفتح الرباني، عبد الغني النابلسي، ص 124.

ص: 46

ص 47

قال ابن حجر الهيتمي:

ابن تيمية عبد خذله الله وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه، وبذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتّفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية، ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما كما سيأتي، والحاصل أن لا يقام لكلامه وزن، بل يرمى في كلّ وعر وحزن، ويعتقد فيه أنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال، عامله الله بعدله وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله... وأخبر عنه بعض السلف أنّه ذكر عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في مجلس آخر فقال: إنّ علياً أخطأ في أكثر من ثلاثمائة مكان، فيا ليت شعري من أين يحصل لك الصواب إذا أخطأ عليّ بزعمك...(1).

وممّا قاله عنه ابن حجر العسقلاني في ترجمته في الدرر الكامنة:

ثمّ نسب أصحابه إلى الغلو فيه واقتضى ل_ه ذلك العُجب بنفسه حتّى زهى على أبناء


1- الفتاوى الحديثية، ابن حجر الهيتمي، ص144.

ص 48

جنسه واستشعر أنّه مجتهد، فصار يردّ على صغير العلماء وكبيرهم قديمهم وحديثهم، حتّى انتهى إلى عُمر فخطّأه في شيء، فبلغ ذلك الشيخ إبراهيم الرقي فأنكر عليه، فذهب إليه واعتذر واستغفر، وقال في حقّ عليّ: أخطأ في سبعة عشر شيئاً... ومنهم (أي: من العلماء) من ينسبه إلى النفاق لقوله في عليّ ما تقدّم ولقوله: إنّه كان مخذولاً حيثما توجّه، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنّما قاتل للرياسة لا للديانة، ولقوله: إنّه كان يحبّ الرياسة وأنّ عثمان كان يحب المال، ولقوله: أبو بكر أسلم شيخاً يدري ما يقول وعليّ أسلم صبياً والصبي لا يصح إسلامه على قول...(1).

وقال في لسان الميزان واصفاً ردّ ابن تيميه على العلّامة الشيخ الحلي:

لكنّه ردّ في ردِّه كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانها؛ لأنّه كان لإتساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره والإنسان عامد للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّت_ه أحياناً إلى تنقيص عليّ(2).

أما محمّد بن محمّد العلاء البخاري الحنفي، فقد:

كان يُسئل عن مقالات ابن تيمية التي انفرد بها فيجيب بما ظهر له من الخطأ، وينفر عنه قلبه إلى أن استحكم ذلك عليه فصرّح بتبديعه ثمّ تكفيره، ثم ّصار يُص_رّح في مجلسه أنّ من أطلق على ابن تيمية أنّه شيخ الإسلام، فهو بهذا الإطلاق كافر...(3).

وقال عنه مفتي الديار المصرية محمّد بخيت المطيعي الحنفي:

ولمّا أن تظاهر قوم في هذا العصر بتقليد ابن تيمية في عقائده الكاسدة وتعضيد أقواله الفاسدة وبثّها بين العامّة والخاصّة، واستعانوا على ذلك بطبع كتابه المسمّى بالواسطية ونشره، وقد اشتمل هذا الكتاب على كثير ممّا ابتدعه ابن تيمية مخالفاً في ذلك الكتاب والسنّة وجماعة المسلمين، فأيقظوا فتنة كانت نائمة(4).


1- الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني، ج1، ص 144.
2- لسان الميزان، ابن حجر العسقلاني، ج6، ص 319.
3- البدر الطالع، محمّد بن علي الشوكاني، ج2، ص 137.
4- تطهير الفؤاد، محمّد بخيت المطيعي، ص 13.

ص 49

قال محمّد عبد الحي الكتاني المغربي:

فإنّى أرى هذه الضلالات وما يتبعها من الشناعات التي كان أوّل مذيع لها وموضّح لظلامها الشيخ أح_مد بن تيمي_ة رحمه الله تعالى وعف_ا عن_ه قد كادت الآن أن تشيع وفي كلّ بلاد أهل السنّة تذي_ع(1).

قال محمّد البرلسي الرشيدي المالكي:

وقد تجاسر ابن تيمية عامله الله بعدله وادّعى أنّ السفر لزيارة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم محرّم بالإجماع، وأنّ الصلاة لا تقصر فيه لعصيان المسافر به، وأنّ سائر الأحاديث الواردة في فضل الزيارة موضوعة، وأطال بذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع، وقد عاد شئوم كلامه عليه حتّى تجاوز إلى الجناب الأقدس المستحق لكلّ كمال أنفس، وحاول ما ينافي العظمة والكمال بادّعائه الجهة والتجسيم، وأظهر هذا الأمر على المنابر، وشاع وذاع ذكره في الأصاغر والأكابر، وخالف الأئمة في مسائل كثيرة، واستدرك على الخلفاء الراشدين باعتراضات سخيفة حقيرة، فسقط من عين أعيان علماء الأمّة، وصار مُثلة بين العوام فضلاً عن الأئمة، وتعقّب العلماء كلماته الفاسدة وزيفوا حججه الداحضة الكاسدة وأظهروا عوار سقطاته، وبيّنوا قبائح أوهامه وغلطاته، حتّى قال في حقّه العز بن جماعة: «إن هو إلّا عبد أضلّه الله وأغواه، وألبسه رداء الخزي وأرداه...»(2).

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني الشافعي:

اعلم أنّي أعتقد في ابن تيمية وتلميذيه ابن القيم وابن عبد الهادي أنّهم من أئمة الدين وأكابر علماء المسلمين، وقد نفعوا الأمّة المحمّديّة بعلمهم نفعاً عظيماً وإن أساءوا غاية الإساءة في بدعة منع الزيارة والاستغاثة، وأضرّوا بها الإسلام والمسلمين أضراراً عظيمة، وأُقسم بالله العظيم إني قبل الاطلاع على كلامهم في هذا الباب في شؤون النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم لم أكن أعتقد أنّ مسلماً يجترئ على ذلك، وإني منذ أشهر أتفكّر في ذكر عباراتهم فلا أتجاسر على ذكرها ولو للردّ عليها خوفاً من أن أكون سبباً في زيادة نشرها لشدّة فظاعتها...(3).


1- شواهد الحقّ، يوسف النبهاني، ص 14.
2- المصدر السابق، ص 15.
3- المصدر السابق، ص 62.

ص 50

وقال تقي الدين السبكي الشافعي :

اعلم أنّه يجوز ويحسن التوسّل والاستغاثة والتشفّع بالنبي صلى الله عليه [وآله] وسلم إلى ربّه سبحانه وتعالى، وج_واز ذلك وحُسنه من الأمور المعلومة لكلّ ذي دي_ن، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين، ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتّى جاء ابن تيمية فتكلّم في ذلك بكلام يُلب_س فيه على الضعف_اء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار... وحسبك أنّ إنكار ابن تيمية للاستغاثة والتوسّل قول لم يقله، عالم قبله وصار به بين أهل الإسلام مُثلة...(1).

وقال عنه أبو بكر بن محمّد الحصني الشافعي:

الحمد لله مستحق الحمد. زيارة قبر سيّد الأوّلين والآخرين محمّد صلى الله عليه [وآله] وسلم وكرّم ومجّد من أفضل المساعي وأنجح القرب إلى ربّ العالمين وهي سنّة من سنن المسلمين، ومجمع عليها عند الموحّدين، ولا يطعن فيها إلّا من في قلبه خبث ومرض المنافقين، وهو من أفراخ السامرة واليهود وأعداء الدين من المش_ركين، ولم تزل هذه الأمّة المحمدية على شدّ الرحال إليه على ممر الأزمان من جميع الأقطار والبلدان، سواء في ذلك الزرافات والوحدان، والعلماء والمشايخ والكهول والشبان، حتّى ظهر في (آخر)(2) الزمان، في السنين الخدّاعة مبتدع من ح_ران لبّ_س على أتباع الدجال ومن شابههم من شين الأفهام والأذهان، وزخرف لهم من القول غروراً، كما صنع إمامه الشيطان، فصدّهم بتمويهه عن سبل أهل الإيمان، وأغواهم عن الصراط السوي إلى بُنيات الطريق ومدرجة الشيطان، فهم بتزويقه في ظلمة الخطأ والإفك يعمهون، وعلى منوال بدعته يهرعون، صُمّ بُكم عُمي فهم لا يعقلون(3).

وممّا قاله محمّد زاهد الكوثري الحنفي:


1- شفاء السقام، تقي الدين السبكي، ص 171.
2- استبدلت لفظة الكاتب بلفظ قريب في المعنى ؛ لعدم لياقة ما كتبه في نظري، والله العالم.
3- الفتاوى السهمية في ابن تيمية، أجاب عنها جماعة من العلماء.

ص 51

ولو قلنا لم يبل الإسلام في الأدوار الأخيرة بمن هو أضر من ابن تيمية في تفريق كلمة المسلمين لما كنّا مبالغين في ذلك، وهو سهل متسامح مع اليهود والنصارى يقول عن كتبهم: إنّها لم تحرّف تحريفاً لفظياً، فاكتسب بذلك إطراء المستشرقين له، شديد غليظ الحملات على فرق المسلمين لا سيّما الشيعة... ولولا شدّة ابن تيمية في رده على ابن المطهر في منهاجه إلى أن بلغ به الأمر إلى أن يتعرض لعلي بن أبي طالب كرّم الله وجهه على الوجه الذي تراه في أوائل الجزء الثالث منه بطريق يأباه كثير من أقحاح الخوارج مع توهين الأحاديث الجيّدة في هذا السبيل...(1).

وممن هاجم ابن تيمية بشدّة ونصّ على نَصبه الحافظ أحمد بن محمّد الصديق الغماري في عدّة كتب منها كتابه البرهان الجلي، فقال:

بل بلغت العداوة من ابن تيمية إلى درجة المكابرة وإنكار المحسوس، فصرّح بكلّ جرأة ووقاحة ولؤم ونذالة ونفاق وجهالة أنّه لم يصح في فضل علي حديث أصلاً، وأنّ ما ورد منها في الصحيحين لا يثبت له فضلاً ولا مزية على غيره... بل أضاف ابن تيمية إلى ذلك من قبيح القول في علي وآل بيته الأطهار وما دلّ على أنّه رأس المنافقين في عصره لقول النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم في الحديث الصحيح المخرج في صحيح مسلم مخاطب_اً لعلي7: (لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق) كما ألزم ابن تيمية بذلك أهل عصره وحكموا بنفاقه... وكيف لا يلزم بالنفاق مع نطقه قبّحه الله بما لا ينطق به مؤمن في حقّ فاطمة سيّدة نساء العالمين صلى الله عليها وسلم وحقّ زوجها أخي رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وسيّد المؤمنين؟! فقد قال في السيّدة فاطمة البتول: إنّ فيها شبهاً من المنافقين الذين وصفهم الله بقوله: (فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَواْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ) قال لعنة الله عليه: فكذلك فعلت هي؛ إذ لم يعطها أبو بكر من ميراث والدها صلى الله عليه [وآله] وسلم، أمّا عليّ7 فقال فيه: إنّه أسلم صبياً وإسلام الصبي غير مقبول على قول، فراراً من إثبات أسبقيته للإسلام وجحوداً لهذه المزية، وأنه خالف كتاب الله تعالى في سبع عشرة مسألة، وأنّه كان مخ_ذولاً حيثما توجّه،


1- الإشف_اق في أحكام الطلاق، محمّد زاه_د الكوثري، ص 268.

ص 52

وأنّه كان يحبّ الرياسة ويقاتل من أجلها لا من أجل الدين، وأنّ كونه رابع الخلفاء الراشدين غير متّفق عليه بين أهل السنّة... وزعم قبّحه الله أنّ علياً7 مات ولم ينس بنت أبي جهل التي منعه النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم الزواج بها، بل فاه في حقّه بما هو أعظم من هذا، فحكى عن بعض إخوانه المنافقين أنّ علياً حفيت أظفاره من التسلّق على أزواج رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم بالليل، في أمثال هذه المثالب التي لا يجوز أن يتّهم بها مطلق المؤمنين فضلاً عن سادات الصحابة رضي الله عنهم فضلاً عن أفضل الأمّة بعد رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فقبّح الله ابن تيمية وأخزاه

وجزاه بما يستحق وقد فعل والحمد لله؛ إذ جعله إمام كلّ ضال مضل بعده، وجعل

كتبه هادية إلى الضلال، فما أقبل عليها أحد واعتنى بشأنها إلّا وصار إمام ضلالة في عصره...(1).

وطعن الغماري في ابن تيمية في بعض كتبه مثل الجواب المفيد، وحصول التفريج، وهداية الصغراء، وكذلك في رسالته الأخيرة للتليدي المغربي التي طبعوها وحذفوا منها بعض كلماته في النواصب لإخفاء الحقّ ومحاربة أهله.

أمّا شقيقه المحدّث عبدالله بن محمّد الصديق الغماري، فقال:

ويدلّ أيضاً على أنّ علياً رضي الله عنه كان ميمون النقيبة، سعيد الحظ، على نقيض ما قال ابن تيمية في منهاجه عنه أنّه كان مشؤوماً مخذولاً، وتلك كلمة فاج_رة، تنبئ عمّا في قلب قائلها من حقد على وصيّ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وأخيه كرّم الله وجهه(2).

ومحمد ناصر الألباني رغم اتباعه لابن تيمية إلّا أنّه هو الآخر تكلّم فيه، واستنكر منه أموراً، وحاول أن يبرر له، منها ما قاله عن حديث (من كنت مولاه فعلي مولاه):

فمن العجيب حقاً أن يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيمية على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنة كما فعل بالحديث المتقدّم هناك، مع تقريره رحمه الله أحسن تقرير أنّ الموالاة


1- البرهان الجلي، أحمد الغماري، ص 53.
2- سمير الصالحين، عبدالله الغماري، ص77.

ص 53

هنا ضد المعاداة وهو حكم ثابت لكل مؤمن وعليّ من كب_ارهم يتولّاهم ويتولونه، ففيه ردّ على الخ_وارج والنواصب (1).

وقال أيضاً عن نفس الحديث:

فقد كان الدافع لتحرير الكلام على الحديث وبيان صحته أنّني رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية قد ضعّف الشطر الأوّل من الحديث، وأمّا الشطر الآخر فزعم أنّه كذب ! وهذا من مبالغاته الناتجة في تقديري من تسرعه في تضعيف الأحاديث قبل أن يجمع طرقها ويدقق النظر فيها، و الله المستعان(2).

وقال أحمد زروق المالكي: «ابن تيمية رجل مسلم له باب الحفظ والإتقان، مطعون عليه في عقائد الإيمان، مثلوب بنقص العقل فضلاً عن العرفان...»(3).

وقال حسن بن فرحان المالكي:

حوكم ابن تيمية في عصره على بغض عليّ، واتّهمه مخالفوه من علماء عص_ره بالنفاق وأخطأوا في ذلك، واتّهموه بالنصب وأصاب_وا في كثير من ذلك؛ لقوله: إنّ ع_لياً قاتل للرياسة لا للديانة، وزعمه أنّ إسلام عليّ مشكَّك فيه لصغر سنّه، وأنّ تواتر إسلام معاوية ويزيد بن معاوية أعظم من تواتر إسلام عليّ !! وأنه كان مخذولاً !! وغير ذلك من الشناعات التي بقي منها ما بقي في كتابه منهاج السنّة، وإن لم تكن هذه الأقوال نصباً فليس في الدنيا نصب(4).

وقال المالكي في كتاب آخر:

ابن تيمية مع فضله وعلمه إلّا أنّه يجب أن نعرف أنّه شامي وأهل الش_ام فيهم انحراف في الجملة عن عليّ بن أبي طالب وميل لمعاوية! وبقي هذا في كثير منهم إلى الأزمان المتأخرة اليوم... إنّنا لا نجهل قدر الرجل وعلمه ودفاعه عن الإسلام بلسانه وبنانه، لكن في الوقت نفسه


1- سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، ج5، ص 263.
2- المصدر السابق، ج4، ص 344.
3- شواهد الحقّ، النبهاني، ص 453.
4- قراءة في كتب العقائد، حسن المالكي، ص176.

ص 54

نعرف تماماً أنّه منحرف عن عليّ وأهل بيته، متوسّعاً في جلب شُبَه النواصب مع ضعفه في الردّ عليها، فتراه يستروح مع شبَه الشاميين ويحاول الاستدلال لها بكلّ ما يمكن من مظنونات الصحيح وصريحات الموضوع مع ب_تر حجج الإمام عليّ وأصحابه، والتحامل الشديد على فضائل عليّ مع التوسّع في قبول الضعيف من الأحاديث والآثار في فضل الخلفاء الثلاثة، بل في فضل معاوية ! فيستخدم أكثر من منهج في الحك_م على الحديث، وهذه الازدواجي_ة دليل الهوى والانحراف(1).

ومن كلام محمود سعيد بن ممدوح الشافعي يصف فيه موقف بعضهم من العترة النبوية المطهرة فيقول:

وآخرون يتولّون العترة المطهّرة، ولكن بحدّ وإلى مقام لا يتجاوزونه البتة، فتراهم يأتون إلى كلّ فضيلة لعليّ ثابتة بالأحاديث الصحيحة فيتأوّلونها دفعاً بالصدر لتوافق بعض المذاهب، فإذا جاء في الأحاديث الصحيحة أنّ علياً مولى المؤمنين، وأنّه لا يغادر الحقّ وأنّه أعلم وأشجع الصحابة، وأسبقهم إسلاماً، وهو الكرار الذي لم يهزم، إلى غير ذلك اشتغلوا بتأويل الأحاديث الصحيحة بما يوافق المذهب، وازداد بعضهم جحوداً بالالتجاء إلى منهاج بدعة ابن تيم_ية فيعوّلون عليه في نفي خصائص عليّ، وتدعيم أسس النّص_ب(2).

وممّن نصّ على نصب ابن تيمية أيضاً، حسن بن علي السق_اف فقال:

قال ابن تيمية (لا حيّاه الله) في مناهج سنّته (4/86):

وأمّا قوله: «من كنت مولاه فعليّ مولاه » فليس هو في الصحاح

لكن هو مما رواه العلماء، وتنازع الناس في صحته....

ثمّ قال هناك نقلاً عن ابن حزم بزعمه !!

قال: قال: وأمّا «من كنت مولاه فعليّ مولاه» فلا يصح من طريق الثقات أصلاً.

قلت (أي: السقاف): حديث «من كنت مولاه فعليّ مولاه» حديث صحيح متواتر عند


1- منهاج السنة، ابن تيمية، ج7، ص461 ؛ الصحبة و الصحابة، حسن المالكي، ص 242.
2- غاية التبجيل، محمود سعيد بن ممدوح، ص 119.

ص 55

أهل السنّة والجماعة وقد نصّ على ذلك حتّى النواصب...(1).

وقال مُعلّقاً على طعن ابن تيمية في الصدّيقة الطاهرة فاطمة الزهراء3:

«بعض ذلك ذكره في منهاج سنّته (ج2/ ص169)، وذكره بطريقة ملتوية عرجاء، وتظاهر في بعض تلك الجمل بمدحها، وأنّها3 سيّدة نساء العالمين، وليس وراء قوله (عامله الله بما يستحق) إلا الطعن والذم، وليس له مخرج عندنا من هذه الورطة، ولا نقبل الدفاع عنه، وتأويل بعض كلماته هناك بأيّ وجه، فهو ناصبي خبيث، ومجسّم بغيض، شاء المخالفون أم أب_وا»(2).

ونستمر في سرد الأقوال في ابن تيمية شيخ إسلامهم !! ونصل إلى جلال علي عامر صاحب الردّ على راشد الغنوشي التونسي الذي أثنى على ابن تيمية، فكتب ج_لال علي عامر كتاباً في الردّ عليه وخاطبه فيه قائلاً :

هل اطّلعت على كتب ابن تيمية المطوّلة في العقائد، مثل موافقة صريح المعقول لصحيح المنقول، والتأسيس في الردّ على أساس التقديس، ومنهاج السنّة النبوية في الردّ على الشيعة والقدرية، ومجموع رسائله في العقائد؟

إن لم تكن قد تمحّصت فيها فلا يحقّ لك بأيّ حال من الأحوال أن تعطي لابن تيمية هذه المرتبة التي أعطيتها له؛ وذلك لسبب واضح وجلي هو احتواء هذه الكتب على العديد من العقائد الباطلة المخالفة لما عليه السلف الصالح ولما عليه علماء المسلمين في القرون الثلاثة الأخيرة، فضلا ًعن مخالفتها للقرآن الكريم والسنّة الشريف_ة بكلّ وضوح(3).

وممّن تكلّم في ابن تيمية أيضاً الدكتور عيسى بن مانع الحميري فقال:

وهذا ترك من ابن تيمية لمذهب السلف بالكلية، وادّعاء عليهم بمذهب غير مذهبهم، ودخول في مضايق وعرة وشنائع أمور استبشعها العلماء واستبعدوها، وقد رأينا لهذا المخالف ومن شايعه ألفاظاً شنيعة لم ترد في الكتاب والسنّة، ولم ينطق بها أحد من السلف،


1- مجموع رسائل السقاف، حسن السقاف، ج2، ص 736.
2- المصدر السابق، ص 737.
3- الردّ على الشيخ راشد الغنوشي، جلال علي عامر، الفصل الأول.

ص 56

فأثبتوا الجسمية صراحة، وأثبتوا الجهة والحد والتحيّز والحركة والصوت والانتقال والكيف وغير ذلك من التجسيم الصريح(1).

وقال أيضاً :

ولم ينته ابن تيمية عند هذا الحد، بل نسب لله تعالى الجهة بلازم كلامه ومنطوق أقواله، وهو القائل لا نصف الله تعالى إلّا بما وصف به نفسه كما هو مشهور عنه، فنقول له: بالله عليك هل وجدت آية أو حديثاً ولو ضعيفاً أو أثراً عن السلف الصالح أنّهم يصفون الله تعالى بالجهة؟! ما هذا إلّا ابتداع ابتدعته، وضلال ابتكرته، نسأل الله تعالى السلامة(2).

وقال:

فالحاصل من هذا أنّه يتبيّن لك أنّ ابن تيمية عشوائي في فهمه، ولا يمشي على قاعدة مستقيمة، بل يتّبع ما يبدو له إذا استط_اع بذلك أن ينصر مذهبه(3).

أمّا الدكتور محمود السيّد صبيح فله كتاب ضخم أسماه (أخطاء ابن تيمية في حقّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأهل بيته) ومما قاله فيه:

وقد تتبعت كثيراً من أقوال مبتدعة هذا العصر فوجدت أكثر استدلالهم بابن تيمية، فتتبعت بحول الله وقوّته كلام ابن تيمية فيما يقرب من أربعين ألف صفحة أو يزيد، فوجدته قد أخطأ أخطاء شنيعة في حقّ رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم


1- تصحيح المفاهيم العقدية، الدكتور عيسى الحميري، ص 131.
2- المصدر السابق، ص 175.
3- المصدر السابق، ص 135.

ص 57

وأهل بيته وصحابته، وأنت خبير أنّ جناب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم وأهل بيته أهم عندنا أجمعين من جناب ابن تيمية...(1).

وقال :

ودرج المسلمون على تعظيم قرابة ونسب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم حتّى خرج ابن تيمية في القرن الثامن الهجري وكأنّ بينه وبين النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم وأهل بيته ثأراً، فما وجد من خصيصة من خصائصهم إلا نفاها أو قللها أو صرف معناها، فضلاً عن سوء أدبه في التعبير والكلام عليهم، وما وجد من أمر قد يختلط على العامّة إلّا وتكلّم وزاده تخليطاً، وفي سبيل ذلك نفى ابن تيمية كثيراً جدّاً من خصائص النب_ي صلى الله عليه [وآله] وسلم وفضل_ه وفضائل أهل بيته(2).

وقال أيضاً في معرض ردّه على كلام لابن تيمية في الإمام علي بن الحسين زين العابدين:

هذا الإمام العظيم الذي ما من أحد من ذرية الإمام الحسين إلّا وقد خرج أو يخرج من صلبه إلى آخر شريف حسيني، يتجرّأ عليه ابن تيمية، وكأنّ ابن تيمية أحد جنود يزيد بن معاوية الذين استهتروا بفضيلة أهل البيت وانتقصوهم، وقتلوا الإمام الحسين سيّد شباب أهل الجنّة أمام عينيه، وكم من مبغض لأهل البيت يريد قتل الحسين وأهل بيته حيّاً وبعد شهادته، لا يطيق سماع حتّى أسمائهم فما بالكم بفضيلتهم(3).

كما لا ننسى أنّ الأزهر في مصر كان يمنع كتب ابن تيمية وتابعه ابن القيم، ويقاوم أفكارهما حتّى سمح داعية التطوير المراغي شيخ الأزهر المتوفى عام 1945م بكتب هؤلاء أن تدخل الأزهر وتعطى للطلبة، وهذا ما ذكره يوسف القرضاوي في مذكّراته(4).

المبحث الثالث مخالفة علماء الوهابية لفتاوى الجميع

أولاًً: ابن باز يحدد طول الله تعالى ب_ (ستين ذراعاً)

1- أخط_اء ابن تيمية، الدكتور محمود السيّد صبيح، ص 6.
2- أخطاء ابن تيمية، ص 69.
3- المصدر السابق، ص 123.
4- ابن القرية والكتاب، يوسف القرضاوي، ج1، ص 409.

ص: 58

ص 59

لقد أفتى بعض علماء وكبار الوهابية بفتاوى مخالفة لمّا أصبح في العص_ر الحاضر من الأوّليات بغير علم، ومع ذلك يلزمون الأمّة بوجوب العمل بها والاتّباع لها، كان من جملتها:

أولاًً: ابن باز يحدد طول الله تعالى ب_ (ستين ذراعاً)

قال ابن باز في جواب لسؤال وجّه له عن صحة حديث أبي هريرة الذي جاء فيه أنّه روي:

عن النبي أنّه قال: خلق الله آدم على صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

الجواب: نص الحديث: خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا، ثمّ قال: اذهب فسلّم على أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس فاستمع فما يحيّونك فإنّها تحيّتك وتحيّة ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله، فزادوه ورحمة الله، فكلّ من يدخل الجنّة على صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلى الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح، ولا غرابة في متنه، فإنّ له معنيان (كذا والصحيح: معنيين): الأوّل: أنّ الله لم يخلق آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته، ثمّ نما وطال حتّى بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً على صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعا. والثاني: أنّ الضمير في قوله: (على صورته) يعود على الله بدليل

ص 60

ما جاء في رواية أخرى صحيحة (على صورة الرحمن) وهو ظاهر السياق، ولا يلزم على ذلك التشبيه فإنّ الله سمّى نفسه بأسماء سمّى بها خلقه ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه، وكذا الصورة، ولا يلزم من إثباتها لله تشبيهه بخلقه(1).

ثانياً: فتوى الشيخ عبدالله بن محمّد في لعبة الكرة

لقد جاء في هذه الفتوى أنّ الشيخ عبدالله بن محمّد بن حميد طلب من فيصل إزالة المنكر ومنع إقراره، وأنّ كرة القدم لعب (لم يكن في عهد الخلفاء، ولا ملوك المسلمين ولا في هذه الدعوة المباركة إلى وفاة الشيخ عبد الله).

وأنّ اللعبة مؤامرة (سرت من تلاميذ الغرب، حيث تلقّتها بعض الدول المنحلّة) غرضها ترك الصلاة. وطالبوا ولاة الأمر بمنعها وأن (يقيموا مكانها التعليم على آلات الحرب)(2).

المفتي الأسبق الشيخ محمّد بن إبراهيم رأى أنّ (اللعب بالكرة الآن يصاحبه الأمور المنكرة، ما يقضي بالنهي عن لعبها)؛ لما تنشأه من تحزّبات، ولما بها (من الأخطار على أبدان اللاعبين)(3).

أمّا الشيخ حمود التويجري فألّف كتاباً في مثل هذه القضايا، ورأيه أنّ اللعب بالكرة يقوم به (السفهاء في هذه الأزمان)، وهو (من التشبه بأعداء الله) واللعب هذا (من جملة المنكر الذي ينبغي تغييره)؛ (لما فيه من التشبّه بالإفرنج)، و (الصدّ عن ذكر الله)، وال_ضرر على اللاعبين، (وأنّ اللعب من الأشر والمرح ومقابلة نعم الله تعالى بضدّ الشكر)، ول_ (ما في اللعب بها من اعتياد وقاحة الوجوه وبذاءة الألسن)، و(كشف الأفخاذ، ونظر بعضهم إلى فخذ بعض)، وبالتالي فهي (من اللهو الباطل قطعاً)، وتعلّمها أو تعليمها في المدارس جهل بلا شك(4).

ثالثاً: فتوى الشيخ المفتي الأسبق محمّد بن إبراهيم بتحريم التصوير

1- فتاوى ابن باز، ج4، ص368، رقم 2331.
2- الدرر السنية في الردّ على الوهابية، السيّد أحمد بن زيني دحلان، ج15، ص200.
3- المصدر السابق، ج15، ص205.
4- المصدر السابق، صص206، 207، 210، 211 و 215.

ص 61

وهو حرام قطعاً بنظر المشايخ الوهابيين، بل هو (أصل شرك العالم) كلّه! على حدّ تعبير أحدهم، وأنّه استعمل (مشابهة لأهل الخارج، ولتولية الخونة المرتشية..) ومن الباطل أن يلزم به كلّ موظّف ومتعلّم حتّى إنّ صغار المتعلّمين يصوّرن ويعلّمون التصوير!(1).

ويرى المفتي الأسبق محمّد بن إبراهيم أن «تصوير ما له روح لا يجوز، سواء في ذلك ما كان له ظلّ وما لا ظلّ له، وسواء كان في الثياب والحيطان والفرش والأوراق وغيرها»، وينطبق الأمر على الصور الشمسية. والمجيزون للتصوير «جمعوا بين مخالفة أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفث سموم الفتنة بين العباد»(2).

والشيخ صالح البليهي أورد ما اعتبره أدلّة عظيمة، ورأى أنّ المسموح به فقط صورة الشجر ورحال الإبل، ونحوها، أمّا صورة الحيوان فضلاً عن الإنسان فحرام في الأصل(3).

وطالب البليهي المواطن:

أن يحارب الصور في قوله وفعله واعتقاده، ويجب إتلاف ما قدر عليه منها؛ لأنّها معصية ومنكر، وإنكار المنكر واجب، وعليه أن لا يدع شيئاً منها يدخل مسكنه، وإن عمّت البلوى بش_يء منها، فيجتهد في إزالتها أو طمسها (.. بل وطالب المسؤولين بأن) يسعوا جهدهم مبادرين بمنعها _ أي: الصور _ عن دخول المملكة، وعن بيعها في الأسواق جهاراً؛ لأنّ ضررها على الدين والمجتمعات الإسلامية عظيم جدّاً.

إلى أن قال:

ولا شك أنّها من الجيوش الغربية التي غزتنا في عقر ديارنا ونحن لم نحرّك ساكناً من سياسة المبشّرين للنصرانية (4).

والشيخ عبدالله بن حميد يرى:


1- الدرر السنية في الردّ على الوهابية، ج15، ص295.
2- المصدر السابق، صص298 و 303.
3- المصدر السابق، ص310.
4- المصدر السابق، صص314 و 315.

ص 62

الصور حرام بكلّ حال، سواء كانت الصورة في ثوب أو بساط أو درهم أو دينار أو فلس أو إناء أو حائط أو غيرها، وسواء ما له ظلّ أو ما لا ظلّ له (1).

ويرى الشيخ عبدالرحمن بن عبدالله بن فريان، أنّ التصوير داء عظيم ظهر وانت_شر وحدث بسببه الشرك الأكبر في البشرية، واعتبره (الداء القتّال) الذي لا يقتل الجسد، بل (يقتل الدين)(2).

وقال الشيخ متألّماً:

وأعظم من هذا وأطم إدخاله _ أي: التصوير _ في التعليم، والنداء على المصورات بالبيع في المكاتب والدور والأسواق، بل بعض الناس يحمل معه آلة التصوير بجيبه ويصوّر كلّما أراد. فقد سهلت يا عباد الله طرق الفساد، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون(3).

أمّا الشيخ حمود التويجري، فألّف «إعلان النكير على المفتونين بالتصوير» اعتبر فيه التصوير منازعة لله «فويل للمصوّرين من عذاب السعير، فكلّ مصوّر في النار.. ومن أمر بالتصوير أو رضي به فهو شريك لفاعل هذا الذنب الكبير»!

ووصفه بأنّه (منكر ذميم) موروث من قوم نوح! ومن النصارى! ومن مشركي العرب، وهو (محادّة لله تعالى ولرسوله)، وأضاف (ما يفعله هؤلاء العصاة من تصوير الكبراء، ونصب صورهم في المجالس وغيرها لا يشك عاقل شمّ أدنى رائحة من العلم النافع أنّه مثل ما فعله قوم نوح...)

والتصوير بنظره (شرك أكبر)، وأنّ من واجب ولاة الأمر (أن يمنعوا رعاياهم من صناعة التصاوير، واتّخاذها، وأن يطمسوا ما يوجد منها).. وتابع بأنّ الصور (داخلة في مسمّى الأصنام)(4).

رابعاً: الفتوى بتحريم لبس ما اعتاد عليه الإفرنج والأعاجم

1- راجع: الدرر السنية في الردّ على الوهابية، ج15، ص317.
2- راجع: المصدر السابق، صص 319 و320.
3- راجع: المصدر السابق، ص323.
4- المصدر السابق، صص326 _ 333.

ص 63

وكتب مجموعة من كبار مشايخ الوهابية إلى الملك يشكون أموراً كثيرة فظيعة بنظرهم! وقالوا له: (وأعظم ما ننصحك به عمّا رأيناه وسمعناه من المنكرات الفظيعة الشنيعة التي تنقص الإسلام والدين: اللباس الذي هو شعار الإفرنج والترك والأعاجم، ولم يعهد عن الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام تخصيص جندهم بلباس خاص، غير اللباس المعتاد للرعية)!

ورأوا أنّ (كلّ زي اختص به الكفّار يحرم على المسلمين استعماله وموافقتهم فيه) (لأنّ اتّخاذه واستعماله ينقص دين المسلم وهو محرّم، والمشابهة توجب التأثير في المشابه به...).

ومن الأمور التي اشتكوا منها (تعليمات الجند، التي هي من زيّ المش_ركين والأعاجم، وكذلك المزيكة والبرزان التي طقت هذا الأيام في العود كلّ عص_رية... وهي كلّها من شعائر الإفرنج والترك والأعاجم الذين هم أعداء هذه الملّة الإسلامية).

وتابعوا: (نحن نبرأ إلى الله أن نوافق على هذه الأفعال، وعدم السكوت عن الإنكار، والبراءة منها ظاهراً وباطناً، ونبرأ إلى الله من فعلها وإقرارها؛ لأنّ إقرارها من إقرار شعار الكفر والشرك) (1).

خامساً: فتوى الشيخ اللحيدان بحرمة التعليم في المدارس

فالشيخ صالح اللحيدان، رئيس المجلس الأعلى للقضاء يربط بين ضعف الالتزام وانتشار المدارس!

فيقول: «ففي بلادنا تضعف روح الإسلام، ويخف سلطانه على النفوس عند المتعلّمين، ويتّسع هذا الضعف يخف ذلك السلطان بقدر ما يتّسع التعليم وتنتشر المدارس»(2).

والشيخ عبدالله بن حميد كتب إلى وزير المعارف رأيه بأنّ سبب الجهل بالدين يعود إلى


1- الدرر السنية في الردّ على الوهابية، ج15، صص 364 _ 366.
2- المصدر السابق، ج16، صص50 و 51.

ص 64

«هذه الفنون المعوقة كالرسوم والأشغال والرياضة البدنية والألعاب الأخرى»(1).

وقال الشيخ عبدالله سليمان بن حميد:

كثيراً ما نسمع كلمات حول تعليم البنات، وفتح مدارس لهن، وكنّا بين مصدّق ومكذب حتّى تحقق ذلك رسمياً، فاستغربنا هذا، وأسفنا له غاية الأسف... وإنّي أنصح لكلّ مسلم: أن لا يدخل ابنته أو أخته في هذه المدارس التي ظاهرها الرحمة، وباطنها البلاء والفتنة، ونهايتها السفور والفجور وسقوط الأخلاق والفضيلة.

وأضاف قائلاً:

فجأنا خبر فادح ،ومصيبة عظيمة، وطامة كبرى، ألا وهي: فتح مدارس لتعليم البنات... أيّها المسلمون: يا أهل الغيرة والأنفة، اسمعوا لهذا التصريح الشنيع الذي يقصد منه.. مجاراة الأمم المنحلّة في تعليم بناتكم الحساب والهندسة والجغرافيا، ما للنساء وهذه العلوم، تضاف إلى ما يزيد عن أحد عشر درساً غالباً لا فائدة فيها، إنّها لمصيبة وخطر على مجتمعنا. إن تعليم المرأة... خطر عظيم على المجتمع، ومصيبة لا تجبر، وعاقبته سيئة؛ إنّ تعليم المرأة سبب لتمردها، وهن ناقصات عقل ودين(2).

ورأى الشيخ نفسه (الذين يتعلّمون في مدارس الإفرنج) مثل تاركي الصلاة ليس لهم عدالة، ولا يقبل لهم قول، ويجب على المسلمين هجرهم! لماذا؟ لأنّ (التلميذ على عقيدة أستاذه ودينه وأخلاقه)، وصبّ جام غضبه على (هذه العلوم العصرية، وهي مبادئ الإلحاد ومقدّماته)(3).

وهناك الكثير من الفتاوى الوهابية، التي تستوقف القارئ لمّا يطالعها، ويتأمّل كيف سمح هؤلاء لأنفسهم أن يفتوا بغير علم ولا دليل شرعي؟! ما هي أدلتهم إلا استحسانات وقياسات واهية، خصوصاً وأنّه لم يجدوا لها أذناً صاغية في الأوساط الإسلامية، حتّى البلد


1- الدرر السنية في الردّ على الوهابية، ج16، ص15.
2- المصدر السابق، صص 71، 74، 78، 80، 83.
3- المصدر السابق، ج15، ص489.

ص 65

الذي ينطلق منه هذه الفتاوى، فإنّها لم تكن في يوم من الأيام تقاطع العالم في لعبة كرة القدم، أو تعليم أبنائها سائر الفنون واللغات، وارتداء الملابس، وتقديم هدايا الزهور للمرضى؛ إذ هناك فتاوى تحرم شراء الزهور وتقديمها كهدية للمريض في المستشفى، كما أنّ هناك فتاوى تحرّم لبس البنطلون على شباب، وتعدّها بدعة وتشبيه لأهل الكفر، مضافاً إلى وجود فتاوى تحرّم تعلّم اللغات غير العربية، أو العمل والتعاقد مع ال_شركات الأجنبية، فضلاً عن استخدام وسائل المعرفة والتكنولوجية الحديث في مختلف المجالات الحياتية، وغيرها مما لم ينزل الله فيها من سلطان، فهل هذا إلّا التحجّر والجمود والرجوع بنا إلى العصور الحجرية، متى كان الإسلام محارباً للعلم والتعلّم، وللفكر والتفكّر، وللتقدّم والتطوّر؟!!

المبحث الرابع علماء أهل السنة يكفرون الوهابية

اشارة

ص: 66

ص 67

هذا ما سنذكره من خلال البحث؛ إذ سننقل لك قطرة من بحر تمثّله مجموعة الأسفار التي قد خطّتها أنامل علماء الدين ومفكّريه من ذوي الفكر والعقيدة؛ بهدف الحيلولة دون انتشار هذه العقيدة الفاسدة في الأوساط والمجتمعات الإسلامية، فكان من بين تلك الأقلام التي تصدّت بشدّة وحزم ووقفت حائلاً بوجه هذه الفرقة المبدعة والجماعة الدينية المسيّسة من قبل أعداء الدين؛ لضرب الدين من داخل أهله، حتّى باتت هذه الكلمات التي سطرتها أقلامهم في متون هذه الأسفار شاهداً حياً يواكب المسيرة الإنسانية الدينية على مدى التاريخ، لكي لا يترك للشك والريب فيه مجال؛ خصوصاً وأنّ أوّل من تصدى وكتب عنها هو من نقلنا عنه سابقاً الشيخ سليمان بن عبدالوهاب، الذي كان على مقربة ومعرفة كاملة وتامّة بصاحب هذه الدعوة ومؤسسها؛ انطلاقاً من الإحساس بالمسؤولية والحمية والغيرة الدينية؛ وتعبيراً عن تخوفه من نتائج ومعطيات هذه الحركة الوخيمة على مستقبل الأمّة ودينها.

وهو بذلك يمثّل أروع الصور في الدفاع عن عقيدته التي طالما دعا إليها وبلّغ لها، وهو يرى من يحاول زعزعة عقائد الناس فيها؛ فما كان عليه إلّا أن يكشف عن أهداف هذه الدعوة المبطنة المزيّفة، وهو علم من أعلام المذهب الحنبلي المعروف في الأوساط الإسلامية، فوقف وقفة رجل مؤمن ومدافع عن عقيدته بوجه أخيه وحركته المبتدعة في الأمّة الإسلامي

ص 68

المبطنة بلباس النفاق، فبدأ بحركته ناصحاً لأخيه، ومحذّراً إيّاه من النتائج الوخيمة لعمله، ومنذراً للآخرين من مغبّة الاغترار بتعالي صيحات دعوى التمسّك بالسلف الصالح، ودعوى الناس إلى التوحيد ونبذ الشرك والوثنية؛ لأنّها في واقعها محاربة وناقضة لكلّ ما كان عليه السلف من أهل السنّة والجماعة.

وها نحن إذ ننقل مرّة أخرى قطرة من بحر كلماته وكلمات علماء أهل السنّة المدافعين عن عقيدة أهل السنّة، والواقفين بوجه هذه الحركة التي اتسمت فيما بعد باسم مؤسّسها محمّد بن عبدالوهاب، حيث عرفت باسم الوهابية، متستّرة بستار أهل السنّة والجماعة، والسلف الصالح؛ وكان في واقع هذه الحركة هو إحياء ما كان عليه ابن تيمية الحراني من عقيدة فاسدة ظاهرة المعالم لدى أبناء الأمّة الإسلامية عدا الوهابية التي عميت قلوبهم قبل عيونهم؛ فبدأوا لا يرون إلّا ما يراه الخفاش في رابعة النهار.

مناظرة سليمان لأخيه مؤسس الحركة

لقد جرى بين محمّد بن عبد الوهاب وأخيه عالم أهل السنّة سليمان الحنبلي، حوار

لطيف، يكشف عن عمق مخالفة مؤسس هذه الحركة لما عليه أهل السنّة والجماعة، حيث جاء فيها:

قال سليمان لأخيه: كم أركان الإسلام يا محمّد بن عبدالوهاب؟

فقال: خمسة.

فقال سليمان: أنت جعلتها ستة، والسادس من لم يتبعك فليس بمسلم، وهذا عندك ركن سادس.

أقول: هذا يكشف عن عظمة البدعة التي جاء بها محمّد بن عبدالوهاب، وهي أشبه بدعوى النبوّة من جديد؛ إذ ما جاء به لم يؤمن به عامة المسلمين، بل تراه مخالفاً لدين الله وشريعته، في الوقت الذي يرى مؤسّسها أنّه على الحقّ وأنّ جميع من خالفه على الباطل والكفر والشرك.

ص 69

نعم، على الكفر بما جاءت به هذه الجماعة لا الكفر بالدين الإسلامي ومقدّساته.

نعم، هم لا يؤمنون بأباطيل محمّد بن عبدالوهاب وبدعه التي يدعو لنش_رها ووجوب الاعتقاد بها لا غير، وما توجبه من إثارة الفتنة والفرقة بين الأمّة الإسلامية!!

ولمّا يجد بدّاً قام سليمان بن عبد الوهاب عالم السنّة ومتّبع المذهب الحنبلي، بتأليف كتب في الردّ على الوهابية؛ وذلك لمّا رأى النصح لا يجدي مع أخيه، كان من جملتها رسالته المعروفة بعنوان (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية)، وأخرى سمّاها (فصل الخطاب في الردّ على محمّد بن عبدالوهاب).

وقد ذكر في جملة ما كتبه في رسالته (الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية)، ما بيّن فيها الجهل الذي عليه محمّد بن عبدالوهاب:

لو ذهبنا نحكي عن الإجماع لطال، وفي هذا كفاية للمسترشد، وإنّما ذكرت هذه المقدّمة لتكون قاعدة يرجع إليها فيما نذكره، فإنّ اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنّة ويستنبط من علومها ولا يبالي من خالفه، وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل، بل يوجب على الناس الأخذ بقوله وبمفهومه، ومن خالفه فهو عنده كافر، هذا وهو لم يكن فيه خصلة واحدة من خصال أهل الاجتهاد ولا والله عشر واحدة، ومع هذا فراج كلامه على الكثيرين من الجهّال( ).

وقال فيها أيضاً:

وأمّا هذه الأمور التي تكفّرون بها المسلمين فلم يسبقكم إلى التكفير بها أحد من أهل العلم، ولا عدّوها في المكفّرات، بل ذكرها من ذكرها منهم في أنواع الشرك، وبعضهم ذكرها في المحرّمات، ولم يقل أحد منهم: إنّ من فعله فهو كافر مرتد...( ).

ونحن بدورنا ننصح أخواننا من أبناء أهل السنّة بمطالعة هذين الرسالتين بتدبّر وتأمّل، فالرائد لا يكذب أهله، وإنّي لأرى النصيحة مجدية في أهلها.

محمد بن عبد الوهاب يناقض نفسه بنفسه

ص 70

قال له رجل من علماء أهل السنّة: ما تقول إذا أخبرك رجل صادق ذو دين وأمانة، وأنت تعرف صدقه بأنّ قوماً كثيرين قصدوك، وهم وراء الجبل الفلاني، فأرسلت ألف خيال ينظرون القوم الذين وراء الجبل، فلم يجدوا أثراً ولا أحداً منهم، بل ما جاء تلك الأرض أحد منهم، أتصدّق الألف أم الواحد الصادق عندك؟

فقال: أصدّق الألف.

فقال له: إنّ جميع المسلمين من العلماء الأحياء والأموات في كتبهم يكذّبون ما أتيت به ويزيّفون، فنصدّقهم ونكذّبك.

فسكت ولم يحر جواباً !!

وبذلك قام ببطلان دعوته بنفسه، حيث حكم بوجوب تكذيب نفسه، وإن كان في غيرها صادقاً وأميناً قبل ذلك إلّا في هذه الدعوة الأخيرة؛ لشهادة الجميع والواقع الخارجي بأنّه كاذب، فتأمّل جيّداً بهذه النتيجة.

موقف علماء أهل السنة من أباطيل الوهابية

لقد كان في طليعة الذين قاموا بالردّ على الوهابية، ووقفوا بوجه هذه التكفيرات والدعوات الباطلة التي يدعو إليها محمّد بن عبدالوهاب، جماعة كثيرة من علماء وكبار أهل السنّة؛ وذلك عندما أدركوا خطر هذه الفرقة والجماعة، التي تهدف إلى تمزيق وحدة الأمّة الإسلامية بإثارة الفتنة بين أبنائها. وممن ألّف في الردّ على ابن عبدالوهاب الشيخ محمّد بن سليمان الكردي مؤلّف كتاب (حواشي شرح ابن حجر على متن بأفضل)، وهو من مشايخ محمّد بن عبد الوهاب، حيث قام بواجبه الديني تّجاه أحد تلامذته، بإبداء النصح له والوعظ، حيث قال:

يا بن عبدالوهاب سلام على من اتّبع الهدى، فإنّي أنصحك لله أن تكفّ لسانك عن المسلمين، فإن سمعت من شخص أنّه يعتقد تأثير ذلك المستغاث به من دون الله تعالى

ص 71

فعرّفه الصواب، وأبن له الأدلة على أنّه لا تأثير لغير الله، فإن أبى فكفّره حينئذ بخصوصه، ولا سبيل لك إلى تكفير السواد الأعظم من المسلمين، وأنت شاذّ عن السواد الأعظم(1).

وهذا يعني أنّ محمد بن عبدالوهاب قد تطاول بكلامه، وتجاوز حدّه، في اتّهام المسلمين وتكفيرهم.

وقال زين دحلان(2)، وهو من أئمة المذهب الشافعي من أهل السنّة:

وممّا كان منهم أنّهم يمنعون الناس من طلب الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم مع أنّ أحاديث شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمّته كثيرة متواترة، وأكثر شفاعته لأهل الكبائر من أمّته، وكانوا يمنعون من قراءة دلائل الخيرات المشتملة على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى ذكرها كثير من أوصافه الكاملة، ويقولون: إنّ ذلك شرك ويمنعون من الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم على المنابر بعد الأذان حتّى أنّ رجلاً صالحاً كان أعمى، وكان مؤذّناً وصلّى على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بعد أن كان المنع منهم، فأتوا به إلى ابن عبد الوهاب فأمر به أن يقتل فقتل، ولو تتبعت لك ما كانوا يفعلونه من أمثال ذلك لملأت الدفاتر والأوراق، وفي هذا القدر كفاية، والله سبحانه وتعالى أعلم(3).

وهو بذلك يريد أن يبيّن حقيقة، هي أنّ هذه الحركة جاءت لطمس ذكر النبيّ محمّد9 ودينه باسم الدين الإسلامي وشعاره، وأبى الله إلّا أن يتمّ نوره (يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إلّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون) [التوبة: 32]، وهم بذلك يتّبعون ما كان عليه بنو أمية من سياسة غاشمة في طمس هذا الذكر العلي الحميد لمحمّد وآل محمّد:.


1- خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، لأحمد زين الدين دحلان الشافعي، ج2، ص260.
2- هو أحمد بن زين بن أحمد دحلان المكي، الشافعي. فقيه، مؤرّخ، شارك في أنواع من العلوم، مفتي السادة الشافعية بمكة المعظّمة، وشيخ الإسلام. ولد بمكة سنة 1231ه وتوفّي بالمدينة في المحرم سنة 1304ه. وله مؤلّفات كثيرة مطبوعة متداولة، منها: الأزهار الزينية في شرح متن الألفية، وتاريخ الدول الإسلامية بالجداول المرضية، وفتح الجواد المنّان على العقيدة المسمّاة بفيض الرحمن، والدرر السنيّة في الردّ على الوهابية، ونهل العطشان على فتح الرحمن في تجويد القرآن، وخلاصة الكلام في أمراء البلد الحرام، والفتوحات الإسلامية، إلى غير ذلك. ومنها هذا الكتيب الذي ننقل منه فتنة الوهابية آملين أن يستفيد القرّاء منه، والله من وراء القصد.
3- فتنة الوهابية، زين الدين دحلان، ص20.

ص 72

فليس غريباً أن تجدهم بعد ذلك يدافعون ويترضّون على أمير الفاسقين يزيد بن معاوية (عليه لعائن الله وملائكته والمؤمنين)، وهم بأفعالهم هذه ينتهجون النهج اليزيدي في تمزيق وقتل علماء وشرفاء هذه الأمّة، و إلّا فبأيّ ذنب يقتل رجل مأمور من قبل الله ورسوله بالصلاة على نبيّه محمّد، فإن لم يكن ما في الكتب الصحاح المعتبرة لأهل السنّة كفاية على ذلك، فدونك كتاب الله تعالى الذي جاء فيه: ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، فلقد انقلبت الموازين الش_رعية عند هؤلاء، فأصبحت عندهم الأوامر نواهي، والنواهي أوامر، وصاره البدعة سنّة، والسنّة بدعة، فما أحلم الله عليهم، وأصبر علماء الدين عليهم وعلى أفكارهم!!

فلا نستغرب بعد كلّ هذا أن يأتي اليوم من ينتهج هذا النهج العدائي من أسلاف

بني أمية، فالحقد دفين، والجهل عقيم !

وفي قصيدة قالها الصنعاني وهو من علماء السنّة وكبارهم، بعدما كتبها في مدح محمّد بن عبد الوهاب قبل استبيان أمره، ثمّ بعد ذلك عرف ما عليه الرجل وما يريد بدعوته:

رجعت عن القول الذي قلت في النجيب فقد صحّ لي عنه خلاف الذي عندي

إلى أن قال مبيّناً علّة رجوعه:

وقد جاءنا من أرضه الشيخ مربد

فحقّق من أحواله كلّ ما يبدي

وقد جاء من ت_أليفه برس_ائل

يكفّر أهل الأرض فيها على عمد

ولفّق في تكفيرهم كلّ حجّة

تراها كبيت العنكبوت لدى النقد(1)

فكان من الطبيعي أن يقوم علماء أهل السنّة، عملاً بواجبهم الش_رعي وما يتطلّبه مذهبهم ودينهم، من القيام بالوعظ والإرشاد والتحذير من كلّ ما يخاف منه على الدين وأهله، وهذا ما قام به علماء السنة أداءً للواجب الديني والأخلاقي تجاه أتباعهم ومن يعتقدون بوجوب طاعتهم والسماع لهم، وقد قام بهذا الدور جماعة من أصحاب الفتوى والرأي، نذكر منهم:

أوّلاًً: مفتي الحنابلة

1- نقلاً عن: كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهاب، محسن الأمين، ص15.

ص 73

هو الشيخ محمّد بن عبدالله النجدي الحنبلي (المتوفّى 1295ه) في كتابه (السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة)، وقد جاء في تحذيره وهو يقوم بترجمة إمام وعالم من علماء الحنابلة، وهو والد محمّد صاحب الدعوة التي انت_شر شررها في الآفاق، لكن محمّداً لم يتظاهر بالدعوة إلّا بعد موت والده، وأخبرني بعض من لقيته عن بعض أهل العلم عمّن عاصر الشيخ عبدالوهاب هذا، أنّه كان غضبان على ولده محمّد؛ لكونه لم يرض أن يشتغل بالفقه كأسلافه وأهل جهته، ويتفرّس فيه أن يحدث منه أمر، فكان يقول الناس: ما ترون من محمّد من الشر، فقدّر الله أن صار ما صار(1).

ثانياً: الإمام ابن عابدين الحنفي

قال في كتابه (ردّ المحتار على الدر المختار):

مطلب في أتباع ابن عبد الوهاب الخوارج في زماننا، قوله: (ويكفّرون أصحاب نبينا9) علمت أن هذا غير شرط في مسمّى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيّدنا علي رضي الله تعالى عنه، و إلّا فيكفي فيهم اعتقادهم كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في اتباع عبدالوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلّبوا على الحرمين وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنّهم هم المسلمون وأنّ من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنّة وقتل علمائهم، حتّى كس_ر الله تعالى شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف(2).

ثالثاً: الشيخ أحمد الصاوي المالكي

جاء في تعليقته على كتاب (الجلالين):


1- راجع: كتاب السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، وهو من الكتب المعتبر حتّى عند كبار الوهابية، حيث علّقوا عليه ببعض التعليقات، ووصفوه بأفضل ما كتب في تراجم الحنابلة، مع إشكالهم عليه بما ذكره في حقّ محمّد بن عبدالوهاب، باعتباره مؤسس هذه الفكرة والجماعة، فمن الصعب جدّاً أن يتقبّلوا نقده والاعتراض عليه، وهم ينظرون إليه نظر المجدد، كما جاء في تعليقة ابن عثيمين عليه.
2- حاشية ردّ المحتار، ابن عابدين، ج4، ص449.

ص 74

وقيل هذه الآية نزلت في الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنّة، ويستحلّون بذلك دماء المسلمين وأموالهم، كما هو مشاهد الآن في نظائرهم، وهم فرقة بأرض الحجاز يقال لهم الوهابية: يحسبون أنّهم على شيء!! ألا إنّهم هم الكاذبون (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (المجادلة:19) نسأل الله الكريم أن يقطع دابرهم(1).

وبعد هذه المقدّمة ننقل فتوى شيخهم الذين يزعمون أنّه شيخ الإسلام، وصاحب منهاج أهل السنّة، في الفتوى الرابعة لتكون قاسمة لظهر مدّعي الخلاف والابتداع.

رابعاً: فتوى ابن تيمية

وهذه الفتوى في الواقع تنقض على أتباع محمّد بن عبدالوهاب في تكفيرهم للمسلمين، حيث قال فيها: «إنّ من والى موافقيه وعادى مخالفيه، وفرّق جماعة المسلمين، وكفّر وفسّق مخالفيه في مسائل الآراء والاجتهادات، واستحلّ قتالهم، فهو من أهل التفرّق والاختلاف»(2).

أقول: ويكفي في إثبات ذلك قتل الآلاف من أهل السنّة بسيوف الوهابية سواء من كان من أهل الحجاز ونجد أو غيرها من البلدان الإسلامية، وتكفيرهم للمذاهب والفرق الإسلامية ما عدا أتباعهم من الوهابية، وكما مرّ علينا نقل بعض علماء أهل السنّة عن أفعالهم الشنيعة المخالفة لأهل الدين والملّة.

خامساً: مقدّمة كتاب (ضلالات الوهابية وجهالة المتوهبين)

لقد جاء في مقدّمة كتاب الحاج عيدان تونس بن الحاج وصيف أحد علماء الشافعية بالأزهر، حيث كتب فيها:

اما وقد قام الوهابيون النجديون، وأشياعهم الجاهلون في زماننا هذا بنشر الفتنة مبحث


1- حاشية على تفسير الجلالين، أحمد بن محمّد الصاوي المالكي، ج5، ص 78، في تفسير قول الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ، فاطر الآية 6، نقلاً عن المرقاة النجدية، ص6.
2- مجموع الفتاوى، ج3، ص349.

ص 75

التلقين في دين الإسلام في كلّ مكان، وإنكار ما عليه عمل الأئمة الأعلام، فقد وجب علينا بيان أصلهم، والسبب الداعي إلى ابتداعهم، كما شرعنا بتوفيق الله في تأليف كتاب للردّ عليهم سمّي ب_ (ضلالات الوهابية وجهالة المتوهبين)(1).

سادساً: الشيخ السني الحنبلي سليمان بن سحيم

قال في محمّد بن عبدالوهاب:

ومن لم يوافقه في كلّ ما قال، ويشهد أنّ ذلك حقّ يقطع بكفره، ومن وافقه وصدّقه في كلّ ما قال، قال أنت موحّد ولو كان فاسقاً محصناً(2).

سابعاً: الشيخ عثمان بن منصور الحنبلي السلفي النجدي

قال: «قد ابتلى الله أهل نجد، بل جزيرة العرب من خرج عليه وسعى بالتكفير للأمّة خاصّها وعامّها... بتلفيقات ما أنزل الله بها من سلطان»(3).

ثامناً: الشيخ ابن عفالق الحنبلي

يقول عن الشيخ محمّد بن عبد الوهاب: «حلف يميناً فاجرة بأن اليهودية والم_شركين أحسن حالاً من هذه الأمّة»(4).

تاسعاً: الشيخ السني الحداد الحضرمي

قال:

وإذا أراد رجل أن يدخل في دينه فيقول له: اشهد على نفسك أنّك كنت كافراً، واشهد


1- نور اليقين في مبحث التلقين، للحاج عيدان تونس، المقدّمة، نقلاً عن ملحق البراهين الجلية، للسيد المرت_ضى الرضوي، ص36.
2- دعوى المناوئين، الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف، ص164.
3- المصدر السابق، ص166.
4- المصدر السابق، ص165.

ص 76

على والديك أنّهما ماتا كافرين، واشهد على العالم الفلاني والفلاني أنّهم كفار... فإن شهد بهذا قبله و إلّا قتله(1).

عاشراً: فتوى الحافظ أبو الحسن الأشعري

لقد أفتى الشيخ أبو الحسن الأشعري بتكفير من يعتقد بأنّ الله جسم في كتابه (النوادر)، قال فيها: «من اعتقد أنّ الله جسم فهو غير عارف بربّه وأنّه كافر به»(2).

أقول: الوهابية هم ممن يشددون على لزوم الاعتقاد والقول بأنّ لله تعالى جسماً كما وصف نفسه في القرآن الكريم من الأوصاف التي يسمّيها أهل الكلام بالصفات الخبرية، كالإخبار بأنّ له يداً ووجهاً، وساقاً ونحوها من الأعضاء التي يتّصف بها الإنسان، حيث قاموا بجريانها عليه بلا تأويل يتناسب وتنزيهه عن الجسمية والمكانية والجهة.

الحادي عشر: فتوى الشيخ عبد الغني النابلسي

لقد أفتى في كتابه (الفتح الرباني)، حيث قال بتكفير كلّ من يعتقد بأنّ الله تعالى في جهة أو له جسم: «من اعتقد أنّ الله ملأ السماوات والأرض أو أنّه جسم قاعد فوق العرش، فهو كافر، وإن زعم أنّه مسلم»(3).

شواهد من القول بالتجسيم

جاء في كتاب (مجموع الفتاوى) لابن تيمية، قوله: «إنّ محمداً رسول الله يجلسه ربّه على العرش معه»(4).

ثمّ ينقل هذا القول ابن القيم الجوزية عن مجاهد في كتابه (شرح القصيدة النونية).


1- دعوى المناوئين، ص164.
2- راجع: كتاب النوادر، للشيخ أبو الحسن الأشعري ، ص431.
3- الفتح الرباني، ص124.
4- مجموع الفتاوى، ج4، ص374.

ص 77

وقال فيه أيضاً: «إذا جلس تبارك وتعالى على كرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد»(1).

قال الهيثمي:

وعن عمر يعنى ابن الخطاب قال أتت امرأة النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنّة قال: فعظّم الربّ تبارك وتعالى وقال: إنّ كرسيه وسع السماوات والأرض، وإنّه له أطيط كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله. رواه أبو يعلى في الكبير، ورجاله رجال الصحيح غير عبدالله بن خليفة الهمذاني وهو ثقة(2).

وهذا بعينه يؤيّد ما ذهب إليه ابن القيم الجوزية بالقول بالتجسيم، حيث قام بتصحيح هذه الرواية الصريحة في التجسيم، وما هذا إلّا مخالفة صريحة للقرآن الكريم الذي ينزّه الباري عزّ وجلّ عن الجسمية والمادية، كما أنّه مخالف للعقل والعلم الذي يرى أنّ كلّ مادي قابل للفناء والزوال والتغيير بلا أدنى شك.

ويقول ابن عثيمين، وهو من كبار الوهابية المعاصرين: «فإنّ ظاهرة ثبوت إتيان الله هرولة، هذا الظاهر ليس ممتنعاً على الله فيثبت لله حقيقة»(3).

الثاني عشر: الحافظ السبكي

وهو من كبار علماء أهل السنّة في الردّ على مبتدعات ابن تيمية، حيث كتب في مقدمة كتابه (الدرّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية) ما هذا لفظه:

أمّا بعد، فإنّه لمّا أحدث ابن تيمية في أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد. بعد أن كان متسترا بتبعية الكتاب والسنّة، مظهراً أنّه داع إلى الحقّ، هاد إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة، وأنّ الافتقار إلى الجزء ليس بمحال، وقال


1- راجع: شرح القصيدة النونية، ابن القيم الجوزية.
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج1، ص84، وج10، ص159.
3- فتاوى العقيدة، ابن عثيمين، ص114.

ص 78

بحلول الحوادث بذات الله تعالى وأنّ القرآن محدث تكلّم الله به بعد أن لم يكن، وأنه يتكلم ويسكت، ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات وتعدى في ذلك إلى استلزام قدم العالم، والتزم بالقول بأنّه لا أوّل للمخلوقات، فقال بحوادث لا أوّل لها، فأثبت الصفة القديمة حادثة، والمخلوق الحادث قديما، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملّة من الملل، ولا نحلة من النحل، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التي افترقت عليها الأمّة، ولا وقفت به مع أمّة من الأمم همّة وكلّ ذلك وإن كان كفراً شنيعاً، لكنّه تقل جملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع(1).

أمّا أبو بكر الحصيني الدمشقي فيقول:

فاعلم أنّي نظرت في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة، وتبعه على ذلك خلق من العوام وغيرهم ممن أراد الله عزّوجل إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره، لما فيه من تكذيب ربّ العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراء بأصفيائه المنتخبين وخلفائهم الراشدين، وأتباعهم الموفّقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمة المتّقون، وما اتّفقوا عليه من تبعيده وإخراجه ببغضه من الدين(2).

قد أجمل الشيخ المولوي عبد الحليم الهندي في(حلّ المعاقد حاشية شرح العقائد) كلّ الاعتراضات حول الشيخ قائلاً:

كان تقي الدين ابن تيمية حنبليا لكنّه تجاوز عن الحدّ، وحاول إثبات ما ينافي عظمة الحقّ تعالى وجلاله، فأثبت له الجهة والجسم، وله هفوات أخر، كما يقول: أنّ أميرالمؤمنين سيّدنا عثمان2 كان يحب المال، وأنّ أميرالمؤمنين سيّدنا عليّاً 2 ما صحّ إيمانه؛ فإنّه آمن في حال صباه. تفوّه في حقّ أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وعليهم ما لا يتفوّه به المؤمن المحقّق، وقد وردت الأحاديث الصحاح في مناقبهم، وانعقد مجلس في قلعة الجبل، وحضر العلماء الأعلام والفقهاء العظام ورئيسهم قاضي القضاة زين الدين المالكي وحضر ابن


1- الدّر المضيئة في الردّ على ابن تيمية، السبكي، ص5، المقدمة.
2- دفع شبهة من شبه وتمرد، أبو بكر الحصني الدمشقي، ص216.

ص 79

تيمية، فبعد القيل والقال بهت ابن تيمية وحكم قاضي القضاة بحبسه سنة 705ه، ثمّ نودي بدمشق وغيرها من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه...(1).

شمس الدين الذهبي مؤرخ الشام ومحدّثها الكبير (ت748ه) والذي بعث لابن تيمية رسالة ينصحه فيها، ومما جاء فيها:

الحمد لله على ذلّتي يا ربّ ارحمني وأقلني عثرتي، واحفظ عليّ إيماني، وا حزناه على قلّة حزني، وا أسفاه على السنة وذهاب أهلها... إلى كم ترى القذاة في عين أخيك وتنسى الجذع في عينك؟! إلى كم تمدح نفسك وشقاشقك وعبارتك وتذمّ العلماء وتتبع عورات الناس؟! مع علمك بنهي الرسول9: (لا تذكروا موتاكم إلا بخير، فإنّهم قد أفضوا إلى ما قدموا) بل أعرف أنّك تقول لي لتنصر نفسك... يا رجل بالله عليك كفّ عنّا، فإنّك محجاج عليم اللسان لا تقر ولا تنام، إيّاكم والغلوطات في الدين، كره نبيّك9 المسائل وعابها ونهى عن كثرة السؤال وقال: (إنّ أخوف ما أخاف على أمّتي كلّ منافق عليم اللسان) وكثرة الكلام بغير زلل تقسي القلب إذا كان في الحلال والحرام فكيف إذا كان في عبارات اليونسية والفلاسفية وتلك الكفريات التي تعمي القلوب؟! والله قد صرنا ضحكة في الوجود، فإلى كم تنبش دقائق الكفريات الفلسفية؟ لنرد عليها بعقولنا؟! يا رجل، قد بلعت سموم الفلاسفة وتصنيفاتهم مرّات، وكثرة استعمال السموم يدمن عليه الجسم(2).

ويقول اليافعي في مرآة الجنان:

كان ابن تيمية يقول: (إنّ الله على العرش استوى) استواء حقيقة. وأنّه يتكلّم بحرف وصوت. وقد نودي في دمشق وغيرها: من كان على عقيدة ابن تيمية حلّ ماله ودمه.

وقال في حوادث (سنة 728 ه ): وله مسائل غريبة أنكر عليها، وحبس بسببها مباينة لمذهب (أهل السنّة) ثمّ (عدّ له) قبائح، قال: ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم(3).

الفصل الثالث تباين المواقف بين علماء أهل السن_ّة والوهابية من الإمامية

المبحث الأول علماء السنة المنصفون يثنون على المذهب الإمامي


1- نقلاً عن: كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبد الوهاب، محسن الأمين، ص122.
2- نقلاً عن: السلفية بين أهل السنّة والإمامية، محمّد الكثيري، ص240.
3- مرآة الجنان، اليافعي، ج 4، ص277.

ص: 80

ص 81

الفصل الثالث تباين المواقف بين علماء أهل السن_ّة والوهابية من الإمامية

ص: 82

ص 83

المبحث الأول علماء السنة المنصفون يثنون على المذهب الإمامي

إلى جانب التكفيرات والافتراءات والأكاذيب على الشيعة الإمامية، نسمع أصداء لعلماء السنّة المنصفين من غير الوهابية يمتدحون بها المذهب الإمامي؛ لأنّهم يدركون ويعلمون ما عليه أتباع هذا المذهب من إظهار الاتّباع والمحبة والطاعة لأهل البيت: الذين أوصى بهم نبي الأمّة خيراً، وأمر بوجوب التمسّك بهم في مواطن متعددة، ولو لم يبقَ من هذه الوصايا إلّا حديث الثقلين المتواتر عند الفريقين لكفى، كيف وقد صحّت عندهم العديد من الروايات الأخرى بهذا الخصوص، وهنا سنقوم بنقل آراء المنصفين لهؤلاء المفكّرين والعلماء من أهل السنّة، ثمّ نقوم بنقل أقوال بعض كبار أهل السنّة القائلين بوجوب التمسّك بمذهب أهل البيت: المخصوصين بالذكر من قبل الله تعالى ورسوله الأكرم محمّد، وإليك بيان ذلك:

قال الشيخ والأستاذ الأكبر شيخ الأزهر محمود شلتوت:

إنّ الإسلام لا يوجب على أحد من أتباعه اتّباع مذهب معيّن، بل نقول إنّ لكلّ مسلم الحقّ في أن يقلّد بادئ ذي بدء أيّ مذهب من المذاهب المنقولة نقلاً صحيحاً، والمدوّنة أحكامها في كتبها الخاصّة، ولمن قلّد مذهباً من هذه المذاهب أن ينتقل إلى غيره - أيّ مذهب كان - ولا حرج عليه في شيء من ذلك.

ص 84

وقال أيضاً:

إنّ مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإماميّة الاثني عش_رية مذهب يجوز التعبّد به شرعاً كسائر مذاهب أهل السنّة، فينبغي للمسلمين أن يعرفوا ذلك، وأن يتخلصوا من العصبية بغير الحقّ لمذاهب معيّنة، فما كان دين الله وما كانت شريعته بتابعة لمذهب أو مقصورة على مذهب، فالكلّ مجتهدون مقبولون عند الله تعالى، يجوز لمن ليس أهلاً للنظر والاجتهاد تقليدهم والعمل بما يقررونه في فقههم، ولا فرق في ذلك بين العبادات والمعاملات.

فتوى صدرت عن مكتب شيخ الجامع الأزهر

بتاريخ 17 ربيع الأوّل سنة 1378ه

ثمّ أكّد فتواه مفتي مصر في جواب لسؤال كتب له:

نصّ السؤال:

بسم الله الرحمن الرحيم

فضيلة الأستاذ الدكتور فريد واصل نص_ر مفتي الديار المصرية، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نرجو من سماحتكم أن تعطونا رأيكم الشريف في اقتداء أصحاب المذاهب بمن يتقلد بمذهب أهل البيت: من الشيعة الإمامية الإثني عشرية، هل يصح ذلك أم لا؟

16 شوال 1421ه

نصّ الجواب :

بسم الله الرحمن الرحيم

كلّ مسلم يؤمن بالله، ويشهد ألّا إله إلّا الله، وأنّ محمّداً رسول الله، ولا ينكر معلوماً من الدين بالضرورة، وهو عالم بأركان الإسلام، والصلاة وشروطها، وهي متوفّرة فيه، فتصح إمامته لغيره وإمامة غيره له، إذا توفّرت فيه تلك الشروط ولو اختلف مذهبهما الفقهي وشيعة أهل البيت من نحلهم. ونتشيّع معهم لله، ولرسوله، وأهل بيته، وصحابته جميعاً، ولا خلاف بيننا وبينهم في أصول الشريعة الإسلامية، ولا فيما هو معلوم بالضرورة، وقد صلّينا خلفهم وصلّوا خلفنا في طهران وفي قم في الأيام التي شرّفنا الله بهم في دولة إيران الإسلامية.

ص 85

وندعو الله أن يحقق وحدة الأمّة الإسلامية ويرفع عنهم أيّ شقاق أو نزاع أو خلاف قد حلّ بهم في بعض مسائل الفروع الفقهية المذهبية. والله المؤيد والهادي إلى سواء السبيل.

دكتور فريد نصر واصل، مفتي الديار المصرية

16 شوال 1421 ه_/ 1 - 12 - 2001م

وقال الأستاذ الدكتور محمّد الفحام شيخ الأزهر معقّباً بعد ذلك على فتوى الشيخ محمود شلتوت: «رحم الله شلتوت الذي التفت إلى هذا المعنى الكريم، فخلّد في فتواه ال_صريحة الشجاعة»(1).

وقال الشيخ محمّد الغزالي المعاصر:

أعتقد أنّ فتوى الأستاذ الأكبر محمود شلتوت قطعت شوطاً واسعاً في هذا السبيل، واستئناف لجهد المخلصين من أهل السلطة وأهل العلم جميعاً، وتكذيب لما يتوقعه المستشرقون من أن الأحقاد سوف تأكل الأمّة قبل أن تلتقي صفوفها تحت راية واحدة... وهذه الفتوى في نظري بداية الطريق وأوّل العمل...

إلى أن قال:

إنّ الشيعة يؤمنون برسالة محمّد، ويرون شرف علي في انتمائه إلى هذا الرسول، وفي استمساكه بسنّته، وهم كسائر المسلمين لا يرون بشراً في الأوّلين ولا في الآخرين أعظم من الصادق الأمين(2).

وقال محمّد رشيد رضا صاحب تفسير المنار:

وقد صرّحوا [أهل السنّة] بصحة إيمان الشيعة؛ لأنّ الخلاف معهم في مسائل لا يتعلّق بها كفر ولا إيمان، فالشيعي مسلم له أن يتزوّج بأيّ مسلمة، وإذا نظرنا إلى ما أصاب المسلمين من التأخير والضعف بسبب العداوة المذهبية، وأنّنا في أشدّ الحاجة إلى التآلف والتعاطف والاتّحاد يتبيّن لنا أنّ مصاهرة المخالف في المذهب ضرورية(3).


1- إسلامنا في التوفيق بين السنّة والشيعة، مصطفى الرافعي، ص59.
2- دفاع عن العقيدة، محمّد الغزالي، ص257.
3- نقلاً عن: المنتقى من روائع فتاوى المنار، عزالدين بليق، ج1، ص739.

ص 86

وقال الأستاذ عبد الفتاح مقصود:

في عقيدتي أنّ الشيعة هم واجهة الإسلام الصحيحة ومرآته الصافية، ومن أراد أن ينظر إلى الإسلام عليه أن ينظر إليه من خلال عقائد الشيعة ومن خلال أعمالهم، والتاريخ خير شاهد على ما قدّمه الشيعة من الخدمات الكبيرة في ميادين الدفاع عن العقيدة.

وأنّ علماء الشيعة الأفاضل هم الذين لعبوا أدواراً لم يلعبها غيرهم في الميادين المختلفة، فكافحوا وناضلوا وقدّموا أكبر التضحيات من أجل إعلاء كلمة الإسلام ونشر تعاليمه القيّمة وتوعية الناس وسوقهم إلى القرآن(1).

وقال السيّد محمّد طنطاوي شيخ الأزهر: «إنّ المسلمين سنّة وشيعة مؤمنون بالله ونبيّه، وأنّ اختلاف الآراء لا يقلل من درجة إيمان الأشخاص»(2).

وقال الدكتور حامد حفني داود:

إنّ التشيّع ليس كما يزعمه المخرفون والسفيانيون من الباحثين، مذهباً نقلياً محضاً أو قائماً على الآثار المشحونة بالخرافات والأوهام والإسرائيليات، أو مستمدّاً في مبادئه من عبدالله بن سبأ وغيره من الشخصيات الخيالية في التاريخ، بل التشيّع على عكس ما يزعمه الخصوم تماماً، فهو المذهب الإسلامي الأوّل الذي عنى كلّ العناية بالمنقول والمعقول جميعاً... (3).

وقال الأستاذ عبدالرحمن بدوي المعروف ببحوثه ودراساته وتأليفاته الكثيرة:

للشيعة أكبر الفضل في إغناء المضمون الروحي للإسلام، وإشاعة الحياة الخصبة القوية، التي وهبت هذا الدين البقاء قوياً قادراً على إشباع النوازع الروحية للنفوس، حتّى أشدّها تمرداً وقلقاً ولولاها لتحجّر في قوالب جامدة، ليت شعري ماذا كان سيؤول إليه أمره فيها؟

ومن الغريب أنّ الباحثين لم يوجّهوا عناية كافية إلى هذه الناحية، ناحية الدور الروحي في تشكيل مضمون العقيدة التي قامت بها الشيعة(4).

المبحث الثاني الوهابية تكفر الشيعة الإمامية


1- في سبيل الوحدة الإسلامية، عبد الفتاح عبدالمقصود، ص573.
2- نشر ذلك في مجلة رسالة الثقلين، ص252، العدد 2، سنة 1413ه.
3- من مقدمة له لكتاب عقائد الإمامية للشيخ محمّد رضا المظفر، ص20.
4- نقلاً عن: كتاب الشيعة في الميزان، محمّد جواد مغنية، ص313.

ص 87

لم يكن جديداً على الشيعة الإمامية ما تسمعه اليوم عبر القنوات الفضائية والإعلامية، وفي الإذاعات والصحف والكتب والكتيبات التابعة لأقطاب الوهابية وأتباعهم ممن لا يخافون الحساب والعقاب والعذاب الإلهي الأليم، كما أنّه ليس بجديد وغريب أن تصدر مثل هذه الافتراءات من كبار وقادة هذه الجماعة العدائية للدين وأهله من المسلمين؛ لأنّها تنتهج نهجاً قد رسم لها من قبل أعداء الدين، والأيام تكشف وتفضح ما حاول هؤلاء المتلبّسين بلباس الدين والنفاق.

ونحن إذ نسمع بين الليلة وضحها كيف أنّ أقطاب وقادة هذه الحركة يتعاونون مع الاستكبار العالمي المعادي للدين الإسلامي، وذلك بعد القبض عليهم متلبّسين بجرائمهم النكراء، وإعلان اعترافاتهم أمام الأشهاد، حتّى بدأت تعرف هذه الجماعة باسم القاعدة الإرهابية التي طالت يدها الأثيمة الأطفال والنساء والشيوخ من مختلف القوميات والديانات والمذاهب الإسلامية وغير الإسلامية، وجرائمهم شاهدة على عظيم فعلتهم، كلّ ذلك تحت غطاء مقاتلة المشركين والمغالين والخارجين عن الدين، وهم بهذا الوصف أولى من غيرهم، فلم يسلم من الفتاوى التكفيرية لابن تيمية الحراني ومن جاء بعده وانتهج نهجه أحد من أهل القبلة.

ص 88

قال ابن حجر في الجوهر المنظم:

من خرافات ابن تيمية التي لم يقلها عالم قبله وصار بها بين أهل الإسلام مثلة أنّه أنكر الاستغاثة والتوسّل به صلى الله عليه وسلم، وليس ذلك كما أفتى به، بل التوسّل به حسن في كلّ حال قبل خلقه وبعد خلقه في الدنيا والآخرة. فمما يدلّ لطلب التوسّل به

صلى الله عليه وسلم قبل خلقه، وأنّ ذلك هو سير السلف الصالح الأنبياء والأولياء وغيرهم، فقول ابن تيمية ليس له أصل من افترائه (1).

وأمّا الشيعة الإمامية فقد كانت المرمى الأوّل لسهامهم الآثمة؛ لأنّهم بذلك يريدون أبعاد الأمّة الإسلامية عن المذهب الحقّ (مذهب أهل البيت:) الذين أوصى بهم النبي خيراً.

فقد كان الوهابيون لأسيادهم من بني أمية ناصرين، ولدعاة الحقّ معاندين محاربين، وهذا ما تظهره الحملة الكبيرة لشيخهم ابن تيمية ضدّ الإمام علي بن أبي طالب (2)، الذي


1- نقلاً عن: كتاب شواهد الحقّ بالاستغاثة بسيّد الخلق9، للنبهاني، ص139.
2- حيث جاء في منهاج السنّة، ج4، ص255 وهو في واقعه منهاج الضلال قوله في الإمام علي7: وأبو بكر من جنس من هاجر إلى الله ورسوله، وهذا لا يشبه من كان مقصوده [يعني بذلك الإمام علي7؛ إذ هو في مقام المقارنة بينهما] امرأة يتزوّجها [يقصد بذلك فاطمة الزهراء3 سيّدة نساء العالمين] . ولا أظنه لا يعي الحديث القائل: إنّما الأعمال بالنيات، وإنّما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه. اُنظر: صحيح البخاري، ج1، ص3 ؛ صحيح مسلم، ج3، ص155. وكأنّه لم يقرأ كلام الهيثمي في تصحيح حديث ابن مسعود عن النبي، حيث قال: «إنّ الله أمرني أن أزوج فاطمة من علي» قال الهيثمي مجمع الزوائد، ج9، ص204 في ذيله: رواه الطبراني ورجاله ثقات. ولكن الحقد والبغض يعمى القلوب التي في الصدور. وكأنّه لم يقرأ حديث النبي في حقّ الإمام علي7، حيث قال: «من آذى علياً فقد آذاني»، وقال فيه الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج9، ص129: رواه أحمد والطبراني باختصار، والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات. والأعجب منها والأغرب، أنّه يقول في منهاجه ج7، صص137و 138: «ولم يكن كذلك علي، فإنّ كثيراً من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبّونه ويقاتلونه». ولكنك لو سألت ابن تيمية عن هؤلاء الصحابة لقال لك: جميعهم عدول، وأنّ الراد عليهم رادّ على الله يجب تكفيره فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة، 49 و50. أقول: ومعلوم لجميع المسلمين من هم الذين سبوا الإمام علي7 من أعلى المنابر سبعين سنة، ومن هم الذين قاتلوا الإمام علي7، هؤلاء هم أسلاف ابن تيمية الذي طالما يدافع عنهم، وإن خالف الكتاب والسنّة.

ص 89

هو أفضل الصحابة، وأوّل إيماناً ونصرة للدين، فضلاً عن الذين يؤمنون بإمامته وخلافته للمسلمين، بل لم يسلم من سهامه الإمام بالحقّ الحسين بن علي بن أبي طالب(1) _ بينما ينسى يتناسى قول النبي: «الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة»(2) _ حينما قام بتخطئته ومدح قاتله الفاجر الكافر يزيد بن معاوية(3).

وهكذا هو دأب الوهابية من أتباع ابن تيمية ومحمّد بن عبد الوهاب في عدائهم لأهل البيت:، فضلاً عن محاربتهم العلنية لكل من أظهر المحبّة والاتّباع لأهل البيت:، لهم على ذلك طرق وأساليب يندى الجبين منها، ويخجل الإنسان من سماعها، فضلاً عن التقوّل، أو التصديق بها.

فليس غريباً ما يقوم به أتباع هذه الجماعة المبتدعة في الدين والمعادية له، ما نسمعه من


1- إذ جاء فيه وفي أخيه الإمام الحسن8 قول جدهم المصطفى محمّد9: ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا. المناقب لابن شهرآشوب :3/394، 4 / 367 ؛ الفرق بين الفرق: 25، كفاية الأثر: 15 و 16.
2- كما جاء ذلك عن النبي، حيث قال: الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنة مسند أحمد، ج3، ص3. ج5، ص391. قال الحاكم حديث صحيح ولم يخرجاه ج3، ص176. وعن أبي أيوب الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة: نبينا خير الأنبياء وهو أبوك، وشهيدنا خير الشهداء وهو عم أبيك حمزة، ومنّا من له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر، ومنّا سبطا هذه الأمّة الحسن والحسين، وهما ابناك، ومنّا المهدي. رواه الطبراني في الصغير، وفيه قيس بن الربيع، وهو ضعيف، وقد وثّق، وبقية رجاله ثقات. وعن أم سلمة قالت: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي يوماً إذ قالت الخادم: إنّ علياً وفاطمة بالسدة، قالت: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: قومي فتنحّى لي عن أهل بيتي، قالت: فقمت فتنحّيت في البيت قريباً، فدخل علي وفاطمة ومعهما ابناهما الحسن والحسين، وهما صبيان صغيران، فاخذ الصبيين فوضعهما في حجره فقبلهما، واعتنق علياً بإحدى يديه وفاطمة باليد الأخرى فقبّل فاطمة وقبّل عليا فأغدق عليهم خميصة سوداء فقال: اللهم إليك لا إلى النار أنا وأهل بيتي، قالت: فقلت: أنا يا رسول الله؟ قال: وأنت. رواه أحمد، راجع: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، ص199.
3- راجع: كتاب أخطاء ابن تيمية في حقّ رسول الله9 وأهل بيته للدكتور السيّد محمود السيّد صبيح المصري من أهل السنّة، فقد كشف فيه الدكتور كلّ شيء من كتب ابن تيمية، وبالخصوص كتابيه منهاج السنّة والفتاوى، فمن أراد أن يعرف ابن تيمية عن كثب وقرب فليراجع هذا الكتاب؛ لما يتمتع به من الأمانة في النقل، والاستقصاء التام حول ما جاء عن ابن تيمية في حق النبي9 وأهل بيته الأطهار:_ وما علق به علماء أهل السنّة في كتبهم على هذه التجاوزات السافرة على النبي وأهل بيته المعصومين:.

ص 90

كبارهم من الافتراءات والأكاذيب على خيار وعلماء مذهب أهل البيت:؛ فإنّ الكذب أصبح عند هؤلاء واجباً، بل ومنهجاً يتّبع في تمرير أقوالهم، ونش_ر عقائدهم الباطلة، فما نسمعه عن عثمان الخميس، وعدنان العرعور، وعبدالرحمن الدمشقية، والبلوشي، وغيرهم في هذه الأيام، ما هو إلّا وجه آخر لنفس العملة الفاسدة، وها نحن إذ ننقل صوراً من صور معاداة أسلافهم ومحاربتهم لمذهب أهل البيت:، ثمّ بعد ذلك نقوم بنقل مفتريات الدمشقية للردّ عليها، وبيان مواطن الكذب فيها، لنساهم أخواننا من أهل السنّة في كشف زيف هذه الجماعة، لعلّ الله تعالى ينفع به المؤمنين وطلّاب الحقّ ومحبّي أهل البيت: من الناس أجمعين.

1_ قال ابن باز المفتي السابق للسعودية وإمام الوهابية:

وأفيدكم بأنّ الشيعة فرقٌ كثيرة، وكلّ فرقة لديها أنواع من البدع، وأخطرُها فرقة الرافضة الخمينية الاثني عشرية؛ لكثرة الدُعاة إليها، ولما فيها من الشرك الأكبر، كالاستغاثة بأهل البيت، واعتقاد أنّهم يعلمون الغيب، ولا سيّما الأئمة الاثنا عشر حسبَ زعمهم، ولكونهم يكفّرون ويسبّون غالب الصحابة، كأبي بكر وعمر رضي الله عنهما نسأل السلامة مما هم عليه من الباطل(1).

أقول: هذا الرجل أعمي وهكذا يتهجّم على الناس، فكيف لو كان بصيراً، فماذا يفعل بالمسلمين؟! الحقّ معه؛ لأنّ الإمام الخميني= قد قض_ى على أكبر طاغية وكافر في العالم الإسلامي، وخادم من خدمة أسياده الأمريكان، كيف يطيب له وهو لا يسمع للكفر صوت في إيران؟! وكيف يطيب له وهو يسمع اسم علي يعلو منابر إيران، ويتردد صداه في جميع البلدان، لست بصدد ردّ جميع هذه الأباطيل التي جاءت في قوله أعلاه؛ لأنّ الهدف من نقل قوله بيان تمادي أسياد هذه الجماعة وتعدّيهم على الأئمة من أهل البيت: وشيعتهم التابعين لهم بالحقّ.


1- مجموع فتاوى ومقالات عبدالعزيز بن باز، ج4، ص439.

ص 91

ولكن لو نظر بعين الإنصاف لرأى الحقّ بازغاً أمامه، فقد أعاد الإمام الخميني= للمرأة المسلمة كرامتها بعد أن قام الشاه المقبور بنزع خمارها وهتك سترها وانتهك حقوقها، وجعل منها سلعة باهرة بعدما أراد لها الإسلام أن تكون جوهرة ثمينة لا تباع بأبخس الأثمان، ولا أن تكون بيد الشيطان ألعوبة، فعاد لها الإسلام الذي يحفظ كرامتها وزينها بزينته ليحفظ بحجابها عفّتها وطهارتها، فعاد النساء في ظلّ هذه الثورة المباركة ملائكة روحانية، كما عاد لأهل الإيمان طقوسهم وشعائرهم بإحياء كلّ ما طمسه الطاغوت.

2 _ قال ابن حزم الظاهري:

وأمّا قولهم- يعني النصارى- في دعوى الروافض تبديلَ القرآن، فإنّ الروافض ليسوا من المسلمين، إنّما هي فرقة حدث أوّلها، بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس وعشرين سنة، وهي طائفة تجري مجرى اليهود والنصارى في الكذب والكفر(1).

قال الشيخ الأميني= في ردّ هذه الأباطيل والافتراءات بعد أن ذكر قائمة من كبار الشيعة المعتمدين عند أهل السنّة:

هؤلاء جمع ممن احتجّ بهم الأئمة الستة في صحاحهم، أضف إليهم رجال الشيعة من الصحابة الأكرمين، والتابعين الأولين، وأعلام البيت العلوي الطاهر من الذين يحتجّ بهم وبحديثهم، وأنهى أئمة أهل السنّة إليهم الإسناد في الصحاح والسنن والمسانيد، وهم مصرّحون بثقتهم وعدالتهم. فلو كانت الشيعة (كما زعمه ابن حزم) خارجين عن الإسلام فما قيمة تلك الصحاح؟! وتلك المسانيد؟! وتلك السنن؟! وما قيمة مؤلّفيها أولئك المشايخ وأولئك الأئمة و أولئك الحفّاظ؟! وما قيمة تلكم المعتقدات والآراء المأخوذة ممن ليسوا من المسلمين؟! اللهم غفرانك وإليك المصير وأنت القاضي بالحق. نعم، ذنبهم الوحيد الذي لا يغفر عند ابن حزم أنّهم يوالون علياً أميرالمؤمنين وأولاده الأئمة الأمناء صلوات الله عليهم اقتداء بالكتاب والسنّة، ومن جرّاء ذلك يستبيح صاحب الفصل من أعراضهم ما لا يستباح من مسلم، والله هو الحكم الفاصل. وأمّا ما حسبه من


1- الملل والنحل، ابن حزم الظاهري، ج1، ص290.

ص 92

أنّ مبدأ التشيّع كان إجابة ممن خذله الله لدعوة من كاد الإسلام وهو يريد عبدالله بن سبأ الذي قتله أميرالمؤمنين7 إحراقاً بالنار على مقالته الإلحادية، وتبعته شيعته على لعنه والبراءة منه(1).

3 _ قال ابن القيم الجوزية:

واقرأ نسخة الخنازير من صور أشباههم ولاسيّما أعداء خيار خلق الله بعد الرسل، وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم، فإنّ هذه النسخة ظاهرة في وجوه الرافضة، يقرأها كلّ مؤمن كاتب وغير كاتب، وهي تظهر وتخفى بحسب خنزيرية القلب وخبثه، فإنّ الخنزير أخبث الحيوانات وأردؤها طباعاً، ومن خاصيته أنّه يدع الطيبات فلا يأكلها، ويقوم الإنسان عن رجيعه فيبادر إليه(2).

أقول: إنّ قيمة الإنسان على قدر ما يحسنه من الكلام، فمن يقرأ هذا الكلام الذي ملئ بالسباب والشتم لمن وصفهم النبي الأعظم9 بأنّهم خير البرية(3)، وأنّهم الفائزون(4)، ولا أعلم هل انقلبت الموازين عند هذا الجاهل المعادي لله تعالى ولرسوله وأهل بيته: وأتباعهم، باسم الدفاع عن الصحابة؟! الذين ورد ذكرهم وصفاتهم في القرآن الكريم ليس على وتيرة واحدة(5)، حيث أنزل في بعضهم ما لم ينزله في غيرهم من سائر الديانات الأخرى(6).


1- موسوعة الغدير، العلّامة عبد الحسين الأميني، ج3، ص94.
2- مفتاح دار السعادة، ابن القيم الجوزية، ج1، ص264.
3- وعن ابن عباس2 قال: لمّا نزلت هذه الآية: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ قال: لعلي هو أنت وشيعتك، تأتي يوم القيامة أنت وشيعتك راضين مرضيين ويأتي عدّوك غضاباً مقحمين، فقال يا رسول الله، ومن عدوي؟ قال: من تبرّأ منك ولعنك. نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، ص92؛ وكذا: راجع جامع البيان لابن جرير الطبري، ج30، ص335؛ تفسير الآلوسي، ج30، ص207.
4- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج42، ص333 ؛ كنوز الحقائق، المناوي، ص98.
5- فبعض الآيات بيّنت حال الصحابة المتّقين وصفاتهم، وآيات تبيّن حال الصحابة المنافقين وصفاتهم، وآيات تبيّن حال الصحابة المخلصين ومنازلهم القربية، وهلم جراً.
6- من قبيل قوله تعالى في بيان حال المنافقين: يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَ لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَ لِرَسُولِهِ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ لكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ المنافقون/ 8، وغيرها من الآيات التي كشف الله بحال المؤمن من المنافق والكافر.

ص 93

4_ قال محمّد بن عبد الوهاب(1):

فإذا عرفت أنّ آيات القرآن تكاثرت في فضلهم (يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) والأحاديث المتواترة بمجموعها ناصّةٌ على كمالهم، فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم، وارتدادهم


1- قال أحمد زين دحلان الشافعي: «..ثمّ كثر شرّهم، وتزايد ضررهم، واتسع ملكهم، وقتلوا من الخلائق ما لا يحصون، واستباحوا أموالهم، وسبوا نساءهم، وكان مؤسس مذهبهم الخبيث محمّد بن عبدالوهاب، وأصله من المشرق من بني تميم، وكان من المعمّرين، فكاد يعد من المنظرين؛ لأنّه عاش قريب مائة سنة حتّى انتشر عنه ضلالهم، كانت ولادته سنة ألف ومائة وإحدى عشرة، وهلك سنة ألف ومائتين... وكان أبوه وأخوه ومشايخه يتفرسون فيه أنّه سيكون منه زيغ وضلال: لما يشاهدونه من أقواله وأفعاله ونزعاته في كثير من المسائل، وكانوا يوّبخونه ويحذّرون الناس منه، فحقق الله فراستهم فيه ؛ لمّا ابتدع ما ابتدعه من الزيغ والضلال الذي أغوى به الجاهلين وخالف فيه أئمة الدين وتوصل بذلك إلى تكفير المؤمنين، فزعم أنّ زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم والتوسّل به وبالأنبياء والأولياء والصالحين وزيارة قبورهم شرك، وأنّ نداء النبي صلى الله عليه وسلم عند التوسّل به شرك، وكذا نداء غيره من الأنبياء والأولياء والصالحين عند التوسّل بهم شرك، وأنّ من أسند شيئاً لغير الله ولو على سبيل المجاز العقلي يكون مشركاً، نحو نفعني هذا الدواء، وهذا الولي الفلاني عند التوسّل به في شيء، وتمسّك بأدلة لا تنتج له شيئاً من مرامه، وأتى بعبارات مزوّرة زخرفها ولبّس بها على العوام حتّى تبعوه، وألّف لهم في ذلك رسائل حتّى اعتقدوا كفر أكثر أهل التوحيد، واتّصل بأمراء المشرق أهل الدرعية، ومكث عندهم حتّى نصروه، وقاموا بدعوته، وجعلوا ذلك وسيلة إلى تقوية ملكهم واتّساعه، وتسلّطوا على الأعراب وأهل البوادي حتّى تبعوهم، وصاروا جنداً لهم بلا عوض، وصاروا يعتقدون أن من لم يعتقد ما قاله ابن عبدالوهاب، فهو كافر مش_رك مهدور الدم والمال... الذي ذكرناه إجمالاً في الردّ على ابن عبدالوهاب ومن أراد بسط الكلام، فليرجع إلى الرسائل المؤلّفة في ذلك وقد لخّصت ما فيها في رسالة مختصرة فينظرها من أرادها» اُنظر: فتنة الوهابية، المقدّمة، صص3-11.

ص 94

وارتداد معظمهم عن الدين، فقد كفر بالله تعالى ورسوله(1).

وقال أيضاً:

وبهذا وأمثاله تعرف أنّ الرافضة أكثر الناس تركاً لما أمر الله، وإتياناً لما حرّمه، وأنّ كثيراً منهم ناشئ عن نطفة خبيثة، موضوعة في رحمٍ حرام، ولذا لا ترى منهم إلّا الخبيث اعتقاداً وعملاً، وقد قيل كلّ شيء يرجع إلى أصله(2).

أقول: وفي كلامه الأوّل الذي جاء به (فمن اعتقد فسقهم أو فسق مجموعهم، وارتدادهم وارتداد معظمهم عن الدين، فقد كفر) لم يسلم منه حتّى المولى تبارك وتعالى ونبيّه الأمين، حيث أخبر الله تعالى نبيّه الأعظم9 كما جاء في كتب الصحاح، من قبيل صحيح البخاري، حيث أخرج عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أنّه كان يحدث أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول: يا رب أصحابي، فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، أنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقري»(3).

وأخرج أيضاً عن ابن شهاب، عن ابن المسيب أنّه كان يحدّث عن أصحاب النبي

صلى الله عليه وسلم أنّ النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم قال: «يرد عليَّ الحوض رجال من أصحابي فيحلأون عنه فأقول: يا رب أصحابي فيقول: إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك، أنهم ارتدوا على أدبارهم القهقري»(4).

وقال شعيب عن الزهري كان أبو هريرة يحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم:

فيجلون، وقال عقيل: فيحلأون، وقال الزبيدي عن الزهري، عن محمّد بن علي، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدّثنا محمّد بن فليح، حدّثنا أبي حدّثني هلال، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

بينا أنا قائم فإذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، فقلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: وما شأنهم؟ قال إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، ثمّ إذا زمرة حتّى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم، قلت: أين؟ قال: إلى النار والله، قلت: ما شأنهم؟ قال: إنّهم ارتدوا بعدك على أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلّا مثل همل النعم(5).


1- اُنظر: فتنة الوهابية، المقدّمة، صص3-11.
2- فتنة الوهابية لأحمد زين دحلان، المقدمة، صص3-11.
3- صحيح البخاري، ج7، ص208.
4- المصدر السابق، ص209.
5- المصدر السابق، ص208.

ص 95

وأخرج عن أبي مليكة قال: قالت أسماء: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

أنا على حوضي أنتظر من يرد عليَّ فيؤخذ بناس من دوني فأقول: أمّتي فيقول: لا تدري مشوا على القهقري(1).

عن أبي وائل قال: قال عبدالله: قال النبي صلى الله عليه وسلم:

أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إليَّ رجال منكم حتّى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني فأقول: أي ربّ أصحابي، فيقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك(2).

عن أبي حازم قال: سمعت سهل بن سعد يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

أنا فرطكم على الحوض من ورده شرب منه ومن شرب منه، لم يضمأ بعده أبداً، ليرد عليَّ أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثمّ يحال بيني وبينهم، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدّثهم هذا، فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، قال: وأنا اشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: إنّهم منّي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً(3).

ويكفينا ما ذكره القرآن الكريم حكاية عن حال بعض الصحابة، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ * أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ * وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ) [سورة محمد: 25-30].

أقول: وهؤلاء هم من الصحابة، فيما جاء في تفسير بعض هذه الآيات كقول السمعاني في تفسيره:


1- صحيح البخاري، ج8، ص86.
2- المصدر السابق، ص87.
3- المصدر السابق.

ص 96

في الآية قولان: أحدهما: أنّه قول اليهود للمنافقين، قالوا للمنافقين: سنطيعكم في بعض الأمر، أي: في كتمان صفة محمّد مع علمنا بأنّه رسول. والقول الثاني وهو الأظهر: إنّه قول المنافقين لليهود(1).

وقال الطبري في تفسيره:

يقول تعالى ذكره: أفلا يتدبّر هؤلاء المنافقون مواعظ الله التي يعظهم بها في آي القرآن الذي أنزله على نبيّه عليه الصلاة والسلام، ويتفكّرون في حججه التي بيّنها لهم في تنزيله، فيعلموا بها خطأ ما هم عليه مقيمون. أم على قلوب أقفالها يقول: أم أقفل الله على قلوبهم فلا يعقلون ما أنزل الله في كتابه من المواعظ والعبر(2).

وقال تعالى:

(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ * وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ * الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ) [التوبة: 64-68].

قال الطبري في تفسيره:

يقول تعالى ذكره: يخشى المنافقون أن تنزل فيهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، يقول: تظهر المؤمنين على ما في قلوبهم. وقيل: إنّ الله أنزل هذه الآية على رسول الله؛ لأنّ المنافقين كانوا إذا عابوا رسول الله9 وذكروا شيئاً من أمره وأمر المسلمين، قالوا: لعلّ الله لا يفشي سرّنا، فقال الله لنبيه: قل لهم: استهزئوا، متهدداً لهم متوعّداً، إنّ الله مخرج ما تحذرون(3).


1- تفسير السمعاني، السمعاني، ج5، ص182.
2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ج26، ص74.
3- المصدر السابق، ج10، ص219.

ص 97

وقال ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قوله:

يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم، يقولون: القول فيما

بينهم ثم يقولون: عسى الله إلّا يفشي علينا هذا قوله تعالى: قل استهزئوا إنّ الله مخرج ما تحذرون(1).

وقال البغوي في تفسيره: «(يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ) أي: يخشى المنافقون (أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ) أي: تنزل على المؤمنين (سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ) أي: بما في قلوب المنافقين من الحسد والعداوة للمؤمنين، كانوا يقولون فيما بينهم ويسرون، ويخافون الفضيحة بنزول القرآن في شأنهم»(2).

فهذه وغيرها من الآيات والتفاسير شاهدة على وجود جماعة بين الصحابة منافقين، كما أنّ بعض الصحابة ارتدوا عن الدين، وأنّهم مرضى القلوب، وهم الذين قال الله تعالى لنبيّه فيهم: (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رسول الله حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ * يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) [المنافقون:6-8].

وكيف كان فإنّ هؤلاء لا يستحون من الكذب والافتراء، وإنكار الحقيقة، وهم بمخالفتهم هذه لله تعالى ورسوله، يشترون سخط الله تعالى ونبيّه الأعظم برضاء الناس، فأنّى لهم يوم القيامة من الله ورسوله نصيراً وظهيراً.

وقد اعترف بذلك بعض علماء ومفكري أهل السنّة المعاصرين، نذكر منهم كشاهد على قولنا:

قال الألباني في مقام ردّ حديث (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم) وبعد أن عدّه من الموضوعات قال:

إذاً كيف يسوغ لنا أن نتصوّر أنّ النبي9 يجيز لنا أن نقتدي بكلّ رجل من الصحابة،


1- تفسير ابن أبي حاتم الرازي، ج6، ص1829.
2- المصدر السابق، ج2، ص307.

ص 98

مع أنّ فيهم العالم والمتوسط في العلم ومن هو دون ذلك، وكان فيهم مثلاً من يرى أنّ البرد لا يفطر الصائم بأكله(1).

وقال ابن عقيل (ت1350ه):

وأمّا تعديلهم كلّ من سمّوه بذلك الاصطلاح، صحابياً وإن فعل ما فعل من الكبائر، ووجوب تأويلها له فغير مسلّم؛ إذ الصحبة مع الإسلام لا تقتضي العصمة اتّفاقاً حتّى يثبت التعديل ويجب التأويل على أنهم اختلفوا في ذلك التعديل اختلافاً كثيراً والجمهور هم القائلون بالعدالة(2).

وقال أحمد أمين (ت1337ه):

إنا رأينا الصحابة أنفسهم ينقد بعضهم بعضاً، بل يلعن بعضهم بعضاً، ولو كانت الصحابة عند نفسها بالمنزلة التي لا يصح فيها نقد ولا لعن لعلمت ذلك من حال نفسها؛ لأنّهم أعرف بمحلّهم من عوام أهل دهرنا، وهذا طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وفي جانبهم، لم يروا أن يمسكوا عن علي، وهذا معاوية وعمرو بن العاص لم يقصرا دون ضربه وضرب أصحابه بالسيف، وكالذي روي عن عمر من أنّه طعن في رواية أبي هريرة وشتم خالد بن الوليد وحكم بفسقه، وخوّن عمرو بن العاص ومعاوية ونسبهما إلى سرقة مال الفيئ واقتطاعه، وقلّ أن يكون في الصحابة من سلم من لسانه أو يده، إلى كثير من أمثال ذلك مما رواه التاريخ، وكان التابعون يسلكون بالصحابة هذا المسلك، ويقولون في العصاة منهم هذا القول، وإنّما اتّخذهم العامّة أرباباً بعد ذلك، والصحابة قوم من الناس، لهم ما للناس وعليهم ما عليهم، من أساء ذممناه، ومن أحسن منهم حمدناه، وليس لهم على غيرهم كبير فضل إلّا بمشاهدة الرسول ومعاصرته لا غير، بل ربما كانت ذنوبهم أفحش من ذنوب غيرهم؛ لأنّهم شاهدوا الأعلام والمعجزات، فمعاصينا أخف لأنّنا أعذر(3).


1- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، الألباني، ج1، ص82.
2- النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية، محمّد بن عقيل، ص166.
3- ضحى الإسلام، أحمد أمين، ج23، ص75.

ص 99

وقال طه حسين (ت1393ه):

ولا نرى في أصحاب النبي ما لم يكونوا يرون في أنفسهم، فهم كانوا يرون أنّهم بشر فيتعرّضون لما يتعرّض له غيرهم من الخطايا والآثام، وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روي أن عمار بن ياسر كان يكفّر عثمان ويستحل دمه ويسمّيه نعثل، وروي أنّ ابن مسعود كان يستحل دم عثمان أيام كان في الكوفة، وهو كان يخطب الناس فيقول: إن شرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار _ يعرّض في ذلك بعثمان وعامله الوليد. وروي أنّ عبدالرحمن بن عوف، قال لبعض أصحابه في المرض الذي مات فيه: عاجلوه _ أي: علي _ قبل أن يطغى ملكه. والذين ناصروا عثمان من أصحاب النبي كانوا يرون أنّ خصومهم قد خرجوا على الدين وخالفوا عن أمره، وهم جميعاً من أجل ذلك قد استحلّوا أن يقاتل بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضاً بالفعل يوم الجمل ويوم صفين، إلّا ما كان من سعد وأصحابه القليلين. وإذا دفع أصحاب النبي أنفسهم إلى هذا الخلاف، وتراموا بالكبائر، وقاتل بعضهم بعضاً في سبيل الله، فما ينبغي أن يكون رأينا فيهم أحسن من رأيهم في أنفسهم، وما ينبغي أن نذهب مذهب الذين يكذّبون أكثر الأخبار التي نقلت إلينا ما كان بينهم من فتنة(1).

فهذه وغيرها من الأقوال تكشف لنا حال الصحابة وما نجم بينهم من المشاجرات واللعن والتقتيل والتفسيق، والقرآن والسنّة والتاريخ الإسلامي شاهد على ذلك.

خاتمة الباب

خاتمة الباب تذكير ببعض الكتب المؤلفة في الردّ على الوهابية


1- الفتنة الكبرى، طه حسين، صص170_ 173.

ص: 100

ص 101

خاتمة الباب

ص: 102

ص 103

خاتمة الباب تذكير ببعض الكتب المؤلفة في الردّ على الوهابية

هناك الآلاف من الكتب التي ألّفت في الردّ على أباطيل ومزاعم الوهابية التكفيرية، حيث جمعها البعض ضمن معاجم خاصّة بها، من قبيل ما قام به أحد المؤمنين وهو الشيخ عبدالله محمّد علي تحت عنوان (معجم المؤلّفات الإسلاميّة في الردّ على الفرقة الوهابيّة)، وقد أحصى بما أتاحت له الفرصة فيه (822) مؤلّفاً بين كتاب ورسالة ودراسة، ليصبح هذا المعجم شاهداً حيّاً على مدى خطورة هذه الجماعة على الأمّة الإسلامية، في حاضرها ومستقبلها، كما قام مؤلّف كتاب (السلفية بين أهل السنّة والإمامية) بإحصاء ما يربو على (200) عنوان كتاب ورسالة قد ألّفت في الردّ على الوهابية، وهكذا قام غيرهم بهذه المهمّة، وما لم يحصى أكثر من هذا بكثير، وإليك من باب المثال بعض عناوين هذه الكتاب والرسائل لمختلف علماء المسلمين من السنّة والشيعة، وهي:

1. إتحاف الكرام في جواز التوسّل والاستغاثة بالأنبياء الكرام: تأليف الشيخ محمّد بن الشدي، مخطوط في الخزانة الكتانية بالرباط برقم/ 1143 ك مجموعة.

2. إتحاف أه_ل الزمان بأخبار ملوك تونس وعه_د الأمان: تأليف أحمد بن أبي الضياف، مطبوع.

3. الأجوبة النجدية عن الأسئلة النجدية: لأبي العون شمس الدين محمّد بن أحمد بن

ص 104

سالم، المعروف بابن السفاريني النابلسي الحنبلي، المتوفّى سنة 1117ه .

4. الأجوبة النعمانية عن الأسئلة اله_ندية في العقائد: لنعمان بن محمود خير الدين الشهير بابن الآلوسي البغدادي الحنفي، المتوفّى سنة 1317ه .

5. الأجوبة الوافية في الردّ على شبهات الوهابية: لجنة التأليف الشيخ قيصر التميمي، الشيخ علي حمود العبادي والشيخ شاكر الساعدي، نشر مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية.

6. أجوبة في زيارة القبور: للشيخ العيدروس، مخطوط في الخزانة العامّة بالرباط برقم 2577/ 4 د مجموعة. وهذا كتاب انتصر فيه مؤلّفه لمذهب أهل السنّة في سنّية زيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام.

7. إحياء المقبور من أدلة استحباب بناء المساجد والقباب على القبور: تأليف الحافظ

أحمد بن الصديق الغماري، المتوفّى سنة 1380ه، مطبوع.

8. الإصابة في نصرة الخلفاء الراشدين: تأليف الشيخ حمدي جويجاتي الدمشقي.

9. الأصول الأربعة في ترديد الوهابية: لمحمد حسن صاحب السره_ندي، المجددي، المتوفّى سنة 1346 ه_، مطبوع.

10. إظه_ار العقوق ممّن منع التوسّل بالنبي والوليّ الصدوق: للشيخ المش_رفي المالكي الجزائري.

11. الأقوال السنية في الردّ على مدعي نصرة السنّة المحمّديّة: جمعه_ا إبراه_يم شحاتة الصديقي من كلام المحدّث عبدالله الغماري، مطبوع.

12. الأقوال المرضية في الردّ على الوهابية: للفقيه عطا الكسم الدمشقي الحنفي، مطبوع.

13. الانتصار للأولياء الأبرار: للشيخ المحدّث طاه_ر سنبل الحنفي، ردّ فيه مؤلّفه على تطاول الوهابية على الأولياء ومقامهم.

14. الأوراق البغدادية في الجوابات النجدية: للشيخ إبراه_يم الراوي البغدادي الرفاعي، رئيس الطريقة الرفاعية ببغداد، مطبوع.

ص 105

15. البراءة من الاختلاف في الردّ على أه_ل الشقاق والنفاق والردّ على الفرقة الوهابية الضالّة: للشيخ علي زين العابدين السوداني، مطبوع.

16. البراه_ين الساطعة في ردّ بعض البدع الشائعة: للشيخ سلامة العزامي، المتوفى سنة 1379ه_، مطبوع.

17. البصائر لمنكري التوسّل بأهل المقابر: لحمد الله الداجوي الحنفي اله_ندي، مطبوع.

18. تاريخ الوهابية: لأيوب صبري باشا الرومي صاحب "مرآة الحرمين ،. بيّن فيه مؤلفه التاريخ الدموي لهذه الفرقة الوهابية.

19. تبرك الصحابة بآثار رسول الله: لمحمد طاه_ر بن عبدالقادر الكردي، مطبوع.

20. تجريد سيف الجهاد لمدّعي الاجتهاد: للشيخ عبدالله بن عبداللطيف الشافعي، وه_و أستاذ محمّد بن عبدالوه_اب وشيخه، وقد ردّ عليه في حياته.

21. تحذير الخلف من مخازي أدعياء السلف: للشيخ محمّد زاه_د الكوثري، الشيخ محمّد زاهد الكوثري وكيل المشيخة العثمانية في زمانه.

22. التحريرات الرائقة: للشيخ محمّد النافلاتي الحنفي، مفتي القدس الشريف، كان حيّاً سنة 1315ه_، مطبوع.

23. تحريض الأغبياء على الاستغاثة بالأنبياء والأولياء: للشيخ عبدالله بن إبراه_يم الميرغني الحنفي، الساكن بالطائف.

24. التحفة الوهبية في الردّ على الوهابية: للشيخ داود بن سليمان البغدادي، النقشبندي الحنفي، المتوفّى سنة 1299ه .

25. تطهير الفؤاد من دنس الاعتقاد: للشيخ محمّد بخيت المطيعي الحنفي، من علماء الأزه_ر، مطبوع.

26. تقييد حول التعلّق والتوسّل بالأنبياء والصالحين: قاضي الجماعة في المغرب ابن كيران، مخطوط في خزانة الجلاوي/ الرباط برقم/ 153 ج مجموعة.

27. تقييد حول زيارة الأولياء والتوسّل به_م: للمؤلّف السابق، وضمن المجموعة

ص 106

السابقة.

28. تهكّم المقلّدين بمن ادّعى تجديد الدين: للشيخ محمّد بن عبدالرحمن الحنبلي.

29. التوسّل بالنبي والصالحين: لأبي حامد بن مرزوق الدمشقي الشامي، مطبوع.

30. التوسّل: للمفتي محمّد عبد القيوم القادري الهزاروي، مطبوع.

31. التوضيح عن توحيد الخلّاق في جواب أه_ل العراق على محمّد بن عبدالوه_اب: لعبد الله أفندي الراوي، مخطوط في جامعة كمبردج/ لندن باسم ردّ الوهابية، ومنه نسخة في مكتبة الأوقاف/ بغداد.

32. جلال الحقّ في كشف أحوال أشرار الخلق: للشيخ إبراه_يم حلمي القادري الإسكندري، مطبوع.

33. الجوابات في الزيارة: لابن عبد الرزاق الحنبلي.

34. حاشية الصاوي على الجلالين: للشيخ أحمد الصاوي المالكي.

35. الحقّ المبين في الردّ على الوه_ابيين. للشيخ أحمد سعيد الفاروقي السره_ندي النقشبندي، المتوفّى سنة 1277ه .

36. الحقائق الإسلامية في الردّ على المزاعم الوهابية بأدلّة الكتاب والسنّة النبوية: لمالك ابن الشيخ داود، مدير مدرسة العرفان بمدينة كوتبالي بجمهورية مالي الأفريقية، مطبوع.

37. الحقيقة الإسلامية في الردّ على الوهابية: لعبد الغني بن صالح حمادة، مطبوع

38. الدرر السنيّة في الردّ على الوهابية: للسيد أحمد بن زيني دحلان ،. مفتي مكة الشافعي، المتوفّى سنة 1304ه_، مطبوع.

39. الدليل الكافي في الردّ على الوهابي: للشيخ مصباح بن أحمد شبقلو البيروتي، مطبوع.

40. الرائية الصغرى في ذمّ البدعة ومدح السنّة الغرّاء: نظم الشيخ يوسف النبه_اني البيروتي، مطبوع.

41. الردّ الكبير على مزاعم إلهي ظهير (دراسة نقدية لكتابه الشيعة وأهل البيت:): لجنة التأليف في مركز الزهراء الإسلامي، الدكتور السيد جاسم الموسوي، السيد حاتم

ص 107

البخاتي، الشيخ علي الخزاعي، الشيخ شاكر الساعدي، مطبوع.

42. ردّ المحتار على الدر المختار: لمحمّد أمين الشه_ير بابن عابدين الحنفي الدمشقي، مطبوع.

43. الردّ على ابن عبدالوه_اب: لشيخ الإسلام بتونس إسماعيل التميمي المالكي، المتوفّى سنة 1248ه، وه_و في غاية التحقيق والإحكام، مطبوع في تونس.

44. ردّ على ابن عبدالوه_اب: للشيخ أحمد المصري الأحسائي.

45. ردّ على ابن عبدالوه_اب: للعلامة بركات الشافعي الأحمدي المكّي.

46. الردّ على الوهابية: لإبراه_يم بن عبد القادر الطرابلسي الرياحي التونس_ي المالكي، من مدينة تستور، المتوفّى سنة 1266ه.

47. الردّ على الوهابية: لأبي حفص عمر المحجوب، مخطوط بدار الكتب الوطنية/ تونس، برقم 2513، ومصوّرته_ا في معه_د المخطوطات العربية/ القاه_رة، وفي المكتبة الكتانية، الرباط برقم 1325 ك.

48. الردّ على الوهابية: لعبد المحسن الأشيقري الحنبلي، مفتي مدينة الزبير بالبصرة.

49. الردّ على الوهابية: لقاضي الجماعة في المغرب ابن كيزان، مخطوط بالمكتبة الكتانية/ الرباط، برقم 1325 ك.

50. الردّ على الوهابية: للشيخ المخدوم المه_دي، مفتي فاس.

51. الردّ على الوهابية: للشيخ صالح الكواش التونسي، وه_ي رسالة مسجعة نقض به_ا رسالة لابن عبد الوه_اب، مطبوع.

52. الردّ على الوهابية: للشيخ محمّد صالح الزمزمي الشافعي، إمام مقام إبراه_يم بمكة المكرمة.

53. الردّ على محمّد بن عبدالوه_اب: للشيخ عبدالله القدومي الحنبلي النابلسي، عالم الحنابلة بالحجاز والشام، المتوفّى سنة 1331ه. ردّ عليه في مسألة الزيارة ومسألة التوسّل بالأنبياء والصالحين، وقال: إنه مع مقلّديه من الخوارج، وقد ذكر ذلك في رسالته "الرحلة

ص 108

الحجازية والرياض الإنسية في الحوادث والمسائل، مطبوع.

54. الردّ على محمّد بن عبدالوه_اب: لمحمد بن سليمان الكردي الشافعي، أستاذ ابن عبدالوه_اب وشيخه.

55. الردود على محمّد بن عبد الوه_اب: للشيخ المحدّث صالح الفلاني المغربي.

56. الرسالة الردّية على الطائفة الوهابية: لمحمّد عطاء الله المعروف بعطا الرومي، من كوزل حصار.

57. الرسالة المرضية في الردّ على من ينكر الزيارة المحمّدية: لمحمّد السعدي المالكي.

58. رسالة في الردّ على الوهابية: للشيخ قاسم أبي الفضل المحجوب المالكي.

59. رسالة في تأييد مذه_ب الصوفية والردّ على المعترضين عليه_م: للشيخ سلامة العزامي، المتوفى سنة 1379ه، مطبوعة.

60. رسالة في تصرّف الأولياء: للشيخ يوسف الدجوي، مطبوعة.

61. رسالة في جواز الاستغاثة والتوسّل: للسيد يوسف البطاح الأهدل الزبيدي نزيل مكّة المكرمة؛ أورد فيه_ا أقوال العلماء من المذاه_ب الأربعة، ثم قال: «ولا عبرة بمن شذَّ عن السواد الأعظم، وخالف الجمه_ور، وفارق الجماعة فه_و من المبتدعة».

62. رسالة في جواز التوسّل في الردّ على محمّد بن عبدالوه_اب: للعلّامة مفتي فاس الشيخ مهدي الوازناني.

63. رسالة في حكم التوسّل بالأنبياء والأولياء: للشيخ محمّد حسنين مخلوف العدوي المصري، وكيل الجامع الأزه_ر، مطبوعة.

64. رسالة في مشاجرة بين أه_ل مكة وأه_ل نجد في العقيدة: للشيخ محمّد ابن ناصر الحازمي اليمني، المتوفّى سنة 1283ه، مخطوط في المكتبة الكتانية/ الرباط " برقم 30/ 1 ك مجموعة.

65. روض المجال في الردّ على أه_ل الضلال: للشيخ عبدالرحمن اله_ندي الدلهي الحنفي، مطبوع في جدّة سنة 1327ه.

ص 109

66. سبيل النجاة من بدعة أهل الزيغ والضلالة: للقاضي عبدالرحمن قوتي.

67. سعادة الدارين في الردّ على الفرقتين: الوهابية، ومقلّدة الظاه_رية: لإبراه_يم بن عثمان بن محمّد السمنودي المنصوري المصري، مطبوع في مصر سنة 1320ه، في مجلدين.

68. سناء الإسلام ف_ي إعلام الأنام بعقائد أه_ل البيت الكرام ردّاً على عبدالعزيز النجدي فيما ارتكبه من الأوه_ام: لإسماعيل بن أحمد الزيدي.

69. السيف الباتر لعنق المنكر على الأكابر: للسيّد علوي بن أحمد الحداد، المتوفّى سنة 1222ه.

70. السيوف الصقال في أعناق من أنكر على الأولياء بعد الانتقال: لعالم من بيت المقدّس.

71. السيوف المشرقية لقطع أعناق القائلين بالجه_ة والجسمية: لعلي بن محمّد الميلي الجمالي التونسي المغربي المالكي.

72. شرح الرسالة الردّية على طائفة الوهابية: للشيخ محمّد عطاء الله بن محمّد بن إسحاق شيخ الإسلام الرومي، المتوفّى سنة 226 1ه.

73. الصارم اله_ندي في عنق النجدي: للشيخ عطاء المكي.

74. صدق الخبر في خوارج القرن الثاني عش_ر في إثبات أنّ الوهابية من الخوارج: للشريف عبدالله بن حسن باشا بن فضل باشا العلوي الحسيني الحجازي، أمير ظفار، طبع باللاذقية.

75. صلح الإخوان في الردّ على من قال على المسلمين بالش_رك والكفران، في الردّ على الوهابية لتكفيره_م المسلمين: للشيخ داود بن سليمان النقشبندي البغدادي الحنفي، المتوفّى سنة 1299ه.

76. الصواعق الإله_ية في الردّ على الوهابية: للشيخ سليمان بن عبدالوه_اب شقيق المبتدع محمّد بن عبد الوه_اب، مطبوع.

77. الصواعق والرعود: للشيخ عفيف الدين عبدالله بن داود الحنبلي، قال العلّامة

ص 110

علوي بن أحمد الحداد: (كتب عليه تقاريظ أئمة من علماء البصرة وبغداد وحلب والأحساء وغيره_م تأييداً له وثناء عليه).

78. ضياء الصدور لمنكر التوسّل بأه_ل القبور: ظاه_ر شاه ميان بن عبد العظيم ميان، مطبوع.

79. العقائد التسع: للشيخ أحمد بن عبد الأحد الفاروقي الحنفي النقشبندي، مطبوع.

80. العقائد الصحيحة في ترديد الوهابية النجدية: لحافظ محمّد حسن السره_ندي المجددي، مطبوع.

81. عقد نفيس في ردّ شبه_ات الوهّ_ابي التعيس: لإسماعيل أبي الفداء التميمي التونسي، الفقيه المؤرّخ.

82. غوث العباد ببيان الرشاد: للشيخ مصطفى الحمامي المصري، مطبوع.

83. فتنة الوهابية: للشيخ أحمد بن زيني دحلان، المتوفّى سنة 1304ه، مفتي الشافعية بالحرمين، والمدرّس بالمسجد الحرام في مكة، وه_و مستخرج من كتابه الفتوحات الإسلامية المطبوع بمصر سنة 1354ه، مطبوع.

84. فرقان القرآن: للشيخ سلامة العزامي القضاعي الشافعي المص_ري، ردّ فيه على القائلين بالتجسيم ومنه_م ابن تيمية و الوهابية، مطبوع.

85. فصل الخطاب في الردّ على محمّد بن عبدالوه_اب: للشيخ سليمان بن عبدالوه_اب شقيق محمّد مؤسس الوهابية، وه_ذا أوّل كتاب ألّف ردّاً على الوهّ_ا بية.

86. فصل الخطاب في ردّ ضلالات ابن عبدالوه_اب: لأحمد بن علي البص_ري، الشه_ير بالقبّاني الشافعي.

87. الفيوضات الوه_بية في الردّ على الطائفة الوهابية: لأبي العباس أحمد بن عبد السلام البناني المغربي.

88. قصيدة في الردّ على الصنعاني الذي مدح ابن عبدالوه_اب: من نظم السيد مصطفى المصري البولاقي، عدّة أبياته_ا (126) بيتاً، مطلعه_ا:

ص 111

بحمد وليّ الحمد لا الذمّ أستبدي وبالحقّ لا بالخلق للحقّ أسته_دي

89. قصيدة في الردّ على الصنعاني في مدح ابن عبدالوه_اب: من نظم الشيخ ابن غلبون الليبي، عدّة أبياته_ا (40) بيتاً، مطلعه_ا:

سلامي على أه_ل الإصابة والرشدِ وليس على نجد ومن حلّ في نجد

90. قصيدة في الردّ على الوهابية: للشيخ عبد العزيز القرشي العلجي المالكي الأحسائي، عدّة أبياته_ا، (95) بيتاً، مطلعه_ا:

ألا أيّه_ا الشيخ الذي باله_دى رُمي سترجع بالتوفيق حظّاً ومغنما

91. قمع أه_ل الزيغ والإلحاد عن الطعن في تقليد أئمة الاجته_اد: لمفتي المدينة المنوّرة المحدّث الشيخ محمّد الخضر الشنقيطي، المتوفّى سنة 1353 ه .

92. محق التقوّل في مسألة التوسّل: للشيخ محمّد زاه_د الكوثري.

93. المدارج السنيّة في ردّ الوهابية: للشيخ عامر القادري، معلّم بدار العلوم القادرية، كرا تشي، مطبوع.

94. مصباح الأنام وجلاء الظلام في ردّ شبه البدعي النجدي التي أضلّ به_ا العوام: للسيّد علوي بن أحمد الحداد، المتوفّى سنة 1222ه ، طبع بالمطبعة العامرة بمصر 1325ه .

95. مع الدكتور علي السالوس في كتابه (مع الاثني عشرية في الأصول والفروع): تأليف السيد د. جاسم الموسوي، الشيخ د. شاكر الساعدي، نشر مركز الزهراء الإسلامي، طبع بيروت 1429ه .

96. المقالات الوفيّة في الردّ على الوهابية: للشيخ حسن قزبك، مطبوع بتقريظ الشيخ يوسف الدجوي.

97. المقالات: للشيخ يوسف أحمد الدجوي، أحد كبار مشايخ الأزه_ر، المتوفى سنة 1365ه .

98. المنح الإله_ية في طمس الضلالة الوهابية: للقاضي إسماعيل التميمي التونسي، المتوفّى سنة 1248ه . مخطوط بدار الكتب الوطنية في تونس رقم 2785، ومصوّرته_ا في معه_د

ص 112

المخطوطات العربية/ القاه_رة.

99. المنحة الوه_بيّة في الردّ على الوهابية: للشيخ داود بن سليمان النقشبندي البغدادي، المتوفّى سنة 1299ه . طبع في بومباي سنة 1305ه .

100. المنه_ل السيّال في الحرام والحلال: للسيّد مصطفى المصري البولاقي.

101. نصيحة جليلة للوه_ابية: للسيد محمّد طاه_ر آل ملا الكيالي الرفاعي، نقيب أشراف إدلب، وقد أرسله_ا له_م، طبع بادلب.

102. النقول الشرعية في الردّ على الوهابية: للشيخ مصطفى بن أحمد الشطي الحنبلي الدمشقي، طبع في إستانبول 1406ه .

103. يه_ودا لا حنابلة: للشيخ الأحمدي الظواه_ري، شيخ الأزه_ر.

أقول: هذا غيض من فيض، وما لم نذكره أكثر بكثير ممّا ذكرناه، ومن طلب المزيد فعليه بمراجعة ما جمع في معجم المؤلّفات الإسلامي في الردّ على الفرقة الوهابية، لمؤلفه عبدالله محمّد علي، نشر مركز الزهراء الإسلامية، حيث قام صاحبه بتصنيف هذه المؤلّفات بحسب الترتيب الهجائي في اللغة العربية، ولنعم ما فعل مؤلّفه، حيث قام بجمع (822) مصنّفاً من التراث الإسلامي في مجلد واحد؛ بهدف التسهيل على الباحث والمحقق والطالب للحقيقة في الوصول إلى مطلوبه في هذا المجال، نسأل الله تعالى له التوفيق، وأن يجعل له هذا السفر المبارك صدقة جارية، وعملاً ينتفع به.

الباب الثاني الدمشقية والافتراءات على الشيعة الإمامية

توطئة

اشارة

ص 113

الباب الثاني الدمشقية والافتراءات على الشيعة الإمامية

ص: 114

ص 115

توطئة

وبعد هذه المقدّمة الطويلة، نعود إلى ما ظهر به الشيطان من جديد وسط الأمّة الإسلامية، من خلال تجلّيه بشيخ من شيوخ الوهابية المعاصرين، ليجدد بذلك العهد بفضيحة أسلافه، بواسطة دعوة بائسة خائرة، ليرمي بدائها غيره وينسل عنها، وكأنّه نسى نفسه، وقول الآخرين فيه وفي حركته المبتدعة (الوهابية)، التي باتت اليوم تمثّل بؤرة الإرهاب ونقمة الشيطان من ولد آدم؛ إذ نجدهم اليوم يقومون بإيعاز من المخابرات الماسونية المعاصرة بشن الحرب وقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ والنساء، مضافاً إلى إثارة الفتنة والنزاع بين الشعوب الإسلامية باسم الإسلام والدعوة إلى توحيده؛ ليسهل الطريق أمام أسيادها لاحتلال البلدان ونهب خيراتها والقضاء على شرفائها وتدمير اقتصادها، كلّ ذلك وهم يتذرّعون بحجّة الدفاع عن المستضعفين في هذه البلاد، وحماية حقوق الناس وحرياتهم، تذرّعات بدت واضحة منكشفة للناس، وأصبحت سلعة بائرة لا تنطلي حتّى على عوام الناس، فضلاً عن علمائهم؛ ولكن أنى للشعوب أن تدافع عن نفسها وتحمي دينها وعدوّها من أهلها، حتّى باتت معاقر هؤلاء قواعد ومعاقل لقوى الإرهاب الديني والاستكبار العالمي المستعمر للبلدان، فها هي دعاة العرب وحماة الأوطان تجعل من أراضيها واقتصاد بلدها لقمة سائغة لضرب الأبرياء، وقتل الأطفال والنساء، وواقع الأمّة الإسلامية وما تعانيه اليوم أكبر شاهد على هذه الحقيقة، فما هو برواية حتّى يقال: ضعيفة، ولا حادثة تاريخية فيقال: أسطورة قد وضعتها الأقلام المأجورة، بل هي حقائق واقعية خارجية ما زلنا نعيشها

ص 116

اليوم وعلى أرضنا الإسلامية المحتلّة.

وها هي الوهابية تعيد أيام أسلافها في الحجاز يوم انقلبت على الأمّة الإسلامية، وقتلت أشرافها وعلماءها وخير أبنائها، ونهبت أموالها، وسبيت نسائها، ثم تلتها غارات على اليمن والعراق ومصر، فما أشبه اليوم بأمس، حيث قامت بقتل الأبرياء وقطع رؤوسهم بمشاهدة العيان؛ بحجّة الدفاع عن الدين والتوحيد، وهي بذلك تخدم الصهاينة والأمريكان، الذين يقاتلون جنباً إلى جنبها.

فماذا يريد الدمشقية بدعوته المكذوبة على الأمّة الإسلامية، التي ما برحت ساستها وقادتها تلامس يدها يد الاحتلال، وقتلة الشعوب والأبرياء، في حين أن ما تلقطه الكاميرا اليوم من الصور الواضحة، أصبحت تفضح أسياده، وتكذب أحدوثته.

وها هي فلسطين تستنجد بهم فلا منجد لها، وها هم يجالسون عدوّهم، ويتخنّعون له بتقديم أحسن المساعدات المادية والمعنوية، ثمّ يفتي وعّاظهم بتحريم قتالهم، وتحريم من يدعو بالنصر لمن يقاتلهم.

هذا هو عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية، يسفر عن وجه القناع، ليؤازر الوجوه الراضية بفعل اليهود مع ما يعملونه بالمسلمين، ثمّ لا يخجل من ذلك كلّه، فيقوم بتأليف كتاب يريد به أن يكون شاهداً تاريخياً باقياً على فضيحة نفسه وبعض أسلافه وأسياده، وإثارة ما بقي مدفوناً مستوراً، ولو لم يدعونا لكشفه لكان أفضل له ولأهله.

نبذة مختصرة عن حياة الدمشقية وعقيدته

هو عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية، من سكّان شارع حمد في بيروت، اشتهر عند أهل شارعه بأنّه عصبي المزاج سريع الغضب، يحقد على أمّه المطلّقة حقداً شديداً إلى درجة أنّه أراد ضربها أكثر من مرة.

نشأ عبدالرحمن دمشقية في المجتمع البيروتي متعلّق القلب بالنساء والشهوات، وكان عضواً في فرقة موسيقية تقيم حفلات الرقص... بقي فترة طويلة من حياته ينتقل من حزب

ص 117

إلى آخر، ثمّ طرد من أزهر لبنان في العام 1972م، بسبب فعلته الشنيعة من الشذوذ، وقد اعترف بذلك على شريط مسجّل مع الشيخ جهاد الكوسا(1)، الذي كان معه على مقاعد الدراسة، وقد حاول أبوه انتشاله من بين مخالب أهل السوء، فصحبه معه إلى فرنسا آنذاك، واستأجر له شقّة بغية أن يعاونه في تجارة السيارات، فتحوّلت هذه الشقّة إلى مركز للرقص والدعارة، وما لبث أبوه أن أقفلها وأرسله إلى لبنان بعد أن علم بذلك، فسافر بعد ذلك إلى السعودية وتعرّف على الحركة الوهابية المتطرّفة؛ ليكون مروّجاً لها ولعقيدتها عقيدة التشبيه، ويتّصل من خلال لقاءاته المتعددة برؤسائها في بعض الدول الأوروبية(2).

نسخة من الحكم بطرد عبدالرحمن بن محمّد سعيد دمشقية من أزهر لبنان

عقيدة الدمشقية في الله تعالى


1- وقد قمنا بنقل نسخة من الحكم الصادر بحقّه من أزهر لبنان كشاهد على هذه الحقيقة، الذي قام بنش_ره موقع أهل السنّة والجماعة.
2- اُنظر: http ://alqudaih.ws/vb/showthread.php

ص 118

لقد صرّح أحد أتباعهم المدعو عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية اللبناني في بعض كتبه التي ألّفها بإيعاز وتمويل من أسياد الوهابية بأنّه لا يجوز القول بأنّ الله لا يتغيّر، وأدّعى أنّ قائله مبتدع، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، فكلّ عاقل يعرف أنّ التغيّر دليل الحدوث؛ لذا يقول المسلمون: سبحان الله الذي يُغير و لا يتغيّر.

وفي كتاب المنهاج القويم شرح شهاب الدين أحمد بن حجر الهيثمي على المقدّمة الحضرمية يقول: «واعلم أنّ القرافي وغيره حكوا عن الشافعي ومالك وأحمد و أبي حنيفة رضي الله عنهم القول بكفر القائلين بالجهة والتجسيم، و هم حقيقون بذلك»(1).

و مثل ذلك قال الإمام جعفر الصادق فيما رواه عنه القشيري في رسالته:

من زعم أن الله في شيء، أو من شيء، أو على شيء، فقد أشرك؛ إذ لو كان على شيء لكان محمولا، ولو كان في شيء لكان محصوراً، ولو كان من شيء لكان محدثاً. (2).

وهذا المعتقد الحقّ الذي نقل الإجماع عليه أيضاً إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك في كتابه الإرشاد حيث يقول: «مذهب أهل الحقّ قاطبة أنّ الله سبحانه وتعالى يتعالى عن الحيّز و التخصص بالجهات»(3).

وقال الإمام الكبير عبد القاهر بن طاهر التميمي البغدادي في الفرق بين الفرق: «وأجمعوا على أنّه لا يحويه مكان و لا يجري عليه زمان» (4).

و قال الإمام شيخ أهل السنّة و الجماعة بلا منازع الحافظ أبو الحسن الأشعري في كتابه النوادر: «من اعتقد أنّ الله جسم فهو غير عارف بربّه، وأنّه كافر به»(5).

و قال الإمام المتولي الشافعي في كتابه الغنية: «أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع


1- المنهاج القويم، شرح شهاب الدين ابن حجر الهيثمي على المقدّمة الحضرمية، ص224.
2- راجع: رسالة القشيري، ج1، ص5.
3- كتاب الإرشاد، الإمام الجويني، ص58.
4- الفرق بين الفرق، الخطيب البغدادي، ص333.
5- نقلاً عن: الشفا بتعريف حقوق المصطفي، القاضي عياض، ج2، ص277.

ص 119

كالألوان، أو أثبت له الاتّصال و الانفصال، كان كافراً»(1).

و قال الشيخ عبد الغنى النابلسي في كتاب الفتح الرباني: «من اعتقد أنّ الله ملأ السماوات و الأرض، أو أنّه جسم قاعد فوق العرش فهو كافر و إن زعم أنّه مسلم»(2).

وفي كتاب (مجموع الفتاوى) وكتاب (شرح حديث النزول) قال: «فما جاءت به الآثار عن النبي من لفظ القعود و الجلوس في حقّ الله تعالى كحديث جعفر بن أبي طالب و حديث عمر أولى أن لا يماثل صفات العباد» (3).

وقال في الصحيفة ذاتها يقول: «إذا جلس تبارك و تعالى على الكرسي سمع له أطيط كأطيط الرحل الجديد».

وهذا الكتاب المسمّى (شرح حديث النزول) فيه بيان شدّة فساد كلام ابن تيمية وبُعده عن الحقّ، وهو كتاب مطبوع في الرياض سنة 1993رومية، قام بطبعه دار العاصمة، و علّق عليه محمّد الخميس الذي يوافقه في التشبيه والتجسيم.

واعلم أنّ لفظة الجلوس لم يرد إطلاقها على الله لا في القرآن و لا في الحديث من بدع ابن تيمية الكفرية وأتباعه الوهابية المشبّهة ومن وافقهم. وفي كتاب الدارمي(وهو عثمان بن سعيد الدارمي) وهذا المشبّه توفّى سنة 280ه ، و هو غير الإمام الحافظ السنّي أبي محمّد عبدالله بن بهرام الدارمي، صاحب كتاب السنن الذي توفّى سنة 255ه، فلينتبه لهذا.

وفي تفسير جامع البيان للطبري، نقل رواية عبدالله بن خليفة أنّه: «قال: أتت امرأة النبي9، فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة ! فعظم الرب تعالى ذكره، ثم قال:و إنّ كرسيه وسع السماوات و الأرض، و إنه ليقعد عليه فما يفضل منه إلّا قدر أربع أصابع، و أنّ له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد من ثقله»(4).


1- نقلاً عن: الروضة، النووي، ج10، ص64.
2- الفتح الرباني، ص124.
3- مجموع الفتاوى، ج5، ص527؛ شرح حديث النزول، ص400.
4- جامع البيان، ج3، ص16.

ص 120

وعجيب أمر هؤلاء وأرباب الجرح والتعديل كيف يسوغ لهم نسبة هذا القول إلى النبي مع أنّه صريح بالتجسيم؟! إلّا إذا كانوا يرون ذلك أيضاً، فهذا أمر آخر، كما مرّ علينا تصحيح الهيثمي في مجمعه لمثل هذه الرواية.

وفي الكتاب عينه يفتري الدارمي على رسول الله أنّه قال: «آتي باب الجنّة فيفتح لي، فأرى ربّي و هو على كرسيه، تارة يكون بذاته على العرش، وتارة يكون بذاته على الكرسي»(1).

وفي كتاب معارج القبول لحافظ الحكمي يقول: «قال النبي: إنّ الله ينزل إلى السماء الدنيا و له في كلّ سماء كرسي، فإذا نزل إلى السماء الدنيا مد ساعديه، فإذا كان عند الصبح ارتفع فجلس على كرسيه».(2)

وقال أيضاً _ والعياذ بالله _: «قال النبي: ثمّ ينظر _ يعني الله _ في الساعة الثانية في جنّة عدن، و هو مسكنه الذي يسكن».(3)

وفي الكتاب المسمّى (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)، يقول حفيد محمّد بن عبد الوهاب موافقاً عقيدة أسلافه: «قال الذهبي: حدّث وكيع عن إسرائيل بحديث: إذا جلس الربّ على الكرسي»(4).

والحاصل: أنّ القول بالتجسيم الذي نسمعه من بعض أتباع هذه الجماعة المعاصرين، فإنّما هو يناغم أقوال أسلافهم في الاعتقاد بمثل هذه العقيدة الفاسدة، كما نقلنا لك عن بعضهم قبل قليل، وهو قول مخالف لصريح النقل والعقل، والعلم الحديث، الذي لا يرى ثباتاً وبقاءً ودواماً للموجود المادي الجسماني، بل الثابت هو أنّه في تغير وحدوث دائم، ومثل ذلك لا يصح إطلاقه على المولى تبارك وتعالى المنزّه كلّ التنزّه عن التغيّر والتبدّل والحدوث بأيّ شكل من الأشكال، بكيف كان أو بلا كيف التي حاول البعض الهروب بها من وصمة التجسيم، حيث نسب له اليد والوجه ونحوها من الأعضاء بلا كيف، والمولى بصريح قوله يقول لهم ولجميع المجسّمة: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

الفصل الأول الدمشقية والموقف المناصر لإسرائيل

جهل أم عداء ؟

الدمشقية يشن حرباً على من حارب إسرائيل اللقيطة

اشارة

1- سنن الدارمي، عبدالله بن بهرام، ص71.
2- معارج القبول، ج1، ص235.
3- المصدر السابق، ص236.
4- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمّد بن عبدالوهاب، ص356.

ص: 121

ص: 122

ص 123

إنّ افتتاح الدمشقية كتابه بهذه الدعوة الخائرة البائسة، يكشف عن مكنون حبّه وواقع اتّباعه وتبعيّته لأكبر عدو قد عرفه التاريخ البشري للدين والأمّة الإسلامية، بل للشعوب الإنسانية جمعاء.

ثم إنّه لم يكتف بما أفضح الله تعالى بعض أسياده وكبار مذهبه وأهل جماعته، بشنيع موقفهم المخجل أمام العالم الثالث الذي تعاطف بجميع أطيافه، مسلمهم وكافرهم، مع هذه الثلّة المجاهدة المخلصة (حزب الله)، التي بقيت تدافع عن أرضها بإيمان راسخ وعقيدة صلبة وتوكّل على الله تعالى، على الرغم من عدم وجود التكافؤ في العدّة والعدد؛ فإسرائيل تمثّل من حيث العدّة والعدد ووسائل الحرب الحديثة من اللحاظ المادي _ مضافاً إلى من يقف وراءها_ أخطر كيان عسكري في الشرق الأوسط، يهدد المنطقة بأسرها، وها هي ومنذ عام 1948م محتلّة للأرض العربية، متجاوزة بذلك كلّ القوانين والأعراف الدولية والمبادئ والقيم الإنسانية، ومع ذلك لا تجد من يقف بوجهها من قادة العرب وعلماء الوهابية، بل إذا كان هناك موقف من علماء الوهابية فهو للفتوى لصالح اليهود، وللتحريض على المسلمين والمجاهدين.

وهكذا فقد بدأت الحرب على جنوب لبنان العربية المسلمة، ولكن لم نسمع منهم كلمة، أو نشاهد منهم موقفاً مشرفاً إزاء الحرب المفروضة على اللبنانيين في الجنوب، بل العكس

ص 124

سمعناه من أهل الفتيا في السعودية، بتحريمهم الدعاء للمؤمنين بالانتصار، فضلاً عن الدعوة إلى الوقوف إلى جنبهم، والمشاركة معهم بالمال والنفس، وحجّتهم في ذلك أنّ هذا الحزب (حزب الله) من أتباع أهل البيت: المشركين، وهم بحربهم وتصدّيهم ودفاعهم عن أراضيهم يقاتلون اليهود، الذين هم أصحاب الكتاب، فأخزى الله تعالى هؤلاء الدعاة وأصحاب الرأي والفتوى، وأظهر أمرهم، وفضح سرّهم، وكشف سريرتهم، وبيّن عداءهم للإسلام والمسلمين، حتّى أصبح واضحاً للقريب والبعيد، لمن يعرف إسرائيل ولمن لا يعرفها، ولمن يعرف حزب الله لبنان ولمن لا يعرفه، ولمن يعرف الوهابية ولمن لا يعرفها، كالذين انخدعوا بزخرف قولها قبل ذلك.

ولكن هذه الحرب المفروضة قامت بوضع النقاط على الحروف، وأدّت دورها في التعريف بحقيقة هذا الحزب، ودوره النضالي، وصدق نواياه تجاه وطنه ودينه وأبناء أمّته الإسلامية، كما أنّها كشف عن زيف المدعيات والشعارات، التي كانت تطلقها الوهابية قبل هذه الحرب.

فتأمّل في فتوى ابن جبرين المرقمة برقم (15903) بتاريخ (21/6/1427ه 17/07/ 2006م) في جواب لسؤال وجّه له، وكان نصّه:

قال السائل: «هل يجوز نصرة (ما يسمّى) حزب الله الرافض_ي؟ وهل يجوز الانضواء تحت إمرتهم؟ وهل يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين؟ وما نصيحتكم للمخدوعين بهم من أهل السنّة؟»

الجواب:

قال ابن جبرين: «لا يجوز

نصرة هذا الحزب الرافض_ي ولا يجوز الانضواء تحت إمرتهم ولا يجوز الدعاء لهم بالنصر والتمكين ونصيحتنا لأهل السنّة أن يتبرأوا

ص 125

منهم، وأن يخذلوا من ينضمّوا إليهم، وأن يبيّنوا عداوتهم للإسلام والمسلمين، وضررهم قديماً وحديثاً على أهل السنّة، فإنّ الرافضة دائماً يضمرون العداء لأهل السنّة، ويحاولون بقدر الاستطاعة إظهار عيوب أهل السنّة والطعن فيهم والمكر بهم، وإذا كان كذلك فإنّ كلّ من والاهم دخل في حكمهم، لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)» (1).

وقد تلقّت إسرائيل هذه الفتوى بسرور كبير؛ إذ تعدّ ذلك موقفاً مناصراً لها في حربها مع حزب الله في جنوب لبنان، ولكي تكون تلك الفتوى ذريعة تتذرّع بها في مواقفها الإجرامية ضدّ المسلمين، وبالخصوص المؤمنين في جنوب لبنان، حيث قامت بنشر هذه الفتوى في صحفتها وإعلامها، حيث جاء فيها:

»Wahhabi cleric in Saudi Arabia issues scathing fatwa against Hizbullah

رجل دين وهابي في السعودية يصدر فتوى قاسية جدّاً ضدّ حزب الله

A leading Wahhabi cleric in Saudi Arabia has issued a scathing fatwa against Hizbullah, Fox news reported. Sheik Abdullah bin Jabreen declares it against Muslim Sharia law to support, join ,or even pray for the terror group, writing, "our advice to the Sunnis is to denounce them and shun those who join them to show their hostility to Islam and to the Muslims."

The New York Sun reports that the fatwa also condemns Iran for funding and supporting Hezbollah to further what Jabreen called its imperial ambitions. (Ynetnews(2) (

نعم، هناك من يرى إلى مثل هذه الفتاوى وئداً للفكر الوهابي، ومانعاً لانتشاره في الأوساط غير الإسلامية، فضلاً عن الأوساط الإسلامية، التي باتت تعرف ما عليه إسرائيل وما تخطط لأجله، فينبغي على كبار الوهابية أن يقفوا موقفاً آخراً إزاء هذه الحرب وإن كانت تصب


1- شبكة نور الإسلام http ://www.islamlight.net
2- رابط الخبر في الصحيفة الصهيونية يديعوت أحرونوت بالإنجليزي 17/07/ 2006م.

ص 126

بمصالحهم المتمثّلة بالقضاء على التواجد الشيعي الإمامي أينما كان، ولكن ليس في مثل هذه الظروف؛ لذا هبَّ الداعية الكبير سلمان العودة بالردّ على هذه الفتاوى التكفيرية؛ حفاظاً على ماء وجه الوهابية في الأوساط العالمية، كما تنم عليه كلمته، حيث وصف إسرائيل أوّلاً بأنّها: «العدو الإنساني المشترك الذي يدمّر كلّ مقوّمات الحياة». ثمّ عاد ثانياً ليظهر حقده على شيعة أهل البيت:، حيث قال: «إنّ هذا الوقت ليس وقت الخلاف والشقاق، فعدوّنا هم الصهاينة المجرمين، الذين لم يفرّقوا في عدوانهم حتّى بين الأطفال والمحاربين»(1).

ودعا في موقعه على الإنترنت إلى نصرة حزب الله في لبنان، الذي افتتح الدمشقية كتابه في التعريض به تبعاً لأسلافه ابن جبرين وغيره في وجوب محاربة التواجد الشيعي الإمامي، فقد جاء في هذه الدعوة الحثّ على: «مناصرة المقاومة المسلّحة لحزب الله في لبنان بكلّ وسيلة مشروعة»(2).

وانضم إلى ذلك بعض رجال الإسلام ومفكّريهم في الوقوف إلى جانب حزب الله، الذي يمثّل المقاومة الإسلامية النزيهة الملتزمة، التي لم يسمع عنها في يوم من الأيام أنّها قامت بحصد أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ في بلد من البلدان، كما نسمع في هذه الأعوام الأخيرة التجاوزات اللامسؤولة واللاشرعية واللاإنسانية لما تسمّي نفسها بالمقاومة الإسلامية التابعة لما يعرف بتنظيم القاعدة الوهابي في أفغانستان وباكستان والعراق بوجه خاص، حيث لم يبقَ شيء خفي على القاصي والداني، حيث أصبح القتل فيه على الهوية، بلا فرق كون المقتول من شيعة آل البيت: طفلاً أو امرأة أو شيخاً طاعناً بالسن، والمشاهد والأحداث طيلة الأيام المنصرمة من عام 2003 _ 2010م خير شاهد ودليل على ذلك، وقد كان من بين أبشع الجرائم التي ارتكبت في حقّ الإنسانية، والتي تذكّرنا بالمجازر الوحشية في التاريخ الإنساني، هي مجزرة حي العامل التي قام بها أحد الوهابيين الانتحاريين التابعين لتنظيم القاعدة في العراق بتفجير نفسه وسط مجموعة من أطفال الشيعة الأبرياء الذين كانوا


1- اُنظر: موقع الداعية الوهابي سلمان العودة.
2- اُنظر: المصدر السابق.

ص 127

يلعبون ويمرحون في ساحة لهم في حي العامل في بغداد، حيث خلّف وراءه أربعين شهيداً بريئاً يسبحون بدمائهم الزكية، وأجسادهم موزّعة في بركة من الدماء الطاهرة (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ). [الشعراء: 227].

فهذه وغيرها من الجرائم التي نسمع أصداءها، ونشاهد صورها عبر القنوات الإعلامية العراقية، تحكي عن وحشية هذه الجماعة، وبشاعة صورتها، وانحطاط فكرها، وفساد دعوتها للجميع.

ومن جملة الفتاوى المناهضة أيضاً لفتوى ابن جبرين، ما ذكره بعض:

قال المفتي رجب أبو الملح:

إثارة للشبهات، التي تستر وراءها عجزاً بغيضاً، وهي بمثابة ورقة التوت التي يستر كثير من الناس بها عورته بعد أن فضحته الأحداث، وتركته عارياً لا يستطيع أن يستتر بشيء.. أمّا هؤلاء الذين يتعلّقون بالأوهام، ويسترون فشلهم وتخاذلهم بهذه الأشياء، فقد أصبحت دعواهم مكشوفة لكلّ ذي عقل(1).

وأمّا القرضاوي فقد وصف المقاومة في ردّه على مثل هذه الفتاوى اللاشرعية، حيث قال: «إنّ هذه المقاومة تمثّل واحدةً من أنبل مواقف هذه الأمّة في القديم والحديث، ومن الواجب على كلّ فردٍ منَّا، حكَّاماً ومحكومين، أن يقدِّم لها ما يستطيع من دعم»(2).

وقال أيضاً على موقعه الإلكتروني:

إنّ المقاومة اللبنانية جهاد شرعي، وتمثّل أشرف مقاومة على الأرض مع شقيقتها بفلسطين، وأنّ الشيعة جزء من الأمّة الإسلامية، وواجب على كلّ مسلم نصرة هذه المقاومة ضدّ العدو الإسرائيلي(3).

أقول: وقد صدر منه هذا قبل الالتفاف عليه من قبل الوهابية، ليغيّر رأيه في الشيعة


1- نقلناه من موقع دبي، الإمارات العربية المتحدة التابع ل_ CNN 28/ 06/ 2006م.
2- اُنظر: موقع الشيخ يوسف القرضاوي.
3- اُنظر: المصدر السابق.

ص 128

الإمامية والصوفية، وبالخصوص الصوفية في مصر، التي باتت أصداؤها غير خفية على أحد.

وأمّا الاتّحاد العالمي لعلماء المسلمين فقد أصدر بياناً يبيّن فيه موقفه من هذه الحرب الإسرائيلية المدعومة ببعض الفتاوى الوهابية، جاء فيه بأنّ هذه المقاومة التي يبديها الحزب دفاعاً عن أرضه وبلاده مشروعة ومنسجمة مع القوانين الدولية:

مواقف المقاومة الباسلة في فلسطين ولبنان، بما تمثله من ممارسة مشروعة لحقِّ - بل واجب - مقاومة الاحتلال بجميع الصور، مؤكّداً أنّه الحقّ الذي يقرِّره الإسلام وسائر الشرائع الدينية، وتنصّ عليه شريعة جنيف وسائر قرارات الأمم المتحدة والمنظّمات الدولية(1)(2).

كما أنّ موقف الإخوان في مصر كان واضحاً ومناصراً للمجاهدين في جنوب لبنان، حيث جاء في بيانهم الذي أصدره محمّد مهدي عاكف، والذي ابتدأه بالردّ على الفتاوى التي تحرّم نصرة حزب الله، بقوله:

إنّ بعض الحكومات تحاول إخفاء عجزها عن دعم المقاومة، والتغطية على وقوفها إلى جانب العدوان الإسرائيلي، والتعنّت الأمريكي، من خلال إثارة مثل هذه الخلافات بين الشيعة والسنّة، ومن خلال القول: إنّ المقاومة تعمل لصالح إيران(3).

وأمّا موقف أمين حزب الله العلّامة السيّد حسن نصر الله، فقد بيّن من خلال البيان المتلفز عن طريق قناة المنار التابعة لحزب الله اللبناني، حيث كان في مقام الردّ على مثل هذه الفتاوى الداعمة لإسرائيل وأمريكا، حيث وصفها بأنّها: «تس_يء إلى وحدة الموقف، وإلى روحية المعركة (ضدّ إسرائيل)، معتبراً أنّها (تخدم عدوّنا وعدوّ بلدنا وأمّتنا)».

ولكن هذه الفتاوى لم تثن عزيمة المجاهدين في المقاومة والمواجهة، التي خرجت منها وهي مرفوعة الرأس؛ إذ بقي أتباع هذا الحزب يتصدّون بصلابة موقفهم وقوّة إيمانهم في الدفاع عن أراضيهم العربية الإسلامية في مقابل أكبر قوّة عسكرية طاغية ومتغطرسة يسندها الغرب والشرق، التي مضت عليها السنون وهي تنهش في جسد الإسلام والوطن


1- نقلناه من موقع دبي، الإمارات العربية المتحدة التابع ل_ CNN 28/ 06/ 2006م.
2- نقلناه من موقع دبي، الإمارات العربية المتحدة التابع ل_ CNN 28/ 06/ 2006م.
3- المصدر السابق.

ص 129

العربي، وتمتص دماء الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين، بقتلها الأبرياء من أبناء هذه الدول العربية الإسلامية، وحكّام العرب والمسلمين يتفرّجون عليها، إن لم نقل يقدّمون لها المساعدات المادية والمعنوية، كما هو واقع بعض ساسة هذه الدول، التي كشفت هذه الحرب مواقفهم المخزية في مساعدتهم لهذا العدو الغاشم.

والأدهى من هذا كلّه تجد في أوائل السابقين لتقديم المساعدة المعنوية لإسرائيل طيلة فترة هذه الحرب المفروضة _ التي خرج فيها أتباع مذهب أهل البيت: مكللين بالنصر وكس_ر شوكة المعتدين _ علماء الوهابية وأسيادهم _ حيث مرّ علينا ذكر بعضها _ لأجل حرمان الأمّة الإسلامية والعربية من مساعدة هؤلاء المجاهدين مادياً ومعنوياً، وبذلك كشفت المقاومة عن زيف شعاراتهم وشعارات إسرائيل التي تطلقها باسم حقوق الإنسان، وحفظ الحريات في ظل أسيادها في الغرب، والمدافعين عنها من أصحاب البترول في دول الخليج.

ولم تكن الأمّة الإسلامية بحاجة إلى أن يظهر قرن الشيطان في العص_ر الحاضر، بعدما عاشت وتذوّقت حلاوة الانتصار العظيم على أيدي ثلّة مؤمنة مجاهدة وصابرة شجاعة، وبعد أن أخزى الله تعالى الغدّة الس_رطانية (إسرائيل)، التي كانت وما زالت تنهش في جسد الأمّة وتمتص دماء أبنائها، وبعد كلّ هذا يقوم داعية الوهابية متجاهلاً وعي الأمّة الإسلامية، بإكمال مهمّة أسياده وأساتذته في التظليل والتحريف للحقائق والعقائد الحقّة، فانظر مثلاً إلى فتوى الألباني: «إنّ على الفلسطينيين أن يغادروا بلادهم و يخرجوا إلى بلاد أخرى، و إنّ كلّ من بقي في فلسطين منهم فهو كافر»(1).

نعم، لو كان عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية يعيش في حقبة زمنية غير زمن المعركة؛ لربّما وجد من يصدّقه من السّذج والجهلة الذين تخدعهم الشعارات المزيفة البرّاقة، كالذين انخدعوا فصدّقوا الكثير من الافتراءات والأكاذيب والدعوات المزعومة، التي رمت بها مذهب أهل البيت:.


1- اُنظر: جريدة اللواء اللبنانية بتاريخ 7 / 7 / 1993م، ص 16 ؛ و كتاب فتاوى الألباني جمع عكاشة عبدالمنان، ص 18.

ص 130

ولكن نقول له ولأسياده وأتباعه: لقد أصبح أمركم واضحاً في المنطقة العربية والإسلامية، كوضح الشمس في رابعة النهار، فلا فائدة بأن تقوموا بتجديد الخطاب الوهابي ضدّ هذه الجماعة المؤمنة بالله تعالى، والمتمسّكة بدينها، والمنتهجة لنهج نبيّها9 وأهل بيته الأطهار:، فلتسأل نفسها قبل غيرها، متى كانت محاربة لإسرائيل، واقفة إلى جنب إخوانها المؤمنين في فلسطين ولبنان وسوريا؟! ألم تكن فتاواها تقول بوجوب الخروج من القدس وتركه للصهاينة؟! هل عميت عينها عن مشاهدة المجازر الوحشية التي تقوم بها إسرائيل بذبح أبنائهم وقتل أطفالهم ونسائهم ورجالهم وشبابهم؟! نعم، ألم تقم إسرائيل باعتقال نسائهم وشيوخهم؟! وإسرائيل يوم بعد يوم توسّع من مستعمراتهم، ويهدم بيوت الفلسطينيين فوق رؤوسهم، فالتهجير مازال مستمر، والتجريف دائب لا يقف، والقتل باق متزايد...

فلماذا لا يفتي هؤلاء بإعلان الحرب على إسرائيل، أو بحرمة تقديم المعونة والمساعدة لها، أو بوجوب مقاطعتها مادياً ومعنوياً؟! أم أنّ هذا يعدّ هدماً لأهدافها وتقويضاً لأفكارها، وطرداً من قواعدها؟!

أين هو (الدمشقية) من صرخات الأمّهات الفلسطينيات، وهن _ كما يدّعي _ من أبناء ملّته وعلى دينه ومذهبه؟! فلماذا لا ينجدهن لو بفتوى _ كلمة _ يطلقها؟! أم أنّه يخاف من أسياده وأسيادها؟!

إلى متى تبقى هذه الجماعة (الوهابية) تنهش بجسد الأمّة بزرعها الفرقة وإثارة الفتنة، وعلماء المسلمين ساكتون عنها؟! هل ينتظرون حتّى تنقض على كراسيهم وتمارس الدور بدلهم في الفتيا والتبليغ؟ خصوصاً وهم يرونها أصبحت تتحكم بزمام الأمر؛ إذ هي اليوم تعيش تحت مظلّة أكبر دولة، وأوسعها رقعة، وأقواها اقتصاداً، بحيث أسست لها مجمع الفتيا باسم علماء المسلمين !! وا إسلاماه وا محمّداه... وعلى الإسلام السلام إن ابتليت الأمّة براع مثل هؤلاء.

وبعد كلّ هذه المقدّمة، فإنّني أضم رأيي إلى رأي العلّامة المجاهد السيّد حسن نص_ر الله

ص 131

أمين حزب الله، الذي هو رأي جميع علماء المسلمين في الوهابية التكفيرية، وأنّ ما قاله لم يكن من نفسه، بل هو بذلك ينقل رأي جميع المذاهب الإسلامية في هذه الجماعة المبتدعة، وقد تقدّم في مدخل هذا الكتاب أنّنا قمنا بنقل قطرة من بحر عظيم، تشكّله مداد هؤلاء العلماء المدافعين عن الإسلام وأهله من زيغ الوهابية وأفكارها الضلالية وعقائدها الفاسدة المنحرفة، وما لم ننقله فهو كثير جدّاً، حتّى أنّ هناك من ذكر من الكتب المصنّفة في الردّ على الوهابية ما يقارب ألف كتاب على ما تسنّى له من الوقت وزيارة المكتبات، وإلّا فإنّ ما ألّف في الردّ عليها من جميع المذاهب الإسلاميّة ما يزيد على ذلك بكثير، ولم يقف علماء المسلمين من مختلف المذاهب الإسلامية في يوم من الأيام مكتوفي الأيدي تجاه ما تقوم به هذه الجماعة من عملية التخريب والتكفير والتقتيل وسائر الأعمال اللادينية واللا إنسانية واللا أخلاقية، كما تشهد له القنوات الإعلاميّة.

لم يكن العلّامة السيّد حسن نصر الله كاذباً عندما يتّهم هذه الجماعة بتقديم المساعدات لأعداء الدين من أمريكا وإسرائيل، فلو لم يكن إلّا الفتاوى التي قالت بها علماء الوهابية في السعودية أيام الحرب المفروضة على جنوب لبنان لكفى، كيف وأنّها تقوم بأكثر من ذلك، في قبال بعض الحركات الإسلامية التحررية المقاومة لإسرائيل وأمريكا دون أدنى شك في نواياها أو صدق أفعالها، فمثل هذه الحركات تستحق التقدير والمدح.

كما أنّه لم يكذب عندما وصفها بأنّها حركة تكفيرية تكفّر الشيعة وأهل السنّة من غير المتّبعين لأفكارها وعقائدها، فهذا هو ديدنها من اللحظة الأولى التي ظهرت فيها في الأمّة الإسلامية، وقد نقلنا كيف أنّها حكمت بتكفير جميع المسلمين، وقامت بقتلهم في الحجاز واليمن ومصر والعراق وغيرها.

قال محمّد الكثيري:

فانتشرت الفتن، وعمّت البلوى، وتجنّد علماء أهل السنّة بادئ الأمر للردّ على الشيخ وأتباعه، وبعث كلّ ما قيل حول آرائه من نقض وردود، بالإضافة إلى تأليفات جديدة، لكن الانحصار أصاب هذه الحركة، ليس فقط بسبب طوفان الكتب التي تنشر هذا المذهب

ص 132

وتدعو له، والتي أغرقت سوق الكتاب الإسلامي، حيث يطبع قسم كبير منها طباعة فاخرة ويوزّع بالمجان وخصوصا " مجموع فتاوى الشيخ "، ولكن بسبب الإرهاب الفكري الذي يمارسه القائمون على هذه الدعوة - السلفية - وذلك برمي خصومهم بالابتداع والضلال والكفر، ومحاولة تشويه سمعتهم لدى أبناء الصحوة الإسلامية الذين انجر كثير منهم لاعتناق هذه الأفكار ظناً منه أنّه يتبع السلف الصالح، وأنّه يبتعد بذلك عن الانحراف والشرك(1).

وقال في وصف منهجهم اليوم في التبليغ بأنّه:

يجعل من العنف والتهجّم على المخالفين ورميهم بكلّ أنواع السباب والشتائم ونهش أعراضهم، النهج القويم الذي يتم من خلاله نشر عقائد وأفكار دعاة السلفية، فإثارة الفتن ونشر البغضاء بين فئات المجتمع الإسلامي، وتعميق الخلافات المذهبية وصولاً إلى الطائفية البغيضة، غدت من مميزات التحرّك السلفي، فحيث تستعر نار الطائفية والخلافات المذهبية، تجد هناك دون شك أو ريب عقل سلفي وهابي حنبلي يؤجج هذه النار ويمدّها بالوقود كي تشتعل أكثر وتدوم، ولا شك أنّ هذه النار قد أحرقت مساحات واسعة من أراضي التفاهم والتسامح التي كانت سائدة بين مجمل الفرق والمذاهب الإسلامية، خصوصاً بين الشيعة والسنّة(2).

ويقول الشيخ محمّد زاهد الكوثري في كتابه (الإشفاق على أحكام الطلاق):

و لو قلنا لم يبلَ الإسلام في الأدوار الأخيرة بمن هو أضرُّ من ابن تيمية في تفريق كلمة المسلمين لما كنّا مبالغين في ذلك، و هو سَهلٌ متسامحٌ مع اليهود يقول عن كتبهم: إنّها لم تحرّف تحريفاً لفظياً(3).


1- السلفية بين أهل السنّة والإمامية، محمّد الكثيري، ص294.
2- المصدر السابق، ص467.
3- الإشفاق على أحكام الطلاق، ص72، قال ذلك بعد أن قرأ ما ذكره الحافظ أبو سعيد العلائي شيخ الحافظ العراقي فيما رواه الحافظ المحدّث المؤرّخ شمس الدين بن طولون في كتابه ذخائر القصر ص96، وهو مخطوط عن ابن تيمية أنه قال: «إنّ التوراة لم تبدّل ألفاظها، بل هي باقية على ما أن_زلت، و إنّما وقع التحريف في تأويلها، و له فيه مصنّف، أي: لابن تيمية».

ص 133

وعن كتاب الفتنة الكبرى في الردّ على الوهابية لأحمد بن زيني دحلان مفتي مكة المتوفّى 1304ه ، قال:

أمّا التاريخ فيشهد بأنّ الوهابيين في سنة 1217ه قد شنّوا هجوماً على مدينة الطائف الواقعة على بُعد اثني عشر فرسخاً عن مكة، وارتكبوا المجازر الوحشية، وعاثوا في الأرض الفساد، وقتلوا مجموعة كانت قد خرجت من المدينة، وبعد ذلك نهبوا المدينة، وحطموا المنازل. لقد ترك الوهابيون طائفة من المسلمين رجالاً ونساءً عراياً في الصحراء، مخالفين لما دلّ على احترام المسلم وعرضه، ثمّ اشترطوا عليهم بعد ثلاثة عشر يوماً أن يعتنقوا الوهابية حتّى يعرضوا عن قتلهم(1).

كتب جميل صدقي الزهاوي حول مذبحة شعب الطائف ما يلي:

من أشنع أعمال الوهابيين المجازر الجماعية، حيث لم ينل استرحامهم صغير ولا كبير، فقد ذبحوا الرضيع في حجر أمّه، بل حتّى أولئك الذين كانوا مشغولين بقراءة وتعلم القرآن، ولأنّ الناس لم يبقوا في المنازل فقد اقتحموا الدكاكين والمساجد، وقتلوا كلّ من كان هناك، حتّى أولئك الذين كانوا في حالة الركوع والسجود، ثمّ رموا بالكتب والمصاحف وبعض الصحاح كصحيح البخاري ومسلم التي كانت في حوزتهم بالأزقة ووطأوها بأقدامهم، لقد حدثت هذه الواقعة في سنة 1217 قمري(2).

وعليه فعندما يقول العلّامة أمين حزب الله بأنّها تأمر بقتل المسلمين من مختلف المذاهب من الشيعة والسنّة، فهو صادق في قوله هذا؛ إذ لم تجد لهذه الجماعة سلاحاً غير التكفير والقتل، وهم بذلك يخالفون القرآن الكريم الذي يأمر المسلمين بأن يجادلوا الناس بالحكمة والموعظة الحسنة (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125]، فلمّا يخص السيّد بحديثه الحركات الوهابية؛ لأنّه يراها لا تقوم بواجبها الديني تجاه المسلمين وأعداء الدين؛ إذ لا تدعو إلى تحرير فلسطين، فضلاً عن القيام بمهمة


1- الفتنة الكبرى في الردّ على الوهابية، ص39.
2- نقلاً عن: مخالفة الوهابية للقرآن والسنة، عمر عبد السلام، ص78.

ص 134

عملية ضدّ الصهاينة، بل كلّ ما تسعى من أجله هو التطبيع في العلاقات مع إسرائيل، وتقديم المعونة والمساعدة له، ولذا قال في معرض حديثه: إنّنا لا نقبل أن تحسبوا الحركة الوهابية على الإسلام، وعلى الصحوة الإسلامية؛ وذلك لشناعة أفعالها التي تقوم بها ضد الدين الإسلامي وأهله، بعكس الحركات الإسلامية الأخرى التابعة لمختلف المذاهب الإسلامية، وهذا ما شهد وقال به علماء أهل السنّة قبل السيّد حسن نصر الله.

ثمّ إنّ السيّد في الوقت الذي يدعو فيه إلى توحيد الصف ونبذ الاختلافات بين المسلمين، يرى أنّ من واجبه الش_رعي أن يبيّن للأمّة الإسلامية أهداف هذه الحركة، وذلك بعد انكشاف أمرها، وزيف شعاراتها تحت مظلّة التوحيد ونبذ الشرك والوثنية، حتّى لا تنساق أبناء الأمّة والعوام من الناس وراء هذه الشعارات البراقة، وحتى لا يتهم الإسلام بأنّه دين الإرهاب والدم، كما أرادت له هذه الجماعة المبتدعة، التي تحاكي بفعلها فعل الخوارج، فالإسلام دين محبة ووئام وسؤدد، وداعية إلى الخير والصلاح والتقدّم، وهي دعوة إلى نص_رة الحقّ وإنصاف المظلوم، وتحريم التجاوزات، وإقامة العدل وبسط الأمن والاستقرار، ودعوة إلى التحرر الفكري ونبذ الجمود العقلي ومحاربة الجاهلية والأمّية، ونحوها من الدعوات الإصلاحية التي من شأنها أن تبيّن للعالم بأنّ الإسلام دين ونظام متكامل للحياة وتحقيق السعادة الكبرى في الدارين، وبإمكانه أن يلبّي جميع متطلّبات البش_ر على مختلف مستوياتها المادّية والمعنويّة.

وهذا ما لا تدعو إليه الوهابية بمحاربتها للمسلمين، وتطلّعاتهم المستقبلية.

الحاصل:

أوّلاً: لم يكن السيّد العلّامة حسن نصر الله زعيم حزب الله _ أوّل من وقف بوجه الجماعة التكفيرية الوهابية، واتّهمها بالعمل ضدّ المسلمين، ولصالح أعداء الدين، بل قد سبقه جلّ علماء السنّة في ذلك؛ وقد نقلنا لك آراء وتصريح بعضهم بأنّ هذه الجماعة مبتدعة في الدين، قولاً وفتوى؛ وحكمهم بكفر هذه الجماعة.

ص 135

وثانياً: لم يكن السيّد العلّامة حسن نصر الله أو من تبرّأ من أفعال هذه الجماعة المكفّرة لأهل القبلة منذ تأسيسها، حتّى لا تحسب على الإسلام والمسلمين، بل هناك العديد ممن تدّعي الانتساب إليه يتبرّأ منها ومن أفعالها الشنيعة كالحنابلة؛ خوف لحوق العار بها، وأنّها سيتصبح لعنة على ألسنة التأريخ.

وثالثاً: أنّ براءة العلّامة المجاهد أمين حزب الله من أفعالها الفاسدة، يريد أن يبيّن للعالم بأنّ الإسلام دين محبّة وسلام، وأنّ ما ترونه من أفعالها، فالمسلمين كلهم يتبرأون منه، وأنّ هذه الجماعة التي بدأت تعرف اليوم بالقاعدة الإرهابية، هي جماعة شاذّة تحارب الإنسانية باسم الإسلام والدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك، وهي بالشرك والكفر أولى.

رابعاً: أنّ مصدر دعوى الدمشقية عبارة عمّا نش_رته أحدى الصحف والجرائد، دون أن يذكر لنا تاريخ النشر والعدد، وحتّى على فرض صدور ذلك، فالسيّد لا يعدّ بذلك مخالفاً لإجماع علماء المسلمين في رأيهم حول الوهابية، ويكفي المسلمين مطالعة ما خطّته أياديهم في الردّ على الوهابية.

الفصل الثاني نفي ظاهرة تحريف القرآن عند الإمامية

اتهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن الكريم باطل ( رمتني بدائها وانسلّت )

الجواب النقضي

ص: 136

ص 137

الفصل الثاني نفي ظاهرة تحريف القرآن عند الإمامية

ص: 138

ص 139

اتهام الشيعة بالقول بتحريف القرآن الكريم باطل ( رمتني بدائها وانسلّت )

لقد أكثر الوهابية التهريج والضجيج هنا وهناك بقولهم: إنّ الشيعة الإمامية

لا تؤمن بالقرآن الكريم المتداول بين المسلمين، وأنّ لها قرآناً آخراً، تزعم أنّه الكتاب

الوحيد غير المحرّف، وأنّ هذا القرآن الذي موجود عند المسلمين محرف، ولكن سرعان

ما تتبدد هذه الفرية بالرجوع إلى أقوال كبار علماء المذهب الإمامي مذهب أهل البيت:، بل قد تكون هذه الفرية كاشفة عن خفايا طالما حاول المفتري تغطيتها وتعتيمها بكثرة الضجيج والتهريج على الشيعة الإمامية برميهم بهذه التهمة الباطلة، وهو يعلم جيّداً بأنّه لا يوجد في مكتبات وبيوتات الشيعة نسخ للقرآن الكريم غير القرآن المتداول بين أيدي جميع المسلمين.

وعلى أيّة حال، ومماشاة مع البحث العلمي نقوم بسوق الأدلة والأجوبة عن هذه الفرية الباطلة؛ إذ لم تكن هذه التهمة وليدة الساعة، بل كانت ومنذ أمد بعيد يتبجّح بها خصوم الإماميّة بهدف الحدّ من انتشار مذهب أهل البيت: بين الناس، ولذا رأينا أن نكشف الغطاء عمّا ستره، فبدأنا أوّلاً بذكر الجواب الناقض لأساس هذه الفرية، وهو عبارة عن مجموعة الآراء والأقوال لكبار علماء المسلمين، ومحدّثيهم وحفّاظهم، في نقل أحاديث في كتبهم الصحاح والمعتبرة، وإليك بيانه:

ص 140

هنا العديد من الروايات تصرّح بتحريف القرآن ونقص في آياته في كتب الصحاح، فقد أخرج مسلم في صحيحه، أنّ أبا موسى الأشعري بعث إلى قرّاء البصرة، فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرأوا القرآن، فقال: أنتم خيار أهل البص_رة وقرّاؤهم، فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم وإنّا كنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها، غير أنّي قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب) وكنّا نقرأ سورة كنّا نشبّهها بإحدى المسبّحات فأنسيتها، غير أنّي حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة)(1).

وأخرج البخاري في صحيحه، أنّه كان عمر بن الخطاب يزعم أنّ آية الرجم كانت تقرأ في حياة النبي، إلّا أنّها نسيت فيما بعد لسبب غير معروف، وهذا ما يسجّله البخاري من أنّ عمر خطب قائلاً:

إن الله بعث محمّداً بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول الله ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس الزمان أن يقول قائل: والله، ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها الله، والرجم في كتاب الله حقّ على مَن زنى، إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف(2).

وهي آية أخرى زعم عمر أنّها أسقطت من القرآن الكريم، حيث قال: «إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله (أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم)(3). وواضح أنّ هذه الآية لا تنسجم مع الأسلوب القرآني في عرض الآيات الكريمة.


1- صحيح مسلم، ج3، ص100.
2- صحيح البخاري، ج8، ص26.
3- المصدر السابق.

ص 141

وما أخرجه أحمد في مسنده عن زر بن حبيش، قال:

قال لي أبي بن كعب: كائن تقرأ سورة الأحزاب أو كائن تعدّها قال: قلت له: ثلاثاً وسبعين آية، فقال: قط لقد رأيتها وأنّها لتعادل سورة البقرة، ولقد قرأنا فيها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عليم حكيم(1).

وعلّق عليه ابن كثير بقوله: «رواه النسائي من وجه آخر عن عاصم، وهو ابن أبي النجود، وهو ابن بهدلة به، وهذا إسناد حسن»(2). ثمّ قال: «وهو يقتض_ي أنّه قد كان فيها قرآن، ثمّ نسخ لفظه وحكمه أيضاً» (3). فهل يعقل هذا النسخ لسورة كسورة البقرة في الحجم؟!

كما أخرج أحمد أيضاً عن أُبي بن كعب، أنّه قال: «تقرأون سورة الأحزاب؟ قال: بضعاً وسبعين آية، قال: لقد قرأتها مع رسول الله9 مثل البقرة أو أكثر منها، وأنّ فيها آية الرجم»(4).

روى نافع عن ابن عمر أنّه قال: «لا يقولن أحدكم: قد أخذت القرآن كلّه، وما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير، ولكن ليقل: قد أخذت منه ما ظهر»(5).

قال الآلوسي: «والروايات في هذا الباب أكثر من أن تحصى»(6).

وهذا معناه أن القرآن قد نقص منه آيات، وهو بعينه القول بالتحريف الذي يتهم

به الإمامية، خصوصاً وأنّ من بينهم أحمد بن حنبل مؤسس ورئيس المذهب الحنبلي

المعروف.

ما أخرجه الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل بسنده عن شفيق، قال: «قرأت في


1- مسند أحمد بن حنبل، ج5، ص132، وأحمد إمام المذهب الحنبلي وفقيهه.
2- تفسير القرآن العظيم لابن كثير، ج3، ص473.
3- المصدر السابق، ص473.
4- مسند أحمد، ج5، ص132.
5- الدر المنثور، السيوطي: ج1، ص258.
6- روح المعاني، الآلوسي: ج1، ص25.

ص 142

مصحف عبدالله وهو ابن مسعود: أنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران وآل محمّد على العالمين» (1).

قال القرطبي في تفسيره: «وفي بعض المصاحف: أكاد أخفيها من نفسي، فكيف أظهركم عليها» (2).

وما أخرجه البخاري في صحيحه:

كانت عكاظ ومجنّة وذو المجاز أسواقاً في الجاهلية، فلمّا كان الإسلام فكأنّهم تأثموا فيه، فنزلت: ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربّكم في مواسم الحج، قرأها ابن عباس (3).

ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي يونس مولى عائشة أنّه قال:

أمرتني عائشة أن اُكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فإذني: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى، فلمّا بلغتها آذنتها فأملت علي حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين، قالت عائشة: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (4).

أخرج مسلم عن عائشة قالت: «كان فيما أنزل الله من القرآن ع_شر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفّى رسول الله وهنّ فيما يقرأ من القرآن»(5)، ونقل عنها ابن ماجة قولها: «ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول الله9 وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها» (6).

ما أورده الثعلبي في تفسيره عن الجزائري، أنّه قال: سمعت منادياً ينادي: «(إِنَّ اللهَ


1- شواهد التنزيل، الحاكم الحسكاني، ص152.
2- تفسير القرطبي، ج11، ص185.
3- صحيح البخاري، ج3، ص4.
4- صحيح مسلم، ج2، ص112؛ مسند أحمد، ج6، ص73، وغيرها من كتب السنن.
5- صحيح مسلم، ج4، ص167.
6- سنن ابن ماجة، محمّد بن يزيد القزويني: ج1، ص625.

ص 143

اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)، واصطفى الحسن البص_ري على أهل زمانه» (1).

قال السيوطي في الإتقان:

وقال البغوي في شرح السنّة: الصحابة جمعوا بين الدفتين القرآن الذي أنزله الله على رسوله من غير أن زادوا أو نقصوا منه شيئاً خوف ذهاب بعضه بذهاب حفظته فكتبوه كما سمعوا من رسول الله من غير أن قدّموا شيئاً أو أخّروا، أو وضعوا له ترتيباً لم يأخذوه من رسول الله، وكان رسول الله يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا، بتوقيف جبريل إيّاه على ذلك وإعلامه عند نزول كلّ آية أنّ هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سورة كذا، فثبت أنّ سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه، فإنّ القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا، ثمّ كان ينزله مفرّقاً عند الحاجة، وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة(2).

وقال ابن حجر في شرح البخاري: «قد اعتنى بعض الأئمة ببيان ما نزل من الآيات بالمدينة في السور المكية قال: وأمّا عكس ذلك وهو نزول شيء من سورة بمكة تأخّر نزول تلك السورة إلى المدينة فلم أره إلّا نادراً»(3).

أقوال علماء السنة بأن الإمام علي قام بجمع القرآن

تعترف المدرسة السنّية وتقر بأنّ الذي جمع القرآن هو أميرالمؤمنين7، فقد أخرج عدّة من الحفّاظ بسند إلى محمد بن سيرين، قال:

لما مات النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم جلس علي في بيته فلم يخرج فقيل لأبي بكر: إن عليا لا يخرج من البيت كأنه كره إمارتك. فأرسل إليه فقال: أكرهت إمارتي: فقال: ما


1- تفسير الثعلبي، ج3، ص53.
2- الإتقان في علوم القرآن، جلال الدين السيوطي، ج1، ص170.
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج9، ص37.

ص 144

كرهت إمارتك ولكني أرى القرآن يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي برداء إلا للجمعة حتى أجمعه (1).

وأخرج أبو نعيم الأصبهاني بالإسناد عن عبد خير، عن علي7 قال:

لمّا قبض رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم أقسمت أو حلفت أن لا أضع ردائي عن ظهري حتّى أجمع ما بين اللوحين، فما وضعت ردائي عن ظهري حتّى جمعت القرآن (2).

وأخرج الحاكم الحسكاني بالإسناد عن عبد خير عن يمان، قال:

لمّا قبض النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم أقسم علي أو حلف أن لا يضع رداءه على ظهره حتّى يجمع القرآن بين اللوحين، فلم يضع رداءه على ظهره حتّى جمع القرآن (3).

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى بالإسناد عن ابن سيرين قال:

نبّئت أنّ علياً7 أبطأ عن بيعة أبي بكر، فلقيه أبو بكر، فقال: أكرهت إمارتي؟ فقال: لا، ولكنّي آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلّا إلى الصلاة حتّى أجمع القرآن. قال: فزعموا أنّه كتبه على تنزيله، قال محمّد بن سيرين: فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم. قال ابن عون: فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه(4).

وأخرج نحو ذلك الحافظ ابن عساكر في تاريخه (5).

أقول: ودعوى أنّ هذا من باب نسخ التلاوة أو نحوها، باطل على حدّ قول أحد علماء السنّة ومفكّريهم المعاصرين المعروفين، وهو الدكتور صبحي الصالح، حيث قال:

أمّا الجرأة العجيبة ففي الضربين الثاني والثالث اللذين نسخت فيهما بزعمهم آيات معيّنة، إمّا مع نسخ أحكامها وإمّا من دون نسخ أحكامها، والناظر في صنيعهم هذا


1- المستدرك على الصحيحين، ج1، ص38.
2- حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصفهاني، ج1، ص67 ؛ وكذا نقله عنه: تذكرة الحفاظ، الذهبي، ج3، ص661 ؛ سير أعلام النبلاء، الذهبي، ج14، ص22؛
3- شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني، ج1، ص37.
4- الطبقات الكبرى، ابن سعد، ج2، ص338.
5- تاريخ مدينة دمشق، ابن عساكر، ج42، ص399.

ص 145

سرعان ما يكتشف فيه خطأ مركباً، فتقسيم المسائل إلى أضرب إنما يصلح إذا كان لكل ضربٍ شواهد كثيرة أو كافية على الأقل ليتيسر استنباط قاعدة منها، وما لعشاق النسخ إلّا شاهد أو اثنان على كلّ من هذين الضربين، وجميع ما ذكروه منها أخبار آحاد، ولا يجوز القطع على إنزال القرآن ونسخه بأخبار آحاد لا حجّة فيها (1).

أقوال فقهاء وعلماء الإمامية المتقدمين في نفي التحريف

قال شيخ المحدّثين، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين الصدوق (ت381ه) في رسالته (الاعتقادات):

اعتقادنا أنّ القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيّه محمّد9 هو ما بين الدفّتين، وهو

ما في أيدي الناس ليس بأكثر من ذلك، وعدد سوره على المعروف مائة وأربع

عشرة سورة. وعندنا تعدّ (والضحى) و (ألم نشرح) سورة واحدة، و(لإيلاف) و

(ألم تر كيف) سورة واحدة. ثمّ قال: «ومن نسب إلينا أنّا نقول: إنّه أكثر من ذلك فهو كاذب»(2).

وقال عميد الطائفة محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد (ت 413) في كتابه (أوائل المقالات)، وكذا في كتابه (المسائل السروية) الذي وضعه لبيان أصول المسائل الإسلامية فيما تفترق فيه الشيعة الإمامية عن غيرهم من أهل العدل:

وقد قال جماعة من أهل الإمامة: إنّه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة، ولكن حذف ما كان مثبتاً في مصحف أميرالمؤمنين7 من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله، وذلك كان ثابتاً منزلاً وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمّى تأويل القرآن قرآناً...(3).

وقال أيضاً: «وعندي أنّ هذا القول أشبه [ أي: أقرب في النظر] من مقال من ادّعى


1- مباحث في علوم القرآن، صبحي الصالح: 265.
2- الاعتقادات، للشيخ الصدوق، ص84.
3- أوائل المقالات، الشيخ المفيد، ص81؛ المسائل السروية، الشيخ المفيد: ص80.

ص 146

نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل» (1).

وقال أيضاً:

وأمّا الزيادة فيه فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه، فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حدّ يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأمّا الوجه المجوّز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك، مما لا يبلغ حدّ الإعجاز ويكون ملتبساً عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنّه لابدَّ متى وقع ذلك من أن يدل الله عليه، ويوضّح لعباده عن الحقّ فيه، ولستُ أقطع على كون ذلك، بل أميل إلى عدمهِ وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمّد (2).

وقال في (أجوبة المسائل السروية):

فإن قال قائل: كيف يصحّ القول بأنّ الذي بين الدفّ_ين هو كلام الله تعالى على الحقيقة من غير زيادة فيه ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمة: أنّهم قرأوا (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)، وقرأوا (يسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ)، وهذا بخلاف ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟

قيل له: قد مضى الجواب عن هذا، وهو: أنّ الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى بصحّتها، فلذلك وقفنا فيها ولم نعدل عمّا في المصحف الظاهر، على ما أمرنا به حسب ما بيّناه. مع أنّه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين: أحدهما: ما تضمّنه المصحف، والثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف به مخالفونا من نزول القرآن على أوجه شتّى(3).

وقال الشريف المرتضى، علي بن الحسين علم الهدى (ت 436ه) في رسالته الجوابية الأولى عن (المسائل الطرابلسيات):


1- أوائل المقالات، ص81.
2- المصدر السابق، صص81 و 82.
3- المسائل السروية، صص82 و 84.

ص 147

إنّ العلم بصحّة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام والكتب المشهورة وأشعار العرب المسطورة، فإنّ العناية اشتدّت والدواعي توفّرت على نقله وحراسته، وبلغت إلى حدّ لم يبلغه فيما ذكرناه؛ لأنّ القرآن معجزة النبوّة ومأخذ العلوم الشرعيّة والأحكام الدّينية، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية، حتّى عرفوا كلّ شيء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته، فكيف يجوز أن يكون مغيّراً ومنقوصاً، مع العناية الصادقة والضبط الشديد(1).

وقال أيضاً:

إنّ العلم بتفسير القرآن وأبعاضه في صحّة نقله كالعلم بجملته، وجرى ذلك مجرى ما علم ضرورة من الكتب المصنّفة، ككتاب سيبويه والمزني، فإنّ أهل العناية بهذا الشأن يعلمون من تفصيلهما ما يعلمونه من جملتهما، حتّى لو أنّ مدخلاً أدخل في كتاب سيبويه باباً في النحو ليس من الكتاب لعرف وميّز وعلم أنّه ملحق وليس من أصل الكتاب، وكذلك القول في كتاب المزني، ومعلوم أنّ العناية بنقل القرآن وضبطه أصدق من العناية بضبط كتاب سيبويه ودواوين الشعراء(2).

وذكر أخيراً:

أنّ من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتدّ بخلافهم، فإنّ الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخباراً ضعيفة ظنّوا صحّتها، لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحّته(3).

وقال شيخ الطائفة، أبو جعفر محمّد بن الحسن الطوسي (ت460) في مقدّمة تفسيره (التبيان):

وأمّا الكلام في زيادته ونقصانه فممّا لا يليق بهذا الكتاب المقصود منه العلم بمعاني القرآن؛ لأنّ الزيادة منه مجمع على بطلانها، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب


1- نقلاً عن: مجمع البيان، الطبرسي، ج1، ص15.
2- مجمع البيان، ج1، ص15.
3- الاحتجاج، الطبرسي، ج1، ص378.

ص 148

المسلمين خلافه، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا، وهو الذي نصره المرتضى، وهو الظاهر في الروايات، غير أنّه رويت روايات كثيرة من جهة الخاصّة والعامّة بنقصان كثير من آي القرآن، ونقل شيء منه من موضع إلى موضع، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملاً، والأولى الإعراض عنها، وترك التشاغل بها؛ لأنّه يمكن تأويلها(1).

وقال أبو علي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548ه) في (مقدّمة التفسير):

والكلام في زيادة القرآن ونقصانه ممّا لا يليق بالتفسير، أمّا الزيادة فيه فمجمع على بطلانه، وأمّا النقصان منه: فقد روى جماعة من أصحابنا، وقوم من حشوية العامّة، أنّ في القرآن تغييراً ونقصاناً، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه، وهو الذي نصره المرتضى واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء(2).

فهؤلاء عمدة علماء الإمامية من فقهائنا وأعلامنا المتقدّمين وعليهم المعوّل، أمّا ما ذكره عن بعض الشيعة الإمامية من لا يرقى إلى هذا المستوى العلمي فهو أمر راجع له، ليس بالضرورة الأخذ بقوله والاعتماد عليه، فما من مذهب من المذاهب الإسلامية يخلو من وجود هؤلاء، ولكن العمدة هو قول من يمثّل مرجعاً من مراجع الدين، وما سواهم فلا يعدّ معياراً يعتمد عليه في تقييم وتمثيل المذهب.

أقوال المعاصرين من فقهاء وعلماء الإمامية في نفي التحريف

قال الشيخ العلّامة محمّد كاشف الغطاء في كتابه (أصل الشيعة وأصولها): «إنّ الكتاب الموجود بين المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه للإعجاز والتحدّي، ولتعليم الأحكام، وتمييز الحلال من الحرام، وأنّه لا نقص ولا تحريف، ولا زيادة فيه، وعلى هذا إجماعهم»(3).

وقال العلّامة البلاغي في تفسيره: «( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ولئن سمعت في الروايات الشاذة في تحريف القرآن وضياع بعضه فلا تقم لتلك الروايات وزناً، وقل ما يشاء


1- التبيان في تفسير القرآن، الطوسي، ج1، ص3.
2- تفسير مجمع البيان، ج1، ص43.
3- راجع: أصل الشيعة وأصولها، للشيخ كاشف الغطاء، ص220.

ص 149

العلم في اضطرابها ووهنها وضعف رواتها ومخالفتها للمسلمين»(1).

وقد وصفه الشيخ الفقيه المعاصر لطف الله الصافي بقوله:

وممّن فنّد القول بالتحريف زيادة ونقيصة، وردّ كلّ شبهة في ذلك، بأتمّ بيان وأوضح برهان، العالم الجليل المفسّر المتكلّم المجاهد الشيخ محمّد جواد البلاغي صاحب الكتب الممتعة، والتصانيف القيّمة، في مقدّمة تفسيره المعروف والمسمّى بآلاء الرحمن، فإنّه قد أدّى حقّ المقام، ودافع عن قداسة القرآن، وأظهر الحقّ وأبطل الباطل، فراجعه حتّى تعرف قيمة خدمات الشيعة للإسلام والقرآن، وغيرتهم على الدين والكتاب (2).

وقال أيضاً في حقّ القرآن:

لا يقول أحد من الإمامية لا قديماً ولا حديثاً: إنّ القرآن مزيد فيه قليل أو كثير فضلاً عن كلّهم، بل كلّهم متّفقون على عدم الزيادة، ومن يعتد بقوله من محققيهم متّفقون على أنّه لم ينقص منه (3).

وقال السيّد عبد الحسين شرف الدين العاملي في كتابه الفصول المهمّة:

والقرآن الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إنّما هو ما بين الدفّتين، وهو ما في أيدي الناس، لا يزيد حرفاً ولا ينقص حرفاً، ولا تبديل فيه لكلمة بكلمة، ولا لحرف بحرف، وكلّ حرف من حروفه متواتر في كلّ جيل تواتراً قطعياً إلى عهد الوحي والنبوّة، وكان مجموعاً على ذلك العهد الأقدس مؤلفاً على ما هو عليه الآن، وكان جبرئيل يعارض رسول الله مراراً عديدة، وهذا كلّه من الأمور المعلومة لدى المحققين من علماء الإمامية، ولا عبرة بالحشوية فإنّهم لا يفقهون(4).

وقال العالم المفّسر الشيخ محمّد النهاوندي في مقدّمة تفسيره (نفحات الرحمن):

قد ثبت أنّ القرآن كان مجموعاً في زمان النبي9، وكان شدّة اهتمام المسلمين في حفظ


1- راجع: تفسير آلاء الرحمن، العلّامة جواد البلاغي، ج1، صص25 و 26.
2- مجموعة الرسائل، للشيخ لطف الله الصافي، ج2، ص366.
3- المصدر السابق، ص267.
4- الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، السيّد عبد الحسين شرف الدين، ص175.

ص 150

ذلك المجموع بعد النبي9 وفي زمان احتمل بعض وقوع التحريف فيه، كاهتمامهم في حفظ أنفسهم وأعراضهم(1).

وممن صنّف في الإمامية في ردّ شبهة التحريف العالم الرئيس السيّد محمّد حسين الشهرستاني، فإنّه صنّف في ذلك كتابا أسماه (رسالة في حفظ الكتاب الش_ريف عن شبهة القول بالتحريف):

لا شبهة في أنّ هذا القرآن الموجود بين الدفّتين منزل على رسول الله9؛ للإعجاز وللتسالم على نفي زيادة الآية والسورة فيها، والشك إنّما هو في نزول ما عداه إعجازاً والأصل عدمه(2).

وقال الفقيه الشيخ لطف الله الصافي:

ولنعم ما أفاده العلّامة الفقيه، والمرجع الديني السيّد محمّد رضا الگلپايگاني بعد التصريح بأنّ ما بين الدفّتين هو القرآن المجيد: ذلك الكتاب الذي لا ريب فيه، والمجموع المرتّب في عصر الرسالة بأمر الرسول بلا تحريف ولا تغيير، ولا زيادة ولا نقصان.

وإقامة البرهان عليه: إنّ احتمال التغيير زيادة ونقيصة في القرآن كاحتمال تغيير المرسل به، واحتمال كون القبلة غير الكعبة في غاية السقوط لا يقبله العقل، وهو مستقل بامتناعه عادة(3).

وقال أيضاً:

ويكفي في ذلك تصريح أستاذنا الإمام راوية أحاديث أهل البيت: وحامل علومهم، نابغة العصر ومجدد العلم والمذهب في القرن الرابع عشر، السيّد الحاج آقا حسين الطباطبائي البروجردي حشره الله مع جدّه النبي الكريم9، فإنّه أفاد في بعض أبحاثه في الأصول _ كما كتبنا عنه في تقريرات بحثه _ بطلان القول بالتحريف، وقداسة القرآن عن وقوع الزيادة فيه، وأنّ الضرورة قائمة على خلافه، وضعّف أخبار النقيصة غاية التضعيف


1- الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، ص175.
2- نقلاً عن: مجموعة الرسائل، ج2، ص268.
3- المصدر السابق، صص267 _ 268.

ص 151

سنداً ودلالة.

قال: إنّ بعض هذه الروايات مشتمل على ما يخالف القطع والضرورة، وما يخالف مصلحة النبوّة، وقال في آخر كلامه الشريف: ثمّ العجب كلّ العجب من قوم يزعمون أن الأخبار محفوظة في الألسن والكتب في مدّة تزيد على ألف وثلاثمائة، وأنّه لو حدث فيها نقص لظهر، ومع ذلك يحتملون تطرّق النقيصة في القرآن المجيد(1).

وقال السيّد العلّامة الكبير المولى محمّد إبراهيم الكلباسي:

وما يتعلّق بعلم القرآن بأصنافه، ومنه علم القراءة والتواريخ وغيرها، مع كمال اهتمامهم في ضبط ما يتعلّق بكلّ واحد منها يتبيّن أنّ النقصان في الكتاب مما لا أصل له، وإلّا لاشتهر وتواتر؛ نظراً إلى العادة في الحوادث العظيمة، وهذا منها بل من أعظمها(2).

وقال الشيخ الأكبر العالم الشهير، نابغة الزمان، الشيخ محمّد بهاء الدين العاملي:

الصحيح أنّ القرآن العظيم محفوظ عن ذلك، زيادة كان أو نقصاناً، ويدل عليه قوله تعالى: (وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ)، وقال في كتاب الزبدة: القرآن متواتر؛ لتوافر الدواعي على نقله (3).

وقال العالم الجليل الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كتابه المسمّى بكشف الغطاء:

(والسابع في زيادته) لا زيادة فيه من سورة ولا آية، من بسملة وغيرها، لا كلمة ولا حرف، وجميع ما بين الدفّتين مما يتلى كلام الله تعالى بالضرورة من المذهب بل الدين وإجماع المسلمين، وأخبار النبي والأئمة الطاهرين:.

وقال: (الثامن في نقصه) لا ريب في أنّه محفوظ من النقصان، بحفظ ملك الديّان، كما دلّ عليه صريح القرآن، وإجماع العلماء في جميع الأزمان، ولا عبرة بالنادر، وما ورد من أخبار النقيصة تمنع البديهة من العلم بظاهرها (4).

وقال العلّامة المظفر في كتابه (عقائد الإمامية):


1- مجموعة الرسائل، ج2، ص268.
2- نقلاً عن: المصدر السابق.
3- نقلاً عن: آلاء الرحمن، ص26.
4- مجموعة الرسائل، ج2، ص268.

ص 152

نعتقد أنّ (القرآن) هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيّه الأكرم فيه تبيان كلّ شيء، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، وكلّهم على غير هدى، فإنّه كلام الله الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه)(1).

وقال السيّد الخوئي في تفسيره (البيان في تفسير القرآن):

قد تبيّن للقارئ أنّ حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال، لا يقول به إلّا من ضعف عقله، أو من لم يتأمّل في أطرافه حقّ التأمل، أو من ألجأه إليه حبّ القول به. والحبّ يعمي ويصم، وأمّا العاقل المنصف المتدبّر فلا يشك في بطلانه وخرافته(2).

والحاصل من جميع ما تقدم:

أوّلاً: أنّ نقل الروايات الدالة على التحريف لا يختص بكتب الشيعة الإمامية؛ لأنّ ما في الكتب الصحاح والمعتبرة لدى السنّة أكثر بكثير، ولكن الكل متفق على ضعف هذه الروايات؛ و عدم العمل بها حتّى مع ورودها في صحيح البخاري ومسلم؛ لمنافاتها لما عليه إجماع المسلمين.

ثانياً: أنّه كما هناك بعض علماء السنّة يقولون بوجود التحريف بمعنى النقيصة، وهو مما لا يعتمد على كلامهم، إلّا ما جاء في كلام أحمد بن حنبل حيث إنّه زعيم من زعماء ورؤساء أحد المذاهب الأربعة، أعني: المذهب الحنبلي، وعليه التعويل، ولكن ما جاء عن بعض الأشخاص في المذهب الإمامي فهم لا يمثّلون المرجعيات العليا للمذهب، فلا يعوّل عليهم؛ لمخالفتهم ما عليه إجماع المذهب، وما نقله عن المازندراني في كتابه شرح أصول الكافي، فهذا


1- عقائد الإمامية، الشيخ محمّد رضا المظفر، ص60.
2- البيان في تفسير القرآن، السيّد أبو القاسم الخوئي، ص259.

ص 153

رأيه الخاص به لا يدحض ما عليه إجماع فقهاء المذهب الإمامي، كما نقلنا بعض أقوالهم في المسألة.

ثالثاً: أنّه لا توجد رواية صحيحة عند الإمامية تدلّ على وجود التحريف في القرآن بالمعنى المتنازع فيه، فإن كانت هناك روايات فهي ضعيفة أو موضوعة و مكذوبة، بذلك قال علماء وفقهاء الإمامية، كما مرّ علينا بعض أقوالهم.

رابعاً: أنّ ما قام به الدمشقية يشابه بفعله فعل من يصطاد في الماء العكر؛ إذ إنّ هذه المسألة أصبحت من أوضح الواضحات وأبده البديهيات بالنسبة لفقهاء الإمامية، بل كان عليه مناقشة وإبطال الروايات الواردة في كتب الصحاح، كصحيح البخاري وصحيح مسلم، كما نقلنا لك بعضها، أو إبطال حديث الغرانيق الذي ورد في صحيح البخاري، وفيه اتّهام صريح للنبي، وإلّا فهو من قبيل أن بائي تجر وباؤه لا تجر.

خامساً: نحن لم نذكر أدلة الشيعة على عدم القول بتحريف القرآن، وذلك للاختصار، والتي هي من قبيل: ما يحتجّ به الإمامية بعصمة الأئمة الاثني ع_شر باعتبار مقارنتهم مع القرآن الذي لا يأتيه الباطل، والمعصوم عن الخطأ والاشتباه، وعن النقيصة والزيادة، وكذلك ما يتمسّك به من قاعدة في معرفة الحديث الموضوع عن غيره، والذي يعرف عند الإمامية بحديث العرض على القرآن، فما وافقه أخذ به وما خالفه ضرب به عرض الجدار، عن الإمام الصادق$ قال: قال رسول الله: «إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه»(1)، وكتواتر القرآن والإجماع عليه، وغيرها من الأدلة التي يحتجّون بها على نفي التحريف، فمن طلب المزيد عن ذلك فليراجع كتب الإمامية في هذا الباب.

سادساً: بقي علينا تفنيد ما اتّهم به الدمشقية الشيعة الإمامية من إدخال غير القرآن في آي القرآن الكريم، بما يدلّ على ولاية علي ونحوها، بحجة أنّ هذا العمل تحريف يقوم به


1- الكافي، ج1، ص69.

ص 154

الإمامية، وهو من باب التأويل أو ما يعبّر عنه بالتفسير المزجي، وهذا ما سنقوم بدحضه إن شاء الله تعالى هنا.

التأويل أو التفسير المزجي لا يعني التحريف في القرآن

المناقشة:

التأويل أو التفسير المزجي لا يعني التحريف في القرآن

إنّ التأويل أو التفسير المزجي، هو عبارة عن ذكر كلمات تبيّن معاني الآيات سواء ما كان منها بخصوص الولاية أو غيرها في وسط الآيات، ومثل هذا كثير ولا يعدّ تحريفاً للقرآن، كما أنّه وارد في كتب الفريقين من السنّة والشيعة.

ذكر الدمشقية عنواناً عريضاً في كتابه (ظاهرة التكفير في مذهب الشيعة) سمّاه (تغيير معاني الألفاظ الشرعية) ثمّ فرّع عليه عنواناً آخر سمّاه (لا تش_رك بالإمام إنّ الش_رك لظلم عظيم)، ثمّ ذكر مجموعة من المفتريات كعادته وعادة جماعته أن يتقدّموا بمجموعة من الأكاذيب لتهيئة ذهن السامع إلى ما سينقله له على أنّ ذلك من الدين وعقيدة الشيعة، حيث افتتح كلامه هنا بقوله:

فأقام الصلاة بمعنى تولّي الإمام الحقّ أحد الأئمة الاثني عشر.

والتوجّه إلى القبلة حقيقته التوجّه إلى علي بن أبي طالب.

والشرك بالله صار بمعنى اتّخاذ إمام باطل آخر مع الإمام الحقّ.

والكفر بالله بمعنى جحود إمامة الإمام.

والمشرك بالله هو من أشرك بمبايعة الإمام الباطل بدءاً من أبي بكر إلى نهاية الدنيا.

المناقشة:

كما ترى لم يذكر مصدراً واحداً لهذه الكلمات، أو من قال بها، وإنّما اكتفى في بداية كلامه (أنّ العقيدة الشيعية تكشف لنا عن تغيير دين الإسلام) على أنّ كتب الشيعة ليست خفيّة على أحد، وبالخصوص كتب العقائد، سواء ما كان منها في تقرير وتبيين عقيدة الشيعة في أصولها الخمسة (التوحيد والنبوّة والإمامة والعدل والمعاد) أو ما كان منها في ردّ الأباطيل والخرافات

ص 155

والأكاذيب التي افتراها البعض عليها أو على الدين الإسلامي، من قبيل: القول بالتجسيم، وعدم عصمة النبي9 مطلقاً أو قبل نبوّته، وعدم الإيمان بإمامة الإمام علي، وردّ القول بالتحريف، وأنّ التوسّل شرك، ونحوها من العقائد الباطلة.

ولكن ماذا نفعل إذا كان هؤلاء لا يخجلون من الكذب والافتراء؟! هذا أوّلاً.

وثانياً بالنسبة لما نقله تحت عنوان (لا تشرك بالإمام إنّ الشرك لظلم عظيم)، فهذا يدلّ على جهله في المعارف القرآنية وأنواع التفسير وطرقه، كما يدلّ على جهله بما ذكر في أمّهات كتبه وكتب أسلافه؛ إذ هناك قسم من التفسير يعبّر عنه بالتفسير المزجي، بمعنى تخلل بعض الكلمات الموضّحة للمعنى داخل الآية، لا بمعنى أنّها من كلمات الآية بحيث تكون جزءاً منها، وهو مما لا يقتصر على كتب الشيعة الإمامية، بل ما جاء في أمّهات كتب أهل السنّة كثير جدّاً، وإليك الجواب عمّا ذكره الدمشقية:

1_ جاء في الكافي، عن أبي عبد الله7 قال: (وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر:65]، يعني: إن أشركت في الولاية غيره (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ...)، يعني: بل الله فاعبد بالطاعة، وكن من الشاكرين أن عضدتك بأخيك وابن عمّك(1).

الجواب:

أوّلاً: أنّ هذه الرواية ضعيفة؛ لمجهولية الحكم بن بهلول(2).

ثانياً: حتّى لو سلّمنا بما جاء فيها، وأغمضنا النظر عن سندها، فهي في مقام التفسير، لا أنّ ذلك جزء من القرآن والتنزيل، ويشهد لذلك ما جاء بسنده إلى أبي حمزة عن


1- الكافي، ج1، ص427.
2- اُنظر: مستدركات علم رجال الحديث، للنمازي الشاهرودي، ج3، ص235؛ ذكره السيّد الخوئي من دون أن يوثّقه أو يدفع القول بمجهوليته، في كتابه معجم رجال الحديث؛ وصرّح السيد محسن الأمين في كتابه أعيان الشيعة، ج3، ص438، بأنّه مجهول.

ص 156

أبي جعفر، قال: سألته عن قول الله تبارك وتعالى لنبيّه:

(لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) قال: تفسيرها لئن أمرت بولاية غير علي مع ولاية علي صلوات الله عليه من بعدك ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.

قوله: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) الظاهر أنّه طلب العبادة والشكر على النعمة المذكورة منه، ويحتمل التعريض أيضاً بغيره من الأمّة بأن يعبدوه ويشكروه على النعمة المذكورة، وهي تقوية الله تعالى نبيه بأخيه وابن عمّه، وهو أنسب بالسابق(1).

وثالثاً: أنّ الشرك لا يقصد منه شرك العبودية والألوهية؛ لأنّ الش_رك مشترك لفظي له معان مختلفة، واحد منها شرك الألوهية، وهو غير مقصود في هذه الآية الكريمة قطعاً.

قال الشيخ أبو طالب التجليل:

كلمة الإشراك تصدق على الإشراك في أيّ شيء كان، ولا تختص بالإشراك في العبودية والألوهية، كما هو واضح، وهذا التفسير الوارد في الرواية يتضمّن تنزيه الرسول الأكرم9 عن كونه فيه معرض الإشراك بالله سبحانه وتعالى، بحيث يقتضي تهديده ليجتنب عنه(2).

2_ قالت الرافضة: (وَلَا يُشْ_رِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110]، أي: «لا تش_رك في ولاية علي أحداً» (3).

الجواب:

لقد جاء في تفسير هذه الآية الكريمة ما ذكره القمي في تفسيره:

هذا الشرك شرك رياء، وفي رواية أبي الجارود عن أبي جعفر7 قال: سئل رسول الله عن تفسير قول الله: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ...) فقال: من صلى مراءاة الناس فهو مشرك، ومن زكى مراءاة الناس فهو مشرك ومن صام مراءاة الناس فهو مشرك، ومن حج مراءاة الناس فهو


1- شرح أصول الكافي، المولى محمّد صالح المازندراني، ج7، ص99.
2- تنزيه الشيعة الاثني عشرية عن الشبهات الواهية، أبو طالب التجليل، ج2، ص12.
3- ظاهرة التكفير عند الإمامية، عبد الرحمن الدمشقية، ص12.

ص 157

مشرك، ومن عمل عملاً مما أمرالله به مراءاة الناس فهو مشرك ولا يقبل الله عمل مراءاة (1).

وقال الطبرسي في تفسيره:

قال عطاء: عن ابن عباس: أن الله تعالى قال: (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) ولم يقل، ولا يشرك به؛ لأنّه أراد العمل الذي يعمل لله، ويحبّ أن يحمد عليه. قال: ولذلك يستحب للرجل أن يدفع صدقته إلى غيره ليقسّمها، كيلا يعظّمه من يصله بها(2).

وهكذا جاءت تفاسير الشيعة مؤكّدة لهذا المعنى، دون أن تتعرّض لما ذكره الدمشقية.

3_ قال الكاشاني في تفسير الصافي في قوله تعالى: (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ)، قال: «أي: أين إمامكم الذي اتّخذتموه من دون الإمام؟!» (3).

الجواب:

هكذا جاء في تفسير الصافي:

عن الباقر7 فأمّا النصّاب من أهل القبلة فإنّهم يخدّ لهم خدّاً إلى النار التي خلقها الله في المشرق، فيدخل عليهم منها اللهب والشرر والدخان وفورة الحميم إلى يوم القيامة، ثمّ مصيرهم إلى الحميم، ثمّ في النار يسجرون، ثمّ قيل: (أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ) أي: أين إمامكم الذي اتّخذتموه دون الإمام الذي جعله الله للناس إماماً؟!(4).

أقول معلّقاً على ذلك بما يسعني المجال:

أوّلاً: أنّ مسألة معرفة إمام الزمان من الثوابت الإسلامية، وقد جاءت رواياته في كتب الصحاح السنّية وغيرها، وقد عدّت هذه الروايات الصحيحة من لم يعرف إمام زمانه مات


1- تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، ج2، ص47.
2- تفسير مجمع البيان، ج6، ص396.
3- تفسير الصافي، الفيض الكاشاني، ج4، ص348.
4- تفسير مجمع البيان، ج6، ص396.

ص 158

ميتة جاهلية، فقد أخرج مسلم في الصحيح من حديث عاصم(1)، أنّ رسول الله، قال: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّة»(2)، رواها أيضاً غيره(3). ثمّ أنّ النبي لا يأمر بالبيعة لإمام فاسق أو فاجر أو ظالم، بل إمام هدى.

وأخرج عمرو بن أبي عاصم (المتوفّى 287ه) عن أبي صالح حديثين: أحدهما: عن

أبي هريرة، والآخر: عن معاوية، أن رسول الله قال: «من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية» (4)، وقال الهيثمي بعد أن أخرج الحديث المتقدّم عن معاوية بن أبي سفيان: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه العباس بن الحسن القنطري ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح»(5)، والظاهر أنّه العباس بن الحسين (مصغراً) القنطري، وهو ثقة من شيوخ البخاري، ولعلّه تحرّف (الحسين) في نسخة الطبراني فلم يعرفه الهيثمي(6) إلى غير ذلك من أحاديث السنّة في هذا الباب.

وثانياً: أنّ مسألة تنصيب الإمام من قبل الله تعالى ونبيّه الأكرم، هي نقطة الخلاف الأولى بعد رحيل النبي الأكرم، حتّى قال عنها الشهرستاني في كتابه (الملل والنحل): «وأعظم خلاف بين الأمّة خلاف الإمامة؛ إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية، مثلما سلّ على الإمامة في كلّ زمان»(7).

وكان للإمامية أدلّتهم من الآيات والروايات الصحيحة التي جاءت بها كتب الصحاح ما ملأ الخافقين، وما من كتاب من كتب الشيعة الإمامية إلّا وتجده مليء بالأدلّة والبراهين


1- اُنظر: السنن الكبرى، البيهقي، ج8، ص157.
2- صحيح مسلم، ج6، ص22.
3- اُنظر: السنن الكبرى، ج8، ص157؛ فتح الباري، ج13، ص5.
4- كتاب السنّة، عمرو بن أبي عاصم، ص489.
5- مجمع الزوائد، ج5، ص255.
6- اُنظر ما حققه محمّد ناصر الدين الألباني على كتاب السنّة لعمرو بن أبي عاصم، ص490.
7- الملل والنحل، للشهرستاني، ج1، ص24. ثم لو كانت الإمامة من المسائل الفقهية التي يجوز فيها الاجتهاد، فلماذا كلّ هذا النزاع، وتكفير من يقول بوجوبها ؟!

ص 159

والنصوص الشرعية من الآيات والرواية في إثبات الإمامة الإلهية لأهل البيت: بلا فصل بعد النبي، فمن شاء فليراجع ذلك.

وثالثاً: أنّ مثل هذا التفسير والتأويل واقع في كثير من كتب التفسير السنّية، قال الحاكم في المستدرك:

أخبرنا أبو عبدالله الدشتكي، حدّثنا عمرو بن أبي قيس، عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزّ وجلّ: (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) قال: وهي النقرة، يعني الكوّة(1).

الفصل الثالث: الخلط بين مفهومي الناصبي والسني

تمهيد

اشارة

1- المستدرك على الصحيحين، ج2، ص397، وقال فيها: حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وفي تلخيص الذهبي في هامش هذا الكتاب قال عنه: صحيح.

ص: 160

ص 161

الفصل الثالث: الخلط بين مفهومي الناصبي والسني

ص: 162

ص 163

تمهيد

هناك محاولات فاشلة تنمّ عن جهل القائم بها، أو تعمّده لها، وهي ما يقوم بها بعض المغرضين من أعداء الدين الإسلامي، أو بعض المتعصّبين للمذهب الوهابي؛ وذلك بهدف خلط المفاهيم الدينية على المسلمين، كان من بينها الخلط بين مفهومي السنّي المخالف للمذهب الإمامي والناصبي المعلن العداء والنصب لأهل البيت:؛ وذلك بحجة الدفاع عن أهل السنّة والمسلمين، والوقوف بوجه المدّ الشيعي الذي يعتبرونه مدّاً إيرانياً عدائياً للإسلام والمسلمين في العصر الحاضر، بعد فشل محاولتهم القديمة التي عرفت ب_ (السبيئة اليهودية).

وما أن تنكشف هذه الحقيقة الواضحة _ رغم أنوفهم _ عندها يرون أنفسهم تدور في حلقة فارغة لا مخرج منها ولا ملجأ يلوذون به، إلّا اصطناع التأويل الفاسد لأفكارهم، فتأمّل في كلمة هذا الأستاذ الجامعي السلفي حسن بن فهد الهويمل، حيث تجده يعترف بكلّ صراحة بخطئهم جميعاً بعد كلّ ما تبجح به أسلافه ومعاصريه بكون الشيعة أتباع اليهودي ابن سبأ، ولكن ما أن كشف الله تعالى هذه الأكذوبة التاريخية، ولم يجد هذا الأستاذ وجهاً للتشبّث بعد ذلك بهذه الفرية على الشيعة الإمامية من أتباع مذهب أهل البيت:الحقّ، راح يص_رّح بقوله: «ومع قراءتي لما كتبا(1) ووقوفي على الجهد المبذول في التقصي إلّا أنّني لا أطمئن لما ذهبا إليهولا


1- قال ذلك في معرض تقييم نتائج كتابات الدكتور الهلابي، والأستاذ حسن المالكي حول عبدالله بن سبأ، حيث ذهب الأوّل إلى نفي وجوده ودوره في أحداث الثورة على عثمان، وذهب الثاني إلى نفي دوره في أحداث الثورة على عثمان.

ص 164

أرتاح له؛ لان في نسف هذه الشخصية (أي: شخصية عبدالله بن سبأ) نسفاً لأشياء كبيرة»(1).

وإليك جملة من أقوال علماء ومفكّري السنّة المعاصرين:

1_ قال الدكتور طه حسين:

إنّ أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنّما كان متكلّفاً منحولاً قد اخترع بآخره حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم(2).

2_ قال الدكتور كامل حسين:

فقصة ابن سبأ في مصر وأنّه بثّ آراء التشيّع بين المصريين هي أقرب إلى الخرافات منها إلى أيّ شيء آخر(3).

3_ قال الدكتور علي النشار:

ومن المحتمل أن تكون شخصية عبدالله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنّها رمزت إلى شخصية ابن ياسر، ومن المحتمل أن يكون عبدالله بن سبأ هو مجرد تغليف لاسم عمار بن ياسر(4).

4_ قال الدكتور حامد حفني داود:

ولعلّ أعظم هذه الأخطاء التاريخية التي أفلتت من زمام هؤلاء الباحثين وغم عليهم أمرها، فلم يفقهوها ويفطنوا إليها، هذه المفتريات التي افتروها على علماء الشيعة حين لفّقوا عليهم قصة عبدالله بن سبأ فيما لفّقوه من قصص(5).

5_ قال الدكتور عبد العزيز صالح الهلابي:


1- اُنظر: جريدة الرياض التي تصدر في السعودية، العدد 4 ربيع الأول سنة 1418ه، نقلاً عن سامي البدري، شبهات و ردود، ج3، ص149.
2- علي وبنوه، د. طه حسين، ج2، ص24.
3- في أدب مصر الفاطمية، محمّد كامل حسين، ص 7.
4- نشأة الفكر الفلسفي، علي النشار، ج2، ص39.
5- نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، ص102؛ مقدمة كتاب عبدالله بن سبأ، العلامة العسكري، ج1، ص17.

ص 165

إنّ ابن سبأ شخصية وهمية لم يكن لها وجود، فإن وجد شخص بهذا الاسم فمن المؤكّد أنّه لم يقم بالدور الذي أسنده إليه سيف وأصحاب كتب الفرق لا من الناحية السياسية ولا من ناحية العقيدة...، إنّ إغفال هؤلاء المؤرّخين لهذا الرجل الذي كان له هذا الدور الكبير في أحداث الفتنة وفي تغيير وجه التاريخ الإسلامي دليل على أنّ الرجل مكذوب مختلق في عصر متأخّر عن عصر أولئك المؤرّخين المذكورين وغيرهم(1).

6_ الدكتور سهيل زكار: «إنّ ابن سبأ لم يوجد بالمرّة، بل هو شخصية مخترعة» (2).

ولكن نقول لهم كما قال لهم الحقّ تبارك وتعالى في قوله عزّ وجلّ: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:109].

جعل الناصبي هو السني مغالطة وخلط في المفاهيم

إنّ الخلط بين مفهومي السنّي والناصبي؛ إمّا أنّه ينمّ عن جهل القائل به، وإمّا أنّه يكشف عمّا رواء ذلك من أهداف غير نزيهة للإسلام والمسلمين، من قبيل إرادته إثارة الفتنة والفرقة بين أبناء الأمّة الإسلامية الواحدة، مستغلاًّ بذلك المغفّلين من المسلمين، بأساليب ملتوية ومغالطات مقصودة، بحيث يقوم بتصوير الناصب بصورة السنّي المخالف، والواقع يكذّبه، فإنّ الناصبي غير السنّي المخالف للشيعة الإمامية بأفكاره وأحكامه، وهذا ما يتجدد به الخطاب اليومي للوهابية عبر قنوات الإعلام ووسائله الحديثة المرئية وغير المرئية، حتّى أنّه يؤكد هذه الفرية على الشيعة الإمامية بأنّها تحكم بكفركم أيّها المسلمون، وبالخصوص أنتم أهل السنّة والجماعة؛ لمجرد اتّباعكم للقرآن والسنّة النبوية والقول بعدالة جميع الصحابة، وبتقديمكم الخلفاء الثلاثة على علي بن أبي طالب، أو عدم قولكم بإمامته، ونحوها من الأقوال التي يكررونها يومياً في وسائلهم الإعلامية.


1- عبدالله بن سبأ دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة، الهلابي، ص73.
2- المنتظم، ابن الجوزي، هامش ص301.

ص 166

ولم يكن عبدالرحمن الدمشقية أوّل من قام بهذه الفرية على الشيعة المتمثّلة بالخلط بين هذين المفهومين جهلاً أو عمداً، بل قد سبقه الكثير من جماعته وأهل حركته، حيث جاء عن بعضهم قوله: «كلمة النواصب اصطلاح يرمز إلى أهل السنّة، الذين يقال عنهم: إنّهم يناصبون أهل البيت العداء»(1).

وفي الجواب نقول:

إنّ الشيعة الإمامية تفرّق بين الناصبي المجمع على كفره ونجاسته، وبين المسلم السنّي المجمع على طهارته، وإليك أقوالهم في الناصبي، ثمّ بعد ذلك ننقل لك أقوالهم في السني المخالف لهم في عقيدته وأحكامه:

قال الشريف المرتض_ى: «الناصب كالغالي في الكفر والخروج عن الإيمان، ولا يجوز مناكحة كلّ واحد منهما مع الاختيار، ولا فرق بينهما في أنّهما كافران لا يتعلّق عليهما أحكام أهل الإسلام» (2).

وفي هامش شرائع الإسلام جاء في تعريف النواصب: «(النواصب) وهم الذين يعادون ويسبّون واحداً من الأئمة المعصومين:، كفرقة من الإسماعيلية الذين يسبون الإمام

موسى بن جعفر»(3).

وقال العاملي في مدارك الأحكام: «النواصب؛ وهم المبغضون لأهل البيت:» (4).

وفي ذخيرة المعاد للسبزواري، قال: «النواصب، وهم الذين ينصبون العداوة

لأهل البيت:»(5).

تعريف علماء السنة للناصبي

1- راجع: كتاب حوار هادى، ص62، الهامش، وهو عبارة عن محاضرة لعبد الله بن سعيد الجنيد، طبعت تحت عنوان حوار هادى بين السنّة والشيعة.
2- رسائل المرتضى، ج4، ص39.
3- شرائع الإسلام، للمحقق الحلي، ج1، ص12، هامش.
4- مدارك الأحكام، العاملي، ج1، ص129.
5- ذخيرة المعاد، المحقق السبزواري، ج1، ق1، ص152.

ص 167

الناصبي نسبة إلى النواصب؛ وهم الذين يدينون ببغض علي بن أبي طالب2، سمّوا بذلك؛ لأنّهم نصبوا له العداء والخلاف(1).

وقال ابن حجر في فتح الباري: «وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوّة، وفضيلة ظاهرة لعلى ولعمار، وردّ على النواصب الزاعمين أنّ علياً لم يكن مصيباً في حروبه»(2).

وجاء في هامش سير أعلام النبلاء للذهبي:

النواصب والناصبية وأهل النصب: هم المتدينون ببغض علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - لأنهم نصبوا له، أي: عادوه. ومما يحزّ في القلب أنّه ما زالت بعض العبارات العامية في اللهجة الدمشقية تحمل هذه البقايا، دون إدراك لمعناها(3).

ونقل الذهبي عن أبي نعيم الحداد بأنّه قال:

سمعت الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ، سمعت أبا عبدالرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: كنّا في مجلس السيّد أبي الحسن، فسئل أبو عبدالله الحاكم عن حديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صحّ لما كان أحد أفضل من علي بعد النبي صلى الله عليه وسلم. فهذه حكاية قوية، فما باله أخرج حديث الطير في " المستدرك "؟! فكأنّه اختلف اجتهاده، وقد جمعت طرق حديث الطير في جزء، وطرق حديث: " من كنت مولاه " وهو أصح، وأصح منهما ما أخرجه مسلم عن علي قال: إنّه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إليّ: " إنه لا يحبك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق". وهذا أشكل الثلاثة، فقد أحبّه قوم لا خلاق لهم، وأبغضه بجهل قوم من النواصب، فالله أعلم(4)

وجد على هامش الأصل - تعليق على استشكال الذهبي ونصّه: قلت: لا إشكال،

فالمراد: لا يحبكّ الحبّ الشرعي المعتد به عند الله تعالى، أمّا الحب المتضمّن لتلك


1- راجع: الملل والنحل، عبدالكريم الشهرستاني.
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج1، ص451.
3- سير أعلام النبلاء، ج15، ص476، الهامش وتعليق شعيب الأرنؤوط.
4- المصدر السابق، ج17، ص169، تعليق شعيب الأرنؤوط.

ص 168

البلايا والمصائب، فلا عبرة به، بل هو وبال على صاحبه كما أحبّت النصارى

المسيح (1).

وعدَّ ابن عبد البر في الاستيعاب بأنّ الشاتم لعلي من النواصب، حيث قال: «قال

أبو عمر: وأمّا ربيعة بن يزيد السلمي فكان من النواصب يشتم علياً رضي الله عنه» (2).

وقال ابن حجر في الإصابة: «أمّا ربيعة بن يزيد السلمي فكان من النواصب يشتم علياً قال أبو حاتم: لا يروى عنه ولا كرامة، ومن ذكره في الصحابة لم يصنع شيئاً» (3).

وقال الزرندي الحنفي في نظم درر السمطين، في ذمّ من يظهر الس_رور والفرح في يوم عاشوراء؛ إمّا ناجم من النصب للحسين وأهل بيته، وإمّا أنّه يدلّ على جهلهم، حيث قال:

فاتّخذوا هذا اليوم عيداً وأخذوا في إظهار الفرح والسرور؛ إمّا لكونهم من النواصب المتعصّبين على الحسين وأهل بيته، وإمّا من الجهّال الذين قابلوا الفاسد بالفاسد (4).

وقال المناوي في فيض القدير شرح الجامع الصغير:

(فائدة) قال ابن حجر: حديث تقتل عماراً الفئة الباغية رواه جمع من الصحابة، منهم: قتادة وأم سلمة وأبو هريرة وابن عمر وعثمان وحذيفة وأبو أيوب وأبو رافع وخزيمة بن ثابت ومعاوية وعمرو بن العاص وأمية وأبو اليسر وعمار نفسه، وغالب طرقه كلّها صحيحة أو حسنة، وفيه علم من أعلام النبوّة، وفضيلة ظاهرة لعلي وعمار، ورد على النواصب الزاعمين أنّ علياً لم يكن مصيباً في حروبه(5).

وقال أحمد بن الصديق المغربي، في فتح الملك العلي:

وأمّا اشتراط كونه روى ما لا يؤيّد بدعته فهو من دسائس النواصب التي دسّوها بين أهل الحديث ليتوصّلوا بها إلى إبطال كلّ ما ورد في فضل علي، وذلك أنّهم جعلوا آية


1- سير أعلام النبلاء، ج17، ص169؛ هامش رقم 2.
2- الاستيعاب، ابن عبد البر، ج2، ص493.
3- الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر، ج2، ص398.
4- نظم درر السمطين، الزرندي الحنفي، ص229.
5- فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي، ج4، ص613.

ص 169

تشيّع الراوي وعلامة بدعته هو روايته فضائل علي، كما ستعرفه، ثمّ قرروا أنّ كلّ ما يرويه المبتدع مما فيه تأييد لبدعته فهو مردود ولو كان من الثقات، والذي فيه تأييد التشيّع في نظرهم هو فضل علي وتفضيله, فينتج من هذا أن لا يصح في فضله حديث,كما صرّح به بعض من رفع جلباب الحياء عن وجهه من غلاة النواصب كابن تيمية وأضرابه، ولذلك تراهم عندما يضيق بهم هذا المخرج ولا يجدون توصلاً منه إلى الطعن في حديث؛ لتواتره أو وجوده في الصحيحين يميلون به إلى مسلك آخر وهو التأويل وصرف اللفظ عن ظاهره، كما فعل حريز بن عثمان في حديث أنت منّي بمنزلة هارون من موسى، وكما فعل ابن تيمية في أكثر ما صح من فضائله بالنسبة إلى اعترافه(1).

إلى أن قال:

وأوّل من علمته صرّح بهذا الشرط وإن كان معمولاً به في عصره إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني المعروف بين أهل الجرح والتعديل بالسعدي, وهو أحد شيوخ الترمذي وأبي داود والنسائي, وكان من غلاة النواصب, بل قالوا: إنّه حريزي المذهب على رأي حريز بن عثمان وطريقته في النصب، وكان حريز المذكور يلعن علياً سبعين مرّة في الصباح وسبعين مرّة بالعشي, فقيل له في ذلك، فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي، ذكره ابن حبان(2).

وقال أيضاً:

وقال إسماعيل بن عياش: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسبّ علياً ويلعنه، وقيل ليحيى بن صالح: لِمَ لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتّى يلعن علياً سبعين مرّة، وأخباره في هذا كثيرة.

وقد ذكر الخطيب في ترجمته من تاريخ بغداد، والحافظ في ترجمة محمّد بن حريز من اللسان: أنّ الحافظ يزيد بن هارون قال: رأيت ربّ العزّة في المنام فقال: يا يزيد لا تكتب عنه فإنّه


1- فتح الملك العلي، أحمد بن الصديق المغربي، ص109.
2- تهذيب التهذيب، ابن حجر، ج2، ص240؛ ميزان الاعتدال، ج1، ص475.

ص 170

يسبّ علياً، فالجوزجاني كان على مذهب هذا الخبيث وطريقته في النصب, وزاد عليه بالتعصّب في الجرح والتعديل، فكان لا يمرّ به رجل ممن فيه تشيّع إلّا جرحه وطعن في دينه, وعبّر عنه بأنّه زائغ عن الحقّ متنكب عن الطريق مائل عن السبيل، كما نبّه عليه الحافظ في مقدّمة اللسان فقال: ومما ينبغي أن يتوقّف في قبول قوله في الجرح من كان بينه وبين من جرحه عداوة سببها الاختلاف في الاعتقاد, فإنّ الحاذق إذا تأمّل ثلب أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب، وذلك لشدّة انحرافه في النصب وشهرة أهلها بالتشيّع، فتراه لا يتوقّف في جرح من ذكره منهم بلسان ذلقة وعبارة طلقة حتّى أنّه أخذ يلين مثل الأعمش وأبي نعيم وعبيدالله(1).

وقال أيضاً في كتابه (القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع):

وابن تيمية أكثر الطعن في أحاديث فضل علي، تجد ذلك في منهاجه واضحاً، فلا يعتمد عليه فيما يطعن فيه من تلك الأحاديث؛ لأنّ فيه انحرافاً عن علي7، كما نبّه عليه الحافظ في ترجمته من الدرر الكامنة، وقال في لسان الميزان: لكن وجدته - يعني ابن تيمية - كثير التحامل إلى الغاية في ردّ الأحاديث التي يوردها ابن المطهر, وإن كان معظم ذلك من الموضوعات والواهيات، لكنه ردّ في ردّه - يعني المنهاج - كثيراً من الأحاديث الجياد التي لم يستحضر حالة التصنيف مظانّها: لأنّه كان لاتّساعه في الحفظ يتّكل على ما في صدره، والإنسان عرضة للنسيان، وكم من مبالغة لتوهين كلام الرافضي أدّته أحياناً إلى تنقيص علي(2)

وذكر السقاف في كتابه (تناقضات الألباني):

إعلم أنّ الألباني يصحح أحاديث موضوعة وضعيفة فيها ذكر فضائل لمعاوية بن أبي سفيان وعمرو بن العاص شغباً وتأييداً للنواصب, وهو مخطئ وخاطئ في ذلك؛ لأنّ هذه الأحاديث لا يمكن أن تصح حسب موازين علم الحديث زيادة على تصريح الحذّاق من أهل هذا الشأن من كبار المحدّثين بعدم صحتها, وإليك ذلك: 1 - حديث عمير بن سعيد قال: لا تذكروا


1- راجع: لسان الميزان، ابن حجر، ج1، ص11.
2- القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع، ج6، ص9.

ص 171

معاوية إلّا بخير، فإنّي سمعت رسول الله9 يقول: (اللهم اهد به). رواه الترمذي في

(سننه) (5 / 687) وغيره. قلت: صححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي) (3 / 236) فقال: (صحيح بما قبله) ! ! قلت: كلا والذي برأ النسمة، فإنّه حديث موضوع لاشك في ذلك, فإنّ في سنده عمرو بن واقد، وقد قال فيه الألباني نفسه في (ضعيفته) (2 / 341) متناقضاً: (وعمرو بن واقد متروك كما في التقريب) (451)، وقال في (صحيحته)

(1 / 458) عن طريق فيها عمرو هذا: (فهذه طريق أخرى عن إسماعيل ولكنّها واهية؛ فإنّ

عمرو بن واقد (452) متروك)، قلت: بل هو كذّاب كذّبه جماعة من الحفّاظ، ففي (تهذيب (453) التهذيب) (8 / 102): (قال أبو مسهر: كان يكذب...)(1).

وقال محمود سعيد ممدوح في كتابه (رفع المنارة):

«والنواصب مجروحون بقوله صلى الله عليه وسلم لعلي7: (لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق)، ففض يديك من جرح النواصب تسلم»(2).

وقال الحاكم الحسكاني في ردّ من اعترض على نزول آية (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ) في حقّ أهل البيت::

ونزلت هذه الآية: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً). (ثمّ إنّ) الحديث بطوله اختصرته في مواضع. قلت: اعترض بعض النواصب على هذه القصّة بأن قال: اتّفق أهل التفسير على أنّ هذه السورة مكية، وهذه القصة كانت بالمدينة - إن كانت - فكيف كانت سبب نزول السورة؟ وبان بهذا أنّها مخترعة ! ! ! قلت: كيف يسوغ له دعوى الإجماع مع قول الأكثر: أنّها مدنية؟!(3).

وقال الآلوسي في بيان مكانة أهل البيت: في آية المباهلة، وذهب النواصب إلى أنّ المباهلة جائزة لإظهار الحقّ إلى اليوم إلّا أنّه يمنع فيها أن يح_ضر الأولاد والنساء، وزعموا رفعهم الله تعالى لا قدراً، وحطّهم ولا حطّ عنهم وزراً أنّ ما وقع منه صلى الله عليه وسلم


1- تناقضات الألباني، حسن السقاف، ج2، ص228.
2- رفع المنارة، سعيد ممدوح، ص152.
3- شواهد التنزيل، ج2، ص409.

ص 172

كان لمجرد إلزام الخصم وتبكيته, وأنّه لا يدلّ على فضل أولئك الكرام على نبيّنا وعليهم أفضل الصلاة وأكمل السلام، وأنت تعلم أنّ هذا الزعم ضرب من الهذيان، وأثر من مس الشيطان. وليس يصح في الأذهان شيء * إذا احتاج النهار إلى دليل(1).

والحاصل من جميع ما تقدّم بأنّ الشيعة الإمامية وأهل السنّة يعلمون ماذا يعني الناصبي، ولذلك حكموا بكفره ونجاسته، ولم يعرف أحد منهم بأنّه يعني السنّي المخالف للشيعة في أصولها أو فروعها، بل هو من نصب العداوة والبغضاء لأهل البيت:، ولذلك وصف بعضهم ابن تيمية والألباني وغيرهم بهذا الوصف لمحاربتهم أهل البيت: عن طريق إنكار فضائلهم، كما مرّ علينا قبل قليل من بعض كبار أهل السنّة, فتدبّر جيّداً.

مفارقات ارتكبها أرباب الجرح والتعديل من أهل السنة
اشاره

لقد رأينا كيف أنّ الجميع متّفق على تكفير ونجاسة الناصبي، بغض النظر عن مذهبه، فمن صدق عليه عنوان الناصبي فالحكم شامل له بلا استثناء، والعجيب أنّ أرباب الجرح والتعديل؛ الذين ينبغي أن يكونوا أمناء في أداء مهمّتهم ووظيفتهم التي نصبوا أنفسهم لها، وجدناهم لا يؤدّون الأمانة بصدق وإخلاص، حيث قاموا بتصحيح وتوثيق أعداء الدين وأعداء أميرالمؤمنين مع صريح شهادتهم بأنّهم من النواصب الذين مرّ علينا حكمهم عند جميع علماء المسلمين، سنّة وشيعة، وإليك نماذج من هؤلاء النواصب، لترى بنفسك كيف أنّ أرباب الجرح والتعديل التي باتت الأمّة تسير وراءهم وتأخذ بأقوالهم في ثبوت الحديث وعدمه:

1- توثيق الناصبي إبراهيم بن هشام الغساني الدمشقي (ت 238ه)

وهو من رواة الحديث، قال عنه ابن حجر العسقلاني في ترجمته في كتاب لسان الميزان «قال تمام: حدّثنا محمّد بن سليمان، حدثنا محمّد بن الفيض، قال: أدركت من شيوخنا بدمشق من يزي_غ بعليّ بن أبي طالب، فذكر جماع_ة, منهم إبراهيم هذا...»(2).


1- تفسير الآلوسي روح المعاني، ج3، ص190.
2- لسان الميزان، ج1، ص 122.

ص 173

وقال عنه الهيثمي في (مجمعه)، حيث جاء في سند رواية الطبراني: «رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن هشام الغساني، ووثّقه ابن حبان(1) وغيره، وضعّفه أبو حاتم وغيره، وبقية رجاله رجال الصحيح»(2).

2- توثيق الناصبي إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني (ت 259ه)

إبراهيم بن يعقوب بن إسحاق الجوزجاني، من أئمة الجرح والتعديل عند أهل السنّة وصاحب كتاب أحوال الرجال، قال عنه ابن عدي في الكامل:

إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني كان مقيماً بدمشق, يحدّث على المنبر، ويكاتبه أحمد بن حنبل فيتقوّى بكتابه ويقرأه على المنبر، وكان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في التحامل على عل_يّ(3).

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ: «وقال عنه الدار قطني: كان من الحفاظ الثقات المصنّفين، وفيه انحراف عن علي»(4).

قال ابن حجر العسقلاني في تهذيب التهذيب:

وقال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن عل_يّ، اجتمع على بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جاري_ة له فرّوجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها فقال: سبحان الله فرّوجة لا يوجد من يذبحها وعل_يّ يذبح في ضحوة نيفاً وعشرين ألف مسلم(5).

وقد وصفه ابن حبان في جملة الثقات، بأنّه: «كان حريزي المذهب...»(6).

ويعني بذلك نسبته إلى حريز بن عثمان المعروف بالنصب ولعن أميرالمؤمنين، كما ذكره


1- نقل عنه ابن حبان في كتاب صحيح ابن حبان، ج2، ص287.
2- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج8، ص71.
3- الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي، ج1، ص310.
4- تذكرة الحفاظ، ج2، ص549.
5- تهذيب التهذيب، ج1، ص 118.
6- الثقات، ج8، ص81. كما نقل عنه في مواضع مختلف أحاديث كثيرة في جملة من أدرج أسمائهم في الصحيح. اُنظر: صحيح ابن حبان، ج2، ص406 وغيرها من الصفحات.

ص 174

عنه الذهبي(1)، وابن حجر(2)، وابن العماد الحنبلي(3)، والنسائي، والدار قطني(4)، وقال عنه محمود سعيد بن ممدوح الشافعي: «الجوزجاني الناصب_ي... والجوزجاني المعروف بنص_به»(5)، كم_ا نصّ على نصبه حسن بن علي السق_اف في كتابه زهر الريحان(6)، و أحمد بن محمّد الصديق الغماري في كتابه فتح الملك العلي(7).

4- توثيق أزهر بن عبدالله الحرازي ( ت 128 أو 129ه)

أزهر بن عبدالله الحرازي الحمصي، تابعي ومن رواة الحديث، قال عنه الذهب_ي في كتابه ميزان الاعتدال :«تاب_عي، حس_ن الحديث، لكنّه ناص_بي، ي_نال من ع_ليّ رضي الله عن_ه»(8)، كما نصّ على نص_به أيضاً في ك_تابه الكاش_ف(9).

أمّا ابن حجر العسقلاني فقال: «صدوق، تكلّموا فيه للنصب» (10).

ونقل العسقلاني في تهذيب التهذيب أنّ ابن الجارود ذكر أزهر بن عبدالله ونصّ على أنّه يسبّ أميرالمؤمنين(11).

ورغم ذلك فهو صدوق عند ابن حجر كما مرّ، ووثّقه العجلي(12) وابن حبان(13)، بل


1- اُنظر: مي_زان الاعت_دال، ج1، ص101.
2- اُنظر: تقريب التهذيب، ص 67.
3- شذرات الذهب، ج2، ص 130.
4- اُنظر: تهذيب الكم_ال، ج1، ص 456.
5- غاية التبجيل، صص 240 و 244.
6- اُنظر: زهر الريحان، ص137.
7- اُنظر: فتح الملك العلي، ص 74.
8- ميزان الاعتدال، الذهبي، ج1، ص 197.
9- الكاشف، ص 69.
10- تقريب التهذيب، ص69.
11- تهذيب التهذيب، ج1، ص 132.
12- تاريخ الثقات، ص 59.
13- الثقات، الألباني، ج4، ص 39.

ص 175

روى عنه البخاري في الأدب المفرد، وأبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي !! و سنذكره أيضاً في ترجمة أسد بن وداعة بعد قليل.

5- توثيق إسحاق بن سويد العدوي (ت 131ه)

إسحاق بن سويد العدوي البصري، من رواة الحديث، ذكره العجلي في تاريخ الثقات فقال: «ثقة، وكان يحمل على ع_لي»(1).

وذكر ابن حجر في ترجمته: «وقال أبو العرب الصقلي في الضعفاء: كان يحمل على ع_ليّ تحاملاً شدي_داً، وقال: لا أح_بّ علي_اً»(2).

وقال ابن حجر أيضاً عنه: «صدوق، تُكلم فيه للنصب»(3).

ورغم ذلك فقد وثّقه أحمد بن حنبل والنسائي ويحيى بن معين(4) وابن حبان(5)والعجلي كما مرّ معنا، وروى عنه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وأحمد في المسند، وكذلك النسائي وأبو داود.

6- توثيق أسد بن موسى الأموي ( ت 212 ه_ )

أسد بن موسى بن إبراهيم بن الولي_د بن عبدالملك الأم_وي، من الحُفّاظ والرواة وأصحاب المؤّلفات، قال عنه ابن حجر: «أَسد السّنة، صدوق، يُغرّب، وفيه ن_صب»(6)، أس_د السنّة الناصبي !! ما أشد تناقضهم.

وذكره الذهبي ضمن الرواة المتكلّم فيهم بما لا يوجب الردّ(7)، فكلّ ما ذكروه فيه


1- تاريخ الثقات، ص 61.
2- تهذيب التهذيب، ج1، ص 152.
3- تقريب التهذيب، ص 73.
4- تهذيب الكمال، ج2، ص48.
5- الثقات، الالباني، ج6، ص47.
6- تقريب التهذيب، ص 76.
7- معرفة الرواة، الذهبي، توفي 748ه ، ص 66.

ص 176

لا يوجب جرحه!! بل وثّقه ابن حبان(1)والنسائي(2) والعجلي(3)، وابن العماد

الحنبلي(4)، وروى عنه البخاري في صحيحه وفي الأدب المفرد، وروى عنه كذلك النسائي وأبو داود

7- توثيق أسد بن وداعة الشامي (ت 137ه)

أسد بن وداعة أبو العلاء الشامي، من التابعين ومن رواة الحديث، قال عنه الذهبي:

أسد بن وداعة، شامي من صغار التابعين، ناصب_ي يَسُبّ، قال ابن معين: كان هو وأزهر الحرازي وجماعة يَسُبّون علياً، وقال النسائي: ث_قة(5).

وروى العقيلي وابن حجر الجريمة التالية:

حدّثنا محمّد، حدّثنا عباس قال: سمعت يحيى، قال: حدّثنا أزهر الحراني وأسد بن وداعة وجماعة كانوا يسبّون علي بن أبي طالب2، وكان ثور بن يزيد في ناحية لا يسبّ، فإذا لم يسبّ ج_رّوا برج_له(6).

ولا أدري ما هو مبرر بعض علماء أهل السنّة في توثيق هذا الناصبي المنافق المتجرئ على الله ورسوله؟! فما هو تبرير النسائي في توثيقه؟! وما هو تبرير ابن حبان في توثيقه أيضاً(7)؟! بل زاد ابن حب_ان فقال:

أسد بن وداعة الشامي كنيته أبو العلاء يروي عن شداد بن أوس، روى عنه أهل الشام، وكان عابداً، قتل سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة(8).


1- الثقات، ابن حبان، ج8، ص 136.
2- نقلاً عن: تهذيب الكمال، ج2، ص 166. وكذلك نقل توثقيه إياه المباركفوري، تحفة الأحوذي، ج2، ص405.
3- تاريخ الثقات، ص 62.
4- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج2، ص 27.
5- ميزان الاعتدال، ج1، ص 229.
6- الضعفاء الكبير، ج1، ص 26 ؛ تهذيب التهذيب، ج1، ص345.
7- الثقات، ج4، ص 56.
8- المصدر السابق، ص 57.

ص 177

نعم، كان عابداً للطاغوت، متّبعاً للشيطان، وإلّا فمن يتجرّأ على سبّ أميرالمؤمنين

عليّ بن أبي طالب ما عساه إلّا منافقاً أو كافراً.

8- توثيق حريز بن عثمان الرحب_ي (ت 163ه)

حَري_ز بن عثم_ان الرحبي الحمصي ، تابعي، حافظ، من رواة الحديث، أَخرج له البخاري والترمذي والنس_ائي وأبو داود وابن ماجة، وهو من المشهورين بالنّصب والبغض لسيّدن_ا أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالب8، وقد نصّ على نَصب_ه الذه_بي(1) وأحمد بن حنبل(2)وابن حبان(3)والعجلي، حيث قال: «حريز بن عثمان الرحبي شامي ثقة، وكان يحمل على علي»(4)، وأحمد بن محمّد الغماري(5)وابن عقيل الحضرمي(6) وحسن بن فرحان المالكي(7) وغيرهم، أمّا من ذكر أنّه اتّهم ورُمي بالنّصب فَهُم أكثر.

ودعونا نفتح الملف الإجرامي لهذا الحافظ الناصبي لِنَرى من هذا الذي وَثّقوه؟

وهل تنطبق عليه شروط التوثيق أَم لا؟ وهل هم صادقون في دعواهم محبّة آل

البيت:؟

أنبأنا محمّد بن الحسين القطان، أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق، حدّثنا سهل بن

أبي سهل، حدّثنا أبو جعفر عمرو بن علي، قال: وحريز بن عثمان كان ينتقص علياً وينال منه...(8).

أنبأنا أحمد بن أبي جعفر، أنبأنا يوسف بن أحمد الصيدلاني، حدّثنا محمّد بن عمرو


1- اُنظر: الكاشف، ص137.
2- نقلاً: تهذيب الكمال، ج4، ص 235.
3- نقلاً: تهذيب التهذيب، ج1، ص 465.
4- تاريخ الثقات، ص 112.
5- فتح الملك العلي، صص 25 و 74.
6- العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، محمّد بن عقيل الحضرمي، ص131.
7- قراءة في كتب العقائد، ص 176.
8- تاريخ بغداد، ج8، ص 261.

ص 178

العقيلي، حدّثنا محمّد بن أيوب، عن يحيى بن ضر، يحدّثنا يحيى بن المغيرة قال: ذكر أنّ حريزاً كان يشتم علياً على المنابر(1).

وقال العقيلي:

حدّثنا محمّد بن أيوب بن يحيى بن ضريس، قال: حدّثنا يحيى بن المغيرة، قال: ذكر جرير أنّ حريز كان يشتم علياً على المنابر.

حدّثنا محمّد بن إسماعيل، قال: حدّثنا الحسن بن علي الحلواني، قال: حدّثنا عمران بن أبان، قال: سمعت حريز بن عثمان يقول: لا أحبّه قتل آبائي قتل آبائي يعني علياً(2)

وقال: حدّثنا محمّد بن اسماعيل، حدّثنا الحسن بن علي قال: قلت ليزيد بن هارون: هل سمعت من حريز بن عثمان شيئاً تنكره عليه من هذا الباب؟ فقال: إنّي س_ألته أن لا يذكر لي شيئاً من هذا مخافة أن أسمع منه شيئاً يضيق عليّ الرواية عنه، قال: فأشدّ شيء سمعته يقول: لنا أمير ولكم أمير يعني: لنا معاوية ولكم عليّ، فقلت ليزيد: فقد آثرنا على نفسه؟ فقال: نعم(3).

أنبأنا محمّد بن عبدالله بن أبان الهيتي، قال: حدّثنا الحسين بن عبدالله بن روح الجواليقي، حدّثني هارون بن رضى مولى محمّد بن عبدالرحمن بن اسحاق القاضي، حدّثنا أحمد بن سن_ان، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: رأيت ربّ العزة في المنام، فقال لي: يا يزيد تكتب من حريز بن عثمان؟ فقلت: يا ربّ ما علمت منه إلّا خيراً، فقال لي: يا يزيد لا تكتب منه فإنّه يسبّ علياً (4).

وروي هذا الخبر بأكثر من صورة.

وقال أحمد بن سعيد الدارمي، عن أحمد بن سليمان المروزي: سمعت إسماعيل بن عياش قال: عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكة فجعل يسبّ علياً ويلع_نه(5).


1- تاريخ بغداد، ج8، ص 261.
2- ضعفاء العقيلي، ج1 ،ص321. تهذيب التهذيب، ج1، ص 465.
3- تاريخ بغداد، ج8، ص 261؛ تهذيب الكمال، ج4، ص 236.
4- تاريخ بغداد، ج 8، ص 261.
5- تهذيب التهذيب، ج1، ص 465 ؛ تهذيب الكمال، ج4، ص237.

ص 179

قال ابن حجر:

قلت: وحكى الأزدي في الضعفاء أنّ حريز بن عثمان روى أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمّا أراد أن يركب بغلته جاء عليّ بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال الأزدي: من كانت هذه حاله لا يروى عنه... وقال ابن عدي: قال يحيى بن صالح الوحاظي: أملى عليّ حريز بن عثمان عن عبدالرحمن بن ميسرة عن النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم حديثاً في تنقيص علي بن أبي طالب لا يصلح ذكره، حديث معقل منكر جدّاً لا يروي مثله من يتقي الله، قال الوحاظي: فلمّا حدّثني بذلك قمت عنه وتركته، وقال قنجار: قيل ليحيى بن صالح: ل_مَ لم تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين فكان لا يخرج من المسجد حتّى يلعن علياً سبعين مرة، وقال ابن حبان: كان يلعن علياً بالغداة سبعين مرّة وبالعشيّ سبعين مرّة، فقيل له في ذلك فقال: هو القاطع رؤوس آبائي وأجدادي، وكان داعية لمذهبه يتنكب حديثه(1).

قال عنه ابن عقيل الحضرمي:

قد أطلت في ترجمة هذا الخبيث المخبث بنقل كلامهم؛ لأنّه ممن روى له البخاري وغيره، واعتمدوه وعدّلوه وذبّوا عنه حمية وتعصّباً للباطل واتّخذوه إماماً وحجّة في دينهم.... ومما تقدّم نقله تعرف أنّ حريز بن عثمان منافق فاجر وضّاع مُبغض لعلي متجاهر بذلك مُصرِّح بلعنه وبأنّه لا يحبّه، يشيد بسبّه ويخترع الأحاديث في تنقيصه، وهو مع ذلك سفياني داعية إلى مذهبه الممقوت...(2).

وقال الحسن بن علي السقاف عنه: «خبيث مخبث، ناصبي مشهور، مائل عن الحقّ، ومعوج الفكر ضال، تحايده مسلم فلم يخرج له»(3).

قال عنه حسن بن فرحان المالكي:


1- تهذيب التهذيب، ج1، ص 465.
2- العتب الجميل، ص 131.
3- المصدر السابق، ص128.

ص 180

وقد تربّى الناس في الشام على بغض عليّ ولعنه فظهر منهم أكثر من خمسين محدّثاً ناصبياً في القرون الثلاثة الأولى، كان أشهرهم حريز بن عثمان الرحبي من رواة البخاري، وكان يسبّ علي_اً في اليوم 140 م_رّة فقط !! (1).

وقال أحمد بن محمّد الغماري: «وصحّح البخاري لحريز بن عثمان، وقد وصل في البدع_ة إلى حدّ مفسّق بالإجم_اع أو مكفّر على رأي البعض» (2).

هذا هو حريز بن عثمان الرحبي، و تلك جرائمه باعتراف علماء أهل السنّة، وأمّا الغماري والسقاف وابن فرحان وابن عقيل فإنّ الإنصاف دعاهم لفضح هذا الناصبي والتحذير منه، ولكن صيحاتهم ذهبت أدراج الرياح، ولكنها لا تذهب عند الله تبارك وتعالى.

أمّا عامّة علماء أهل السنّة فيوثّقون هذا الناصبي و يقبلون روايته، و سبق أن ذكرنا أنّ البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجة وأبا داود أخرجوا له في كتبهم، وقبلوا روايته بطيب خاطر، و إليك نماذج مما قالوه فيه:

قال عنه أحمد بن حنبل: «ثقة ثقة ثقة»(3)، و قال ابن حجر: «ليس بالشام أثبت من حريز...»(4)، وقال المديني: «لم يزل من أدركناه من أصحابنا يوثّقونه»(5)، قال عنه الذهبي: «حريز بن عثمان الحافظ العالم المتقن... محدّث حمص، من بقايا التابعين الصغار»(6).

وقال عنه أبو حاتم الرازي:

حريز بن عثمان الرحبي أبو عثمان الحمصي روى عن عبدالله بن بسر، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم وراشد بن سعد وعبدالرحمن بن ميسرة روى عنه معاذ بن معاذ وعيسى بن يونس وبقية وعثمان بن سعيد بن كثير بن دينار سمعت أبي يقول ذلك.


1- قراءة في كتب العقائد، ص 176.
2- فتح الملك العلي، ص 25.
3- نقلاًعن: تاريخ بغداد، ج8، ص 263.
4- اُنظر: تهذيب التهذيب، ج1، ص 465.
5- تهذيب التهذيب، ج1، ص 465 ؛ تاريخ بغداد، ج8، ص263.
6- سير أعلام النبلاء، ج7، ص 60.

ص 181

حدّثنا عبدالرحمن، نا محمّد بن عوف الحمصي، نا أحمد بن حنبل قال: ليس بالشام أثبت من حريز إلّا أن يكون بحير، قيل: صفوان بن عمرو؟ قال: حريز فوقه، حريز ثقة ثقة. حدّثنا عبدالرحمن، قال ذكره أبي عن ابن منصور عن يحيى بن معين قال: حريز بن عثمان ثقة. حدثنا عبدالرحمن حدثني أبي قال: سمعت دحيما يثنى على حريز، حدّثنا عبدالرحمن سمعت أبي يقول: حريز بن عثمان حسن الحديث. ولم يصح عندي ما يقال في رأيه، ولا أعلم بالشام أثبت منه، هو أثبت من صفوان بن عمرو وأبي بكر بن أبي مريم، وهو ثقة متقن(1).

الشيعة لا تحكم بكفر المخالف

بعد أن اتّضح لنا أنّ حكم تكفير النواصب لا يختص بمذهب من المذاهب الإسلامية، بل هو محلّ وفاق بين علماء المسلمين سنّيهم وشيعيهم، حيث خصصوه بكلّ من يعلن العداوة والبغضاء لأهل البيت:، فالناصبي اسم ينطبق على كلّ من نصب العداء لأهل البيت: وأعلنه بحرب أو بشتم لهم، أو سبّ سيّدهم مولى الموحّدين أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب.

أخرج أحمد بسنده عن أم سلمة أنّها قالت لعبد الله الجدلي: «أيسب فيكم رسول الله

صلى الله عليه وسلم، قلت: معاذ الله، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سبّ علياً فقد سبني»(2)، رواه الحاكم وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(3)، وقال الهيثمي في ذيله: «رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير أبي عبدالله الجدلي وهو ثقة»(4).

وروى الذهبي في تاريخ الإسلام، عن زر، عن علي قال:


1- الجرح والتعديل، ج3، ص289.
2- مسند أحمد بن حنبل، ج6، ص323؛ السنن الكبرى ج5، ص133؛ خصائص أميرالمؤمنين للنسائي، ص99؛ فيض القدير للمناوي، ج6، ص190.
3- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص121.
4- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، الهيثمي، ج9، ص130.

ص 182

إنّه لعهد النبي صلى الله عليه وسلم إلي أنّه لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق. أخرجه مسلم، والترمذي وصححه.

وقال أبو صالح السمان وغيره عن أبي سعيد قال: إنّا كنّا لنعرف المنافقين ببغضهم علياً.

وقال أبو الزبير عن جابر قال: ما كنّا نعرف منافقي هذه الأمّة إلّا ببغضهم علياً(1).

وأمّا حكم المخالف للشيعة الإمامية من أهل السنّة، فإنّ فقهاء الإمامية الأعاظم لا يحكمون بكفره كما ادّعى الدمشقية بناءً على مساواته بالناصبي؛ إذ كيف يحكمون بكفره وهم يقبلونه في موارد مهمّة في الحياة كالزواج والأكل والصلاة خلفه ونحوها، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الحكم بطهارته والقول بإسلامه، وإن لم يصطلحوا عليه لفظ المؤمن بمعناه الخاص، إذ إنّهم يرون الإيمان الخاص درجة أعلى من الإسلام الذي هو الإيمان بمعناه العام (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الحجرات: 14] وهم يعتقدون بصحة إطلاق الإيمان بمعناه الخاص على من والى الإمام علي7، واعترف بإمامته وإمامة الأئمة من ولده المخصوصين بحديث الاثني عشر إماماً، وإلّا فلا خصوصية للإمامية على غيرها من الفرق الإسلامية، ولاعتقد بما تعتقد به أهل السنّة بجعل الإمامة من الفروع التي يجوز فيها الاجتهاد والتقليد.

ثمّ إنّ المخالف في تعبير الإمامية لا يختص بأهل السنّة فقط، بل يعم بذلك الفرق الشيعية التي لا تؤمن بالأئمة الاثني عشر، فهو مصطلح عام يشمل كلّ من لا يوافق الشيعة الإمامية في أصولها وفروعها، سواء كان من الشيعة أم من السنّة، وأنّ حكمه غير حكم الناصبي.

أقوال علماء الشيعة الإمامية في المخالف

قال الشهيد الثاني:

قوله [الحلي]: (ولا يشترط الإيمان الخ). اختلف الأصحاب في اشتراط إيمان الذابح زيادة


1- تاريخ الإسلام، ج3، ص634.

ص 183

على الإسلام، فذهب الأكثر إلى عدم اعتباره والاكتفاء في الحل بإظهار الشهادتين على وجه يتحقق معه الإسلام، بشرط أن لا يعتقد ما يخرجه عنه كالناصبي (والغالي)(1).

وقال السبزواري: «والأكثر على عدم اشتراط الإيمان والاكتفاء في الحل بإظهار الشهادتين على وجه يتحقق معه الإسلام، بشرط أن لا يعتقد ما يخرجه عنه كالناصب»(2).

وقال السيّد الگلپايگاني: «ولا يشترط الإيمان، وفيه قول بعيد باشتراطه. نعم، لا تصح ذباحة المعلن بالعداوة لأهل البيت: _ كالخارجي _ وإن أظهر الإسلام»(3).

وقال السيّد السيستاني:

مسألة 214: لا يجوز للمؤمن أو المؤمنة أن ينكح دواما أو متعة بعض المنتحلين

لدين الإسلام ممن يحكم بنجاستهم كالنواصب وغيرهم ممن تقدّم ذكرهم في كتاب الطهارة.

مسألة 215: يجوز زواج المؤمن من المخالفة غير الناصبية، كما يجوز زواج المؤمنة من المخالف غير الناصبي، على كراهة، نعم إذا خيف عليه أو عليها الضلال حرم(4).

قال السيستاني في المسائل المنتخبة:

مسألة 1173: يشترط في تذكية الذبيحة أمور: الأول: أن يكون الذابح مسلما - رجلا كان أو امرأة أو صبيا مميزا - فلا تحل ذبيحة الكافر حتّى الكتابي وإن سمى على الأحوط، وكذا الناصب المعلن بعداوة أهل البيت:(5).

وقال الشيخ لطف الله الصافي في هداية العباد:

مسألة 1211: لا يجوز للمؤمنة أن تنكح الناصب المعلن بعداوة أهل البيت:،

ولا الغالي المعتقد بألوهيتهم أو نبوّتهم، وكذا لا يجوز للمؤمن أن ينكح الناصبة والغالية؛


1- مسالك الأفهام، ج11، ص468.
2- كفاية الأحكام، ج2، ص583.
3- إرشاد السائل، ص199.
4- منهاج الصالحين، ج3، ص70.
5- المسائل المنتخبة، ص455.

ص 184

لأنّهم بحكم الكفّار وإن انتحلوا دين الإسلام.

مسألة 1212: لا إشكال في جواز نكاح المؤمن المخالفة غير الناصبة، وأمّا نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب، فالجواز مع الكراهة لا يخلو من قوّة.(1)

وقال السيّد محمّد سعيد الحكيم في منهاج الصالحين:

مسألة 401: الناصب نجس - على الأحوط وجوبا - إذا رجع نصبه إلى إنكار الضروري بالنحو الموجب للكفر، الذي تقدم في المسألة السابقة. وكذا الغالي إذا رجع غلوه إلى إنكار التوحيد لله تعالى أو إنكار النبوّة أو إنكار الضروري بالنحو المتقدّم(2).

وقد لاحظت أنّي أوردت آراء عدد من كبار فقهاء الشيعة من القدماء والمعاصرين من العرب والعجم.

والحاصل: أنّه بعد ذكر هذه الأقوال في الناصب والمخالف وبيان الفرق بينهما يتّضح لك ما يروم الوصول إليه عبدالرحمن بن محمّد سعيد دمشقية، من إيهام بعض عوام أهل السنّة ليحقق هدفه المنشود من وراء ذلك، وهو إثارة الفتنة والبغضاء بين أبناء الأمّة الإسلامية، وهو بذلك متعمّد وليس بجاهل، فإنّ الجاهل لا يقحم نفسه في مثل هذه الأمور، خصوصاً وأنّه يعدّ نفسه اليوم من كبار الوهابية وأهل العلم والفتيا بينهم، وقد لا يكون هناك من يكون بمنزلته، حيث يرى نفسه مجنّداً للدفاع عن الفكر الوهابي باسم أهل السنّة والإسلام ضد ما يصفهم بالكفرة الخارجين عن الدين والملة، فانظر كيف ينقل عبارة أئمة الشيعة الإمامية الواردة في الناصبي؟ وكيف يعلّق عليها بأنّ المقصود بها هم أهل السنّة؟ ولكن كما يقول الحقّ تبارك وتعالى: (لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَ مَا يَمْكُرُونَ إلّا بِأَنفُسِهِمْ وَ مَا يَشْعُرُونَ) [الأنعام:123] وقال تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَ اللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30] وقال تعالى: (وَ لَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ) [فاطر:43].

فانظر إلى ما استدلّ به على قوله؟ وهي عبارة السيّد الخوئي= التي نقلناها في بداية


1- هداية العباد، ج2، ص275.
2- منهاج الصالحين، ج1، ص127.

ص 185

الفصل، والآخر هو ما رواه القمي الملقب بالصدوق عن داود بن فرقد، قال:

قلت لأبي عبد الله [يعني الإمام الصادق]: ما تقول في قتل الناصب؟ قال: حلال الدم، ولكني أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطاً أو تغرقه في ماء لكيلا يشهد به عليك فافعل، قلت: فما ترى في ماله؟ قال: توه ما قدرت عليه(1).

ثمّ قال الدمشقية: «وذكر هذه الرواية الحر العاملي في (وسائل الشيعة 18/463، ونعمة الجزائري في الأنوار النعمانية 2/307)، إذ صرّح بجواز قتلهم واستباحة أموالهم».(2)

رأي السيّد الخوئي في المخالف

قال=:

قد وقع الكلام في نجاسة الفرق المخالفة للشيعة الاثني عشرية وطهارتهم، وحاصل الكلام في ذلك: أنّ إنكار الولاية لجميع الأئمة: أو لبعضهم هل هو كإنكار الرسالة يستتبع الكفر والنجاسة؟ أو أنّ إنكار الولاية إنّما يوجب الخروج عن الإيمان مع الحكم بإسلامه وطهارته ،. فالمعروف المشهور بين المسلمين طهارة أهل الخلاف وغيرهم من الفرق المخالفة للشيعة الاثني عشرية ...

إلى أن قال:

والأخبار الواردة بهذا المضمون وإن كانت من الكثرة بمكان إلّا أنّه لا دلالة لها على

نجاسة المخالفين؛ إذ المراد فيها بالكفر ليس هو الكفر في مقابل الإسلام، وإنّما هو في مقابل الإيمان كما أشرنا إليه سابقاً أو أنه بمعنى الكفر الباطني، وذلك لما ورد في غير واحد من الروايات من أنّ المناط في الإسلام وحقن الدماء والتوارث وجواز النكاح إنّما هو شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسوله، وهي التي عليها أكثر الناس، وعليه فلا يعتبر في الإسلام غير الشهادتين، فلا مناص معه عن الحكم بإسلام أهل الخلاف... مضافاً إلى السيرة القطعية الجارية على طهارة أهل الخلاف، حيث إنّ المتشرعين في زمان الأئمة:


1- علل الشرائع، الصدوق، ص601، طبع النجف.
2- ظاهرة التكفير في مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية، ص48.

ص 186

وكذلك الأئمة بأنفسهم كانوا يشترون منهم اللحم ويرون حلية ذبائحهم

ويباشرونهم، وبالجملة كانوا يعاملون معهم معاملة الطهارة والإسلام من غير أن يرد عنهم ردع(1).

وقال أيضاً:

وأمّا الولاية بمعنى الخلافة فهي ليست بضرورية بوجه، وإنّما هي مسألة نظرية، وقد فسّروها بمعنى الحبّ والولاء ولو تقليداً لآبائهم وعلمائهم، وإنكارهم للولاية بمعنى الخلافة مستند إلى الشبهة كما عرفت، وقد أسلفنا أنّ إنكار الضروري إنّما يستتبع الكفر والنجاسة فيما إذا كان مستلزماً لتكذيب النبي، كما إذا كان عالماً بأنّ ما ينكره مما ثبت من الدين بالضرورة، وهذا لم يتحقق في حقّ أهل الخلاف؛ لعدم ثبوت الخلافة عندهم بالضرورة لأهل البيت:، نعم الولاية - بمعنى الخلافة - من ضروريات المذهب لا من ضروريات الدين. هذا كلّه بالإضافة إلى أهل الخلاف. ومنه يظهر الحال في سائر الفرق المخالفين للشيعة الاثني عشرية من الزيدية، والكيسانية، والإسماعيلية، وغيرهم، حيث إنّ حكمهم حكم أهل الخلاف؛ لضرورة أنّه لا فرق في إنكار الولاية بين إنكارها ونفيها عن الأئمة: بأجمعهم وبين إثباتها لبعضهم ونفيها عن الآخرين:، كيف وقد ورد إن من أنكر واحداً منهم فقد أنكر جميعهم:، وقد عرفت أنّ نفي الولاية عنهم - بأجمعهم _ غير مستلزم للكفر والنجاسة فضلا عن نفيها عن بعض دون بعض، فالصحيح الحكم بطهارة جميع المخالفين للشيعة الاثني عشرية(2).

وهذا ليس مختصّاً بالسيّد الخوئي، بل هو رأي مشهور عند الشيعة الإمامية، ولا عبرة بمن خالف هذا المشهور، كما تقدّم نقل آراء في التفريق بين الناصبي الذي يذهب جميع علماء المسلمين سنّة وشيعة إلى تكفيره ونجاسته وخروجه عن الملّة؛ لعدائه لله ولرسوله ولأهل بيته: الثابت بالضرورة من الدين وجوب مودتهم في آية المودة ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى: 23] وإن لم يكن حقّ في القرآن غير هذا لكفى، كيف


1- كتاب الطهارة، صص84 و85.
2- المصدر السابق، صص86 و 87.

ص 187

والقرآن أنزل فيهم ما يوجب لهم من الحقوق ما ليس لغيرهم من سائر المسلمين.

ويؤيّد ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية، من عدم وجود دليل روائي يدلّ على كفر المخالف، هو ما ذهب إليه الإمام الخميني= الذي هو الآخر مرمى لسهام الوهابية، حيث قال=:

ولا دليل عليها سوى توهّم إطلاق معاقد إجماعات نجاسة الكفّار، وهو وهم ظاهر؛ ضرورة أنّ المراد من الكفار فيها مقابل المسلمين الأعم من العامّة والخاصّة، ولهذا ترى إلحاقهم بعض المنتحلين إلى الإسلام كالخوارج والغلاة بالكفّار، فلو كان مطلق المخالف نجساً عندهم فلا معنى لذلك، بل يمكن دعوى الإجماع أو الضرورة بعدم نجاستهم(1).

وقال أيضاً:

والإنصاف أنّ سنخ هذه الروايات الواردة في المعارف غير سنخ الروايات الواردة في الفقه.. ولذا فإنّ صاحب الوسائل لم يوردها في أبواب النجاسات في جامعه (وسائل الشيعة)؛ لأنّها أجنبية عن إفادة الحكم الفقهي(2).

أقول: إنّ الناصبي إنّما حكم بكفره ونجاسته تبعاً لنجاسة الكافر؛ وذلك لعداوته وبغضه لأهل البيت:، فهو يشترك من هذه الجهة مع الكافر المحارب لله ورسوله؛ فهما مشتركان في النتيجة في إعلان الحرب لله تعالى ورسوله.

الفصل الرابع الإمامية لا تحكم بكفر المسلمين

الإمامية لا تحكم بكفر المسلمين

اشاره

1- كتاب الطهارة، ج3، ص317.
2- المصدر السابق، ص321.

ص: 188

ص 189

الفصل الرابع الإمامية لا تحكم بكفر المسلمين

ص: 190

ص 191

الإمامية لا تحكم بكفر المسلمين

لقد منَّ الله تعالى على البشرية بوجه عام، وعلى أهل الإسلام والشيعة الإمامية بوجه خاص، بالنبي الأكرم محمّد، وبأئمة من أهل بيته: عارفين بالدين، معصومين عن الخطأ والاشتباه(1)، شهد لهم بذلك الله تعالى ورسوله، والمنصفين والمتورّعين في الدين من علماء المسلمين، قبل أن يشهد لهم من لم يؤمن بالله ورسوله؛ لمجرد قراءته لسيرتهم وحياتهم وقيامهم بدورهم ووظيفتهم الش_رعية تجاه الإنسانية جمعاء، فهم أئمة أهل البيت:، وآل الرسول محمّد، وأئمة العدل والإنصاف، ودعاة الحرية والتحرر من العبودية والظلم، فأمّا المولى تبارك وتعالى فقد قال فيهم: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب:33]، وأوجب محبتهم على الجميع؛ (قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) [الشورى:23] أقول للجميع لشمول رسالة النبي للناس أجمعين، قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُون) [سبأ: 28] وفي عين كونه بشيراً ونذيراً فهو رحمة للعالمين (وَ مَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً


1- كما شهد لهم المولى تبارك وتعالى في كتابه العزيز، حينما قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا فالطهارة ثابتة لهم باتّفاق أهل التحقيق والتفسير، وأمّا هل هي شاملة للخمسة من أصحاب الكساء حين نزولها فقط أم لا؟ فهذا ما للعلماء فيه أقوال مختلفة، ليس محلّه هنا. فأئمة أهل البيت: أوضح المصاديق والقدر المتيقن لآية وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، وهم أهل الذكر الذين أوجب الله على الجاهلين الرجوع إليهم، قال تعالى: فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ فإنّ أحدهم لا يقاس به أحد، وهم العالمين المعلمين الذين لا يحتاجون إلى غيرهم في التعليم لا تعلموهم فهم أعلم منكم، وغيرها.

ص 192

لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 197] وأهل بيته: منه، وهدفهم هدفه، كما دلّ على ذلك حديث الثقلين: «إنّى تارك فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض»(1)، مضافاً إلى ما أوصى به أمّته من توصيات كثيرة، والتي من جملتها السمع والطاعة لهم(2).

وسنذكر لك بعض أقوال علماء السنّة في أئمة أهل البيت:، فضلاً عن علماء الشيعة فهم سادتهم وقادتهم، وهي على سبيل الاختصار:

ذكر الحاكم النيسابوري:

من مناقب أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عنه مما لم يخرجاه (سمعت) القاضي أبا الحسن علي بن الحسن الجراحي وأبا الحسين محمّد بن المظفر الحافظ يقولان: سمعنا أبا حامد محمّد بن هارون الحضرمي يقول: سمعت محمّد بن منصور الطوسي يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: ما جاء لأحدٍ من أصحاب رسول الله من الفضائل ما جاء لعلي(3).

وقال ابن حجر في صواعقه:

وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتّى قال أحمد: ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري: لم يرد في حقّ أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي(4).

وأمّا الإمامان الحسن والحسين فقد تواترت الروايات في علّو شأنهما وسمو مقامهما، فجاء في مجامع أحاديث السنة أن رسول الله9 قال في حقّ ابنه الحسن: «إنّ ابني هذا


1- مسند أحمد بن حنبل، ج3، ص14؛ المستدرك على الصحيحين، ج3، ص148، وقال في ذيله: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه، والمصادر في ذلك كثيرة جدّاً، وبطرق تبلغ حدّ التواتر، فراجع.
2- فقد جاء عن النبي بسند صحيح قوله: «من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عص_ى الله، ومن أطاع علياً فقد أطاعني، ومن عصى علياً فقد عصاني»، قال الحاكم النيسابوري: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. المستدرك على الصحيحين، ج3، صص121 و 128؛ تاريخ مدينة دمشق: ج42، ص307.
3- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص107.
4- الصواعق المحرقة، ص186.

ص 193

سيّد، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين»(1)، وقال في حقّ ابنه الحسين: «حسين مني وأنا منه أحبّ الله من أحبّه، الحسن والحسين سبطان من الأسباط»(2)، ولذا عندما خرج يوم الطف قال:

إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمّة جدّي محمّد، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر(3).

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمّة: «...الحسن والحسين: فسبطا رسول الله وسيّدا شباب أهل الجنّة، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك»(4).

وأمّا الإمام علي بن الحسين، قال في حقّه محمّد بن إدريس الشافعي: «هو أفقه أهل المدينة»(5)، وقال محمّد بن أحمد الذهبي: «... كان له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى؛ لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله»(6).

وقال أيضاً: «وزين العابدين: كبير القدر، من سادة العلماء العاملين يصلح للإمامة»(7)، وقال ابن حجر العسقلاني: «قال ابن عيينة عن الزهري: ما رأيت قرشياً أفضل منه»(8)، وقال ابن حجر في الصواعق:

وأخرج أبو نعيم والسلفي: لمّا حجّ هشام بن عبدالملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن


1- صحيح البخاري: ج2، ص179، ح2704؛ الصواعق المحرقة، ص291، وغيرها من المصادر الكثيرة جدّاً من الفريقين.
2- التاريخ الكبير، ج8، ص415، ح3536؛ البداية والنهاية، ج8، ص224؛ المعجم الكبير، الطبراني: ج3، ص32 ح2586، ج22، ص274؛ الجامع الصغير، ج1، ص575، ح3727؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير، ج3، ص513؛ وفي صحيح الجامع الصغير، ج1، صص 601 و 602، ح3146، قال عن الحديث بأنّه، حسن ، وغيرها من المصادر الكثيرة.
3- مقتل الحسين: الخوارزمي، ص273؛ الفتوح، ج5، ص34.
4- سير أعلام النبلاء، ج13، ص120.
5- نقله الجاحظ في رسائله، ص106.
6- سير أعلام النبلاء، ج4، ص398.
7- المصدر السابق، ج13، ص120.
8- تقريب التهذيب، ج1، ص692.

ص 194

يصل للحجر من الزحام، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم، وجلس ينظر إلى الناس، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحى له الناس حتّى استلم، فقال أهل الشام لهشام: مَنْ هذا؟ قال: لا أعرفه؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين، فقال الفرزدق: أنا أعرفه، ثمّ أنشد:

هذا الذي تعرف البطحاء

وط_أتهوالب_يت ي_عرفه والحلّ والحرم

ه_ذا ابن خي_ر عب_اد الله ك_لّ__هم

هذا الت__قي النقي الطاهر العلم

إذا رأت__ه قري__ش قال قائل__ها

إلى الم_كارم هذا ين_تهي الكرم

ينمي إلى ذروة العزّ التي قص_رت

عن نيلها عرب الإسلام والعجم

وكذا من أبيات تلك القصيدة:

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهل_ه

بج____دّه أن_ب_ياء الله قد خت_موا

ف_ليس قولك من ه_ذا بضائ_ره

العرب تعرف من أنكرت والعجم

ثمّ قال:

من معشر حبّهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجي ومعتصم

لا يست_طيع جواد بعد غايت_هم

ولا يدانيهم قوم وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب، وحبس الفرزدق بعسفان(1).

وأمّا الإمام محمد بن علي الباقر7، فقد قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ:

وهو سيّد فقهاء الحجاز، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه، وهو الملقّب بالباقر، باقر العلم، لقّبه به رسول الله ولم يخلق بعد، وبشر به، ووعد جابر بن عبدالله برؤيته، وقال: ستراه طفلاً، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام، فعاش جابر حتّى رآه، وقال له ما وصى (2).

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص:

قال عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر، لقد


1- الصواعق المحرقة، صص303 و 304.
2- رسائل الجاحظ، ص108.

ص 195

رأيت الحَكَم عنده كأنّه مغلوب، يعني بالحكم: الحكم بن عيينة، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه(1).

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات: «سمّي بذلك؛ لأنّه بقر العلم أي: شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه... وهو تابعي جليل، إمام بارع، مجمع على جلالته، معدود في فقهاء المدينة وأئمتهم»(2)، وقال ابن خلكان: «كان الباقر عالماً سيّداً كبيراً، وإنّما قيل له الباقر: لأنّه تبقر في العلم»(3)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «أبو جعفر الباقر: سيّد إمام فقيه، يصلح للخلافة»(4)، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(5)، وقال محمّد بن المنكدر:«ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين، حتّى رأيت ابنه محمداً، أردت يوما أن أعظه فوعظني»(6)، وقال ابن كثير في البداية والنهاية: «وهو تابعي جليل، كبير القدر كثيراً، أحد أعلام هذه الأمّة، علماً وعملاً، وسيادة وشرفاً»(7)، وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسين ما نصّه:

وارثه منهم، عبادة وعلماً وزهادة، أبو جعفر محمّد الباقر، سمّي بذلك من بقر الأرض، أي: شقّها... فلذلك هو أظهر من مخبّآت كنوز المعارف، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف، ما لا يخفى إلّا على منطمس البصيرة، أو فاسد الطوية والسريرة، ومن ثمّ قيل فيه: هو باقر العلم، وجامعه، وشاهر علمه، ورافعه، صفا قلبه، وزكى علمه وعمله، وطهرت نفسه، وشرف خلقه، وعمرت أوقاته بطاعة الله، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكلّ عنه ألسنة الواصفين، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير: رسول الله يسلّم عليك،


1- تذكرة الخواص، ص302.
2- تهذيب الأسماء واللغات، ج1، ص103.
3- وفيات الأعيان، ج4، ص30.
4- سير أعلام النبلاء، ج13، ص120.
5- الوافي بالوفيات، ج4، ص102.
6- البداية والنهاية، ج9، ص338، نقلاً عن تهذيب التهذيب، ج9، ص313.
7- البداية والنهاية، ج9، ص338.

ص 196

فقيل له: وكيف ذاك؟ قال: كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه، فقال: يا جابر، يولد له مولود اسمه علي، إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيدالعابدين فيقوم ولده، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد، فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام(1).

وقال ابن العماد الحنبلي: «قال عبدالله بن عطاء: ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ»(2).

وأمّا الإمام الصادق فقد نقل عن أبي حنيفة أنّه قال:

«ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمّد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ، فقال: يا أبا حنيفة، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمّد فهيئ له من مسائلك الصعاب، قال: فهيّأت له أربعين مسألة، ثمّ بعث إليّ أبوجعفر فأتيته بالحيرة، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه، فلما بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر، فسلّمت وأذن لي، فجلست، ثمّ ألتفت إلى جعفر، فقال: يا أبا عبدالله، تعرف هذا؟ قال: نعم، هذا

أبو حنيفة، ثمّ أتبعها: قد أتانا، ثمّ قال: يا أبا حنيفة، هات من مسائلك نسأل أبا عبدالله، وابتدأت أسأله، وكان يقول في المسألة: أنتم تقولون فيها: كذا وكذا، وأهل المدينة يقولون: كذا وكذا، ونحن نقول: كذا وكذا، فربما تابعنا، وربما تابع أهل المدينة، وربما خالفنا جميعاً، حتّى أتيت على أربعين مسألة...ثمّ قال أبو حنيفة: أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس»(3).

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية: «لولا السنتان لهلك النعمان» (4)، يعني: السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادق، وقال الحافظ شمس الدين الجزري:

وثبت عندنا أنّ كلا من الإمام مالك وأبي حنيفة رحمهما الله تعالى صحب الإمام أبا عبدالله


1- الصواعق المحرقة، صص304 و 305.
2- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج1، ص260.
3- تهذيب الكمال، ج5، ص79.
4- مختصر التحفة الاثني عشرية، ص9.

ص 197

جعفر بن محمّد الصادق حتّى قال أبوحنيفة: ما رأيت أفقه منه، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور(1).

وقال أبوعبدالله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان، في أحداث سنة (148ه):

الإمام السيّد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة، أبو عبدالله جعفر الصادق(7)، ودفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمّد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جدّه الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين)، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أولي المناقب، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيّان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله، وهي خمس مائة رسالة(2).

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه: «ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان»(3).

وأمّا الإمام الكاظم، قال في حقه محمّد بن إدريس المنذر، أبو حاتم (ت277ه):

«ثقة، صدوق، إمام من أئمة المسلمين»(4)، وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر: «والقول الثالث: الكوثر أولاده.... الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضا:»(5)، وقال ابن حجر الهيتمي: «موسى الكاظم: وهو وارثه [أي: جعفر الصادق] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً، سُمّي الكاظم؛ لكثرة تجاوزه وحلمه، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عندالله، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم».

وسأله الرشيد كيف قلتم: إنّا ذرية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وأنتم أبناء علي؟ فتلا: (وَ مِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَ سُلَيْمَانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسَى وَ هَارُونَ وَ كَذَلِكَ


1- نقلاً عن: أسنى المطالب عما في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب، ص55.
2- مرآة الجنان وعبرة اليقظان، ج1، ص238.
3- الصواعق، ص305.
4- سير أعلام النبلاء، ج6، ص270.
5- التفسير الكبير، ج16، ص125.

ص 198

نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَ زَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَ عِيسَى وَ إِلْيَاسَ كلّ مِّنَ الصَّالِحِينَ) [الأنعام: 84 و85] [وعيسى] ليس له أب، وأيضاً قال تعالى: (فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) [آل عمران: 61] ولم يدعُ النبي9 عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم)، فكان الحسن والحسين هما الأبناء(1).

وأمّا الإمام الرضا7، فقال في حقّه ابن حبان (ت354ه):

وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم... وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد، قد زرته مراراً كثيرة، وما حلّت بي شدة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلّا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة، وهذا شيء جربته مراراً فوجدته كذلك، أماتنا الله على محبة المصطفى وأهل بيته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين)(2).

وقال الذهبي (ت748ه) في سير أعلام النبلاء:

علي الرضا الإمام السيّد، أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي المدني... وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان، يقال: أفتى وهو شاب في أيام مالك... وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة(3)

وقال أيضاً: «علي بن موسى الرضا كبير الشأن، له علم وبيان، ووقع في النفوس، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته»(4).

وأمّا الإمام الجواد، فقال في حقّه محمّد بن طلحة الشافعي: «... عرف بأبي جعفر


1- الصواعق المحرقة، صص307 و308.
2- الثقات، ج8، صص456 و 457.
3- سير أعلام النبلاء، ج9، صص387 _ 392.
4- المصدر السابق، ج13، ص121.

ص 199

الثاني، وهو وإن كان صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر»(1). وقال ابن الجوزي: «كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود»(2)، وقال ابن تيمية: «كان من أعيان بني هاشم، معروف بالسخاء والسؤدد؛ ولهذا سمّي الجواد»(3)، وقال الذهبي: «كان من سروات آل بيت النبي»(4)، وقال الذهبي أيضاً: «محمّد الجواد من سادة قومه»(5)، وقال ابن الصباغ المالكي: «وإن كان صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا»(6)، وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت1350ه):

محمّد الجواد بن علي الرضا، أحد أكابر الأئمة، ومصابيح الأمّة من سادات أهل البيت... توفّى وله من العمر (25) سنة وشهر، رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين(7).

وأمّا الإمام علي الهادي7، فقال في حقّه شمس الدين الذهبي في (العبر):

وفيها _ أي: سنة 254 هجرية _ توفّي أبوالحسن علي بن الجواد محمّد بن الرضا علي بن الكاظم موسى... العلوي الحسيني المعروف بالهادي، توفي بسامراء وله أربعون سنة، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً(8).

وقال ابن خلكان في وفيات الأعيان:

... وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان قد سُعي به إلى المتوكّل، وقيل: إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه، فوّجه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً، فهجموا عليه في من_زله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق، وعليه


1- مطالب السؤول في مناقب الرسول، ج2، ص140.
2- تذكرة الخواص، ص321.
3- منهاج السنة، ج4، ص68.
4- تاريخ الإسلام، حوادث ووفيات سنة 211_ 220ه، ص385.
5- سير أعلام النبلاء، ج13، ص121.
6- الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ص253.
7- جامع كرامات الأولياء، ج1، صص168 و 169.
8- العبر في أخبار من غبر، ج1، ص228؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان، ج2، ص119.

ص 200

مدرعة من شعر... يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط إلا الرمل والحصى، فأُخذ على الصورة التي وجد عليها، وحُمل إلى المتوكّل في جوف الليل، فمثُل بين يديه والمتوكل يستعمل الش_راب وفي يده كأس، فلمّا رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في من_زله شيء مما قيل عنه... فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده، فقال: ما خامر لحمي ودمي قط، فاعفني منه، فأعفاه، وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إنّي لقليل الرواية للشعر، قال: لابدّ أن تنشدني، فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسه_م

غلب الرج_ال ف_ما أغنتهم الق_لل

واستن_زلوا بعد عزّ من معاق_لهم

فأودع_وا حف_راً يا بئس ما ن_زلوا

ناداه_م صارخ من بعد ما قب_روا

أين الأسرة والتي_جان والحل__ل؟

أين الوجوه التي كانت منعم___ةً

من دونها تضرب الأستار والكلل؟

وبنفس هذا المضمون قال به أبو صلاح الصفدي(1).

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب: «... أبو الحسن... المعروف بالهادي، كان فقيهاً إماماً متعبّداً»(2)، وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: «وكذا ولده الملقّب بالهادي، شريف جليل»(3).

وأمّا الإمام حسن العسكري7، فقال في حقّه محمّد بن طلحة الشافعي:

اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّوجل بها، وقلده فريدها، ومنحه تقليدها، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها، أنّ المهدي محمّد من نسله المخلوق منه، وولده المنتسب إليه، وبضعته المنفصلة عنه(4).

وقال ابن الصباغ المالكي:

مناقب سيّدنا أبي محمّد العسكري دالّة على أنّه السري ابن السري فلا يشك في إمامته أحد


1- الوافي بالوفيات، ج22، صص72 و 73.
2- شذرات الذهب في أخبار من ذهب، ج2، ص272.
3- سير أعلام النبلاء، ج13، ص121.
4- مطالب السؤول في مناقب آل الرسول، ج2، ص148.

ص 201

ولا يمتري... واحد زمانه من غير مدافع، ويسبح وحده من غير منازع، وسيّد أهل عصره، وإمام أهل دهره، أقواله سديدة، وأفعاله حميدة... كاشف الحقائق بنظره الصائب، مظهر الدقائق بفكره الثاقب، المحدِّث في سرّه بالأمور الخفيّات، الكريم الأصل والنفس والذات، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمد آمين(1).

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت1180ه_):

أبو محمّد الإمام الحسن العسكري: نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر، يعرف هو وأبوه بالعسكري، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن(2).

وقال الذهبي:

إن بني هاشم أفضل القريش، وقريشاً أفضل العرب، والعرب أفضل بني آدم، كما صحّ عن النبي قوله في الحديث الصحيح: إنّ الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى كنانة من بني إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش(3).

وقال الذهبي في الإمام المهدي المنتظر[:

ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة، وأنّه صاحب الزمان، وأنّه حي لا يموت، حتّى يخرج، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً...(4).

عوداًً على بدء

بعد هذه المقدّمة التمهيديّة، نعود إلى ما ذكره الوهابي عبدالرحمن محمّد سعيد دمشقية بخصوص ما اتّهم به الشيعة الإمامية من الحكم بتكفير سائر المسلمين بجميع طوائفهم ومذاهبهم، بل قال أنّ الإمامية لم يسلم من ذلك من تكفيرهم حتى جماعتهم من الاثني عشرية ممن خالفهم في الرأي في الفقه أو في الأصول، أو في بعض المعتقدات، أو في أصل من


1- الفصول المهمة، ص279؛ وكذا قال بمضمونه نورالدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف.
2- حياة الإمام العسكري، القرشي، ص69.
3- رأس الحسين، ابن تيمية، صص200 و 201.
4- سير أعلام النبلاء، ج13، صص120 و 121.

ص 202

الأصول، أو في تحليل وفهم وبيان بعض الاعتقادات، كاختلاف الأصولية مع الشيخية، أو مع الإخبارية من جماعة الإمامية الاثني عشرية، حيث نقل الدمشقية الحكم بكفرهم لمجرد اختلافهم معهم في الرأي، وهذا ما سنقوم بالجواب عنه في ضمن أربعة بحوث، وهي بحسب الترتيب الآتي:

البحث الأوّل: بطلان دعوى تكفير الإمامية للفرق الشيعية من غير الإمامية.

البحث الثاني: بطلان دعوى تكفير الإمامية للشيخية والإخبارية.

البحث الثالث: بطلان دعوى تكفير الإمامية لأهل السنّة جميعاً.

البحث الرابع: الإمامية تحكم بكفر محاربي الإمام علي.

البحث الأوّل بطلان دعوى تكفير الإمامية للفرق الشيعية من غير الإمامية

ص 203

إنّ مسألة الاختلاف في الرأي والتنازع فيه أمر طبيعي في المجتمع البشري، بالإضافة إلى أنّه لا يدعو إلى وجوب القتل والمقاتلة، بل هناك نزاع وخلاف يعبّر عنه في المصطلح المعاصر بالحرب بالباردة، الذي يقصد به خصوص النزاع اللفظي والحرب الكلامي ما لم يصل إلى رفع السلاح بوجه الطرف الآخر، ومثل هذا كثير في المجتمعات الإنسانية بوجه عام، وفي المجتمع الإسلامي بوجه خاص؛ إذ إنّ هناك نزاعات نجمت من اختلاف في مسألة فقهية، أو موضوع في علم الكلام، أو في علم التفسير، أو التاريخ، أو غيرها من العلوم، وليس بالضرورة أن تؤدّي مثل هذه الاختلافات إلى الحكم بوجوب قتل ومقاتلة الطرف الآخر لمجرد مخالفته له، فقد توجب هذه الاختلافات تكوين فرق أو أحزاب وتيارات معيّنة، أو مذهب من المذاهب المختلفة في الرؤى والسلوك عن الجماعة التي انشقّ عنها، كما هو الحال في تشعّب الفرق الكلامية والمذاهب الإسلامية لإخواننا أهل السنّة، وكذلك هو الحال بالنسبة إلى الشيعة، فالانشعابات والانقسامات مستمرة، وإن كنّا نأمل من الجميع أن يعودوا إلى نقطة المركز ووحدة الصف، أعني: الاتّفاق والتوافق على الأصول المشتركة، وترك التنازع حول خصوصيات كلّ مذهب وفرقة منها، وأن لا ينتهي هذا الخلاف إلى الحكم بإصدار

ص 204

الفتوى بتكفير أحدهما للآخر، والحكم بوجوب قتله ومقاتلته، كما يريد عدوّهم من إثارة هذه النعرات بتأجيجه لهذه الخلافات والاختلافات.

فالشيعة كانت فرقة واحدة، وهو أمر معروف لدى جميع من قرأ التاريخ؛ إذ لم يكن منازع في بداية الأمر للإمام علي، فعاشوا جنباً إلى جنب الإمام علي، يأتمرون بأمره، يأخذون عنه أمر دينهم ودنياهم، مظهرين له الحبّ والولاء بأروع صوره، ثمّ جاء بعده دور الإمام الحسن، وعندها دبّ الفساد بين صفوفهم، وذلك عندما استطاع العدو أن يتغلغل بين صفوفهم، وتمكّن من شراء ذمم ضعيفي الإيمان بأمواله، وكاد لهم كيداً، حتّى انتهى إلى تحقيق مآربه في زرع الفتن والفرقة بين أنصار الإمام الحسن، فبدأت جماعة تخذله بمناصرتها لعدوّه عليه، وعندها ظهر قرن الشيطان والنفاق من جديد، كما كان في زمن النبي من قبل المنافقين، فلمّا علم الإمام الحسن منهم ذلك، لجأ إلى عقد معاهدة الصلح مجبراً عليها، مقيّداً لها بقيود وشروط كان على المتعاقدين الالتزام بها، غير أنّ الطرف الآخر لم يلتزم بواحدة منها بعد ذلك، وقد كشف عن سوء نيّته وخبث سريرته، وذلك حينما خاطب أهل العراق بقوله:

إني والله ما أقاتلكم لتصلّوا ولا تصوموا ولا تحجّوا ولا تزكّوا، إنّكم لتفعلون ذلك، ولكنّي قاتلتكم لأتأمّر عليكم، وقد أعطاني الله ذلك وأنتم له كارهون، وإنّي منيت الحسن، وأعطيته أشياء، وجميعها تحت قدمي، ولا أفي بشيء منها(1).

وقد قال المسيب بن نجية الفزاري وسليمان بن صرد الخزاعي للإمام الحسن بن علي:

ما ينقضي تعجبّنا منك بايعت معاوية ومعك أربعون ألف مقاتل من الكوفة سوى أهل البصرة والحجاز!

فقال الحسن: كان ذلك فما ترى الآن؟

فقال: والله أرى أن ترجع؛ لأنّه نقض العهد.

فقال: يا مسيب، إنّ الغدر لا خير فيه، ولو أردت لما فعلت.


1- مناقب آل أبي طالب، ج3، ص197.

ص 205

فقال حجر بن عدي: «أما والله لوددت إنّك مت في ذلك اليوم ومتنا معك ولم نر هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا».

فلمّا خلا به الحسن قال: «يا حجر، قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كلّ إنسان يحبّ ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإنّي لم أفعل ما فعلت إلا إبقاء عليكم، والله تعالى كلّ يوم هو في شان»(1).

وهكذا بدأت تدبّ الانشقاقات بين صفوف شيعة أهل البيت:، فتكوّنت فرق وأحزاب وتيارات مختلفة في رؤاها وأفكارها ونظرياتها وطريقة تعاملها مع الأحداث، وهي مسألة طبيعية إلى يومنا هذا موجودة، حيث نسمع ونرى ونشاهد كيف تتكوّن هذه الكتل والأحزاب والكيانات السياسية والدينية، فهناك حركات إسلامية تختلف عن بقية الحركات الإسلامية الأخرى في رؤيتها وطريقة عملها، بل حتّى على مستوى الأهداف والطموحات التي تريد تحقيقها من وراء ذلك، على أنّ ذلك لا يقتصر على المسلمين فحسب، بل ما من مجتمع من المجتمعات الإنسانية إلّا وهذه الظاهرة من أبرز مظاهره الموجودة.

فالشيعة انقسمت وأهل السنّة انقسموا إلى مدارس فكرية وفرق دينية، ومذاهب فقهية(2)، والأمر غير متوقّف عند حدّ معين، ولكن كما ذكرنا قبل القليل أنّ المهم هو تفويت الفرصة على العدو الذي يتربص للوقيعة بالإسلام والمسلمين، وعندها ينقض على الإسلام والمسلمين، ولا يتم ذلك إلّا من خلال محاربة ظاهرة التكفير، والوقوف بوجه المنافقين الذين يحاولون عبر مختلف وسائل الإعلام والتبليغ تأجيج الفتن والنزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية ونحوها، وذلك من خلال تحذير الناس بوجه عام، والمسلمين بوجه خاص، ومن خلال بيان أهداف هؤلاء المنافقين المندسين بينهم، والوقوف بوجههم، والدعوة إلى التآلف


1- سير أعلام النبلاء، ج13، صص120 و 121.
2- فمن راجع التاريخ الإسلامي وكتب الملل والفرق، سيقف على حقيقة هذا الأمر، وسيعلم بأنّ مذاهب أخواننا السنّة لم تكن مقتصرة على أربعة مذاهب، بل يناهز عددها عش_رة مذاهب فقهية، أمّا بالنسبة للفرق الكلامية والمدارس الفكرية، فكانت هي الأخرى كثيرة جدّاً.

ص 206

والوحدة من خلال عقد المؤتمرات الداعية إلى توحيد الصف والكلمة، وإحياء ثقافة الإخوّة والمحبّة والتسامح بدل ثقافة التكفير والتقتيل والتباغض والتباعد والتقاطع والتفجير والتفخيخ ونحو ذلك.

ونحن إذ نتكلّم عن بيان موقف الإمامية _ الذي حاول الدمشقية أن يجعل منها عدوّة للإنسانية، وبزعمه محاربتها لجميع الفرق الإسلامية بوجه عام والشيعية بوجه خاص _ لم نجد من علماء الشيعة الإمامية وإن اختلفوا مع سائر الفرق الشيعية _ أنّهم أصدروا فتوى بوجوب قتل الزيدي أو الإسماعيلي أو الجارودي أو غيرهم من الفرق الشيعية.

نعم هناك ردود وإيرادات كتبت حول بعض هذه الفرق المخالفة لها في الرؤية والعمل. وأمّا لماذا يدافع الإمامي عن عقيدته بشتّى الأدلة والبراهين مع دعوته للاعتقاد بها لا غير؟ فذلك هو مقتضى صحة الاعتقاد الذي ثبت له بالأدلة والبراهين القطعية التي تستوجب على صاحبها بعد التحقيق من صحة مذهبه وعقيدته، أن يلتزم بها دون غيرها، كما تستوجب عليه الدفاع عنها والدعوة إليها.

ولكن هذا لا يعني بالنسبة لمن لا يعتقد بفكره أن يكون كافراً بالإسلام كفر جحود وكفر ربوبية، أو أنّه بذلك يعدّ مكذّباً للنبي ورسالته. نعم، هو كافر بعقيدته ومذهبه الداعي له، فالزيدي في نظر الإمامي مسلم، ولكن ليس بإمامي، بمعنى أنّه كافر بالمذهب الإمامي دون الإسلام، وهكذا بقية المذاهب الأخرى من الشيعة والسنّة، فهي مسلمة بحسب عقيدته وفكره وحكمه، ولكنّها غير مؤمنة وكافرة بالمذهب الإمامي الاثني عش_ري على وجه الخصوص، وهذا الكفر غير الكفر المخرج عن الدين، الذي يقصد به الارتداد عن الإسلام والخروج عن ملّته، فتأمّل جيّداً!!

وسيأتي بيان أنواع الكفر وكيف أنّ بعض الأقسام من الكفر لا تعني الارتداد عن الإسلام والخروج عنه.

علاوة على ما تقدّم تجد أنّ الشيعة الإمامية تمجّد أئمة الزيدية وقادتهم المجاهدين الذين سقطوا شهداء من أجل الدفاع عن الإسلام الحقّ وردع الظالمين، ومما يكشف عن ذلك

ص 207

تعاهدهم بزيارة قبور هؤلاء الشهداء والقادة المجاهدين والدعاء لهم بالرحمة والمغفرة، ونحوها، وإذا ذكروا واحداً منهم ترضّوا عليه، وهذا مما يبطل فرية الدمشقية في أنّ الإمامية تكفّر الزيدية، وسائر الفرق الشيعية غير الإمامية.

حتّى أنّ كتب الإمامية تتناقل ما آل إليه الأئمة الزيدية من الشهادة، وترحّم الأئمة الأطهار: عليهم، من قبيل هذه الرواية التي جاء فيها ترحّم الإمام الصادق على

يحيى بن زيد بن علي::

إنّ المتوكّل بن هارون قال: لقيت يحيى بن زيد بن علي وهو متوجّه إلى خراسان بعد قتل أبيه، فقال لي: من أين أقبلت؟ قلت: من الحج، فسألني عن أهله وبني عمّه، و أحفى السؤال عن جعفر بن محمّد وقال: هل سمعته يذكر شيئاً من أمري؟ فقلت: سمعته يقول: إنّك تقتل وتصلب كما قتل أبوك وصلب... فقلت: اني رأيت الناس إلى ابن عمّك جعفر أميل منهم إليك وإلى أبيك، فقال: إنّ عمّي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ونحن دعوناهم إلى الموت، فقلت: يا بن رسول الله، أهم أعلم أم أنتم؟ قال: كلنّا له علم غير أنّهم يعلمون كلّ ما نعلم ولا نعلم كلّ ما يعلمون... قال المتوكّل: فقبضت الصحيفة، فلمّا قتل يحيى صرت إلى المدينة، فلقيت أبا عبدالله فحدّثته الحديث عن يحيى فبكى... قال لي أبوعبدالله7: يا متوكّل، كيف قال لك يحيى: إنّ عمّي محمّد بن علي وابنه جعفراً دعوا الناس إلى الحياة ودعوناهم إلى الموت؟ قلت: نعم قد قال لي ذلك، فقال: يرحم الله يحيى(1).

البحث الثاني بطلان دعوى تكفير الإمامية للشيخية والإخبارية


1- مدينة المعاجز، البحراني، ج6، ص136.

ص: 208

ص 209

وبطلان هذا الأمر من أوضح الواضحات، فالإمامي وإن انحرف أو قال بما يخالف مشهور الشيعة الإمامية في المسائل الاعتقادية، لا يحكمون عليه بالكفر كما حاول الدمشقية أن يصوّر الأمر للقارئ من أن بعض فقهاء الإمامية وكبار علمائها يحكمون على بعض من يخالفهم في الرأي والعقيدة والفكر في بعض المسائل بالكفر والخروج عن الدين، وقد مرّ علينا قبل قليل كيف أنّهم لا يقولون بكفر من لايعتقد بإمامة الإمام علي7 التي هي من أصول المذهب عندهم، ومن ضرورياته، وإنّما يحكمون عليه بعدم الإيمان بمذهب الإمامية، وهي صفة يرونها تصدق على المؤمن دون المسلم، حيث يطلقون كلمة مؤمن على من يعتقد بإمامة الأئمة من آل النبي الذي نص النبي الأكرم محمّد9 في أكثر من موضع على إمامتهم، وأخذ البيعة من أّمّته لأوّلهم وهو الإمام علي7 يوم غدير خم في حجّة الوداع، ولسنا بصدد الخوض في هذا البحث وأدلته وذكر الأقوال والروايات الواردة فيه؛ لأنّ مثل هذا مبحوث في كتب الإمامية بشكل مفصل، فليراجع.

وعلى أيّة حال فعلماء الإمامية في الوقت الذي لايرون كفر ونجاسة وخروج من لا يؤمن بإمامة أحد الأئمة الأطهار (الاثني عشر خليفة)، من الدين والملّة، فكيف يحكمون على مجرد مخالفة أحد أبناء طائفتهم في مسألة ما، سواء كان من الإمامية الأصولية أو الإمامية

ص 210

الإخبارية، أو من الأصولية الشيخية أو غير الشيخية، بالكفر والخروج عن الدين والملّة؟

أين وجد هذا الدمشقية؟ وهذه هي كتب الشيعة خالية من هذه الافتراءات التي نقلناها عن بعض الكتّاب المعاصرين، الذي حاول تبيين الخلاف الذي حصل بين أتباع الجماعة الإخبارية من الإمامية مع أتباع الجماعة الأصولية، إلى حدّ قال عنه: إنّ بعض الأصولية حكموا ببطلان الصلاة خلف بعض الإخبارية، محاولاً بهذا الأسلوب تبيين حد الخلاف والنزاع الذي حصل بين الطرفين، ولكن لم نسمع أو نجد فتوى من علماء الأصولية أو الإخبارية تبيح دم الآخر، كما يفتون على من يرتدّ عن الدين ويخرج منه، ثمّ إنّ ما حصل في تلك المحنة هو تطرّف المعروف بزعيم الإخبارية محمّد النيشابوري في الكاظمية، حتّى أدّى به تطرّفه بأن يقوم بسبّ وشتم علماء الإمامية، إلى الحدّ الذي جعل الناس تنتص_ر لحوزتهم وعلمائهم فتقوم بقتله وجرّ جثّته في شوارع بغداد في الكاظمية، وعندها هدأ الأمر، هذا من جانب.

ومن جانب آخر أنّ ما حصل من الاختلاف بين علماء الإمامية الأصولية غير الشيخية مع علماء الإمامية الأصولية من الشيخية، أوجب أن يكون لكلّ واحد من الجماعتين منهجه الخاص في الفقه والأصول وغيرها من المعارف الدينية، ولكن لم نسمع أو نقرأ إصدار الفتاوى من قبل علماء الطرفين بتكفير الطرف الآخر، بالشكل الذي يوجب سفك الدم المحرم، نعم هي خلافات فكرية وكلامية ولكنّها لم تصل إلى حدّ القتال بين الطرفين، بحيث تزهق الأرواح وتنتهك الأعراض وتُسلب الأموال وغيرها، كما يحصل بين الطرفين المتحاربين.

وهذا أمر طبيعي لا يخلو منه زمان من الأزمنة ولا مكان ما، فهذه هي طبيعة المعرفة وتكاملها عند الإنسان، ومن الطبيعي أن يكون هناك موافق ومخالف، ولكن ليس بالض_رورة أن يكون كلّ خلاف منتج للقتال والمقاتلة ووجوب تكفير الطرف الآخر؛ لمجرد مخالفة آرائه للطرف الأخر، كما فعلت الوهابية بتكفير السواد الأعظم من أبناء الأمّة الإسلامية _ كما مرّ علينا نقل بعض فتاواهم في ذلك _ أو ما تقوم به اليوم من قتل الأطفال

ص 211

والنساء والشيوخ الأبرياء وغيرهم؛ لمجرد مخالفتهم في الرأي والعقيدة، فهل سأل الدمشقية نفسه، بأيّ دليل يقوم بإصدار الفتاوى بقتل الشيعة وغيرهم من الطوائف والأديان والملل الأخرى؟ هل القرآن أمرهم بذلك؟ أم نبي الرحمة محمّد؟

والحاصل أنّ الخلاف بين علماء الدين أمر طبيعي، ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن يكون كلّ من ردّ على مخالفه أن قال بتكفيره، وأخرجه عن الدين والإسلام، بل هي مجرد اختلافات في وجهات النظر، ما لم تصل إلى حدّ إنكار الأصول الدين الإسلامي الثلاثة المتّفق عليها في جميع الأديان والمذاهب والفرق، وأمّا سائر الأصول الخاصّة بكلّ مذهب أو فرق دينيّة فذلك لا يوجب الحكم بكفره وإصدار الفتوى بوجوب قتله، وانتهاك حرمته وأمواله، كما نشاهده ونسمعه اليوم من فتاوى كبار الوهابية، وأمرائها، وما تؤدّي إليه هذه الفتاوى من جرائم بحقّ الإنسانية !!

البحث الثالث بطلان دعوى تكفير الإمامية لأهل السنة جميعاً

توطئة
اشاره

ص: 212

ص 213

البحث الثالث بطلان دعوى تكفير الإمامية لأهل السنة جميعاً

توطئة

لا يخفى على اللبيب ما للمشترك اللفظي من أهمية ودور كبير في مختلف الأبحاث الدينية وغير الدينية، فقد يكون للفظ واحد معانٍ متعددة بتعدد استعمالاته الاصطلاحية للعلوم المختلفة، أو في العلم الواحد، فمن قبيل المشتركات اللفظية في العلم الواحد لفظ الإجماع؛ إذ له معان اصطلاحية كثيرة عند فقهاء المذاهب الأربعة، تختلف عن معناه عند الإمامية، ثمّ إنّ كلّ واحد من هذه المذاهب قد يستعمل لفظ الإجماع عند طبقة معيّنة من الفقهاء، يختلف عن معناه عند طبقة أخرى منهم في المذهب الواحد، فضلاً عن اختلاف المذاهب، وهذا أمر طبيعي لا إشكال فيه، بشرط أن ينبّه عليه من قبل المستعمل له في مقدّمة بحثه، وإلّا فالإيهام باقٍ على حاله، وقد يوقع القارئ في إشكالات وصعوبات يصعب عليه فهمها، وقد استغلّ البعض هذه الصفة للألفاظ كأسلوب من أساليب المغالطة في الوصول إلى هدفه المطلوب، ولفظ الكفر هو واحد من هذه الألفاظ المشتركة في المعنى، فتجد له معان مختلفة في الاصطلاح القرآني، وله معان مختلفة في اصطلاح علم الكلام والعقيدة، فضلاً عن اختلافه في الاستعمالات اللغوية، بعد أن وضع لمعنى خاص به، وهو الستر والحجب، ولكن ذلك لا يعني أنّه بقى على حاله بعد ذلك في الاستعمالات اللغوية كما يبيّنها لنا مثلاً ابن منظور في كتابه (لسان العرب).

ص 214

وأنّه لمن المؤسف جدّاً أن يقوم أحد ممن يصف نفسه من أهل العلم، بإيهام الناس باستعمال هذا اللون من الطرق والأساليب في المغالطة بهدف الوصول إلى ما ينشده، مع سابق علمه بأنّه طريق غير علمي وغير صحيح في الأبحاث التحقيقية، وأنّه سرعان ما يقوم الخصم بكشف تلاعبه وزيف ادّعائه، وعندها يسقط بحثه واستدلاله ودعواه عن الاعتبار والقيمة، وتصبح عند القارئ مجرد افتراءات وتخرّصات لا تستحق أن يص_رف لها الوقت لمطالعتها، فضلاً عن صحة الاعتقاد بها، فلا البحث له قيمة علمية، ولا الباحث الذي جاء به يعتمد عليه بعد ذلك.

ومادام البحث متعلّقاً بموضوع الكفر الذي اتّهم به الدمشقية الإمامية، حيث اعتبر ذلك سمة من سماتها، وخصوصية من خصوصياتها، حيث يراها بحسب زعمه قد تمادت بذلك، حتّى شملت بتكفيرها جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، ولم يسلم منها حتّى سائر فرق الشيعة غير الإمامية، بل سائر من خالفها من الإمامية، كالشيخية والإخبارية.

ولذا ارتأينا أن نذكر لك عزيزي القارئ وجوه المغالطة التي ارتكبت بحقّ هذه الفرقة المحقّة، والمدرسة الوحيدة على وجه الأرض، التي تمثّل مدرسة أهل البيت:، والتي باتت طوال تأريخها محاربة باسم الدين والمتدينين المندسّين في الدين.

أولاً: إن الكفر على أقسام وأنواع جاء ذكرها في القرآن الكريم
اشاره

لقد ذكر القرآن الكريم أقساماً وأنواعاً للكفر تختلف باختلاف دواعيها، على أنّ لكلّ قسم ونوع منها حكماً خاصّاً به، ولا تعني جميعها الارتداد عن الدين والخروج عن الدين والملّة، كما حاول صاحب هذا الكتاب الموسوم (ظاهرة التكفير عند الإمامية)، بحمل كلّ لفظ من ألفاظ الكفر الوارد ذكرها في كتب الإمامية على الكفر بمعنى الارتداد والخروج عن الدين، والحال ليس كما يظن أو يتوهّم، وإنّما للكفر أقسام وأنواع كما جاء ذكرها في القرآن الكريم، والذي هو أحد المصادر الأصلية عند المسلمين، بل هو المعيار والضابط في معرفة الحديث المكذوب عن غيره، كما جاء ذلك في حديث العرض على الكتاب المروي عن أئمة

ص 215

أهل البيت:: «إنّ على كلّ حقّ حقيقة، وعلى كلّ صواب نوراً، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه»(1)، بالإضافة إلى أنّ الإمامية أفضل من تمسّك بالكتاب والعترة الطاهرة التي أوصى بهما النبي في حديث الثقلين المتواتر لفظاً ومعناً عند الطرفين، ولا ينكره إلا مكابر أو جاحد للحقّ الذي لا ريب فيه، وهذه الأقسام هي:

1- كفر الجحود بالربوبية والحق

قال تعالى: (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33]، وقال تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) [النمل:14].

قال الإمام الصادق:

الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها: كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البراءة، وكفر النعم. فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبية، وهو قول من يقول: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم: الدهرية، وهم الذين يقولون: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية: 23] وهو دين وضعوه لأنفسهم بالاستحسان على غير تثبت منهم ولا تحقيق لشيء مما يقولون، قال الله عزّ وجل: (إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ) [الجاثية: 24] أن ذلك كما يقولون، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 6] يعني بتوحيد الله تعالى، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنه حق، قد استقر عنده، وقد قال الله عزّ وجل: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً) [النمل: 114] وقال الله عزّ وجل: (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) [البقرة: 89](2).


1- الكافي، ج1، ص69؛ الأمالي، الصدوق، ص449.
2- الكافي، ج2، ص390.

ص 216

وإذا رجعنا إلى مفسري القرآن الكريم نجدهم يقولون: هؤلاء إنّما جحدوا استعلاءً وعناداً، فكانوا بفعلهم هذا معاندين للحقّ الذي لا شوب فيه، كما جاء في خطاب نبي الله موسى7 لفرعون، قال تعالى في حكايته له: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا)[الإسراء: 102]، في هذه المناظرة وما آلت إليه في نهايتها من اللطائف والمعارف الدينية الكثير، لمن تلا آياتها وتدبّر فيها.

2- كفر النعمة

قال تعالى في حكايته عن نبيّه سليمان: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل: 40] وقال تعالى في موضع آخر: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7] وقال عزّ وجل: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) [البقرة:152].

3- الكفر بترك ما أمروا به

قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ* ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ...) [البقرة: 84-85].

وهذا هو الوجه الرابع من الكفر الذي جاء في الكتاب العزيز، وقمنا بنقل رواية فيه عن الإمام الصادق7 في بداية ذكر أقسام الكفر، وإليك ما ذكره في ذيل هذه الآية المباركة، حيث قال:

فكفرهم بترك ما أمر الله عز وجل به ونسبهم إلى الإيمان، ولم يقبله منهم، ولم ينفعهم عنده فقال: (فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 85].

4- كفر البراءة

ص 217

قال تعالى في حكاية قول نبيّه إبراهيم7: (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) [الممتحنة: 4] قال الإمام الصادق7: «يعني: تبرّأنا منكم، وقال يذكر إبليس وتبرئته من أوليائه من الإنس يوم القيامة: (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [العنكبوت: 25] يعني: يتبرّأ بعضكم من بعض»(1).

5- كفر التكذيب بالحقّ

قال تعالى: (وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ) [الروم: 68]، وهذا اللون من الكفر متأصّل ومتجذّر في المجتمع البش_ري، فما من دعوة حقّ إلّا وتجد إلى جانبها تكذيباً بهذا الحقّ؛ ولذا كان من أبرز الأساليب التي واجهت بها الشعوب والأمم أنبياءها، دون أن يقتصر على أمّة دون أخرى، فكما ابتلي الأنبياء بهذا اللون من المواجهة، قال تعالى في حكاية عن بعضهم: (كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 105]، وقال تعالى: (كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 123]، وقال تبارك وتعالى: (كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 141]، وقال عزّوجل: (كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ) [الشعراء: 16]، ابتلي النبي الأعظم9 به، كما ابتلي به الأئمة من آل بيته:، واليوم تبتلي به مدرستهم التي تنتهج نهج الحقّ في تبيّن الحقّ والدعوة إليه بالحكمة والموعظة الحسنة، فكفر التكذيب بالحقّ مازال جارياً كما كان في الغابرين.

6- كفر الشك والظن

قال تعالى في حكاية عن رجلين: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا


1- الكافي، ج2، ص391.

ص 218

وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا وَدَخَلَ جَنَّتَهُ) [الكهف: 32-35] يعني: بستانه الذي فيه الأشجار والأنهار فأعجب به: (وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً) [الكهف: 36] شك في اليوم الآخر، وشك في البعث: (وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا) [الكهف: 36] يقول: إن بعثت _ يعني: هذا احتمال عنده - فأجد في الآخرة أحسن من هذه؛ لأنّ الله تعالى ما أعطاني هذه الجنّة في الدنيا إلّا لكرامتي عليه، ومنزلتي عنده، فإذا بعثت _ على فرض وجود بعث بعد الموت _ سأجد خير منقلب عند الله، وهذا منه شك _ والعياذ بالله _ في البعث، وهذا كفر كما قال تعالى: (قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) [الكهف: 37]، قال له: (أَكَفَرْتَ)؛ أي: من شك أو ظن وبنى عقيدته على الظن والشك فهو كافر؛ لأنّ الإيمان باليوم الآخر وغيره من أركان الإيمان لا بد فيه من اليقين، وإلّا يكون الإنسان كافراً.

7- كفر الإعراض

قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) [الأحقاف:3]، وقوله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا) وصف لهم بالكفر لمجرد إعراضهم عمّا دعوا إليه من الحقّ، فهؤلاء بإعراضهم عن الدين لا يريدون أن يعلموه ولا يعملوا به، فهناك من لا يسعه التعلّم، ولكن عندما يدعى إلى الحقّ يقبل به، ويعمل بأحكامه، وهذا ما عليه أغلب الناس، إلّا أنّ هناك جماعة من الناس لا تقبل بالتعلّم ولا العمل، فهؤلاء هم المعرضون، فاستحقوا بذلك أن يصفهم المولى تبارك وتعالى بهذا اللون من الكفر.

8 - كفر النفاق

قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا) [المنافقون: 1-2]، المنافق هو من أظهر الإيمان بلسانه، وأبطن الكفر في قلبه، وهو ألدّ الخصام للدين وأهله، وقد اعتبر المولى تبارك وتعالى أنّ هذا المرض النفسي

ص 219

يؤدّي بالتالي إلى الطبع والختم على القلوب، وعندها يصبح هذا الإنسان لا يفقه شيئاً، قال تعالى: (فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَفْقَهُونَ) [المنافقون: 3]، وأنّ لهذا اللون من الأمراض النفسية أهدافاً متعددة تختلف باختلاف نفسيات المنافقين وإرادتها في طلب الأمور الدنيوية والنفسية، ومن أراد أن يتعرّف عليها فليتو آيات الله المباركة النازلة حول المنافقين.

كما أنّه يمكن تقسيم الكفر إلى قسمين آخرين، هما:

الأوّل: الكفر الظاهر.

الثاني: الكفر الباطن.

والأوّل يصحّ إطلاق المرتد والخروج عن الملّة والدين عليه، بسبب عدم إيمانه بالله تعالى ونبوّة النبي الداعي له بالحقّ، وما يلزمه ذلك من الإيمان بأصول الدين وضرورياته، حيث عدّ المنكر لضرورة من ضروريات الدين الإسلامي منكراً لذلك الدين كافراً به.

وأمّا القسم الثاني فهو وإن أطلق عليه عنوان الكافر، ولكنّه لا يحكم عليه بالخروج والارتداد كما يحكم على الأوّل، وأنّ كلّ ما نعتقد به هو أنّه يستحق أن يعاقب عقاباً شديداً بما توعّده الله تعالى بالعذاب والعقاب.

ثمّ إنّ تحقيق الوعيد في حقّه راجع إلى مقتضى إرادة الله تعالى وعدله الجزائي، فإن تكرّم عليه وعفا عنه فذلك أمر راجع إليه سبحانه وتعالى، هذا على ما تعتقد به الإمامية؛ إذ إنّها لا تقول بمقالة الوعيد كالمعتزلة، التي لا ترى في حقّه تحقق العفو أبداً، وإنّما يكون لازماً على الله تعالى أن يدخله النار ويعذّبه العذاب الأليم.

كما أنّ هذا التقسيم لا يختص القول به الإمامية فقط، بل هناك الكثير من أهل السنّة من يرى هذه الحقيقة، وهي أنّ الكفر يقسّم إلى الكفر الظاهر والكفر الباطن.

قال الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف:

والخامس: يكفّر بتركها وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج. وهذه المسألة لها طرفان :

أحدهما: في إثبات الكفر الظاهر.

ص 220

الثاني: في إثبات الكفر الباطن. فأمّا الطرف الثاني؛ فهو مبني على مسألة كون الإيمان قولاً وعملاً كما تقدّم، ومن الممتنع أن يكون الرجل مؤمناً إيماناً ثابتاً في قلبه بأنّ الله فرض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج ويعيش دهره لا يسجد لله سجدة ولا يصوم من رمضان ولا يؤدي لله زكاة ولا يحج إلى بيته؛ فهذا ممتنع، ولا يصدر هذا إلّا مع نفاق في القلب وزندقة ولا مع إيمان صحيح؛ ولهذا إنما يصف سبحانه بالامتناع من السجود الكفّار؛ كقوله: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ*خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ) [القلم: 42-43] (1).

ثانياً: أنّ الإمامية لم تعد المنكر للإمامة كافراً بالكفر الظاهر

لقد حاول الدمشقية قلب الحقائق وتصويرها بشكل معاكس على ما هي عليه؛ إذ كيف يسوّغ الإمامي لنفسه بصحة الصلاة وجواز الزواج وأكل طعام(2) من يحكم بكفره وارتداده وخروجه عن الدين الإسلامي، والحال أنّهم يفتون بوجوب _ كما هو متّفق عليه _ قتل المرتد الفطري عن الدين؟ ألم يسأل الدمشقية نفسه هذا السؤال، فيجب عليه قبل أن يطرح الإشكال؟! ألم يعلم بأنّ حبل الكذب قصير، وأنّ الأيام ستكشف كلّ محاولاته البائسة


1- المنتخب من كتب ابن تيمية، الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف، ص47.
2- قال الوحيد البهبهاني في حاشية مجمع الفائدة والبرهان، ص661 : «حكمهم بحلّ ذبيحة المخالف من حيث كونه مسلماً، لا من حيث اعتقاده عدم وجوب التسمية». وجاء في جواب استفتاء للسيّد الخامنئيأجوبة الاستفتاءات، ص78، برقم611، قول السائل: «محلّ عملي يقع في إحدى المناطق الكردية، وأكثرية أئمة الجمعة والجماعة هناك هم من أهل السنّة، فما هو حكم الاقتداء بهم؟ ج: لا إشكال في المشاركة في الصلاة معهم في جمعتهم وجماعاتهم». وقال السيّد محمّد رضا الگپايگاني في كتابه إرشاد السائل، ص199، سؤال رقم: 742 في معرض جواب عن سؤال وجّه له، جاء فيه: من هو المخالف؟ هل هو من خالف معتقد الشيعة في الإمامة أو من خالف بعض الأئمة ووقف على بعضهم، فيدخل في ذلك الزيدية وغيرهم؟ وهل حكم المخالف حكم "الخارج والناصب والغالي" أم لا؟ قال: «بسمه تعالى: المخالف في لساننا يطلق على منكر خلافة أمير المؤمنين بلا فصل، وأمّا الواقف على بعض الأئمة: فهو وإن كان معدوداً من فرق الشيعة إلّا أنّ أحكام الاثني عشرية لا تجري في حقّه، وليس كلّ مخالف بناصب، بل جلّهم غير ناصبيين، فليس حكمهم حكم هؤلاء، والله العالم»، ونحوها كثير في كلمات فقهاء الإمامية.

ص 221

وافتراءاته على الآخرين؟!

إنّ من يراجع كتب الشيعة يجد أنّ هذه المسألة مطروحة في مقامين، المقام الأوّل هو أنّ الإمامية عندما تأتي إلى بحث مسألة جواز الاجتهاد وعدمه في مسائل الدين الإسلامي، فإنّها تقول بأنّ الإمامة من أصول الدين(1) في مقابل من يقول: إنّها من فروعه كالغزالي(2)، أي: بمعنى أنّ الإمامة لا يجوز الاجتهاد والتقليد فيها، بل هي من المسائل التي يجب على كلّ فرد من أبناء الأمّة الإسلامية أن يتحقق من صحة ثبوتها وإثباتها، ومن ثمّ الاعتقاد بها أو عدم الاعتقاد بها، بما تمليه الأدلّة والبراهين العقلية والشرعية.

وأخرى تبحث مسألة الإمامة من جهة كونها من أصول الدين التي يعدّ منكرها خارجاً عن الملّة والدين الإسلامي، أم أنّها من أصول المذهب الإمامي، فيعدّ منكرها منكراً لما عليه المذهب الإمامي، الذي لا يرجى له النجاة في الآخرة، بحسب ما يقتضيه الإيمان في نظر الإمامية، قال الهمداني:

ربّما يشهد له النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة، الدالة على اشتراط قبول الأعمال بالولاية إن لم يوال الأئمة: فيكون أعماله بدلالتهم لم يكن له على الله شيء فيلزمه بطلان عمله، وإلّا يلزم استحقاق الأجر عليه وهو خلاف صريح الاخبار فليتأمل(3).


1- اُنظر: الحلي، منتهى المطلب، ج1، ص522، حيث قال: «إنّ الإمامة من أركان الدين وأصوله، وقد علم ثبوتها من النبي9 ضرورة » واُنظر: مصباح الهداية في إثبات الولاية، علي البهبهاني، ص133، حيث أفصح عن هذا الأمر بقوله: «إنّ الإمامة من أصول الدين، والاعتراف بإمامة الإمام وولايته كالإقرار بنبوّة النبي من الأصول لا من الفروع؛ ولذا قال: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية»؛ واُنظر: بحار الأنوار، ج65، ص334، حيث قال: «لا ريب في أنّ الولاية والاعتقاد بإمامة الأئمة: والإذعان بها من جملة أصول الدين»، فهؤلاء الأعاظم وإن ذكروها بلفظ أصل من أصول الدين، أي: يريدون بالأصل ما لا يجوز التقليد فيه، بمعنى أنّها ليست من المسائل الفرعية والفقهية كما ذهب إليه بعض أهل السنّة، والإمامة لا يجوز التقليد فيها.
2- اُنظر: الاقتصاد في الاعتقاد، الغزالي، ص234، حيث قال: «النظر في الإمامة أيضاً ليس من المهمات، وليس أيضاً من فن المعقولات، بل من الفقهيات، ثمّ إنّها مثار للتعصّبات، والمعرض عن الخوض فيها أسلم من الخائض، بل وإن أصاب، فكيف إذا أخطأ».
3- مصباح الفقيه، آقا رضا الهمداني، ج3، ص17.

ص 222

وكما قرر القرآن الكريم الفرق بين الإسلام والإيمان بالمعنى الأخص في حكاية الأعراب، الذين جاءوا للنبي الأكرم وقالوا له: إنّهم آمنوا بما نزل عليه، فكشف الله تعالى لنبيّه ما عليه هذه الجماعة من عدم الإيمان بذلك، كما في قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا)، كما أنّ النبي9 جعل الإمامة ركناً وميزاناً مهمّاً في قبول الأعمال، وعليه فإنّ الإمامية لا تعتقد بنجاة المخالف وإن لم تحكم بكفره الظاهر الموجب لارتداده عن الدين الإسلامي، وتتعامل مع غير الإمامي كما تعامل القرآن والنبي مع الأعراب بلحاظ تحقق إسلامهم دون إيمانهم، ولكن بما أنّها لا تعتقد بنجاة هؤلاء من العذاب وترى أنّ النجاة _ كما جاء في حديث الفرقة الناجية _ مقتصرة على الاعتقاد بإمامة أئمة أهل البيت: الاثني عش_ر الوارد ذكرهم في حديث الاثني عشر، فلذلك تحكم بكفر من لا يعتقد بعقيدتها وبمذهبها، وهي تريد بهذا الكفر خصوص الكفر بمذهبها لا بدين الإسلام، شريطة أن لا يصل إلى حدّ النصب والعداء والبغض لأهل البيت:، فلكلٍّ حكمه الخاص به، كما أفصح عن ذلك بعض أعاظم المذهب الإمامي، نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:

قال السيّد الإمام الخميني=:

إنّ الكفر يقابل الإسلام تقابل العدم والملكة حسب ارتكاز المتشرعة، وأنّ ما أخذ في ماهية الإسلام ليس إلّا الشهادة بالوحدانية والرسالة والاعتقاد بالمعاد بلا إشكال في الأوّلين، وعلى احتمال اعتبار الأخير أيضاً ولو بنحو الإجمال، ولا يعتبر فيها سوى ذلك سواء فيه الاعتقاد بالولاية وغيرها، فالإمامة من أصول المذهب لا الدين(1).

وأمّا المرحوم الميرزا آية الله الشيخ جواد التبريزي، فقد فصّل القول في ذلك، قال=:

وأمّا بالنسبة للاعتقادات التي تجب معرفتها على كلّ مكلف عينا، والاعتقاد بها اعتقادا جزمياً، بعضها من أصول الدين، كالتوحيد والنبوة الخاصّة، والمعاد الجسماني، والقسم الآخر من الاعتقادات من أصول المذهب، كالاعتقاد بالإمامة للأئمة: بعد النبي9، والاعتقاد بالعدل، فإنّه يجب على كلّ مكلّف الاعتقاد بها، إلّا أنّ عدم الاعتقاد والمعرفة


1- كتاب الطهارة، للإمام الخميني، ج3، ص323.

ص 223

بالأوّل يخرج الشخص عن الإسلام، وفي الثاني لا يخرجه عن الإسلام، وإنّما يخرج عن المذهب، والاعتقاد بكلا القسمين كما ذكر العلماء ليس أمراً تقليدياً، بل يجب على كلّ مكلّف تحصيل المعرفة والاعتقاد بهما، ولو بدليل إجمالي يقنع نفسه به، وكون هذه الأمور أصولياً لا يمنع البحث، وردّ الشبهات الواردة فيها عند طائفة من المتبحّرين والمطّلعين على الشبهات(1).

وأضاف قائلاً بعد ذلك:

وبالجملة ضروريات المذهب _ أي: مسألة الإمامة والعدل _ ثابتة عند الشيعة بأدلة قاطعة وواضحة بنحو حرّم العلماء التقليد فيها، بل قالوا بوجوب تحصيل العلم والمعرفة على كلّ مكلّف؛ لسهولة الوصول إلى معرفتها، كما أنّهم أوجبوا العلم بأصول الدين، ولم يجوّزوا التقليد فيها؛ لأنّ طريق تحصيل العلم بها سهل يتيسّر لكلّ مكلّف. والمتحصّل أنّ الاعتقاديات سواء أكانت من أصول الدين أو أصول المذهب، أمر قطعي ضروري عند المسلمين أو عند المؤمنين، وإنّما يكون اختلاف آراء المجتهدين في غير الضروريات والمسلّمات من الدين أو المذهب، ويفحص في غيرهما من فروع الدين عن الدليل عليه، وبما أنّ العامي لا يتمكّن من الفحص في مدارك الأحكام تكون وظيفته التقليد فيها، فالاجتهاد والتقليد إنّما يكونان في غير الضروريات والمسلّمات، وأمّا الضروريات فالاستدلال فيها (لغرض الردّ على الفرق التي لا تؤمن ولا تعتقد بهذه الضروريات) لا يخرج ذلك عن كونه ضرورياً عند أهله، ومسألة الإمامة عند الشيعة داخلة في ذلك كما بيّنا، والله العالم(2).

وقال الشهيد الثاني: «إنّ التصديق بإمامة الاثني عشر إماماً أصل من أصول الإيمان عند الطائفة المحقّة الإمامية، كما هو معلوم من مذهبهم ضرورة» (3).

ثم قال الشهيد الثاني:


1- الصراط المستقيم، الميرزا جواد التبريزي، ج3، ص416.
2- المصدر السابق، ص417.
3- حقائق الإيمان، الشهيد الثاني، ص149.

ص 224

واعلم أنّ من مشاهير الأحاديث بين العامّة والخاصّة وقد أوردها العامة في كتب أصولهم وفروعهم أنّ "من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية"، فنحن الحمد لله نعرف إمام زماننا في كلّ وقت، ولم يمت أحد من الإمامية ميتة جاهلية، بخلاف غيرنا من أهل الخلاف، فإنّهم لو سئلوا عن إمام زمانهم لسكتوا، ولم يجدوا إلى الجواب سبيلاً، وتشتت كلمتهم في ذلك. فقائل بأنّ إمامهم القرآن العزيز، وهؤلاء يحتجّ عليهم بأنّ القرآن العزيز قد نطق بأنّ الإمام والمطاع غيره، حيث قال الله تعالى: (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ). على أنّه لو سلّم لهم ذلك للزمهم اجتماع إمامين في زمان واحد(1).

وجاء في معجم الاصطلاحات الذي أعدّه مركز المعجم الفقهي:

أمّا الإمامة والعدل فهما من أصول المذهب (الجعفري)، فلو أنكر شخص التوحيد أو النبوّة أو المعاد يخرج من الدين (الإسلام)، أي: لا يعدّ مسلماً بل كافراً، ولو أنكر الإمامة أو العدل يخرج من الإيمان (المذهب) أي: لا يعدّ مؤمناً، ويعدّ مسلماً، هذا إذا كان يعتقد بالثلاث الأُخر(2).

وقام الشيخ جواد مغنية بنقل رواية عن الإمام الصادق7 في مقام بيان الفرق بين المسلم والمؤمن، ومن ثمّ بيان كون الإمامة من أصول المذهب لا أصول الدين، حيث قال=:

قال الإمام الصادق: الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس، والإيمان هو معرفة هذا الأمر، وقال: بني الإسلام على خمس: الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية. أي: بعد الإقرار بالشهادتين، حيث لا يقبل أي: عمل بدونه.

وبهذا يتبيّن أنّ الولاء - عند الإمامية - ركن من أركان الإيمان، لا من أركان الإسلام، فغير الموالي مسلم، ولكنّه غير شيعي، وبكلمة أنّ الولاء عندهم من أصول المذهب، لا من أصول الدين، وبهذه المناسبة نشير إلى أن الإمامية حين يقولون في كتب الفقه: تعطى الزكاة للمؤمن، ويصلّى خلف المؤمن فإنّهم يريدون به خصوص الإمامي الاثني عشري، وقد


1- حقائق الإيمان، ص151.
2- المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي، ص348.

ص 225

أجازوا الوقف والوصية وإعطاء الصدقات غير الواجبة، أجازوا إعطاءها للمسلمين وغير المسلمين، الفقراء منهم والأغنياء على السواء(1).

وقال اللواساني:

ثمّ إنّ إطلاق أصول الدين على مجموع الأمور الخمسة المذكورة في هذا العلم إطلاق شائع عرفي، وإن كان العدل والإمامة منها من أصول المذهب، والنسبة بينهما عموم مطلق كما هو واضح(2).

فهذه وغيرها من الأقوال في بيان كون الإمامة أصل من أصول المذهب في مقابل من يرجو النجاة من النار من دونها، وأنّها أصل من أصول الدين في مقابل من يعتقد أنّها من فروع الدين وفقهيّاته التي يجوز فيها التقليد لمن لم يبلغ رتبة الاجتهاد الفقهي.

ثالثاًً: إنقسام أهل السنة إلى مستضعف وغير مستضعف

وهذا الرأي هو ما اختاره العلّامة الطهراني في كتابه (معاد شناسى)(3)، حيث جاء فيه أنّ التكاليف الإلهية مشروطة بالعلم والقدرة، وعلى هذا الأساس فالأفراد ينقسمون بالنسبة إلى ذلك إلى فئتين:

الفئة الأولى: من ليس لهم القدرة على العمل بالتكاليف، وهو ما يعبّر عنه بالقاصرين دون المقصّرين، فكلّ رجل أو امرأة لا يتمكن من إيجاد سبيل الخلاص لنفسه، ولا الاهتداء إلى طريق النجاة، فإنّه سيكون مصوناً عن المؤاخذة، وعن دخول النار، وسيشمله العفو الإلهي، كلّ ذلك بسبب عدم قدرتهم على العمل وفق النهج القويم الذي تؤمن به الإمامية، بحيث لو زال عنهم ستار الضلال والتضليل، وكشف لهم عن وجه الحقيقة لآمنوا بها والتحقوا بركب المهتدين بهدي محمّد وآل محمّد، ويشكّل هؤلاء الغالبية من أهل السنّة من الرجال والنساء والولدان، فهم


1- الشيعة في الميزان، محمّد جواد مغنية، ص118.
2- نور الأفهام في علم الكلام، ج1، ص54.
3- راجع: معاد شناسى [معرفة المعاد]، الطهراني، ج3، صص161- 165، نقلناه بتصرف واختصار.

ص 226

السواد الأعظم من أهل السنّة، والشيعة لا تقول بكفر هؤلاء، بل ترجو لهم العفو والنجاة من العذاب الإلهي بسبب قصور مداركهم العقلية، ويعبّر عنهم بالمستضعفين.

الفئة الثانية: من له القدرة على العمل بالتكليف، وهو على قسمين: الأوّل: من له القدرة على العمل بالتكليف إلّا أنّهم ومع كثرة المطالعة والتتبع قد بقوا في أسر التقليد وتلقينات الأمّهات والآباء والمعلّمين والمجتمع، بحيث حجبت بينهم وبين إدراك الحقائق، فهؤلاء لو صدق في شأنهم قوله تعالى: (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً) [النساء: 98] ولم يكونوا في نفس الوقت من المنكرين والمعاندين والمتطاولين، بحيث لو فهموا حقيقة النبوّة والولاية لخضعوا وأطاعوا على الفور، فإنّ مثل هؤلاء يرجى لهم العفو الإلهي، وقد جاءت في بيان حالهم روايات معتبرة كثيرة عن أئمة أهل البيت:(1)، ويعبّر عنهم لسان الروايات بالمستضعفين أيضاً(2).

والثاني: وهم الذين عرفوا الحقّ وجحدوا به (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا...) [النمل: 14] فهم المعاندين المنكرين المكذّبين لله ولرسوله، ومثل هؤلاء لا يرجى لهم العفو الإلهي، وهؤلاء هم أعداء الله ورسوله9 وأعداء المؤمنين، يدخلون النار بغير حساب، وهم الذين يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً، ويقولون يوم القيامة: (وَ اللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) [الأنعام: 23-24] يحلفون بالله كما يحلفون لكم، ويحسبون أنّهم على شيء إلّا أنهم هم الكاذبون، وأولئك هم الناصبون العداء لله ولرسوله ولأهل بيته:، وهؤلاء لا يقال لهم بأنّهم مستضعفين في الأرض، بل هم طواغيت ومكابرون معاندون للحقّ وأهله، وسيدخلون نار جهنّم بغيّهم وبغضهم ونصبهم العداء لأولياء الله تعالى.

والحاصل من جميع ما تقدّم: أنّ أهل السنّة ليسوا على وتيرة واحدة، بل هم على فئتين:

فئة مستضعفة، وهذه يرجى لها العفو الإلهي، والنجاة من العقاب يوم القيامة وإن عملت


1- معاني الأخبار، صص200 و202.
2- اُنظر: الكافي، ج2، ص 406؛ معاني الأخبار، ص200.

ص 227

بالتكاليف على غير منهج أهل البيت:.

وأخرى مستكبرة معاندة مناصبة للحقّ وأهله، وهذه لا يرجى لها العفو الإلهي، ولا النجاة من العقاب العذاب الأليم يوم القيامة.

رابعاً: الجهل بأهمية الإمامة ودورها في قيادة الأمّة

إنّ ما قام به الدمشقية ينبئ عن جهل الرجل بأهمية الإمامة ودورها في قيادة الأمّة الإسلامية؛ وذلك لأنّ تكامل الإنسان يكمن في سلامة فكره وسلوكه في الحياة الدنيوية بما يتلاءم وطبيعة الأهداف التي خلق من أجلها، وهذه السلامة لا تتأتّي إلّا إذا استطاع أن يحدد مساره وصراطه المستقيم الذي لا اعوجاج فيه أبداً، ولكن بما أنّ الإنسان موجود فقير، كما صرّح بذلك المولى تبارك وتعالى في قوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) [فاطر: 15]، وبيّن أنّه لا غني في الوجود إلّا هو: (اللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء) [محمّد: 38]، فلو خلّي الإنسان ونفسه، فإنّه لا يستطيع أن يحظى بما يوجب له ذلك الكمال المطلوب منه في حال غياب الرعاية الإلهية، والتي تمثّلت في زمن الرسالة بشخص النبيّ الأكرم محمّد (وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [المؤمنون: 73].

فالمحافظة على استمرار الاستقامة في السير على الص_راط، يحتاج إلى من يقوم مقام النبي بعد رحيله وغيابه عن الأمّة؛ لأنّ ذلك شكّل فراغاً كبيراً، مع حاجة الأمّة للبقاء والاستمرار على الاستقامة في مسيرتها، وهو مما يتطلّب الاستقامة في الفكر والسلوك العملي؛ وأنّ هذا الفراغ يحتاج إلى من يسدّه بشرط أن تكون له من الخصوصيات ما للنبي، في مقام الوعظ والإرشاد والتبيين دون أن يكون نبيّاً يوحى إليه من السماء؛ لأنّ المفروض أنّه نائب عن النبيّ، قائم بأداء شريعته الخاتمة، وهادي لأمّته من بعده على ضوئه، لا أنّه نبيّ في عرض نبوّته، ولا أنّه صاحب شريعة في عرض الشريعة والرسالة الإسلامية الحنيفة؛ إذ إنّ هذه من مهام النبوّة وخصائصها.

ومن الطبيعي أنّ هذا الشخص النائب عنه لا يتأتّى للأمّة تعيينه واختياره؛ لعدم سعة

ص 228

اطّلاعها ببواطن الأمور ونفسيات الناس، فكان أمره موكولاً لمن يعلم ذلك، وهو الله تعالى ورسوله. هذا من جهة.

ومن جهة أخرى يشترط فيه كذلك أن يكون من المصطفين والمعصومين، وهم الصفوة من الأمّة الإسلامية، حتّى لا يزول الدين وينحرف عن طريقه ومساره، وهؤلاء هم

الاثنا عشر خليفة(1)، وأمّا سواهم يشك في فضله، فضلاً عن عدم ثبوت علمه وعصمته، فضلاً عن أنّهم لا يتّصفون بكونهم الأمان للأمّة من الفرق والاختلاف، كما جاء في تعريف الأئمة الأطهار في الحديث الشريف بكونهم «أمان لأمّتي من الاختلاف»(2).

علاوة على هذا كلّه، فالأمّة بحاجة إلى مرجع سياسي يحفظ كيانها ووحدتها، ويدرأ الأخطار الخارجية عنها، ويتولّى إدارة شؤونها، فكما هي بحاجة إلى مرجع ديني يتولّى مهمّة تعليمها الأحكام الفقهية والمسائل الاعتقادية، ويحفظ الش_ريعة الإسلامية من التزوير والتحريف، والعقيدة من الأباطيل والخرافات، وإعداد وبناء جماعة صالحة تخدم المجتمع الإنساني بكلّ ما لديها من القدرة والحصانة الفكرية والسلامة الأخلاقية من خلال تجسيد الأسوة والقدوة الحسنة في المجتمع الإنساني، فهي بحاجة إلى من يقوم بالدفاع عنها وحراستها من الأعداء، والتبيان لها بما يتلاءم مع تلبية حاجات المجتمع البشري ومتطلبات العصر؛ لأنّها تتمتع بجميع مقوّمات الحياة لكلّ زمان ومكان، وهكذا تبرز أهمية الإمامة في ممارسة دورها الإلهي في قيادة المجتمع نحو تحقيق أهدافه الدنيوية والأخروية، ولكنه للأسف أنّ مثل هذا كلّه مجهول قدره وأهميته وعظمه عند الدمشقية ومن يحذو حذوه.

البحث الرابع الإمامية تحكم بكفر محاربي الإمام علي

المناقشة:

1- جاء في مسند أحمد ج5، ص88، عن جابر بن سمرة السوائي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يقول في حجّة الوداع : «إنّ هذا الدين لن يزال ظاهراً على من ناواه لا يضره مخالف ولا مفارق حتّى يمضي من أمّتي اثنا عشر خليفة»، قال: ثمّ تكلّم بشيء لم أفهمه فقلت لأبي: ما قال؟ قال: «كلّهم من قريش»، وسيأتي الكلام عنه مفصّلاً في محلّه إن شاء الله تعالى.
2- رواه الحاكم عن ابن عباس، وقال عنه: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه». اُنظر: المستدرك على الصحيحين، ج3، ص149؛ واُنظر: الجامع الصغير، ج2، ص680، فضائل الصحابة، ج2، ص671 ؛ الصواعق المحرقة، صص152 و 153 ؛ ذخائر العقبى، ص17؛ فرائد السمطين، ج1، ص45.

ص 229

البحث الرابع الإمامية تحكم بكفر محاربي الإمام علي

لقد حاول الدمشقية تحت هذا العنوان أن يدخل بذلك عائشة، ومن شارك معها في حرب الجمل، وكذلك من حارب الإمام علي جميعاً، وبذلك يبيّن للمسلمين كيف أنّ الشيعة تحكم بكفر أمّ المؤمنين عائشة، وغيرها من الصحابة وبعض التابعين، بل أهل السنّة الموالين لهؤلاء؛ لأنّ من كان في الطرف المقابل لهم هم شيعة علي وأتباعه، وبذلك فالشيعة لا ترى غيرها مسلماً مؤمناً حقيقياً، وإن قالت بإسلام غيرها (أهل السنّة) فهي في الواقع تحكم بكفر الناصبي والمحارب لعلي، وبذلك فهي حاكمة على جميع الموالين لهؤلاء من أهل السنّة الراضين بهم وبأفعالهم أنّهم كفرة.

المناقشة:

قال الله تعالى: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ) [المائدة:33]. قال القطب الراوندي: «فمعنى يحاربون الله، أي: يحاربون أولياء الله والمؤمنين؛ لأنّه لو كان المراد مقصوراً على محاربة رسول الله عليه السلام لكان حكم الآية يسقط بوفاته وأجمع المسلمون على أنّ هذا الحكم ثابت»(1).


1- فقه القرآن، للقطب الراوندي، ج1، ص365.

ص 230

وقال الشيخ الطوسي:

ظاهر مذهب الإمامية أنّ الخارج على أمير المؤمنين والمقاتل له كافر، بدليل إجماع الفرقة المحقّة على ذلك، وإجماعهم حجّة لكون المعصوم الذي لا يجوز عليه الخطأ داخلاً فيهم، وأنّ المحاربين له كانوا منكرين لإمامته ودافعين لها، ودفع الإمامة عندهم وجحدها كدفع النبوّة وجحدها سواء، بدلالة قوله: (من مات وهو لا يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). وروي عنه أنّه قال لعلي: (حربك يا علي حربي وسلمك سلمي)، وحرب النبي كفر بلا خلاف، فينبغي أن يكون حرب علي مثله؛ لأنّه أراد حكم حربي، وإلا فمحال أن يريد أنّ نفس حربك حربي؛ لأنّ المعلوم خلافه.

فإن قيل: لو كان ذلك كفر لأجري عليهم أحكام الكفر من منع الموارثة والمدافنة والصلاة عليهم وأخذ الغنيمة واتّباع المدبر والإجازة على المجروح والمعلوم أنّه لم يجر ذلك عليهم، فكيف يكون كفراً؟! قلنا: أحكام الكفر مختلفة كحكم الحربي والمعاهد والذمي والوثني، فمنهم من تقبل منهم الجزية ويقرّون على دينهم، ومنهم من لا يقبل، ومنهم من يناكح وتؤكل ذبيحته، ومنهم من لا تؤكل عند المخالف. ولا يمتنع أن يكون من كان متظاهراً بالشهادتين وإن حكم بكفره حكمه مخالف لأحكام الكفّار، كما تقول المعتزلة في المجبرة والمشبّهة وغيرهم من الفرق الذين يحكمون بكفرهم وإن لم تجر هذه الأحكام عليهم، فبطل ما قالوه(1).

أقول: لقد جعل النبي الأعظم محمّد معياراً واضحاً لا يختلف فيه اثنان، وذلك بالنسبة لمن أعلن النصب والحرب لإمام علي وأهل بيته الكرام:، وهذا المعيار هو أنّ حربهم حربه، وسلمهم سلمه، ومعلوم أنّ من يحارب النبي فإنّما يعلن بذلك الحرب لله تعالى؛ لأنّ إيذاءه بنص القرآن الكريم هو إيذاء الله تبارك وتعالى.

وقال الشيخ المفيد:

ومما يدلّ على كفر محاربي أميرالمؤمنين علمنا بإظهارهم التديّن بحربه، والاستحلال لدمه


1- كتاب الاقتصاد، الشيخ الطوسي، صص226 و227.

ص 231

ودماء المؤمنين من ولده وعترته وأصحابه، وقد ثبت أنّ استحلال دماء المؤمنين أعظم عندالله من استحلال جرعة خمر، لتعاظم المستحق عليه من العقاب بالاتّفاق. وإذا كانت الأمّة مجمعة على إكفار مستحل الخمر وإن شهد الشهادتين وأقام الصلاة وآتى الزكاة، فوجب القطع على كفر مستحل دماء المؤمنين، لأنه أكبر من ذلك وأعظم في العصيان بما ذكرناه، وإذا ثبت ذلك صح الحكم بإكفار محاربي أميرالمؤمنين على ما وصفناه.

دليل آخر: ويدلّ على ذلك أيضاً ما تواترت به الأخبار من قول النبي لعلي: «حربك - يا علي - حربي، وسلمك سلمي»، وقد ثبت أنّه لم يرد بذلك الخبر عن كون حرب أميرالمؤمنين حربه على الحقيقة، وإنّما أراد التشبيه في الحكم دون ما عداه، وإلّا كان الكلام لغواً ظاهر الفساد، وإذا كان حكم حربه كحكم حرب الرسول وجب إكفار محاربيه، كما يجب بالإجماع إكفار محاربي رسول الله.

دليل آخر: وهو أيضاً ما أجمع على نقله حملة الآثار من قول الرسول: (من آذى علياً فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى)

ولا خلاف بين أهل الإسلام أنّ المؤذي للنبي بالحرب والسب والقصد له بالأذى والتعمّد لذلك كافر خارج عن ملّة الإسلام، فإذا ثبت ذلك وجب الحكم بإكفار محاربي أميرالمؤمنين بما أوجبه النبي من ذلك بما بيّناه.

دليل آخر: وهو أيضاً ما انتشرت به الأخبار، وتلقّاه العلماء بالقبول عن رواة الآثار، من قول النبي لأميرالمؤمنين: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وقد ثبت أنّ من عادى الله تعالى وعصاه على وجه المعاداة فهو كافر خارج عن الإيمان، فإذا ثبت أنّ الله تعالى لا يعادي أولياءه، وإنّما يعادي أعداءه، وصحّ أنّه تعالى معاد لمحاربي أميرالمؤمنين لعداوتهم له، بما ذكرناه من حصول العلم بتديّنهم بحربه7 بما ثبت به عداوة محاربي رسول الله ويزول معه الارتياب، وجب إكفارهم على ما قدمناه(1).

قال أيضاً:

فإن قالوا: فإذا كان محاربو أميرالمؤمنين كفّاراً عندكم بحربه، مرتكبي العناد في خلافه،


1- الإفصاح، صص 127 _ 133.

ص 232

فما باله لم يسر فيهم بسيرة الكفّار فيجهز على جرحاهم، ويتبع مدبرهم، ويغنم جميع أموالهم، ويسبي نساءهم وذراريهم، وما أنكرتم أن يكون عدوله عن ذلك في حكمهم يمنع من صحة القول عليهم بالإكفار؟

قيل لهم: إنّ الذي وصفتموه في حكم الكفّار إنّما هو شيء يختص بمحاربي المشركين، ولم يوجد في حكم الإجماع والسنّة فيمن سواهم من سائر الكفار، فلا يجب أن يعدّى منهم إلى غيرهم بالقياس، ألا ترون أنّ أحكام الكافرين تختلف، فمنهم من يجب قتله على كلّ حال، ومنهم من يجب قتله بعد الإمهال، ومنهم من تؤخذ منه الجزية ويحقن دمه بها ولا يستباح، ومنهم من لا يحل دمه ولا تؤخذ منه الجزية على حال، ومنهم من يحل نكاحه، ومنهم من يحرم بالإجماع، فكيف يجب اتّفاق الأحكام من الكافرين على ما أوجبتموه فيمن سمّيناه، إذا كانوا كفارا، وهي على ما بيّناه في دين الإسلام من الاختلاف؟!(1).

وجاء في تعليقة على كتاب الشيخ المفيد (أوائل المقالات)، قول المعلّق:

فمراد الشيخ أنّ ثبوت بعض أحكام الإسلام لصنف من أصناف الكفّار لا يدلّ على إسلامهم، كما إن جماعة من الفقهاء و جميع الأخباريين يحكمون بطهارة أهل الكتاب، والكل مجمعون على جواز نكاح نسائهم متعة وغير ذلك، فهل تدلّ هذه الفتاوى وثبوت هذه الأحكام على أنّ اليهود والنصارى مسلمون؟ كلا وكذلك الأحكام التي رتّبها أميرالمؤمنين على محاربيه لا تدلّ على إسلامهم(2).

قال ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة:

لنفرض أن النبي ما نص عليه بالخلافة بعده، أليس يعلم معاوية وغيره من الصحابة أنه لو قال له في ألف مقام: "أنا حرب لمن حاربت وسلم لمن سالمت"، ونحو ذلك من قوله: "اللهم عاد من عاداه، ووال من والاه"، وقوله: "حربك حربي وسلمك سلمي"، وقوله: "أنت مع الحقّ والحق معك"، وقوله: "هذا منّى وأنا منه"، وقوله: "هذا أخي"، وقوله: "يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله"، وقوله: "اللهم ائتني بأحبّ خلقك إليك، وقوله:


1- الإفصاح، ص122.
2- اُنظر: أوائل المقالات، ص286، تحقيق: الشيخ إبراهيم الأنصاري.

ص 233

"إنّه ولى كلّ مؤمن [ ومؤمنة] بعدي"، وقوله: في كلام قاله: "خاصف النعل"، وقوله: "لا يحبّه إلّا مؤمن، ولا يبغضه إلّا منافق"، وقوله: "إنّ الجنّة لتشتاق إلى أربعة"، وجعله أوّلهم، وقوله لعمار: "تقتلك الفئة الباغية"، وقوله: "ستقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين بعدي"، إلى غير ذلك مما يطول تعداده جدّاً، ويحتاج إلى كتاب مفرد يوضع له، أفما كان ينبغي لمعاوية أن يفكّر في هذا ويتأمّله، ويخشى الله ويتّقيه ! فلعلّه7 إلى هذا أشار بقوله: "وجحودا لما هو ألزم لك من لحمك ودمك مما قد وعاه سمعك، وملئ به صدرك"(1).

ونقل الخوارزمي في المناقب بسند إلى الإمام علي، أنّ رسول الله قال يوم فتحت خيبر:

لولا أن تقول فيك طوائف من أمّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم، لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمرّ على ملأ من المسلمين إلّا أخذوا من تراب رجليك، وفضل طهورك، يستشفون به، ولكن حسبك أن تكون منّي وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبي بعدي، أنت تؤدّي ديني، وتقاتل على سنّتي، وأنت في الآخرة أقرب الناس منّي، وأنت غداً على الحوض خليفتي، تذود عنه المنافقين، وأنت أوّل من يرد عليّ الحوض، وأنت أوّل داخل الجنّة من أمّتي، وأنّ شيعتك على منابر من نور رواء مرويين، مبيّضة وجوههم حولي، أشفع لهم فيكونون غداً في الجنّة جيراني، وأنّ

عدوّك غداً ظماء مظمئين، مسودّة وجوههم مقمحين، حربك حربي وسلمك سلمي، وسرّك سرّي وعلانيتك علانيتي، وسريرة صدرك كسريرة صدري، وأنت باب علمي، وأنّ ولدك ولدي، ولحمك لحمي ودمك دمي، وأنّ الحقّ معك، والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنّ الله عزّ وجل أمرني أن أبشّرك أنّك وعترتك في الجنّة، وأنّ عدوّك في النار، [ يا علي] لا يرد عليّ الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنه محبّ لك، قال: قال علي: فخررت له سبحانه وتعالى ساجداً(2).


1- شرح نهج البلاغة، ج18، ص25.
2- المناقب، الخوارزمي، ص129. والحديث طويل من طلبه فليراجع كتاب المناقب لابن المغازلي، ص237.

ص 234

وروى أحمد بسند عن معبد بن وهب وزيد بن يثيع قالا:

نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلّا قام، قال: فقام من قبل سعيد ستة، ومن قبل زيد ستة، فشهدوا أنّهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى يوم غدير خم: أليس الله أولى بالمؤمنين؟ قالوا: بلى، قال: اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه(1).

وروى عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلّى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال:

ألستم تعلمون إنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى، قال: ألستم تعلمون أنّى أولى بكلّ مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، قال: فأخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فلقيه عمر بعد ذلك فقال له: هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كلّ مؤمن ومؤمنة(2).

وروى أيضاً عن زيد بن أرقم قال:

استشهد علي الناس فقال: أنشد الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فقام ستة عشر رجلاً فشهدوا(3).

وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال:

لمّا رجع رسول الله من حجّة الوداع ونزل غدير خم امر بدوحات فقممن، فقال: كأنّي قد دعيت فأجبت، إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله تعالى وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يتفرقا حتّى يردا علي الحوض ثمّ قال: إنّ الله


1- مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص118.
2- المصدر السابق، ج4، ص286.
3- المصدر السابق، ج5، ص270.

ص 235

عزّ وجل مولاي وأنا مولى كلّ مؤمن، ثمّ أخذ بيد علي رضي الله عنه فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وذكر الحديث بطوله. هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بطوله. شاهده حديث سلمة بن كهيل عن أبي الطفيل أيضاً صحيح على شرطهما(1).

وأخرج أيضاً عن خيثمة بن عبدالرحمن قال:

سمعت سعد بن مالك وقال له رجل: إنّ علياً يقع فيك إنّك تخلّفت عنه! فقال سعد: والله إنّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي، إنّ عليّ بن أبي طالب أعطي ثلاثاً؛ لأن أكون أعطيت إحداهن أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها، لقد قال له رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه: هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين؟ قلنا: نعم، قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه. وجيئ به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر فقال: يا رسول الله إنّى أرمد، فتفل في عينيه ودعا له فلم يرمد حتّى قتل وفتح عليه خيبر. وأخرج رسول الله عمّه العباس وغيره من المسجد فقال له العباس: تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن علياً؟! فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكن الله أخرجكم وأسكنه(2).

وجعل الهيثمي باب في كتابه سمّاه (باب قوله صلى الله عليه وسلم من كنت مولاه فعلي مولاه) عن رباح الحارث قال:

جاء رهط إلى علي بالرحبة قالوا: السلام عليك يا مولانا، فقال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب؟ قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا مولاه، قال رباح: فلمّا مضوا تبعتهم فقلت: من هؤلاء؟ قالوا: نفر من الأنصار فيهم أبوأيوب الأنصاري، رواه أحمد والطبراني إلّا أنّه قال قالوا سمعنا رسول الله صلى


1- المستدرك على الصحيحين، ج3، ص109.
2- المصدر السابق، ج3، ص117.

ص 236

الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.

وهذا أبو أيوب بيننا فحسر أبو أيوب العمامة عن وجهه، ثمّ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ورجال أحمد ثقات.

وعن عمرو ذي مر وزيد بن أرقم قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم فقال: من كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه، قلت لزيد بن أرقم: عند الترمذي من كنت مولاه فعلي مولاه فقط، رواه الطبراني وأحمد عن زيد وحده باختصار إلّا أنّه قال: في أوله نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بواد يقال له: خم، فأمر بالصلاة فصلاها بهجير، قال: فخطب وظلل على رسول الله صلى الله عليه وسلم على شجرة من الشمس فقال: ألستم تعلمون أو ألستم تشهدون أنّى أولى بكل مؤمن من نفسه؟ قالوا: بلى، فذكر نحوه، والبزار وفيه ميمون أبوعبدالله البصري وثّقه ابن حبان وضعّفه جماعة، وبقية رجاله ثقات.

وعن أبي الطفيل قال: جمع علي الناس في الرحبة، ثمّ قال لهم: أنشد بالله كلّ امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال لما قام، فقام إليه ثلاثون من الناس، قال أبو نعيم: فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده، فقال: أتعلمون أنّي أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، قال: فخرجت كأن في نفسي شيئاً، فلقيت زيد بن أرقم فقلت له: إنّي سمعت علياً يقول: كذا وكذا، قال: فما تنكر قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك، رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.

وعن سعيد بن وهب قال: نشد علي الناس، فقام خمسة أو ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشهدوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وعن عمرو بن ذي مر وسعيد بن وهب وعن زيد بن بثيع قالوا: سمعنا علياً يقول: نشدت الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم لما قام فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: فأخذ بيد على فقال: من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال

ص 237

من والاه وعاد من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من يبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، رواه البزار ورجاله رجال الصحيح غير فطر بن خليفة وهو ثقة.

وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: شهدت علياً في الرحبة يناشد الناس أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في يوم غدير خم: من كنت مولاه فعلى مولاه لما قام فشهد، قال عبدالرحمن: فقام اثنا عشر بدرياً كأنّي انظر إلى أحدهم عليه سراويل، فقالوا: نشهد إنّا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ قلنا: بلى يا رسول الله، قال: فمن كنت مولاه فعلى مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، رواه أبو يعلى، ورجاله وثّقوا(1).

وأخرج النسائي في سننه الكبرى عن زيد بن أرقم قال: لمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حجّة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن، ثمّ قال:

كأنّي قد دعيت فأجبت إنّي قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنّهما لن يتفّرقا حتّى يردا عليّ الحوض، ثمّ قال إنّ الله مولاي وأنا ولي كلّ مؤمن، ثمّ أخذ بيد علي فقال: من كنت وليه، فهذا وليه اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، فقلت لزيد: سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما كان في الدوحات رجل إلّا رآه بعينه وسمع بأذنه(2).

وقد جاء في قصّة حرب الجمل شهادات بزيغ معاوية وانحرافه عن الصراط المستقيم، كما كشف عن ذلك عمرو بن العاص لمّا كاتبه معاوية لينضم إلى صّفه وجنحه، ويكون محارباً للإمام علي، ونحن ننقل بعض ما جاء في هذه المحاورات التي جرت بينهم، وكيف كانت نهايتها.

قال البلاذري:

المدائني عن عيسى بن يزيد الكناني أنّ علياً لمّا بعث جرير بن عبدالله إلى معاوية ليأخذ له البيعة عليه، قدم [جرير] عليه وهو جالس والناس عنده، فأعطاه كتاب علي فقرأه، ثمّ قام


1- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج9، صص104 و105.
2- السنن الكبرى، النسائي، ج5، ص46.

ص 238

جرير فقال: يا أهل الشام، إنّ من لم ينفعه القليل لم ينفعه الكثير، قد كانت بالبصرة ملحمة إن يسفح البلاء بمثلها فلا بقاء للإسلام بعدها، فاتقوا الله وروؤا في علي ومعاوية.

وانظروا أين معاوية من علي؟! وأين أهل الشام من المهاجرين والأنصار؟! ثمّ انظروا لأنفسكم فلا يكون أحد أنظر لها منها. ثمّ سكت وسكت معاوية فلم ينطق وقال: أبلعني ريقي يا جرير.

فأمسك [جرير] فكتب [معاوية] من ليلته إلى عمرو بن العاص - وهو على ليال منه - في المصير إليه - وصرف جريراً بغير إرادته - وكان كتابه إلى عمرو: أمّا بعد، فقد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد سقط إلينا مروان في جماعة من أهل البصرة ممن رفض علياً وأمره، وقدم عليّ جرير بن عبدالله في بيعة علي، وحبست نفسي عليك حتّى تأتيني، فاقدم عليّ على بركة الله وتوفيقه.

فلمّا أتاه الكتاب دعا ابنيه عبدالله ومحمّداً فاستشارهما، فقال له عبد الله: أيّها الشيخ، إنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو عنك راض، ومات أبو بكر وعمر وهما عنك راضيان، فإياك أن تفسد دينك بدنيا يسيرة تصيبها من معاوية، فتكب كبّاً في النار.

ثمّ قال [عمرو] لمحمّد: ما ترى؟ فقال: بادر هذا الأمر تكن فيه رأساً قبل أن تكون ذنباً. فروى [عمرو] في ذلك.

رأيت ابن هند سائلي أن أزوره

وتلك التي فيها انثياب البواثق

أتاه جرير من علي بخطة

أمرت عليه العيش مع كلّ ذائق

فوالله ما أدري إلى أيّ جانب

أميل ومهما قادني فهو سائقي

أأخدعه والخدع فيه دناءة

أم أعطيه من نفسي نصيحة وامق

وقد قال عبدالله قولاً تعلّقت

به النفس إن لم تعتلقني علائقي

وخالفه فيه أخوه محمّد

وإنّي لصلب العود عند الحقائق

فلمّا سمع عبدالله بن عمرو هذا الشعر قال: بال الشيخ على عقيبه وباع دينه، فلمّا أصبح عمرو دعا مولاه وردان فقال: ارحل بنا يا وردان فرحل، ثمّ قال: حط، فحط، ففعل ذلك مراراً، فقال له وردان: أنا أخبرك بما في نفسك، اعترضت الدنيا والآخرة في قلبك فلست

ص 239

تدرى أيتهما تختار ! قال: لله درّك ما أخطأت، فما الرأي؟ قال: تقيم في منزلك فإن ظهر أهل الدين عشت في دينهم، وإن ظهر أهل الدنيا لم يستغن عنك ! فقال عمرو: ارحل يا وردان على عزم، وأنشأ يقول:

يا قاتل الله ورداناً وفطنته

أبدى لعمرك ما في النفس وردان

ثمّ قدم على معاوية فذاكره أمره، فقال: أمّا علي فلا تسوّى العرب بينك وبينه في شيء من الأشياء، وإنّ له في الحرب لحظاً ما هو لأحد من قريش، قال: صدقت، وإنّما نقاتله على ما في أيدينا ونلزمه دم عثمان.

فقال عمرو: وإنّ أحقّ الناس أن لا يذكر عثمان لأنا وأنت، أمّا أنا فتركته عياناً وهربت إلى فلسطين، وأمّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام حتّى استغاث بيزيد بن أسد البجلي فسار إليه، فقال معاوية: دع ذا وهات فبايعني، قال: لا، لعمرو الله لا أعطيك ديني حتّى آخذ من دنياك! فقال معاوية: سل، قال: مصر تطعمني إياها، فغضب مروان بن الحكم وقال: مالي لا أستشار؟ فقال معاوية: اسكت فما يستشار إلّا لك، فقام عمرو مغضباً فقال له معاوية: يا [ أ ] با عبد الله، أقسمت عليك أن تبيت الليلة عندنا. وكره أن يخرج فيفسد عليه الناس، فبات [ عمرو ] عنده وقال:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع

فإن تعطني مصراً فأربح صفقة

أخذت بها شيخاً يضر وينفع

وما الدين والدنيا سواء وإنّني

لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع

ولكنني أعطيك هذا وإنّني

لأخدع نفسي والمخادع يخدع

فلمّا أصبح معاوية دخل عليه عتبة بن أبي سفيان فقال له: يا معاوية ما تصنع؟ أما ترضى أن تشتري من عمرو دينه بمصر؟! فأعطاه إياها، وكتب له كتابا: [أن] لا ينقض شرط طاعة.

فمحا عمرو ذلك، وقال: اكتب: لا ينقض طاعة شرطاً. فقال له عتبة بن أبي سفيان:

أيها المانع سيفاً لم يهز

إنّما ملت إلى خز وقز

إنّما أنت خروف واقف

بين ضرعين وصوف لم يجز

ص 240

أعط عمرواً إن عمرواً باذل

دينه اليوم لدنيا لم تحز

أعطه مص_راً وزده مثلها

إنّما مصر لمن عزّ ف_بز

إنّ مص_راّ لعلي أو لنا

يغلب اليوم عليها من عجز

وقال معاوية فيما جاء به جرير بن عبدالله:

تطاول ليلى واعترتني وساوسي

لآت أتى بالترهات البسابس

أتانا جرير من علي بحمقة

وتلك التي فيها اجتداع المعاطس

يكاتبني والسيف بيني وبينه

ولست لأثواب الذليل بلابس

وقد منحتني الشام أفضل طاعة

تواصي بها أشياخها في المجالس

وإنّي لأرجو خير ما نال طالب

وما أنا من ملك العراق بيائس(1)

ونقل ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة قول الجاحظ، حيث قال في عمرو بن

العاص:

كانت مصر في نفس عمرو بن العاص؛ لأنّه هو الذي فتحها في سنة تسع عشرة من الهجرة في خلافة عمر، فكان لعظمها في نفسه وجلالتها في صدره، وما قد عرفه من أموالها وسعة الدنيا، لا يستعظم أن يجعلها ثمناً من دينه، وهذا معنى قوله: وإنّي بذا الممنوع قدما لمولع(2).

ونقل ابن خلكان قائلاً:

فلمّا قتل عثمان2 سار إلى معاوية باستجلاب معاوية إياه، وشهد صفين مع

معاوية، وكان منه في صفين وقضية التحكيم ما هو مشهور عند أهل العلم بهذا

الفن، وكان قد طلب من معاوية أنّه إذا تمّ له الأمر يوليه مصر، وكتب إليه في بعض أيام طلبه:

معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل

به منك دنيا فانظرن كيف تصنع


1- الأنساب، البلاذري، صص 284_ 289.
2- شرح نهج البلاغة، ج2، ص66.

ص 241

فان تعطني مصراً فأربح بصفقة

أخذت بها شيخاً يض_ر وينفع

ثم ولاه معاوية مصر، فلم يزل بها أميراً إلى أن مات(1).

وقال ابن أبي الحديد:

إنّ مذهبنا في محاربي أميرالمؤمنين7 معروف؛ لأنّهم عندنا كانوا كفّاراً بمحاربته؛ لوجوه:

الأول: منها أنّ من حاربه كان مستحلّا ً لقتاله، مظهراً أنّه في ارتكابه على حقّ، ونحن نعلم أنّ من أظهر استحلال شرب جرعة خمر هو كافر بالإجماع، واستحلال دماء المؤمنين فضلاً عن أفاضلهم وأكابرهم أعظم من شرب الخمر واستحلاله، فيجب أن يكونوا من هذا الوجه كفّاراً.

الثاني أنّه7 قال له بلا خلاف بين أهل النقل: (حربك يا علي حربي، وسلمك سلمي) ونحن نعلم أنّه لم يرد إلّا التشبيه بينهما في الأحكام، ومن أحكام محاربي النبي9 الكفر بلا خلاف.

الثالث: أنّ النبي9 قال له بلا خلاف أيضاً: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)، وقد ثبت عندنا أنّ العداوة من الله لا تكون إلّا للكفّار الذين يعادونه دون فسّاق أهل الملّة.

الرابع: قوله: إنّا لا نعلم ببقاء هؤلاء المخلّفين إلى أيام أميرالمؤمنين فليس بشيء؛ لأنّه إذا لم يكن ذلك معلوماً ومقطوعاً عليه، فهو مجوّز وغير معلوم خلافه، والجواز كاف لنا في هذا الموضع.

فإن قيل: كيف يكون أهل الجمل وصفين كفّاراً ولم يسر أميرالمؤمنين فيهم بسيرة الكفّار؛ لأنّه ما سباهم، ولا غنم أموالهم، ولا تبع موليهم؟

قلنا: أحكام الكفر تختلف، وإن شملهم اسم (الكفر)؛ لأنّ في الكفّار من يقتل ولا يستبقى، وفيهم من يؤخذ منه الجزية ولا يحل قتله إلّا بسبب طارئ غير الكفر، ومنهم من لا يجوز نكاحه على مذهب أكثر المسلمين، فعلى هذا يجوز أن يكون أكثر هؤلاء القوم كفّاراً، وإن لم يسر فيهم بجميع سيرة أهل الكفر؛ لأنّا قد بيّنا اختلاف أحكام الكفّار، ويرجع في أنّ


1- وفيات الأعيان وأنباء الزمان، ج7، ص215.

ص 242

حكمهم مخالف لأحكام الكفّار إلى فعله وسيرته فيهم.

على أنا لا نجد في الفسّاق من حكمه أن يقتل مقبلاً، ولا يقتل مولياً، ولا يجهز على جريحه، إلى غير ذلك من الأحكام التي سيّرها في أهل البصرة وصفين.

فإذا قيل في جواب ذلك: أحكام الفسق مختلفة، وفعل أميرالمؤمنين هو الحجّة في أنّ حكم أهل البصرة وصفين ما فعله.

قلنا: مثل ذلك حرفاً بحرف، ويمكن مع تسليم أنّ الداعي لهؤلاء المخلّفين أبو بكر، أن يقال: ليس في الآية دلالة على مدح الداعي ولا على إمامته؛ لأنّه قد يجوز أن يدعو إلى الحقّ والصواب من ليس عليهما، فيلزم ذلك الفعل من حيث كان واجباً في نفسه، لا لدعاء الداعي إليه، وأبو بكر إنّما دعا إلى دفع أهل الردة عن الاسلام، وهذا يجب على المسلمين بلا دعاء داع، والطاعة فيه طاعة لله تعالى، فمن أين له أنّ الداعي كان على حقّ وصواب وليس في كون ما دعا إليه طاعة ما يدل على ذلك؟!(1)

والحاصل ممّا تقدم وغيره من الروايات وأقوال علماء الشيعة والسنّة، أنّ مسألة حرب أميرالمؤمنين هي إعلان الحرب للنبي، وواضح حكم من أعلن الحرب بوجه النبي، وأنّ إيذاء واحد من أهل بيته: الذين أوصى بهم خيراً، هو إيذاء للنبي، وإيذاؤه يوجب النار من قبل الله تعالى بلا خلاف.

الفصل الخامس تكفير الإمامية لأهل البدع في الدين

حقيقة البدعة وأقسامها وفلسفة تحريمها


1- شرح نهج البلاغة، ج13، صص 194و195.

ص 243

الفصل الخامس تكفير الإمامية لأهل البدع في الدين

ص: 244

ص 245

حقيقة البدعة وأقسامها وفلسفة تحريمها

رأينا من اللازم علينا أن نوضّح معنى البدعة وأقسامها وفلسفة تحريمها قبل الخوض في الجواب عن إشكالية واعتراض الدمشقية على تكفير الشيعة لكلّ مبتدع ثبت أنّ بدعته هذه أوجبت زيادة في الدين أو نقص فيه، كما سيتضح ذلك من خلال مطاوي هذا الفصل الذي خصصناه لهذا الأمر.

ثمّ إنّ كتاب الدمشقية يبيّن أنّ صاحبه ابن تيمية لم يكن من أهل العلم وإن ادّعاه؛ وذلك لما يكشف عنه جهله بما هو موجود في كتب أسلافه وزعماء مذهبه إن التزم به (مذهب أهل السنّة)، مع إشارة إلى أنّه وإن كان علماء أهل السنّة لا يعدّون الوهابية من التابعين لمذاهبهم الأربعة المعروفة، بل حتّى الحنابلة التي تحاول الوهابية أن تظهر الالتزام بها، فهم الآخرون يتنكّرون ولا يعترفون بهذا الانتماء الصوري؛ للخلاف الواضح بين مباني الوهابية في الأصول والفروع معهم، وقد نقلنا ما يثبت ذلك بما فيه الكفاية في مدخل هذا الكتاب.

وعلى أيّة حال فإنّ هذا الرجل (الدمشقية) لا نرى له أهلية التمثيل لأهل السنّة، فالكلام يتوجّه إليه بالذات دون علماء أهل السنّة من سائر المذاهب الأخرى، فإنّ الاختلاف في الرأي وفي بعض المسائل الدينية أمر طبيعي، حتّى على مستوى علماء المذهب الواحد، وإلا لما حصل تكامل في هذا الجانب؛ وذلك لأنّ الأفهام ليست على مستوى واحد من الإدراك والتفكير، فمن الطبيعي جدّاً أن تكون هناك معطيات مختلفة في الموضوع الواحد، بش_رط أن لا تكون مخالفة لصريح الدين، بحيث توجب الزيادة أو النقيصة فيه بالمعنى الاصطلاحي؛ لأنّ مثل

ص 246

ذلك يعتبر بدعة بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين، أو إخراج ما من الدين عن الدين، والأخير قد يؤدّي بالتالي إلى إنكار ما هو ضروري من ضروريات الدين وهو موجب للكفر، والأوّل قد يوجب الابتداع المنهي عنه في الش_رع المقدّس، كما سنوضّحه في هذا الفصل.

وقد تقدّم في الفصل الأوّل كيف أنّ هذه الجماعة _ التي ظهرت في الأوساط الإسلامية بلباس الدين ورداء التوحيد _ كانت تجهل الكثير من أمور الدين، بحيث استدعى علماء السنّة على اختلاف مذاهبهم الوقوف بوجه هذه الجماعة المبتدعة لسنن وأحكام ما أنزل الله بها من السلطان، ورأينا كيف أنّ أقرب هؤلاء الناس لإحياء بدعة ابن تيمية الحراني التي كادت بدعه تطمس معالم الدين إلّا أنّ هذا الموقف من علماء المسلمين كاد أن يقضي على هذه البدع لولا قيام محمّد عبد الوهاب بانقلابه الذي قد أعدَّ له من أوباش الناس لينقض على أهل ذلك الزمان، وليقتل علماءهم وشيوخهم، وينهب أموالهم بإعلان دعوته باسم الدفاع عن التوحيد ومحاربة الشرك والوثنية التي كان يرى عليها أهل السنّة على مختلف مذاهبهم في شبه الجزيرة العربية والبلدان المجاورة لها، فما أن تمّت له السيطرة على مكة والمدينة والحجاز ونجد إلّا تحرّك باتّجاه البلدان القريبة منها، ولم يعبأ بفتاوى العلماء ومواقفهم المخالفة له، بل راح يقتلهم باسم الش_رك والكفر والخروج عن الدين، فمرّت الأمّة الإسلامية في تلك الأيام بأزمات وفتن ومصاعب لم تمر بها من قبل، حيث راحت ضحيتها عش_رات الآلاف من المسلمين بما فيهم علماء الدين باسم الدين، فأعظم المصائب عندما تكون في الدين وباسمه، كما قال الإمام زين العابدين:

«اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا» لأنّ ذلك هو الخسران الكبير.

وقد ذكرنا بعض تلك الصور والمحن ومواقف العلماء فيما تقدّم من هذا الكتاب، ولكن الذي يهمّنا في هذا الفصل هو كشف وبيان جهل الدمشقية فيما عدّه من أساليب الإمامية في تكفير غيرهم من المسلمين، وفي هذه المرّة خصّ بهم الجماعات المبتدعة في الدين؛ إذ إنّه لا يرى الابتداع بجميع صوره المنهي عنه _ كما يظهر من كلامه _ يوجب الحكم بكفره وخروجه

ص 247

عن الدين؛ وذلك دفاعاً منه عن بعض المبتدعين، وهو في الدين ابتداع منهي عنه، فموقفه لم يكن كما يبدو لنا من لحن كلامه أنّه كان خاضعاً للدليل الشرعي في نفي التكفير عن هؤلاء، وإنّما هو مجرد الدفاع عن هؤلاء الذين تراهم الإمامية خارجين عن الدين الحقّ بإدخال ما ليس من الدين في الدين باسم الشريعة الإسلاميّة، والحكم بإلزام الأمّة بوجوب العمل به، وهو منهي عنه بصريح القرآن والسنّة النبويّة الش_ريفة، كما سيأتي تفصيله بعد قليل، وبيان آراء علماء المسلمين فيه، وأنّ الحكم بتكفير أصحاب هذا النوع من الابتداع في الشريعة غير مختص بالإمامية.

فهذه المحاولة من الدمشقية ليست هي الأولى له ولشيوخه وأتباع حركته في اتّهام الإمامية في الخروج عن إجماع المسلمين، وإن كانت هذه الأقوال والاتّهامات مخالفة للواقع الخارجي، كما مرّ علينا في مسألة تكفير الشيعة الإمامية للناصبي، وكيف أنّ الدمشقية اعتبر ذلك خاص بها دون سائر المذاهب الإسلامية الأخرى؛ تضليلاً للأمّة وتكذيباً لعلمائها، وبعد أن رجعنا إلى فتاوى علماء أهل السنّة وجدناها متفقة تمام الاتّفاق مع علماء الإمامية في تنجيس وتكفير الناصبي المعادي للإمام علي، فنقلنا للقارئ العزيز بعض هذه الأقوال والفتاوى والآراء لكبار علماء المسلمين على مختلف مذاهبهم وأطيافهم، وكيف أنّهم اعتبروا النصب يوجب إيذاء النبي9 وإيذاءه يوجب حلول الغضب وإنزال العقاب الإلهي على الناصبي، كلّ ذلك لأجل تبرير مواقفهم المعادية ومواقف أسيادهم من بني أمية طوال تاريخ حكمهم، وما عاناه أهل البيت: وشيعتهم من هؤلاء النواصب، فلو لم يكن في تاريخ بني أمية إلّا قتل الإمام الحسين وأهل بيته: وسبي حرم آل النبي من العراق إلى الشام، لكفى عاراً وشناراً عليهم، كيف وقد تجاوزوا بعد ذلك جميع الأحكام والقوانين الش_رعية في ملاحقة وقتل الأبرياء من آل النبي: وأتباعهم من شيعتهم الخالصين، والتاريخ شاهد على ذلك، واليوم تحاول هذه الحركة التكفيرية الوهابية إكمال هذه المسيرة بقتلهم الأبرياء وانتهاك الحرمات وهدم المقدّسات وطمس جميع المعالم الدينية التي تربط حاضر الأمّة بماضيها، وغيرها من الجرائم البشعة التي ارتكبوها بحقّ أبناء هذه الأمّة باسم الدفاع عن الإسلام والتوحيد، وهي

ص 248

كلمة حقّ أريد بها باطل.

ولكن المؤسف هو أنّك تجد أحداً يدّعي أنّه عالم في الدين وفقيه فيه من أتباع الحركة التكفيرية الإرهابية، يتجاهل كلّ هذه الأقوال والفتاوى والمواقف لجميع المذاهب الإسلامية بما فيها المذهب الحنبلي _ الذي يدّعي الوهابي الانتماء إليه، في الوقت الذي لا يُقرّون بصحة هذا الارتباط والانتماء، كما يظهر من مواقفهم المتمثّلة بالتنكّر والمعارضة الأولى لسليمان بن عبدالوهاب الحنبلي لأخيه مؤسس وزعيم هذه الحركة التكفيرية محمّد عبدالوهاب، ثم تلتها مواقف من علماء الحنابلة شبيهة لهذا الموقف في البراءة عن كلّ ما يفعله هؤلاء من جرائم واتّهامات بالتكفير والشرك وغيرها _ في مسألة الابتداع بمعناه الخاصّ، أي: بمعنى إدخال ما ليس من الدين في الدين، على أن يلزم العمل بهذه البدعة على نحو الوجوب تارة وعلى نحو الاستحباب تارة أخرى، كما سنوضّح ذلك هنا؛ حتّى نزيل بذلك الالتباس عن طلّاب الحقيقة، وكيف أنّ المسألة غير مختصة بالإمامية كما ادّعى ذلك الدمشقية، بغضاً لها وحقداً عليها.

وعليه فينبغي دراسة هذه المسألة دراسة تفصيلية للمغالطة التي استخدمت فيها كأسلوب من أساليب التمويه على الحقيقة، ولذا سيكون البحث فيها عن بيان عدّة مطالب:

البحث الأول بيان معنى البدعة

الأمر الأول: البدعة لغة

ص 249

البحث الأول بيان معنى البدعة

الأمر الأول: البدعة لغة

قال الفراهيدي:

البدع: إحداث شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة.... والبدع: الشيء

الذي يكون أوّلاً في كلّ أمر، كما قال الله عزّ وجل: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ

الرُّسُلِ) [الأحقاف:9]، أي: لست بأوّل مرسل.... والبدعة: اسم ما ابتدع من

الدين وغيره... والبدعة: ما استحدثت بعد رسول الله من أهواء وأعمال، ويجمع على البدع(1).

وقال الجوهري: «أبدعت الشيء: اخترعته لا على مثال. والله تعالى بديع السماوات والأرض.... والبدعة: الحدث في الدين بعد الإكمال»(2).

وقال ابن منظور: «البدعة: الحدث، وما ابتدع من الدين بعد الإكمال. ابن السكيت: البدعة كلّ محدثة. وفي حديث عمر، في قيام رمضان: نعمت البدعة هذه»(3).


1- كتاب العين، ج2، ص55.
2- الصحاح، ج3، صص1183 و1184.
3- لسان العرب، ج8، ص6.

ص 250

وقول الراغب: «والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدّمة وأصولها المتقنة»(1).

وقول الفيروزآبادي: «البدعة الحدث في الدين بعد الإكمال، أو ما استحدث بعد النبي من الأهواء والأعمال»(2).

وعليه فالأصل في البدع هو إحداث أمر لم يكن له من قبل سابق مثله، ثمّ عدّ كلّ محدث في الدين بدعة فيه.

الأمر الثاني: البدعة في الاصطلاح
1- تعريف البدعة عند علماء الإمامية

الأمر الثاني: البدعة في الاصطلاح

1- تعريف البدعة عند علماء الإمامية

لقد عرّفها فقهاء الإمامية بأنّها عبارة عن إدخال ما ليس من الدين في الدين.

قال السيّد المرتض_ى: «البدعة: الزيادة في الدين أو نقصان منه من إسناد إلى

الدين»(3).

أقول: يستفاد من هذا القول إنّ البدعة هي كلّ ما ليس مأموراً به وأُدخل في الدين بما يوجب زيادة عن الدين، سواء كان منهياً عنه أو لم يكن منهياً عنه، بش_رط أن تكون هذه الزيادة في الدين بعنوان التشريع فيه ملزماً بنحو الوجوب أو الاستحباب، إذ ما لم يكن بعنوان التشريع لا يكون فيه زيادة في الدين، وإنّما الزيادة في الدين تتحقق بإضفاء صفة الشرعية على الأمر المستحدث فيه، وسيأتي في تعريف علماء السنّة أنّهم يعدّون مثل هذا من بدع الضلالة، وكلّ ما يوجب الضلال محرّم، ويدخل صاحبه النار.

أمّا بالنسبة للنقيصة فقد يكون الأمر مأموراً به من قبل الشارع المقدّس، وقام المبتدع بمنعه وتحريمه على المكلّفين بنحو التشريع، وهذا مما يوجب نقصاً في التش_ريع، وطبيعي أنّ


1- مفردات غريب القرآن، ص39.
2- القاموس المحيط، ج3، ص4.
3- رسائل المرتضى، ج2، ص365.

ص 251

مثل ذلك لو لم يكن لله تعالى فيه غرض يوجب تكميل الفرد لما أمر به وشرّعه، فتشريعه يدلّ على وجود غرض فيه، فتعطيل العمل به يوجب تفويت هذا الغرض على المكلّف، وهو مخالفة لمقتضى الحكمة الإلهية، فمن هذا الوجه يرى علماء الإسلام الابتداع بما يوجب النقص في الدين تشريعاً، وهو محرّم.

وقد أفتى العلّامة في المختلف بحرمة كلّ بدعة توجد زيادة أو نقيصة في الدين، حيث قال: «إنّ الأذان عبادة متلقاة من الش_رع، فالزيادة عليها بدعة كالنقصان، وكلّ بدعة حرام»(1).

وقال السيّد محسن الأمين:

البدعة: إدخال ما ليس من الدين في الدين، ولا يحتاج تحريمها إلى دليل خاص؛ لحكم العقل بعدم جواز الزيادة على أحكام الله تعالى ولا التنقيص منها: لاختصاص ذلك به تعالى وبأنبيائه الذين لا يصدرون إلّا عن أمره، مع أنّه قد ورد النص بأنّ كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار.

وأمّا تشخيصها فهو مما يقع فيه الاشتباه، فكم بدعة عدّت سنّة وبالعكس؟! وسبب الاشتباه إمّا خطأ في الدليل المستدل به على أنّ ذلك من الشرع أو ليس منه، أو تقليد من سنّها لحسن الظن به مع أنّه مبدع، أو توهم أنّه لا بدّ من ورود النص بها بالخصوص مع دخولها في عمومه أو إطلاقه كما وقع في زماننا من بعض المتشددين فقالوا: إنّ القيام عند ذكر ولادة النبي بدعة؛ لعدم ورود النص به، والحال أنّه يكفي فيه عموم ما فهم من الشرع من لزوم احترام النبي ورجحان تعظيمه حياً وميتاً بكلّ أنواع الاحترام التي لم ينص الشرع على تحريمها.

ثمّ البدعة لا تكون بدعة إلّا إذا فعلت بعنوان أنّها من الدين، فما قاله بعضهم من أنّ ما اصطلح عليه بعض المسلمين في هذه الأعصار من ترك الأعمال يوم الجمعة بدعة؛ لأنّه لم


1- مختلف الشيعة، ج2، ص131.

ص 252

ينص الشرع على ذلك، بل أمر بالعمل بعد قضاء صلاة الجمعة اشتباه؛ لأنّ الترك هنا بعنوان الراحة أو بعنوان مصلحة أخرى دينية(1).

والحاصل من جميع ذلك أنّ البدعة المحرّمة لا تكون بدعة إلّا إذا استلزمت إدخال ما ليس من الدين في الدين، أو إخراج ما كان من الدين بما يوجب نقيصة فيه، هذا ما خصَّ به علماء الشيعة الإمامية في تعريف البدعة المحرّمة، وأنّها واحدة مادامت حقيقتها تقتض_ي هذا الأمر؛ لأنّ ذلك يستلزم الكذب على الله تعالى، والتصرّف في الشرع المقدّس بدون إذن الله تعالى، وهو محرّم.

2- تعريف البدعة عند علماء السن_ّة

وقال الشاطبي: «البدعة: طريقة في الدين مخترعة، تضاهي الش_رعية، يقصد بالسلوك عليها ما يقصد بالطريقة الش_رعية»(2). ويعني بذلك أنّ صاحب البدعة يضاهي ببدعته التشريع الإلهي غير المأذون به، وإلّا لما كان مضاهياً بذلك للشرع المقدّس وفي عرضه.

وقال صاحب كتاب أحسن الكلام: «البدعة الشرعية هي التي تكون ضلالة»(3). ويعني بذلك البدعة المتعلّقة بأمر ديني التي توجب زيادة أو نقصاً بلا فرق، حيث وصفها بوصف الشرعية، ثمّ قال عنها بأنّها ضلالة.

وبهذا ينقض ما قيل في تلك البدعة: ونعمت البدعة هذه.

وقال ابن رجب الحنبلي: «المراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الش_ريعة يدلّ عليه، وأمّا ما كان له أصل من الشرع يدلّ عليه فليس ببدعة شرعاً وإن كان بدعة لغة»(4).

وهذا هو المهم؛ لأنّ ما كان له أصل في الشريعة لا يسمّى بدعة؛ لأنّ مثل يقال له: اجتهاد وليس ابتداع وإدخال أو إخراج شيء عن الدين كما هو مفاد البدعة؛ لأنّها توجب ضلال الأمّة وتبعدها عن صراطها المستقيم، وعليه فإنّ البدعة لا تكون بدعة في نظر الشارع


1- كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهاب، ص103.
2- الاعتصام، للشاطبي، ج1، ص37.
3- أحسن الكلام، ص6.
4- جامع العلوم الحكم، ص160.

ص 253

وتوجب الضلال إلّا إذا كانت تتصف بهذه الصفة: أنّها لا أصل لها من الش_رع، وإنّما يكون أصلها إمّا اتّباع الهوى، أو جهل لحقّ بصاحبها، أو كذباً على الله تعالى ورسوله، فكلّ ما ليس له أصل من الشرع فهو بدعة شرعية بنظر أهل السنّة والإمامية، أمّا لماذا لا يكفر أهل السنّة بعض المبتدعين وتكفرهم الشيعة الإمامية؟ فذلك راجع إلى حجّتهم في الدفاع عن أولئك المبتدعين في الدين!

وقال ابن حجر العسقلاني: «ما أحدث وليس له أصل في الشرع ويسمّى في عرف الش_رع بدعة، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع فليس ببدعة»(1).

وفي موضع آخر يقول:

(المحدثات جمع محدثة)، والمراد بها، أي: في حديث (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ )(2)، ما أحدث وليس له أصل في الشرع يسمّى في عرف الشرع بدعة، وما كان له أصل يدلّ عليه الشرع فليس ببدعة(3).

وقال الغزالي:

وما يقال: إنّه أبدع بعد رسول الله، فليس كلّ ما أبدع منهيّاً، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنّة ثابتة(4)، وترفع أمراً من الشرع مع بقاء علّته، بل الإبداع قد يجب في بعض الأحوال إذا تغيّرت الأسباب(5).


1- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 13، ص 212.
2- البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، للسبحاني، ص25.
3- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج13، ص212.
4- من قبيل تحريم متعتا الحج والنساء من قبل عمر بن الخطاب، اللتان كانتا ثابتان في زمن النبي وأبي بكر، بشهادة عمر بنفسه كما روى أحمد في مسنده عن أبي نضرة قال: قلت لجابر بن عبدالله إن ابن الزبير رضي الله عنه ينهى عن المتعة، وان ابن عباس يأمر بها قال: فقال لي على يدي جرى الحديث تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عفان ومع أبي بكر فلما ولى عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال إن القرآن هو القرآن وان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الرسول وانهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء. مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص52. السنن الكبرى للبيهقي، ج7، ص206.
5- إحياء علوم الدين، محمّد بن محمّد أبو حامد الغزالي، ج 2، ص 3، ط الحلبي.

ص 254

وقال الشيخ عبدالحقّ الدهلوي في شرح المشكاة: «اعلم أنّ كلّ ما ظهر بعد رسول الله بدعة، وكلّ ما وافق أصول سنّته وقواعدها أو قيس عليها فهو بدعة حسنة، وكلّ ما خالفها فهو بدعة سيّئة وضلالة»(1).

قال ابن حزم:

البدعة: كلّ ما قيل أو فعل مما ليس له أصل فيما نسب إليه صلى الله عليه وسلم، وهو في الدين كلّ ما لم يأت في القرآن، ولا عن رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم إلّا أنّ منها ما يؤجر عليه صاحبه، ويعذر بما قصد إليه من الخير، ومنها ما يؤجر عليه صاحبه ويكون حسنا، وهو ما كان أصله الإباحة كما روي عن عمر: نعمت البدعة هذه، وهو ما كان فعل خير جاء النص بعموم استحبابه وإن لم يقرر عمله في النص. ومنها ما يكون مذموماً ولا يعذر صاحبه، وهو ما قامت به الحجّة على فساده فتمادى عليه القائل به(2).

البحث الثاني أدلة تحريم البدعة

الدليل الأول: القرآن الكريم

1- نقلاً: الكشاف لاصطلاحات الفنون كما في البدعة، الدكتور عزت، ص162.
2- الأحكام، ج1، ص43.

ص 255

البحث الثاني أدلة تحريم البدعة

الدليل الأول: القرآن الكريم

لقد ورد في القرآن الكريم ما يذم الابتداع وينهى عنه نهياً تحريمياً؛ وذلك لأنها تستلزم الكذب والافتراء على الله تعالى ورسوله، مضافاً إلى كونها تص_رّفاً وتدخل في الش_رع المقدّس بلا إذن من الله ورسوله، ومن جملة الآيات التي حرّمت ذلك، هي:

قوله تعالى: (قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) [يونس:59] فإن هذه الآية تدلّ على أنّ كلّ ما ينسب إلى الله سبحانه بلا إذن منه فهو أمر محرّم، ومن أدخل في الدين ما ليس منه فقد افترى على الله.

وقوله عزّوجل: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [الأنعام:144].

وقوله تعالى: (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [يونس:15].

وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الحجرات:1].

وقوله سبحانه: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ

ص 256

أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 37].

وقوله تعالى: ¬(وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام:153].

على أنّ البدعة ليست خصوص الإفتاء بما خالف الكتاب والسنّة، بل هي أعم من ذلك، فهي تشمل إدخال ما لم يرد في الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة، بأن سكت عنه الشارع نفياً وإثباتاً.

الدليل الثاني: السنة الشريفة

وردت روايات كثيرة تفوق حدّ الاستفاضة في النهي عن الابتداع في الدين بما يوجب تحريمه؛ لأنّه يوجب ضلال الأمّة، وأنّه من نوع الكذب على الله تعالى ونبيّه الأكرم محمّد9، ومن جملة تلك الروايات الواردة في المقام ما يلي:

1. قال رسول الله: «أمّا بعد فإنّ أصدق الحديث كتاب الله، وإنّ أفضل الهدى هدى محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلّ بدعة ضلالة في النار»(1).

2. وعنه: «إيّاكم والبدع فإنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة تسير إلى النار»(2).

3. وعنه: «من سنّ سنّة خير فأتبع عليها فله أجره، ومثل أجور من اتّبعه غير منقوص من أجورهم شيئا، ومن سنّ سنّة شرّ فأتبع عليها كان عليه وزره ومثل أوزار من اتّبعه غير منقوص من أوزارهم شيئا»(3).

4. وعنه: «أهل البدع شرّ الخلق والخليقة»(4).

5. وعنه: «الأمر المفضع والحمل المضلع والشرّ الذي لا ينقطع إظهار البدع»(5).


1- مسند أحمد، ج3، ص311؛ سنن الدارمي، ج1، ص69.
2- كنز العمال، المتقي الهندي، ج1، ص221.
3- سنن الترمذي، ج4، ص149؛ المعجم الأوسط، ج4، ص94.
4- المعجم الأوسط، ج4، ص196؛ الجامع الصغير، ج1، ص423.
5- الآحاد والمثاني، للضحاك، ج4، ص375؛ المعجم الكبير، ج3، ص219.

ص 257

6. وعنه: «أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتّى يدع بدعته»(1).

7. وعنه: «من مشى إلى صاحب بدعة فقد أعان على هدم الإسلام»(2).

8. وعنه: «عمل قليل في سنّة خير من عمل كثير في بدعة»(3).

9. وعنه: «إذا مات صاحب بدعة فقد فتح في الإسلام فتح»(4).

10. وعنه: «لا يقبل الله لصاحب بدعة صلاة ولا صوما ولا صدقة ولا حجّاً ولا عمرة ولا جهاداً ولا صرفاً ولا عدلاً، يخرج من الإسلام كما تخرج الشعرة من العجين»(5).

11. وعنه:

من أعرض عن صاحب بدعة بغضاً له ملأ الله قلبه أمنا وإيماناً، ومن انتهر صاحب بدعة آمنه الله يوم الفزع الأكبر، ومن أهان صاحب بدعة رفعه الله في الجنّة مائة درجة، ومن سلّم على صاحب بدعة أو لقيه بالبشر واستقبله بما يسرّه فقد استخفّ بما أنزل الله على محمّد (6).

12. عن قيس بن عبادة قال:

انطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله شيئاً لم يعهده إلى النّاس عامّة؟ قال: «لا إلّا ما في كتابي هذا، فأخرج كتابا من قراب سيفه فإذا فيه: المؤمنون تتكافأ دماؤهم، وهم يد على من سواهم، ويسعى بذمّتهم أدناهم، ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده، من أحدث حدثاً فعلى نفسه، ومن أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل»(7).

وقال الحاكم النيسابوري: «هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه»(8).


1- الجامع الصغير، ج1، ص10.
2- المعجم الأوسط، ج7، ص35.
3- المصنف، ج11، ص291؛ مسند الشهاب، ج2، ص239.
4- الجامع الصغير، السيوطي، ج1، ص131.
5- فيض القدير شرح الجامع الصغير، ج1، ص97.
6- كنز العمال، المتقي الهندي، ج3، ص82.
7- مسند أحمد بن حنبل، ج1، ص119.
8- المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، ج2، ص141.

ص 258

وعنه: «من غشّ أمّتي فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، قالوا: يا رسول الله، وما الغش؟ قال: أن يبتدع لهم بدعة فيعملوا بها»(1).

والحاصل أنّ البدعة في الدين ما أوجب كونها جزءاً من أجزائه بالتشريع لها، ولم تكن مشرّعة قبل ذلك من قبل الله تعالى ورسوله، فهي محرّمة؛ لما جاء في بيانها عن النبي الروايات التي نقلناها عنه، حيث وجدناه في بعض يعتبرها نوعاً من الكذب المحرم على الله تعالى ورسوله، وفي أخرى يعتبرها نوعاً من الخيانة والغش للأمّة الإسلاميّة، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل.

الدليل الثالث: الإجماع

علاوة على ما جاء في تحريمها في الكتاب والسنّة الشريفة ذكر بعضهم كالشاطبي دعوى الإجماع على أنّها محرّمة، حيث قال: «إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم على ذمّها كذلك، وتقبيحها والهروب عنها _ إلى أن قال: _ فهو بحسب الاستقراء، إجماع ثابت، فدلّ على أنّ كلّ بدعة ليست بحق، بل هي من الباطل»(2).

وقد ادّعى الشيخ المفيد اتّفاق الإمامية، حيث قال: «اتفقت الإمامية على أنّ أصحاب البدع كلّهم كفار، وأنّ على الإمام أن يستتيبهم عند التمكّن بعد الدعوة لهم وإقامة البيّنات عليهم، فإن تابوا عن بدعهم وصاروا إلى الصواب، وإلّا قتلهم لرددتهم عن الإيمان، وأنّ من مات منهم على تلك البدعة فهو من أهل النار»(3).

الدليل الرابع: العقل

كذلك العقل حاكم بقبحها؛ لأنّها نوع من أنواع الكذب على الشارع المقدّس؛ وذلك


1- كنز العمال، ج1، ص222.
2- الاعتصام، الشاطبي، ج1، ص114.
3- أوائل المقالات، ص49.

ص 259

لعدم وجود أصل لها عنده، والعقل إذا حكم بقبح الكذب، حكم بطريق أولى بقبحه الافتراء على الله تعالى.

قال الشاطبي مستدلّاً على تحريمها بالعقل:

إنّ متعقل البدعة يقتضي ذلك بنفسه؛ لأنّه من باب مضادة الشارع وإطراح الشرع، وكلّ ما كان بهذه المثابة فمحال أن ينقسم إلى حسن وقبيح، وأن يكون منه ما يمدح ومنه ما يذم؛ إذ لا يصح في معقول ولا منقول استحسان مشاقة الشارع(1).

البحث الثالث بيان أقسام البدعة

التقسيم الأول: بدعة شرعية بلحاظ موافقتها للشريعة أو مخالفتها لها

1- الاعتصام، الشاطبي، ج1، ص142.

ص: 260

ص 261

البحث الثالث بيان أقسام البدعة

لقد ذكرت للبدعة أقسام متعددة، بعضها صحيحة لا تضاد الشرع المقدّس، وأخرى باطلة لمخالفتها للشرع، حتّى مع ادّعاء صاحبها أنّه لا يهدف بذلك إلى مخالفة الشرع بقدر ما يريد من هذه البدعة تحقيق مصلحة تعود على الأمّة؛ لأنّ المعيار في صحة هذه البدع وعدمها هو مضادة شرع الله ورسوله، أم عدم مضادتها له، وإليك ما جاء في هذا البحث:

التقسيم الأول: بدعة شرعية بلحاظ موافقتها للشريعة أو مخالفتها لها

1- روى الحافظ ابن نعيم الأصفهاني، بسنده عن حرملة بن يحيى قال: سمعت محمّد بن إدريس الشافعي يقول: «البدعة بدعتان: بدعة محمودة وبدعة مذمومة، فما وافق السنة فهو محمود، وما خالف السنّة فهو مذموم»(1).

وقال أيضاً: «المحدثات من الأمور ضربان: أحدهما يخالف كتاباً أو سنّة أو إجماعاً أو أثراً، فهذه بدعة الضلال. والثاني: ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا، فهي محدثة غير مذمومة»(2).


1- حلية الأولياء، ج 9، ص 113؛ جامع العلوم والحكم، ج 1، ص267.
2- اُنظر: فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج 13، ص 213.

ص 262

2- قال ابن الأثير:

البدعة بدعتان: بدعة هدى، وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله9 فهو في حيّز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحثّ عليه الله أو رسوله فهو في حيّز المدح. وما لم يكن له مثال موجود، كنوع من الجود والسخاء وفعل المعروف، فهو من الأفعال المحمودة، ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به؛ لأنّ النبي قد جعل له في ذلك ثواباً، فقال: (من سنّ سنّة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها) وقال في ضده: (ومن سنّ سنّة سيّئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها) وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله(1).

ثمّ عدّ ما جاء به عمر من تشريع صلاة التراويح التي يعمل بها إلى يومنا هذا من أقسام بدعة الهدى، حيث قال:

ومن هذا النوع قول عمر: (نعمت البدعة هذه) لمّا كانت من أفعال الخير وداخلة في حيّز المدح سمّاها بدعة ومدحها، إلّا أنّ النبي[صلى الله عليه وآله] لم يسنّها لهم، وإنّما صلّاها ليالي. ثمّ تركها ولم يحافظ عليها، ولا جمع الناس لها، ولا كانت في زمن أبي بكر، وإنّما عمر جمع الناس عليها وندبهم إليها، فبهذا سماها بدعة، وهي على الحقيقة سنّة؛ لقوله [صلى الله عليه وآله]: (عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي)، وقوله: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر) وعلى هذا التأويل يحمل الحديث الآخر: (كلّ محدثة بدعة) إنّما يريد ما خالف أصول الشريعة ولم يوافق السنّة. وأكثر ما يستعمل المبتدع عرفاً في الذم(2).

ويرد عليه:

أولاً: أنّه على فرض صحة ثبوت ما استدل به من الأحاديث، فهي كما قالوا عنها:

ليس المراد بسنّة الخلفاء الراشدين إلا طريقتهم الموافقة لطريقته صلى الله عليه [وآله] وسلم، قال القاري في المرقاة: فعليكم بسنّتي، أي: بطريقتي الثابتة عنّي واجباً أو مندوباً،


1- النهاية في غريب الحديث، ج1، ص106.
2- المصدر السابق، ص107.

ص 263

وسنّة الخلفاء الراشدين فإنّهم لم يعملوا إلّا بسنّتي فالإضافة إليهم إمّا لعملهم بها، أو لاستنباطهم واختيارهم إيّاها(1).

وهي واضحة في اشتراط النبي بعدم مخالفة سنّة الخلفاء لسنّته، وتحريم المتعتين صريح في مخالفة سنّة النبي.

ثانياً: أنّ الالتزام بما جاء به من الأحاديث يوجب أن يكون كلّ من أبي بكر وعمر معصومين، وإلّا كيف يأمر النبي أمّته بوجوب الاقتداء بعده من لا يأمن معهما الاشتباه والخطأ، والواقع يكذّب ذلك، فما أكثر أخطاءهم في الدين فضلاً عن غيره، كما أنّ الغزالي قد أبطال حجّة من يقول بحجيّة قول الصحابي، بقوله:

الأصل الثاني: من الأصول الموهومة قول الصحابي، وقد ذهب قوم إلى أنّ مذهب الصحابي حجّة مطلقاً، وقوم إلى أنّه حجّة إنّ خالف القياس، وقوم إلى أنّ الحجة في قول أبي بكر وعمر خاصّة لقوله: اقتدوا باللذين من بعدي، وقوم إلى أنّ الحجّة في قول الخلفاء الراشدين إذا اتّفقوا، والكلّ باطل عندنا، فإنّ من يجوز عليه الغلط والسهو، ولم تثبت عصمته عنه فلا حجّة في قوله، فكيف يحتج بقولهم مع جواز الخطأ؟! وكيف تدّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة؟! وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف؟! وكيف يختلف المعصومان؟! كيف وقد اتّفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كلّ مجتهد أن يتبع اجتهاد نفسه، فانتفاء الدليل على العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم، فيه ثلاثة أدلة قاطعة(2).

ثالثاً: أنّك لم تذكر دليلاً على أنّ (صلاة التراويح) كانت في زمن النبي، وأنّ النبي كان يفعلها ثم تركها.

رابعاً: أنّ النسبة إلى النبي بأنّه فعلها ثمّ تركها، فالترك إمّا أن يكون بأمر من السماء فيحرم


1- تحفة الأحوذي، المباركفوري، ج3، ص40.
2- المستصفى، الغزالي، ص168.

ص 264

بعد ذلك من يأتي بها، إمّا أنّه بلا أمر من السماء بتركها، مع بقاء الأمر باستحبابها، وهذا يعني أنّ النبي يأمر الناس ويدعوهم إلى العمل بالمستحبات والمندوبات، ولكنه بنفسه لا يعمل بها، وهو بذلك يخالف مقام النبوة في الوقت الذي لم يعد عنده مخالفة لما أمر به وجوباً أو ندباً، بل يستلزم مخالفة هذا الأمر لما أمر الله تعالى به الناس من الاقتداء به، وأنّه الأسوة الحسنة لهم في كلّ شيء.

خامساً: ما رووه عن عمر بن الخطاب أنّه بعد ما رأى أنّ أبي بن كعب أقام صلاة التراويح جماعة وصف ذلك الفعل بالبدعة الحسنة؛ ولذلك اعتبر ما جاء به بدعة مستحدثة، وهذا يدلّ أنّه لم يكن في زمن النبي وأبي بكر

علاوة على ذلك أنّ عمر يعي ويعلم ما يقول من ألفاظ وما لها من المعاني، فالتبرير له على أنّه قال ذلك على وجه المجاز لا الحقيقة، بعيد جدّاً، وعليه بدعة في الدين وزيادة فيه بعنوان التشريع، وهو منهي عنه.

3- قال النووي في شرح صحيح مسلم:

البدعة على خمسة أقسام: واجبة ومندوبة ومحرّمة ومكروهة ومباحة، ومن الواجبة: نظم أدلة المتكلّمين للردّ على الملاحدة والمبتدعين وشبه ذلك، ومن المندوبة: تصنيف كتب العلم وبناء المدارس والربط وغير ذلك، ومن المباحة: التبسط في ألوان الأطعمة، وغير ذلك والحرام والمكروه ظاهران(1).

ويرد عليه:

إنّ علماءنا قد أشكلوا على ما ذكر في تقسيم البدعة إلى قسمين (بدعة هدى، وأخرى ضلال)، فضلاً عن تقسيمها إلى خمسة بعدد الأحكام، كما جاء في تقسيم النووي المتقدّم، من أنّه لا معنى أن تكون البدعة ملزمة لتش_ريع في الدين بما يوجب الزيادة فيه كالأمر بأداء فعل وتكليف لم يثبت بدليل شرعي، ولكن المبتدع يرى أنّ فيه مصلحة للأمّة، وعندها يلزم الأمّة بالإتيان به على نحو الوجوب أو الاستحباب، أو أنّها تقتضي النقص، كما في النهي والتحريم


1- شرح صحيح مسلم، ج6، ص155.

ص 265

عن أمر دعت إليه الش_ريعة وعملت الأمّة به، ثمّ يأتي المبتدع فيحرّم ذلك؛ لأنّه يرى فيه مفسدة على الأمّة، فمن باب حرصه الشديد على الأمّة يقوم بتحريمها والمعاقبة عليها، ومع ذلك نقول: إنّ هذه البدعة حسنة!!

قال الشيخ السبحاني:

لكن هذا التقسيم باطل لو أريد منه البدعة بمعناها المصطلح عند الفقهاء، أي: (إدخال ما ليس من الدين في الدين)، وهذا المعنى ليس إلّا قسماً واحداً، وهو محرّم بالكتاب والسنّة والعقل والإجماع إلى يوم القيامة، ولا يسوغها شيء قط، ولا مبرر لتقسيمها إلى البدعة الحسنة والبدعة السيئة ما دامت من باب إدخال ما ليس من الدين في الدين(1).

التقسيم الثاني: بلحاظ كونها توجب تشريعاً في الدين أو لا توجب ذلك

ذهب علماء الإمامية بعد الردّ على من قال بممدوحية بعض أنواع البدع مع إيجابها للتشريع في الدين _ أي: إدخال ما ليس من الدين في الدين، وذلك من خلال دعوة الناس إلى العمل بأمر لم يأمر به الشارع المقدس، على أن يكون هذا الأمر بعد ذلك سنّة كسنّة النبي9، أو ينهى عن أمر أمرت به الشريعة المقدّسة على نحو الوجوب أو الاستحباب _ إلى أنّ كلّ ما يوجب نقصاً أو زيادة في الدين تشريعاً فهو بدعة محرّمة محكومة بالضلال المنهي عنه، وأمّا ما لا يوجب ذلك فلا دليل على تحريمه، بل قد يكون العمل به يوجب المدح لفاعله من قبل العقلاء، أو على الأقل يكون حاله كحال الكثير من المباحات، ومن هذا الوجه قاموا بتقسيم البدعة إلى قسمين:

الأوّل: ما يتعلّق أمرها بإدخال ما ليس من الدين في الدين، زيادة أو نقصاً.

الثاني: ما يتعلّق أمرها بالأمور المباحة، كالأعراف الاجتماعية والرسوم والآداب في التعبير عن الحزن أو الفرح والسرور ونحوهما؛ لأنّ الإتيان بهذه الأمور من دون الاسناد إلى الدين بما يوجب نقصاً أو زيادة فيه، ولم يكن محرّماً بالذات شرعاً كان بدعة حسنة بلحاظ كيفية تطوّر هذه الآداب والرسوم بما يوافق العقل والعقلاء، وكونه عملاً حضارياً يخبر عن


1- في ظل أصول الإسلام، ص60.

ص 266

طبيعة تكامل الإنسان في مختلف أبعاده الحياتية، من قبيل ما إذا احتفل الشعب بيوم استقلاله، أو تجمّع للبراءة من أعدائه، أو أقام الأفراح لمولد بطل من أبطاله، أو ما هو معهود ومرسوم بين الملوك والرؤساء بأن يبرق كلّ إلى الآخر بمناسبة عيد الاستقلال الوطني، أو ولادة الرئيس إظهاراً للفرح، وتجسيداً للتوادد المحمود عقلاً.

فما دام أنّ مثل هذه الآداب والرسوم الخاصّة والمشتركة بين الشعوب لم ينهى عنها الشارع المقدّس، أو لم تعارض وتضاد بعض الأحكام الشرعية، فإنّها تبقى على إباحتها، يحقّ لكلّ أحد أن يقوم بها بحسب ما تقتضيه المصلحة بما لا يوجب فساداً وتجاوزاً على حقوق الآخرين وتعدّي القوانين والأعراف الاجتماعية والآداب الأخلاقية، وعليه فلا مانع من أن تتفق أمّة على أدب معيّن وتتخذه عادة وتقليداً متّبعاً في إحياء مناسباتها الدينية أو الوطنية.

وعليه تبقى السنّة المحرّمة هي تلك السنّة التي توجب إدخال ما ليس من الدين في الدين بما يوجب زيادة أو نقيصة، أو استحداث عمل يخالف المنهي عنه، فمثل ذلك يكون محرّماً من قبيل: استحداث مسابقة ملكةُ جمال العالم، التي توجب على الفتاة الخروج عارية، كاشفة لجميع مفاتن بدنها أمام الرجال الأجانب، أو استحداث قيام المرأة باستقبال الضيف في البيت أو في المناسبات الخاصّة وهي في غاية التبرّج والسفور، ونحوها، فهذا مما نهى عنه الشارع المقدّس؛ لأنّه يوجب انتهاك وهتك حرمة هذه المرأة، ويوقعها في المخالفة الش_رعية، التي توجب لعنها وطردها من رحمة الله تعالى، وسقوط كرامتها وشخصيتها في المجتمع الإنساني من دون أن تشعر هي بذلك، بل يجعلها في معرض التجاوز عليها، فهذه الحرمة ليست من باب كون هذا الفعل بدعة، بل من باب كونه حراماً بالذات شرعاً، قال الشيخ السبحاني:

فلا ينطبق عليه عنوان شرّ الأمور محدثاتها؛ لأنّ للبدعة قسماً واحداً، وهو (إدخال ما ليس من الدين في الدين) وهو المعنى بأحاديث تحريم البدعة ليس غير، والمورد الأخير ليس من قبيل إدخال ما ليس من الدين في الدين، بل من باب الإتيان بشيء حرام بالذات، والفرق بين البابين واضح(1).


1- في ظلّ أصول الإسلام، ص61.

ص 267

وقال الشهيد السعيد محمّد بن مكي العاملي: «محدثات الأمور بعد عهد النبي تنقسم أقساما، لا يطلق اسم البدعة عندنا إلّا على ما هو محرّم منها»(1).

وقال المجلسي:

البدعة في الشرع: ما حدث بعد الرسول ولم يرد فيه نص على الخصوص، ولا يكون داخلاً في بعض العمومات، أو ورد نهي عنه خصوصاً أو عموماً، فلا تشمل البدعة ما دخل في العمومات مثل بناء المدارس وأمثالها، الداخلة في عمومات إيواء المؤمنين وإسكانهم وإعانتهم، وكإنشاء بعض الكتب العلمية، والتصانيف التي لها مدخل في العلوم الشرعية، وكالألبسة التي لم تكن في عهد الرسول9 والأطعمة المحدثة، فإنّها داخلة في عمومات الحلية، ولم يرد فيها نهي. وما يفعل منها على وجه العموم إذا قصد كونها مطلوبة على الخصوص كان بدعة، كما أنّ الصلاة خير موضوع ويستحب فعلها في كلّ وقت، ولو عين ركعات مخصوصة على وجه مخصوص في وقت معيّن صارت بدعة، وكما إذا عيّن أحد سبعين تهليلة في وقت مخصوص على أنّها مطلوبة للشارع في خصوص هذا الوقت بلا نص ورد فيها كانت بدعة، وبالجملة إحداث أمر في الشريعة لم يرد فيه نص بدعة، سواء كانت أصلها مبتدعة أو خصوصيتها مبتدعة(2).

وقال المحدّث البحراني:

الظاهر المتبادر من البدعة لا سيما بالنسبة إلى العبادات إنّما هو المحرّم؛ ولما رواه الشيخ الطوسي عن زرارة ومحمد بن مسلم والفضيل عن الصادقين: (ألا وإنّ كلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة سبيلها إلى النار)(3)

وقال المحقق الآشتياني: «البدعة: إدخال ما علم أنّه ليس من الدين في الدين ولكن يفعله بأنّه أمر به الشارع»(4).


1- القواعد والفوائد، ج3، ص145.
2- بحارالأنوار، ج71، ص202.
3- الحدائق الناضرة، ج10، ص180.
4- بحر الفوائد، ص80.

ص 268

وقال السيّد محسن الأمين:

البدعة: إدخال ما ليس من الدين في الدين كإباحة محرم أو تحريم مباح أو إيجاب ما ليس بواجب أو ندبه، أو نحو ذلك، سواء كانت في القرون الثلاثة أو بعدها، وتخصيصها بما بعد القرون الثلاثة لا وجه له، ولو سلّمنا حديث (خير القرون قرني) فإنّ أهل القرون الثلاثة غير معصومين بالاتّفاق(1).

وقال الشيخ السبحاني بعد نقل التعاريف الواردة في بيان معنى البدعة:

ويبدو أنّ أوضح التعاريف ما نقلناه عن العلمين: الآشتياني والسيّد الأمين، فإنهما

(قدّس سرّهما) أتيا باللب، وحذفا القشر، فمقوّم البدعة هو التصرّف في الدين عقيدة وتشريعاً، بإدخال ما لم يعلم أنّه من الدين فيه، فضلاً عمّاً علم أنه ليس منه قطعاً. والذي يؤخذ على تعريفهما أنّه لا يشمل البدعة بصورة النقص كحذف شيء من أجزاء الفرائض(2).

والحاصل أنّ الابتداع المذموم والمنهي عنه الموجب للضلال هو ما جاء به الإنسان من غير المأمور به وعدّه مأموراً به في الدين، أو منع ونهى عن أمر ندب إليه الش_رع المقدّس، فيكون بنهيه هذا مشرعاً في عرض تشريع الله تعالى، وهو تدخّل سافر من قبله في التش_ريع الإلهي المقدّس بلا إذن من الله تعالى، متجاوزاً بذلك قوله تعالى: (قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59]، وقوله تعالى: (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [يونس: 15].

وعليه يتّضح بأنّ قيود البدعة هي:

1- التدخّل في الدين عقيدة وحكماً، بزيادة أو نقيصة.

2- أن تكون هناك إشاعة ودعوة لهذه البدعة.

3- أن لا يكون هناك دليل في الشرع يدعم جوازها لا بالخصوص ولا بالعموم.


1- كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهاب، ص131.
2- البدعة، مفهومها، حدّها، آثارها، ص30؛ في ظلّ التوحيد، ص78.

ص 269

قال السبحاني:

إنّ الموضوع في الكتاب والسنّة هو البدعة في الدين لا مطلقها، فلو كان الكتاب والسنّة يتكلّمان فيها فإنّما يتكلّمان فيها باسم الدين والشريعة وعن البدعة فيهما؛ لأنّ كلّ متكلّم إنّما يتكلّم في إطار اختصاصه ومقامه وحسب شأنه، فالكتاب العزيز كتاب إلهي جاء لهداية الناس وإلى ما فيه مرضاة الله بتشريعه القوانين والسنن، والنبي الأكرم مبعوث لتبيان ذلك الكتاب بأقواله وأفعاله وتقريراته، قال تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [النحل: 44].

فإذا تكلّما عن البدعة فإنّما يتكلّمان عن البدعة الواردة في حوزتهما، وقيد الدين والشريعة وإن لم يذكرا في متون النصوص غالبا، لكنّهما مفهومان من القرائن الموجودة فيها، فلا عبرة بالإطلاق بعد القرائن الحافّة على الكلام، هذا ما نستنبطه من مجموع الخطابات الواردة في الأدلة(1).

ولذلك قال في تعريف البدعة:

ويجمع الكل: القول في الدين بغير علم على الأغلب، بل مع العلم بالخلاف ولكن يقدّم رأيه عليه، بظن الإصلاح أو غيره من الحوافز(2).

البحث الرابع فلسفة تحريم البدعة

أوّلاً: استلزامها الكذب على الله تعالى أو اتهامه بعدم إكمال الدين وإتمامه

1- البدعة، مفهومها، حدّها، آثارها، ص32؛ في ظلّ التوحيد، ص37.
2- المصدر السابق، ص41، ص89.

ص: 270

ص 271

البحث الرابع فلسفة تحريم البدعة

إنّ ما تشير إليه الآيات الكريمة والروايات الشريفة _ التي قد مرّ علينا ذكر بعضها _ الواردة في النهي عن الابتداع في الدين، من أنّ ذلك يوجب تحقق أمور محرّمة في الش_رع المقدّس، مضافاً إلى أنّ له عواقب وخيمة دنيوية وأخروية، فمن الأمور التي تصلح لأن تكون سبباً لتحريم الابتداع، هي:

أوّلاً: استلزامها الكذب على الله تعالى أو اتهامه بعدم إكمال الدين وإتمامه

لقد ارتحل النبي الأكرم إلى الرفيق الأعلى بعد أن أكمل الشريعة الإسلامية وبيّن جليلها ودقيقها، وما تحتاج إليه الأمّة إلى يوم القيامة، كما جاء ذلك في تقرير قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة: 3]، ولأجل الحفاظ على دينه وصيانته من التحريف والتبديل أمر بالتمسك بالثقلين، ولم يرض للأمّة غيرهما لئلا يكون الدين ألعوبة بأيدي المغرضين والطامعين.

وعليه يكون المقياس في تمييز البدعة عن السنّة هو الرجوع إلى الثقلين، سواء فسّ_ر بالكتاب والعترة، كما هو المتواتر، أم بالكتاب والسنّة، كما رواه الإمام مالك في الموطأ بسند مرسل، والحديثان متقاربا المضمون؛ لأنّ العترة لا تنشد إلّا السنّة النبويّة، التي أخذوها كابراً

ص 272

عن كابر إلى أن تصل إلى النبيّ الأكرم9، فما وافقهما فهو سنّة، وما خالفهما فهو بين معصية وبدعة، مع الفرق الواضح بينهما، فلو أذيعت الفكرة أو شاع العمل بين الناس بها فتصير بدعة، وإن اكتفي بها من دون دعوة وإشاعة فهي معصية.

وعليه فالمعنى الجامع للبدعة هو: الافتراء على الله ورسوله، ونشر ذلك المفترى في الأمّة بعنوان أنّه من الدين، ويدلّ على هذا المعنى قوله سبحانه: (آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) [يونس: 59] فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ كلّ ما ينسب إلى الله سبحانه بلا إذن منه فهو أمر محرّم، ومن أدخل في الدين ما ليس منه فقد افترى على الله، وقد عدّ الله المفتر ي من أظلم الناس؛ إذ قال سبحانه: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) [الأنعام: 21]؛ ولذلك عندما اقترح المشركون على النبيّ9 بأن يأتي بقرآن غير هذا أو يبدّله، أمره سبحانه بأن يقول: (قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْس_ِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [يونس: 15].

ثانياً: استلزامها التدخّل في التشريع الإلهي تحليلاً أو تحريماً، نقصاً أو زيادة.

أمّا في جانب الزيادة في الدين فهي تعني أنّ الله تعالى لو كان يعلم بما يقوم به المبتدع من تقنين بعض الأمور ودعوة الأمّة إلى العمل بها على نحو الندب أو الوجوب، لما تركه الله تعالى بمقتضى حكمته وعدله؛ لأنّ مثل ذلك يكون فيه فائدة _ على فرض أنّ المبتدع أدرك المصلحة المترتبة على بدعته _ تعود على المكلّف ولم يدعوه إليها، ندباً أو وجوباً، وهذا تجاوز كبير على ساحة المولى تعالى؛ لأنّ مثل هذا يدلّ على أنّ المبتدع لهذه التشريعات أحرص من الله تعالى على عباده، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وأمّا في جانب تدخّله في النقيصة من الدين، فهذا يعني أنّ المبتدع استطاع أن يكتشف أنّ بعض التشريعات الإلهية توجب الفساد الذي لم يلتفت ويعلم به الله تعالى _ والعياذ بالله _ فلأجل قطع هذا الفساد وحماية الأمّة من الوقوع فيه بما يوجب انحطاطها وعدم تكاملها، قام بمنع ذلك، كما هو صريح قول عمر: (كانتا على عهد رسول الله أحرمهما وأعاقب عليهما)،

ص 273

وهو بذلك يريد أن يقول للأمّة الإسلامية: إنّ مثل هذه التش_ريعات المسموح بها من قبل الش_ريعة الإسلامية توجب لكم الفساد وعدم التكامل الذي خلقتم لأجله، لا أن يريد أن يقول لهم: إنّني أمنع ما يوجب التكامل؛ لأنّ مثل ذلك لا يتفوّه به عاقل، وعلى أيّة حال فإنّ مثل هذا التصرف في جانبي التحليل والتحريم يعدّ تدخّلاً وتص_رّفاً واضحاً في التش_ريع الإلهي، وهو منهي غير مأذون به.

والمحدود في هذه التعاريف هو البدعة في الش_رع والدين الإسلامي، والتدخل في أمر التقنين والتشريع.

ثالثاً: استلزامها التلاعب بما أنزل الله تعالى في كتابه من أحكام وعقائد

حتّى لو أنّنا سلّمنا وتغاضينا النظر عمّا ذكر من علل في تحريم الابتداع في الدين زيادة أو نقصاً، وأنّ ذلك مما لا يوجب التدخّل في الدين، فهو لا يخرج عن كون هذا الفعل يؤدّي إلى التلاعب في الدين وبما أنزل في القرآن الكريم من آيات تحرّم مثل هذه الأفعال اتّباعاً لهوى النفس، قال تعالى: (إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى) [النجم: 23].

البحث الخامس تحقق البدعة المذمومة

القول الأول: هو كون وقوعها بعد رحيل النبي

ص: 274

ص 275

البحث الخامس تحقق البدعة المذمومة

لقد ذكروا في ذلك عدّة أقوال، وهي:

القول الأول: هو كون وقوعها بعد رحيل النبي

ذهب صاحب هذا القول إلى أنّ المقياس والضابط في تمييز البدعة عن السنّة، هو القرون الثلاثة الأولى بعد رحيل الرسول، فما حدث فيها فهو سنّة، وما حدث بعدها فهو بدعة(1).

قال محمّد بن عبدالوهاب:

وممّا نحن عليه، أنّ البدعة - وهي ما حدثت بعد القرون الثلاثة - مذمومة مطلقة خلافاً لمن قال: حسنة وقبيحة، ولمن قسّمها خمسة أقسام، إلّا إن أمكن الجمع بأن يقال: الحسنة ما عليها السلف الصالح شاملة للواجبة والمندوبة والمباحة، وتكون تسميتها بدعة مجازاً، والقبيحة ما عدا ذلك شاملة للمحرّمة والمكروهة فلا بأس بهذا الجمع(2).

مناقشة هذا القول:

1- لمن المؤسف جدّاً أنّك تجد المعيار والضوابط في العديد من الأمور لم تكن خاضعة لمعايير شرعية أو عقلائية، وإنّما تخضع لأغراض شخصية ونفس تعصّبي، فمثلاً لأجل تبرير فعل هو خاطئ بحسب الموازين الش_رعية والضوابط العقلائية، ولكنه صحيح بحسب النوازع الطائفية والتعصبات المذهبية، فنغض الطرف عن تلك الموازين والمعايير ونقول بهذا المعيار الأخير، ولم يكن هو في واقعه معياراً ثابتاً بالدليل، كما يتبيّن لك من مناقشة هذا القول وتفنيده.
2- الهدية السنية، الرسالة الثانية، ص 51 ؛ وكذا نقلها: الدرر السنية في الاجوبة النجدية، ج1، ص150.

ص 276

أقول: وكما جاء به السبحاني في مناقشة هذه النظرية باعتبارها نظرية الشاذة؛ وذلك لأنّها نظرية خاصّة استنتجها القائل مما رواه الشيخان في باب فضائل أصحاب النبي9 وإليك نصهما(1):

روى البخاري في صحيحه:

سمعت عمران بن الحصين يقول: قال رسول الله: «(خير أمّتي قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم )، قال عمران: (فلا أدري أذكر بعد قرنه قرنين أو ثلاثة) ثمّ إنّ بعدكم قوماً يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن»(2).

وروى أيضاً عن عبدالله أنّ النبيّ9 قال: «خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته، قال: قال إبراهيم: وكانوا يضربوننا على الشهادة والعهد ونحن صغار»(3).

ثمّ بعد ذلك قام الشيخ السبحاني بمناقشة الاحتجاج بهذه الرواية على أن الميزان في تمييز البدعة عن السنّة، هو أنّ كلّ ما حدث في القرون الثلاثة الأولى فليس ببدعة، وأمّا الحادث بعدها فهو بدعة، باطل بوجوه:

الأول: إنّ القرن في اللغة هو النسل، وهو الأمّة بعد الأمّة، وبهذا المعنى استعمل في القرآن الكريم، قال سبحانه: (فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) [الأنعام: 6] وبما أنّ المتعارف في عمر كلّ نسل هو الستون أو السبعون، يكون المراد، مجموع تلك السنين التي تتراوح بين 180 و 210، وأين هذا من تفسير الحديث بثلاثمائة سنة؟!(4)

الثاني: اختلاف شرّاح الحديث في تفسير الرواية، فبعض قال: إنّ المراد من القرن في قوله:


1- اُنظر: البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، السبحاني، ص45.
2- صحيح البخاري، ج4، ص189.
3- المصدر السابق.
4- اُنظر: البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، ص45.

ص 277

"قرني" هو أصحابه، ومن "الذين يلونهم" أبناءهم، ومن "الثالث" أبناء أبنائهم.

وقال آخر: بأنّ قرنه ما بقيت عين رأته، ومن الثاني ما بقيت عين رأت من رآه، ثمّ كذلك.

وثالث قال: إنّ قرنه الصحابة، والثاني التابعون، والثالث تابعوهم.

وعلى كلّ تقدير تكون المدة أقل من ثلاثة قرون، حتّى لو أخذنا بالقول الأخير الذي هو أعم الأقوال وأوسعها.

فإنّ آخر من مات من الصحابة هو أبو الطفيل، وقد اختلفوا في تاريخ وفاته على أقوال: فقيل: إنّه توفي سنة 120ه أو دونها أو فوقها بقليل(1)، وأمّا قرن التابعين فآخر من توفي منهم كان عام 170 ه أو 180ه ، وآخر من عاش من أتباع التابعين ممن يقبل قوله، قد توفي حدود 220ه، فيقل تاريخ وفاته عن ثلاثة قرون بثمانين سنة، وهذا كثير جدّاً، ولأجل عدم انطباقه على ثلاثة قرون.

قال ابن حجر العسقلاني:

واتّفقوا أنّ آخر من كان من أتباع التابعين ممّن يقبل قوله من عاش إلى حدود العشرين ومائتين وفي هذا الوقت ظهرت البدع فاشياً، وأطلقت المعتزلة ألسنتها، ورفعت الفلاسفة رؤوسها، وامتحن أهل العلم ليقولوا بخلق القرآن، وتغيّرت الأحوال تغيّراً شديداً ولم يزل الأمر في نقص إلى الآن(2).

الثالث: أنّ الملاك في هذا التقسيم هو أنّ المسلمين كانوا متمسّكين جملة واحدة بمعتقد واحد صحيح في القرون الثلاثة الأولى، ثمّ ظهرت رؤوس الشياطين، ودبّت فيهم المناهج الكلامية الفاسدة، فتاريخ الملل والنحل لا يؤيّد ذلك، بل ويكذّبه؛ لأنّ الخوارج ظهروا بين الثلاثين والأربعين من القرن الأول، وكانت لهم ادّعاءات وشبهات وعقائد سخيفة خضبوا في طريقها وجه الأرض، ولم يتم القرن الأوّل إلّا وظهرت المرجئة، الذين دعوا المجتمع الإسلامي إلى التحلل الأخلاقي، رافعين عقيرتهم بأنّه لا تضر مع الإيمان معصية، فقد ضلوا


1- اُنظر: البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، ص45.
2- فتح الباري شرح صحيح البخاري، ج7، ص5.

ص 278

وأضلّوا كثيراً حتّى دبّ الإرجاء بين المحدّثين وغيرهم في القرن الثاني، وقد ذكر أسماءهم جلال الدين السيوطي في تدريب الراوي(1).

القول الثاني: كونها دعوة وإشاعة

يمثّل هذا القول محصّلة نتيجتها تقول بأنّ البدعة هي عبارة عن دعوة للإتيان بالأمر المبتدع في حال كونه يؤدّي إلى إدخال ما ليس من الدين فيه، أو إخراج ما كان من الدين عنه، بمنع ونهي يستوجب المعاقبة لمن لا يلتزم به، بحيث يكون ذلك موجباً لقهر المكلّف بالعمل به، وهو مما يوجب نقص الدين الذي جاء لأجل تحقق تكامل الإنسان في مجال العقيدة والشريعة.

ولكن يبقى هناك تساءل بخصوص ما يتعلّق بتطبيق هذه البدعة، وهو هل يتحقق مفهومها بقيام الشخص بذلك العمل وحده في بيته ومنزله، كأن يزيد في صلاته ما ليس فيها أو ينقص منها شيئاً؟ أم أنّ ذلك لا يعدّ بدعة وإن كان عمله باطلاً وبفعله عاصياً، بل يتوقّف تحقق البدعة على إشاعة فكرة خاطئة في العقيدة، أو عمل غير مشروع في المجتمع، ودعوتهم إليه بعنوان أنّه من الشرع؟

والجواب عن هذا السؤال يكمن في الرجوع إلى الآيات والروايات الواردة بهذا الخصوص، وعند استنطاقها يظهر لنا الجواب واضحاً بخصوص هذه المسألة، ونحن إذا رجعنا إليها بخصوص النهي الوارد فيها، وجدناها لا تعدّ العمل الفردي والشخصي بدعة، وإنّما البدعة كمفهوم واصطلاح قرآني وديني يتحقق فيما إذا كان الأمر والفعل متعلّقاً بإتيان الأمّة أو جماعة به، كالتي جاءت في وصف عمل المش_ركين في مجالي التحليل والتحريم، صحيح أنّ بدايتها كانت من قبل شخص واحد دعا إلى العمل بها، ولكنها لا تصير بدعة ما لم تصل هذه الدعوة إلى حيّز التطبيق من قبل جماعة ويشيع العمل بها على أنّها من الدين ويجب أو يستحب العمل بها، كالرهبانية التي دعا إليها الرهبان والأحبار، قال سبحانه:


1- اُنظر: البدعة، مفهومها، حدها، آثارها، ص47، نقلاً عن السيوطي في تدريب الراوي، ج1، ص328.

ص 279

(وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) [الحديد: 27] ومعنى الآية أنهم كانوا ينسبون الرهبانية إلى شريعة المسيح مدّعين بأنّه هو الذي شرّع لهم ذلك العمل، والقرآن يردهم بقوله: (مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ).

وقد حذّر المولى تبارك وتعالى وتوعّد بالعذاب هذا الصنف من الناس بما يكذبون على الله تعالى، قال سبحانه: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79] فقوله: (هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) صريح في أنّهم كانوا يتدّخلون في الشريعة الإلهية فيعرّفون ما ليس من عند الله على أنّه من عند الله، وهذا يؤكد بأن الموضوع في هذه الآية وأمثالها هو البدعة في الدين لا مطلقها.

وقال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) [النحل:16] ومن المعلوم أنّ المشركين كانوا ينسبون الحكمين إلى الله سبحانه، وأنّه تعالى قد جعل منه حلالاً وحراماً، فكان عملهم بدعة في الدين.

كما ويدلّ على ما ذكرناه من أنّ البدعة لا تتحقق بالعمل الفردي والشخص_ي ما لم تكن عملاً جماعياً، ما جاء في حديث النبي9 الذي رواه مسلم في صحيحه وغيره، حيث جاء فيه أنّه قال:

فإنهم يأتون غرّاً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال، أناديهم ألا هلم فيقال: إنّهم قد بدّلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً(1).

فعبارة (تبديل الدين) دالة على الجمع؛ لأنّ الدين لا يبدّل بمجرد عزوف شخص عنه وتركه إيّاه للتديّن بدين آخر، أو عدم العمل بأحكامه وتش_ريعاته، بل ذلك يتحقق عندما يكون العمل جماعي.

إلى هنا خرجنا بنتيجتين:


1- صحيح مسلم، ج1، ص151؛ مسند أحمد، ج2، ص300؛ صحيح ابن حبان، ج3، ص322.

ص 280

الأولى: أنّ مصبّ البدعة في الأدلة هو الدين والشرع.

الثانية: أنّ البدعة لا تنفك عن الدعوة إلى الباطل وإشاعته.

والحاصل من جميع ما تقدّم بيانه وتوضيحه حول البدعة في هذا الفصل، يتّضح أنّ البدعة لا تنقسم إذا كان متعلّقها الشرع والدين إلى أقسام، لما تبيّن لنا من خلال الآيات والروايات وفلسفة تحريمها، وما توجب هذه البدع من الضلال للأمّة الإسلامية وانحرافها عن الصراط السوي، خصوصاً إذا كانت قائمة على أمر ديني مأمور به، فيأتي المبتدع ويقوم بتحريمه بلا دليل على ذلك، وبلا سابق إذن فيه، بحيث يوجب نقصاً في الدين الإسلامي الذي أجهد النبي9 نفسه خلال الثلاثة والعش_رين سنة من تبليغه وتحكيم قواعده وأسسه وتبيين أحكامه، فما فيه مفسدة على الأمّة حرّمه، وما فيه مصلحة لكمالها وتكاملها بما يوجب لها السعادة في الدين، أمرها به بحسب درجة المصلحة، فتارة على نحو الوجوب وأخرى على نحو الاستحباب، وما لم يكن فيه هذا ولا ذاك فقد تركه لها مباحاً كشرب الماء مثلاً.

وأمّا أن نحرّم ما لا دليل على حرمته، أو نحلل ما قام الدليل على تحريمه، فهذا هو الابتداع في الدين المنهي عنه، فالبدعة في الدين زيادة أو نقصاً ما لا تستند إلى أصل في الدين فهي ضلالة والضلالة إلى النار، ولأجل هذا الأمر اتّفقت الإمامية على تكفير المبتدعين في الدين؛ لأنّ مثل ذلك من شأنه أن يحرف الأمّة عن صراطها المستقيم، فضلاً عن تجاوزه وتعدّيه للشرع المقدّس، وهو محرم.

وقبل أن نختم هذا الكتاب رأينا أن ننقل للقارئ العزيز كلمة هادفة معبّر ومبينة لمرونة الدين الإسلامي، وكيفية مواكبته للحضارة والمدنية وتلبيته لمتطلبات العص_ر الحاضر والمستقبل، تبعاً لما يحدث من التطورات العلمية في مجال المعرفة البشرية، اقتبسنا مورد الحاجة منها من كتاب في ظلّ أصول الإسلام للشيخ جعفر السبحاني(1)، حيث جاء فيه:

1_ الدعوة إلى تعليم الأولاد ومكافحة الأمّية، ولا شك أنّ لهذا الأمر الكلي أشكالاً


1- راجع: في ظل أصول الإسلام، صص51 _ 53.

ص 281

وألواناً حسب تبدّل الحضارات وتكاملها، وقد كان التعليم والكتابة في الظروف السابقة تتحقق بالكتابة بالقصب والحبر، وجلوس المتعلّم على الأرض في الكتاتيب، إلّا أنّ ذلك تطوّر الآن إلى حالة جديدة تستخدم فيها الأجهزة المتطوّرة حيث أصبح الناس يتعلّمون عن طريق الإذاعة والتلفزيون والكومبيوتر والأشرطة وإلى غيرها من وسائل التعليم الحديثة.

إنّ الشارع المقدّس لا يخالف هذا التطوّر، ولا يمنع من استخدام الأجهزة والأساليب الحديثة، إنّما هو أمر بالتعليم والتعلّم، وترك اتّخاذ الأساليب إلى الظروف والمقتضيات. ولو أصرّ على اتّخاذ كيفية خاصّة لفشل في هدفه المقدّس، ولفقد مبررات خلوده واستمراره؛ لأنّ الظروف ربما لا تناسب الأداة الخاصة التي يقترحها والكيفية الخاصة التي يحددها.

2_ الحثّ على الإحسان إلى اليتامى والتحنن عليهم وحفظ أموالهم وتربيتهم، غير أنّ هذا الأمر الكلي له ألوان وأساليب مختلفة تجاري مقتضيات كلّ عصر ومصر وإمكانياتهما، فاللازم علينا هو امتثال ما ندب إليه الشرع، وأمّا كيفيته فمتروكة إلى أهل كلّ عصر ومصر، ومن أصرّ على أنّ على الشارع تبيين خصوصيات الإحسان، فقد جهل بالإسلام ولم يعرف أساس كونه خاتماً؛ إذ لا يكون خاتماً إلّا إذا ذكر لبّ الإحسان إلى اليتامى وغيره، وترك الصور والأساليب إلى الناس ومقتضيات الزمان والمكان.

3_ إنّ الصحابة _ حسب رواية السنّة _ قاموا بجمع آيات القرآن المتفرقة في مصحف واحد ولم يصف أحد منهم هذا العمل بكونه بدعة، وما هذا إلّا لأنّ عملهم كان تطبيقاً لقوله سبحانه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9] فعملهم في الواقع كان تطبيقاً عملياً لنصوص شرعية من الكتاب والسنّة، وقد جرى المسلمون على ذلك المنوال في مجال الاهتمام بالقرآن من كتابته وتنقيطه، وإعراب كلمه وجمله، وعدّ آياته وتمييزها بالنقاط الحمراء، وأخيراً طباعته ونشره، وتشجيع حفّاظه وقرّائه، وتكريمهم في احتفالات خاصّة، إلى غير ذلك من الأمور التي يعتبر كلّها دعماً لحفظ القرآن وتثبيته وبقائه، وإن لم يفعله رسول الله ولا أصحابه ولا التابعون، إذ يكفينا وجود أصل له في الأدلة.

4_ إنّ الدفاع عن بيضة الإسلام وحفظ استقلاله وصيانة حدوده من الأعداء أصل

ص 282

ثابت في القرآن الكريم، قال سبحانه: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) [الأنفال:60].

وأمّا كيفية الدفاع ونوعية السلاح وشكل الخدمة العسكرية المتّبعة في كلّ عصر ومصر فهو برمّته تطبيق لهذا المبدأ وتجسيد لهذا الأصل، فالتسلح بالغواصات والأساطيل البحرية والطائرات المقاتلة إلى غير ذلك من أدوات الدفاع ليس بدعة بل تجسيد لهذا الأصل، ومن حلا له أن يرمي التجنيد العسكري بأنّه بدعة، يكون ممن غفل عن حقيقة الحال وجهل بأنّ الإسلام يأمر بالأصل، ويترك الصور والأشكال لمقتضيات العصور.

ويترتب على هذا الأصل أمور:

1_ إذا كانت الشريعة الإسلامية شريعة خاتمة، وكتابه كتاباً خاتماً، ونبوّته نبوّة خاتمة، وإذا كان باب الوحي ونزول الش_رائع من السماء إلى الأرض قد أغلق بوفاة رسول الإسلام9 وهو كذلك يقيناً، وإذا كان ليس للبشرية شريعة إلّا هذه الشريعة إلى يوم القيامة فيجب أن تتمتع هذه الشريعة بمرونة خاصّة حتّى يتقبلها جميع شعوب العالم بيسر ورغبة، ومن المرونة هذه أن لا يخالف الإسلام تقاليد الشعوب وآدابها، ولا يعارض أعرافها ومواضعاتها، إذا لم يكن فيها حرام بالذات، وإذا لم يقوموا بها بما أنّها مأمور بها من جانب الله سبحانه، وبما أنّها من الدين، وإنّما يقومون بها كرمز أصالتهم وحضارتهم وشارة سلفهم مع كونه غير محرّم.

ونؤكّد مرّة أخرى أنّ هذه المراسم والأعمال إنّما لا يعارضها الإسلام إذا لم تكن أموراً محرّمة بالذات، أو لم يقارنها حرام كاختلاط النساء بالرجال، أو الاستعانة بالآلات المحرّمة إلى غير ذلك.

وإنّما تفشّى الإسلام بين الشعوب وانتشر بين الأمم بسرعة هائلة؛ لأجل أنّه لم يعارض أعرافهم المحللة المعقولة، ولم يخالفها، وإنّما اكتفى بأن طالبهم بالإيمان بأصوله وفروعه، والإتيان بالواجبات، واجتناب المحرّمات، وإصلاح الأخلاق.

2_ الاحتفال بمواليد الأنبياء والأئمة والصالحين الذين لهج الكتاب والسنّة بمدحهم وفضلهم من هذه الأعراف والمراسم التي لا يعارضها الإسلام، فليس لنا رميها بصفة

ص 283

"البدعة"؛ لما عرفت من أنّ البدعة هو العمل الذي لم يرد بشأنه نص في الكتاب والسنّة، ويؤتى به على أساس أنّه من الدين.

فقد أمر الكتاب والسنّة بحبّ النبي وودّه أوّلاً، وتوقيره وتكريمه ثانياً، وحثّ عليهما في الشريعة، وستتعرف على دلائل لزوم حبّه كما ستتعرف على لزوم تكريمه وتوقيره، وعلى ذلك فلو احتفل المسلمون منذ قرون، ولا يعلم مبدأ تلك الاحتفالات إلّا الله سبحانه، فإنّهم لم يريدوا بفعلهم ذلك أن يدخلوا في الدين ما ليس منه، بل أرادوا أن يعبّروا عن حبّهم ووفائهم للنبي ويجسّدوا توقيرهم وتكريمهم له، وبذلك تقف على قيمة قول الكاتب المعاصر محمّد حامد الفقي حين يقول في تعاليقه على فتح المجيد: الذكريات التي ملأت البلاد باسم الأولياء هي نوع من العبادة لهم وتعظيمهم، وكيف أنه قد تجافى عن الحقيقة في قولته هذه؟!

فقد عرفت أنّ الوارد في الأدلة هو الأصول، وأمّا الصور والأشكال فموكولة إلى الأزمنة واختلاف الحضارات والأعراف، وهو أمر جار في مسألة الاحتفال بمواليد الأنبياء والأئمة الكرام، فإنّ الكتاب والسنّة حثّ على أصل الحبّ والمودّة لهم وترك بيان نوعية التعبير عن هذه المودّة والحبّ، ليقوم كلّ بإظهار هذا الحبّ والودّ، والقيام بهذا التوقير والتعزير بطريقته المتّبعة ما لم يكن العمل الذي به يقوم في هذا المضمار حراماً بذاته أو مقروناً بأمر حرام.

والعجب أن نسمع بعض الإذاعات - رغم وضوح هذا الأصل - وهي تنقل أحاديث بعض العلماء وهم يهاجمون الاحتفال بمولد رسول الله9 ويشجبونه، لا بما أنّه يشتمل على محرّم أو منكر، بل لعدّ نفس العمل بدعة، فتنتابنا الدهشة كيف لا يفرّق هؤلاء بين "البدعة" و "السنة"؟! وهل التظاهر بمحبّة النبي، وإبداء مودّته في ممارسات مباحة ذاتاً بدعة؟! أو أنّ توقيره وتكريمه وترفيعه إثم، وقد حثّ عليهما الكتاب والسنّة؟

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا خاتم الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين من الأولين والآخرين.

المصادر والمراجع

ص: 284

ص 285

* القرآن الكريم

1. ابن القرية والكتاب، الدكتور يوسف القرضاوي، الطبعة الأولى، دار الش_روق، مصر، 1423ه .

2. ابن تيمية (حياته وعقائده وموقفه من الشيعة وأهل البيت)، صائب عبدالحميد، الطبعة الأولى، نشر دارالغدير، بيروت 1415ه .

3. الثقات، محمّد بن حبان بن أحمد، الطبعة الأولى، مطبوعات دائرة المعارف العثمانية، 1393ه .

4. أجوبة الاستفتاءات، السيّد علي الخامنئي، الطبعة الأولى، دار النبأ للنش_ر والتوزيع، 1415ه .

5. الاحتجاج، أحمد بن علي الطبرسي، مطابع النعمان، النجف الأشرف، 1386ه .

6. أخطاء ابن تيمية في حق رسول الله9 وأهل بيته، الدكتور السيّد محمود صبيح المص_ري، الطبعة الأولى، دار الركن والمقام لسنة 2003ه . والطبعة الأولى، 1423ه .

7. إرشاد السائل، محمّد رضا الگپايگاني، الطبعة الأولى، دار الصفوة، بيروت، 1413ه .

8. الإرشاد، الإمام عبدالملك الجويني، مكتبة الخانجي، مصر. [بي تا]

9. الاستيعاب، يوسف أحمد بن عبدالله بن محمّد أحمد بن عبدالبر، الطبعة الأولى، دار الجيل، بيروت، 1412ه .

ص 286

10. إسلامنا في التوفيق بين السنة والشيعة، مصطفى الرافعي، الطبعة الثانية، الدار الإسلامية، بيروت، 1412ه .

11. أسنى المطالب في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب، شمس الدين أبوالخير الدمشقي الجزري، ايران، الطبعة الأولى، 1403ه .

12. الاشف_اق في أحكام الطلاق، محمّد زاه_د الكوثري،، الطبعة الأولى، نش_ر دار الكتب العلمية، بيروت، 1425ه .

13. الإصابة في تمييز الصحابة، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1415ه .

14. أصل الشيعة وأصولها، الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء، الطبعة الأولى، مؤسسة الإمام علي7، 1415ه .

15. اعتراضات على ابن تيمية في علم الكلام، أحمد بن إبراهيم الس_روطي الحنفي معجم المؤلفين، 1401ه .

16. الاعتقادات، الشيخ محمّد بن علي بن الحسين الصدوق، دار المفيد للطباعة والنش_ر وطبعة المطعبة العلمية، قم، 1412ه .

17. الأعلام، خير الدين الزركلي، الطبعة الخامسة، دار الملايين، بيروت، 1980م.

18. الإفصاح، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، الطبعة الثانية، دارالمفيد للطباعة والنشر، بيروت، 1414ه .

19. الاقتصاد في الاعتقاد، أبو حامد محمّد بن محمّد الغزالي، دارالكتب العلمية، ط1، 1403ه ، بيروت وطبعة دارالهلال، 1993م.

20. الاقتصاد، الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، منشورات مكتبة جامع چهلستون، طهران، 1400ه .

21. إكمال المنة في نقض منهاج السنّة، سراج الدين حسن بن عيسى الكهنوي.

22. آلاء الرحمن، العلّامة محمّد جواد البلاغي، المكتبة الحيدرية، الطبعة الأولى.

ص 287

23. أنساب الأشراف، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، حققه وعلّق عليه: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، 1394ه.

24. الإنصاف والاتّصاف لأهل الحقّ من الإسراف، تقي الدين أبي بكر بن أحمد الحصني، مخطوط ستة 757، نسخة منه في مكتبة الامام الرضا، مشهد.

25. أوائل المقالات، الشيخ محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد، الطبعة الثانية، نش_ر دار المفيد للطباعة والنشر، 1414ه .

26. البداية والنهاية، ابن كثير، الطبعة الأولى، نشر دار إحياء التراث العربي، 1408ه.

27. البدر الطالع، محمّد بن علي الشوكاني، الطبعة الأولى، دارالكتب العلمية، بيروت، 1418ه .

28. البراهين الساطعة في ردّ بعض البدع الشائعة، سلامة القضاعي، الطبعة الأولى، بيروت.

29. البرهان الجلي، أحمد الغماري، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة، مصر، 1389ه .

30. البيان في تفسير القرآن، السيّد أبو القاسم الخوئي، الطبعة الرابعة، نش_ر دار الزهراء للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1395ه .

31. السنن الكبرى، أحمد بن الحسين البيهقي، نشر دار الفكر، بيروت، بدون تاريخ.

32. تاريخ الإسلام، محمّد بن أحمد الذهبي، الطبعة الثانية، نشر دار الكتاب العربي، بيروت، 1407ه .

33. تأريخ الأمم والملوك (تاريخ الطبري)، محمّد بن جرير الطبري، الطبعة الرابعة، نش_ر مؤسسة الاعملي، بيروت، 1403ه .

34. تاريخ الثقات، أحمد بن عبدالله العجلي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية، بيروت، 1405ه .

35. التاريخ الكبير، محمّد بن إسماعيل البخاري، نشر المكتبة الإسلامية، ديار بكر.

36. تاريخ بغداد، الخطيب البغدادي، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1425ه .

ص 288

37. تاريخ مدينة دمشق، علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، نش_ر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1415 ه.

38. تاريخ نجد، حسين بن غنام الأحسائي، الطبعة الأولى، دار الشروق، 1985م.

39. التبيان في تفسير القرآن، الشيخ محمّد بن الحسن الطوسي، تحقيق وتصحيح: أحمد حبيب قصير العاملي، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث العربي، 1409ه .

40. تذكرة الحفاظ، أبو عبدالله شمس الدين الذهبي، الطبعة الأولى، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

41. تذكرة الخواص، سبط ابن الجوزي، الطبعة الأولى، النجف الأشرف، 1383ه .ق.

42. تصحيح المفاهيم العقدية، الدكتور عيسى الحميري، الطبعة الأولى، دارالسلام، مص_ر، 1419ه .

43. تطهير الفؤاد، محمّد بخيت المطيعي، نشر مكتبة أشيق، تركيا، 1397ه .

44. تفسير ابن أبي حاتم الرازي، محمّد بن إدريس الرازي، تحقيق: أسعد محمّد الطيب، الطبعة الأولى، نشر المكتبة العصرية، بيروت.

45. تفسير ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، نشر دار المعرفة، بيروت، 1412ه .

46. تفسير الآلوسي (روح المعاني)، شهاب الدين السيّد محمود البغدادي، نش_ر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

47. تفسير السمعاني، أبو المظفر منصور بن محمّد الشافعي، الطبعة الأولى، نش_ر دار الوطن الرياض، 1418ه .

48. تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1412ه .

49. تفسير القرطبي، محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي، نش_ر دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405ه .

50. تفسير القمي، علي بن إبراهيم القمي، صححه وعلّق عليه وقدّم له: السيّد طيب الموسوي الجزائري، الطبعة الثالثة، قم، 1404ه .

ص 289

51. التفسير الكبير (مفاتيح الغيب)، فخر الدين بن الخطيب الرازي، دارالفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1995م.

52. تفسير مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي، حققه وعلّق عليه: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين، قدّم له الإمام الأكبر السيّد محسن الأمين العاملي، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت، 1415ه .

53. تقريب التهذيب، ابن حجرالعسقلاني، الطبعة الثانيه، دارالكتب العلميه، بيروت، 1415ه .

54. تكملة السيف الصقيل، محمّد زاهد الكوثري، الطبعة الأولى، دمشق.

55. تناقضات الألباني، حسن بن علي السقاف، الطبعة الرابعة، نش_ر دار الإمام النووي، 1412ه .

56. تنزيه الشيعة الاثني عشرية عن الشبهات الواهية، أبو طالب التجليل، قم، الحوزة العلميه، الطبعة الأولى، 1419ه .

57. تهذيب الأسماء واللغات، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، دارالمعرفه، بيروت، الطبعة الأولى.

58. تهذيب التهذيب، ابن حجر العسقلاني، الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1413ه .

59. تهذيب الكم_ال، يوسف المزي، دار الفكر، بيروت، 1414ه .

60. التوحيد، أبو جعفر محمّد علي بن الحسين بن بابويه القمي، صححه وعلّق عليه: السيّد هاشم الحسيني الطهراني، منشورات جماعة المدرسين، قم المقدّسة.

61. جامع البيان عن تأويل آي القرآن، أبو جعفر محمّد بن جرير الطبري، قدّم له الشيخ خليل الميس، ضبط وتوثيق وتخريج: صدقي جميل العطار، دارالفكر للطباعة والنش_ر والتوزيع، 1415 ه.

62. الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير، جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، نشر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت.

ص 290

63. جامع كرامات الأولياء، يوسف النبهاني اليمني، الطبعة الأولى، نش_ر دارالفكر، بيروت.

64. جريدة (اللواء اللبنانية)، بتاريخ 7 / 7 / 1993م.

65. جريدة الرياض، تصدر في السعودية، العدد 4، ربيع الأوّل، 1418ه .

66. حاشية ردّ المحتار، محمّد أمين المعروف بابن عابدين، الطبعة الأولى، نش_ر دار الفكر، بيروت، 1415ه .

67. حاشية على تفسير الجلالين، أحمد بن محمّد الصاوي المالكي، الطبعة الأولى، بيروت.

68. حاشية مجمع الفائدة والبرهان، محمّد باقر الوحيد البهبهاني، تحقيق ونش_ر مؤسسة العلامة المجدد الوحيد البهبهاني، الطبعة: الأولى، 1417 ه.

69. الحقائق الإسلامية في الردّ على مزاعم الوهابية، مالك ابن الشيخ داود، طبعة مص_ر، 1304ه .

70. حقائق الإيمان، زين الدين بن علي بن أحمد العاملي، إشراف: السيّد محمود المرعش_ي، تحقيق، السيّد مهدي الرجائي، الطبعة الأولى، نشر مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي العامة، قم المقدّسة، 1409ه.

71. منتهى المطلب، العلامة الحسن بن يوسف الحلي، تحقيق: قسم الفقه في مجمع البحوث الإسلامية، الطبعة الأولى، نشر مجمع البحوث الإسلامية، إيران مشهد، 1412ه .

72. حلية الأولياء، أبو نعيم الأصفهاني، نشر دار الفكر، بيروت.

73. حوار هادي، محاضرة لعبدالله بن سعيد الجنيد، طبعت تحت عنوان (حوار هادئ بين السنّة والشيعة).

74. حياة الإمام العسكري، العلامة محمّد باقر القرشي، دارالكتاب الاسلامي، الطبعة الأولى.

75. خصائص أميرالمؤمنين، أبو عبدالرحمن أحمد بن شعيب النسائي الشافعي، حققه وصحح أسانيده ووضع فهارسه: محمّد هادي الأميني، نشر مكتبة نينوى الحديثة، طهران.

ص 291

76. خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، أحمد زين الدين دحلان الشافعي، مص_ر، مطبعة القاهرة، الطبعة الاولي، وطبعة استانبول سنة 1986م.

77. خير الحجة في الردّ على ابن تيمية في العقائد، أحمد بن حسين بن جبرئيل شهاب الدين الشافعي هدية العارفين.

78. الدر المنثور في التفسير بالمأثور، الإمام جلال الدين عبدالرحمن بن أبي بكر السيوطي، الطبعة الأولى نشر دار الفكر _ بيروت.

79. الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية، علي بن عبد الكافي شيخ الإسلام التقي السبكي، الطبعة الأولى، بدون نشر و تاريخ.

80. الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيمية، محمّد بن علي الشافعي الدمشقي (المعروف بابن الزملكاني)، بدون نشر و تاريخ.

81. الدرر السنية في الردّ على الوهابية، السيّد أحمد بن زيني دحلان، طبعه حسين حلمي، إسلامبول، 1976م.

82. الدرر الكامنة، ابن حجر العسقلاني، نشر دار الجيل، بيروت، 1414ه .

83. دعوى المناوئين، الدكتور عبدالعزيز العبد اللطيف، الطبعة الأولى، طبعة دار الوطن، 1412ه .

84. دفاع عن العقيدة، محمّد الغزالي، الطبعة الرابعة، نش_ر دارالكتب الحديثة، القاهرة، 1395 ه.

85. دفع شبهة من شبه وتمرد، أبو بكر الحصني الدمشقي، داراحياء الكتب العربية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1350ه .

86. الدواء العاجل في دفع العدو الصائل، القاضي محمّد بن علي بن محمّد الشوكاني اليمنى، تحقيق: حامد الفقي، طبع ونشر مكتبة السنّة المحمدية.

87. ذخائر العقبى، الحافظ محب الدين أحمد بن عبدالله الطبري، الطبعة الأولى، نش_ر مكتبة القدسي لصاحبها حسام الدين القدسي.

ص 292

88. ذخيرة المعاد، العلامة المحقق ملا محمّد باقر السبزواري، نش_ر مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، قم المقدّسة.

89. رأس الحسين، أبو العباس أحمد بن عبدالحليم ابن تيمية الحراني، نش_ر دارالكتاب العربي، بيروت، الطبعة الأولى، 1406ه .

90. الردّ على ابن تيمية في الاعتقادات، محمّد حميد الدين الحنفي الفرغاني، معجم المؤلفين، الطبعة الأولى.

91. الردّ على ابن تيمية في مسألة الطلاق، عيسى بن مسعود المنكلائي، معجم المؤلفين، الطبعة الأولى.

92. الردّ على الشيخ ابن تيمية، نجم الدين بن أبي الدر البغدادي، دارالفكر، بيروت، الطبعة الأولى.

93. الردّ على الشيخ راشد الغنوشي، جلال علي عامر، بيروت، الطبعة الأولى.

94. رسائل الجاحظ، جمع ونشر حسن السندوبي، الطبعة الأولى، مص_ر، 1933م.

95. رسائل المرتضى، الشريف المرتضى، تقديم: السيّد أحمد الحسيني إعداد: السيّد مهدي الرجائي، نشر: دار القرآن الكريم، قم، 1405ه..

96. رسالة في الردّ على ابن تيمية في التجسيم والاستواء والجهة، شهاب الدين أحمد بن يحيى الكلابي الحلبي.

97. رسالة في الردّ على ابن تيمية في الطلاق، محمّد بن علي المازني، معجم المؤلفين.

98. رسالة في مسألة الزيارة، محمّد بن علي المازني، معجم المؤلفين.

99. رفع المنارة، سعيد ممدوح، الطبعة الأولى، تحقيق ونشر: دار الإمام النووي، 1416 ه.

100. الروضة، أبو زكريا محيي الدين بن شرف النووي، الطبعة الأولى، بيروت.

101. زهر الريحان، حسن بن علي السقاف، طبع ونشر دار الإمام الرواس، بيروت.

102. السحب الوابلة على ضرائح الحنابلة، للعلّامة محمّد بن حمد المكي، مخطوط.

103. سلسلة الأحاديث الصحيحة، الألباني، طبع ونشر مكتبة المعارف، الرياض، 1415ه.

ص 293

104. سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، محمّد ناصر الألباني، نشر المكتبة الإسلامية.

105. السلفية بين أهل السنّة والإمامية، السيّد محمّد الكثيري، الطبعة الأولى، نش_ر مركز الغدير، بيروت، 1418ه .

106. سمير الصالحين، عبدالله الغماري، الطبعة الأولى، مكتبة القاهرة، مصر، 1388ه .

107. سنن ابن ماجة، محمّد بن يزيد القزويني، حقق نصوصه ورقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه وعلّق عليه: محمّد فؤاد عبدالباقي، نشر دارالفكر، للطباعة والنشر والتوزيع، بدون تاريخ.

108. سنن الترمذي، محمّد بن عيسى الترمذي، حققه وصححه: عبدالوهاب عبداللطيف، الطبعة الثانية، نشر دارالفكر للطباعة والنش_ر، 1403ه .

109. سنن الدارمي، عبدالله بن بهرام، طبع بعناية محمّد أحمد دهمان، دمشق، 1349ه .

110. السنن الكبرى، أحمد بن شعيب بن علي النسائي، الطبعة الأولى، نش_ر دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت، 1348ه .

111. سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، هامش وتعليق: شعيب الأرنؤوط، بيروت.

112. شبهات وردود، سامي البدري، نشر حبيب، الطبعة الثانية، مركز التوزيع مكتبة سعيد بن جبير، 1417ه .

113. شذرات الذهب، ابن العماد الحنبلي، الطبعة الأولى، دار الفكر، 1399ه .

114. شرائع الإسلام، المحقق أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلي، انتشارات استقلال طهران، الطبعة الثانيه، 1409ه .

115. شرح أصول الكافي، المولى محمّد صالح المازندراني، الطبعة الأولى، نش_ر دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1421ه .

116. شرح حديث النزول، ابن تيمية، الطبعة الأولى، طبع ونش_ر دارالعاصمة.

117. شرح ظلمات الصوفية والرد على ابن تيمية، محمود غراب مخطوط.

118. شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم، الطبعة الأولى، دار إحياء الكتب العربية عيسى البابي الحلبي وشركاه، 1378ه .

ص 294

119. الشفا بتعريف حقوق المصطفي، أبوالفضل القاضي عياض، نش_ر دارالفكر للطباعة والنشر والتوزيع، 1409ه .

120. شفاء السقام في زيارة خير الأنام (عليه الصلاة والسلام)، تقي الدين السبكي، دار جوامع الكلم، مصر.

121. شمس الحقيقة والبداية على أهل الضلالة والغواية، أحمد علي أبو المنى مخطوط.

122. شواهد التنزيل، الحافظ عبيدالله بن أحمد المعروف بالحاكم الحسكاني، تحقيق وتعليق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الطبعة الأولى، نش_ر مؤسسة الطبع والنش_ر التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي مجمع احياء الثقافة الإسلامية، 1411ه .

123. شواهد الحقّ بالاستغاثة بسيد الخلق9، يوسف النبهاني، قد اعتنى بطبعه طبعة جديدة بالأوفست حسين حلمي بن سعيد استانبولي، 1984م.

124. الشيعة في الميزان، محمّد جواد مغنية، الطبعة الرابعة، نش_ر دار التعارف، بيروت، 1399ه .

125. الصحبة و الصحابة، حسن المالكي، الطبعة الأولى، نش_ر مركز الدراسات، الأردن، 1422ه .

126. صحيح ابن حبان، ابن حبان السبتي، الطبعة الثانية، نشر مؤسسة الرسالة، 1414ه .

127. صحيح الجامع الصغير، محمّد ناصر الألباني، الطبعة الثالثة، نشر المكتب الإسلامي، دمشق، 1408ه .

128. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، الطبعة الأولى، نش_ر دار الفكر، بيروت.

129. الصحيفة الصهيونية، يديعوت أحرونوت بالإنجليزي (17/07/ 2006م).

130. صراط النجاة، الميرزا جواد التبريزي، دفتر نشر برگزيده 1416ه .

131. الصواعق الإلهية في الردّ على الوهابية، سليمان بن عبد الوهاب، الطبعة الأولى، 1306ه .

ص 295

132. الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي، نشر دارالكتب العلمية، بيروت، 1420ه .

133. ضحى الإسلام، أحمد أمين، نشر دارالكتاب العربي، الطبعة الأولى، بيروت.

134. الطهارة، أبو القاسم الخوئي، نشر دارالهادي للمطبوعات، الطبعة الثالثه، 1410ه .

135. الطهارة، روح الله الإمام الخميني، الطبعة الأولى مطبعة مهر، قم المقدّسة.

136. ظاهرة التكفير عند الإمامية، عبدالرحمن سعيد دمشقية، نشر مكتبة الرضوان، مص_ر، 1426ه .

137. عبد الله بن سبأ، العلّامة مرتضى العسكري، الطبعة السادسة المصححة،1992م.

138. العبر في أخبار من غبر، شمس الدين الذهبي، نشر دار الكتب العلمية، بيروت، 1448ه .

139. العتب الجميل على أهل الجرح والتعديل، محمّد بن عقيل الحض_رمي، الطبعة الأولى، دار الإمام النووي، الأردن، 1425ه .

140. عقائد الإمامية، الشيخ العلامة محمّد رضا المظفر، انتشارات أنصاريان، قم.

141. علي النشار، نشأة الفكر الفلسفي، الطبعة الثامنة، دار المعارف، القاهرة.

142. علي وبنوه، الدكتور طه حسين، دار المعارف، القاهرة.

143. غاية التبجيل، محمود سعيد بن ممدوح الشافعي، الطبعة الأولى، مكتبة الفقيه،

أبو ظبي، 1425ه .

144. الفتاوى، ابن باز، الطبعة الثانية، الإدارة العامة للطبع والترجمة، 1411ه .

145. فتاوى الألباني، جمع عكاشة عبدالمنان، نشر مكتبة التراث الإسلامي، الطبعة الأولى، 1414ه .

146. الفتاوى الحديثية، ابن حجر الهيتمي، الطبعة الثالثة، مصر، 1307ه .

147. الفتاوى السهمية في ابن تيمية، أجاب عنها جماعة من العلماء، بدون نشر و تاريخ.

148. الفتاوى الهندية، طبعة دار إحياء التراث العربي _ بيروت، الطبعة الرابعة، 1406ه .

149. فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، الطبعة الثانية، نش_ر دار المعرفة، بيروت.

ص 296

150. الفتح الرباني، عبد الغني النابلسي، الطبعة الأولى، بيروت.

151. فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبدالرحمن بن حسن بن محمّد بن عبدالوهاب، دار الندوة الجديدة، بيروت.

152. فتح الملك العلي، أحمد بن محمّد الغماري، مكتبة اميرالمؤمنين، اصفهان، الطبعة

الأولى.

153. الفتنة الكبرى في الردّ على الوهابية، أحمد بن زيني دحلان مفتي مكة، بدون نش_ر و تاريخ.

154. الفتنة الكبرى، الأستاذ طه حسين، الطبعة الأولى، دارالمعارف، مص_ر، 1953م.

155. الفتوح، ابن أعثم الكوفي، تحقيق: علي شيري، الطبعة الأولى، نش_ر دار الأضواء، بيروت، 1411ه .

156. الفتاوى الكبرى، ابن تيمية الحراني، الطبعة الأولى، نشر دار المعرفة، بيروت.

157. فرائد السمطين، الحمويني، نشر مؤسسة المحمودي للطباعة والنشر، قم.

158. الفرق بين الفرق، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر الخطيب البغدادي، الطبعة الأولى، مصر.

159. فرقان القرآن بين صفات الخالق وصفات الأكوان، سلامة القضاعي العزامي، دارإحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الأولى.

160. الفصول المهمّة في تأليف الأمّة، السيّد عبد الحسين شرف الدين، الطبعة الأولى، بيروت، دارالزهراء 1415ه / 1995م، الطبعة الثالثة عام 1375ه ، مكتبة النجاج، النجف الاشرف.

161. الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ابن الصباغ المالكي، الطبعة الثانية، نش_ر دار الأضواء، بيروت.

162. فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، الطبعة الأولى، نش_ر مؤسسة الرسالة، بيروت، 1403ه .

ص 297

163. فقه القرآن، قطب الدين الراوندي، الطبعة الثانية، نشر مكتبة آية الله العظمى النجفي المرعشي، قم، 1405ه .

164. الفقه على المذاهب الأربعة، عبدالرحمن الجزيري، الطبعة الأولى، دار إحياءالتراث العربي، بيروت.

165. في أدب مص_ر الفاطمية: محمّد كامل حسين، الطبعة الأولى ، دار الفكر العربي،

1970م.

166. في سبيل الوحدة الإسلامية، عبد الفتاح عبد المقصود، الطبعة الأولى، مصر.

167. فيض القدير في شرح الجامع الصغير، محمّد عبد الرؤوف المناوي، ضبطه وصححه: أحمد عبدالسلام، الطبعة الأولى، نشر دارالكتب العلمية بيروت، 1415 ه.

168. تفسير الصافي، محسن الفيض الكاشاني، الطبعة الثانية، مكتبة الصدر، طهران، 1416ه .

169. قراءة في كتب العقائد، حسن المالكي، الطبعة الأولى، مركز الدراسات، الأردن، 1421ه .

170. القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل، السيّد علوي بن طاهر، طبع أفريقيا.

171. القول المقنع في الردّ على الألباني المبتدع، الحافظ ابن صديق المغربي، الطبعة الأولى، طنجة، سنة 1986م.

172. الكاشف، محمّد بن أحمد الذهبي، مطبوع ضمن كتاب تقريب التهذيب، الطبعة الأولى، بيت الأفكار الدولية.

173. الكافي، الشيخ محمّد بن يعقوب الكليني، الطبعة الثالثة، دارالكتب الإسلامية.

174. الكامل في التاريخ، أبوالحسن علي بن أبي الكرم المعروف بابن الأثير، دار صادر، بيروت، 1385ه .

175. الكامل في ضعفاء الرجال، عبدالله بن عدي، الطبعة الثالثة، دارالفكر، بيروت، 1409ه .

ص 298

176. كتاب السنّة، عمرو بن أبي عاصم، حققه: محمّد ناصرالدين الألباني، الطبعة الثالثة، نشر المكتب الإسلامي، بيروت، 1413ه .

177. كشف الارتياب في أتباع محمّد بن عبدالوهاب، محسن الأمين، الطبعة الثانية، 1952م.

178. كفاية الأحكام، المحقق محمّد باقر السبزواري، الطبعة الأولى، مؤسسة النش_ر الإسلامي.

179. كنوز الحقائق، المناوي، المطبوع في هامش الجامع الصغير.

180. لسان الميزان، أحمد بن حجر العسقلاني، الطبعة الثالثة، مؤسسة الأعلمي، بيروت، 1406ه .

181. مباحث في علوم القرآن، صبحي الصالح، الطبعة الأولى، دارالملايين، بيروت.

182. مجلة رسالة الثقلين، العدد 2، سنة 1413ه .

183. مجمع البيان، الفضل بن الحسن الطبرسي، حققه وعلّق عليه: لجنة من العلماء والمحققين الأخصائيين قدّم له الإمام الأكبر السيّد محسن الأمين العاملي، الطبعة الأولى، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، 1415ه .

184. مجموع رسائل السقاف، حسن السقاف، دارالرازي، الأردن.

185. مجموعة الرسائل، للشيخ لطف الله الصافي، الطبعة الأولى، طبعة دارالقرآن، قم المقدسة.

186. مفتاح دار السعادة، ابن القيم الجوزية، نشر دار العلم، بيروت، 1419ه .

187. ملحق البراهين الجلية في الردّ على الوهابية، السيّد المرتض_ي الرضوي،

الطبعة 1410ه ، وأعيد طبعه في ايران باعداد مركز الابحاث العقائديه،

قم المقدسة.

188. مختص_ر التحفة الاثني عش_رية، عبد العزيز الدهلوي، الطبعة الأولى، الرياض السعودية، 1404ه .

ص 299

189. مدارك الأحكام، السيّد محمّد بن علي العاملي، تحقيق مؤسسة آل البيت: لإحياء التراث، الطبعة الأولى، مشهد المقدّسة، 1410ه .

190. مدينة المعاجز، السيّد هاشم بن سليمان البحراني. تحقيق: الشيخ عزت الله المولائي الهمداني، الطبعة الأولى، مؤسسة المعارف الاسلامية، 1413ه.

191. مرآة الجنان وعبرة اليقظان، عبدالله بن أسعد اليافعي، الطبعة الثانية، دارالكتاب الاسلامي، القاهرة، 1413 ه.

192. المسائل السروية، الشيخ محمّد بن محمّد المفيد، تحقيق: صائب عبدالحميد، الطبعة الثانية، دار المفيد للطباعة والنشر، 1414ه .

193. المسائل المنتخبة، السيّد علي السيستاني، نشر مكتب آيت الله السيستاني، الطبعة الأولى، إيران.

194. مسالك الأفهام، الشهيد الثاني زين الدين بن علي العاملي، الطبعة الأولى، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413 ه.

195. المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، بتلخيص الذهبي في هامش الكتاب.

196. مستدركات علم رجال الحديث، علي النمازي الشاهرودي، الطبعة الأولى، الناشر: ابن المؤلف، طهران، 1412ه.

197. مسند أبي يعلى الموصلي، الإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثنى التميمي، حققه وخرّج أحاديثه: حسين سليم أسد، نشر دار المأمون للتراث، دمشق.

198. مسند أحمد بن حنبل، احمد بن حنبل الطبعة الأولى، نش_ر دارصادر بيروت.

199. المصطلحات، إعداد مركز المعجم الفقهي، الطبعة الأولى.

200. مطالب السؤول في مناقب الرسول، كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعي، تحقيق: ماجد أحمد العطية، الطبعة الأولى، دار الفكر.

201. معارج القبول، حافظ حكمي، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية.

202. المعجم الأوسط، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حققه: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمّد أبو الفضل عبد الحسن بن إبراهيم الحسيني، نشر دار الحرمين.

ص 300

203. معجم البلدان، الشيخ الإمام شهاب الدين أبي عبدالله ياقوت بن عبدالله الحموي الرومي البغدادي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1399ه.

204. المعجم الكبير، الحافظ أبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حققه وخرّج أحاديثه حمدي عبدالمجيد السلفي، الطبعة الثانية، نشر دار إحياء التراث العربي، بيروت.

205. معرفة الرواة، الذهبي، الطبعة الأولى، دار المعرفة، بيروت، 1406 ه.

206. المعيار والموازنة في فضائل الإمام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب، أبوجعفر محمّد بن عبدالله الإسكافي المعتزلي، تحقيق: الشيخ محمّد باقر المحمودي، الطبعة الأولى، 1420ه .

207. المقالة المرضية في الردّ على ابن تيمية، قاضي قضاة المالكية تقي الدين ابن عبدالله محمود الإقناعي، مطبعة مصر، الطبعة الأولى.

208. مقتل الحسين، أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي أخطب خوارزم، تحقيق: الشيخ محمّد السماوي، مكتبة المفيد - قم.

209. التوفيق الرباني في الردّ على ابن تيمية الحراني، جماعة من العلماء، الطبعة الأولى.

210. مقدّمة الرسائل السبكية، كمال أبو المنى، الطبعة الأولى.

211. الملل والنحل، عبدالكريم الشهرستاني، تحقيق: محمّد سيد گيلاني، دارالمعرفة،

بيروت.

212. الملل والنحل، ابن حزم الظاهري، نشر دارالمعرفة، بيروت، 1406ه .

213. المناقب، ابن المغازلي، إعداد: محمّد باقر البهبودي، الطبعة الثانية، دارالكتب الإسلامية، طهران، 1402ه .

214. مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، الطبعة الأولى، المكتبة الحيدرية، النجف الأشرف، 1376ه .

215. المنتقى من روائع فتاوى المنار، عزالدين بليق، الطبعة الثانية.

216. المنتظم في التاريخ، ابن الجوزي، الطبعة الثانية، نش_ر دارالكتب العلمية _ بيروت، 1415ه .

ص 301

217. منهاج السنة، عبدالحليم أحمد بن تيمية، مؤسسة قرطبة، الطبعة الأولى، 1406ه .

218. منهاج الصالحين، السيّد سعيد الحكيم، الطبعة الأولى، دار الصفوة بيروت، 1415ه .

219. منهاج الصالحين، السيّد علي السيستاني، الطبعة الأولى، نشر مكتب آية الله العظمى السيّد السيستاني، قم المقدّسة، 1420ه .

220. المنهاج القويم، شرح شهاب الدين ابن حجر الهيثمي على المقدمة الحض_رمية، الأنصاري.

221. موسوعة الغدير، للعلّامة عبدالحسين أحمد الأميني النجفي، الطبعة الرابعة، دارالكتاب العربي، بيروت، 1397ه - 1977م.

222. موقع دبي، الإمارات العربية المتحدة التابع ل_ (CNN) 28/ 06/ 2006م.

223. مي_زان الاعت_دال، الذهبي، الطبعة الأولى، دارالفكر، بيروت، 1420ه .

224. نجم المهتدين برجم المعتدين، الفخر بن المعلّم، القريشي، الطبعة الثانية.

225. النصائح الكافية لمن يتولّى معاوية، محمّد بن عقيل بن عبدالله بن عمر ابن يحيى العلوي، الطبعة الأولى، دار الثقافة للطباعة والنشر، 1412 ه.

226. نظرات في الكتب الخالدة، حامد حفني، راجعه وعلّق عليه السيّد مرتضى الرضوي، الطبعة الأولى، دار المعلّم للطباعة، القاهرة، 1399ه.

227. نظم درر السمطين، محمّد بن يوسف بن الحسن بن محمّد الزرندي الحنفي، الطبعة الأولى، مكتبة الإمام أميرالمؤمنين7 العامّة، 1377ه .

228. نور الأفهام في علم الكلام، حسن الحسيني اللواساني، الطبعة الأولى، مؤسسة النش_ر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشّرفة، 1425ه .

229. نور اليقين في مبحث التلقين، للحاج عيدان تونس، الطبعة الأولى.

230. صحيح مسلم، مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر، بيروت.

231. هداية العباد، لطف الله الصافي، الطبعة الأولى، دارالقرآن الكريم، قم القدسة، 1413ه .

ص 302

232. عبدالله بن سبأ (دراسة للروايات التاريخية عن دوره في الفتنة)، الهلابي.

233. الوافي بالوفيات، صلاح الدين الصفدي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1420ه.

234. وفيات الأعيان، ابن خلكان،، الطبعة الأولى، دار الكتب العلمية.

235. www. Islamight.net

236. www. Faradawi.net

237. http://alqudaih.ws/vb/showthread.php

ص: 303

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.