نام كتاب: المكة و المدينة
نويسنده: مركز تحقيقات حج
موضوع: تاريخ مكه و مدينه
زبان: عربي
تعداد جلد: 1
ناشر: نشر مشعر
مكان چاپ: تهران
ص:1
بسم اللَّه الرحمة الرحيم
الحجّ رابع أركان الإسلام، حيث لا يسبقه إلّاثلاثة أركان اخرى هي الصلاة والزكاة والصوم. وتكفي الاشارة الى الرواية التالية لبيان أهميّة وعظمة هذهِ الوديعة الإلهية في الدين الإسلامي الحنيف: «....».
تبلغ مساحة العربية السعودية 000/ 250/ 2 كم 2 وبلغ تعداد سكانها حوالي (13) مليون نسمة. تقع هذه المملكة في الجزء الجنوبي الغربي لقارة آسيا، ويحدّها من الشمال جمهورية العراق والأردن والكويت، ومن جهة الشرق يحدّها الخليج الفارسي وقطر والبحرين والإمارات العربية وسلطنة عُمان وبحر عُمان. وتحدّها من الجنوب الجمهورية اليمنية، وأمّا من ناحية الغرب فيحدها البحر الأحمر.
تُعتبر الملكية في العربية السعودية وراثية ويرأس الملك فيها الوزراء مباشرة. عاصمتها الرياض، ومكّة والمدينة المنوّرة هما المدينتان المقدّستان فيها. جميع سكانها من المسلمين، وهم من حيث الفروع في الدين أصحاب أحمد بن محمد بن حنبل (متوفى 242) ومن حيث الاصول فهم من أتباع مدرسة أبو الحسن الأشعري (متوفى 330).
ويتبع بعضٌ منهم محمد بن عبد الوهاب المولود في مدينة العيينَة الواقعة في نجد. أخذ عن أبيه الفقه الحنبلي، وآلَ به الأمر من كثرة قراءت ومطالعته لكُتب ابن تيميّة (661- 728) وتلميذه ابن قيّم (691- 751) الى اتّباع طريقتهم ومنهجهم. وقد عُرِف عن ابن تيمية وتلميذه بان قيم أنّها ظاهريّان، وهم الذين يتّبعون المعنى الظاهري للقرآن والأحاديث، ويعتمدون عليه في منهجهم. وقد اعتنق محمد بن سعود مؤسس العائلة المالكة السعودية، الذي كان يُقيم في قرية الدّرعية (قرب مدينة الرياض الحالية) هذا المذهب وسار باقي ملوك السعودية على نهجه.
ويُعتبر محمد بن عبد الوهاب وأتباعه بناء القبور وإقامة أيّ شكل من أشكال الأضرحة بدعة وكفراً، ولهذا السبب فقد عمدوا الى هَدم وتخريب القبور في البقيع واحد ومكّة وباقي الأماكن الاخرى ومحو آثارها بالكامل تقريباً، وسوّوها بالأرض تماماً.
وتوجد مذاهب اخرى في العربية السعودية، في المدينة ومكّة وقطيف، وهناك أيضاً أقلية من الشيعة.
مكّة هي امُّ القرى ، ومركز ظهور الدين الإسلامي الحنيف، وهي إضافة إلى ما ورثته من الشّرف والقدّسية منذ بَدأ الخليقة، وعلى الأخص منذ زمن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، فقد نزلت الى آيات القرآن المُبين على الرسول
ص:2
الأكرم صلى الله عليه و آله.
مكّة هي مسقط رأس الرسول صلى الله عليه و آله وأمير المؤمنين عليه السلام والزهراء البتول عليها السلام.
تقع مكّة على إرتفاع (330) متراً عن سطح البحر، وتُحيط بها عدّة سلاسل من الجبال. تُقدّر المسافة بين مكة وميناء جدّة بحوالي (80) كم، وتتراوح درجات الحرارة فيها صيفاً وشتاءً بين (18- 47) درجة مئوية فوق الصفر.
وبالرغم من أنّ هذه المدينة معروفة بقدسيتها منذ القدم، إلّاأنَّ ما هو معروف من تأريخها، باستثناء انشائها وتأريخها المعاصر، غير واضح تماماً. ذكرها القرآن الكريم بأنّها المكان الذي سُكِنَ أوّل ما سُكن من قِبَل إبراهيم وعائلته حيث لم يكن فيها لا زرع ولا ماء، حتى سكنها قومٌ يُدعون بالعماليق واستولوا عليها وذلك في القرن الرابع الميلادي على أثر تزعزع الظروف الاجتماعية والاقتصادية في جنوب الجزيرة، فهاجر نتيجة لذلك أقوام من الجنوب الى نقاط ونواحٍ اخرى في شبه الجزيرة.
فسكن قوم يُعرفون ب «جُرهم» مكّة وأخذوا على عاتقهم تصريف الأمور الإدارية فيها. ثم سكنتها بعدهم قبيلة خزاعة وتسلطوا عليها. ثم جاء قصي بن كلاب الجد الأعلى لرسول اللَّه صلى الله عليه و آله بقبيلة قريش، التي كانت تسكن آنذاك في أطراف مكّة وشعاب جبالها، جاء بها إلى مكّة وأخذ بيده زمام امور المدينة وأسس فيها داراً للندوة، وذلك في القرن السادس للميلاد.
وكان دار الندوة هذا أول مجلس استشاري يُؤسس في جزيرة العرب كلها. ثم صار هذا المجلس بعد ذلك دار سُكنى للخلفاء والامراء. حتى آلَ بناؤه الس السقوط وصار جزءاً من المسجد ولم يبق له أثر بعد ذلك الى اليوم.
وهو إسم المسجد الذي يُحيط بالكعبة الشريفة من كلّ أطرافها ويعدّ أقدم وأشهر مسجد في تأريخ الإسلام.
ويذكر التأريخ أنَّ الناس في مكّة كانوا يشيدون دورهم بالقرب من الكعبة حتى بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله ثم امتنعوا عن ذلك في زمن الخلفاء، واضيفت تلك المساحات الباقية الى مساحة المسجد الكلّية حتى وصل الى وضعه الحالي ومساحته الحالي والبالغة حوالي (000/ 180) متر مربع. وبُنِيَت للمسجد اثنان وستون باباً كبيراً وصغيراً، فيها ثلاثة أبواب كبيرة أصلية وهي «باب العمرة» و «باب السلام» و «باب الملك عبد العزيز»، وتعلو كلًا من هذه الأبواب منارتان بارتفاع (92) متراً على قاعدة أبعادها (7* 7) متر، وفوق كلّ منارة وُضِعَ شكل هلالي ارتفاعه (6/ 5) متر من البرونز المُذَهَّب. وتستقر سابع المنائر في المسجد على «باب الصفا». ويَسَعُ المسجد بمساحته الحالية حوالي خمسمئة ألف مُصلٍّ.
الكعبة بناءٌ مربّع ومسقَّف يَقع داخل المسجد الحرام، ويبدو منظرها الخررجي على شكل قطع أحجار رماديّة اللّون، يغطّيها طوال العام سِتارٌ أسود طُرِّزَت حاشيته العُليا بخيوط من الذّهب. يبلغ ارتفاع الكعبة الشريفة حوالي (15) متراً. ويبلغ طول ضلعها الغربي (حيث يعلوه الميزاب) (12 متراً ز (15) سانتيمتراً، والضلع الشرقي (15) متراً و (92) سانتيمتراً والضلع الجنوبي (10) أمتاراً و (25) سانيمتراً.
وتستقرّ باب الكعبة عند ضلعها الشرقي ويبلغ ارتفاعها عن الأرض مترين، حيث تكون مغلوقة طول العام
ص:3
باستثناء الأيام التي يُغْسَلُ فيها داخل الكعبة.
كلّ ضلع من أضلاع الكعبة الأربعة أو أركانها له اسمٌ خاصّ به: فالركن الشمالي يُدعى ب «الركن العراقي» والغربي ب «الركن الشّامي» والجنوبي ب «اليماني» والشرقي ب «الأسود».
الكعبة مرّبة الشكل تحتوي على ثلاث أعمدة في الداخل، وقد عُمّرت ورُقّمت جدرانها الداخلية سنة (1996 م) واضيفت اليها أحجار جديدة أيضاً.
وهو حجارة سوداء اللّون تميل الى الحمرة تقع في الركن الشرقي على ارتفاع متر ونصف المتر عن الأرض. وهو بيضوّي الشكل يبلغ قطره (30) سانتيمتراً وتُرى فيه نُقاط حمراء اللّون، ويستقرّ الحجر الأسود داخل مِحفظة من الفِضّة.
يقع الميزاب على سطح الكعبة بين الركن الشمالي والغربي وفوقَ حجر إسماعيل. ويُقال: إنَّ أوّل من وضعه هو الحجّاج بن يوسف لمنع تجمّع مياه الأمطار على السطح. وقد جاء في الروايات أن الدّعاء تحت ذلك الميزاب مُستجاب.
يستقر حجر إسماعيل بين الركن الشمالي والركن العراقي على شبه جدار بشكل نصف دائرة وعلى ارتفاع (40/ 1) متراً وبعرض (50) سانتيمتراً. وقد قيل: إن هاجر وإسماعيل وسبعين نبيّاً من أنبياء للَّه مدفونون عنده.
وهو ذلك الجزء من حائط الكعبة الواقع بين الحجر الأسود وباب الكعبة. وقد سميّ بذلك؛ لأنّ الحجيج يعتقدون بوجوب وقوفهم هناك والدّعاء عنده.
ويقع مقابل باب الكعبة عند الركّن اليماني، ولما كانت الكعبة فيما سبق لها بابان، كانت إحدى البابين تقع في هذا المكان ثمّ اغْلِقَت بعدها.
ويُقال أنّها المكان نفسه الذي فُتِحَ لفاطمة بنت أسد عندما أرادت أن تَلِدَ عليّاً عليه السلام.
ص:4
يُطلق على البُروز أو النتوء الذي يقع أطراف جدار الكعبة.
وهو بناء تَعلوه قبّة صغيرة ذهبية اللّون على بعد حوالي (13) متراً من جدار الكعبة من جهة الحجر الأسود.
وتستقر داخل ذلك البناء حجارة عليها أثر قدمٍ يُقال أنّها قدم إبراهيم عليه السلام. وكانت تعلو هذا المكان قديماً قبة كبيرة مَبنيّة من الآجر والطابوق والخشب مزيّنة أطرافها بآيٍ من الذكر الحكيم، إلّاأنّها هُدّمت بأمر من الحكومة السعودية سنة 1385 ه. بحجة أنّها كانت تشغل مساحة واسعة من المطاف، وبني مكانها ضريح صغير بشكله الحالي.
على بناء الكعبة الشريفة يُوضع ستارٌ أسود يُدعى «الكُسوة» أو «ستار الكعبة». وكان تُبَّع أول من كسى الكعبة بهذا الستار. كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كذلك يُرسل من العراق ستاراً تُكسى به الكعبة المشرفة. ولما وصل الخليفة العباسي المهدي الى سدّة الحكم، شكى إلهى سدنة الكعبة تجمّع الأستار على الكعبة وأنّها قد تُلحق ضرراً بها لثِقَلِها. فأمر المهدي بإزالة تلك الأستار وإبقاء ستاراً واحداً عليها. ثم أمر كذلك بتبديل السّتار كل عام مرّة واحدة فأضحت هذه الطريقة مُتّبعة الى يومنا هذا. وقد طُرِّزت أطراف السّتار العليا بالآيات القرآنية.
لما جاء إبراهيم بزوجته هاجر وولده اسماعيل الى مكّة وأسكنهما قرب الكعبة، اشتدّ العطش بالرضيع إسماعيل فطفقت امّه تركض هنا وهناك بين الصفا والمروة تبحث عن شربة ماء لولدها الذي كاد العطش يُهلكه لكن بحثها كان دائماً يبوء بالفشل حتى ضرب جبريل بجناحه أو قدمه الأرض فإنجبست ماء زمزم من ذلك المكان. ثم اندرست آثار البئر تلك بعد مدّة حتى حفرها عبد المطلب ثانية فصار الحجيج يستقون منها منذ ذلك الحين.
وهما إسمان لجبلين يقعان في طريق المسعى حين يتوجّب على الحجيج في موسم الحج قطع المسافة بينهما سبع مرات. ومع ازياد مساحة المسجد الحرام، صار المسعى والمسجد الحرام متصلين مع بعضهما البعض. يبلغ طوله (5/ 394) متراً وعُرضه (20) متراً وارتفاع طابقه الأول (12) متراً وطابقه الثاني (9) أمتار. وتبلغ عدد أبواب المسعى جميعاً (18) باباً.
يقع غار حِراء في جبل شامخ شمالي مكّة ويُشرف على منىً، الذي يقع عند جهته الجنوبيّة، على مسافة (160) متراً من قمة ذلك الجبل، ويُعتبر أحد الأماكن المقدّسة في مكّة المكرّمة. كان النبي محمد صلى الله عليه و آله يخلو بنفسه هناك مناجياً رَبّه قبل البعثة النبوية الشريفة. وفيه نزلت الى آي القرآن الكريم على الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله.
ص:5
وُلِدَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف الثقفي. ثم أسست الخيزران ام هارون هناك مسجداً ليقيم الناس فيه صلاتهم. ولمّا هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه و آله من مكة الى المدينة، استولى عقيل على تلك الدار ثم باعها. ثم جدّ بناءها السلطان محمد بن السلطان مراد العثماني سنة 1009 ه. وشيّد لها قبّة ومنارة وعيّن لها مؤذّناً وسادناً وإمام جماعة. وهي اليوم مكتبة عامّة مشهورة في مكة.
وهي الدار نفسها التي كان الرسول صلى الله عليه و آله والمسلمون الأوائل يجتمعون فيها ابّان الدّعوة الإسلامية خُفية فيعبدون اللَّه ويصلّون له. كانت دار الأرقم قريبة من الصفا خارج المسجد الحرام، ثم بَنَوا في مكتبة تعرّضت للخراب سنة (395 ه) وهي اليوم ضمن ساحة تقع مقابل الصفا والمروة.
يقع جبل ثور على مسافة ثلاثة كيلومترات جنوب مكّة وجنوب منطقة تُسمى «المسفلة» وفيه غار ثور المعروفد ويُنسب هذا الغار الى ثور بن عبد مناف، وكان النبي صلى الله عليه و آله قد اختبأ فيه ثلاثة أيام بلياليها في طريق هجرته الى المدينة المنوّرة حيث حماه اللَّه سبحانه وتعالى بخيوط العنكبوت على باب الغار وأنجاه من غدر المشركين، حيث واصل صلى الله عليه و آله مسيره الى المدينة.
شعب أبي طالب أو ما يُسمى أحياناً بشعب علي هو ذلك المكان الذي اضطر المشركون في مكّة النبيّ صلى الله عليه و آله وبني هاشم للإقامة فيه حوالي ثلاثة سنوات محاصرين ومُهدَّدين لا يزورهم أو يعودهم أحد من الناس من أهل مكّة أو سواها، ما نعني المعاملة معهم بكل أشكالها. ويواجه هذا الشِّعب جبل أبي قُبيس، وقد اسست هناك مكتبة مكّة، وهي قريبة من المسجد الحرام اليوم.
وهي صحراء تمتدّ حوالي (12) كم في ستة كيلومترات ونصف الكيلومتر. وتقع على بُعد (21) كيلومتراً شمال مكّة في بداية الطريق الى الطائف. ويُقال انَّ آدم وحواء التقيا هناك بعد نزولهما من الجنة. ويقع شمال هذه الصحراء جبلٌ يُسمى «جبل الرحمة» أو «جبل عرفات» وقد زُرِعت الأشجار في صحراء عرفات مؤخراً. ويتوجّب على كلّ حاجّ الوقوف قربة الى اللَّه تعالى في هذه الصحراء وذلك من ظهر يوم التاسع من ذي الحجة الى الغروب الشرعي لذلك اليوم.
ص:6
المشعر أو المُزدلفة هي المكان الذي يقصده الحجيج بعد مجيئهم من عرفات، ويمكثون هناك حتى طلوع الشمس. ويقع المشعر بنى مضيقي عرفة من ناحية ومحسّر من الناحية الاخرى .
وهو وادٍ عرضه سبعمائة متر تقريباً وطوله كيلومتران ونصف، حيث يجب على الحجيج المكوث فيه من شروق شمس اليوم العاشر وحتى ظهر اليوم الثاني عشر (عدا السّاعات التي يجوز لهم فيها تركه). وتُلفظ الكلمة أيضاً (مُنى ) و (مَنى ) و (مِنى ) ولكلث وجه من هذه التسميات الثلاث سبب.
وهي جمع جمرة، وتعني كتلة من الحجر، والجمرات الثلاث (الجمرة الأولى ، والوسطى والعقبة) هي في منى وبالقرب من مكّة حيث ذكر أنَّ آدم رمى الشيطان في هذا المكان بالجمرات وطرده عنه. فعلى سُنَّة آدم وكفرض ديني يقوم الحجّاج من اليوم العاشر الى الثاني عشر برمي جمرة نحو كل عمود من الأعمدة الحجرية.
وهو أقرب المساجد الى الحرم، ويقع على طريق المدينة، وعند أداء العمرة المفردة، غالباً، ما يُحرِم الحاج في هذا المسجد.
ويقع بالقرب من مقبرة أبو طالب، وسبب تسميتهِ بهذا الأسم، هي نزول سورة الجنّ المباركة على الرسول الكريم صلى الله عليه و آله في هذا المكان.
يقع مسجد الخيف في الطرف الجنوبي، وهو على يسار القادم من عرفات. يقال بأنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في حجّة الوداع قد نصب خيمته في هذا المكان، وأدّى الصلوات الخمس، من صلاة الظهر وحتى صلاة الصبح، في المحراب الحالي للمسجد.
وقد قام بتنفيذ أعمال التعمير عليه كل من الخليفة العباسي المعتمد في العام 256، ومحمد بن علي الأصفهاني في العام 559، وإبن المرجاني في العام 720، وقاتيباي في العام 874، والسلطان محمد قزلويه في العام 1072، وسليمان أغا نيابة عن السلطان محمد في العام 1092. وفي السنوات الأخيرة، هُدم البناء القديم للمسجد وأنشي ء مكانه مسجد فاخر وواسع.
ص:7
وهي فناء واسع يَقع بالقرب من جسر الحجون، وهي اليوم مقبرة لأهل مكّة، وفي الماضي كانت تُعرف ب (شِعب أبي دُب) وقد دُفِنَ فيها أبو طالب وخديجة الكبرى عليها السلام وعبد مناف، وعبد المطلب وعدد كبير من الصحابة والتابعين والعلماء، ويعتقد البعض خطأً بأنّ شِعب أبي طالب يقع في هذا المكان.
المدينة، هي مقصد هجرة النبي صلى الله عليه و آله، وعاصمة الحكومة الإسلامية وأشهر المدن الإسلاميّة بعد مكّة المكرّمة.
تقع على بعد خمسمائة كيلومتر شمال شرق مكّة المكرّمة وعلى ارتفاع (916) متر عن سطح البحر.
كانت تُدعى سابقاً ب (يثرب)، ويعتقد بعض المؤرخين، بأنّ قسماً من سكان مصر القُدماء، قد استولوا عليها، وذلك في القرن الثاني قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
كانت هجرة الرسول صلى الله عليه و آله إليها، السبب في شهرتها، حيث وصل إليها في العام (622) م والمصادف لشهر ربيعٍ الأول، فأصبحت (الهجرة) بداية للتأريخ الإسلامي، ولكن بداية العام الهجري اتُّخِذَ من شهر محرم.
في القرآن وسنّة النبيّ صلى الله عليه و آله وعند المسلمين عامّة، عُرِف أهل المدينة ب (الأنصار) ومُسلمي مكّة ب (المهاجرين).
في الأشهر الأولى للهجرة، آخى رسول اللَّه صلى الله عليه و آله بين جماعتي المهاجرين والأنصار، وكُتب حلف المدينة، الذي يُعتبر أشمل وأكمل اعلان لحقوق الإنسان، في أقل من عام بعد الهجرة، وأصبحت المدينة بعدها عاصمة للحكومة الإسلامية.
مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله- الذي بُني في القسم الشرقي من المدينة- هو من أشهر المساجد في التأريخ الإسلامي بعد المسجد الحرام. لمّا وصل رسول اللَّه صلى الله عليه و آله الى المدينة نزل أولًا عند أبو أيوب الأنصاري وهو المكان الذي اناخت راحلته عنده. كان الناس يُجففون التمر في الأرض التي بُنيَ عليها مسجد النبيّ صلى الله عليه و آله وكانت لطفلَيْين يتيمَيْن فأشتراها النبيّ صلى الله عليه و آله بعشرة دنانير من وليّ أمر الطّفِلَيْن ثم بُني عليها المسجد المذكور. كانت مساحة الأرض في ذلك الوقت حوالي (750) متر مربعاً وأبعادها (30* 25) متراً. وفرِشَت صَحن المسجد بالحصى الأسود وبُنِيَتت جُدرانه بالطين والحجارة. وقد ساهم النبي صلى الله عليه و آله في بناء هذا المسجد.
وكان بعضاً من سقف المسجد قد غُطّي بأغصان وسعف النخيل وأمّا أعمدته فقد أُقيمت من جذوع النّخيل، ثم وُضعت له ثلاث بوّابات في الشرق والغرب والجنوب، كانت البوابة الاولى فيه باتجاه الشمال نحو قبلة المسلمين الأولى (المسجد الأقصى ) ثم بُدّلتت الى جهة الجنوب نحو الكعبة الشريفة. ووصلت مساحة مسجد النبي صلى الله عليه و آله في السنوات الأخيرة الى حوالي مئة الف متر مربع.
تقع الصّفة وهي ما يشبه الايوان، داخل مسجد النبي صلى الله عليه و آله وقد وُضعت أساساً للمحتاجين والمعوزين. وهذه الجماعة تُعَرف ب (أصحاب الصفة).
ص:8
قبل تغيير القبلة من بيت المقدس نحو الكعبة كان محراب رسول اللَّه صلى الله عليه و آله يقع عند الناحية الشمالية للمسجد، وبعد تحوّل القبلة، أمر النبيّ صلى الله عليه و آله بتسقيف ذلك المكان، فأصبح ملجأً ومأوى لإستراحة وسكنى المسلمين من المهاجرين والذين لا مأوى لهم، فوقع بناءه داخل المسجد عند توسيعه في السنة السابعة للهجرة.
وما يُعرف اليوم بأسم (الصفّة) تُسمى كذلك ب (دكّة الاغوات) حيث كانت مقرّاً لخوجة الحرم الذين كانت وظفتهم حراسة وخدمة الحرم إذ بُني بأمر نور الدين زنكي عام (569 ه).
بُنِيَت بيوت نساء النبي صلى الله عليه و آله والتي كانت على شكل حجرات، في أطراف المسجد، ولما انتقل صلى الله عليه و آله الى الرفيق الأعلى دُفِنَ صلى الله عليه و آله في حجرة عائشة التي كانت قريبة من المسجد.
يطلق هذا الأسم على المساحة الواقعة بين قبر النبي صلى الله عليه و آله ومنبره والبالغ طولها (22) متراً وعرضها (15) متراً.
وقد قال النبيّ صلى الله عليه و آله مراراً: «بين منبري وداري روضة من رياض الجنة».
في الجهة الغربية لمحراب المسجد يوجد منبرٌ من المرمر في منتهى الدّقةوالجمال حيث كان قد اهديَ من قِبَل السلطان مراد الثالث في محرم سن (998) للهجرة الى المسجد المنبر المذكور مكان سابقه الذي كان بأسم قايتباي.
توجد في المسجد النبوي أعمدة لكلّ واحدة منها اسمٌ خاصّ بها:
عمود المُخلقة: وهو موضوع في مكان كان مصلىً للنبيّ صلى الله عليه و آله.
عمود القرعة: ويُعرف أيضاً بعمود عائشة وقد وردت كثير من الروايات تؤكّد فضيلة الصلاة عند هذا العمود.
عمود التوبة: وُسمى كذلك بعمود أبي لبابة، كان أبو لبابة قد احتُقِرَ من قِبَل النبي صلى الله عليه و آله وأصحابه وذلك بعد اندحار بني قُريظة وبسبب ما ارتكبه من ذنب. حتى ربط نفسه بهذا العمود مُطالباً بقبول توبته فنزلت آية على الرسول تُفيد قبول توبة أبي لبابة.
عمود الحنانة: كان النبي صلى الله عليه و آله يتكأُ في بداية الأمر على جذع نخلة ثم يُلقي خطبته. فلمّا وُضِعَ للنبي صلى الله عليه و آله منبراً يخطب من فوقه، قيل، أَن انيناً كان يُسمع من ذلك الجذع يشبه صوت الناقة التي فُصِلَ عنها رضيعها.
عمود الحَرَس: كان علي عليه السلام يقف عند هذا العمود ويحرس النبيّ صلى الله عليه و آله ويُعرف هذا العمود كذلك بأسم مُصلى عليّ عليه السلام.
عمود الوفود: كان النبيّ صلى الله عليه و آله يقابل رؤساء القبائل والفوفود ورجال السياسة عند هذا العمود.
عمود السرير: كان النبيّ صلى الله عليه و آله يقضي وقته عندما كان يعتكف عند هذا العمود وكان أصحابه يفرشون سعق
ص:9
النخيل هناك لكي يستريح عليها النبيّ صلى الله عليه و آله.
كان جبريل الأمين يتشرّف بلقاء النبيّ صلى الله عليه و آله في هذا المكان.
لمّا بُني مسجد النبي وُضِعَت له عدّة أبواب لخروج ودخول الناس من والى المسجد وكان بعضاً من الصحابة قد شيّدوا بيوتهم بالقرب من المسجد وفتحوا باباً للدخول الى المسجد.
وفي السنة الثالثة للهجرة وقبل غزوة احد أمر النبيّ صلى الله عليه و آله باغلاق جميع أبواب البيوت المطلّة على المسجد ما عدى باب بيت علي عليه السلام. وقد اختلفت أعداد أبواب المسجد على مرّ التأريخ، وأشهر تلك الأبواب هي:
1- باب الرحمة.
2- باب جبرائيل.
3- باب السلام.
4- باب النساء.
وقد احتوى مسجد النبي صلى الله عليه و آله مؤخراً وبعد التوسّعات التي اجريت عليه علس عشرة أبواب.
بُنيت في زمن الوليد بن عبد الملك أربع منائز في الجهات الأربع لمسجد النبي صلى الله عليه و آله. ثم بُنيت منارة اخرى أيضاً بعد ذلك. وأمّا منائر المسجد الأصلية فكانت: منائر السليمانية، والمجيدية وتقع في جانبي الضلع الشمالي ومنائر قايتباي وباب السلام وتقع في جانبي الضلع الجنوبي وفي جهة القبلة.
تُعتبر مقبرة البقيع أقدم وأشهر مقبرة في تأريخ الإسلام. وتسمى كذلك ب «بقيع الغرقد» وتقع في الناحية الشرقية للمدينة المنورة.
وتشمل المقبرة مَزار الإمام الحسن المجتبى والإمام السّجاد والإمام محمد الباقر والإمام جعفر الصادق عليهم السلام وبناءً على قول البعض فإنَّ الزهراء عليها السلام مدفونة هناك أيضاً. وقد ضمّت المقبرة كذلك قبر إبراهيم ورقيّة وامّ كلثوم وزينب وبعضاً آخر من أبناء النبيّ صلى الله عليه و آله. ويُذكر أنَّ فاطمة بنت أسد أمّ الإمام علي عليه السلام والعباس بن عبد المطلب عمّ النبيّ صلى الله عليه و آله وزينب بنت خزيمة وريحانة ومارية القبطية وزينب بنت جحش وامّ حبيبة وحفصة وسودة وصفية وجويرية وعائشة وامّ سلمة (زوجات النبيّ) مدفونون في هذا المكان أيضاً.
وقيل أنَّ الكثير من الشخصيات المعروفة مدفونة في البقيع، أمثال محمد بن الحنفية بن الإمام علي عليه السلام وعقيل بن أبي طالب أخي الإمام علي عليه السلام وعبداللَّه بن جعفر زوج السيدة زينب عليها السلام واسماعيل بن الإمام الصادق عليه السلام وعاتكة وصفية عمّتي رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وكثير من الصحابة والتابعين والعلماء.
ص:10
توجد في المدينة مساجد عديدة، منها:
1- مسجد قبا، 2- مسجد ذو القبلتين، 3- مسجد الجمعة، 4- مسجد فضيخ، 5- مسجد الفتح، 6- مسجد علي، 7- مسجد غمامة، 8- مسجد الاجابة (المباهلة)، 9- مسجد فاطمة الزهراء، 10- مسجد الإمام علي بن أبي طالب، 11- مسجد سلمان، 12- مسجد الشجرة، 13- مسجد معرّس، 14- مسجد ثنية الوداع، 15- مسجد أبو ذر، 16- مسجد السُّقيا، 17- مسجد ومشربة امّ ابراهيم.
كانت منطقة قبا ضَيعة على بعد ميلَيْن من المدينة، حيث كان يسكنها بني عمرو بن عوف ابّان هجرة النبي صلى الله عليه و آله الى هذه المنطقة. وبعد وصول النبي صلى الله عليه و آله الى المدينة بُني أوّل مسجد باسم مسجد قبا بمساعدة أصحابه في هذا المكان.
وتصل مساحة المسجد اليوم الى (13500) متر مربع مبنيٌّ بشكل جميل. وقد نزلت الآية الشريفة «لمسجدٌ اسِّسَ على التقوى ...» بحقّ هذا المسجد.
يقع هذا المسجد في الشمال الغربي للمدينة. وقد نزلت الآية الشريفة «فلنولينّك قبلةً ترضاها» في شهر شعبان من السنة الثانية للهجرة عندما كان الرسول صلى الله عليه و آله يؤدي صلاة الظهر فأدار صلى الله عليه و آله وجهه نحو الكعبة من القبلة الأولى (بيت المقدس). وكذكرى خالدة بُني في هذا المسجد محرابان الأول باتجاه القبلة الأولى والثاني باتجاه القبلة الجديدة.
إلّا أنّ هذين المحرابين أزيلا خلال الترميمات الأخيرة التي حدثت على المسجد. وتقدّر مساحة المسجد بعد التجديد الذي طرأ عليه مؤخراً ب (3920) متر مربع.
يُعتبر هذا المسجد من الناحية التأريخية ثاني مسجد بعد مسجد قبا.
وكان النبي صلى الله عليه و آله قد نزل في محلة كان يسكنها آل بني عمرو بن عوف في يوم الجمعة بعد مسيره من قبا الى المدينة وأقام أوّل صلاة جمعة هناك ثم اقيمَ في المكان نفسه مسجداً.
يقع هذا المسجد في نهاية شارع العوالي وهو من المساجد التأريخية المعروفة. و «فضيخ» بمعنى شرابٌ يُتّخذ من التمر. ويُقال أنّ جماعة من المسلمين كانت مشغولة بشرب الخمر هناك فلمّا بانَ عليهم أثر الشراب وقعت بينهم خصومة وشجار فنزلت الآية التي حرّمت الخمر فلمّا سمعوا بذلك تابوا وحطّموا أقداح الخمر ومن ثمّ بنوا مسجداً مكانه.
ص:11
يقع هذا المسجد في الشمالي الغربي للمدينة على سفح جبل سَلْع وعلى مرتفع منه. وكان النبي صلى الله عليه و آله قد دعا ربّه في هذا المكان لينصره في غزوة الخندق فاستجباب له ربّه واندحر المشركون. وقال البعض كذلك أنَّ سورة الفتح نزلت على الرسول صلى الله عليه و آله في هذا المكان ثم بُني المسجد المذكور على تلك الهضبة.
يقع هذا المسجد جنوب مسجد الفتح ويُشرف على واد بطحان. ويُقال أن أمير المؤمنين عليه السلام كان مشغولًا هناك بالعبادة أيام الحصار على المدينة في معركة الأحزاب. وهناك مسجد آخر بالقرب من هذا المسجد يسمى ب (مسجد فاطمة) وهو من المساجد السبعة المعروفة هناك، مسجد الفتح، ومسجد سلمان ومسجد أبو بكر ومسجد عمر ومسجد القبلَتْين.
كتب الواقدي يقول: كانت أوّل صلاة عيد يؤدّيها الرسول صلى الله عليه و آله في السنة الثانية للهجرة في المدينة قد اقيمت في الصحراء. وهكذا كان يُقيم النبيّ صلى الله عليه و آله تلك الصلاة في تلك الصحراء. ثم بُنيَ في ذلك المصلى مسجداً في القرن الثاني للهجرة. ويرجع سبب تسمية ذلك المسجد ب «غمامة» الى أنَّ النبي صلى الله عليه و آله دعا هناك بدعاء الاستسقاء فجاءت غمامة وأمطرت في الحال.
قيل في سبب التسمية بهذا الأسم أن مارية القبطية ولدت إبراهيم بن رسول اللَّه صلى الله عليه و آله في هذا المكان. وجاء في كتب التأريخ: أنّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله أقام الصلاة في مشربة أم ابراهيمد ولكلمة (مشربة) معانن منها هي الأرض الليّنة الدائمة النبات، أو الصِّفة أو هي الِقربة يُشرب منها الماء. والظاهر أنَّ المعنى الأول هو الملائم. ويذكر أنّ النبي صلى الله عليه و آله كان يضع هناك قراباً من الماء يستقي منها.
يقع هذا المسجد في نهاية شارع أبي ذَر الشمالي الحالي وقد هُدِّمَ مؤخراً واعيد بناءه بمسجد أكبر.
كان هذا المسجد يبعد حوالي فرسخاً ونصف عن المدينة ومع اتّساع رقعة البلدة قصرت تلك المسافة. وعُرف هذا المسجد بمسجد الشجرة لوجود شجرة النّبق (السِدْر) عنده. وتكمن أهمية هذا المسجد في أنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله كان قد أحرم في حجة الوداع فيه. وجدير بالذكر أن الحجّاج الايرانيين يُحرمون من هذا المسجد قبل اعمال العمرة عند ذهابهم الى المدينة. كان هذا المسجد في السابق مُحقّراً ووسخاً. وقد زيدت مساحة هذا المسجد مؤخراً (من عام 1987 فما بعد) حتى أصبح يَسع ل (5000) مصلِّ وتوجد خارج المسجد المذكور أكثر من (500) حمّاماً وما يزيد على (350) دورة مياه.
ص:12
إنّ لمسجد المباهلة قصة تأريخية معروفة.
«المباهلة» في اللغة بمعنى الملاعنة بين فريقين من باهَلَ بعضهم بعضاً بمعنى تلاعنوا. في السنة العاشرة للهجرة وردت على النبي صلى الله عليه و آله جماعة من القساوسة من أهل نجران (وهي ناحية في اليمن) وتجادلوا معه حول عيسى عليه السلام.
فقال الرسول صلى الله عليه و آله: أنَّ عيسى هو عبد اللَّه وكلمته التي ألقاها الى امّه مريم. فقالوا له: وكيف يمكن لإنسان أن يكون بدون والدٍ له؟ فنزلت آيات من القرآن الكريم تقول: أنَّ مثل عيسى كمثل آدم (الآية) فلمّا طال جدالهم، قال لهم الرسول صلى الله عليه و آله بأمر من اللَّه سبحانه: فمن حاجّك فيه من بعدما جاءك من العلم فقل تعالوا ندعُ ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة اللَّه على الكاذبين (الآية). فجاء الرسول صلى الله عليه و آله في ذلك اليوم وهو الرابع والشعرين أو الحادي والعشرين (كما روى بعضهم) بعليّ المرتضى والزهراء والحسن والحسين عليهم السلام ووقفوا جانباً. فلمّا رأى القساوسة هيبة وجلال آل بيت الرسول صلى الله عليه و آله تملكهم الخوف وتركوا المباهلة وصالحوا الرسول صلى الله عليه و آله على الجزية.
هو جبلٌ ووادٍ معروف بهذا الأسم ويقع على بعد فرسخ واحد شمالي المدينة، إلّاأنَّ هذه المسافة قصرت بسبب اتّساع رقعة المدينة وتشييد الأبنية بينها وبين ذلك الجبل.
وعند هذا الجبل نشبت ثاني معركة بين المسلمين ومشركي مكّة في السنة الثالثة للهجرة. ولما اخبِرَ النبي صلى الله عليه و آله بأنّ أبي سفيان يَسير مع جنده نحو المدينة أمر بتشكيل مجلس حربي.
فكان رأي كبار المسلمين أن تبقى المدينة في حالة دفاع إلّاأنَّ شباب المسلمين كانوا يفضلون الخروج خارج المدينة ومهاجمة الأعداء.
ولمّا كان هؤلاء الشباب هم الأكثرية قَبِلَ رسول اللَّه صلى الله عليه و آله وجهة نظرهم. فتسلّح وتهيأ للخروج. ومن جهة اخرى كان رجال أبي سفيان قد وصلوا الى ذو الحلُيفة ومن هناك ساروا الى يثرب وتوقفوا عند احد. كان عدد المسلمين لا يتجاوز الألف مقاتل. وقبل البدء بالمعركة تخلّف عبد اللَّه بن أبي مع أصحابه معترضاً وطفق راجعاً معهم قائلًا: إنَّ محمد يسمع لرأي الصغار ويتجاهل رأيي أنا. ومعروف أنَّ الآية (167) من سورة آل عمران قد نزلت بحقّ عبداللَّه هذا.
وبعد انفصال عبداللَّه وأصحابه عن النبيّ صلى الله عليه و آله، لم يبق من المسلمين مع الرسول صلى الله عليه و آله إلّا (700) مقاتل. فأمر الرسول صلى الله عليه و آله عبداللَّه بن جبير قائد الرّماة أن يثبت مكانه حتى إنتهاء المعرة ويراقب العدو لئلا يحمل عليهم من الخلف، سواء كانت المعرة في صالح المسلمين أم لا.
ومع أوّل هجوم للمسلمين تراجع جند المشركين من مكّة وانشغل المسلمون بجمع الغنائم. فلمّا رأى الرّماة ذلك نزلوا محاولين الحصول على ما يستطيعون من الغنائم لكي لا يُحرَموا منها بزعمهم، فتركوا مواضعهم خالية بالرغم من الحاح عبداللَّه بالصمود وعدم النزول كما أمر الرسول صلى الله عليه و آله. فما أنّ غادر الرّماة سفح الجبل هبوطاً الى الأسفل، هجم العدو بقيادة خالد بن الوليد علس جيش المسلمين فجأة، فانكسرت شوكتهم واسُتشهِدَ حمزة عمّ الرسول صلى الله عليه و آله مع سبعين نفراً آخرين كذلك. وقبر حمزة سيد الشهداء وقبور الشهداء معه كائنٌ على سفح ذلك الجبل.
ص:13
كان من ضمن شهداء احد من المسلمين، مصعب بن عُمير، وحنظلة غسيل الملائكة. وكان النبيّ صلى الله عليه و آله قد تأثر كثيراً لمقتل عمّه حمزة وهو الذي اطلق عليه لَقَبَ (سيد الشهداء).