آداب سفر حج

اشارة

سرشناسه : قاضي عسكر، سيدعلي، 1325 -

عنوان و نام پديدآور : آداب سفر حج/ علي قاضي عسكر.

مشخصات نشر : تهران : مشعر، 1383.

مشخصات ظاهري : 239 ص.؛ 11 × 19 س م.

شابك : 7500 ريال 964-7635-26-5 : ؛ 8000 ريال (چاپ هفتم) ؛ 12000 ريال: چاپ چهاردهم 978-964-7635-26-4 : ؛ 24000 ريال( چاپ بيست و دوم)

يادداشت : چاپ چهارم.

يادداشت : چاپ هفتم: پاييز 1384.

يادداشت : چاپ چهاردم: بهار 1387.

يادداشت : چاپ بيست و دوم:1390.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : حج

رده بندي كنگره : BP188/8/ق 2آ4 1383

رده بندي ديويي : 297/357

شماره كتابشناسي ملي : م 84-40568

ص:1

اشاره

ص:2

ص:3

ص:4

ص:5

كلمة المعهد

زيارة بيت الله الحرام، وحرم رسول الله الأكرم9، والأئمة المعصومين: وأبنائهم الكرام، ورؤية آثارهم، تبعث السرور في القلب والشوق للوصول إلى أصحابها، كما تبعث على توجيه قلوب العاشقين الوالهين باتجاه ديار المعشوق، وفي كلّ عام يستعدّ الملايين المتفانين في حبِّ الله ورسوله9 وأهل بيته: للسفر والحضور في تلك البقاع المباركة والأماكن المشرَّفه، وهذا التلهّف والشوق الذي لا يمكن وصفه، يحتاج إلى العلم والمعرفة، ليمتزج ويطابق هذا الشوقُ الشعورَ الديني، وليهيّئ الزائر للاستفادة من الجوِّ المعنويِّ المقدّس.

ولهذا ينبغي لزوّار بيت الله الحرام في الحجّ والعمرة معرفة آداب هذا السفر المبارك.

وهذا الكتاب الماثل بين يديك هو لمحة من آداب سفر الحج، قام بتأليفه سماحة الأستاذ المحققّ السيد علي قاضي عسكر، باللغة

ص:6

الفارسية، ثم قام بتعريبه الفاضل علاء الحسّون، آملين أن يستفيد الزوّار من هذا الأثر القيّم بما فيه الكفاية لهم. إنه ولي التوفيق

معهد الحج و الزيارة

قسم الأخلاق والتربية

ص:7

المقدّمة

يترك في كلّ عام مئات الآلاف من الناس مواطنهم ويتوجّهون بشوق ولهفة نحو الحرمين الشريفين لأداء أروع وأبهى العبادات، وهي العمرة والحجّ.

وكلّ واحد من زوّار بيت الله الحرام ينظر إلى هذا السفر من زاوية خاصّة تنسجم مع مستواه العلمي والمعرفي، فترى بعضهم ينتهز فرصة الحجّ ليزداد حبّاً لله، وليعود إلى بلده وقد حاز علي حجّ مقبول وسعي مشكور.

ولكن تري آخرين ممّن تحيطهم الغفلة يؤدّون مناسك الحجّ وهم ساهون بحيث لا يلتفتون إلى أنفسهم إلاّ بعد فوات الأوان، فيجدون أنفسهم قد رجعوا من سفر كان لهم كالحلم الذي انقضي من حيث لا يشعرون، فتعتريهم الحسرة والندامة، ويدركون فداحة فوات الفرصة الثمينة، التي أضاعوها بكلّ بساطة.

نعم، هناك مَن عاش فترة طويلة من عمره متمنّياً زيارة بيت الله الحرام وزيارة قبر رسول الله9 وقبور أئمّة البقيع: ويدعو الله ليلاً

ص:8

ونهارا: «اللّهمّ ارزقني حجّ بيتك الحرام في عامي هذا وفي كلّ عام ... وزيارة قبر نبيّك وقبور الأئمّة ...»(1)، وعندما يستجيب الله دعاءه، وتتوفّر له فرصة الانتفاع من هذا السّفر الإلهي، تعتريه الغفلة، ولا ينتبه إلاّ بعد عودته من الحجّ، فيرى أنّه لم ينتفع من هذا السفر، وإنّما أمضى وقته خلال الحجّ بالنزهة في شوارع وأزقّة مكّة والمدينة وأسواقهما، وتناول الأطعمة المعدّة له، والتحدّث بالكلام الفارغ مع هذا وذاك، مضافاً إلي التصرّفات التافهة التي صدرت منه هنا وهناك، وبعدها يعود إلى بلده فيستقبله أهله وأقرباؤه وأصدقاؤه، ويسألونه عن ذكريات سفره، فلا يجد عنده كلاماً ينفعهم ويفيدهم، فتعتريه الحسرة والندامة بعد فوات الأوان، ولكن لات حين مناص، وهنا تكمن الخسارة الكبرى.

ولجميع ما بينّاه يجدر بالحُجّاج أن يتعرّفوا قبل الحجّ على أهداف سفرهم هذا، وما يلزم عليهم القيام به؛ لتكون زيارتهم لبيت الله الحرام وقبر الرسول9 وقبور أئمّة البقيع المعصومين: عن وعي ومعرفة، وليكونوا بعد العودة ممّن شملتهم رحمة الله الواسعة، وأحاطتهم مغفرته الشاملة، وليعودوا وهم يلمسون

في أنفسهم الارتقاء المعنوي الذي تمكّنوا من نيله في جميع أبعاد حياتهم.

وقد ضمّ هذا الكتاب _ عزيزي القارئ _ جملة من الأخلاق


1- اُنظر: مفاتيح الجنان، أدعية شهر رمضان.

ص:9

والآداب المقتبسة من تعاليم أئمّة أهل البيت: والتي تناولت أخلاق وآداب السفر، ولا سيّما سفر الحجّ.

آملين أن يجد القارئ مبتغاه خلال مطالعة هذا الكتاب.

ص:10

ص:11

آداب سفر الحجّ

1 _ تحديد الهدف

إنّ السفر المحبّذ الّذي دعا إليه الإسلام هو السفر ذو الدوافع الدينيّة والعقلائيّة، وقد دعا الله العباد في العديد من الآيات القرآنية إلى السير في الأرض، وحثّهم علي السفر إلى مختلف البلدان؛ ليتأمّلوا في تاريخ ومصير الأُمم الماضية، ويتلقّوا الدروس والعبر من الحوادث والوقائع المتنوّعة التي واجهتها تلك الأُمم.

قال تعالى: {أَ وَ لَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} (غافر: 21)

ولأهمّيّة سفر الحجّ _ وهو سفر ديني _ يجب أن تكون دوافعه دينيّة أيضاً، وفي طليعتها دافع التقرّب إلى الله تعالى؛ ليحصل الحاجّ على ما يبتغيه منه تعالى، ويحصد ما يتوقّعه من هذا السفر.

قال الإمام الصادق7: «الحجّ حجّان: حجّ لله وحجّ للناس، فمن حجّ لله كان ثوابه على الله الجنّة، ومن حجّ للناس كان ثوابه على الناس

ص:12

يوم القيامة».(1)

يكشف لنا هذا الحديث أهمّيّة دور النيّة وتأثيرها في سفر الحجّ، فإذا كان هدف الحاجّ التقرّب إلى الله فعليه أن يطهّر قلبه من الشوائب، ويهذّب نفسه من الأدران، ويحاول أن يجعل سلوكه وجميع تصرّفاته منسجمة مع هذه الأهداف. وهذا ما يدفعه فترة حضوره في الحرمين الشريفين إلى المزيد من أداء الصلاة والدعاء والعبادة، والتفكّر في حقائق الإسلام وسيرة الأنبياء والأئمّة الأطهار وأتباعهم الأخيار، ويحوّل الحاجّ كلّ لحظة من سفره إلى فرصة للمزيد من الانتفاع، ويحارب الغفلة في نفسه، ويجاهد من أجل نيل البصيرة، ويهيّئ نفسه بشكل كامل لزيارة بيت الله في مكّة المكرّمة، وزيارة قبر نبيّه9 وقبور حججه: في المدينة المنوّرة.

وأمّا إذا كانت نيّة الحاجّ النزهة والترفيه فستكون تصرّفاته بصورة أُخرى، وستتّجه اهتماماته إلي القضايا المادّيّة، فتراه يبحث عن أفضل سكن وألذّ طعام، ويشتري أرقى بضاعة، وسيكون حضوره في الشوارع والأزقّة والأسواق أكثر من حضوره في الحرمين الشريفين، وفي نهاية السفر سيعود بزاد دنيوي يبهر العيون ويلفت الأنظار.

وقد نبّه رسول الله9 إلى هذه الحقيقة، حيث قسّم الحجّ آخر الزمان إلى ثلاثة أقسام:

الأوّل: حجّ الملوك نزهةً.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص109؛ ثواب الأعمال، ص50.

ص:13

الثاني: حجّ الأغنياء تجارةً.

الثالث: حجّ المساكين مسألةً.(1)

ولا يخفى أنّ جميع هؤلاء لا يكون لهم نصيب وحظّ من الأُمور المعنويّة قطّ.

من هنا يجب على الحجّاج أن يحدّدوا أهدافهم ودوافعهم قبل الذهاب إلى الديار المقدّسة؛ لأنّ سلوكهم وتصرّفاتهم في الحجّ ستكون بصورة عفويّة منسجمة مع الأهداف والدوافع والنوايا التي حدّدوها لأنفسهم من قبل.

2 _ التوبة والاستغفار

إذا جعل الحاجّ التقرّب إلى الله هدفاً لحجّه، فعليه بعد ذلك أن يقوم بتطهير قلبه من شوائب وأدران الذنوب والمعاصي؛ ليمتلك أهليّة لقاء الله، وجدارة الدخول في حرم الله، وكفاءة التقرّب إليه تعالى.

قال الإمام الصّادق7: «إذا أردت الحجّ فجرّد قلبك لله عزّ وجلّ... ثمّ اغسلْ بماء التوبة الخالصة ذنوبك...». (2)

الحاجّ في سفر الحجّ والعمرة ضيف الله، وحيث إنّ الله

لا ينظر إلى ظاهر الخلق، وإنّما ينظر إلى باطنهم، لهذا ينبغي

للحاجّ أن يقوم بتطهير باطنه؛ لئلاّ يفد على ربّه بباطن ملوّث


1- اُنظر: تهذيب الأحكام، ج5، ص463؛ تاريخ بغداد، ج10، ص296.
2- مصباح الشريعة، ص142.

ص:14

بالخطايا والذنوب.

ومن المتعارف بين الناس أنّهم إذا قصدوا الذهاب إلى ضيافة، فإنّهم بعد العودة من عملهم يغسلون أجسادهم، ويرتدون أجمل وأنظف ثيابهم، ويمشّطون شعورهم، ويتعطّرون، ثمّ يذهبون إلى الضيافة، وكلّما كان المضيف في أنظارهم أهمّ فسيكون اهتمامهم بمراعاة الآداب معه أكثر، فكيف لوكان المضيّف هو الله تعالي وقصَد الإنسان ضيافته؟ وهل هناك أحد أعظم من الله؟ ألا يكون ذلك بعيداً عن الأدب بأن يقصد العبد ربّه بقلب مملوء بالذنوب والمعاصي، والله محيط بجميع أفكارنا وأسرارنا وبواطننا ونوايانا وسرائرنا وجميع سلوكيّاتنا وتصرّفاتنا؟

لهذا يلزم على الحاجّ قبل الدخول في الحرمين الشريفين أن يطهّر قلبه من شوائب وأدران الذنوب، ويجب عليه أن يتوب توبةً حقيقيّة نصوحاً، كما وصفها الله تعالى بقوله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَ_سى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ}. (التحريم: 8)

والتوبة النصوح: هي التوبة المرفقة بقرار عدم العودة إلى ارتكاب الذنب أبداً، وتحتاج هذه التوبة إلى قرار حاسم وجادّ، وعزم لا يتخلّله الشكّ والترديد.

والطريقة التي أوصى بها أئمّة الدين لنيل التوبة النصوح كالتالي:

يجب على المذنب في البداية أن يندم على سوء ما صدر منه من فعل قبيح، ثمّ يتّخذ قرار عدم ارتكاب المعاصي لاحقاً، وأن لا يعود

ص:15

إلى ارتكاب الذنب الذي صدر منه سابقاً، ثمّ يطلب من الله العفو والغفران.

والذنوب أيضاً على قسمين:

الأوّل: ما ينتهك فيه حقّ الله.

الثاني: ما ينتهك فيه حقّ الناس.

والقسم الأوّل عبارة عن الذنوب التي ترتبط مباشرة بحقّ الله تعالى، من قبيل: ترك الصلاة، ترك الصوم و...

تتمّ التوبة من هذه الذنوب بأن يندم العبد إزاء معصيته

لأمر الله، ثمّ يقرّر تدارك مافات وقضاء صلواته وصيامه وأداء

فرائضه الدّينيّة في الوقت المحدّد لها، ثمّ يطلب العفو والغفران من الله تعالى.

القسم الثاني: عبارة عن الذنوب التي ترتبط مباشرة بحقّ الناس، من قبيل: الغيبة، الافتراء، السرقة، الظلم والجور و... مع أنّ فيها انتهاكاً لحرمة الباري عزّ وجلّ.

والتوبة من هذه الذنوب _ بعد إظهار الندم واتّخاذ قرار ترك الذنب _ أن يقوم العبد مهما أمكن بإرضاء الّذين ظلمهم حقّهم، ثمّ يطلب من الله تعالى العفو والغفران، وإذا كان قد غصب مالاً فعليه أن يُرجعه إلى صاحبه، وإذا كان ممّن يجهل صاحب المال فعليه أن يتصدّق نيابةً عنه بإذن مرجع التقليد، وإذا كان قد استغاب شخصاً فعليه أن يطلب منه براءة الذمّة، ثمّ يستغفر الله.

ويعدّ الندم على الذنب منطلقاً للتوبة والدخول في نطاق

ص:16

المغفرة الإلهيّة.

قال تعالى: {وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ}. (هود: 3)

3 _ الإخلاص في النيّة

إنّ الإخلاص شرط أساسي لقبول جميع العبادات، ومَن مزَج عبادته بالعُجب، أو الرياء، أو نيل الأطماع الدنيويّة، فإنّه لن ينتفع في الآخرة من عبادته قطّ.

وتكمن أهمّيّة الإخلاص في قبول جميع الأعمال العباديّة حتّى الجهاد في سبيل الله، فإذا كان دافِعُ المجاهد في ساحات القتال نيلَ غنائم الحرب أو الهيمنة على العدوّ من منطق التغلّب أو الانتقام، ثمّ قُتل في هذه الحرب، فإنّه لا يُعدّ شهيداً.

قال رسول الله9: «إنّما الأعمال بالنيّات».(1)

وقال9 في حديث آخر: «إذا عملت عملاً فاعمل لله خالصاً، لأنّه لا يقبل من عباده الأعمال إلاّ ما كان خالصاً».(2)

ومن هذا المنطلق يجب على الحجّاج أن تكون حركاتهم وسكناتهم وجميع تصرّفاتهم في أرض الوحي مصحوبة بنوايا خالصة ودوافع نقيّة، وأن تكون قلوبهم متوجّهة لله فقط، وأن تكون دوافع أعمالهم التقرّب إلى الله سبحانه وتعالى فحسب.


1- صحيح مسلم، ج6، ص46؛ كنز العمال، ج2، ص727.
2- بحارالانوار، ج77، ص103.

ص:17

قال أميرالمؤمنين7: «كيف يستطيع الإخلاص من يغلبه الهوى».(1)

ويجب على الحجّاج أن يبدأوا سفرهم بمجاهدة نفوسهم، فإذا تغلّبوا علي أهوائهم النفسيّة فإنّهم سيتوجّهون بكلّ كيانهم نحو الباري عزّ وجلّ، بنفوسٍ مهذّبة وقلوبٍ متلهّفة، وهذا ما يؤدّي إلى حصولهم على الأجر العظيم منه تعالى.

قال الإمام الحسن العسكري7: «لو جعلتُ الدنيا كلّها لقمة واحدة، ولقمتها من يعبد الله خالصاً، لرأيتُ أنّي مقصّر في حقّه».(2)

4_ الزاد الحلال

يجب على الحاجّ أن يهيّئ نفقات سفره والعدّة التي يحملها معه من المال الحلال؛ لينال بذلك توفيق العبادة، ويحظى بحلاوة المناجاة مع الله في أفضل بقاع الأرض، ويتمتّع بالأُنس واللذّة في تقرّبه إلى الله عزّ وجلّ.

قال تعالى مخاطباً رسله: {يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ}. (المؤمنون: 51)

وقال تعالى في آية اُخرى مخاطباً المؤمنين: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ اشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ}. (البقرة: 172)

لقد دأب الأنبياء وجميع المؤمنين علي أكل الطيّبات ممّا رزقهم الله


1- غرر الحكم، ص 306.
2- بحارالأنوار، ج70، ص245.

ص:18

تعالي، وعلى الذين يمتلكون الأموال المختلطة بالحرام أو الشبهات أن يزكّوا أموالهم قبل سفر الحجّ، وأن يدفعوا الخمس والزكاة الواجب عليهم ويردّوا المظالم، ويرجعوا أموال الناس الّتي احتجزوها عندهم إلى أصحابها، ثمّ يقوموا بأداء مناسك الحجّ، وإن لم يفعلوا ذلك فسيكون دخولهم إلى الميقات من دون إذن الله تعالي، ومن لم يأذن الله له بالدخول في حريمه فسيكون دخوله مجرّد دخول ظاهري، غير مقبول عند الله عزّ وجلّ.

قال الإمام الباقر7: «لا يقبل الله عزّوجلّ حجّاً ولا عمرة من مال حرام».(1)

وقال7 في حديث آخر:

من أصاب مالاً من أربع لم يقبل منه في أربع: من أصاب مالاً من غُلول أو رباً أو خيانة أو سرقة، لم يقبل منه في زكاة ولا في صدقة ولا في حجّ ولا في عمرة.(2)

وقال رسول الله9 أيضاً: «إذا حجّ الرجل بالمال الحرام، فقال: لبّيك اللّهمّ لبّيك، قال الله: لا لبّيك ولا سعديك حتي تَرُدَّ ما في يديك».(3)

وجاء عنه9 في حديث آخر: «... وحجّك مردود إليك».(4)

وقال أحمد بن حنبل في أشعار منسوبة إليه:


1- بحارالأنوار، ج96، ص120.
2- أمالي الصدوق، ص442.
3- هداية السالك، ج1، ص136
4- المصدر نفسه.

ص:19

إذا حججت بمال أصله سحت

فما حججت ولكن حجّت العيرُ لا يقبل الله إلاّ كلّ طيّبة

ما كلُّ من حجّ بيت الله مبرور(1)

5 _ التوديع وطلب براءة الذمّة

يجدر بمن يقرّر حجّ البيت الحرام أن يخبر إخوانه المؤمنين، وقد أوصى الإمام الصادق7 بذلك نقلاً عن رسول الله9، حيث قال9: «حقّ على المسلم إذا أراد سفراً أن يُعلم إخوانه، وحقّ على إخوانه إذا قدم أن يأتوه». (2)

والقيام بهذا العمل له ثمار وبركات عديدة، منها: تمتين العلاقات، وزرع المحبّة في النفوس، وتقليل الفجوة بين الإخوان.

ولا شكّ أنّ الحياة الاجتماعيّة تلازم وقوع الاختلافات والمشاكل بين الناس؛ إثر احتكاك بعضهم ببعضٍ، في الشوارع والأسواق، أو في منازلهم ومحالّ عملهم، وهذا ما يوجب نشوء بعض المنغّصات والحساسيّات فيما بينهم، فتري هناك زوجين مختلفين قد حصل بينهما سوء تفاهم أدّي إلي عدم ارتياح أحدهما للآخر، أو كان الاختلاف بين الأب والأبناء، أو الإخوة و الأخوات، أو الجار وجاره، أو الزملاء فيما بينهم، أو بين عامّة الناس.

فإذا كان الإنسان ممّن تعدّى على حقوق الآخرين، فاستغابهم أو صدر منه الظلم إزاءهم، بأيّ نحو من الأنحاء، أو تعامل معهم بصورة


1- هداية السالك، ج1، ص137.
2- وسائل الشيعة، ج11، ص448.

ص:20

لا تليق بهم، أو خاطبهم بكلمة نابية أثارت استياء هم، فعليه قبل التوجّه إلى الحجّ، وعند توديعهم، أن يطلب براءة الذمّة منهم، ويقول لهم: بأنّني متوجّه إلى بيت الله الحرام، وسأكون ضيفاً في رحاب الله، وهو محيط بسريرتي، فلا أرغب أن أفد عليه تعالى بسريرة ملوّثة بشوائب المعاصي والتعدّي على حقوق الآخرين، وسأدعو لكم في هذا السفر، فإذا كان لكم في ذمّتي حقّ فأرجو براءة ذمّتي، وأن تسقطوا ذلك الحقّ.

ولا شكّ أنّ هذا النمط من التعامل يثير عواطف الطرف المقابل، ويحرّك مشاعره ويدفعه إلى الرضا عنه، وهذا ما يوجب هيمنة الأجواء المعنويّة على حياة الحاجّ وحياة الآخرين، ويوفّر الأرضيّة المناسبة لمزيد انتفاع الحاجّ من حجّه؛ لأنّ الحاجّ بمبادرته هذه يكون ممّن قصد أن يملأ قلبه من محبّة الله، وهو يعلم بأنّ بقاء جزء يسير من الحقد في قلبه إزاء الناس يحرمه من التوجّه الكامل إلى الله تعالي، وهذا ما يدفعه إلى تطهير قلبه من الشوائب بصورة كاملة، فيكون قلبه مستعدّاً تمام الاستعداد لتقبّل النفحات الإلهيّة المقدّسة.

ومن أهمّ الأُمور الّتي يجدر الانتباه إليها هنا: أنّ الشيطان لا ينفكّ عن وسوسة الإنسان في هذا المجال، فيقول له بأنّ طلبك براءة الذمّة من الآخرين ذلّة ونقصان لمنزلتك الاجتماعيّة، فيصدّه بذلك عن عمل الخير، ولكن ينبغي للحاجّ أن يدركَ بأنّ الاجتناب عن الغرور والكبر يعين صاحبه على تطهير نفسه من الذنوب والمعاصي، ويمهّد له السبيل لتشمله المغفرة الإلهيّة، وإذا لم يتغلّب الحاجّ قبل سفره

ص:21

على رذيلة الكبر في نفسه، فإنّه سيعيش حالة الحرمان المعنوي في سفره نتيجة الحُجب المحيطة به.

قال الإمام الصادق7: «كان أبي يقول: من أمّ هذا البيت حاجّاً أو معتمراً مبرّأً من الكبر، رجع من ذنوبه كهيئة يوم ولدته أُمّه».(1)

إذن يلزم على الحاجّ أن يطلب براءة الذمّة من أقربائه وأصدقائه وجيرانه وزملائه قبل التوجّه والسفر إلى الديار المقدّسة.

6_ ارتقاء مستوى الوعي الديني

إلمام الحاجّ بأهداف الحجّ يعينه علي أن تكون خطواته في جميع حركاته خطوات واعية، وأن يكون ذا أُفق واسع في الرؤية عند أداء المناسك، فقد قال رسول الله9 في خطبته المهمّة في غدير خمّ: «معاشر الناس! حجّوا البيت بكمال الدين والتفقّه، ولا تنصرفوا عن المشاهد إلاّ بتوبة وإقلاع».(2)

إنّ للحجّ أهدافاً كثيرة، وقد أشارت جملة من الأحاديث الشريفة إلي هذه الأهداف، وإليك بعض هذه الأحاديث:

قال رسول الله9: «إنّما جعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله».(3)

وقال الإمام عليّ7 في الحجّ: «جعله سبحانه علامة لتواضعهم


1- الكافي، ج4، ص252.
2- الحجّ والعمرة في القرآن والسنّة، ص257.
3- سنن أبي داود، ج2، ص179.

ص:22

لعظمته...، وجعله سبحانه وتعالى للإسلام علماً وللعائذين حرماً».(1)

وقال7 أيضاً:

جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة ووسيلة إلى جنّته، وعلّة لمغفرته، وابتلاء الخلق برحمته...، ولكن الله عزّوجل يختبر عبيده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بألوان المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره؛ إخراجاً للتكبّر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في أنفسهم. (2)

وقال الإمام الرضا7:

إنّ علّة الحجّ ... ترك قساوة القلب، وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس عن الفساد.... (3)

وقال الإمام الصادق7:

فجعل فيه الاجتماع من المشرق والمغرب؛ ليتعارفوا وليتربّح كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتُعرف آثار رسول الله9 و.... (4)

وبعد هذا نقول: هل يمكن نيل هذه الأهداف بمجرّد معرفة أحكام الحجّ ومناسكه؟ الجواب: كلا!

وعليه فينبغي للحاجّ أن يُعدّ نفسه عدّة أشهر قبل أداء فريضة


1- نهج البلاغة، الخطبة 1.
2- الكافي، ج4، ص200.
3- علل الشرايع، ص404.
4- المصدر نفسه، ص405.

ص:23

الحجّ، فيطالع الكتب، ويلزم نفسه ببعض المجاهدات الجسديّة والنفسيّة؛ لكي يتمكّن من التهيّؤ إلي نيل الأهداف المطلوبة، وإلاّ فمجرّد الاشتراك في اجتماعات محدودة تُعقد من قبل قوافل الحجّ لا يؤدّي المطلوب.

قال الإمام الصادق7 لعيسى بن أبي منصور: «يا عيسى، إنّي أُحبّ أن يراك الله عزّوجل فيما بين الحجّ إلى الحجّ وأنت تتهيّأ للحجّ».(1)

ومن المعلومات التي يلزم، أو يجدر الإلمام بها في هذا السفر، ما يلي:

1_ الأحكام العامّة، من قبيل: الوضوء، الغسل، التيمّم، الطهارات والنجاسات و ... .

2_ مناسك الحجّ.

3_ أسرار ومعارف الحجّ.

4_ تاريخ الإسلام.

5 _ معرفة الأماكن والآثار الإسلاميّة الموجودة في الحرمين الشريفين.

6_ آداب وأخلاق سفر الحجّ.

7_ آداب ومعاشرة المسافرين معه وسائر المسلمين الوافدين للحجّ.

8 _ التعرّف على سيرة الرسول9 وأئمّة أهل البيت: (السيرة


1- الكافي، ج4، ص281.

ص:24

العلميّة والعمليّة).

9_ التعرّف على عقائد مذهب أهل البيت: من أجل الدعوة إلى الحقّ.

10_ معرفة مفهوم الزيارة، آداب مخاطبة الرسول9 والأئمّة:، مضامين نصوص الزيارات و... .

11_ التعرّف على المذاهب الإسلاميّة، ومسائلهم العقائديّة والفقهيّة من أجل الوقوف بوجه أيّة حركة تستهدف التفرقة بين المسلمين.

12_ إجادة إحدى اللغات العالميّة الرائجة، وأهمّها اللغة العربيّة من أجل التواصل مع سائر المسلمين.

13_ الإلمام بالمعلومات الصحّيّة والقانونيّة.

14_ معرفة المناطق التي يقصدها الحاجّ والإلمام بالقوانين الحاكمة فيها.

فيا ترى كم يحتاج الحاجّ من الوقت من أجل الإلمام بالمعلومات التي أشرنا إليها؟ وكم عدد الكتب التي ينبغي له مطالعتها؟ وكم يتطلّب الأمر من الاجتماعات التعليميّة التي ينبغي عقدها من أجل رفع المستوى العلمي لمن يقصد الحجّ؟

7_ تعلّم أحكام ومناسك الحج

من جملة المعلومات التي يحتاج الحاجّ الإلمامَ بها: أحكام ومناسك الحجّ، حيث يمتاز هذا التعلّم بأهمّيّة خاصّة؛ لأنّ صحّة وبطلان أعمال

ص:25

الحاجّ متوقّفة على معرفته لهذه الأحكام.

ومسائل وتفريعات الحجّ أيضاً كثيرة جدّاً، بحيث قال زرارة _ وهو من أصحاب الإمام الصادق7 _ :

قلت لأبي عبدالله7: «جعلني الله فداك، أسألك في الحجّ، منذ أربعين عاماً فتفتيني» فقال: «يا زرارة، بيت يحجّ قبل آدم7 بألفي عام تريد أن تفنى مسائله في أربعين عاماً؟!».(1)

وكلّما كان الحاجّ أكثر إلماماً بأعمال ومناسك الحجّ كان

عمله أقرب للصحّة، وهذا ما يتيح له فرصة المزيد من الاهتمام بأسرار ومعارف أعمال الحجّ والانتفاع من الفوائد المعنويّة التي يحصل عليها من هذا الاهتمام، ولكنّنا نجد _ مثلاً _ بعض الحجّاج في الميقات يشغلهم كيفيّة تلفّظ النيّة عن الاهتمام بذكر الله والإنابة والتوبة والبكاء، وهذا ما يمنعهم من اللذّات المعنويّة، فيعيشون حالة الحرمان من الانسياب في رحاب الجمال الإلهي، في حين أفتى جميع الفقهاء بعدم لزوم تلفّظ النيّة، ويكفي استحضارها في القلب والفكر.

قال رسول الله9: «تعلّموا مناسككم، فإنّها من دينكم».(2)

كما ينبغي أن لا يؤدّي الاهتمام بتعلّم مناسك الحجّ إلى خلق حالة من الهاجس والخوف والتوتّر في نفسيّة الحاجّ؛ لأنّ العلم بالمناسك لا يشكّل معادلة معقّدة أو لغزاً يصعب حلّه، بل لا يلزم


1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص519.
2- تاريخ دمشق، ج26، ص211.

ص:26

الأمر أكثر من انتباه وتركيز فحسب، والمسألة تشبه حركة السائق نحو المكان الذي يقصده، فإذا ترك السائق المقود أو أداره نحو اليمين أو اليسار بصورة عشوائيّة، فسيؤدّي به الأمر إلى عدم الوصول إلى المقصد، فعلى الحاجّ أيضاً أن يكون منتبهاً في أعماله؛ لئلاّ يواجه أيّة مشكلة في أداء مناسكه.

وعندما ذهب الرسول9 للحجّ اغتنم الفرصة، وبدأ يعلّم الناس مناسك حجّهم بصورة عمليّة، ويقول ابن عمر: «كان رسول الله إذا كان قبل التروية بيوم خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم».(1)

8_ توفير قوت العيال

لا يقتصر التأثير الروحي والمعنوي للسفر إليٰ الحجّ عليٰ نفسيّة الحاجّ فقط، بل يعمّ بذلك جميع أفراد عائلته وأقربائه أيضاً، ولهذا يجب على الحاجّ من أجل إبقاء هذا التأثير أن يهتمّ بجميع المسائل الجانبيّة، والتي منها توفير مؤونة أُسرته وتأمين جميع ما يحتاجونه عند غيابه؛ لكي لا تواجه أُسرته أيّة مشكلة حادّة في خصوص قوتها ومصاريفها الماليّة عند غيابه.

ولهذا اعتبر الشارع المقدّس أنّ الإنسان لا يبلغ حدّ الاستطاعة لأداء الحجّ إلاّ بعد تمكّنه من توفير قوت أُسرته وقوت من يعوله، إضافة إلى توفير نفقات سفره، وأن لايؤدّي سفره إلي الحجّ إلي أن


1- الحجّ والعمرة في الكتاب والسنّة، ص246.

ص:27

يعيش الفاقة بعد عودته.

فقد نُقل في الوسائل أنّ أحدهم سأل الإمام الصادق7 عن قول الله تعالى: {وَ لِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}. (آل عمران: 97) فقال7: «... السعةُ في المال إذا كان يحجُّ ببعض ويُبقي بعضاً لقوت عياله».(1)

وقد بيّن الإمام الصادق7 في حديث آخر بأنّ الحجّ إنّما يجب على من يستطيع إليه سبيلاً، ومنه امتلاك تكاليف السفر والمركب، والصحّة الجسديّة، وقوت العيال، والمصاريف المطلوبة لتوفير متطلّبات حياته بعد العودة من الحجّ.

وذكر صاحب الجواهر= أيضاً بأنّ الشرط الرابع من شروط الاستطاعة، هو امتلاك القدرة الماليّة على توفير احتياجات سفره ومتطلّبات عائلته عند غيابه، وقال:

فلو قصر ماله عن ذلك لم يجب عليه الحجّ بلا خلاف أجده، بل ربّما ظهر من بعضهم الإجماع عليه؛ للأصل وعدم تحقّق الاستطاعة بدونه.(2)

ولهذا ينبغي للحجّاج الأعزّاء الالتفات إلى هذه القضيّة، وهي أن لا يؤدّي غيابهم إلى صعوبة معاش عوائلهم، بل أن تكون هذه الفترة الزمنية من أجمل فترات حياتهم.

والمسألة الأُخرى التي يجدر أن يقوم بها الحاجّ قبل سفره، هي أن


1- وسائل الشيعة، ج11، ص37.
2- جواهر الكلام، ج17، ص273.

ص:28

يجمع أفراد أُسرته، وأن يودّعهم في أجواء معنويّة ملؤها المحبّة والحنان.

يقول بريد بن معاوية العجلي: إنّ الإمام الباقر7 كلّما أراد الحجّ جمع عائلته ودعا بهذا الدّعاء:

اللّهُمّ إنّي أستودعك الغداة نفسي ومالي وأهلي وولدي، الشاهد منّا والغائب، اللّهُمّ احفظنا واحفظ علينا، اللّهُمّ اجعلنا في جوارك، اللّهُمّ لا تسلبنا نعمتك، ولا تغيّر ما بنا من عافيتك وفضلك.(1)

كما يستحبّ أن يجمع المسافر عائلته قبل سفره، ويصلّي ركعتين، ويقول: «اللّهُمّ إنّي أستودعك نفسي وأهلي ومالي وديني ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي»(2)، كما رواه الإمام الصادق7 عن آبائه عن رسول الله9.

9_ اختيار مسؤول لشؤون السفر

تهون مشاكل الفرد عند سفره مع الجماعة؛ لأنّه بمجرّد مواجهة

أيّة مشكلة يجد إعانة جماعته وقيامهم بحلّ مشكلته، ومن حسن

الحظّ أصبح السفر إلى الحجّ يومنا هذا علي شكل قوافل، وهذا

ما يمنع الفرد من مواجهة المشاكل، بخلاف ما لو سافر وحده إلى الحجّ.

ولكن السفر الجماعي أيضاً له مشاكله الخاصّة، وقد قدّم أئمّة


1- وسائل الشيعة، ج11، ص380.
2- المصدر نفسه، ص379.

ص:29

الدين الحلول العمليّة والمناسبة لإزالة هذه المشاكل.

ومن جملة هذه الحلول اختيار شخص واحد تقع على عاتقه مسؤولية إدارة شؤون السفر، ويكون صاحب القرار النهائي عند حصول مشكلةٍ أو حيرة عند وقوع اختلافات بين الزائرين.

قال رسول الله9: «إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمِّروا أحدهم».(1)

وقد دأب أصحاب رسول الله9 علي هذا الأمر أيضاً، فكانوا يقولون لمن يختارونه أميراً لهم في السفر: هو أمير أمّره رسول الله9.(2)

ويقول نافع حاكياً سفره مع أبي سلمة ومجموعة معهم: فقلنا لأبي سلمة: «أنت أميرنا».(3)

كما نقل عن عبدالله المروزي أنّه صحبه أبو عليّ الرباطي، فقال له:

أنت الأمير أم أنا؟ فقال أبو عليّ: بل أنت، فلم يزل يحمل الزّاد لنفسه ولأبي عليّ على ظهره، فأمطرت السماء ذات ليلة، فقام عبدالله طول الليل على رأس رفيقه وفي يده كساء يمنع منه المطر، فكلّما قال له: الله الله، لا تفعل، يقول: ألم تقل إنّ الإمارة مسلّمة لك؟ فلا تحكم عليّ، ولا ترجع عن قولك، حتّى قال أبوعليّ: وددت أنّي متّ ولم أقل له: أنت الأمير.(4)


1- سنن أبي داود، ج3، ص36.
2- المحجّة البيضاء، ج4، ص58.
3- سنن أبي داود، ج3، ص36.
4- المحجّة البيضاء، ج4، ص59.

ص:30

ولا شكّ أنّ اختيار الشخصيّة المتحلّية بالأخلاق والتدبير والكفاءة والتأنّي والنشاط لإدارة شؤون السفر من قبيل: زمان الحركة، تقسيم الغرف، كيفية إعداد وتقسيم الطعام، والتخطيط لسائر الأعمال، حتّى حين العودة إلى الوطن، يؤدّي إلى حلّ كثير من المشاكل والمصادمات والمشاجرات المحتمل وقوعها، ويحوّل السفر إلى سفر ممتع لجميع الحجّاج.

وينبغي أن يكون الفرد المنتخب ممّن يحبّ تقديم الخدمات للآخرين، وأن يكون دأبه العمل بكلّ وجوده في خدمة الزوّار.

قال رسول الله9: «سيّد القوم خادمهم في السفر».(1)

10 _ اختيار الرفيق

من وصايا الرسول9 وأئمّة أهل البيت: كراهة سفر الإنسان منفرداً، والتأكيد على اختيار الرفيق في السفر؛ ليكون عوناً ومساعداً ومؤنساً للفرد في جميع مراحل سفره.

قال رسول الله9: «الرفيق ثمّ السفر».(2)

وقال الإمام الكاظم7: «لا تخرج في سفر وحدك؛ فإنّ الشيطان مع الواحد، وهو من الاثنين أبعد...».(3)

وجاء في حديث آخر أنّ الرسول9 لعن ثلاثة: «الآكل زاده وحده،


1- حجّة البيضاء، ج4، ص61
2- وسائل الشيعة، ج11، ص408.
3- المصدر نفسه، ص410.

ص:31

والنائم في بيت وحده، والراكب في الفلاة وحده».(1)

وعن إسماعيل بن جابر:

كنت عند أبي عبدالله7 بمكّة، إذ جاء رجل من أهل المدينة، فقال: «من صحبك؟» فقال: ما صحبت أحداً. فقال أبوعبدالله7: «أما لو كنت تقدّمت إليك لأحسنت أدبك».

ثمّ قال: «واحد شيطان، واثنان شيطانان، وثلاثة صحب، وأربعة رفقاء».(2)

ويستفاد من مجموع هذه الأحاديث الشريفة أنّ أئمّة أهل البيت: بيّنوا كراهية سفر الإنسان وحده، وشجّعوا الناس على السفر بصورة جماعيّة، ولا يخفى بأنّ الشخص الّذي تتطلّب منه الضرورة، أو يضطرّ ليأكل وحده، أو ينام وحده، أو يسافر وحده، لا يشمله هذا اللعن أبداً، وإنّما يشمل هذا اللعن الّذين يكون بوسعهم أن يكون لهم رفيق في الأكل أو المبيت أو السفر، ولكنّهم يعرضون عن اتّخاذه.

وإذا تأمّلنا وضع السفر سابقاً بصورة إجماليّة، فإنّنا سندرك بوضوح دواعي تأكيد أئمّة أهل البيت: على كراهية سفر الإنسان وحيداً؛ لأنّ السفر آنذاك محاط بالعديد من المصاعب والمخاطر، من قبيل: تقلّبات الطقس والمناخ، ووعورة الطرق والممرّات، وفقدان الأمن، وقلّة الإمكانات والوسائل المتاحة والمعدّة لهذا السفر، وعدم


1- وسائل الشيعة، ج11، ص410.
2- المصدر نفسه، ص411.

ص:32

وجود المركب المناسب... وهذا ما يهدّد حياة المسافر عند سفره وحده، كما أنّ المسافر وحده يعيش أكثر من غيره حالة التوتّر والوحشة والغربة، وهذا ما يعرّضه للمزيد من الضغوط النفسيّة المؤدّية إلى الكآبة، ولجميع هذه الأسباب وغيرها أوصى أئمّة أهل البيت : بعدم السَّفر وحداناً.

11 _ اختيار الرفيق المناسب والمماثل في الشأن

من الآداب الأُخرى للسفر أن يختار المسافر رفقاء جديرين بالصحبة، متكافئين معه، مماثلين له في الشأن.

وينبغي للأشخاص الّذين يكون بينهم انسجام من ناحية الخصائص السلوكيّة والمستوى المعيشي أن يسجّلوا أسماءهم في قافلة واحدة، وأن يجعل مدير القافلة الأشخاص الأكثر انسجاماً فيما بينهم في غرفة واحدة.

قال الإمام الباقر7: «إذا صحبت فاصحب نحوك، ولا تصحب من يكفيك، فإنّ ذلك مذلّة للمؤمن».(1)

كما ينبغي للحاجّ أن لا يصحب المتلبّس بالغرور والأنانيّة، وقد قال الإمام عليّ7 في هذا المجال: «لا تصحبنّ في سفرك من لا يرى لك من الفضل عليه، كما ترى له عليك».(2)

وقال الإمام الصادق7 أيضاً: «اصحب من تتزيّن به، ولا تصحب


1- وسائل الشيعة، ج11، ص412.
2- الكافي، ج4، ص286.

ص:33

من يتزيّن بك».(1)

وعن شهاب بن عبد ربّه، قال:

قلت لأبي عبدالله7: قد عرفت حالي، و سعة يدي، وتوسيعي على إخواني، فأصحب النفر منهم في طريق مكّة فأُوسّع عليهم، قال7: لا تفعل يا شهاب، إن بسطت وبسطوا أجحفت بهم، وإن هم أمسكوا أذللتهم، فاصحب نظراءك، اصحب نظراءك.(2)

وعن حسين بن أبي العلاء، قال:

خرجنا إلى مكّة نيفاً و عشرين رجلاً، فكنت أذبح لهم في كلّ منزل شاة، فلمّا أردت أن أدخل على أبي عبدالله7 قال: «يا حسين، وتذلّ المؤمنين؟» قلت: «أعوذ بالله من ذلك». فقال: «بلغني أنّك كنت تذبح لهم في كلّ منزل شاة». فقلت: «ما أردت إلاّ الله». قال: «أما علمت أنّ منهم من يحبّ أن يفعل مثل فعالك فلا تبلغ مقدرته، فتقاصر إليه نفسه». قلت: «أستغفر الله، ولا أعود».(3)

ومراعاة هذه المسألة الأخلاقيّة توجب ابتعاد أهل القافلة الواحدة من حالة مقايسة كلّ واحد منهم مع ما عند الآخرين، ومن حالة التشنّج الّتي تحصل من خلال هذه المقارنة، والّتي تؤدّي إلى نشوء حالة التوتّر والتنافر فيما بينهم، ولكن إذا صحب الإنسان في سفره


1- وسائل الشيعة، ج11، ص412.
2- المصدر نفسه، ص414.
3- المصدر نفسه، ص415.

ص:34

المماثل له في الشأن والمتكافئ له في المستوى، فسيوفّر لنفسه الأجواء الهادئة والنزيهة والبعيدة كلّ البُعد عن التوتّرات والحساسيّات، وبهذا يجد الإنسان المزيد من الفرص المناسبة لطلب المعرفة والانتفاع المعنوي.

12 _ المحفّزون على فعل الخير

إنّ الرفيق المؤمن والورِع في الحجّ يوفّر لمن معه الأجواءَ الّتي تحفّزهم على المزيد من الانتفاع المعنوي في الحجّ، وقد يوسوس الشيطان إلي الحجّاج ويدعوهم إلى المزيد من النوم والاستراحة، ولكن الرفيق المؤمن والورع يشجّع أصحابه دائماً بسيرته الحسنة على مواصلة درب الإيمان، ويبثّ فيهم النشاط والحيويّة؛ لئلاّ يتسرّب إليهم الكسل في أداء ما يقرّبهم إلى الله، وبهذا يدحض مخطّطات الشيطان، ويحكم عليها بالفشل.

ولهذا أوصت الأحاديث الشريفة المؤمنين بمصاحبة من يعينهم على أُمورهم الأُخرويّة.

فقد قال رسول الله9: «خير إخوانك من أعانك علي طاعة الله، وصدّك عن معاصيه، وأمرك برضاه».(1)

وقال الإمام علي7 أيضاً: «خير إخوانك من سارع إلي الخير وجذبك إليه، وأمرك بالبرّ وأعانك عليه».(2)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص109.
2- المصدر نفسه، ص110.

ص:35

إذن، ينبغي للحجّاج أن يشجّعوا من معهم في سفر الحجّ على المزيد من الحضور في الحرمين الشريفين، وقراءة القرآن، وأداء الصلاة، والاهتمام بالدعاء، ومساعدة الآخرين في القافلة وغيرها من الأُمور الخيريّة، كما ينبغي أن يكون الداعي هو الرائد في القيام بهذه الأعمال.

14 _ الغُسل قبل السفر

13 _ الوصيّة

من المستحبّات الأُخرى الّتي تجدر الإشارة إليها في هذا المقام: الوصيّة قبل السفر؛ لأنّ السفر لا ينفكّ عن مواجهة الخطر، وقد كان السفر سابقاً سبباً في وفاة العديد من المسافرين، ودفنهم في أرض الغربة؛ وذلك نتيجة وعورة الطريق، ووجود قطّاع الطرق، وقلّة الزاد أو تلفه، وتدهور الوقاية الصحيّة، وفقدان الأمن في الطرقات.

واليوم علي الرغم من توفّر الكثير من وسائل الراحة للمسافرين، ما يزال الخطر محيطاً بنفوس العديد؛ نتيجة مختلف الحوادث _ كسقوط الطائرات، واصطدام الحافلات، وسائر حوادث السير _ والكوارث الطبيعية _ كالسيول _ والأمراض المُعدية، وغيرها.

إذن، ليس لأحدٍ علمٌ بمستقبله، كما ليس بإمكان أيّ شخصٍ التنبّؤ والحكم عن يقين بعودته من سفره قطعاً، وهذا ما يحتّم على كلّ مسافر أن يكتب وصيّته في جميع الأحوال، ولا سيّما في سفر الحجّ؛ لئلاّ يواجه ورثته أيّة مشكلة، وليعرفوا ما يلزم عليهم فعله؛ ليعملوا بوصيّته في أجواء بعيدة عن الاختلاف والتفرقة.

ص:36

قال الإمام الصادق7: «من ركب راحلةً فليوص».(1)

وقال رسول الله9: «الوصيّة حقّ على كلّ مسلم».(2)

وقال9 في حديث آخر: «ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة إلاّ ووصيّته تحت رأسه»(3)

وقال9 في حديث آخر: «من مات بغير وصيّة مات ميتةً جاهليّة».(4)

ومن المشاكل الّتي يواجهها أهل القافلة عند وفاة أحدهم في موسم الحجّ، أو العمرة عدم علمهم بالمكان الّذي ينبغي أن يدفنوا فيه هذا المتوفّي، وهذا ما يؤدّي إلى بقاء جثمانه عدّة أيام ليتّخذ أهل الميّت قرار دفنه في بلده، أو في مكان وفاته.

ولهذا يجدر بكلّ حاجّ أن يبيّن مكان دفنه في وصيّته، إضافة إلى بيان وصاياه الأُخري.

اشاره

يستحبّ أن يغتسل المسافر قبل السفر، وأن يقول حين الغسل:

بسم الله وبالله، ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، وعلى ملّة رسول الله والصّادقين عن الله صلوات الله عليهم أجمعين. اللّهُمّ طهّر به قلبي، واشرح به صدري، ونوّر به قبري. اللّهُمّ اجعله لي نوراً


1- وسائل الشيعة، ج11، ص369.
2- المصدر نفسه، ج19، ص257.
3- المصدر نفسه، ص259.
4- المصدر نفسه، ص259.

ص:37

وطهوراً وحرزاً وشفاءً من كلّ داء وآفة وعاهة وسوء ممّا أخاف وأحذر، وطهّر به قلبي وجوارحي وعظامي، ولحمي ودمي، وشعري وبشري، ومخّي وعصبي، وما أقلّت الأرض منّي. (1)

ويطهّر الحاجّ جسده بهذا الغسل كما يطهّر نفسه بالدعاء والتوبة؛ ليفد على ربّه منزّهاً من كلّ دنس أو شائبة.

15 _ التصدّق

يستحبّ للمسافر التصدّق في بدء سفره؛(2) ليكون منطلق سفره الإحسان إلى الآخرين.

قال الإمام الصادق7: «تصدّق واخرج أيّ يوم شئت».(3)

قال ابن عمير:

كنت أنظر في النجوم وأعرفها، وأعرف الطالع، فيدخلني من ذلك شيء، فشكوت ذلك إلى أبي الحسن موسى بن جعفر7، فقال: «إذا وقع في نفسك شيء فتصدّق على أوّل مسكين، ثمّ امضِ؛ فإنّ الله يدفع عنك».(4)

وحتّى الّذين يعتقدون بشؤم الأيّام ونحوستها فإنّهم أيضاً إذا تصدّقوا في صباح اليوم المشؤوم، فإنّ الله تعالي يزيل شؤمه.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص369؛ أمان الأخطار، ص33.
2- انظر: المحاسن، ج2، ص348.
3- وسائل الشيعة، ج11، ص375.
4- المصدر نفسه، ص376.

ص:38

بالجملة، إنّ منافع الصدقة عديدة، منها: المنع من ميتة السوء، وقد قال رسول الله9: «الصدقة تمنع ميتة السوء».(1)

ومنها: أنّ الصدقة تمنع سبعين نوعاً من أنواع البلاء(2)، وتغلق بوجه صاحبها سبعين باباً من أبواب الشرّ.(3)

وقد حثّت الأحاديث الشريفة على التصدّق بداية سفر الحجّ.

قال الإمام الصادق7: «إذا أردت أن تخرج من مكّة فاشتر بدرهم تمراً، فتصدّق به».(4)

كما يجدر بالمتصدّق أن يلتفت إلى هذه الحقيقة بأنّ المستلم الحقيقي لصدقته هو الله تعالي، وإن كانت الصدقة تقع في الظاهر

بيد الفقير أو المسكين، ولهذا فالمتصدّق يتعامل، بل يعقد

صفقته التجاريّة مع الله؛ ليؤجره في الآخرة بأضعاف ما تصدّق في الدنيا.

قال الإمام الصادق7:

قال رسول الله9: خلّتان لا أُحبّ أن يشاركني فيهما أحد وضوئي؛ فإنّه من صلاتي، وصدقتي؛ فإنّها من يدي إلى يد السائل، فإنّها تقع في يد الرحمن.(5)


1- بحارالأنوار، ج96، ص124.
2- انظر: كنز العمّال، ج 6، ص 320.
3- انظر: بحارالأنوار، ج62، ص269.
4- الكافي، ج4، ص533.
5- بحارالأنوار، ج80، ص329.

ص:39

16 _ بدء السفر بأداء الصلاة

يعدّ الحاجّ من ضيوف الرحمن، وهذا ما يحتّم عليه أن يهيّئ نفسه لهذه الضيافة، ولهذا يستحبّ له أن يبدأ سفره بأداء الصلاة، التي هي ذكر الله.

نقل الإمام الصادق7 عن آبائه : عن رسول الله9 أنّه قال:

ما استخلف رجل على أهله بخلافة أفضل من ركعتين يركعهما إذا أراد الخروج إلى السفر، ويقول: اللّهُمّ إنّي أستودعك نفسي وأهلي ومالي وذرّيّتي ودنياي وآخرتي وأمانتي وخاتمة عملي، إلاّ أعطاه الله عزّوجلّ ما سأل.(1)

17 _ الدعاء عند الخروج

قال الإمام الرضا7:

لو كان الرجل منكم إذا أراد سفراً قام على باب داره تلقاء وجهه الّذي يتوجّه له، فقرأ الحمد أمامه وعن يمينه وعن شماله، والمعوذتين أمامه وعن يمينه وعن شماله، وقل هو الله أحد أمامه وعن يمينه وعن شماله، وآية الكرسي أمامه وعن يمينه وعن شماله، ثمّ قال: اللّهُمّ احفظني واحفظ ما معي، وسلّمني وسلّم ما معي، وبلّغني وبلّغ ما معي ببلاغك الحسن الجميل، لحفظه الله وحفظ ما معه، وبلّغه وبلّغ ما معه، وسلّمه وسلّم ما معه، أما رأيت


1- وسائل الشيعة، ج11، ص379.

ص:40

الرجل يحفظ ولا يحفظ ما معه، ويسلم ولا يسلم ما معه، ويبلغ ولا يبلغ ما معه؟(1)

وبيّن الإمام الصادق7 في حديث آخر، أنّ من يقرأ سورة التوحيد عشر مرّات عند خروجه من المنزل، فسيكون في ظلّ رعاية الله وحمايته حتّى يعود إلى المنزل.(2)

وكان الإمام الباقر7 يقول عند خروجه من البيت _ كما ورد عن أبي حمزة الثمالي _ : «بسم الله خرجت، وعلى الله توكّلت، لا حول ولا قوّة إلاّ بالله».(3)

وكان أميرالمؤمنين7 يدعو عند خروجه من منزله حين السفر بهذا الدعاء:

اللّهُمّ إنّي أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنقلب، وسوء المنظر في الأهل والمال والولد، اللّهُمّ أنت الصاحب في السفر، وأنت الخليفة في الأهل، ولا يجمعهما غيرك؛ لأنّ المستخلف لا يكون مستصحباً، والمستصحب لا يكون مستخلفاً.(4)

وينبغي للمسافر الّذي يقصد زيارة بيت الله الحرام، أن يذكر الله كثيراً في جميع مراحل سفره، ولا سيّما عند إقلاع الطائرة من الأرض، أو هبوطها إليها، أو عند تأرجحها في السماء، أو عندما تمرّ الحافلة بالمناطق الجبليّة ذات الطرق الملتوية، وغير ذلك.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص381.
2- اُنظر: الكافي، ج4، ص333.
3- المصدر نفسه.
4- هج البلاغة، الخطبة 46.

ص:41

وقد ورد في الحديث الشريف: «كان رسول الله في سفره إذا هبط سبّح، وإذا صعد كبّر».(1)

وقد يواجه الإنسان في سفره بعض الممرّات الوعرة والطرق الملتوية والمخيفة، وقد أوصى الإمام الصادق7 بقراءة هذه الآية عند مواجهة الأماكن المخيفة، وهي قوله تعالي: {وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً}. (الاسراء: 80)

وقال الإمام زين العابدين7: «لو حجّ رجل ماشياً فقرأ «إنا أنزلناه» ما وجد ألم المشي».(2)

وأدعية السفر كثيرة، وقد بيّن أئمّة أهل البيت: هذه الأدعية المرتبطة بمختلف مراحل السفر، من قبيل: الخروج من المنزل، وعند الركوب، والانطلاق والوصول، ولم نذكر هذه الأدعية في هذا المقام مراعاةً للاختصار، وبإمكان كلّ من يرغب التعرّف على هذه الأدعية مراجعة الكتب المختصّة بذلك.

18 _ حمل الدواء

أدّى تطوّر السياحة العالميّة في يومنا هذا إلى بذل مسؤولي كلّ

دولة المزيد من المساعي؛ لرفع مستوى توفير الخدمات الرفاهيّة والطبّيّة للمسافرين.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص391.
2- المصدر نفسه، ص396.

ص:42

ومن هذا المنطلق قرّرت الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة أن يرافق كلّ قافلة تقصد بيت الله الحرام _ سواء في الحجّ أو العمرة _ طبيب، يكون معهم من بداية السفر حتّى نهايته؛ ليشرف على صحّتهم، ويتولّي معالجة مرضاهم.

على الرغم من وجود هذا الطبيب، ولكن إذا كان الحاجّ مصاباً بمرض خاصّ فعليه _ بالإضافة إلى إخبار طبيب القافلة _ أن يأخذ معه الأدوية الضروريّة، وكذلك الوثائق المرتبطة بمرضه، كما على الآخرين أن يحملوا معهم بعض الأدوية المطلوبة للأوجاع والأمراض البسيطة؛ لينتفعوا بها عند اقتضاء الحاجة.

وقد قال لقمان الحكيم لابنه: «تزوّد معك الأدوية، فتنتفع بها أنت ومن معك».(1)

19 _ متطلّبات السفر

يجدر بالمسافر أن يأخذ معه بعض ما يحتاجه في سفره، وأن يكون مستعدّاً لتلبية متطلّباته في جميع مراحل السفر.

قالت عائشة: «كان رسول الله إذا سافر حمل معه خمسة أشياء: 1_ المرآة 2_ المكحلة 3_ المَدَري4(2)_ السواك 5_ المشط».(3)

وقالت أُمّ سعد الأنصاريّة أيضاً: «كان9 لا يفارقه في السفر:


1- بحارالأنوار، ج73، ص275.
2- المَدَري _ بالدال المهملة _ وهو كالميل يتّخذ من قرن أو فضّة تخلّل به المرأة شعرها. مجمع البحرين، ج3، ص479.
3- المحجّة البيضاء، ج4، ص72

ص:43

المرآة والمكحلة».(1)

وينقل العلاّمة المجلسي= في بحارالأنوار: «كان النبيّ9 إذا سافر يحمل مع نفسه المشط والسواك والمكحلة».(2)

ومع لحاظ الخصائص الأخلاقيّة لرسول الله9 يمكننا أن نفهم من هذا الحديث، بأنّ أتباع الرسول9 يلزمهم في السفر أن يحملوا معهم ما يعينهم على الجمال والإناقة، وأن يجتنبوا عمّا يؤدّي إلى بعثرة مظهرهم الخارجي.

وينقل حمّاد بن عيسى عن الإمام الصادق7 أنّه7 قال:

في وصيّة لقمان لابنه: يا بني، سافر بسيفك وخفّك وعمامتك وحبالك وسقائك وخيوطك ومخرزك، وتزوّد معك من الأدوية ما تنتفع به أنت ومن معك، وكن لأصحابك موافقاً إلاّ في معصية الله عزّوجلّ. (3)

وقال الفيض الكاشاني=:

كان بعض المتوكّلين لا يفارقه أربعة أشياء في السفر والحضر: الركوة(4)، والحبل والإبرة بخيوطها والمقراض، وكان يقول: هذه ليست من الدنيا. (5)


1- المحجّة البيضاء، ج4، ص72.
2- بحارالأنوار، ج73، ص235.
3- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص185.
4- الركوة: إناء صغير من جلد يُشرب فيه الماء، والجمع: رَكَوات بالتحريك، ورِكاء. لسان العرب، ج14، ص333 «ركو».
5- المحجّة البيضاء، ج4، ص73.

ص:44

ولا يخفى أنّ ما تقدّمت الإشارة إليه في الأحاديث الشريفة وما شابهها من متطلّبات السفر ترتبط بمتطلّبات ذلك الزمان، ولا شكّ أنّ المتطلّبات تتغيّر بمرور الزمان، ومن متطلّبات يومنا هذا: السواك، النعال، المقصّ، مقراضة الأظافر، وما شابه ذلك.

20 _ حمل الطعام

يجدر بزائر بيت الله الحرام أن يأخذ معه في سفر الحجّ أطيب الزاد؛ وأن يحمل معه بعض الأطعمة الّتي لا تفسد بسرعة، من قبيل: الأطعمة المجفّفة؛ فإنّها أنسب للسفر.

قال رسول الله9: «من شرف الرجل أن يطيّب زاده إذا خرج في سفر».(1)

وقال الإمام الصادق7 أيضاً: «إنّ من المروءة في السفر كثرة الزّاد وطيبه، وبذله لمن كان معك».(2) و «وكان عليّ بن الحسين8 إذا سافر إلى مكّة للحجّ أو العمرة تزوّد من أطيب الزّاد، من اللوز والسكّر والسويق والمحمّص والمحلّى».(3)

21 _ أخذ التربة الحسينيّة

من وصايا الإمام الصادق7 للمسافرين أن يحملوا معهم تربة قبر الإمام الحسين7 في السفر.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص423.
2- المصدر نفسه، ص424.
3- المصدر نفسه، ص423

ص:45

وقد ورد عن الإمام الصادق7 أنّه قيل له:

تربة قبر الحسين7 شفاء من كلّ داء، فهل هي أمان من كلّ خوف؟ فقال: نعم، إذا أراد أحدكم أن يكون آمناً من كلّ خوف فليأخذ السبحة من تربته، ويدعو بدعاء المبيت على الفراش ثلاث مرّات، ثمّ يقبّلها ويضعها على عينيه، ويقول:

اللّهُمّ إنّي أسألك بحقّ هذه التربة، وبحقّ صاحبها، وبحقّ جدّه، وبحقّ أبيه، وبحقّ أُمّه وأخيه، وبحقّ ولده الطاهرين، اجعلها شفاء من كلّ داء، وأماناً من كلّ خوف، وحفظاً من كلّ سوء.

ثمّ يضعها في جيبه، فإنْ فعل ذلك في الغداة، فلا يزال في أمان الله حتّى العشاء، وإن فعل ذلك في العشاء فلا يزال في أمان الله حتّى الغداة.(1)

22 _ وظيفة الآخرين إزاء المسافر

يستحبّ مشايعة المسافر؛ لأنّه يعيش في هذه اللحظات حالة نفسيّة خاصّة، ويتهيّأ للابتعاد فترة عن أبنائه وأقربائه وأصدقائه ومنزله، ولهذا تكون مشايعة المسافر والتعامل معه برفق والدعاء له سبباً في تقليل همومه، وسبباً لتسكين نفسه المضطربة.

قال الإمام الصادق7:

كان إذا ودّع رسول الله9 رجلاً قال: أستودع الله دينك وأمانتك


1- وسائل الشيعة، ج11، صص427 و 428.

ص:46

وخواتيم عملك، ووجّهك للخير حيثما توجّهت، ورزقك التقوى، وغفر لك الذنوب.(1)

وفي حديث آخر قال الإمام الباقر7:

كان رسول الله9 إذا ودّع مسافراً أخذ بيده، ثمّ قال: أحسن الله لك الصحابة، وأكمل لك المعونة، وسهّل لك الحزونة، وقرّب لك البعيد، وكفاك المهمّ، وحفظ لك دينك وأمانتك وخواتيم عملك، ووجّهك لكلّ خير، عليك بتقوى الله، أستودع الله نفسك، سر على بركة الله عزّوجلّ.(2)

وقال الإمام الباقر7 أيضاً:

كان رسول الله9 إذا ودّع المؤمنين قال: زوّدكم الله التقوى، ووجّهكم إلى كلّ خير، وقضى لكم كلّ حاجة، وسلّم لكم دينكم ودنياكم، وردّكم سالمين إلى سالمين. (3)

وهذه السنّة الحسنة توفّر الأجواء المعنويّة الخاصّة للمسافر ولأقربائه وأصدقائه، وهذا ما يؤدّي إلي أن يذكر الزائر في جميع الأماكن المقدّسة من ودّعوه، فيدعو لهم.

ولم يترك أميرالمؤمنين وسائر أئمّة أهل البيت: هذه السنّة الحسنة أبداً.

وعندما تمّ نفي أبي ذرّ صاحب رسول الله9 والمقرّب عنده إلى


1- وسائل الشيعة، ج11، ص407.
2- المصدر نفسه، ص406.
3- المصدر نفسه.

ص:47

الربذة(1)بأمر من الخليفة الثالث، بادر أميرالمؤمنين7 إلى مشايعته، كما شيّعه الإمامان الحسن والحسين8، وشيّعه عقيل بن أبي طالب، وعبدالله بن جعفر، وعمّار بن ياسر، فقال أميرالمؤمنين7: «ودّعوا أخاكم، فإنّه لابدّ للشاخص أن يمضي، وللمشيّع أن يرجع».

ثمّ قال كلّ واحد من المشيّعين بما في قلبه لأبي ذرّ.

فقال الإمام الحسن7:

يا عمّاه، لولا أنّه لا ينبغي للمودّع أن يسكت وللمشيّع أن ينصرف لقصر الكلام وإن طال الأسف، وقد أتى القوم إليك ما ترى، فضع عنك الدنيا بتذكّر فراغها، وشدّة ما اشتدّ منها برجاء ما بعدها، واصبر حتّى تلقى نبيّك9 وهو عنك راض.

وقال الإمام الحسين7: «...قد منعك القوم دنياهم، ومنعتهم دينك، فما أغناك عمّا منعوك، وأحوجهم إلى ما منعتهم...».

فبكى أبوذرّ _ وكان شيخاً كبيراً _ وقال: «رحمكم الله يا أهل بيت الرحمة، إذا رأيتكم ذكرت بكم رسول الله9».(2)

23 _ لزوم تعيين أُجرة المكاري

قال الفيض الكاشاني= في آداب السفر من كتابه المحجّة البيضاء، نقلاً عن الغزالي:


1- الرَّبَذَةُ: قرية قرب المدينة، وفي المحكم: موضع به قبر أبي ذر الغفاري رضي الله تعالي عنه. لسان العرب، ج3، ص492 «ربذ».
2- وسائل الشيعة، ج11، ص406.

ص:48

وينبغي أن يقرّر مع المكاري ما يحمله شيئاً فشيئاً، ويعرضه عليه، ويستأجر الدابّة بعقد صحيح؛ لئلاّ يثور بينهما نزاع يؤذي القلب، فليحترز عن كثرة الكلام واللجاج مع المكاري، ولا ينبغي أن يحمل فوق المشروط بشيء وإن خفّ، فإنّ القليل يجرّ إلى الكثير، ومن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.(1)

24 _ ذكر نعم الله تعالى

يستحبّ للمسافر أن يذكر نعم الله عند ركوب الدابّة أو وسيلة النقل.

قال الإمام الصادق7:

إذا جعلت رجلك في الركاب فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله والله أكبر. فإذا استويت على راحلتك واستوى بك محملك، فقل: الحمد لله الّذي هدانا للإسلام، وعلّمنا القرآن، ومنّ علينا بمحمّد9، سبحان الله، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين، وإنّا إلى ربّنا لمنقلبون، والحمد لله ربّ العالمين، اللّهُمّ أنت الحامل على الظهر، والمستعان على الأمر، اللّهُمّ بلّغنا بلاغاً يبلغ إلى خير، بلاغاً يبلغ إلى رضوانك ومغفرتك، اللّهُمّ لا طير إلاّ طيرك، ولا خير إلاّ خيرك، ولا حافظ غيرك.(2)


1- المحجّة البيضاء، ج4، ص72.
2- وسائل الشيعة، ج11، ص387.

ص:49

وقال عليّ بن ربيعة الأسدي:

ركب عليّ بن أبي طالب7، فلمّا وضع رجله في الركاب قال: «بسم الله»، فلمّا استوى على الدابة، قال: «الحمد لله الّذي أكرمنا، وحملنا في البرّ والبحر، ورزقنا من الطيّبات، وفضّلنا على كثير ممّن خلق تفضيلاً، سبحان الّذي سخّر لنا هذا وما كنّا له مقرنين.

ثمّ سبّح الله ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، ثمّ قال: «ربّ اغفر لي، فإنّه لا يغفر الذنوب إلاّ أنت».

ثمّ قال: «كذا فعل رسول الله9 وأنا رديفه».(1)

إذن، يجدر بالحاجّ أن لا يفتر عن ذكر الله خلال سفره، وأن يكثر من ذكر نعم الله، ويشكره إزاء نعمة الصحة، ونعمة العافية ونعمة نيل توفيق زيارة بيت الله الحرام، وتوفير ما يحتاج إليه في السفر، والنعم الإلهيّة الأُخرى الّتي لا تعدّ ولا تحصى.

وقد قال تعالى: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} (ابراهيم:7)، فإذا شكر الحاجّ ربّه فسيمنحه الله المزيد من النعم في سفره هذا.

25 _ اجتناب العجلة

ينبغي للمسافر توخّي الحذر من العجلة في أُموره، خصوصاً عباداته؛ لأنّ العجلة توجب أداء الأعمال بصورة خاطئة أو ناقصة، كما أنّها لا تنسجم مع الأجواء المعنوية.


1- وسائل الشيعة، ج11، ص390.

ص:50

قال رسول الله9: «الأناة من الله، والعجلة من الشيطان».(1)

وقال العلاّمة ملاّ مهدي النراقي= في بيانه لمعنى العجلة:

هي المعنى الراتب في القلب، الباعث على الإقدام على الأُمور بأوّل خاطر، من دون توقّف واستبطاء في اتّباعها والعمل بها. وقد عرفت أنّه من لوازم ضعف النفس وصغرها، وهو من الأبواب العظيمة للشيطان، قد أهلك به كثيراً من الناس.(2)

ومن أسباب ذمّ العجلة: أنّ أداء العمل بصورة صحيحة، يحتاج إلى التأنّي والهدوء والصبر، من أجل إنجازه عن وعي ومعرفة، والعجول لا يمتلك الفرصة للتفكير في العمل، وهذا ما يؤدّي به غالباً إلى الخسران والندم.

قال الإمام عليّ7: «مع العجل يكثر الزلل».(3)

وقال7 أيضاً _ عند استشهاده _ لولده الأكبر الإمام الحسن7: «أنهاك عن التسرّع بالقول والفعل».(4)

26 _ الحفاظ على الممتلكات

ينبغي للحاجّ أن يحافظ علي أمواله وممتلكاته خلال السفر، وأن يراقبها أو يودعها عند اقتضاء الضرورة في صندوق الأمانات _ مثلاً _ أو يضعها في أماكن آمنة؛ ليقيها السرقة أو الضياع.


1- وسائل الشيعة، ج27، ص169.
2- جامع السعادات، ج1، ص335.
3- غرر الحكم، ص 267.
4- الأمالي للطوسي، ص7.

ص:51

قال صفوان الجمّال للإمام الصادق7: «إنّ معي أهلي وإنّي أُريد الحجّ، فأشدّ نفقتي في حقوي». قال7: «نعم، إنّ أبي7 كان يقول: من قوّة المسافر حفظ نفقته».(1)

وقال يعقوب بن سالم للإمام الصادق7:

تكون معي الدراهم فيها تماثيل وأنا محرم، فأجعلها في همياني وأشدّه في وسطي؟ قال7: «لا بأس، أَوَ ليس هي نفقتك وعليها اعتمادك بعد الله عزّوجلّ؟».(2)

27 _ جمع الرفقة نفقتهم وإخراجها

قال رسول الله9: «من السنّة إذا خرج القوم في سفر أن يخرجوا نفقتهم، فإنّ ذلك أطيب لأنفسهم».(3)

لا يخفى أنّ مبادرة كلّ حاجّ إلى إعداد طعامه بنفسه واتّخاذ القرار في السفر لوحده أمر شاقّ ومرهق بحيث يؤدّي إلى حرمان الجميع من التفرّغ للانتفاع من الأجواء المعنويّة المتوفّرة في الأماكن المقدّسة في مكّة والمدينة.

ولهذا يمكن القول بأنّ الطريقة المتّبعة في الحجّ وقتنا هذا هي الّتي أوصي بها أئمّة أهل البيت:، وهي أن يدفع الزائر أُجور سفره في البداية كأُجور الطائرة، والفندق، والطعام و... ثمّ يلتحق بقافلة


1- وسائل الشيعة، ج11، ص419.
2- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص280.
3- وسائل الشيعة، ج11، ص413.

ص:52

تتكفّل له جميع احتياجاته منذ انطلاقه وخلال فترة بقائه في مكّة والمدينة حتّى عودته؛ لئلاّ يواجه الحاجّ أيّ صعوبة أو تشويش بال في خصوص مكان استقراره وطعامه وما شابه ذلك، ولتتوفّر له الأجواء المناسبة؛ كي ينشغل بالأُمور المعنويّة، ويحصل علي تمام الانتفاع المعنوي خلال تواجده في الحرمين الشريفين.

28 _ أخلاق الحُجّاج

تعدّ مراعاة الأخلاق الإسلاميّة في سفر الحجّ من ضروريّات هذا السفر الديني، ومن يبتغي الانتفاع المعنوي من هذا السفر لابدّ له من مراعاة خصال أشار إليها الإمام الباقر7 بقوله:

ما يعبأ من يسلك هذا الطريق إذا لم يكن فيه ثلاث خصال: ورع يحجزه عن معاصي الله، وحلم يملك به غضبه، وحسن الصحبة لمن صحبه.(1)

وعموماً تحدث بعض المشاكل في سفر الحجّ نتيجة كثرة الازدحام بين الناس، وأيضاً بسبب قلّة الإمكانات، فإذا لم يكن الحاجّ متحلّياً بالورع والحلم وحسن الصحبة، فإنّه قد يفقد توازنه ويحدث _ لا سمح الله _ اشتباك بينه وبين الآخرين، فيوجب إيذاء الآخرين لأسباب تافهة. والسبيل لصدّ وقوع هذه الحوادث هو الورع؛ لأنّه يحجز صاحبه عن فقدان السيطرة السلوكيّة، ويمنحه الاتّزان وإمكانيّة


1- الكافي، ج4، ص286.

ص:53

حصاد ثمرات الحجّ.

قال رسول الله9: «من حجّ أو اعتمر فلم يرفث ولم يفسق، يرجع كهيئة يوم ولدته أُمّه».(1)

إذن، الورع يمنع الإنسان من ارتكاب الذنوب والمعاصي، ويوجب لصاحبه العفو والغفران الإلهي.

والخصلة الثانية الّتي أمرنا بها الإمام الباقر7 هي التحلّي بالحلم؛ لأنّ به يملك الإنسان غضبه، ويملك الاتّزان عند مواجهة المشاكل والمصاعب.

وقد قال رسول الله9 في هذا المجال: «الغضب يفسد الإيمان كما يفسد الخلّ العسل».(2)

كما ورد في الحديث الشريف عن الإمام الصادق7 قال:

سمعت أبي7 يقول: أتى رسول الله9 رجل بدوي، فقال: إنّي أسكن البادية، فعلّمني جوامع الكلام. فقال: آمرك أن لا تغضب. فأعاد عليه الأعرابي المسألة ثلاث مرّات، حتّى رجع الرجل إلى نفسه، فقال: لا أسال عن شيء بعد هذا، ما أمرني رسول الله9 إلاّ بالخير.(3)

وقد بيّن الإمام الصادق7 كلام الرسول9 بعبارة موجزة فقال7: «الغضب مفتاح كلّ شرّ».(4)


1- سنن الدارقطني، ج1، ص221.
2- الكافي، ج2، ص302.
3- المصدر نفسه، ص304.
4- المصدر نفسه.

ص:54

إذن، يجب على كلّ حاجّ مراقبة نفسه؛ لئلاّ يتملكه الغضب، وإذا غضب فعليه أن يجاهد نفسه، فيقف بوجه غضبه، ولا يسمح لحالته النفسيّة عند الغضب أن تترك أثرها السلبي على سلوكه وتصرّفاته.

قال الإمام الصادق7: «ما من عبد كظم غيظاً إلاّ زاده الله عزّوجلّ عزّاً في الدنيا والآخرة».(1)

والخصلة الثالثة الّتي دعانا الإمام الباقر7 إلى التحلّي بها هي حسن صحبة الإنسان لمن صحبه.

وقال الإمام الصادق7 في هذا المجال:

وطّن نفسك على حسن الصحابة لمن صحبت في حسن خلقك، وكفّ لسانك، واكظم غيظك، وأقلّ لغوك، وتفرش عفوك، وتسخو نفسك.(2)

وورد في حديث آخر أنّه: «أتى رسول الله9 رجل، فقال: يا رسول الله، أوصني، فكان فيما أوصاه أن قال: ألق أخاك بوجه منبسط».(3)

وقال أحد أصحاب الإمام الصادق7:

قلت له7: «ما حدّ حسن الخلق؟» قال: «تُلين جناحك، وتطيّب كلامك، وتلقى أخاك ببشر حسن».(4)


1- الكافي، ج2، ص110.
2- المصدر نفسه، ج4، ص286.
3- المصدر نفسه، ج2، ص103.
4- المصدر نفسه.

ص:55

وجاء في حديث آخر عن أبي ربيع الشامي، قال:

دخلت على أبي عبدالله7 والبيت غاص بأهله، فيه الخراساني والشامي ومن أهل الآفاق، فلم أجد موضعاً أقعد فيه، فجلس أبوعبدالله7 وكان متّكئاً، ثمّ قال: «يا شيعة آل محمّد، اعلموا أنّه ليس منّا من لم يملك نفسه عند غضبه، ومن لم يحسن صحبة من صحبه، ومخالقة من خالقه، ومرافقة من رافقه، ومجاورة من جاوره، وممالحة من مالحه. يا شيعة آل محمّد، اتّقوا الله ما استطعتم ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله».(1)

29 _ التحبّب إلى الناس

إنّ الاهتمام في سفر الحجّ بالقيم الأخلاقيّة الّتي دعا إليها الإسلام يحوّل هذا السفر إلى سفر ممتع وجذّاب، وينبغي للحجّاج مراعاة الأُمور الثلاثة الّتي رواها الإمام الصادق7 عن رسول الله9 في الحديث التالي؛ كي يصونوا سفرهم من جميع أنواع التنغيصات والشوائب.

قال الإمام الصادق7:

قال رسول الله9: ثلاث يُصفين ودّ المرء لأخيه المسلم:

[1_] يلقاه بالبشر إذا لقيه،

[2_] ويوسّع له في المجلس إذا جلس إليه،

[3_] ويدعوه بأحبّ الأسماء إليه.(2)


1- الكافي، ج2، ص637.
2- المصدر نفسه، ص643.

ص:56

وقال الإمام الباقر7 أيضاً: «إنّ أعرابيّاً من بني تميم أتى النبيّ9، فقال له: أوصني، فكان ممّا أوصاه: تحبّب إلى الناس يحبّوك».(1)

30 _ توقير ذي الشيبة

يوجد بصورة عامّة في كلّ قافلة بعض كبار السنّ، وهم بحاجة إلى مساعدة رفقائهم في السفر عند الركوب، أو النزول من الحافلة أو الطائرة، وعند العودة من الحرم، وعند أداء الأعمال، ويجدر بالحجّاج عدم الغفلة عن مساعدة هؤلاء.

قال الإمام الصادق7: «إنّ من إجلال الله عزّوجلّ إجلال الشيخ الكبير».(2)

وفي حديث آخر قال رسول الله9: «من وقّر ذا شيبة في الإسلام آمنه الله عزّوجلّ من فزع يوم القيامة».(3)

31 _ السلام قبل الكلام

من أجمل الهدايا الّتي قدّمها الدين الإسلامي للعباد، أنّه أوجد فيما بينهم الأنس والمحبّة، ومن جملة الأُمور الّتي تقوّي أواصر هذه المحبّة، سلام بعضهم على بعض.

ولهذا ينبغي أن يكون بدء الكلام بالسلام بين الحجّاج في القافلة


1- الكافي، ج2، ص642.
2- المصدر نفسه، ص658.
3- المصدر نفسه.

ص:57

الواحدة، وكذلك بينهم وبين مسلمي البلدان الأُخري عند لقائهم.

قال رسول الله9: «ابدأوا بالسلام قبل الكلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه».(1)

وقال9 في حديث آخر: «أولى الناس بالله ورسوله من بدأ بالسلام».(2)

كما ينبغى أن يكون السلام بصوت يسمعه المقابل.

قال الإمام الباقر7: «إنّ الله عزّوجلّ يحب إفشاء(3)السّلام»(4)

قال الإمام الصادق7 أيضاً:

إذا سلّم أحدكم فليجهر بسلامه، لا يقول: سلَّمت فلم

يردّوا عليّ، ولعلّه يكون قد سلّم ولم يسمعهم، فإذا ردّ

أحدكم فليجهر بردّه، ولا يقول المسلم: سلّمت فلم يردّوا عليّ... .(5)

وقد بيّن أئمّة أهل البيت : أيضاً مَن ينبغي أن يبدأ بالسلام:

قال الإمام الصادق7: «يسلّم الصغير على الكبير، والمارّ على القاعد، والقليل على الكثير».(6)

وقال7 أيضاً: «إذا كان قوم في المجلس، ثمّ سبق قوم فدخلوا، فعلى


1- الكافي، ج2، ص644.
2- المصدر نفسه.
3- الإفشاء: الإظهار. انظر: مجمع البحرين، ج1، ص330 «فشا».
4- الكافي، ج2، ص645.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه، ص646.

ص:58

الداخل أخيراً إذا دخل أن يسلّم عليهم».(1)

وقال7 أيضاً: «إذا مرّت الجماعة بقوم أجزأهم أن يسلّم واحد منهم، وإذا سلّم على القوم وهم جماعة أجزأهم أن يردّ واحد منهم».(2)

32 _ التبسّم في وجه الآخرين

ينبغي أن يحاول الحجّاج _ خلال سفر الحجّ _ أن يتبسم كلّ واحد منهم في وجه الآخر.

قال الإمام الباقر7: «تبسّم الرجل في وجه أخيه حسنة، وصرف القذى عنه حسنة، وما عبد الله بشيء أحبّ إلى الله من إدخال السرور على المؤمن».(3)

وقال الإمام الصّادق7 أيضاً: «لا يرى أحدكم إذا أدخل على مؤمن سروراً أنّه عليه أدخله فقط، بل والله، علينا، بل والله، على رسول الله9».(4)

33 _ مساعدة رفقاء السفر

يستحبُّ لكلّ مسافر أن يساعد رفقاءه خلال السفر، وأن لا يكون كلّا ًعليهم، فقد جاء في حديث شريف:

ذكر عند النبيّ9 رجل فقيل له: خير، قالوا: «يا رسول الله،


1- الكافي، ج2، ص647.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه، ص188.
4- المصدر نفسه، ص189.

ص:59

خرج معنا حاجّاً، فإذا نزلنا لم يزل يهلّل الله حتّى نرتحل، فإذا ارتحلنا لم يزل يذكر الله حتّى ننزل». فقال رسول الله9: «فمن كان يكفيه علف دابّته وصنع طعامه؟» قالوا: «كلّنا». قال: «كلّكم خير منه».(1)

وكان رسول الله9 الأُسوة لأصحابه، وقد ورد في حديث شريف أنّه9 أمر أصحابه بذبح شاة في سفر، فقال رجل من القوم: عليَّ ذبحها، وقال الآخر: عليَّ سلخها، وقال آخر: عليَّ قطعها، وقال آخر: عليَّ طبخها، فقال رسول الله9: «عليَّ أن ألقط لكم الحطب».

فقالوا: يا رسول الله، لا تتعبنّ بآبائنا وأمّهاتنا أنت، نحن نكفيك.

قال: «عرفت أنّكم تكفوني، ولكنّ الله عزّوجلّ يكره من عبده إذا كان مع أصحابه أن ينفرد من بينهم، فقام9 يلقط الحطب لهم».(2)

وفي يومنا هذا وإن كانت هذه المسؤوليّات ملقاة على عاتق مدير القافلة وخَدَمَتِها، ولكن ينبغي للحاجّ أن لا يحرم نفسه من بركة خدمة الحجّاج.

وقد ورد في الحديث الشريف:

كان عليّ بن الحسين7 لا يسافر إلاّ مع رفقة لا يعرفونه، ويشترط عليهم أن يكون من خدّام الرفقة فيما يحتاجون إليه. فسافر مرّة مع قوم، فرآه رجل فعرفه، فقال لهم: «أتدرون من هذا؟» قالوا: «لا». قال: «هذا عليّ بن الحسين7!» فوثبوا إليه،


1- مكارم الأخلاق، ج1، ص564؛ ميزان الحكمة، ج2، ص 1309.
2- بحارالأنوار، ج76، ص 273.

ص:60

فقبّلوا يديه ورجليه. فقالوا: «يابن رسول الله، أردت أن تصلينا نار جهنّم، لو بدرت إليك منّا يد، أو لسان، أما كنّا قد هلكنا آخر الدهر؟ فما الّذي حملك على هذا؟» فقال: «إنّي كنت سافرت مرّة مع قوم يعرفونني، فأعطوني برسول الله9 ما لا أستحقّ، فأخاف أن تعطوني مثل ذلك، فصار كتمان أمري أحبّ إليّ».(1)

وقال رسول الله9:

من أعان مؤمناً مسافراً فرّج الله عنه ثلاثاً وسبعين كربة، وأجاره في الدنيا والآخرة من الغمّ والهمّ، ونفّس كربه العظيم يوم يغصّ الناس بأنفاسهم.(2)

وورد عن إسماعيل الخثعمي، قال: «قلت لأبي عبدالله7: إنّا إذا قدمنا مكّة ذهب أصحابنا يطوفون ويتركوني أحفظ متاعهم، قال7: «أنت أعظمهم أجراً».(3)

وقال شخص آخر يُدعى مُرازِم بن حكيم:

زاملت محمّد بن مصادف، فلمّا دخلنا المدينة اعتللت، فكان يمضي إلى المسجد ويدعني وحدي، فشكوت ذلك إلى مصادف، فأخبر به أبا عبدالله7، فأرسل إليه: «قعودك عنده أفضل من صلاتك في المسجد».(4)


1- وسائل الشيعة، ج11، ص430.
2- المصدر نفسه، ص429.
3- الكافي، ج4، ص545.
4- المصدر نفسه.

ص:61

وقال رسول الله9: «سيّد القوم خادمهم في السفر».(1)

وبالجملة؛ ينبغي للحجّاج خلال السفر _ ولا سيّما عندما يذهبون مع رفقائهم إلى عرفات والمشعر ومنى _ أن لا يغفلوا عن مساعدتهم، ولا سيّما مساعدة كبار السنّ والمرضى؛ لينالوا بذلك الأجر الأُخروي المضاعف.

34 _ اجتناب سوء الخلق

كلّ إنسان على الرغم من تحلّيه بالفضائل فإنّه قد يعيش بعض الأحيان حالة التذمّر، أو التهرّب من المسؤوليّة، أو سوء الخلق، وهذا ما يؤدّي أحياناً إلي الإساءة إلي نفسه وإلى من حوله.

قال رسول الله9 في سفر خرج فيه حاجّاً: «من كان سيّئ الخلق والجوار فلا يصحبنا».(2)

ولا يخفى على أحد سبب كراهية السفر مع سيّئ الخلق؛ لأنّ من يعيش حالة سوء الخلق في الظروف الطبيعيّة، فإنّه عندما يواجه المصاعب والمشاكل في السفر فسيكون سوء خلقه وسوء مصاحبته ممّا لا يطاق.

وقد بيّن أميرالمؤمنين7 في وصيّته لابنه محمّد بن الحنفيّة بأنّ «من مروّة السفر قلّة الخلاف على من صحبك».(3)


1- المحجّة البيضاء، ج4، ص61.
2- بحارالأنوار، ج73، ص273.
3- المصدر نفسه، ص266.

ص:62

وقال الإمام الصادق7: «سير المنازل يفني الزاد، ويسيء الأخلاق، ويخلق الثياب».(1)

ثمّ إنّ طبيعة السفر أنّه يربك حياة الإنسان المألوفة والروتينيّة، فيواجه الفرد التغيير في طعامه ومكانه وكيفيّة استراحته، وهذا التغيير بطبيعة الحال يغيّر نفسيّة الإنسان، ويترك أثره السلبي على أخلاقه، ولهذا يجب على المسافرين أن يراقبوا سلوكهم وتصرّفاتهم دائماً، ويكونوا على حذرٍ؛ لئلاّ يُرهقوا مَن حولهم، أو يسيئوا إلى رفقائهم في السفر.

والخُرق _ أي: عدم الرفق في القول والفعل _ رذيلة مذمومة جدّاً، بحيث قال عنه الإمام الباقر7 ناقلاً عن رسول الله9: «لو كان الخُرق خلقاً يُرى ما كان شيء ممّا خلق الله أقبح منه».(2)

35 _ اجتناب إيذاء الآخرين

ينبغي لكلّ حاجّ أن يجتنب إيذاء الآخرين عند حضوره في الجلسات والاجتماعات والتجمّعات، ومشاركته في صلاة الجماعة، ودخوله في المساجد وخروجه منها، وركوبه الحافلات، وما شابه ذلك.

وينبغي له عندما يدخل مجلساً أن يجلس حيثما ينتهي به المجلس، ويجتنب اجتياز الأماكن المزدحمة بحثاً عن المكان.


1- بحارالأنوار، ج73، ص277.
2- الكافي، ج2، ص321.

ص:63

وكانت سيرة الرسول9 أنّه إذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل. (1)

وقال9: «إذا أتى أحدكم مجلساً فليجلس حيث ما انتهى مجلسه».(2)

وقال9 في حديث آخر:

إذا أخذ القوم مجالسهم، فإن دعا رجل أخاه وأوسع له في مجلسه فليأته، فإنّما هي كرامة أكرمه بها أخوه، وإن لم يوسّع له أحد فلينظر أوسع مكان يجده، فليجلس فيه.(3)

36 _ غضّ الطرف عن زلاّت الآخرين

قد تصدر من أحد الأشخاص في السفر بعض الزلاّت عمداً أو سهواً فينبغي غضّ الطرف عنها، وأن تحمل علي محمل حسن؛ فإنّ سيرة أهل البيت: كانت قائمة على غضّ الطرف عن زلاّت الآخرين، أو القيام بإصلاحها عن طريق تنبيه الطرف المقابل.

روي زرارة عن الإمام الباقر7 والإمام الصادق7 أنّهما قالا: «أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يواخي الرجل على الدين، فيحصي عليه عثراته وزلاّته ليعنّفه بها يوماً مّا».(4)

ولا يخفى أنّ من يطلب عثرات الناس وعيوبهم فإنّه سيحفّز


1- الكافي، ج2، ص662.
2- بحارالأنوار، ج16، ص240.
3- المصدر نفسه، ج72، ص465.
4- الكافي، ج2، ص354.

ص:64

الآخرين أيضاً على مواجهته بالمثل، وهذا ما يؤدّي إلى هتك حرمة بعضهم لبعض آخر.

قال رسول الله9: «لا تطلبوا عثرات المؤمنين، فإنّ من تتبّع عثرات أخيه تتبّع الله عثراته، ومن تتبّع الله عثراته يفضحه ولو في جوف بيته».(1)

وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق7 عن رسول الله9:

يا معشر من أسلم بلسانه ولم يخلص الإيمان إلى قلبه، لا تذمّوا المسلمين، ولا تتبّعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع الله عوراته، ومن تتبّع الله تعالى عورته يفضحه ولو في بيته.(2)

وإذا اجتنب الحجّاج هذه الرذيلة الأخلاقيّة، فستهيمن الأجواء الوديّة على العلاقات فيما بينهم، وتكون سفرتهم سفرة جميلة وممتعة.

وهذا ما يحتّم على الحجّاج أن يتعامل بعضهم مع بعضهم الآخر بتفاؤل، وأن لا يطلب أحدهم عثرات الآخرين قطّ.

37 _ كتمان الذكريات المرّة

الحياة في سفر الحجّ الجماعي تؤدّي إلى اجتماع أشخاص ذوي طبائع وأذواق مختلفة في مكان واحد لفترة معيّنة، وقد يؤدّي هذا الاختلاف في الطبائع والأذواق إلى بعض المهاترات والمشاجرات، والتنغيصات فيما بينهم.


1- الكافي، ج2، ص355.
2- المصدر نفسه، ص354.

ص:65

وقد أوصى أئمّة أهل البيت: الحجّاج أن يتعاملوا مع رفقائهم بمروءة، وإذا عادوا من سفرهم أن لا يحدّثوا الآخرين أبداً بالقضايا السلبيّة الّتي وقعت في سفرهم.

فقد بيّن الإمام الصادق7 أنّ من مروءة السفر ترك الرواية على من تصحبهم إذا أنت فارقتهم.(1)

وقال7 في حديث آخر: «ليس من المروءة أن يحدّث الرجل بما يلقى في السفر من خير أو شر».(2)

38 _ المروءة في السفر

ينبغي للحجّاج أن يتعاملوا فيما بينهم بالمروءة، وأن يتحمّلوا المصاعب من أجل راحة الآخرين، وأن يفضّلوا راحة الآخرين على راحتهم، وأن يقدّموا الآخرين _ ولا سيّما كبار السنّ والأطفال _ على أنفسهم عند ركوب الحافلات، أو الاستفادة من المصاعد الكهربائيّة، أو تناول الطعام، وأن يكون تعاملهم تعاملاً إسلاميّاً، متّصفاً بالمروءة، كما جاء في الروايات، فابتسامة المؤمن في وجه

من يلتقي بهم تمنحهم الراحة النفسيّة، وتزيل أتعابهم الجسديّة والنفسيّة.

وقد بيّن رسول الله9 أنّ من المروءة تلاوة كتاب الله عزّوجلّ، وعمارة مساجد الله، واتّخاذ الإخوان في الله عزّوجلّ، وبذل الزاد،


1- اُنظر: مكارم الأخلاق، ج1، ص541؛ أمالي المفيد، ص 44.
2- آثار الصادقين، ج8، ص492.

ص:66

وحُسن الخلق، والمزاح في غير المعاصي.(1)

ويجدر الالتفات إلى أنّ مداعبة الآخرين استهزاءً بهم أو تعييباً أو استغابة وما شابه ذلك يعتبر معصية، ولكنّ الترفيه عن الآخرين وترويحهم _ في إطار ما يرتضيه الشرع _ يعدّ عبادة.

قال صفوان الجمّال:

دخل المعلّي بن خنيس على أبي عبدالله7 يودّعه وقد

أراد سفراً، فلمّا ودّعه قال: «يا معلّي، اعزز بالله يعززك». قال: «بماذا يابن رسول الله؟» قال: «يا معلّي، خف الله تعالى يخف منك كلّ شيء. يا معلّي، تحبّب إلى إخوانك بصلتهم، فإنّ الله جعل العطاء محبّة والمنع مبغضة، فأنتم والله، إن

تسألوني وأعطيكم فتحبّوني أحبّ إليّ من ألاّ تسألوني فلا أعطيكم فتبغضوني، ومهما أجرى الله لكم من شيء على يدي فالمحمود الله، ولا تبعدون من شكر ما أجرى الله لكم على يدي».(2)

39 _ مداراة المرضى

قد يتّفق في سفر الحجّ ابتلاء أحد أفراد القافلة بمرض،

فيقلّ اعتناء الآخرين به، فيكون _ مثلاً _ بإمكان الذين

يحيطون بالمريض أن يأخذوه معهم للزيارة، ولكنّ صعوبة الأمر


1- انظر: بحارالأنوار، ج73، ص266.
2- أمالي الطوسي، ص304.

ص:67

تمنعهم من ذلك. إنّ هذا التعامل مع المريض في السفر مخالف للمروءة والإنسانيّة والأخلاق الإسلاميّة، فقد ورد عن المفضّل بن عمر، أنّه قال:

دخلت على أبي عبدالله7، فقال: «من صحبك؟» قلت:

«رجل من إخواني». قال: «فما فعل؟» قلت: «منذ

دخلت المدينة لم أعرف مكانه». فقال لي: «أما علمت أنّ

من صحب مؤمناً أربعين خطوة سأله الله عنه يوم

القيامة؟»(1)

وقال الإمام الصادق7 في حديث آخر: «حقّ المسافر أن يقيم عليه إخوانه إذا مرض ثلاثاً».(2)

وقال7 أيضاً: «من صحب أخاه المؤمن في الطريق فتقدّمه بقدر ما يغيب عنه بصره، فقد ظلمه».(3)

40 _ حلّ مشاكل الآخرين

قد يواجه الحجّاج بعض المشاكل خلال سفرهم إلى الحجّ، من قبيل: فقدان أموالهم، أو ابتلائهم بمرض، وما شابه ذلك، فيجدر برفقائهم _ في هذا المقام _ أن يقفوا معهم، ويقدّموا لهم ما بوسعهم من عون ومساعدة؛ لحلّ مشاكلهم.


1- بحارالأنوار، ج73، ص275.
2- المصدر نفسه، ص273.
3- المصدر نفسه، ص275.

ص:68

قال أبان بن تغلب:

كنت أطوف مع أبي عبدالله7، فعرض لي رجل من أصحابنا كان سألني الذهاب معه في حاجة، فأشار إليّ، فكرهت أن أدع أبا عبدالله وأذهب إليه، فبينا أنا أطوف إذ أشار إليّ أيضاً، فرآه أبوعبدالله، فقال: «يا أبان، إيّاك يريد هذا؟» قلت: «نعم». قال: «فمن هو؟» قلت: «رجل من أصحابنا». قال: «هو على مثل ما أنت عليه». قلت: «نعم». قال: «فاذهب إليه». قلت: «فأقطع الطواف؟!» قال: «نعم». قلت: «وإن كان طواف الفريضة؟!» قال: «نعم». قال: «فاذهب معه». ثمّ دخلت عليه بعد فسألته، فقلت: أخبرني عن حقّ المؤمن على المؤمن. فقال: «يا أبان، دعه لا تردّه». قلت: «بلى جعلت فداك، فلم أزل أردّد عليه». فقال: «يا أبان، تقاسمه شطر مالك»، ثمّ نظر إليّ فرأى ما دخلني. فقال: «يا أبان، أما تعلم أنّ الله عزّوجلّ قد ذكر المؤثرين على أنفسهم؟» قلت: «بلى جعلت فداك». فقال: «أمّا إذا أنت قاسمته فلم تؤثره بعد، إنّما أنت وهو سواء، إنّما تؤثره إذا أنت أعطيته من النصف الآخر».(1)

وجاء في حديث آخر، قال فيه أحد أصحاب الإمام الباقر7:

قلت لأبي جعفر: «جعلت فداك، إنّ الشيعة عندنا كثير». فقال: «هل يعطف الغنيّ على الفقير؟ وهل يتجاوز المحسن على


1- الكافي، ج2، ص171.

ص:69

المسيء؟ ويتواسون؟» فقلت: «لا». فقال: «ليس هؤلاء شيعة! الشيعة من يفعل هذا».(1)

وعن جميل، عن أبي عبدالله7، قال:

سمعته يقول: «المؤمنون خدم بعضهم لبعض». قلت:

«وكيف يكونون خدماً بعضهم لبعض؟» قال: «يفيد بعضهم بعضاً».(2)

41 _ التواصل بالمراسلة

تودّ أسرة المسافر وأقرباؤه وأصدقاؤه من حين غيابه إلى

حين عودته، أن يكون لديهم علم بأخباره وما يجري عليه، وفي الأزمنة السابقة لم يكن الاتّصال الهاتفي متاحاً، أو محدوداً،

فكان بعضهم يستخدم التلغراف، أو كتابة الرسائل للاطّلاع

على صحّة أقربائهم وأصدقائهم، ولكن في زماننا هذا

قد توفّرت أنواع الاتّصالات والحمد لله، فينبغي للحاجّ أن يتّصل بأهله وأقربائه وذويه، وأن يتّصلوا هم به أيضاً للاطّلاع علي أحواله وأوضاعه.

قال الإمام الصادق7 في هذا المجال: «التواصل بين الإخوان في الحضر التزاور، وفي السفر التكاتب».(3)


1- الكافي، ج2، ص173.
2- المصدر نفسه، ص167.
3- آثار الصادقين، ج8، ص493.

ص:70

42 _ معرفة الصديق

من فوائد السفر أنّه فرصة لغربلة الأصدقاء واختبارهم، ومعرفة أصحاب الصداقة الحقيقية منهم.

قال رسول الله9: «السفر ميزان القوم».(1)

وجاء أيضاً في حكمة منسوبة إلى أمير المؤمنين عليّ7: «السفر ميزان الأخلاق».(2)

وقال الإمام الصادق7 أيضاً:

لا تسمِّ الرجل صديقاً _ سمة معرفة _ حتّى تختبره بثلاث:

[1_] تغضبه، فتنظر غضبه يخرجه من الحقّ إلى الباطل.

[2_] وعند الدينار والدرهم.

[3_] وحتّى تسافر معه. (3)

فعند مواجهة المصاعب والمشاكل في السفر يمكن معرفة الأصدقاء الحقيقيّين؛ لأنّ في الظُروف الّتي يكون كلّ شيء فيها على ما يرام لا تحدث أيّة مشكلة بين الأصدقاء، ولكن عندما تظهر المصاعب وتتضارب المصالح ويستدعي الأمر التضحية، فعندئذٍ تتجلّى الصداقة الحقيقيّة، فإذا ثبتت الصداقة في مثل هذه الظروف فعند ذلك يُكشف بأنّ هذه الصداقة صادقة، وقد اجتازت هذا الاختبار بنجاح.


1- مكارم الأخلاق، ص240.
2- شرح ابن أبي الحديد، ج20، ص294.
3- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص99.

ص:71

قال الإمام عليّ7: «أبعد الناس سفراً من كان في طلب صديق يرضاه».(1)

43 _ سبل تعزيز أواصر الصداقة

اشاره

يتعرّف الحجّاج _ عموماً في سفر الحجّ _ على أصدقاء جدد، وقد تستمرّ العلاقة الأخويّة معهم مدى الحياة، وقد بيّن أئمّة أهل البيت: بعض السبل لتعزيز أواصر هذه الأُخوّه وهذه العلاقة، منها:

أ _ حُسن الخُلق

قال الإمام عليّ7: «حُسن الخُلق يورث المحبّة ويؤكّد

المودّة».(2)

ب _ حُسن المُصاحبة

قال الإمام علي7: «من أحسن المصاحبة كثر أصحابه».(3)

ج _ الإخلاص في الصداقة

قال الإمام عليّ7: «لا يحول الصديق الصدوق عن المودّة وإن جُفي».(4)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص101.
2- المصدر نفسه، ص66.
3- المصدر نفسه، ص67.
4- المصدر نفسه.

ص:72

د _ البشاشة

قال الإمام عليّ7: «البشاشة فخ المودّة»(1)

ه _ مراعاة الأدب

قال الإمام الكاظم7: «لا تذهب الحشمة بينك وبين أخيك، أبق منها؛ فإنّ ذهابها ذهاب الحياء، وبقاء الحشمة بقاء المودّة».(2)

و _ إظهار المودّة

قال الإمام علي7: «بالتودّد تكون المحبّة».(3)

ز _ التواضع

قال الإمام عليّ7: «ثمرة التواضع المحبّة».(4)

ح _ الوفاء

قال الإمام عليّ7: «سبب الائتلاف الوفاء».(5)

ط _ مراعاة الإنصاف

قال الإمام عليّ7: «مع الإنصاف تدوم الأخوّة».(6)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص68.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه، ص69.

ص:73

ي _ الرفق

قال الإمام عليّ7: «رفق المرء وسخاؤه يحبّبه إلى أعدائه».(1)

44 _ أسباب تفكّك أواصر الصداقة

اشاره

هناك بعض الأُمور توجب تضعيف الصداقة وتؤدّي إلي نشوء الحقد والعداوة، وينبغي لزوّار بيت الله الحرام الالتفات إلي هذه الأُمور واجتنابها، ومنها:

أ _ سوء الخُلق

قال الإمام عليّ7: «من ساء خُلقه قلاه مصاحبه

ورفيقه».(2)

ب _ تتبّع العيوب

قال الإمام الصادق7: «لا تفتّش الناس عن أديانهم، فتبقى بلا صديق».(3)

ج _ المناقشة

قال الإمام عليّ7: «من ناقش الإخوان قلّ صديقه».(4)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص70.
2- المصدر نفسه، ص87.
3- المصدر نفسه، ص88.
4- المصدر نفسه.

ص:74

د _ المراء

قال الإمام عليّ7: «لا محبّة مع مراء».(1)

ه _ الشُحّ

قال الإمام عليّ7: «ليس لبخيل حبيب».(2)

و _ الكبر

قال الإمام عليّ7: «ليس لمتكبّر صديق».(3)

ز _ الحقد

قال الإمام عليّ7: «لا مودّة لحقود».(4)

ح _ الحسد

قال الإمام عليّ7: «الحسود لا خلّة له».(5)

ط _ ترك التعاهد

قال الإمام الصادق7: «ترك التعاهد للصديق داعية

القطيعة».(6)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص 88.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه، ص90.
4- المصدر نفسه، ص88.
5- المصدر نفسه.
6- المصدر نفسه.

ص:75

ي _ الغدر

قال الإمام عليّ7: «لا تدوم مع الغدر صحبة خليل».(1)

45 _ الاستغناء عن أموال الآخرين

يجدر بالمسافر أن يبعد نفسه عن الطمع عمّا في أيدي الآخرين، وأن يحافظ على عزّته وكرامته في السفر، ولا سيّما في سفر الحجّ.

قال ابن عبّاس في قوله تعالى: {وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى}. (البقره: 197):

«كان الناس يخرجون من أهليهم ليست معهم أزودة يقولون: نحجّ بيت الله ولا يطعمنا؟ فقال الله: تزوّدوا ما يكفّ وجوهكم عن الناس».(2)

وقال عكرمة ومجاهد وغيرهما:

«كان أهل الآفاق يخرجون إلى الحجّ، يتوصّلون بالناس بغير زاد، يقولون: نحن متّكلون، فأنزل الله: {وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى}. (البقره: 197)

وسئل أحمد بن حنبل _ إمام الحنابلة _ عمّن يدخل البادية

بلا زاد ولا راحلة، فقال: «لا أُحبّ له ذلك، هذا يتوكّل على أزواد الناس».(3)


1- المحبّة في الكتاب والسنّة، ص91.
2- تفسير الطبري، ج4، ص166؛ الدر المنثور، ج1، ص221.
3- المغني، عبدالله بن قدامة، ج3، ص170.

ص:76

46 _ اجتناب سوء الظنّ

يجدر بالحجّاج السّعي لإفشاء المحبّة والتعاطف بينهم في القافلة الواحدة، وأن يُحسِنَ كلّ واحد منهم الظنّ بالآخر، ولا يسمح بتسرّب سوء الظنّ إلى نفسه.

قال أمير المؤمنين عليّ7:

ضع أمر أخيك على أحسنه، حتّى يأتيك منه ما يغلبك، ولا تظنّنّ بكلمة خرجت من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملاً.(1)

وعموماً فإنّ حُسنَ الظنِّ بالآخرين من أفضل القيم الأخلاقيّة، ومن أعظم المواهب الإلهيّة.

وقد حاول الرسول9 أن يجتثّ جذور سوء الظنّ من نفوس الناس، بحيث لا يبقى مجال لتسرّب هذه الرذيلة إلي بواطنهم، حيث قال9: «اطلب لأخيك عذراً، فإن لم تجد له عذراً فالتمس له عذراً».(2)

إذن ينبغي للحاجّ _ الّذي وفد لأداء هذه الفريضة العباديّة، ولكي يحصل علي زيادة في معنويّاته الدينيّة، وينال المغفرة الإلهيّة _ أن يجتنب بكلّ ما بوسعه سوء الظنّ بالآخرين.

قال الإمام عليّ7: «إياك أن تسيء الظنّ، فإنّ سوء الظنّ يفسد العبادة».(3)


1- أمالي الصدوق، ص250.
2- بحارالأنوار، ج72، ص197.
3- غرر الحكم، ص 263.

ص:77

47 _ حفظ الأسرار

طريقة تقسيم الحجّاج في القافلة تؤدّي إلى اجتماع كلّ مجموعة منهم في غرفة واحدة، فيعيش هؤلاء معاً لفترة معيّنة، ليلاً ونهاراً، ولا شكّ أنّ الكلام الّذي يدور بين هذه المجموعة، قد يكون كلاماً لا يرغب من نطق به أن يطّلع عليه الآخرون، والمجالس بالأمانات، ولهذا أمرنا أئمّة أهل البيت : بعدم إفشاء ما يدور في الحوارات الخاصّة بيننا وبين الآخرين.

قال الإمام الصادق7: «المجالس بالأمانة، وليس لأحد أن يحدّث بحديث يكتمه صاحبه إلاّ أن يجيز له، أو ذكراً له بخير».(1)

ومثال ذلك: أن يبتغي أحد الأشخاص تشجيع الآخرين على عمل الخير، فيذكر لهم نماذج من الأشخاص الّذين قاموا بهذه الأعمال، ويعرّفهم كقدوة؛ تحفيزاً لمخاطبيه على قيامهم بهذا الفعل الحسن.

قال رسول الله9 في هذا المجال: «المجالس بالأمانة، وإفشاء سرّ أخيك خيانة، فاجتنب ذلك».(2)

48 _ الرفق بالحيوانات

يجب على الحجّاج في سفر الحجّ أن يروّضوا أنفسهم، ويوسّعوا دائرة اجتناب إيذائهم لأبناء البشر إلى اجتناب إيذاء الحيوانات أيضاً،


1- الكافي، ج2، ص660.
2- بحارالأنوار، ج74، ص89.

ص:78

وأن يبذلوا غاية جهدهم في صعيد مراعاة حقوق جميع الكائنات الحيّة.

ومن وصايا أئمّة أهل البيت: الرفق بالدوابّ الّتي يستخدمها الحاجّ، كمركب في سفره إلي الحجّ.

فقد ورد في الحديث الشريف بأنّ الإمام زين العابدين7 حجّ على ناقة له أربعين حجّة، فما قرعها بسوط.(1)

وروى إسماعيل بن أبي زياد بإسناده، قال: قال رسول الله9:

للدابّة على صاحبها خمس خصال: «يبدأ بعلفها إذا نزل، ويعرض عليها الماء إذا مرّ به، ولا يضرب وجهها فإنّها تسبّح بحمد ربّها، ولا يقف على ظهرها إلاّ في سبيل الله عزّوجلّ، ولا يحمّلها فوق طاقتها، ولا يكلّفها من المشي إلاّ ما تطيق.(2)

وروى السكوني بإسناده، قال: قال رسول الله9:

إنّ الله تبارك وتعالى يحبّ الرفق ويعين عليه، فإذا ركبتم الدواب العجاف(3) فأنزلوها منازلها، فإن كانت الأرض مجدبة فانجوا عليها، وإن كانت مخصبة فانزلوها منازلها.(4)

وقال رسول الله9 في حديث آخر: «من سافر منكم بدابّة فليبدأ


1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص191.
2- المصدر نفسه، ص187.
3- العِجاف _ بالكسر _ : الإبل التي بلغت في الهزال النهاية. مجمع البحرين، ج5، ص 93 «عجف».
4- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص189.

ص:79

حين ينزل بعلفها وسقيها».(1)

وروى ابن فضّال، عن حمّاد اللّحام، أنّه قال: «مرّ قطار لأبي عبدالله7، فرأى زاملة قد مالت، فقال: «يا غلام، أعدل على هذا الجمل، فإنّ الله تعالى يحبّ العدل».(2)

وفي يومنا هذا لا يستخدم أحد الدوابّ للسفر، ولكن لا يخفى أنّ وسائل النقل الحالية كالطائرات والحافلات أيضاً تحتاج إلى الحفظ والمراقبة والصيانة، وهذا ما يمكن استفادته من الأحاديث الشريفة.

49 _ الصبر على المشاكل

السفر بطبيعته مقرون بالمصاعب والمشاكل؛ لأنّ فيه يختلّ توازن معيشة الإنسان الروتينيّة والمألوفة، وتترى على المسافر المصاعب من كلّ حدب وصوب، وتنهال عليه المشاكل، شاء ذلك أم أبى، وأفضل سبيل لمواجهتها هو التحلّي بالصبر والأناة.

قال الإمام الصادق7: «إذا أردت الحجّ ... ودّع الدنيا والراحة».(3)

فالحاجّ يواجه المصاعب عند الإحرام، وعند اجتناب المحرّمات المرتبطة بالإحرام، وعند الطواف حول الكعبة والصفوف مزدحمة، وعند الحضور علي سفح جبل عرفات، وعند الحركة من عرفات إلى المشعر، وعند المبيت في الصحراء، مع قلّة الإمكانات المطلوبة، وعند


1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص189.
2- المصدر نفسه، ص191.
3- مستدرك الوسائل، ج10، ص172.

ص:80

المشي إلى منى في تلك الظروف، وعند رمي الجمرات، والحلق، وغيرها.

ومن يؤدّي هذه المناسك بشوق ورغبة فستكون المصاعب

عنده مجرّد مصاعب جسديّة مقرونة بلذّة روحيّة عالية، تهوّن عليه الأمر.

قال الإمام الصادق7:

ما من ملك ولا سوقة يصل إلى الحجّ إلاّ بمشقّة في تغيير مطعم، أو مشرب، أو ريح، أو شمس لا يستطيع ردّها، وذلك قوله عزّوجلّ: {وَ تَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ}(1)

وقال7 أيضاً في حديث آخر: «وما أحد يبلغه حتّى تناله المشقّة».(2)

والصبر على المصاعب والمعاناة بذاته جزء من علّة تشريع الحجّ، وفي ظلّ هذه الأجواء ينال الإنسان الفرصة المناسبة لتهذيب نفسه، وإدراك مستوى ضعفه أمام الربّ سبحانه وتعالى.

قال الإمام عليّ بن موسي الرضا7: «وعلّة الحجّ الوفادة إلي الله... وما فيه من استخراج الأموال، وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللذّات».(3)


1- الكافي، ج4، ص253.
2- وسائل الشيعة، ج11، ص112.
3- الكافي، ج4، ص255.

ص:81

وقد بيّن الإمام الباقر7 بأنّ الحجّ أفضل من الصلاة والصوم؛

لأنّ المصلّي يتفرّغ لصلاته فترة معيّنة، والصائم يؤدّي صومه في

يوم واحد، ولكنّ الحاجّ يتحمّل العناء والمصاعب، ويبتعد عن

أهله فترة طويلة، وينفق الأموال الكثيرة من أجل أداء هذه

الفريضة.(1)

ومن جملة مصاعب الحجّ الصبر على الحرّ في الصيف، ولا سيّما عند الحضور في عرفات ومنى.

قال رسول الله9: «ومن صبر على حرّ مكّة ساعة تباعدت عنه النار مسيرة مائة عام، وتقرّبت منه الجنّة مسيرة مائة عام».(2)

وعموماً، فإنّ الصبر على الحرّ وتهذيب النفس وارتقاء المستوى المعنوي، وغيرها من الأُمور الإيجابيّة في الحجّ، تقرّب الحاجّ إلى الله تعالى، وتبعده عن نار جهنّم، وكما ورد عن أئمّة أهل البيت: فإنّ من يحجّ في الحرّ أو البرد أعظم أجراً من غيره(3)

وفي يومنا هذا على الرغم من توفّر الإمكانات للحجّاج، وقرب أماكن السكن من الحرمين الشريفين، وسهولة الذهاب والإياب، وتوفّر المياه والأطعمة الصحيّة، ووجود أجهزة التبريد، وتوفّر المتطلّبات في المكان والزمان المناسب، ولكنّ مع ذلك فإنّ هذا السفر يتضمّن مصاعب تتطلّب الصبر والتحمّل.


1- انظر: مسند أحمد، ج4، ص114.
2- مستدرك الوسائل، ج9، ص364.
3- انظر: وسائل الشيعة، ج11، ص174

ص:82

50 _ مواعظ لقمان للمسافرين

ورد عن الإمام الصادق7 أنّه قال:

قال لقمان لابنه: إذا سافرت مع قوم فأكثر استشارتهم في أمرك وأُمورهم، وأكثر التبسّم في وجوههم، وكن كريماً على زادك بينهم.

وإذا دعوك فأجبهم، وإن استعانوا بك فأعنهم، واستعمل طول الصمت، وكثرة الصلاة، وسخاء النّفس بما معك من دابة، أو ماء، أو زاد.

وإذا استشهدوك على الحقّ فاشهد لهم، وأجهد رأيك لهم إذا استشاروك، ثمّ لا تعزم حتّى تثبت وتنظر، ولا تجب في مشورة حتّى تقوم فيها وتقعد وتنام وتأكل وتصلي وأنت مستعمل فكرتك وحكمتك في مشورتك، فإنّ من لم يمحض النصيحة لمن استشاره سلبه الله رأيه ونزع منه الأمانة.

وإذا رأيت أصحابك يمشون فامش معهم، وإذا رأيتهم يعملون فاعمل معهم، وإذا تصدّقوا وأعطوا قرضاً فأعطِ معهم، واسمع لمن هو أكبر منك سنّاً، وإذا أمروك بأمر وسألوك شيئاً فقل: نعم، ولا تقل: لا، فإنّ «لا» عيّ و لوم، وإذا تحيّرتم في الطريق فانزلوا، وإذا شككتم فقفوا وتوامروا...

يا بني، إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء، صلّها واسترح منها؛ فإنّها دين، وصلّ في الجماعة ولو على رأس زجّ...

وإذا أردتم النزول فعليكم من بقاع الأرض بأحسنها لوناً، وألينها تربة، وأكثرها عشباً.

ص:83

وإذا نزلت فصلّ ركعتين قبل أن تجلس، وإذا أردت قضاء حاجتك فأبعِدِ المذهب في الأرض، وإذا ارتحلت فصلّ ركعتين، وودّع الأرض الّتي حللت بها، وسلّم عليها وعلى أهلها، فإنّ لكلّ بقعة أهلاً من الملائكة، فإن استطعت أن لا تأكل طعاماً حتّى تبدأ فتصدّق منه فافعل، وعليك بقراءة كتاب الله عزّوجلّ مادمت راكباً، وعليك بالتسبيح مادمت عاملاً عملاً، وعليك بالدعاء مادمت خالياً. (1)

51 _ إرشاد من يضلّون الطريق

ورد عن أبي بصير، عن الإمام الصادق7: إذا ضللت الطريق فنادِ: «يا صالح أو يا أبا صالح، أرشدونا إلى الطريق يرحمكم الله».(2)

وقال عبيد الله:

فأصابنا ذلك، فطلب منّا بعض من معنا أن يتنحّى وينادي كذلك، قال: فتنحّى فنادى، ثمّ أتانا فأخبرنا أنه سمع صوتاً يردّ دقيقاً يقول: الطريق يمنة، أو قال: يسرة، فوجدناه كما قال.

قال: وحدّثني به أبي أنّهم حادوا عن الطريق بالبادية، ففعلنا ذلك، فأرشدونا، وقال صاحبنا: سمعت صوتاً رقيقاً يقول: الطريق يمنة، فما سرنا إلا قليلاً حتّى عارضنا الطريق.(3)


1- وسائل الشيعة، ج11، صص440 _ 442.
2- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص195.
3- المحاسن، ج2، ص110.

ص:84

52 _ كونوا لنا زيناً

إنّ الحجّاج الإيرانيّين سفراء لمذهب أهل البيت : والثورة الإسلاميّة في أرض الحجاز، ويرى اليوم المسلمون التشيّع في سلوك وتصرّفات الإيرانيّين، وهذا ما يحتّم على أتباع مذهب أهل البيت: التصرّف بما يكون زيناً وفخراً لأئمتهم:.

قال هشام الكندي: سمعت أبا عبدالله7 يقول:

إيّاكم أن تعملوا عملاً يعيّرونا به، فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زيناً ولا تكونوا علينا شيناً، صلّوا في عشائرهم

أي: شاركوهم في صلاة جماعتهم.، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، ولا يسبقونكم إلى شيء من الخير فأنتم أولى به منهم... .(1)

وقال معاوية بن وهب:

قلت لأبي عبدالله7: «كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا، وفيما بيننا وبين خلطائنا من الناس»؟

قال: فقال: «تؤدّون الأمانة إليهم، وتقيمون الشهادة لهم وعليهم، وتعودون مرضاهم، وتشهدون جنائزهم».(2)

وقال معاوية بن وهب في حديث آخر:

قلت له: «كيف ينبغي لنا أن نصنع فيما بيننا وبين قومنا وبين خلطائنا من الناس ممّن ليسوا على أمرنا؟»


1- الكافي، ج2، ص219.
2- المصدر نفسه، ص635

ص:85

قال: «تنظرون إلى أئمتكم الّذين تقتدون بهم، فتصنعون ما يصنعون، فوالله، إنّهم ليعودون مرضاهم، ويشهدون جنائزهم، ويقيمون الشهادة لهم وعليهم، ويؤدّون الأمانة إليهم».(1)

وقال أبو أُسامة زيد الشحّام:

قال لي أبو عبدالله7: «اقرأ علي من ترى أنّه يطيعني منهم ويأخذ بقولي السلام، وأوصيكم بتقوى الله عزّوجلّ، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمّد9، أدّوا الأمانة إلى من ائتمنكم عليها برّاً أو فاجراً، فإنّ رسول الله كان يأمر بأداء الخيط والمخيط».

ثمّ قال7: «صِلو عشائركم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدّوا حقوقهم، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق الحديث، وأدّى الأمانة، وحَسُنَ خلقه مع الناس، قيل: هذا جعفري، فيسرّني ذلك، ويدخل عليّ منه السرور، وقيل: هذا أدب جعفر، فوالله، لحدّثني أبي7 إنّ الرجل كان يكون في القبيلة من شيعة عليّ7 فيكون زينها، آداهم للأمانة، وأقضاهم للحقوق، وأصدقهم للحديث، إليه وصاياهم وودائعهم، تسأل العشيرة عنه، فتقول: من مثل فلان إنّه لآدانا للأمانة، وأصدقنا للحديث».(2)


1- الكافي، ج2، ص636.
2- المصدر نفسه.

ص:86

وهذا النمط من السلوك والتصرّفات مع المخالفين، وحسن التعامل معهم والتحلّي بالأخلاق الإسلاميّة عند مواجهتهم، يؤدّي إلى رفع الحواجز بينهم وبين التشيّع، وهذا ما يدفعهم إلى الانفتاح على مذهب أهل البيت:.

ولهذا يتحتّم على جميع الحجّاج _ سواء تواجدوا داخل القوافل، أو في مسجد النبيّ9، أو المسجد الحرام، أو سائر الأماكن العامّة _ أن يراقبوا سلوكهم وتصرّفاتهم بدقّة، لينالوا _ إضافة إلى ثواب الحجّ _ ثواب رضى أئمّة أهل البيت: عنهم إزاء مواقفهم المشرّفة.

53 _ ارتداء الملابس المناسبة

من الأُمور الّتي يجدر بالحجّاج الالتفات إليها في سفر الحجّ هي ارتداء الملابس النظيفة والمناسبة، ولا سيّما أمام أنظار سائر المسلمين.

قال الإمام الصادق7:

«إنّ الله تعالى يحبّ الجمال والتجميل، ويكره البؤس والتباؤس، فإنّ الله عزّوجلّ إذا أنعم على عبد نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها». قيل: «وكيف ذلك؟» قال: «ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته...».(1)

وورد أيضاً عن الإمام الصادق7، أنّه قال: «أبصر رسول الله رجلاً


1- أمالي الطوسي، ص275.

ص:87

شعثاً شعر رأسه، وسخة ثيابه، سيّئة حاله، فقال رسول الله: من الدين المتعة وإظهار النعمة».(1)

وقال الإمام عليّ7 أيضاً: «وليتزيّن أحدكم لأخيه المسلم إذا أتاه كما يتزيّن للغريب الّذي يحبّ أن يراه في أحسن الهيئة».(2)

وقال رسول الله9 أيضاً بالنسبة إلي شعر الرأس: «من اتّخذ شعراً فليحسن ولايته، أو ليجزّه».(3)

ويجدر بالحجّاج ارتداء الملابس ذات الألوان الفاتحة، فقد ورد في الأحاديث الشريفة التأكيد على ارتداء الملابس البيضاء. (4)

54 _ العبادة المطلوبة

إنّ الحرمين الشريفين أفضل بقاع الأرض لعبادة الله، فإذا

أدّى الإنسان عبادته في هذه البقاع بإخلاص فستكون عبادته

أقرب إلي القبول عند الله تعالى، ولهذا ينبغي للحجّاج أن

يغتنموا فرصة وجودهم في هذه البقاع المقدّسة لحمل الزاد الأُخروي.

كما ينبغي لهم أيضاً عدم الإفراط بالعبادة؛ لئلاّ تكون

عبادتهم مقرونة بالإرهاق والكسل، ولأنّ العبادة المطلوبة


1- الكافي، ج6، ص439.
2- الخصال، ص612.
3- وسائل الشيعة، ج2، ص129.
4- انظر: الوافي، ج20، ص711.

ص:88

هي العبادة الّتي يؤدّيها الإنسان بشوق ونشاط وحيويّة، وهي

العبادة الّتي ينبض فيها قلب الإنسان بمحبّة الله تعالي،

وتعتريه خشيته، فتجري دموعه على خدّيه، ثمّ يدعو الله تعالي وكأنّه يراه.

قال رسول الله9: «اعبد الله كأنّك تراه».(1)

وقال9:

أفضل الناس من عشق العبادة فعانقها، وأحبّها بقلبه وباشرها بجسده، وتفرّغ لها، فهو لا يبالي على ما أصبح من الدنيا، على عسر أم علي يسر.(2)

وقال أميرالمؤمنين عليّ7 في رسالته إلى الحارث الهمداني:

وخادع نفسك في العبادة، وارفق بها ولا تقهرها، وخذ عفوها ونشاطها، إلاّ من كان مكتوباً عليك من الفريضة(3)، فإنّه لابدّ من قضائها وتعاهدها عند محلّها... .(4)

وقال الإمام زين العابدين7 في دعائه: «أسألك من الشهادة أقسطها، ومن العبادة أنشطها».(5)

وقال رسول الله9:

إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تكرهوا عبادة الله إلى


1- كنز العمّال، ج 3، ص 21.
2- الكافي، ج2، ص83.
3- كالصلوات اليوميّة.
4- نهج البلاغة، رسالة 69.
5- بحارالأنوار، ج91، ص155.

ص:89

عباد الله، فتكونوا كالراكب المُنْبَتِّ الّذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى.(1)

إذن، العبادة القليلة الّتي يؤدّيها صاحبها بخشوع وتضرّع وإخلاص أفضل عند الله من العبادة الكثيرة الّتي يقوم بها صاحبها بفتور وكسل.

قال الإمام الصادق7:

مرّ بي أبي وأنا بالطواف، وأنا حدث، وقد اجتهدت في العبادة، فرآني وأنا أتصابُ عرقاً، فقال لي: يا جعفر يا بنيّ، إنّ الله إذا أحبّ عبداً أدخله الجنّة ورضي عنه باليسير. (2)

55 _ اغتنام الفُرص

توجد في مدينتي مكّة والمدينة أماكن عديدة تجذب قلوب المؤمنين إليها، وعندما يقع بصر الحجّاج لأوّل مرّة على القبّة الخضراء لمسجد الرسول9 أو مقبرة البقيع أو الكعبة في مكّة المكرّمة، تقشعرّ جلودهم، وتفيض دموعهم بصورة غير اختياريّة.

وعموماً فالأماكن المقدّسة في هاتين المدينتين كثيرة، منها: عرفات، والمشعر، ومنى و...، وعلى الحاجّ اغتنام الفُرص في هذه الأماكن والتوجّه إلى الله تعالي بالدعاء، وطلب خير الدنيا والآخرة لنفسه ولأقربائه وأصدقائه و...


1- الكافي، ج2، ص86.
2- المصدر نفسه.

ص:90

وإذا وجد الحاجّ في نفسه التهيّؤ للدعاء، وانهمرت دموعه على خدّيه، فعليه أن لا يكتفي بالأدعية البسيطة، من قبيل: تبديل داره إلي دار أكبر، أو طلب المزيد من الربح في تجارته _ وإن كانت هذه الأدعية أيضاً مطلوبة بحدّ ذاتها _ بل عليه اغتنام هذه الفُرصة المهمّة، ومراجعة الأدعية الواردة في القرآن الكريم، أو الواردة عن رسول الله9 والأئمّة المعصومين:، والتوجّه بها إلى الله لطلب خير الدنيا والآخرة، ومن هذه الأدعية:

1_ قال الإمام الباقر7 لزرارة:

قل: «اللّهُمّ إنّي أسألك من كلّ خير أحاط به علمك، وأعوذ بك من كلّ سوء أحاط به علمك، اللّهُمّ إنّي أسألك عافيتك في أُموري كلّها، وأعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة».(1)

2_ المناجاة مع الله؛ يقول محمّد بن أبي حمزة، نقلاً عن أبيه:

رأيت عليّ بن الحسين8 في فناء الكعبة في الليل وهو يصلّي، فأطال القيام حتّى جعل مرّة يتوكّأ على رجله اليمنى ومرّة على رجله اليسرى، ثمّ سمعته يقول بصوت كأنّه باك: «يا سيّدي، تعذّبني وحبّك في قلبي، أما وعزّتك، لئن فعلت لتجمعنّ بيني وبين قوم طالما عاديتهم فيك».(2)

3_ ونقرأ في دعاء أبي حمزة الثمالي:

اللّهُمّ ... أصلح جميع أحوالي، واجعلني ممّن أطلت عمره،


1- الكافي، ج2، ص578.
2- المصدر نفسه، صص579 و 580.

ص:91

وحسّنت عمله، وأتممت عليه نعمك، ورضيت عنه، وأحييته حياةً طيّبة... (1)

4_ ونقرأ في هذا الدعاء أيضاً:

اللّهُمّ ألحقني بصالح من مضى، واجعلني من صالح من بقي، وخذ بي سبيل الصالحين، وأعنّي على نفسي بما تعين به الصالحين على أنفسهم، واختم عملي بأحسنه(2)

5 _ ونقرأ في دعاء آخر: «اللّهُمّ صلّ على محمّد وآل محمّد، وهب لي رحمة واسعة جامعة أبلغ بها خير الدنيا والآخرة...».(3)

6_ ومن نصوص أدعية أهل البيت: ما يفوق عظمته في المعنى عظمة العالم بأسره، ومن هذه النصوص قول أميرالمؤمنين عليّ7: «إلهي، أنت كما أُحبّ فاجعلني كما تحبّ».(4)

فإذا أصبح العبد كما يحبّ الله، فإنّه سينال كلّ الخير.

ومن هذا المنطلق، يجدر بحجّاج بيت الله الحرام أن لا يغفلوا عن الأدعية المهمّة، من قبيل:

دعاء كميل، دعاء أبي حمزة الثمالي، دعاء الإمام الحسين7 في عرفة، المناجاة الشعبانيّة، أدعية الصحيفة السجاديّة، دعاء

مكارم الأخلاق، وبعض الزيارات، من قبيل: زيارة الجامعة، وزيارة أمين الله.


1- مفاتيح الجنان، دعاء أبي حمزة الثمالي.
2- المصدر نفسه.
3- الكافي، ج2، ص578.
4- بحارالأنوار، ج74، ص400.

ص:92

كما يجدر بالحجّاج بعد الاهتمام بالقرآن الكريم أن يهتمّوا بقراءة هذه الأدعية والتدبّر في مضامينها العالية؛ لأنّ هذه الأدعية تهدينا إلى الطريقة الصحيحة للتحدّث مع الله ومناجاته وطلب العون منه، وبها نتوجّه إلى الله بأفضل وأشمل وأغنى الكلام، وبها نطلب منه تعالى كلّ الخير، وحسن العاقبة والنجاح والفلاح والفوز في الدنيا والآخرة، لأنفسنا ولأُسرتنا ولأقربائنا، ولمن طلب الدعاء منّا ليحظى جميع هؤلاء بالفوز العظيم.

56 _ المحافظة على الصلوات لوقتهن

قال الله تعالى في القرآن الكريم للمؤمنين: {حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ}. (البقره: 238)

وأوصى الإمام الصادق7 كلّ واحد من الحجّاج قائلاً: «وراع أوقات فرائض الله وسنن نبيّه».(1)

وقد ورد في سيرة أئمّة أهل البيت: أنّهم كانوا عندما يحين وقت الصلاة ترتعد فرائصهم، وتتغيّر أحوالهم، ويرون قد حان وقت حمل الأمانة الّتي عرضها الله على السماوات والأرض فأبين أن يحملنها وحملها الإنسان.(2)

ومن هنا يجدر بكلّ من يبتغي الوقوف أمام الله تعالى أن ترتعد


1- مصباح الشريعة، ص142.
2- انظر: تفسير الصافي، ج2، ص370.

ص:93

فرائصه ويتغيّر لونه.

وقد كتب أميرالمؤمنين عليّ7 في رسالة بعثها إلى محمّد بن أبي بكر، عندما كان والياً على مصر، جاء فيها:

صلّ الصلاة لوقتها المؤقّت لها، ولا تعجّل وقتها لفراغ، ولا تؤخّرها عن وقتها لاشتغال، واعلم أنّ كلّ شيء من عملك تبع لصَلاتك.(1)

وقد خاطب القرآنُ الكريم من يتهاون في صلاته بلهجة شديدة، حيث قال تعالى في سورة الماعون: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ}. (الماعون: 4و5)

وقال رسول الله9:

لا تضيّعوا صلواتكم، فإنّ من ضيّع صلاته حشر مع قارون وهامان، وكان حقّاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين، فالويل لمن لم يحافظ على صلاته وأداء سنّته(2)

وروى الإمام الصادق7 في حديث آخر عن رسول الله9 أنّه قال: «لا يزال الشيطان ذعراً من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس لوقتهنّ، فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه فأدخله في العظائم».(3)

وقال الإمام الصادق7 أيضاً في حديث جاء فيه:


1- نهج البلاغة، رسالة 27.
2- وسائل الشيعة، ج4، ص30.
3- المصدر نفسه، ص28.

ص:94

إنّ ملك الموت يدفع الشيطان عن المحافظ على الصلاة، ويلقّنه شهادة أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، في تلك الحالة العظيمة.(1)

وقد روى أئمّة أهل البيت : مراراً عن رسول الله9 أنّه قال: «ليس منّي من استخفّ بصلاته، لا يرد عليّ الحوض، لا والله».(2)

يقول أبو بصير:

دخلت على أُمِّ حميدة أُعزّيها بأبي عبدالله7، فبكت وبكيت لبكائها، ثمّ قالت: يا أبا محمّد، لو رأيت أبا عبدالله7 عند الموت لرأيت عجباً، فتح عينيه، ثمّ قال: «اجمعوا كلّ من بيني وبينه قرابة». قالت: «فما تركنا أحداً إلاّ جمعناه، فنظر إليهم»، ثمّ قال: «إنّ شفاعتنا لا تنال مستخفّاً بالصلاة».(3)

ولهذا ينبغي للحجّاج المزيد من الاهتمام بصلاتهم خلال فترة الحجّ، وعليهم السعي لأدائها في أوّل وقتها، كما ينبغي للحجّاج من أتباع مدرسة أهل البيت: الاجتناب من التجوّل وقت الصلاة في الشوارع؛ حفاظاً على ماء وجه أتباع مذهب أهل البيت: أمام أنظار سائر المسلمين.

قال رسول الله9: «لكلّ شيء وجه، ووجه دينكم الصلاة، فلا يشيننّ أحدكم وجه دينه».(4)


1- وسائل الشيعة، ج4، ص29.
2- المصدر نفسه، ج4، ص25.
3- المصدر نفسه، ص26.
4- المصدر نفسه.

ص:95

والصلاة وسيلة لتطهير النفس الإنسانيّة من الشوائب والأدران، ولهذا يجدر بنا الاهتمام بأدائها في أوّل وقتها؛ لنكون ممّن يسارع إلي تطهير نفسه في أوّل فرصة ممكنة.

فقد بيّن رسول الله9 تشبيهاً جميلاً في هذا المجال، قال

لبعض أصحابه:

«لو كان على باب دار أحدكم نهر، فاغتسل في كلّ يوم منه خمس مرّات، أكان يبقى في جسده من الدرن شيء؟» قلنا: «لا». قال: «فإنّ مثل الصلاة كمثل النهر الجاري، كلّما صلّى صلاة كفّرت ما بينهما من الذنوب»(1)

وقال لقمان الحكيم لابنه: «يا بني، إذا جاء وقت الصلاة فلا تؤخّرها لشيء، وصلّها واسترح منها؛ فإنّها دَين، وصلّ في جماعة ولو على

رأس زُج».(2)(3)

57 _ حسن الصلاة

من وصايا الإمام الصادق7 لأتباعه: «عليكم بحسن الصلاة».(4)

وحسن الصلاة يعني أداؤها مع مراعاة آدابها الظاهريّة والباطنيّة، ومن آدابها الظاهريّة:


1- وسائل الشيعة، ج4، ص21.
2- الزجّ _ بالضم _ الحديدة التي تُركّب في أسفل الرمح. لسان العرب، ج2، ص286 «زجج».
3- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص194.
4- أمالي المفيد، ص186

ص:96

1_ السواك قبل الصلاة.

2_ ارتداء الملابس البيضاء الجيّدة والنظيفة عند الحضور في المساجد.

قال رسول الله9: «من أحبّ ثيابكم إلى الله البياض، فصلّوا فيها».(1)

3_ استعمال الطيب.

4_ التختّم بالعقيق حين الصلاة.

5_ أداء الصلاة في أوّل وقتها.

6_ إقامة الصلاة جماعة في المسجد.

7_ الدعاء عند الافتتاح، وكان رسول الله9 يقول بعد التكبيرة:

وجّهت وجهي للّذي فطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له، وبذلك أُمرت وأنا من المسلمين.(2)

8 _ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم قبل قراءة سورة الحمد.

9_ سكون الأطراف حين الصلاة.

10_ التأنّي وعدم الاستعجال في القراءة.

ومن الآداب الباطنيّة:


1- كنز العمّال، ج 15، ص302.
2- الكافي، ج3، ص310؛ تهذيب الأحكام، ج2، ص67.

ص:97

1_ حضور القلب.

2_ الخشوع.

3_ البكاء.

4_ أداء الصلاة كصلاة مودّع، وقد ورد في الحديث الشريف: «صلّ صلاة مودّع كأنّك تراه(1)، فإن كنت لا تراه فإنّه يراك».(2)

58 _ المشاركة في صلاة الجماعة

من أعظم توفيقات سفر الحجّ نيل ثواب أداء الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبيّ9.

وقد قال الإمام الصادق7: «مكّة... الصلاة فيها بمائة ألف صلاة... والمدينة... الصلاة فيها بعشرة آلاف صلاة».(3)

ولا يخفى بأنّ أداء الحجّاج صلاتهم الواجبة جماعةً في هذين المكانين المقدّسين يؤدّي إلى نيلهم الثواب العظيم، والمزيد من الأجر، الّذي لا يمكن الحصول عليه في مكان آخر.

قال رسول الله9 في صلاة الجماعة:

فإن زادوا على العشرة، فلو صارت بحار السماوات والأرض كلّها مداداً، والأشجار أقلاماً، والثقلان مع الملائكة كتّاباً، لم يقدروا أن يكتبوا ثواب ركعة واحدة.(4)


1- أي: تري الله تعالي.
2- الصلاة في الكتاب والسنّة، ص86.
3- الكافي، ج4، ص586.
4- مستدرك الوسائل، ج6، ص443.

ص98

وقد أوصي الإمام الصادق7 أتباعه بأداء الصلاة معهم في المساجد، وقال7: «عليكم بالصلاة في المساجد...».(1)

وقال7 أيضاً لزيد الشحّام حيث كان يعاشر غير الشيعة، ويعيش معهم في منطقة واحدة:

يا زيد، خالقوا الناس بأخلاقهم، صلّوا في مساجدهم، وعودوا مرضاهم، واشهدوا جنائزهم، وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا، فإنّكم إذا فعلتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة، رحم الله جعفراً، ما كان أحسن ما يؤدّب أصحابه، وإذا تركتم ذلك قالوا: هؤلاء الجعفريّة، فعل الله بجعفر ما كان أسوأ ما يؤدّب أصحابه.(2)

إذن نستنتج مايلي:

1_ إنّ ثواب الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبيّ9 عظيم جدّاً.

2_ إنّ الإمام الصادق7 قد أوصي شيعته بأداء الصلاة جماعة.

3_ إنّ الإمام الصادق7 قد أوصي أتباعه بالمشاركة في صلاة جماعة عامّة المسلمين.

4_ إنّ ثواب أداء الصلاة جماعة لا يعدّ ولا يُحصى.

وقد روى الإمام الصادق7 عن آبائه:، عن رسول الله9 أنّه


1- الكافي، ج2، ص635.
2- من لا يحضره الفقيه، ج1، ص383.

ص:99

قال: «من سمع النداء في المسجد، فخرج منه من غير علّة، فهو منافق، إلاّ أن يريد الرّجوع إليه».(1)

إذن، ينبغي على للحجّاج أن يتوجّهوا وقت إقامة الصلاة حيثما كانوا نحو المساجد، ويشتركوا في صلاة الجماعة الّتي تُعقد ليحظوا بالحياة الاجتماعيّة، والأُنس مع سائر المسلمين، إضافة إلى نيلهم المنافع المعنويّة والأُجور الأُخرويّة.

وقد قال الإمام عليّ7: «من سمع النداء فلم يجبه من غير علّة فلا صلاة له».(2)

وقال ابن عباس: «من سمع المنادي ثمّ لم يجب لم يرد خيراً ولم يرد به».(3)

وورد في الحديث الشريف:

إذا كان يوم القيامة يحشر قوم وجوههم كالكوكب الدرّي،

فيقول لهم الملائكة: ما أعمالكم؟ فيقولون: كنّا إذا سمعنا الأذان قمنا إلى الطهارة، لا يشغلنا غيرها، ثمّ يحشر طائفة وجوههم كالأقمار، فيقولون بعد السؤال: كنّا نتوضّأ قبل الوقت، ثمّ يحشر طائفة وجوههم كالشمس، فيقولون: كنّا نستمع الأذان في المسجد.(4)


1- بحارالأنوار، ج85 ، ص9.
2- وسائل الشيعة، ج8 ، ص291.
3- المحجة البيضاء، ج1، ص344.
4- المصدر نفسه.

ص:100

59 _ تسوية الصفوف في صلاة الجماعة

من الأُمور الّتي حثّت عليها الأحاديث الشريفة مسألة مراعاة نظام صفوف صلاة الجماعة.

قال رسول الله9: «سوّوا صفوفكم فإنّ تسوية الصفّ تمام الصلاة».(1)

وينبغي للمصلّين ملء الفراغات الموجودة في الصفوف الأماميّة قبل الالتحاق بالصفوف المتأخّرة.

قال أميرالمؤمنين عليّ7:

سُدّوا فرج الصفوف، من استطاع أن يتمّ الصفّ الأوّل والّذي يليه فليفعل، فإنّ ذلك أحبّ إلى نبيّكم، وأتمّوا الصفوف، فإنّ الله وملائكته يصلّون على الّذين يتمّون الصفوف.(2)

وقال7 في حديث آخر: «أفضل الصفوف أوّلها، وهو صفّ الملائكة».(3)

وقال الإمام الصادق7 أيضاً:

أتمّوا الصفوف، ولا يضرّ أحدكم أن يتأخّر إذا وجد ضيقاً في الصفّ الأوّل، فيتمّ الصفّ الّذي خلفه، وإن رأى خللاً أمامه فلايضرّه أن يمشي منحرفاً _ إن تحرّف عنه _ حتّى يسدّه، يعني: وهو في الصلاة.(4)


1- بحارالأنوار، ج85، ص20.
2- المصدر نفسه، ص18.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.

ص:101

وقال رسول الله9: «لو علم الناس ما في النداء والصفّ الأوّل لاستهموا عليه».(1)

إذن، يجدر بأتباع مذهب أهل البيت: أن يبذلوا غاية جهدهم للحضور أوّل الوقت في المساجد، وإتمام صفوف صلاة الجماعة، واجتناب إيذاء الآخرين عن طريق حشر أنفسهم في الأماكن المزدحمة، أو اجتيازها ممّا يوجب انزعاج المصلّين، بل وعليهم أن يجلسوا في الأماكن الفارغة؛ امتثالاً لأوامر أئمّة أهل البيت: ووصاياهم.

60 _ الجلوس باتّجاه القبلة

ينبغي للحجّاج أن يحرصوا علي استقبال القبلة حيثما وُجدوا في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة، ولا سيّما عند حضورهم في المسجد الحرام أو مسجد النبيّ9. ومن يفعل ذلك فقد اتّبع سنّة الرسول، وسينال من الله تعالى الأجر الجزيل.

قال رسول الله9: «إنّ لكلّ شيء شرفاً، وإنّ أشرف المجالس ما استقبل به القبلة».(2)

وقال الإمام الصادق7: «كان رسول الله9 أكثر ما يجلس تجاه القبلة».(3)

ونرى مع الأسف جلوس بعض الحجّاج في المسجد الحرام وهم


1- بحارالأنوار، ج85، ص20.
2- المصدر نفسه، ج72، ص469.
3- مكارم الأخلاق، ص26.

ص:102

يتحدّثون مع أصدقائهم، وقد أداروا بظهورهم إلى الكعبة، وهذا العمل _ مضافاً إلى مخالفته لسنّة الرسول9 _ يؤدّي إلى حرمان الحجّاج من ثواب النظر إلى الكعبة.

61 _ مراعاة الآخرين

إنّ الطقس في مدينتي مكّة والمدينة حارّ جدّاً في أغلب الأحيان، ولا سيّما في فصل الصيف، ولهذا يجدر بالحجّاج عند المشاركة في صلاة الجماعة أو الحضور في الاجتماعيات التعليميّة وغيرها من التجمّعات أن يتركوا فواصل فيما بينهم وبين الآخرين، ويوسّعوا في مجالسهم، وقد بيّن رسول الله9 سبب هذا الأمر بقوله: «ينبغي للجلساء في الصيف أن يكون بين كلّ اثنين مقدار عظم الذراع؛ لئلاّ يشقّ بعضهم على بعض في الحرّ».(1)

62 _ اجتناب الإسراف

من الأُمور المهمّة الّتي يجدر بالحجّاج الالتفات إليها، لزوم الاجتناب عن الإسراف والتبذير في سفر الحجّ.

وقد يطلب الحجّاج في بعض الأحيان ما يزيد عن حاجتهم من الأطعمة والأشربة، ثمّ يكون مصير الزّيادة في القمامة، كما قد يخرج الحجّاج من غرفهم فيتركوا أجهزة التبريد أو المصابيح من دون إطفاء، وهذا كلّه إسراف.


1- الكافي، ج2، ص662.

ص:103

وقد قال تعالى للمؤمنين: {وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْ_رِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}. (الأعراف: 31)

وقال تعالى في آية أُخرى: {وَ أَنَّ الْمُسْ_رِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ}. (غافر: 43)

وقال الإمام عليّ7: «السرف متْواة(1)، والقصد مثراة(2)».(3)

وقال الإمام زين العابدين7 في الدعاء العشرين من الصحيفة السجّادية، وهو يطلب من الله تعالى: «وامنعني من السرف، وحصّن رزقي من التلف، ووفّر ملكتي بالبركة فيه، وأصب بي سبيل الهداية للبرّ فيما أنفق منه...». (4)

ووصف الإمام عليّ7 الإسراف في حديث شريف بقوله: «إنّ إعطاء المال في غير حقّه تبذير وإسراف».(5)

إذن من موارد التبذير والإسراف: صرف المال في غير حقّه، وشراء البضاعات الكمالية غير النافعة.

وقد قال رسول الله9: «إنّ من السرف أن تأكل كلّ ما اشتهيت».(6)


1- المتْواة: مَفْعَلَة من التوي، وزان حصي؛ بمعني الهلاك، أو هلاك المال، أو ذهاب مال لا يرجي. اُنظر: الصحاح، ج6، ص2290؛ لسان العرب، ج14، ص 106 توي.
2- المثراة: المكثرة، مَفعَلة من الثروة والثراء، وهو كثرة العدد في الناس والمال. اُنظر: النهاية، ج1، ص210؛ القاموس المحيط، ج2، ص1663 ثرا.
3- بحارالأنوار، ج72، ص192.
4- الصحيفة السجّاديّة، ص86.
5- نهج البلاغة، الخطبة 126.
6- كنز العمّال، ج 3، ص 444.

ص:104

وبيّن الإمام الصادق7 في حديث آخر، بأنّ أدنى الإسراف إهراق فضل الطعام، وابتذال ثوب الصون. (1)

وقال الإمام الصادق7 في حديث آخر، يفسّر فيه قوله تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً}: «من أنفق شيئاً في غير طاعة الله فهو مبذّر، ومن أنفق في سبيل الخير فهو مقتصد».(2)

وقال معمر بن خلاّد:

سمعت أبا الحسن7 يقول: «من أكل في منزله طعاماً فسقط منه شيء فليتناوله، ومن أكل في الصحراء أو خارجاً فليتركه للطير والسبع».(3)

63 _ اجتناب كثرة الأكل وكثرة النوم

إنّ توفّر الغذاء المناسب في سفر الحجّ يدفع البعض إلى تناول الأطعمة والأشربة أكثر من حاجتهم الجسديّة، فيورثهم هذا الأمر الكسل وكثرة النوم، ويتبعه حرمانهم من بركة كثرة الحضور في الحرمين الشريفين، ولا سيّما التزوّد المعنوي في وقت السحر.

ولهذا يلزم على كلّ من يبتغي صفاء القلب والمزيد من الحضور في المسجد الحرام ومسجد النبيّ9 والانتفاع المعنوي من هذا السفر الديني العظيم، أن يقلّل من تناوله للأطعمة، وأن يجعل نومه بمقدار


1- بحارالأنوار، ج72، ص303.
2- المصدر نفسه، ص302.
3- الكافي، ج6، ص300.

ص:105

ما تقتضيه الضرورة.

قال الإمام عليّ7: «إذا أراد الله سبحانه صلاح عبده ألهمه قلّة الكلام، وقلّة الطعام، وقلّة المنام».(1)

وقال رسول الله9 في حديث آخر: «لا تميتوا القلوب بكثرة الطعام والشراب، فإنّ القلب يموت كالزرع إذا كثر عليه الماء».(2)

وقال السيّد المسيح7: «يا بني إسرائيل، لا تكثروا الأكل؛ فإنّه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن أكثر النوم أقلّ الصلاة، ومن أقلّ الصلاة كُتب من الغافلين».(3)

وقال رسول الله9: «إيّاكم والبطنة، فإنّها مفسدة للبدن، ومورثة للسقم، ومكسلة عن العبادة».(4)

وقال الإمام الباقر7 أيضاً: «ما من شيء أبغض إلى الله عزّ وجلّ من بطن مملوء».(5)

وقال الإمام الصادق7:

ظهر إبليس ليحيى بن زكريّا7، وإذا عليه معاليق من كلّ شيء، فقال له يحيى: ما هذه المعاليق؟

فقال: هذه الشهوات الّتي أُصيب بها ابن آدم.

فقال: هل لي منها شيء؟


1- مستدرك الوسائل، ج16، ص213.
2- تنبيه الخواطر، ج1، ص46.
3- المصدر نفسه، ص47.
4- بحارالأنوار، ج59، ص266.
5- وسائل الشيعة، ج24، ص248.

ص:106

فقال: ربّما شبعت فشغلناك عن الصلاة والذكر.

قال: لله عليّ أن لا أملأ بطني من طعام أبداً.

وقال إبليس: لله عليّ أن لا أنصح مسلماً أبداً.(1)

64 _ السواك

سواك الأسنان مستحبّ مؤكّد، وقد ورد في الأحاديث الشريفة التأكيد على السواك مع كلّ وضوء.

قال رسول الله9: «الوضوء شطر الإيمان، والسواك شطر الوضوء».(2)

وقال الإمام الصادق7: «من أخلاق الأنبياء السواك».(3)

ويجدر بمن يحضر الحرمين الشريفين، ولا سيّما من يبتغي قراءة القرآن أن يستخدم السواك قبل مجيئه إلى الحرمين الشريفين.

قال رسول الله9: «طيّبوا أفواهكم بالسواك؛ فإنّها طرق

القرآن».(4)

وقد عدّ الإمام الصادق7 للسواك اثنتي عشرة خصلة، فقال:

هو من السنّة، ومطهرة للفم، ومجلاة للبصر، ويرضي الرحمن، ويبيّض الأسنان، ويذهب بالحفر، ويشدّ اللثّة، ويشهّي الطعام،


1- وسائل الشيعة، ج24، ص241.
2- كنز العمّال، ج 9، ص 288.
3- بحارالأنوار، ج73، ص131.
4- كنز العمّال، ج 1، ص 603.

ص:107

ويذهب بالبلغم، ويزيد في الحفظ، ويضاعف به الحسنات، وتفرح به الملائكة.(1)

فمع لحاظ هذه الخصال ووصايا الرسول9 والأئمّة المعصومين:، ونظراً إلى أنّ الحجّ سفر جماعي ويلتقي فيه الحجّاج بسائر المسلمين الوافدين من مختلف أنحاء العالم، فلهذا يجدر بالحاجّ أن يستخدم السّواك؛ ليصير فمه ذا رائحة طيّبة.

65 _ ملاحظات صحّيّة

إنّ مراعاة الأُمور الصحّيّة في سفر الحجّ مسألة ضروريّة جدّاً؛ لأنّ مجرّد غفلة بسيطة قد تؤدّي إلى ابتلاء الحاجّ بالمرض، فتحرمه عدّة أيّام من بركة الحضور في الحرم؛ ولهذا يجدر بالحجّاج الاهتمام ببعض الأمور الصحّيّة المهمّة التي بيّنها أئمّة أهل البيت::

1_ قال الإمام الباقر7:

من أراد أن لا يضرّه الطعام فلا يأكل طعاماً حتّى يجوع وتنقي معدته، فإذا أكل فليسمّ الله، وليجوّد المضغ، وليكفّ عن الطعام وهو يشتهيه، ويحتاج إليه.(2)

2_ قال الإمام الصادق7: «من غسل يديه قبل الطعام وبعده عاش في سعة، وعوفي من بلوى في جسده».(3)


1- الخصال، ص481.
2- وسائل الشيعة، ج24، ص431.
3- الكافي، ج6، ص290.

ص:108

وقال الإمام عليّ7: «ابدأوا بالملح في أوّل طعامكم».(1)

وقد ورد في بعض الأحاديث الشريفة النهي عن تناول الطعام الحار، أو النفخ في طعام الآخرين؛ ولهذا ينبغي لنا تناول الطعام بعد زوال حرارته الشديدة.

فقد ورد في الحديث الشريف أنّ الرسول9 قُرّب إليه طعام حار، فقال: «أقرّوه حتّى يبرد، ما كان الله عزّوجلّ ليطعمنا النار، والبركة في البارد».(2)

66 _ آداب التلبية

اشاره

يُعلن الحجّاج بتلبيتهم في الميقات حضورهم أمام الربّ، فيجيب الربّ تلبيتهم، ولهذا يجدر بالحجّاج مراعاة الأدب في خطابهم لربّهم، ومن آداب التلبية:

ج _ الجهر بالتلبية للرجال

قال رسول الله9: «أتاني جبرئيل7 فقال: إنّ الله عزّوجلّ

يأمرك أن تأمر أصحابك أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية، فإنّها شعار الحجّ».(3)

ويجدر القول إنّ الجهر بالتلبية واجبة على الرجال فقط، ولا يستحبّ للنساء الجهر بالتلبية.

قال الإمام الصادق7: «ليس على النساء جهر بالتلبية».(4)

ب _ تكرار التلبية

اشاره

قال الإمام الصادق7:

إذا أحرمت من مسجد الشجرة، فإن كنت ماشياً لبّيت من مكانك من المسجد، وتقول: «لبّيك اللّهُمّ لبّيك، لبّيك لا شريك لك لبّيك، لبّيك ذا المعارج لبّيك، لبّيك بحجّة تمامها عليك».(5)

أ _ الخشوع

قال سفيان بن عيينة:

حجّ زين العابدين7، فلمّا أحرم واستوت به راحلته اصفرّ لونه ووقعت عليه الرعدة، ولم يستطع أن يلبّي. فقيل: ألا تلبّي؟ فقال: «أخشى أن يقول لي: لا لبّيك ولا سعديك»، فلما لبّى خرّ مغشياً عليه وسقط عن راحلته، فلم يزل يعتريه ذلك حتّى قضى حجّه(6)


1- الكافي، ج6، ص326.
2- المصدر نفسه، صص321 و 322.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه، ص184.
5- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص182.
6- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص182.

ص:109

د _ قطع التلبية بمجرّد رؤية منازل مكّة

قال الإمام الصادق7: «المتمتّع إذا نظر إلى بيوت مكّة قطع التلبية».(1)


1- المصدر نفسه.

ص:110

67 _ آداب دخول الحرم ومكّة المكرّمة

وردت في الأحاديث الشريفة جملة من الآداب الخاصّة بدخول الحاجّ إلى مكّة، منها:

1_ ارتداء الإحرام عند دخول مكّة.

2_ الغسل قبل دخول مكّة.(1)

وقد اغتسل رسول الله9 قبل دخوله إلى مكّة في منطقة تُدعى «فخ».(2)

وورد عن الحلبي، أنّه قال: «أمرنا أبو عبدالله7 أن نغتسل من فخ(3)، قبل أن ندخل مكّة».(4)

وقد بيّن الإمام الصادق7 حلاً آخر لمن لا يسعه الغسل في الطريق قبل دخوله إلى مكّة، فقال7: «إذا انتهيت إلى الحرم إن شاء الله، فاغتسل حين تدخله، وإن تقدّمت فاغتسل من بئر ميمون، أو من فخ، أو من منزلك بمكّة».

وقال7 أيضاً:

أمر الله عزّوجلّ إبراهيم7 أن يحجّ ويحجّ إسماعيل7 معه ويسكنه الحرم، فحجّا على جمل أحمر وما معهما إلاّ جبرئيل7،


1- لا يمكن الغسل في الوقت الحاضر قبل الدخول إلى مكّة نتيجة قوانين دولة السعوديّة وعدم توقّف السيّارات وفقدان الإمكانات المطلوبة لهذا الأمر.
2- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص56.
3- فخ: وادٍ في مكّة. معجم البلدان، ج4، ص237.
4- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص56.

ص:111

فلمّا بلغ الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم، انزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم، فنزلا فاغتسلا.(1)

3_ التحلّي بالتواضع.

عن معاوية بن عمار، قال:

قال الإمام الصادق7: «من دخلها [مكّة] بسكينة غفر له ذنبه». قلت: «كيف يدخلها بسكينة؟» قال: «يدخل غير متكبّر ولا متجبّر».(2)

68 _ آداب دخول المسجد الحرام

يجدر بالحاجّ بعد دخوله مكّة المكرمة أن يقصد محلّ سكنه المعدّ له والاستراحة فيه، ثمّ الذهاب إلى المسجد الحرام علي طهر؛ ليتمكّن من أداء أعماله العباديّة في حالة بعيدة عن التعب والإرهاق، والقيام بها بكمال التوجّه والخضوع والخشوع.

فقد ورد عن أميرالمؤمنين عليّ7 أنّه كان إذا قدم مكّة بدأ بمنزله قبل أن يطوف(3)

وقال عمران الحلبي:

سألت أبا عبدالله7: «أتغتسل النساء إذا أتين البيت؟» فقال: «نعم، إنّ الله تعالى يقول: {أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَ الْعاكِفِينَ


1- الحج في الكتاب والسنّة، ص57.
2- المصدر نفسه.
3- انظر: الكافي، ج4، ص399.

ص:112

وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}(1)، وينبغي للعبد أن لا يدخل إلاّ وهو طاهر قد غسل عنه العرق والأذى وتطهّر».(2)

ويستحبّ للحاجّ عند الدخول في المسجد الحرام أن يدخل من باب بني شيبة، وتقع هذه الباب بجوار مقام إبراهيم، وهي موجودة في الصور القديمة للمسجد الحرام، ولكنّها لا أثر لها اليوم في الواقع الخارجي.

وقد بيّن الإمام الصادق7 سبب استحباب دخول الحاجّ من هذه الباب بقوله:

إنّه موضع عُبد فيه الأصنام، ومنه أُخذ الحجر الّذي نحت

منه هبل الّذي رمى به عليّ7 من ظهر الكعبة، لمّا علا

ظهر رسول الله9، فأمر به فدفن عند باب بني شيبة، فصار الدخول إلى المسجد من باب بني شيبة سنّة لأجل ذلك.(3)

وقال الشهيد= في «شرح اللّمعة» بعد ذكر استحباب دخول الحاجّ من باب بني شيبة: «ليطأ هبل(4) وهُبل: أكبر صنم كان يعبده الناس زمن الجاهليّة».(5)

إذن، سبب استحباب دخول الحجّاج من باب بني شيبة هو أن يطأوا الأصنام عند دخولهم إلى المسجد الحرام.


1- بقرة: 125.
2- التهذيب، ج5، ص251.
3- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص67.
4- انظر: شرح اللّمعة الدمشقيّة، ج2، ص253.
5- المصدر نفسه.

ص:113

قال الإمام الباقر7:

إذا دخلت المسجد الحرام وحاذيت الحجر الأسود، فقل: «أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالطاغوت وباللات، وبعبادة الشيطان، وبعبادة كلّ ندّ يُدعى من دون الله». ثمّ ادن من الحجر واستلمه بيمينك، ثمّ تقول: «بسم الله والله أكبر، الّلهُمّ أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته؛ لتشهد عندك لي بالموافاة».(1)

وروي معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله7 أنّه قال:

«إذا دخلت المسجد الحرام فادخله حافياً على السكينة والوقار والخشوع». وقال: «ومن دخله بخشوع غفر الله له إن شاء الله». قلت: «ما الخشوع؟» قال: «السكينة، لا تدخله بتكبّر، فإذا انتهيت إلى باب المسجد فقم وقُل: «السلام عليك أيّها النبيُّ ورحمة الله وبركاته، بسم الله وبالله، ومن الله وما شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورسله، والسلام على رسول الله، والسلام على إبراهيم، والحمد لله ربّ العالمين». فإذا دخلت المسجد فارفع يديك واستقبل البيت وقُل: «الّلهُمّ إنّي أسألك في مقامي هذا في أوّل مناسكي أن تقبل توبتي، وأن تجاوز عن خطيئتي وتضع عنّي وزري، الحمد لله الّذي بلغني بيته الحرام، الّلهُمّ إنّي أشهد أنّ هذا بيتك الحرام الّذي جعلته مثابة للناس، وأمناً مباركاً وهدى


1- الكافي، ج4، صص403 و 404.

ص:114

للعالمين، اللّهُمّ إنّي عبدك والبلد بلدك والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤمُّ طاعتك، مطيعاً لأمرك، راضياً بقدرك، أسألك مسألة المضطرّ إليك، الخائف لعقوبتك، الّلهُمّ افتح لي أبواب رحمتك، واستعملني بطاعتك ومرضاتك».(1)

ولا شكّ أنّ مراعاة الحجّاج لهذه الآداب عند دخولهم المسجد الحرام يترك أثراً إيجابيّاً كبيراً على أدائهم لمناسكهم، ويوفّر لهم الأجواء المعنويّة الّتي تحفّزهم على القيام بأعمالهم العباديّة بشوق ولهفة، وهذا ما يؤدّي بهم إلى اقتطاف المزيد من الثمرات الّتي يبتغيها العبد من أدائه لفريضة الحجّ.

69 _ آداب الطواف

اشاره

يشكّل الطواف حول بيت الله الحرام أجمل وأبهى المناظر العباديّة للحجّ؛ إذ يتخلّص الحاجّ من دنس الذنوب خلال طوافه ويحاول الوصول إلى مرحلة كمال الانقطاع إلى الله تعالى.

والسبيل لنيل أسمى بركات الطواف المعنويّة، هو أن يراعي الحاجّ عند طوافه بعض الآداب التي منها:

أ _ كمال الانقطاع إلى الله تعالى

ينبغي أن يكون الحاجّ عند الطواف في حالة كمال الانقطاع إلى الله تعالى، وأن لا يتكلّم إلاّ بخير.


1- الكافي، ج4، صص403 و 404.

ص:115

قال رسول الله9: «الطواف بالبيت صلاة، إلاّ أن الله أحلّ لكم فيه الكلام، فمن يتكلّم فلا يتكلّم إلاّ بخير».(1)

ب _ المشي بهدوء في الطواف

يجدر بالحاجّ السير بهدوء وتأنٍّ في طوافه؛ لئلاّ يزاحم الآخرين في حركته حين طوافهم.

قال عبد الرحمن بن سيابة: «سألت أبا عبدالله7 عن

الطواف، فقلت: أسرع وأكثر أو أبطئ؟ قال: «مشي بين

المشيين».(2)

ج _ ترك الطواف عند التعب

قال الإمام الصادق7: «دع الطواف وأنت تشتهيه».(3)

70 _ مزاحمة الآخرين

ورد في الأحاديث الشريفة النهيُ عن الطواف المستحبّ إذا كان المسجد الحرام مزدحماً، وكان بعض الحجّاج يطوفون طوافاً واجباً.

قال الإمام الصادق7: «أوّل ما يظهر القائم من العدل أن ينادي مناديه أن يسلّم صاحب النافلة لصاحب الفريضة الحجر الأسود والطواف».(4)


1- الحج في الكتاب والسنّة، ص191.
2- المصدر نفسه .
3- المصدر نفسه، ص193.
4- الكافي، ج4، ص427.

ص:116

كما ينبغي للحاجّ إذا شاهد الازدحام حول الحجر الأسود أن لا يزاحم الآخرين، بل يجتازه دون استلامه، ويكتفي بذكر التكبير وذكر الصلوات.

قال يعقوب بن شعيب: «سمعته [أي: سمعت الإمام الصادق7] إذا أتى الحجر، يقول: «الله أكبر، السلام على رسول الله».(1)

كما قال الإمام الصادق7 لسيف التمّار في استلام الحجر الأسود، فقال: «إن وجدته خالياً وإلاّ فسلّم من بعيد».(2)

71 _ آداب السعي

قال الإمام الصادق7 حول أدب الحاجّ في السعي بين الصفا والمروة:

... ثمّ اخرج إلى الصفا من الباب الّذي خرج منه رسول الله9 _ وهو الباب الذي يقابل الحجر الأسود _ حتّى تقطع الوادي وعليك السكينة والوقار، فاصعد على الصفا حتّى تنظر

إلى البيت وتستقبل الركن، الّذي فيه الحجر الأسود، واحمد الله واثن عليه، ثمّ اذكر من آلائه وبلائه وحُسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثمّ كبّر الله سبعاً، واحمده سبعاً، وهلّله سبعاً، وقُلْ:

«لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي


1- الكافي، ج4، ص407.
2- المصدر نفسه، ص405.

ص:117

ويميت وهو حيّ لا يموت، وهو على كلّ شيء قدير»، ثلاث مرّات.

ثمّ صلّ على النبيّ9 وقل: «الله أكبر على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، والحمد لله الحيّ القيوم، والحمد لله الحي الدائم»، ثلاث مرّات.

وقل: «أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، لا نعبد إلاّ إيّاه مخلصين له الدّين ولو كره المشركون»، ثلاث مرّات.

«اللّهُمّ إنّي أسألك العفو والعافية واليقين في الدنيا والآخرة»، ثلاث مرّات.

«اللّهُمّ آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النّار»، ثلاث مرّات.

ثمّ كبّر الله مائة مرّة، وهلّل مائة مرّة، واحمد مائة مرّة، وسبّح مائة مرّة، وتقول:

«لا إله إلاّ الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده، فله الملك وله الحمد، وحده وحده، اللّهُمّ بارك لي

في الموت وفي ما بعد الموت، اللّهُمّ إنّي أعوذ بك من ظلمة

القبر ووحشته، اللّهُمّ أظلّني في ظلّ عرشك يوم لا ظلّ إلاّ ظلّك».

وأكثر من أن تستودع ربّك دينك ونفسك وأهلك.

ثمّ تقول:

ص:118

«أستودع الله الرحمن الرحيم الّذي لا يضيّع ودائعه نفسي وديني وأهلي، اللّهُمّ استعملني على كتابك وسنّة نبيّك، وتوفّني على ملّته، وأعذني من الفتنة».

ثمّ تكبّر ثلاثاً، ثمّ تعيدها مرّتين، ثمّ تكبّر واحدة، ثمّ تعيدها. فإن لم تستطع هذا فبعضه(1)

72 _ كثرة الصلاة في مكّة

يجدر بالحجّاج حين وجودهم في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة الاهتمام الخاصّ بالصلاة، ومحاولة الإكثار منها فيهما؛ لكي يقربوا من الله تعالى أكثر فأكثر.

قال إبراهيم بن شيبة:

كتبت إلى أبي جعفر7 أسأله عن إتمام الصلاة في الحرمين، فكتب إليّ: «كان رسول الله يحبّ إكثار الصلاة في الحرمين، فأكثر فيهما وأتمّ».(2)

وقال الإمام زين العابدين7:

ومن صلّى بمكّة سبعين ركعة، فقرأ في كلّ ركعة بقل هو الله أحد، وإنّا أنزلناه وآية السّخرة وآية الكرسي، لم يمت إلاّ شهيداً.(3)


1- الكافي، ج4، صص431 و 432.
2- المصدر نفسه، ص524.
3- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص227.

ص:119

وقال الإمام الصادق7 أيضاً: «أكثروا من الصلاة والدعاء في هذا المسجد، أما إنّ لكلّ عبد رزقاً يجاز إليه جوزاً».(1)

ويستهدف هذا الحديث تنبيه الحاجّ ليترك كثرة التجارة في مكّة المكرّمة، ويصرف المزيد من وقته في أداء الصلاة والدعاء والعبادة؛ لأنّ الله تعالى قد تكفّل بأرزاق العباد.

قال أحمد بن محمّد بن أبي النصر: «سألته [أي: أبا الحسن7] عن الرجل يصلّي في جماعة في منزله بمكّة أفضل، أو وحده في المسجد الحرام؟ فقال: «وحده».(2)

73 _ الأُنس بالقرآن

نزل القرآن الكريم على رسول الله في مكّة والمدينة، وقد عدّ الرسول9 القرآن الكريم أحد الثقلين والوسيلة لهداية العالمين، ولهذا يجدر بحجّاج بيت الله الحرام الاهتمام الخاصّ بالقرآن الكريم خلال وجودهم في الحرمين الشريفين والإكثار من تلاوته.

قال الإمام زين العابدين7: «من ختم القرآن بمكّة لم يمت حتّى يرى رسول الله9 ويرى منزله في الجنّة».(3)

وقال الإمام الباقر7:

من ختم القرآن بمكّة من جمعة إلى جمعة أو أقل من ذلك أو أكثر، وختمه في يوم الجمعة، كتب الله له من الأجر والحسنات من أوّل


1- الكافي، ج4، ص526.
2- المصدر نفسه، ص527.
3- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص227.

ص:120

جمعة كانت في الدنيا إلى آخر جمعة تكون فيها، وإن ختمه في سائر الأيّام فكذلك.(1)

74 _ الحفاظ على حرمة الكعبة

إنّ من طرق الجلوس طريقة تسمّى «الاحتباء»، ويقال: احتبى، أي: جلس على إليتيه وضمّ فخذيه وساقيه إلى بطنه بذراعيه ليستند، ويقال: احتبى بالثوب، أي: أداره على ساقيه وظهره وهو جالس على نحو ما سبق ليستند.(2)

وقد نهى أئمّة أهل البيت: عن هذه الجلسة مقابل الكعبة حفاظاً على حرمتها.

قال الإمام الصادق7: «لا يجوز للرجل أن يحتبي مقابل الكعبة»(3)

75 _ الحفاظ على القيم الأخلاقيّة

نظراً للأجواء المعنويّة المهيمنة على سفر الحجّ ولزوم الحفاظ على الأمن الشامل لنطاق منطقة الحرم، يجدر بالحجّاج الحفاظ على القيم الأخلاقيّة في حرم الله.

قال سماعة بن مهران:

سألته عن رجل لي عليه مال فغاب عنّي زماناً فرأيته يطوف حول


1- دعائم الأسلام، ج1، ص381.
2- اُنظر: المعجم الوسيط: ماده «حبا».
3- الكافي، ج2، ص663.

ص:121

الكعبة، أفأتقاضاه مالي؟» قال: «لا، لا تسلّم عليه ولا تروّعه حتّى يخرج من الحرم».(1)

فقد بيّن هذا الحديث الشريف أهمّيّة ضبط النفس ومجاهدتها لدي حجّاج بيت الله الحرام، لا سيّما عند تواجدهم في مكّة المكرّمة من أجل الحفاظ على القيم الأخلاقيّة الّتي دعا إليها الإسلام.

76 _ تقليل فترة سفر الحجّ

يستحبّ للحاجّ العودة إلى دياره في أسرع فرصة ممكنة بعد إنهائه لمناسك الحجّ، وقد بيّن الإمام الصادق7 سبب ذلك بقوله: «إذا فرغت من نسكك فارجع، فإنّه أشوق لك إلى الرجوع»(2)

وإذا أتعب الحاجّ نفسه بطول فترة بقائه في مكّة المكرّمة، فإنّه سيفقد حالة الشوق إليها، وتقلّ عنده دوافع العودة إليها مرّة أُخرى.

وأمّا بالنسبة إلى طول فترة الإقامة في مكّة المكرّمة قبل أوان مناسك الحجّ لا يخلّ بحيويّة الإنسان لأداء المناسك؛ لأنّ الإنسان في تلك الفترة يعيش حالة الشوق والّلهفة لأداء مناسك الحجّ.

قال الإمام الصادق7: «مقام يوم قبل الحجّ أفضل من مقام يومين بعد الحجّ».(3)

والجدير بالذكر أنّ مسألة تقليل فترة إقامة الحجّاج في سفر الحجّ


1- الكافي، ج4، ص241.
2- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص267.
3- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص525.

ص:122

من الأُمور الّتي يسعى مسؤولو الحجّ إلى تطبيقها على أرض الواقع، ليزداد الإنسان شوقاً للعودة إلى مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة.

77 _ آداب الخروج من مكّة المكرّمة

اشاره

ورد في الأحاديث الشريفة جملة من آداب الخروج من مكّة المكرّمة، منها:

أ _ التصدّق

قال الإمام الصادق7:

إذا أردت أن تخرج من مكّة فاشتر بدرهم تمراً، فتصدّق به قبضة قبضة(1) فيكون لكلّ ما كان منك في إحرامك وما كان منك بمكّة.(2)

ب _ توديع الكعبة

قال الإمام الصادق7:

إذا أردت أن تخرج من مكّة وتأتي أهلك، فودّع البيت وطف بالبيت أُسبوعاً، وإن استطعت أن تستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كلّ شوط فافعل، وإلاّ فافتتح به واختتم به، فإن لم تستطع ذلك فموسّع عليك.(3)


1- أي: لا يقصر عطاؤك علي تمرة واحدة، بل أعط الكثير من التمر
2- الكافي، ج4، ص533.
3- المصدر نفسه، ص530.

ص:123

وورد عن قاسم بن كعب، قال:

قال أبو عبدالله7: «إنّك لتدمن الحجّ؟» قلت: أجل، قال: «فليكن آخر عهدك بالبيت أن تضع يدك على الباب وتقول: المسكين على بابك، فتصدّق عليه بالجنّة».(1)

وورد عن الإمام الصادق7 أنّه عندما كان يقصد توديع الكعبة والخروج من المسجد الحرام، فإنّه كان يسجد عند باب المسجد فترة طويلة، ثمّ يقوم ويخرج من المسجد.(2)

وقال إبراهيم بن أبي محمود:

رأيت أبا الحسن ودّع البيت، فلمّا أراد أن يخرج من باب المسجد خرّ ساجداً، ثمّ قام فاستقبل الكعبة، فقال: «اللّهُمّ إنّي أنقلب على ألاّ إله إلاّ أنت».(3)

وورد في الأحاديث الشريفة الأُخرى أيضاً بأنّ الأئمّة: كانت سيرتهم أن يودّعوا الكعبة بهذه الصورة.

78 _ آداب الزيارة

بيّنت أحاديث أهل البيت: جملة من آداب الزيارة، وبعض هذه الآداب ترتبط بموارد خاصّة، وبعضها الآخر تشمل جميع الأماكن المقدّسة والعتبات المشرّفة، ومن هذه الآداب:


1- الكافي، ج4، ص533.
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه، ص531.

ص:124

1_ الغسل قبل قصد الزيارة.

2_ اجتناب العبث واللغو والخصومة والمراء في القول.

3_ تعدّد الغسل، وتخصيص كلّ غسل لزيارة إمام واحد عند قصد زيارة عدّة أئمّة.

4_ قراءة الأدعية المأثورة عند الغسل.

5_ الزيارة عن طهر، أي: أن لا يكون الزائر محدثاً بالحدث الأصغر أو الأكبر.

6_ ارتداء الملابس الطاهرة والنظيفة.

7_ ارتداء الملابس البيضاء.

8 _ ارتداء الملابس الجديدة.

9_ رفع الخطوات القصيرة عند الذهاب إلى الزيارة، والسير بهدوء وتأنٍّ ووقار.

10_ استعمال الطيب (ما عدا زيارة كربلاء).

11_ ذكر «الله أكبر»، «الحمد لله»، «سبحان الله» و «لا إله إلاّ الله» والصلاة على محمّد وآل محمّد عند الذهاب إلى الزيارة.

12_ الوقوف عند باب المرقد وقراءة إذن الدخول الوارد في المأثور.

13_ السعي لإثارة حالة الرقّة في القلب والتحلّي بالخضوع.

14_ السجود لله شكراً إزاء توفيقه تعالى لنيل نعمة هذه

الزيارة.

15_ تقديم الرجل اليمنى عند الدخول، والرجل اليسرى عند الخروج.

ص:125

16_ الوقوف عند الزيارة ما عدا الموارد الّتي يكون الزائر فيها معذوراً عن الوقوف.

17_ إطراق الوجه إلى الأرض، وعدم الالتفات يمنة أو يسرة أو النظر إلى الأعلى.

18_ قراءة الزيارات المأثورة، وترك الزيارات المخترعة.

19_ أداء صلاة الزيارة وأقلّها ركعتين.

20_ قراءة الأدعية المنصوصة بعد الزيارة والصلاة.

21_ قراءة مقدار من القرآن، وإهداء ثوابها إلى صاحب المرقد الشريف.

22_ تقديم الصلاة الواجبة على صلاة الزيارة، وتأجيل الزيارة فيما لو تزاحمت مع وقت أداء فريضة الصلاة، والمشاركة في صلاة الجماعة.

23_ أداء الزيارة نيابة عن الأب والأُمّ والأقرباء والأصدقاء، وطلب المغفرة لهم.

24_ اجتناب الكلام القبيح أو التافه أو الفارغ أو ما يرتبط بالشؤون الدنيويّة، ولا سيّما في الأماكن المقدّسة؛ لأنّ هذا الكلام يمنع الرزق ويورث قساوة القلب.

25_ اجتناب رفع الصوت الّذي يزاحم الآخرين عند المراقد المقدّسة.

26_ توديع صاحب المرقد الشريف عند الخروج من المدينة.

27_ العزم على العودة إلى ذلك المكان المقدّس عند التوديع.

ص:126

28_ تحسين السلوك والتصرّفات والأقوال وجعلها أفضل ممّا كانت عليه قبل الزيارة.

29_ الإنفاق على الفقراء والمساكين ومجاوري تلك البقعة والإحسان إليهم.(1)

79 _ زيارة النساء

بيّن العلاّمة الأميني= في فصل «أدب الزائرات» بأنّ على الزائرات أن يغضضن أبصارهنّ من الأُمور المحرّمة، ويجتنبن التبرّج وإثارة الشهوات، ويرتدين لباس الحياء والعفّة، ويمتنعن من مزاحمة الرجال في الطرقات، ويبتعدن عن جميع الأُمور الّتي تلفت أنظار الرجال إليهنّ، كاستعمال الطيب أو الكحل.(2)

80 _ مراعاة الوقار عند الزيارة

دأب أتباع مذهب أهل البيت: أن يجتمعوا على شكل عدّة قوافل جوار مقبرة البقيع، فيقرأ لكلّ قافلة أحد الزائرين الزيارة والتعزية بصوتٍ عال، فتتداخل الأصوات وتتحوّل إلى ضجيج مزعج، فيجدر بالحجّاج في مثل هذا المكان أن يقرأ كلّ واحد منهم الزيارة لنفسه، أو تكون الاجتماعات صغيرة.

وذكر العلاّمة الأميني= في «أدب الزائر» بأنّ الشيخ محمّد طه


1- اُنظر: آداب الزيارة للعلاّمة المحدّث النوري، تحقيق وتصحيح: محمّدحسين صفاخواه، عبد الحسين الطالعي.
2- اُنظر: آداب الزيارة، ج2، ص2؛ أدب الزائر، صص47 _ 50.

ص:127

نجف دخل ذات يوم إلى حرم الإمامين العسكريّين، فرأى مجموعة من المؤذّنين يؤذّنون في آن واحد، وقد تداخلت أصواتهم، فنهاهم عن عملهم هذا، وقرأ قوله تعالى: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً}. (نوح: 13)

وذكر المحدّث النوري= في تحيّة الزائر بعد نقله لحديث

عن بحارالأنوار، بأنّ العلاّمة المجلسي ذهب في كتاب البحار(1)

و «التحفة» إلي أنّ المقصود من الآية(2) والحديث هو لزوم

خفض الصوت عند قبر النبيّ9 وعدم جهر الصوت، لا بالزيارة ولا بغيرها.

ثمّ بيّن المحدّث النوري= بأنّ ما قاله العلاّمة المجلسي= في هذا المجال قول حسن، وهذا الأدب خاصّ من أجل تعظيم الرسول9 وذرّيّته الأطهار:، وقد فرضه الشارع المقدّس لتكريم هؤلاء، وكلّ من يرفع صوته _ سواء كان ذلك في أمر عبادي أو أيّ أمر ممدوح _ فإنّه قد خرق الحريم الإلهي.

ومن هنا يتّضح قبح الطريقة المتعارفة عند مرقد الإمام عليّ7 ومرقد الإمام الحسين7، حيث يبادر عدد كثير من المؤذّنين عند أذان الصبح والمغرب فيؤذّنون معاً، فتتداخل أصواتهم وتتحوّل إلى ضجيج، ويحاول كلّ واحد منهم أن يرفع صوته ليتجاوز أصوات


1- اُنظر: بحارالأنوار، ج100، ص125.
2- قوله تعالي:يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ الحجرات: 2.

ص:128

الآخرين، فيؤدّي هذا الأمر إلى إزعاج الزوّار، وهم بين قائم وقاعد ومتضرّع وباكٍ، فتشوّش هذه الحالة أذهان الجميع وتربك الوضع، فيكون هؤلاء المؤذّنون من زمرة الصادّين عن سبيل الله، وممّن لا يراعون حرمة مراقد المعصومين:، ويظنّ هؤلاء بأنّهم يحسنون صنعاً، وأنّهم سينالون الثواب العظيم إزاء ما يقومون به! ولكنّهم _ في الواقع _ مسيئون، ولا يقرّبهم فعلهم هذا إلى الله تعالي، بل يبعدهم من حيث لا يشعرون.(1)

81 _ زيارة مرقد الرسول9

ينال الحجّاج _ إضافة إلى حجّ بيت الله الحرام _ توفيق زيارة مرقد الرسول9 في المدينة المنوّرة، فيتشرّفون بزيارتهم له9، ويا له من حظّ عظم.

فقد بيّن الإمام الصادق7 عظمة هذه الزيارة في حديث رواه زيد الشحّام، حيث قال: «قلت لأبي عبدالله7: ما لمن زار رسول الله9؟ قال: «كمن زار الله عزّوجلّ فوق عرشه».(2)

وقال رسول الله9: «من زارني في حياتي أو بعد موتي كان في جواري يوم القيامة».(3)

وقال9: «من أتاني زائراً وجبت له شفاعتي».(4)


1- اُنظر: آداب الزيارة، ص186.
2- الكافي، ج4، ص585.
3- كامل الزيارات، ص 13.
4- الكافي، ج4، ص548.

ص:129

ونستنتج من هذه الأحاديث لزوم أن يجد الزائر خلال حضوره في المدينة المنوّرة، بأنّه لا يخلو من عين الله تعالي، ولهذا ينبغي له أن يراعي أدب هذه الزيارة، ويحوّل الزيارة إلى وسيلة لنيل المزيد من القرب إلى الله تعالى؛ ليحظى بشفاعة الرسول9، ويكون من قرنائه يوم القيامة.

ومن آداب زيارة الرسول9:

1_ الغسل عند الدخول إلى المدينة المنوّرة.

2_ غسل آخر من أجل الدخول في مسجد النبيّ9.

3_ غسل ثالث بعنوان غسل الزيارة.

4_ التوجّه بعد ذلك إلى مسجد النبيّ9 والوقوف عند إحدى أبوابه، والأفضل الوقوف عند باب جبرئيل، والقول:

اللّهُمّ إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك عليه وعليهم السلام، وقد منعت الناس الدخول إلى بيوته إلاّ بإذن نبيّك، فقلت: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}(1)، اللّهُمّ إنّي أعتقد حرمة نبيّك في غيبته كما أعتقدها في حضرته، وأعلم أنّ رسولك وخلفاءك عليهم السلام أحياء عندك يرزقون، يرون مكاني في وقتي هذا وزماني، ويسمعون كلامي في وقتي هذا وزماني، ويردّون عليّ سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم، وفتحت باب فهمي بلذيذ مناجاتهم، فإنّي


1- احزاب: 53.

ص:130

أستأذنك يا ربّ أوّلاً، وأستأذن رسولك9 ثانياً، وأستأذن خليفتك المفروض عليَّ طاعته في الدخول في ساعتي هذه إلى بيته، وأستأذن ملائكتك الموكّلين بهذه البقعة المباركة المطيعة لله السامعة، السلام عليكم أيّها الملائكة الموكّلون بهذا الموضع المبارك ورحمة الله وبركاته، بإذن الله وإذن خلفائه وإذنكم صلوات الله عليكم أجمعين، أدخل هذا البيت متقرّباً إلى الله ورسوله محمّد وآله الطاهرين، فكونوا ملائكة الله أعواني وكونوا أنصاري حتّى أدخل هذا البيت وأدعو الله بفنون الدعوات وأعترف لله بالعبوديّة وللرسول بالطاعة.(1)

ويتضمّن هذا النصّ الذي يُقرأ عند الدخول إلى مرقد الرسول9 مضامين مهمّة جدّاً، تقشعرّ منها الجلود وتزداد منها القلوب إيماناً، ويتحفّز المتدبّر فيها إلى الجدّيّة في اتّخاذ قرار إصلاح نفسه.

ومن الأُمور الملفتة للانتباه في هذه النصوص الروائيّة:

1_ «اللّهُمّ إنّي وقفت على باب من أبواب بيوت نبيّك عليه وعليهم السلام، وقد منعت الناس الدخول إلى بيوته إلاّ بإذن نبيّك».

يكشف لنا هذا المقطع بأنّ مسجد النبيّ9 ليس مسجداً عاديّاً كباقي المساجد، ليدخله الإنسان من دون تهيّؤ أو إعداد للنفس كما يدخل إلى سائر المساجد.

وأيضاً يلزم علينا الوقوف عند باب هذا المسجد لنهيّئ أنفسنا


1- مصباح الزائر، ص44.

ص:131

خلال هذا الوقوف، ونلتفت إلى أنفسنا، ونسأل: مَن نحن؟ وما هو مقام رسول الله9؟ وعلى مَن سنفد؟ وماذا سيكون موقف النبيّ عندما نفد عليه؟ وماذا سنقول له؟ و...

2_ عندما يقف الزائر أمام مرقد الرسول9 فإنّه لا يكون أمام ميّت، بل يقف أمام روح تمتلك الحياة، ولهذا يقول الزائر:

اللّهُمّ ... أعلم أنّ رسولك وخلفاءك: أحياء عندك يُرزقون، يرون مكاني في وقتي هذا وزماني، ويسمعون كلامي في وقتي هذا وزماني، ويردّون سلامي، وأنّك حجبت عن سمعي كلامهم... .

3_ يستأذن الزائر بعد ذلك أوّلاً من الله، ثمّ من الرسول9، ثمّ من خلفائه الّذين فرض الله طاعتهم على العباد، ثمّ من الملائكة الموكّلين بالبقعة المباركة؛ وهذا ما يكشف عن عظمة هذه البقعة الّتي يكون للملائكة في جميع أنحائها حضور وتواجد، والزائر يعيش في هذه البقعة بين الملائكة.

4_ يبيّن المقطع الآخر من هذه الزيارة هدف الزائر من مجيئه إلى هذه البقعة. وهدف الزائر من الدخول في هذا البيت أن يكون «متقرّباً إلى الله ورسوله».

وهذا ما يكشف للزائر بأنّه كان قبل هذا الموقف بعيداً عن الله ورسوله، ولكنّه عندما قصد هذا البيت فقد تقرّب إلى الله عزّوجل والرسول9.

5_ لا يكون التقرّب إلى الله ورسوله أمراً يسيراً، بحيث يكون في قدرة العبد وحده القيام به، ولهذا يستعين الزائر في هذا الموقف

ص:132

بالملائكة، ويقول:

فكونوا ملائكة الله أعواني وكونوا أنصاري حتّى أدخل هذا البيت، وأدعو الله بفنون الدعوات، وأعترف لله بالعبوديّة وللرسول بالطاعة.

إذن، هدف الزائر بعد قطعه عشرات الفراسخ هو الوقوف أمام رسول الله ليدعو بفنون الدعوات، ويعترف لله بالعبوديّة وللرسول بالطاعة.

وبعد قراءة الزائر إذن الدخول، يقدّم رجله اليمنى ويدخل في المسجد، ويقول: «بسم الله وبالله، وإلى الله، وفي سبيل الله...»، ثمّ يقول: «الله أكبر» مائة مرّة، ثمّ يدخل في المسجد، ويصلّي ركعتين صلاة تحيّة المسجد، ثمّ يتوجّه نحو الحجرة (موضع قبر الرسول9) ويقف هناك ويقرأ الزيارة، أي: يتحدّث مع الرسول9:

أشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، وأشهد أنّك رسول الله، وأشهد أنّك محمّد بن عبدالله، وأشهد أنّك قد بلّغت رسالات ربّك، ونصحت لأُمّتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله مخلصاً حتّى أتاك اليقين بالحكمة والموعظة الحسنة، وأدّيت الّذي عليك من الحقّ... .

ثمّ يقول الزائر: «الحمد لله الّذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة».(1)


1- الكافي، ج4، ص550.

ص:133

ولزيارة الرسول9 آداب أُخرى، وبإمكان من أراد المزيد من التعرّف على هذه الآداب مراجعة كتب الأدعية.

وقد كتب السالك العارف الميرزا جواد آقا الملكي التبريزي= في وظائف زائر مرقد الرسول9 فجاء فيها:

«... ثمّ يغتسل ويلبس أنظف ثيابه، ويتطيّب بما يقدر عليه، ويقصد حرمه على سكينة ووقار، ويمشي إليه ويقرّب بين خطاه، مسبّحاً، حامداً، مهلّلاً مكبّراً مصلّياً، ويقدّر أنّه بمرأي منه صلوات الله عليه وآله، يراه وينظر إلى حركاته، وخطرات ضميره ويشاهد مراتب أشواقه، وحسرات قلبه وأحزانه.

ويتوجّه بكلّه إليه، ويهتمّ أن لا يخطر غيره _ صلوات الله وسلامه عليه وآله _ بقلبه، ولا ينظر في طريق زيارته إلى أحد، بل إلى أيّ شيء من الأشياء الّتي تحرمه من حضور قلبه.

وإذا وصلت إلى باب الحرم فاعلم أنّك قصدت ملكاً عظيماً لا يطأ بساطه إلاّ المطهّرون، ولا يؤذن لزيارته إلاّ الصدّيقون، وأنّك أردت حرماً لا يدخله الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقرّبون بغير إذن، فاستأذن بقلبك ولسانك الله جلّ جلاله، ثمّ استأذن حضرة رسول الله9 ثمّ خلفاءه وأوصياءه، لا سيّما باب مدينة علمه والبقيّة من خلفائه، ثمّ استأذن ملائكة الله الموكّلين بحرمه الشريف، وهب القدوم إلى بساط خدمته، وحضور مجلسه، فإنّك على خطر عظيم إن غفلت.

واعلم أنّه قادر بالله جلّ جلاله على ما يشاء من العدل والفضل

ص:134

معك وبك، فإن عطف عليك بكرمه وفضله، وقبلك وقبل زيارتك، وأجاب سلامك، واستمع إلى كلامك، طوبى لك، ثمّ طوبى لك، فإنّك فزت بزيارة الله جلّ جلاله، وشاركت في ذلك الملائكة المقرّبين، والأنبياء والمرسلين، وحسن أُولئك رفيقاً.

وإن طالبك باستحقاقه ما يجب عليك من الصدق والخلوص، والإخلاص والوفاء، والأدب والصفاء، وحجبك وردّك، فويل لك، ثمّ ويل لك، وقد خسرت خسراناً مبيناً.

واعترف بعجزك وتقصيرك، وانكسارك وفقرك بين يديه، فإنّك قد توجّهت لزيارته ومؤانسته، فاعرض حالك وسرّك عليه، واطلب الهمّة منه وبالتوسّل إليه، والالتجاء إلى باب فضله وكرمه، والاستشفاع بعترته وذرّيّته، فإنّه يعلم بإعلام الله وإخباره كلّ ما سنح بخاطرك، وخطر ببالك في ذلك، وكن كأدون عبيده ببابه، وانظر من أيّ ديوان يخرج اسمك.

فإن رقّ قلبك، ودرّت عيناك، وهاج شوقك، ووجدت في قلبك حلاوة مناجاته، ولذّة مخاطبته، وشربت بكأس كرامته، من حسن إقباله عليك وقبوله، فادخل، فلك الإذن والأمان، واللطف والإحسان، وإلاّ فقف وقوف من انقطع منه الحيل، وقصر عنه الأمل، والتجأ إلى الله جلّ جلاله التجاء المضطرّين في استعطاف قلبه الشريف، واستدرار لطفه المنيف.

فإن علم الله من قلبك صحّة الاضطرار، وصدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرحمة والرأفة، وعطف عليك قلب حبيبه بالكرامة

ص:135

والعطوفة، ووفّقك لما تحبّ وترضى، فإنّه كريم يحبّ الكرامة لعباده المضطرّين إليه، المحترفين على بابه لطلب رضاه، وقد أنزل في كتابه (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).

وقبّل عتبته الشريفة، وادخل قائلاً: «بسم الله وبالله، وفي سبيل الله، وعلى ملّة رسول الله، الحمد لله الّذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله».(1)

82 _ بركات الحجّ

اشاره

أداء الحجّ بصورة صحيحة ومع مراعاة آداب هذه الفريضة، يؤدّي إلى اقتطاف العديد من الثمرات النافعة، منها:

أ _ التطهّر من الذنوب

يعود الحاجّ من سفر الحجّ وقد اتّخذ قرار الإعراض عن جميع التصرّفات الخاطئة الّتي كان يرتكبها فيما سبق، ويقرّر أن يعيش الحياة الطيّبة الخالية من المعاصي والذنوب، حياة مفعمة بالطاعة والعبوديّة الخالصة لله جلّ وعلا.

قال رسول الله9:

أي رجل خرج من منزله حاجّاً أو معتمراً، فكلّما رفع قدماً ووضع قدماً تناثرت الذنوب من بدنه كما يتناثر الورق من الشجر، فإذا ورد المدينة وصافحني بالسلام، صافحته الملائكة


1- المراقبات، صص209 و 210.

ص:136

بالسلام، فإذا ورد ذا الحليفة (مسجد الشجرة) واغتسل طهّره الله من الذنوب... . (1)

وقال الإمام الصادق7: «من حجّ يريد الله عزّ وجَلَّ، لا يريد به رياءً ولا سمعة، غفر الله له البتّة».(2)

وقال رسول الله9: «من حجّ لله، فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أُمّه».(3)

وورد في حديث آخر عنه9 قال: «معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلاّ غفر الله له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك، فإذا انقضت حجّته استأنف عمله».(4)

نستنتج من هذه الأحاديث الشريفة بأنّ أوّل أجر يحصل

عليه الحاجّ إزاء أدائه للحجّ الصحيح والمقبول عند الله، هو

غفران الذنوب، والدخول في رحاب حياة جديدة ملؤها الإيمان والتقوى.

ب _ الدخول في الجنّة

جعل الله الجنّة ثواباً لصاحب الحجّ المقبول، وقد يكون سبب ذلك أنّ صاحب كلّ ضيافة يسعى أن يقدّم لضيوفه أفضل الطعام، وأن يوفّر لهم أفضل أسباب الراحة، والحجّاج _ في الواقع _ ضيوف


1- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص148.
2- وسائل الشيعة، ج11، ص109.
3- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص163.
4- سنن الدارقطني، ج2، ص284.

ص:137

الرّحمن، ومن صفات صاحب هذه الضيافة أنّه أكرم الأكرمين، ولهذا نخاطب الله تعالي في الدعاء: «يا أكرم الأكرمين».

ومن أفضل الهدايا الإلهيّة الجنّة الّتي أعدّها للمؤمنين والصلحاء والأخيار، فيجزي الله صاحب الحجّ المقبول بهذه الهدية.

قال رسول الله9: «الحجّ ثوابه الجنّة».(1)

ج _ النورانيّة

يولد كلّ إنسان بفطرة نقيّة وطاهرة، وبقلب محاط بالنور وبعيد عن الظلمات، ولكن بعد اجتياز مرحلة البلوغ والاختلاط بالمجتمع وارتكاب الذنوب والمعاصي، يحاط القلب بالرين والحجب والزيغ والشوائب، فتتكوّن الحجب بينه وبين النور، فيغدو القلب في أوساط مظلمة تؤدّي إلى قساوته، وإذا طالت القساوة فسيصل أصحابها إلى مرحلة يختم الله على قلوبهم، فتزول حالة الرجاء من صلاح قلوبهم وعودتهم إلى النور مرّة أُخرى.

وأمّا الّذين لم يصلوا مرحلة {خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ}، ثمّ ينالون توفيق أداء فريضة الحجّ، فسيؤدّي الحجّ إلى تطهير قلوبهم من الرين والزيغ والشوائب، فيعودون إلى فطرتهم الأُولى، وتتفتّح قلوبهم على عوالم النور، وهذا ما يستدعي منهم _ بعد العودة من الحجّ _ أن يمتنعوا من ارتكاب ما يؤدّي إلى تلويث قلوبهم وتكوين الحجب حولها.


1- مستدرك الوسائل، ج2، ص8.

ص:138

قال الإمام الصادق7: «الحاجّ لا يزال عليه نور الحجّ ما لم يلمّ بذنب».(1)

د _ نيل خير الدنيا والآخرة

قال رسول الله9:

من أراد الدنيا والآخرة فليؤمّ هذا البيت، فما أتاه عبد يسأل الله دنياً إلاّ أعطاه الله منها، ولا يسأله آخرة إلاّ ادّخر له منها مسألة... . (2)

وقال9 في حديث آخر لعثمان بن أبي العاص: «واعلم أنّ العمرة هي الحجّ الأصغر، وأنّ عمرة خير من الدنيا وما فيها، وحجّة خير من عمرة».(3)

ه _ اطمئنان القلوب

من أسباب تشريع الحجّ إقامة ذكر الله.

قال رسول الله9: «إنّما جُعل الطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ورمي الجمار؛ لإقامة ذكر الله».(4)

وورد في القرآن الكريم حول تأثير ذكر الله على قلوب العباد: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}. (الرعد: 28)


1- الكافي، ج4، ص255.
2- مسند الإمام زيد، ص220.
3- المعجم الكبير للطبراني، ج9، ص44.
4- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص133.

ص:139

فنستنتج من هاتين المقدّمتين ومن قول الإمام الباقر7: «الحجّ تسكين القلوب»(1) أنّ من ثمرات الحجّ اطمئنان القلوب، وهو الأمر الّذي تنشده البشريّة في يومنا هذا بمنتهى التعطّش والتلهّف، والحاجة إليه الشديدة من أجل تحقّقه والوصول إليه.

و _ مرافقة الأنبياء والصلحاء

قال الإمام الصادق7:

لمّا حجّ موسى7 نزل عليه جبرئيل، فقال له موسى: يا جبرئيل، فما لمن حجّ هذا البيت بنيّة صادقة ونفقة طيّبة؟ قال: فرجع إلى الله تعالى، فأوحى الله إليه قل له: أجعله في الرفيق الأعلى مع النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أُولئك رفيقاً.(2)

ز _ الأمان من سخط اللّه

قال الإمام الباقر7: «من دخل هذا البيت عارفاً بجميع ما أوجبه الله عليه كان آمناً في الآخرة من العذاب الدائم»(3)

وقال7 أيضاً: «من دخل الحرم من الناس مستجيراً به فهو آمن من سخط الله».(4)

وقد شجّع الإمام الصادق7 أصحابه كثيراً على مواصلة زيارة


1- بحار الأنوار، ج75، ص183.
2- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص235.
3- عوالي اللآلي، ج2، ص84.
4- الكافي، ج4، ص226.

ص:140

بيت الله الحرام؛ لأنّ هذه الزيارة تدفع عن صاحبها البلاء في دار الدنيا والخوف يوم القيامة. (1)

ح _ علو الدرجات في الجنّة

قال رسول الله9:

الحاجّ في ضمان الله مقبلاً ومدبراً، فإن أصابه في سفره تعب أو نصب غفر الله له بذلك سيّئاته، وكان له بكلّ قدم يرفعه ألف ألف درجة في الجنّة.(2)

ط _ استجابة الدعاء

من ثمرات الحجّ أيضاً استجابة دعاء الحاجّ.

قال رسول الله9: «ثلاث دعوات مستجابة: دعاء الحاجّ في تخلّف أهله، ودعاء المريض... ودعاء المظلوم».(3)

وقال9 في حديث آخر: «الحجّاج والعمّار وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم».(4)

ي _ نفي الفقر

قال رسول الله9: «حجّوا لن تفتقروا».(5)


1- اُنظر: أمالي الطوسي، ص668.
2- كنز العمّال، ج 5، صص 8 و 14.
3- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص162.
4- المصدر نفسه.
5- المصدر نفسه، ص164.

ص:141

وقال الإمام عليّ7:

إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى الله سبحانه وتعالى: الإيمان به وبرسوله... وحجّ البيت واعتماره، فإنّهما ينفيان الفقر ويدحضان الذنب(1)

ك _ صحّة الأبدان

قال الإمام زين العابدين: «حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم، وتتّسع أرزاقكم، وتكفّون مؤونات عيالكم».(2)

ل _ الوقاية من الهلاك

قال الإمام الباقر7: «كان في وصيّة أمير المؤمنين: لا تتركوا حجّ بيت ربّكم فتهلكوا».(3)

وقال الإمام الصادق7: «لو ترك الناس الحجّ لما نُوظروا(4) العذاب

_ أو قال: أنزل عليهم العذاب _ ».(5)

م _ شفاعة الرسول9

ينال الحاجّ _ إضافة إلى ثمرات حجّ بيت الله الحرام _ ثمرات زيارة


1- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص164.
2- الكافي، ج4، ص252.
3- المحاسن، ج1، ص170.
4- نُوظروا: أُمهلوا من النظرة بمعني الإمهال؛ الوافي، ج12، ص257.
5- الكافي، ج4، ص271.

ص:142

الرسول9 وزيارة أئمّة البقيع وسائر الأماكن المقدّسة في المدينة المنوّرة، ولا يخفى أنّ زيارة هذه الأماكن لها ثمرات نافعة، منها: نيل شفاعة الرسول9.

قال رسول الله9: «من جاءني زائراً لا يعمله حاجة إلاّ زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».(1)

وقال9 في حديث آخر: «من أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنّة».(2)

83 _ هديّة السفر

يستحبّ للمسافر عند العودة إلى داره أن يجلب معه هديّة لعائلته، روى ابن سنان عن الإمام الصادق7 أنّه قال: «إذا سافر أحدكم فقدم من سفره، فليأت أهله بما تيسّر ولو بحجر».(3)

وقال7 أيضاً: «هدية الحجّ من الحجّ».(4)

ويجدر الالتفات في الحجّ إلى الفترة الزمنيّة الّتي يخصّصها الحجّاج لشراء الهدايا؛ لئلاّ يوجب هذا الأمر انشغالهم عن أداء أعمالهم العباديّة المهمّة، وأن لا يأخذ من وقتهم الكثير، بحيث يوجب حرمانهم من الحضور في الحرمين الشريفين، وأن لا تطول فترة بحثهم عمّا يبتغون شراءه، فيمنعهم التعب من نيل توفيق العبادة.


1- المعجم الكبير للطبراني، ج12، ص225.
2- الكافي، ج4، ص548.
3- وسائل الشيعة، ج11، ص459.
4- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص225.

ص:143

ومن هنا ينبغي تنظيم الوقت والبرمجة لشراء الهدايا؛ لئلاّ يوجب شراؤها أن يصرف الحاجّ الكثير من وقته وطاقته من دون فائدة.

والشيطان أيضاً في مثل هذه الموارد يكمن للحجّاج بالمرصاد، فيحاول أن يشغلهم بالأسواق الموجودة في طريق ذهابهم إلى المسجد الحرام، أو مسجد النبيّ9 أو زيارة أئمّة البقيع:، فإذا استولى عليهم التعب يوسوس لهم ليؤجّلوا الذهاب إلى المسجد أو الزيارة إلى وقت آخر، ويدعوهم إلى مكان إقامتهم ليحرمهم بذلك من نيل الثواب العظيم.

وعلينا أن نستحضر في أذهاننا بأنّ كلّ واحد منّا دعا الله في شهر رمضان ولا سيّما في ليالي القدر: «اللّهُمّ ارزقني حجّ بيتك الحرام وزيارة قبر نبيّك»، وتوجّهنا إلى الله بخالص الدعاء ليمنحنا توفيق أداء فريضة الحجّ، والآن حيث استجاب الله دعاءنا، فهل من الصحيح أن نشغل أنفسنا بتوافه الأُمور فنخسر بذلك الفرصة الثمينة التي وفّرها الله سبحانه وتعالى لنا؟!

والأمر الآخر الّذي يجدر الالتفات إليه هو تقليل توقّعات الآخرين إزاء مقدار الهدايا الّتي سنقدّمها لهم، فكما أنّ الآخرين لا يتوقّعون من زوّار العتبات المقدّسة أكثر من تربة واحدة وسبحة متواضعة، فكذلك ينبغي أن لا يتوقّع الآخرون من الحجّاج الهدايا الكثيرة والمتنوّعة، وما يدريك لعلّ شراء البضاعات الأجنبيّة من تلك الأسواق يوجب دعماً للكفّار والمشركين، ولهذا تحتّم علينا الوظيفة الأخلاقيّة تقليل شراء الهدايا والاكتفاء بهدايا متواضعة.

ص:144

84 _ علامة قبول الحجّ

إنّ الحجّ وسيلة للتدريب على العبادة، ويجدر بالحاجّ في فترة التدريب هذه أن يعرض عن الذنوب التي اعتاد على ارتكابها، وأن يبدأ صفحة جديدة في حياته بعد العودة من الحجّ.

قال رسول الله9:

من علامة قبول الحجّ إذا رجع الرجل عمّا كان عليه من المعاصي، هذا علامة قبول الحجّ. وإن رجع من الحجّ، ثمّ انهمك فيما كان من زنا أو خيانة أو معصية فقد ردّ عليه حجّه.(1)

والحكمة من كلّ زيارة أن يبتعد الزائر عن التصرّفات الخاطئة الّتي كان يرتكبها فيما سبق، وأن يقوم بتهذيب نفسه وتزكيتها.

قال الشهيد= في الدروس: «وثاني عشرها أن يكون الزائر بعد الزيارة خيراً منه قبلها، فإنّها تحطُّ الأوزار إذا صادفت القبول».(2)

ومن سائر وظائف الزائر أن يقف عند عتبة باب الحرم، ويقرأ إذن الدخول، ويسعى أن ينال حالة رقّة القلب وأن تدمع عينه.

ويجدر بالزائر وهو يقرأ إذن الدخول أن يعي بأنّه يزور من يراه ويسمع كلامه ويردّ سلامه، وأنّه يزور من هو معروف بصاحب الرأفة والمحبّة والفضل علي الناس، كما ينبغي للزائر أن يلتفت إلى نفسه قليلاً ويعي كم أثقلت كاهله المعاصي.


1- الحجّ في الكتاب والسنّة، ص269.
2- الدروس، ج2، ص24؛ آداب الزيارة، ص196.

ص:145

وكلّ من يدقّق النظر في سريرته وباطنه تنكشف له أُمور تدفعه إلى الحياء من نفسه، وقد يدفعه هذا الأمر إلى الخجل مما بدر منه والاستحياء من الذهاب إلى الزيارة.

فإذا شعر الزائر بمثل هذه الحالة، فقد تمكّن من تحقيق أهداف الزيارة.

قال الشهيد الأوّل= في هذا المجال:

... وثانيها: الوقوف على بابه والدعاء والاستئذان بالمأثور،

فإن وجد خشوعاً ورقّة دخل، وإلاّ فالأفضل له تحرّي زمان الرقّة؛ لأنّ الغرض الأهمّ حضور القلب ليلقى الرحمة النازلة من الربّ.(1)

85 _ الدعاء عند العودة

ورد في سيرة الرسول9 أنّه كان إذا عاد من حجّ أو غزو أو غيره يكبّر على شرف من الأرض ثلاث تكبيرات، ويقول:

لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، يحيي ويميت، وهو على كلّ شيء قدير، آئبون تائبون، عابدون ساجدون لربّنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده... . (2)


1- الدروس الشرعيّة، ج2، ص23.
2- المحجّة البيضاء، ج4، ص76.

ص:146

86 _ الإخبار عن زمان العودة

يجدر بالمسافر أن يخبر أُسرته بمجيئه قبل وصوله إلي منزله، ليعدّوا أنفسهم لمجيئه.

وقد ورد في حديث عن رسول الله9 أنّه نهى أن يطرق الرجل أهله ليلاً إذا عاد من سفر حتّى يؤذنهم.(1)

وورد في المحجّة البيضاء:

إذا أشرف [المسافر] على مدينته، فليقل: الّلهُمّ اجعل لنا بها قراراً ورزقاً حسناً، ثمّ ليرسل إلى أهله من يخبرهم بقدومه كيلا يقدم عليهم بغتة فيرى ما يكره.(2)

وكان9 إذا قدم دخل المسجد أوّلاً وصلّى ركعتين، ثمّ

دخل البيت، وإذا دخل قال: «توباً توباً لربّنا أوباً، لا يغادر علينا حوباً».((3)

كما ورد في الحديث الشريف أنّه9 لمّا رجع من خيبر، قال:

آئبون تائبون، إن شاء الله عابدون، راكعون ساجدون لربّنا حامدون، اللّهُمّ لك الحمد على حفظك إيّاي في سفري وحضري، اللّهُمّ اجعل أوبتي هذه مباركة ميمونة، مقرونة بتوبة نصوح، توجب لي بها السعادة يا أرحم الراحمين.(4)


1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص197.
2- المحجّة البيضاء، ج4، ص76.
3- المصدر نفسه.
4- المصدر نفسه.

ص:147

87 _ استقبال الحجّاج

قال الإمام الصادق7: «إنّ رسول الله9 كان يقول للقادم من مكّة: قبل الله منك، وأخلف عليك، وغفر ذنبك».(1)

وقال7 في حديث آخر: «من لقي حاجّاً فصافحه كان كمن استلم الحجر».(2)

وقال الإمام زين العابدين7: «يا معشر من لم يحجّ ، استبشروا بالحاجّ إذا قدموا، فصافحوهم وعظّموهم، فإنّ ذلك يجب عليكم، تشاركوهم في الأجر».(3)

كما ورد أيضاً عن الإمام الصادق7: «من خلف حاجّاً في أهله بخير كان له كأجره حتّى كأنّه يستلم الأحجار».(4)

وقال الإمام زين العابدين7: «بادروا بالسلام على الحاجّ والمعتمرين ومصافحتهم».(5)

وبيّن الإمام عليّ بن أبي طالب أُسلوباً خاصّاً لاستقبال الحجّاج، فقال7:

إذا قدم أخوك من مكّة فقبّل بين عينيه وفاه الّذي قبّل به الحجر الأسود الّذي قبّله رسول الله9، والعين الّتي نظر بها إلى بيت الله،


1- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص299.
2- ثواب الأعمال، ص50.
3- الكافي، ج4، ص264.
4- من لا يحضره الفقيه، ج2، ص147.
5- المصدر نفسه.

ص:148

وقبّل موضع سجوده ووجهه، وإذا هنّأتموه فقولوا له: قبل الله نسكك، ورحم سعيك، وأخلف عليك نفقتك، ولا جعله آخر عهده ببيته الحرام. (1)

والهدف من جميع هذه الوصايا تكريم الحاجّ والانتفاع من معنويّة سفر الحجّ؛ لأنّه كما قال الإمام الصادق7: «الحاجّ لا يزال عليه نور الحجّ ما لم يلمّ بذنب».(2)

ومعنى ذلك أنّ الحاجّ يتمتّع نتيجة حجّه بهالة من نور تمكّن من يحيطه الانتفاع من هذا النور.

وقد أوصى الإمام زين العابدين7 أيضاً بذلك، حيث قال: «بادروا بالسلام على الحاجّ والمعتمر ومصافحتهم من قبل أن تخالطهم الذنوب».(3)

وقال الرسول9: «إذا لقيت الحاجّ فسلّم عليه وصافحه، ومره أن يستغفر لك قبل أن يدخل بيته؛ فإنّه مغفور له».(4)

88 _ هنيئاً لكم

من ينطلق في سفره إلى الحجّ عن وعي وبصيرة، ويختمه في أجواء بعيدة عن الذنوب والمعاصي، وفي أجواء ينبض قلبه فيها بمحبّة


1- وسائل الشيعة، ج11، ص447.
2- الكافي، ج4، ص255.
3- وسائل الشيعة، ج11، ص245.
4- مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص128.

ص:149

الرسول9 وأهل بيته: فإنّه صاحب التجارة الرابحة، وسيكون في يوم القيامة ممّن وفد علي الله بحجّ مقبول، وهؤلاء هم الآمنون من الفزع في ساحة المحشر.

قال عبدالرحمن بن سَمُرة:

كنّا عند رسول الله9 يوماً، فقال: [إنّي] رأيت البارحة عجائب، فقلنا: يا رسول الله، وما رأيت؟ حدّثنا فداك أنفسنا وأهلونا وأولادنا _ إلى أن قال _ : رأيت رجلاً من أُمّتي من بين يديه ظلمة، ومن خلفه ظلمة، وعن يمينه ظلمة، وعن شماله ظلمة، ومن تحته ظلمة، مستقيماً في الظلمة، فجاءه حجّه وعمرته، فأخرجاه من الظلمة وأدخلاه في النّور.(1)

وقال محمّد بن مسلم:

قال الإمام الباقر7 أو الإمام الصادق7 (الترديد من الراوي): «ودّ من في القبور لو أنّ له حجّة بالدنيا وما فيها».(2)

فهنيئاً لكم إخوتي المؤمنين، وأخواتي المؤمنات، حجّكم مقبول وسعيكم مشكور إن شاء الله تعالي.


1- مستدرك الوسائل، ج8 ، ص39.
2- وسائل الشيعة، ج11، ص110.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.