اسم الكتاب: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير
كاتب: محمد صفاء شيخ ابراهيم حقى
موضوع: علوم قرآنى
تاريخ وفاة المؤلف: معاصر
لسان: العربية
عدد المجلدات: 2
الناشر: موسسة الرسالة
مكان النشر: بيروت
سنة الطباعة: 1425 / 2004
نشرت: اوّل
ص: 1
علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير
ص: 2
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1425ه_ - 2004م
وطى المصيطبة - شارع حبيب أبي شهلا - بناية المسكن، بيروت-لبنان تلفاكس: 319039 - 815112 فاكس: 603243ص.ب : 117460
Al-Resalah
PUBLISHERS
BEIRUT/LEBANON-Telefax:815112-319039 Fax:603243-P.O.Box:||7460
Email:Resalah@Cyberia.net.lb
ص: 3
اهداء
ص: 4
بسم اللّه الرحمن الرحيم إن الحمد للّه نحمده و نستعينه و نستغفره و نستهديه، و نعوذ باللّه من شرور أنفسنا و سيئات أعمالنا، من يهده اللّه فلا مضل له، و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله و صفوته من خلقه. و بعد:
فإن علوم القرآن من أشرف العلوم و أجلّها، و أفضلها على الإطلاق و أنفعها، لكون موضوعها كتاب اللّه، و لكون غايتها الاعتصام بكلام اللّه، و لهذا الأمر اهتم الصحابة و التابعون، و من جاء بعدهم، و سار على هديهم بهذا العلم، فأقبلوا على كتاب اللّه مفسرين ألفاظه، موضحين معانيه، كاشفين عن علومه و حقائقه، مظهرين إعجازه و بيانه، مجلّين محاسنه ........ إلى غير ذلك من أنواع الاهتمام التي أطلقوا عليها متأخرا مصطلح «علوم القرآن».
و قد تفاوتت اهتمامات العلماء بهذه العلوم، فمنهم من فسر القرآن كله، و منهم من اقتصر على تفسير سور أو آيات منه، و منهم من صرف
ص: 5
اهتمامه إلى جانب من جوانبه، فتناوله بالبحث و التحقيق و التدقيق، حتى أصبحت هذه العلوم خير عون للباحثين من أهل القرآن الذين يريدون الغوص في بحره الزاخر، و استخلاص شي ء من الدرر و الجواهر.
و لما كان موضوع رسالتي في مرحلة الماجستير بعنوان (الزيادة و الإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة المكي، من بداية الكتاب إلى نهاية النوع الخامس و الأربعين دراسة و تحقيقا). و كان من فضل اللّه عليّ أن هيأ لي سبل التسجيل في مرحلة الدكتوراة، رأيت أن أتابع المشوار الذي بدأته، و آثرت أن يكون موضوع رسالة الدكتوراة أيضا في هذا الفن، أقصد علوم القرآن، و لذا يمّمت شطر خزائن المكتبات المخطوط منها و المطبوع أبحث في كتب علوم القرآن، لعلي أحظى بموضوع لم ينل حظه من البحث و الدراسة فوجدت أن علماءنا قد تركوا لنا تراثا علميا ضخما، فلا تكاد تجد موضوعا من موضوعات علوم القرآن إلا و قد بحث و كتب فيه على تفاوت في الذي كتب، فعدت أدراجي إلى ما كان يدور في خلدي أيام الماجستير من أهمية دراسة علوم القرآن دراسة تاريخية موضوعية، و استقر العزم على وضع مخطّط تفصيلي لذلك، فأنشأت مخططا للموضوع من أربعة أبواب، كان الأخير منها بعنوان: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير.
و كعادة الطلبة و الباحثين عرضت المخطط قبل تقديمه إلى القسم المختص على نخبة من أساتذتي و أشياخي الأفاضل من الذين أعلم عنهم الاهتمام و الجدية، و المنهجية العلمية، فكانوا بين مشجع عليه، لأهمية
ص: 6
الموضوع، و رافض له ظانّ أن الموضوع مطروق، حتى عرضته على أستاذيّ الفاضلين، فضيلة الأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، و فضيلة الأستاذ الدكتور علي بن سليمان العبيد- يحفظهما اللّه- و كنت على علم بعظيم اهتمامهما بالمخططات و الموضوعات، فاختلف رأيهما مع من عرضت عليهم، إذ لم يشجعا و لم يرفضا، بل لفتا انتباهي إلى زاوية منه، و أشارا إلى الاكتفاء بمقدمات التفاسير، و محاولة وضع مخطط لذلك.
و قد ترددت بادئ الأمر فالموضوع حسب اعتقادي قاصر لا يكون لمرحلة الماجستير، فكيف أتقدم به للدكتوراة، ثم إنني قد وضعته بابا من ضمن أربعة أبواب للموضوع المقترح! غير أنني حملت الفكرة باهتمام، و أوليتها العناية، و ما هي إلا أيام من التفكير الجاد، و البحث المستمر بين صفحات مقدمات التفاسير، حتى فتح اللّه قلبي للموضوع، و توجه العزم إلى وضع مخطط مبدأي له، و استخرت اللّه و ما خاب من استخار، و راجعت أهل المشورة من أساتذتي، و ما ندم من استشار، فوجدتهم بين مرحب بالموضوع مشجع، و مثبّط للهمة غير مقتنع بانصرافي إلى هذه الجزئية و ترك موضوعات أخرى هي أحوج إلى البحث و التحقيق.
و هكذا عشت فترة من الوقت بين تشجيع أولئك و تثبيط هؤلاء، أقدم رجلا و أؤخر أخرى حتى وجدتني و بتعاون من أستاذيّ الكريمين قد وضعت مخططا من ثلاثة أبواب رئيسة، و مقدمة و تمهيد و خاتمة، أحسبه محكما، جمعت فيه بين تاريخ علوم القرآن و نشأته، و هو ما توخيته من
ص: 7
الموضوع الأول، و بين مقدمات التفاسير و هو الباب الرابع من المخطط السابق، و تقدمت إليهما بالمخطط بعد أن سميته: (علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير) فشجعا العمل و باركاه، و أيدا المخطط و اعتمداه، و أوصياني بتقديمه إلى مجلس القسم، فكانت الموافقة بفضل اللّه.
و لما رفع المخطط إلى مجلس الكلية للتصديق عليه و اعتماده، تهيبت الأمر في البداية، خاصة كلما تذكرت تلك المجلدات العظام التي ألزمت نفسي بدراستها و تحليل محتوى مقدماتها، فقد بلغ عدد التفاسير المرشحة للدراسة نحوا من ثلاثين تفسيرا بين مخطوط و مطبوع، و قديم و محدث، هن أمهات كتب التفسير، إلى أن جاءت الموافقة فكانت بردا و سلاما، فقد رأى الشيوخ الأفاضل في مجلس الكلية صعوبة الموضوع و سعته، فكان التعديل بالاكتفاء بالقرون الثمانية الأول، مع عدم تعيين التفاسير التي كنت قد عينتها، و الاكتفاء بالمطبوعة منها، فصار المخطط بعد إدخال التعديلات المطلوبة بعنوان: (علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير من نشأتها إلى نهاية القرن الثامن الهجري)، و هذا تفصيله:
يتكون البحث من مقدمة و تمهيد و ثلاثة أبواب و خاتمة و فهارس.
المقدمة: بيان أهمية الموضوع، و أسباب اختياره و خطة البحث.
التمهيد: أهمية مقدمات التفاسير، و التعريف بها و نشأتها.
ص: 8
الباب الأول: علوم القرآن دراسة تاريخية: الفصل الأول: تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته.
1- علوم القرآن بالمعنى اللغوي.
2- علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي.
3- نشأة علوم القرآن.
الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن:
1- المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
2- المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر الهجري.
3- المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحالي.
الباب الثاني: مقدمات التفاسير: تناولت في هذا الباب جميع التفاسير المطبوعة التي لها مقدمات من بداية التفسير إلى نهاية القرن الثامن الهجري.
و جعلت كل كتاب في مبحث مستقل، و تناولت فيه النقاط التالية:
1- التعريف بالتفسير و المقدمة و المؤلف.
ص: 9
2- عرض موضوعات المقدمة.
3- منهج المؤلف في مقدمته.
4- مصادر المؤلف في مقدمته.
5- مدى التزام المؤلف في تفسيره بما ذكره في مقدمته.
6- أهم مزايا المقدمة.
7- أظهر المآخذ عليها.
الباب الثالث: الموضوعات التي تناولتها مقدمات التفاسير: الموضوع الأول: نزول القرآن.
الموضوع الثاني: جمع القرآن و ترتيبه.
الموضوع الثالث: رسم المصحف و نقطه و شكله و وضع الأخماس و الأعشار.
الموضوع الرابع: سور القرآن و آياته و كلماته و حروفه.
الموضوع الخامس: أسماء القرآن و أسماء سوره.
الموضوع السادس: فضائل القرآن و خواصه و آداب تلاوته.
الموضوع السابع: المكي و المدني.
ص: 10
الموضوع الثامن: التفسير و التأويل.
الموضوع التاسع: بيان شرف التفسير و الحاجة إليه.
الموضوع العاشر: أوجه التفسير و طرقه و أنواعه.
الموضوع الحادي عشر: العلوم التي يحتاجها المفسر.
الموضوع الثاني عشر: مراتب المفسرين.
الموضوع الثالث عشر: الاختلاف بين المفسرين و قواعد الترجيح.
الموضوع الرابع عشر: الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن.
الموضوع الخامس عشر: الظهر و البطن و الحد و المطلع.
الموضوع السادس عشر: ما وقع في القرآن بغير لغة العرب.
الموضوع السابع عشر: الوقف و الابتداء.
الموضوع الثامن عشر: إعجاز القرآن.
و تناولت هذه الموضوعات من خلال المقدمات، و ذلك بدراستها دراسة موضوعية مقارنة.
الخاتمة: و فيها أهم النتائج.
ص: 11
الفهارس: فهارس شاملة للآيات القرآنية، و الأحاديث النبوية، و آثار الصحابة، و الأعلام، و الأشعار، و الأماكن و البلدان، و الفرق و القبائل، و المراجع، و الموضوعات.
أما المنهج الذي سرت عليه في تدوين هذه الرسالة، فلم آت ببدعة في شي ء منه، بل اخترت من مناهج الكتابة ما يتفق و طبيعة الموضوع بإشراف و توجيه من شيخي المشرف و مباركة منه، و قد كان يحفظه اللّه كثيرا ما يلجم قلمي فلا يتركه ينطق بكثير من الاستطرادات التي يلتجئ إليها مثلي، إذ الكتابة العلمية الدقيقة تستلزم خلفية علمية قوية، و هو أمر أحسبه للشيوخ، و أدرك أن ما يوجه إليه فضيلته حق لا مراء فيه، و لكن ما حيلتي و البضاعة مزجاة، مهما يكن فقد استطاع الشيخ تسييس تلميذه الجموح، فجاء المنهج الذي رسمته تحت أنظار الشيخ و توجيهاته، منهجا معتدلا، ليس بالطويل الممل و لا القصير المخل، اتكأت في الصياغة على أهل الأدب، فقد كنت أسعى بين الفينة و الفينة إلى مطالعة كتاب لأديب من الأدباء، أو كاتب اشتهر قلمه، و مع ذلك لا أنكر بأنني كررت نفسي في كثير من المواطن، و خاصة في الباب الثاني من الرسالة، و هو أمر لم أجد عنه بدا، فالبضاعة كما ذكرت مزجاة.
ص: 12
1) التوسط و الاعتدال في النقول، و توثيق النصوص من مصادرها الأصلية قدر الإمكان، و في توثيق النصوص أذكر اسم الكتاب و المؤلف و رقم المجلد و الصفحة، فإن اعتمدت أكثر من طبعة ذكرت الطبعة في حينه بقولي: طبعة فلان، بذكر اسم المحقق أو الجهة التي طبعت الكتاب.
2) وضع عناوين جانبية لرءوس الموضوعات الجزئية و المسائل ضمن الموضوع الواحد.
3) نسبة الأقوال إلى قائليها، و ذلك إما بالتصريح باسم القائل في المتن، أو الاكتفاء بالإحالة إلى كتاب من كتبه.
4) ترقيم الآيات القرآنية، و عزوها إلى سورها ضمن المتن و ذلك بوضعه ضمن معقوفتين.
5) تخريج الأحاديث و الآثار من مظانها، و عزو الأخبار التاريخية إلى مصادرها.
6) شرحت غريب الحديث و اللغة معتمدا على المصادر الأصلية في ذلك.
7) عرّفت بالأعلام الواردة أسماؤهم في صلب الرسالة في الغالب، عدا المعاصرين منهم فلم أترجم لهم.
ص: 13
8) أحلت القارئ إلى مواضع الأمثلة في كل ما ذكرته في الباب الثاني من منهج المؤلف أو مدى التزامه بما ذكره، دون سرد الأمثلة و ذلك خشية الإطالة و اكتفاء بما سيرد في الباب الثالث.
9) في الباب الثالث جمعت أقوال أصحاب المقدمات في مقدماتهم في مختلف الموضوعات بعباراتهم غالبا، مع التنسيق و الترتيب، و لم أسقط من كلامهم إلا المكرر و ما كان حشوا و استطرادا بعيدا، و ذكرت في بداية كل موضوع من بحثه من المفسرين مرتبين حسب تواريخ وفياتهم، ليتبين تطور هذا العلم، و ليظهر السابق من اللاحق، و ليعرف من بحثه ممن تركه.
10) أعددت فهارس فنية للرسالة تساعد على كشف المضامين بسهولة و يسر.
و قد واجهتني في كتابة الموضوع صعوبات عديدة شأني في ذلك شأن أي باحث، تمكنت بفضل اللّه أولا ثم بتوجيهات أستاذي المشرف فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع ثانيا، ثم بوقفات جادة و مخلصة من أخوين عزيزين كريمين هما الشيخ المهندس حمود بن صالح الجربا، و الشيخ فهد بن علي العندس ثالثا، من التغلب عليها و الحمد للّه.
هذا و الذين يشكرون على مساعدتي في إتمام هذا العمل كثيرون، لا أعجز عن ذكرهم و لكن الموقف يتطلب الاختصار، فلهم مني الدعاء بعظيم الأجر و الغفران.
ص: 14
و أجد لزاما عليّ أن أتقدم بخالص الشكر و التقدير و الامتنان لأستاذي الفاضل الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، رئيس قسم القرآن و علومه، و المشرف على هذه الرسالة على ما بذله من جهد، و صرفه من وقت، و أبداه من حسن توجيه و إرشاد في الإشراف على هذا العمل، و على ما لقيته منه- يحفظه اللّه- من سعة صدر، و حسن تقدير، و سؤال دائم عن كل ما يمكن أن يكون حائلا دون إنجاز العمل، فله مني الشكر و العرفان، و من اللّه الأجر و المثوبة.
و أشكر ثانيا أخي و زميلي الشيخ القدير و الرجل النبيل الكريم فهد بن علي العندس، الذي كان لي خير معين في غربتي، فتح لي صدره يستمع إلى همومي و غمومي، و فتح لي مكتبته فكفاني همّ التنقل بين المكتبات، و يعلم اللّه ما احتجت لشي ء و سمع به إلا و وجدته لي سندا بعد اللّه، و لن أستطيع شكره مهما فعلت، فأتركه للّه يجزيه على حسن تعامله بفضل منه و رحمة، و يدخله الجنان مع آل بيته، إنه تعالى سميع مجيب.
كما أشكر القائمين على جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، و على كلية أصول الدين و قسم القرآن و علومه، على ما بذلوه و يبذلونه من الجهد خدمة للعلم و أهله.
و في الختام إن ما كتبته جهد مقلّ يسعى ليتعلم، لا يكلف اللّه نفسا إلا ما آتاها، و قد قيل: الكتاب كالمكلّف لا يسلم من المؤاخذة، و لا يرتفع عنه القلم. فرحم اللّه من وقف على سهو أو خطأ فأصلحه، و ما توفيقي
ص: 15
إلا باللّه، عليه توكلت و إليه أنيب، و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين.
اهتم العلماء منذ القديم بمضامين مقدمات التفاسير، فقد ضمنوها خلاصة أفكارهم، و زبدة آرائهم حول كثير من مسائل علوم القرآن و مباحثه، و هي آراء لم تطرق بعضها للبحث و النقاش، و علوم القرآن إنما يعتنى بها، و تعطى هذه المكانة و الأهمية لأنها توصل إلى معرفة مراد اللّه تعالى من كلامه للعمل بمقتضاه، و لكون المفسر قد طرق هذه الأبواب، و أدلى بدلوه في بيان معاني الآيات، كان من الضروري دراسة هذه المقدمات دراسة جادة، و محاولة الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها، و من ثمّ معرفة مواقف المفسرين من مسائل علوم القرآن ليتبيّن مدى معرفة المفسر بالعلوم المعينة على فهم كتاب اللّه الفهم الصحيح، و ليتبين بالتالي مدى إصابة المفسر القول في بيان مراد اللّه.
و لهذه الدراسة أهمية أخرى تكمن في معرفة تطور علوم القرآن و مباحثه عند المفسرين، و ذلك لأن المفسر قد ضمّن مقدمته رأيه في بعض المسائل، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله و أثبته، و ليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله، كما يبين تأثر المفسرين بعضهم ببعض، و غير ذلك مما يتبين منه للقارئ تطور هذه المسائل عند المفسرين.
ثم إن المقدمات هي أول المصنفات التي جمعت أكثر من موضوع من
ص: 16
موضوعات علوم القرآن في موضع واحد، فهي النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن، و هذا جانب هام.
و لا شك أن بحثا يضم مثل هذه المعلومات، و يبين ما كتبه علماؤنا الأجلّاء يسهل على طلبة العلم الراغبين في فهم القرآن كثيرا من الوقت و الجهد، و يضع بين أيديهم بإذن اللّه جهدا جادا في بيان بعض الموضوعات التي كثر الجدل حولها، و تباينت الآراء بشأنها.
و بإيجاز يمكن القول: إن أهمية مقدمات التفاسير تنبع من الآتي:
1) أنها النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن.
2) أنها تضمنت كثيرا من الأحاديث و الآثار المتعلقة بعلوم القرآن، و التي رواها المفسرون بأسانيدهم.
3) أنها حوت أقوال و آراء المفسرين في كثير من علوم القرآن و مسائله.
4) أنها تضمنت ردود و مناقشات المفسرين المتأخرين لآراء و أقوال أسلافهم المتقدمين، فكان في ذلك تحرير لكثير من المسائل المختلف فيها، و سيمر بالقارئ في الباب الثالث- إن شاء اللّه- كثير من تلك المناقشات المفيدة.
5) التسهيل و التيسير على القارئ في التفسير، حيث يجد القارئ مبتغاه و ما أشكل عليه من مراد المؤلف بين يديه، فلا يلجأ إلى غيره لتوضيح ذلك.
ص: 17
6) أنها تقوي المعارف لدى القارئ لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز، دون الحاجة إلى الخوض في غمار المطوّلات من المصنفات.
7) أنها علامة هامة في بيان تطور علوم القرآن.
ص: 18
تعريف المقدمة، و نشأة مقدمات التفاسير:
المقدمة: الناصية، و ما استقبل من الجبهة و الجبين، و مقدّمة الجيش- بكسر الدال- الذين يتقدمون الجيش. (1)، قال ابن منظور: و قيل يجوز بالفتح (مقدّمة). (2)
و قال ابن فارس: القاف و الدال و الميم: أصل صحيح يدل على سبق و رعف (أي سبق و تقدم)، و منه: مقدّمة الجيش: أوّله. و منه أيضا: قيدوم الخيل: أنف يتقدم عنه. (3) و مقدمة كل شي ء: أوّله. و من مقدمة الجيش استعير لكل شي ء، فقيل: مقدّمة الكتاب، و مقدّمة الكلام، و مقدمة الإبل. (4)
هذا في اللغة، أما في الاصطلاح، فقد عرفها التفتازاني بقوله:
ص: 19
يقال: مقدّمة الكتاب لطائفة من كلامه قدمت أمام المقصود لارتباط له بها، و انتفاع بها فيه، سواء توقف عليها أم لا. (1)
و في «الكليات» لأبي البقاء: مقدمة الكتاب: ما يتوقف عليه الشرح على بصيرة. (2)
و ذكر التهانوي للمقدمة- بكسر الدال المشددة و فتحها- معاني كثيرة، و من تلك المعاني: مقدمة الكتاب و عرّفها بقوله: مقدمة الكتاب:
طائفة من الألفاظ قدمت أمام المقصود لدلاتها على ما ينفع في تحصيل المقصود، سواء كان مما يتوقف المقصود عليه فيكون مقدمة العلم، أو لا، فيكون من معاني مقدمة الكتاب، من غير أن يكون مقدمة العلم. (3)
و في هذا المعنى استعمل القلقشندي مقدمة كتابه «صبح الأعشى»، فقد تحدث فيها عن مسائل أولية، و تعريفات تمهيدية، و قال: المقدمة للكتاب كالأساس من البنيان. ثم قال: و الطريق إلى إصابة المعنى في هذه المقدمات أن تجعل مشتملة على ما بعدها من المقاصد و الأغراض. (4)
ص: 20
قلت: و الذي قصده المفسرون هو تقديم طائفة من العلوم و المباحث المتعلقة بكتاب اللّه بين يدي الناظر في التفسير لفهمه على أتم وجه.
و قد أشار إلى ذلك ابن عطية بقوله: و لنقدم بين يدي التفسير أشياء قد قدّم أكثرها المفسرون، و أشياء ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم، مجتمعة لذهنه. (1)
و يقول أبو شهبة: إن بعض المفسرين في القديم و الحديث صدّورا كتبهم بمقدمات قيمة في علوم القرآن لتكون مفتاحا لهذه التفاسير. (2)
و تعرض المهتمون بمناهج البحث من المعاصرين بذكر عناصر التأليف، فذكروا المقدمة و التقديم، و محتوى كل منهما من المادة العلمية، و كان الاهتمام منصبا على مقدمات الرسائل العلمية، و أقتصر هنا على إيراد نموذج من كلامهم، و أعرض عن الخوض في تفاصيل ذلك مكتفيا بالإحالة إلى بعض تلك المراجع لمن أراد الوقوف عليها.
يرى الدكتور يوسف القاضي أن المقدمة عادة ما يذكر فيها الأسباب التي دفعت للكتابة، و الطريقة التي اتبعها، و فكرة موجزة جدا عن فصول المحتوى الذي يحوي المعلومات المسهبة لتعطي القارئ فكرة عما يتكلم
ص: 21
المرجع. (1)
يذهب المهتمون بعلوم القرآن و أصول التفسير إلى أن أقدم من صدّر تفسيره بمقدمة في علوم القرآن هو شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، ثم تلاه غيره (2)، و هو قول ربما كان من المسلّمات عند أكثر الباحثين، و الصحيح أن هناك من سبق ابن جرير في هذا المنهج بقرن كامل، غير أنه لم يكن على غرار ما فعله ابن جرير من التوسع و الشمولية في المعالجة، أقصد عبد الرزاق الصنعاني، المتوفى سنة (211 ه)، فقد اكتفى المتقدم بتقديم جملة من الآثار في بعض المواضيع المتعلقة بنزول القرآن، دون أي تعقيب، ثم تبعهما آخرون توسعوا في المواضيع، و اتجهوا إلى جمع الأدلة و الآثار و سردها و مناقشتها، كما اهتموا بالتعقيب على أقوال أسلافهم من المفسرين المتقدمين، و انتقل هذا الاهتمام بعلم المقدمات إلى أهل المغرب و بلاد الأندلس، فاهتموا بذلك أيما اهتمام، و كان أكثر من اهتم بذلك ابن عطية،
ص: 22
و القرطبي و ابن جزي و غيرهم.
و هكذا إلى أن جاء السيوطي في المشرق و شرع في تدوين تفسير كبير لكتاب اللّه سماه (مجمع البحرين و مطلع البدرين، الجامع لتحرير الرواية و تقرير الدراية) و وضع كتابا عليّ الشأن، جليّ البرهان، كثير الفوائد و الإتقان، أسماه (الإتقان في علوم القرآن) (1) و جعله مقدمة لتفسيره السابق ذكره، و تم بذلك تدوين أوسع مقدمة لكتاب في التفسير، تلك أصل فكرته، و لكن الكتاب لسعته و عدم كمال أصله أخذ استقلاليته.
و تتابع تصدير التفاسير بمقدمات في علوم القرآن على مر العصور و الأزمان، فلا تكاد تجد تفسيرا معتبرا إلا و قد احتوى على مقدمة في هذا الشأن، حتى أصبح ما بدأه عبد الرزاق و ابن جرير سنّة متبعة إلى يومنا هذا، فقد ظهرت مقدمات في غاية الإتقان و الإجادة كمقدمة «التحرير و التنوير» لابن عاشور، و مقدمة «روح المعاني» للآلوسي، و مقدمة «محاسن التأويل» لجمال الدين القاسمي، و غيرها.ا.
ص: 23
ص: 24
و فيه فصلان:
الفصل الأول: تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته.
الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن.
ص: 25
المبحث الأول: علوم القرآن بالمعنى اللغوي.
المبحث الثاني: علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي.
المبحث الثالث: نشأة علوم القرآن.
ص: 26
مصطلح (علوم القرآن) مركب إضافي يتكون من جزءين هما: (علوم) و (قرآن)، و يتضح المركب و يعرف بتحليل جزءيه و معرفتهما، ف (العلوم) جمع علم- بالكسر و سكون اللام- أصل صحيح يدل على أثر بالشي ء يتميز به عن غيره، و منه العلامة: السّمة. و العلم: الجبل. (1) و المعلم: الأثر يستدل به على الطريق. و العلم: نقيض الجهل، و علمت الشي ء أعلمه علما: عرفته و خبرته. (2)
و علم الأمر: أتقنه و عرفه حق المعرفة (3)، و في «المصباح المنير»: العلم اليقين، و علم يعلم: إذا تيقّن. (4) و علم بالشي ء: شعر به و أدركه. (5)
ص: 27
و العلم: المعرفة، و قد يفرّق بينهما، فيقال: العلم هو الاعتقاد الجازم المطابق للواقع (1)، أو هو صفة توجب تمييزا لا يحتمل النقيض، و هو اليقين.
و قيل: العلم هو إدراك الشي ء على ما هو به.
و المعرفة: إدراك الشي ء بتفكير و تدبّر لأثره.
و عليه فالعلم أخص من المعرفة.
و فرّق ثلّة من العلماء بينهما من جهة اللفظ و المعنى، فقالوا:
إن فعل المعرفة يقع على مفعول واحد، و فعل العلم يقتضي مفعولين، و إذا وقع على مفعول واحد كان بمعنى المعرفة. (2)، هذا من جهة اللفظ، أما من جهة المعنى فالفرق من وجوه أهمها:
أن المعرفة تستعمل فيما تدرك آثاره و لا تدرك ذاته، و العلم فيما يدرك ذاته، فتقول: فلان عارف باللّه. و لا تقول: فلان عالم باللّه؛ لأن معرفته ليست بمعرفة ذاته، بل بمعرفة آثاره. و تقول: اللّه يعلم كذا، و لا تقول: اللّه يعرف، لما كانت المعرفة تستعمل في العلم القاصر المتوصّل إليه بتفكّر.
و المعرفة في الغالب لما غاب عن القلب بعد إدراكه، فإذا أدركه فقد
ص: 28
عرفه، بخلاف العلم، و لهذا كان ضد المعرفة: الإنكار، و ضد العلم:
الجهل. (1)
هذه بعض معاني (العلم) في كلام العرب، أما في الاصطلاح فقد تباينت أقوال أهل العلم في تعريفه و ضبطه، و تنوعت هذه التعاريف كلّ حسب مشربه و معتقده و دائرة اهتمامه، فالحكماء يريدون به: صورة الشي ء الحاصلة في العقل. (2) و علماء الكلام يعرّفونه فيقولون: صفة يتجلّى بها الأمر لمن قامت به. (3)
و عرّفه الغزالي (4) فقال: هو اعتقاد الشي ء على ما هو به عليه. (5)
و المنقول عن الآمدي (6): أن العلم عبارة عن صفة يحصل بها لنفس
ص: 29
المتصف بها التمييز بين حقائق المعاني الكلية حصولا لا يتطرق إليه احتمال نقيض (1).
و اختصره ابن الحاجب (2) فقال: العلم صفة توجب تميّزا لا يحتمل النقيض (3).
و هو في اصطلاح الشرع يطلق على معرفة اللّه تعالى و آياته و أفعاله في عباده و خلقه. قال تعالى: قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ [الزمر: 9] قال الزمخشري (4): أراد
ص: 30
بالذين يعلمون: العاملين من علماء الديانة (1) و ما ورد منه في الشرع عاما يشمل العلوم الدنيوية. قال تعالى: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ [فاطر: 28].
و قال الراغب (2): العلم إدراك الشي ء بحقيقته، و ذلك ضربان:
أحدهما: إدراك ذات الشي ء، و يتعدى لمفعول واحد، قال تعالى لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ [الأنفال: 60]
الثاني: الحكم على الشي ء بوجود شي ء هو موجود له، أو نفي شي ء هو منفي عنه، و يتعدى لمفعولين، قال تعالى: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ [الممتحنة: 10].
قال: و هو من وجه ضربان:
نظري: و هو ما إذا علم فقد كمل، نحو العلم بموجودات العالم.
و عملي: و هو ما لا يتم إلا بأن يعمل، كالعلم بالعبادات.
و من وجه آخر: سمعي و عقلي. (3)م.
ص: 31
و العلم في عرف التدوين العام- و هو المراد هنا- يطلق على جملة من المسائل و القواعد المنضبطة بجهة واحدة موضوعا أو غاية، كعلم التوحيد و علم النحو و ما إلى ذلك (1).
و بعبارة أخرى يطلق العلم على: المعلومات المنظمة و المنضبطة لموضوع واحد.
الجزء الثاني من المركب (القرآن): أولا: (القرآن) في اللغة: العلماء في بيان لفظة (القرآن) فريقان، فريق
ص: 32
يرى أنه مشتق، و آخر يرى أنه اسم علم غير منقول، وضع أول ما وضع اسما لكتاب اللّه تعالى، فهو جامد غير مشتق.
الفريق الأول: الذين قالوا باشتقاقه، اختلفوا على قولين:
القول الأول: أنه مصدر مهموز، و قد اختلفوا في أصل اشتقاقه:
قيل: مصدر (قرأ) بمعنى (تلا) مرادف للقراءة، كالغفران و الرجحان (1)؛ قال تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 17] أي: فاتبع قراءته.
قال ابن عطية: قرأ الرجل بمعنى تلا، يقرأ قرآنا و قراءة. و في التنزيل:
وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء: 78] أي: قراءة الفجر. قال حسان بن ثابت (2) في عثمان بن عفان- رضي اللّه عنهما:-
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به يقطّع اللّيل تسبيحا و قرآنا أي: قراءة (3).
ص: 33
و قيل: مشتق من (قرأ) بمعنى (جمع)، تقول: قرأت الشي ء قرآنا، بمعنى: جمعته، و هو من ضم الحروف و الكلمات بعضها إلى بعض. (1)
و قيل: مشتق من (القرء).
و هو أيضا بمعنى (الجمع) قال أبو إسحاق: القرء في اللغة بمعنى الجمع.
قال الماوردي: و لهذا سمي قرء العدّة قرءا؛ لاجتماع دم الحيض في الرحم (2).
و عن قطرب (3): قرأت الماء في الحوض: أي جمعته، و قرأت القرآن:
لفظت به مجموعا. (4)
ص: 34
قال أبو عبيدة (1): سمي بذلك لأنه جمع السور بعضها إلى بعض. (2)
و قيل: لأنه جمع القصص و الأمر و النهي و الوعد و الوعيد و الآيات و السور بعضها إلى بعض (3) و عن الراغب قول بعضهم: سمي قرآنا لكونه جامعا لثمرات الكتب بل لجمعه ثمرة جميع العلوم (4)
القول الثاني: أنه مصدر غير مهموز، و قد اختلفوا في أصل اشتقاقه:
فقيل: مشتق من (القرى)، تقول: قريت الماء في الحوض: أي جمعته (5) و منه القرية لاجتماع الناس فيها. (6) قال السمين الحلبي (7): و هو غلطت-
ص: 35
لأنهما مادتان متغايرتان. (1)
و يقول فضيلة الشيخ مناع القطان- يحفظه اللّه-: إن في هذا الرأي تكلفا ظاهرا لكونه يؤدي إلى أن يكون أصل الهمزة حرف علة، و أن تكون النون زائدة، مع ما فيه من إغفال معنى التلاوة. (2)
و قيل: مشتق من (قرنت الشي ء بالشي ء): إذا ضممته، و هو رأي الأشعري (3) سمي به لقران السور و الآيات و الحروف فيه، و منه القران بين الحج و العمرة (4)، و يجري على هذا القول من الاعتراض ما جرى على القول السابق من جعل النون أصلية و إغفال معنى التلاوة.
و قيل: مأخوذ من (القرائن) و هو مروي عن القرطبي (5)؛ لأن الآيات
ص: 36
منه يصدق بعضها بعضا (1) و يشابه بعضها بعضا و هي قرائن، و اعترض الزجاج (2) فقال: هذا سهو، و الصحيح أن ترك الهمزة فيه من باب التخفيف و نقل حركة الهمزة إلى الساكن قبلها. (3)
الفريق الثاني: الذين قالوا بعدم اشتقاقه، و قالوا: إنه غير مهموز، بل هو اسم علم غير منقول، وضع أول ما وضع اسما لكتاب اللّه، و به قرأ ابن كثير. (4)، و روي عن الإمام الشافعي (5)، كما روي عنه أنه قرأ علىي.
ص: 37
إسماعيل بن قسطنطين. (1)، كان يقول: القرآن اسم و ليس بمهموز، و لم يؤخذ من: قرأت، و لكنه اسم لكتاب اللّه مثل التوراة و الإنجيل. قال:
و يهمز: قرأت و لا يهمز القرآن. (2)، و هو اختيار السيوطي (3) في الإتقان. (4)
و يعترض على هذا الرأي بأن العلم المرتجل نادر جدا، و أن الغالب في الأعلام أنها منقولة، بل ذهب سيبويه إلى أن الأعلام كلها منقولة (5)، كما يعترض عليه بأن معظم القراء السبعة قرءوا لفظ (القرآن) بالهمز. (6)
ص: 38
و الذي يترجح لديّ- و اللّه أعلم- بعد النظر في أقوال أهل العلم أن نقول:
القرآن مصدر مهموز مشتق من (قرأ) بمعنى (تلا). و هو رأي يسلم من الاعتراضات الموجهة إلى غيره، فالهمزة أصلية، و فيه معنى الجمع، و لم يغفل معنى التلاوة، و الأهم من هذا أنه يستقيم تماما مع قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 17] و المعنى: إن علينا جمعه و تلاوته، فإذا قرأناه فاتبع تلاوته و اللّه أعلم. (1)
ثانيا: (القرآن) في الاصطلاح، أو في تعريف أهل العلم:
القرآن كلام اللّه المنزّل على خاتم النبيين محمد صلى اللّه عليه و سلم. و هو غير مخلوق، تكلم اللّه به ابتداء، و كلامه تعالى قائم بذاته، و لم يزل عز و جلّ متكلما إذا شاء، و القرآن كلامه تعالى بحرف و صوت، تكلم به سبحانه بصوت نفسه و حروف نفسه، و ذلك غير مخلوق.
و القرآن هو اللفظ و المعنى معا، سمعه جبريل من اللّه عز و جلّ، و بلّغه إلى محمد صلى اللّه عليه و سلم و سمعه (2).
ص: 39
و التعريف الحقيقي للقرآن هو استحضاره معهودا في الذهن أو مشاهدا بالحس كأن يشير إليه مكتوبا بالمصحف، أو مقروءا باللسان فتقول:
هو ما بين الدّفتين. أو تقول: هو بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ....... إلى قوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ (1).
و قد حاول العلماء وضع تعريف للقرآن ليميزوه عن الكتب السماوية السابقة و الأحاديث القدسية، و ليس بهدف رفع الجهالة عنه إذ الجهالة مرفوعة، و لهذا عرفوه بذكر بعض خصائصه، و تفاوتت اهتماماتهم بذكر هذه الخصائص، و تناوبت بين الإطناب و الإيجاز، فمن أطنب كانت حجته أن مقام التعريف مقام إيضاح و بيان، و من اختصر فأوجز فبحجة استحالة حصر خصائص القرآن، فهو كتاب لا تنقضي عجائبه.
و فريق ثالث اقتصد فتوسط و قال: القرآن هو الكلام المعجز المنزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم المكتوب في المصاحف، المنقول بالتواتر، المتعبد بتلاوته. (2)
و من تعاريف الموجزين: هو اسم لهذا المنزّل العربي إذا عرّف
ص: 40
باللام (1). أو هو: اللفظ المنزّل على النبي محمد صلى اللّه عليه و سلم من أول الفاتحة إلى آخر سورة الناس (2).
و رأى آخرون أن القرآن ليس بحاجة إلى تعريف منطقي، فلا معنى لإضاعة الوقت حول طول التعريف أو قصره، و مدى إحاطته بصفات كتاب اللّه العزيز (3)
و لا أرى مانعا من ذكر تعريف يضم أهم خصائص كتاب اللّه لتمييزه لا لرفع الجهالة عنه، إذ الجهالة مرفوعة، و قد عرّف تعالى القرآن في كتابه الكريم فقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 194]، و بحث العلماء في الصفات الخاصة لكتاب اللّه فوجدوها: في الإنزال على النبي صلى اللّه عليه و سلم، و الإعجاز، و النقل بالتواتر، و الكتابة في المصاحف، و التعبد بالتلاوة. (4)
فإذا أضفنا إليها صفة خامسة فقيدنا الإنزال على النبي صلى اللّه عليه و سلم بواسطة جبريل عليه السلام، نكون قد وضعنا قيودا ضابطة بإذن اللّه، و عليه نقول في تعريف القرآن الكريم بأنه: كلام اللّه المعجز، المتعبّد بتلاوته، المنزّل على النبي
ص: 41
محمد صلى اللّه عليه و سلم بوساطة جبريل عليه السلام، و المنقول إلينا بالتواتر و الموجود بين دفتي المصحف.
كلام اللّه: قيد يخرج به كلام غيره عز و جل من ملك و جان و بشر.
المعجز: قيد يخرج به ما عبّر عنه الرسول صلى اللّه عليه و سلم بلفظه من كلام اللّه، كالأحاديث القدسية، مع دلالة هذا القيد إلى خاصية هامة للقرآن الكريم.
المتعبّد بتلاوته: قيد يخرج به ما لم يتعبد بتلاوته كالأحاديث القدسية و إن تواترت.
المنزل على النبي صلى اللّه عليه و سلم: قيد يخرج به ما نزل على غيره من الأنبياء السابقين.
بوساطة جبريل: قيد يخرج به ما كان بواسطة غيره كالأحاديث النبوية و الرؤى.
المنقول إلينا بالتواتر: خرج به ما لم يتواتر ما نسخت تلاوته أو ما هو منقول بالشهرة أو بالآحاد كقراءة بعض الصحابة.
الموجود بين دفتي المصحف: قيد يردّ مزاعم الرافضة و غيرهم ممن يدعي النقص أو الزيادة في كتاب اللّه. (1)
ص: 42
أطلق أهل العلم هذا المصطلح (علوم القرآن) بلفظ الجمع لمحا للأصل ليشمل كل علم يبحث في القرآن الكريم في أيّ ناحية من نواحيه المتعددة، و ليشمل أيضا كل ما يخدم النص القرآني أو يستند إليه، و إن كان قد استعمل بلفظ الإفراد (علم القرآن) (1) قليلا، و هو (نظير علم الحديث) (2) مع اختلاف بين العلماء في إطلاقه.
و علوم القرآن كثيرة، ذكر منها الزركشي في «برهانه» سبعا و أربعين علما، و أوصلها السيوطي إلى ثمانين نوعا في «الإتقان»، و ناف بها على
ص: 43
المائة في «التحبير»، و في «الزيادة و الإحسان» لابن عقيلة المكي وصلت أربعة و خمسين بعد المائة، و ليس المراد منها الحصر، فعلوم القرآن على ما أقره الزركشي لا تحصى و معانيه لا تستقصى. (1)
و قد صنف العلماء في جوانب كثيرة من هذه العلوم كتابات مستقلة، كعلم القراءات و الرسم العثماني و الناسخ و المنسوخ و أسباب النزول ...
و غير ذلك، ثم اختصرت هذه العلوم و المباحث و جمعت جلّ أصولها و مسائلها، و رمز إلى بعض فصولها في مصنف واحد، و وضعت القواعد العامة لتلك المسائل، و ضربت عليها الأمثلة، و أشير إلى مواطن كل علم منها و مظانّه فكان كالفهرس و الدليل، و أطلق عليه مصطلح علمي هو (علوم القرآن) (2) و هو مصطلح لم يعرّفه الأقدمون، و إنما حاول بعض المعاصرين تعريفه بمعناه العام.
و قد عرفه الأستاذ الزرقاني بقوله: مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره و إعجازه و ناسخه و منسوخه و دفع الشّبه عنه و غير ذلك. (3)
و هو تعريف لم يرق لثلّة من الباحثين من أهل الاختصاص في هذا
ص: 44
الفن، فقد رأوا فيه تجوّزا ملحوظا، يقول الأستاذ عدنان زرزور: إن التعريف الذي أطلقه صاحب «المناهل» ليس دقيقا، إذ إن أكثر هذه العلوم تدور حول تفسير بعض جوانب القرآن الكريم، أو يمهد لشرحها و تفسيرها، فهي عنده (علوم التفسير) (1).
و يؤكد هذا المعنى بأن الحاكم الجشمي الذي عدّ أنواع علوم القرآن في «تفسيره» إنما عنى بها في المقام الأول تلك الأمور و المعلومات التي لا بد من الوقوف عليها في تفسير كل آية، فهي و التفسير عنده- أو علوم التفسير إن صح التعبير- على حد سواء. (2)
و ما أقره الزرقاني تبناه الأستاذ فاروق حمادة، غير أنه تعقبه بالشرح فحصر المعنى المراد منه حين قال:
إن علوم القرآن تطلق في الاصطلاح على مجموعة من العلوم التي تستند إلى القرآن الكريم و تسهل للباحث فهمه على الوجه الصحيح،ه.
ص: 45
و تكشف له أسراره و معانيه، قال: و ينضوي تحت هذا المصطلح علم أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و المحكم و المتشابه و علوم إعراب القرآن و القراءات القرآنية، و الإعجاز القرآني و الرسم و الخط و التفسير ... إلخ، فهذه العلوم تقوم كلها لتحقيق غاية واحدة هي خدمة كتاب اللّه و تيسيره للذكر لمن ادّكر.
و يتابع قوله: و ما ضمناه التعريف من العلوم التي تستند إلى القرآن الكريم، و تهدف إلى المحافظة عليه ليس كل المعارف و العلوم التي تستنبط منه، بمعنى أننا لا نستطيع أن ندخل في مصطلح علوم القرآن كل أنواع المعرفة التي وجدت و ستوجد، بل إن علوم القرآن أصبحت تنحصر في شعبتين اثنتين:
أولاهما: تاريخ القرآن الكريم، و ما ينضوي تحته من نزوله و أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ .... إلخ.
و ثانيهما: الوسيلة الصحيحة لفهمه على الوجه الحق، و ينضوي تحت ذلك علوم اللغة و الإعجاز و المحكم و المتشابه ... إلخ.
فإن على كل من يريد التعامل مع النص القرآني أن يطلع على هاتين المقدمتين اللازمتين تحت اسم علوم القرآن، و بمقدار ما يجانبهما سيجانب
ص: 46
الحقيقة و يبعد عن الصواب. (1)
و توسع الأستاذ عبد السلام الكفافي في تعريفه للمصطلح حين عرفه بقوله: علوم القرآن بالمعنى هو كل ما يتصل بالقرآن الكريم من دراسات (2).
ثم عاد ليقيد التعريف الذي أطلقه ليقول: إن كثيرا من هذه العلوم أصبح مستقلا بذاته، لوفرة ما كتب من مؤلفات، و لغزارة المادة التي عالجتها حتى أصبحت عبارة (علوم القرآن) في مفهومها الخاص تطلق على جانب معين من هذه الدراسات. لقد أصبح مجالها مقتصرا على أبحاث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره و إعجازه و ناسخه و منسوخه و محكمه و متشابهه، و نحو ذلك. (3)
و التعريف الذي أطلقه الأستاذ الكفافي قبل تقييده يأتي على طريقة طائفة من أهل العلم كالسيوطي الذي توسع حتى أدخل علم الهيئة و الطب و الحساب. (4) و ابن العربي (5) الذي ذكر في قانون التأويل أن علوم القرآن
ص: 47
(77450) علما على عدد كلم القرآن مضروبة في أربعة، معللا ذلك بأن لكل كلمة ظهرا و بطنا، و حدا و مطلعا. (1)
هذا و نجد أن ابن حبيب النيسابوري (2) قد حصرها في خمسة و عشرين وجها أو علما، و أوقف فهم كتاب اللّه على معرفتها و التمييز بينها، بل لم
ص: 48
يحلّ التكلم في كتاب اللّه إلا بعد معرفتها. (1)
و لعل أجود التعاريف التي وقفت عليها أثناء البحث لهذا المصطلح هو ما أطلقه الدكتور حسن ضياء الدين عتر- يحفظه اللّه- حين عرفه بقوله: علم يضم أبحاثا كلية هامة تتصل بالقرآن العظيم من نواحي شتى يمكن اعتبار كل منها علما متميزا. (2)
و يعترض على تعريفه هذا أنه عرّف العلم بلفظة العلم، و تعريف الشي ء بنفسه غير دقيق. و لهذا يحسن تعريف مصطلح علوم القرآن بأنه:
أبحاث (مباحث) كلية تتصل بالقرآن الكريم من نواحي شتى، يمكن اعتبار كل مبحث منها فنا مستقلا متميزا. و بذلك نكون قد دفعنا ما يعترض على التعريف السابق من تعريف العلم بالعلم.
مما سبق تبين لنا أن بعض العلماء يطلقون (علوم القرآن) ليشمل علم التفسير إلى جانب العلوم المقصودة الأخرى، في حين يرى آخرون أنه لا ينبغي عدّ التفسير من هذه العلوم.
ص: 49
و يحصر الأستاذ الزرقاني تلك العلوم في العلوم الدينية و العربية، و يقول: إنها أنجبت وليدا جديدا هو مزيج منها جميعا، و سليل لها جميعا فيه مقاصدها و أغراضها و خصائصها و أسرارها (و الولد سر أبيه) (1)؛ و هو لهذا عدّ التفسير من تلك العلوم، و جعلها قسيما لها. في حين أن الأستاذ فاروق حمادة رغم أن ما انضوى تحت التعريف عنده يعارض ما حصره في الشعبتين المذكورتين، عدّ التفسير من العلوم التي انضوت تحت المصطلح، و المفهوم من المقدمتين السابقتين عدم اعتبار التفسير. و هو ما قرره حين عاد ليقول: يمكننا أن نقول: إن عدّ علم التفسير من علوم القرآن فيه تجوّز. (2)
و الذي يبدو لي- تبعا لبعض أهل العلم- أن عدّ التفسير من علوم القرآن و جعله قسيما أو نوعا كسائر الأنواع مسألة فيها نظر، لأن غالب تلك العلوم أريد بها تيسير سبيل شرحه و تفسيره و فهمه. يعلل الأستاذ عدنان زرزور هذه الوجهة فيقول: إن أغلب التفاسير الكبيرة قد صدّرت بمقدمة أو مقدمات شملت أهم تلك العلوم، و لهذا لا يعدّ التفسير من علوم القرآن (3).
و ختاما أقول: ينبغي النظر إلى هذا المصطلح باعتبارين:
ص: 50
الأول: باعتبار كونه مركبا من جزءين، و بمعرفتهما يعرف، و على ما سبق توضيحه يكون علوم القرآن: هو العلم الذي يبحث في القرآن الكريم في شتى أحواله. فيدخل فيه علم التفسير فضلا عن غيره، و لهذا أطلق عدد من العلماء هذا الاسم على تفاسيرهم، كالحوفي (1) الذي سماه (البرهان في علوم القرآن) و الأدفوي (2) الذي سماه (الاستغناء في علوم القرآن) و كأبي الحسن الأشعري الذي سماه (المختزن في علوم القرآن) (3).
الثاني: باعتباره علما مستقلا ظهر و تكامل لدى المتأخرين، و يعرف بأنه: أبحاث (مباحث) كلية تتصل بالقرآن الكريم من نواحي شتى، يمكن اعتبار كل مبحث منها فنا مستقلا متميزا.
و يطلق المصطلح على بعض تلك العلوم كما يطلق عليها جميعا.
و تلك المباحث تدور حول ثلاثة محاور رئيسة:
ص: 51
المحور الأول: ما يتعلق بالجانب التاريخي، كعلم أسباب النزول، و جمع المصحف، و المكي و المدني، و غير ذلك.
المحور الثاني: ما يتعلق بجانب الأداء، كعلم القراءات، و الوقف و الابتداء، و غير ذلك.
المحور الثالث: ما يتعلق بالنص القرآني مباشرة، و يعين على فهمه، و هي بقية العلوم.
الفرق بين علوم القرآن و أصول التفسير: فيما سبق عرفنا مصطلح (علوم القرآن) من الناحية اللغوية لمفرداته، ثم التعريف الاصطلاحي و اختلاف العلماء في وضع تعريف له.
و قد ظهر مصطلح آخر جعله بعضهم مرادفا لمصطلح علوم القرآن، و استعمل في موضعه عند كثير من المهتمين بعلوم القرآن، هذا المصطلح هو علم (أصول التفسير).
و قبل إيراد بعض تعاريف العلماء لهذا المصطلح أود الإشارة إلى أن أقدم كتاب يحمل هذا الاسم هو كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية (1) (مقدمة
ص: 52
في أصول التفسير)، و ما ذكره فيه من الفنون و العلوم هي من جملة الفنون التي كان السابقون يوردونها في مؤلفات علوم القرآن، و هي التي بقي المتأخرون كالزركشي (1) و السيوطي و ابن عقيلة (2) و الزرقاني و غيرهم يوردونها في مؤلفاتهم الخاصة في علوم القرآن.
ثم جاء ولي اللّه الدهلوي (3) و ألّف (الفوز الكبير في أصول التفسير) و تبعه آخرون في العصر الراهن.
إن الناظر في مقدمة شيخ الإسلام ابن تيمية يجد أنه يعرّف أصول التفسير بقوله:
أبحاث تتضمن قواعد كلية تعين على فهم القرآن، و معرفة تفسيره
ص: 53
و معانيه، و التمييز- في منقول ذلك و معقوله- بين الحق و الباطل، و التنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل. (1)
و هو تعريف يصلح إطلاقه على مصطلح (علوم القرآن)، و لهذا نؤكد أن المتقدمين كانوا يستعملون المصطلحين (أصول التفسير، و علوم القرآن) لغرض واحد، يقصدون به كل القواعد و الأبحاث التي تخدم كتاب اللّه و تعين على فهمه. غير أن المتأخرين قصدوا من هذا المصطلح أمرا أخص من الذي أراده المتقدمون منه إذ حصروه على: الأسس و القواعد التي يعرف بها تفسير كتاب اللّه، و يرجع إليها عند الاختلاف فيه. و يكوّن محور هذا الفن أمران:
الأول: كيف فسّر كتاب اللّه.
و الثاني: كيف نفسّر كتاب اللّه. (2)
و عليه يكون بين المصطلحين خصوص و عموم، فعلوم القرآن مصطلح عام و أصول التفسير مصطلح خاص يطلق على بعض فنون علوم القرآن، مثل حكم التفسير، و أقسامه و أنواعه، و أسباب الاختلاف في التفسير، و قواعد الترجيح عند المفسرين، و غير ذلك من الفنون التي لها
ص: 54
اتصال مباشر بالتفسير، و لا يدخل فيها تلك المقدمات التعريفية و التاريخية التي هي من علوم القرآن. و اللّه أعلم.
ص: 55
المبحث الثالث نشأة علوم القرآن (1)
قبل الحديث عن نشأة علوم القرآن و الخوض في جزئيات الموضوع يحسن بنا التعرف على الجوانب العلمية عند الذين اختارهم اللّه الحكيم لرسالته، و اصطفى منهم نبيه صلى اللّه عليه و سلم لتبليغ الأمانة، إذ الحديث لا يستقيم إلا إذا عرفنا الحالة العلمية للعرب و المناخ العلمي في الجزيرة العربية الذي عاش فيه أولئك الذين احتضنوا الدعوة، و خير ما يهمنا في هذا المناخ هو أمر القراءة و الكتابة، فهل كانت العرب تقرأ و تكتب؟ أم إن
ص: 56
الإسلام هو الذي علمهم ذلك؟
الذي يطالع أخبار الجزيرة العربية قبل البعثة المحمدية، يتبين له بوضوح و منذ الوهلة الأولى أن القوم قد عرفوا الكتابة و التدوين، و أنهم مارسوا هذا الفن، و سيضع يده على أدلة كثيرة تؤكد هذه الحقيقة، و إن كانت الأخبار نفسها توحي بأن عدد الراغبين في القراءة و الكتابة و المهتمين بالتعليم كان قليلا نسيبا، و الدليل أن انتشار الكتابة كان على نطاق محدود انحصر في أبناء الحاضرة و مراكز الحضارة كمكة و المدينة و الطائف و غيرها (1)، و أن جلّ المهتمين بها كانوا من أبناء كبار الأشراف و العوائل العريقة التي رأت أن في التعليم و معرفة الكتابة مزية ترفع من شأنهم، و تعلي من قدرهم، فهم الذين كانوا يطلقون اسم الكامل على من يجيد السباحة و الرماية و الكتابة، و يعدون ذلك من صفات الكمال في الرجل (2). و لقب به عدد، منهم: رافع بن مالك (3)، و سعد بن عبادة (4)،
ص: 57
و أسيد بن حضير (1)، و عبد اللّه بن أبيّ (2)، و أوس بن خولي (3)، و سويد بن الصامت (4) (5). و لهذا كانت الكتاتيب التي يتعلم فيها الصبيان أمور القراءة
ص: 58
و الكتابة موجودة و منتشرة، و لذلك أيضا وجّه زيد العبادي ولده عديا (1) ت (35 ق. ه) إلى التعليم، و طرحه في الكتّاب حين نما حتى حذق العربية، فكان أول من دوّن بالعربية في ديوان كسرى (2).
و كان بشر بن عبد الملك العبادي علّم أبا سفيان بن أمية (3)، و أبا قيس ابن عبد مناف بن زهرة الكتاب، فعلّما أهل مكة (4). و قد سجل ابن حبيب البغدادي ت (245 ه) (5) صاحب (المحبّر) قائمة بأسماء الأشراف المعلمين في العصر الجاهلي منهم بشر بن عبد الملك السكوني أخو أكيدر صاحب دومة الجندل، و منهم غيلان بن سلمة بن معتب الثقفي (6)، و منهم عمرو بن
ص: 59
زرارة بن عدس بن زيد (1) و كان يسمى بالكاتب، و غيرهم (2).
و كانت العرب تسجل أشعارها و تقيدها بالكتابة (فتسجل كل ما يتصل بالقبيلة من أخبار حروبها و أيامها، و تذكر مفاخرها و مآثرها و شعر شعرائها، و حكم بلغائها) (3)
كما دلت الدراسات العلمية على أن العرب مارسوا فن الكتابة قبل الإسلام، فكانوا يؤرخون أهم أحداثهم على الحجارة، و قد أثبتت الأبحاث الأثرية ذلك بأدلة قاطعة تعود إلى القرن الثالث الميلادي، و تحمل تلك الحجارة كتابات العرب الذين كانوا في الأطراف الشمالية للجزيرة العربية (4).
و اشتهرت المعلقات السبع التي تعلق على الكعبة، و عرفت الصحيفة
ص: 60
التي تعاقدت فيها قريش على رد الحقوق و إنصاف المظلوم و علقت على الكعبة. (1)
لقد بلغت الأخبار التي تؤكد هذه الحقيقة درجة الاستفاضة و التواتر، و الذي يتتبع الكتب التي اهتمت بمثل هذا الموضوع لا شك أنه سيخرج لنا بأخبار كثيرة أخرى.
و أما دعوى أن العرب لم تكن بحاجة إلى الكتابة لكونهم أصفياء الذهن يعتمدون على قوة حفظهم، و سلامة أذهانهم، فدعوى باطلة لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فالناس يختلفون في ذلك، و يتفاوتون في قدراتهم الذهنية و العقلية، نعم نحن نؤكد أن العرب قد اعتمدت كثيرا على سيلان الذهن و قوة العارضة التي عرفت بها، غير أنها لم تعتمد اعتمادا كليا على ذلك لا تصادم في الجمع بين الأمرين معا.
تبين لنا فيما سبق أن العرب عرفت الكتابة قبل الإسلام، و أنها دونت نتفا من أخبارها، و تذكر الأخبار أن من الذين كانوا يكتبون في قريش زمن نزول الوحي عمر ابن الخطاب، و علي بن أبي طالب، و عثمان بن عفان، و أبو عبيدة بن الجراح (2)، و يزيد بن أبي سفيان (3)، و أبو حذيفة بن عتبة بن
ص: 61
ربيعة (1)، و حاطب بن عمرو، أخو سهيل بن عمرو العامري (2)، ....
و غيرهم، كما كان عدد من النساء يكتبن، أمثال: الشفاء بنت عبد اللّه العدوية (3)، و حفصة أم المؤمنين (4)، و أم كلثوم بنت عقبة (5)، و عائشة بنت
ص: 62
سعد (1)، .. و غيرهن (2) و تؤكد الأخبار أن عددا من اليهود كانوا يكتبون أيضا (3)
و حين بعث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتب حنظلة بن أبي سفيان (4) كتابا إلى أبيه باليمين يخبره أن محمدا صلى اللّه عليه و سلم دعا الناس إلى عبادة اللّه. (5) و حين عجزت قريش عن وأد الدعوة كتبت صحيفة بيد منصور بن عكرمة العبدري الذي شلت يده، و علقوا الصحيفة في جوف الكعبة قاطعت قريش بموجبها
ص: 63
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و آل بيته، (1) فلما انتصر الإسلام و رفع صوت الحق تابع صلى اللّه عليه و سلم نهجه في عرض الإسلام على علية القوم و عقلائهم لعل اللّه ينصر بهم ما لا ينصر بغيرهم، و كان ممن دعي إلى اعتناق الدين الجديد سويد بن الصامت الذي- كان يلقب بالكامل- رفض الدعوة قائلا: لعل الذي معك مثل الذي معي. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «و ما الذي معك؟» قال: مجلة لقمان- يعني حكمة لقمان- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «اعرضها عليّ».
فعرضها عليه.
فقال له: «إن هذا الكلام حسن، و الذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله اللّه تعالى عليّ ...» الرواية (2).
و روى عمران بن حصين (3) لبشير بن كعب (4) قول رسول اللّه
ص: 64
صلى اللّه عليه و سلم: «الحياء لا يأتي إلا بخير». فقال بشير: مكتوب في الحكمة: إن الحياء و قار. و إن من الحياء سكينة. فقال عمران: أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تحدثني عن صحيفتك. (1) و هي المجلة التي ذكر وهب بن منبه ت (116 ه) (2) أنه قرأ فصولا منها. (3)
و لا يعني هذا نفي وصف الأمية عن العرب، فهم في غالبيتهم كانوا أميين لا يقرءون و لا يكتبون، و هو وصف يليق بأبناء البادية أكثر منه بسكان المدن و أرباب الدول البائدة كسكان اليمن و مدن نجد و الحجاز و العراق و أطراف الشام، الذين عرفت لهم دول ذات حضارة و مجد.
لقد جاء الإسلام ليجد تربة صالحة للتعلم و التعليم، فبدأ ب اقْرَأْ إيذانا بمكانة العلم، و ذكر القلم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ [العلق: 4] وسيلة الكتابة و تدوين العلم و نقله ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ [القلم: 1] و أكد ذلك الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ [الرحمن: 1- 2] و رفع من قدر الكاتبين حين وصف سبحانه الملائكة بقوله: كِراماً كاتِبِينَ [الانفطار: 11] و حين قال: إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى [الأعلى:ف.
ص: 65
18- 19] و يجد القارئ لكتاب اللّه أن مصطلحات الكتابة و الكتاب و القرطاس و القلم و المداد و الصحف، قد تكررت مرارا، فكان في هذه الآيات و غيرها حث على طلب العلم، و توجيه رباني لمن يعتنق هذا الدين بضرورة التعلم و التفقه.
إن طبيعة الرسالة السماوية تقتضي أن يكثر المتعلمون و الكتاب، (فالوحي يحتاج إلى من يكتب، و أمور الدولة من مراسلات و مواثيق تحتاج إلى كتّاب) (1) و قد حث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من آمن على التعلم و الكتابة، و لهذا حين هاجر من أصحابه صلى اللّه عليه و سلم من هاجر أرسل لهم مصعب بن عمير ليعلمهم و ليفقههم في الدين، كما كان يأمر كتّابه بكتابة ما كان ينزل من كلام اللّه حتى يبقى محفوظا في السطور و الصدور معا، و ليبقى كل منهما شاهدا على الآخر و ضابطا له. كما كان في عمله هذا صلى اللّه عليه و سلم حض و تشجيع للصحابة على التعلم، فانتشرت الكتابة بينهم في وقت قياسي، حتى أصبح كتّاب النبي صلى اللّه عليه و سلم يقدّرون بأكثر من خمسين كاتبا، يقول المسعودي و قد ذكر أسماء كتّابه: إنما ذكرنا من أسماء كتّابه صلى اللّه عليه و سلم من قد ثبت على كتابته، و اتصلت أيامه فيها، و طالت مدته، و صحت الرواية على ذلك من أمره، دون من كتب الكتاب و الكتابين و الثلاثة، إذ كان لا يستحق بذلك أن يسمى كاتبا يضاف إلى جملة كتّابه. (2)
ص: 66
فهذا علي بن أبي طالب و عثمان بن عفان و زيد بن ثابت (1)- رضي اللّه عنهم- و غيرهم يكتبون القرآن الكريم، و هذا الزبير بن العوام (2) و جهيم بن الصلت (3)- رضي اللّه عنهما- يكتبان أموال الصدقات، و عبد اللّه بن الأرقم (4) و العلاء بن عقبة (5) و حصين بن
ص: 67
نمير (1)، و المغيرة بن شعبة (2)- رضي اللّه عنهم- يكتبون بين الناس المداينات و سائر العقود، و شرحبيل ابن حسنة (3) رضي اللّه عنه يكتب التوقيعات إلى الملوك، و معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي رضي اللّه عنه (4) يكتب مغانم رسول اللّه
ص: 68
صلى اللّه عليه و سلم. (1) و قد أورد الكتاني في التراتيب الإدراية قائمة بأسماء الكتّاب الدائمين و المؤقتين (2).
لقد سلك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في حث أصحابه على التعلم و الكتابة طرقا عديدة، آتت ثمارها عاجلا، فتارة يبين لهم أهمية طلب العلم و مكانة العلماء «من سلك طريقا يطلب به علما سهل اللّه له طريقا إلى الجنة» (3)، و يدلهم على حصول الأجر الكبير في تبليغ ما يتعلمونه منه صلى اللّه عليه و سلم: «نضّر اللّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلّغه، فربّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه، و ربّ حامل فقه ليس بفقيه» (4).
و تارة بالتهديد و الوعيد لمن تعلم علما فكتمه عن غيره و لم يبلغه: «منة.
ص: 69
سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم القيامة» (1).
و أخرى بتقريب الكتّاب من نفسه، و إظهار الاهتمام بهم، و منحهم المنزلة العظيمة، حتى عرف أن أقرب الناس إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم هم كتاب الوحي، فعن زيد بن ثابت قال: أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن أتعلّم له كتاب يهود و قال لي: «إني لا آمن يهودا على كتابي». فلم يمر بي نصف شهر حتى تعلمته. فكنت أكتب له إلى يهود، و إذا كتبوا إليه قرأت كتابهم (2).
كان من سياسته التعليمية صلى اللّه عليه و سلم أن اتخذ من بيوت ثلّة من الصحابة مراكز للتعليم، فكانت دار الأرقم (3)، و كانت دار مخرمة بن
ص: 70
نوفل (1) (2)، و فتح المسجد في دار هجرته و خصص جزأ منه للتعليم حيث أمر عبد اللّه بن سعيد بن العاص (3) بأن يعلم الكتابة بالمدينة. (4) بل لقد أصبحت و خلال مدة وجيزة مساجد المدينة التسعة إلى جانب مسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم تصدر القرّاء و الكتّاب، يتعلمون فيها الكتابة و تعاليم الدين، و كان من أوائل المعلمين سعد بن الربيع الخزرجي (5) أحد النقباء الاثنى عشر، و بشير بن سعد بن ثعلبة (6)، و أسيد بن حضير، و أوس بن خولي، و العلاء
ص: 71
ابن الحضرمي (1)، و الشفاء بنت عبد اللّه العدوية، و غيرهم. (2) و في غزوة بدر نحى الرسول الكريم صلى اللّه عليه و سلم منهجا حكيما حين أمر الأسرى بأن يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة القراءة و الكتابة، فقد روى ابن سعد بسنده أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أسر يوم بدر سبعين أسيرا، و كان يفادي بهم على قدر أموالهم، و كان أهل مكة يكتبون، و أهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع له عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلّمهم فإذا حذقوا فهو فداؤه. (3) حتى انتشرت الكتابة و شملت النساء أيضا، فتعلمن الكتابة مثل شقائقهن من الرجال، فهذه الشفاء بنت عبد اللّه تقول: دخل عليّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أنا عند حفصة فقال لي: «أ لا تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتيها الكتابة» (4) و كان من المتعلمات أم كلثوم بنت عقبة، و عائشة
ص: 72
بنت سعد، و فاطمة بنت الخطاب (1) و كريمة بنت المقداد (2) و غيرهن (3).
و لم يكتف صلى اللّه عليه و سلم بتعليم أبناء المسلمين في المدينة فحسب بل كان يرسل الرسل إلى ديار الإسلام لتعليم المسلمين و أبنائهم أمور دينهم، كما فعل بمعاذ بن جبل (4) و مصعب بن عمير (5) و غيرهم (6).
ص: 73
و لم يتوفّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا و عدد كبير من الصحابة يجيدون الكتابة و القراءة، و لم يأت القرن الثاني للهجرة حتى كانت الكتابة منتشرة على أوسع نطاق، و الكتّاب لا يحصون كثرة، و الكتاتيب مكتظة بطلبة العلم، حتى حكي أنه بلغ عدد طلاب الضحاك بن مزاحم وحده ثلاثة آلاف صبي، و كان يطوف على حمار يشرف عليهم. (1)
هذا و لا ننكر أن عددا من الصحابة كره كتابة الحديث و تدوينه، كما كره كتابة الشعر عدد من الشعراء قبل الإسلام، و من هؤلاء الصحابة الذين كرهوا الكتابة: عمر بن الخطاب (2) و علي بن أبي طالب (3) و زيد بن ثابت (4)، و عبد اللّه بن عباس (5)، و عبد اللّه بن مسعود (6)، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص، مع أنهم كانوا يجيدون فن الكتابة بل منهم من هو من كتاب الوحي، و كانت همتهم عالية في نشر العلوم، غير أنهم- رغم تمكنهم من الكتابة بأحسن أشكالها، و إتقانها تمام الإتقان- كانوا يرون أن الاتكال
ص: 74
على الكتابة، و الاعتماد على المكتوب يضعف عندهم ملكة الحفظ، و قوة العارضة، و سيلان الذهن الذي عرف عنهم (1). و لهذا يقول الإمام مالك رضي اللّه، عنه: لم يكن القوم يكتبون، و إنما يحفظون، فمن كتب منهم الشي ء فإنما كان يكتبه ليحفظه، فإذا حفظه محاه. و كان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه و يدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوف الاتكال. (2) و أيضا لأن وسائل الكتابة لم تكن ميسرة فهو يمحو المكتوب ليكتب غيره، و قد مات ابن المسيب (3) و لم يترك كتابا، و لا القاسم بن محمد (4)، و لا عروة بن الزبير (5). و سمع يونس بن حبيب (6)
ص: 75
رجلا ينشد:
استودع العلم قرطاسا فضيّعه و بئس مستودع العلم القراطيس فقال يونس: قاتله اللّه ما أشد صيانته للعلم و صيانته للحفظ. (1)
و قال الخليل بن أحمد (2):
ليس العلم ما حوى القمطرما العلم إلا ما حواه الصدر ثم إن كثيرا من الأعراب الذين دخلوا في الدين لم يكونوا قد تفقهوا، و لا جالسوا العلماء العارفين فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، و يعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن (3).
أضف إلى هذا خشية الصحابة من أن يفهم البعض أن في تدوين السنة من قبلهم حصر لها و الأمر خلاف ذلك، طلب أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه من ابنته عائشة- رضي اللّه عنها- قبل وفاته أن تأتي له بما جمعه من حديث المصطفى صلى اللّه عليه و سلم ليحرقه و كان من جملة ما قال لها: و يكون قد بقي
ص: 76
حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما خفي على أبي بكر. (1)
كما كان لمشقة الكتابة، و ندرة و سائلها، أثرها الواضح في كراهية بعضهم لها، إذ تستدعي الكتابة على الأدم و اللخاف و العظام .. و غير ذلك، جهدا خاصا، فمجرد الكتابة عليها أمر في غاية الصعوبة.
تبين لنا فيما سبق أن عددا من الصحابة كان يجيد الكتابة و يمارسه، و أن عددا منهم تعلم الكتابة بعد أن دخل الإسلام و مارسه، و الذي يظهر من أخبارهم أنهم كانوا يكتبون كل ما تحتاجه الدولة الإسلامية من أمور الوحي، و حديث رسول صلى اللّه عليه و سلم، و تفسير القرآن الكريم، و المراسلات و الوثائق و المعاهدات و الصكوك بأنواعها و العقود و غير ذلك، و سوف أتناول هذه الأمور بالتحليل الموجز حسب ما يقتضيه المقام:
كان جل اهتمام النبي صلى اللّه عليه و سلم و الصحابة بالوحي من بدء نزوله حتى اكتمل، فقد كان صلى اللّه عليه و سلم حين تنزل عليه الآية أو الآيات يأمر الصحابة بتدوينها، و يمليها عليهم من فوره، فيدونونها على أي شي ء يكون بين أيديهم مثل الورق و الخشب أو قطع الجلد و العسب و الأكتاف و غيرها،
ص: 77
و من ثم ينسخونه و يتداولونه فيما بينهم.
روى البخاري عن البراء بن عازب (1) قال: نزلت آية لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ [النساء: 95] قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ادعوا زيدا». فجاء و معه الدواة و اللوح أو الكتف، فقال: اكتب: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ ... (2).
و هكذا دوّن القرآن كله في عهده صلى اللّه عليه و سلم، و بإملائه و مراجعته صلى اللّه عليه و سلم، غير أنه لم يكن مجموعا و لا مرتبا حسب السور، كما أنه لم يكن مكتوبا على وسيلة واحدة من وسائل الكتابة، و لهذا حين دعت الحاجة إلى جمعه في عهد أبي بكر رضي اللّه عنه جمعت الصحف، ثم نسخت المصاحف في عهد عثمان رضي اللّه عنه فكان في مأمن من الأخطار.
السنة النبوية هي المصدر الثاني للتشريع بعد كتاب اللّه عز و جل،
ص: 78
و هي وحي منزل وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى [النجم:
3] و في الحديث «ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه ..» (1) أي: السنة. و لهذا حرص الصحابة على سنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حرصهم على كتاب اللّه، و تنوعت أشكال هذا الحرص و هذا الاهتمام، فمن أوتي ملكة الحفظ حفظ، و من كان دون ذلك سعى لتدوين ما يشق عليه حفظه ليحفظه فيما بعد، و هكذا تنوقلت الصحف التي تحوي سنة المصطفى صلى اللّه عليه و سلم، و بإشارة منه، و لما خشي اختلاط السنة بالقرآن نهى الصحابة عن تدوين شي ء مع القرآن الكريم، و فهم بعض الصحابة من هذا النهي التوقف عن الكتابة البتة، فمزق ما كتبه و امتنع، و فهم آخرون أن هذا النهي مقيد فأولوه بمنع كتابة شي ء مع كلام اللّه في صحيفة واحدة خشية الاختلاط، لذلك لم يمتنعوا عن الكتابة، و ظلوا يستندون إلى أحاديث الإباحة، و تلك التي أذنت في الكتابة و هي كثيرة أيضا، أخرج ابن عبد البر (2) في جامع بيان العلم عن أنس بن مالك (3)- رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «قيّدوا
ص: 79
العلم بالكتاب». (1)
و قد أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أن يكتب لأبي شاة (2) بقوله: «اكتبوا لأبي فلان». (3).
و روي أن رجلا من الأنصار شكا حفظه إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال له: «استعن بيمينك»، و أومأ بيده للخط. (4) أي بالكتابة.
ص: 80
و روى الإمام أحمد (1) عن عمرو بن شعيب (2) عن أبيه عن جده أنه قال: كنت أكتب كل شي ء أسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أريد حفظه، فنهتني قريش و قالوا: إنك تكتب كل شي ء تسمعه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشر يتكلم في الغضب و الرّضى، فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: «اكتب فو الذي نفسي بيده لا يخرج مني إلا حق». (3) بل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يملي الكتب إلى الملوك و في المصالحة و قد أملى على علي رضي اللّه عنه ليكتب، قالت أم سلمة (4) زوج النبي صلى اللّه عليه و سلم: دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأديم و علي بن أبي طالب عنده، فلم يزل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
ص: 81
يملي و عليّ يكتب حتى ملأ بطن الأديم و ظهره و أكارعه. (1).
يقول الأعظمي: أملى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بعض الأحاديث، و كتبها الصحابة و بلغت درجة التواتر منها الرسائل التي بعثها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى مختلف الأمراء و هي أحاديث نبوية. (2)
كما أن فعل الصحابة يؤكد أن منهم من كان يكتب و يحتفظ بالمكتوب لديه، روى البخاري في «صحيحه» عن أبي جحيفة (3) قال: قلت لعلي: هل عندكم كتاب؟ قال: لا، إلا كتاب اللّه، أو فهم أعطيه رجل مسلم، أو ما في هذه الصحيفة. قال: قلت: و ما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل و فكاك الأسير، و لا يقتل مسلم بكافر. (4)
و روي عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- (5) أنه قال: ما من أصحاب رسول اللّه
ص: 82
صلى اللّه عليه و سلم أحد أكثر حديثا عنه مني إلا ما كان من عبد اللّه بن عمرو فإنه كان يكتب و لا أكتب. (1)
و روي أنه كان لابن عباس رضي اللّه عنه مجموعة ضخمة من الكتب يحتاج في نقلها ظهر بعير، و أن مولاه و تلميذه كريب (2) قام بحفظها ثم أودعها لدى موسى بن عقبه (3) الذي قال: وضع عندنا كريب حمل بعير من كتب ابن عباس، و كان علي بن عبد اللّه ابن عباس (4) إذا أراد الكتاب كتب إليه
ص: 83
ابعث إليّ بصحيفة كذا و كذا، فينسخها و يبعث بها. (1) و لا شك أن هذا المكتوب كان خليطا من شتى اهتمامات ابن عباس العلمية: الحديث و التفسير و الشعر و اللغة و غير ذلك.
و روت سلمى (2) خادمة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و زوجة أبي رافع بن خديج فقالت: رأيت ابن عباس معه ألواحه يكتب عليها عن أبي رافع شيئا من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (3)
و عن نافع (4) أن ابن عمر- رضي اللّه عنه- كان له كتب ينظر فيها قبل أن يخرج إلى الناس. (5)
و أخرج الحاكم عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: جمع أبي الحديث عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فكانت خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب
ص: 84
كثيرا، فغمني فقلت: تتقلب لشكوى أو لشي ء بلغك؟ فلما أصبح قال: أي بنية، هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها، فدعا بنار فأحرقها، و قال:
خشيت أن أموت و هي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته و وثقت به و لم يكن كما حدثني، فأكون قد تقوّلت ذلك.
و في رواية زيادة: فأكون قد تقلدت ذلك و يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما غبي على أبي بكر، إني حدثتكم الحديث و لا أدري لعلي لم أتتبعه حرفا حرفا. (1)
و مثل هذا روي عن النعمان بن قيس أن عبيدة ت (72 ه) (2) دعا بكتبه عند الموت فمحاها فقيل له في ذلك فقال: أخشى أن يليها قوم
ص: 85
يضعونها في غير موضعها. (1)
و ترك أبو قلابة ت (104 ه) (2) وصية على فراش موته يقول فيها:
ادفعوا كتبي إلى أيوب (3) إن كان حيا، و إلا فاحرقوها. و قد حملت الكتب بعد وفاته إلى الشام لأيوب السختياني. (4)
إن ثلة من الصحابة محوا ما كتبوه أو غسلوه أو حرقوه أو دفنوه خشية أن تؤول إلى غير أهل العلم، و مهما كان ذلك فإن الشاهد منها قائم و هو كتابة الحديث و تدوينه.
أما أحاديث النهي عن كتابة السنة و كراهية ذلك فهي أيضا كثيرة:
ص: 86
روى مسلم (1) في «صحيحه» عن أبي سعيد الخدري (2) أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تكتبوا عني، و من كتب عني غير القرآن فليمحه، و حدثوا عني و لا حرج، و من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار». (3)
و روى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: كنا قعودا نكتب ما نسمع من النبي صلى اللّه عليه و سلم فخرج علينا فقال: ما هذا تكتبون؟ فقلنا: ما نسمع منك.
فقال: أ كتاب مع كتاب اللّه ... الحديث (4). و أحاديث أخرى في هذا المعنى، يذهب بعض أهل العلم إلى عدم ثبوت المنع و منهم الأستاذ الأعظمي الذي
ص: 87
يقرر عدم صحة ما ورد في هذا الباب من أحاديث المنع ظاهرها من الكتابة، عدا رواية واحدة وردت عن أبي سعيد الخدري مع الخلاف في رفعها و وقفها، و كذلك في المعنى المراد منها. (1)
و يقول الحافظ ابن حجر (2): إن السلف اختلفوا في ذلك عملا و تركا، و إن كان الأمر استقر و الإجماع انعقد على جواز كتابة العلم، بل استحبابه، بل لا يبعد وجوبه على من خشي النسيان ممن يتعين عليه تبليغ العلم. (3)
و قد حاول العلماء الجمع بين أحاديث النهي و الإباحة، و خرجوا بعدة وجوه منها:
1- أن النهي خاص بوقت نزول القرآن خشية التباسه بغيره، و الإذن في غير ذلك الوقت. (4)
2- أن النهي خاص بكتابة الحديث مع القرآن في صحيفة واحدة خوف الاشتباه، حيث أن الصحابة كانوا يكتبون تأويل الآيات، فربما كتبوه
ص: 88
معها، و الإذن كان لكتابة الحديث في صحف مستقلة ليس فيها شي ء من القرآن. (1)
3- أن النهي خاص بكتاب الوحي المتلو (القرآن)- الذين كانوا يكتبونه في صحف ليحفظ في بيت النبوة، و لو أجاز لهم كتابة الحديث لم يؤمن أن يختلط القرآن بغيره- و أن الإذن لغيرهم.
4- أن النهي لمن أمن عليه النسيان، و وثق بحفظه. (2)
5- أن العارفين بالكتابة كانوا في صدر الإسلام قلة، لذا اقتضت الحكمة قصر جهودهم على كتابة القرآن الكريم و بعض أمور الدولة الهامة، و عدم الاشتغال بكتابة غير ذلك. (3)
6- أن الإذن في الكتابة ناسخ للمنع منها. (4) و اللّه أعلم.
من أسباب النزول و الناسخ و المنسوخ و غريب القرآن و غيرها من
ص: 89
المسائل المتعلقة بالآيات التي كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يحرص على تبليغها لأصحابه عند نزول الآية أو الآيات، فكثيرا ما كان صلى اللّه عليه و سلم يبين لهم حالته زمن نزول الوحي عليه، قبيله و أثناءه و عقبه، و يحدد الموضع الذي نزلت فيه الآية أو الآيات، كما يبين لهم المنسوخ من الآيات، و يفسر لهم المجمل و يشرح الغريب و يخصص العام و يقيد المطلق و يخبر بالمغيبات و نحوها.
و بعض الصحابة كانوا يكتبون من الذي يسمعونه ما يحتاجون إلى كتابته، من المعاني و المسائل الهامة، و إن كان اعتمادهم على الحفظ هو الأساس.
و حين توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و جاء عصر صغار الصحابة و كبار التابعين، حرصت الفئتان على تلقي ما تحدّث به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و معرفة الأحوال التي أحاطت بالوحي، و التجأ بعضهم إلى تدوين ما يسمعه على هامش المصاحف أو غيرها من وسائل الكتابة، و جعلوا المكتوب معهم يلجئون إليه عند الحاجة أو رغبة حفظه، و قد تقدم في الفقرة السابقة بعض الدلائل على كتابة الصحابة للسنة، و ما التفسير المأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلا من هذه السنة.
و كل ما احتيج إلى تقييده في السطور، كحفظ الحقوق، و المكاتبات، و الاتفاقيات مع القبائل، و المعاهدات و عقود منح الأراضي، و سجلات الغزوات و المغانم، و الصكوك بين الناس بحوائجهم، و رسائله صلى اللّه عليه و سلم إلى الحكام و أمراء الجند، داخل الجزيرة العربية و خارجها يعرض عليهم الإسلام، من
ص: 90
ذلك ما كتبه صلى اللّه عليه و سلم إلى هرقل عظيم الروم، (1) و إلى ملك الفرس كسرى (2)، و إلى المقوقس ملك مصر (3)، و إلى النجاشي (4)، و منها بعثه صلى اللّه عليه و سلم سليط بن عمرو العامري (5) إلى هوذة بن علي الحنفي يدعوه إلى الإسلام، و كتب له
ص: 91
كتابا، (1) و بعثه صلى اللّه عليه و سلم عمرو بن العاص (2) إلى جيفر و عبد ابني الجلندي يدعوهما إلى الإسلام و معه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إليهما (3) و بعثه صلى اللّه عليه و سلم شجاع بن وهب (4) إلى الحارث بن أبي شمّر الغساني (5) و كان عبد اللّه بن أرقم الزهري ممن يكتب هذه الرسائل، كما كان علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يكتب بعض عهود النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان ابن عباس- رضي اللّه عنهما- يحتفظ ببعض نسخ تلك الرسائل. (6) و قد جمع عمرو بن حزم الأنصاري
ص: 92
ت (50 ه) (1) بعض مكاتيب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في شكل كتاب و روى عنه ابنه هذا الكتاب. (2)
و مما كان يكتبه الصحابة ما كان يأمر بكتابته صلى اللّه عليه و سلم من التعليمات و التوجيهات لأمراء السرايا، روي أنه صلى اللّه عليه و سلم كتب لعبد اللّه بن جحش (3)، أمير سرية نخلة صحيفة من أديم خولاني (4) و قال: لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا و كذا. فلما بلغ ذلك المكان قرأه على الناس، و أخبرهم بأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (5). و كتب إلى خالد بن الوليد في جواب كتابه إليه صلى اللّه عليه و سلم بإسلام بني
ص: 93
الحارث. (1) و أخرج البخاري عن حذيفة- رضي اللّه عنه- قال: قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: «اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس». فكتبنا له ألفا و خمسمائة. (2)
و كتب النبي صلى اللّه عليه و سلم إلى ثقيف (3) كتابا أن لهم ذمة اللّه و ذمة محمد بن عبد اللّه على ما كتب لهم، و إلى خثعم (4)، و إلى ثمالة (5) و الحدان (6) (7) كما ثبت أنه صلى اللّه عليه و سلم كتب كتبا كثيرة في بيان ديات النفس و الأطراف و الفرائض و الصدقات و غير ذلك من الأحكام، كالذي كتبها لعمرو بن حزم حين بعثه
ص: 94
على نجران و يقال: إن هذا الكتاب بقى لدى عائلة عمرو بن حزم حتى عهد الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه. (1)
كما أعطى صلى اللّه عليه و سلم للعلاء بن الحضرمي ت (14 ه) أثناء حكمه على البحرين قواعد مكتوبة خاصة بزكاة الإبل و البقر و الماعز. (2)
و من الاتفاقيات التي أبرمت في عهده صلى اللّه عليه و سلم و كتبت ما تم مع قبيلة بني ضمرة (3) و ذلك في غزوة الأبواء في السنة الأولى من الهجرة. (4)
و معاهدة الحديبية و كانت سنة (6 ه) (5) و الاتفاقية التي كتبت مع أكيدر حاكم دومة الجندل (6) و كانت سنة (9 ه) (7)، و معاهدته صلى اللّه عليه و سلم مع أهل
ص: 95
أيله (1)، و غير ذلك من المعاهدات و الاتفاقيات التي كتبت بإملاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و كتب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لتميم الداري- رضي اللّه عنه- (2) صكا يمنحه بموجبه قرى جيرون و الرطومة و بيت عينون بالشام. (3) و هي الوثيقة التي جددها الصديق أبو بكر، و بقيت إلى عصر القلقشندي الذي ذكر أن أحد معاصريه رآها في أيدي بعض التميميين.
كما كتب صلى اللّه عليه و سلم لسلمان الفارسي- رضي اللّه عنه- (4) الفدية و فيه: هذا ما فادى
ص: 96
محمد بن عبد اللّه فدى سلمان الفارسي من عثمان بن عبد الأشهل اليهودي ثم القرظي بغرس ثلاثمائة نخلة ... إلخ. و شهد أبو بكر و عمر رضي اللّه عنهما، و كتبها علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه. (1)
هذا و قد وصلت إلينا بعض كتابات من عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منها ما كان على الحجر، و بعضها على الرق، و منها ما وجد على الغرانيت بجوار المدينة المنورة، يعود تاريخها إلى السنة الرابعة للهجرة، من أيام غزوة الخندق، و من الرسائل التي وجدت على الرق بعض الرسائل التي وجهها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم إلى الملوك داخل الجزيرة العربية و خارجها. (2)
هذا ما كان على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غير أن الوضع اختلف بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم حيث توسعت دائرة الكتابة و أصبح الصحابة يسجلون و يكتبون ما يخشون ضياعه أو نسيانه، خاصة حين اتسعت دائرة الفتوحات الإسلامية، و دخل الناس في دين اللّه أفواجا، و احتاج كل أولئك إلى من يعلمهم أمور دينهم، و احتاجت أقوامهم إلى التفقه في الدين، هنا كان للكتابة دورها العظيم في التعليم و نقل الأخبار و الأحكام إلى الناس، و قد كان كبار التابعين يحرصون على تسجيل ما لدى الصحابة من العلوم خشية
ص: 97
ذهابها بذهابهم، و لذلك رأينا مجاهدا (1) يسأل ابن عباس رضي اللّه عنهما عن تفسير القرآن و معه ألواحه فيقول له ابن عباس: اكتب. حتى سأل عن التفسير كله. (2) و رأينا سعيد بن جبير- (3) رضي اللّه عنه- يكتب عن ابن عباس فإذا امتلأت صحفه كتب في نعله حتى ملأها، و كتب في كفه. (4)
و هو الذي قال: كنت أسير بين ابن عمر و ابن عباس- رضي اللّه عنهم- فكنت أسمع الحديث منهما فأكتبه على واسطة الرّحل حتى أنزل فأكتبه. (5)
و كان الحسن البصري- رضي اللّه عنه- يدعو بنيه بني أخيه و يقول لهم: يا بني و بني أخي، إنكم صغار قوم يوشك أن تكونوا كبار آخرين، فتعلموا العلم فمن لم يستطع منكم أن يرويه- أو قال يحفظه- فليكتبه، و ليضعه في بيته،
ص: 98
و هو الذي كان يقول: إن لنا كتبا نتعاهدها. (1)
و عن أبي هلال قال: قيل لقتادة: يا أبا الخطاب أ نكتب ما نسمع؟
قال: و ما يمنعك أحد أن تكتب، و قد أنبأك اللطيف الخبير أنه قرأ و كتب عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى [طه: 52]. (2)
و بعد هذه المقدمة الذي أظنني أطلت الحديث عن الكتابة و هو أمر أعتقد أنه لا بد منه لبيان الحقيقة و تفنيد بعض الأقوال و الآراء البعيدة عن الحق، أعود إلى الحديث عن نشأة علوم القرآن لأقرر- تبعا لثلّة من المتأخرين المشتغلين بعلوم القرآن (3)- أن نشأة التفسير و علوم القرآن كانت سابقة لنشأة الحديث و مستقلة عنه. بل إنها كانت مواكبة لنزول الوحي، و هي حقيقة تضافرت الأدلة عليها، و إن كانت تعارض رؤية أعداد من أهل العلم الأقدمين منهم و المتأخرين، الذين يرون أن نشأتها تأخرت عن نشأة الحديث، بحيث كانت في البداية روايات تروى على أنها باب من أبواب الحديث إلى أن تم تجريد هذه الروايات و جمعها جمعا خاصا مرتبا بعيدا عن
ص: 99
الحديث، و كان هذا الانفصال على ما ذهب إليه الأستاذ الذهبي (1) في القرن الثالث، و بالتحديد في النصف الثاني منه على يد ابن ماجة ت (275 ه)، و على ما ذهب إليه الأستاذ عدنان زرزور على يد بقي بن مخلد الأندلسي ت (276 ه) (2)، و على يد ابن جرير الطبري ت (310 ه) (3). و إن كنت أرى أن من العدل القول بأن الصنعاني عبد الرزاق بن همام ت (211) ه، هو السابق و المجلي في هذا الباب، فقد جمع روايات التفسير و أوردها مرتبة حسب ترتيب السور. (4)
و أيّا ما كان الأمر فإنني أؤكد أن نشأة التفسير كانت سابقة، و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم- الذي أنزل عليه الوحي بلغات العرب و على أساليبهم و بلاغتهم كان يعلمه لأصحابه فيأخذون عنه القراءة و بذلك نشأ علم القراءات و علم اللغات التي أنزل عليها القرآن، و يبين لهم موضع الآية أوت.
ص: 100
الآيات في السورة، فيعرفون ترتيب الآيات و كان ذلك بداية نشأة علم ترتيب السور و الآيات، و يفسر لهم ما استشكل عليهم من المعاني و الألفاظ الغريبة و يعلمهم الأحكام، فكان ذلك بداية نشأة علم التفسير و علم غريب القرآن، و يصف لهم كيفية نزول الآية و الآيات من الوحي، و حالته حين يلاقي جبريل و بذلك نشأ هذا العلم و هو علم حالة النبي صلى اللّه عليه و سلم حين نزول الوحي عليه ... إلى غير ذلك من الأحوال المحيطة بالوحي و بنزوله.
إنّ ملازمة الصحابة لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مدة النزول جعلتهم يقفون على أسباب النزول، و كان ذلك بداية نشأة أسباب النزول، قال ابن مسعود رضي اللّه عنه (1): و الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب اللّه إلا و أنا أعلم فيمن نزلت، و أين نزلت، و لو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب اللّه مني تناله المطايا لأتيته. (2) إذا علم الصحابة رضوان اللّه عليهم ما تحيط الآية و الآيات من ظروف و أحوال.
ص: 101
و لتأكيد هذا المعنى أذكر المثال التالي: روى البخاري (1) بسنده عن عائشة- رضي اللّه عنها- (2) أنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبّب إليه الخلاء، و كان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه- و هو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله و يتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق و هو في غار حراء، فجاءه الملك فقال: اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ [العلق: 1- 3] فرجع بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم
ص: 102
يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- رضي اللّه عنها- (1) فقال:
زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه الروع، ... الحديث. (2)
و روى الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد اللّه (3): أي القرآن أنزل أول؟ فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ [المدثر: 1] فقلت: أنبئت أنه اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [العلق: 1] فقال: لا أخبرك إلا بما قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت الوادي فاستبطنت الوادي فنوديت، فنظرت أمامي و خلفي و عن يميني و عن شمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو جالس على عرش بين السماء و الأرض- يعني جبريل- فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فقلت:
دثروني دثروني، و صبوا عليّ ماء باردا، فأنزل عليّ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ
ص: 103
فَأَنْذِرْ. وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 1- 4]. (1)
إن تحدّث رسول صلى اللّه عليه و سلم بنزول هاتين السورتين بهذا العرض و بهذه الكيفية، يفيد أنه صلى اللّه عليه و سلم كان يبلغ أصحابه الوحي و ما يحيط به من أسباب النزول و صفة حاله و أماكن النزول و غير ذلك من متعلقات النزول. و كان الصحابة يتناقلون هذه الأخبار فيما بينهم، إما رواية من أولئك الذين أوتوا قوة الحفظ و العارضة، أو كتابة من أولئك الذين كانوا دون إخوانهم في هذا الجانب ممن كان يكتب حتى يحفظ المكتوب.
كما أن الصحابة رضوان اللّه عليهم كانوا حريصين على تلقي كل ما يخرج من فيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فعن أبي عبد الرحمن السلمي (2) قال: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن- كعثمان بن عفان، و عبد اللّه بن مسعود، و غيرهما- أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى اللّه عليه و سلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم و العمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم و العمل جميعا. (3)
ص: 104
إن نشأة كثير من هذه العلوم القرآنية جاءت مواكبة لنزول الوحي، و سابقة لنشأة العلوم الأخرى التي تعتبر إما أدوات تعين على فهم كتاب اللّه أو تتعلق به أو تتفرع عنه، و لهذا كان المقصود بذاته هو السابق و سائر العلوم الأخرى هي المتأخرة.
و يؤكد هذه الحقيقة من المعاصرين الدكتور مساعد آل جعفر في كتابه (أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي) فقد ذكر أن نشأة التفسير كانت مستقلة عن الحديث، و أن التفسير هو أول العلوم الإسلامية ظهورا، نشأ قبل الحديث خلافا لمن يرى ظهور الحديث قبل التفسير، و اعتبار التفسير بابا من أبواب الحديث، و ذكر من الأدلة المؤيّدة لهذه الحقيقة أن أول الرسالة قرآن و ليس حديثا، و أن جبريل حين نادى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و قال له: اقرأ فقال: ما أنا بقارئ. كان للرسول صلى اللّه عليه و سلم تفسير لكلام جبريل مختلف عن مدلول النص، و لذا فإنه أعادها إليه ثلاث مرات إلى أن أدخل في روعه أنه لا يريد منه القراءة التي هي خلاف الأمية، و إنما يريد اللّه أن يعلمه بالرسالة فقال له بعد المرة الثالثة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ [سورة العلق: 1]، ففسّر له اقْرَأْ كما أرادها اللّه لا كما فهمها الرسول صلى اللّه عليه و سلم. (1)
ص: 105
و على ما سبق نؤكد تخطئة من يقول بتأخر كتابة الأخبار و العلوم الإسلامية إلى ما بعد القرن الثاني، إذ القول بذلك مدعاة للتشكيك في صحة علومنا الإسلامية، لكون الأخبار التي تتلقى طوال هذه المدة بالرواية ثم تكتب بعد ذلك الأمد الطويل قلما يوثق بسلامتها من التحريف و التبديل مهما امتاز الناقلون لها بقوة الحفظ و سلامة الذهن، و لهذا نجد أن أعداء الإسلام يستأنسون بالطعن و التشكيك في تدوين الأخبار الإسلامية بهذه الشاكلة، فيرددون هذه المقولة و يروّجون لها و لو أدى بهم القول إلى التنطع و الافتراء.
و لهذا يؤكد الأستاذ رفيق العظم أن الذي ذهب بالباحثين إلى الظن بعدم كتابة الأخبار إلا بعد القرن الثاني هو تقيد المؤلفين في ذلك العصر بنقل الأخبار بالرواية مع فقد ما دوّن قبل ذلك لفقده لحسن التنسيق و الجمع و شروط الصحة عند المؤلفين لا سيما من جهة الترتيب و التخصيص الذي يروق أهل العصر الثاني و يناسب حالة الرقي في الحضارة. (1)
و يتابع الأستاذ رفيق العظم ليؤكد هذا المعنى: و أما في عصر التابعين و تابعيهم فقد كانت العناية بكتابة الأخبار أكثر، و أقبل الناس على اقتناء الكتب و جمع المكتبات، و من ذلك ما رواه ابن عبد البر عن هشام بن
ص: 106
عروة (1) عن أبيه أنه احترقت كتبه يوم الحرة و كان يقول: وددت لو أن عندي كتبي بأهلي و مالي (2)، و معلوم أن وقعة الحرة كانت سنة ثلاث و ستين ...... إلى أن يقول: ما هي كتب عروة التي احترقت سنة ثلاث و ستين؟ أ ليست في علوم شتى من العلوم التي دونها العرب و اشتغلوا بها؟
و هل احترقت كتب عروة في اليوم الذي دونت فيه؟ كلا بل كتبت هي و غيرها من الكتب في غضون القرن الأول، أو على مدى هذا القرن.
و يختم قوله: فإذا كان ذلك كذلك فهل يبقى مجال للريب في أن العرب دونوا علومهم في الصحف من ابتداء القرن الأول؟ و هل يستراب في صحة هذه العلوم مع ما ثبت معنا من أنها كتبت مدعومة بالرواية لتكون أبعد من سهو الكاتبين و تحريف الناسخين؟ (3)
إن الروايات تذكر أن ابن شهاب الزهري هو أول من دون العلم- علم الحديث- بأمر من الخليفة عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه و ذلك حين خشي الخليفة ضياع الحديث كما خشي أبو بكر و عمر و عثمان رضي اللّه عنهم من قبله ذهاب القرآن بذهاب حفظته، و خشية الفرقة.
ص: 107
نقول: إن تدوين ابن شهاب للسنة كان بقصد جمعها و ترتيبها و نسخها؛ و لهذا كتب الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار و الآفاق و قال: انظروا حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فاجمعوه. (1) و يقول ابن شهاب الزهري: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن، فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا. (2)
كما كتب الخليفة إلى أبي بكر محمد بن حزم رضي اللّه عنه: انظر ما كان من حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو سنة ماضية أو حديث عمرة فاكتبه فإني خشيت دروس العلم و ذهاب أهله. (3)
إن ما قام به عمر بن عبد العزيز كان تدوينا منظما شاملا للسنة، بخلاف الكتابة التي كانت في عهد النبوة، حيث كانت كتابات فردية غير منظمة و لا مرتبة، كما إنها لم تكن مختصة بالسنة، فقد كتبت أقوال الصحابة إلى جانب حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كتفسيرهم لبعض الآيات التي لم يفسرها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم معولين على الرأي المعتمد على اللغة.
هذا و إن كان البعض يرى أن خالد بن معدان الحمصي المتوفى سنة
ص: 108
(103 ه) (1) هو أول من جمع الحديث، و كان قد لقي سبعين صحابيا، يقول الذهبي في التذكرة: و قال بحير: ما رأيت أحدا ألزم للعلم منه- يريد خالد بن معدان- و كان علمه في مصحف له أزرار و عرى. (2)
بقي اعتراض قد يرد على من يتبنى هذا الرأي: و هو أين هي مصير تلك الكتب التي دونت في القرن الأول إلى منتصف القرن الثاني؟.
و الجواب أن يقال: إن المسلمين كانوا يتلقون كتب الأخبار قراءة و رواية، فلما استبحر العمران و ترقت وسائل الحضارة و اقتضى أن يترقى فن التأليف تنسيقا و ترتيبا، و كتبت في ذلك الكتب الجامعة لأصول كل فن أو فروعه أدمجت تلك الروايات أو الصحف المشتملة على مسائل متفرقة في تلك الكتب الجامعة، مع محافظة المؤلفين على أسانيدها وفاء بحق الأمانة و تصحيحا للأخبار .... و لما انتفت الحاجة إلى تلك الكتب القديمة قضت على أعيانها سنّة بقاء الأنسب بالدثور بضرورة الحال، و أما ما كتب فيها فهو هو بعينه ما كتب في الكتب الجامعة بعد ذلك العصر (3)، كما هو الحال
ص: 109
مثلا في تفسير ابن جرير الذي جمع مادة تفاسير من سبقه.
أضف إلى هذا ما سبق أن ذكرناه عن مصير بعض تلك الكتب بالتخلص منها، إما بإحراقها أو دفنها أو مسح و إزالة مادتها العلمية لدوافع عديدة دينية أو غيرها.
ص: 110
قبل الانتهاء من هذا الموضوع يحسن بنا التعرض لثلاثة مصطلحات يكثر دورانها في مثل هذا الباب، و ذكر الفرق بينها إذ بمعرفة ذلك تتضح الصورة، هذه المصطلحات هي: الكتابة و التدوين و التصنيف.
فالكتابة في اللغة: مشتقة من الكتب و هو: الجمع، تقول: كتب الكتاب كتبا و كتابا: جمع حرفا إلى حرف، و كتبه كتابة و كتبة: أي خطّه (1)، و هي تكتل الحروف الهجائية و اجتماعها، يقول السمين: الكتابة عرفا: ضم بعض حروف الهجاء إلى بعض (2). و تقول: أكتبني هذه القصيدة: أي أملها عليّ (3). و الكتابة: تقييد الألفاظ بالرسوم الخطية (4) و هي على ما في أبجد العلوم: رسوم و أشكال حرفية تدل على الكلمات المسموعة الدالة على ما في النفس (5) و هي مجموعة الحروف الهجائية المجتمعة في قطعة مكتوبة، (6) و هي
ص: 111
في عرف الأدباء تقال لإنشاء النثر. (1)
و يمكن تعريفها اصطلاحا فيقال: هي تسجيل الألفاظ و المعاني و المعارف المسموعة و تقييدها بالرسوم الخطية، و تكون من الإملاء. قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ [البقرة: 282].
التدوين: هو في اللغة: الجمع، جمع الصحف و الكتب، قال أبو عبيدة:
هو فارسي معرب (2) تقول: دوّن الكتب: جمعها و منه: الديوان مجمع الصحف و الكتب، و كان يطلق على كتاب يجمع فيه أسامي الجيش و أهل العطية من بيت المال، و أول من وضعه عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه ثم نقل إلى جمع المسائل في الصحف و الكراريس (3)، و هو جمع لما شذ و تفرق و تقييده ... (4)،
و لهذا قال ابن شهاب: أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا. و قال: لم يدون هذا العلم أحد قبل تدويني. و قال الإمام مالك: إن أول من دون العلم ابن شهاب الزهري (5).
ص: 112
و هكذا فسر التدوين بكتابة المجموع المرتب دفترا دفترا. و هو ما يدل عليه قول الإمام مالك رضي اللّه عنه؛ فثابت لديه أن الكتابة قد تمت في عهد الصحابة، و رغم هذا يقول مقولته الآنفة التي لا نشك أنه يقصد النسخ عن مكتوب. ف (دون) يفيد التسجيل من نص مكتوب. فهو جمع و تصنيف من نص مكتوب.
و يعرّف التدوين اصطلاحا فيقال: جمع المتفرق من الصحف و إعادة تسجيل مضمونها مجموعا مرتبا .. و لهذا يقال لمن كتب الوحي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: كتّاب الوحي، و يقال: كتابة المصحف. في حين يقال لما فعله عثمان رضي اللّه عنه: تدوين، لكونه نسخ عن الصحف المتفرقة. أما أبو بكر رضي اللّه عنه و إن كان قد جمع المصحف غير أنه لم يدونه، و لهذا يسمى ما قام به: جمع.
أما التصنيف: ففي اللغة، صنّف الأشياء: جعلها صنوفا و ميّز بعضها عن بعض، و منه تصنيف الكتب (1) كأنه ميزت أبوابه فجعل لكل باب حيّزه. (2)، و أما في الاصطلاح فلم أقف على تعريف جامع له، و يمكن القول بأنه: تأليف متكامل في علم من العلوم أو موضوع من موضوعاته. (3)ين
ص: 113
و توضيح ذلك بأن نقول هو: الكتابة المرتبة المبوبة المميزة في علم من العلوم، أو أي موضوع من موضوعاته.
ينقل ابن تغري بردي في كتابه «النجوم الزاهرة» نصا واضحا للإمام الذهبي في هذه المسألة، يقول: في سنة ثلاث و أربعين و مائة شرع علماء الإسلام في تدوين الحديث و الفقه و التفسير، فصنف ابن جريج (1) التصانيف بمكة ... و صنف ابن إسحاق (2) المغازي، و صنف معمر (3) باليمن .. إلى أن قال: و كثر تبويب العلم و تدوينه، و رتبت و دونت كتب العربية و اللغة و التاريخ و أيام الناس، و قبل هذا العصر كان سائر العلماء يتكلمون من حفظهم و يروون العلم عن صحف صحيحة غير مرتبة، فسهل و للّه الحمد تناول العلم، و أخذ الحفظ يتناقص فللّه الأمر كله (4).
ص: 114
و على هذا تكون الكتابة تسجيلا للمعلومات من إملاء، فإذا جمع مجموع ذلك المكتوب و نسخ مع الترتيب يكون تدوينا، فإذا أعيد ترتيبها و تبويبها موضوعيا و أدخلت عناصر جديدة أم لم تدخل سمي تصنيفا أو كتب ابتداء كذلك. و اللّه أعلم.
1) أن العرب عرفت الكتابة قبل الإسلام، و حين جاء الإسلام شجع التعليم فانتشرت القراءة و الكتابة بصورة سريعة.
2) أن نشأة علوم القرآن كانت مواكبة لنزول الوحي على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أن الكتابة و اكبت النشأة.
3) أن التصنيف في علوم القرآن كان مبكرا في القرن الأول الهجري.
4) أن الكتابة هي تسجيل المعلومة من الإملاء، و التدوين هو تسجيل المعلومة من نسخة مكتوبة، و التصنيف هو التسجيل المرتب و المبوب للمعلومة.
إن من الصعوبة بمكان الجزم بأن واحدا بعينه من المتقدمين هو أول من جرت هذه العبارة على لسانه، أو أنه أول من استخدم هذا المصطلح في
ص: 115
كتاباته قبل غيره، إذ يتطلب ممن يدعي ذلك الوقوف على كل ما قاله السابقون و كتبوه، و هو أمر دونه خرط القتاد، و على هذا فإن أي قول في ذلك هو من باب الظن، كما أنه يحتاج إلى تقديم نص متقدم و هو الآخر أمر متعذر، و أقدم نص وقفت عليه هو ذلك النص المنسوب إلى الإمام الشافعي رضي اللّه عنه الذي يثبت أن الإمام قد استعمل هذا المصطلح في مناظرته مع الرشيد في القرن الثاني للهجرة، فإن ثبتت نسبته إلى الإمام يكون استعمال المصطلح متقدما جدا.
تذكر الروايات أن الإمام الشافعي رضي اللّه عنه حين سيق مكبّلا بالحديد إلى الخليفة هارون الرشيد (1) في بغداد بتهمة تزعم طائفة الشيعة في اليمن، و الادعاء بكونه أحق بالخلافة منه فسأله الخليفة: كيف علمك بكتاب اللّه تعالى، فإنه أولى الأشياء أن يبتدأ به؟ فقال الشافعي: عن أي كتاب اللّه تسألني يا أمير المؤمنين، فإن اللّه قد أنزل كتبا كثيرة على الأنبياء، إن اللّه تعالى أنزل مائة و أربعة من الكتب، أنزل على آدم خمسين صحيفة، و على شيث عشرين، و على إدريس عشرين، و على إبراهيم عشرة، و أنزل التوراة على موسى، و الزبور على داود، و الإنجيل على عيسى، و القرآن على محمد صلى اللّه عليه و سلم، و جمع اللّه في القرآن كل ما في سائر الكتب. قال تعالى تِبْياناً لِكُلِ
ص: 116
شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ [النحل: 89] و قال تعالى كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ [هود: 1].
فقال الرشيد: أحسنت في تفصيلك، و لكني ما سألت إلا عن كتاب اللّه المنزل على ابن عمي و عمك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقال الشافعي: إن علوم القرآن كثيرة، تسألني عن محكمه أو متشابهه؟ أو عن تقديمه أو تأخيره؟ أو عن ناسخه أو منسوخه؟ أو عما ثبت حكمه و ارتفعت تلاوته؟ أو عما ثبتت تلاوته و ارتفع حكمه؟ أو عما ضربه اللّه مثلا؟ أو عما جعله اللّه اعتبارا؟ أو عن أخباره؟ أو عن أحكامه؟ أو عن مكيّه أو مدنيّه؟ أو ليليّة أو نهاريّة؟ أو سفريّه أو حضريّه؟ أو تنسيق وضعه، أو تسوية سوره؟ أو نظائره؟ أو إعرابه؟ أو وجوه قراءته؟ أو عدد حروفه؟ أو معاني لغاته؟ أو عدد آياته؟
قال: و ما زال الشافعي يعدد هذه العلوم حتى عد ثلاثة و سبعين نوعا من أنواع علوم القرآن. فقال هارون: لقد أوعيت من القرآن عظيما.
ثم سأله عن علمه بسنة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و بالأحكام و الطب و الأنساب ... إلى غير ذلك (1)؛ فهذه الرواية تؤكد أن الإمام قد نطق بالمصطلح في القرن الثاني، و هو أقدم نص وقفت عليه، و لكن الذي يبدو أنه لم يسلم من المعارضة، و الطعن في صحة ثبوته، فإن الأستاذ عدنان زرزور- يحفظه اللّه- يستبعد صدور تلك العبارة من الإمام، بل يؤكد أن
ص: 117
القصة تومئ إلى طابع التلفيق المتأخر على الحادثة، و لنستمع إلى الأستاذ عدنان زرزور و هو يعقب على القصة فيقول:
إننا نبعد أن يكون هذا الاصطلاح قد حاك في الصدور، و نطقت به الألسنة على النحو المشار إليه في القرن الثاني للهجرة، و ذلك أن بعضهم يجعل الإمام الشافعي أول من فعل ذلك ... إلى أن قال: و سياق القصة، و العلوم التي عدّدها الإمام الشافعي تومئ إلى طابع التلفيق المتأخر على هذه الحادثة، فالسؤال عن العلم بكتاب اللّه عز و جل لا يجاب عنه بمثل هذه الباردة التي لم يفعلها الإمام- حتى في هذا الموقف- و السؤال في كل عرف و قياس إنما هو عن القرآن الكريم!! كما أن سائر عناصر هذه القصة من استحسان الرشيد لجواب الشافعي، و الإشارة إلى النبي الكريم عليه صلوات اللّه بابن عم هارون! ... إلخ .. كل ذلك يشير إلى أن هذه التركيبات لا تليق بالرشيد و الإمام الشافعي جميعا ... (1).
بل يذهب الأستاذ زرزور إلى أبعد من هذا حين يريد التأكيد على تأخر ظهور المصطلح إلى قرنين بعد الشافعي: إن من البعيد حقا أن تكون علوم القرآن مجموعة في صدور المبرّزين من العلماء في القرن الثاني ثم لا يتنبه أحد إلى الكتابة فيها مجموعة قبل أواخر المائة الرابعة من الهجرة، على مذهب من يظن أن كتاب الحوفي السابق في هذه العلوم و ليس في تفسير
ص: 118
القرآن. (1)
ولي حول هذا الرأي و ما جاء في كلام الدكتور الفاضل عدنان زرزور أكثر من وقفة:
أولها: إذا كان الأستاذ زرزور قد استبعد الرأي لكون سياق القصة لم ترق له، أو لكونه استبعد العلوم التي جاء ذكرها على لسان الإمام أن تكون مجتمعة في صدورهم و لم يلتفت لها، و اعتبارها (تركيبات) لا تليق بالرشيد و الإمام. فإن غيره لا يستبعد صدور ذلك من إمام كان آية من آيات اللّه في علمه و ذكائه، و في ابتكاره و تجديده، و في قوة حجته و توفيقه، و لقد نوه البلقيني (2) في خطبة كتابه بكلمة الشافعي هذه. (3)
نعم قد يكون هناك مبالغة من الراوي في عدد تلك العلوم التي نقلت على لسان الإمام، على نحو ما ذكره الفخر الرازي (4)، غير أن ذلك لا يعني
ص: 119
الطعن في الخبر جملة و تفصيلا.
و ثانيها: أن استبعاد الأستاذ زرزور أن تكون هذه العلوم مجتمعة في صدور المبرّزين من العلماء في القرن الثاني، و تأخر ظهوره إلى القرن الرابع على يد الحوفي، استبعاد من غير دليل، و كان الأولى أن يوحي ذلك للأستاذ الكريم زرزور أن هناك من تقدم على الحوفي في التأليف، ممن كان قريبا من عصر الإمام الشافعي، كالحارث المحاسبي و ابن المرزبان مثلا (1).
بل إن النصوص الثابتة ترد رأي الأستاذ الجليل و تؤكد أن جملة من هذه العلوم كانت معروفة لدى أهل القرن الأول من جيل الصحابة و التابعين، و أنها كانت تتناقل بين المتقدمين، و طالما وردت على ألسنتهم، فهذا علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه يخطب و يقول في خطبته: سلوني عن كتاب اللّه فو اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل أم في جبل. (2)
و هو رضي اللّه عنه الذي قال: و اللّه ما نزلت آية إلا و قد علمت فيم أنزلت، و أين أنزلت ... (3)ا.
ص: 120
و هو أيضا الذي قال للقاص بعد أن سأله: هل تعرف الناسخ من المنسوخ؟ و حين كان الرد بالنفي قال: هلكت و أهلكت. (1)
و عن ابن سيرين عن علي- رضي اللّه عنه: أنه كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ قال ابن سيرين: فطلبت ذلك الكتاب، و كتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. و في رواية: إنه كتبه على تنزيله. قال ابن سيرين (2): لو أصيب ذلك الكتاب لوجد فيه علم كثير. (3)
و أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله تعالى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ ... الآية [البقرة: 269]. قال ابن عباس: المعرفة بالقرآن ناسخه و منسوخه، و محكمه و متشابهه، و مقدمه و مؤخره، و حلاله و حرامه، و أمثاله. (4)
إذا كان هذا هو حال جيل الصحابة، جيل الريادة، فما بال هذهر.
ص: 121
العلوم تغيب على مثل الإمام الشافعي الذي جاء في عصر ورث فيه العلماء علم السابقين، و انتشرت فيه العلوم، و كثر أولئك الذين تفقهوا في الدين، و جعلوا شغلهم الشاغل التفكر في كتاب اللّه، و تعلم كل ما يخدم تفسيره و بيانه للناس، لقد وجد رضي اللّه عنه نفسه أمام حصيلة من العلوم الشرعية أعمل فيها ما منحه اللّه من قوة الفكر و سلامة العارضة، فأجاد و أصاب.
إن ما تهيأ لمثل الشافعي لم يتهيأ لمن قبله، فالمتأخر يقف- عادة- على حصيلة علوم المتقدمين، و يجدها مجموعة في أخبارهم و المروي عنهم. فلا يستبعد عن مثل الشافعي الإلمام بمثل هذه العلوم بأي حال من الأحوال.
هذا هو الفضيل و هو أيضا من أهل القرن الثاني، يعدد لطلبته سنة خمس و ثمانين و مائة جملة من علوم القرآن، فقد أورد القرطبي في «تفسيره» أن الفضيل (1) قال لمجموعة من تلامذته: لن تعلموا القرآن حتى تعرفوا إعرابه و محكمه من متشابهه، و ناسخه من منسوخه، إذا عرفتم ذلك استغنيتم عن كلام فضيل و ابن عيينة (2). (3)
ص: 122
ثم إن غالب هذه العلوم علوم نقلية تعتمد على الرواية أصلا، تكون مع المتقدم فيبلغها المتأخر، و بذلك يجتمع في صدر المتأخر المبرز ما لا يجتمع لغيره، و كان الشافعي واحدا من أولئك، أ ليس هو من وضع علم أصول الفقه بقواعده و ضوابطه في تلك الفترة المتقدمة جدا؟
إن النصوص تؤكد أن الكتابة في جملة من علوم القرآن كانت متقدمة جدا و إن بعض تلك العلوم قد أفردت بمؤلفات مستقلة، و نظرة سريعة في كتاب «الفهرست» لابن النديم (1) الذي صنف كتابه عام (377 ه) تبين أن التأليف في عدد من تلك العلوم كان مبكرا، فمن العلوم التي عدها ابن النديم و ذكر التأليف فيها: التفسير، و معاني القرآن، و مشكله، و مجازه، و ما ألف في غريب القرآن، و لغات القرآن، و القراءات، و النقط، و الشكل، و ما كتب في لامات القرآن، و في الوقف و الابتداء، و ما دون عن اختلاف المصاحف، و المتشابه، و هجاء المصاحف، و في مقطوع القرآن و موصوله، و في أجزاء القرآن، و فضائله، و في عد آي القرآن، و ناسخه و منسوخه، نزوله، و أحكامه ... و غيره. (2)
إن ابن النديم قد ذكر أكثر من ثلاثين علما أفرد بالتصنيف في الفترةه.
ص: 123
السابقة عليه، ناهيك عن تلك العلوم التي جاءت في ثنايا تلك المصنفات و لم تفرد كالمكي و المدني، و ما نزل بمكة و حكمه مدني، و ما نزل بالمدينة و حكمه مكي، و ما نزل ليلا و ما نزل نهارا، و علم الأماكن التي أنزل فيها القرآن، و ما نزل مشيعا و ما نزل مفردا، و علم الأحرف السبعة، و غير ذلك.
إن محاولة ابن النديم السابقة توحي لنا أن هذه العلوم كانت معروفة عند المتقدمين، و مجموعة في صدورهم، فالأسماء التي ذكرها من المؤلفين، أسماء متقدمة، بل إن أرقام سنوات وفاة بعضهم متقدمة جدا.
يحيى بن يعمر ت (89) ه (1) يؤلف كتابا في القراءات، و يجمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (2)، و الحسن البصري ت (110) ه (3) يكتب في نزول القرآن و في عد آي القرآن (4). و قتادة السدوسي ت (117) ه (5) يكتب
ص: 124
في الناسخ و المنسوخ. (1) و اليحصبي عبد اللّه بن عامر (2) يكتب في المقطوع و الموصول، كما يكتب في اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق. (3) ...
و غيرهم.
هؤلاء كلهم كانت وفاتهم قبل عام (120 ه) و هو رقم متقدم جدا في عالم التأليف، فكيف يجوز لنا بعد هذا أن نستبعد ما صدر عن الإمام الشافعي- رحمه اللّه- و نجعل ما روي عنه (تركيبات)؟!. هذا و اللّه أعلم.
و إذا كنا استبعدنا- على مضض- ما روي أن الشافعي هو أول من استعمل المصطلح، أو شككنا فيه على الأقل فإننا لا نستطيع أن نستبعد ذلك عن ابن المرزبان المتوفي سنة (309 ه) بأي حال من الأحوال، لقد حسم الخلاف حين أطلق على كتابه عنوان «الحاوي في علوم القرآن» (4)، و عليه يكون ابن المرزبان هو أول من استعمل هذا المصطلح عنوانا لكتاب،
ص: 125
ثم تبعه آخرون فأطلقوه على مؤلفاتهم أو جعلوه جزءا من عناوين مؤلفاتهم.
و ليس معنى هذا أن ابن المرزبان هو أول من صنف في علوم القرآن، فذاك له حديث مستقل سيأتي بيانه إن شاء اللّه.
و أشير هنا أن الأستاذ الدكتور عدنان زرزور يرى أن البحث و التأريخ لكل علم من علوم القرآن مستقلا ألزم و أكثر ضرورة، و أجدى للقارئ من السير وراء هذه العلوم مجتمعة، و لكونها أفردت بالتصنيف في مؤلفات خاصة، و نال بعضها العناية و تتابع القول في جميع العصور. (1)
ص: 126
اشتهر بين أهل الاختصاص في القرآن و علومه أن إطلاق المتقدمين لمصطلح علوم القرآن يختلف عنه عند المتأخرين، فالسابقون أطلقوه على مصنفاتهم في التفسير، كما فعل محمد بن المرزبان. (1) الذي سمى تفسيره «الحاوي في علوم القرآن»، و أبو الحسن الأشعري (2) الذي سمى تفسيره (المختزن في علوم القرآن)، و محمد بن علي الأدفوي الذي سماه «الاستغناء في علوم القرآن» (3)، و علي بن إبراهيم الحوفي (4) الذي سماه «البرهان في علوم القرآن»، بخلاف المتأخرين الذين أطلقوه على تلك المصنفات التي حوت الأبحاث الكلية المتصلة بالقرآن الكريم في شتى جوانبه، جلها أو كلها، كما فعل ابن الجوزي ت (597 ه) في كتابه «فنون الأفنان في عيون علوم القرآن» (5)، و كما فعل بدر الدين الزركشي ت (794 ه) في كتابه
ص: 127
المسمى «البرهان في علوم القرآن» (1)، و كما فعل السيوطي و ابن عقيلة المكي و غيرهما.
و الذي يظهر لي أن هذا التفريق ليس دقيقا، كما أنه ليس على إطلاقه، و لبيان ذلك أقول: إن المتقدمين جعلوا عبارة (علوم القرآن) جزءا من العنوان الذي أطلقوه على تفاسيرهم، و هي عبارة مقصودة بذاتها، فقد أراد أولئك أن تشتمل تفاسيرهم على بعض تلك العلوم، و لم يكونوا يقصدون التفسير وحده، بمعنى أنهم لم يعنوا ببيان معان الألفاظ و الكلمات القرآنية و ما يستنبط من الآيات من أحكام فحسب، و إنما قصدوا بيان كل ما يتعلق بالكلمة القرآنية و الآية و الجملة من الآيات و السورة، بل و الاهتمام ببيان كل ما يحيط بالوحي المنزل، و بعض تلك التفاسير و التي وصل إلينا أجزاء منها ككتاب الأدفوي و الحوفي يؤكد لنا هذا الأمر، أنهم عنوا به علوم القرآن و إن اختلف منهج العرض و طريقته، فالحوفي مثلا حين يعرض الآية و يتكلم عليها، يتعرض للإعراب و الوقف و التمام، و القول في القراءة و في المعنى، و التفسير، و أسباب النزول، و حول مكية السورة و الآية و الآيات و مدنيتها .. إلى غير ذلك من مسائل علوم القرآن و موضوعاته.
و لهذا الأمر خلت التفاسير التي أراد مؤلفوها الاهتمام بالآثار و الروايات، أو الاقتصار على بيان معاني الألفاظ فحسب دون التعرض لما يحيط بالآية و السورة من مسائل، خلت عناوين تلك التفاسير من ذكر هذات.
ص: 128
المصطلح و رأى مؤلفوها الاقتصار على تسميتها (تفسير القرآن) منسوبا لهم و لهذا وجدنا (تفسير القرآن) لعبد الرزاق الصنعاني، و تفسير القرآن (1) لابن أبي حاتم (2)، و غيرهما.
و لا أدعي أن هذه القاعدة مطردة، و لا أن كل من ألف في التفسير المأثور دون التعرض لعلوم القرآن أنه سمى تفسيره (تفسير القرآن)، كما لا أدعي أن من تحدث عن شي ء من علوم القرآن في تفسيره أنه ضمّن العنوان هذا المصطلح، بل أقول على الغالب، و لفترة زمنية ربما إلى نهاية القرن الثالث الهجري.
إذا عبارة علوم القرآن كانت تطلق على تلك العلوم النقلية التي خدمت كتاب اللّه و سهلت سبل فهمه و تيسيره على من لم يشاهد التنزيل من صغار الصحابة و التابعين و من جاء بعدهم، سواء وردت ضمن التفاسير أم جاءت مفردة مستقلة كتلك المصنفات المتخصصة في موضوع واحد، أو عدة موضوعات، و لهذا حين ترجم ابن النديم لابن المنادى أبي الحسن أحمد بن جعفر ت (334 ه) قال: و كان عالما بالقراءات و غيرها، و له
ص: 129
نيف و عشرون كتابا في علوم متفرقة، و كان الغالب عليه علوم القرآن. (1)،
و حين ترجم لأحمد بن كامل بن شجرة ت (355 ه) قال: أحد المشهورين في علوم القرآن، و ذكر من مؤلفاته: «غريب القرآن» و «القراءات» و كتاب «موجز التأويل عن معجز التنزيل» (2). و قال عن ابن مجاهد أحمد بن موسى ت (324 ه): و كان مع فضله و علمه و ديانته و معرفته بالقراءات و علوم القرآن حسن الآداب. (3)
لقد أطلق ابن النديم هذا المصطلح ليشمل جميع المؤلفات المتعلقة بالقرآن الكريم بما في ذلك التفسير، و هو إطلاق موافق لمصطلح علوم القرآن عند من يعرفه بأنه مباحث تتعلق بالقرآن الكريم من ناحية نزوله و ترتيبه و جمعه و كتابته و قراءته و تفسيره ... و نحو ذلك. (4)
بيد أن المتأخرين لم يريدوا به ما أطلقه ابن النديم أو غيره، و إنما قصدوا به الأبحاث الكلية المقعدة و المتعلقة بالقرآن الكريم من جوانبه المتعددة، سواء كانت متخصصة أم عامة، و هو تعريف مستنبط من واقع المؤلفات.
إن المتأخرين يطلقونه على تلك المصنفات التي احتوت الأسس
ص: 130
و القواعد و الضوابط لكل علم من علوم القرآن، و ضربت الأمثلة على تلك القواعد. سواء جمع المصنف علما واحدا من هذه العلوم أو أكثر من علم في مؤلف، و سواء اكتفى بنماذج من الأمثلة أم كانت شاملة.
و على هذا يكون من أفرد الناسخ و المنسوخ- مثلا- بالحديث، و ذكر ما يحيط بهذا العلم من معلومات و ضرب الأمثلة أو تتبعها في القرآن الكريم يقال: إنه كتب في علوم القرآن، و يصنّف مؤلفه ضمن تلك المصنفات، و كذا من جمع أكثر من علم في مؤلّف واحد، و إن لم يحط بالأمثلة. و اللّه أعلم.
ص: 131
يرى بعض الباحثين أن التأريخ للمصنفات الموضوعية في علوم القرآن ألزم و أكثر ضرورة و أجدى للقارئ من السير وراء هذه العلوم مجتمعة، لكون تلك العلوم قد أفردت بتآليف خاصة، و نال بعضها من العناية و تتابع القول في جميع العصور مما يجعل هذا التأريخ أكثر فائدة. و هي رؤية صائبة فالكتابة و التأليف في كل علم من علوم القرآن كان سابقا لجمع أطراف تلك العلوم في كتب موسوعية جامعة، غير أن هذا لا يعني إهمال البحث عن تاريخ الكتابات الموسوعية في علوم القرآن، و بداية التصنيف الموسوعي الجامع الذي أعطى لعلوم القرآن منحى آخر، و لكون التأليف في علوم القرآن قد اتخذ ثلاثة أشكال رأيت أن البحث في هذا الموضوع ينبغي أن يكون من ثلاثة جوانب، و هي كلها تدخل تحت المصطلح الذي أطلقناه على علوم القرآن، و بذلك تتم الفائدة المرجوة و يتحقق المطلوب بإذن اللّه:
1) أولى المصنفات الموضوعية.
2) أولى التفاسير التي لها مقدمة في علوم القرآن.
3) أولى الموسوعات في علوم القرآن.
ص: 132
موضوعات علوم القرآن كثيرة أوصلها ابن عقيلة المكي ت (1150 ه) إلى مائة و أربعة و خمسين نوعا (1)، كل نوع منه هو علم مستقل بذاته، و قد أفردت كثيرا من هذه الأنواع بتآليف مستقلة، و البحث في تاريخ كل علم من تلك العلوم و معرفة أول من صنّف فيه ليس بالأمر السهل، كما أن الفائدة المرجوة منه هي دون ذلك، لهذا رأيت أن أبحث في تاريخ أهم موضوعات علوم القرآن كأمثلة مختارة من تلك العلوم، و هي:
حركة التأليف يلاحظ أن المذكورين مسبوقان في التأليف، فقد اهتم العلماء بموضوع النسخ في القرآن منذ الصدر الأول من الإسلام، فرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يبين الناسخ من الآيات و كذا المنسوخ، و قد ذكرنا أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه كان قد كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ، نقل السيوطي في الإتقان عن ابن أشتة (1) في كتابه «المصاحف» عن ابن سيرين: أن عليا رضي اللّه عنه كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ و أن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب، و كتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه. (2)
و على هذا يكون الإمام علي هو أول من كتب في الناسخ و المنسوخ، (3) و إن كنا نرجح أن تأليف قتادة قد يمتاز عن كتابة علي بن أبي طالب بكونه مستقلا في الباب و مرتبا، فالذي كتبه علي رضي اللّه عنه إنما حشى بها مصحفه.
و جاء بعد قتادة، محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ت (124 ه) فألف كتابه «الناسخ و المنسوخ» (4) ثم تلاه عطاء بن مسلم الخراساني
ص: 134
ت (135 ه) (1)، ثم محمد بن السائب الكلبي ت (146 ه) (2)، ثم حسين بن واقد المروزي ت (159 ه) (3)، و كلهم كانوا قبل ابن سلام- رحمه اللّه و رحمهم أجمعين-.
لعل أول من صنف في اختلاف المصاحف هو يحيى بن يعمر ت (89 ه) الذي ألف كتابا في القراءات جمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (4) ثم تلاه عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه)، الذي سمى مصنفه (اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق) جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط، قال ابن عطية: و مشى الناس على ذلك
ص: 135
زمنا طويلا. (1)
أما القراءات القرآنية، فقد أرخ ابن الجزري (2) لحركة التدوين في هذا الفن و قال: فلما كانت المائة الثالثة، و اتسع الخرق، و قل الضبط، و كان علم الكتاب و السنة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب: أبو عبيد القاسم بن سلام، و جعلهم فيما أحسب خمسة و عشرين قارئا مع هؤلاء السبعة توفي سنة (224 ه) (3). فهو يرى أن أبا عبيد القاسم هو أول من صنف في هذا الفن.
في حين نرى في حديث الأستاذ الزرقاني عن المجلي في التأليف في هذا الفن اضطرابا ملحوظا، فذكر أولا أن علم الدين السخاوي ت (643 ه) هو من تصدر التأليف في فن القراءات (4)، ثم قال في حديثه عن أعداد القراءات: .. ثم أهلّ عهد التدوين للقراءات و لم يكن لهذه السبعة بهذا
ص: 136
العنوان وجود أيضا، بل كان أول من صنف في القراءات أمثال أبي عبيد القاسم بن سلام، و أبي حاتم السجستاني (1)، و أبي جعفر الطبري، و إسماعيل القاضي (2). ثم عاد فقال: و مكثت القراءات السبع على هذه الحال دون أن تأخذ مكانها من التدوين حتى خاتمة القرن الثالث إذ نهض ببغداد الإمام ابن مجاهد أحمد بن موسى بن عباس، فجمع قراءات هؤلاء الأئمة ..). (3)
و كما ترى فإن بين أبي عبيد ت (224 ه) و السخاوي ت (643 ه) أكثر من أربعة قرون، ثم إن كان هناك من سبق أبا عبيد أيضا، فبالنظر في كتاب «الفهرست» لابن النديم و غيره من الكتب التي اهتمت بذكر مصنفات السابقين أو ترجمت لهم نجدهم يذكرون محمد بن عبد الرحمن بن محيصن ت (123 ه) (4) و يذكرون له كتاب: اختيار في القراءة على مذهب
ص: 137
العربية، و يذكرون لعيسى بن عمر الثقفي ت (149 ه) كتابا في القراءات بعنوان: «اختيار في القراءة». (1) كما يذكرون لأبي عمرو بن العلاء ت (154 ه) كتابا بعنوان: كتاب القراءات. (2) كما يذكرون كتاب القراءة لحمزة الكوفي ت (154 ه) (3)، و كتاب القراءة لنافع المدني ت (169 ه) (4) و كتاب القراءة لهشيم بن بشير ت (183 ه) (5). و كل هؤلاء سابقون على القاسم بن سلام و متقدمون عليه.
و في عد الآي فقد كان للحسن البصري ت (110 ه) قصب السبق في
ص: 138
هذا الفن، حيث ألف كتابه: «عد الآي»، و لا أعلم أنه مسبوق بأحد. (1) علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 139 2 - المصاحف و القراءات القرآنية و عد الآي: ..... ص : 135
في أعشار القرآن كانت الريادة في التأليف لقتادة بن دعامة السدوسي ت (118 ه) الذي ألف كتابا أسماه: أعشار القرآن أو «عواشر القرآن» (2).
يعد الأستاذ الزرقاني إبراهيم بن سعيد الحوفي ت (430 ه) في طليعة من ألف في إعراب القرآن (3)، و استدرك عليه الأستاذ خالد السبت فذكر أن أبا مروان عبد الملك بن حبيب بن سليمان القرطبي ت (238 ه) (4) هو السابق و المتقدم في هذا الفن (5)، في حين نجد أن شيخنا الفاضل مناع القطان يعين المجلي في هذا الفن فيقول هو محمد بن المستنير بن أحمد بن علي الشهير بقطرب ت (206 ه) و يذكر له كتاب: إعراب القرآن. (6) و عند البحث لم
ص: 139
نظفر بأحد تقدم عليه. ثم تلاه يحيى بن زياد بن عبد اللّه بن منظور الديلمي المعروف بالفراء ت (207 ه) فألف كتابا أسماه «الجمع و التثنية في القرآن»، و كان رحمه اللّه أعلم الكوفيين بالنحو و اللغة (1). و تلاهما أبو عبيدة معمر بن المثنى التميمي ت (209 ه) (2) ثم كان عبد الملك بن حبيب السابق ذكره، و تلاهم أبو حاتم سهل بن محمد السجستاني ت (248 ه) (3). ثم أبو العباس المبرّد ت (286 ه) (4). ثم أبو العباس أحمد بن يحيى بن زيد المعروف بثعلب ت (291 ه) (5).
ألف في الغريب (1) و استدرك عليه الأستاذ السبت فقال: هو مسبوق بأبان ابن تغلب ت (141 ه) (2)، غير أننا نجد أن ما ذهبا إليه لا يسلم لهما، فقد سبقهما عطاء بن أبي رباح ت (114 ه) (3) و تبعه أبان ثم مؤرج بن عمرو السدوسي البصري ت (174 ه) (4) ثم الإمام الجليل مالك بن أنس ت (179 ه) الذي ألف كتابه: تفسير غريب القرآن، (5)، ثم علي بن حمزةه.
ص: 141
الأسدي الكسائي ت (189 ه) (1).
و ذكر الأستاذ الزرقاني أن العز بن عبد السلام ت (660 ه) (2) هو أول من تصدر للتأليف في مجاز القرآن (3)، و هو قول لا يسلم له مع غرابته، فالعز مسبوق بقرون، و لعل أول من صنف في هذا الفن هو ابن المستنير محمد المعروف بقطرب ت (206 ه) (4)، ثم تلاه أبو عبيدة معمر بن المثنى البصري ت (210 ه)، ثم الشريف الرضي محمد بن الحسين بن موسى العلوي ت (406 ه) و أسماه: تلخيص البيان في مجاز القرآن. (5).
ص: 142
أول من صنف في متشابه القرآن هو مقاتل بن سليمان الأزدي البلخي ت (150 ه) (1)، تلاه علي بن حمزة الكسائي ت (187 ه) (2)، ثم ألف قطرب محمد بن المستنير ت (206 ه) كتاب «الرد على الملحدين في متشابه القرآن». (3).
و أكتفي بهذه النماذج المختارة من عيون فنون علوم القرآن كأمثلة على أوائل التأليف في الموضوعات، و سيأتي المزيد عند الحديث عن مراحل التأليف في علوم القرآن في الفصل الثاني من هذا الباب بمشيئة اللّه تعالى.
1- مقدمة تفسير القرآن العزيز: لأبي بكر عبد الرزاق بن همام الصنعاني ت (211 ه).
يعد عبد الرزاق أول من قدم تفسيره بمقدمة في علوم القرآن، روى فيها بعض الآثار دون أن يقطع لذلك جانبا من الفكر.
ص: 144
2- مقدمة تفسير جامع البيان في تفسير القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري ت (310 ه).
يعد ابن جرير رائد علم التفسير بلا منازع، و إذا كان عبد الرزاق قد قدم لتفسيره بعض الروايات عن علوم القرآن، فإن ابن جرير يعد أول من صنف في التفسير مقدما التصنيف بمقدمة طويلة درس فيها موضوعات مختارة من علوم القرآن تعد من أهم الموضوعات في هذا الفن، دون أن يكتفي بما اكتفى به الصنعاني، بل أعمل الفكر، و أبدى الرأي، و أحسن الاختيار و جمع الآراء و الأقوال، و رجح بين الروايات، و يكاد يجمع كل من صنف في علوم القرآن على ريادة ابن جرير في هذا المنهج.
3- مقدمة كتاب المباني في نظم المعاني: لمؤلف مجهول، و قد طبعت المقدمة مع مقدمة تفسير ابن عطية و عنون لها ب: مقدمتان في علوم القرآن، حققهما المستشرق آرثر جفري.
و يعود تاريخ هذه المقدمة إلى عام (425 ه) حيث كتب مؤلفه في الصفحة الثانية منه أنه بدأ في تأليفه عام 425 ه. و شملت هذه المقدمة عشرة فصول، تضمنت أهم موضوعات علوم القرآن كجمع المصحف، و نزول القرآن، و المحكم و المتشابه، و نزول القرآن على سبعة أحرف، و غير ذلك من مباحث القرآن.
و ممن قال بأسبقية هذه المقدمة و انتصر لهذا الرأي فضيلة الشيخ محمد أبو شهبة- رحمه اللّه- حيث صرح بذلك في كتابه «المدخل لدراسة القرآن
ص: 145
الكريم» و أثنى عليها و على موضوعاتها، كما أثنى على بلاغة الكاتب و قوة حجته، و حصافة رأيه، و رجح كونه من علماء الأندلس و قال: و إن أغلب ما ذكره السيوطي في مقدمته الإتقان من الكتب المؤلفة في هذا الفن لا يداني هذه المقدمة، بل إن بعضها لا يزيد عن فصل من فصولها، فهي جديرة بأن تذكر في كتب هذا الفن، و هي- بحق- تعتبر محاولة جدية في التأليف في هذا العلم، و لا يغض من قيمتها أنها مقدمة لتفسير، فكتاب الإتقان الذي هو عمدة كتب هذا الفن قد جعله مؤلفه مقدمة لتفسيره الكبير كما ذكر. ثم قال: و لعل أطول المقدمات و أحفلها هي مقدمة القرطبي و هي- على طولها- لا تبلغ ما بلغته هذه المقدمة في طولها و تنوع موضوعاتها. (1)
قلت: لهذه المقدمة أهمية خاصة عند المشتغلين بعلوم القرآن و إن كانت جهالة المؤلف قد أفقدته شيئا من تلك الأهمية، غير أن الحديث هنا هو عن الأسبقية و الريادة، و ليس عن الإتقان و الإجادة، و بما أن عبد الرزاق من المتقدمين على المؤلف فهو الحائز قصب السبق و ليس مؤلف المقدمة، و اللّه أعلم.
يقول الأستاذ الزرقاني في المناهل (2): اشرأبّت أعناق العلماء أن
ص: 146
يعتصروا من تلك العلوم- علوم القرآن- علما جديدا يكون كالفهرس لها، و الدليل عليها، و المتحدث عنها. فكان هذا العلم هو ما نسميه (علوم القرآن).
قلت: و قد عنيت بمصطلح (موسوعات علوم القرآن) تلك المصنفات التي ألفت في هذا العلم بالمعنى المذكور في كلام الأستاذ الزرقاني السابق.
لقد كثرت الأقوال في تعيين المجلي في هذا الباب، و تباينت الآراء إلى حد الغرابة أحيانا، و لعل السبب الرئيس- في اعتقادي- هو الإيهام الذي أحدثته عبارة علوم القرآن الواردة في بعض عناوين المؤلفات القديمة، و ظن البعض أنها مصنفات في علوم القرآن، و هي في حقيقتها في التفسير، و انتشرت هذه الأقوال حتى اشتهرت، و اعتمد اللاحق على السابق بأن كفى النفس مؤنة البحث و التقصي.
و قد رأيت أن أذكر أهم تلك الأقوال ثم الرد عليها، و أتبعها بذكر ما ترجح لديّ و اللّه المستعان، و أشهر الأقوال:
1) كتاب البرهان في علوم القرآن: علي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي ت (430 ه) (1)، قال ياقوت (2) في «معجمه»: بلغني أنه يقع في
ص: 147
ثلاثين مجلدا بخط دقيق. (1)
و قد ذكر الأستاذ الزرقاني- رحمه اللّه- أن كتاب الحوفي هو أول تصنيف ظهر في علوم القرآن بالمعنى المصطلح عليه، حيث قال: لقد كان المعروف لدى الكاتبين في تاريخ هذا الفن، أن أول عهد ظهر فيه هذا الاصطلاح- أي اصطلاح علوم القرآن- هو القرن السابع.
لكني ظفرت في دار الكتب المصرية بكتاب لعلي بن إبراهيم بن سعيد الشهير بالحوفي المتوفى سنة (430 ه) اسمه «البرهان في علوم القرآن»، ....
إلى أن قال: و إذن نستطيع أن نتقدم بتاريخ هذا الفن نحو قرنين من الزمان؛ أي إلى بداية القرن الخامس بدلا من القرن السابع (2)
و قال في موضع آخر: إن علوم القرآن استهلت صارخة على يد الحوفي في أواخر القرن الرابع و أوائل الخامس. (3) و قال في موضع ثالث من كتابه المناهل: و لا نعلم أحدا قبل المائة الرابعة للهجرة ألف أو حاول أن يؤلف في علوم القرآن بالمعنى المدون. (4)
ص: 148
و لعل الأستاذ الزرقاني هو أول من تبنى هذا الرأي كما يظهر من مقولته، و قد تبعه ثلة من الذين ألفوا في علوم القرآن (1) فيما بعد.
و هو رأي مرجوح في اعتقادي لأمرين:
الأول: أن كتاب الحوفي هذا كتاب في التفسير و ليس في علوم القرآن.
و قد تضافرت الأدلة على ذلك، بل إن الكتاب و هو بين أيدينا خير شاهد على جنوح الرأي و عدم سداده.
و قبل ذكر طريقة المؤلف في التفسير ننقل ما ورد في تسميته، فقد ذكر ياقوت الحموي في معجمه السابق أن الحوفي سمى كتابه «البرهان في تفسير القرآن» (2) و قال الداودي (3): له- أي للحوفي- تفسير جيد سماه: «البرهان في تفسير القرآن» (4) و بنحو ذلك قال السيوطي و حاجي خليفة (5)
ص: 149
و غيرهما (1).
و لا ندري من أين استقى الأستاذ الزرقاني هذا الاسم «البرهان في علوم القرآن» لكتاب الحوفي، و الحال أن الجزء الأول منه مفقود، و لا أدري من أين عرف التسمية؟ و لعله اعتمد على فهرس دار الكتب المصرية.
قال: و قد رجعت إلى كتاب كشف الظنون فتبين لي أن اسم الكتاب «البرهان في تفسير القرآن»، و بذلك زالت الشبهة في عدّه من علوم القرآن، و ثبت أنه كتاب تفسير و هو الحق و الصواب. (2)
و بالرجوع إلى التفسير رأينا أن الكتاب لا يخرج عن كتب التفسير، يتعرض فيه المؤلف للآية أو الآيات حسب ترتيب المصحف، فيذكر الإعراب، و الوقف و التمام، و القراءات و الغريب، و المعنى و التفسير و الأحكام و أسباب النزول و النسخ و غير ذلك، و يعقد لكل فن عنوانا فيقول: (القول في القراءات) و يتكلم تحت العنوان عن القراءات الواردة في الآيات المعروضة، ثم يقول: (القول في الإعراب) فيذكر اللغويات و النواحي الإعرابية، و هكذا في بقية الفنون. فهو كتاب تفسير تطرّق فيه المؤلف لمواضيع في علوم القرآن و ليس ذلك بدعا من القول.
فلا فرق بين صنيعه و بين صنيع القرطبي و الفخر الرازي في
ص: 150
تفسيريهما، و صنيع غيرهما ممن كان كتابه أمسّ بالتفسير منه بعلوم القرآن. (1) و قد أقر الأستاذ الزرقاني نفسه بهذه الحقيقة حين استعرض الكتاب و قال: إن الكتاب أتى على علوم القرآن و لكن لا على طريقة ضم النظائر و الأشباه بعضها إلى بعض تحت عنوان واحد لنوع واحد، بل على طريقة النشر و التوزيع تبعا لانتشار الألفاظ المتشاكلة في القرآن و توزعها.
حتى كأن هذا التأليف تفسير من التفاسير عرض فيه صاحبه لأنواع علوم القرآن عند المناسبات (2).
الثاني: أن الكتاب مسبوق بالتأليف، و من الذين سبقوه في هذا المضمار الحارث المحاسبي ت (243 ه) بكتابه «فهم القرآن»، و أبو القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري ت (406 ه) بكتابه «التنبيه على فضل علوم القرآن» (3)، هذا حسب الاصطلاح، و إلا فلو نظرنا باعتبار التسمية فإن هناك من سبقه أيضا مثل محمد بن خلف بن المرزبان ت (309 ه) بكتابه «الحاوي في علوم القرآن» (4)، و أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري ت (334 ه) بكتابه «المختزن في علوم القرآن» (5)،
ص: 151
و محمد بن علي الأدفوي ت (388 ه) بكتابه «الاستغناء في علوم القرآن» (1).
2) كتاب الحاوي في علوم القرآن: لمحمد بن خلف بن المرزبان بن بسام المحوّلي ت (309 ه) (2)، و الكتاب مخطوط بدار الكتب المصرية (3)، و يقع في نحو من سبعة و عشرين جزءا.
و ممن انتصر لهذا القول و رأى أن ابن المرزبان هو السابق في التأليف فضيلة الدكتور صبحي الصالح- رحمه اللّه- حيث قال في ثنايا حديثه عن ظهور هذا المصطلح: نبهنا آنفا إلى ظهور كتب عالجت الدراسات القرآنية باسمها الصريح (علوم القرآن)، و كان أسبقها في نظرنا كتاب ابن المرزبان في القرن الثالث. (4)
و هو اختيار فضيلة الشيخ مناع خليل القطان- يحفظه اللّه- الذي قال
ص: 152
عند حديثه عن نشأة علوم القرآن: أما جمع هذه الأنواع من علوم القرآن- كلها أو جلها- في كتاب واحد باعتبارها علما مستقلا فقد كانت بداية ذلك في مؤلف مخطوط بعنوان «الحاوي في علوم القرآن» بدار الكتب المصرية لأبي عبد اللّه محمد بن خلف بن المرزبان .... إلى أن قال: و هو بهذا أول من جمع علوم القرآن في مؤلف واحد (1).
و هو ما ذهب إليه أيضا فضيلة الدكتور فهد الرومي، الذي قال: ظهر هذا الاصطلاح أول ما ظهر في أواخر القرن الثالث و أوائل القرن الرابع الهجري حين ألف محمد بن خلف بن المرزبان ت (309 ه) كتابه الحاوي في علوم القرآن (2).
و هذا الرأي أيضا مرجوح في اعتقادنا، و ذلك لأمرين:
الأول: أن كتاب ابن المرزبان كتاب في التفسير و ليس في علوم القرآن و إن حمل مصطلح علوم القرآن، يدل على ذلك سعته فقد جاء في ثلاثين مجلدا، في عصر لم يكن البحث في علوم القرآن بالمعنى المقصود قد بلغ نصيف هذا الاتساع. (3)
الثاني: أنه مسبوق بكتاب «فهم القرآن» للحارث المحاسبي
ص: 153
ت (243 ه) و سيأتي الحديث عنه بمشيئة اللّه.
3) كتاب عجائب علوم القرآن: المنسوب لأبي بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار ابن الأنباري ت (328 ه) (1)، و الكتاب مخطوط توجد منه نسخة في مكتبة البلدية بالإسكندرية برقم: 3599 (2).
و قد انتصر لهذا القول فضيلة الدكتور/ حسن ضياء الدين عتر، الذي قال في تحقيقه لكتاب فنون الأفنان لابن الجوزي: و إني أتوقع أن يكون أسبق كتاب في هذا المضمار هو: «عجائب علوم القرآن» للإمام الجليل أبي بكر محمد بن القاسم الأنباري ت (328 ه). (3)
و قد استبشرت خيرا بهذا القول لكونه يتقدم بتاريخ تدوين علوم القرآن بالمعنى المصطلح عليه قرنا كاملا على مذهب من يرى أن ابن حبيب النيسابوري هو السابق، و بأكثر من قرنين و نيف على مذهب من يرى أن المجلي هو ابن الجوزي صاحب فنون الأفنان. غير أنني ما لبثت أن اختالني الشك حين عدت إلى ترجمة ابن الأنباري في مظانه فلم أجد لهذا الكتاب
ص: 154
ذكرا، غير الزركلي في الأعلام (1) الذي ذكر ضمن مؤلفات ابن الأنباري الكتاب المذكور و أشار إلى أنه مخطوط، و غير الشواخ في «معجم مصنفات القرآن» (2)، و كان مصدره الوحيد الأعلام للزركلي، مما زاد من حيرتي.
و أثناء البحث و تقليب النظر في المصادر و مظان الحديث عن مثل هذا الموضوع وقفت على استعراض لمخطوط ابن الأنباري في رسالة ماجستير في الجامعة الإسلامية بعنوان: «دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان»، للباحث خالد بن عثمان السبت، فألفيته يقول: وقفت على كتاب ابن الأنباري- رحمه اللّه- فوجدته يتحدث عن موضوعنا الذي نحن بصدده، و قد قال في أوله: لما ألفت كتاب التلقيح في غرائب علوم الحديث، رأيت أن تأليف كتاب في عجايب علوم القرآن أولى، فشرعت في سؤال التوفيق ...)
إلى أن قال: (باب ذكر نبذة من فضائل القرآن ...)، ثم قال: (باب في أن القرآن كلام اللّه غير مخلوق) ثم قال: (باب نزول القرآن على سبعة أحرف) و ساق أربعة عشر قولا. ثم قال (باب في كتابة المصحف و هجائه) ثم قال: (باب عدد سور القرآن، و آياته، و كلماته، و حروفه، و نقطه) ثم قال:
(باب ذكر أجزاء القرآن) ثم قال: (باب عدد آيات السور) و هكذا يسوق
ص: 155
الأبواب) (1)، و هكذا لم يذكر الباحث شيئا عن نسبة الكتاب إلى ابن الأنباري، غير أن العرض الذي قدمه أدخل السكينة إلى النفس التي لم تدم طويلا فسرعان ما وقفت على تنبيه في الحاشية، للباحث نفسه في أوائل رسالته قوض البنيان حين قال ما نصه: ذهب البعض إلى القول بأن كتاب عجائب علوم القرآن المنسوب لابن الأنباري هو أول المؤلفات في هذا الشأن، و الصواب أن الكتاب المذكور لا تصح نسبته لابن الأنباري، بل هو كتاب فنون الأفنان لابن الجوزي، و يعرف هذا بالمقارنة بينهما و بدلائل لا مجال لذكرها في هذا الموضع أه (2). و عند جهينة الخبر اليقين، فبالعودة لكتاب ابن الجوزي تبين اليقين، و تأكد لي ذلك مرة أخرى ما أقره الباحث حين وقفت على كلام لفضيلة الدكتور فهد الرومي يحفظه اللّه و هو الخبير بمعرفة الكتب و المخطوطات المتحققة في التفسير و علوم القرآن يثبت فيه هو الآخر خطأ نسبة الكتاب لابن الأنباري و يؤكد النسبة لابن الجوزي و يقول:
ينسب كثير من الباحثين كتاب «عجائب علوم القرآن» لأبي بكر بن الأنباري ت (328 ه) مستندين في ذلك إلى ما ذكره الزرقاني في «مناهل العرفان» (3)، و قد ظهر لي- و القول لفضيلة الدكتور- يقينا أن الكتابه!
ص: 156
المذكور ليس لأبي بكر الأنباري بل هو كتاب «فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن» لابن الجوزي، و سبب وقوع هذا الوهم نسخة مخطوطة في مكتبة البلدية بالإسكندرية أخطأ مفهرسو المكتبة في معرفة المؤلف فنسبوها لأبي بكر الأنباري. أه (1).
و الغريب في الأمر أن يذهب محقق كتاب ابن الجوزي الأستاذ العتر من دون الآخرين إلى ترجيح هذا الرأي، و كأن وحدة التسمية و الموضوعات لم تحدث له إشكالا، و لا قول المؤلف في بداية حديثه: لما ألفت كتاب «التلقيح في غرائب علوم الحديث»، رأيت أن تأليف كتاب في عجايب علوم القرآن أولى. و كما هو معلوم فإن كتاب التلقيح هو لابن الجوزي.
و على ما سبق فإنه لا يعتد بهذا القول أيضا.
4) كتاب فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد البكري المعروف بابن الجوزي ت (597 ه) (2)، و الكتاب مطبوع عدة طبعات.
ص: 157
كان المعروف لدى الكاتبين في هذا الفن أن ظهور هذا الاصطلاح كان في القرن السادس الهجري على يد أبي الفرج بن الجوزي، استنتاجا من الذي ذكره السيوطي في مقدمة الإتقان. (1)
و كان ممن انتصر لهذا القول فضيلة الشيخ غزلان، في كتابه: «البيان في مباحث من علوم القرآن»، فقد ذكر بعد أن عرض لحركة التأليف في علوم القرآن أن ابن الجوزي هو السابق في التصنيف في هذا الفن و قال: فمن هذا كله يتبين لنا أنه لم يعرف أن أحدا قبل ابن الجوزي جمع هذه الأبحاث و سماها باسم علوم القرآن. (2)
و هو قول بعيد و غريب فابن الجوزي مسبوق بقرون على مذهب من يرى أن الحارث المحاسبي هو السابق، أو أن ابن حبيب النيسابوري هو المجلي أو ابن المرزبان أو غيرهم.
5) أقوال أخرى: و قد وردت أقوال أخرى تقول بأسبقية بعض المؤلفات و لغرابتها و بعدها أعرضت عن التحدث عنها تفصيلا، و من ذلك:
أ- البرهان في علوم القرآن، لأبي عبد اللّه، بدر الدين، محمد بن عبد
ص: 158
اللّه بن بهادر الزركشي ت (794 ه) (1).
و قد شهد السيوطي للزركشي بالزيادة في هذا الباب لكن على سبيل البسط و الإحصاء و السير على منهج الاستقصاء، فقد قال في خطبة كتابه «الإتقان»: خطر لي بعد ذلك- يعني بعد تأليف كتاب «التحبير»- أن أؤلف كتابا مبسوطا، و مجموعا مضبوطا أسلك فيه طريق الإحصاء، و أمشي فيه على منهاج الاستقصاء، هذا كله و أنا أظن أني متفرد بذلك غير مسبوق بالخوض في هذه المسائل، فبينا أن أجيل في ذلك فكرا ....... إلى أن قال: إذ بلغني أن الشيخ الإمام بدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي ألف كتابا في ذلك حافلا يسمى «البرهان في علوم القرآن» فتطلّبته حتى وقفت عليه. (2)
تلكم كانت شهادة السيوطي، و قد كان الزركشي ذاته قد أثبت الأسبقية لنفسه حين ذكر في تقديمه للبرهان أنه مما فات المتقدمين وضع كتاب يشتمل على أنواع علومه، كما وضع ذلك بالنسبة إلى علم الحديث؛ قال: فاستخرت اللّه تعالى- و له الحمد- في وضع كتاب في ذلك جامع لما تكلم الناس في فنونه. (3)
و قد اختار هذا الأستاذ أبو الفضل إبراهيم في تحقيقه لكتاب الإتقان
ص: 159
للسيوطي (1).
ب- مواقع العلوم من مواقع النجوم، لجلال الدين، عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني ت (824 ه) (2).
و هو اختيار السيوطي في كتابيه «الإتقان»، و «التحبير» حيث قال: و مما أهمل المتقدمون تدوينه حتى تحلى في آخر الزمان بأحسن زينة [علم التفسير] الذي هو كمصطلح الحديث، فلم يدونه أحد لا في القديم و لا في الحديث حتى جاء شيخ الإسلام و عمدة الأنام علامة العصر قاضي القضاة جلال الدين البلقيني رحمه اللّه تعالى فعمل كتابه «مواقع العلوم من مواقع النجوم»، فنقحه و هذّبه و قسّم أنواعه و لم يسبق إلى هذه المرتبة (3).
ج- التيسير في قواعد علم التفسير لأبي عبد اللّه، محيي الدين، محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي ت (879 ه) (4)
نقل السيوطي عن شيخه الكافيجي قوله: قد دونت في علوم التفسير
ص: 160
كتابا لم أسبق إليه (1) ثم أنكر على شيخه دعواه في ذلك و قال: و كان يقول أنه ابتدع هذا العلم و لم يسبق إليه، و ذلك لأنه لم يقف على البرهان للزركشي و لا على مواقع النجوم للبلقيني (2).
و لا يخفى علينا بعد هذه الآراء و غرابتها، فهم مسبوقون بلا شك، بالحارث المحاسبي ت (243 ه)، و بابن حبيب النيسابوري ت (406 ه) و بابن الجوزي ت (597 ه)، و بالسخاوي ت (643 ه) و بأبي شامة المقدسي ت (665 ه)، و بنجم الدين الطوفي ت (716 ه) صاحب كتاب «الإكسير في علم التفسير».
و الذي يترجح لي- و اللّه أعلم- بعد أن استعرضنا معا ما قيل في هذا الشأن، أن المجلي و السابق، و رائد المنهج الموسوعي في علوم القرآن، و الذي وضع النواة و اللبنات الأولى لهذا النهج، هو الحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه)، ثم جاء بعده من أقام البنيان على الأساس الذي وضعه حتى اكتمل و تحلى بأجمل زينة، فما ذا عن تصنيفه؟
6) كتاب فهم القرآن: لأبي عبد اللّه الحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه) (3)، و الكتاب مطبوع و متداول بين أيدي طلبة العلم (4).ر.
ص: 161
و قد انتصر لهذا الرأي فضيلة الأستاذ فاروق حمادة، فعدّ كتاب الحارث هذا في طليعة كتب علوم القرآن كفن مدون، و ألصقها بالمعنى الاصطلاحي لعلوم القرآن، (1) كما انتصر له قليل من الباحثين المتأخرين (2).
و بالعودة إلى الكتاب و الاطلاع عليه وجدت أن المؤلف يعالج موضوعات هامة من علوم القرآن، و إن لم يكن هدفه تأليف كتاب مستقل في علوم القرآن بقدر ما كان يهدف منه الحديث عن نهج العقل المؤمن، و وضع أبحاث جزئية لفهم القرآن على منهج أهل السنة و الجماعة، لا على طريقة المعتزلة و الرافضة و غيرهم، حيث أشهر المصنف في وجههم سيف الحق و فنّد مذاهبهم، و بالخصوص في مسألة النسخ، غير أن الموضوعات جاءت في صلب موضوعنا، و لم تختلف كثيرا عن المعالجات التي جاءت متأخرة إلا بقدر ما تستدعيه الفترة الزمنية التي فصلت بينها، و ما تستلزمه تلك الفترة من تطور في العلوم.ه.
ص: 162
و الموضوعات التي بحثها المؤلف هي: فضائل القرآن، فقه القرآن، المحكم و المتشابه. ما لا يجوز النسخ فيه و ما يجوز فيه، الناسخ و المنسوخ في الأحكام، في أساليب القرآن، التقديم و التأخير، الإضمار. الحروف الزائدة، المفصول و الموصول، هذه هي موضوعات كتاب الحارث المحاسبي فهم القرآن، و هي كما يراها القارئ موضوعات من صلب مباحث علوم القرآن.
إننا نستطيع أن نقول: إن أول كتاب وضع نواة لعلوم القرآن بالمعنى الموسوعي الصحيح هو كتاب الحارث المحاسبي لكونه لم يجاوز في موضوعاته و فنونه دائرة تلك العلوم.
و لعل أول من جاء بعد الحارث بكتاب مستقل هو:
7) الحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب، أبو القاسم النيسابوري ت (402 ه):
الذي كتب كتابة خاصة عن فضل علوم القرآن و سماه: «التنبيه على فضل علوم القرآن»، و قد حقق الكتاب الأستاذ محمد عبد الكريم الراضي، و حين استعرضته وجدته تطرق لأشرف تلك الفنون، و قال: إن من أشرف علوم القرآن علم نزوله و جهاته، و ترتيب ما نزل بمكة ابتداء و وسطا ....
الخ. فذكر خمسة و عشرين وجها ثم قال: من لم يعرفها و يميز بينها لم يحلّ له أن يتكلم في كتاب اللّه عز و جل.
ص: 163
بعدها فصّل ما أجمله و قال: و أنا أذكر من كل وجه منها فصلا غير مشروح و لا مبسوط لئلا يطول الكتاب .. (1)
و بعد: فإننا نستخلص مما سبق أن التدوين في علوم القرآن حسب الاصطلاح الموسوعي قد بدأ في منتصف القرن الثالث على يد الحارث المحاسبي، ثم نمى على يد ابن حبيب النيسابوري في نهاية هذا القرن، تم تطور على يد ابن الجوزي و السخاوي و أبي شامة و الطوفي و غيرهم في القرنين السادس و السابع الهجريين، و ترعرع على يد الزركشي في نهاية القرن الثامن، و بلغ ذروته على يد جلال الدين السيوطي في نهاية القرن التاسع و بداية العاشر و اللّه أعلم.ه.
ص: 164
1- المرحلة الأولى من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
2- المرحلة الثانية من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر الهجري.
3- المرحلة الثالثة من بداية القرن العاشر إلى العصر الحالي.
ص: 165
ص: 166
شهدت حركة التأليف في علوم القرآن- كغيره من العلوم الإسلامية- تطورا سريعا، فما أن أذن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بالكتابة حتى تسابقت أقلام الصحابة إلى تدوين العلوم و الأخبار، و خاصة ما تعلق منها بالوحي المنزل و بالسنة النبوية القولية منها و الفعلية.
و استمرت الكتابة و التأليف في شتى الموضوعات و الفنون المتعلقة بكتاب اللّه في العصور المختلفة، و أعمل العلماء فكرهم لاستنباط درر هذا الكتاب و كنوزه، و تسابقوا في مضمار هذا الشرف العظيم، فكان منهم المجلي و منهم من دون ذلك، حتى رأت الأجيال المسلمة و خلال فترة قصيرة المكتبات الخاصة و العامة تكتظ بالمصنفات العظيمة التي يقف الإنسان أمامها مشدوها كمّا و كيفا.
و قد استمر التأليف إلى عصرنا الراهن، و مر خلال تلك المدة بمراحل متنوعة من القوة و الضعف، فيقوى في فترة من الفترات، و تشتد أوارها، و تكثر المصنفات، و يزدهر التأليف و التصنيف، و يفتر حينا فيمر بفترة ضعف و جمود، تخفت فيها تلك الجذوة الوهّاجة التي شهدها من قبل، فيضعف التأليف، كما يضعف الإقبال على طلب العلم.
كما تنوعت اهتمامات العلماء في العصور المختلفة، فتوجهت حينا إلى التصنيف الموضوعي، فظهرت العناوين المختصة في جزئية من جزئيات
ص: 167
العلم، فصّلت مسائلها تفصيلا دقيقا، و حينا آخر إلى التصنيف الموسوعي الذي قصد به العلماء وضع أطراف مسائل العلم بين يدي طلبته مجتمعة.
و يستطيع المتابع لحركة التأليف تلك أن يحدد ثلاث فترات رئيسة مر فيها التأليف في هذا الفن، لكل مرحلة سماتها الموضوعية و المنهجية، و هي:
اتجهت الهمم في هذه المرحلة إلى الكتابة الموضوعية، و بذرت البذرة الأولى في بدايات الدعوة، غير أنها كانت كتابات متنوعة غير منظمة و لا مرتبة، تبعتها فترة الترتيب و التدوين، و جاء القرن الثاني الهجري ليجد حركة علمية و نهضة فكرية كانت بحق عصب النماء و الرافد القوي الذي مد العصور اللاحقة بمادة علمية أساسية، أقامت عليها بنيانها، و جعلتها ركيزة و أساسا لذلك البنيان. فظهرت الرسائل الصغيرة و ذلك بفصل المواد العلمية المجموعة بعضها عن بعض، و تخصيص كل موضوع بكتاب يحمل عنوانا مستقلا، و ظهرت حركة الترجمة، و اتسعت دائرة التدوين، و فصلت الموضوعات و تكاملت، و عدّ هذا القرن بحق قرن تدوين العلوم الإسلامية.
و قد امتازت المصنفات في هذه الفترة بتوسع في المادة العلمية عن ذي قبل، و شمول لم يوجد في القرن الذي سبقه، و تنوعت الموضوعات تنوعا أفضل و ظهرت موضوعات جديدة لم تكن مطروحة عند السابقين، فأفردت بالتصنيف كعلم مجاز القرآن و معانيه، و كعلم أسباب النزول و إعراب القرآن
ص: 168
و الأمثال و غيرها، و كان الغالب على هذه المصنفات السمة التجميعية، جمع الروايات المعنية بالموضوع، يكتفي المصنف بذكر الآيات أو الروايات و الآثار التي تبين ذلك و توضحه. دون التعرض للمناقشات و الإشكالات التي قد تعترض طريق القارئ، و دون التطرق للقواعد أو الضوابط التي تضبط الموضوع المطروق.
و حين ظهرت المذاهب الفقهية، و أوجد علم الكلام، و كثرت الفرق الإسلامية، و تعددت النحل، و تأثر المسلمون بالثقافات التي وردت إليهم عن طريق الشعوب التي أسلمت، و كثر كيد اليهود و غيرهم للإسلام، كثر التصنيف، و وضعت الضوابط و القواعد، و اتجه العلماء إلى تدقيق النظر في الروايات، و التحري في صحتها، و تمحيصها من الكذب و دخيل القول، فأصبحت المصنفات أكثر دقة من ذي قبل.
و هكذا استمر التأليف يتطور يوما بعد يوم، و تتكامل الموضوعات تكاملا دقيقا، و تتوضح الرؤية في كثير من مسائل العلم توضيحا أدق، و لعل جلّ اهتمام العلماء في خدمة كتاب اللّه في هذه الفترة كان منصرفا إلى:
1) علم التفسير، و ما يتعلق به من بيان المعاني و الغريب من الألفاظ و المتشابه منه و المحكم، و إعراب القرآن.
2) علم القراءات القرآنية، و ما يتعلق به من رسم المصحف و الأحرف السبعة، و قد لقيت هذه العلوم اهتماما خاصا من علماء
ص: 169
الإسلام، لكونها تمس النص القرآني، و تؤكد سلامته من النقص و الزيادة و التحريف.
3) علم الناسخ و المنسوخ، يدخل فيه المطلق و المقيد، و العام و الخاص و ما إلى ذلك، تتبعها المصنفون في جميع المصحف، و قيدوها تحت هذا المصطلح، حتى جاء المتأخرون الذين رأوا الفصل بين تلك الموضوعات، فأفردوا المطلق و المقيد، و العام و الخاص بتآليف مستقلة.
4) علم إعجاز القرآن، و كان الاهتمام بإفراده بالتصنيف متأخرا نسبيا.
و المصنفات التي ظهرت في هذه المرحلة كثيرة يصعب حصرها، و لهذا سأكتفي بذكر نماذج، من أهمها:
3) تفسير عكرمة مولى ابن عباس ت (107 ه) (1).
4) تفسير محمد بن كعب القرظي ت (108 ه) (2).
5) تفسير الحسن البصري (110 ه) (3).
6) تفسير عطاء بن أبي رباح ت (114 ه) (4).
7) تفسير قتادة بن دعامة السدوسي ت (117 ه) (5).
8) تفسير عطاء بن دينار ت (126 ه) (6).
9) تفسير إسماعيل السدي ت (127 ه) (7).
ص: 171
10) تفسير عطاء بن أبي رباح الخراساني ت (133 ه) (1).
11) تفسير زيد بن أسلم ت (136 ه) (2).
12) تفسير هشيم بن بشير السلمي ت (183 ه) (3).
13) تفسير عبد الرزاق الصنعاني ت (211 ه).
14) تفسير الإمام أحمد بن حنبل ت (241 ه) (4).
15) تفسير ابن ماجة ت (273 ه) (5).
16) الحاوي في علوم القرآن لابن المرزبان ت (309 ه) (6).
ص: 172
17) جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ت (310 ه).
18) تفسير أبي بكر النيسابوري ت (318 ه) (1).
19) تفسير ابن أبي حاتم الرازي ت (327) (2).
20) الاستغناء في علوم القرآن لأبي بكر الأدفوي ت (388 ه) (3).
2) معاني القرآن: لمحمد بن الحسن الرؤاسي ت (170 ه) (1).
3) معاني القرآن: للكسائي علي بن حمزة بن عبد اللّه الأسدي ت (189 ه) (2).
4) معاني القرآن: لقطرب بن المستنير ت (206 ه) (3).
5) معاني القرآن: للفراء يحيى بن زياد ت (207 ه) (4).
6) معاني القرآن: لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط ت (216 ه) (5).
7) معاني القرآن: لابن كيسان ت (299 ه) (6).
ص: 174
8) معاني القرآن: لسلمة بن عاصم النحوي ت (310 ه) (1).
9) معاني القرآن و إعرابه: إبراهيم بن سري الزجاج ت (311 ه). (2)
10) معاني القرآن: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه) (3).
1) إعراب القرآن: لمحمد بن المستنير الشهير بقطرب ت (206 ه) (4).
2) الجمع و التثنية في القرآن: ليحيى بن زياد المعروف
ص: 175
بالفراء ت (207 ه). (1).
3) إعراب القرآن: لأبي عبيدة معمر بن المثنى ت (209 ه) (2).
4) إعراب القرآن: لابن حبيب القرطبي ت (238 ه) (3).
5) إعراب القرآن: لأبي حاتم سهل السجستاني ت (248 ه) (4).
6) إعراب القرآن: لأحمد بن يحيى المعروف بثعلب ت (291 ه) (5).
7) إعراب القرآن: لأبي العباس محمد بن يزيد المبرد ت (286 ه). (6)
8) إعراب القرآن: للزجاج إبراهيم بن السري ت (311 ه) (7).
ص: 176
9) إعراب القرآن: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه) (1).
10) إعراب ثلاثين سورة من القرآن: الحسين بن أحمد بن خالويه ت (370 ه) (2).
4) تفسير غريب القرآن: للإمام مالك بن أنس ت (179 ه). (1)
5) غريب القرآن: لعلي بن حمزة الأسدي الكسائي ت (189 ه). (2)
6) غريب القرآن: لقطرب محمد بن المستنير ت (206 ه). (3)
7) تأويل غريب القرآن: للفراء يحيى بن زياد ت (207 ه). (4)
8) غريب القرآن: لأبي عبيدة معمر بن المثنى ت (209 ه). (5)
9) تأويل غريب القرآن: لأبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش ت (216 ه). (6)
ص: 178
10) غريب القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (223 ه). (1)
11) غريب القرآن: لمحمد بن سلام الجمحي ت (231 ه). (2)
12) غريب القرآن: لابن السكيت ت (244 ه). (3)
13) تفسير غريب القرآن: لابن قتيبة الدينوري ت (276 ه). (4)
14) غريب القرآن: لمحمد بن العباس بن محمد اليزيدي ت (311 ه). (5)
ص: 179
15) غريب القرآن، المسمى نزهة القلوب: لأبي بكر السجستاني ت (330 ه). (1)
16) الإشارة في غريب القرآن: لأبي بكر النقاش ت (351 ه). (2)
17) غريب القرآن: لأحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه). (3)
2) الناسخ و المنسوخ: لابن شهاب الزهري ت (124 ه). (1)
3) الناسخ و المنسوخ: لعطاء بن مسلم الخراساني ت (135 ه). (2)
4) ناسخ القرآن و منسوخه: لمحمد بن السائب الكلبي ت (146 ه). (3)
5) الناسخ: للحسين بن واقد المروزي ت (159 ه). (4)
6) الناسخ و المنسوخ: لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي ت (182 ه). (5)
ص: 181
7) الناسخ و المنسوخ: لعبد الوهاب العجلي الخفاف ت (204 ه). (1)
8) الناسخ و المنسوخ: لحجاج بن محمد المصيصي الأعور ت (206 ه). (2)
9) الناسخ و المنسوخ: لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي ت (224 ه). (3)
10) الناسخ و المنسوخ: للحسن بن فضال الكوفي ت (244 ه). (4)
11) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن سعد بن منيع العوفي ت (230 ه). (5)).
ص: 182
12) ناسخ القرآن و منسوخه: لجعفر بن مبشر الثقفي المعتزلي ت (235 ه). (1)
13) الناسخ و المنسوخ: لسريج بن يونس المروزي ت (236 ه). (2)
14) ناسخ القرآن و منسوخه: للإمام أحمد بن حنبل ت (241 ه). (3)
15) الناسخ و المنسوخ: لأبي داود السجستاني ت (275 ه). (4)
16) ناسخ القرآن و منسوخه: لإبراهيم بن إسحاق الحربي ت (285 ه). (5)
ص: 183
17) الناسخ و المنسوخ: لأبي مسلم إبراهيم الكجي الكشي ت (292 ه) (1).
18) الناسخ و المنسوخ: للحسين بن منصور الحلاج ت (309 ه). (2)
19) الناسخ و المنسوخ: لأبي بكر السجستاني ت (316 ه). (3)
20) ناسخ القرآن و منسوخه: للزبير أحمد الزبيري ت (317 ه). (4)
21) معرفة الناسخ و المنسوخ: لعلي بن أحمد بن حزم الأنصاري ت (320 ه). (5)).
ص: 184
22) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن عثمان الشيباني المعروف بالجعد ت (322 ه). (1)
23) الناسخ و المنسوخ: لابن الأنباري ت (328 ه). (2)
24) (....) لابن المنادى ت (336 ه). (3)
25) الناسخ و المنسوخ في القرآن الكريم: لأبي جعفر النحاس ت (338 ه). (4)ا.
ص: 185
26) الناسخ و المنسوخ: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه البردعي المعتزلي ت (350 ه). (1)
27) الناسخ و المنسوخ: لأبي الحكم منذر بن سعيد البلوطي الأندلسي ت (355 ه). (2)
28) لأبي سعيد الحسن بن عبد اللّه بن المرزبان السيرافي ت (368 ه). (3)
29) الناسخ و المنسوخ: لأبي الحسين محمد بن محمد النيسابوري ت (368 ه). (4)
30) الناسخ و المنسوخ: لمحمد بن علي بن بابويه القمي ت (381 ه). (5)
ص: 186
1) متشابه القرآن: لمقاتل بن سليمان الأزدي ت (150 ه). (1)
2) متشابه القرآن: لعلي بن حمزة الكسائي ت (187 ه). (2)
3) الرد على الملحدين في متشابه القرآن: لمحمد بن المستنير المعروف بقطرب ت (206 ه). (3)
4) تأويل مشكل القرآن: لابن قتيبة الدينوري ت (276 ه). (4)
5) توضيح المشكل في القرآن: لسعيد بن محمد الغساني بن الحداد ت (302 ه). (5)
ص: 187
6) متشابه القرآن: لابن المنادى ت (336 ه). (1)
1) فضائل القرآن و ما نزل منه بمكة و ما نزل بالمدينة: لابن الضريس ت (194 ه). (2)
2) فضائل القرآن: لمحمد بن إدريس الشافعي: ت (204 ه). (3)
3) فضائل القرآن: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (223 ه). (4)
4) فضائل القرآن: لخلف بن هشام بن ثعلب ت (229 ه). (5)
ص: 188
5) فضائل القرآن: لهشام بن عمار بن نصير الظفري ت (245 ه). (1)
6) فضائل القرآن: لحفص بن عمر بن عبد العزيز بن صبهان ت (246 ه). (2)
7) فضائل القرآن: ليحيى بن زكريا بن إبراهيم بن مزين ت (259 ه). (3)
8) فضائل القرآن: لعلي بن الحسن بن فضال الشيعي ت (290 ه). (4)
9) فضائل القرآن و ما جاء فيه من الفضل و في كم يقرأ و السنة في ذلك: للفريابي ت (301 ه). (5)
ص: 189
10) فضائل القرآن: للإمام النسائي ت (303 ه). (1)
11) فضائل القرآن: لابن الحداد (2)
12) القراءات: ليحيى بن يعمر (ت 89 ه) .. (3)
13) اختيار في القراءة على مذهب العربية: لابن محيصن ت (123 ه) (4)
14) اختيار القراءة: لعيسى بن عمر الثقفي ت (149 ه). (5)
15) كتاب القراءات: لأبي عمرو بن العلاء ت (154 ه). (6)
16) القراءة: لحمزة الكوفي ت (156 ه). (7)
ص: 190
17) القراءة: لنافع المدني ت (169 ه). (1)
18) القراءة: لهشيم بن بشير ت (183 ه). (2)
19) القراءة: لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (224 ه). (3)
20) القراءة: لأحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، (ت 258 ه). (4)
21) القراءة: للقاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي ت (282 ه). (5)
22) الجامع: لابن جرير الطبري ت (310 ه). (6)
23) القراءة: لأبي بكر محمد الداجوني ت (324 ه). (7)).
ص: 191
24) القراءات السبع: لابن مجاهد ت (324 ه). (1)
25) القراءات: لأحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه). (2)
26) القراءة: لأبي بكر أحمد بن نصر الشذائي ت (370 ه). (3)
27) القراءة: للحسين بن عثمان البغدادي الضرير ت (378 ه) أول من نظم في القراءات السبع. (4) علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 192 ز - علم فضائل القرآن و القراءات القرآنية و عد الآي: ..... ص : 188
28) كتاب الشامل و الغاية: لأبي بكر بن مهران ت (381 ه). (5)).
ص: 192
29) عد الآي: للحسن البصري ت (110 ه). (1)
30) أعشار القرآن أو (عواشر القرآن): قتادة بن دعامة السدوسي ت (118 ه). (2)
و ظهرت مصنفات في فنون أخرى، ففي الوقف و الابتداء كتب ابن الأنباري ت (328 ه): إيضاح الوقف و الابتداء في كتاب اللّه. (3)
و في نزول القرآن كتب الضحاك بن مزاحم البلخي ت (105 ه) (4)، و الحسن البصري ت (110 ه) (5)، و كتب علي بن الحسن بن فضال الكوفي ت (224 ه) كتابا أسماه: التنزيل في القرآن (6).
و في أسباب النزول كتب علي بن عبد اللّه المديني شيخ البخاري
ص: 193
ت (234 ه) كتابه: أسباب النزول. (1)، و كتب عبد الرحمن بن أصبغ (أبو المطرف) ت (402 ه) كتابه: القصص و الأسباب التي نزل القرآن من أجلها الكتاب. (2).
و في اختلاف المصاحف كتب يحيى بن يعمر كتابا أسماه: القراءة. جمع فيه اختلاف المصاحف المشهورة (3) و كتب عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه) كتاب: اختلاف مصاحف الشام و الحجاز و العراق. (4) جمع فيه ما روي من اختلاف الناس فيما وافق الخط (5).
ص: 194
و في أمثال القرآن كتب الحكيم الترمذي ت (313 ه) كتابا أسماه:
الأمثال من الكتاب و السنة. (1)، و كتب نفطويه الأزدي العتكي ت (323 ه): أمثال القرآن (2).
و في المقطوع و الموصول كتب عبد اللّه بن عامر اليحصبي ت (118 ه) (3).
و في إعجاز القرآن، كتب أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة ت (355 ه) كتابه: موجز التأويل عن معجز التنزيل (4)، و كتب علي بن عيسى الرماني ت (386 ه) كتابه: النكت في إعجاز القرآن (5)، و كتب عبد).
ص: 195
اللّه بن عبد الرحمن النفزاوي القيرواني ت (386 ه) كتابه: إعجاز القرآن (1)، كما كتب حمد بن محمد الخطابي البستي ت (388 ه) كتابه: بيان إعجاز القرآن (2) و كتب أبو منصور الثعالبي (ت 355 ه) الإعجاز و الإيجاز (3).
لم يظهر خلال هذه الفترة من الموسوعات في علوم القرآن عدا كتاب:
«فهم القرآن» للحارث بن أسد المحاسبي ت (243 ه) (4). و اللّه أعلم.
إن المتابع للتأليف في هذه المرحلة يجد عناوين لكثير من التفاسير غير أن الوقوف على أغلب تلك التفاسير أمر متعذر إذ إن معظمها قد فقد و لم تصل إلينا لسبب أو لآخر، و لعل ما وصلنا من هذه التفاسير التي تحمل مقدمات هي:
ص: 196
1) تفسير القرآن لعبد الرزاق بن همام الصنعاني المتوفى (211 ه).
2) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لمحمد بن جرير الطبري ت (310 ه).
3) تفسير أبي الليث السمرقندي ت (373 ه). و هي كلها مطبوعة، و سأتناولها في الباب الثاني إن شاء اللّه تعالى.
شهدت هذه المرحلة نهضة علمية كبيرة، و استمر نشاط العلماء و هاجا كالسابق، و ازدهرت حركة التأليف و التصنيف حتى بلغت الذروة، فما تكاد تجد علما من تلك العلوم إلا و قد طرق العلماء أبوابه، و جالوا النظر في مبناه، حتى أطنبوا في البيان، و كشفوا عن دقائقه، و ألفوا فيه المؤلفات التي شهدت لهم برسوخ القدم و علو الكعب.
و قد تميزت هذه المرحلة بالتالي:
1) تشعب العلوم و اتساعها، فقد ظهرت مصنفات كثيرة في فنون علوم القرآن المتنوعة، و ارتقت تلك المؤلفات في معالجتها للموضوعات عن المرحلة السابقة و توسعت، كما توسعت في نظرتها لمادة تلك الموضوعات، حيث نهجت نهج الاستقراء و الاستيعاب للأنواع التي ألفت فيها.
2) التوجه لتحديد كثير من المفاهيم المتعلقة بعلوم القرآن، و تمحيص
ص: 197
الكتابات السابقة، فوضعت الضوابط و القواعد التي جعلت الكتابة أكثر موضوعية، و التي ساهمت إلى حد كبير في إسقاط ما كان حشوا و فضولا من الأقوال و الآراء التي وجدت في المراحل المتأخرة من المرحلة السابقة، عند بعض المنتسبين للعلم.
3) ظهور المصنفات الموسوعية الجامعة في علوم القرآن، و كانت هي السمة الجديدة في التأليف في هذه المرحلة، و قد كانت في البدايات محاولات لضم مجموعة من العلوم الهامة و المشكلة، و التي كثرت في تفسيرها الأقوال و تعددت المذاهب، في مصنف واحد، و تضمنت تلك المصنفات علوما بعدد، ثم سرعان ما اتجهت الهمم لجمع كل العلوم التي تخدم النص القرآني، أو تسهل سبل فهمه، بين دفتين، تسهيلا لطالب العلم، و تنظيما للمعرفة على غرار علوم الحديث. فبلغت على يد العالم الموسوعي جلال الدين السيوطي- رحمه اللّه- ثمانين نوعا، على سبيل الإدماج، و لو نوعت باعتبار ما أدمجه في ضمنها لزادت على الثلاثمائة (1).
و سار التصنيف الموسوعي إلى جانب التصنيف الموضوعي جنبا إلى جنب، فمن العلماء من توجه للكتابة في علوم القرآن كفنّ مستقل، و منهم من كتب في نوع من أنواعه، و فن من فنونه.
و مع اعترافنا بأن غالب الذين صنفوا في هذا العلم قد أجادوا في
ص: 198
عرض الموضوعات و معالجتها- مع تفاوت بينهم في هذه الإجادة- غير أننا نقر و نعترف بالفضل للزركشي صاحب «البرهان» الذي جاء في منتصف هذه المرحلة، و الذي تولى ريادة هذا النهج العلمي الدقيق في عرض الموضوعات، الذي سار عليه جلّ من جاء بعده، حتى الحافظ السيوطي صاحب أشهر المصنفات في هذا الفن.
بل نقرّ للزركشي بأن من جاء بعده قد اعتمد على مادة كتابه العلمية، فكان الأساس الذي بنى عليه المتأخرون تآليفهم، حتى الأمثلة التي استشهد بها الزركشي نجدها هي نفسها التي اعتمدها المتأخرون. و لهذا لم يجد السيوطي بدا من الاعتراف للزركشي بهذا الفضل، و لم يزد على أن قال:
و رتبت أنواعه ترتيبا أنسب من ترتيب البرهان، و أدمجت بعض الأنواع في بعض، و فصلت ما حقه أن يبان، و زدته على ما فيه من الفوائد و الفرائد، و القواعد و الشوارد ما يشنف الأذان. (1)
و من أهم المصنفات التي ظهرت في هذه المرحلة:
أ- التنبيه على فضل علوم القرآن: للحسن بن محمد بن الحسن بن حبيب، أبو القاسم النيسابوري ت (402 ه).
ص: 199
ب- أنوار الفجر: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري الإشبيلي، المعروف بابن العربي ت (543 ه) (1) يقول ابن جزي الكلبي في التسهيل: صنف ابن العربي كتاب «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال و الجمع لعلوم القرآن، فلما تلف تلافاه بكتاب «قانون التأويل» (2).
و كتابه قانون التأويل قد ذكر فيه الحروف في أوائل السور، و الأمثال في القرآن، و المحكم و المتشابه، و النسخ في القرآن، و غير ذلك، و قد قال مصنفه في مقدمته: مختصر مجموع في علوم القرآن ليكون مفتاحا للبيان.
ج- فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ت (597 ه).
د- المجتبى في علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت (597 ه).
ه- مفتاح الباب المقفل لفهم الكتاب المنزل: لأبي الحسن علي بن
ص: 200
إبراهيم الحرالي ت (637 ه) (1) قال الداودي: جعله قوانين كقوانين أصول الفقه (2).
و- جمال القراء و كمال الإقراء: لعلم الدين أبو الحسن علي بن محمد ابن عبد الصمد السخاوي ت (643 ه) (3).
ز- المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز: لأبي شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي ت (665 ه) (4).
ح- الإكسير في علوم التفسير: لنجم الدين أبو الربيع سليمان بن
ص: 201
عبد القوي ابن عبد الكريم الطوفي الصرصري ت (716 ه). (1)
ط- مقدمة في أصول التفسير: لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت (728 ه) (2).
ي- الفوائد المشوق إلى علوم القرآن و علم البيان: لشمس الدين أبي عبد اللّه محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية ت (751 ه). (3)
ك- البرهان في علوم القرآن: لبدر الدين محمد بن عبد اللّه الزركشي ت (794 ه).
ل- مواقع العلوم عن مواقع النجوم: لجلال الدين عبد الرحمن بن عمر البلقيني ت (824 ه).
م- التيسير في قواعد علم التفسير: لأبي عبد اللّه محي الدين
ص: 202
الكافيجي ت (879 ه).
ن- التحبير في علوم التفسير: لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه).
س- الإتقان في علوم القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه).
لقد سن عبد الرزاق الصنعاني، و ابن جرير الطبري- رحمهما اللّه- سنة حسنة حين قدما لتفسيريهما مقدمات، و قد تبعهما جل الذين جاءوا من بعدهما، فحذوا حذوهما و قدموا لتفاسيرهم بمقدمات عن علوم القرآن المتنوعة، و من أهم تلك التفاسير التي ظهرت في هذه الفترة:
1) مقدمة كتاب (المباني في نظم المعاني) لمؤلف مجهول، يعود تاريخ الكتاب إلى عام (425 ه).
2) مقدمة تفسير (الكشف و البيان عن تفسير القرآن): لأحمد بن محمد الثعلبي ت (427 ه). (1)
ص: 203
3) مقدمة التفسير (الهداية إلى بلوغ النهاية في علم معاني القرآن و تفسيره و أحكامه و جمل من فنون علومه)، لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (1).
4) مقدمة تفسير (التحصيل لفوائد كتاب التفصيل الجامع لعلوم التنزيل)، لأبي العباس أحمد بن عمار المهدوي ت (440 ه) (2).
5) مقدمة التفسير (النكت و العيون في تفسير القرآن) لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ت (450 ه).
6) مقدمة تفاسير الواحدي (البسيط و الوسيط الوجيز) لعلي بن أحمد بن محمد الواحدي النيسابوري ت (468 ه).
7) مقدمة تفسير (معالم التنزيل) لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ت (516 ه).
ص: 204
8) مقدمة تفسير (المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز): لأبي محمد عبد الحق ابن عطية الغرناطي ت (541 ه).
9) مقدمة تفسير: (زاد المسير في علم التفسير) لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي ت (597 ه).
10) مقدمة التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) لفخر الدين الرازي ت (606 ه).
11) مقدمة تفسير (الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمن من السنة و آي الفرقان)، لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد القرطبي ت (671 ه).
12) مقدمة تفسير (لباب التأويل في معاني التنزيل) لأبي الحسن علي بن محمد الشيحي المعروف بالخازن ت (741 ه).
13) مقدمة تفسير (البحر المحيط) لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف الغرناطي الشهير بأبي حيان ت (745 ه).
14) مقدمة تفسير (القرآن العظيم)، للحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي ت (774 ه).
1) القصص و الأساليب التي نزل من أجلها القرآن: لأبي المطرف
ص: 205
عبد الرحمن ابن عيسى بن إصبع ت (402 ه). (1)
2) أسباب النزول: لأبي الحسن علي بن أحمد بن محمد علي النيسابوري الواحدي ت (468 ه). (2)
3) مدد الرحمن في أسباب نزول القرآن: زين الدين عبد الرحمن بن علاء الدين علي بن إسحاق التميمي المقدسي الشافعي ت (876 ه) (3).
4) لباب النقول في أسباب النزول: للحافظ عبد الرحمن السيوطي ت (911 ه).
3) الكلام في وجوه إعجاز القرآن: لمحمد بن عبد السلام العكبري ت (413 ه) (1).
4) المغني في إعجاز القرآن: للقاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني ت (415 ه) (2).
5) الرسالة الشافية في الإعجاز: لعبد القاهر الجرجاني ت (471 ه) (3).
6) دلائل الإعجاز: لعبد القاهر الجرجاني ت (471 ه) (4).
7) الجمان في تشبيهات القرآن: لعبد اللّه بن محمد المعروف بابن ناقيا البغدادي ت (485 ه) (5).
8) أسرار التكرار في القرآن: لمحمود بن حمزة بن نصر الكرماني ت (505 ه) (6).
ص: 207
9) إعجاز القرآن: لمحمد بن بابجوك البقالي الخوارزمي ت (562 ه) (1).
10) البرهان الكاشف عن إعجاز القرآن: لعبد الواحد بن عبد الكريم الزملكاني ت (562 ه) (2).
11) بديع القرآن: لعبد العظيم بن عبد الواحد بن ظافر بن أبي الأصبع ت (654 ه) و له التحبير في صناعة الشعر و النثر و بيان إعجاز القرآن (3).
12) بديع القرآن: لهبة اللّه بن عبد الرحمن بن البارزي ت (738 ه) (4).
ص: 208
13) الطراز في علوم حقائق الإعجاز: عماد الدين يحيى بن حمزة العلوي ت (745 ه) (1).
14) تبصير الرحمن و تيسير المنان ببعض ما يشير إلى إعجاز القرآن:
لعلي بن أحمد بن علي المهائمي الهندي المعروف بالمجذوم ت (835 ه) (2).
15) معترك الأقران في إعجاز القرآن: للحافظ عبد الرحمن السيوطي ت (910 ه) (3).
16) بيان أسلوب الحكيم: لأحمد بن سليمان بن كمال باشا ت (940 ه) (4).
2) إعراب القرآن: لأبي الحسن علي بن إبراهيم الحوفي ت (430 ه)، مستخرج من تفسيره البرهان، استخرجه إسماعيل بن خلف المقري الأنصاري (1).
3) مشكل إعراب القرآن: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (2).
4) الملخص في إعراب القرآن: لأبي زكريا يحيى بن علي التبريزي ت (502 ه) (3).
5) البيان في إعراب غريب القرآن: لعبد الرحمن بن محمد بن أبي سعيد الأنباري ت (577 ه) (4).
6) التبيان في إعراب القرآن: و يسمى (إملاء ما منّ به الرحمن من وجوه الإعراب و القراءات في جميع القرآن): لأبي البقاء عبد اللّه بن الحسين
ص: 210
العكبري ت (616 ه)، (1)، و له إعراب القراءات الشواذ (2).
7) الفريد في إعراب القرآن المجيد: للمنتجب بن أبي العز الهمداني ت (643 ه) (3).
8) المجيد في إعراب القرآن المجيد: لإبراهيم بن محمد السفاقسي الفقيه المالكي ت (742 ه) (4).
9) إعراب القرآن: للحسن بن قاسم المرادي المصري ت (749 ه) (5).
10) إعراب القرآن الكريم: لأبي حيان محمد بن يوسف الأندلسي
ص: 211
ت (745 ه) (1).
11) الدر المصون في علوم الكتاب المكنون: لأحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي، المعروف بالسمين ت (756 ه) (2).
12) إعراب مواضع من القرآن (المسائل السفرية) لأبي محمد عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن هشام الأنصاري ت (761 ه) (3).
13) تحفة الإخوان في إعراب بعض آيات القرآن: لعبد الرحمن بن محمد الجزائري المعروف بالثعالبي ت (875 ه) (4).
14) ضمائر القرآن: لمحمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني ت (786 ه) (5).
ص: 212
15) إعراب القرآن: لشيخ الإسلام زكريا بن محمد الأنصاري ت (926 ه) (1).
1) مشكل غريب القرآن: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) (1).
2) مفردات غريب القرآن: لحسين بن علي المعروف بالراغب ت (502 ه) (2).
3) تذكرة الأريب بما تفسير الغريب: لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ت (597 ه) و له غريب الغريب.
4) تحفة الأريب بما في القرآن الكريم من الغريب: لأبي حيان الأندلسي ت (745 ه) (3).
5) بهجة الأريب في غريب القرآن: لابن التركمان علي بن عثمان المارديني أبو الحسن ت (750 ه) (4).
ص: 214
6) تفسير غريب القرآن: لأبي حفص عمر بن أبي الحسين علي بن أحمد الأنصاري، المعروف بابن الملقن ت (804 ه).
1) المنتهى في القراءات: لأبي الفضل محمد بن جعفر الخزاعي ت (408 ه) (1).
2) الروضة: لأحمد بن محمد المعافري الطلمنكي ت (429 ه) (2).
3) التبصرة في القراءات السبع: لأبي محمد مكي بن أبي طالب ت (437 ه) (3).
4) الكشف عن القراءات السبع: لأبي محمد مكي بن أبي طالب ت (437 ه) (4).
5) التيسير في القراءات السبع: لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (5).
ص: 215
6) التمهيد لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (1).
7) جامع البيان: لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني ت (444 ه) (2).
8) الوجيز في القراءات: لأبي علي الحسن بن إبراهيم الأهوازي ت (446 ه) و له «الإيجاز» و «الإيضاح» و غيره. (3) قال ابن الجزري: لم يلحقه أحد في هذا الشأن.
9) الكامل في القراءات: ليوسف بن علي بن جبارة الهذلي. ت (465 ه) (4).
10) التلخيص في القراءات الثمان: لأبي معشر عبد الكريم بن عبد الصمد الطبري القطان ت (478 ه)، و له «الرشاد في القراءة الشاذة»، و «سوق العروس» (5).
ص: 216
11) الجامع الأكبر و البحر الأزخر: لأبي القاسم عيسى بن عبد العزيز الإسكندري ت (629 ه) (1).
3) التبيان لمبهمات القرآن: لابن جماعة بدر الدين محمد بن إبراهيم ت (733 ه). (1) و له: غرر البيان لمبهمات القرآن. و هو مختصر للسابق (2).
4) صلة الجمع و عائد التنزيل لموصول كتابي الإعلام و التكميل: جمع بين كتابي السهيلي و ابن عسكر: لمحمد بن علي الأوسي المغربي (3).
5) مفحمات الأقران في مبهمات القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه). (4)
2) المتشابهات في القرآن: للشريف الرضي محمد بن الحسين ت (406 ه). (1)
3) متشابه القرآن: لعبد الجبار بن أحمد الهمذاني الأسترآبادي ت (415 ه).
4) درة التنزيل و غرة التأويل في بيان الآيات المتشابهات في كتاب اللّه العزيز: لمحمد بن عبد اللّه المعروف بالخطيب الإسكافي ت (431 ه). (2)
5) مشكل القرآن: لمحمد بن أحمد بن مطرف الكناني أبو عبد اللّه ت (545 ه).
6) البرهان في مشكلات القرآن: لأبي المعالي عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي المعروف بشيذلة ت (494 ه). (3)
7) حل متشابهات القرآن: للراغب الأصفهاني الحسين بن
ص: 219
محمد ت (502 ه). (1)
8) البرهان في توجيه متشابه القرآن لما فيه من الحجة و البيان: لبرهان الدين محمود بن حمزة بن نصر الكرماني المقري ت (505 ه). (2)
9) تأويل متشابهات القرآن: لمحمد بن علي بن شهراسوب ت (588 ه). (3)
10) تذكرة المنتبه في عيون المشتبه: لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي ت (597 ه). (4)
11) الآيات المتشابهات: لأحمد بن يزيد بن بقي بن مخلد ت (625 ه). (5)
ص: 220
12) بيان مشتبه القرآن: لعيسى بن عبد العزيز اللخمي الإسكندري ت (629 ه). (1)
13) ري الظمآن في متشابه القرآن: لأبي محمد عبد اللّه بن عبد الرحمن بن محمد الأنصاري الأندلسي ت (634 ه). (2)
14) ملاك التأويل القاطع لذوي الإلحاد و التعطيل في توجيه المتشابه من آي التنزيل: لابن الزبير الغرناطي أحمد بن إبراهيم. ت (708 ه). (3)
15) رد معاني الآيات المتشابهات إلى معاني الآيات المحكمات: محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الأسعردي المعروف بابن اللبان. ت (749 ه). (4)
ص: 221
1) نظم السور: لأبي العلاء أحمد بن عبد اللّه بن سليمان المعري ت (449 ه). (1)
2) البرهان في ترتيب سور القرآن: لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي ت (708 ه) (2).
3) نظم الدرر في تناسب الآيات و السور: لبرهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي ت (885 ه) (3). و له دلالة البرهان القويم على تناسب آي القرآن العظيم (4).
4) تناسق الدرر في تناسب السور: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه) (5).
5) ربط السور و الآيات: لمحمد بن مبارك المعروف بحكيم شاه
ص: 222
القزويني ت (920 ه) (1).
6) نظم سور القرآن: لعبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد المكناسي ت (964 ه) (2).
3) الناسخ و المنسوخ: لأبي منصور عبد القاهر بن طاهر الأسفراييني ت (429 ه). (1)
4) الإيضاح في ناسخ القرآن و منسوخه و معرفة أصوله و اختلاف الناس فيه: لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه).
5) الناسخ و المنسوخ: لأبي محمد علي بن حزم الظاهري ت (456 ه). (2)
6) الناسخ و المنسوخ: لأبي الوليد سليمان بن خلف التجيبي الباجي ت (474 ه). (3)
7) الإيجاز في الناسخ و المنسوخ: محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي المصري ت (520 ه). (4)
ص: 224
8) ناسخ القرآن و منسوخه: لأبي بكر محمد بن عبد اللّه بن العربي المعافري الإشبيلي ت (543 ه). (1)
9) الموجز في الناسخ و المنسوخ: لأبي القاسم محمود بن أبي الحسن النيسابوري الغزنوي ت (550 ه). (2)
10) رسوخ الأخبار في الناسخ و المنسوخ من الأخبار: لابن الجوزي أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ت (597 ه). (3)
11) الناسخ و المنسوخ: لعلي بن محمد بن محمد الأنصاري الخزرجي الأندلسي المعروف بابن الحصار ت (611 ه). (4)
ص: 225
12) الطود الراسخ في الناسخ و المنسوخ: لعلم الدين السخاوي علي ابن محمد بن عبد الصمد ت (643 ه). (1)
13) رسوخ الأخبار في الناسخ و المنسوخ من الأخبار: برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل أبو إسحاق الشافعي ت (732 ه).
14) الناسخ و المنسوخ: لأبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الأسفراييني العامري. (2)
ص: 226
15) ناسخ القرآن العزيز و منسوخه: لشرف الدين هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم ابن البارزي ت (738 ه). (1)
16) ناسخ القرآن و منسوخه: يحيى بن عبد اللّه الواسطي الشافعي ت (738 ه). (2)
17) عقود القيان في الناسخ و المنسوخ في القرآن: محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى ت (728 ه). (3)
ص: 227
18) الناسخ و المنسوخ: لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت (852 ه). (1)
19) ناسخ القرآن و منسوخه: لشهاب الدين أحمد بن إسماعيل الأبشيطي ت (883 ه). (2)
20) الآيات التي فيها الناسخ و المنسوخ: لإبراهيم بن محمد المعروف بابن أبي شريف المقدسي ت (923 ه). (3)
1) الأشباه و النظائر في القرآن الكريم: لأبي منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي ت (429 ه). (4)
2) وجوه القرآن: لإسماعيل بن أحمد الحيري النيسابوري الضرير
ص: 228
ت (430 ه). (1)
3) الوجوه و النظائر: للحسن بن أحمد بن البناء البغدادي الحنبلي: ت (471 ه). (2)
4) إصلاح الوجوه و النظائر في القرآن الكريم. للحسين بن محمد الدامغاني ت (478 ه). (3)
5) الوجوه و النظائر: لعلي بن عبيد اللّه الزاغوني الحنبلي: ت (527 ه). (4)
ص: 229
6) نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه و النظائر: لعبد الرحيم بن الجوزي ت (579 ه). (1)
7) الذخائر في الأشباه و النظائر: لعبد الرحمن بن علي بن إسحاق التميمي الداري ت (876 ه). (2)
8) كشف السرائر في معنى الوجوه و الأشباه و النظائر: لمحمد بن محمد بن علي البلبيسي المعروف بابن العماد ت (887 ه). (3)
9) معترك الأقران في مشترك القرآن: لجلال الدين السيوطي ت (911 ه). (4)
ص: 230
و بعد هذه الجهود المباركة جاءت على المسلمين فترة ضعف خفت فيها تلك الجذوة الوهاجة التي شهدتها القرون السابقة، فضعف التأليف في العلوم عامة، و في علوم القرآن خاصة، و لم يظهر في العالم الإسلامي الواسع من المصنفات إلا اليسير النادر بين الفينة و الفينة، يعتمد مؤلفوها على جهود سابقيهم و مصنفاتهم، فغلب على مؤلفاتهم النادرة صبغة الاختصار حينا، و الشرح و التبسيط حينا آخر، و قد دامت مدة الفتور هذه أكثر من ثلاثة قرون، و لعل أسبابه تعود إلى ما تعرض له العالم الإسلامي من كيد الإعداء، و الضربات الموجعة التي تلقاها في مواطن عديدة من دياره، كان أقواها تلك الحملة الصليبية الشرسة التي نكبت بديار الأندلس في المغرب العربي، و الأندلس كما هو معروف مركز من مراكز الإشعاع الحضاري و العلمي الذي مد العالم الإسلامي خلال القرون الماضية بنخبة من المفسرين الذين لا يشق لهم غبار، بل يستطيع المرء أن يقرر هنا أن التفسير و علوم القرآن نضجا و استويا على سوقهما بالصورة المشرقة التي نراها من خلال جهود المفسرين من الديار المغربية و علمائها، و خاصة أهل الأندلس، غير أن الهجمة التي تعرض إليها أرض العلم و مأوى العلماء في الأندلس، و الاحتلال الذي اغتصب أرض الخير هناك، جعل العلماء الذين هم القادة ينصرفون عن التعليم ليحملوا السلاح، و ليدافعوا عن ديار الإسلام لتطهير الأراضي كما كانوا يفعلون لتطهير القلوب، و حين سألت المؤرخ الإسلامي الأستاذ القدير/ محمود شاكر عن سبب فتور العلم في هذه المرحلة، و عدم
ص: 231
ظهور المصنفات، لم يتردد يحفظه اللّه في عزو ذلك إلى انشغال العلماء بالجهاد حيث قال: حين سقطت الأندلس عام 897 ه، و بدأت سيطرة النصارى، توجه العلماء و طلبة العلم و الخيرون إلى المقاومة، و كان العلماء هم الذين يقودون المقاومة. و قد دامت هذه الفترة العصيبة مدة طويلة. قال:
و لهذا نجد حقد الصليبية على العلماء و على فكرهم إلى يومنا هذا.
و أضاف يقول: و هذه الظاهرة لم تقتصر على العلوم الدينية بل شملت العلوم التجريبية؛ و تابع قوله: و بعد سقوط الخلافة الإسلامية، انحصر كل مصر من أمصار المسلمين بنفسه، و استقل بذاته، و فصلت الديار الإسلامية. و حين رأى الخيرون من أبناء المسلمين أنهم أصبحوا في عزلة من إخوانهم اتجهوا مرة أخرى إلى الاهتمام بالعلم، فعقدت الحلقات العلمية في المساجد، و دفع الناس أبناءهم إليها، و تزاحم الطلبة على أبواب من بقي من أهل العلم، ينهلون المعارف، حتى شهد العالم الإسلامي بفضل اللّه نهضة مباركة شملت كثيرا من ميادين الحياة، فكانت المرحلة الثالثة في العصر الحديث.
هذا و قد وجدت مجموعة مؤلفات هنا و هناك من ديار الإسلام بين الحين و الآخر، و من ذلك:
1) قلائد المرجان في الناسخ و المنسوخ من القرآن: لمرعي بن يوسف
ص: 232
الكرمي ت (1033 ه) و قد طبع. (1)
2) تحفة الفقير ببعض علوم التفسير: لشمس الدين أبو عبد اللّه محمد ابن سلامة الإسكندري المالكي ت (1149 ه) و قد طبع. (2)
3) الزيادة و الإحسان في علوم القرآن: لابن عقيلة محمد بن أحمد الحنفي المكي ت (1150 ه). (3)
4) الفوز الكبير في أصول التفسير: لولي اللّه الدهلوي ت (1176 ه).
5) إرشاد الرحمن لأسباب النزول و النسخ و المتشابهة و تجويد القرآن:
لعطية اللّه بن عطية البرهان الأجهوري ت (1190 ه). (4)س.
ص: 233
6) لب التفاسير في معرفة أسباب النزول و التفسير: لمحمد بن عبد اللّه القاضي الرومي ت (1195 ه) (1)
7) عجيب البيان في علوم القرآن: للشيخ عبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي ت (1223 ه). (2)
8) جواهر القرآن في التجويد: محمود بن محمد بن مهدي العلوي التبريزي ت (1287 ه).
و كان الغالب على تلك المؤلفات سمة النقل و الانتخاب، يتخللها أحيانا تعليقات و إضافات هي الأخرى مختارة و منتقاة من علوم الأولين، و يستطيع المرء أن يؤكد هنا فقدان هذه الفترة لعنصر التجديد و الابتكار.
في عصرنا الحديث نهضت جملة من العلوم، و شهدت الساحة العلمية تنافسا قويا في شتى ميادين المعرفة، و قد كان للعلوم الإسلامية عامة و علوم القرآن بصورة خاصة حظ وافر، و نصيب كبير من ذلك الاهتمام، فظهرت المؤلفات التي تخصصت بالدراسات القرآنية، و أعاد ثلة من العلماء النظر في
ص: 234
ذلك التراث الضخم الذي بقي مخطوطا و الذي أثقلت رفوف المكتبات العامة و الخاصة من حمله، فأخرجته أيدي المحققين، بعد أن نفضت عنه تراب السنين، و عكف الباحثون على تحقيقه و إخراجه بصورة مرضية، وفق أسس منهجية علمية، يعيدون النظر في المواضع التي تحتاج منهم إلى إعادة نظر، فقوّموا النص، و أخرجوه على أفضل صورة بعد أن وقفوا على النسخ المتعددة و قابلوا بينها، و لم يأل أولئك جهدا في إثبات التعليقات المفيدة، و الإضافات النافعة، و شرح الغامض من الألفاظ و العبارات، و خاصة تلك التي أصبحت غريبة على جيل العصر، فذيلت الأصول بحواش قربت البعيد، و يسّرت الصعيب، و أصبح في إمكان طالب العلم فهم نصوص السلف على مرادهم بيسر و سهولة.
و اتجه فريق آخر من أهل العلم إلى الكتابة ابتداء، و رأى أن لكل جيل مفهومه و قدراته و حاجاته، و أن من حق أبناء العصر أن يقدم لهم العلم بالطريقة التي يفهمونها، و بالأسلوب الذي يرتاحون له، فظهرت المصنفات التي بدت عليها هذه السمات، مع التحقيق و التمحيص بين المنقولات، و يمثل كتاب الأستاذ الدكتور مصطفى زيد «النسخ في القرآن الكريم» واحدا من هذه المصنفات التي عالجت موضوعا قرآنيا بنظرة حديثة، و كذا كتاب الأستاذ غانم قدوري الذي أسماه: رسم المصحف، دراسة لغوية و تقويمية.
كما كان للاستحداث الذي حدث لأسلوب التعليم في الجامعات و الأكاديميات العلمية، أثر عظيم في نوعية التآليف التي ظهرت.
ص: 235
و لأن العصر الحديث قد أفرز على السطح علوما تجريبية علمية، و وضعت النظريات العلمية الحديثة و التي على ضوئها شهدت الساحة هذا التفوق الحضاري في الميادين التجريبية، و كانت الحاجة لتفسير نصوص الشرع التي فيها إشارات قريبة كانت أم بعيدة تفسيرا علميا يواكب التقدم ضرورة ملحة، فظهرت المؤلفات التي حاول مؤلفوها مواكبة هذا التطور، و ظهر ما يسمى بالتفسير العلمي، فكان فنا من فنون علوم القرآن، و ظهر التفسير الموضوعي الذي عالج موضوعا معينا من خلال القرآن كله، أو من خلال سورة منه، أو بتتبع لفظة من كتاب اللّه، و زاد الاهتمام بإظهار جوانب الإعجاز العلمي في القرآن، و ظهرت المؤلفات في الإعجاز الطبي و الكوني ... و غير ذلك، و المؤلفات في ذلك كثيرة لعلنا نشير إلى بعضها في ختام هذا المبحث.
كما دعت الحاجة حين أصبح التواصل بين شعوب العالم يسيرا، إلى تقديم ترجمات ميسرة من معاني كتاب اللّه إلى تلك الشعوب، فأصبح البحث الدقيق في مسألة ترجمة معاني القرآن إلى تلك اللغات العالمية، أمرا في غاية الضرورة. و قل مثل هذا في عدد من العلوم التي دعت حاجة العصر إلى نشوئها أو التعمق فيها.
أريد أن أؤكد هنا أن العصر الحالي قد أوجد مجموعة من العلوم لم تكن موضع اهتمام العلماء السابقين لكونها لم تكن موجودة، أو لأنها لم تتضح لهم بمثل ما اتضح للجيل الذي عاصر التقدم العلمي في المجالات
ص: 236
التجريبية.
و على العموم يستطيع المرء أن يؤكد أن التأليف في علوم القرآن في العصر الحديث قد اتصف بالآتي:
1) عدم التجديد غالبا، و الاعتماد الكبير على علوم الأقدمين و كتاباتهم.
2) سهولة العبارة، و عدم التعمق، في الغالب أيضا.
3) التكرار، و عدم التوثيق.
4) التركيز على بعض العلوم دون بعض.
5) جودة التبويب، و حسن العرض و الترتيب.
6) ظهور فنون جديدة لم تكن عند الأقدمين، أو لم تكن موضع عنايتهم.
و من أهم المؤلفات التي ظهرت في العصر الحديث و هي كثيرة أذكر منها:
يغلب على المؤلفات الموسوعية في عصرنا الحالي سمة الانتخاب و الاختصار، و قد اعتمد المؤلفون في كتاباتهم على كتابي الإتقان للسيوطي، و البرهان للزركشي، و كان السيوطي هو الأكثر اعتمادا.
و تفاوتت نظرة المؤلفين إلى الفنون التي اختاروها لدراستها، فربما كان
ص: 237
الاختيار خاضعا لأنظمة الجامعات التي تقرر بعض الموضوعات على طلبتها كمقررات دراسية، كما تفاوتت معالجتهم لتلك الفنون، إذ غالب المؤلفات الموسوعية في هذا العصر هي في الأصل محاضرات ألقيت على الطلبة، ثم جمعها كاتبها و نشرها كتابا مستقلا، سواء أدخلت عليها التعديلات التي ترتقي بها إلى مستوى إخراجها كتابا مستقلا، أم لم تدخل.
و أود أن أشيد هنا ببعض تلك البحوث و الكتابات التي كانت جادة في معالجتها، قوية في مضامينها، رائدة في بابها، حملت لطلبة العلم نظرات علمية فاحصة، يشهد المرء لكاتبها بعمق التفكير، و سلامة الاختيار، و قوة الدليل و صحته، فيسلّم لكثير من ترجيحاتهم، و تهدأ النفس لأدلتهم و طريقة معالجتهم، و لهذا ذاع صيتها و انتشرت بين طلبة العلم حتى صنفت في مستوى أمهات المؤلفات. و خير مثال نقدمه هنا هو كتاب «مناهل العرفان» للأستاذ عبد العظيم الزرقاني رحمه اللّه و كتاب «التفسير و المفسرون» للأستاذ محمد حسين الذهبي رحمه اللّه و «مباحث في علوم القرآن» للشيخ مناع القطان، و لصبحي الصالح، و «علوم القرآن، مدخل إلى تفسير القرآن و بيان إعجازه» للأستاذ عدنان زرزور، و «مدخل إلى علوم القرآن و التفسير» للدكتور فاروق حمادة، و غيرها.
1) الإيجاز و البيان في علوم القرآن: محمد صادق قمحاوي.
ص: 238
2) تاريخ القرآن: د/ عدنان زرزور.
3) البيان في علوم القرآن: محمد حسنين مخلوف العدوي.
4) البيان في مباحث من علوم القرآن: الشيخ عبد الوهاب غزلان.
5) التبيان في علوم القرآن: د/ القصيبي محمود زلط.
6) التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان: الشيخ طاهر بن صالح بن أحمد الجزائري الدمشقي ت (1338 ه).
7) دراسات في أصول القرآن: د/ محسن عبد الحميد.
8) دراسات في التفسير و رجاله: أبو اليقظان عطية الجبوري.
9) دراسات في علوم القرآن: د/ أمير عبد العزيز.
10) دراسات في علوم القرآن: د/ عبد القهار داود العاني.
11) دراسات في علوم القرآن الكريم: د/ فهد بن عبد الرحمن بن سليمان الرومي.
12) دراسات في علوم القرآن: د/ محمد أمين فرشوخ.
13) دراسات في علوم القرآن: د/ محمد بكر إسماعيل.
14) علوم القرآن: د/ أحمد عادل كمال.
ص: 239
15) علوم القرآن: د/ عبد المنعم النمر.
16) علوم القرآن: د/ عزت حسين.
17) علوم القرآن: د/ محمد الكومي، و د/ محمد القاسم.
18) علوم القرآن: مدخل إلى تفسير القرآن و بيان إعجازه: د/ عدنان زرزور.
19) علوم القرآن المنتقى: د/ فرج توفيق الوليد و د/ فاضل شاكر النعيمي.
20) علوم القرآن و الحديث: الشيخ أحمد محمد علي داود.
21) في علوم القرآن: كفافي الشريف.
22) القرآن المجيد، تنزيله، أسلوبه، أثره، جمعه: محمد عزة دروزة.
23) القرآن الكريم، تاريخه و آدابه: إبراهيم علي عمر.
24) لمحات في علوم القرآن و اتجاهات المفسرين: د/ محمد لطفي الصباغ.
25) مباحث في علوم القرآن: د/ صبحي الصالح.
26) مباحث في علوم القرآن: فضيلة الشيخ مناع بن خليل القطان.
27) المعجزة الكبرى القرآن (نزوله كتابته جمعه إعجازه جدله علومه تفسيره حكم الغناء به): محمد أبو زهرة.
28) مدخل إلى علوم القرآن و التفسير: د/ فاروق حمادة.
ص: 240
29) المدخل لدراسة القرآن الكريم: محمد محمد أبو شهبة.
30) المرشد الوافي في علوم القرآن: د/ محمود بسيوني فودة.
31) المنار في علوم القرآن: د/ محمد علي الحسن.
32) مناهل العرفان في علوم القرآن: محمد بن عبد العظيم الزرقاني ت (1367 ه).
33) من علوم القرآن: د/ عبد الفتاح القاضي.
34) من علوم القرآن: د/ فؤاد علي رضا.
35) منهج الفرقان في علوم القرآن: محمد بن علي سلامة ت (1362 ه).
36) يتيمية البيان في شي ء من علوم القرآن: محمد يوسف البنوري.
فرق بين المؤلفات الموضوعية عند الأقدمين عنه عند المتأخرين، فالأقدمون كان اهتمامهم منصب إلى الموضوعات التي تخدم كتاب اللّه، و تيسر سبل فهمه، و تلك التي تهتم بتاريخ القرآن، فكانت ألصق بمصطلح علوم القرآن الذي أطلقناه من قبل بمفهومه الخاص، بخلاف المتأخرين الذين وجهوا اهتمامهم إلى الموضوعات و الدراسات القرآنية التي تتعلق بالنص القرآني، فقد لقيت هذه الموضوعات منهم عناية خاصة في هذه المرحلة، و كان حظها من التأليف أفضل من غيرها، و لعل سبب ذلك يعود إلى ما
ص: 241
ذكرنا من قبل من توجه المتأخرين إلى البحوث التخصصية الدقيقة التي تفي بحاجة العصر، فتوضح المشكل، و تقرب البعيد، و لعل آخر هذه البحوث التي وقعت في يدي ما كتبه الدكتور الفاضل عبد العزيز القارئ حول «حديث الأحرف السبعة»، و ما كتبه أستاذي الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع عن «أسباب اختلاف المفسرين»، و ما كتبه الشيخ مساعد بن سليمان الطيار بعنوان «فصول في أصول التفسير».
إضافة إلى أن الجامعات و دور العلم في الفترة الأخيرة من العصر الحديث يسرت الدراسة في أقسام الدراسات العليا بكلياتها أكثر من ذي قبل، و التحق طلبة العلم بالتخصصات الدقيقة في علوم القرآن و التفسير، و قدمت البحوث التخصصية التي هي من متطلبات الحصول على الدرجات العلمية، تحت إشراف نخبة من أهل العلم، فظهرت بحوث قيّمة هنا و هناك، و ظهر ثلة من الباحثين المتخصصين الذين قدموا بحوثا جليلة غيرت كثيرا من المفاهيم السائدة و الخاطئة، و اشتهرت تلك الرسائل حتى أخذت مكانها بين أمهات الكتب، و إن كان أغلبها قد بقي مخطوطا.
و من الرسائل التي اشتهرت، «دستور الأخلاق في القرآن» للأستاذ القدير محمد عبد اللّه دراز رحمه اللّه، و كتاب «اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر» و «منهج المدرسة العقلية في التفسير» و كلاهما لفضيلة الدكتور/ فهد بن عبد الرحمن الرومي يحفظه اللّه، و «مدرسة التفسير في
ص: 242
الأندلس» للأستاذ مصطفى إبراهيم المشني، و «ابن جزي الكلبي و منهجه في التفسير» للأستاذ علي بن محمد الزبيري. و غيرها.
هذا و المؤلفات الموضوعية التي طبعت كثيرة، و أكثر منها تلك التي بقيت حبيسة الرفوف في الجامعات فلم تجد طريقها إلى النشر، و سأذكر هنا نماذج منها:
1) اتجاهات التفسير في العصر الراهن: د/ عبد المجيد المحتسب.
2) اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: د/ فهد الرومي.
3) الأحرف السبعة في القرآن الكريم: د/ حسن ضياء الدين عتر.
4) أسباب اختلاف المفسرين: د/ محمد بن عبد الرحمن الشائع.
5) أسباب النزول و أثرها في التفسير: الشيخ عصام عبد المحسن الحميدان.
6) استخراج الجدل في القرآن: د/ زاهر عواض الألمعي.
7) الإعجاز العددي للقرآن الكريم: د/ عبد الرزاق نوفل.
8) إعجاز القرآن و البلاغة النبوية: مصطفى صادق الرافعي ت (1356 ه).
9) الإعجاز النحوي في القرآن الكريم: د/ فتحي الدجني.
10) إعراب القرآن الكريم: محيي الدين درويش.
ص: 243
11) أمثال القرآن و أثرها في الأدب العربي إلى نهاية القرن الثالث الهجري: نور الحق تنوير.
12) الأمثال القرآنية دراسة و تحليل و تصنيف و رسم لأصولها و قواعدها و مناهجها: عبد الرحمن حبنكة الميداني.
13) بلاغة القرآن: محمد الخضر حسين.
14) تاريخ القرآن: إبراهيم الأبياري.
15) التجويد الميسر: عبد العزيز عبد الفتاح القارئ.
16) حديث نزول القرآن على سبعة أحرف: د/ عبد العزيز القارئ.
17) التفصيل و البيان عن تفصيل آي القرآن: محمد زكي صالح.
18) التصوير الفني في القرآن: سيد قطب ت (1385 ه).
19) جواهر البيان في تناسب سور القرآن: عبد اللّه محمد صديق الغماري.
20) دراسات في أسلوب القرآن الكريم: محمد عبد الخالق عظيمة ت (1403 ه).
21) دراسات الإحكام و النسخ في القرآن الكريم: محمد حمزة.
22) الرأي الصواب في منسوخ الكتاب: جواد موسى محمد عفانة.
23) رسم المصحف، دراسة لغوية و تقويمية: غانم قدوري.
ص: 244
24) الفروق اللغوية و أثرها في التفسير: د/ محمد بن عبد الرحمن الشائع.
25) في إعجاز القرآن، دراسة تحليلية لسورة الأنفال (المحتوى و البناء): د/ أحمد مختار البزرة. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 245 ثانيا: المؤلفات الموضوعية: ..... ص : 241
) القصص القرآني: عماد زهير حافظ.
27) قصة التفسير: د/ أحمد الشرباصي.
28) اللامات في القرآن: عبد الهادي الفضلي.
29) مباحث في إعجاز القرآن: د/ مصطفى مسلم محمد.
30) متشابه القرآن دراسة موضوعية: عدنان زرزور.
31) المشاهد في القرآن الكريم: د/ حامد صادق قنيبي.
32) مشاهد القيامة في القرآن: سيد قطب ت (1385 ه).
33) المعجزة القرآنية: محمد العفيفي.
34) مناهج المفسرين من العصر الأول إلى العصر الراهن: د/ محمد النقراشي السيد علي.
35) نزول القرآن على سبعة أحرف: للشيخ مناع القطان.
36) النسخ في القرآن الكريم دراسة تشريعية تاريخية نقدية: د مصطفى زيد.
ص: 245
37) النسخ في القرآن الكريم مفهومه تاريخه دعاواه: د/ محمد صالح.
38) الوجوه و الأشباه و النظائر في القرآن الكريم (دراسة موازنة):
د/ سليمان حمد القرعاوي.
1) آيات البعث في القرآن الكريم: عبد العزيز بن راجي الصاعدي، جامعة أم القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية رسالة ماجستير 1397 ه.
2) آيات العتاب في القرآن الكريم، دراسة تحليلية موضوعية: نورة محمد الجليل الرئاسة العامة لتعليم البنات الآداب للبنات بالرياض الدراسات الإسلامية رسالة ماجستير 1408 ه.
3) اختلاف المفسرين: أسبابه و آثاره: سعود عبد اللّه الفنيسان جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1402 ه.
4) اختلاف التنوع و التضاد في تفسير السلف: عبد اللّه بن عبد اللّه الأهدل، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1408 ه.
ص: 246
5) أصول التفسير بين شيخ الإسلام ابن تيمية و غيره من المفسرين:
عبد اللّه ديرية أبتدون الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1403 ه.
6) الإمام الدهلوي، منهجه في التفسير و آراؤه في مباحث من علوم القرآن: خليل الرحمن سجاد الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1402 ه.
7) أمثال القرآن: منصور بن عون العبدلي، جامعة أم القرى، رسالة ماجستير، 1394 ه.
8) تاريخ علوم القرآن حتى نهاية القرن الخامس الهجري: أحسن بن سخاء محمد أشرف الدين الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1405 ه.
9) تفاسير آيات الأحكام و مناهجها: علي بن سليمان العبيد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1407 ه.
10) التفسير بالرأي، ما له و ما عليه: أحمد بن عمر بن عبد اللّه الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1401 ه.
11) التفسير بين الرأي و الأثر: محمد حلمي أبو غزالة جامعة أم
ص: 247
القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية ماجستير، 1398 ه.
12) التفسير في عهد الصحابة، مصادره و مزاياه: ناصر بن محمد الحميد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1399 ه.
13) التفسير في القرن الأول الهجري: فائقة إدريس عبد اللّه جامعة أم القرى كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية الدراسات العليا الشرعية رسالة ماجستير 1404 ه.
14) دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان للزرقاني: خالد بن عثمان السبت، الجامعة الإسلامية، رسالة ماجستير 1411 ه.
15) فواتح السور في القرآن الكريم: فاروق حسين محمد أمين الجامعة الإسلامية الدراسات العليا التفسير رسالة ماجستير 1403 ه.
16) قواعد الترجيح عند المفسرين: حسين بن علي الحربي كلية أصول الدين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1416 ه.
17) المدرسة الأندلسية في التفسير: زيد عمر عبد اللّه جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة دكتوراة 1404 ه.
ص: 248
18) الوقف و أثره في التفسير: مساعد بن سليمان الطيار جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية كلية أصول الدين رسالة ماجستير 1414 ه.
ص: 249
ص: 250
1- تفسير القرآن العزيز: لعبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني ت (211 ه)
2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت (310 ه)
3- تفسير القرآن العظيم: لأبي الليث نصر بن محمد السمرقندي ت (373 ه)
4- النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم: لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي ت (450 ه)
5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد: لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي ت (468 ه)
6- معالم التنزيل: لمحيي السنة أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي ت (516 ه)
7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز: لأبي محمد عبد الحق بن عطية ت (546 ه)
8- زاد المسير في علم التفسير: لأبي الفرج جمال الدين عبد الرحمن بن علي الجوزي ت (597 ه)
9- الجامع لأحكام القرآن و المبين لما تضمنه من السنة و آي الفرقان: لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الخزرجي القرطبي الأندلسي ت (671 ه)
10- تسهيل السبيل لعلوم التنزيل: لمحمد بن أحمد بن محمد بن جزيّ الكلبي ت (741 ه)
11- لباب التأويل في معاني التنزيل: لأبي الحسن علاء الدين علي بن محمد الشيحي البغدادي المعروف بالخازن ت (741 ه)
12- البحر المحيط في التفسير: لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الشهير بأبي حيان ت (745 ه)
13- تفسير القرآن العظيم: للحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير ت (774 ه)
ص: 251
مؤلف هذا التفسير هو الإمام الحافظ أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الصنعاني المولود سنة ست و عشرين و مائة للهجرة (126 ه) (1).
ولد المصنف في أسرة علم و فضل و صلاح، و تربى في حجر أبيه الذي أولاه الرعاية و الاهتمام، و قد كان والده من أهل العلم، يروي الحديث عن سالم بن عبد اللّه (2) و غيره (3)، فنشأ عبد الرزاق نشأة سليمة، و انكب على الدرس و المطالعة، و صرف الوقت في طلب العلم، و ارتحل لذلك فطاف الحجاز و الشام و العراق (4)، حتى تصدر المجالس، و لقي الكبار، و أخذ عن
ص: 252
المشاهير، فحفظ نحوا من سبعة عشر ألف حديث (1).
وثّقه غير واحد من الأئمة، و حديثه مخرّج في الصحاح (2)، و نعته الذهبي بالحافظ الكبير و عالم اليمن (3)، و قد شهد المشاهير بعلمه و أشادوا بحفظه و علو منزلته، فعن علي بن المديني قال: قال لي هشام بن يوسف (4):
كان عبد الرزاق أعلمنا و أحفظنا. (5)
و قال شيخ عبد الرزاق معمر بن راشد، و هو أكثر من روى عبد الرزاق الحديث عنه، قال: أما عبد الرزاق فإن عاش فخليق أن تضرب إليه أكباد الإبل.
قال ابن السري: فو اللّه لقد أتعبها. (6)
أكثر عبد الرزاق الحديث عن معمر بن راشد، و هو شيخه في أغلب ما يرويه في تفسيره، كما حدّث عن عبيد اللّه بن عمر و عن أخيه عبد اللّه،
ص: 253
و عن هشام بن حسان (1)، و ابن جريج، و الأوزاعي، و سفيان الثوري، و غيرهم من كبار التابعين. أما تلامذته، فقد صدق معمر حين قال:
ستضرب إليه أكباد الإبل.
و قد عمّر عبد الرزاق طويلا، و ذاع صيته، و علم الناس فضله و علمه و كثرة تحمله، فشدوا إليه الرحال، و أقبلوا عليه من كل حدب و صوب، و كان منهم الأئمة المعتبرون كالإمام أحمد بن حنبل، و ابن راهويه (2)، و ابن معين (3)، و علي بن المديني، و غيرهم، كما حدّث عنه شيخه سفيان بن عيينة. (4)
ص: 254
ذكر العلماء أن عبد الرزاق صنف كثيرا، و أن من أشهر ما صنفه:
«تفسير القرآن العزيز» و «المصنف الكبير» و هو «الجامع الكبير» و «السنن» في الفقه و «المغازي» و «الأمالي في آثار الصحابة» (1).
فقد الحافظ الكبير بصره بعد المائتين للهجرة، و توفي في منتصف شوال سنة إحدى عشرة و مائتين (211 ه) عن عمر يناهز الخامسة و الثمانية باليمن، رحمه اللّه تعالى (2).
يمثل هذا التفسير نموذجا فريدا بين أيدينا من تفاسير القرن الثاني للهجرة، يعطي صورة واضحة عن لون التفسير السائد في ذلك العصر و هو
ص: 255
التفسير بالأثر المجرد عن الرأي، إذ ليس فيه إلا ما هو مروي عن رسول صلى اللّه عليه و سلم أو مسند إلى الصحابة و التابعين و تابعيهم، فهو من أقدم نصوص التفسير المسندة، و مصنفها متقدم على ابن جرير المتوفى سنة (311 ه) بقرن كامل، فهو من أوثق ما وصل إلينا من غير تحريف و لا تبديل (1).
تتبع المصنف أقوال السلف في المعاني و أسباب النزول، و رواها بأسانيدها مرتبة حسب ترتيب المصحف، و بالرغم من محاولة المصنف تجنب رواية الإسرائيليات، و خاصة ما تعلق منها بعصمة الأنبياء، أو تتنافى مع العقيدة، و ظاهر نصوص الشريعة، إلا أنه ذكر بعض الروايات الساقطة التي رواها القوم (2).
و قد قدم المصنف لتفسيره مقدمة موجزة ذكر فيها شيئا من المروي في علوم القرآن، فهو بهذا يعد رائد هذا النهج، و أول من قدم للتفسير بعلوم القرآن.
و قد كان هذا التفسير إلى عهد قريب مخطوطا حبيس المكتبات، طبع عليها الزمن آثاره، فوجد مبتورا من أوله، مصابا بالرطوبة في مواطن كثيرة منه، خاصة في بداياته، حتى قيّض اللّه له من ينفض عنه غبار الأيام، و يخرجه للنور للمرة الأولى، فجزى اللّه القائمين على إحياء التراث خير
ص: 256
الجزاء، و أجزل لهم المثوبة و الأجر.
و حين صنفت التفاسير المرشحة للدراسة في هذا البحث جاء تفسير عبد الرزاق أول تفسير يحتوي مقدمة في علوم القرآن من حيث الترتيب الزمني للمؤلف، و حين عدت إلى التفسير بتحقيق الدكتور مصطفى مسلم وجدته- يحفظه اللّه- يذكر أن النسختين الوحيدتين للكتاب فيهما نقص من أولهما، مما اضطره الرجوع إلى تفسير الطبري و الدر المنثور ليسد النقص بنقل الروايات الثابتة فيها عن عبد الرزاق، حتى استخرج منها ما يتعلق بتفسير سورة الفاتحة و القسم المحذوف من سورة البقرة، (1) و تمنيت لو أن فضيلته أثبت شيئا من المقدمة، فالروايات التي جاءت فيها هي الأخرى على الراجح مبثوثة في الطبري و الدر المنثور و غيرهما من كتب الأثر و علوم القرآن، ثم صدرت طبعة أخرى للتفسير نفسه بتحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي يحفظه اللّه فوجدت المحقق استطاع أن يثبت شيئا من تلك المقدمة التي لم يعثر عليها الدكتور مصطفى.
و قد جاءت مقدمة عبد الرزاق موجزة في أربع صفحات، روى المصنف فيها بعض الآثار حول علوم القرآن بأسانيدها، دون أن يعلق عليها، و هي طريقته في التفسير كله، و مجموع ما أورده المصنف تسعة آثار، الأول منها حول جمع القرآن، و يحمل العنوان نفسه، و هي مقدمة مستقلة،
ص: 257
أما المقدمة الأخرى فتحمل عنوان ما جاء فيمن قال في القرآن برأيه و هذا العنوان هو من إطلاق المصنف كما يظهر من الصفحة الأولى من المخطوط، بخلاف العنوان الأول فغير مقروء و قد يكون من عمل المحقق.
و الآثار الأخيرة أوردها المحقق مبتورة لصعوبة قراءة بعضها، و لآثار الرطوبة التي أتلفت بعضها الآخر، و الكلمات المبتورة ليست كثيرة، و أظن أنه كان من الممكن إثباتها لو تتبع المحقق ذلك في كتب التفسير، و اللّه أعلم.
و لم تطبع المقدمة إلا هذه الطبعة، التي صدرت عن دار المعرفة ببيروت عام 1411 ه، و هي متأخرة عن تحقيق الدكتور مصطفى مسلم للتفسير الذي ظهر عام (1410 ه) عن دار الرشد بالرياض، غير أن طبعة الدكتور مصطفى خالية من المقدمة.
ذكر المصنف في الرواية الأولى التي افتتح بها تفسيره جمع المصحف الذي تم على يد زيد بن ثابت، بأمر أبي بكر الصديق بناء على رأي من عمر رضي اللّه عنهم أجمعين و هو الجمع الأول لكتاب اللّه.
أعقب ذلك بباب مستقل عن القول في القرآن بالرأي، و التحذير الشديد الوارد في ذلك، ثم بين أن التفسير على أربعة وجوه على ما روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما. بعدها روى أثرا في المعاني التي نزل القرآن عليها، ثم تاريخ نزول القرآن و الكتب السابقة، بعدها نزول القرآن جملة
ص: 258
واحدة ليلة القدر، ثم نزوله منجّما على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
منهج عبد الرزاق في مقدمته أنه يسرد الروايات بسندها في المعنى الذي أراده دون أي تعقيب أو بيان، مكتفيا برواية واحدة في كل مسألة تعرض له.
ص: 259
عاش ابن جرير حياته في عائلة ميسورة، و نشأ و ترعرع في كنف والده الذي دفعه إلى التعليم منذ الصغر، و يسر له أسباب التلقي، فما كاد يبلغ سن الجلوس إلى أهل العلم حتى رأته أزقّة آمل متأبطا دواته و قرطاسه، ملتحقا بالكتاب و متنقلا من شيخ إلى آخر، و من حلقة إلى أخرى، فحفظ كتاب اللّه و له سبع سنين، و صلى بالناس و هو ابن ثمان، و كتب الحديث و هو ابن تسع (1)، حتى إذا اشتد عوده، و فاق أقرانه، و اعترفوا بتفوقه و أظهر الشيوخ إعجابهم به، لبّى الأب طلب ولده و رغبته في الترحال لطلب العلم، و توجه أولى وجهته إلى دار السلام، و أنّى للأب أن لا يبارك الرحلة و هو الذي رأى ولده بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه مخلاة مملوءة حجارة، و هو يرمي بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. الرؤيا التي عبرت بأن الولد إذا كبر نصح في دينه، و ذبّ عن شريعته، يقول ابن جرير: فحرص أبي على معونتي على طلب العلم، و أنا حينئذ صبي صغير (2).
و يكثر ابن جرير من الترحال، و يلتقي نبلاء الرجال، فيقرأ القرآن، و يسمع الحديث في العراق و الشام و مصر و المغرب العربي حتى غدا بفضل اللّه أحد الأئمة الأعلام، يحكم بقوله، و يرجع إلى رأيه لمعرفته و فضله. و لم يضنّ رحمه اللّه علينا بسيرته و أخباره، فطالما حدّث الرجل تلامذته و طلبته
ص: 261
عن طفولته و نشأته و طلبه للعلم.
جمع علوما كثيرة، فإضافة إلى حفظ كتاب اللّه عرف القراءات القرآنية، و اجتهد في الفقه فكان عالما بأحكام القرآن، بصيرا بمعانيه، عالما بالسنن و طرقها و صحيحها و سقيمها، ناسخها و منسوخها، عارفا بأقوال الصحابة و التابعين (1)، حتى تفرد بمسائل حفظت له (2) و عدّه السيوطي رأس المفسرين على الإطلاق (3) و لقّبه المتأخرون بشيخ المفسرين.
شهد له البغدادي بأنه جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره (4)، و وثقه الذهبي وعده حافظا رأسا في التفسير، إماما في الفقه و الإجماع و الاختلاف، علّامة بالتاريخ و أيام الناس، عارفا بالقراءات و باللغة و غير ذلك. (5)
و كان ابن جرير شافعيا ثم انفرد بمذهب مستقل، و له أقاويل و اختيارات، حين ملك أدوات الاجتهاد، و احتج لمذهبه، و له أتباع
ص: 262
و مقلّدون. (1)
و قد جمع ابن جرير إلى علمه و نبوغه الزهد و القناعة، و الشجاعة و الورع، و عفة النفس، و الترفع عن الطلب، لا تأخذه في اللّه لومة لائم مع عظيم ما يلحقه من الأذى و الشناعات من جاهل و حاسد و ملحد (2).
و كتب التراجم تزخر بكم هائل من أخباره في هذا الشأو، و لعل في إيراد شي ء من شعره الرائق إظهار لبعض تلك المعاني، روي أن ابن جرير أنشد لنفسه:
إذا أعسرت لم يعلم رفيقي و أستغني فيستغني صديقي
حيائي حافظ لي ماء وجهي و رفقي في مطالبتي رفيقي
و لو أني سمحت ببذل ماء وجهي لكنت إلى العلى سهل الطريق و له أيضا:
خلقان لا أرضى فعالهمابطر الغنى و مذلّة الفقر
فإذا غنيت فلا تكن بطراو إذا افتقرت فته على الدهر (3)
ص: 263
اتهم ابن جرير بموالاة الشيعة، و بمناصرة مذهبهم الفاسد، يقول أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي، و أصله من آمل، و كان يزعم أن أبا جعفر الطبري خاله:
بآمل مولدي و بنو جريرفأخوالي و يحكي المرء خاله
فها أنا رافضيّ عن تراث و غيري رافضي عن كلاله (1) و قد ذكر الذهبي (2) في الميزان أن فيه تشيّعا يسيرا، و موالاة لا تضر، و قال:
أقذع أحمد بن علي السليماني الحافظ (3) فقال: كان يضع للروافض. كذا قال السليماني! و هذا رجم بالظن الكاذب، بل ابن جرير من كبار أئمة الإسلام و المعتمدين، و ما ندعي عصمته من الخطأ، و لا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل و الهوى، فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنّى فيه و لا سيما في مثل إمام كبير، فلعل السليماني أراد الآتي [يزيد محمد بن جرير بن رستم
ص: 264
قال الحافظ ابن حجر: و لو حلفت أن السليماني ما أراد إلا الآتي لبررت. (3)
و لا شك أن ابن جرير المفسر قد اتّهم بالتشيع في حياته حتى إنه دفن بالليل خوفا من العامة لهذه التهمة (4).
و الذي أراه أن الأمر كان مجرد اتهام لا صلة له بالواقع، فابن جرير كما ذكر الذهبي من كبار أئمة الإسلام المعتمدين، غير أن الآثار و الأحاديث التي رواها و التي تظهر مكانة آل البيت، و تحث على وجوب حبهم و الثناء عليهم و هي كثيرة و ما أملاه من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه و هي كلها حق، ظن البعض أن ذلك ميل منه يرحمه اللّه إلى التشيع، و البون شاسع بين حب آل بيت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذين جاء الأمر بالصلاة عليهم مقرونين مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بين التشيع مذهبا عقديا
ص: 265
و فكرا منحرفا فاسدا.
و التهمة كما قال الذهبي رجم بالظن الكاذب، فابن جرير لم يترك آمل بعد أن عاد إليها عالما لا يشق له غبار إلا لما رأى من الرفض قد ظهر، و سب أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بين أهلها قد انتشر، فانبرى لهم، و قام يملي فضائل أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما و هو خير دليل على دفع التهمة عنه يرحمه اللّه.
و حين سمع السلطان بما يمليه كره ذلك، و أرسل في طلبه يريد أن يؤذيه، فخرج من آمل مختفيا لم يشعر به أحد. (1)
كانت همة ابن جرير في طلب العلم عالية، فتلقى العلم عن كثير من أعيان علماء عصره في المشرق و المغرب، الذين أتاح له الترحال اللقاء بهم، حتى ارتوى من موردهم العذب الزلال، و هم كثير ذكر منهم الذهبي ما يربو على الخمسين، و ذكر غيره غيرهم، و أذكر منهم الشيخ يونس بن عبد الأعلى (2) و الشيخ محمد بن حميد الرازي (3)، و الشيخ سفيان بن
ص: 266
وكيع (1)، و خلق كثير غيرهم من علماء الشام و مصر و العراق و المغرب (2).
و من تلامذته الذين تلقوا العلم عنه: ابن مجاهد، و أبو القاسم الطبراني (3)، و محمد بن أحمد الداجوني، و آخرون (4).
ذكر الخطيب في تاريخه أن محمد بن جرير الطبري مكث أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة، (5) و هو خبر فيه مبالغة ظاهرة غير أنه يدل على عظيم ما صنفه ابن جرير، فالذي وصل إلينا من مصنفاته تؤكد أن
ص: 267
الرجل كان عالما كاتبا، شغوفا بالعلم، لا يترك علما يمكنه تحصيله إلا سعى له، و أعد له العدة، حدّث عن نفسه: أن رجلا جاءه يسأله عن شي ء في علم العروض و لم يكن قد نشط في هذا العلم فقال: إذا كان غدا تعال إليّ. قال:
و طلبت سفر العروض للخليل، فجاءوني به، فاستوعبته في ليلة واحدة، فأمسيت غير عروضي، و أصبحت عروضيا. (1)
و الناظر في مصنفات ابن جرير، إن أراد الفقه قال: هو فقيه فحسب، و إن أراد التفسير قال: هو رائد التفسير و فارسه بلا منازع. و إن أراد النحو و البلاغة و الفصاحة قال: هو لغوي لا يحسن غيره. و كذا في القراءات و الأحكام و الحديث.
و إضافة إلى تفسيره الذائع الشهرة فقد صنف ابن جرير الآتي:
1) أخبار الملوك و الأمم، مصنف في التاريخ مطبوع متداول، تؤكد كل صفحة منه إلمام المصنف بتاريخ العالم و أيام الناس.
2) تهذيب الآثار، قال الخطيب: لم أر سواه في معناه لكن لم يتمه (2).
و قال الفرغاني أبو محمد (3): هو من عجائب كتبه لكنه مات قبل تمامه (4).
ص: 268
3) تاريخ الرجال، من الصحابة و التابعين و إلى شيوخه الذين لقيهم.
4) لطيف القول في أحكام شرائع الإسلام، قال الفرغاني: هو مذهبه الذي اختاره و جوّده، و احتج له، و هو في ثلاثة و ثمانين كتابا (1).
5) القراءات و التنزيل و العدد.
6) الخفيف في أحكام شرائع الإسلام، و هو مختصر.
7) التبصرة، و هي رسالة إلى أهل طبرستان يشرح فيها ما وقع بين أهل طبرستان من الخلاف، و في مذاهب أهل البدع. (2)
8) اختلاف علماء الأمصار، و هو مطبوع.
و غيرها من المؤلفات التي ذكرها الحموي في معجمه (3).
و قد تجلت شخصية ابن جرير في مؤلفاته واضحة بارزة، عكست بوضوح مدى ما وصل إليه من تحصيل العلوم، و قوة الحفظ و الاستنباط.
نذر الطبري حياته للعلم، و رأى أن المتعة الحقيقية إنما هي في تعلم
ص: 269
آية، أو رواية أثر أو حل معضلة، و لم يلتفت رحمه اللّه إلى الدنيا و زخرفها، حتى الزواج أشغله طلب العلم ثم التعليم عنه، فكان من جملة العلماء العزاب، يقول عن نفسه: أنا لا ولد لي، و ما حللت سروالي على حرام و لا حلال قط. بل أفنى عمره الذي بلغ ستا و ثمانين سنة على الراجح في طلب العلم و المدارسة و التفقه في الدين و تعليمه.
و قد توفي يرحمه اللّه ببغداد في شهر شوال سنة عشر و ثلاثمائة، يوم السبت مساء، و دفن يوم الأحد (1) بداره برحبة يعقوب، و حضر وقت موته جماعة من أهل العلم فأوصاهم، و أكثر من التشهد و ذكر اللّه، و غمض بصره بيده. و رثاه خلق من الأدباء، و أهل الدين، منهم ابن دريد (2) في مرثية مبكية تدمي القلب، أظهر ما كان يحمل بين جنبيه من علم و فقه و فضل، و من أبياتها:
إنّ المنيّة لم تتلف به رجلابل أتلفت علما للدّين منصوبا
أهدى الرّدى للثّرى إذ نال مهجته نجما على من يعادي الحقّ مصبوبا
كان الزّمان به تصفو مشاربه فالآن أصبح بالتّكدير مقطوبا
أودى أبو جعفر و العلم فاصطحباأعظم بذا صاحبا أو ذاك مصحوبا (3) ك.
ص: 270
إن من بركة العلم أن ييسر اللّه للعالم من يحيي سيرته بعد وفاته، كأن يسخر من ينشر علمه بإحياء مؤلفاته و مصنفاته، و إخراجها لطلبة العلم و الباحثين في صورة تسهل الوقوف على مراده، و قد قيض اللّه لمفسرنا ابن جرير الطبري و لتفسيره فارسين من فرسان البلاغة و البيان فحققا أجزاء منه خير تحقيق، و يسراه لطلبة العلم، حتى عدّ بحق من أفضل التفاسير المحققة (1).
و تفسير ابن جرير «جامع البيان» يعد من أنفس الآثار في التفسير، لكونه قد حوى إلى جانب بيان معاني الآيات علوما كثيرة أخرى، أسس
ص: 271
المصنف بنيانها، و وضع اللبنات الأولى، و ساق الروايات و الأقوال بأسانيدها، و لهذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: و أما التفاسير التي في أيدي العامة فأصحها تفسير محمد بن جرير الطبري، فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة، و ليس فيه بدعة، و لا ينقل عن المتهمين. (1)
و يقول الإمام ابن عطية: إن محمد بن جرير جمع على الناس أشتات التفسير، و قرب البعيد، و شفا الإسناد (2).
و قد جوّد ابن جرير تفسيره «تفسير القرآن» و بيّن فيه أحكامه و ناسخه و منسوخه، و مشكله و غريبه، و معانيه و اختلاف أهل التأويل و العلماء في أحكامه و تأويله، و الصحيح لديه من ذلك، و إعراب حروفه، و الكلام على الملحدين فيه، و القصص و أخبار الأمة و القيامة و غير ذلك (3).
و هو تفسير على ما قال الإمام النووي (4): أجمعت الأمة على أنه لم
ص: 272
يصنف في التفسير مثله. وعده السيوطي من أجلّ التفاسير لتميز منهجه، (1) و لهذا أيضا استعاره ابن خزيمة (2) من ابن خالويه و أبقاه عنده عدة سنوات، ثم قال مقولته: ما رأيت على أديم الأرض أعلم من ابن جرير (3).
و قال عنه أبو حامد الأسفراييني (4): لو سافر الرجل إلى الصين حتى يحصل له تفسير ابن جرير لم يكن ذلك كثيرا عليه (5).
و ما من شك أن هذا التفسير يعد من أمهات كتب التفسير بالمأثور و الرأي المبني على القواعد و الأصول، و هو أمر مشاهد لكل مطّلع عليه، قارئ فيه، متابع له، فمصنفه إمام مجتهد صاحب مذهب فقهي، و هو من أئمة الحديث، و من رجال التاريخ و اللغة، جمع علوما كثيرة فوعاها، و تفسيره بين أيدينا يشهد على تفوقه.
ص: 273
و أود الإشارة هنا إلى أن المصنف يعد رائد الطريقة و المنهج الذي سار عليهما في تفسيره، و تبقى للزيادة و الأولوية مآخذها و نواقصها، و في مثل هذا يقول ابن الأثير (1): كل مبتدئ لشي ء لم يسبق إليه، و مبتدع لأمر لم يتقدم فيه عليه فإنه يكون قليلا ثم يكثر، و صغيرا ثم يكبر (2)؛ و لهذا فإن القارئ المتفحّص المتعمّق لعلم التفسير قد يجد على هذا التفسير من الملحوظات و المآخذ التي ربما استدركها كثير ممن جاء بعد ابن جرير، و من تلك المآخذ التطويل بإيراد الطرق العديدة لإفادة معنى لغوي واحد.
و مجانبته الصواب في بعض الآراء، كما أنه لم يخل من ذكر الإسرائيليات التي ينبغي أن يخلو منها كتب التفسير، إذ مظان ما سكت الشرع عنه منها، كتب القصص و الأساطير و الحكايات (3).
علمنا من خلال سيرة ابن جرير السابقة اهتمامه العظيم بالمأثور من الأحاديث و الآثار، و كيف أن العلماء يعدون تفسيره أفضل تفسير بالمأثور،ة.
ص: 274
و أصحه، و ما ذلك إلا لما حواه من الآثار التي رواها المصنف بسنده، و تحرّى صحتها بطريقته، و قد كان لهذا الكم الهائل الأثر الواضح في توسع ابن جرير في المقدمات التي قدمها بين يدي تفسيره، حيث وجد منها منطلقا فسيحا رحبا، للحديث عن علوم القرآن التي يرى المصنف ضرورة إلمام المفسر و قارئ التفسير بها، قبل الخوض في الطوال من المصنفات، و قد أضاف ابن جرير إلى ذخيرته من المأثور ما توصل إليه بإعمال الفكر، و إدامة النظر في النصوص، حتى فاق في مقدماته من جاء بعده، بل عدّ مرجعا يستند إليه المفسرون و المصنفون في علوم القرآن، خاصة في جانب الرواية، و عرض الآراء.
و كان لجهوده أثر بيّن واضح في خدمة هذا الفن- أقصد فن المقدمات- حتى نما و ترعرع و ضبطت مسائله، و اتسعت مباحثه و علومه.
و عدد هذه المقدمات التي قدمها المصنف بين يدي تفسيره بلغت عشر مقدمات، حسب تقسيم المصنف، يطول في بعضها نفس المؤلف طولا ملحوظا، في حين يقتصر في البعض الآخر على ذكر روايات بعدد، يرويها في المعنى الذي هو بصدده.
و قد سودت المقدمات مائة و ست صفحات من الطبعة التي اعتمدتها أصلا في هذه الدراسة، و هي الطبعة التي نحسبها خالية من الأخطاء بعناية الأخوين الفاضلين محمود و أحمد محمد شاكر.
و بالنظر في المقدمات العشر و دراستها بإمعان يلحظ المرء أن ابن جرير
ص: 275
قد أدمج موضوعات، و أدخلها تحت مسمّى واحد، ربما لوحدة الموضوع، إلا أن من حقها أن تفرد، فهي موضوعات مستقلة، قائمة بذاتها، لها آثارها و رواياتها، و لها ضوابطها المستقلة ما دمنا قد ارتضينا فصل أو (نزع) علوم القرآن من علم الحديث و الرواية و هو أمر تفهّمه المتأخرون و ارتضوه، و ساروا عليه كالسيوطي و ابن عقيلة و جل المعاصرين.
و مهما يكن الأمر؛ فإن هذه المقدمات تثبت بحق بلاغة المصنف الأدبية، و عظيم ما حصله من علم اللغة و البلاغة و الأدب، الأمر الذي مكّنه من صياغة هذه العلوم بأسلوب بليغ، و تقديمها قطعة أدبية لا يملّ القارئ النظر فيها، تجرّه كل عبارة للتي تليها، و إن كانت بعض عباراته تعصى بين حين و آخر على القارئ فيلتجئ إلى ما حشاه المحقق من بيان معاني الكلمات و توضيح العبارات، ليفهم النص على مراد المصنف.
هذا و قد طبعت المقدمات مع التفسير طبعات مختلفة في أقطار عديدة، نذكر منها:
1) الطبعة الأميرية بولاق، مصر، الطبعة الأولى عام 1323 ه.
2) طبعة دار المعارف، مصر، ستة عشر مجلدا فقط، و هي بتحقيق الشيخين محمود و أحمد محمد شاكر، صدرت الطبعة الأولى منها عام 1374 ه.
3) طبعة مصطفى البابي الحلبي، الطبعات من الأولى إلى الثالثة عام 1388 ه.
ص: 276
4) طبعة دار المعرفة، بيروت 1398 ه، مصورة عن الطبعة الأميرية الأولى، و صورت بالأوفست إلى الطبعة الرابعة عام 1400 ه.
استهل الطبري تفسيره و مقدماته التي قدمها بين يدي تفسيره بخطبة بليغة، ظهر فيها تعمقه في العلوم العربية، و النكات البلاغية، فبعد أن أثنى على اللّه بما هو أهله، و شكره على فضله، و نزّهه عن الند و المثل، تحدث عن فضائل الأنبياء عامة و كيف أن اللّه سبحانه قد أبانهم عن سائر خلقه بأن أيدهم بالحجج البالغة، و الآي المعجزة، ثم خصّ نبينا صلى اللّه عليه و سلم فتحدث عن فضله و فضائله، و دعوته و رسالته، و ما خص أمته و شرّفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة.
و تكلم عن معجزة الرسول الكبرى، و كيف أنه تقدست أسماؤه جعله دليلا على حقيقة نبوته صلى اللّه عليه و سلم.
بعدها سأل اللّه سبحانه التوفيق لإصابة القول، و شكره على ما أنعم به عليه من حفظ كتابه و العلم بحدوده، ليؤكد أن أحق ما صرفت إليه الهمم هو كتاب اللّه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفة تنزيل من حكيم حميد.
و ذكر أنه مقبل على شرح كتاب اللّه و تأويله و بيان معانيه، موضحا منهجه و طريقته. ليبدأ بالمقدمات، و هي:
ص: 277
أراد ابن جرير أن يؤكد بادئ ذي بدء أن من لم يعان رياضة العلوم العربية، و لم يعرف تصاريف و جودة هذا اللسان يقف عاجزا عن فهم معاني كتاب اللّه.
فذكر أن من أعظم نعم اللّه على خلقه- و نعمه لا تحصى- ما منحهم من فضل البيان حتى صاروا عن ضمائر صدورهم يبينون، و به إياه يوحدون و يسبحون و يقدسون، و جعلهم في هذا الفهم طبقات، و رفع بعضهم فوق بعض درجات، و جعل أعلى منازل البيان درجة أبلغه في حاجة المبين عن نفسه، و أبينه عن مراد قائله، و أقربه من فهم سامعه.
و أشار إلى أن ما تجاوز هذا المقدار، و ارتفع عن وسع الأنام كان حجة على من كانوا رؤساء صناعة الخطب و البلاغة، و قيل الشعر و الفصاحة، و السجع و الكهانة، و تدرج ابن جرير في القول على هذا المنوال ليثبت رسالة الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و ليبين أن القرآن هو المعجزة الكبرى، و ليقرّ أصلا معلوما هو الإعجاز البياني، و كيف أن القوم كانوا عن الإتيان بمثل بعضه عجزة، و عن القدرة عليه نقصة، فأقروا بالعجز، و أذعنوا بالتصديق.
بعدها سفّه المصنف من تجاهل و تعامى، و استكبر و تعاشى، فحاول مجاراة النبي صلى اللّه عليه و سلم فيما أتى به من الحق المبين، فقال من الحماقات المشبهة
ص: 278
دعواه الكاذبة.
و ليؤكد المصنف أن معاني كتاب اللّه المنزل على نبينا محمد صلى اللّه عليه و سلم هي لمعاني كلام العرب موافقة، و ظاهره لظاهر كلامها ملائمة، و لأساليبه في أساليبها نظير و مثيل و إن كان مباينة كتاب اللّه بالفضل و الفضيلة ظاهر أثبت منطقيا أنه تعالى يتعالى أن يخاطب خطابا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب أو أرسلت إليه، فالمخاطب و المرسل إليه إن لم يفهم ما خوطب به أو أرسل إليه يكون حاله قبل الخطاب و بعد مجيئه سواء، إذ لم يفده الخطاب و الرسالة شيئا، و لهذا كان كل كتاب أنزل فإنما هو بلسان قوم من أنزل عليه، و عليه فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين.
ما أقره الطبري في الباب السابق من تنزيه اللّه جل ذكره مخاطبة أحد من خلقه إلا بما يفهمه و هو أمر مسلم لا ينازع فيه بصير يثبت عربية جميع ألفاظ القرآن الكريم و معانيه، و لأنه ورد في بعض الآثار ما يوحي بأعجمية شي ء من ألفاظ القرآن الكريم، و أنه بلغات أقوام و أجناس غير العرب و هو أمر مشكل يفيد ظاهره أن في القرآن من غير لسان العرب خصّ المصنف الموضوع بحديث مستقل لتجلية الأمر، و توضيح المراد.
فبعد أن عرض جملة من تلك الآثار المشكلة في ظاهرها، و التي لم يكثر منها إيمانا منه أن في ذكرها إطالة للكتاب دونما فائدة، بيّن أن ما ورد في هذه
ص: 279
الآثار لا تخالف ما انتهى إليه في الباب السابق، و لا تخرج عن معناه، لكون ما جاء فيها لم تنف عربية تلك الكلمات، بل غاية ما دلت عليه هو وجود اتفاق بين الأجناس في معنى هذه الألفاظ، و هو أمر يقره المصنف، و على ذلك سرد احتمالات و أوجه ما قد يبين أصول تلك الألفاظ، و انتهى إلى أن من يدعي أحقيته بأصل هذه الألفاظ، و أنه مصدرها و مخرجها إلى الأجناس الأخرى كان مستجهلا و مدع أمرا لا يوصل إلى حقيقة صحته إلا بخبر يوجب العلم، و يزيل الشك، و هو أمر متعذر.
و يرى المصنف أن القول هو أن تضاف هذه الألفاظ إلى كل جنس من الأجناس المشتركة فيها، و كونها موجودة في لغة العرب لا تعني بالضرورة عدم وجودها في لغات أخرى، و ضرب لذلك مثالا، فقال: إن الدرهم و الدينار و الدواة و القلم، كلمات اتفقت ألسن العرب و الفرس فيها بالألفاظ الواحدة، و المعنى الواحد.
بعدها رد المصنف على من يدعي استحالة هذا الاجتماع في المنطق قياسا على استحالة ذلك في الأنساب فأفسد القياس و اعوجاج المنطق الذي قالوا به. لينتقل لعرض فهمه من قولهم: إن في القرآن من كل لسان، أي أنّ فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب و غيرها من الأمم التي تنطق به، لكون الاعتقاد بأن بعض القرآن فارسي لا عربي، أو نبطي لا عربي ...
إلخ، فيه نفي عن بعض القرآن أنه عربي، و اللّه يصف القرآن كله بأنه عربي قُرْآناً عَرَبِيًّا [يوسف: 2] فالعربية صفة شاملة لا يجوز لأحد أن يخصص
ص: 280
شمولها على بعض القرآن دون بعض. و لكون البعض يقرون بإمكانية الاشتراك غير أنهم يدّعون أن الأصل لجنس دون آخر، و أن الآخر إنما نطق بها، رد المصنف هذا الادعاء و أبطل هذا الزعم بإلزام المدعي بدليله.
و يعدّ هذا الموضوع نموذجا للموضوعات التي طال فيها نفس المصنف، فقد شغل أكثر من ثمان و أربعين صفحة من مجموع صفحات مقدمته البالغ مائة و ست صفحات.
و سبق أن أشرت بأن ابن جرير إذا أراد إثبات أمر أو أراد نفيه تدرج في القول لتحقيق المراد بأيسر السبل و على أحكم الوجوه، و جاء هذا التدرج في المقدمات التي ذكرها بين يدي تفسيره، و التي سميتها أنواعا اقتداء بأصحاب الموسوعات في علوم القرآن، فبعد أن أثبت المصنف في النوع السابق عربية كل ما جاء في كتاب اللّه، و لكون ألسنة العرب كثيرة بكثرة قبائلها و أحيائها، أراد أن يبين في هذا النوع اللسان الذي نزل عليه القرآن من تلك الألسنة، فسرد الأخبار التي تظاهرت عنه صلى اللّه عليه و سلم في اللغات التي نزل بها القرآن، و التي بلغت ستة و ستون أثرا، رواها كلها بسنده، بينت بمجموعها نزول القرآن على سبع لغات، و الاختلاف في قراءة الصحابة، و ما أقرّ الرسول صلى اللّه عليه و سلم منها، و ما غضب لأجلها، و اختلاف السلف في تفسير هذه اللغات، و الأوجه و الأحرف، ليؤكد أن القرآن نزل على بعض ألسن العرب دون الجميع، فألسنتها أكثر من سبعة.
ص: 281
عقب ذلك انتقل المصنف للتفريق بين اللغات السبع أو (الأحرف السبعة) و الأبواب السبعة، و به ردّ على من تأول اللغات بالأبواب، و ناقشهم في أدلتهم، و أكد نقلا و عقلا صحة ما تبناه، و خطأ ما ذهبوا إليه.
و لما ترجح لديه اقتناع القارئ بما ذهب إليه تساءل ليزيل احتمال شكّ يعلق ببعض الأذهان إيجاد لفظة في القرآن تقرأ بسبع لغات، فقال نافيا ذلك: إنا لم ندّع أن ذلك موجود اليوم .... و لم تنسخ فترفع، و لا ضيعتها الأمة و هي مأمورة بحفظها، و لكن الأمة أمرت بحفظ القرآن و خيّرت في قراءته و حفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت .... فرأت قراءته بحرف، و رفض القراءة بالأحرف السبعة الباقية.
أتبع ذلك بيان العلة التي أوجبت الثبات على حرف واحد دون سائر الحروف، و استهل ذلك بذكر جملة من الآثار مشيرا إلى كثرتها في هذا المعنى، و موضحا أن عثمان بن عفان رضي اللّه عنه هو الذي جمع الأمة على حرف واحد إشفاقا عليهم و رأفة بهم لما رأى التكذيب ببعض الحروف رغم حداثة عهدهم بنزول القرآن، فاستوثقت له الأمة على ذلك بالطاعة، و رأت في فعله الرشد و الهداية، و تركت القراءة بالأحرف الستة.
و لهذا يرى الطبري أنه لا سبيل لأحد القراءة بها لأنها درست من الأمة معرفتها، و تعفّت آثارها، و تتابع المسلمون على رفض القراءة بها من غير جحود منها.
و ليسوغ المصنف عمل سيدنا عثمان رضي اللّه عنه في إلغاء الأحرف الستة على
ص: 282
اعتقاده و قبول الأمة ذلك منه، و تركهم قراءة أقرأهموها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أمرهم بقراءتها، بين أن الأمر كان أمر إباحة و رخصة، لا أمر إيجاب و فرض، و بين دليل التخيير.
و قبل أن يختم حديثه ببيان الألسن السبعة التي نزل عليها القرآن، و تحديدها أشار إلى ما أشكل على بعض العامة حين ظنوا أن الأحرف السبعة هي القراءات السبع، فنفى الإشكال و أبطل الظن، و أكد أنه بمعزل عن قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم: «أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف».
و جاءت الخاتمة ليقرر المصنف أنه لا فائدة اليوم من معرفة تلك الأحرف لكونها لا يقرأ بها أحد، و ليسرد بعض الأخبار الموضحة لها من غير أن يرجح بينها.
حين أكد المصنف في النوع السابق أن اللغات السبعة التي نزل بها القرآن، هي غير الأبواب السبعة التي نزل منها القرآن، و بين هناك المراد بالأحرف السبعة، خصّ هذا الباب لبيان المراد بالأبواب السبعة.
فاستهل الحديث بذكر اختلاف النقلة في ألفاظ الخبر الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدال على نزول القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، و هي ألفاظ متقاربة المعنى، و أشار في ثنايا حديثه إلى أن نزول
ص: 283
القرآن على النحو المذكور خاصية خصّ اللّه بها أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم دون سائر الأمم.
و بيّن الفرق بين النزول على سبعة أحرف و النزول من سبعة أبواب، و قال: إن الكتب السابقة كانت تنزل على حرف واحد بلسان واحد، متى حوّل إلى غير اللسان الذي أنزل عليه كان ذلك ترجمة و تفسيرا لا تلاوة، أما القرآن الكريم فبأي السبعة تلاه التالي كان تاليا للقرآن، لا مترجما و لا مفسرا حتى يحوله عن تلك الألسن. و هي معنى نزوله على سبعة أحرف، أما من سبعة أبواب فلكون الكتب السابقة كانت تنزل خالية من الحدود و الأحكام، و الحلال و الحرام (1)، و كانت تنزل ببعض المعاني السبعة التي يحوي جميعها كتابنا الذي خص اللّه به نبينا صلى اللّه عليه و سلم و أمته و هي: الأمر، و الزجر، و الحلال، و الحرام، و المحكم، و المتشابه، و الأمثال.
و بذلك أوضح أنّ من سبقنا من الأمم كانوا يتعبدون اللّه بهذا الوجه، و يستوجبون منه القرب، أما أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم التي أنزل كتابها من سبعة أبواب فإنهم يتقربون إلى اللّه بالأوجه السبعة، و به يأملون إدراك الفوز بالجنة، و بيّن كيفية حصول ذلك.
و لأنه ورد في بعض ألفاظ الخبر أن لكل آية حد و مطلع، و ظهرض.
ص: 284
و بطن، بيّن المصنف المراد بذلك و المقصود منه، و بذلك أنهى المبحث.
قدم المصنف لهذا النوع خلاصة ما توصل إليه في الأنواع السابقة، من عربية القرآن كله، و نزوله بألسن العرب، و أنها تقرأ اليوم ببعض الألسن دون جميعها، ثم تحدث عن الموضوع الذي هو بصدده، فبين أن أقسام التفسير- و هو ما عبر عنه بالوجوه التي من قبلها يصل إلى معرفة تأويل القرآن- فاستهلّه بسرد الآيات الدالات على أن تبيان الذكر هو من خاصيات الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و أن هذه الوظيفة- وظيفة البيان- هو فيما أمره اللّه أن يبينه، و أن من الآيات ما هو محكم، و آخر متشابه لا يعلم تأويله إلا اللّه، و به وضّح أن التفسير ثلاثة أقسام:
1) قسم لا يوصل إلى تأويله إلا ببيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، إما بنص منه عليه، أو بدلالة قد نصبها دالة أمته على تأويله، و هو ما لا يجوز لأحد القول فيه.
2) قسم لا يعلم تأويله إلا اللّه، استأثر سبحانه بعلمه على خلقه.
3) قسم ثالث يعلم تأويله كل ذي علم باللسان الذي نزل به القرآن، و هذا يختلف فيه الناس و يتفاوتون حسب صلتهم بلغة القرآن.
و ضرب المصنف الأمثلة على ما ذكره و ختم المبحث ببيان ما جاء عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- في بعض الروايات من كون الأقسام
ص: 285
أربعة، و أن الرابع هو ما لا يعذر أحد بجهالته، فأوضح أن ما ذكره لا يعد وجها يوصل إلى معرفة تأويله، و إنما هو إخبار عن ابن عباس بأن تأويله لا يجوز لأحد الجهل به.
و ما ذكره المصنف تخريج جيد، و فهم مقبول لمقولة ابن عباس السابقة.
لما كان من تأويل القرآن ما لا يدرك علمه إلا بنص بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أو نصبه صلى اللّه عليه و سلم الدلالة عليه- و هو الأمر الذي أقره المصنف في الباب السابق- عمد المصنف في هذا النوع إلى سرد جملة من الآثار المحذّرة من القول في القرآن بغير علم، و أكد أن وعيدا ورد في حق من يقول في القرآن برأيه بعد أن ثبت قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم فيه، و إن أصاب القائل الحق في مقولته، و علل إصابة القول من مثله بأنها إصابة خارص ظان ليس موقن، و الظان قائل على اللّه ما لم يعلم.
و أوضح أن ما ذهب إليه هو مراده صلى اللّه عليه و سلم من قوله:* «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ». و خطأه هو فعله من القول على اللّه بغير علم.
انتهى بنا المصنف في النوع السابق إلى تأثيم من تقوّل على اللّه، فقال
ص: 286
في القرآن برأيه بغير علم و لم يتتبع الوارد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لأنه صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر القرآن كله، بل «فسر آيا بعدد علّمه إياهنّ جبريل»، كما ورد ذلك عن السيدة عائشة- رضي اللّه عنها- و لكون المصنف ذكر من أقسام التفسير ما يعلمه كل ذي علم باللسان العربي، فقد كان من اللزوم أن يزيل المصنف ما قد يحصل من التباس و تعارض، و لهذا خص هذا النوع لذكر الأخبار التي رويت في الحض على التفسير و إعمال الفكر لفهم مراد اللّه العظيم، و ذكر المبرزين من الصحابة في هذا الشأن.
بدأه بذكر الأخبار المروية، و أنهاه بفساد قول من أنكر تفسير المفسرين فيما لم يحجب عن الخلق تأويله، و بين البداية و النهاية أكد أن معرفة تأويل آي القرآن واجبة على الأمة، فقد حثّ سبحانه على ذلك، و أمر عباده بالاتعاظ بأمثال القرآن و الاعتبار بها، و الاتعاظ و الاعتبار لا يكون إلا عن طريق معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم، لأنه محال أن يقال لمن لا يفهم ما يقال له و لا يعقله: اعتبر بما قيل لك.
و إذا كان ذلك كذلك علم أنه سبحانه لم يأمر عباده بتدبر كلامه، و يحثهم على تفهم معانيه إلا و هم بما يدلهم عليه عالمون، و منه صح أنهم بتأويل ما لم يحجب عنهم علمه من آية عارفون.
و بهذا جوّز المصنف التفسير بالرأي على ما بينه، و لأنه تبقى بعض الآثار التي تفيد ظاهرها خلاف ما أقره المصنف هنا، خص لذلك النوع التالي، و هو:
ص: 287
بعد أن سوغ المصنف التفسير بالرأي المبني على القواعد، و أثبت ذلك نقلا، و بين ضرورته عقلا، انتقل ليزيل الالتباس، و يوضح تلك الآثار التي تدل على إحجام ثلة من الصحابة و التابعين- رضي اللّه عنهم- عن القول في القرآن و تفسيره بالرأي، و تؤكد وقوفهم عند المأثور عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فوجّه الآثار، و خرّج الأقوال، و بين المراد منها، و علل أن إحجام من أحجم عن خوض هذا الميدان إنما هو إحجام حذر أن لا يبلغ أداء ما كلّف من إصابة صواب القول فيه، لا على أن تأويل ذلك محجوب عن علماء الأمة، غير موجود بين أظهرهم، تماما كإحجام بعض التابعين عن الفتيا في النوازل و الحوادث، مع إقراره بأن اللّه جل ثناؤه لم يقبض نبيه إليه إلا بعد إكمال الدين لعباده، و علمه بأن للّه في كل نازلة و حادثة حكما موجودا بنصّ أو دلالة.
و هكذا استند المصنف في بيانه هذا إلى المنقول من الأثر، و المعقول من صريح الرأي.
عرف بالتفسير من المتقدمين صنفان:
صنف نقل عنه التفسير المحمود المقبول المعتمد على القواعد
ص: 288
و الأصول، و الصادر عن علم و دراية، مثل ابن عباس و مجاهد.
و صنف أقحم نفسه هذا الميدان و ليس له فيه ناقة و لا جمل، فهذر و تقوّل حتى نقل عنه المذموم المستنكر، مثل باذام (1) و السدي.
ذكر ابن جرير- رحمه اللّه- في هذا النوع نتفا من أخبار الصنفين المذكورين، روى الأخبار بإسناده، و أكد ما سبق أن بيّنه من وجوه تأويل القرآن، موضحا أن أحق الناس بالتفسير و إصابة الحق أوضحهم حجة فيما تأوّل و فسّر، مبينا أن وضوح الحجة يكون من جهتين:
الأولى: معرفته بالثابت عنه صلى اللّه عليه و سلم من أي جهة كان ثبوته (2).
الثانية: معرفته باللسان من جهة علمه بالشواهد من الأشعار، و منطق العرب و لغاتهم المعروفة.
مؤكدا أن من كانت هذه صفته كان تفسيره معتمدا لا يخرج عن تفسير الصحابة و التابعين.ه.
ص: 289
أورد المصنف في هذا النوع الأسماء التي سمى المنزّل سبحانه بها تنزيله، فذكر «القرآن» و «الفرقان» و «الكتاب» و «الذّكر»، كما ذكر لكل تسمية دليلها من كتاب اللّه، و وجه التسمية من كلام العرب، و الخلاف في ذلك.
انتقل بعدها لعرض أسماء سور القرآن التي سماها بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و عرض الآثار الواردة فى ذلك، و توجيه تلك الأسماء و معانيها في كلام العرب، كتسميته صلى اللّه عليه و سلم بعض السور بالمفصل و المئين و السبع المثاني و غيرها.
و ثلّث الحديث ببيان معنى السورة في اللغة، ثم أصل الاشتقاق، و المعنى على كل أصل، مدعما قوله بكلام العرب و أشعارها.
و أخيرا بيّن معنى الآية في اللغة و ما تحمله من وجوه.
و بهذا الموضوع ختم ابن جرير مقدماته، ليبدأ بمقدمات سورة الفاتحة، أول سورة في الترتيب العثماني.
أوضح ابن جرير السمات الأساسية لمنهجه حين ذكر في مقدمته أنه مقبل على إنشاء كتاب في شرح القرآن و تأويله، و بيان معانيه، مبينا أن منهجه فيه هو بيان ما اتفق عليه العلماء و ما اختلفوا فيه، و ذكر أدلة كل
ص: 290
مذهب مع بيان الصحيح منه و السقيم، بعبارة موجزة، و اختصار غير مخلّ.
و هو نهج قويم لو التزمه المصنف و سار عليه باطراد، غير أن المتابع يلحظ أن المؤلف يخلّ بنهجه من حين لآخر، و إن كان هذا الإخلال في التفسير أكثر منه في المقدمة، التي التزم فيها إلى حد كبير بما ذكره، و لعل الإطالة في ذكر طرق بعض الروايات في أحايين كثيرة، و عدم بيان درجة كثير من الآثار خير شاهد على هذا الأمر، و لست أزعم وحدة المنهج بين المقدمة و صلب التفسير إلا في كليات المنهج، أما في الجزئيات فالفرق و التباين بين طبيعة الموضوعين يستدعي الاختلاف في نهج المعالجة.
هذا و قد جاءت مقدمة الطبري بمقدماته العشر، كمقدمة واحدة، و هو أمر أراده المصنف، فقد ربط كل مقدمة بالتي قبلها، و وصلها بالتي تليها، و على المتقدم بنى المتأخر (1)، و هو نهج اتبعه ابن جرير- يرحمه اللّه- حتى ضمن النوع الواحد، فإن انتصر لفكرة أو رأي، سعى لإثبات ذلك منطقيا، ينطلق من أمر هو من البدهيات، ثم يتدرج في الجزئيات، كل جزئية تكون نتيجة للتي قبلها، حتى إذا اكتمل العقد صرّح المصنف بمراده، و أظهر ما أضمره و يريد لإثباته، و يمكن ضرب المثل على هذا المنهج بالمقدمة الأولى.
فلكي يثبت المصنف أن القرآن الكريم نزل على أساليب كلام العرب و معانيها، بيّن أولا أن من أعظم نعم اللّه على عباده ما منحهم من فضلة.
ص: 291
البيان الذي به يعبرون عن ما في صدورهم، و أنهم في هذا البيان متفاوتون، ما بين خطيب مسهب و عيّ لا يبين، و أن أعلى مراتب البيان أبينه عن مراد قائله، و أبلغه عن حاجة المبين عن نفسه، و أقربه إلى فهم سامعه، فإن تجاوز هذا المقدار، و عجز أن يأتي بمثله العباد كان حجة و علما للرسول.
و على ذلك بيّن أن القرآن هو في أعلى درجات البيان لأنه تعالى تحدى به قوما كانوا رؤساء الفصاحة، و قيل: الشعر و السجع و الكهانة، فأقروا بالعجز و أذعنوا بالتصديق، فكان فضل كلام اللّه على كلام غيره كفضله جلّ و علا على عباده.
و إذا كان الأمر كذلك، فإن من خاطب غيره بما لا يفهمه لم يكن مبينا عن نفسه، و عليه بنى المصنف استحالة مخاطبة اللّه جلا و علا أحدا، من خلقه بما لا يفهم، أو إرساله رسولا لقوم لا يفهمون خطابه، إذ إن ذلك لا يوجب فائدة، و هو أمر يستحيل على اللّه سبحانه، و على ذلك فكل رسول أرسل بلسان قومه، و كل كتاب أنزل بلسان من نزل عليه، و عليه فالقرآن الكريم نزل بلسان محمد صلى اللّه عليه و سلم، فبيّن أن القرآن عربي.
و يستوجب ذلك أن تكون معاني كتاب اللّه تعالى المنزّل على محمد صلى اللّه عليه و سلم لمعاني كلام العرب موافقة، و ظاهره لظاهر كلامها ملائم. (1)
و لطول باع ابن جرير، و تمكنه في فنون العلم المتنوعة، فإن كل ما يمليهة.
ص: 292
يؤيده بالأدلة و الحجج، فيستشهد بالآيات و الأحاديث و الآثار و اللغة و الشعر، فإن كانت طويلة أو عديدة أحال القارئ إلى موطنها من صلب التفسير، أو اعتذر عن ذكرها خشية الإطالة و السآمة، مصرحا بذلك من حين لآخر. (1)
يبدأ ابن جرير حديثه عن الموضوع الذي هو بصدد بيان القول فيه بذكر الروايات و الآثار، ثم يعقب بالمناقشات و بيان الآراء و الاتجاهات، ثم الرد على المخالفين، و التصريح برأيه. (2)
و لعل أظهر سمة لمنهج ابن جرير في مقدمته هو ما عمد إليه في عرض الموضوعات و المناقشات بأسلوب علمي هادئ يكفي القارئ مؤنة السؤال و الاستفسار، فللوصول إلى بيان الفكرة التي يريد إثباتها، يطرح المصنف سؤالا على لسان قائل، ثم يجيب عنه، أو يورد معضلة أو إشكالا يعقبه بالتوضيح المدعوم بالأدلة، و هذا الفن هو ما يسمى بفن (الفنقلة) (3)، و هو أسلوب جيد يربط القارئ بالنص و يشده إليه، و يبعد عنه السآمة و الملل، يلجأ إليه كثيرون في حل المسائل العويصة و الطويلة المملة. (4)
ص: 293
و من منهج ابن جرير يرحمه اللّه يضيف إلى أدلته النقلية أدلة عقلية قوية، فيجمع بذلك بين العقل و النقل في مناقشاته، و هو منهج قويم يزيد القارئ قناعة، و يلزم على المصنفين نهجه إن كان الموضوع محلا لذلك، و إلا بقي في نفس القارئ ما قد يضعف الاقتناع، و الأمثلة على هذا المنهج عديدة (1).
و المستغرب في منهج المصنف أنه لا يعيّن القائل عند ذكره للأقوال، و لا ينسب الآراء أثناء مناقشاته، بل يكتفي بقوله: فإن قال لنا قائل. أو بقوله: قال بعض من خفت معرفته. أو قوله: قال جماعة. إلى غير ذلك من العبارات التي لا تبين القائل. (2)
و إذا ارتضينا بعدم تعيين المصنف للقائل عند إيراد الإشكالات، و قلنا: إنه أسلوب كتابي يقصد منه التوضيح بعد إيراد اعتراض يورده الكاتب على نفسه، لعلمه أن ذلك قد يورد في ذهن القارئ، فإننا لا نرتضي ذلك للمصنف في الحالات التي ينبغي بل يتعين فيها تعيين القائل، فمن حق أولئك أن يعيّنوا و يذكروا، حتى يعرفوا و حتى يوثق القارئ بالمعلومة و يطمئن إليها، و يتأكد منها، ثم إن من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله. هذا و اللّه أعلم.
ص: 294
لم يذكر الطبري في مقدمته التي بلغت مائة و ست صفحات مصدرا واحدا من مصادره، و لا صرّح باسم قائل خلا أولئك الذين يذكرهم في أسانيد الروايات، و كان من حق القارئ على المصنف أن يذكر مصدر معلوماته، و أن يحيل القارئ إلى مظان تلك المعلومات، بأن يذكر بعض من ألف في الموضوع الذي يريد طرقه ليرشد من أراد التوسع إلى منابعه، و هو ما تفطن له كثير من المصنفين، من أقران المصنف و من المتأخرين، فصنيعه هذا إذا ليس عائدا إلى منهجية التأليف زمن المصنف كما يرى بعض الباحثين.
أومأت قبل أن الريادة في أي فن من الفنون لا بد أن تترك جوانب نقص، يأتي المتأخر فيكمل و يضيف و يتمم حتى يستوي على سوقه، و تبقى المزية و الفضل للرائد الذي بذر البذرة، و وضع الأساس، و على هذا كان من أهم مزايا مقدمة ابن جرير هو الريادة بوضع مقدمة تضم علوما يحتاج إليها المفسر، كما يحتاج إليها القارئ للتفسير، فلم يسبقه فيما أعلم في هذا المجال أحد، إلى جانب مزايا أخرى امتاز بها المصنف:
1) حسن الترتيب و التبويب، حيث تدرّج المصنف في ذكر العلوم بأن بنى كل علم على الذي قبله.
ص: 295
2) احتكام المصنف إلى الرواية أصلا و أساسا في تصويب الآراء.
3) إيراد المصنف للإشكالات التي قد ترد على المسألة بشكل تفصيلي، و الرد عليها تفصيلا نقلا و عقلا.
فلعل أكثر ما يؤخذ على المصنف في مقدمته:
1) هو عدم ذكره لموضوعات تعد من أهم ما يجب على قارئ علم التفسير الاطلاع عليه، و للمفسر الإلمام به، لتتم الفائدة و يكتمل المقصود، كعلم المكي و المدني و علم الناسخ و المنسوخ و غير ذلك.
2) إغفال المصنف لكثير من العلوم التي تدخل تحت مسمى أصول التفسير.
3) و من المآخذ: التطويل بإيراد الطرق العديدة لإفادة معنى واحد.
4) الإكثار من الأدلة في المسألة الواحدة.
5) عدم بيان درجة كثير من الروايات. و اللّه أعلم.
ص: 296
مصنف هذا التفسير هو إمام الهدى، أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد ابن إبراهيم السمرقندي البلخي (1) المولود بسمرقند (2) من خراسان.
لم تذكر المصادر سنة ولادته، و إن كان بعضهم قد أشار أنه عاش قريبا من سبعين عاما، و لكون وفاته كانت عام (373 ه) على الراجح يتبين من ذلك أنه ولد في مطلع القرن الرابع الهجري، و اللّه أعلم. (3)
تربى أبو الليث في أسرة مغمورة لم تعرف بالعلم، و إن كان والده من المحبين لمجالس العلماء، فقد روى الابن بعض المرويات عن أبيه خاصة تلك المتعلقة بالوعظ، و قد استطاع الوالد أن يدفع بولده إلى مجالس العلم حتى حقق ما حققه من تقدم في العلوم و الفنون، ساعده في ذلك أن أبا الليث
ص: 297
عاش في فترة انتشرت فيها العلوم انتشارا عظيما، بالرغم من الحالة السياسية المضطربة التي شهدتها خراسان و سائر البلاد الإسلامية، فالسامانيون (1) الذين كانوا يحكمون سمرقند، كانوا يكرمون أهل العلم و يقربونهم، و يحثون الطلبة بشتى الوسائل إلى التعمق و النبوغ في العلوم، فتحوا لذلك معاهد العلم، و ازدهرت المكتبات، و نسخت المصنفات و توزعت، حتى كان هذا الإقليم من أجل الأقاليم و أكثرها أجلة و علماء. (2)
عاش السمرقندي بدايات حياته في هذا الجو المفعم بالنشاط العلمي، و إكرام أهل العلم و ذويه، و رغم ذلك لم تذكر كتب التراجم غير أبي جعفر الهنداوي المتوفى (362 ه) شيخا لأبي الليث. و كان الهنداوي و اسمه محمد ابن عبد اللّه إماما في عصره و على جانب عظيم من الفقه و الذكاء و الزهد و الورع (3).
ص: 298
كما توصل بعض الباحثين (1) إلى معرفة أسماء عدد من شيوخ أبي الليث و ذلك بتتبع مصنفاته، أذكر منهم:
الحاكم أبو الفضل محمد بن الحسين بن محمد الحدادي (2)، و الخليل بن أحمد السجزي (3)، هذا إضافة إلى والده و غيره من أهل العلم.
و قد استفاد أبو الليث من تلك الكوكبة استفادة عظيمة، فتكونت لديه منذ الصبا ملكة البحث و التحقيق، حتى غدا علما يشار إليه في الفقه و التفسير و الوعظ، فعرف بإمام الهدى، و لقب بالفقيه حتى أصبح هذا اللقب ملازما له، فلا يذكر إلا به.
أما تلامذة أبي الليث فقد اقتصدت المصادر بذكرهم أيضا، و منهم أبو عبد اللّه
ص: 299
طاهر بن محمد بن أحمد الحدادي صاحب عيون المجالس (1)، و لقمان بن حكيم الفرغاني (2)، و قد أخذ هؤلاء و غير هم العلم عن المصنف كما أخذوا عن مصنفاته، حيث اشتهرت مؤلفاته حتى نعته القرشي (3) في جواهره بقوله: هو الإمام الكبير صاحب الأقوال المفيدة، و التصانيف المشهورة (4).
و الذي يظهر أن المصنف اشتغل بالتأليف دهرا من الزمن، و ترك ثروة علمية ضخمة بلغت في تعداد بعضهم (5) أكثر من ثلاثين تصنيفا في فنون العلم المتعددة، أذكر منها:
خزانة الفقه (مطبوع)، و مختلف الرواية في الخلافيات (قدمت رسالة علمية في جامعة الإمام كلية الشريعة)، و عيون المسائل في الفروع (مطبوع)،
ص: 300
و رسالة في أصول الدين، و تنبيه الغافلين (مطبوع)، قرة العيون و مفرّح القلب المحزون (مطبوع). و غيرها من التآليف المفيدة. (1)
لقي هذا التفسير الاهتمام و العناية منذ عهد قديم، حين ترجمه إلى التركية ابن عربشاه الحنفي (1)، و حين خرّج أحاديثه الشيخ زين الدين قاسم بن قطلوبغا الحنفي (2) (3).
و قد اختلف في عنوانه، فذهب بعضهم إلى تسميته (بحر العلوم) و هو العنوان الذي اشتهر به، و حملته النسخة المطبوعة من التفسير، غير أنه ترجح لدى ثلة من المعنيين بهذا التفسير و المشتغلين به، أن هذه التسمية وردت خطأ على بعض نسخ الكتاب المخطوط، و هو من عمل المتأخرين، فبحر العلوم تفسير لسمرقندي آخر غير أبي الليث، و رأى هؤلاء أن الصحيح هو أن يقال: (تفسير القرآن لأبي الليث السمرقندي) أو نحو ذلك. (4)
ص: 302
يعدّ تفسير أبي الليث مصدرا من مصادر التفسير بالمأثور حيث اعتمد المصنف تفسير القرآن بالقرآن، ثم بالسّنة، ثم بأقوال الصحابة و التابعين، كما أورد أقوال أهل العلم السابقين، و أعمل الرأي و اجتهد في تفسير بعض الآيات، و بين رأيه غير أن اعتماده المأثور كان الغالب، و بالرغم من أن أبا الليث لم يذكر تفسير ابن جرير في تفسيره غير أنه سلك المسلك نفسه في نقل المأثور من الروايات و الأقوال، و إن كان ابن جرير قد ساق ذلك بأسانيده فحصر تفسيره على المختصين، بخلاف أبي الليث الذي حذف الأسانيد فجعله للعامة و الخاصة.
و كما أفاد ابن جرير من اللغة و جهود أهلها في بيان المعاني و التراكيب كذلك أفاد أبو الليث، فاعتمد كثيرا على الزجاج و الفراء و ابن قتيبة و غيرهم.
كما أولى المصنف اهتماما بالقراءات القرآنية، و معاني القرآن و إعرابه، و أحكام القرآن، و المغازي و السير، و الوعظ، و الزهد، و الحكم.
و طريقة أبي الليث أنه يفسر القرآن بالجزء، و يسرد الأقوال في بيان المعاني، و لكنه نادرا ما يرجح بين الأقوال، و قليلا ما يذكر اختياره.
و بالرغم من تأثر بعض الأعلام بالمصنف، و النقل عنه، و اعتماده أقواله، كالقاضي عياض (1)، و الكرماني (2)، و القرطبي ت (671 ه)،
ص: 303
و السيوطي ت (911 ه) و البرسوي ت (1127) (1) و غيرهم، فإنه يؤخذ على هذا التفسير مآخذ عديدة أشار إليها المشتغلون به (2)، من أهمها الركاكة في العبارة، و الضعف في التعبير، الذي ظهر في مواطن عديدة منه، و الإسهاب و الاستطراد في سرد الحكاية التي لا فائدة منها، إضافة إلى اعتماده بعض الأحاديث الضعيفة.
و قد جاءت مقدمة أبي الليث قصيرة موجزة، أشار المصنف فيها لمسألتين فقط، الأولى في بيان الحاجة إلى علم التفسير، و الأخرى في إباحة التفسير بالرأي المبني على وجوه اللغة و أحوال التنزيل، و استدل على ما ذهب إليه ببعض الآثار روى بعضها بسنده.
و قد طبعت المقدمة ثلاث طبعات، الأولى منها نسخت على الآلة الكاتبة، و قدمت رسالة علمية من (أول الكتاب إلى نهاية سورة الأنعام)،
ص: 304
إلى جامعة القاهرة، كلية دار العلوم عام 1983 م، نال بها الباحث عبد الرحيم أحمد الزقة، درجة الدكتوراة.
ثم طبعت بمطبعة الإرشاد في بغداد عام 1405 ه 1985 م، الطبعة الأولى في ثلاثة مجلدات.
و الطبعة الأخرى أيضا نسخت على الآلة الكاتبة مع سورتي الفاتحة و البقرة، قدمت رسالة علمية إلى كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، نال بها الباحث الدكتور/ محمد آل عبد القادر درجة الدكتوراة في القرآن و علومه.
و طبعت طبعة ثالثة و ظهرت كاملة غير منقوصة، في ثلاثة مجلدات، و صدرت عن دار الكتب العربية في بيروت، عام 1413 ه، بتحقيق علي محمد عوض و عادل أحمد عبد الموجود، و زكريا عبد المجيد النوتي.
على غير عادة المفسرين الذين يستهلون تفاسير هم بخطبة موجزة يثنون فيها على المنعم الذي جعلهم من أهل القرآن، و وفقهم للتأليف في تفسيره، كما يبينون مناهجهم و مصادرهم و الباعث على التأليف و غير ذلك قبل الشروع في المقدمة التي تخصّص في العادة للبحث في بعض المسائل الهامة للمفسر، على غير هذا النهج استهل أبو الليث مقدمته بسرد شي ء من الآيات و الآثار التي تحث على طلب علم التفسير، و تبين مدى الحاجة
ص: 305
إليه لمن أراد فهم مراد اللّه تعالى، ليقرر بذلك أن طلب التفسير و التأويل واجب ما دام أنه تعالى أنذرهم بهذا الوحي وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19].
و ليس معنى هذا أن لكل أحد أن يطرق باب التفسير من ذات نفسه برأيه، بل من اللزوم معرفة وجوه اللغة و أحوال التنزيل، فقد ورد التحذير الشديد من الشارع في حق من يقدم على مثل ذلك، و روى المصنف في هذا المعنى بعض الآثار التي تبين تحرّج جماعة من الصحابة من القول في القرآن بالرأي. و به ختم المقدمة، ليشرع في تفسير البسملة فالفاتحة.
ص: 306
مصنف هذا التفسير هو أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري (1). و الماوردي بفتح الميم و الواو و سكون الراء في آخرها دال مهملة نسبة إلى بيع الماورد و عمله. (2) و البصري نسبة إلى موطنه.
عاش الماوردي ستة و ثمانين عاما، و لم يذكر المترجمون تاريخ ميلاده، غير أن حسم هذا العمر من سنة الوفاة الذي هو عام (450 ه) يوضح لنا أنه ولد عام (364 ه). (3)
تربّى الماوردي في موطنه البصرة، في أسرة يغلب عليها الاهتمام بالعلم، و تلقى تعليمه الأولي برعاية والده الذي دفعه إلى حلقات العلم، و كانت البصرة في عهده مركزا للعلم و الحضارة، و على درجة عالية من
ص: 307
التقدم العلمي و الحضاري، و هو السر الذي دفع قوافل طلبة العلم التوجه إليها، و كانت الثانية بعد بغداد، و حين استكمل البدايات، و تقدم في التحصيل، و تضلّع من ينابيع البصرة العلمية، وجه النظر إلى بغداد، العاصمة العلمية، فشد الرحال و ودع الأهل لينضم إلى حلقات العلم هناك، و لينتظم بها، و ما أن أخذ مكانه، حتى انكبّ على الدرس و المطالعة في جو مفعم بالحركة و النشاط و الحيوية، و زاحم مئات الطلبة في مدينة تعجّ بأهل العلم، علماء و متعلمين، في زمن كان لأهل العلم عامة و العلم الشرعي على الخصوص مكانتهم و منزلتهم و تقديرهم الخاص، حتى كان السلاطين و الأمراء يتباهون بأصحاب العمائم في مجالسهم، و يقربونهم و يغدقون عليهم العطايا و الهبات، و قلّما يردون أحكامهم.
و ظل الشيخ يتنقل في هذا الخضم الهائل من أهل العلم من عالم إلى آخر حتى حصل غايته، و نال مبتغاه، و تخرّج على أيدي ثلّة من أولئك المبرزين في علوم عديدة، فقدّم للتدريس، و قرر العودة إلى موطنه معلما بعد أن كان تركها طالب علم، و تصدّر للتدريس هناك مدة ثم عاد الكرّة إلى بغداد ليستقر به المقام، دون أن يغادره الشوق و الحنين إلى مراتع الصبا، و كانت المراسلات بينه و بين أحبته هناك تسد مسد الرؤية.
بقي في بغداد مدرسا فقاضيا ثم أقضى القضاة، و انكبّ على التأليف و التصنيف حتى اشتهر صيته و ذاع اسمه، و انتهت إليه رئاسة و إمامة
ص: 308
المذهب الشافعي في عصره. (1)
لقي الماوردي تقديرا و إكراما واضحين من أهل عصره، لما امتاز به يرحمه اللّه من علوّ الهمة و طول الباع في العلوم و المعارف، و لما عرف به من الوقار و الأدب، يقول السبكي: كان إماما جليلا رفيع الشأن، له اليد الباسطة في المذهب، و المتفنن في سائر العلوم. (2)
و يقول ابن كثير: كان حليما وقورا أديبا. (3) و يقول تلميذه ابن خيرون (4): كان رجلا عظيم القدر، متقدما عند السلطان، أحد الأئمة، له التصانيف الحسان في كل فن من العلم. (5)
و حين يصف عبد الملك الهمذاني (6) و هو تلميذ له أدبه الجم و حياؤه
ص: 309
و وقاره يقول: لم أر أوقر منه، و لم أسمع منه مضحكة قط، و لا رأيت ذراعه منذ صحبته إلى أن فارق الدنيا. (1)
و قد عرف عن الماوردي إلى جانب الرسوخ في العلم، الجرأة في قول الحق و الصراحة فيه فهو لا يخشى في اللّه لومة لائم، و عظيم التقدير لأهل العلم، و التواضع و البعد عن العجب بالذات، كما عرف عنه أنه كان أوابا، متى عرف الخطأ تراجع عنه، و سيرته مليئة بأخبار تحكي هذه المعاني. (2)
و أشيع عن الماوردي أنه معتزلي، يقول ببعض مقولاتهم، و أول من اتهمه بذلك ابن الصلاح (3) المحدث عفا اللّه عنه (4) و تبعه آخرون، و تصدى للتهمة ثلة من أهل العلم (5)، و بقي الاتهام مدار البحث بين مثبت و ناف،
ص: 310
إلى أن جاء الأستاذ عدنان زرزور ليذهب بعيدا فيجعل تفسيره من تفاسير المعتزلة، و ليقول مقولته: و أيا ما كان الأمر فإن الماوردي وضع تفسيره على أصول المعتزلة و منهجهم في التفسير، سواء خالفهم في بعض المسائل أم لا، و سواء أ جاهر بالاعتزال أم لا، و إن كنا لا ندري ما هو (حد) الجهر عند ابن الصلاح. (1)
و قد قيّض اللّه للماوردي بعض أهل العلم، ردوا على الأستاذ عدنان زرزور، و بينوا أن ما قاله اتهام لا محل له من الصحة، و أنه حكم متسرع يعوزه التحقيق، و أن الماوردي و إن وافق القوم في القول بالقدر فإن ذلك لا يعني أنه معتزلي، بل غاية ما يقال فيه أن له مسائل وافق اجتهاده فيها مقالات المعتزلة، و لا ينبغي أن يطلق عليه اسم الاعتزال، كما قال ابن حجر. (2)
تتلمذ الماوردي على خلق كثير من أهل موطنه البصرة، و مهجره بغداد، و زاحم الركب في حلقات عديدة، و من شيوخه:
ص: 311
أبو القاسم عبد الواحد الصميري (1)، و أبو حامد أحمد بن أبي طاهر محمد بن أحمد الأسفراييني و غيرهما.
أما الذين تلقوا العلم عن الماوردي فهم أيضا خلق كثير، فالماوردي كما علمنا من سيرته عمل بالتدريس ردحا من الزمن في البصرة و بغداد، كما أن عمله في سلك القضاء و حيازته لقب أقضى القضاة، و إسناد رئاسة و إمامة مذهب الشافعية له، جعل الطلبة يحرصون على التلقي عنه.
للماوردي تصانيف حسان في كل فن، كما قال ياقوت في معجمه (1)، فهو مصنّف موسوعي، و قد وصل عدد مؤلفاته إلى ثمانية عشر مؤلّفا، نذكر منها: الأحكام السلطانية، و لأهميته ترجم إلى عدد من اللغات، و هو من أشهر مصنفات المؤلف (2)، و أمثال القرآن، و يعد الماوردي أول من أفرد هذا الفن بتأليف مستقل، و الحاوي الكبير في الفقه (مطبوع)، الاقناع، و هو مختصر للحاوي، مجرد عن الأدلة، و كتاب في البيوع، و قوانين الوزارة و سياسة الملك (مطبوع)، و أدب الدنيا و الدين (مطبوع). إضافة إلى تفسيره النكت و العيون، و غيرها من المصنفات. (3)
توفي الماوردي رحمه اللّه يوم الثلاثاء، آخر شهر ربيع الأول سنة 450 ه، و دفن في بغداد، و حضر جنازته جمع غفير من أهل العلم و الريادة. (4)
ص: 313
حصر الأقوال، و حسن العرض، مع جمال الأسلوب، و دقة العبارة و الإيجاز، كلها نعوت تنطبع في فكر الناظر في النكت و العيون للماوردي منذ الوهلة الأولى، و هي كلها تدل على ما أوتي المصنف من قوة البيان و سلامة الفكر التي مكّنته من تقديم مادة تفسيره بصورة تترك ذاك الانطباع الجميل لدى القارئ.
فالقارئ للماوردي في تفسيره لا يجد الاستطراد الذي قد يبعد بالمعاني، و ينأى بالقريب، كما هو الحال عند بعض المفسرين، مع أن المصنف قلّما يهمل قولا ذي بال دون أن يذكره.
لقد اقتصر الماوردي في تفسيره على بيان الغامض الخفي من آيات الذكر الحكيم، دون الظاهر الجلي إذ هو مفهوم من التلاوة، جمع لبيان ذلك
ص: 314
أقوال أهل العلم من السلف و الخلف، و أضاف ما سنح به الخاطر مما توصل إليه بإعمال الفكر، و النظر في الأدلة، متبعا الإيجاز و الاختصار في نقل الأقوال و الأخبار، و عرضها بأسلوب بديع و عبارة زادت المعاني جلاء و وضوحا، دون أن يغفل عن التصريح بالقائل، أو التعقيب على الردي ء المتكلف من الأقوال أحيانا كثيرة.
و اهتم المصنف في تفسيره أيضا ببيان أسباب النزول و القراءات غالبا، كما أولى الجانب اللغوي اهتماما عظيما، و خاصة الفروق اللغوية بين المفردات التي يظن أنها مترادفة، و كذا اهتم ببيان الأحكام الفقهية، و استطاع أن يعالج الأحكام معالجة قرآنية بعيدا عن الاستطرادات الفقهية، رغم أن الماوردي عرف فقيها أكثر منه مفسرا.
و قد استمد المصنف مادة تفسيره من مصادر عديدة و متنوعة، في شتى الفنون، من الأثر و المعقول. و بين في الخطبة التي قدمها بين يدي تفسيره منهجه في التصنيف فقال:
(و لما كان ظاهر الجليّ مفهوما بالتلاوة، و كان الغامض الخفيّ لا يعلم إلا من وجهين: نقل و اجتهاد، جعلت كتابي هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، و تفسير ما غمض تصوّره و فهمه، و جعلته جامعا بين أقاويل السلف و الخلف، و موضحا عن المؤتلف و المختلف، و ذاكرا ما سنح به الخاطر من معنى يحتمل، عبّرت عنه بأنه محتمل، ليتميّز ما قيل مما قلته، و يعلم ما استخرج مما استخرجته.، و عدلت عمّا ظهر معناه من فحواه، علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 316 ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: ..... ص : 314
ص: 315
اكتفاء بفهم قارئه و تصوّر تاليه، ليكون أقرب مأخذا، و أسهل مطلبا). (1)
و طريقة المصنف يرحمه اللّه أنه يسرد الآية أو الجزء من الآية التي هو بصدد بيان غامضه، و تأويل خفيّه، ثم يعقب ذلك بالبيان بعبارة موجزة، فإن كان هناك اختلاف بين أهل العلم في تعيين المراد، يصرّح بذلك في الغالب ثم يقول: (فيه أقوال)، أو يقول: (فيه قولان)، أو (ثلاثة أقوال) ...
و هكذا. ثم يقول: (القول الأول) و يذكره، ثم (الثاني) و يذكره .. و هكذا.
و لتفسير الماوردي أثر واضح في كثير من التفاسير التي جاءت بعده كابن الجوزي و القرطبي و أبي حيان، و غيرهم و إن كان الأول أكثرهم تأثرا، فقد التزم منهج الماوردي و طريقته في العرض و الإيجاز.
و سبق أن أشرت إلى ما أشيع حول الماوردي من تهمة الاعتزال، و عدّ تفسيره واحدا من تفاسير القوم، و بينت أن ذلك اتهام لا يخرج التفسير من تفاسير أهل السنة بأية حال و إن وافق بعض اجتهاداته مقولات القوم.
1) إنه مختصر كامل للقرآن، و تفسير للغامض من ألفاظ و معاني الذكر الحكيم.
2) إنه تفسير جمع المصنف فيه بين الرواية و الدراية، و جعله جامعا
ص: 316
لأقاويل السلف و الخلف.
3) إن المصنف اهتم بذكر اللغة و القراءات و أسباب النزول و الأحكام الفقهية.
4) امتاز هذا التفسير بحسن عرض الآراء و الأقوال و حصرها، مع نسبتها إلى قائليها، بأسلوب جميل و عبارة دقيقة موجزة.
و قد قدم الماوردي لتفسير القرآن (فصولا تكون لعلمه أصولا، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، و خفي دليله) (1) بهذه العبارة نعت الماوردي المقدمة التي قدمها بين يدي تفسيره و التي استغرقت ما يربو على عشرين صفحة من القطع المتوسط، و جاءت كالتفسير تماما من حيث البلاغة و البيان و قوة العبارة و الإيجاز.
تعرض المصنف لعدة موضوعات، و أسماها فصولا، سلك فيها مسلك الإيجاز فيما يتعلق بنقل الأقوال و الآراء، و ذكر الأدلة باختصار، دون اعتماد الردود و المناقشات، مع تجنب ذكر الأقوال الضعيفة و المردودة.
و امتازت المقدمة بحسن السبر و التقسيم للأقوال و الموضوعات، و هو أمر أجلى الموضوعات المطروقة و بيّنها، فكانت في غاية الوضوح، و هذه الموضوعات هي:
ص: 317
1- أسماء القرآن.
2- أسماء سور القرآن.
3- معنى السورة و الآية.
4- الأحرف السبعة.
5- إعجاز القرآن.
6- حكم التفسير بالرأي أو الاجتهاد.
7- أقسام التفسير.
8- الظهر و البطن و الحد و المطلع.
و قد طبعت المقدمة فيما أعلم ثلاث طبعات، إحداها بالآلة الكاتبة، و الطبعات على النحو التالي:
1) طبعت على الآلة الكاتبة، مع دراسة للمؤلف و للكتاب، و تحقيق أجزاء منه، بتحقيق فضيلة الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، بعنوان:
تفسير الماوردي النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم، قدمت رسالة علمية لنيل درجة الدكتوراة في كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
2) قامت وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية بدولة الكويت بطباعة و نشر الكتاب بتحقيق السيد خضر محمد خضر، و مراجعة الدكتور/ عبد
ص: 318
الستار أبو غدة. و على الطبعة ملحوظات و فيها سقط أشار إليها فضيلة الدكتور الشائع في دراسته للكتاب. (1)
3) صدرت أخيرا طبعة علق عليها و راجعها السيد عبد المقصود بن عبد الرحيم، و قامت دار الكتب العلمية، و مؤسسة الكتب الثقافية ببيروت بطباعتها و نشرها. و هي التي اعتمدتها في هذه الدراسة.
أسدى الماوردي الشكر للمنعم الذي هداه و المسلمين للدين القويم، و منّ عليهم بالكتاب المعجز المبين، و لأن من الكتاب ما هو ظاهر جلي مفهوم بالتلاوة يفهمه العامة فضلا عن الخاصة، و منه الغامض الخفي الذي خص اللّه لتأويله العلماء دون غيرهم، جعل المصنف كتابه هذا مقصورا على تأويل ما خفي علمه، و تفسير ما غمض فهمه.
كان هذا في التقديم الذي قدمه المارودي بين يدي تفسيره، كما بيّن فيه منهجه في التفسير، و ما قدّم بين يدي تفسيره من مقدمات هي كالأصول له، يستوضح منها ما اشتبه تأويله، و خفي دليله. ثم سأل اللّه العون و السداد، و شرع في بيان المقصود.
فذكر أنه تعالى جلّت قدرته سمى كتابه المنزل بأسماء، هي القرآن
ص: 319
و الفرقان و الكتاب و الذكر، فبين دليل كل تسمية من آيات الذكر الحكيم، ثم شرع في بيان تأويل تلك التسميات، و بيان أقوال العلماء فيها، و كان هذا هو مضمون الفصل الأول من المقدمات.
في حين خصص الفصل الذي يليه لبيان تأويل أسماء كتب اللّه المنزلة، التوراة و الزبور و الإنجيل.
و انتقل عقب ذلك إلى قوله صلى اللّه عليه و سلم في الحديث الذي رواه واثلة بن الأسقع رضي اللّه عنه (1): أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطوال، و مكان الإنجيل المثاني، و مكان الزبور المئين، و فضلني ربي بالمفصل. (2)
فذكر ما هي السبع الطوال، كما ذكر سبب التسمية، و بين ما هي المئين، ثم المثاني و الأقوال الواردة في بيانها، و أخيرا المفصل و سبب التسمية و الخلاف في تحديد أول المفصل.
ثم بين في الفصل الذي يليه معنى السورة و الآية، فبيّن أولا أن
ص: 320
السورة وردت بالهمز و بغير همز، و بيّن خلاف أهل العلم على كلّ، ثم أوضح معنى الآية و تأويلها و سبب التسمية.
عقب ذلك انتقل إلى الحديث عن الأحرف السبعة، فذكر الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي اللّه عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في نزول القرآن على سبعة أحرف. (1) و اختلاف المفسرين في تأويل السبعة أحرف التي نزل القرآن بها، فذكر أن الأقوال أربعة، سردها بعبارة مختصرة و ذكر الأدلة بإيجاز، و دون أن يرجّح شيئا منها.
ثم كان الحديث عن إعجاز القرآن الذي عجزت العرب عن الإتيان بمثله، فذكر ثمانية وجوه للإعجاز، هي حصيلة أقوال أهل العلم في المسألة، و هي:
1) أن وجه إعجازه هو الإعجاز و البلاغة.
2) أنه البيان و الفصاحة.
3) و قيل: بل هو الرصف الذي تنقضي به العادة، حتى صار خارجا
ص: 321
عن جنس كلام العرب من النظم و النثر و الخطب ... و غير ذلك.
4) أن وجه إعجازه هو أن قارئه لا يكلّ و أن سامعه لا يملّ.
5) أنه لما فيه من الأخبار بما كان مما علموه أو لم يعلموه، و إذا سألوا عنه عرفوا صحته.
6) هو ما فيه من علم الغيب، و الإخبار بما يكون.
7) كونه جامعا لعلوم لم تكن فيهم آلاتها، و لا تتعاطى العرب الكلام فيها، و لا يحيط بها من علماء الأمم واحد، و لا يشتمل عليها كتاب.
8) أن وجه إعجازه هو في الصّرفة بأحد وجهيه، إما أن العرب صرفوا عن القدرة عليه، و لو تعرضوا لعجزوا عنه، أو أنهم صرفوا عن التعرض له.
و انتهى المصنف إلى القول بأن القرآن معجز بكل تلك الوجوه. و يعد رأيه هذا بمثابة قول تاسع، و هو أبلغ في الإعجاز و أبدع في الفصاحة و الإيجاز.
انتقل المصنف بعد هذا للحديث عن التفسير بالرأي و الاجتهاد، فبيّن أن كون القرآن في تلك المنزلة من الإعجاز في النظم و المعنى يستدعي لمن أراد العمل بموجبه ضرورة استخراج معاني ألفاظه، و هو أمر يحتاج إلى زيادة تأمل في الألفاظ و الآيات ليصل المرء إلى جميع ما تضمنته تلك الألفاظ من المعاني، و احتملته من التأويل، و لهذا لا مناص من القول بضرورة
ص: 322
الاجتهاد في فهم النص، و هو أمر تعبّد اللّه تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين، فقال تعالى لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83].
ثم عرّض بأولئك الذين فهموا قوله صلى اللّه عليه و سلم في الحديث الذي رواه جندب بن عبد اللّه رضي اللّه عنه (1): «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» (2) فهما خاطئا، فظنوا أنه الإحجام عن التفسير و إن كانت الشواهد واضحة، و أمرّوا الحديث على ظاهره، فوصفهم بقلة العلم، و نعتهم بضعف الخبرة.
بعدها بيّن تأويل الحديث على الوجه الصحيح الذي رآه، فقال: و لهذا الحديث إن صحّ تأويل معناه: أن من حمل القرآن على رأيه، و لم يعمل على شواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل. (3) و هو فهم معتبر للنص ارتضاه خلق ممّن جاء بعده كابن عطية و القرطبي و غيرهما.
إثرها ذكر المصنف المروي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما عن
ص: 323
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه». (1)
فبين تأويل مفردات الأثر، و قال: و هذا دليل على أن تأويل القرآن مستنبط منه. (2)
انتقل المصنف بعد هذا ليبيّن أقسام التفسير، فأوضح أنه إذا جاز الاجتهاد في استخراج معاني القرآن من فحوى ألفاظه، و شواهد خطابه الأمر الذي أقره قبل قليل فإن الحبر ابن عباس رضي اللّه عنهما قسم التفسير أربعة أقسام، ذكرها و ارتضاها، و عقب على الأخير منها و هو القسم الذي لا يعذر أحد بجهالته، فبين أنه داخل في جملة ما يعلمه العلماء، و بذلك يصير التفسير عنده ثلاثة أقسام:
1) قسم اختص اللّه تعالى بعلمه، و استأثر به و لم يطلع عليه عباده.
2) قسم يرجع في معرفته إلى لسان العرب.
3) و قسم ثالث يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء، و هو تأويل المتشابه، و استنباط الأحكام، و بيان المجمل و ما إلى ذلك.
و بين أن العلماء قد يختلفون في تأويل بعض المعاني للألفاظ المحتملة لأكثر من معنى، و حينئذ لا مناص للترجيح بين الأقوال من التعويل على
ص: 324
الضوابط التي وضعها العلماء، لهذا ذكر المصنف ما الذي يفعل في مثل هذه الحالات.
و جاء الختام لبيان معنى الحد و المطلع، و الظهر و البطن، و هي المفردات الواردة في الأثر الوارد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم: «ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهر و بطن، و لكل حرف حدّ، و لكل حدّ مطلع». (1)
قسم الماوردي المقدمة التي قدمها بين يدي تفسيره و التي جعلها أصولا فصولا، خصّ كل فصل لأصل من تلك الأصول التي رأى أنها توضح المشتبه، و تظهر الدليل للناظر في التفسير.
و قد اقتصد المصنف في القول و البيان، لكل ما رأى بحثه من الأصول و الفنون، فقدم ما أراد تقديمه بعبارة موجزة رصينة، متبعا نهجا يعدّ الرائد فيه، و من أبرز ملامح هذا النهج:
ص: 325
1- حسن عرض الأقوال في المسائل المختلف فيها، فتراه يجمل الأقوال و يحصرها في عدد، ثم يفصلها بعد ذلك بذكر الأول فالثاني فالثالث ... ذاكرا ما قد يتفرع على ما سبق أن ذكره من أقوال مع نسبة الأقوال إلى قائليها من الصحابة و التابعين و الأئمة المعتبرين.
2- إيجاز العبارة، و دقة التعبير، و جمال الأسلوب. (1)
فقد أحسن المصنف القول، و أحكم العبارة، و هو أمر يعزو فضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن الشائع التوفيق فيه بعد اللّه إلى موسوعية المصنف، و سعة علمه، و تنوع ثقافته، الأمر الذي مكّن المصنف من صياغة تفسيره و منها المقدمة بأسلوب أدبي رفيع أظهرت تمكنه من ناصية اللغة، و البراعة في اختيار المفردات و التراكيب، حتى إنك نادرا ما تجد عبارة أو جملة يمكن حذفها أو الاستغناء عنها بغيرها، و هو بهذا جمع بين دقة عبارة الفقيه، و جمال أسلوب الأديب. (2)
و من منهج المصنف ذكر الأدلة لأغلب الأقوال و الآراء التي يوردها، آية كانت أم حديثا أم شاهدا من كلام العرب و أشعارها، و هو في استشهاده بالأثر لا يذكر صحة ما يستشهد به، إلا نادرا. (3)
ص: 326
و للماوردي اختياراته في بعض المسائل، فهو قد يرد على بعض الأقوال و يضعفها، و قد يصرح برأيه في بعض الأحايين. (1)
تلك هي السمات البارزة لمنهج الماوردي. (2)
الناظر في خطبة الماوردي التي قدم بها تفسيره يجده حدد ملامح منهجه بوضوح، فهو قد حصر تفسيره على بيان الغامض إذ هو محل بحث العلماء، دون الظاهر الذي يفهمه كل عارف بلغة العرب، و هذا شرط التزمه و سار عليه. (3)
و من شرطه جمع أقوال علماء السلف في بيان هذا الغامض، و عرضها، و هذا الآخر التزمه المصنف فهو لا يتوانى عن عرض أقوال السلف في بيان معاني الألفاظ و مدلولاتها، و نسبة ذلك إليهم في الغالب، كما أنه يصرح بموقفه و رأيه في كثير منها، معللا رأيه أحيانا، و تاركا التعليل في أحايين أخرى. (4)
ص: 327
كما اشترط الماوردي أن يضيف إلى أقوال السابقين ما سنح به خاطره من المعاني. (1)
لم يصرح الماوردي في مقدمته باسم مصدر واحد من مصادره التي استمد منها مادة مقدمته، و إن كان قد صرح بذكر أسماء بعض الأعلام ممن لهم اختيارات في بعض المسائل، و تأويل لبعض الآثار، و هي سمة لمنهج الماوردي كما ذكرت ذلك قبل قليل، و قد عزا جملة من الأقوال إلى قائليها سواء من الصحابة كابن عباس رضي اللّه عنهما (2)، أو التابعين كسعيد بن جبير (3)، و الحسن البصري (4)، و قتادة (5)، كما عزا إلى أبي عبيد القاسم بن سلام في أكثر من موضع (6)، و الأصمعي. (7)
ص: 328
و طريقته في العزو في الغالب أنه يذكر القول، ثم يقول: و هو قول فلان. أو و هذا قاله فلان (1). أو أن يحكي القول أو الحكاية ثم يقول: حكاه فلان. (2)
يعدّ الماوردي من المفسرين المتقدمين الذين قدموا بين يدي تفاسيرهم مقدمات في علوم القرآن، و هي في حد ذاتها ميزة لها أهمية خاصة إذ هم الذين أصّلوا فن المقدمات.
1- تناوله جملة من الموضوعات التي لها أهميتها في عصر المؤلف، كموضوع الإعجاز و التفسير بالرأي.
2- حسن السبر و التقسيم، مع الشمول و الحصر للأقوال في المسائل المطروقة، و عرضها بعبارة موجزة جميلة و أسلوب أدبي رصين.
3- عزو الأقوال إلى قائليها في الغالب.
ص: 329
4- التوجيه و التوضيح لبعض النصوص و الآثار.
1) عدم تناول بعض الموضوعات الهامة كالمحكم و المتشابه، و الناسخ و المنسوخ، و أحسن طرق التفسير، و حكم تفسير الصحابي، و التابعي، و غير ذلك مما هو من صلب أصول التفسير.
2) القصور في معالجة بعض المسائل التي كان من المفترض بيانها بصورة أفضل، كالأحرف السبعة، الموضوع الذي تعددت فيه الأقوال حتى في زمن المصنف بل قبله، و تباينت بصورة ملحوظة، فكان من حق القارئ أن يبين المصنف الرأي الراجح فيه.
3) عدم بيان درجة الآثار التي استشهد بها المصنف عند ذكره للأقوال و سرده للآراء.
ص: 330
نشأ الواحدي ميسورا في رغد من العيش، ضمن أسرة عرفت بالتجارة، و اشتهرت بالثراء، و عرف أنه ثالث أخويه، عبد الرحمن (1) الفقيه المحدث، و سعد السمسار المتفقّه، انضم إلى الكتاتيب في نيسابور، و ندبه أهله للعلم فتلقّى على أفاضل البلدة التعليم الأولي، ثم التحق بدار السّنة في نيسابور نفسها طالب علم مجدّ، فأخذ عن علمائها سماعا و إملاء، و هو لا يزال في مقتبل العمر، لم يتجاوز الثانية عشرة (2)، و دأب على تحصيل العلوم بنهم و جلد، فكلما أتيح له فرصة اللقاء بعالم أسرع إليه، يختار النخبة، و ينتقي الفضلاء، و يشد الرحال فينتقل من مصر إلى آخر يتلقى عن الشيوخ، حتى أكثر منهم، و عرف بعلو السند، يقول عن شيوخه يرحمه اللّه:
و لو أثبتّ المشايخ الذين أدركتهم و اقتبست عنهم هذا العلم يعني علم التفسير من مشايخ نيسابور و سائر البلاد التي وطئتها لطال الخطب، و ملّ الناظر. (3) و من شيوخه:
ص: 332
أبو إسحاق أحمد بن محمد الثعلبي (1)، و أبو الفضل أحمد بن محمد العروضي الصفّار (2)، و غيرهم. (3)
تبحّر الواحدي في الفنون و العلوم، و أحرز ما عجز غيره عن تحصيله، فكان مفسرا واحد عصره في التفسير، و إمام علماء التأويل (4)، أثنى عليه أهل الفضل من العلماء، نعته ابن قاضي شهبة بقوله: كان فقيها إماما في النحو و اللغة و غيرهما، شاعرا، و أما التفسير فهو إمام عصره. (5)
و قال ابن خلكان (6): كان أستاذ عصره في النحو و التفسير. (7)
ص: 333
و نقل الذهبي عن السمعاني قوله: كان الواحدي حقيقا بكل احترام و إعظام لكن كان فيه بسط لسان في الأئمة. قال الذهبي: و هو لكونه قال في تفسير السلمي: و لو قال ذلك تفسير القرآن لكفّرته. قال الذهبي: الواحدي معذور مأجور. (1)
و قال غيرهم غير ذلك، فأجمع الجميع على إمامته، و قعد للتدريس و تخرج به طائفة من الأئمة، و لهذا شد طلبة العلم الرحال إليه زرافات و وحدانا، و اعتكفوا بين يديه، يتلقون عنه سماعا و إملاء، و كان منهم أئمة أعلام و من هؤلاء التلاميذ:
حسنها، و ذكرها المدرسون في دروسهم (1)، و من ذلك:
البسيط في تفسير القرآن الكريم، و الوسيط في تفسير القرآن المجيد، و الوجيز في تفسير القرآن العزيز، قال الذهبي: و بتلك الأسماء سمى الغزالي تواليفه الثلاثة في الفقه. (2)، و له أسباب النزول، و هو أعظم ما ألف في هذا الباب كما قال الزركشي (3)، و رسالة في شرف علم التفسير، و شرح ديوان المتنبي (مطبوع). و غير ذلك. (4) و بعد رحلة علمية مباركة دامت ما يقرب من سبعين عاما توفي الواحدي، و انتقل إلى جوار ربه في شهر جمادى الأولى سنة (468 ه) بعد أن عانى من مرض عضال ألّم به طويلا. (5)
ص: 335
امتاز الواحدي بأنه الوحيد الذي صنّف تفسير القرآن على ثلاث مراحل، مراعيا قدرات المتلقين عنه و مستوياتهم، و قد جاءت تفاسيره الثلاثة في قالب عكست بوضوح ثقافته الواسعة و إلمامه بالعلوم المتنوعة، كما أظهرت براعة يراعه.
و يغلب على الواحدي اهتمامه بالنقل و الأثر، كما أعطى المصنف لإعمال الفكر مجالا رحبا، فاستخرج كثيرا من دقائق المعاني، و صاغها بعبارة رصينة محكمة، زانها بالمأثور المنقول عن سلف الأمة.
و قد اخترت الوسيط من بين تفاسيره، لكونه ينحط عن درجة البسيط الذي تجر فيه أذيال الأقوال، و يرتفع عن مرتبة الوجيز الذي اقتصر على الإقلال، و هكذا عرّف الواحدي الوسيط الذي أعفاه من التطويل و إكثار الأقوال، فجاء أسلم من خلل الوجازة و الاختصار، و أتى على النمط الأوسط، و القصد الأقوم، حسنة بين السيئتين، و منزلة بين المنزلتين، لا إقلال و لا إملال. (1)
و الوسيط تفسير بالجزء، و يعد من التفاسير التي اهتمت بالأثر و اللغة
ص: 336
و النحو و الغريب غير أنه لم يطنب في ذلك كما فعل في البسيط، كما أولى الواحدي المسائل الفقهية شيئا من الاهتمام، و كذا أسباب النزول.
و طريقته أنه يذكر الكلمة القرآنية أو الجزء من الآية ثم يبدأ الحديث عنها من ناحية اللغة فيبين المراد و الأصل اللغوي للكلمة، و قد يتكلم على نحوها ثم يسرد الأثر المحفوظ فيها و يتبعها بنقل أقوال السلف دون ذكر الأسانيد إلا نادرا، و يذكر ما استخرجه بإعمال الفكر.
هذا و للوسيط قدر و اعتبار خاص عند أهل العلم فهو غاية في بابه، و قد حظي باهتمام بالغ من طلبة العلم، حتى أن السهروردي أبو النجيب المتوفى (563 ه) (1) حفظه فقال: و حفظت وسيط الواحدي في التفسير (2).
و قد جاءت المقدمة مع خطبة الكتاب في ست صفحات، و لا تعد من المقدمات التي أولت علوم القرآن اهتماما خاصا، و لعل ذلك يعود إلى كون المصنف قد أفرد شيئا من ذلك في تصانيف خاصة كأسباب النزول، و الرسالة التي خصها لبيان شرف علم التفسير.
ص: 337
حمد المصنف اللّه القادر العليم، و صلى على نبيه الكريم و على آله و صحبه الأخيار، ثم بين أن العلم أشرف منقبة، و أجل مرتبة، و أن العلماء هم خواص عباد اللّه، و هم ورثة الأنبياء يحبهم أهل السماء، و ساق لبيان ذلك أثران بسنده، أحدهما صحيح أخرجه البخاري و الآخر فيه من هو ضعيف، و ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1).
عقب ذلك بيّن أن أم العلوم الشرعية كتاب اللّه، و أن العلم بتفسيره و أسباب تنزيله و معانيه و تأويله هو أشرف العلوم، و أن من شرفه أنه يعتمد على السماع و النقل من الشارع و ممن شاهدوا التنزيل من الصحابة و من جاء بعدهم من التابعين الذين جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا، و أورد بسنده عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما ورد من التحذير في القول بالرأي، و ما يبين أن خير ما يتمسك به العبد هو كتاب اللّه و سنة نبيه صلى اللّه عليه و سلم، إشارة إلى وجوب اعتماد ما ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في التفسير و غيره، فهو يذكر المعنى ثم يورد ما يعضده من الأثر.
و ختم المقدمة ببيان جهده في خدمة كتاب اللّه و ما سبق أن صنفه في التفسير، ثم بيان غايته من الوسيط الذي أقدم عليه طالبا العون من اللّه.
الأولى: على آلة النسخ، قدمت رسائل علمية إلى كلية أصول الدين-
ص: 338
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، لنيل درجة الماجستير.
و الثانية: ظهرت مطبوعة في أربع مجلدات، بتحقيق مجموعة من الباحثين، صدرت عن دار الكتب العلمية في بيروت عام 1415 ه.
نهج الواحدي في مقدمته منهجا واضحا، فهو يذكر المسألة التي يريد عرضها بعبارته مبينا رأيه، ثم يذكر أثرا في المعنى الذي أشار إليه، ذاكرا سنده في الرواية (1).
اشترط الواحدي على نفسه أن ينهج في تدوين تفسيره منهجا متوسطا، لا بالطويل الممل، و لا القصير المقل، يعفيه من إكثار الأقوال و التطويل، و يسلمه من خلل الوجازة و الاختصار.
و هذا الشرط التزمه المصنف في تفسيره، و سار عليه باضطراد، و يظهر هذا الالتزام جليا للناظر في تفسيري المصنف البسيط و الوسيط (2).
ص: 339
لم يذكر الواحدي مصدرا لمقدمته لكونه لم يذكر قولا أو رأيا لغيره.
لا يستطيع المرء أن يصنف مقدمة الوسيط للواحدي في المقدمات التي اهتمت بعلوم القرآن، فالمصنف ما أراد إلا التنبيه إلى بعض الأمور بشكل مختصر، لذا لا يمكن ذكر شي ء من الميزات أو المآخذ.
ص: 340
مؤلف هذا التفسير هو: أبو محمد، الحسين بن محمد بن مسعود بن محمد المعروف بابن الفراء البغوي (1) الشافعي، المتوفى سنة (510 ه) (2)، و الذي لم تشر إليه معظم المصادر التي ترجمت له إلى سنة ولادته، غير أن ياقوت صاحب المعجم قال: إنه ولد سنة 433 ه (3)، كما ذكر الزركلي في الأعلام أن ولادته كانت عام 436 ه (4).
و لم تسعفنا المصادر التي وقفت عليها بشي ء من المعلومات عن نشأة
ص: 341
الإمام، و لا وضعت بين أيدينا أخبارا عن حياته زمن الطلب، و مزاحمة الركب، فهي الأخرى إذا مرحلة مجهولة لنا، غير أننا نستطيع أن نعتقد بأن البغوي عاش حياته كغيره من طلبة العلم الذين تنقلوا بين حلقات العلم، يلتقون الشيوخ و يسمعون منهم، غير أنه كان مثابرا جادا ذا نظر ثاقب، بشهادة العلماء المشهود لهم بالصلاح و العلم، و بأمارة المكانة التي تبوأها بين أهل العلم حتى حصلت له من الألقاب ما لم يحصل لغيره.
يقول الذهبي: كان عالما، علامة، زاهدا، قانعا باليسير، بورك في تصانيفه، و رزق فيها بالقبول التام، لحسن قصده، و صدق نيته (1).
و قال الحافظ ابن كثير: برع في التفسير و الحديث و الفقه، و كان علامة زمانه فيها (2).
و قال السيوطي: كان من العلماء الربانيين، ذا تعبد و نسك و قناعة باليسير. (3) و قال: كان إماما في التفسير، إماما في الحديث، إماما في الفقه. (4)
و عن ابن الأهدل (5): هو صاحب الفنون الجامعة، و التصانيف
ص: 342
النافعة (1).
و قد نشأ البغوي شافعيا في الفروع، سلفيا في الأصول، و لم يكن ليتعصب لرأي إمامه، بل كان يتبع الدليل و الحجة، كما كان يدعو إلى الاعتصام بالكتاب و السنة، و لهذا عرف عن الإمام سلامة العقيدة، و قوة الحجة، و دقة العبارة، و وضوح المعنى، و كان لهذه السمات الأثر الكبير لدى العلماء حتى نعتوه بالإمام، و بشيخ الإسلام، و ركن الدين، و محيي السنة (2).
يعدّ البغوي من أئمة السلف المتبعين للكتاب و السنة، و النصوص المبثوثة في ثنايا تآليفه إضافة إلى شهادة العلماء التي تشهد له على هذه الحقيقة، و من هذه النصوص:
روي أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «ما من قلب مؤمن إلا و هو بين إصبعين من أصابع رب العالمين، إذا شاء أن يقيمه أقامه، و إذا شاء أن يزيغه
ص: 343
أزاغه ..» (1) الحديث.
قال البغوي في شرحه لهذا الحديث: و الأصبع المذكور في الحديث صفة من صفات اللّه عز و جل و جل، و كذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات اللّه تعالى كالنفس، و الوجه، و العين، و اليد، و الرجل، و الإتيان، و المجي ء، و النزول إلى السماء الدنيا، و الاستواء على العرش، و الضحك، و الفرح.
إلى أن قال: فهذه و نظائرها صفات للّه تعالى، ورد بها السمع، يجب الإيمان بها و إمرارها على ظاهرها، معرضا فيها عن التأويل، مجتنبا عن التشبيه، معتقدا أن الباري سبحانه و تعالى لا يشبه شي ء من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال اللّه سبحانه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ [الشورى: 11] و على هذا مضى سلف الأمة و علماء السنة، تلقوها جميعا بالإيمان و القبول و تجنبوا فيها عن التمثيلي.
ص: 344
و التأويل (1).
كما امتلأ تفسير المصنف بالأقوال التي انتصر فيها لمذهب أهل السنة و الجماعة و تصدى لأهل البدع و الأهواء. (2)
الباقي المراغي، مفتي نيسابور (1)، و غير هؤلاء كثير (2).
أما تلامذة البغوي فهم أيضا كثر، نذكر منهم:
أبو منصور محمد بن أسعد بن العطاري ت (571 ه) (3)، و أبو المكارم فضل اللّه بن أبي سعيد النّوقاني (4)، و غيرهما.
ترك الإمام البغوي آثارا مفيدة من علوم التفسير و الحديث و الفقه، و امتازت مؤلفات المصنف بسهولة العبارة، و قوة الدليل و صحته، و إسقاط الحشو و التطويل، و من تلك المصنفات:
ص: 346
1) التهذيب في فقه الشافعية، و هو من الكتب المحررة و المعتمدة عند الشافعية، نقل النووي منه مرارا في الروضة (1).
2) معالم التنزيل: و هو تفسيره المشهور الذي نحن بصدد الحديث عنه.
3) شرح السنة: و هو من أجلّ شروح السنة التي وصلت إلينا، انتقى المؤلف الأحاديث التي شرحها بدقة تامة، و أولى هذا الكتاب عناية خاصة، فجاء مليئا بالفوائد.
4) مصابيح السنة: ضمن المصنف هذا الكتاب مجموعة من الأحاديث الصحاح و الحسان، و عنى بالصحاح الأحاديث التي أخرجها البخاري و مسلم، و بالحسان التي أخرجها أصحاب السنن، و قد حذف الأسانيد.
5) الأنوار في شمائل النبي المختار- صلى اللّه عليه و سلم (2).
6) مجموعة من الفتاوى الفقيهة: سأل عنها شيخه أبا علي المروزي (3). و غيرها.
ص: 347
توفي رحمه اللّه تعالى بمرو في شهر شوال سنة ست عشرة و خمس مائة للهجرة (516 ه)، على الراجح من أقوال أهل العلم (1).
أثنى شيخ الإسلام ابن تيمية على تفسير البغوي حين سئل يرحمه اللّه عن أقرب التفاسير إلى الكتاب و السنة: الزمخشري أم القرطبي أم البغوي؟
و كانت إجابته أن: (أسلمها من البدعة و الأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي، و حذف منه الأحاديث الموضوعة، و البدع التي فيها، و حذف أشياء غير ذلك) (2). و قال: صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة و الآراء المبتدعة. (3)
و قد ألف البغوي تفسيره هذا استجابة لجماعة من أصحابه المخلصين
ص: 348
الذين طلبوا إليه تفسيرا لكتاب اللّه. فصنف هذا التفسير الذي جاء متوسطا بين الطويل الممل، و القصير المخل.
كما صرح المصنف بأن ما ضمنه هذا التفسير ليس زيادة على من سبقوه من المفسرين، و لا إضافة إلى ما قدموه، و لكنه جاء تلبية لحاجة زمانه من التجديد الذي طال به العهد، و تنبيها للمتوفقين، و تحريضا للمتثبطين (1).
و قد جاء هذا التفسير الذي هو في الأصل مختصر لتفسير الثعلبي في أجمل صورة، و أحلى زينة، فكان- على حد قول الخازن- من أجلّ المصنفات في علم التفسير و أعلاها و أنبلها و أسناها، جامعا للصحيح من الأقاويل، عاريا عن الشبه و التصحيف و التبديل، محلى بالأحاديث النبوية مطرزا بالأحكام الشرعية، موشى بالقصص الغربية، و أخبار الماضين العجيبة، مرصعا بأحسن الإشارات، مخرجا بأوضح العبارات، مفرغا في قالب الجمال بأفصح مقال (2).
هذا و قد طعن البعض في هذا التفسير الجليل، و أفاد بأنه يوجد فيه من المعاني و الحكايات ما يحكم بضعفه أو وضعه (3). و هو ما يفهم من ظاهر
ص: 349
تلك الجملة الموهمة التي أطلقها الخازن قبل قليل، و التي تفيد بأن البغوي جاء في تفسيره بالقصص الغريبة التي لا أصل لها.
و هو زعم باطل في رأي بعض الدارسين (1)، الذين يرون أن الناس قد تلقوا هذا التفسير بقبول حسن، و أن أرباب الصناعة قد شهدوا له بالإعجاب و التقدير، و أن ما لقيه من الرواج و الانتشار بين أهل العلم ينفي عنه هذه التهمة.
و الحق و التفسير بين أيدينا يشهد على البغوي أنه أورد بعض الإسرائيليات التي نص أئمة الحديث على أنها أخبار موضوعة، كالذي أورده في قصة هاروت و ماروت، و لا يعفيه من المسئولية- و هو المفسر المحدث- أنه تابع في ذلك ما جاء في كتب التفسير بالمأثور، و إن كان تفسيره أسلم في هذا من غيره.ه.
ص: 350
مهما يكن الأمر فإن ما جاء من هذا القبيل في هذا التفسير هو أقل بكثير مما جاء في غيره من التفاسير السابقة عليه و اللاحقة. كما أن ما جاء فيه لا ينقص من قدره و قيمته، لكونه لا يذكرها في مناط الجزم و الاعتماد لتوجيه الآية، و لكون رواية الإسرائيليات المسكوت عنها أمر لا حرج فيه.
و امتاز تفسير البغوي بسهولة العبارة بعيدا عن التكلف و التطويل، ثم الاعتماد على أحسن الطرق في التفسير و هو التفسير بالمأثور، كما يلاحظ أن تفسيره قد امتلأ بالمواطن التي انتصر فيها المصنف لأهل السنة و الجماعة، فهو لهذا يعد واحدا من التفاسير الهامة التي تحوي آراء أهل السنة.
و قد قدم البغوي تفسيره بمقدمة مختصرة، بين فيها منهجه في الكتابة و دواعي التأليف، كما ذكر مصادره من كتب التفسير بالمأثور و كتب الأخبار و السير و القراءات و الحديث، و عقد فصولا لبعض موضوعات علوم القرآن.
قدم الإمام البغوي لتفسيره مقدمة استغرقت أربع عشرة صفحة من القطع الكبير، بين فيها الدواعي إلى تأليف هذا التفسير، كما بين فيها مصادره من الصحابة و التابعين و أئمة السلف، و تعرض لثلاثة موضوعات من موضوعات علوم القرآن، و أفردها بالحديث، و جعل كل موضوع في فصل مستقل، و هي:
ص: 351
1) فضائل القرآن و تعليمه.
2) فضائل تلاوة القرآن.
3) وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم.
كما تعرض لبيان معنى التفسير و التأويل، و نزول القرآن على سبعة أحرف.
و قد انتخب المصنف لكل موضوع جملة من الآثار، و لم يكثر منها، و أوردها بأسانيده، و ذكر من خرجها من الأئمة، و بين حكمها و درجتها.
و قد طبعت بعدد طبعات الكتاب، نذكر منها: 1) طبعة حجرية عام 1285 ه، مكونة من أربعة أجزاء، عليها بعض التعليقات.
2) طبع على هامش تفسير ابن كثير في تسعة مجلدات، بمطبعة المنار بمصر عام 1343 ه.
3) طبع على هامش تفسير الخازن في أربعة مجلدات عام 1375 ه.
4) طبع طبعة جيده بتحقيق الأستاذين: خالد بن عبد الرحمن العك، و مروان سوار، و نشر دار المعرفة- بيروت- لبنان عام 1406 ه.
5) طبع طبعة ممتازة، و من أفضل طبعات الكتاب بتحقيق الأساتذة:
محمد عبد اللّه النمر، و عثمان جمعة ضميرية، و سليمان مسلم الحرش،
ص: 352
و نشرته دار طيبة بالرياض عام 1409 ه.
استهل المصنف مقدمته بحمد اللّه و الثناء عليه، و الصلاة و السلام على نبيه و صفيه محمد صلى اللّه عليه و سلم خاتم النبيين، ثم وضّح مهمة الرسول صلى اللّه عليه و سلم، و إنزال الكتاب عليه الذي كان به الإعجاز و التحدي للخليقة أجمع، لذا كان في اتباعه النجاة و في الإعراض عنه الخسارة و الضياع، و بيّن ما اشتمل عليه القرآن الكريم من أمور العقيدة و الفقه و القصص و الأمثال، و الذي يفهم بمعرفة تفسيره.
و أشار إلى أن السابقين قد بذلوا جهودا مباركة في تفسير كتاب اللّه، و ألفوا الكتب لبيان علومه و فنونه، ثم نقل لنا دواعي تأليفه لهذا التفسير و أجملها في أمرين:
الأول: استجابة لجماعة من أصحابه من طلبة العلم، و يقول في ذلك:
فسألني جماعة من أصحابي المخلصين، و على اقتباس العلم مقبلين كتابا في معالم التنزيل و تفسيره، فأجبتهم إليه معتمدا على فضل اللّه تعالى و تيسيره ... (1)
الثاني: اقتداء بأئمة السلف الذين رأوا في تقييد العلم بالكتاب إبقاء للخلف.
ص: 353
ثم صرح بأنه اختار لتفسيره طريقة بين الطويل الممل و القصير المخل، فجاء متوسطا كما أراد.
بعدها بيّن المصنف أن التعبد يكون بتلاوة الكتاب كما يكون باتباع أحكامه، على أن تكون التلاوة وفق رسم المصحف الإمام الذي اتفقت الصحابة عليه و أن لا تتجاوز بأية حال قراءة أحد القراء المعروفين الذين خلفوا الصحابة و التابعين و اتفقت الأئمة على اختياراتهم و إمامتهم و ذكر أسانيدهم في القراءة.
و قبل أن يتعرض لموضوعات علوم القرآن الثلاثة التي قدمها بين يدي تفسيره، بيّن منهجه في الاستشهاد بالأحاديث و الآثار النبوية.
اكتفى المصنف في هذا الفصل بسوق مجموعة من الآثار الدالة على فضل القرآن بأسانيده، مع عزوها إلى من أخرجها من أئمة الحديث في مصنفاتهم، و لم يشأ المصنف بيان النصوص المشكلة، و لا شرح غريبها على عادة العلماء، و هو منهج اتخذه في الفصول اللاحقة أيضا.
كان من حق هذا الفصل أن يدمج مع سابقه غير أن المصنف فصل بينهما، فأورد في هذا الفصل تسعة آثار ساقها بسنده بينت فضل تالي القرآن، و ما ينتظره من الأجر و المثوبة، و لم أر مسوغا لصنيع المصنف هذا
ص: 354
بفصل الموضوعين و هما موضوع واحد، و لهذا أدمجهما الخازن في تفسيره.
ثلاثة آثار هي التي أوردها المصنف ليبين الوعيد الشديد الذي ورد في حق المتقوّل على كتاب اللّه برأيه، كما ذكر أثرين عن الصحابة يؤكدان ما أحدثه الوعيد الوارد من الخشية في نفوس الصحابة حتى أحجموا عن خوض هذا المضمار.
و لأن المصنف يرى جواز التأويل في كتاب اللّه، و خشية أن يلتبس ذلك بالقول في القرآن بالرأي أشار المصنف إلى أن التأويل لا يدخل تحت هذا الوعيد، كما بين معنى التفسير بأنه الكلام في أسباب نزول الآية و نشأتها و قصتها، و أن ذلك يكون بالسماع بعد ثبوته بالنقل.
و ختم الفصل بسوق الأثر الذي رواه عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الذي يبين نزول القرآن على سبعة أحرف و أن لكل آية ظهر و بطن، و حد و مطلع. كما ذكر اختلاف العلماء في تأويلهم للظهر و البطن و الحد و المطلع.
منهج البغوي في المقدمة أنه يبدأ الفصل بسرد الآثار التي اختارها مما يليق بموضوع الباب، و ذلك بذكر الأثر بإسناده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. ثم يبين من أخرجه من الأئمة في الغالب، و إن كان المخرج قد قال فيه مقولة، نقله،
ص: 355
أو حكما أورده، و إلا حكم هو على المروي بالصحة أو الغرابة أو غير ذلك- في الغالب- أيضا. و قد يترك الرواية دون أن يذكر من خرجها من الأئمة، و في الغالب يكون له أصل أو شاهد قوي في الصحيح.
و قد أعفى البغوي نفسه تتبع الغريب من الألفاظ بالبسط و الشرح، و لهذا لم نجده وقف عند لفظة غريبة، و هو الأمر الذي دعا الخازن- مختصر الكتاب- إلى استدراكه، و استبدال الغريب بالأسانيد، و كأن البغوي استغنى عن شرح الغريب لكونه قد خصص لذلك كتابه الحافل الجامع شرح السنة.
هذا و لم يخرج البغوي عن هذه القاعدة في مقدمته إلا عند حديثه عن الحد و المطلع، و الظهر و البطن، حيث بيّن اختلاف أهل العلم في تفسير هذه الألفاظ (1).
بيّن البغوي منهجه الذي انتهجه في تفسيره، فوصفه بالتوسط و الاعتدال في ذكر الأقوال و بسطها، و الإعراض عن ذكر المناكير من الأحاديث و الآثار، و ما لا يليق بحال التفسير، و الاكتفاء بما ثبت في الكتب
ص: 356
المسموعة للحفاظ و أئمة الحديث، كما تعهد المصنف بذكر القراءات القرآنية للقراء المشهورين و اختياراتهم.
و هي ضوابط التزمها المصنف في تفسيره على العموم، فالقارئ في معالم التنزيل يجد البغوي قد تحاشى مثلا النكات البلاغية، و المباحث اللغوية، إلا ما كان ضروريا منها لأجلاء المعنى (1)، و يجده تجنب ذكر ما ولع به أصحاب المطولات في التفسير كالرازي و غيره من المباحث التي لا صلة لها بعلم التفسير.
كما يلاحظ أن المصنف قد أورد أقوال العلماء في بيان معنى الآية، و اقتصد في ذلك، و ذكر الاختلاف من غير إطالة في الغالب، و لا ترجيح (2).
و كذا التزامه بذكر القراءات، فهو يتعرض للقراءات من غير إسراف منه في ذلك (3).
أما ما ذكره من الالتزام بالإعراض عن المناكير، و الاعتماد على الثابت عند الحفاظ، فقد التزمه إلى درجة كبيرة، و إن كان قد وقع في شي ء
ص: 357
منها، فذكر بعض الإسرائيليات دون أن يعقب عليها، أو يبين ما فيها (1).
رغم التزام البغوي بالنهج الذي انتهجه من رواية الأحاديث و الآثار بأسانيده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فقد ذكر من خرج الروايات التي ساقها من الأئمة في كتبهم، و هي و إن كانت لا تعد مصادر للبغوي لكونه لم يعتمد عليها غير أن ذكره لها، و اعتماده حكم أصحابها يجعلنا نعدها بمثابة مصادره في المقدمة و هي:
1) صحيح البخاري (2).
2) صحيح مسلم (3).
3) سنن الترمذي (4).
لا يستطيع المرء اعتبار مقدمة البغوي هذه مقدمة في علوم القرآن
ص: 358
بالمصطلح المعروف، و ذلك لكونه لم يقدم لنا إلا أحاديث بعدد انتقاها ليؤكد على أهمية تلاوة كتاب اللّه، و فضل التلاوة و التعليم، و النهي عن التفسير بالرأي ليؤكد به أن ما نهجه من التفسير بالأثر هو المطلوب و السالم عن المعارضة، فهو لم يتعرض لموضوعات هامة في علوم القرآن، كما أنه لم يفصل- و لو بقدر- في الموضوعات الثلاثة التي تعرض لها، و لهذا فإننا لا نستطيع أن نحكم على هذه المقدمة فنذكر ما لها من المزايا، أو عليها من المآخذ اكتفاء بما سبق من الحديث عنها.
ص: 359
7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز (1) لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي المتوفي سنة (546) ه
مصنف هذا التفسير الجليل هو القاضي أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن عبد الرءوف بن تمام بن عبد اللّه بن تمام ابن عطية بن خالد بن عطية المحاربي الداخل (2)، المولود سنة (481 ه).
و ينحدر المصنف- رحمه اللّه- من سلالة عربية أصيلة، فقد كان جدهم جنديا من جنود الفتح الإسلامي للأندلس، و هو عطية بن خالد بن خفاف
ص: 360
المحاربي، نازل قرية (قشتالة) (1). أنسل- كما يقول ابن فرحون- كثيرا لهم قدر و فيهم فضل (2). و عن ابن خاقان قوله في أحد رجالات هذه الأسرة: نشأ في بيئة كريمة، و أرومة من الشرف غير مرومة، لم يزل فيها على وجه الزمان أعلام علم، و أرباب مجد ضخم، قد قيدت مآثرهم الكتب، و أطلقتهم.
التواريخ كالشهب (3).
نشأ ابن عطية في كنف أبيه، و تربى منذ الصغر على تعاليمه و توجيهاته، محيطا بعنايته، وفر له- رحمه اللّه- أسباب الراحة، و يسر له النجاح، فاجتمعت الرعاية الحسنة و صدق التوجه و قوة العزيمة، مع سلالة الأرومة، حتى سعى لطلب العلم منذ اليفاعة و لازمه هذا الطموح حتى برزت مواهبه، و غدا شخصية علمية يشار إليها بالبنان، فكان رحمه اللّه يتوقد ذكاء، سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بغلابة، و لم ينض ثوب شبابه، أدمن التعب في السؤدد جاهدا حتى تناول الكواكب قاعدا (4).
سما إلى رتبة الكهول صغيرا، و شنّ كتيبة ذهنه على العلوم
ص: 361
مغيرا، فسباها معنا و فضلا، و حواها فرعا و أصلا. (1)
و يرجع نبوغ المصنف إلى الاهتمام العظيم الذي أولاه والده- رحمه اللّه كما ذكرنا قبل قليل- فقد كان من علماء غرناطة المعتبرين، و المشهود لهم برسوخ القدم في العلوم الشرعية، دفع بولده إلى حلقات العلم المنتشرة في أنحاء المدينة العامرة، كما كانت لحلقات والده، و أرتال الطلبة في غدو و رواح، متناوبين لحضور تلك الحلقات، و والده يتوسطهم يعلم و يربي و يوجه، كان لهذا المشهد البديع أثره الكبير في نفس ابن عطية، و شغوفه بالعلم، حتى دفعه هذا الهيام إلى الانخراط في ذلك الجمع المبارك، حتى فاق أقرانه، يتصيد العلماء الواردين على غرناطة و ينتقيهم، فما أن يسمع بوجود أحدهم في المدينة حتى يعزم لقاءه، و التلقي عنه، و قد روي أن محمد عبد العزيز بن عبد الوهاب القيرواني، دخل غرناطة، و كان عالي الرواية، قديم السماع، فأسرع إليه ابن عطية حين علم بوجوده، رغم صغر سنه، و طلب الإجازة، و حين رآه الشيخ أهلا كتب له بخطه إجازة علمية (2). و كذا فعل مع غير واحد كالحافظ أبي علي الغساني، و غيره. (3)
كما كان لترحاله في أنحاء الأندلس طالبا للعلم، دور في علو قدره،ت.
ص: 362
فمن لم يلتق به في غرناطة من العلماء شد الترحال إليه حيث وجد من ديار الأندلس، قصد أرباب العلم في كافة عواصم الأندلس و حواضرها، مثل قرطبة و أشبيلية و مرسية و بلنسية و غيرها، و كان في ذلك عوضا له من الترحال إلى المشرق الذي كان يومها مصدر إشعاع حضاري في كثير من العلوم. (1)
كان ابن عطية- رحمه اللّه- فقيها عالما بالتفسير و الأحكام، محدثا عالي السند، لغويا عارفا بالنحو و الأدب، مقيدا حسن التقييد، له نظم رائق، و نثر محكم رصين، ولي القضاء بالمرية، فكان غاية في الدهاء و الذكاء، و التهمّم بالعلم، سري الهمة في اقتناء الكتب (2).
و كان رحمه اللّه من الرجال البارزين الذين أسهموا إسهاما فعالا في نشر العلم في ديار الأندلس حتى قال عنه السيوطي: هو الإمام الكبير، قدوة
ص: 363
المفسرين. (1)
و قال صاحب البحر المحيط أبو حيان عنه و عن الزمخشري: إنهما أجل من صنف في علم التفسير، و أفضل من تعرض للتنقيح فيه و التحرير، و قد اشتهرا و لا كاشتهار الشمس.
إلى أن قال: و في خطبتي كتابهما و في غضون كتاب الزمخشري ما يدل على أنهما فارسا ميدان، و ممارسا فصاحة و بيان.
و يتابع فيقول: إذ هذان الرجلان هما فارسا علم التفسير، و ممارسا تحريره و التحبير، نشراه نشرا، و طار لهما به ذكرا، و كانا متعاصرين في الحياة، متقاربين في الممات. (2)
و قال ابن عاشور عنه و عن الزمخشري: كلاهما عضادتا الباب، و مرجع من بعدهما من أولي الألباب. (3)
و يقول ابن خاقان (4): فيه نبعة روح العلا، و محرز ملابس الثنا، فذ الجلالة، و واحد العصر و الأصالة، وقّار كما رسا الهضب، و أدب كما اطّرد السلسل العذب، أثره في كل معرفة، علم في رأسه نار، و طوالعه في آفاقها
ص: 364
صبح و نهار (1)
إن هذه النصوص توكد المنزلة العلمية، و المكانة المرموقة التي شغلها ابن عطية- رحمه اللّه- كما أن تفسيره و هو شاهد بين أيدينا، خير دليل على نبوغ المصنف، و ما اتكال جل المفسرين من بعده عليه، مع الإكثار من الاستشهاد بنصوصه، و ترجيح اختياراته إلا تعزيز لتلك المكانة. (2)
يعد العلماء المعتبرين ابن عطية من أعيان غرناطة، و علما من أعلامها البارزين في القرن السادس الهجري، خاصة في علم التفسير، و من كبار العلماء الذين صدرتهم الأندلس الحبيب، و لا شك أن استحق هذا الثناء أن يكون من الواردين على أكثر من نبع يتلقى العلم و يتضلع منه، كما كان لدور والده أثر كبير في كثرة شيوخه، و علو مكانتهم، و لهذا فلا غرو أن نجد من بين شيوخ ابن عطية من اشتهر بالعلم و الفضل، و علو الكعب، و سمو القدر، و من قصدهم الغريب البعيد، و فهرس شيوخه الذي أعده و ضمنه
ص: 365
أسماءهم دليل و شاهد على ما ذكرنا.
كما كان للطرق التي تتبعها المصنف في تحصيل العلوم الأثر الواضح في كثرة الشيوخ، و الإفادة منها، فقد تلقى العلم- يرحمه اللّه- سماعا و قراءة و مناولة و إجازة، حتى بلغ عدد شيوخه الذين هم من أهل الذروة في العلم، في شتى ميادينه تفسيرا و حديثا و أدبا و لغة و فقها و غيرها، أكثر من ثلاثين شيخا، ضمنهم فهرسه، و من هؤلاء:
والده الإمام غالب بن عطية (1)، و الحسين بن محمد الغساني (2)، و غيرهم كثير ينظر فهرس ابن عطية للوقوف عليهم.
فكثيرون بلا شك تلقوا العلم عن المصنف، منهم المواظبون على مدرسة أبيه- رحمه اللّه- حيث تلقوا عنه أمدا من الزمن، و منهم الذين شاركوا المصنف في ساحات الجهاد، و أسفار الغزو، كما أن الأمراء الذين
ص: 366
عرفوا قدره، و كانوا محبين للعلم سمعوا منه، و من هؤلاء: الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن خير الإشبيلي (1). و الإمام الحافظ أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد الأنصاري (2) و غيرهم.
كان مما جاء في التقديم الذي قدمه المصنف بين يدي تفسيره: رأيت أن من الواجب على من احتبى، و تخير من العلوم و اجتبى، أن يعتمد على علم من علوم الشرع، يستنفد فيه غاية الوسع، يجوب آفاقه، و يتبع أعماقه، و يضبط أصوله، و يحكم فصوله، و يلخص ما هو منه، أو يؤول إليه، و يفي بدفع الاعتراضات عليه .... إلى أن قال: فلما أردت أن أختار لنفسي، و أنظر في علم أعد أنواره لظلم رمسي؛ سبرتها بالتنويع و التقسيم، و علمت أن شرف العلم على قدر شرف المعلوم، فوجدت أمتنها حبالا، و أرسخها جبالا، و أجملها آثارا، و أسطعها أنوارا: علم كتاب اللّه جلت قدرته ... فثنيت
ص: 367
إليه عنان النظر، و أقطعته جانب الفكر، و جعلته فائدة العمر. (1)
يتبين من هذا النص أن ابن عطية- رحمه اللّه- قد انتهج لنفسه منهجا خاصا، و هو أنه رأى أن الفائدة تكون أعظم حين ينصرف كل عالم إلى فرع من فروع العلم يفني في مسائله العمر، و يجعل همه ضبط أصوله، و هو منهج آل إليه أهل العصر، و أسموه التخصص الدقيق.
و لهذا الأمر لا يقف الناظر في ترجمة ابن عطية على مؤلف له غير التفسير الذي ذكر أنه أفنى فيه العمر، و كانت حصيلة جده و اجتهاده، كما يجد القارئ أن المترجمين يذكرون للمصنف فهرسا أثبت فيه- يرحمه اللّه- أسماء شيوخه الذين تلقى العلم عنهم، و قد بلغ عددهم ثلاثون شيخا، و الفهرس مطبوع متداول.
اختلف في تحديد سنة وفاة ابن عطية، و الراجح أنه توفي سنة (546 ه) (2) في منتصف شهر رمضان المبارك، في مدينة (لورقة)، غرب
ص: 368
مرسية، و قد بلغ ستين عاما، رحمه اللّه رحمه واسعة، و غفر اللّه لنا و له.
لم يحظ تفسير ابن عطية بالاهتمام المطلوب من أهل عصرنا، حيث تأخر ظهوره مطبوعا عن تفاسير كثيرة لا تدانيه مرتبة، و لا تقربه منزلة، بل اعتمد كثير منهم على ابن عطية و آرائه في قضايا مشكلة في التفسير، مع أن جلّ العلماء المعتبرين قد أشادوا بهذا التفسير و بمصنفه، قديما و حديثا، حتى قيّض اللّه لإخراجه و تحقيقه- بعد أن طبعت مقدمته طبعة مستقلة- ثلة من أهل التحقيق، فأخرجوه في طبعة أنيقة، و حلة قشيبة، و تكرم بعض من رجا الخير من وراء طبعه، فطبعها على نفقته الخاصة، و وزع على طلبة العلم و المكتبات الخاصة و العامة فانتشر بذلك انتشارا عظيما عم به النفع.
و القارئ في تفسير ابن عطية يستشعر أمرين ربما امتاز بهما المصنف عن غيره ممن سبقوه، أكسبا التفسير قوة و حظوة، أولهما ما يلاحظه القارئ من العناية الفائقة بالتحقيق و التدقيق في المسائل العلمية، و تحري ما هو أقرب
ص: 369
إلى الصواب، و أبعد عن البدع، إضافة إلى النّفس الطويل الذي يظهر بوضوح في معالجته للنصوص المشكلة، و المسائل المعضلة، و الغوص في خبايا النص، و هو أمر غير مستغرب إذا علمنا أن هذا التفسير كان أثرا من آثار الشباب، فقد أفنى المصنف فيه عمره، و رسم بداياته منذ اليفاعة، فكم أيقظه والده و هو شاب من النوم في أنصاف الليالي يقول له: قم يا ولدي اكتب كذا و كذا في موضع كذا من تفسيرك (1).
و الأمر الآخر الملاحظ في هذا التفسير هو قوة البيان، و سلامة العبارة و سلاستها، و النصوص الأدبية المحبوكة كأفضل ما يكون، و المنسجمة بقوة، و هي كلها أعطت لهذا التفسير قدرا خاصا عند المشتغلين باللغة، و ربما يعود سبب هذا التفوق و اللّه أعلم إلى عروبة المصنف، فقد أفادته طبعا أصيلا، و سليقة صافية حتى فاض بيانه قويا سائغا سلسلا (2).
و قد سار المصنف في تفسيره على منهج السلف، حيث جعل ظاهر الآيات هو مدار البحث و الدرس، دون القول بالرمز و الإشارة، الذي يلجأ إليه أهل الزيغ و الضلالة (3).
ص: 370
و هو أمر جعل للتفسير قدرا و اعتبارا عند أهل العلم، حتى أغدقوا عليه الثناء، يقول ابن عميرة الضبي ت (599 ه) (1): ألف ابن عطية في التفسير كتابا ضخما أربى فيه على كل متقدم. (2)
و يقول ابن جزي الكلبي ت (741 ه): و أما ابن عطية فكتابه في التفسير أحسن التآليف و أعدلها، فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها و لخصها، و هو مع ذلك حسن العبارة، مسدد النظر، محافظ على السنة. (3)
و قال أبو حيان عنه و عن تفسير الزمخشري أنهما: قد أنجدا و أغارا، و أشرقا في سماء هذا العلم بدرين و أنارا، و تنزلا من كتب التفسير منزلة الإنسان من العين، و الذهب الإبريز من العين ... إلى أن قال: و كتاب ابن عطية أنقل و أجمع و أخلص. (4)
هذا و قد كان لإخلاص ابن عطية، و الغاية التى لها صنّف كتابه، أثره البالغ في انتشاره، و قبوله عند الخاصة من أهل العلم، حتى صار أصدق
ص: 371
شاهد على إمامته، فحين ذكر المصنف الغاية التي لها صنف قال: و رجوت أن اللّه تعالى يحرّم على النار فكرا عمرته أكثر عمره- معانيه، و لسانا مرن على آياته و مثانيه، و نفسا ميزت براعة رصفه و مبانيه (1).
و المحرر الوجيز تفسير جمع بين مدرستي التفسير، التفسير بالأثر، و التفسير بالرأي المحمود. و طبقا للمنهج الذي انتهجه المصنف، و هو تحقيق الغرض المراد بإيجاز و توسط، فقد حذف يرحمه اللّه أسانيد الروايات التي استشهد بها في مواضعها المتعددة.
و جاء اهتمام المصنف باللغة و القضايا اللغوية في المرتبة الأولى، فقد أولى هذا الجانب اهتماما خاصا، تمثلت في شرح المفردات القرآنية، و الآراء النحوية و قصدت تتبع الألفاظ حتى لا يقع طفر (2) كما في كثير من المفسرين (3).
كما اهتم المصنف بالقراءات القرآنية، حتى الشاذة منها، يوجهها أو ينقدها و قصدت إيراد جميع القراءات، مستعملها و شاذها (4).
ص: 372
و لم يغفل الأحكام القرآنية المستفادة من الآيات، و لا المسائل الفقهية، دون الإكثار منها متمشيا مع الدليل.
هذا و لم يسلم تفسير ابن عطية- رغم الحيطة- من بعض الإسرائيليات، فقد اشترط المصنف على نفسه أن لا يذكر منها إلا ما لا تنفك الآية إلا به (1)، غير أنه وقع في المحظور الذي حذّر منه في بعض المواضع- و سيأتي بيان ذلك إن شاء اللّه- و هو مع هذا يبقى الرائد الذي خلّص التفسير من كثير من الدخيل، يقول الأستاذ عبد الوهاب فائد: إن ابن عطية في تفسيره على وجه العموم قد اتخذ لنفسه منهجا علميا دقيقا بالنسبة للروايات الإسرائيلية، و من هنا يرتقي ابن عطية إلى مصاف المفسرين الذين احتاطوا في الأخذ بالإسرائيليات، و قاموا بمحاولات جدية و مشكورة لتصفية التفسير من هذا الهشيم الإسرائيلي المركوم، الذي يشوه كتاب اللّه تعالى. (2)
و هو الأمر الذي حدا بابن خلدون إلى القول: فلما رجع الناس إلى التحقيق و التمحيص، و جاء أبو محمد بن عطية من المتأخرين بالمغرب، فلخص تلك التفاسير كلها، و تحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها، و وضع ذلك في كتاب متداول بين أهل المغرب و الأندلس حسن
ص: 373
المنحى. (1)
هذا و قد استحوذت مقدمة ابن عطية- رحمه اللّه- على اهتمام العلماء، حيث كانت محل عناية المفسرين و المهتمين بعلوم القرآن، فلم تخل كتاباتهم و مصنفاتهم من نصوص ابن عطية و آرائه، و ما ذلك إلا لأهمية ما أثبته المصنف في مقدمته، و لهذا الأمر وجدنا الأيدي تمتد لإخراجها مستقلة عن أصلها منفصلة عنه، فقد كانت هذه المقدمة أول مقدمة في علوم القرآن تطبع مستقلة، و كان ذلك عام 1954 م على يد المستشرق (آرثر جفري) حيث ضمها إلى مقدمة كتاب «المباني»، و أخرجهما معا بعنوان «مقدمتان في علوم القرآن»، و نال الشهرة و الانتشار بين طلبة العلم.
و قد جاءت مقدمة المصنف- حسب النسخة التي اعتمدتها، المثقلة بالهوامش- في أربع و ستين صفحة من القطع المتوسطة، شغلت الهوامش ما يربو على نصفه، شارحة لعباراته، مخرجة لرواياته، معرّفة برجالاته.
قسم ابن عطية مقدمته إلى تسعة أبواب، إضافة إلى التقديم الذي بين فيه أهمية علم التفسير، و الأسباب الداعية للتصنيف، و المنهج المتبع في التأليف، و هذه الأبواب هي:
1) ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و نبهاء العلماء- رضي اللّه عنهم- في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به.ة.
ص: 374
2) في فضل تفسير القرآن، و الكلام على لغته. و النظر في إعرابه و دقائق معانيه.
3) ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، و الجرأة عليه، و مراتب المفسرين.
4) معنى قول النبي: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه».
5) ذكر جمع القرآن، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره.
6) في ذكر الألفاظ التي في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق.
7) نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن.
8) في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى.
9) في تفسير أسماء القرآن، و ذكر السورة و الآية.
و هذه الأبواب كما يظهر من عناوينها قد حوت موضوعات أربت على عدد الأبواب، و هي من الموضوعات التي ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في التفسير، مجتمعة لذهنه، بذل فيها المصنف جهدا عظيما حتى استوى على سوقه، فأكثر من الروايات و الآثار بقدر ما تدعو إليه الحاجة، و بين اختلاف أهل العلم في المعضلات و المشكلات، بعبارة رصينة محكمة، عصمته من التطويل الذي اشترط على نفسه تجنبه.
و قد وقفت على ثلاث طبعات للمقدمة، إحداها مستقلة طبعت
ص: 375
بعناية المستشرق (آرثر جفري) و هي التي أشرت إليها قبل قليل، طبعت قبل طباعة صلب التفسير بأكثر من ثلاثة عقود، و اعتمدها طلبة العلم بتحريفاتها و أغلاطها التي ربما كان بعضها متعمدة من المحقق، بل يجزم الأستاذ عبد الوهاب فائد في دراسته لتفسير ابن عطية بأنها تحريفات مقصودة، أراد منها المحقق الدس في هذا التفسير العظيم. (1)
و الطبعتان الأخريتان هما اللتان طبعتا مع صلب التفسير، الأولى من إصدارات المجلس العلمي بفاس، عام 1395 ه، صدرت على أجزاء متفرقة في عدة سنوات على نفقة ملك المغرب.
و الثانية عام 1398 ه طبع على نفقة أمير دولة قطر، بتحقيق الأساتذة الرحالي الفاروق- و عبد اللّه بن إبراهيم الأنصاري- و السيد عبد العال السيد إبراهيم- و محمد الشافعي صادق العناني.
و هذه الطبعة هي التي اعتمدتها في هذه الدراسة و هي قليلة الأخطاء، مثقلة بالحواشي.
ص: 376
بدأ ابن عطية- يرحمه اللّه- تفسيره بالحمد للّه، و الشكر له على تفضله و امتنانه، حيث جعل أمة محمد صلى اللّه عليه و سلم أمة وسطا بين الأمم، و ألهمها من العوارف و المعارف ما يوصلها إلى معرفته جلت قدرته.
و أسدى التزكيات المباركات على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي نهض بأعباء الرسالة حتى بلّغها أتم تبليغ.
بعدها بيّن- رحمه اللّه- أنه تحمل المتاعب الجمة، و ركب الصعاب، فأوصل الليل بالنهار طالبا للعلم، و باحثا عن المعرفة، حتى نال ما سعى إليه و تمناه، فأخذ من العلوم ما قدر عليه، ثم إنه حين رأى تنوع العلوم و كثرتها، و تشعبها، أراد أن يختار لنفسه علما يقضي في بحث مسائله جلّ أوقاته، و يفني فيه العمر، فكان أن هداه اللّه إلى علم كتابه جلت قدرته، أمتن العلوم و أرسخها و أسطعها، فجعله مدار بحثه و درسه، و أثنى إليه عنان النظر، و أقطعه جانب الفكر.
ثم عرض المصنف منهجه في كتابه، فوصفه بالتوسط و الإيجاز، على مذهب السلف في النظر إلى ظواهر النصوص، دون الخوض في الرمز و الإيحاء على مذهب أهل الزيغ و الإلحاد.
و قبل أن يقدم بين القول في التفسير الأشياء التي ينبغي أن تكون راسخة في حفظ الناظر في هذا العلم، مجتمعة له، قبل ذلك رجا اللّه الثواب
ص: 377
من وراء العمل، و أن يبارك له في الذي فعل.
ذكر المصنف في هذا الباب جملة من الأحاديث و الآثار و أقوال أهل العلم، في فضل القرآن الكريم، أراد من خلالها بيان فضل كتاب اللّه تعالى، و أن المتمسك به لن يضل أبدا، كما أشارت تلك الآثار إلى العديد من خواص كتاب اللّه، و كان من جملة تلك الآثار التي أوردها تلك التي أكدت على فضل تلاوة القرآن الكريم، و فضل تعلمه و تعليمه، و ما يلقاه التالي له من النور، و ما ينتظره من الوعد المقيم.
أعقب ذكر الآثار التنبيه إلى أن التلاوة الحقة تقتضي العمل بالمتلو، فذكر أن مراد الحق تعالى من ثَقِيلًا في قوله إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا [المزمل: 5] هو العلم بمعانيه و العمل به، و القيام بحقوقه.
و قد جاء هذا الباب في اثني عشرة صفحة.
جاء هذا الباب مختصرا، أكد فيه المصنف أن إعراب القرآن أصل في الشريعة لأنّ به تقوم معانيه، و روى في ذلك حديثين للدلالة على أهمية
ص: 378
الموضوع، و عدة آثار عن كبار الصحابة و التابعين تبين مكانة العارف بتفسير كتاب اللّه، و مدى حرص السلف رضوان اللّه عليهم على تعلم علم القرآن، و النظر في دقائق معانيه.
و قد اختار المصنف الآثار التي ذكرها كنماذج للدلالة على ما أراد بيانه، و لم يكثر من ذلك تمشيا مع المنهج الذي رسمه لنفسه، و هو الإيجاز و الاختصار غير المخل، و إلا فالآثار الواردة في هذا الباب كثيرة.
في هذا الباب تحدث المصنف عن ثلاثة موضوعات كما يظهر من عنوانه:
1) الكلام في تفسير القرآن.
2) التفسير بالرأي، و هو ما عبر عنه بالجرأة عليه.
3) مراتب المفسرين.
أورد المصنف للموضوع الأول، الأثر الوارد عن أم المؤمنين عائشة- رضي اللّه عنها- و هي تؤكد أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر القرآن كله، و إنما فسر آيا بعدد علّمه إياهن جبريل؛ ثم تحدث عن تأويل ذلك و بين أنه وارد في مغيبات القرآن، و تفسير مجمله، مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من اللّه تعالى.
انتقل عقب ذلك إلى الموضوع الثاني، فأورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه
ص: 379
قال: «من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»، و ذكر أن مراده صلى اللّه عليه و سلم أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب اللّه فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قاله العلماء، و لهذا فإن التفسير المبني على النظر في الأدلة لا يدخل في هذا الحديث، و أن من السلف من كان يتحرج من الخوض في تفسير الآيات بالرأي تورعا و احتياطا، و أن آخرين منهم فسروا كثيرا من الآيات بعد أن ملكوا أدوات التفسير، و هؤلاء كانوا أشفق على الأمة في ذلك، إذ بينوا الغريب من الألفاظ، و الغامض من المعاني.
و بذلك انتقل للحديث عن الموضوع الثالث، و هو الأخير في هذا الباب، فذكر- يرحمه اللّه- نماذج ممن برزوا في جانب التفسير، من الجيل الأول، و إلى عصره، و قال معقبا: و كلهم مجتهدون مأجورون. و قد جاء هذا الباب في أربع صفحات.
هذا أطول باب تعرض له المصنف في مقدمته، فقد جاء في خمس عشرة صفحة، قرر المصنف في بدايته اختلاف الناس فيه اختلافا شديدا، ثم ذكر بعض تلك الآراء في بيان معنى الأثر الوارد فيه، يعقب على كل قول يورده، فيضعف بعضها، و يجوّز غيرها، و يناقش القائل.
و ارتضى من الأقوال اختيار أبي عبيد و غيره من أهل العلم، و هو أن
ص: 380
معنى الحديث أنه سبع لغات لسبع قبائل، و رجح الرأي و انتصر له، ثم سعى لتحديد القبائل التي نزل القرآن على لغاتها، فذكر أنها قريش، و كنانة، و أسد، و هذيل، و تميم، و ضبّة و ألفافها، و قيس، و هي القبائل التي انتهت إليها الفصاحة، و سلمت لغاتها من الدّخل.
و لكون أبي عبيد و المبرد و غيرهما من القائلين بهذا القول كانوا قد ذكروا أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها، لهذا الأمر أوّل المصنف قولهم، و قال: ذلك عندي إنما هو فيما استعمله عرب الحجاز من لغة اليمن، فأما ما انفردوا به فليس في كتاب اللّه منه شي ء، فقد أفسد كلام اليمن خلطة الحبشة و الهنود.
بعد هذا ذكر من أفسد لغة شرقي الجزيرة مما والى العراق، و شمال الجزيرة مما والى الشام، و ذكر أن ما يقوي هذا المنزع أنه حين اتسع نطاق الإسلام، و تجرد أهل البصرة و الكوفة لحفظ لسان العرب، و كتب لغتها، لم يأخذوا إلا عن هذه القبائل الوسيطة المذكورة، و تجنبوا اليمن و العراق و الشام، كما تجنبوا لغة الحواضر مكة و المدينة و الطائف، لأن السبي و التجار من الأمم كثروا فيها، فأفسدوا اللغة، و قد كانت في مدة النبي صلى اللّه عليه و سلم سليمة لقلة المخالطة.
إذا سبع قبائل عربية، بلغة جملتها نزل القرآن، هو التفسير الراجح لدى المصنف في معنى الحديث الوارد في هذا الباب.
و حين انتشرت الروايات الكثيرة في القراءات التي وردت على لسان
ص: 381
رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و افترقت الصحابة رضوان اللّه عليهم في البلدان، و وقع بين أهل الشام و العراق ما وقع من الخلاف في القراءة، و نقل حذيفة الأمر لعثمان بن عفان- رضي اللّه عنهما- رجاء أن يدرك الأمة قبل أن يشتد الخلاف، استناب عثمان الكفاءات العلمية الفصحاء ليكتبوا القرآن، و يجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أفصح اللغات، فترك الناس ما خرج عنه مما كان كتب، سدا للذريعة، و تغليبا للمصلحة.
بعدها ذكر المصنف مصحف ابن مسعود- رضي اللّه عنه- و أن العلماء تركوه سدا للذريعة و لكونه حوى أشياء على جهة التفسير، كما ذكر قراءات القراء السبع المشتهرة، و شاذ القراءة، و قراءة أبي السمال.
و ختم الباب بالإشارة إلى أن ما تعرض له في هذا الباب قد وقع فيه خلاف غير أنه أعرض عن ذكره و الغوص فيه تجنبا و كراهية للإطالة، و التزاما بالمنهج.
أشار المصنف في بداية حديثه أن القرآن كان مجموعا في صدور الرجال، كما كان مكتوبا في الصحف و اللخاف و غيرها من وسائل حفظ المكتوبات، فلما استحر القتل بالقراء يوم اليمامة، جمع المصحف بإشارة من عمر- رضي اللّه عنه- و ندب من أبي بكر رضي اللّه عنه- فجمعت الصحف على
ص: 382
يد زيد رضي اللّه عنه، و بقيت تلك الصحف مجموعة إلى خلافة عثمان- رضي اللّه عنه حين اختلف الناس في المصاحف التي انتشرت على الأحرف السبعة، كمصحف ابن مسعود، و مصحف أبيّ بن كعب و غيرهما، فندب عثمان- رضي اللّه عنه زيد بن ثابت و غيره بإيحاء من حذيفة- رضي اللّه عنه إلى جمع الناس على مصحف واحد، و وضع لهم عثمان منهج الجمع و التدوين، فنسخت الصحف، عدة نسخ، و أرسلت إلى الأمصار لاعتمادها، و أمر بما سواها أن تحرق أو تخرق.
بعدها تحدث المصنف عن ترتيب السور، لكونها مختلفة في مصاحف الصحابة، فذكر قول الباقلاني و غيره بأن ترتيب السور كان من زيد و من معه، بمشاركة من عثمان رضي اللّه عنه و هو رأي مكي بن أبي طالب، أما ترتيب الآيات و وضع البسملة فهي توقيفية من النبي صلى اللّه عليه و سلم، خلا براءة التي أرجأ المصنف الحديث عنها إلى حينه.
ثم بيّن أن ظواهر الآثار تؤكد أن السبع الطول و الحواميم و المفصل كان مرتبا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان من السور ما لم يرتب، فذلك هو الذي رتّب وقت الكتب.
و ختم الحديث عن شكل المصحف و نقطه و تحزيبه و تعشيره، فصرح أن العلماء مختلفون في تعيين أول من أقدم على ذلك.
و قد جاء هذا الباب في سبع صفحات.
ص: 383
بدأ المصنف هذا الباب بذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة، فذكر أنهم فريقان، الأول يرى أن في كتاب اللّه من كل لغة، و الآخر يرى أن القرآن ليس فيه لفظة إلا و هي عربية صريحة، و ذكر الأمثلة على الكلمات التي وقع الخلاف فيها. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 384 الباب السادس: في ذكر الألفاظ التي في كتاب الله و للغات العجم بها تعلق ..... ص : 384
صرح باختياره، فبين أن تلك الألفاظ في أصلها أعجمية، لكن استعملتها العرب و عربتها، فغيرت بعضها بالنقص من حروفها، و جرت إلى تخفيف العجمة، و استعملتها في أشعارها و محاوراتها، حتى جرت مجرى العربي الأصيل، و وقع بها البيان.
و ختم الباب بالرد على ابن جرير رائد الفريق الثاني، و القائل أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة، فاستبعد ذلك، و أكد أن إحداها أصل و الأخرى فرع.
ذكر المصنف أن الناس اختلفوا في إعجاز القرآن بأي شي ء هو؟
فأورد بعض تلك الأقوال، و بين أن التحدي وقع بنظمه، و صحة معانيه، و توالي فصاحة ألفاظه، و في ذلك ردّ على القائلين بالصرفة.
ثم أوضح أن كلام البشر لا يمكن أن يصل إلى الإحكام الذي هو في كلام منزل الكتاب، و ضرب الأمثلة من كلام الفصحاء و الشعراء، و كيف أن
ص: 384
كلامهم يميّز رغم تنقيحه مدة طويلة، و لذلك أذعنت العرب للأمر، و تأكدت أنه لا يمكن لبشر أن يأتي بمثل ما أتى به محمد صلى اللّه عليه و سلم، فكان سبب إيمان بعضهم.
و لهذا فإنه تعالى اختار معجزة كل نبي بالوجه الشهير في زمانه، و عليه كانت معجزة موسى عليه السلام للسحرة، و عيسى عليه السلام للطب، و محمد صلى اللّه عليه و سلم للفصاحة.
أراد المصنف من وراء هذا الباب في مقدمته أن يبين موقفه من إسناد بعض الأفعال إلى اللّه، و هي لم تثبت بتوقيف من الشارع، فذكر أن جلة من المفسرين قد أبا حوا ذلك، و فعلوه، و ذلك جريا على عادة العرب في استعمال ذلك في سياق كلامها، و هي محمولة على المجاز، كقولهم: حكى اللّه تعالى عن أم موسى أنها قالت قُصِّيهِ [القصص: 11] و كقولهم: وقف اللّه ذرية آدم على ربوبيته بقوله أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: 172] و نحو ذلك.
يريد المصنف بذلك الاحتراز من الخوض في مثل هذا الأمر، فكلام اللّه صفة قديمة من صفاته، و الحكاية عن المذكورين أمر محدث، و هو يقتضي تأخير المحكي.
أوضح يرحمه اللّه أنه يتحفظ من مثل هذا الأمر، و هو يخشى أن يقع منه ذلك، مع أنه جار في كلام العرب، و هو الأمر الذي يبرر للمفسرين
ص: 385
الذين وقعوا فيه، و لهذا اعتذر لإخوانه من المفسرين فعلتهم، و ذكر أدلة كثيرة من كلام فصحاء العرب، و شعر شعرائها.
ذكر للقرآن أربعة أسماء: القرآن، و الكتاب، و الفرقان، و الذكر، و هي الأسماء الأربعة المشهورة، و بيّن أصل تلك التسميات، و الأدلة عليها.
ثم انتقل لذكر السورة، فذكر الاختلاف المشهور فيها حول كونها مهموزة أو غير مهموزة، و كذا سبب إطلاقها على ذلك المجموع من كلام اللّه.
كما بين معنى الآية في كلام العرب، و سبب إطلاقها على الجملة التامة من القرآن، و الخلاف في ذلك، و أصل اللفظة و اشتقاقها.
تلك هي المقدمات التي بدأ بها ابن عطية كتابه، ليدل على أن الدواعي إلى معرفة هذه العلوم قوية، و أن الحاجة إليها ماسة لمن أراد فهم كتاب اللّه على الشكل الصحيح المبني على القواعد السليمة.
الإيجاز و حذف فضول القول كانت السمة الأساسية لمنهج ابن عطية يرحمه اللّه- فقد ظهر ذلك جليا في مادة مقدمته كلها، و الإيجاز قد يكون مخلا بالمادة العلمية أحيانا، فيظهر القصور في العبارة، و الغموض في القول، و النقص في الأدلة، غير أن الأمر يختلف إذا كان الموجز من فرسان البلاغة، صاحب عبارة رصينة، و أسلوب بياني محكم كابن عطية.
ص: 386
لقد استطاع المصنف أن يوجز دون أن يخل، و يوضح دون أن يطيل، حتى جاءت المقدمة غاية في الدقة و الإيجاز، عبارة و منهجا.
1) ذكر أقوال أهل العلم في المسائل منسوبة إليهم (1)، و هو النهج الذي ألزم المصنف نفسه به، و قد التزمه في الغالب، غير أنه قد يخرج عن نهجه هذا فيطلق نسبة القول، و يقول: قال بعض العلماء، أو نحو ذلك. (2)
2) إيراد الخلاف في المسائل الهامة، مع عرض الآراء بعبارة موجزة. (3)
3) التصريح بموقفه من الخلاف و بيان رأيه و مناقشة الآراء الوجيهة بعبارة مختصرة (4).
4) عدم الإكثار من الآثار و الأدلة على المسألة الواحدة، و الاكتفاء بما يبين المقصود.
5) و من منهج المصنف الاستشهاد بالحديث و الأثر و اللغة و الشعر
ص: 387
لتأكيد معنى، أو تأييد رأي (1).
6) عدم ذكر سند الرواية، و الاكتفاء بذكر الصحابي الذي روى الحديث في الغالب (2)، و قد يحذف الصحابي أيضا (3).
7) و هذا و المصنف يرحمه اللّه- قد يحيل القار في المسائل الهامة التي تحتاج إلى بسط القول فيها إلى موضعه من التفسير، خصوصا تلك التي تعرض لها، و لها تعلق بالسور و الآيات. (4)
أما ما يخص التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته، فقد ذكر المصنف أنه قصد من تفسيره أن يكون جامعا للأقوال و العلوم، و جيزا بحذف فضول القول، مبينا أن العناصر التي سيذكرها عند حديثه عن الآية أو الآيات هي النحو و اللغة و المعنى و القراءة. و هو أمر يجده القارئ بوضوح في تفسيره، فقد راعى المصنف ذلك إلى حد كبير.
كما ذكر المصنف أنه سيسقط القصص الإسرائيلي، و لن يذكر منه إلا ما لا تنفك الآية إلا به، و هو أمر حاول المصنف الالتزام به، فكثيرا ما نجده
ص: 388
يذكر القصة ثم ينبه إلى أن المروي في الباب أكثر، غير أنه اختصرها لكونه لا يقطع منها بشي ء، أو يقول في نحو قوله تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة: 248] و كثر الرواة في قصص التابوت و صورة حمله بما لا أرى لإثباته وجها للين إسناده، أو نحو ذلك (1).
غير أنه لم يلتزمه دائما، فقد يجد القارئ ابن عطية في أكثر من موضع و هو يورد الرواية الإسرائيلية و يتركها دون تعقيب و بيان لحالتها (2).
و من شرطه في كتابه أيضا إثبات أقوال العلماء في المعاني منسوبة إليهم على ما تلقى السلف الصالح رضوان اللّه عليهم كتاب اللّه من مقاصده العربية السليمة من إلحاد أهل القول بالرموز، و أهل القول بعلم الباطن. و هذا مما التزمه المصنف بشكل تام، فهو إذا شرع في تفسير الآية و كان لأصحاب المنحى الإشاري قول فيه ذكره أو أشار إليه مستبعدا له، (3) و خاصة من أولئك الذين قال عنهم في مقدمته: فمتى وقع لأحد من العلماء الذين حازوا حسن الظن بهم لفظ ينحو إلى شي ء من أغراض الملحدين نبهت عليه.
و من شرطه أيضا ذكر القراءات المستعملة منها و الشاذة، و يقصد بالمستعملة التي ثبتت بالإجماع و التي يقرأ بها في الصلاة، و الشاذة التي لا
ص: 389
يصلى بها لأنها لم تثبت بالإجماع. و الناظر في المحرر الوجيز يجد أن المصنف قد التزم هذا الشرط، و سار عليه من بداية تفسيره إلى منتهاه. (1)
اعتمد ابن عطية يرحمه اللّه في مقدمته على عدد من المصادر الهامة، و المعتمدة لدى المشتغلين بعلوم القرآن، و قد اختلف منهجه في الاستفادة منها، فهو مرة ينقل النص من المصدر و يذكر ذلك، و حينا يذكر نصا و ينسبه إلى قائله، و يكون القائل صاحب تصنيف مشهور في الباب، و هذا الأخير هو الغالب عليه، و الأمثلة على ذلك كثيرة.
بن سلام، صاحب فضائل القرآن، (1) و الإمام المقرئ أبو عمرو الداني (2) و أبو علي الفارسي (3) و الإمام البخاري (4) و ثابت بن قاسم، صاحب كتاب الدلائل في شرح الحديث، هو من الكتب القليلة التي صرح المصنف بالأخذ عنه. (5)
و عدد آخر لم يرد ذكرهم إلا قليلا كأبي المعالي الجويني و كتابه الإرشاد (6) و مكي ابن أبي طالب (7)، و الفراء (8) و الإمام مسلم القشيري صاحب الصحيح (9)، و الجاحظ في كتاب الأمصار (10)، و الزبيدي في كتاب
ص: 391
الطبقات (1) و أبو الفرج صاحب الأغاني (2) و غيرهم.
لمقدمة ابن عطية يرحمه اللّه مزايا عديدة، ربما تفرد ببعضها، و أذكر منها:
1) تنوع الموضوعات التي اختارها المصنف، و قدمها بين يدي تفسيره.
2) الإيجاز و الاختصار في عرض الموضوعات، و كذا في سرد الأقوال.
3) الإعراض عن الأقوال الساقطة، و فضول القول.
4) الرد التفصيلي على بعض الأقوال المرجوحة و مناقشة قائليها.
1) إغفال بعض أصول التفسير، و عدم التوسع فيما ذكر منها.
2) عدم بيان درجة كثير من الآثار المستشهد بها.
3) القصور في معالجة بعض الموضوعات مثل إعجاز القرآن.
هذا ما قلته في تفسير ابن عطية و أستغفر اللّه من الزلل.
ص: 392
فقد سئل يرحمه اللّه عن ذلك فقال: لا أتحقق مولدي. (1) ثم قال في موضع آخر: يكون تقريبا في سنة عشر (2). أي و خمس مائة.
و الإمام ابن الجوزي منسوب لخليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمير المؤمنين أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه فهو ينحدر من أرومة شريفة، و نسب عظيم، ظهر أثره في حياته الخاصة و العامة.
نشأ الإمام يتيما، حيث توفي والده و هو لم يتجاوز ربيعة الثالث، و انصرفت عنه الأم في وقت هو أحوج ما يكون فيه إليهما، فتلقته العناية الإلهية، و حاشا للّه الرحيم أن يترك أحبابه، لقد سخر اللّه للصغير عمة فاضلة، نهضت و انتصبت لتحتضن اليتيم، و لتقوم على رعايته و الاهتمام به، و ألقى اللّه في روعها أن تهبه للعلم الشرعي، فحملته لتلقيه في حضن مربّ فاضل، و عالم نحرير، هو الإمام أبو الفضل بن ناصر، فتوسم فيه خيرا، و أجلسه موضع التعليم، و أولاه العناية و الرعاية، بجد و اهتمام، و جعله اللّه سببا لإرشاده، فحمله مرارا إلى المشايخ، و أسمعه مسند الإمام أحمد و هو في سنّ لا يدري ما العلم من الصّغر، فكان بديلا عن أبيه، كما كانت العمة خير بديلة عن أمه، حتى غدا بفضل اللّه أولا، ثم برعاية العمة و الأستاذ ثانيا، ثم بما غرس اللّه في نفسه من حب العلم ثالثا، كأفضل من كان في
ص: 394
زمانه، أدبا و سلوكا و تحملا و خلقا و علما.
ذاق ابن الجوزي الصعاب في تلقي العلم، و منع نفسه متع الدنيا، و ألجمها من البحث عن ملذاتها، حيث وجد المتعة الحقيقة في الدرس و طلب العلم (و لقد كنت في حلاوة طلبي للعلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب و أرجو). (1) و رأى أن ذلك كان سببا لفلاحه في العلم و تحصيله (كنت زمان الصبا آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج إلى طلب الحديث، و أقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت لقمة شربت عليها، و عين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم، فأثمر ذلك عندي أني عرفت بكثرة سماعي لحديث سير رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أحواله و آدابه ...) (2) و لم تدفعه حاجته إلى أن يمد يده للناس أو ينظر إلى الذي في أيديهم، فعاش عفيفا، و طلب العلم للّه و من يتّق اللّه يجعل له مخرجا. وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق: 2]
انكب ابن الجوزي على العلم، و انتقل من شيخ لآخر، و من كتاب إلى آخر حتى طالع أكثر من عشرين ألف مجلد، و هو لا يزال في طلب العلم (3).
و هكذا حتى انتهت إليه معرفة الحديث و علومه، و الوقوف على صحيحه
ص: 395
من سقيمه، فكان من أحسن الناس كلاما، و أتمهم نظاما، و أعذبهم لسانا، و أجودهم بيانا (1)، يسير على منهج السلف و يلتزمه سلوكا و عملا و عبادة، و يرشد إليه أعز الناس، كتب لولده تصنيفه القيم «لفتة الكبد» حثه فيه مرارا و تكرارا على التزام هذا المنهج، و الاقتداء بسيرة السلف، و الالتزام بسلوكهم.
كما (كان بحرا في التفسير، علّامة في السير و التاريخ، موصوفا بحسن الحديث و معرفة فنونه، فقيها عليما بالإجماع و الاختلاف، جيد المشاركة في الطب، ذا تفنن و فهم و ذكاء و حفظ و استحضار و إكباب على الجمع و التصنيف مع التصون و التجمل، و حسن الشارة و رشاقة العبارة، و لطف الشمائل، و الأوصاف الحميدة، و الحرمة الوافرة، عند الخاص و العام، ما عرفت أحدا صنّف ما صنف). (2)
تضمن (مشيخة ابن الجوزي) أسماء شيوخه و ترجمة وافية لهم، كما ذكر يرحمه اللّه في (صيد الخاطر) جملة من أخبارهم و قال: لقيت مشايخ أحوالهم مختلفة، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم، و كان أنفعهم لي في صحبته
ص: 396
العامل منهم بعلمه، و إن كان غيره أعلم منه (1).
و من شيوخه الذين تتلمذ عليهم، و أخذ عنهم:
أبو الفضل محمد بن ناصر السلامي ت (550 ه) (2)، و أبو الحسن علي بن عبيد اللّه الزاغوني ت (527 ه) (3)، و أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي ت (540 ه) (4).
أما تلامذته فهم كثر، منهم الأئمة و العلماء، و قد أورد الذهبي نصا فيه ذكر بعضهم، منهم: الشيخ موفق الدين ابن قدامة (5)، و ابن النجار (6) و خلق سواهما. (7)
ص: 397
قال الحافظ ابن كثير عن الإمام ابن. الجوزي أنه جمع المصنفات الكبار و الصغار، و نحوا من ثلاثمائة مصنف، و كتب بيده نحوا من مائتي مجلدة. (1)
و قال سبطه أبو المظفر: سمعت جدي على المنبر يقول: بإصبعيّ هاتين كتبت ألفي مجلدة ... إلى أن قال: و مجموع تصانيفه مائتان و نيّف و خمسون كتابا (2).
و قد نالت مصنفات الإمام شهرة واسعة، و تلقتها الأمة في جملتها بقبول حسن، و لا زالت تعول على كثير منها، و هي متنوعة شملت كل الفنون، فله في التفسير و الحديث و الفقه و الوعظ و اللغة و التاريخ و السير و غير ذلك، و منها أنه صنف في التفسير أربعة تصانيف، (المغني) و هو كتاب واسع مبسوط، و (زاد المسير) و هو كتاب وسيط، (و تيسير البيان) كتاب وجيز، و (تذكرة الأريب في تفسير الغريب) مقتصر على تفسير الغريب.
و له في علوم القرآن (فنون الأفنان) و غيره.
و في الحديث صنف الكثير، منها (جامع المسانيد بألخص الأسانيد)
ص: 398
و (الضعفاء و المتروكين) و (الموضوعات) و غيرها.
و كتب في اللغة و التراجم و السير و التاريخ و المواعظ و من ذلك: كتاب (صفوة الصفوة) (و صيد الخاطر) و (مناقب بغداد) و غيرها.
هذا و قد ألف الأستاذ عبد الحميد العلوجي كتابا في مصنفات ابن الجوزي أسماه (مؤلفات ابن الجوزي) طبع في بغداد 1965 م شمل جميع ما كتبه الإمام، كما اهتم فضيلة الدكتور حسن ضياء الدين عتر، بذكر مؤلفات الإمام، المطبوع منها و المخطوط و أماكن وجودها في تحقيقه لفنون الأفنان للمصنف، فجزاهما اللّه خير الجزاء.
كان آخر ما خطه يراع الإمام ابن الجوزي من النظم أبيات عظيمة غلب عليها جانب الرجاء، و هي تدل على حسن ظنه باللّه:
يا كثير العفو عمن كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم يديه
أنا ضيف و جزاء الضيف إحسان إليه بقي الإمام مريضا بعدها خمسة أيام إلى أن توفي ليلة الجمعة بين المغرب و العشاء عام سبع و تسعين و خمسمائة للهجرة (1)، رحمه اللّه رحمة
ص: 399
واسعة، و أدخله مدخلا كريما.
يعتبر زاد المسير في نظر كثير من أهل العلم من أجلّ التفاسير التي وصلت إلينا من حيث سلامة عقيدة المصنف، و من حيث المنهج و الترتيب الذي سار عليهما المصنف في تفسيره، فقد حاول يرحمه اللّه تجنب ما وقع فيه أسلافه من عيوب في التصنيف، فتلافى ذلك بحسن العرض للأقوال و المعاني، و هو منهج سار عليه من قبله الماوردي المتوفى سنة (450 ه) رحمه اللّه.
لقد حرص المصنف على أن يجعل تفسيره هذا مختصرا وافيا، حاويا لما أثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، جامعا لأقاويل علماء الصحابة و نبهاء التابعين، مشتملا لما نقل عن السلف في بيان المعاني، ضم إلى ذلك القراءات القرآنية المشهور منها و الشاذ، فجاء تفسيرا في غاية الإحكام و الإتقان، و في ذلك يقول المصنف: لا يعتقدن من رأى اختصارنا أنّا أقللنا، فإنا قد أشرنا بما
ص: 400
ذكرنا إلى ما تركنا و دللنا، فليكن الناظر في كتابنا متيقظا لما أغفلنا، فإنا ضمنا الاختصار مع نيل المراد، و قد فعلنا. (1)
و قد تأثر ابن الجوزي في منهجه كما ذكرت بالماوردي، حتى أنه قد يصعب على القارئ التمييز بين منهجيهما، و طريقتهما في عرض الأقوال، و سرد المعاني.
أما من حيث المعاني فقد اعتمد ابن الجوزي كثيرا على شيخ المفسرين ابن جرير الطبري، و على ابن قتيبة في كتابيه (مشكل القرآن) و (غريب القرآن) كما اعتمد على غيرهما كالزجاج و الفراء و أبي عبيدة و غيرهم، و هو يذكر أنه انتقى تفسيره من أنقى التفاسير، فأخذ منه الأصح و الأحسن و الأصون، و نظم ذلك في عبارة مختصرة (2).
و قد كان المفترض من ابن الجوزي، و هو المفسر المحدث، تلافي ما وقع فيه السابقون من إيراد بعض الأحاديث الضعيفة و المنكرة، أو الاستشهاد بالإسرائيليات التي أغنانا اللّه عنها بما هو أصح، غير أن المصنف وقع في ذلك، و في مواضع عديدة، و كان ذلك من أشد ما يؤخذ على المصنف، كما يؤخذ عليه عدم الترجيح بين الأقوال في الغالب، فهو حين يذكر المفردة القرآنية، أو الآية فإنه قد يذكر لها خمسة أقوال في بعض الأحايين، دون أن
ص: 401
يبين الراجح منها، أو الذي يميل إليه على أقل تقدير، و بذلك يترك القارئ حائرا لا يعرف الراجح من المرجوح.
و قد جاءت مقدمة (زاد المسير) على وفق ما ذكر المصنف من الاختصار و الإيجاز، فسودت أربع صفحات و نصف من القطع المتوسط، تعرض المصنف فيها لعدة فنون من فنون علوم القرآن دون أن يتعمق في البحث، و ما ذكره هو حصيلة أقوال أهل العلم السابقين عليه.
و قد طبعت المقدمة مع التفسير طبعة واحدة فيما أعلم، ثم تم تصويرها عدة مرات بأحجام مختلفة، و اعتبر الناشر كل تصوير بمثابة طبعة مستقلة، و هي طبعة المكتب الإسلامي ببيروت: 1384 ه 1964 م، بعناية الأستاذ زهير الشاويش، و كانت الطبعة الرابعة مصغرة و هي التي اعتمدتها، و كانت في عام 1407 ه 1987 م.
افتتح المصنف كتابه بحمد اللّه، و الثناء عليه، و إسداء الشكر له تعالى الذي شرف الأمة بخير نبي أرسله، جعله سراجا منيرا، و لم يجعل له من أرباب جنسه نظيرا، و أنزل عليه الكلام الذي كان التحدي به.
ثم بين يرحمه اللّه أن شرف العلم من شرف المعلوم و لذلك كان علم القرآن من أشرف العلوم، و هو الأمر الذي دعاه إلى النظر في كتب التفسير التي تناولت بيان معاني كلماته فوجدها بين كبير يئس الحافظ منه، و صغير
ص: 402
لا يستفاد كل المقصود منه، فكان هذا المختصر اليسير الذي وسمه به (زاد المسير في علم التفسير) و رجا اللّه أن يكون قد أدى المطلوب.
ثم ذكر فصلا في فضيلة علم التفسير، فأورد فيه ما روي من أنّ صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يكونوا يتجاوزون عشر آيات من كتاب اللّه، حتى يعلموا ما فيها من العلم و العمل، كما بيّن حرص الصحابة على معرفة كل ما يتصل بالقرآن من الأمور و الأحوال التي تعين على فهم معانيه.
انتقل بعدها للموضوع الآخر و هو معنى التفسير و التأويل و الفرق بينهما، فأورد اختلاف أهل العلم في ذلك بعبارة مختصرة، ذاكرا قول الجمهور.
ثم ذكر المدة التي نزل فيها القرآن على قلب النبي صلى اللّه عليه و سلم مبينا تعدد الأقوال في ذلك.
تعرض بعدها لذكر أول ما نزل من القرآن و آخر ما نزل، و الخلاف في ذلك مع ذكر الروايات المبينة لها، مرجحا بينها، و جاء الختام ببيان غايته من التصنيف في التفسير، و اهتمامه بمسائل علوم القرآن، فذكر أن جمهور كتب المفسرين لا يكاد الكتاب منها يفي بالمقصود بمفرده، و أن المتابع يحتاج إلى التنقل بينها حتى يحصل مراده، و أنه بسبب ذلك أدرج في كتابه هذا جلّ تلك الفنون بحيث يستغني الناظر فيه عن غيره.
ص: 403
كما بين الخطوط الرئيسة لمنهجه، و أومأ إلى نوعية مصادره و قيمتها.
أما منهج ابن الجوزي فإنه يذكر الروايات التي تتحدث عن الموضوع المطروح للبحث، مع التصريح بذكر الراوي أو القائل، و إن كان في المسألة خلاف أشار إلى ذلك و قد يرجح حينئذ بينها، و قد يكتفي بذكر الروايات دون الترجيح. (1)
نعت المصنف تفسيره بأنه تفسير وسط بالغ في اختصار ألفاظه، مرتب ترتيبا يسهل فهمه، أوضح الألفاظ المشكلة، و شرح الغريب منها. و هي كلها نعوت التزمها المصنف، فالتفسير كما ذكر من أجود التفاسير ترتيبا و تنسيقا، و هو مختصر بعبارة موجزة، لا يتوانى المفسر من شرح غريب الألفاظ، و توضيح المشكل، و الأمثلة على ذلك كثيرة (2).
هذا و ذكر المصنف أنه أتى بما لم يأت به بعض المفسرين من إغفال لبعض المسائل و العلوم كالناسخ و المنسوخ، أو أسباب النزول، أو بيان المكي من المدني أو غير ذلك مما بيانه من مهام المفسر، و لا يستغني عنه
ص: 404
التفسير.
و قد التزم المصنف هذه الشروط أيضا في تفسيره، فهو يبين الناسخ و المنسوخ، و يذكر الأقوال في ذلك (1)، و يتحدث عن أسباب النزول (2)، و يبين مكية السورة أو مدنيتها فيبين إن كانت السورة بتمامها مدنية، أو بتمامها مكية، أو أن بعضا منها مكي و الآخر مدني، أو العكس (3).
و من شروط ابن الجوزي أنه لا يعيد تفسير الكلمات التي سبق أن فسرها إلا على وجه الإشارة، و أنه لا يترك الأقوال المعتبرة بل يذكرها، و قد يترك فرش الآيات لأحد الأمرين، إما أن يكون قد سبق، أو يكون ظاهرا لا يحتاج إلى تفسير.
و هذه الضوابط التزمها المصنف في الغالب أيضا، كما فعل في أول سورة آل عمران حيث أغفل تفسير الآية الأولى منها مكتفيا بما قال في البقرة من تفسير الأحرف المقطعات التي في أوائل السور، و كذا تفسير الْحَيُّ الْقَيُّومُ من الآية نفسها مكتفيا بما ذكره في تفسير آية الكرسي. (4)
ص: 405
غالب النصوص و الآثار التي استشهد بها المصنف جاءت معزوة لأصحابها، و هم في جملتهم من الصحابة و التابعين، كابن مسعود و ابن عباس و جابر بن عبد اللّه و عكرمة و الشعبي و غيرهم رضي اللّه عنهم أجمعين
أما مصادر المصنف من الكتب، فالمصدران الوحيدان اللذان وردا في مقدمة ابن الجوزي، هما صحيحا البخاري و مسلم، ذكر البخاري في موضعين، و مسلما في موضعين قرن بينهما في أحد الموضعين، و أحال إليهما الروايات الواردة في أول ما نزل، و آخر ما نزل (1).
مقدمة (زاد المسير في علم التفسير) من المقدمات المختصرة التي لم تخصص لما هدف إليه أصحاب المطولات من إثبات ما يلزم أن يكون في ذهن طالب العلم الناظر في التفسير حتى يفهمه على النحو الصحيح، فالمصنف قد أفرد لعلوم القرآن و أصول التفسير كتابا مستقلا، و ما ذكره في هذه المقدمة تذكير بفضيلة التفسير و نزول القرآن، و لهذا الأمر لا يحسن الحكم على هذه المقدمة بالميزان الذي حكم به على غيرها. و اللّه أعلم
هذا ما عرفته عن تفسير ابن الجوزي، و أستغفر اللّه من التقصير أو
ص: 406
الخطأ في القول.
ص: 407
مؤلف هذا السفر العظيم هو: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح بسكون الراء و الحاء المهملة الأنصاري الخزرجي المالكي، أبو عبد اللّه القرطبي.
ولد في قرطبة من بلاد الأندلس، و نشأ و ترعرع في كنف أبيه و رعايته، و لم تشر المصادر التي وقفت عليها إلى سنة ولادته، غير أن أستاذي الدكتور علي بن سليمان العبيد حفظه اللّه و بارك فيه استدل من خلال نصوص وردت في ثنايا التفسير أن ولادته ربما كانت في بداية القرن السابع الهجري (1).
و الذي يظهر من سيرة القرطبي رحمه اللّه أنه تلقى العلم في مقتبل العمر، فزاحم الركب، و أخذ عن جلة من العلماء، و صفوة من الأخيار
ص: 408
المشاهير من أهل العلم و الصلاح في وقته، من أهل قرطبة و ما جاورها من منابر الإشعاع، و لازمهم حتى حصّل ما عجز غيره عن تحصيله في القرآن و القراءات و الحديث و النحو و الفقه و البلاغة، و غيرها من علوم العربية، حتى كان عام 627 ه حين قتل والده، و سقطت قرطبة في أيدي القشتاليين سنة 633 ه قرر الرحيل، و ترك مرابع الصبا، ليتوجه إلى الإسكندرية و ليتم ما بدأه في دياره، فجلس إلى علمائها يتلقى العلم طالبا.
و قد عرف عن القرطبي الصلاح و التقى، و الإكثار من العبادة و النوافل حتى ذكر المترجمون له بأن أوقاته كانت معمورة ما بين توجّه و عبادة و تصنيف، و ذكروا من مآثره البعد عن التكلف و ما يشغل أهل الدنيا و طلابها، و من نعوته أنه كان شيخا صالحا وقّافا عند حدود اللّه، يحرص على السنة و يحارب البدعة و المبتدعين. (1)
يقول ابن خلدون: إن البشر يأخذون معارفهم و أخلاقهم، و ما ينتحلون به من المذاهب و الأخلاق، تارة علما و تعليما و إلقاء، و تارة محاكاة و تلقينا بالمباشرة، إلا أن حصول الملكات عن المباشرة و التلقين أشد
ص: 409
استحكاما، و أقوى رسوخا، فعلى قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات و رسوخها (1).
و قد تلقى القرطبي يرحمه اللّه ثقافته و علمه من شيوخ أجلاء تأثر بهم، و تكونت شخصيته على أيديهم، و تحت أنظارهم، و من هؤلاء: الشيخ أبو العباس أحمد بن عمر القرطبي (2)، و الشيخ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري (3)، و غيرهم من شيوخ قرطبة و مصر و الإسكندرية و غيرها.
و الأمر الذي يدعو إلى الاستغراب في سيرة القرطبي رحمه اللّه أن لا يذكر له تلميذ واحد، سوى ما روى أن ابنه شهاب الدين أحمد قد روى عنه و بالإجازة.
و هو أمر يدعو إلى التعجب حقا، و ربما علل بعض الباحثين ذلك لانشغاله بأمر نفسه، و انصرافه إلى تلقي العلم و مجالسة العلماء، و تأليف
ص: 410
الكتب، و إلى العبادة، إضافة إلى عدم مشاركته في أعمال القضاء و التدريس (1).
و هو تعليل لا يشفي الغليل، إذ كيف يترك عالم جليل دل كتابه الجامع لأحكام القرآن فضلا عن موسوعاته الأخرى على علوّ كعبه في المنقول و المعقول، و سمو مكانته و تبحره في العلم، فمثله يهرع إليه طلبة العلم، و يجلسون على بابه لتلقي كلمة أو سماع أثر، بل كان الأمر يصل ببعضهم أن يعمل ما يزج به في السجن ليلتقي عالما قد حكم عليه بالسجن فيأخذ عنه فيتحمل العذاب المضني لتلقي العلم، فكيف أغفله طلاب العلم و لم يتلقوا عنه؟!
و بالنظر إلى الفترة التي عاشها القرطبي في مصر، و ما عرف عنه يرحمه اللّه من مناهضة الرافضة و الرد عليهم، و إشهار سيف الحق في وجوههم، و بيان زيفهم و انحرافهم و ضلالهم (2)، و كأنني و أنا أقرأ في سيرة القرطبي و شيئا من مقدمته التي أفاض فيها التصدي للقوم و مواقفهم المخزية من القرآن الكريم، و كأنني أرى أنه منع نتيجة ذلك من التدريس و منع عنه الطلبة فتفرغ للتأليف منعزلا حتى أخرج لنا هذا التراث العظيم وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [الصف: 8]، فالتعليل الأقرب إذا لعدم وجودم.
ص: 411
تلاميذ للقرطبي عائد و اللّه أعلم إلى التسلط السياسي الذي مارسته الفئة الباغية على أهل العلم، و هو ما يسمى في عصرنا الحالي ب (الإقامة الجبرية) فلا التدريس و التعليم مسموح به، و لا الهجرة و السياحة في الأرض مسموحة. وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ [الأنفال: 30].
روى غير واحد عن الإمام الذهبي قوله في القرطبي: إمام متفنن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة تدل على كثرة اطلاعه و وفور عقله و فضله. (1).
و صدق الذهبي فيما قال فإن المطّلع على النتاج العلمي الذي خلّفه القرطبي ليشهد بقوة على هذه الحقيقة، فهي كالشمس في رابعة النهار.
1) الأسنى في شرح أسماء اللّه الحسنى.
2) التذكار في أفضل الأذكار.
3) التذكرة في أحوال الموتى و أمور الآخرة.
4) قمع الحرص بالزهد و القناعة و رد ذل السؤال بالكتب و الشفاعة.
ص: 412
5) شرح التقصي.
6) الإعلام بما في دين النصارى و إظهار محاسن دين الإسلام.
إضافة إلى تفسيره الذي هو موضوع دراستنا هنا، و غير ذلك من التصانيف (1).
و لكل شروق غروب، ففي ليلة الاثنين، التاسع من شوال سنة 671 ه أفل نجم القرطبي ليلقى وجه ربه في النعيم المقيم إن شاء اللّه الغفور الرحيم، و كانت وفاته في منية ابن خصيب، مستقره من الصعيد الأدنى من ديار مصر، و هي المسمى حاليا ببلدة، المنيا (2) رحمه اللّه رحمة واسعة.
ص: 413
حين سئل شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه اللّه عن خير تفسير بين تفاسير ثلاثة ذكرت له، تفسير الزمخشري و القرطبي و البغوي، كان جوابه يرحمه اللّه- أن: تفسير القرطبي خير من تفسير الزمخشري، و أنه أقرب إلى طريقة أهل الكتاب و السنة، و أنه أبعد عن البدع. (1)
و لهذه المزية و لغيرها انتقاه العلماء و طلبة العلم، فطالما ارتووا من مورده العذب الزلال، و هو تفسير عظيم الشأن سار بذكره الركبان، و هو كما قال الذهبي: تفسير لا نظير له، فضله الأشياخ المتأخرون على أكثر ما بالأيدي من التفاسير. (2)
و الذي أراه أنه لو ادعى من اقتنى هذا التفسير الجليل من طلبة العلم أنه قد يستغني به عن غيره من التفاسير لما حقّ لأحد أن يستنكر عليه قوله، فهو تفسير جامع شامل لجميع اتجاهات التفسير، من المأثور و الرأي، لا يستغني عنه مغرم باللغة و النكات البلاغية، و لا فقيه باحث عن الأحكام القرآنية، و لا مهتم بالعقائد، فالكل يجد فيه بغيته و مبتغاه، ناهيك عن شيوخ
ص: 414
القراءات الذين يعدون هذا السفر الجليل مرجعا هاما في فنهم، خاصة في توجيه القراءات القرآنية.
و لهذه المزايا و لغيرها عدّ المترجمون للقرطبي تفسيره هذا من أجلّ التفاسير و أعظمها نفعا، فقد أسقط يرحمه اللّه القصص و التواريخ، و أثبت عوضها أحكام القرآن مع استنباط الأدلة، كما ذكر القراءات و الإعراب و الناسخ و المنسوخ، (1) كل ذلك دون أن يخرج عن الهدف الذي رسمه و هو تفسير كتاب اللّه، و توضيح ألفاظه، و بيان معانيه.
و قد تأثر القرطبي بسلفه ابن عطية تأثرا واضحا، خصوصا في تمحيص الآثار الواردة عن أهل الكتاب، و تلك التي هي محل نظر مما ابتليت به التفاسير عامة، و لهذا ذكر ابن خلدون أن القرطبي قد تأثر بابن عطية في منهجه و طريقته في هذا المنحنى (2).
هذا و قد استطاع المصنف بعبارته السهلة، و تقسيمه الدقيق للموضوعات، و منهجه التميز في هذا الشأن، أن يقدم للقارئ نصا يرتاح معه، فلا يكلّ من دراسته، و لا يملّ النظر فيه، و هي الأخرى ميزة عظيمة لهذا التفسير الجليل.
أما ما يخص التعريف بالمقدمة فلا أظنني جانبت الصواب حين ادعيتة.
ص: 415
في مقدمة هذه الرسالة أن كثيرا من المفسرين ضمنوا مقدمات تفاسيرهم خلاصة أفكارهم، و زبدة آرائهم حول علوم القرآن، و أنهم بنوا هياكل تفاسيرهم على هذه الآراء .. و لا حين ادعيت أن من الأهمية دراسة هذه المقدمات دراسة تحليلية جادة، و الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها .. لأنني كنت أعي و أعني ما أقول، فقد كنت على علم بكثير من هذه المقدمات، و على دراية بإحداها على الأقل، دراية تامة، طالما أشار إليها أساتذتنا الأفاضل، و نبه على أهميتها شيوخنا الأجلاء، أقصد بذلك مقدمة الجامع لأحكام القرآن، تلك المقدمة التي ما فتأت أرجع إليها بين الحين و الحين في البحث الذي أعددته في المرحلة العلمية السابقة لهذه المرحلة.
لقد حوت مقدمة تفسير الإمام القرطبي خلاصة فكره حول كثير من علوم القرآن، عرضها بأسلوب يجمع بين الغزارة العلمية، و الطراوة الأدبية، تبنى المصنف كثيرا مما نقله ممن سبقوه، و ما لم يرتضه عقّب عليه و ناقش صاحبه و قدّم أدلته ليفند حجج مخالفه، جمع فيه بين مأثور النصوص و قوة الاستنباط و التحليل.
إن هذه المقدمة تعد بحق من أوفى المقدمات التي وقفت عليها في علوم القرآن، من نشأة التفسير و حتى نهاية القرن الثامن الهجري و هي الفترة التي يتناولها هذا البحث جاءت في ست و ثمانين صفحة من القطع المتوسطة، مسطرتها 24/ 17، عدد الأسطر من 19 إلى 22 سطرا.
و قد جاءت هذه المقدمة قليلة الأخطاء بالنظر إلى الطبعات الأخرى
ص: 416
التي وقفت عليها.
أما عدد طبعات المقدمة فهي بعدد طبعات التفسير نفسه، فلم تطبع منفردة، ربما لأنه تيسر لهذا التفسير أن يطبع قبل مثيلاته، فلم تكن هناك حاجة لعزله عن أصله، أو ربما لأن عزله عن أصله يخلّ ببعض ما فيه، فقد أراد المصنف أن يربط المقدمة بالتفسير ربطا محكما ليكتمل العقد، و لتتحقق الغاية التي لأجلها قدم هذه المقدمة. يدل على هذا أن المؤلف كثيرا ما يحيل قارئ المقدمة إلى صلب التفسير بقوله: و سيأتي مزيد بيان في سورة كذا (1)
بل قد يترك البيان كله فيقول: و بيان ذلك في سورة كذا .. (2) و كأنه يريد أن يقول: لا تغفل عن التفسير إنّ فيه خيرا كثيرا، فهو بهذا العمل يريد أن تكون المقدمة و التفسير صنوان.
و هذا و قد طبع الكتاب عدة طبعات منها:
1) طبعة دار الكتب المصرية.
2) طبعة دار الكتاب العربي- القاهرة 1387 ه الطبعة الثالثة مصورة عن طبعة دار الكتب. قام بتصحيحه و التعليق عليه: أبو إسحاق إبراهيم أطفيش، و أحمد عبد العليم البردوني، و مصطفى السقا.
ص: 417
3) طبعة دار إحياء التراث- بيروت، الطبعة الثانية.
4) طبعة دار الكتب العلمية- بيروت 1408 ه، الطبعة الأولى.
قدم الإمام القرطبي بين يدي تفسيره مقدمة مطولة حوت تسع عشرة مقدمة جزئية باعتبار أن كل باب ذكره يعد بمثابة مقدمة مستقلة، هذا على سبيل الإجمال و الإدماج، و إلا فإن الموضوعات التي طرحها للبحث و النقاش تربو على هذا العدد بقدر الضعف.
قدم المصنف تلك المقدمات بكلمة بليغة موجزة، غير أنها كافية ضافية، تحدث فيها عن بلاغة الكتاب المبين، و علو قدر حفظته و العاملين به، ثم بين الباعث إلى التأليف و الكتابة، و الأمور التي اعتزم أن يضمنها تفسيره، و ختم الكلمة ببيان شرطه في كتابه، ليبدأ بالتفصيل في الأبواب التي رأى أنه يحسن لطالب التفسير و المشتغل به الإحاطة بها، و هي:
بدأ المصنف هذا الباب بالحديث عن أهمية الموضوعات المطروقة، و عن فضل كلام اللّه تعالى، و أشار في ثنايا حديثه إلى أن علماء كثر كتبوا فيه تآليف مستقلة، كما أومأ إلى مسألة خلق القرآن غير أنه لم يفصّل، و اكتفى ببيان مذهب أهل السنة و الجماعة بإيجاز، و حسن فعل. فالخوض في مثل
ص: 418
هذه المسائل يكون في موضعه من التآليف المختصة، و لا حاجة من طرقه في مثل المقدمات.
و ذكر المصنف فضل اللّه سبحانه و تعالى و تكرمه حيث منّ على الأمة الإسلامية بتيسير القرآن للذكر، فجعل الناس قادرين على حمله و حفظه حين عجزت السماوات و الأرض عن حمله، و لو لا هذا الفضل لما استطاع الإنسان حمله، قال تعالى: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر: 21].
ثم ذكر في ختام هذا الباب جملة من الآثار الواردة في فضائل القرآن، ليختم الباب بقوله: و الآثار في معنى هذا الباب كثيرة و فيما ذكرنا كفاية، و اللّه الموفق للهداية.
تعرض القرطبي لهذا الموضوع في ثماني صفحات، و ذكر فيه نيفا و عشرين حديثا و أثرا، بدأه بالصحيح الذي رواه البخاري عن قتادة في وصف أنس رضي اللّه عنه لقراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم بأنه كان يمد مدا.
و قد حلّق المصنف في هذا الباب و سما في الذي ذكره، و أنهاه بعد أن أسبغ عليه الحلل، فما ترك مسألة بحاجة إلى نقاش إلا و قد أشبعها درسا حتى أقنع القارئ حجة.
ص: 419
ثم تحدث عن كيفية قراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم فأورد من الأثر الصحيح ما لا يحتاج معه إلى مزيد بحث، و عن حسن صوت من قرأ و هو يخشى اللّه، و شين رفع الصوت و التطريب بالقراءة و النبر، خاصة من كان حادّ النبرات رفيع الصوت منكره. مدعما ما ذكره بالأدلة، و ذاكرا من كرهوا ذلك من الأئمة.
ثم عاد مرة أخرى إلى ما ذكره أولا من كراهية رفع الصوت و التطريب فذكر الخلاف في المسألة بين مجيز و مانع، ذاكرا أدلة ذلك و القائلين بكل قول، دون أن يبخسهم حقهم في العرض و البيان، حيث عرض الأدلة بأمانة و صدق، حتى إن القارئ حين يقرأ له و هو يورد أدلة مخالفيه يذهب به الظن إلى أن المصنف يتبنى هذا الرأي، و بمثل هذه المواقف التي يقفها القرطبي بين الفينة و الفينة، كان الحق في جانب أولئك الذين ينفون التعصب المذهبي عن القرطبي، و يذكرون أنه إنما يتبع الدليل بغض النظر عن قائله و مذهبه.
فهو حين ذكر أدلة المجيزين سماهم، و ذكر منهم أرباب الفصاحة و فرسان البيان، و من شهدت لهم الأمة بالإمامة كأبي حنيفة و الشافعي و ابن المبارك و الطبري و ابن بطال (1) و القاضي المالكي ابن العربي، و غيرهم. و كل واحد ممن ذكره يكفي بنفسه أن يرفع بسهم الطائفة عاليا، فكيف بهم
ص: 420
مجتمعين!!
أقول هذا لأدلل على قوة القرطبي في اختياراته، فهو مع الدليل، و لهذا ظهر رسوخ قدمه، و علو كعبه حين أعلن بعد أن ذكر أدلة المجيزين، و هم من هم، أعلن أنه يرى كراهية التطريب، و أنه الأصح من الأقوال مدللا و معللا لما ذهب إليه، و أن تزيين الصوت يكون بقراءة القرآن، و ليس تزيين القرآن بالصوت الحسن كما يراه المخالفون، ورد على المخالفين بأدلة قوية.
كما رأى أن التغني هو تحسين الصوت بالقرآن، ليس التطريب، أو أن يكون بمعنى الاستغناء ضد الافتقار، و هو التأويل الذي ارتضاه سفيان بن عيينة (1)، و وكيع بن الجراح (2)، و هو المروي عن سعد بن أبي وقاص. أو يكون بمعنى الاستغناء به عن سواه من الأحاديث، و هو مذهب البخاري صاحب الصحيح ...
و هكذا نقل ما تأوله العلماء في معنى التغني، فذكر منها التحزن به الذي هو إظهار الحزن ضد السرور، و ذكر حسن الصوت بالترجيع، أو أنه بمعنى الجهر بالقرآن.
ص: 421
ثم انتقل إلى الحديث عن الترجيع، و صفته، و علل دعوى أن النبي صلى اللّه عليه و سلم رجّع في قراءته، بأنه محمول على إشباع المد في موضعه، أو أنه حكاية عن صوته عند هزّ الراحلة. و صرح أثناء حديثه بأن المبالغة في الترجيع و الترديد حرام لكون من يفعل ذلك إنما يقصد به الزجر و الجوائز، كالذي يقرأ أمام الملوك و الجنائز، فضلّل سعيهم، و خيب عملهم، و أنكر عليهم بشدة استحلالهم تغيير كتاب اللّه، و الاجتراء عليه سبحانه لأجل غرض زائل من الدنيا، يزينه الشيطان لهم، و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، و هم في غيّهم يترددون، و بكتاب اللّه يتلاعبون، و صدق الصادق المصدوق، بأن ذلك سيكون: «اقرءوا القرآن بلحون العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل الفسق و لحون أهل الكتابين، و سيجي ء قوم يرجّعون بالقرآن ترجيع الغناء و النوح، لا يجاوز حناجرهم، مفتونة قلوبهم و قلوب الذين يعجبهم شأنهم». (1)
و أنهى القرطبي الباب بتعريف اللحن و الترجيع و الترتيل ليختمه بالأثر الوارد في نعت قراءته صلّى اللّه عليه و سلم بأنها كانت مفسرة حرفا حرفا. و لأن حفظ كتاب اللّه، و حسن الصوت قد يلقي في النفس البشرية شيئا من الإعجاب، و حظوظ النفس، و خشية أن ينقلب ذلك إلى الرياء و العياذ باللّه فيضيعم.
ص: 422
الأجر، خصص يرحمه اللّه الباب الثاني للتحذير من ذلك و غيره.
روي عن رجل من أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: «لا تخادع اللّه، فإنه من يخادع اللّه يخدعه اللّه، و نفسه يخدع لو يشعر». قالوا: يا رسول اللّه، و كيف يخادع اللّه؟ قال: «تعمل بما أمرك اللّه به، و تطلب به غيره، و اتقوا الرياء فإنه الشرك، و إن المرائي يدعى يوم القيامة على رءوس الأشهاد بأربعة أسماء ينسب إليها: يا كافر، يا خاسر، يا غادر، يا فاجر، ضلّ عملك، و بطل أجرك، فلا خلاق لك اليوم، فالتمس أجرك ممن كنت تعمل له يا مخادع».
هذا باب عظيم، و خطره جسيم، و قد أحسن القرطبي رحمه اللّه عملا حين أفرده بباب مستقل، و لم يكتف بما يمكن التحدث به من أمر التحذير من الرياء في صلب التفسير، كما أشار إلى ذلك.
استهل القرطبي رحمه اللّه هذا الباب الذي جاء في ثلاث صفحات، لتقرير ما ضمنه بقوله تعالى وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء: 36]، و قوله فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: 110] ليشير بذلك إلى أن من تعلم العلم و علّمه، و قرأ القرآن و أقرأه، ليقال عالم و قارئ للقرآن قد ارتكب إثما عظيما، و لهذا استحق مرتكبه أن يسحب في النار على وجهه حتى يلقى في
ص: 423
النار.
و أورد- رحمه اللّه- من الأحاديث و الآثار ما يؤكد هذا المعنى، و يحذر القراء من الغرور و الرياء الذي قد ينفد إلى النفس فيعرّض صاحبه للخطر، و يحرمه من عرف الجنة، و يدخله جب الحزن يوم القيامة.
و انتقل بعد هذا ليقدم العلاج الذي يقي القارئ من الوقوع في المهالك، فيذكره أولا و آخرا بتقوى اللّه بأن يتقي اللّه في نفسه، و يخلص العمل للّه، و يوجه من أصابه شي ء مما يكره إلى الإسراع في التوبة و الإنابة إلى اللّه، و أن يبدأ بالإخلاص في الطلب و العمل. و ليؤكد أن هذا الأمر خير له، أورد من الأثر ما يؤكد أن على قارئ القرآن و حامله أن يتحفظ أكثر من غيره لأن له من الأجر أكثر من غيره.
و ختم بوعد للقارئ بمزيد بيان مما يتعلق بالموضوع في صلب التفسير.
أكد القرطبي في هذا الباب أن أهم ما ينبغي لصاحب القرآن الأخذ به، و عدم الإغفال عنه هو الإخلاص للّه.
بدأ الباب بالتنبيه إلى ذلك، و ختمه بالتأكيد على إخلاص النية للّه أولا و آخرا، و بين البداية و الختام ذكر جملة من الصفات التي يجب على حامل القرآن أن يتحلى بها، كالقراءة في الليل و النهار، في الصلاة و خارجها، و كالشكر للّه، و الخوف من ذنوب النفس، و الرجاء في عفو اللّه
ص: 424
و مراقبته جلت قدرته في أوامره و مناهيه، و الاتصاف بالحلم و الأناة و الوقار ... و غير ذلك من صفات الكمال.
ثم شرع المصنف في ذكر المسائل العلمية التي ينبغي لقارئ القرآن معرفتها كالمكي و المدني، و الإعراب، و اللغة، و غير ذلك من العلوم المطلوبة.
يريد بذلك التأكيد على أن العلم لا ينتفع به إن لم يصحبه خلق و أدب و إخلاص للنية، كما أن تلك النعوت الحميدة لا تنفع صاحبها إذا كان مجردا عن العلم خاويا. فما أقبح لحامل القرآن الذي يتلو فرائضه و حدوده و أحكامه و هو لا يفهم معنى ما يتلوه، إذ كيف يعمل بما لا يفهم معناه!!
بعدها ختم المصنف هذا المبحث حيث أرشد طالب العلم الذي يريد بعلمه المباهاة و الشرف في الدنيا إلى تغيير النية لينتفع بما تعلم، (كنا نطلب العلم للدنيا، فجرّنا إلى الآخرة).
عشرون أثرا عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و صحابته و التابعين أوردها القرطبي في هذا الباب، الذي جاء في ثلاث صفحات، حثت كلها على تعلم الإعراب و العربية، و دلت بمجموعها على ذم اللحن و كراهيته، مما يوجب على قراء كتاب اللّه و حفظته أن يأخذوا أنفسهم بالاجتهاد في تعلمه.
و قد دعّم القرطبي ما ذكره قبل أن يختم هذا المبحث بالأمثلة التي تؤكد
ص: 425
المعنى المراد، و كيف أن اللحن يغير المقصود، و بين كيف أن الصحابة فهموا مراد اللّه بما أوتوا من العلم بالعربية و بأشعارها، و أن الشعر ديوان العرب لا ينبغي إغفاله.
علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- و هو من هو في علوّ منزلته، و عظيم قدره، يذكر عنده جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- فيصفه بالعلم مثنيا عليه، فيقوم رجل مستغربا يقول: جعلت فداءك، تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟! فيقول كرم اللّه وجهه معللا: إنه كان يعلم تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: 85].
استدل القرطبي بهذا الأثر و سبعة آثار أخرى عن الصحابة و التابعين و هي مجموع ما أورده في هذا الباب على فضل التفسير، و مكانة المفسر، و علو منزلته و قدره.
و قد جاء هذا الباب موجزا بخلاف المباحث السابقة، حيث اقتصر المصنف على ما لم يذكره سابقا.
سبق أن حذر المصنف قارئ القرآن من الرياء و الغرور في باب خاص، و عاد ليثبت في هذا الباب أن من امتثل ذلك من القراء، و ابتعد عن
ص: 426
الرياء حقا استحق الفوز في الدنيا بإكرام الناس له، و الخوف و الخشية من معاداته، و في الآخرة بالنعيم المقيم، و قد جاء هذا الباب في أقل من نصف صفحة.
كان عمدة القرطبي في هذا الباب هو الحكيم الترمذي، فقد نقل عنه ما أورده في نوادره من آداب التلاوة، و قد استغرق هذا النقل أربع صفحات احتوى على أكثر من أربعين أدبا من آداب التلاوة، و ما يلزم حامل القرآن من تعظيمه و حرمته، و بعد أن أنهى نقل ما ذكره صاحب نوادر الأصول أتبع ذلك باستدراك ما قد فاته من تلك الآداب كاستحباب جمع الأهل عند ختم القرآن، و كراهية اتخاذ التعاويذ و غير ذلك.
و لم يكن القرطبي رحمه اللّه مجرد ناقل في ذكره لتلك الآداب، بل تجده يتدخل في المنقول بالتعقيب حينا و بالمناقشة حينا آخر، فيخالف الحكيم الرأي مدللا على ما ذهب إليه بما ثبت، و هو مسلك حسن يذكر للمصنف فيشكر.
كاستحباب الاستياك قبل البدء، و اتخاذ الزينة، و استقبال القبلة و غير ذلك.
ص: 427
فذكر للأول القراءة المرتلة و استعمال الذهن و غير ذلك، و ذكر للثانية كراهية قطع القراءة بكلام الآدميين و غير ذلك.
كتحريم توسّد المصحف، و تحريم كتابته
على الأرض و غير ذلك.
القارئ لهذا الباب يلاحظ للوهلة الأولى أن المصنف اتكأ على ابن عطية رحمه اللّه فيما أورده في مقدمة تفسيره حول هذا الموضوع، و كأن لسان حاله يقول: لم يترك هذا المفسر شيئا أريد ذكره إلا سبقني إليه، و لا شك أن نقل القرطبي عن ابن عطية على هذا النحو، و اعتماد كثير من آرائه يعد بحق شهادة للأول برسوخ القدم و علو الكعب في تلك العلوم.
جاء هذا الباب في أكثر من خمس صفحات، أشار المصنف في بدايته إلى أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر من القرآن إلا آي بعدد، علمه إياهن جبريل، و وقف بذلك مع جمع غفير من المفسرين الذين رأوا أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم بين ما احتاج إليه الصحابة من المعاني، و ما استشكل عليهم من الألفاظ و تعذر فهمها، و أن ما سوى ذلك تركه لاجتهادهم و لغتهم و فهمهم.
و ما ذهب إليه المصنف فيه إشارة و إيحاء إلى جواز التفسير بالرأي، و هو
ص: 428
أمر يعارض ظاهر جملة من النصوص الواردة في التحذير من القول في القرآن بمجرد الرأي، لذلك ذكر القرطبي جملة من تلك الآثار مع تأويلات ثلة من العلماء من الصحابة و غيرهم لها، و انتهى إلى أن الراجح هو أن التحذير وارد بحق من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره، أو قال قولا يوافق فيه هواه.
بعد هذا ذكر رحمه اللّه شيئا من شروط التفسير بالرأي، كأن يملك الأدوات اللازمة للتفسير، و أن يكون تفسيره عن علم و نظر فيما قاله العلماء، و اقتضته قوانين العربية، لا أن يتسور على كتاب اللّه برأيه بغير بصيرة و لا تدبر، فيضل بنفسه و يضل غيره.
و لأنه قد يفهم بعضهم أن التفسير كله موقوف على السماع فهما منهم لقوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ [النساء: 59] لذلك ردّ المصنف على هذا الفهم و بين وجه الحق و عاد ليؤكد من جديد أن النهي في التفسير بالرأي محمول على وجهين:
1) أن يكون له في الشي ء رأي، و إليه ميل في طبعه و هواه، فيتأول القرآن على وفق رأيه و هواه، ليحتج على تصحيح غرضه.
و فصّل القول في هذه المسألة تفصيلا بين فيه جميع احتمالات الرأي و الميل إليه. و حذر من هذا الأمر، كما أكد على أن ذلك من دأب الباطنية لتغرير الناس و دعوتهم إلى مذاهبهم الباطلة، فينزلون القرآن على وفق رأيهم و مذهبهم، و هم يعلمون أنها غير مرادة.
ص: 429
2) أن يفسّر كتاب اللّه بظاهر العربية من غير استظهار بالسماع و النقل فيما يتعلق بغرائب القرآن.
و صرح بأن سوى هذين الوجهين لا يتطرق النهي إليه، غير أنه يبقى مسألة في غاية الأهمية و هي:
ذكر المصنف تحرج بعض السلف من ذلك، و أنهم كانوا يحجمون عن القول في كتاب اللّه، و يتوقفون تعظيما للقرآن، و احتياطا لأنفسهم، مع أنهم كانوا يملكون أدوات القول بالرأي. و ذكر لهذا مقولة أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه المشهورة: أي سماء تظلني، و أي أرض تقلني، و أين أذهب، و كيف أصنع، إذا قلت في حرف من كتاب اللّه بغير ما أراد اللّه تبارك و تعالى.
و أنهى المصنف الباب بالحديث عن التفسير و المفسرين، فذكر من المفسرين في الصدر الأول ثلة، و جماعة من المشهورين من بعدهم الذين تتلمذوا على أيديهم، و من جاء بعدهم، إلى أن ذكر من ألف في التفسير كتبا مستقلة ممن ذكرهم ابن عطية في تفسيره من المجتهدين.
لما بين المصنف في الباب السابق أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر من القرآن إلا آي بعدد، و أجاز لذلك التفسير بالرأي المبني على العلم، خشي أن يعدل
ص: 430
البعض عن بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيفسر القرآن برأيه، لذا خصص هذا الباب للحديث عن وجوب طاعة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و اتباعه فيما أمر و بيّن، و من ذلك ما ورد عنه صلى اللّه عليه و سلم من تفسير لبعض الكلمات و الآيات القرآنية، فإن الأخذ به و اعتماده واجب، كما أن العدول عنه عدول عن اتباع الحق الذي لا مراء فيه.
و قد جاء هذا الباب في أكثر من صفحتين، سرد المصنف في أوله جملة من الآيات الدالة على لزوم اتباعه صلى اللّه عليه و سلم، و التحذير من مخالفته، ثم ذكر شيئا من الآثار الواردة عن صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بينت التزامهم بما ورد عنه صلى اللّه عليه و سلم في بيان الآيات الكريمات.
بعد هذا بين أهمية اتباع السنة، و أن مخالفتها تؤدي إلى الضلال، كما حدث للخوارج و الروافض الذين تعلقوا بظاهر القرآن و تركوا السنن.
1) بيان لمجمل ما في الكتاب، كبيان الصلوات الخمس و أوقاتها ... إلخ.
2) بيان زاد به على حكم الكتاب، كتحريم نكاح المرأة على عمتها و خالتها ..
ثم تحدث عن مسألة احتياج القرآن إلى السنة، أو السنة إلى القرآن، و أيهما القاضية.
ص: 431
أشار المصنف في هذا الباب إلى مسألتين:
الأولى: أن الصحابة رضي اللّه عنهم تعلموا العلم و العمل معا، فلم يكونوا ليتجاوزوا القدر الذي يحفظونه حتى يعملوا به، و جاء هذا القدر في قول بعضهم عشر آيات، و أورد من أقوال الصحابة ما يؤكد هذا المعنى.
الثانية: أن من فضل اللّه على الصحابة رضوان اللّه عليهم أن يسر لهم العمل بما في كتاب اللّه، و إن وجد بعضهم صعوبة في حفظ بعض ألفاظه.
و لهذا الأمر حث القرطبي في نهاية هذا الباب على ضرورة اتباع الإرشادات السليمة التي تجعل الإنسان يعمل بما في الكتاب ليتعلم العلم و العمل معا، و جاء ختام هذا الباب بنظم رائق ورد في بيان أجلّ العلوم و أنفعها.
نزول القرآن على سبعة أحرف مبحث عظيم، كثر في بيان مفهومه التأويلات، و اشتد الخلاف حتى أفرده بعضهم بتآليف مستقلة، بل إن ابن حبان البستي ذكر في بيان معناه خمسة و ثلاثين قولا.
ص: 432
و قد شغل هذا المبحث عند القرطبي ثمان صفحات من مقدمته، ذكر فيها الخلاف حول معنى الأحرف السبعة، مقتصرا على إيراد خمسة من تلك الأقوال التي ذكرها البستي، موردا دليل كل قول، ذاكرا من قال به من العلماء، و من تبناه، ثم الرد عليهم.
و لأن كثيرا من العامة، بل حتى بعض طلبة العلم يستشكل عندهم الأمر عند ذكر المسألة، فينصرف ذهنهم إلى القراءات السبع، و لا يفرقون بينها و بين تلك القراءات المنسوبة لأئمة القراءات، لذلك أفرد المصنف فصلا خاصا مستقلا لدفع هذا الإشكال، و بيان أن القراءات السبع راجع إلى حرف واحد من الأحرف السبعة، و هو الذي جمع عليه عثمان رضي اللّه عنه المصحف.
كما أكد في ثنايا حديثه عدم قرآنية القراءات الشاذة، و أنها في أحسن محاملها تأويل لمن ينسب إليه القراءة.
و أفرد المصنف فصلا مستقلا للحديث عن الاختلاف في قراءة بعض الصحابة، و إقرار النبي صلى اللّه عليه و سلم لكل واحد بأنها نزلت وفق قراءته، كالمشهور المروي عن عمر و هشام رضي اللّه عنهما أراد بذلك التأكيد على معنى هام هو ما أشار إليه ابن عطية رحمه اللّه حيث نبه إلى أن اللّه سبحانه أباح لنبيه صلى اللّه عليه و سلم هذه الحروف السبعة، و عارضه بها جبريل عليه السلام على الوجه الذي فيه الإعجاز، و لم تقع الإباحة في قوله: «فاقرءوا ما تيسر منه». بأن يكون كل واحد من الصحابة إذا أراد أن يبدل اللفظة من بعض هذه
ص: 433
اللغات جعلها من تلقاء نفسه، إذ لو كان هذا لذهب إعجاز القرآن، و لكان فيه ما نزل من عند غير اللّه، و إنما الإباحة وقعت في الحروف السبعة ليوسع بها على أمته، فأقرأ مرة لأبيّ بما عارضه جبريل، و مرة لابن مسعود بما عارضه جبريل أيضا، و هكذا، و لو كان التبديل لكل أحد لبطل معنى قوله تعالى إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].
و قد أنهى الباب بما يزيل الريب و الشك الذي قد يحصل في بعض النفوس بسبب هذا الاختلاف، حيث أورد ما روي أن بعض الصحابة رضي اللّه عنهم سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأنهم يجدون في أنفسهم ما يتعاظم أحدهم أن يتكلم به. فقال صلى اللّه عليه و سلم: «و قد وجدتموه؟» قالوا: نعم. قال «ذلك صريح الإيمان». يريد بذلك أن ما اعتراهم من الحيرة و الدهشة أن منشأها نزعة من الشيطان.
ديدن أعداء الإسلام البحث عن منفذ ينفذون منه للطعن في دين اللّه، و لأنه كثر الحديث حول جمع عثمان للمصاحف، و إحراقه ما سواها، و وجود بعض الأدعية، و ما ليس بقرآن في مصاحف بعضهم، فقد حسب أعداء الإسلام من الفرق الضالة، و النحل الهدامة، أن في هذا الأمر منفذا للطعن في صحة نقل القرآن، و هي مسألة تصدى لها أعلام علماء،
ص: 434
قبل القرطبي و بعده، و قد نال قصب السبق و الريادة في هذه المسألة الباقلاني- رحمه اللّه- و أدلى القرطبي بدلوه فيها على عجالة بقدر ما يسمح به في مثل هذه المقدمة، بيانا لأهمية الأمر، و عظيم خطورته، فذكر الأدلة المؤكدة لمذهب أهل السنة و الجماعة، و سلامة كتاب اللّه من الزيادة و النقصان إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9].
و قد استهل المؤلف هذا الباب بذكر الداعي إلى جمع القرآن و كتابته زمن الصديق أبي بكر رضي اللّه عنه لما استحرّ القتل بالقراء، و كيف تم تكليف زيد بن ثابت بالجمع، و ما أحيط بالتكليف من إشكالات و ملابسات، ثم ذكر الجمع الآخر الذي جاء على يد عثمان بن عفان رضي اللّه عنه بإشارة من حذيفة بن اليمان رضي اللّه عنه خوف الاختلاف و التنازع.
و لأنه استشكل على بعضهم تكليف زيد بالجمع و ابن مسعود سابق عليه، تطرق القرطبي لهذا الإشكال، و أورد من الجمع ما يفيد أن الاختيار كان موفقا، و أن تكليف زيد لا يعني البتة الحط من قيمة ابن مسعود، الذي شهد له الجميع بالأسبقية و الأفضلية، و إنما هو الحفظ، فبينما حفظ زيد القرآن كله زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، فإن ابن مسعود على الأرجح من الأقوال أنه لم يحفظه كاملا عن ظهر غيب إلا بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم.
بعد هذا تحدث المصنف عن عدد المصاحف التي أمر عثمان رضي اللّه عنه بنسخها و إرسالها إلى الأمصار، و الاختلاف الواقع في عدد تلك المصاحف، و في كتابتها، و مصير المصاحف السابقة، و لكون عثمان رضي اللّه عنه قد أمر أن تحرق
ص: 435
بقية المصاحف، وجد القرطبي مجالا للحديث عن مسألة حرق المصحف، و ما فيه لفظ الجلالة، أو آيات من القرآن الكريم، و خشية من أن يقع في النفس شي ء من حرق المصحف، أورد المصنف من أقوال السلف ما ينفي أية تهمة عن عثمان رضي اللّه عنه الذي أمر بالحرق.
و قد تصدى القرطبي في هذا الباب للفرق الهدامة، كالحشوية و الحلولية، القائلين بقدم الحروف و الأصوات، و أن القراءة و التلاوة قديمة، حيث جعل من فعل عثمان رضي اللّه عنه و إجماع الصحابة على سلامة عمله، ما يفند به مزاعم الطائفة الضالة، و يدحض حججهم، و يردهم بالدليل على أعقابهم خاسرين.
كما تصدى للرافضة، الذين رأوا أن في قول زيد بن ثابت عند ما كلف بجمع المصحف: حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم أجدهما مع غيره. ما يفيد بأن خبر الواحد يكفي في نقل الآية و الحرف، فردّ عليهم، و أورد الإجماع في ذلك، ليبطل مقصدهم في تأييد انحرافات مذهبهم في هذا الباب.
و ختم الباب بذكر أسماء من جمعوا القرآن، و حفظوه على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
ص: 436
قسم القرطبي هذا الباب إلى عدة فصول، خص كل موضوع بفصل مستقل، استهله بالحديث عن ترتيب السور و الآيات ليقرر بعد أن أورد الأدلة توقيف ذلك الترتيب على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
ثم ذكر مصاحف الصحابة و اختلاف تلك المصاحف في الترتيب، و أورد من أقوال الأئمة ما يجب معها اتباع ترتيب المصحف الذي جاء هكذا من رب العزة، و أكد أنه لا التفات إلى تاريخ النزول ما دام أن اللّه سبحانه قد ارتضى لكتابة هذا الترتيب.
و تطرق إلى مسألة قراءة القرآن منكوسا، و هو مبحث كان موضعه آداب التلاوة لو لا أن الاختلاف في ترتيب السور جعل القرطبي يذكره هنا أيضا، كما بين أن كون ترتيبه توقيفيا لا يعني أن القراءة و الحفظ على الترتيب نفسه، إذ حكم التلاوة و الحفظ مختلف عن حكم الترتيب.
بعدها تطرق المصنف للمكي و المدني من السور، فعرف بهما، و ذكر السور المدنية بأسمائها المشهورة، ثم أعلن أن ما عداها مكي بالطبع.
و في الفصل الثاني خص الحديث عن شكل المصحف و نقطه، و ذكر أول من أمر بذلك، و الخلاف فيه.
ص: 437
كما خص التعشير و التحزيب بحديث مستقل، ذاكرا أول من عشّر القرآن و حزّبه، و من أمر بذلك، و من كرهه من الصحابة، و من أجازه.
ثم انتقل للحديث عن حروف المصحف و أجزائه و أشار إلى أن في مصنف أبي عمرو الداني المسمى (البيان) تفصيل ما أجمله هنا.
و كان الفصل الأخير لكلمات القرآن و عدد آياته و حروفه، ذكر فيه العدد المدني الأول و الأخير، و عد المكيين و الكوفيين، معرفا بهم، و عد البصريين و الشاميين، و أنهى الباب بذكر الخلاف في عدد الكلمات و الحروف.
جاء هذا الباب في ثلاث صفحات، خصها جميعها لبيان معاني مدلول الكلمات الأربع: السورة، الآية، الكلمة، الحرف. فعرف بها لغة ثم اصطلاحا، و ذكر ما يتعلق بها من اختلاف بين النحويين، و في بيان معنى الكلمة ذكر أطول كلمة في كتاب اللّه، و أقصر كلمة، و إمكانية أن تكون الكلمة الواحدة آية مستقلة، و أنهى الباب بالحرف، و العلاقة بين الحرف و الكلمة، و ما يواكب هذه العلاقة من إشكالات.
أثبت المصنف رحمه اللّه أن الأئمة متفقون على أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العربية، و أنهم متفقون على أن في القرآن
ص: 438
أسماء أعلام لمن لسانه غير لسان العرب.
ثم تعرض بعد هذا إلى ما يمكن أن يكون موضوع الخلاف، و هو هل وقع في القرآن الكريم ألفاظ من غير كلام العرب- غير الأعلام- فذكر أن الخلاف أنشأ فريقين:
الأول و فيهم القاضي أبو بكر الباقلاني، و الإمام ابن جرير الطبري، قالوا: إن القرآن عربي صريح، ليس فيه ما هو غير عربي، و ما وجد من ألفاظ يشبه أنها غير عربية فإنما هي مما تواردت عليه اللغات.
و الفريق الثاني رأوا في القرآن ألفاظ غير عربية، و هي قليلة بحيث لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، و تعليل وجودها مخالطة العرب لغيرهم من الأقوام، حتى أصبحت تلك الألفاظ عربية بالاستعمال، و ذكر المصنف شيئا من تلك الألفاظ مع أدلة القائلين به، وردهم على المانعين.
إعجاز القرآن موضوع في غاية من الأهمية، و هو من الأدلة على صدق ما دعى إليه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لهذا حين وقف عليه العقلاء من القوم الذين أرسل فيهم النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يجدوا بدا من الإيمان به، و دخلوا في دين اللّه أفواجا.
و قد خص القرطبي هذا الموضوع بحديث مستقل، فذكر المعجزة،
ص: 439
و عرفها، و بين شروطها التي إذا اختل واحدة منها لم تكن معجزة، كما بين أهمية هذه الشروط، ضاربا لذلك الأمثلة، من المعقول، و الأدلة من المنقول.
و لكون خوارق العادات تشترك و المعجزة في بعض الوجوه، و لأنها ستظهر على يد المسيح الدجال، و هو أمر ثابت جاء في المروي عن الصادق المصدوق، لذا نبه المصنف إلى ذلك، و أزال ما قد يلتبس على البعض من أمر هذا المسيح الذي يدعي الربوبية، في حين أن أصحاب المعجزات، و هم الأنبياء عليهم السلام يدّعون الرسالة و النبوة، و هو فرق لا يغفل عنه عاقل.
بعد هذا بيّن المصنف أنواع المعجزات، و صنفها ضربين، ما اشتهر نقله و انقرض عصره بموت النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ما تواترت الأخبار بصحته و حصوله، و تناقله جمع عن جمع يستحيل في العادة تواطؤهم على الكذب، و هي المعجزة الباقية إلى قيام الساعة لنبينا صلى اللّه عليه و سلم، في الوقت الذي انقرضت معجزة كل نبي بانقراضه، و أدخلها التبديل و التغيير، كالتوراة و الإنجيل.
و ذكر المصنف أن العلماء قد ذكروا وجوها لإعجاز القرآن وقع بها التحدي للمشركين، فكان إفحاما لهم، عجزوا، و هم أرباب الفصاحة و البلاغة، أن يأتوا بشي ء من مثله.
و قد اختار المصنف عشرة من وجوه الإعجاز، مما استحسنها العلماء، فكان ناقلا أمينا لها، و أضاف إليها ما جادت به قريحته مما فتح اللّه به عليه، ثم تصدى لما قالته بعض الفرق الضالة، و نطقت به الألسن المضللة، في إعجاز القرآن، ففند بحمد اللّه آراءهم بالدليل و الحجة، ورد على النظّام
ص: 440
الذي تولى كبر القول بالصرفة، و على أتباعه من القدرية، و أثناء الرد ذكر المصنف نتفا من فصاحة القرآن، و بلاغته الذي به كان معجزا.
و أنهى الباب بعد أن أثبت أن بلاغة الكتاب في أعلى طبقات الإحسان، و أرفع درجات الإيجاز و البيان، بل إنه متجاوز للإحسان و الإجادة إلى حيز الإرباء و الزيادة. و معجزة كل رسول هي من جنس أبرع ما اشتهر به عصره، و كان العرب أصحاب فصاحة و بيان، فكان الإعجاز في البلاغة و البيان.
حذر رسول اللّه عليه أفضل الصلاة و السلام، من الكذب عليه فقال:
«اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار»؛ الحديث، و لذا بين القرطبي أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم كان يعلم أنه سيكذب عليه، لهذا خوف أمته و حذرهم من ذلك.
فأشار في هذا الباب إلى أن أغراض الواضعين على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متفاوتة، و أهدافهم متباينة، و هم أصناف أربعة:
صنف أراد بعمله إيقاع الريب في قلوب المؤمنين، و تشكيك الناس بأمر دينهم، و هؤلاء هم قوم فسدت قلوبهم، و هم الزنادقة و من شايعهم.
و صنف وضعوا ذلك لهوى يدعون الناس إليه، كما فعلت الخوارج.
ص: 441
و صنف ثالث حسنت نواياهم و ساء فعلهم حسبوا أنهم يحسنون صنعا، كذبوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حسبة و تقربا إلى اللّه بزعمهم، كما فعل أبي عصمة و غيره، حين وضعوا لكل سورة فضيلة.
و صنف رابع أرادوا أن يسترزقوا، فوضعوا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أحاديث اختلقوا ألفاظها، و وضعوا لها أسانيد صحيحة حفظوها، يقفون في الأسواق و المساجد يتقوّلون على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و قد ذكر المصنف لكل نوع أمثلة، و أنهى الباب بالتنبيه إلى الاعتصام بالسنة و بما ثبت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ففيه الغنية عن غيره.
أجمع أهل السنة و الجماعة على أن من ادعى أن في القرآن زيادة أو نقصان كان كافرا رادا لكتاب اللّه و لما جاء به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و لأهمية هذا الباب وقف المصنف في وجه الزائغين عن الملة، الممهدين الطريق لأهل الكفر و الإلحاد، ليدخلوا في القرآن ما يحلون به عرا الإسلام، و لهذا الأمر جاء هذا الباب و هو الأخير في الترتيب مستفيضا يزيد من همة القارئ لدراسة التفسير، و يجدد نشاطه بعد تلك الجولة في فنون علوم القرآن التي زينت بها المقدمة و هو مطمئن مسلح بكل ما يرد كيد الكائدين، من الأدلة و الحجج و البراهين.
ص: 442
و كل ما أراد المصنف إيراده هنا جاء في ست صفحات، وقف فيها بقوة و صلابة في وجه العصبة الهالكة، القائلة بوقوع الزيادة و النقصان في كتاب اللّه، تريد به إبطال الشريعة. نقل في هذه الصفحات إجماع الأمة، من أهل السنة و الجماعة على كفر من ادعى الزيادة و النقصان في كتاب اللّه، فمدعي ذلك مبطل لما أجمعت عليه الأمة من أن كتاب اللّه محفوظ في الصدور، مقروء بالألسنة، مكتوب في المصاحف، معلومة على الاضطرار سوره و آياته، مبرأة من الزيادة و النقصان حروفه و كلماته.
و مدعي ذلك مبطل لآية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فالمقدور عليه ليس بآية.
و مدعي ذلك راد لقوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]
و المصنف يشير بما ذكره، و بما نقله عن ابن الأنباري، إلى طائفة الرافضة من الشيعة و ممن شايعهم من الطاعنين في كتاب اللّه.
غير أن اللّه جلّت قدرته، قد قيّض لكتابه جماعة من أهل الفضل و العقل في كل زمان و مكان، ينفون عن كتابه قول المبطلين و تحريف الزائغين، حارسين الشريعة من مكايد أهل العداوة و الكفر.
كما تعرض المصنف لما ادعاه الزائغون من وجود سقط في بعض المواضع من مصحف عثمان، و زيادة في مواضع أخرى وضعت على علم
ص: 443
من عثمان و الصحابة، و ليست من القرآن، و أن المصحف الذي بين أيدينا مشتمل على حروف مفسدة مغيرة نتيجة التصحيف، و ادعى الأفاكون أن عثمان رضي اللّه عنه قد أخطأ حين أسند أمر الجمع إلى زيد بن ثابت، و على ذلك أباحوا لأنفسهم مخالفة مصحف عثمان.
كل هذه المزاعم أورد المصنف لها أمثلة، و أحال القارئ إلى مواطن الرد التي فند فيها مثل هذه المزاعم، توخيا للاختصار، و منعا للتكرار، غير أنه سرد ردود أبي بكر الأنباري و هو فارس في هذا الميدان على هذه المزاعم، و إبطاله لها بالحجة و الدليل.
بقي ما يرد على لسان ثلة من السلف رضي اللّه عنهم مما يشبه الزيادة، فذكرها المصنف أجزل اللّه له المثوبة و بين أنه لم ينقل عن أحد من أهل العلم أن الصلاة بها جائزة، و لا أن جاحدها يكون كافرا، بخلاف مصحف عثمان، فإن منكر بعضه مرتد يستتاب، و إلا ضربت عنقه.
يريد المصنف بهذا أن يقول إن ما ورد على لسان السلف مما كان من هذا القبيل هو تفسير و بيان، و هو ما يسمى عند أهل العلم بالقراءة التفسيرية، أو أنه مما نسخ لفظه و حكمه، أو لفظه دون حكمه.
و ختم الباب بالتنبيه إلى أن اللّه تعالى قد تكفل بحفظ كتابه إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] و في هذا الحفظ دليل على كفر مدعي النقص أو الزيادة، كما أورد في النهاية جملة من الآيات القرآنية التي زاد فيها الأفاكون، و تقوّلوا فيها على اللّه عز و جل و جل، فرد زعمهم،
ص: 444
و فند ادعاءهم، و حكم بكفرهم.
قبل أن يستعرض لنا القرطبي العلوم التي رأى أنه يحسن لطالب العلم الإحاطة بها، قدم توطئة بين فيها ما يريد التنبيه إليه كعادة المفسرين، و كان مما بينه في هذه التوطئة شرطه في الكتاب و لكون مقدمته جزءا من كتابه فإن ما ذكره ينطبق عليها و إن كانت بصلب الكتاب ألصق.
فمن شرطه إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث إلى مصنفيها، و هو منهج التزمه المصنف في أغلب مقدمته، و جاء هذا الالتزام مطردا إلا ما ندر، فالمصنف يرى أن من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله.
الأولى: التصريح باسم القائل، مع المصدر الذي استقى منه المعلومة، و هو كثير، و من أمثلة ذلك: في باب ما يلزم قارئ القرآن و حامله من تعظيم القرآن و حرمته، قال: قال الحكيم الترمذي أبو عبد اللّه في نوادر الأصول:
فمن حرمة القرآن ألا يمسه إلا طاهر ...... الخ (1) و نقل عنه ما يربو على ثلاث صفحات.
و مثال ذلك أيضا: ما نقله عن أبي بكر الأنباري في ثنايا حديثه عن
ص: 445
جمع المصحف، قال: و قد ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب الرد .. (1)، يريد بذلك كتاب الرد على من خالف مصحف عثمان.
الثانية: أن يشير إلى القائل، و يصرح باسمه أو كنيته أو لقبه، دون أن يذكر المصدر، و غالبا ما يسلك هذا النهج مع أصحاب المصنفات المشهورين بمصنفاتهم كالبخاري و ابن عطية و غيرهما، إذ المتبادر عند ذكر البخاري هو صحيحه، و عند ذكر ابن عطية هو تفسيره. و من أمثلة ذلك ما نقله في باب:
ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي: قال: قال ابن عطية: و معنى الحديث في مغيبات القرآن و تفسير مجمله، و نحو هذا مما لا سبيل إليه إلا بتوفيق من اللّه تعالى .... (2)
و المصنف يريد بعمله هذا أن يضع بين يدي القارئ مصدر المعلومة لمن أراد التوسع أو التأكد، كما أنه يرفع بذلك من القيمة العلمية للمعلومة، لكون مصادره في مجملها من أمهات الكتب المعتمدة.
و نادرا ما يعدل المصنف عن هذا النهج، فلا يصرح باسم القائل
ص: 446
مكتفيا بقوله: قال علماؤنا، أو: قال بعض العلماء. (1)
و كما أضاف الأقوال إلى قائليها، عزا الأحاديث و الآثار إلى مخرجيها و مصنفاتها، و يستطيع المرء أن يلخص منهج القرطبي في الاستشهاد بالأحاديث و الآثار في النقاط التالية:
1) أن غالب ما أورده، و استشهد به عزاه لمن خرجه أو ذكره، و ما تركه دون عز و قليل نادر. (2)
2) قد يستقصي من خرج الرواية، و يورد السند. (3)
3) ينقل حكم الأئمة على الروايات في أحايين كثيرة، و ما كان منها في الصحيحين اكتفى بالعز و دليلا على صحتها. (4)
4) إذا ورد في سند إحدى الروايات من هو محل نظر، بين القول فيه مع ذكر أقوال الأئمة لبيان حاله. (5)
5) إذا ورد في الروايات لفظة غامضة، بينها، و وضح معناها، و المراد
ص: 447
منها. (1)
6) الروايات التي قد يختلف في توجيه المراد منها يوجهها، أو ينقل توجيه العلماء لها. (2)
هذا و قد يكتفي المصنف في العز و بالبناء للمجهول، فيورد الأثر بلفظ: روي. و مثل هذا قليل نادر (3).
و بين المصنف سبب تبنيه لمنهجه في العز و فيقول: كثيرا ما يجي ء الحديث في كتب الفقه و التفسير مبهما لا يعرف من أخرجه إلا من اطّلع على كتب الحديث، فيبقى من لا خبرة له بذلك حائرا، لا يعرف الصحيح من السقيم، و معرفة ذلك علم جسيم، فلا يقبل من الاحتجاج به، و لا الاستدلال حتى يضيفه إلى من خرجه من الأئمة الأعلام، و الثقات المشاهير من علماء الإسلام. (4) فكأن الإمام القرطبي رحمه اللّه أراد بمنهجه هذا تكملة النقص في بعض المؤلفات التي تهمل عز و الأحاديث، و إعانة للقارئ مقدرا حاجته إلى معرفة صحة الأثر من ضعفه.
ص: 448
و المصنف رحمه اللّه لا يقتصر في الاستشهاد على ما يورده أو يتبناه من الآراء على الأحاديث و الآثار، بل يذكر من أقوال العلماء المعتبرين في الفنون التي يتعرض لها ما يؤيد به الرأي الذي ارتضاه، أو عرضه، و يضرب لذلك من الأمثلة ما يوضح به المقال، كما أنه لا يغفل عن الاحتكام إلى اللغة و الاستشهاد بالشعر، إذا دعى الأمر لذلك. (1)
و لكون كثير مما تعرض له المصنف في مقدمته مسائل خلافية تباينت آراء العلماء فيها فقد اتخذ منهجا واضحا في مناقشة مثل هذه المسائل، يتمثل في الآتي:
1) ذكر المسألة المختلف فيها.
2) تعيين أصحاب الخلاف في الغالب، و بيان وجهة كل فريق مع إيراد أدلتهم و مناقشاتهم.
3) الترجيح بين الأقوال، و الرد على المخالفين، و ذكر الأدلة المرجحة.
و أشير هنا إلى أن القرطبي غالبا ما يكون موفقا في اختياراته. (2)
هذا و إذا رأى المصنف أن في الذي رجحه و تبناه من الرأي، إشكالا
ص: 449
قد يفسد على القارئ مسوغات الترجيح، أسرع بذكر الإشكال و بالتالي رده و تفنيده (1).
و من المحمود في منهج القرطبي رحمه اللّه إحالة القارئ إلى مزيد بيان، و مزيد من الأدلة في ثنايا التفسير، و ذلك خشية الإطالة، خاصة إذا كانت المسألة التي تطرق لها متشعبة تحتاج إلى أكثر من وقفة، و قد تكون الإحالة إلى غير التفسير مما هو من مظان المسألة (2).
و من منهج المصنف أيضا أنه إذا استدل بنص من أقوال أحد العلماء، و رأى أنه لم يذكر من الأدلة ما يطمئن به القارئ، أو أنه لم يجمع أطراف المسألة، فترك ما يراه المصنف أن من الأهمية ذكره، تولى هو ذلك، فذكر من الأدلة المزيد، و من الرأي و القول ما يجمع به أطراف المسألة. (3)
و أخيرا .. فإن القرطبي لا يترك المسائل التي يتطرق لها حتى يشبعها درسا و تمحيصا و تحليلا على ما يناسب المقدمة.
ص: 450
في التقديم الذي قدمه القرطبي بين يدي تفسيره اشترط لكتابه عدة أمور:
فاشترط أولا أن يضمّن كتابه نكتا من التفسير و النكات و الإعراب و القراءات، و أن يرد في مواطن الرد على أهل الزيغ و الضلالات، و أن يذكر الأحاديث و الآثار الشاهدة على اختياراته في الأحكام و نزول الآيات، موضحا ما أشكل منها بأقاويل السلف و اختيارات الخلف.
و هي شروط التزمها المصنف بحق، فالقارئ في التفسير يقف على شواهد عديدة لكل جزئية من الجزئيات السابقة، فهو يذكر الإعراب و القراءات (1)، و يرد على الزيغ و الضلالات كما أسماهم (2)، و يذكر الأحاديث و الآثار و يستشهد بها على المسائل (3)، كما يذكر الأحكام المستنبطة من الآية أو الآيات، و يورد أقوال الأئمة في ذلك مبينا رأيه في أحايين كثيرة. (4)
و من شرطه إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث إلى مصنفيها، و هو
ص: 451
شرط التزمه المصنف إلى حد كبير في تفسيره. (1)
كما تعهد المصنف بأن يضرب عن كثير من قصص المفسرين، و أخبار المؤرخين، و يقصد به القصص الإسرائيلي، إلا ما لا بد منه، و لا غنى عنه، و هو شرط التزمه المصنف، فإذا ذكر القصة تعقبها و وقف من بعضها موقف الناقد يبيّن ما عليها (2)، و قد يذكرها دون الوقوف عليها، بل يمررها كما جاءت، و غالب ما هو من هذا الباب إنما هي تلك التي لا دليل على ردها و لا على قبولها (3)، و قد يفوته فيذكر بعض القصص التي بطلانها ظاهر دون أن يرد عليها، و ما هو من هذا القبيل قليل، و اللّه أعلم (4).
تعد المصادر التي يعتمدها المصنف في التأليف من الدلائل الهامة على مكانة ما صنفه، قبولا وردا، ضعفا و قوة، فالذي يعتمد في التصنيف على أمهات الكتب، لمن عرف بعلوّ القدر و سموّ المكانة بين أهل العلم، يكون تصنيفه في الغالب مفيدا، خاصة إذا كان المصنف من أهل العلم.
و القارئ في مقدمة القرطبي يلاحظ بوضوح كثرة دوران أسماء
ص: 452
الأعلام من العلماء، و المشهور من المصنفات، يورد المصنف أقوالهم، و يستشهد بأدلتهم، و يستأنس بآرائهم، و يعتمد الكثير منها.
و قد كثرت مصادر المقدمة حتى جاوزت الخمسين مصدرا، في فنون العلم و المعرفة، من التفاسير و المؤلفات في علوم القرآن، و مصنفات الحديث، و كتب اللغة و غيرها.
فمن كتب التفسير و علوم القرآن التي أكثر النقل عنها:
1) المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز، لأبي محمد عبد الحق بن عطية الأندلسي (1).
2) جامع البيان عن تأويل القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (2).
3) الرد على من خالف مصحف عثمان، لأبي بكر بن الأنباري (3).
كما نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني (4)، و أبي عبيد القاسم بن سلام (5)، و أبي عمرو الداني. (6)
ص: 453
و من مصادره التي اعتمدها في الحديث و الآثار و شروحها:
الكتب الستة، صحيح الإمام البخاري (1) و صحيح الإمام مسلم (2)، سنن الإمام الترمذي (3)، و سنن الإمام النسائي (4)، و سنن الإمام ابن ماجة (5)، و سنن الإمام أبي داود (6).
و من المسانيد: مسند الدارمي (7)، و مسند أبي داود الطيالسي (8).
ص: 454
و قد كان جلّ اعتماده في الشروح على التمهيد لابن عبد البر (1).
و في اللغة معجم الصحاح للجوهري (2).
و من مصادره أيضا نوادر الأصول للحكيم الترمذي (3)، و المصاحف لابن أبي داود (4)، و الجامع لابن وهبة (5). و غير ذلك.
و من مصادر المصنف التي لم يصرح فيها باسم المصدر، مكتفيا باسم المصنف: أبو الحسن البطال (6)، و ابن حبان البستي (7)،
ص: 455
و الخطابي (1)، و أبو بكر الخطيب البغدادي (2) و الأوزاعي (3)، و سعيد بن منصور (4)، و عبد الرزاق صاحب التفسير (5) و ابن الصلاح (6) و غيرهم.
1- إضافة الأقوال إلى قائليها، و الأحاديث و الآثار إلى مصنفاتها.
ص: 456
2- الاستقصاء و الشمولية عند بحث المسائل.
3- سلامة المنهج، مع حسن عرض الموضوعات.
4- عرض الآراء بعبارة سهلة، و التعقيب عليها و مناقشتها.
5- تنوع المصادر مع أهميتها.
6- محاولة المصنف ربط بعض مسائل علوم القرآن بالواقع.
1- إغفال بعض الموضوعات كقواعد الترجيح.
2- ذكر بعض المسائل دون أدلتها.
3- تعرضه لمسائل فرعية ليست ذات أهمية كبرى بحيث تذكر في المقدمة مثل الفصل الذي خصه في الرد على الحلولية و الحشوية.
4- التوسع في ذكر بعض الموضوعات، مثل الأبواب التي خصها لفضائل القرآن.
هذا ما عرفته عن مقدمة القرطبي، و أستغفر اللّه من الخطأ و الزلل في القول.
ص: 457
مؤلف هذا التفسير هو محمد بن أحمد بن عبد اللّه بن يحيى بن عبد الرحمن بن يوسف بن جزي الكلبي، المكنى بأبي القاسم، و المشتهر بابن جزي بالتصغير.
ولد المصنف يوم الخميس تاسع ربيع الثاني عام ثلاثة و تسعين و ستمائة للهجرة المباركة (693 ه)، في غرناطة مأوى العلماء و ملاذهم بعد سقوط قرطبة و غيرها من عواصم العلم في الأندلس (1).
و ينحدر المصنف من أسرة عربية أصيلة، فهو من قبيلة كلب اليمانية (2)، و ينتمي لأسرة علم كابرا عن كابر، و بيته من البيوتات المشهورة بالمغرب و الأندلس، المعروفة بالعلم و النباهة و الأصالة (3)، تربى في حجر والده العالم، الذي كان محمودا من أهل العلم، و تلقى عنه أبجديات العلوم حتى قوي عوده، فقرأ على بعض مشايخ غرناطة، كابن الزبير و ابن الكماد
ص: 458
و غيرهما ممن عرفوا بالنباهة و الصبر على التدريس و الملازمة، و انتقل من شيخ إلى شيخ، حتى حاز قصب السبق في فنون عديدة، و تصدر لمهمات كثيرة.
ظهر نبوغ ابن جزي منذ اليفاعة، حين تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده و هو في حداثة سنه، و تدرج منذ ذلك الحين مرقاة أهل العلم، و اشتهر كواحد من أفاضل العلماء المعدودين، و لهذا حين ذكره الداودي قال عنه: كان يرحمه اللّه على طريقة مثلى، من العكوف على العلم و الاشتغال بالنظر و التقييد و التدوين، فقيها حافظا قائما على التدريس، مشاركا في فنون، من عربية، و أصول، و قراءات، و حديث، و أدب، حفظة للتفسير، مستوعبا للأقوال، جمّاعة للكتب، ملوكي الخزانة، حسن المجلس، ممتع المحاضرة، صحيح الباطن، تقدم خطيبا بالمسجد الأعظم من بلده على حداثة سنه، فاتفق على فضله، و جرى على سنن أصله. (1)
و لمكانته أسند إليه يرحمه اللّه أمور و مهمات عديدة فاشتغل بالتدريس ردحا من الزمن و تخرج به أناس كثيرون، يقول في مقدمته: و إن اللّه أنعم عليّ بأن شغلني بخدمة القرآن و تعلمه و تعليمه، و شغفني بتفهم معانيه،
ص: 459
و تحصيل علومه .. (1)
كما أسند إليه مهمة الخطابة و الإمامة منذ وقت مبكر، و كان من أهل الفتيا بغرناطة (2)، هذا فضلا عن اهتمامه البالغ بالتصنيف و التأليف.
و الناظر في المصادر التي درست الأندلس و تعرضت للفترة التي عاشها ابن جزي يجد الاهتمام البالغ بشخصية ابن جزي حيث أظهرته تلك المصادر في غاية التقدير عالما مربيا يعتز به، و مجاهدا باسلا يعتمد عليه.
تهيأ لابن جزي أمران جعلا منه طالب علم جادّ، يكثر التلقي و يتابع الشيوخ:
أما الأول فلكون أبيه من أهل العلم، فهو إذا يعرف قدر العلماء و مكانتهم.
و أما الثاني: فلكونه كان يملك أرضا زراعية تدرّ عليه غلة وافرة، تكفيه مؤنة العيش، و تعينه على التفرغ التام لطلب العلم حتى سن متقدمة.
هذا إضافة إلى نباهته، و ما أودعه اللّه في نفسه من الشغوف بالعلم و التحصيل.
ص: 460
و قد كثر شيوخ ابن جزي حتى صنّف فهرسا بأسمائهم، و أذكر منهم:
أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الغرناطي (1).
و أبو عبد اللّه محمد بن أحمد بن الكماد. (2) و غيرهم كثير.
و الملاحظ في شيوخ ابن جزي أنهم كانوا من ذوي الهمم العالية، و من المؤثرين في الحياة العامة، و ظهر تأثر ابن جزي بهم واضحا من خلال مشاركاته العديدة في الجهاد و الانخراط في صفوف المقاتلين.
أما تلامذة ابن جزي فقد تخرج به أناس علماء، و خلق كثير، منهم:
محمد بن عبد اللّه السلماني المعروف بابن الخطيب (3).
ص: 461
و أبو الحسن علي بن عبد اللّه الجذامي الشهير بالنباهي (1) و غيرهم.
دوّن ابن جزيّ الكثير و صنّف، و فرط المسامع و شنّف، كما يقول لسان الدين الخطيب: و لم يزل يسلك طريق المجتهدين، فدون في الفقه دواوين، و سفر في علم اللسان عن وجه الإحسان، و رحل في علم التفسير إلى كل طية، و أركض في أغراضه كل مطية، حتى أنشأ الزمخشري و ابن عطية، و له من الأدب حفظ وافر، و مذهب عن الحسن سافر (2).
كما كان له- رحمه اللّه- اهتمام و إلمام جيدين بالشعر، تمثل ذلك في الرقاق و المدائح النبوية، و قد احتفظ لسان الدين الخطيب بجملة طيبة منها (3).
ص: 462
و مع ما أسداه العلماء من الثناء على المصنف إلا أن مصنفاته لم تنل الشهرة المطلوبة، و لا وجدت من طلبة العلم الإقبال المرتقب، عدا تفسيره الذي كان له في المغرب شأوا خاصا ثم حين طبع و تيسر أمره اقتناه المشارقة و اعتمد أهل العلم آراءه.
1) التسهيل لعلوم التنزيل، و هو تفسيره المطبوع و هو موضوع البحث.
2) المختصر البارع في قراءة نافع.
3) أصول القراءة الستة غير نافع.
4) وسيلة المسلم في تهذيب صحيح مسلم.
5) الدعوات و الأذكار المخرجة من صحيح الأخبار.
6) القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية.
7) فهرس ابن جزي.
8) الأنوار السّنية في الكلمات السّنية.
9) التنبيه على مذهب الشافعية و الحنفية.
ص: 463
10) تقريب الوصول إلى علم الأصول (1).
طالما تمنى ابن جزي الشهادة في سبيل اللّه و الموت في ساحات الوغى، يقول الفقيه المحدث ابن الوزير أبو بكر بن ذي الوزارتين ابن الحكيم:
أنشدني- ابن جزي- يوم الوقيعة من آخر شعره قوله:
قصدي المؤمّل في جهري و إسراري و مطلبي من إلهي الواحد الباري
شهادة في سبيل اللّه خالصةتمحو ذنوبي و تنجيني من النار
إن المعاصي رجس لا يطهرهاإلا الصوارم في أيمان كفار ثم قال: في هذا اليوم أرجو أن يعطيني اللّه ما سألته في هذه الأبيات.
و أعطاه اللّه مسألته و استجاب دعوته كذا أمر اللّه مع الصادقين، و استشهد يرحمه اللّه ضحوة يوم الاثنين السابع من جمادى الأولى عام واحد و أربعين و سبعمائة (741 ه) في ساحة الجهاد، و هو يشحذ الهمم، و يحرض المجاهدين، و يثبت بصائرهم (2).
ص: 464
احتل تفسير ابن جزي (التسهيل لعلوم التنزيل) مكانة مرموقة لدى أهل المغرب العربي عامة، و اشتهر أيما شهرة. لعظيم ما ضمنه المصنف من المعاني، و لما فتح اللّه به عليه من البيان، غير أنه بقي مغمورا لدى المشارقة، فلم يكتب له الشهرة و الانتشار التي تخرجه من ذاك الحصار الذي ضرب عليه في المغرب نتيجة الظروف التي تعرضت لها الأندلس، إضافة إلى ظهور تفاسير لأناس احتلوا مكانة علمية مرموقة في المشرق في عصره أمثال أبي حيان و ابن كثير و غيرهما.
و يعد تفسير ابن جزي هذا آخر التفاسير الأندلسية التي تناولت القرآن جميعه، و هو آخر تفسير يصل إلينا من تلك الديار، و قد استطاع المصنف أن يقدمه في صورة رائعة، بعبارة قوية، و جمل رصينة، و أسلوب جمع فيه بين الإيجاز و حسن العرض دون أن يخل بالمعاني المراد بيانها، يورد الجزء أو
ص: 465
الجملة من الآية و يفسرها مستقلة. و لهذا وصفه بعضهم بأنه تفسير جملي- إن صح التعبير-.
حاول المصنف إيراد أقوال المفسرين في بيان الآية بعبارة مختصرة، مسخرا ما أوتي من العلوم و المعارف لخدمة التفسير، فجمع بين التفسير بالمأثور و التفسير بالاجتهاد المبني على القواعد و أدوات التفسير، و إن كان الغالب جانب الرواية.
و قد أولى المصنف الجانب اللغوي اهتماما خاصا و قدرا كبيرا من العناية، حتى أنه خصص مقدمة لبيان معاني الكلمات و المفردات التي يكثر دورانها في القرآن الكريم، و بذلك يعد ابن جزي رائد هذا النهج و المبتدع فيه- و إن لم يحذو حذوه أحد من العلماء فيما أعلم- لقد استغنى بعمله هذا عن تكرار القول في بيان تلك المعاني اللغوية التي تضخم من حجم الكتاب.
و التفسير ملي ء بالنكات البلاغية و التوجيهات النحوية، فالمصنف صاحب قدم راسخة في هذا الباب، كما أنه لا يتوانى عن اللجوء إلى الشعر باعتباره ديوان العرب لبيان الألفاظ الغربية.
هذا و اهتم المصنف بأسباب النزول، غير أنه اختصر القول التزاما بالمنهج الذي رسمه، و هو الاختصار و الإيجاز، و له وقفات محمودة حيال القصص و الإسرائيليات، فقد ألزم نفسه بأن لا يذكر من القصص إلا ما ورد في الحديث الصحيح، و لهذا انتقد المصنف بشدة أولئك الذين أكثروا
ص: 466
من ذكر الإسرائيليات، و حشدوا القصص في تفاسيرهم، و نبه إلى أنهم قد ذكروا ما لا يجوز ذكره.
و ذكر المصنف الهدف من عمله. و الغاية التي توخاها من تأليفه، و هي أمور أربعة: جمع كثير من العلم في كتاب صغير، مع إضافة ما جادت به القريحة من النكات و الفوائد، و إيضاح المشكل من المعاني، و التحقيق في أقوال المفسرين لتمييز الصحيح من السقيم.
و للحق فإن شهرة تفسير ابن جزي لا توازي إجادته، و لا تعدل إبداعه.
و قد قدم ابن جزي لتصنيفه (التسهيل لعلوم التنزيل) خطبة و مقدمتان، أما المقدمتان فإحداهما في أبواب نافعة، و قواعد كلية جامعة، و أما الأخرى ففي بيان المعاني التي كثر دورانها في كتاب اللّه، و أما خطبة الكتاب فلبيان المنهج و الغرض من التأليف.
ثم ضمّن المقدمة الأولى اثنا عشر بابا، منها أبواب لم يسبق إليها المصنف مثل هذا الموضع، كالذي جعل عنوانه: المعاني و العلوم التي تضمنها القرآن، و كالباب الذي خصه للحديث عن الوقف. كما أنه انفرد بين المفسرين- في حدود علمي- بمقدمته الثانية في تفسير معاني اللغات، و التي استهدف منها أمورا ثلاثة كما ذكر: تيسير تلك الكلمات و المعاني للحفظ، جعلها كالأصول الجامعة لمعاني التفسير، و أخيرا الاختصار بحيث يستغنى عن ذكرها في صلب التفسير.
ص: 467
و هذا العمل من المصنف اجتهاد منه، غير أنني أرى أن إيراد المعاني في سياق الآية لها مدلولها الخاص، و فصل المصنف للكلمة من موقعها، و إلزامه القارئ بالعودة إلى مقدمته لمعرفة المراد من مفردة ما، فيه تشتيت للذهن و بتر للمعاني. فكان الأولى أن لا يستغني عن البيان في موضعه من الآية، و يبقى ما في المقدمة لمن أراد التوسع في معنى المفردة.
و قد نافت المقدمتان مع خطبة الكتاب على خمسين صفحة من القطع المتوسط، استطاع المصنف أن يضيف شيئا جديدا إلى هذا الفن، و أن يعالج المسائل المطروقة برؤية جادة، و نظرة فاحصة، فالمصنف لم يكن تبعا في الذي أورده، بل تجده معتدا بنفسه، يقدم رأيه بوضوح و ثبات.
و مع ما جاء فيها من الآراء و المناقشات فإن تأثيرها لم يظهر في المتأخرين، حتى أولئك الجماعين في علوم القرآن، فأصحاب المصنفات لم يعتمدوه مرجعا لهم، و لا تطرقوا لآراء المصنف، و لعل ذلك يعود إلى عدم شهرة الكتاب، فإن السيوطي فارس هذا الشأن لم يذكر ابن جزي في إتقانه، و لا ذكره في كتابه الذي خصه لذكر المفسرين (طبقات المفسرين)، و لهذا استدركه تلميذه الداودي، فأورد له ترجمة مختصرة في طبقاته.
و حين طبع الكتاب، و انتشر في العهد الأخير، و تناقله طلبة العلم، وجدنا اسم ابن جزي يتردد على صفحات المؤلفات المختصة في الدراسات القرآنية، كما وجدنا لآرائه صدا طيبا، سواء في علوم القرآن خاصة أو في التفسير عامة، حتى خصّ بدراسة مستفيضة أظهرت كثيرا من الجوانب
ص: 468
الشخصية و العلمية المتفوقة في حياة ابن جزي.
و قد طبعت المقدمة مع الأصل عدة طبعات نذكر منها:
1) دار الكتب الحديثة- مصر 1973 م، بتحقيق الأساتذين: محمد عبد المنعم اليونسي، و إبراهيم عطوة عوض- و هي الطبعة التي اعتمدتها في هذه الدراسة. و هي في أربعة مجلدات.
2) المكتبة التجارية الكبرى، مصر 1355 ه الطبعة الأولى، و كانت هي المرة الأولى التي يطبع فيها التفسير، أربعة أجزاء في مجلد واحد.
3) دار الكتاب العربي، لبنان 1393 ه و هي مصورة عن سابقتها.
4) دار الكتاب العربي، لبنان 1403 ه، أربعة أجزاء في مجلد واحد.
أثنى المصنف على اللّه منزل الكتاب الحاوي للعلوم النافعة، و البراهين القاطعة على كونه المعجزة الباقية، و شكره تعالى على ما خصه به من الخصائص العلية، و ثنى الشكر له سبحانه بإرساله خير رسول بلّغ ما أنزل إليه من ربه، حتى أقام الحجة، و أظهر الحق و فصّل الخطاب، ثم تحدث عن شرف علم القرآن، تعلّمه و تعليمه، و شكر المسدي على ما وجهه إليه من الشغل بخدمة كتابه، حتى عرف المصنفات في بيان معانيه، و اختلاف المصنفين في النهج الذي ساروا عليه، و المنحى الذي سلكوه، و المذهب الذي ارتضوه، و كلّا وعد اللّه الحسنى، و بين أنه رغب في سلوك طريقهم،
ص: 469
و الانخراط في مساق فريقهم، ليظهر ما يريد بيانه مما حواه صدره، و استقر عليه رأيه، فشرع في هذا التفسير الذي قصد منه جمع كثير من العلم في كتاب صغير تسهيلا و تقريبا، بعبارة مختصرة، بعد التمحيص و التدقيق، و حذف فضول القول و التطويل، و إضافة ما جادت به القريحة من الفوائد و النكت مما هو من بنات الصدر و ينابيع الذكر، ثم عدم الإغفال عن إيضاح المشكلات و حلّ المقفلات و رفع الاحتمالات، و أخيرا التحقيق في الأقوال بطرح السقيم و تمييز الراجح القويم.
عقب ذلك شرع المصنف في بيان المنهج الذي سلكه في تصنيفه، و بين أنه قدم بين يدي تفسيره مقدمتين نافعتين، ليطلب من اللّه جعل عمله هذا خالصا مبرورا، و ليبدأ بأولى المقدمات التي جعلها في اثني عشر بابا.
هذا في الجملة و إلا فقد تعرض فيها لأكثر من عشرين موضوعا، و أثبت ما يراه من القول دون أن يوغل في مناقشة الآراء أو يكثر من الأدلة.
و قد سودت المقدمة بأبوابها أكثر من عشرين صفحة، و كانت أولى الموضوعات المطروحة هو نزول القرآن.
تحت هذه التسمية تعرض المصنف لأكثر من موضوع، فذكر أولا مدة نزول الوحي على الرسول صلى اللّه عليه و سلم في كلّ من مكة و المدينة، و سنّه صلى اللّه عليه و سلم وقتئذ،
ص: 470
كما ذكر الاختلاف في أول القرآن و آخره نزولا، فذكر الأقوال المروية في ذلك، و رجح كون صدر سورة العلق هو أول ما نزل، و سورة النصر آخر القرآن نزولا، و تعرض لجمع القرآن فذكر قصة الجمع بعد وفات الرسول صلى اللّه عليه و سلم، إلى جمع عثمان- رضي اللّه عنه- للمصاحف، و مصير المصاحف السابقة بعد هذا الجمع، و أكد أن ترتيب السور في المصحف العثماني إنما هو من فعل عثمان و زيد بن ثابت و الذين كتبوا المصاحف، و استبعد كونها توقيفية مكتفيا بقوله: و ذلك- أي القول بتوقيفيتها- تردّه الآثار الواردة في ذلك.
ثم ذكر نقط المصحف و شكله و وضع الأعشار، و أول من فعله، و الأقوال في ذلك. كما تعرض لأسماء القرآن و حصرها في أربعة أسماء جاعلا البقية صفات، و ذكر أصول تلك الأسماء و اشتقاقاتها، كما وضح معنى السورة و الآية.
ضمّن المصنف هذا الباب خلاصة القول، و ما يتعلق بالمكي و المدني، فعرّف المكي ثم المدني، و المراد من هذا الاصطلاح، ثم ذكر أنّ السور بهذا الاعتبار تنقسم أقساما ثلاثة، مدنية، باتفاق، و هي اثنتان و عشرون سورة، و مختلف في مكيتها و مدنيتها، و هي ثلاث عشرة سورة و سماها، و البقية مكية باتفاق.
و أومأ إلى وقوع آيات مكية في سورة مدنية و كذا العكس، و هي قليلة مختلف فيها.
ص: 471
كما تعرض لذكر بعض خصائص و ضوابط السور المكية و المدنية.
هذا الباب خير شاهد على ما امتاز به المصنف من حسن العرض و التقسيم المقربان للفكرة، فلكي يبين العلوم التي تضمنها القرآن، أوضح أولا أن المقصود الأعظم بالقرآن هو دعوة الخلق إلى عبادة اللّه، و ذلك من خلال أمرين:
أولاهما: بيان العبادة التي هي العقائد و الأحكام.
و ثانيهما: البواعث الموصلة للعبادة. و هي الترغيب و الترهيب.
هذا في الجملة، أما العلوم المتضمنة على التفصيل فهي على ما بينه المصنف سبعة علوم، علم الربوبية المثبت لوجود الباري و الاستدلال عليه بمخلوقاته، و التعريف بصفاته و التنزيه عما لا يليق به.
علم النبوة، المثبت لنبوة الأنبياء- عليهم السلام- و كتبهم و لزوم الإيمان بهم.
علم المعاد، بإقامة البراهين على إثبات الحشر و الدار الآخرة و الحساب و نحو ذلك.
علم الأحكام بأنواعها، من واجب و مندوب و حرام و مكروه و مباح، و متعلقاتها كالتي تتعلق بالأبدان أو الأقوال أو غير ذلك.
ص: 472
علم الوعد و الوعيد المذكورين مقرونين في القرآن ليتبين أحدهما بالآخر.
علم القصص، و هي ذكر الأخبار السابقة للعظة و العبرة، و غيرها من الفوائد، كما ذكر حكمة تكرار القصص في القرآن، و خاصة تلك التي جرت للأنبياء عليهم السلام.
و هي العلوم التي يحتاجها المفسر ليقدم على التكلم في تفسير كلام اللّه، و قد أوصلها بعضهم إلى خمسة عشر علما (1) اقتصر المصنف على اثني عشر علما.
و هي: التفسير، و هو العلم المقصود بذاته، و القراءات، و الأحكام، و النسخ، و الحديث، و القصص، و التصوف، و أصول الدين، و أصول الفقه، و اللغة، و النحو، و البيان، و هي أدوات تعين على التفسير أو تتعلق به أو تتفرع منه.
و أوجز القول في توضيح كل فن من تلك الفنون، و بين معنى التفسير و أنواعه و الفرق بينه و بين التأويل، و الخلاف في ذلك، و صوب كون التفسير
ص: 473
هو الشرح، و التأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك، و يخرّج على ظاهره.
انتقل عقب ذلك للعلم الثاني و هو القراءات، فبين منزلتها و أقسامها، و تعريف كل قسم، ثم ذكر أنه اعتمد في تفسيره على قراءة نافع لكونها القراءة المستعملة في الأندلس و المغرب، و لكونها قراءة أهل المدينة، و أنه يذكر من سائر القراءات ما فيه فائدة، من غير أن يلتزم هذا النهج دائما خشية الإطالة، و اكتفاء بالمصنفات المتخصصة.
و في علم الأحكام أشار إلى أن من العلماء من أوصل آيات الأحكام إلى خمسمائة آية، ثم ذكر بعض المصنفات في هذا الفن.
و في الفن الرابع و هو النسخ، بين أن النسخ يختص الأحكام دون الأخبار، و أن أناسا قد صنّفوا فيه، كما أشار إلى أنه خص النسخ بحديث مستقل في مقدمته تحدث فيها عن قواعد النسخ.
و الفن الخامس هو الحديث، ذكر ابن جزي أن المفسر يحتاج هذا الفن لأمرين و بينهما، ثم انتقل بعدها لذكر القصص، و أوضح أن الضروري منها ما يعتمد عليه التفسير، و ما عدا ذلك زائد مستغنى عنه، كما عاب على المفسرين الذين أكثروا من ذكر القصص حتى ذكروا قصصا لا يجوز ذكرها بأية حال.
أعقب ذلك الحديث عن فن التصوف، و مدى تعلقه بالقرآن، ثم بين أن من القوم من تكلم في التفسير فكان منهم المحسن المجيد الذي وصل بنور
ص: 474
البصيرة إلى دقائق المعاني، و المسي ء المتوغل في الباطنية الذي حمل القرآن على ما لا تقتضيه اللغة، و ذكر أن واحدا من القوم و هو السلمي قد جمع في تفسيره الغث و السمين من كلام القوم، فخلط بين الحق و الباطل، ثم ختم الحديث بذكر بعض ما أسماه مقامات التصوف كالشكر و التوبة و التقوى ... إلخ.
و ما ذكره المصنف من حاجة المفسر إلى هذا الفن بعيد متكلّف فيه، فقد أقحمه المصنف في هذا الموضع إقحاما، فكم من علم كان مرجعا في التفسير و هو أبعد الناس عن رموز الصوفية و تأويلاتهم و بدعهم، و كم من صوفي أبعد في القول و نأى بالتفسير عن أصله، و حمّل المعاني ما لا يطاق.
انتقل المصنف بعد هذا لأصول الدين فذكر أن تعلقه بالقرآن من طرفين، إثبات العقائد بإقامة البراهين، و الرد على أصناف الكفار، و الثاني تعلق الطوائف المختلفة من المسلمين بالقرآن، و الاحتجاج لمذاهبها.
ثم ذكر أصول الفقه فبين أنه من الأدوات التي تعين على فهم المعاني و ترجيح الأقوال، و هي فنون كثيرة كالظاهر و المجمل و المبين و العام و الخاص و غير ذلك.
و ختم بعلم اللغة و النحو و البيان، و هي علوم لا غنى لمفسر عنها، و لهذا خصها بمقدمات مستقلة.
ص: 475
ذكر من أسباب الخلاف اثني عشر سببا، عرضها إجمالا، و بين أن وجوه الترجيح مثل ذلك العدد، و سردها هي الأخرى إجمالا.
جعل المصنف بيان حال السلف في التفسير و التكلم في القرآن مدخلا لهذا الباب، فذكر أولا أن الأكثرين أجازوا تفسير القرآن، و أن ثلة توقفوا عن الكلام احتياطا، مستدلين بالآثار الواردة و التي ظاهرها النهي عن ذلك، و ذكر أثرين صح نقلهما، مع بيان تأويلهما عند المجيزين.
ثم انتقل للحديث عن طبقات المفسرين، من لدن الصحابة إلى عصره، و ذكر من الصحابة من اشتهر بالتفسير كابن عباس، و علي بن أبي طالب و ابن مسعود و غيرهم، و من طبقة التابعين عددا من الأعلام كالحسن البصري و سعيد بن جبير و مجاهد و علقمة و غيرهم.
ثم بين أن عدولا حملوا التفسير من بعدهم، و أن أناسا انكبّوا على التأليف في هذا الفن كعبد الرزاق و البخاري و ابن جرير الذي جمع أقوال المفسرين، و تبعهم غيرهم من المشرق و من المغرب، و ذكر عددا من التفاسير المتأخرة و ما امتاز به كل تفسير منها.
ص: 476
عرّف ابن جزي النسخ في اللغة و في اصطلاح الشرع، و بيّن أوجه النسخ التي وقع في القرآن، فذكر نسخ اللفظ و المعنى، و اللفظ دون المعنى، و المعنى دون اللفظ، و بين أن الأخير هو الكثير، و استشهد لكل وجه بمثال، كما بين أن العلماء أدخلوا في النسخ ما ليس بنسخ كالتخصيص و التقييد و الاستثناء و غيرها من الذي بينها و بين النسخ فروق ظاهرة.
و أرجأ الحديث على مثل هذه المواضع إلى حينه، و ضرب مثلا واحدا و هو نسخ مسالمة الكفار، و العفو عنهم، و الصبر على آذاهم، بالأمر بقتالهم.
ذكر المصنف في هذا الباب أنواع القراءة المشهورة منها و الشاذة، و شروط القراءة الصحيحة، ثم بين أن اختلاف القراء هو على نوعين، أصول و فرش، و تحدث عن كل نوع، و ختم الباب ببيان القواعد التي يرجع إليها عند الاختلاف في الأصول.
و هو الباب الذي سبق أن أشرت إليه و قلت أن المصنف هو أول من خص الوقف بباب مستقل في المقدمة، ذكر المصنف في هذا الباب أنواع الوقف، التام و الحسن و الكاف و القبيح، و عرّف كل نوع، و ختم الباب بتنبيه
ص: 477
أشار فيه إلى أن الوقف بمراعاة الإعراب و المعنى جائز استقر عليه العمل، و أخذ به القراء، و أن الأوائل كانوا يراعون الوقوف على رءوس الآي لحديث أم سلمة و هي تنعت قراءة النبي صلى اللّه عليه و سلم للفاتحة آية آية، يقطع قراءته يقول: «الحمد للّه رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف» (1).
للفصاحة خمسة شروط، أوردها المصنف في هذا الباب بعبارة موجزة، أتبع ذلك تعريف البلاغة، ليختم الباب بتعريف البيان و أدواته، فذكر أنه وجد في القرآن اثنان و عشرون نوعا، ذكرها و بين معناها كالمجاز و الكناية و الالتفات و التجديد و غير ذلك.
قدم المصنف في هذا الباب عشرة أوجه تثبت إعجاز القرآن، و تقيم الدليل و البرهان على أنه من الباري جل جلاله.
ص: 478
اقتصر المصنف في هذا الباب على إيراد جملة من الأحاديث و الآثار الصحيحة التي تبين فضل قارئ القرآن، و ما أعده اللّه له من الأجر و الرضوان، و ما يلزم القارئ من الحرص على الاستذكار خشية التفصي و النسيان، كما أورد مختارات من الآثار التي تبين فضل بعض السور و الآيات. و كان هذا الباب هو خاتمة المقدمة الأولى.
افتتح المصنف هذه المقدمة بقوله (نذكر في هذه المقدمة الكلمات التي يكثر دورها في القرآن الكريم، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء و الأفعال و الحروف).
و ذكر أنه إنما شرع في هذا الصنيع لأمور ثلاثة:
1) أنها أيسر للحفظ.
2) ليكون الباب كالأصول الجامعة لمعاني التفسير.
3) الاقتصار، فيستغنى بذكرها هنا عن ذكرها في مواضعها.
و بين أنه رتّب الكلمات ترتيب المعجم معتمدا فاء الكلمة، دون اعتبار للحروف الزائدة، ابتدأ بالهمزة و بمفردة (آية) ف (أتى) ف (أبى) .. و هكذا، يذكر بعد كل مفردة المعاني التي وردت بها، دون أن يغفل عن ذكر
ص: 479
اشتقاقات الكلمة عند الحاجة لبيان ذلك.
و قد أخلّ المصنف بترتيب بعض الكلمات، كما فاته بعض المفردات (1).
و قد استغرقت المقدمة نحوا من خ
مس و عشرين صفحة.
السمة البارزة لمنهج ابن جزي هي الإيجاز و الاختصار، و التنقيح و حذف فضول القول، و هو ما صرح به في الخطبة التي قدمها بين يدي مقدماته حين قال: جعلته وجيزا جامعا. و حين قال: إني عزمت على إيجاز العبارة و إفراط الاختصار و ترك التطويل و التكرار (2).
فقد لخص المصنف الأقوال و نقّح الفصول، و حذف الحشو و الفضول، و ذكر اللبّ دون القشور، بعبارة موجزة من غير إفراط و لا تفريط. و هو نهج التزمه المصنف في مقدمته كلها، فهو يجمل الحديث في أية مسألة تطرق لها، و يورد الأقوال و الآراء بعبارة موجزة، و إن ذكر دليلا لرأي فهو يعرضه بإيجاز دون أن يعزوه لمصدر.
و من نهجه أيضا عدم نسبة الأقوال إلى قائليها إلا قليلا، و تعليل ذلك
ص: 480
عند المصنف أن درجة الإسناد لا تصح إلا قليلا، أو هو لاختلاف الناقلين في نسبتها إليهم، و هو الآخر نهج التزمه المصنف في مقدمته.
و ما ذكره من التعليل قاصر لا يرتقي لأن يكون حجة في ترك نسبة الأقوال لقائليها، و لا مبررا في عدم إسناد الفضل لأهله، فإن من المعروف أن من بركة العلم إضافة الأقوال إلى قائليها كما ذكر القرطبي المفسر (1)، و إن للتصريح باسم القائل فوائد لا تخفى على مثل المصنف، و هو القائل:
فإن صرحت باسم القائل فلأحد أمرين: إما للخروج عن عهدته، و إما لنصرته إن كان قائله ممن يقتدى بهم (2)، فكان ينبغي له- يرحمه اللّه- عدم إغفال هذا الجانب.
و السمة الثالثة لنهج ابن جزي هو أنه إن ذكر شيئا من الأقوال دون حكاية قوله عن أحد- و هو الغالب الكثير- فذاك إشارة إلى أنه يتقلده و يرتضيه، سواء من تلقاء نفسه، أو مما اختاره من كلام غيره (3).
و أخيرا فإن المصنف قد تعهد بعدم إيراد الأقوال الساقطة و الضعيفة تنزيها للكتاب عن مثلها، و التزاما بحذف الحشو و الفضول، فإن ذكر شيئا فهو للتحذير منه و الترغيب عنه.
ص: 481
تلك هي أبرز سمات منهج ابن جزي في تفسيره بصورة عامة، و في مقدمته بصورة خاصة.
و يحسن بي أن أشير هنا أن المصنف يجمل في عرض الموضوعات في أحايين كثيرة ثم يعقب ذلك بالبسط و التفصيل مع التزام الإيجاز و حذف الفضول، كما أنه يذكر الأقوال- في أحايين كثيرة أيضا- دون أدلتها، و إن ذكر الدليل اكتفى بذكر الصحابي دون من خرّجه من الأئمة، و دون عزوه لمصدر معين إلا نادرا، مكتفيا بما ألزم نفسه من الاقتصار على ذكر الصحيح دون السقيم، و هو يكتفي بسرد الأثر دون أن يعقب بشرح الغامض من المعنى أو الغريب من اللفظ (1).
و قد كان لابن جزي نهج خاص في مقدمته الثانية التي خصها في تفسير معاني اللغات، و يتلخص ذلك في الآتي:
1) الاقتصار على الكلمات التي يكثر دورها في القرآن، أو تقع في موضعين فأكثر من الأسماء و الأفعال و الحروف.
2) ترتيب الكلمات حسب حروف العجم باعتبار الكلمة دون الحرف الزائد.
فهو يذكر المفردة ثم يذكر معانيها، فيقول: لها معنيان. أو ثلاثة معان،
ص: 482
أو خمسة معان، و هكذا.
و إن كان في بيان اشتقاقات المفردة فائدة مرجوة بيّنها، و قد يبيّن ما يتعلق بالمفردة من النواحي الإعرابية (1). و الأمثلة كثيرة.
لم يترك ابن جزي للقارئ في تفسيره أن يحدد ملامح منهجه، فقد أفاض هو في توضيح ذلك و بينه غاية البيان، و قد سبق أن تحدثت عن منهجه في مقدمته، و هو قريب من منهجه في تفسيره، و لهذا سأكتفي هنا ببيان مدى التزام المصنف بأصول منهجه الذي وضعه لكتابه:
و أول هذه الأصول أنه جعل تفسيره و جيزا جامعا للأقوال، تاركا التطويل و التكرار، قصد منه جمع كثير من العلم في كتاب صغير. و قد التزم المصنف هذا الأصل عدا التطويل و الإطناب في بعض المواضع (2)، و إلا فقد حاول ابن جزي جمع الأقوال و إيرادها بعبارة مختصرة، تاركا التطويل الذي سلكه جماعة من المفسرين (3).
و ثاني هذه الأصول: أنه أضاف أمورا جديدة إلى التفسير من بنات
ص: 483
فكره و ينابيع ذكره، و مما أخذه من شيوخه أو التقطه من مستطرفات النوادر.
و هو أمر يجده القارئ في تفسيره، و إن كان المصنف لا يصرح بذلك أثناء التفسير، بل يجد القارئ أن التفسير قد حوى جملة من النكت و النوادر و الفوائد (1).
و ثالثها: إيضاح المشكلات من الألفاظ و المعاني بعبارة حسنة ترفع الاحتمالات. و هذا مما التزمه المصنف، و هو واضح جلي للقارئ (2).
أما الرابع من هذه الأصول فتحقيق أقوال المفسرين، السقيم منها و الصحيح، و تمييز الراجح من المرجوح، مع استبعاد الأقوال الساقطة إلا على سبيل التحذير منها. و هذا الأصل قد التزمه المصنف أيضا إلى درجة كبيرة، فالمصنف له شخصيته الواضحة حيال تلك الأقوال، و من ذلك أن له وقفات محمودة حيال القصص الإسرائيلي، فقد انتقد المصنف بشدة أولئك الذين أكثروا من ذكر الإسرائيليات، و حشدوا القصص في تفاسيرهم، و نبه إلى أنهم قد ذكروا ما يجوز ذكره (3).
لا يستطيع المرء أن يحدد مصدرا للمصنف طالما صرّح بأنه لن يذكر
ص: 484
المصدر الذي استقى منه المعلومة، كما أنه لن ينسب القول إلى قائله، و لهذا لم أقف في مقدمته على اسم علم نسب المصنف إليه قولا، أو عنوان كتاب صرّح بالعزو إليه، عدا الترمذي فقد عزا إليه حديثا واحدا في باب الوقف، ليؤكد أن السلف كانوا يقفون على رءوس الآي قال: و يؤكد ذلك ما أخرجه الترمذي عن أم سلمة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقطع قراءته يقول: «الحمد للّه رب العالمين ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم يقف» (1).
يعد الإيجاز و حذف فضول القول أظهر ميزة لمقدمة ابن جزي، فقد استطاع المصنف أن يقدم المعنى الكثير في عبارات قليلة، بأسلوب سهل ممتع، لا يمل القارئ من متابعته و لا يسأم من قراءته، كما امتازت هذه المقدمة بالآتي:
1) أن المصنف اختار موضوعاته التي قدمها بين يدي تفسيره من أهم الموضوعات التي لا يستغني عنها عالم أو متعلم، و استطاع أن يقدم من خلالها فوائد جليلة، دون أن يتيه القارئ فيجعله في خضم المناقشات.
2) حسن السبر و التقسيم، الذي أظهر إلمام المصنف بعلوم القرآن،
ص: 485
و قد ظهر ذلك جليا في طرحه لعدة موضوعات تشترك في الناحية الموضوعية تحت مسمّى واحد، فتحت مسمّى نزول القرآن تعرض المصنف لأكثر من ثمانية موضوعات، لها جميعها ارتباط واضح بموضوع الباب.
3) عدم الإطالة في ذكر الأقوال، و الحرص على ذكر الأقوال المفيدة و الوجيه، و اجتناب الإطالة في ذكر الخلافيات.
4) وضوح المنهج الذي سلكه المصنف و التزامه التام بما ألزم به نفسه في خطبة الكتاب، سواء في المنهج أو في ذكر المصادر و نسبة الأقوال.
5) ذكره للمقدمة الثانية، تلك التي خصها لتفسير معاني اللغات، و التي عرض فيها الكلمات التي كثر دورانها في القرآن، و وردت في أكثر من موضعين. و إن كنت أرى أن موضع بسط هذا الباب ليس هنا بين يدي المفسر، بل اللازم إفراده بتأليف مستقل، كما فعل غيره من الذين صنّفوا في الوجوه و الأشباه و النظائر.
6) قد جرت عادة المفسرين أن يذكروا في هذا الموضع- أقصد المقدمة- الفنون الهامة التي لها تعلق بالتفسير، أو تلك التي تخدم المفسر. و إن كان ما فعله المصنف قد جاء رائقا لبعضهم حتى اعتبروه ميزة انفرد بها ابن جزي.
1) عدم نسبة الأقوال إلى قائليها، و عدم عزو النصوص إلى مورديها،
ص: 486
و إغفال المصنف للمصادر التي استقى منها مادة مقدمته العلمية.
2) الاختصار الشديد في بعض المواضع، و عدم عرض الآراء المخالفة أحيانا، و عدم الردّ على بعض الآراء الوجيهة، و قد ظهر هذا جليا في موضوع جمع المصحف، و حكم ترتيب السور و الآيات، كما ظهر الاختصار في موضوع التفسير بالرأي.
3) إغفال المصنف لبعض الموضوعات الهامة كالأحرف السبعة، و كموضوع وجود ألفاظ غير عربية في القرآن. و غيرها، و هي موضوعات في غاية من الأهمية لطالب علم التفسير.
تلك هي أظهر المآخذ التي رأيتها على مقدمة ابن جزي، فجزى اللّه المصنف خير الجزاء و أجزل له الثواب، و تقبل عمله بقبول حسن.
ص: 487
مؤلف هذا التفسير هو علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر الشيحي (1) البغدادي الشافعي الملقب بالخازن (2) المولود سنة (678 ه) ببغداد.
نشأ في بغداد مسقط رأسه، و انكبّ على الدرس و المذاكرة على أيدي ثلة من أهل العلم هناك، فتلقى عنهم العلوم الأولية، ثم علوم الحديث على يد أبي عبد اللّه محمد بن عبد المحسن البغدادي المعروف بالدواليبي، ثم انشغل بعد ذلك في طلب الحديث و سماعه (3).
و تذكر الأخبار أن الخازن حين تضلع من ينابيع العلم في بغداد قصد
ص: 488
الشام موطن الأهل، فدخلها و تسلم خزانة كتب السميساطية، و جلس بين تلك المصنفات، فوضع بذلك يده على كنز من المعارف، فكانت لمهنته بعد ذلك أثر واضح على توجهه و إنتاجه، حيث جمع و حدّث و ألف، و تنوعت مصنفاته لتشمل علوما كثيرة و إن لم تنل تلك المؤلفات من الشهرة ما ناله تفسيره الذي أقبل عليه طلبة العلم إقبالا منقطع النظير حين انتشر في الآفاق.
و قد كان الخازن- رحمه اللّه- إلى جانب اهتمامه بالعلم صالحا فيه خير كثير، بشوش الوجه ذا تودد و سمت حسن (1).
تتلمذ الخازن في بداية حياته العلمية على يد واحد من علماء بغداد، المدينة التي نشأ فيها و ترعرع و هو: أبو عبد اللّه محمد بن عبد المحسن البغدادي المعروف بالدواليبي ت: (728 ه) (2) و لم تذكر الأخبار غيره من شيوخه في بغداد، و لما انتقل إلى دمشق تلقى العلم عن شيوخ السميساطية و منهم: أبو القاسم بن المظفر، كما أخذ عن الشيخة العابدة ست الوزراء
ص: 489
بنت عمر بن أسعد التنوخية ت: (716 ه) (1).
و قد ضنت المصنفات بذكر آخرين تلقى الخازن عنهم العلم. و لا شك أنهم كثر فمصنفات الخازن تدل على تنوع اهتماماته كما تدل على تعدد شيوخه (2).
أما تلامذة الخازن فلم نقف على ذكر لأحدهم في تلك المصنفات التي ترجمت للخازن، و هي ظاهرة تكررت لعدد من العلماء البارزين، و قد سبق ما ذكرناه عن القرطبي- رحمه اللّه- و غالب الظن أن حالة القرطبي مختلفة عن الخازن، فالأول ربما كان لمواقفه الشجاعة و تصديه للفرق الضالة، أما الخازن فإنني أرى أن مهنته ربما صرفت الناس عنه و صرفته عنهم، فالعاملون في المكتبات و بين الكتب يزداد نهمهم للعلم، و يتجدد باستمرار، و يجدون أنفسهم في شوق دائم للمزيد من المعلومات، كما يغلب على مؤلفاتهم طابع الجمع و الاختصار و الشرح، فلا يجدون الوقت الكافي للاختلاط بالناس و تقديم ما لديهم إذ يفضلون تقديم العلم مكتوبا، و هذا أمر ملاحظ حتى في عصرنا الحالي، هذا و إن كنا نظن أن عددا من الذين تتلمذوا في السميساطية فترة وجود الخازن لا بد أن يكونوا قد وردوا من
ص: 490
مورده، و تتلمذوا على يديه، على أقل تقدير أولئك الذين كانوا على اتصال مستمر بالخانقاه و خازنها، فلا بد و أنهم اكتشفوا أن الذي يتعاملون معه رجل من أهل العلم، و هو أيضا أمر مشاهد في عصرنا الحالي و إن كان على نطاق ضيق، و اللّه أعلم.
يسرت مهنة الخازن له الاطلاع على كثير من أمهات الكتب التي حوتها خزانة السميساطية- كما ذكرت قبل قليل- و لا غرو بعد هذا أن تتعدد اهتمامات الخازن العلمية و تتنوع تآليفه، و قبل ذكر مؤلفات الخازن أود الإشارة إلى أن طابع الجمع و النقل هي السمة البارزة لمؤلفات الخازن، فلم يصرف اهتمامه إلى تقديم موضوع جديد يؤسس بنيانه بنفسه، بل اعتمد على من سبقه، على أن المنصف لا يجرد الخازن من آراء جديدة أو مختارة على أضعف تقدير، يجدها بين ثنايا كتبه.
1) لباب التأويل في معاني التنزيل، و هو تفسيره الذي اشتهر باسم تفسير الخازن.
2) شرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني.
3) الروض و الحدائق في تهذيب سيرة خير الخلائق محمد المصطفى سيد أهل الصدق و الوفاء.
ص: 491
3) مقبول المنقول (1) في عشرة مجلدات، جمع فيه بين مسندي الشافعي و أحمد بن حنبل و الكتب الستة و الموطأ و سنن الدارمي، و قد رتبه على الأبواب.
أعظمها انتشارا بين طلبة العلوم الشرعية في كثير من ديار الإسلام، و هو تفسير أثري ثري بالعلوم، جليل القدر، رصين العبارة، رمي بنعوت أساءت إليه كثيرا حتى كادت تصد الناس عن الرجوع إليه فضلا عن التعويل عليه (1)، مما ألزمني الدقة في البحث فيه و التقصي عنه، لحاجة البحث إلى إصدار حكم سليم أولا، ثم لإشباع نهمي العلمي ثانيا، إذ كيف يتعرض تفسير مثل هذا التفسير لآراء على طرفي نقيض، فاستعنت باللّه في قراءة نماذج منه، بدأت بالمقدمة، و لم أكد أنتهي منها حتى اعترفت للرجل بكثير مما كنت أستبعده عنه، و أدركت أنني أمام رجل راسخ القدم في المنقول و المعقول، جيد الاطلاع و المعرفة، مكثر من الرواية تبعا لأصليه البغوي و الثعلبي، معنى بتقرير الأحكام و أدلتها، صاحب قلم سيّال و أسلوب بياني رائع، أضاف إلى البغوي عناصر جديدة من المعارف المتصلة بتوضيح البحث. و أدخل عنصر النقد، فنقد تلك الروايات التي أوردها البغوي في تفسيره و تركها دون أن يبين ما عليها، فكرّ الخازن على كثير منها و أسقطها بالحجة و الدليل، و هو أمر يردّ بعض ما رمي به الخازن- رحمه اللّه- من بعض المتأخرين حين و صفوه بأن (ما فيه من دخيل القول و الكذب على سول اللّه الكثير) (2).
و أن خير ما يقال فيه على زعم القيسي أنه مجموعة من الأكاذيب لو
ص: 493
جرد الإنسان ما فيه من الأكاذيب الموضوع على لسان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و الأقاصيص الكاذبة التى وضعها اليهود كقصة بابل و الغرانيق و إرم ذات العماد و غيرها، لكانت فوق نصف الكتاب إلى أشياء أخر إن لم تضر لم تنفع (1).
فالخازن- رحمه اللّه- مع إقرارنا بأنه أورد- بل أكثر- من نقل الأخبار التاريخية و القصص الإسرائيلي غير أنه ليس بأول رائد أعجبته خضرة الدمن، و رأى فيها حسن ما ليس بالحسن، فهو تبع لغيره، و هو أمر لم يسلم منه حتى ابن جرير و ابن كثير و لا غيرهما من المفسرين.
و اذا كان وصفه بمجموعة من الأكاذيب هو خير ما يقال فيه فما هو شر ما يقال فيه يا ترى؟! ثم ما ذا يقال في تفاسير الباطنية التي عطلت مفاهيم اللغة و الشرع جميعا (2).
بل قد يمتاز الخازن عن غيره من المفسرين كما يقرر الزرقاني- رحمه اللّه- أنه يتبع القصة ببيان ما فيها من باطل حتى لا ينخدع بها غرّ و لا يفتن جاهل (3). و هو قول لا يسلّم له بتمامه غير أنه إلى حد ما مطابق للواقع،
ص: 494
فللخازن مواقف سليمة أمام كثير من الروايات كما ذكرت- قبل قليل- غير أنه يمر أحيانا على بعض تلك القصص دون أن يكرّ عليها، و لعل من الإنصاف أن نقول:
إن الذي جعل هذه التهمة تشاع حول تفسير الخازن ليشتد أوارها عند أمثال القيسي من المتأخرين هو نتيجة لأحد ثلاثة أمور، أو هي نتيجة لها جميعا و هي:
1) أن التفسير قد حوى حقيقة بعض الإسرائيليات التي وقف الخازن منها موقف سلفيه البغوي و الثعلبي .. و يعلل له من بعض المعجبين أن السير مع الشرع في حكاية الإسرائيليات المسكوت عنه أولى، «بلّغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج ...» (1).
ص: 495
2) أن الأسلوب البياني لدى الخازن، و سيولة قلمه، و جميل عبارته، إضافة إلى طريقته في إيراد تلك الروايات، جعله و كأنه المتميز في هذا الجانب، مع أن واحدا من المشتغلين بتفسير الخازن- و هو الدكتور/ قاسم القثردي- تتبع ما أورده الخازن من الإسرائيليات في سورتي الفاتحة و البقرة فلم يجده زاد رواية واحدة على إمام المفسرين ابن جرير الطبري (1).
أضف إلى هذا ما عند الخازن من التصوف، و القوم عادة يكثرون من المواعظ و الرقائق في كتبهم أو يعرضونها بعبارة مشوقة و هو الثالث من الأسباب.
بقي أن أشير إلى أن لباب التأويل تفسير أثري يصنف مع مثيلاته من كتب المأثور، و أن حجة من صنفه ضمن تفاسير الرأي (2) ربما لاهتمام الخازن بتقرير الأحكام الفقهية.
و قد استهل الخازن تفسيره بمقدمة جاءت في أربع عشرة صفحة من
ص: 496
القطع المتوسط (1)، تضمنت ثمان موضوعات هي:
الأول: فضل القرآن و تلاوته و تعليمه.
الثاني: وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم.
الثالث: وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده.
الرابع: جمع القرآن.
الخامس: ترتيب القرآن.
السادس: نزول القرآن على سبعة أحرف.
السابع: الحد و المطلع.
الثامن: معنى التفسير و التأويل و الفرق بينهما.
أوردها تحت ثلاثة فصول رئيسة، أسبق تلك الفصول تقديما بيّن فيه منهجه و طريقته في التأليف.
و قارئ المقدمة بفصولها المتنوعة يجد أن الخازن قد انتخب في كل موضوع تناوله مجموعة من الآثار و الروايات ليؤكد أن الدواعي إلى معرفة هذه الموضوعات و العلوم قوية، و أن الحاجة إليها ماسة لمن أراد الغوص فيم.
ص: 497
دراسة كتاب اللّه و فهمه على الوجه الصحيح.
هذا و قد اختصر الخازن فاصطلح رموزا لمخرجي الروايات و الآثار، فرمز للبخاري مثلا بحرف (خ) و لمسلم (م) و لما اتفقا عليه (ق)، و هكذا لبقية الأئمة. يذكر الرمز قبل الرواية و الأثر، و قد يؤخره و في هذه الحالة يصرح باسمه فيقول: أخرجه الترمذي؛ مثلا.
و الخازن لا يقف من هذه الروايات موقف السارد، بل نراه يتدخل من حين لآخر كلما دعت الحاجة، فإن كان في أحد رجال السند مقال قاله، أو ضعف بيّنه و نقل حكم الأئمة عليه.
كما أنه يقف من الغوامض موقف المبين المفسر، يفسر الألفاظ الغامضة، و يبين غريب الحديث، و يشرح العبارة المستعصية و يوضحها، و لا تخلو مقدمته من فوائد انتقاها المصنف من أقوال أهل العلم، و استخلصها من ثنايا مصنفاتهم.
و قد طبعت المقدمة مع التفسير عدة طبعات نذكر منها:
1) طبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، 1375 ه، تلتها طبعتان:
2) طبعة المطبعة التجارية، مصر.
3) طبعة دار الفكر، بيروت 1399 ه و بهامشه تفسير البغوي.
4) المطبعة العامرة، بتركيا، الطبعة الأولى. و غيرها.
ص: 498
5) طبع على الآلة الكاتبة، المقدمة و تفسير سورتي الفاتحة و البقرة، بتحقيق الدكتور قاسم القثردي، رسالة دكتوراه في كلية أصول الدين، بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
بعد أن أثنى المصنف على اللّه منزّل الكتاب بما هو أهله، و حمده على تواتر نعمائه، و صلى على نبيه الأكرم الذي أرسل بالدين الحق، و أكمل اللّه به بنيان النبوة حيث أنزل عليه الكتاب المعجز الذي عجز الخلائق عن معارضته مع يسر تلاوته.
ذكر بعدها أغراض القرآن الكريم، و حث على لزوم تعلمه للعمل به، و بين أن ذلك لا يمكن إلا بتعلم علوم القرآن و التفسير، و أشار إلى أن اللّه جلت قدرته قد قيض لكتابه رجالا موفقين، و بالحق ناطقين، و يسرهم للتصنيف في سائر علوم الدين و ذكر منهم صاحب معالم التنزيل الحسن بن مسعود البغوى، الذي أعجب المصنف بتفسيره فحداه هذا الإعجاب إلى اختصار تفسيره، و إظهار محاسنه، مع إضافة ما رآه حسنا من كتب التفسير الأخرى من الفوائد و الفرائد.
أتبع ذلك بيان منهجه و طريقته التي سار عليها مع تحليل المصطلحات التي كثر دورانها في متن الكتاب.
و لأنه قد يظن ظان أن عمل المصنف قد اقتصر على اختصار كتاب
ص: 499
سلفه ليس إلا، عمد رحمه اللّه إلى بيان جهده و عمله، و الجديد الذي قدمه، و ذلك حين ختم التقديم بذكر ما ينبغي أن لا يخلو منه أي كتاب سبق مصنفه في موضوعه، في إشارة منه إلى استبعاد ذلك الظن من ذهن القارئ، و التأكيد على أن لديه ما هو جديد، و أنه قد أعمل الفكر فاستنبط ما كان معضلا، و جمع المتفرق، و شرح الغامض و أحسن التبويب، و أسقط الحشو و التطويل، و سأل اللّه التوفيق و القبول، ثم قبل أن يشرع في التفسير قدم المقدمات الثلاثة و اعتبرها فصولا، و هي:
هذا باب واسع، يذكر المصنفون تحته آثارا و روايات كثيرة، بل يفردونه بالتأليف لأهميته، غير أن الخازن لم يكن من أولئك، و كأنه رأى أن المقام ليس مقام ذلك، فذكر روايات بعدد انتقاها من بين تلك الآثار الكثيرة، و هي روايات مشهورة صحيحة تناولت فضل القرآن و فضل حامله و تعلمه و تعليمه، و تلاوته و قراءته، مع بيان الغامض من الألفاظ، و شرح الغريب منها، و تحليل العبارات و بيان المعنى المراد منها، و التعقيب على ما احتاج منها إلى تعقيب.
الذي ذكره المصنف في هذا الفصل موضوعان مختلفان، يجمع بينهما الوعيد الوارد في حقهما و هو الأمر الذي ربما لأجله جمع المصنف بينهما في
ص: 500
حين نجد أن معظم من تناولهما قد فصل بينهما و لم يقرن، و قد نهج الخازن في عرضهما نهجه في الموضوع السابق، فاستهل الفصل بالمروي عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- في تبوأ النار لمن قال في القرآن برأيه بغير علم، و أورد عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه إحجامه عن تفسير كلام اللّه برأيه، ثم ذكر اختلاف العلماء في المراد من النهي عن القول في القرآن بالرأي، فذكر أن النهي وارد في حق من يتأول القرآن على مراد نفسه، و ما هو تابع لهواه، بعلم، كاحتجاج الباطنية و الخوارج ببعض الآيات على تصحيح بدعتهم و هم يعلمون أن المراد غير ذلك أو بغير علم، كتفسير الآية بغير ما تحتمله من الوجوه. و هما قسمان مذمومان داخلان في النهي، و الوعيد الوارد هو في حقهما.
أما التأويل على المعنى الذي ورد في دعاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لابن عباس- رضي اللّه عنهما-: «اللّهم فقّهه في الدين و علمه التأويل»، فجائز.
بعد هذا انتقل المصنف إلى الحديث عن الشطر الآخر من عنوان الفصل و هو تعهد القرآن و عدم نسيانه، فأورد الآثار الواردة في الحث على تعهد كتاب اللّه و كثرة تلاوته و تكراره خشية نسيانه و تفلته، و فسر الألفاظ الغامضة، و شرح الغريب و بيّن الدلالة.
و ختم الفصل بذكر بعض الآثار الواردة في موضوعات أخرى تتعلق بالقرآن الكريم ورد النهي عنها كما ورد النهي عن موضوعات الباب،
ص: 501
فأشار إلى عدم جواز السفر بالقرآن إلى ديار الكفر مخافة أن ينال بسوء، و النهي عن قراءة القرآن للكسب و كذا الجهر به.
كما يظهر لنا من العنوان فقد أدرج الخازن تحت هذا الفصل ثلاثة موضوعات في غاية من الأهمية، أطال الحديث عنها نسبيا، و إن كانت تحتاج منه إلى وقفات أطول و أعمق عند تلك النصوص المشكلة، و تحليل أدق للآثار الواردة التي كثرت الأقوال في جلّها و تباينت الاتجاهات بل بقيت إلى يومنا هذا لم نجد لأهل العلم اتفاقا أو شبه اتفاق بخصوصها، و كلها تحتاج إلى القول الفصل.
بدأ المصنف بجمع القرآن فأورد الصحيح الثابت عن زيد بن ثابت رضي اللّه عنه في تكليف خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بجمع القرآن من الرقاق و العسب و اللخاف و صدور الرجال، و الصحيح الثابت عن أنس رضي اللّه عنه في حث حذيفة بن اليمان عثمان بن عفان رضي اللّه عنه على جمع الناس على مصحف واحد خشية الاختلاف في الكتاب، و بذلك أثبت المصنف ما يقرر الجمع و يجوزه.
بعدها شرع رحمه اللّه في شرح الغريب من ألفاظ الحديث، و ما يتعلق به من بيان المعاني، ليبين عقب ذلك أن القرآن كان على هذا التأليف و على هذا الجمع زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و أنه لم يترك أمرا جمعه حينذاك إلا لأمر هام هو خشية الاختلاف و الاختلاط عند نسخ شي ء من التلاوة، فإذا انقضى زمن
ص: 502
النسخ بدأ الجمع حيث وفق اللّه الخلفاء لذلك.
ثم إن سعي الصحابة كان لجمعه في موضع واحد لا لترتيبه، فالترتيب موقوف على رسول اللّه- صلى اللّه عليه و سلم- بتوقيف من جبريل عليه السلام عن رب العزة و الجلال
و تعرض لذكر نزول القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا جملة، ثم إنزاله مفرقا على الرسول- صلى اللّه عليه و سلم- مدة الرسالة عند الحاجة، كما ذكر أن ترتيب النزول غير ترتيب المصحف و التلاوة.
و لكون ترتيب التلاوة بين أيدينا اقتصر رحمه اللّه على ذكر السور مرتبة حسب ترتيب النزول، المكي منها و المدني، مع الإشارة إلى ما اختلف فيه، هل هو مكي أم مدني، و أحال القارئ إلى تفصيل ذلك في مواضعها من الكتاب.
و هكذا أتم الخازن الحديث عن موضوعين من الموضوعات الثلاثة التي عنون لها الفصل.
و لأهمية الموضوع الثالث و هو الذي أشرت إلى اختلاف العلماء فيه إلى حد كبير، موضوع الأحرف السبعة و نزول القرآن على سبعة أوجه، حيث وصلت الأقوال فيه إلى أكثر من خمسة و ثلاثين قولا، فقد خص المصنف هذا الموضوع بحديث مستقل فقال:
فصل في كون القرآن نزل على سبعة أحرف و ما قيل في ذلك. و بدأ
ص: 503
الحديث بذكر ما اتفق عليه الشيخان من قصة عمر بن الخطاب- رضي اللّه عنه- مع هشام بن حكيم، و اختلافهما في قراءة سورة الفرقان، و ما ترتب على ذلك من الاحتكام إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و إقراره لقراءتهما.
و بعد أن شرح الألفاظ الغامضة من متن الرواية بين ما دلت عليه الواقعة من حرص الصحابة على حفظ كتاب اللّه، و الاعتناء به، و الذب عنه، و ذكر اختلاف العلماء في الأحرف، و هل هي للحصر أم للتوسعة و التسهيل؟ و ارتضى الرأي الأول و رجحه ثم بين أن الاختلاف واقع أيضا في تحديد الأوجه السبعة، و ذكر الأوجه منها في رأيه و هو سبع قراءات، دون أن يبين للقارئ أدلة معتبرة تؤيد ترجيحه، و قد كان ينبغي له بيان ذلك، خاصة إذا علمنا أن ما رجحه هو رأي مرجوح عند كثير من أهل العلم، حتى نقل عن بعضهم قوله: (هو جهل قبيح) (1). فكان ينبغي على من تبنى مثل هذا الرأي أن يقدم أدلة معتبرة يعضد بها رأيه، و يرد على المخالفين و يفند حججهم. كما كان عليه أن يرد الأقوال الأخرى التي يراها الآخرون راجحة بأدلة دامغة، و بذلك يكون قد انتصر لاختياره، و هو ما لم يفعله عفا اللّه عنه، خلا ردود ضعيفة لا ترقى إلى مستوى أدلة المخالفين، ناهيك عن إبطالها.
و قبل أن يختم الفصل ذكر المزيد من الأدلة على نزول القرآن على
ص: 504
سبعة أحرف، و كعادته شرح الغريب، ثم أوضح معنى الحد و المطلع، و الظاهر و الباطن الواردة في بعض الآثار، و كان الختام بيان معنى التفسير و التأويل، و هو الموضوع الذي درج عليه أغلب المفسرين إذ لا تكاد تجد تفسيرا إلا و بحث هذا الموضوع. ذكر معنى التفسير في اللغة و كذا معنى التأويل، و الفرق بينهما ليقرر أن التفسير هو ما توقف على النقل المسموع، و التأويل ما توقف على الفهم الصحيح (1). و اللّه أعلم.
عرض الخازن في مقدمته منهجه و طريقته في تفسيره بعبارة سهلة موجزة، كفى القارئ مؤنة البحث، و حدد معالم منهجه حين ذكر أنه لم يجعل لنفسه تصرفا في الإضافة إلى الأصل- و هو كتاب البغوي- سوى النقل و الانتخاب، مجتنبا حد التطويل و الإسهاب، مجتهدا في تصحيح الآثار التي أخرجها من الكتب المعتبرة، مع حذف الأسانيد خشية الإطالة، و استبدال شرح غريب الحديث بها، بعبارة بليغة موجزة ... مع الترتيب و التسهيل و التقريب.
هذا بالنسبة إلى تفسيره، و لكون المقدمة من التفسير لا شك أن المنهج فيها تبع للأصل، و أول ما يبدو لنا من منهجه في المقدمة، الفصول الثلاثة التي قدمها بين يدي تفسيره، و هي موضوعات تطرق البغوي إلى أصولها،
ص: 505
و تحدث عنها حديثا عابرا، غير أن الخازن وضع الرحل عندها، فأجاد في العرض كما أجاد في السبر و التقسيم، و إن كان من حق هذه الموضوعات أن تفصل أكثر من تفصيله.
فما فصله البغوي أدمجه الخازن و ضم بعضه إلى بعض، و رآه موضوعا واحدا، حيث أفرد البغوي فضائل القرآن و تعليمه بفصل مستقل، و فضائل تلاوة قراءة القرآن، بفصل آخر. رآهما الخازن موضوعا واحدا عرضهما و عنون لهما ب (فضل القرآن و تلاوته و تعليمه).
و ما أدمجه البغوي من الموضوعات رأى الخازن أن من حقها أن تفصل، ففصل بينها، و أفرد كل موضوع بعنوان مستقل، فقد ذكر البغوي فصلا (في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم)، و أدرج تحت هذه التسمية معى التفسير و التأويل، و موضوع نزول القرآن على سبعة أحرف، و موضوع الحد و المطلع، و موضوع الظهر و البطن، إضافة إلى ما دل عليه عنوان الفصل، و هو الوعيد الوارد في حق من يقول في القرآن برأيه.
لم يفصل البغوي القول في تلك الموضوعات، بل عرج عليها مرورا و لم يقف عندها وقفة تأمل، و كان من حقها هي الأخرى أن تفصّل، و هو ما عمد الخازن- رحمه اللّه- الى عمله، فأضاف ما رآه مناسبا للمقام متوخيا الاختصار و الدقة، فذكر فصلان:
الأول: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، و وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده.
ص: 506
الثاني: في جمع القرآن و ترتيب النزول و في كونه نزل على سبعة أحرف:
و مع اعترافنا أن الخازن قد جمع في هذين الفصلين بين موضوعات كان من حقها الفصل و عرضها منفصلا، إلا أنه كان أكثر توفيقا من البغوي، و أجود عرضا، و أكثر عمقا، و أفضل ترتيبا، لقد أضاف رحمه اللّه إضافات كان من حقها الإضافة لأهميتها، كالحديث عن جمع القرآن و ترتيب النزول.
و هكذا يلاحظ القارئ أن الخازن رحمه اللّه رأى أنه لا بد من إدخال عناصر جديدة لمقدمة سلفه ليكتمل العقد الذي أراده، فأدخل جملة من الفوائد التي لا يعدم الفطن الوقوف عليها، و على خدمتها للنص و الموضوع.
و طريقة الخازن في الفصول الثلاثة من المقدمة مطردة لم تختل، يبدأ بذكر جملة من الآثار الواردة في موضوع الباب رامزا إلى مخرج كل رواية في أوله، و قليلا ما يؤخره فيصرح به عند الانتهاء من ذكرها (1)، ثم الصحابي الذي رواه، متبعا ذلك ذكر زيادات في روايات أخرى تخدم الفكرة التي هو بصدد بيانها (2)، و التزاما منه بمنهجه الذي تعهده، فإنه لا يتوانى عن شرح
ص: 507
غريب الحديث و الألفاظ المبهمة و الغامضة مع بيان معانيها و دلالتها في الغالب، يقول بعد ذكر الرواية: (قوله). ثم يذكر الكلمة أو الجملة التي يريد بيانها و توضيحها (1) و قليلا ما يصرح فيقول: شرح غريب ألفاظ الحديث و ما يتعلق به (2).
فإن كان بين العلماء خلاف في دلالة لفظة أو توجيه شي ء من متن الأثر، فإن الخازن- رحمه اللّه- يذكر الخلاف، و يبين موقفه منه (3). كما أنه ينقل حكم الأئمة على بعض الروايات مع التعقيب على سندها إن كان في أحد رجالها مقال (4).
بقي أن أشير الى أن المصنف- رحمه اللّه- يقدم لقارئه عند إيراد الأحاديث و الآثار ما تسمح به قريحته من الفوائد التي يستنبطها من تلك الآثار المستشهد بها (5).
كما أنه يذكر مصدره الذي استقى منه المعلومة (6)، و قد يكتفي بقوله:
ص: 508
قال العلماء (1).
سبق القول بأن الخازن قد وضع أسس منهجه، و ما ألزم به نفسه في مقدمته، و يتخلص ذلك في النقاط التالية:
1) أنه حوى خلاصة منقول البغوي و نكته و أصوله. و هو أمر التزمه المصنف، فهو يورد ما للبغوي ثم إن رأى أن يضيف شيئا أضاف، و لم أقف على آية و للبغوي فيه كلام إلا و قد نقله الخازن سواء بنصه أو بمعناه (2).
2) إضافة فوائد و فرائد نقلها الخازن و لخصها من كتب أخرى. و التزم ذلك المصنف كثيرا (3).
3) اجتناب التطويل و الإسهاب و هذا الأمر لم يلتزمه الخازن، فهو و إن حاول الاختصار في الغالب (4)، إلا أنه وقع في الإطالة، و أسهب في القول في مواضع عديدة (5).
ص: 509
4) حذف أسانيد الأحاديث و الآثار التي استشهد بها البغوي و عزوها إلى مخرجيها، و بيان اسم ناقلها، و التعويض عن حذف الأسانيد بشرح غريب الحديث. و قد التزم المصنف هذه الشروط، فحذف الأسانيد و اكتفى بذكر الراوي و الإشارة إلى من خرج الرواية (1)، كما شرح الغريب (2).
5) حسن الترتيب، مع التسهيل و التقريب. و هذا الأمر أيضا ملاحظ في تفسير الخازن، فترتيبه أفضل من ترتيب البغوي في كثير من المواطن (3).
المصادر التي صرح الخازن بها في مقدمته، و عزا ما نقله إليها هي مصادره في السنة و الأثر، و هي تلك المصادر التي ذكر بعضا منها في تقديمه حين عرض منهجه، عدا ذلك من المصادر لم يذكرها المصنف في المقدمة اللّهم باستثناء مصدر لغوي واحد هو الخصائص لابن جني (4).
و الذي يستعرض المقدمة يجد أن المصنف لم يترك أثرا أورده إلا و عزاه
ص: 510
إلى مخرجه، معللا ذلك بقوله: ليهون على الطالب طلبه (1).
هذا بالنسبة للروايات أما النقول الأخرى كشرح غريب الحديث، و بيان المعاني و الاختلافات في توجيه بعض الروايات فإن المصنف قلما يذكر مصدره.
1) صحيحا البخاري و مسلم، ينقل عنهما مفردا كما يجمعهما رامزا لهما ب (ق) رمز الاتفاق على رواية الأثر، و هو كثير (2).
2) سنن الترمذي، و قد أكثر المصنف النقل عنه (3) كما اعتمد حكمه على الروايات، و قد يقرن الترمذي بأبي داود (4).
3) سنن أبي داود (5).
و من مصادره البغوي فيما يرويه بسنده (6)، و ابن عبد البر (7)، و أبي عبيد (8)، و القاضي
ص: 511
عياض (1).
1- التزام المصنف بالمنهج الذي ذكره إلى درجة كبيرة.
2- حسن السبر و التقسيم للأنواع، و المسائل التي تعرض لها.
3- عزو الآثار إلى مخرجيها، و بيان حكم الأئمة عليها.
4- الاختصار في ذكر الأدلة، و الاقتصار على الصحيح الثابت منها في الغالب.
5- التفصيل في المسائل التي أجملها البغوي و هي مهمة كالأحرف السبعة.
1- إدراج المصنف بعض الموضوعات في الفصل الثاني، و العنوان لا يشمله، كحديثه عن الكسب بالقرآن أو السفر به إلى بلاد الكفر.
2- رغم أن المصنف قد فصل في بعض الموضوعات إلا أنها جاءت
ص: 512
دون تحقيق المراد، كالأحرف السبعة، لقد كان من حق هذا الموضوع المشكل أن يعالج معالجة موضوعية جادة، ما دام المصنف لم يرتض حديث سلفه و رأى أنه قد قصر في هذا الجانب، فكان المأمول منه الإلمام و الشمول في المعالجة، و هو ما لم نجده.
3- عدم ذكر كثير من الموضوعات الهامة و التي تذكر عادة في المقدمات كتلك التي تخدم المفسر و القارئ.
هذا ما عرفته عن مقدمة الخازن و دونته، أرجو اللّه أن أكون مصيبا في القول، و أسأله المغفرة من الخطأ.
ص: 513
ص: 514
ص: 515
ص: 516
المقدمة 5
أهمية مقدمات التفاسير 16
التمهيد: 19
أ- تعريف المقدمة: 19
ب- نشأة مقدمات التفاسير 22
الباب الأول علوم القرآن دراسة تاريخية 25
الفصل الأول تعريف عام بعلوم القرآن و نشأته 26
المبحث الأول: علوم القرآن بالمعنى اللغوي 27
المبحث الثاني: علوم القرآن بالمعنى الاصطلاحي 43
دخول علم التفسير في الاصطلاح 49
الفرق بين علوم القرآن و أصول التفسير 52
المبحث الثالث نشأة علوم القرآن 56
تقديم 56
أ- الكتابة في الجزيرة العربية قبل البعثة 57
ب- الكتابة في الإسلام 61
ج- ما الذي كتبه الصحابة 77
1) الوحي 77
2) حديث رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 78
3) تفسير القرآن الكريم و ما يتعلق به: 89
4) الرسائل و العقود و الوثائق: 90
الكتابة و التدوين و التصنيف: 111
ظهور مصطلح علوم القرآن: 116
الفرق بين استعمال المتقدمين و استعمال المتأخرين: 127
ص: 517
أول من صنف في علوم القرآن: 132
أولا: أولى المصنفات الموضوعية: 132
1- الناسخ و المنسوخ: 133
2- المصاحف و القراءات القرآنية و عد الآي: 135
3- إعراب القرآن: 139
4- غريب القرآن: 140
5- مجاز القرآن: 142
6- نزول القرآن: 143
7- معاني القرآن: 143
8- المحكم و المتشابه: 144
ثانيا: أولى التفاسير التي لها مقدمات: 144
ثالثا: أولى الموسوعات في علوم القرآن: 146
الفصل الثاني: التأليف في علوم القرآن 165
تمهيد 167
المرحلة الأولى: من القرن الأول إلى نهاية القرن الرابع الهجري: 168
أولا: المصنفات الموضوعية: 170
أ- علم التفسير: 170
ب- علم معاني القرآن: 173
ج- علم إعراب القرآن: 175
د- علم غريب القرآن: 177
ه- علم الناسخ و المنسوخ: 180
و- علم المحكم و المتشابه: 187
ص: 518
ز- علم فضائل القرآن و القراءات القرآنية و عد الآي: 188
ثانيا: المؤلفات الموسوعية: 196
ثالثا: مقدمات التفاسير: 196
المرحلة الثانية: من نهاية القرن الرابع إلى بداية القرن العاشر: 197 علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 1 519 المحتويات ..... ص : 515
لا: المؤلفات الموسوعية: 199
ثانيا: مقدمات التفاسير: 203
ثالثا: المؤلفات الموضوعية: 205
أ- أسباب النزول: 205
ب- إعجاز القرآن: 206
ج- إعراب القرآن: 209
د- أمثال القرآن: 213
ه- غريب القرآن: 214
و- القراءات القرآنية: 215
ز- مبهمات القرآن: 217
ح- المحكم و المتشابه: 218
ط- مناسبات القرآن: 222
ي- الناسخ و المنسوخ: 223
ك- الوجوه و الأشباه و النظائر: 228
المرحلة الثالثة: من بداية القرن العاشر إلى العصر الحديث: 230
أولا: المؤلفات الموسوعية 237
ثانيا: المؤلفات الموضوعية 241
الباب الثاني: مقدمات التفاسير 255
ص: 519
1- تفسير القرآن العزيز لعبد الرزاق الصنعاني 257
أولا: التعريف بالمؤلف 252
شيوخه و تلاميذه 253
مؤلفاته 254
وفاته 255
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة 255
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة 258
رابعا: منهج عبد الرزاق في مقدمته 259
2- جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري 265
أولا: التعريف بالمؤلف 260
تهمة و تحقيق 264
شيوخه و تلامذته 266
مصنفاته 267
وفاته 269
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة 271
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة 277
1- القول في البيان عن اتفاق معاني آي القرآن، و معاني منطق من نزل بلسانه القرآن من وجه البيان 278
2- القول في البيان عن الأحرف التي اتفقت فيها ألفاظ العرب و ألفاظ غيرها من بعض أجناس الأمم 279
3- القول في اللغة التي نزل بها القرآن من لغات العرب 280
ص: 520
4- معنى قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم أنزل القرآن من «سبعة أبواب الجنة و ذكر الأخبار الواردة في ذلك 283
5- القول في الوجوه التي من قبلها يوصل إلى معرفة تأويل القرآن 285
6- ذكر بعض الأخبار التي رويت بالنهي عن القول في تأويل القرآن بالرأي 286
7- ذكر الأخبار التي رويت في الحض على العلم بتفسير القرآن و من كان يفسره من الصحابة 286
8- ذكر الأخبار التي غلط في تأويلها منكر و القول في القرآن 288
9- ذكر الأخبار عن بعض السلف فيمن كان من قدماء المفسرين محمودا علمه بالتفسير، و من كان منهم مذموما علمه به: 288
10- القول في تأويل أسماء القرآن و سوره و آية: 290
رابعا: منهج ابن جرير في مقدمته: 290
خامسا: مصادر المؤلف: 295
سادسا: أهم مزايا مقدمة ابن جرير: 295
سابعا: أظهر المآخذ على المقدمة: 296
3- تفسير القرآن العظيم لأبي الليث السمرقندي 297
أولا: التعريف بالمؤلف: 297
وفاته: 301
شيوخه و تلاميذه 303
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 301
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 305
4- النكت و العيون في تأويل القرآن الكريم لابن حبيب المارودي 307
ص: 521
أولا: التعريف بالمؤلف: 307
شيوخه و تلاميذه: 311
مؤلفاته: 313
وفاته: 313
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 314
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 319
رابعا: منهج الماوردي في مقدمته: 325
خامسا: مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 327
سادسا: مصادر الماوردي في مقدمته: 328
سابعا: أهم مزايا مقدمة الماوردي: 329
ثامنا: أهم المآخذ على المقدمة: 330
5- الوسيط في تفسير القرآن المجيد لأبي الحسن الواحدي 331
أولا: التعريف بالمؤلف: 331
شيوخه 331
تلاميذه 331
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 336
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 337
رابعا: منهج الواحدي في تفسيره: 339
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 339
سادسا: مصادره: 339
سابعا: أهم الميزات و أظهر المآخذ: 340
6- معالم التنزيل لأبي محمد البغوي 341
ص: 522
أولا: التعريف بالمؤلف: 341
عقيدته: 343
شيوخه و تلاميذه: 345
مؤلفاته: 346
وفاته: 347
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 348
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 353
الفصل الأول: فصل في فضائل القرآن و تعليمه: 354
الفصل الثاني: فصل في فضائل تلاوة القرآن: 354
الفصل الثالث: فصل في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم: 355
رابعا: منهج البغوي في مقدمته: 355
خامسا: بيان مدى التزام البغوي في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 356
سادسا: مصادر البغوي في مقدمته: 3583
سابعا: مزايا المقدمة و المآخذ عليها: 358
7- المحرر الوجيز في تفسير كتاب اللّه العزيز لابن عطية الأندلسي 360
أولا: التعريف بالمؤلف: 360
مكانته العلمية: 363
شيوخه و تلاميذه: 365
مؤلفاته: 367
وفاته: 368
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 369
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 377
ص: 523
الباب الأول: ما ورد عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن الصحابة و نبهاء العلماء رضي اللّه عنهم في فضل القرآن المجيد و صورة الاعتصام به 378
الباب الثاني: في فضل تفسير القرآن، و الكلام على لغته، و النظر في إعرابه و دقائق معانيه 378
الباب الثالث: ما قيل في الكلام في تفسير القرآن، و الجرأة عليه، و مراتب المفسرين 378
الباب الرابع: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه» 380
الباب الخامس: ذكر جمع القرآن، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره 382
الباب السادس: في ذكر الألفاظ التي في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق 383
الباب السابع: نبذة مما قال العلماء في إعجاز القرآن 384
الباب الثامن: في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى 386
الباب التاسع: في تفسير أسماء القرآن، و ذكر السورة و الآية 386
رابعا: منهج ابن عطية في مقدمته: 387
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 389
سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 390
سابعا: أهم مزايا المقدمة: 485
ثامنا: أظهر المآخذ على المقدمة: 386
8- زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي 387
أولا: التعريف بالمؤلف: 387
ص: 524
شيوخه و تلامذته: 266
مؤلفاته: 313
وفاته: 313
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 314
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 319
رابعا: منهج ابن الجوزي في مقدمته: 404
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 404
سادسا: مصادره في المقدمة: 405
سابعا: أهم المميزات و أظهر المآخذ: 406
9- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 408
أولا: التعريف بالمؤلف: 408
شيوخه و تلاميذه: 409
تصانيفه و مؤلفاته: 412
و من مؤلفاته: 412
وفاته: 413
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 414
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 418
باب: ذكر جمل من فضائل القرآن، و الترغيب فيه، و فضل طالبه، و قارئه و مستمعه و العامل به: 418
باب: كيفية التلاوة لكتاب اللّه تعالى، و ما يكره منها و ما يحرم، و اختلاف الناس في ذلك: 419
باب: تحذير أهل القرآن من الرياء و غيره: 423
ص: 525
باب: ما ينبغي لصاحب القرآن أن يأخذ نفسه به، و لا يغفل عنه: 424
باب: ما جاء في إعراب القرآن و تعليمه و الحث عليه، و ثواب من قرأ القرآن معربا: 425
باب: ما جاء في فضل تفسير القرآن و أهله: 426
باب: ما جاء في حامل القرآن، و من هو، و فيمن عاداه: 426
باب: ما يلزم قارئ القرآن و حامله من تعظيم القرآن و حرمته: 427
باب: ما جاء من الوعيد في تفسير القرآن بالرأي، و الجرأة على ذلك، و مراتب المفسرين: 428
باب: تبين الكتاب بالسنة، و ما جاء فيه: 430
باب: بيان كيفية التعلم و الفقه لكتاب اللّه تعالى و سنة نبيه صلى اللّه عليه و سلم و ما جاء أنه سهل على من تقدم العمل به دون حفظه: 432
باب: معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه»: 432
باب: ذكر جمع القرآن، و سبب كتب عثمان المصاحف و إحراقه ما سواها، و ذكر من حفظ القرآن من الصحابة رضي اللّه عنهم في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم: 434
باب: ما جاء في ترتيب سور القرآن، و آياته، و شكله، و نقطه، و تحزيبه، و تعشيره، و عدد حروفه، و أجزائه، و كلماته، و آية: 437
باب: ذكر معنى السورة، و الآية، و الكلمة، و الحرف: 438
باب: هل ورد في القرآن كلمة خارجة عن لغات العرب أو لا؟ 438
باب: ذكر نكت من إعجاز القرآن، و شرائط المعجزة و حقيقتها: 439
ص: 526
باب: التنبيه على أحاديث وضعت في فضل سور القرآن و غيره: 441
باب: ما جاء من الحجة في الرد على من طعن في القرآن، و خالف مصحف عثمان بالزيادة و النقصان: 442
رابعا: منهج القرطبي في مقدمته: 445
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 450
سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 452
سابعا: أهم مزايا مقدمة القرطبي: 456
ثامنا: أظهر المآخذ: 486
10- تسهيل السبيل لعلوم التنزيل لابن جزي الكلبي 465
أولا: التعريف بالمؤلف: 488
مكانته العلمية: 363
شيوخه و تلامذته: 396
مؤلفاته: 398
و من مؤلفات المصنف: 463
وفاته: 464
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 465
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 469
المقدمة الأولى: 470
الباب الأول: نزول القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: 470
الباب الثاني: في السورة المكية و المدنية: 471
الباب الثالث: في المعاني و العلوم التي تضمنت القرآن: 472
الباب الرابع: في فنون العلم التي تتعلق بالقرآن: 473
ص: 527
الباب الخامس: في أسباب الخلاف بين المفسرين، و الوجوه التي يرجح بها أقوالهم 486
الباب السادس: في ذكر المفسرين 476
الباب السابع: في الناسخ و المنسوخ: 477
الباب الثامن: في جوامع القراءة: 477
الباب التاسع: في الوقف: 477
الباب العاشر: في الفصاحة و البلاغة و أدوات البيان: 478
الباب الحادي عشر: في إعجاز القرآن و إقامة الدليل على أنه من عند اللّه عز و جل: 487
الباب الثاني عشر: في فضل القرآن: 488
المقدمة الثانية: في تفسير معاني اللغات 488
رابعا: منهج ابن جزي في مقدمته: 489
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 490
سادسا: مصادر المصنف في مقدمته: 484
سابعا: أهم مزايا المقدمة: 485
ثامنا: أظهر المآخذ: 486
11- لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 488
أولا: التعريف بالمؤلف: 488
شيوخه و تلاميذه: 489
مؤلفاته: 491
وفاته: 492
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 492
ص: 528
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 499
الفصل الأول: في فضل القرآن و تلاوته و تعليمه: 500
الفصل الثاني: في وعيد من قال في القرآن برأيه من غير علم، و وعيد من أوفى القرآن فنسيه و لم يتعاهده: 500
الفصل الثالث: في جمع القرآن، و ترتيب النزول، و في كونه نزل على سبعة أحرف: 502
رابعا: منهج الخازن في مقدمته: 505
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 509
سادسا: مصادر المؤلف في مقدمته: 510
سابعا: أهم مزايا مقدمة الخازن: 512
ثامنا: أظهر المآخذ: 512
ص: 529
اسم الكتاب: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير
كاتب: محمد صفاء شيخ ابراهيم حقى
موضوع: علوم قرآنى
تاريخ وفاة المؤلف: معاصر
لسان: العربية
عدد المجلدات: 2
الناشر: موسسة الرسالة
مكان النشر: بيروت
سنة الطباعة: 1425 / 2004
نشرت: اوّل
ص: 1
علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير
ص: 2
حقوق الطبع محفوظة الطبعة الأولى 1425ه- - 2004م
وطى المصيطبة - شارع حبيب أبي شهلا - بناية المسكن، بيروت-لبنان تلفاكس: 319039 - 815112 فاكس: 603243ص.ب : 117460
Al-Resalah
PUBLISHERS
BEIRUT/LEBANON-Telefax:815112-319039 Fax:603243-P.O.Box:||7460
Email:Resalah@Cyberia.net.lb
ص: 3
اهداء
ص: 4
لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الشهير بأبي حيان الأندلسي المتوفى سنة 745 ه
مؤلف البحر المحيط هو الإمام أبو عبد اللّه أثير الدين محمد بن يوسف بن علي بن حيان الغرناطي الجياني النفزي (1) الشهير بأبي حيان المولود سنة (654) (2).
تلقى أبو حيان البدايات في الكتاتيب و حلقات التعليم في دياره ثم التقى الشيوخ و ارتحل بعد أن عرف قدر العلم و فضل أهله، فانتقل من بلد إلى آخر، و من عالم إلى آخر، يختار الأجلاء، و ينتقي الفضلاء، و كان ذلك في وقت مبكر كما يصرح بذلك المصنف نفسه، حين يقول: (و ما زلت من لدن ميزت أتلمذ للعلماء، و أنحاز للفهماء، و أرغب في مجالسهم، و أنافس في نفائسهم، و أسلك طريقهم، و أتبع فريقهم، فلا أنتقل إلا من إمام إلى إمام،
ص: 5
و لا أتوقّل إلا ذروة علّام). (1)
و هكذا جمع من العلم ما حواه صدور شيوخه و أودعها صدره، و إن لقي في ذلك التعب و النصب (فكم صدر أودعت علمه صدري، و حبر أفنيت في فوائده حبري، و إمام أكثرت به الإلمام، و علّام أطلت معه الاستعلام ... إلى أن يقول: فجعلت العلم بالنهار سحيري، و بالليل سميري، ... أتوسد أبواب العلماء، و أتقصّد أماثل الفهماء، و أسهر في حنادس الظلام، و أصبر على شظف الأيام و أؤثر العلم على الأهل و المال و الولد، و أرتحل من بلد إلى بلد، حتى ألقيت بمصر عصا التسيار، و قلت: ما عبادان من دار. (2)
يقول الصفدي (3): لم أر في أشياخي أكثر اشتغالا منه، لأني لم أره إلا
ص: 6
يسمع أو يشتغل أو يكتب، و لم أره على غير ذلك. (1)
ارتحل من دياره (غرناطة) حين وقعت بينه و بين شيخه أبي جعفر بن الزبير واقعة، فنال أبو حيان منه، و تصدى للتأليف في الرد عليه و تكذيب روايته، فرفع أمره إلى السلطان، و أمر بإحضاره و التنكيل به، فاختفى و ركب البحر و لحق بالمشرق. (2)
أجمع المترجمون له على إمامته في فنون عديدة، فهو أستاذ المفسرين و شيخ النحاة بالديار المصرية، و الإمام المطلق في النحو و الصرف، خدم هذا الفن أكثر عمره، حتى صار لا يدركه أحد، و له اليد الطولى في التفسير و الحديث الذي واكب على طلبه حتى أتقنه، و غدا شيخ المحدثين بالمدرسة المنصورية، و شرع في القراءات و الأدب و التاريخ و التراجم، و اشتهر اسمه و طار صيته، و كان- رحمه اللّه- شافعيا في الفروع، سالم العقيدة من البدع الفلسفية و الاعتزال و التجسيم، يميل إلى مذهب أهل الظاهر، كبير الخشوع عند قراءة القرآن. (3)
نعته الصفدي بقوله: الإمام العالم العلامة الفريد الكامل، حجة
ص: 7
العرب، مالك أزمّة الأدب. (1)
و قال لسان الدين الخطيب: كان نسيج وحده في ثقوب الذهن و صحة الإدراك بعلم العربية، و الاضطلاع بعلم العربية و التفسير و طريق الرواية، إمام النحاة في زمانه غير مدافع. (2)
سبقت الإشارة أن أبا حيان تنقل من شيخ إلى شيخ، و ارتحل من قطر لآخر، فلقي العلماء، و انتقى الفهماء و قال عن شيوخه: و عدة من أخذت عنهم أربعمائة و خمسون شخصا، و أما من أجازني فكثير جدا. (3)
و ذكر الرعيني (4) أن أبا حيان قال: سمعت بغرناطة و مالقة و بلش و المرية و بجاية و تونس و الإسكندرية و مصر و القاهرة و دمياط و المحلة و ...
و فصل من لقي في كل بلد، ثم قال: و هذه نبذة من شيوخي، و جملة من
ص: 8
سمعت منهم نحو خمسمائة، و المجيزون أكثر من ألف. (1)
و قد فصل الصفدي في كتابه الوافي بالوفيات (2) الحديث عن شيوخ أبي حيان، كما ذكر أبو حيان نفسه ثلة منهم في الخطبة التي قدمها بين يدي تفسيره البحر المحيط (3)، و نقل المقري نصا طويلا عن الصفدي في ذلك. (4)
كثير. (1)
و أقرأ أبو حيان الناس، و ألحق الصغار بالكبار، و صارت تلامذته أئمة و شيوخا في حياته، و اشتهر اسمه، و طار صيته، و أخذ عنه أكابر عصره، و تقدموا في حياته، و قد كان يرحمه اللّه يختار الأذكياء من طلابه و يوليهم عناية خاصة، و يعظمهم و ينوه بقدرهم.
و من جملة تلامذته: الشيخ تقي الدين علي بن عبد الكافي بن تمام السبكي ت (756) (2)، و أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي المعروف بالسمين ت (756 ه) و خلائق لا يحصون كثرة (3).
مؤلفات أبي حيان كثيرة، انتشرت في حياته و بعد مماته، يقول الحافظ ابن حجر: له التصانيف التي سارت في آفاق الأرض و اشتهرت في حياته. (4)
ص: 10
و لأبي حيان أكثر من خمسين تصنيفا في فنون العلم المختلفة، و قد سرد المقري أسماءها في كتابه نفح الطيب (1)، أذكر منها:
1) تحفة الأريب بما في القرآن من الغريب.
2) ارتشاف الضّرب من لسان العرب.
3) عقد اللآلي، منظومة في القراءات السبع.
4) الأثير في قراءة ابن كثير، قيل: إنه مفقود.
5) التذييل و التكميل في شرح كتاب سيبويه.
مات أثير الدين شيخ الورى فاستعر البارق و استعبرا توفي أبو حيان- رحمه اللّه تعالى- بعد أن عمر طويلا، فتجاوز التسعين، و ذلك سنة (745 ه)، و قد رثاه الشعراء بمراثي مبكية، كما مدحه الشعراء في حياته و بعد مماته. (2)
ص: 11
كان تصنيف هذا التفسير أمنية طالما اختلج في ذكر المصنف، و اعتلج في فكره، و طمح إليه، فكم رجا اللّه أن يوفقه في ذلك، و يبلغه الأمد الذي يتفصد فيه الأديم و يتنغص من رؤيته النديم (1)، قاصدا به وجه اللّه، محتسبا الأجر عليه (فما لمخلوق بتأليفه قصدت، و لا غير وجه اللّه به أردت). (2)
و حين بلغ السابعة و الخمسين من العمر، و انتصب مدرسا للتفسير في قبة السلطان الملك المنصور، شرع في التأليف و تحقيق المراد، فهو إذا من أواخر ما صنف أبو حيان من التآليف، بل لعله آخر تصانيفه.
و قد اشتهر البحر في حياة المصنف و لقي العناية و الاهتمام بعد وفاته من أهل العلم و طلاب المعرفة على شتى العصور، مذ ألّفه أبو حيان إلى يومنا هذا، و لا زال مرجعا هاما للمشتغلين بالتفسير و اللغة و القراءات، و لا غرو في ذلك ما دمنا علمنا أن تصنيفه كان بعد أن نضج الفكر، و اكتمل
ص: 12
العقل و استوى على سوقه.
و لأهميته اختصره تلميذه تاج الدين أحمد بن عبد القادر بن مكتوم (1) و سماه (الدر اللقيط من البحر المحيط).
سلك أبو حيان في تفسيره مسلك أسلافه الأندلسيين في اعتماد التفسير بالمأثور مع اعتماد الرأي شريطة ألا يخضع للهوى و الميل، و شريطة أن لا يخلو من اعتماد أقوال العلماء ضمن قوانين العلم كالنحو و اللغة و الأصول و غيرها، مع المعرفة التامة باللغة.
و أودع في تصنيفه هذا خلاصة فكره، و حصيلة علمه (عكفت على تصنيف هذا الكتاب، و انتخاب الصفو و اللباب، أجيل الفكر فيما وضع الناس في تصانيفهم، و أنعم النظر فيما اقترحوه من تآليفهم، فألخص مطولها، و أحل مشكلها، و أقيد مطلقها، و أفتح مغلقها، و أجمع مبددها، و أخلص منقدها، و أضيف إلى ذلك ما استخرجته القوة المفكرة من لطائف علم البيان، المطلع على إعجاز القرآن). (2)
و يلاحظ القارئ في تفسير أبي حيان تأثره الواضح بثلة من المفسرين،
ص: 13
و أكثرهم تأثيرا فيه الزمخشري و ابن عطية، و قد أشار إليهما، و ذكر تصنيفهما في الخطبة التي قدمها بين يدي تفسيره، و أثنى عليهما ثناء عاطرا، و وصفهما بأنهما فارسا علم التفسير، و ممارسا تحريره و التحبير، و أنزل تفسيرهما منزلة الإنسان من العين، و الذهب الإبريز من العين، و ليلة القدر من الليالي. (1)
و ألمح بأنه استدرك عليهما، و وضع تفسيرهما محك النظر و أنه أورى فيهما نار الفكر، حتى خلّص دسيسهما، و برّز نفيسهما. (2) كما تأثر بابن جرير الطبري و الرازي.
و بالرغم من تصدي المصنف للزمخشري في اعتزالياته، و الحمل عليه في انحرافاته، حيث كان له رصدا في تأويلاته، و نصرته لمذهبه، و تقحم مرتكبه، و تجشم حمل كتاب اللّه عز و جل عليه، بالرغم من ذلك فقد أنصفه أبو حيان، و لم يغمضه حقه، و لعمري إن الإنصاف حق، و العدل فضيلة حتى مع الخصوم، فرحم اللّه أبا حيان، و أجزل له المثوبة.
هذا و ربما يعد البحر المحيط المرجع الأول من بين التفاسير للوقوف على وجوه الإعراب و اللغة و إظهار بلاغة القرآن و إعجازه، فقد اهتم المصنف اهتماما بالغا بالمسائل اللغوية و الخلافيات، كما يعد مرجعا هاما للمشتغلين بالقراءات و توجيهها، المتواترة منها و الشاذة.
ص: 14
و لأبي حيان موقف حميد من الإسرائيليات، فقد دعا إلى تركها، و حذر القارئ في مواطن كثيرة من الاغترار بها، و صرح بذلك في مقدمته، و أن اكثرها خرافات و أباطيل لا تتفق مع العقل السليم، و النظر السديد.
أما المقدمة فقد جاءت مع الخطبة التي قدمها المصنف بين يدي تفسيره في ثمان عشرة صفحة من القطع المتوسط، صاغها المصنف صياغة أديب بليغ مجبول على إنشاء النثر، متمكن في اللغة، عارف بأساليب العرب في الكتابة، ذكر فيها منهجه في التأليف، و مصادره و بعض شيوخه في جملة من الفنون، كما تعرض للحديث عن عدة موضوعات من علوم القرآن، أخذ بيان ما يحتاج إليه المفسر من العلوم، و الوجوه التي ينبغي النظر منها في كتاب اللّه، الأهمية الأولى، قدم المصنف نفسه من خلالها إلى قرائه، فأثبت أن إقدامه على تصنيف البحر إنما هو إقدام متبحر متسلح، قد ألّم بما يحتاجه المفسر، و ذلك بذكر شيوخه في كل فن- وجه- و المصنفات التي قرأها في الفن نفسه حتى تمكن منها.
و تلك كانت غاية أبي حيان من ذكره لتلك الوجوه، و إلا فالبحث في هذه المسألة على الخصوص يحتاج إلى مزيد من العناية و الاهتمام، و ضرب الأمثلة، و بيان مسيس الحاجة للمفسر إلى التعمق في كل وجه من تلك الوجوه، و هو ما لم يفعله المصنف، و لعل ذلك كان وراء التباين بين شهرة التفسير و شهرة المقدمة التي لا تكاد تذكر عند المهتمين بعلوم القرآن.
و قد طبعت المقدمة فيما أعلم ثلاث طبعات:
ص: 15
1) الأولى كانت في مصر سنة 1328 ه بمطبعة السعادة على نفقة سلطان المغرب الأقصى عبد الحفيظ ابن السلطان الحسن، و هي كثيرة الأخطاء و التحريف و صورت هذه الطبعة عدة مرات.
2) طبعة دار الفكر- بيروت- عام 1412 ه بعناية عرفان العشا حسونة و صدقي محمد جميل، و هي الأخرى كثيرة الأخطاء.
3) طبعة جيدة و محققة تحقيقا علميا دقيقا للأجزاء الأولى لأستاذنا الدكتور عبد السميع محمد أحمد حسنين، عام 1413 ه.
أثنى المصنف على اللّه بما هو أهله، و حمده على توالي نعمائه، ثم صلى على النبي الأكرم الذي صدع بالحق فأرشد إلى الخير، و على آله و صحابته.
و صرح أن أهم المعارف هو علم كتاب اللّه، و أن غيره من العلوم كالأدوات، ثم ذكر الدافع إلى التصنيف، بعدها أخذ يفاخر بالأندلسيين لبراعتهم في علم كتاب اللّه، و لانفرادهم بالإقراء منذ أعصار دون غيرهم من ذوي الآداب، و ذكر أن أفضل كتاب يعين على فهم كتاب اللّه هو الكتاب لسيبويه.
عقب ذلك تحدث المصنف عن حياته العلمية و كيف كان يختار الشيوخ، و ينتقي الفضلاء من أهل العلم، و ما لقيه في ذلك من تعب
ص: 16
و نصب و صبر على شظف العيش، و إيثار للعلم على المال و الأهل و الولد.
ثم شرع في عرض المنهج الذي سلكه، و الطريقة التي سار عليها، و الجوانب التي اهتم بها في تفسيره لأهميتها، و تلك التي أعرض عنها لنكارتها و بعدها، و أشار إلى ما حوته تفاسير كثير من السابقين عليه من حشو و تطويل كذكر علل النحويين و دلائل مسائل أصول الفقه و أصول الدين، و اهتمام بأمور لا ينبغي الاهتمام بها كالأحاديث الواردة في الفضائل و الحكايات التي لا تناسب التفسير و تواريخ بني إسرائيل و غيرها مما لا يصح، فعابهم على ذلك، و أكد أن الإحاطة بمعرفة مدلول الكلمة و أحكامها قبل التركيب، و كيفية تركيبها هو المعين على فهم الآيات، أراد بذلك الرد على من ينكر تفسير القرآن بالرأي موقفا فهمه على المنقول و المروي عن السلف، فخطأ المدعي و انتصر لرأيه في جواز ذلك بالأدلة.
انتقل بعدها ليستعرض مع القارئ العلوم التي يحتاجها علم التفسير، و لينبه على أحسن التأليف فيه، فقال: النظر في تفسير كتاب اللّه تعالى يكون من وجوه (1) و ذكر سبعة وجوه:
الأول: علم اللغة اسما و فعلا و حرفا.
الثاني: معرفة الأحكام التي للكلم العربية، من جهة إفرادها و من جهة
ص: 17
تركيبها.
الثالث: كون اللفظ- أو التركيب- أحسن و أفصح، و يؤخذ ذلك من علم البيان و البديع.
الرابع: تعيين مبهم و تبيين مجمل، و سبب نزول، و نسخ.
الخامس: معرفة الإجمال و التبيين، و العموم و الخصوص، و الإطلاق و التقييد، و دلالة الأمر و النهي، و ما أشبه ذلك.
السادس: الكلام فيما يجوز على اللّه تعالى، و ما يجب له، و ما يستحيل عليه.
السابع: اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ، و ذلك بتواتر و آحاد.
و ذكر تحت كل وجه أهم التصانيف فيه، كما صرح باسم من تتلمذ عليه من الشيوخ في كل وجه من تلك الوجوه.
و قال: فهذه سبعة وجوه لا ينبغي أن يقدم على تفسير كتاب اللّه تعالى إلا من أحاط بجملة غالبها، من كل وجه منها. (1)
و عاد ليؤكد من جديد أن المعرفة بتلك الوجوه لا تكفي لمن أراد
ص: 18
التعمق في فهم غوامض الكتاب، إذ يستدعي التبحر في علم اللسان.
انتقل بعدها للحديث عن إعجاز القرآن و قرر أن إعجاز القرآن هو كونه في غاية الفصاحة و نهاية البلاغة، ورد زعم من ادعى وقوع الإعجاز بالصرفة، ففند مقولتهم، و أكد أنهم لم يرزقوا من الذّوق ما به يفرقون بين كلام الخلق و كلام الحق، و بين أن عددا من العرب أسلموا حين سمعوا القرآن و أقروا بإعجازه، و أنه من عند اللّه كأبي ذر الذي سمع من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أوائل (فصلت) فأسلم للوقت، و أذعن للدين الجديد، و أن بعضهم عاندوا و لجوا في عنادهم بغيا أن ينزل اللّه من فضله على من يشاء من عباده، كعتبة بن ربيعة، و الوليد بن المغيرة، و أن ثلة لم تدرك إعجازه، أو أدرك و عاند كمسيلمة الكذاب و غيره.
عقب ذلك نقل مقطعا أدبيا من الكشاف للزمخشري يبهر بحسنه الأدباء- كما قال- و يقهر بفصاحته البلغاء، و جعل ذلك شاهدا للزمخشري بأهلية النظر في تفسير القرآن.
ثم استعرض مفسرين أحدهما مشرقي و هو الزمخشري نفسه، و الآخر أندلسي هو ابن عطية، فأشاد بهما و أطرى عليهما و على تفسيرهما الثناء، و قال: هما من كتب التفسير بمنزلة الإنسان من العين، و ليلة القدر من الليالي، ذكر أنه عرضهما على محك النظر، و أورى فيهما نار الفكر حتى استخلص دسيسهما و برز نفيسهما، و بذلك بين المصنف أنه اعتمد عليهما مصدرين أساسيين له في تفسيره، و هو ما صرح به عقب ذلك.
ص: 19
ثم ذكر أنه اعتمد مصدرا ثالثا، فأكثر النقل عنه هو التفسير الذي جمعه شيخه ابن النقيب (1) غير أنه لم يثني عليه بل وصمه بأنه كثير التكرير، قليل التحرير، مفرط الإسهاب.
بعد هذا انتقل المصنف ليسند قراءته للقرآن، و الطرق التي قرأ بها، و أعلى سند وقع له.
ثم ذكر جملة من المروي في فضائل القرآن و ذكر أن أبا عبيد القاسم بن سلام هو من جملة من صنف فيه، أتبعها بروايات تبين فضيلة علم التفسير، و ذكر التفسير بالرأي و حمل المروي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في كونه لم يفسر إلا آيا بعدد، على مغيبات القرآن، و تفسير مجمله و ما لا سبيل إليه بتوقيف من اللّه تعالى، كما حمل تخطئة من قال بالرأي و لو أصاب، على تسور القرآن دون النظر في أقوال العلماء و قوانين العلوم.
و انتقل عقب ذلك إلى بيان مراتب المفسرين فذكر من مفسري الصحابة علي ابن أبي طالب، و ابن عباس، و ابن مسعود، و أبي بن كعب، و زيد بن ثابت، و عبد اللّه ابن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهم أجمعين-
و ذكر من التابعين الحسن البصري، و مجاهد، و سعيد بن جبير،
ص: 20
و علقمة، و الضحاك، و ابن مزاحم، و السدي، و أبي صالح- رحمهم اللّه- ثم ذكر مسيرة التفسير من بعدهم.
و جاء الختام ببيان معنى التفسير في اللغة و الاصطلاح، شارحا التعريف الاصطلاحي الذي أطلقه.
و هذا التعريف الاصطلاحي الذي أطلقه أبو حيان اعتمده ثلة من أهل العلم، و لم زالوا يتناقلوه في كتبهم كالآلوسي و غيره.
بين المصنف منهجه في التفسير، و الترتيب الذي سار عليه في الخطبة التي سبقت الموضوعات التي تعرض لها في مقدمته، و فصل القول في منهجه تفصيلا دقيقا، غير أن منهجه في معالجة الموضوعات التي تعرض لها في المقدمة مختلف، ففي العلوم التي يحتاجها المفسر، أو الوجوه التي ينبغي للناظر في كتاب اللّه الإلمام بها، كان منهج المصنف أنه يذكر الفن بعبارة واضحة، ثم يبين بعض المصادر الهامة فيه و أفضل من صنف فيه، يعقب ذلك بذكر شيوخه الذين تلقى عنهم ذلك الفن ليبين أن إقدامه هو إقدام ملمّ مسلح بما تحتاجه صناعة التفسير (1).
و من منهج المصنف الاعتماد على المعقول في بعض المسائل، و ضرب
ص: 21
الأمثلة لتقريب المسألة و ذلك لإقناع القارئ بما يريد التأكيد عليه. (1)
و من منهج المصنف أيضا بيان مصادره- المكتوبة و المسموعة- التي استقى منها مادة كتابه، كما يذكر من تلقى عنهم العلم و أسانيده في القرآن و القراءات. (2)
و حين يسوق المصنف الأحاديث و الآثار الدالة على فضائل القرآن و تفسيره، فإنه يسردها دون أسانيدها، كما أنه لا يذكر من أخرجها من الأئمة، و قد يعقب على إحداها لبيان معنى مفردة، أو بيان تأويل عبارة. (3)
بقي أن أشير إلى أن المصنف اعتمد في المقطع الأخير من مقدمته الذي كان عن بيان معنى التفسير كلام ابن دريد و ثعلب فيما يخص اللغة، و حين عرّف التفسير في الاصطلاح شرح مفردات التعريف.
لقد نهج أبو حيان في البحر نهجا قويما، و رسم لطريقه رسما دقيقا، و التزم ما ألزم به نفسه في الغالب، فقد بيّن أنه يبتدأ بالكلام على مفردات الآية لفظة لفظة، و يبين ما يحتاج إليه من اللغة و الأحكام النحوية، و التزم
ص: 22
ذلك (1)، و يتكلم في التفسير فيذكر سبب النزول للآيات التي لها سبب نزول مع بيان مناسبتها و ارتباطها بما قبلها، و التزم ذلك أيضا (2)، مثبتا القراءات شاذها و مستعملها، مع توجيهها و الترجيح بينها عدا المتواتر فإنه لا يرجح بينها لاعتبارها على درجة واحدة ما دامت صادرة عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و يتحدث عن الواضح و الخفي من الكلمات، و هذا الشرط أيضا التزمه المصنف، فقلما تجد موضعا من كتاب اللّه في أكثر من قراءة إلا و ذكر ذلك المصنف، و أورد القراءة (3)، حتى الألفاظ المشهورة يذكرها، غير أنه لا يكرر الكلام في لفظة أو آية سبق الحديث فيها، فيكتفي بالإحالة إلى الموضع الذي تم البيان فيه (4)، كما ينقل أقوال الفقهاء الأربعة في الأحكام الفقهية دون التعمق في ذلك، معتمدا الإحالة إلى كتب الفقه في الغالب، و قد التزم ذلك في التفسير (5)، مختتما بالكلام في جملة من الآيات التي فسرت إفرادا و تركيبا بما ذكر أهل العلم فيها من علم البيان و البديع، يتبع آخر الآيات بكلام منثور يشرح مضمون تلك الآيات في عبارة حسنة (6)، و تجنب أقاويل
ص: 23
الصوفية التي يحملونها كلام اللّه، و ربما أورد شيئا من ذلك إن وجد لذلك مناسبة، كما عدل عن ترك كلام الباطنية الملحدين، و كذلك أعرض عن ذكر كثير من الإسرائيليات و الحكايات التي لا تتناسب و تواريخ بني إسرائيل (1).
و هكذا يظهر للقارئ أن المفسر قد التزم في تفسيره بما ذكره في مقدمته، و لم يخل بذلك في الجملة.
ذكر المصنف في مقدمته أسماء و عناوين مصادر كثيرة، غير أن النقول التي أوردها في المقدمة هي من عشرة مصادر فقط، فهو لم يكثر من النقل، و الذين نقل عنهم هم:
أبو جعفر بن الزبير، و هو شيخه، و ما أورده هو شي ء سمعه منه. (2)
و أبو بكر الباقلاني من كتابه الانتصار في إعجاز القرآن، هكذا سماه المصنف، و اسمه الصحيح: الانتصار في صحة نقل القرآن. (3)
ص: 24
و الزمخشري من الكشاف. (1)
و ابن عطية من تفسيره. (2)
و محمد بن وهب القشيري. (3)
و ابن النقيب من كتابه التحرير و التحبير لأقوال أئمة التفسير. (4)
و أبو عبد اللّه القاسم بن سلام، و المصنف لم يصرح بالنقل عنه و إن كان قد أورده في معرض النقل عنه (5)
و الإمام البخاري. (6)
و ابن دريد. (7)
و ثعلب. (8)
ص: 25
لا يستطيع المرء الحكم على مقدمة أبي حيان ذلك لأن المصنف لم يرد منها ما أراده غيره من جعلها مقدمة تشتمل على ما يلزم المفسر من العلوم و الأدوات التي تعينه على تفسير كتاب اللّه، أو تلك التي يلزم القارئ الإلمام بها و معرفتها قبل قراءة التفسير ليكون على دراية و معرفة.
و ما جاء في هذه المقدمة من الوجوه التي ذكرها المصنف و التي ذكر لزوم معرفتها للناظر في كتاب اللّه، و ذكرها المصنف كما سبق أن قلت ليبين أنه آخذ بها قبل الإقدام على طرق باب التفسير.
و على العموم فإن من أهم مزايا هذه المقدمة أنها المقدمة الأولى من بين المقدمات التي درستها تقدم تعريفا اصطلاحيا لعلم التفسير، و هو ما لم يفعله السابقون كما صرح بذلك المصنف نفسه. هذ ما قلته في مقدمة أبي حيان و أستغفر اللّه من التقصير و الزلل.
ص: 26
للحافظ أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير المتوفى سنة 774 ه.
مصنف هذا السفر العظيم هو: الإمام القدوة أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن عمر بن كثير بن ضو بن كثير بن ضو بن درع الشافعي الدمشقي (1).
ولد بقرية شرقي بصرى الشام، على رأس المائة الثامنة للهجرة (700 ه (2) في أسرة عرفت بالعلم و مدارسة الكتاب، و تربى في حجر أمه الحافظة، و أخيه المعلم كمال الدين عبد الوهاب فكان به و بأخوته رفيقا، و لهم شقيقا، بعد أن تيتّموا عام (703 ه) بفقد و الدهم الذي عرف بالعلم
ص: 27
و اشتهر بالخطابة و قول الشعر، و كان تلميذا تلقى العلم عن النووي و الفزاري و غيرهما. (1)
و لشغف العائلة بالعلم، شدت الأسرة الرحيل إلى حاضرة العلم، و مأوى العلماء، إلى دمشق- و كان قد سبقهم قبل وفاة والدهم أخ لهم يقال له إسماعيل، و توفي بها و هو يطلب العلم فسمي المصنف باسمه لحب الوالد لولده- و استقرت الأسرة هناك بعد وفاة والدهم بأربع سنين عام (706 ه)، و كان أبو الفداء حتى ذلك العهد يتلقى أبجديات العلم على يد أخيه و أستاذه عبد الوهاب، حتى إذا اشتد عوده دفعه الأخ إلى حلقات العلم فانتظم فيها، و عرفته أزقة دمشق طالب علم مجد و مثابر، كما عرفته المساجد و دور المعرفة عابدا و مجتهدا.
حفظ القرآن الكريم و هو لم يتجاوز الحادية عشرة من العمر، (2) و أقبل على حفظ المتون و معرفة الأسانيد و العلل و الرجال و التاريخ حتى برع في ذلك و هو لا يزال في ريعان الشباب، فحفظ التنبيه و له ثمان عشرة سنة (3) و حفظ مختصر الحاجب (4) و سمع بدار الحديث الأشرفية نحوا من خمسمائة
ص: 28
جزء بالإجازات و السماع في الحديث على الشيخ ابن الشحنة (1)، و صنف في صغره كتاب (الأحكام على أبواب التنبيه) (2) و لنبوغه- يرحمه اللّه- تصدر أقرانه، وفاق خلانه، حتى أعجب الشيوخ به و ترجموا له و أثنوا عليه في حياته، و تلك مكرمة لا تحصل إلا لقلة من الناس.
لقد اختير للحافظ ابن كثير- يرحمه اللّه- حاضرة من حواضر العلم، و مرتعا من مراتع المعرفة و أرضا بورك فيها، يشد العلماء الرحال إليها، و المقام بها، و يأنس الطلبة بسكناها، و يحلو لهم العيش بين أحضانها، فلا غرو أن تحفل تلك الدوحة (دمشق) بجمع غفير من أهل العلم كالذهبي و المزي و ابن عساكر و غيرهم من الذين علت همتهم، و عرفوا فضل المدينة و سكناها.
لقد تلقى الحافظ أبو الفداء العلم على يد صفوة من علماء دمشق في وقت نشطت فيه الحركة العلمية نشاطا ملموسا في شتى الفنون و المعارف، و من هؤلاء:
عبد الرحمن بن إبراهيم الفزاري الشهير بابن الفركاح (3)، و أحمد بن
ص: 29
أبي طالب الحجار، المعروف بابن الشحنة (1)، و غيرهم كابن عساكر و ابن قاضي شهبة، و المزي. (2)
أما تلاميذه فقد ذكر في البداية و النهاية (3) أنه كان للحافظ ابن كثير في اليوم الواحد ستة مواعيد تقرأ عليه، أولها بمسجد هشام بكرة قبل طلوع الشمس، ثم تحت النسر (4)، ثم بالمدرسة النورية، و بعد الظهر بجامع تنكز، ثم بالمدرسة العزية، ثم بالكوشك ... إلى أذان العصر، ثم بعد العصر بدار ملك الأمراء أمير علي، بمحلة القضاعين إلى قريب الغروب، و يقرأ صحيح مسلم بمحراب الحنابلة.
و هذا النص خير دليل على كثرة التلاميذ الذين وردوا هذا النبع الصافي حتى ارتووا و شنفوا الآذان بالسماع، و من أولئك المشاهير الذينق.
ص: 30
تلقوا عن ابن كثير:
الحافظ شهاب الدين أحمد بن حجي الحسباني ت (816 ه) (1)، و بدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ت (794 ه) (2)، و محمد بن محمد بن محمد الجزري صاحب النشر ت (833 ه) (3) و غيرهم.
يقول ابن حبيب عن الحافظ ابن كثير: سمع و جمع و صنف .. و طارت أوراق فتاويه إلى البلاد (4). و يقول الحافظ ابن حجر: سارت تصانيفه في حياته، و انتفع بها الناس بعد وفاته. (5)
لقد صنف ابن كثير العديد من المصنفات اشتهرت فانتشرت حتى اعتمد عليها في بابها كالتفسير و التاريخ و الحديث و السيرة و غير ذلك.
ص: 31
1) البداية و النهاية، موسوعة تاريخية ضخمة تابع المصنف فيها الأخبار، و طبعت مرارا و تكرارا.
2) التفسير، و هو موضوع الباب.
3) تهذيب الكمال لابن الصلاح، طبع باسم (الباعث الحثيث) علق عليه الأستاذ أحمد محمد شاكر.
4) السيرة النبوية: ذكر أنها صغيرة، غير أن الأستاذ مصطفى عبد الواحد انتزع السيرة من البداية و النهاية و أخرجها محققة، و أخبر أن المصنف قد ضمها إليه- أي إلى التاريخ- (1).
5) أحاديث التوحيد و الرد على أهل الشرك. (2)
6) الاجتهاد في طلب الجهاد. و غير ذلك (3)
ص: 32
الحافظ ابن كثير علم من أعلام السلف المشهود لهم بحفظ المتون و كثرة الاستحضار، و سلامة العقيدة، و نصرة مذهب السلف في الأصول و الفروع، و ارتضاء ذلك قولا و عملا، و الأدلة على ذلك كثيرة امتلأت بها مصنفات الحافظ- يرحمه اللّه- و لا يعجز الباحث من الوقوف على المزيد منها بيسر و سهولة.
و قد كانت لعلاقة الحافظ بشيخ الإسلام ابن تيمية و تلمذته على يده الأثر البالغ في توجهه السلفي، و تصديه لأهل الزيغ و الضلال من الملل و النحل في تلك الفترة التي ظهرت فيها البدع و المنكرات، و كثرت حتى افتتن الناس في دينهم، فقيّض اللّه لنصرة الحق علماء عاملين، بالحق ناطقين، نافحوا عن دين اللّه، و بينوا انحراف الضالين و تأويل المبطلين، و كان منهم الحافظ ابن كثير، فقد نافح عن شيخه ابن تيمية- الذي كان رمزا للتصدي للباطل- و ارتضى كثيرا من آرائه حتى امتحن بسبب ذلك و أوذي. (1)
و لقد حظي الحافظ بمكانة مرموقة عند أهل عصره، فشهدوا له بعلو
ص: 33
الكعب، و لقيت أقواله القبول عند أهل العلم، و أجمعوا على حبه، و الثناء عليه و على علمه و سلامة عقيدته، و لهذا تسلم مشيخة دور العلم المشهورة في دياره كدار الحديث الأشرفية و غيرها (1) و التدريس في مدارس عديدة كالتنكزية الكبرى (2) و النورية الكبرى (3) و المدرسة النجيبية (4) و الجامع الأموي (5)، كما اسندت إليه الخطابة في جوامع عديدة (6).
كل هذا الأمر دفع شيخه الذهبي ليترجم له و يثني عليه ثناء حسنا، و هل هناك شرف يعدل هذا الشرف، شيخ يترجم للتلميذ و يقول عنه: إمام محدث بارع، فقيه متفنن، و مفسر نقاد، له تصانيف مفيدة (7).
لقد كثرت النصوص التي بينت مكانة الحافظ ابن كثير و تواترت، و من تلك النصوص: ما نعته به تلميذه الوفي الحافظ ابن حجي بقوله: كان أحفظ من أدركناه لمتون الحديث و أعرفهم بتخريجها و رجالها، و صحيحها و سقيمها، و كان أقرانه و شيوخه يعترفون له بذلك، و كان يستحضر شيئا
ص: 34
كثيرا من الفقه و التاريخ، قليل النسيان، و كان فقيها صحيح الذهن يحفظ التنبيه إلى آخر وقت، و شارك في العربية مشاركة جيدة. (1)
كما وصفه ابن حبيب بقوله: اشتهر بالضبط و التحرير، و انتهت إليه رئاسة العلم في التاريخ و الحديث و التفسير. (2)
و نعته الداودي: بقدوة العلماء و الحفاظ، و عمدة أهل المعاني و الألفاظ. (3)
ناهيك عن ثناء الأعلام المتأخرين الذين وقفوا على خلاصة علم المتقدمين فأقروا للحافظ بالفضل و الرسوخ في المعقول و المنقول، و كتب التراجم تزخر بكم هائل من النصوص التي تبين علو كعب المصنف، و سمو فكره، و سلامة عقيدته.
في يوم الخميس، السادس و العشرين من شعبان سنة أربع و سبعين و سبعمائة (774 ه) سلم الحافظ ابن كثير الروح إلى بارئها، و فاضت بعد حياة مليئة بالجد و الاجتهاد و الجهاد، و نشر النور و العلم و تبديد الظلمات،
ص: 35
فقد فيها البصر غير أنه بقي بصيرا يذكر اللّه إلى آخر نفس، و دفن إلى جانب شيخه و قدوته شيخ الإسلام ابن تيمية، رحمهما اللّه رحمة واسعة، و جزاهما عنا و عن المسلمين خير الجزاء (1).
يعد تفسير الحافظ ابن كثير (تفسير القرآن العظيم) من أكثر التفاسير انتشارا و اعتبارا في عصرنا الراهن، عند الخاصة و العامة، فقد حبا اللّه المصنف قوة في الفهم، و سدادا في الرأي، و اعتبارا في الحجة، إضافة إلى سلامة المنهج و وضوح الطريقة و جزالة العبارة، كل ذلك كانت أسبابا جعلت لهذا التفسير الاعتبار و القبول و الاستمرارية.
فحين تعددت ألوان التفسير، و سلك المتقدمون فيه مذاهب متنوعة، و وجدت التفاسير الطوال التي امتلأت بالخلافيات في شتى الألوان،
ص: 36
و عجزت الهمم عن متابعة ذلك، اتجه جماعة من أهل العلم استشعروا و عورة الطريق، إلى سلوك طريق مختصر لتأويل كتاب اللّه، و بيان معاني ألفاظه، متوسطين في ذلك، جامعين بين المأثور و الرأي، فكان الحافظ واحدا من هؤلاء الذين ارتضوا هذا النهج، بل يعد فارس هذه الحلبة، و رائد هذه الكتيبة. (1)
لقد قدم الحافظ ابن كثير تفسيرا جمع فيه المأثور من بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و صحابته و التابعين، و بين ما توصل إليه من إعمال الرأي، المعتمد على اللغة و فهم السلف، في مباحث هامة تحدث عنها العلماء، فقهية كانت أو نحوية أو لغوية، أو غيرها من المسائل التي لها صلة بتوضيح الآيات و المعاني، بعبارة سلسة، و ألفاظ مختارة، و لعله هو الأمر الذي دفع السيوطي ليقول: له تفسير لم يؤلف على نمطه مثله. (2)
و هو الأمر الذي جعل الشوكاني يقول: جمع فيه فأوعى، و نقل المذاهب و الأخبار و الآثار و تكلم بأحسن كلام و أنفسه، و هو من أحسن التفاسير إن لم يكن أحسنها. (3)
و لأهميته عند أهل العلم اتجهت الأنظار قديما و حديثا لاختصاره
ص: 37
و تجريده من بعض ما ينبغي، ففي النصف الثاني من القرن الثامن اختصره سعيد بن محمد بن مسعود الكازروني، و سماه (البدر المنير) (1)، و في عصرنا الحالي وجدت ثلاثة مختصرات للكتاب، اختصره الأستاذ أحمد شاكر و سماه (عمدة التفسير من الحافظ ابن كثير) غير أنه لم يتمه (2)، و اختصره الشيخ محمد علي الصابوني، و لقي شهرة واسعة، غير أن موقف المختصر من بعض المسائل العقدية جعل طلبة العلم يصدون عنه، و يفضلون اختصار الشيخ نسيب الرفاعي المسماة (تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير).
و لأهميته أيضا لقي هذا التفسير عناية خاصة من الأكادميين في الجامعات فسجلت فيه و حوله عدة رسائل علمية.
بقي أن أشير إلى أن الحافظ ابن كثير قد تأثر بشيخ هذا الفن ابن جرير الطبري تأثرا ملحوظا و إن اختار منهجا مغايرا، ورد على بعض آرائه و ناقشها مناقشة جادة، كما تأثر بالحافظ جل المفسرين الذين جاءوا من بعده كأبي السعود و الآلوسي و القاسمي و الشنقيطي و سيد قطب و غيرهم.ء.
ص: 38
و يمتاز هذا التفسير بأن الحافظ يفسر القرآن بالقرآن، ثم بالسنة، ثم بأقوال الصحابة و التابعين، فإن لم يجد التجأ إلى إعمال الرأي المؤيد باللغة، و هو يمحص الروايات و الأخبار في كل ذلك، و ينتقد البعيد المتكلف، كما يحكم على الأحاديث و الآثار و يبين درجتها في الغالب.
ينتصر المصنف لمذهب السلف، و يعرض عن الإسرائيليات و إن ذكر بعضا من القسم المسكوت عنه فإنه إنما يذكرها للاستشهاد لا للاعتقاد، و يصرح بأن غالب ما في هذا النوع لا فائدة فيه يعود إلى أمر ديني. (1)
كما أنه لا يتوانى عن ذكر أسباب النزول، فيسرد الروايات، و يختار الراجح منها، و يذكر المسائل الفقهية بإيجاز دون إسراف أو تطويل.
و قد نبه الحافظ في خطبة كتابه إلى أهمية تفهم كتاب اللّه مصداقا لقوله تعالى (أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 82] و عليه فإن العلماء مطالبون بالكشف عن معاني كلام اللّه، و تفسيره و تعليمه و تعلمه، و تبصير الناس بها، و هو أمر يستدعي معرفة أحسن الطرق الموصلة إلى السداد في القول، لأجل هذا خص المصنف مقدمته لبيان تلك الطرق.
و قد جاءت المقدمة مع خطبة الكتاب في سبع صفحات من القطع
ص: 39
الكبير، و هي ليست طويلة إذا ما قورنت بمقدمات أسلافه الطبري و ابن عطية و غيرهما، على خلاف ما ذكر الذهبي من أنه قدم لتفسيره مقدمة طويلة هامة. (1)
كما أنها ليست شاملة كمقدماتهم، و لعل المصنف لم يرد ما أراده السابقون من تقديم أبحاث بين يدي تفاسيرهم تتضمن ما يجب على طالب التفسير معرفته قبل البدء في التفسير، فقد اكتفى الحافظ ببيان أحسن طرق التفسير، و ما يتعلق بذلك من المسائل.
كما رأى الحافظ أن يلحق بالتفسير كتابا ألفه في فضائل القرآن، مقتديا بالبخاري- رحمه اللّه- الذي أخر كتاب الفضائل عن كتاب التفسير في «صحيحه»، ثم عدل عن رأيه و وجد أن تقديم الفضائل على التفسير هو الأولى، و هو ما عمد إليه في آخر نسخة مخطوط من كتابه، و هي في مكتبة الحرم المكي برقم [ (90) تفسير] كتبت في عصر المؤلف و قبل وفاته كما هو ثابت في التاريخ الذي في أواخر الأجزاء (2).
يقول المصنف في «ص 11» من المخطوط المذكور على ما ذكره الأستاذ الزهراني:
و ذكر البخاري- رحمه اللّه- كتاب فضائل القرآن بعد كتاب التفسير
ص: 40
لأن التفسير أهم، و لهذا بدأ به، و نحن قدمنا الفضائل قبل التفسير، و ذكرنا فضائل كل سورة قبل تفسيرها ليكون باعثا على حفظ القرآن و فهمه، و العمل بما فيه، و اللّه المستعان. (1)
و أعود إلى المقدمة فأقول: إن الذهبي ذكر أن الحافظ ابن كثير اعتمد في مقدمته كتاب شيخه ابن تيمية، فقال: و أغلب هذه المقدمة مأخوذ بنصه من كلام شيخه ابن تيمية الذي ذكره في مقدمته في أصول التفسير. (2). و ما قاله حقيقة فما جاء في هذه المقدمة هو بتمامه من كلام شيخه، و لا غرو في ذلك فإن الحافظ- كما سبق أن ذكرت- قد تأثر بابن تيمية في كثير من آرائه حتى أوذي بسبب ذلك، كما أن ما كتبه ابن تيمية في مقدمته يعتبر من أهم ما كتب في هذا الباب على الإطلاق (3).
و قد طبعت المقدمة مع أصل الكتاب طبعات عديدة أذكر منها:
1) طبع بهامش تفسير (فتح البيان في مقاصد القرآن) لأبي الطيب صديق حسن القنوجي- المطبعة الأميرية ببولاق 1301 ه في ستة مجلدات.
2) طبعة دار إحياء التراث العربي، عيسى البابي الحلبي، قوبلت على
ص: 41
عدة نسخ خطية بدار الكتب المصرية، و صححها نخبة من العلماء، في أربعة أجزاء، و قد صورت هذه الطبعة مرارا.
3) طبع بعناية الأستاذ محمد رشيد رضا، و بأسفله تفسير البغوي، عام 1343 ه و صدر بمطبعة المنار على نفقة الملك عبد العزيز آل سعود- رحمه اللّه- في تسعة مجلدات.
4) طبعة مطابع الفجالة الجديدة- مصر 1384 ه بعناية و نشر الشيخ عبد الشكور فدا، صاحب مكتبة النهضة الحديثة بمكة، في أربعة مجلدات.
5) طبعة دار الفكر- بيروت 1385 ه في سبعة مجلدات، و أعيد طباعتها عام 1389 ه الطبعة الثانية، و ألحق بها فضائل القرآن. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 42 ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: ..... ص : 36
طبعة دار المعرفة- بيروت 1388- و 1406 ه في أربعة مجلدات و هي الأكثر انتشارا بين الناس.
7) طبعة دار الشعب- القاهرة 1391 ه- في أربعة مجلدات بتحقيق:
عبد العزيز غنيم، و محمد أحمد عاشور، و محمد إبراهيم البنا، و هي من أجود الطبعات.
8) طبعة دار الأرقم للنشر و التوزيع في أربعة مجلدات- الكويت 1405 ه، خرج أحاديثه الشيخ مقبل بن هادي الوادعي.
9) طبعة مكتبة العبيكان بالرياض، قدم له أستاذي القدير الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع.
ص: 42
ذكرت فيما سبق أن الحافظ حصر مقدمته على بيان أحسن طرق التفسير، و أنه أخذها برمتها من كتاب شيخه ابن تيمية (مقدمة في أصول التفسير)، و إن كان قد أسقط منها بعض الجمل.
أسبق المصنف المقدمة بخطبة بين يدي تفسيره، حمد فيها اللّه منزل الكتاب على خاتم النبيين، المرسل إلى جميع الثقلين بشيرا و نذيرا، فندبهم إلى تدبر معاني كلامه و تفهمه (أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء: 82] و مقتضى هذا الندب أن ينصرف العلماء إلى الكشف عن تلك المعاني، و تعلمه و تعليمه، و إلا كانوا كمن ذمهم اللّه من أهل الكتاب في قوله (وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ) [آل عمران: 187].
و لفهم كتاب اللّه على الوجه الصحيح كان على المفسر أن يعلم أحسن الطرق المؤدية لذلك، و هو الموضوع الذي ضمّنه المفسر مقدمته.
يرى الحافظ ابن كثير تبعا لشيخه ابن تيمية- رحمه اللّه- أن أصح الطرق هو تفسير القرآن بالقرآن، يليه تفسير القرآن بالسنة لكونها شارحة و موضحة له، فإن لم يجد المفسر مراده في الكتاب و لا في السنة رجع إلى
ص: 43
أقوال الصحابة- رضي اللّه عنهم- و اعتمد فهمهم له، نظرا لما شاهدوه من القرائن و الأحوال، و لما لهم من الفهم التام و العلم الصحيح، و خاصة كبراؤهم كابن عباس و ابن مسعود و غيرهم. و أورد لذلك الأدلة و الأمثلة.
بعدها عرج المصنف على ما نقل عن بعضهم في كونهم حكوا بعض أقاويل أهل الكتاب التي أباحها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بقوله: «بلغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج ...» الحديث. (1) فبين أن الرواية الإسرائيلية ثلاثة أقسام، بينها و بين الموقف منها قبولا و رفضا.
انتقل الحافظ بعد ذلك ليبين حكم تفسير التابعي، فذكر أولا أن كثيرا من الأئمة يرجعون إلى أقوال التابعين كمجاهد الذي عرض المصحف على ابن عباس ثلاثا يسأله عن كل آية، و كسعيد بن جبير و عكرمة و غيرهم، مؤكدا أن اختلافهم في كثير من الأحايين هو اختلاف تنوع لا اختلاف تباين، و قرر عقب ذلك أن قول التابعي لا يكون حجة على من خالفهم إلا إذا أجمعوا على الشي ء فحينئذ لا يرتاب في يكونه حجة.
ثم تعرض للتفسير بالرأي، و أوضح أن التفسير بمجرد الرأي، و التكلم في كتاب اللّه بما لا علم له به حرام غير جائز، و هو الذي ورد فيه التحذير و الوعيد في أحاديث كثيرة، و تحرج السلف من القول في كتاب اللّه
ص: 44
لذلك، أما التكلم من الذي يعلم اللغة و الشرع فواجب لقوله تعالى:
(لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران: 187] و لقوله صلى اللّه عليه و سلم: «من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار» (1)، و لهذا رأينا لأولئك الذين تحرجوا من القول في بعض المواطن أقوالا عديدة.
و قبل أن يختم ضعّف المروي عن السيدة عائشة- رضي اللّه عنها- في كون النبي صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر إلا آيا بعدد. و قال: حديث منكر غريب. و ختم ببيان أوجه التفسير الأربعة المنسوبة للحبر ابن عباس رضي الله عنه.
من مناهج ثلة من القدماء في التأليف أنهم إذا وقفوا على تحرير لأحد السابقين من أهل العلم في مسألة من المسائل العلمية، و ارتضوا ذلك و تبنوه، نقلوه بنصه في تآليفهم و كتبهم، سواء أشاروا إلى ذلك كما فعل القرطبي الذي رأى أن من بركة العلم عزو القول إلى قائله، أم لم يشيروا كما فعل المصنف الحافظ ابن كثير في مقدمته التي بين أيدينا، و لا نشك أن منهج الأول أسلم، و إن كان المنهج الآخر لم يلق النكير من أهل العلم، و بخاصة إذا كان المنقول عن شخص له اتصال مباشر بالناقل، كما هو الحال بالنسبة للحافظ و شيخه ابن تيمية، حينئذ يكون الأمر غير خاف على الذين وضع الحافظ ابن كثير كتابه لهم.
ص: 45
مهما يكن الأمر فإن الحافظ ابن كثير اتبع المنهج النقلي في مقدمته، فنقل جلّ ما جاء في مقدمة شيخه في هذا الموضوع، و إن أعمل قلمه في حذف اليسير من الآثار، كما أضاف إضافات خفيفة رأى أن من الأهمية ذكرها.
و من الذي أسقطه أثران أوردهما ابن تيمية في معرض حديثه عن تفسير التابعي، الأول منهما ورد عن قتادة، و جاء معترضا أخبار مجاهد، فربما أسقطه الحافظ لأجل ذلك.
و الآخر كان من أخبار مجاهد نفسه.
أما الإضافات، فقد أضاف بعض الروايات الدائرة حول التفسير بالرأي، و استدرك على شيخه ابن تيمية ما رواه ابن جرير بسنده عن السيدة عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: ما كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا تعد علمهن إياه جبريل عليه السلام. (1) و تكلم عن سند الرواية، كما نقل كلام ابن جرير عنها.
لم يتحدث ابن كثير في مقدمته عن المنهج الذي سيسلكه في تفسيره، و لا ألزم نفسه بشي ء حتى يستطيع المرء الحكم عليه، و بيان مدى التزامه.
ص: 46
المصدران المعتمدان للحافظ ابن كثير في مقدمته هما كتاب شيخه ابن تيمية (مقدمة في أصول التفسير) الذي لم يصرح بالرجوع إليه و التعويل عليه، و المصدر الثاني تفسير ابن جرير الطبري الذي نقل عنه يسيرا.
و قد أملى ابن تيمية مقدمته من فؤاده، دون الرجوع إلى مرجع محدد- كما ذكر ذلك (1)- غير أنه أورد أقوالا لأهل العلم في المسائل التي عالجها، و كان جلّ اعتماده على ابن جرير (2) و أبي عبيد القاسم بن سلام (3) و غيرهما.
لعل من أهم مزايا مقدمة الحافظ ابن كثير أنها عالجت الموضوع المطروق معالجة جادة، و جاءت وافية كافية في بابها.
أما أظهر المآخذ عليها، فتكمن في أنها لم تعالج إلا موضوعا واحدا من موضوعات علوم القرآن الكثيرة التي يحتاج المفسر الوقوف عليها و الإلمام بها، كما أن الحافظ ابن كثير لم يأت بشي ء جديد يضيفه إلى كلام شيخه ابن
ص: 47
تيمية في الموضوع نفسه، عدا تلك الإضافة اليسيرة التي ذكرتها من قبل.
هذا ما علمته، و اللّه أعلم.
ص: 48
الموضوع الأول: نزول القرآن
الموضوع الثاني: جمع القرآن و ترتيبه
الموضوع الثالث: رسم المصحف و نقطه و شكله و وضع الأخماس و الأعشار
الموضوع الرابع: سور القرآن و آياته و كلماته و حروفه
الموضوع الخامس: أسماء القرآن و أسماء سوره
الموضوع السادس: فضائل القرآن و خواصه و آداب تلاوته
الموضوع السابع: المكي و المدني
الموضوع الثامن: التفسير و التأويل
الموضوع التاسع: بيان شرف التفسير و الحاجة إليه
الموضوع العاشر: أوجه التفسير و طرقه و أنواعه
الموضوع الحادي عشر: العلوم التي يحتاجها المفسر
الموضوع الثاني عشر: مراتب المفسرين
الموضوع الثالث عشر: الاختلاف بين المفسرين و قواعد الترجيح
الموضوع الرابع عشر: الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن
الموضوع الخامس عشر: الظهر و البطن و الحد و المطلع
الموضوع السادس عشر: ما وقع في القرآن بغير لغة العرب
الموضوع السابع عشر: الوقف و الابتداء
الموضوع الثامن عشر: إعجاز القرآن
ص: 49
ص: 50
روى عبد الرزاق بسنده قال: حدثنا معمر عن أبان بن أبي عياش عن أبي العالية قال: نزلت الصحف في أول يوم من شهر رمضان، و نزلت التوراة لست، و نزل الزبور لاثني عشر منه، و نزل الإنجيل لثمان عشرة، و نزل الفرقان لأربع و عشرين من شهر رمضان. (1)
أنزل اللّه القرآن المجيد من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر
ص: 52
جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك مفرقا على لسان جبريل عليه السلام إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم مدة رسالته عند الحاجة و حدوث ما يحدث على ما يشاء اللّه تعالى (1).
فقد أخرج عبد الرزاق بسنده عن سعيد بن جبير قال: نزل جبريل بالقرآن جملة واحدة ليلة القدر [....] (2) النجوم من السماء في بيت العزة، فجعل جبريل ينزل به على النبي صلّى اللّه عليه و سلم رتبا (3).
و روى عكرمة عن ابن عباس- رضي اللّه عنه- قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت العزة، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة. (4)
ص: 53
ص: 54
اختلف في مدة نزول الوحي على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه نزل في ثماني عشرة سنة، و هو اختيار الحسن على ما ذكره ابن الجوزي، فقد نقل عنه أنه قال: ذكر لنا أنه كان بين أوله و آخره ثماني عشرة سنة، أنزل عليه بمكة ثماني سنين. (1)
القول الثاني: أنه نزل في عشرين سنة، ورد عن ابن عباس و عكرمة و الشعبي، و هو اختيار ابن جزي (2)، فقد أخرج الحاكم عن عكرمة عن ابن عباس قال: أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى بيت العزة، ثم أنزل بعد ذلك في عشرين سنة (3).
و قال الشعبي: فرق اللّه تنزيل القرآن فكان بين أوله و آخره عشرون
ص: 55
و قال الشعبي: فرق اللّه تنزيل القرآن فكان بين أوله و آخره عشرون سنة (1).
القول الثالث: أنه نزل في ثلاث و عشرين سنة، ذكره ابن جزي (2).
و قد عزا ابن جزي الكلبي الخلاف إلى الاختلاف في سنّه صلّى اللّه عليه و سلم يوم توفي، هل كان ابن ستين أو ثلاث و ستين سنة. (3)
ص: 56
و كان سنّه صلّى اللّه عليه و سلم حين نزل عليه الوحي أربعون سنة. (1)
كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم ربما تنزل عليه سورة كاملة، و ربما نزل عليه آيات مفترقات فيضم عليه السلام بعضها إلى بعض حتى تكتمل السورة (2).
و قد اختلف في أول القرآن نزولا على أربعة أقوال، فالمشهور أنه صدر سورة العلق: اقرأ. و قيل: المدّثر. و قيل: الفاتحة. و قيل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*.
فأما الأول: فهو قول عائشة- رضي اللّه عنها- و به قال قتادة و أبو صالح، و هو اختيار ابن الجوزي و الخازن و ابن جزي، و أغلب أهل العلم، و هو الصحيح الثابت (3)، فقد روى البخاري بسنده عن عائشة- رضي اللّه عنها- أنها قالت: أول ما بدئ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم من الوحي الرؤيا
ص: 57
الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان يختلي بغار حراء فيتحنّث فيه- و هو التعبد- الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله، و يتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة- رضي اللّه عنها- فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق و هو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني فغطّني (1) حتى بلغ مني الجهد (2)، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئ.
فأخذني فغطّني الثالثة ثم أرسلني فقال: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق الآيات: 1- 5]. فرجع بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم يرجف فؤاده. (3) فقال: زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع. (4)
ص: 58
القول الثاني: أن أول ما نزل سورة الْمُدَّثِّرُ، و هو مروي عن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنه- (1)، فقد روى مسلم عنه أن أول ما نزل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. (2)
و من حديثه في الصحيحين قال: سمعت النبي صلّى اللّه عليه و سلم و هو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه: فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي، فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء و الأرض فجئثت منه رعبا، فرجعت فقلت: زملوني، زمّلوني، فدثروني، فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (3).
قال ابن الجوزي: و معنى: (جثثت): فرقت، يقال: رجل مجئوث و مجثوث، و قد صحّفه بعض الرواة فقال: جبنت، من الجبن (4).
و قد جمع العلماء بين القولين، فنقل ابن الجوزي أنه لما نزل على
ص: 59
رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم صدر سورة العلق، رجع فتدثّر فنزل يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1).
القول الثالث: أن أول القرآن نزولا فاتحة الكتاب، ذكر ذلك ابن جزي (2).
القول الرابع: أنه بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*، و هو مروي عن الحسن و عكرمة كما ذكر ابن الجوزي (3).
ص: 60
و أول سورة نزلت بالمدينة البقرة ثم الأنفال، كذا قال الخازن (1).
و اختلفوا في آخر ما نزل من القرآن على الإطلاق على ستة أقوال، فالمشهور أنها آيات الربا التي في آخر البقرة. و قيل: آية الربا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة: 278] و قيل: آخر آية نزلت وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 281]. و قيل: آية الدين التي في البقرة. و قيل: آية الكلالة التي في النساء يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء: 176]. و قيل: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 138] إلى آخر السورة. و قيل: سورة النصر.
القول الأول: أنها آية الربا يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا [البقرة: 278]، فقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس قال: آخر آية أنزلت على النبي صلّى اللّه عليه و سلم آية الربا. (2)
ص: 61
القول الثاني: أنها قوله تعالى وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ [البقرة: 281] و هو مذهب سعيد بن جبير و أبي صالح، فقد روى الضحاك عن ابن عباس قال: آخر آية أنزلت وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ (1).
القول الثالث: أنها آية الدين، و هي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [البقرة: 282] (2).
القول الرابع: أنها آية الكلالة و هي قوله تعالى: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ [النساء: 176] فقد روى أبو إسحاق عن البراء بن عازب أنه قال: آخر آية أنزلت يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ
ص: 62
[النساء: 176] و آخر سورة أنزلت براءة (1).
القول الخامس: أنها قوله تعالى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 138] إلى آخر السورة، روي عن أبي بن كعب: أن آخر آية نزلت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: 138] إلى آخر السورة. (2)
القول السادس: أن آخر سورة أنزلت سورة إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ فقد أخرج مسلم عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- آخر سورة نزلت إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ (3).
ص: 63
آخر ما نزل بمكة عن ابن عباس أنها «سورة العنكبوت»، و قال الضحاك و عطاء: آخر سورة هي «المؤمنون». و عن مجاهد: أنها وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ.
و آخر سورة نزلت بالمدينة «المائدة» و قيل: «التوبة» (1).
ص: 64
عرض لهذا الموضوع في مقدمة تفسيره عبد الرزاق الصنعاني (1)، و ابن جرير الطبري (2) و ابن عطية (3)، و القرطبي (4)، و الخازن (5)، و ابن جزي (6).
و هذا الموضوع يحتوي على قسمين رئيسين:
الأول: جمع القرآن.
و الثاني: ترتيب القرآن.
و قد تفاوت المفسرون الذين سبق ذكرهم في عرضه و أوجز ذلك في ثلاث عشرة مسألة:
ص: 65
أخرج الشيخان عن قتادة عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- قال: جمع القرآن على عهد النبي صلّى اللّه عليه و سلم أربعة، كلّهم من الأنصار: معاذ بن جبل، و أبيّ بن كعب (1)، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قال قتادة: قلت لأنس:
من أبو زيد؟ قال: أحد عمومتي. (2)
و في البخاري عنه أنه قال: مات النبي صلّى اللّه عليه و سلم و لم يجمع القرآن غير أربعة:
أبو الدرداء (3)، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قال: نحن ورثناه (4)- أي أبا زيد- و في رواية قال: مات أبو زيد و لم يترك عقبا، و كان
ص: 66
بدريا. (1) أ ه، و اسم أبي زيد: سعد بن عبيد (2).
فظاهر هذه الآثار أن الذين جمعوا القرآن- بمعنى حفظوه- على عهد النبي صلّى اللّه عليه و سلم هم خمسة نفر، و الأمر بخلاف ذلك كما يقول أبو بكر بن الطيب الباقلاني، فقد ثبت بالطرق المتواترة أن عثمان بن عفان، و علي بن أبي طالب، و تميما الداري، و عبادة بن الصامت (3)، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص- رضي اللّه عنهم أجمعين- و غيرهم قد جمعوا القرآن و حفظوه و لهذا يحتمل أن أنسا أراد أن يجمع القرآن و يأخذه تلقينا من فيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم غير تلك الجماعة، لكون بعضهم أخذ بعض القرآن عن رسول اللّه صلى الله عليه و سلم و بعضه عن غيره صلى اللّه عليه و سلم. (4)ة.
ص: 67
كما أفاد القرطبي- يرحمه اللّه- أن الروايات تضافرت بأن الخلفاء الأربعة جمعوا القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم لأجل سبقهم إلى الإسلام، و إعظام الرسول صلى اللّه عليه و سلم لهم. (1)
و قد أخرج مسلم و الترمذي من حديث عبد اللّه بن عمرو أنه قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: خذوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، و أبيّ بن كعب، و معاذ بن جبل، و سالم مولى أبي حذيفة. و قال: حديث حسن صحيح. (2) و في رواية مسلم: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أمّ عبد- فبدأ به- ... الحديث (3).
فابن مسعود و سالم هما أيضا ممن جمعا القرآن في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (4).
ص: 68
لقد اختلف في جمع ابن مسعود- رضي اللّه عنه- للقرآن كاملا في حياة النبي صلى اللّه عليه و سلم،، فذهب جماعة و منهم أبو بكر ابن الطيب الباقلاني، و ابن الأنباري، أن عثمان أتم الحفظ بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم، فقد روى ابن الأنباري في كتابه «الرد على من خالف مصحف عثمان» عن أبي إسحاق قال: قال عبد اللّه بن مسعود: قرأت من فيّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اثنتين و سبعين سورة- أو ثلاثا و سبعين سورة- و قرأت عليه من البقرة إلى قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ
ص: 69
يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة: 222]، قال أبو إسحاق:
و تعلّم عبد اللّه بقية القرآن من مجمّع (1) بن جارية الأنصاري. (2)
و ذكر عن أبي إسحاق أنه قال: سألت الأسود (3): ما كان عبد اللّه يصنع بسورة الأعراف؟ فقال: ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة؛ قال: و قد قال بعض أهل العلم: مات عبد اللّه بن مسعود قبل أن يتعلم المعوّذتين، فلهذه العلة لم توجدا في مصحفه. (4)
ص: 70
و عن محمد بن كعب القرظي قال: كان ممن ختم القرآن و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حيّ عثمان بن عفان، و علي بن أبي طالب، و عبد اللّه بن مسعود. قال ابن الأنباري: حديث ليس بصحيح عند أهل العلم، و إنما هو مقصور على محمد بن كعب فهو مقطوع لا يؤخذ به، و لا يعوّل عليه. (1)
فالشائع المعروف عند أهل الرواية و النقل أن عبد اللّه بن مسعود تعلم بقية القرآن بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و قد قال بعض الأئمة: مات عبد اللّه بن مسعود قبل أن يختم القرآن. قال يزيد بن هارون (2): المعوذتان بمنزلة البقرة و آل عمران من زعم أنهما ليستا من القرآن، فهو كافر باللّه العظيم. فقيل له: فقول عبد اللّه بن مسعود؟! فقال: لا خلاف بين المسلمين في أن عبد اللّه بن مسعود مات و هو لا يحفظ القرآن كله.
قال القرطبي: في هذا نظر. (3)
ص: 71
و ذهب فريق آخر و منهم القرطبي إلى كونه رضي اللّه عنه، جمع القرآن و أتم حفظه في حياة النبي صلى اللّه عليه و سلم، فعن كميل (1) قال: قال عمر بن الخطاب:
كنت مع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و معه أبو بكر و من شاء اللّه، فمررنا بعبد اللّه بن مسعود و هو يصلي، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من هذا الذي يقرأ القرآن؟
فقيل له: هذا عبد اللّه بن أمّ عبد؛ فقال: إن عبد اللّه يقرأ غضا كما أنزل. (2)
و روى وكيع و جماعة معه عن الأعمش عن أبي ظبيان قال: قال لي عبد اللّه بن عباس: أي القراءتين تقرأ؟ قلت: القراءة الأولى، قراءة ابن أمّ عبد؛ فقال: بل هي القراءة الآخرة، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يعرض القرآن على جبريل في كل عام مرة، فلما كان العام الذي قبض فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عرضه جبريل عليه مرتين، فحضر ذلك عبد اللّه فعلم ما نسخ من ذلك و ما بدّل (3).م.
ص: 72
و يدل عليه ما سبق قبل قليل عن عبد اللّه بن عمرو، قال القرطبي بعد أن سرد جملة من الأقوال في تأييد مذهبه: هذه الأخبار تدل على أن عبد اللّه جمع القرآن في حياة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم خلاف ما تقدم. (1)
قال الخطابي: و مما يبين ذلك أن أصحاب القراءات من أهل الحجاز و الشام و العراق كل منهم عزا قراءته التي اختارها إلى رجل من الصحابة قرأها على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لم يستثن من جملة القرآن شيئا، فأسند عاصم (2) قراءته إلى علي و ابن مسعود، و أسند ابن كثير قراءته إلى أبيّ، و كذلك أبو عمرو بن العلاء (3) أسند قراءته إلى أبيّ، و أما عبد اللّه بن عامر (4) فإنه أسند
ص: 73
قراءته إلى عثمان، و هؤلاء كلهم يقولون: قرأنا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أسانيد هذه القراءات متصلة، و رجالها ثقات. (1)
إن جمع القرآن الكريم بمعنى كتابته مر في الصدر الأول بثلاث مراحل:
جمع النبي صلى اللّه عليه و سلم بإشارة من جبريل عليه السلام:
نزل القرآن الكريم على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مفرقا في نحو ثلاث و عشرين سنة، فكان كلما نزل عليه شي ء منه قرأه صلى اللّه عليه و سلم على أصحابه- رضي اللّه عنهم- ليحفظوه في صدورهم، و أمر كتّاب الوحي بكتابته و تسجيله بين يديه، محددا لهم موضع الآية أو الآيات و مكانها في السورة، فحفظ في الصدور و السطور معا، و كان المكتوب مفرقا في الصحف و الجريد و الظّرر و اللخاف و الخزف و الكرانيف و العسب (2) و غير ذلك، و لم يجمع في
ص: 74
مصحف واحد روى ابن جرير بسنده عن سفيان بن عيينة عن الزهري قال: قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يكن القرآن جمع و إنما كان في الكرانيف و العسب. (1)
يقول الخازن: و إنما ترك رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جمعه في مصحف واحد لأن النسخ كان يرد على بعضه، و يرفع الشي ء بعد الشي ء من التلاوة، كما كان ينسخ بعض أحكامه فلم يجمع في مصحف واحد، ثم إنه لو رفع بعض تلاوته أدى ذلك إلى اختلاف و اختلاط أمر الدين، فحفظ اللّه كتابه في القلوب إلى انقضاء زمن النسخ ثم وفق لجمعه الخلفاء الراشدين- رضيظ.
ص: 75
اللّه عنهم (1)-.
على أبي بكر- رحمه اللّه- فقال: إن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في النار، و إني لأخشى أن لا يشهدوا موطنا إلا فعلوا ذلك حتى يقتلوا- و هم حملة القرآن- فيضيع القرآن و ينسى، فلو جمعته و كتبته! فنفر منها أبو بكر و قال: أفعل ما لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم! فتراجعا في ذلك.
ثم أرسل أبو بكر إلى زيد بن ثابت، قال زيد: فدخلت عليه و عمر محزئلّ (1) فقال أبو بكر: إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبيت عليه، و أنت كاتب الوحي، فإن تكن معه اتبعكما، و إن توافقني لا أفعل. قال: فاقتص أبو بكر قول عمر، و عمر ساكت، فنفرت من ذلك و قلت: نفعل ما لم يفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم! إلى أن قال عمر كلمته: «و ما عليكما لو فعلتما ذلك؟» قال:
فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شي ء و اللّه! و ما علينا في ذلك شي ء!
قال زيد: فأمرني أبو بكر، فكتبته في قطع الأدم و كسر الأكتاف و العسب. (2)
و روى عبد الرزاق بسنده أن زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه-ه.
ص: 77
قال: أرسل إليّ أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، قال أبو بكر- رضي اللّه عنه-: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، و إني أخشى إن استحرّ القتل بالقراء بالمواطن فيذهب كثير من القرآن، و إني أرى أن تأمر بجمع القرآن. قلت لعمر: كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟! قال عمر: هذا و اللّه خير.
فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح اللّه صدري لذلك، و رأيت في ذلك الذي رأى عمر.
قال زيد: قال أبو بكر: «إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، و قد كنت تكتب الوحي لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فتتبع القرآن فاجمعه». فو اللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟! قال: هو و اللّه خير.
فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح اللّه صدري للذي شرح له صدر أبي بكر و عمر- رضي اللّه عنهما- فتتبعت القرآن أجمعه من العسب و اللّخاف و صدور الرجال، حتى وجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري، لم أجدها مع أحد غيره لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [التوبة: 128] حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه اللّه، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة
ص: 78
بنت عمر. (1)
و في رواية البخاري: وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري (2).
و قال الليث (3): حدثني عبد الرحمن بن غالب عن ابن شهاب و قال:
ص: 79
مع أبي خزيمة الأنصاري. (1)
قال أبو ثابت: حدثنا إبراهيم (2) و قال: مع خزيمة أو أبي خزيمة فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة: 129] (3).
و قال الترمذي في حديثه: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ [التوبة: 128] و قال: حديث حسن صحيح. (4)
ص: 80
و في رواية البخاري قال ابن شهاب: و أخبرني خارجة بن زيد أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت أسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب: 23] فألحقناها في سورتها. (1)
و أبو خزيمة الذي وجد عنده آخر التوبة هو غير خزيمة بن ثابت (2) الذي وجد عنده آية الأحزاب، قال الخازن: هو أبو خزيمة بن أوس بن زيد بن أصرم بن ثعلبة بن عمر بن مالك بن النجار الأنصاري، شهد بدرا و ما بعدها، و توفي في خلافة عثمان و هو الذي وجدت عنده آخر سورة التوبة، قال: كذا ذكره ابن عبد البر. (3) و هو الذي عرفه أنس بقوله: نحن ورثناه. (4)
و في رواية الطبري أن آية التوبة سقطت في جمع عثمان. قال: ابن عطية:
ص: 81
و الأول أصح. (1) يعني أنه في جمع أبي بكر. قال: و هو الذي حكاه البخاري إلا أنه قال فيه: مع أبي خزيمة الأنصاري.
و بقيت الصحف التي جمعها زيد بأمر أبي بكر عند أبي بكر ثم عند عمر بن الخطاب من بعده، ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، و انتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة، كمصحف ابن مسعود و ما كتب عن الصحابة بالشام، و مصحف أبيّ، و غير ذلك و كان في ذلك اختلاف حسب السبعة الأحرف التي أنزل القرآن عليها. (2)
جمع عثمان بإشارة من حذيفة- رضي اللّه عنهما (3):
بقيت الصحف التي جمعت من قبل زيد في مأمن عن المخاطر عند حفصة أم المؤمنين- رضي اللّه عنها- إلى خلافة عثمان- رضي اللّه عنه- كما بقيت المصاحف الخاصة بالصحابة في جوزتهم حسب ترتيبهم و حسب حرفهم، و انتشرت في البلدان و الآفاق معهم، كمصحف ابن
ص: 82
مسعود و ما كتب عن الصحابة في الشام، و كمصحف أبيّ و غيرها.
و إذا كان أبو بكر قد أمر بجمع المصحف خشية ذهاب شي ء منه بموت القرّاء الذين تهافتوا على القتال، فإن ما حدث في عهد عثمان لا يقلّ شأوا بأية حال عن ذلك، إنه الاختلاف في القراءة، الذي ظهر بوضوح بين المسلمين، في مواطن كثيرة، إلى أن كفر بعضهم بقراءة بعض، و كان الخلاف حسب السبعة الأحرف الذي أنزل عليها القرآن. (1)
و قد جاءت روايات عدة تدل على الرغبة في جمع الناس على مصحف واحد، و برسم واحد، و إنهاء الخلاف قبل استفحال أمره، يقول ابن عطية: فتجرد عثمان- رضي اللّه عنه- للأمر و استناب الكفاة العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن و يجعلوا ما اختلفت القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و أفصح اللغات (2)، و من ذلك:
ما رواه ابن جرير بسنده عن أبي قلابة، قال: لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل، و المعلّم يعلّم قراءة الرجل، فجعل الغلمان يلتقون فيختلفون، حتى ارتفع ذلك إلى المعلمين- قال أيوب: فلا أعلمه إلا قال-: حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان بن
ص: 83
عفان، فقام خطيبا فقال: أنتم عندي تختلفون فيه و تلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد اختلافا و أشد لحنا. اجتمعوا يا أصحاب محمد، فاكتبوا للناس إماما.
قال أبو قلابة: فحدثني أنس بن مالك قال: كنت فيمن يملي عليهم، قال: فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لعله أن يكون غائبا أو في بعض البوادي فيكتبون ما قبلها و ما بعدها، و يدعون موضعها، حتى يجي ء أو يرسل إليه. فلما فرغ من المصحف، كتب عثمان إلى أهل الأمصار: إني قد صنعت كذا و كذا، و محوت ما عندي، فامحوا ما عندكم. (1)
و روى سويد بن غفلة (2) عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- أن عثمان قال: ما ترون في المصاحف؟ فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى إن الرجل ليقول: قراءتي خير من قراءتك، و قراءتي أفضل من قراءتك، و هذا شبيه بالكفر. قلنا: ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين؟
قال: الرأي عندي أن يجتمع الناس على قراءة، فإنكم إذا اختلفتم اليوم كان
ص: 84
من بعدكم أشد اختلافا؛ قلنا: الرأي رأيك يا أمير المؤمنين؛ فأرسل عثمان إلى حفصة: أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيد بن ثابت، و عبد اللّه بن الزبير، و سعيد بن العاص، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف.
و قال عثمان للرهط القرشيين: إذا اختلفتم أنتم و زيد في شي ء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش، فإنما نزل القرآن بلسانهم. ففعلوا حتى نسخوا الصحف في المصاحف، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة، و أرسل إلى كلّ أفق بمصحف مما نسخوا، و أمر بما سوى ذلك من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق. (1)
قال القرطبي: و كان هذا من عثمان رضي اللّه عنه بعد أن جمع المهاجرين و الأنصار و جلة أهل الإسلام، و شاورهم في ذلك، فاتفقوا على جمعه بما صحّ و ثبت في القراءات المشهورة عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و إطراح ما سواها، و استصوبوا رأيه، و كان رأيا سديدا موفقا، رحمة اللّه عليه و عليهم أجمعين. (2)
و أخرج البخاري عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أن حذيفة ابن اليمان قدم على عثمان، و كان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية
ص: 85
و أذربيجان (1) مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود و النصارى، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها إليه، فأمر زيد بن ثابت و عبد اللّه بن الزبير، و سعيد بن العاص، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها .... الأثر. (2)
قال ابن شهاب: و أخبرني خارجة بن زيد أنه سمع زيد بن ثابت يقول: فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت أسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فألحقناها فيه.
ص: 86
سورتها في المصحف. (1)
و في رواية أخرى قال ابن شهاب: اختلفوا يومئذ في التابوت، فقال زيد: (التابوة) و قال عبد اللّه بن الزبير و سعيد بن العاص: (التابوت). فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه (التابوت) فإنه بلسان قريش. (2)
و في رواية أخرى عند ابن جرير أن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها بمرج إرمينية فلم يدخل بيته حتى أتى عثمان بن عفان فقال: يا أمير المؤمنين أدرك الناس! فقال عثمان: و ما ذاك؟ قال: غزوت مرج إرمينية فحضرها أهل العراق و أهل الشام، فإذا أهل الشام يقرءون بقراءة أبيّ بن كعب، فيأتون بما لم يسمع أهل العراق، فتكفرهم أهل العراق، و إذا أهل العراق يقرءون بقراءة ابن مسعود، فيأتون بما لم يسمع به أهل الشام فتكفرهم أهل الشام. قال زيد: فأمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفا، و قال: إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه فاكتباه، و ما اختلفتما فيه فارفعاه إليّ. فجعل معه أبان بن سعيد بن العاص.
قال: فلما بلغنا إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ [البقرة: 248] قال زيد:
فقلت: (التابوة)، و قال أبان بن سعيد: (التابوت)، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب: (التابوت).
ص: 87
قال: فلما فرغت عرضته عرضة، فلم أجد فيه هذه الآية: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23] قال: فاستعرضت المهاجرين أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها، فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها عند خزيمة بن ثابت، فكتبتها.
ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه هاتين الآيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة 128- 129] فاستعرضت المهاجرين فلم أجدها عند أحد منهم، ثم استعرضت الأنصار أسألهم عنها فلم أجدها عند أحد منهم، حتى وجدتها مع رجل آخر يدعى أيضا خزيمة، فأثبتها في آخر براءة، و لو تمت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة (1).
ثم عرضته عرضة أخرى، فلم أجد فيه شيئا، ثم أرسل عثمان إلى حفصة يسألها أن تعطيه الصحيفة، و حلف لها ليردنّها إليها فأعطته إياها،).
ص: 88
فعرض المصحف عليها، فلم يختلفا في شي ء، فردها إليها و طابت نفسه، و أمر الناس أن يكتبوا مصاحف، فلما ماتت حفصة، أرسل إلى عبد اللّه بن عمرو في الصحيفة بعزمة، فأعطاهم إياها، فغلست غسلا.
و ذكر من طريق آخر بنحوه سواء. (1)م.
ص: 89
- رضي اللّه عنه- جعل الصحف التي عند حفصة إماما في هذا الجمع الأخير، و أنه قرن بزيد بن ثابت فيما رواه البخاري و الترمذي و غيرهما ثلاثة من قريش: سعيد بن العاص، و عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، و عبد اللّه بن الزبير.
و في رواية الطبري أنه قرن بزيد أبان بن سعيد بن العاص وحده.
و قد رجح العلماء القول الأول، و ضعّفوا الآخر. (1)
و قال القرطبي: و ما ذكره البخاري و الترمذي أصح. (2)
و قد سبقه إلى ذلك أبو بكر و فرغ منه.
يقول القرطبي: إن عثمان- رضي اللّه عنه- لم يقصد بما صنع جمع الناس على تأليف المصحف، أ لا ترى كيف أرسل إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك.
ص: 90
و إنما فعل ذلك عثمان لأن الناس اختلفوا في القراءة بسبب تفرق الصحابة في البلدان، و اشتد الأمر في ذلك و عظم اختلافهم و تشبثهم، و وقع بين أهل الشام و العراق ما ذكره حذيفة- رضي اللّه عنه-. (1)
ذكر ابن عطية أن عثمان بن عفان نسخ من المصحف نسخا و وجه بها إلى الآفاق، و أمر بما سواها من المصاحف أن تحرق أو تخرق- تروى بالحاء غير المنقوطة، و تروى بالخاء على معنى ثم تدفن- و رواية الحاء غير المنقوطة أحسن. (2)
قال القرطبي: و قال غيره- أي غير ابن عطية-: قيل: سبعة (3).
و قيل: أربعة. و هو الأكثر (4)، فوجّه للعراق و الشام و مصر بأمهات (5)،
ص: 91
فاتخذها قراء الأمصار معتمدا اختياراتهم، لم يخالف أحد منهم مصحفه على النحو الذي بلغه. (1)
ورد في رواية الطبري أن زيد بن ثابت فقد آية الأحزاب مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا [الأحزاب: 23] و وجدها مع خزيمة بن ثابت، و أنه فقد في نفس الجمع آية التوبة لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [التوبة 128- 129] و أنه وجدها مع رجل آخر يدعى خزيمة أيضا.
و في رواية البخاري: عن زيد بن ثابت قال: لما نسخت الصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرؤها، لم أجدها إلا مع خزيمة الأنصاري الذي جعل رسول اللّه شهادته بشهادة رجلين مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ (2).
ص: 92
و عند الترمذي: فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرؤها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فالتمستها فوجدتها مع خزيمة بن ثابت، أو أبي خزيمة فألحقتها في سورتها. (1)
و يظهر من الأدلة أن الآية الأولى- آية التوبة- فقدت في الجمع الأول، و هو جمع أبي بكر، قال ابن عطية: و هو أصح. (2)
و في جمع عثمان فقدت الآية التي في الأحزاب.
و أبو خزيمة الذي وجدت معه آية التوبة، هو غير خزيمة بن ثابت الذي وجدت معه آية الأحزاب، فهذا هو المعروف بذي الشهادتين (3)، شهد
ص: 93
بدرا و ما بعدها، و قتل يوم صفين مع علي- رضي اللّه عنه-. (1)
إن قول زيد- رضي اللّه عنه-: «فقدت آية من سورة الأحزاب ...
إلى قوله: فوجدتها مع خزيمة»، و قوله: «فلم أجد فيه هاتين الآيتين: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ يوحي بإثبات النص القرآني بقول الواحد، و هو ما ينعق به بعض المبتدعة و الملحدين، و يطعنون به في القرآن العظيم، و قد تصدى لهم أهل العلم، و بينوا زيف مقولتهم، و من أوجه الرد عليهم:
أن خزيمة- رضي اللّه عنه- لما جاء بهما تذكرهما كثير من الصحابة، و قد كان زيد يعرفهما، و لذلك قال: فقدت آيتين من آخر سورة التوبة و لو لم يعرفهما لم يدر هل فقد شيئا أو لا، فالآية إنما ثبتت بالإجماع لا بخزيمة وحده.
و من ذلك: أنها ثبتت بشهادة خزيمة وحده لقيام الدليل على صحتها
ص: 94
في صفة النبي صلى اللّه عليه و سلم، فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر بخلاف آية الأحزاب فإن تلك ثبتت بشهادة زيد و أبي خزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى اللّه عليه و سلم. (1)
و من ذلك: أن زيدا صرح بأنه كان يسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرأ بها- آية الأحزاب- فهو قد سمعها و علم موضعها من السورة بتعليم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و هو إنما تتبع الرجال للاستظهار لا لاستحداث علم. و اللّه أعلم. (2)
حين نسخ عثمان المصاحف، و أرسل بها إلى النواحي، أمر ما سواها أن تحرق أو تخرق سعيا منه إلى جمع الناس على مصحف واحد، و قد وافقه الصحابة على فعله فكان إجماعا.
ذكر أبو بكر الأنباري في كتاب (الرد) عن سويد بن غفلة (3)، قال:
سمعت علي بن أبي طالب كرم اللّه وجهه يقول: يا معشر الناس اتقوا
ص: 95
اللّه! و إياكم و الغلو في عثمان، و قولكم: حرّاق المصاحف، فو اللّه ما حرقها إلا على ملأ من أصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم. (1)
و عن عمير بن سعيد (2) قال: قال علي بن أبي طالب: لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان. (3)
و عن قتادة قال: قال ابن مسعود: من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب رسول اللّه، فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوبا، و أعمقها علما، و أقلها تكلفا، و أقومها هديا، و أحسنها حالا، اختارهم اللّه لصحبة نبيه صلى اللّه عليه و سلم، و إقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، اتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم. (4)ة.
ص: 96
قول علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- في الحديث: «و أمر- أي عثمان- بما سوى ذلك من القرآن أن يحرق» و قول عثمان: «إني قد صنعت كذا و كذا و محوت ما عندي فامحوا ما عندكم» فيه ردّ على الحلولية و الحشوية القائلين بقدم الحروف و الأصوات، و أن القراءة و التلاوة قديمة، و أن الإيمان و الروح قديم (1) كما أن في فعل عثمان- رضي اللّه عنه- و إقرار الصحابة له بيان لكيفية التخلص من تالف أوراق المصاحف و كتب العلم.
نصت الروايات السابقة أن أبا بكر و عمر و عثمان- رضي اللّه عنهم- كلّفوا زيد بن ثابت لجمع القرآن، مع وجود غيره من الحفاظ الجامعين و السابقين إلى الإسلام، كابن مسعود و أبيّ بن كعب، و من هم في
ص: 97
منزلة أعظم من منزلة زيد بن ثابت، الأمر الذي جعل بعض من وجد في نفسه أنه أحق من زيد للقيام بهذا العمل الجليل، و نيل هذا الشرف العظيم، أن يكره لزيد ذلك، و أن لا ينقاد لأمر الخليفة عثمان، باعتماد المصحف الإمام، و حرق ما سواه.
فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: «أقرأ أمتي أبيّ بن كعب.» (1) «و قال: من سرّه أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد» (2).
و لمكانة ابن مسعود- رضي اللّه عنه- عند أهل العراق خاصة، و لما
ص: 98
رأى من أولويته للقيام بهذا الأمر، أشار على أهل العراق برفض هذا العمل، و الاحتفاظ بالمصاحف التي في أيديهم.
قال ابن شهاب في الحديث الذي أخرجه الترمذي: أخبرني عبيد اللّه بن عبد اللّه أن عبد اللّه ابن مسعود كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف، و قال: يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف و يتولاه رجل، و اللّه لقد أسلمت و إنه لفي صلب رجل كافر- يريد زيد بن ثابت- و لذلك قال: يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم، و غلّوها فإن اللّه عزّ و جلّ يقول: وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران: 161] فالقوا اللّه بالمصاحف. (1)
و يعلل أبو بكر الأنباري هذا العمل من ابن مسعود رضي اللّه عنه، و ما بدا منه من نكير بأن ذلك كان نتيجة الغضب، و هو أمر لا يؤخذ به، بدليل أنه رضي اللّه عنه حين زال الغضب عرف حسن اختيار عثمان و من و معه من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و بقي على موافقتهم، و ترك الخلاف معهم. (2)
ص: 99
و قد جاء اختيار زيد بن ثابت نتيجة حفظه للقرآن بمحضر من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و لكونه من ألزم الناس كتابة للوحي عند رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ثم لما كان يتمتع به من الشباب و النشاط، و هي الخصال التي ذكرتها الرواية الواردة في جمع أبي بكر السابقة، فكونه شابا يكون أنشط لما يطلب منه، و كونه عاقلا يكون أوعى له، و كونه لا يتّهم تركن النفس إليه، و كونه كان يكتب الوحي يكون أكثر ممارسة، و هي الصفات التي أهّلته لجمعه زمن عثمان (1)، و لهذا يقول ابن الأنباري: لم يكن الاختيار لزيد من أبي بكر و عمر و عثمان على عبد اللّه بن مسعود في جمع القرآن، و عبد اللّه أفضل من زيد، و أقدم في الإسلام، و أكثر سوابق، و أعظم فضائل إلا لأن زيد أحفظ للقرآن من عبد اللّه، إذ وعاه كله و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حيّ، و الذي حفظ منه عبد اللّه نيف و سبعون سورة، ثم تعلم الباقي بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فالذي ختم القرآن و حفظه و رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم حي أولى بجمع المصحف. (2)
ثم إن الموضوع يتعلق بالكتابة و زيد هو كاتب النبي صلى اللّه عليه و سلم و إذا أطلق الكاتب انصرف إليه.م.
ص: 100
و الحق أن ما أوكل إلى زيد بن ثابت شرف عظيم، غير أنه ليس مقياسا للخيرية، كما أنه ليس طعنا في الذين لم يوكل إليهم العمل، و لا أدل على ذلك من تقديم زيد على أبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما، لكونه أحفظ منهما و ليس هو خير منهما و لا مساويا لهما في الفضائل و المناقب، و لهذا فتقديم زيد على ابن مسعود لم يكن طعنا فيه و لا انتقاصا منه. (1)
ذهب ابن جزي من بين المفسرين إلى كون علي- رضي اللّه عنه- هو أول من جمع القرآن بعد وفاة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (2)
ص: 101
و يقول: كان القرآن على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم متفرقا في الصحف و في صدور الرجال، فلما توفي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قعد علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- في بيته فجمعه على ترتيب نزوله، و لو وجد مصحفه لكان فيه علم كبير و لكنه لا يوجد. (1)
ص: 102
أجمعت الأمة الإسلامية أن القرآن اسم لكلام اللّه الذي جاء به محمد بن عبد اللّه صلى اللّه عليه و سلم معجزة خالدة له، و أنه محفوظ في الصدور، مقروء باللسان، مكتوب في المصاحف، معلومة سوره و آياته، مبرّأة من الزيادة و النقصان حروفه و كلماته، و من ادّعى زيادة عليه أو نقصانا منه فقد أبطل الإجماع، و ردّ ما جاء به الرسول صلى اللّه عليه و سلم من القرآن المنزّل، و ردّ قوله تعالى قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء: 88]، و أبطل آية رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الدالّة على صدقه، لأنّه إذ ذاك يصير القرآن مقدورا عليه، فلا يكون حجة و لا آية. (1)
و قد زعم بعض من زاغ عن الملة، و خرج عن إجماع المسلمين متبعا هواه حتى ضلّ به عن سواء السبيل، فادّعى أن مصحف عثمان لم يشتمل على جميع القرآن، كما ادّعى أن فيه زيادة في مواضع، و إسقاطا في مواطن، و أنه اشتمل على تصحيف حروف مفسدة مغيّرة، و أن عثمان أخطأ و لم يصب في إسناد الجمع إلى زيد بن ثابت، و غير ذلك مما أجاز به لنفسه مخالفة مصحف عثمان، و القراءة بما يراه، مدعيا أن من الصحابة من قرأ بما يخالف
ص: 103
به مصحف عثمان ... إلى غير ذلك مما أوحاه إليه شياطين الإنس و الجن.
و قد انبرى له و لأمثاله ثلة من أهل العلم، فتصدوا لافتراءاتهم، و بينوا زيف مقولاتهم الفاسدة، حتى انجلى الحق و بان، كابن الأنباري و الباقلاني و غيرهما من أئمة الإسلام، حيث أوضحوا حكم الشرع فيهم، و أنزلوهم منزلة من يدعي أن الصلوات المفروضة هي خمسون صلاة، و أن تزويج تسع من النساء حلال، و غير ذلك مما لم يثبت في الدين، و يحكم على معتقده بالكفر المبين، و قد نقل القرطبي بعض مقولات هذا الزائغ، فكان مما قال:
- أن المصحف الذي جمعه عثمان- رضي اللّه عنه- لا يشتمل على جميع القرآن، إذ كان قد أسقط منه خمسمائة حرف، و ذكر أن من القرآن (و العصر و نوائب الدهر) فادّعى أن جماعة المسلمين أسقطوا «و نوائب الدهر» (1). و ذكر أن منه (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها و ازينت و ظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس، و ما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها) فادّعى أنه سقط على أهل الإسلام من القرآن (و ما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها) و ذكر غير ذلك.
قال أبو بكر الأنباري: و ذكر هذا الإنسان أن أبيّ بن كعب هو الذي قرأ (كأن لم تغن بالأمس و ما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها) و ذلك
ص: 104
باطل، و لأن عبد اللّه بن كثير قرأ على مجاهد، و مجاهد قرأ على ابن عباس، و ابن عباس قرأ القرآن على أبيّ بن كعب حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ، و في رواية: و قرأ أبيّ القرآن على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و هذا الإسناد متّصل بالرسول عليه السلام، نقله أهل العدالة و الصّيانة، و إذا صحّ عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أمر لم يؤخذ بحديث يخالفه.
و قال يحيى بن المبارك اليزيدي: قرأت القرآن على أبي عمرو بن العلاء، و قرأ أبو عمرو على مجاهد، و قرأ مجاهد على ابن عباس، و قرأ ابن عباس على أبيّ بن كعب، و قرأ أبيّ على النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ليس فيها (و ما كان اللّه ليهلكها إلا بذنوب أهلها) قال: فمن جحد أن هذه الزيادة أنزلها اللّه تعالى على نبيه عليه السلام فليس بكافر و لا آثم (1).
- كما ادّعى أن عثمان و الصحابة- رضي اللّه عنهم- زادوا في القرآن ما ليس فيه، فقرأ في صلاة الفرض و الناس يسمعون: (اللّه الواحد الصمد) فأسقط قُلْ هُوَ و غيّر لفظ أَحَدٌ، مدّعيا أن ما قرأ به هو الصواب (2).
ص: 105
- و ذكر دليلا لافترائه بأن مصحف عثمان اشتمل على حروف مفسدة مغيّرة قوله تعالى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [المائدة: 118]، و ادّعى أن الحكمة و العزة لا يشاكلان المغفرة، و أن الصواب: «و إن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم» (1). و أدخل في آية من القرآن ما لا يضاهي فصاحة رسول اللّه و لا يدخل في لسان قومه و ادعى أنه من القرآن، و غير ذلك مما لا يعرف في نحو المعربين، و لا يحمل على مذاهب النحويين (2).
- و ذكر هذا القائل أن له أن يخالف مصحف عثمان كما خالفه أبو عمرو بن العلاء، فقرأ «إنّ هذين» «فأصدق و أكون» «و بشر عبادي الذين» بفتح الياء و غير ذلك.
و كما خالف ابن كثير و نافع و حمزة و الكسائي مصحف عثمان فقرءوا كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ [يونس: 103] بإثبات نونين، يفتح الثانية بعضهم و يسكنها بعضهم. و كما قرأ حمزة (ألا إنّ ثمودا كفروا ربّهم) بغير تنوين و إثبات الألف يوجب التنوين، و هو مما شنّع به على القرّاء، إلى غير ذلك من الادعاءات و الافتراءات التي افترى بها على كتاب اللّه الذي
ص: 106
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42].
قال أبو عبيد: ما يروى من الحروف التي تخالف المصحف الذي عليه الإجماع من الحروف التي يعرف أسانيدها الخاصة دون العامة فيما نقلوا فيه عن أبي و عن ابن عباس و ما حكوه عن عمر بن الخطاب، لم ينقلها أهل العلم على أن الصلاة بها تحل، و لا أنها معارض بها مصحف عثمان؛ لأنها حروف لو جحدها جاحد أنها من القرآن لم يكن كافرا؛ و القرآن الذي جمعه عثمان بموافقة الصحابة له لو أنكر بعضه منكر كان كافرا، حكمه حكم المرتد يستتاب؛ فإن تاب و إلا ضربت عنقه. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 107 المسألة الثالثة عشرة: حكم مخالفة مصحف عثمان بالزيادة و النقصان: ..... ص : 103
قال أبو بكر الباقلاني: و في قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9] دلالة على كفر هذا الإنسان؛ لأن اللّه عزّ و جلّ قد حفظ القرآن من التغيير و التبديل، و الزيادة و النقصان (1).
قال: و فيه إبطال الإجماع الذي به يحرس الإسلام، و بثباته تقام الصلوات، و تؤدى الزكوات و تتحرى المتعبّدات.
و في قوله تعالى: الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ [هود: 1] دلالة على بدعة هذا الإنسان، و خروجه إلى الكفر؛ لأن معنى أُحْكِمَتْ آياتُهُ منع الخلق من القدرة على أن يزيدوا فيها، أو ينقصوا منها، أو يعارضوها بمثلها.
ص: 107
و هذا الإنسان قد زاد فيها، و أسقط منها، و الإسقاط نفي له و كفر به، و من كفر بحرف من القرآن فقد كفر به كله و أبطل معنى الآية (1).
و قد ضرب الأئمة أمثلة تؤكد فساد مقولة هذا المدعي و نحلته، و تبين زيف دعاويهم، كأن يقال لهم: أخبرونا عن القرآن الذي نقرؤه و لا نعرف نحن و لا من كان قبلنا من أسلافنا سواه؛ هل هو مشتمل على جميع القرآن من أوله إلى آخره، صحيح الألفاظ و المعاني، عار عن الفساد و الخلل؟ أم هو واقع على بعض القرآن، و البعض الآخر غائب عنا كما غاب عن أسلافنا و المتقدمين من أهل ملتنا؟
فإن أجابوا بأن القرآن الذي معناه مشتمل على جميع القرآن لم يسقط منه شي ء، صحيح الألفاظ و المعاني، سليمها من كل زلل و خلل؛ فقد قضوا على أنفسهم بالكفر حين زادوا فيه «فليس له اليوم هاهنا حميم، و ليس له شراب إلا من غسلين، من عين تجري من تحت الجحيم» فأي زيادة في القرآن أوضح من هذه، و كيف تخلط في القرآن و قد حرسه اللّه منها و منع كل مفتر و مبطل من أن يلحق بها مثلها، و إذا تؤمّلت و بحث عن معناها وجدت فاسدة غير صحيحة، لا تشاكل كلام الباري تعالى و لا تخلط به، و لا توافق معناه، و ذلك أن بعدها لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ [الحاقة: 37] فكيف يؤكل الشراب، و الذي أتى به قبلها: «فليس له اليوم هاهنا حميم،ق.
ص: 108
و ليس له شراب إلا من غسلين من عين تجري من تحت الجحيم لا يأكله إلا الخاطئون». فهذا متناقض يفسد بعضه بعضا، لأن الشراب لا يؤكل، و لا تقول العرب: أكلت الماء. لكنهم يقولون: شربته، و ذقته، و طعمته؛ و معناه فيما أنزل اللّه تبارك و تعالى على الصحة في القرآن الذي من خالف حرفا منه كفر. وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ لا يأكل الغسلين إلا الخاطئون، أو لا يأكل الطعام إلا الخاطئون. الغسلين: ما يخرج من أجوافهم من الشحم و ما يتعلق به من الصّديد و غيره؛ فهذا طعام يؤكل عند البلية و النقمة، و الشراب محال أن يؤكل.
فإن ادّعى هذا الإنسان أن هذا الباطل الذي زاده من قوله «من عين تجري من تحت الجحيم» ليس بعدها لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ، و نفى هذه الآية من القرآن لتصحّ له زيادته، فقد كفر لما جحد آية من القرآن.
و أما ما ورد عن بعض الصحابة و التابعين- رضي اللّه عنهم- أنهم قرءوا بكذا و كذا فهو على جهة البيان و التفسير، لا أن ذلك قرآن يتلى، و كذلك ما نسخ لفظه و حكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن. (1)
و فيه ثلاث مسائل و فائدة:
ص: 109
يقول الخازن: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يلقن أصحابه و يعلمهم ما ينزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا بتوقيف من جبريل عليه السلام إياه على ذلك، و إعلامه عند نزول كل آية أن هذه الآية تكتب عقيب آية كذا في سورة كذا (1).
روى أبو بكر بن العياش (2) بسنده عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة: 280] فقال جبريل للنبي عليه السلام: يا محمد ضعها في رأس ثمانين و مائتين من البقرة. (3)
و نقل ابن عطية عن مكي قوله: إن ترتيب الآيات في السور و وضع البسملة في الأوائل هو من النبي صلى اللّه عليه و سلم، و لما لم يأمر بذلك في أول سورة براءة تركت بلا بسملة. قال القرطبي: هذا أصح ما قيل في ذلك. (4)
ص: 110
كما حذر أهل العلم الأعراض عن ترتيب المصحف العثماني، و محاولة اتخاذ ترتيب آخر لآياته أو سوره، و في ذلك يقول القرطبي نقلا عن ابن الأنباري: من عمل على ترك الأثر، و الإعراض عن الإجماع، و نظم السور على منازلها بمكة و المدينة، لم يدر أين تقع الفاتحة لاختلاف الناس في موضع نزولها، و يضطر إلى تأخير الآية التي في رأس خمس و ثلاثين و مائتين من البقرة إلى رأس الأربعين، و من أفسد نظم القرآن فقد كفر به، و ردّ على محمد صلى اللّه عليه و سلم ما حكاه عن ربه تعالى. (1)
قال الخازن: كان القرآن ينزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم مدة رسالته نجوما عند الحاجة و حدوث ما يحدث، فكان صلى اللّه عليه و سلم يلقنه أصحابه، مبينا لهم موضعه و مكانه من التنزيل، فكانوا يحفظون موضعه كما يحفظون نصه، و كان أول
ص: 111
ما نزل بمكة: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ثم ن وَ الْقَلَمِ ثم يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ ثم الْمُدَّثِّرُ ثم تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ثم وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى ثم وَ الْفَجْرِ ثم وَ الضُّحى ثم أَ لَمْ نَشْرَحْ ثم وَ الْعَصْرِ ثم وَ الْعادِياتِ ثم إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ ثم أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ ثم أَ رَأَيْتَ الَّذِي ثم قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ ثم الْفِيلِ ثم قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ثم و النجم ثم عبس ثم سورة القدر ثم البروج ثم و التّين ثم لإيلاف قريش ثم القارعة ثم القيامة ثم الهمزة ثم المرسلات ثم قاف ثم سورة البلد ثم الطارق ثم اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ ثم صاد ثم الأعراف ثم الجنّ ثم يس ثم الفرقان ثم فاطر ثم مريم ثم طه ثم الواقعة ثم الشعراء ثم النمل ثم القصص ثم بني إسرائيل ثم يونس ثم هود ثم يوسف ثم الحجر ثم الأنعام ثم و الصّافّات ثم لقمان ثم سبأ ثم الزمر ثم المؤمن ثم السجدة ثم حم عسق ثم الزخرف ثم الدخان ثم الجاثية ثم نوح ثم إبراهيم ثم الأنبياء ثم المؤمنون ثم تنزيل السّجدة ثم الطّور ثم الملك ثم الحاقة ثم سَأَلَ سائِلٌ ثم عَمَّ يَتَساءَلُونَ ثم النازعات ثم إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ ثم إِذَا السَّماءُ
ص: 112
انْشَقَّتْ ثم الروم ثم العنكبوت (1) و هي ثلاث و ثمانون سورة على ما استقرّت عليه روايات الثقات (2).
و أما ترتيب المدني من السور و هي واحد و ثلاثون سورة، فهي على ترتيب الآتي:
سورة البقرة ثم الأنفال ثم آل عمران ثم الأحزاب ثم الممتحنة ثم النّساء ثم إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ ثم الحديد ثم سورة محمد ثم الرعد ثم الرّحمن ثم هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ ثم الطّلاق ثم لّم يكن ثم الحشر ثم الفلق ثم النّاس ثم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ ثم النّور ثم الحجّ ثم المنافقون ثم المجادلة ثم الحجرات ثم التحريم ثم الصف ثم الجمعة ثم التغابن ثم الفتح ثم التّوبة ثم المائدة. قال الخازن: و منهم من يقدم المائدة على التوبة، كما اختلف في سور هل هي مكية أو مدينة. (3)، و لا يعني هذا أن السورة بتمامها نزلت قبل التي تليها، بل المراد أن فاتحتها نزلت قبل فاتحة التي تليها.
هذا و ترتيب المصحف الذي بين أيدينا ليس حسب النزول، إذ لو كان
ص: 113
كذلك لوجب أن ينتقض ترتيب الآيات داخل السورة، فقد صح و ثبت أن الآيات كانت تنزل بالمدينة فتوضع في السورة المكية، كما كان صلى اللّه عليه و سلم يأمر بذلك، و يبين موضعها بإشارة من جبريل، تقول السيدة عائشة- رضي اللّه عنها-: و ما نزلت سورة البقرة و النساء إلا و أنا عنده- تعني بالمدينة- و قد قدمتا في المصحف على ما نزل قبلهما بمكة (1).
اختلف السلف في ترتيب السور، فمنهم من كتب في مصحفه السور على تاريخ نزولها، و قدم المكي على المدني، و منهم من جعل في أول مصحفه الحمد، و منهم من جعل في أوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ و منهم من فعل غير ذلك، مما أحدث إشكالا لدى الناظر في حكم ترتيب السور في المصحف العثماني، و حصيلة أقوال أهل العلم في ذلك ثلاثة أقوال: ذهب القاضي أبو بكر الباقلاني- كما ذكر ابن عطية- و ابن جزي أنه توفيقي وقع باجتهاد من الصحابة، و ذهب آخرون إلى أنه توقيفي من الشارع و منهم القرطبي و الخازن، و توسط غيرهم فقالوا أكثره توقيفي و أقله توفيقي باجتهاد الصحابة و منهم ابن عطية. و تفصيل ذلك:
الرأي الأول: أنه توقيفي باجتهاد من الصحابة: و قد انتصر لهذا الرأي من المفسرين ابن جزي فقال: ترتيب السور على ما هو الآن من فعل
ص: 114
عثمان و زيد بن ثابت و الذين كتبوا معه المصحف، و قد قيل: إنه من فعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؛ و ذلك ضعيف ترده الآثار الواردة في ذلك (1).
و هو رأي القاضي أبي بكر الباقلاني الذي قال: و ترتيب السور اليوم هو من تلقاء زيد و من كان معه، مع مشاركة من عثمان- رضي اللّه عنه- كما ذهب إليه مكي- رحمه اللّه- في تفسير سورة براءة. (2) و قد ذكر ابن عطية أن جمع زيد بأمر أبي بكر لم تكن السور فيه مرتبة (3)، و على ذلك جاء ترتيب مصحف عثمان- الذي اتخذ المصحف الذي في حوزة حفصة أم المؤمنين إماما- باجتهاد من زيد و عثمان و من معهم.
الرأي الثاني: أن ترتيب أكثر السور توقيفي من الشارع: و انتصر لهذا الرأي ابن عطية فقال: و ظاهر الآثار أن السبع الطوال و الحواميم و المفصّل كان مرتبا في زمن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و كان في السور ما لم يرتب، فذاك هو الذي رتّب وقت الكتب (4).م.
ص: 115
ص: 116
الرأي الثالث: أن ترتيب السور توقيفي من الشارع: و هو رأي القرطبي و الخازن، صرّحا بذلك في مقدمتيهما.
قال القرطبي: و قال قوم من أهل العلم إن تأليف سور القرآن على ما
ص: 117
هو عليه في مصاحفنا كان عن توقيف من النبي صلى اللّه عليه و سلم (1).
و قال الخازن: أمر- أبو بكر- بجمع المصحف في موضع واحد باتفاق من جميع الصحابة، فكتبوه كما سمعوه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من غير أن قدموا و أخروا شيئا، أو وضعوا له ترتيبا لم يأخذوه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ... إلى أن قال: فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على النحو الذي هو في مصاحفنا الآن. (2)
و قد استدل القائلون بهذا الرأي بعدة أدلة منها:
ما رواه يونس عن ابن وهب قال: سمعت مالكا يقول: إنما ألّف القرآن على ما كانوا يسمعون من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم (3).
و بما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل عام مرة في رمضان، و أنه عرضه العام الذي توفي فيه مرتين (4).
ص: 118
و لا شك أن عرض جبريل للقرآن كان مرتبا سوره و آياته، و لهذا كلّف أبو بكر زيدا بالجمع و هو من شهد العرضة الأخيرة، و قرأ على النبي صلى اللّه عليه و سلم في العام الذي توفي فيه مرتين، فلا شك أنه رتبه على نحو ما سمعه من النبي صلى اللّه عليه و سلم (1).
و بما ذكره ابن وهب في «جامعه» قال: سمعت سليمان بن بلال يقول:
سمعت ربيعة يسأل: لم قدّمت البقرة و آل عمران، و قد نزل قبلهما بضع و ثمانون سورة، و إنما نزلتا بالمدينة؟!
فقال ربيعة: قد قدّمتا و ألّف القرآن على علم ممن ألّفه، و قد اجتمعوا على العلم بذلك، فهذا مما ننتهي إليه و لا نسأل عنه (2).
و قد ذكر ابن الأنباري في كتابه الرد على من خالف مصحف عثمان:
أن اللّه تعالى أنزل القرآن جملة إلى السماء الدنيا، ثم فرّق على النبي صلى اللّه عليه و سلم في عشرين سنة، و كانت السورة تنزل في أمر يحدث، و الآية جوابا لمستخبر يسأل، و يوقف جبريل، رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على موضع السورة و الآية، فاتساق السور كاتساق الآيات و الحروف، فعله عن محمد خاتم النبيين عليه السلام عن رب العالمين.
و قال: فمن أخر سورة مقدمة أو قدم أخرى مؤخرة فهو كمن أفسد
ص: 119
نظم الآيات، و غيّر الحروف و الكلمات، و لا حجة على أهل الحق في تقديم البقرة على الأنعام، و الأنعام نزلت قبل البقرة لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أخذ هذا الترتيب و هو كان يقول: ضعوا هذه السورة موضع كذا و كذا من القرآن (1).
و أما ما روي من اختلاف في ترتيب مصاحف ثلة من الصحابة، فإنما كان قبل العرض الأخير، و أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم رتّب لهم تأليف السور بعد أن لم يكن فعل ذلك (2).
ص: 120
من قال بأن ترتيب القرآن توقيفي لا يلزم تلاوته في الصلاة و الدرس
ص: 121
على الترتيب ذاته، بل يوجب تأليف سورة في الرسم و الخط خاصة، و لا يعلم أن أحدا منهم قال بوجوب ذلك في الصلاة و في قراءة القرآن و درسه، و لا أنه لا يجوز لأحد أن يتلقن الكهف قبل البقرة و لا الحج قبل الكهف، و قد سئلت عائشة- رضي اللّه عنها- عن ذلك فقالت: لا يضرك أيّة قرأت قبل؛ و قد كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يقرأ في الصلاة السورة في ركعة، ثم يقرأ في ركعة أخرى بغير السورة التي قبلها، و أما ما روي عن ابن مسعود و ابن عمر أنهما كرها أن يقرءا القرآن منكوسا، و قالا: ذلك منكوس القلب (1)؛ فإنما عنيا بذلك من يقرأ السورة منكوسة، و يبتدئ من آخرها إلى أولها لأن ذلك حرام محظور؛ و من الناس من يتعاطى هذا في القرآن و الشعر ليذلل لسانه بذلك و يقدر على الحفظ، و هذا حظّره تعالى و منعه في القرآن لأنه إفساد لسوره و مخالفة لما قصد بها. (2)
ص: 122
تناول هذا الموضوع في مقدمة تفسيره ابن جرير الطبري (1) و ابن عطية (2) و القرطبي (3) و الخازن (4) و ابن جزي (5)، مع تفاوت بينهم، و فيه عدة مسائل:
لم يتعرض المفسرون الذين سلف ذكرهم لرسم المصحف في مقدماتهم تصريحا غير أن ظاهر بعض الآثار التي أوردوها حول جمع المصحف زمن أبي بكر و عثمان- رضي اللّه عنهما- تبين أن الرسم تم على يد الرهط التي تولت الجمع إلا مواضع محدودة اختلفوا فيها فكان لرأي عثمان- رضي اللّه عنه- على لغة قريش، و من تلك الآثار ما جاء عند الطبري و غيره أن زيدا جمع المصحف في قطع الأدم و كسر الأكتاف
ص: 123
و العسب (1). و قد بقيت تلك الصحف عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة بنته في خلافة عثمان، و جعلت من ثمّ إماما في جمع عثمان (2).
و عند الطبري و غيره أيضا عن ابن شهاب من حديث جمع عثمان للمصاحف: .... ففزع- أي عثمان- لذلك- أي للاختلاف في القرآن- فزعا شديدا، فأرسل إلى حفصة فاستخرج الصحف التي كان أبو بكر أمر زيدا بجمعها، فنسخ منها مصاحف، فبعث بها إلى الآفاق. (3)
و في رواية الطبري و البخاري و التي ذكرها ابن عطية و القرطبي أن عثمان- رضي اللّه عنه- قال للرهط الذي أوكل إليه مهمة كتابة المصحف: إذا اختلفتم في شي ء فاجعلوه بلغة قريش. قال ابن شهاب:
فاختلفوا يومئذ في (التابوت) فقال زيد: (التابوة). و قال ابن الزبير و سعيد بن العاص: (التابوت). فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال: اكتبوه بالتاء (التابوت)، فإنه نزل بلسان قريش. (4)
ص: 124
ص: 125
ص: 126
أورد القرطبي عن يحيى بن كثير أنه قال: كان القرآن مجردا في المصاحف، فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء و التاء و الثاء و قالوا: لا بأس به هو نور له، ثم أحدثوا نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح و الخواتيم. (1)
قال ابن عطية: روي أن عبد الملك بن مروان أمر بشكل المصحف و نقطه، و عمله، فتجرد لذلك الحجاج بواسط، و جدّ فيه و زاد تحزيبه، و أمر و هو والي العراق الحسن- أي البصري- و يحيى بن يعمر بذلك. (2)
ص: 127
قال ابن جزي: فأول من فعل ذلك الحجاج بن يوسف بأمر عبد الملك بن مروان. (1)
و أسند الزبيدي (2) في الطبقات إلى المبرد (3): أن أول من نقط المصحف هو أبو الأسود الدؤلي (4) (5). ثم ذكر أن ابن سيرين كان له مصحف نقطه له يحيى بن يعمر (6).
ص: 128
و عن أبي الفرج (1) صاحب «الأغاني»: أن زياد بن أبي سفيان (2) أمر أبا الأسود بنقط المصحف. (3)
و في كتاب «الأمصار» للجاحظ أن نصر بن عاصم (4) هو أول من نقط المصاحف و كان يقال له: نصر الحروف. (5)ن.
ص: 129
ص: 130
المسألة الثالثة: حول الأخماس و الأعشار و فواتح السور و الخواتيم (1)
اختلف أهل العلم من الصدر الأول في حكم تخميس المصاحف و تعشيرها، و إحداث الفواتح و الخواتيم للسور، فكرهها قوم كابن مسعود و مجاهد و النخعي (2) و أبي رزين (3)، و أباحها الإمام مالك في غير الأمهات و بغير الألوان، و أجازها سائر المسلمين إجازة مطلقة.
و كان أول من أمر بوضع الأعشار في المصاحف على ما قال ابن عطية و تبعه القرطبي و ابن جزي هو المأمون العباسي، و قيل تم ذلك على يد الحجاج (4).
ص: 131
و قد ذكر أبو عمرو الداني في كتاب البيان له عن ابن مسعود- رضي اللّه عنه- أنه كره التعشير في المصحف، و أنه كان يحكّه. (1)
و عن مجاهد أنه كره التعشير و الطيب في المصحف. (2)
و قال أشهب (3): سمعت مالكا سئل عن العشور التي تكون في المصحف بالحمرة و غيرها من الألوان، فكره ذلك و قال: تعشير المصحف بالحبر لا بأس به. (4)
و عن قتادة، قال: بدوا فنقطوا ثم خمسوا ثم عشروا. و كان كالإنكار. (5)
ص: 132
روى أبو عمرو عن أبي حمزة قال: رأى إبراهيم النّخعي في مصحفي فاتحة سورة كذا و كذا، فقال: امحه، فإن ابن مسعود قال: لا تخلطوا في كتاب اللّه ما ليس منه (1).
و عن أبي بكر السراج قال: قلت لأبي رزين: أ أكتب في مصحفي سورة كذا و كذا؟ فقال: إني أخاف أن ينشأ قوم لا يعرفونه يظنونه من القرآن (2).
و قال أشهب: سئل الإمام مالك عن المصاحف يكتب فيها خواتم السور في كل سورة ما فيها من آية فقال: إني أكره ذلك في أمهات المصاحف أن يكتب فيها شي ء، أو يشكل، فأما ما يتعلم به الغلمان في المصاحف فلا أرى بذلك بأسا. قال أشهب: ثم أخرج إلينا مصحفا لجدّه، كتبه إذ كتب عثمان المصاحف فرأينا خواتمه من حبر على عمل السلسلة في طول السطر، و رأيته معجوم الآي بالحبر. (3)
و قال يحيى بن كثير: كان القرآن مجردا في المصاحف، فأول ما أحدثوا فيه النقط على الباء و التاء و الثاء و قالوا: لا بأس به هو نور له، ثم أحدثوا
ص: 133
نقطا عند منتهى الآي، ثم أحدثوا الفواتح و الخواتيم. (1)
قال القرطبي: قال الداني- رضي اللّه عنه-: و هذه الأخبار كلها تؤذن بأن التعشير و التخميس و فواتح السور و رءوس الآي من عمل الصحابة- رضي اللّه عنهم- قادهم إلى عمله الاجتهاد؛ و أرى أن من كره ذلك منهم و من غيرهم إنما كره أن يعمل بالألوان كالحمرة و الصفرة و غيرهما؛ على أن المسلمين في سائر الآفاق قد أطبقوا على جواز ذلك و استعماله في الأمهات و غيرها، و الحرج و الخطأ مرتفعان عنهم فيما أطبقوا عليه إن شاء اللّه. (2).م.
ص: 134
تناول هذا الموضوع من المفسرين في مقدمة تفسيره ابن جرير الطبري (1) و الماوردي (2)، و ابن عطية (3)، و القرطبي (4)، و ابن جزي (5)، مع تفاوت بينهم، و فيه عدة مسائل:
قال أبو جعفر الطبري: تسمى كل سورة من سور القرآن «سورة» و تجمع «سورا»- يفتح الواو- على تقدير «خطبة و خطب» و «غرفة و غرف» (6).
ص: 135
قال الشاعر:
سود المحاجر لا يقرأن بالسّور (1) قال القرطبي: و يجوز أن يجمع على سورات و سورات. (2)
و فيها لغتان:
إحداهما: بالهمز (سؤرة) و هي لغة تميم (3).
و الأخرى: بغير همز (سورة) قال ابن عطية: و هي لغة قريش كلها و من جاورها من قبائل العرب كهذيل و سعد بن بكر و كنانة (4).
فأما التي بغير همز: فهي المنزلة من منازل الارتفاع، و منه سور المدينة للحائط الذي يحويها، و ذلك لارتفاعه على ما يحويه، يقول نابغة بني ذبيان (5):
ص: 136
أ لم تر أنّ اللّه أعطاك سورةترى كلّ ملك دونها يتذبذب (1) يعني بذلك أن اللّه أعطاه منزلة من منازل الشرف التي قصّرت عنها منازل الملوك، و لهذا سميت السورة لارتفاعها و علو قدرها. (2)
و قال ابن عطية: و منهم من يراها مشبّهة بسورة البناء: أي القطعة منه؛ لأن كل بناء فإنما يبنى قطعة بعد قطعة، و كل قطعة منها سورة. (3)
و قيل: سميت بذلك لأن قارئها يشرف على ما لم يكن عنده كسور البناء. و قيل: لتمامها و كمالها من قول العرب للناقة التامة: سورة. (4)
و أما السؤرة بالهمز، فهي القطعة التي فصلت من القرآن عما سواها و أبقيت منه؛ لأن سؤر كل شي ء بقيّته، و عليه سمّي ما فضل في الإناء بعد الشرب منه سؤرا (5)، و قيل: جاء في أسأر الناس. أي بقاياهم. (6)
ص: 137
و في الحديث قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم: «إذا شربتم فأسئروا» (1)، و من ذلك قول أعشى بني ثعلبة (2) يصف امرأة فارقته، فأبقت في قلبه من وجدها بقية:
فبانت و قد أسأرت في الفؤاد صدعا، على نأيها مستطيرا (3) و قال الأعشى في مثل ذلك:
بانت و قد أسأرت في النّفس حاجتهابعد ائتلاف؛ و خير الودّ ما نفعا (4) قال القرطبي: الأصل (سؤرة) بالهمز ثم خففت فأبدلت التاء واوا لانضمام ما قبلها. (5)
قال الماوردي: و الأول من القولين أصح (6). أي كونها بغير همز،
ص: 138
و أنها بمعنى الارتفاع و علو القدر.
اختلف النحويون في أصل لفظة (آية) على أقوال:
فقال سيبويه، (آية) على وزن (فعلة)، بفتح العين، أصلها (أيية) مثل (أكمة) و (شجرة)، تحركت الياء الأولى، و ما قبلها مفتوح فجاءت (آية) بهمزة بعدها مدّة.
و قال الكسائي، هي على وزن (آيية) على وزن (فاعلة) مثل (آمنة) فقلبت الياء ألفا لتحركها و انفتاح ما قبلها، ثم حذفت لالتباسها بالجمع. (1)
قال مكي: سكّنت الأولى، و أدغمت فجاءت (آيّة) على وزن دابة، ثم سهلت الياء المثقلة. (2)
و قال الفراء، أصلها (أيّيه) بتشديد الياء الأولى على وزن (فعلة)
ص: 139
بسكون العين، فأبدلت الياء الساكنة ألفا استثقالا للتضعيف. (1)
و هذا القول حكاه أبو علي الفارسي في ترجمة وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ [آل عمران: 146]. (2)
قال ابن عطية: و قال بعض الكوفيين: أصلها (أيية) على وزن (فعلة)، بكسر العين، أبدلت الياء الأولى ألفا، لثقل الكسر عليها، و انفتاح ما قبلها.
و تجمع الآية على: (آي)، و (آيات) و (آياء)، و أنشد أبو زيد:
لم يبق هذا الدهر من آيائه غير أثافيه و أرمدائه (3) و الآية في كلام العرب لها عدة معاني:
فالآية: (العلامة)، قال الطبري: لأنها علامة يعرف بها تمام ما قبلها و ابتداؤها، قال تعالى: رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ [المائدة: 114] يعني علامة منك لإجابتك
ص: 140
دعاءنا، و إعطائك إيانا سؤلنا (1).
و قال تعالى: إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ [البقرة: 248]، أي: علامة ملكه.
و قال سحيم عبد بني الحسحاس (2):
ألكني إليها عمرك اللّه يا فتى بآية ما جاءت إلينا تهاديا يعنى: علامة ذلك (3).
و قال النابغة:
توهّمت آيات لها فعرفتهالستة أعوام و ذا العام سابع (4) و تقول العرب: بيني و بين فلان آية. أي: علامة. (5)
ص: 141
قال ابن عطية:- و في قول بعضهم- لما كانت الجملة التامة من القرآن علامة على صدق الآتي بها، و على عجز المتحدي بها سميت آية. (1)
و الآية (القصة و الرسالة):
قال كعب بن زهير بن أبي سلمى (2):
ألا أبلغنا هذا المعرّض آيةأ يقظان قال القول إذ قال أم حلم يعني بقوله: (آية) رسالة مني و خبرا عني.
قال الطبري: فيكون معنى الآيات: القصص، قصة تتلو قصة، بفصول و وصول. (3)
و الآية (الجماعة):
فقد قالت العرب: جئنا بآيتنا. أي: بجماعتنا.
ص: 142
و قالت: خرج القوم بآياتهم. أي: بجماعتهم.
قال برج بن مسهر الطائي (1):
خرجنا من النّقبين لا حيّ مثلنابآيتنا نزجي اللّقاح المطافلا قال القرطبي: و سميت أية لأنها جماعة حروف من القرآن و طائفة منه. (2)
و الآية (الأمر العجيب):
سميت بها لأنها عجيب يعجز البشر عن التكلم بمثلها. (3)
ص: 143
و مائتا آية و أربع عشرة آية. (1)
و في عدّ المكي، في قول الفضل: ستة آلاف آية و مائتا آية و تسع عشرة آية. (2)
و في عدّ الكوفي، في قول محمد بن عيسى: ستة آلاف آية و مائتا آية و ثلاثون و ست آيات. (3)، و هو العدد الذي رواه سليم بن عيسى الكوفي (4)، و الكسائي عن حمزة، و أسنده الكسائي إلى علي بن أبي
ص: 145
طالب- رضي اللّه عنه- (1).
و في عدّ البصري، في قول محمد بن عيسى: ستة آلاف و مائتان و أربع آيات. (2)
و في عدّ أهل الشام، في قول يحيى بن الحارث الذّماري (3): ستة آلاف و مائتان و ست و عشرون. (4) و في رواية: ستة آلاف و مائتان و خمس و عشرون. نقص آية، قال: ابن ذكوان (5): فظننت أن يحيى لم يعد بِسْمِ اللَّهِ*
ص: 146
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ*. (1)
قال أبو عمرو بعد أن ذكر ما سبق: فهذه الأعداد التي يتداولها الناس تأليفا، و يعدّون بها في سائر الآفاق قديما و حديثا. (2)
عرف القرطبي الكلمة بقوله: هي الصورة القائمة بجميع ما يختلط بها من الشبهات. أي الحروف. (3)
ثم قال: و أطول الكلم في كتاب اللّه ما بلغ عشرة أحرف، نحو قوله تعالى: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ [النور: 55] و نحو أَ نُلْزِمُكُمُوها [هود: 28]، و أقصرهن ما كان على حرفين نحو (ما) و (لا)، و قد تكون الكلمة وحدها آية تامة نحو قوله تعالى: وَ الْفَجْرِ و الضُّحى و الم* و طه
ص: 147
و غيرها، و ذلك في فواتح السور وحدها دون حشوها.
قال أبو عمرو: و لا أعلم كلمة هي وحدها آية- أي في حشو السور- إلا قوله تعالى في الرحمن: مُدْهامَّتانِ [الرحمن: 64] لا غير.
و الكلمة تطلق على الآية التامة، و على الكلام القائم بنفسه، قال تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا [الأعراف: 137] قيل: المراد بالكلمة هاهنا قوله تعالى: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ [القصص: 8].
و في الحديث: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان اللّه و بحمده، سبحان اللّه العظيم». (1)
و قد تسمي العرب القصيدة بأسرها و القصة كلها كلمة.
فتسمي جملة الكلام كلمة إذا كانت الكلمة منها، على عادتهم في تسميتهم الشي ء باسم ما هو منه، و ما قاربه و جاوره، و كان بسبب منه مجازا و اتساعا. ا ه. (2)
ص: 148
و أما عدد كلمات القرآن فقد ذكر القرطبي أن الفضل بن شاذان (1) أفاد أن: جميع كلمات القرآن- في قول عطاء بن يسار- سبعة و سبعون ألفا و أربعمائة و سبع (2) و ثلاثون كلمة. (3)
ص: 149
الحرف هو الشّبهة القائمة وحدها من الكلمة، و قد يسمى الحرف كلمة و الكلمة حرفا، اتساعا و مجازا.
قال الداني: فإن قيل: فكيف يسمى ما جاء من حروف الهجاء في الفواتح على حرف واحد، نحو ص* و ق و ن حرفا أو كلمة؟
قلت: كلمة لا حرفا، و ذلك من جهة أن الحرف لا يسكت عليه، و لا ينفرد وحده في الصورة، و لا ينفصل مما يختلط به؛ و هذه الحروف مسكوت عليها منفردة منفصلة كانفراد الكلم و انفصالها، فلذلك سمّيت كلمات لا حروفا.
و قال: و قد يكون الحرف في غير هذا المذهب و الوجه، قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: 11] أي على
ص: 150
وجه و مذهب. (1)
و أما عدد حروف القرآن فقد روى سلام أبو محمد الحماني أن الحجاج بن يوسف جمع القراء و الحفاظ و الكتّاب، فقال: أخبروني عن القرآن كله، كم حرفا هو؟ قال: و كنت فيهم، فحسبنا فأجمعنا على أن القرآن ثلاث مائة ألف حرف و أربعون ألف حرف و سبعمائة حرف و أربعون حرفا. (2)
و عن الفضيل بن شاذان: أن حروف القرآن ثلاث مائة ألف و ثلاثة و عشرون ألفا و خمسة عشر حرفا.
و عن عبد اللّه بن كثير عن مجاهد قال: أحصينا من القرآن، و هو ثلاثمائة ألف حرف و أحد و عشرون ألف حرف و مائة و ثمانون حرفا.
قال القرطبي: و هذا مخالف لما تقدم عن الحماني. (3)
روى سلام الحماني أن الحجاج بن يوسف قال للقراء و الحفاظ و الكتّاب: أخبروني إلى أي حرف ينتهي نصف القرآن؟ فإذا هو في الكهف
ص: 151
وَ لْيَتَلَطَّفْ [الآية: 19] في الفاء. قال: فأخبروني بأثلاثه؛ فإذا الثلث الأول رأس مائة من براءة، و الثلث الثاني رأس مائة أو إحدى و مائة من (طسم الشعراء) و الثلث الثالث ما بقي من القرآن. قال: فأخبروني بأسباعه على الحروف؛ فإذا أوّل سبع في النساء فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ [الآية: 55] في الدال، و السبع الثاني في الأعراف حَبِطَتْ [الآية: 147] في التاء، و السبع الثالث في الرعد أُكُلُها دائِمٌ [الآية:
35] في الألف من آخر «أكلها» السبع الرابع في الحج وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً [الآية: 34] في الألف، و السبع الخامس في الأحزاب وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ [الآية: 36] في الهاء، و السبع السادس في الفتح الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ [الآية: 6] في الواو، و السبع السابع ما بقي من القرآن (1).
قال سلام: عملناه في أربعة أشهر، و كان الحجاج يقرأ في كل ليلة ربعا، فأول ربعه خاتمة الأنعام، و الربع الثاني في الكهف وَ لْيَتَلَطَّفْ،
ص: 152
و الربع الثالث خاتمة الزمر، و الربع الرابع ما بقي من القرآن.
قال القرطبي: و في هذه الجملة خلاف. (1)
ص: 153
الأول: (القرآن) قال تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ [يوسف: 3].
الثاني: (الفرقان) قال تعالى: تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً [الفرقان: 1].
الثالث: (الكتاب) قال تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [الكهف: 1].
الرابع: (الذكر) قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ [الحجر: 9]. (1)
قال ابن جرير: و لكل اسم من أسمائه الأربعة من كلام العرب معنى و وجه غير معنى الآخر و وجهه. (2)
فأما تسميته (قرآنا) ففيه تأويلان:
أحدهما: و هو قول ابن عباس، أنه مصدر من قولك (قرات) أي:
بيّنت. ثم أطلق على المقروء (3).
ص: 155
قال ابن عطية: قرأ الرجل إذا تلا، يقرأ قرآنا و قراءة، و حكى أبو زيد الأنصاري: و قرءا. (1).
روى ابن جرير الطبري بسنده عن ابن عباس في قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْناهُ يقول: بيّناه، فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة: 18] يقول: اعمل به. (2)
قال ابن جرير: و معنى قول ابن عباس هذا: فإذا بيّناه بالقراءة فاعمل بما بيناه لك بالقراءة. (3)
فالقرآن على هذا مصدر من (قرأ) إذا (تلا)، و من هذا قول حسان ابن ثابت يرثي عثمان بن عفان- رضي اللّه عنه-:
ضحّوا بأشمط عنوان السّجود به يقطّع اللّيل تسبيحا و قرآنا أي: قراءة. (4)
و الآخر: و هو قول قتادة، أنه بمعنى التأليف، مصدر من قولك: قرأت الشي ء: إذا جمعته و ضممت بعضه إلى بعض. مأخوذ من قولهم: ما قرأت هذه الناقة سلى قط. أي: لم ينضم رحمها على ولد.
ص: 156
قال عمرو بن كلثوم (1):
ذراعي عيطل أدماء بكرهجان اللّون لم تقرأ جنينا (2) قال الماوردي: و لهذا سمي قرء العدة قرءا، لاجتماع دم الحيض في الرحم. (3)
قال ابن عطية: قرأ الرجل إذا جمع و ألّف قولا. (4)
و به فسّر قتادة قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ يقول: حفظه و تأليفه. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ اتبع حلاله، و اجتنب حرامه (5).
فتأويل القرآن على رأي قتادة هو التأليف.
قال الطبري: و لكلا القولين- أي قول ابن عباس و قتادة- وجه صحيح في كلام العرب، غير أنّ أولى قوليهما بتأويل قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا
ص: 157
جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ قول ابن عباس. (1) و رجحه ابن عطية و قال: إنه أقوى. (2)
و يؤخذ على قول قتادة أن اللّه جلّ ثناؤه أمر نبيه صلى اللّه عليه و سلم في غير آية من تنزيله باتباع ما أوحي إليه، و لم يرخص في ترك اتباع شي ء من أوامره إلى وقت تأليف القرآن، فكذلك قوله فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ لو وجب أن يكون معنى قوله فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فإذا ألّفناه فاتبع ما ألّفنا لك فيه، لكان الأمر الوارد في قوله تعالى: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ و الفرض الواجب في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ-- قُمْ فَأَنْذِرْ غير ملزم إلى حين تأليف القرآن، و القائل به خارج عن الملة. (3).
و عليه فحكم كل آية من آي القرآن لازم للرسول صلى اللّه عليه و سلم اتباعه و العمل به، حين نزوله.
و أما تأويل اسمه (الفرقان): فالفرقان مصدر، قال ابن جرير: و أصله عندنا: الفرق بين الشيئين، و الفصل بينهما، و قد يكون ذلك بقضاء و استنقاذ، و إظهار حجّة و نصر،
ص: 158
و غير ذلك من المعاني المفرّقة بين المحق و المبطل. (1)
و قد قيل في تسمية التنزيل فُرْقاناً أقوال متعددة متقاربة:
فعن عكرمة فيما رواه ابن جرير أنه كان يقول: هو النجاة. و كذلك كان السدي و غيره يتأوله.
و عن ابن عباس و رواية عن مجاهد: الفرقان: المخرج.
و في رواية عن مجاهد أيضا أنه كان يقول في قوله عزّ و جلّ: يَوْمَ الْفُرْقانِ [الأنفال: 41] يوم فرّق اللّه فيه بين الحق و الباطل. (2)
قال ابن عطية: سمّي- أي كتاب اللّه- فرقانا؛ لأن اللّه فرق فيه بين الحق و الباطل- و هو قول الجماعة (3)- و المؤمن و الكافر فرقا و فرقانا. (4)
و كل تلك الأقوال صحيحة لاتفاق معاني ألفاظها في ذلك، و بذلك يتبين أن كتاب اللّه سمّي فرقانا لفصله بحججه و أدلّته، و حدود فرائضه
ص: 159
و سائر معاني حكمه بين المحق و المبطل، و فرقانه بينهما بنصرة المحق و تخذيله المبطل حكما و قضاء. (1)
و أما تأويل اسمه (الكتاب) فالكتاب مصدر من كتب إذا جمع، و منه قيل: كتيبة لاجتماعها، قال سالم بن دارة (2) يهجو ثابت بن رافع الفزاري:
لا تأمننّ فزاريّا خلوت به على قلوصك و اكتبها بأسيار (3) و الكتاب: هو خطّ الكاتب حروف المعجم مجموعة و متفرقة، و سمي كتابا و إنما هو مكتوب كما قال الشاعر:
تؤمّل رجعة منّي و فيهاكتاب مثل ما لصق الغراء
ص: 160
يعني به مكتوبا. (1)
و أما تأويل اسمه (الذكر): ففيه ثلاثة تأويلات:
الأول: أنه ذكر من اللّه جلّ ذكره، ذكّر به عباده، فعرّفهم فيه حدوده و فرائضه.
قال ابن عطية: ذكر به الناس آخرتهم و إلههم و ما كانوا في غفلة عنه فهو ذكر لهم. (2)
الثاني: أنه ذكر و شرف و فخر لمن آمن به و صدّق بما فيه، قال تعالى:
وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ [الأحزاب: 44] يعني شرف له و لقومه (3). قال ابن عطية: و لسائر العلماء به. (4)
ص: 161
الثالث: سمي بذلك لأن فيه ذكر الأمم الماضية و الأنبياء. (1)
و هناك صفات أخرى وصف اللّه بها تنزيله، هي صفات لا أسماء، كوصفه تعالى تنزيله بالعظيم و الذكر و المتين و العزيز و غير ذلك. (2)
قال ابن جرير الطبري: لسور القرآن أسماء سمّاها بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (3)
ثم روى بسنده عن واثلة بن الأسقع، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطّول، و مكان الإنجيل المثاني، و مكان الزبور المئين، و فضّلني ربي بالمفصّل. (4)
و بسند آخر عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أعطيت مكان التوراة السبع الطّول، و أعطيت مكان الزّبور المئين، و أعطيت مكان الإنجيل المثاني،
ص: 162
و فضّلت بالمفصّل. (1)تفسير ابن جرير: 1/ 102- 103- و تفسير الماوردي: 1/ 26.
و أخرجه أبو عبيد في فضائله: 158- و الحاكم في المستدرك: 2/ 355 و قال: حديث صحيح على شرط الشيخين و لم يخرجاه.- و البيهقي في الشعب: (ح 423- 2/ 756) و (ح 424- 2/ 756) و انظر: فتح الباري لابن حجر: 8/ 382- و الزيادة و الإحسان في علوم القرآن لابن عقيلة: 2/ 591 بتحقيقي.
و قد اختلف العلماء في السابعة من الطّول، فعن جماعة هي براءة، و في رواية عند الحاكم أنها الكهف. و نسي الراوي السابعة في الرواية التي أخرجها الحاكم و النسائي و غيرهما عن ابن عباس. و في رواية صحيحة عن ابن أبي حاتم و غيره عن سعيد بن جبير أنها يونس، قال ابن عقيلة: فكأن القائلين بأنها يونس مشوا على ترتيب مصحف أبي و ابن مسعود، فإنها في مصحفيهما هي السابعة من الطّول على اختلاف بينهما في الترتيب .... انظر: جمال القراء للسخاوي: 1/ 34- و البرهان للزركشي: 1/ 244- و الإتقان للسيوطي: 1/ 199 ط البغا.(2)
قال الطبري: (السبع الطّول): البقرة و آل عمران و النّساء و المائدة و الأنعام و الأعراف و يونس في قول سعيد بن جبير.
و بنحوه عن ابن عباس. (2)ا.
ص: 163
قال الماوردي: و هو الصحيح. (1)
و إنما سميت هذه السور السبع الطّول لطولها على سائر سور القرآن. (2)
أما (المئون): فهي ما كان من سور القرآن عدد آية مائة آية أو تزيد عليها شيئا أو تنقص عنها شيئا. (3)
أما (المثاني): ففيها ثلاثة تأويلات:
أحدها: ما ثنى المئين فتلاها، و كان المئون لها أوائل، و كان المثاني لها ثواني. قال بعض الشعراء:ا.
ص: 164
حلفت بالسبع اللّواتي طوّلت و بمئين بعدها قد أمئيت
و بمثان ثنّت فكرّرت و بالطّواسين التي قد ثلّثت
و بالحواميم اللّواتي سبّعت و بالمفصّل اللّواتي فصّلت (1) و الثاني: لتثنية اللّه جلّ ذكره فيها الأمثال و الخبر أو العبر (2). و قيل:
الفرائض و الحدود. و هذا قول ابن عباس، و سعيد بن جبير، و قال جماعة يكثر تعدادهم: القرآن كله مثان. (3)
و الثالث: أنها فاتحة الكتاب، لأنها تثنى قراءتها في كل صلاة (4). و هو قول الحسن البصري، قال الراجز: علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 165 المسألة الثانية: أسماء سور القرآن: ..... ص : 162
نشدتكم بمنزل القرآن أمّ الكتاب السبع من مثاني
ثنّين من آي من القرآن و السّبع سبع الطّول الدّواني (5) ص.
ص: 165
و أما (المفصل) فإنها سميت مفصّلا لكثرة الفصول التي بين سورها ب بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* (1).
قال الماوردي: و سمي المفصل محكما لما قيل: إنه لم ينسخ شي ء منه (2).
و اختلفوا في أول المفصل على ثلاثة أقوال:
أحدها: و هو قول الأكثرين أنه سورة «محمد صلى اللّه عليه و سلم» إلى سورة الناس.
و الثاني: أنه من سورة «ق» إلى الناس. حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة.
و الثالث: أنه من سورة «الضحى» إلى الناس، و هو قول ابن عباس، و كان يفصل في سورة الضحى بين كل سورتين بالتكبير على رأي قراء مكة. (3)
ص: 166
القرطبي من بين المذكورين عناية خاصة، فشغلت حيزا كبيرا من مقدمته، و فيه عدة مسائل:
المسألة الأولى: في التنبيه على أحاديث ضعيفة وضعت في الفضائل (1)
نبه القرطبي- يرحمه اللّه- في مقدمته إلى أمر هام، حين ذكر أن جماعة من الوضاعين، وضعوا أحاديث مكذوبة، و أخبار مختلفة، في الفضائل عامة و في فضائل القرآن خاصة، و نسبوا ذلك إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و كبار الصحابة و سلف الأمة، و بيّن اختلاف مقاصد و أغراض تلك الجماعات (2).
و قد انتشرت تلك الموضوعات بين عامة المسلمين، و تناقلها القصاص، و وجدت في ثنايا كتب بعض المنتسبين للعلم دون التنبيه عليها.
و كان لهذا الإفك أغراض عديدة فمنها:
1- إيقاع الشك ببعض أمور الدين في قلوب الناس، كما فعل قوم من الزنادقة أمثال المغيرة بن سعيد الكوفي، و محمد بن سعيد الشامي
ص: 168
المصلوب و غيرهما، فقد افترى هذا الأخير على أنس بن مالك أنه قال في قوله صلى اللّه عليه و سلم: «أنا خاتم الأنبياء، لا نبي بعدي.» فزاد الراوي: «إلا ما شاء اللّه» لما كان يدعو إليه من الإلحاد و الزندقة. (1)
2- ما وضع تبعا للهوى، كما فعلت الخوارج، قال أحد شيوخهم بعد أن منّ اللّه عليه بالتوبة: إن هذه الأحاديث دين فانظروا ممن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيّرناه حديثا. (2)
3- ما وضع حسبة من بعض جهلة المسلمين، يريدون به حسب زعمهم ترغيب الناس في الفضائل (3)، كما فعل نوح بن أبي مريم المروزي المعروف بأبي عصمة (4)، و كما فعل محمد بن عكاشة الكرماني و غيرهما،
ص: 169
و قد قيل لأبي عصمة: من أين لك عن عكرمة عن ابن عباس في فضل سور القرآن سورة سورة؟ فقال: إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن و اشتغلوا بفقه أبي حنيفة و مغازي ابن إسحاق؛ فوضعت هذا الحديث حسبة. (1)
4- ما وضع من بعض السؤّال و المكدّين، يقصدون به جمع المال، فيقفون في المساجد و يضعون لكل مجلس ما يوافق هواهم، ليعطوهم، و قد يضعون لموضوعاتهم أسانيد صحيحة حفظوها، و من ذلك القصة المشهورة في أجر من قال: لا إله إلا اللّه، و التي ذكرها جعفر بن محمد الطيالسي (2)، عن القاص الذي نسب إلى ابن حنبل و ابن معين ما لم يقولاه، و أوردها القرطبي بطولها في مقدمته. (3)
و غير ذلك من الأغراض و الأهداف، التي تناولها الوعيد الوارد في قوله صلى اللّه عليه و سلم: اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوأ
ص: 170
مقعده من النار. (1)
قال القرطبي: و لو اقتصر الناس على ما ثبت في الصحاح و المسانيد و غيرها من المصنفات التي تداولها العلماء، و رواها الأئمة الفقهاء، لكان لهم في ذلك غنية، و خرجوا عن تحذيره صلى اللّه عليه و سلم. (2)
ذكر المفسرون في مقدماتهم كثيرا من الأحاديث و الآثار و أخبار السلف و عاداتهم مع القرآن، و تفاوتت درجات المرويات بين الصحيح الثابت و بين الضعيف المردود، و غالب تلك المرويات هي مما حفلت به كتب التفسير و الفضائل، و أرى أن الاقتصار على ذكر نماذج منها في هذا الموضع هو الأسلم.
و في هذه المسألة عدة مطالب:
ص: 171
روى الواحدي بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إني قد خلّفت فيكم شيئين لن تضلوا أبدا ما أخذتم بهما، و عملتم بما فيهما، كتاب اللّه عزّ و جلّ، و سنتي، و لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض. (1)
و أخرج البغوي بسنده عن عمر بن الخطاب أنه قال: أما إن نبيكم صلى اللّه عليه و سلم قال: إن اللّه تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين. (2) قال البغوي: صحيح أخرجه مسلم عن زهير بن حرب (3).
ص: 172
و عن زيد بن أرقم (1) قال: قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة و المدينة، فحمد اللّه و أثنى عليه و وعظ و ذكر ثم قال:
أما بعد: ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، و إني تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب اللّه، فيه الهدى و النور، فخذوا بكتاب اللّه و استمسكوا به. فحثّ على كتاب اللّه و رغب فيه، ثم قال: و أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي. و زاد في رواية: كتاب اللّه فيه الهدى و النور من استمسك به و أخذ به كان على الهدى، و من أخطأه ضلّ. (2)
و أخرج البغوي بسنده عن الحارث الأعور (3) قال: مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي- رضي اللّه عنه- فقلت: يا أمير المؤمنين أ لا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ قال: أو قد فعلوها؟ قلت: نعم. قال: أما إني قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: إلا
ص: 173
إنها ستكون فتنة. قلت: ما المخرج منها يا رسول اللّه؟ قال: كتاب اللّه، فيه نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه اللّه، و من ابتغى الهدى في غيره أضله اللّه، و هو الذكر الحكيم، و هو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، و لا تلبس به الألسنة، و لا تشبع منه العلماء، و لا يخلق عن كثرة الرد، و لا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ [الجن: 1- 2] من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، و من دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم. خذها إليك يا أعور.
قال أبو عيسى: هذا لا نعرفه إلا من هذا الوجه، و إسناده مجهول، و الحارث فيه مقال (1).م.
ص: 174
أخرج البغوي بسنده و غيره عن أنس عن أبي موسى الأشعري رضي اللّه عنه أن النبي صلى اللّه عليه و سلم كان يقول: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة طعمها طيب و ريحها طيب، و مثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة، طعمها طيب و لا ريح لها، و مثل الفاجر الذي يقرأ القرآن، كمثل الريحانة ريحها طيب و لا طعم لها، و مثل الفاجر الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر و لا ريح لها. (1)
ص: 175
و أخرج البغوي بسنده عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن مأدبة اللّه فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن حبل اللّه و النور المبين و الشفاء النافع و عصمة لمن تمسك به و نجاة لمن تبعه، لا يزيغ فيستعتب، و لا يعوج فيقوم، و لا تنقضي عجائبه، و لا يخلق عن كثرة الرد، فاتلوه فإن اللّه عزّ و جلّ يأجركم على تلاوته، بكل حرف عشر حسنات، أما إني لا أقول الم* حرف، و لكن الألف حرف، و اللام حرف، و الميم حرف.
و هو في الخازن بلفظ: من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم* حرف، و لكن ألف حرف .... الحديث (1).
و أخرج البغوي بسنده أيضا عن عثمان عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: خيركم).
ص: 176
من تعلم القرآن و علّمه. و في رواية زيادة: فإن اللّه يرفع بهذا القرآن أقواما و يضع آخرين (1).
و أخرج بسنده أيضا عن عائشة- رضي اللّه عنها- عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: مثل الماهر بالقرآن مثل السفرة الكرام البررة، و مثل الذي يقرؤه و هو عليه شاق له أجران. (2)
قال القرطبي: التتعتع: التردد في الكلام عيا و صعوبة؛ قال: و إنما كان له أجران من حيث التلاوة و من حيث المشقة، و درجات الماهر فوق ذلك كله؛ لأنه قد كان القرآن متعتعا عليه، ثم ترقى عن ذلك إلى أن شبه بالملائكة. (3)
ص: 177
و عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رجل: يا رسول اللّه صلى اللّه عليك و سلم، أي الأعمال أحب إلى اللّه؟ قال: الحال المرتحل.
قال: و ما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حلّ ارتحل. (1)
أخرج البغوي بسنده عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إنّ الرجل الذي ليس في جوفه شي ء من القرآن كالبيت الخرب. (2)
ص: 178
و أورد القرطبي عن ابن الأنباري بسنده عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من قرأ القرآن و تلاه و حفظه أدخله اللّه الجنة و شفّعه في عشرة من أهل بيته كلّ قد وجبت له النار. (1)
ص: 179
و أخرج البغوي بسنده عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنهما- عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: يقال لصاحب القرآن: اقرأ و ارتق، و رتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها. (1)
و أورد ابن عطية عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- عن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: أشراف أمتي حملة القرآن. (2)
و أخرج البغوي بسنده عن مشرح بن هاعان، قال: سمعت عقبة بن عامر يقول: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول: لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار.).
ص: 180
قال البغوي: قيل معناه: من حمل القرآن و قرأه لم تمسه النار يوم القيامة. (1)ي.
ص: 181
أخرج البغوي بسنده عن أبي سلام عن أبي أمامة أنه حدّثه قال: سمعت النبي صلى اللّه عليه و سلم يقول: اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة و آل عمران فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان أو كأنهما فرقان من طير صوافّ تحاجّان عن أصحابهما. اقرءوا البقرة فإن أخذها بركة و تركها حسرة، و لا يستطيعها البطلة. (1)
و عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة. (2)
ص: 182
و عن أبي بن كعب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: يا أبا المنذر أ تدري أيّ آية من كتاب اللّه معك أعظم؟ قال: قلت: اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [البقرة: 255] قال: فضرب في صدري و قال: و اللّه! ليهنك العلم يا أبا المنذر. (1)
و عن أبي الدرداء أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم الدجال. (2)
و عنه عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ تعدل ثلث القرآن. (3)).
ص: 183
و عن عقبة بن عامر (1) قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أ لم تر آيات أنزلت اللّيلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ و قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (2).
فأول ما يلزم قارئ القرآن إخلاص النية للّه. و الابتعاد عن الرياء و المباهاة: قال تعالى: وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً [النساء: 36] و قال تعالى: فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً [الكهف: 110].
و في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به فعرّفه نعمه .... إلى أن قال: و رجل تعلّم العلم و علّمه، و قرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟
قال: تعلّمت العلم و علّمته و قرأت فيك القرآن. قال: كذبت، و لكنك
ص: 184
تعلّمت العلم ليقال عالم، و قرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل. ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار .... الحديث.
و أورده الترمذي و زاد فقال: ثم ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أوّل خلق اللّه تسعّر بهم النّار يوم القيامة. (1)
قال ابن عبد البر: و هذا الحديث فيمن لم يرد بعلمه و عمله وجه اللّه تعالى. (2)
و أخرج أبو داود و الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة (3).
و قال سفيان بن عيينة: بلغنا عن ابن عباس أنه قال: لو أنّ حملة).
ص: 185
القرآن أخذوه بحقه و ما ينبغي لأحبهم اللّه، و لكن طلبوا به الدنيا فأبغضهم اللّه، و هانوا على الناس. (1)
أخرج البغوي بسنده عن خيثمة (2) عن رجل أن عمران بن حصين مر على رجل يقرأ على قوم فلما قرأ سأل، فقال عمران: إنا للّه و إنا إليه راجعون، سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول: من قرأ القرآن فليسأل اللّه عزّ و جلّ به، فإنه سيجي ء أقوام يقرءون القرآن يسألون الناس به. (3)ي.
ص: 186
فيجب على قارئ القرآن الذي يطلب علمه أن يبادر بإخلاص النية، و أن يتقي اللّه في عمله، لينتفع به و ينفع. و لا يضير كونه بدأ يريد به المباهاة و الشرف في الدنيا، فإنه بطلب العلم و فهمه يتبين له خطأه، و يظهر له الحق، قال الحسن البصري: كنا نطلب العلم للدنيا فجرّنا إلى الآخرة (1). و قال سفيان الثوري مثل ذلك. و عن حبيب بن أبي ثابت (2): طلبنا هذا الأمر و ليس لنا فيه نية ثم جاءت النية. (3)
و مما يلزم قارئ القرآن معرفته أيضا، أن يستشعر من فضل القرآن الكريم أنه كلام اللّه رب العالمين، و أنه غير مخلوق، كلام من ليس كمثله شي ء، و صفة من ليس له شبيه و لا ندّ، و أن يعلم أن القراءة أصوات القراء و نغماتهم.
و من ذلك أيضا أن يتعاهد القرآن بالقراءة خشية الإفلات، في ليله و نهاره، فقد ورد الوعيد الشديد في حق من أهمله حتى نسيه، و من ذلك ما أخرجه الشيخان عن أبي موسى الأشعري- رضي اللّه عنه- أنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: تعاهدوا هذا القرآن، فو الّذي نفس محمد بيده لهو أشدّ
ص: 187
تفلّتا من الإبل في عقلها. (1)
و عن ابن عمر- رضي اللّه عنهما- أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة، إن عاهد عليها أمسكها، و إن أطلقها ذهبت. (2)
ص: 188
و عن عبد اللّه بن مسعود- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت و كيت، بل هو نسّى، و استذكروا القرآن فإنّه أشدّ تفصّيا من صدور الرجال من النّعم. و في رواية: لا يقول أحدكم نسيت آية كذا و كذا بل هو نسّى. (1)
و عن سعد بن عبادة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي الله تعالى يوم القيامة أجذم. (2)
و عن أنس بن مالك- رضي اللّه عنه- أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: عرضت عليّ أجور أمّتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد، و عرضت عليّ ذنوب أمّتي فلم أر فيها ذنبا أعظم من سورة من القرآن، أو آية أوتيها رجل ثمّ نسيها. (3)ه.
ص: 189
و ينبغي له أن يحمد اللّه دائما على ما وفقه إليه، فيذكره و يشكره، و يتوكل عليه و يستعين به، و يرغب إليه و يعتصم به، يخشى ذنبه، و يرجو عفو ربه، يراقب اللّه فيما أمره و نهاه، و يحتاط لدينه.
كما ينبغي له أن يمتاز عن غيره بأخلاقه و أفعاله، فيكون له سمته الخاص، يقول ابن مسعود: ينبغي لقارئ القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون، و بنهاره إذا الناس مستيقظون، و ببكائه إذا الناس يضحكون، و بصمته إذا الناس يخوضون، و بخضوعه إذا الناس يختالون (1)، و بحزنه إذا الناس يفرحون. و عليه بالحلم و الوقار، و تجنب الكبر و الإعجاب، و ترك الجدل و المراء، و التصاون عن طرق الشبهات، و أن يكون قليل الضحك و الكلام في مجالس القرآن، كما عليه أن يكون سمحا حليما يعفو و يصفح، يؤمن شرّه، و يرجى خيره، و يسلم من ضرّه.
كما ينبغي له أن يفهم مراد اللّه من كلامه، فينتفع بما يقرأ، و يعمل بما يتلو، يتدبر حقائق عبارته، و يتبين غرائبه، كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24]، فما أقبح لحامل القرآن أن يتلو فرائضه و أحكامه عن ظهره.
ص: 190
قلب و هو لا يفهم ما يتلوه! و ما أقبح أن يسأل عن فقه ما يتلوه و لا يدريه! و لهذا فعليه أن يلم بشي ء من علوم القرآن كالمكي و المدني و الناسخ و المنسوخ، و غريب القرآن و الأعاريب، و أن يكون مطلعا على الحديث النبوي، و غير ذلك من العلوم التي تزيل الشك، و تساعد في فهم النص.
كما ينبغي له أن يعرف لشيوخه قدرهم، و يحفظ لهم مكانتهم، فيكون في غاية الأدب معهم، يقول فضيل بن عياض (1): كنا نأتي المشيخة فلا نرى أنفسنا أهلا للجلوس معهم- أي مع الشيوخ- فنجلس دونهم و نسترق السمع (2).
هذا باب عظيم أفرده ثلة من أهل العلم بتآليف مستقلة، و خصص له آخرون حيزا من تآليفهم، فأوردوا مجموعة من تلك الآثار، كما فعل القرطبي في مقدمته. و آداب القرآن و آداب تاليه أربعة أقسام:
قسم يتعلق بالاستعداد للتلاوة.
ص: 191
و قسم يتعلق بالتلاوة نفسها.
و ثالث هي آداب عامة أثناء التلاوة.
و رابع يتعلق بالآداب مع المصحف.
أما القسم الأول، فمن ذلك أن لا يمسه إلا طاهرا، و أن يستاك فيطيب فاه، قال يزيد بن مالك: إن أفواهكم طرق للقرآن فطهروها و نظّفوها ما استطعتم. و أن يستعد للقراءة فيلبس من أحسن ثيابه، و أن يختار لقراءته مكانا طيبا فيتجنب القراءة في الأسواق و مواطن اللغط و اللّهو و مجمع السفهاء، قال تعالى في وصف عباد الرحمن وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً [الفرقان: 72] و أن يستقبل القبلة لقراءته، فقد كان أبو العالية (1) إذا قرأ اعتمّ و ارتدى و استقبل القبلة (2)، و من ذلك أيضا أن يستعيذ باللّه عند ابتدائه من الشيطان الرجيم فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ [النحل: 99]، و منه أيضا أن يختار لقراءته خلوة قدر طاقته حتى).
ص: 192
لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه.
و أما القسم الثاني فهو ما يتعلق بالتلاوة نفسها، و من أهم ذلك أن يجعل لنفسه وردا يوميا، فلا يخلو يوما من أيامه دون النظر في المصحف، و قد كان أبو موسى يقول: إني لأستحي ألا أنظر كل يوم في عهد ربي (1).
و من ذلك أن يقرأ البسملة إذا ابتدأ قراءته من أول السورة، أو من حيث بلغ، فإذا قرأ لم يقطعها بكلام الآدميين من غير ضرورة، و أن يستعمل في قراءته ذهنه و فهمه كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] حتى ينتفع بما يتلو، و من الآداب أن يقف على آية الوعد فيطلب اللّه من فضله و يسأله، و على آية الوعيد فيستجير باللّه منه، و على الأمثال فيمتثلها، و أن يؤدي حق التلاوة، فيخرج الحروف واضحة من مخارجها، و أن يختار القراءة الصحيحة و لا يجادل في غيرها فقد تكون هي الأخرى صحيحة، و أن لا يلتقط الآي من كل سورة فيقرأها و يتنقّل بينها بل عليه أن يتم السورة كلها، كما يحسن للقارئ أن لا يحرم عينه من الأجر في النظر، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قوله: أعطوا أعينكم حظها من العبادة. قالوا: يا رسول اللّه، و ما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف و التفكر فيه و الاعتبار عند عجائبه (2).ي.
ص: 193
و من آداب التلاوة أن يتجنب القراءة منكوسا (1). كما عليه أن يتجنب
ص: 194
و القراءة بألحان الغناء كلحون أهل الفسوق، و ترجيع النصارى، و نوح الرهبانية (1)، و أن لا يجهر على الآخرين في قراءته فيفسد
ص: 195
عليه (1) و أن يفتتحه كلما ختمه، فقد ورد عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه كان إذا ختم يقرأ من أول السورة قدر خمس آيات، و قال في ذلك: عليك بالحالّ المرتحل، قيل: و ما الحالّ المرتحل؟ قال: صاحب القرآن يضرب من أوله حتى يبلع آخره، ثم يضرب في أوله كلما حلّ ارتحل (2).ي.
ص: 196
و أما القسم الثالث و هو آداب أثناء التلاوة نفسها، فمن ذلك أن يتمضمض إذا تنخع، فقد ورد عن ابن عباس أنه كان كلما تنخع مضمض.
و من ذلك أن يمسك عن القراءة إذا تثاءب، لكون التثاؤب من الشيطان، و القارئ إنما يناجي الرحمن، قال مجاهد: إذا تثاءبت و أنت تقرأ القرآن فأمسك عن القراءة تعظيما حتى يذهب تثاؤبك، و من الآداب إذا انتهى من التلاوة أن يصدّق ربه، و يشهد بالبلاغ للرسول صلى اللّه عليه و سلم، كأن يقول: صدقت ربنا و بلّغت رسلك، و من الآداب أن يجمع أهله إذا أراد أن يختم و كان ذلك ديدن السلف كأنس بن مالك و غيره (1).ي.
ص: 197
و من القسم الرابع و هي آداب مع المصحف، فمن ذلك أن يجلّل كتابته فيكتبها بخط واضح، و إذا وضع المصحف أن لا يتركه منشورا، و أن لا يضع فوقه شيئا من الكتب، علما كان أو غير ذلك، و أن لا يتوسد و لا يعتمد عليه، و لا يرمى به لصاحبه إذا أراد أن يناوله، و أن يضعه في حجره أو على شي ء بين يديه، و لا يضعه على الأرض، و من ذلك أن لا يمحوه ببصاق و نحوه، و لكن يغسله بالماء، و يتوقى النجاسات في الموضع، لكون الغسالة لها حرمة، و من الآداب مع كلام اللّه أن لا يكتب على الأرض خشية الاستهانة به. (1)
و فيها ثلاثة مطالب:
أن يتلوه مجودا مرتلا وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4] يقتدي في قراءته قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و قد كان سلف الأمة يسألون عن قراءته صلى اللّه عليه و سلم، روى البخاري عن قتادة قال: سألت أنسا عن قراءة رسول
ص: 198
اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقال: كان يمدّ مدّا، إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* يمد بِسْمِ اللَّهِ*، و يمد ب الرَّحْمنِ*، و يمد ب الرَّحِيمِ*. (1)
أن يخفض صوته و يخشى اللّه في قراءته، و أن يتجنب التطريب و النبر و القراءة بالألحان (2)، أورد القرطبي عن زياد النميري أنه جاء مع القراء إلى أنس بن مالك فقيل له: اقرأ. فرفع صوته و طرّب. و كان رفيع الصوت. فكشف أنس عن وجهه، و كان على وجهه خرقة سوداء فقال: يا هذا ما هكذا كانوا يفعلون! و كان إذا رأى شيئا ينكره كشف الخرقة عن وجهه. (3) و قد روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى اللّه تعالى (4). و قد كره رفع الصوت عند قراءة
ص: 199
القرآن سعيد بن المسيب و سعيد بن جبير و القاسم و ابن سيرين و النّخعي و غيرهم. كما كره مالك بن أنس و أحمد بن حنبل رفع الصوت بالقرآن و التطريب فيه. و أجازت طائفة من الأئمة التطريب كأبي حنيفة و أصحابه و الشافعي و ابن المبارك و غيرهم، و اختاره الطبري و ابن العربي، لكونه أوقع في النفوس، و أسمع في القلوب، قال صلى اللّه عليه و سلم: زينوا القرآن بأصواتكم. (1)
و قال: ليس منا من لم يتغنّ بالقرآن. (2)
و رجح القرطبي القول بكراهة التطريب، و قال: إن الحديث من باب المقلوب، أي: زينوا أصواتكم بالقرآن. و ليس منا من لم يحسّن صوته بالقرآن. و نسب إلى الخطابي قوله: و كذا فسره غير واحد من أئمة الحديث.
ثم أورد التأويلات الواردة في معنى التغني بالقرآن، و بيّن أقوال الأئمة في بيان ذلك. (3)
ص: 200
أن يتجنب التقعير في قراءته كفعل المتنطعين في إبراز الكلام من أفواههم تكلفا.
و روى ليث عن مجاهد قال: لا بأس أن تكتب القرآن ثم تسقيه المريض.
قال القرطبي: كان من قبلنا من السلف منهم من يستشفى بغسالته (1)- أي غسالة القرآن-.
ص: 202
عرّف ابن جزي السور المكية بقوله: هي التي نزلت بمكة، يعدّ منها كل ما نزل قبل الهجرة و إن نزل بغير مكة.
و عرّف السور المدينة بقوله: هي السور التي نزلت بالمدينة، و يعدّ منها كل ما نزل بعد الهجرة و إن نزل بغير المدينة. (3)
ص: 203
ذكر ابن جزي عدة سمات موضوعية تعرف بها السور المكية و المدينة:
1- إثبات العقائد.
2- الرد على المشركين.
3- الاهتمام بذكر قصص الأنبياء السابقين.
1- بيان الأحكام التشريعية.
2- الرد على اليهود و النصارى.
3- كشف المنافقين و ذكرهم.
4- بيان الفتاوى الشرعية في كثير من المسائل.
5- ذكر غزوات النبي صلى اللّه عليه و سلم.
قال: و حيث ما ورد يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* فهو مدني، و أما يا أَيُّهَا النَّاسُ* فقد وقع في المكي و المدني. (1)
ص: 204
تنقسم سور القرآن الكريم باعتبار المكي و المدني ثلاثة أقسام:
1- قسم مدني، و هي سبع و عشرون سورة على ما ذكره القرطبي نقلا عن ابن الأنباري (1)، اتفق منها على اثنتان و عشرون سورة كما صرح
ص: 205
به ابن جزي (1).
2- قسم مختلف فيه، هل هي مكية أم مدينة، فأفاد ابن جزي أنها ثلاث عشرة سورة. (2) و لم يذكر القرطبي الاختلاف في شي ء.
3- و قسم مكي، و هي سائر السور المتبقية و هي عند القرطبي سبع و ثمانون سورة (3)، و عند ابن جزي تسع و سبعون سورة (4).
أما المدني المتفق عليه فهي: البقرة و آل عمران و النّساء و المائدة و الأنفال و براءة و النّور و الأحزاب و القتالي.
ص: 206
و الفتح و الحجرات و الحديد و المجادلة و الحشر و الممتحنة و الصف و الجمعة و المنافقون و التغابن و الطّلاق و التحريم و النّصر.
و أما المختلف فيه فهي: أم القرآن و الرعد و النحل و الحجّ و الرّحمن و الإنسان و المطففون و القدر و البينة و الزلزلة و أ رأيت و الإخلاص و الفلق و النّاس.
و أما المكي المتفق عليه فهي سائر السور المتبقية. (1)ي.
ص: 207
قال ابن جزي: و قد وقعت آيات مدينة في سور مكية، كما وقعت آيات مكية في سور مدنية، و ذلك قليل، مختلف في أكثره. (1)
أشار القرطبي إلى أهمية معرفة المكي و المدني بالنسبة للمفسر الذي يقدم على فهم كتاب اللّه و تفسيره، فقال:
و ينبغي أن يعرف المكي من المدني ليفرّق بذلك بين ما خاطب اللّه به عباده في أول الإسلام، و ما ندبهم إليه في آخر الإسلام، و ما افترض اللّه في أول الإسلام، و ما زاد عليه من الفرائض في آخره.
ثم ذكر أن المدني يمكن أن يكون ناسخا للمكي، و لا يمكن أن يكون المكي ناسخا للمدني، لأن المنسوخ هو المتقدم في النزول. (2)
ص: 208
و علة تقديم بعض السور المدنية على المكية هو أن اللّه تعالى خاطب العرب بلغتهم و على ما تعرف من أفانين خطابها و محاوراتها، و لمّا كان من فن كلامها تقديم المؤخر و تأخير المقدّم، خوطبوا بهذا المعنى في كتاب اللّه تعالى، فأقيمت عليهم الحجة بذلك. (1) و اللّه أعلم.ل.
ص: 209
بحث هذا الموضوع في مقدمة تفسيره البغوي (1)، و ابن الجوزي (2)، و الخازن (3)، و ابن جزي (4)، و أبو حيان (5).
و التفسير قيل مأخوذ من (التفسرة)، و هي الدليل الذي ينظر فيه الطبيب فيكشف عن علة المريض، قال البغوي: فكذلك المفسر يكشف عن شأن الآية و قصتها. (6)
قال أبو حيان: و التفسير في اللغة: الاستبانة و الكشف، قال ابن دريد: (7) و منه يقال للماء الذي ينظر فيه الطبيب (تفسرة) (8)، و كأنه تسمية
ص: 210
بالمصدر؛ لأن مصدر (فعّل) جاء أيضا على (تفعلة) نحو: (جرّب تجربة) و (كرّم تكرمة)، و إن كان القياس في الصحيح من (فعّل) التفعيل، كقوله تعالى: وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً [الفرقان: 33].
قال: و ينطلق أيضا التفسير على التعرية للانطلاق، قال ثعلب: تقول:
(فسّرت الفرس: عرّيته لينطلق في حصره (1). و هو راجع لمعنى الكشف، فكأنه كشف ظهره لهذا الذي يريده منه من الجري. (2)
و أما في الاصطلاح، فقد صرح أبو حيان المتوفى (745 ه) بأنه لم يقف لأحد من علماء التفسير على رسم- أي تعريف- له. (3)
و بالرجوع إلى المقدمات وجدت البغوي يعرف التفسير بقوله: هو الكلام في أسباب نزول الآية و شأنها و قصتها، و يكون بالسماع عن طريق النقل. (4) و وجدت ابن جزي يعرفه فيقول: شرح القرآن و بيان معناه، و الإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو فحواه. فيرجح أن التفسير هو الشرح (5)، أي: شرح المفردات و الألفاظ الغريبة. (6)
ص: 211
و التعريف الذي وضعه أبو حيان أشمل و أكمل حين قال- رحمه اللّه-: التفسير علم يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن، و مدلولاتها، و أحكامها الإفرادية و التركيبية، و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب، و تتمات لذلك.
ثم شرح مفردات التعريف فقال:
فقولنا: (علم) هو جنس يشمل سائر العلوم.
و قولنا: (يبحث فيه عن كيفية النطق بألفاظ القرآن) هذا هو علم القراءات.
و قولنا: (و مدلولاتها) أي: مدلولات تلك الألفاظ، و هذا هو علم اللغة الذي يحتاج إليه في هذا العلم.
و قولنا: (و أحكامها الإفرادية و التركيبية) هذا يشمل علم التصريف، و علم الإعراب، و علم البيان، و علم البديع.
(و معانيها التي تحمل عليها حالة التركيب) شمل بقوله التي تحمل عليها ما لا دلالة عليه بالحقيقة، و ما دلالته عليه بالمجاز، فإن التركيب يقتضي بظاهره شيئا، و يصد عن الحمل الظاهر صاد، فيحتاج لأجل ذلك أن يحمل على غير الظاهر، و هو المجاز.
و قولنا: (و تتمات لذلك) هو معرفة الناسخ و المنسوخ و سبب النزول،
ص: 212
و قصة توضيح بعض ما أنبهم في القرآن و نحو ذلك. (1)
و أما التأويل، فمشتق من (الأول) و هو الرجوع إلى الأصل، يقال:
أوّلته فآل: أي صرفته فانصرف. (2) فهو رد الشي ء إلى الغاية.
و في الاصطلاح: التأويل: نقل الكلام عن وضعه فيما يحتاج في إثباتهه.
ص: 213
إلى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ. (1)
و قيل: التأويل بيان المعاني و الوجوه المستنبطة الموافقة للفظ الآية. (2)
الفرق بين التفسير و التأويل: اختلف العلماء هل التفسير و التأويل بمعنى واحد، أم يختلفان؟.
فذهب قوم يميلون إلى العربية إلى أنهما بمعنى واحد، قال ابن الجوزي:
ص: 214
و هو قول جمهور المفسرين المتقدمين. (1)
و ذهب قوم إلى اختلافهما:
فعن الخازن: أن التفسير يتوقف على النقل المسموع، و هو ظاهر قول البغوي، و التأويل: يتوقف على الفهم الصحيح. (2)
و عن ابن جزي أن للعلماء في الفرق بين التفسير و التأويل ثلاثة أقوال:
الأول: أنهما بمعنى واحد.
الثاني: أن التفسير للفظ، و التأويل للمعاني (3).
الثالث: و هو الصواب: أن التفسير هو الشرح، و التأويل هو حمل الكلام على معنى غير المعنى الذي يقتضيه الظاهر بموجب اقتضى أن يحمل على ذلك و يخرج على ظاهره (4).م.
ص: 215
ص: 216
بحث هذا الموضوع في مقدمة تفسيره ابن جرير الطبري (1)، و أبو الليث السمرقندي (2)، و الواحدي (3)، و ابن عطية (4)، و ابن الجوزي (5)، و القرطبي (6)، و ابن جزي (7)، و أبو حيان (8)، و ابن كثير (9).
لقد أجمع المفسرون على أهمية علم التفسير و عظيم شرفه و الحاجة إليه، و أنه من أشرف أنواع العلوم و أجلها، و أنه إنما حاز هذا الشرف لأمور منها:
1) أن شرف العلم متعلق بشرف المعلوم، و المعلوم هنا كتاب اللّه الذي لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت: 42]، فلما كان كلام اللّه أشرف المعلومات، كان العلم بتفسيره و أسباب تنزيله و معانيه أشرف العلوم.
ص: 217
2) أنه من أعظم العلوم تقريبا إلى اللّه، و تخليصا للنيات، و نهيا عن الباطل، و حضا على الصالحات، إذ ليس من علوم الدنيا فيختل (1) حامله من منازلها صيدا، و يمشي في التلطف لها رويدا. (2)
يقول ابن جرير: اعملوا عباد اللّه، رحمكم اللّه، أن أحق ما صرفت إلى علمه العناية، و بلغت في معرفته الغاية، ما كان في العلم به رضى، و للعالم به إلى سبيل الرشاد هدى، و أن أجمع ذلك لباغيه كتاب اللّه الذي لا ريب فيه، و تنزيله الذي لا مرية فيه، الفائز بجزيل الذخر، و سنّى الأجر تاليه. (3)
3) أنه العلم الذي جعل للشرع قواما، فهو المقصود بذاته، و سائر العلوم و المعارف إنما استعملت له خداما، فهي له كالأدوات، منه تؤخذ مبادئها، و به تعتبر نواشئها، فما وافقه منها نصع، و ما خالفه رفض و دفع، فهو عنصرها النمير، و قمرها المنير، به تعرف أحكام الأنام، و بيان الحلال و الحرام، و المواعظ النافعة، و الحجج البالغة.
أخرج الطبري و أبو الليث السمرقندي بسندهما في تفسيرهما عن علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- أنه قال في خطبته: يا أيها الناس، قد
ص: 218
بيّن اللّه لكم في محكم كتابه ما أحل لكم، و ما حرم عليكم، فأحلوا حلاله، و حرموا حرامه، و آمنوا بمتشابهه، و اعملوا بمحكمه، و اعتبروا بأمثاله (1).
قال السمرقندي: فلما أمر النبي صلى اللّه عليه و سلم بأن يحل حلاله و يحرم حرامه، ثم لا يمكن أن يحل حلاله، و يحرم حرامه إلا بعد ما يعلم تفسيره، و لأن اللّه تعالى أنزل القرآن للناس، و جعله حجة على جميع الخلق بقوله: وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ [الأنعام: 19] فلما كان القرآن حجة على العرب و العجم، ثم لا يكون حجة عليهم إلا بعد ما يعلم تفسيره فدل ذلك على أن طلب تفسيره و تأويله واجب. (2)
و هو واجب على العلماء خاصة، الذين اجتباهم اللّه و اصطفاهم، و الذين هم ورثة الأنبياء (3) و خلفاؤهم، و سادة المسلمين و عرفاؤهم، و الدعاة إلى المحجة المثلى وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً [البقرة:
269] قال أبو العالية: الحكمة: فهم القرآن.
ص: 219
و قال قتادة: الحكمة، القرآن و الفقه فيه.
و قال غيره: الحكمة تفسير القرآن. (1)
قال إياس بن معاوية: مثل الذين يقرءون القرآن و هم لا يعلمون من تفسيره، كمثل قوم جاءهم كتاب من ملكهم ليلا و ليس عندهم مصباح، فتداخلهم روعة لا يدرون ما في الكتاب، و مثل الذي يعرف تفسيره كمثل رجل جاءهم بمصباح فقرءوا ما في الكتاب. (2)
و وصف علي بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- جابر بن عبد اللّه بالعلم، فقال رجل: جعلت فداءك، تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟ فقال:
إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: 85] (3).
و لهذه المزية و لغيرها حرص أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على التفقه في الدين، و تعلم التفسير، روى الطبري بسنده عن ابن مسعود أنه قال:
كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن
ص: 220
و العمل بهن. (1)
و رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له: إن الذي كان يفسرها رحل إلى الشام، فتجهز و رحل إليه حتى علم تفسيرها. (2)
ص: 221
يعد هذا الموضوع من أكثر الموضوعات التي اهتم بها المفسرون، و تناولوها في مقدماتهم، فقد بحثه جميع (1) من شملتهم هذه الدراسة عدا ابن
ص: 222
الجوزي، و قد تفاوتت اهتماماتهم بذكر تفاصيله، فكانوا بين مقتصد مقتصر على الرواية، و مسهب تناول أكثر من جزئية، و في هذا الموضوع عدة مسائل:
ندب اللّه سبحانه عباده إلى تدبّر كلامه، و استخراج المعاني من فحوى ألفاظه و شواهد خطابه، و بيّن أن من كلامه ما لا يعلم تأويله إلا هو، حيث استأثر بعلم ذلك كالخبر عن آجال حادثة، و أوقات آتية يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187].
و أن منه ما لا يعلم تأويله إلا ببيان رسوله صلى اللّه عليه و سلم وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44]، وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64]، و من هذا الوجه تأويل وجوه أمره، و صنوف نهيه، و مبالغ فرائضه، و غير ذلك من أحكام آية التي لا يوصل إليها إلا ببيانه صلى اللّه عليه و سلم له، إما بنص منه صلى اللّه عليه و سلم عليه، أو بدلالة قد نصبها أمّته على تأويله.
و أن منه ما يعلم تأويله العلماء العالمون باللسان الذي نزل به القرآن
ص: 223
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ [آل عمران: 7]. (1)
و قد ورد الأثر في ذلك، فقد روى عبد الرزاق و ابن جرير بسندهما عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- أنه قال: تفسير القرآن على أربعة وجوه: تفسير يعلمه العلماء، و تفسير يعرفه العرب، و تفسير لا يعذر أحد بجهالته، مقول من الحلال و الحرام، و تفسير لا يعلم تأويله إلا اللّه، من ادّعى علمه فهو كاذب. (2)
و رواه الطبري بلفظ آخر عن ابن عباس فقال: التفسير على أربعة أوجه: وجه تعرفه العرب من كلامها، و تفسير لا يعذر أحد بجهالته، و تفسير يعلمه العلماء، و تفسير لا يعلمه إلا اللّه. (3)
ص: 224
فالوجه الذي تعرفه العرب بكلامها: هي حقائق اللغة و موضوع كلامهم.
و الذي لا يعذر أحد بجهالته: هو ما يلزم كافّة المسلمين في القرآن من الشرائع، و جملة دلائل التوحيد.
و أما الذي يعلمه العلماء: فهو وجوه تأويل المتشابه و فروع الأحكام.
و أما الذي لا يعلمه إلا اللّه: فهو ما يجري مجرى الغيوب و قيام الساعة. (1)
و لم يعتبر الطبري الوجه الثاني- ما لا يعذر أحد بجهالته- وجها، بل قال: إنه معنى غير الإبانة عن وجوه مطالب تأويله، فهو خبر عن أن من تأويله ما لا يجوز لأحد الجهل به. (2)
و قد صحح الماوردي تقسيم ابن عباس- رضي اللّه عنهما العاشرة غير أنه رأى أن ما لا يعذر أحد بجهالته، داخل في جملة ما يعلمه العلماء، و إنما يختلف القسمان في فرض العلم به، فما لا يعذر أحد بجهله يكون فرض العين به على الأعيان، و ما يختص بالعلماء يكون فرض العلم به
ص: 225
على الكفاية. (1) و عليه صار التقسيم إلى ثلاثة أوجه:
ما اختص اللّه تعالى بعلمه: و هذا لا يؤخذ إلا عن توقيف من أحد ثلاثة أوجه:
- إما من نصّ في سياق التنزيل.
- و إما عن بيان من جهة الرسول صلى اللّه عليه و سلم.
- و إما عن إجماع الأمة على ما اتفقوا عليه من تأويل.
قال الماوردي: فإن لم يرد فيه توقيف علمنا أن اللّه تعالى أراد لمصلحة استأثر بها، ألا يطلع عباده على غيبه.
ما يرجع فيه إلى لسان العرب: و ذلك شيئان:
الأول: اللغة، يكون العمل به في حق المفسر دون القارئ، فإن كان الأمر لا يوجب العمل، جاز الاستشهاد بخبر الواحد و قليل الشعر، و إن كان الأمر يوجب العمل لم يجز ذلك حتى يكون نقله مستفيضا، و شواهد الشعر فيه متناصرة. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 226 الوجه الثاني: ..... ص : 226
ثاني: الإعراب، فإن كان اختلافه موجبا لاختلاف حكمه، و تغيير تأويله لزم العمل به في حق المفسر و حق القارئ، ليتوصل المفسر إلى معرفة
ص: 226
حكمه، و يسلم القارئ من لحنه.
و إن كان اختلاف إعرابه لا يوجب اختلاف حكمه، و لا يقتضي تغيير تأويله، كان العلم بإعرابه لازما في حق القارئ ليسلم من اللّحن في تلاوته، و لم يلزم في حق المفسر لوصوله- مع الجهل بإعرابه- إلى معرفة حكمه.
ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء: و هو تأويل المتشابه و استنباط الأحكام، و بيان المجمل، و تخصيص العموم و غير ذلك. (1)
للتفسير طريقان الأول: التفسير بالأثر (الرواية).
و الثاني: التفسير بالرأي (الدراية).
المقصود من التفسير بالأثر، تفسير القرآن بالقرآن، و بما نقل عن الرسول صلى اللّه عليه و سلم، أي بالسّنة، و بأقوال الصحابة و ما ثبت عنهم، و بأقوال التابعين.
و أصح هذه الطرق تفسير القرآن بالقرآن، فما أجمل في مكان فإنه قد
ص: 227
فسّر في موضع آخر، و ما اختصر في مكان فإنه بسط في آخر.
فإن لم يجد فالسّنة، فهي شارحة للقرآن و موضحة له، و قد جعل اللّه تعالى إلى رسوله صلى اللّه عليه و سلم بيان ما كان منه مجملا كالصلوات الخمس في مواقيتها و سجودها و ركوعها و سائر أحكامها، و تفسير ما كان منه مشكلا، و تحقيق ما كان منه محتملا، كما جعل له زيادة على حكم الكتاب، كتحريم المرأة على خالتها و عمتها، و كتحريم الحمر الأهلية و كل ذي ناب من السباع و غير ذلك، ليكون له مع تبليغ الرسالة ظهور الاختصاص بهن و منزلة التفويض إليه، قال تعالى: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل: 44] (1) و قال: وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64] و قال: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً [النساء: 105] قال الإمام الشافعي- رحمه اللّه-: كل ما حكم به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فهو مما فهمه من القرآن. (2) و قال تعالى: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ [النور: 63].
روى أبو داود عن المقدام بن معدي كرب (3) عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه
ص: 228
قال: ألا إني أتيت القرآن و مثله معه. (1) قال ابن كثير: يعني السنة، فالسنة تنزل عليه بالوحي كما ينزل القرآن، إلا أنها لا تتلى كما يتلى القرآن. (2)
قال الخطابي: قوله (و مثله معه) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن معناه أنه أوتي من الوحي الباطن غير المتلو مثل ما أعطي من الظاهر المتلو.
و الثاني: أنه أوتي الكتاب وحيا يتلى، و أعطي من البيان مثله، أي أذن له أن يبين ما في الكتاب فيعم و يخص و يزيد عليه و يشرع ما في الكتاب فيكون في وجوب العمل به، و لزوم قبوله كالظاهر المتلو من القرآن. (3)
فإن لم يجد في السنة رجع إلى أقوال الصحابة، و فهمهم لكتاب اللّه، فإنهم أدرى بذلك، لما شاهدوه من القرائن و الأحوال التي اختصوا بها، و لما لهم من الفهم التام و العلن الصحيح، و العمل الصالح.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن: بم تحكم؟ قال: بكتاب
ص: 229
اللّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول اللّه. قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد برأيي. قال الراوي: فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في صدره و قال: الحمد للّه الذي وفق رسول رسول اللّه لما يرضي رسول اللّه. (1)
و قد يذكر الصحابة بعض الحكايات التي ينقلونها عن أهل الكتاب، و قد أباح رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ذلك حيث قال: بلغوا عني و لو آية، و حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج، و من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار. (2)
ص: 230
و هي إنما تذكر للاستشهاد لا للاعتضاد، و هي ثلاثة أقسام:
أحدها: ما علمنا صحته مما بأيدينا مما يشهد له بالصدق فذاك صحيح.
و الثاني: ما علمنا كذبه بما عندنا مما يخالفه فذاك مردود.
و الثالث: ما هو مسكوت عنه لا من هذا القبيل و لا من هذا القبيل، فلا نؤمن به و لا نكذبه، و تجوز حكايته، و غالب ذلك مما لا فائدة فيه تعود إلى أمر ديني.
فإن لم يجد بغيته في أقوال الصحابة، رجع- على رأي غالب أهل العلم- إلى أقوال أئمة التابعين مثل مجاهد و سعيد بن جبير و عكرمة و الحسن البصري و غيرهم، فإنهم كانوا بارعين في التفسير، تتلمذوا على أئمة العلم من الصحابة، يقول مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه و أسأله عنها (1).
و تفسير التابعين يعتمد و يكون حجة إذا أجمعوا على الشي ء، فإن اختلفوا فلا يكون بعضهم حجة على بعض، و لا على من بعدهم، و يرجع
ص: 231
إلى لغة القرآن أو السنة أو عموم لغة العرب، أو أقوال الصحابة في ذلك. (1)
قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: 29]، و قال تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24]، و قال جل ذكره: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ-- قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: 27- 28].
في هذه الآيات و غيرها من آيات الذكر الحكيم حث اللّه تعالى العلماء على تدبر آياته و استنباط معاني كلامه، و بيّن أنهم مكلفون بتأويل ما لم يحجب عنهم تأويله، و هو الأمر الذي فهمه أكثر أهل العلم من ظاهر الآيات، و سياق الأحاديث و الآثار، و شاهدوه من فعل السلف.
غير أن هناك نصوصا أخرى تفيد أن ثلة من السلف أمسك عن القول في القرآن، و تحرّج من الخوض فيه، حيطة و تورعا كان ذلك أم إحجاما و تمنعا للخشية، مستدلّين بظاهر بعض الأحاديث التي تحذر الإقدام على القول في القرآن بالرأي.
و بهذا يتبين أن السلف أمام التفسير بالرأي فريقان:
ص: 232
فريق يرى التفسير بالرأي و يجوزه، و آخرين يرى الوقوف عند المنقول و المأثور، و لكل فريق و جهته و أدلته:
أولا: المانعون من التفسير بالرأي و أدلتهم:
يقول الواحدي- رحمه اللّه تعالى-: من شرف هذا العلم- أي علم التفسير- و عزته في نفسه أنه لا يجوز القول فيه العقل و التدبر، و الرأي و التفكر، دون السماع و الأخذ عمن شاهدوا التنزيل بالرواية و النقل، و النبي صلى اللّه عليه و سلم فمن بعده من الصحابة و التابعين قد شددوا في هذا حتى جعلوا المصيب فيه برأيه مخطئا. (1)
و أفاد ابن تيمية و ابن كثير لزوم الوقوف عند المأثور، و صرحا بتحريم التفسير بمجرد الرأي. (2)
و فصّل البغوي، فأجاز التأويل الذي هو صرف الآية إلى معنى محتمل موافق لما قبلها و ما بعدها غير مخالف للكتاب و السنة من طريق الاستنباط، و منع التفسير إلا بالسماع بعد ثبوته من طرق النقل، و قصد بالتفسير الكلام
ص: 233
في أسباب نزول الآية و شأنها و قصتها. (1)
و من أدلة المانعين:
- قوله تعالى فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ [النساء: 59]. (2)
و ما رواه عبد الرزاق، و ابن جرير و البغوي بسندهم عن ابن عباس- رضي اللّه عنه- عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. (3)
ص: 234
و ما رواه ابن جرير و البغوي بسندهما أيضا عن ابن عباس و أورده ابن كثير، بلفظ: من قال في القرآن برأيه- أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من النار. (1)
و ما رواه ابن جرير و الواحدي و البغوي بسندهما عن جندب قال:
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ. (2) و في رواية زاد رزين: و من قال برأيه فأخطأ فقد كفر. (3) يقول ابن جرير: يعني أنه أخطأ في فعله حين قال برأيه، لأن قوله ليس بقول عالم إن الذي قال فيه
ص: 235
قول حق و صواب، فهو بالتالي قائل على اللّه ما لا يعلم، آثم بفعله ما قد نهي عنه، و حظر عليه. (1)
و قال ابن تيمية: لأنه قد تكلف ما لا علم له به، و سلك غير ما أمر به؛ فلو أنه أصاب المعنى في نفس الأمر لكان قد أخطأ؛ لأنه لم يأت الأمر من بابه، كمن حكم بين الناس على جهل فهو في النار و إن وافق حكمه الصواب في نفس الأمر، لكن يكون أخف جرما ممن أخطأ. (2)
و روى ابن جرير و أبو عبيد و السمرقندي و البغوي بسندهم عن أبي بكر الصديق- رضي اللّه عنه- أنه سئل عن قوله تعالى: وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا [عبس: 31] فقال: لا أدري ما الأب! فقيل له: قل من ذات نفسك يا خليفة رسول اللّه. فقال: أيّ أرض تقلّني، و أيّ سماء تظلّني إذا قلت في القرآن بما لا أعلم. و في رواية: إذا قلت: في القرآن برأي أو بما لا أعلم. (3)ة.
ص: 236
و أخرج أبو عبيد عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا [عبس: 31] فقال: هذه الفاكهة فقد عرفناها، فما الأب؟
ثم رجع إلى نفسه فقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر. (1)
و روى ابن جرير عن عبد اللّه بن عمر- رضي اللّه عنه- قال: لقد أدركت فقهاء المدينة، و إنهم ليغلظون القول في التفسير، منهم سالم بن عبد اللّه، و القاسم بن محمد، و سعيد بن المسيب، و نافع. (2)
و عن يحيى بن سعيد قال: سمعت رجلا يسأل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن فقال: لا أقول في القرآن شيئا (3).
و عن يزيد بن أبي يزيد قال: كنا نسأل سعيد بن المسيب عن الحلال و الحرام، و كان أعلم الناس فإذا سألناه عن تفسير آية من القرآن سكت كأني.
ص: 237
لم يسمع. (1)
و عن عمرو بن مرة (2) سأل رجل سعيد بن المسيب عن آية من القرآن، فقال: لا تسألني عن القرآن و سل من يزعم أنه لا يخفى عليه شي ء منه- يعني عكرمة-. (3)
و أخرج البغوي عن أبي الدرداء- رضي اللّه عنه-: لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة، قال حماد: قلت لأيوب: ما معنى قول أبي الدرداء- رضي اللّه عنه- فجعل يتفكر فقلت: هو أن ترى له وجوها فتهاب الإقدام عليها. فقال: هو ذاك، هو ذاك. (4)
و عن هشام بن عروة قال: ما سمعت أبي تأوّل آية من كتاب اللّه قط. (5)
ص: 238
و أخرج أبو عبيد عن مغيرة عن إبراهيم قال: كان أصحابنا يتقون التفسير و يهابونه (1).
و أخرج عن مسروق قال: اتقوا التفسير فإنما هو الرواية عن اللّه (1).
و غير ذلك من الأدلة التي ليس هذا موضع بسطها.
ثانيا: المجيزون للتفسير بالرأي و أدلتهم:
و يرى المجيزون للتفسير بالرأي- و هم أكثر أهل العلم- أن اللّه سبحانه قد حثّ عباده على الاعتبار بما في آي القرآن من المواعظ و البينات، قال تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: 29] و قال: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: 27- 28] و ما أشبه ذلك من الآيات التي أمر اللّه عباده فيها بالاتعاظ بمواعظه، و الاعتبار بأمثاله و التفكر في نظمه و معانيه، مما يدل على أن عليهم معرفة تأويل ما لم يحجب عنهم تأويله، لكونه لا يجوز أن يقال لهم اعتبر بها و هم لا يعلمون معانيها.
و ألزم المجيزون من يقدم على تفسير كلام اللّه أن يأخذ بالأسباب، و يتعلم وجوه اللغة التي بها نزل القرآن، و أن يقف على أحوال التنزيل،
ص: 239
و ينظر في أقوال العلماء المتقدمين، و غير ذلك من العلوم التي تعين على فهم النص القرآني فهما صحيحا.
و استدل المجيزون بأدلة عديدة منها: 1- ظاهر الآيات التي حث اللّه تعالى فيها عباده من أهل العلم على الاعتبار بالآيات، مثل قوله تعالى: كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ [ص: 29]، و قوله تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها [محمد: 24]، و قوله جل ذكره: وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر: 27- 28].
2- بعض الآثار التي وردت عن السلف تبين و توضح أنهم قالوا في القرآن بالرأي:
يقول ابن عطية: كان جلّة من السلف كسعيد بن المسيب، و عامر الشعبي، و غيرهما، يعظمون تفسير القرآن و يتوقفون عنه تورعا و احتياطا لأنفسهم مع إدراكهم و تقدمهم، و كان جلّة من السلف كثير عددهم يفسرونه- القرآن- و هم أبقوا (1) على المسلمين في ذلك. (2) و من هذه الآثار:
ص: 240
ما رواه ابن جرير عن مسروق (1) قال: كان عبد اللّه يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها و يفسرها عامّة النهار. (2)
و ما رواه عن شقيق بن سلمة (3) قال: استعمل علي ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك و الروم لأسلموا ثم قرأ عليهم سورة النور فجعل يفسرها. (4)
و عنه قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة فجعل يفسرها فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت. (5)
و عن سعيد بن جبير قال: من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعمى أوة.
ص: 241
كالأعرابي. (1)
كما تكلم عدد من التابعين في التفسير كالحسن البصري و الضحاك بن مزاحم و السدي و غيرهم، ثم تتابع الناس و ألفوا في التفسير التآليف، خاصة حين فسد اللسان، و كثرت العجمة بدخول الناس في الدين، و احتاج الناس إلى فهم النص القرآني، و إلى البيان و التوضيح، و شرح الألفاظ و المفردات.
3- أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم و صحابته لم يفسروا القرآن كله، بل الثابت أن الرسول صلى اللّه عليه و سلم لم يفسر من القرآن إلا اليسير، أخرج ابن جرير و غيره عن عائشة- رضي اللّه عنها- قالت: ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد علمهن إياه جبريل. (2) و قد سئل علي بن أبي طالب- كرم اللّه وجهه-: هل خصكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشي ء؟ فقال: ما عندنا غير هذه الصحيفة، أو فهم يؤتاه الرجل في كتابه. (3) فكيف يفهم ما لم يرد فيه نص.
ص: 242
4- الاختلاف و التباين في التفسير المنقول عن كثير من الصحابة و التابعين للآية الواحدة، فالناظر فيها يرى أقوالا كثيرة متباينة الأوصاف، بل قد تكون متعارضة، و ذلك دليل على أنهم كانوا يقولون في القرآن بالرأي، و كتب التفسير تزخر بكمّ من تلك الأقوال، و إن كان بعض الأئمة كشيخ الإسلام ابن تيمية يرى أن التباين هو تباين في الألفاظ و ليس اختلافا في المعاني. (1) و يرى غيره من أهل العلم أن التفسير متفق عليه و مختلف فيه، و هو- أي المختلف- ثلاثة أنواع:
الأول: اختلاف في العبارة مع اتفاق في المعاني، و هذا الذي عناه ابن تيمية.
الثاني: اختلاف في التمثيل لكثرة الأمثلة الداخلة تحت معنى واحد.
الثالث: اختلاف في المعنى. و هو الذي عنيناه هنا. (2)
يقول القرطبي: إن الصحابة قد قرءوا القرآن و اختلفوا في تفسيره على وجوه، و ليس كل ما قالوه سمعوه من النبي صلى اللّه عليه و سلم، فإن النبي دعا لابن عباس و قال: اللّهم فقهه في الدين و علمه التأويل. (3) فإن كان التأويل مسموعا
ص: 243
كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك. (1)
5- أن منع التفسير بالرأي يفضي- كما يقول أبو حيان- إلى أنّ ما استخرجه الناس بعد التابعين من علوم التفسير و معانيه و دقائقه، و إظهار ما احتوى عليه من علم الفصاحة و البيان و الإعجاز لا يكون تفسيرا حتى ينقل بالسند إلى مجاهد و نحوه، قال: و هذا كلام ساقط. (2)
و قد وجه المجيزون الصحيح من أدلة المانعين، كما ردوا بعضها، فقالوا:
إن الآيات و الأخبار التي أوردوها و التي يفيد ظاهرها المنع إنما هي من الوجه الذي لا يعلم إلا بنص بيان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، أو نصبه الدلالة عليه (3).
و عن الآثار التي تفيد تحرج بعض السلف من تفسير القرآن، يبين ابن
ص: 244
الأنباري أنهم إنما كانوا يتورعون عن تفسير المشكل من القرآن، فبعضهم يقدر أن الذي يفسره لا يوافق مراد اللّه عزّ و جلّ فيحجم عن القول، و بعضهم يشفق من أن يجعل في التفسير إماما يبنى على مذهبه، و يقتضى طريقه، فلعلّ متأخرا أن يفسر حرفا برأيه و يخطئ فيه و يقول: إمامي في التفسير بالرأي فلان، الإمام من السلف. (1)
و يحمل ابن تيمية هذا التحرج عن الكلام فيما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة و شرعا فلا حرج عليه؛ و لهذا روي عن هؤلاء و غيرهم أقوال في التفسير، و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه، و سكتوا عما جهلوه. قال: و هذا هو الواجب على كل أحد؛ فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به، فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ [آل عمران: 187]. (2)
و قالوا: في حديث جندب قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: «من قال: في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ»: في سنده سهيل بن أبي حزم القطعي، تكلم بعض أهل العلم فيه، و قال الترمذي: حديث غريب. (3)، و على فرض صحته يقول ابن الأنباري: إن أهل العلم حملوه على أن الرأي معنيّ به الهوى، أي من قال في القرآن قولا يوافق هواه، لم يأخذه عن أئمة السلف
ص: 245
فأصاب فقد أخطأ، لحكمه على القرآن بما لا يعرف أصله، و لا يقف على مذاهب أهل الأثر و النقل فيه. (1)، كمن يحتج ببعض الآيات على تصحيح بدعته، و هو يعلم أن ليس المراد بالآية ذلك، أو كمن يكون له غرض صحيح فيطلب له دليلا من القرآن و يستدل عليه بما يعلم أنه ما أريد به، مثل الذي يدعو إلى مجاهدة القلب القاسي بقوله: اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى [طه: 42].
قال الماوردي: تمسك فيه- في الحديث- بعض المتورعة و استعمل الحديث على ظاهره، و امتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده عند وضوح شواهده، إلا أن يرد بها نقل صحيح، و يدل عليها نص صريح، فقال: هذا عدول عما تعبد اللّه تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين، حيث جعل لهم سبيلا إلى استنباط أحكامه، قال تعالى: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [النساء: 83] قال: لو كان ما قالوه صحيحا لكان كلام اللّه تعالى غير مفهوم، و مراده بخطابه غير معلوم.، و تأوّل الأثر على فرض صحته على أن من حمل القرآن على رأيه و لم يعمل على شواهد ألفاظه فأصاب الحق فقد أخطأ الدليل. (2)
و معنى الحديث عند ابن عطية أن يسأل الرجل عن معنى في كتاب اللّه فيتسور عليه برأيه دون نظر فيما قاله العلماء، و اقتضته قوانين العلوم
ص: 246
كالنحو و الأصول، و ليس يدخل فيه أن يفسر اللغويون لغته، و النحاة نحوه، و الفقهاء معانيه، و يقول كل واحد باجتهاده المبني على قوانين علم و نظر. (1)
و عن قوله صلى اللّه عليه و سلم: «من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار»:
قال ابن الأنباري: فسر هذا الحديث تفسيرين:
أحدهما: من قال في مشكل القرآن بما لا يعرف من مذهب الأوائل من الصحابة و التابعين فهو معرض لسخط اللّه.
و الجواب الآخر- و هو أثبت القولين و أصحهما معنى-: من قال في القرآن قولا يعلم أن الحق غيره فليتبوأ مقعده من النار. (2)
قال ابن جزي: تأويله فيمن تكلم في القرآن بغير علم و لا أدوات، لا فيمن تكلم فيما تقتضيه أدوات العلوم و نظر في أقوال العلماء المتقدمين فإن هذا لم يقل في القرآن برأيه. (3)
و هكذا يظهر لنا أن اللّه تعالى قد جعل إلى العلماء بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم استنباط ما نبه على معانيه، و أشار إلى أصوله، ليتوصلوا بالاجتهاد فيه إلى علم المراد، فيمتازوا بذلك عن غيرهم، و يختصوا بثواب اجتهادهم، قال
ص: 247
تعالى: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ [المجادلة:
11] فصار الكتاب أصلا، و السنة له بيانا، و استنباط العلماء له إيضاحا و تبيانا. (1)
لم يتطرق المفسرون لأنواع التفسير في مقدماتهم عدا ابن عطية و ابن جزي و أبي حيان، فقد ذكروا شيئا عن تفاسير الباطنية بإيجاز، فنبه ابن عطية إلى انحراف هذا الاتجاه، و أفاد أنه جعل تفسيره سالما من إلحاد أهل القول بالرموز، و أهل القول بالباطن، و نبه القارئ إلى ما يكون قد وقع فيه، من نقله لأقوال بعض العلماء الذين حازوا حسن الظن عنده، و يكونوا قد اعتمدوا آراء من هذا النوع. (2)
و ذكر ابن جزي أن المتصوفة تكلمت في تفسير القرآن، فكان منهم من أحسن و أجاد، و وصل بنور بصيرته- كما قال- إلى دقائق المعاني، و وقف على حقيقة المراد (3) و منهم من توغل في الباطنية و حمل القرآن على ما لا
ص: 248
تقتضيه اللغة العربية، كما فعل عبد الرحمن السلمي الذي جمع تفسيرا سماه (الحقائق)، و قال فيه بعض العلماء: بل هي بواطل. قال ابن جزي: فإذا انتصفنا قلنا: فيه حقائق و بواطل. (1) كما أشار أبو حيان إلى هذا اللون المنحرف، و صرح بأنه لا يلتفت إلى مثل هذه الطائفة، لكونهم يخرجون الألفاظ عن مدلولاتها في اللغة إلى هذيان افتروه على اللّه تعالى. (2)ي.
ص: 249
بحث هذا الموضوع في مقدمة تفسيره ابن جزي (1)، و أبو حيان (2)، و تعرض لجانب منه ابن عطية. (3)
و العلوم التي يحتاجها المفسر حتى يقدم على تفسير كتاب اللّه عديدة، أوصلها ابن جزي إلى اثني عشر فنا من العلوم، و اكتفى أبو حيان بسبعة فنون على الاختصار و هي:
و هو المقصود بنفسه من بين الفنون، و سائر الفنون أدوات تعين عليه أو تتعلق به أو تتفرع منه، و يقصد بالتفسير: شرح القرآن و بيان معناه و الإفصاح بما يقتضيه بنصه أو إشارته أو فحواه.
و التفسير متفق عليه و مختلف فيه، أما المختلف فيه فهو ثلاثة أنواع:
الأول: اختلاف في العبارة، و اتفاق في المعنى، و هو ليس بخلاف.
الثاني: اختلاف في التمثيل، مع الاتفاق في المعنى، و هو الآخر ليس
ص: 250
بخلاف.
الثالث: اختلاف المعنى، يحتاج إلى ترجيح بينها. (1)
و يتعلق ذلك باختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ، و ذلك بتواتر و آحاد.
و أهمية القراءات بمنزلة الرواية في الحديث، فلا بد من ضبطها إذ بها يعرف كيفية النطق بالقرآن (2)، و هي نوعان:
أحسن المصنفات فيه «الإقناع» لأبي جعفر بن الباذش (1)، و في القراءات العشر كتاب «المصباح» (2) لأبي كرم الشهرزوري. (3) (4)
و هي ما سوى ذلك، و سميت شاذة لعدم استقامتها في اللفظ، و قد تكون فصيحة اللفظ، أو قوية المعنى.
و للقراءة الصحيحة ثلاثة شروط:
الأول: أن تكون موافقة لمصحف عثمان رضي اللّه عنه. (5)
ص: 252
الثاني: أن تكون موافقة لكلام العرب و لو على بعض الوجوه أو في بعض اللغات.
الثالث: النقل المتواتر أو المستفيض. (1)
و الاختلاف بين القراء يكون في أحد أمرين:
الأول: في الأصول: و هو ما كان الاختلاف فيه لا يغير المعنى (2)، و لها ثمانية قواعد:
الأولى: الهمزة، و هي في حروف المد الثلاثة، و يزاد فيها على المد
ص: 253
الطبيعي بسبب الهمزة و التقاء الساكنين.
الثانية: و أصلها التحقيق، ثم قد يخفف على سبعة أوجه: إبدال واو أو ياء أو ألف (1) و تسهيل بين الهمزة و الواو، و بين الهمزة و الياء، و بين الهمزة و الألف، و إسقاط. (2)
الثالثة: الإدغام، و الإظهار، و الإظهار هو الأصل.
و الإدغام: يكون إما مثلين أو (3) متقاربين، في كلمة أو كلمتين (4). و هو نوعان:
النوع الأول: إدغام كبير و يسمى الإدغام المتحرك، انفرد به أبو عمرو (5).
ص: 254
النوع الثاني: إدغام صغير و يسمى إدغام الساكن، و هو لجميع القراء (1).
الرابعة: الإمالة، و هي أن تنحو بالفتحة نحو الكسرة، و بالألف نحو الياء و الأصل الفتح، و يوجبها الكسرة و الياء.
الخامسة: الترقيق و التفخيم، و الحروف ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تفخم على كل حال، و هي حروف الاستعلاء السبعة (2).
القسم الثاني: تفخم تارة و ترقق تارة، و هي (الراء) أصلها التفخيم و ترقق للكسر و الياء، (3) و (اللام) و أصلها الترقيق و تفخم لحروفة.
ص: 255
الإطباق (1)، و (الألف) و هي تابعة للترقيق و التفخيم لما قبلها.
القسم الثالث: ترقق على كل حال و هي سائر الحروف.
السادسة: الوقف، و هو على ثلاثة أنواع:
الأول: سكون جائز في الحركات الثلاثة.
الثاني: روم في المضموم و المكسور (2).
الثالث: إشمام في المضموم خاصة (3).
السابعة: مراعاة الخط في الوقف.
الثامنة: إثبات الياءات و حذفها.ُ.
ص: 256
الثاني في فرش الحروف: و هو ما لا يرجع إلى أصل مطرد، و لا قانون كلي، و هو على وجهين:
اختلاف في القراءة باختلاف المعنى، و اختلاف في القراءة باتفاق المعنى. (1)
و ما يتعلق به من معرفة الإجمال و التبيين، و العموم و الخصوص، و الإطلاق و التقييد، و دلالة الأمر و النهي، و فحوى الخطاب و لحن الخطاب، و وجوه التعرض، و أسباب الخلاف، و ما أشبه ذلك مما هو من أصول الفقه و من أدوات التفسير التي تعين على فهم المعاني، و ترجيح الأقوال، إذ بأصول الفقه يعرف المفسر وجه الاستدلال و الاستنباط، فهو إذا نعم العون له.
و به يعرف المفسر المحكم من غيره، و هو يتعلق بالأحكام لأنها محل النسخ إذ الأخبار لا تنسخ، ثم إن النسخ واقع في مواضع عديدة من القرآن على ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: نسخ اللفظ و المعنى، كقوله: «لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم» (1).
الوجه الثاني: نسخ اللفظ دون المعنى، كقوله (الشيخ و الشيخة إذا زنيا).
ص: 258
فارجموهما البتة نكالا من اللّه و اللّه عزيز حكيم) (1).
الوجه الثالث: نسخ المعنى دون اللفظ. قال ابن جزي: و هو كثير منه في القرآن على ما عد بعض العلماء مائتا موضع و ثنتا عشرة مواضع منسوخة، إلا أنهم عدوا التخصيص و التقييد نسخا، و الاستثناء نسخا.
قال: و بين هذه الأشياء و بين النسخ فروق معروفة (2).
و قد صنف الناس في الناسخ و المنسوخ تآليف يعد من أحسنها تأليف
ص: 259
القاضي أبي بكر ابن العربي. (1)
و ما هو منه من تعيين المبهم، و تبيين المجمل، و سبب النزول، و النسخ و غير ذلك، و يؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
و يحتاج المفسر إلى رواية الحديث و حفظه لوجهين:
الأول: إن كثيرا من الآيات نزلت في قوم مخصوصين و بأسباب مخصوصة، كالتي نزلت في شأن حادثة أو نتيجة سؤال، و لهذا لا بد للمفسر من معرفة فيمن نزلت الآيات، و فيما نزلت، و متى نزلت.
الثاني: أنه ثبت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم تفسير بعض القرآن، فلا يجوز تجاوز ذلك إلى قول غيره، لهذا لزم المفسر معرفة ذلك.
و أخبار الأنبياء و السابقين التي ذكرها القرآن، كقصة موسى و فرعون، و قصة أصحاب الكهف، و ذي القرنين و غيرهم.
فقد قرر العلماء أنه لا بد للمفسر من معرفة ما يتوقف عليه التفسير مما ثبت في الصحيح من تفاصيل تلك القصص، فهي إنما ضربت لما فيها من
ص: 260
الدروس و العبر و الحكم، أما تلك التي يكون فيها إنقاص بمكانة الأنبياء عليهم السلام، مما هو من رواية بني إسرائيل فينبغي الإعراض عنها صفحا.
و يلاحظ أن كثيرا من القصص و الأخبار قد تكررت، و ذلك لحكم منها:
الأول: أن في التكرار إضافات زائدة في مواطن لم توجد في غيرها (1).
الثاني: أن تلك الأخبار جاءت في مواطن على طريقة الإطناب، و في مواطن على طريقة الإيجاز؛ و ذلك لإظهار فصاحة القرآن (2).
الثالث: أنه أريد من ذكر الأخبار مقاصد معينة، و تعددت القصص بتعدد تلك المقاصد، و من المقاصد إثبات نبوة الأنبياء المتقدمين بذكر ما جرى على أيديهم من المعجزات، و ذكر إهلاك من كذبهم، و منها إثبات النبوة لمحمد صلى اللّه عليه و سلم لإخباره بتلك الأخبار من غير تعلم من أحد ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا [هود: 49]، و منها تسلية النبي صلى اللّه عليه و سلم عن تكذيب قومه له بالتأسي بمن تقدم من الأنبياء وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ
ص: 261
قَبْلِكَ [الأنعام: 34] و منها تسليته صلى اللّه عليه و سلم و وعده بالنصر كما نصر الأنبياء من قبله، و غير ذلك من أخبار الأنبياء التي حوت كثيرا من العجائب و المواعظ، و لكون هذه الأخبار تفيد فوائد عديدة ذكرت في مواطن كثيرة. (1)
و الكلام على ما يجوز على اللّه، و ما يجب له، و ما يستحيل عليه، و النظر في النبوات و غيرها من أصول الدين، و يتعلق هذا الفن بالقرآن من جانبين:
الأول: ما ورد في القرآن من إثبات العقائد، و إقامة البراهين عليها، و الرد على أصناف الكفار.
و الثاني: أن طوائف المسلمين تحتج بالقرآن لمذهبها، و ترد على مخالفيها، فمعرفة المفسر بهم توصله إلى التحقق و التثبت في القول.
و قد صنف العلماء من سائر الطوائف في هذا الفن كتبا عديدة، زلت فيها أقدام كثيرة.
و هو من ألزم الفنون لطالب التفسير؛ يقول مجاهد: لا يحل لأحد يؤمن باللّه و اليوم الآخر أن يتكلم في كتاب اللّه إذا لم
ص: 262
يكن عالما بلغات العرب. و قال الإمام مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب اللّه إلا جعلته نكالا. (1)، فبها يعرف شرح الألفاظ و مدلولاتها، و في كتاب اللّه مفردات عظيمة منها الغريب و غيره ما يلزم المفسر حفظه و معرفته، من أفضل المصنفات التي اهتمت بهذا الفن كتاب ابن سيده (2)، و كتاب «تهذيب اللغة» للأزهري (3) و «الصحاح» للجوهري (4)، و غيرها (5).
و ما ورد فيها من الأوامر و النواهي،
ص: 263
و المسائل الفقهية، قال بعض العلماء: آيات الأحكام في القرآن خمسمائة آية، و قد تزيد، و أشهر من صنف فيها تصنيفا القاضي أبو بكر بن العربي، و أبو محمد بن الفرس (1).
و معرفة الأحكام التي للكلم العربية، من جهة إفرادها و من جهة تركيبها: نزل القرآن بلسان العرب فكان تعلّم لسانها- الذي هو النحو- من آكد الضروريات للمفسر، لأن المعنى يتغير و يختلف باختلاف الإعراب، روي عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال:
أعربوا القرآن و التمسوا غرائبه. (2)
ص: 264
روى ابن الأنباري عن أبي مليكة قال: قدم إعرابي في زمان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: فأقرأه رجل (براءة) فقال: أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ [التوبة: 3] بالجر [رسوله]، فقال الأعرابي: أو قد برئ اللّه من رسوله؟
فإن يكن اللّه برئ من رسوله فأنا أبرأ منه.
فبلغ عمر مقالة الأعرابي فدعاه فقال: يا أعرابي، أتبرأ من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟ فقال: يا أمير المؤمنين إني قدمت المدينة و لا علم لي بالقرآن، فسألت من يقرئني، فأقرأني هذا سورة (براءة) فقال: أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ، فقلت: أو قد برئ اللّه من رسوله، إن يكن اللّه برئ من رسوله فأنا أبرأ منه؛ فقال عمر: ليس هكذا يا أعرابي؛ قال: فكيف يا أمير المؤمنين؟
قال أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ فقال الأعرابي: و أنا و اللّه أبرأ مما برئ اللّه و رسوله. (1)ر.
ص: 265
و النحو قسمان:
أحدهما عوامل الإعراب: و هي أحكام الكلام المركب.
و الآخر التصريف: و هي أحكام الكلمات قبل التركيب.
و من أحسن التصانيف في هذا العلم «الكتاب» لسيبويه، «و تسهيل الفوائد» لأبي محمد بن مالك الطائي، و أحسن التصانيف في التصريف كتاب «الممتع» لابن عصفور (1).
الفن الحادي عشر: الفصاحة و البلاغة و أدوات البيان (2)،
و كون
ص: 266
اللفظ أو التركيب أحسن و فصح:
أما الفصاحة فلها خمسة شروط: الأول: كون الألفاظ عربية أصيلة.
الثاني: كونها مستعملة متداولة غير مستثقلة.
الثالث: وفاء العبارة للمعنى، و أن لا تكون قاصرة عن البيان.
الرابع: سهولة العبارة، و خلوها من التعقيد (1).
الخامس: سلامة العبارة من حشو الكلام و فضول القول.
و أما البلاغة: فقد عرفها ابن جزي بقوله: هي سياق الكلام على ما يقتضيه الحال و المقال من الإيجاز و الإطناب، و من التهويل، و التعظيم، و التحقير، و من التصريح و الكناية و الإشارة و شبه ذلك، بحيث يهز النفوس و يؤثر في القلوب، و يقود السامع إلى المراد أو يكاد (2).
ص: 267
و أما أدوات البيان، فهي صناعة البديع، و هو تزيين الكلام كما يزين القلم الثوب. قال ابن جزي: وجدنا منها في القرآن اثنين و عشرين نوعا و هي (1):
الأول: المجاز، و هو اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة بينهما (2)، و هو اثنا عشر نوعا: التشبيه (3)، و الاستعارة (4)، و الزيادة، و النقصان، و تشبيه المجاور باسم مجاوره، و الملابس باسم ملابسه، و الكل،
ص: 268
و إطلاق اسم الكل على البعض، و إطلاق اسم البعض على الكل، و التسمية باعتبار ما يستقبل، و التسمية باعتبار ما مضى.
حكم المجاز، اختلف العلماء في وقوع المجاز في القرآن، فمنعه فريق، و أباحه أهل اللغة و الأصول، و قالوا: إن القرآن نزل بلغة العرب و على أساليبهم، و من عادة فصحاء العرب، و بلغائهم استعمال المجاز في بيانهم (1).
قال ابن جزي: و لا وجه لمن منعه، لأن الواقع منه في القرآن أكثر من..
ص: 269
أن يحصى.
الثاني: الكناية، و هي العبارة عن الشي ء بما يلازمه من غير تصريح (1).
الثالث: الالتفات (2)، و هو على ستة أنواع: خروج من التكلم إلى].
ص: 270
الخطاب، و خروج من التكلم إلى الغيبة، و خروج من الخطاب إلى التكلم، و خروج من الخطاب إلى الغيبة، و خروج من الغيبة إلى التكلم، و خروج من الغيبة إلى الخطاب.
الرابع: التجديد، و هو ذكر شي ء بعد اندراجه في لفظ عام متقدم.
و يقصد منه تعظيم المجدد ذكره أو تحقيره، أو رفع الاحتمال.
الخامس: الاعتراض، و هو إدراج كلام بين شيئين متلازمين، و إدخاله في أثناء كلام متصل، كالخبر و المخبر عنه، و الصفة و الموصوف، و المعطوف و المعطوف عليه. و يقصد منه تأكيد الكلام الذي أدرج فيه.
السادس: التجنيس، و هو اتفاق اللفظ مع اختلاف المعنى. و الاختلاف قد يكون في الحروف و الصيغة، أو في الحروف خاصة، أو في أكثر الحروف لا في جميعها، أو في الخط لا في اللفظ، و هو جناس التصحيف.
السابع: الطباق، و هو ذكر الأشياء المتضادة، كالسواد و البياض، و الحياة و الموت، و الليل و النهار، (1) و غير ذلك.
الثامن: المقابلة، و هو أن يجمع بين شيئين فصاعدا، ثم يقابلهما بأشياء أخر.
ص: 271
التاسع: المشاكلة، و هي أن تذكر الشي ء بلفظ آخر لوقوعه في صحبته (1).
العاشر: الترديد، و هو رد الكلام على آخره، و يسمى في الشعر رد العجز على الصدر. (2)
الحادي عشر: لزوم ما لا يلزم، و هو أن تلتزم قبل حروف الرويّ حرفا آخر، و كذلك عند رءوس الآيات.
الثاني عشر: القلب، و هو أن يكون الكلام يصلح ابتداء قراءته من أوله و آخره، نحو «دعد»، أو تعكس كلماته فتقدم المؤخر، و تؤخر المقدم (3).
الثالث عشر: التقسيم، و هو أن تقسم المذكور إلى أنواعه و أجزائه (4).
ص: 272
الرابع عشر: التتميم، و هو أن تزيد في الكلام ما يوضحه و يؤكده و إن كان مستقلا دون هذه الزيادة.
الخامس عشر: التكرار، و هو أن تضع الظاهر موضع المضمر، فتكرر الكلمة على وجه التعظيم أو التهويل، أو مدح المذكور أو ذمه أو للبيان.
السادس عشر: التهكم، و هو إخراج الكلام عن مقتضاه استهزاء بالمخاطب أو بالخبر، و كذلك بالبشارة في موضع النذارة.
السابع عشر: اللف و النشر، و هو أن تلف في الذكر شيئين فأكثر، ثم تذكر متعلقات بها، و فيه طريقتان:
الأول: أن تبدأ في ذكر المتعلقات بالأول.
الثاني: أن تبدأ بالآخر، و تؤخر المتعلقات (1).ر.
ص: 273
الثامن عشر: الجمع، و هو أن تجمع بين شيئين فأكثر في خبر واحد، و في وصف واحد.
التاسع عشر: الترصيع، و هو أن تكون الألفاظ في آخر الكلام مستوفية الوزن، أو متقاربة مع الألفاظ التي في أوله.
العشرون: التسجيع، هو أن تكون كلمات الآي على رويّ واحد.
الحادي و العشرون: الاستطراد، و هو أن يتطرق من كلام إلى كلام آخر بوجه يصل ما بينهما، و يكون الكلام الثاني هو المقصود، كخروج الشاعر من السب إلى المدح، بمعنى يتعلق بالطرفين، مع أنه قصد المدح.
الثاني و العشرون: المبالغة، و قد تكون بصيغة الكلمة نحو صيغة (فعّال) (و مفعال)، و قد تكون بالمبالغة في الأخبار أو الوصف، فإن اشتدت المبالغة فهو غلوّ و إغراب، و ذلك مستكره عند أهل الشأن. (1)
و أجمع الكتب في هذا الفن هو كتاب «منهاج البلغاء و سراج الأدباء»
ص: 274
لأبي حسن حازم بن محمد الأندلسي الأنصاري (1).
الفن الثاني عشر: التصوف (2): يقول ابن جزي: له تعلق بالقرآن لما ورد فيه من المعارف الإلهية و رياضة النفوس و تنوير القلوب، و تطهيرها باكتساب الأخلاق الحميدة، و اجتناب الأخلاق الذميمة. (3)
ص: 275
و هذا الفن ذكره ابن عطية، و هو حقيق بذكره، فقصد الإيجاز قد يسوق المفسر إلى أن يقول: خاطب اللّه بهذه الآية المؤمنين. و شرف اللّه بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون، و حكى اللّه عن أم موسى أنها قالت قُصِّيهِ [القصص: 11] و نحو ذلك من إسناد أفعال إلى اللّه تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.
و في هذه المسألة خلاف، حيث ذهب الأصوليون إلى عدم جواز استعمال ذلك، و لا ما جرى مجراها.
و استعملها المفسرون و المحدثون و الفقهاء، كما استعملها أبو المعالي الجويني في كتابه الإرشاد. (1)
ص: 276
و قد ذهب ابن عطية إلى جواز استعمالها، لكونها مستعملة في لسان العرب، غير أنه تحفّظ من ذلك في تفسيره قدر جهده.
و العرب تستعمل ذلك و تحمله على المجاز، و من ذلك قول أم سلمة- رضي اللّه عنها-: (فعزم اللّه لي) (1) في حديث موت أبي سلمة، و إبدال اللّه لها منه برسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
ص: 277
بحث هذا الموضوع في مقدمة تفسيره ابن جرير الطبري (1)، و البغوي (2)، و ابن عطية (3)، و القرطبي (4)، و الخازن (5)، و ابن جزي (6)، و أبو حيان (7)، و ابن كثير (8).
لقد نزل القرآن الكريم بلسان العرب، و على أساليب لغتهم، و فنون كلامهم، ففهموه في الجملة، و ما استعصى على بعضهم فهمه منه أو استشكل، اهتدوا إليه بمعرفتهم بأحوال التنزيل و أسبابه و ظروفه، فإن تعذر فهمه رجعوا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذي أوتي القرآن و بيانه يستوضحون المشكل، فيبين لهم صلى اللّه عليه و سلم ما استشكل عليهم فهمه.
ص: 278
و قد تباين الصحابة- رضوان اللّه عليهم- في قدراتهم العلمية، و ميولهم المعرفية، كما تفاوتوا في اهتماماتهم، فكان منهم الملازم لرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في حلّه و ترحاله، كأبي هريرة و ابن عباس، و غيرهما- رضي اللّه عنهم- ممن أعطى جلّ اهتمامه لتلقف ما ينطق به متلقي الوحي صلى اللّه عليه و سلم، و كان منهم من هو دون ذلك. و لهذا تباينوا- رضي اللّه عنهم- في معرفتهم، فاشتهر منهم ثلة بالعلم و سلامة الفهم مع كثرة الرواية، حفظوا للأمة دينها و حديث رسولها، و كانوا كالإخاذ، يروي الواحد و يروي الاثنين، و لو ورد عليه الناس أجمعون لأصدرهم، كما قال مسروق (1).
و الناظر في الآثار المروية عنهم يدرك عظيم حرصهم على التلقي و التعلم، و ترجمة ذلك إلى العمل، روى الطبري بسنده عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ، و العمل بهنّ. (2)
و روى أبو عبد الرحمن السلمي، قال: حدثنا الذين كانوا يقرءوننا أنهم
ص: 279
كانوا يستقرءون من النبي صلى اللّه عليه و سلم، فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلّفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن و العمل جميعا. (1)
و كان الرجل منهم إذا سعى في طلب العلم و تعلم، جدّ فيهم و سما، و نال المراتب العليا، و قد روي أن عليّ بن أبي طالب ذكر جابر بن عبد اللّه و وصفه بالعلم، فقال رجل: جعلت فداك تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟
فقال: إنه كان يعلم تفسير قوله تعالى إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ [القصص: 85]. (2)
و من الصحابة الذين اشتهروا في التفسير خاصة ثلة حرصت على فهم كتاب اللّه، و تكلمت فيه بما سمعته من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو اهتدت إليه من إعمال الفكر على ضوء اللغة و أحوال التنزيل، كالخلفاء الأربعة (3) و عبد اللّه بن عباس، و عبد اللّه بن مسعود، و أبي بن كعب، و زيد بن ثابت، و عبد اللّه بن عمرو بن العاص، و غيرهم.
ص: 280
و أكثر من نقل كلامه في التفسير من الخلفاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهو صدر المفسرين كما يقول ابن عطية، و المؤيد فيهم، عن عامر بن واثلة (1) قال: شهدت علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- يخطب فسمعته يقول في خطبته: سلوني فو اللّه لا تسألوني عن شي ء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم به، سلوني عن كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل نزلت أم بنهار، أم في سهل نزلت أم في جبل. (2)
و لهذا ما كان عبد اللّه بن عباس يفتأ يرجع إلى علي يتلقى عنه التفسير و يقول: ما أخذت من تفسير القرآن فعن علي بن أبي طالب (3).
و يلي عليا في الرتبة عبد اللّه بن عباس، حبر الأمة و ترجمان القرآن الذي كان لدعاء الرسول صلى اللّه عليه و سلم له بالفقه في الدين أبلغ الأثر، فقد قال فيه صلى اللّه عليه و سلم يوما: اللّهم علّمه الكتاب. (4) و قال فيه: اللّهم فقهه في الدين. (5)م.
ص: 281
و حسبك من هذه دعوة.
لقد تجرد ابن عباس لتفسير كتاب اللّه، و أخذ للأمر عدّته، و كمله و تتبعه، و تبعه العلماء عليه، كمجاهد و سعيد بن جبير و غيرهما، فكان المحفوظ عنه رضي الله عنه أكثر من غيره، و الناظر في الآثار المروية فيه يعلم عظيم قدره عند أصحاب النبي صلى اللّه عليه و سلم خاصة، و عند التابعين عامة، حتى أولئك الذين تلقى ابن عباس العلم عنهم شهدوا له بعلوّ الكعب، و الرسوخ في العلم، و أثنوا على علمه و فضله، و حضوا الصحابة و التابعين على الأخذ عنه، (1) كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه الذي كان يقول: ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق. (2)
و قد كان ابن عباس حريصا على الاستفادة من أصحاب محمد صلى اللّه عليه و سلم، لإدراك ما فاته من العلم أيام صغره، فما منعه تحرجه أو خشيته يوما من
ص: 282
لقاء من عنده شي ء من العلم عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، سمع أن عمر بن الخطاب يعلم شيئا لا يعلمه هو، و هو الحريص على المعرفة، غير أن الخشية و الرهبة من خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كانت تمنعه من السؤال، إلى أن انتهز الفرصة يوما و سأل حتى عرف الجواب، يقول رضي الله عنه في ذلك: مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين تظاهرا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما يمنعني إلا مهابته، فسألته فقال: هي حفصة و عائشة. (1)
و لإدراك الخلفاء مكانة ابن عباس العلمية فقد كانوا يسندون إليه المهام العلمية، و كان حريصا على أدائها بأفضل صورة، روى الطبري بسنده عن شقيق بن سلمة قال: استعمل عليّ ابن عباس على الحج، قال: فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك و الروم لأسلموا، ثم قرأ عليهم سورة (النور) فجعل يفسرها. (2)ر.
ص: 283
و عنه قال: قرأ ابن عباس سورة البقرة فجعل يفسرها، فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم لأسلمت. (1)
و لهذا كان ابن مسعود و مسروق يقولان: نعم ترجمان القرآن ابن عباس. (2)
قال ابن تيمية: هذا إسناد صحيح إلى ابن مسعود أنه قال هذه العبارة، و قد مات ابن مسعود رضي الله عنه سنة اثنتين و ثلاثين على الصحيح، و عمر بعده ابن عباس ستا و ثلاثين سنة، فما ظنك بما كسبه من العلوم بعد ابن مسعود؟! (3)
و يتلو رتبة ابن عباس عبد اللّه بن مسعود، الذي قال عنه تلميذه مسروق: وجدت أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كالإخاذ و إن عبد اللّه بن مسعود من تلك الإخاذ (4).ل.
ص: 284
و روى الطبري بسنده عن مسروق عن عبد اللّه أنه قال: و الذي لا إله غيره ما نزلت آية في كتاب اللّه إلا و أنا أعلم فيم نزلت؟ و أين نزلت؟ و لو أعلم مكان أحد أعلم مني بكتاب اللّه تناله المطايا لأتيته. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 285 الموضوع الثاني عشر مراتب المفسرين ..... ص : 278
في رواية عن المنهال بن عمرو (1) بنحوه. (2)
و عن مسروق قال: كان عبد اللّه- يعني ابن مسعود- يقرأ علينا السورة ثم يحدثنا فيها، و يفسرها لنا عامة النهار. (3)
و تتلمذ على الصحابة رضوان اللّه عليهم نخبة من التابعين، حرصوا على ملازمة صحابة رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الذين شاهدوا التنزيل، و وقفوا على أحواله التي أحاطت به، فسمعوا منهم ما سمعوه من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، و ما توصلوا إليه باجتهادهم لما لهم من الفهم التام و العلم الصحيح و العمل الصالح، فبرز من التابعين جماعة كانوا صلة بين من قبلهم و من بعدهم، بلغوا ما سمعوه من الأمانة، و ما فاتهم مما لم يسمعوه، أعملوا الفكر
ص: 285
و اجتهدوا فيه. كالحسن البصري، و مجاهد، و سعيد بن جبير، و علقمة (1)، و عكرمة، و عطاء، و قتادة، و أبو العالية، و زيد بن أسلم، و محمد بن كعب القرظي، و الضحاك، و مقاتل، و غيرهم.
و كان أحسنهم كلاما في التفسير كما يقول ابن عطية الحسن البصري، ثم مجاهد رفيق ابن عباس و تلميذه و ملازمه، و الذي قرأ عليه القرآن و التفسير قراءة تفهم و وقوف عند كل آية (2). روى الطبري بسنده عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن و معه ألواحه فيقول له ابن عباس: اكتب. قال: حتى سأله عن التفسير كله. (3)
و عن مجاهد قال: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه و أسأله عنها. (4)م.
ص: 286
و تحقق لمجاهد بصحبته لابن عباس و ملازمته له مكانة سامية عند أهل العلم من أهل زمانه و من بعده، و لهذا يقول سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك. (1)
و قد تضمنت كتب الرواية بعض الأخبار في قلة من التابعين كأبي صالح باذان، و السدي، تظهر الطعن في تفسيرهم، و من ذلك ما رواه الطبري عن زكريا قال: كان الشعبي يمر بأبي صالح باذان فيأخذ بأذنه فيعركها و يقول: تفسر كتاب القرآن و أنت لا تقرأ القرآن. (2)
و عن صالح بن مسلم قال: مر الشعبي (3) على السدي و هو يفسر
ص: 287
فقال: لأن يضرب على استك بالطبل خير لك من مجلسك هذا. (1)
يقول ابن عطية: و أما السدي فكان عامر الشعبي يطعن عليه و على أبي صالح باذان لأنه كان يراهما مقصرين في النظر (2).
و تبرير ابن عطية لم يلق القبول عند المهتمين بسيرة الرجال و دراسة أحوالهم، و لهذا أنكر عليه القرطبي مقولته و قال معترضا عليه: قال يحيى بن معين: الكلبي ليس بشي ء. و عن يحيى بن سعيد القطان (3) قال: قال الكلبي:
قال أبو صالح: كل ما حدثتك كذب. و قال حبيب بن أبي ثابت: كنا نسميه الدروغزن. و هو الكذاب بلغة الفرس. (4)
مهما يكن فقد استطاع السلف رضوان اللّه عليهم أن يجردوا الصحيح من الدخيل، و يميزوا الصحيح منه و السقيم.
و قد حمل تفسير كتاب اللّه تعالى عدول كل خلف، شهد لهم رسول
ص: 288
اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأنهم أئمة أعلام، حفظوا الشريعة من التحريف و الانتحال «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، و انتحال المبطلين، و تأويل الجاهلين». (1) فألف في التفسير عبد الرزاق و المفضل، و سلمة بن عاصم ت 300 ه، و علي بن طلحة (2)، و البخاري و غيرهم.
و تتابع الناس، و انتشر الإسلام، و ضعفت اللغة بدخول الأعاجم، و ازدادت الحاجة لأهل العلم و بيانهم، فدخل عصر التصنيف، و قيض اللّه تعالى لكتابه رجالا بالحق ناطقين، صنفوا في سائر علومه المصنفات، و جمعوا فنونه المتفرقات، كلّ على قدر فهمه، و مبلغ علمه، (3) يقول أبو حيان: لما فسد اللسان، و كثرت العجم، و دخل الإسلام أنواع الأمم، المختلفو الألسنة، و الناقصو الإدراك، احتاج المتأخرون إلى إظهار ما انطوى عليه كتاب اللّه تعالى من غرائب التركيب، و أنواع المعاني، و إبراز النكت البيانية، حتى يدرك ذلك من لم تكن في طبعه، و يكتسبها من لم تكن نشأته عليها، و لا عنصره يحركه إليها، بخلاف الصحابة و التابعين من العرب، فإن ذلك كان مركوزا في طباعهم، يدركون تلك المعاني كلها، من غير موقف و لا
ص: 289
معلم، لأن ذلك هو لسانهم و خطتهم و بيانهم، على أنهم كانوا يتفاوتون في الفصاحة و البيان. (1)
و كان أبرز من صنف في التفسير الإمام ابن جرير الطبري، الذي جمع أقوال المفسرين، و أحسن النظر فيها، و قرب البعيد، و شفا الإسناد.
كما صنف أبو بكر النقاش كتابه غير أنه استدرك عليه أمور، ثم مكي بن أبي طالب، ثم الماوردي، و أبو العباس المهدوي و كان متفنن التأليف، حسن الترتيب، جامع فنون علوم القرآن (2).
يقول ابن جزي: ثم جاء القاضيان أبو بكر بن العربي، و أبو محمد عبد الحق بن عطية فأبدع كل واحد و أجمل، و احتفل و أكمل.
فأما ابن العربي فصنف «أنوار الفجر» في غاية الاحتفال و الجمع لعلوم القرآن، فلما تلف تلاه بكتاب (قانون التأويل) إلا أنه اخترمته المنية قبل تخليصه و تلخيصه.
و أما ابن عطية فإنه أجلّ من صنف في علم التفسير، و أفضل من تعرض للتنقيح فيه و التحرير، و كتابه من أحسن التآليف و أعدلها، فإنه اطلع على تآليف من كان قبله فهذبها و لخصها، و هو مع ذلك حسن العبارة،
ص: 290
مسدد النظر، محافظ على السنة. اه (1).
و من المفسرين الذين اشتهروا أيما اشتهار، و طار اسمهم و ذاع صيتهم أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، فهو مسدد النظر، بارع في الإعراب، متفنن في علم البيان، إلا أنه ملأ كتابه من مذهب المعتزلة و شرهم، و حمل آيات القرآن على طريقهم، فتكدر صفوه و تمرر حلوه، يؤخذ منه ما صفا، و يدع ما كدر. (2)، يقول أبو حيان عنه و عن ابن عطية بأنهما: قد اشتهرا و لا كاشتهار الشمس، و خلدا في الأحياء و إن همدا في الرمس، و كلاهما فيه ما يدل على تقدمهما في علوم، من منثور و منظوم، و منقول و مفهوم، و تقلّب في فنون الآداب، و تمكّن من علمي المعاني و الإعراب إلى أن قال: و كتابهما في التفسير قد أنجدا و أغارا، و أشرقا في سماء هذا العلم بدرين و أنارا، و تنزلا من الكتب التفسيرية منزلة الإنسان من العين، و الذهب الإبريز من العين، و يتيمة الدر من اللآلي، و ليلة القدر من الليالي، فعكف الناس شرقا و غربا عليهما ... (3)
ص: 291
هذا الموضوع يتكون من مسألتين:
و قد بحثها ابن جزي من بين المفسرين في مقدمة تفسيره. (1)
ذكر ابن جزي أنها اثنا عشر سببا للاختلاف بين المفسرين (1):ه.
ص: 293
الثالث: اختلاف اللغويين في معنى الكلمة (1).
الرابع: اشتراك اللفظ في معنيين فأكثر (2).
الخامس: احتمال العموم و الخصوص (3).
ص: 295
العاشر: احتمال حمل الكلام على الترتيب و على التقديم و التأخير (1).
الحادي عشر: احتمال أن يكون الحكم منسوخا أو محكما (2).
الثاني عشر: اختلاف الرواية في التفسير عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و عن السلف
ص: 298
رضي اللّه عنهم (1).
المسألة الثانية: قواعد الترجيح عند المفسرين (2):
ذكر ابن جزي اثنا عشر وجها- قاعدة- للترجيح بين أقوال المفسرين و هي:
الأولى: تفسير القرآن ببعض، فإذا دل موضع من القرآن على المراده.
ص: 299
بموضع آخر حملناه عليه و رجحنا القول بذلك على غيره من الأقوال (1).
الثانية: حديث النبي صلى اللّه عليه و سلم: فإذا ورد عنه- عليه السلام- تفسير شي ء من القرآن عوّلنا عليه، لا سيما إن ورد في الحديث الصحيح (2).
ص: 300
الثالثة: أن يكون القول قول الجمهور و أكثر المفسرين، فإن كثرة القائلين بالقول يقتضي ترجيحه (1).
ص: 301
الرابعة: أن يكون القول قول من يقتدى به من الصحابة كالخلفاء الأربعة، و عبد اللّه بن عباس لقوله صلى اللّه عليه و سلم:
«اللّهم فقهه في الدين و علمه التأويل» (1).
الخامسة: أن يدل على صحة القول كلام العرب من اللغة و الإعراب
ص: 302
السادسة: أن يشهد بصحة القول سياق الكلام و يدل عليه ما قبله و ما بعده (1).
السابعة: أن يكون ذلك المعنى المتبادر إلى الذهن فإن ذلك دليل على
ص: 304
ظهوره و رجحانه (1).
الثامنة: تقديم الحقيقة على المجاز، فإن الحقيقة أولى أن يحمل عليها اللفظ عند الأصولين، و قد يترجح المجاز إذا كثر استعماله حتى يكون الأغلب استعمالا من الحقيقة، و يسمى مجازا، و الحقيقة مرجوحة (2).
ص: 305
و قد اختلف العلماء أيهما يقدّم، فمذهب أبي حنيفة تقديم الحقيقة لأنها الأصل و مذهب أبي يوسف تقديم المجاز الراجح لرجحانه، و قد يكون المجاز أفصح و أبرع فيكون أرجح (1).
التاسعة: تقديم العمومي على الخصوصي؛ فإن العمومي أولى لأنه الأصل إلا أن يدل دليل على التخصيص (2).
العاشرة: تقديم الإطلاق على التقييد، إلا أن يدل دليل على التقييد (3).
ص: 306
الحادية عشرة: تقديم الاستقلال على الإضمار إلا أن يدل دليل على الإضمار (1).
ص: 307
الثانية عشرة: حمل الكلام على ترتيبه إلا أن يدل دليل على التقديم و التأخير (1).
ص: 308
الثالثة عشرة: تقديم الحقيقة الشرعية على الحقيقة اللغوية (1).
الرابعة عشرة: تقديم الحقيقة العرفية على الحقيقة اللغوية (2).
ص: 309
الخامسة عشرة: تقديم الحقيقة الشرعية على الحقيقة العرفية.
هذه القواعد الثلاثة ذكرها الماوردي في مقدمته، فقال في معرض حديثه عن الوجه الذي يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء من تأويل القرآن أن اللفظ إذا احتمل معنيان أو أكثر و كانت المعاني جلية ظاهرة، و اللفظ مستعمل فيها حقيقة فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يختلف أصل الحقيقة فيها، فهذا ينقسم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يكون أحد المعنيين مستعملا في اللغة، و الآخر مستعملا في الشرع فيكون حمله على المعنى الشرعي أولى من حمله على المعنى اللغوي؛ لأن الشرع ناقل.
و القسم الثاني: أن يكون أحد المعنيين مستعملا في اللغة، و الآخر مستعملا في العرف فيكون حمله على المعنى العرفي أولى من حمله على معنى اللغة؛ لأنه أقرب معهود.
و القسم الثالث: أن يكون أحد المعنيين مستعملا في الشرع و الآخر
ص: 310
مستعملا في العرف، فيكون حمله على معنى الشرع أولى من حمله على معنى العرف لأن الشرع ألزم (1).
ص: 311
اهتم المفسرون بموضوع الأحرف السبعة اهتماما بالغا، و عالجوها معالجة جادة في مقدماتهم، و كان أكثر من توسع في ذلك شيخ المفسرين ابن جرير الطبري (1)، كما تناوله الماوردي من غير توسع مكتفيا بذكر بعض الأقوال (2)، أما ابن عطية فقد فصّل القول، و تعرض للآراء في الموضوع، و ناقش ابن جرير في بعض أقواله (3)، و كذا القرطبي (4)، و الخازن (5).
و في هذا الموضوع عدة مسائل:
المسألة الأولى: ذكر بعض الآثار الواردة في نزول القرآن على سبع أحرف (6)
ص: 312
جاء النقل الصحيح بروايات كثيرة، من طرق مختلفة عن نزول القرآن على سبعة أحرف، روى ذلك عدد من الصحابة، و من ذلك:
أخرج البخاري و مسلم و الطبري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
سمعت هشام بن حكيم بن حزام (1) يقرأ سورة (الفرقان) في حياة رسول
ص: 313
الله صلى الله عليه و سلم فاستمعت لقراءته فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يقرئنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فكدت أساوره في الصلاة، فتربصت حتى سلم فلببته بردائه فقلت: من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها؟ قال: أقرأنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقلت: كذبت، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت. فانطلقت به أقوده إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت: يا رسول اللّه إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأنيها!؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: أرسله، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: هكذا أنزلت. ثم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: اقرأ يا عمر. فقرأت القراءة التي أقرأني. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: هكذا أنزلت. ثم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه. (1)
و أخرج مسلم و الطبري عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، ثم دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه، فلما قضينا الصلاة دخلنا جميعا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقلت:72
ص: 314
إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، و دخل آخر فقرأ قراءة سوى قراءة صاحبه.
فأمرهما رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فقرءا فحسّن النبي صلى اللّه عليه و سلم شأنهما، فسقط في نفسي من التكذيب و لا إذ كنت في الجاهلية (1)، فلما رأى رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم ما قد غشيني ضرب في صدري ففضت عرقا، و كأنما أنظر إلى اللّه عز و جل فرقا، فقال لي: يا أبي! أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف واحد. فرددت إليه أن هوّن على أمتي. فرد إلي الثانية أن اقرأه على حرفين. فرددت إليه: أن هوّن على أمتي. فرد إلي الثالثة: أن اقرأه على سبعة أحرف، و لك بكل ردة رددتها مسألة تسألنيها. فقلت: اللّهم اغفر لأمتي، اللّهم اغفر لأمتي، و أخّرت الثالثة ليوم يرغب إليّ الناس كلهم حتى إبراهيم. (2)
و في رواية عند الطبري: ثم قال الرسول صلى اللّه عليه و سلم: اللّهم أخسئ الشيطان عنه يا أبيّ، أتاني آت من ربي فقال: إن الله يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: رب خفّف عني. ثم أتاني الثانية فقال: إن اللّه يأمرك
ص: 315
أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: رب خفف عن أمتي. ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك، و قلت مثله. ثم أتاني الرابعة فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، و لك بكل ردة مسألة. فقلت: يا رب ...
الحديث. (1)
و أخرج الطبري و البخاري و مسلم عن ابن عباس- رضي اللّه عنهما- أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: أقرأني جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فزادني، فلم أزل أستزيده و يزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف. (2)
قال ابن شهاب: بلغني أن تلك السبعة الأحرف، إنما هي في الأمر الذي يكون واحدا، لا يختلف في حلال و لا حرام. (3)
و أخرج الطبري عن أبي بن كعب قال: أتى جبريل النبي صلى اللّه عليه و سلم و هو).
ص: 316
عند أضاة بني غفار فقال: إن اللّه تبارك و تعالى يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فمن قرأ منها حرفا فهو كما قرأ. (1)
و في رواية: فأتاه جبريل فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على حرف. فقال صلى اللّه عليه و سلم: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن أمتي لا تطيق ذلك. قال: ثم أتاه الثانية فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال: أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إنّ أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الثالثة فقال: إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. قال:
أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه الرابعة: فقال:
إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيّما حرف قرءوا عليه فقد أصابوا. (2)
و روى الترمذي عنه قال: لقي رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم جبريل فقال: يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمّيين منهم العجوز و الشيخ الكبير، و الغلام و الجارية، و الرجل الذي لا يقرأ كتابا قطّ، قال: يا محمد إن القرآن أنزل على
ص: 317
سبع أحرف. قال الترمذي: هذا حديث صحيح. (1)
و أخرج الطبري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: قال جبريل: اقرءوا القرآن على حرف. فقال ميكائيل:
استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، كقولك: هلمّ و تعال. (2)
و أخرج الطبري عن بسر بن سعيد (3): أن أبا جهيم الأنصاري (4)
ص: 318
أخبره: أن رجلين اختلفا في آية من القرآن، فقال هذا: تلقّيتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و قال الآخر: تلقيتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فسألا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن المراء فيه كفر. (1)
و أخرج الطبري في تفسيره عن أبي سلمة قال: لا أعلمه إلا عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر- ثلاث مرات- فما عرفتم منه فاعملوا به، و ما جهلتم منه فردوه إلى عالمه. (2)
ص: 319
اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة و ثلاثين قولا، ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي (1)، و من تلك الأقوال:
و استدل أصحاب هذا الرأي بأدلة كثيرة منها الأحاديث السابقة في قصة عمر و هشام و قصة أبي؛ و منها أيضا:
1- حديث أبي بكرة (1) الذي أخرجه الطبري عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم: قال جبريل: اقرءوا القرآن على حرف. فقال ميكائيل: استزده. فقال: على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال: كلها شاف كاف، ما لم يختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب، كقولك: هلمّ و تعال. (2)
قال الطبري: أوضح نص هذا الخبر أن اختلاف الأحرف السبعة إنمال.
ص: 321
هو اختلاف ألفاظ، كقولك «هلم و تعال» باتفاق المعاني لا باختلاف معان موجبة اختلاف أحكام. (1)
قال الطحاوي: و أبين ما ذكر في ذلك- أي في هذا الرأي- حديث أبي بكرة. (2)
2- ما أخرجه الطبري عن شقيق بن سلمة قال: قال عبد اللّه- يعني ابن مسعود-: إني قد سمعت إلى القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علّمتم، و إياكم و التنطع، فإنما هو كقول أحدكم: هلمّ و تعال. (3)
3- ما أخرجه الطبري عن الأعمش قال: قرأ أنس هذه الآية إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا [المزمل: 6] فقال له بعض القوم: يا أبا حمزة، إنما هي وَ أَقْوَمُ. فقال: أقوم، أصوب، أهيأ، واحد. (4)س.
ص: 322
4- ما روي عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا [الحديد: 13]: للذين آمنوا أمهلونا، للذين آمنوا أخّرونا، للذين آمنوا ارقبونا. (1)
و ما روي عنه أنه كان يقرأ كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ [البقرة: 20] مروا فيه، سعوا فيه. (2) و غير ذلك من الأدلة التي تبين أن الغاية التي لها أنزل القرآن على سبعة أحرف هي التيسير على الناس لعجزهم عن أخذ القرآن على غير لغاتهم، و لهذا يرى أصحاب هذا الرأي أن الأحرف أزيلت حين رفعت المشقة عن الناس بالتعلم، يقول ابن عبد البر: إن تلك السبعة الأحرف إنما كان في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلكي.
ص: 323
الضرورة فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، و عاد ما يقرأ به القرآن على حرف واحد. (1)
و يتساءل الطبري ليزيل الإشكال الذي قد يرد على اختياره: ما بال الأحرف الأخر الستة غير موجودة و قد أقرأهن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أصحابه، و أمر بالقراءة بهن، و أنزلهن اللّه من عنده على نبيه صلى اللّه عليه و سلم، أ نسخت فرفعت؟! فما الدلالة على نسخها و رفعها؟ أم نسيتهن الأمة فذلك تضييع ما قد أمروا بحفظه؟ أم ما القصة في ذلك؟
و يجيب عن تساؤله قائلا: إنها لم تنسخ فترفع، و لا ضيعتها الأمة و هي مأمورة بحفظها، و لكن الأمة أمرت بحفظ القرآن، و خيرت في قراءته و حفظه بأي تلك الأحرف السبعة شاءت.
و يضرب لذلك مثالا فيقول: كما أمرت إذا هي حنثت في يمين و هي موسرة أن تكفّر بأي الكفارات الثلاث شاءت إما بعتق، أو إطعام، أو كسوة، فلو أجمع جميعها على التكفير بواحدة من الكفارات الثلاث دون حظرها التكفير بأي الثلاث شاء المكفّر كانت مصيبة حكم اللّه.
قال: فكذلك الأمة أمرت بحفظ القرآن و قراءته، و خيّرت في قراءته بأي الأحرف السبعة شاءت، فرأت- لعلة من العلل أوجبت عليها الثبات على حرف واحد- قراءته بحرف واحد، و رفض القراءة بالأحرف الستة
ص: 324
الباقية، و لم تحظر قراءته بجميع حروفه على قارئه بما أذن له في قراءته به (1).
و بين أن العلة التي أوجبت الثبات على حرف واحد هي ما حدث لأصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الاختلاف في القراءة في اليمامة و أرمينية و غيرها من المواقع، و حينئذ رأى عثمان جمع الأمة على مصحف واحد رحمة بها و رأفة بحالها، و خوفا من الاختلاف، فحرق ما سواه من المصاحف و استوسقت الأمة على ذلك بالطاعة، و رأت فيما فعل الهداية و الرشد، و تركت القراءة بالأحرف الستة التي عزم عليها إمامها العادل في تركها، طاعة منها له حتى درست من الأمة معرفتها، و تعفت آثارها، و تتابع المسلمون على رفض القراءة بها من غير جحود منها صحتهام.
ص: 325
و صحة شي ء منها.
أما كيف جاز لهم ترك قراءة أقرأهموها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و أمرهم بقراءتها؟
فالجواب عند الطبري: أن أمره إياهم بذلك لم يكن أمر إيجاب و فرض، و إنما كان أمر إباحة و رخصة، لأن القراءة لو كانت فرضا عليهم لوجب أن يكون العلم بكل حرف من تلك الأحرف السبعة عند من تقوم بنقله الحجة، و يقطع خبره العذر، و يزيل الشك من قرأة الأمة .... إلى أن قال: إن في تركهم نقل ذلك أوضح الدليل على أنهم كانوا مخيّرين في القراءة. (1)
ص: 326
ص: 327
ص: 328
القول الثاني: أن الأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن. (1)
قاله أبو عبيد القاسم بن سلام، و اختاره ابن عطية، و قال:
مال إليه كثير من أهل العلم. (2)
فالقرآن في جملته لا تخرج كلماته عن سبع لغات لسبع قبائل، و ليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه، و لكن هذه اللغات السبع متفرقة في القرآن. قال الخطابي: على أن في القرآن ما قد قرئ بسبعة أوجه، و هو قوله وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ [المائدة: 60] و قوله أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ [يوسف: 12] (3).
ص: 329
يقول ابن عطية: معنى قول الرسول صلى اللّه عليه و سلم «أنزل القرآن على سبعة أحرف» أي فيه عبارات سبع قبائل، بلغة جملتها نزل، فيعبر عن المعنى فيه بعبارة قريش، و مرة بعبارة هذيل، و مرة بغير ذلك، بحسب الأفصح و الأوجز في اللفظة. (1)
و اختلف أهل العلم في تعيين السبعة التي قد تكون مراده صلى اللّه عليه و سلم، فمال الأكثر إلى أن أصل ذلك و قاعدته هي قريش، فإن عثمان قال للرهط الذي كتب الصحف: ما اختلفتم أنتم و زيد فاكتبوه بلغة قريش، فإنه نزل بلغتهم.
قال الباقلاني: يريد معظمه و أكثره، و لم تقم دلالة قاطعة على أن القرآن بأسره منزل بلغة قريش فقط، إذ فيه كلمات و حروف و هي خلاف لغة قريش، و قد قال قال تعالى إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا [الزخرف: 3] و لم
ص: 330
يقل قرشيا .... و اسم العرب يتناول جميع هذه القبائل تناولا واحدا. (1)
و قال ابن عبد البر: قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي في الأغلب و اللّه أعلم؛ لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات و نحوها و قريش لا تهمز. (2)
و يلي قريش بنو سعد بن بكر، و يعلل ابن عطية ذلك بقوله: لأن النبي صلى اللّه عليه و سلم قرشي، و استرضع في بني سعد، و نشأ فيهم، ثم ترعرع و عقّت تمائمه و هو يخالط في اللسان كنانة، و هذيلا و ثقيفا و خزاعة و أسدا و ضبة، و ألفافها لقربهم من مكة و تكرارهم عليها.
قال: ثم بعد هذا تميما و قيسا و من انضاف إليه من وسط جزيرة العرب.
يقول ثابت بن قاسم: لو قلنا من هذه الأحرف لقريش، و منها لكنانة، و منها لأسد، و منها لهذيل، و منها لتميم، و منها لضبة و ألفافها، و منها لقيس، لكان قد أتى على قبائل مضر في مراتب سبعة تستوفي للغات التي نزل بها القرآن. (3) لأن هذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة، و سلمت لغاتها من الدخل.
ص: 331
و قد ذكر أبو عبيد و أبو العباس المبرد أن عرب اليمن من القبائل التي نزل القرآن بلسانها. و استبعد ابن عطية ذلك و قال: عندي إنما هو فيما استعملته عرب الحجاز من لغة اليمن. (1)
و رغم أن ابن جرير لا يرى فائدة في تعيين الألسن الستة التي نزل عليها القرآن تبعا لرأيه في الأحرف السبعة، غير أنه ذكر عن ابن عباس قوله في تعيينها أن خمسة منها لعجز هوازن، و هم سعد ابن بكر، و جشم بن بكر، و نصر بن معاوية، و ثقيف، و اثنين منها لقريش و خزاعة. و قال: هي ليست من رواية من يجوز الاحتجاج بنقله. (2)
و من أدلة هذا الفريق: 1- ما حدث لابن عباس في فهم قوله تعالى فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* [فاطر: 1]، حيث أن «فطر» معناها عند غير قريش: ابتدأ خلق الشي ء و عمله. و هي بغير لغة قريش، و لم تتجه لابن عباس حتى اختصم إليه أعرابيان في بئر، فقال أحدهما: أنا فطرتها. قال ابن عباس: ففهمت حينئذ موقع قوله تعالى فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ (3).د.
ص: 332
2- ما روي عن ابن عباس أنه قال: ما كنت أدري معنى قوله رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ [الأعراف: 89] حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها: تعال أفاتحك. أي: أحاكمك (1).
3- ما ورد أن عمر بن الخطاب كان لا يفهم معنى قوله تعالى أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ [النحل: 47] فوقف به فتى فقال: إن أبي يتخوفني حقي. فقال عمر: اللّه أكبر، أو يأخذهم على تخوف، أي على تنقّص لهم.
و غير ذلك من الأدلة التي تثبت أن المراد بالأحرف السبعة سبع لغات لسبع قبائل. (2)
و اعترض أبو بكر الباقلاني على هذا الرأي و قال: هذا باطل بدليل أن لغة عمر بن الخطاب، و أبي بن كعب، و هشام بن حكيم، و ابن مسعود، واحدة، و قراءتهم كانت مختلفة، و خرجوا فيها إلى المناكرة، فلو كان تفسير الحديث باللغات صحيحا ما اختلف المذكورون، و لأنهم اختلفوا دل ذلك على أن المقصود أمر آخر. (3)
ص: 333
قال ابن عطية: و إطلاقه البطلان على القول الذي حكاه فيه نظر ...
لأن ما استعملته قريش و منهم عمر و هشام، و ما استعملته الأنصار و منهم أبيّ، و ما استعملته هذيل و منهم ابن مسعود قد يختلف، فليست لغتهم واحدة في كل شي ء، و على فرض أن جميعهم من قبيلة واحدة فإن اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات؛ لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكر سمع ما ليس في لغته فأنكره، و إنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي صلى اللّه عليه و سلم. (1)
ص: 334
ذكره القرطبي (1)، و قال: قاله قوم و احتجوا بقول عثمان: نزل القرآن بلغة مضر.
ص: 335
و برغبة ابن مسعود في اختيار كتّاب المصاحف من مضر (1). و قالوا: جائز أن يكون منها لقريش و منها لكنانة و منها لأسد و منها لهذيل، و منها لتميم، و منها لضبة، و منها لقيس. و قالوا: هذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات على هذه المراتب.
و أنكر آخرون أن تكون اللغات كلها في مضر، و قالوا: إن في قبائل مضر شواذ ينزّه القرآن عنها و لا يجوز أن يقرأ بها، مثل كشكشة قيس و تمتمة تميم، فأما كشكشة قيس فإنهم يجعلون كاف المؤنث شينا، فيقولون في جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا [مريم: 24] (جعل ربّش تحتش سريا)، و أما تمتمة تميم (2) فيقولون في الناس: النات.
و هذه لغات يرغب عن القرآن بها، و لا يحفظ عن السلف فيها شي ء. (3)
ورد القائلون فقالوا: إن إبدال الهمزة عينا، و إبدال حروف الحلق بعضها من بعض فمشهور عن الفصحاء، و قد قرأ به الجلة، و منه قراءة ابن
ص: 336
مسعود «ليسجننه عتى حين»، و يقول ذو الرمة (1):
فعيناك عيناها و جيدك جيدهاو لونك إلا عنّها غير عاطل يريد إلا أنها غير (2).
و هذا مذهب القاضي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني صاحب الانتصار، و حكاه ثابت بن قاسم صاحب الدلائل عن بعض العلماء (3).
ص: 337
قال القاضي أبو بكر: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة:
1- منها ما تتغير حركته، و لا يزول معناه و لا صورته، مثل: هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ [هود: 78] و (أطهر) (1).
2- و منها ما لا تتغير صورته و يتغير معناه بالإعراب، مثل رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا [سبأ: 19] و (باعد) (2).
3- و منها ما تبقى صورته و يتغير معناه باختلاف الحروف، مثل نُنْشِزُها [البقرة: 259] و «ننشرها» (3).10
ص: 338
4- و منها ما تتغير صورته و يبقى معناه، مثل كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ [القارعة: 5] و (كالصوف المنفوش) (1).
5- و منها ما تتغير صورته و معناه، مثل وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ [الواقعة: 29] و (طلح منضود) (2).
6- و منها بالتقديم و التأخير، مثل وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ [ق: 19] و (سكرة الحق بالموت) (3).
7- و منها بالزيادة و النقصان، مثل تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً [ص:
23] (تسع و تسعون نعجة أنثى). (4) (5)
ص: 339
ص: 340
و هي:
أمر، و نهي، و وعد، و وعيد، و قصص، و مجادلة، و أمثال. (1)
و استدل القائلون بهذا الرأي بما روي عن ابن مسعود عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، نهي و أمر، و حلال و حرام، و محكم و متشابه، و أمثال، فأحلّوا حلاله، و حرّموا حرامه، و ائتمروا بأوامره، و انتهوا بنواهيه، و اعتبروا بمحكمه، و آمنوا بمتشابهه. (2)
ص: 341
و قد اعترض أهل العلم على هذا الرأي، فقال الباقلاني: هذا تفسير منه صلى اللّه عليه و سلم للأحرف السبعة، و لكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها، و إنما الحرف في هذه بمعنى الجهة و الطريقة، و منه قوله تعالى وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: 11] أي على وجه و طريقة هي ريب و شك، فكذلك معنى هذا الحديث على سبع طرائق من تحليل و تحريم و غير ذلك. (1)
كما رد ابن جرير الطبري هذا الرأي من وجوه:
فبين أولا أن الروايات الثابتة عن عمر و ابن مسعود و أبي بن كعب تثبت أنهم تماروا في القرآن، فخالف بعضهم بعضا في نفس التلاوة دون المعاني، و لهذا حين تحاكموا إلى النبي صلى اللّه عليه و سلم و استقرأ كل رجل منهم، ثم صوّب جميعهم في قراءتهم على اختلافها، و معلوم أن تماريهم كان في التلاوة، إذ لو كان ذلك الاختلاف فيما دلت عليه تلاوتهم من التحليل و التحريم و الوعد و الوعيد، و ما أشبه ذلك، لكان مستحيلا أن يصوب جميعهم؛ لكون ذلك يؤدي إلى اختلاف المعاني و قد قال تعالى: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82].
ص: 342
ثم إن أمر الرسول صلى اللّه عليه و سلم لجميعهم بالثبوت على قراءته، و الرضى بقراءته و تصويبها، يدل على فساد هذا الرأي، إذ لو كان الاختلاف في المعاني واردا، لكان ذلك إثباتا لما قد نفى اللّه عن كتابه من الاختلاف، و نفيا لما قد أوجب له من الائتلاف.
و يدل على فساد هذا الرأي أيضا قول ابن مسعود رضي الله عنه فيما أخرجه ابن جرير بسنده عن أبي إسحاق و عبد الرحمن بن عابس، عن رجل من أصحاب ابن مسعود يقول: من قرأ منكم على حرف فلا يتحولن منه إلى غيره. (1)
فابن مسعود لم يعن بقوله أن من قرأ ما في القرآن من الأمر و النهي فلا يتحولن منه إلى قراءة ما فيه من الوعد و الوعيد، و من قرأ ما فيه من الوعد و الوعيد فلا يتحولن منه إلى ما فيه من القصص و المثل، و إنما عنى بالحرف القراءة، فالعرب تقول لقراءة رجل: حرف فلان.
و يدل على فساده ما أخرجه ابن جرير بسنده عن مجاهد أنه كان يقرأ القرآن على خمسة أحرف (2).
و عن سالم: أن سعيد بن جبير كان يقرأ القرآن على حرفين (3).
ص: 343
و عن مغيرة قال: كان يزيد بن الوليد يقرأ القرآن على ثلاثة حروف.
يقول ابن جرير: أ فترى الزاعم أن تأويل قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «أنزل القرآن على سبعة أحرف». إنما هو أنه أنزل على الأوجه السبعة التي ذكرنا من الأمر و النهي ....، كان يرى أن مجاهدا و سعيد بن جبير لم يقرءا من القرآن إلا ما كان من وجهيه أو وجوهه الخمسة دون سائر معانيه؟ لئن كان ظنّ ذلك بهما، لقد ظن بهما غير الذي يعرفان به من منازلهما من القرآن، و معرفتهما بآي الفرقان. (1)
و ضعف ابن عطية هذا الرأي، و قال: إن هذه لا تسمى أحرفا، ثم إن الإجماع وقع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال، و لا تحليل حرام و لا في تغيير شي ء من المعاني المذكورة. (2)
و قال الخازن: هذا خطأ محض لأنّ النبي صلى اللّه عليه و سلم أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف، و إبدال حرف بحرف و قد تقرر إجماع المسلمين أنه يحرم إبدال آية أمثال بآية أحكام. (3)
ص: 344
ص: 345
سميع عليم. (1)
لما رواه أبي بن كعب عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: يا أبيّ، إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني الملك حتى بلغ سبعة أحرف، ليس منها إلا شاف كاف، إن قلت: غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم، ما لم تختم عذابا برحمة، أو رحمة بعذاب». (2)
قال ابن عطية: و قد أسند ثابت بن قاسم نحو هذا عن أبي هريرة، عن النبي صلى اللّه عليه و سلم، و ذكر من كلام ابن مسعود نحوه. (3)
و علق القاضي الباقلاني على الحديث فقال: و هذه أيضا سبعة غير السبعة التي هي وجوه و طرائق، و غير السبعة التي هي قراءات، و وسّع فيها، و إنما هي سبعة أوجه من أسماء اللّه تعالى، إذا ثبتت هذه الرواية حمل على أن هذا كان مطلقا ثم نسخ، فلا يجوز للناس أن يبدلوا أسماء اللّه في موضع بغيره مما يوافق معناه أو يخالفه. (4)
و قال الخازن: هذا رأي فاسد و خطأ للإجماع على أنه لا يجوز تغيير
ص: 346
نظم القرآن. (1)
القول السابع: أن المراد بالأحرف السبعة التوسعة و التسهيل، و لم يقصد به الحصر. (2)
ص: 347
رد الخازن هذا القول و قال: قال الأكثرون: هو حصر العدد في سبعة أحرف. (1)
ص: 348
و هو اختيار الخازن (1).
قال: و هو الصحيح الموافق للحديث، لأن هذه السبعة ظهرت و استفاضت عن النبي صلى اللّه عليه و سلم و ضبطها عنه الصحابة، و أثبتها عثمان و الجماعة في المصاحف، و أخبروا بصحتها، و حذفوا منها ما لم يثبت متواترا، و أن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة، و ألفاظها أخرى، و ليست متضادة و لا متباينة. (2)
و نقل ابن عطية فيما حكاه عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال:
و زعم قوم أن كل كلمة تختلف القراءة فيها فإنها على سبعة أوجه، و إلا بطل معنى الحديث، قالوا: و تعرف بعض الوجوه بمجي ء الخبر به، و لا يعرف بعضها إذا لم يأت به خبر.
قال الباقلاني: و قال قوم: ظاهر الحديث يوجب أن يوجد في القرآن
ص: 349
كلمة أو كلمتان تقرءان على سبعة أوجه، فإذا حصل ذلك تم معنى الحديث. (1)
و قد رد ابن جرير هذا الرأي و لم يرتضه و قال: إن اختلاف القراءة في رفع حرف و جره و نصبه، و تسكين حرف و تحريكه، و نقل حرف إلى آخر مع اتفاق الصورة، فمن معنى قول النبي صلى اللّه عليه و سلم: «أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف». بمعزل؛ لأنه لا حرف من حروف القرآن مما اختلف القراء فيه بهذا المعنى يوجب المراء به كفر المماري به في قول أحد من علماء الأمة، و قد أوجب صلى اللّه عليه و سلم بالمراء فيه الكفر، من الوجه الذي تنازع فيه المتنازعون إليه، و تظاهرت عنه بذلك الرواية. (2)
و ذكر القرطبي أن بعضهم قال: إن المراد بالأحرف السبعة: القراءات السبع التي قرأ بها القراء السبعة؛ لأنها كلها صحت عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم.
ثم قال: و هذا ليس بشي ء لظهور بطلانه.
قال: قال كثير من علمائنا كالداودي (3) و ابن أبي صفرة و غيرهما:
ص: 350
هذه القراءات السبع التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها؛ و إنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، و هو الذي جمع عليه عثمان المصحف.
و القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء، و ذلك أن كل واحد منهم اختار فيما روى و علم وجهه من القراءات ما هو الأحسن عنده و الأولى، فالتزمه طريقة و رواه و أقرأ به و اشتهر عنه، و عرف به و نسب إليه، فقيل: حرف نافع، و حرف ابن كثير، و لم يمنع واحد منهم اختيار الآخر و لا أنكره بل سوّغه و جوزه (1).
ص: 351
ص: 352
ص: 353
ص: 354
ص: 355
يعد هذا الموضوع تتمة للموضوع السابق (الأحرف السبعة)، و لذا تعرض له المفسرون في مقدماتهم عند حديثهم عن الأحرف السبعة، و قد ذكره ابن جرير الطبري (1)، ثم الماوردي (2)، فالبغوي (3)، فالخازن تبعا لأصله (4).
و قد أخرج ابن جرير بسنده من طريقين عن ابن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: أنزل القرآن على سبعة أحرف، لكل حرف منها ظهر و بطن، و لكل حرف حدّ، و لكل حد مطلع (5). (6)
ص: 356
و أخرجه البغوي بسنده عن ابن مسعود، و أورده الخازن بسند البغوي. (1)
و روي عن النبي صلى اللّه عليه و سلم أنه قال: ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهرض.
ص: 357
و بطن، و لكلّ حرف حدّ، و لكل حد مطلع. (1)
و قد اختلف العلماء في تفسير مفردات الأثر.
فقوله: «إن لكل حرف منه حدا»:
قال الطبري: لكل وجه من أوجهه السبعة حدّ حدّه اللّه جل ثناؤه، لا يجوز لأحد أن يتجاوزه (2).
و ذكر الماوردي تأويلان آخران للحد:
فقيل: معناه أن لكل لفظ منتهى فيما أراده اللّه تعالى من عباده.
و قيل: إن لكل حكم مقدارا من الثواب و العقاب. (3)
قال البغوي: أراد أن له حدّا في التلاوة و التفسير لا يجاوزه، ففي التلاوة لا يجاوز المصحف- الذي هو الإمام- و في التفسير لا يجاوز المسموع. (4)
ص: 358
و قوله: «و إن لكل حرف منها ظهرا و بطنا»
قال الطبري: ظهره: الظاهر من التلاوة، و بطنه: ما بطن من تأويله (1).
و ذكر الماوردي أن العلماء اختلفوا في معنى الظهر و البطن على أربعة تأويلات:
فقيل: معناه أنك إذا فتشت عن باطنها و قسته على ظاهرها وقفت على معناها. و هذا قول الحسن (2).
و قيل: يعني القصص، ظاهرها الإخبار بهلاك الأولين، و باطنها عظة للآخرين. و هذا قول أبي عبيد (3).
و قيل: يعني ما من آية إلا و قد عمل بها قوم، و لها قوم سيعملون بها.
و هذا قول ابن مسعود (4).
و قيل: ظاهرها لفظها، و باطنها تأويلها. و هذا قول الجاحظ (5). و هو
ص: 359
قريب مما قاله الطبري. قال تعالى: وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا [المزمل: 4] فهذا هو الظاهر، و كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ [ص: 29] هذا هو الباطن.
قال البغوي: و التلاوة تكون بالتعلم و الحفظ بالدرس، و التفهم يكون بصدق النية و تعظيم الحرمة، و طيب المطعم (1).
و قوله: «و إن لكل حد من ذلك مطلعا»
قال الطبري: يعني إن لكل حد من حدود اللّه التي حدها فيه- من حلال و حرام و سائر شرائعه- مقدارا من ثواب اللّه و عقابه، يعاينه في الآخرة، و يطلع عليه و يلاقيه في القيامة، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: و لو أن لي ما في الأرض من صفراء و بيضاء لافتديت به من هول المطلع. يعني بذلت ما يطلع عليه و يهجم عليه من أمر اللّه بعد وفاته. (2)
و أضاف الماوردي فقال: و قيل: معناه أن لكل غامض من الأحكام مطلعا يوصل منه إلى معرفته، و يوقف منه على المراد منه (3).
ص: 360
و قال البغوي: أي مصعد يصعد إليه من معرفة علمه. قال: و يقال:
المطلع: الفهم. فقد يفتح اللّه على المتدبر و المتفكر في التأويل و المعاني ما لا يفتح على غيره، و فوق كل ذي علم عليم. (1)ي.
ص: 361
بحث هذا الموضوع في مقدمته ابن جرير الطبري (1) و ابن عطية (2) و القرطبي (3).
و قد وردت آثار عديدة من الصحابة تفيد وجود كلمات بغير لغة العرب في القرآن، و من تلك الآثار:
1) ما أخرجه الطبري بسنده عن أبي موسى قال: يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ [الحديد: 28] قال: الكفلان ضعفان من الأجر بلغة الحبشة. (4)
2) و أخرج عن ابن عباس رضي الله عنه: إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ [المزمل: 4] قال:
ص: 362
هي بلسان الحبشة إذا قام الرجل من الليل قالوا: نشأ. (1)
3) و أخرج عن أبي ميسرة يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ [سبأ: 10] قال:
سبحي بلسان الحبشة (2).
4) و أخرج عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ [المدثر: 51] قال: هو بالعربية: الأسد، و بالفارسية: شار، و بالنبطية: أريا، و بالحبشية: قسورة. (3)
5) و أخرج عن أبي ميسرة قال: في القرآن من كل لسان. (4) و غير ذلك من الآثار التي توحي بوجود ألفاظ و كلمات في كتاب اللّه و للغات العجم بها تعلق.
و قد اختلف العلماء في وقوع المعرّب في القرآن على ثلاثة أقوال:
ص: 363
ذهب ابن جرير الطبري، و أبو عبيدة معمر بن المثنى، و أبو بكر بن الطيب الباقلاني و غيرهما (1) إلى أن القرآن كله عربي ليس فيه لفظة إلا و هي عربية صريحة، و ما وجد فيه من الألفاظ التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فتواردت اللغات عليها و تكلمت بها العرب و الفرس و الحبشة و غيرهم، و ليس أحد أولى بأن يكون أصل ذلك كان من عنده من الجنس الآخر (2).
و قد استشهد أصحاب هذا الرأي بأدلة منها:
1- قوله تعالى: إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2].
ص: 364
2- قوله تعالى: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء: 192- 195].
3- أن الحجة لا تقوم على من نزل عليهم القرآن إلا إذا كان ذلك بلغتهم، قال تعالى: لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ [فصلت: 44].
حيث وصف اللّه تعالى كتابه بأنه عربي، و نفى سبحانه أن يكون جعل شيئا منه أعجميا، و العربية صفة شاملة لا يجوز لأحد أن يخصص شمولها على بعض القرآن دون بعض.
4- قوله تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [إبراهيم: 4] و قال تعالى: وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [النحل: 64].
فالحكمة و المنطق السليم يستدعيان أن يكون القرآن كله بلسان العرب، و يثبت ابن جرير ذلك على النحو الآتي:
إن أبين البيان بيان اللّه، و أفضل الكلام كلامه، و هو جلت قدرته منزّه عن النقص و العيب، و من كماله سبحانه أنه ما أرسل رسولا إلا بلسان قومه، و ما أنزل كتابا إلا بلسان النبي المرسل، و القوم المرسل إليهم، و حينئذ
ص: 365
يكون في الخطاب فائدة، و إلا كان ما أنزل عبثا، و اللّه جل ثناؤه يتعالى أن يخاطب أحدا أو يرسل رسالة لا توجب فائدة لمن خوطب به أو أرسل إليه، فذلك في العباد صفة نقص و عيب، و اللّه تعالى متعال عن ذلك.
فإذا عرف هذا تبين أن النبي محمد صلى اللّه عليه و سلم العربي المرسل إلى قومه، حمل إليهم الكتاب المنزل بلغتهم و على أساليب كلامهم إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف: 2]، و كان ما جاء فيه من المعاني واضحة و لمعاني كلامهم موافقة، و ظاهره لظاهر كلامها ملائمة. و عليه فليس فيه شي ء خارج كلامهم، و لا من لغة غيرهم، لكون ذلك يناقض كمال الحكمة. (1)
و يوجه ابن جرير الآثار السابقة التي أكدت وجود كلمات لها نفس المدلول و المعنى في كلام العرب و كلام غيرهم، بأن القائل بها لم يقل أنها ليست عربية، بل غاية ما قاله أن حرف كذا بلسان الحبشة معناه كذا، و حرف كذا بلسان العجم معناه كذا. قال: و لم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق عليه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد، فكيف بجنسين منها، فمثلا كلمة الدرهم، و الدينار، و الدواة، و القرطاس، و القلم، و غيرها كثير مما اتفقت فيه الفارسية و العربية باللفظ و المعنى.
و اعترض: بأن ما ذكر أصله فارسي لا عربي، أو عربي لا فارسي، أوف.
ص: 366
أن بعضه عربي و بعضه فارسي، أو أن مخرج أصل ذلك الفرس، ثم تكلمت العرب به، أو مخرج أصله العرب ثم تكلمت الفرس به.
و أجيب بأن أيا من الجنسين ليس بأولى به من الآخر، و لا هو أحق به منه، و ادعاء الأولوية لا يكون إلا بخبر صحيح يوجب العلم، و يزيل الشك، و هو أمر متعذر، و لهذا كان السبيل الأقوم إضافة ذلك إلى سائر الأجناس المشتركة فيه، فتكون عربية أعجمية حبشية ... إلخ. (1)
قال ابن عطية: و ما ذهب إليه الطبري من أن اللغتين اتفقتا في لفظة لفظة فذاك بعيد، بل إحداهما أصل، و الأخرى فرع في الأكثر، لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا. (2)
كما اعترض عليه بقول أبي ميسرة: إن في القرآن من كل لسان.
و أجيب: أن معناه أن فيه من كل لسان اتفق فيه لفظ العرب و لفظ غيرها من الأمم التي تنطق به. (3)
و اعترض أيضا بأن تلك الكلمات ليست على أوزان كلام العرب.
و أجاب القرطبي: أن أحدا لم يدّع حصر أوزان كلام العرب، بل إن
ص: 367
القاضي- أبو بكر الباقلاني- بحث أصول أوزان كلام العرب، ورد تلك الأسماء إليها على الطريقة النحوية (1).
ففي القرآن كلمات قليلة غير عربية لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، و لا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عن كونه متكلما بلسان قومه، ف (المشكاة):
الكوة. و (الغساق): البارد المنتن بلسان الترك. و (القسطاس): الميزان بلغة الروم. و (السجيل): الحجارة و الطين بلسان الفرس .. و غير ذلك. (2)
و هذا رأي وسط ذهب إليه ابن عطية (3)، و بين أن القرآن نزل
ص: 368
بلسان عربي مبين، فليس فيه لفظة تخرج عن كلام العرب فلا تفهمها إلا من لسان غيرها.
لقد كان للعرب العاربة مخالطة لسائر الألسنة و الأمم بالتجارة و الرحلات و الأسفار و غيرها من دواعي الاتصال، و كان من نتائج هذا الاختلاط انتقال بعض ألفاظ تلك الشعوب إلى العرب، كما انتقلت من ألفاظ العرب إليها، فغيرت العرب تلك الألفاظ بالنقص من حروفها، و تخفيف ثقل العجمة فيها، و استعملتها في أشعارها و محاوراتها حتى جرت مجرى العربي الصريح، فهي في الأصل غير عربية لكن استعملتها العرب و عربتها، فهي عربية بهذا الوجه. (1)
و ردّ هذا بأنه لا يوجد دليل على أن العرب هي التي أخذت تلك
ص: 369
الكلمات من غيرها و عربتها. ثم لم لا تكون العرب هي التي تكلمت بها أولا ثم وقعت إلى سائر أجناس الأمم فنطقت بها، و أجرتها على أساليب لغتها؟! (1)
و أجيب بأن أوزان تلك الكلمات توحي أنها غير عربية. و قد سبق القول في هذا.
ص: 370
4- وقف قبيح (1).
قال: و ذلك بالنظر إلى الإعراب و المعنى.
فإن كان الكلام مفتقرا إلى ما بعده في إعرابه أو معناه، و ما بعده مفتقرا إليه كذلك، لم يجز الفصل بين كل معمول و عامله، و بين كل ذي خبر و خبره، و بين كل ذي جواب و جوابه، و بين كل ذي موصول وصلته.
و إن كان الكلام الأول مستقلا يفهم دون الثاني، إلا أن الثاني غير مستقل إلا بما قبله فالوقف على الأول كاف، و ذلك في التوابع و الفضلات:
كالحال، و التمييز، و الاستثناء، و شبه ذلك إلا أن وصل المستثنى المتصل آكد
ص: 373
من المنقطع، و وصل التوابع و الحال إذا كانت أسماء مع ذات، آكد من وصلها إذا كانت جملة.
و إن كان الكلام مستقلا و الثاني كذلك، فإن كانا في قصة واحدة فالوقف على الأول حسن.
و إن كانا في قصتين مختلفتين فالوقف تام.
و قد يختلف الوقف باختلاف الإعراب أو المعنى، و كذلك اختلف الناس في كثير من الوقف. و من أقوالهم فيه: راجح، و مرجوح، و باطل، و قد يقف لبيان المراد و لم يتم الكلام (1).
و بعد هذا ذكر تنبيها أشار فيه إلى أن مراعاة الإعراب و المعنى في المواقف هو الذي استقر عليه العمل و أخذ به شيوخ المقرئين، و كان الأوائل يراعون رءوس الآيات فيقفون عندها لأنها في القرآن كالفقر في النثر، و القوافي في الشعر.
قال: و يؤكد هذا ما أخرجه الترمذي عن أم سلمة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يقطع قراءته يقول: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ثم يقف، الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، ثم يقف. (2)ي.
ص: 374
ص: 375
بحث هذا الموضوع أغلب المفسرين في مقدماتهم، فذكر شيئا من إعجاز القرآن البلاغي ابن جرير الطبري (1)، و أورد الماوردي (2) ثمانية من وجوه الإعجاز في القرآن، ثم ابن عطية (3)، فالقرطبي (4) الذي فصل القول، ثم ابن جزي (5)، فأبو حيان (6).
أنزل اللّه تعالى الحكيم، كتابه العظيم، بلسان عربي مبين، على قوم كانوا رؤساء صناعة الخطب و البلاغة، و قيل: الشعر و الفصاحة، و دعاهم إلى الإيمان به، و بين لهم من أرسل إليهم و هو محمد صلى اللّه عليه و سلم أن حجته على حقيقة نبوته، و دليله على صدق دعوته، ما أتاهم به من البيان و الحكمة و الفرقان، بلسانهم و وفق منطقهم و بيانهم، و تحداهم أن يأتوا بمثل سورة من سوره، فكانوا من هذا التحدي عجزة و من القدرة عليه نقصه، فأقروا
ص: 376
بالعجز، و أذعنوا له بالتصديق، و إن تجاهل نفر من المستكبرين، و ظنوا أن بمقدورهم الإتيان بمثله، و حاولوا فجاءوا بما دل على ضعف عقولهم، و سفاهة أحلامهم، و فرّ بعضهم إلى القتال، و رضي بسفك الدماء عجزا عن المعارضة، و بقي الكتاب معجزا، و ظل التحدي قائما، و بقي الفصحاء و البلغاء عاجزون (1).
و في هذا الموضوع ثلاث مسائل:
عرف القرطبي المعجزة بأنها واحدة معجزات الأنبياء الدالة على صدقهم صلوات اللّه عليهم، و سميت معجزة لأن البشر يعجزون عن الإتيان بمثلها. (2)
ص: 377
ذكر القرطبي أن للمعجزة خمسة شروط، و متى اختل شرط منها لم تكن معجزة، و هذه الشروط هي:
الشرط الأول: أن يكون مما لا يقدر عليها إلا اللّه سبحانه، كفلق البحر، و انشقاق القمر، و ما شاكلها مما لا يقدر عليها البشر.
الشرط الثاني: أن تكون خارقة للعادة، أما الأمور التي لا يقدر عليها إلا اللّه غير أنها لم تفعل لأجل مدعي الرسالة، بل كانت قبل دعواه و بقيت بعدها- كطلوع الشمس من مشرقها، و مجي ء النهار بعد الليل، و الليل بعد النهار و كل ما هو من هذا القبيل- فهي لا تعد معجزة لمن يدعي أنها آية صدقه، بل لا بد أن تكون خارقة للعادة و لسنن الكون، كأن ينقلب العصا ثعبانا، و يشق الحجر و يخرج من وسطه ناقة، أو ينبع الماء من بين الأصابع، و غير ذلك من الخوارق التي تشهد على نبوة من ظهر على يده.
الشرط الثالث: أن يستشهد بها مدعي الرسالة على اللّه عز و جل.
فيقول مثلا: آيتي أن يقلب اللّه سبحانه الماء زيتا. فإذا فعل اللّه سبحانه ذلك حصل المتحدى به.
ص: 378
الشرط الرابع: أن تقع على وفق دعوى المتحدي بها المستشهد بكونها معجزة له. لا أن تقع عكس ما ادعاه، و يروى أن مسيلمة الكذاب لعنه اللّه تفل في بئر ليكثر ماؤها، فغارت البئر و ذهب ما كان فيها من الماء، فما فعل اللّه سبحانه من هذا كان من الآيات المكذبة لمن ظهرت على يديه، لأنها وقعت على خلاف ما أراده المتنبئ الكذاب.
الشرط الخامس: أن لا يأتي أحد بمثل ما أتى به المتحدي على وجه المعارضة، فإن أقام اللّه تعالى من يعارضه حتى يأتي بمثل ما أتى به و يعمل مثل ما عمل بطل كونه نبيا، و خرج عن كونه معجزا و لم يدلّ على صدقه، و لهذا قال تعالى فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ [الطور: 34] و قال: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ [هود:
13] (1).
(تنبيه) قد يقال: ثبت بالأدلة الصحيحة أنه يظهر على يد المسيخ الدجال أمور جسام، و آيات عظام، و خوارق للعادة، و ما ذكر من الشروط تنطبق عليه؟
و يرد القرطبي فيقول: إن ذاك يدعي الرسالة، و هذا الدجال يدعي
ص: 379
الربوبية، و بينهما من الفرق ما بين البصراء و العميان (1).
ثم إن المسيخ الدجال فيه التصوير و التغيير من حال إلى حال، و هي صفات لا تليق إلا بالمحدثات، تعالى الرب عن أن يشبه شيئا أو يشبهه شي ء ليس كمثله شي ء و هو السميع البصير. (2)
معجزات الرسول صلى اللّه عليه و سلم على ضربين:
الأول: ما اشتهر و انقرض بموت النبي صلى اللّه عليه و سلم.
الثاني: ما بقي بعد وفاته صلى اللّه عليه و سلم، و هو القرآن الكريم الذي تواترت الأخبار بصحته و حصوله، و استفاضت بثبوته و وجوده، و وقع لسامعها العلم بذلك ضرورة، و من شرطه- التواتر- أن يكون الناقلون له خلق كثير و جمّ غفير، و أن يكونوا عالمين بما نقلوه علما ضروريا، و أن يستوي في النقل أولهم و آخرهم و أوسطهم في كثرة العدد، حتى يستحيل عليهم التواطؤ على الكذب، و هذه هي صفة القرآن الكريم، و نقل وجود النبي
ص: 380
صلى اللّه عليه و سلم. فالقرآن معجزة نبينا صلى اللّه عليه و سلم الباقية بعده إلى يوم القيامة، و معجزة كل نبي انقرضت بانقراضه، أو دخلها التبديل و التغيير كالتوراة و الإنجيل. (1)
المسألة الرابعة: وجوه إعجاز القرآن الكريم (2):
تناول أوجه الإعجاز في القرآن الكريم الماوردي، و ابن عطية، و القرطبي، و ابن جزي، و أبو حيان. و قد اختلف الناس في إعجاز القرآن بما هو؟ فذكر الماوردي ثمانية أوجه (3) الثامن منها الصرفة التي اعتبرها القرطبي خارجة عن أوجه الإعجاز المعتبرة، و اكتفى ابن عطية و أبو حيان بوجهين من الأوجه الثمانية، و اشترك القرطبي و ابن جزي في ذكر عشرة أوجه (4).
ص: 381
و كان مجموع ما ذكروه من الأوجه هي:
الوجه الأول: هو الإعجاز و البلاغة، حتى اشتملت الألفاظ اليسيرة على المعاني الكثيرة، قال تعالى وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ [البقرة: 179] قال الماوردي: جمع في كلمتين عدد حروفهما عشرة أحرف معاني كلام كثير. (1)
يقول القرطبي: بلاغة القرآن في أعلى طبقات الإحسان، و أرفع درجات الإيجاز و البيان، بل تجاوزت حد الإحسان و الإجادة إلى حيز الإرباء و الزيادة. (2)
الوجه الثاني: البيان و الفصاحة التي أعجزت الفصحاء و قصّر فيها البلغاء، (3)، حكا أبو عبيد أن أعرابيا سمع رجلا يقرأ فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ [الحجر: 94] فسجد و قال: سجدت لفصاحة هذا الكلام. (4)
ص: 382
و حكى الأصمعي أنه رأى جارية بالبادية و هي تقول:
أستغفر اللّه لذنبي كلّه قتلت إنسانا لغير حلّه
مثل غزال ناعم في دلّه فانتصف الليل و لم أصلّه فقال لها: قاتلك اللّه ما أفصحك؟
فقالت: أتعد هذه فصاحة بعد قول اللّه عز و جل وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 7] فجمع في آية واحدة بين أمرين، و نهيين، و خبرين، و إنشاءين. (1)
و قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [آل عمران: 185] أنبأ سبحانه في هذه الآية عن الموت، و حسرة القلوب، و الدار الآخرة، و ثوابها و عقابها، و فوز الفائزين، و تردي المجرمين، و التحذير من الاغترار بالدنيا، و وصفها بالقلة بالإضافة إلى دار البقاء (2).
الوجه الثالث: النظم البديع المخالف لكل نظم معهود في لسان العرب و غيرها. (3)، و سماه الماوردي: الوصف الذي تنقضي به العادة حتى صار
ص: 383
خارجا عن جنس كلام العرب من النظم و النثر و الخطب و الشعر ... فلا يدخل في شي ء منها و لا يختلط بها مع كون ألفاظه و حروفه في كلامهم، و مستعملة في نظمهم و نثرهم. (1)
قال تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ [يس: 69] و في الحديث الذي أخرجه مسلم أن أنيسا أخا أبي ذر قال لأبي ذر: لقيت رجلا بمكة على دينك يزعم أن اللّه أرسله؛ قلت: فما يقول الناس؟ قال: يقولون:
شاعر، كاهن، ساحر. و كان أنيس أحد الشعراء، قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، و لقد وضعت قوله على أقراء الشعر (2) فما يلتئم على لسان أحد بعدي؛ أنه شعر، و اللّه إنه لصادق، و إنهم لكاذبون (3).
و كذلك إقرار عتبة بن ربيعة أنه ليس بسحر و لا شعر لما سمع سورة (فصلت) من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. (4)
و قال الوليد بن المغيرة: و اللّه ما هو بالشعر، و لا هو بالكهانة، و لا
ص: 384
بالجنون، و اللّه لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، و لا من كلام الجن، إن له لحلاوة، و إن عليه لطلاوة، و إن أعلاه لمثمر، و إن أسفله لمغدق، و أنه يعلو و ما يعلى. (1)
فإذا اعترف عتبة على موضعه من اللسان و موضعه من الفصاحة و البلاغة بأنه ما سمع مثل القرآن قط كان هذا القول مقرّا بإعجاز القرآن له و لضربائه من المتحققين بالفصاحة و القدرة على التكلم بجميع أجناس القول و أنواعه. (2)
الوجه الرابع: الأسلوب المخالف لجميع أساليب العرب (3).
الوجه الخامس: الجزالة التي لا تصح من مخلوق بحال، قال تعالى ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ [ق: 1- 2] و قال وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ [الزمر: 67]. (4)
يقول ابن الحصار: و هذه الثلاثة من النظم و الأسلوب و الجزالة لازمة كل سورة، بل هي لازمة كل آية، و بمجموع هذه الثلاثة يتميز مسموع كل
ص: 385
آية و كل سورة عن سائر كلام البشر، و بها وقع التحدي و التعجيز.
الوجه السادس: أن قارئه لا يكلّ و سامعه لا يمل، و إكثار تلاوته تزيده حلاوة في النفوس، و ميلا في القلوب. (1)
الوجه السابع: الإخبار عن الأمور التي تقدمت في أول الدنيا إلى وقت نزوله من أمّي ما كان يتلو من قبله من كتاب، و لا يخطّه بيمينه، كإخباره عن قصة أهل الكهف، و شأن موسى مع الخضر عليهما السلام، و حال ذي القرنين و غير ذلك من أخبار الغيب. (2)
الوجه الثامن: الإخبار عن المغيبات في المستقبل، و ما سيكون، (3) كقوله الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ [الروم: 1- 2] و قوله تعالى وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ [الأنفال: 7]، و غيرها من الأخبار التي لا يمكن أن تكون إلا من عند اللّه، أو من عند من أوقفه عليها اللّه.
و هذان الوجهان عند ابن عطية هما معجزان لمن تقررت الشريعة
ص: 386
و نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم في نفسه (1).
الوجه التاسع: كونه جامعا لعلوم لم تكن فيهم آلاتها، و لا تتعاطى العرب الكلام فيها، و لا يحيط بها من علماء الأمم واحد، و لا يشمل عليها كتاب، ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ [الأنعام: 38]. (2)
الوجه العاشر: الوفاء بالوعد المدرك بالحس في العيان، في كل ما وعد اللّه سبحانه؛ و ينقسم إلى أخباره المطلقة كوعده بنصر رسوله صلى اللّه عليه و سلم، و أخبار مقيده كقوله وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق: 3]. (3)
الوجه الحادي عشر: ما تضمنه القرآن من العلم الذي هو قوام جميع الأنام، في الحلال و الحرام، و في سائر الأحكام، و ما أرشد إليه من مكارم الأخلاق. (4)
الوجه الثاني عشر: الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر مع
ص: 387
كثرتها من آدمي. (1)
الوجه الثالث عشر: التناسب في جميع ما تضمنه ظاهرا و باطنا من غير اختلاف، قال تعالى وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً [النساء: 82].
الوجه الرابع عشر: ما فيه من التعريف بالباري جل جلاله، و ذكر صفاته و أسمائه و ما يجوز عليه و ما يستحيل، و دعوة الخلق إلى عبادته و توحيده، و غير ذلك مما يوحي بأنه من لدن عليم خبير. (2) و يرى ابن عطية أن هذا الوجه يكون معجزا لمن قد آمن باللّه و تقررت الشريعة و نبوة محمد صلى اللّه عليه و سلم في نفسه.
الوجه الخامس عشر: كونه محفوظا من الزيادة و النقصان، محروسا عن التغيير و التبديل على طول الزمان. (3)
الوجه السادس عشر: تيسيره للحفظ. (4)
الوجه السابع عشر: عجز المخلوقين في زمان نزوله و بعد ذلك عن
ص: 388
الإتيان بمثله. (1)
و يرى ابن عطية أن الإعجاز و التحدي إنما وقع من جهة نظمه، و صحة معانيه، و توالي فصاحة ألفاظه، و وجه إعجازه: أن اللّه تعالى قد أحاط بكل شي ء علما، و أحاط بالكلام كله علما، فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى، و تبين المعنى بعد المعنى. (2)
و يؤكد ابن عطية هذا المعنى بأن كفار العرب لم يمكنهم قط أن ينكروا أن رصف القرآن و نظمه و فصاحته متلقى من قبل محمد صلى اللّه عليه و سلم، فإذا تحدّيت إلى ذلك و عجزت فيه علم كل فصيح ضرورة أن هذا نبي يأتي بما ليس في مقدور البشر. (3)
فهذه وجوه عديدة من وجوه الإعجاز، يصح أن يكون كل واحد منها إعجازا، فإذا جمعها القرآن صار إعجازه من جميع الأوجه أبلغ في الإعجاز، و أبدع في الفصاحة و الإيجاز (4).ك.
ص: 389
و هذا القول قاله النظام و بعض القدرية، و مفاده أن اللّه تعالى منع العرب و غيرهم من معارضة القرآن، و صرفهم عند التحدي بمثله، فلم تحركهم أنفة التحدي، و صبروا على نقص العجز، فلم يعارضوه، و هم فصحاء العرب مع توفر دواعيهم على إبطاله، و بذل نفوسهم في قتاله.
و اختلف من قال بالصرفة على وجهين:
أحدهما: أنهم صرفوا عن القدرة عليه (1)، و لو تعرضوا لعجزوا عنه.
و الثاني: أنهم صرفوا عن التعرض له (2)، مع كونه في قدرتهم لو
ص: 390
تعرضوا له لجاز أن يقدروا عليه. (1)
و قد رد أهل العلم هذا القول، و بينوا فساده، و أن القائلين به هم من نقصان الفطرة الإنسانية في رتبة بعض النساء- كما يقول أبو حيان- حين رأت زوجها يطأ جارية فعاتبته، فأخبر أنه ما وطئها، فقالت له: إن كنت صادقا فاقرأ شيئا من القرآن، فأنشدها بيت شعر قاله، ذكر اللّه فيه و رسوله و كتابه، فصدقته، فلم ترزق من الذوق ما تفرق به بين كلام الخلق و كلام الحق. (2)
و من ذلك أن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف أن القرآن هو المعجز، فإذا قلنا أن المنع و الصرفة هو المعجز لخرج القرآن عن أن يكون معجزا، و ذلك خلاف الإجماع، و من ذلك؛ علم أن نفس القرآن هو المعجز؛ لأن فصاحته و بلاغته أمر خارق للعادة. (3)
ص: 391
يقول ابن عطية: الصحيح أن القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين، و يظهر لك قصور البشر في الفصيح منهم يضع خطبة أو قصيدة يستفرغ فيها جهده، ثم لا يزال ينقحها حولا كاملا ثم تعطى لآخر بعده فيأخذها بقريحة جامّة [نشطة]، فيبدل فيها و ينقح، ثم لا تزال بعد ذلك فيها مواضع للنظر و البدل، و كتاب اللّه تعالى لو نزعت منه لفظة، ثم أدير لسان العرب أن يوجد أحسن منها لم يوجد. (1)
ص: 392
ص: 393
الحمد للّه أولا و آخرا، و الشكر له ظاهرا و باطنا، دائما و أبدا، و الصلاة و السلام على من أرسله الله بالخير بشيرا، و على آله و صحبه و سلم تسليما كثيرا، و بعد:
فما سبق جولة في بطون العديد من المصنفات، استغرقت مني ما يقرب من نيف و ثلاث سنين، بذلت خلالها من الجهد ما اللّه به عليم، و لا شك أن هذه الجولة الطويلة في بطون المصنفات و المراجع، و العيش مع العلماء بمعايشة سيرتهم و تتبع أخبارهم، ثم تكرار النظر و إدامته في مقدمات تفاسير من شملتهم الفترة المقررة لهذا البحث من المفسرين، كل تلك الأمور جعلتني أخرج بنتائج عديدة و للّه الحمد، و ربما أعجز عن سردها هنا، و هي في أماكنها من البحث لا يعجز القارئ من الوقوف عليها، إذ العبارة المستخدمة تبين ذلك بيسر و وضوح، و أذكر من تلك النتائج ما يلي:
- إن نشأة العلوم الإسلامية كانت مواكبة للدعوة، على خلاف ما يذكره جل المصنفين من تأخره إلى القرنين الثاني و الثالث، فرسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم منذ أن صدع بوحي اللّه تبارك و تعالى، و تحدث عن نزول الآيات، نشأ علم نزول الوحي، و علم أسباب النزول، نشأ علم صفة حال النبي صلى اللّه عليه و سلم حين نزول الوحي عليه، و غير ذلك من العلوم التي نشأت فيما بعد مواكبة
ص: 394
للدعوة.
- تمت الكتابة في جملة من علوم القرآن في عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم، و سجل الصحابة كثيرا من الذي تلقفوه من في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم فيما يتعلق بالآية و نزولها و ترتيب الآيات و غير ذلك، و نقصد بالكتابة التسجيل من إملاء رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم أو إملاء أحد الصحابة.
أما تدوين تلك العلوم، أعني نقل تلك المعلومات المكتوبة من قبل الصحابة، و ترتيبها، فقد تأخر إلى القرن الثاني الهجري، و كذا التصنيف، و هو التدوين بعد إدخال عناصر جديدة.
- إن النصوص المنقولة إلينا تؤكد أن أول من استعمل مصطلح علوم القرآن هو الإمام الشافعي رحمه اللّه تعالى.
- إن الاهتمام بالتصنيف الموضوعي في علوم القرآن، و التأليف فيه، كان متقدما على التصنيف الموسوعي، و الذي نقصد به جمع الحديث عن أكثر من علم في تصنيف واحد، و كان أول من صنف فيه هو الحارث المحاسبي.
- إن التصنيف الموسوعي في علوم القرآن وصل إلى الذروة في العقد الثاني من القرن الثامن الهجري، و ذلك حين صنف السيوطي كتابيه التحبير و الإتقان.
- إن ثلة من أهل العلم المتخصصين في عصرنا الحالي استطاعوا أن
ص: 395
يقدموا بحوثا جادة في جملة من الموضوعات الهامة في علوم القرآن، و أن لأقسام الدراسات العليا في الجامعات المتخصصة دور كبير في تطوير هذا العلم و نمائه.
- إن مقدمات التفاسير احتوت مادة علمية قيمة، لم يعتمد منها المصنفون في علوم القرآن إلا القليل، كما أن تلك المقدمات قد احتوت آراء المفسرين في كثير من المسائل و الموضوعات و هي آراء من الأهمية بمكان، و رغم ذلك لم توضع للبحث و النقاش كما ينبغي.
- إن توزيع مادة المقدمات و نثرها حسب الموضوعات في هذا البحث وضح لنا نشأتها، و أظهر لنا تطور علوم القرآن و مباحثه عند المفسرين، و ذلك لأن المفسر قد ضمن مقدمته رأيه في بعض المسائل، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله و أثبته، و ليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله، و هو أمر يسد حاجة القارئ و يغنيه من الرجوع إلى المقدمات نفسها.
- إن المفسرين تأثر بعضهم ببعضهم في ذكر الموضوعات التي تذكر في المقدمة، كما تأثروا في ذكر أدلة تلك الموضوعات المطروقة، و لهذا لم يتطور هذا الفن كثيرا بالمقارنة بالعلوم الأخرى.
- إن أكثر الموضوعات التي أولاها المفسرون اهتمامهم هي تلك الموضوعات المتعلقة بأصول التفسير، و أنواعه، و مراتب المفسرين، و جمع القرآن و تدوينه، مع الاهتمام الخاص بموضوع الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، و كذا فضائل القرآن.
ص: 396
- إن تفسير الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها، بسبع قراءات قرآنية هو الأقرب و الأصح في اعتقادي، إذ هو الموافق للأحاديث و الآثار الواردة، كما أنه هو التفسير الذي يسلم من الاعتراضات التي ترد على غيره من التفسيرات.
و غير ذلك من النتائج التي لا يعدم الناظر في هذا البحث من الوقوف عليها.
و أخيرا يعلم اللّه أنني بذلت ما في وسعي من الوقت و الجهد لتقديم ما أرجو أن يكون حلقة في سلسلة هذا العلم النافع، و اجتهدت قدر معرفتي لتحقيق نتائج مرضية، و يبقى جهد البشر معرّضا للنقص و القصور، فأرجو اللّه أن يوفقني لتعديل ما قد جانبه الصواب، و أن يرشدني لتقديم الأفضل و الأحسن في المستقبل بعونه و منّه و فضله، و آخر دعوانا أن الحمد للّه رب العالمين، و صلى اللّه على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
ص: 397
ص: 398
ص: 399
ص: 400
أُحْكِمَتْ آياتُهُ 2/ 107
إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ 2/ 113، 2/ 63
إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ 2/ 113
إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ 2/ 113
إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ 2/ 112
إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ 2/ 112
اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى 2/ 246
أَ رَأَيْتَ* 2/ 207
أَ رَأَيْتَ الَّذِي 2/ 112
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ 2/ 329
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها 2/ 190، 2/ 232، 2/ 240
أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً 2/ 342، 2/ 39، 2/ 43
اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ 2/ 112
اقرأ 1/ 105، 1/ 65، 2/ 57
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ 2/ 114
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ 1/ 103، 1/ 105، 2/ 112، 2/ 158
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ 1/ 102
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَ رَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ 2/ 58
أُكُلُها دائِمٌ 2/ 152
الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ 1/ 65
ص: 401
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ 2/ 107
أَ لَسْتُ بِرَبِّكُمْ 1/ 385
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ 2/ 183
الم* 2/ 147، 2/ 176
الم. غُلِبَتِ الرُّومُ. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَ هُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ 2/ 386
أَ لَمْ نَشْرَحْ 2/ 112
أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ 2/ 112
أم القرآن 2/ 207
أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ 2/ 379
إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ 2/ 141
إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ 2/ 87
إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ 1/ 389
إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ 1/ 432، 2/ 220، 2/ 280
أَنَّ اللَّهَ بَرِي ءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ 2/ 265
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 2/ 70
إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَ إِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 2/ 106
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ 2/ 157
إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 1/ 33، 1/ 39، 2/ 158
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ 2/ 362
إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَ أَقْوَمُ قِيلًا 2/ 322
إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى. صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى 1/ 65
إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ 2/ 112
ص: 402
إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً 2/ 228
إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ 2/ 364، 2/ 366
إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا 2/ 330
إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ 2/ 174
إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا 1/ 378
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ 1/ 440، 1/ 441، 1/ 450، 2/ 107، 2/ 155
أَ نُلْزِمُكُمُوها 2/ 147
إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ 1/ 31
أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ 2/ 333
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. 1/ 40
بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ 2/ 365
بني إسرائيل 2/ 112
تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً 2/ 155
تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ 2/ 112
تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ 1/ 117
تِسْعٌ وَ تِسْعُونَ نَعْجَةً 2/ 339
جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا 2/ 336
حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ 2/ 105
حم عسق 2/ 112
الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً 2/ 155
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ 2/ 374
ص: 403
الْحَيُّ الْقَيُّومُ 1/ 405
الدخان 2/ 112
رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِ 2/ 333
رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ 2/ 140
رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا 2/ 338
الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* 2/ 374
الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ 1/ 65
الرَّحِيمِ* 2/ 199
سَأَلَ سائِلٌ 2/ 112
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى 2/ 112
السجدة 2/ 112
ص 2/ 150
صاد 2/ 112
طسم الشعراء 2/ 152
الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ 2/ 152
عبس 2/ 112
عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ 2/ 365
عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي فِي كِتابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى 1/ 99
عَمَّ يَتَساءَلُونَ 2/ 112
فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 2/ 156
فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ 2/ 192
فَإِذا قَرَأْناهُ 2/ 156
ص: 404
فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ 2/ 157، 2/ 158
فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ 2/ 382
فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ* 2/ 332
فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْ ءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَ الرَّسُولِ 1/ 435، 2/ 234
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 2/ 80
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ 1/ 31 علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 405 فهرس الآيات القرآنية ..... ص : 399
فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ 2/ 363
فُرْقاناً 2/ 159
فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ 2/ 379
فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 2/ 228
فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً وَ لا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً 1/ 423، 2/ 184
فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ 2/ 152
ق 2/ 150
ق وَ الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ 2/ 385
قاف 2/ 112
قُرْآناً عَرَبِيًّا* 1/ 280
قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 2/ 232
قُصِّيهِ 1/ 391، 2/ 276
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 2/ 184
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ 2/ 184
ص: 405
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً 2/ 103، 1/ 443
قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ 1/ 30
قُلْ هُوَ 2/ 105
قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ 2/ 112، 2/ 183
قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ 2/ 112
قُمْ فَأَنْذِرْ 2/ 158
كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ 2/ 339
كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ 1/ 117
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ 2/ 190، 2/ 193، 2/ 360
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ 2/ 239
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَ لِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ 2/ 232، 2/ 240
كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ 2/ 106
كِراماً كاتِبِينَ 1/ 65
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ 2/ 383
كُلَّما أَضاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ 2/ 323
لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ 1/ 31
لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ 2/ 107، 2/ 217
لا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخاطِؤُنَ 2/ 108، 2/ 109
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ 1/ 78
لِإِيلافِ قُرَيْشٍ 2/ 112
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ 2/ 245، 2/ 45
ص: 406
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ 1/ 323، 2/ 246
لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَ شِفاءٌ 2/ 365
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ 2/ 61، 2/ 63، 2/ 94
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ 2/ 78، 2/ 80
لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ 2/ 88، 2/ 92
لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا 2/ 323
لَمْ يَكُنْ 2/ 113
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ 1/ 419
لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ ءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ 1/ 344
لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ 2/ 147
ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ 2/ 387
ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَ لا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا 2/ 261
مُدْهامَّتانِ 2/ 148
مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ* 1/ 40
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ 2/ 81، 2/ 86، 2/ 92، 2/ 93
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا 2/ 88، 2/ 92
ن 2/ 150
ن وَ الْقَلَمِ 2/ 112
ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ 1/ 65
ص: 407
نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ وَ إِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغافِلِينَ 2/ 155
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ 2/ 365
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ. بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ 1/ 41
نُنْشِزُها 2/ 338
هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ 2/ 113
هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ 2/ 338
هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَ أُخَرُ مُتَشابِهاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ وَ ابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ وَ ما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا وَ ما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ 2/ 224
وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ 2/ 61، 2/ 62
وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ 2/ 110
وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً 2/ 211
وَ إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَ لا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَ اشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَبِئْسَ ما يَشْتَرُونَ 2/ 43
وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ 2/ 386
وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً 2/ 192
وَ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً 1/ 423، 2/ 184
وَ أَقْوَمُ* 2/ 322
وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ 2/ 385
وَ التِّينِ 2/ 112
وَ الصَّافَّاتِ 2/ 112
ص: 408
وَ الضُّحى 2/ 112
وَ الْعادِياتِ 2/ 112
وَ الْعَصْرِ 2/ 112
وَ الْفَجْرِ 2/ 112، 2/ 147
وَ اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ 1/ 412
وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى 2/ 112
وَ النَّجْمِ 2/ 112
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ 2/ 228
وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ 2/ 223
وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ 2/ 365
وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ 2/ 161
وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ 1/ 3061، 2/ 219
وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 2/ 383
وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا 2/ 148
وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ 2/ 339
وَ رَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا 2/ 198، 2/ 360
وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ 2/ 339
وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ 2/ 329
وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا 2/ 236، 2/ 237
وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً 1/ 33
وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍ 2/ 140
ص: 409
وَ لا طَعامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ 2/ 109
وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ 2/ 232
وَ لَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ. قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ 2/ 239، 2/ 240
وَ لَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ 2/ 262
وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً 2/ 152
وَ لَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ 2/ 382
وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً 2/ 388
وَ لْيَتَلَطَّفْ 2/ 152
وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ 2/ 365
وَ ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ 2/ 223، 2/ 228، 2/ 365
وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ 2/ 384
وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَةٍ 2/ 152
وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى 1/ 79
وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ 2/ 150، 2/ 342
وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً 2/ 219
وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ 2/ 387
وَ مَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِما غَلَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ 2/ 99
وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ 2/ 148
وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ 2/ 64
وَ يَمْكُرُونَ وَ يَمْكُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ 1/ 412
ص: 410
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا* 2/ 204
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا 2/ 61
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى 2/ 62
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَ لْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَ لا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَ لْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُ 1/ 112
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 1/ 103، 2/ 158، 2/ 59، 2/ 60
يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَ رَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَ ثِيابَكَ فَطَهِّرْ 1/ 103
يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ 2/ 112
يا أَيُّهَا النَّاسُ* 2/ 204
يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ 2/ 363
يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ 2/ 362
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ 1/ 122
يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ 2/ 248
يس 2/ 112، 2/ 201
يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ 2/ 223
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ 2/ 61، 2/ 62
يَوْمَ الْفُرْقانِ 2/ 159
ص: 411
ص: 412
ص: 413
ص: 414
آخر آية أنزلت على النبي صلى اللّه عليه و سلم آية الربا. 2/ 61
آخر ما نزل من القرآن: و اتّقوا يوما ترجعون فيه إلى اللّه ثمّ 2/ 110
أبو الدرداء، و معاذ بن جبل، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قال 2/ 67
اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم، فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ 1/ 441
أجتهد برأيي. قال الراوي فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في صدره و قال الحمد للّه 2/ 230
أحاكمك. 2/ 333
أحد عمومتي. 2/ 66
أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تحدثني عن صحيفتك 1/ 65
أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و تحدثني عن صحيفتك. و هي المجلة 1/ 65
أحسن الناس صوتا من إذا قرأ رأيته يخشى اللّه تعالى 2/ 200
اختلفوا يومئذ في التابوت، فقال زيد (التابوة) و قال عبد اللّه بن 2/ 87
ادعوا زيدا .. فجاء و معه الدواة و اللوح أو الكتف، فقال اكتب 1/ 78
ادعوا زيدا 1/ 78
إذا اختلفتم أنتم و زيد في شي ء من القرآن فاكتبوه بلسان 2/ 85
إذا اختلفتم في شي ء فاجعلوه بلغة قريش. قال ابن شهاب 2/ 124
إذا شربتم فأسئروا.، و من ذلك قول أعشى بني ثعلبة يصف 2/ 138
إذا شربتم فأسئروا 2/ 138
إذا قلت في القرآن برأي أو بما لا أعلم 2/ 236
أرسل إليّ أبو بكر الصديق مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن 2/ 78
أرسله، اقرأ يا هشام. فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأها فقال 2/ 314
أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إنّ أمتي لا تطيق ذلك. ثم جاءه 2/ 317
أسأل اللّه معافاته و مغفرته، و إن أمتي لا تطيق ذلك. قال ثم 2/ 317
ص: 415
استزده. فقال على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، 2/ 318
استعمل عليّ ابن عباس على الحج، قال فخطب الناس خطبة 2/ 283
استعن بيمينك.، و أومأ بيده للخط.، أي بالكتابة 1/ 80
استعن بيمينك 1/ 80
أشراف أمتي حملة القرآن. 2/ 180
اعرضها عليّ 1/ 64
أعطاني ربي مكان التوراة السبع الطوال، و مكان الإنجيل 1/ 320
أعطوا أعينكم حظها من العبادة. قالوا يا رسول اللّه، و ما 2/ 193
أفعل ما لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم! فتراجعا في ذلك 2/ 77
أقرأ أمتي أبيّ بن كعب 2/ 98
أقرأ أمتي أبيّ بن كعب ..: و قال من سرّه أن يقرأ القرآن غضا 2/ 98
اقرأ. فقلت ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة، ثم أرسلني 2/ 58
اقرأ. فقلت ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقرأ 1/ 103
اقرأ. فقلت ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثانية حتى بلغ مني 2/ 58
اقرأ. فقلت ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم 1/ 103
اقرأ. فقلت ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطّني حتى بلغ مني 2/ 58
اقرأ. قال: ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني 1/ 103
اقرأ و ارتق، و رتل كما كنت ترتل في الدنيا، فإن منزلتك عند 2/ 180
اقرأ يا عمر. فقرأت القراءة التي أقرأني. فقال رسول اللّه 2/ 314
أقرأني جبريل عليه السلام على حرف فراجعته فزادني، فلم أزل أستزيده 2/ 316
أقرأنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. فقلت كذبت، فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد 2/ 314
اقرءوا القرآن بلحون العرب و أصواتها، و إياكم و لحون أهل 1/ 422
اقرءوا القرآن على حرف. فقال ميكائيل استزده. فقال على 2/ 318
ص: 416
اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه، اقرءوا 2/ 182
أقوم، أصوب، أهيأ، واحد 2/ 323
اكتب فو الذي نفسي بيده لا يخرج مني إلا حق .. بل إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يملي 1/ 82
اكتب فو الذي نفسي بيده لا يخرج مني إلا حق 1/ 81
اكتب. قال حتى سأله عن التفسير كله. 2/ 286
اكتب لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ 1/ 78
اكتبوا لأبي فلان 1/ 80
اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام من الناس 1/ 94
اكتبوه بالتاء (التابوت)، فإنه نزل بلسان قريش 2/ 124
اكتبوه (التابوت) فإنه بلسان قريش. 2/ 87
أكلها 2/ 152
ألا إنها ستكون فتنة. قلت ما المخرج منها يا رسول اللّه؟ قال 2/ 174
ألا إني أتيت القرآن و مثله معه. قال ابن كثير يعني السنة، فالسنة تنزل 2/ 229
ألا إني أوتيت الكتاب و مثله معه 1/ 79، 1/ 80
ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، 2/ 173
أ لا تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتيها الكتابة. و كان من 1/ 73
أ لا تعلّمين هذه رقية النّملة كما علّمتيها الكتابة 1/ 72
إلا ما شاء اللّه. لما كان يدعو إليه من الإلحاد و الزندقة 2/ 169
إلا ما شاء اللّه 2/ 169
الذي يضرب من أول القرآن إلى آخره كلما حلّ ارتحل 2/ 178
اللّه أكبر، أو يأخذهم على تخوف، أي على تنقّص 2/ 333
اللّهم أخسئ الشيطان عنه يا أبيّ، أتاني آت من ربي فقال: إن 2/ 316
اللّهم اغفر لأمتي، اللّهم اغفر لأمتي، و أخّرت الثالثة ليوم 2/ 315
ص: 417
اللّهم علّمه الكتاب. و قال فيه: اللّهم فقهه في الدين. و حسبك 2/ 282
اللّهم فقهه في الدين. و حسبك من هذه دعوة 2/ 282
اللّهم فقّهه في الدين و علمه التأويل 1/ 501، 2/ 302
أ لم تر آيات أنزلت اللّيلة لم ير مثلهنّ قطّ؟ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ 2/ 184
أما إن نبيكم صلى اللّه عليه و سلم قال إن اللّه تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به 2/ 172
أما إني قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ألا إنها ستكون فتنة 2/ 174
أما بعد ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي 2/ 173
أمرت أن أقرأ القرآن على سبعة أحرف 1/ 283، 2/ 350
إن أبي يتخوفني حقي. فقال عمر اللّه أكبر، أو يأخذهم على 2/ 333
أن أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت 2/ 85
إن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم باليمامة تهافتوا تهافت الفراش في 2/ 77
أن اقرأه على سبعة أحرف، و لك بكل ردة رددتها مسألة 2/ 315
إن اللّه تبارك و تعالى يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، 2/ 317
إن اللّه تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما و يضع به آخرين. قال 2/ 172
إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على ثلاثة أحرف. قال 2/ 317
إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمتك القرآن على حرف. فقال صلى اللّه عليه و سلم أسأل 2/ 317
إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على حرفين. قال أسأل 2/ 317
إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، فأيّما 2/ 317
إن اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت رب 2/ 316
إن اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على حرف واحد. فقلت: رب خفف عن 2/ 316
إن اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على سبعة أحرف، و لك بكل ردة مسألة 2/ 316
أن أول ما نزل سورة الْمُدَّثِّرُ 2/ 59
إن أول الناس يقضى عليه يوم القيامة رجل استشهد فأتي به 2/ 185
ص: 418
أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، و كان يغازي أهل الشام 2/ 86
أن حذيفة بن اليمان قدم من غزوة كان غزاها بمرج إرمينية فلم 2/ 87
إن الحياء وقار. و إن من الحياء سكينة. فقال عمران أحدثك عن 1/ 65
إن الحياء وقار. و إن من الحياء سكينة. فقال عمران أحدثك عن رسول اللّه 1/ 65
إنّ الرجل الذي ليس في جوفه شي ء من القرآن كالبيت الخرب 2/ 178
أن زيد بن ثابت فقد آية الأحزاب: من المؤمنين رجال 2/ 92
إن عبد اللّه يقرأ غضا كما أنزل 2/ 72
أن عليا رضي اللّه عنه كتب في مصحفه الناسخ و المنسوخ و أن ابن سيرين 1/ 134
إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء 2/ 78
إن القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقراء القرآن، و إني أخشى إن 2/ 78
إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فلا تماروا في القرآن، فإن 2/ 319
إن لكل حرف منه حدا 2/ 358
إن من الحياء سكينة. فقال عمران أحدثك عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 1/ 65
إن هذا قد دعاني إلى أمر فأبيت عليه، و أنت كاتب الوحي 2/ 77
إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه 1/ 380، 1/ 438، 2/ 314
إن هذا القرآن مأدبة اللّه فتعلموا من مأدبته ما استطعتم، إن 2/ 176
إن هذا القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، نهي و أمر، 2/ 341
إن هذا قرأ قراءة أنكرتها عليه، و دخل آخر فقرأ قراءة سوى 2/ 315
إن هذا الكلام حسن، و الذي معي أفضل من هذا، قرآن أنزله 1/ 64
إنّ هذين 2/ 106
أن هوّن على أمتي. فرد إلي الثالثة أن اقرأه على سبعة أحرف، 2/ 315
أنا خاتم الأنبياء، لا نبي بعدي 2/ 169
ص: 419
أنا خاتم الأنبياء، لا نبي بعدي .. فزاد الراوي إلا ما شاء اللّه. لما 2/ 169
أنتم عندي تختلفون فيه و تلحنون، فمن نأى عني من أهل الأمصار أشد 2/ 84
أنزل القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ في ليلة القدر إلى 2/ 53، 2/ 55
أنزل القرآن على سبعة أحرف .. إنما هو أنه أنزل على الأوجه 2/ 344
أنزل القرآن على سبعة أحرف، فالمراء في القرآن كفر- ثلاث 2/ 319
أنزل القرآن على سبعة أحرف 2/ 330، 2/ 344
أنزل القرآن. من سبعة أبواب الجنة 1/ 283
إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، و قد كنت تكتب الوحي 2/ 78
إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقّلة، إن عاهد 2/ 188
إنه كان يعلم تفسير قوله تعالى: إنّ الّذي فرض عليك القرآن 1/ 426، 2/ 280
إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت الوادي 1/ 104
إني قد خلّفت فيكم شيئين لن تضلوا أبدا ما أخذتم بهما، 2/ 172
إني قد سمعت إلى القراء فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما 2/ 322
إني قد صنعت كذا و كذا و محوت ما عندي فامحوا ما 2/ 97
إني قد صنعت كذا و كذا، و محوت ما عندي، فامحوا ما عندكم 2/ 84، 2/ 97
إني لا آمن يهودا على كتابي .. فلم يمر بي نصف شهر حتى 1/ 70
إني لا آمن يهودا على كتابي 1/ 70
إني لأستحي ألا أنظر كل يوم في عهد ربي. و من ذلك أن يقرأ 2/ 193
إني مدخل معك رجلا لبيبا فصيحا، فما اجتمعتما عليه 2/ 87
أو قد برئ اللّه من رسوله؟ فإن يكن اللّه برئ من رسوله فأنا 2/ 265
أو قد فعلوها؟ قلت نعم. قال أما إني قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 2/ 174
أول ما بدئ به رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم من الوحي الرؤيا الصالحة في 1/ 103، 2/ 58
أيّ أرض تقلّني، و أيّ سماء تظلّني إذا قلت في القرآن بما لا 2/ 236
ص: 420
أي سماء تظلني، و أي أرض تقلني، و أين أذهب، و كيف 1/ 430
أي القراءتين تقرأ؟ قلت القراءة الأولى، قراءة ابن أمّ عبد؛ فقال 2/ 72
بئس ما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت و كيت، بل هو نسّى، 2/ 189
بسنة رسول اللّه. قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد برأيي. قال الراوي فضرب 2/ 230
بكتاب اللّه. قال فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول اللّه. قال فإن لم تجد؟ قال 2/ 230
بل هي القراءة الآخرة، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم كان يعرض القرآن 2/ 72
بلّغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا 1/ 495
بلغوا عني و لو آية، و حدثوا عن بني إسرائيل و لا حرج 2/ 44
بلغوا عني و لو آية،: و حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج،: و من كذب 2/ 231
بم تحكم؟ قال بكتاب اللّه. قال فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول 2/ 230
(التابوت). 2/ 87
(التابوت). فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال اكتبوه بالتاء 2/ 124
(التابوت). فرفع اختلافهم إلى عثمان فقال اكتبوه (التابوت) 2/ 87
(التابوت)، فرفعنا ذلك إلى عثمان فكتب (التابوت) 2/ 87
(التابوة)، و قال أبان بن سعيد (التابوت)، فرفعنا ذلك إلى 2/ 87
(التابوة). و قال ابن الزبير و سعيد بن العاص (التابوت). فرفع 2/ 124
(التابوة) و قال عبد اللّه بن الزبير و سعيد بن العاص 2/ 87
تعال أفاتحك. أي أحاكمك 2/ 333
تعاهدوا هذا القرآن، فو الّذي نفس محمد بيده لهو أشدّ تفلّتا من 2/ 188
تعلّمت العلم و علّمته و قرأت فيك القرآن. قال كذبت، و لكنك تعلّمت 2/ 185
تعمل بما أمرك اللّه به، و تطلب به غيره، و اتقوا الرياء فإنه 1/ 423
تلقيتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، فسألا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم عنها فقال رسول 2/ 319
تلقّيتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم. و قال الآخر تلقيتها من رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم، 2/ 319
ص: 421
ثم أتاه الثانية فقال إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على 2/ 317
ثم ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أوّل 2/ 185
جعلت فداءك، تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟! فيقول كرم 1/ 426
جعلت فداك تصف جابرا بالعلم و أنت أنت؟ فقال إنه كان 2/ 280
جمع القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم أربعة، كلّهم من الأنصار معاذ 2/ 66
الحال المرتحل. قال: و ما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن 2/ 178
حتى سأله عن التفسير كله 2/ 286
حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك عثمان بن عفان، فقام خطيبا 2/ 84
حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري، لم 1/ 436
حدثنا الذين كانوا يقرءوننا القرآن- كعثمان بن عفان 1/ 104
حرّاق المصاحف، فو اللّه ما حرقها إلا على ملأ من أصحاب 2/ 97
الحمد للّه الذي وفق رسول رسول اللّه لما يرضي رسول اللّه 2/ 230
الحمد للّه رب العالمين، ثم يقف، الرحمن الرحيم، ثم 1/ 478
الحياء لا يأتي إلا بخير .. فقال بشير مكتوب في الحكمة إن الحياء 1/ 65
الحياء لا يأتي إلا بخير 1/ 65
خذوا القرآن من أربعة من ابن أمّ عبد- فبدأ به- 2/ 68
خذوا القرآن من أربعة من ابن أمّ عبد- فبدأ به- الحديث 2/ 68
خذوا القرآن من أربعة من ابن مسعود، و أبيّ بن كعب، و معاذ 2/ 68
خيركم من تعلم القرآن و علّمه. و في رواية زيادة فإن اللّه يرفع 2/ 177
دثروني دثروني، و صبوا عليّ ماء باردا، فأنزل عليّ: يا أيّها 1/ 104
دعا رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بأديم و علي بن أبي طالب عنده، فلم يزل 1/ 82
ذلك صريح الإيمان 1/ 434
الرأي رأيك يا أمير المؤمنين؛: فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا 2/ 85
ص: 422
الرأي عندي أن يجتمع الناس على قراءة، فإنكم إذا اختلفتم 2/ 85
رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن و معه ألواحه 2/ 286
رب خفف عن أمتي. ثم أتاني الثالثة فقال مثل ذلك، و قلت مثله. ثم 2/ 316
رب خفّف عني. ثم أتاني الثانية فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ القرآن على 2/ 316
زملوني، زمّلوني، فدثروني، فأنزل اللّه تعالى يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ 2/ 59
زملوني زملوني. فزملوه حتى ذهب عنه 1/ 103
زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع. 2/ 58
سبحان اللّه و بحمده، سبحان اللّه العظيم 2/ 148
سبعة أبواب الجنة 1/ 283
سلوني عن كتاب اللّه، فو اللّه ما من آية إلا و أنا أعلم أ بليل 2/ 281
صاحب القرآن يضرب من أوله حتى يبلع آخره، ثم يضرب في 2/ 196
صدقت ربنا و بلّغت رسلك، و من الآداب أن يجمع أهله إذا 2/ 197
ضعوا هذه السورة موضع كذا و كذا من القرآن 2/ 120
طلبنا هذا الأمر و ليس لنا فيه نية ثم جاءت النية 2/ 187
عرضت عليّ أجور أمّتي حتى القذاة يخرجها الرجل من 2/ 189
عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات من فاتحته 2/ 286
العقل و فكاك الأسير، و لا يقتل مسلم بكافر 1/ 82
على حرفين. حتى بلغ ستة أو سبعة أحرف، فقال كلها شاف 2/ 318
عليك بالحالّ المرتحل، قيل و ما الحالّ المرتحل؟ قال صاحب 2/ 196
غزوت مرج إرمينية فحضرها أهل العراق و أهل الشام، فإذا 2/ 87
غفور رحيم، سميع عليم، أو عليم حكيم، ما لم تختم عذابا 2/ 346
فأتاه جبريل فقال إن اللّه يأمرك أن تقرأ أمّتك القرآن على 2/ 317
فاختلفوا يومئذ في (التابوت) فقال زيد (التابوة). و قال ابن 2/ 124
ص: 423
فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني، فقال اقرأ. 2/ 58
فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال اقرأ. فقلت ما أنا 1/ 101
فأصدق و أكون 2/ 106
فاقتص أبو بكر قول عمر، و عمر ساكت، فنفرت من ذلك 2/ 77
فأقرأه رجل (براءة) فقال: أنّ اللّه بري ء من المشركين 2/ 265
فاقرءوا ما تيسر منه 1/ 375، 1/ 432
فالقوا اللّه بالمصاحف 2/ 99
فأمرني أبو بكر، فكتبته في قطع الأدم و كسر الأكتاف و العسب 2/ 77
فأمرني عثمان بن عفان أن أكتب له مصحفا، و قال إني 2/ 87
فإن اللّه يرفع بهذا القرآن أقواما و يضع آخرين 2/ 177
فإن لم تجد؟ قال أجتهد برأيي. قال الراوي فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 2/ 230
فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول اللّه. قال فإن لم تجد؟ قال أجتهد برأيي 2/ 230
فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي، فإذا 2/ 59
فتعلمنا القرآن و العلم و العمل جميعا 1/ 104
فخطب الناس خطبة لو سمعها الترك و الروم لأسلموا، ثم قرأ 2/ 283
فذهبنا ننظر، فقلنا: لا شي ء و اللّه! و ما علينا في ذلك 2/ 77
فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل قد تلقاها من رسول اللّه 2/ 84
فرجع بها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد- 1/ 102
فرق اللّه تنزيل القرآن فكان بين أوله و آخره عشرون سنة 2/ 56
فسر آيا بعدد علّمه إياهنّ جبريل 1/ 292
فضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم في صدره و قال الحمد للّه الذي وفق رسول رسول 2/ 230
فضرب في صدري و قال و اللّه! ليهنك العلم يا أبا المنذر 2/ 183
فطلبت ذلك الكتاب، و كتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر 1/ 121
ص: 424
فقال إن اللّه يأمرك أن تقرئ أمتك القرآن على سبعة أحرف، 2/ 317
فقال جبريل للنبي عليه السلام يا محمد ضعها في رأس 2/ 110
فقدت آية من سورة الأحزاب ... إلى قوله فوجدتها مع 2/ 94
فقدت آية من سورة الأحزاب حين نسخت المصحف قد كنت 2/ 81، 2/ 87
فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقرؤها 2/ 93
فقلت (التابوة)، و قال أبان بن سعيد (التابوت)، فرفعنا ذلك 2/ 87
فلا أعلمه إلا قال- حتى كفر بعضهم بقراءة بعض، فبلغ ذلك 2/ 84
فلم أجد فيه هاتين الآيتين: لقد جاءكم رسول من 2/ 97
فلما بلغنا إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ 2/ 87
فليس له اليوم هاهنا حميم، و ليس له شراب إلا من غسلين من 2/ 109
فليس له اليوم هاهنا حميم، و ليس له شراب إلا من غسلين، من 2/ 108
فما عملت فيها؟ قال تعلّمت العلم و علّمته و قرأت فيك القرآن. قال 2/ 185
فو اللّه لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما 2/ 78
فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت: لقد جاءكم 2/ 80
فوجدتها مع خزيمة 2/ 94
في القرآن برأي أو بما لا أعلم 2/ 236
قال جبريل: اقرءوا القرآن على حرف. فقال ميكائيل استزده 2/ 318
قال رجل: يا رسول اللّه صلى اللّه عليك و سلم،: أي الأعمال أحب 2/ 178
قال زيد فقلت (التابوة)، و قال أبان بن سعيد 2/ 87
قام رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يوما فينا خطيبا بماء يدعى (خما) بين مكة 2/ 173
قبض رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم و لم يكن القرآن جمع و إنما كان في الكرانيف 2/ 75
قدم إعرابي في زمان النبي صلى اللّه عليه و سلم قال فأقرأه رجل (براءة) فقال 2/ 265
القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرءوا ما تيسر منه 1/ 375
ص: 425
القرآن ذلول ذو وجوه فاحملوه على أحسن وجوهه 1/ 324
القراءة الأولى، قراءة ابن أمّ عبد؛ فقال بل هي القراءة الآخرة، 2/ 72
قراءتي خير من قراءتك، و قراءتي أفضل من قراءتك، و هذا 2/ 85
قرأت من في رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اثنتين و سبعين سورة- أو ثلاثا 2/ 70
قلت اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ* 2/ 183
قلت لأنس من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي 2/ 66
قلت لأيوب ما معنى قول أبي الدرداء- رضي اللّه عنه- 2/ 238
قيّدوا العلم بالكتاب .. اكتبوا لأبي فلان ..، و روي أن رجلا 1/ 80
قيّدوا العلم بالكتاب 1/ 80
كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات لم يجاوزهنّ حتى يعرف معانيهنّ، 2/ 279
كان يعرض القرآن على جبريل عليه السلام في كل عام مرة في 2/ 118
كان يمد مدا 1/ 419
كان يمدّ مدّا، إذا قرأ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* يمد: بسم 2/ 199
كان يملي الكتب إلى الملوك و في المصالحة و قد أملى على علي 1/ 81
كتاب اللّه، فيه نبأ ما قبلكم، و خبر ما بعدكم، و حكم ما بينكم، 2/ 174
كتاب اللّه فيه الهدى و النور من استمسك به و أخذ به كان على 2/ 173
كذبت، فإن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قد أقرأنيها على غير ما قرأت. 2/ 314
كذبت، و لكنك تعلّمت العلم ليقال عالم، و قرأت القرآن ليقال قارئ، 2/ 185
كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى 2/ 148
كلها شاف كاف، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة 2/ 318
كنا نطلب العلم للدنيا فجّرنا إلى الآخرة. و قال سفيان الثوري 2/ 187
كنا نطلب العلم للدنيا، فجّرنا إلى الآخرة 1/ 425
كنت في المسجد فدخل رجل يصلي فقرأ قراءة أنكرتها عليه، 2/ 315
ص: 426
كنت فيمن يملي عليهم، قال فربما اختلفوا في الآية فيذكرون الرجل 2/ 84
كيف تفعلون شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟! قال هو و الله 2/ 78
كيف نفعل شيئا لم يفعله رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم؟! قال عمر: هذا و اللّه 2/ 78
لا أعلمه إلا عن أبي هريرة، أن رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم قال: أنزل القرآن 2/ 319
لا أقول في القرآن شيئا 2/ 237
لا إله إلا اللّه، و التي ذكرها جعفر بن محمد الطيالسي، عن 2/ 170
لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ 2/ 182
لا تخادع اللّه، فإنه من يخادع اللّه يخدعه اللّه، و نفسه يخدع لو 1/ 423
لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم 2/ 258
لا تفقه كل الفقه حتى ترى للقرآن وجوها كثيرة، قال حماد 2/ 238
لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا و كذا. فلما بلغ ذلك المكان قرأه 1/ 93
لا تكتبوا عني، و من كتب عني غير القرآن فليمحه، و حدثوا عني 1/ 87
لا شي ء و اللّه! و ما علينا في ذلك شي ء! 2/ 77
لا يقول أحدكم نسيت آية كذا و كذا بل هو نسّى 2/ 189
لقد أدركت فقهاء المدينة، و إنهم ليغلظون القول في التفسير، 2/ 237
لمّا قتل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم باليمامة دخل عمر بن الخطاب 2/ 77
لما كان في خلافة عثمان، جعل المعلّم يعلّم قراءة الرجل، 2/ 84
لما نسخت الصحف فقدت آية من سورة الأحزاب كنت أسمع 2/ 92
لو أنّ حملة القرآن أخذوه بحقه و ما ينبغي لأحبهم اللّه، و لكن 2/ 186
لو سمعت هذا الديلم لأسلمت 2/ 241، 2/ 284
لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار. قال البغوي قيل معناه 2/ 181
لو كنت الوالي وقت عثمان لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان 2/ 97
ليسجننه عتى حين 2/ 337
ص: 427
ما أنا بقارئ. فأخذني فغطّني الثالثة ثم أرسلني فقال: اقرأ 2/ 58
ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطني الثالثة، ثم أرسلني فقال: اقرأ باسم ربّك 1/ 103
ما أنا بقارئ. فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم 1/ 103، 2/ 58
ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطّني حتى بلغ مني الجهد، ثم 2/ 58
ما أنا بقارئ. قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال 1/ 103
ما أنا بقارئ. كان للرسول صلى اللّه عليه و سلم تفسير لكلام جبريل مختلف عن 1/ 105
ما ترون في المصاحف؟ فإن الناس قد اختلفوا في القراءة حتى 2/ 85
ما الرأي عندك يا أمير المؤمنين؟ قال: الرأي عندي أن يجتمع الناس على 2/ 85
ما عندنا غير هذه الصحيفة، أو فهم يؤتاه الرجل في كتابه 2/ 242
ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا بعدد علمهن 2/ 242
ما كان عبد اللّه يصنع بسورة الأعراف؟ فقال ما كان يعلمها 2/ 70
ما كان النبي صلى اللّه عليه و سلم يفسر شيئا من القرآن إلا آيا تعد علمهن إياه 2/ 46
ما كان يعلمها حتى قدم الكوفة؛ قال و قد قال بعض أهل العلم 2/ 70
ما كنت أدري معنى قوله: ربّنا افتح بيننا و بين قومنا 2/ 333
ما المخرج منها يا رسول اللّه؟ قال كتاب اللّه، فيه نبأ ما قبلكم، 2/ 174
ما من امرئ يقرأ القرآن ثم ينساه إلا لقي اللّه تعالى يوم 2/ 189
ما من قلب مؤمن إلا و هو بين إصبعين من أصابع رب 1/ 349
ما نزل من القرآن من آية إلا لها ظهر و بطن، و لكل حرف حدّ، 1/ 330، 2/ 358
مات أبو زيد و لم يترك عقبا، و كان بدريا 2/ 67
مات عبد اللّه بن مسعود قبل أن يتعلم المعوّذتين 2/ 70
مات النبي صلى اللّه عليه و سلم و لم يجمع القرآن غير أربعة أبو الدرداء، و معاذ بن 2/ 67
مثل الذين يقرءون القرآن و هم لا يعلمون من تفسيره، كمثل قوم جاءهم 2/ 220
مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجّة طعمها طيب 2/ 175
ص: 428
مثل الماهر بالقرآن مثل السفرة الكرام البررة،: و مثل الذي يقرؤه 2/ 177
مجلة لقمان- يعني حكمة لقمان- فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم اعرضها 1/ 64
مررت في المسجد فإذا الناس يخوضون في الأحاديث، فدخلت على علي 2/ 174
معاذ بن جبل، و أبيّ بن كعب، و زيد بن ثابت، و أبو زيد. قال 2/ 66
مكتوب في الحكمة إن الحياء وقار. و إن من الحياء سكينة. فقال 1/ 65
مكتوب في الحكمة إن الحياء وقار. و إن من الحياء سكينة. فقال عمران أحدثك عن رسول اللّه 1/ 65
مكثت سنتين أريد أن أسأل عمر بن الخطاب عن المرأتين اللتين 2/ 283
من ابن أمّ عبد- فبدأ به- ... الحديث 2/ 68
من ابن مسعود، و أبيّ بن كعب، و معاذ بن جبل، و سالم مولى 2/ 68
من أبو زيد؟ قال أحد عمومتي 2/ 66
من أقرأك هذه السورة التي سمعتك تقرؤها؟ قال أقرأنيها رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم 2/ 314
من تعلم علما مما يبتغى به وجه اللّه لا يتعلمه إلا ليصيب به 2/ 185
من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ 1/ 385
من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم الدجال 2/ 183
من حمل القرآن و قرأه لم تمسه النار يوم القيامة 2/ 181
من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من 2/ 45
من سئل عن علم فكتمه ألجمه اللّه بلجام من نار يوم 1/ 70
من سرّه أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم 2/ 98
من سرّه أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن أم عبد 2/ 98
من سلك طريقا يطلب به علما سهل اللّه له طريقا إلى 1/ 69
من عين تجري من تحت الجحيم 2/ 109
من قال به صدق، و من عمل به أجر، و من حكم به عدل، 2/ 174
ص: 429
من قال في القرآن برأيه- أو بما لا يعلم- فليتبوأ مقعده من 2/ 235
من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ 1/ 287، 1/ 321، 2/ 245، 2/ 236، 2/ 246
من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار 2/ 234، 2/ 247
من قرأ حرفا من كتاب اللّه فله حسنة، و الحسنة بعشر أمثالها، لا أقول 2/ 176
من قرأ القرآن فليسأل اللّه عزّ و جلّ به، فإنه سيجي ء أقوام يقرءون 2/ 186
من قرأ القرآن و تلاه و حفظه أدخله اللّه الجنة و شفّعه في عشرة 2/ 179
من كان منكم متأسيا فليتأس بأصحاب رسول اللّه، فإنهم 2/ 97
من هذا الذي يقرأ القرآن؟ فقيل له هذا عبد اللّه بن أم عبد؛ 2/ 72
نحن ورثناه- أي أبا زيد- و في رواية قال مات أبو زيد و لم 2/ 67
نزل جبريل بالقرآن جملة واحدة ليلة القدر [...] النجوم من 2/ 53
نزلت الصحف في أول يوم من شهر رمضان، و نزلت التوراة 2/ 52
نزول القرآن على سبعة أحرف 1/ 432
نضّر اللّه امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلّغه، فربّ حامل 1/ 69
النظر في المصحف و التفكر فيه و الاعتبار عند عجائبه 2/ 193
نعم ترجمان القرآن ابن عباس 2/ 284
نعم. قال أما إني قد سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم يقول ألا إنها ستكون 2/ 174
نفعل ما لم يفعل رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم! إلى أن قال عمر كلمته: و ما 2/ 77
ننشرها 2/ 338
هذا عبد اللّه بن أمّ عبد؛ فقال إن عبد اللّه يقرأ غضا كما أنزل 2/ 72
هذا و اللّه خير 2/ 78
هكذا أنزلت. ثم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم اقرأ يا عمر. فقرأت القراءة التي 2/ 314
هكذا أنزلت. ثم قال النبي صلى اللّه عليه و سلم إن هذا القرآن أنزل على سبعة 2/ 314
ص: 430
هل خصكم رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم بشي ء؟ فقال ما عندنا غير هذه 2/ 242
هلمّ و تعال 2/ 318، 2/ 322
هو أن ترى له وجوها فتهاب الإقدام عليها. فقال هو ذاك، هو 2/ 238
هو ذاك، هو ذاك 2/ 238
هو و اللّه خير 2/ 78
و اللّه! ليهنك العلم يا أبا المنذر 2/ 183 علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 431 فهرس الأحاديث و الآثار ..... ص : 413
أمر- أي عثمان- بما سوى ذلك من القرآن أن 2/ 97
و أمر- أي عثمان- بما سوى ذلك من القرآن أن يحرق 2/ 97
و إن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم 2/ 106
و إن لكل حد من ذلك مطلعا 2/ 360
و إن لكل حرف منها ظهرا و بطنا 2/ 359
و أهل بيتي، أذكركم اللّه في أهل بيتي. و زاد في رواية كتاب اللّه 2/ 173
و بشر عبادي الذين 2/ 106
و تعلّم عبد اللّه بقية القرآن من مجمّع بن جارية الأنصاري 2/ 70
وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري 2/ 79
و رجل تعلّم العلم و علّمه، و قرأ القرآن فأتي به فعرّفه نعمه 2/ 185
و قال من سرّه أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ بقراءة ابن 2/ 98
و قد قال بعض أهل العلم مات عبد اللّه بن مسعود قبل أن 2/ 70
و قد وجدتموه؟ 1/ 434
و لو أن لي ما في الأرض من صفراء و بيضاء لافتديت به من 2/ 360
و ما الذي معك؟ 1/ 64
و ما الذي معك؟. قال مجلة لقمان- يعني حكمة لقمان- فقال 1/ 64
و ما الحال المرتحل؟ قال: الذي يضرب من أول القرآن إلى 2/ 178
ص: 431
و ما الحالّ المرتحل؟ قال صاحب القرآن يضرب من أوله حتى 2/ 196
و ما ذاك؟ قال غزوت مرج إرمينية فحضرها أهل العراق و أهل 2/ 87
و ما عليكما لو فعلتما ذلك؟ 2/ 77
و ما عليكما لو فعلتما ذلك؟. قال فذهبنا ننظر، فقلنا: لا 2/ 77
و من قال برأيه فأخطأ فقد كفر 2/ 236
و نوائب الدهر 2/ 104
و وجدها مع خزيمة بن ثابت، و أنه فقد في نفس الجمع آية 2/ 92
يا أبا حمزة، إنما هي وَ أَقْوَمُ*. فقال أقوم، أصوب، أهيأ، 2/ 323
يا أبا المنذر أ تدري أيّ آية من كتاب اللّه معك أعظم؟ قال قلت 2/ 183
يا أبي! أرسل إليّ أن اقرأ القرآن على حرف واحد. فرددت إليه 2/ 315
يا أبيّ، إني أقرئت القرآن على حرف أو حرفين، ثم زادني 2/ 346
يا أمير المؤمنين أدرك الناس! فقال عثمان و ما ذاك؟ قال 2/ 87
يا أمير المؤمنين أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب 2/ 86
يا أمير المؤمنين أ لا ترى أن الناس قد خاضوا في الأحاديث؟ 2/ 174
يا أهل العراق، اكتموا المصاحف التي عندكم، و غلّوها فإن اللّه 2/ 99
يا أيها الناس، قد بيّن اللّه لكم في محكم كتابه ما أحل لكم، و ما 2/ 219
يا جبريل إني بعثت إلى أمة أمّيين منهم العجوز و الشيخ الكبير، 2/ 318
يا رب ... الحديث 2/ 316
يا رسول اللّه إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف 2/ 314
يا رسول اللّه صلى اللّه عليك و سلم،: أي الأعمال أحب إلى اللّه؟ قال: 2/ 178
يا رسول اللّه، و كيف يخادع اللّه؟ قال تعمل بما أمرك اللّه به، 1/ 423
يا رسول اللّه، و ما حظها من العبادة؟ قال: النظر في المصحف 2/ 193
يا كافر، يا خاسر، يا غادر، يا فاجر، ضلّ عملك، و بطل 1/ 423
ص: 432
يا كافر، يا خاسر، يا غادر، يا فاجر، ضلّ عملك، و بطل أجرك، فلا خلاق 2/ 429
يا محمد إن القرآن أنزل على سبع أحرف 2/ 318
يا محمد ضعها في رأس ثمانين و مائتين من البقرة 2/ 110
يا معشر المسلمين أعزل عن نسخ المصاحف و يتولاه رجل، 2/ 99
يا معشر الناس اتقوا اللّه! و إياكم و الغلو في عثمان، و قولكم 2/ 97
يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف 2/ 289
يقال لصاحب القرآن اقرأ و ارتق، و رتل كما كنت ترتل في 2/ 180
ص: 433
ص: 434
ص: 435
ص: 436
أبان بن تغلب الكوفي 1/ 141
إبراهيم بن إسحاق الحربي 1/ 183
إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع بن يزيد الأنصاري 2/ 80
إبراهيم بن السري بن سهل 1/ 37
إبراهيم بن محمد بن إبراهيم السفاقسي 1/ 211
إبراهيم بن محمد بن أبي بكر بن علي المعروف بابن أبي شريف المقدسي 1/ 228
إبراهيم بن محمد بن عرفة العتكي، المشهور بنفطويه 1/ 195
إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي 2/ 131
إبراهيم الكجي الكشي 1/ 195
أبو بكر بن عيّاش بن سالم الأسدي 2/ 110
أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي 2/ 321
أبو حذيفة 1/ 62
أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن عبد الكريم الشيباني الجزري، المعروف بابن الأثير 1/ 274
أبو شاة اليماني 1/ 80
أبو عمرو زبان بن العلاء المازني البصري 2/ 73
أبو محمد بن الفرس، و اسمه عبد المنعم بن محمد بن عبد الرحيم الأنصاري 2/ 264
أبو منصور، محمد بن أحمد بن الأزهر الأزهري الهروي 2/ 263
أبي بن كعب بن قيس بن عبيد 2/ 66
أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي 1/ 461
أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الحجار بن الشحنة 2/ 30
أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن بريدة، الشهاب الأبشيطي 1/ 228
أحمد بن جبير بن محمد الكوفي الأنطاكي 1/ 191
أحمد بن الحسن بن خيرون، المعروف بابن الباقلاني 1/ 309
ص: 437
أحمد بن الحسين بن مهران الأصبهاني 1/ 192
أحمد بن حنبل الشيباني 1/ 81
أحمد بن سليمان الحنفي الشهير بابن كمال باشا 1/ 209
أحمد بن شعيب بن علي بن سنان النسائي 1/ 190
أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني 1/ 52
أحمد بن عبد الرحيم بن وجيه الدين العمري الدهلوي 1/ 53
أحمد بن عبد الغفار بن أشتة الأصبهاني 1/ 133
أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم القيسي 2/ 13
أحمد بن علاء الدين حجي بن موسى الحسباني 2/ 31
أحمد بن علي بن أحمد بن خلف، أبو جعفر الباذش 2/ 252
أحمد بن علي بن ثابت البغدادي، المعروف بالخطيب 1/ 312
أحمد بن علي بن عمرو السليماني البخاري 1/ 264
أحمد بن علي بن محمد بن العسقلاني 1/ 88
أحمد بن عمار بن أبي العباس المهدوي، نسبة إلى المهدية بالمغرب 1/ 204
أحمد بن عمر بن إبراهيم الأنصاري القرطبي 1/ 410
أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خلكان البرمكي 1/ 333
أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري الملقب بالثعلبي، و قيل الثعالبي 1/ 203
أحمد بن محمد بن إبراهيم النيسابوري 1/ 333
أحمد بن محمد بن أبي طاهر محمد الأسفراييني 1/ 273
أحمد بن محمد بن إسماعيل أبو جعفر 1/ 175
أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن إبراهيم، المعروف بابن عربشاه 1/ 302
أحمد بن محمد بن عبد اللّه بن يوسف النيسابوري 1/ 333
أحمد بن محمد بن عبد اللّه المعافري الأندلسي 1/ 209
أحمد بن نصر بن منصور الشذائي 1/ 192
ص: 438
أحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي 1/ 371
أحمد بن يحيى بن زيد البغدادي، المشتهر بثعلب 1/ 140
أحمد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أحمد ابن شيخ الأندلس بقي بن مخلد 1/ 220
أحمد بن يوسف بن عبد الدائم الحلبي 1/ 35
أحمد بن يوسف بن مالك الرعيني الغرناطي 2/ 8
الأرقم بن أبي الأرقم عبد مناف 1/ 70
إسحاق بن إبراهيم بن مخلد المروزي، الملقب بابن راهويه 1/ 254
إسماعيل بن أحمد بن عبد اللّه أبو عبد الرحمن الحيري النيسابوري 1/ 229
إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير المدني 2/ 144
إسماعيل بن حمّاد التركي الجوهري 1/ 455
إسماعيل بن حماد التركي 2/ 263
إسماعيل بن عبد الرحمن السدي 1/ 171
إسماعيل بن عبد اللّه بن قسطنطين المخزومي 1/ 38
إسماعيل حقي بن مصطفى الإسلامبولي الحنفي 1/ 304
الأسود بن هلال المحاربي الكوفي 2/ 70
أسيد بن الحضير بن سماك بن عتيك بن نافع 1/ 58
أشهب بن عبد العزيز بن داود العامري 2/ 132
أكيدر دومة بن عبد الملك بن عبد الجن 1/ 95
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط أبان بن ذكوان 1/ 62
أنس بن مالك بن النضر بن النجار 1/ 79
أوس بن خولي بن عبد اللّه بن الحارث الخزرجي الأنصاري 1/ 58
أيوب السختياني أبو بكر بن أبي تميمة كيسان العنزي 1/ 86
باذام، و قيل: باذان، أبو صالح مولى أم هانئ بنت أبي طالب 1/ 289
البراء بن عازب بن الحارث الأوسي الأنصاري 1/ 78
ص: 439
برج بن مسهر بن جلاس بن الأرت الطائي 2/ 143
بسر بن سعيد، مولى بني الحضرمي 2/ 318
بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجلاس 1/ 71
بشير بن كعب بن أبيّ البصري 1/ 64
بقي بن مخلد بن يزيد القرطبي 1/ 100
تميم الداري بن أوس بن خارجة اللخمي الفلسطيني 1/ 96
جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن ثعلبة الخزرجي 1/ 103
جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي 2/ 170
جعفر بن محمد بن الحس الفريابي 1/ 189
جندب بن عبد اللّه بن سفيان البجلي العلقي 1/ 323
جهيم بن الصلت بن مخرمة بن عبد المطلب بن عبد مناف 1/ 67
الحارث بن أسد المحاسبي 1/ 161
الحارث بن عبد اللّه بن كعب الهمداني الكوفي الأعور 2/ 173
حازم بن محمد بن حسن بن حازم القرطاجني 2/ 275
حاطب بن عمرو بن عبد شمس القرشي العامري 1/ 62
حبيب بن أبي ثابت قيس بن دينار القرشي الأسدي 2/ 187
حجاج بن محمد المصّيصي الأعور 1/ 182
حسان بن حرام بن عمرو 1/ 33
الحسن بن إبراهيم بن يزداد المقرئ الأهوازي 1/ 216
الحسن بن أبي الحسن يسار البصري 1/ 125
الحسن بن أحمد بن عبد اللّه بن البناء البغدادي 1/ 229
الحسن بن علي بن فضال الكوفي 1/ 182
الحسن بن قاسم بن عبد اللّه بن علي المرادي 1/ 211
الحسن بن محمد بن حبيب أبو القاسم النيسابوري 1/ 48
ص: 440
حسين بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني العلوي 1/ 342
الحسين بن عبد العزيز بن محمد بن عبد العزيز بن أبي الأحوص القرشي، و المعروف بابن الناظر 2/ 9
حسين بن عثمان أبو علي المجاهدي الضرير 1/ 192
الحسين بن محمد بن إبراهيم الدامغاني أبو عبد اللّه 1/ 229
الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني 1/ 366
الحسين بن منصور الحلاج 1/ 184
حسين بن واقد، أبو عبد اللّه المروزي 1/ 135
حسين بن واقد المروزي 1/ 181
الحصين بن نمير بن نائل الأنصاري 1/ 68
حفصة بنت عمر بن الخطاب 1/ 62
حمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب البستي 1/ 456
حمد بن حبيب بن عمارة الكوفي 1/ 138
حنظلة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية 1/ 63
خارجة بن زيد بن ثابت الأنصاري 2/ 76
خالد بن معدان بن أبي كرب، الكلاعي 1/ 109
خديجة بنت خويلد القرشية 1/ 103
خزيمة بن ثابت بن الفاكه بن ثعلبة بن ساعدة الأوسي 2/ 81
خلف بن هشام بن ثعلب البغدادي المقرئ 1/ 188
الخليل بن أحمد بن محمد السجزي 1/ 299
الخليل بن أحمد الفراهيدي 1/ 76
خليل بن أيبك بن عبد اللّه الصفدي 2/ 6
خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة الكوفي 2/ 186
رافع بن مالك بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري 1/ 57
ص: 441
رفيع بن مهران، يكنى أبا العالية الرياحي 2/ 192
زبان بن العلاء بن عمار البصري، أبو عمرو البصري 1/ 138
الزبير بن أحمد بن سليمان بن حواري رسول اللّه صلى اللّه عليه و سلم الزبير بن العوام 1/ 184
الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد 1/ 67
زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري الشافعي 1/ 213
زهير بن حرب بن شداد الحرشي، أبو خيثمة 2/ 172
زياد بن أبيه، و هو زياد بن عبيد الثقفي، و هو ابن سمية، و هو زياد بن أبي سفيان الذي استلحقه معاوية بأنه أخوه 2/ 129
زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني الغطفاني 2/ 136
زيد بن أرقم بن زيد الأنصاري الخزرجي 2/ 173
زيد بن أسلم العدوي 1/ 172
زيد بن ثابت بن الضحاك الخزرجي 1/ 67
سالم ابن دارة بن مسافع بن عقبة الجشمي الغطفاني 2/ 160
سالم بن عبد اللّه بن عمر بن الخطاب 1/ 252
ست الوزراء بنت عمر بن أسعد التنوخية الحنبلية 1/ 490
سحيم 2/ 141
سريج بن يونس بن إبراهيم البغدادي 1/ 183
سعد بن الربيع بن عمرو بن أبي زهير الأنصاري الخزرجي 1/ 71
سعد بن عبادة بن دليم بن حارثة 1/ 58
سعد بن مالك بن سنان بن عبيد بن ثعلبة بن الخزرج، أبو سعيد الخدري 1/ 87
سعيد بن جبير بن هشام الأسدي 1/ 98
سعيد بن محمد بن صبيح بن الحداد المغربي 1/ 187
سعيد بن محمد بن مسعود الكازروني 2/ 38
سعيد بن المسيب بن حزن القرشي 1/ 75
ص: 442
سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي 1/ 123
سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالي 1/ 421
سفيان بن وكيع بن الجراح الكوفي الحافظ 1/ 267
سلمى أم رافع امرأة أبي رافع مولى الرسول صلى اللّه عليه و سلم 1/ 84
سلمان الفارسي 1/ 96
سلمة بن عاصم أبو محمد البغدادي النحوي 1/ 175
سليط بن عمرو بن عبد شمس العامري 1/ 91
سليم بن عيسى بن سليم الكوفي المقرئ 2/ 145
سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني 1/ 267
سليمان بن الأشعث بن شداد بن عمرو 1/ 454
سليمان بن الجهم بن أبي الجهم الأنصاري الحارثي 2/ 318
سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب الباجي التجيبي 1/ 224
سليمان بن عبد القوي ابن عبد الكريم الطوفي الصرصري 1/ 201
سهل بن محمد بن القاسم، أبو حاتم السجستاني 1/ 136
سويد بن الصامت بن خالد بن عقبة الأوسي 1/ 58
سويد بن غفلة بن عوسجة بن عامر الجعفي 2/ 84
شجاع بن وهب بن ربيعة بن أسد الأسدي 1/ 92
شرحبيل ابن حسنة نسبة 1/ 68
شرف الدين هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم الجهيني الحموي، المعروف بابن البارزي 1/ 208
الشفاء بنت عبد اللّه بن عبد شمس بن خلف، القرشية العدوية 1/ 62
شقيق بن سلمة الأسدي 2/ 241
صخر بن حرب بن أمية القرشي 1/ 59
الضحاك بن مزاحم الهلالي البلخي المفسر 1/ 143
ص: 443
ظالم بن عمرو 2/ 128
عائشة بنت أبي بكر الصديق بن قحافة 1/ 102
عائشة بنت سعد بن أبي وقاص الزهرية 1/ 63
عاصم بن بهدلة بن أبي النّجود الأسدي 2/ 73
عامر بن شراحيل بن عبد، الشعبي الحميري 2/ 287
عامر بن عبد اللّه الجراح، بن هلال القرشي 1/ 61
عامر بن واثلة بن عبد اللّه الليثي الكناني 2/ 281
عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم الأنصاري 2/ 67
عبد اللّه بن أبي داود بن سليمان الأشعث، أبو بكر السجستاني 1/ 455
عبد اللّه بن أحمد بن بشر بن ذكوان القرشي 2/ 146
عبد اللّه بن أحمد بن جعفر خذيان الفرغاني 1/ 268
عبد اللّه بن جحش بن رياب الأسدي 1/ 93
عبد اللّه بن حبيب بن ربيعة الكوفي 1/ 104
عبد اللّه بن الحسين بن عبد الله العكبري 1/ 211
عبد اللّه بن زيد بن عمرو الجرمي 1/ 86
عبد اللّه بن سليمان بن الأشعث، أبو بكر السجستاني 1/ 140
عبد اللّه بن عامر بن يزيد اليحصبي 1/ 125
عبد اللّه بن عبد الرحمن بن الفضل الدارمي 1/ 454
عبد اللّه بن كثير الداري المكي 1/ 37
عبد اللّه بن محمد بن الحسين بن داود بن ناقيا 1/ 207
عبد اللّه بن مسعود بن غافل بن حبيب 1/ 101
عبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدّينوري النحوي 1/ 179
عبد اللّه بن وهب بن مسلم الفهري 2/ 320
عبد اللّه بن يوسف بن أحمد بن عبد اللّه بن هشام، جمال الدين النحوي 1/ 212
ص: 444
عبد الباسط بن رستم علي بن علي أصغر القنوجي 1/ 234
عبد الباقي بن يوسف بن علي المراغي الشافعي 1/ 346
عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار، الهمذاني 1/ 207
عبد الجبار بن محمد بن أحمد الخواري 1/ 334
عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري 2/ 29
عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي 1/ 38
عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس التميمي 1/ 129
عبد الرحمن بن أحمد الواحدي 1/ 332
عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العمري 1/ 181
عبد الرحمن بن صخر الدوسي 1/ 82
عبد الرحمن بن عبد اللّه بن أحمد بن أصبغ أبو القاسم السهيلي 1/ 217
عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني 1/ 119
عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو الأوزاعي 1/ 456
عبد الرحمن بن محمد بن عبد اللّه بن يوسف الأنصاري، المعروف بابن حبيش 1/ 367
عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس بن أصبغ 1/ 194
عبد الرحمن بن محمد بن المظفر الداوديّ البوشنجي 2/ 350
عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، عز الدين الملقب بسلطان العلماء 1/ 142
عبد العزيز بن عبد الواحد بن محمد بن موسى المغربي المكناسي 1/ 223
عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد اللّه المنذري 1/ 410
عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر اللّه القرشي 1/ 300
عبد القاهر بن طاهر بن محمد التميمي، أبو منصور البغدادي 1/ 224
عبد القاهر بن عبد اللّه بن محمد بن عموية، أبو النجيب السهروردي 1/ 337
عبد الكريم بن عبد الصمد بن محمد بن علي الطبري 1/ 217
عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف الدمياطي 2/ 9
ص: 445
عبد الملك بن إبراهيم بن أحمد الهمذاني 1/ 309
عبد الملك بن حبيب بن سليمان العباسي القرطبي 1/ 139
عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي 1/ 114
عبد الملك بن قريب بن عبد الملك الأصمعي 1/ 328
عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري 1/ 196
عبد الواحد بن الحسين بن محمد القاضي الصميري 1/ 312
عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف 1/ 182
عبد اللّه بن أبي بن مالك بن سلول الخزرجي 1/ 58
عبد اللّه بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب القرشي 1/ 67
عبد اللّه بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي 1/ 71
عبيدة بن عمرو- و قيل ابن قيس- السلماني 1/ 85
عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الكردي الشهرزوري، المعروف بابن الصلاح 1/ 310
عثمان بن عمر بن أبي بكر الكردي الدويني 1/ 30
عدي بن زيد بن الحمار العبادي التميمي النصراني 1/ 59
عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد 1/ 75
عزيز بن عبد الملك بن منصور الجيلي، المعروف بشيذلة 1/ 219
عطاء بن أبي مسلم الخراساني 1/ 135
عطاء بن رباح بن أسلم القرشي 1/ 141
عطية اللّه بن عطية البرهان الشافعي 1/ 233
عقبة بن عامر بن عيسى بن عدي الجهني 2/ 184
عكرمة البربري أبو عبد اللّه، مولى ابن عباس 1/ 171
العلاء بن عبد اللّه بن عماد بن أكبر بن ربيعة الحضرمي 1/ 72
العلاء بن عقبة 1/ 67
علقمة بن قيس بن عبد اللّه بن مالك النخعي 2/ 286
ص: 446
علي بن إبراهيم بن سعيد الحوفي 1/ 51
علي بن إبراهيم الحرالي 1/ 201
علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهري 1/ 185
علي بن إسماعيل الأشعري 1/ 36
علي بن إسماعيل المرسي الضرير، المعروف بابن سيده 2/ 263
علي بن الحسين بن محمد الأصفهاني الكاتب 2/ 129
علي بن حمزة بن عبد اللّه الكوفي، المشتهر بالكسائي 1/ 142
علي بن خلف بن بطال البكري القرطبي 1/ 420
علي بن سعيد بن عبد الرحمن بن محرز العبدري 1/ 312
علي بن طلحة بن كردان الواسطي 2/ 289
علي بن عبد اللّه بن جعفر بن نجيح السعدي، المعروف بابن المديني 1/ 194
علي بن عبد اللّه بن الحسن الجذامي، الشهير بالنباهي 1/ 462
علي بن عبد اللّه بن عباس بن عبد المطلب القرشي 1/ 83
علي بن عبد الكافي بن علي السبكي الشافعي 2/ 10
علي بن عبد اللّه بن نصر بن السري الزاغوني البغدادي 1/ 229
علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى المارديني 1/ 214
علي بن مؤمن بن محمد النحوي، المعروف بابن عصفور 2/ 266
علي بن محمد بن سالم التغلبي الآمدي 1/ 29
علي بن محمد بن عبد الصمد بن عبد الأحد. علم الدين أبو الحسن السخاوي 1/ 226
علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي 1/ 201
علي بن محمد بن محمد بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي، أبو الحسن المعروف بابن الحصّار 1/ 226
عمران بن حصين بن عبيد الخزاعي 1/ 64
عمرو بن حزم بن زيد بن لوذان الخزرجي، الأنصاري 1/ 93
ص: 447
عمرو بن زرارة الأنصاري 1/ 60
عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد اللّه السهمي 1/ 81
عمرو بن العاص بن وائل السهمي 1/ 92
عمرو بن كلثوم بن مالك من بني تغلب بن وائل 2/ 157
عمرو بن مرة بن عبد اللّه بن طارق المرادي 2/ 238
عمير بن سعيد النخعي الصهباني 2/ 96
عويمر بن مالك 2/ 66
عياض بن موسى بن عياض بن عمرو اليحصبي 1/ 303
عيسى بن عبد العزيز بن عيسى اللخمي الشريشي الإسكندراني المقرئ 1/ 217
عيسى بن عمر الثقفي 1/ 138
غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربي 1/ 366
غيلان بن سلمة بن معتب بن مالك بن كعب الثقفي 1/ 59
غيلان بن عقبة بن بهيس من بني صعب بن مالك 2/ 337
فاطمة بنت الخطاب بن نفيل القرشية 1/ 73
الفتح بن محمد بن عبيد اللّه بن خاقان 1/ 365
فضل اللّه بن محمد بن أحمد النوقاني الشافعي 1/ 346
الفضل بن شاذان بن عيسى الرازي 2/ 149
الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر التميمي 1/ 122
الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر 2/ 191
القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري 1/ 133
قاسم بن قطلوبغا بن عبد اللّه المصري الحنفي 1/ 302
القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق 1/ 75
القاضي حسين بن محمد بن أحمد المروذي، و قيل: المروروذي 1/ 345
قتادة بن دعامة السدوسي البصري 1/ 125
ص: 448
كريب بن أبي مسلم الهاشمي 1/ 83
كريمة بنت المقداد بن الأسود الكندية 1/ 73
كسرى أنو شروان 1/ 91
كعب بن زهير بن أبي سلمى المزني 2/ 142
كميل بن زياد بن نهيك الصّبهاني 2/ 72
لسان الدين محمد بن عبد اللّه السلماني المعروف بابن الخطيب 1/ 461
لقيط بن عامر بن صبرة العقيلي 2/ 131
الليث بن أبي سليم بن زنيم القرشي 2/ 79
مؤرج بن عمرو أبو فيد السدوسي 1/ 141
مالك بن أنس بن أبي عامر الأصبحي 1/ 141
المبارك بن الحسن بن أحمد، أبو الكرم الشهرزوري البغدادي 2/ 252
مجاهد بن جبر 1/ 98
مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع الأنصاري 2/ 70
محمد بن إبراهيم بن سعد بن سعد اللّه بن جماعة الشافعي الحموي 1/ 218
محمد بن إبراهيم بن المنذر، أبو بكر النيسابوري 1/ 173
محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن قيم الجوزية 1/ 202
محمد بن أبي القاسم بن بابجوك البقالي الآدمي 1/ 208
محمد بن أحمد بن إبراهيم بن كيسان النحوي 1/ 174
محمد بن أحمد بن داود بن موسى اللخمي المعروف بابن الكماد 1/ 461
محمد بن أحمد بن سعيد بن مسعود المكي 1/ 53
محمد بن أحمد بن عبد المؤمن الإسعردي المعروف بابن اللبان 1/ 221
محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني، أبو عبد اللّه الذهبي 1/ 264
محمد بن أحمد بن عمر الرملي الضرير، أبو بكر الداجوني الكبير 1/ 192
محمد بن إدريس بن شافع القرشي الشافعي 1/ 37
ص: 449
محمد بن إسحاق بن خزيمة النيسابوري الشافعي 1/ 273
محمد بن إسحاق بن محمد بن أبي يعقوب النديم 1/ 123
محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي المدني 1/ 114
محمد بن أسعد بن محمد بن الحسين العطاري المعروف بحفدة 1/ 346
محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري 1/ 102
محمد بن أيوب بن يحيى بن ضريس البجلي 1/ 188
محمد بن بركات بن هلال بن عبد الواحد السعيدي 1/ 224
محمد بن جرير بن رستم الطبري الرافضي 1/ 265
محمد بن جعفر بن عبد الكريم الخزاعي الجرجاني 1/ 215
محمد بن حبان بن أحمد البستي 1/ 455
محمد بن حبيب بن أمية بن عمرو البغدادي 1/ 59
محمد بن الحسن بن عبيد اللّه الزّبيديّ الشامي الأندلسي 2/ 128
محمد بن الحسن بن فورك الأصفهاني 1/ 219
محمد بن الحسين بن محمد بن زياد الموصلي النقاش 1/ 180
محمد بن الحسين بن محمد بن مهران المروزي الحدادي 1/ 299
محمد بن الحسين بن محمد بن موسى الأزدي السلمي 1/ 213
محمد بن الحسين بن موسى الموسوي 1/ 142
محمد بن حميد بن حيان الرازي 1/ 266
محمد بن خلف بن المرزبان المحوّلي 1/ 127
محمد بن خير بن عمر بن خليفة الإشبيلي 1/ 367
محمد بن السائب بن بشر الكلبي 1/ 135
محمد بن سلام بن عبد اللّه بن سالم الجمحي 1/ 179
محمد بن سلامة بن إبراهيم بن خليل الضرير الإسكندري المصري 1/ 233
محمد بن سليمان بن الحسن البلخي المقدسي 2/ 20
ص: 450
محمد بن سليمان بن سعد الرومي الحنفي المعروف بالكافيجي 1/ 160
محمد بن سيرين بن أبي عمرة الأنصاري 1/ 120
محمد بن العباس بن محمد البغدادي 1/ 179
محمد بن عبد اللّه البردعي، معتزلي فقيه 1/ 186
محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري الإشبيلي 1/ 200
محمد بن عبد اللّه بن محمد المعافري 1/ 47
محمد بن عبد الرحمن بن محيصن السهمي 1/ 136
محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي، الحنبلي 1/ 495
محمد بن عبد اللّه بن بهادر الزركشي 1/ 52
محمد بن عبد اللّه الخطيب الإسكافي، أبو عبد اللّه 1/ 219
محمد بن عثمان بن مسبح الملقب بالجعد الشيباني 1/ 185
محمد بن علي الأدفوي 1/ 51
محمد بن علي بن أحمد الداودي 1/ 149
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي 1/ 186
محمد بن علي بن الحسين بن بشر، الحكيم الترمذي 1/ 195
محمد بن علي بن خضر الغساني، المشتهر بابن عسكر 1/ 217
محمد بن علي بن شهراسوب السروري 1/ 220
محمد بن علي بن علي بن علي، أبو طالب، مهذب الدين، المعروف بابن الخيمي 1/ 213
محمد بن عمر بن الحسين الرازي الشافعي 1/ 120
محمد بن القاسم بن محمد بن بشار الأنباري 1/ 185
محمد بن كعب بن سليم القرظي 1/ 171
محمد بن مبارك شاه بن محمد الهروي الرومي الحنفي، حكيم شاه القزويني 1/ 223
محمد بن محمد بن علي البلبيسي المعروف بابن العماد 1/ 230
محمد بن محمد بن محمد بن علي الجزري 1/ 136
ص: 451
محمد بن محمد بن محمد الغزالي 1/ 29
محمد بن محمود بن الحسن ابن النجار 1/ 397
محمد بن المستنير بن أحمد اللغوي 1/ 34
محمد بن مسلم بن عبد اللّه بن شهاب الزهري 1/ 134
محمد بن المطهر بن يحيى بن المرتضى 1/ 227
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر الأزدي المبرد 2/ 128
محمد بن يزيد بن عبد الأكبر المبرد البصري 1/ 140
محمد بن يزيد بن ماجة القزويني 1/ 172
محمد بن يوسف بن علي بن سعيد الكرماني البغدادي 1/ 212
محمود بن أبي الحسن بن الحسين النيسابوري الغزنوي، الملقب بيان الحق 1/ 225
محمود بن حمزة بن نصر الكرماني، المعروف بتاج القراء 1/ 304
محمود بن حمزة بن نصر الكرماني 1/ 207
محيي الدين يحيى بن شرف بن مري النووي 1/ 272
مخرمة بن نوفل بن أهيب بن عبد مناف 1/ 71
مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي المقدسي الحنبلي 1/ 232
مسروق بن الأجدع بن مالك بن أمية الهمداني 2/ 241
مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري 1/ 87
مصطفى بن عبد اللّه كاتب جلبي، يعرف بحاجي خليفة 1/ 150
مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار 1/ 73
معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس بن عائذ الأنصاري 1/ 73
معمر بن راشد الأزدي البصري، أبو عروة 1/ 114
معمر بن المثنى التيمي 1/ 35
معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي 1/ 68
المغيرة بن شعلة بن أبي عامر بن مسعود 1/ 68
ص: 452
مقاتل بن سليمان بن كثير البلخي 1/ 144
المقوقس ملك مصر 1/ 91
مكي بن أبي طالب حموش بن محمد القيسي القيرواني 1/ 204
منتجب بن أبي العز بن رشيد الهمداني 1/ 211
المنهال بن عمرو الأسدي 2/ 285
موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي 1/ 83
موفق الدين عبد اللّه بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي 1/ 397
ميمون بن قيس بن جندل بن شراحيل 2/ 138
نافع أبو عبد اللّه القرشي، مولى ابن عمر و راويته 1/ 84
نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني 1/ 138
النجاشي ملك 1/ 91
نصر بن عاصم بن عمرو بن خالد الليثي البصري 2/ 129
نفيع بن الحارث بن كلدة بن عمرو، المعروف بأبي بكرة الثقفي 2/ 321
هارون بن المهدي محمد بن المنصور 1/ 116
هبة اللّه بن سلامة بن نصر الضرير المقرئ 1/ 223
هبة اللّه بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة اللّه الجهني الحموي، 1/ 227
هرقل عظيم الروم 1/ 91
هشام بن حسان الأزدي 1/ 254
هشام بن حكيم بن حزام بن خويلد الأسدي 2/ 313
هشام بن عروة بن الزبير بن العوام 1/ 107
هشام بن عمار بن نصير بن ميسرة السلمي الظفري 1/ 189
هشام بن يوسف الصنعاني، من أقران عبد الرزاق 1/ 253
هشيم بن بشير بن القاسم بن دينار السلمي 1/ 138
هند بنت أبي أمية بن المغيرة القرشية المخزومية 1/ 81
ص: 453
هوذة 1/ 92
واثلة بن الأسقع بن كعب الليثي 1/ 320
واصل بن عطاء أبو حذيفة المخزومي 1/ 143
وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي الكوفي 1/ 421
وهب بن عبد اللّه السوائي 1/ 82
وهب بن منبه بن كامل اليماني الصنعاني 1/ 65
ياقوت بن عبد اللّه الرومي الحموي 1/ 148
يحيى بن الحارث بن عمرو بن يحيى الغساني الذماري 2/ 146
يحيى بن سعدون بن تمام الأزدي القرطبي 1/ 36
يحيى بن سعيد بن فروخ التميمي القطان 2/ 288
يحيى بن عبد اللّه بن عبد الملك الواسطي 1/ 227
يحيى بن علي بن محمد الشيباني التبريزي 1/ 210
يحيى بن معين بن عون الغطفاني 1/ 254
يحيى بن يعمر البصري العدواني 1/ 124
يزيد بن صخر بن حرب بن أمية 1/ 61
يزيد بن القعقاع، أبو جعفر المدني المخزومي 2/ 251
يزيد بن هارون بن زاذان السلمي 2/ 71
يعقوب بن أحمد بن محمد الصيرفي النيسابوري 1/ 345
يعقوب بن إسحاق بن زيد الحضرمي 2/ 251
يعقوب بن إسحاق بن السكيت النحوي المؤدب 1/ 179
يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي 1/ 79
يوسف بن علي بن جبارة بن المغربي المتكلم النحوي 1/ 216
يونس بن حبيب الضبي 1/ 75
يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة بن حفص الصدفي 1/ 266
ص: 454
ص: 455
ص: 456
فهرس المصادر و المراجع 1- (أبجد العلوم): لصديق حسن القنوجي، أعده للنشر و وضع فهارسه: عبد الجبار زكار، منشورات وزارة الثقافة و الإرشاد القومي، دمشق 1978 م.
2- (إتحاف البررة بالمتون العشرة)، تحقيق و تصحيح: أبو الحسن الأعظمي، المكتبة الإمدادية، مكة، 1404 ه.
3- (إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين): لمحمد بن محمد الحسيني الزبيدي ت (1205 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، 1409 ه.
4- (إتحاف فضلاء البشر بالقراءات الأربعة عشر): لأحمد بن محمد البنا، تحقيق الدكتور شعبان محمد إسماعيل، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1407 ه.
5- (الإتقان في علوم القرآن): للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت (911 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة المشهد الحسيني، القاهرة، مصر.
أخرى: تقديم و تعليق الدكتور مصطفى أديب البغا، دار ابن كثير، دمشق، بيروت ط 1، 1407 ه.
9- (أثر التطور الفكري في التفسير في العصر العباسي): للدكتور
ص: 457
مساعد مسلم آل جعفر، مؤسسة الرسالة، ط 1، 1405 ه.
7- (الإحاطة في أخبار غرناطة): لسان الدين الخطيب، تحقيق محمد عبد اللّه عنان، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 1، 1393 ه.
أخرى: نشر دار المعارف، مصر، القاهرة.
8- (الأحرف السبعة للقرآن)
: لأبي عمرو الداني ت (444 ه)، تحقيق الدكتور عبد المهيمن طحان، مكتبة المنارة، مكة، ط 1، 1408 ه.
9- (الأحرف السبعة و منزلة القراءات منها): للدكتور حسن ضياء الدين عتر، دار البشائر الإسلامية، ط 12، 1409 ه.
10- (الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان): لعلي بن بلبان الفارسي ت (739 ه)، قدم له و ضبط نصه كمال يوسف الحوت، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1407 ه.
أخرى: (صحيح ابن حبان) تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر.
11- (الإحكام في أصول الأحكام): لعلي بن محمد الآمدي، تحقيق سيد الجميلي، دار الكتاب العربي، بيروت.
12- (أحكام القرآن): لأبي بكر محمد بن عبد اللّه بن العربي
ص: 458
ت (543 ه)، تحقيق: علي محمد البجاوي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، مصر.
أخرى تحقيق: محمد عطا 14080 ه.
13- (أحكام القرآن): لإلكيا الهراسي الطبري، ت (504 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت ط 1، 1403 ه.
14- (إحياء علوم الدين): لأبي حامد محمد بن أحمد الغزالي ت (505 ه)، دار المعرفة، بيروت، 1403 ه.
15- (اختلاف المفسرين، أسبابه و آثاره): للدكتور سعود بن عبد اللّه الفنيسان، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين الرياض.
16- (أخلاق أهل القرآن): لأبي بكر محمد بن الحسين الآجري، حققه و خرج أحاديثه محمد بن عمر بن عبد اللطيف، إشراف المكتب السلفي لتحقيق التراث، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1406 ه.
17- (أدب الإملاء و الاستملاء): لعبد الكريم بن محمد السمعاني، ت (562 ه) دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1401 ه. علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 459 فهرس المصادر و المراجع ..... ص : 455
- (أدب الدنيا و الدين): لأبي الحسن الماوردي، شرح و تعليق محمد كريم راجح، دار اقرأ، ط 4، 1405 ه.
ص: 459
19- (الأذكار النووية) لمحيي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، حققه و خرج أحاديثه و علق عليه: عبد القادر أرناؤوط، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية و الإفتاء و الدعوة و الإرشاد، الرياض.
20- (إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول): لمحمد بن علي الشوكاني ت (1255 ه) دار الفكر، بيروت.
21- (أزهار الرياض في أخبار عياض): للمقري تحقيق مصطفى السقا و آخرين، القاهرة، 1393 ه.
22- (أساس البلاغة): لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري، دار صادر، بيروت، 1399 ه.
أخرى: دار المعرفة، بيروت.
23- (أسباب اختلاف المفسرين) للدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، مكتبة العبيكان، الرياض، ط 1، 1416 ه.
24- (أسباب النزول): لعلي بن أحمد الواحدي، ت (468 ه)، تحقيق السيد صقر، القاهرة، 1389 ه.
25- (الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار): لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري ت (463 ه)، تحقيق: علي النجدي ناصف، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1393 ه.
ص: 460
أخرى: وثق أصوله و خرّج نصوصه، و رقمها و قنن مسائله و صنع فهارسه الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي. دار قتيبة، دمشق، و دار الوعي، حلب، ط 1، 1414 ه.
26- (الاستيعاب في معرفة الأصحاب) لأبي عمر يوسف بن عبد اللّه بن محمد بن عبد البر النمري، ت (463 ه)، بهامش الإصابة لابن حجر، مطبعة السعادة، مصر، ط 1، 1328 ه.
27- (أسد الغابة في معرفة الصحابة) لعلي بن أبي الكرم محمد ابن محمد المعروف بابن الأثير ت (606 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان.
28- (أسرار البلاغة في علم البيان): لعبد القاهر الجرجاني ت (471 ه)، تحقيق و تعليق: محمد رشيد رضا، دار المطبوعات العربية.
29- (الأسماء و الصفات): لأحمد بن حسين بن علي البيهقي ت (458 ه).
30- (الإصابة في تمييز الصحابة): للحافظ أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني ت (852 ه)، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر، ط 1، 1328 ه.
31- (أصول التفسير و قواعده): لخالد العك، دار النفائس، بيروت، ط 2، 1406 ه.
ص: 461
32- (أصول الدين): لعبد القاهر بن طاهر الجرجاني، نشر و طبع مدرسة الإلهيات، دار الفنون، استنبول، تركيا، ط 1، 11346 ه.
33- (الأصول في علم الأصول»: لمحمد بن صالح بن عثيمين، دار ابن القيم، ط 1، 1409 ه.
34- (الأعلام) [قاموس تراجم لأشهر الرجال و النساء من العرب و المستعربين و المستشرقين]: لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط 5، 1980 م.
35- (أعلام الموقعين عن رب العالمين): لابن القيم، تحقيق عبد الرءوف سعد، مطبعة شقرون، القاهرة، نشر مكتبة الكليات الأزهرية 1388 ه.
36- (الأغاني): لأبي الفرج الأصفهاني ت (356 ه)، شرحه و كتب هوامشه الأستاذ: عبد، و الأستاذ علي مهنا، و الأستاذ: سمير جابر، دار الفكر، بيروت ط 1، 1407 ه.
أخرى: دار الكتب المصرية، القاهرة، 1923 م.
37- (الإمام ابن كثير المفسر): لمطر بن أحمد الزهراني، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، 1403 ه.
38- (إنباه الرواة على أنباء النحاة): للقفطي ت (646 ه) تحقيق أبو الفضل إبراهيم، دار الكتب المصرية، ط 1، 1950 م.
ص: 462
39- (إنباء الغمر بأبناء العمر): لابن حجر العسقلاني، ت (852 ه)، راجعه الدكتور محمد عبد المعيد خان، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 2، 1406 ه.
40- (الانتصار لصحة نقل القرآن): لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني، مخطوط، مكتبة قرة مصطفى بايزيد، استنبول.
41- (الأنساب): لعبد الكريم بن محمد السمعاني ت (562 ه)، مصورة عن طبعة ليدن 1312 م، مكتبة المثنى، بغداد 1970 م.
أخرى: تقديم و تعليق/ عبد اللّه عمر البارودي، دار الجنان، بيروت، لبنان، ط 1، 1408 ه.
42- (أوصاف الناس في التواريخ و الصلات): لسان الدين ابن الخطيب، تحقيق: محمد كمال شبانة، لجنة نشر التراث الإسلامي.
43- (الإيضاح في علوم البلاغة): للخطيب القزويني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 ه.
44- (الإيضاح لناسخ القرآن و منسوخه): لأبي محمد مكي بن أبي طالب القيسي، تحقيق الدكتور أحمد حسن فرحات، دار المنارة، جدة، ط 1، 1406 ه.
45- (إيضاح المكنون في الذيل على كشف الظنون): لإسماعيل باشا البغدادي، دار الفكر، بيروت 1402 ه.
ص: 463
46- (إيضاح الوقف و الابتداء في كتاب اللّه عز و جل): تأليف أبي بكر محمد بن القاسم بن بشار الأنباري النحوي ت (328 ه)، تحقيق: محي الدين عبد الرحمن رمضان، مجمع اللغة العربية بدمشق، 1390 ه.
47- (بدائع الزهور في وقائع الدهور): لمحمد بن أحمد بن إياس ت (930 ه)، نشر مصر و استنبول، 1932 م.
48- (البداية و النهاية): للحافظ عماد الدين إسماعيل بن كثير ت (774 ه)، مكتبة المعارف، بيروت، ط 5، 1984 م.
49- (البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع): لمحمد بن علي الشوكاني ت (1250 ه) مطبعة السعادة، القاهرة، ط 1، 1348 ه.
50- (بديع القرآن): لابن أبي الأصبع المصري ت (654 ه)، تحقيق حفني محمد شرف، دار النهضة، ط 2، مصر، القاهرة.
51- (البرهان في تناسب سور القرآن): لأحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي ت (708 ه)، تقديم و تحقيق الدكتور سعيد الفلاح، الجامعة الزيتونية للشريعة و أصول الدين بتونس، 1408 ه، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
52- (البرهان في علوم القرآن): لبدر الدين محمد بن بهادر الزركشي ت (794 ه) تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر، ط 3، 1400 ه.
ص: 464
53- (بشير اليسر شرح ناظمة الزهر للإمام الشاطبي): لعبد الفتاح القاضي، المكتبة المحمودية التجارية، 1971 م.
54- (بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز): لمحمد بن يعقوب بن الفيروزآبادي ت (817 ه) تحقيق: عبد العليم الطحاوي، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان.
55- (البغوي الفراء و تفسيره للقرآن الكريم): للدكتور محمد إبراهيم شريف، ط 1، 1406 ه.
56- (البغوي و منهجه في التفسير): لعفاف عبد الغفور حميد، دار الفرقان للنشر و التوزيع و عمان، الأردن، 1402 ه.
57- (بغية الملتمس في تاريخ رجال الأندلس): لابن عميرة الضبي، القاهرة، 1967 م.
أخرى: مدريد: 1882 م.
58- (بغية الوعاة في طبقات اللغويين و النحاة): لجلال الدين السيوطي ت (911 ه)، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، مصر، ط 1، 1964 ه.
أخرى: المكتبة العصرية، بيروت، لبنان.
59- (البيان في مباحث من علوم القرآن) لعبد الوهاب الغزلان، دار
ص: 465
التأليف، القاهرة.
60- (تاج العروس من جواهر القاموس) لمحمد مرتضى الزبيدي، مكتبة الحياة، مصورة عن ط 1، 1306 ه.
أخرى: تصدرها وزارة الإرشاد و الأنباء بدولة الكويت، تحقيق و مراجعة مجموعة من العلماء، 1386 ه.
61- (تاج التراجم): لقاسم بن قطلوبغا ت (879 ه)، تحقيق محمد خير يوسف، دار القلم، دمشق، ط 1، 1413 ه.
62- (تاريخ الأدب العربي) لكارل بروكلمان، ترجمة: عبد الحليم نجار، دار المعارف
63- (تاريخ بغداد) لأبي بكر بن الخطيب البغدادي، ت (463 ه) دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان.
64- (تاريخ التراث العربي): لفؤاد سيزكين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
65- (تاريخ التفسير): لقاسم القيسي، مطبعة المجمع العلمي العراقي، 1385 ه.
66- (تاريخ جرجان): لحمزة بن يوسف السهمي ت (427 ه)، مراقبة: محمد عبد المنعم خان، دار عالم الكتب، بيروت، 1401 ه.
ص: 466
67- (تاريخ الخط العربي و آدابه): لمحمد طاهر بن عبد القادر الكردي، ط 2، 1402 ه.
68- (تاريخ ابن خلدون) [كتاب: العبر و ديوان المبتدأ و الخبر ...]:
لعبد الرحمن ابن خلدون ت (808 ه)، مؤسسة جمال، بيروت، لبنان، 1399 ه.
69- (تاريخ علوم القرآن حتى نهاية القرن الخامس الهجري):
لأحسن محمد أشرف الدين، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 1405 ه.
70- (تاريخ قضاة الأندلس): لعلي بن عبد اللّه النباهي، تحقيق:
بروفنسال، دار الكتاب المصري، 1948 م.
71- (التاريخ الكبير) لأبي عبد اللّه إسماعيل بن إبراهيم البخاري ت (256 ه) مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
72- (تاريخ مدينة دمشق) لابن عساكر. مخطوط، اهتم بنشره و وضع الفهارس، دار الفكر، دمشق.
73- (التبصرة في القراءات السبع): لمكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) اعتنى بتصحيحه و التعليق عليه: محمد غوث الندوي، الدار السلفية، الهند.
74- (التبيان في آداب حملة القرآن) لمحي الدين أبي زكريا النووي
ص: 467
ت (676 ه) اعتنى به و فهرسه: محي الدين الشامي، مؤسسة التقويم الإسلامي، بيروت، لبنان، ط 1، 1407 ه.
5 خرى: تحقيق السيروان، دار النفائس، بيروت.
75- (التبيان لبعض المباحث المتعلقة بالقرآن على طريقة الإتقان):
للشيخ طاهر الجزائري الدمشقي، ت (1338 ه)، اعتنى به عبد الفتاح أبو غده، مكتبة المطبوعات الإسلامية، حلب ط 3، 1412 ه.
76- (التحبير في علم التفسير): لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه) حققه و قدم له: الدكتور فتحي عبد القادر فريد، دار العلوم، الرياض، 1402 ه.
77- (تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي): لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه)، حققه: عبد الوهاب عبد اللطيف، المكتبة العلمية، المدينة المنورة، ط 1، 1379 ه. و ط 2، 1385 ه دار الكتب الحديثة.
78- (التذكار في أفضل الأذكار): لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد القرطبي ت (671 ه)، حققه و خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناءوط، مكتبة دار البيان، ط 2، دمشق، 1399 ه.
79- (تذكرة الحفاظ) لأبي عبد اللّه شمس الدين محمد الذهبي ت (748 ه) دار إحياء التراث العربي.
ص: 468
80- (التراتيب الإدارية، نظام الحكومة النبوية): لعبد الحي الكتاني، نشر: حسن جعنا، بيروت.
81- (ترتيب المدارك و تقريب المسالك لمعرفة مذهب الإمام مالك):
للقاضي عياض بن موسى بن عياض اليحصبي ت (544 ه)، تحقيق الدكتور أحمد بكير محمود، دار مكتبة الحياة، بيروت، لبنان، 1387 ه.
82- (الترغيب و الترهيب من الحديث الشريف): لأبي محمد زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ت (656 ه) حققه و فصله و علق حواشيه: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، القاهرة، ط 1، 1379 ه.
83- (التعارض و الترجيح بين الأدلة الشرعية) للشيخ عبد اللطيف البرزنجي ت (1415 ه) مطبعة العاني، العراق، ط 1، 1408 ه.
84- (التعريفات): لعلي بن محمد السيد الحسيني الجرجاني، تحقيق و تعليق الدكتور عبد الرحمن عميرة، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1407 ه.
85- (تفاسير آيات الأحكام) للدكتور علي بن سليمان العبيد، رسالة دكتوراه، كلية أصول الدين بالرياض، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
86- (تفسير الآلوسي) «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم و السبع المثاني»: لأبي الفضل شهاب الدين السيد محمود الآلوسي
ص: 469
ت (1270 ه)، إدارة الطباعة المنيرية، مصر.
87- (تفسير البغوي) «معالم التنزيل»: لأبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي ت (516 ه)، حققه و خرج أحاديثه محمد عبد اللّه النمر، و عثمان ضميرية، و سليمان الحرش، دار طيبة للنشر، الرياض، 1409 ه.
88- (تفسير الثعالبي) الموسوم: الجواهر الحسان في تفسير القرآن، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، لبنان.
89- (تفسير ابن جزي الكلبي) «تسهيل السبيل لعلوم التنزيل»:
لمحمد بن أحمد بن جزي الكلبي، تحقيق: محمد عبد المنعم اليونسي، و إبراهيم عطوة عوض، دار الكتب الحديثة، القاهرة.
90- (تفسير ابن الجوزي) «زاد المسير في علم التفسير»:
لعبد الرحمن بن الجوزي ت (596 ه)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1384 ه.
91- (تفسير أبي حيان) (البحر المحيط) لأبي عبد اللّه محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي (654 ه)، بعناية الشيخ عرفان العشا حسونة، دار الفكر، بيروت، لبنان، 1412 ه.
أخرى: تحقيق و تقديم و تعليق الدكتور عبد السميع محمد حسنين، ط 1 1413 ه.
92- (تفسير الخازن) «لباب التأويل في معاني التنزيل»: لعلي بن
ص: 470
محمد البغدادي المشهور بالخازن، ت (725 ه)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 3، 1375 ه.
93- (تفسير الرازي) «مفاتيح الغيب»: لأبي عبد اللّه محمد بن عمر المعروف بالفخر الرازي ت (606 ه)، المطبعة البهية المصرية.
94- (تفسير الزمخشري) «الكشاف عن حقائق التنزيل و عيون الأقاويل في وجوه التأويل»: لمحمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، ت (538 ه) دار المعرفة، بيروت.
95- (تفسير السمرقندي): لأبي الليث السمرقندي، تحقيق علي محمد عوض، و عادل أحمد عبد الموجود، و زكريا عبد المجيد النوتي، دار الكتب العربية، بيروت، 1413 ه.
أخرى: تحقيق صالح يحيى صواب، رسالة دكتوراه، كلية أصول الدين بالرياض، 1416 ه.
96- (تفسير الطبري) «جامع البيان عن تأويل آي القرآن»: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت (310 ه) مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 3، 1388 ه.
أخرى: تحقيق محمود و أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر، ط 1، 1374 ه.
97- (تفسير ابن عاشور) «التحرير و التنوير»: لمحمد الطاهر بن
ص: 471
عاشور، الدار التونسية للنشر، تونس 1984 م.
98- (تفسير عبد الرزاق) «تفسير القرآن العزيز»: لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ت (211 ه)، تحقيق الدكتور عبد المعطي قلعجي، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1411 ه.
أخرى: تحقيق الدكتور مصطفى مسلم محمد، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1411 ه.
99- (تفسير ابن عطية) «المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز»:
لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية ت (546 ه)، تحقيق و تعليق:
الرحالي الفاروق، و عبد اللّه الأنصاري، و السيد عبد العال إبراهيم، و محمد الشافعي العناني، الدوحة، ط 1، 1389 ه.
أخرى: تحقيق: المجلس العلمي بفاس، الناشر: وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية بالمملكة المغربية، ط 2، 1403 ه.
100- (تفسير القرطبي) «الجامع لأحكام القرآن»: لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد القرطبي ت (671 ه) دار الكاتب العربي، القاهرة، مصورة عن طبعة دار الكتب، 1387 ه.
101- (تفسير ابن كثير) «تفسير القرآن العظيم»: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير ت (774 ه)، تحقيق: د/ محمد إبراهيم البنا، و محمد أحمد عاشور، و عبد العزيز غنيم، دار الشعب، القاهرة، مصر.
ص: 472
102- (تفسير الماوردي) «النكت و العيون»: لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي ت (450 ه)، راجعه و علق عليه: السيد بن عبد المقصود، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت.
أخرى: تحقيق الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشائع، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، كلية أصول الدين.
أخرى: تحقيق خضر محمد خضر، راجعه عبد الستار أبو غده، نشر وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية، الكويت، ط 1، 1402 ه.
103- (تفسير الواحدي) «الوسيط في تفسير القرآن المجيد»: لعلي بن أحمد الواحدي، ت (468 ه)، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، و علي محمد معوض، و أحمد محمد صيره، و أحمد عبد الغني الجمل. و عبد الرحمن عويس. دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1415 ه.
104- (التفسير و رجاله): لمحمد الفاضل بن عاشور، دار الكتب الشرقية، تونس، ط 2، 1972 م.
105- (التفسير و المفسرون): لمحمد حسين الذهبي، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط 2، 1396 ه.
106- (تقريب التهذيب): لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت (773 ه)، حققه و علق حواشيه: عبد الوهاب بن عبد اللطيف، دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1395 ه.
ص: 473
107- (تقييد العلم): للخطيب البغدادي، ت (463 ه)، تحقيق يوسف العش، دار إحياء السنة النبوية، ط 2، 1974 ه.
108- (التكملة و الصلة): لمحمد بن عبد اللّه القضاعي، المعروف بابن الأبار، تحقيق: السيد عزت العطار الحسيني، مكتبة الخانجي، مطبعة السعادة، 1375 ه.
109- (التكملة لوفيات النقلة): إملاء الحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ت (656 ه)، علق عليه: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1981 م.
110- (التلخيص في علوم البلاغة): لمحمد بن عبد الرحمن القزويني الخطيب، ضبط و شرح عبد الرحمن البرقوقي، دار الكتاب العربي، بيروت.
111- (تلخيص المستدرك) للحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت (748 ه) بهامش المستدرك للحاكم، مكتب المطبوعات الإسلامية، حلب.
112- (التمهيد لما في الموطأ من المعاني و الأسانيد) لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري، تحقيق مجموعة من الباحثين، وزارة الأوقاف و الشئون الإسلامية بالمغرب، ط 2، 1405 ه.
أخرى: تحقيق مجموعة من الباحثين، توزيع مكتبة السوادي.
113- (تناسق الدرر في تناسب السور): لجلال الدين عبد الرحمن
ص: 474
بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه)، تحقيق عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1406 ه.
114- (التنبيه على فضل علوم القرآن): لأبي القاسم الحسن بن محمد بن حبيب النيسابوري، ت (406 ه) تحقيق محمد عبد الكريم كاظم، وزارة الثقافة و الإعلام في بغداد، ضمن مجلة المورد، المجلد السابع عشر، العدد الرابع، 1409 ه.
115- (تهذيب تاريخ دمشق) لعبد القادر بدران
116- (تهذيب السيرة النبوية لابن هشام): لعبد السلام هارون، دار البحوث العلمية، الكويت، ط 5، 1397 ه.
117- (تهذيب التهذيب): لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت (852 ه)، مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد، الدكن، ط 1، 1325 ه.
118- (تهذيب الكمال في أسماء الرجال): لجمال الدين أبي الحجاج يوسف المزي ت (742 ه)، قدم له و علق عليه: بشار عواد معروف، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، ط 2، 1403 ه.
119- (تهذيب اللغة): لأبي منصور محمد الأزهري ت (370 ه) تحقيق عبد السلام هارون، و آخرين، وزارة الثقافة المصرية 1384 ه.
أخرى: تحقيق عبد السلام هارون، و محمد علي النجار، الدار المصرية
ص: 475
للتأليف و الترجمة.
120- (التيسير في القراءات السبع): لأبي عمرو الداني ت (444 ه)، تصحيح أوتو برتزل، مطبعة الدولة استانبول، 1930 م.
121- (التيسير في قواعد علم التفسير): لمحمد بن سليمان الكافيجي ت (879 ه)، تحقيق: ناصر بن محمد المطرودي، دار الرفاعي للنشر و التوزيع، الرياض، ط 1، 1410 ه.
122- (الثقات): لمحمد بن حبان البستي ت (354 ه)، دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند، ط 1.
123- (الجامع لأخلاق الراوي و آداب السامع): للخطيب البغدادي، ت (463 ه) تحقيق الدكتور محمود الطحان، مكتبة المعارف، الرياض، 1403 ه.
124- (جامع بيان العلم و فضله، و ما ينبغي في روايته و حمله): لأبي عمر يوسف بن عبد البر النمري الأندلسي ت (463 ه) دار الطباعة المنيرية، مصر.
125- (الجامع لشعب الإيمان): لأحمد بن حسين البيهقي ت (458 ه)، تحقيق سعود بن سالم الدعجان [الشعبة التاسعة عشرة]، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
أخرى: كاملة تحقيق عبد العلي عبد الحميد حامد، الدار السلفية،
ص: 476
بومباي، الهند، ط 1، 1408 ه.
126- (جذوة المقتبس في ذكر ولاة الأندلس): للحميدي، الدار المصرية للتأليف و النشر و الترجمة، مصر، 1966 م.
127- (ابن جزي و منهجه في التفسير): لعلي بن محمد الزبيري، دار القلم، ط 1، 1407 ه.
128- (جمال القراء و كمال الإقراء): لعلم الدين علي بن محمد السخاوي ت (643 ه)، تحقيق الدكتور علي حسين البواب، مكتبة التراث، مكة، ط 1، 1408 ه.
129- (جمهرة اللغة): لمحمد بن عيسى بن دريد ت (321 ه)، مكتبة المثنى، بغداد، العراق.
130- (جوامع السيرة): لابن حزم الأندلسي.
131- (الجواهر المضية في طبقات الحنفية): لعبد القادر بن محمد بن أبي الوفاء القرشي ت (775 ه) مطبعة دائرة المعارف النظامية، حيدرآباد، الدكن، 1332 ه.
132- (الحاكم الجشمي و منهجه في تفسير القرآن): للدكتور عدنان زرزور، مؤسسة الرسالة للطباعة، بيروت، 1391 ه.
133- (الحجة في علل القراءات السبع) لأبي علي الحسن بن علي
ص: 477
الفارسي، تحقيق: علي النجدي ناصف و آخرون، الهيئة المصرية للكتاب، ط 2، 1403 ه.
134- (الحجة في القراءات السبع): لابن خالويه، تحقيق عبد العال سالم مدكور، دار الشروق، بيروت، ط 2، 1397 ه.
135- (حجة القراءات): لعبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، ط 4، بيروت، 1404 ه.
136- (الحجة في بيان المحجة لقوام السنة) إسماعيل بن محمد الطلحي، ت (535 ه) مخطوط، مكتبة أحمد الثالث، رقم (1395) استنبول، تركيا.
137- (حجة القراءات): لأبي زرعة عبد الرحمن بن محمد بن زنجلة، تحقيق سعيد الأفغاني، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1399 ه.
138- (حجية السنة): لمحمد بن محمد أبو شهبة، منشورات المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، أمريكا.
139- (حديث الأحرف السبعة): للدكتور عبد العزيز القارئ، دار النشر الدولي، الرياض، ط 1، 1412 ه.
140- (حرز الأماني و وجه التهاني في القراءات السبع): لقاسم بن فيرة بن خلف الشاطبي، ت (590 ه)، دار الكتاب النفيس، بيروت، ط 1، 1407 ه.
ص: 478
141- (حسن المحاضرة في أخبار مصر و القاهرة): لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه). تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار إحياء التراث العربي، القاهرة، ط 1، 1387 ه.
142- (حلية الأولياء و طبقات الأصفياء): لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني، ت (430 ه) دار الكتب العلمية، بيروت.
143- (خريدة القصر و جريدة العصر): للعماد الأصفهاني، مخطوط، رقم (4255) أدب، مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية.
144- (خزانة الأدب و لب لباب لسان العرب): لعبد القادر ابن عمر البغدادي ت (1093 ه) تحقيق عبد السلام هارون. مكتبة الخانجي، مصر.
145- (خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر): لمحمد أمين المحبي ت (1111 ه)، دار صادر، بيروت، لبنان.
146- (خلق أفعال العباد و الرد على الجهمية و أصحاب التعطيل):
للإمام البخاري، طالعه: أبو محمد الهاشمي، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، 1389 ه.
147- (الدارس في تاريخ المدارس): لعبد القادر النعيمي، مطبعة التركي، دمشق، 1948 م، نشر: جعفر الحسيني.
148- (دائرة المعارف المسماة: مقتبس الأثر و مجدد ما دثر): لمحمد
ص: 479
حسين شيخ سليمان الأعلمي، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، طهران، قم، ط 1، 1393 ه.
149- (دائرة المعارف الإسلامية): نقلها إلى العربية محمد ثابت القندي، و أحمد الشنتناوي، و إبراهيم بن زكي خورشيد، و عبد الحميد يونس، مصر 1957 م.
150- (دراسة تقويمية لكتاب مناهل العرفان للزرقاني): لخالد ابن عثمان السبت، رسالة ماجستير، الجامعة الإسلامية، بالمدينة المنورة، 1411 ه.
151- (دراسات في تاريخ الخط العربي): للمنجد.
152- (دراسات في التفسير الموضوعي): للشيخ زاهر بن عواض الألمعي، الرياض، ط 1، 1405 ه.
153- (دراسات في الحديث النبوي و تاريخ تدوينه): لمحمد مصطفى الأعظمي. توزيع دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية.
154- (دراسات في علوم القرآن): للدكتور فهد بن عبد الرحمن الرومي، مكتبة توبة، ط 1، 1413 ه.
155- (دراسات في علوم القرآن): لمحمد بكر إسماعيل، دار المنار، ط 1، 1411 ه.
ص: 480
156- (درة الحجال في أسماء الرجال): لابن القاضي المكناسي، تحقيق محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، مصر، 1390 ه.
157- (الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة): لأبي الفضل أحمد بن علي بن محمد بن حجر العسقلاني ت (852 ه)، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد الدكن، ط 1، 1348 ه.
أخرى: تحقيق محمد سيد جاد الحق، دار الكتب الحديثة، مصر 1385 ه.
158- (الدر المصون في علوم الكتاب المكنون): لأحمد بن يوسف السمين الحلبي، تحقيق: الدكتور أحمد بن محمد الخراط، دار القلم، بيروت، ط 1، 1406 ه.
159- (الدر المنثور في التفسير بالمأثور): لجلال الدين عبد الرحمن ابن أبي بكر السيوطي ت (911 ه)، المطبعة الميمنية، مصر، 1314 ه.
أخرى طبعة دار الفكر.
160- (الدر النظيم في فضائل القرآن و الآيات و الذكر الحكيم):
لعبد اللّه بن سعد اليافعي، مكتبة محمد أفندي حسن.
161- (دلائل النبوة) لأحمد بن الحسن البيهقي ت (458 ه) وثق نصوصه و خرج حديثه و علق عليه، الدكتور عبد المعطي القلعجي، دار الكتب العلمية، ط 1، 1405 ه.
ص: 481
162- (الدليل إلى كتابة البحوث الجامعية و رسائل الماجستير و الدكتوراة): تأليف: ل. ج. بيكفورد، ول. و. سمث، ترجمه إلى العربية الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، دار الشروق، جدة ط 1، 1401 ه.
163- (دليل الباحث في تنظيم كتابة البحوث الاجتماعية): للدكتور يحيى الحسن، الجامعة الأردنية، 1976 م.
164- (الديباج المذهب في معرفة أعيان المذهب): لإبراهيم بن علي بن محمد فرحون المالكي، تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور، مكتبة دار التراث، القاهرة.
أخرى: طبعة عباس بن عبد السلام شقرون، مصر، ط 1، 1351 ه.
165- (ديوان النابغة الذبياني): لزياد بن معاوية ت (18 ه) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف، القاهرة، 1397 ه.
166- (ذكر أخبار أصبهان): لأبي نعيم أحمد بن عبد اللّه الأصفهاني، طبعة ليدن، 1931 م.
167- (ذيل تذكرة الحفاظ للذهبي): لأبي المحاسن الحسيني، دار الكتب العلمية.
168- (الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب): لزين الدين عبد الرحمن بن شهاب الحنبلي، ت (795 ه). دار المعرفة، بيروت.
ص: 482
169- (الذيل و التكملة لكتابي الموصول و الصلة): للمراكشي، تحقيق الدكتور إحسان عباس، بيروت، 1964 م.
170- (الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة):
للكتاني، دار البشائر.
أخرى: تحقيق محمد المنتصر الكتاني، دمشق 1383 ه.
171- (رسم المصحف دراسة لغوية تاريخية) لغانم قدوري الحمد، نشر اللجنة الوطنية للاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري، الجمهورية العراقية، ط 1، 1402 ه.
172- (روضة الطالبين و عمدة المفتين): ليحيى بن شرف النووي ت (676 ه)، المكتب الإسلامي.
173- (روضة الناظر و جنة المناظر): لابن قدامة المقدسي، مكتبة المعارف، الرياض، ط 2، 1404 ه.
174- (زاد المعاد في هدي خير العباد): لابن القيم الجوزية ت (751 ه)، تحقيق: شعيب و عبد القادر الأرناءوط، مؤسسة الرسالة، و مكتبة المنار الإسلامية، بيروت، ط 1، 1399 ه.
175- (الزيادة و الإحسان في علوم القرآن): لابن عقيلة المكي، ت (1150 ه) تحقيق مجموعة من الباحثين في كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، رسائل ماجستير.
ص: 483
176- (سلسلة الأحاديث الضعيفة و الموضوعة): لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 4، 1398 ه.
177- (سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر): لمحمد خليل بن علي المرادي ت (1206 ه) دار ابن حزم، و دار البشائر، بيروت، ط 3، 1408 ه.
178- (السنة): لعبد اللّه بن أحمد بن حنبل، ت (290 ه)، تحقيق أبو هاجر محمد السعيد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 ه.
179- (السنة قبل التدوين): لمحمد عجاج الخطيب، القاهرة، مكتبة وهبة، ط 1، 1383 ه.
180- (السنن): لابن ماجة، محمد بن يزيد القزويني ت (275 ه) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر، بيروت، لبنان.
181- (السنن): لأبي داود، سليمان بن الأشعث الأزدي، ت (275 ه)، مراجعة و تعليق: محمد محي الدين عبد الحميد، دار إحياء السنن النبوية، بيروت.
182- (السنن): للترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي، ت (279 ه) تحقيق و تصحيح عبد الوهاب عبد اللطيف، دار الفكر، بيروت، ط 3، 1398 ه.
أخرى: تحقيق أحمد محمد شاكر، محمد فؤاد عبد الباقي، إبراهيم عطوة
ص: 484
عوض، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر، ط 2، 1402 ه.
183- (السنن): للدارقطني، لعلي بن عمر الدارقطني ت (385 ه)، تحقيق عبد اللّه هاشم يماني المدني، دار المحاسن، القاهرة.
184- (السنن): للدارمي، عبد اللّه بن عبد الرحمن الدارمي، ت (255 ه) تخريج و تحقيق و تعليق السيد عبد اللّه هاشم يماني المدني، نشر حديث أكاديمي، نشاطآباد، فيصل آباد، باكستان، 1404 ه.
185- (السنن الكبرى): لأحمد بن الحسين البيهقي ت (458 ه)، تصوير دار المعرفة، بيروت، لبنان، ط 1.
186- (السنن): لأحمد بن شعيب النسائي، ت (303 ه)، دار الفكر، بيروت، 1308 ه.
187- (سير أعلام النبلاء): لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت (748 ه)، أشرف على التحقيق، و خرج أحاديثه: شعيب الأرناءوط. مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1402 ه.
188- (السيرة الحلبية من إنسان العيون في سيرة الأمين المأمون):
لبرهان الدين الحلبي، المكتبة الإسلامية، بيروت
189- (السيرة الشامية) «سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد»:
لمحمد بن يوسف الصالحي ت (942 ه) تحقيق مصطفى عبد الواحد، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، 1394 ه.
ص: 485
190- (السيرة النبوية): لأبي الفداء إسماعيل بن كثير ت (774 ه) تحقيق: مصطفى عبد الواحد، نشر عيسى البابي الحلبي، القاهرة، 1384 ه.
191- (السيرة النبوية): لابن هشام، تحقيق مصطفى السقا و آخرين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ط 2، 1375 ه.
192- (السيوطي و جهوده في علوم القرآن): لعبد الحليم.
193- (شجرة النور الزكية في طبقات المالكية): لمحمد مخلوف التونسي، المكتبة السلفية بمصر، ط 1، 1349 ه
194- (شذرات الذهب في أخبار من ذهب): لعبد الحي بن العماد الحنبلي ت (1089 ه) دار إحياء التراث العربي، بيروت.
195- (شرح اعتقاد أهل السنة و الجماعة) للالكائي، تحقيق: أحمد سعد حمدان، دار طيبة، الرياض، ط 1.
196- (شرح السنة) للبغوي، الحسين بن مسعود البغوي، ت (516 ه) تحقيق شعيب الأرناءوط، و زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان، ط 2، 1403 ه.
197- (شرح الشفاء): لعلي القاري، بهامش نسخة الرياض من شرح شفاء القاضي عياض، لشهاب الدين الخفاجي، المطبعة الأزهرية، ط 1، 1327 ه.
ص: 486
198- (شرح الطحاوية): لصدر الدين أبي العز الحنفي، تحقيق:
أحمد شاكر، مطبوعات جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، 1396 ه.
199- (شرح الكواكب المنير): لمحمد بن أحمد الفتوحي، المعروف بابن النجار، تحقيق محمد الزحيلي، و نزيه حماد، جامعة أم القرى، ط 1، 1408 ه.
200- (شرح مختصر الروضة): لسليمان بن عبد القوي الطوفي، تحقيق الدكتور عبد اللّه بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1409 ه.
201- (شرح النووي على صحيح مسلم): لمحي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي، ت (676 ه)، دار الفكر و بيروت، لبنان، ط 3، 1398 ه.
202- (شرح معاني الآثار): لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي، ت (321 ه) تحقيق و تقديم: محمد سيد جاد الحق، مطبعة الأنوار المحمدية.
أخرى: تحقيق: محمد زهري النجار، دار الكتب العلمية ط 1.
203- (الشعر الجاهلي): لناصر الدين الأسد
204- (الشعر و الشعراء) المسمى «طبقات الشعراء»: لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة، حققه و ضبط نصه و راجعه الدكتور مفيد قميحة، و الأستاذ
ص: 487
نعيم زرزور، دار الكتب العلمية ط 2، 1405 ه.
205- (الشقائق النعمانية في علماء الدولة العثمانية): لطاش كبري زاده، ت (968 ه)، دار الكتاب العربي، بيروت، 1395 ه.
206- (الصاحبي): لأحمد بن فارس بن زكريا، ت (395 ه) تحقيق السيد أحمد صقر، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة.
207- (صبح الأعشى في صناعة الإنشا): لأحمد بن علي القلقشندي، ت (821 ه) شرحه و علق عليه محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1407 ه.
أخرى: الهيئة المصرية للكتاب و مركز تحقيق التراث.
208- (الصحاح): لإسماعيل بن حماد الجوهري، ت (393 ه) تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، القاهرة ط 2، 1402 ه.
209- (صحيح البخاري): لأبي عبد اللّه محمد بن إسماعيل البخاري، المكتبة الإسلامية، تركيا.
210- (صحيح الجامع الصغير) «الفتح الكبير»: تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1399 ه.
211- صحيح ابن حبان الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان.
212- (صحيح ابن خزيمة) لأبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة،
ص: 488
ت (3110 ه) تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت.
213- (صحيح مسلم): لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، تصحيح و تعليق محمد فؤاد عبد الباقي، نشر: الرئاسة العامة لإدارات البحوث و الإفتاء و الدعوة و الإرشاد، في المملكة العربية السعودية.
214- (صفوة الصفوة): لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، ت (597 ه) مطبعة دار المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند، ط 1، 1355 ه.
215- (الصلة) لابن بشكوال، تحقيق عزت العطار، مطبعة السعادة، مصر، 1955 م.
216- (الصواعق المرسلة على الجهمية و المعطلة): لابن قيم الجوزية، ت (751 ه)، تحقيق الدكتور علي الدخيل اللّه، دار العاصمة، الرياض.
217- (صيد الخاطر): لابن الجوزي، دار الفكر، بيروت، 1399 ه.
218- (الضعفاء الصغير): لمحمد بن إسماعيل البخاري، ت (256 ه)، تحقيق بدران الفنادي، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1404 ه.
219- (الضعفاء الكبير): لأبي جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي، ت (322 ه) تحقيق: عبد المعطي قلعجي، دار الكتب العلمية،
ص: 489
بيروت، ط 2، 1399 ه.
220- (الضعفاء و المتروكين) لعلي بن عمر الدارقطني، ت (385 ه)، دراسة و تحقيق، موفق بن عبد اللّه بن عبد القادر، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1404 ه.
221- (الضعفاء و المتروكين): لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، ت (303 ه)، تحقيق مركز الخدمات و الأبحاث الثقافية، بوران الضناوي، و كمال يوسف الحوت، مؤسسة الكتب الثقافية، ط 1، 1405 ه.
222- (ضعيف الجامع الصغير) تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1399 ه.
223- (الضوء اللامع لأهل القرن التاسع): لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، ت (302 ه)، مكتبة القدس، القاهرة، 1353 ه.
224- (الطبقات): لخليفة بن خياط، ت (240 ه)، تحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري، دار طيبة، الرياض، ط 2، 1402 ه.
225- (طبقات الحفاظ): لعبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت (911 ه)، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1403 ه.
226- (طبقات الحنابلة): لأبي الحسين محمد بن أبي يعلى، تصحيح: محمد حامد الفقي، مطبعة السنة المحمدية، القاهرة، 1370 ه.
ص: 490
227- (الطبقات السنية في تراجم الحنفية): لتقي الدين بن عبد القادر التميمي، ت (1005 ه)، تحقيق الدكتور عبد الفتاح الحلو، دار الرفاعي للنشر، الرياض ط 1، 1403 ه.
228- (طبقات الشافعية): للأسنوي، جمال الدين عبد الرحيم بن الحسن، ت (772 ه)، تحقيق عبد اللّه الجبوري، مطبعة الإرشاد، بغداد، ط 1، 1390 ه.
229- (طبقات الشافعية) للسبكي، تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن علي ت (771 ه) تحقيق عبد الفتاح الحلو، و محمود محمد الطناحي، مطبعة عيسى البابي الحلبي، ط 1، 1385.
230- (طبقات الشافعية): لابن قاضي شهبة، أحمد بن محمد ت (851 ه) تصحيح و تعليق: الدكتور عبد العليم خان، عالم الكتب، بيروت، لبنان، ط 1، 1407 ه.
231- (الطبقات الكبرى): لمحمد بن سعد ت (230 ه)، دار بيروت للطباعة و النشر، بيروت 1400 ه.
أخرى: عنى بتصحيحه و طبعه أدوار سنو- مصورة عن طبعة بريل- مطبعة ليدن- عام 1321 ه.
232- (الطبقات الكبرى) لعبد الوهاب الشعراني، دار الفكر العربي، القاهرة.
ص: 491
233- (طبقات المفسرين) لمحمد بن علي الداودي ت (945 ه)، تحقيق علي محمد عمر و مطبعة الاستقلال الكبرى، الناشر: مكتبة وهبة، ط 1، 1392 ه.
أخرى: راجعها لجنة من العلماء بإشراف الناشر، دار الكتب العلمية، بيروت، توزيع دار الباز، مكة المكرمة.
234- (طبقات المفسرين): لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه)، تحقيق يحيى بن محمد عمر، مطبعة الحضارة العربية، القاهرة ط 1، 1396 ه.
235- (طبقات النحويين و اللغويين): لمحمد بن الحسن بن عبد اللّه الزبيدي ت (379 ه) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1373 ه.
236- (طيبة النشر): لابن الجزري.
237- (العبر في خبر من غبر): لشمس الدين الذهبي ت (478 ه) تحقيق الدكتور صلاح الدين المنجد، إدارة المطبوعات و النشر، الكويت.
238- (العز بن عبد السلام، حياته و آثاره، و منهجه في التفسير):
للدكتور عبد اللّه الوهيبي.
239- (العقد الفريد): لأحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي، تحقيق الدكتور مفيد محمد قميحة، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1404 ه.
ص: 492
240- (العقل و فهم القرآن): للحارث بن أسد المحاسبي، تحقيق حسين القوتلي، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1398 ه.
241- (العقيدة السلفية في كلام رب البرية و كشف أباطيل المبتدعة الردية): لعبد اللّه بن يوسف الجديع، ط 1، 1408 ه.
242- (العلل المتناهية في الأحاديث الواهية): لابن الجوزي، تحقيق إرشاد الحق الأثري، باكستان، ط 2، 1401 ه.
243- (العلم) لأبي خيثمة.
244- (علوم الحديث): لابن الصلاح، تحقيق الدكتور نور الدين عتر، حلب، 1386 ه.
245- (علوم القرآن): للدكتور رشدي عليان، و قحطان الدوري، و كاظم الراوي، وزارة التعليم العالي و البحث العلمي، العراق، 1980 م.
246- (عمدة القارئ شرح صحيح البخاري): لأبي محمد محمود ابن أحمد العيني، ت (855 ه)، دار إحياء التراث العربي،، بيروت، لبنان.
247- (عمل اليوم و الليلة): لأبي بكر بن السني، ت (364 ه) تحقيق و تعليق: عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الكليات الأزهرية، ط 1، 1389 ه.
248- (العواصم من القواصم): لأبي بكر بن العربي، تحقيق محب
ص: 493
الدين الخطيب، توزيع دار الإفتاء بالمملكة العربية السعودية، 1404 ه.
249- (عيون الأخبار): لعبد اللّه بن مسلم بن قتيبة الدينوري ت (276 ه) دار الكتب المصرية، القاهرة، 1348 ه.
250- (غاية النهاية في طبقات القراء): لابن الجزري، محمد بن محمد ت (833 ه) عني بنشره: ج. برجستراثر، دار الكتب العلمية، بيروت ط 2، 1400 ه.
251- (غريب الحديث): لأبي عبيد القاسم بن سلام ت (224 ه)، تحقيق عبد المعيد خان، دائرة المعارف العثمانية، الهند، ط 1، 1384 ه.
252- (الفائق في غريب الحديث) لجار اللّه الزمخشري، ت (583 ه) تحقيق علي محمد البجاوي، و محمد أبو الفضل إبراهيم، مطبعة عيسى البابي الحلبي، القاهرة، ط 2.
253- (فتح الباري بشرح صحيح البخاري): لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت (852 ه) بعناية الشيخ عبد العزيز بن باز، و محمد فؤاد عبد الباقي، و محب الدين الخطيب، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
254- (الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني):
لأحمد بن عبد الرحمن البنا، دار الشهاب، القاهرة.
255- (فتوح البلدان): لأحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، تحقيق
ص: 494
عبد اللّه أنيس الطباع، و عمر أنيس الطباع، مؤسسة المعارف، بيروت، 1407 ه.
256- (فصول في أصول التفسير): لمساعد بن سليمان الطيار، دار النشر الدولي، الرياض، ط 1، 1413 ه.
257- (فضائل القرآن) لأبي الفداء إسماعيل بن كثير ت (774 ه) دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1406 ه.
258- (فضائل القرآن و ما أنزل من القرآن بمكة و ما أنزل بالمدينة) لأبي عبد اللّه محمد بن أيوب بن الضريس ت (294 ه) تحقيق: غزوة بدير، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1408 ه.
259- (فضائل القرآن و معالمه و آدابه): لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، ت (224 ه) تحقيق: محمد نجاتي جوهري، رسالة ماجستير، جامعة الملك عبد العزيز، كلية الشريعة و الدراسات الإسلامية، 1393 ه.
أخرى تحقيق وهبي غاوجي، دار الكتب العلمية، بيروت ط 1، 1411 ه.
260- (فضائل القرآن و ما جاء فيه من الفضل و في كم يقرأ و السنة في ذلك): لأبي بكر جعفر بن محمد الفريابي ت (310 ه) تحقيق: عثمان فضل اللّه جبريل، مكتبة الرشد، ط 1، 1409 ه.
261- (فنون الأفنان في عيون علوم القرآن) لأبي الفرج بن الجوزي ت (597 ه) تحقيق الدكتور حسن ضياء الدين عتر، دار البشائر
ص: 495
الإسلامية، ط 1، 1408 ه.
262- (فهرس ابن خير الإشبيلي)، طبعة سرقسطة.
263- (فهرس ابن عطية): لابن عطية الأندلسي ت (541 ه)، تحقيق محمد أبو الأجفان، و محمد الزاهي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1983 م.
264- (الفهرست): لابن النديم. طبعات مختلفة. منها طبعة دار المعرفة، بيروت، 1398 ه.
265- (فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت): لعبد العلي أحمد بن نظام الدين الأنصاري، على هامش المستصفى للغزالي، مكتبة المثنى، بغداد.
266- (فوات الوفيات) لمحمد شاكر الكتبي ت (764 ه)، تحقيق الدكتور إحسان عباس، دار صادر، بيروت.
267- (الفوائد البهية في تراجم الحنفية): لأبي الحسنات محمد عبد الحي الكنوي الهندي ت (1304 ه) تصحيح: محمد بدر الدين النعساني، مطبعة السعادة، مصر، ط 1، 1324 ه.
268- (الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة): لمحمد بن علي الشوكاني ت (1250 ه) تحقيق عبد الرحمن يحيى المعلمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1392 ه.
ص: 496
269- (فيض القدير شرح الجامع الصغير): لعبد الرءوف المناوي ت (1031 ه)، دار المعرفة، بيروت، 1391 ه.
270- (في علوم القرآن، دراسات و محاضرات): للدكتور عبد السلام كفافي، و الأستاذ عبد اللّه الشريف، دار النهضة العربية، بيروت، 1981 م.
271- (القاموس الإسلامي): لأحمد عطية اللّه، مكتبة النهضة المصرية، ط 1، 1399 ه.
272- (القاموس المحيط) لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت (817 ه)، دار الجيل بيروت.
أخرى: مؤسسة الرسالة، ط 2، 1407 ه.
273- (القرآن الكريم و الدراسات الأدبية): لنور الدين عتر
274- (القطع و الائتناف): لأبي جعفر النحاس، تحقيق الدكتور أحمد خطاب العمرو، وزارة الأوقاف العراقية، بغداد، 1398 ه.
275- (قلائد العقيان في محاسن الأعيان): لأبي النصر الفتح بن خاقان، مطبعة التقدم العلمية، مصر، ط 1، 1320 ه.
276- (قواعد التحديث): لمحمد جمال الدين القاسمي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1399 ه.
ص: 497
277- (قواعد الترجيح عند المفسرين): لحسين بن علي الحربي، رسالة ماجستير، كلية أصول الدين، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1415 ه.
278- (قوت القلوب): لأبي طالب محمد بن أبي الحسن المكي. دار صادر، بيروت.
279- (الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت (748 ه) مراجعة و ضبط لجنة من العلماء، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1 1403 ه.
280- (الكامل في الضعفاء) لعبد اللّه بن عدي الجوجاني، ت (365 ه) دار الفكر، بيروت، ط 1، 1404 ه.
281- (الكتاب) لسيبويه، عمرو بن عثمان بن قنبر ت (180 ه)، تحقيق و شرح عبد السلام هارون، مكتبة الخانجي، القاهرة، ط 3، 1408 ه.
282- (الكتاب المصنف في الأحاديث و الآثار): لأبي بكر بن أبي شيبة، تحقيق عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، حامد بلدنك، مومن بوده، بومبي، الهند، ط 2، 1399 ه.
283- (كتاب الوحي): للدكتور أحمد بن عبد الرحمن عيسى، دار اللواء، الرياض، ط 1، 1400 ه.
284- (الكتيبة الكامنة فيمن لقيته بالأندلس من شعراء المائة
ص: 498
الثامنة): لابن الخطيب، تحقيق الدكتور إحسان عباس، بيروت، 1963 م.
285- (كشف الأستار عن زوائد البزار على الكتب الستة): لعلي بن أبي بكر الهيثمي ت (807 ه) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1404 ه.
286- (كشف الخفاء و مزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس): لإسماعيل بن محمد العجلوني ت (1162 ه)، صححه و علق عليه أحمد القلاش، الناشر مكتبة التراث الإسلامي، حلب.
287- (كشف الظنون عن أسامي الكتب و الفنون): لمصطفى بن عبد اللّه الشهير بحاجي خليفة، دار الفكر، بيروت، 1402 ه.
288- (الكشف عن وجوه القراءات السبع و عللها و حججها):
لمكي بن أبي طالب القيسي ت (437 ه) تحقيق الدكتور محي الدين رمضان، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1404 ه.
289- (الكفاية في علم الرواية): لأبي بكر بن الخطيب البغدادي، ت (463 ه) راجعه: عبد الحليم محمد، و عبد الرحمن حسن، دار الكتب الحديثة، القاهرة، ط 2.
290- (الكليات): لأبي البقاء الحسيني الكفوي، المطبعة العامرة، 1287 ه.
291- (كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال): تقي الدين بن
ص: 499
حسام الدين الهندي ت (975 ه) ضبطه و فسر غريبه: بكر حياني، صححه و وضع فهارسه: صفوت السقا، بيروت، 1979 م.
292- (كنز المعاني شرح حرز الأماني): للجعبري، مخطوط.
293- (كيف تكتب بحثا أو رسالة [دراسة منهجية]) للدكتور أحمد شلبي، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، ط 7، 1973 م.
294- (اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة) لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ت (911 ه) دار المعرفة، بيروت، ط 2، 1395 ه.
295- (لباب النقول في أسباب النزول): لجلال الدين السيوطي ت (911 ه)، دار إحياء العلوم، ط 1، 1978 م.
296- (اللباب في تهذيب الأسماء): لعلي بن محمد بن الأثير الجزري ت (630 ه) مكتبة القدس، القاهرة، 1357 ه.
297- (لسان العرب): لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، ت (711 ه) دار صادر، بيروت، 1388 ه.
أخرى: قدم له الشيخ عبد اللّه العلائلي، و رغده يوسف خياط، دار لسان العرب بيروت.
298- (لسان الميزان): لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، ت
ص: 500
(852 ه)، دار الفكر، بيروت.
299- (لطائف الإشارات): لعبد الكريم بن هوازن القسطلاني، ت (465 ه) تحقيق: إبراهيم البسيوني، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للتأليف و النشر، 1370 م.
300- (لفتة الكبد): لابن الجوزي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1405 ه.
301- (مباحث في إعجاز القرآن) للدكتور مصطفى مسلم محمد، دار المنارة، جدة، ط 1، 1408 ه.
302- (مباحث في علوم القرآن): للشيخ مناع خليل القطان، مكتبة المعارف، الرياض ط 3.
303- (مباحث في علوم القرآن) للدكتور صبحي الصالح، دار العلم للملايين، بيروت، ط 2.
304- (المباني في نظم المعاني): لمؤلف مجهول، ضمن مقدمتان في علوم القرآن، تحقيق: آرثر جفري، مكتبة الخانجي، القاهرة. 1392 ه.
305- (مجاز القرآن): لأبي عبيدة معمر بن المثنى ت (210 ه)، تحقيق و تعليق محمد فؤاد سيزكين، مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان، ط 2، 1401 ه.
ص: 501
306- (المجروحين من المحدثين و الضعفاء و المتروكين): للحافظ محمد بن حبان (354 ه)، تحقيق محمود إبراهيم زائد، دار المعرفة.
307- (مجلة لواء الإسلام) العدد الأول، مقال للأستاذ عبد الوهاب حمودة.
308- (مجلة المنار) المجلد العاشر، الجزء العاشر، شوال (1325 ه) مصر، مقال للأستاذ رفيق العظم، بعنوان: التدوين في الإسلام.
309- (مجلة المنهل): المجلد السابع، ربيع الثاني، 1366 ه، مقال للأستاذ محمد بهجت البيطار، بعنوان: أمهات كتب التفسير القديمة و الحديثة، ما لها و ما عليها.
310- (مجلة المورد العراقية) العدد (7)، المجلد (17) عام 1405 ه.
311- (مجمع الزوائد و منبع الفوائد): نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت (807 ه)، دار الكتاب، بيروت، لبنان.
312- (مجمل اللغة): لأبي الحسن أحمد بن فارس ت (395 ه)، تحقيق: زهير عبد المحسن سلطان، مؤسسة الرسالة ط 2، 1406 ه.
313- (المجموع شرح المهذب): لأبي زكريا محي الدين يحيى بن شرف النووي، ت (676 ه) إدارة الطباعة المنيرية، مصر.
314- (مجموع الفتاوى): لشيخ الإسلام ابن تيمية ت (728 ه)،
ص: 502
جمع و ترتيب: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي، توزيع رئاسة البحوث العلمية و الإفتاء و الدعوة و الإرشاد، الرياض، ط 1، 1398 ه.
315- (المحبر): لمحمد بن حبيب بن أمية البغدادي ت (245 ه) اعتنت بتصحيحه الدكتورة: إيلزة لميتد شتيتر، مطبعة جمعية دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، 1316 ه.
316- (المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات و الإيضاح عنها):
لعثمان بن جني، تحقيق علي النجدي ناصف و آخرون، دار سزكين، ط 2، 1406 ه.
317- (المحكم في نقط المصاحف): لأبي عمرو الداني، تحقيق عزة حسن، دار الفكر، دمشق، ط 2، 1407 ه.
318- (المحلى): لابن حزم علي بن أحمد بن سعيد ت (456 ه) تحقيق لجنة إحياء التراث العربي، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان.
319- (مختصر في شواذ القرآن من كتاب البديع) لأبي عبد اللّه الحسين بن خالويه، ت (370 ه) عني بنشره ج. برجستراسر، مكتبة المتنبي، القاهرة.
320- (مختصر قيام الليل) لمحمد بن نصر المروزي ت (294 ه):
اختصره أحمد بن علي المقريزي ت (845 ه)، فيصل آباد، باكستان، 1402 ه.
ص: 503
321- (المختصر من كتاب نشر النور و الزهر في تراجم أفاضل مكة من القرن العاشر إلى نهاية القرن الرابع عشر): لعبد اللّه مرداد أبو الخير، اختصره محمد سعيد العمودي، و أحمد علي، مطبوعات نادي الطائف الأدبي، 1398 ه.
322- (مدخل إلى الدراسات الإسلامية): الدكتور محمد بلتاجي، مكتبة الشباب، القاهرة 1982 م.
323- (المدخل لدراسة القرآن الكريم): لمحمد محمد أبو شهبة، دار اللواء، الرياض، ط 3، 1407 ه.
324- (مدخل إلى علوم القرآن و التفسير): الدكتور فاروق حمادة، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، ط 1، 1399 ه.
325- (المدخل إلى علوم القرآن و العلوم الإسلامية): للدكتور محمد أمين فرشوخ، دار الفكر العربي، بيروت، ط 1، 1990 م.
326- (مدرسة التفسير في الأندلس): لمصطفى إبراهيم المشيني، مؤسسة الرسالة بيروت، ط 1، 1406 ه.
327- (المدونة الكبرى): للإمام مالك بن أنس، ت (179 ه)، دار صادر، بيروت، ط 1.
328- (مذكرة الدراسات العليا): للشيخ: مناع خليل القطان.
ص: 504
329- (مرآة الجنان و عبرة اليقظان في معرفة ما يعتبر من حوادث الزمان): لعبد اللّه بن أسعد اليافعي ت (768 ه)، مصورة عن طبعة حيدرآباد، 1337 ه.
330- (مراتب النحويين): لأبي الطيب اللغوي، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار نهضة مصر للطبع، القاهرة، ط 2، 1394 ه. و نسخة مصورة مؤسسة الأعلمي للمطبوعات.
331- (المرشد الوافي في علوم القرآن): للدكتور محمود بسيوني فودة، مطبعة الأمانة، القاهرة، 1402 ه.
332- (المرشد الوجيز إلى علوم تتعلق بالكتاب العزيز): لشهاب الدين عبد الرحمن بن إسماعيل المعروف بأبي شامة ت (665 ه)، تحقيق طيار آلتي قولاج، دار صادر، بيروت، 1395 ه.
333- (مروج الذهب و معادن الجوهر): لأبي المحاسن علي بن الحسين المسعودي، ت (346 ه)، تحقيق محي الدين عبد الحميد، 1966 م.
334- (المستدرك على الصحيحين): لأبي عبد اللّه الحاكم النيسابوري، ت (405 ه)، دار الفكر، بيروت، 1398 ه.
335- (المسند): للإمام أحمد بن حنبل الشيباني، ت (241 ه)، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 4، 1403 ه.
أخرى: تحقيق أحمد محمد شاكر، دار المعارف، مصر، ط
ص: 505
336- (المسند): لأبي يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي ت (307 ه) تحقيق و تخريج حسن سليم أسد، دار المأمون، دمشق، ط 1، 1404 ه.
337- (مسند الإمام أبي بكر الصديق): لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، ت (911 ه).
338- (مسند أبي داود الطيالسي): للإمام سليمان بن داود بن الجارود الفارسي ت (204 ه)، مجلس دائرة المعارف النظامية، الهند، حيدرآباد، الدكن، ط 1، 1321 ه.
339- (مشكاة المصابيح): لأبي عبد اللّه محمد بن عبد اللّه الخطيب التبريزي ت (بعد 737 ه)، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1399 ه.
340- (مشكل الآثار): لأبي جعفر الطحاوي، ت (321 ه)، دار صادر، بيروت، ط 1، 1333 ه.
341- (مصابيح السنة): للإمام أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي ت (516 ه)، تحقيق يوسف عبد الرحمن المرعشلي، و محمد سليم سمارة، و جمال حمدي الذهبي، دار المعرفة، بيروت، ط 1، 1407 ه.
342- (المصاحف): لأبي بكر عبد اللّه بن أبي داود السجستاني، مؤسسة قرطبة للنشر.
ص: 506
أخرى: دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1405 ه.
343- (مصادر الشعر الجاهلي و قيمتها التاريخية): لناصر الدين الأسد، القاهرة، 1956 م.
344- (مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور): لإبراهيم بن عمر البقاعي، ت (885 ه) تحقيق: عبد السميع حسنين، مكتبة المعارف، الرياض، ط 1، 1408 ه.
345- (المصباح المنير) للفيومي- مكتبة لبنان، 1987.
346- (المصنف): لابن أبي شيبة، تحقيق: عبد الخالق الأفغاني، الدار السلفية، حامد بلنك بومبي، الهند، ط 2، 1399 ه.
347- (المصنف): لعبد الرزاق بن همام الصنعاني ت (211 ه) تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، المكتب الإسلامي، بيروت، ط 2، 1403 ه.
348- (المطول في شرح التلخيص): للتفتازاني، مكتبة الداوري، قم، إيران، ط 1، 1309 ه.
أخرى: مع حاشية السيد شريف، تصحيح عثمان أفندي زاده، و أحمد رفعت، مطبعة أحمد كامل، 1330 ه.
349- (المعارف): لابن قتيبة الدينوري ت (276 ه) تصحيح و تعليق: محمد إسماعيل الصاوي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان،
ص: 507
ط 2، 1390 ه.
350- (معالم السنن): لأبي سليمان حمد بن محمد الخطابي البستي ت (388 ه) تصحيح محمد راغب الطباخ، المطبعة العلمية، حلب، ط 1، 1351 ه.
أخرى: تحقيق: الدعاس و السيد، دار الحديث.
351- (معاني القرآن): لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء ت (207 ه)، عالم الكتب، بيروت، ط 3، 1403 ه.
352- (معاني القرآن و إعرابه): لأبي إسحاق إبراهيم بن الزجاج، شرح و تحقيق الدكتور عبد الجليل عبده شلبي، عالم الكتب، بيروت، ط 1، 1408 ه.
353- (المعجزة الكبرى القرآن الكريم): للدكتور محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي، القاهرة.
354- (معجم الأدباء): لياقوت الحموي، دار الفكر ط 3، 1410 ه.
355- (المعجم الأوسط): سليمان بن أحمد الطبراني، ت (360 ه) تحقيق الدكتور محمود الطحان مكتبة المعارف، الرياض ط 1، 1407 ه.
356- (معجم البلدان): لأبي عبد اللّه ياقوت الحموي ت
ص: 508
(626 ه) دار صادر، بيروت، 1404 ه.
357- (معجم الدراسات القرآنية) الدكتورة ابتسام مرهون الصفار، جامعة بغداد، 1984 م.
358- (المعجم في أصحاب أبي علي الصفدي): لابن الأثير، مدريد، 1885 م.
359- (معجم قبائل العرب القديمة و الحديثة): لعمر رضا كحالة، مؤسسة الرسالة، بيروت ط 5، 1405 ه.
360- (المعجم الكبير): لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت (360 ه) تحقيق حمدي السلفي، مطبعة الزهراء الحديثة، العراق ط 2.
361- (معجم مصنفات القرآن الكريم): لعلي شواخ إسحاق، دار الرفاعي، الرياض ط 1، 1403 ه.
362- (معجم مقاييس اللغة): لأحمد بن فارس بن زكريا ت (395 ه)، تحقيق عبد السلام محمد هارون، دار الكتب العلمية، إسماعيليان نجفي، إيران، القم.
363- (معجم المؤلفين الدمشقيين): عمر رضا كحالة، دار الكتب الجديدة.
364- (المعرب): للجواليقي.
ص: 509
365- (معرفة القراء الكبار على الطبقات و الأعصار): لأبي عبد اللّه محمد بن أحمد الذهبي ت (748 ه) حققه و علق عليه بشار عواد معروف، و شعيب الأرناءوط، و صالح مهدي عباس، مؤسسة الرسالة، بيروت ط 1، 1404 ه.
366- (المغازي): لمحمد بن عمر الواقدي ت (207 ه) تحقيق مارسون جونس، عالم الكتب بيروت، ط 3، 1404 ه.
367- (المغني عن حمل الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار): لعبد الرحيم بن الحسين العراقي ت (806 ه) بهامش إحياء علوم الدين للغزالي، دار المعرفة، بيروت، 1403 ه.
368- (المغني في الضعفاء): لمحمد بن أحمد الذهبي ت (748 ه) تحقيق و تعليق نور الدين عتر.
369- (مفتاح السعادة و مصباح السيادة): لأحمد بن مصطفى طاش كبري زاده، مراجعة و تحقيق: كامل كامل البكري، و عبد الوهاب أبو النور، دار الكتب الحديثة، مصر القاهرة.
370- (مفتاح العلوم): ليوسف بن أبي بكر السكاكي، ت (626 ه)، المكتبة العلمية الجديدة، بيروت.
371- (المفردات في غريب القرآن): لأبي القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني، ت (502 ه)، تحقيق محمد سيد كيلاني،
ص: 510
دار المعرفة، بيروت.
372- (المفهم لما أشكل من تلخيص مسلم): لأبي العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم القرطبي، ت (656 ه) نسخة مصورة بقسم المخطوطات بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، رقم 3029 ميكروفيلم.
373- (المقاصد الحسنة): لمحمد بن عبد الرحمن السخاوي، ت (902 ه)، تحقيق محمد عثمان الخشت، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 1، 1405 ه.
374- (مقدمة في أصول التفسير): لتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت (728 ه)، تحقيق الدكتور عدنان زرزور، دار القرآن الكريم، الكويت، ط 2، 1392 ه.
375- (مقدمات تفسير الأصفهاني) (أنوار الحقائق الربانية في تفسير اللطائف القرآنية): لمحمود بن عبد الرحمن الأصفهاني ت (749 ه) مخطوط، تركيا، استنبول، مكتبة كوبرلي.
376- (مقدمتان في علوم القرآن) تصحيح آرثر جفري، عبد اللّه إسماعيل القارئ، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1392 ه.
377- (المقصد الأرشد في ذكر أصحاب الإمام أحمد): للإبراهيم بن محمد بن عبد اللّه بن مفلح، ت (884 ه)، تحقيق و تعليق: الدكتور عبد الرحمن بن سليمان العثيمين، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1410 ه.
ص: 511
378- (المقنع في معرفة مرسوم مصاحف أهل الأمصار): لأبي عمرو عثمان بن سعيد الداني، تحقيق محمد أحمد دهمان، دار الفكر، بيروت، 1403 ه.
379- (المكتفى في الوقف و الابتداء): لأبي عمر عثمان بن سعيد الداني، ت (444 ه)، تحقيق يوسف المرعشلي، مؤسسة الرسالة، ط 2، 1407 ه.
380- (منادمة الأطلال و مسامرة الخيال): لعبد القادر بدران ت (1346 ه)، دمشق 1960 م.
381- (مناقب الإمام الشافعي): لفخر الدين الرازي ت (606 ه) تحقيق أحمد حجازي السقا، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة.
382- (مناهل العرفان في علوم القرآن): محمد عبد العزيز الزرقاني، دار إحياء التراث العربي، بيروت.
383- (مناهج البحوث و كتابتها: للدكتور يوسف مصطفى القاضي، دار المريخ، الرياض، 1399 ه.
384- (المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك): أبي الفرج ابن الجوزي ت (597 ه) دار المعارف العثمانية، حيدرآباد، الدكن، الهند.
385- (من الجامع لأحكام القرآن للقرطبي): اختيار و تعليق و تقديم الدكتور محمد أديب الصالح، المكتب الإسلامي، 1395 ه.
ص: 512
386- (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد و الإعجاز): لمحمد الأمين بن محمد الشنقيطي، ملحق بالجزء العاشر من تفسير أضواء البيان، للمصنف.
387- (المنهاج في شعب الإيمان): لأبي عبد اللّه الحسن بن الحسن الحليمي ت (403 ه)، مخطوط مصورة عن نسخة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
أخرى: تحقيق حلمي أحمد فودة، دار الفكر، بيروت ط 1، 1399 ه.
388- (منهج ابن عطية في تفسير القرآن الكريم): للدكتور عبد الوهاب فائد، الرئاسة العامة لشئون المطابع الأميرية، 1393 ه.
389- (موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان): للإمام أبي بكر الهيثمي، ت (807 ه)، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة، دار الكتب العلمية.
390- (موسوعة اصطلاحات العلوم الإسلامية) المعروف بكشاف اصطلاحات الفنون، للشيخ المولوي محمد علي التهانوي، بيروت، شركة خياط للكتب و النشر.
391- (موسوعة أطراف الحديث النبوي الشريف): لمحمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الفكر، بيروت، ط 1، 1410 ه.
392- (الموضوعات): لأبي الفرج ابن الجوزي ت (597 ه)، دار الفكر، بيروت، ط 2، 1403 ه.
ص: 513
393- (الموطأ): للإمام مالك بن أنس، رواية يحيى الليثي، شرح و تعليق: أحمد راتب عرموش، دار النفائس، بيروت، ط 1، 1390 ه.
394- (المهذب فيما وقع بغير لغة العرب من المعرب): لجلال الدين السيوطي ت (911 ه) تحقيق التهامي الراجحي، صندوق إحياء التراث الإسلامي، الدار البيضاء.
395- (ميزان الاعتدال في نقد الرجال) لمحمد بن أحمد بن عثمان الذهبي ت (748 ه) تحقيق علي محمد البجاوي، نشر دار المعرفة، بيروت، لبنان.
396- (الناسخ و المنسوخ): لأبي جعفر النحاس، ت (338 ه) تحقيق الدكتور سليمان بن إبراهيم اللاحم، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1412 ه.
أخرى: تحقيق محمد عبد السلام محمد، مكتبة الفلاح، الكويت، ط 1، 1408 ه.
397- (النبأ العظيم): لمحمد بن عبد اللّه دراز، الكويت، دار القلم، ط 3، 1406 ه.
398- (نثير الجمان في شعر من نظمني و إياه الزمان): للدكتور محمد رضوان الداية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1396 ه.
399- (النجوم الزاهرة في ملوك مصر و القاهرة): لأبي المحاسن بن
ص: 514
تغري بردي ت (874 ه) دار الكتب المصرية، القاهرة، 1348 ه.
400- (نزهة الخواطر و بهجة المسامع و النواظر): لعبد الحي الحسيني، حيدرآباد.
401- (نزول القرآن على سبعة أحرف) للشيخ مناع خليل قطان، مكتبة وهبة، القاهرة ط 1، 1411 ه.
402- (النسخ في القرآن الكريم): للدكتور مصطفى زيد، دار الوفاء، مصر 1408.
403- (نسيم الرياض شرح شفا القاضي عياض): لشهاب الدين الخفاجي المصري، المطبعة الأزهرية، ط 1، 1326 ه.
404- (نشر البنود في مراقي السعود): لعبد اللّه بن إبراهيم الشنقيطي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1408 ه.
405- (النشر في القراءات العشر): لمحمد بن محمد الدمشقي الشهير بابن الجزري ت (833 ه) تصحيح و مراجعة: علي محمد الصباغ، دار الفكر، بيروت.
406- (نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية) للزيلعي.
407- (نفح الطيب عن غصن أندلس الرطيب): لمحمد بن عبد الكريم المقري ت (1041 ه) تحقيق يوسف محمد البقاعي، دار الفكر،
ص: 515
بيروت، ط 1، 1406 ه.
أخرى: تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد.
408- (نكت الانتصار لنقل القرآن): لأبي بكر الباقلاني ت (403 ه) تحقيق الدكتور: محمد زغلول سلام، منشأ المعارف، الإسكندرية.
409- (نهاية الأرب في فنون الأدب): لأحمد بن عبد الوهاب النويري ت (733 ه)، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة للتأليف و الترجمة و الطباعة و النشر.
410- (نهاية البيان): لابن المعافى، مخطوط، مكتبة السليمانية، استنبول.
411- (النهاية في غريب الحديث) لابن الأثير ت (606 ه)، تحقيق محمود محمد الطناحي، المكتبة الإسلامية.
412- (نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول): لمحمد بن علي بن الحسن، الحكيم الترمذي ت (320 ه)، بيروت، دار صادر.
413- (نوادر المخطوطات): لرمضان ششن.
414- (نواسخ القرآن): لأبي الفرج بن الجوزي ت (597 ه)، تحقيق و دراسة: محمد أشرف علي، نشر المجلس العلمي بالجامعة الإسلامية، ط 1، 1404 ه.
ص: 516
415- (نيل الابتهاج بتطريز الديباج): لأحمد بابا التنبكتي، على هامش الديباج المذهب، مطبعة شقرون، مصر، ط 1، 1351 ه.
416- (هدي الساري مقدمة فتح الباري): لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت (852 ه)، تحقيق عبد العزيز بن باز، و محب الدين الخطيب، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض.
417- (هدية العارفين أسماء المؤلفين و آثار المصنفين): لإسماعيل باشا البغدادي ت (1339 ه) دار الفكر، 1402 ه.
418- (الواحدي و منهجه في التفسير): لجودة محمد المهدي، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة، 1978 م.
419- (الوثائق السياسية): لمحمد حميد اللّه.
420- (الوسيط بين المقبوض و البسيط): لأبي الحسن علي بن الواحدي، تحقيق و تعليق مجموعة من الباحثين، تقديم الدكتور عبد الحي الفرماوي، دار الكتب العلمية، بيروت ط 1، 1415 ه.
421- (الوافي بالوفيات): صلاح الدين الصفدي ت (764 ه) اعتناء جماعة من العلماء و المستشرقين، الناشر: فرانز شتاينز بفيسبان، 1381 ه.
422- (وفيات الأعيان و أنباء أنباء الزمان): لأبي العباس أحمد بن محمد بن خلكان ت (681 ه) تحقيق إحسان عباس، دار صادر.
ص: 517
أخرى: دار الثقافة، بيروت، 1968 م.
423- (اليونسكو في تعليم العلوم): نشر المنظمة العالمية يونسكو.
ص: 518
ص: 519
ص: 520
12- البحر المحيط في التفسير 5
أولا: التعريف بالمؤلف: 5
شيوخه و تلاميذه: 8
و من شيوخه: 9
مؤلفاته 10
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 12
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 16
رابعا: منهج أبي حيان في مقدمته: 21
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما ذكره في مقدمته: 22 علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير ج 2 521 المحتويات ..... ص : 519
دسا: مصادره في المقدمة: 24
سابعا: أهم المزايا و أظهر المآخذ: 26
13- تفسير القرآن العظيم 27
أولا: التعريف بالمؤلف: 27
شيوخه و تلامذته: 29
مؤلفاته: 31
عقيدة ابن كثير و مكانته العلمية: 33
وفاته: 35
ثانيا: التعريف بالتفسير و المقدمة: 36
ثالثا: عرض موضوعات المقدمة: 43
رابعا: منهج ابن كثير في مقدمته: 45
خامسا: بيان مدى التزام المصنف في تفسيره بما جاء في مقدمته: 46
ص: 521
سادسا: مصادره في مقدمته: 47
سابعا: أهم المزايا، و أظهر المآخذ: 47
الباب الثالث الموضوعات التي تناولتها مقدمات التفاسير 49
الموضوع الأول نزول القرآن 51
المسألة الأولى: في اليوم الذي أنزل فيه القرآن 51
المسألة الثانية: في كيفية إنزاله: 52
المسألة الثالثة: في مدة نزوله، و سنّه في ذلك الوقت: 55
المسألة الرابعة: أو ما نزل من القرآن: 57
المسألة الخامسة: آخر ما نزل من القرآن: 61
أواخر مخصوصة: 64
الموضوع الثاني جمع القرآن و ترتيبه 65
المسألة الأولى: الذين جمعوا القرآن على عهد النبي صلى اللّه عليه و سلم: 66
المسألة الثانية: حول جمع ابن مسعود للقرآن: 69
المسألة الثالثة: المراحل التي مرّ بها جمع القرآن الكريم: 74
المرحلة الأولى: 74
المرحلة الثانية: 76
المرحلة الثالثة: 82
المسألة الرابعة: أن عثمان بن عفان 90
المسألة الخامسة: وجه جمع عثمان الناس على مصحف 90
المسألة السادسة: عدد المصاحف التي أمر عثمان بنسخها: 91
المسألة السابعة: الآيات المفقودة في الجمعين: 92
ص: 522
المسألة الثامنة: حول إثبات النص القرآني: 94
المسألة التاسعة: في التأييد الذي لقيه عثمان- رضي اللّه عنه- لحرقه المصاحف: 95
المسألة العاشرة: في حرق المصاحف 97
المسألة الحادية عشرة: في اختيار زيد بن ثابت- رضي اللّه عنه- دون غيره من القراء للجمع: 97
المسألة الثانية عشرة: حول ما ورد من كون علي- رضي اللّه عنه- هو أول من جمع القرآن: 101
المسألة الثالثة عشرة: حكم مخالفة مصحف عثمان بالزيادة و النقصان: 103
المسألة الأولى: حول ترتيب الآيات: 110
المسألة الثانية: حول ترتيب النزول: 111
المسألة الثالثة: حول ترتيب السور في المصحف العثماني: 114
الموضوع الثالث رسم المصحف و نقطه و شكله و وضع الأخماس و الأعشار 123
المسألة الأولى: حول رسم المصحف 123
المسألة الثانية: حول نقط المصحف و شكله 127
المسألة الثالثة: حول الأخماس و الأعشار و فواتح السور و الخواتيم: 131
وضع الفواتح و الخواتيم للسور 132
الموضوع الرابع سور القرآن و آياته و كلماته و حروفه 134
المسألة الأولى معنى السورة 135
ص: 523
المسألة الثانية معنى الآية 139
المسألة الثالثة: عدّ آي القرآن: 144
المسألة الرابعة كلمات القرآن 147
المسألة الخامسة حروف القرآن 150
المسألة السادسة أجزاء القرآن 151
الموضوع الخامس أسماء القرآن و أسماء سوره 154
المسألة الأولى أسماء القرآن الكريم 154
المسألة الثانية أسماء سور القرآن 162
الموضوع السادس فضائل القرآن و خواصه و آداب تلاوته 167
المسألة الأولى: في التنبيه على أحاديث ضعيفة وضعت في الفضائل: 168
المسألة الثانية في ذكر شي ء من فضائل القرآن 171
المطلب الأول فضل الاعتصام بكتاب اللّه 171
المطلب الثاني في ذكر شي ء مما جاء في فضل تعلم القرآن و تعليمه 175
المطلب الثالث ذكر شي ء مما جاء في فضل حامل القرآن 178
المطلب الرابع ذكر شي ء مما جاء في فضل بعض سور القرآن 182
المسألة الثالثة ما يلزم قارئ القرآن الأخذ به و عدم الإغفال عنه 184
المسألة الرابعة آداب القرآن و آداب تاليه 191
ص: 524
المسألة الخامسة كيفية التلاوة لكتاب اللّه 198
المطلب الأول 198
المطلب الثاني 199
المطلب الثالث 201
المسألة السادسة ذكر شي ء من خواص القرآن 201
الموضوع السابع المكي و المدني 203
المسألة الأولى: في تعريف المكي و المدني: 203
المسألة الثانية: في سمات يعرف بها المكي و المدني: 204
أولا: سمات السور المكية 204
ثانيا: سمات السور المدينة 204
المسألة الثالثة في أقسام سور القرآن باعتبار المكي و المدني 205
المسألة الرابعة في بيان أهمية معرفة المكي و المدني 208
الموضوع الثامن التفسير و التأويل 210
الفرق بين التفسير و التأويل 214
الموضوع التاسع بيان شرف التفسير و الحاجة إليه 217
الموضوع العاشر أوجه التفسير و طرقه و أنواعه 222
المسألة الأولى: أوجه التفسير: 223
الوجه الأول: ما اختص اللّه تعالى بعلمه: 226
الوجه الثاني: ما يرجع فيه إلى لسان العرب: 226
الوجه الثالث: ما يرجع فيه إلى اجتهاد العلماء: 227
المسألة الثانية: طرق التفسير: 227
ص: 525
أولا: التفسير بالأثر (الرواية): 227
ثانيا: التفسير بالرأي (الدراية): 232
المسألة الثالثة: أنواع التفسير: 248
الموضوع الحادي عشر العلوم التي يحتاجها المفسر 250
الفن الأول: التفسير: 250
الفن الثاني القراءات 251
النوع الأول القراءات المشهورة 251
و النوع الثاني: القراءات الشاذة: 252
شروط القراءة الصحيحة 252
اختلاف القراء 253
الفن الثاني في فرش الحروف: 257
الفن الثالث أصول الفقه 257
الفن الرابع: النسخ: 257
الفن الخامس: الحديث 260
الفن السادس: القصص القرآني 260
الفن السابع: أصول الدين 262
الفن الثامن: علم اللغة 262
الفن التاسع: أحكام القرآن 263
الفن العاشر: علم النحو 264
الفن الحادي عشر: الفصاحة و البلاغة و أدوات البيان 266
ص: 526
الفن الثالث عشر: معرفة الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه: 276
الموضوع الثاني عشر مراتب المفسرين 278
الموضوع الثالث عشر الاختلاف بين المفسرين و قواعد الترجيح 292
المسألة الأولى: الاختلاف بين المفسرين 292
المسألة الثانية قواعد الترجيح عند المفسرين 299
الموضوع الرابع عشر الأحرف السبعة التي أنزل عليها القرآن 312
المسألة الأولى: 312
المسألة الثانية: المراد بالأحرف السبعة: 320
القول الأول: أن المراد سبع لغات متفقة المعاني مختلفة الألفاظ 320
القول الثاني: أن الأحرف السبعة هي سبع لغات من لغات العرب نزل عليها القرآن 329
القول الثالث: أن الأحرف السبعة هي سبع لغات لمضر خاصة: 335
القول الرابع: أن المراد بالأحرف السبعة وجوه التغاير السبعة التي وقع فيه الاختلاف 337
القول الخامس: أن المراد بالأحرف السبعة معاني كتاب اللّه 341
القول السادس: أن المراد خواتيم الآي، فيجعل مكان غفور رحيم: 346
ص: 527
القول السابع: أن المراد بالأحرف السبعة التوسعة و التسهيل، و لم يقصد به الحصر 347
القول الثامن: أن المراد بالأحرف السبعة سبع قراءات 349
الموضوع الخامس عشر الظهر و البطن و الحد و المطلع 356
الموضوع السادس عشر ما وقع في القرآن بغير لغة العرب 362
القول الأول: عدم وقوع المعرّب في القرآن: 364
القول الثاني: وقوع المعرّب في القرآن: 368
القول الثالث: وجود كلمات أصولها غير عربية لكن العرب استعملتها و عرّبتها: 368
الموضوع السابع عشر الوقف و الابتداء 371
الموضوع الثامن عشر إعجاز القرآن 376
المسألة الأولى: تعريف المعجزة: 377
المسألة الثانية: شروط المعجزة: 378
المسألة الثالثة: معجزات الرسول صلى اللّه عليه و سلم: 380
المسألة الرابعة: وجوه إعجاز القرآن الكريم 381
المسألة الخامسة: القول بالصرفة و المنع: 390
الخاتمة 393
فهرس الآيات القرآنية 401
فهرس الأحاديث و الآثار 415
فهرس الأعلام المترجم لهم 437
ص: 528
فهرس المصادر و المراجع 457
فهرس المحتويات 521
ص: 529