العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه

اشارة

عنوان و نام پديدآور : العقائد الاسلاميه: عرض مقارن لاهم موضوعاتها من مصادر السنه و الشيعه/ قام باعداده مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه؛ برعايه علي السيد السيستاني.

مشخصات نشر : قم: مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه، 1419ق. = -1377

مشخصات ظاهري : 5 ج.

شابك : دوره 964-319-117-6 : ؛ 7000 ريال : ج. 1 964-319-118-4 : ؛ 7000 ريال : ج. 2 964-319-119-2 : ؛ 7000 ريال : ج. 4 964-319-121-4 :

يادداشت : عربي.

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1419ق = 1377).

يادداشت : ج. 4 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : كتابنامه.

مندرجات : ج. 1. الفطره و المعرفه.- ج. 3. الشفاعه.- ج. 4. يشتمل علي مسائل: شفاعه اهل البيت عليهم السلام والاستشفاع والتوسل

موضوع : اسلام -- عقايد

شناسه افزوده : سيستاني، علي ، 1309 -، مصحح

شناسه افزوده : مركز المصطفي للدراسات الاسلاميه

رده بندي كنگره : BP203 /ع7 1377

رده بندي ديويي : 297/41

شماره كتابشناسي ملي : م 77-14486

المجلد1

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 1)

العقائد الإسلامية (المجلد 1)

الفطرة

آيات فطرة السماوات والكون

انفطار الكون عند القيامة

تكاد السماوات تتفطر من عظمة الله

تكاد السماوات تتفطر من الافتراء علي الله

فطرة الله التي فطر الناس عليه

الفطرة الأولي والفطرة الثانية

فطرة الناس علي معرفة الله تعالي و توحيده

الفطرة حالة استعداد لا تعني الاجبار و سلب الإختيار

الفطرة والميثاق و عالم الذر

عالم الذر

تذكير الأنبياء بميثاق الفطرة

كل مولود يولد علي الفطرة

و كل الحيوانات فطرت علي معرفة الله تعالي

التوجه الفطري إلي الله تعالي

رأي صاحب تفسير الميزان في عالم الذر والمعرفة والميثاق

عوالم وجود الإنسان

من روايات عالم الأشباح (ظلال النور)

من روايات عالم الاظلة

من روايات عالم طينة الخلق

من آيات و روايات عالم الملكوت

من آيات و روايات عالم الخزائن

الفطرة بمعني الولادة في الإسلام

قولهم من ولد

علي الإسلام فهو من أهل الجنة

القول بأن من ولد في الإسلام فهو من أهل الجنة

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهية

معني الفطرة والصبغة

دور الفطرة في المعرفة والثقافة والحضارة

بحث في دور الفطرة والنبوة في الحياة الإنسانية

امور ورد أنها من الفطرة

امور ورد أنها تضر بالفطرة

تقوية الفطرة و تضعيفها و إساءة استعمالها

قابلية الفطرة للتقوية والتخريب

قدوات البشرية في فطرتهم المستقيمة

آدم فطرة الله تعالي

ابراهيم إمام الإستقامة علي الفطرة

نبينا رائد العارفين و رائد سعادتن

خط الفطرة لم ينقطع من ذرية إبراهيم

عمار علم الثابتين علي الفطرة بعد النبي

علي إمام الثابتين علي الفطرة

ولاية علي علامة علي صحة الفطرة و طيب المولد

وجوب المعرفة والنظر

وجوب معرفة الله تعالي و منشؤها

وجوب معرفة الله تعالي و أنها أساس الدين

معرفة الله تعالي و توحيده نصف الدين

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة

فضل معرفة الله تعالي

الحث علي مجالسة أهل المعرفة

فضل من مات علي المعرفة

نعمة معرفة حمد الله و شكره

نعمة معرفة كرم الله و آلائه

معرفة الله لا تكون إلا بالله و من الله

لا يفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالي

الهداية والإضلال من الله تعالي لكن الإضلال باستحقاق العبد

دعاء طلب المعرفة من الله تعالي

وسائل معرفة الله

اداة معرفة الله تعالي: العقل

لا يحاسب الله الناس إلا علي قدر معرفتهم، و ما بين لهم، و ما آتاهم

من أسباب المعرفة و آثارها

ما يورث المعرفة

ما تورثه المعرفة

ما يفسد المعرفة و يطفئ نوره

خطر ضلال الأمم بعد المعرفة

كان نبينا يخاف علي أمته الضلال بعد المعرفة

وضع المعرفة في بني اسرائيل بعد موسي

اتهامهم نبيهم

موسي بأنه لم يعرف الله تعالي

بولس يصف فساد الناس في عصره و بعدهم عن المعرفة

المعرفة التي دعا إليها بولس الذي نصر النصاري

متي اخترع المسيحيون التثليث بعد التوحيد

متي تجب المعرفة علي الإنسان

في أي سن يجب التفكير والمعرفة

حكم الإنسان في مرحلة التفكير والبحث

تجب المعرفة بالتفكير و لا يصح فيها التقليد

المعرفة والعمل

اشتراط كل من المعرفة والعمل بالآخر

افضل الأعمال بعد معرفة العقائد

اقل ما يجب، و أقصي ما يمكن، من المعرفة

المعرفة لا تتوقف علي علم الكلام

و يكفي الدليل الاجمالي في المعرفة

العجز عن معرفة ذات الله تعالي

النهي عن الفضولية في معرفة الله تعالي

انواع من المعرفة والعارفين

المعرفة الحقيقية والمعرفة الشكلية

تحير المتصوفة في دور العقل في المعرفة

تحيرهم في الفرق بين العلم والمعرفة

تصوراتهم عن العارف بالله تعالي

المؤلفة قلوبهم بالمال لكي يعرفوا

دعوة العدو في الجهاد إلي معرفة الله تعالي

معرفة أهل الآخرة بديهية لا كسبية

بحث للشيخ الطوسي في تعريف الإيمان والكفر

بحث للشهيد الثاني في تعريف الإيمان والكفر

هل يمكن أن يصير المؤمن كافرا

هل تزول المعرفة والإيمان بإنكار الضروري؟

هل أن الكافر يعرف الله تعالي؟

بحث في معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس

الموقف الفقهي من الدعوة إلي معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس

معرفة النبي والأئمة

يجب علي كل الناس معرفة النبي

يعرف النبي بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة

و تجب معرفة الأئمة لأن الله تعالي فرض طاعتهم

و تجب معرفتهم لأن الله تعالي فرض مودتهم

و تجب معرفتهم لأن الله تعالي فرض الصلاة عليهم

و تجب معرفتهم لانهم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم

و تجب معرفتهم لأن

الأعمال لا تقبل إلا بولايتهم

و تجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالي

و تجب معرفتهم لأنها طريق معرفة الله تعالي

و تجب معرفتهم لحديث: من مات و لم يعرف إمام زمانه

صيغ الحديث في مصادر مذهب أهل البيت

في وجوب معرفة الإمام من أهل البيت

في أن معرفتهم و ولايتهم من دعائم الإسلام

في أن الإمام من أهل البيت قد يغيب

تفسير الحديث في مذهب أهل البيت

تفسير الشيعة الزيدية للحديث

الفرق بين صيغ الحديث في مصادرنا و مصادر إخواننا

روايات إخواننا التي وردت فيها لفظة إمام

رواياتهم التي فيها لفظ طاعة

رواياتهم التي توجب طاعة الحاكم الجائر

مدرسة البخاري في تفسير هذا الحديث

عبدالله بن عمر يطبق تفسير إخواننا للحديث

وامتنع عبدالله بن عمر عن بيعة علي، ثم ندم

ثم كانت علاقاته حسنة مع بني أمية و مع الثائرين عليهم

وروت مصادر الشيعة احتياطا غريبا له في تطبيق الحديث

و لم يزد أحد علي ابن عمر في تطبيق الحديث إلا أبو سعيد الخدري

تحير إخواننا السنة في هذا الحديث قديما وحديثا

معرفة الإمام هي الحكمة

لا يمكن للناس معرفة الإمام المعصوم ليختاروه

معني: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت

بعلي عرف المؤمنون بعد النبي

معرفة الآخرة والمعاد والحساب

الفطرة

آيات فطرة السماوات والكون

في هذا الفصل بحوث كثيرة، لكن أصوله بشكل عام موضع اتفاق بين المسلمين، لذلك رتبنا مواد موضوعاته من المصادر المختلفة تحت عناوين مناسبة، ليسهل علي الباحث الرجوع إليها. وبسطنا القول أحياناً في بعضها لحاجتها إلي ذلك.

وهذه آيات فطرة الكون، وهي تنفع في فهم فطرة الإنسان:

فَلَمَّا رَءَا الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَ مَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الانعام: 78-79

قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلي أَجَلٍ مُسَمًّي قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ. إبراهيم: 10

قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَي ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. وَتَاللهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ. الأنبياء: 56 _ 57

يَا قَوْمِ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَي الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلاَ تَعْقِلُونَ. وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إلي قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ. هود: 51 _ 52

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الشوري: 11

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَي فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَي مِنْ فُطُورٍ. الملك: 3

الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَي وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللهَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. فاطر: 1

قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. الزمر: 46

قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الأنعام: 14

إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. الأنعام: 79

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالآخرة تَوَفَّنِي مُسْلِمًا

وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. يوسف: 101

انفطار الكون عند القيامة

إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ. وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ. وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ. وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ. عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَ أَخَّرَتْ. الانفطار: 1 _ 5

فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا. السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولا. إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلي رَبِّهِ سَبِيلاً. المزمل: 17 _ 19

تكاد السماوات تتفطر من عظمة الله

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلا إِنَّ اللهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الشوري: 5، وقال في بحار الأنوار:70/346: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ، أي يتشققن من عظمة الله، وروي علي بن إبراهيم عن الباقر عليه السلام: أي يتصدعن من فوقهن. انتهي. وروي نحوه السيوطي في الدر المنثور:6/3

تكاد السماوات تتفطر من الافتراء علي الله

تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا. أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا. وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا. مريم 90 _ 93

فطرة الله التي فطر الناس عليه

وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَي تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إلي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَي وَعِيسَي وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ. قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ. البقرة: 135 _ 139

إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَي الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ. هود: 51

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ. إِلا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ. وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الزخرف: 26 _ 28

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَي قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ. وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً وَلا يُنْقِذُونَ. يس: 20 _ 23.

قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَي. قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَي. قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَي مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا

أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. طَهَ: 70 _ 72

الفطرة الأولي والفطرة الثانية

وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا. قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا. أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَي هُوَ قُلْ عَسَي أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا. يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلاً. الإسراء: 49 _ 52

فطرة الناس علي معرفة الله تعالي و توحيده

نهج البلاغة:1/215: (110 _ ومن خطبة له عليه السلام: إن أفضل ما توسل به المتوسلون إلي الله سبحانه وتعالي الإيمان به وبرسوله، والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فإنها الملة).ورواه في الفقيه:1/205

الكافي:2/12: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قلت: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا؟ قال: التوحيد.

علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، ما تلك الفطرة؟ قال: هي الإسلام، فطرهم الله حين أخذ ميثاقهم علي التوحيد، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ وفيهم المؤمن والكافر.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ؟ قال: الحنيفية من الفطرة التي فطر الله الناس عليها. لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ؟ قال: فطرهم علي المعرفة به.

المحاسن للبرقي:1/241: (عنه، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، ما الحنيفية؟ قال: هي الفطرة التي فطر

الناس عليها، فطر الله الخلق علي معرفته.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن زرارة قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا؟ قال: فطرهم جميعاً علي التوحيد.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن ابن أبي جميلة، عن محمد الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا؟ قال: فطرهم علي التوحيد.

عنه، عن الحسن بن علي بن فضال، عن ابن بكير، عن زرارة قال سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي. قال: ثبتت المعرفة في قلوبهم ونسوا الموقف وسيذكرونه يوماً ما، ولو لا ذلك لم يدر أحد من خالقه ولا من رازقه.

ورواه في علل الشرائع:1/117، ورواه في تفسير القمي، وفيه: فمنهم من أقر بلسانه في الذر ولم يؤمن بقلبه فقال الله: فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل.

التوحيد للصدوق/328-330: (روي الصدوق عشر روايات تحت عنوان (باب فطرة الله عز وجل الخلق علي التوحيد) وقد تقدم أكثرها، وجاء في السابعة منها (التوحيد ومحمد رسول الله وعلي أمير المؤمنين).

معاني الأخبار للصدوق/350: (محمد بن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: حُنَفَاءَ للهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ، وقلت: ما الحنفية؟ قال: هي الفطرة. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:3/276، وروي عدداً وافراً من هذه الأحاديث:3/276 وج 5/196 وص 223، والحلي في مختصر بصائر الدرجات/158-160، والحويزي في تفسير

نور الثقلين:2/96 وج 4/186.... وغيرهم.

الفطرة حالة استعداد لا تعني الاجبار و سلب الإختيار

نهج البلاغة:1/120: (اللهم داحي المدحوات وداعم المسموكات، وجابل القلوب علي فطرتها، شقيها وسعيدها، إجعل شرائف صلواتك ونوامي بركاتك علي محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما استقبل).

علل الشرائع:1/121: (أبي، قال حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه، عن غير واحد، عن الحسين بن نعيم الصحاف قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: أيكون الرجل مؤمناً قد ثبت له الإيمان ينقله الله بعد الإيمان إلي الكفر؟ قال: إن الله هو العدل، وإنما بعث الرسل ليدعو الناس إلي الإيمان بالله، ولا يدعو أحداً إلي الكفر. قلت فيكون الرجل كافراً قد ثبت له الكفر عند الله فينقله الله بعد ذلك من الكفر إلي الإيمان؟ قال: إن الله عز وجل خلق الناس علي الفطرة التي فطرهم الله عليها لا يعرفون إيماناً بشريعة ولا كفراً بجحود، ثم ابتعث الله الرسل إليهم يدعونهم إلي الإيمان بالله، حجةً لله عليهم، فمنهم من هداه الله، ومنهم من لم يهده. انتهي. ورواه في الكافي:2/416، وجاء في هامشه:

قال المجلسي رحمه الله: الظاهر أن كلام السائل استفهام، وحاصل الجواب: أن الله خلق العباد علي فطرة قابلة للايمان، وأتم علي جميعهم الحجة بإرسال الرسل وإقامة الحجج، فليس لأحد منهم حجة علي الله في القيامة، ولم يكن أحد منهم مجبوراً علي الكفر لا بحسب الخلقة ولا من تقصير في الهداية وإقامة الحجة، لكن بعضهم استحق الهدايات الخاصة منه تعالي فصارت مؤيدة لايمانهم، وبعضهم لم يستحق ذلك لسوء اختياره، فمنعهم تلك الألطاف فكفروا، ومع ذلك لم يكونوا مجبورين ولا مجبولين بعد ذلك من الإيمان إلي الكفر.

تفسير العياشي:1/104:

عن مسعدة عن أبي عبد الله عليه السلام في

قول الله: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ.

فقال: كان ذلك قبل نوح. قيل: فعلي هديً كانوا؟ قال: بل كانوا ضلالاً، وذلك أنه لما انقرض آدم وصالح ذريته بقي شيث وصيه لا يقدر علي إظهار دين الله الذي كان عليه آدم وصالح ذريته، وذلك أن قابيل تواعده بالقتل كما قتل أخاه هابيل، فسار فيهم بالتقية والكتمان، فازدادوا كل يوم ضلالاً حتي لم يبق علي الأرض معهم إلا من هو سلف، ولحق الوصي بجزيرة في البحر يعبد الله، فبدا لله تبارك وتعالي أن يبعث الرسل، ولو سئل هؤلاء الجهال لقالوا: قد فرغ من الأمر وكذبوا إنما هي (هو) أمر يحكم به الله في كل عام، ثم قرأ: فيها يفرق كل أمر حكيم، فيحكم الله تبارك وتعالي ما يكون في تلك السنة من شدة أو رخاء أو مطر أو غير ذلك.

قلت: أفضلالاً كانوا قبل النبيين أم علي هدي؟

قال: لم يكونوا علي هدي، كانوا علي فطرة الله التي فطرهم عليها لا تبديل لخلق الله، ولم يكونوا ليهتدوا حتي يهديهم الله، أما تسمع يقول إبراهيم: لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، أي ناسياً للميثاق. انتهي. ورواه في تفسير نور الثقلين:1/736

تفسير التبيان:2/195: (فإن قيل: كيف يكون الكل كفاراً مع قوله: فَهَدَيَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا؟قلنا: لا يمتنع أن يكونوا كلهم كانوا كفاراً، فلما بعث الله إليهم الأنبياء مبشرين ومنذرين اختلفوا، فآمن قوم ولم يؤمن آخرون.

وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: كانوا قبل نوح أمة واحدة علي فطرة الله، لا مهتدين ولا ضلالاً، فبعث الله النبيين....

بحار الأنوار:65/246: (وقال النيسابوري: إعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الإنسان في مبدأ فطرته

خال عن المعارف والعلوم، إلا أنه تعالي خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوي المدركة حتي ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات وحضرت صورها في ذهنه. ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافياً في جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلك الأحكام علوم بديهية، وإن لم يكن كذلك بل كانت متوقفة علي علوم سابقة عليها _ ولا محالة تنتهي إلي البديهيات قطعاً للدور أو التسلسل _ فهي علوم كسبية. فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أنه تعالي أعطي الحواس والقوي الداركة للصور الجزئية. وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمي بالبديهيات، وإنما لا يظهر آثارها عليها، حتي إذا قوي وترقي ظهرت آثارها شيئاً فشيئاً. وقد برهنا علي هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله: لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا، أنه لا يظهر أثر العلم عليهم، ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم. ومعني: لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، إن تصرفوا كل آلة في ما خلقت لاجله، وليس الواو للترتيب حتي يلزم من عطف (جعل) علي (أخرج) أن يكون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخراً عن الاخراج من البطن.

بحار الأنوار:1/93: (مص: قال الصادق عليه السلام: الجهل صورة ركبت في بني آدم، إقبالها ظلمة، وإدبارها نور، والعبد متقلب معها كتقلب الظل مع الشمس، ألا تري إلي الإنسان تارة تجده جاهلاً بخصال نفسه حامداً لها عارفاً بعيبها في غيره ساخطاً، وتارة تجده عالماً بطباعه ساخطاً لها حامداً لها في غيره، فهو متقلب بين العصمة والخذلان، فإن قابلته العصمة أصاب، وإن قابله الخذلان أخطأ، ومفتاح الجهل الرضا والإعتقاد به، ومفتاح

العلم الإستبدال مع إصابة موافقة التوفيق، وأدني صفة الجاهل دعواه العلم بلا إستحقاق، وأوسطه جهله بالجهل، وأقصاه جحوده العلم، وليس شئ إثباته حقيقة نفيه إلا الجهل والدنيا والحرص، فالكل منهم كواحد، والواحد منهم كالكل.

وقال في هامشه: وقوله عليه السلام: الجهل صورة ركبت.. إلخ. لأن طبيعة الإنسان في أصل فطرتها خالية عن الكمالات الفعلية والعلوم الثابتة، فكأن الجهل عجن في طينتها وركب مع طبيعتها، ولكن في أصل فطرته له قوة كسب الكمالات بالعلوم والتَّنَورٌّ والمعارف.

قوله عليه السلام: فالكل كواحد، لعل معناه أن هذه الخصال كخصلة واحدة لتشابه مباديها، وانبعاث بعضها عن بعض، وتقوي بعضها ببعض، كما لا يخفي.

بحار الأنوار:11/10:

... عن الباقر عليه السلام أنه قال: إنهم كانوا قبل نوح أمة واحدة علي فطرة الله لا مهتدين ولا ضلالاً، فبعث الله النبيين. انتهي.

قال المجلسي رحمه الله: وعلي هذا فالمعني أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم غير مهتدين إلي نبوة ولا شريعة.

الاقتصاد للشيخ الطوسي/100: (فإن قيل: لو كانت المعرفة لطفاً لما عصي أحد.

قلنا: اللطف لا يوجب الفعل، وإنما يدعو إليه ويقوي الداعي إليه ويسهله، فربما وقع عنده الفعل، وربما يكون معه أقرب وإن لم يقع.

شرح الأسماء الحسني:2/84: (كما سئل عليه السلام: أنحن في أمر فرغ أم في أمر مستأنف؟ فقال: في أمر فرغ وفي أمر مستأنف، فالموضوعان السعيد والشقي الاخرويان كما قال تعالي: يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ.

إن قلت: هذا فيما سوي هذا الوجه ينافي قوله صلي الله عليه وآله: كل مولود يولد علي فطرة الإسلام، إلا أن أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه؟

قلت: كل مولود يولد علي الفطرة روحاً وصورة بالجهة النورانية، والسعيد

سعيد في بطن أمه وكذا الشقي جسداً ومادة، وإذا جعلنا بطن الأم النشاة العلمية فكل مولود يولد علي الفطرة وجوداً، والسعيد سعيد ماهية ومفهوماً، وكذا الشقي شقي ماهية ومفهوماً، كل منهما بالحمل الأولي، ليس فاقداً لنفسه، وليس مفهوم أحدهما هو المفهوم من الآخر، فإن المفاهيم من أية نشأة كانت فطرتها وذاتيها الإختلاف، والوجود أية مرتبة منه ذاته وجبلته الوحدة والإتفاق، ما به الإمتياز فيه عين ما به الإشتراك، به استمساك الماهيات التي هي مثار الكثرة والمخالفة، فهو جهة ارتباطها ونظمها وبه لا انفصام لها.

وبالجملة قد ظهر لك أن اختلاف الوجودات مرتبة في العين، واختلاف قبول الماهيات لمراتب الوجود المقول بالتشكيك فيه، علي طبق اختلاف الماهيات بحسب المفهوم في العلم. وهذا معني اختلاف الطينة في الأزل كما هو عن الأئمة^مأثور... وهو مقتضي العدل.

ويمكن التوفيق بين هذا القول التحقيقي البرهاني والذوقي الوجداني، وبين القول بالتسوية في الطينة باعتبار الوجود والماهية، ولا سيما في مقام الجمع.

شرح الأسماء الحسني:1/54: (قال صدر المتألهين: إن الله عز وجل لا يولي أحداً إلا ما تولاه طبعاً وإرادة، وهذا عدل منه ورحمة. وقد ورد أن الله تعالي خلق الخلق كلهم في ظلمة ثم قال: ليختر كل منكم لنفسه صورة أخلقه عليها، وهو قوله: خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ، فمنهم من قال رب اخلقني خلقاً قبيحاً أبعد ما يكون في التناسب وأوغله في التنافر، حتي لا يكون مثلي في القبح والبعد عن الاعتدال أحد، ومنهم من قال خلاف ذلك، وكل منهما أحب لنفسه التفرد فإن حب الفردانية فطرة الله السارية في كل الأمم التي تقوم بها وجود كل شئ، فخلق الله كلاً علي ما اختاره لنفسه، فتحت كل منكر معروف وقبل كل لعنة

رحمة وهي الرحمة التي وسعت كل شئ، فإن الله يولي كلاً ما تولي، وهو قوله تعالي: وَ مَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا، فإن شك في ذلك شاك فليتأمل قوله تعالي: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا.. الآية، ليعلم أن الله تعالي لا يحمل أحداً شيئاً قهراً وقسراً، بل يعرضه أولاً فإن تولاه ولاه وإلا فلا. وهذا من رحمة الله وعدله.

لا يقال: ليس تولي الشئ ما تولاه عدلاً حيث لا يكون ذلك التولي عن رشد وبصيرة فإن السفيه قد يختار لنفسه ما هو شر بالنسبة إليه وضر لجهله وسفاهته، فالعدل والشفقة عليه منعه إياه، لأنا نقول: هذا التولي والتوجيه الذي كلامنا فيه أمر ذاتي لا يحكم عليه بالخير والشر بل هو قبلهما، لأن ما يختاره السفيه إنما يعد شراً بالقياس إليه لأنه مناف لذاته بعد وجوده، فلذاته اقتضاء أول متعلق بنقيض هذه السفاهة، فذلك هو الذي أوجب أن يسمي ذلك شراً بالقياس إليه.

وأما الاقتضاء الأول الذي كلامنا فيه فلا يمكن وصفه بالشر، لأنه لم يكن قبله اقتضاء يكون هذا بخلافه فيوصف بأنه شر، بل هو الإقتضاء الذي جعل الخير خيراً، لأن الخير لشئ ليس إلا ما يقتضيه ذاته. والتولي الذي كلامنا فيه هو الإستدعاء الذاتي الأزلي والسؤال الوجودي الفطري الذي يسأله الذات المطيعة السامعة لقول كن، وقوله ليس أمر قسر وقهر، لأن الله عز وجل غني عن العالمين، فكأنه قال لربه إئذن لي أن أدخل في عدلك وهو الوجود، فقال الله تعالي كن.

تفسير الميزان:2/346: (لكن يمكن أن يقال إن الإنسان بحسب خلقته

علي نور الفطرة هو نور إجمالي يقبل التفصيل، وأما بالنسبة إلي المعارف الحقة والأعمال الصالحة تفصيلاً فهو في ظلمة بعد لعدم تبين أمره. والنور والظلمة بهذا المعني لا يتنافيان ولا يمتنع اجتماعهما، والمؤمن بإيمانه يخرج من هذه الظلمة إلي نور المعارف والطاعات تفصيلاً، والكافر بكفره يخرج من نور الفطرة إلي ظلمات الكفر والمعاصي التفصيلية.

والاتيان بالنور مفرداً وبالظلمات جمعاً في قوله تعالي: يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إلي النُّورِ، وقوله تعالي: يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلي الظُّلُمَاتِ، للإشارة إلي أن الحق واحد لا اختلاف فيه كما أن الباطل متشتت مختلف لا وحدة فيه، قال تعالي: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ... الانعام: 153

مجموعة الرسائل للشيخ الصافي 243: (للشيخ المفيد في بحث الإعتقاد بالفطرة رأي آخر غير ما ذهب إليه الشيخ الصدوق، ولتوضيح ذلك نقول: توجد في باب الإعتقاد بالفطرة وآيات الفطرة وأحاديثها كالحديث (فطرهم علي التوحيد) أو (كل مولود يولد علي الفطرة) ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: أن المراد من ذلك هو أن الله جعل فطرة الإنسان نقية مقتضية للتوحيد والعقائد الحقة، وحب الحق والخير والتصديق بحسن العدل وقبح الظلم والنفور عن الباطل والشر، بحيث لو لم يحجب هذه الفطرة الأمور المخالفة من قبيل التربية فالإنسان بنفسه سيهتدي إلي الله ويقر بوجود الصانع، كما يتقبل العقائد الحقة عندما تعرض عليه.

والصدوق فسر الفطرة بهذا المعني وقد بحثنا بتفصيل في (رسالتنا) في تفسير آية الفطرة حول هذا الوجه وكونه موافقاً لاصول العقائد الإسلامية في الفطرة والأحاديث الشريفة التي تدل علي هذا المعني.

الوجه الثاني: أن معني (فطر الله الخلق علي التوحيد) فطرهم للتوحيد، أي خلق الناس للاعتقاد بالتوحيد، وإلي هذا المعني ذهب الشيخ الاعظم

الشيخ المفيد، واختاره.

الوجه الثالث: هو أنه عبر عن إرادة التوحيد منهم بالإرادة التكوينية، والظاهر أن المفيد استظهر من كلام الصدوق هذا الوجه، فأجاب عن ذلك بقوله: لو كان الأمر كذلك لكان الجميع موحدين.

وبديهي أنه لو كان الأمر دائراً بين الوجه الثاني والثالث، فالقول الصحيح والمعتبر هو قول المفيد (الوجه الثاني).

لكن بما أننا قلنا بأن الوجه المعتبر المستفاد من الآية والروايات هو القول الأول وهو ما اختاره الصدوق ظاهراً، وفيه رجحان علي القول الثاني ظاهراً

الفطرة والميثاق و عالم الذر

عالم الذر

تفسير نور الثقلين:1/55: (في كتاب علل الشرايع بإسناده إلي حبيب قال: حدثني الثقة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالي أخذ ميثاق العباد وهم أظلة قبل الميلاد، فما تعارف من الأرواح ائتلف، وما تناكر منها اختلف.

وبإسناده إلي حبيب، عمن رواه، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ما تقول في الأرواح إنها جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف؟ قال فقلت إنا نقول ذلك، قال: فإنه كذلك، إن الله عز وجل أخذ من العباد ميثاقهم وهم أظلة قبل الميلاد وهو قوله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ، إلي آخر الآية، قال: فمن أقر به يومئذ جاءت ألفته هاهنا، ومن أنكره يومئذ جاء خلافه هاهنا.

في كتاب التوحيد، بإسناده إلي أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمن يوم القيمة؟ قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيمة، فقلت متي؟ قال: حين قال لهم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيمة، ألست تراه في

وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا، فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعني ما تقول ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

في الكافي، محمد بن يحيي، عن محمد بن موسي، عن العباس بن معروف، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال له رجل: كيف سميت الجمعة جمعة؟ قال: إن الله عز وجل جمع فيها خلقه لولاية محمد صلي الله عليه وآله ووصيه في الميثاق، فسماه يوم الجمعة لجمعه فيه خلقه.

في غوالي اللئالي، وقال عليه السلام: أخذ الله الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفة، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم، وتلا: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي.

في الكافي، أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن صفوان، عن أبي عميرة، عن عبد الرحمان الحذاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: كان علي بن الحسين (عليهما السلام) لا يري بالعزل بأساً، أتقرأ هذه الآية: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، فكل شئ أخذ الله منه الميثاق فهو خارج وإن كان علي صخرة صماء.

عن ابن مسكان، عن بعض أصحابه، عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن أمتي عرضت علي في الميثاق، فكان أول من آمن بي علي عليه السلام، وهو أول من صدقني حين بعثت، وهو الصديق الأكبر، والفاروق يفرق بين الحق والباطل.

عن

أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، قالوا بألسنتهم؟ قال: نعم وقالوا بقلوبهم، فقلت: وأي شئ كانوا يومئذ؟ قال: صنع منهم ما اكتفي به.

عن الأصبغ بن نباتة، عن علي عليه السلام قال: أتاه ابن الكوا فقال: يا أمير المؤمنين أخبرني عن الله تبارك وتعالي هل كلم أحداً من ولد آدم قبل موسي؟ فقال علي عليه السلام: قد كلم الله جميع خلقه برّهم وفاجرهم وردوا عليه الجواب، فثقل ذلك علي ابن الكوا ولم يعرفه، فقال له: كيف كان ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال له: أو ما تقرأ كتاب الله إذ يقول لنبيه: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، فقد أسمعهم كلامه وردوا عليه الجواب، كما تسمع ف قول الله يابن الكوا وقالوا بلي، فقال لهم: إني أنا الله لا إله إلا أنا، وأنا الرحمان، فأقروا له بالطاعة والربوبية، وميز الرسل والأنبياء والاوصياء، وأمر الخلق بطاعتهم فأقروا بذلك في الميثاق، فقال الملائكة عند إقرارهم: شهدنا عليكم يا بني آدم أن تقولوا يوم القيمة إنا كنا عن هذا غافلين.

في الكافي، محمد بن يحيي وغيره، عن أحمد عن موسي بن عمر، عن ابن سنان عن سعيد القماط، عن بكير بن أعين قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام: لأي علة وضع الله الحجر في الركن الذي هو فيه ولم يضع في غيره؟ ولأي علة يُقَبَّل؟ ولأي علة أخرج من الجنة، ولأي علة وضع ميثاق العباد فيه والعهد فيه ولم يوضع في غيره، وكيف السبب ذلك؟ تخبرني جعلني الله فداك فإن تفكري فيه لعجب! قال فقال: سألت وأعضلت في

المسالة واستقصيت، فافهم الجواب وفرغ قلبك وأصغ سمعك، أخبرك إن شاء الله، إن الله تبارك وتعالي وضع الحجر الأسود وهي جوهرة أخرجت من الجنة إلي آدم عليه السلام فوضعت في ذلك الركن لعلة الميثاق، وذلك أنه لما أخذ من بني آدم من ظهورهم ذريتهم حين أخذ الله عليهم الميثاق في ذلك المكان وفي ذلك المكان ترائي لهم، وفي ذلك المكان يهبط الطير علي القائم عليه السلام فأول من يبايعه ذلك الطير، وهو والله جبرئيل عليه السلام وإلي ذلك المقام يسند القائم ظهره وهو الحجة والدليل علي القائم، وهو الشاهد لمن وافي في ذلك المكان، والشاهد علي من أدي إليه الميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل علي العباد.

فأما علة ما أخرجه الله من الجنة، فهل تدري ما كان الحجر؟ قلت: لا، قال: كان ملكاً من عظماء الملائكة عند الله فلما أخذ الله من الملائكة الميثاق كان أول من آمن به وأقر ذلك الملك، فاتخذه لله أميناً علي جميع خلقه، فألقمه الميثاق وأودعه عنده، واستعبد الخلق أن يجددوا عنده في كل سنة الإقرار بالميثاق والعهد الذي أخذ الله عز وجل عليهم، ثم جعله الله مع آدم في الجنة يذكره الميثاق ويجدد عنده الإقرار في كل سنة، فلما عصي آدم أخرج من الجنة أنساه الله العهد والميثاق الذي أخذ الله عليه وعلي ولده لمحمد صلي الله عليه وآله ولوصيه عليه السلام وجعله تائهاً حيراناً، فلما تاب الله علي آدم حول ذلك الملك في صورة بيضاء، فرماه من الجنة إلي آدم وهو بأرض الهند، فلما نظر إليه أنس إليه وهو لا يعرفه بأكثر من أنه جوهرة، وأنطقه الله عز وجل، فقال له: ياآدم أتعرفني؟ قال لا، قال:

أجل استحوذ عليك الشيطان فأنساك ذكر ربك، ثم تحول إلي صورته التي كان مع آدم عليه السلام في الجنة، فقال لادم: أين العهد والميثاق، فوثب إليه آدم عليه السلام وذكر الميثاق وبكي وخضع وقبله، وجدد الإقرار بالعهد والميثاق، ثم حوله الله عز وجل إلي جوهرة درة بيضاء صافية تضي، فحمله آدم علي عاتقه إجلالاً له وتعظيماً، فكان إذا أعيا حمله عنه جبرئيل عليه السلام حتي وافي به مكة فما زال يأنس به بمكة ويجدد الإقرار له كل يوم وليلة، ثم إن الله عز وجل لما بني الكعبة وضع الحجر في ذلك المكان، لأنه تبارك وتعالي حين أخذ الميثاق من ولد آدم أخذه في ذلك المكان، وفي ذلك المكان ألقم الله الملك الميثاق، ولذلك وضع في ذلك الركن وتنحي آدم من مكان البيت إلي الصفا وحوالي المروة، ووضع الحجر في ذلك الركن، فلما نظر آدم من الصفا وقد وضع الحجر في الركن كبر الله وهلله ومجده، فلذلك جرت السنة بالتكبير واستقبال الركن الذي فيه الحجر من الصفا، فإن الله أودعه الميثاق والعهد دون غيره من الملائكة...

بحار الأنوار:3/276:

سن البزنطي، عن رفاعة، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي. قال: نعم لله الحجة علي جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا وقبض يده. نعم لله الحجة علي جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق، هكذا وقبض يده.

بحار الأنوار:5/244:

عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل خلق الخلق فخلق من أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق من أبغض مما

أبغض وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال: فقلت وأي شئ الظلال؟ فقال: ألم تر إلي ظلك في الشمس شئ وليس بشئ؟ ثم بعث منهم النبيين فدعوهم إلي الإقرار بالله وهو قوله عز وجل: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ، ثم دعوهم إلي الإقرار بالنبيين فأنكر بعض وأقر بعض، ثم دعوهم إلي ولايتنا فأقر بها والله من أحب، وأنكرها من أبغض، وهو قوله عز وجل: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ، ثم قال أبو جعفر عليه السلام: كان التكذيب ثَمَّ.

توضيح: قوله عليه السلام: في الظلال، أي عالم الأرواح بناء علي أنها أجسام لطيفة، ويحتمل أن يكون التشبيه للتجرد أيضاً تقريباً إلي الافهام، أو عالم المثال علي القول به قبل الانتقال إلي الابدان.

تذكير الأنبياء بميثاق الفطرة

سمي الله عز وجل القرآن الكريم: الذِّكْرَ، ووصف عمل النبي صلي الله عليه وآله بأنه تذكير، واستعمل مادة التذكير في القرآن للتذكير بالله تعالي، والتذكير باليوم الآخر، والتذكير بالفطرة والميثاق.

ووصف أمير المؤمنين علي عليه السلام عمل الأنبياء عليهم السلام بأنه مطالبة للناس بالانسجام مع ميثاق الفطرة، قال عليه السلام في خطبة طويلة في نهج البلاغة:1/23، يذكر فيها خلق آدم عليه السلام وصفته:

«فأهبطه إلي دار البلية، وتناسل الذرية، اصطفي سبحانه من ولده أنبياء، أخذ علي الوحي ميثاقهم، وعلي تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الانداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع.... إلي آخر الخطبة».

وقال الشيخ محمد عبده

في شرح قوله عليه السلام «ليستأدوهم ميثاق فطرته»: كأن الله تعالي بما أودع في الإنسان من الغرائز والقوي، وبما أقام له من الشواهد وأدلة الهدي قد أخذ عليه ميثاقاً بأن يصرف ما أوتي من ذلك فيما خلق له، وقد كان يعمل علي ذلك الميثاق ولا ينقضه لولا ما اعترضه من وساوس الشهوات، فبعث إليه النبيين ليطلبوا من الناس أداء ذلك الميثاق، أي ليطالبوهم بما تقتضيه فطرتهم وما ينبغي أن تسوقهم إليه غرائزهم.

دفائن العقول: أنوار العرفان التي تكشف للانسان أسرار الكائنات، وترتفع به إلي الايقان بصانع الموجودات، وقد يحجب هذه الأنوار غيوم من الأوهام وحجب من الخيال، فيأتي النبيون لإثارة تلك المعارف الكامنة وإبراز تلك الأسرار الباطنة.

وقال الراغب الأصفهاني في المفردات/179:

الذِّكْرَ: تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتباراً بإحرازه، والذكر يقال اعتباراً باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشئ القلب أو القول، ولذلك قيل الذكر ذكران: ذكر بالقلب وذكر باللسان، وكل واحد منهما ضربان، ذكر عن نسيان وذكر لا عن نسيان بل عن إدامة الحفظ. وكل قول يقال له ذكر.

فمن الذكر باللسان قوله تعالي: لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ، وقوله تعالي: وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ، وقوله: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي، وقوله: أَءُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنَا، أي القرآن، وقوله تعالي: وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ... ومن الذكر عن النسيان قوله: فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَ مَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ.

ومن الذكر بالقلب واللسان معاً قوله تعالي: فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا، وقوله: فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ...

والذكري: كثرة الذكر، وهو

أبلغ من الذكر، قال تعالي: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَي لأُولِي الأَلْبَابِ، وذكر فإن الذكري تنفع المؤمنين....

وقال الراغب أيضاً: الوعظ زجر مقترن بتخويف. قال الخليل: هو التذكير بالخير فيما يرق له القلب. والعظة والموعظة الاسم، قال تعالي: يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ. ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ. قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ....

وقال أبو هلال العسكري في الفروق اللغوية/121:

الفرق بين التذكير والتنبيه: أن قولك ذكر الشئ، يقتضي أنه كان عالماً به ثم نسيه فرده إلي ذكره ببعض الأسباب، وذلك أن الذكر هو العلم الحادث بعد النسيان علي ما ذكرنا. ويجوز أن ينبه الرجل علي الشئ لم يعرفه قط، ألا تري أن الله ينبه علي معرفته بالزلازل والصواعق وفيهم من لم يعرفه البتة فيكون ذلك تنبيهاً له كما يكون تنبيهاً لغيره، ولا يجوز أن يذكره ما لم يعلمه قط. انتهي.

وفيما ذكره اللغويون فوائد ومحال للنظر، وحاصل المسألة: أنه يصح القول إن تسمية القرآن والدين بالذكر لأنه يدل علي ما أودعه الله تعالي في عمق فكر الإنسان ومشاعره من الفطرة علي التوحيد ومعرفة الله، ولكن السبب الأهم أنه يثير ما بقي في ذهنه ووجدانه من نشأته الأولي وحنينه إلي عالم الغيب والآخرة، وإحساسه بالميثاق الذي أخذ عليه في تلك النشأة.

وقد لاحظت أن الروايات صريحة في أخذ الميثاق علي الناس قبل خلقهم في هذه الدنيا، وهي متواترة في مصادر المسلمين، ولذا فإن تفسير تذكير الأنبياء لا يصح حصره بتذكير الإنسان بفطرته لكي ينسجم معها، والتغافل عن التذكير الحقيقي بالميثاق الذي صرحت به الأحاديث الشريفة.

كل مولود يولد علي الفطرة

الكافي:2/12:

قال رسول الله صلي الله عليه وآله: كل مولود يولد علي الفطرة، يعني المعرفة بأن الله عز وجل خالقه، كذلك قوله:

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ.

علل الشرائع:2/376:

أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن سهل بن زياد، عن علي بن الحكم، عن فضيل بن عثمان الأعور قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ما من مولود ولد إلا علي الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، وإنما أعطي رسول الله صلي الله عليه وآله الذمة وقبل الجزية عن رؤوس أولئك بأعيانهم علي أن لا يهودوا ولا ينصروا ولا يمجسوا. فأما الأولاد وأهل الذمة اليوم فلا ذمة لهم! انتهي. ورواه الصدوق في الفقيه:2/49، وفي التوحيد/330، وروي المجلسي عدداً من هذه الأحاديث في بحار الأنوار:100/65، والعاملي في وسائل الشيعة:11/96

من لا يحضره الفقيه:2 هامش/50:

وقال الفاضل التفرشي: قوله: إلا علي الفطرة، أي علي فطرة الإسلام وخلقته، أي المولود خلق في نفسه علي الخلقة الصحيحة التي لو خلي وطبعه كان مسلماً صحيح الإعتقاد والأفعال، وإنما يعرض له الفساد من خارج، فصيرورته يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً إنما هي من قبل أبويه غالباً لأنهما أشد الناس اختلاطاً وتربية له، ولعل وجه انتفاء ذمتهم أن ذمة رسول الله صلي الله عليه وآله لم تشملهم، بل أعطاهم الذمة بسبب أن لا يفسدوا اعتقاد أولادهم ليحتاجوا إلي الذمة. ولم يعطوا الذمة من قبل الأوصياء عليهم السلام لعدم تمكنهم في تصرفات الإمامة، وإنما يعطوها من قبل من ليس له تلك الولاية، فإذا ظهر الحق وقام القائم عليه السلام لم يقروا علي ذلك ولا يقبل منهم إلا الإسلام. وأخذ الجزية منهم هذا الزمان من قبيل أخذ الخراج من الأرض، والمنع عن التعرض لهم باعتبار الأمان. وأما قوله في حديث زرارة الآتي: ذلك إلي الإمام، فمعناه أنه إذا

كان متمكناً ويري المصلحة في أخذ الجزية منهم كما وقع في زمان رسول الله صلي الله عليه وآله وهو لا ينافي انتفاء الذمة عنهم اليوم. انتهي.

تفسير التبيان:8/247: (قال مجاهد: فطرة الله الإسلام، وقيل فطر الناس عليها ولها وبها بمعني واحد، كما يقول القائل لرسوله: بعثتك علي هذا ولهذا وبهذا بمعني واحد. ونصب فطرة الله علي المصدر، وقيل تقديره: اتبع فطرة الله التي فطر الناس عليها، لأن الله تعالي خلق الخلق للإيمان، ومنه قوله صلي الله عليه وآله: كل مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه.

ومعني الفطر الشق ابتداءً، يقولون: أنا فطرت هذا الشئ أي أنا ابتدأته، والمعني خلق الله الخلق للتوحيد والإسلام.

بحار الأنوار:3/22: (غوالي: قال النبي صلي الله عليه وآله: كل مولود يولد علي الفطرة حتي يكون أبواه يهودانه وينصرانه.

بيان: قال السيد المرتضي رحمه الله في كتاب الغرر والدرر بعد نقل بعض التأويلات عن المخالفين في هذا الخبر: والصحيح في تأويله أن قوله يولد علي الفطرة، يحتمل أمرين:

أحدهما: أن تكون الفطرة هاهنا الدين، ويكون علي بمعني اللام، فكأنه قال: كل مولود يولد للدين ومن أجل الدين، لأن الله تعالي لم يخلق من يبلغه مبلغ المكلفين إلا ليعبده فينتفع بعبادته، يشهد بذلك قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ. والدليل علي أن علي تقوم مقام اللام ما حكاه يعقوب بن السكيت عن أبي يزيد، عن العرب أنهم يقولون: صف عليَّ كذا وكذا حتي أعرفه، بمعني صف لي، ويقولون: ما أغبطك عليَّ يريدون ما أغبطك لي، والعرب تقيم بعض الصفات مقام بعض، وإنما ساغ أن يريد بالفطرة التي هي الخلقة في اللغة الدين من حيث كان هو المقصود بها، وقد

يجري علي الشئ اسم ماله به هذا الضرب من التعلق والاختصاص، وعلي هذا يتأول قوله تعالي: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، أراد دين الله الذي خلق الخلق له. وقوله تعالي: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، أراد به أن ما خلق الله العباد له من العبادة والطاعة ليس مما يتغير ويختلف حتي يخلق قوماً للطاعة وآخرين للمعصية. ويجوز أن يريد بذلك الأمر، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فكأنه قال: لا تبدلوا ما خلقكم الله له من الدين والطاعة بأن تعصوا وتخالفوا.

والوجه الآخر في تأويل قوله عليه السلام علي الفطرة: أن يكون المراد به الخلقة، وتكون لفظة (علي) علي ظاهرها لم يرد بها غيره، ويكون المعني: كل مولود يولد علي الخلقة الدالة علي وحدانية الله تعالي وعبادته والإيمان به، لأنه عز وجل قد صور الخلق وخلقهم علي وجه يقتضي النظر فيه معرفته والإيمان به وإن لم ينظروا ويعرفوا، فكأنه عليه السلام قال: كل مخلوق ومولود فهو يدل بخلقته وصورته علي عبادة الله تعالي وإن عدل بعضهم فصار يهودياً أو نصرانياً. وهذا الوجه أيضاً يحتمله قوله تعالي: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.

وإذا ثبت ما ذكرناه في معني الفطرة فقوله عليه الصلاة والسلام: حتي يكون أبواه يهودانه وينصرانه، يحتمل وجهين:

أحدهما: أن من كان يهودياً أو نصرانياً ممن خلقته لعبادتي وديني فإنما جعله أبواه كذلك، أو من جري مجراهما ممن أوقع له الشبهة وقلده الضلال عن الدين، وإنما خص الابوين لأن الأولاد في الاكثر ينشؤون علي مذاهب آبائهم ويألفون أديانهم ونحلهم، ويكون الغرض بالكلام تنزيه الله تعالي عن ضلال العباد وكفرهم، وأنه إنما خلقهم للإيمان فصدهم عنه آباؤهم، أو من جري مجراهم.

والوجه الآخر: أن يكون معني يهودانه وينصرانه أي يلحقانه بأحكامهما، لأن أطفال أهل الذمة قد ألحق الشرع أحكامهم بأحكامهم، فكأنه عليه السلام قال: لا تتوهموا من حيث لحقت أحكام اليهود والنصاري أطفالهم أنهم خلقوا لدينهم، بل لم يخلقوا إلا للإيمان والدين الصحيح، لكن آباءهم هم الذين أدخلوهم في أحكامهم، وعبر عن إدخالهم في أحكامهم بقوله: يهودانه وينصرانه.

وقال البخاري في صحيحه:2/97: (أن أبا هريرة (رض) قال: قال رسول الله (ص): ما من مولود إلا يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة، هل تحسون فيها من جدعاء، ثم يقول أبو هريرة (رض): فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم.

وقال في:2/104: (عن أبي هريرة (رض) قال قال رسول الله (ص): كل مولود يولد علي الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل تري فيها جدعاء. انتهي. وروي نحوه في:6/20 وفي:7/211 ورواه أحمد في مسنده:2/233 كما في رواية البخاري الأولي. ورواه في:2/275 وزاد (ثم يقول واقرؤوا إن شئتم: فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).

وروي أحمد في:2/282: (عن طاوس عن أبي هريرة أن النبي(ص)قال: كل مولود ولد علي الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه، مثل الأنعام تنتج صحاحاً فتكوي آذانها. انتهي. وروي نحوه في:2/346 وج 3/353، وروي نحوه مسلم في:8/52 وأبو داود في:2/416، والترمذيج 3/303، والحاكم:2/323، وكنز العمال:1/266، والسيوطي في الدر المنثور:2/224 وج5/155، والبيهقي في سننه:6/202 و:9/130

وفي شعب الإيمان:1/97: عن أبي هريرة، وروي عنه أيضاً أن رسول الله (ص) قال: كل إنسان تلده أمه علي الفطرة يلكزه الشيطان في حضنيه، إلا مريم وابنها. انتهي. وهو غريب يشبه مقولات

النصاري.

و كل الحيوانات فطرت علي معرفة الله تعالي

الكافي:6/539: (أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن الحجال، وابن فضال، عن ثعلبة، عن يعقوب بن سالم، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: مهما أبهم علي البهائم من شئ فلا يبهم عليها أربعة خصال: معرفة أن لها خالقاً، ومعرفة طلب الرزق ومعرفة الذكر من الأنثي، ومخافة الموت. انتهي.

ورواه في من لايحضره الفقيه:2/288 وقال: (وأما الخبر الذي روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لو عرفت البهائم من الموت ما تعرفون ما أكلتم منها سميناً قط، فليس بخلاف هذا الخبر، لأنها تعرف الموت لكنها لا تعرف منه ما تعرفون. انتهي، ورواه في وسائل الشيعة:8/352.

ومحل هذا الموضوع في المعرفة، لكن أوردناه هنا ليتضح أن الإنسان والحيوان مفطوران علي معرفة الله تعالي، بل والجماد أيضاً كما قال تعالي (وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ).

التوجه الفطري إلي الله تعالي

شرح الأسماء الحسني:1/67: (يا ملجئي عند اضطراري: فإن الإنسان إذا انقطعت جميع وسائله وانبتت تمام حبائله التجأ إليه تعالي بالفطرة وتشبث به بالجبلة، ولذا استدل الأئمة المعصومون كثيراً علي منكري الصانع بالحالات المشاهدة، والوقوع في مظان التهلكة.

شرح الأسماء الحسني:1/164: (يا أحب من كل حبيب: أما أنه أحب من كل حبيب لأهله فواضح، وقد مر، وأما أنه أحب للكل كما هو مقتضي الإطلاق فلأن كل كمال وإفضال لما كان عكس كماله وإفضاله ومحبوبيتها باعتبار وجهها إلي الله، رجع محبوبيتها إلي محبوبيته، فإليه يرجع عواقب الثناء كما ورد عن المعصوم، ولكن لا يستشعر بذلك إلا الخواص.

والتفاضل والإيمان والكفر بذلك الاستشعار، أو لأنه أحب لهم إجمالاً أو فطرة، كما أن الجاهل يعلم أن العالم خير منه، والغضبان يصدق بأن الحليم أشرف منه، والبخيل بأن

الجواد أفضل منه، فهم يحبون الصفات الحميدة فطرةً وإن أحبوا تلك الرذايل بالغريزة الثانية.

شرح الأسماء الحسني:2/4: (تنبيهاً علي أنه تعالي هو المعروف بتلك الصلات والصفات عند الفطرة الأولي التي فطر الناس عليها، فلا تذهب العقول إلي غيره تعالي حتي عقول الكفار، كما قال تعالي: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ، وحين قال الخليل عليه السلام: إن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، لم ينكره نمرود بل بهت، لأن فطرته حاكمة بأن القادر علي ذلك ليس إلا هو.

رأي صاحب تفسير الميزان في عالم الذر والمعرفة والميثاق

تفسير الميزان للطباطبائي:8/305: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا

أخذ الشئ من الشئ يوجب انفصال المأخوذ من المأخوذ منه واستقلاله دونه بنحو من الأنحاء، وهو يختلف باختلاف العنايات المتعلقة بها والإعتبارات المأخوذة فيها كأخذ اللقمة من الطعام وأخذ الجرعة من ماء القدح، وهو نوع من الأخذ، وأخذ المال والأثاث من زيد الغاصب، أو الجواد أو البائع أو المعير، وهو نوع آخر، أو أنواع مختلفة أخري، وكأخذ العلم من العالم وأخذ الأهبة من المجلس وأخذ الحظ من لقاء الصديق، وهو نوع، وأخذ الولد من والده للتربية، وهو نوع.. إلي غير ذلك.

فمجرد ذكر الأخذ من الشئ لا يوضح نوعه إلا ببيان زائد، ولذلك أضاف الله سبحانه إلي قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، الدال علي تفريقهم وتفصيل بعضهم من بعض: قوله مِنْ ظُهُورِهِمْ، ليدل علي نوع الفصل والأخذ، وهو أخذ بعض المادة منها بحيث لا تنقص المادة المأخوذ منها بحسب صورتها ولا تنقلب عن تمامها واستقلالها، ثم تكميل الجزء المأخوذ شيئاً تاماً مستقلاً من نوع المأخوذ منه، فيؤخذ الولد من

ظهر من يلده ويولده وقد كان جزء، ثم يجعل بعد الأخذ والفصل إنساناً تاماً مستقلاً من والديه بعد ما كان جزء منهما، ثم يؤخذ من ظهر هذا المأخوذ مأخوذ آخر وعلي هذه الوتيرة حتي يتم الأخذ وينفصل كل جزء عما كان جزء منه ويتفرق الأناسي وينتشر الأفراد وقد استقل كل منهم عمن سواه، ويكون لكل واحد منهم نفس مستقلة لها ما لها وعليها ما عليها.

فهذا مفاد قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، ولو قال أخذ ربك من بني آدم ذريتهم أو نشرهم ونحو ذلك، بقي المعني علي إبهامه.

وقوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، ينبي عن فعل آخر إلهي تعلق بهم بعد ما أخذ بعضهم من بعض، وفصل بين كل واحد منهم وغيره، وهو إشهادهم علي أنفسهم، والإشهاد علي الشئ هو إحضار الشاهد عنده وإراءته حقيقته ليتحمله علماً تحملاً شهودياً، فإشهادهم علي أنفسهم هو إراءتهم حقيقة أنفسهم ليتحملوا ما أريد تحملهم من أمرها، ثم يؤدوا ما تحملوه إذا سئلوا.

وللنفس في كل ذي نَفَس جهات من التعلق والإرتباط بغيرها يمكن أن يستشهد الإنسان علي بعضها دون بعض، غير أن قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، يوضح ما أشهدوا لأجله وأريد شهادتهم عليه، وهو أن يشهدوا ربوبيته سبحانه لهم فيؤدوها عند المسألة. فالإنسان وإن بلغ من الكبر والخيلاء ما بلغ وغرته مساعدة الأسباب ما غرته واستهوته، لا يسعه أن ينكر أنه لايملك وجود نفسه ولا يستقل بتدبير أمره، ولو ملك نفسه لوقاها مما يكرهه من الموت وسائر آلام الحياة ومصائبها، ولو استقل بتدبير أمره لم يفتقر إلي الخضوع قبال الأسباب الكونية والوسائل التي يري لنفسه أنه يسودها ويحكم فيها، ثم هي كالإنسان في الحاجة

إلي ماوراءها والإنقياد إلي حاكم غائب عنها يحكم فيها لها أو عليها، وليس إلي الإنسان أن يسد خلتها ويرفع حاجتها.

فالحاجة إلي رب مالك مدبر حقيقة الإنسان، والفقر مكتوب علي نفسه، والضعف مطبوع علي ناصيته، لا يخفي ذلك علي إنسان له أدني الشعور الإنساني والعالم والجاهل والصغير والكبير والشريف والوضيع في ذلك سواء. فالإنسان في أي منزل من منازل الإنسانية نزل، يشاهد من نفسه أن له رباً يملكه ويدبر أمره، وكيف لا يشاهد ربه وهو يشاهد حاجته الذاتية، وكيف يتصور وقوع الشعور بالحاجة من غير شعور بالذي يحتاج إليه.

فقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ بيان ما أشهد عليه، وقوله: قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا، اعتراف منهم بوقوع الشهادة وما شهدوه.

ولذا قيل إن الآية تشير إلي ما يشاهده الإنسان في حياته الدنيا أنه محتاج في جميع جهات حياته من وجوده وما يتعلق به وجوده من اللوازم والأحكام، ومعني الآية إنا خلقنا بني آدم في الأرض وفرقناهم وميزنا بعضهم من بعض بالتناسل والتوالد وأوقفناهم علي احتياجهم ومربوبيتهم لنا، فاعترفوا بذلك قائلين: بلي شهدنا أنك ربنا. وعلي هذا يكون قولهم بلي شهدنا من قبيل القول بلسان الحال أو إسناداً للازم القول إلي القائل بالملزوم، حيث اعترفوا بحاجاتهم ولزمهم الإعتراف بمن يحتاجون إليه.

والفرق بين لسان الحال والقول بلازم القول، أن الأول انكشاف المعني عن الشئ لدلالة صفه من صفاته وحال من أحواله عليه، سواء شعر به أم لا، كما تفصح آثار الديار الخربة عن حال ساكنيها وكيف لعب الدهر بهم وعدت عادية الايام عليهم فأسكنت أجراسهم وأخمدت أنفاسهم، وكما يتكلم سيماء البائس المسكين عن فقره ومسكنته وسوء حاله. والثاني انكشاف المعني عن القائل لقوله بما يستلزمه أو تكلمه بما يدل عليه

بالالتزام.

فعلي أحد هذين النوعين من القول أعني القول بلسان الحال والقول بالإستلزام يحمل اعترافهم المحكي بقوله تعالي: قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا، والأول أقرب وأنسب فإنه لا يكتفي في مقام الشهادة إلا بالصريح منها المدلول عليه بالمطابقة دون الإلتزام. ومن المعلوم أن هذه الشهادة علي أي نحو تحققت فهي من سنخ الإستشهاد المذكور في قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، فالظاهر أنه قد استوفي الجواب بعين اللسان الذي سألهم به، ولذلك كان هناك نحو ثالث يمكن أن تحمل عليه هذه المساءلة والمجاوبة، فإن الكلام الإلهي يكشف به عن المقاصد الإلهية بالفعل والإيجاد، كلام حقيقي، وإن كان بنحو التحليل كما تقدم مراراً في مباحثنا السابقة فليكن هنا قوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وقولهم: بَلَي شَهِدْنَا، من ذاك القبيل، وسيجئ للكلام تتمة.

وكيف كان، فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ... الآية، يدل علي تفصيل بني آدم بعضهم من بعض وإشهاد كل واحد منهم علي نفسه، وأخذ الإعتراف علي الربوبية منه، ويدل ذيل الآية وما يتلوه _ أعني قوله: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون _ علي الغرض من هذا الأخذ والإشهاد. و هو علي ما يفيده السياق إبطال حجتين للعباد علي الله، وبيان أنه لولا هذا الأخذ والإشهاد وأخذ الميثاق علي انحصار الربوبية كان للعباد أن يتمسكوا يوم القيامة بإحدي حجتين يدفعون بها تمام الحجة عليهم في شركهم بالله والقضاء بالنار علي ذلك من الله سبحانه.

والتدبر في الآيتين وقد عطفت إحدي الحجتين علي الأخري بأو الترديدية، وبنيت الحجتان جميعاً علي العلم اللازم للإشهاد، ونقلتا جميعاً عن بني آدم المأخوذين المفرقين، يعطي أن الحجتين

كل واحدة منهما مبنيه علي تقدير من تقديري عدم الاشهاد كذلك.

والمراد إنا أخذنا ذريتهم من ظهورهم وأشهدناهم علي أنفسهم فاعترفوا بربوبيتنا فتمت لنا الحجة عليهم يوم القيامة، ولو لم نفعل هذا ولم نشهد كل فرد منهم علي نفسه بعد أخذه، فإن كنا أهملنا الاشهاد من رأس، فلم يشهد أحد نفسه وأن الله ربه ولم يعلم به، لأقاموا جميعاً الحجة علينا يوم القيامة بأنهم كانوا غافلين في الدنيا عن ربوبيتنا، ولا تكليف علي غافل ولا مؤاخذة، وهو قوله تعالي: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ.

وإن كنا لم نهمل أمر الإشهاد من رأس وأشهدنا بعضهم علي أنفسهم دون بعض، بأن أشهدنا الإباء علي هذا الأمر الهام العظيم دون ذرياتهم ثم أشرك الجميع كان شرك الإباء شركاً عن علم بأن الله هو الرب لا رب غيره، فكانت معصية منهم، وأما الذرية فإنما كان شركهم بمجرد التقليد فيما لا سبيل لهم إلي العلم به لا إجمالاً ولا تفصيلاً، ومتابعة عملية محضة لآبائهم، فكان آباؤهم هم المشركون بالله العاصون في شركهم لعلمهم بحقيقة الأمر، وقد قادوا ذريتهم الضعاف في سبيل شركهم بتربيتهم عليه وتلقينهم ذلك، ولا سبيل لهم إلي العلم بحقيقة الأمر وإدراك ضلال آبائهم وإضلالهم إياهم، فكانت الحجة لهؤلاء الذرية علي الله يوم القيامة لأن الذين أشركوا وعصوا بذلك وأبطلوا الحق هم الآباء، فهم المستحقون للمؤاخذة والفعل فعلهم، وأما الذرية فلم يعرفوا حقاً حتي يؤمروا به فيعصوا بمخالفته فهم لم يعصوا شيئاً ولم يبطلوا حقاً، وحينئذ لم تتم حجة علي الذرية فلم تتم الحجة علي جميع بني آدم. وهذا معني قوله تعالي: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ

أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ

فإن قلت: هنا بعض تقادير أخر لا يفي بها البيان السابق، كما لو فرض إشهاد الذرية علي أنفسهم دون الاباء مثلاً، أو إشهاد بعض الذرية مثلاً، كما أن تكامل النوع الإنساني في العلم والحضارة علي هذه الوتيرة يرث كل جيل ما تركه الجيل السابق ويزيد عليه بأشياء، فيحصل للاّحق ما لم يحصل للسابق.

قلت: علي أحد التقديرين المذكورين تتم الحجة علي الذرية أو علي بعضهم الذين أشهدوا، وأما الآباء الذين لم يشهدوا فليس عندهم إلا الغفلة المحضة عن أمر الربوبية، فلا يستقلون بشرك إذ لم يشهدوا، ولا يسع لهم التقليد إذ لم يسبق عليهم فيه سابق، كما في صورة العكس فيدخلون تحت المحتجين بالحجة الأولي (إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ).

وأما حديث تكامل الإنسان في العلم والحضارة تدريجاً فإنما هو في العلوم النظرية الإكتسابية التي هي نتائج وفروع تحصل للانسان شيئاً فشيئاً، وأما شهود الإنسان نفسه وأنه محتاج إلي رب يربه فهو من مواد العلم التي إنما تحصل قبل النتائج، وهو من العلوم الفطرية التي تنطبع في النفس انطباعاً أولياً ثم يتفرع عليها الفروع. وما هذا شأنه لا يتأخر عن غيره حصولاً، وكيف لا ونوع الإنسان إنما يتدرج إلي معارفه وعلومه عن الحس الباطني بالحاجة، كما قرر في محله.

فالمتحصل من الآيتين أن الله سبحانه فصل بين بني آدم بأخذ بعضهم من بعض، ثم أشهدهم جميعاً علي أنفسهم وأخذ منهم الميثاق بربوبيته، فهم ليسوا بغافلين عن هذا المشهد وما أخذ منهم من الميثاق، حتي يحتج كلهم بأنهم كانوا غافلين عن ذلك لعدم معرفتهم بالربوبية، أو يحتج بعضهم بأنه إنما أشرك وعصي آباؤهم وهم برآء.

ولذلك ذكر عدة من المفسرين أن المراد

بهذا الظرف المشار إليه بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ، هو الدنيا، والآيتان تشيران إلي سنة الخلقة الإلهية الجارية علي الإنسان في الدنيا، فإن الله سبحانه يخرج الذرية الإنسانية من أصلاب آبائهم إلي أرحام أمهاتهم ومنها إلي الدنيا، ويشهدهم في خلال حياتهم علي أنفسهم ويريهم آثار صنعه وآيات وحدانيته ووجوه احتياجاتهم المستغرقة لهم من كل جهة، الدالة علي وجوده ووحدانيته، فكأنه يقول لهم عند ذلك أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وهم يجيبونه بلسان حالهم بَلَي شَهِدْنَا بذلك وأنت ربنا لا رب غيرك، وإنما فعل الله سبحانه ذلك لئلا يحتجوا علي الله يوم القيامة بأنهم كانوا غافلين عن المعرفة، أو يحتج الذرية بأن آباءهم هم الذين أشركوا، وأما الذرية فلم يكونوا عارفين بها وإنما هم ذرية من بعدهم نشأوا علي شركهم من غير ذنب.

وقد طرح القوم عدة من الروايات تدل علي أن الآيتين تدلان علي عالم الذر، وأن الله أخرج ذرية آدم من ظهره فخرجوا كالذر فأشهدهم علي أنفسهم وعرفهم نفسه، وأخذ منهم الميثاق علي ربوبيته، فتمت بذلك الحجة عليهم يوم القيامة. وقد ذكروا وجوهاً في إبطال دلالة الآيتين عليه وطرح الروايات بمخالفتها لظاهر الكتاب، وهي:

1 _ أنه لا يخلو إما أنه جعل الله هذه الذرية المستخرجة من صلب آدم عقلاء أو لم يجعلهم كذلك، فإن لم يجعلهم عقلاء فلا يصح أن يعرفوا التوحيد وأن يفهموا خطاب الله تعالي، وإن جعلهم عقلاء وأخذ منهم الميثاق وبني صحة التكليف علي ذلك وجب أن يذكروا ذلك ولا ينسوه، لأن أخذ الميثاق إنما تتم الحجة به علي المأخوذ منه إذا كان علي ذكر منه من غير نسيان، كما ينص عليه قوله تعالي: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ. ونحن

لا نذكر وراء ما نحن عليه من الخلقة الدنيوية الحاضرة شيئاً، فليس المراد بالآية إلا موقف الإنسان في الدنيا وما يشاهده فيه من حاجته إلي رب يملكه ويدبر أمره و هو رب كل شئ.

2 _ أنه لا يجوز أن ينسي الجمع الكثير والجم الغفير من العقلاء أمراً قد كانوا عرفوه وميزوه حتي لا يذكره ولا واحد منهم، وليس العهد به بأطول من عهد أهل الجنة بحوادث مضت عليهم في الدنيا وهم يذكرون ما وقع عليهم في الدنيا كما يحكيه تعالي في مواضع من كلامه كقوله: قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ... إلي آخر الآيات، الصافات: 51. وقد حكي نظير ذلك عن أهل النار كقوله: وَقَالُوا مَا لَنَا لا نَرَي رِجَالاً كُنَّا نَعُدُّهُمْ مِنَ الأَشْرَارِ.ص: 62... إلي غير ذلك من الآيات.

ولو جاز النسيان علي هؤلاء الجماعة مع هذه الكثرة لجاز أن يكون الله سبحانه قد كلف خلقه فيما مضي من الزمن ثم أعادهم ليثيبهم أو ليعاقبهم جزاء لأعمالهم في الخلق الأول وقد نسوا ذلك، ولازم ذلك صحة قول التناسخية أن المعاد إنما هو خروج النفس عن بدنها ثم دخولها في بدن آخر لتجد في الثاني جزاء الأعمال التي عملتها في الأول.

3 _ ما أورد علي الأخبار الناطقة بأن الله سبحانه أخذ من صلب آدم ذريته وأخذ منهم الميثاق بأن الله سبحانه قال: أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ولم يقل من آدم، وقال مِنْ ظُهُورِهِمْ ولم يقل من ظهره، وقال ذُرِّيَّتَهُمْ ولم يقل ذريته، ثم أخبر بأنه إنما فعل بهم ذلك لئلا يقولوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أو يقولوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ... الآية. وهذا

يقتضي أن يكون لهم آباء مشركون فلا يتناول ظاهر الآية أولاد آدم لصلبه.

ومن هنا قال بعضهم إن الآية خاصة ببعض بني آدم غير عامة لجميعهم، فإنها لا تشمل آدم وولده لصلبه وجميع المؤمنين، ومن المشركين من ليس له آباء مشركون، بل تختص بالمشركين الذين لهم سلف مشرك.

4 _ إن تفسير الآية بعالم الذر ينافي قولهم كما في الآية: إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا لدلالته علي وجود آباء لهم مشركين، وهو ينافي وجود الجميع هناك بوجود واحد جمعي.

5 _ ما ذكره بعضهم أن الروايات مقبولة مسلمة غير أنها ليست بتأويل للآية، والذي تقصه من حديث عالم الذر إنما هو أمر فعله الله سبحانه ببني آدم قبل وجودهم في هذه النشأة ليجروا بذلك علي الأعراق الكريمة في معرفة ربوبيته، كما روي أنهم ولدوا علي الفطرة، وكما قيل إن نعيم الأطفال في الجنة ثواب إيمانهم بالله في عالم الذر. وأما الآية فليست تشير إلي ما تشير إليه الروايات، فإن الآية تذكر أنه إنما فعل بهم ذلك لتنقطع به حجتهم يوم القيامه: إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، ولو كان المراد به ما فعل بهم في عالم الذر لكان لهم أن يحتجوا علي الله فيقولوا ربنا إنك أشهدتنا علي أنفسنا يوم أخرجتنا من صلب آدم فكنا علي يقين بأنك ربنا، كما أنا اليوم وهو يوم القيامة علي يقين من ذلك لكنك أنسيتنا موقف الإشهاد في الدنيا التي هي موطن التكليف والعمل ووكلتنا إلي عقولنا، فعرف ربوبيتك من عرفها بعقله وأنكرها من أنكرها بعقله، كل ذلك بالإستدلال، فما ذنبنا في ذلك وقد نزعت منا عين المشاهدة وجهزتنا بجهاز شأنه الإستدلال وهو يخطئ ويصيب.

6 _ أن الآية لا صراحة لها

فيما تدل عليه الروايات لإمكان حملها علي التمثيل، وأما الروايات فهي إما مرفوعة أو موقوفة ولا حجية فيها.

هذه جملة ما أوردوه علي دلالة الآية وحجية الروايات، وقد زيفها المثبتون لنشأة الذر وهم عامة أهل الحديث وجمع من غيرهم من المفسرين بأجوبة:

فالجواب عن الأول، أن نسيان الموقف وخصوصياته لا يضر بتمام الحجة، وإنما المضر نسيان أصل الميثاق وزوال معرفة وحدانية الرب تعالي وهو غير منسي ولا زائل عن النفس، وذلك يكفي في تمام الحجة، ألا تري أنك إذا أردت أن تأخذ ميثاقاً من زيد فدعوته إليك وأدخلته بيتك وأجلسته مجلس الكرامة ثم بشرته وأنذرته ما استطعت ولم تزل به حتي أرضيته فأعطاك العهد وأخذت منه الميثاق، فهو مأخوذ بميثاقه مادام ذاكراً لأصله وإن نسي حضوره عندك ودخوله بيتك وجميع ما جري بينك وبينه وقت أخذ الميثاق، غير أصل العهد.

والجواب عن الثاني، أن الإمتناع من تجويز نسيان الجمع الكثير لذلك مجرد استبعاد من غير دليل علي الإمتناع، مضافاً إلي أن أصل المعرفة بالربوبية مذكور غير منسي كما ذكرنا وهو يكفي في تمام الحجة، وأما حديث التناسخية فليس الدليل علي امتناع التناسخ منحصراً في استحالة نسيان الجماعة الكثيرة ما مضي عليهم في الخلق الأول، حتي لو لم يستحل ذلك صح القول بالتناسخ، بل لابطال القول به دليل آخر كما يعلم بالرجوع إلي محله، وبالجملة لا دليل علي استحالة نسيان بعض العوالم في بعض آخر.

والجواب عن الثالث، أن الآية غير ساكتة عن إخراج ولد آدم لصلبه من صلبه، فإن قوله تعالي: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ، كاف وحده في الدلالة عليه، فإن فرض بني آدم فرض إخراجهم من صلب آدم من غير حاجة إلي

مؤونة زائدة، ثم إخراج ذريتهم من ظهورهم بإخراج أولاد الأولاد من صلب الأولاد وهكذا، ويتحصل منه أن الله أخرج أولاد آدم لصلبه من صلبه ثم أولادهم من أصلابهم ثم أولاد أولادهم من أصلاب أولادهم حتي ينتهي إلي آخرهم، نظير ما يجري عليه الأمر في هذه النشأة الدنيوية التي هي نشأة التوالد والتناسل.

وقد أجاب الرازي عنه في تفسيره بأن الدلالة علي إخراج أولاده لصلبه من صلبه من ناحية الخبر، كما أن الدلالة علي إخراج أولاد أولاده من أصلاب آبائهم من ناحية الآية، فبمجموع الآية والخبر تتم الدلالة علي المجموع، وهو كما تري.

وأما الأخبار المشتملة علي ذكر إخراج ذرية آدم من صلبه وأخذ الميثاق منهم، فهي في مقام شرح القصة لا في مقام تفسير ألفاظ الآية حتي يورد عليها بعدم موافقه الكتاب أو مخالفته. وأما عدم شمول الآية لأولاد آدم من صلبه لعدم وجود آباء مشركين لهم وكذا بعض من عداهم فلا يضر شيئاً، لأن مراد الآية أن الله سبحانه إنما فعل ذلك لئلا يقول المشركون يوم القيامة إنما أشرك آباؤنا، ولا أن يقول كل واحد منهم إنما أشرك آبائي، فهذا مما لم يتعلق به الغرض ألبتة، فالقول قول المجموع من حيث المجموع لا قول كل واحد، فيؤول المعني إلي أنا لو لم نفعل ذلك لكان كل من أردنا إهلاكه يوم القيامة يقول لم أشرك أنا وإنما أشرك من كان قبلي ولم أكن إلا ذرياً وتابعاً لا متبوعاً.

والجواب عن الرابع، يظهر من الجواب عن سابقه، قد دلت الآية والرواية علي أن الله فصل هناك بين الآباء والأبناء ثم ردهم إلي حال الجمع.

والجواب عن الخامس، أنه خلاف ظاهر بعض الروايات وخلاف صريح بعض آخر

منها، وما في ذيله من عدم تمام الحجة من جهة عروض النسيان، ظهر الجواب عنه من الجواب عن الإشكال الأول.

والجواب عن السادس، أن استقرار الظهور في الكلام كاف في حجيته، ولا يتوقف ذلك علي صفة الصراحة، وإمكان الحمل علي التمثيل لا يوجب الحمل عليه ما لم يتحقق هناك مانع عن حمله علي ظاهره، وقد تبين أن لا مانع من ذلك.

وإما أن الروايات ضعيفة لا معول عليها فليس كذلك، فإن فيها ما هو الصحيح، وفيها ما يوثق بصدوره كما سيجئ إن شاء الله تعالي في البحث الروائي التالي.

هذا ملخص ما جري بينهم من البحث فيما استفيد من الآية من حديث عالم الذر إثباتاً ونفياً، واعتراضاً وجواباً. واستيفاء التدبر في الآية والروايات، والتأمل فيما يرومه المثبتون بإثباتهم ويدفعه المنكرون بإنكارهم، يوجب توجيه البحث إلي جهة أخري غير ما تشاجر فيه الفريقان بإثباتهم ونفيهم.

فالذي فهمه المثبتون من الرواية ثم حملوه علي الآية وانتهضوا لإثباته محصله: أن الله سبحانه بعدما خلق آدم إنساناً تاماً سوياً أخرج نطفه التي تكونت في صلبه ثم صارت هي بعينها أولاده الصلبيين إلي الخارج من صلبه، ثم أخرج من هذه النطف نطفها التي ستتكون أولاداً له صلبيين ففصل بين أجزائها والأجزاء الأصلية التي اشتقت منها، ثم من أجزاء هذه النطف أجزاء أخري هي نطفها ثم من أجزاء الأجزاء أجزاءها، ولم يزل حتي أتي آخر جزء مشتق من الأجزاء المتعاقبة في التجزي.

وبعبارة أخري: أخرج نطفة آدم التي هي مادة البشر ووزعها بفصل بعض أجزائه من بعض إلي ما لا يحصي من عدد بني آدم بحذاء كل فرد ما هو نصيبه من أجزاء نطفة آدم، وهي ذرات منبثة غير محصورة، ثم

جعل الله سبحانه هذه الذرات المنبثة عند ذلك أو كان قد جعلها قبل ذلك كل ذرة منها إنساناً تاماً في إنسانيته هو بعينه الإنسان الدنيوي الذي هو جزء المقدم له، فالجزء الذي لزيد هناك هو زيد هذا بعينه والذي لعمرو هو عمرو هذا بعينه، فجعلهم ذوي حياة وعقل وجعل لهم ما يسمعون به وما يتكلمون به وما يضمرون به معاني فيظهرونها أو يكتمونها، وعند ذلك عرفهم نفسه فخاطبهم فأجابوه وأعطوه الإقرار بالربوبية، إما بموافقة ما في ضميرهم لما في لسانهم أو بمخالفة ذلك.

ثم إن الله سبحانه ردهم بعد أخذ الميثاق إلي مواطنهم من الأصلاب حتي اجتمعوا في صلب آدم وهي علي حياتها ومعرفتها بالربوبية وإن نسوا ما وراء ذلك مما شاهدوه عند الإشهاد وأخذ الميثاق، وهم بأعيانهم موجودون في الأصلاب حتي يؤذن لهم في الخروج إلي الدنيا فيخرجون، وعندهم ما حصلوه في الخلق الأول من معرفة الربوبية، وهي حكمهم بوجود رب لهم من مشاهدة أنفسهم محتاجة إلي من يملكهم ويدبر أمرهم.

هذا ما يفهمه القوم من الخبر والآية ويرومون إثباته، وهو مما تدفعه الضرورة وينفيه القرآن والحديث بلا ريب، وكيف الطريق إلي اثبات أن ذرة من ذرات بدن زيد وهو الجزء الذري الذي انتقل من صلب آدم من طريق نطفته إلي ابنه ثم إلي ابن ابنه حتي انتهي إلي زيد هو زيد بعينه وله إدراك زيد وعقله وضميره وسمعه وبصره، وهو الذي يتوجه إليه التكليف وتتم له الحجة ويحمل عليه العهود والمواثيق ويقع عليه الثواب والعقاب، وقد صح بالحجة القاطعة من طريق العقل والنقل أن إنسانية الإنسان بنفسه التي هي أمر وراء المادة حادث بحدوث هذا البدن الدنيوي، وقد تقدم شطر من البحث فيها.

علي أنه قد ثبت بالبحث القطعي أن هذه العلوم التصديقية البديهية والنظرية، ومنها التصديق بأن له رباً يملكه ويدبر أمره، تحصل للانسان بعد حصول التطورات، والجميع تنتهي إلي الإحساسات الظاهرة والباطنة، وهي تتوقف علي وجود التركيب الدنيوي المادي، فهو حال العلوم الحصولية التي منها التصديق بأن له رباً هو القائم برفع حاجته.

علي أن هذه الحجة إن كانت متوقفة في تمامها علي العقل والمعرفة معاً فالعقل مسلوب عن الذرة حين أرجعت إلي موطنها الصلبي حتي تظهر ثانياً في الدنيا، وإن قيل إنه لم يسلب عنها ما تجري في الأصلاب والأرحام فهو مسلوب عن الإنسان ما بين ولادته وبلوغه أعني أيام الطفولية، ويختل بذلك أمر الحجة علي الإنسان وإن كانت غير متوقفة عليه، بل يكفي في تمامها مجرد حصول المعرفة، فأي حاجة إلي الاشهاد وأخذ الميثاق، وظاهر الآية أن الإشهاد وأخذ الميثاق إنما هما لأجل إتمام الحجة، فلا محالة يرجع معني الآية إلي حصول المعرفة فيؤول المعني إلي ما فسرها به المنكرون.

وبتقرير آخر إن كانت الحجة إنما تتم بمجموع الإشهاد والتعريف وأخذ الميثاق سقطت بنسيان البعض وقد نسي الإشهاد والتكليم وأخذ الميثاق، وإن كان الإشهاد وأخذ الميثاق جميعاً مقدمة لثبوت المعرفة ثم زالت المقدمة ولزمت المعرفة وبها تمام الحجة، تمت الحجة علي كل إنسان حتي الجنين والطفل والمعتوه والجاهل، ولا يساعد عليه عقل ولا نقل، وإن كانت المعرفة في تمام الحجة بها متوقفة علي حصول العقل والبلوغ ونحو ذلك وقد كانت حصلت في عالم الذر فتمت الحجة ثم زالت وبقيت المعرفة حجة ناقصة ثم كملت ثانياً لبعضهم في الدنيا فتمت الحجة ثانياً بالنسبة إليهم، فكما أن لحصول العقل في الدنيا أسباباً تكوينية يحصل بها وهي

الحوادث المتكررة من الخير والشر، وحصول الملكة المميزة بينهما من التجارب حصولاً تدريجياً ينتهي من جانب إلي حد من الكمال ومن جانب إلي حد من الضعف لا يعبأ به، كذلك المعرفة لها أسباب إعدادية تهي الإنسان إلي التلبس بها وليست تحصل قبل ذلك، وإذا كانت تحصل في ظرفنا هذا بأسبابها المعدة لها كالعقل، فأي حاجة إلي تكوينه تكويناً آخر في سالف من الزمان لاتمام الحجة والحجة تامة دونه وماذا يغني ذلك.

علي أن هذا العقل الذي لا تتم حجة ولا ينفع إشهاد ولا يصح أخذ ميثاق بدونه حتي في عالم الذر، المفروض هو العقل العملي الذي لا يحصل للانسان إلا في هذا الظرف الذي يعيش فيه عيشة اجتماعية، فتتكرر عليه حوادث الخير والشر وتهيج عواطفه وإحساساته الباطنية نحو جلب النفع ودفع الضرر، فتتعاقب عليه الأعمال عن علم وإرادة فيخطي ويصيب، حتي يتدرب في تمييز الصواب من الخطأ والخير من الشر والنفع من الضر.

والظرف الذي يثبتونه أعني ما يصفونه من عالم الذر ليس بموطن العقل العملي، إذ ليس فيه شرائط حصوله وأسبابه، ولو فرضوه موطناً له وفيه أسبابه وشرائطه كما يظهر مما يصفونه تعويلاً علي ما في ظواهر الروايات أن الله دعاهم هناك إلي التوحيد فأجابه بعضهم بلسان يوافقه قلبه وأجابه آخرون وقد أضمروا الكفر وبعث إليهم الأنبياء والاوصياء فصدقهم بعض وكذبهم آخرون، ولا يجري ما هاهنا إلا علي ما جري به ما هنالك، إلي غير ذلك مما ذكروه، كان ذلك إثباتاً لنشأة طبيعية قبل هذه النشأة الطبيعية في الدنيا نظير ما يثبته القائلون بالأدوار والأكوار، واحتاج إلي تقديم كينونة ذرية أخري تتم بها الحجة علي من هنالك من الإنسان، لأن عالم الذر علي هذه

الصفة لا يفارق هذا العالم الحيوي الذي نحن فيه الآن، فلو احتاج هذا الكون الدنيوي إلي تقديم إشهاد وتعريف حتي تحصل المعرفة وتتم الحجة لاحتاج إليه الكون الذري من غير فرق فارق ألبتة.

علي أن الإنسان لو احتاج في تحقق المعرفة في هذه النشأة الدنيوية إلي تقدم وجود ذري يقع فيه الإشهاد ويوجد فيه الميثاق حتي تثبت بذلك المعرفة بالربوبية، لم يكن في ذلك فرق بين إنسان وإنسان، فما بال آدم وحواء استثنيا من هذه الكلية، فإن لم يحتاجا إلي ذلك لفضل فيهما أو لكرامة لهما ففي ذريتهما من هو أفضل منهما وأكرم، وإن كان لتمام خلقتهما يومئذ فأثبتت فيهما المعرفة من غير حاجة إلي إحضار الوجود الذري، فلكل من ذريتهما أيضاً خلقة تامة في ظرفه الخاص به، فلم لم يؤخر إثبات المعرفة فيهم ولهم إلي تمام خلقتهم بالولادة حتي تتم عند ذلك الحجة، وأي حاجة إلي التقديم.

فهذه جهات من الإشكال في تحقق الوجود الذري للإنسان علي ما فهموه من الروايات لا طريق إلي حلها بالأبحاث العلمية، ولا حمل الآية عليه معها حتي بناء علي عادة القوم في تحميل المعني علي الآية إذا دلت عليه الرواية وإن لم يساعد عليه لفظ الآية، لأن الرواية القطعية الصدور كالآية مصونة عن أن تنطق بالمحال.

وأما الحشوية وبعض المحدثين ممن يبطل حجة العقل الضرورية قبال الرواية ويتمسك بالآحاد في المعارف اليقينية، فلا بحث لنا معهم.

هذا ما علي المثبتين. بقي الكلام فيما ذكره النافون أن الآية تشير إلي ما عليه حال الإنسان في هذه الحياة الدنيا، وهو أن الله سبحانه أخرج كلا من آحاد الإنسان من الأصلاب والأرحام إلي مرحلة الإنفصال والتفرق، وركب فيهم ما يعرفون به

ربوبيته واحتياجهم إليه، كأنه قال لهم إذا وجه وجوههم نحو أنفسهم المستغرقة في الحاجة: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وكأنهم لما سمعوا هذا الخطاب من لسان الحال قالوا: بلي أنت ربنا شهدنا بذلك، وإنما فعل الله ذلك لتتم عليهم حجتة بالمعرفة وتنقطع حجتهم عليه بعدم المعرفة، وهذا ميثاق مأخوذ منهم طول الدنيا جار ما جري الدهر والإنسان يجري معه.

والآية بسياقها لا تساعد عليه، فإنه تعالي افتتح الآية بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ... الآية فعبر عن ظرف هذه القضية بإذ، وهو يدل علي الزمن الماضي أو علي أي ظرف محقق الوقوع نحوه، كما في قوله: وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ، إلي أن قال: قَالَ اللهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ. المائدة: 119، فعبر بإذ عن ظرف مستقبل لتحقق وقوعه.

وقوله: وإذ أخذ ربك خطاب للنبي (ص) أوله ولغيره كما يدل عليه قوله: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ... الآية، إن كان الخطاب متوجهاً إلينا معاشر السامعين للآيات المخاطبين بها والخطاب خطاب دنيوي لنا معاشر أهل الدنيا، والظرف الذي يتكي عليه هو زمن حياتنا في الدنيا أو زمن حياة النوع الإنساني فيها وعمره الذي هو طول إقامته الأرض، والقصة التي يذكرها في الآية ظرفها عين ظرف وجود النوع في الدنيا فلا مصحح للتعبير عن ظرفها بلفظة إذ الدالة علي تقدم ظرف القصة علي ظرف الخطاب، ولا عناية أخري في المقام تصحح هذا التعبير من قبيل تحقق الوقوع ونحوه وهو ظاهر.

فقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، في عين أنه يدل علي قصة خلقه تعالي النوع الإنساني بنحو التوليد، وأخذ الفرد من الفرد وبث الكثير من القليل، كما هو المشهود في نحو تكون الآحاد

من الإنسان وحفظهم وجود النوع بوجود البعض من البعض علي التعاقب، يدل علي أن للقصة وهي تنطبق علي الحال المشهود نوعاً من التقدم علي هذا المشهود من جريان الخلقة وسيرها.

وقد تقدمت استحالة ما افترضوا لهذا التقدم من تقدم هذه الخلقة بنحو تقدماً زمانياً بأن يأخذ الله أول فرد من هذا النوع فيأخذ منه مادة النطفة التي منها نسل هذا النوع فيجزؤها أجزاء ذرية بعدد أفراد النوع إلي يوم القيامة، ثم يلبس وجود كل فرد بعينه بحياته وعقله وسمعه وبصره وضميره وظهره وبطنه ويكسيه وجوده التي هي له قبل أن يسير مسيره الطبيعي فيشهده نفسه ويأخذ منه الميثاق، ثم ينزعه منها ويردها إلي مكانها الصلبي، حتي يسير سيره الطبيعي وينتهي إلي موطنها الذي لها من الدنيا، فقدتقدم بطلان ذلك وأن الآية أجنبية عنه.

لكن الذي أحال هذا المعني هو استلزامه وجود الإنسان بماله من الشخصية الدنيوية مرتين في الدنيا واحدة بعد أخري، المستلزم لكون الشئ غير نفسه بتعدد شخصيته، فهو الأصل الذي تنتهي إليه جميع المشكلات السابقة.

وأما وجود الإنسان أو غيره في امتداد مسيره إلي الله ورجوعه إليه في عوالم مختلفة النظام متفاوتة الحكم فليس بمحال، وهو مما يثبته القرآن الكريم ولو كره ذلك الكافرون الذين يقولون إن هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر فقد أثبت الله الحياة الآخرة للإنسان وغيره يوم البعث وفيه هذا الإنسان بعينه، وقد وصفه بنظام وأحكام غير هذه النشأة الدنيوية نظاماً وأحكاماً. وقد أثبت حياة برزخية لهذا الإنسان بعينه وهي غير الحياة الدنيوية نظاماً وحكماً. وأثبت بقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئٍْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَ مَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. الحجر: 21، أن لكل شئ

عنده وجوداً وسيعاً غير مقدر في خزائنه وإنما يلحقه الأقدار إذا نزله إلي الدنيا مثلاً، فللعالم الإنساني علي سعته سابق وجود عنده تعالي في خزائنه، أنزله إلي هذه النشأة.

وأثبت بقوله: إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَئٍْ. يس: 83، وقوله: وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ. القمر: 50، وما يشابههما من الآيات.

أن هذا الوجود التدريجي الذي للأشياء ومنها الإنسان هو أمر من الله يفيضه علي الشئ ويلقيه إليه بكلمة كن، إفاضة دفعية وإلقاء غير تدريجي.

فلوجود هذه الأشياء وجهان: وجه إلي الدنيا وحكمه أن يحصل بالخروج من القوة إلي الفعل تدريجاً ومن العدم إلي الوجود شيئاً فشيئاً، ويظهر ناقصاً ثم لا يزال يتكامل حتي يفني ويرجع إلي ربه.

ووجه إلي الله سبحانه وهي بحسب هذا الوجه أمور تدريجية، وكل ما لها فهو لها في أول وجودها من غير أن تحتمل قوة تسوقها إلي الفعل.

وهذا الوجه غير الوجه السابق وإن كانا وجهين لشئ واحد، وحكمه غير حكمه وإن كان تصوره التام يحتاج إلي لطف قريحة، وقد شرحناه في الأبحاث السابقة بعض الشرح، وسيجي إن شاء الله استيفاء الكلام في شرحه.

ومقتضي هذه الآيات أن للعالم الإنساني علي ما له من السعة وجوداً جميعاً عند الله سبحانه، وهو الذي يلي جهته تعالي ويفيضه علي أفراده لا يغيب فيها بعضهم عن بعض ولا يغيبون فيه عن ربهم ولا هو يغيب عنهم، وكيف يغيب فعل عن فاعله أو ينقطع صنع عن صانعه، وهذا هو الذي يسميه الله سبحانه بالملكوت، ويقول: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. الانعام: 75 ويشير إليه بقوله:كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ

الْيَقِينِ. لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ. ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ. التكاثر: 7.

وأما هذا الوجه الدنيوي الذي نشاهده نحن من العالم الإنساني، وهو الذي يفرق بين الآحاد ويشتت الأحوال والأعمال بتوزيعها علي قطعات الزمان وتطبيقها علي مر الليالي والأيام ويحجب الإنسان عن ربه بصرف وجهه إلي التمتعات المادية الأرضية واللذائذ الحسية، فهو متفرع علي الوجه السابق متأخر عنه. وموقع تلك النشأة وهذه النشأة في تفرعها عليها موقعاً كن ويكون في قوله تعالي: أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. يس: 82.

ويتبين بذلك أن هذه النشأة الإنسانية الدنيوية مسبوقة بنشأة أخري إنسانية هي هي بعينها غير أن الآحاد موجودون فيها غير محجوبين عن ربهم، يشاهدون فيها وحدانيته تعالي في الربوبية بمشاهده أنفسهم، لا من طريق الإستدلال، بل لأنهم لا ينقطعون عنه ولا يفقدونه ويعترفون به وبكل حق من قبله. وأما قذارة الشرك وألواث المعاصي فهو من أحكام هذه النشأة الدنيوية دون تلك النشأة التي ليس فيها إلا فعله تعالي القائم به، فافهم ذلك.

وأنت إذا تدبرت هذه الآيات ثم راجعت قوله تعالي: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ... الآية، وأجدت التدبر فيها وجدتها تشير إلي تفصيل أمر تشير هذه الآيات إلي إجماله، فهي تشير إلي نشأة إنسانية سابقة فرق الله فيها بين أفراد هذا النوع وميز بينهم وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا.

ولا يرد عليه ما أورد علي قول المثبتين في تفسير الآية علي ما فهموه من معني عالم الذر من الروايات علي ما تقدم، فإن هذا المعني المستفاد من سائر الآيات والنشأة السابقة التي تثبته لا تفارق هذه النشأة الإنسانية الدنيوية زماناً، بل هي معها محيطة بها لكنها سابقة عليها السبق الذي في قوله تعالي:

كُنْ فَيَكوُنْ، ولا يرد عليه شئ من المحاذير المذكورة.

ولا يرد عليه ما أوردناه علي قول المنكرين في تفسيرهم الآية بحال وجود النوع الإنساني في هذه النشأة الدنيوية من مخالفته لقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ، ثم التجوز في الإشهاد بإرادة التعريف منه وفي الخطاب بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ بإرادة دلالة الحال، وكذا في قوله: قالوا بلي، وقوله: شَهِدْنَا، بل الظرف ظرف سابق علي الدنيا وهو غيرها، والإشهاد علي حقيقته والخطاب علي حقيقته.

ولا يرد عليه أنه من قبيل تحميل الآية معني لا تدل عليه، فإن الآية لا تأبي عنه، وسائر الآيات تشير إليه بضم بعضها إلي بعض.

وأما الروايات فسيأتي أن بعضها يدل علي أصل تحقق هذه النشأة الإنسانية كالآية، وبعضها يذكر أن الله كشف لادم عليه السلام عن هذه النشأة الإنسانية وأراه هذا العالم الذي هو ملكوت العالم الإنساني وما وقع فيه من الاشهاد وأخذ الميثاق، كما أري إبراهيم عليه السلام ملكوت السماوات والأرض.

رجعنا إلي الآية، قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ، أي واذكر لأهل الكتاب في تتميم البيان السابق، أو واذكر للناس في بيان ما نزلت السورة 20: لاجل بيانه، وهو أن لله عهداً علي الإنسان وهو سائله عنه وأن أكثر الناس لا يفون به وقد تمت عليهم الحجة، أذكر لهم موطناً قبل الدنيا أخذ فيه ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم فما من أحد منهم إلا استقل من غيره وتميز منه فاجتمعوا هناك جميعاً وهم فرادي فأراهم ذواتهم المتعلقة بربهم وأشهدهم علي أنفسهم فلم يحتجبوا عنه وعاينوا أنه ربهم، كما أن كل شئ بفطرته يجد ربه من نفسه من غير أن يحتجب عنه، وهو ظاهر الآيات القرآنية كقوله: وَ إِنْ مِنْ شَئٍْ إِلاَّ يُسَبِّحُ

بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ. الاسراء: 44.

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، وهو خطاب حقيقي لهم لا بيان حال، وتكليم إلهي لهم فإنهم يفهمون مما يشاهدون أن الله سبحانه يريد به منهم الإعتراف وإعطاء الموثق، ولا نعني بالكلام إلا ما يلقي للدلالة به علي معني مراد، وكذا الكلام في قوله: قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا.

وقوله: أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، الخطاب للمخاطبين بقوله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ القائلين بَلَي شَهِدْنَا، فهم هناك يعاينون الاشهاد والتكليم من الله والتكلم بالإعتراف من أنفسهم، وإن كانوا في نشأة الدنيا علي غفلة مما عدا المعرفة بالإستدلال، ثم إذا كان يوم البعث وانطوي بساط الدنيا وانمحت هذه الشواغل والحجب عادوا إلي مشاهدتهم ومعاينتهم، وذكروا ما جري بينهم وبين ربهم. ويحتمل أن يكون الخطاب راجعاً إلينا معاشر المخاطبين بالآيات، أي إنما فعلنا ببني آدم ذلك حذر أن تقولوا أيها الناس يوم القيامة كذا وكذا، والأول أقرب ويؤيده قراءة أن يقولوا بلفظ الغيبة.

وقوله: أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ، هذه حجة الناس إن فرض الإشهاد وأخذ الميثاق من الآباء خاصة دون الذرية، كما أن قوله أن تقولوا الخ، حجة للناس إن ترك الجميع فلم يقع إشهاد ولا أخذ ميثاق من أحد منهم.

ومن المعلوم أن لو فرض ترك الإشهاد وأخذ الميثاق في تلك النشأة كان لازمه عدم تحقق المعرفة بالربوبية في هذه النشأة إذ لا حجاب بينهم وبين ربهم في تلك النشأة، فلو فرض هناك علم منهم كان ذلك إشهاداً وأخذ ميثاق، وأما هذه النشأة فالعلم فيها من وراء الحجاب وهو المعرفة من طريق الإستدلال، فلو لم يقع هناك بالنسبة إلي الذرية إشهاد وأخذ ميثاق كان لازمه في هذه النشأة أن لا

يكون لهم سبيل إلي معرفة الربوبية فيها أصلاً، وحينئذ لم يقع منهم معصية شرك بل كان ذلك فعل آبائهم وليس لهم إلا التبعية العملية لآبائهم والنشوء علي شركهم من غير علم، فصح لهم أن يقولوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَ كُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ.

قوله تعالي: وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ.، تفصيل الآيات تفريق بعضها وتمييزه من بعض ليتبين بذلك مدلول كل منها ولا تختلط وجوه دلالتها، وقوله: وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ، عطف علي مقدر والتقدير لغايات عالية كذا وكذا ولعلهم يرجعون من الباطل إلي الحق.

(ثم أورد صاحب الميزان رحمه الله رواية ابن الكوا المتقدمة، وقال):

أقول والرواية كما تقدم وبعض ما يأتي من الروايات يذكر مطلق أخذ الميثاق من بني آدم من غير ذكر إخراجهم من صلب آدم وإراءتهم إياه. وكان تشبيههم بالذر كما في كثير من الروايات تمثيل لكثرتهم كالذر لا لصغرهم جسماً أو غير ذلك، ولكثرة ورود هذا التعبير في الروايات سميت هذه النشأة بعالم الذر.

وفي الرواية دلالة ظاهرة علي أن هذا التكليم كان تكليماً حقيقياً لا مجرد دلالة الحال علي المعني. وفيها دلالة علي أن الميثاق لم يؤخذ علي الربوبية فحسب، بل علي النبوة وغير ذلك. وفي كل ذلك تأييد لما قدمناه.

وفي تفسير العياشي عن رفاعة قال: سالت أبا عبدالله عن قول الله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، قال نعم لله الحجة علي جميع خلقه أخذهم يوم أخذ الميثاق هكذا، وقبض يده.

أقول: وظاهر الرواية أنها تفسر الأخذ في الآية بمعني الإحاطة والملك.

وفي تفسير القمي عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن مسكان، عن أبي عبدالله عليه السلام في

قوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ أَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، قلت: معاينة كان هذا؟ قال: نعم... (إلي آخر الرواية المتقدمة)..

أقول: والرواية ترد علي منكري دلالة الآية علي أخذ الميثاق في الذر تفسيرهم قوله: وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، أن المراد به أنه عرفهم آياته الدالة علي ربوبيته، والرواية صحيحة ومثلها في الصراحة والصحة ما سيأتي من رواية زرارة وغيره.

وفي الكافي عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زرارة: أن رجلاً سأل أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ.. إلي آخر الآية، فقال وأبوه يسمع: حدثني أبي أن الله عز وجل قبض قبضه من تراب التربة التي خلق منها آدم فصب عليها الماء العذب الفرات، ثم تركها أربعين صباحاً، ثم صب عليها الماء المالح الاجاج، فتركها أربعين صباحاً، فلما اختمرت الطينة أخذها فعركها عركاً شديداً، فخرجوا كالذر من يمينه وشماله، وأمرهم جميعاً أن يقعوا في النار، فدخلها أصحاب اليمين فصارت عليهم برداً وسلاماً، وأبي أصحاب الشمال أن يدخلوها.

أقول: وفي هذا المعني روايات أخر، وكأن الأمر بدخول النار كناية عن الدخول حظيرة العبودية والإنقياد للطاعة.

وفيه بإسناده عن عبدالله بن محمد الحنفي وعقبه جميعاً عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله عز وجل خلق الخلق، فخلق من أحب مما أحب، فكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق من أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض أن خلقه من طينه النار، ثم بعثهم في الظلال، فقيل: وأي شئ الظلال قال: ألم تر إلي ظلك في الشمس شئ وليس بشئ، ثم

بعث معهم النبيين فدعوهم إلي الإقرار بالله، وهو قوله ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله، ثم دعوهم إلي الإقرار فأقر بعضهم وأنكر بعض، ثم دعوهم إلي ولايتنا، فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض، وهو قوله: وما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل، ثم قال أبوجعفر عليه السلام كان التكذيب ثَمَّ.

أقول: والرواية وإن لم تكن مما وردت في تفسير آية الذر، غير أنا أوردناها لاشتمالها علي قصة أخذ الميثاق وفيها ذكر الظلال، وقد تكرر ذكر الظلال في لسان أئمة أهل البيت عليهم السلام والمرادبه كما هو ظاهر الرواية وصف هذا العالم الذي هو بوجه عين العالم الدنيوي وبوجه غيره، وله أحكام غير أحكام الدنيا بوجه وعينها بوجه، فينطبق علي ما وصفناه في البيان المتقدم.

وفي الكافي وتفسير العياشي عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام كيف أجابوا وهم ذر؟ قال: جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه، وزاد العياشي يعني في الميثاق.

أقول: وما زاده العياشي من كلام الراوي، وليس المراد بقوله جعل فيهم ما إذا سألهم أجابوه دلالة حالهم علي ذلك، بل لما فهم الراوي من الجواب ما هو من نوع الجوابات الدنيوية استبعد صدوره عن الذر، فسأل عن ذلك فأجابه عليه السلام بأن الأمر هناك بحيث إذا نزلوا في الدنيا كان ذلك منهم جواباً دنيوياً باللسان والكلام اللفظي، ويؤيده قوله عليه السلام ما إذا سألهم ولم يقل ما لو تكلموا ونحو ذلك.

وفي تفسير العياشي أيضاً عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام: في قول الله: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ، قالوا بألسنتهم؟ قال نعم وقالوا بقلوبهم، فقلت وأين كانوا يومئذ؟ قال صنع منهم ما اكتفي به..

أقول: جوابه عليه السلام

إنهم قالوا بلي بألسنتهم وقلوبهم مبني علي كون وجودهم يومئذ بحيث لو انتقلوا إلي الدنيا كان ذلك جواباً بلسان علي النحو المعهود في الدنيا، لكن اللسان والقلب هناك واحد، ولذلك قال عليه السلام نعم وبقلوبهم فصدق اللسان وأضاف إليه القلب. ثم لما كان في ذهن الراوي أنه أمر واقع في الدنيا ونشأة الطبيعة وقد ورد في بعض الروايات التي تذكر قصة إخراج الذرية من ظهر آدم تعيين المكان له وقد روي بعضها هذا الراوي أعني أبا بصير، سأله عليه السلام عن مكانهم بقوله وأين كانوا يومئذ؟ فأجابه عليه السلام بقوله: صنع منهم ما اكتفي به، فلم يجبه بتعيين المكان بل بأن الله سبحانه خلقهم خلقاً يصح معه السؤال والجواب، وكل ذلك يؤيد ما قدمناه في وصف هذا العالم.

والرواية كغيرها مع ذلك كالصريح في أن التكليم والتكلم في الآية علي الحقيقة دون المجاز، بل هي صريحة فيه.

وفي الدر المنثور أخرج عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وأبوالشيخ في العظمة، وابن مردويه، عن أبي إمامة أن رسول الله (ص) قال: خلق الله الخلق وقضي القضية، وأخذ ميثاق النبيين وعرشه علي الماء، فأخذ أهل اليمين بيمينه، وأخذ أهل الشمال بيده الأخري، وكلتا يدي الرحمن يمين، فقال: يا أصحاب اليمين، فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي. قال: يا أصحاب الشمال، فاستجابوا له، فقالوا: لبيك ربنا وسعديك، قال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ قالوا: بلي. فخلط بعضهم ببعض فقال قائل منهم: رب لم خلطت بيننا، قال وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ، أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ، ثم ردهم في صلب آدم، فأهل الجنة أهلها وأهل النار أهلها.

فقال قائل يا رسول الله فما الأعمال؟ قال: يعمل كل قوم لمنازلهم، فقال عمر بن الخطاب: إذاً نجتهد.

أقول: قوله (ص): وعرشه علي الماء، كناية عن تقدم أخذ الميثاق وليس المراد به تقدم خلق الأرواح علي الأجساد زماناً، فإن عليه من الإشكال ما علي عالم الذر بالمعني الذي فهمه جمهور المثبتين، وقد تقدم.

وقوله (ص) يعمل كل قوم لمنازلهم، أي أن كل واحد من المنزلين يحتاج إلي أعمال تناسبه في الدنيا، فإن كان العامل من أهل الجنة عمل الخير لا محالة وإن كان من أهل النار عمل الشر لا محالة، والدعوة إلي الجنة وعمل الخير، لأن عمل الخير يعيِّن منزله في الجنة وإن عمل الشر يعيِّن منزله في النار لا محالة، كما قال تعالي: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ. البقره: 148 فلم يمنع تعين الوجهة عن الدعوة إلي استباق الخيرات، ولا منافاة بين تعين السعادة والشقاوة بالنظر إلي العلل التامة، وبين عدم تعينها بالنظر إلي اختيار الإنسان في تعيين عمله، فإنه جزء العلة وجزء علة الشئ لا يتعين معه وجود الشئ ولا عدمه بخلاف تمام العلة، وقد تقدم استيفاء هذا البحث في موارد من هذا الكتاب، وآخرها في تفسير قوله تعالي: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ الاعراف: 30، وأخبار الطينة المتقدمة من أخبار هذا الباب بوجه.

وفيه، أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن ابن عباس: في قوله وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ الآية، قال: خلق الله آدم وأخذ ميثاقه أنه ربه، وكتب أجله ورزقه ومصيبته، ثم أخرج ولده من ظهره كهيئة الذر، فأخذ مواثيقهم أنه ربهم، وكتب آجالهم وأرزاقهم ومصائبهم.

أقول:

وقد روي هذا المعني عن ابن عباس بطرق كثيرة في ألفاظ مختلفة، لكن الجميع تشترك في أصل المعني وهو إخراج ذرية آدم من ظهره وأخذ الميثاق منهم.

وفيه، أخرج ابن عبدالبر في التمهيد من طريق السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن ابن مسعود وناس من الصحابة: في قوله تعالي: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ، قالوا: لما أخرج الله آدم من الجنة، قبل تهبيطه من السماء مسح صفحه ظهره اليمني، فأخرج منه ذرية بيضاء مثل اللؤلؤ كهيئة الذر، فقال لهم أدخلوا الجنة برحمتي، ومسح صفحة ظهره اليسري فأخرج منه ذرية سوداء كهيئة الذر فقال ادخلوا النار ولا أبالي، فذلك قوله أصحاب اليمين وأصحاب الشمال. ثم أخذ منهم الميثاق، فقال أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، فأعطاه طائفة طائعين، وطائفة كارهين علي وجه التقية، فقال هو والملائكة: شهدنا أن يقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل، قالوا فليس أحد من ولد آدم إلا وهو يعرف الله أنه ربه وذلك قوله عز وجل: وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وذلك قوله: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ، يعني يوم أخذ الميثاق.

أقول: وقد روي حديث الذر كما في الروايه موقوفة وموصولة عن عدة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله، كعلي عليه السلام، وابن عباس، وعمر بن الخطاب، وعبد الله بن عمر، وسلمان، وأبي هريرة، وأبي أمامة، وأبي سعيد الخدري، وعبدالله بن مسعود، وعبدالرحمان بن قتادة، وأبي الدرداء وأنس ومعاوية وأبي موسي الأشعري. كما روي من طرق الشيعة عن علي وعلي بن الحسين، (ومحمد بن

علي)، وجعفر بن محمد، والحسن بن علي العسكري عليهم السلام.

ومن طرق أهل السنة أيضاً عن علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد بطرق كثيرة، فليس من البعيد أن يدعي تواتره المعنوي.

واعلم أن الروايات في الذر كثيره جداً، وقد تركنا إيراد أكثرها لوفاء ما أوردنا من ذلك بمعناها. وهنا روايات أخر في أخذ الميثاق عن النبي صلي الله عليه وآله وسائر الأنبياء عليهم السلام سنوردها في محلها إن شاء الله تعالي. انتهي.

عوالم وجود الإنسان

تحصل من بحث صاحب الميزان رحمه الله أنه جعل الاقوال في عالم الذر ثلاثة:

الأول: نفي وجود عالم الذر، والقول بأن ما ورد في الآية من إشهاد الناس وإقرارهم بالربوبية، إنما هو تعبير مجازي عن تكوينهم الذي يهديهم إلي ربهم تعالي. وهو قول عدد من المتأثرين بالفلسفة اليونانية من القدماء، وبالثقافة الغربية من المتأخرين.

الثاني: أن عالم الذر بمعني أن الله تعالي استخرج نطف أبناء آدم عليه السلام من ظهره، ثم من ظهور أبنائه إلي آخر أب، ثم كونهم بشكل معين وأشهدهم فأقروا، ثم أعادهم إلي حالتهم الأولي في ظهر آدم عليه السلام. وقد ذهب إليه بعض المفسرين من السنة والشيعة.

الثالث: أن عالم الذر هو عالم الملكوت والخزائن، وهو الوجه الذي اختاره صاحب الميزان رحمه الله وأطال في الكلام حوله واختصر في الإستدلال عليه.

ولكن يرد عليه إشكالات متعددة، أهمها:

أولاً: أن عالم الملكوت اسم عام لكل عوالم ملك الله تعالي، وتفسير عالم الذر به لا يحل المشكلة، لأنه يبقي السؤال وارداً: في أي عالم من ملكوت الله تعالي تم خلق الناس وأخذ الميثاق منهم؟

ثانياً: أن تفسير عالم الذر بعالم الملكوت تفسير استحساني لا دليل عليه، وطريقنا

إلي معرفة عوالم خلق الله وأفعاله سبحانه وتعالي، محصور بما أخبرنا به النبي وآله صلي الله عليهم، وما دل العقل عليه بدلالة قطعية، لا ظنية أو احتمالية.

ثالثاً: أن عوالم وجود النبي وآله صلي الله عليه وآله ووجود الناس قبل هذا العالم، وردت فيها أحاديث كثيرة لا يمكن إغفالها في البحث، كما فعل بعضهم، ولا نفيها بجرة قلم كما فعل بعضهم، كما لا يمكن دمجها في عالم واحد كعالم الملكوت أو الخزائن كما فعل صاحب الميزان رحمه الله بل هي عوالم متعددة قد تصل إلي عشرة عوالم، نذكر منها:

عالم الأنوار الأولي: أو عالم الاشباح، وهو أول ظلال أو في خلقه الله تعالي من نور عظمته، وهو نور نبينا وآله صلي الله عليه وعليهم.

عالم الأظلة: الذي تم فيه خلق جميع الناس وتعارفهم.

عالم الذر، الذي أخذ فيه الميثاق علي الناس، وتدل الأحاديث علي أنه نفس عالم الأظلة أو مرتبط به بنحو من الإرتباط.

عالم الطينة، التي خلق منها الناس.

وذكرت أحاديث أخري أن خلق الأرواح تم قبل خلق الاجساد.. الخ.

كما ذكرت الآيات والأحاديث عوالم أخري مثل قوله تعالي: هَلْ أَتَي عَلَي الإنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُوراً. أي كان في ذلك الحين شيئاً، ولكنه غير مذكور، كما ورد في الرواية عن الإمام الباقر عليه السلام.

وهذه العوالم كلها من عالم الملكوت ومن خزائن ملكه تعالي، ولكنها ليست نفس عالم الملكوت ولا الخزائن.

وقد تقدم عدد من روايات العوالم الأربعة الأولي، ونورد فيما يلي عدداً آخر، وبعضها نص علي أن عالم الذر هو عالم الأظلة.

من روايات عالم الأشباح (ظلال النور).

الأصول الستة عشر/15: (عباد عن عمرو، عن أبي حمزة قال: سمعت علي بن الحسين عليه السلام

يقول: إن الله خلق محمداً وعلياً وأحد عشر من ولده من نور عظمته، فأقامهم أشباحاً في ضياء نوره يعبدونه قبل خلق الخلق، يسبحون الله ويقدسونه، وهم الأئمة من ولد رسول الله صلي الله عليه وآله.

ورواه الكليني في الكافي:1/530، عن محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن الحسين، عن أبي سعيد العصفوري، عن عمرو بن ثابت، عن أبي حمزة... كما في الأصول الستة عشر.

الكافي:1/442: (الحسين (عن محمد) بن عبد الله، بن محمد بن سنان، عن المفضل، عن جابر بن يزيد قال: قال لي أبو جعفر عليه السلام: يا جابر إن الله أول ما خلق خلق محمداً صلي الله عليه وآله وعترته الهداة المهتدين، فكانوا أشباح نور بين يدي الله، قلت: وما الأشباح؟ قال: ظل النور، أبدان نورانية بلا أرواح، وكان مؤيداً بروح واحدة وهي روح القدس، فبه كان يعبد الله وعترته، ولذلك خلقهم حلماء علماء بررة أصفياء، يعبدون الله بالصلاة والصوم والسجود والتسبيح والتهليل، ويصلون الصلوات ويحجون ويصومون. انتهي. ورواه البحراني في حلية الأبرار:1/19

علل الشرائع:1/208: (حدثنا إبراهيم بن هارون الهاشمي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج قال: حدثنا عيسي بن مهران قال: حدثنا منذر الشراك قال: حدثنا إسماعيل بن علية قال: أخبرني أسلم بن ميسرة العجلي، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إن الله عز وجل خلقني وعلياً وفاطمة والحسن والحسين قبل أن يخلق الدنيا بسبعة آلاف عام. قلت فأين كنتم يا رسول الله؟ قال: قدام العرش نسبح الله تعالي ونحمده ونقدسه ونمجده. قلت: علي أي مثال؟ قال: أشباح نور، حتي إذا أراد الله عز وجل أن يخلق

صورنا صيرنا عمود نور، ثم قذفنا في صلب آدم، ثم أخرجنا إلي أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، ولا يصيبنا نجس الشرك ولا سفاح الكفر، يسعد بنا قوم ويشقي بنا آخرون، فلما صيرنا إلي صلب عبد المطلب أخرج ذلك النور فشقه نصفين فجعل نصفه في عبد الله ونصفه في أبي طالب، ثم أخرج النصف الذي لي إلي آمنة والنصف إلي فاطمة بنت أسد فأخرجتني آمنة وأخرجت فاطمة علياً، ثم أعاد عز وجل العمود إلي فخرجت مني فاطمة، ثم أعاد عز وجل العمود إلي علي فخرج منه الحسن والحسين _ يعني من النصفين جميعاً _ فما كان من نور علي فصار في ولد الحسن، وما كان من نوري صار في ولد الحسين، فهو ينتقل في الأئمة من ولده إلي يوم القيامة.

شرح الأخبار:3/6: (صفوان الجمال قال: دخلت علي أبي عبدالله جعفر بن محمد عليه السلام وهو يقرأ هذه الآية: فَتَلَقَّيءادَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. ثم التفت إلي فقال: يا صفوان إن الله تعالي ألهم آدم عليه السلام أن يرمي بطرفه نحو العرش، فإذا هو بخمسة أشباح من نور يسبحون الله ويقدسونه، فقال آدم: يا رب من هؤلاء؟ قال: يا آدم صفوتي من خلقي، لولاهم ما خلقت الجنة ولا النار، خلقت الجنة لهم ولمن والاهم، والنار لمن عاداهم. لو أن عبداً من عبادي أتي بذنوب كالجبال الرواسي ثم توسل إليّ بحق هؤلاء لعفوت له.

فلما أن وقع آدم في الخطيئة قال: يا رب بحق هؤلاء الأشباح اغفر لي، فأوحي الله عز وجل إليه: إنك توسلت إلي بصفوتي وقد عفوت لك. قال آدم: يا رب بالمغفرة التي غفرت إلا أخبرتني من هم؟ فأوحي الله إليه:

يا آدم هؤلاء خمسة من ولدك، لعظيم حقهم عندي اشتققت لهم خمسة أسماء من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمد، وأنا الأعلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا المحسن وهذا الحسن، وأنا الإحسان وهذا الحسين.

شرح الأخبار:3/514: (عن عبدالقادر بن أبي صالح، عن هبة الله بن موسي، عن هناد بن إبراهيم، عن الحسن بن محمد، عن محمد بن فرحان، عن محمد بن يزيد، عن الليث بن سعد، عن العلاء بن عبدالرحمان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (عليهما السلام): أنه لما خلق الله تعالي آدم أبا البشر ونفخ فيه من روحه التفت آدم يمنة العرش فإذا في النور خمسة أشباح... الحديث.

شرح الأخبار:2/500: (أحمد بن محمد بن عيسي المصري، بإسناده عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله (عليهما السلام) يقول: لما خلق الله عز وجل آدم (عليه السلام) ونفخ فيه من روحه، نظر آدم (عليه السلام) يمنة العرش، فإذا من النور خمسة أشباح علي صورته ركعاً سجداً فقال: يا رب هل خلقت أحداً من البشر قبلي؟ قال: لا. قال: فمن هؤلاء الذين أراهم علي هيئتي وعلي صورتي؟ قال: هؤلاء خمسة من ولدك، لولاهم ما خلقتك ولا خلقت الجنة ولا النار ولا العرش ولا الكرسي ولا السماء ولا الأرض ولا الملائكة ولا الإنس ولا الجن، هؤلاء خمسة اشتققت لهم أسماء من أسمائي، فأنا المحمود وهذا محمد وأنا الأعلي وهذا علي، وأنا الفاطر وهذه فاطمة، وأنا الإحسان وهذا حسن، وأنا المحسن وهذا الحسين....

تحف العقول/163:

... بل اشتقاق الحقيقة والمعني من اسمه تعالي كما جاء في حديث المعراج: إن الله تعالي قال لي: يا محمد اشتققت لك إسماً من أسمائي فأنا المحمود وأنت محمد، واشتققت لعلي

إسماً من أسمائي فأنا الأعلي وهو علي، وهكذا فاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فكلهم أشباح نور من نوره تعالي جل اسمه.

كفاية الاثر/70: (قال هارون: حدثنا حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي، قال حدثني أبوالنصر محمد بن مسعود العياشي، عن يوسف بن المشحت البصري، قال حدثنا إسحق بن الحارث، قال حدثنا محمد بن البشار، عن محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة، عن هشام بن يزيد، عن أنس بن مالك قال: كنت أنا وأبوذر وسلمان وزيد بن ثابت وزيد بن أرقم عند النبي صلي الله عليه وآله ودخل الحسن والحسين (عليهما السلام) فقبلهما رسول الله صلي الله عليه وآله وقام أبوذر فانكب عليهما وقبل أيديهما، ثم رجع فقعد معنا، فقلنا له سراً: أرأيت رجلاً شيخاً من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله يقوم إلي صبيين من بني هاشم فينكب عليهما ويقبل أيديهما؟ فقال: نعم، لو سمعتم ما سمعت فيهما من رسول الله صلي الله عليه وآله لفعلتم بهما أكثر مما فعلت. قلنا: وماذا سمعت يا أباذر؟ قال: سمعته يقول لعلي ولهما: يا علي والله لو أن رجلاً صلي وصام حتي يصير كالشن البالي إذاً ما نفعه صلاته وصومه إلا بحبكم، يا علي من توسل إلي الله بحبكم فحق علي الله أن لا يرده، يا علي من أحبكم وتمسك بكم فقد تمسك بالعروة الوثقي. قال: ثم قام أبوذر وخرج، وتقدمنا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقلنا: يا رسول الله أخبرنا أبوذر عنك بكيت وكيت.

قال: صدق أبوذر، صدق والله، ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء علي ذي لهجة أصدق من أبي ذر. ثم قال: خلقني الله تبارك وتعالي وأهل بيتي من نور واحد قبل

أن يخلق آدم بسبعة آلاف عام، ثم نقلنا إلي صلب آدم، ثم نقلنا من صلبه في أصلاب الطاهرين إلي أرحام الطاهرات، فقلت: يا رسول الله فأين كنتم وعلي أي مثال كنتم؟ قال: كنا أشباحاً من نور تحت العرش نسبح الله تعالي ونمجده، ثم قال: لما عرج بي إلي السماء وبلغت سدرة المنتهي ودعني جبرئيل عليه السلام فقلت:حبيبي جبرئيل أفي هذا المقام تفارقني؟ فقال: يا محمد إني لا أجوز هذا الموضع فتحترق أجنحتي.

ثم زج بي في النور ما شاء الله، فأوحي الله إلي: يا محمد إني اطلعت إلي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فجعلتك نبياً، ثم اطلعت ثانياً فاخترت منها علياً فجعلته وصيك ووارث علمك والإمام بعدك، وأخرج من أصلابكما الذرية الطاهرة والأئمة المعصومين خزان علمي، فلولاكم ما خلقت الدنيا ولا الآخرة ولا الجنة ولا النار. يا محمد أتحب أن تراهم قلت: نعم يا رب، فنوديت: يا محمد إرفع رأسك، فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، والحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هؤلاء، ومن هذا؟ قال: يا محمد هم الأئمة بعدك المطهرون من صلبك، وهو الحجة الذي يملا الأرض قسطاً وعدلاً ويشفي صدور قوم مؤمنين.

قلنا: بآبائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله لقد قلت عجباً. فقال عليه السلام: وأعجب من هذا أن قوماً يسمعون مني هذا ثم يرجعون علي أعقابهم بعد إذ هداهم الله، ويؤذوني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي.

بصائر الدرجات/83: (أحمد بن محمد ويعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن

أبي جميلة، عن محمد بن الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله مثَّل لي أمتي في الطين وعلمني أسماءهم كلها، كما علم آدم الأسماء كلها، فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته، إن ربي وعدني في شيعة علي خصلة، قيل يا رسول الله وما هي؟ قال المغفرة منهم لمن آمن واتقي، لا يغادر منهم صغيرة ولا كبيرة، ولهم تبدل السيئات حسنات.

الحسن بن محبوب عن صالح بن سهل عن أبي عبد الله عليه السلام: أن بعض قريش قال لرسول الله صلي الله عليه وآله: بأي شئ سبقت الأنبياء وأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ قال: إني كنت أول من أقر بربي وأول من أجاب، حيث أخذ الله ميثاق النبيين وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، وكنت أنا أول نبي قال بلي، فسبقتهم بالإقرار بالله.

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن النعمي، عن ابن مسكان، عن عبدالرحيم القصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن أمتي عرضت عليَّ عند الميثاق، وكان أول من آمن وصدقني علي، وكان أول من آمن بي وصدقني حيث بعثت فهو الصديق الأكبر.

حدثنا العباس بن معروف، عن حماد بن عيسي، عن أبي الجارود، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه: اللهم لقني إخواني مرتين، فقال من حوله من أصحابه: أما نحن إخوانك يا رسول؟ فقال: لا، إنكم أصحابي، وإخواني قوم من آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني، لقد عرفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يخرجهم من

أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشد بقية علي دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء، أو كالقابض علي جمر الغضا. أولئك مصابيح الدجي، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة. انتهي. وروايات البصائر هذه ليس فيها تصريح بعالم الأظلة أو الأشباح، لكن يصح حملها عليه بالقرائن.

من روايات عالم الاظلة

الإعتقادات للصدوق/26: (وقال النبي صلي الله عليه وآله: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. وقال الصادق عليه السلام: إن الله آخي بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لورَّث الأخ الذي آخا بينهما في الأظلة، ولم يورث الأخ من الولادة. انتهي. ورواه في الفقيه:4/352، ورواه في بحار الأنوار:6/249، ورواه الصدوق في الخصال/169، قال:حدثنا علي بن أحمد بن موسي (رض) قال: حدثنا حمزة بن القاسم العلوي قال: حدثنا محمد بن عبدالله بن عمران البرقي قال: حدثنا محمد بن علي الهمداني، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي عبدالله وأبي الحسن (عليهما السلام) قالا: لو قد قام القائم لحكم بثلاث لم يحكم بها أحد قبله: يقتل الشيخ الزاني، ويقتل مانع الزكاة، ويورث الأخ أخاه في الأظلة.

الكافي:1/441: (علي بن محمد، عن سهل بن زياد، عن محمد بن علي بن إبراهيم، عن علي بن حماد، عن المفضل قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: كيف كنتم حيث كنتم في الاظلة؟ فقال: يا مفضل كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا، في ظلة خضراء نسبحه ونقدسه ونهلله ونمجده، وما من ملك مقرب ولا ذي روح غيرنا، حتي بدا له في خلق الأشياء، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة وغيرهم، ثم أنهي علم ذلك إلينا. انتهي. والمقصود بقوله عليه

السلام: ثم أنهي علم ذلك إلينا، شبيه قوله تعالي: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمآءَ كُلَّهَا.

الكافي:1/436: (محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبدالله بن محمد الجعفري، عن أبي جعفر عليه السلام وعن عقبة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن الله خلق، فخلق ما أحب مما أحب، وكان ما أحب أن خلقه من طينة الجنة، وخلق ما أبغض مما أبغض، وكان ما أبغض أن خلقه من طينة النار، ثم بعثهم في الظلال. فقلت: وأي شئ الظلال؟ قال: ألم تر إلي ظلك في الشمس شئ وليس بشئ، ثم بعث الله فيهم النبيين يدعونهم إلي الإقرار بالله وهو قوله: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ. ثم دعاهم إلي الإقرار بالنبيين، فأقر بعضهم وأنكر بعضهم، ثم دعاهم إلي ولايتنا فأقر بها والله من أحب وأنكرها من أبغض، وهو قوله: فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ. ثم قال أبو جعفر عليه السلام: كان التكذيب ثَمَّ. انتهي.

ورواه في الكافي:2/10: عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن عبدالله بن محمد الجعفي وعقبة، جميعاً عن أبي جعفر عليه السلام قال... ورواه في علل الشرائع:1/118، رواه في بصائر الدرجات /80، وفيه (كان التكذيب ثمت).

الكافي:8/2: (حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن فضال، عن حفص المؤذن، عن أبي عبد الله عليه السلام، وعن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كتب بهذه الرسالة إلي أصحابه وأمرهم بمدارستها والنظر فيها وتعاهدها والعمل بها، فكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم،

فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها.

قال: وحدثني الحسن بن محمد، عن جعفر بن محمد بن مالك الكوفي، عن القاسم بن الربيع الصحاف، عن إسماعيل بن مخلد السراج، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: خرجت هذه الرسالة من أبي عبد الله عليه السلام إلي أصحابه:

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد، فاسألوا ربكم العافية، وعليكم بالدعة والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم، وعليكم بمجاملة أهل الباطل....

وإياكم وما نهاكم الله عنه أن تركبوه، وعليكم بالصمت إلا فيما ينفعكم الله به من أمر آخرتكم ويأجركم عليه.. وعليكم بالدعاء، فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء والرغبة إليه....

فاتقوا الله أيتها العصابة الناجية أن أتم الله لكم ما أعطاكم، فإنه لا يتم الأمر حتي يدخل عليكم مثل الذي دخل علي الصالحين قبلكم....

واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوي ولا رأي ولا مقائيس، قد أنزل الله القرآن وجعل فيه تبيان كل شئ، وجعل للقرآن ولتعلم القرآن أهلاً لا يسع أهل علم القرآن الذين آتاهم الله علمه أن يأخذوا فيه بهوي لا رأي ولا مقائيس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه وخصهم به ووضعه عندهم، كرامة من الله أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم - وقد سبق في علم الله أن يصدقهم ويتبع أثرهم _ أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلي الله بإذنه، وإلي جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به وجعله عندهم إلا من سبق

عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الاظلة، فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله علم القرآن ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، وأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائيسهم حتي دخلهم الشيطان....

الأصول الستة عشر/63: (جابر قال سألت أبا جعفر عليه السلام عن تفسير هذه الآية، عن قول الله عز وجل: وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَي الطَّرِيقَةِ لاسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا، يعني لو أنهم استقاموا علي الولاية في الأصل تحت الأظلة، حين أخذ الله ميثاق ذرية آدم، لاسقيناهم ماء غدقاً: يعني لأسقينا أظلتهم الماء العذب الفرات.

تفسير القمي:2/391: (أخبرنا أحمد بن إدريس قال: حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن القاسم بن سليمان، عن جابر قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول في هذه الآية: وأن لو استقاموا علي الطريقة لاسقيناهم ماء غدقاً: يعني من جري فيه شئ من شرك الشيطان. علي الطريقة: يعني علي الولاية في الأصل عند الأظلة، حين أخذ الله ميثاق ذرية آدم. انتهي. ونحوه في تفسير نور الثقلين:5/438

بصائر الدرجات/73: (حدثنا أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميره، عن أبي بكر الحضرمي، عن حذيفة بن أسيد الغفار، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما تكاملت النبوة لنبي في الأظلة حتي عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي، ومثلوا له، فأقروا بطاعتهم وولايتهم.

تفسير العياشي:2/126: (عن زرارة وحمران، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) قالا: إن الله خلق الخلق وهي أظلة، فأرسل رسوله محمداً صلي الله عليه وآله فمنهم من آمن به ومنهم من كذبه، ثم بعثه في الخلق الآخر فآمن به من كان آمن في الأظلة، وجحده من

جحد به يومئذ، فقال: ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل.

تفسير فرات الكوفي/147:

(فرات قال: حدثني عثمان بن محمد معنعناً: عن أبي خديجة قال: قال محمد بن علي (عليهما السلام): لو علم الناس متي سمي علي أمير المؤمنين ما اختلف فيه اثنان.

قال: قلت: متي؟ قال فقال لي: في الأظلة حين أخذ الله من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا: بلي. محمد نبيكم، علي أمير المؤمنين وليكم.)

الايضاح لابن شاذان/106: ((... فوالله ما الحق إلا واضح بيِّن منير، وما الباطل إلا مظلم كدر، وقد عرفتم موضعه ومستقره، إلا أن الميثاق قد تقدم في الاظلة بالسعادة والشقاوة، وقد بين الله جل ذكره لنا ذلك بقوله: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي شَهِدْنَا).

شرح الأسماء الحسني:1/166: (قد عرف النور بأنه الظاهر بذاته المظهر لغيره وهو القدر المشترك بين جميع مراتبه من الضوء وضوء الضوء والظل وظل الظل، في كل بحسبه وهذا المعني حق حقيقة الوجود، إذ كما أنها الموجودة بذاتها وبها توجد المهيات المعدومة بذواتها بل لا موجودة ولا معدومة، كذلك تلك الحقيقة ظاهرة بذاتها مظهرة لغيرها من الأعيان، والمهيات المظلمة بذواتها بل لا مظلمة ولا نورية، فمراتب الوجود من الحقايق والرقايق والأرواح والأشباح والأشعة والأظلة كلها أنوار لتحقق هذا المعني فيها، حتي في الأشباح المادية وأظلال الأظلال. انتهي.

ويدل النص التالي علي أن حديث عالم الظلال كان معروفاً في حياة النبي صلي الله عليه وآله ثم غاب من بعده كما غابت أحاديث كثيرة في فضائله صلي الله عليه وآله والسبب في ذلك أن هذه الأحاديث فيها ذكر فضل بني

هاشم وبني عبد المطلب وفضل علي وفاطمة والأئمة الإثني عشر الموعودين في هذه الأمة! وقد عتموا عليها ما استطاعوا! وما رووه منها من فضائل النبي صلي الله عليه وآله جردوه من فضائل أهل بيته وعترته إلا ما أفلت منها، وما رواه أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم!)

قال في كنز العمال:12/427: (عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتي بدت نواجذه ثم قال: كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي قط علي سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسنة إلي الأرحام الطاهرة مصفي مهذباً، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والإنجيل ذكري، وبين كل نبي صفتي، تشرق الأرض بنوري والغمام لوجهي، وعلمني كتابه، ورقي بي في سمائه وشق لي اسماً من أسمائه، فذو العرش محمود وأنا محمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني أول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لأمتي وهم الحمادون، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت في النبي (ص):

من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يُخْصَف الورقُ

ثم سكنت البلاد لا بشرٌ أنت ولا نطفةٌ ولا علقُ

مطهرٌ تركب السفين وقد ألجمَ أهل الضلالة الغرق

تُنقل من صلب إلي رحم إذا مضي عالم بدا طب_ق

فقال النبي (ص): يرحم الله حساناً! فقال علي بن أبي طالب: وجبت الجنة لحسان ورب الكعبة. كر، وقال: هذا حديث غريب جداً، والمحفوظ أن هذه الأبيات للعباس. انتهي. ولكن نسبة هذه الأبيات إلي حسان أولي، فهي

تشبه شعره إلي حد كبير، ولم يعهد في التاريخ شعر للعباس عم النبي، كما عهد لعمه أبي طالب صلي الله عليه وآله. ورواه في مجمع الزوائد للعباس في:8/217، وقال: رواه الطبراني وفيهم من لم أعرفهم، قال:

وعن خريم بن أوس بن جارية بن لام قال: كنا عند النبي(ص)فقال له العباس بن عبدالمطلب: يا رسول الله إني أريد أن أمدحك، فقال له (ص): هات لا يفضض الله فاك، فأنشأ يقول:

قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورق

ثم هبطت البلاد لا بشر أنت ولا مضغة ولا علق

بل نطفة تركب السفين وقد ألجم نسراً وأهله الغ_رق

تنقل من صالب إلي رحم إذا مضي عالم بدا طبق

حتي احتوي بيتك المهيمن من خندف علياء تحتها النطق

وأنت لما ولدت أشرقت الأ رض وضاءت بنورك الأفق

فنحن في ذلك الضياء وفي النور سبل الرشاد نخت_رق

وروي نحوه في مناقب آل ابي طالب:1/27

وفي مناقب آل ابي طالب:2/17:

أشباحكم كن في بدو الظلال له دون البرية خداماً وحجاب

وأنتمُ الكلمات اللاي لقنها جبريل آدم عند الذنب إذ تاب

وأنتمُ قبلة الدين التي جعلت للقاصدين إلي الرحمن محراب

وقد روي إخواننا السنة أحاديث كثيرة وصححوا عدداً منها تنص علي أن خلق النبي ونبوته صلي الله عليه وآله قد تما قبل خلق آدم عليه السلام ولكنها مجردة عن فضل أهل بيته، ففي مسند أحمد:4/127: (الكلبي عن عبد الله بن هلال السلمي، عن عرباض بن سارية قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني عبد الله لخاتم النبيين وإن آدم عليه السلام لمنجدل في طينته، وسأنبئكم بأول ذلك: دعوة أبي إبراهيم، وبشارة عيسي بي، ورؤيا أمي التي رأت، وكذلك

أمهات النبيين يَرَيْنَ. انتهي. ورواه في مستدرك الحاكم:2/418 وص600 في/608 وزاد فيه: (وإن أم رسول الله صلي الله عليه وآله رأت حين وضعته له نورا أضاءت لها قصور الشام، ثم تلا: يا أيها النبي يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إلي اللهِ بِإِذْنِهِ وَ سِرَاجًا مُنِيرًا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ورواه في مجمع الزوائد:8/223 تحت عنوان: باب قدم نبوته صلي الله عليه وآله كما في الحاكم وقال (رواه أحمد بأسانيد، والبزار، والطبراني بنحوه، وقال: سأحدثكم بتأويل ذلك: دعوة إبراهيم دعا، وابعث فيهم رسولاً منهم، وبشارة عيسي بن مريم قوله، ومبشراً برسول يأتي من بعدي إسمه أحمد، ورؤيا أمي التي رأت في منامها أنها وضعت نوراً أضاءت منه قصور الشام. وأحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سعيد بن سويد وقد وثقه ابن حبان.

وعن ميسرة العجر قال قلت يا رسول الله متي كتبت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. رواه أحمد والطبراني ورجاله رجال الصحيح.

وعن عبدالله بن شقيق عن رجل قال قلت يا رسول الله متي جعلت نبياً؟ قال: وآدم بين الروح والجسد. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وعن ابن عباس قال: قيل يا رسول الله متي كتبت نبياً؟ قال وآدم بين الروح والجسد. رواه الطبراني في الأوسط والبزار، وفيه جابر بن يزيد الجعفي وهو ضعيف.

وعن أبي مريم قال أقبل أعرابي حتي أتي النبي(ص)وعنده خلق من الناس فقال: ألا تعطيني شيئاً أتعلمه وأحمله وينفعني ولا يضرك، فقال الناس مه أجلس، فقال النبي(ص)دعوه فإنما يسأل الرجل ليعلم، فأفرجوا له حتي جلس، فقال: أي شئ كان أول نبوتك؟ قال: أخذ الميثاق كما أخذ من النبيين، ثم تلا: وَإِذْ أَخَذْنَا

مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَ مِنْكَ وَ مِنْ نُوحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَي وَ عِيسَي ابْنِ مَرْيَمَ وَ أَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا، وبشري المسيح عيسي بن مريم، ورأت أم رسول الله (ص)في منامها أنه خرج من بين رجليها سراج أضاءت له قصور الشام.

فقال الأعرابي هاه وأدني منه رأسه وكان في سمعه شئ، فقال النبي(ص)ووراء ذلك. رواه الطبراني ورجاله وثقوا.

وروي أحاديثه في كنز العمال:11/409 وقال في مصادرها: (ابن سعد، حل _ عن ميسرة الفجر، ابن سعد _ عن ابن أبي الجدعاء، طب _ عن ابن عباس). وقال في هامشه: أخرجه الترمذي كتاب المناقب باب فضل البني(ص)رقم(3609) وقال: حسن صحيح غريب.

وفي:11/418 وص 449 وص 450، وقال في مصادره (حم، طب، ك، حل، هب _ عن عرباض بن سارية). (حم وابن سعد، طب، ك، حل هب _ عن عرباض بن سارية) (ابن سعد _ عن مطرف بن عبدالله بن الشخير) (ابن سعد _ عن عبدالله بن شقيق عن أبيه أبي الجدعاء، ابن قانع _ عن عبدالله بن شقيق عن أبيه، طب _ عن ابن عباس، ابن سعد _ عن ميسرة الفجر) (ابن عساكر _ عن أبي هريرة)

ورواها السيوطي عن المصادر المتقدمة وغيرها في الدر المنثور:1/139 وج 5/184 وص 207 وج 6/213.

وروي إخواننا كذلك أحاديث متعددة عن اختيار الله تعالي لبني هاشم تؤيد هذه الأحاديث، وليس هذا مقام الكلام فيها.

من روايات عالم طينة الخلق

مجمع الزوائد:9/128: (وعن بريدة قال: بعث رسول الله(ص)علياً أميراً علي اليمن، وبعث خالد بن الوليد علي الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعلي علي الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ عليٌّ جاريةً من الخمس، فدعا خالد ابن الوليد بريدة فقال: إغتنمها فأخبر

النبي(ص)ما صنع!

فقدمت المدينة ودخلت المسجد ورسول الله(ص)في منزله، وناس من أصحابه علي بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟

فقلت: خيراً فتح الله علي المسلمين. فقالوا: ما أقدمك؟ قلت: جارية أخذها علي من الخمس! فجئت لاخبر النبي(ص).

فقالوا: فأخبر النبي(ص)فإنه يسقط من عين النبي(ص)! ورسول الله(ص)يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال: ما بال أقوام ينتقصون علياً! من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني. إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي وخلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم. يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي! فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني علي الإسلام جديداً! قال: فما فارقته حتي بايعته علي الإسلام. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم وحسين الأشقر ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان.

مجمع الزوائد:5/208: (وعن جابر _ قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله، فلما نظر إلي رسول الله حجل إعظاماً لرسول الله(ص)فقبل رسول الله بين عينيه، وقال له: يا حبيبي أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي، وخلقت من الطينة التي خلقت منها، يا حبيبي حدثني عن بعض عجائب أهل الحبشة. قال: نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، بينا أنا قائم في بعض طرقها إذ أنا بعجوز علي رأسها مكيل، وأقبل شاب يركض علي فرس فزحمها وألقي المكيل عن رأسها، واستوت قائمة وأتبعته البصر وهي تقول: الويل لك غداً إذا جلس الملك علي كرسيه فاقتص للمظلوم من الظالم! قال جابر: فنظر إلي رسول الله(ص)وهو يقول: لا قدس الله أمة لا تأخذ للمظلوم حقه من الظالم غير متعتع. رواه

الطبراني في الأوسط وفيه مكي بن عبد الله الرعيني وهو ضعيف. انتهي. ورواه في مجمع الزوائد:9/272، وروي أيضاً:

وعن أسامة بن زيد أن النبي(ص)قال لجعفر: خلقك كخلقي وأشبه خلقي خلفك فأنت مني، وأنت يا علي فمني وأبو ولدي. رواه الطبراني عن شيخه أحمد بن عبدالرحمن بن عفال وهو ضعيف.

كنز العمال:11/662: (خلق الناس من أشجار شتي، وخلقت أنا وجعفر من طينة واحدة. ابن عساكر عن وهب بن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلاً، ووهب كان يضع الحديث.

مسند جابر بن عبدالله، عن مكي بن عبدالله الرعيني، ثنا سفيان بن عيينة، عن ابن الزبير، عن جابر قال: لما قدم جعفر من أرض الحبشة تلقاه رسول الله، فلما نظر جعفر إلي رسول الله حجل إعظاماً منه لرسول الله(ص)، فقبل رسول الله بين عينيه وقال: يا حبيبي! أنت أشبه الناس بخلقي وخلقي وخلقت من الطينة التي خلقت منها يا حبيبي. عق، وأبو نعيم، قال عق غير محفوظ، وقال في الميزان: مكي له مناكير، وقال في المغني: تفرد عن ابن عيينة بحديث عب. انتهي. ورواه في كنز العمال:11/662، بعدة روايات في بعضها من طينتي وفي بعضها من شجرتي.

الكافي:2/2: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن ربعي بن عبد الله عن رجل، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال: إن الله عز وجل خلق النبيين من طينة عليين: قلوبهم وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة و (جعل) خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك وخلق الكفار من طينة سجين، قلوبهم وأبدانهم، فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر ويلد الكافر المؤمن، ومن هاهنا يصيب المؤمن السيئة، ومن هاهنا يصيب الكافر الحسنة. فقلوب المؤمنين تحن إلي

ما خلقوا منه وقلوب الكافرين تحن إلي ما خلقوا منه. انتهي. ورواه في علل الشرائع:1/82 وروي في/116: محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسن، عن النضر بن شعيب، عن عبدالغفار الجازي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله عز وجل خلق المؤمن من طينة الجنة وخلق الكافر من طينة النار. وقال: إذا أراد الله عز وجل بعبد خيراً طيب روحه وجسده فلا يسمع شيئاً من الخير إلا عرفه ولا يسمع شيئاً من المنكر إلا أنكره.

قال وسمعته يقول: الطينات ثلاث: طينة الأنبياء والمؤمن من تلك الطينة إلا أن الأنبياء هم من صفوتها، هم الأصل ولهم فضلهم، والمؤمنون الفرع من طين لازب، كذلك لا يفرق الله عز وجل بينهم وبين شيعتهم. وقال: طينة الناصب من حمأ مسنون، وأما المستضعفون فمن تراب، لا يتحول مؤمن عن إيمانه ولا ناصب عن نصبه، ولله المشيئة فيهم.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن صالح بن سهل قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: جعلت فداك من أي شئ خلق الله عزوجل طينة المؤمن؟ فقال: من طينة الأنبياء، فلم تنجس أبداً.

محمد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمد وغيره، عن محمد بن خلف، عن أبي نهشل قال: حدثني محمد بن إسماعيل، عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الله عز وجل خلقنا من أعلي عليين، وخلق قلوب شيعتنا مما خلقنا منه، وخلق أبدانهم من دون ذلك، وقلوبهم تهوي إلينا لأنها خلقت مما خلقنا منه، ثم تلا هذه الآية: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ.كتاب مرقوم يشهده المقربون. وخلق عدونا من سجين، وخلق قلوب شيعتهم مما خلقهم منه

وأبدانهم من دون ذلك، فقلوبهم تهوي إليهم، لأنها خلقت مما خلقوا منه، ثم تلا هذه الآية: كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. انتهي. ورواه في علل الشرائع: 1/116

الكافي:1/389: (أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عيسي بن عبيد، عن محمد بن شعيب، عن عمران بن إسحاق الزعفراني، عن محمد بن مروان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الله خلقنا من نور عظمته، ثم صور خلقنا من طينة مخزونة مكنونة من تحت العرش، فأسكن ذلك النور فيه، فكنا نحن خلقاً وبشراً نورانيين لم يجعل لاحد في مثل الذي خلقنا منه نصيباً، وخلق أرواح شيعتنا من طينتنا وأبدانهم من طينة مخزونة مكنونة أسفل من تلك الطينة... الحديث.

الكافي:1/402: (أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن منصور بن العباس، عن صفوان بن يحيي، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن عبد الخالق وأبي بصير قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا أبا محمد... وإن عندنا سراً من سر الله وعلماً من علم الله أمرنا الله بتبليغه، فبلغنا عن الله عز وجل ما أمرنا بتبليغه، فلم نجد له موضعاً ولا أهلاً ولا حمالة يحتملونه حتي خلق الله لذلك أقواماً، خلقوا من طينة خلق منها محمد وآله وذريته عليهم السلام ومن نور خلق الله منه محمداً وذريته، وصنعهم بفضل صنع رحمته التي صنع منها محمداً وذريته، فبلغنا عن الله ما أمرنا بتبليغه فقبلوه واحتملوا ذلك، وبلغهم ذكرنا فمالت قلوبهم إلي معرفتنا وحديثنا، فلولا أنهم خلقوا من هذا لما كانوا كذلك، لا والله ما احتملوه... الحديث.

من آيات و روايات عالم الملكوت

قال تعالي: أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا

مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وَأَنْ عَسَي أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ. الاعراف 184-185

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ الْلَيْلُ رَآ كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَءَا الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. الأنعام: 75 _ 77

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَئٍْ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ للهِ قُلْ فَأَنَّي تُسْحَرُونَ. المؤمنون: 88 _ 89

فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَئٍْ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. يس: 83

نهج البلاغة:1/162: (... هو القادر الذي إذا ارتمت الأوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه....

نهج البلاغة:1/163: (وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلي أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة...

نهج البلاغة:1/168: (ثم خلق سبحانه لاسكان سماواته، وعمارة الصفيح الأعلي من ملكوته، خلقاً بديعاً من ملائكته ملا بهم فروج فجاجها، وحشي بهم فتوق أجوائها. وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حظائر القدس وسترات الحجب وسرادقات المجد. ووراء ذلك الرجيج الذي تستك منه الأسماع....

نهج البلاغة:2/45: (الحمد لله الذي انحسرت الأوصاف عن كنه معرفته، وردعت عظمته العقول فلم تجد مساغاً إلي بلوغ غاية ملكوته....

مستدرك الوسائل:11/185: (الآمدي في الغرر، عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه

قال: التفكر في ملكوت السماوات والأرض عبادة المخلصين.

الكافي:1/35: (عن حفص بن غياث قال: قال لي أبوعبدالله عليه السلام: من تعلم العلم وعمل به وعلم لله، دعي في ملكوت السماوات عظيماً، فقيل: تعلم لله واعمل لله وعلم لله. انتهي.

وروي نحوه في كنز العمال:10/164 وفي سنن الترمذي:4/155، وروي في مجمع الزوائد:10/248: (البراء بن عازب قال قال رسول الله (ص): من قضي نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلي زينة المترفين، كان مهيناً في ملكوت السموات. ومن صبر علي القوت الشديد صبراً جميلاً أسكنه الله من الفردوس حيث شاء.

وسائل الشيعة:11/278: (ثم قال: وذلك إذا انتهكت المحارم، واكتسب المآثم، وتسلط الأشرار علي الاخيار، ويفشو الكذب، وتظهر الحاجة، وتفشو الفاقة، ويتباهون في الناس، ويستحسنون الكوبة والمعازف، وينكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. إلي أن قال: فأولئك يدعون في ملكوت السماء: الأرجاس الأنجاس.... الحديث.

الكافي:1/93: (محمد بن أبي عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق أبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض، إن كنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول.

الكافي:1/273: (علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وهو مع الأئمة، وهو من الملكوت.

الكافي:2/263: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن

أبي عبدالله عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه وآله: طوبي للمساكين بالصبر، وهم الذين يرون ملكوت السماوات والأرض.

تفسير الإمام العسكري/513:

وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، قوي الله بصره لما رفعه دون السماء حتي أبصر الأرض ومن عليها ظاهرين ومستترين، فرأي رجلاً وامرأة علي فاحشة فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فدعا عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأي آخرين فهم بالدعاء عليهما، فأوحي الله تعالي إليه: يا إبراهيم أكفف دعوتك من عبادي وإمائي... الحديث. انتهي. وروي نحوه في الكافي:8/305 وفي كنز العمال:4/269.

علل الشرائع:1/131: (قالوا حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم عن أبيه، عن ثابت بن دينار قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن الله جل جلاله: هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالي عن ذلك. قلت: فلم أسري بنبيه محمد صلي الله عليه وآله إلي السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات، وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه....

علل الشرائع:1/15: (حدثنا علي بن أحمد، عن محمد بن أبي عبدالله، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز قال: حدثنا عبدالله بن الفضل الهاشمي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: لأي علة جعل الله عز وجل الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلي في أرفع محل؟ فقال عليه السلام: إن الله تبارك وتعالي علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متي ما تركت علي حالها نزع أكثرها إلي دعوي الربوبية دونه عز وجل، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدر لها في ابتداء التقدير

نظراً لها ورحمة بها، وأحوج بعضها إلي بعض وعلق بعضها علي بعض ورفع بعضها علي بعض في الدنيا، ورفع بعضها فوق بعض درجات في الآخرة، وكفي بعضها ببعض.

قلت: فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي.؟ قال: ذاك

رسول الله صلي الله عليه وآله دنا من حجب النور فرأي ملكوت السموات، ثم تدلي صلي الله عليه وآله فنظر من تحته إلي ملكوت الأرض حتي ظن أنه في القرب من الأرض، كقاب قوسين أو أدني.

وقد روت مصادر إخواننا السنة عدداً من الروايات عن عالم الملكوت، كالتي رواها أحمد في مسنده:2/363، من حديث المعراج... فلما نزلت وانتهيت إلي سماء الدنيا فإذا أنا برهج ودخان وأصوات فقلت من هؤلاء؟ قال: الشياطين يحرفون علي أعين بني آدم أن لا يتفكروا في ملكوت السموات والأرض، ولولا ذلك لرأت العجائب.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:9/178: (وعن رقبة بن مصقلة قال لما حصر الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: أخرجوني إلي الصحراء لعلي أتفكر أنظر في ملكوت السماوات يعني الآيات، فلما أخرج به قال: اللهم إني أحتسب نفسي عندك فإنها أعز الأنفس عليَّ، وكان مما صنع الله له أنه أحتسب نفسه. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، إلا أن رقبة لم يسمع من الحسن فيما أعلم، وقد سمع من أنس فيما قيل.

من آيات و روايات عالم الخزائن

وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَئٍْ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلاَّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. الحجر: 19 _ 21

الصحيفة السجادية:1/71: (اللهم يا منتهي مطلب الحاجات، ويا من عنده نيل الطلبات، ويا من لا يبيع نعمه بالأثمان، ويا

من لا يكدر عطاياه بالإمتنان، ويا من يستغني به ولا يستغني عنه، ويا من يرغب إليه ولا يرغب عنه، ويا من لا تفني خزائنه المسائل، ويا من لا تبدل حكمته الوسائل، ويا من لا تنقطع عنه حوائج المحتاجين، ويا من لا يعنيه دعاء الداعين....

مصباح المتهجد/467: (سبحان الحي القيوم، سبحان الدائم الباقي الذي لا يزول، سبحان الذي لا تنقص خزائنه، سبحان من لا ينفد ما عنده، سبحان من لا تبيد معالمه، سبحان من لا يشاور في أمره أحداً، سبحان من لا إله غيره.

مصباح المتهجد/578: (الحمد لله الفاشي في الخلق أمره وحمده، الظاهر بالكرم مجده، الباسط بالجود يده، الذي لا تنقص خزائنه، ولا تزيده كثرة العطاء إلا كرماً وجوداً، إنه هو العزيز الوهاب.

مستدرك الحاكم:1/525: (عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه كان يدعو: اللهم احفظني بالإسلام قائماً، واحفظني بالإسلام قاعداً، واحفظني بالإسلام راقداً، ولا تشمت بي عدواً حاسداً. اللهم إني أسألك من كل خير خزائنه بيدك، وأعوذ بك من كل شر خزائنه بيدك. هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه.

هذا ماتيسر لنا تتبعه من الأحاديث الدالة علي وجود الإنسان في عوالم قبل الدنيا. وفيها بحوث شريفة في عدد هذه العوالم وترتيبها وصفاتها، قلما تعرض المتكلمون والمفسرون لبحثها.

وفيهابحوث أخري في امتحان الإنسان فيها واختياره الكفر أو الإيمان قبل وصوله إلي عالم الأرض. وقد بحثها المفسرون والمتكلمون في باب الجبر والاختيار، والقضاء والقدر.

قال المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار:5/260: (بيان: إعلم أن أخبار هذا الباب من متشابهات الأخبار ومعضلات الآثار، ولاصحابنا رضي الله عنهم فيها مسالك:

منها، ما ذهب إليه الأخباريون، وهو أنا نؤمن بها مجملاً، ونعترف بالجهل عن حقيقة معناها،

وعن أنها من أي جهة صدرت، ونرد علمها إلي الأئمة عليهم السلام.

ومنها، أنها محمولة علي التقية لموافقتها لروايات العامة، ولما ذهبت إليه الأشاعرة وهم جلهم، ولمخالفتها ظاهراً لما مر من أخبار الإختيار والإستطاعة.

ومنها، أنها كناية عن علمه تعالي بما هم إليه صائرون، فإنه تعالي لما خلقهم مع علمه بأحوالهم فكأنه خلقهم من طينات مختلفة.

ومنها، أنها كناية عن اختلاف استعداداتهم وقابلياتهم، وهذا أمر بين لا يمكن إنكاره، فإنه لا شبهة في أن النبي صلي الله عليه وآله وأبا جهل ليسا في درجة واحدة من الإستعداد والقابلية، وهذا لا يستلزم سقوط التكليف، فإن الله تعالي كلف النبي صلي الله عليه وآله حسب ما أعطاه من الاستعداد لتحصيل الكمالات، وكلف أبا جهل حسب ما أعطاه من ذلك، ولم يكلفه ما ليس في وسعه، ولم يجبره علي شئ من الشر والفساد.

ومنها، أنه لما كلف الله تعالي الأرواح أولاً في الذر وأخذ ميثاقهم فاختاروا الخير والشر باختيارهم في ذلك الوقت، وتفرع اختلاف الطينة علي ما اختاروه باختيارهم كما دل عليه بعض الأخبار السابقة، فلا فساد في ذلك.

ولا يخفي ما فيه وفي كثير من الوجوه السابقة، وترك الخوض في أمثال تلك المسائل الغامضة التي تعجز عقولنا عن الاحاطة بكنهها أولي، لا سيما في تلك المسألة التي نهي أئمتنا عن الخوض فيها. (مسألة القضا والقدر).

ولنذكر بعض ما ذكره في ذلك علماؤنا رضوان الله عليهم ومخالفوهم.

فمنها: ما ذكره الشيخ المفيد قدس الله روحه في جواب المسائل السروية حيث سئل: ما قوله - أدام الله تأييده - في معني الأخبار المروية عن الأئمة الهادية عليهم السلام في الأشباح وخلق الله تعالي الأرواح قبل خلق آدم عليه السلام

بألفي عام، وإخراج الذرية من صلبه علي صور الذر، ومعني قول رسول الله صلي الله عليه وآله: الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.

الجواب: وبالله التوفيق، إن الأخبار بذكر الأشباح تختلف ألفاظها، وتتباين معانيها، وقد بنت الغلاة عليها أباطيل كثيرة، وصنفوا فيها كتباً لغوا فيها، وهزئوا فيما أثبتوه منه في معانيها، وأضافوا ما حوته الكتب إلي جماعة من شيوخ أهل الحق وتخرصوا الباطل بإضافتها إليهم، من جملتها كتاب سموه كتاب (الأشباح والأظلة) نسبوه في تأليفه إلي محمد بن سنان، ولسنا نعلم صحة ما ذكروه في هذا الباب عنه.

وإن كان صحيحاً فإن ابن سنان قد طعن عليه وهو متهم بالغلو، فإن صدقوا في إضافة هذا الكتاب إليه فهو ضلال لضال عن الحق، وإن كذبوا فقد تحملوا أوزار ذلك.

والصحيح من حديث الأشباح الرواية التي جاءت عن الثقاة بأن آدم عليه السلام رأي علي العرش أشباحاً يلمع نورها فسأل الله تعالي عنها، فأوحي إليه أنها أشباح رسول الله صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة صلوات الله عليهم، وأعلمه أنه لولا الأشباح التي رآها ما خلقه ولا خلق سماءً ولا أرضاً. والوجه فيما أظهره الله تعالي من الأشباح والصور لادم أن دله علي تعظيمهم وتبجيلهم، وجعل ذلك إجلالاً لهم ومقدمة لما يفترضه من طاعتهم، ودليلاً علي أن مصالح الدين والدنيا لا تتم إلا بهم، ولم يكونوا في تلك الحال صوراً مجيبة، ولا أرواحاً ناطقة، لكنها كانت علي مثل صورهم في البشرية، يدل علي ما يكونوا عليه في المستقبل في الهيئة، والنور الذي جعله عليهم يدل علي نور الدين بهم وضياء الحق بحججهم. وقد روي أن أسماءهم كانت مكتوبة إذ

ذاك علي العرش، وأن آدم عليه السلام لما تاب إلي الله عز وجل وناجاه بقبول توبته سأله بحقهم عليه ومحلهم عنده فأجابه، وهذا غير منكر في العقول ولا مضاد للشرع المنقول، وقد رواه الصالحون الثقاة المأمونون، وسلم لروايته طائفة الحق، ولا طريق إلي إنكاره، والله ولي التوفيق. انتهي.

ويدل كلام المفيد قدس سره أن الغلاة في عصره كانوا استغلوا أحاديث الأشباح والظلال وبنوا عليها أباطيل تخالف مذهب أهل البيت عليهم السلام، فشنع بسببها الخصوم علي المذهب، فنفي المفيد دعوي الخصوم، وفي نفس الوقت أثبت أحاديث الأشباح والظلال، ثم فسرها بتفسير يفهمه العوام ولا يثير الخصوم.

وقال في هامش الكافي:2/3: (الأخبار مستفيضة في أن الله تعالي خلق السعداء من طينة عليين (من الجنة) وخلق الأشقياء من طينة سجين (من النار) وكل يرجع إلي حكم طينته من السعادة والشقاء، وقد أورد عليها: أولاً: بمخالفة الكتاب. وثانياً: باستلزام الجبر الباطل.

أما البحث الأول، فقد قال الله تعالي: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ، وقال: وبدأ خلق الإنسان من طين، فأفاد أن الإنسان مخلوق من طين، ثم قال تعالي: وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا.. الآية. وقال: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا.. الآية. فأفاد أن للإنسان غاية ونهاية من السعادة والشقاء، وهو متوجه إليها سائر نحوها. وقال تعالي: كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ.. الآية. فأفاد أن ما ينتهي إليه أمر الإنسان من السعادة والشقاء هو ماكان عليه في بدء خلقه وقد كان في بدء خلقه طيناً، فهذه الطينة طينة سعادة وطينة شقاء، وآخرالسعيد إلي الجنة وآخرالشقي إلي النار، فهما أولهما لكون الآخر هو الأول، وحينئذ صح أن

السعداء خلقوا من طينة الجنة والأشقياء خلقوا من طينة النار. وقال تعالي: كَلا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ، كَلا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ كِتَابٌ مَرْقُومٌ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ.. الآيات. وهي تشعر بأن عليين وسجين هما ما ينتهي اليه أمر الأبرار والفجار من النعمة والعذاب، فافهم.

وأما البحث الثاني، وهو أن أخبار الطينة تستلزم أن تكون السعادة والشقاء لازمين حتميين للإنسان، ومعه لا يكون أحدهما اختيارياً كسبياً للإنسان وهو الجبر الباطل. والجواب عنه، أن اقتضاء الطينة للسعادة أو الشقاء ليس من قبل نفسها بل من قبل حكمه تعالي وقضائه ماقضي من سعادة وشقاء، فيرجع الإشكال إلي سبق قضاء السعادة والشقاء في حق الإنسان قبل أن يخلق، وإن ذلك يستلزم الجبر. وقد ذكرنا هذا الإشكال مع جوابه في باب المشيئة والإرادة في المجلد الأول من الكتاب/150، وحاصل الجواب: أن القضاء متعلق بصدور الفعل عن اختيار العبد فهو فعل اختياري في عين أنه حتمي الوقوع، ولم يتعلق بالفعل سواء اختاره العبد أو لم يختره، حتي يلزم منه بطلان الإختيار. وأما شرح ما تشمل عليه هذه الأخبار تفصيلاً فأمر خارج عن مجال هذا البيان المختصر، فليرجع فيه إلي مطولات الشروح والتعاليق والله الهادي.(الطباطبائي) انتهي.

ونختم بالقول: إن مسألة وجود الإنسان في عوالم قبل عالم الأرض، أوسع مما بحثه المتكلون والفلاسفة، وهي تحتاج إلي تتبع كامل وبحث دقيق في أحاديثها الشريفة، للتوصل إلي عدد تلك العوالم وصفاتها، ولا يبعد أنها تحل كثيراً من المشكلات، ومنها مشكلة الجبر والاختيار، وقد تبين من مجموعها أن أخذ الميثاق تم من الذر المأخوذ من طين آدم كما في بعضها، وفي عالم

الظلال كما في بعضها، ومن المحتمل أنه حصل في أكثر من عالم.

كما لا يصح استبعاد أن تكون الذرة إنساناً كاملاً عاقلاً بعد ما سمعنا عن عالم الذرة والجينات.

ولا يصح القول بأن عالم الذر هو عالم الملكوت وإن كان جزء من عالم الملكوت إلا من باب تسمية الجزء باسم الكل. والملكوت كما رأيت في آياته وأحاديثه شامل لعوالم الشهادة والغيب، والبعد عن الله تعالي والحضور، وعالم الذر أو الظلال واحد من عوالم الحضور.

الفطرة بمعني الولادة في الإسلام

قولهم من ولد علي الإسلام فهو من أهل الجنة

الكافي:8/340:

قال علي بن الحسين: ولم يولد لرسول الله صلي الله عليه وآله من خديجة علي فطرة الإسلام إلا فاطمة عليها السلام وقد كانت خديجة عليها السلام ماتت قبل الهجرة بسنة، ومات أبو طالب بعد موت خديجة بسنة، فلما فقدهما رسول الله صلي الله عليه وآله سئم المقام بمكة ودخله حزن شديد وأشفق علي نفسه من كفار قريش، فشكا إلي جبرئيل عليه السلام ذلك، فأوحي الله عز وجل إليه: أخرج من القرية الظالم أهلها وهاجر إلي المدينة فليس لك اليوم بمكة ناصر، وانصب للمشركين حرباً. فعند ذلك توجه رسول الله صلي الله عليه وآله إلي المدينة. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:19/117

مستدرك الوسائل:11/58:

وعن إسماعيل بن موسي، بإسناده عن أبي البختري قال: لما انتهي علي عليه السلام إلي البصرة خرج أهلها... إلي أن قال: فقاتلوهم وظهروا عليهم وولوا منهزمين، فأمر علي منادياً ينادي: لا تطعنوا في غير مقبل، ولا تطلبوا مدبراً، ولا تجهزوا علي جريح، ومن ألقي سلاحه فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، وما كان بالعسكر فهو لكم مغنم، وما كان في الدور فهو ميراث يقسم بينهم علي فرائض الله عز وجل، فقام إليه قوم من أصحابه فقالوا:

يا أمير المؤمنين من أين أحللت لنا دماءهم وأموالهم وحرمت علينا نساءهم؟ فقال: لأن القوم علي الفطرة، وكان لهم ولاء قبل الفرقة، وكان نكاحهم لرشدة. فلم يرضهم ذلك من كلامه. فقال لهم: هذه السيرة في أهل القبلة فأنكرتموها، فانظروا أيكم يأخذ عائشة في سهمه؟! فرضوا بما قال، فاعترفوا صوابه وسلموا لامره. انتهي. ورواه المغربي في شرح الأخبار:1/395، وروته أيضاً مصادر التاريخ.

القول بأن من ولد في الإسلام فهو من أهل الجنة

الدر المنثور:2/115:

وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال: خرج رسول الله(ص)في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر، فالتفت رسول الله(ص)إلي الناس قال: هل رآه أحد منكم علي الإسلام؟ فقال رجل: نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله، فصلي عليه رسول الله(ص)وحثي عليه التراب وقال: أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة. وقال: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة.

صحيح مسلم:2/4:

... فسمع رجلاً يقول الله اكبر، الله اكبر، فقال رسول الله (ص): علي الفطرة ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، فقال رسول الله (ص): خرجت من النار، فنظروا فإذا هو راعي معزي.

كنز العمال:8/366:

كنا مع رسول الله(ص)في سرية فسمعنا منادياً ينادي: الله اكبر، الله اكبر، فقال النبي (ص): علي الفطرة فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرج من النار، فابتدرناه فإذا هو شاب حبشي يرعي غنماً له في واد، فأدرك صلاة المغرب فأذن لنفسه _ أبو الشيخ.

سنن الترمذي:3/87:

... واستمع ذات يوم فسمع رجلاً يقول: الله اكبر، الله اكبر، فقال: علي الفطرة، فقال: أشهد أن لا إله

إلا الله، قال خرجت من النار.

مسند أحمد:3/241:

... نحن مع رسول الله(ص)في سفر إذ سمع رجلاً يقول الله اكبر، الله اكبر، فقال النبي(ص): علي الفطرة، قال أشهد ان لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله، فقال النبي (ص): خرج هذا من النار. انتهي.

وقد صحت الروايات عند اخواننا أن الخليفة عمر قد وسع دائرة شفاعة النبي صلي الله عليه وآله حتي تشمل المنافقين بل والكفار، بل صحت رواياتهم بأن مذهب الخليفة عمر أن جهنم تنتهي بعد مدة وينقل أهلها إلي الجنة.. إلخ. وسيأتي ذلك في بحث الشفاعة إن شاء الله تعالي.

الفطرة والنبوة والشرائع الإلهية

الكافي:8/424:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن إسماعيل الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كانت شريعة نوح عليه السلام أن يعبد الله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها، وأخذ الله ميثاقه علي نوح وعلي النبيين أن يعبدوا الله تبارك وتعالي ولا يشركوا به شيئاً، وأمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرض مواريث فهذه شريعته، فلبث فيهم نوح ألف سنة إلا خمسين عاماً يدعوهم سراً وعلانية، فلما أبوا وعتوا قال: رب إني مغلوب فانتصر. فأوحي الله عز وجل إليه أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ. فلذلك قال نوح عليه السلام: وَلا يَلِدُوا إِلا فَاجِرًا كَفَّارًا. فأوحي الله عز وجل إليه: أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ. انتهي. ورواه العياشئ في تفسيره:2/144، ورواه في بحار الأنوار: 11/331

الكافي:2/17

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، وعدة من

أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد، عن إبراهيم بن محمد الثقفي، عن محمد بن مروان، جميعاً عن أبان بن عثمان، عمن ذكره عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالي أعطي محمداً صلي الله عليه وآله شرايع نوح وإبراهيم وموسي وعيسي غليهم السلام: التوحيد والاخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنفية السمحة لا رهبانية ولا سياحة، أحل فيها الطيبات وحرم فيها الخبائث، ووضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم، ثم افترض عليه الصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحلال والحرام والمواريث والحدود والفرائض والجهاد في سبيل الله، وزاده الوضوء، وفضله بفاتحة الكتاب وخواتيم سورة البقرة والمفصل، وأحل له المغنم والفي، ونصره بالرعب، وجعل له الأرض مسجداً وطهوراً، وأرسله كافة إلي الابيض والاسود والجن والانس، وأعطاه الجزية وأسر المشركين وفداهم، ثم كلفه ما لم يكلف أحداً من الأنبياء، أنزل عليه سيف من السماء في غير غمد وقيل له: قاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك.

ورواه في بحار الأنوار:72/317 وقال:

تبيين: قوله عليه السلام (شرايع نوح) يحتمل أن يكون المراد بالشرايع أصول الدين، ويكون التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد بياناً لها، والفطرة الحنيفية معطوفة علي الشرايع، وإنما خص عليه السلام ما به الاشتراك بهذه الثلاثة، مع اشتراكه عليه السلام معهم في كثير من العبادات لاختلاف الكيفيات فيها دون هذه الثلاثة، ولعله عليه السلام لم يرد حصر المشتركات فيما ذكر لعدم ذكر السائل أصول الدين كالعدل والمعاد، مع أنه يمكن إدخالها بعض ما ذكر، لا سيما الإخلاص بتكلف.

ويمكن أن يكون المراد منها الأصول وأصول الفروع المشتركة وإن اختلفت في الخصوصيات والكيفيات، وحينئذ يكون جميع تلك الفقرات إلي قوله عليه السلام (وزاده) بياناً

للشرايع، ويشكل حينئذ ذكر الرهبانية والسياحة، إذ المشهور أن عدمهما من خصائص نبينا صلي الله عليه وآله، إلا أن يقال المراد عدم الوجوب وهو مشترك، أو يقال إنهما لم يكونا في شريعة عيسي عليه السلام أيضاً.

وإن استشكل بالجهاد وأنه لم يجاهد عيسي عليه السلام فالجواب أنه يمكن أن يكون واجباً عليه لكن لم يتحقق شرائطه، ولذا لم يجاهد.

ولعل قوله عليه السلام (زاده وفضله) بهذا الوجه أوفق.

وكأن المراد بالتوحيد نفي الشريك في الخلق، وبالاخلاص نفي الشريك في العبادة، و خلع الأنداد تأكيد لهما، أو المراد به ترك أتباع خلفاء الجور وأئمة الضلالة أو نفي الشرك الخفي، أو المراد بالإخلاص نفي الشرك الخفي، وبخلع الأنداد نفي الشريك في استحقاق العبادة.

والأنداد: جمع ند، وهو مثل الشئ الذي يضاده في أموره، ويناده أي يخالفه.

والفطرة: ملة الإسلام التي فطر الله الناس عليها، كما مر.

والحنيفية: المائلة من الباطل إلي الحق، أو الموافقة لملة إبراهيم عليه السلام قال في النهاية: الحنيف عند العرب من كان علي دين إبراهيم، وأصل الحنف الميل، ومنه الحديث بعثت بالحنيفية السمحة السهلة، وفي القاموس: السمحة الملة التي ما فيها ضيق.

بحار الأنوار:76/68:

مكا: عن الصادق عليه السلام قال: كان بين نوح وإبراهيم (عليهما السلام) ألف سنة، وكانت شريعة إبراهيم بالتوحيد والاخلاص وخلع الانداد، وهي الفطرة التي فطر الناس عليها وهي الحنيفية. وأخذ عليه ميثاقه وأن لا يعبد إلا الله، ولا يشرك به شيئاً، قال: وأمره بالصلاة والأمر والنهي، ولم يحكم له أحكام فرض المواريث، وزاده في الحنيفية: الختان وقص الشارب ونتف الابط وتقليم الاظفار وحلق العانة، وأمره ببناء البيت والحج والمناسك، فهذه كلها شريعته عليه السلام.

معني الفطرة والصبغة

تفسير التبيان:1/485:

قوله تعالي:

صِبْغَةَ اللهِ: معناه فطرة الله في قول الحسن وقتادة وأبي العالية ومجاهد وعطية وابن زيد والسدي.

وقال الفراء والبلخي: إنه شريعة الله في الختان الذي هو التطهير.

وقوله صبغة الله، مأخوذ من الصبغ، لأن بعض النصاري كانوا إذا ولد لهم مولود جعلوه في ماء طهور يجعلون ذلك تطهيراً له ويسمونه العمودية، فقيل صبغة الله أي تطهير الله، تطهيركم بتلك الصبغة وهو قول الفراء.

وقال قتادة: اليهود تصبغ أبناءها يهوداً والنصاري تصبغ أبناءها نصاري، فهذا غير المعني الأول، وإنما معناه أنهم يلقنون أولادهم اليهودية والنصرانية، فيصبغونهم بذلك لما يشربون قلوبهم منه، فقيل صبغة الله التي أمر بها ورضيها يعني الشريعة، لا صبغتكم.

وقال الجبائي: سمي الدين صبغة لأنه هيئة تظهر بالمشاهدة من أثر الطهارة والصلاة وغير ذلك من الآثار الجميلة التي هي كالصبغة، وقال أمية:

في صبغة الله كان إذ نسي ال_ هد وخلي الصواب إذ عزم

تفسير التبيان:3/334:

وقوله: وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ: اختلفوا في معناه فقال ابن عباس، والربيع بن أنس، عن أنس: إنه الأخصاء، وكرهوا الأخصاء في البهائم، وبه قال سفيان، وشهر بن حوشب، وعكرمة، وأبوصالح. وفي رواية أخري عن ابن عباس: فليغيرن دين الله، وبه قال إبراهيم ومجاهد، وروي ذلك عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام). قال مجاهد: كذب العبد يعني عكرمة في قوله إنه الأخصاء، وإنما هو تغيير دين الله الذي فطر الناس عليه في قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ. وهو قول قتادة والحسن والسدي والضحاك وابن زيد.

وقال الكفعمي في المصباح/340

الفاطر: أي المبتدع لأنه فطر الخلق أي ابتدعهم، وخلقهم من الفطر وهو الشق، ومنه: إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ، أي انشقت،

وقوله: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ، أي يتشققن كأنه سبحانه شق العدم بإخراجنا منه، وقوله تعالي: فَاطِرِ السَّمَوَاتِ، أي مبدي خلقها.

بحار الأنوار:3/276-281: (سن: المحسن بن أحمد، عن أبان الأحمر، عن أبي جعفر الأحول، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: عروة الله الوثقي التوحيد، والصبغة الإسلام.

بيان: قال البيضاوي في قوله تعالي: صِبْغَةَ اللهِ: أي صبغنا الله صبغته وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، فإنها حلية الإنسان، كما أن الصبغة حلية المصبوغ، أو هدانا هدايته وأرشدنا حجته، أو طهر قلوبنا بالإيمان تطهيره. وسماه صبغة لأنه ظهر أثره عليهم ظهور الصبغ علي المصبوغ، وتداخل قلوبهم تداخل الصبغ الثوب، أو للمشاكلة فإن النصاري كانوا يغمسون أولادهم في ماء أصفر يسمونه العمودية ويقولون هو تطهير لهم وبه تحقق نصرانيتهم.

مع: أبي، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن فضالة، عن أبان، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً، قال: هي الإسلام.

شف: من كتاب القاضي القزويني، عن هارون بن موسي التلعكبري، عن محمد بن سهل، عن الحميري، عن ابن يزيد، عن علي بن حسان، عن عبد الرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: هي التوحيد، وأن محمداً رسول الله، وأن علياً أمير المؤمنين.

شي: عن زرارة، عن أبي جعفر وحمران، عن أبي عبدالله (عليهما السلام) قال: الصبغة الإسلام.

شي: عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة: قال: الصبغة معرفة أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية في الميثاق.

بحار الأنوار:1/209: (ل: ماجيلويه، عن محمد العطار، عن الأشعري، عن أحمد بن محمد، عن ابن معروف، عن ابن مهزيار، عن حكم بن بهلول، عن ابن همام، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول لأبي الطفيل عامر بن واثلة الكناني: يا أبا الطفيل العلم علمان: علم لا يسع الناس إلا النظر فيه وهو صبغة الإسلام، وعلم يسع الناس ترك النظر فيه وهو قدرة الله عز وجل.

بيان: قال الفيروزآبادي: الصبغة بالكسر: الدين والملة، وصبغة الله: فطرة الله، أو التي أمر الله بها محمداً صلي الله عليه وآله وهي الختانة. انتهي.

أقول: المراد بالصبغة هنا الملة أوكل ما يصبغ الإنسان بلون الإسلام من العقائد الحقة، والأعمال الحسنة، والأحكام الشرعية.

وقدرة الله تعالي: لعل المراد بها هنا تقدير الأعمال، وتعلق قدرة الله بخلقها، أي علم القضاء والقدر والجبر والإختيار، فإنه قد نهي عن التفكر فيها.

وفي نهج البلاغة: أنه قال أمير المؤمنين عليه السلام وقد سئل عن القدر فقال: طريق مظلم فلا تسلكوه. انتهي.

بحار الأنوار:67/130:

البقرة-138: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ الروم-30:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ

كا: عن علي، عن أبيه ومحمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً، قال: الإسلام.

بيان: قيل علي هذه الأخبار يحتمل أن تكون (صبغة) منصوبة علي المصدر من مسلمون

في قوله تعالي قبل ذلك: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. ثم يحتمل أن يكون معناها وموردها مختصاً بالخواص والخلص المخاطبين ب_(قولوا) في صدر الآيات حيث قال: قُولُوا آمَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا، دون سائر أفراد بني آدم بل يتعين هذا المعني إن فسر الإسلام بالخضوع والانقياد للأوامر والنواهي كما فعلوه، وإن فسر بالمعني العرفي فتوجيه التعميم فيه كتوجيه التعميم في فطرة الله....

وقيل: صبغة الله إبداع الممكنات وإخراجها من العدم إلي الوجود وإعطاء كل ما يليق به من الصفات والغايات وغيرهما....

وقيل: معناه كل مولود يولد علي معرفة الله والإقرار به، فلا تجد أحداً إلا وهو يقر بأن الله صانعه، وإن سماه بغير اسمه أو عبد معه غيره، ومنه حديث حذيفة (علي غير فطرة محمد) أراد دين الإسلام الذي هو منسوب إليه. انتهي.

وقال بعضهم: المراد بالفطرة كونه خلقاً قابلاً للهداية ومتهيئاً لها، لما أوجد فيه من القوة القابلة لها، لأن فطرة الإسلام وصوابها موضوع في العقول، وإنما يدفع العقول عن إدراكها تغيير الابوين، أو غيرهما.

وأجيب عنه بأن حمل الفطرة علي الإسلام لا يأباه العقل، وظاهر الروايات يدل عليه. وحملها علي خلاف الظاهر لا وجه له من غير مستند.

... لا تبديل لخلق الله: أي بأن يكونوا كلهم أو بعضهم عند الخلق مشركين، بل كان كلهم مسلمين مقرين به أو قابلين للمعرفة، وأراهم نفسه: أي بالرؤية العقلية الشبيهة بالرؤية العينية في الظهور ليرسخ فيهم معرفته، ويعرفوه في دار التكليف، ولولا تلك المعرفة الميثاقية لم يحصل لهم تلك القابلية، وفسر عليه السلام الفطرة في الحديث بالمجبولية علي معرفة الصانع والإذغان به. كذلك قوله في هذه الآية أيضاً محمولة علي هذا المعني:

ولئن سألتهم، أي كفار مكة كما ذكره المفسرون أو الاعم كما هو الاظهر من الخبر، ليقولن الله، لفطرتهم علي المعرفة. وقال البيضاوي: لوضوح الدليل المانع من إسناد الخلق إلي غيره، بحيث اضطروا إلي إذعانه.

والمشهور أنه مبني علي أن كفار قريش لم يكونوا ينكرون أن الصانع هو الله، بل كانوا يعبدون الأصنام لزعمهم أنها شفعاء عند الله، وظاهر الخبر أن كل كافر لو خلي وطبعه وترك العصبية ومتابعة الأهواء وتقليد الاسلاف والاباء، لاقر بذلك كما ورد ذلك الأخبار الكثيرة.

قال بعض المحققين: الدليل علي ذلك ما تري أن الناس يتوكلون بحسب الجبلة علي الله ويتوجهون توجهاً غريزياً إلي مسبب الأسباب ومسهل الأمور الصعاب، وإن لم يتفطنوا لذلك، ويشهد لهذا قول الله عز وجل قال: أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَ تَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ.

وفي تفسير مولانا العسكري عليه السلام أنه سئل مولانا الصادق عن الله فقال للسائل: يا عبدالله هل ركبت سفينة قط؟ قال: بلي، قال: فهل كسر بك حيث لا سفينة تنجيك ولا سباحة تغنيك؟ قال بلي، قال: فهل تعلق قلبك هناك أن شيئاً من الأشياء قادر علي أن يخلصك من ورطتك؟ قال: بلي، قال الصادق: فذلك الشئ هو الله القادر علي الأنجاء حين لا منجي، وعلي الإغاثة حين لا مغيث.

ولهذا جعلت الناس معذورين في تركهم اكتساب المعرفة بالله عزوجل متروكين علي ما فطروا عليه، مرضياً عنهم بمجرد الإقرار بالقول، ولم يكلفوا الإستدلالات العلمية في ذلك، وإنما التعمق لزيادة البصيرة ولطائفة مخصوصة. وأما الإستدلال فللرد علي أهل الضلال.

ثم إن أفهام الناس وعقولهم متفاوتة في

قبول مراتب العرفان، وتحصيل الإطمينان كماً وكيفاً، شدةً وضعفاً، سرعةً وبطئاً، حالاً وعلماً، وكشفاً وعياناً، وإن كان أصل المعرفة فطرياً، إما ضروري أو يهتدي إليه بأدني تنبيه، فلكل طريقة هداه الله عز وجل إليها إن كان من أهل الهداية، والطرق إلي الله بعدد أنفاس الخلائق، وهم درجات عند الله، يرفع الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات.

قال بعض المنسوبين إلي العلم: إعلم أن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله عز وجل، فكأن هذا يقتضي أن يكون معرفته أول المعارف، وأسبقها إلي الأفهام وأسهلها علي العقول، ونري الأمر بالضد من ذلك، فلا بد من بيان السبب فيه.

وإنما قلنا إن أظهر الموجودات وأجلاها هو الله فمعني لا تفهمه إلا بمثال، هو: أنا إذا رأينا إنساناً يكتب أو يخيط مثلاً، فإن كونه حياً من أظهر الموجودات فحياته وعلمه وقدرته للخياطة أجلي عندنا من سائر صفاته الظاهرة والباطنة، إذ صفاته الباطنة كشهوته وغضبه وخلقه وصحته ومرضه، وكل ذلك لا نعرفه، وصفاته الظاهرة لا نعرف بعضها، وبعضها نشك فيه، كمقدار طوله، واختلاف لون بشرته وغير ذلك من صفاته. أما حياته وقدرته وإرادته وعلمه وكونه حيواناً فإنه جلي عندنا من غير أن يتعلق حس البصر بحياته وقدرته وإرادته، فإن هذه الصفات لا تحس بشئ من الحواس الخمس، ثم لا يمكن أن يعرف حياته وقدرته وإرادته إلا بخياطته وحركته، فلو نظرنا إلي كل ما في العالم سواء لم نعرف به صفاته، فما عليه إلا دليل واحد، وهو مع ذلك جلي واضح.

ووجود الله وقدرته وعلمه وسائر صفاته يشهد له بالضرورة كل ما نشاهده وندركه بالحواس الظاهرة والباطنة من حجر ومدر، ونبات وشجر، وحيوان وسماء، وأرض وكوكب، وبر وبحر، ونار وهواء، وجوهر

وعرض، بل أول شاهد عليه أنفسنا، وأجسامنا وأصنافنا، وتقلب أحوالنا، وتغير قلوبنا، وجميع أطوارنا، في حركاتنا وسكناتنا.

وأظهر الأشياء في علمنا أنفسنا، ثم محسوساتنا بالحواس الخمس، ثم مدركاتنا بالبصيرة والعقل، وكل واحد من هذه المدركات له مدرك واحد، وشاهد ودليل واحد، وجميع ما في العالم شواهد ناطقة، وأدلة شاهدة بوجود خالقها ومدبرها ومصرفها ومحركها، ودالة علي علمه وقدرته ولطفه وحكمته. والموجودات المدركة لا حصر لها.

فإن كانت حياة الكاتب ظاهرة عندنا وليس يشهد له إلا شاهد واحد، وهو ما أحسسنا من حركة يده، فكيف لا يتصور في الوجود داخل نفوسنا وخارجها إلا وهو شاهد عليه وعلي عظمته وجلاله، إذ كل ذرة فإنها تنادي بلسان حالها أنه ليس وجودها بنفسها، ولا حركتها بذاتها وإنما يحتاج إلي موجد ومحرك لها، يشهد بذلك أولاً تركيب أعضائنا وائتلاف عظامنا، ولحومنا وأعصابنا ونبات شعورنا، وتشكل أطرافنا، وسائر أجزائنا الظاهرة والباطنة، فإنا نعلم أنها لم تأتلف بنفسها، كما نعلم أن يد الكاتب لم تتحرك بنفسها. ولكن لما لم يبق في الوجود مدرك، ومحسوس ومعقول، وحاضر وغائب إلا وهو شاهد ومعرف عظم ظهوره، فانبهرت العقول، ودهشت عن إدراكه.

فإذن ما يقصر عن فهمه عقولنا له سببان: أحدهما خفاؤه في نفسه وغموضه، وذلك لا يخفي مثاله، والآخر ما يتناهي وضوحه. وهذا كما أن الخفاش يبصر بالليل ولا يبصر بالنهار، لا لخفاء النهار واستتاره، ولكن لشدة ظهوره، فإن بصر الخفاش ضعيف يبهره نور الشمس إذا أشرق، فيكون قوة ظهوره مع ضعف بصره سبباً لامتناع أبصاره فلا يري شيئاً إلا إذا امتزج الظلام بالضوء، وضعف ظهوره. فكذلك عقولنا ضعيفة، وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الأشراق والإستنارة وفي غاية الإستغراق والشمول، حتي لا يشذ عن ظهوره

ذرة من ملكوت السماوات والأرض، فصار ظهوره سبب خفائه، فسبحان من احتجب بإشراق نوره، واختفي عن البصائر والأبصار بظهوره. ولا تتعجب من اختفاء ذلك بسبب الظهور، فإن الأشياء تُستبان بأضدادها وما عم وجوده حتي لا ضد له عسر إدراكه، فلو اختلفت الأشياء فدل بعضها دون البعض أدركت التفرقة علي قرب، ولما اشتركت في الدلالة علي نسق واحد أشكل الأمر. ومثاله نور الشمس المشرق علي الأرض، فإنا نعلم أنه عرض من الأعراض يحدث في الأرض، ويزول عند غيبة الشمس....

الدر المنثور:5/155:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ... الآية. أخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد (رض) قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: الدين الإسلام، لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، قال لدين الله.

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، قال: دين الله. ذلك الدين القيم، قال: القضاء القيم.

دور الفطرة في المعرفة والثقافة والحضارة

تفسير نور الثقلين:4/175:

في توحيد المفضل بن عمر المنقول عن أبي عبدالله الصادق عليه السلام في الرد علي الدهرية:

تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به علي الإنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه ونتيجة فكره، به يفهم غيره ما في نفسه، ولولا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشئ، ولا تفهم عن مخبر شيئاً، وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للاتين وبها تجلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب، ولولاها لا نقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل علي

الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم، وما يحتاجون إلي النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لا يسعهم جهله.

ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة، وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه. وكذلك الكلام إنما هو شئ يصطلح عليه الناس فيجري بينهم، ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة، وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من ساير الكتابة التي هي متفرقة في الأمم، إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا علي الكلام.

فيقال لمن ادعي ذلك إن الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعاً فعل أو حيلة، فإن الشئ الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل في خلقه، فإنه لولم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للأمور، لم يكن ليتكلم أبداً، ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبداً، واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة. فأصل ذلك فطرة الباري عز وجل، وما تفضل به علي خلقه، فمن شكر أثيب، ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.

بحث في دور الفطرة والنبوة في الحياة الإنسانية

تفسير الميزان:10/128:

قوله تعالي: وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ.

قد مر أن المراد به الإختلاف الواقع في نفس الدين من حملته، وحيث كان الدين من الفطرة كما يدل عليه قوله تعالي:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا... الروم: 30

علي أن الفطرة لا تنافي الغفلة والشبهة ولكن تنافي التعمد والبغي، ولذلك خص البغي بالعلماء ومن استبانت له الآيات الإلهية، قال تعالي: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقره: 39، والآيات في

هذا المعني كثيرة، وقد قيد الكفر في جميعها بتكذيب آيات الله ثم أوقع عليه الوعيد. وبالجملة فالمراد بالآية أن هذا الإختلاف ينتهي إلي بغي حملة الكتاب من بعد علم...

وقد تبين من الآية:

أولاً: حد الدين ومعرفته وهو أنه نحو سلوك في الحياة الدنيا يتضمن صلاح الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي والحياة الدائمة الحقيقية عند الله سبحانه، فلابد في الشريعة من قوانين تتعرض لحال المعاش علي قدر الإحتياج.

وثانياً: أن الدين أول ما ظهر ظهر رافعاً للإختلاف الناشئ عن الفطرة، ثم استكمل رافعاً للإختلاف الفطري وغير الفطري معاً.

وثالثاً: أن الدين لا يزال يستكمل حتي تستوعب قوانينه جهات الإحتياج في الحياة فإذا استوعبها ختم ختماً فلا دين بعده، وبالعكس إذا كان دين من الأديان خاتماً كان مستوعباً لرفع جميع جهات الإحتياج، قال تعالي: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَ خَاتَمَ النَّبِيِّينَ. الأحزاب: 40، وقال تعالي: وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَئٍْ النحل: 89، وقال تعالي: إِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ. لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ. حم السجدة: 42.

ورابعاً: أن كل شريعة لاحقة أكمل من سابقتها.

وخامساً: السبب في بعث الأنبياء وإنزال الكتب، وبعبارة أخري العلة في الدعوة الدينية هو أن الإنسان بحسب طبعه وفطرته سائر نحو الإختلاف، كما أنه سالك نحو الإجتماع المدني، وإذا كانت الفطرة هي الهادية إلي الإختلاف لم تتمكن من رفع الإختلاف، وكيف يدفع شئ ما يجذبه إليه نفسه، فرفع الله سبحانه هذا الإختلاف بالنبوة والتشريع بهداية النوع إلي كماله اللائق بحالهم المصلح لشأنهم.

وهذا الكمال كمال حقيقي داخل في الصنع والإيجاد، فما هو مقدمته كذلك، وقد قال تعالي: الَّذِي أَعْطَي كُلَّ شَئٍْ خَلْقَهُ

ثُمَّ هَدَي. طه: 50، فبين أن من شأنه وأمره تعالي أن يهدي كل شئ إلي ما يتم به خلقه، ومن تمام خلقة الإنسان أن يهتدي إلي كمال وجوده في الدنيا والآخرة، وقد قال تعالي أيضاً: كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا. الإسراء: 20، وهذه الآية تفيد أن شأنه تعالي هو الإمداد بالعطاء يمد كل من يحتاج إلي إمداده في طريق حياته ووجوده ويعطيه ما يستحقه، وأن عطاءه غير محظور ولا ممنوع من قبله تعالي إلا أن يمتنع ممتنع بسوء حظ نفسه من قبل نفسه لا من قبله تعالي.

ومن المعلوم أن الإنسان غير متمكن من تتميم هذه النقيصة من قبل نفسه، فإن فطرته هي المؤدية إلي هذه النقيصة، فكيف يقدر علي تتميمها وتسوية طريق السعادة والكمال في حياته الإجتماعية.

وإذا كانت الطبيعة الإنسانية هي المؤدية إلي هذا الإختلاف العائق للإنسان عن الوصول إلي كماله الحري به، وهي قاصرة عن تدارك ما أدت إليه وإصلاح ما أفسدته فالأصلاح لو كان يجب أن يكون من جهة غير جهة الطبيعة وهي الجهة الإلهية التي هي النبوة بالوحي، ولذا عبر تعالي عن قيام الأنبياء بهذا الأصلاح ورفع الإختلاف بالبعث، ولم ينسبه في القرآن كله إلا إلي نفسه، مع أن قيام الأنبياء كسائر الأمور له ارتباطات بالمادة بالروابط الزمانية والمكانية.

فالنبوة حالة إلهية، وإن شئت قل غيبية، نسبتها إلي هذه الحالة العمومية من الإدراك والفعل نسبة اليقظة إلي النوم، بها يدرك الإنسان المعارف التي بها يرتفع الإختلاف والتناقض في حياة الإنسان، وهذا الإدراك والتلقي من الغيب هو المسمي في لسان القرآن بالوحي، والحالة التي يتخذها الإنسان منه لنفسه بالنبوة.

ومن هنا يظهر أن هذا

_ أعني تأدية الفطرة إلي الإجتماع المدني من جهة وإلي الإختلاف من جهة أخري وعنايته تعالي بالهداية إلي تمام الخلقة _ مبدأ حجة علي وجود النبوة، وبعبارة أخري دليل النبوة العامة.

تقريره: أن نوع الإنسان مستخدم بالطبع وهذا الإستخدام الفطري يؤديه إلي الإجتماع المدني وإلي الإختلاف والفساد في جميع شئون حياته الذي يقضي التكوين والإيجاد برفعه، ولا يرتفع إلا بقوانين تصلح الحياة الإجتماعية برفع الإختلاف عنها. وهداية الإنسان إلي كماله وسعادته بأحد أمرين، إما بفطرته وإما بأمر وراءه، لكن الفطرة غير كافية فإنها هي المؤدية إلي الإاختلاف فكيف ترفعه، فوجب أن يكون بهداية من غير طريق الفطرة والطبيعة وهو التفهيم الإالهي غير الطبيعي المسمي بالنبوة والوحي، وهذه الحجة مؤلفة من مقدمات مصرح بها في كتاب الله تعالي كما عرفت فيما تقدم، وكل واحدة من هذه المقدمات تجربية بينتها التجربة للانسان تاريخ حياتة واجتماعاته المتنوعة التي ظهرت وانقرضت في طي القرون المتراكمة الماضية إلي أقدم أعصار الحياة الإنسانية التي يذكرها التاريخ. فلا الإنسان انصرف في حين من أحيان حياته عن حكم الإاستخدام، ولا استخدامه لم يؤد إلي الإاجتماع وقضي بحياة فردية، ولا اجتماعه المكون خلا عن الإاختلاف، ولا الإختلاف ارتفع بغير قوانين اجتماعية، ولا أن فطرته وعقله الذي يعده عقلاً سليماً قدرت علي وضع قوانين تقطع منابت الإختلاف وتقلع مادة الفساد.

وناهيك في ذلك ما تشاهده من جريان الحوادث الإجتماعية وما هو نصب عينيك من انحطاط الأخلاق وفساد عالم الإنسانية والحروب المهلكة للحرث والنسل والمقاتل المبيدة للملايين بعد الملايين من الناس، وسلطان التحكم ونفوذ الإستعباد في نفوس البشر وأعراضهم وأموالهم في هذا القرن الذي يسمي عصر المدنية والرقي والثقافة والعلم، فما ظنك بالقرون الخالية أعصار الجهل

والظلمة.

وأما أن الصنع والإيجاد يسوق كل موجود إلي كماله اللائق به فأمر جار في كل موجود بحسب التجربة والبحث، وكذا كون الخلقة والتكوين إذا اقتضي أثراً لم يقتض خلافه بعينه أمر مسلّم تثبته التجربة والبحث، وأما أن التعليم والتربية الدينيين الصادرين من مصدر النبوة والوحي يقدران علي دفع هذا الإختلاف والفساد، فأمر يصدقه البحث والتجربة معاً، أما البحث فلان الدين يدعو إلي حقائق المعارف وفواضل الأخلاق ومحاسن الأفعال، فصلاح العالم الإنساني مفروض فيه، وأما التجربة فالإسلام أثبت ذلك في اليسير من الزمان الذي كان الحاكم فيه علي الإجتماع بين المسلمين هو الدين، وأثبت ذلك بتربية أفراد من الإنسان صلحت نفوسهم وأصلحوا نفوس غيرهم من الناس علي أن جهات الكمال والعروق النابضة في هيكل الإجتماع المدني اليوم التي تضمن حياة الحضارة والرقي مرهونة للتقدم الإسلامي وسريانه في العالم الدنيوي علي ما تعطيه التجزية والتحليل من غير شك. انتهي.

وأنت تلاحظ أن صاحب الميزان رحمه الله فسر الفطرة بالغرائز الخيرة والشريرة معاً، ولكن والذي يظهر من الأحاديث الشريفة اختصاصها ببعض الغرائز الخيرة.

تفسير الميزان:11/151:

فلو كان في الدنيا خير مرجو وسعادة لوجب أن ينسب إلي الدين وتربيته. ويشهد بذلك ما نشاهده من أمر الأمم التي بنت اجتماعها علي كمال الطبيعة وأهملت أمر الدين والأخلاق فإنهم لم يلبثوا دون أن افتقدوا الصلاح والرحمة والمحبة وصفاء القلب وسائر الفضائل الخلقية والفطرية، مع وجود أصل الفطرة فيهم، ولو كانت أصل الفطرة كافية ولم تكن هذه الصفات بين البشر من البقايا الموروثة من الدين، لما افتقدوا شيئاً من ذلك.

علي أن التاريخ أصدق شاهد علي الإقتباسات التي عملتها الأمم المسيحية بعد الحروب الصليبية فاقتبسوا مهمات النكات من القوانين العامة الإسلامية

فتقلدوها وتقدموا بها، والحال أن المسلمين اتخذوها وراءهم ظهرياً فتأخر هؤلاء وتقدم أولئك.. والكلام طويل الذيل.

وبالجملة الأصلان المذكوران _ أعني السراية والوراثة وهما التقليد الغريزي في الإنسان والتحفظ علي السيرة المألوفة _ يوجبان نفوذ الروح الديني في الإجتماعات كما يوجبان في غيره ذلك، وهو تأثير فعلي.

فإن قلت: فعلي هذه فما فائدة الفطرة فإنها لا تغني طائلاً، وإنما أمر السعادة بيد النبوة، وما فائدة بناء التشريع علي أساس الفطرة علي ما تدعيه النبوة.

قلت: ما قدمناه في بيان ما للفطرة من الإرتباط بسعادة الإنسان وكماله يكفي في حل هذه الشبهة، فإن السعادة والكمال الذي تجلبه النبوة إلي الإنسان ليس أمراً خارجاً عن هذا النوع ولا غريباً عن الفطرة، فإن الفطرة هي التي تهتدي إليه لكن هذا الإهتداء لا يتم لها بالفعل وحدها من غير معين يعينها علي ذلك، وهذا المعين الذي يعينها علي ذلك وهو حقيقة النبوة ليس أيضاً أمراً خارجاً عن الإنسانية وكمالها منضماً إلي الإنسان كالحجر الموضوع في جنب الإنسان مثلاً، وإلا كان ما يعود منه إلي الإنسان أمراً غير كماله وسعادته كالثقل الذي يضيفه الحجر إلي ثقل الإنسان في وزنه، بل هو أيضاً كمال فطري للإنسان مذخور في هذا النوع وهو شعور خاص وإدراك مخصوص مكمون في حقيقته لا يهتدي إليه بالفعل إلا آحاد من النوع أخذتهم العناية الإلهية، كما أن للبالغ من الإنسان شعوراً خاصاً بلذة النكاح لا تهتدي إليه بالفعل بقية الأفراد غير البالغين بالفعل، وإن كان الجميع من البالغ وغير البالغ مشتركين في الفطرة الإنسانية والشعور شعور مرتبط بالفطرة. وبالجملة لاحقيقة النبوة أمر زائد علي إنسانية الإنسان الذي يسمي نبياً وخارج عن فطرته، ولا السعادة التي تهتدي سائر

الأمة إليها أمر خارج عن إنسانيتهم وفطرتهم غريب عما يستأنسه وجودهم الإنساني، وإلا لم تكن كمالاً وسعادة بالنسبه إليهم.

فإن قلت: فيعود الإشكال علي هذا التقرير إلي النبوة فإن الفطرة علي هذا كافية وحدها والنبوة غير خارجة عن الفطرة. فإن المتحصل من هذا الكلام هو أن النوع الإنساني المتمدن بفطرته والمختلف في اجتماعه يتميز من بين أفراده آحاد من الصلحاء فطرتهم مستقيمة وعقولهم سليمة عن الأوهام والتهوسات ورذائل الصفات، فيهتدون بإستقامة فطرتهم وسلامة عقولهم إلي ما فيه صلاح الإجتماع وسعادة الإنسان فيضعون قوانين فيها مصلحة الناس وعمران الدنيا والآخرة، فإن النبي هو الإنسان الصالح الذي له نبوغ اجتماعي.

قلت: كلا وإنما هو تفسير لا ينطبق علي حقيقة النبوة ولا ما تستتبعه.

أما أولاً، فلان ذلك فرض افترضه بعض علماء الإجتماع ممن لا قدم له في البحث الديني والفحص عن حقائق المبدأ والمعاد. فذكر أن النبوة نبوغ خاص اجتماعي استتبعته استقامة الفطرة وسلامة العقل، وهذا النبوغ يدعوا إلي الفكر في حال الإجتماع وما يصلح به هذا الإجتماع المختل وما يسعد به الإنسان الإجتماعي فهذا النابغة الإجتماعي هوالنبي والفكر الصالح المترشح من قواه الفكرية هو الوحي، والقوانين التي يجعلها لصلاح الإجتماع هو الدين، وروحه الطاهر الذي يفيض هذه الأفكار إلي قواه الفكرية ولا يخون العالم الإنساني بإتباع الهوي هو الروح الأمين وهو جبرائيل، والموحي الحقيقي هو الله سبحانه والكتاب الذي يتضمن أفكاره العالية الطاهرة هو الكتاب السماوي، والملائكة هي القوي الطبيعية أو الجهات الداعية إلي الخير، والشيطان هي النفس الإمارة بالسوء أو القوي أو الجهات الداعية إلي الشر والفساد، وعلي هذا القياس. وهذا فرض فاسد وقد مر في البحث عن الإعجاز، وأن النبوة بهذا المعني لأن تسمي

لعبة سياسية أولي بها من أن تسمي نبوة إلهية.

وقد تقدم أن هذا الفكر الذي يسمي هؤلاء الباحثون نبوغه الخاص نبوة، من خواص العقل العملي الذي يميز بين خير الأفعال وشرها بالمصلحة والمفسدة، وهو أمر مشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان ومن هداية الفطرة المشتركة، وتقدم أيضاً إن هذا العقل بعينه هو الداعي إلي الإختلاف، وإذا كان هذا شأنه لم يقدر من حيث هو كذلك علي رفع الإختلاف واحتاج فيه إلي متمم يتمم أمره، وقد عرفت أنه يجب أن يكون هذا المتمم نوعاً خاصاً من الشعور يختص به بحسب الفعلية بعض الآحاد من الإنسان، وتهتدي به الفطرة إلي سعادة الإنسان الحقيقية في معاشه ومعاده.

ومن هنا يظهر أن هذا الشعور من غير سنخ الشعور الفكري، بمعني أن ما يجده الإنسان من النتائج الفكرية من طريق مقدماتها العقلية، غير ما يجده من طريق الشعور النبوي والطريق غير الطريق.

ولا يشك الباحثون في خواص النفس في أن في الإنسان شعوراً نفسياً باطنياً، ربما يظهر في بعض الآحاد من أفراده يفتح له باباً إلي عالم وراء هذا العالم، ويعطيه عجائب من المعارف والمعلومات وراء ما يناله العقل والفكر، صرح به جميع علماء النفس من قدمائنا وجمع من علماء النفس من أوروبا مثل جمز الإنجليزي وغيره.

فقد تحصل أن باب الوحي النبوي غير باب الفكر العقلي، وأن النبوة وكذا الشريعة والدين والكتاب والملك والشيطان لاينطبق عليها ما اختلقوه من المعاني.

امور ورد أنها من الفطرة

من لا يحضره الفقيه:1/130:

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن المجوس جزوا لحاهم ووفروا شواربهم، وإنا نجز الشوارب ونعفي اللحي، وهي الفطرة. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:1/423

الخصال/310:

حدثنا أبو أحمد محمد بن جعفر البندار، قال

حدثنا جعفر بن محمد بن نوح، قال حدثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن حماد من أهل قومس، قال حدثنا أبومحمد الحسن بن علي الحلواني، قال حدثنا بشر بن عمر، قال حدثنا مالك بن أنس، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: خمس من الفطرة: تقليم الأظفار: وقص الشارب، ونتف الابط، وحلق العانة، والإختتان. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:1/434

مستدرك الوسائل:2/120:

دعائم الإسلام: عن أمير المؤمنين أنه قال: من الفطرة أن يستقبل بالعليل القبلة إذا احتضر. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:85/243 وروي نحوه الحاكم في المستدرك: 1/353 والبيهقي في سننه:3/384

الكافي:5/496:

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن، عن مسمع أبي سيار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أحب أن يكون علي فطرتي فليستن بسنتي وإن من سنتي النكاح.

بحار الأنوار:22/263:

كا: العدة، عن سهل، عن جعفر بن محمد الأشعري، عن ابن القداح عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلي النبي صلي الله عليه وآله فقالت: يا رسول الله إن عثمان يصوم النهار ويقوم الليل، فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله مغضباً يحمل نعليه حتي جاء إلي عثمان فوجده يصلي، فانصرف عثمان حين رأي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال له: يا عثمان لم يرسلني الله بالرهبانية، ولكن بعثني بالحنيفية السهلة السمحة، أصوم وأصلي وألمس أهلي،فمن أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح.

بحار الأنوار:103/220:

جع: قال صلي الله عليه وآله: النكاح سنتي فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وقال:

تناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة ولو بالسقط.

وروي البخاري في صحيحه:7/56:

... عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: من الفطرة قص الشارب... عن أبي هريرة رواية الفطرة خمس أو خمس من الفطرة: الختان، والاستحداد، ونتف الابط، وتقليم الأظفار، وقص الشارب.

... عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله(ص)قال: من الفطرة حلق العانة، وتقليم الاظفار، وقص الشارب.

... عن أبي هريرة (رض) سمعت النبي(ص)يقول: الفطرة خمس: الختان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الاباط.

... عن ابن عمر عن النبي(ص)قال: خالفوا المشركين، ووفروا اللحي واحفوا الشوارب. انتهي. وروي نحوه في:7/143 ورواه النسائي:1/14

وروي مسلم في:1/153:

عن عائشة... قالت: قال رسول الله(ص): عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الابط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكريا: قال مصعب: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة، زاد قتيبة قال وكيع: انتقاص الماء، يعني الإستنجاء. انتهي. ورواه النسائي:8/126 ونحوه في سنن ابن ماجة:1/107 والبيهقي في سننه:1/3.

وروي في كنز العمال:9/520: عن مجاهد قال: غسل الدبر من الفطرة.

امور ورد أنها تضر بالفطرة

الكافي:2/400:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عثمان بن عيسي، عن رجل عن عبدالله عليه السلام قال: من شك في الله بعد مولده علي الفطرة لم يفئ إلي خير أبداً.

شرح الأسماء الحسني:2/43:

اللهم إن الطاعة تسرك والمعصية لا تضرك، فهب لي ما يسرك، واغفر لي ما لا يضرك، يا أرحم الراحمين.

أي: لو خليتني يا إلهي ونفسي الخائنة الجانية وأوهامي المؤملة المرجية، فمن يزيل آثار زلاتي الجمة الكثيرة، كما هو مقتضي الجمع المضاف المفيد للعموم، لأن إمهال العظيم الصبور مديد موفور،

فإذا استحكمت الملكات الرذيلة وتجوهرت العادات السيئة صارت طبيعة ثانية مخالفة للفطرة الأولي الإسلامية (المحكمة الراسخة كيفاً) والذاتي لا يتبدل، والنفس موضوع بسيط ولا ضد له.

تهذيب الأحكام:3/269:

... عن زرارة ومحمد بن مسلم قالا: قال أبو جعفر عليه السلام: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قرأ خلف إمام يأتم به فمات بعث علي غير الفطرة.

كنز العمال:8/286:

عن علي قال: من قرأ خلف الإمام فقد أخطأ الفطرة. ليس من الفطرة القراءة مع الإمام.

كنز العمال:3/62:

لن تزال أمتي علي الفطرة ما لم يتخذوا الأمانة مغنماً، والزكاة مغرماً، عن ثوبان.

صحيح البخاري:1/192:

شعبة عن سليمان، قال سمعت زيد بن وهب قال رأي حذيفة رجلاً لا يتم الركوع والسجود قال: ما صليت، ولو مت مت علي غير الفطرة التي فطر الله محمداً(ص). انتهي. ونحوه في سنن البيهقي:2/386، وكنز العمال:8/200، ومسند أحمد:5/384.

تقوية الفطرة و تضعيفها و إساءة استعمالها

قابلية الفطرة للتقوية والتخريب

بحار الأنوار:73/269:

... ثم الناس في هذه القوة علي درجات ثلاث في أول الفطرة وبحسب ما يطرأ عليها من الأمور الخارجة من التفريط والإفراط والإعتدال، أما التفريط فيفقد هذه القوة أو يضعفها بأن لا يستعملها فيما هو محمود عقلاً وشرعاً مثل دفع الضرر عن نفسه علي وجه سائغ، والجهاد مع أعدائه والبطش عليهم، وإقامة الحدود علي الوجه المعتبر، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتحصل فيه ملكة الجبن بل ينتهي إلي عدم الغيرة علي حرمه وأشباه ذلك. انتهي. أقول: ويدل عليه أيضاً قوله صلي الله عليه وآله (ولكن أبواه يهودانه أو ينصرانه).

بحار الأنوار:60/372:

الإقبال: عن الحسين بن علي (عليهما السلام) في دعاء يوم عرفة:

... ابتدأتني بنعمتك قبل أن أكون شيئاً مذكوراً وخلقتني من التراب، ثم أسكنتني الأصلاب، آمناً لريب المنون واختلاف الدهور،

فلم أزل ظاعناً من صلب إلي رحم في تقادم الأيام الماضية والقرون الخالية، لم تخرجني لرأفتك بي ولطفك لي وإحسانك إلي في دولة أئمة الكفرة الذين نقضوا عهدك، وكذبوا رسلك، لكنك أخرجتني رأفةً منك وتحنناً علي للذي سبق لي من الهدي الذين يسرتني وفيه أنشأتني، ومن قبل ذلك رؤفت بي بجميل صنعك، وسوابغ نعمتك، فابتدعت خلقي، من مني يمني، ثم أسكنتني في ظلمات ثلاث بين لحم وجلد ودم، لم تشهرني بخلقي، ولم تجعل إليَّ شيئاً من أمري، ثم أخرجتني إلي الدنيا تاماً سوياً، وحفظتني في المهد طفلاً صبياً، ورزقتني من الغذاء لبناً مرياً، وعطفت علي قلوب الحواضن، وكفلتني الأمهات الرحائم، وكلاتني من طوارق الجان، وسلمتني من الزيادة والنقصان، فتعاليت يا رحيم يا رحمان.

حتي إذا استهللت ناطقاً بالكلام، أتممت علي سوابغ الانعام، فربيتني زائداً في كل عام حتي إذا كملت فطرتي، واعتدلت سريرتي، أوجبت عليَّ حجتك بأن ألهمتني معرفتك، وروعتني بعجائب فطرتك، وأنطقتني لما ذرأت لي في سمائك وأرضك من بدائع خلقك، ونبهتني لذكرك وشكرك، وواجب طاعتك وعبادتك، وفهمتني ما جاءت به رسلك.. إلخ. انتهي.

قال المجلسي رحمه الله الفطرة إشارة إلي قوة الأعضاء والقوي الظاهرة، واعتدال السريرة إلي كمال القوي الباطنة... ألقيت في روعي أي قلبي عجائب الفطرة، لكنه بعيد عن الشائع في إطلاق هذا اللفظ بحسب اللغة. انتهي.

أقول: الظاهر أن معناه: جعلتني أدرك روائع وعجائب ما فطرته من مخلوقاتك.

تفسير الميزان:16/178:

الفطرة بناء نوع من الفطر بمعني الإيجاد والإبداع، وفطرة الله منصوب علي الأغراء أي إلزم الفطرة، ففيه إشارة إلي أن هذا الدين الذي يجب إقامة الوجه له، هو الذي تهتف به الخلقة وتهدي إليه الفطرة الإلهية التي لا تبديل لها.

وذلك

أنه ليس الدين إلا سنة الحياة والسبيل التي يجب علي الإنسان أن يسلكها حتي يسعد في حياته، فلا غاية للإنسان يتبعها إلا السعادة، وقد هدي كل نوع من أنواع الخليقة إلي سعادته التي هي بغية حياته بفطرته ونوع خلقته، وجهزه في وجوده بما يناسب غايته من التجهيز، قال تعالي: رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَي كُلَّ شَئٍْ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَي. طه: 50، وقال: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّي وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَي. الأعلي: 3.

فالإنسان كسائر الأنواع المخلوقة مفطور بفطرة تهديه إلي تتميم نواقصه ورفع حوائجه وتهتف له بما ينفعه وما يضره في حياته، قال تعالي: وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا الشمس: 8، وهو مع ذلك مجهز بما يتم له به ما يجب له أن يقصده من العمل، قال تعالي: ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ. عبس: 20.

فللإنسان فطرة خاصة تهديه إلي سنة خاصة في الحياة وسبيل معينة ذات غاية مشخصة ليس له إلا أن يسلكها خاصة، وهو قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، وليس الإنسان العائش في هذه النشأة إلا نوعاً واحداً لا يختلف ما ينفعه وما يضره بالنظر إلي هذه البنية المؤلفة من روح وبدن، فما للإنسان من جهة أنه إنسان إلا سعادة واحدة وشقاء واحد، فمن الضروري حينئذ أن يكون تجاه عمله سنة واحدة ثابتة يهديه إليها هاد واحد ثابت، وليكن ذاك الهادي هو الفطرة ونوع الخلقة، ولذلك عقب قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، بقوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، فلو اختلفت سعادة الإنسان باختلاف أفراده لم ينعقد مجتمع واحد صالح يضمن سعادة الأفراد المجتمعين، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأقطار التي تعيش فيها الأمم المختلفة بمعني أن يكون الأساس الوحيد للسنة الإجتماعية، أعني الدين هو ما يقتضيه

حكم المنطقة، كان الإنسان أنواعاً مختلفة باختلاف الأقطار، ولو اختلفت السعادة باختلاف الأزمنة، بمعني أن تكون الأعصار والقرون هي الأساس الوحيد للسنة الدينية، اختلفت نوعية كل قرن وجيل مع من ورثوا من آبائهم أو أخلفوا من أبنائهم، ولم يسر الإجتماع الإنساني سير التكامل، ولم تكن الإنسانية متوجهة من النقص إلي الكمال، إذ لا يتحقق النقص والكمال إلا مع أمر مشترك ثابت محفوظ بينهما.

وليس المراد بهذا إنكار أن يكون لاختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة بعض التأثير في انتظام السنة الدينية في الجملة، بل إثبات أن الأساس للسنة الدينية هو البنية الإنسانية التي هي حقيقة واحدة ثابتة مشتركة بين الأفراد، فللإنسانية سنة واحدة ثابتة بثبات أساسها الذي هو الإنسان، وهي التي تدير رحي الإنسانية مع ما يلحق بها من السنن الجزئية المختلفة باختلاف الأفراد أو الأمكنة أو الأزمنة. وهذا هو الذي يشير إلي قوله بعد ذلك: الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ....

وللقوم في مفردات الآية ومعناها أقوال أخر متفرقة، منها: أن المراد بإقامة الوجه تسديد العمل، فإن الوجه هو ما يتوجه إليه وهو العمل وإقامته تسديده. وفيه أن وجه العمل هو غايته المقصودة منه وهي غير العمل، والذي في الآية هو: فَأَقِمْ وَجْهَكَ، ولم يقل فأقم وجه عملك....

ومنها، أن لا في قوله: لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ، تفيد النهي أي لا تبدلوا خلق الله أي دينه الذي أمرتم بالتمسك به، أولا تبدلوا خلق الله بإنكار دلالتة علي التوحيد، ومنه من نسب إلي ابن عباس أن المراد به النهي عن الخصاء.

وفيه، أن لا دليل علي أخذ الخلق بمعني الدين ولا موجب لتسمية الأعراض عن دلالة الخلقة أو إنكارها تبديلاً لخلق الله، وأما

ما نسب إلي ابن عباس ففساده ظاهر.

ومنها، ما ذكره الرازي في التفسير الكبير قال: ويحتمل أن يقال خلق الله الخلق لعبادته وهم كلهم عبيده لا تبديل لخلق الله، أي ليس كونهم عبيداً مثل كون المملوك عبداً للإنسان فإنه ينتقل عنه إلي غيره ويخرج عن ملكه بالعتق، بل لا خروج للخلق عن العبادة والعبودية. وهذا لبيان فساد قول من يقول العبادة لتحصيل الكمال والعبد يكمل بالعبادة فلا يبقي عليه تكليف، وقول المشركين إن الناقص لا يصلح لعبادة الله، وإنما الإنسان عبد الكواكب والكواكب عبيد الله، وقول النصاري إن عيسي كان يحل الله فيه وصار إلها، فقال: لا تبديل لخلق الله بل كلهم عبيد لا خروج لهم عن ذلك. إنتهي.

وفيه، أنه مغالطة بين الملك والعبادة التكوينيين والملك والعبادة التشريعيين، فإن ملكه تعالي الذي لا يقبل الإنتقال والبطلان ملك تكويني بمعني قيام وجود الأشياء به تعالي، والعبادة التي بإزائه عبادة تكوينية وهو خضوع ذوات الأشياء له تعالي، ولا تقبل التبديل والترك كما في قوله: وَإِنْ مِنْ شَئٍْ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ إسراء: 44.

وأما العبادة الدينية التي تقبل التبديل والترك فهي عبادة تشريعية بإزاء الملك التشريعي المعتبر له تعالي، فأفهمه. ولو دل قوله لا تبديل لخلق الله علي عدم تبديل الملك والعبادة والعبودية لدل علي التكويني منهما، والذي يبدله القائلون بارتفاع التكليف عن الإنسان الكامل أو بعبادة الكواكب أو المسيح، فإنما يعنون به التشريعي منهما.

تفسير الميزان:5/312:

البيانات القرآنية تجري في بث المعارف الدينية وتعليم الناس العلم النافع هذا المجري، وتراعي الطرق المتقدمة التي عينتها للحصول علي المعلومات، فما كان من الجزئيات التي لها خواص تقبل الاحساس فإنها تصريح فيها إلي الحواس كالآيات المشتملة علي قوله: ألم

تر، أفلا يرون، أفرأيتم، أفلا تبصرون، وغير ذلك.

وما كان من الكليات العقلية مما يتعلق بالأمور الكلية المادية، أو التي هي وراء عالم الشهادة، فإنها تعتبر فيها العقل اعتباراً جازماً وإن كانت غائبة عن الحس خارجة عن محيط المادة والماديات كغالب الآيات الراجعة إلي المبدأ والمعاد المشتملة علي أمثال قوله: لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ، يَفْقَهُونَ، وغيرها.

وما كان من القضايا العملية التي لها مساس بالخير والشر والنافع والضار في العمل والتقوي والفجور، فإنها تستند فيها إلي الإلهام الإلهي بذكر ما بتذكره يشعر الإنسان بإلهامه الباطني كالآيات المشتملة علي مثل قوله: ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ، فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ، وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ، إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي، وغيرها، وعليك بالتدبر فيها.

ومن هنا يظهر أولاً أن القرآن الكريم يُخطّئ طريق الحسيين وهم المعتمدون علي الحس والتجربة النافون للأحكام العقلية الصرفة في الابحاث العلمية، وذلك أن أول ما يهتم القرآن به في بيانه هو أمر توحيد الله عز اسمه، ثم يرجع إليه ويبني عليه جميع المعارف الحقيقية التي يبينها ويدعو إليها.

ومن المعلوم أن التوحيد أشد المسائل ابتعاداً من الحس وبينونة للمادة وارتباطاً بالأحكام العقلية الصرفة. والقرآن يبين أن هذه المعارف الحقيقية من الفطرة، قال: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ. الروم: 30، أي أن الخلقة الإنسانية نوع من الايجاد يستتبع هذه العلوم والإدراكات، ولا معني لتبديل خلق إلا أن يكون نفس التبديل أيضاً من الخلق والإيجاد، وأما تبديل الإيجاد المطلق أي إبطال حكم الواقع فلا يتصور له معني، فلن يستطيع الإنسان وحاشا ذلك أن يبطل علومه الفطرية ويسلك في الحياة سبيلاً آخر غير سبيلها البتة.

وأما الانحراف المشهود

عن أحكام الفطرة فليس إبطالاً لحكمها، بل استعمالاً لها غير ما ينبغي من نحو الإستعمال، نظير ما ربما يتفق أن الرامي لا يصيب الهدف في رميته، فإن آلة الرمي وسائر شرائطه موضوعه بالطبع للإصابة، إلا أن الإستعمال يوقعها في الغلط، والسكاكين والمناشير والمثاقب والإبر وأمثالها إذا عبئت في الماكينات تعبئة معوجة تعمل عملها الذي فطرت عليه بعينه من قطع أو نشر أو ثقب وغير ذلك، لكن لا علي الوجه المقصود، وأما الإنحراف عن العمل الفطري كأن يخاط بنشر المنشار بأن يعوض المنشار فعل الإبرة من فعل نفسه فيضع الخياطة موضع النشر، فمن المحال ذلك.

وهذا ظاهر لمن تأمل عامة ما استدل به القوم علي صحة طريقهم، كقولهم إن الأبحاث العقلية المحضة والقياسات المؤلفة من مقدمات بعيدة من الحس يكثر وقوع الخطأ فيها، كما يدل عليه كثرة الإختلافات في المسائل العقلية المحضة، فلا ينبغي الإعتماد عليها لعدم إطمئنان النفس إليها. وقولهم في الإستدلال علي صحة طريق الحس والتجربة إن الحس آلة لنيل خواص الأشياء بالضرورة وإذا أحس بأثر في موضوع من الموضوعات علي شرائط مخصوصة ثم تكرر مشاهدة الأثر معه مع حفظ تلك الشرائط بعينها من غير تخلف واختلاف، كشف ذلك عن أن هذا الأثر خاصة الموضوع من غير اتفاق، لأن الإتفاق (الصدفة) لا يدوم البتة.

والدليلان كما تري سيقاً لإثبات وجوب الإعتماد علي الحس والتجربة ورفض السلوك العقلي المحض، مع كون المقدمات المأخوذة فيهما جميعاً مقدمات عقلية خارجة عن الحس والتجربة، ثم أريد بالأخذ بهذه المقدمات العقلية إبطال الأخذ بها، وهذا هو الذي تقدم أن الفطرة لن تبطل البتة، وإنما يغلط الإنسان في كيفية استعمالها.

قدوات البشرية في فطرتهم المستقيمة

آدم فطرة الله تعالي

الصحيفة السجادية:2/39:

في الصلاة علي آدم عليه السلام: اللهم

وآدم بديع فطرتك، وأول معترف من الطين بربوبيتك، وبكر حجتك علي عبادك وبريتك.

بحار الأنوار:101/230:

(زيارة أخري) رواها الكفعمي في البلد الأمين عن الصادق عليه السلام قال: إذا وصلت إلي الفرات فاغتسل وألبس أنظف ثوب تقدر عليه، ثم صر إلي القبر حافياً وعليك السكينة والوقار، وقف بالباب وكبر أربعاً وثلاثين تكبيرة وقل: السلام عليك يا وارث آدم فطرة الله، السلام عليك يا وارث نوح صفوة الله.

ابراهيم إمام الإستقامة علي الفطرة

الصحيفة السجادية:2/256:

... يا موضع كل شكوي، ويا شاهد كل نجوي، ويا عالم كل خفية، ويا دافع كل بلية، يا كريم العفو، يا حسن التجاوز، توفني علي ملة إبراهيم وفطرته، وعلي دين محمد وسنته، وعلي خير الوفادة فتوفني، موالياً لأوليائك ومعادياً لأعدائك. اللهم إني أسألك التوفيق لكل عمل أو قول أو فعل يقربني إليك زلفي، يا أرحم الراحمين.

الكافي:8/366:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان عن حجر، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: خالف إبراهيم عليه السلام قومه وعاب آلهتهم حتي أدخل علي نمرود فخاصمه، فقال إبراهيم عليه السلام: ربي الذي يحيي ويميت قال: أنا أحيي وأميت. قال إبراهيم: فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب، فبهت الذي كفر والله لا يهدي القوم الظالمين.

وقال أبو جعفر عليه السلام: عاب آلهتهم فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم، قال أبو جعفر عليه السلام: والله ما كان سقيماً وما كذب، فلما تولوا عنه مدبرين إلي عيد لهم دخل إبراهيم عليه السلام إلي آلهتهم بقدوم فكسرها إلا كبيراً لهم ووضع القدوم في عنقه، فرجعوا إلي آلهتهم فنظروا إلي ما صنع بها فقالوا: لا والله ما اجترأ عليها

ولا كسرها إلا الفتي الذي كان يعيبها ويبرأ منها، فلم يجدوا له قتلةً أعظم من النار، فجمعوا له الحطب واستجادوه، حتي إذا كان اليوم الذي يحرق فيه برز له نمرود وجنوده وقد بني له بناء لينظر إليه كيف تأخذه النار، ووضع إبراهيم عليه السلام في منجنيق، وقالت الأرض: يا رب ليس علي ظهري أحد يعبدك غيره يحرق بالنار؟ قال الرب: إن دعاني كفيته.

فذكر أبان عن محمد بن مروان، عمن رواه عن أبي جعفر عليه السلام أن دعاء إبراهيم عليه السلام يومئذ كان (يا أحد يا أحد، يا صمد يا صمد، يا من لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد. ثم قال: توكلت علي الله) فقال الرب تبارك وتعالي: كفيت، فقال للنار: كُونِي بَرْدًا. قال فاضطربت أسنان إبراهيم عليه السلام من البرد حتي قال الله عز وجل: وَسَلامًا عَلَي إِبْرَاهِيمَ. وانحط جبرئيل عليه السلام وإذا هو جالس مع إبراهيم عليه السلام يحدثه في النار، قال نمرود: من اتخذ إلهاً فليتخذ مثل إله إبراهيم! قال: فقال عظيم من عظمائهم: إني عزمت علي النار أن لا تحرقه، قال فأخذ عنق من النار نحوه حتي أحرقه!

قال: فآمن له لوط، وخرج مهاجراً إلي الشام هو وسارة ولوط.

_ علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ان إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثي رباً، وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة ورقة وفي نسخة رقية أختين، وهما ابنتان للاحج، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً، وكان إبراهيم عليه السلام في

شبيبته علي الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، حتي هداه الله تبارك وتعالي إلي دينه واجتباه، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملكت إبراهيم عليه السلام جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع، حتي لم يكن بأرض كوثي ربا رجل أحسن حالاً منه.

وإن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثق، وعمل له حيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتي خمدت النار، ثم أشرفوا علي الحير فإذا هم بإبراهيم عليه السلام سليماً مطلقاً من وثاقه فأخبر نمرود خبره، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه السلام من بلاده وأن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال: إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم، واختصموا إلي قاضي نمرود فقضي علي إبراهيم عليه السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب في بلادهم، وقضي علي أصحاب نمرود أن يردوا علي إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم!

فأخبر بذلك نمرود فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وما له وأن يخرجوه، وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه صلي الله عليهما من بلادهم إلي الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لا يفارقه وسارة، وقال لهم: إني ذاهب إلي ربي سيهدين، يعني بيت المقدس.

فتحمل إبراهيم عليه السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرةً منه عليها، ومضي حتي خرج من سلطان

نمرود وصار إلي سلطان رجل من القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعشر ما معه، فلما انتهي إلي العاشر ومعه التابوت.

قال العاشر لابراهيم عليه السلام: إفتح هذا التابوت حتي نعشر ما فيه.

فقال له إبراهيم عليه السلام: قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتي نعطي عشره ولا نفتحه.

قال فأبي العاشر إلا فتحه، قال وغضب إبراهيم عليه السلام علي فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال، قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟

قال إبراهيم عليه السلام: هي حرمتي وابنة خالتي.

فقال له العاشر: فما دعاك إلي أن خبيتها في هذا التابوت؟

فقال إبراهيم عليه السلام: الغيرة عليها أن يراها أحد.

فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتي أعلم الملك حالها وحالك، قال: فبعث رسولاً إلي الملك فأعلمه فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت فأتوا ليذهبوا به. فقال لهم إبراهيم عليه السلام: إني لست أفارق التابوت حتي تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم عليه السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتي أدخل علي الملك فقاله له الملك: إفتح التابوت.

فقال إبراهيم عليه السلام: أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي وأنا مفتد فتحه بجميع ما معي. قال: فغضب الملك وأجبر إبراهيم عليه السلام علي فتحه، فلما رأي سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها فأعرض إبراهيم عليه السلام بوجهه عنها وعنه غيرة منه وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه!

فقال له الملك: إن إلهك الذي فعل بي هذا؟

فقال له: نعم، إن إلهي غيور يكره الحرام وهو

الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام.

فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك فلم أعرض لها.

فقال إبراهيم عليه السلام: إلهي رد عليه يده ليكف عن حرمتي.

قال: فرد الله عز وجل عليه يده فأقبل الملك نحوها ببصره، ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه السلام عنه بوجهه غيرة منه وقال: اللهم احبس يده عنها، قال فيبست يده ولم تصل إليها!

فقال الملك لابراهيم عليه السلام: ان إلهك لغيور وإنك لغيور فادع إلهك يرد علي يدي فإنه إن فعل لم أعد.

فقال له إبراهيم عليه السلام: أسأله ذلك علي أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله.

فقال الملك: نعم.

فقال إبراهيم عليه السلام: اللهم إن كان صادقاً فرد عليه يده، فرجعت إليه يده!

فلما رأي ذلك الملك من الغيرة ما رأي ورأي الآية في يده، عظم إبراهيم عليه السلام وهابه وأكرمه واتقاه، وقال له: قد أمنت من أن أعرض لها أو لشئ مما معك، فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة.

فقال إبراهيم عليه السلام: ما هي؟

فقال له: أحب ان تأذن لي أن أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً.

قال: فأذن له إبراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام.

فسار إبراهيم عليه السلام بجميع ما معه وخرج الملك معه يمشئ خلف إبراهيم عليه السلام إعظاماً لابراهيم عليه السلام وهيبة له، فأوحي الله تبارك وتعالي إلي إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشئ هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه، فإنه مسلط ولابد من إمرة في الأرض برة أو فاجرة، فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك: إمض فإن

إلهي أوحي إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشئ خلفك إجلالاً لك.

فقال له الملك: أوحي إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم عليه السلام: نعم.

فقال له الملك: أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم، وإنك ترغبني في دينك.

قال: وودعه الملك فسار إبراهيم عليه السلام حتي نزل بأعلي الشامات، وخلف لوطاً عليه السلام في أدني الشامات.

ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً، فابتاع إبراهيم عليه السلام هاجر من سارة فوقع عليها فولدت اسماعيل. انتهي. ورواه في تفسير نور الثقلين:4/416 ورواه المجلسي في بحار الأنوار:12/48.

وفي هذا الحديث من الحقائق والاضواء علي حياة سيدنا إبراهيم صلي الله عليه وآله ما يرد كثيراً من الشبه الواردة في الإسرائيليات، والتهم التي اتهمه بها اليهود، وقلدهم بعض المسلمين!!

نبينا رائد العارفين و رائد سعادتن

نهج البلاغة:3/44:

... والرسول قد عرف عن الله وأخبرنا، فهو رائد سعادتنا.

مروج الذهب للمسعودي:1/32:

فهذا ما روي عن أبي عبد الله جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه:

إن الله حين شاء تقدير الخليقة وذرأ البرية وإبداع المبدعات، نصب الخلق في صور كالهباء قبل دحو الأرض ورفع السماء، وهو في انفراد ملكوته وتوحد جبروته فأتاح (فأساح) نوراً من نوره فلمع، و[ نزع ]قبساً من ضيائه فسطع، ثم اجتمع النور في وسط تلك الصور الخفية فوافق ذلك صورة نبينا محمد(ص)، فقال الله عز من قائل: أنت المختار المنتخب، وعندك مستودع نوري وكنوز هدايتي، من أجلك أسطح البطحاء، وأمرج الماء، وأرفع

السماء، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار، وأنصب أهل بيتك للهداية، وأوتيهم من مكنون علمي ما لا يشكل عليهم دقيق ولا يعييهم خفي، وأجعلهم حجتي علي بريتي، والمنبهين علي قدرتي ووحدانيتي، ثم أخذ الله الشهادة عليهم بالربوبية والإخلاص بالوحدانية. فبعد أخذ ما أخذ من ذلك شاب ببصائر الخلق انتخاب محمد وآله (فقبل أخذ ما أخذ جل شأنه ببصائر الخلق انتخب محمد وآله) وأراهم أن الهداية معه والنور له والإمامة في آله، تقديماً لسنة العدل، وليكون الأعذار متقدماً.

ثم أخفي الله الخليقة في غيبه، وغيبها في مكنون علمه، ثم نصب العوامل وبسط الزمان، ومرج الماء، وأثار الزبد، وأهاج الدخان، فطفا عرشه علي الماء، فسطح الأرض علي ظهر الماء[ وأخرج من الماء دخاناً فجعله السماء ]ثم استجلبهما إلي الطاعة فأذعنتا بالإستجابة.

ثم أنشأ الله الملائكة من أنوار أبدعها، وأرواح اخترعها، وقرن بتوحيده نبوة محمد(ص)، فشهرت في السماء قبل بعثته في الأرض، فلما خلق آدم أبان فضله للملائكة، وأراهم ما خصه به من سابق العلم من حيث عرفه عند استنبائه إياه أسماء الأشياء، فجعل الله آدم محراباً وكعبة وباباً وقبلة أسجد إليها الأبرار والروحانيين الأنوار، ثم نبه آدم علي مستودعه، وكشف له[ عن ]خطر ما ائتمنه عليه، بعد ما سماه إماماً عند الملائكة، فكان حظ آدم من الخير ما أراه من مستودع نورنا، ولم يزل الله تعالي يخبئ النور تحت الزمان إلي أن فضل محمداً (ص)في ظاهر الفترات، فدعا الناس ظاهراً وباطناً، وندبهم سراً وإعلاناً، واستدعي عليه السلام التنبيه علي العهد الذي قدمه إلي الذر قبل النسل، فمن وافقه وقبس من مصباح النور المقدم اهتدي إلي سره، واستبان واضح أمره، ومن أبلسته الغفلة استحق السخط.

ثم انتقل النور إلي

غرائزنا، ولمع في أئمتنا، فنحن أنوار السماء وأنوار الأرض، فبنا النجاء، ومنا مكنون العلم، والينا مصير الأمور، وبمهدينا تنقطع الحجج، خاتمة الأئمة، ومنقذ الأمة، وغاية النور، ومصدر الأمور، فنحن أفضل المخلوقين، وأشرف الموحدين، وحجج رب العالمين، فليهنأ بالنعمة من تمسك بولايتنا، وقبض علي عروتنا. انتهي. وروي شبيهاً به ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص128-130

علل الشرائع:1/5:

حدثنا الحسن بن محمد سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن أحمد بن علي الهمداني، قال حدثني أبوالفضل العباس بن عبدالله البخاري، قال حدثنا محمد بن القاسم بن إبراهيم بن محمد بن عبدالله بن القاسم بن محمد بن أبي بكر، قال حدثنا عبدالسلام بن صالح الهروي، عن علي بن موسي الرضا، عن أبيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب غليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما خلق الله خلقاً أفضل مني ولاأكرم عليه مني، قال علي عليه السلام فقلت يا رسول الله فأنت أفضل أم جبرئيل؟ فقال: يا علي إن الله تبارك وتعالي فضل أنبياءه المرسلين علي ملائكته المقربين وفضلني علي جميع النبيين والمرسلين، والفضل بعدي لك يا علي وللأئمة من بعدك، وإن الملائكة لخدامنا وخدام محبينا. يا علي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا، يا علي لولا نحن ما خلق الله آدم ولا حواء ولا الجنة ولا النار ولا السماء ولا الأرض، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة، وقد سبقناهم إلي معرفة ربنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه، لأن أول

ما خلق الله عز وجل خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده، ثم خلق الملائكة فلما شاهدوا أرواحنا نوراً واحداً استعظموا أمرنا، فسبحنا لتعلم الملائكة إنا خلق مخلوقون، وإنه منزه عن صفاتنا، فسبحت الملائكة بتسبيحنا ونزهته عن صفاتنا، فلما شاهدوا عظم شأننا هللنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلا الله وأنَّا عبيد ولسنا بآلهة يجب أن نعبد معه أو دونه، فقالوا: لا إله إلا الله، فلما شاهدوا كبر محلنا كبرَّنا لتعلم الملائكة أن الله أكبر من أن ينال عظم المحل إلا به، فلما شاهدوا ما جعله الله لنا من العز والقوة قلنا لا حول ولا قوة إلا بالله لتعلم الملائكة أن لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، فلما شاهدوا ما أنعم الله به علينا وأوجبه لنا من فرض الطاعة قلنا الحمد الله لتعلم الملائكة ما يحق الله تعالي ذكره علينا من الحمد علي نعمته، فقالت الملائكة الحمد لله.

فبنا اهتدي إلي معرفة توحيد الله وتسبيحه وتهليله وتحميده وتمجيده، ثم أن الله تبارك وتعالي خلق آدم، فأودعنا صلبه وأمر الملائكة بالسجود له تعظيماً لنا وإكراماً.

علل الشرائع:1/117:

- حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمان بن كثير، عن داود الرقي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لما أراد الله عز وجل أن يخلق الخلق خلقهم ونشرهم بين يديه، ثم قال لهم: من ربكم؟ فأول من نطق رسول الله صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين والأئمة صلوات عليهم أجمعين، فقالوا: أنت ربنا، فحمَّلهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة ديني وعلمي وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم أقروا لله

بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة والولاية، فقالوا نعم ربنا أقررنا، فقال الله جل جلاله للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا... علي أن لا يقولوا غداً إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون، يا داود الأنبياء مؤكدة عليهم في الميثاق.

الإعتقادات للصدوق/67:

_... وأن محمداً صلي الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الأليم. وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون الفائزون. ويجب أن يعتقد أن الله عز وجل لم يخلق خلقاً أفضل من محمد صلي الله عليه وآله والأئمة غليهم السلام، وأنهم أحب الخلق إلي الله وأكرمهم، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي. وأن الله بعث نبيه محمد صلي الله عليه وآله للأنبياء في الذر. وأن الله عز وجل أعطي ما أعطي كل نبي علي قدر معرفته، ومعرفة نبينا محمد صلي الله عليه وآله، وسبقه إلي الإقرار به. ونعتقد: أن الله تبارك وتعالي خلق جميع الخلق له ولاهل بيته غليهم السلام، وأنه لولاهم ما خلق الله سبحانه السماء والأرض ولا الجنة ولا النار ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة، ولا شيئاً مما خلق، صلوات الله عليهم أجمعين. انتهي.

وقد أوردنا في فصل الفطرة تحت عنوان: عوالم وجود الإنسان، عدداً من أحاديث خلق نور النبي وآله صلي الله عليه وعليهم قبل الخلق.

خط الفطرة لم ينقطع من ذرية إبراهيم

بحار الأنوار:15/117:

بيان: اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم علي أن والدي الرسول وكل أجداده إلي آدم عليه السلام كانوا مسلمين، بل كانوا من الصديقين: إما أنبياء مرسلين، أو

أوصياء معصومين، ولعل بعضهم لم يظهر الإسلام لتقية أو لمصلحة دينية....

ورووا عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لم يزل ينقلني الله من أصلاب الطاهرين إلي أرحام المطهرات، حتي أخرجني في عالمكم هذا، لم يدنسني بدنس الجاهلية. ولو كان من آبائه عليه السلام كافر لم يصف جميعهم بالطهارة، مع قوله سبحانه: إنما المشركون نجس...

وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة، منهم الإمام فخر الدين الرازي، فقال في كتابه أسرار التنزيل ما نصه: قيل: إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه:

منها: أن آباء الأنبياء ما كانوا كفاراً، ويدل عليه وجوه: منها قوله تعالي: أَلَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ. وَتَقَلُّبَكَ فِي أَلسَّاجِدِينَ....

الثانية: أن الأحاديث والاثار دلت علي أنه لم تخل الأرض من عهد نوح عليه السلام إلي بعثة النبي صلي الله عليه وآله إلي أن تقوم الساعة من ناس علي الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له، وبهم تحفظ الأرض، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها....

وأما المخالفون: فذهب أكثرهم إلي كفر والدي الرسول صلي الله عليه وآله وكثير من أجداده كعبد المطلب وهاشم وعبد مناف صلوات الله عليهم اجمعين، وإجماعنا وأخبارنا متظافرة... وقال في هامشه:

وذهب بعضهم إلي إيمان والديه صلي الله عليه وآله وأجداده، واستدلوا عليه بالكتاب والسنة، منهم السيوطي، قال في كتاب مسالك الحنفاء: المسلك الثاني أنهما أي عبد الله وآمنة لم يثبت عنهما شرك، بل كانا علي الحنيفية دين جدهما إبراهيم علي نبينا وعليه الصلاة والسلام....

ثم قال (السيوطي): وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور: أحدها دليل استنبطه مركب من مقدمتين.

الأولي: أن الأحاديث الصحيحة دلت علي أن كل أصل من أصول

النبي صلي الله عليه وآله من آدم عليه السلام إلي أبيه عبدالله، فهو خير أهل قرنه وأفضلهم، ولا أحد في قرنه ذلك خير منه ولا أفضل.

الثانية: إن الأحاديث والآثار دلت علي أنه لم تخل الأرض من عهد نوح عليه السلام أو آدم عليه السلام إلي بعثة النبي صلي الله عليه وآله إلي أن تقوم الساعة من ناس علي الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له، وبهم تحفظ الأرض ولولا هم لهلكت الأرض ومن عليها، وإذا قرنت بين هاتين المقدمتين أنتج منهما قطعاً أن آباء النبي صلي الله عليه وآله لم يكن فيهم مشرك، لأنه ثبت في كل منهم أنه خير قرنه... (ثم ذكر عن السيوطي آيات وأحاديث لإثبات ذلك منها): ما ورد في تفسير قوله تعالي: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، تدل علي أن التوحيد كان باقياً في ذرية إبراهيم عليه السلام ولم يزل ناس من ذريته علي الفطرة يعبدون الله تعالي حتي تقوم الساعة....

فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلي الله عليه وآله من عهد إبراهيم إلي كعب بن لؤي كانوا كلهم علي دين إبراهيم عليه السلام....

الدر المنثور:3/341:

وأخرج أبو الشيخ عن زيد بن علي (رض) قال: قالت سارة رضي الله عنها لما بشرتها الملائكة غليهم السلام: يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشئ عجيب، فقالت الملائكة ترد علي سارة: أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد، قال فهو كقوله: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، بمحمد(ص)من عقب إبراهيم.

الدر المنثور:4/87:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج (رض) في قوله: رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي، قال فلن يزال من ذرية إبراهيم عليه

السلام ناس علي الفطرة يعبدون الله تعالي حتي تقوم الساعة.

الدر المنثور:6/16:

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ، قال: في الإسلام أوصي بها ولده.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد: وجعلها كلمة باقية في عقبه... الآية، قال: الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده.

وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ... الآية، قال: لا إله إلا الله، في عقبه: قال عقب إبراهيم ولده.

عمار علم الثابتين علي الفطرة بعد النبي

بحار الأنوار:22/320:

لي: بهذا الاسناد عن إبراهيم بن الحكم، عن عبيدالله بن موسي، عن سعد بن أوس، عن بلال بن يحيي العبسي قال: لما قتل عمار (كذا والصحيح عثمان) أتوا حذيفة فقالوا: يا عبدالله قتل هذا الرجل وقد اختلف الناس، فما تقول؟ قال إذا أتيتم فأجلسوني، قال: فأسندوه إلي صدر رجل منهم فقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أبو اليقظان علي الفطرة ثلاث مرات، لن يدعها حتي يموت. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:33/9.

شرح الأخبار:1/412:

أبو أحمد بإسناده عن حذيفة بن اليمان، أنه لما احتضر قيل له أوصنا، فقال: أما إذا قلتم ذلك فأسندوني، فأسندوه، فقال: سمعت رسول الله صلوات الله عليه وآله يقول: أبو اليقظان علي الفطرة لا يدعها ثلاث مرات، لا يدعها حتي يموت.

روضة الواعظين للنيسابوري/286:

... وقال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أبواليقظان علي الفطرة ثلاث مرات لن يدعها حتي يموت، وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أشدهما.

مستدرك الحاكم:3/393:

... عن عائشة أنها قالت: أنظروا عمار بن ياسر فإنه يموت علي الفطرة، إلا أن تدركه هفوة من

كبر. صحيح الإسناد.

... عن قيس بن أبي حازم قال قال عبدالله: ما أعلم أحداً خرج في الفتنة يريد به وجه الله تعالي والدار الآخرة إلا عمار بن ياسر. صحيح الإسناد.

مجمع الزوائد:9/295:

وعن بلال بن يحيي قال: لما قتل عثمان (رض) أتي حذيفة فقيل له يا أبا عبدالله قتل هذا الرجل، وقد اختلف الناس، فما تقول؟ قال أسندوني فأسندوه إلي ظهر رجل، فقال: سمعت رسول الله(ص)يقول: أبو اليقظان علي الفطرة لا يدعها حتي يموت أو يمسه الهرم. رواه البزار والطبراني في الأوسط باختصار، ورجالهما ثقات.

كنز العمال:11/723:

أبو اليقظان علي الفطرة، أبواليقظان علي الفطرة، أبو اليقظان علي الفطرة، لا يدعها حتي يموت أو يمسه الهرم. ن، وابن سعد، عد وضعفه، عن حذيفة.

كنز العمال:13/532 و 537:

عن حذيفة قال: إن عماراً لا تصيبه الفتنة حتي يخرف، سمعت رسول الله(ص) يقول: أبواليقظان علي الفطرة لم يدعها حتي يموت، أو ينسيه الهرم. كر. انتهي.

ملاحظة: من واضحات تاريخنا الإسلامي أن عمار بن ياسر (رض) وقف بعد النبي صلي الله عليه وآله مع علي عليه السلام في مواجهة بيعة السقيفة، ثم في عهد أبي بكر وعمر، وأحداث خلافة عثمان، وكان عمار من قادة جيش علي عليه السلام في حرب الجمل، وله فيها مواقف سجلها التاريخ، ومنها مواقف مع عائشة، ثم ختم الله له بالشهادة تحت راية علي في صفين، وقتلته فئة معاوية الباغية كما أخبر بذلك النبي صلي الله عليه وآله.. ولذلك لا يشك الإنسان بأن جعل النبي عماراً علماً علي خط الفطرة من بعده، يعني جعله علياً عليه السلام علماً للامة، وتأكيده بأن خط علي من بعده هو خط الفطرة.

ومن الطبيعي أن تكون مواقف عمار

إلي جانب علي ثقيلة علي عائشة وعلي قريش، وأن لا يرووا في حقه مثل هذه الشهادة النبوية التي تدينهم، ولكنها كانت شهادة معروفة بين المسلمين، ومن هنا أدخل خصوم علي عليه السلام في روايتها غمغمة واستثناءات وشروطاً لغرض إحباط مفعولها!

ويدل علي بطلان هذه الإضافات أن الشهادة النبوية وردت في حق عمار مطلقة بنصوص صحيحة عندنا وعند إخواننا وليس فيها تلك الإستثناءات. مضافاً إلي أن طبيعة مثل هذه الشهادة لا تقبل الإستثناء، لأنه يؤدي إلي نسبة التناقض إلي النبي صلي الله عليه وآله حيث يشهد لشخص بأنه علي الفطرة حتي يموت، ويجعله علماً لأمته من بعده ويأمرهم بأن يكونوا في خطه، ثم يستثني من ذلك ويشترط شرطاً مبهماً يبطل كلامه الأول، ويوقع الأمة في الشك والريب!!

وقد روي الهيثمي في مجمع الزوائد:7/243 حديثاً يدل علي مدي تأثير هذه الشهادة النبوية ومدي حسد قريش لعلي عليه السلام قال:

وعن سيار أبي الحكم قال: قالت بنو عبس لحذيفة: إن أمير المؤمنين عثمان قد قتل فما تأمرنا؟ قال آمركم أن تلزموا عماراً. قالوا إن عماراً لا يفارق علياً! قال إن الحسد هو أهلك الجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي؟! فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عماراً لمن الاحباب. وهو يعلم أنهم إن لزموا عماراً كانوا مع علي. رواه الطبراني ورجاله ثقات، إلا أني لم أعرف الرجل المبهم. انتهي. ولا يبعد أن يكون إسم بني عبس وضع في هذه الرواية بدل قريش لأن حسدة بني هاشم الذين عناهم حذيفة والذين تحدث عنهم القرآن هم قبائل قريش، وليسوا بني عبس أو تميم.

علي إمام الثابتين علي الفطرة

نهج البلاغة:1/105:

ومن كلام له عليه السلام لأصحابه: أما إنه

سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم مندحق البطن يأكل ما يجد ويطلب ما لا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، ألا وإنه سيأمركم بسبي والبراءة مني، فأما السب فسبوني فإنه لي زكاة ولكم نجاة، وأما البراءة فلا تتبرؤوا مني فإني ولدت علي الفطرة وسبقت إلي الإيمان والهجرة.

شرح الأخبار:1/159:

عن الشعبي أنه كان يقول: سمعت رشيد الهجري والحارث الأعور الهمداني وصعصعة بن صوحان العبدي وسالم بن دينار الأزدي، كلهم يذكرون أنهم سمعوا علي بن أبي طالب عليه السلام علي منبر الكوفة يقول في خطبته: يا معشر أهل الكوفة، والله لتصبرن علي قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم أقواماً أنتم أولي بالحق منهم، فيعذبكم الله بهم ثم يعذبهم بما شاء من عنده، أَوَ من قتلة بالسيف تفرون إلي الموت علي الفراش. فإني أشهد إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: إن معالجة ملك الموت لأشد من ضربة ألف سيف، أخبرني جبرئيل يا علي إنه يصيبكم بعدي أَثَرةٌ وزلزال، فعليكم بالصبر الجميل.

وقال لي أيضاً: قضاء مقضي علي لسان النبي الأمي: إنه لا يبغضك يا علي مؤمن ولا يحبك كافر، وقد خاب من حمل ظلماً وافتري. ثم جعل يقول لنفسه: يا علي إنك ميت مقتول، بل مقتول إن شاء الله، فما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا، ثم أمرَّ يده اليمني علي لحيته، ثم وضعها علي رأسه، ثم قال: أما لقد رأيت في منامي أنه يهلك في اثنان ولا ذنب لي: محب غال، ومبغض قال. ثم قال: إلا أنكم ستعرضون علي البراءة مني فلا تتبرأ وا مني، فإن صاحبكم والله علي فطرة الله التي فطر الناس عليها. ثم نزل عن المنبر.

شرح الأخبار:1/169:

... ثم قال:

سيظهر عليكم بعدي رجل وإنه سيعرضكم علي سبي والبراءة مني، فإن خفتموه فسبوني فإنما هي زكاة ونجاة، وإن سألكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني علي الفطرة.

مناقب أمير المؤمنين:2/64

ثم قال: يكون بعدي أئمة يأمرونكم بسبي والبراءة مني، أما السب فسبوني، ولا تتبرؤوا مني فإني ولدت علي الفطرة وأموت علي الفطرة إن شاء الله.

بحار الأنوار:36/350:

عن سعيد بن المسيب قال: سمعت رجلاً يسأل ابن عباس عن علي بن أبي طالب فقال له ابن عباس: إن علي بن أبي طالب صلي القبلتين وبايع البيعتين، ولم يعبد صنماً ولا وثناً، ولم يضرب علي رأسه بزلم ولا قدح، ولد علي الفطرة ولم يشرك بالله طرفة عين. فقال الرجل: إني لم أسألك عن هذا إنما أسألك عن حمله سيفه علي عاتقه يختال به حتي أتي البصرة فقتل بها أربعين ألفاً، ثم سار إلي الشام فلقي حواجب العرب فضرب بعضهم ببعض حتي قتلهم، ثم أتي النهروان وهم مسلمون فقتلهم عن آخرهم!

فقال له ابن عباس: أعليٌّ أعلم عندك أم أنا؟ فقال: لو كان علي أعلم عندي منك ما سألتك!

قال: فغضب ابن عباس حتي اشتد غضبه ثم قال: ثكلتك أمك عليٌّ علمني، وكان علمه من رسول الله صلي الله عليه وآله، ورسول الله علمه الله من فوق عرشه، فعلم النبي من علم الله، وعلم علي من علم النبي، وعلمي من علم علي، وعلم أصحاب محمد كلهم في علم علي كالقطرة الواحدة في سبعة أبحر!!

بحار الأنوار:43/316:

ما: بإسناد أخي دعبل عن الرضا عن آبائه غليهم السلام عن علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: إلا أنكم ستعرضون علي سبي، فإن خفتم علي أنفسكم فسبوني، إلا وأنكم ستعرضون

علي البراءة مني فلا تفعلوا فإني علي الفطرة...

فإن قيل: كيف علل نهيه لهم من البراءة منه بقوله: فإني ولدت علي الفطرة، فإن هذا التعليل لا يختص به لأن كل ولد يولد علي الفطرة وإنما أبواه يهودانه وينصرانه؟

والجواب: أنه علل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أمور وهو كونه ولد علي الفطرة وسبق إلي الإيمان والهجرة، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع. ومراده هنا بالولادة علي الفطرة أنه لم يولد في الجاهلية لأنه ولد لثلاثين عاماً مضت من عام الفيل، والنبي أرسل لاربعين مضت من عام الفيل، وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه مكث قبل الرسالة سنين عشراً يسمع الصوت ويري الضوء ولا يخاطبه أحد، وكان ذلك إرهاصاً لرسالته فحكم تلك السنين العشر حكم أيام رسالته صلي الله عليه وآله، فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوة، وليس بمولود في جاهلية محضة، ففارقت حاله حال من يدعي له من الصحابة مماثلته في الفضل.

وقد روي أن السنة التي ولد فيها هذه السنة التي بدي فيها رسول الله صلي الله عليه وآله، فأسمع الهتاف من الأحجار والأشجار وكشف عن بصره، فشاهد أنواراً وأشخاصاً ولم يخاطب منها بشئ، وهذه السنة هي السنة التي ابتدأ فيها بالتبتل والإنقطاع والعزلة في جبل حراء، فلم يزل به حتي كوشف بالرسالة وأنزل عليه الوحي، وكان رسول الله صلي الله عليه وآله يتيمن بتلك السنة وبولادة علي عليه السلام فيها، ويسميها سنة الخير وسنة البركة، وقال لأهله ليلة ولادته، وفيها شاهد ما شاهد من الكرامات والقدرة الإلهية ولم يكن من قبلها شاهد من ذلك شيئاً: لقد ولد لنا مولود يفتح الله علينا به أبواباً كثيرة

من النعمة والرحمة. وكان كما قال صلوات الله عليه، فإنه كان ناصره والمحامي عنه وكاشف الغم عن وجهه، وبسيفه ثبت دين الإسلام ورست دعائمه وتمهدت قواعده.

وفي المسألة تفصيل آخر، وهو أن يعني بقوله: فإني ولدت علي الفطرة التي لم تتغير ولم تحل، وذلك أن معني قول النبي صلي الله عليه وآله: كل مولود يولد علي الفطرة، أن كل مولود فإن الله تعالي قد هيأه بالعقل الذي خلقه فيه وبصحة الحواس والمشاعر لأن يتعلم التوحيد والعدل، ولم يجعل فيه مانعاً يمنعه من ذلك، ولكن التربية والعقيدة في الوالدين والألف لاعتقادهما وحسن الظن فيها يصده عما فطر عليه، وأمير المؤمنين عليه السلام دون غيره ولد علي الفطرة التي لم تحل، ولم يصد عن مقتضاها مانع، لا من جانب الأبوين ولا من جهة غيرهما.

وغيره ولد علي الفطرة ولكنه حال عن مقتضاها وزال عن موجبها.

ويمكن أن يفسر أنه أراد بالفطرة العصمة، وأنه منذ ولد لم يواقع قبيحاً، ولا كان كافراً طرفة عين، ولا مخطئاً ولا غالطاً في شئ من الأشياء المتعلقة بالدين، وهذا تفسير الإمامية. انتهي.

أقول: التفسيران الأخيران اللذان ذكرهما المجلسي رحمه الله متحدان، لأن قصد أمير المؤمنين عليه السلام والله أعلم، إني ولدت علي فطرة الله الصافية ولم أدنسها بعبادة وثن ولا بارتكاب ذنب، وسبقت إلي الإيمان بالنبي صلي الله عليه وآله والوقوف معه والهجرة معه..

ولا شك أن فطرة الله تعالي التي خلق عليها وليه ووزير رسوله صلي الله عليهما أرقي من الفطرة العادية التي يولد عليها كل مولود، فالنبي وآله خيرة الله تعالي وفطرتهم خيرة الفطر، وقد ورد في الدعاء: يا دائم الفضل علي البرية، يا باسط اليدين بالعطية، يا صاحب المواهب

السنية، صل علي محمد وآله خير الوري سجية، واغفر لنا ياذا العلي في هذه العشية.

وتوجد هنا مسألتان في هذا الحديث يناسب التعرض لهما، وإن كان محلهما باب الإمامة.

المسألة الأولي: أن الفرق بين السب والبراءة من وجهين:

أولهما، أن البعد السياسي في السب أقوي وأظهر منه في البراءة، والبعد العقائدي في البراءة أقوي وأظهر. فالخطر العقائدي علي المسلمين في البراءة أكثر، بينما سب السلطة له عليه السلام وإجبارها المسلمين علي ذلك لاتصل خطورته إلي خطورة البراءة، وإن كان فيه خطر كبير علي أجيال المسلمين.

ولعل هذا هو مقصود الفقهاء الذين اعتبروا أن البراءة شهادة بالكفر بعكس السب واللعن، قال السيد الگلپايگاني رحمه الله في الدر النضيد:2/253: ولعل الفرق بين السب والبراءة حيث أمر بالأول ونهي عن الثاني، أن السب صادر بالنسبة إلي المسلم أيضاً، بخلاف البراءة فإنها تكون عن المشركين والكافرين، كما قال الله تعالي: بَرَاءَةٌ مِنَ اللهِ وَ رَسُولِهِ إلي الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وكان من كان يأمر بالبراءة عن الإمام عليه السلام يريد أن يجعل الإمام في عداد المشركين والخارجين عن الدين، ومن كان يتبرأ منه صلوات الله عليه يعده من الكفار، وبهذه المناسبة علل الإمام عليه السلام نهيه عن البراءة بقوله: فإني ولدت علي الفطرة وسبقت إلي الإيمان والهجرة وعلي هذا فلو أكره علي السب فسب فلا شئ عليه، بل وربما كان محموداً علي فعله كما يشهد بذلك حكاية عمار ونزول الآية الكريمة: مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ. انتهي.

والفرق الثاني، أن الحق الشخصي في السب أقوي منه في البراءة، فالحق العام في السب وإن كان عظيماً بسبب أنه ظلم وعدوان علي وصي النبي

صلي الله عليه وآله الذي يمثل دين الله تعالي، ولكن فيه حقاً شخصياً أيضاً لأنه ظلم وعدوان علي شخص علي عليه السلام وباعتبار هذا الحق الشخصي كان له عليه السلام أن يجعل المؤمنين في حل عند الضرورة بخلاف البراءة منه. فكأنه عليه السلام قال: بما أن السب مركب من حقين، فأنتم في حل من حقي، ويبقي حق الله تعالي فهو حكم شرعي بينكم وبينه، وهو تعالي يجيزه عند الضرورة. أما البراءة فحقها الالهي غالب، لأن البراءة مني براءة من الفطرة النقية التي أنا عليها، وبراءة من إيماني بالله ورسوله وجهادي وهجرتي فلا أستطيع أن أجعلكم في حل منها، بل يجري عليها الحكم الشرعي.

والمسألة الثانية: أن فقهاءنا رضوان الله عليهم أفتوا بجواز البراءة عند الضرورة المهمة كالخوف من القتل، ولم يفت أحد منهم بوجوب تحمل القتل للتخلص من البراءة، إلا ما يظهر من المفيد كما سيأتي، وذلك لأنه لم يثبت عندهم النص الذي تضمن النهي عن البراءة، بل رووا تكذيب حديث علي عليه السلام، فقد روي الحميري في قرب الإسناد/12:

- عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، قال قيل له: إن الناس يروون أن علياً عليه السلام قال علي منبر الكوفة: أيها الناس إنكم ستدعون إلي سبي فسبوني، ثم ستدعون إلي البراءة مني، وإني لعلي دين محمد. ولم يقل وتبرؤوا مني، فقال له السائل: أرأيت إن اختار القتل دون البراءة منه؟

فقال: والله ما ذلك عليه، وما له إلا ما مضي عليه عمار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكة وقلبه مطمئن بالإيمان، فأنزل الله تبارك وتعالي فيه: إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ، فقال له النبي صلي الله عليه وآله عندها: يا عمار

إن عادوا فعد، فقد أنزل الله عز وجل عذرك في الكتاب وأمرك ان تعود إن عادوا. انتهي. وقد أفتي بهذا الحديث ابن إدريس في السرائر: 3/624 وأكثر فقهائنا.

لكن اختلفوا في أن أيهما أرجح، ولعل الذين ثبت عندهم النهي عن البراءة حملوه علي كراهة البراءة وترجيح تحمل القتل عليها، ويشهد له ما رواه في وسائل الشيعة: 11/475 عن الكشي في رجاله عن جبرئيل بن أحمد، عن محمد بن عبد الله بن مهران، عن محمد بن علي الصيرفي، عن علي بن محمد عن يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام وقال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أمية عبيد الله بن زياد إلي البراءة مني؟

فقلت: يا أمير المؤمنين أنا والله لا أبرأ منك؟

قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك.

قلت: أصبر فذاك في الله قليل!

فقال: يا ميثم إذا تكون معي في درجتي.. الحديث. انتهي. وقال في الوسائل: رواه الراوندي في الخرائج والجرائح عن عمران عن أبيه ميثم.

وفي المقابل توجد روايات يفهم منها ترجيح التقية والبراءة، ففي الوسائل:11 ص 475:... عن عبدالله بن عطاء قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: رجلان من أهل الكوفة أخذا فقيل لهما إبرآ من أمير المؤمنين عليه السلام فبرئ واحد منهما وأبي الآخر، فخلي سبيل الذي بريء وقتل الآخر، فقال: أما الذي بري فرجل فقيه في دينه، وأما الذي لم يبرأ فرجل تعجل إلي الجنة.

ولعل تعارض روايات الترجيح جعل السيد الخوئي رحمه الله يفتي بتخيير المكلف وعدم ترجيح أي من التقية أو الشهادة، قال في مستند العروة (التنقيح):4/264: وقد يقال إن ترك التقية أرجح من التقية

بإظهار التبري منه عليه السلام، وعليه فيكون المقام من موارد التقية المكروهة والمرجوحة، وإذا قلنا بعكس ذلك وإن التقية بإظهار التبري أرجح من تركها فيكون المقام مثالاً للتقية المستحبة لا محالة. والصحيح أن الأمرين متساويان ولا دلالة لشئ من الروايات علي أرجحية أحدهما عن الآخر، أما رواية عبدالله بن عطاء فلأنها إنما دلت علي أن من ترك التقية فقتل فقد تعجل إلي الجنة، ولا دلالة لذلك علي أن ترك التقية باختيار القتل أرجح من فعلها، وذلك لأن العامل بالتقية أيضاً من أهل الجنة وإنما لم يتعجل بل تأجل، فلا يستفاد منه إلا تساويهما. انتهي.

لكن يبدو من المفيد رحمه الله أنه يفتي بحرمة البراءة ووجوب تحمل القتل، فقد عبر عن حديث نهج البلاغة بأنه مستفيض، وفيه نهي مشدد عن البراءة، قال في الإرشاد:1/322:

ومن ذلك ما استفاض عنه عليه السلام من قوله: إنكم ستعرضون من بعدي علي سبي فسبوني، فإن عرض عليكم البراءة مني فلا تبرؤوا مني فإني ولدت علي الإسلام، فمن عرض عليه البراءة مني فليمدد عنقه، فمن تبرأ مني فلا دنيا له ولا آخرة، وكان الأمر ذلك كما قال عليه السلام. انتهي.

وقد رد الشيخ الأنصاري علي القول بوجوب تحمل القتل، فقال في المكاسب/ 325: بل عن المفيد في الإرشاد أنه قد استفاض عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: ستعرضون من بعدي علي سبي فسبوني، ومن عرض عليه البراءة فليمدد عنقه، فإن برأ مني فلا دنيا له ولا آخرة. وظاهرها حرمة التقية فيها كالدماء، ويمكن حملها علي أن المراد الإستمالة والترغيب إلي الرجوع حقيقة عن التشيع إلي النصب، مضافاً إلي أن المروي في بعض الروايات أن النهي من التبري مكذوب علي أمير

المؤمنين عليه السلام وأنه لم ينه عنه. انتهي.

وذكر السيد الگلپايگاني: أنه قد يجب العمل بالتقية أحياناً فلا بد من ملاحظة المصالح والمفاسد، قال رحمه الله في الدر النضيد:4/253:

قلت: بل وربما يستفاد منه (حديث مسعدة) ومن غيره أن الأفضل له ذلك وإن كان لو لم يجبهم إلي ذلك ولم يسب وقتل لذلك لم يكن آثماً ومؤاخذاً عليه، بل هو مأجور وقد تعجل إلي جنات النعيم وإلي جوار الله رب العالمين، علي حسب ما ورد في بعض الروايات، إلا أن التقية أفضل. ومع ذلك كله لابد من ملاحظة المصالح والمفاسد والعمل علي وفقها، فربما يترتب علي ترك التقية وعلي قتله مثلاً مفاسد عظيمة، فهنا لابد له من التقية. انتهي.

ولا يبعد أن يكون أصل الحكم في المسألة جواز الأمرين للمكلف، وأنه قد يطرأ عنوان من المصلحة أو المفسدة الملزمة فيوجب اختيار التقية أو اختيار تحمل الشهادة. ويكون تشخيص ذلك راجعاً إلي المكلف نفسه، أو إلي أهل الخبرة.

ولاية علي علامة علي صحة الفطرة و طيب المولد

شرح الأخبار:3/449:

-... عمران بن ميثم قال: دخلت علي حبابة الوالبية فسمعتها تقول: والله ما أحد علي الفطرة إلا نحن وشيعتنا، والناس براء. وهذا صحيح لأن من لم يكن من شيعة محمد وآل محمد فهو من عدوهم، وقال الله تعالي: هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ، ومن كان عدواً لمحمد وآله لم يكن علي فطرة الإسلام. انتهي. وروي نحوه في:3/573.

وسائل الشيعة:20/160:

أقول: وفي الكشي، عن محمد بن مسعود بإسناده عن عمران بن ميثم قال: دخلت أنا وعباية الأسدي علي امرأة من بني أسد يقال لها حبابة الوالبية، فقال لها عباية: تدرين من هذا الشاب الذي هو معي؟ قالت: لا، قال: مه ابن أخيك ميثم. قالت: إي

والله إي والله، ثم قالت: ألا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبدالله الحسين بن علي غليهم السلام؟ قلنا بلي، قالت: سمعت الحسين بن علي عليه السلام يقول: نحن وشيعتنا علي الفطرة التي بعث الله عليها محمداً صلي الله عليه وآله وسائر الناس منها براء.

مناقب أمير المؤمنين:1/226:

... سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يا علي أنت وشيعتك علي الفطرة، وسائر الناس منهم براء.

بحار الأنوار:67/23:

... يخرجونهم من النور إلي الظلمات، قيل من نور الفطرة إلي فساد الإستعداد، وفي الكافي عن الصادق عليه السلام: النور آل محمد، والظلمات عدوهم.

تهذيب الأحكام:4/145:

... عن الحرث بن المغيرة النصري قال: دخلت علي أبي جعفر عليه السلام فجلست عنده، فإذا نجية قد استأذن عليه فأذن له، فدخل فجثي علي ركبتيه ثم قال: جعلت فداك إني أريد أن أسألك عن مسألة والله ما أريد بها إلا فكاك رقبتي من النار، فكأنه رق له فاستوي جالساً فقال له... وقال: يا نجية ما علي فطرة إبراهيم غليهم السلام غيرنا وغير شيعتنا. انتهي. وروي نحوه في الاختصاص / 107 عن الإمام زين العابدين عليه السلام.

بحار الأنوار:3/276:

فس: الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن محمد بن جمهور، عن جعفر بن بشير، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا، قال: الولاية.

كنز: محمد بن العباس، عن أحمد بن الحسين بن سعيد، عن جعفر بن بشير، عن علي بن حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: هي

الولاية. انتهي. ورواه أيضاً في:23/365.

تفسير القمي:2/154 و 155:

حدثنا الهيثم بن عبدالله الرماني، قال حدثنا علي بن موسي الرضا عليه السلام، عن أبيه، عن جده محمد بن علي بن الحسين غليهم السلام في قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: هو لا إله إلا الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين ولي الله، إلي هاهنا التوحيد.

التوحيد للصدوق/328:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن حسان الواسطي، عن الحسن بن يونس، عن عبدالرحمن بن كثير مولي جعفر، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: التوحيد، ومحمد رسول الله، وعلي أمير المؤمنين. انتهي. ورواه فرات الكوفي في تفسيره/322، والمجلسي في بحار الأنوار:3/276 وج26/277 والحويزي في نور الثقلين:4/182.

وفي بصائر الدرجات/78:

أحمد بن موسي، عن الحسين بن موسي الخشاب، عن علي بن حسان، عن عبدالرحمان بن كثير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا، قال: فقال: علي التوحيد، ومحمد رسول الله، وعلي أمير المؤمنين.

وفي بحار الأنوار:3/276:

شي: عن عبدالرحمن بن كثير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله: صِبْغَةَ اللهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ صِبْغَةً، قال: الصبغة معرفة أمير المؤمنين عليه السلام بالولاية في الميثاق.

وفي المحاسن:1/138:

عن أبي عبدالله المدايني قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إذا برد علي قلب أحدكم حبنا فليحمد الله علي أولي النعم، قلت: علي فطرة الإسلام؟ قال: لا، ولكن علي طيب المولد، إنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته، ولا يبغضنا إلا الملزق الذي تأتي به أمه

من رجل آخر فتلزقه زوجها، فيطلع علي عوراتهم ويرثهم أموالهم فلا يحبنا ذلك أبداً، ولا يحبنا إلا من كان صفوة، من أي الجِبَل كان. انتهي، والجِبَل هي الجِبِلاَّت، جمع جِبِلَّة. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:27/152.

مناقب آل أبي طالب:3/11:

وقال آخر:

أحب النبي وآل النبي لاني ولدت علي الفطرة

إذا شك في ولد والد فآيت_ه البغ_ض للعت_رة

ثواب الأعمال/174:

أبي رحمه الله قال حدثني سعد بن عبدالله، قال حدثني الحسن بن موسي الخشاب، عن عقيل بن المتوكل المكي، يرفعه عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جده غليهم السلام، قال: من صاغ خاتماً عقيقاً فنقش فيه (محمد نبي الله وعلي ولي الله) وقاه الله ميتة السوء ولم يمت إلا علي الفطرة. ورواه في وسائل الشيعة:3/403.

وجوب المعرفة والنظر

وجوب معرفة الله تعالي و منشؤها

وجوب معرفة الله تعالي و أنها أساس الدين

نهج البلاغة:1/14:

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة...

الهداية للصدوق/1:

يجب أن يعتقد أن الله تعالي واحد ليس كمثله شئ لا يحد ولايحس ولا يجس، ولا يدرك بالأوهام والأبصار، ولا تأخذه سنة ولا نوم، شاهد كل نجوي، ومحيط بكل شئ، لا يوصف بجسم ولا صورة ولا جوهر ولا عرض ولا سكون ولا حركة ولا صعود ولا هبوط ولا قيام ولا قعود ولا ثقل ولا خفة ولا جيئة ولا ذهاب ولا مكان ولا زمان ولا طول ولا عرض ولا عمق ولا فوق ولا أسفل ولا يمين ولا شمال ولا وراء ولا أمام، وأنه لم يزل ولا يزال سميعاً بصيراً حكيماً عليماً حياً قيوماً قدوساً عزيزاً أحداً فرداً صمداً لم يلد ولم يولد ولم

يكن له كفواً أحد، وأنه شئ ليس كمثله شئ وخارج من الحدين حد الأبطال وحد التشبيه، خالق كل شئ، لا إله إلا هو، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير.

وقال عليه السلام: من زعم أن الله تعالي من شئ أو في شئ أو علي شئ فقد أشرك، ثم قال عليه السلام: من زعم أن الله تعالي من شئ فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور ومن زعم أنه علي شئ فقد جعله محمولاً.

وقال في هامشه:

قال الصدوق في رسالة الإعتقادات بعد أن ذكر نحواً مما ذكر ما نصه: من قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلي الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس، والأخبار التي يتوسمها الجهال تشبيهاً لله تعالي بخلقه فمعانيها محمولة علي ما في القرآن من نظائرها...

الإقتصاد للشيخ الطوسي/4:

الذي يلزم المكلف أمران: علم، وعمل. فالعمل تابع للعلم ومبني عليه. والذي يلزم العلم به أمران: التوحيد، والعدل.

فالعلم بالتوحيد لا يتكامل إلا بمعرفة خمسة أشياء: أحدها معرفة ما يتوصل به إلي معرفة الله تعالي، والثاني معرفة الله علي جميع صفاته، والثالث معرفة كيفية استحقاقه لتلك الصفات، الرابع معرفة ما يجوز عليه وما لا يجوز، الخامس معرفته بأنه واحد لا ثاني له في القدم.

معرفة الله تعالي و توحيده نصف الدين

التوحيد للصدوق/68

حدثنا أبوعبدالله الحسين بن محمد الأشناني الرازي العدل ببلخ، قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني، عن داود بن سليمان الفراء عن علي بن موسي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن علي

غليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: التوحيد نصف الدين، واستنزلوا الرزق بالصدقة. انتهي. ورواه في دعائم الإسلام:1/13

لا تتحقق العبادة إلا بالمعرفة

علل الشرائع:1/9

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيدالله، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن عبدالكريم بن عبدالله، عن سلمة ابن عطاء، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) علي أصحابه فقال: أيها الناس إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه...

علل الشرائع:1/13

حدثنا محمد بن الشيباني (رض) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، قال: خلقهم ليأمرهم بالعبادة، قال: وسألته عن قول الله عز وجل: وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذَلِكَ خَلَقَهُمْ؟ قال: ليفعلوا ما يستوجبون به رحمته فيرحمهم.

جواهر الكلام:29/30

نعم ربما قيل بالتفصيل بين من كانت عبادته من الأعمال فالتزويج أفضل منها، لإطلاق ما دل علي ذلك، وبين من كانت عبادته تحصيل العلوم الدينية فهي أفضل منه، لأن كمال الإنسان العلم الذي هو الغرض الأصلي من خلقته، قال الله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، والمراد بها كما في الحديث المعرفة.

شرح الأسماء الحسني:2/23

قوله عليه السلام: يا من دل علي ذاته بذاته.

وهو مجمع عليه للعرفاء الشامخين والعقلاء والمتكلمين، بل جميع إرسال الرسل وإنزال الكتب وإرشاد الكاملين المكملين إنما هو للإيصال

إلي هذه البغية العظمي والغبطة الكبري، كما قال تعالي وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، وفي القدسي: خلقت الخلق لكي أعرف....

فانظر إلي جعلهم غاية العمل هي المعرفة والشهود، ولذا فسر المفسرون ليعبدون بقولهم ليعرفون.

شرح الأسماء الحسني:1/189

... ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن انكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السائرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ أي ليعرفون. وفي الحديث القدسي فخلقت الخلق لأعرف....

الرواشح السماوية/21

... لأن المعرفة غاية وجودهم وغرض خلقهم كما في قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، أي ليعرفون، ومعرفتهم بالله وباليوم الآخر لا تحصل إلا من طريق النبوة والرسالة لأن عقولهم غير كافية فيها، سيما ما يتعلق منها بأحوال المعاد وحشر العباد فيحتاجون إلي معلم بشري...

فضل معرفة الله تعالي

الكافي:8/247: (محمد بن سالم بن أبي سلمة، عن أحمد بن الريان، عن أبيه، عن جميل بن دراج، عن عبدالله عليه السلام قال: لو يعلم الناس ما في فضل معرفة الله عز وجل ما مدوا أعينهم إلي ما متع الله به الأعداء من زهرة الحياة الدنيا ونعيمها، وكانت دنياهم أقل عندهم مما يطوونه بأرجلهم، ولنعموا بمعرفة الله عز وجل وتلذذوا بها تلذذ من لم يزل في روضات الجنان مع أولياء الله.

إن معرفة الله عز وجل أنس من كل وحشة، وصاحب من كل وحدة، ونور من كل ظلمة، وقوة من كل ضعف، وشفاء من كل سقم.

ثم قال عليه السلام: وقد كان قبلكم قوم يقتلون ويحرقون وينشرون بالمناشير وتضيق عليهم الأرض برحبها،

فما يردهم عما هم عليه شئ مما هم فيه، من غير ترة وتروا من فعل ذلك بهم ولا أذي، بل ما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، فاسألوا ربكم درجاتهم واصبروا علي نوائب دهركم تدركوا سعيهم.

مستدرك الوسائل:11/236 (وقال عليه السلام: أكثر الناس معرفة أخوفهم لربه.

الحث علي مجالسة أهل المعرفة

مستدرك الوسائل:8/328

الكشي في الرجال: روي علي بن جعفر عن أبيه، عن جده، عن علي بن الحسين غليهم السلام أنه كان يقول لبنيه: جالسوا أهل الدين والمعرفة، فإن لم تقدروا عليهم فالوحدة آنس وأسلم، فإن أبيتم مجالسة الناس، فجالسوا أهل المروات، فإنهم لا يرفثون في مجالسهم. انتهي. ورواه في مسائل علي بن جعفر/338

فضل من مات علي المعرفة

نهج البلاغة:2/133

... ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم. فإنه من مات منكم علي فراشه وهو علي معرفة حق ربه وحق رسوله وأهل بيته، مات شهيداً ووقع أجره علي الله، واستوجب ثواب ما نوي من صالح عمله. وقامت النية مقام إصلاته لسيفه. وإن لكل شئ مدة وأجلاً.

نعمة معرفة حمد الله و شكره

الصحيفة السجادية:1/22

والحمدلله الذي لو حبس عن عباده معرفة حمده علي ماأبلاهم من مننه المتتابعة، وأسبغ عليهم من نعمه المتظاهرة، لتصرفوا في مننه فلم يحمدوه، وتوسعوا في رزقه فلم يشكروه، ولو كانوا كذلك لخرجوا من حدود الإنسانية إلي حد البهيمة، فكانوا كما وصف في محكم كتابه: إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. والحمد لله علي ما عرَّفنا من نفسه.

الكافي:8/394

علي بن محمد، عن بعض أصحابه رفعه قال: كان علي بن الحسين عليه السلام إذا قرأ هذه الآية: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا، يقول: سبحان من لم يجعل في أحد من معرفه نعمه إلا المعرفة بالتقصير عن معرفتها، كما لم يجعل في أحد من معرفة إدراكه أكثر من العلم أنه لا يدركه، فشكر عز وجل معرفة العارفين بالتقصير عن معرفة شكره، فجعل معرفتهم بالتقصير شكراً، كما جعل علم العالمين أنهم لا يدركونه إيماناً. علماً منه أنه قدر وسع العباد فلا يجاوزون ذلك.

نعمة معرفة كرم الله و آلائه

الصحيفة السجادية:2/407

وإن أنامتني الغفلة عن الإستعداد للقائك، فقد نبهتني المعرفة بكرمك وآلائك، وإن أوحش ما بيني وبينك فرط العصيان والطغيان، فقد آنسني بشري الغفران والرضوان.

الصحيفة السجادية:2/225

فو عزتك لو انتهرتني ما برحت عن بابك، ولا كففت عن تملقك، لما أُلهم قلبي من المعرفة بكرمك، وسعة رحمتك، إلي من يذهب العبد إلا إلي مولاه، وإلي من يلتجي المخلوق إلا إلي خالقه.

معرفة الله لا تكون إلا بالله و من الله

مصباح المتهجد/582

روي أبوحمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين سيدالعابدين صلوات الله عليهما يصلي عامة الليل في شهر رمضان، فإذا كان السحر دعا بهذا الدعاء: إلهي لا تؤدبني بعقوبتك ولا تمكر بي في حيلتك، من أين لي الخير يا رب ولا يوجد إلا من عندك، ومن أين لي النجاة ولا تستطاع إلا بك، لا الذي أحسن استغني عن عونك ورحمتك، ولا الذي أساء واجترأ عليك ولم يرضك خرج عن قدرتك، يا رب يا رب يا رب، بك عرفتك وأنت دللتني عليك ودعوتني إليك، ولولا أنت لم أدر ما أنت... إلخ.

الكافي:1/851

علي بن محمد، عمن ذكره، عن أحمد بن عيسي، عن محمد حمران، عن الفضل بن السكن، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: إعرفوا الله بالله، والرسول بالرسالة، وأولي الأمر بالمعروف والعدل والاحسان.

ومعني قوله عليه السلام: إعرفوا الله بالله، يعني أن الله خلق الأشخاص والأنوار والجواهر والأعيان، فالأعيان الأبدان، والجواهر الأرواح، وهو عز وجل لا يشبه جسماً ولا روحاً، وليس لأحد في خلق الروح الحساس الدراك أمر ولا سبب، هو المتفرد بخلق الأرواح والأجسام فإذا نفي عنه الشبهين: شبه الأبدان وشبه الأرواح فقد عرف الله بالله، وإذا شبهه بالروح أو البدن أو النور، فلم يعرف

الله بالله.

لا يفوز الإنسان بالمعرفة إلا بإذن الله تعالي

أمالي المرتضي:1/30

إن قال قائل: ما تأويل قوله تعالي: (وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) يونس: 10.

... فأما ظن السائل دخول الإرادة في محتمل اللفظ فباطل، لأن الاذن لا يحتمل الإرادة في اللغة، ولو احتملها أيضاً لم يجب ما توهمه لأنه إذا قال إن الإيمان لا يقع إلا وأنا مريد له لم ينف أن يكون مريداً لما لم يقع، وليس في صريح الكلام ولا دلالته شئ من ذلك.

وأما قوله تعالي: وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَي الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ، فلم يعن بذلك الناقصي العقول، وإنما أراد الذين لم يعقلوا ولم يعلموا ما وجب عليهم علمه من معرفة الله خالقهم، والإعتراف بنبوة رسله والإنقياد إلي طاعتهم. ووصفهم تعالي بأنهم لا يعقلون تشبيهاً، كما قال تعالي صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، وكما يصف أحدنا من لم يفطن لبعض الأمور أو لم يعلم ما هو مأمور بعمله بالجنون وفقد العقل.

الهداية والإضلال من الله تعالي لكن الإضلال باستحقاق العبد

الكافي:1/163

محمد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن أبي عمير، عن محمد بن حكيم قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: المعرفة من صنع من هي؟ قال: من صنع الله، ليس للعباد فيها صنع.

محمد بن أبي عبدالله، عن سهل بن زياد، عن علي بن إسباط، عن الحسين بن زيد، عن درست بن أبي منصور، عمن حدثه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع: المعرفة والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة.

الكافي:1/165

باب الهداية أنها من الله عز وجل: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن إسماعيل، عن إسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن ثابت بن سعيد قال:

قال أبوعبدالله: يا ثابت ما لكم وللناس، كفوا عن الناس ولا تدعوا أحداً إلي أمركم، فوالله لو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا علي أن يهدوا عبداً يريد الله ضلالته ما استطاعوا أن يهدوه، ولو أن أهل السماوات وأهل الأرضين اجتمعوا علي أن يضلوا عبداً يريد الله هدايته ما استطاعوا أن يضلوه، كفوا عن الناس ولا يقول أحد: عمي وأخي وابن عمي وجاري، فإن الله إذا أراد بعبد خيراً طيب روحه فلا يسمع معروفاً إلا عرفه ولا منكراً إلا أنكره، ثم يقذف الله في قلبه كلمة يجمع بها أمره.

علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن محمد بن حمران، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدده، وإذا أراد بعبد سوءاً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله، ثم تلا هذه الآية: فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ.

دعائم الإسلام:1/13

وروينا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه أنه سئل ما الإيمان وما الإسلام؟

فقال: الإسلام الإقرار والإيمان الإقرار والمعرفة فمن عرفه الله نفسه ونبيه وإمامه ثم أقر بذلك فهو مؤمن.

قيل له: فالمعرفة من الله والإقرار من العبد؟

قال: المعرفة من الله حجة ومنة ونعمة والإقرار من يمن الله به علي من يشاء، والمعرفة صنع الله في القلب، والإقرار فعل القلب بمن من الله وعصمه ورحمه، فمن لم يجعله الله عارفاً فلا حجة

عليه، وعليه أن يقف ويكف عما لا يعلم، ولا يعذبه الله علي جهله ويثيبه علي عمله بالطاعة ويعذبه علي عمله بالمعصية، ولا يكون شئ من ذلك إلا بقضاء الله وقدره وبعلمه وبكتابه بغير جبر، لأنهم لو كانوا مجبورين لكانوا معذورين وغير محمودين، ومن جهل فعليه أن يرد إلينا ما أشكل عليه، قال الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. انتهي.

وقد عقد البخاري باباً في:1/10 تحت عنوان (باب قول النبي(ص)أنا أعلمكم بالله وإن المعرفة فعل القلب لقول الله تعالي ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) ولكنه لم يرو حديثاً علي أن المعرفة فعل القلب، ومثل هذه الظاهرة متكررة في البخاري، حيث تجد عنواناً ولا معنون له.

دعاء طلب المعرفة من الله تعالي

مصباح المتهجد/411

وما روي عن أبي عمرو بن سعيد العمري (رض) قال: أخبرنا جماعة، عن محمد هرون بن موسي التلعكبري أن أبا علي محمد بن همام أخبره بهذا الدعاء، وذكر أن الشيخ أبا عمرو العمري قدس الله روحه أملاه عليه وأمره أن يدعو به، وهو الدعاء في غيبة القائم من آل محمد عليه وعليهم السلام:

اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك.

اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك.

اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.

الكافي:1/337

علي بن إبراهيم، عن الحسن بن موسي الخشاب، عن عبدالله بن موسي عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن للغلام غيبة قبل أن يقوم، قال: قلت ولم؟ قال: يخاف _ وأومأ بيده إلي بطنه _ ثم قال: يا زرارة وهو المنتظر، وهو الذي يشك في ولادته، منهم من يقول مات

أبوه بلا خلف، ومنهم من يقول حمل، ومنهم من يقول إنه ولد قبل موت أبيه بسنتين، وهو المنتظر غير أن الله عز وجل يحب أن يمتحن الشيعة، فعند ذلك يرتاب المبطلون يا زرارة.

قال قلت: جعلت فداك إن أدركت ذلك الزمان أي شئ أعمل؟ قال: يا زرارة إذا أدركت هذا الزمان فادع بهذا الدعاء:

اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني رسولك، فإنك إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك، فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني.

ثم قال: يا زرارة لابد من قتل غلام بالمدينة، قلت: جعلت فداك أليس يقتله جيش السفياني؟ قال: لا ولكن يقتله جيش آل بني فلان، يجي حتي يدخل المدينة فيأخذ الغلام فيقتله، فإذا قتله بغياً وعدواناً وظلماً لا يمهلون، فعند ذلك توقع الفرج إن شاء الله.

وسائل معرفة الله

اداة معرفة الله تعالي: العقل

الكافي:1/48

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن نوح بن شعيب النيسابوري، عن عبيد الله بن عبدالله الدهقان، عن درست بن أبي منصور، عن عروة بن أخي شعيب العقرقوفي عن شعيب، عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: يا طالب العلم إن العلم ذو فضائل كثيرة: فرأسه التواضع، وعينه البراءة من الحسد، وأذنه الفهم، ولسانه الصدق، وحفظه الفحص، وقلبه حسن النية وعقله معرفة الأشياء والأمور، ويده الرحمة، ورجله زيارة العلماء.

الكافي:1/13

أبوعبدالله الأشعري، عن بعض أصحابنا، رفعه عن هشام بن الحكم قال: قال لي أبوالحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام): يا هشام إن الله تبارك وتعالي بشر أهل العقل والفهم في كتابه فقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ

هَدَاهُمُ اللهُ وَ أُولَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.

يا هشام، إن الله تبارك وتعالي أكمل للناس الحجج بالعقول، ونصر النبيين بالبيان، ودلهم علي ربوبيته بالأدلة فقال: «وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ. إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَ الأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

يا هشام، قد جعل الله ذلك دليلاً علي معرفته بأن لهم مدبراً فقال: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ». وقال: «هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَ مِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّي مِنْ قَبْلُ وَ لِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّي وَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ». وقال: «وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ رِزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَ تَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ». وقال: «يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».

وقال: «وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَي بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَي بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

وقال: «وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

وقال: «قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَ بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا

النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ».

وقال: «هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الأيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

يا هشام، ما بعث الله أنبياءه ورسله إلي عباده إلا ليعقلوا عن الله، فأحسنهم استجابة أحسنهم معرفة، وأعلمهم بأمر الله أحسنهم عقلاً، وأكملهم عقلاً أرفعهم درجة في الدنيا والآخرة.

يا هشام، إن لله علي الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة، فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة غليهم السلام، وأما الباطنة فالعقول.

يا هشام، إن العاقل الذي لا يشغل الحلال شكره، ولا يغلب الحرام صبره.

يا هشام، الصبر علي الوحدة علامة قوة العقل، فمن عقل عن الله اعتزل أهل الدنيا والراغبين فيها، ورغب فيما عند الله، وكان الله أنسه في الوحشة، وصاحبه في الوحدة، وغناه في العيلة، ومعزه من غير عشيرة.

يا هشام، إن الله حكي عن قوم صالحين أنهم قالوا: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَ هَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ، حين علموا أن القلوب تزيغ وتعود إلي عماها ورداها. إنه لم يخف الله من لم يعقل عن الله، ومن لم يعقل عن الله لم يعقد قلبه علي معرفة ثابتة يبصرها ويجد حقيقتها في قلبه، ولا يكون أحد كذلك إلا من كان قوله لفعله مصدقاً، وسره لعلانيته موافقاً، لأن الله تبارك اسمه لم يدل علي الباطن الخفي من العقل إلا بظاهر منه وناطق عنه.

رسائل الشريف المرتضي:1/127

المسألة التاسعة قد سئل رحمه الله عن الطريق إلي معرفة الله بمجرد العقل أو من طريق السمع.

الجواب: إن الطريق إلي معرفة الله تعالي هو العقل، ولا يجوز أن يكون السمع،

لأن السمع لا يكون دليلاً علي الشئ إلا بعد معرفة الله وحكمته، وإنه لا يفعل القبيح ولا يصدق الكذابين، فكيف يدل السمع علي المعرفة. ووجه دلالته مبني علي حصول المعارف بالله حتي يصح أن يوجب عليه النظر. ورددنا علي من يذهب من أصحابنا إلي أن معرفة الله تستفاد من قول الإمام، لأن معرفة كون الإمام إماماً مبنية علي المعرفة بالله تعالي....

وبينا أن العاقل إذا نشأ بين الناس، وسمع اختلافهم في الديانات، وقول كثير منهم أن للعالم صانعاً خلق العقلاء ليعرفوه، ويستحقوا الثواب علي طاعاتهم، وأن من فرط في المعرفة استحق العقاب: لابد من كونه خائفاً من ترك النظر وإهماله، لأن خوف الضرر وجهه علي وجوب كل نظر في دين أو دنيا، وأنه متي خاف الضرر وجب عليه النظر وقبح منه إهماله والاخلال به.

الرسالة السعدية للعلامة الحلي/54

وخامسها: أن معرفة الله تعالي واجبة، وليس مدرك الوجوب السمع، لأن معرفة الإيمان يتوقف علي معرفة الموجب، فيستحيل معرفة الإيجاب قبل معرفة الموجب، فلو أسندت معرفة الموجب به، دار.

نهج الحق للعلامة الحلي/51

الحق أن وجوب معرفة الله تعالي مستفاد من العقل وإن كان السمع قد دل عليه بقوله: فاعلم أنه لا إله إلا الله، لأن شكر المنعم واجب بالضرورة وآثار النعمة علينا ظاهرة، فيجب أن نشكر فاعلها، وإنما يحصل بمعرفته، ولأن معرفة الله تعالي واقعة للخوف الحاصل من الإختلاف، ودفع الخوف واجب بالضرورة.

وقالت الأشعرية: إن معرفة الله تعالي واجبة بالسمع لا بالعقل فلزمهم ارتكاب الدور المعلوم بالضرورة بطلانه، لأن معرفة الايجاب تتوقف علي معرفة الموجب فإن من لا نعرفه بشئ من الإعتبارات البتة نعلم بالضرورة أنا لا نعرف أنه أوجب، فلو استفيدت معرفة الموجب من

معرفة الايجاب لزم الدور المحال!

وأيضاً لو كانت المعرفة إنما تجب بالأمر لكان الأمر بها إما أن يتوجه إلي العارف بالله تعالي أو إلي غير العارف والقسمان باطلان، فتعليل الايجاب بالأمر محال، أما بطلان الأول فلانه يلزم منه تحصيل الحاصل وهو محال، وأما بطلان الثاني: فلان غير العارف بالله تعالي يستحيل أن يعرف أن الله قد أمره وأن امتثال أمره واجب، وإذا استحال أن يعرف أن الله تعالي قد أمره وأن امتثال أمره واجب استحال أمره وإلا لزم تكليف ما لا يطاق. وسيأتي بطلانه إن شاء الله تعالي.

لا يحاسب الله الناس إلا علي قدر معرفتهم، و ما بين لهم، و ما آتاهم

الكافي:1/163-164

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله لم ينعم علي عبد نعمة إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله، فمن منَّ الله عليه فجعله قوياً فحجته عليه القيام بما كلفه، واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه، فمن منَّ الله عليه فجعله موسعاً عليه فحجته عليه ماله، ثم تعاهده الفقراء بعد بنوافله، ومن منَّ الله عليه فجعله شريفاً في بيته، جميلاً في صورته، فحجته عليه أن يحمد الله تعالي علي ذلك وأن لا يتطاول علي غيره، فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبدالأعلي بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام من لم يعرف شيئاً هل عليه شئ؟ قال: لا.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن فضال، عن داود بن فرقد عن أبي الحسن زكريا بن يحيي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما حجب الله عن العباد فهو موضوع عنهم.

محمد بن يحيي وغيره، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن

الحسين بن سعيد عن ابن أبي عمير، عن جميل بن دراج، عن ابن الطيار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله احتج علي الناس بما آتاهم وعرفهم.

وبهذا الإسناد، عن يونس، عن حماد، عن عبدالاعلي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال: فقال: لا، قلت: فهل كلفوا المعرفة؟ قال: لا، علي الله البيان: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا، لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا، قال: وسألته عن قوله: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ، قال: حتي يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن حمزة بن محمد الطيار، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: «وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ». قال: «حتي يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه». وقال: «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»، قال: بين لها ما تأتي وما تترك، وقال: «إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَ إِمَّا كَفُورًا»، قال: عرفناه، إما آخذ وإما تارك. وعن قوله: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَي عَلَي الْهُدَي، قال: عرفناهم فاستحبوا العمي علي الهدي وهم يعرفون؟ وفي رواية: بينا لهم.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن علي بن الحكم، عن أبان الأحمر عن حمزة بن الطيار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: أكتب فأملي علي: إن من قولنا أن الله يحتج علي العباد بما آتاهم وعرفهم، ثم أرسل إليهم رسولاً وأنزل عليهم الكتاب فأمر فيه ونهي، أمر فيه بالصلاة والصيام فنام رسول

الله صلي الله عليه وآله عن الصلاة فقال: أنا أنيمك وأنا أوقظك فإذا قمت فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون، ليس كما يقولون إذا نام عنها هلك، وكذلك الصيام أنا أمرضك وأنا أصحك، فإذا شفيتك فأقضه.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: وكذلك إذا نظرت في جميع الأشياء لم تجد أحداً في ضيق، ولم تجد أحداً إلا ولله عليه الحجة ولله فيه المشيئة، ولا أقول: إنهم ما شاؤوا صنعوا، ثم قال: إن الله يهدي ويضل، وقال: وما أمروا إلا بدون سعتهم، وكل شئ أمر الناس به فهم يسعون له، وكل شئ لا يسعون له فهو موضوع عنهم، ولكن الناس لا خير فيهم، ثم تلا عليه السلام: «لَيْسَ عَلَي الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَي الْمَرْضَي وَلا عَلَي الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ» _ فوضع عنهم _ ما علي المحسنين من سبيل والله غفور رحيم. ولا علي الذين إذا ما أتوك لتحملهم _ قال: فوضع عنهم لانهم لا يجدون.

الإعتقادات للصدوق/168

قال الشيخ أبوجعفر رحمه الله: إعتقادنا في ذلك أن الله تعالي فطر جميع الخلق علي التوحيد وذلك قوله عز وجل: فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا. وقال الصادق عليه السلام في قوله تعالي: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ. وقال عليه السلام: حتي يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.

وقال في قوله تعالي: فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قال: بين لها ما تأتي وما تترك من المعاصي.

وقال في قوله تعالي: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا، قال: عرفناه إما آخذاً وإما تاركاً.

وفي قوله تعالي: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَي عَلَي الْهُدَي، قال: وهم يعرفون.

وسئل عن قول الله

عز وجل: وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ، قال: نجد الخير ونجد الشر.

وقال عليه السلام: ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.

وقال عليه السلام: إن الله تعالي احتج علي الناس بما آتاهم وعرفهم.

من أسباب المعرفة و آثارها

ما يورث المعرفة

مستدرك الوسائل:7/500

الحسن بن أبي الحسن الديلمي في إرشاد القلوب: عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال في ليلة المعراج:

يا رب ما أول العبادة؟ قال: أول العبادة الصمت والصوم، قال: يا رب وما ميراث الصوم؟ قال: يورث الحكمة، والحكمة تورث المعرفة، والمعرفة تورث اليقين، فإذا استيقن العبد لا يبالي كيف أصبح بعسر أم بيسر.

ما تورثه المعرفة

مستدرك الوسائل:11/185

... قال رسول الله صلي الله عليه وآله: فكر ساعة خير من عبادة سنة، ولا ينال منزلة التفكر إلا من خصه الله بنور المعرفة والتوحيد.

ما يفسد المعرفة و يطفئ نوره

مستدرك الوسائل:16/218

الحسن بن فضل الطبرسي في مكارم الاخلاق: عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: لا تشبعوا فيطفأ نور المعرفة من قلوبكم.

مستدرك الوسائل:16/213

القطب الراوندي في لب اللباب: عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) أنه قال: فساد الجسد في كثرة الطعام، وفساد الزرع في كسب الأثام، وفساد المعرفة في ترك الصلاة علي خير الأنام.

خطر ضلال الأمم بعد المعرفة

كان نبينا يخاف علي أمته الضلال بعد المعرفة

الكافي:2/79

قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ثلاث أخافهن علي أمتي من بعدي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة البطن والفرج. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:11/198 وفي مستدرك الوسائل:11/276 وفي مسند الإمام زيد/494

أمالي المفيد/111

قال: أخبرني أبوحفص عمر بن محمد الصيرفي قال: حدثنا علي بن مهرويه القزويني قال: حدثنا داود بن سليمان الغاري قال: حدثنا الرضا علي بن موسي قال: حدثني موسي بن جعفر قال: حدثني أبي جعفر بن محمد قال: حدثني أبي محمد بن علي قال: حدثني علي بن الحسين قال: حدثني أبي الحسين بن علي قال: حدثني أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب غليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ثلاثة أخافهن علي أمتي: الضلالة بعد المعرفة، ومضلات الفتن، وشهوة الفرج والبطن.

وقد روت هذا المعني مصادر إخواننا السنة، ففي مسند أحمد:4/420:

عن أبي برزة الأسلمي، قال أبو الأشهب لا أعلمه إلا عن النبي(ص)قال: «إن مما أخشي عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الفتن». وفي رواية ومضلات الهوي. انتهي. ورواه في مجمع الزوائد:7/305 وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. ورواه في كنز العمال:16/45.

وضع المعرفة في بني اسرائيل بعد موسي

العهد القديم:2/282

الإصحاح الرابع 1 إسمعوا قول الرب يا بني اسرائيل. إن للرب محاكمة مع سكان الأرض لأنه لا أمانة ولا إحسان ولا معرفة الله في الأرض. 2 لعنٌ وكذبٌ وقتل وسرقة وفسق. يعتنفون ودماء تلحق دماء....

قد هلك شعبي من عدم المعرفة. لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتي لاتكهن لي. ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسي أنا أيضاً بنيك.

العهد القديم/254

الإصحاح الخامس والعشرون 1 وأقام إسرائيل في شطيم وابتدأ الشعب يزنون مع بنات موآب. 2 فدعون الشعب إلي ذبائح آلهتهن

فأكل الشعب وسجدوا لآلهتهن. 3 وتعلق إسرائيل ببعل فغور. فحمي غضب الرب علي إسرائيل.

العهد القديم/296

الإصحاح الحادي عشر 1 فأحبب الرب إلهك واحفظ حقوقه وفرائضه وأحكامه ووصاياه كل الأيام. 2 واعلموا اليوم أني لست أريد بنيكم الذين لم يعرفوا ولا رأوا تأديب الرب إلهكم عظمته ويده الشديدة وذراعه الرفيعة. 3 وآياته وصنائعة التي عملها في مصر بفرعون ملك مصر وبكل أرضه. 4 والتي عملها بجيش مصر بخيلهم ومراكبهم حيث أطاف مياه بحر سوف علي وجوههم حين سعوا وراءكم فأبادهم الرب إلي هذا اليوم. 5 والتي عملها لكم في البرية حتي جئتم إلي هذا المكان. 6 والتي عملها بداثان وأبيرام ابني الياب ابن راوبين اللذين فتحت الأرض فاها وابتلعتهما مع بيوتهما وخيامهما وكل الموجودات التابعة لهما في وسط كل إسرائيل.... 27 البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم. 28 واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم، لتذهبوا وراء آلهة أخري لم تعرفوها.

العهد القديم/300

الإصحاح الثالث عشر 1 إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلماً وأعطاك آية أو أعجوبة 2 ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخري لم نعرفها ونعبدها 3 فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم، لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل قلوبكم ومن كل أنفسكم....

وإذا أغواك سراً أخوك ابن أمك أو ابنك أو ابنتك أو امرأة حضنك أو صاحبك الذي مثل نفسك قائلاً: نذهب ونعبد آلهة أخري لم تعرفها أنت ولا آباؤك 7 من آلهة الشعوب الذين حولك القريبين منك أو البعيدين عنك من

أقصاء الأرض إلي أقصائها 8 فلا ترض منه ولا تسمع لا ولا تشفق عينك عليه ولا ترق له ولا تستره....

قد خرج أناس بنو لئيم من وسطك وطوحوا سكان مدينتهم قائلين: نذهب ونعبد آلهة أخري لم تعرفوها.

العهد القديم/196

وقال الرب من أجل أن بنات صهيون يتشامخن ويمشين ممدودات الأعناق وغامزات بعيونهن وخاطرات في مشيهن ويخشخشن بأرجلهن. 17 يصلع السيد هامة بنات صهيون ويعري الرب عورتهن. 18 ينزع السيد في ذلك اليوم زينة الخلاخيل والضفائر والاهلة. 19 والحلق والاساور والبراقع. 20 والعصائب والسلاسل والمناطق وحناجر الشمامات والاحراز. 21 والخواتم وخزائم الأنف. 22 والثياب المزخرفة والعطف والأردية والأكياس. 23 والمرائي والقمصان والعمائم والازر. 24 فيكون عوض الطيب عفونة، وعوض المنطقة حبل، وعوض الجدائل قرعة، وعوض الديباج زنار مسح، وعوض الجمال كي.

اتهامهم نبيهم موسي بأنه لم يعرف الله تعالي

العهد القديم 142

وقال موسي للرب أنظر، أنت قائل لي أصعد هذا الشعب، وأنت لم تعرفني من ترسل معي، وأنت قد قلت عرفتك باسمك، ووجدت أيضاً نعمة في عيني، 13 فالان إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتي أعرفك لكي أجد نعمة في عينيك.

بولس يصف فساد الناس في عصره و بعدهم عن المعرفة

العهد الجديد/246

الإصحاح الأول 21 لانهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي. 22 وبينما هم يزعمون أنهم حكماء صاروا جهلاء. 23 وأبدلوا مجد الله الذي لا يفني بشبه صورة الإنسان الذي يفني والطيور والدواب والزحافات....

وكذلك الذكور أيضاً تاركين استعمال الأنثي الطبيعي اشتعلوا بشهوتهم بعضهم لبعض فاعلين الفحشاء ذكوراً بذكور ونائلين في أنفسهم جزاء ضلالهم المحق. 28 وكما لم يستحسنوا أن يبقوا الله في معرفتهم أسلمهم الله إلي ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق. 29 مملوئين من كل إثم وزناً وشر وطمع وخبث، مشحونين حسداً وقتلاً وخصاماً ومكراً وسوءاً. 30 نمامين مفترين مبغضين لله، ثالبين متعظمين مدعين مبتدعين شروراً، غير طائعين للوالدين. 31 بلا فهم ولا عهد ولا حنو ولا رضي ولا رحمة. 32 الذين إذ عرفوا حكم الله أن الذين يعملون مثل هذه يستوجبون الموت لا يفعلونها فقط، بل أيضاً يسرون بالذين يعملون.

المعرفة التي دعا إليها بولس الذي نصر النصاري

العهد الجديد/381

رسالة بطرس الرسول الثانية الإصحاح الأول. 1 سمعان بطرس عبد يسوع المسيح ورسوله إلي الذين نالوا معنا إيماناً ثميناً مساوياً لنا ببر إلهنا والمخلص يسوع المسيح. 2 لتكثر لكم النعمة والسلام بمعرفة الله ويسوع ربنا. 3 كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوي بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة. 4 اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمي والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة... لأن هذه إذا كانت فيكم وكثرت تُصَيِّركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح....

العهد الجديد/389

الاصحاح الرابع 1 أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله

لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلي العالم. 2 بهذا تعرفون روح الله. كل روح يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فهو من الله. 3 وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح أنه قد جاء في الجسد فليس من الله... نحن من الله فمن يعرف الله يسمع لنا ومن ليس من الله لا يسمع لنا. من هذا نعرف روح الحق وروح الضلال.

ونحن قد عرفنا وصدقنا المحبة التي لله فينا. الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه.

العهد الجديد/390

الإصحاح الخامس 1 كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضاً. 2 بهذا نعرف إننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه... ونعلم أن ابن الله قد جاء وأعطانا بصيرة لنعرف الحق، ونحن في الحق في ابنه يسوع المسيح، هذا هو الاله الحق والحياة الابدية. 21 أيها الأولاد إحفظوا أنفسكم من الأصنام.

متي اخترع المسيحيون التثليث بعد التوحيد

قاموس الكتاب المقدس/232

الثالوث الأقدس (تثليث) عرف قانون الإيمان هذه العقيدة بالقول (نؤمن بإله واحد الأب والابن والروح القدس إله واحد جوهر واحد متساوين في القدرة والمجد). في طبيعة هذا الإله الواحد تظهر ثلاثة خواص أزلية، يعلنها الكتاب في صورة شخصيات (أقانيم) متساوية. ومعرفتنا بهذه الشخصية المثلثة الأقانيم ليست إلا حقاً سماوياً أعلنه لنا الكتاب في العهد القديم بصورة غير واضحة المعالم، لكنه قدمه في العهد الجديد واضحاً، ويمكن أن نلخص العقيدة في هذه النقاط الست التالية:

1 _ الكتاب المقدس يقدم لنا ثلاث شخصيات يعتبرهم شخص الله.

2 _ هؤلاء الثلاثة يصفهم الكتاب بطريقة تجعلهم شخصيات متميزة الواحدة عن الأخري.

3 _ هذا التثليث في

طبيعة الله ليس موقتاً أو ظاهرياً بل أبدي وحقيقي.

4 _ هذا التثليث لا يعني ثلاثة آلهة بل إن هذه الشخصيات الثلاث جوهر واحد.

5 _ الشخصيات الثلاث الأب والابن والروح القدس متساوون.

6 _ ولا يوجد تناقض في هذه العقيدة، بل بالاحري أنها تقدم لنا المفتاح لفهم باقي العقائد المسيحية. ولقد كانت هذه الحقيقة متضمنة في تعليم المسيح (يو: 9-141: 1 ويو 14: 26 ويو 15: 26).

وقد تمسكت الكنيسة بما جاء واضحاً في مت 28: 19، وتحدث الرسل مقدمين هذه الحقيقة في 2 كو 13: 14 و 1 بط 1: 2 و 1 يو 5: 7.

ولا نستطيع أن نغفل منظر معمودية المسيح وفيه يسمنع صوت الأب واضحاً موجهاً إلي المسيح، ويستقر الروح القدس علي رأس المسيح الابن في شكل حمامة (مت 3: 16 و 17 ومر 1: 10 و 11 ولو 3: 21 و 22 ويو 1: 32 و 33).

ولقد كان يقين الكنيسة وإيمانها بلاهوت المسيح هو الدافع الحتمي لها لتصوغ حقيقة التثليث في قالب يجعلها المحور الذي تدور حوله كل معرفة المسيحيين بالله في تلك البيئة اليهودية أو الوثنية وتقوم عليه.

والكلمة نفسها (التثليث أو الثالوث) لم ترد في الكتاب المقدس، ويظن أن أول من صاغها واخترعها واستعملها هو ترتليان في القرن الثاني للميلاد. ثم ظهر سبيليوس ببدعته في منتصف القرن الثالث وحاول أن يفسر العقيدة بالقول: إن التثليث ليس أمراً حقيقياً لله لكنه مجرد إعلان خارجي، فهو حادث موقت وليس أبدياً. ثم ظهرت بدعة إريوس الذي نادي بأن الاب وحده هو الأزلي بينما الابن والروح القدس مخلوقان متميزان عن سائر الخليقة.

وأخيراً ظهر إثناسيوس داحضاً هذه النظريات وواضعاً أساس

العقيدة السليمة التي قبلها واعتمدها مجمع نيقية في عام 325 ميلادية.

ولقد تبلور قانون الإيمان الاثناسيوسي علي يد اغسطينوس في القرن الخامس، وصار القانون عقيدة الكنيسة الفعلية من ذلك التاريخ إلي يومنا هذا.

متي تجب المعرفة علي الإنسان

في أي سن يجب التفكير والمعرفة

رسائل الشهيد الثاني:2/135

إعلم أن المتكلمين حددوا وقت التكليف بالمعرفة بالتمكن من العلم بالمسائل الأصولية، حيث قالوا في باب التكليف أن المكلف يشترط كونه قادراً علي ما كلف به مميزاً بينه وبين غيره مما لم يكلف به متمكناً من العلم بما كلف به، إذ التكليف بدون ذلك محال. وظاهر أن هذا لا يتوقف علي تحقق البلوغ الشرعي بإحدي العلامات المذكورة في كتب الفروع، بل قد يكون قبل ذلك بسنتين أو بعده كذلك، بحسب مراتب الإدراك قوة وضعفاً. وذكر بعض فقهائنا أن وقت التكليف بالمعارف الإلهية هو وقت التكليف بالأعمال الشرعية، إلا أنه يجب أولاً بعد تحقق البلوغ والعقل المسارعة إلي تحصيل المعارف قبل الإتيان بالأعمال.

أقول: هذا غير جيد، لأنه يلزم منه أن يكون الاناث أكمل من الذكور، لأن الأنثي تخاطب بالعبادات عند كمال التسع إذا كانت عاقلة، فتخاطب بالمعرفة أيضاً عند ذلك، والصبي لا يبلغ عند كمال التسع بالإحتلام ولا بالانبات علي ما جرت به العادة، فلا يخاطب بالمعرفة وإن كان مميزاً عاقلاً لعدم خطابه بالعبادات، فتكون أكمل منه استعداداً للمعارف، وهو بعيد عن مدارك العقل والنقل. ومن ثم ذهب بعض العلماء إلي وجوب المعرفة علي من بلغ عشراً عاقلاً، ونسب ذلك إلي الشيخ أبي جعفر الطوسي قدس سره وأيضاً هذا لا يوافق ما هو الحق من أن معرفة الله تعالي واجبة عقلاً لا سمعاً، لأنا لو قلنا إن المعرفة لا تجب إلا بعد تحقق البلوغ الشرعي الذي هو مناط

وجوب العبادات الشرعية، لكنا قد أوجبنا المعرفة بالشرع لا بالعقل، لأن البلوغ المذكور إنما علم من الشرع، وليس في العقل ما يدل علي أن وجوب المعرفة إنما يكون عند البلوغ المذكور، فلو وجبت عنده لكان الوجوب معلوماً من الشرع، لا من العقل.

لا يقال: العقل إنما دل علي وجوب المعرفة في الجملة دون تحديد وقته، والشرع إنما دل علي تحديد وقت الوجوب وهو غير الوجوب، فلا يلزم كون الوجوب شرعياً.

لأنا نقول: لا نسلم أن في الشرع ما يدل علي تحديد وقت وجوب المعرفة أيضاً، بل إنما دل علي تحديد وقت العبادات فقط، نعم دل الشرع علي تقدم المعرفة علي العبادات في الجملة، وهو أعم من تعيين وقت التقدم، فلا يدل عليه.

وأيضاً لامعني لكون العقل يدل علي وجوب المعرفة في الجملة من دون اطلاعه علي وقت الوجوب، إذ لا ريب أنه يلزم من الحكم بوجوبها كونها واجبة في وقت الحكم.

والحاصل: أنه لا يمكن العلم بوجوبها إلا بعد العلم بوقت وجوبها، فالوقت كما أنه ظرف لها فهو ظرف للوجوب أيضاً.

وتوضيحه: أن العبد متي لاحظ هذه النعم عليه وعلم أن هناك منعماً أنعم بها عليه، أوجب علي نفسه شكره عليها في ذلك الوقت، خوفاً من أن يسلبه إياها لو لم يشكره، وحيث أنه لم يعرفه بعد يوجب علي نفسه النظر في معرفته في ذلك الوقت ليمكنه شكره، فقد علم أنه يلزم من وجوب المعرفة بالعقل معرفة وقتها أيضاً.

نعم ما ذكروه إنما يتم علي مذهب الأشاعرة، حيث أن وجوب المعرفة عندهم سمعي.

فإن قلت: قوله صلي الله عليه وآله: رفع القلم عن الصبي حتي يبلغ، فيه دلالة علي تحديد وقت وجوب المعرفة بالبلوغ الشرعي،

لأن رفع القلم كناية عن رفع التكليف وعدم جريانه عليه إلي الغاية المذكورة، فقبلها لا يكون مكلفاً بشئ، سواء كان قد عقل أم لا.

قلت: لا نسلم دلالته علي ذلك، بل إن دل فإنما يدل علي أن البلوغ الشرعي غاية لرفع التكليف مطلقاً. وإن كان عقلياً، فيبقي الدليل الدال علي كون التكليف بالمعرفة عقلياً سالماً عن المعارض، فإنه يستلزم تحديد وقت وجوب المعرفة بكمال العقل، كما تقدمت الإشارة إليه.

والحاصل: أن عموم رفع القلم مخصص بالدليل العقلي، وقد عرف العقل الذي هو مناط التكاليف الشرعية بأنه قوة للنفس بها تستعد للعلوم والإدراكات، وهو المعني بقولهم غريزة يتبعها العلم بالضروريات عند سلامة الآلات، وهذا التفسير اختاره المحقق الطوسي رحمه الله وجماعة.

مجمع الفائدة والبرهان:10/409

المراهق إذا أسلم حكم بإسلامه، فإن ارتد بعد ذلك يحكم بارتداده وإن لم يتب قتل...

وقال أبو حنيفة: يصح إسلامه وهو مكلف بالإسلام، وإليه ذهب بعض أصحابنا، لأنه يمكنه معرفة التوحيد بالنظر والإستدلال، فصح منه كالبالغ، ونقل الشيخ عن أصحابه أنهم حكموا بإسلام علي عليه السلام وهو غير بالغ وحكم بإسلامه بالإجماع. والإستدلال بالرواية مشكل، لعدم ظهور الصحة والدلالة علي هذا المطلب، وما نقل عن أمير المؤمنين عليه السلام مما لا يقاس عليه غيره، فإن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة غليهم السلام ليسوا من قبيل سائر الناس، ولهذا حكموا بكون الحجة صلوات الله وسلامه عليه إماماً مع كونه ابن خمس سنين.

نعم الحكم بإسلام المراهق غير بعيد لعموم من قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله صلي الله عليه وآله فهو مسلم، وقاتلوهم حتي يقولوا لا إله إلا الله، وأمثاله كثيرة. ولأنهم إذا قدروا علي الإستدلال وفهموا أدلة وجود الواجب

والتوحيد وما يتوقف عليه، ووجوب المعرفة والنظر في المعرفة، يمكن أن يجب عليهم ذلك، لأن دليل وجوب المعرفة عقلي، فكل من يعرف ذلك يدخل تحته، ولا خصوصية له بالبالغ، ولا استثناء في الأدلة العقلية، فلا يبعد تكليفهم، بل يمكن أن يجب ذلك، فإذا أوجب عليهم يجب أن يصح منهم، بل يلزم من الحكم بالصحة وجوبه أيضاً، ويترتب عليه الأحكام... وقد أجمعوا علي عدم وجوب الفروع عليهم وعدم تكليفهم بها، ولهذا صرح بعض العلماء بأن الواجبات الأصولية العقلية تجب علي الصغير قبل بلوغه دون الفرعية. والظاهر أن ضابطة القدرة علي الفهم والأخذ والإستدلال علي وجه مقنع، ففي كل من وجب فيه ذلك يصح ويمكن أن يجب عليه ذلك المقدار، ومن لم يوجد فيه ذلك لم يجب. وقال في الدروس، وهو لما قاله الشيخ قريب ولا شك أنه أحوط، وما استدل به الشيخ مؤيد فقوله قريب.

قال في التذكرة: غير المميز والمجنون لا يصح إسلامهما مباشرة إجماعاً ولا يحكم بإسلامهما إلا بالتبعية لغيره. فيريد بهما من لا قدرة له علي الإستدلال، ولا يفهم وجوب المعرفة ونحوه، وجنون المجنون أخرجه عن الفهم والقدرة علي الإستفهام والإستدلال مثل غير المميز، وأما إذا كان لهم فهم مستقل لا يبعد اعتباره حينئذ وإجراء الأحكام في حقه عليه، فتأمل.

حكم الإنسان في مرحلة التفكير والبحث

رسائل الشهيد الثاني:2/133

المبحث الثالث في أن الإنسان في زمان مهلة النظر... هل هو كافر أو مؤمن؟ جزم السيد الشريف المرتضي (رض) بكفره، واستشكل بعضهم. والظاهر أن محل النزاع في من لم يسبق منه اعتقاد ما يوجب الكفر، فإنه في زمان طلب الحق بالنظر فيه مع بقاء ذلك الإعتقاد لا ريب في كفره. بل النزاع في من هو في أول مراتب التكليف

إذا وجه نفسه للنظر في تحقيق الحق ليعتقده ولم يكن معتقداً لما يوجب الكفر بل هو متردد حتي يرجح عنده شئ فيعتقده. وكذا من سبق له اعتقاد ما يوجب الكفر رجع عنه إلي الشك بسبب نظره في تحقيق الحق ولما يترجح عنده الحق، فهذان هل هما كافران في مدة النظر أم لا؟

أقول: ما تقدم من تعريف الكفر بأنه عدم الإيمان مما من شأنه أن يكون مؤمناً يقتضي الحكم بكفرهما حالة النظر، لصدق عدم الإيمان عليهما في تلك الحالة، وهذا مشكل جداً، لأنه يقتضي الحكم بكفر كل أحد أول كمال عقله الذي هو أول وقت التكليف بالمعرفة، لأنه أول وقت إمكان النظر، إذ النظر قبله لا عبرة به، ويقتضي أن يكون من أدركه الموت في تلك الحالة مخلداً في جهنم. ولا يخفي بعد ذلك عن حكمة الله تعالي وعدله، ولزوم: إما تكليف ما لا يطاق إن عذبه علي ترك الإيمان، حيث لم يمض له وقت يمكن تحصيله فيه قبل الموت كما هو المفروض، أو الظلم الصرف إن لم يقدر علي ذلك، تعالي الله عن ذلك، إذ لم يسبق له إعتقاد ما يوجب الكفر كما هو المفروض أيضاً، ليكون التعذيب عليه.

ويلزم من ذلك القدح في صحة تعريف الكفر بذلك. اللهم إلا أن يقال: إن مثل هذا النوع من الكفر لا يعذب صاحبه، لكن لا يلزم منه القدح في الإجماع علي أن كل كافر مخلد في النار، وليس بعيداً التزام ذلك، وأن يكون المراد من الكافر المخلد من كان كفره عن اعتقاد، فيكون الإجماع مخصوصاً بمن عدا الأول.

إن قلت: إن لم يكن هذا الشخص من أهل النار، يلزم أن يكون من أهل الجنة، إذ لا

واسطة بينهما في الآخرة علي المذهب الحق، فيلزم أن يخلد في الجنة من لا إيمان له أصلاً كما هو المفروض، وهو مخالف لما انعقد عليه الإجماع من أن غير المؤمن لا يدخل الجنة.

قلت: يجوز أن يكون إدخاله الجنة تفضلاً من الله تعالي كالأطفال، ويكون الإجماع مخصوصاً بمن كلف الإيمان ومضت عليه مدة كان يمكنه تحصيله فيها فقصر.

وأقول أيضاً: الذي يقتضيه النظر إن هذا الشخص لا يحكم عليه بكفر ولا بإيمان في زمان النظر حقيقة بل تبعاً كالأطفال، فإنه لم يتحقق له التكليف التام ليخرج عن حكم الأطفال، فهو باق علي ذلك إلي أن يمضي عليه زمان يمكن فيه النظر الموصل إلي الإيمان، لكن هذا لا يتم في من لم يسبق له كفر، كمن هو في أول بلوغه. أما من سبق له اعتقاد الكفر ثم رجع عنه إلي الشك، فيتم فيه.

تجب المعرفة بالتفكير و لا يصح فيها التقليد

الاقتصاد للشيخ الطوسي/9

الطريق إلي معرفة الأشياء أربعة لا خامس لها:

أولها، أن يعلم الشئ ضرورة لكونه مركوزاً في العقول، كالعلم بأن الإثنين أكثر من واحد، وأن الجسم الواحد لا يكون في مكانين في حالة واحدة، وأن الجسمين لا يكونان مكان واحد في حالة واحدة، والشئ لا يخلو من أن يكون ثابتاً أو منفياً، وغير ذلك مما هو مركوز في العقول.

والثاني، أن يعلم من جهة الإدراك إذا أدرك وارتفع اللبس، كالعلم بالمشاهدات والمدركات بسائر الحواس.

والثالث، أن يعلم بالأخبار كالعلم بالبلدان والوقائع وأخبار الملوك وغير ذلك.

والرابع، أن يعلم بالنظر والإستدلال.

والعلم بالله تعالي ليس بحاصل من الوجه الأول، لأن ما يعلم ضرورة لا يختلف العقلاء فيه بل يتفقون عليه، ولذلك لا يختلفون في أن الواحد لا يكون أكثر من اثنين،

وأن الشبر لا يطابق الذراع. والعلم بالله فيه خلاف بين العقلاء فكيف يجوز أن يكون ضرورياً.

وليس الإدراك أيضاً طريق العلم بمعرفة الله تعالي، لأنه تعالي ليس بمدرك بشئ من الحواس علي ما سنبينه فيما بعد، ولو كان مدركاً محسوساً لأدركناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة.

والخبر أيضاً لا يمكن أن يكون طريقاً إلي معرفته، لأن الخبر الذي يوجب العلم هو ما كان مستنداً إلي مشاهدة وإدراك، كالبلدان والوقائع وغير ذلك، وقد بينا أنه ليس بمدرك، والخبر الذي لا يستند إلي الإدراك لا يوجب العلم. ألا تري أن جميع المسلمين يخبرون من خالفهم بصدق محمد صلي الله عليه وآله فلا يحصل لمخالفيهم العلم به لأن ذلك طريقه الدليل، وكذلك جميع الموحدين يخبرون الملحدة بحدوث العالم فلا يحصل لهم العلم به لأن ذلك طريقه الدليل.

فإذا بطل أن يكون طريق معرفته الضرورة أو المشاهدة أو الخبر، لم يبق إلا أن يكون طريقة النظر.

فإن قيل: أين أنتم عن تقليد المتقدمين؟

قلنا: التقليد إن أريد به قبول قول الغير من غير حجة وهو حقيقة التقليد فذلك قبيح في العقول، لأن فيه إقداماً علي ما لا يأمن كون ما يعتقده عند التقليد جهلاً لتعريه من الدليل، والأقدام علي ذلك قبيح في العقول، ولانه ليس في العقول أن تقليد الموحد أولي من تقليد الملحد إذا رفعنا النظر والبحث عن أوهامنا ولا يجوز أن يتساوي الحق والباطل.

فإن قيل: نقلد المحق دون المبطل.

قلنا: العلم بكونه محقاً لا يمكن حصوله إلا بالنظر، لانا إن علمناه بتقليد آخر أدي إلي التسلسل، وإن علمناه بدليل فالدليل الدال علي وجوب القبول منه يخرجه عن باب التقليد، ولذلك لم يكن أحدنا مقلداً للنبي

أو المعصوم فيما نقبله منه لقيام الدليل علي صحة ما يقوله.

وليس يمكن أن يقال: نقلد الأكثر ونرجع إليهم، وذلك لأن الأكثر قد يكونون علي ضلال بل ذلك هو المعتاد المعروف، ألا تري أن الفرق المبطلة بالإضافة إلي الفرق المحقة جزء من كل وقليل من كثير.

ولا يمكن أن يعتبر أيضاً بالزهد والورع، لأن مثل ذلك يتفق في المبطلين، فلذلك تري رهبان النصاري علي غاية العبادة ورفض الدنيا مع أنهم علي باطل فعلم بذلك أجمع فساد التقليد.

فإن قيل: هذا القول يؤدي إلي تضليل أكثر الخلق وتكفيرهم، لأن أكثر من تعنون من العقلاء لا يعرفون ما يقولونه، من الفقهاء والأدباء والرؤساء والتجار وجمهور العوام، ولا يهتدون إلي ما يقولونه، وإنما يختص بذلك طائفة يسيرة من المتكلمين، وجميع من خالفهم يبدعهم في ذلك، ويؤدي إلي تكفير الصحابة والتابعين وأهل الأمصار، لأنه معلوم أن أحداً من الصحابة والتابعين لم يتكلم فيما تكلم فيه المتكلمون ولا سمع منه حرف واحد ولا نقل عنهم شئ منه، فكيف يقال بمذهب يؤدي إلي تكفير أكثر الأمة وتضليلها، وهذا باب ينبغي أن يزهد فيه ويرغب عنه.

قيل: هذا غلط فاحش وظن بعيد، وسوء ظن بمن أوجب النظر المؤدي إلي معرفة الله، ولسنا نريد بالنظر المناظرة والمحاجة والمخاصمة والمحاورة التي يتداولها المتكلمون ويجري بينهم، فإن جميع ذلك صناعة فيها فضيلة وإن لم تكن واجبة، وإنما أوجبنا النظر الذي هو الفكر في الأدلة الموصلة إلي توحيد الله تعالي وعدله ومعرفة نبيه وصحة ما جاء به، وكيف يكون ذلك منهياً عنه أو غير واجب والنبي عليه السلام لم يوجب القبول منه علي أحد إلا بعد إظهار الإعلام والمعجزة من القرآن وغيره، ولم يقل لأحد إنه

يجب عليك القبول من غير آية ولا دلالة. وكذلك تضمن القرآن من أوله إلي آخره التنبيه علي الأدلة ووجوب النظر، قال الله تعالي: أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وقال: أَفَلا يَنْظُرُونَ إلي الإبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ. وَإِلَي السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ. وَإِلَي الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ. وَإِلَي الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ. وقال: وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وقال: قتل الإنسان ما أكفره. من أي شئ خلقه. من نطفة خلقه. الآية. وقال: إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لايَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ. إلي قوله: إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. وقال: فَلْيَنْظُرِ الإنْسَانُ إلي طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا، ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا، إلي قوله: مَتَاعًا لَكُمْ وَلأَنْعَامِكُمْ. وقال: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. إلي قوله فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ. وقال: إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ، ولأُولِي الأَلْبَابِ، ولمن كان له قلب، يعني عقل. وغير ذلك من الآيات التي تعدادها يطول.

وكيف يحث تعالي علي النظر وينبه علي الأدلة وينصبها ويدعو إلي النظر فيها، ومع ذلك يحرمها. إن هذا لا يتصوره إلا غبيٌّ جاهل. فأما من أومي إليه من الصحابة والتابعين وأهل الأعصار من الفقهاء والفضلاء والتجار والعوام، فأول ما فيه أنه غير مسلم، بل كلام الصحابة والتابعين مملؤ من ذلك.

... وروي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وقال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته المعروفة: أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفته توحيده، ونظام توحيده نفي الصفات عنه، لشهادة العقول إن من حلته الصفات فهو مخلوق، وشهادتها أنه خالق ليس بمخلوق ثم قال: بصنع الله يستدل عليه،

وبالعقول يعتقد معرفته، وبالنظر يثبت حجته، معلوم بالدلالات، مشهور بالبينات، إلي آخر الخطبة. وخطبه في هذا المعني أكثر من أن تحصي.

وقال الحسن عليه السلام: والله ما يعبد الله إلا من عرفه، فأما من لم يعرفه فإنما يعبده هكذا ضلالاً، وأشار بيده.

وقال الصادق عليه السلام: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثاني أن تعرف ما صنع بك، والثالث أن تعرف ما أراد منك، والرابع أن تعرف ما يخرجك من دينك....

فإن قالوا: أكثر من أومأتم إليه إذا سألته عن ذلك لا يحسن الجواب عنه.

قلنا: وذلك أيضاً لا يلزم، لأنه لا يمتنع أن يكون عارفاً علي الجملة وإن تعذرت عليه العبارة عما يعتقده، فتعذر العبارة عما في النفس لا يدل علي بطلان ذلك ولا ارتفاعه.

الرسالة السعدية للعلامة الحلي/3-9

وقد حرم الله تعالي علي جميع العبيد سلوك طريق التقليد، بل أوجب البحث في أصول العقايد اليقينية وتحصيلها باستعمال البراهين القطعية... المقدمة الثانية في تحريم التقليد. طلب الله تعالي من المكلف اعتقاداً جازماً يقينياً مأخوذاً من الحجج والأدلة، وذلك في المسائل الأصولية، واعتقاداً مستفاداً إما من الحجة، أو من التقليد في المسائل الفروعية.

رسائل المحقق الكركي:1/59

يجب علي كل مكلف حرّ وعبد ذكر وأنثي أن يعرف الأصول الخمسة التي هي أركان الإيمان، وهي: التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، بالدليل لا بالتقليد. ومن جهل شيئاً من ذلك لم ينتظم في سلك المؤمنين، واستحق العقاب الدائم مع الكافرين.

رسائل المحقق الكركي:1/80 وج 3/173

ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالي، وصفاته الثبوتية والسلبية، وعدله وحكمته، ونبوة نبينا محمد صلوات الله عليه وآله، وإمامة الائمة غليهم السلام والإقرار بكل ما جاء به النبي صلوات الله عليه

وآله من أحوال المعاد، بالدليل لا بالتقليد.

قوله: بالدليل لا بالتقليد، الدليل هو ما يلزم من العلم به العلم بشئ آخر إثباتاً أو نفياً. والتقليد هو الأخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة، مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها عنقه كأن المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلده.

رسائل الشهيد الثاني:2/56

إعلم أن العلماء أطبقوا علي وجوب معرفة الله تعالي بالنظر وأنها لا تحصل بالتقليد، إلا من شذ منهم كعبدالله بن الحسن العنبري والحشوية والتعليمية، حيث ذهبوا إلي جواز التقليد في العقائد الأصولية، كوجود الصانع وما يجب له ويمتنع، والنبوة، والعدل وغيرها، بل ذهب إلي وجوبه.

لكن اختلف القائلون بوجوب المعرفة في أنه عقلي أو سمعي، فالإمامية والمعتزلة علي الأول والأشعرية علي الثاني، ولا غرض لنا هنا ببيان ذلك، بل ببيان أصل الوجوب المتفق عليه.

من ذلك: أن لله تعالي علي عبده نعماً ظاهرة وباطنة لا تحصي، يعلم ذلك كل عاقل، ويعلم أنها ليست منه ولا من مخلوق مثله. ويعلم أيضاً أنه إذا لم يعترف بإنعام ذلك المنعم ولم يذعن بكونه هو المنعم لا غيره ولم يسع في تحصيل مرضاته، ذمه العقلاء، ورأوا سلب تلك النعم عنه حسناً، وحينئذ فتحكم ضرورة العقل بوجوب شكر ذلك المنعم. ومن المعلوم أن شكره علي وجه يليق بكمال ذاته يتوقف علي معرفته، وهي لا تحصل بالظنيات كالتقليد وغيره، لاحتمال كذب المخبر وخطأ الإمارة، فلابد من النظر المفيد للعلم.

وهذا الدليل إنما يستقيم علي قاعدة الحسن والقبح، والأشاعرة ينكرون ذلك، لكنه كما يدل علي وجوب المعرفة بالدليل، يدل أيضاً علي كون الوجوب عقلياً.

واعترض أيضاً بأنه مبني علي وجوب ما لا يتم

الواجب المطلق الابه، وفيه أيضاً منع للأشاعرة. ومن ذلك أن الأمة اجتمعت علي وجوب المعرفة، والتقليد وما في حكمه لا يوجب العلم، إذ لو أوجبه لزم اجتماع الضدين في مثل تقليد من يعتقد حدوث العالم ويعتقد قدمه.

وقد اعترض علي هذا بمنع الإجماع، كيف والمخالف معروف، بل عورض بوقوع الإجماع علي خلافه، وذلك لتقرير النبي صلي الله عليه وآله وأصحابه العوام علي إيمانهم وهم الأكثرون في كل عصر، مع عدم الإستفسار عن الدلائل الدالة علي الصانع وصفاته، مع أنهم كانوا لا يعلمونها، وإنما كانوا مقرين باللسان ومقلدين في المعارف، ولو كانت المعرفة واجبة لما جاز تقريرهم علي ذلك مع الحكم بإيمانهم.

وأجيب عن هذا: بأنهم كانوا يعلمون الأدلة إجمالاً، كدليل الاعرابي حيث قال: البعرة تدل علي البعير، وأثر الاقدام علي المسير، أفسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج لا تدلان علي اللطيف الخبير؟! فلذا أقروا ولم يسألوا عن اعتقاداتهم، أو أنهم كان يقبل منهم ذلك للتمرين، ثم يبين لهم ما يجب عليهم من المعارف بعد حين.

ومن ذلك: الإجماع أنه لا يجوز تقليد غير المحق، وإنما يعلم المحق من غيره بالنظر في أن ما يقوله حق أم لا، وحينئذ فلا يجوز له التقليد إلا بعد النظر والإستدلال، وإذا صار مستدلاً امتنع كونه مقلداً، فامتنع التقليد في المعارف الإلهية.

ونقض ذلك بلزوم مثله في الشرعيات، فإنه لا يجوز تقليد المفتي إلا إذا كانت فتياه عن دليل شرعي، فإن اكتفي في الإطلاع علي ذلك بالظن وإن كان مخطئاً في نفس الأمر لحط ذلك عنه، فليجز مثله في مسائل الأصول.

وأجيب بالفرق بأن الخطأ في مسائل الأصول يقتضي الكفر بخلافه في الفروع، فساغ في الثانية مالم يسغ في الأولي.

إحتج من أوجب التقليد في مسائل الأصول بأن العلم بأمر الله غير ممكن، لأن المكلف به إن لم يكن عالماً به تعالي إمتنع أن يكون عالماً بأمره، وحال امتناع كونه عالماً بأمره يمتنع كونه مأموراً من قبله، وإلا لزم تكليف ما لا يطاق، وإن كان عالماً به استحال أيضاً أمره بالعلم به لاستحالة تحصيل الحاصل.

والجواب عن ذلك علي قواعد الإمامية والمعتزلة ظاهر، فإن وجوب النظر والمعرفة عندهم عقلي لا سمعي. نعم يلزم ذلك علي قواعد الأشاعرة، إذ الوجوب عندهم سمعي.

أقول: ويجاب أيضاً معارضةً، بأن هذا الدليل كما يدل علي امتناع العلم بالمعارف الأصولية، يدل علي امتناع التقليد فيها أيضاً، فينسد باب المعرفة بالله تعالي، وكل من يرجع إليه في التقليد لابد وأن يكون عالماً بالمسائل الأصولية ليصح تقليده، ثم يجري الدليل فيه فيقال: علم هذا الشخص بالله تعالي غير ممكن، لأنه حين كلف به إن لم يكن عالماً به تعالي استحال أن يكون عالماً بأمره بالمقدمات، وكل ما أجابوا به فهو جوابنا، ولا مخلص لهم إلا أن يعترفوا بأن وجوب المعرفة عقلي، فيبطل ما ادعوه من أن العلم بالله تعالي غير ممكن، أو سمعي فكذلك.

فإن قيل: ربما حصل العلم لبعض الناس بتصفية النفس أو إلهام إلي غير ذلك فيقلده الباقون.

قلنا: هذا أيضاً يبطل قولكم أن العلم بالله تعالي غير ممكن، نعم ما ذكروه يصلح أن يكون دليلاً علي امتناع المعرفة بالسمع، فيكون حجة علي الأشاعرة، لا دليلاً علي وجوب التقليد.

واحتجوا أيضاً بأن النهي عن النظر قد ورد في قوله تعالي: مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللهِ إِلا الَّذِينَ كَفَرُوا. والنظر يفتح باب الجدال فيحرم. ولانه صلي الله عليه وآله رأي الصحابة

يتكلمون في مسألة القدر، فنهي عن الكلام فيها وقال: إنما هلك من كان قبلكم بخوضهم هذا، ولقوله عليه السلام: عليكم بدين العجائز، والمراد ترك النظر، فلو كان واجباً لم يكن منهياً عنه.

وأجيب عن الأول: إن المراد الجدال بالباطل، كما في قوله تعالي: وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، لا الجدال بالحق لقوله تعالي: وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، والأمر بذلك يدل علي أن الجدال مطلقاً ليس منهياً عنه.

وعن الثاني: بأن نهيهم عن الكلام في مسألة القدر علي تقدير تسليمه لا يدل علي النهي عن مطلق النظر، بل عنه في مسألة القدر، كيف وقد ورد الإنكار علي تارك النظر في قوله تعالي: أَوَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللهُ، وقد أثني علي فاعله في قوله تعالي: وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ.

علي أن نهيهم عن الخوض في القدر لعله لكونه أمراً غيبياً وبحراً عميقاً، كما أشار إليه علي عليه السلام بقوله: بحر عميق فلا تلجه. بل كان مراد النبي تفويض مثل ذلك إلي الله تعالي، لأن ذلك ليس من الأصول التي يجب اعتقادها، والبحث عنها مفصلة.

وهاهنا جواب آخر عنهما معاً، وهو أن النهي في الآية والحديث مع قطع النظر عما ذكرناه إنما يدل علي النهي عن الجدال الذي لا يكون إلا عن متعدد، بخلاف النظر فإنه يكون من واحد، فهو نصب الدليل علي غير المدعي.

وعن الثالث: بالمنع من صحة نسبته إلي النبي صلي الله عليه وآله فإن بعضهم ذكر أنه من مصنوعات سفيان الثوري، فإنه روي أن عمر بن عبدالله المعتزلي قال: إن بين الكفر والإيمان منزلة بين منزلتين، فقالت عجوز، قال الله تعالي: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، فلم يجعل

من عباده إلا الكافر والمؤمن، فسمع سفيان كلامها، فقال: عليكم بدين العجائز.

علي أنه لو سلم فالمراد به التفويض إلي الله تعالي في قضائه وحكمه والإنقياد له في أمره ونهيه.

واحتج من جوز التقليد: بأنه لو وجب النظر في المعارف الإلهية لوجد من الصحابة، إذ هم أولي به من غيرهم، ولم يوجد، وإلا لنقل كما نقل عنهم النظر والمناظرة في المسائل الفقهية، فحيث لم ينقل لم يقع، فلم يجب.

وأجيب: بالتزام كونهم أولي به لكنهم نظروا، وإلا لزم نسبتهم إلي الجهل بمعرفة الله تعالي، وكون الواحد منا أفضل منهم، وهو باطل إجماعاً، وإذا كانوا عالمين وليس بالضرورة فهو بالنظر والإستدلال. وأما إنه لم ينقل النظر والمناظرة فلاتفاقهم علي العقائد الحقة، لوضوح الأمر عندهم، حيث كانوا ينقلون عقائدهم عمن لا ينطق عن الهوي، فلم يحتاجوا إلي كثرة البحث والنظر، بخلاف الأخلاف بعدهم فإنهم لما كثرت شبه الضالين، واختلفت أنظار طالبي اليقين لتفاوت أذهانهم في إصابة الحق، احتاجوا إلي النظر والمناظرة، ليدفعوا بذلك شبه المضلين ويقفوا علي اليقين.

أما المسائل الفروع، فإنها لما كانت أموراً ظنية اجتهادية خفية، لكثرة تعارض الإمارات فيها، وقع بينهم الخلاف فيها والمناظرة والتخطئة لبعضهم من بعض، فلذا نقل.

واحتجوا أيضاً: بأن النظر مظنة الوقوع في الشبهات والتورط في الضلالات بخلاف التقليد فإنه أبعد عن ذلك وأقرب إلي السلامة فيكون أولي، ولأن الأصول أغمض أدلة من الفروع وأخفي، فإذا جاز التقليد في الأسهل جاز في الأصعب بطريق أولي، ولأنهما سواء في التكليف بهما، فإذا جاز في الفروع فليجز في الأصول.

وأجيب عن الأول: بأن اعتقاد المعتقد إن كان عن تقليد، لزم إما التسلسل، أو الإنتهاء إلي من يعتقد عن نظر لإنتفاء الضرورة، فيلزم

ما ذكرتم من المحذور مع زيادة وهي احتمال كذب المخبر، بخلاف الناظر مع نفسه، فإنه لا يكابر نفسه فيما أدي إليه نظره.

علي أنه لو اتفق الإنتهاء إلي من اتفق له العلم بغير النظر كتصفية الباطن كما ذهب إليه بعضهم، أو بالإلهام، أو بخلق العلم فيه ضرورة، فهو إنما يكون لأفراد نادرة،لانه علي خلاف العادة، فلا يتيسر لكل أحد الوصول إليه مشافهة بل بالوسائط، فيكثر احتمال الكذب، بخلاف الناظر فإنه لايكابر نفسه، ولأنه أقرب إلي الوقوع في الصواب.

إن قلت: ما ذكرت من الجواب إنما يدل علي كون النظر أولي من التقليد، ولا يدل علي عدم جوازه، فجواز التقليد باق لم يندفع، علي أن ما ذكرته من احتمال الكذب جار في الفروع، فلو منع من التقليد فيها لمنع في الأصول.

قلت: متي سلمت الأولوية وجب العمل بها، وإلا لزم العمل بالمرجوح مع تيسر العمل بالراجح، وهو باطل بالإجماع، لا سيما في الإعتقاديات.

وأما الجواب عن العلاوة، فلانه لما كان الطريق إلي العمل بالفروع إنما هو النقل ساغ لنا التقليد فيها، ولم يقدح احتمال كذب المخبر، وإلا لانسد باب العمل فيها،بخلاف الإعتقادات فإن الطريق إليها بالنظر ميسر، فاعتبر قدح الإحتمال في التقليد فيها.

وأما احتمال الخطأ في النظر، فإنه وإن أمكن إلا أنه نادر جداً بالقياس إلي الخطأ في النقل، فكان النظر أرجح، وقد بينا أن العمل بالأرجح واجب.

وأجيب عن الثاني: أولاً بالمنع من كونها أغمض أدلة، بل الأمر بالعكس لتوقف الشرعيات علي العقليات عملاً وعلماً.

وثانياً بالمنع من الملازمة، فإن كونها أغمض أدلة لا يستلزم جواز التقليد فيها فضلاً عن كونه أولي، لأن المطلوب فيها اليقين، بخلاف الشرعيات فإن المطلوب فيها الظن اتفاقاً. ومن

هذا ظهر الجواب عن الثالث.

واحتجوا أيضاً: بأن هذه العلوم إنما تحصل بعد الممارسة الكثيرة والبحث الطويل، وأكثر الصحابة لم يمارسوا شيئاً منها، فكان اعتقادهم عن تقليد.

وأجيب: بأنهم لمشاهدتهم المعجزات وقوة معارفهم بكثرة البينات من صاحب الوحي عليه السلام لم يحتاجوا في تيقن تلك المعارف إلي بحث كثير في طلب الأدلة عليها.

أقول: ومما يبطل به مذهب القائلين بالتقليد أنه إما أن يفيد العلم أولاً، فإن أفاده لزم اجتماع الضدين فيما لو قلد واحداً في قدم العالم وآخر في حدوثه، وهو ظاهر. وإن لم يفده وجب ترجيح النظر عليه، إذ من المعلوم ضرورة أن النظر الصحيح يفيد العلم، فإذا ترجح النظر عليه وجب اعتباره وترك المرجوح اجماعاً.

وأقول: مما يدل علي اعتبار اليقين في الإيمان أن الأمة فيه علي قولين: قول باعتبار اليقين فيما يتحقق به الإيمان. وقول بالإكتفاء بالتقليد أو ما في حكمه فإذا انتفي الثاني بما ذكرناه من الأدلة ثبت الأول.

وأقول أيضاً مما يصلح شاهداً علي ذلك قوله تعالي: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ، فنفي ما زعموه إيماناً، وهو التصديق القولي، بل ماسوي التصديق الجازم، حيث لم يثبت لهم من الإيمان إلا ما دخل القلب. ولا ريب أن ما دخل القلب يحصل به الإطمئنان، ولا إطمئنان في الظن وشبهه لتجويز النقيض معه، فيكون الثبات والجزم معتبراً في الإيمان.

فإن قلت: قوله تعالي حكاية عن إبراهيم: أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ؟ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي، يدل علي أن الجزم والثبات غير معتبر في الإيمان، وإلا لما أخبر عليه السلام عن نفسه بالإيمان، بقوله بلي مع أن قوله (وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) يدل علي أنه

لم يكن مطمئناً فلم يكن جازماً.

قلت: يمكن الجواب بأنه عليه السلام طلب العلم بطريق المشاهدة، ليكون العلم بإحياء الموتي حاصلاً له من طريق الأبصار والمشاهدة، ويكون المراد من اطمئنان قلبه عليه السلام استقراره وعدم طلبه لشئ آخر بعد المشاهدة، مع كونه موقناً بإحياء الموتي قبل المشاهدة. أيضاً وليس المراد أنه لم يكن متيقناً قبل الارائة، فلم يكن مطمئناً ليلزم تحقق الإيمان مع الظن فقط.

وأيضاً إنما طلب عليه السلام كيفية الأحياء، فخوطب بالإستفهام التقريري علي الإيمان بالكيف الذي هو نفس الاحياء، لأن التصديق به مقدم علي التصديق بالكيفية فأجاب عليه السلام بلي آمنت بقدرة الله تعالي علي الأحياء، لكني أريد الإطلاع علي كيفية الأحياء، ليطمئن قلبي بمعرفة تلك الكيفية الغريبة، البديعة، ولا ريب أن الجهل بمعرفة تلك الكيفية لا يضر بالإيمان، ولا يتوقف علي معرفتها. وأما سؤال الله سبحانه عن ذلك مع كونه عالماً بالسرائر، فهو من قبيل خطاب المحب لحبيبه.

إن قلت: فما الجواب أيضاً عن قوله تعالي: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ، فإنه يفهم من الآية الكريمة وصف الكافر المشرك بالإيمان حال شركه، إذ الجملة الإسمية حالية، فضلاً عن الإكتفاء بالظن وما في حكمه في الإيمان، وهو ينافي اعتبار اليقين.

قلت: لا، فإن الآية الكريمة إنما دلت علي إخباره تعالي عنهم بالإيمان بالصانع والتصديق بوجوده، لكنهم لم يوحدوه في حالة تصديقهم به، بل اعتقدوا له شريكاً تعالي الله عما يشركون. وحينئذ فيجوز كونهم جازمين بوجود الصانع تعالي مع كونهم غير موحدين، فإن التوحيد مطلب آخر، فكفرهم كان كذلك، فلم يتحقق لهم الإيمان الشرعي بل الإيمان جزء منه، وهو غير كاف.

علي أنه يجوز أن يكون المراد من الإيمان المنسوب إليهم

في الآية الكريمة التصديق اللغوي، وقد بينا سابقاً أنه أعم من الشرعي، وليس النزاع فيه بل في الشرعي. ويكون المعني والله أعلم: ومايؤمن أكثرهم بلسانه إلا وهو مشرك بقلبه، أي حال إشراكه بقلبه، نعوذ بالله من الضلالة. ونسأله حسن الهداية. هذا ما تيسر لنا من المقال في هذا المقام.

شرح المقاصد للتفتازاني:1/266

... الثالث: أنا لا نسلم أن المعرفة الكاملة لا تحصل إلا بالنظر، بل قد تحصل بالتعليم علي ما يراه الملاحدة.. أو بقول المعصوم علي ما يراه الشيعة...

المعرفة والعمل

اشتراط كل من المعرفة والعمل بالآخر

نهج البلاغة:4/50

وسئل عليه السلام عن الإيمان فقال: الإيمان معرفة بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

نهج البلاغة:2/32

... وأنه لا ينبغي لمن عرف عظمة الله أن يتعظم، فإن رفعة الذين يعلمون ما عظمته أن يتواضعوا له، وسلامة الذين يعلمون ما قدرته أن يستسلموا له.

الكافي:1/44

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن سنان، عن ابن مسكان، عن حسين الصيقل قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: لا يقبل الله عملاً إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل، فمن عرف دلته المعرفة علي العمل، ومن لم يعمل فلا معرفة له. ألا إن الإيمان بعضه من بعض.

الكافي:2/33-37

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن بكر بن صالح، عن القاسم بن بريد قال: حدثنا أبوعمرو الزبيري، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: أيها العالم أخبرني أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما لا يقبل الله شيئاً إلا به، قلت: وما هو؟ قال: الإيمان بالله الذي لا إلا هو، أعلي الأعمال درجة وأشرفها منزلة وأسناها حظاً، قال: قلت ألا تخبرني عن الإيمان أقَوْلٌ هو وعمل أم قولٌ بلا عمل؟ فقال: الإيمان عمل كله

والقول بعض ذلك العمل، بفرض من الله، بين في كتابه، واضح نوره، ثابتة حجته، يشهد له به الكتاب ويدعوه إليه.

قال: قلت: صفه لي جعلت فداك حتي أفهمه.

قال: الإيمان حالات ودرجات وطبقات ومنازل، فمنه التام المنتهي تمامه ومنه الناقص البين نقصانه ومنه الراحج الزائد رجحانه.

قلت: إن الإيمان ليتم وينقص ويزيد؟

قال: نعم.

قلت: كيف ذلك؟

قال: لأن الله تبارك وتعالي فرض الإيمان علي جوارح ابن آدم وقسمه عليها وفرقه فيها، فليس من جوارحه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها، فمنها قلبه الذي به يعقل ويفقه ويفهم وهو أمير بدنه الذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلا عن رأيه وأمره، ومنها عيناه اللتان يبصر بهما، وأذناه اللتان يسمع بهما، ويداه اللتان يبطش بهما، ورجلاه اللتان يمشي بهما، وفرجه الذي الباه من قبله، ولسانه الذي ينطق به، ورأسه الذي فيه وجهه. فليس من هذه جارحة إلا وقد وكلت من الإيمان بغير ما وكلت به أختها بفرض من الله تبارك اسمه، ينطق به الكتاب لها ويشهد به عليها.

ففرض علي القلب غير ما فرض علي السمع، وفرض علي السمع وغير ما فرض علي العينين، وفرض علي العينين غير ما فرض علي اللسان، وفرض علي اللسان غير ما فرض علي اليدين، وفرض علي اليدين غير ما فرض علي الرجلين، وفرض علي الرجلين غير ما فرض علي الفرج، وفرض علي الفرج غير ما فرض علي الوجه.

فأما ما فرض علي القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً، لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله صلوات الله عليه وآله، والإقرار

بما جاء من عند الله من نبي أو كتاب، فذلك ما فرض الله علي القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله، وهو قول الله عز وجل: «إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا».

وقال: «أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ.».

وقال: «الذين آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم».

وقال: «وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ..» فذلك ما فرض الله عز وجل علي القلب من الإقرار والمعرفة وهو عمله وهو رأس الإيمان.

وفرض الله علي اللسان القول التعبير عن القلب بما عقد عليه وأقر به، قال الله تبارك وتعالي: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا، وقال: قُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. فهذا ما فرض الله علي اللسان، وهو عمله.

وفرض علي السمع أن يتنزه عن الإستماع إلي ما حرم الله وأن يعرض عما لا يحل له مما نهي الله عز وجل عنه والأصغاء إلي ما أسخط الله عز وجل، فقال في ذلك: «وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللهِ يُكْفَرُ بِهَا وَ يُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ»، ثم استثني الله عز وجل موضع النسيان فقال: «َإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وقال: فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ.».

وقال عز وجل: «قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَوةِ فَاعِلُونَ.».

وقال: «وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ».

وقال: «وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا». فهذا ما فرض الله

علي السمع من الإيمان أن لا يصغي إلي ما لا يحل له، وهو عمله وهو من الإيمان.

وفرض علي البصر أن لا ينظر إلي ما حرم الله عليه، وأن يعرض عما نهي الله عنه مما لا يحل له، وهو عمله وهو من الإيمان، فقال تبارك وتعالي: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ، فنهاهم أن ينظروا إلي عوراتهم وأن ينظر المرء إلي فرج أخيه ويحفظ فرجه أن ينظر إليه. وقال: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، من أن تنظر إحداهن إلي فرج أختها وتحفظ فرجها من أن ينظر إليها.

وقال: كل شئ في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا، إلا هذه الآية فإنها من النظر. ثم نظم ما فرض علي القلب واللسان والسمع والبصر في آية أخري فقال: «وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصَارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ»، يعني بالجلود: الفروج والافخاذ.

وقال: «وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا». فهذا ما فرض الله علي العينين من غض البصر عما حرم الله عز وجل، وهو عملهما وهو من الإيمان.

وفرض الله علي اليدين أن لا يبطش بهما إلي ما حرم الله، وأن يبطش بهما إلي ما أمر الله عز وجل، وفرض عليهما من الصدقة وصلة الرحم والجهاد في سبيل الله والطهور للصلاة، فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إلي الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إلي الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلي الْكَعْبَيْنِ». وقال: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّي إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّي تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا». فهذا ما فرض الله علي اليدين لأن الضرب من

علاجهما.

وفرض علي الرجلين أن لا يمشي بهما إلي شئ من معاصي الله، وفرض عليهما المشي إلي ما يرضي الله عز وجل فقال: «وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَ لَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً»، وقال: «وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ»، وقال فيما شهدت الأيدي والأرجل علي أنفسهما وعلي أربابهما من تضييعهما لما أمر الله عز وجل به وفرضه عليهما: «الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».

فهذا أيضاً ممافرض الله علي اليدين وعلي الرجلين وهو عملهما وهو من الإيمان.

وفرض علي الوجه السجود له بالليل والنهار في مواقيت الصلاة فقال: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَ افْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ». فهذه فريضة جامعة علي الوجه واليدين والرجلين، وقال في موضع آخر: «وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا».

وقال فيما فرض علي الجوارح من الطهور والصلاة بها وذلك أن الله عز وجل لما صرف نبيه صلي الله عليه وآله إلي الكعبة عن البيت المقدس فأنزل الله عز وجل: «وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ.»، فسمي الصلاة إيماناً فمن لقي الله عز وجل حافظاً لجوارحه موفياً كل جارحة من جوارحه ما فرض الله عز وجل عليها لقي الله عز وجل مستكملاً لإيمانه، وهو من أهل الجنة. ومن خان في شئ منها أو تعدي ما أمر الله عز وجل فيها لقي الله عز وجل ناقص الإيمان.

قلت: قد فهمت نقصان الإيمان وتمامه، فمن أين جاءت زيادته.

فقال: قول الله عز وجل: «وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ

آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلي رِجْسِهِمْ». وقال: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْنَاهُمْ هُدًي»، ولو كان كله واحداً لا زيادة فيه ولا نقصان لم يكن لاحد منهم فضل علي الآخر، ولاستوت النعم فيه ولاستوي الناس وبطل التفضيل. ولكن بتمام الإيمان دخل المؤمنون الجنة وبالزيادة في الإيمان تفاضل المؤمنون بالدرجات عند الله، وبالنقصان دخل المفرطون النار.

الكافي:2/553

عنه، عن أبي إبراهيم عليه السلام دعاء في الرزق: يا الله يا الله يا الله، أسألك بحق من حقه عليك عظيم أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن ترزقني العمل بما علمتني من معرفة حقك، وأن تبسط علي ما حظرت من رزقك.

دعائم الإسلام:1/52

... ثم قال أبو عبد الله جعفر بن محمد صلي الله عليه... وإنما يقبل الله عز وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده ودعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعا إليه، وهو الله الذي لا إله إلا هو وحده، والإقرار بربوبيته، ومعرفة الرسول الذي بلغ عنه، وقبول ما جاء به، ثم معرفة الوصي ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذين افترض الله طاعتهم في كل عصر وزمان علي أهله، والإيمان والتصديق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علي العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً، واجتناب ما حرم الله عز وجل عليهم ظاهره وباطنه، وإنما حرم الظاهر بالباطن، والباطن بالظاهر معاً جميعاً، والأصل والفرع، فباطن الحرام حرام كظاهره، ولا يسع تحليل أحدهما، ولا يجوز ولا يحل إباحة شئ منه، وكذلك الطاعات مفروض علي العباد إقامتها، ظاهرها وباطنها، لا يجزي إقامة ظاهر منها

دون باطن ولا باطن دون ظاهر، ولا تجوز صلاة الظاهر مع ترك صلاة الباطن، ولا صلاة الباطن مع ترك صلاة الظاهر. وكذلك الزكاة، والصوم والحج والعمرة، وجميع فرائض الله افترضها علي عباده، وحرماته وشعائره.

وسائل الشيعة:11/260

وفي عيون الأخبار بأسانيده عن الفضل بن شاذان، عن الرضا عليه السلام في كتابه إلي المأمون قال: الإيمان هو أداء الأمانة، واجتناب جميع الكبائر، وهو معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان. إلي أن قال: واجتناب الكبائر وهي: قتل النفس التي حرم الله تعالي، والزنا، والسرقة، وشرب الخمر، وعقوق الوالدين، والفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم ظلماً، وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به من غير ضرورة، وأكل الربا بعد البينة، والسحت، والميسر وهو القمار، والبخس في المكيال والميزان، وقذف المحصنات، والزنا، واللواط، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، ومعونة الظالمين، والركون اليهم، واليمين الغموس، وحبس الحقوق من غير عسر، والكذب والكبر، والاسراف والتبذير، والخيانة، والإستخفاف بالحج، والمحاربة لأولياء الله، والإشتغال بالملاهي، والإصرار علي الذنوب. ورواه ابن شعبة في (تحف العقول) مرسلاً نحوه.

وروت مصادر إخواننا السنة اقتران المعرفة والعمل عن علي عليه السلام، ففي كنز العمال: 1/273، عن علي قال: سألت النبي صلي الله عليه وآله عن الإيمان ما هو؟ قال: معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالاركان - أبو عمرو بن حمدان في فوائده.

وفي سنن ابن ماجة:1/25

حدثنا سهل بن أبي سهل ومحمد بن إسماعيل قالا ثنا عبدالسلام بن صالح أبو الصلت الهروي، ثنا علي بن موسي الرضا، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب قال: قال

رسول الله (ص): الإيمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالأركان. قال أبو الصلت:

لو قري هذا الإسناد علي مجنون لبرأ. انتهي ورواه البيهقي في شعب الإيمان:1/47 ورواه في كنز العمال:1/273، بعدة روايات عن علي عليه السلام. ونحوه الجزري في أسني المطالب:1/125.

وفي مروج الذهب للمسعودي:4/171

قال علي بن محمد بن علي بن موسي عن أبيه عن أجداده عن علي (رض) قال: قال رسول الله (ص): أكتب يا علي، قلت وما أكتب؟

قال لي: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. الإيمان ما وقرته القلوب، وصدقته الأعمال، والإسلام ما جري به اللسان، به المناكحة.

وفي إرشاد الساري:1/86-87

الإيمان قول وفعل.. وهو موافق لقول السلف، اعتقاد بالقلب ونطق اللسان. وقال المتأخرون منهم الأشعرية، ووافقهم ابن الراوندي من المعتزلة: هو تصديق الرسول (ص) بما علم مجيئه به....

إذا تقرر هذا فاعلم أن الإيمان (يزيد) بالطاعة (وينقص) بالمعصيه كما عند المؤلف وغيره وأخرجه أبو نعيم... بل قال به من الصحابة عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب... ومن التابعين كعب الأحبار... وعمر بن عبدالعزيز... أما توقف مالك رحمه الله عن القول بنقصانه فخشية أن يتأول عليه موافقة الخوارج.

افضل الأعمال بعد معرفة العقائد

الكافي:2/130 و 317: محمد بن مسلم بن عبيد الله قال سئل علي بن الحسين (عليهما السلام) أي الأعمال أفضل عند الله؟ قال: ما من عمل بعد معرفة الله عز وجل ومعرفة رسوله صلي الله عليه وآله أفضل من بغض الدنيا فإن لذلك لشعباً كثيرة، وللمعاصي شعب فأول ما عصي الله به الكبر، معصية إبليس حين أبي واستكبر وكان من الكافرين، ثم الحرص وهي معصية آدم وحواء (عليهما السلام)حين قال الله عز وجل لهما: فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَ وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا

مِنَ الظَّالِمِينَ. فأخذا ما لا حاجة بهما إليه، فدخل ذلك علي ذريتهما إلي يوم القيامة، وذلك أن أكثر ما يطلب ابن آدم ما لا حاجة به إليه، ثم الحسد وهي معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء وحب الدنيا وحب الرئاسة وحب الراحة وحب الكلام وحب العلو والثروة، فصرن سبع خصال فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دنيا آن: دنيا بلاغ، ودنيا ملعونة. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:11/308.

الكافي:3/264

_ حدثني محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن أفضل ما يتقرب به العباد إلي ربهم وأحب ذلك إلي الله عز وجل ما هو؟ فقال: ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا تري أن العبد الصالح عيسي ابن مريم عليه السلام قال: «وأوصاني بالصلاة والزكوة ما دمت حياً». انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:1/17 وج 11/308.

اقل ما يجب، و أقصي ما يمكن، من المعرفة

الكافي:1/91

محمد بن أبي عبدالله رفعه، عن عبدالعزيز بن المهتدي قال: سألت الرضا عليه السلام عن التوحيد، فقال: كل من قرأ قل هو الله احد وآمن بها فقد عرف التوحيد، قلت: كيف يقرؤها؟ قال: كما يقرؤها الناس وزاد فيه كذلك الله ربي، كذلك الله ربي.

الكافي:1/91

أحمد بن ادريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي، عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلي الله عليه وآله فقالوا: أنسب لنا ربك، فلبث ثلاثاً لا يجيبهم ثم نزل: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، إلي

آخرها.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، ومحمد بن الحسين، عن ابن محبوب، عن حماد بن عمرو النصيبي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألت أبا عبدالله عن قل هو الله أحد، فقال: نسبة الله إلي خلقه أحداً صمداً أزلياً صمدياً لا ظل له يمسكه وهو يمسك الأشياء بأظلتها، عارف بالمجهول، معروف عند كل جاهل، فردانياً، لا خلقه فيه ولا هو خلقه، غير محسوس ولا محسوس، لا تدركه الأبصار، علا فقرب ودنا فبعد، وعصي فغفر وأطيع فشكر، لا تحويه أرضه ولا تقله سماواته، حامل الأشياء بقدرته، ديمومي أزلي، لا ينسي ولا يلهو ولا يغلط ولا يلعب، ولا لإرادته فصل وفصله جزاء وأمره واقع، لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يكن له كفواً أحد.

دعائم الإسلام:1/13

وعنه صلوات الله عليه أنه قيل له: يا أمير المؤمنين ما أدني ما يكون به العبد مؤمناً، وما أدني ما يكون به كافراً، وما أدني ما يكون به ضالاً؟

قال: أدني ما يكون به مؤمناً أن يعرفه الله نفسه فيقر له بالطاعة، وأن يعرفه الله نبيه صلي الله عليه وآله فيقر له بالطاعة، وأن يعرفه الله حجته في أرضه وشاهده علي خلقه فيعتقد إمامته فيقر له بالطاعة.

قيل: وإن جهل غير ذلك؟ قال: نعم ولكن إذا أمر أطاع وإذا نهي انتهي.

وأدني ما يصير به مشركاً أن يتدين بشئ مما نهي الله عنه فيزعم أن الله أمر به، ثم ينصبه ديناً ويزعم أنه يعبد الذي أمر به وهو غير الله عزوجل. وأدني ما يكون به ضالاً أن لا يعرف حجة الله في أرضه وشاهده علي خلقه فيأتم به.

الرسائل للشيخ الأنصاري:1/275

وقد ذكر العلامة في الباب

الحادي عشر فيما يجب معرفته علي كل مكلف، من تفاصيل التوحيد والنبوة والإمامة والمعاد، أموراً لا دليل علي وجوبها كذلك، مدعياً أن الجاهل بها عن نظر وإستدلال خارج عن ربقة الإيمان مستحق للعذاب الدائم. وهو في غاية الإشكال.

نعم يمكن أن يقال: إن مقتضي عموم وجوب المعرفة، مثل قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، أي ليعرفون. وقوله (صلي الله عليه وآله): وما أعلم بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، بناء علي أن الأفضلية من الواجب، خصوصاً مثل الصلاة، تستلزم الوجوب.

وكذا عمومات وجوب التفقه في الدين الشامل للمعارف بقرينة استشهاد الإمام عليه السلام بها، لوجوب النفر لمعرفة الإمام بعد موت الإمام السابق عليه السلام وعمومات طلب العلم هو وجوب معرفة الله جل ذكره ومعرفة النبي صلي الله عليه وآله والإمام عليه السلام ومعرفة ما جاء به النبي (صلي الله عليه وآله) علي كل قادر يتمكن من تحصيل العلم، فيجب الفحص حتي يحصل اليأس، فإن حصل العلم بشئ من هذه التفاصيل إعتقد وتدين به، وإلا توقف ولم يتدين بالظن لو حصل له.

ومن هنا قد يقال: إن الإشتغال بالعلم المتكفل لمعرفة الله ومعرفة أوليائه صلوات الله عليهم أهم من الإشتغال بعلم المسائل العلمية بل هو المتعين، لأن العمل يصح عن تقليد، فلا يكون الإشتغال بعلمه إلا كفائياً بخلاف المعرفة.

هذا، ولكن الإنصاف ممن جانب الإعتساف يقتضي الإذعان بعدم التمكن من ذلك إلا للأوحدي من الناس، لأن المعرفة المذكورة لا تحصل إلا بعد تحصيل قوة استنباط المطالب من الأخبار وقوة نظرية أخري لئلا يأخذ بالأخبار المخالفة للبراهين العقلية، ومثل هذا الشخص مجتهد في الفروع قطعاً، فيحرم عليه التقليد. ودعوي جوازه له للضرورة ليس بأولي

من دعوي جواز ترك الإشتغال بالمعرفة التي لا تحصل غالباً بالأعمال المبتنية علي التقليد.

هذا إذا لم يتعين عليه الإفتاء والمرافعة لأجل قلة المجتهدين. وأما في مثل زماننا فالأمر واضح.

فلا تغتر حينئذ بمن قصر استعداده أو همته عن تحصيل مقدمات استنباط المطالب الإعتقادية الأصولية والعلمية عن الأدلة العقلية والنقلية، فيتركها مبغضاً لها لأن الناس أعداء ما جهلوا، ويشتغل بمعرفة صفات الرب جل ذكره وأوصاف حججه صلوات الله عليهم بنظر في الأخبار لا يعرف به من ألفاظها الفاعل من المفعول، فضلاً عن معرفة الخاص من العام. وبنظر في المطالب العقلية لا يعرف به البديهيات منها، ويشتغل في خلال ذلك بالتشنيع علي حملة الشريعة العملية واستهزائهم بقصور الفهم وسوء النية، فيسأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون. هذا كله حال وجوب المعرفة مستقلاً.

وأما اعتبار ذلك في الإسلام أو الإيمان فلا دليل عليه، بل يدل علي خلافه الأخبار الكثيرة المفسرة لمعني الإسلام والإيمان.

ففي رواية محمد بن سالم عن أبي جعفر عليه السلام المروية في الكافي: إن الله عز وجل بعث محمداً (صلي الله عليه وآله) وهو بمكة عشر سنين، ولم يمت بمكة في تلك العشر سنين أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، إلا أدخله الله الجنة بإقراره وهو إيمان التصديق.

فإن الظاهر أن حقيقة الإيمان التي يخرج الإنسان بها عن حد الكفر الموجب للخلود في النار لم تتغير بعد انتشار الشريعة. نعم ظهر في الشريعة أمور صارت ضرورية الثبوت من النبي(ص)، فيعتبر في الإسلام عدم إنكارها.

لكن هذا لا يوجب التغيير، فإن المقصود أنه لم يعتبر في الإيمان أزيد من التوحيد والتصديق بالنبي (صلي الله عليه وآله) وبكونه رسولاً صادقاً فيما

يبلغ. وليس المراد معرفة تفاصيل ذلك، وإلا لم يكن من آمن بمكة من أهل الجنة أو كان حقيقة الإيمان بعد انتشار الشريعة غيرها في صدر الإسلام.

وفي رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السلام: إن أدني ما يكون به العبد مؤمناً أن يعرفه الله تبارك وتعالي إياه فيقر له بالطاعة، ويعرفه نبيه فيقر له بالطاعة، ويعرفه إمامه وحجته في أرضه وشاهده علي خلقه فيقر له بالطاعة.

فقلت له: يا أمير المؤمنين! وإن جهل جميع الأشياء إلا ما وصفت قال: نعم. وهي صريحة في المدعي.

وفي رواية أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جعلت فداك، أخبرني عن الدين الذي افترضه الله تعالي علي العباد ما لايسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو؟ فقال: أعده علي، فأعاد عليه، فقال: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً، وصوم شهر رمضان، ثم سكت قليلاً، ثم قال: والولاية والولاية، مرتين ثم قال: هذا الذي فرض الله عز وجل علي العباد، لا يسأل الرب العباد يوم القيامة، فيقول: ألا زدتني علي ما افترضت عليك، ولكن من زاد زاده الله. إن رسول الله صلي الله عليه وآله سن سنة حسنة ينبغي للناس الأخذ بها.

ونحوها رواية عيسي بن السري، قلت لابي عبد الله عليه السلام: حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام التي إذا أخذت بها زكي عملي....

وفي رواية أبي اليسع قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: أخبرني عن دعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شئ منها... (وقد أوردنا الروايتين في بحث معرفة الإمام)

وفي رواية إسماعيل: قال: سألت أبا

جعفر عليه السلام عن الدين الذي لا يسع العباد جهله فقال: الدين واسع، وإن الخوارج ضيقوا علي أنفسهم بجهلهم.

فقلت: جعلت فداك أما أحدثك بديني الذي أنا عليه. فقال: بلي. قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وأتولاكم وأبرأ من عدوكم ومن ركب رقابكم وتأمر عليكم وظلمكم حقكم. فقال: ما جهلت شيئاً. فقال: هو والله الذي نحن عليه. فقلت: فهل يسلم أحد لا يعرف هذا الأمر. قال: لا إلا المستضعفين. قلت: من هم قال: نساؤكم وأولادكم. قال: أرأيت أم أيمن! فإني أشهد أنها من أهل الجنة، وما كانت تعرف ما أنتم عليه.

فإن في قوله (ما جهلت شيئاً) دلالة واضحة علي عدم اعتبار الزائد في أصل الدين. والمستفاد من الأخبار المصرحة بعدم اعتبار معرفة أزيد مما ذكر فيها في الدين، وهو الظاهر أيضاً من جماعة من علمائنا الأخيار كالشهيدين في الألفية وشرحها، والمحقق الثاني في الجعفرية، وشارحها وغيرهم، وهو أنه يكفي في معرفة الرب التصديق بكونه موجوداً وواجب الوجود لذاته والتصديق بصفاته الثبوتية الراجعة إلي صفتي العلم والقدرة ونفي الصفات الراجعة إلي الحاجة والحدوث، وأنه لا يصدر منه القبيح فعلاً أو تركاً.

والمراد بمعرفة هذه الأمور ركوزها في اعتقاد المكلف، بحيث إذا سألته عن شئ مما ذكر أجاب بما هو الحق فيه، وإن لم يعرف التعبير عنه بالعبارات المتعارفة علي ألسنة الخواص.

ويكفي في معرفة النبي (صلي الله عليه وآله) معرفة شخصه بالنسب المعروف المختص به، والتصديق بنبوته وصدقه، فلا يعتبر في ذلك الإعتقاد بعصمته، أعني كونه معصوماً بالملكة من أول عمر إلي آخره. قال في المقاصد العلية: ويمكن اعتبار ذلك، لأن الغرض المقصود

من الرسالة لا يتم إلا به، فينتفي بالفائدة التي باعتبارها وجب إرسال الرسل. وهو ظاهر بعض كتب العقائد المصدرة بأن من جهل ما ذكروه فيها فليس مؤمناً مع ذكرهم ذلك، والأول غير بعيد عن الصواب. انتهي.

أقول: والظاهر أن مراده ببعض كتب العقائد هو الباب الحادي عشر للعلامة قدس سره حيث ذكر تلك العبارة، بل ظاهره دعوي إجماع العلماء عليه.

نعم يمكن أن يقال: إن معرفة ما عدا النبوة واجبة بالإستقلال علي من هو متمكن منه بحسب الإستعداد وعدم الموانع، لما ذكرنا من عمومات وجوب التفقه وكون المعرفة أفضل من الصلوات الواجبة، وأن الجهل بمراتب سفراء الله جل ذكره مع تيسر العلم بها تقصير في حقهم وتفريط في حبهم ونقص يجب بحكم العقل رفعه، بل من أعظم النقائص.

وقد أومأ النبي (صلي الله عليه وآله) إلي ذلك حيث قال مشيراً إلي بعض العلوم الخارجة من العلوم الشرعية: إن ذلك علم لا يضر جهله. ثم قال: إنما العلوم ثلاثة، آية محكمة وفريضة عادلة وسنة قائمة، وما سواهن فهو فضل.

وقد أشار إلي ذلك رئيس المحدثين في ديباجة الكافي، حيث قسم الناس إلي أهل الصحة والسلامة وأهل المرض والزمانة، وذكر وضع التكليف عن الفرقة الأخيرة.

ويكفي في معرفة الأئمة صلوات الله عليهم، معرفتهم بنسبهم المعروف والتصديق بأنهم أئمة يهدون بالحق ويجب الإنقياد إليهم والأخذ منهم. وفي وجوب الزائد علي ما ذكر من عصمتهم الوجهان. وقد ورد في بعض الأخبار تفسير معرفة حق الإمام بمعرفة كونه إماماً مفترض الطاعة.

ويكفي في التصديق بما جاء به النبي (صلي الله عليه وآله) التصديق بما علم مجيؤه به متواتراً من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات والسؤال في القبر وعذابه والمعاد الجسماني

والحساب والصراط والميزان والجنة والنار إجمالاً، مع تأمل في اعتبار معرفة ما عدا المعاد الجسماني من تلك الأمور في الإيمان المقابل للكفر الموجب للخلود في النار، للأخبار المتقدمة المستفيضة والسيرة المستمرة، فإنا نعلم بالوجدان جهل كثير من الناس بها من أول البعثة إلي يومنا هذا. ويمكن أن يقال: إن المعتبر هو عدم إنكار هذه الأمور وغيرها من الضروريات، لا وجوب الإعتقاد بها، علي ما يظهر من بعض الأخبار، من أن الشاك إذا لم يكن جاحداً فليس بكافر. ففي رواية زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا. ونحوها غيرها. ويؤيدها ما عن كتاب الغيبة للشيخ قدس سره بإسناده عن الصادق عليه السلام: إن جماعة يقال لهم الحقية، وهم الذين يقسمون بحق علي ولا يعرفون حقه وفضله، وهم يدخلون الجنة.

وبالجملة، فالقول بأنه يكفي في الإيمان الإعتقاد بوجود الواجب الجامع للكمالات المنزه عن النقائص وبنبوة محمد (صلي الله عليه وآله) وبإمامة الائمة غليهم السلام والبراءة من أعدائهم، والإعتقاد بالمعاد الجسماني الذي لا ينفك غالباً عن الإعتقادات السابقة غير بعيد، بالنظر إلي الأخبار والسيرة المستمرة.

وأما التدين بسائر الضروريات ففي اشتراطه، أو كفاية عدم إنكارها، أو عدم اشتراطه أيضاً، فلا يضر إنكارها إلا مع العلم بكونها من الدين وجوه، أقواها الأخير ثم الأوسط. وما استقربناه في ما يعتبر في الإيمان وجدته بعد ذلك في كلام محكي عن المحقق الورع الأردبيلي في شرح الإرشاد.

كفاية الأصول/329

نعم يجب تحصيل العلم في بعض الإعتقادات لو أمكن، من باب وجوب المعرفة لنفسها كمعرفة الواجب تعالي وصفاته، أداء لشكر بعض نعمائه، ومعرفة أنبيائه فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الإمام عليه السلام

علي وجه صحيح، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولإحتمال الضرر في تركه.

ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعاً معرفته كمعرفة الإمام عليه السلام علي وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع علي وجوب معرفته، وما لا دلالة علي وجوب معرفته بالخصوص، لا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة. ولا دلالة لمثل قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ.. الآية، ولا لقوله صلي الله عليه وآله: وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس. ولا لما دل علي وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات علي وجوب معرفته بالعموم، ضرورة أن المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته، والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه أصلاً. ومثل آية النفر، إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلي التفقه الواجب، لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته، كما لا يخفي. وكذا ما دل علي وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علي طلبه لا بصدد بيان ما يجب العلم به.

ثم إنه لا يجوز الإكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً حيث أنه ليس بمعرفة قطعاً، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذوراً إن كان عن قصور لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد، كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الإجتهاد، ولو لأجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلي للخلف، وقلما عنه تخلف. ولا يصغي إلي ما ربما قيل: بعدم وجود القاصر فيها، لكنه

إنما يكون معذوراً غير معاقب علي عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده بل كان ينقاد له علي إجماله لو احتمله.

حاشية السيد البروجردي علي كفاية الأصول:2/193

فصل. إنما الثابت بمقدمات دليل الإنسداد في الأحكام هو حجية الظن فيها، لا حجيته في تطبيق المأتي به في الخارج معها، فيتبع مثلاً في وجوب صلاة الجمعة يومها، لا في إتيانها، بل لا بد من علم أو علمي بإتيانها، كما لا يخفي. نعم ربما يجري نظير مقدمة الإنسداد في الأحكام في بعض الموضوعات الخارجية، من إنسداد باب العلم به غالباً، وإهتمام الشارع به بحيث علم بعدم الرضا بمخالفة الواقع بإجراء الأصول فيه مهما أمكن، وعدم وجوب الإحتياط شرعاً أو عدم إمكانه عقلاً، كما في موارد الضرر المردد أمره بين الوجوب والحرمة مثلاً، فلا محيص عن اتباع الظن حينئذ أيضاً، فافهم.

خاتمة: يذكر فيها أمران استطراداً:

الأول: هل الظن كما يتبع عند الإنسداد عقلاً في الفروع العملية، المطلوب فيها أولاً العمل بالجوارح، يتبع في الأصول الإعتقادية المطلوب فيها عمل الجوانح من الإعتقاد به وعقد القلب عليه وتحمله والإنقياد له، أو لا. الظاهر لا، فإن الأمر الإعتقادي وإن أنسد باب القطع به، إلا أن باب الإعتقاد إجمالاً _ بما هو واقعه والإنقياد له وتحمله _ غير منسد، بخلاف العمل بالجوارح فإنه لا يكاد يعلم مطابقته مع ما هو واقعه إلا بالإحتياط، والمفروض عدم وجوبه شرعاً، أو عدم جوازه عقلاً، ولا أقرب من العمل علي وفق الظن. وبالجملة: لا موجب مع إنسداد باب العلم في الإعتقاديات لترتيب الأعمال الجوانحية علي الظن فيها، مع إمكان ترتيبها علي ما هو الواقع فيها، فلا يتحمل إلا لما هو الواقع، ولا ينقاد إلا له، لا

لما هو مظنونه، وهذا بخلاف العلميات، فإنه لا محيص عن العمل بالظن فيها مع مقدمات الإنسداد.

نعم يجب تحصيل العلم في بعض الإعتقادات لو أمكن، من باب وجوب المعرفة لنفسها، كمعرفة الواجب تعالي وصفاته أداء لشكر بعض نعمائه، ومعرفة أنبيائه، فإنهم وسائط نعمه وآلائه، بل وكذا معرفة الإمام عليه السلام علي وجه صحيح، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك، ولاحتمال الضرر في تركه، ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر، إلا ما وجب شرعاً معرفته، كمعرفة الإمام عليه السلام علي وجه آخر غير صحيح، أو أمر آخر مما دل الشرع علي وجوب معرفته، وما لا دلالة علي وجوب معرفته بالخصوص، لا من العقل ولا من النقل، كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة.

ولا دلالة لمثل قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ.. الآية، ولا لقوله صلي الله عليه وآله: وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل علي وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات علي وجوب معرفته بالعموم، ضرورة أن المراد من (ليعبدون) هو خصوص عبادة الله ومعرفته، والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة، فلا إطلاق فيه أصلاً، ومثل آية النفر إنما هو بصدد بيان الطريق المتوسل به إلي التفقه الواجب، لا بيان ما يجب فقهه ومعرفته كما لا يخفي، وكذا ما دل علي وجوب طلب العلم إنما هو بصدد الحث علي طلبه، لا بصدد بيان ما يجب العلم به.

ثم إنه لا يجوز الإكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً أو شرعاً، حيث أنه ليس بمعرفة قطعاً، فلا بد من تحصيل العلم لو أمكن، ومع العجز عنه كان معذوراً إن كان عن قصور

لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلة الإستعداد، كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الإجتهاد، ولو لاجل حب طريقة الآباء والأجداد واتباع سيرة السلف، فإنه كالجبلي، وقلما عنه تخلف.

والمراد من المجاهدة في قوله تعالي: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا، بتخليتها عن الرذائل وتحليتها بالفضائل، وهي التي كانت أكبر من الجهاد، لا النظر والإجتهاد، وإلا لأدي إلي الهداية، مع أنه يؤدي إلي الجهالة والضلالة، إلا إذا كانت هناك منه تعالي عناية، فإنه غالباً بصدد إثبات أن ما وجد آباءه عليه هو الحق، لا بصدد الحق، فيكون مقصراً مع اجتهاده ومؤاخذ إذا أخطأ علي قطعه واعتقاده.

ثم لا إستقلال للعقل بوجوب تحصيل الظن مع اليأس عن تحصيل العلم، فيما يجب تحصيله عقلا لو أمكن، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه، لما أشرنا إليه من أن الأمور الإعتقادية مع عدم القطع بها أمكن الإعتقاد بما هو واقعها والإنقياد لها، فلا إلجاء فيها أصلاً إلي التنزل إلي الظن فيما انسد فيه باب العلم، بخلاف الفروع العملية كما لا يخفي.

وكذلك لا دلالة من النقل علي وجوبه فيما يجب معرفته مع الامكان شرعاً، بل الأدلة الدالة علي النهي عن اتباع الظن، دليل علي عدم جوازه أيضاً.

وقد انقدح من مطاوي ما ذكرنا أن القاصر يكون في الإعتقاديات للغفلة، أو عدم الإستعداد للإجتهاد فيها، لعدم وضوح الأمر فيها بمثابة لا يكون الجهل بها إلا عن نقص كما لا يخفي، فيكون معذوراً عقلاً.

ولا يصغي إلي ما ربما قيل بعدم وجود القاصر فيها، لكنه إنما يكون معذوراً غير معاقب علي عدم معرفة الحق، إذا لم يكن يعانده، بل كان

ينقاد له علي إجماله لو احتمله.

حقائق الأصول:2/211

قوله: فإن الأمر الإعتقادي، يعني أن العمل علي الظن في الأصول الإعتقادية يتوقف علي تتميم مقدمات الإنسداد فيها وهو غير ممكن إذ منها عدم إمكان الإحتياط الموجب للدوران بين الأخذ بالطرف المظنون والموهوم، وبقاعدة قبح ترجيح المرجوح يتعين الأول، وفي المقام لا مجال للدوران المذكور لإمكان الإعتقاد بها إجمالاً علي ما هي عليه واقعاً، إلا أن يدعي وجوب الإعتقاد بها تفصيلاً حتي في حال الجهل، فإنه حيث لا يمكن العلم بها لابد من سلوك الظن لأنه أقرب إلي الواقع، لكن لابد من الإلتزام بالكشف إذ لو لم تكشف المقدمات عن كون الظن حجة شرعاً كان الإعتقاد المطابق له تشريعاً محرماً عقلاً، فتأمل جيداً.

إلا أن دعوي وجوب الإعتقاد تفصيلاً مطلقاً لا دليل عليها من عقل أو شرع فلاحظ.

قوله: كمعرفة الواجب تعالي، لا ريب ظاهراً في وجوب هذه المعارف وإنما الخلاف في وجوبها عقلاً أو شرعاً، فالمحكي عن العدلية الأول، وعن الأشاعرة الثاني، والخلاف في ذلك منهم مبني علي الخلاف في ثبوت قاعدة التحسين والتقبيح العقليين، فعلي القول بها _ كما هو مذهب الأولين _ تكون واجبة عقلاً لأن شكر المنعم ودفع الخوف عن النفس واجبان وهما يتوقفان علي المعرفة وما يتوقف عليه الواجب واجب، وظاهر تقرير هذا الدليل كون وجوب المعرفة غيري، والمصنف رحمه الله جعل وجوبها نفسياً بناء منه علي كون المعرفة بنفسها شكراً، فإذا كان الشكر واجباً عقلاً لكونه حسناً بنفسه كانت المعرفة بنفسها واجبة لا أنها مقدمة لواجب، ولذا قال في تعليل وجوبها: أداء لشكر بعض... الخ.

نعم لو كان الشكر واجباً من باب وجوب دفع الضرر كان وجوبه غيرياً فيكون وجوب المعرفة

حينئذ غيرياً، بل لو قلنا حينئذ بأن وجوب دفع الضرر ليس عقلياً بل فطرياً كان وجوبها فطرياً غيرياً لا عقلياً لا نفسياً ولا غيرياً.

والإنصاف يقتضي التأمل في وجوب الشكر لنفسه وإن كان حسناً لأن حسنه لا يلازم وجوبه، نعم هو واجب من باب وجوب دفع الضرر المحتمل، فيكون وجوب المعرفة غيرياً لا نفسياً. وأما كونه عقلياً أو فطرياً فقد عرفت فيما سبق تحقيقه. فلاحظ.

ثم إنه قد يتوهم كون وجوب المعرفة غيرياً من جهة توقف الإعتقاد عليها، لكنه إنما يتم لو كان الإعتقاد واجباً تفصيلاً مطلقاً غير مشروط بالمعرفة مع توقفه علي المعرفة، وقد عرفت الإشكال في الأول، كما يمكن منع الثاني لإمكان تحقق الإعتقاد بلا معرفة غاية الأمر أنه تشريع محرم عقلاً لكن تحريمه كذلك لا يقتضي وجوب المعرفة. نعم لو كان الواجب عقلاً هو الإعتقاد عن معرفة كانت واجبة لغيرها لكنه أول الكلام.

قوله: فإنهم وسائط، يعني فتكون معرفتهم أداء للشكر الواجب، وكذا معرفة الإمام عليه السلام علي وجه صحيح (هامش: وهو كون الإمامة كالنبوة منصباً إلهياً يحتاج إلي تعيينه تعالي ونصبه لا أنها من الفروع المتعلقة بأفعال المكلفين وهو الوجه الآخر منه (قدس سره)، فالعقل يستقل بوجوب معرفة النبي ووصيه لذلك ولاحتمال الضرر في تركه، ولا يجب عقلاً معرفة غير ما ذكر إلا ما وجب شرعاً معرفته - كمعرفة الإمام عليه السلام - علي وجه آخر غير صحيح أو أمر آخر مما دل الشرع علي وجوب معرفته، وما لا دلالة علي وجوب معرفته بالخصوص لا من العقل ولا من النقل كان أصالة البراءة من وجوب معرفته محكمة، ولا دلالة لمثل قوله تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الإنْسَ، الآية ولا لقوله (صلي

الله عليه وآله): وما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصلوات الخمس، ولا لما دل علي وجوب التفقه وطلب العلم من الآيات والروايات علي وجوب معرفته بالعموم أن المراد من: ليعبدون، هو خصوص عبادة الله ومعرفته والنبوي إنما هو بصدد بيان فضيلة الصلوات لا بيان حكم المعرفة فتجب.

قوله: وكذا معرفة الإمام عليه السلام، يعني واجبة لنفسها لأن الإمامة كالنبوة من المناصب الإلهية فيكون الإمام عليه السلام من وسائط النعم فتجب معرفته كمعرفة النبي (صلي الله عليه وآله) وهذا هو الوجه الصحيح....

نهاية الافكار:2/188

أما المقام الأول، فلا ينبغي الإشكال في وجوب تحصيل معرفة الواجب تعالي ومعرفة ما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، ككونه واحداً قادراً عالماً مريداً حياً غنياً لم يكن له نظير ولا شبيه، ولم يكن بجسم ولا مرئي ولا له حيز ونحو ذلك.. كما لا إشكال أيضاً في كون الوجوب المزبور نفسياً، لأن المعرفة بالمبدأ سبحانه هي الغاية القصوي والغرض الأصلي من خلق العباد وبعث الرسل كما ينبي عنه قوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، حيث أن حقيقة العبودية هي المعرفة ولا ينافي ذلك مقدميتها لواجب آخر عقلي أو شرعي كالتدين والإنقياد ونحوه. ثم إن عمدة الدليل علي وجوب المعرفة إنما هو حكم العقل الفطري واستقلاله بوجوب تحصيل المعرفة بالمبدأ تعالي علي كل مكلف بمناط شكر المنعم باعتبار كونها من مراتب أداء شكره فيجب بحكم العقل تحصيل المعرفة به سبحانه، وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، بل ويجب أيضاً معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه.

وإلا فمع الأغماض عن هذا الحكم العقلي الفطري لا تجدي الأدلة السمعية كتاباً وسنة من نحو قوله سبحانه: وَمَا

خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، لعدم تمامية مثل هذه الإستدلالات للجاهل بهما لا إلزاماً ولا إقناعاً، لأن دليليتهما فرع الإعتقاد بهما وبكلامهما، وحينئذ فالعمدة في الدليل علي الوجوب هو حكم العقل الفطري.

نعم بعد تحصيل المعرفة بالمبدأ ووسائط نعمه بحكم العقل، لا بأس بالإستدلال بالكتاب والسنة لإثبات وجوب المعرفة لما عداهما في فرض تمامية إطلاق تلك الأدلة من حيث متعلق المعرفة، وإلا فبناء علي عدم إطلاقها من هذه الجهة فلا مجال للتمسك بها أيضاً.

ثم إنه مما ذكرنا ظهر الحال في المقام الثاني، حيث أنه بعد ما وجب تحصيل المعرفة بالواجب تعالي وبوسائط نعمه يجب بحكم العقل الإعتقاد وعقد القلب والانقياد له سبحانه، لكون مثله أيضاً من مراتب أداء شكره الواجب عليه. بل الظاهر أن وجوب ذلك أيضاً كوجوب أصل المعرفة مطلق غير مشروط بحصول العلم من الخارج، فيجب عليه حينئذ تحصيل العلم مقدمة للإنقياد الواجب.

هذا كله بالنسبة إلي أصل وجوب المعرفة، وأما المقدار الواجب منها فإنما هو المعرفة بالمبدأ جل شأنه وبوحدانيته وبما يرجع إليه من صفات الجمال والجلال، وكذا معرفة أنبيائه ورسله وحججه الذين هم وسائط نعمه وفيضه، وكذلك الحشر والنشر ولو بنحو الاجمال.

وأما ما عدا ذلك كتفاصيل التوحيد وكيفية علمه وإرادته سبحانه، وتفاصيل المحشر وخصوصياته، وأن الميزان والصراط بأي كيفية، ونحو ذلك فلا يجب تحصيل العلم ولا الإعتقاد بها بتلك الخصوصيات.

نعم في فرض حصول العلم بها من الخارج يجب الإعتقاد وعقد القلب بها. فوجوب الإعتقاد بخصوصيات الأامور المزبورة إنما كان مشروطاً بحصول العلم بها من باب الإتفاق، لا أن وجوبها مطلق حتي يجب تحصيل العلم بها من باب المقدمة. نعم الواجب علي المكلف هو الإعتقاد الإجمالي بما هو الواقع

ونفس الأمر فيعتقد وينقاد بتلك الأمور علي ما هي عليها في الواقع ونفس الأمر.

ومن هذا البيان ظهر الحال في المقام الثالث أيضاً، فإن مقتضي الأصل فيما عدا المقدار المزبور هو عدم وجوب تحصيل المعرفة زائداً علي المقدار الذي يستقل العقل بوجوب تحصيله، إلا ما ثبت من الخارج وجوب الإعتقاد به من ضرورة ونحوه كالمعاد الجسماني.

وأما الإستدلال علي وجوب المعرفة بتفاصيل الأمور المزبورة بما ورد من الأدلة النقلية كتاباً وسنة كقوله سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، وعموم آية النفر، وقوله عليه السلام: لا أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من الصلوات الخمس، وقوله: طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة، فيدفعه مضافاً إلي قضاء العادة بامتناع حصول المعرفة بما ذكر إلا للأوحدي من الناس، أنه لا إطلاق لها من حيث متعلق المعرفة لأنها بين ما كان في مقام بيان فضيلة الصلاة والحث والترغيب إليها لا في مقام بيان حكم المعرفة، وبين ما كان بصدد إثبات أصل وجوب المعرفة بالمبدأ ورسله وحججه لا في مقام وجوبها علي الإطلاق، حتي بالنسبة إلي التفاصيل المزبورة. وعليه فعند الشك لابد من الرجوع إلي الأصل المقتضي لعدم وجوبها.

نعم حيث قلنا بعدم وجوب تحصيل المعرفة في الزائد عن المقدار المعلوم فليس له إنكاره والحجد به، إذ لا يستلزم عدم وجوب المعرفة بشئ جواز إنكاره، بل ربما يكون إنكاره حراماً عليه، بل موجباً لكفره إذا كان من الضروريات، لما يظهر منهم من التسالم علي كفر منكر ضروري الدين كالمعراج والمعاد الجسماني ونحوهما. فلا بد لمثل هذا الشخص حينئذ من الإعتقاد إجمالاً بما هو الواقع.

شرح المواقف للجرجاني:8/105

... والجواب منع التكليف بكمال معرفته إذ هو أي التكليف بقدر وسعنا

فنحن مكلفون بأن نعرف من صفاته ما يتوقف تصديق النبي عليه السلام علي العلم به لا بمعرفة صفات أخري. أو بأن نقول سلمنا تكليفنا بكمال معرفته لكن لا يلزم من التكليف به حصوله من جميع المكلفين بل ربما يعرفه معرفة كاملة بعض منهم كالأنبياء والكاملين من أتباعهم....

فإن قلت: مرادهم أنا مكلفون بكمال معرفة ممكنة، وقد لا يسلمون كون معرفته تعالي بالكنه ممكنة.

قلت: لو سلم فلعل له تعالي صفة لا يمكن لنا معرفتها أيضاً فلا يتجه لهم بما ذكروه نفي صفة غير السمع بالكلية، فتأمل.

قوله: فنحن مكلفون إلي آخره.. هذا مترتب علي منة التكليف بكمال المعرفة، ثم الترتب باعتبار الأخبار نظيره الفاء في قوله تعالي: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ، أي إذا كان التكليف بكمال المعرفة ممنوعاً فأخبركم أنا مكلفون بكذا لا بكذا، وحينئذ لا يرد أن مثل السمع والبصر والكلام داخل تحت الوسع، فيقتضي قوله إذ هو بقدر وسعنا أن نكون مكلفين بمعرفته أيضاً مع أن التفريع يقتضي عدم التكليف بها، إذ لا يتوقف تصديق النبي عليه السلام علي شئ منها، فتدبر.

المعرفة لا تتوقف علي علم الكلام

مستدرك الوسائل:1/161

فقه الرضا عليه السلام: إياك والخصومة فإنها تورث الشك وتحبط العمل، وتردي صاحبها، وعسي أن يتكلم بشئ لا يغفر له.

ونروي: إنه كان فيما مضي قوم انتهي بهم الكلام إلي الله عز وجل فتحيروا، فإن كان الرجل ليدعي من بين يديه فيجيب من خلفه.

وأروي: تكلموا فيما دون العرش، فإن قوماً تكلموا في الله عز وجل فتاهوا.

وأروي عن العالم: وسألته عن شئ من الصفات فقال: لا تتجاوز ما في القرآن.

وأروي: إنه قري بين يدي العالم عليه السلام قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ،

فقال: إنما عني أبصار القلوب وهي الاوهام، فقال: لا تدرك الأوهام كيفيته، وهو يدرك كل وهم، وأما عيون البشر فلا تلحقه، لأنه لا يحل فلا يوصف. هذا ما نحن عليه كلنا.

رسائل الشهيد الثاني:2/174

التوحيد علي ثلاثة أقسام:

الأول: توحيد الذات ونفي الشريك في واجب الوجود.

الثاني: بحسب الصفات هو نفي الصفة الموجودة القائمة بذاته تعالي.

الثالث: توحيده تعالي بحسب العبودية وتخصيص العبادة له جل جلاله.

والعمدة في الإستدلال علي الأول قوله تعالي: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا. والدليل علي الثاني والثالث قوله تعالي: وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا، وقول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام: إن أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، بشهادة كل صفة أنها غير الموصوف وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله. صدق ولي الله عليه السلام. وروي محمد بن أبي عمير عن الكاظم عليه السلام حين سأله عن التوحيد؟ فقال: يا أبا أحمد لا تجاوز في التوحيد عما ذكره الله تعالي في كتابه فتهلك.

وسائر صفاته الثبوتية مذكورة في القرآن، مصرحة بواجب الوجود، وهو دليل علي نفي الصفات السلبية، لإستلزامها الامكان المضاد للوجوب. وباقي الأصول من النبوة والإمامة والمعاد الجسماني مستفاد من الكتاب العزيز والسنة النبوية والإمامية، بحيث لا مزيد عليها.

فظهر أن تحصيل الإيمان لا يتوقف علي تعلم علم الكلام ولا المنطق، ولا غيرها من العلوم المدونة، بل يكفي مجرد الفطرة الإنسانية علي اختلاف مراتبها، والتنبيهات الشرعية من الكتاب والسنة المتواترة أو الشائعة المشهورة، بحيث يحصل

من العلم بها العلم بالمسائل المذكورة. وكل ممكن برهان، وكل آية حجة، وكل حديث دليل، وفهم المقصود استدلال، وكل عاقل مستدل، وإن لم يعلم الصغري ولا الكبري ولا التالي ولا المقدم، بهذه العبارات والقانونات والإصطلاحات.

رسائل الشهيد الثاني:2/176

الباب السادس، في الكلام علي تعلم علم الكلام، واعلم أنه علم إسلامي وضعه المتكلمون لمعرفة الصانع وصفاته العليا، وزعموا أن الطريق منحصر فيه وهو أقرب الطرق. والحق أنه أبعدها وأصعبها وأكثرها خوفاً وخطراً، ولذلك نهي النبي صلي الله عليه وآله عن الغور فيه، حيث روي أنه مر علي شخصين متباحثين علي مسألة، كالقضاء والقدر، فغضب صلي الله عليه وآله حتي احمرت وجنتاه.

وروي هارون بن موسي التلعكبري أستاد شيخنا المفيد قدس سرهما، عن عبدالله ابن سنان قال: أردت الدخول علي أبي عبدالله عليه السلام، فقال لي مؤمن الطاق، استأذن لي علي أبي عبدالله عليه السلام، فقلت: نعم، فدخلت عليه فاعلمته مكانه، فقال عليه السلام: يابن سنان لا تأذن له علي، فإن الكلام والخصومات يفسدان النية وتمحق الدين.

وعن عاصم بن حميد الحناط عن أبي عبيدة الحذاء قال: قال لي أبوجعفر عليه السلام وأنا عنده: إياك وأصحاب الكلام والخصومات ومجالستهم، فإنهم تركوا ما أمروا بعلمه وتكلفوا ما لم يؤمروا بعلمه حين تكلفوا أهل أبناء السماء. يا أبا عبيدة خالط الناس بأخلاقهم وزائلهم في أعمالهم، يا أبا عبيدة إنا لا نعد الرجل فقيهاً عالماً حتي يعرف لحن القول، وهو قوله تعالي: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ.

وعن جميل بن دراج قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: متكلموا هذه الأمة من شرار أمتي ومن هم منهم.

وعنه عليه السلام: يهلك أهل الكلام وينجو المسلمون.

وورد في موضع آخر: إن شر

هذه الأمة المتكلمون.

وروي أن يونس قال للصادق عليه السلام: جعلت فداك إني سمعت أنك تنهي عن الكلام تقول: ويل لاصحاب الكلام. فقال عليه السلام: إنما قلت ويل لهم إن تركوا ما أقول وذهبوا إلي ما يقولون.

أقول: يمكن أن يكون هذا إشارة إلي أنهم تركوا التشبيهات كما عرفت الواردة في القرآن والآثار النبوية والإمامية صلوات الله عليهم، وعدلوا عنها إلي خيالاتهم الفاسدة وحكاياتهم الباردة، المذكورة في الكتب الكلامية.

قال سيد المحققين رضي الدين علي بن طاووس قدس سره: مثل مشائخ المعتزلة في تعليمهم معرفة الصانع، كمثل شخص أراد أن يعرف غيره النار، فقال: يا هذا معرفتها تحتاج إلي أسباب: أحدها الحجر ولا يوجد إلا طريق مكة. والثاني الحديد وصفته كذا وكذا. والثالث حراق علي هذه الصفة. والرابع مكان خال عن شدة الهواء، فأخذ المسكين في تحصيل هذه الأسباب.

ولو قال له في أول الحال: إن هذه الجسم المضي الذي تشاهده هو النار التي تطلبها لأراح واستراح.

فمثل هذا العالم حقيق أن يقال إنه قد أضل، ولا يقال إنه قد هدي، أو عدل بالخلائق (في معرفة الخالق) إلي تلك الطرائق الضيقة البعيدة، وضيق عليهم سبيل الحقيقة، كما عدل من أراد تعريف النار المعلومة بالإضطرار إلي استخراجها من الأخبار.

أقول: هذا حال الكلام الذي كان في أول الإسلام، ولا شك أنه ما كان بهذه المثابة من البحث والخصومة، فما ظنك بهذه المباحثات والخصومات الشائعة في زماننا. وليت شعري أن هؤلاء الجماعة هل لهم دليل عقلي ونقلي علي وجوبه واستحبابه؟ أو مجرد تقليد آبائهم وأسلافهم، وأنهم علي آثارهم لمقتدون. وأنهم هل يقرون بإيمان السابقين أو ينكرونه؟ وهل يعترفون بإيمان العوام الغافلين عنه أو لا يعترفون؟ فإن أقروا

واعترفوا فما فائدته؟ وإلا فكيف يعاشرونهم بالرطوبات؟ مع اعتقادهم بأن عدم المعرفة بالأصول كفر والكافر نجس. وكيف يجوز الإشتغال بالواجب مع استلزامه ترك ما هو أوجب؟ فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتي يلاقوا يومهم الذي كانوا يوعدون.

و يكفي الدليل الاجمالي في المعرفة

الاقتصاد للشيخ الطوسي/15

فإن قيل: قد ذكرتم أنه يخرج الإنسان عن حد التقليد بعلم الجملة، ما حد ذلك بينوه لنقف عليه؟

قلنا: أحوال الناس تختلف في ذلك: فمنهم من يكفيه الشئ اليسير، ومنهم من يحتاج إلي أكثر منه بحسب ذكائه وفطنته وخاطره، حتي يزيد بعضهم علي بعض إلي أن يبلغ إلي حد لا يجوز له الإقتصار علي علم الجملة بل يلزمه علي التفصيل لكثرة خواطره وتواتر شبهاته. وليس يمكن حصر ذلك لشئ لا يمكن الزيادة عليه ولا النقصان عنه.

فإن قيل: فعلي كل حال بينوا لذلك مثالاً علي وجه التقريب.

قلنا: أما علي وجه التقريب فإنا نقول: من فكر في نفسه فعلم أنه لم يكن موجوداً ثم وجد نطفة ثم صار علقة ثم مضغة ثم عظماً ثم جنيناً في بطن أمه ميتاً ثم صار حياً فبقي مدة ثم ولد صغيراً، فتتقلب به الأحوال من صغر إلي كبر ومن طفولة إلي رجلة ومن عدم عقل إلي عقل كامل ثم إلي الشيخوخة وإلي الهرم ثم الموت، وغير ذلك من أحواله، عَلِمَ أن هنا من يصرفه هذا التصريف ويفعل به هذا الفعل، لأنه يعجز عن فعل ذلك بنفسه، وحال غيره من أمثاله حاله من العجز عن مثل ذلك. فعلم بذلك أنه لابد من أن يكون هناك من هو قادر علي ذلك مخالف له، لأنه لو كان مثله لكان حكمه حكمه. ويعلم أنه لا بد أن يكون عالماً من حيث أن ذلك في

غاية الحكمة والإتساق، مع علمه الحاصل بأن بعض ذلك لا يصدر ممن ليس بعالم، وبهذا القدر يكون عالماً بالله تعالي علي الجملة.

وهكذا إذا نظر في بذر يبذر فينبت منه أنواع الزرع والغرس ويصعد إلي منتهاه، فمنه ما يصير شجراً عظيماً يخرج منه أنواع الفواكه والملاذ، ومنه ما يصير زرعاً يخرج منه أنواع الأقوات، ومنه ما يخرج منه أنواع المشمومات الطيبة الروائح، ومنه ما يكون خشبه في غاية الطيب كالعود الرطب وغير ذلك، وكالمسك الذي يخرج من بعض الظباء والعنبر الذي يخرج من البحر، فيعلم بذلك أن مصرف ذلك وصانعه قادر عالم لتأتي ذلك وإتساقه، ولعجزه وعجز أمثاله عن ذلك، فيعلم بذلك أنه مخالف لجميع أمثاله، فيكون عارفاً بالله علي الجملة.

وكذلك إذا نظر إلي السماء صاحية فتهب الرياح وينشأ السحاب ويصعد ولا يزال يتكاثف ويظهر فيه الرعد والبرق والصواعق، ثم ينزل منه من المياه والبحار العظيمة التي تجري منها الأنهار العظيمة والأودية الوسيعة، وربما كان فيه من البرد مثل الجبال، كل ذلك في ساعة واحدة ثم تنقشع السماء وتبدو الكواكب وتطلع الشمس أو القمر كأن ما كان لم يكن من غير تراخ ولا زمان بعيد، فيعلم ببديهة أنه لابد أن يكون من صح ذلك منه قادراً عليه ممكن منه، وأنه مخالف له ولأمثاله، فيكون عند ذلك عارفاً بالله. وأمثال ذلك كثيرة لا نطول بذكره.

فمتي عرف الإنسان هذه الجملة وفكر فيها هذا الفكر واعتقد هذا الإعتقاد، فإن مضي علي ذلك ولم يشعثه خاطر ولا طرقته شبهة فهو ناج متخلص.

وأكثر من أشرتم إليه يجوز أن يكون هذه صفته، وإن بحث عن ذلك وعن علل ذلك فطرقته شبهات وخطرت له خطرات وأدخل عليه قوم ملحدون

ما حيره وبلبله فحينئذ يلزمه التفتيش ولا تكفيه هذه الجملة، ويجب عليه أن يتكلف البحث والنظر علي ما سنبينه ليسلم من ذلك ويحصل له العلم علي التفصيل.

ونحن نبين ذلك في الفصل الذي يلي هذا الفصل علي ما وعدنا به إنشاء الله.

فإن قيل: أصحاب الجُمَل (بضم الجيم أي أصحاب المعرفة الإجمالية) علي ما ذكرتم لا يمكنهم أن يعرفوا صفات الله تعالي وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه منها علي طريق الجمله، وإذا لم يمكنهم ذلك لم يمكنهم أن يعلموا أن أفعاله كلها حكمة ولا حسن التكليف ولا النبوات ولا الشرعيات، لأن معرفة هذه الأشياء لا يمكن إلا بعد معرفة الله تعالي علي طريق التفصيل.

قلنا: يمكن معرفة جميع ذلك علي وجه الجملة، لأنه إذا علم بما قدمناه من الافعال ووجوب كونه قادراً عالماً، وعلم أنه لا يجوز أن يكون قادراً بقدرة محدثة لأنها كانت تجب أن تكون من فعله، وقد تقرر أن المحدث لابد له من محدث، وفاعلها يجب أن يكون قادراً أولاً، فلولا تقدم كونه قادراً قبل ذلك لما صح منه تعالي فعل القدرة، فيعلم أنه لم يكن قادراً بقدرة محدثة، ولأجله علم أنه كذلك لامر لا اختصاص له بمقدور دون مقدور، فيعلم أنه يجب أن يكون قادراً علي جميع الأجناس ومن كل جنس علي ما لا يتناهي لفقد التخصيص.

وكذلك إذا علم بالمحكم من أفعاله كونه عالماً علم أن ما لاجله علم ما علمه لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم، إذ المخصص هو العلم المحدث والعلم لا يقع إلا من عالم، فلابد أن يتقدم كونه عالماً لا بعلم محدث، وما لأجله علم لا اختصاص له بمعلوم دون معلوم، فيعلم أنه عالم

بما لا يتناهي وبكل ما يصح أن يكون معلوماً لفقد الاختصاص. فيعلم أنه لا يشبه الأشياء، لأنه لو أشبهها لكان مثلها في كونها محدثة، لأن المثلين لا يكون أحدهما قديماً والآخر محدثاً. ويعلم أنه غير محتاج، لأن الحاجة من صفات الاجسام، لأنها تكون إلي جلب المنافع ودفع المضار وهما من صفات الأجسام، فيعلم عند ذلك أنه غني. ويعلم أنه لا تجوز عليه الرؤية والإدراكات، لأنه لا يصح أن يدرك إلا ما يكون هو أو محله في جهة، وذلك يقتضي كونه جسماً أو حالاً في جسم، وهكذا يقتضي حدوثه وقد علم أنه قديم. وإذا علم أنه عالم بجيمع المعلومات، وعلم كونه غنياً، علم أن جميع أفعاله حكمة وصواب ولها وجه حسن وأن لم يعلمه مفصلاً، لأن القبيح لا يفعله إلا من هو جاهل بقبحه أو محتاج إليه وكلاهما منتفيان عنه، فيقطع عند ذلك علي حسن جميع أفعاله من خلق الخلق والتكليف وفعل الآلام وخلق المؤذيات من الهوام والسباع وغير ذلك.

ويعلم أيضاً عند ذلك صحة النبوات، لأن النبي إذا ادعي النبوة وظهر علي يده علم معجز يعجز عن فعله جميع المحدثين علم أنه من فعل الله، ولو لا صدقه لما فعله، لأن تصديق الكذاب لا يحسن، وقد أمن ذلك بكونه عالماً غنياً. فإذا علم صدق الأنبياء بذلك علم صحة ما أتوا به من الشرعيات والعبادات، لكونهم صادقين علي الله، وأنه لا يتعبد الخلق إلا بما فيه مصلحتهم.

وإذا ثبت له هذه العلوم فتشاغل بالعبادة أو بالمعيشة ولم تخطر له شبهة ولا أورد عليه ما يقدح فيما علمه، ولا فكر هو في فروع ذلك، لم يلزمه أكثر من ذلك. ومتي أورد عليه شبهة فإن تصورها قادحة فيما

علمه يلزمه حينئذ النظر فيها حتي يحلها ليسلم له ما علمه، وإن لم يتصورها قادحة ولا اعتقد أنها تؤثر فيما علمه لم يلزمه النظر فيها ولا التشاغل بها.

وهذه أحوال أكثر العوام وأصحاب المعايش والمترفين، فإنهم ليس يكادون يلتفتون إلي شبهة تورد عليهم ولا يقبلونها ولا يتصورونها قادحة فيما اعتقدوه، بل ربما أعرضوا عنها واستغنوا عن سماعها وإيرادها وقالوا: لا تفسدوا علينا ما علمناه. وقد شاهدت جماعة هذه صورتهم. فبان بهذه الجملة ما أشرنا إليه من أحوال أصحاب الجُمَل.

رسائل الشهيد الثاني:2/142

الثاني في بيان معني الدليل الذي يكفي في حصول المعرفة المحققة للايمان عند من لا يكتفي بالتقليد في المعرفة.

إعلم أن الدليل بمعني الدال، وهو لغة المرشد، وهو الناصب للدليل كالصانع، فإنه نصب العالم دليلاً عليه، والذاكر له كالعالم، فإنه دال بمعني أنه يذكرون العالم دليلاً علي الصانع، ويقال لما به الإرشاد كالعالم، لأنه بالنظر فيه يحصل الإرشاد، أي الإطلاع علي الصانع تعالي.

واصطلاحاً: هو ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلي مطلوب خبري، وهذا يشمل الإمارة، لأنها توصل بالنظر فيها إلي الظن بمطلوب خبري، كالنظر إلي الغيم الرطب في فصل الشتاء، فإن التأمل فيه يوجب الظن بنزول المطر فيه. وقيل: إنه ما يمكن التوصل به إلي العلم بمطلوب خبري، فلا يشمل الإمارة. وهذان التعريفان للأصوليين. وقوله: ما يمكن، يشمل ما نظر فيه بالفعل وأوجب المطلوب وما لم ينظر فيه بعد، فالعالم قبل النظر فيه دليل علي وجود الصانع عند الأصوليين دون المنطقيين حيث عرفوه بأنه قولان فصاعداً يكون عنهما قول آخر، وهذا يشمل الإمارة، وقيل: قولان فصاعداً يلزم عنه لذاته قول آخر، وهذا لا يشمل الإمارة. فالدليل عندهم إنما يصدق علي القضايا

المصدق بها حالة النظر فيها أي ترتيبها، لأنها الحالة التي تكون فيه أو يلزم منها قول آخر.

ويمكن أن يقال: علي اعتبار اللزوم لا يصدق الدليل علي المقدمات حال ترتيبها، لأن اللزوم لا يحصل عنده بل بعده. اللهم إلا أن يراد باللزوم اللغوي، أي الإستتباع.

ثم إن الذي يكفي إعتباره في تحقق الإيمان من هذه التعاريف هو التعريف الثاني للأصوليين لكن بعد النظر فيما يمكن التوصل به، لا الأول، لأن ما يفيد الظن بالمعارف الأصولية غير كاف في تحقق الإيمان علي المذهب الحق.

ولا يعتبر في تحققه شئ من تعريف المنطقيين، لأن العلم بترتيب المقدمات وتفصيلها علي الوجه المعتبر عندهم غير لازم في حصول الإيمان، بل اللازم من الدليل فيه ما تطمئن به النفس بحسب استعدادها ويسكن إليه القلب، بحيث يكون ذلك ثابتاً مانعاً من تطرق الشك والشبهة إلي عقيدة المكلف، وهذا يتفق كثيراً بملاحظة الدليل إجمالاً، كما هو الواقع لأكثر الناس.

أقول: يمكن أن يقال أن حصول العلم عن الدليل لا يكون إلا بعد ترتيب المقدمات علي الوجه التفصيلي المعتبر في شرائط الإستدلال، وحصوله في النفس وإن لم يحصل الشعور بذلك الترتيب، إذ ليس كل ما اتصفت به النفس تشعر به، إذ العلم بالعلم غير لازم.

والحاصل أن الترتيب المذكور طبيعي لكل نفس ناطقة مركوز فيها. وهذا معني ما قالوه من أن الشكل الأول بديهي الإنتاج لقربه من الطبع، فدل علي أن في الطبيعة ترتيباً مطبوعاً متي أشرفت عليه النفس حصل به العلم، وحينئذ فالمعتبر في حصول العلم بالدليل ليس إلا ما ذكره المنطقيون. والخلاف بينهم وبين الأصوليين ليس إلا في التسمية، لانهم يطلقون الدليل علي نفس المحسوس كالعالم، وأهل المعقول لا يطلقونه إلا

علي نفس المعقول كالقضايا المرتبة، مع أن حصول العلم بالفعل علي الإصطلاحين يتوقف علي ترتيب القضايا المعقولة، وما نحن فيه من هذا القبيل،فإن حصول الإيمان بالفعل أعني التصديق بالمعارف الإلهية إنمايكون بعد الترتيب المذكور.

فقولهم إن الدليل الإجمالي كاف في الإيمان لا يخلو عن مسامحة، لما بينا من أن الترتيب لابد منه في النظريات، وكأنهم أرادوا بالإجمال عدم الشعور بذلك الترتيب وعدم العلم بشرائط الإستدلال، لا عدم حصول ذلك في النفس، والثاني هو المعتبر في حصول العلم دون الأول. نعم الأول إنما يعتبر في المناظرات ودفع المغالطات ورد الشبهة وإلزام الخصوم.

ويؤيد ما ذكرناه أنك لا تجد في مباحث الدليل وتعريفه إشارة إلي أنه قد يكون تفصيلياً وقد يكون إجمالياً، وما يوجد في مباحث الإيمان من أنه يكفي فيه الدليل الجملي، فقد بينا المراد منه.

العجز عن معرفة ذات الله تعالي

الكافي:1/92

باب النهي عن الكلام في الكيفية:

محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن أبي بصير قال: قال أبوجعفر عليه السلام: تكلموا في خلق الله ولا تتكلموا في الله فإن الكلام في الله لا يزداد صاحبه إلا تحيراً. وفي رواية أخري عن حريز: تكلموا في كل شئ ولا تتكلموا في ذات الله.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالرحمن بن الحجاج، عن سليمان بن خالد قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إن الله عز وجل يقول: وَأَنَّ إلي رَبِّكَ الْمُنْتَهَي، فإذا انتهي الكلام إلي الله فأمسكوا.

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير عن أبي أيوب، عن محمد بن مسلم قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يا محمد إن الناس لا يزال

بهم المنطق حتي يتكلموا في الله، فإذا سمعتم ذلك فقولوا: لا إله إلا الله الواحد الذي ليس كمثله شئ.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابه، عن الحسين بن المياح، عن أبيه قال سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: من نظر في الله كيف هو؟ هلك.

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عبدالحميد، عن العلاء بن رزين، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إياكم والتفكر في الله، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلي عظمته فانظروا إلي عظيم خلقه.

محمد بن أبي عبدالله رفعه قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: يا ابن آدم لو أكل قلبك طائر لم يشبعه، وبصرك لو وضع عليه خرق إبرة لغطاه، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض، إن كنت صادقاً فهذه الشمس خلق من خلق الله، فإن قدرت تملأ عينيك منها فهو كما تقول.

نهج البلاغة:2/67

... فمن هداك لإجترار الغذاء من ثدي أمك، وعرفك عند الحاجة مواضع طلبك وإرادتك. هيهات، إن من يعجز عن صفات ذي الهيئة والأدوات فهو عن صفات خالقه أعجز. وَمِن تناولِه بحدود المخلوقين أبعد.

نهج البلاغة:2/119

ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مَثَّله، ولا إياه عني من شَبَّهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه.

كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول.

فاعلٌ لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا بإستفادة، لا تصحبه الأوقات، ولا ترفده الأدوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عُرِفَ أن لا

مُشْعِرَ له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عُرِفَ أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة والجمود بالبلل....

نهج البلاغة:1/158

ومن خطبة له عليه السلام: الحمد لله المعروف من غير رؤية، والخالق من غير رَوِيَّة، الذي لم يزل قائماً دائماً إذ لا سماء ذات أبراج، ولا حجب ذات أرتاج، ولا ليل داج، ولا بحر ساج، ولا جبل ذو فجاج....

نهج البلاغة:1/164

... وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره علي معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين، إذ يقولون: تَأَللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِينَ. كذب العادلون بك، إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك علي الخلقة المختلفة القوي بقرائح عقولهم....

الكافي:1/137

علي بن محمد، عن صالح بن أبي حماد، عن الحسين بن يزيد، عن الحسن بن علي ابن أبي حمزة، عن إبراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن الله تبارك اسمه، وتعالي ذكره، وجل ثناؤه، سبحانه وتقدس، وتفرد وتوحد، ولم يزل ولا يزال، وهو الأول والآخر و الظاهر والباطن فلا أول لأوليته، رفيعٌ في أعلي علوه، شامخ الأركان، رفيع البنيان عظيم السلطان، منيف الآلاء، سني العلياء، الذي عجز الواصفون عن كنه صفته، ولا يطيقون حمل معرفة إلهيته، ولا يحدون حدوده، لأنه بالكيفية لا يتناهي إليه.

علي بن إبراهيم، عن المختار بن محمد بن المختار ومحمد بن الحسن، عن عبدالله ابن الحسن العلوي جميعاً، عن الفتح بن يزيد الجرجاني قال: ضمني وأبا الحسن عليه السلام الطريق في منصرفي من

مكة إلي خراسان وهو سائر إلي العراق، فسمعته يقول: من اتقي الله يتقي، ومن أطاع الله يطاع، فتلطفت الوصول إليه، فوصلت فسلمت عليه، فرد علي السلام ثم قال: يا فتح من أرضي الخالق لم يبال بسخط المخلوق، ومن أسخط الخالق فقمن أن يسلط الله عليه سخط المخلوق، وإن الخالق لا يوصف إلا بما وصف به نفسه، وأني يوصف الذي تعجز الحواس أن تدركه، والأوهام أن تناله، والخطرات أن تحده، والأبصار عن الإحاطة به، جل عما وصفه الواصفون، وتعالي عما ينعته الناعتون، نأي في قربه، وقرب في نأيه، فهو في نأيه قريب، وفي قربه بعيد، كيَّف الكيف فلا يقال: كيف؟ وأيَّن الاين فلا يقال: أين؟ إذ هو منقطع الكيفوفية والاينونية.

النهي عن الفضولية في معرفة الله تعالي

مستدرك الوسائل:12/47

محمد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن مسعدة بن صدقة، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام): إن رجلاً قال لامير المؤمنين عليه السلام: هل تصف ربنا نزداد له حباً وبه معرفة؟ فغضب وخطب الناس، فقال فيما قال:

عليك يا عبدالله بما دلك عليه القرآن من صفته، وتقدمك فيه الرسول من معرفته، فائتم به، واستضي بنور هدايته، فإنما هي نعمة وحكمة أوتيتها، فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس عليك في الكتاب فرضه، ولا في سنة الرسول وأئمة الهدي أثره، فكل علمه إلي الله، ولا تقدر عظمة الله عليه قدر عقلك، فتكون من الهالكين، وأعلم يا عبدالله أن الراسخين في العلم، هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام علي السدد المضروبة دون الغيوب، إقراراً بجهل ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فقالوا: آمنا به كل من عند ربنا، وقد مدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا

به علماً، وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً.

انواع من المعرفة والعارفين

المعرفة الحقيقية والمعرفة الشكلية

الصحيفة السجادية:2/108

... عن ثابت البناني قال: كنت حاجاً وجماعة عباد البصرة مثل أيوب السجستاني، وصالح المري، وعتبة الغلام، وحبيب الفارسي، ومالك بن دينار، فلما أن دخلنا مكة رأينا الماء ضيقاً، وقد اشتد بالناس العطش لقلة الغيث، ففزع إلينا أهل مكة والحجاج يسألوننا أن نستسقي لهم، فأتينا الكعبة وطفنا بها، ثم سألنا الله خاضعين متضرعين بها، فمنعنا الإجابة. فبينما نحن كذلك إذا نحن بفتي قد أقبل وقد أكربته أحزانه وأقلقته أشجانه، فطاف بالكعبة أشواطاً، ثم أقبل علينا، فقال: يا مالك بن دينار ويا ثابت البناني ويا صالح المري ويا عتبة الغلام ويا حبيب الفارسي ويا سعد ويا عمر ويا صالح الأعمي ويا رابعة ويا سعدانة ويا جعفر بن سليمان، فقلنا: لبيك وسعديك يا فتي. فقال: أما فيكم أحد يحبه الرحمن؟ فقلنا: يا فتي علينا الدعاء وعليه الإجابة، فقال: أبعدوا عن الكعبة فلو كان فيكم أحد يحبه الرحمن لأجابه!

ثم أتي الكعبة فخر ساجداً، فسمعته يقول في سجوده: سيدي بحبك لي إلا سقيتهم الغيث. قال: فما استتم الكلام حتي أتاهم الغيث كأفواه القرب. فقلت: يا فتي من أين علمت أنه يحبك؟ قال: لو لم يحبني لم يستزرني، فلما استزارني علمت أنه يحبني، فسألته بحبه لي فأجابني. ثم ولي عنا وأنشأ يقول:

من عرف الرب فلم تُغْنِهِ معرفة الرب فذاك الشقِي

ما ضر ذو الطاعة ما ناله في طاعة الله وما ذا لقِي

ما يصنع العبد بغير التقي والعز ك_ل العز للمتقِي

فقلت يا أهل مكة من هذا الفتي؟ قالوا: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. ورواه في مستدرك الوسائل:6/209

تحير المتصوفة في دور العقل في المعرفة

التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي/63-67 (تحقيق د. عبد الحليم محمود طبع عيسي الحلبي مصر

1960)

قولهم في معرفة الله تعالي:

أجمعوا علي أن الدليل علي الله هو الله وحده، وسبيل العقل عندهم سبيل العاقل في حاجته إلي الدليل لأنه محدث، والمحدث لا يدل إلا علي مثله. وقال رجل للنوري: ما الدليل علي الله؟ قال: الله. قال فما العقل؟ قال العقل عاجز، والعاجز لا يدل إلا علي عاجز مثله!

وقال ابن عطاء: العقل آلة للعبودية لا للأشراف علي الربوبية. وقال غيره: العقل يجول حول الكون، فإذا نظر إلي المكون ذاب. وقال أبوبكر القحطبي: من لحقته العقول فهوت مقهورة إلا من جهة الإثبات، ولولا أنه تعرف إليها بالألطاف لما أدركته من جهة الإثبات. وأنشدونا لبعض الكبار:

من رامه بالعقل مسترشداً سرحه في حيرة يلهو

وشاب بالتلبيس أسراره يقول من حيرته هل هو

وقال بعض الكبار من المشايخ: البادي من المكونات معروف بنفسه لهجوم العقل عليه، والحق أعز من أن تهجم العقول عليه وإنه عرفنا نفسه أنه ربنا فقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟ ولم يقل: من أنا؟ فتهجم العقول عليه حين بدأ معرفاً، فلذلك انفرد عن العقول، وتنزه عن التحصل غير الإثبات.

وأجمعوا أنه لا يعرفه إلا ذو عقل، لأن العقل آلة للعبد يعرف به ما عرف، وهو بنفسه لا يعرف الله تعالي.

وقال أبوبكر السباك: لما خلق الله العقل قال له: من أنا؟ فسكت فكحله بنور الوحدانية ففتح عينيه فقال: أنت الله لا إله إلا أنت. فلم يكن للعقل أن يعرف الله إلا الله.

تحيرهم في الفرق بين العلم والمعرفة

ثم اختلفوا في المعرفة نفسها: ما هي؟ والفرق بينها وبين العلم.

فقال الجنيد: المعرفة وجود جهلك عند قيام علمه. قيل له زدنا، قال: هو العارف وهو المعروف. معناه: إنك جاهل به من حيث أنت، وإنما عرفته من حيث

هو، وهو كما قال سهل: المعرفة هي المعرفة بالجهل.

وقال سهل: العلم يثبت بالمعرفة، والعقل يثبت بالعلم، وأما المعرفة فإنها تثبت بذاتها. معناه: إن الله إذا عرف عبداً نفسه فعرف الله تعالي بتعرفه إليه، أحدث له بعد ذلك علماً، فأدرك العلم بالمعرفة وقام العقل فيه بالعلم الذي أحدثه فيه.

وقال غيره: تبين الأشياء علي الظاهر علم، وتبينها علي استكشاف بواطنها معرفة. وقال غيره: أباح العلم للعامة وخص أولياءه بالمعرفة.

وقال أبوبكر الوراق: المعرفة معرفة الأشياء بصورها وسماتها، والعلم علم الأشياء بحقائقها.

وقال أبو سعيد الخراز: المعرفة بالله هي علم الطلب لله من قبل الوجود له، والعلم بالله هو بعد الوجود، فالعلم بالله أخفي وأدق من المعرفة بالله.

وقال فارس: المعرفة هي المستوفية في كنه المعروف.

وقال غيره: المعرفة هي حقر الأقدار إلا قدر الله، وأن لا يشهد مع قدر الله قدراً.

وقيل لذي النون: بم عرفت ربك؟ قال: ما هممت بمعصية فذكرت جلال الله إلا استحييت منه. جعل معرفته بقرب الله منه دلالة المعرفة له.

وقيل لعليان: كيف حالك مع المولي؟ قال: ما جفوته منذ عرفته. قيل له: متي عرفته؟ قال: منذ سموني مجنوناً. جعل دلالة معرفة له تعظيم قدره عنده.

قال سهل: سبحان من لم يدرك العباد من معرفته إلا عجزاً عن معرفته.

تصوراتهم عن العارف بالله تعالي

التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي/136-138

سئل الحسن بن علي بن يزدانيار: متي يكون العارف بمشهد الحق؟ قال: إذا بدا الشاهد، وفني الشواهد، وذهب الحواس، واضمحل الإخلاص.

معني بدا الشاهد: يعني شاهد الحق، وهو أفعاله بك مما سبق منه إليك من بره لك، وإكرامه إياك بمعرفته، وتوحيده، والإيمان به، تفني رؤية ذلك منك رؤية أفعالك وبرك وطاعتك، فتري كثير ما منك

مستغرقاً في قليل ما منه، وإن كان ما منه ليس بقليل، وما منك ليس بكثير.

وفناء الشواهد: بسقوط رؤية الخلق عنك، بمعني الضر والنفع والذم والمدح.

وذهاب الحواس هو معني قوله: فبي ينطق وبي يبصر، الحديث.

ومعني اضمحل الإخلاص: أن لا يراك مخلصاً، وما خلص من أفعالك خلص، ولن يخلص أبداً إذا رأيت صفتك، فإن أوصافك معلولة مثلك.

سئل ذوالنون، عن نهاية العارف، فقال: إذا كان كما كان حيث كان قبل أن يكون، معناه: أن يشاهد الله وأفعاله دون شاهده وأفعاله.

قال بعضهم: أعرف الخلق بالله أشدهم تحيراً فيه.

قيل لذي النون: ما أول درجة يرقاها العارف؟

فقال: التحير، ثم الافتقار، ثم الإتصال، ثم التحير.

الحيرة الأولي في أفعاله به ونعمه عنده، فلا يري شكره يوازي نعمه، وهو يعلم أنه مطالب بشكرها، وإن شكر كان شكره نعمة يجب عليه شكرها، ولا يري أفعاله أهلاً أن يقابله بها استحقاراً لها، ويراها واجبة عليه، لا يجوز له التخلف عنها.

وقيل قام الشبلي يوماً يصلي فبقي طويلاً ثم صلي، فلما انفتل عن صلاته قال: يا ويلاه إن صليت جحدت، وإن لم أصل كفرت.

أي جحدت عظم النعمة وكمال الفضل حيث قابلت ذلك بفعلي شكراً له مع حقارته. ثم أنشد:

الحم_د لله عل_ي أنن_ي كضفدع يسكن في اليم

إن هي فاهت ملات فمها أو سكتت ماتت من الغم

والحيرة الأخيرة: أن يتحير في متاهات التوحيد، فيضل فهمه ويخنس عقله في عظم قدرة الله تعالي وهيبته وجلاله. وقد قيل: دون التوحيد متاهات تضل فيها الأفكار.

سأل أبو السوداء بعض الكبار فقال: هل للعارف وقت؟ قال: لا. فقال: لم؟ قال: لأن الوقت فرجة تنفس عن الكربة، والمعرفة أمواج تغط، وترفع وتحط،

فالعارف وقته أسود مظلم. ثم قال:

شرط المعارف محو الكل منك إذا بدا المريد بلحظ غير مطلع

قال فارس العارف: من كان علمه حالة، وكانت حركاته غلبة عليه.

سئل الجنيد عن العارف فقال: لون الماء لون الإناء. يعني أنه يكون في كل حال بما هو أولي فتختلف أحواله، ولذلك قيل: هو ابن وقته.

سئل ذو النون عن العارف، فقال: كان هاهنا فذهب. يعني أنك لا تراه في وقتين بحالة واحدة، لأن مصرفه غيره. وأنشدونا لابن عطاء:

ولو نطقت في السن الدهر خبرت بأني في ثوب الصبابة أرفل

وما أن لها علم بقدري وموضعي وما ذاك موهوم لاني أنقل

وقال سهل بن عبدالله: أول مقام في المعرفة أن يعطي العبد يقيناً في سره تسكن به جوارحه، وتوكلاً في جوارحه يسلم به في دنياه، وحياة في قلبه يفوز بها في عقباه.

قلنا: العارف هو الذي بذل مجهوده فيما لله، وتحقق معرفته بما من الله، وصح رجوعه من الأشياء إلي الله. قال الله تعالي: تري أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق.

المؤلفة قلوبهم بالمال لكي يعرفوا

اجتهد الخليفة عمر بن الخطاب في آية المؤلفة قلوبهم فأسقط سهمهم رغم نص الآية عليه، وقد خالفه في ذلك علي والأئمة من أهل البيت غليهم السلام وعدد من الصحابة لأن الآية نصت علي ذلك ولا يجوز نسخها بالإجتهاد!

الكافي:2/412

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن حسان، عن موسي بن بكر، عن رجل قال: قال أبو جعفر عليه السلام: ما كانت المؤلفة قلوبهم قط أكثر منهم اليوم، وهم قوم وحدوا الله وخرجوا من الشرك ولم تدخل معرفة محمد رسول الله صلي الله عليه وآله قلوبهم وما جاء به، فتألفهم رسول الله

صلي الله عليه وآله وتألفهم المؤمنون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله لكي ما يعرفوا.

مجمع الفائدة والبرهان:4/158

الرابع: المؤلفة قلوبهم، قال المصنف في المنتهي: أجمع علمائنا علي أن من المشركين قوم مؤلفة يستمالون بالزكاة لمعاونة المسلمين، ونقل في التهذيب من تفسير علي بن إبراهيم، عن العالم عليه السلام أنه قال: والمؤلفة قلوبهم قال: هم قوم وحدوا الله وخلعوا عبادة من دون الله ولم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمداً رسول الله صلي الله عليه وآله، فكان رسول الله صلي الله عليه وآله يتألفهم يعلمهم ويعرفهم كيما يعرفوا، فجعل لهم نصيباً في الصدقات لكي يعرفوا ويرغبوا.

راجع أيضاً: الحدائق الناضرة:12/175، وذخيرة المعاد/454، ومستند الشيعة:2/46، وجواهر الكلام:15/339، وفقه السيد الخوئي:23/247، ومصباح الفقية:3/95، وغيرها من مصادر الحديث والفقه والتفسير.

دعوة العدو في الجهاد إلي معرفة الله تعالي

الكافي:5/36

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري قال: دخل رجال من قريش علي علي بن الحسين صلوات الله عليهما، فسألوه كيف الدعوة إلي الدين؟ قال: تقول: بسم الله الرحمن الرحيم أدعوكم إلي الله عز وجل وإلي دينه، وجماعه أمران: أحدهما معرفة الله عز وجل، والآخر العمل برضوانه، وأن معرفة الله عز وجل أن يعرف بالوحدانية والرأفة والرحمة والعزة والعلم والقدرة والعلو علي كل شئ وأنه النافع الضار، القاهر لكل شئ، الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير وأن محمداً عبده ورسوله، وأن ما جاء به هو الحق من عند الله عز وجل، وما سواه هو الباطل، فإذا أجابوا ذلك فلهم ما للمسلمين وعليهم ما علي المسلمين.

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمد بن الحسن بن شمون، عن عبدالله بن عبدالرحمن،

عن مسمع بن عبدالملك، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: لما وجهني رسول الله صلي الله عليه وآله إلي اليمن قال:يا علي لا تقاتل أحداً حتي تدعوه إلي الإسلام، وأيم الله لأن يهدي الله عز وجل علي يديك رجلاً خير لك مما طلعت عليه الشمس وغربت، ولك ولاؤه. انتهي. وروي نحو الحديث الأول في تهذيب الأحكام:6/141

معرفة أهل الآخرة بديهية لا كسبية

رسائل الشريف المرتضي:2/133

قال المرتضي (رض): سألت بيان أحكام أهل الآخرة في معارفهم وأحوالهم، وأنا ذاكر من ذلك جملة وجيزة: إعلم أن لأهل الآخرة ثلاث أحوال: حال ثواب، وحال عقاب، وحال أخري للمحاسبة. ويعمهم في هذه الأحوال الثلاث سقوط التكليف عنهم، وأن معارفهم ضرورية، وأنهم ملجؤون إلي الإمتناع من القبيح وإن كانوا مختارين لأفعالهم مؤثرين لها، وهذا هو الصحيح دون ما ذهب إليه من خالف هذه الجملة....

وأما الذي يدل علي أن أهل الآخرة لابد أن يكونوا عارفين بالله تعالي وأحواله، فهو أن المثاب متي لم يعرفه تعالي، لم يصح منه معرفة كون الثواب ثواباً وواصلاً إليه علي الوجه الذي يستحقه، وأنه دائم غير منقطع، وإذا كانت هذه المعارف واجبة فما لا يتم هذه المعرفة إلا به _ من معرفة الله تعالي وإكمال العقل وغيرهما _ لابد من حصوله.

بحث للشيخ الطوسي في تعريف الإيمان والكفر

الاقتصاد/140

الإيمان هو التصديق بالقلب، ولا إعتبار بما يجري علي اللسان، وكل من كان عارفاً بالله وبنبيه وبكل ما أوجب الله عليه معرفته مقراً بذلك مصدقاً به فهو مؤمن. والكفر نقيض ذلك، وهو الجحود بالقلب دون اللسان مما أوجب الله تعالي عليه المعرفة به، ويعلم بدليل شرعي أنه يستحق العقاب الدائم الكثير.

وفي المرجئة من قال: الإيمان هو التصديق باللسان خاصة وكذلك الكفر هو الجحود باللسان، والفسق هو كل ما خرج به عن طاعة الله تعالي إلي معصيته، سواء كان صغيراً أو كبيراً. وفيهم من ذهب إلي أن الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان معاً، والكفر هو الجحود بهما.

وفي أصحابنا من قال: الإيمان هو التصديق بالقلب واللسان والعمل بالجوارح، وعليه دلت كثير من الأخبار المروية عن الائمة غليهم السلام.

وقالت المعتزلة: الإيمان إسم للطاعات، ومنهم

من جعل النوافل والفرائض من الإيمان، ومنهم من قال النوافل خارجة عن الإيمان. والإسلام والدين عندهم شئ واحد، والفسق عندهم عبارة عن كل معصية يستحق بها العقاب، والصغائر التي تقع عندهم مكفرة لا تسمي فسقاً. والكفر عندهم هو ما يستحق به عقاب عظيم، وأجريت علي فاعله أحكام مخصوصة، فمرتكب الكبيرة عندهم ليس بمؤمن ولا كافر بل هو فاسق.

وقالت الخوارج قريباً من قول المعتزلة إلا أنهم لا يسمون الكبائر كلها كفراً، وفيهم من يسميها شركاً.

والفضيلية منهم تسمي كل معصية كفراً صغيرة كانت أو كبيرة.

والزيدية من كان منهم علي مذهب الناصر يسمون الكبائر كفر نعمة، والباقون يذهبون مذهب المعتزلة.

والذي يدل علي ما قلناه: أولاً، هو أن الإيمان في اللغة هو التصديق، ولا يسمون أفعال الجوارح إيماناً، ولا خلاف بينهم فيه.

ويدل عليه أيضاً قولهم: فلان يؤمن بكذا وكذا وفلان لا يؤمن بكذا. وقال تعالي: يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ. وقال: وما أنت بمؤمن لنا، أي بمصدق، وإذا كان فائدة هذه اللفظة في اللغة ما قلناه وجب إطلاق ذلك عليها إلا أن يمنع مانع، ومن ادعي الانتقال فعليه الدلالة، وقد قال الله تعالي: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ. وقال: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ. وقال: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا. وكل ذلك يقتضي حمل هذه اللفظة علي مقتضي اللغة. وليس إذا كان هاهنا ألفاظ منتقلة وجب أن يحكم في جميع الألفاظ بذلك، وإنما ينتقل عما ينتقل بدليل يوجب ذلك. وإن كان في المرجئة من قال ليس هاهنا لفظ منتقل ولا يحتاج إلي ذلك.

ولا يلزمنا أن نسمي كل مصدق مؤمنا لأنا إنما نطلق ذلك علي من صدق بجميع ما أوجبه الله عليه. والإجماع مانع من تسمية من

صدق بالجبت والطاغوت مؤمناً، فمنعنا ذلك بدليل وخصصنا موجب اللغة، وجري ذلك مجري تخصيص العرف لفظ الدابة ببهيمة مخصوصة، وإن كان موجب اللغة يقتضي تسمية كل ما دب دابة، ويكون ذلك تخصيصاً لا نقلاً. فعلي موجب هذا، يلزم من ادعي انتقال هذه اللفظة إلي أفعال الجوارح أن يدل عليه.

وليس لأحد أن يقول: إن العرف لا يعرف التصديق فيه إلا بالقول، فكيف حملتموه علي ما يختص القلب؟

قلنا: العرف يعرف بالتصديق باللسان والقلب، لانهم يصفون الاخرس بأنه مؤمن وكذلك الساكت، ويقولون: فلان يصدق بكذا وكذا وفلان لا يصدق، ويريدون ما يرجع إلي القلب، فلم يخرج بما قلناه عن موجب اللغة.

وإنما منعنا إطلاقه في المصدق باللسان لأنه لو جاز ذلك لوجب تسميته بالإيمان وإن علم جحوده بالقلب، والإجماع مانع من ذلك.

... وأما الكفر فقد قلنا إنه عند المرجئة من أفعال القلوب، وهو جحد ما أوجب الله تعالي معرفته مما عليه دليل قاطع كالتوحيد والعدل والنبوة وغير ذلك، وأما في اللغة فهو الستر والجحود، وفي الشرع عبارة عما يستحق به العقاب الدائم الكثير، ويلحق بفاعله أحكام شرعية كمنع التوارث والتناكح.

والعلم بكون المعصية كفراً طريقه السمع لا مجال للعقل فيه، لأن مقادير العقاب لا تعلم عقلاً، وقد أجمعت الأمة علي أن الإخلال بمعرفة الله تعالي و توحيده وعدله وجحد نبوة رسله كفر، لا يخالف فيه إلا أصحاب المعارف الذين بينا فساد قولهم.

ولا فرق بين أن يكون شاكاً في هذه الأشياء أو يكون معتقداً لما يقدح في حصولها، لأن الاخلال بالواجب يعم الكل.

فعلي هذا، المجبرة والمشبهة كفار، وكذلك من قال بالصفات القديمة لأن اعتقادهم الفاسد في هذه الأشياء ينافي الإعتقاد الصحيح من المعرفة بالله

تعالي وعدله وحكمته.

بحث للشهيد الثاني في تعريف الإيمان والكفر

رسائل الشهيد الثاني:2/50

في تعريف الإيمان لغة وشرعاً، فاعلم أن الإيمان لغةً: التصديق، كما نص عليه أهلها، وهو إفعال من الأمن، بمعني سكون النفس واطمئنانها لعدم ما يوجب الخوف لها، وحينئذ فكان حقيقة آمن به سكنت نفسه واطمأنت بسبب قبول قوله وامتثال أمره، فتكون الباء للسببية. ويحتمل أن يكون بمعني آمنه التكذيب والمخالفة، كما ذكره بعضهم فتكون الباء فيه زائدة، والأول أولي كما لا يخفي وأوفق لمعني التصديق، وهو يتعدي باللام كقوله تعالي: وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا، فَأَمَنَ لَهُ لُوطٌ. وبالباء كقوله تعالي: آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ.

وأما التصديق: فقد قيل أنه القبول والإذعان بالقلب، كما ذكره أهل الميزان.

ويمكن أن يقال: معناه قبول الخبر أعم من أن يكون بالجنان أو باللسان، ويدل عليه قوله تعالي: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا. فأخبروا عن أنفسهم بالإيمان وهم من أهل اللسان، مع أن الواقع منهم هو الإعتراف باللسان دون الجنان، لنفيه عنهم بقوله تعالي: قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا. وإثبات الإعتراف بقوله تعالي: وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا، الدال علي كونه إقراراً بالشهادتين، وقد سموه إيماناً بحسب عرفهم، والذي نفاه الله عنهم إنما هو الإيمان في عرف الشرع.

إن قلت: يحتمل أن يكون ما ادعوه من الإيمان هو الشرعي، حيث سمعوا الشارع كلفهم بالإيمان، فيكون المنفي عنهم هو ما ادعوا ثبوته لهم، فلم يبق في الآية دلالة علي أنهم أرادوا اللغوي.

قلت: الظاهر أنه في ذلك الوقت لم تكن الحقائق الشرعية متقررة عندهم، لبعدهم عن مدارك الشرعيات، فلا يكون المخبر عنه إلا ما يسمونه إيماناً عندهم.

وقوله تعالي: آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وقوله تعالي: وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ.

وجه

الدلالة في هذه الآيات أن الإيمان في اللغة التصديق، وقد وقع في الأخبار عنهم أنهم آمنوا بألسنتهم دون قلوبهم، فيلزم صحة إطلاق التصديق علي الإقرار باللسان وإن لم يوافقه الجنان. وعلي هذا فيكون المنفي هو الإيمان الشرعي أعني القلبي، جمعاً بين صحة النفي والإثبات في هذه الآيات.

لا يقال: هذا الإطلاق مجاز، وإلا لزم الإشتراك، والمجاز خير منه.

لانا نقول: هو من قبيل المشترك المعنوي لا اللفظي، ومعناه قبول الخبر أعم من أن يكون باللسان أو بالجنان، واستعمال اللفظ الكلي في أحد أفراد معناه باعتبار تحقق الكلي في ضمنه حقيقة لا مجازاً، كما هو المقرر في بحث الالفاظ.

فإن قلت: إن المتبادر من معني الإيمان هو التصديق القلبي عند الإطلاق، وأيضاً يصح سلب الإيمان عمن أنكر بقلبه وإن أقر بلسانه، والأول علامة الحقيقة والثاني علامة المجاز.

قلت: الجواب عن الأول أن التبادر لا يدل علي أكثر من كون المتبادر هو الحقيقي لا المجازي، لكن لا يدل علي كون الحقيقة لغوية أو عرفية، وحينئذ فلا يتعين أن اللغوي هو التصديق القلبي، فلعله العرفي الشرعي.

إن قلت: الأصل عدم النقل، فيتعين اللغوي.

قلت: لا ريب أن المعني اللغوي الذي هو مطلق التصديق لم يبق علي إطلاقه بل أخرج عنه إما بالتخصيص عند بعض أو النقل عند آخرين. ومما يدل علي ذلك أن الإيمان الشرعي هو التصديق بالله وحده وصفاته وعدله، وبنبوة نبينا محمد صلي الله عليه وآله وبما علم بالضرورة مجيئه به لا ما وقع فيه الخلاف وعلي هذا أكثر المسلمين. وزاد الإمامية التصديق بإمامة إمام الزمان، لأنه من ضروريات مذهبهم أيضاً أنه مما جاء به النبي صلي الله عليه وآله وقد عرفت أن الإيمان في اللغة

التصديق مطلقاً، وهذا أخص منه.

ويؤيد ذلك قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَ رَسُولِهِ. أخبر عنهم تعالي بالإيمان، ثم أمرهم بإنشائه فلابد أن يكون الثاني غير الأول، وإلا لكان أمراً بتحصيل الحاصل. وإذا حصلت المغايرة كان الثاني المأمور به هو الشرعي، حيث لم يكن حاصلاً لهم، إذ لا محتمل غيره إلا التأكيد، والتأسيس خير منه. وعن الثاني بالمنع من كون ما صح سلبه هو الإيمان اللغوي بل الشرعي، وليس النزاع فيه.

إن قلت: ما ذكرته معارض بما ذكره أهل الميزان في تقسيم العلم إلي التصور والتصديق، من أن المراد بالتصديق الإذعان القلبي، فيكون في اللغة كذلك لأن الأصل عدم النقل.

قلت: قد بينا سابقاً أن الخروج عن هذا الأصل ولو سلم فلا دلالة في ذلك علي حصر معني التصديق مطلقاً في الإذعان القلبي، بل التصديق الذي هو قسم من العلم وليس محل النزاع.

علي أنا نقول: لو سلمنا صحة الإطلاق مجازاً ثبت مطلوبنا أيضاً، لانا لم ندع إلا أن معناه قبول الخبر مطلقاً، ولا ريب أن الألفاظ المستعملة لغة في معني من المعاني حقيقة أو مجازاً تعد من اللغة، وهذا ظاهر.

واما الإيمان الشرعي: فقد اختلفت في بيان حقيقته العبارات بحسب اختلاف الإعتبارات. وبيان ذلك: إن الإيمان شرعاً: إما أن يكون من أفعال القلوب فقط، أو من أفعال الجوارح فقط، أو منهما معاً. فإن كان الأول فهو التصديق بالقلب فقط، وهو مذهب الأشاعرة وجمع من متقدمي الإمامية ومتأخريهم، ومنهم المحقق الطوسي رحمه الله في فصوله، لكن اختلفوا في معني التصديق فقال أصحابنا: هو العلم. وقال الأشعرية: هو التصديق النفساني، وعنوا به أنه عبارة عن ربط القلب علي ما علم من أخبار المخبر،

فهو أمر كسبي يثبت باختيار المصدق، ولذا يثاب عليه بخلاف العلم والمعرفة، فإنها ربما تحصل بلا كسب، كما في الضرويات.

وقد ذكر حاصل ذلك بعض المحققين، فقال: التصديق هو أن تنسب باختيارك الصدق للمخبر حتي لو وقع ذلك في القلب من غير اختيار لم يكن تصديقاً وإن كان معرفة، وسنبين إن شاء الله تعالي[ قصور ]ذلك.

وإن كان الثاني، فإما أن يكون عبارة عن التلفظ بالشهادتين فقط، وهو مذهب الكرامية. أوعن جميع أفعال الجوارح من الطاعات بأسرها فرضاً ونفلاً، وهو مذهب الخوارج وقدماء المعتزلة والغلاة والقاضي عبدالجبار. أو عن جميعها من الواجبات وترك المحظورات دون النوافل، وهو مذهب أبي علي الجبائي وابنه هاشم وأكثر معتزلة البصرة.

وإن كان الثالث، فهو إما أن يكون عبارة عن أفعال القلوب مع جميع أفعال الجوارح من الطاعات، وهو قول المحدثين وجمع من السلف كابن مجاهد وغيره، فإنهم قالوا: إن الإيمان تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان.

وإما أن يكون عبارة عن التصديق مع كلمتي الشهادة، ونسب إلي طائفة، منهم أبوحنيفة.

أو يكون عبارة عن التصديق بالقلب مع الإقرار باللسان، وهو مذهب المحقق نصير الدين الطوسي رحمه الله في تجريده، فهذه سبعة مذاهب ذكرت في الشرح الجديد للتجريد وغيره.

واعلم أن مفهوم الإيمان علي المذهب الأول يكون تخصيصاً للمعني اللغوي، وأما علي المذاهب الباقية فهومنقول، والتخصيص خير من النقل.

وهنا بحث وهو أن القائلين بأن الإيمان عبارة عن فعل الطاعات، كقدماء المعتزلة والعلاف والخوارج، لا ريب أنهم يوجبون اعتقاد مسائل الأصول، وحينئذ فما الفرق بينهم وبين القائلين بأنه عبارة عن أفعال القلوب والجوارح؟

ويمكن الجواب، بأن اعتقاد المعارف شرط عند الأولين وشطر عند الاخرين...

إعلم أن المحقق الطوسي رحمه الله

ذكر في قواعد العقائد أن أصول الإيمان عند الشيعة ثلاثة: التصديق بوحدانية الله تعالي في ذاته تعالي، والعدل في أفعاله، والتصديق بنبوة الأنبياء غليهم السلام والتصديق بإمامة الأئمة المعصومين من بعد الأنبياء غليهم السلام.

وقال أهل السنة: إن الإيمان هو التصديق بالله تعالي، وبكون النبي صلي الله عليه وآله صادقاً، والتصديق بالأحكام التي يعلم يقيناً أنه صلي الله عليه وآله حكم بها دون ما فيه اختلاف واشتباه.

والكفر يقابل الإيمان، والذنب يقابل العمل الصالح، وينقسم إلي كبائر وصغائر.

ويستحق المؤمن بالإجماع الخلود في الجنة، ويستحق الكافر الخلود في العقاب. انتهي.

وذكر في الشرح الجديد للتجريد أن الإيمان في الشرع عند الأشاعرة هو التصديق للرسول فيما علم مجيئه به ضرورة، فتفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً، فهو في الشرع تصديق خاص. انتهي.

فهؤلاء اتفقوا علي أن حقيقة الإيمان هي التصديق فقط، وإن اختلفوا في المقدار المصدق به. والكلام هاهنا في مقامين:

الأول: في أن التصديق الذي هو الإيمان المراد به اليقين الجازم الثابت، كما يظهر من كلام من حكينا عنه.

الثاني: في أن الأعمال ليست جزء من حقيقة الإيمان الحقيقي، بل هي جزء من الإيمان الكمالي. أما الدليل علي الأول فآيات بينات:

منها قوله تعالي: إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. والإيمان حق للنص والإجماع، فلا يكفي في حصوله وتحققه الظن.

ومنها: إن يتبعون إلا الظن، إن هم إلا يظنون، إن بعض الظن إثم. فهذه قد اشتركت في التوبيخ علي اتباع الظن، والإيمان لا يوبخ من حصل له بالإجماع، فلا يكون ظناً.

ومنها قوله: إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا. فنفي عنهم الريب، فيكون الثابت هو اليقين.

إن قلت: هذه

الآية الكريمة لا تدل علي المدعي بل علي خلافه، وهو عدم اعتبار اليقين في الإيمان، وذلك أنها إنما دلت علي حصر الإيمان فيما عدا الشك، فيصدق الإيمان علي الظن.

قلت: الظن في معرض الريب، لأن النقيض مجوز فيه ويقوي بأدني تشكيك، فصاحبه لا يخلو من ريب حيث أنه دائماً يجوز النقيض، علي أن الريب قد يطلق علي ما هو أعم من الشك، يقال: لا أرتاب في كذا. ويريد أنه منه علي يقين، وهذا شائع ذائع.

ومن السنة المطهرة قوله عليه السلام: يا مقلب القلوب والابصار ثبت قلبي علي دينك، فلو لم يكن ثبات القلب شرطاً في الإيمان لما طلبه عليه السلام، والثبات هو الجزم والمطابقة، والظن لإثبات فيه، إذ يجوز ارتفاعه.

وفيه، منع كون الثبات شرطاً في تحقيق الإيمان، ويجوز أن يكون عليه السلام طلبه لكونه الفرد الأكمل، وهو لا نزاع فيه.

ومن جملة الدلائل علي ذلك أيضاً الإجماع، حيث ادعي بعضهم أنه يجب معرفة الله تعالي التي لا يتحقق الإيمان بها إلا بالدليل إجماعاً من العلماء كافة، والدليل ما أفاد العلم، والظن لا يفيده.

وفي صحة دعوي الإجماع بحث، لوقوع الخلاف في جواز التقليد في المعارف الأصولية، كما سنذكره إن شاء الله تعالي.

واعلم أن جميع ما ذكرناه من الأدلة لا يفيد شئ منه العلم بأن الجزم والثبات معتبر في التصديق الذي هو الإيمان إنما يفيد الظن باعتبارهما، لأن الآيات قابلة للتأويل وغيرها كذلك، مع كونها من الاحاد.

ومن الآيات أيضاً قوله تعالي: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللهُ. واعترض علي هذا الدليل بأنه أخص من المدعي، فإنه إنما يدل علي اعتبار اليقين في بعض المعارف، وهو التوحيد دون غيره، والمدعي اعتبار اليقين في

كل ما التصديق به شرط في تحقق الإيمان، كالعدل والنبوة والمعاد وغيرها.

وأجيب بأنه لا قائل بالفرق، فإن كل من اعتبر اليقين اعتبره في الجميع، ومن لم يعتبره لم يعتبره في شئ منها. واعلم أن ما ذكرناه علي ما تقدم وارد هاهنا أيضاً.

واعترض أيضاً بأن الآية الكريمة خطاب للرسول صلي الله عليه وآله، فهي إنما تدل علي وجوب العلم عليه وحده دون غيره.

وأجيب بأن ذلك ليس من خصوصياته صلي الله عليه وآله بالإجماع، وقد دل دليل وجوب التأسي به علي وجوب اتباعه، فيجب علي باقي المكلفين تحصيل العلم بالعقائد الأصولية.

وأيضاً أورد أنه إنما يفيد الوجوب لو ثبت أن الأمر للوجوب، وفيه منع لاحتماله غيره، وكذا يتوقف علي كون المراد من العلم هاهنا القطعي، وهو غير معلوم، إذ يحتمل أن يراد به الظن الغالب، وهو يحصل بالتقليد. وبالجملة فهو دليل ظني.

وأما المقالة الثانية وهو أن الأعمال ليست جزء من الإيمان ولا نفسه فالدليل عليه من الكتاب العزيز، والسنة المطهرة، والإجماع.

أما الكتاب، فمنه قوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، فإن العطف يقتضي المغايرة، وعدم دخول المعطوف في المعطوف عليه، فلو كان عمل الصالحات جزء من الإيمان أو نفسه لزم خلو العطف عن الفائدة لكونه تكراراً.

وَرُدَّ ذلك بأن الصالحات جمع معرف يشمل الفرض والنفل، والقائل بكون الطاعات جزء من الإيمان يريد بها فعل الواجبات واجتناب المحرمات، وحينئذ فيصح العطف لحصول المغايرة المفيدة لعموم المعطوف، فلم يدخل كله في المعطوف عليه، نعم ذلك يصلح دليلاً علي إبطال مذهب القائلين بكون المندوب داخلاً في حقيقة الإيمان كالخوارج.

ومنه قوله تعالي: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ، أي حالة إيمانه، فإن عمل الصالحات في

حالة الإيمان يقتضي المغايرة لما أضيف إلي تلك الحالة وقارنه فيها، وإلا لصار المعني: ومن يعمل بعض الإيمان حال حصول ذلك البعض، أو ومن يعمل من الإيمان حال حصوله، وحينئذ فيلزم تقدم الشئ علي نفسه وتحصيل الحاصل.

إن قلت: الآية الكريمة إنما تدل علي المغايرة في الجملة، لكن لا يلزم من ذلك أن لا تكون الأعمال جزءاً، فإن المعني والله أعلم: ومن يعمل من الصالحات حال إيمانه، أي تصديقه بالمعارف الإلهية، وحينئذ فيجوز أن يكون الإيمان الشرعي بمجموع الجزئين، أي عمل الصالحات والتصديق المذكور، فالمغايرة إنما هي بين جزئي الإيمان ولا محذور فيه، بل لابد منه وإلا لما تحقق الكل، بل لابد لنفي ذلك من دليل.

قلت: من المعلوم أن الإيمان قد غير عن معناه لغة، فأما التصديق بالمعارف فقط فيكون تخصيصاً، أو مع الأعمال فيكون نقلاً، لكن الأول أولي، لأن التخصيص خير من النقل.

ووجه الإستدلال بالآية أيضاً بأن ظاهرها كون الإيمان الشرعي شرطاً لصحة الأعمال، حيث جعل سعيه مقبولاً إذا وقع حال الإيمان، فلابد أن يكون الإيمان غير الأعمال، وإلا لزم إشتراط الشئ بنفسه.

ويرد علي هذا ما ورد علي الأول بعينه، نعم اللازم هنا أن يكون أحد جزئي المركب شرطاً لصحة الآخر ولا محذور فيه.

والجواب عن هذا هو الجواب عن ذلك فتأمل.

ومنه قوله تعالي: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا... فإنه أثبت الإيمان لمن ارتكب بعض المعاصي، فلو كان ترك المنهيات جزء من الإيمان لزم تحقق الإيمان وعدم تحققه في موضع واحد في حالة واحدة وهو محال.

ولهم أن يجيبوا عن ذلك بمنع تحقق الإيمان حالة ارتكاب المنهي، وكون تسميتهم بالمؤمنين باعتبار ما كانوا عليه وخصوصاً علي مذهب المعتزلة، فإنهم لا

يشترطون في صدق المشتق علي حقيقة بقاء المعني المشتق منه.

ويمكن دفعه بأن الشارع قد منع من جواز إطلاق المؤمن علي من تحقق كفره وعكسه، والكلام في خطاب الشارع، فلا نسلم لهم الجواب.

ومنه قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ، فإن أمرهم بالتقوي التي لا تحصل إلا بفعل الطاعات والإنزجار عن المنهيات مع وصفهم بالإيمان، يدل علي عدم حصول التقوي لهم، وإلا لما أمروا بها مع حصول الإيمان لو صفهم به، فلا تكون الأعمال نفس الإيمان ولا جزء منه، وإلا لكان أمراً بتحصيل الحاصل.

ويرد عليه، جواز أن يراد من الإيمان الذي وصفوا به اللغوي، ويكون المأمور به هو الشرعي وهو الطاعات، أو جزؤه عند من يقول بالجزئية. ويجاب عنه بنحو ما أجيب عما أورد علي الدليل الثاني، فليتأمل.

ومنه أيضاً الآيات الدالة علي كون القلب محلاً للايمان من دون ضميمة شئ آخر، كقوله تعالي: أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإيمَانَ. أي جمعه وأثبته فيها والله أعلم.

ولو كان الإقرار غيره من الأعمال نفس الإيمان أو جزءه، لما كان القلب محل جمعه، بل هو مع اللسان وحده، أو مع بقية الجوارح علي اختلاف الآراء.

وقوله تعالي: وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ. ولو كان غير القلب من أعمال الجوارح نفس الإيمان أو جزءه، لما جعل كله محل القلب، كما هو ظاهر الآية الكريمة.

وقوله تعالي: وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ. فإن إطمئنانه بالإيمان يقتضي تعلقه كله به، وإلا لكان مطمئناً ببعضه لا كله.

أقول: يرد علي الأخير أنه لا يلزم من اطمئنانه بالإيمان كونه محلاً له، إذ من الجائز كونه عبارة عن الطاعات وحدها، أو مع شئ آخر واطمئنان القلب لإطلاعه علي حصول ذلك،

فإن القلب يطلع علي الأعمال.

ويرد علي الأولين أن الإيمان المكتوب والداخل في القلب إنما هو العقائد الأصولية، ولا يدل علي حصر الإيمان في ذلك، ونحن لا نمنع ذلك بل نقول بإعتبار ذلك في الإيمان إما علي طريق الشرطية لصحته، أو الجزئية له، إذ من يزعم أنه الطاعات فقط لابد من حصول ذلك التصديق عنده أيضاً لتصح تلك الأعمال، غاية الأمر أنه شرط للإيمان أو جزؤه لا نفسه، كما تقدمت الاشارة إليه.

نعم هما يدلان علي بطلان مذهب الكرامية، حيث يكتفون في تحققه بلفظ الشهادتين من غير شئ آخر أصلاً لا شرطاً ولا جزءاً.

قيل: وكذا آيات الطبع والختم تشعر بأن محل الإيمان القلب، كقوله تعالي: أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلَي قُلُوبِهِمْ... فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ... وَخَتَمَ عَلَي سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَي بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ. وفيه ما تقدم.

وأما السنة المطهرة، فكقوله عليه السلام: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي علي دينك، وجه الدلالة فيه أن المراد من الدين هنا الإيمان، لأن طلب تثبيت القلب عليه يدل علي أنه متعلق بالإعتقاد، وليس هناك شئ آخر غير الإيمان من الإعتقاد يصلح لثبات القلب عليه بحيث يسمي ديناً، فتعين أن يكون هو الإيمان، وحيث لم يطلب غيره في حصول الإيمان علم أن الإيمان يتعلق بالقلب لا بغيره.

وكذا ما روي أن جبرئيل عليه السلام أتي النبي صلي الله عليه وآله فسأله عن الإيمان؟ فقال: أن تؤمن بالله ورسوله واليوم الاخر. ومعني ذلك: أن تصدق بالله ورسله واليوم الآخر، فلو كان فعل الجوارح أو غيره من الإيمان لذكره له، حيث سأله الرسول صلي الله عليه وآله عما هو الإيمان المطلوب للشارع.

وإن قيل: ظاهر الحديث

فيه مناقشة، وذلك أن الرسول عليه السلام سأله عن حقيقة الإيمان، فكان من حق الجواب في شرح معناه أن يقال: أن تصدق بالله لا أن تؤمن، لأن أن مع الفعل في تأويل المصدر، فيصير حاصله الإيمان هو الإيمان بالله، فيلزم منه تعريف الشئ بنفسه في الجملة، وذلك لا يليق بنفس الأمر.

والجواب أن المراد من قوله: أن تؤمن بالله، أن تصدق، وقد كان التصديق معلوماً له عليه السلام لغة، فلم يكن تعريف الشئ بنفسه، فهذا إنما يكون بالقياس إلي غيرهما (عليهما السلام)، وإلا فالسائل والمسؤول غنيان عن معرفة المعاني من الألفاظ.

وأما الإجماع، فهو أن الأمة أجمعت علي أن الإيمان شرط لسائر العبادات، والشئ لا يكون شرطاً لنفسه، فلا يكون الإيمان هو العبادات.

أقول: علي تقدير تسليم دعوي الإجماع، فللخصوم أن يقولوا: نحن نقول بكون التصديق بمسائل الأصول شرطاً لصحة العبادات التي هي الإيمان، ولا يلزمنا بذلك أن يكون تلك المسائل هي الإيمان، فإن سميتموها إيماناً بالمعني اللغوي فلا مشاحة في ذلك، وإن قلتم بل هي الإيمان الشرعي، فهو محل النزاع ودليلكم لا يدل عليه.

وأجمعت أيضاً علي أن فساد العبادات لا يوجب فساد الإيمان، وذلك يقتضي كون الإيمان غير أعمال الجوارح.

أقول: إن صح نقل الإجماع، فلا ريب في دلالته علي المدعي، وسلامته عن المطاعن المتقدمة.

هل يمكن أن يصير المؤمن كافرا

... المؤمن هل يجوز أن يكفر بعد إيمانه أم لا؟ ذهب إلي الأول جماعة من العلماء، وظاهر القرآن العزيز يدل عليه في آيات كثيرة، كقوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا... إلي غير ذلك من الآيات، ولو كان التصديق بالمعارف الأصولية يعتبر فيه الجزم والثبات لما صح ذلك، إذ اليقين لا يزول بالأضعف، ولا ريب أن موجب

الكفر أضعف مما يوجب الإيمان.

قلت: لا ريب أن الإيمان من الكيفيات النفسانية، إذ هو نوع من العلم علي ما هو الحق، فهو عرض، وقبوله للزوال بعروض ضده أو مثله، عند من يقول الأعراض لا تبقي زمانين كالأشاعرة ظاهر. وكذا علي القول بأن الباقي محتاج إلي المؤثر في بقائه أو غير محتاج مع قطع النظر عن بقاء الأعراض زمانين، لأن الفاعل مختار، فيصح منه الإيجاد والإعدام في كل وقت. غاية الأمر أن تبديل الإيمان بالكفر لا يجوز أن يكون من فعل الله تعالي علي ما تقتضيه قواعد العدلية، من أن العبد له فعل، وأن اللطف واجب علي الله تعالي، ولو كان التبديل منه تعالي لنافي اللطف. علي أنا نقول: قد يستند الكفر إلي الفعل دون الإعتقاد، فيجامع الجزم اليقين في المعارف الأصولية، كما في السجود للصنم وإلقاء المصاحف في القاذورات مع كونه مصدقاً بالمعارف.

إن قلت: فعلي هذا يلزم جواز اجتماع الإيمان والكفر في محل واحد وزمان واحد، وهو محال، لأن الكفر عدم الإيمان عما من شأنه أن يكون مؤمناً.

قلت: الإيمان هو التصديق بالأصول المذكورة بشرط عدم السجود وغيره مما يوجب فعله الكفر بدلالة الشارع عليه، وانتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط.

ثانيها يلزم أن يكون الظان ولو في أحد من الأصول الخمسة كافراً وإن كان عالماً بالباقي، لأن الظن من أضداد اليقين فلا يجامعه. فيلزم (القول) بكفر مستضعفي المسلمين بل كثير من عوامهم، لعدم التصديق في الأول والثبات في الثاني، كما نشاهد من تشككهم عند التشكيك، مع أن الشارع حكم بإسلامهم وأجري عليهم أحكامه. ومن هاهنا اكتفي بعض العلماء في الإيمان بالتقليد، كما تقدمت الاشارة إليه.

ويمكن الجواب عن ذلك: بأن من يشترط اليقين

يلتزم الحكم بكفرهم لو علم كون اعتقادهم بالمعارف عن ظن، لكن هذا الإلتزام في المستضعف في غاية البعد والضعف. وأما إجراء الأحكام الشرعية فإنما هو للاكتفاء بالظاهر إذ هو المدار في إجراء الأحكام الشرعية فهو لا ينافي كون المجري عليه كذلك كافراً في نفس الأمر. وبالجملة، فالكلام إنما هو في بيان ما يتحقق به كون المكلف مؤمناً عند الله سبحانه، وأما عندنا فيكفي ما يفيد الظن حصول ذلك له، كإقراره بالمعارف الأصولية مختاراً غير مستهزي، لتعذر العلم علينا غالباً بحصول ذلك له.

ثالثها: أنه إذا كان الإيمان هو التصديق الجازم الثابت، فلا يمكن الحكم بإيمان أحد حتي نعلم يقيناً أن تصديقه بما ذكر يقيني، وأني لنا بذلك، ولا يطلع علي الضمائر إلا خالق السرائر.

والجواب عن هذا هو الجواب عن الثاني.

رابعها: انتقاض حد الإيمان والكفر جمعاً ومنعاً بحالة النوم والغفلة وكذا بالصبي لأنه إن كان مصدقاً فهو مؤمن وإلا فكافر، لعدم الواسطة، مع أن الشارع لم يحكم عليه بشئ منهما حقيقة بل تبعاً.

وأجيب عن الأولين بأن التصديق باق لم يزل، والذهول والغفلة إنما هو عن حصوله واتصاف النفس به، إذ العلم بالعلم وبصفات النفس غير لازم، ولا عدمه ينافي حصولهما.

علي أن الشارع جعل الأمر المحقق الذي لم يطرأ عليه ما يضاده ويزيله في حكم الباقي، فسمي من اتصف بالإيمان مؤمناً، سواء كان مستشعراً بإيمان نفسه، أو غافلاً عن ذلك مع اتصاف نفسه به.

وعن الثالث بأن الكلام في الإيمان الشرعي فهو من أفراد التكليف، فلا يوصف الصبي بشئ منها حقيقة، لعدم دخوله في المكلف، نعم يوصف تبعاً.

هل تزول المعرفة والإيمان بإنكار الضروري؟

نهاية الافكار:2/190

وحيث انجر الكلام إلي هنا ينبغي عطف الكلام إلي بيان أن كفر

منكر الضروري هل هو لمحض إنكاره أو أنه من جهة استتباعه لتكذيب النبي صلي الله عليه وآله، وتظهر الثمرة فيما لو كان منشأ الإنكار الإعتقاد بعدم صدور ما أنكره عن النبي صلي الله عليه وآله، أو اشتباه الأمر عليه، فإنه علي الأول

يحكم عليه بالكفر ويرتب عليه آثاره بمحض إنكاره، بخلاف الثاني حيث لا يحكم عليه بالكفر في الفرض المزبور.

فنقول: إن ظاهر إطلاق كلماتهم في كفر منكر الضروري وإن كان يقتضي الوجه الأول، ولكن النظر الدقيق فيها يقتضي خلافه، وذلك لما هو المعلوم من انصراف إطلاق كلماتهم إلي المنكر المنتحل للاسلام المعاشر للمسلمين. ومن الواضح ظهور إنكار مثل هذا الشخص في تكذيبه للنبي صلي الله عليه وآله ومع هذا الانصراف لا مجال للأخذ بإطلاق كلامهم في الحكم بكفر منكر الضروري حتي مع العلم بعدم رجوع إنكاره إلي تكذيب النبي صلي الله عليه وآله، وبعد عدم دليل في البين علي ثبوت الكفر بمحض الإنكار أمكن الإلتزام بعدم الكفر فيمن يحتمل في حقه الشبهة وخفاء الأمر عليه بحسب ظهور حاله كما فيمن هو قريب عهد بالإسلام عاش في البوادي ولم يختلط بالمسلمين، حيث أن إنكار مثله لا يكون له ظهور في تكذيب النبي صلي الله عليه وآله، وبذلك يندفع ما قد يتوهم من اقتضاء البيان المزبور عدم الحكم بالكفر حتي في من نشأ في الإسلام وعاشر المسلمين مع احتمال الشبهة في حقه خصوصاً مع دعواه عدم اعتقاده بصدور ما أنكره عن النبي صلي الله عليه وآله وأنه من الموضوعات. إذ نقول إنه كذلك لولا ظهور حال مثله في تكذيب النبي صلي الله عليه وآله وعدم خفاء شئ عليه من أساس الدين وضرورياته، حيث أن العادة قاضية

بأن من عاشر المسلمين مدة مديدة من عمره لا يخفي عليه شئ من أساس الدين وضرورياته فضلاً عمن كان مسلماً وكان نشوؤه من صغره بين المسلمين، فإنكار مثل هذا الشخص يكشف لا محالة بمقتضي ظهور حاله عن تكذيب النبي بحيث لو ادعي جهله بذلك أو اعتقاده بعدم صدور ما أنكره عن النبي لا يسمع منه بل يحكم بكفره.

وهذا بخلاف غيره ممن كان نشوه في البوادي أو البلاد التي لا يوجد فيها المسلم فإن ظهور حاله ربما يكون علي العكس، ومن ذلك لا نحكم بكفره بمجرد انكاره لشئ من ضروريات الدين خصوصاً مع دعواه عدم علمه بكون ما أنكره صادراً عن النبي صلي الله عليه وآله.

بل ولعل في جعل مدار الكفر علي إنكار الضروري دلالة علي ما ذكرنا من طريقية الإنكار للتكذيب بلحاظ بُعد خفاء ما هو أساس الدين وضرورياته علي المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمين، بخلاف غير الضروري حيث لا بُعد في خفائه، وإلا فلا فرق في استلزام الإنكار للتكذيب بين الضروري وغيره، وحينئذ فيمكن الجمع بين إطلاق كلامهم في كفر منكر الضروري وبين ما هو الظاهر من طريقية الإنكار للتكذيب بحمل الإطلاقات علي المنكر المنتحل للإسلام المعاشر مع المسلمين برهة من عمره.

وقد يستدل علي استتباع مجرد الإنكار للكفر بما رواه زرارة عن أبي عبدالله عليه السلام من قوله: لو أن العباد إذا جهلوا وقفوا ولم يجحدوا لم يكفروا، ولكن يدفعه ظهور الرواية في الإنكار الناشئ عن العناد إذ الجحد ليس إلا عبارة عن ذلك ومن المعلوم عدم صلاحية مثله للدلالة علي ثبوت الكفر بمحض الإنكار، ومجرد كون الإنكار العنادي موجباً للكفر لا يقتضي تسرية الحكم إلي مطلق الإنكار، ومن ذلك نقول

أن الإنكار العنادي موجب للكفر مطلقاً ولو في غير الضروري.

هذا كله في صورة التمكن من تحصيل العلم والإعتقاد الجزمي، ولقد عرفت وجوبه عليه فيما يرجع إلي الله جل شأنه وما يرجع إلي أنبيائه ورسله وحججه وأنه مع الإخلال به يكون معاقباً لا محالة.

نعم يبقي الكلام حينئذ في كفره وترتيب آثاره عليه من النجاسة وغيرها مع الإخلال بتحصيل المعرفة، فنقول:

أما مع عدم إظهاره للشهادتين فلا إشكال في كفره وترتيب آثاره عليه من النجاسة وعدم الارث والمناكحة. وأما مع إظهار الشهادتين ففيه إشكال ينشأ من كفاية مجرد إظهار الشهادتين مع عدم الإنكار في الحكم بالإسلام، ومن عدم كفايته ولزوم الإعتقاد في الباطن أيضاً.

ولكنه لا ينبغي التأمل في عدم كفايته، فإن حقيقة الإسلام عبارة عن الإعتقاد بالواجب تعالي والتصديق بالنبي عليه السلام بكونه رسولاً من عند الله سبحانه، وأن الإكتفاء بإظهار الشهادتين من جهة كونه أمارة علي الإعتقاد في الباطن كما يظهر ذلك أيضاً من النصوص الكثيرة.

ولا ينافي ذلك ما يترائي في صدر الإسلام من معاملة النبي صلي الله عليه وآله مع المنافقين معاملة الإسلام بمجرد إظهارهم الشهادتين مع علمه صلي الله عليه وآله بعدم كونهم مؤمنين بالله ولا مصدقين برسوله واقعاً، وأن إظهارهم الشهادتين كان لمحض الصورة، إما لاجل خوفهم من القتل، وإما لبعض المصالح المنظورة لهم كالوصول إلي مقام الرياسة والامال الدنيوية لما سمعوا وعلموا من الكهنة بارتقاء الإسلام وتفوقه علي سائر المذاهب والأديان، مع أنهم لم يؤمنوا بالله طرفة عين كما نطقت به الأخبار والاثار المروية عن الأئمة الأطهار.

إذ نقول إن في معاملة النبي صلي الله عليه وآله والوصي مع هؤلاء المنافقين في الصدر الأول معاملة الإسلام بمحض إظهارهم

الشهادتين وجوها ومصالح شتي:

منها: تكثير جمعية المسلمين وازديادهم في قبال الكفار وعبدة الأوثان الموجب لازدياد صولة المسلمين في أنظار المشركين.

ومنها: حفظ من في أصلابهم من المؤمنين الذين يوجدون بعد ذلك.

ومنها: تعليم الأمة في الأخذ بما يقتضيه ظاهر القول بالشهادتين في الكشف عن الإعتقاد في الباطن، فإنه لو فتح مثل هذا الباب في الصدر الأول لقتل كل أحد صاحبه لاجل ما كان بينهم من العداوة في الجاهلية بدعوي أن اعتقاده علي خلاف ما يظهره باللسان وأن إظهار الشهادتين كان لأجل الخوف من القتل أو الطمع في الشركة في أخذ الغنيمه، ومثله لا يزيد المسلمين وشوكتهم إلا ضعفاً كما يشهد لذلك الآية الشريفة: وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَي إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا، وقضية أسامة بن زيد في ذلك معروفة.

ومنها: غير ذلك من المصالح التي لاحظها النبي صلي الله عليه وآله مع علمه بكونهم حقيقة غير مؤمنين علي ما نطق به الكتاب المبين في مواضع عديدة في قوله سبحانه: يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ، وقوله: وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إلي بَعْضٍ... الخ. وغير ذلك من الآيات الكثيرة.

وأين ذلك وزماننا هذا الذي قد كثر فيه المسلمون كثرة عظيمة، وحينئذ فلا يمكن الإلتزام بترتيب آثار الإسلام علي مجرد إظهار الشهادتين مع العلم بعدم كون إظهارها إلا صورياً محضاً خصوصاً مع ظهور اعتبار القول في كونه لأجل الحكاية والطريقية عن الإعتقاد في الباطن، بل لابد من ترتيب آثار الكفر عليه في الفرض المزبور.

هل أن الكافر يعرف الله تعالي؟

مسالك الافهام:2/75

النية معتبرة في الكفارة لأنها عبادة تقع علي وجوه مختلفة فلا يتميز المقصد منها بالنية لقوله صلي الله عليه وآله: إنما الأعمال بالنيات ويعتبر فيها نية القربة

لقوله تعالي: وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ. وهذا هو القدر المتفق عليه منها....

إذا تقرر ذلك فقد فرع المصنف علي اعتبار نية القربة به أنه لا يصح من الكافر كتابياً كان أم غيره، محتجاً بتعذر نية القربة في حقه، وفيه نظر، لأنه إن أراد بنية القربة المتعذرة منه نية إيقاع الفعل طلباً للتقرب إلي الله بواسطه نيل الثواب أو ما جري مجري ذلك سواء حصل له ما نواه أم لا، منعنا من تعذر نية القربة من مطلق الكافر، لأن من اعترف منهم بالله تعالي وكان كفره بجحد نبوة النبي صلي الله عليه وآله أو غيره من الأنبياء أو بعض شرايع الإسلام يمكن منه هذا النوع من التقرب، وإنما يمتنع من الكافر المعطل الذي لا يعترف بوجود الله تعالي كالدهري وبعض عبدة الأصنام، وإن أراد بها إيقاعه علي وجه التقرب إلي الله تعالي بحيث يستحق بها الثواب طالبناه بدليل علي اشتراط مثل ذلك وعارضناه بعبارة المخالف من المسلمين وعتقه فإنه لا يستتبع الثواب عنده مع صحة عتقه، وفي صحة عبادات غيره بحث فُرِد في محله.

وبالجملة فكلامهم في هذا الباب مختلف غير منقح، لانهم تارة يحكمون ببطلان عبادة الكافر مطلقاً استناداً إلي تعذر نية القربة منه، ومقتضي ذلك إرادة المعني الثاني لأن ذلك هو المتعذر منه لا الأول، وتارة يجوزون منه بعض العبادات كالعتق وسيأتي تجويز جماعة من الأصحاب له منه، مع اشتراط القربة فيه نظراً إلي ما ذكرناه من الوجه في الأول.

وقد وقع الخلاف بينهم في وقفه وصدقته وعتقه المتبرع به ونحو ذلك من التصرفات المالية المعتبر فيها القربة، واتفقوا علي عدم صحة العبادات البدنية منه نظراً إلي أن المال يراعي

فيه جانب المدفوع إليه ولو بفك الرقبة من الرق فيرجح فيه جانب القربات بخلاف العبادات البدنية، ومن ثم ذهب بعض العامة إلي عدم اشتراط النية في العتق والإطعام واعتبرها في الصيام، إلا أن هذا الإعتبار غير منضبط عند الأصحاب كما أشرنا إليه، وسيأتي له في العتق زيادة بحث.

ثم عد إلي العبارة واعلم أن قوله ذمياً كان الكافر أو حربياً أو مرتداً لا يظهر للتسوية بين هذه الفرق مزية، لأن الكافر المقر بالله تعالي لا يفرق فيه بين الذمي والحربي، وإن افترقا في الإقرار بالجزية فإن ذلك أمر خارج عن هذا المطلق، وإنما حق التسوية بين أصناف الكفار أن يقول سواء كان مقراً بالله كالكتابي أم جاحداً له كالوثني، لأن ذلك هو موضع الإشكال ومحل الخلاف.

وأما ما قاله بعضهم من أن الكافر مطلقاً لا يعرف الله تعالي علي الوجه المعتبر ولو عرفه لأقر بجميع رسله ودين الإسلام فهو كلام بعيد عن التحقيق جداً، ولا ملازمة بين الأمرين كما لا ملازمة بين معرفة المسلم لله تعالي ومعرفة دين الحق من فرق الإسلام، وكل حزب بما لديهم فرحون.

مسالك الافهام:2/153

قوله: ويصح اليمين من الكافر.. إلخ. إذا حلف الكافر بالله تعالي علي شئ سواء كان مقراً بالله كاليهودي والنصراني، أو من كفر بجحد فريضة من المسلمين، أو غير مقر به كالوثني، ففي انعقاد يمينه أقوال أشهرها الأول، وهو الذي اختاره المصنف والشيخ في المبسوط وأتباعه وأكثر المتأخرين لوجود المقتضي وهو حلفه بالله تعالي مع باقي الشرايط وانتفاء المانع، إذ ليس هناك إلا كفره وهو غير مانع لتناول الأدلة الدالة علي انعقاد اليمين له من الآيات والأخبار، ولأن الكفار مخاطبون بفروع الشرايع فيدخلون تحت عموم قوله تعالي:

وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ، وغيره.

وقال الشيخ في الخلاف وابن إدريس: لا ينعقد مطلقاً لأن شرط صحتها الحلف بالله والكافر لا يعرف الله، وفي إطلاق القولين معاً منع ظاهر.

وفصل العلامة جيداً في المختلف فقال: إن كان كفره باعتبار جهله بالله وعدم علمه به لم ينعقد يمينه لأنه يحلف بغير الله، ولو عبر به فعبارته لغو لعدم اعتقاده ما يقتضي تعظيمه بالحلف به، وإن كان جحده باعتبار جحد نبوة أو فريضة انعقدت يمينه، لوجود المقتضي وهو الحلف بالله تعالي من عارف به إلي آخر ما اعتبر. وتوقف فعل المحلوف عليه لو كان طاعة، والتكفير علي تقدير الحنث علي الإسلام لا يمنع أصل الإنعقاد، لأنه مشروط بشرط زايد علي أصل اليمين فلا ملازمة بينهما.

وفائدة الصحة تظهر في بقاء اليمين لو أسلم في المطلقة أو قبل خروج وقت الموقتة، وفي العقاب علي متعلقها لو مات علي كفره ولما يفعله لا في تدارك الكفارة ولو سبق الحنث الإسلام، لأنها تسقط به عنه.

قوله: وفي صحة التكفير.. إلخ. إذا قلنا بصحة يمين الكافر علي بعض الوجوه وحنث في يمينه وجبت عليه الكفارة مطلقاً، ومذهب الأصحاب عدم صحتها منه حال الكفر لأنها من العبادات المشروطة بنية القربة، وهي متعذرة في حقة سواء عرف الله أم لا، لأن المراد من القربة ما يترتب عليه الثواب وهو منتف في حقه.

والمصنف رحمه الله تردد في ذلك، ووجه التردد ما ذكر ومن احتمال أن يراد بالقربة قصد التقرب إلي الله تعالي سواء حصل له القرب والثواب أم لا كما سبق تحقيقه في عتق الكافر، ومن حيث أن بعض خصال الكفارة قد يشك في اعتبار نية القربة فيها كالإطعام والكسوة كما يقوله

العامة فإنهم لا يعتبرون النية إلا في الصوم من خصالها ويجوزون الإطعام ونحوه بدونها، ولكن مذهب الأصحاب اعتبار نية القربة في جميع خصالها، وظاهرهم اختيار المعني الأول من معاني القربة، ومن ثم أبطلوا عبادات الكافر، ومن اختار منهم صحة يمينه منع من صحة التكفير منه مادام علي كفره، فما تردد المصنف رحمه الله فيه لا يظهر فيه خلاف معتد به.

بحث في معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس

تفسير الميزان للطباطبائي:6/169 وما بعده

في الغرر والدرر للآمدي عن علي عليه السلام قال: من عرف نفسه عرف ربه.

أقول ورواه الفريقان عن النبي أيضاً وهو حديث مشهور، وقد ذكر بعض العلماء أنه من تعليق المحال، ومفاده استحالة معرفة النفس لإستحالة الاحاطة العلمية بالله سبحانه. ورد أولاً، بقوله صلي الله عليه وآله في رواية أخري: أعرفكم بنفسه أعرفكم بربه. وثانياً، بأن الحديث في معني عكس النقيض، لقوله تعالي: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ.

وفيه عنه عليه السلام: قال الكيس من عرف نفسه وأخلص أعماله.

أقول: تقدم في البيان السابق معني ارتباط الإخلاص وتفرعه علي الإشتغال بمعرفة النفس.

وفيه عنه عليه السلام: قال المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين.

أقول: الظاهر أن المراد بالمعرفتين المعرفة بالآيات الأنفسية والمعرفة بالآيات الآفاقية، قال تعالي: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ شَهِيدٌ. حم السجده: 53، وقال تعالي: وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ. الذاريات: 21.

وكون السير الأنفسي أنفع من السير الآفاقي لعله لكون المعرفة النفسانية لا تنفك عادةً من إصلاح أوصافها وأعمالها بخلاف المعرفة الآفاقية، وذلك أن كون معرفة الآيات نافعة إنما هو لأن معرفة الآيات بما هي آيات موصلة إلي معرفة

الله سبحانه وأسمائه وصفاته وأفعاله، ككونه تعالي حياً لا يعرضه موت، وقادراً لا يشوبه، عجز وعالماً لا يخالطه جهل، وأنه تعالي هو الخالق لكل شئ، والمالك لكل شئ، والرب القائم علي كل نفس بما كسبت، خلق الخلق لا لحاجة منه إليهم بل لينعم عليهم بما استحقوه، ثم يجمعهم ليوم الجمع لا ريب فيه، ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا ويجزي الذين احسنوا بالحسني.

وهذه وأمثالها معارف حقة، إذا تناولها الإنسان وأتقنها مثلت له حقيقه حياته وأنها حياة مؤبدة ذات سعادة دائمة أو شقوة لازمة، وليست بتلك المتهوسة المنقطعة اللاهية اللاغية.

وهذا موقف علمي يهدي الإنسان إلي تكاليف ووظائف بالنسبة إلي ربه وبالنسبة إلي أبناء نوعه في الحياة الدنيا والحياة الآخرة، وهي التي نسميها بالدين، فإن السنة التي يلتزمها الإنسان في حياته ولا يخلو عنها حتي البدوي والهمجي، إنما يضعها ويلتزمها أو يأخذها ويلتزمها لنفسه من حيث أنه يقدر لنفسه نوعاً من الحياة أي نوع كان، ثم يعمل بما استحسنه من السنة لاسعاد تلك الحياة، وهذا من الوضوح بمكان.

فالحياة التي يقدرها الإنسان لنفسه تمثل له الحوائج المناسبة لها فيهتدي بها إلي الأعمال التي تضمن عادة رفع تلك الحوائج فيطبق الإنسان عمله عليها، وهو السنة أو الدين.

فتلخص مما ذكرنا أن النظر في الآيات الأنفسية والآفاقية ومعرفة الله سبحانه بها يهتدي الإنسان إلي التمسك بالدين الحق والشريعة الإلهية، من جهه تمثيل المعرفة المذكورة الحياة الإنسانية المؤبدة له عند ذلك، وتعلقها بالتوحيد والمعاد والنبوة.

وهذه الهداية إلي الإيمان والتقوي يشترك فيها الطريقان معاً، أعني طريقي النظر إلي الآفاق والأنفس، فهما نافعان جميعاً، غير أن النظر إلي آيات النفس أنفع، فإنه لا يخلو من العثور علي ذات النفس وقواها

وأدواتها الروحية والبدنية وما يعرضها من الإعتدال في أمرها أو طغيانها أو خمودها، والملكات الفاضلة أو الرذيلة والأحوال الحسنة أو السيئة التي تقارنها.

واشتغال الإنسان بمعرفة هذه الأمور والإذعان بما يلزمها من أمن أو خطر وسعادة أو شقاوة لا ينفك من أن يعرفه الداء والدواء من موقف قريب، فيشتغل بإصلاح الفاسد منها والإلتزام بصحيحها، بخلاف النظر في الآيات الافاقية، فإنه إن دعا إلي إصلاح النفس وتطهيرها من سفاسف الأخلاق ورذائلها وتحليتها بالفضائل الروحية، لكنه ينادي لذلك من مكان بعيد، وهو ظاهر.

وللرواية معني آخر أدق مستخرج من نتائج الأبحاث الحقيقية في علم النفس، وهو أن النظر في الآيات الآفاقية والمعرفة الحاصلة من ذلك نظر فكري وعلم حصولي، بخلاف النظر في النفس وقواها وأطوار وجودها والمعرفة المتجلية منها، فإنه نظر شهودي وعلم حضوري، والتصديق الفكري يحتاج في تحققه إلي نظم الأقيسه واستعمال البرهان وهو باق ما دام الإنسان متوجهاً إلي مقدماته غير ذاهل عنها ولا مشتغل بغيرها، ولذلك يزول العلم بزوال الأشراف علي دليله وتكثر فيه الشبهات ويثور فيه الإختلاف.

وهذا بخلاف العلم النفساني بالنفس وقواها وأطوار وجودها فإنه من العيان، فإذا اشتغل الإنسان بالنظر إلي آيات نفسه وشاهد فقرها إلي ربها وحاجتها في جميع أطوار وجودها وجد أمراً عجيباً، وجد نفسه متعلقة بالعظمة والكبرياء متصلة في وجودها وحياتها وعلمها وقدرتها وسمعها وبصرها وإرادتها وحبها وسائر صفاتها وأفعالها، بما لا يتناهي بهاءً وسناءً وجمالاً وجلالاً وكمالاً من الوجود والحياة والعلم والقدرة وغيرها من كل كمال.

وشاهد ما تقدم بيانه أن النفس الإنسانية لا شأن لها إلا في نفسها، ولا مخرج لها من نفسها، ولا شغل لها إلا السير الإضطراري في مسير نفسها، وإنها منقطعة عن كل

شئ كانت تظن أنها مجتمعه معه مختلطه به إلا ربها، المحيط بباطنها وظاهرها وكل شئ دونها، فوجدت أنها دائماً في خلا مع ربها وإن كانت في ملا من الناس.

وعند ذلك تنصرف عن كل شيء وتتوجه إلي ربها وتنسي كل شئ، وتذكر ربها فلا يحجبه عنها حجاب، ولا تستتر عنه بستر، وهو حق المعرفة الذي قدر للإنسان.

وهذه المعرفة الأحري بها أن تسمي بمعرفة الله بالله....

وأما المعرفة الفكرية التي يفيدها النظر في الآيات الآفاقية سواء حصلت من قياس أو حدس أو غير ذلك، فإنما هي معرفة بصورة ذهنية عن صورة ذهنية، وجل الاله أن يحيط به ذهن أو تساوي ذاته صورة مختلقة اختلقها خلق من خلقه، ولا يحيطون به علما.

وقد روي في الإرشاد والإحتجاج علي ما في البحار، عن الشعبي، عن أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له: إن الله أجل من أن يحتجب عن شئ أو يحتجب عنه شئ.

وفي التوحيد، عن موسي بن جعفر عليه السلام في كلام له: ليس بينه وبين خلقه حجاب غير خلقه، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

وفي التوحيد مسنداً عن عبد الاعلي، عن الصادق عليه السلام في حديث: ومن زعم أنه يعرف الله بحجاب أو بصورة أو بمثال، فهو مشرك، لأن الحجاب والصورة والمثال غيره، وإنما هو واحد موحد، فكيف يوحد من زعم أنه يوحده بغيره! إنما عرف الله من عرفه بالله، فمن لم يعرفه به فليس يعرفه، إنما يعرف غيره.. الحديث.

والأخبار المأثورة عن أئمة أهل البيت عليه السلام في معني ما قدمناه كثيرة جداً لعل الله يوفقنا لايرادها وشرحها في ماسيأتي إن شاء الله العزيز

من تفسير سورة الاعراف.

فقد تحصل أن النظر في آيات الانفس أنفس وأغلي قيمةً، وأنه هو المنتج لحقيقة المعرفة فحسب، وعلي هذا فعده عليه السلام إياها أنفع المعرفتين لا معرفة متعينة إنما هو لأن العامة من الناس قاصرون عن نيلها، وقد أطبق الكتاب والسنة وجرت السيرة الطاهرة النبوية وسيرة أهل بيته الطاهرين علي قبول من آمن بالله عن نظر آفاقي وهو النظر الشائع بين المؤمنين. فالطريقان نافعان جميعاً، لكن النفع في طريق النفس أتم وأغزر.

وفي الدرر والغرر عن علي عليه السلام قال: العارف من عرف نفسه فاعتقها ونزهها عن كل ما يبعدها. أقول: أي أعتقها عن إسارة الهوي وَرِقِّية الشهوات.

وفيه، عنه عليه السلام قال: أعظم الجهل جهل الإنسان أمر نفسه.

وفيه، عنه عليه السلام قال: أعظم الحكمه معرفة الإنسان نفسه.

وفيه، عنه عليه السلام قال: أكثر الناس معرفة لنفسه أخوفهم لربه. أقول: وذلك لكونه أعلمهم بربه وأعرفهم به، وقد قال الله سبحانه: إِنَّمَا يَخْشَي اللهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ.

وفيه، عنه عليه السلام قال: أفضل العقل معرفة المرء بنفسه، فمن عرف نفسه عقل، ومن جهلها ضل.

وفيه، عنه عليه السلام قال: عجبت لمن ينشد ضالته وقد أضل نفسه فلا يطلبها.

وفيه، عنه عليه السلام قال: عجبت لمن يجهل نفسه كيف يعرف ربه.

وفيه، عنه عليه السلام قال: غايه المعرفة أن يعرف المرء نفسه. أقول: وقد تقدم وجه كونها غاية المعرفة فإنها المعرفة حقيقة.

وفيه، عنه عليه السلام قال: كيف يعرف غيره من يجهل نفسه.

وفيه، عنه عليه السلام قال: كفي بالمرء معرفةً أن يعرف نفسه، وكفي بالمرء جهلاً أن يجهل نفسه.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه تجرد. أقول: أي تجرد عن

علائق الدنيا، أو تجرد عن الناس بالإعتزال عنهم، أو تجرد عن كل شئ بالإخلاص لله.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جاهدها، ومن جهل نفسه أهملها.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه جل أمره.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه كان لغيره أعرف، ومن جهل نفسه كان بغيره أجهل.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من عرف نفسه فقد انتهي إلي غاية كل معرفة وعلم.

وفيه، عنه عليه السلام قال: من لم يعرف نفسه بعد عن سبيل النجاة، وخبط في الضلال والجهالات.

وفيه، عنه عليه السلام قال: معرفة النفس أنفع المعارف.

وفيه، عنه عليه السلام قال: نال الفوز الأكبر من ظفر بمعرفة النفس.

وفيه، عنه عليه السلام قال: لا تجهل نفسك فإن الجاهل معرفة نفسه جاهل بكل شئ.

وفي تحف العقول، عن الصادق عليه السلام في حديث: من زعم أنه يعرف الله بتوهم القلوب فهو مشرك، ومن زعم أنه يعرف الله بالإسم دون المعني فقد أقر بالطعن لأن الإسم محدث، ومن زعم أنه يعبد الإسم والمعني فقد جعل مع الله شريكاً، ومن زعم أنه يعبد بالصفة لا بالإدراك فقد أحال علي غائب، ومن زعم أنه يضيف الموصوف إلي الصفة فقد صغر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره.

قيل له: فكيف سبيل التوحيد؟ قال: باب البحث ممكن وطلب المخرج موجود، إن معرفة عين الشاهد قبل صفته، ومعرفة صفة الغائب قبل عينه. قيل وكيف يعرف عين الشاهد قبل صفته؟ قال: تعرفه وتعلم علمه، وتعرف نفسك به ولا تعرف نفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه، كما قالوا ليوسف إنك لانت يوسف، قال أنا يوسف وهذا أخي، فعرفوه به ولم يعرفوه

بغيره ولا أثبتوه من أنفسهم بتوهم القلوب... الحديث.

أقول: قد أوضحنا في ذيل قوله عليه السلام: المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين، الرواية الثانية من الباب أن الإنسان إذا اشتغل بآية نفسه وخلا بها عن غيرها انقطع إلي ربه من كل شئ، وعقب ذلك معرفة ربه معرفة بلا توسيط وسط وعلماً بلا تسبيب سبب، إذ الإنقطاع يرفع كل حجاب مضروب، وعند ذلك يذهل الإنسان بمشاهدة ساحة العظمة والكبرياء عن نفسه. وأحري بهذه المعرفة أن تسمي معرفة الله بالله... وانكشف له عند ذلك من حقيقه نفسه أنها الفقيرة إلي الله سبحانه المملوكة له ملكاً لا تستقل بشئ دونه، وهذا هو المراد بقوله عليه السلام: تعرف نفسك به، ولا تعرف نفسك بنفسك من نفسك، وتعلم أن ما فيه له وبه.

وفي هذا المعني ما رواه المسعودي في إثبات الوصية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال في خطبة له: فسبحانك ملات كل شئ وباينت كل شئ، فأنت لا يفقدك شئ وأنت الفعال لما تشاء... إلي أن قال: سبحانك أي عين تقوم نصب بهاء نورك وترقي إلي نور ضياء قدرتك، وأي فهم يفهم ما دون ذلك إلا أبصار كشفت عنها الأغطية وهتكت عنها الحجب العمية فرقت أرواحها علي أطراف أجنحة الأرواح، فناجوك في أركانك وولجوا بين أنوار بهائك، ونظروا من مرتقي التربة إلي مستوي كبريائك، فسماهم أهل الملكوت زواراً، ودعاهم أهل الجبروت عماراً.

وفي البحار عن إرشاد الديلمي وذكر بعد ذلك سندين لهذا الحديث وفيه: فمن عمل برضائي ألزمه ثلاث خصال: أعرفه شكراً لا يخالطه الجهل، وذكراً لا يخالطه النسيان، ومحبةً لا يؤثر علي محبتي محبة المخلوقين. فإذا أحبني أحببته وأفتح عين قلبه إلي جلالي ولا أخفي عليه خاصة خلقي وأناجيه

في ظلم الليل ونور النهار، حتي ينقطع حديثه مع المخلوقين ومجالسته معهم، واسمعه كلامي وكلام ملائكتي وأعرفه السر الذي سترته عن خلقي، وألبسه الحياء حتي يستحيي منه الخلق كلهم، ويمشئ علي الأرض مغفوراً له، واجعل قلبه واعياً وبصيراً، ولا أخفي عليه شيئاً من جنة ولا نار، وأعرفه ما يمر علي الناس في القيامة من الهول والشدة، وما أحاسب به الأغنياء والفقراء والجهال والعلماء، وأنومه في قبره وأنزل عليه منكراً ونكيراً حتي يسألاه، ولا يري غم الموت وظلمة القبر واللحد وهول المطلع، ثم أنصب له ميزانه وأنشر ديوانه، ثم أضع كتابه في يمينه فيقرؤه منشوراً، ثم لا أجعل بيني وبينه ترجماناً. فهذه صفات المحبين.

يا أحمد إجعل همك هماً واحداً، واجعل لسانك لساناً واحداً، واجعل بدنك حياً لا يغفل أبداً، من يغفل عني لا أبالي بأي واد هلك.

والروايات الثلاثة الأخيرة وإن لم تكن من أخبار هذا البحث المعقود علي الإستقامة، إلا أنا إنما أوردناها ليقضي الناقد البصير بما قدمناه من أن المعرفة الحقيقية لا تستوفي بالعلم الفكري حق استيفائها، فإن الروايات تذكر أموراً من المواهب الإلهية المخصوصة بأوليائه لا ينتجها السير الفكري البتة. وهي أخبار مستقيمة صحيحة يشهد علي صحتها الكتاب الإلهي علي ما سنبين ذلك فيما سيوافيك من تفسير سوره الأعراف إن شاء الله العزيز....

وأما سائر الفرق المذهبية من الهنود، كالجوكية أصحاب الأنفاس والأوهام، وكأصحاب الروحانيات، وأصحاب الحكمة، وغيرهم، فلكل طائفة منهم رياضات شاقة عملية لا تخلو عن العزلة وتحريم اللذائذ الشهوانية علي النفس.

وأما البوذية فبناء مذهبهم علي تهذيب النفس ومخالفة هواها وتحريم لذائذها عليها للحصول علي حقيقة المعرفة، وقد كان هذا هو الطريقة التي سلكها بوذا نفسه في حياته فالمنقول أنه

كان من أبناء الملوك أو الرؤساء فرفض زخارف الحياة وهجر أريكة العرش إلي غابة موحشة لزمها في ريعان شبابه واعتزل الناس وترك التمتع بمزايا الحياة وأقبل علي رياضة نفسه والتفكر في أسرار الخلقة، حتي قذفت المعرفة في قلبه وسنه إذ ذاك ستة وثلاثون، وعند ذاك خرج إلي الناس فدعاهم إلي ترويض النفس وتحصيل المعرفة، ولم يزل علي ذلك قريباً من أربع وأربعين سنة علي ما في التواريخ.

وأما الصابئون، ونعني بهم أصحاب الروحانيات فهم وإن أنكروا أمر النبوة غير أن لهم في طريق الوصول إلي كمال المعرفة النفسانية طرقاً لا تختلف كثيراً عن طرق البراهمة والبوذيين، قالوا علي ما في الملل والنحل: أن الواجب علينا أن نطهر نفوسنا عن دنس الشهوات الطبيعية، ونهذب أخلاقنا عن علائق القوي الشهوانية والغضبية، حتي يحصل مناسبة ما بيننا وبين الروحانيات، فنسأل حاجاتنا منهم ونعرض أحوالنا عليهم ونصبوا في جميع أمورنا إليهم، فيشفعون لنا إلي خالقنا وخالقهم ورازقنا ورازقهم.

وهذا التطهير ليس يحصل إلا باكتسابنا ورياضتنا، وفطامنا أنفسنا عن دنيئات الشهوات، استمداداً من جهة الروحانيات، والإستمداد هو التضرع والإبتهال بالدعوات وإقامة الصلوات، وبذل الزكوات، والصيام عن المطعومات والمشروبات، وتقريب القرابين والذبائح، وتبخير البخورات وتعزيم العزائم، فيحصل لنفوسنا استعداد واستمداد من غير واسطة. انتهي.

وهؤلاء وإن اختلفوا فيما بين أنفسهم بعض الإختلاف في العقائد العامة الراجعة إلي الخلق والايجاد لكنهم متفقوا الرأي في وجوب ترويض النفس للحصول علي كمال المعرفة وسعادة النشأة.

وأما المانوية من الثنوية، فاستقرار مذهبهم علي كون النفس من عالم النور العلوي وهبوطها إلي هذه الشبكات المادية المظلمة المسماة بالأبدان، وأن سعادتها وكمالها التخلص من دار الظلمة إلي ساحة النور، إما اختياراً بالترويض النفساني، وإما اضطراراً بالموت الطبيعي

المعروف.

وأما أهل الكتاب ونعني بهم اليهود و النصاري والمجوس، فكتبهم المقدسة وهي العهد العتيق والعهد الجديد وأوستا، مشحونة بالدعوة إلي إصلاح النفس وتهذيبها ومخالفة هواها. ولاتزال كتب العهدين تذكر الزهد في الدنيا والإشتغال بتطهير السر، ولا يزال يتربي بينهم جم غفير من الزهاد وتاركي الدنيا، جيلاً بعد جيل وخاصة النصاري فإن من سننهم المتبعة الرهبانية. وقد ذكر أمر رهبانيتهم في القرآن الشريف قال تعالي: ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسيِنَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. المائده: 82، وقال تعالي: وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا، الحديد: 27. كما ذكر المتعبدون من اليهود في قوله: لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ، يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. آل عمران: 114.

وأما الفرق المختلفة من أصحاب الإرتياضات والأعمال النفسية كأصحاب السحر والسيمياء، وأصحاب الطلسمات وتسخير الأرواح والجن وروحانيات الحروف والكواكب وغيرها، وأصحاب الإحضار وتسخير النفوس، فلكل منهم ارتياضات نفسية خاصة تنتج نوعاً من السلطة علي أمر النفس.

وجملة الأمر علي ما يتحصل من جميع ما مر: أن الوجهة الأخيرة لجميع أرباب الأديان والمذاهب والأعمال هو تهذيب النفس بترك هواها والإشتغال بتطهيرها من شوب الأخلاق والأحوال غير المناسبة للمطلوب.

لعلك ترجع وتقول إن الذي ثبت من سنن أرباب المذاهب والطرق وسيرهم هو الزهد في الدنيا وهو غير مسألة معرفة النفس أو الإشتغال بأمر النفس بالمعني الذي تقدم البحث عنه. وبلفظ أوضح: الذي يندب إليه الأديان والمذاهب التي تدعو إلي العبودية بنحو أن يتزهد الإنسان نوع تزهد في الدنيا بإتيان الأعمال الصالحة وترك الهوي والاثام ورذائل الأخلاق

ليتهيأ بذلك لأحسن الجزاء، إما في الآخرة كما تصرح به الأديان النبوية كاليهودية والنصرانية والإسلام، أو في الدنيا كما استقر عليه دين الوثنية ومذهب التناسخ وغيرهما، فالمتعبد علي حسب الدستور الديني يأتي بما ندب إليه من نوع التزهد من غير أن يخطر بباله أن هناك نفساً مجردة وأن لها نوعاً من المعرفة فيه سعادتها وكمال وجودها.

وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات علي اختلاف طرقها وسننها إنما يرتاض بما يرتاض من مشاق الأعمال ولا همَّ له في ذلك إلا حيازه المقام الموعود فيها والتسلط علي نتيجه العمل كنفوذ الإرادة مثلاً، وهو في غفلة من أمر النفس المذكور من حين يأخذ في عمله إلي حين يختمه. علي أن في هؤلاء من لا يري في النفس إلا أنها أمر مادي طبيعي كالدم أو الروح البخار أو الأجزاء الأصلية، ومن يري أن النفس جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري حال فيه وهو الحامل للحياة، فكيف يسوغ القول بكون الجميع يرومون بذلك أمر معرفة النفس.

لكنه ينبغي لك أن تتذكر ما تقدم ذكره أن الإنسان في جميع هذه المواقف التي يأتي فيها بأعمال تصرف النفس عن الإشتغال بالأمور الخارجية والتمتعات المتفننة المادية إلي نفسها، للحصول علي خواص وآثار لا توصل إليها الأسباب المادية والعوامل الطبيعية العادية، لا يريد إلا الإنفصال عن العلل والأسباب الخارجية والإستقلال بنفسه للحصول علي نتائج خاصة لا سبيل للعوامل المادية العادية إليها.

فالمتدين المتزهد في دينه يري أن من الواجب الإنساني أن يختار لنفسه سعادته الحقيقية، وهي الحياه الطيبة الأخروية عند المنتحلين بالمعاد، والحياة السعيدة الدنيوية التي تجمع له الخير وتدفع عنه الشر عند المنكرين له كالوثنية وأصحاب التناسخ، ثم يري أن الإسترسال في التمتعات الحيوانية لا

تحوز له سعادته ولا تسلك به إلي غرضه، فلا محيص له عن رفض الهوي وترك الإنطلاق إلي كل ما تتهوسه نفسه بأسبابها العادية في الجملة، والإنجذاب إلي سبب أو أسباب فوق الأسباب المادية العادية بالتقرب إليه والإتصال به، وأن هذا التقرب والإتصال إنما يتأتي بالخضوع له والتسليم لامره، وذلك أمر روحي نفساني لا ينحفظ إلا بأعمال وتروك بدنية، وهذه هي العبادة الدينية من صلاة ونسك أو ما يرجع إلي ذلك.

فالأعمال والمجاهدات والإرتياضات الدينية ترجع جميعاً إلي نوع من الإشتغال بأمر النفس، والإنسان يري بالفطرة أنه لا يأخذ شيئاً ولا يترك شيناً إلا لنفع نفسه، وقد تقدم أن الإنسان لا يخلو ولا لحظة من لحظات وجوده من مشاهدة نفسه وحضور ذاته، وأنه لا يخطي في شعوره هذا البتة، وإن أخطأ فإنما يخطي في تفسيره بحسب الرأي النظري والبحث الفكري.

فظهر بهذا البيان أن الأديان والمذاهب علي اختلاف سننها وطرقها تروم الإشتغال بأمر النفس في الجملة، سواء علم بذلك المنتحلون بها أم لم يعلموا. وكذلك الواحد من أصحاب الرياضات والمجاهدات وإن لم يكن منتحلاً بديلاً ولا مؤمناً بأمر حقيقة النفس، لا يقصد بنوع رياضته التي يرتاض بها إلا الحصول علي نتيجتها الموعودة له، وليست النتيجة الموعودة مرتبطة بالأعمال والتروك التي يأتي بها ارتباطاً طبيعياً نظير الإرتباط الواقع بين الأسباب الطبيعية ومسبباتها، بل هو ارتباط إرادي غير مادي متعلق بشعور المرتاض وإرادته المحفوظين بنوع العمل الذي يأتي به، دائر بين نفس المرتاض وبين النتيجة الموعودة.

فحقيقة الرياضة المذكورة هي تأييد النفس وتكميلها في شعورها وإرادتها للنتيجة المطلوبة. وإن شئت قلت: أثر الرياضة أن تحصل للنفس حالة العلم بأن المطلوب مقدور لها، فإذا صحت الرياضة وتمت صارت بحيث

لو أرادت المطلوب مطلقاً أو أرادته علي شرائط خاصة، كإحضار الروح للصبي غير المراهق في المرآة، حصل المطلوب.

وإلي هذا الباب يرجع معني ما روي: أنه ذكر عند النبي صلي الله عليه وآله أن بعض أصحاب عيسي عليه السلام كان يمشئ علي الماء فقال صلي الله عليه وآله: لو كان يقينه أشد من ذلك لمشي علي الهواء، فالحديث كما تري يومئ إلي أن الأمر يدور مدار اليقين بالله سبحانه وإمحاء الأسباب الكونية عن الإستقلال في التأثير.

فإلي أي مبلغ بلغ ركون الإنسان إلي القدرة المطلقة الإلهية انقادت له الأشياء علي قدره، فافهم ذلك.

ومن أجمع القول في هذا الشأن قول الصادق عليه السلام: ما ضعف بدن عما قويت عليه النية. وقال صلي الله عليه وآله في الحديث المتواتر: إنما الأعمال بالنيات.

فقد تبين أن الاثار الدينية للاعمال والعبادات وكذلك آثار الرياضات والمجاهدات إنما تستقر الرابطة بينها وبين النفس الإنسانية بشؤونها الباطنية، فالإشتغال بشئ منها اشتغال بأمر النفس....

إياك أن يشتبه عليك الأمر فتستنتج من الأبحاث السابقة أن الدين هو العرفان والتصوف، أعني معرفة النفس كما توهمه بعض الباحثين من الماديين، فقسم المسلك الحيوي الدائر بين الناس إلي قسمين المادية والعرفان وهو الدين. وذلك أن الذي يعقد عليه الدين أن للانسان سعادة حقيقية ليس ينالها إلا بالخضوع لما فوق الطبيعة، ورفض الإقتصار علي التمتعات المادية.

وقد أنتجت الابحاث السابقة أن الأديان أيما كانت من حق أو باطل تستعمل تربية الناس وسوقهم إلي السعادة التي تعدهم إياها، وتدعوهم إليها إصلاح لنفس وتهذيبها إصلاحاً وتهذيباً يناسب المطلوب. وأين هذا من كون عرفان النفس هو الدين.

فالدين يدعو إلي عبادة الاله سبحانه من غير واسطة، أو بواسطة الشفعاء والشركاء،

لأن فيها السعادة الإنسانية والحياة الطيبة التي لا بغية للإنسان دونها، ولا ينالها الإنسان ولن ينالها إلا بنفس طاهرة مطهرة من ألواث التعلق بالماديات والتمتعات المرسلة الحيوانية، فمست الحاجة إلي أن يدرج في أجزاء دعوته إصلاح النفس وتطهيرها ليستعد المنتحل به المتربي في حجره للتلبس بالخير والسعادة ولا يكون كمن يتناول الشئ بإحدي يديه ويدفعه بالأخري.

فالدين أمر وعرفان النفس أمر آخر وراءه وإن استلزم الدين العرفان نوعاً من الإستلزام.

وبنظير البيان يتبين أن طرق الرياضة والمجاهدة المسلوكة لمقاصد متنوعة غريبة عن العادة أيضاً غير عرفان النفس وإن ارتبط البعض بالبعض نحواً من الإرتباط.

نعم لنا أن نقضي بأمر وهو: إن عرفان النفس بأي طريق من الطرق فرض السلوك إليه إنما هو أمر مأخوذ من الدين، كما أن البحث البالغ الحر يعطي أن الأديان علي اختلافها وتشتتها إنما انشعبت هذه الانشعابات من دين واحد عريق تدعو إليه الفطرة الإنسانية وهو دين التوحيد.

فإنا إذا راجعنا فطرتنا الساذجة بالأغماض عن التعصبات الطارئة علينا بالوراثة من أسلافنا أو بالسراية من أمثالنا لم نرتب في أن العالم علي وحدته في كثرته وارتباط أجزائه في عين تشتتها، ينتهي إلي سبب واحد فوق الأسباب وهو الحق الذي يجب الخضوع لجانبه، وترتيب السلوك الحيوي علي حسب تدبيره وتربيته، وهو الدين المبني علي التوحيد.

والتأمل العميق في جميع الأديان والنحل يعطي أنها مشتملة نوع اشتمال علي هذا الروح الحي حتي الوثنية والثنوية، وإنما وقع الإختلاف في تطبيق السنة الدينية علي هذا الأصل والإصابة والخطأ فيه، فمن قائل مثلاً أنه أقرب إلينا من حبل الوريد وهو معنا أينما كنا ليس لنا من دونه من ولي ولا شفيع، فمن الواجب عبادته وحده من غير

إشراك، ومن قائل أن تسفل الإنسان الأرضي وخسة جوهره لا يدع له مخلصاً إلي الإتصال بذاك الجناب، وأين التراب ورب الأرباب فمن الواجب أن نتقرب إلي بعض عباده المكرمين المتجردين عن جلباب المادة، الطاهرين المطهرين من ألواث الطبيعة، وهم روحانيات الكواكب، أو أرباب الأنواع، أو المقربون من الإنسان، وما نعبدهم إلا ليقربونا إلي الله زلفي. وإذ كانوا غائبين عن حواسنا متعالين عن جهاتنا كان من الواجب أن نجسدهم بالأنصاب والأصنام حتي يتم بذلك أمر التقرب العبادي. وعلي هذا القياس في سائر الأديان والملل، فلا نجد في متونها إلا ما هو بحسب الحقيقة نحو توجيه لتوحيد الاله عز اسمه.

ومن المعلوم أن السنن الدائرة بين الناس وإن انشعبت أي انشعاب واختلفت أي إختلاف شديد، فإنها تميل إلي التوحد إذا رجعنا إلي سابق عهودها القهقري، وتنتهي بالآخرة إلي دين الفطرة الساذجة الإنسانية وهو التوحيد.

فدين التوحيد أبو الأديان وهي أبناء له صالحة أو طالحة.

ثم إن الدين الفطري إنما يعتبر أمر عرفان النفس ليتوصل به إلي السعادة الإنسانية التي يدعو إليها، وهي معرفة الإله التي هي المطلوب الأخير عنده. وبعبارة أخري: الدين إنما يدعو إلي عرفان النفس دعوة طريقية لا غائية، فإن الذوق الديني لا يرتضي الإشتغال بأمر إلا في سبيل العبودية، وإن الدين عند الله الإسلام ولا يرضي لعباده الكفر، فكيف يرضي بعرفان النفس إذا استقل بالمطلوبية.

ومن هنا يظهر أن العرفان ينتهي إلي أصل الدين الفطري إذ ليس هو بنفسه أمراً مستقلاً تدعو إليه الفطرة الإنسانية، حتي تنتهي فروعه وأغصانه إلي أصل واحد هو العرفان الفطري.

ويمكن أن يستأنس في ذلك بأمر آخر وهو: أن الإنسانية وإن اندفعت بالفطرة إلي الإجتماع والمدنية لاسعاد الحياة، وأثبت

النقل والبحث أن رجالاً أو أقواماً اجتماعيين دعوا إلي طرائق قومية أو وضعوا سنناً اجتماعية وأجروها بين أممهم، كسنن القبائل، والسنن الملوكية، والديمقراطية، ونحوها، ولم يثبت بنقل أو بحث أن يدعو إلي عرفان النفس وتهذيب أخلاقها أحد من غير أهل الدين في طول التاريخ البشري.

نعم من الممكن أن يكون بعض أصحاب هذه الطرق غير الدينية، كأصحاب السحر والأرواح ونحوهما إنما تنبه إلي هذا النوع من عرفان النفس من غير طريق الدين، لكن لا من جهة الفطرة، إذ الفطرة لا حكم لها في ذلك كما عرفت، بل من جهه مشاهدة بعض الآثار النفسانية الغريبة علي سبيل الإتفاق، فتتوق نفسه إلي الظفر بمنزلة نفسانية يملك بها أعمالاً عجيبة وتصرفات في الكون نادرة تستغربها النفوس، فيدفعه هذا التوقان إلي البحث عنه والسلوك إليه، ثم السلوك بعد السلوك يمهد السبيل إلي المطلوب ويسهل الوعر منه.

يحكي عن كثير من صلحائنا من أهل الدين أنهم نالوا في خلال مجاهداتهم الدينية كرامات خارقة للعادة، وحوادث غريبة اختصوا بها من بين أمثالهم كتمثل أمور لأبصارهم غائبة عن أبصار غيرهم، ومشاهدة أشخاص أو وقائع لا يشاهدها حواس من دونهم من الناس، واستجابة للدعوة وشفاء المريض الذي لا مطمع لنجاح المداواة فيه، والنجاة من المخاطر والمهالك من غير طريق العادة.

وقد يتفق نظائر ذلك لغير أهل الصلاح إذا كان ذا نية صادقة ونفس منقطعة، فهؤلاء يرون ما يرون وهم علي غفلة من سببه القريب، وإنما يسندون ذلك إلي الله سبحانه من غير توسيط وسط.

وإستناد الأمور إليه تعالي وإن كان حقاً لا محيص عن الإعتراف به، لكن نفي الأسباب المتوسطة مما لا مطمع فيه.

وربما أحضر الروحي روح أحد من الناس في مرآة

أو ماء ونحوه بالتصرف في نفس صبي علي ما هو المتعارف، وهو كغيره يري أن الصبي إنما يبصره بالبصر الحسي، وأن بين أبصار سائر الناظرين وبين الروح المحضر حجاباً مضروباً، لو كشف عنه لكانوا مثل الصبي في الظفر بمشاهدته.

وربما وجدوا الأرواح المحضرة أنها تكذب في أخبارها فيكون عجباً لأن عالم الأرواح عالم الطهارة والصفاء لا سبيل للكذب والفرية والزور إليه.

وربما أحضروا روح إنسان حي فيستنطقونه بأسراره وضمائره وصاحب الروح في حالة اليقظة مشغول بأشغاله وحوائجه اليومية لا خبر عنده من أن روحه محضر مستنطق يبث من القول ما لا يرضي هو ببثه.

وربما نوم الإنسان تنويماً مغناطيسياً، ثم لقن بعمل حتي ينعم بقبوله، فإذا أوقظ ومضي لشأنه أتي بالعمل الذي لقنه علي الشريطة التي أريد بها وهو غافل عما لقنوه، وعن إنعامه بقبوله.

وبعض الروحيين لما شاهدوا صوراً روحية تماثل الصور الإنسانية أو صور بعض الحيوان ظنوا أن هذه الصور في عالم المادة وظرف الطبيعة المتغيرة، وخاصة بعض من لا يري لغير الأمر المادي وجوداً، حتي حاول بعض هؤلاء أن يخترع أدوات صناعية يصطاد بها الأرواح! كل ذلك استناداً منهم إلي فرضية افترضوها في النفس أنها مبدأ مادي أو خاصة لمبدأ مادي، يفعل بالشعور والإرادة، مع أنهم لم يحلوا مشكلة الحياة والشعور حتي اليوم.

ونظير هذه الفرضية فرضية من يري أن الروح جسم لطيف مشاكل للبدن العنصري في هيئاته وأشكاله، لما وجدوا أن الإنسان يري نفسه في المنام وهو علي هيئته في اليقظه، وربما يمثل لأرباب المجاهدات صور أنفسهم قبالاً خارج أبدانهم وهي مشاكلة للصورة البدنية مشاكلة تامة، فحكموا أن الروح جسم لطيف حال البدن العنصري مادام الإنسان حياً فإذا فارق البدن كان

هو الموت.

وقد فاتهم أن هذه صورة إدراكية قائمة بشعور الإنسان نظيره صورته التي يدركها من بدنه، ونظيره صور سائر الأشياء الخارجة المنفصلة عن بدنه، وربما تظهر هذه الصورة المنفصلة لبعض أرباب المجاهدة أكثر من واحدة، أو في هيئة غير هيئة نفسه، وربما يري نفسه عين نفس غيره من أفراد الناس، فإذا لم يحكموا في هذه الصور المذكور أنها هي صورة الروح، فجدير بهم أن لا يحكموا في الصورة الواحدة المشاكلة التي تتراءي لارباب المجاهدات أنها صورة الروح.

وحقيقة الأمر أن هؤلاء نالوا شيئاً من معارف النفس وفاتهم معرفة حقيقتها، فأخطاوا في تفسير ما نالوه، وضلوا في توجيه أمره. والحق الذي يهدي إليه البرهان والتجربة أن حقيقة النفس التي هي هذا الشعور المتعقل المحكي عنه بقولنا (أنا) أمر مغاير في جوهره لهذه الأمور المادية كما تقدم، وأن أقسام شعوره وأنواع إدراكاته من حس أو خيال أو تعقل من جهة كونها مدركات إنما هي متقررة في عالمه وظرفه غير الخواص الطبيعية الحاصلة في أعضاء الحس والإدراك من البدن، فإنها أفعال وانفعالات مادية فاقدة في نفسها للحياة والشعور، فهذه الأمور المشهودة الخاصة بالصلحاء وأرباب المجاهدات والرياضات غير خارجة عن حيطة نفوسهم، وإنما الشأن في أن هذه المعلومات والمعارف كيف استقرت في النفس وأين محلها منها، وأن للنفس سمة علية لجميع الحوادث والأمور المرتبطة بها ارتباطاً ما. فجميع هذه الأمور الغريبة المطاوعة لأهل الرياضة والمجاهدة، إنما ترتضع من إرادتهم ومشيئتهم، والإرادة ناشئة من الشعور، فللشعور الإنساني دخل في جميع الحوادث المرتبطة به والأمور المماسة له.

فمن الحري أن نقسم المشتغلين بعرفان النفس في الجملة إلي طائفتين، إحداهما: المشتغلون بالإشتغال بإحراز شئ من آثار النفس الغريبة الخارجة عن حومة

المتعارف من الأسباب والمسببات المادية كأصحاب السحر والطلسمات وأصحاب تسخير روحانيات الكواكب والموكلين علي الأمور والجن وأرواح الآدميين وأصحاب الدعوات والعزائم ونحو ذلك.

والثانية: المشتغلون بمعرفة النفس بالانصراف عن الأمور الخارجة عنها والانجذاب نحوها، للغور فيها ومشاهدة جوهرها وشؤونها كالمتصوفة علي اختلاف طبقاتهم ومسالكهم.

وليس التصوف مما أبدعه المسلمون من عند أنفسهم لما (ثبت) أنه يوجد بين الأمم التي تتقدمهم في النشوء كالنصاري وغيرهم، حتي الوثنية من البرهمانية والبوذية، ففيهم من يسلك الطريقة حتي اليوم، بل هي طريقة موروثة ورثوها من أسلافهم. لكن لا بمعني الأخذ والتقليد العادي كوراثة الناس ألوان المدنية بعضهم من بعض، وأمة منهم متأخرة من أمة منهم متقدمة، كما جري علي ذلك عده من الباحثين الأديان والمذاهب وذلك لما عرفت في الفصول السابقة من أن دين الفطرة يهدي إلي الزهد، والزهد يرشد إلي عرفان النفس.

فاستقرار الدين بين أمة وتمكنه من قلوبهم يعدهم ويهيؤهم لأن تنشأ بينهم طريقة عرفان النفس لا محالة، ويأخذ بها بعض من تمت في حقه العوامل المقتضية لذلك. فمكث الحياة الدينية في أمة من الأمم برهه معتداً بها ينشئ بينهم هذه الطريقة لا محالة صحيحة أو فاسدة، وإن انقطعوا عن غيرهم من الأمم الدينية كل الإنقطاع. وما هذا شأنه لا ينبغي أن يعد من السنن الموروثة التي يأخذها جيل عن جيل.

ثم ينبغي أن نقسم أصحاب القسم الثاني من القسمين المتقدمين وهم أهل العرفان حقيقة إلي طائفتين: فطائفة، منهم يسلكون الطريقة لنفسها فيرزقون شيئاً من معارفها من غير أن يتم لهم تمام المعرفة لها، لأنهم لما كانوا لا يريدون غير النفس فهم في غفلة عن أمر صانعها وهو الله عز اسمه الذي هو السبب الحق الأخذ بناصية

النفس في وجودها وآثار وجودها. وكيف يسع الإنسان تمام معرفة شئ مع الذهول عن معرفة أسباب وجوده وخاصة السبب الذي هو سبب كل سبب، وهل هو إلا كمن يدعي معرفة السرير علي جهل منه بالنجار وقدومه ومنشاره، وغرضه في صنعه، إلي غير ذلك من علل وجود السرير.

ومن الحري بهذا النوع من معرفة النفس أن يسمي كهانة بما في ذيله من الحصول علي شئ من علوم النفس وآثارها.

وطائفة منهم يقصدون طريقة معرفة النفس لتكون ذريعة لهم إلي معرفة الرب تعالي، وطريقتهم هذه هي التي يرتضيها الدين في الجملة وهي أن يشتغل الإنسان بمعرفة نفسه بما أنها آية من آيات ربه وأقرب آية، وتكون النفس طريقاً مسلوكاً والله سبحانه هو الغاية التي يسلك إليها، وأن إلي ربك المنتهي.

وهؤلاء طوائف مختلفة ذووا مذاهب متشتتة في الأمم والنحل، وليس لنا كثير خبرة بمذاهب غير المسلمين منهم وطرائقهم التي يسلكونها. وأما المسلمون فطرقهم فيها كثيرة ربما انهيت بحسب الأصول إلي خمس وعشرين سلسلة، تنشعب من كل سلسلة منها سلاسل جزئية أخر، وقد استندوا فيها إلا واحدة، إلي علي عليه أفضل السلام.

وهناك رجال منهم لا ينتمون إلي واحدة من هذه السلاسل ويسمون الأويسية نسبة إلي أويس القرني، وهناك آخرون منهم لا يتسمون بإسم ولا يتظاهرون بشعار.

ولهم كتب ورسائل مسفورة ترجموا فيها عن سلاسلهم وطرقهم والنواميس والآداب التي لهم عن رجالهم، وضبطوا فيها المنقول من مكاشفاتهم، وأعربوا فيها عن حججهم ومقاصدهم التي بنوها عليها، من أراد الوقوف عليها فليراجعها.

وأما البحث عن تفصيل الطرق والمسالك وتصحيح الصحيح ونقد الفاسد، فله مقام آخر، وقد تقدم في الجزء الخامس من هذا الكتاب بحث لا يخلو عن نفع في هذا

الباب، فهذه خلاصه ما أردنا إيراده من البحث المتعلق بمعني معرفة النفس.

واعلم أن عرفان النفس بغية عملية لا يحصل تمام المعرفة بها إلا من طريق السلوك العملي دون النظري.

وأما علم النفس الذي دَوَّنه أرباب النظر من القدماء فليس يغني من ذلك شيئاً، وكذلك فن النفس العملي الذي دونه المتأخرون حديثاً، فإنما هو شعبة من فن الاخلاق علي ما دونه القدماء، والله الهادي. انتهي.

الموقف الفقهي من الدعوة إلي معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس

ما ذكره صاحب الميزان رحمه الله من الطريقين لمعرفة الله تعالي: طريق النظر في الآفاق وطريق النظر في الأنفس، مطلب شائع بين العرفانيين والمتصوفة، والظاهر أنهم أخذوه من قوله تعالي (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) ولابد هنا من تسجيل الملاحظات التالية:

أولاً: وردت أحاديث شريفة في تفسير الآية المذكورة بأنها من علامات ظهور الإمام المهدي عليه السلام أو من الاحداث التي تظهر علي يده، وأن المقصود بالآفاق آفاق الأرض حيث (تنتقض الأطراف عليهم) أي علي الجبارين قرب ظهوره عليه السلام. ويؤيد ذلك سين الإستقبال في الآية، التي تخبر عن حدث في المستقبل، وإلا لقال (ولقد أريناهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم) مثلاً. أو قال (أو لم ينظروا في الآفاق) كما قال تعالي (أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ).

ثانياً: لا شك أن النظر في ملكوت السماوات والأرض، أي فيما يمكن للإنسان معرفته وفهمه وأخذ العبرة منه، أمر محبوب شرعاً وموصل إلي معرفة الله تعالي وزيادة الإيمان به. قال تعالي: أَوَ لَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَئٍْ وَأَنْ عَسَي أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ الاعراف: 185، ولكن نفس الإنسان جزء من هذا الملكوت وواحدة

من هذه الآفاق، وليست طريقاً في مقابل بقية الآفاق.

ثالثاً: لم أجد سنداً للحديث الذي ذكره (المعرفة بالنفس أنفع المعرفتين) ومن البعيد أن يكون حديثاً شريفاً، وعلي فرض صحته لا يصح تفسيره بما ذكره رحمه الله فإن المقابل لمعرفة الله بالنفس معرفة الله بالله تعالي، أو معرفة الله بأنبيائه وأوليائه، أو معرفة الله بآياته غير النفس..فمن أين جعل رحمه الله المعرفة التي تقابل معرفة النفس، معرفة الآفاق وحصره المقابلة بها. ثم إذا كانت المعرفة بالسير الآفاقي تشمل معرفة الله بالله تعالي وبأوليائه صلوات الله عليهم، فكيف يصح تفضيل معرفته عن طريق النفس علي هذه المعرفة؟!

رابعاً: تقدم بحث الحد الأدني الواجب من معرفة الله تعالي، ولم يتعرض الفقهاء والمتكلمون إلي طرقه، ولم يفضلوا بعضها علي بعض. كما تقدم أن معرفة الله هي من صنعه تعالي في نفس الإنسان وألطافه به، ولا صنع للإنسان فيها.

خامساً: لا شك في صحة ما ذكره رحمه الله من أن تزكية النفس وتهذيبها من الرذائل والشهوات والتعلق بحطام الدنيا ومتاعها، مقدمة لازمة لتحقيق هدف الدين الذي هو عبادة الله تعالي. قال تعالي (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) وقال تعالي (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ) ولكن الوارد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة هو تزكية النفس وجهاد النفس ومخالفة النفس، وهي أمور عملية غير ما يطرحه المتصوفة والعرفاء من معرفة النفس، وإن كانت تزكية النفس تتوقف علي قدر من معرفتها.

سادساً: لو سلمنا أن تزكية النفس ومخالفتها وجهادها هي نفس معرفة النفس التي طرحها المتصوفة والعرفاء، ولكن الدعوة إلي معرفة الله تعالي وطاعته عن طريق معرفة النفس علي إجمالها وإهمالها تتضمن مخاطر عديدة لا يمكن

قبولها، لأنها تتسع للضد والنقيض في الأساليب والاهداف والقدوات.. جميعاً.

فبعض الدعوات إلي معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس تتبني العزلة والرهبانية، وبعضها يتبني إصلاح النفس والمجتمع والحكم. وبعضها يدعو إلي التقيد بأحكام الشريعة المقررة في هذا المذهب أو ذاك... وبعضها يدعو إلي تقليد الأستاذ شيخ الطريقة أو أستاذ الأخلاق وما شابه، دون الحاجة إلي أخذ أي مفهوم أو حكم شرعي من غيره!

وبعضها يدعي أنه يتصل بالله تعالي عن طريق المعرفة فيلهم العقائد والأحكام الشرعية، ولا يحتاج عند ذلك إلي شريعة! بل ولا إلي نبوة!!

وبعض الدعوات تجعل قدوتها في المعرفة بعض الصحابة أو الأولياء الذين لم يجعلهم الله تعالي ولا رسوله قدوة. بل قد يتخذ بعضهم قدوة من العرفاء والمتصوفة غير المسلمين.. إلي آخر ما هنالك من تعدد الأساليب والأهداف والقدوات.

ولهذا، فإن من المشكل جداً أن ندعو الناس إلي معرفة الله تعالي عن طريق معرفة النفس، ونقول لهم اقتدوا بأستاذكم حتي يصل أحدكم إلي الله تعالي فيصير أستاذاً مجتهداً! فما أيسر أن يجلس الشيطان في هذا الطريق وينحرف بالإنسان!

سابعاً: بما أن حب الذات أقوي غرائز الإنسان علي الإطلاق، فإن دعوة العوام بل وأكثر المتعلمين إلي سلوك طريق العرفان والتصوف بدون تحديد الوسائل والأهداف والقدوة، يجعلهم في معرض الوقوع في عبادة الذات وتعظيمها، فيتخيل أحدهم أنه وصل إلي الله تعالي، وحصل علي ارتباط به، وصار صاحب أسرار إلهية، ويزين له الشيطان العيش في عالم من نسيج الخيال وحب الذات، وقد تظهر منه ادعاءات باطلة واتجاهات منحرفة، أعاذنا الله وجميع المؤمنين.

لذلك فإن الإئتمام في المعرفة وتعيين وسائلها وهدفها من أول ضرورياتها، فالواجب التركيز علي القدوة في معرفة النفس والسلوك، قبل الدعوة

إلي سلوك طريق لا إمام له.

ثامناً: ما دامت معرفة النفس عند المتصوفة طريقاً إلي معرفة الله تعالي، ومعرفة الله تعالي طريقاً إلي عبادته، فالهدف المتفق عليه عند الجميع هو عبادة الله سبحانه. وهذه العبادة التي هي غاية الخلق وطريق التكامل الإنساني الوحيد، إنما تحصل بإطاعته سبحانه، وإطاعة رسوله صلي الله عليه وآله وإطاعة أهل بيته غليهم السلام أولي الأمر الذين أمرنا الله ورسوله بإطاعتهم والاقتداء بهم..

ولذلك فلابد في الدعوة إلي المعرفة والعرفان وتزكية النفس وتطهيرها وجهادها وغرس الفضائل فيها.. أن تتقيد بإطاعة الأحكام الشرعية كاملة، وتتخذ من النبي وآله صلي الله عليه وعليهم قدوة وأئمة في المسلك والسلوك.. حتي تكون طريقاً صحيحاً في الحياة، موصلة إلي رضوان الله تعالي. ولذلك أجاب أحد الفقهاء شخصاً سأله ما هو العرفان، وكيف يكون الإنسان عارفاً، فقال له: هذه الأحكام الشرعية التي تطبقها يومياً فتصلي وتقوم بالواجبات وتترك المحرمات هي العرفان، وأنت بسلوكك هذا تمارس المعرفة.

ومن الطبيعي أن يكون ذلك السلوك علي درجات ومراتب ومقامات، ولكنها تتحق من هذا الطريق الذي سلكه النبي وآله وتلامذتهم، لا من غيره.

معرفة النبي والأئمة

يجب علي كل الناس معرفة النبي

الكافي:1/168

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمر الفقيمي، عن هشام بن الحكم، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال للزنديق الذي سأله من أين أثبتت الأنبياء والرسل؟ قال: أنه لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يعبرون عنه إلي خلقه وعباده، ويدلونهم علي مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناوهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحكيم

العليم في خلقه والمعبرون عنه عز وجل، وهم الأنبياء غليهم السلام وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس - علي مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب - في شئ من أحوالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة، ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين، لكيلا تخلو أرض الله من حجة، يكون معه علم يدل علي صدق مقالته وجواز عدالته.

دعائم الإسلام:1/5

فأما ما فرض علي القلب من الإيمان فالإقرار والمعرفة والعقد والرضا والتسليم بأن الله تبارك وتعالي هو الواحد، لا إله إلا هو وحده لا شريك له إلهاً واحداً أحداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، وأن محمداً عبده ورسوله صلي الله عليه وآله والإقرار بما كان من عند الله من نبي أو كتاب، وذلك ما فرض علي القلب من الإقرار والمعرفة.

الهداية للصدوق/5

يجب أن يعتقد أن النبوة حق كما اعتقدنا أن التوحيد حق، والأنبياء الذين بعثهم الله مئة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي، جاؤوا بالحق من عند الحق وأن قولهم قول الله وأمرهم أمر الله وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، فإنهم لم ينطقوا إلا عن الله تبارك وتعالي وعن وحيه. وأن سادة الأنبياء خمسة الذين عليهم دارت الرحي، وهم أصحاب الشرايع وهم أولوا العزم: نوح، وإبراهيم، وموسي، وعيسي، ومحمد صلوات الله عليهم، وأن محمداً صلي الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم، وأنه جاء بالحق وصدق المرسلين، وأن الذين كذبوه لذائقوا العذاب الأليم، وأن الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون.

ويجب أن يعتقد أن الله تعالي لم يخلق خلقاً أفضل من محمد صلي الله عليه

وآله ومن بعده الأئمة صلوات الله عليهم، وأنهم أحب الخلق إلي الله عز وجل وأكرمهم عليه، وأولهم إقراراً به لما أخذ الله ميثاق النببين من الذر، وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي، وأن الله بعث نبيه صلي الله عليه وآله في الذر، وأن الله أعطي ما أعطي كل نبي علي قدر معرفته، ونبينا صلي الله عليه وآله سبقهم إلي الإقرار به.

ويعتقد أن الله تبارك وتعالي خلق جميع ما خلق له ولاهل بيته صلي الله عليه وآله وأنه لولاهم ما خلق السماء والأرض، ولا الجنة والنار، ولا آدم ولا حواء ولا الملائكة، ولا شيئاً مما خلق، صلوات الله عليهم أجمعين...

رسائل الشهيد الثاني:2/144

الثالث، في بيان المعارف التي يحصل بها الإيمان، وهي خمسة أصول: الأصل الأول، معرفة الله تعالي وتقدس. المراد بها التصديق الجازم الثابت بأنه تعالي موجود أزلاً وأبداً، واجب الوجود لذاته....

الأصل الثاني، التصديق بعدله، أي بأنه عادل. والتصديق بحكمته....

الأصل الثالث، التصديق بنبوة محمد صلي الله عليه وآله وبجميع ما جاء به، تفصيلاً فيما علم تفصيلاً، وإجمالاً فيما علم إجمالاً. وليس بعيداً أن يكون التصديق الإجمالي بجميع ما جاء به عليه السلام كافياً في تحقق الإيمان، وإن كان المكلف قادراً علي العلم بذلك تفصيلاً يجب العلم بتفاصيل ما جاء به من الشرائع للعمل به.

وأما تفصيل ما أخبر به من أحوال المبدأ والمعاد، كالتكليف بالعبادات، والسؤال في القبر وعذابه، والمعاد الجسماني، والحساب والصراط، والجنة، والنار، والميزان، وتطاير الكتب، مما ثبت مجيؤه به تواتراً، فهل التصديق بتفاصيله معتبرة في تحقق الإيمان؟ صرح باعتباره جمع من العلماء. والظاهر أن التصديق به إجمالاً كاف، بمعني أن المكلف لو اعتقد حقية كل ما أخبر به

عليه السلام بحيث كلما ثبت عنده جزئي منها صدق به تفصيلاً كان مؤمناً وإن لم يطلع علي تفاصيل تلك الجزئيات بعد، ويؤيد ذلك أن أكثر الناس في الصدر الأول لم يكونوا عالمين بهذه التفاصيل في الأول، بل كانوا يطلعون عليها وقتاً فوقتاً، مع الحكم بإيمانهم في كل وقت من حين التصديق بالوحدانية والرسالة، بل هذا حال أكثر الناس في جميع الاعصار كما هو المشاهد، فلو اعتبرناه لزم خروج أكثر أهل الإيمان عنه، وهو بعيد عن حكمة العزيز الحكيم. نعم العلم بذلك لا ريب أنه من مكملات الإيمان....كشف الغطاء/4

... ثم لا تجب علي الأمم اللاحقة معرفة الأنبياء السابقين، نعم ربما وجب معرفة أن لله أنبياء قد سبقت دعوتهم وانقرضت ملتهم علي الاجمال. ويجب معرفة عصمته بالدليل، ويكفي فيه أنه لو جاز عليه الخطأ والخطيئة لم يبق وثوق بإخباره ولا إعتماد علي وعده ووعيده، فتنتفي فائدة البعثة.

يعرف النبي بالمعجزة والإمام بالنص والمعجزة

رسائل الشريف المرتضي:3/18

باب ما يجب اعتقاده في النبوة. متي علم الله سبحانه أن لنا في بعض الأفعال مصالح وألطافاً، أو فيها ما هو مفسدة في الدين، والعقل لا يدل عليها، وجب بعثة الرسول لتعريفه، ولا سبيل إلي تصديقه إلا بالمعجز. وصفة المعجز أن يكون خارقاً للعادة، ومطابقاً لدعوي الرسول ومتعلقاً بها، وأن يكون متعذراً في جنسه أو صفته المخصوصة علي الخلق، ويكون من فعله تعالي أو جارياً مجري فعله تعالي، وإذا وقع موقع التصديق فلا بد من دلالته علي المصدق وإلا كان قبيحاً.

... باب ما يجب إعتقاده في الإمامة وما يتصل به أوجب في الإمام عصمته، لأنه لو لم يكن كذلك لكانت الحاجة إليه فيه، وهذا يتناهي من الرؤساء والإنتهاء إلي رئيس معصوم. وواجب أن يكون

أفضل من رعيته وأعلم، لقبح تقديم المفضول علي الفاضل فيما كان أفضل منه فيه في العقول. فإذا وجبت عصمته وجب النص من الله تعالي عليه وبطل إختيار الإمامة، لأن العصمة لا طريق للأنام إلي العلم بمن هو عليها.

الاقتصاد للشيخ الطوسي/151

ولا طريق إلي معرفة النبي إلا بالمعجز، والمعجز في اللغة عبارة عمن جعل غيره عاجزاً، مثل المقدور الذي يجعل غيره قادراً إلا أنه صار بالعرف عبارة عما يدل علي صدق من ظهر علي يده واختص به، والمعتمد علي ما في العرف دون مجرد اللغة.

والمعجز يدل علي ما قلناه بشروط: أولها أن يكون خارقاً للعادة، والثاني يكون من فعل الله أو جارياً مجري فعله، والثالث أن يتعذر علي الخلق جنسه أو صفته المخصوصة، والرابع أن يتعلق بالمدعي علي وجه التصديق لدعواه.

... فعلي هذا لا يلزم أن يظهر الله علي يد كل إمام معجزاً، لأنه يجوز أن يعلم إمامته بنص أو طريق آخر، ومتي فرضنا أنه لا طريق إلي معرفة إمامته إلا المعجز وجب إظهار ذلك عليه وجري مجري النبي سواء، لأنه لابد لنا من معرفته كما لابد لنا من معرفة النبي المتحمل لمصالحنا. ولو فرضنا في نبي علمنا نبوته بالمعجز أنه نص علي نبي آخر لاغني ذلك عن ظهور المعجز علي يد النبي الثاني، بأن نقول: النبي الأول أعلمنا أنه نبي، كما يعلم بنص إمام علي إمامته ولا يحتاج إلي معجز.

و تجب معرفة الأئمة لأن الله تعالي فرض طاعتهم

رسائل الشهيد الثاني:2/145

الأصل الرابع: التصديق بإمامة الإثني عشر صلوات الله عليهم أجمعين، وهذا الأصل اعتبرته في تحقق الإيمان الطائفة المحقة الإمامية، حتي أنه من ضروريات مذهبهم، دون غيرهم من المخالفين، فإنه عندهم من الفروع....

الكافي:1/180

عدة من أصحابنا، عن أحمد

بن محمد بن خالد عن أبيه، عمن ذكره، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إنكم لا تكونون صالحين حتي تعرفوا ولا تعرفوا، حتي تصدقوا ولا تصدقوا، حتي تسلموا، أبواباً أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها... إنما يتقبل الله من المتقين، فمن اتقي الله فيما أمره لقي الله مؤمناً بما جاء به محمد صلي الله عليه وآله هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا، وأشركوا من حيث لا يعلمون. إنه من أتي البيوت من أبوابها اهتدي، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردي، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله، وهو الإقرار بما أنزل من عند الله عز وجل، خذوا زينتكم عند كل مسجد والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.

إن الله قد استخلص الرسل لأمره، ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره فقال: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير، تاه من جهل، واهتدي من أبصر وعقل. إن الله عز وجل يقول: فَإِنَّهَا لا تَعْمَي الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَي الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ، وكيف يهتدي من لا يبصر؟ وكيف يبصر من لم يتدبر؟ إتبعوا رسول الله وأهل بيته وأقروا بما نزل من عند الله واتبعوا آثار الهدي، فإنهم علامات الإمامة والتقي، واعلموا أنه لو أنكر رجل عيسي ابن مريم عليه السلام وأقر بمن سواه من الرسل لم يؤمن. اقتصوا الطريق بالتماس المنار والتمسوا من وراء

الحجب الآثار، تستكملوا أمر دينكم وتؤمنوا بالله ربكم...

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن حريز، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمن تبارك وتعالي: الطاعة للإمام بعد معرفته، ثم قال: إن الله تبارك وتعالي يقول: مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّي فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا.

الحسين بن محمد الأشعري، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء عن أبان بن عثمان، عن أبي الصباح قال: أشهد أني سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: أشهد أن علياً إمام فرض الله طاعته، وأن الحسن إمام فرض الله طاعته، الحسين إمام فرض الله طاعته، وأن علي بن الحسين إمام فرض الله طاعته، وأن محمد بن علي إمام فرض الله طاعته.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عيسي عن الحسين بن المختار، عن بعض أصحابنا، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عز وجل: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا. قال: الطاعة المفروضة.

أحمد بن محمد، عن محمد بن أبي عمير، عن سيف بن عميرة، عن أبي الصباح الكناني قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: نحن قوم فرض الله عز وجل طاعتنا، ولنا صفوا المال، ونحن الراسخون في العلم، ونحن المحسودون الذين قال الله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ.

أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلاء قال: ذكرت لابي عبد الله عليه السلام قولنا في الاوصياء أن طاعتهم مفترضة قال فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالي: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ. وهم الذين قال الله

عز وجل: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا.

وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد، عن معمر بن خلاد قال: سأل رجل فارسي الحسن عليه السلام فقال: طاعتك مفترضة؟ فقال نعم، قال: مثل طاعة علي ابن أبي طالب عليه السلام؟ فقال: نعم.

وبهذا الإسناد، عن أحمد بن محمد عن علي بن الحكم، عن علي بن أبي حمزة عن بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال سألته عن الأئمة هل يجرون في الأمر والطاعة مجري واحداً؟ قال: نعم.

علي، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن محمد بن الفضيل قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلي الله عز وجل، قال: أفضل ما يتقرب به العباد إلي الله عز وجل طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر، قال أبو جعفر عليه السلام: حبنا إيمان وبغضنا كفر.

محمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن محمد بن عيسي، عن فضالة بن أيوب، عن أبان، عن عبدالله بن سنان، عن إسماعيل بن جابر، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام: أعرض عليك ديني الذي أدين الله عز وجل به؟ قال: فقال هات، قال فقلت: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله والإقرار بما جاء به من عند الله، وأن علياً كان إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده الحسن إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده الحسين إماماً فرض الله طاعته، ثم كان بعده علي بن الحسين إماماً فرض الله طاعته حتي انتهي الأمر إليه، ثم قلت: أنت يرحمك الله؟ قال: فقال: هذا دين الله ودين ملائكته.

دعائم الإسلام:1/52

... ثم قال أبوعبدالله جعفر بن محمد صلي الله عليه... وإنما يقبل الله

عز وجل العمل من العباد بالفرائض التي افترضها عليهم بعد معرفة من جاء بها من عنده، ودعاهم إليه، فأول ذلك معرفة من دعا إليه، وهو الله الذي لا إله إلا هو وحده والإقرار بربوبيته، ومعرفة الرسول الذي بلغ عنه، وقبول ما جاء به، ثم معرفة الوصي، ثم معرفة الأئمة بعد الرسل الذين افترض الله طاعتهم في كل عصر وزمان علي أهله، والإيمان والتصديق بأول الرسل والأئمة وآخرهم. ثم العمل بما افترض الله عز وجل علي العباد من الطاعات ظاهراً وباطناً، واجتناب ما حرم الله عز وجل عليهم ظاهره وباطنه....

الهداية للصدوق/6

باب الإمامة. يجب أن يعتقد أن الإمامة حق، كما اعتقد أن النبوة حق، ويعتقد أن الله عز وجل الذي جعل النبي صلي الله عليه وآله نبياً هو الذي جعل الإمام إماماً، وأن نصب الإمام واختياره إلي الله عز وجل، وأن فضله منه.

ويجب أن يعتقد أنه يلزمنا من طاعة الإمام ما يلزمنا من طاعة النبي صلي الله عليه وآله وكل فضل آتاه الله عز وجل نبيه فقد آتاه الإمام إلا النبوة....

باب معرفة الأئمة الذين هم حجج الله علي خلقه بعد نبيه صلوات الله عليه وعليهم بأسمائهم.

يجب أن يعتقد أن حجج الله عز وجل علي خلقه بعد نبيه محمد صلي الله عليه وآله الأئمة الإثنا عشر: أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسي، ثم محمد بن علي، ثم علي بن محمد، ثم الحسن بن علي، ثم الحجة القائم صاحب الزمان خليفة الله في أرضه، صلوات الله عليهم أجمعين.

ويجب أن يعتقد أنهم أولوا الأمر الذين أمر الله بطاعتهم، وأنهم الشهداء علي الناس، وأنهم أبواب الله والسبيل إليه والأدلاء عليه، وأنهم عيبة علمه وتراجمة وحيه وأركان توحيده، وأنهم معصومون من الخطأ والزلل، وأنهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، وأن لهم المعجزات والدلائل، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماوات، ومَثَلُهم في هذه الأمة كمثل سفينة نوح وباب حطة الله، وأنهم عباد الله المكرمون الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون. ويجب أن يعتقد أن حبهم إيمان وبغضهم كفر، وأن أمرهم أمر الله ونهيهم نهي الله، وطاعتهم طاعة الله ومعصيتهم معصية الله، ووليهم ولي الله وعدوهم عدو الله.

ويجب أن يعتقد أن حجة الله في أرضه وخليفته علي عباده في زماننا هذا هو القائم المنتظر ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب غليهم السلام، وأنه هو الذي أخبر النبي صلي الله عليه وآله به عن الله عز وجل بإسمه ونسبه، وأنه هو الذي يملا الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، وأنه هو الذي يظهر الله عز وجل به دينه صلي الله عليه وآله علي الدين كله ولو كره المشركون، وأنه هو الذي يفتح الله عز وجل علي يده مشارق الأرض ومغاربها، حتي لا يبقي مكان إلا ينادي فيه بالأذان ويكون الدين كله لله، وأنه هو المهدي الذي إذا خرج نزل عيسي بن مريم عليه السلام فصلي خلفه، ويكون إذا صلي خلفه مصلياً خلف الرسول صلي الله عليه وآله لأنه خليفته.

ويجب أن يعتقد أنه لا يجوز أن يكون القائم غيره، بقي في غيبته

ما بقي، ولو بقي في غيبته عمر الدنيا لم يكن القائم غيره، لأن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة غليهم السلام عرفوا باسمه ونسبه ونصوا به وبشروا.

ويجب أن يتبرأ إلي الله عز وجل من الأوثان الأربعة: يغوث ويعوق ونسر وهبل، ومن الأنداد الأربع اللات والعزي ومناة والشعري، وممن عبدوهم ومن جميع أشياعهم وأتباعهم، ويعتقد فيهم أنهم أعداء الله وأعداء رسوله وأنهم شر خلق الله، ولا يتم الإقرار بجميع ما ذكرناه إلا بالتبري منهم.

المقنعة/32

ويجب علي كل مكلف أن يعرف إمام زمانه، ويعتقد إمامته وفرض طاعته، وأنه أفضل أهل عصره وسيد قومه، وأنهم في العصمة والكمال كالأنبياء غليهم السلام يعتقد أن كل رسول لله تعالي فهو نبي إمام، وليس كل إمام نبياً ولا رسولاً، وأن الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله حجج الله تعالي وأوليائه وخاصة أصفياء الله، أولهم وسيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عليه أفضل السلام، وبعده الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي بن الحسين، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي بن موسي، ثم علي بن محمد بن علي، ثم الحسن بن علي بن محمد، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي غليهم السلام، لاإمامة لاحد بعد النبي صلي الله عليه وآله غيرهم، ولا يستحقها سواهم، وأنهم الحجة علي كافة الانام كالأنبياء غليهم السلام وأنهم أفضل خلق الله بعد نبيه عليه وآله السلام، والشهداء علي رعاياهم يوم القيامة، كما أن الأنبياء غليهم السلام شهداء الله علي أممهم، وأنه بمعرفتهم وولايتهم

تقبل الأعمال، وبعداوتهم والجهل بهم يستحق النار.

رسائل الكركي:2/298

مسألة: معرفة تعداد الأئمة غليهم السلام شرط في صحة عقد النكاح، أم يكفي معرفتهم وإعتقاد إمامتهم إجمالاً من الزوجين من غير معرفة التعداد علي الترتيب أو من غير تعداد مطلقاً؟

الجواب: إن كانت الزوجة عارفة فلا بد من معرفة الزوج.

العروة الوثقي:2/318

مسألة: استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين الذين لا يعرفون الله إلا بهذا اللفظ، أو النبي أو الأئمة كلاً أو بعضاً، شيئاً من المعارف، الخمس واستقرب عدم الأجزاء، بل ذكر بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الأئمة بأسمائهم بل لابد في كل واحد أن يعرف أنه من هو وابن من، فيشترط تعيينه وتمييزه عن غيره، وأن يعرف الترتيب في خلافتهم، ولو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا يعتبر الفحص عن حاله، ولا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن واثني عشري. وما ذكروه مشكل جداً، بل الاقوي كفاية الإقرار الإجمالي وإن لم يعرف أسماؤهم أيضاً فضلاً عن أسماء آبائهم والترتيب في خلافتهم.

و تجب معرفتهم لأن الله تعالي فرض مودتهم

الغدير للاميني:2/324

أخرج القاضي عياض في الشفاء عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد جواز علي الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب. ويوجد في الصواعق/139، والإتحاف/15، ورشفة الصادي/459.

الغدير:2/307

أخرج الحافظ أبو عبد الله الملا في سيرته أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إن الله جعل أجري عليكم المودة في أهل بيتي، وإني سائلكم غداً عنهم. ورواه محب الدين الطبري في الذخائر/25 وابن حجر في الصواعق/102 و 136 والسمهودي في جواهر العقدين.

قال جابر بن عبدالله: جاء أعرابي إلي النبي صلي الله

عليه وآله وقال: يا محمد أعرض علي الإسلام.

فقال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله.

قال: تسألني عليه أجراً قال: لا، إلا المودة في القربي.

قال: قرابتي أو قرابتك!

قال: قرابتي.

قال: هات أبايعك، فعلي من لا يحبك ولا يحب قرابتك لعنة الله.

فقال النبي صلي الله عليه وآله: آمين.

أخرجه الحافظ الكنجي في الكفاية/31 من طريق الحافظ أبي نعيم، عن محمد بن أحمد بن مخلد، عن الحافظ ابن أبي شيبة بإسناده.

وأخرج الحافظ الطبري، وابن عساكر، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل لقواعد التفضيل، بعدة طرق عن أبي أمامة الباهلي، قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله خلق الأنبياء من أشجار شتي، وخلقني من شجرة واحدة، فأنا أصلها وعلي فرعها وفاطمة لقاحها والحسن والحسين ثمرها، فمن تعلق بغصن من أغصانها نجا، ومن زاغ عنها هوي، ولو أن عبداً عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام ثم ألف عام، ثم لم يدرك محبتنا، أكبه الله علي منخريه في النار. ثم تلا: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربي.

الغدير:1/242

شمس الدين أبوالمظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفي 654، رواه في تذكرته/19 قال: ذكر أبوإسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبي(ص)لما قال ذلك (يعني حديث الولاية) طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتاه علي ناقة له فأناخها علي باب المسجد، ثم عقلها وجاء فدخل في المسجد فجثا بين يدي رسول الله(ص)فقال: يا محمد إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك، وإنك أمرتنا أن نصلي خمس صلوات

في اليوم والليلة ونصوم رمضان ونحج البيت ونزكي أموالنا فقبلنا منك ذلك، ثم لم ترض بهذا حتي رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته علي الناس وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شئ منك أو من الله؟!

فقال رسول الله(ص)وقد احمرت عيناه: والله الذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله.

فولي الحرث وهو يقول: اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأرسل من السماء علينا حجارة أو ائتنا بعذاب أليم! قال: فوالله ما بلغ ناقته حتي رماه الله من السماء بحجر فوقع علي هامته فخرج من دبره و مات، وأنزل الله تعالي: سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ. الآيات....

شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفي 977 (المترجم/135) قال: في تفسيره السراج المنير 4/364: اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس: هو النضر بن الحرث، وقيل: هو الحرث بن النعمان... انتهي.

ملاحظة: لا ينافي هذا الحديث نزول الآية في مكة، لأن ما وقع في المدينة يكون تأويلها، فيكون المعني أن الحرث الفهري هو السائل بالعذاب الذي أخبر عنه الله تعالي قبل ذلك، أو يكون مصداقاً للسائلين بالعذاب.

علي أنه لا مانع من القول بنزول جبرئيل مرة أخري بالآية مؤكداً حادثة تأويلها، بل لا مانع من نزول الآية مرتين.

الشفا للقاضي عياض جزء 2/47

فصل. ومن توقيره(ص)وبره بر آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه كما حض عليه(ص)وسلكه السلف الصالح رضي الله عنهم، قال الله تعالي: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، الآية. وقال تعالي: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ.

أخبرنا الشيخ أبو محمد بن أحمد العدل من كتابه وكتبت من أصله، حدثنا أبو الحسن المقري الفرغاني، حدثتني أم القاسم بنت الشيخ أبي بكر الخفاف، قالت حدثني أبي حدثنا خاتم

هو ابن عقيل، حدثنا يحيي هو ابن اسماعيل، حدثنا يحيي هو الحمائي، حدثنا وكيع، عن أبيه، عن سعيد بن مسروق، عن يزيد بن حيان، عن زيد بن أرقم (رض) قال قال رسول الله (ص): أنشدكم الله أهل بيتي، ثلاثاً. قلنا لزيد: من أهل بيته؟ قال آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس.

وقال (ص): إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وقال (ص): معرفة آل محمد(ص)براءة من النار، وحب آل محمد جواز علي الصراط، والولاية لآل محمد أمان من العذاب.

قال بعض العلماء: معرفتهم هي معرفة مكانهم من النبي(ص)وإذا عرفهم بذلك، عرف وجوب حقهم وحرمتهم بسببه. انتهي.

ونلاحظ أن القاضي عياضاً قد بتر حديث الغدير الذي يرويه مسلم وغيره، فلم يرو إلا جزءً من آخره، ثم فسر معرفة آل محمد بأنها معرفة نسبهم من النبي صلي الله عليه وآله أو معرفة معزته لهم، مدعياً أن الإنسان يستحق براءة من النار!! وهذا من عجائب الفتاوي التي تجعل الجنة مشروطة بمعرفة نسب آل النبي صلي الله عليه وعليهم! أما اتِّباعهم وإطاعتهم، وموالاة من وليهم ومعاداة عدوهم فلا يجب منه شي..!

وقد تعرض السيد شرف الدين لهذا الحديث في المراجعات/82 وقال في هامشه:

أورده القاضي عياض في الفصل الذي عقده لبيان أن من توقيره وبره صلي الله عليه وآله بر آله وذريته، من كتاب الشفا في أول/40 من قسمه الثاني طبع الاستانة سنة 1328، وأنت تعلم أن ليس المراد من معرفتهم هنا مجرد معرفة أسمائهم وأشخاصهم وكونهم أرحام رسول الله صلي الله عليه وآله فإن أبا جهل وأبا لهب ليعرفان ذلك كله، وإنما المراد معرفة أنهم

أولوا الأمر بعد رسول الله علي حد قوله صلي الله عليه وآله: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية. انتهي.

ومن الطريف أن القاضي عياضاً روي بعد هذا الحديث أحاديث أخري تفسر معرفة أهل البيت غليهم السلام بخلاف ما فسرها، قال:

وعن عمر بن أبي سلمة لما نزلت: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ، الآية - وذلك في بيت أم سلمة - دعا فاطمة وحسناً وحسيناً فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره ثم قال:اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

وعن سعد بن أبي وقاص: لما نزلت آية المباهلة دعا النبي(ص)علياً وحسناً وحسيناً وفاطمة وقال: اللهم هؤلاء أهلي.

وقال النبي(ص)في علي: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه. وقال فيه: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق... وقال أبو بكر (رض): إرقبوا محمداً في أهل بيته. انتهي!

و تجب معرفتهم لأن الله تعالي فرض الصلاة عليهم

رسائل الشريف المرتضي:2/249

الرسالة الباهرة في العترة الطاهرة. بسم الله الرحمن الرحيم. قال (رض): مما يدل أيضاً علي تقديمهم غليهم السلام وتعظيمهم علي البشر أن الله تعالي دلنا علي أن المعرفة بهم كالمعرفة به تعالي في أنها إيمان وإسلام، وإن الجهل والشك فيهم كالجهل به والشك فيه في أنه كفر وخروج من الإيمان، وهذه منزلة ليس لاحد من البشر إلا لنبينا صلي الله عليه وآله وبعده لامير المؤمنين عليه السلام والأئمة من ولده علي جماعتهم السلام. لأن المعرفة بنبوة الأنبياء المتقدمين من آدم إلي عيسي غليهم السلام أجمعين غير واجبة علينا ولا تعلق لها بشئ من تكاليفنا، ولولا أن القرآن ورد بنبوة من سمي فيه من الأنبياء المتقدمين فعرفناهم تصديقاً للقرآن وإلا فلا وجه لوجوب معرفتهم

علينا، ولا تعلق لها بشئ من أحوال تكليفنا.

وبقي علينا أن ندل علي أن الأمر علي ما ادعيناه.

والذي يدل علي أن المعرفة بإمامة من ذكرناه غليهم السلام من جملة الإيمان وأن الإخلال بها كفر ورجوع عن الإيمان، إجماع الشيعة الإمامية علي ذلك فإنهم لا يختلفون فيه، وإجماعهم حجة بدلالة أن قول الحجة المعصوم الذي قد دلت العقول علي وجوده في كل زمان في جملتهم وفي زمرتهم، وقد دللنا علي هذه الطريقة في مواضع كثيرة من كتبنا واستوفيناها في جواب التبانيات خاصة، وفي كتاب نصرة ما انفردت به الشيعة الإمامية من المسائل الفقهية، فإن هذا الكتاب مبني علي صحة هذا الأصل.

ويمكن أن يستدل علي وجوب المعرفة بهم غليهم السلام بإجماع الأمة، مضافاً إلي ما بيناه من إجماع الإمامية وذلك أن جميع أصحاب الشافعي يذهبون إلي أن الصلاة علي نبينا صلي الله عليه وآله في التشهد الاخير فرض واجب وركن من أركان الصلاة من أخل به فلا صلاة له، وأكثرهم يقول: إن الصلاة في هذا التشهد علي آل النبي عليهم الصلوات في الوجوب واللزوم ووقوف أجزاء الصلاة عليها كالصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله والباقون منهم يذهبون إلي أن الصلاة علي الال مستحبة وليست بواجبة.

فعلي القول الأول لابد لكل من وجبت عليه الصلاة من معرفتهم من حيث كان واجباً عليه الصلاة عليهم، فإن الصلاة عليهم فرع علي المعرفة بهم، ومن ذهب إلي أن ذلك مستحب فهو من جملة العبادة وإن كان مسنوناً مستحباً والتعبد به يقتضي التعبد بما لا يتم إلا به من المعرفة. ومن عدا أصحاب الشافعي لا ينكرون أن الصلاة علي النبي وآله في التشهد مستحبة، وأي شبهة تبقي مع هذا

في أنهم غليهم السلام أفضل الناس وإجلالهم وذكرهم واجب في الصلاة.

وعند أكثر الأمة من الشيعة الإمامية وجمهور أصحاب الشافعي أن الصلاة تبطل بتركه وهل مثل هذه الفضيلة لمخلوق سواهم أو تتعداهم؟

ومما يمكن الإستدلال به علي ذلك أن الله تعالي قد ألهم جميع القلوب، وغرس في كل النفوس تعظيم شأنهم وإجلال قدرهم علي تباين مذاهبهم واختلاف دياناتهم ونحلهم، وما اجتمع هؤلاء المختلفون المتباينون مع تشتت الاهواء وتشعب الاراء علي شئ كإجماعهم علي تعظيم من ذكرناه وإكبارهم، إنهم يزورون قبورهم ويقصدون من شاحط البلاد وشاطئها مشاهدهم ومدافنهم والمواضع التي وسمت بصلاتهم فيها وحلولهم بها، وينفقون في ذلك الأموال ويستنفدون الأحوال، فقد أخبرني من لا أحصيه كثرة أن أهل نيسابور ومن والاها من تلك البلدان يخرجون في كل سنة إلي طوس لزيارة الإمام أبي الحسن علي بن موسي الرضا صلوات الله عليهما بالجمال الكثيرة والاهبة التي لا توجد مثلها إلا للحج إلي بيت الله. وهذا مع المعروف من انحراف أهل خراسان عن هذه الجهة وازورارهم عن هذا الشعب.

وما تسخير هذه القلوب القاسية وعطف هذه الأمم البائنة إلا كالخارق للعادات والخارج عن الأمور المألوفات، وإلا فما الحامل للمخالفين لهذه النحلة المنحازين عن هذه الجملة علي أن يراوحوا هذه المشاهد ويغادوها ويستنزلوا عندها من الله تعالي الأرزاق ويستفتحوا الإغلال ويطلبوا ببركاتها الحاجات ويستدفعوا البليات، والأحوال الظاهرة كلها لا توجب ذلك ولا تقتضيه ولا تستدعيه وإلا فعلوا ذلك فيمن يعتقدونهم، وأكثرهم يعتقدون إمامته وفرض طاعته، وأنه في الديانة موافق لهم غير مخالف ومساعد غير معاند.

ومن المحال أن يكونوا فعلوا ذلك لداع من دواعي الدنيا، فإن الدنيا عند غير هذه الطائفة موجودة وعندها هي مفقودة، ولا لتقية واستصلاح،

فإن التقية هي فيهم لا منهم ولا خوف من جهتهم ولا سلطان لهم، وكل خوف إنما هو عليهم فلم يبق إلا داعي الدين، وذلك هو الأمر الغريب العجيب الذي لا ينفذ في مثله إلا مشية الله وقدرة القهار التي تذلل الصعاب، وتقود بأزمتها الرقاب.

وليس لمن جهل هذه المزية أو تجاهلها وتعامي عنها وهو يبصرها أن يقول: إن العلة في تعظيم غير فرق الشيعة لهؤلاء القوم ليست ما عظمتموه وفخمتموه وادعيتم خرقه للعادة وخروجه من الطبيعة، بل هي لأن هؤلاء القوم من عترة النبي صلي الله عليه وآله وكل من عظم النبي صلي الله عليه وآله فلا بد من أن يكون لعترته وأهل بيته معظماً مكرماً، وإذا انضاف إلي القرابة الزهد وهجر الدنيا والعفة والعلم زاد الإجلال والإكرام لزيادة أسبابهما.

والجواب عن هذه الشبهة الضعيفة: أنه شارك أئمتنا غليهم السلام في حسبهم ونسبهم وقراباتهم من النبي صلي الله عليه وآله غيرهم، وكانت لكثير منهم عبادات ظاهرة وزهادة في الدنيا بادية، وسمات جميلة وصفات حسنة، من ولد أبيهم عليه وآله السلام، ومن ولد العباس رضوان الله عليه، فما رأينا من الإجماع علي تعظيمهم وزيارة مدافنهم والاستشفاع بهم في الاغراض، والاستدفاع بمكانهم للأعراض والأمراض، وما وجدنا مشاهداً معايناً في هذا الشراك، وإلا فمن ذا الذي أجمع علي فرط إعظامه وإجلاله من سائر صنوف العترة في هذه الحالة يجري مجري الباقر والصادق والكاظم والرضا صلوات الله عليهم أجمعين، لأن من عدا من ذكرناه من صلحاء العترة وزهادها ممن يعظمه فريق من الأمة ويعرض عنه فريق، ومن عظمه منهم وقدمه لا ينتهي في الاجلال والاعظام إلي الغاية التي ينتهي إليها من ذكرناه.

ولو لا أن تفصيل هذه الجملة ملحوظ

معلوم لفصلناها علي طول ذلك ولاسمينا من كنينا عنه ونظرنا بين كل معظم مقدم من العترة ليعلم أن الذي ذكرناه هو الحق الواضح، وما عداه هو الباطل الماضح.

وبعد فمعلوم ضرورة أن الباقر والصادق ومن وليهما من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين كانوا في الديانة والإعتقاد وما يفتون من حلال وحرام علي خلاف ما يذهب إليه مخالفوا الإمامية، وإن ظهر شك في ذلك كله فلا شك ولا شبهة علي منصف في أنهم لم يكونوا علي مذهب الفرقة المختلفة المجتمعة علي تعظيمهم والتقرب إلي الله تعالي بهم.

وكيف يعترض ريب فيما ذكرناه، ومعلوم ضرورة أن شيوخ الإمامية وسلفهم في تلك الازمان كانوا بطانة للصادق والكاظم والباقر غليهم السلام وملازمين لهم ومتمسكين بهم، ومظهرين أن كل شئ يعتقدونه وينتحلونه ويصححونه أو يبطنونه فعنهم تلقوه ومنهم أخذوه، فلو لم يكونوا عنهم بذلك راضين وعليه مقرين لابوا عليهم نسبة تلك المذاهب إليهم وهم منها بريئون خليون، ولنفوا ما بينهم من مواصلة ومجالسة وملازمة وموالاة ومصافاة ومدح وإطراء وثناء، ولابدلوه بالذم واللوم والبراءة والعداوة، فلو لم يكونوا غليهم السلام لهذه المذاهب معتقدين وبها راضين لبان لنا واتضح، ولو لم يكن إلا هذه الدلالة لكفت وأغنت. وكيف يطيب قلب عاقل أو يسوغ في الدين لأحد أن يعظم في الدين من هو علي خلاف ما يعتقد أنه الحق وما سواه باطل، ثم ينتهي في التعظيمات والكرامات إلي أبعد الغايات وأقصي النهايات، وهل جرت بمثل هذا عادة أو مضت عليه سنة؟

أو لا يرون أن الإمامية لا تلتفت إلي من خالفها من العترة وحاد عن جادتها في الديانة ومحجتها في الولاية، ولا تسمح له بشئ من المدح والتعظيم فضلاً عن غايته وأقصي نهايته،

بل تتبرأ منه وتعاديه وتجريه في جميع الأحكام مجري من لا نسب له ولا حسب له ولا قرابة ولا علقة. وهذا يوقظ علي أن الله خرق في هذه العصابة العادات وقلب الجبلات، ليبين من عظيم منزلتهم وشريف مرتبتهم. وهذه فضيلة تزيد علي الفضائل وتربي علي جميع الخصائص والمناقب، وكفي بها برهاناً لائحاً وميزاناً راجحاً، والحمد لله رب العالمين. انتهي.

ملاحظة: نعرف قوة استدلال الشريف الرضي قدس الله نفسه عندما نلاحظ أن نيشابور كانت مركزاً للعلماء والمذاهب المخالفة لأهل البيت غليهم السلام فمنها أئمة الحديث وأساتيذ أصحاب الصحاح والشخصيات العلمية السنية. بل كانت إلي القرن السادس العاصمة العلمية للسنة، ومع ذلك كانت تخرج كلها لزيارة قبر الإمام الرضا غليهم السلام في طوس، كل سنة بقوافل كقوافل الحج!! ولا يتسع المقام للتفصيل.

الغدير للاميني:2/303

في المقام أخبار كثيرة وكلمات ضافية توجد في طيات كتب الفقه والتفسير والحديث. ذكر ابن حجر في الصواعق/87 قوله تعالي: إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا. وروي جملة من الأخبار الصحيحة الواردة فيها وأن النبي صلي الله عليه وآله قرن الصلاة علي آله بالصلاة عليه لما سئل عن كيفية الصلاة والسلام عليه، ثم قال: وهذا دليل ظاهر علي أن الأمر بالصلاة علي أهل بيته وبقية آله مراد من هذه الآية، وإلا لم يسألوا عن الصلاة علي أهل بيته وآله عقب نزولها، ولم يجابوا بما ذكر، فلما أجيبوا به دل علي أن الصلاة عليهم من جملة المأمور به، وأنه صلي الله عليه وآله أقامهم في ذلك مقام نفسه، لأن القصد من الصلاة عليه مزيد تعظيمه ومنه تعظيمهم، ومن ثم لما دخل من مر في الكساء قال:

اللهم إنهم مني وأنا منهم فاجعل صلاتك ورحمتك ومغفرتك ورضوانك عليَّ وعليهم. وقضية استجابة هذا الدعاء: أن الله صلي عليهم معه، فحينئذ طلب من المؤمنين صلاتهم عليهم معه.

ويروي: لا تصلوا علي الصلاة البتراء، فقالوا: وما الصلاة البتراء؟ قال: تقولون اللهم صل علي محمد وتمسكون، بل قولوا اللهم صلِّ علي محمد وعلي آل محمد. ثم نقل للامام الشافعي قوله:

يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم القدر أنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له

فقال: فيحتمل لا صلاة له صحيحة، فيكون موافقاً لقوله بوجوب الصلاة علي الال، ويحتمل لا صلاة كاملة فيوافق أظهر قوليه.

وقال في هامش الغدير: نسبهما إلي الإمام الشافعي الزرقاني في شرح المواهب: 7/7 وجمع آخرون.

وقال ابن حجر في/139 من الصواعق: أخرج الدار قطني والبيهقي حديث: من صلي صلاة ولم يصل فيها عليّ وعلي أهل بيتي لم تقبل منه. وكأن هذا الحديث هو مستند قول الشافعي(رض): إن الصلاة علي الآل من واجبات الصلاة كالصلاة عليه صلي الله عليه وآله لكنه ضعيف، فمستنده الأمر في الحديث المتفق عليه: قولوا اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد، والأمر للوجوب حقيقة علي الأصح.

وقال الرازي في تفسيره:7/391: إن الدعاء للآل منصب عظيم، ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة، وقوله: اللهم صلِّ علي محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل علي أن حب آل محمد واجب.

وقال: أهل بيته صلي الله عليه وآله ساووه في خمسة أشياء: في الصلاة عليه وعليهم في التشهد. وفي السلام. والطهارة. وفي تحريم الصدقة. وفي المحبة.

وقال النيسابوري

في تفسيره عند قوله تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي، كفي شرفاً لال رسول الله صلي الله عليه وآله وفخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة.

وروي محب الدين الطبري في الذخاير/19 عن جابر (رض) أنه كان يقول: لو صليت صلاة لم أصل فيها علي محمد وعلي آل محمد، ما رأيت أنها تقبل.

وأخرج القاضي عياض في الشفا عن ابن مسعود مرفوعاً: من صلي صلاة لم يصل عليَّ فيها وعلي أهل بيتي، لم تقبل منه.

وللقاضي الخفاجي الحنفي في شرح الشفا 3/500-505 فوائد جمة حول المسألة وذكر مختصر ما صنفه الإمام الخيصري في المسألة سماه: زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض.

وصور الصلوات المأثورة علي النبي وآله مذكورة في (شفاء السقام) لتقي الدين السبكي/181-187، وأورد جملة منها الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/163 وأول لفظ ذكره عن بريدة قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك علي محمد وآل محمد، كما جعلتها علي آل إبراهيم إنك حميد مجيد. انتهي.

وقد روت مصادر إخواننا السنة هذا الحديث وصححته، ولكنهم لا يعملون به إلا في صلاتهم، فتراهم غالباً يصلون علي النبي وحده في غير صلاتهم، حتي في أدعيتهم، مع أنهم رووا أن الدعاء لا يقبل ولا يصعد إلي الله تعالي إذا لم يصل معه علي النبي صلي الله عليه وآله ورووا أن النبي علمهم كيفية الصلاة عليه، فكأن استجابة أدعيتهم ليست مهمة عندهم!

ولا يسع المجال لايراد الأحاديث الكثيرة في فضل الصلاة علي النبي وآله صلي الله عليه وآله وأحكامها وكيفيتها التي يسمونها الصلاة الإبراهيمية، وهي جديرة

ببحث مفصل، وقد ألف فيها عدد من القدماء رسائل مستقلة.

وقد روي أحاديث الصلاة الابراهيمية الإمام مالك في كتاب الموطأ:1/165، وكتاب المسند/349، وكتاب الام:1/140، والبخاري في صحيحه:4/118 - 19 وج 6/27 وج 7/156-157، ومسلم:2/16-17، وابن ماجة:1/293، وأبو داود:1/221-222، والترمذي:5/38، والنسائي:3/45-50، وأحمد:4/118-119 وص 244 وج 5/353 وص 424، والدارمي:1/165 وص 309، والحاكم:1/268-270، والبيهقي في سننه:2/146-153 وص 378-379، والهيثمي في مجمع الزوائد:2/144-145، والهندي في كنز العمال:2/266-283 وج 5، وأورد السيوطي عدداً كبيراً من أحاديثها في الدر المنثور:5/215-220، وغيره من المفسرين، والفقهاء كالنووي في المجموع:3/466، وابن قدامة في المغني:1/580، وابن حزم في المحلي:3/272.... ولا نطيل بذكر كلماتهم.

الشفا للقاضي عياض جزء 2/64

...في الحديث: لا صلاة لمن لم يصل علي، قال ابن القصار معناه كاملة أو لمن لم يصل علي مرة في عمره. وضعف أهل الحديث كلهم رواية هذا الحديث.

وفي حديث أبي جعفر عن ابن مسعود عن النبي (ص): من صلي صلاة لم يصل فيها علي وعلي أهل بيتي لم تقبل منه. قال الدارقطني: الصواب أنه من قول أبي جعفر محمد بن الحسين: لو صليت صلاة لم أصل فيها علي النبي(ص)ولا علي أهل بيته لرأيت أنها لا تتم....

فقال النبي (ص): عجل هذا، ثم دعاه فقال له ولغيره: إذا صلي أحدكم فليبدأ بتحميد الله والثناء عليه، ثم ليصل علي النبي(ص)، ثم ليدع بعد بما شاء، ويروي من غير هذا السيد بتمجيد الله وهو أصح.

وعن عمر بن الخطاب (رض) قال: الدعاء والصلاة معلق بين السماء والأرض فلا يصعد إلي الله منه شئ حتي يصلي علي النبي(ص).

وقال الأردبيلي في زبدة البيان/84

التاسعة: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا...

قال في الكشاف: الصلاة عليه واجبة، وقد اختلفوا في حال وجوبها، فمنهم من أوجبها كلما جري ذكره، وفي الحديث: من ذكرت عنده فلم يصل علي فدخل النار فأبعده الله... ومنهم من قال: تجب في كل مجلس مرة، وإن تكرر ذكره، كما قيل في آية السجدة، وتسميت العاطس وكذلك في كل دعاء في أوله وآخره، ومنهم من أوجبها في العمر مرة وكذا قال في إظهار الشهادتين مرة، والذي يقتضيه الإحتياط الصلاة عليه عند كل ذكر، لما ورد من الأخبار. انتهي.

والأخبار من طرقنا أيضاً مثل الأول موجودة مع صحة بعضها، ولا شك أن احتياط الكشاف أحوط، واختار في كنز العرفان الوجوب كلما ذكر وقال إنه اختيار الكشاف... ثم قال في الكشاف: فإن قلت: فما تقول في الصلاة علي غيره صلي الله عليه وآله.

قلت: القياس يقتضي جواز الصلاة علي كل مؤمن، لقوله تعالي: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ، وقوله: وصل عليهم إن صلوتك سكن لهم، وقوله صلي الله عليه وآله: اللهم صل علي آل أبي أوفي، ولكن للعلماء تفصيلاً في ذلك، وهو أنها إن كان علي سبيل التبع كقولك صلي الله علي النبي وآله، فلا كلام فيها، وأما إذا أفرد غيره من أهل البيت بالصلاة كما يفرد هو، فمكروه لأن ذلك صار شعاراً لذكر رسول الله صلي الله عليه وآله ولانه يؤدي إلي الاتهام بالرفض! (راجع تفسير الكشاف:2/549)

ولا يخفي ما فيه فإن ما ذكره برهان لا قياس، وإن البرهان من العقل والنقل كتاباً وسنة كما نقله، ومثله قوله تعالي: وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ، فإنها تدل علي أن صلوات الله

علي من يقول هذا بعد المصيبة، ولا شك في صدوره كذلك عن أهل البيت بل غيرهم أيضاً. فإذا ثبت لهم الصلاة من الله فيجوز القول بذلك لهم، وهو ظاهر اقتضي جوازه مطلقاً، بل الإنفراد بخصوصه فلا مجال للتفصيل.... وإنما صار ذلك شعار الرافضة لانهم فعلوا ذلك، وتركه غيرهم بغير وجه، وإلا فهو مقتضي البرهان، ومع ذلك لا يستلزم كونه شعاراً لهم، ومتداولاً بينهم تركه، وإلا يلزم ترك العبادات كذلك فإنها شعارهم.

وبالجملة لا ينبغي منع ما يقتضي العقل والنقل جوازه بل استحبابه وكونه عبادة، بسبب أن جماعة من المسلمين يفعلون هذه السنة والعبادة، فإن ذلك تعصب وعناد محض، وليس فيه تقرب إلي الله تعالي وطلب لمرضاته وعمل لله تعالي وهو ظاهر، ولا يناسب من العلماء العمل إلا لله.

ولهم أمثال ذلك كثيرة، مثل ما ورد في تسنيم القبور أن المستحب هو التسطيح، ولكن هو شعار للرفضة فالتسنيم خير منه، وكذلك في التختم باليمين وغير ذلك، ومنه ذكر (علي) بعد قوله صلي الله عليه وعلي آله، وترك الآل معه(ص)مع أنه مرغوب بغير نزاع، وإنما النزاع كان في الأفراد، فإنهم يتركون الآل معه ويقولون صلي الله عليه!

والعجب أنهم يتركون الآل وفي حديث كعب حيث يقولون سأله عن كيفية الصلاة عليه، فقال صلي الله عليه وآله قولوا: اللهم صل علي محمد وآل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم.. إلخ. فتأمل.

وقال ابن أبي جمهور الإحسائي عن الصلاة البتراء في كتابه غوالي اللئالي:2/40: وبمعناه ما رواه الإمام السخاوي الشافعي في القول البديع في الصلاة علي الحبيب الشفيع في الباب الأول، في الأمر بالصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وآله ولفظ الحديث: ويروي عنه(ص)مما لم أقف علي

إسناده: لا تصلوا عليَّ الصلاة البتيرا، قالوا وما الصلاة البتيرا يا رسول الله؟ قال: تقولوا: اللهم صل علي محمد وتمسكون، بل قولوا اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد. أخرجه أبو سعد في شرف المصطفي. انتهي.

ملاحظة: كان أكثر علماء السنة في القرون الماضية يصلون علي النبي في كتبهم بصيغة (عليهما السلام) ونلاحظ ذلك بوضوح في مخطوطات كتبهم التي وصلت إلينا سالمة ولم تمسها يد المحرفين والنواصب. ويظهر أن حذف الصلاة علي آل النبي صلي الله عليه وآله انتشر مع موجة التعصب العثماني الأخيرة ضد الشيعة. وقد ورث هذه الموجة وأفرط فيها الوهابيون و (المحققون) والناشرون الذين أطعموهم من سحت أموالهم، فمدوا أيديهم إلي كتب التراث وخانوا مؤلفيها فحذفوا منها وحرفوا كثيراً من المواضع، ومن ذلك عبارة صلي الله عليه وآله ووضعوا بدلها(ص).

والحمدلله أنه بقي في المحققين والناشرين أفراد أمناء وأصحاب ضمائر مستقيمة أثبتو الصلاة علي آل النبي كما وردت في مخطوطات المؤلفين مثل مستدرك الحاكم. كما بقيت النسخ المخطوطة ومصوراتها وستبقي شاهدة علي نواصب التحقيق والنشر.

كما ينبغي الاشارة إلي أن المسلمين الاوائل فهموا معني التسليم في قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا، بأنه التسليم لأمر النبي وليس السلام عليه صلي الله عليه وآله لأنه لم يقل وسلموا سلاماً. ولذا نجد أن الصلاة عليه استعملت مجردة في القرون الأولي بدون (وسلم) وإن كان الدعاء بتسليم الله عليه من نوع الدعاء بالصلاة عليه صلي الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً، ولكني أظن أنهم بعد أن حذفوا كلمة (وآله) التي كانت سائدة عند الجميع قروناً طويلة وجدوا خلاً فملؤوه بكلمة (وسلم). وهذا موضوع مهم، يحتاج إلي بحث واسع موثق.

و تجب معرفتهم لانهم أهل الذكر الذين أمرنا الله بسؤالهم

بصائر

الدرجات/37-41

حدثنا العباس بن معروف، عن حماد بن عيسي، عن عمرو بن يزيد، قال قال أبو جعفر عليه السلام: وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون، قال: رسول الله صلي الله عليه وآله وأهل بيته أهل الذكر وهم المسؤولون.

حدثنا يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينه، عن بريد، عن معاوية قال أبوجعفر عليه السلام في قول الله تبارك وتعالي: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْئَلُونَ، قال: إنما عنانا بها، نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون....

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن أبي عثمان، عن المعلي بن خنيس، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، قال هم آل محمد، فذكرنا له حديث الكلبي أنه قال: هي في أهل الكتاب، قال فلعنه وكذبه.

حدثنا السندي بن محمد، عن علا، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له إن من عندنا يزعمون أن قول الله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، أنهم اليهود والنصاري، قال: إذاً يدعونهم إلي دينهم، ثم أشار بيده إلي صدره فقال: نحن أهل الذكر ونحن المسؤولون.

حدثنا عبدالله بن جعفر، عن محمد بن عيسي، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر وعبدالكريم، عن عبدالحميد بن أبي الديلم، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، قال: كتاب الله الذكر، وأهله آل محمد الذين أمر الله بسؤالهم ولم يؤمروا بسؤال الجهال. وسمي الله القرآن ذكراً فقال: وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس مانزل إليهم ولعلهم يتفكرون.

روضة الواعظين/203

وقال الباقر عليه السلام في قوله تعالي:

فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، قال نحن أهل الذكر. قال أبو زرعة: صدق محمد بن علي، ولعمري إن أبا جعفر لمن أكبر العلماء.

العمدة/303

ومنها قوله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. وهذا أيضاً غاية في الأمر باتباعه، لموضع الأمر بسؤاله، وبجعله تعالي أهل الذكر، والذكر هو القرآن، وهو أهله بنص كتاب الله تعالي، فوجب اتباعه واتباع ذريته، لموضع الأمر بسؤالهم.

نهج الحق/210

الثالثة والثمانون: روي الحافظ، محمد بن موسي الشيرازي من علماء الجمهور، واستخرجه من التفاسير الإثني عشر، عن ابن عباس في قوله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ، قال: هم محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين. هم أهل الذكر، والعلم، والعقل، والبيان، وهم أهل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، والله ما سمي المؤمن مؤمناً إلا كرامة لامير المؤمنين. ورواه سفيان الثوري عن السدي عن الحارث.

أمان الأمة/196

وأخرج الثعلبي في تفسيره الكبير في تفسير قوله تعالي: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، عن جابر قال: قال علي بن أبي طالب: نحن أهل الذكر. وأخرجه الطبري في تفسيره. وأخرج الحسكاني في ذلك روايات غيرها.

الخطط السياسية لتوحيد الامة/97

وما يؤكد أنهم أولو الأمر وأهل الذكر: أن الهداية لا تدرك بعد النبي إلا بالقرآن وبهم معاً، وأن الضلالة لا يمكن تجنبها إلا بالقرآن وبهم معاً، فهم أحد الثقلين بالنص، وإن كنت في شك من ذلك فارجع مشكوراً إلي صحيح الترمذي:5/328 حديث 3874، وجامع الأصول لابن الاثير:1/187 حديث 65، والمعجم الكبير للطبراني/137، ومشكاة المصابيح:2/258، وإحياء الميت للسيوطي بهامش الاتحاف /114، والفتح الكبير للنبهاني:1/503 وج 3/385 والصواعق المحرقة لابن حجر/147 و 226، والمعجم الصغير للطبراني:1/135، ومقتل الحسين للخوارزمي:1/104، والطبقات الكبري لابن سعد:2/194، وخصائص النسائي/21،

ومجمع الزوائد للهيثمي:5/195. ولولا الرغبة بالاختصار لذكرت لك 192 مرجعاً.

الخطط السياسية لتوحيد الأمة/266

فإذا ذكر ذاكر أن الله تعالي قد أذهب الرجس عن أهل البيت وطهرهم تطهيراً، جاءك الجواب سريعاً، إن أهل البيت هم نساء النبي وحدهن، ومنهم من يتبرع بالمباهلة إذا كان أهل البيت غير نساء النبي!

وإذا قيل إن النبي لا يسأل أجراً إلا المودة في القربي، قيل: كل قريش قرابة النبي، بل كل العالم أقارب النبي، وهو جد التقي ولو كان عبداً حبشياً!

وإذا قيل: هم أهل الذكر. قيل لك: إن العلماء هم أهل الذكر، وهم ورثة الأنبياء!

وباختصار فلا تجد نصاً في القرآن الكريم يتعلق بأهل البيت الكرام أو ببني هاشم، إلا وقد حضرت له البطون ومن والاها عشرات التفسيرات والتأويلات لإخراجه عن معناه الخاص بأهل البيت الكرام! ولا تجد فضلاً اختص به أهل البيت الكرام إلا وقد أوجدت بطون قريش لرجالاتها فضلاً يعادله عن طريق التفسير والتأويل! ومع سيطرة البطون وإشرافها علي وسائل الأعلام، وهيمنتها علي الدولة الإسلامية خلطت كافة الأوراق، حتي إذا أخرجت يدك لم تكد تراها.

معالم الفتن لسعيد أيوب:1/123

والخلاصة: إن الروايات التي فسرت الآية بينت أن الذكر رسول الله وأن عترته أهله. وروي في قوله عز وجل: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَوةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا، إن الآية مكية وعلي هذا فالمراد بقوله: أهلك، بحسب وقت النزول خديجة زوج النبي (ص) وعلي بن أبي طالب، وكان من أهله وفي بيته أو هما وبعض بنات النبي(ص). وعلي هذا فإن القول بأن أهله جميع متبعيه من أمته غير سديد... وروي أن النبي صلي الله عليه وآله ظل يأمر أهله بالصلاة في مكة والمدينة حتي فارق الدنيا.

وفي الدر المنثور أخرج الطبراني

في الأوسط وأبونعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان بسند صحيح عن عبدالله بن سلام قال: كان النبي(ص)إذا نزلت بأهله شدة أو ضيق أمرهم بالصلاة وتلا: وأمر أهلك بالصلاة، وروي أنه صلي الله عليه وآله كان يجي إلي باب علي وفاطمة ثمانية أشهر، وفي رواية تسعة أشهر ويقول: الصلاة رحمكم الله. إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً....

و تجب معرفتهم لأن الأعمال لا تقبل إلا بولايتهم

الكافي:1/183

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيي، عن العلاء بن رزين عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: كل من دان الله عز وجل بعبادة يجهد فيها نفسه ولا إمام له من الله فسعيه غير مقبول، وهو ضال متحير والله شأني لأعماله، ومثله كمثل شاة ضلت عن راعيها وقطيعها، فهجمت ذاهبة وجائية يومها، فلما جنها الليل بصرت بقطيع غنم مع راعيها، فحنت إليها واغترت بها، فباتت معها في مربضها فلما أن ساق الراعي قطيعة أنكرت راعيها وقطيعها، فهجمت متحيرة تطلب راعيها وقطيعها فبصرت بغنم مع راعيها فحنت إليها واغترت بها فصاح بها الراعي: الحقي براعيك، وقطيعك فأنت تائهة متحيرة عن راعيك وقطيعك، فهجمت ذعرة متحيرة تائهة لا راعي لها يرشدها إلي مرعاها أو يردها، فبينا هي كذلك إذا اغتنم الذئب ضيعتها فأكلها، وكذلك والله يا محمد من أصبح من هذه الأمة لا إمام له من الله عز وجل. انتهي. ونحوه في المحاسن/92، وتفسير العياشي:2/252.

علل الشرائع:1/250

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن يحيي بن علي الكوفي، عن محمد بن سنان، عن صباح المدايني، عن المفضل بن عمر، أن أباعبدالله عليه السلام كتب إليه كتاباً فيه:

إن الله تعالي لم يبعث نبياً قط يدعو إلي معرفة الله ليس معها طاعة في أمر ولا نهي، وإنما يقبل الله من العباد العمل بالفرايض التي فرضها الله علي حدودها، مع معرفة من دعا إليه. ومن أطاع وحرم الحرام ظاهره وباطنه وصلي وصام وحج واعتمر وعظم حرمات الله كلها ولم يدع منها شيئاً، وعمل بالبر كله ومكارم الاخلاق كلها وتجنب سيئها.

ومن زعم أنه يحل الحلال ويحرم الحرام بغير معرفة النبي صلي الله عليه وآله لم يحل لله حلالاً ولم يحرم له حراماً، وإن من صلي وزكي وحج واعتمر وفعل (البر) كله بغير معرفة من افترض الله عليه طاعته، فلم يفعل شيئاً من ذلك، لم يصل ولم يصم ولم يزك ولم يحج ولم يعتمر ولم يغتسل من الجنابة ولم يتطهر ولم يحرم لله، وليس له صلاة وإن ركع وإن سجد، ولا له زكاة ولا حج، وإنما ذلك كله يكون بمعرفة رجل مَنَّ الله تعالي علي خلقته بطاعته وأمر بالأخذ عنه، فمن عرفه وأخذ عنه أطاع الله.

ومن زعم أن ذلك إنما هي المعرفة وأنه إذا عرف اكتفي بغير طاعة فقد كذب وأشرك، وإنما قيل إعرف واعمل ما شئت من الخير فإنه لا يقبل منك ذلك بغير معرفة، فإذا عرفت فاعمل لنفسك ما شئت من الطاعة قل أو كثر، فإنه مقبول منك. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:1/95.

وسائل الشيعة:1/90

وعن علي بن إبراهيم، عن أبيه وعن عبدالله بن الصلت جميعاً، عن حماد بن عيسي، عن حريز بن عبدالله، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: ذروة الأمر وسنامه ومفتاحه وباب الأشياء ورضا الرحمان الطاعة للإمام بعد معرفته، أما لو أن رجلاً قام ليله

وصام نهاره، وتصدق بجميع ماله وحج جميع دهره، ولم يعرف ولاية ولي الله فيواليه وتكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له علي الله حق في ثوابه ولا كان من أهل الإيمان. ورواه البرقي في المحاسن عن عبدالله بن الصلت بالإسناد.

وعن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن أبيه عقبة بن خالد، عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام (في حديث) قال: إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، وباب الكعبة وذاك حطيم إسماعيل، ووالله لو أن عبداً صف قدميه في ذلك المكان، وقام الليل مصلياً حتي يجيئه النهار، وصام النهار حتي يجيئه الليل، ولم يعرف حقنا وحرمتنا أهل البيت لم يقبل الله منه شيئاً أبداً.

علي بن إبراهيم في تفسيره، عن أحمد بن علي، عن الحسين بن عبيد الله، عن السندي بن محمد، عن أبان، عن الحارث، عن عمرو، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالي: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَي، قال: ألا تري كيف اشترط ولم تنفعه التوبة والإيمان والعمل الصالح حتي اهتدي؟ والله لو جهد أن يعمل ما قبل منه حتي يهتدي، قال: قلت: إلي من جعلني الله فداك؟ قال: إلينا. أقول: والأحاديث في ذلك كثيرة جداً.

مستدرك الوسائل:1/149-155

وعن سلام بن سعيد المخزومي عن يونس بن حباب عن علي بن الحسين عليه السلام قال قام رسول الله صلي الله عليه وآله فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال أقوام إذا ذكر عندهم آل إبراهيم وآل عمران فرحوا واستبشروا، وإذا ذكر عندهم آل محمد اشمأزت قلوبهم! والذي نفس محمد بيده لو أن عبداً جاء يوم

القيامة بعمل سبعين نبياً ما قبل الله ذلك منه حتي يلقي الله بولايتي وولاية أهل بيتي!

ورواه ابن الشيخ الطوسي في أماليه، عن أبيه، عن المفيد، عن علي بن خالد المراغي، عن الحسن بن علي الكوفي، عن إسماعيل بن محمد المزني، عن سلام بن أبي عمرة، عن سعد بن سعيد، مثله.

(وقال في هامشه: كتاب سلام بن أبي عمرة/117، أمالي الطوسي:1/140 باختلاف يسير وعنه في بحار الأنوار:27/172 ح 15).

أحمد بن محمد بن خالد البرقي في المحاسن، عن خلاد المقري، عن قيس بن الربيع، عن ليث بن سليمان، عن ابن أبي ليلي، عن الحسين بن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله وهو يودنا أهل البيت دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعلمه إلا بمعرفة حقنا.

(وقال في هامشه: المحاسن/61 ح 105، أمالي المفيد/43 ح2 باختلاف يسير. أمالي المفيد/13 ح 1، عنه في بحار الأنوار:75/101 ح 7)

وعن أبيه، عن أبي منصور السكري، عن جده علي بن عمر عن العباس بن يوسف الشكلي، عن عبيد الله بن هشام، عن محمد بن مصعب، عن الهيثم بن حماد عن يزيد الرقاشئ، عن أنس بن مالك، قال رجعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله قافلين من تبوك، فقال لي في بعض الطريق ألقوا لي الأحلاس والأقتاب ففعلوا، فصعد رسول الله صلي الله عليه وآله فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله، ثم قال معاشر: الناس ما لي إذا ذكر آل إبراهيم تهللت وجوهكم، وإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان، فوالذي بعثني بالحق نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة

بأعمال كأمثال الجبال ولم يجي بولاية علي بن أبي طالب أكبه الله عز وجل في النار.

(وقال في هامشه: أمالي الطوسي:1/314 باختلاف يسير، عنه في بحار الأنوار: 27/171 ح 12. الاحلاس: واحده حلس بكسر فسكون كحمل وأحمال: كساء يوضع علي ظهر البعير تحت القتب-لسان العرب:6/54، مجمع البحرين:4/63 حلس، والأقتاب: جمع قتب وهو بالتحريك: رحل البعير - لسان العرب:1/660، مجمع البحرين:2/139 قتب).

الغدير للاميني:2/301

عن ابن عباس في حديث عن النبي صلي الله عليه وآله: لو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام فصلي وصام ثم لقي الله وهو مبغض لأهل بيت محمد، دخل النار. أخرجه الحاكم في المستدرك 3/149 وصححه، والذهبي في تلخيصه.

وأخرج الطبراني في الأوسط من طريق أبي ليلي، عن الإمام السبط الشهيد، عن جده رسول الله صلي الله عليه وآله انه قال: إلزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله عز وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا. و ذكره الهيثمي في المجمع 9/172، وابن حجر في الصواعق، ومحمد سليمان محفوظ في أعجب ما رأيت 1/8 والنبهاني في الشرف المؤبد/96 والحضرمي في رشفة الصادي/43.

وأخرج الحافظ السمان في أماليه بإسناده عن رسول الله صلي الله عليه وآله: لو أن عبداً عبدالله سبعة آلاف سنة و(هو) عمر الدنيا ثم أتي الله عز وجل يبغض علي بن أبي طالب جاحداً لحقه ناكثاً لولايته، لاتعس الله خيره وجدع أنفه. وذكره القرشئ في شمس الأخبار/40.

وأخرج الخوارزمي في المناقب/39 عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال لعلي: يا علي لو أن عبداً عبد الله عز وجل مثل ما قام نوح في قومه وكان له مثل أحد ذهباً

فأنفقه في سبيل الله، ومد في عمره حتي حج ألف عام علي قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يوالك يا علي، لم يشم رائحة الجنة ولم يدخلها.

عن أم سلمة عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: يا أم سلمة أتعرفينه؟ قلت: نعم هذا علي بن أبي طالب. قال: صدقت، سجيته سجيتي ودمه دمي وهو عيبة علمي، فاسمعي واشهدي لو أن عبداً من عباد الله عز وجل عبد الله ألف عام بين الركن والمقام ثم لقي الله عز وجل مبغضاً لعلي بن أبي طالب وعترتي، أكبه الله تعالي علي منخره يوم القيامة في نار جهنم.

أخرجه الحافظ الكنجي بإسناده من طريق الحافظ أبي الفضل السلامي ثم قال: هذا حديث سنده مشهور عند أهل النقل.

وأخرج ابن عساكر في تاريخه مسنداً عن جابر بن عبدالله عن رسول الله صلي الله عليه وآله في حديث: يا علي لو أن أمتي صاموا حتي يكونوا كالحنايا، وصلوا حتي يكونوا كالاوتار، ثم أبغضوك لأكبهم الله في النار.

وذكره الكنجي في الكفاية/179، وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب، ونقله عنه القرشئ في شمس الأخبار/33 ورواه شيخ الإسلام الحمويني في الفرايد في الباب الأول. وهناك أخبار كثيرة تضاهي هذه في ولاء أمير المؤمنين وعترته لا يسعنا ذكرها....

- قال الشيخ أبوبكر بن شهاب السقاف، وهو شيخ محمد بن عقيل الحضرمي صاحب النصائح الكافية:

حب آل البيت قربَهْ وهو أسمي الحب رتبَهْ

ذنب من والأهم يغسله مزن المحبَّهْ

والذي يبغضهم لا يسكن الإيمان قلبَهْ

علمه والنسك رجسٌ عسلٌ في ضَرْعِ كلبَهْ

لعن الله عدو الآل إبلي___س وح__زبَ_هْ

و تجب معرفتهم لأنهم محال معرفة الله تعالي

الكافي:4/578

محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن هارون

بن مسلم، عن علي بن حسان، عن الرضا عليه السلام قال: سئل أبي، عن إتيان قبر الحسين عليه السلام فقال: صلوا في المساجد حوله ويجزي في المواضع كلها أن تقول: السلام علي أولياء الله وأصفيائه، السلام علي أمناء الله وأحبائه، السلام علي أنصار الله وخلفائه، السلام علي محال معرفة الله، السلام علي مساكن ذكر الله، السلام علي مظهري أمر الله ونهيه، السلام علي الدعاة إلي الله، السلام علي المستقرين في مرضات الله، السلام علي الممحصين في طاعة الله، السلام علي الأدلاء علي الله، السلام علي الذين من والأهم فقد وال الله ومن عاداهم فقد عادي الله ومن عرفهم فقد عرف الله ومن جهلهم فقد جهل الله ومن اعتصم بهم فقد اعتصم بالله ومن تخلي منهم فقد تخلي من الله. انتهي.ورواه في من لا يحضره الفقيه:2/608

من لا يحضره الفقيه:2/609

... السلام علي أئمة الهدي، ومصابيح الدجي وأعلام التقي، وذوي النهي، وأولي الحجي، وكهف الوري، وورثة الأنبياء، والمثل الأعلي، والدعوة الحسني، وحجج الله علي أهل الدنيا والآخرة والأولي، ورحمة الله وبركاته، السلام علي محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، وأوصياء نبي الله، وذرية رسول الله صلي الله عليه وآله ورحمة الله وبركاته....

المزار/176

باب زيارة جامعة لسائر الأئمة غليهم السلام وتجزؤك في جميع المشاهد علي ساكنيها السلام أن تقول: السلام علي أولياء الله وأصفيائه، السلام علي أمناء الله وأحبائه، السلام علي أنصار الله وخلفائه، السلام علي محال معرفة الله، السلام علي معادن حكمة الله، السلام علي مساكن ذكر الله، السلام علي عباد الله المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول، وهم بأمره يعملون....

و تجب معرفتهم لأنها طريق معرفة الله تعالي

الكافي:1/180

الحسين بن محمد، عن

معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء قال: حدثنا محمد بن الفضيل، عن أبي حمزة قال قال لي أبو جعفر عليه السلام: إنما يعبد الله من يعرف الله، فأما من لا يعرف الله فإنما يعبده هكذا ضلالاً. قلت: جعلت فداك فما معرفة الله؟ قال: تصديق الله عز وجل وتصديق رسوله صلي الله عليه وآله وموالاة علي عليه السلام والإئتمام به وبأئمة الهدي غليهم السلام والبراءة إلي الله عز وجل من عدوهم، وهكذا يعرف الله عز وجل.

علل الشرائع:1/9

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا أحمد بن إدريس، عن الحسين بن عبيد الله، عن الحسن بن علي بن أبي عثمان، عن عبدالكريم بن عبدالله، عن سلمة ابن عطا، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: خرج الحسين بن علي (عليهما السلام) علي أصحابه فقال أيها الناس: إن الله جل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه فإذا عبدوا استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه.

فقال له رجل: يابن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته؟

قال مصنف هذا الكتاب يعني ذلك: أن يعلم أهل كل زمان أن الله هو الذي لا يخليهم في كل زمان عن إمام معصوم، فمن عبد رباً لم يقم لهم الحجة فإنما عبد غير الله عز وجل.

و تجب معرفتهم لحديث: من مات و لم يعرف إمام زمانه

هذا الحديث بصيغه المتعددة متواتر في مصادرنا ومصادر إخواننا السنة، ولكن المهم معرفة صيغته الأصلية وظروفه التي قاله فيها النبي صلي الله عليه وآله لأنه نص علي الوصية بنظام الإمامة من بعده صلي الله عليه وآله.

لذلك نورد صِيَغَه وتطبيقاته علي مذهب أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله ثم علي

مذاهب إخواننا السنة، لكي نستكشف منها أصل الحديث. وقد أوردنا عدداً من صيغه ومصادره في (معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام) ونضيف إليها هنا ما عثرنا عليه مجدداً.

صيغ الحديث في مصادر مذهب أهل البيت

في وجوب معرفة الإمام من أهل البيت

روي البرقي في المحاسن:1/153:

عنه (أحمد بن أبي عبدالله البرقي) عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن بشير الدهان قال قال أبو عبد الله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وهو لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، ثم قال: فعليكم بالطاعة، قد رأيتم أصحاب علي، وأنتم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته، لنا كرائم القرآن، ونحن أقوام افترض الله طاعتنا، ولنا الانفال ولنا صفو المال.

وروي في/154: عنه (أحمد بن عبدالله البرقي) عن أبيه، عن النضر، عن يحيي الحلبي، عن حسين بن أبي العلاء قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات ليس له إمام مات ميتة جاهلية، فقال: نعم، لو أن الناس تبعوا علي بن الحسين (عليهما السلام) وتركوا عبدالملك بن مروان اهتدوا، فقلنا من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية ميتة كفر؟ فقال: لا، ميتة ضلال.

وفي تفسير العياشي:2/303، عن عمار الساباطي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لا تترك الأرض بغير إمام يحل حلال الله ويحرم حرامه، وهو قول الله: يوم ندعو كل أناس بإمامهم، ثم قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. فمدوا أعناقهم، وفتحوا أعينهم، فقال أبو عبد الله عليه السلام: ليست الجاهلية الجهلاء.

وروي الكليني في الكافي:1/376

الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الحسن بن علي الوشاء، عن أحمد بن عائذ، عن أبي

أذينة، عن الفضيل بن يسار قال: إبتدأنا أبو عبدالله عليه السلام يوماً وقال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس عليه إمام فميتته ميتة جاهلية. فقلت: قال ذلك رسول الله صلي الله عليه وآله؟ فقال: إي والله قد قال. قلت: فكل من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ قال: نعم.

وفيها: الحسين بن محمد، عن معلي بن محمد، عن الوشاء قال: حدثني عبدالكريم بن عمرو، عن ابن أبي يعفور قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، قال قلت ميتة كفر؟ قال: ميتة ضلال، قلت: فمن مات اليوم وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية؟ فقال: نعم.

وفي/377: أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان، عن الفضيل، عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمامه، مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت: جاهلية جهلاء جاهلية لا يعرف امامه؟ قال: جاهلية كفر ونفاق وضلال.

وفي/378: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس بن عبدالرحمن، قال: حدثنا حماد، عن عبدالاعلي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول العامة رسول الله صلي الله عليه وآله قال فقال: الحق والله... الحديث-كما في روايته الثانية بتفاوت.

وفي:1/371: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن علي بن النعمان، عن محمد بن مروان، عن فضيل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، ومن مات وهو عارف لامامه لم يضره تقدم هذا أو تأخر. ومن مات وهو

عارف لامامه كان كمن هو مع القائم في فسطاطه.

وفي:1/390: عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن سنان، عن ابن مسكان عن سدير قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: إني تركت مواليك مختلفين يتبرأ بعضهم من بعض قال: فقال: وما أنت وذاك، إنما كلف الناس ثلاثة: معرفة الأئمة، والتسليم لهم فيما ورد عليهم، والرد إليهم فيما اختلفوا فيه.

وفي:8/146: يحيي الحلبي، عن بشير الكناسي قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: وصلتم وقطع الناس، وأحببتم وأبغض الناس، وعرفتم وأنكر الناس، وهو الحق، إن الله اتخذ محمداً صلي الله عليه وآله عبداً قبل أن يتخذه نبياً وإن علياً عليه السلام كان عبداً ناصحاً لله عز وجل فنصحه وأحب الله عز وجل فأحبه، إن حقنا في كتاب الله بين، لنا صفو الأموال ولنا الأنفال وإنا قوم فرض الله عزو جل طاعتنا وإنكم تأتمون بمن لا يعذر الناس بجهالته، وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، عليكم بالطاعة فقد رأيتم أصحاب علي عليه السلام.

الغيبة للنعماني/127-130: كما في المحاسن، بسند آخر، عن معاوية بن وهب....

رجال الكشي/424: قريباً من رواية الكافي الخامسة.

كمال الدين:2/413: عن سليم بن قيس الهلالي أنه سمع من سلمان ومن أبي ذر ومن المقداد حديثاً عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: من مات.. وليس له إمام مات ميتة جاهلية، ثم عرضه علي جابر وابن عباس فقالا: صدقوا وبروا، وقد شهدنا ذلك وسمعناه من رسول الله صلي الله عليه وآله وإن سلمان قال: يا رسول الله إنك قلت من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، من هذا الإمام؟ قال:

من أوصيائي يا سلمان، فمن مات من أمتي وليس له إمام منهم يعرفه فهي ميتة جاهلية، فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدواً فهو جاهل وليس بمشرك. انتهي. ومثله في الإمامة والتبصرة/33

ثواب الأعمال/205: قريباً من رواية الكافي الخامسة.

عيون أخبار الرضا:2/58: عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية، ويؤخذ بما عمل في الجاهلية والإسلام.

الإختصاص/268: عن عمر بن يزيد، عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال سمعته يقول: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، إمام حي يعرفه، فقلت: لم أسمع أباك يذكر هذا يعني إماماً حياً فقال: قد والله قال ذاك رسول الله صلي الله عليه وآله قال: وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس له إمام يسمع له ويطيع مات ميتة جاهلية.

رسائل المفيد/384: كما في المحاسن، عن النبي صلي الله عليه وآله وقال: خبر صحيح يشهد به إجماع أهل الآثار ويقوي منار صريح القرآن حيث يقول جل اسمه: يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم ولا يظلمون فتيلاً.

دعائم الإسلام:1/27: وعنه (الإمام الصادق عليه السلام) أنه قال في قول رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمام دهره مات ميتة جاهلية، فقال: إماماً حياً. قيل له: لم نسمع حياً، قال: قد قال والله ذلك، يعني رسول الله.

وعنه عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل يوم ندعو كل أناس بإمامهم، فقال: بمن كانوا يأتمون به في الدنيا، يدعي عليٌّ بالقرن الذي كان فيه، والحسن بالقرن الذي

كان فيه، والحسين بالقرن الذي كان فيه، وعدد الأئمة، ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمام دهره مات ميتة جاهلية. انتهي. ورواه في مناقب آل أبي طالب:1/212 وج 2/246 و:3/18 وص413، بعدة روايات. ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة:13/352.

وروي نحوه في:18/565 وفي:11/491 وقال: ورواه علي بن عيسي في كشف الغمة نقلاً عن الطبرسي في إعلام الوري. وفي كنز الفوائد/151: بسند آخر، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: - كما في رواية العيون.وفي تلخيص الشافي: 4/132: كما في رسائل المفيد، مرسلاً. وفي إثبات الهداة:1/87: عن روايات الكافي. وفي غاية المرام/266 - عن رواية الكافي الخامسة بتفاوت يسير. وفي /273 - عن رواية العياشئ الثانية. وفي تفسير البرهان:1/382 - عن رواية الكافي الخامسة.وفي/386 - عن رواية العياشي الأولي. وفي:2/430 - عن رواية العياشي الثانية. وفي تفسير نور الثقلين:1/503 - عن روايتي الكافي السادسة والخامسة. وفي بحار الأنوار: 8/12 - عن رواية العياشي الثانية. وفي: 23/76 - عن رواية المحاسن الأولي. وفي/81 - عن رواية العيون. وفي/92 - عن كنز الكراجكي بتفاوت يسير. وفي/78 - عن النعماني. وفي/85 - عن ثواب الأعمال.وفي/88 - عن كمال الدين. وفي/89 - عن رجال الكشئ. وفي/92 - عن الاختصاص. وفي:68/337 - عن رواية الكافي السادسة. وفي/387 - عن رواية العياشي الأولي، وفيه (عيسي بن السري، بدل يحيي بن السري).

في أن معرفتهم و ولايتهم من دعائم الإسلام

روي الكليني في الكافي:2/19

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن صفوان بن يحيي، عن عيسي بن السري اليسع قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شئ منها،

الذي من قصر عن معرفة شئ منها فسد دينه ولم يقبل الله منه عمله، ومن عرفها وعمل بها صلح له دينه وقبل منه عمله، ولم يضق به مما هو فيه لجهل شئ من الأمور جهله؟

فقال: شهادة أن لا إله إلا الله، والإيمان بأن محمداً رسول الله صلي الله عليه وآله والإقرار بما جاء به من عند الله، وحق في الأاموال الزكاة، والولاية التي أمر الله عز وجل بها ولاية آل محمد صلي الله عليه وآله. قال: فقلت له: هل في الولاية فضل يعرف لمن أخذ به؟

قال: نعم قال الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ. وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات ولا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية. وكان رسول الله صلي الله عليه وآله وكان علياً عليه السلام وقال الاخرون: كان معاوية، ثم كان الحسن عليه السلام ثم كان الحسين عليه السلام وقال الآخرون: يزيد بن معاوية وحسين بن علي، ولا سواء ولا سواء.

قال: ثم سكت ثم قال: أزيدك؟ فقال له حكم الأعور: نعم جعلت فداك قال: ثم كان علي بن الحسين ثم كان محمد بن علي أبو جعفر وكانت الشيعة قبل أن يكون أبو جعفر وهم لا يعرفون مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتي كان أبوجعفر ففتح لهم وبين لهم مناسك حجهم وحلالهم وحرامهم حتي صار الناس يحتاجون إليهم من بعد ما كانوا يحتاجون إلي الناس، وهكذا يكون الأمر، والأرض لا تكون إلا بإمام، ومن مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية، وأحوج ما تكون إلي ما أنت عليه إذا بلغت نفسك هذه، وأهوي بيده إلي حلقه، وانقطعت عنك الدنيا تقول: لقد

كنت علي أمر حسن. انتهي. ومثله في تفسير العياشي:1/252.

وفي الكافي:2/21 علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن حماد بن عثمان، عن عيسي بن السري قال قلت لابي عبدالله عليه السلام.... كما في رواية العياشي الأولي، وزاد فيه: وأحوج ما يكون أحدكم إلي معرفته إذا بلغت نفسه هاهنا قال وأهوي بيده إلي صدره، يقول حينئذ: لقد كنت علي أمر حسن. انتهي. ونحوه في المحاسن/92 ونحوه في وسائل الشيعة:20/287 عن النجاشئ 209 وخلاصة الرجال/60 والشيخ/257 والفهرست/143 وجامع الرواة:ص 651 والكشي/ 1. 36.

وفي رجال الكشي/424: جعفر بن أحمد، عن صفوان، عن أبي اليسع قال قلت لابي عبدالله عليه السلام حدثني عن دعائم الإسلام التي بني عليها ولا يسع أحداً من الناس تقصير عن شئ منها... كما في رواية الكافي الثانية بتفاوت. وفي ثواب الأعمال/205 - كما في رواية الكافي الأخيرة. وفي تفسير الصافي: 1/463 - عن رواية الكافي الثانية. وفي تفسير البرهان:1/383 - عن رواية الكافي الثانية، بتفاوت يسير. وفي بحار الأنوار:23/289 ب 4 ح 35 - عن رواية الكافي الثانية. وفي تفسير نور الثقلين:1/503 - عن رواية الكافي الثانية. وفي تنقيح المقال/360-عن الكشي.

في أن الإمام من أهل البيت قد يغيب

روي الصدوق في كمال الدين:2/409

حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق (رض) قال: حدثني أبوعلي بن همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: سمعت أبي يقول سئل أبو محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) وأنا عنده عن الخبر الذي روي عن آبائه غليهم السلام: إن الأرض لا تخلو من حجة لله علي خلقه إلي يوم القيامة، وإن من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية، فقال: إن هذا حق كما أن النهار حق،

فقيل له: يا ابن رسول الله فمن الحجة والإمام بعدك؟ فقال: إبني محمد هو الإمام والحجة بعدي، من مات ولم يعرفه مات ميتة جاهلية، أما إن له غيبة يحار فيها الجاهلون، ويهلك فيها المبطلون، ويكذب فيها الوقاتون، ثم يخرج فكأني أنظر إلي الاعلام البيض تخفق فوق رأسه بنجف الكوفة.

وفي كفاية الاثر/292: أخبرنا أبوالمفضل رحمه الله قال: حدثني أبو همام قال: سمعت محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه يقول: - كما في كمال الدين.

وفي إعلام الوري/415 و442 - كما في كمال الدين بتفاوت يسير عن الإمام الباقر.وفي كشف الغمة: 3/318 - عن إعلام الوري، بتفاوت يسير.وفي إثبات الهداة: 3/482 - عن كمال الدين، وقال: ورواه علي بن محمد الخزاز في كتاب الكفاية. وفي وسائل الشيعة:11/491 _ أوله، عن إعلام الوري.وفي حلية الابرار:2/552 _ كما في كمال الدين، عن ابن بابويه. وفي بحار الأنوار:58/160 _ عن كمال الدين، وأشار إلي مثله عن كفاية الأثر.وفي منتخب الاثر/226 _ عن كفاية الأثر.

كما توجد في مصادرنا أحاديث أخري عديدة، يمكن أن تصل إلي مجموعات أخري

_كالذي رواه في الكافي:1/397

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن منصور، عن فضل الاعور، عن أبي عبيدة الحذاء قال: كنا زمان أبي جعفر عليه السلام حين قبض نتردد كالغنم لا راعي لها، فلقينا سالم بن أبي حفصة فقال لي: يا أبا عبيدة من إمامك؟ فقلت أئمتي آل محمد فقال: هلكت وأهلكت أما سمعت أنا وأنت أبا جعفر عليه السلام يقول: من مات وليس عليه إمام مات ميتة جاهلية؟ فقلت: بلي لعمري، ولقد كان قبل ذلك بثلاث أو نحوها دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فرزق الله المعرفة

فقلت لأبي عبدالله عليه السلام: إن سالماً قال لي كذا وكذا، قال فقال: يا أبا عبيدة أنه لا يموت منا ميت حتي يخلف من بعده من يعمل بمثل عمله ويسير بسيرته ويدعو إلي ما دعا إليه، يا أبا عبيدة إنه لم يمنع ما أعطي داود أن أعطي سليمان، ثم قال: يا أبا عبيدة إذا قام قائم آل محمد عليه السلام حكم بحكم داود وسليمان لا يسأل بينة. انتهي. وروي مثله في بصائر الدجات/259، ونحوه في/509 وص 510

والذي رواه في أعلام الدين/459

وسأله أبوبصير عن قول الله تعالي: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، ما عني بذلك؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الكبائر، ومن مات وليس في رقبته بيعة لإمام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتي يعرفوا إمامهم، فمن مات وهو عارف بالإمامة لم يضره تقدم هذا الأمر أو تأخر، فكان كمن هو مع القائم في فسطاطه. قال: ثم مكث هنيئة ثم قال: لا بل كمن قاتل معه، ثم قال: لا بل والله كمن استشهد مع رسول الله صلي الله عليه وآله. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:27/126 - عن أعلام الدين.

تفسير الحديث في مذهب أهل البيت

في هذا الحديث الشريف عناصر ومفاهيم عديدة، نذكر أهمها:

المفهوم الأول: أن النبي صلي الله عليه وآله بلغ الأمة نظام الإمامة من بعده، وأنه الطريق الوحيد لضمان عدم الوقوع في الجاهلية. وأن الله تعالي جعل الإمام ركناً عملياً من أركان الإسلام مثل الصلاة والزكاة والحج، وجعل طاعته فريضة علي كل مسلم.

روي في الإمامة والتبصرة/63

سعد، عن محمد بن عيسي بن عبيد، عن حماد بن عيسي، عن إسماعيل بن جعفر: عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء رجل إلي أبي عبدالله عليه

السلام فسأله عن الأئمة غليهم السلام فسماهم حتي انتهي إلي ابنه، ثم قال: والأمر هكذا يكون، والأرض لا تصلح إلا بإمام، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمامه، مات ميتة جاهلية. ثلاث مرات.

المفهوم الثاني: أن الأئمة الذين قصدهم النبي صلي الله عليه وآله هم الأئمة من ذريته غليهم السلام فقد أخبره الله تعالي أنهم سيكونون في الأمة في كل عصر مع القرآن لا يفترقان حتي يردا عليه الحوض، كما ورد في حديث الثقلين الذي صح عند الجميع.

بل روت مصادرنا أن النبي صلي الله عليه وآله قد نص في هذا الحديث علي أن الأئمة من ذريته ففي مستدرك الوسائل:18/176 قال:

أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد، عن محمد بن أحمد بن شاذان القمي عن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن عياش، عن محمد بن عمر، عن الحسن بن عبد الله بن محمد بن العباس الرازي، عن أبيه، عن علي بن موسي الرضا، عن آبائه، عن أمير المؤمنين غليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات وليس له إمام من ولدي مات ميتة جاهلية، يؤخذ بما عمل في الجاهلية والإسلام. انتهي. ورواه في تفسير نور الثقلين:1/503 وص540 وج 2/282 وج 3/194 وج 4/240 وتفسير كنز الدقائق: 2/595، وغيرها.

وقد روي جميع المسلمين شهادات النبي صلي الله عليه وآله في حق علي والحسن والحسين غليهم السلام وروي الشيعة شهاداته وشهادات علي والحسنين في حق بقية الائمة غليهم السلام ومن ذلك:

ما رواه البرقي في المحاسن/155: عن ابن فضال، عن ثعلبة بن ميمون، عن بشير العطار، قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: يوم ندعو كل أناس بإمامهم،

ثم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله وعني إمامكم، وكم من إمام يجي يوم القيامة يلعن أصحابه ويلعنونه، نحن ذرية محمد صلي الله عليه وآله وأمنا فاطمة عليها السلام وما آتي الله أحداً من المرسلين شيئاً إلا وقد آتاه محمداً صلي الله عليه وآله كما آتي المرسلين من قبله، ثم تلا: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً.

وروي الطبرسي في أعلام الدين/459: عن أبي بصير عن الإمام الصادق عليه السلام في قول الله تعالي: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، ما عني بذلك؟ فقال: معرفة الإمام واجتناب الكبائر، ومن مات وليس في رقبته بيعة لامام مات ميتة جاهلية، ولا يعذر الناس حتي يعرفوا إمامهم.

المفهوم الثالث: أن هذا الحديث الثابت المتواتر، يؤيد نفي أهل البيت وشيعتهم للروايات القائلة بأن النبي صلي الله عليه وآله لم يوص بشئ في أمر الخلافة، لأنه يدل علي أنه صلي الله عليه وآله قد أرسي نظام الإمامة وعين أشخاصه من ذريته، كما أمره الله تعالي، وهو في هذا الحديث يوجه الأمة إلي ضرورة معرفة الإمام في كل عصر، فإن تعبير (لا يعرف إمام زمانه) يدل علي أن مشكلة وجود الإمام في كل زمان محلولة في الإسلام بتكفل الله تعالي ببقاء ذرية نبيه إلي يوم القيامة واختياره إماماً منهم في كل عصر، وإنما هي مشكلة المسلمين في أن يعرفوا إمام زمانهم ويبايعوه!

والمتأمل في الحديث الشريف يري أن اختيار الله تعالي محمداً صلي الله عليه وآله للنبوة واختيار آله من بعده للامامة، منسجم مع سنة الله تعالي في الأنبياء السابقين وذرياتهم، وبالتالي فالحديث بعيد كل البعد عن عالم اختيار الناس لانفسهم بعد النبي صلي الله

عليه وآل وبعيدٌ عن منطق تقسيم الأمر بين بني هاشم الذين كانت لهم النبوة، وبين قبائل قريش الذين ينبغي أن تكون لهم الخلافة مناوبةً أو مغالبةً كما قالوا.... إلي آخر المنطق القرشئ القبلي الذي ظهر في مرض النبي ويوم وفاته، وانتصر في السقيفة في فترة انشغال أهل البيت بجنازة النبي صلي الله عليه وآله! وسيطر علي الحكم في تاريخنا الإسلامي إلي أن انتهي علي يد العثمانيين بأسوأ نهاية!

المفهوم الرابع: أن المسلم في كل عصر لا يتم إسلامه حتي يبايع الإمام من ذرية النبي صلي الله عليه وآله بأن يعتقد به ويعترف بما له من حق الطاعة بأمر الله تعالي وأمر رسوله صلي الله عليه وآله. فالذي لا يعرف الإمام يكون فيه نوع من الجهل والجاهلية، وإن مات علي ذلك مات علي نوع من الجاهلية.

المفهوم الخامس: أن أهل بيت النبي صلي الله عليه وعليهم هم امتحان الأمة بعد نبيها، فهم ميزان الإسلام والجاهلية، وهم ميزان الإيمان والنفاق، وهم ميزان الوفاء للنبي صلي الله عليه وآله وإطاعته بعد رحيله أو عصيانه. وقد وردت أحاديث كثيرة في مصادر الطرفين تنص علي هذه المفاهيم الإسلامية وتؤكدها وتؤيدها.

من ذلك ما روته مصادر الطرفين وصححه علماء الحديث، من أن بغض علي عليه السلام علامة علي النفاق وعدم الإيمان بالنبي صلي الله عليه وآله.

فقد روي أحمد في مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبيش عن علي (رض) قال: عهد إليَّ النبي(ص)أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورواه الترمذي في سننه:5/306، وقال الترمذي في سننه:5/298:

حدثنا قتيبة أخبرنا جعفر بن سليمان، عن أبي هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين

نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روي هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن سعيد.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:9/132

وعن جابر بن عبدالله قال: والله ما كنا نعرف منافقينا علي عهد رسول الله(ص)إلا ببغضهم علياً. رواه الطبراني في الأوسط والبزار بنحوه، إلا أنه قال ما كنا نعرف منافقينا معشر الأنصار، بأسانيد كلها ضعيفة (....).

وعن ابن عباس قال: نظر رسول الله(ص)إلي علي فقال: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني، وحبيبي حبيب الله وبغيضي بغيض الله، ويل لمن أبغضك بعدي. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات إلا أن في ترجمة أبي الأزهر أحمد بن الأزهر النيسابوري أن معمراً كان له ابن أخ رافضي فأدخل هذا الحديث في كتبه، وكان معمر مهيباً لا يراجع وسمعه عبدالرزاق. وعن عمران بن الحصين أن رسول الله(ص) قال لعلي: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن كثير الكوفي حرق أحمد حديثه وضعفه الجمهور ووثقه ابن معين، وعثمان بن هشام لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات (...).

وروي في كنز العمال:13/106

عن أبي ذر قال: ما كنا نعرف المنافقين علي عهد رسول الله(ص)إلا بثلاث: بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلاة وببغضهم علي بن أبي طالب. خط، في المتفق.

وروي الحاكم في المستدرك:3/128

... عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نظر النبي صلي الله عليه وآله إلي علي فقال: يا علي أنت سيد في الدنيا، سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك

بعدي. صحيح علي شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو علي أصلهم صحيح.

وروي الحاكم في:3/135

... سمعت عمار بن ياسر (رض) يقول سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لعلي: يا علي طوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروي الحاكم في:3/142، أن النبي صلي الله عليه وآله قد أخبر علياً بأن الأمة ستغدر به من بعده! فقال: عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش علي ملتي وتقتل علي سنتي. من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا يعني لحيته من رأسه. صحيح. انتهي.

بل روي الشيعة والسنة إخبار النبي صلي الله عليه وآله بأن مبغض علي عليه السلام (يموت ميتة جاهلية) فقد روي الصدوق في علل الشرائع:1/157:

حدثني الحسين بن يحيي بن ضريس، عن معاوية بن صالح بن ضريس البجلي قال: حدثنا أبوعوانة قال: حدثنا محمد بن يزيد وهشام الزراعي قال: حدثني عبدالله بن ميمون الطهوي قال: حدثنا ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر قال بينا أنا مع النبي صلي الله عليه وآله في نخيل المدينة وهو يطلب علياً عليه السلام إذا انتهي إلي حايط فاطلع فيه فنظر إلي علي وهو يعمل في الأرض وقد اغْبَارَّ، فقال: ما ألوم الناس أن يكنوك أبا تراب، فلقد رأيت علياً تمعر وجهه وتغير لونه واشتد ذلك عليه، فقال النبي صلي الله عليه وآله ألا أرضيك يا علي؟ قال: نعم يا رسول الله، فأخذ بيده فقال: أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي تقضي ديني وتبري ذمتي،

من أحبك في حياة مني فقد قضي له بالجنة، ومن أحبك في حياة منك بعدي ختم الله له بالامن والإيمان، ومن أحبك بعدك ولم يرك ختم الله له بالامن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر، ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يحاسبه الله عز وجل بما عمل في الإسلام.وروي نحوه في ص144، وروي نحوه المغربي في شرح الأخبار: 1/113، وقال في/157: وبآخر عن علي صلوات الله عليه، أنه قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله أمرني أن أدنيك فلا أقصيك، وأن أعلمك فلا أجفوك، وحق علي أطيع ربي عز وجل، وحق عليك أن تعي. يا علي من مات وهو يحبك كتب الله له بالأمن والأمان ما طلعت شمس وما غربت، ومن مات وهو يبغضك مات ميتة الجاهلية وحوسب بعمله في الإسلام. انتهي. وروي في: 2/477: يا علي إنه من أبغضك في حياتي وبعد موتي مات ميتة جاهلية، وحوسب بعمله في الإسلام. يا علي أنت معي في الجنة. انتهي. وروي نحوه في مستدرك الوسائل: 18/181 وص 187 وص 182 وفيه (من مات لا يعرف إمام دهره..)

وروي محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين:1/320، وروي نحوه في:2/486 فقال: محمد بن منصور عن أبي هشام الرفاعي محمد بن يزيد، عن عبدالله بن ميمون الطهوي، عن ليث عن مجاهد: عن ابن عمر قال: بينا أنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله في نخل بالمدينة وهو يطلب علياً إذ انتهي إلي حائط فاطلع فيه فنظر إلي علي وهو يعمل في الأرض وقد أغبار فقال له: ما ألوم الناس أن يكنوك بأبي تراب. قال ابن عمر: فلقد رأيت علياً تمعر وجهه وتغير لونه

واشتد ذلك عليه فقال له النبي صلي الله عليه وآله: ألا أرضيك يا علي؟ قال: بلي يا رسول الله، قال: أنت أخي ووزيري وخليفتي في أهلي، تقضي ديني وتبري ذمتي. من أحبك في حياة مني فقد قضي نحبه، ومن أحبك في حياة منك بعدي فقد ختم الله له بالامن والإيمان، ومن أحبك بعدك ولم يرك ختم الله له بالامن والإيمان وآمنه يوم الفزع الأكبر. ومن مات وهو يبغضك يا علي مات ميتة جاهلية يهودياً أو نصرانياً، ويحاسبه الله بما عمل في الإسلام. ثم قال ابن عمر: لقد سماه الله في أكثر من ثلاثين آية سماه فيها كلها مؤمناً.

وقال في هامشه: هذا الحديث - أو قريب منه سند ومتناً - رواه الحافظ الطبراني في الحديث: 100 أو ما حوله من مسند عبدالله بن عمر من كتاب المعجم الكبير:3 من المخطوطة الورق 20/ب.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:9/121، وتوقف في صحته، قال: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. وقال عن رواية أخري له: رواه أبو يعلي وفيه زكريا الأصبهاني وهو ضعيف. وقال عن رواية ثالثة له في:9/111: رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه حامد بن آدم المروزي وهو كذاب. وقال عن رواية رابعة له: رواه الطبراني في الأوسط وفيه أشعث ابن عم الحسن بن صالح وهو ضعيف ولم أعرفه. انتهي. وقد رأيت تضعيفه للأحاديث المتقدمة التي صححها الحاكم علي شرط الشيخين وعلي شرطه!

ولكن الهندي رواه ووثقه، قال في كنز العمال:11/610 و:13/159:

عن علي قال: طلبني رسول الله(ص)فوجدني في جدول نائماً فقال: قم ما ألوم الناس يسمونك أبا تراب، قال فرآني كأني وجدت في نفسي من ذلك: قم والله لأرضينك! أنت أخي وأبو ولدي، تقاتل عن

سنتي وتبري ذمتي، من مات في عهدي فهو كنز الله، ومن مات في عهدك فقد قضي نحبه، ومن مات بحبك بعد موتك ختم الله له بالأمن والإيمان ما طلعت شمس أو غربت، ومن مات يبغضك مات ميتة جاهلية وحوسب بما عمل في الإسلام. ع، قال البوصيري: رواته ثقات. انتهي.

المفهوم السادس: أن معني (مات ميتة جاهلية) يتفاوت حسب حالة الشخص فقد روي في الكافي:1/377... عن الحارث بن المغيرة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية؟ قال: نعم، قلت جاهلية جهلاء أو جاهلية لا يعرف إمامه؟ قال جاهلية كفر ونفاق وضلال. ونحوه في المحاسن/155 ونحوه في الإمامة والتبصرة 82 عن الإمام الباقر عليه السلام وفي رواية منها (مات ميتة جاهلية كفر وشرك وضلال).

وروي الصدوق في كمال الدين:2/413: عن سليم بن قيس الهلالي... عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية... وإن سلمان قال: يا رسول الله إنك قلت من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية، من هذا الإمام؟ قال: من أوصيائي يا سلمان، فمن مات من أمتي وليس له إمام منهم يعرفه فهي ميتة جاهلية، فإن جهله وعاداه فهو مشرك، وإن جهله ولم يعاده ولم يوال له عدواً فهو جاهل وليس بمشرك. انتهي. ونحوه في/668.

وهذا الحكم النبوي غير عجيب، وإن بدا شديداً، لأن الجميع رووا عنه صلي الله عليه وآله من أبغض أهل البيت غليهم السلام أو نصب لهم العداوة فهو كافر. ولا يتسع المجال لاستعراض حكم الناصبي والنواصب في مصادر فقه الطرفين. ولذلك فإن قوله صلي الله عليه وآله:

مات ميتة جاهلية، وقوله في هذا الحديث: فإن جهله وعاداه فهو مشرك، منسجم مع آية المودة في القربي، وما رواه الجميع في تفسيرها. أما إذا كان موقف المسلم الجهل بأهل البيت غليهم السلام بدون موقف عدائي منهم.. فلا يكون ناصبياً. وفي الحديث الذي وثقه البوصيري دلالة مهمة علي أن محب علي عليه السلام يموت علي الإسلام ولا يحاسب بما عمل في الإسلام، وأن مبغضه يموت علي جاهلية ويحاسب بما عمل في الجاهلية وفي الإسلام!! فيكون علي عليه السلام ميزاناً لجميع الأمة مع رسول الله صلي الله عليه وآله.

تفسير الشيعة الزيدية للحديث

مسند زيد بن علي/361

حدثني زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي (ع م) قال: من مات وليس له إمام مات ميتة جاهلية إذا كان الإمام عدلاً براً تقياً.

الأحكام في الحلال والحرام:2/466

تقريب القول فيما روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.

قال يحيي بن الحسين صلوات الله عليه: إذا كان في عصر هذا الإنسان إمام قائم زكي، تقي، علم، نقي، فلم يعرفه ولم ينصره وتركه وخذله ومات علي ذلك مات ميتة جاهلية، فإذا لم يكن إمام ظاهر معروف باسمه مفهوم بقيامه، فالإمام الرسول والقرآن وأمير المؤمنين، وممن كان علي سيرته وفي صفته من ولده.

فتجب معرفة ما ذكرنا علي جميع الانام إذا لم يعلم في الأرض في ذلك العصر إمام، ويجب عليهم أن يعلموا أن هذا الأمر في ولد رسول الله صلي الله عليه وعلي آله وسلم خاصاً دون غيرهم، وأنه لا يعدم في كل عصر حجة لله يظهر منهم إمام يأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، فإذا علم كلما ذكرنا وكان الأمر

عنده علي ما شرحنا ثم مات فقد نجا من الميتة الجاهلية ومات علي الميتة الملية، ومن جهل ذلك ولم يقل به ولم يعتقده فقد خرج من الميتة الملية ومات علي الميتة الجاهلية. هذا تفسير الحديث ومعناه.

الفرق بين صيغ الحديث في مصادرنا و مصادر إخواننا

روت مصادر إخواننا السنة هذا الحديث بشكل واسع وصيغ متعددة، وفي بعضها لفظة: إمام كما في مصادرنا، وفي أكثر صيغه حلت محلها لفظة: أمير. وقد خلت صيغه عندهم تقريباً من مادة معرفة الإمام وحلت محلها بيعة الإمام أو الأمير.

ونلاحظ وجود عناصر جديدة في رواياتهم، منها أن يكون ذلك الإمام إمام جماعة، والمقصود به الذي يستطيع أن يسيطر علي أكثرية الناس في منطقته، مهما كان أسلوبه في السيطرة، فهو في مصطلح إخواننا إمام جماعة، ومن يعارضه إمام فرقة.

ومنها، حرمة نكث بيعته والخروج عليه.

ومنها، أنه لا يشترط فيه أي شروط إلا أن يكون من قبائل قريش، ويسيطر علي أكثرية الناس في بلده، أو أكثرية الأمة..

ومنها، أنه لا يجوز لغير قريش أن تتصدي لحكم المسلمين أو تطمع فيه، كما أن الصراع القبلي بين قبائل قريش علي الخلافة حرام... إلي آخر الإضافات التي تعكس الخلاف الدموي علي الخلافة ومحاولة فرقائه بإسناد مواقفهم بتطوير هذا الحديث وغيره! كما روت مصادر إخواننا تطبيقات الصحابة والتابعين لهذا الحديث، خاصة عبدالله بن عمر، وأبي سعيد الخدري.

والسبب في سعة روايته عندهم أن أصل الحديث كان مشهوراً، وكانت السلطة تحتاج إليه - بشرط تحريفه ومصادرته-ليكون شعاراً لإثبات شرعيتها ثم لتحريم الخروج عليها، ولذلك كثر توظيفه لمصلحة الحاكم حتي لو كان في أول أمره خارجاً علي الشرعية وتسلط علي المسلمين بالقهر والغلبة، فقد استشهد بهذا الحديث معاوية بن أبي سفيان، قال الهيثمي في مجمع

الزوائد:5/218: عن معاوية قال: قال رسول الله (ص): من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. وفي رواية من مات وليس من عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. انتهي.

ولكن مهما كانت الفروقات في صيغ الحديث، ففيه عنصران ثابتان عند الطرفين، وهما أن النبي صلي الله عليه وآله تحدث عن نظام الحكم من بعده. وأنه تحدث عن الإمام ونظام الإمامة ولم يتحدث عن نظام الخلافة.

وهذه الحقيقة رأس خيط في الإعتقاد بأن الله تعالي قد اختار نوع نظام الحكم للامة بعد نبيها صلي الله عليه وآله ووضع له آلية، وأن هذا الحديث إحدي مفردات هذه الآلية التي وصلت إلينا باتفاق جميع الأطراف!

ومن السهل أن نتعقل معني الحديث أو صيغة الحكم الإسلامي علي مذهب أهل البيت غليهم السلام وأن الله تعالي اختار ذرية نبيه للامامة من بعده، وضَمِن بقدرته استمرار وجود إمام منهم في كل عصر، وكلف الأمة بمعرفته وبيعته، وجعل خاتمهم الإمام المهدي الموعود عليه السلام الذي يظهر سبحانه علي يده دينه علي الدين كله، ويملا به الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً، علي حد تعبير جده المصطفي صلي الله عليه وآله.

وأما علي مذهب إخواننا السنة فمن المشكل أن يتعقل الإنسان أن مشروع الله تعالي لخاتم الأديان هو نظام الخلافة الذي بدأ يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله في السقيفة، وامتد في تاريخ الأمة صراعات متصلة علي الخلافة وأمواجاً من الإنقسامات والدماء، حتي انتهي بسقوط الخلافة العثمانية، واستسلام الأمة استسلاماً ذليلاً لأعدائها الغربيين!!

روايات إخواننا التي وردت فيها لفظة إمام

روي أحمد في مسنده:4/96

عن عاصم عن أبي صالح، عن معاوية، قال قال رسول الله (ص): من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية.

وروي الطيالسي في مسنده/1259

حدثنا أبوداود

قال: حدثنا خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له.

وروي ابن حبان في صحيحه:7/49

عن معاوية، قال: قال رسول الله (ص): من مات وليس له مات ميتة جاهلية. وقال ابن حبان: قوله (ص): مات ميتة الجاهلية معناه: من مات ولم يعتقد أن له إماماً يدعو الناس إلي طاعة الله حتي يكون قوام الإسلام به عند الحوادث والنوازل، مقتنعاً في الإنقياد علي من ليس نعته ما وصفنا، مات ميتة جاهلية.

وروي الطبراني في معجمه الكبير:10/350

حدثنا الحسن بن جرير الصوري، ثنا أبو الجماهر، ثنا خليد بن دعلج، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من فارق جماعة المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس عليه إمام فميتته جاهلية، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلي عصبة أو ينصر عصبة فقتلته جاهلية.

وروي الحاكم في المستدرك:1/117

.. من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتي يراجعه. وقال: من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:5/218-219

عن معاوية قال: قال رسول الله(ص)من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. وفي رواية من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. رواه الطبراني وإسنادهما ضعيف. انتهي. ولكنه مال إلي تصحيحه في:5/225

وعن معاذ بن جبل قال قال رسول الله (ص): ألا إن الجنة لا تحل لعاص، ومن لقي الله ناكثاً بيعته لقيه وهو أجذم، ومن خرج من الجماعة قيد شبر متعمداً

فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس لإمام جماعة عليه طاعة مات ميتة جاهلية. رواه الطبراني وفيه عمرو بن واقد وهو متروك.

وعن أبي الدرداء قال قام فينا رسول الله(ص)فقال: ألا إن الجنة لا تحل لعاص، من لقي الله وهو ناكث بيعته يوم القيامة لقيه وهو أجذم، ومن خرج من الطاعة شبراً فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن أصبح ليس لأمير جماعة عليه طاعة بعثه الله يوم القيامة من ميتة جاهلية، ولو أعذر عبد أسنه الناس يوم القيامة. رواه الطبراني وعمر بن رويبة وهو متروك.

وروي النووي في المجموع:19/190

حديث مسلم الآتي وقال: وأخرجه عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر بمعني حديث نافع، وأخرجه الحاكم عن ابن عمر بلفظ: من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه حتي يراجعه، ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية. وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية. انتهي. ورواه البيهقي في سننه: 8/156.

وروي في كنز العمال:1/103: من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية. حم، طب، عن معاوية.

وروي في كنز العمال:1/207-208

من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقه الإسلام من عنقه حتي يراجعه. ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية. ك، عن ابن عمر.

من فارق المسلمين قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، ومن مات ليس عليه إمام فميتته ميتة الجاهلية، ومن مات تحت راية عمية يدعو إلي عصيبة أو ينصر عصيبة فقتلته جاهلية. طب.

من فارق جماعة المسلمين شبراً أخرج من عنقه ربقة الإسلام، والمخالفين بألويتهم يتناولونها يوم القيامة من وراء

ظهورهم، ومن مات من غير إمام جماعة مات ميتة جاهلية. ك، عن ابن عمر.

وفي كنز العمال أيضاً:6/65

من مات بغير إمام مات ميتة جاهلية، ومن نزع يداً من طاعة جاء يوم القيامة لا حجة له. ط، حل، عن ابن عمر.

رواياتهم التي فيها لفظ طاعة

روي ابن أبي شيبة في مصنفه:15/38

حدثنا علي بن حفص، عن شريك، عن عاصم، عن عبدالله بن عامر، عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): من مات ولا طاعة عليه مات ميتة جاهلية، ومن خلعها بعد عقده إياها فلا حجة له.

وروي أحمد في مسنده:3/446

عن عبدالله بن عامر، يعني ابن ربيعة عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): من مات وليست عليه طاعة مات ميتة جاهلية، فإن خلعها من بعد عقدها في عنقه لقي الله تبارك وتعالي وليست له حجة. وقال قال الحسن: بعد عقده إياها في عنقه.

وروي البخاري في تاريخه:6/445، أوله، كما في ابن أبي شيبة.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:5/223 وقال: رواه أحمد، وأبو يعلي، والبزار، والطبراني. وروي نحوه في:2/252.. وغيرهم... وغيرهم.

رواياتهم التي توجب طاعة الحاكم الجائر

وهي كثيرة جداً في مصادر إخواننا، وقد وصل فيها التحذير إلي حد اعتبار الثائر علي الحاكم الجائر خارجاً عن الإسلام، باغياً، واجب القتل، مهدور الدم، يموت موتة جاهلية وأنه كافر مخلد في النار، لكنه إذا انتصر صار حاكماً شرعياً واجب الطاعة، وصار الخارج عليه ملعوناً كما كان هو ملعوناً قبل ساعة.. وهكذا تصنع السياسة ومخالفة الرسول!!

روي مسلم في صحيحه:6/21

عن أبي هريرة عن النبي(ص)أنه قال: من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية.

وروي مسلم في:6/22

عن الحسن بن الربيع، عن حماد قال: من رأي من أميره شيئاً يكرهه فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية... انتهي. وروي نحوه ابن ماجة:2/1302

وروي الحاكم في المستدرك:1/118

عن أبي هريرة أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: من فارق الجماعة فمات، مات موتة جاهلية. انتهي. وروي

نحوه أحمد في مسنده:2/93 وص 123 وص 154 وص 296 وص 306 وص 488 وج 3/445 و446

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:5/218

وعن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: سيليكم بعدي ولاة، فيليكم البر ببره والفاجر بفجوره، فاسمعوا لهم. انتهي. والنسائي:7/123، والدارمي:2/241، والبيهقي في سننه:8/157، والهيثمي في مجمع الزوائد:1/324 وج 6/286، وكنز العمال:3/509 وج 6/52، وابن حزم في المحلي:9/359..، وغيرهم..، وغيرهم..

مدرسة البخاري في تفسير هذا الحديث

لعل أكثر هذا الروايات صراحة في التأكيد علي حرمة الخروج علي الحاكم، تلك التي تحذر المسلمين من موتة الجاهلية إذا هم لم يطيعوه ويتحملوا منه مهما كانت أعماله مكروهة، وقد اقتصر البخاري في صحيحه علي هذه الروايات فلم يرو شيئاً في التحذير من ميتة الجاهلية غيرها! ولان إطاعة الحاكم عنده ولو كان جائراً هي الضمان الوحيد لعدم رجوع المسلم إلي الجاهلية، قال في صحيحه: 8/87:

... عن أبي رجاء عن ابن عباس عن النبي صلي الله وسلم قال: من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية. ورواه أيضاً في نفس الصفحة بعدة روايات. ورواه أيضاً في: 8/105، ورواه مسلم في صحيحه: 6/21، والبيهقي في سننه:8/156 - 157 وج 10/234، وأحمد في مسنده:1/297 وص 310، ونحوه في:2/70 وص93 وص123 وص 445 وفي:3/446.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:5/219 اعلاناً من الله ورسوله ببراءة ذمة المسلمين عند الله تعالي في طاعتهم لحكام الجور، قال:

عن المقدام بن معدي كرب أن رسول الله(ص)قال: أطيعوا أمراءكم مهما كان، فإن أمروكم بشئ مما جئتكم به فإنهم يؤجرون عليه وتؤجرون بطاعتهم، وأن أمروكم بشئ مما لم آتكم به فإنه عليهم وأنتم منه براء، ذلكم بأنكم إذا لقيتم الله قلتم ربنا لا ظلم فيقول لا

ظلم، فتقولون ربنا أرسلت إلينا رسلاً فأطعناهم بإذنك واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك، وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك، فيقول صدقهم هو عليهم وأنتم منه براء. رواه الطبراني وفيه إسحق بن إبراهيم بن زبريق وثقه أبو حاتم وضعفه النسائي، وبقية رجاله ثقات. انتهي.

والفرية الكبري في هذا الحديث أن الحاكم الجائر قد استخلفه الله تعالي علي عباده وأمرهم بطاعته مهما عصي الله تعالي (واستخلفت علينا خلفاء فأطعناهم بإذنك) بل ادعي واضع الحديث أن ذلك يشمل عمال الحاكم وموظفيه أيضاً (وأمرت علينا أمراء فأطعناهم بإذنك)!

ومن العجيب أن مخالفي أهل البيت غليهم السلام يستكثرون أن يكون الله عزوجل اختار لهذه الأمة اثني عشر إماماً بعد نبيها من ذريته، وقد صحت رواياته عند الطرفين، ولا يستكثرون مافي مصادرهم وعقائدهم من الإفتراء علي الله تعالي بأنه اختار كل الحكام والطغاة والمفسدين في الأرض بل والكفار المستعمرين أئمة وحكاماً وأمر المسلمين بطاعتهم!!

عبدالله بن عمر يطبق تفسير إخواننا للحديث

من أبرز من روي عنه حديث الميتة الجاهلية عبدالله بن عمر، وقد اقترنت روايته بقصة عبد الله مع الحديث وتطبيقاته له في حياته التي امتدت إلي زمن الحجاج الثقفي وخلافة عبد الملك بن مروان، وقد ذكرت مصادر الحديث والتاريخ والفقه أن عبدالله بن عمر كان يعارض كل تحرك ضد الحاكم مهما فسق وطغي بحجة هذا الحديث، لأن المهم برأيه أن يكون في عنق المسلم بيعة لأحد، أي أحد، وأن لا ينام علي فراشه ليلة إلا والبيعة في عنقه، حتي لا يموت موتة جاهلية!!

روي مسلم صحيحه:6/22

عن زيد بن محمد عن نافع قال: جاء عبدالله بن عمر إلي عبدالله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان زمن يزيد بن معاوية فقال: إطرحوا لأبي عبدالرحمن وسادة،

فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثاً سمعت رسول الله (ص)يقوله، سمعت رسول الله(ص)يقول: من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.

وروي ابن سعد في الطبقات:5/144

عن أمية بن محمد بن عبدالله بن مطيع، أن عبدالله بن مطيع أراد أن يفر من المدينة ليالي فتنة يزيد بن معاوية، فسمع بذلك عبدالله بن عمر فخرج إليه حتي جاءه قال: أين تريد يابن عم؟ فقال: لا أعطيهم طاعة أبداً، فقال: يابن عم، لا تفعل فإني أشهد أني سمعت رسول الله(ص)يقول: من مات ولا بيعة عليه مات ميتة جاهلية. انتهي. وروي نحوه أحمد في مسنده:3/1478 - 1479: عن عبد الله بن عمر. وروي نحوه الحاكم في المستدرك:1/77 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين. وقد حدث به الحجاج بن محمد أيضاً عن الليث ولم يخرجاه. ورواه الطبراني الأوسط:1/175 - كما في ابن سعد..ورواه غيرهم..

وعبد الله بن مطيع الذي ذهب إليه عبدالله بن عمر لينصحه بالتسليم هو الذي اختاره أهل المدينة أميراً عليهم عندما ثاروا علي ظلم بني أمية وطردوهم من المدينة، فأرسل يزيد جيشاً من الشام لغزو مدينة الرسول صلي الله عليه وآله وجرت بين أهلها بقيادة ابن مطيع وبين جيش يزيد معركة الحرة المشهورة التي استشهد فيها مئات ممن بقي من الأنصار والمهاجرين، واستباح علي أثرها جيش يزيد المدينة، وعاث فيها فساداً وتعدياً علي الحرمات والأعراض، وأخذوا البيعة من أهلها وختموهم في أعناقهم علي أنهم عبيد أقنان ليزيد!

قال الذهبي في تاريخ الإسلام:6/314: وعن إسحاق بن يزيد قال: رأيت أنساً (رض) مختوماً في عنقه، ختمه الحجاج، أراد أن يذله بذلك... وقال

عمر بن عبد العزيز: لو تخابثت الأمم وجئنا بالحجاج لغلبناهم... وقال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج! انتهي.

ولا بد أن يكون هذا الختم في زمن الحجاج ختماً آخر ختمه بنو أمية في أعناق أهل المدينة!!

وقال الذهبي في:5/274

جمع ابن عمر بنيه وأهله، وقال: أما بعد فإنا قد بايعنا هذا الرجل علي بيع الله ورسوله وإني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال هذه غدرة فلان... فلا يخلعن منكم أحد يزيد.

وقال الشاطبي في الاعتصام 2/128 - 29

عن نافع قال: لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع إبن عمر حشده وولده وقال: إني سمعت رسول الله يقول: لينصب لكل غادر لواء يوم القيامة. وإنا قد بايعنا هذا الرجل وإني لا أعلم أحداً منكم خلعه ولا تابع في هذا الأمر، إلا كانت الفيصل بيني وبينه.

قال ابن العربي: وقد قال ابن الخياط إن بيعة عبد الله ليزيد كانت كرهاً، وأين يزيد من ابن عمر؟ ولكن رأي بدينه وعلمه التسليم لامر الله والفرار عن التعرض لفتنة فيها من ذهاب الأموال والأنفس ما لا يخفي.

وقال النووي في شرح مسلم:6/22

... ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميته جاهلية... في هذا دليل علي مذهب عبد الله بن عمر كمذهب الأكثرين في منع القيام علي الإمام وخلعه إذا حدث فسقه.

وقال الشاطبي في الاعتصام:2/128

قيل ليحيي بن يحيي: البيعة مكروهة؟ قال لا، قيل له: فإن كانوا أئمة جور؟ فقال: قد بايع ابن عمر لعبد الملك بن مروان، وبالسيف أخذ الملك!

وقال ابن حزم في المحلي:1/45-46

مسألة... ومن بات ليلة وليس في عنقه بيعة مات ميتة

جاهلية... عن عبدالله بن عمر قال قال رسول الله (ص): من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية.

وقال ابن باز في فتاويه:4/303

في صحيح البخاري: أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف الثقفي وكذا أنس بن مالك، وكان الحجاج فاسقاً ظالماً. انتهي.

- ولكن النووي ادعي أن بيعة إبن عمر لعبد الملك كانت أيضاً خوفاً وتقية من بني أمية، قال في شرح مسلم 8 جزء 16/98:

... قوله رأيت عبد الله بن الزبير علي عقبة المدينة فجعلت قريش تمر عليه والناس حتي مر عليه عبد الله بن عمر فوقف عليه فقال: السلام عليك أبا حبيب. فيه استحباب السلام علي الميت في قبره وغيره وتكرير السلام ثلاثاً. وفيه منقبة لابن عمر لقوله الحق في الملأ وعدم اكتراثه بالحجاج، لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه وقوله وثناؤه عليه، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ويشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير وبطلان ما أشاع عنه الحجاج من قوله إنه عدو الله وظالم.. ومذهب أهل الحق أن ابن الزبير كان مظلوماً وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه.

وامتنع عبدالله بن عمر عن بيعة علي، ثم ندم

قال المسعودي في مروج الذهب:2/361

وقعد عن بيعة علي جماعة عثمانية لم يروا إلا الخروج عن الأمر، منهم سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمر، وبايع (عبد الله بن عمر) يزيد بعد ذلك، والحجاج لعبد الملك بن مروان.

وقال ابن الاثير في أسد الغابة:2/229-228

ولم يقاتل في شئ من الفتن ولم يشهد مع علي شيئاً من حروبه حين أشكلت عليه، ثم كان بعد ذلك يندم علي ترك القتال معه. أخبرنا

القاضي أبوغانم محمد بن هبة الله ابن محمد بن أبي جرادة... حدثنا عبدالله بن حبيب أخبرني أبي قال قال ابن عمر حين حضره الموت: ما أجد في نفسي من الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية، أخرجه أبو عمر، وزاد فيه مع علي.

وقال ابن عبد البر في الاستيعاب:1/-77

وصح عن عبدالله بن عمر من وجوه أنه قال: ما آسي علي شئ كما آسي أني لم أقاتل الفئه الباغية مع علي (رض). ونحوه في:3/953

ورووا أن ندمه علي عدم إطاعة علي كان شديداً إلي حد أنه كاد أن يثور في وجه معاوية. فقد روي البخاري في صحيحه:3 جزء 5/48: قال خطب معاوية فقال: من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر فليطلع لنا قرنه، فلنحن أحق به منه ومن أبيه! قال حبيب بن مسلمة: فهلا أجبته؟ قال عبد الله: هممت أن أقول: أحق بهذا الأمر منك من قاتلك وأباك علي الإسلام، فخشيت أقول كلمة تفرق بين الجمع! وجاء في تاريخ الإسلام للذهبي:3/553 و: 5/463: قال ابن عمر: فحللت حبوتي وهممت أن أقول: أحق به من قاتلك وأباك علي الإسلام!

ثم كانت علاقاته حسنة مع بني أمية و مع الثائرين عليهم

روي البخاري في الادب المفرد/299

عن عبد الله بن دينار أن عبد الله بن عمر كتب إلي عبد الملك ابن مروان يبايعه فكتب إليه.. فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، وأقر لك بالسمع والطاعة.

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:8/195

عن عمير بن هاني قال: وجهني عبد الملك بكتاب إلي الحجاج وهو محاصر ابن الزبير، وقد نصب المنجنيق يرمي علي البيت، فرأيت ابن عمر إذا أقيمت الصلاة صلي مع الحجاج، وإذا حضر ابن الزبير المسجد صلي معه.

وقال ابن أبي شيبة في المصنف:4/340

عن مغيرة عن رجل أنه رأي ابن عمر صلي خلف ابن الزبير بمني ركعتين، قال: ورأيته صلي خلف الحجاج أربعاً!

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:5/60

وكان المختار محسناً إلي ابن عمر يبعث إليه بالجوائز والعطايا لأنه كان زوج أخت المختار.. وكان (المختار) غلاماً يعرف بالانقطاع إلي بني هاشم ثم خرج في آخر خلافة معاوية إلي البصرة فأقام بها يظهر ذكر الحسين، فأخبر بذلك عبيد الله بن زياد فأخذه وجلده مائة وبعث به إلي الطائف... ثم أن عبدالله بن عمر كتب فيه إلي يزيد لما بكت صفية أخت المختار علي زوجها ابن عمر... فكتب يزيد إلي عبيد الله فأخرجه... فأتي الحجاز واجتمع بابن الزبير فحضه علي أن يبايع الناس.

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:5/462: إن المختار بن أبي عبيدة كان يرسل إلي ابن عمر المال فيقبله.

وروت مصادر الشيعة احتياطا غريبا له في تطبيق الحديث

قال الطبري الشيعي في كتابه المسترشد/16

عبدالله بن عمر الذي قعد عن بيعة علي عليه السلام ثم مضي إلي الحجاج فطرقه ليلاً فقال: هات يدك لأبايعك لأمير المؤمنين عبد الملك فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: من مات وليس عليه إمام فميتته جاهلية، حتي أنكرها عليه الحجاج مع كفره وعتوه.

وروي ذلك المحدث القمي في الكني والألقاب، وفيه: فأخرج الحجاج رجله وقال: خذ رجلي فإن يدي مشغولة، فقال ابن عمر: أتستهزي مني؟! قال الحجاج: يا أحمق بني عدي ما بايعت علياً وتقول اليوم: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية! أو ما كان عليٌّ إمام زمانك؟! والله ما جئت إليَّ لقول النبي صلي الله عليه وآله بل جئت مخافة تلك الشجرة التي صلب عليها ابن الزبير. انتهي.

و لم يزد أحد علي ابن عمر في تطبيق الحديث إلا أبو سعيد الخدري

مجمع الزوائد:5/219

وعن بشر بن حرب أن ابن عمر أتي أبا سعيد فقال: يا أبا سعيد ألم أخبر أنك بايعت أميرين قبل أن تجتمع الناس علي أمير واحد؟ قال نعم بايعت ابن الزبير، فجاء أهل الشام فساقوني إلي حبيش بن دلجة فبايعته! فقال ابن عمر: إياها كنت أخاف؟!

قال أبو سعيد: يا أبا عبدالرحمن ألم تسمع أن رسول الله(ص)قال: من استطاع أن لا ينام يوماً ولا يصبح صباحاً ولا يمسي مساء إلا وعليه أمير؟ قال نعم، ولكني أكره أن أبايع أميرين من قبل أن يجتمع الناس علي أمير واحد. انتهي. وقال الهيثمي: رواه أحمد، وبشر بن حرب ضعيف.

تحير إخواننا السنة في هذا الحديث قديما وحديثا

لا مشكلة عندنا نحن الشيعة بسبب هذا الحديث بل هو منسجم مع مذهبنا، وهو من أدلتنا علي نظام الإمامة في الإسلام وأن النبي صلي الله عليه وآله قد بلغه إلي الأمة، وقد ثبت عندنا بأدلة قاطعة أن الله تعالي جعل إمامة هذه الأمة في ذرية نبيها، وكفاها مؤونة اختيار الحاكم وأخطار الصراع علي الحكم، لو أنها أطاعت. أما إذا أعرضت الأمة عنهم ومشت خلف آخرين فالمشكلة مشكلتها، ولا يتغير من أمر الله تعالي شئ، ولا تبطل إمامة الأئمة الذين اختارهم الله تعالي.

أما طريق معرفة الإمام فهي النص عليه من النبي صلي الله عليه وآله أو من الإمام السابق، كما أنه يعرف بما يجريه الله تعالي علي يده من المعجزات والدلالات لإثبات إمامته، وسيأتي ذلك في بحث الإمامة إن شاء الله تعالي.

ولكن هذا الحديث، سبب مشكلة لا تنحل عند إخواننا السنة، مهما تكن صيغه التي رووه بها، لأنه يوجب عليهم معرفة الإمام في كل عصر أو بيعته، وإلا فإنهم يموتون موتة جاهلية علي غير الإسلام!

فلا مخرج للسني من الموتة الجاهلية، إلا بأحد أمور أربعة: بأن يصير شيعياً، أو يبايع إماماً قرشياً جامع الشروط، أو يلتزم بأن الإمام الشرعي في الإسلام كل من تسلط علي المسلمين ولو بالحديد والنار، فتجب بيعته وطاعته مهما عصي الله تعالي، أو يكون علي مذهب حركة التكفير والهجرة! ومن لم يفعل ذلك ومات، فموتته جاهلية!!

قال الشهيد الثاني في رسائله:2/150

واعلم أن من مشاهير الأحاديث بين العامة والخاصة وقد أوردها العامة في كتب أصولهم وفروعهم أن: من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهلية، فنحن والحمد لله نعرف إمام زماننا في كل وقت، ولم يمت أحد من الإمامية ميتة جاهلية، بخلاف غيرنا من أهل الخلاف فإنهم لو سئلوا عن إمام زمانهم لسكتوا ولم يجدوا إلي الجواب سبيلاً، وتشتت كلمتهم في ذلك، فقائل بأن إمامهم القرآن العزيز، وهؤلاء يحتج عليهم بأن القرآن العزيز قد نطق بأن الإمام والمطاع غيره، حيث قال الله تعالي: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ.

علي أنه لو سلم لهم ذلك لزمهم اجتماع إمامين في زمان واحد، وهو باطل بالإجماع منا ومنهم، كما صرحوا به في كتب أصولهم، وذلك لأن القرآن العزيز منذ رحلة النبي صلي الله عليه وآله من الدنيا، وقد حكموا بإمامة الأربعة الخلفاء في وقت وجود القرآن العزيز، فيلزم ما ذكرناه.

وقائل إن الأمويين والعباسيين كانوا أئمة بعد الخلفاء الأربعة الماضين، ثم استشكل هذا القائل الأمر بعد هؤلاء المذكورين، فهو أيضاً ممن لا يعرف إمام زمانه.

فإن قالوا: إن الآية الكريمة دلت علي أن كل ذي أمر تجب طاعته، وأولوا الأمر من الملوك موجودون في كل زمان، فيكون الإمام أو من يقوم مقامه متحققاً.

قلنا لهم،

أولاً: إنكم أجمعتم علي عدم جواز تعدد الإمام في عصر واحد، فمن يكون منهم إماماً؟ ولا يمكنهم الجواب باختيار واحد لأنا نجد الأمة مختلفة باختلافهم، فإن أهل كل مملكة يطيعون مليكهم مع اختلاف أولئك الملوك، فيلزم اجتماع الأمة علي الخطأ، وهو عدم نصب إمام مطاع في الكل وهو باطل، لأن الأمة معصومة بالإجماع منهم، ومنا بدخول المعصوم عندنا.

ولا يرد مثل ذلك علينا، لأن الإمامة عندنا بنص الله تعالي ورسوله، وقد وقعا، لا بنصب (أهل) الشريعة، والإمام عندنا موجود في كل زمان، وإنما غاب عنا خوفاً أو لحكمة مخفية، وبركاته وآثاره لم تنقطع عن شيعته في وقت من الأوقات وإن لم يشاهده أكثرهم، فإن الغرض من الإمامة الأول لا الثاني.

وثانياً، بأن ما ذكرتم من الملوك ظلمة جائرون لا يقومون بصلاح الشريعة في الدنيا فضلاً عن الدين، وقد قال تعالي عز من قائل: لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، أي لا تنال الظالمين ولايتي، والإمامة من أعظم الولايات. انتهي.

معرفة الإمام هي الحكمة

الكافي:1/182

علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسي، عن يونس، عن أيوب بن الحر، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام في قول الله عز وجل: وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا، فقال: طاعة الله ومعرفة الإمام.

الكافي:2/284

يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال سمعته يقول: ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خبراً كثيراً. قال: معرفة الإمام، واجتناب الكبائر التي أوجب الله عليها النار. انتهي. ورواه في مستدرك الوسائل:11/354.

لا يمكن للناس معرفة الإمام المعصوم ليختاروه

الكافي:1/201

(عن الإمام الرضا عليه السلام من حديث طويل): الإمام واحد دهره، لا يدانيه أحد، ولا يعادله عالم، ولا يوجد منه بدل، ولا له مثل ولا نظير، مخصوص بالفضل كله من غير طلب منه له ولا إكتساب، بل اختصاص من المفضل الوهاب. فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه اختياره، هيهات هيهات ضلت العقول وتاهت الحلوم، وحارت الألباب وخسئت العيون، وتصاغرت العظماء، وتحيرت الحكماء، وتقاصرت الحلماء، وحصرت الخطباء، وجهلت الالباء، وكلت الشعراء، وعجزت الأدباء، وعييت البلغاء، عن وصف شأن من شأنه، أو فضيلة من فضائله، وأقرت بالعجز والتقصير.

وكيف يوصف بكله، أو ينعت بكنهه، أو يفهم شئ من أمره، أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه، لا كيف وأني؟ وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف الواصفين، فأين الاختيار من هذا؟ وأين العقول عن هذا؟ وأين يوجد مثل هذا؟! أتظنون أن ذلك يوجد في غير آل الرسول محمد صلي الله عليه وآله، كذبتهم والله أنفسهم....

معني: إعرف الإمام ثم اعمل ما شئت

وسائل الشيعة:1/88

محمد بن علي بن الحسين، في معاني الأخبار عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أبيه، عن علي بن النعمان، عن فضيل بن عثمان، قال: سئل أبوعبدالله عليه السلام عما روي عن أبيه: إذا عرفت فاعمل ما شئت، وأنهم يستحلون بعد ذلك كل محرم، فقال: ما لهم لعنهم الله؟ إنما قال أبي عليه السلام: إذا عرفت الحق فاعمل ما شئت من خير يقبل منك.

دعائم الإسلام:1/52

وعن أبي عبدالله جعفر بن محمد صلي الله عليه وآله أن رجلاً من أصحابه ذكر له عن بعض من مرق من شيعته واستحل المحارم ممن كان يعد من شيعته، وقال: إنهم يقولون الدين المعرفة،

فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت، فقال أبو عبد الله جعفر بن محمد: إنا لله وإنا إليه راجعون، تأمَّل الكفرة ما لا يعلمون، وإنما قيل إعرف الإمام واعمل ما شئت من الطاعة فإنها مقبولة منك، لأنه لا يقبل الله عز وجل عملاً بغير معرفة. ولو أن الرجل عمل أعمال البر كلها وصام دهره وقام ليله، وأنفق ماله في سبيل الله، وعمل بجميع طاعات الله عمره كله، ولم يعرف نبيه الذي جاء بتلك الفرائض ثم معرفة وصيه والأئمة من بعده.

مستدرك الوسائل:1/174

وعنه عليه السلام أن رجلاً من أصحابه ذكر له عن بعض من مرق من شيعته واستحل المحارم وأنهم يقولون إنما الدين المعرفة فإذا عرفت الإمام فاعمل ما شئت! فقال أبوعبدالله عليه السلام: إنا لله وإنا إليه راجعون، تأول الكفرة ما لا يعلمون، وإنما قيل إعرف واعمل ما شئت من الطاعة فإنه مقبول منك، لأنه لا يقبل الله عملاً من عامل بغير معرفة. لو أن رجلاً عمل أعمال البر كلها وصام دهره وقام ليله وأنفق ماله في سبيل الله وعمل بجميع طاعة الله عمره كله ولم يعرف نبيه الذي جاء بتلك الفرائض فيؤمن به ويصدقه، وإمام عصره الذي افترض الله طاعته فيطيعه، لم ينفعه الله بشئ من عمله، قال الله عز وجل في مثل هؤلاء: وقدمنا إلي ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثوراً.

بعلي عرف المؤمنون بعد النبي

أمالي المفيد/213

حدثنا أبوجعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثني أبي قال: حدثني محمد بن يحيي العطار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن الحكم، عن هشام بن سالم، عن سليمان بن خالد، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد الصادق، عن آبائه غليهم السلام قال: قال

رسول الله صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أنت مني وأنا منك: وليك وليي ووليي ولي الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله.

يا علي أنا حرب لمن حاربك، وسلم لمن سالمك.

يا علي لك كنز في الجنة وأنت ذو قرنيها.

يا علي أنت قسيم الجنة والنار، لا يدخل الجنة إلا من عرفك وعرفته، ولا يدخل النار إلا من أنكرك وأنكرته.

يا علي أنت والأئمة من ولدك علي الأراف يوم القيامة تعرف المجرمين بسيماهم، والمؤمنين بعلاماتهم.

يا علي لولاك لم يعرف المؤمنون بعدي. انتهي. وقد تقدم أن المؤمنين والمنافقين كانوا يُعْرَفون حتي في زمان النبي صلي الله عليه وآله بموقفهم النفسي من علي عليه السلام.

معرفة الآخرة والمعاد والحساب

رسائل الشهيد الثاني/145

الأصل الخامس، المعاد الجسماني. اتفق المسلمون قاطبة علي إثباته، وذهب الفلاسفة إلي نفيه وقالوا بالروحاني. والمراد من الأول إعادة البدن بعد فنائه ما كان عليه قبله... لنفع دائم أو ضرر دائم، أو منقطع يتعلقان به، وذهب جمع من الأشاعرة إلي أن المراد منه هو إعادة مثل البدن لا هو نفسه، وهو ضعيف لما سيأتي. واعلم أن العقل لا يستقل بإثبات المعاد البدني كاستقلاله بإثبات الصانع تعالي ووحدته، بل إنما ثبت علي وجه يقطع العقل بوقوعه بمعونة السمع.

كشف الغطاء/5

والمقدار الواجب بعد معرفة أصل المعاد، معرفة الحساب وترتب الثواب والعقاب. ولا يجب المعرفة علي التحقيق التي لا يصلها إلا صاحب النظر الدقيق كالعلم بأن الأبدان هل تعود بذواتها أو إنما يعود ما يماثلها بهيئاتها، وإن الأرواح هل تعدم كالأجساد أو تبقي مستمرة حتي تتصل بالأبدان عند المعاد، وأن المعاد هل يختص بالإنسان أو يجري علي كافة ضروب الحيوان، وأن عودها بحكم الله دفعي أو

تدريجي.

وحيث لزمه معرفة الجنان وتصور النيران، لا يلزم معرفة وجودهما الآن ولا العلم بأنهما في السماء أو في الأرض أو يختلفان.

وكذا حيث يجب معرفة الميزان، لا يجب عليه معرفة أنها ميزان معنوية أو لها كفتان، ولا يلزم معرفة أن الصراط جسم دقيق أو هو عبارة عن الإستقامة المعنوية علي خلاف التحقيق.

والغرض أنه لا يشترط في تحقق الإسلام معرفة أنهما من الاجسام وإن كانت الجسمية هي الاوفق بالإعتبار، وربما وجب القول بها عملاً بظاهر الأخبار.

ولا تجب معرفة أن الأعمال هل تعود إلي الاجرام وهل ترجع بعد المعنوية إلي صور الأجسام، ولا يلزم معرفة عدد الجنان والنيران وإدراك كنه حقيقة الحور والولدان.

وحيث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبياء لا يلزم معرفة مقدار تأثيرها في حق الأشقياء.

وحيث يلزم معرفة الحوض لا يجب عليه توصيفه ولا تحديده وتعريفه، ولا يلزم معرفة ضروب العذاب وكيفية ما يلقاه العصاة من أنواع النكال والعقاب. انتهي. ونكتفي هنا بهذه السطور عن معرفة الآخرة والمعاد، وستأتي مسائله في محالها إن شاء الله تعالي.

تم المجلد الأول من كتاب العقائد الإسلامية

ويليه المجلد الثاني إن شاء الله تعالي، وأوله بحث الرؤية.

المجلد2

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 2)

العقائد الإسلامية (المجلد 2)

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد السنيين أن الله تعالي يري بالعين

متي ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

موج الفرية جاء من الشام

و ابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالي بغيره

و أبوهريرة يوافق عائشة و ابن عباس و ابن مسعود

و كان الجمهور يرون رأي عائشة و يكذبون أحاديث الرؤية بالعين

علي يوضح ما لم توضحه عائشة

و اصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

و غلبت موجة

كعب و دخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

و ايدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالي

و هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

ثم رووا الرؤية بالعين حتي عن ابن عباس وعائشة

ثم أفتوا بكفر و ضلال من خالفهم و شملت فتواهم أمهم عائشة

و كبر كعب الأحبار لأنه انتصرعلي المسلمين

واشتغل الوضاعون و كثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم

و انكر مالك أحاديث التشبيه و اعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب

و فتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري

اهل البيت ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

الامام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

مذاهب السنيين في الألوهية والتوحيد

كيف نشأت هذه المذاهب؟

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيرين

و صار الترمذي متأولا ذات يوم فكفره المجسمة

و دافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة و جعلهم متأولة

ثم تبني رشيد رضا رأي الغزالي مع أنه كاد أن يكفر الحنابلة

و كل علماء السنة حتي المجسمة يصيرون متأولة عند الحاجة

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالي علي صورة بشر

و قالوا له سمع و بصر كسمع الإنسان و بصره

و قالوا له عينان مثل الإنسان و هما سالمتان

و قالوا له أيدي و أعين و رجلان

و قالوا قد يكون له أذن و قد يكون بلا أذن

و قالوا له جنب و حقو

و قالوا إنه يمشئ و قد يركض و يهرول

و قالوا إنه تعالي يري بالعين في الدني

و قالوا إنه يلبس قباء وجبة و يركب علي جمل

و قالوا إنه فتي أمرد جعد الشعر

و قالوا

إنه يضحك في الدنيا والآخرة

و قالوا إنه يضحك لمن يستلقي علي دابته

و قالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

و قالوا إنه يضحك.. و يظل يضحك

و قالوا إنه ضحك لطلحة و سعد

و قالوا إنه يظهر لعباده ضاحكا

و قالوا منطقه كالرعد، و ضحكه كالبرق

و قالوا يظهر متجسدا لابي بكر وحده بدون ضحك

و قال عمر يجلس علي العرش و لعرشه أطيط و صرير من ثقله

معني الاطيط

و قالوا العرش مطوق بحية تحميه

و قالوا الشمس تذهب كل يوم إلي تحت العرش

و قالوا حملة العرش ملائكة صوفية

و قالوا حملة العرش يتكلمون بالفارسية

و قالوا جبل لبنان من حملة العرش

و قالوا حملة العرش حيوانات كما في التوراة

و قالوا جالس علي كرسيه و غائب عن العالم

و قالوا جالس علي العرش و حوله الأنبياء علي كراسي

هشام بن عمار صاحب حديث الكراسي حول العرش

و قالوا جنة عدن مسكن الله تعالي و عرشه فيه

و روينا ورووا أن الفردوس مسكن إبراهيم و آله و محمد و آله

و قالوا أرواح الشهداء في حواصل طيور في قناديل معلقة بالعرش

ورد أهل البيت حديث القناديل و حواصل الطيور

واختلفت رواياتهم فيما هو مكتوب علي العرش

و قالوا إنه تعالي أثقل من الحديد

و قالوا يري بالعين في الآخرة و يناقش رجلا و يضحك عليه

و قالوا يكشف عن ساقه بل عن ساقيه و يعفو عن المنافقين

و حاول الصنعاني والنووي تخليص الله تعالي من كشف ساقه

و قالوا إنه يجلس علي الجسر و يضع رجله علي الاخري

الامام الصادق يقول إنها رواية يهودية

و قالوا لا تمتلي النار حتي يضع

رجله فيه

وادعوا أن رؤيته بالعين من أكبر اللذات

لكن اختلفوا هل تراه النساء في الجنة

بازار أحاديث النزولات

قالوا: إن الله تعالي جسم ينزل إلي الأرض كل ليلة

و قالوا لو دلي رجل حبلا لهبط علي الله

و قالوا إنه تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان

و قالوا إنه تعالي ينزل يوم عرفة

الامام الرضا يلعن الذين حرفوا حديث النزول

و احاديث إخواننا تؤيد ما قاله الإمام الرضا

و تؤيده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

و احاديث خالية من ينزل و يصعد

وادعوا أن رؤية الله تعالي في المنام تدل علي الإيمان

اما درجة ابن عربي و أمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

خلاصة اعتقادنا في التنزيه و نفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين

الرسول يعلم الأمة التوحيد

و يعلمنا أن أقصي ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

علي يثبت مشاهدة القلوب و ينفي مشاهدة العيان

لم يحلل في الأشياء... ولم ينأ عنه

لا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك

لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد

اول الدين معرفته... و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونه

اميرالمؤمنين يرد علي تجسيم اليهود

و يوجه المسلمين إلي التفكر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

و يصف النملة والجرادة

علي مؤسس علم التوحيد

الامام زين العابدين ينظم زبور آل محمد

الامام محمد الباقر يجيب علي سؤال متي وجد الله

و يركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه و لا تعطيل

الامام الصادق: لا نفي و لا تشبيه و لا جبر و لا تفويض

المؤمنون

يرون الله بعقولهم و قلوبهم في الدنيا والآخرة

الامام الصادق يرد علي الحلول والثنائية بين الذات والصفات

الامام الكاظم يرد علي تجسيد النصاري

و يبين أن الله تعالي غني عن النزول والحركة

الامام الرضا يعلم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

و يكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

الامام الرضا يعلم بني العباس التوحيد

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيت

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنة

ميل العوام إلي التشبيه والتجسيم

الخوف من أن يؤدي التنزيه إلي التعطيل

مضاهاة بعض المسلمين لليهود

اعتقاد اليهود والنصاري بتشبيه الله تعالي و رؤيته بالعين

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

لكن البابا في عصرنا يصر علي التجسيم و ينتقد التوحيد عند المسلمين

اول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلي الإسلام

من أفكار كعب الأحبار في الرؤية والتشبيه والتجسيم

كعب يدعي أن جنة عدن مسكن الله والأنبياء والخلفاء

نموذج من علم كعب بالله تعالي

و قال كعب وعمر: يفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

و قالوا: نبي الله داود يمسك بقدم الله تعالي و هو أعبد من جميع الأنبياء

و قالوا: عمر أفضل من داود لأنه يصافح الله و يعانقه

عبدالله بن عمر يؤكد أحاديث أبيه

من روايات أبي موسي الأشعري وابنه

و قال الجرجاني وغيره: أطيط العرش فكرة يهودية

التجسيم في مصادر إخواننا من روايات الحاخامات

الكوثري يصعد درجات و لا يصل إلي لب الحقيقة

السفيانان والحمادان

حماد بن سلمة

بعض روايات ابن سلمة في التشبيه والتجسيم

حماد يروي أن النبي لا يحفظ القرآن

اخذ حماد القول بالجبر من شيخ شيخه وهب

ربيبه عبدالكريم بن أبي العوجاء

عشرات الألوف من الأحاديث و مئات

التلاميذ

كان مفتي البصرة و له مسجد و يلزم تلاميذه بالكتابة عنه

و مع هذا وثقه إخواننا وغالوا فيه

و احترمه البخاري و روي عنه و لم يكتفوا بذلك

نعيم بن حماد

بعض مناكيره و رواياته في التجسيم

و مع ذلك وثقوا نعيما لأنه صلب في السنة

مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر السنيين

المشبهون سادة في التاريخ و مصادر السنة

وهب بن منبه: فارسي، يهودي، مجسم محترم و شيخ للمحدثين

مقاتل بن سليمان البلخي، مجسم و شيخ ابن حماد و أستاذ للمفسرين

يزيد بن هارون من شيوخ الإمام أحمد

السمناني المجسم رئيس الأشعرية

الامام الدارمي المجسم

ابوالعباس السراج و إسحاق الحنظلي إمامان مجسمان

و صار ابن عقيل شيخ الحنابلة

من عقائد الدولة: إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية

هجمة الحنابلة علي الطبري

هجمة الحنابلة علي ابن حبان

من تكفيرات المجسمين لمن خالفهم

ملحد (سني) يحبه المجسمة لأنه يلعن من خالفهم

من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم

و واجه بعض الخلفاء تطرف المجسمين

و قتل خلفاء شرعيون إماما مجسما طمع بالحكم

و كان التجسيم منتشرا في عصر ابن الجوزي والسبكي

وانتقل التجسيم من بغداد إلي مصر

الامام العبدري المغربي المجسم

التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت

و كثر الحشوية والمخلطون في العالم الإسلامي

كل الناس مبرؤون... والشيعة متهمون

منطق السلطة و أتباعه

محاولات الدولة والمشبهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

بغض أهل البيت و شيعتهم إرث غير شرعي

و تواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

و تضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم و حرية الفكر

تفسير مقارن للآيات المتعلقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

الآيات المتشابهة التي استدلوا بها علي الرؤية

آيات: استوي علي العرش

تفسير

آية: لا تدركه الابصار

النبي و آله يقولون: لا تدركه الابصار و لا.. الاوهام

اميرالمؤمنين يدفع الشبهات

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

محاولاتهم تأويل الآية و إبطال معناه

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأي

قال أهل البيت: رأي ربه بفؤاده و رأي آياته بعينيه

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

و نفي قدماء المتصوفة الرؤية بالعين في الدني

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

و جهل بعضهم فنسب الدنو والتدلي إلي الله تعالي

و وصفوا عرشه بأنه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

و قالوا رأي ربه واقفا علي أرض خضرة خلف ستر شفاف

و حاول بعضهم أن يخفف القصة و يجعلها رؤيا في المنام

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة، إلي ربها ناظرة

تفسير أهل البيت و فقهاء مذهبهم

رؤية العارفين بقلوبهم أرقي من الرؤية البصرية

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

تفسير آيات التجلي لموسي

قال أهل البيت: تجلي بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الامام الرضا يدفع التهم عن الأنبياء

انواع التجلي الإلهي

تفسير عرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالي

الله تعالي يتجلي بخلقه

من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالي

تفسير قوله تعالي: يوم يكشف عن ساق

فسرها أهل البيت بكشف حجاب الآخرة و أهواله

تفسير آيات الإستواء علي العرش

تفسير أهل البيت

الاستواء علي العرش: استواء نسبة الله إلي العالم

معني العرش والكرسي عند أهل البيت

قالوا إن الله جالس علي كرسيه كما قال اليهود

و تناقضت رواياتهم في العرش والكرسي

و قالوا عرش الله كرسي متحرك

و قالوا العرش غير الكرسي، و قالوا العرش هو الكرسي

تفسير قوله تعالي: عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا

و قالوا يجلس

الله علي عرشه و يجلس النبي إلي جانبه

و نفي الفكرة بعض علماء السنة

و قال المستشرقون إنها فكرة مسيحية

و اعترفوا بأن بعض هذه الأحاديث موضوع

و قالوا يجلس صاحب أحمد بن حنبل علي سجاد العرش

و قالوا يجلس أبابكر علي كرسي عند العرش

تفسير قوله تعالي: فلما آسفونا انتقمنا منهم

قال أهل البيت: إن الله لا يأسف كأسفن

تفسير آيات أخري تتعلق بالموضوع

باب معني الحجزة

باب معني العين والاذن واللسان

جذور مسألة الرؤية والتشبيه والتجسيم

اعتقاد السنيين أن الله تعالي يري بالعين

المقصود بمسألة الرؤية: إمكان أن يري الإنسان الله تعالي بحاسة العين في الدنيا أو في الآخرة.

1 _ والمقصود بالتشبيه والتجسيم: تشبيه ذات الله تعالي بشئ من مخلوقاته.

وقد نفي كل ذلك نفياً مطلقاً أهل البيت عليهم السلام وأم المؤمنين عائشة وجمهور الصحابة، وبه قال الفلاسفة والمعتزلة وغيرهم، واستدلوا علي ذلك بالقرآن بمثل قوله تعالي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقوله تعالي (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ).. إلخ. واستدلوا أيضاً بالعقل فقالوا إن القول بإمكان رؤيته سبحانه بالعين يستلزم تشبيهه وتجسيمه لا محالة، لأن ما يري بالعين لا يكون إلا وجوداً مادياً يشبه غيره بأنه محدود بالمكان والزمان.

بينما تبني الحنابلة وأتباع المذاهب الأشعرية وهم أكثر الحنفية والمالكية والشافعية، القول برؤية الله تعالي بالعين في الدنيا أو في الآخرة بسبب روايات رووها، وبعض الآيات المتشابهة التي يبدو منها ذلك، وحاولوا أن يؤولوا الآيات المحكمة والأحاديث الصحيحة النافية لإمكان الرؤية بالعين.

وبسبب الإرتباط بين مسائل الرؤية والتشبيه والتجسيم والإشتراك في بحوثها ونصوصها جعلناها تحت عنوان واحد.

متي ظهرت أحاديث الرؤية والتشبيه

تدل نصوص الحديث والتاريخ علي أن الجو الذي كان سائداً في صحابة النبي في عهده صلي الله عليه وآله وعهد الخليفة أبي بكر هو الإنسجام مع آيات القرآن النافية لإمكان الرؤية، وأن الله تعالي ليس من نوع الأشياء التي تري بالعين أو تحس بالحواس الخمس.. لأنه وجود أعلي من الأشياء المادية، فهو يدرك بالعقل ويحس بالقلب والبصيرة لا بالبصر.

ويبدو أن أفكار التشبيه والرؤية ظهرت بين المسلمين في عهد الخليفة عمر وما بعده، فنهض أهل البيت عليهم السلام وبعض الصحابة لردها وتكذيبها.

وتدل أحاديث التكذيب التي رويت عن أم المؤمنين عائشة أنها كغيرها فوجئت وصدمت بهذه المقولات الغريبة عن عقائد

الإسلام، المناقضة لما بَلَّغه النبي صلي الله عليه وآله عن ربه تعالي، سواء في آيات القرآن أو في أحاديثه الشريفة! ولذلك أعلنت أم المؤمنين أن هذه الأحاديث مكذوبة، بل هي فرية عظيمة علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ومن واجب المسلمين ردها وتكذيبها!!

عائشة تكذب أحاديث الرؤية والتشبيه

صحيح البخاري:6/50:

... عن عامر عن مسروق قال قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه هل رأي محمد(ص)ربه؟ فقالت لقد قَفَّ شعري مما قلت! أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً(ص)رأي ربه فقد كذب ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت: وما تدري نفس ماذا تكسب غداً، ومن حدثك أنه كتم فقد كذب ثم قرأت: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية، ولكنه رأي جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين.

صحيح البخاري:8/166:

... عن الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت: من حدثك أن محمداً(ص)رأي ربه فقد كذب، وهو يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ومن حدثك أنه يعلم الغيب فقد كذب، وهو يقول: لا يعلم الغيب إلا الله. انتهي. وروي نحوه في:2 جزء 4/83 وج 3 جزء 6/50 وج 4/83 وقد استوفينا بقية مصادره في كتاب (الوهابية والتوحيد).

موج الفرية جاء من الشام

مع أن الخليفة عمر أخذ من ثقافة كعب الأحبار وجماعته وأجاز لهم رسمياً أن يحدثوا المسلمين في مساجدهم، وأن يكتب المسلمون عنهم، ولكن روايات الرؤية واجهت سداً من الصحابة فبقي انتشارها محدوداً في زمن الخليفة عمر، ولكن الدولة الأموية تبنت نشرها بقوة فارتفعت موجتها من الشام، ووصلت إلي المدينة فاستنكرها أهل البيت وعائشة والصحابة!

تدل الرواية التالية علي أن الشام كانت مركز القول بالتشبيه والتجسيم، وسبب ذلك أن كعب الأحبار وجماعته اتخذوا الشام قاعدة لهم وكانوا مقربين من معاوية، وقد أطلق يدهم ليملوا أفكارهم وثقافتهم علي المسلمين، ويظهر أن أول

من تأثر بهم وتبعهم أهل الشام حتي تأصلت أفكارهم فيهم.

ومن الظواهر الملفتة أن الشام في تاريخنا الإسلامي كانت موطناً للتشبيه والتجسيم أكثر من أي قطر إسلامي آخر! فلا توجد في العالم الإسلامي منطقة يعتبر فيها تأويل صفات الله تعالي التي يتوهم منها التشبيه والتجسيم جريمةً وخروجاً عن الدين إلا الشام، فقد صارت كلمة (متاولة) تساوي كلمة كفار أو أسوأ منها، وكم من مسلم قتل في بلاد الشام بجرم أنه (متوالي) أي متأول! وما زالت هذه الكلمة إرثاً عند العوام ينبزون بها شيعة أهل البيت عليهم السلام وهي في فهم عوامهم أسوأ من الكفر أو مساوقة له!

قال الصدوق في التوحيد/179:

حدثنا أبو طالب المظفر بن جعفر بن المظفر العلوي السمرقندي (رض) قال: حدثنا جعفر بن محمد بن مسعود، عن أبيه محمد بن مسعود العياشي قال: حدثنا الحسين بن أشكيب قال: أخبرني هارون بن عقبة الخزاعي، عن أسد بن سعيد النخعي قال: أخبرني عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد الجعفي قال: قال محمد بن علي الباقر (عليهما السلام): يا جابر ما أعظم فرية أهل الشام علي الله عز وجل، يزعمون أن الله تبارك وتعالي حيث صعد إلي السماء وضع قدمه علي صخرة بيت المقدس، ولقد وضع عبد من عباد الله قدمه علي حجر فأمرنا الله تبارك وتعالي أن نتخذه مصلي، يا جابر إن الله تبارك وتعالي لا نظير له ولا شبيه، تعالي عن صفة الواصفين، وجلَّ عن أوهام المتوهمين، واحتجب عن أعين الناظرين، لا يزول مع الزائلين، ولا يأفل مع الأفلين، ليس كمثله شئ وهو السميع العليم.

ورواه العياشئ في تفسيره:1/59، ورواه المجلسي في بحار الأنوار: 102/ 270 وقال: بيان: الظاهر أن المراد بالعبد

النبي صلي الله عليه وآله حيث وضع قدمه الشريف عليه ليلة المعراج وعرج منه كما هو المشهور ويحتمل غيره من الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وعلي أي حال يدل علي استحباب الصلاة عليه. انتهي. ولكن الصحيح ما قاله الرباني في هامش بحار الأنوار:

بل الظاهر من الحجر أن المراد به مقام إبراهيم وبه أثر قدمه الشريف، وقد أمرنا الله عز وجل بقوله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّي، أن نتخذه مصلي. انتهي.

ولا يبعد أن يكون مقصود الإمام الباقر عليه السلام بتعبيره (أهل الشام) بني أمية، وهو تعبير يستعمله عنهم أهل البيت عليهم السلام وهذا يدعونا إلي القول بأن سبب عدم نجاح أفكار كعب في المدينة المنورة أو في الكوفة أو محدودية نجاحها في القرن الأول، الخليفة عمر رغم أنه أعطي كعباً مكانة عظيمة في دولة الخلافة وكان يقبل أفكاره، ولكن كان يوجد في عهده صحابة كثيرون يجابهون كعباً ويردون إسرائيلياته كما شاهدنا في موقف عائشة، وكما نري في الموقف التالي لعلي عليه السلام حيث غضب من كلام كعب ونهض ليخرج من مجلس الخليفة عمر محتجاً علي أفكاره التجسيمية اليهودية!

فقد روي المجلسي في بحار الأنوار:44/194:

عن ابن عباس أنه حضر مجلس عمر بن الخطاب يوماً وعنده كعب الحبر إذ قال: يا كعب أحافظ أنت للتوراة.

قال كعب: إني لاحفظ منها كثيراً.

فقال رجل من جنبة المجلس: يا أمير المؤمنين سله أين كان الله جل ثناؤه قبل أن يخلق عرشه، ومم خلق الماء الذي جعل عليه عرشه. فقال عمر: يا كعب هل عندك من هذا علم؟

فقال كعب: نعم يا أمير المؤمنين نجد في الأصل الحكيم أن الله تبارك وتعالي كان قديماً قبل خلق العرش وكان علي

صخرة بيت المقدس في الهواء، فلما أراد أن يخلق عرشه تفل تفلة كانت منها البحار الغامرة واللجج الدائرة، فهناك خلق عرشه من بعض الصخرة التي كانت تحته، وآخر ما بقي منها لمسجد قدسه!

قال ابن عباس: وكان علي بن أبي طالب عليه السلام حاضراً فعظم علي ربه وقام علي قدميه ونفض ثيابه فأقسم عليه عمر لما عاد إلي مجلسه ففعله.

قال عمر: غص عليها يا غواص، ما تقول يا أبا الحسن فما علمتك إلا مفرجاً للغم. فالتفت علي عليه السلام إلي كعب فقال: غلط أصحابك وحرفوا كتب الله وفتحوا الفرية عليه! يا كعب ويحك إن الصخرة التي زعمت لا تحوي جلاله ولا تسع عظمته، والهواء الذي ذكرت لا يحوز أقطاره، ولو كانت الصخرة والهواء قديمين معه لكان لهما قدمته، وعز الله وجل أن يقال له مكان يومي إليه، والله ليس كما يقول الملحدون ولا كما يظن الجاهلون، ولكن كان ولا مكان بحيث لا تبلغه الأذهان، وقولي (كان) عجز عن كونه وهو مما علم من البيان يقول الله عز وجل (خَلَقَ الإنْسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) فقولي له (كان) ما علمني من البيان لأنطق بحججه وعظمته، وكان ولم يزل ربنا مقتدراً علي ما يشاء محيطاً بكل الأشياء، ثم كوَّن ما أراد بلا فكرة حادثة له أصاب، ولا شبهة دخلت عليه فيما أراد، وإنه عز وجل خلق نوراً ابتدعه من غير شئ، ثم خلق منه ظلمة، وكان قديراً أن يخلق الظلمة لا من شئ كما خلق النور من غير شئ، ثم خلق من الظلمة نوراً وخلق من النور ياقوتة غلظها كغلظ سبع سماوات وسبع أرضين، ثم زجر الياقوتة فماعت لهيبته فصارت ماء مرتعداً ولا يزال مرتعداً إلي يوم القيامة،

ثم خلق عرشه من نوره وجعله علي الماء، وللعرش عشرة آلاف لسان يسبح الله كل لسان منها بعشرة آلاف لغة ليس فيها لغة تشبه الأخري، وكان العرش علي الماء من دونه حجب الضباب، وذلك قوله: وكان عرشه علي الماء ليبلوكم.

يا كعب ويحك، إن من كانت البحار تفلته علي قولك، كان أعظم من أن تحويه صخرة بيت المقدس أو يحويه الهواء الذي أشرت إليه أنه حل فيه، فضحك عمر بن الخطاب وقال: هذا هو الأمر وهكذا يكون العلم لا كعلمك يا كعب، لأعشت إلي زمان لا أري فيه أبا حسن. انتهي.

وفي هذه الرواية مادة غنية للبحث نكتفي منها بأن كعب الأحبار طرح التجسيم رسمياً في دار الخلافة ومجلس الخليفة ولم يرده إلا علي عليه السلام وقد قبل الخليفة تنزيه عليّ لله تعالي ووبخ كعب الأحبار في ذلك المجلس، ولكن يظهر أنه قبل منه التجسيم بعد ذلك كما سيأتي في أحاديث الخليفة عن تجسيم الله تعالي، وأنه يجلس علي عرشه ويطقطق العرش من ثقله.. إلخ.

و ابن عباس يحكم بشرك من يشبه الله تعالي بغيره

قال الديلمي في فردوس الأخبار:4/206:

ابن عباس: من شبه الله عز وجل بشئ أو ظن أن الله عز وجل يشبهه شئ، فهو من المشركين.

وروي الطبري في تفسيره:9/38:

عن ابن عباس قوله تعالي: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك.

وقال النويري في نهاية الإرب: 7 جزء 13/211:

قال وهب: واختلف العلماء في معني التجلي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل.

وقال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:3/29-30:

واختلف الصحابة رضي الله عنهم هل رأي ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأي ربه، وصح

عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهي.

وقال ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان في هامشه:

لم أقف علي هذه الرواية في الصحيح بل الذي صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم في الإيمان 176/285 في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، وقوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير. (3280).

ثم قال ابن قيم الجوزية: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا: إن قوله ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك؟ فقال (ص): نور، أني أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم الجوزية: قال شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه: وليس قول ابن عباس: إنه رآه مناقضاً لهذا ولا قوله رآه بفؤاده وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالي ولكن لم يكن هذا في الإسراء ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالي تلك الليلة في منامه، وعلي هذا بني الإمام أحمد قدس سره وقال: نعم رآه حقاً فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمد قدس سره أنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكي عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة ليس فيها ذلك. انتهي.

وقد كفانا ناشر الكتاب الجواب علي

كلام ابن تيمية أيضاً حيث قال في هامشه: (6) جزء من حديث ضعيف أخرجه أحمد في مسنده 3484/1 من طريق أبي قلابة عن ابن عباس (رض). وأبو قلابة _ واسمه عبدالله بن زيد الجرمي _ لم يسمع من ابن عباس _ التهذيب 5 _ 197 ومن طريقه أخرجه الترمذي 3233 وقال: وقد ذكر بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً. وقد رواه قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن ابن عباس اه_. أقول: لم يسمع قتادة من أبي قلابة. تهذيب الكمال 3266/10 ط. دار الفكر وأخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية رقم 12 و13 و14 وتعقبه بقوله: أصل هذا الحديث وطرقه مضطربة، قال الدار قطني: كل أسانيده مضطربة ليس فيها صحيح... وقال أبوبكر البيهقي: قد روي من أوجه كلها ضعاف... وقال أبو زرعة فيما نقله عنه المزي في تحفة الأشراف 4/383 عن أحمد بن حنبل: حديث قتادة هنا ليس بشي... وأخرجه ابن خزيمة في كتاب التوحيد/319 _ 320 والاجري في الشريعة /496 والترمذي بنحوه 3234 وابن أبي عاصم في السنة 469 وأبو يعلي 2608 من طرق عن ابن عباس. وتعقبه الحافظ ابن حجر في (النكت الظراف 4/382 نقلاً عن محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة قوله: هذا حديث اضطرب الرواة في إسناده وليس يثبت عند أهل المعرفة. وفي الباب عن جابر بن سمرة (رض) عند ابن أبي عاصم في السنة 465 وعن أبي أمامة (رض) في المصدر المذكور 466 وعن ثوبان (رض) أيضاً برقم 470 وعند البزار 2128 وعن أم الطفيل عن ابن أبي عاصم 471 وعن أبي رافع عند الطبراني في الكبير 938 وعن ابن عمر عند البزار

2129 من طرق ضعيفة أو واهية لا يعتد بها ولا تصح للإحتجاج بها، والله تعالي أعلم. وقد تقدم القول في هذا الحديث في أول الكتاب. راجع الفهرس أخي الكريم رحمك الله تعالي. انتهي.

وروي المجلسي في بحار الأنوار:3/36:

25 _ لي يد: ابن المتوكل عن السعد آبادي، عن البرقي، عن أبيه، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي صالح، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك رؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا تري. انتهي.

والظاهر أن قصد ابن عباس من إنكار التشبيه والرؤية هو ما ادعوه في زمانه وردت عليه عائشة وأكدت أنه إفتراء. وهذه الرواية وغيرها تعارض ما رووه عن ابن عباس من القول بأن الله تعالي يري بالعين أو أن النبي صلي الله عليه وآله رأي ربه بعينه.

و أبوهريرة يوافق عائشة و ابن عباس و ابن مسعود

يظهر أن أبا هريرة كان يوافق عائشة وابن عباس ويروي أحاديث نفي التشبيه والرؤية..إلي أن غلب الجو القائل بالرؤية فرويت عنه أحاديثها! قال ابن ماجة في سننه:2/1426:... عن سعيد بن يسار عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن الميت يصير إلي القبر فيجلس الرجل الصالح في قبره غير فزع ولا مشعوف، ثم يقال له فيم كنت؟ فيقول: كنت في الإسلام فيقال له: ما هذا الرجل فيقول: محمد رسول الله(ص)جاءنا بالبينات من عند الله فصدقناه فيقال له: هل رأيت الله فيقول: ما ينبغي لأحد أن يري الله، فيفرج له فرجة قبل النار فينظر إليها يحطم بعضها بعضاً فيقال له: أنظر إلي ما وقاك الله، ثم يفرج له قبل الجنة فينظر

إلي زهرتها وما فيها فيقال له: هذا مقعدك، ويقال له: علي اليقين كنت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله.

و كان الجمهور يرون رأي عائشة و يكذبون أحاديث الرؤية بالعين

قال الثعالبي في الجواهر الحسان:3/253:

ولقد رآه... فقالت عائشة والجمهور هو عائد علي جبرئيل.

وقال الشاطبي في الاعتصام:2/176:

الأولون ردوا كثيراً من الأحاديث الصحيحه بعقولهم وأساؤوا الظن (...) بما صح عن النبي(ص) حتي ردوا كثيراً من الأمور الاخري... وأنكروا رؤية الباري.

وقال في الاعتصام:2 الهامش 1/197:

بعض علماء الكلام.. عدوا من البدعة قول من يصف الباري تعالي بالعلو وبأنه علي عرشه... وهذا هو عين السنة المأثوره عن الصحابه.

وقال في الإعتصام: 2/334:

وذهب جماعة من العلماء إلي أن المراد بالرأي المذموم في هذه الأخبار البدع المحدثة كرأي أبي جهم وغيره..فقالوا لايجوز أن يري الله في الآخرة لأنه تعالي يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ..

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:20/153:

محمد بن أحمد بن حفص بن الزبرقان: أبو عبد الله البخاري عالم أهل بخاري وشيخهم وكان فقيها ورعاً زاهداً، ويكفر من قال بخلق القرآن ويثبت أحاديث الرؤية والنزول، ويحرم المسكر توفي سنة 264 هفي رمضان. انتهي. ومدحه للبخاري بأنه يثبت أحاديث الرؤية والنزول يدل علي أنه يوجد كثيرون ينفونها.

وقال الطوسي في تفسير التبيان: 4/226:

روي مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن رسول الله رأي ربه فقد كذب: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ولكن رأي جبرئيل في صورته مرتين. وفي رواية أخري أن مسروقاً لما قال لها: هل رأي محمد ربه قالت: سبحان الله لقد قف شعري مما قلت! ثم قرأت الآية. وقال الشعبي: قالت عائشة: من قال إن

أحداً رأي ربه فقد أعظم الفرية علي الله، وقرأت الآية، وهو قول السدي وجماعة أهل العدل من المفسرين كالحسن والبلخي والجبائي والرماني وغيرهم. وقال أهل الحشو والمجبرة بجواز الرؤية علي الله تعالي في الآخرة، وتأولوا الآية علي الإحاطة، وقد بينا فساد ذلك.

علي يوضح ما لم توضحه عائشة

نهج البلاغة:1/14:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعمه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون.

الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود.

فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور ميدان أرضه.

أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلي منه. كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والالة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده. انتهي.

وسيأتي في الفصل الرابع المزيد من جواهر النبي وآله في التوحيد ونفيهم المطلق للرؤية والتشبيه والتجسيم عن الله تبارك وتعالي.

و اصل روايات الرؤية بالعين لا تتجاوز العشرة

قال الذهبي في سيره:10/455:

قال أحمد بن حنبل: أخبرني رجل من أصحاب الحديث أن يحيي بن صالح قال: لو ترك أصحاب الحديث عشرة أحاديث يعني هذه التي في الرؤية، ثم قال أحمد: كأنه نزع إلي رأي جهم... قلت: والمعتزلة تقول لو أن المحدثين تركوا ألف حديث في الصفات والأسماء والرؤية والنزول لاصابوا. والقدرية تقول أنهم تركوا سبعين حديثاً في إثبات القدر. والرافضة تقول لو أن الجمهور تركوا من

الأحاديث التي يدعون صحتها ألف حديث لأصابوا، وكثير من ذوي الرأي يردون أحاديث شافه بها الحافظ المفتي المجتهد أبو هريرة رسول الله(ص)، ويزعمون أنه ما كان فقيهاً ويأتوننا بأحاديث ساقطة أو لا يعرف لها إسناد أصلاً محتجين بها.

قلنا: وللكل موقف بين يدي الله تعالي، يا سبحان الله أحاديث رؤية الله في الآخرة متواترة والقرآن مصدق لها، فأين الإنصاف. انتهي.

نقول: الإنصاف أن في القرآن آيات تنفي الرؤية بالعين بشكل قاطع فهي محكمة، وفيه آيات يفهم من ظاهرها الرؤية بالعين فيجب تأويلها لأنها متشابه يحمل علي المحكم، أما أحاديث الرؤية بالعين فهي مهما كثرت مخالفة للقرآن، مضافاً إلي أن بعضها كذبه الصحابة، وجميعها كذبها أهل بيت النبي الذين أمر النبي أمته أن تأخذ معالم دينها منهم صلوات الله عليه وعليهم، وكذبتها عائشة وغيرها من الصحابة. فهذا هو الإنصاف! جعلنا الله جميعاً من المنصفين في الأمور العلمية والعملية.

الأحاديث القدسية من الصحاح:1/147:

اختلف العلماء في الحديث أعلاه لأنه حديث من أحاديث الصفات، قال الإمام أبو بكر بن فورك: إنها غير ثابته عند أهل النقل ولكن قد رواها مسلم وغيره فهي صحيحة..وقول أهل السلف إنه حق ولايتكلم في تأويلها. انتهي.

ولا بد أن المقصود بقوله أهل النقل الذين لم تثبت عندهم: علماء الجرح والتعديل وأئمة الحديث النقاد، بينما هي ثابتة عند المتساهلين، وعند الذين يميلون إلي ما تريده الدولة. كما أن شهادة ابن فورك بأن مسلماً روي في صحيحه ما لم يثبت عند أهل النقل يجب أن تفتح الباب لإعادة تقييم روايات مسلم.

و غلبت موجة كعب و دخلت الرؤية والتشبيه في عقائد المسلمين

كانت موجة التشبيه التي ساندتها الدولة أقوي من مواجهة الراوين فقد استطاع الخليفة عمر ومن سار علي خطه أن يحدثوا موجة من القول

بالرؤية كما ستعرف، وقد غلبت هذه الموجة رأي عائشة وكل الصحابة ورجحت عليهم، وصارت الرؤية بالعين جزءً من عقيدة جمهور المسلمين إلي يومنا هذا، وتبرع علماء إخواننا السنة بتأويل كلام عائشة رغم صراحته، بل تجرؤوا علي رد كلامها رغم ثقتهم بها ومكانتها في عقائدهم، وقالوا إنها قالت ذلك باجتهادها!! مع أن الطبري وغيره رووا أنها لم تنف الرؤية من اجتهادها بل روت ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله.

قال الدميري في حياة الحيوان:2/72:

واختلف العلماء من السلف والخلف في أنه هل رأي نبينا محمد(ص)ربه تعالي أم لا، فأنكرته عائشة وأبو هريرة وابن مسعود وجماعة من السلف، وبه قال جماعة من المتكلمين والمحدثين، وأجازه جماعة من السلف وأنه(ص)رأي ربه ليلة الاسراء بعيني رأسه، وهو قول ابن عباس وأبي ذر وكعب الأحبار والحسن البصري والشافعي وأحمد بن حنبل، وحكي أيضاً عن ابن مسعود وأبي هريرة، والمشهور عنهما الأول، وبهذا القول الثاني قال أبو الحسن وجماعة من أصحابه، وهو الاصح، وهو مذهب المحققين من السادة الصوفية... قلت: رؤية الله تعالي في الدنيا والآخرة جائزة بالأدلة العقلية والنقلية... وأما استدلال عائشة رضي الله عنها علي عدم الرؤية بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، ففيه بُعْدٌ، إذ يقال بين الادراك والأبصار فرق، فيكون معني لا تدركه الأبصار أي لا تحيط به مع أنها تبصره، قاله سعيد بن المسيب وغيره. وقد نفي الإدراك مع وجود الرؤية في قوله تعالي: فَلَمَّا تَرَاءَي أَلْجَمْعَانِ قال أصحاب موسي إنا لمدركون قال كلا، أي لا يدركونكم. وأيضاً فإن الأبصار عموم وهو قابل للتخصيص فيختص المنع بالكافرين كما قال تعالي عنهم: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، ويكرم المؤمنين أو من شاء

الله منهم بالرؤية كما قال تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وبالجملة فالآية ليست نصاً ولا من الظواهر الجلية في عدم جواز الرؤية، فلا حجة فيها والله أعلم. انتهي.

وقد لاحظت كيف صاغ صاحب حياة الحيوان الموضوع، وجعله مسألة ذات وجهين وكثَّر القائلين بالرؤية من السلف والخلف، ثم خلط الإدراك بمعني اللحوق بالإدراك بمعني الرؤية، وجعل إمكان تخصيص الله تعالي لعموم آية تخصيصاً بالفعل، ثم كابر في إنكار الظاهر.. ثم جعل رواية عائشة استدلالاً من زميلة له.. كل ذلك لأنه يريد مذهب كعب الأحبار في الرؤية بالعين بأي ثمن!!

وقال في عارضة الأحوذي: 6 جزء 11 هامش/188:

عن ابن عربي إن الله لم ينزل هذه الآية لنفي الرؤية لله ولا جاءت بها عائشة، فإنه سبحانه وتعالي يري في الدنيا والآخرة جوازاً ووقوعاً!!

وقال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/4-5:

قال القاضي عياض: اختلف السلف والخلف هل رأي نبينا (ص) ربه ليلة الإسراء فأنكرته عائشة.. وجاء مثله عن أبي هريرة..

... الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأي ربه بعيني رأسه ليلة الإسراء... عائشة لم تنف الرؤية وإنما اعتمدت الإستنباط من الآيات... أما احتجاج عائشة بقول الله: لا تدركه الابصار فإن الإدراك هو الإحاطة!

وقال النووي في شرح مسلم:2/94 _ هامش الساري:

عن عبدالله بن مسعود (رض) في قوله تعالي مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي قال: رأي جبريل له ستمائة جناح وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلي أن المراد أنه رأي ربه سبحانه وتعالي! انتهي.

وقال الطبري في تفسيره:7/201 _ 202:

إلا أنه جائز أن يكون معني الآية: لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء

الله! قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلي. وقال آخرون الآية علي العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامه حاسة سادسة سوي حواسهم الخمس فيرونه بها! انتهي.

ولكن دعوي الحاسة السادسة تعني التنازل عن أحاديث الرؤية التي تصرح بالرؤية بالعين البشرية المعهودة، كما سيأتي.

و ايدوا قول كعب بحديث العماء وادعوا قدم الفضاء مع الله تعالي

مسند أحمد:4/11:

ابن سلمة عن يعلي بن عطاء عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قلت يا رسول الله أين كان ربنا عز وجل قبل أن يخلق خلقه؟ قال: كان في عماء. ما تحته هواء وما فوقه هواء. ثم خلق عرشه علي الماء.

سنن الترمذي:4/351:

قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علي الماء. قال أحمد قال يزيد: العماء أي ليس معه شي. هكذا يقول حماد بن سلمة. هذا حديث حسن. انتهي ورواه ابن ماجة في سننه:1/64 ورواه البيهقي في المحاسن والمساوئ:1/47.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/322:

وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ في العظمة وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي رزين (رض)... قال: كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء وخلق عرشه علي الماء. قال الترمذي (رض): العماء أي ليس معه شي. انتهي. ورواه في كنز العمال:1/236 وفي:10/370 وقال في مصادره (حم وابن جرير، طب وأبوالشيخ في العظمة. عن أبي رزين) وقال في هامشه: العماء بالفتح والمد: السحاب. قال أبو عبيد: لايدري كيف كان ذلك العماء. وفي رواية كان في عما بالقصر، ومعناه ليس معه شي. النهاية 3_304. انتهي.

ملاحظة: مقصود الراوي بالعماء الفضاء الخالي، وبعض روايات الحديث

نصت علي ذلك، فيكون الفضاء حسب تصوره إلهاً مع الله تعالي، أو قبله! ويكون وجوده تعالي مادياً محتاجاً لأن يكون في فضاء! وقد كان الترمذي محتاطاً فابتعد عن مسؤولية تفسيره بأنه ليس معه أحد، وجعل ذلك علي عهدة يزيد وحماد بن سلمة!

ويؤيد ما ذكرنا، أن كلمة العماء تستعمل عند عوام العرب لمكان الخراب في مقابل العمران، شبيهاً بالأرض البائرة والمزروعة، فيقولون كانت هذه المنطقة عماء لا عمران فيها أو لا إنسان فيها. فيكون معني أن الله تعالي كان في عماء أن الراوي تصور أن الكون كان فضاء وهواء وكان الله تعالي في ذلك الفضاء العماء، ثم أعمره بالخلق.

وقد يقال في توجيه الحديث إنه تفسير لقوله تعالي (وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ) ولكن السؤال فيه عما قبل العرش وقبل كل الخلق، أي عما هو قبل القبل، فكيف يصح جعل العماء والهواء قديماً أو واجب الوجود قبل القبل!

وقد يقال إن المقصود بالخلق في السؤال الملائكة والناس. ولكن إطلاق السؤال عما قبل الخلق يأبي تخصيصه بذوي الأرواح أو ببعض المخلوقات.

وكذلك لا يصح تفسير العماء بالعدم المطلق، لأن تعبير (ما تحته هواء وما فوقه هواء) يجعل تفسيره بالعدم المطلق تعامياً!

و هاجموا أمهم عائشة وأساؤوا معها الأدب

كتاب التوحيد لابن خزيمة/225-230:

قال أبوبكر: هذه لفظة أحسب عائشة تكلمت بها في وقت غضب، ولو كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها كان أجمل بها، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة: قد أعظم ابن عباس الفرية وأبوذر وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية علي ربهم! ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها... إلي آخر هجوم ابن خزيمة المجسم وغيره علي أمهم عائشة. راجع

الفصل الأول من كتاب الوهابية والتوحيد.

ثم رووا الرؤية بالعين حتي عن ابن عباس وعائشة

مستدرك الحاكم:2/316:

أخبرنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ إبراهيم بن الحكم بن أبان، حدثني أبي، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل هل رأي محمد ربه؟ قال: نعم رأي كأن قدميه علي خضرة دونه ستر من لؤلؤ! فقلت يا ابن عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ قال: يا لا أم لك، ذلك نوره وهو نوره، إذا تجلي بنوره لا يدركه شي. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وقال في هامش تهذيب التهذيب:4/113:

في تهذيب الكمال عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأي محمد(ص)ربه تعالي، فقلت لابن عباس: أليس الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ قال: أسكت لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلي بنوره لم يقم لنوره شي. اه.

مجمع الزوائد:7/114:

وعن ابن عباس قال: إن محمد(ص)رأي ربه، قال عكرمة: يا أبا عباس أليس يقول الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ؟ فقال ابن عباس لا أم لك، إنما ذلك إذا تجلي بكيفية لم يقم له بصر.

قلت: له حديث رواه الترمذي غير هذا رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن الحكم بن أبان وهو متروك. انتهي.

مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس أنه كان يقول: إن محمداً(ص)رأي ربه مرتين مرة ببصره ومرة بفؤاده. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، خلا جهور بن منصور الكوفي، وجهور بن منصور ذكره ابن حبان في الثقات.

كتاب التوحيد لابن خزيمة/198:

... عن عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلي عبدالله بن العباس يسأله هل رأي محمد(ص)ربه؟ فأرسل إليه عبد

الله بن العباس أن نعم، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ قال فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب علي كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل، وملك في صورة ثور، وملك في صورة نسر، وملك في صورة أسد. انتهي.

هذه هي الرواية التي شهرها ابن خزيمة سيفاً علي مذهب أمه عائشة، لأنها خالفت فيه مذهب الخليفة عمر، وهي رواية إسرائيلية مع الاسف! وقد علق عليها الشيخ محمد الهراس بقوله (لعل ابن عباس أخذ رأيه هذا من كعب الأحبار فقد كان كعب يقول إن الله قسم كلامه ورؤيته بين موسي ومحمد).

ثم قال ابن خزيمة في/199:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن الله اصطفي إبراهيم بالخلة، واصطفي موسي بالكلام، واصطفي محمداً بالرؤية... عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رأي محمد(ص)ربه... عن شعبة عن قتادة عن أنس بن مالك قال: رأي محمد ربه. انتهي.

وعلق عليه الهراس بقوله (هذا رأي لا دليل عليه، وهذا مخالف لقوله عليه السلام في حديث أبي ذر (نور) أني أراه).

وقد روي ابن خزيمة نفسه حديث أبي ذر في نفي النبي رؤية ربه بعينه! قال في/206:... محمد بن بشار بندار حدثنا بهذا الخبر، قال ثنا معاذ بن هشام، قال حدثني أبي، عن قتادة، عن عبدالله بن شقيق، قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله(ص)لسألته، فقال عن أي شئ كنت تسأله؟ فقال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ فقال أبوذر: قد سألته فقال رأيت نوراً. انتهي.

ويلاحظ أن ابن خزيمة لم يرو تعجب النبي صلي الله عليه وآله من سؤال أبي ذر (أني أراه!) فقد

علق عليه الهراس بقوله (قوله رأيت نوراً: يفيد أنه لم يرد بذلك النور نور ذاته عز وجل، وإلا لقال للسائل نعم رأيته، فهو أراد أن يفهم السائل أن الذي رآه هو النور، ولعله نور الحجاب كما ورد في حديث أبي موسي (حجابه النور) وهو الذي حال دون رؤيته له سبحانه). انتهي. ولم يترك ابن خزيمة شيئاً إلا وتشبث به لاثبات الرؤية بالعين فقد روي أن الحسن البصري كان يحلف الإيمان علي الرؤية بالعين!! قال في/199:.. ابن سليمان عن المبارك بن فضالة قال: كان الحسن يحلف بالله لقد رأي محمد ربه. انتهي.

وعلق عليه الهراس بقوله: كيف يحلف الحسن سامحه الله علي أمر لم يتبين صدقه، وهو محل خلاف بين الصحابة وجمهورهم علي نفيه! انتهي.

ثم أفتوا بكفر و ضلال من خالفهم و شملت فتواهم أمهم عائشة

قال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/15:

باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة لربهم..إن مذهب أهل السنة أن رؤية الله ممكنة.. وزعمت طائفة من أهل البدع المعتزلة والخوارج وبعض المرجئة أن الله تعالي لا يراه أحد من خلقه، وأن رؤيته مستحيلة عقلاً.

قال الشاطبي في الاعتصام:1/231:

ومنها ردهم أهل البدع للاحاديث التي غير موافقه لاغراضهم ومذاهبهم..كالمنكر لعذاب القبر والصراط المستقيم والميزان، ورؤية الله في الآخرة، وكذلك حديث الذباب وقتله، وأن في أحد جناحيه داء والآخر دواء!

وقال الذهبي في سيره:14/396:

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه: أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك، أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالي يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب

وإلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين.

قلت: لا يكفر إلا إن علم أن الرسول(ص)قاله، فإن جحد بعد ذلك فهذا معاند، نسأل الله الهدي، وإن اعترف أن هذا حق ولكن قال أخوض في معانيه فقد أحسن، وإن آمن وأول ذلك كله أو تأول بعضه، فهو طريقة معروفة.

وقال الذهبي في سيره:7/381:

قال حفص بن عبدالله: سمعت إبراهيم بن طهمان يقول: والله الذي لا إله إلا هو لقد رأي محمد ربه.

وقال أبوحاتم: شيخان بخراسان مرجئان: أبوحمزة السكري وإبراهيم بن طهمان وهما ثقتان. وقال أبو زرعة: كنت عند أحمد بن حنبل فذكر إبراهيم بن طهمان وكان متكئاً من علة فجلس وقال: لا ينبغي أن يذكر الصالحون فيتكأ. وقال أحمد: كان مرجئاً شديداً علي الجهمية.

وقال الدميري في حياة الحيوان:2/72:

واختلف في جواز الرؤية فأكثر المبتدعة علي إنكار جوازها في الدنيا والآخرة وأكثر أهل السنة والسلف علي جوازها فيهما ووقوعها في الآخرة.

وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ:2/435:

وقال أحمد بن سلمة: سمعت إسحاق بن راهويه يقول: جمعني وهذا المبتدع ابن أبي صالح مجلس الأمير عبدالله بن طاهر فسألني الأمير عن أخبار النزول فسردتها، فقال ابن أبي صالح: كفرت برب ينزل من سماء إلي سماء! فقلت: آمنت برب يفعل ما يشاء.

هذه حكاية صحيحة رواها البيهقي في الأسماء والصفات. قال البخاري: مات ليلة نصف شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين وله سبع وسبعون سنة.

وقال السبحاني في بحوث في الملل والنحل:2/373:

... وقفنا علي فتوي لعبد العزيز بن عبد الله بن باز مؤرخة 8/3/1407 مرقمة 1717/2 جواباً علي سؤال عبدالله عبدالرحمن في جواز الإقتداء والإئتمام بمن لا يعتقد بمسألة الرؤية يوم القيامة فأفتي: من ينكر

رؤية الله سبحانه وتعالي في الآخرة لا يصلي خلفه وهو كافر عند أهل السنة والجماعة. واستدل لذلك بما ذكره ابن القيم في كتابه (حادي الأرواح) ذكر الطبري وغيره أنه قيل لمالك: إن قوماً يزعمون أن الله لا يري يوم القيامة فقال مالك رحمه الله: السيف السيف.

وقال أبو حاتم الرازي: قال أبو صالح كاتب الليث: أملي عليَّ عبدالعزيز بن سلمة الماجشون رسالة عما جحدت الجهمية فقال: لم يزل يملي لهم الشيطان حتي جحدوا قول الله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.

... عن أحمد بن حنبل وقيل له في رجل يحدث بحديث عن رجل عن أبي العواطف إن الله لا يري في الآخرة فقال: لعن الله من يحدث بهذا الحديث اليوم ثم قال: أخزي الله هذا.

وقال أبو بكر المروزي: من زعم أن الله لا يري في الآخرة فقد كفر. وقال: من لم يؤمن بالرؤية فهو جهمي والجهمي كافر.

وقال إبراهيم بن زياد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: الرؤية من كذب بها فهو زنديق، وقال: من زعم أن الله لا يري فقد كفر بالله وكذب بالقرآن ورد علي الله أمره، يستتاب فإن تاب وإلا قتل.. إلخ) انتهي.

ويشمل حكم الشيخ ابن باز هذا أم المؤمنين عائشة لأنها كذبت من زعم أن النبي صلي الله عليه وآله رأي الله تعالي واستدلت علي نفي إمكانية رؤية الله تعالي مطلقاً في الدنيا والآخرة بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. ولا طريق أمام ابن باز إلا أّن يقول بكفر عائشة، أو يكذب روايات البخاري ومسلم عنها!!

وقد كان الألباني أرحم من أستاذه ابن باز فقد رفع حكم التكفير عن أمه عائشة وعن عدة فئات من المسلمين فقال في

فتاويه/123:

علماء السلف كفروا الجهمية وأعلنوا كفرهم. وأفتوا بقتل رأسهم لكنهم لا يكفرون الأباضية الذين ينكرون رؤية الله في الآخرة كذلك المعتزلة.. لكنهم يكتفون بتضليلهم دون كفرهم.. وقال في/292 قال ابن تيمية:... كان أبو حنيفة والشافعي وغيرهما يقبلون شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية ويصححون الصلاة خلفهم.. أئمة الدين لا يكفرون ولا يفسقون ولا يؤثمون أحداً من المجتهدين المخطئين لا في مسائل علمية ولا عملية... كتنازع الصحابة هل رأي محمد ربه.

.. وأهل السنة لا يبتدعون قولاً ولا يكفرون من اجتهد فأخطأ، كما لم تكفر الصحابة الخوارج مع تكفيرهم لعثمان وعلي ومن والاهما.

وفي مقابل حملة التكفير هذه، فإن الذين نفوا رؤية الله تعالي بالعين لم يكفروا أصحاب الرؤية بل أفتوا بأنهم: لا يفهمون ما يقولون!

قال الشاطبي في الاعتصام:1/236: حكي أبو بكر بن العربي عن بعض من لقي بالمشرق من المنكرين للرؤية أنه قيل له: هل يكفر من يقول بإثبات الرؤية؟ فقال لا، لأنه قال بما لا يعقل..قال ابن العربي: فهذه منزلتنا عندهم!

و كبر كعب الأحبار لأنه انتصرعلي المسلمين

روي الذهبي في سيره:14/45 عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد/199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الاحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله.. الخ. وأخرجه أيضاً/197 من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثني قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه(ص)لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد:3/36-37.

انتهي.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب علي ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتي ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل. وكان عكرمة يروي الاسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روي هذا الحديث في الروض الأنف:2/156 عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالي ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعي إليه، فقد روي ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225 -230:... عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأي ربه مرتين، قال فكبر كعب حتي جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسي صلي الله عليهما وسلم! انتهي.

ومن الواضح أن تكبير كعب الأحبار (حتي جاوبته الجبال!) يدل علي أن إثبات رؤية النبي صلي الله عليه وآله كان مطلباً مهماً عند كعب وأنه كان يبحث عمن يوافقه عليه ولا يجد، فلما وافقه ابن عباس كما تدعي الرواية صرخ بصوت عال من فرحه، لأن ذلك يوافق مصادره اليهودية في تجسيد الله تعالي وجلوسه علي عرشه ونزوله إلي الأرض ومصارعته ليعقوب.. إلي آخر افتراءات اليهود علي الله تعالي!

واشتغل الوضاعون و كثرت أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم

تقدم عن عائشة وغيرها تكذيب أحاديث الرؤية عموماً، وقد طفح كيل هذه الأحاديث من كل لون، لأن الدول كانت تشجعه، ولأن الموضوع قابل للأسطورة..حتي اعترفت مصادر الجرح والتعديل عند إخواننا بوضع عدد كبير منها!

هل

روي حماد أحاديث الرؤية والتشبيه أم دسوها في لحيته؟

قال ابن حجر في تهذيب التهذيب:3/15:

حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعترف بهذه الأحاديث أي في الصفات، حتي أخرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها، فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في لحيته. وقد قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه..

و انكر مالك أحاديث التشبيه و اعتذر عنه الذهبي بأنه جاهل

قال الذهبي في سيره:8/103:

أبو أحمد بن عدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبوزيد بن أبي الغمر، قال قال ابن القاسم: سألت مالكاً عمن حدث بالحديث الذين قالوا: إن الله خلق آدم علي صورته. والحديث الذي جاء: إن الله يكشف عن ساقه، وأنه يدخل يده في جهنم حتي يخرج من أراد. فأنكر مالك ذلك إنكاراً شديداً ونهي أن يحدث بها أحد! فقيل له: أن ناساً من أهل العلم يتحدثون به فقال: من هو؟ قيل ابن عجلان عن أبي الزناد. قال: لم يكن ابن عجلان يعرف هذه الأشياء، ولم يكن عالماً. وذكر أبا الزناد فقال: لم يزل عاملاً لهؤلاء حتي مات. رواها مقدام الرعيني عن ابن أبي الغمر والحارث بن مسكين قالا: حدثنا ابن القاسم.

قلت: أنكر الإمام ذلك لأنه لم يثبت عنده ولا اتصل به فهو معذور، كما أن صاحبي الصحيحين معذوران في إخراج ذلك أعني الحديث الأول والثاني لثبوت سندهما، وأما الحديث الثالث فلا أعرفه! انتهي.

وهذا النص يدل بوضوح علي أن الأمويين كانوا يتبنون أحاديث الرؤية والتجسيم، وأن الإمام مالك ذم الراوي بأنه كان عاملاً مطيعاً لهم حتي مات. وأن أجواء هذه الإعتقادات كانت محدودة بالدولة

بخلاف الجو العام للمسلمين الذي يعيش فيه الإمام مالك. وقد بينا في كتاب الوهابية والتوحيد عدم صحة ما نسبه الوهابيون إلي الإمام مالك من تفسير الصفات بالظاهر.

نماذج من الأحاديث الموضوعة لتأييد مذهب كعب

قال في كتابه الموضوعات:1/124 _ 125:

حديث آخر في ذكر النزول يوم عرفة، إذ لو رواه الثقات كان مردوداً والرسول منزه أن يحكي عن الله عز وجل ما يستحيل عليه، وأكثر رجاله مجاهيل وفيهم ضعفاء. أنبأنا أبو منصور عبدالرحمن بن محمد العرار (القزاز) قال أنبأنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، قال أنبأنا الحسن بن أبي بكر، قال أنبأنا محمد بن عبد الله الشافعي، قال حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال حدثنا نعيم بن حماد، قال حدثنا ابن وهب، قال حدثنا عمرو بن الحرث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي أنها سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه تعالي في المنام في أحسن صورة شاباً موفوراً رجلاه في مخصر عليه نعلان من ذهب في وجهه مراس من ذهب.

أما نعيم فقد وثقه قوم وقال ابن عدي: كان يضع الحديث، وكان يحيي بن معين يهجنه في روايته حديث أم الطفيل وكان يقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا وليس نعيم بشئ في الحديث.

وأما مروان فقال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله عز وجل، قال مهني: سألت أحمد عن هذا الحديث فحول وجهه عني وقال: هذا حديث منكر هذا رجل مجهول عني مروان. قال: ولا يعرف أيضاً عمارة.

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:4/269:

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان

بن عثمان عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل _ أنها سمعت النبي (ص) يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خصر عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبدالرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله تعالي.

وقال في سيره:10/602:

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيي بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا. وقال أبو زرعة النصري: عرضت علي دحيم ما حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس: إذا تكلم الله بالوحي. الحديث فقال لا أصل له. فأما خبر أم الطفيل فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جداً.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء:18/49:

(4) أخرجه الخطيب في تاريخه 13 _ 311 من طريق نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل إمرأة أبي أنها سمعت النبي(ص)يذكر أنه رأي ربه تعالي في المنام في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة له نعلان من ذهب علي وجهه مراس من ذهب، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: موضوع، نعيم وثقه قوم وقال ابن عدي: يضع، وصفه ابن عدي بسبب هذا الحديث، ومروان كذاب،

وعمارة مجهول، وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال: منكر. وفي الميزان 4 _ 92: مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الزرقي: ضعفه أبوحاتم، وقال أبوبكر محمد بن أحمد الحداد الفقيه: سمعت النسائي يقول: ومن مروان بن عثمان حتي يصدق علي الله! قاله في حديث أم الطفيل. وأورده فيالميزان 4 _ 229 في ترجمة نعيم بن حماد في جملة الأحاديث التي أنكرت عليه. وقال الحافظ في الإصابة 4 _ 470 في ترجمة أم الطفيل بعد أن أورده عن الدار قطني من طريق مروان بن عثمان... ومروان متروك، قال ابن معين: ومن مروان حتي يصدق.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات:1/290:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إن الله أعطي موسي الكلام وأعطاني الرؤية وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود.

هذا حديث موضوع علي رسول الله(ص)، والمتهم به محمد بن يونس وهو الكديمي، وكان وضاعاً للحديث. قال ابن حبان لعله قد وضع أكثر من ألف حديث!

وقال في الموضوعات:3/259:

عن أنس بن مالك عن النبي(ص)قال: إذا أسكن الله عز وجل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار. قال: فيهبط تبارك وتعالي إلي الجنة في كل جمعة في كل سبعة آلاف يعني سنة مرة. قال وفي وحيه: وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون فيهبط عز وجل إلي مرج الجنة فيمد بينه وبين الجنة حجاباً من نور فيبعث جبريل إلي أهل الجنة فيأمر فليزوروه، فيخرج رجل من موكب عظيم حوله صفق أجنحة الملائكة ودوي تسبيحهم والنور بين أيديهم أمثال الجبال فيمد أهل الجنة أعناقهم فيقولون: من هذا قد أذن له علي الله عز وجل فتقول الملائكة: هذا المجبول بيده والمنفوخ فيه من روحه والمعلم الأسماء

والمسجود له من الملائكة الذي أبيح له الجنة، هذا آدم.

وذكر نحو هذا في إبراهيم ومحمد وقال: ثم يخرج كل نبي وأمته فيخرج الصديقون والشهداء علي قدر منازلهم حتي يحفوا حول العرش فيقول لهم عز وجل بلذاذة صوته وحلاوة نغمته: مرحباً بعبادي. وذكر حديثاً طويلاً لا فائدة في ذكره. وهو حديث موضوع لا نشك فيه والله عز وجل متنزه عن أن يوصف بلذة الصوت وحلاوة النغمة فكافأ الله من وضع هذا. وفي إسناده يزيد الرقاشي وهو متروك الحديث وضرار بن عمرو قال يحيي: ليس بشئ ولا يكتب حديثه، وقال الدار قطني: ذاهب متروك. ويحيي بن عبد الله قال ابن حبان: يأتي عن الثقاة بأشياء معضلات.

وقال في الموضوعات:3/260:

عن أنس بن مالك: أن النبي(ص)قرأ هذه الآية: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها يزورون ربهم فيطعمون ويسقون ويطيبون ويحلون وترفع الحجب بينه وبينهم وينظرون إليه وينظر إليهم، وذلك قوله تعالي: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا. هذا حديث لا يصح وفيه ميمون بن شياه قال ابن حبان: يتفرد بالمناكير عن المشاهير، لا يحتج به إذا انفرد. وفيه صالح المري، قال النسائي: متروك الحديث.

... قال سمعت أنس بن مالك يقول: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الله تعالي يتجلي لأهل الجنة في مقدار كل يوم علي كثيب كافور أبيض. هذا حديث لا أصل له وجعفر وجدّه وعاصم مجهولون.

... عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): بينما أهل الجنة في نعيمهم إذ سطع لهم نور فنظروا فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنة فذلك قوله: سلام قولاً من رب رحيم، قال فينظر إليهم وينظرون إليه

فلا يزالون كذلك حتي يحتجب فيبقي نوره وبركته عليهم وفي دارهم.

طريق ثان... طريق ثالث...

هذا حديث موضوع علي رسول الله(ص)ومدار طرقه كلها علي الفضل بن عيسي الرقاشي، قال يحيي: كان رجل سوء. ثم في طريقه الأول والثاني عبدالله بن عبيد، قال العقيلي: لا يعرف إلا به ولا يتابع عليه. وفي طريقة الثالث محمد بن يونس الكديمي وقد ذكرنا أنه كذاب، وقال ابن حبان: كان يضع الحديث.

وقال الشاطبي في الاعتصام:1 هامش/39:

ولا يغترن أحد بترغيب الخطباء الجاهلين ولا بالحديث الذي يذكرونه علي منابرهم وهو إذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها فإن الله ينزل فيها لغروب الشمس إلي سماء الدنيا فيقول ألا من مستغفر فأغفر له ألا مسترزق فأرزقه ألا مبتلي فأعافيه ألا كذا إلا كذا حتي يطلع الفجر. فإن هذا حديث واه أو موضوع رواه ابن ماجة وعبدالرزاق عن أبي بكر بن عبدالله بن أبي سبرة، وقد قال فيه ابن معين والإمام أحمد أنه يضع الحديث. نقل ذلك محشئ سنن ابن ماجة عن الزوائد. ووافقه الذهبي في الميزان في الإمام أحمد، وذكر عن ابن معين أنه قال فيه: ليس حديثه بشئ، وقال الناس: متروك.

وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/214:

وقد روي الوليد بن مسلم خبراً يتوهم كثير من طلاب العلم ممن لا يفهم علم الأخبار أنه خبر صحيح من وجه النقل وليس كذلك هو عند علماء أهل الحديث، وأنا مبين علله إن وفق الله لذلك حتي لا يغتر بعض طلاب الحديث به فيلتبس الصحيح بغير الثابت من الأخبار، وقد أعلمت ما لا أحصي من مرة أني لا أستحل أن أموه علي طلاب العلم بالاحتجاج بالخبر الواهي وإني خائف من

خالقي جل وعلا إذا موهت علي طلاب العلم بالاحتجاج بالأخبار الواهية وإن كانت الأخبار حجة لمذهبي. روي الوليد قال حدثني عبدالرحمن بن يزيد بن جابر، قال ثنا خالد ابن اللجلاج، قال حدثني عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، قال سمعت رسول الله (ص): رأيت ربي في أحسن صورة فقال فيم يختصم الملأ الأعلي.. إلخ. انتهي.

وقال ابن الأثير في أسد الغابة: 3/304:

اللجلاج وأبو سلام الحبشي لا تصح صحبته لأن حديثه مضطرب، أخبرنا أبومنصور ابن مكارم بن أحمد بن سعد المؤدب بإسناده عن المعافي بن عمران، عن الأوزاعي، عن عبدالرحمن بن زيد أنه سمع خالد بن اللجلاج يحدث مكحولاً، عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، أن النبي(ص)قال: رأيت ربي في أحسن صورة فذكر أشياء...

وقال المزي في تهذيب الكمال:17/202:

عبدالرحمان بن عائش الحضرمي ويقال: السكسكي الشامي مختلف في صحبته وفي إسناد حديثه، روي عنه عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة وقيل: عنه عن رجل من أصحاب النبي(ص)عن النبي(ص)وقيل: عنه عن مالك بن يخامر، عن معاذ بن جبل، عن النبي(ص)وقيل: غير ذلك.

وقال أبو زرعة الدمشقي: سألت عبدالرحمن بن إبراهيم قلت له: لعبد الرحمان بن عائش حديث سوي: رأيت ربي في أحسن صورة؟ فقال لي عبدالرحمن بن إبراهيم: حدثنا الوليد بن مسلم، عن الوليد بن سليمان بن أبي السائب، عن ربيعة بن يزيد، عن عبدالرحمان بن عائش قال: الفجر فجران... فذكر الحديث. وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً: قلت لأحمد بن حنبل إن ابن جابر يحدث عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمان بن عائش عن النبي (ص): رأيت ربي في أحسن صورة، ويحدث به قتادة عن أبي قلابة عن خالد بن اللجلاج عن عبدالله بن عباس فأيهما أحب

اليك قال: حديث قتادة هذا ليس بشئ والقول ما قال ابن جابر.

وقال أبوحاتم الرازي: هو تابعي وأخطأ من قال له صحبة.

وقال أبو زرعة: الرازي ليس بمعروف. روي له الترمذي وقد وقع لنا حديثه بعلو.

وقال ابن ناصر في توضيح المشتبه:1/588:

محمد بن شجاع الثلجي الفقيه صاحب التصانيف مشهور مبتدع.. قلت:.. وبدعته كونه من أصحاب بشر المريسي يقول بقوله في القرآن، ومع ذلك رمي بالوضع والكذب، ومن افترائه أنه تكلم في الشافعي وأحمد..كان يضع أحاديث التشبيه وينسبها إلي أصحاب الحديث ليثلبهم بذلك..

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/440 _ 441:

فصل: في بيان أربعة أحاديث باطلة تتعلق بالكرسي:

الحديث الأول: روي عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: سئل النبي(ص)عن قول الله تعالي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ قال: كرسيه موضع قدميه والعرش لا يقدر قدره.

وهذا باطل مرفوعاً وموقوفاً! وما هو إلا هراء يجل مقام سيدنا رسول الله (ص) أو ابن عباس رضي الله عنهما أن يفوها به، إلا إن حكياه عن اليهود في مقام ذم عقائدهم الباطلة وذكر فساد ما يقولون! وقد رواه مرفوعاً الخطيب البغدادي في تاريخه 9-251، وابن الجوزي في العلل المتناهية 1 _ 22، ورواه موقوفاً الطبراني في الكبير 12 _ 39، والحاكم 2 _ 282، والمجسم الكذاب محمد بن عثمان بن أبي شيبة في كتاب (العرش)، قال ابن كثير في تفسيره 1 _ 317 كذا أورد هذا الحديث الحافظ أبو بكر بن مردويه من طريق شجاع بن مخلد الفلاس فذكره وهو غلط، ثم قال بعد ذلك بقليل وقد رواه ابن مردويه من طريق الحاكم بن ظهير الفزاري الكوفي وهو متروك، عن السدي عن أبيه عن أبي هريرة

مرفوعاً ولا يصح أيضاً.

قلت: الصحيح عندنا في هذا الحديث أنه إسرائيلي مأخوذ من كعب الأحبار لأن أبا هريرة وابن عباس رضوان الله عليهما رويا عن كعب الأحبار كما في تهذيب الكمال للحافظ المزي 24 _ 190 فإذا علمت ذلك فستعرف خطأ الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 6 _ 323 حيث اكتفي بالتصريح بأن رجاله رجال الصحيح، وكذا الإمام الحاكم في المستدرك صحح الموقوف أيضاً علي شرط الشيخين، وأقره الذهبي (رحمهم الله)فلا تغفل عن هذا، لأن هؤلاء (رحمهم الله) كثيراً ما يصححون فيرد تصحيحهم.

وقد روي نحو هذا الحديث عن أبي موسي الأشعري موقوفاً كما في الأسماء والصفات/404 للحافظ البيهقي رحمه الله وقد تأول هذا النص البيهقي هناك بقوله: ذكرنا أن معناه فيما نري أنه _ أي الكرسي _ موضوع من العرش موضع القدمين من السرير، وليس فيه إثبات المكان لله سبحانه.

وفي أثر أبي موسي هذا ذكر للاطيط!وقد صرح الحفاظ بأنه لايصح حديث في الاطيط وقد اعترف الشيخ المتناقض (يقصد الالباني) بذلك في ضعيفته 2 _ 257 و 307!

و فتحوا الطريق لنقد أحاديث الرؤية بتنازلهم عن عصمة البخاري

فتاوي الألباني/524-535:

السؤال هو: هل سبق للشيخ أن ضعف أحاديث في البخاري وضعفها في كتاب ما؟ وإن حصل ذلك فهل سبقك إلي ذلك العلماء؟ نرجو الجواب مع الإشارة جزاك الله خيراً.

جواب: حدد لي ذلك.. إلي ماذا.. لأن سؤالك يتضمن شيئين.. هل سبق لك أن ضعفت شيئاً من أحاديث البخاري وهل جمعت ذلك في كتاب.. فلما ذكرت هل سبقك إلي ذلك.. ماذا تعني: إلي تضعيف أو إلي تأليف.

سؤال: إلي الاثنين.

جواب: أما أنه سبق لي أن ضعفت أحاديث البخاري فهذه الحقيقة يجب الإعتراف بها ولا يجوز إنكارها. ذلك لأسباب كثيرة جداً أولها: المسلمون

كافة لا فرق بين عالم أو متعلم أو جاهل مسلم..كلهم (...) يجمعون علي أنه لا عصمة لاحد بعد رسول الله(ص).. وعلي هذا، من النتائج البديهية أيضاً أن أي كتاب يخطر في بال المسلم أو يسمع باسمه قبل أن يقف علي رسمه، لابد أن يرسخ في ذهنه أنه لا بد أن يكون فيه شئ من الخطأ، لأن العقيدة السابقة أن العصمة من البشر لم يحظ بها أحد إلا رسول الله(ص).

من هنا يروي عن الإمام الشافعي (رض) أنه قال: أبي الله أن يتم إلا كتابه. فهذه حقيقة لا تقبل المناقشة.

هذا أولاً.. هذا كأصل.. أما كتفريع، فنحن من فضل الله علينا وعلي الناس لكن أكثر الناس لا يعلمون ولكن أكثر الناس لا يشكرون. قد مكنني الله عز وجل من دراسة علم الحديث أصولاً وفروعاً وتعليلاً وتجريحاً، حتي تمكنت إلي حد كبير بفضل الله ورحمته أيضاً أن أعرف الحديث الصحيح من الضعيف من الموضوع، من دراستي لهذا العلم.

علي ذلك طبقت هذه الدراسة علي بعض الأحاديث التي جاءت في صحيح البخاري فوجدت نتيجة هذه الدراسة أن هناك بعض الأحاديث التي تعتبر بمرتبة الحسن فضلاً عن مرتبة الصحة في صحيح البخاري، فضلاً عن صحيح مسلم.

هذا جوأبي عما يتعلق بي أنا.. أما عما يتعلق بغيري مما جاء في سؤالك وهو هل سبقك أحد، فأقول والحمد لله سبقت من ناس كثيرين هم أقعد مني وأعرف مني بهذا العلم الشريف وقدامي جداً بنحو ألف سنة.

فالإمام الدارقطني وغيره قد انتقدوا الصحيحين في عشرات الأحاديث.. أما أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث. ذلك لأنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم..

ذلك لاننا نحن بحاجة أكبر إلي تتبع الأحاديث التي وجدت في السنن الأربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها. بينما الإمام البخاري والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الأحاديث التي أو دعوها في الصحيحين من مئات الالوف من الأحاديث.

هذا جهد عظيم جداً.. ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شئ أن أتوجه أنا إلي نقد الصحيحين (...) وأدع الأحاديث الموجودة في السنن الأربعة وغيرها، غير معروف صحيحها من ضعيفها.

لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما، فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة. لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا علي بعض الأحاديث فليعد إلي فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد ابن حجر العسقلاني الذي يسمي بحق أمير المؤمنين في الحديث، والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني علي أنه لم تلد النساء بعده مثله.

هذا الإمام أحمد ابن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري، بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.

ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة يكون للحديث كله.. أي يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث، أصل الحديث صحيح، لكن يكون جزء منه غير صحيح.

من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس قال: تزوج أو نكح رسول الله (ص)ميمونة وهو محرم.

هذا حديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم، بل اشتركا واتفقا علي رواية الحديث في صحيحيهما.

والسبب في ذلك أن

السند إلي راوي هذا الحديث وهو عبدالله بن عباس لاغبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته، بينما هناك أحاديث أخري هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.

مثلاً من رجال البخاري اسمه: فليح بن سليمان، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سي الحفظ. فهذا إذا روي حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع أو لم يكن لحديثه شاهد، يبقي حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد. فحديث ابن عباس أن رسول الله(ص) تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً.. لا..كلهم ثقات. لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحديث إلا في رواية الأول وهو صحابي جليل فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة، ومن جهة أخري أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوجة النبي(ص)التي هي ميمونة، فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما محلان.

إذاً هذا حديث وهم فيه راويه الأول وهو ابن عباس فكان الحديث ضعيفاً، وهو كما ترون كلمات محدودات (تزوج ميمونة وهو محرم) أربع كلمات.. مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخري في صحيح البخاري.

النوع الثاني، يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي(ص).. من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي(ص)قال: إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء. إلي هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري: فمن

استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني، وقال ابن قيم الجوزية، وقال شيخه ابن تيمية، وقال الحافظ المنذري وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول عليه السلام... وإنما هو من كلام أبي هريرة.

إذاً الجواب تم حتي الان عن الشطر الأول.. أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين.

أما أنني ألفت أو ألف غيري فأنا ما ألفت، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف اليوم كتاباً بهذا الصدد. هذا جواب ما سألت...

الآن ندخل بتصحيح البخاري وندع تضعيف مسلم، وقد تكون المسألة بالعكس حديث ضعفه البخاري وصححه مسلم وهذا يقع كثيراً.. الذي ليس عنده مرجح آخر لا شك أنه يطمئن لقول البخاري، سواء كان تصحيحاً أو تضعيفاً أو كان توثيقاً أو كان تجريحاً فيقدم قوله علي قول من دونه كمسلم مثلاً علي شهرته بعلمه، فضلاً عما إذا خالف البخاري بعض المتأخرين كالدارقطني أو ابن حبان أو غيرهما. هذا من المرجحات بلا شك. الآن نأتي إلي مثال عرف في العصر الحاضر قيمته وهو: التخصص في العلم...

تعرفون اليوم مثلاً العلم علم الطب وأنواعه وأقسامه، هناك مثلاً طب عام وهناك طب خاص. رجل يشكو من ألم في فمه أو في عينه أو في أذنه لا يذهب إلي الطبيب العام بل إلي المختص. وهذا مثال واضح جداً. رجل يريد أن يعرف الحكم هل هو حلال أو حرام ما يسأل اللغوي ولا يسأل الطبيب ولا عدداً الامثلة كلها. وإنما يسأل عالماً بالشرع. وأنا أعني التعميم الآن يسأل عالماً بالشرع، لكن العلماء بالشرع ينقسمون إلي أقسام: علماء بما يسمي اليوم بالفقه المقارن فيقول لك قال فلان كذا وقال فلان كذا وقال فلان كذا

فيجعلك في حيرة، علي كل حال سؤالك إياه أقرب من المنطق بنسبة لا حدود لها من أن تسأل من كان عالماً أو متخصصاً باللغة العربية. لكن إذا كنت تعلم أن هناك رجلاً آخر عالماً بالشرع لكنه يفتي علي الراجح من أقوال العلماء بناء علي الدليل من الكتاب والسنة وأقوال الأئمة السلف، لا شك أنك تطمئن لهذا أكثر من الأول. وهكذا.

الآن ندخل في ما نحن بصدده. الان كما قلت اختلف الأقوال وبعضهم يرد علي بعض. الشئ الذي ينبغي أن يلاحظه طالب العلم هو هذا التسلسل المنطقي، وأنا لا أريد لنفسي وإن كان هذا يتعلق بي تماماً، لكن هذا مثل للقاعدة العلمية التي ينبغي للعالم _ عفواً لطالب العلم _ أن ينطلق منها.

عندنا مثلاً الآن مشكلة تتعلق بالعقيدة.. عندنا الشيخ عبدالعزيز بن باز حفظه الله، وعندنا هذا الرجل الذي ابتلي الشعب الأردني بجهله وبقلة أدبه مع علماء السلف فضلاً عن الخلف، يقول مثلاً عن الشيخ ابن باز بأنه: لا علم عنده بالتوحيد.

أنا أتعجب من هؤلاء الشباب الذين التفوا حوله متي عرف هذا الرجل بالعلم حتي يعتمد عليه والشيخ ابن باز يملا علمه العالم الإسلامي.

إذاً هنا أحد شيئين إما الجهل أو اتباع الهوي. فهؤلاء الذين يلتفون حول هذا الرجل. هذا الرجل ابن اليوم في العلم، ما أحد عرفه ولا أحد شهد له لا من العلماء المهتدين، ولا من العلماء الضالين، ما أحد شهد له بأنه رجل عالم. فلماذا يلتف حوله هؤلاء الشباب أحد شيئين: إما أنهم لا يعلمون هذا التدقيق الذي نحن نتسلسل فيه من الصحابة إلي اليوم..صحابيان اختلفا، رجل من الأولين السابقين وآخرون اتبعهم بإحسان بالفتح وغيره ممن تأخروا بالإسلام، هؤلاء أهل علم

وهؤلاء أهل علم.. لكن هؤلاء من السابقين الأولين. فهنا نفس القضية تمشئ تماماً.. رجلان أحدهما بلغ من السن ما شاء الله وهو عالم وينشر العلم ويعترف بعلمه وفضله.. وآخر لا قيمة له ولا يعترف بعلمه وليس له منزلة علمية إطلاقاً في بلده فضلاً عن بلاد أخري.

إذاً من هنا يأخذ الإنسان منهج ممن يتلقي العلم، أمن هذا الحدث أو من ذاك الرجل الفاضل الذي ملا بعلمه الدنيا.

نأتي الان إلي صلب سؤالك..والله اختلفت الأقوال الآن بعضهم يرد علي بعض.. وأنا أقول إخواننا طلبة العلم مع الأسف الشديد ينطبق عليهم ما ينطبق علي هؤلاء المغشوشين مثل السقاف.. تركوا العلماء قديماً وحديثاً والتفوا حوله وهو ابن اليوم لا أقول في العلم..في طلب العلم، وربما لا يصدق عليه ذلك!!

اهل البيت ينفون أحاديث الرؤية والتشبيه

روي المجلسي في بحار الأنوار:4/38:

15 _ يد: أبي عن محمد العطار عن ابن عيسي عن البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

وروي الكليني في الكافي:1/95 باب في إبطال الرؤية:

1 _ محمد بن أبي عبد الله عن علي بن أبي القاسم عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله: كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع عليه السلام: يا أبا يوسف جل سيدي ومولاي والمنعم علي وعلي آبائي أن يري. قال وسألته: هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام: إن الله تبارك وتعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب. انتهي. ورواه المجلسي

في بحار الأنوار:4/43

وروي الكليني في الكافي:1/95:

2 _ أحمد بن إدريس عن محمد بن عبد الجبار عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فاستأذنته في ذلك فأذن لي، فدخل عليه فسأله عن الحلال والحرام والأحكام حتي بلغ سؤاله إلي التوحيد، فقال أبو قرة: إنا روينا أن الله قسم الرؤية والكلام بين نبيين فقسم الكلام لموسي ولمحمد الرؤية.

فقال أبو الحسن عليه السلام: فمن المبلغ عن الله إلي الثقلين من الجن والإنس: لا تدركه الأبصار ولا يحيطون به علماً وليس كمثله شئ أليس محمد! قال: بلي. قال: كيف يجي رجل إلي الخلق جميعاً فيخبرهم أنه جاء من عند الله وأنه يدعوهم إلي الله بأمر الله فيقول: لا تدركه الأبصار، ولا يحيطون به علماً، وليس كمثله شئ، ثم يقول أنا رأيته بعيني وأحطت به علماً وهو علي صورة البشر! أما تستحيون! ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا أن يكون يأتي من عند الله بشئ ثم يأتي بخلافه من وجه آخر!

قال أبو قرة: فإنه يقول: ولقد رآه نزلة أخري.

فقال أبو الحسن عليه السلام: إن بعد هذه الآية ما يدل علي ما رأي حيث قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يقول: ما كذب فؤاد محمد ما رأت عيناه، ثم أخبر بما رأي فقال: لقد رأي من آيات ربه الكبري، فآيات الله غير الله، وقد قال الله: ولا يحيطون به علماً، فإذا رأته الابصار فقدأحاطت به العلم ووقعت المعرفة!

فقال أبو قرة: فتكذِّب بالروايات!

فقال أبو الحسن عليه السلام: إذا كانت الروايات مخالفة للقرآن كذبتها. وما أجمع المسلمون عليه أنه لا يحاط به علماً، ولا تدركه الأبصار،

وليس كمثله شي. انتهي.

وقال في هامشه: إعلم أن الأمة اختلفوا في رؤية الله سبحانه وتعالي عن ذلك علي أقوال: فذهب المشبهة والكرامية إلي جواز رؤيته تعالي في الدارين في الجهة والمكان لكونه تعالي عندهم جسماً! وذهب الأشاعرة إلي جواز رؤيته تعالي في الآخرة منزهاً عن المقابلة والجهة والمكان. وذهب المعتزلة والإمامية إلي امتناعها في الدنيا والآخرة، وقد دلت الآيات الكريمة والبراهين العقلية والأخبار المتواترة عن أهل بيت الرسول صلوات الله عليهم علي امتناعها مطلقاً كما ستعرف، وقد أفرد العلامة المجاهد السيد عبدالحسين شرف الدين العاملي قدس سره كتاباً أسماه: كلمة حول الرؤية فجاء _ شكر الله سعيه _ وافياً كما يهواه الحق ويرتضيه الإنصاف ونحن نذكر منه بعض الأدلة العقلية:

منها: أن كل من استضاء بنور العقل يعلم أن الرؤية البصرية لا يمكن وقوعها ولا تصورها إلا أن يكون المرئي في جهة ومكان ومسافة خاصة بينه وبين رائيه، ولابد أن يكون مقابلاً لعين الرائي، وكل ذلك ممتنع علي الله تعالي مستحيل بإجماع أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن الرؤية التي يقول الأشاعرة بإمكانها ووقوعها، إما أن تقع علي الله كله فيكون مركباً محدوداً متناهياً محصوراً يشغل فراغ الناحية المرئي فيها فتخلو منه بقية النواحي، وإما أن تقع علي بعضه فيكون مبعضاً مركباً متحيزاً، وكل ذلك مما يمنعه ويبرأ منه أهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم.

ومنها: أن كل مرئي بجارحة العين مشار إليه بحدقتها، وأهل التنزيه من الأشاعرة وغيرهم ينزهون الله تعالي عن أن يشار إليه بحدقة، كما ينزهونه عن الإشارة إليه بإصبع أو غيرها.

ومنها: أن الرؤية بالعين الباصرة لا تكون في حيز الممكنات ما لم تتصل أشعة البصر بالمرئي، ومنزهوا الله تعالي

من الأشاعرة وغيرهم مجمعون علي امتناع اتصال شئ ما بذاته جل وعلا.

ومنها: أن الإستقراء يشهد أن كل متصور لابد أن يكون إما محسوساً أو متخيلاً، من أشياء محسوسة أو قائماً في نفس المتصور بفطرته التي فطر عليها، فالأول كالأجرام وألوانها المحسوسة بالبصر وكالحلاوة والمرارة ونحوهما من المحسوسة بالذائقة، والثاني كقول القائل: أعلام ياقوت نشرن علي رماح من زبرجد، ونحوه مما تدركه المخيلة مركباً من عدة أشياء أدركه البصر. والثالث: كالالم واللذة والراحة والعناء والسرور والحزن ونحوها مما يدركه الإنسان من نفسه بفطرته، وحيث أن الله سبحانه متعال عن هذا كله لم يكن تصوره ممكناً. انتهي. وروي النيسابوري في روضة الواعظين/33 حديث أبي قرة المتقدم. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/36 وقال في/37: قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله وإلي الفؤاد.

قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل، أو ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه. والمعني لم يكن تخيلاً كاذباً، ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرأ: ما كذب أي صدقه ولم يشك فيه. أفتمارونه علي ما يري أفتجادلونه عليه، من المراء وهو المجادلة. انتهي.

قوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالي والثاني جبرئيل عليه السلام والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهي. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخري فيحتمل نزوله

صلي الله عليه وآله ونزول مرئية. فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها علي جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذ المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق. وروي مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبد الله: ما كذب الفؤاد ما رأي قال: رأي جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح. وروي أيضاً بإسناده عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخري قال: رأي جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر، وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلي الفؤاد، فعلي تقدير إرجاع الضمير إلي الله تعالي أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون علي تقدير ارجاع الضمير إليه عليه السلام وكون المرئي هو الله تعالي والمراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف.

وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

قوله عليه السلام: حيث قال، أي أولاً قبل هذه الآية، وإنما ذكر عليه السلام ذلك لبيان أن المرئي قبل هذه الآية غير مفسر أيضاً، بل إنما يفسره ما سيأتي بعدها.

قوله عليه السلام: وما أجمع المسلمون عليه، أي اتفق المسلمون علي حقية مدلول ما في الكتاب مجملاً. والحاصل أن الكتاب قطعي السند متفق عليه بين جميع الفرق فلا تعارضه الأخبار المختلفة المتخالفة التي تفردتم بروايتها.

ثم اعلم أنه عليه السلام أشار في هذا الخبر إلي دقيقة غفل عنها الأكثر وهي أن الأشاعرة

وافقونا في أن كنهه تعالي يستحيل أن يتمثل في قوة عقلية، حتي أن المحقق الدواني نسبه إلي الأشاعرة موهماً اتفاقهم عليه وجوزوا ارتسامه وتمثله في قوة جسمانية، وتجويز إدراك القوة الجسمانية لها دون العقلية بعيد عن العقل مستغرب، فأشار عليه السلام إلي أن كل ما ينفي العلم بكنهه تعالي من السمع ينفي الرؤية أيضاً، فإن الكلام ليس في رؤية عرض من أعراضه تعالي، بل في رؤية ذاته وهو نوع من العلم بكنهه تعالي.

الامام الكاظم والإمام الرضا يكشفان تحريف حديث النزول

قال الصدوق في كتابه التوحيد/183:

18 _ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق قدس سره قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالي ينزل إلي السماء الدنيا فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينزل ولا يحتاج إلي أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطول لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالي ينزل فإنما يقول ذلك من ينسبه إلي نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلي من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

وقال الصدوق في كتابه التوحيد/176:

7 _ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق

(رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسي أبو تراب الروياني، عن عبدالعظيم بن عبد الله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قلت للرضا عليه السلام: يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالي ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذلك، إنما قال صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي يُنْزِلُ ملكاً إلي السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الاخير وليلة الجمعة في أول الليل فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتي يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلي محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله.

مذاهب السنيين في الألوهية والتوحيد

كيف نشأت هذه المذاهب؟

عندما قبل إخواننا السنة أحاديث الرؤية والتشبيه، تورطوا فيها، وانقسموا في تفسيرها منذ القرن الأول إلي أربعة مذاهب وأكثر، وقد ولدت هذه المذاهب العقائدية قبل أن تتكون مذاهبهم الفقهية بمدة طويلة، بقيت حاكمة علي أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم إلي يومنا هذا!

المذهب الأول: مذهب المتأولين الذين يوافقون مذهب أهل البيت عليهم السلام تقريباً، ويدافعون عن تنزيه الله تعالي ويجعلون الاساس الآيات المحكمة في التوحيد مثل قوله تعالي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) و (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) ويقولون بتأويل كل نص يظهر منه التشبيه أو الرؤية بالعين، لينسجم مع حكم العقل وبقية الآيات والأحاديث.

المذهب الثاني: مذهب التفويض وتحريم

التأويل، ومعناه تجميد تفسير آيات الصفات وأحاديثها، وتفويضها إلي الله تعالي، وتحريم الكلام في معانيها مطلقاً. وهو مذهب عدد من قدامي رواة الأحاديث، وقليل من المتأخرين.

المذهب الثالث: مذهب تحريم التأويل ووجوب تفسير آيات الصفات وأحاديثها بمعناها الظاهري الحسي، والقول بأن لله تعالي يداً ووجهاً ورجلاً وجنباً بالمعني اللغوي المعروف، غاية الأمر أنهم لايقولون إن شكل ذلك مثل جوارح الإنسان، وهو مذهب اليهود وكعب الأحبار ومن وافقهم من الصحابة، وهو المجسمة من الحنابلة، الذي تعصب له ابن تيمية والذهبي والوهابيون، وادعوا أنه مذهب السلف وأهل السنة.

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب، والمذبذبين، والمتحيرين، وهم أنواع ثلاثة.

والظاهر أن لقب (المتاولة) الذي يطلقه السنة علي الشيعة في بلاد الشام وفلسطين ومصر، جاء من هؤلاء المجسمة الذين كانوا يكفرون الشيعة وغيرهم، لانهم يقولون بتأويل أحاديث الصفات.. ومع أن التأويل موجود عند إخواننا السنة بل أكثرهم (متاولة) إلا أن نبز هذا اللقب وَسُبَّتَهُ بقيت من نصيب شيعة أهل البيت المظلومين، وبقيت كلمة (مِتْوَالي) بكسر الميم في ذهن كثير من عوام السنة أسوأ من كلمة كافر!

ونكتفي هنا بالاشارة إلي هذه المذاهب، وبما كتبناه في (الوهابية والتوحيد)

نعم لابد من ذكر شيء عن أصحاب المذهب الرابع:

المذهب الرابع: مذهب المتنقلين بين المذاهب والمذبذبين والمتحيرين

الإنتقال من مذهب فقهي إلي مذهب آخر أمر طبيعي يكثر حدوثه في المسلمين، وكذا الإنتقال من مذهب عقائدي إلي مذهب آخر. ونلاحظ في مسألتنا أن المنتقلين من مذهب عقائدي إلي مذهب آخر كثيرون. كما نلاحظ ظاهرةً ثانية عند بعضهم هي الجمع بين التأويل والتفويض فتري أحدهم متأولاً تارة مفوضاً أخري. والظاهر أن ذلك كان أمراً شائعاً ومقبولاً عند القدماء، لأنهم يجوزون الأمرين.

ولكن تبقي ظاهرة التناقض بين التأويل والتفويض والحمل علي

الظاهر عند أصحاب الظاهر، أمراً لا يقبل الحل، لأنهم حرموا التأويل والتفويض وهاجموا الآخرين بسببه بل كفروهم، ثم ارتكبوا ما حرموه. وفيما يلي نماذج من التهافت عند أهل هذه المذاهب، فبدؤها بما ذكره ابن تيمية عن تهافت آراء ابن فورك، في حين نسي هو تهافت آرائه، قال ابن تيمية في تفسيره:6/108:

فصل. أقوال الفرق في صفات الله تعالي... هذا مع أن ابن فورك هو ممن يثبت الصفات الخبرية كالوجه واليدين وكذلك المجي والإتيان موافقة لأبي الحسن فإن هذا قوله وقول متقدمي أصحابه، فقال ابن فورك فيما صنف في أصول الدين: فإن سألت الجهمية عن الدلالة علي أن القديم سميع بصير؟ قيل لهم: قد اتفقنا علي أنه من تستحيل عليه الآفات والحي إذا لم يكن مأووفاً بآفات تمنعه من إدراك المسموعات والمبصرات كان سميعاً بصيراً.

وإن سألت فقلت: أين هو؟ فجوابنا إنه في السماء كما أخبر في التنزيل عن نفسه بذلك، فقال عز من قائل: أأمنتم من في السماء، وإشارة المسلمين بأيديهم عند الدعاء في رفعها إليه، وإنك لو سألت صغيرهم وكبيرهم فقلت: أين الله؟ لقالوا إنه في السماء، ولم ينكروا بلفظ السؤال ب_ (أين) لأن النبي(ص)سأل الجارية التي عرضت للعتق فقال: أين الله؟ فقالت في السماء مشيرة بها. فقال النبي (ص): إعتقها فإنها مؤمنة، ولو كان ذلك قولاً منكراً لم يحكم بإيمانها ولانكره عليها، ومعني ذلك أنه فوق السماء لأن (في) بمعني (فوق) قال الله تعالي: فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أي فوقها.

قال ابن فورك: وإن سألت كيف هو؟ قلنا له: كيف سؤال عن صفته وهو ذو الصفات العلي، هو العالم الذي له العلم، والقادر الذي له القدرة، والحي الذي له الحياة، الذي لم يزل منفرداً

بهذه الصفات، لا يشبه شيئاً ولا يشبهه شئ.

(قلت) فهذا الكلام هو موافق لما ذكره الأشعري في كتاب الإبانة ولما ذكره ابن كلاب لما حكاه عنه ابن فورك، لكن ابن كلاب يقول إن العلو والمباينة من الصفات العقلية، وأما هؤلاء فيقولون: كونه في السماء صفة خبرية كالمجي والإتيان، ويطلقون القول بأنه بذاته فوق العرش وذلك صفة ذاتية عندهم. والأشعري يبطل تأويل من تأول الإستواء بمعني الإستيلاء والقهر بأنه لم يزل مستولياً علي العرش وعلي كل شئ، والاستواء مختص بالعرش، فلو كان بمعني الاستيلاء لجاز أن يقال (هو مستولياً (كذا) علي كل شئ وعلي الأرض وغيرها) كما يقال إنه مستول عليها، ولما اتفق المسلمون علي أن الإستواء مختص بالعرش، فهذا الإستواء الخاص ليس بمعني الإستيلاء العام، وأين للسلطان جعل الاستواء بمعني الغلبة والقهر وهو الإستيلاء فيشبه والله أعلم أن يكون اجتهاده مختلفاً في هذه المسائل كما اختلف اجتهاد غيره، فأبو المعالي كان يقول بالتأويل ثم حرمه، وحكي إجماع السلف علي تحريمه، وابن عقيل له أقوال مختلفة، وكذلك لأبي حامد والرازي وغيرهم.

ومما بين اختلاف كلام ابن فورك أنه في مصنف آخر قال: فإن قال قائل: أين هو فقال: ليس بذي كيفية فنخبر عنها إلا أن يقول: كيف صنعه؟ فمن صنعه أنه يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو الصانع للاشياء كلها.

فهنا أبطل السؤال عن الكيفية، وهناك جوزه وقال: الكيفية هي الصفة وهو ذو الصفات، وكذلك السؤال عن الماهية. قال في ذلك المصنف: وإن سألت الجهمية فقلت ما هو يقال لهم (ما) يكون استفهاماً عن جنس أو صفة في ذات المستفهم، فإن أردت بذلك سؤالاً عن صفته فهو العلم والقدرة والكلام والعزة والعظمة.

سير أعلام النبلاء:10/610:

أخبرنا محمد بن إسماعيل الترمذي، سمعت نعيم بن حماد يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه.

قلت: هذا الكلام حق، نعوذ بالله من التشبيه ومن إنكار أحاديث الصفات، فما ينكر الثابت منها من فقه، وإنما بعد الإيمان بها هنا مقامان مذمومان: تأويلها وصرفها عن موضوع الخطاب، فما أولها السلف ولا حرفوا ألفاظها عن مواضعها، بل آمنوا بها، وأمروها كما جاءت.

المقام الثاني: المبالغة في إثباتها، وتصورها من جنس صفات البشر، وتشكلها في الذهن، فهذا جهل وضلال، وإنما الصفة تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف عز وجل لم نره، ولا أخبرنا أحد أنه عاينه مع قوله لنا في تنزيله: ليس كمثله شئ، فكيف بقي لأذهاننا مجال في إثبات كيفية الباري تعالي الله عن ذلك، فكذلك صفاته المقدسة، نقر بها ونعتقد أنها حق، ولا نمثلها أصلاً ولا نتشكلها.

وقال الذهبي في سيره:20/80 _ 86:

التيمي الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام أبوالقاسم إسماعيل بن محمد... حدث عنه: أبوسعد السمعاني وأبو العلاء الهمذاني وأبوطاهر السلفي وأبو القاسم بن عساكر... قال أبو موسي المديني: أبوالقاسم إسماعيل الحافظ إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه، حدثنا عنه جماعة في حال حياته... قال أبو موسي: ولا أعلم أحداً عاب عليه قولاً ولا فعلاً ولا عانده أحد إلا ونصره الله... وقال السلفي: وسمعت أبا الحسين بن الطيوري غير مرة يقول: ما قدم علينا من خراسان مثل إسماعيل بن محمد.

... وقد سئل أبو القاسم التيمي قدس سره: هل يجوز أن يقال لله حد أو لا، وهل جري هذا الخلاف في السلف؟ فأجاب: هذه

مسألة أستعفي من الجواب عنها لغموضها وقلة وقوفي علي غرض السائل منها، لكني أشير إلي بعض ما بلغني: تكلم أهل الحقائق في تفسير الحد بعبارات مختلفة محصولها أن حد كل شئ موضع بينونته عن غيره، فإن كان غرض القائل: ليس لله حد لا يحيط علم الحقائق به فهو مصيب، وإن كان غرضه بذلك لا يحيط علمه تعالي بنفسه فهو ضال، أو كان غرضه أن الله بذاته في كل مكان فهو أيضاً ضال.

قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعني صحيح فليس لنا أن نتفوه بشئ لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شئ من البدعة اللهم إحفظ علينا إيماننا.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء:19/443:

وقد بين شيخ الإسلام في درء تعارض العقل والنقل 8 _ 60 _ 61 نوع الخطأ الذي وقع فيه (ابن عقيل) فقال:

ولابن عقيل أنواع من الكلام، فإنه كان من أذكياء العالم كثير الفكر والنظر في كلام الناس، فتارة يسلك مسلك نفاة الصفات الخبرية وينكر علي من يسميها صفات ويقول: إنما هي إضافات موافقة للمعتزلة كما فعله في كتابه ذم التشبيه وإثبات التنزيه، وغيره من كتبه، واتبعه علي ذلك أبوالفرج ابن الجوزي في كف التشبيه بكف التنزيه، وفي كتابه منهاج الوصول.

وتارة يثبت الصفات الخبرية ويرد علي النفاة والمعتزلة بأنواع من الأدلة الواضحات، وتارة يوجب التأويل كما فعله في كتابه الواضح وغيره. وتارة يحرم التأويل ويذمه وينهي عنه كما فعله في كتابه الإنتصار لأصحاب الحديث، فيوجد في كلامه من الكلام الحسن البليغ ما هو معظم مشكور، ومن الكلام المخالف للسنة والحق ما هو مذموم ومدحور... ولابن عقيل من الكلام في

ذم من خرج عن الشريعة من أهل الكلام والتصوف ما هو معروف كما قال في الفنون، ومن خطه نقلت ثم ذكر فصلاً مطولاً استوعب سبع صفحات من الكتاب فراجعه.

و صار الترمذي متأولا ذات يوم فكفره المجسمة

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/170-171:

... فهذا ابن القيم يقول في كتابه الصواعق المرسلة _ أنظر مختصر الصواعق 2 _ 275: وأما تأويل الترمذي وغيره له بالعلم فقال شيخنا: [1] وهو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية... وهذا الخلال يقول في سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي [2] من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً قال يقعده علي العرش [3] فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الالباني ينكر هذا ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً، ويحكم علي هذا الاثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف!

فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد(ص) بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي(ص)، والدليل علي ما قلناه قول الخلال هناك/237:

(وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضيلة الرسول(ص)فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام)!

وقال/234 ناقلاً (وأنا أشهد علي هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)!!

[1] يعني بشيخه: ابن تيمية كما لا ينتطح

في ذلك كبشان.

[2] مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي قدس سره. ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني _ حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك/232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 (كنت أظنه جهم ولكن اتضح من الروايات أن يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلي معرفته) فيا للعجب!!.

[3] وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد(ص)بجنب الله تعالي علي العرش! تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك/244:حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد: قال: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال: يجلسه معه علي العرش، قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

و دافع رشيد رضا عن أكثر الحنابلة و جعلهم متأولة

قال في تفسير المنار:3/198-199:

... الصفات التي هي في الحادث انفعالات نفسية كالمحبة والرحمة والرضا والغضب والكراهة، فالسلف يقرونها علي ظاهرها مع تنزيه الله تعالي عن انفعالات المخلوقين، فيقولون إن لله تعالي محبة تليق بشأنه ليست انفعالاً نفسياً كمحبة الناس. والخلف يؤولون ما ورد من النصوص في ذلك فيرجعونه إلي القدرة أو إلي الإرادة فيقولون الرحمة هي الإحسان بالفعل أو إرادة الإحسان.

ومنهم من لا يسمي هذا تأويلاً بل يقولون إن الرحمة تدل علي الإنفعال الذي هو رقة القلب المخصوصة علي الفعل الذي يترتب علي ذلك الإنفعال، وقالوا إن هذه الألفاظ إذا أطلقت علي الباري تعالي يراد بها غايتها التي

هي أفعال دون مباديها التي هي انفعالات.

وإنما يردون هذه الصفات إلي القدرة والإرادة بناء علي أن إطلاق لفظ القدرة والإرادة وكذا العلم علي صفات الله إطلاق حقيقي لا مجازي.

والحق أن جميع ما أطلق علي الله تعالي فهو منقول مما أطلق علي البشر، ولما كان العقل والنقل متفقين علي تنزيه الله تعالي عن مشابهة البشر، تعين أن نجمع بين النصوص فنقول إن لله تعالي قدرة حقيقية ولكنها ليست كقدرة البشر، وإن له رحمة ليست كرحمة البشر، وهكذا نقول في جميع ما أطلق عليه تعالي جمعاً بين النصوص، ولا ندعي أن إطلاق بعضها حقيقي وإطلاق البعض الآخر مجازي، فكما أن القدرة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يجهل أثره كذلك الرحمة شأن من شؤونه لا يعرف كنهه ولا يخفي أثره، وهذا هو مذهب السلف فهم لا يقولون إن هذه الالفاظ لا يفهم لها معني بالمرة، ولا يقولون إنها علي ظاهرها بمعني أن رحمة الله كرحمة الإنسان ويده كيده وإن ظن ذلك في الحنابلة بعض الجاهلين.

ومحققوا الصوفية لا يفرقون بين صفات الله تعالي ولا يجعلون بعضها محكماً إطلاق اللفظ عليه حقيقي، وبعضها متشابهاً إطلاقه عليه مجازي، بل كل ما أطلق عليه تعالي فهو مجاز.

ثم تبني رشيد رضا رأي الغزالي مع أنه كاد أن يكفر الحنابلة

للغزالي رسالة إسمها (إلجام العوام عن علم الكلام) حرم فيها علي العوام حتي السؤال عن معني أحاديث الرؤية والتجسيم، وقد تبناها الشيخ رشيد رضا ونقلها كلها في تفسيره قال في:3/207-208:

وللإمام الغزالي تفصيل في كيفية الإستعمال وتحقيق في هذا البحث قاله بعد الرجوع إلي مذهب السلف (!) فننقله هنا من كتابه (إلجام العوام عن علم الكلام) وهو: الباب الأول في شرح اعتقاد السلف في هذه الأخبار:

إعلم أن الحق

الصريح الذي لأمراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف أعني مذهب الصحابة والتابعين، وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه فأقول: حقيقة مذهب السلف _ وهو الحق عندنا _ أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس، ثم التصديق، ثم الإعتراف بالعجز، ثم السكوت، ثم الامساك، ثم الكف، ثم التسليم لأهل المعرفة.

أما التقديس فأعني به تنزيه الرب تعالي عن الجسمية وتوابعها.

وأما التصديق فهو الإيمان بما قاله(ص)، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق علي الوجه الذي قاله وأراده.

وأما الإعتراف بالعجز، فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست علي قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته.

وأما السكوت فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر.

وأما الإمساك فأن لا نتصرف في تلك الالفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخري والزيادة فيه والنقصان منها والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلي ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة.

وأما الكف فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه.

وأما التسليم لأهله فأن لا يعتقد أن ذلك إن خفي عليه لعجزه فقد خفي علي رسول الله(ص)أو علي الأنبياء أو علي الصديقين والأولياء.

فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها علي كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شئ منها، فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالي... انتهي.

ومع أن الغزالي أنزل بالعوام هذه الفتاوي الشديدة منعاً لهم من تكذيب روايات السلف وأشاد بالسلف مدعياً أن ما يقوله

هو مذهبهم، لكنه قدم تأويلاً لها مخالفاً للحنابلة والسلف وهاجم اتجاههم في تحريم التأويل والميل إلي التشبيه حتي جعل منهم عبدة أصنام!

قال في/209:

الوظيفة الأولي التقديس ومعناه: أنه إذا سمع اليد والأصبع وقوله (ص): إن الله خمر طينة آدم بيده وإن قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن فينبغي أن يعلم أن اليد تطلق لمعنيين: أحدهما هو الوضع الأصلي وهو عضو مركب من لحم وعظم وعصب، واللحم والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة، أعني بالجسم عبارة عن مقدار له طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحي عن ذلك المكان. وقد يستعار هذا اللفظ أعني اليد لمعني آخر ليس ذلك المعني بجسم أصلاً كما يقال البلدة في يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً.

فعلي العامي وغير العامي أن يتحقق قطعاً ويقيناً أن الرسول عليه السلام لم يرد بذلك جسماً هو عضو مركب من لحم ودم وعظم وأن ذلك في حق الله تعالي محال وهو عنه مقدس، فإن خطر بباله أن الله جسم مركب من أعضاء فهو عابد صنم! فإن كل جسم فهو مخلوق وعبادة المخلوق كفر وعبادة الصنم كان كفراً لأنه مخلوق وكان مخلوقاً لأنه جسم، فمن عبد جسماً فهو كافر بإجماع الأئمة، السلف منهم والخلف، سواء كان ذلك الجسم كثيفاً كالجبال الصم الصلاب أو لطيفاً كالهواء والماء، وسواء كان مظلماً كالأرض أو مشرقاً كالشمس والقمر والكواكب، أو مشفاً لالون له كالهواء، أو عظيماً كالعرش والكرسي والسماء، أو صغيراً كالذرة والهباء، أو جماداً كالحجارة، أو حيواناً كالإنسان. فالجسم صنم، فبأن يقدر حسنه وجماله أو عظمه أو صغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه

صنماً.

ومن نفي الجسمية عنه وعن يده وإصبعه، فقد نفي العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوث ليعتقد بعده أنه عبارة عن معني من المعاني ليس بجسم ولا عرض في جسم يليق ذلك المعني بالله تعالي، فإن كان لا يدري ذلك المعني ولا يفهم كنه حقيقته فليس عليه في ذلك تكليف أصلاً، فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه، بل واجب عليه أن لا يخوض فيه. انتهي. وبذلك وافق الغزالي ورشيد رضا مذهبنا ومذهب المتأولين، وخالف المفوضة وأهل الظاهر!

و كل علماء السنة حتي المجسمة يصيرون متأولة عند الحاجة

كل المجسمة من الأشاعرة والحنابلة والوهابيين الذين حرموا التأويل، وأنكروا وجود المجاز في القرآن، وأوجبوا حمل ألفاظه وألفاظ أحاديث الصفات علي معانيها الظاهرة الحقيقية، بل حتي أولئك الذين حكموا بأن المتاولة أهل ضلالة وبدعة وكفر وحذروا منهم..كلهم يصيرون متأولة من الدرجة الأولي عندما يقعون في مأزق الآيات والأحاديث التي تخالف مذهبهم وتنفي إمكان الرؤية بالعين والتشبيه والتجسيم كقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ... لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ... لا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا... لَنْ تَرَانِي.. إلخ. وهكذا نجد أن إخواننا الذين نبزونا بألفاظ (متاولة، متوالي، بني متوال) يقومون هم بتأويل جميع الآيات والأحاديث المخالفة لمذهبهم جهاراً نهاراً وجوباً قربة إلي الله تعالي، من أجل الدفاع عن أحاديث الرؤية بالعين وظاهر الآيات المتشابهة فيها!

وهكذا يسقط منهجهم العلمي بتحريمهم التأويل في بعض الآيات والأحاديث وتحليله في بعضها! وكان الأولي بهم أن لا يلقوا أنفسهم في هذا المأزق ويتأولوا الآيات التي يوهم ظاهرها الرؤية من أول الأمر من أجل الجمع المنطقي بينها وبين الآيات النافية للرؤية.

وإذا سألتهم: لماذا أوجبتم الأخذ بظاهر هذه المجموعة من الآيات والأحاديث وحرمتم تأويلها، وأوجبتم تأويل تلك المجموعة وحرمتم الأخذ بظاهرها! فليس عندهم جواب،

إلا أنهم أرادوا المحافظة علي ظواهر آيات الرؤية بالعين وأحاديث الاحاد، مهما كلفهم ذلك من تناقض في المنهج العلمي، فالمهم عندهم أن لا تنخدش روايات الرؤية بالعين عن كعب الأحبار ومن قلده من الخلفاء!

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/148:

ومن ذلك قول الحافظ ابن حجر في الفتح 13-432: فمن أجري الكلام علي ظاهره أفضي به الأمر إلي التجسيم، ومن لم يتضح له وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها وإما أن يؤولها. انتهي.

وقد تبني ابن تيمية والوهابيون هذا الحل (الشرعي) فحكموا بوجوب تصديق هذه الروايات وتحريم تأويلها حتي لو أدت إلي التجسيم، ثم هجموا علي روايات التنزيه ونفي التجسيم بمعول التأويل!

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/156-159:

وقد نقل الحافظ ابن جرير في تفسيره 27 _ 7 تأويل لفظة (أيد) الواردة في قوله تعالي: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ، بالقوة أيضاً عن جماعة من أئمة السلف منهم: مجاهد وقتادة ومنصور وابن زيد وسفيان... ومما يجدر التنبيه عليه هنا ولا يجوز إغفاله أن هؤلاء القوم الذين يحاربون التأويل ويزعمون أنه ضلال وبدعة وتحريف للقرآن والسنة هم أنفسهم يؤولون ما لا يوافق آراءهم من نصوص الكتاب والسنة في مسائل الصفات! فنراهم يؤولون مثل قوله تعالي: وهو معكم وقوله تعالي: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَ لَكِنْ لا تُبْصِرُونَ، وقوله تعالي: مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَي ثَلاثَةٍ إِلا هُوَ رَابِعُهُمْ، وقوله تعالي: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَ أَرَي، وقوله تعالي: وَهُوَ مَعَكُمْ، إلي غير ذلك من نصوص واضحة!

فإذا كان هذا قرآن وذاك قرآن فما الذي أوجب اعتقاد ظاهر هذا دون ظاهر ذاك وكله قرآن؟! ولماذا جوزوا تأويل ظاهر هذا دون ذلك؟!

... روي

الخلال بسنده عن حنبل عن عمه الإمام أحمد بن حنبل أنه سمعه يقول: احتجوا علي يوم المناظرة فقالوا: تجئ يوم القيامة سورة البقرة... الحديث قال فقلت لهم: إنما هو الثواب. اه_. فتأمل في هذا التأويل الصريح... نقل الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات/470 عن البخاري أنه قال: معني الضحك: الرحمة اه_. وقال الحافظ البيهقي/298: روي الفربري عن محمد بن إسماعيل البخاري أنه قال: معني الضحك فيه _ أي الحديث _ الرحمة اهفتأمل. وقد نقل هذا التأويل أيضاً الحافظ ابن حجر في فتح الباري 6-40.

وقال التلمساني في نفح الطيب:8/34:

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة. وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفه فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي علي جواز رؤية الله تعالي قال قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، فنظر بعض المعتزلة إلي بعض وقالوا: جن القاضي! وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا علي مذهبهم وهو ساكت ثم قال لهم: أتقولون إن من لسان العرب قولك الحائط لا يبصر قالوا: لا... قال فلا يصح إذا نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا: نعم، قال فكذلك قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، لو لا جواز إدراك الابصار له لم يصح نفيه عنه! انتهي.

وهكذا نري أن الذين حرموا التأويل وكفروا المسلمين بسببه، أفرطوا في ارتكابه ووصلوا به إلي حد السفسطة، فأولوا النفي الصريح بالاثبات، ولم يبق عليهم إلا أن يؤلوا (لا إله إلا الله) بوجود عدة آلهة مع الله سبحانه وتعالي عما يصفون. وسوف تري مزيداً من فنونهم في تأويل آيات نفي الرؤية والتنزيه، عند استعراض تفسيرها، إن شاء الله تعالي.

ونختم بما قاله الشيخ محمد

رضا جعفري في بحث الكلام عند الإمامية/151 من مجلة تراثنا عدد 30:

قال أبو الفرج ابن الجوزي: «واعلم أن عموم المحدثين حملوا ظاهر ما تعلق من صفات الباري سبحانه علي مقتضي الحس فشبهوا، لانهم لم يخالطوا الفقهاء فيعرفوا حمل المتشابه علي مقتضي الحكم..» [1] .

وقال أيضاً: «واعلم أن الناس في أخبار الصفات علي ثلاث مراتب: إحداها، إمرارها علي ما جاءت من غير تفسير ولا تأويل، إلا أن تقع ضرورة كقوله تعالي (وَجَاءَ رَبُّكَ) [2] أي: جاء أمره، وهذا مذهب السلف.

والمرتبة الثانية، التأويل، وهو مقام خطر.

والمرتبة الثالثة، القول فيها بمقتضي الحس، وقد عمَّ جهلة الناقلين [3] ، إذ ليس لهم حظ من علوم المعقولات التي يعرف بها ما يجوز علي الله تعالي وما يستحيل، فإن علم المعقولات يصرف ظواهر المنقولات عن التشبيه، فإذا عدموا تصرفوا في النقل بمقتضي الحس» [4] .

وقال تقي الدين ابن تيمية، راداً علي من قال: إن أكثر الحنابلة مجسمة ومشبهة: «المشبهة والمجسمة في غير أصحاب الإمام أحمد أكثر منهم فيهم، فهؤلاء أصناف الأكراد، كلهم شافعية، وفيهم من التشبيه والتجسيم ما لا يوجد في صنف آخر، وأهل جيلان فيهم شافعية وحنبلية، وأما الحنبلية المحضة فليس فيهم من ذلك ما في غيرهم، والكرامية كلهم حنفية». [5] ولست أقر ابن تيمية علي دفاعه عن أهل مذهبه ولكني أسكت عنه.

4 _ نماذج مختارة: وكنموذج لما أشار إليه ابن الجوزي في كلامه عن المحدثين أختار ثلاثة لم يكونوا من الحنابلة الصرحاء، وأقدم لكل منهم بعض الترجمة كي لا يتهمني متهم بأني عثرت علي مغمورين خاملين لم يكونوا ذوي شأن عند المحدثين:

1 _ إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن إبراهيم، أبو يعقوب

الحنظلي المروزي، ابن راهويه النيسابوري (161/778 ت 238/853).

قال الخطيب: كان أحد أئمة المسلمين، وعلماً من أعلام الدين، اجتمع له الحديث والفقه، والحفظ والصدق، والورع والزهد، ورحل إلي العراق، والحجاز، واليمن، والشام... وورد بغداد وجالس حفاظ أهلها، وذاكرهم، وعاد إلي خراسان فاستوطن نيسابور إلي أن توفي بها، وانتشر علمه عند الخراسانيين. وهكذا قال المزي والسبكي. وهو شيخ البخاري، ومسلم، والترمذي، وأبوداود، والنسائي، وبقية بن الوليد، ويحيي بن آدم-وهما من شيوخه _ وأحمد بن حنبل، وإسحاق الكوسج، ومحمد بن رافع، ويحيي بن معين _ هؤلاء من أقرانه _ وجماعة.

قال نعيم بن حماد: إذا رأيت العراقي يتكلم في أحمد بن حنبل فاتهمه في دينه، وإذا رأيت الخراساني يتكلم في إسحاق بن راهويه فاتهمه في دينه.

وقال النسائي: أحد الأئمة، ثقة مأمون. وقال أحمد بن حنبل: إذا حدثك أبو يعقوب أمير المؤمنين فتمسك به. وقال أبو حاتم: إمام من أئمة المسلمين. وقال ابن حبان: وكان إسحاق من سادات زمانه فقهاً، وعلماً، وحفظاً، ونظراً، ممن صنف الكتب، وفرع السنن، وذب عنها، وقمع من خالفها، وقبره مشهور يزار. وقال أبو عبدالله الحاكم: إمام عصره في الحفظ والفتوي. وقال أبو نعيم الأصبهاني: كان إسحاق قرين أحمد[ بن حنبل ]وكان للآثار مثيراً، ولأهل الزيغ مبيراً.

وقال الذهبي: الإمام الكبير، شيخ المشرق، سيد الحفاظ، قد كان مع حفظه إماماً في التفسير، رأساً في الفقه، من أئمة الإجتهاد. [6] .

أبو عيسي الترمذي _ بعد أن أخرج الروايات التي تقول: إن الله يقبل الصدقة ويأخذها بيمينه... الحديث _ قال: وقد قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث وما يشبه هذا من الروايات من الصفات، ونزول الرب تبارك وتعالي كل ليلة إلي

السماء الدنيا، قالوا: قد تثبت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم، ولا يقال: كيف؟

هكذا روي عن مالك، وسفيان بن عيينة، وعبدالله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث: أمروها بلا كيف. وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة. وأما الجهمية فأنكرت هذه الروايات، وقالوا: هذا تشبيه. وقد ذكر الله عزوجل في غير موضع من كتابه: اليد، والسمع، والبصر، فتأولت الجهمية هذه الآيات ففسروها علي غير ما فسر أهل العلم، وقالوا: إن الله لم يخلق آدم بيده، وقالوا: إن معني اليد ها هنا القوة.

وقال إسحاق بن إبراهيم [7] : إنما يكون التشبيه إذا قال: يد كيد، أو مثل يد، أو سمع كسمع، أو مثل سمع، فإذا قال: سمع كسمع أو مثل سمع، فهذا التشبيه. وأما إذا قال _ كما قال الله تعالي: يد، وسمع، وبصر، ولا يقول: كيف، ولا يقول مثل سمع، ولا كسمع، فهذا لا يكون تشبيهاً، وهو كما قال الله تعالي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ). [8] .

2 _ أبوبكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري (223/838 _ 311/924) قالوا عنه: إنه كان إمام نيسابور في عصره، فقيهاً، مجتهداً، بحراً من بحور العلم، اتفق أهل عصره علي تقدمه في العلم، ولقبه الصفدي، واليافعي، والذهبي، والسبكي، وابن الجزري، والسيوطي، وابن عبدالحي بإمام الأئمة. وقال الدار قطني: كان إماماً معدوم النظير. وقال ابن كثير: هو من المجتهدين في دين الإسلام. وذكروا له الكرامات. وقال السمعاني: وجماعة[ من المحدثين ]ينسبون إليه، يقال لكل واحد منهم خزيمي[ فهو إمام مدرسة حدثية ]. وهذا بعض ما قيل فيه: [9] .

أثبت ابن خزيمة الوجه لله سبحانه، وقال: (ليس معناه أن يشبه

وجهه وجه الآدميين، وإلا لكان كل قائل إن لبني آدم وجهاً، وللخنازير، والقردة، والكلاب... - إلي آخر ما عدد من الحيوانات - وجوهاً، قد شبه وجوه بني آدم بوجوه الخنازير والقردة والكلاب...) [10] .

وذكر مثل هذا في العين، واليد، والكف، واليمين، وقال: إن عيني الله لا تشبهان أي عين لغيره، وأضاف: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثري وتحت الأرض السابعة السفلي وما في السماوات العلي وما بينهما ونزيد شرحاً وبياناً ونقول: عين الله عزوجل قديمة لم تزل باقية، ولا يزال محكوم لها بالبقاء منفي عنها الهلاك والفناء، وعيون بني آدم محدثة، كانت عدماً غير مكونة فكونها الله وخلقها بكلامه الذي هو صفة من صفات ذاته...»[11] .

وقال: إن لله يدين ويداه قديمتان لم تزالا باقيتين، وأيدي المخلوقين محدثة فأي تشبيه!... [12] ونفي التأويل عن كل هذا، خاصة تأويل اليد بالنعمة أو القوة. [13] .

وذكر «أن كلام ربنا عزوجل لا يشبه كلام المخلوقين، لأن كلام الله كلام متواصل لا سكت بينه ولا سمت، لا ككلام الآدميين الذي يكون بين كلامه سكت وسمت لانقطاع النفس، أو التذاكر، أو العي...»[14] .

3 _ عثمان بن سعيد، أبو سعيد الدارمي، التميمي، السجستاني (ح 199/ 815-280/894) الإمام العلامة الحافظ، الناقد الحجة، وكان جذعاً وقذئ في أعين المبتدعة، قائماً بالسنة، ثقة، حجة، ثبتاً. وقيل فيه: كان إماماً يقتدي به في حياته وبعد مماته. ذكره الشافعية في طبقاتهم، وعده الحنابلة من أصحاب ابن حنبل [15] .

قال الدارمي بأن لله مكاناً حده، وهو العرش [16] و (هو بائن من خلقه فوق عرشه بفرجة بينه في هواء الآخرة، حيث لا خلق معه هناك غيره، ولا فوقه سماء)

[17] وقال (قد عينا له مكاناً واحداً، أعلي مكان، وأطهر مكان، وأشرف مكان: عرشه العظيم فوق السماء السابعة العليا، حيث ليس معه هناك إنس ولا جان، ولا بجنبه حش، ولا مرحاض، ولا شيطان. وزعمت أنت [18] والمضلون من زعمائك أنه في كل مكان، وكل حش ومرحاض، وبجنب كل إنسان وجان! أفأنتم تشبهونه إذ قلتم بالحلول في الأماكن أم نحن؟!) [19] .

وقال (ولو لم يكن لله يدان بهما خلق آدم ومسه مسيساً كما ادعيت، لم يجز أن يقال (لله): بيدك الخير...) [20] وأحال في ذلك كل معني أو تأويل من نعمة أو قوة إلا اليدين [21] (بما لهما من المعني، وهو العضو الخاص المحسوس)، (وأن لله إصبعين، من غير تأويل بمعني آخر) [22] (والقدمان قدمان من غير تأويل) [23] (غير أنا نقول، كما قال الله (وَيَبْقَي وَجْهُ رَبِّكَ) [24] إنه عني به الوجه الذي هو الوجه عند المؤمنين، لا الأعمال الصالحة، ولا القبلة...) [25] وإن نفي التشبيه إنما هو بأن يكون لله كل هذا، ولكن لا يشبه شئ منه شيئاً مما في المخلوقين) [26] .

[1] تلبيس ابليس: ط ادارة الطباعة المنيرية، القاهرة: 1368/116.

[2] الفجر 89:: 22.

[3] ويقصد بهم المحدثين.

[4] دفع شبه التشبيه بأكف التنزيه، المكتبة التوفيقية، القاهرة: 1976/73-74.

[5] المناظرة في العقيدة الواسطية، مجموعة الرسائل الكبري، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط 2:1392/1972، 1/418.

[6] التاريخ الكبير 1-379-380 = 1209، التاريخ الصغير 2/368، الجرح والتعديل 1-1 (2) 209-210= 714، ابن حبان، الثقات 8/115-116، طبقات الحنابلة 1/109 = 122، المنهج الاحمد 1/108-109 = 43،تاريخ بغداد 6/345-335 = 3381، حلية الأولياء 9/234-238 ابن خلكان 1/199-201، الانساب 6/56 _57، السبكي، طبقات الشافعية 2/83-93،

ميزان الاعتدال 1/182-183 = 733، سير أعلام النبلاء 11/358 _382، تذكرة الحفاظ 2/433-435، العبر 1/426، الوافي بالوفيات 8/386-388 = 3825، طبقات الحفاظ /188-189 = 419، ابن كثير 10/317، تهذيب التهذيب 1/216-219 = 408، تهذيب الكمال 2/373-388 _332، طبقات المفسرين 1/102-103، شذرات الذهب 2/89.

[7] هو إسحاق بن راهويه-عارضة الأحوذي: 3/332.

[8] الجامع الصحيح، الزكاة (ما جاء في فضل الصدقة) 3/50-51 أي 662.

[9] الذهبي سير أعلام النبلاء: 14/365-382، تذكرة الحفاظ: 2/720-731، العبر: 2/149، السمعاني، الانساب: 5/124، ابن الاثير، اللباب: 1/442، ابن الجوزي، المنتظم: 6/184-186، ابن كثير، البداية والنهاية،11/149، السبكي، طبقات الشافعية: 3/109-119، الصفدي، الوافي بالوفيات: 2/196، اليافعي، مرآة الجنان:2/264، ابن عبد الحي، شذرات الذهب: 2/262-263، السيوطي، طبقات الحفاظ: 310-311، ابن الجزري،طبقات القراء: 2/97-98.

[10] التوحيد واثبات صفات الرب، راجعه وعلق عليه محمد خليل هراس، المدرس بكلية أصول الدين (بالأزهر)، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة: 1387/1968، /23.

[11] المصدر/50 _52.

[12] المصدر/82-85.

[13] المصدر/85-87.

[14] المصدر/145.

[15] سير أعلام النبلاء: 13/319-326، تذكرة الحفاظ: 2/621-622، العبر: 2/64، مرآة الجنان: 2/193، ابن كثير 11/69، طبقات الشافعية: 2/302-306، طبقات الحفاظ: 274، طبقات الحنابلة: 1/221، شذرات الذهب: 2/176.

[16] الرد علي بشر المريسي، عقائد السلف، نشر: دكتور علي سامي النشار، عمار جمعي الطالبي، منشأة المعارف الاسكندرية، مصر: 1971/382.

[17] المصدر/439.

[18] يخاطب به بشر المريسي، الذي يرد عليه الدارمي، وهو بشر بن غياب المريسي، البغدادي، الحنفي (ح 138/755-218/833) من أعلام الحنفية، وممن نادي بخلق القرآن ودافع عنه، وعن كثير من آراءالمعتزلة.

[19] المصدر/454.

[20] المصدر/387.

[21] (بما لهما من المعني، وهو العضو الخاص المحسوس) المصدر/398.

[22] المصدر/420.

[23] المصدر/423-424، 427-428.

[24] الرحمن 55/27.

[25] المصدر/516.

[26] المصدر/432-433، 508.. انتهي.

بازار الأحاديث في الرؤية والتشبيه والتجسيم

قالوا إن الله تعالي علي صورة بشر

صحيح

مسلم:8/32:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (ص) إذا قاتل أحدكم أخاه فليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم علي صورته..

فردوس الأخبار للديلمي:2/299:

أبو هريرة: خلق الله عز وجل آدم علي صورته وطوله ستون ذراعاً... فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم ستون ذراعاً فلم تزل تنقص بعده حتي الان. انتهي. ونحوه في:5/165 ونحوه في مصابيحه:3/266

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 5/125:

عن أبي هريرة، عن النبي (ص) قال: خلق الله آدم علي صورته طوله سبعون ذراعاً... إلي آخره. وقد تقدم تكذيب الإمام مالك لهذا الحديث وغيره من أحاديث رؤية الله تعالي بالعين، من سير أعلام النبلاء:8/103

وروي ابن حجر في لسان الميزان:3/299: صيغة معقولة لهذا الحديث قال:... العلاء بن مسلمة، حدثنا عبدالله بن سيف، ثنا إسماعيل بن رافع، عن المقبري، عن أبي هريرة (رض) مرفوعاً: لا يضربن أحدكم وجه خادمه ولا يقول لعن الله من أشبه وجهك، فإن الله خلق آدم علي صورة وجهه. انتهي. فهل يقبلها اخواننا ويخلصون أنفسهم من ورطة التجسيم.

لجنة الافتاء الوهابية:3/368 فتوي رقم 2331:

س 1: عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص) أنه قال: خلق الله آدم علي صورته ستون ذراعاً، فهل هذا الحديث صحيح؟

ج: نص الحديث: خلق الله آدم علي صورته طوله ستون ذراعاً ثم قال: إذهب فسلم علي أولئك النفر، وهم نفر من الملائكة جلوس، فاستمع فما يحيونك فإنها تحيتك وتحية ذريتك، فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: السلام عليك ورحمة الله فزادوه ورحمة الله، فكل من يدخل الجنة علي صورة آدم طوله ستون ذراعاً، فلم يزل الخلق تنقص بعده إلي الآن. رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم. وهو حديث صحيح ولا غرابة في متنه فإن له معنيان:

الأول: أن الله لم يخلف آدم صغيراً قصيراً كالأطفال من ذريته ثم نما وطال حتي بلغ ستين ذراعاً، بل جعله يوم خلقه طويلاً علي صورة نفسه النهائية طوله ستون ذراعاً.

والثاني: أن الضمير في قوله (علي صورته) يعود علي الله بدليل ما جاء في رواية أخري صحيحة: علي صورة الرحمن وهو ظاهر السياق ولا يلزم علي ذلك التشبيه، فإن الله سمي نفسه بأسماء سمي بها خلقه، ووصف نفسه بصفات وصف بها خلقه، ولم يلزم من ذلك التشبيه وكذا الصورة، ولا يلزم من إتيانها لله تشبيهه بخلقه لأن الاشتراك في الاسم وفي المعني الكلي لا يلزم منه التشبيه فيما يخص كلا منهما، لقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.

و قالوا له سمع و بصر كسمع الإنسان و بصره

سنن أبي داود:2/419:

... مولي أبي هريرة قال سمعت أبا هريرة يقرأ هذه الآية: إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلي أَهْلِهَا.. إلي قوله تعالي سميعاً بصيراً، قال: رأيت رسول الله (ص) يضع إبهامه علي أذنه والتي تليها علي عينه، قال أبو هريرة: رأيت رسول الله(ص)يقرؤها ويضع إصبعيه، قال ابن يونس قال المقريء: يعني أن الله سميع بصير، يعني أن لله سمعاً وبصراً، قال أبو داود: وهذا رد علي الجهمية. انتهي. ورواه في:2/233، وكأن قصد أبي داود أن الجهمية أفرطوا في التنزيه، فيجب أن نرد عليهم بالتجسيم!

و قالوا له عينان مثل الإنسان و هما سالمتان

صحيح البخاري:2 جزء 4/141:

قال عبدالله (يعني ابن عمر) ذكر النبي (ص) يوماً بين ظهري الناس المسيح الدجال فقال: إن الله ليس بأعور، إلا أن المسيح الدجال أعور العين. انتهي. وقد فسرها الوهابيون وأسلافهم، بأن الله تعالي له عينان سالمتان! ورواه البغوي في مصابيحه:3/497، 507 عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص) ثم ذكر الدجال: تعلمون أنه أعور، وأن الله ليس بأعور. عن عباده ابن الصامت عن رسول الله (ص): إن المسيح الدجال رجلٌ قصير أفجح جعد أعور، وإن ربكم ليس بأعور.

و قالوا له أيدي و أعين و رجلان

قال ابن حزم في المحلي:1/33:

مسألة: وإن لله عز وجل عزاً وعزة وجلالاً وإكراماً، ويداً ويدين وأيدياً (كذا) ووجهاً وعيناً وأعيناً، وكبرياء، وكل ذلك حق لا يرجع منه ولا من علمه تعالي وقدره وقوته إلا إلي الله تعالي لا إلي شئ غير الله عز وجل أصلاً، نقر من ذلك مما في القرآن وما صح عن رسول الله(ص)، ولا يحل أن يزاد في ذلك ما لم يأت به نص من قرآن أو سنة صحيحة.

قال عز وجل: ذُو الْجَلالِ وَ الإكْرَامِ وقال تعالي: يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ، لما خلقت بيدي، ومما عملت أيدينا أنعاماً، إنما نطعمكم لوجه الله، ولتصنع علي عيني، إنك بأعيننا. ولا يحل أن يقال عينين لأنه لم يأت بذلك نص، ولا أن يقال سمع وبصر ولا حياة، لأنه لم يأت بذلك نص لكنه تعالي سميع بصير حي قيوم. انتهي.

ولعل ابن حزم لم يطلع علي نص العينين وحديث السمع والبصر وغيرها، وإلا لقال بها!

و قالوا قد يكون له أذن و قد يكون بلا أذن

فتاوي الالباني/344:

سؤال السائل: صفة الاذن لله، موقف أهل السنة والجماعة منها؟

جواب: لا يثبتون ولا ينفون بالرأي، أما ما أثبته النص فهم يثبتونه بدون تكييف... السلفيون مستريحون من هذه الكيفية يعني استراحوا من التشبيه عملاً بالتنزيه... وأن العين: صفة من صفاته تليق بعظمته وجلاله.

و قالوا له جنب و حقو

تفسير الطبري:26/36:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) أنه قال خلق الله الخلق فلما فرغ منهم تعلقت الرحم بحقو الرحمن فقال مه! فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة... ورواه البغوي في مصابيحه:3/350.

وقال الشاطبي في الاعتصام:2/303:

قول من زعم: أن لله سبحانه وتعالي جنباً مستدلاً بقوله: أن تقول نفس يا حسرتا علي ما فرطت من جنب الله.

و قالوا إنه يمشئ و قد يركض و يهرول

فتاوي الألباني/506:

سؤال: حول الهرولة، وهل أنكم تثبتون صفة الهرولة لله تعالي؟

جواب: الهرولة كالمجئ والنزول صفات ليس يوجد عندنا ما ينفيها.

فتاوي ابن باز:5/374:

... ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه: من تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، ومن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، ومن أتاني يمشئ أتيته هرولة... أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة... انتهي.

و قالوا إنه تعالي يري بالعين في الدني

الفرق بين الفرق للبغدادي/294:

وأجمع أهل السنة علي أن الله تعالي يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة، من طريق الخبر..

مسند أحمد:4/66:

... عن خالد بن اللجلاج عن عبدالرحمن بن عائش عن بعض أصحاب النبي(ص)أن رسول الله(ص)خرج عليهم ذات غداة وهو طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه فقلنا: يا رسول الله إنا نراك طيب النفس مسفر الوجه أو مشرق الوجه، فقال: وما يمنعي وأتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة، قال يا محمد، قلت لبيك ربي وسعديك، قال: فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قلت لا أدري أي رب! قال ذلك مرتين أو ثلاثاً، قال فوضع كفيه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتي تجلي لي ما في السموات وما في الأرض، ثم تلا هذه الآية: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. انتهي. ورواه في:5/378، وستأتي بقية رواياته في تفسير قوله تعالي (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي).

و قالوا إنه يلبس قباء وجبة و يركب علي جمل

لسان الميزان:2/238:

ومما في الصفات له (حدثنا) أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الأصبهاني ثنا شعيب بن بيان الصفار ثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس (رض) مرفوعاً: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الأذان والإقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إله إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه، فإذا سلم الإمام صعد إلي السماء. وروي عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات علي جمل أحمر عليه إزار! انتهي. ورواه في ميزان الاعتدال:1/512

و قالوا إنه فتي أمرد جعد الشعر

ميزان الاعتدال:1/593:

... عن ثابت عن أنس أن النبي(ص) قرأ: فلما تجلي ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره وضرب علي إبهامه فساخ الجبل، فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد وصححه الترمذي. إبراهيم بن أبي سويد وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة.

... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً.

و قالوا إنه يضحك في الدنيا والآخرة

صحيح البخاري:2 جزء 3/210:

عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: يضحك الله إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله علي القاتل فيستشهد.

صحيح البخاري:4/226:

... فباتا طاويين، فلما أصبح غد إلي رسول الله(ص)فقال: ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما، فأنزل الله: ويؤثرون علي أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون.

سنن النسائي:6/38:

... عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن الله عز وجل يعجب من رجلين يقتل أحدهما صاحبه، وقال مرة أخري: ليضحك من رجلين يقتل أحدهما صاحبه ثم يدخلان الجنة. تفسير ذلك أخبرنا محمد بن سلمة... عن أبي هريرة أن رسول

الله(ص)قال يضحك الله إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل ثم يتوب الله علي القاتل فيقاتل فيستشهد. انتهي. ورواه ابن ماجة في:1/68.

وروي أحمد في مسنده:1/392:

عبدالله بن مسعود عن النبي(ص)قال: إن آخر من يدخل الجنة رجل يمشئ علي الصراط فينكب مرة ويمشئ مرة وتسفعه النار مرة، فإذا جاوز الصراط التفت إليها فقال: تبارك الذي نجاني منك لقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً من الأولين والآخرين، قال فترفع له شجرة فينظر إليها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها، فيقول: أي عبدي فلعلي إن أدنيتك منها سألتني غيرها، فيقول: لا يا رب، ويعاهد الله أن لا يسأله غيرها والرب عز وجل يعلم أنه سيسأله لأنه يري ما لا صبر له يعني عليه، فيدنيه منها ثم ترفع له شجرة وهي أحسن منها فيقول: يا رب أدنني من هذه الشجرة فأستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها فيدنيه منها، فترفع له شجرة عند باب الجنة هي أحسن منها فيقول: رب أدنني من هذه الشجرة أستظل بظلها وأشرب من مائها فيقول: أي عبدي ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب هذه الشجرة لا أسألك غيرها ويعاهده والرب يعلم أنه سيسأله غيرها لأنه يري ما لا صبر له عليها فيدنيه منها فيسمع أصوات أهل الجنة فيقول: يا رب الجنة الجنة، فيقول: عبدي ألم تعاهدني أنك لا تسألني غيرها، فيقول: يا رب أدخلني الجنة. قال فيقول عز وجل: ما يصريني منك أي عبدي أيرضيك أن

أعطيك من الجنة الدنيا ومثلها معها؟ قال فيقول: أتهزؤ بي وأنت رب العزة! قال فضحك عبدالله حتي بدت نواجذه ثم قال: ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا له لم ضحكت؟ قال: لضحك رسول الله(ص).

ثم قال لنا رسول الله (ص): ألا تسألوني لم ضحكت؟ قالوا: لم ضحكت يا رسول الله؟ قال: لضحك الرب حين قال أتهزأ بي وأنت رب العزة!! انتهي. ورواه في:1/411 وج 2/318 وص 464 وص 511 وروي نحوه في:2 /276 وص 294 وص534 وج 3/80 وابن ماجة في سننه:1/64 والديلمي في فردوس الأخبار:3/9 ح 3703 والبغوي في مصابيحه:1/433 وص 544 وج 3/546 والبيهقي في شعب الإيمان:1/249 وفي دلائل النبوة: 6/143 والهيثمي في مجمع الزوائد:10/615 والشوكاني في نيل الأوطار:3 /57 وغيرهم.. وغيرهم..

وسيأتي عدد آخر من روايات ضحك الله المزعوم علي هذا الرجل في روايات رؤيته بالعين في الآخرة.

وقال ابن تيمية في الإيمان/424:

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... وكذلك ضحكه إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وضحكه إلي الذي يدخل الجنة آخر الناس ويقول: أتسخر بي وأنت رب العالمين! وكل هذا في الصحيح.

و قالوا إنه يضحك لمن يستلقي علي دابته

وروي أحمد في:1/330 رواية غريبة نسب فيها تصرفاً غير معقول للنبي صلي الله عليه وآله، ونسب فيها إلي الله تعالي أنه يضحك لمن يذكره علي دابته ثم يستلقي! قال الإمام أحمد:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(ص)أردفه علي دابته فلما استوي عليها كبر رسول الله(ص)ثلاثاً، وحمد الله ثلاثاً، وسبح الله ثلاثاً، وهلل الله واحدة ثم استلقي عليه فضحك، ثم أقبل عليَّ فقال: ما من إمرئ يركب دابته فيصنع كما صنعت إلا أقبل

الله تبارك وتعالي فضحك إليه كما ضحكت إليك!

و قالوا مادام الله يضحك فأملنا فيه كبير

روي أحمد في مسنده:4/11 وص 12 وص 13 رواية تعطي الناس الامل بالله تعالي لأنه يضحك! قال:... عن وكيع بن حدس عن عمه أبي رزين قال قال رسول الله (ص): ضحك ربنا من قنوط عباده وقرب غيره، قال قلت: يا رسول الله أو يضحك الرب عز وجل! قال نعم، قال: لن نعدم من رب يضحك خيراً!

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/10:

أبوذر الغفاري: ضحك الله ربنا عز وجل من قنوط عباده وقرب غيره ولن نعدم من رب يضحك خيراً. وستأتي روايته عن النويري وغيره.

و قالوا إنه يضحك.. و يظل يضحك

قال ابن قيم الجوزية في زاد المعاد:3/566-567:

قوله (ص): فيضل يضحك، هو من صفات أفعاله سبحانه وتعالي التي لا يشبهه فيها شئ من مخلوقاته كصفات ذاته..وكذلك: فأصبح ربك يطوف في الأرض، هو من صفات فعله كقوله تعالي: وَجَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ، وينزل ربنا كل ليلة إلي السماء الدنيا، ويدنو عشية عرفة فيباهي بأهل الموقف الملائكة. والكلام في الجميع صراط واحد مستقيم إثبات بلا تمثيل وتنزيه بلا تحريف ولا تعطيل.

وقال النويري في نهاية الارب:7 جزء 14/292:

عن لقيط بن عامر العقيلي قال... أتينا رسول الله (ص) حين انصرف من صلاة الغداة فقام خطيباً فقال أيها الناس... يشرف عليكم أزلين فيظل يضحك، قد علم أن غوثكم قريب. قال لقيط له: لن نعدم من رب يضحك خيراً.. انتهي. وروي نحوه المنذري في الترغيب والترهيب:1/434 وص 436 وج 4/503.

و قالوا إنه ضحك لطلحة و سعد

أسد الغابة:3/83:روي أنه (طلحة بن البراء) توفي ليلاً فقال أدفنوني.. ولا تدعوا رسول الله (ص) فإني أخاف عليه (ص) يصاب في سببي، فأخبر رسول الله حين أصبح فجاء (ص) حتي وقف علي قبره وقال: اللهم إلقَ طلحة وأنت تضحك إليه وهو يضحك إليك..

مسند أحمد:6/456:

... أسماء بنت يزيد بن سكن قالت: لما توفي سعد بن معاذ صاحت أمه، فقال النبي (ص): ألا يرفأ دمعك ويذهب حزنك فإن ابنك أول من ضحك الله له واهتز له العرش.

و قالوا إنه يظهر لعباده ضاحكا

فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسي: يتجلي ربنا ضاحكاً يوم القيامة، حتي ينظروا إلي وجهه فيخرون له سجداً فيقول: ارفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة.

و قالوا منطقه كالرعد، و ضحكه كالبرق

فردوس الأخبار للديلمي:5/366:

أبو هريرة: ينشيء الله عز وجل السحاب ثم ينزل فيه، لا شئ أحسن من ضحكه ولا شئ أحسن من منطقه، منطقه الرعد ومضحكه البرق!

أسد الغابة:3/83 وج 6/399:

عن رجل من بني غفار..قال: سمعت رسول الله (ص) يقول: إن الله عز وجل ينشيء السحاب فيضحك أحسن الضحك وينطق أحسن النطق!

و قالوا يظهر متجسدا لابي بكر وحده بدون ضحك

قال السيوطي في الدر المنثور:6/292:

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والدار قطني عن جابر عن النبي (ص): إن الله ليتجلي للناس عامة ويتجلي لأبي بكر خاصة.

وأخرج الدار قطني عن جابر قال قال النبي (ص): إن الله ليتجلي للناس عامة ويتجلي لأبي بكر الصديق خاصة.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/400:

أنس بن مالك: يا أبا بكر لأبشرك أن الله عز وجل يتجلي لك يوم القيامة خاصة وللناس عامة.

وقال ابن حبان في المجروحين:1/143:

أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي... والصحيح من حديثه موقوف علي أبي هريرة وروي عن أبيه... عن أبي هريرة قال لما قدم رسول الله (ص) من الغار يريد المدينة أخذ أبو بكر بغرزه فقال.. ألا أبشرك يا أبا بكر؟ قال: بلي بأبي أنت وأمي يا رسول الله، قال: إن الله عز وجل يتجلي للخلائق يوم القيامة عامة، ويتجلي لك خاصة.

وقال في المجروحين:2/115:

علي بن عبدة بن قتيبة... كان يسرق الحديث ولا يحل الاحتجاج به.. عن جابر قال رسول الله (ص) إن الله يتجلي للمؤمنين عامة ولأبي بكر خاصة.

و قال عمر يجلس علي العرش و لعرشه أطيط و صرير من ثقله

ذكرنا عدداً من روايات أطيط العرش عن الخليفة عمر من فردوس الأخبار وكنزالعمال ومجمع الزوائد وقد وثقها الهيثمي، ونضيف إليها هنا من سنن أبي داود:2/418:

... إن عرشه علي سمواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه وعرشه فوق سمواته وساق الحديث.. وقال عبد الأعلي وابن المثني وابن بشار عن يعقوب بن عتبة وجبير بن محمد بن جبير عن أبيه عن جده والحديث بإسناد أحمد بن سعيد هو الصحيح وافقه عليه جماعة منهم يحيي بن معين

وعلي بن المديني ورواه جماعة عن ابن إسحاق كما قال أحمد أيضاً وكان سماع عبد الأعلي وابن المثني وابن بشار من نسخة واحدة فيما بلغني.

فردوس الأخبار للديلمي:1/220:

جبير بن معطم: إن الله عز وجل فوق عرشه وعرشه فوق سمائه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب!

الهيثمي في مجمع الزوائد:10/398:

وعن أبي أمامة عن النبي(ص)قال: سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة وإن أهل الفردوس ليسمعون أطيط العرش. رواه الطبراني وفيه جعفر بن الزبير وهو متروك. انتهي. ورواه في كنز العمال:2/73

وفي كنز العمال:1/224:

ويحك إنه لا يستشفع بالله علي أحد إن شاء والله أعظم من ذلك. ويحك أتدري ما الله؟ إن الله فوق عرشه وعرشه علي سمواته، وأرضه مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. د عن جبير بن مطعم. ورواه في: 10/363 وروي في/367

إن كرسيه وسع السماوات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من شقه بز. انتهي. أي من مسافة بعيدة!

وفي كنز العمال:14/469:

إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. ابن مردويه عن أبي أمامة.

تاريخ بغداد:4/39:

... عن جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده. قال: جاء أعرابي إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس وجاع العيال وهلكت الأموال فاستسق لنا ربك فإنا نستشفع بالله عليك وبك علي الله. فقال النبي (ص): سبحان الله سبحان الله فما زال يسبح حتي عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال له: ويحك ما تدري ما الله، إن شأنه أعظم من ذلك، إنه لا يستشفع به علي أحد، إنه لفوق سماواته علي عرشه، وإنه عليه هكذا وأشار بيده مثل القبة، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب.

معني الاطيط

هامش

سنن أبي داود:2/418: أط الرحل: صوت أي أصدر صوتاً هو كصوت الطقطقة.

وقال ابن الاثير في النهاية:1/54 في معني أطت السماء: الأطيط: صوت الأقتاب، وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها... وإنما هو كلام تقريب أريد به تقرير عظمة الله تعالي... إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.

و قالوا العرش مطوق بحية تحميه

العقد الفريد لابن عبد ربه:6/208:

ومن حديث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحية، والوحي ينزل في السلاسل.

و قالوا الشمس تذهب كل يوم إلي تحت العرش

صحيح البخاري:3 جزء 6/30:

عن أبي ذر... قال كنت مع النبي (ص) في المسجد عند غروب الشمس فقال: يا أبا ذر أتدري أين تغرب الشمس... قال فإنها تذهب حتي تسجد تحت العرش. انتهي. ورواه الشوكاني في فتح القدير:4/494.

صحيح البخاري:4 جزء 8/178:

عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر قال: سألت النبي (ص) عن قوله والشمس تجري لمستقر لها... قال مستقرها تحت العرش... ونحوه في فردوس الأخبار للديلمي: 5/133.

وفي صحيح مسلم:1/96:

عن أبي ذر أن النبي (ص) قال يوماً أتدرون أين تذهب هذه الشمس؟ قالوا الله ورسوله أعلم قال: إن هذه تجري حتي تنتهي إلي مستقرها تحت العرش فتخر ساجدة... فقال لها ارتفعي أصحبي طالعة من مغربك..

و قالوا حملة العرش ملائكة صوفية

فردوس الأخبار للديلمي:5/26:

ابن مسعود: نزل جبريل في بعض الليل فقعد فمسحت يدي علي ظهره فأصبت الشعر فقلت: يا جبريل ما هذا الشعر؟ قال الصوف، قلت: سبحان الله، الملائكة يلبسون الصوف؟ قال: نعم يا محمد، والله للباس حملة العرش الصوف.

و قالوا حملة العرش يتكلمون بالفارسية

المصنف لابن أبي شيبة:7/160:

عن أبي أمامة قال: إن الملائكة الذين يحملون العرش يتكلمون بالفارسية.

و قالوا جبل لبنان من حملة العرش

مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 1/288:عن أبي الزاهرية قال: أنبئنا: جبل لبنان أحد حملة العرش الثمانية يوم القيامة.

و قالوا حملة العرش حيوانات كما في التوراة

سنن ابن ماجة:1/69:

حدثنا محمد بن يحيي ثنا محمد بن الصباح ثنا الوليد بن أبي ثور الهمداني، عن سماك، عن عبدالله بن عميرة، عن الأحنف بن قيس، عن العباس بن عبد المطلب، قال: كنت بالبطحاء في عصابة وفيهم رسول الله(ص)، فمرت به سحابة فنظر إليها فقال: ما تسمون هذه؟ قالوا السحاب، قال والمزن، قالوا والمزن، قال والعنان، قال أبو بكر قالوا والعنان، قال كم ترون بينكم وبين السماء؟ قالوا لا ندري، قال فإن بينكم وبينها إما واحداً أو اثنين أو ثلاثاً وسبعين سنة، والسماء فوقها كذلك، حتي عد سبع سموات، ثم فوق السماء السابعة بحر بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلي سماء، ثم فوق ذلك ثمانية أوعال بين أظلافهن وركبهن كما بين سماء إلي سماء، ثم علي ظهورهن العرش بين أعلاه وأسفله كما بين سماء إلي سماء، ثم الله فوق ذلك تبارك وتعالي!

فردوس الأخبار للديلمي:5/130:

العباس بن عبد المطلب: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية: ثمانية أملاك في صورة الأوعال، ما بين ظلف أحدهم وركبته مسيرة خمسمائة عام. انتهي.

حياة الحيوان للدميري:2/428:

عن عروة بن الزبير (رض) قال: حملة العرش أحدهم علي صورة إنسان، والثاني علي صورة ثور، والثالث علي صورة نسر، والرابع علي صورة أسد.

تفسير الطبري:1/118:

عن شعيب الجبائي قال: في كتاب الله (يقصد التوراة) الملائكة حملة العرش لكل ملك منهم وجه إنسان وثور وأسد، فإذا حركوا أجنحتهم فهو البراق..

كتاب الحيوان للجاحظ: 6/221 _ 222:

روي تصديق النبي (ص) لأمية بن أبي الصلت حين أنشده:

رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للاخري

وليث مرصد

وقال في هامش:1/222 وفي الإصابة 549 عن ابن عباس أن النبي (ص) أنشد هذا البيت فقال: صدق. هكذا صفة حملة العرش..

و قالوا جالس علي كرسيه و غائب عن العالم

مجمع الزوائد:1/86:

وعن ابن مسعود (رض) أنه قال: ما بين سماء الدنيا والتي تليها مسيرة خمسمائة عام، وما بين كل سماءين خمسمائة عام، وما بين السماء السابعة والكرسي مسيرة خمسمائة عام، وما بين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش علي الماء والله جل ذكره علي العرش يعلم ما أنتم عليه. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

و قالوا جالس علي العرش و حوله الأنبياء علي كراسي

المصنف لابن أبي شيبة:2/58:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أتاني جبريل وفي يده كالمرآة البيضاء... قال (جبريل) لأن ربك تبارك وتعالي اتخذ في الجنة وادياً من مسك أبيض، فإذا كان يوم الجمعة هبط من عليين علي كرسيه تبارك وتعالي ثم حف كرسيه منابر من ذهب مكللة بالجواهر ثم يجي النبيون حتي يجلسوا عليها.

وروي السيوطي حديث المرآة عن الدارقطني في: 6/290 وروي رواية لقيط مفصلة عن زوائد عبد الله بن أحمد بن حنبل...

تهذيب الكمال: 16/423:

أخبرنا أبوالحسن ابن البخاري... أخبرنا أبو حفص بن طبرزد... عن سعيد بن المسيب: أنه لقي أبا هريرة فقال أبو هريرة: أسأل الله أن يجمع بيني وبينك في سوق الجنة. فقال سعيد: أو فيها سوق؟ قال أبو هريرة: نعم، أخبرني رسول الله (ص): أن أهل الجنة إذا دخلوها فنزلوا فيها بفضل أعمالهم فيؤذن لهم في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا فيرون الله، ويبرز لهم عرشه، ويتبدا لهم في روضة من رياض الجنة، فيوضع لهم منابر من ذهب ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم وما فيهم دني علي كثبان المسك والكافور، لا يرون أن أصحاب الكراسي أفضل منهم مجلساً.

قال أبو هريرة: وهل نري ربنا يا رسول الله قال: نعم، هل تمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا، قال: كذلك

لا تمارون في رؤية ربكم عز وجل. ولا يبقي في ذلك المجلس أحد إلا حاضره الله محاضرة، حتي إنه ليقول للرجل منهم: يا فلان بن فلان. أتذكر يوم عملت كذا وكذا، فيذكره بعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلي بسعة مغفرتي بلغت منزلتك هذه.

قال فبيناهم علي ذلك غشيتهم سحابة من فوقهم فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط، قال: ثم يقول ربنا عز وجل: قوموا إلي ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. قال: فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، فيه ما لم تنظر العيون إلي مثله. ولم يخطر علي القلوب، قال: فيحمل لنا ما اشتهينا، ليس يباع فيه شئ ولا يشتري، في ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضاً. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة الرفيعة فيلقي من هو دونه وما فيهم يعني دني، فيروعه ما يري يعني عليه من اللباس، فما يتقضي آخر حديثه حتي يتمثل عليه أحسن منه، وذلك أنه لا ينبغي لاحد أن يحزن فيها، قال: ثم ننصرف إلي منازلنا فنلقي أزواجنا، فيقولون (فيقلن): مرحباً وأهلاً بحبنا لقد جئت وإن بك من الجمال والطيب أفضل مما فارقتنا عليه، قال: فنقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار عز وجل ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. رواه الترمذي عن محمد بن إسماعيل البخاري، عن هشام بن عمار، عنه، فوقع لنا بدلاً عالياً بدرجتين وليس عنده غيره، وقال: غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. ورواه ابن ماجة عن هشام بن عمار. فوافقناه فيه بعلو. (سنن ابن ماجة:2/1450)

هشام بن عمار صاحب حديث الكراسي حول العرش

سير أعلام النبلاء:11/420:

هشام بن عمار، الإمام الحافظ العلامة المقرئ عالم أهل الشام، أبو الوليد السلمي ويقال الظفري

خطيب دمشق، نقل عنه الباغندي قال: ولدت سنة ثلاث وخمسين ومئة، وسمع من مالك وتمت له معه قصة...

وحدث عنه بشر كثير وجم غفير... وعدة سواهم مذكورين في تهذيب الكمال وفي تاريخ دمشق. فلقد كان من أوعية العلم...

وروي عنه: أبو عبيد القاسم بن سلام، ومات قبله بنيف وعشرين سنة، ومحمد بن سعد ومات قبله ببضع عشرة سنة، ومؤمل بن الفضل الحراني كذلك، ويحيي بن معين، كذلك وحدث عنه من كبار شيوخه: الوليد بن مسلم، ومحمد بن شعيب ابن شابور...

وحدث عنه من أصحاب الكتب: البخاري، وأبوداود، والنسائي، وابن ماجة، وروي الترمذي عن رجل عنه، ولم يلقه مسلم، ولا ارتحل إلي الشام، ووهم من زعم أنه دخل دمشق.

... وكان خطيباً بدمشق رزق كبر السن وصحة العقل والرأي، فارتحل الناس إليه في نقل القراءة والحديث.

... فلما توفي ابن ذكوان سنة اثنتين وأربعين، اجتمع الناس علي إمامة هشام بن عمار في القراءة والنقل.

قال صالح بن محمد جزرة: كان هشام بن عمار يأخذ علي الحديث، ولا يحدث ما لم يأخذ... كنت شارطت هشاماً أن أقرأ عليه بانتخابي ورقة، فكنت آخذ الكاغد الفرعوني وأكتب مقرمطاً، فكان إذا جاء الليل، أقرأ عليه إلي أن يصلي العتمة، فإذا صلي العتمة، يقعد وأقرأ عليه، فيقول: يا صالح ليس هذه ورقة، هذه شقة!

... قال: وكان يأخذ علي كل ورقتين درهما ويشارط ويقول إن كان الخط دقيقاً، فليس بيني وبين الدقيق عمل.

قال أبوبكر المروذي: ذكر أحمد بن حنبل هشام بن عمار، فقال: طياش خفيف.

خيثمة: سمعت محمد بن عوف، يقول: أتينا هشام بن عمار في مزرعة له، وهو قاعد علي مورج له وقد انكشفت سوءته، فقلنا: يا شيخ غط

عليك. فقال: رأيتموه لن ترمد عينكم أبداً، يعني يمزح.

قال الحافظ محمد بن أبي نصر الحميدي: أخبرني بعض أصحاب الحديث ببغداد أن هشام بن عمار قال: سألت الله تعالي سبع حوائج، فقضي لي منها ستاً، والواحدة ما أدري ما صنع فيها. سألته أن يغفر لي ولوالدي فما أدري، وسألته أن يرزقني الحج ففعل، وسألته أن يعمرني مئة سنة ففعل. قلت: إنما عاش اثنتين وتسعين سنة.

ثم قال: وسألته أن يجعلني مصدقاً علي حديث رسول الله(ص)، ففعل.

وسألته أن يجعل الناس يغدون إلي في طلب العلم ففعل.

وسألته أن أخطب علي منبر دمشق ففعل.

وسألته أن يرزقني ألف دينار حلالاً ففعل.

قال: فقيل له: كل شئ قد عرفناه، فألف دينار حلال من أين لك؟ فقال: وجه المتوكل بعض ولده ليكتب عني لما خرج إلينا،يعني لما سكن دمشق، وبني له القصر بداريا. قال: ونحن نلبس الأزر، ولا نلبس السراويلات فجلست فانكشف ذكري، فرآه الغلام فقال: إستتر يا عم. قلت رأيته قال: نعم. قلت: أما إنه لا ترمد عينك أبداً إن شاء الله!

قال: فلما دخل علي المتوكل ضحك، قال فسأله فأخبره بما قلت له، فقال: فأل حسن تفاءل لك به رجل من أهل العلم! احملوا إليه ألف دينار، فحملت إلي فأتتني من غير مسألة، و لا استشراف نفس. فهذه حكاية منقطعة. ولعلها جرت.

وذكر الذهبي قصته مع مالك في/428 فقال:

قال أبوبكر محمد بن سليمان الربعي: حدثنا محمد بن الفيض الغساني، سمعت هشام بن عمار يقول: باع أبي بيتاً له بعشرين ديناراً، وجهزني للحج، فلما صرت إلي المدينة، أتيت مجلس مالك، ومعي مسائل أريد أن أسأله عنها. فأتيته، وهو جالس في هيئة الملوك وغلمان قيام والناس يسألونه

وهو يجيبهم! فلما انقضي المجلس قال لي بعض أصحاب الحديث: سل عن ما معك، فقلت له: يا أبا عبدالله ما تقول في كذا وكذا؟ فقال: حصلنا علي الصبيان، يا غلام احمله! فحملني كما يحمل الصبي وأنا يومئذ غلام مدرك، فضربني بدرة مثل درة المعلمين سبع عشرة درة، فوقفت أبكي فقال لي: ما يبكيك أوجعتك هذه الدرة؟ قلت: إن أبي باع منزله ووجه بي أتشرف بك وبالسماع منك فضربتني! فقال: أكتب، قال: فحدثني سبعة عشر حديثاً، وسألته عما كان معي من المسائل فأجابني!

قال يعقوب بن إسحاق الهروي، عن صالح بن محمد الحافظ: سمعت هشام بن عمار، يقول: دخلت علي مالك فقلت له حدثني، فقال: إقرأ، فقلت: لا بل حدثني، فقال إقرأ، فلما أكثرت عليه، قال: يا غلام تعال اذهب بهذا فاضربه خمسة عشر، فذهب بي فضربني خمس عشرة درة، ثم جاء بي إليه فقال قد ضربته، فقلت له: لم ظلمتني ضربتني خمس عشرة درة بغير جرم، لا أجعلك في حل، فقال مالك فما كفارته قلت: كفارته أن تحدثني بخمسة عشر حديثاً. قال: فحدثني بخمسة عشر حديثاً. فقلت له: زد من الضرب، وزد في الحديث، فضحك مالك، وقال: اذهب!

قال الخليلي: سمعت علي بن أحمد بن صالح المقرئ، حدثنا الحسن بن علي الطوسي، سمعت محمد بن طرخان، سمعت هشام بن عمار، يقول: قصدت باب مالك، فهجمت عليه بلا إذن فأمر غلاماً له، حتي ضربني سبعة عشر ضرب السلاطين. وأخرجت! فقعدت علي بابه أبكي، ولم أبك للضرب بل بكيت حسرة، فحضر جماعة قال فقصصت عليهم، فشفعوا في، فأملي علي سبعة عشر حديثاً... قلت: لم يخرج له الترمذي سوي حديث سوق الجنة ثم قال عبدان: ما كان في

الدنيا مثله.

قال ابن حبان البستي: كانت أذناه لاصقتين برأسه، وكان يخضب بالحناء.

وقال في هامشه: أخرجه الترمذي (2549) باب ما جاء في سوق الجنة، من طريق محمد بن إسماعيل، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا عبدالحميد بن حبيب بن أبي العشرين، حدثنا الأوزاعي، حدثنا حسان بن عطية، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، عن رسول الله(ص). وقال أبو عيسي الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

ونصه بتمامه: إن أهل الجنة إذا دخلوها، نزلوا فيها بفضل أعمالهم، ثم يؤذن في مقدار يوم الجمعة من أيام الدنيا، فيزورون ربهم، ويبرز لهم عرشه، ويتبدي لهم في روضة من رياض الجنة، فتوضع لهم منابر من نور، ومنابر من ذهب، ومنابر من فضة، ويجلس أدناهم-وما فيهم من دني-علي كثبان المسك والكافور، وما يرون أن أصحاب الكراسي بأفضل منهم مجلساً. قال أبو هريرة: قلت: يا رسول الله، وهل نري ربنا؟ قال: نعم، قال: هل تتمارون في رؤية الشمس والقمر ليلة البدر قلنا: لا. قال: كذلك لا تمارون في رؤية ربكم، ولا يبقي في ذلك المجلس رجل إلا حاضره الله محاضرة، حتي يقول للرجل منهم: يا فلان ابن فلان، أتذكر يوم كذا وكذا، فيذكره ببعض غدراته في الدنيا، فيقول: يا رب، أفلم تغفر لي؟ فيقول: بلي، فسعة مغفرتي بلغت بك منزلتك هذه.

فبينما هم علي ذلك، غشيتهم سحابة من فوقهم، فأمطرت عليهم طيباً لم يجدوا مثل ريحه شيئاً قط. ويقول ربنا، تبارك وتعالي: قوموا إلي ما أعددت لكم من الكرامة، فخذوا ما اشتهيتم. فنأتي سوقاً قد حفت به الملائكة، وفيه ما لم تنظر العيون إلي مثله ولم تسمع الأذان ولم يخطر علي القلوب، فيحمل لنا ما اشتهينا،

ليس يباع فيها ولا يشتري. وفي ذلك السوق يلقي أهل الجنة بعضهم بعضا. قال: فيقبل الرجل ذو المنزلة المرتفعة، فيلقي من هو دونه _ وما فيهم دني _ فيروعه ما يري عليه من اللباس، فما ينقضي آخر حديثه حتي يتخيل إليه ما هو أحسن منه، وذلك أنه ما ينبغي لأحد أن يحزن فيها.

ثم ننصرف إلي منازلنا، فيتلقانا أزواجنا، فيقلن: مرحباً وأهلاً، لقد جئت وإن بك من الجمال أفضل مما فارقتنا عليه، فيقول: إنا جالسنا اليوم ربنا الجبار، ويحقنا أن ننقلب بمثل ما انقلبنا. وأخرجه ابن ماجة (4336) عن هشام بن عمار به.

و قالوا جنة عدن مسكن الله تعالي و عرشه فيه

وقد تقدمت أحاديثها في الفصل الخامس عن عمر وكعب وأبي موسي الأشعري، ومنها ما رواه السيوطي في الدر المنثور:4/254.

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن فيها خيار الأنهار والأثمار.

تفسير الطبري:15/94:

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لاينظر فيه أحد غيره، فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة: النبيين والصديقين والشهداء..ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته..

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:10/154:

وعن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): ينزل الله تبارك وتعالي في آخر ثلاث ساعات بقين من الليل فينظر في الساعة الأولي في الكتاب الذي لا ينظر فيه غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، وينظر في الساعة الثانية في جنة عدن وهي مسكنه التي لا

يكون فيها معه إلا الأنبياء والشهداء والصديقون، وفيها ما لم يره أحد ولا خطر علي قلب بشر، ثم يهبط آخر ساعة من الليل فيقول ألا مستغفر يستغفرني فأغفر له، ألا سائل يسئلني فأعطيه، ألا داع يدعوني. ولذلك قال الله: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، فيشهده الله والملائكة. رواه الطبراني في الكبير والأوسط والبزاز بنحوه. وفيه زيادة بن محمد الأنصاري، وهو منكر الحديث.

و روينا ورووا أن الفردوس مسكن إبراهيم و آله و محمد و آله

روي النسائي في سننه:4/12 عن فاطمة الزهراء عليها السلام أن الفردوس مسكن النبي (صلي الله عليه وآله)، ولم يذكر أنها مسكن الله تعالي. قال: عن أنس أن فاطمة بكت علي رسول الله(ص)حين مات فقالت: يا أبتاه من ربه ما أدناه، يا أبتاه إلي جبريل ننعاه، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه. وروي ذلك غيره أيضاً.

وفي كنز العمال:2/274:

عن الأصبغ بن نباتة قال: سمعت علياً يقول: ألا إن لكل شئ ذروة، وإن ذورتنا جبال الفردوس في بطنان الفردوس قصراً من لؤلؤة بيضاء وصفراء من عرق واحد، وإن في البيضاء سبعين ألف قصر، منازل إبراهيم وآل إبراهيم، فإذا صليتم علي محمد فصلوا علي إبراهيم وآل إبراهيم. خط في تلخيص المتشابه.

وقال القسطلاني في إرشاد الساري:5/38:

فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة أي أفضلها، قال: وفوقه عرش الرحمن. انتهي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/162 حديثاً غريباً طريفاً لطيفا، قال: عمر بن الخطاب: فاطمة وعلي والحسن والحسين في حظيرة القدس في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن عز وجل.

و قالوا أرواح الشهداء في حواصل طيور في قناديل معلقة بالعرش

صحيح مسلم:6/38:

عن مسروق قال سألنا عبد الله عن هذه الآية: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ، قال: أما إنا قد سألناه عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلي تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعةً فقال هل تشتهون شيئاً؟ قالوا أي شئ نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل ذلك بهم ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتي نقتل في سبيلك مرة أخري، فلما

رأي أن ليس لهم حاجة، تركوا.

وروي الدميري في حياة الحيوان:1/657:

أرواح الشهداء في حواصل طيور خضر ترعي في الجنة وتأوي إلي قناديل معلقة تحت العرش. قال شيخنا: أولئك شهداء السيوف، وأما شهداء الصفوة فأجسادهم أرواح!

وقال الدارمي في سننه:2/206:

عن مسروق قال سألنا عبدالله عن أرواح الشهداء ولو لا عبدالله لم يحدثنا أحد، قال: أرواح الشهداء عند الله يوم القيامة في حواصل طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش (ترعي) أي الجنة حيث شاءت، ثم ترجع إلي قناديلها فيشرف عليهم ربهم فيقول: ألكم حاجة تريدون شيئاً، فيقولون لا، إلا أن نرجع إلي الدنيا فنقتل مرة أخري. انتهي. وروي نحوه ابن ماجة في:1/466 و:2/936 وأبو داود:1/566 والترمذي في:4/299 وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأحمد:1/265 وص 386 والحاكم ج2/88 وص 297 وابن منصور في سننه:2/216 والبيهقي في سننه:9/163 والهيثمي في مجمع الزوائد:6/328 والهيثمي في:5/298 والهندي في كنز العمال:4/308 وص 403 وص 413 وص 414 وج 13/481

ورد أهل البيت حديث القناديل و حواصل الطيور

الكافي:3/244:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: جعلت فداك يروون أن أرواح المؤمنين في حواصل طيور خضر حول العرش؟ فقال: لا، المؤمن أكرم علي الله من أن يجعل روحه في حوصلة طير، ولكن في أبدان كأبدانهم.

الكافي:3/245:

محمد، عن أحمد، عن الحسين بن سعيد، عن أخيه الحسن، عن زرعة، عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إنا نتحدث عن أرواح المؤمنين أنها في حواصل طيور خضر ترعي في الجنة وتأوي إلي قناديل تحت العرش، فقال: لا، ما هي في حواصل طير، قلت: فأين هي قال: في روضة كهيئة الأجساد في الجنة. انتهي.

وروي نحوه الطوسي في تهذيب الأحكام:1/466

واختلفت رواياتهم فيما هو مكتوب علي العرش

تاريخ بغداد:11/173:

عن أنس بن مالك قال قال النبي (ص): لما عرج بي رأيت علي ساق العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أيدته بعلي، نصرته بعلي.

لسان الميزان:2/484:

وحدثنا محمد بن عثمان ثنا زكريا بن يحيي الكسائي ثنا يحيي بن سالم ثنا أشعث بن عم الحسن بن صالح ثنا مسعر عن عطية العوفي عن جابر (رض) مرفوعاً: مكتوب علي باب الجنة لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي. قال أبو نعيم الحافظ حدثنا أبو علي بن الصواف ومحمد بن علي بن سهل وسليمان الطبراني والحسن بن علي بن الخطاب قالوا: ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة فساقه بنحوه، لكن لفظه علي باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله قبل أن يخلق الله السموات بألفي عام، ساقه الخطيب عن أبي نعيم في ترجمة الحسن هذا، وقد روي الكسائي عن ابن فضيل وجماعة، وقال النسائي والدارقطني متروك. انتهي. وقد تقدم في ترجمة أشعث ابن عم الحسن بن صالح لهذا الرجل ذكر بالتشيع، وسيأتي كلام ابن عداء فيه في ترجمة علي بن القاسم.

الجواهر الحسان للثعالبي:1/67:

وقالت طائفة إن آدم رأي مكتوباً علي ساق العرش: محمد رسول الله، فتشفع به، فهي الكلمات..

لسان الميزان:3/237:

ومن أباطيله عن خالد بن أبي عمرو الازدي عن الكلبي عن أبي صالح عن أبي هريرة (رض) قال: مكتوب علي العرش لاإله إلا الله، محمد عبدي ورسولي أيدته بعلي.

ميزان الاعتدال:3/182:

عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني. عن أبيه وغيره. كذبه ابن معين. وقال النسائي والدارقطني: متروك. وقال ابن عدي: يسرق الحديث... وقال

ابن جرير الطبري: حدثنا عمر بن إسماعيل، حدثنا ابن فضيل، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء مرفوعاً: رأيت ليلة الإسراء جريدة خضراء فيها مكتوب بنور: لا إله إلا الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق. تابعه السري بن عاصم.

فردوس الأخبار للديلمي:4/410:

البراء بن عازب: مكتوب علي العرش لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبي بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان الشهيد، علي الرضا.

فردوس الأخبار للديلمي:5/468:

تحشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدم، فتتعلق بقائمة من قوائم العرش فتقول: يا عدل، أحكم بيني وبين قاتل ولدي، فيحكم لابنتي ورب الكعبة.

لسان الميزان:3/423:

عبدالرحمن بن عفان... قال ابن الجنيد سمعت يحيي بن معين وذكر أبابكر بن عفان ختن مهدي بن حفص فقال: كذاب مكذب رأيت له حديثاً حدث به عن أبي إسحاق الفزاري كذباً.

قلت: وله خبر آخر عن محمد بن محمد بن الصائغ عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده مرفوعاً: لما أسري بي رأيت علي العرش مكتوباً لا إله إلا الله محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين، يقتل ظلماً. رواه الختلي في الديباج عنه، والمتهم به صاحب الترجمة.

الموضوعات:1/327:

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد قال أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرني أحمد بن عمر بن علي القاضي قال: أنبأنا أحمد بن علي بن محمد بن الجهم قال: حدثنا محمد بن جرير الطبري قال: حدثني عمر بن إسماعيل بن مجالد قال: حدثنا ابن فضيل عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء عن النبي(ص)قال: رأيت ليلة أسري بي في العرش فرندة خضراء فيها مكتوب بنور أبيض: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر

الفاروق. هذا حديث لا يصح، والمتهم به عمر بن اسماعيل، قال يحيي: ليس بشئ كذاب دجال سوء خبيث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث.

الموضوعات:1/336:

أنبأنا عبدالرحمن بن محمد القزاز قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أنبأنا القاضي أبوالفرج محمد بن أحمد بن الحسن الشافعي قال: حدثنا أبوبكر أحمد بن جعفر بن مالك القطيعي قال: حدثنا أحمد ابن محمد القاضي قال: حدثنا الاحتياطي قال: حدثنا علي بن جميل، عن جرير بن عبدالحميد، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): ما في الجنة شجرة إلا مكتوب علي ورقة محمد رسول الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين. اسم الإحتياطي الحسن بن عبد الرحمن بن عباد أبو علي.

قال أبوحاتم بن حبان: هذا باطل موضوع، وعلي بن جميل كان يضع الحديث لا تحل الرواية عنه بحال...

أنبأنا أبو منصور القزاز قال: أنبأنا أبوبكر أحمد بن علي ابن ثابت قال: أنبأنا محمد بن عبيدالله الحنائي قال: أنبأنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: أنبأنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال: حدثنا أبوبكر عبدالرحمن بن عنان الصوفي قال: حدثنا محمد بن مجيب الصائغ قال: حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن جده قال قال رسول الله (ص): ليلة أسري بي رأيت علي العرش مكتوباً لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبو بكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذو النورين يقتل مظلوماً. هذا حديث لا يصح عن رسول الله(ص). وأبو بكر الصوفي ومحمد بن مجيب كذابان، قاله يحيي بن معين.

لسان الميزان:2/295:

وقال الهيثم بن خلف حدثنا الحسن بن عبدالرحمن الاحتياطي، ثنا جرير، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال

رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ليس في الجنة شجرة إلا علي كل ورقة منها مكتوب لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أبوبكر الصديق، عمر الفاروق، عثمان ذوالنورين. قلت: هذا باطل والمتهم به الحسين. انتهي. وكذا في ميزان الاعتدال:1/540 ونحوه في لسان الميزان:6/61 وميزان الاعتدال: 4/145 وفي كتاب المجروحين:1/116 وقال أخبرناه الحسن بن عبدالله بن يزيد القطان بالرقة قال: حدثنا علي بن جميل. وهذان خبران باطلان موضوعان لا شك فيه، وله مثل هذا أشياء كثيرة يطول الكتاب بذكرها. ومات علي بن جميل بالرقة سنة تسع وأربعين ومائتين. ونحوه في المجروحين: 1/366

نهج الحق للعلامة الحلي/252:

وقد ذكرت في كتاب: كشف اليقين في فضائل أمير المؤمنين: أن الفضائل إما قبل ولادته، مثل ما روي أخطب خوارزم، من علماء الجمهور، عن ابن مسعود، قال: قال رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم): لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه عطس آدم، فقال: الحمد لله، فأوحي الله تعالي إليه حمدني عبدي، وعزتي وجلالي لو لا عبدان أريد أن أخلقهما في دار الدنيا ما خلقتك، قال: إلهي فيكونان مني قال: نعم يا آدم، ارفع رأسك، وانظر، فرفع رأسه، فإذا مكتوب علي العرش: لا إله إلا الله، محمد نبي الرحمة، وعلي مقيم الحجة، من عرف حق علي زكا وطاب، ومن أنكر حقه لعن وخاب، أقسمت بعزتي وجلالي: أن أدخل الجنة من أطاعه، وإن عصاني، وأقسمت بعزتي: أن أدخل النار من عصاه وإن أطاعني. والأخبار في ذلك كثيرة.

وقال في هامشه: رواه في المناقب، بسنده عن الاعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، كما في ينابيع المودة/11.

و قالوا إنه تعالي أثقل من الحديد

الدر المنثور:6/3:

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر

وأبوالشيخ والحاكم وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ، قال: من الثقل. انتهي. أي من ثقل الله تعالي! وستأتي بقية رواياتهم عن أطيط العرش وصريره في تفسير آيات الإستواء علي العرش.

و قالوا يري بالعين في الآخرة و يناقش رجلا و يضحك عليه

صحيح البخاري:1/195:

(عن أبي هريرة) أن الناس قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟

قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟

قالوا: لا.

قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت، تبقي هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم. فيقولون: هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله فيقول: أنا ربكم. فيقولون: أنت ربنا؟! فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل و كلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم. وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا: نعم.

قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم ينجو، حتي إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله علي النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل!

ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد، ويبقي رجل بين الجنة والنار وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة مقبلاً بوجهه قبل النار، فيقول: يا رب إصرف وجهي عن النار قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها.

فيقول: هل عسيت إن فعل ذلك بك أن تسأل غير ذلك؟

فيقول: لا وعزتك، فيعطي الله ما يشاء من عهد وميثال فيصرف الله وجهه عن النار، فإذا أقبل به علي الجنة رأي بهجتها سكت ما شاء الله أن يسكت ثم قال: يا رب قدمني عند باب الجنة.

فيقول الله له: أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت: فيقول: يا رب لا أكون أشقي خلقك.

فيقول: فما عسيت أن أعطيت ذلك أن لا تسأل غيره.

فيقول: لا وعزتك لا أسأل غير ذلك، فيعطي ربه ما شاء من عهد و ميثاق فيقدمه إلي باب الجنة، فإذا بلغ بابها فرأي زهرتها وما فيها من النضرة والسرور فيسكت ما شاء الله أن يسكت فيقول: يا رب أدخلني الجنة.

فيقول الله تعالي: ويحك يا ابن آدم ما أغدرك، أليس قد أعطيت العهد والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت؟

فيقول: يا رب لا تجعلني أشقي خلقك، فيضحك الله عز وجل منه ثم يأذن له في دخول الجنة فيقول له: تمنَّ، فيتمني، حتي إذا انقطع أمنيته قال الله عز وجل: زد من كذا وكذا، وأقبل يذكره ربه عز وجل، حتي إذا انتهت به الأماني، قال الله تعالي: لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري لأبي هريرة رضي الله عنهما: إن رسول الله(ص)قال: قال الله عز و جل لك ذلك و عشرة أمثاله.

قال أبو هريرة: لم أحفظ من رسول الله صلي

الله عليه و سلم إلا قوله لك ذلك ومثله معه.

قال أبو سعيد الخدري: إني سمعته يقول ذلك لك وعشرة أمثاله.

وروي نحوه في:7/205 وفيه (فلا يزال يدعوا حتي يضحك، فإذا ضحك منه أذن له بالدخول فيها فإذا دخل فيها، قيل تمن من كذا فيتمني، ثم يقال له تمن من كذا فيتمني، حتي تنقطع به الأماني فيقول: هذا لك ومثله معه.

قال أبو هريرة: وذلك الرجل آخر أهل الجنة دخولاً. قال عطاء وأبو سعيد الخدري جالس مع أبي هريرة لا يغير عليه شيئاً من حديثه حتي انتهي إلي قوله هذا لك ومثله معه، قال أبو سعيد سمعت رسول الله(ص)يقول: هذا لك وعشرة أمثاله، قال أبو هريرة: حفظت مثله معه).وروي البخاري نحوه أيضاً في عدة مواضع من صحيحه كما في:1 جزء 1/138 و 143 و 195 وجزء 2/113-114 وج 3 جزء 6/48، 56 و 72 وج 4 جزء 7/198، 203، 204، 205 و 206 وج 4 جزء 8/179، 181، 184، 203 وج 5/179 وج 6 ص48 وج 8/ص 167، 179 و 186!!

و قالوا يكشف عن ساقه بل عن ساقيه و يعفو عن المنافقين

زاد مسلم علي البخاري إضافات وتفصيلات عن تجسد الله تعالي وعن شمول شفاعة النبي صلي الله عليه وآله للمنافقين والمشركين حتي لا يكاد يبقي في النار أحد! فقال في:1/112:

عن أبي سعيد الخدري أن ناساً في زمن رسول الله(ص)قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟

قال رسول الله (ص): نعم.

قال هل تضارون في رؤية الشمس بالظهيرة صحواً ليس معها سحاب؟ وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر صحواً ليس فيها سحاب؟

قالوا: لا يا رسول الله.

قال: ما تضارون في رؤية الله تبارك وتعالي يوم القيامة إلا كما تضارون في

رؤية أحدهما.

إذا كان يوم القيامة أذن مؤذن ليتبع كل أمة ما كانت تعبد، فلا يبقي أحد كان يعبد غير الله سبحانه من الأصنام والانصاب إلا يتساقطون في النار، حتي إذا لم يبق إلا من كان يعبدالله من بر وفاجر، وغير أهل الكتاب فيدعي اليهود فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد عزيراً بن الله، فيقال كذبتم ما اتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فماذا تبغون؟ قالوا عطشنا يا ربنا فاسقنا، فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلي النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

ثم يدعي النصاري فيقال لهم ما كنتم تعبدون؟ قالوا: كنا نعبد المسيح ابن الله، فيقال لهم كذبتم مااتخذ الله من صاحبة ولا ولد، فيقال لهم ماذا تبغون؟ فيقولون عطشنا يا ربنا فاسقنا، قال فيشار إليهم ألا تردون، فيحشرون إلي جهنم كأنها سراب يحطم بعضها بعضاً فيتساقطون في النار.

حتي إذا لم يبق إلا من كان يعبد الله تعالي من بر وفاجر أتاهم رب العالمين سبحانه وتعالي في أدني صورة من التي رأوه فيها.

قال فما تنتظرون، تتبع كل أمة ما كانت تعبد!

قالوا يا ربنا فارقنا الناس في الدنيا أفقر ما كنا إليهم ولم نصاحبهم.

فيقول أنا ربكم.

فيقولون نعوذ بالله منك لا نشرك بالله شيئاً، مرتين أو ثلاثاً!

حتي أن بعضهم ليكاد أن ينقلب فيقول هل بينكم وبينه آية فتعرفونه بها؟

فيقولون نعم، فيكشف عن ساق، فلا يبقي من كان يسجد لله من تلقاء نفسه إلا أذن الله له بالسجود، ولا يبقي من كان يسجد اتقاء ورياء، إلا جعل الله ظهره طبقة واحدة كلما أراد أن يسجد خر علي قفاه، ثم يرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته

التي رأوه فيها أول مرة فقال: أنا ربكم.

فيقولون أنت ربنا.

ثم يضرب الجسر علي جهنم، وتحل الشفاعة، ويقولون اللهم سلم سلم.

قيل يا رسول الله وما الجسر؟ قال دحض مزلة فيه خطاطيف وكلاليب وحسك تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان، فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح وكالطير وكأجاويد الخيل والركاب، فناج مسلم ومخدوش مرسل، ومكدوس في نار جهنم، حتي إذا خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما منكم من أحد بأشد منا شدة لله في استقصاء الحق من المؤمنين لله يوم القيامة لاخوانهم الذين في النار، يقولون ربنا كانوا يصومون معنا ويصلون ويحجون، فيقال لهم أخرجوا من عرفتم، فتحرم صورهم علي النار فيخرجون خلقاً كثيراً قد أخذت النار إلي نصف ساقيه وإلي ركبتيه، ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به، فيقول إرجعوا، فمن وجدتم في قلبه مثقال دينار من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال نصف دينار من خير فأخرجوه فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا أحداً، ثم يقول إرجعوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من خير فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً، ثم يقولون ربنا لم نذر فيها خيراً.

وكان أبو سعيد الخدري يقول: إن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقرؤوا إن شئتم: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا، فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لن يعملوا خيراً قط، قد عادوا حمماً فيلقيهم في

نهر في أفواه الجنة يقال له نهر الحياة، فيخرجون كما تخرج الحبة في حميل السيل، ألا ترونها تكون إلي الحجر أو إلي الشجر ما يكون إلي الشمس أصيفر وأخيضر وما يكون منها إلي الظل يكون أبيض، فقالوا يا رسول الله كأنك كنت ترعي بالبادية، قال فيخرجون كاللؤلؤ في رقابهم الخواتم يعرفهم أهل الجنة هؤلاء عتقاء الله الذين أدخلهم الله الجنة بغير عمل عملوه ولا خير قدموه، ثم يقول أدخلوا الجنة فما رأيتموه فهو لكم، فيقولون ربنا أعطيتنا مالم تعط أحداً من العالمين، فيقول لكم عندي أفضل من هذا فيقولون يا ربنا أي شئ أفضل من هذا؟ فيقول رضاي فلا أسخط عليكم بعده أبداً.

وروي مسلم عدداً من أحاديث الرؤية أيضاً في:2/113

وروي أبو داود في سننه نحو حديث البخاري المتقدم في:2/419

وروي أحمد في مسنده:3/383:... أخبرني أبوالزبير أنه سمع جابر بن عبدالله يسأل عن الورود قال: نحن يوم القيامة علي كذا وكذا أنظر أي ذلك فوق البأس، قال فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول من تنظرون؟ فيقولون ننتظر ربنا عز وجل، فيقول أنا ربكم، يقولون حتي ننظر إليك، فيتجلي لهم يضحك، قال سمعت النبي (ص)قال: فينطلق بهم ويتبعونه ويعطي كل إنسان منافق أو مؤمن نوراً، ثم يتبعونه وعلي جسر جهنم كلاليب وحسك تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافق ثم ينجو المؤمنون فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ أنجم في السماء، ثم كذلك، ثم تحل الشفاعة حتي يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء أهل

الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتي ينبتون نبات الشئ في السيل، ثم يسأل حتي يجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها.

ورواه ابن ماجه في سننه:1/63، 66، 590 وج 2/731 و 1450 وفيه (ويتبدي لهم في روضة من رياض الجنة... ويجلس أدناهم).

وأبو داود في سننه:2/420 وج 4/233-والترمذي:4/90 وج 4/92، 93، 95-والبغوي في المصابيح:3/533 وص 542 وص 569-وروي من أحاديث الرؤية في الآخرة ابن أبي شيبة في المصنف:2/58-والهيثمي في مجمع الزوائد:10/343-وابن الاثير في أسد الغابة:1/334-والهندي في كنز العمال:14/436 و446 و493-والبيقي في سننه:10/41 وفي البعث والنشور/262 وفي شعب الإيمان:3/202،

وقال في شعب الإيمان:3/99: عن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله أن الناس يجلسون يوم القيامة من الله علي قدر رواحهم إلي الجمعة، الأول ثم الثاني ثم الثالث. انتهي. ورواه الحاكم في المستدرك:4/560 و/582 مع تفاوت في التفاصيل. ورواه الطبري في تفسيره:25/94 وفي:29/26 وج 30/119، _ وقال في:29/24:

قال أبو الزهراء عن عبد الله يتمثل الله للخلق يوم القيامة..

وأورد السيوطي في الدر المنثور:6/290 عدداً وفيراً من أحاديث الرؤية قال: وأخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والنسائي والدارقطني في الرؤية والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال قال الناس يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة قال هل تضارون الشمس... الخ.

وأخرج الدار قطني في الرؤية عن أبي هريرة قال: سأل الناس رسول الله (ص)فقالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة قال هل تضارون... الخ. وفيه تفصيلات لا توجد في غيره.

وأخرج الدارقطني في الرؤية عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء الرب عز وجل إلي المؤمنين فوقف عليهم والمؤمنون علي

كوم فيقول هل تعرفون ربكم عز وجل فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيقول لهم الثانية هل تعرفون ربكم فيقولون إن عرفنا نفسه عرفناه فيتجلي لهم عز وجل فيضحك في وجوههم فيخرون له سجداً.

وأخرج النسائي والدار قطني وصححه عن أبي هريرة قال قلنا يا رسول الله هل نري ربنا... الخ.

وأخرج الدار قطني عن أبي هريرة أن النبي(ص)قال ترون الله عز وجل يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر... الخ.

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والدار قطني والحاكم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري قال قلنا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة... الخ.

وقال البخاري في:6/72:

عن أبي سعيد (رض) قال سمعت النبي(ص)يقول: يكشف ربنا عن ساقة فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ويبقي من كان يسجد في الدنيا رياء وسمعة فيذهب ليسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً. انتهي. ورواه في:8/181 وهو يشبه ما تقدم عن رؤية الله تعالي وفيه:

(فيقال لهم ما يحبسكم وقد ذهب الناس... وإنما ننتظر ربنا قال فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم فيقولون أنت ربنا فلا يكلمه إلا الأنبياء فيقول هل بينكم وبينه آية تعرفونه فيقولون الساق فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ويبقي من كان يسجد لله رياء وسمعة فيذهب كيما يسجد فيعود ظهره طبقاً واحداً). وروي نحوه في:3 جزء 6/72 وروي نحوه الدارمي في سننه:2/326 والحاكم في المستدرك:4/590 وج 4/599 وأحمد في:3/17 والهيثمي في مجمع الزوائد:10/329 وج 10/340 والهندي في كنز العمال:14/298 وص 441 والسيوطي في الدر المنثور:6/292-وقال الصنعاني في تفسيره:2/248-عن ابن مسعود في قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: يعني ساقيه تبارك وتعالي! وقال المنذري في

الترغيب والترهيب: 4/391:عن عبدالله ابن مسعود قال النبي (ص)... أن أمة محمد تبقي يوم القيامة تنتظر خروج ربها فلا يعرفونه إلا بكشف ساقه. انتهي. وقال في:5/369: ابن مسعود: يكشف ربنا عز وجل عن ساقه يوم القيامة.

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد:10/340:

وعن عبدالله بن مسعود عن النبي(ص)قال يجمع الله الأولين الآخرين لميقات يوم معلوم قياماً أربعين سنة شاخصة أبصارهم ينتظرون فصل القضاء، قال وينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلي الكرسي، ثم ينادي مناد أيها الناس ألم ترضوا من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً أن يولي كل أناس منكم ما كانوا يعبدون في الدنيا، أليس ذلك عدلاً من ربكم؟ قالوا بلي، قال فينطلق كل قوم إلي ما كانوا يعبدون ويقولون في الدنيا قال فينطلقون ويمثل لهم أشباه ما كانوا يعبدون فمنهم من ينطلق إلي الشمس ومنهم من ينطلق إلي القمر والأوثان من الحجارة وأشباه ما كانوا يعبدون، قال ويمثل لمن كان يعبد عيسي شيطان عيسي ويمثل لمن كان يعبد عزيراً شيطان عزير.

ويبقي محمد(ص)وأمته، قال فيتمثل الرب تبارك وتعالي فيأتيهم فيقول: ما لكم لا تنطلقون كانطلاق الناس؟ فيقولون إن لنا لالهاً ما رأيناه، فيقول هل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون إن بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناها، قال فيقول ما هي؟ فنقول يكشف عن ساقه، قال فعند ذلك يكشف عن ساقه فيخر كل من كان نظره، ويبقي قوم ظهورهم كصياصي البقر يريدون السجود فلا يستطيعون، وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون، ثم يقول ارفعوا رؤوسكم فيرفعون رؤسهم فيعطيهم نورهم علي قدر أعمالهم فمنهم من يعطي نوره مثل الجبل العظيم يسعي بين يديه، ومنهم من يعطي

نوره أصغر من ذلك، ومنهم من يعطي مثل النخلة بيده، ومنهم من يعطي أصغر من ذلك، حتي يكون آخرهم رجلاً يعطي نوره علي إبهام قدميه يضيء مرة ويطفأ مرة، فإذا أضاء قدم قدمه وإذا طفيء قام، قال والرب تبارك وتعالي أمامهم حتي يمر في النار فيبقي أثره كحد السيف، قال فيقول مروا فيمرون علي قدر نورهم، منهم من يمر كطرفة العين، ومنهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كالسحاب، ومنهم من يمر كانقضاض الكوكب، ومنهم من يمر كالريح، ومنهم من يمر كشد الفرس، ومنهم من يمر كشد الرحل، حتي يمر الذي يعطي نوره علي ظهر قدميه يجثو علي وجهه ويديه ورجليه تخرُّ يدٌ وتعلق يد، وتخر رجل وتعلق رجل، وتصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتي يخلص فإذا خلص وقف عليها فقال الحمد لله فقد أعطاني الله ما لم يعط أحداً إذ نجاني منها بعد إذ رأيتها، قال فينطلق به إلي غدير عند باب الجنة فيغتسل فيعود إليه ريح أهل الجنة وألوانهم، فيري ما في الجنة من خلل الباب فيقول رب أدخلني الجنة فيقول الله أتسأل الجنة وقد نجيتك من النار، فيقول رب اجعل بيني وبينها حجاباً لا أسمع حسيسها، قال فيدخل الجنة ويري أو يرفع له منزل أمام ذلك كأن ما هو فيه إليه حلم، فيقول رب أعطني ذلك المنزل فيقول له لعلك إن أعطيتكه تسأل غيره فيقول لا وعزتك لا أسألك غيره، وأني منزل أحسن منه، فيعطي فينزله ويري أمام ذلك منزلاً كأن ما هو فيه إليه حلم، قال رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالي له فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره، فيقول وعزتك يا رب وأني منزل يكون أحسن منه فيعطاه

وينزله ثم يسكت، فيقول الله جل ذكره مالك لا تسأل، فيقول رب قد سألتك حتي قد استحييتك وأقسمت حتي استحييتك، فيقول الله جل ذكره ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلي يوم أفنيتها وعشرة أضعافه، فيقول أتهزأ بي وأنت رب العزة؟ فيضحك الرب تبارك وتعالي من قوله!

قال فرأيت عبدالله بن مسعود إذا بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك، فقال له رجل يا أبا عبدالرحمن قد سمعتك تحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغت هذا المكان ضحكت، قال إني سمعت رسول الله(ص)يحدث هذا الحديث مراراً كلما بلغ هذا المكان من هذا الحديث ضحك حتي تبدو أضراسه، قال فيقول الرب جل ذكره لا ولكني علي ذلك قادر، سل فيقول ألحقني بالناس، فيقول الحق بالناس، قال فينطلق يرمل في الجنة حتي إذا دنا من الناس رفع له قصر من درة فيخر ساجداً، فيقال له إرفع رأسك مالك، فيقول رأيت ربي أو تراءي لي ربي، فيقال له إنما هو منزل من منازلك، قال ثم يلقي رجلاً فيتهيأ للسجود له فيقال له مه، فيقول رأيت أنك ملك من الملائكة، فيقول إنما أنا خازن من خزانك وعبد من عبيدك تحت يدي ألف قهرمان علي مثل ما أنا عليه، قال فينطلق أمامه حتي يفتح له القصر قال وهو من درة مجوفة سقائفها وأبوابها وأغلاقها ومفاتيحها منها تستقبله جوهرة خضراء مبطنة بحمراء فيها سبعون باباً كل باب يفضي إلي جوهرة خضراء مبطنة كل جوهرة تفضي إلي جوهرة علي غير لون الأخري في كل جوهرة سرر وأزواج ووصائف، أدناهن حوراء عيناء عليها سبعون حلة يري مخ ساقها من وراء حللها، كبدها مرآته وكبده مرآتها، إذا أعرض عنها إعراضة ازدادت في عينه

سبعين ضعفاً عما كانت قبل ذلك، فيقول لها والله لقد أزددت في عيني سبعين ضعفاً، وتقول له وأنت ازددت في عيني سبعين ضعفاً، يقال له أشرف فيشرف فيقال له ملكك مسيرة مائة عام ينفذه بصرك.

قال فقال عمر ألا تسمع ما يحدثنا ابن أم عبد يا كعب عن أدني أهل الجنة منزلاً فكيف أعلاهم؟ قال يا أمير المؤمنين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله جل ذكره خلق داراً جعل فيها ما شاء من الازواج والثمرات والاشربة ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه لا جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قال كعب: فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاءاً بما كانوا يعملون، قال وخلق دون ذلك جنتين وزينهما بما شاء وأراهما من شاء من خلقه، ثم قال من كان كتابه في عليين نزل في تلك الدار التي لم يرها أحد، حتي أن الرجل من أهل عليين ليخرج فيسير في ملكه فلا تبقي خيمة من خيم الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه، فيستبشرون لريحه فيقولون واهاً لهذا الريح هذا ريح رجل من أهل عليين قد خرج يسير في ملكه.

قال ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها، فقال كعب إن لجهنم يوم القيامة لزفرة ما من ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خرَّ لركبتيه، حتي أن إبراهيم خليل الله ليقول: رب نفسي نفسي حتي لو كان لك عمل سبعين نبياً إلي عملك لظننت أن لا تنجو... رواه كله الطبراني من طرق ورجال أحدها رجال الصحيح غير أبي خالد الدالاني وهو ثقة). انتهي.

ويدل هذا الحديث الذي وثقه الطبراني علي أن دار الخلافة بحضور الخليفة عمر كانت عامرة بمثل

هذه الأحاديث، وأن كعب الأحبار كان المرجع الذي يؤخذ برأيه! وتفصيل ذلك في الفصل الخامس.

وقال البغوي في مصابيحه:3/529:

وقال (ص): يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة. انتهي. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/369 ورواه السهمي في تاريخ جرجان/391

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/254:

قوله تعالي (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) الآية.. أخرج البخاري وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سعيد....

وأخرج ابن مندة في الرد علي الجهمية عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): يوم يكشف عن ساق، قال يكشف الله عز وجل عن ساقه.

وأخرج عبدالرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن ابن مسعود في قوله: يوم يكشف عن ساق، قال عن ساقيه تبارك وتعالي، قال ابن مندة: لعله في قراءة ابن مسعود يكشف بفتح الياء وكسر الشين.

وأخرج ابن مردويه عن كعب الحبر قال: والذي أنزل التوراة علي موسي والانجيل علي عيسي والزبور علي داود والفرقان علي محمد أنزلت هذه الآيات في الصلوات المكتوبات حيث ينادي بهن يوم يكشف عن ساق إلي قوله وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون الصلوات الخمس إذا نودي بها.

وأخرج إسحق بن راهويه في مسنده وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا والطبراني والاجري في الشريعة والدارقطني في الرؤية والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث عن عبدالله بن مسعود، عن النبي(ص) قال... الخ. ونحوه في الدر المنثور:5/341.

و حاول الصنعاني والنووي تخليص الله تعالي من كشف ساقه

تفسير الصنعاني: 2/247:

عن إبراهيم في قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قال: عن أمر عظيم وقال: قد قامت الحرب علي ساق. وقال إبراهيم... قال ابن عباس: يكشف عن ساق فيسجد كل مؤمن ويقسو ظهر الكافر فيكون عظماً واحداً.

وقال النووي في شرح مسلم:2

جزء 3/27:

قوله (ص) فيكشف عن ساق... أي يكشف عن شدة وأمر مهول... وكشف عن ساقه للإهتمام به. قال القاضي: وقيل المراد بالساق هنا نور عظيم.. وقيل قد يكون الساق علامة بينه وبين المؤمنين. انتهي.

وسوف نورد في تفسير آية: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، أن كشفت الحرب عن ساقها، أو كشف الأمر عن ساقه، في اللغة العربية تعبير عن حلول الأمر الشديد، وسنورد عدداً من الأحاديث التي فسرت الآية بذلك.

و قالوا إنه يجلس علي الجسر و يضع رجله علي الاخري

روي ابن أبي شيبة في المصنف:6/112:

عن الحكم قال: سألت أبا مجلز عن الرجل يجلس ويضع إحدي رجليه علي الأخري فقال: لا بأس به إنما هو شئ كرهته اليهود، قالوا إنه خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوي يوم السبت فجلس تلك الجلسة.

روي الديلمي في فردوس الأخبار:5/369:

عن ثوبان مولي النبي (ص): يقبل الجبار عز وجل يوم القيامة فيثني رجله علي الجسر!

وروي الذهبي في تاريخ الإسلام:9/520:

عثمان بن أبي عاتكة... روي عن أبي أمامة عن رسول الله (ص): إن الله يجلس يوم القيامة علي القنطرة الوسطي بين الجنة والنار.

الامام الصادق يقول إنها رواية يهودية

تفسير العياشي:1/137:

... عن حماد عنه (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) قال: رأيته جالساً متوركاً برجله علي فخذه فقال له رجل عنده: جعلت فداك هذه جلسة مكروهة، فقال: لا، إن اليهود قالت: إن الرب لما فرغ من خلق السموات والأرض جلس علي الكرسي هذه الجلسة ليستريح، فأنزل الله: الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم.

و قالوا لا تمتلي النار حتي يضع رجله فيه

صحيح البخاري:3 جزء 6/47:

... عن أنس (رض) عن النبي(ص)قال يلقي في النار وتقول هل من مزيد حتي يضع قدمه فتقول قط قط.

... عن أبي هريرة... يقال لجهنم هل امتلات وتقول هل من مزيد، فيضع الرب تبارك وتعالي قدمه عليها فتقول قط قط.. إلي آخر الرواية وفيها من مناظرة بين الجنة والنار.

... عن أبي هريرة (رض) قال قال النبي(ص)تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين، وقالت الجنة مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم، قال الله تبارك وتعالي للجنة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنار إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منهما ملؤها، فأما النار فلا تمتلي حتي يضع رجله فتقول قط قط، فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض.

صحيح البخاري:4 جزء 7/224:

عن أنس بن مالك: قال النبي (ص) لا تزال جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع رب العزة فيها قدمه فتقول قط قط.

صحيح البخاري:4 جزء 8/166:

وقال أنس قال النبي(ص)تقول جهنم قط قط وعزتك.

صحيح البخاري:4 جزء 8/167:

عن أنس عن النبي (ص) قال: لا يزال يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتي يضع فيها رب العزة قدمه فينزوي بعضها إلي بعض ثم تقول قد قد بعزتك.

صحيح

البخاري:4 جزء 8/186:

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال..وإنه ينشأ للنار من يشاء فيلقون فيها، فتقول هل من مزيد ثلاثاً، حتي يضع قومه فتمتلئ ويرد بعضها إلي بعض وتقول قط قط قط.

صحيح مسلم:8/151:

فأما النار فلا تمتلي فيضع قدمه عليها فتقول قط قط فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض... فأما النار فلا تمتلي حتي يضع الله تبارك وتعالي رجله تقول قط قط قط، فهنالك تمتلي ويزوي بعضها إلي بعض، ولا يظلم الله من خلقه أحداً. وأما الجنة فإن الله ينشيء لها خلقاً.

صحيح مسلم:8/152:

... جهنم تقول هل من مزيد حتي يضع فيها رب العزة تبارك وتعالي قدمه فتقول قط قط وعزتك، ويزوي بعضها إلي بعض...

... عن أنس بن مالك عن النبي(ص)أنه قال لا تزال جهنم يلقي فيها وتقول هل من مزيد حتي يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلي بعض وتقول قط قط بعزتك وكرمك. ولا يزال في الجنة فضل حتي ينشيء الله لها خلقاً فيسكنهم فضل الجنة.

سنن الترمذي:4/95:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون فيمثل لصاحب الصليب صليبه ولصاحب التصاوير تصاويره ولصاحب النار ناره، فيتبعون ما كانوا يعبدون، ويبقي المسلمون فيطلع عليهم رب العالمين فيقول: ألا تتبعون الناس؟ فيقولون: نعوذ بالله منك نعوذ بالله منك، الله ربنا وهذا مكاننا حتي نري ربنا، وهو يأمرهم ويثبتهم! قالوا: وهل نراه يا رسول الله قال: وهل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر قالوا: لا يا رسول الله قال: فإنكم لا تضارون في رؤيته تلك الساعة ثم يتواري، ثم يطلع فيعرفهم

نفسه ثم يقول: أنا ربكم فاتبعوني، فيقوم المسلمون ويوضع الصراط فيمر عليه مثل جياد الخيل والركاب وقولهم عليه سلم سلم، ويبقي أهل النار فيطرح منهم فيها فوج فيقال هل امتلات، فتقول هل من مزيد، ثم يطرح فيها فوج فيقال هل امتلات، فتقول هل من مزيد، حتي إذا أوعبوا فيها وضع الرحمن قدمه فيها وأزوي بعضها إلي بعض، ثم قال: قط. قالت: قط قط... هذا حديث حسن صحيح.

الطبري في تفسيره:26/105:

إن الله الملك قد سبقت منه كلمة لأملأن جهنم، لا يلقي فيها شئ إلا ذهب فيها لا يملؤها شئ حتي إذا لم يبق من أهلها أحد إلا دخلها، وهي لا يملؤها شئ، أتاها الرب فوضع قدمه عليها ثم قال لها: هل امتلات يا جهنم؟ فتقول قط قط قد امتلات، ملاتني من الجن والإنس، فليس فيَّ مزيد! قال ابن عباس ولم يكن يملؤها شئ حتي وجدت مس قدم الله تعالي ذكره. فتضايقت فما فيها موضع إبرة!!. انتهي. وروي نحوه الدارمي في سننه:2/341 والبيهقي في سننه:ص 42 وروي نحوه أحمد في:2/276 بأربع قطات وفي/314 وص 369 بثلاث قطات.

وفي/507 وفي:3/134 وص 141 وص 230 وص 234 وص 279 بقطين، ورواه الصنعاني في المصنف:11/422 بثلاث قطات، والديلمي في فردوس الأخبار:5 ص237 بقطين، والبغوي في معالم التنزيل:4/224 بقطين، وفي مصابيح السنة:4/14 و/15 بدون قط، والبيهقي في البعث والنشور/136 بقطين، وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان:1/238 بقطين، وابن القيم في زاد المعاد:1/337، ورواه الهندي في كنز العمال:1/234 وج 14/428 وص 521 وص 436 وص 544 وج 16/208 بروايات كثيرة عن مصادر متعددة.

وادعوا أن رؤيته بالعين من أكبر اللذات

قال القسطلاني في إرشاد الساري:10/410:

الأشعري في كتابه الابانة فقال أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالي ثم

رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلي وجهه الكريم ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

فتاوي الألباني/142:

... المعتزلة وغيرهم ينكرون هذه النعمة ويضللون من يؤمن بها وينسبونهم إلي التشبيه والتجسيم... ونحن أهل السنة نؤمن بأن من نعم الله علي عباده أن يتجلي لهم يوم القيامة ويرونه كما نري القمر ليلة البدر. انتهي.

وستأتي بقية الروايات المشابهة لعقائد اليهود في تفسير الآيات المتشابهة.

لكن اختلفوا هل تراه النساء في الجنة

إرشاد الساري:10/409:

(قوله (ص) قال جنتان من فضة... وما بين القوم وبين أن ينظروا إلي ربهم رداء الكبر) والحاصل أن رؤية الله تعالي واقعه يوم القيامة في الموقف لكل أحد من الرجال والنساء وقال قوم من أهل السنة تقع أيضاً للمنافقين... وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة علي أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر، واختلف في نساء هذه الأمة.

السيوطي في الدر المنثور:6/293:

وأخرج الدار قطني عن أنس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة رأي المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهداً بالنظر إليه في كل جمعة، ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر. انتهي. وكأن في الجنة صوم وحج!

زاد المعاد:1/311:

عن أنس ابن مالك: قال: رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة رأي المؤمنون ربهم فأحدثهم عهداً بالنظر إليه... من بكر في كل جمعة، وتراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر...

إرشاد الساري:10/410:

.. الأشعري في كتابه الإبانة فقال: أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالي ثم رؤية نبيه (ص) فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين وملائكته المقربين وجماعة المؤمنين (...) النظر إلي وجهه الكريم، ووافقه البيهقي وابن القيم والجلال البلقيني.

بازار أحاديث النزولات

قالوا: إن الله تعالي جسم ينزل إلي الأرض كل ليلة

روي البخاري في صحيحه:1 جزء 2/47:

... عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: ينزل ربنا تبارك وتعالي كل ليلة إلي سماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر، يقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له. انتهي. ونحوه في ج4 جزء 7/149-150 وج 4 جزء 8/197 ورواه في الادب المفرد/207 ورواه مسلم في صحيحه:2/175 وأبو داود في سننه:2 جزء 3/34 وج 4/234 وابن ماجة في سننه:1/435 ومالك في كليات الموطأ:1/142 وأحمد

في مسنده:1/120 و 403 و 446 والصنعاني في تفسيره:1/259 وفي مصنفه:2/160 وج 10 ص444 ورواه في عارضة الأحوذي ج1 جزء1 ص2 وص232 والبغوي في معالم التنزيل ج1/431:3 ص22 ومصابيح السنة:1/431 وابن الاثير في أسد الغابة ج2 ص231 وج 6/91 والديلمي في فردوس الأخبار:1/321 وج 5/358-365 والابشيهي في المستطرف:2/250 والمنذري في الترغيب والترهيب:2/489 والشوكاني في نيل الاوطار ج3/57 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5/290 وابو الشيخ في طبقات المحدثين:2/540 وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح:1/72 و 75 والثعالبي في الجواهر الحسان:1/286 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5 ص290 والخطيب في تاريخ بغداد 17/242 والمزي في تهذيب الكمال:9/207 والهيثمي في مجمع الزوائد:8/125 وج 10/236 وص 621 وص 760 وص 9.. وروته مصادر كثيرة أخري.

وروي الطبري في تفسيره:13/114:

عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله (ص) إن الله ينزل في ثلاث ساعات يبقين من الليل.. وروي في:15/94:

عن أبي الدرداء قال قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات يبقين من الليل، في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهو داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته..

وقال ابن خزيمة في كتاب التوحيد/125:

باب ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي(ص)في نزول الرب جل وعلا إلي سماء الدنيا كل ليلة. نشهد شهادة مقر بلسانه مصدق بقلبه مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نزول الرب من غير أن نصف الكيفية، لأن

نبينا المصطفي لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلي سماء الدنيا وأعلمنا أنه ينزل والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين إليه الحاجة من أمر دينهم، فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذاك النزول غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية، إذ النبي(ص)لم يصف لنا كيفية النزول، وفي هذه الأخبار مابان وثبت وصح أن الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا(ص)أنه ينزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول ينزل من أسفل إلي أعلا ومفهوم في الخطاب أن النزول من أعلا إلي أسفل...

وقال الذهبي في سيره:17/656:

قال أبونصر السجزي في كتاب الإبانة: وأئمتنا كسفيان ومالك والحمادين وابن عيينة والفضيل وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق، متفقون علي أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلي السماء الدنيا وأنه يغضب ويرضي ويتكلم بما شاء.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/361:

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.!

نقل ابن بطوطة في رحلته/90 تمثيل ابن تيمية لنزول الله تعالي، فقال:

وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابله تقي الدين بن تيميه كبير الشام يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس علي منبر الجامع ويذكرهم، فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلي سماء الدنيا كنزولي هذا ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلي هذا الفقيه وضربوه بالايدي والنعال ضرباً كثيراً حتي سقطت عمامته!

و قالوا لو دلي رجل حبلا لهبط علي الله

تفسير الصنعاني:2/139:

عن قتادة قال: بينما النبي (ص) جالس

مع أصحابه إذ مر سحاب فقال النبي (ص) أتدرون ما هذه العنان؟ هذه روايا أهل الأرض، يسوقها الله إلي قوم لا يعبدونه. ثم قال: أتدرون ما هذه السماء؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: فوق ذلك سماء أخري... ثم قال: والذي نفسي بيده لو دلي رجل بحبل حتي يبلغ أسفل الأرض السابعة لهبط علي الله، ثم قال: هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم.

تفسيرابن كثير:4/325:

عن أبي هريرة عن رسول الله (ص) بين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام وعد سبع سماوات، ثم العرش، وبين أرضكم والأرض الأخري سبعمائة عام فعد سبع أرضين، فإذا أدليتم حبلاً هبط علي الله.

و قالوا إنه تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان

روي ابن ماجه في سننه:1/444:

عن عائشة قالت: فقدت النبي(ص)ذات ليلة فخرجت أطلبه فإذا هو بالبقيع رافع رأسه إلي السماء، فقال يا عائشة أكنت تخافين أن يحيف الله عليك ورسوله؟ قالت قد قلت: وما بي ذلك، ولكني ظننت أنك أتيت بعض نسائك، فقال: إن الله تعالي ينزل ليلة النصف من شعبان إلي السماء الدنيا فيغفر لاكثر من عدد شعر غنم كلب. انتهي. وروي هذه الأحاديث أحمد في مسنده:1/120 و ص403 و446 وفي:6/238 والبيهقي في شعب الإيمان:3/380 وفي:5 ص272 والبخاري في الادب المفرد/207 وأبو داود في سننه:1 جزء 1/447 وابن أبي شيبة في مصنفه:7/139 والديلمي في فردوس الأخبار:1/188 وص 321 وج 5/359 والبغوي في مصابيحه:1/431 وص 449 ومعالم التنزيل:4/148 والمنذري في الترغيب والترهيب:3/460 والعسقلاني في تهذيب التهذيب:3/315 وعارضة الأحوذي شرح الترمذي:2 جزء 3/275 وجامع الأحاديث القدسية من الصحاح:1/77 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بإصبهان:1/218 والهندي في كنز العمال:3/466 وج 12/313 وابن حجر تهذيب التهذيب:3/272 وفي لسان الميزان:4/67 وص 252 والمزي في تهذيب الكمال:9/308.

وقال

ابن باز في فتاويه: 1/195:

وقد اغتر بهذا الحديث (في صلاة ليلة نصف شعبان) جماعة من الفقهاء كصاحب الاحياء وغيره، وكذا من المفسرين وقد رويت صلاة هذه الليلة أعني ليلة النصف من شعبان علي أنحاء مختلفة كلها باطلة موضوعة، ولا ينافي هذا رواية الترمذي من حديث عائشة لذهابه(ص)إلي البقيع ونزول الرب ليلة النصف إلي سماء الدنيا وأنه يغفر لأكثر من عدة شعر غنم كلب، فإن الكلام إنما هو في هذه الصلاة الموضوعة في هذه الليلة، علي أن حديث عائشة هذا فيه ضعف وانقطاع، كما أن حديث علي الذي تقدم ذكره في قيام ليلها لا ينافي كون هذه الصلاة موضوعة، علي ما فيه من الضعف حسبما ذكرناه.

و قالوا إنه تعالي ينزل يوم عرفة

مصابيح السنة للبغوي:2/254:

عن جابر (رض) أنه قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم عرفة فإن الله ينزل إلي السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة..

ورواه المنذري في الترغيب والترهيب:2/187 وص 200 وص 204

والديلمي في فردوس الأخبار:5/16

الامام الرضا يلعن الذين حرفوا حديث النزول

قال الصدوق في كتابه التوحيد/176:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن هارون الصوفي قال: حدثنا عبيد الله بن موسي أبو تراب الروياني، عن عبدالعظيم بن عبدالله الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال: قلت للرضا عليه السلام:

يا ابن رسول الله ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول الله (صلي الله عليه وآله) أنه قال: إن الله تبارك وتعالي ينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا؟ فقال عليه السلام: لعن الله المحرفين الكلم عن مواضعه، والله ما قال رسول الله (صلي الله عليه وآله) كذلك، إنما قال صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي يُنْزِلُ مَلَكاً إلي السماء الدنيا كل ليلة في الثلث الأخير وليلة الجمعة في أول الليل، فيأمره فينادي: هل من سائل فأعطيه، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له، يا طالب الخير أقبل، يا طالب الشر أقصر، فلا يزال ينادي بهذا حتي يطلع الفجر، فإذا طلع الفجر عاد إلي محله من ملكوت السماء. حدثني بذلك أبي عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله.

و احاديث إخواننا تؤيد ما قاله الإمام الرضا

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/343 _ 344:

وإنما المعني الصحيح للحديث والتوجيه السديد أن النازل هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالي بأن ينادي في السماء الدنيا في وقت السحر فيما يوازي كل جزء من الكرة الأرضية طوال الأربع والعشرين ساعة، ويصح في اللغة العربية أن ينسب الفعل إلي الأمر به فتقول العرب مثلاً: غزا الملك البلدة الفلانية أي أمر وأرسل قائد جيشه بذلك، مع أنه لم يفارق قصره، ولله المثل الأعلي.

والذي يثبت هذا المعني وينفي ما تتوهمه المجسمة وتدعو إليه

أنه ورد الحديث أيضاً بروايتين صحيحتين في الدلالة علي ذلك. أما الرواية الأولي: فقد روي الإمام النسائي في السنن الكبري 6 _ 124 بإسناد صحيح وهو في عمل اليوم والليلة له المطبوع/340 برقم 482 عن سيدنا أبي سعيد الخدري وسيدنا أبي هريرة رضي الله عنهما أنهما قالا: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل يمهل حتي يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياً ينادي يقول: هل من داع فيستجاب له، هل من مستغفر يغفر له، هل من سائل يعطي.

وأما الرواية الثانية: فعن سيدنا عثمان بن أبي العاص الثقفي قال رسول الله (ص): تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد: هل من داع فيستجاب له، هل من سائل فيعطي، هل من مكروب فيفرج عنه، فلا يبقي مسلم يدعو بدعوة إلا استحباب الله عز وجل له إلا زانية تسعي بفرجها، أو عشاراً. رواه أحمد 4 _ 22 و 217 والبزار 4 _ 44 كشف الاستار والطبراني 9 _ 51 وغيرهم بأسانيد صحيحة والعشار: صاحب المكس.

فهذه الأحاديث الواضحة تقرر بلا شك ولا ريب بأن النازل إلي السماء الدنيا هو ملك من الملائكة يأمره الله تعالي أن ينادي بذلك، علي أن الحافظ ابن حجر حكي في الفتح 3 _ 30 في شرح الحديث الأول الذي في الصحيحين أن بعض المشايخ ضبط الحديث بضم الياء في (ينزل) فيكون اللفظ هكذا: ينزل الله تعالي كل ليلة إلي السماء الدنيا، أي: ينزل ملكاً كما تقدم.

و تؤيده أحاديث فيها اطلع الله بدل ينزل

سنن ابن ماجة:1/444:

... عن أبي موسي الأشعري عن رسول الله(ص)قال: إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن.

مسند أحمد:2/176:

عن عبدالله بن عروة أن

رسول الله(ص)قال: يطلع الله عز وجل إلي خلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لعباده إلا لإثنين: مشاحن وقاتل نفس.

كنز العمال:3/464:

إن الله تعالي يطلع علي عباده في ليلة النصف من شعبان فيغفر للمستغفرين ويرحم المسترحمين، ويؤخر أهل الحقد كما هم عليه. هب عن عائشة. إذا كان ليلة النصف من شعبان إطلع الله إلي خلقه فيغفر للمؤمنين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم حتي يدعوه. هب عن أبي ثعلبة الخشني)... تعرض أعمال الناس في كل جمعة مرتين يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لله لكل عبد مؤمن، إلا عبد بينه وبين أخيه شحناء فيقال أتركوا هذين حتي يفيئا. حم عن أبي هريرة.

كنز العمال:3/467:

يطلع الله تعالي إلي خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن. حب، طب، وابن شاهين في الترغيب، هب، وابن عساكر عن معاذ... يطلع الله تعالي علي خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لعباده إلا اثنين: مشاحناً أو قاتل نفس. حم ت عن ابن عمرو.

كنز العمال:12/313:

إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن. هعن أبي موسي.

و احاديث خالية من ينزل و يصعد

كنز العمال:12/314:

إذا كان ليلة النصف من شعبان نادي مناد: هل من مستغفر فأغفر له، هل من سائل فأعطيه، فلا يسأل أحد شيئاً إلا أعطاه، إلا زانية بفرجها أو مشرك. هب عن عثمان بن أبي العاص... إذا كان ليلة النصف من شعبان يغفر الله من الذنوب أكثر من عدد شعر غنم كلب. هب عن عائشة... إن الله تعالي يغفر ليلة النصف من شعبان للمسلمين ويملي للكافرين ويدع أهل الحقد بحقدهم. ابن قانع عن أبي ثعلبة الخشني.

وادعوا أن رؤية الله تعالي في المنام تدل علي الإيمان

شرح مسلم للنووي:8 جزء 15/25:

قال القاضي: واتفق العلماء علي جواز رؤية الله تعالي في المنام وصحتها وإن رآه الإنسان علي صفة لا تليق بحاله من صفات الأجسام، لأن ذلك المرئي غير ذات الله تعالي، إذ لا يجوز عليه سبحانه وتعالي التجسم، ولا اختلاف الأحوال، بخلاف رؤية النبي (ص). قال ابن الباقلاني: رؤية الله تعالي في المنام خواطر في القلب، وهي دلالات للرائي علي أمور مما كان أو يكون كسائر المرئيات.

تهذيب التهذيب لابن حجر:11/380:

يوسف الحماني عن أبيه عن يوسف بن ميمون عن ابن سيرين قال: من رأي ربه في المنام دخل الجنة!!

تهذيب التهذيب لابن حجر:3/397:

عن عبد الله بن أحمد: سمعت سريح بن يونس يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا سريح سل حاجتك، فقلت: رحمان سر بسر. انتهي. يعني رأساً برأس! قال البخاري: مات في ربيع الآخر منه (235).

صفة الصفوة لابن الجوزي جزء 1 و 2/618:

عن إسحاق بن إبراهيم الجيلي قال: سمعت سريج بن يونس يقول: رأيت فيما يري النائم كأن الناس وقوف بين يدي الله وأنا في أول صفه في آخره ونحن ننظر إلي رب العزة تعالي.. إذ قال:

أي شئ تريدون؟ فسكت الناس..وجزت الصف الأول... فقال: أي شئ تريد؟ فقلت رحمان سر بسر... قال تعالي قد خلقتكم ولا أعذبكم! ثم غاب في السماء فذهب.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/169:

سريج بن يونس بن إبراهيم... وقال عبدالله بن أحمد: سمعت سريج بن يونس يقول رأيت رب العزة من المنام فقال سل حاجتك... له حكايات شبه الكرامات رحمه الله. وكان إماماً في السنة.

حياة الحيوان للدميري:1/51:

وروي الإمام أحمد بن حنبل (رض): أنه رأي رب العزة في المنام تسعاً وتسعين مرة فقال: إن رأيته تمام المائة لاسألنه، فرآه تمام المائة فسأله وقال: يا رب بماذا ينجو العباد يوم القيامة؟

وقال في سيره:19/114:

أبوالمظفر السمعاني الإمام العلامة مفتي خراسان شيخ الشافعية أبو المظفر منصور ابن محمد بن عبدالجبار بن أحمد التميمي السمعاني المروزي الحنفي ثم الشافعي... ولد سنة ست وعشرين وأربع مئة... وسمعت شهردار بن شيرويه سمعت منصور بن أحمد وسأله أبي فقال: سمعت أبا المظفر السمعاني يقول: كنت حنفياً فبدا لي وحججت، فلما بلغت سميراء رأيت رب العزة في المنام فقال لي: عد إلينا يا أبا المظفر فانتبهت وعلمت أنه يريد مذهب الشافعي فرجعت إليه!. انتهي. ورواه في تاريخ الإسلام: 33/321 لكن فيه (عد يا أبا المظفر إلي الشافعية).

شعب الإيمان للبيهقي:3/164:

عن رقبة قال: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي لأكرمن مثوي سليمان التيمي.

تاريخ الإسلام للذهبي:9/158:

عن ابن مصقلة: رأيت رب العزة في المنام فقال: وعزتي وجلالي لأكرمن مثوي سليمان التيمي.

تاريخ الإسلام للذهبي:20/412:

الفتح بن شخرف أبو نصر الكشئ الزاهد نزيل بغداد ومن كبار مشايخ الصوفية قال ابن البربهاري: سمعت الفتح يقول: رأيت رب العزة في المنام فقال لي: يا فتح احذر لا

آخذك علي غرة، توفي سنة 273 ه_، وكذا في صفوة الصفوة لابن الجوزي: ص 643

تاريخ الإسلام للذهبي:21/192:

صالح بن يونس... ورد عنه أنه رأي الحق في المنام، وحج علي قدميه سبعين حجة... والدعاء عند قبره مستجاب.

تاريخ الإسلام للذهبي: 25/350:

عبد الله بن إبراهيم بن واضح.. يقال أنه رأي الحق في النوم مرتين.

تاريخ الإسلام للذهبي: 26/316:

يعلي بن موسي البربري الصوفي.. رأي رب العزة في المنام...

تاريخ الإسلام للذهبي:26/650:

محمد بن عبدالله بن أحمد بن ربيعة... أبو سليمان بن القاضي بن محمد الربعي... روي عنه أبو نصر بن الجبان أنه رأي رب العزة في المنام...

تاريخ الإسلام للذهبي:27/134:

عن جعفر الابهري قال سمعت أبا علي القومساني يقول: رأيت رب العزة في المنام... فناولني كوزين شبه القوارير، فشربت منهما وأنا أتلو هذه الآية: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا). ورأيت رب العزة في أيام القحط فقال: يا أبا علي لا تشغل خاطرك فإنك من عيالي وعيالك عيالي وأضيافك عيالي.

تاريخ الإسلام للذهبي:29/185:

أحمد بن محمد بن إبراهيم.. الثعلبي صاحب التفسير... وقد جاء عن أبي القاسم القشيري قال: رأيت رب العزة في المنام وهو يخاطبني وأخاطبه فكان في أثناء ذلك أن قال الرب جل اسمه: أقبل الرجل الصالح، فالتفت فإذا أحمد الثعلبي مقبل. انتهي. ورواه في هامش معجم الادباء للحموي:3 جزء 5/36، وفيه (الثعالبي).

تاريخ الإسلام للذهبي:29/381:

عبد الله بن عبدان بن محمد بن عبدان... شيخ همدان... قال شيرويه رأيت بخط بن عبدان: رأيت رب العزة في المنام فقلت له: أنت خلقت الأرض وخلقت الخلق ثم أهلكتهم، ثم خلقت خلقاً بعدهم؟ وكأني أري أنه ارتضي كلامي ومدحي له، فقال لي كلاماً يدل علي أنه يخاف عليَّ الافتخار..وقبره

يزار ويتبرك به..

المستطرف للابشيهي:1/147:

وحكي أن بعضهم كان ملاحاً ببحر النيل... فبينما أنا ذات يوم في الزورق إذا بشيخ مشرق الوجه عليه مهابة فقال..إني أريد أن أحملك أمانة قلت ما هي قال: إذا كان غداً وقت الظهر تجدني عند تلك الشجرة ميتاً وستنسي، فإذا ألهمت فأتني وغسلني وكفني في الكفن الذي تجده تحت رأسي... ثم نمت فرأيت رب العزة جل جلاله في النوم فقال: يا عبدي أثقل عليك أن مننت علي عبد عاص بالرجوع.

معجم الادباء للحموي:3 جزء 5/70:

أبا الحسن بن سالم البصري يقول... قال: سمعت أبا بكر محمد بن مجاهد المقرئ يقول: رأيت رب العزة في المنام فختمت عليه ختمتين فلحنت في موضعين فاغتممت، فقال: يابن مجاهد الكمال لي الكمال لي!

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 5/204:

قال أبو عبدالرحمن... رفيق بشر بن الحارث: رأي صاحب لنا رب العزة في النوم قبل موت بشر بقليل فقال: قل لبشر بن الحارث: لو سجدت لي علي الجمر ما كنت تكافئني بما نوهت اسمك في الناس...

مختصر تاريخ دمشق:3 جزء 6/348:

قال إسحاق الحربي: بلغني أن أبا حسان الزيادي رأي رب العزة تبارك وتعالي في النوم...

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/214:

عن رقبة قال سليمان بن طرخان: رأيت رب العزة تبارك وتعالي في النوم.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/355:

قال علي بن المثني سمعت عمي يقول: سمعت أبي يقول سمعت أبا يزيد البسطامي يقول: رأيت رب العزة تبارك وتعالي في المنام..

الاعتصام للشاطبي:1/260:

عن أبي يزيد السبطايي قال: رأيت ربي في المنام فقلت: كيف الطريق إليك؟ قال أترك نفسك وتعال. وشأن هذا الكلام من الشرع موجود...

صفوة الصفوة لابن الجوزي

جزء 3 و 4/356:

عن جعفر بن علي الترمذي: أن أحمد بن خضرويه قال: رأيت رب العزة في منامي فقال لي: يا أحمد كل الناس يطلبون مني إلا أبا يزيد البسطامي فإنه يطلبني.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/388:

قال إبراهيم بن عبدالله: فرأيت الله تعالي في النوم فوقفني بين يديه.

صفوة الصفوة لابن الجوزي جزء 3 و 4/468:

يوسف بن موسي القطان يحدث أن أبا عمرو الأوزاعي قال: رأيت رب العزة في المنام.

المواعظ للمقريزي:2/255:

عن رجل من صلحاء المصريين يقال له أبو هادون الخرقي قال: رأيت الله عز وجل في منامي فقلت: يا ربي أنت تراني وتسمع كلامي قال: نعم... انتهي.

ومما يلاحظ أن أكثر الذين رأوا ربهم في المنام، من الفرس المشبهة والمجسمة!

اما درجة ابن عربي و أمثاله فهي أكبر من الرؤية في المنام

مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر/239:

وقد عرض ابن عربي تعاليمه.. بأنه استمد علمه لا من فم الرسول الذي ظهر له، ولا من الملائكة فحسب، بل من كلام الله المباشر الذي حظي به تكراراً. فهو يتحدث كثيراً عن لقائه مع الله سبحانه.. إني رأيت الحق في النوم مرتين وهو يقول لي: إنصح عبادي!! انتهي.وقد ادعي ابن عربي لنفسه مقامات الأنبياء وأوصيائهم، ودون ذلك في كتبه!!

كرامات الأولياء للنبهاني:1/588:

اسماعيل الأنبابي: كان يطلع علي اللوح المحفوظ فيقول: يقع كذا، فلا يخطي!

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/289:

وفيهم (يعني النساك) من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه، ويأكلوا من ثمار الجنة، ويعانقوا الحور العين في الدنيا، مُنَاوَلَةً.

ونختم بما جاء في هامش تاريخ الإسلام للذهبي: 38/135:

قال أبو محمد العكبري رأيت رسول الله (ص) في المنام فقلت يا رسول الله إمسح بيدك عيني فإنها تؤلمني فقال: إذهب إلي

نصر بن العطار يمسح عينك... هذا نصر قد صافحته يد الحق. انتهي.

لكن الإمام الصادق تشاءم من صاحب هذه الرؤية

بحار الأنوار:4/32:

عن إبراهيم الكرخي قال: قلت للصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام): إن رجلاً رأي ربه عز وجل في منامه فما يكون ذلك؟ فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تبارك وتعالي لا يري في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

بيان: لعل المراد أنه كذب في تلك الرؤيا، أو أنه لما كان مجسماً تخيل له ذلك، أو أن هذه الرؤيا من الشيطان، وذكرها يدل علي كونه معتقداً للتجسيم.

وقال النيشابوري في روضة الواعظين/33:

وقيل له عليه السلام: إن رجلاً رأي ربه في منامه فما يكون ذلك فقال: ذلك رجل لا دين له، إن الله تعالي لا يري في اليقظة ولا في المنام، ولا في الدنيا ولا في الآخرة.

خلاصة اعتقادنا في التنزيه و نفي التشبيه

العقل والآيات والأحاديث تنفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين

نعتقد نحن الشيعة بأن الله تعالي لا يمكن أن يري بالعين لا في الدنيا ولا في الآخرة، لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا.. إلي آخر الآيات الصريحة بأنه تعالي لا يمكن أن يري بالعين، بل يري بالعقل والقلب وهي أعمق وأصح من رؤية العين.

وقد استدل أئمتنا عليهم السلام وعلماؤنا رضي الله عنهم، علي نفي التجسيم والرؤية بالكتاب والسنة والعقل.. واعتبروا أن ذلك من أصول مذهبنا، بل هو كالبديهيات حتي عند عوامنا.

وستعرف أن القول برؤية الله تعالي جاءت من تأثر المسلمين باليهود والنصاري والمجوس، وأن أهل البيت عليهم السلام وجمهور الصحابة وقفوا في وجه ذلك، وكذبوا نسبة الرؤية بالعين إلي الإسلام، وكل ما تستلزمه من التشبيه والتجسيم، ولكن موجة التشبيه والتجسيم غلبت.. لأن دولة الخلافة تبنتها!

والدليل البسيط علي نفي إمكان رؤية الله تعالي بالعين أن ما تراه العين

لابد أن يكون موجوداً داخل المكان والزمان، والله تعالي وجود متعال علي الزمان والمكان، لأنه خلقهما وبدأ شريطهما من الصفر والعدم، فكيف نفترضه محدوداً بهما خاضعاً لقوانينهما!

لقد تعودت أذهاننا أن تعمل داخل الزمان والمكان، حتي ليصعب عليها أن تتصور موجوداً خارج قوانين الزمان والمكان، وحتي أننا نتصور خارج الفضاء والكون بأنه فضاء! وهذه هي طبيعة الإنسان قبل أن يكبر ويطلع، وقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها!

لكن مع ذلك فإن عقل الإنسان يدرك أن الوجود لا يجب أن يكون محصوراً بالمكان والزمان، وأن بإمكان الإنسان أن يرتقي في إدراكه الذهني فيدرك ما هو أعلي من الزمان والمكان ويؤمن به، وإن عرف أنه غير قابل للرؤية بالعين.

وهذا الإرتقاء الذهني هو المطلوب منا نحن المسلمين بالنسبة إلي وجود الله تعالي، لا أن نجره إلي محيط وجودنا ومألوف أذهاننا، كما فعل اليهود عندما شبهوه بخلقه وادعوا تجسده في عزير عليه السلام وغيره، وكما فعل النصاري فشبهوه بخلقه وادعوا تجسده بالمسيح عليه السلام وغيره!!

الرسول يعلم الأمة التوحيد

قال الصدوق في كتابه التوحيد/107:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله عن آبائه عليهم السلام قال: مرالنبي صلي الله عليه وآله علي رجل وهو رافع بصره إلي السماء يدعو، فقال له رسول: غض بصرك، فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل رافع يديه إلي السماء وهو يدعو، فقال رسول الله: أقصر من يديك، فإنك لن تناله.

الكافي:1/94:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن علي، عن اليعقوبي، عن بعض أصحابنا، عن عبدالأعلي مولي آل سام،

عن أبي عبدالله عليه السلام: قال إن يهودياً يقال له سبحت، جاء إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله جئت أسألك عن ربك، فإن أنت أجبتني عما أسألك عنه، وإلا رجعت؟

قال: سل عما شئت.

قال: أين ربك؟

قال: هو في كل مكان، وليس في شئ من المكان المحدود.

قال: وكيف هو؟

قال: وكيف أصف ربي بالكيف والكيف مخلوق، والله لا يوصف بخلقه.

قال: فمن أين يعلم أنك نبي الله؟

قال: فما بقي حوله حجر ولا غير ذلك إلا تكلم بلسان عربي مبين: يا سبحت إنه رسول الله!

فقال سبحت: ما رأيت كاليوم أمراً أبين من هذا!

ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله.

و يعلمنا أن أقصي ما يمكن أن يراه الإنسان نور عظمة الله

بحار الأنوار:4/38:

يد: أبي، عن محمد العطار، عن ابن عيسي، عن البزنطي، عن الرضا عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل عليه السلام مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكُشِفَ لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

علي يثبت مشاهدة القلوب و ينفي مشاهدة العيان

نهج البلاغة:2/99:

179 ومن كلام له عليه السلام وقد سأله ذعلب اليماني فقال: هل رأيت ربك يا أمير المؤمنين؟

فقال عليه السلام: أفأعبد ما لا أري!

فقال: وكيف تراه!

فقال: لا تراه العيون بمشاهدة العيان، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان، قريب من الأشياء غير ملامس، بعيد منها غير مباين، متكلم لا بروية، مريد لا بهمة، صانع لا بجارحة، لطيف لا يوصف بالخفاء، كبير لا يوصف بالجفاء، بصير لا يوصف بالحاسة، رحيم لا يوصف بالرقة، تعنو الوجوه لعظمته، وتجب القلوب من مخافته.

ورواه في بحار الأنوار:4/27 عن:

يد، لي: القطان والدقاق والسناني، عن ابن زكريا القطان، عن محمد بن العباس، عن محمد بن أبي السري، عن أحمد بن عبدالله بن يونس، عن ابن طريف، عن الأصبغ في حديث قال: قام إليه رجل يقال له ذعلب فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟ فقال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباً لم أره. قال: فكيف رأيته صفه لنا. قال: ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان. ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعِظَم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة،

مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسة، قائل لا بلفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق كل شئ ولا يقال شئ فوقه، أمام كل شئ ولا يقال له أمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج.. فخر ذعلب مغشياً عليه... الخبر.

لم يحلل في الأشياء... ولم ينأ عنه

نهج البلاغة:1/112:

65 ومن خطبة له عليه السلام: الحمد لله الذي لم يسبق له حال حالاً. فيكون أولاً قبل أن يكون آخراً. ويكون ظاهراً قبل أن يكون باطناً. كل مسمي بالوحدة غيره قليل، وكل عزيز غيره ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز، وكل سميع غيره يصمُّ عن لطيف الأصوات ويصمه كبيرها ويذهب عنه ما بعد منها، وكل بصير غيره يعمي عن خفي الألوان ولطيف الأجسام، وكل ظاهر غيره باطن، وكل باطن غيره ظاهر.

لم يخلق ما خلقه لتشديد سلطان، ولا تخوف من عواقب زمان، ولا إستعانة علي ند مثاور، ولا شريك مكاثر، ولا ضد منافر، ولكن خلائق مربوبون، وعباد داخرون.

لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو منها بائن.

لم يؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبير ما ذرأ، ولا وقف به عجز عما خلق، ولا ولجت عليه شبهة فيما قدر، بل قضاء متقن وعلم محكم، وأمر مبرم. المأمول مع النقم، والمرهوب مع النعم....

لا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك

نهج البلاغة:1/160:

91 ومن خطبة له عليه السلام تعرف بخطبة الاشباح وهي من جلائل خطبه عليه السلام وكان سأله سائل أن يصف الله حتي كأنه يراه عياناً، فغضب عليه السلام لذلك:

الحمد لله الذي لا يَفِرْهُ المنع والجمود، ولا يكديه الإعطاء والجود، إذ كل معط منتقص سواه، وكل مانع مذموم ما خلاه، وهو المنان بفوائد النعم، وعوائد المزيد والقسم. عياله الخلق، ضمن أرزاقهم وقدر أقواتهم، ونهج سبيل الراغبين إليه، والطالبين ما لديه، وليس بما سئل بأجود منه بما لم يسأل.

الأول الذي لم يكن له قبل فيكون شئ قبله، والاخر الذي ليس له

بعد فيكون شئ بعده، والرادع أناسيَّ الابصار عن أن تناله أو تدركه.

ما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال، ولا كان في مكان فيجوز عليه الإنتقال، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار، من فلز اللجين والعقيان، ونثارة الدر وحصيد المرجان، ما أثر ذلك في جوده، ولا أنفد سعة ما عنده، ولكان عنده من ذخائر الأنعام ما لا تنفده مطالب الانام، لأنه الجواد الذي لا يغيضه سؤال السائلين، ولا يبخله إلحاح الملحين.

فانظر أيها السائل فما دلك القرآن عليه من صفته فائتم به، واستضي بنور هدايته، وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب عليك فرضه، ولا في سنة النبي صلي الله عليه وآله وأئمة الهدي أثره، فكل علمه إلي الله سبحانه، فإن ذلك منتهي حق الله عليك.

واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغيوب، الإقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب، فمدح الله اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علماً، وسمي تركهم التعمق فيما لم يكلفهم البحث عن كنهه رسوخاً. فاقتصر علي ذلك، ولا تقدر عظمة الله سبحانه علي قدر عقلك فتكون من الهالكين.

هو القادر الذي إذا ارتمت الاوهام لتدرك منقطع قدرته، وحاول الفكر المبرأ من خطرات الوساوس أن يقع عليه في عميقات غيوب ملكوته، وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته، وغمضت مداخل العقول في حيث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، دعاها وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه، فرجعت إذ جبهت معترفة بأنه لا ينال بجور الاعتساف كنه معرفته، ولا تخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته.

الذي ابتدع الخلق علي غير مثال

امتثله، ولا مقدار احتذي عليه، من خالق معهود كان قبله. وأرانا من ملكوت قدرته، وعجائب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف لحاجة من الخلق إلي أن يقيمها بمساك قدرته، ما دلنا باضطرار قيام الحجة له علي معرفته، وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلاً عليه، وإن كان خلقاً صامتاً فحجته بالتدبير ناطقة، ودلالته علي المبدع قائمة.

فأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك، لم يعقد غيب ضميره علي معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ندلك، وكأنه لم يسمع تبرأ التابعين من المتبوعين إذ يقولون: تالله إن كنا لفي ضلال مبين، إذ نسويكم برب العالمين.

كذب العادلون بك إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم، وجزأوك تجزئة المجسمات بخواطرهم، وقدروك علي الخلقة المختلفة القوي بقرائح عقولهم. وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك، والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك. وأنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفاً، ولا في رويات خواطرها فتكون محدوداً مصرفاً.

وروي هذه الخطبة الصدوق في التوحيد/48 فقال:

13 حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثني علي بن العباس، قال: حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني، عن فرج بن فروة، عن مسعدة بن صدقة، قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب علي المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين صف

لنا ربك تبارك وتعالي لنزداد له حباً وبه معرفة، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ونادي الصلاة جامعة فاجتمع الناس حتي غص المسجد بأهله، ثم قام متغير اللون فقال... كما في نهج البلاغة بتفاوت في بعض الكلمات.

لا تدركه الشواهد و لا تحويه المشاهد

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له عليه السلام: الحمد الله الذي لا تدركه الشواهد، ولا تحويه المشاهد، ولا تراه النواظر، ولا تحجبه السواتر، الدال علي قدمه بحدوث خلقه، وبحدوث خلقه علي وجوده، وباشتباههم علي أن لا شبه له.

الذي صدق في ميعاده، وارتفع عن ظلم عباده، وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه. مستشهد بحدوث الأشياء علي أزليته، وبما وسمها به من العجز علي قدرته، وبما اضطرها إليه من الفناء علي دوامه.

واحد لا بعدد، ودائم لا بأمد، وقائم لا بعمد. تتلقاه الاذهان لا بمشاعرة، وتشهد له المرائي لا بمحاضرة. لم تحط به الاوهام بل تجلي لها، وبها امتنع منها، وإليها حاكمها.

ليس بذي كبر امتدت به النهايات فكبرته تجسيماً، ولا بذي عظم تناهت به الغايات فعظمته تجسيداً. بل كبر شأناً، وعظم سلطاناً.

وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الصفي، وأمينه الرضي صلي الله عليه وآله. أرسله بوجوب الحجج، وظهور الفلج، وإيضاح المنهج، فبلغ الرسالة صادعاً بها، وحمل علي المحجة دالاً عليها، وأقام أعلام الإهتداء ومنار الضياء، وجعل أمراس الإسلام متينة، وعري الإيمان وثيقة.

نهج البلاغة:2/116:

186 ومن خطبة له عليه السلام في التوحيد، وتجمع هذه الخطبة من أصول العلم ما لا تجمعه خطبة:

ما وحده من كيفه، ولا حقيقته أصاب من مثله، ولا إياه عني من شبهه، ولا صمده من أشار إليه وتوهمه. فاعل لا باضطراب آلة، مقدر لا بجول فكرة، غني لا بإستفادة، لا تصحبه الاوقات،

ولا ترفده الادوات، سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والإبتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبمضادته بين الأمور عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأشياء عرف أن لا قرين له. ضاد النور بالظلمة، والوضوح بالبهمة، والجمود بالبلل، والحرور بالصرد، مؤلف بين متعادياتها، مقارن بين متبايناتها، مقرب بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

لا يشمل بحد، ولا يحسب ببعد، وإنما تحد الادوات أنفسها، وتشير الآلة إلي نظائرها، منعتها منذ القدمية، وحمتها قد الأزلية، وجنبتها لولا التكملة. بها تجلي صانعها للعقول، وبها امتنع عن نظر العيون.

لا يجري عليه السكون والحركة، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، ويعود فيه ما هو أبداه، ويحدث فيه ما هو أحدثه، إذن لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولكان له وراء إذ وجد له أمام، ولالتمس التمام إذ لزمه النقصان. وإذا لقامت آية المصنوع فيه، ولتحول دليلاً بعد أن كان مدلولاً عليه، وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره.

الذي لا يحول ولا يزول، ولا يجوز عليه الافول، ولم يلد فيكون مولوداً، ولم يولد فيصير محدوداً. جل عن اتخاذ الأبناء، وطهر عن ملامسة النساء. لا تناله الاوهام فتقدره، ولا تتوهمه الفطن فتصوره، ولا تدركه الحواس فتحسه، ولا تلمسه الايدي فتمسه.

لا يتغير بحال، ولا يتبدل بالاحوال، ولا تبليه الليالي والأيام، ولا يغيره الضياء والظلام. ولا يوصف بشئ من الأجزاء، ولا بالجوارح والأعضاء، ولا بعرض من الأعراض، ولا بالغيرية والأبعاض، ولا يقال له حد ولا نهاية، ولا انقطاع ولا غاية، ولا أن الأشياء تحويه، فتقله أو تهويه، أو أن شيئاً يحمله فيميله أو يعدله.

ليس في الأشياء بوالج، ولا عنها بخارج، يخبر لا بلسان

ولهوات، ويسمع لا بخروق وأدوات. يقول ولا يلفظ، ويحفظ ولا يتحفظ، ويريد ولا يضمر.

يحب ويرضي من غير رقة، ويبغض ويغضب من غير مشقة. يقول لمن أراد كونه كن فيكون. لا بصوت يقرع، ولا بنداء يسمع، وإنما كلامه سبحانه فعل منه أنشأه، ومثله لم يكن من قبل ذلك كائناً، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً.

لا يقال كان بعد أن لم يكن، فتجري عليه الصفات المحدثات، ولا يكون ينها وبينه فصل، ولا له عليها فضل، فيستوي الصانع والمصنوع، ويتكافأ لمبتدي والبديع.

خلق الخلائق علي غير مثال خلا من غيره، ولم يستعن علي خلقها بأحد من خلقه، وأنشأ الأرض فأمسكها من غير اشتغال، وأرساها علي غير قرار، وأقامها بغير قوائم، ورفعها بغير دعائم، وحصنها من الأود والإعوجاج، ومنعها من التهافت والإنفراج. أرسي أوتادها، وضرب أسدادها، واستفاض عيونها، وخد أوديتها، فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه.

هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي علي كل شئ منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلي ذي مال فيرزقه.

خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلي غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفؤ له فيكافئه، ولا نظير له فيساويه.

هو المفني لها بعد وجودها، حتي يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها.

اول الدين معرفته... و كمال الاخلاص له نفي الصفات عنه

نهج البلاغة:1/14:

ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والأرض وخلق آدم:

الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون. الذي لا يدركه بعد الهمم، ولا يناله غوص

الفطن، الذي ليس لصفته حد محدود، ولا نعت موجود، ولا وقت معدود، ولا أجل ممدود فطر الخلائق بقدرته، ونشر الرياح برحمته، ووتد بالصخور مَيَدَان أرضه.. أول الدين معرفته، وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه، ومن قرنه فقد ثناه، ومن ثناه فقد جزأه، ومن جزأه فقد جهله، ومن جهله فقد أشار إليه، ومن أشار إليه فقد حده، ومن حده فقد عده، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال علام فقد أخلي منه.

كائن لا عن حدث، موجود لا عن عدم، مع كل شئ لا بمقارنة، وغير كل شئ لا بمزايلة، فاعل لا بمعني الحركات والآلة، بصير إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحد إذ لا سكن يستأنس به، ولا يستوحش لفقده.

أنشأ الخلق إنشاء، وابتدأه ابتداء، بلا رَوِيَّةً أجالها، ولا تجربة استفادها، ولا حركة أحدثها، ولا همامة نفس اضطرب فيها، أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءم بين مختلفاتها، وغرز غرائزها، وألزمها أشباحها، عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودها وانتهائها، عارفاً بقرائنها وأحنائها.

ثم أنشأ سبحانه فتق الاجواء، وشق الأرجاء، وسكائك الهواء، فأجري فيها ماء متلاطماً تياره، متراكماً زخاره، حمله علي متن الريح العاصفة، والزعزع القاصفة، فأمرها برده، وسلطها علي شده، وقرنها إلي حده، الهواء من تحتها فتيق، والماء من فوقها دفيق.

ثم أنشأ سبحانه ريحاً اعتقم مهبهاً، وأدام مربها، وأعصف مجراها، وأبعد منشاها، فأمرها بتصفيق الماء الزخار، وإثارة موج البحار، فمخضته مخض السقاء، وعصفت به عصفها بالفضاء، ترد أوله إلي آخره، وساجيه إلي مائره، حتي عب عُبَابُه، ورمي

بالزبد ركامه، فرفعه في هواء منفتق، وجو منفهق، فسوي منه سبع سموات، جعل سفلاهن موجاً مكفوفاً، وعلياهن سقفاً محفوظاً، وسمكاً مرفوعاً، بغير عمد يدعمها، ولا دسار ينظمها.

ثم زينها بزينة الكواكب، وضياء الثواقب، وأجري فيها سراجاً مستطيراً، وقمراً منيراً، في فلك دائر، وسقف سائر، ورقيم مائر، ثم فتق ما بين السموات العلا، فملاهن أطواراً من ملائكته، منهم سجود لا يركعون، وركوع لا ينتصبون، وصافون لا يتزايلون، ومسبحون لا يسأمون، لا يغشاهم نوم العين، ولا سهو العقول، ولا فترة الابدان، ولا غفلة النسيان. ومنهم أمناء علي وحيه، وألسنة إلي رسله، ومختلفون بقضائه وأمره. ومنهم الحفظة لعباده، والسدنة لابواب جنانه. ومنهم الثابتة في الارضين السفلي أقدامهم، والمارقة من السماء العليا أعناقهم، والخارجة من الاقطار أركانهم والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم، ناكسة دونه أبصارهم، متلفعون تحته بأجنحتهم، مضروبة بينهم وبين من دونهم حجب العزة وأستار القدرة، لا يتوهمون ربهم بالتصوير، ولا يجرون عليه صفات المصنوعين، ولا يحدونه بالاماكن، ولا يشيرون إليه بالنظائر.

ثم جمع سبحانه من حَزْن الأرض وسهلها، وعذبها وسبخها، تربة سنَّها بالماء حتي خلصت، ولاطها بالبلة حتي لزبت، فجبل منها صورة ذات أحناء ووصول، وأعضاء وفصول، أجمدها حتي استمسكت، وأصلدها حتي صلصلت، لوقت معدود، وأمد معلوم، ثم نفخ فيها من روحه، فمثلت إنساناً ذا أذهان يجيلها، وفكر يتصرف بها، وجوارح يختدمها، وأدوات يقلبها، ومعرفة يفرق بها بين الحق والباطل، والاذواق والمشام، والالوان والاجناس. معجوناً بطينة الالوان المختلفة، والاشباه المؤتلفة، والاضداد المتعادية، والاخلاط المتباينة، من الحر والبرد، والبلة والجمود، واستأدي الله سبحانه الملائكة وديعته لديهم، وعهد وصيته إليهم، في الاذعان بالسجود له، والخشوع لتكرمته....

كان المسلمون يعرفون قيمة الجواهر فيكتبونه

التوحيد للشيخ الصدوق/31:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا

أحمد بن أبي عبدالله، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر وغيره، عن عمرو بن ثابت، عن رجل سماه، عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الاعور قال: خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوماً خطبة بعد العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله، قال أبو إسحاق فقلت للحارث: أو ما حفظتها قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه:

الحمد لله الذي لا يموت، ولا تنقضي عجائبه، لأنه كل يوم في شأن، من إحداث بديع لم يكن. الذي لم يولد فيكون في العز مشاركاً، ولم يلد فيكون موروثاً هالكاً، ولم تقع عليه الاوهام فتقدره شبحاً ماثلاً، ولم تدركه الابصار فيكون بعد انتقالها حائلاً، الذي ليست له في أوليته نهاية، ولا في آخريته حد ولا غاية، الذي لم يسبقه وقت، ولم يتقدمه زمان، ولم يتعاوره زيادة ولا نقصان، ولم يوصف بأين ولا بمكان، الذي بطن من خفيات الأمور، وظهر في العقول بما يري في خلقه من علامات التدبير. الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص، بل وصفته بأفعاله، ودلت عليه بآياته، ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن هو الصانع لهن، فلا مدفع لقدرته.

الذي بان من الخلق فلا شئ كمثله. الذي خلق الخلق لعبادته وأقدرهم علي طاعته بما جعل فيهم، وقطع عذرهم بالحجج، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا. ولله الفضل مبدئاً ومعيدا...

الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد، والمرتدي بالجلال بلا تمثل، والمستوي علي العرش بلا زوال، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم،

ليس له حد ينتهي إلي حده، ولا له مثل فيعرف بمثله، ذل من تجبر غيره، وصغر من تكبر دونه، وتواضعت الأشياء لعظمته، وانقادت لسلطانه وعزته، وكلت عن إدراكه طروف العيون، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق، الأول قبل كل شئ والآخر بعد كل شئ، ولا يعدله شئ، الظاهر علي كل شئ بالقهر له، والمشاهد لجميع الاماكن بلا انتقال إليها، ولا تلمسه لا مسة ولا تحسه حاسة، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم. أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه، ولا لغوب دخل عليه، في خلق ما خلق... إلي آخر الخطبة.

اميرالمؤمنين يرد علي تجسيم اليهود

قال الصدوق في كتابه التوحيد/77:

حدثنا أبوسعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور، قال حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان، قال حدثنا علي بن سلمة الليفي، قال حدثنا إسماعيل بن يحيي بن عبدالله، عن عبدالله بن طلحة بن هجيم، قال حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان، عن الضحاك، عن النزال بن سبرة قال: جاء يهودي إلي علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين متي كان ربنا؟ قال فقال له علي عليه السلام: إنما يقال: متي كان لشئ لم يكن فكان، وربنا تبارك وتعالي هو كائن بلاكينونة كائن، كان بلا كيف يكون، كائن لم يزل بلا لم يزل، وبلا كيف يكون، كان لم يزل ليس له قبل، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهي، غاية ولا غاية إليها، غاية انقطعت الغايات عنه، فهو غايه كل غاية.

أخبرني أبوالعباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة قال:

حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظاً من كتابه سنة خمس وثلاثمائة قال: حدثنا عبدالله بن محمد البلوي قال: حدثني عمارة بن زيد، قال: حدثني عبد الله بن العلاء قال: حدثني صالح بن سبيع، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان قال: حدثني أبي، عن أبي المعتمر مسلم بن أوس قال: حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون كأنه من متهودة اليمن فقال: يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عز وجل وقال:

الحمد لله الذي هو أول بلا بدء مما، ولا باطن فيما، ولا يزال مهما، ولا ممازج مع ما، ولا خيال وهما، ليس بشبح فيري، ولا بجسم فيتجزي، ولا بذي غاية فيتناهي، ولا بمحدث فيبصر، ولا بمستتر فيكشف، ولا بذي حجب فيحوي.

كان ولا أماكن تحمله أكنافها، ولا حملة ترفعه بقوتها، ولا كان بعد أن لم يكن، بل حارت الأوهام أن تكيف المكيف للاشياء ومن لم يزل بلا مكان، ولا يزول باختلاف الازمان، ولا ينقلب شاناً بعد شان.

البعيد من حدس القلوب، المتعالي عن الأشياء والضروب، والوتر علام الغيوب، فمعاني الخلق عنه منفية، وسرائرهم عليه غير خفية، المعروف بغير كيفية، لا يدرك بالحواس، ولا يقاس بالناس، ولا تدركه الأبصار، ولا تحيط به الأفكار، ولا تقدره العقول، ولا تقع عليه الاوهام، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود، وكيف يوصف بالأشباح، وينعت بالألسن الفصاح، من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن، ولم يخل منها فيقال أين، ولم يقرب منها بالإلتزاق، ولم يبعد عنها

بالإفتراق، بل هو في الأشياء بلا كيفية، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد، وأبعد من الشبه من كل بعيد.

لم يخلق الأشياء من أصول أزلية، ولا من أوائل كانت قبله بدية، بل خلق ما خلق، وأتقن خلقه، وصور ما صور، فأحسن صورته، فسبحان من توحد في علوه، فليس لشئ منه امتناع، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع، إجابته للداعين سريعة، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة، كلم موسي تكليماً بلا جوارح وأدوات، ولا شفة ولا لهوات، سبحانه وتعالي عن الصفات، فمن زعم أن إله الخلق محدود، فقد جهل الخالق المعبود... والخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة.. انتهي.وقد تقدم في الفصل الأول رده علي كعب الأحبار في مجلس الخليفة عمر.

و يوجه المسلمين إلي التفكر في عظمة المخلوقات فيصف الطاووس

نهج البلاغة:2/70:

165 ومن خطبة له عليه السلام يذكر فيها عجيب خلقة الطاووس:

ابتدعهم خلقاً عجيباً من حيوان وموات، وساكن وذي حركات، فأقام من شواهد البينات علي لطيف صنعته وعظيم قدرته، ما انقادت له العقول معترفة به ومسلمة له، ونعقت في أسماعنا دلائله علي وحدانيته.

وما ذرأ من مختلف صور الاطيار، التي أسكنها أخاديد الأرض وخروق فجاجها، ورواسي أعلامها، من ذات أجنحة مختلفة، وهيئات متباينة، مصرفة في زمان التسخير، ومرفرفة بأجنحتها في مخارق الجو المنفسح، والفضاء المنفرج.

كَوَّنها بعد أن لم تكن، في عجائب صور ظاهرة، وركبها في حقاق مفاصل محتجبة، ومنع بعضها بعبالة خلقة، أن يسمو في السماء خفوفاً، وجعله يدف دفيفاً، ونسقها علي اختلافها في الأصابيغ بلطيف قدرته، ودقيق صنعته فمنها مغموس في قالب لون لا يشوبه غير لون ما غمس فيه، ومنها مغموس في لون صبغ قد طوق بخلاف ما صبغ به، ومن أعجبها خلقاً الطاووس الذي أقامه في أحكم تعديل،

ونضد ألوانه في أحسن تنضيد، بجناح أشرج قصبه، وذنب أطال مسحبه.

إذا درج إلي الأنثي نشره من طيه، وسما به مطلاً علي رأسه، كأنه قلع داري عَنَجَهُ نُوتِيُّهُ، يختال بألوانه، ويميس بزيفانه، يفضي كإفضاء الديكة، وَيُؤرُّ بملاقحة أرَّ الفحول المغتلمة للضراب الضراب.

أحيلك من ذلك علي معاينة، لا كمن يحيل علي ضعيف إسناده، ولو كان كزعم من يزعم أنه يلقح بدمعة تسفحها مدامعه، فتقف في ضفتي جفونه، وأن أنثاه تطعم ذلك، ثم تبيض لا من لقاح فحل، سوي الدمع المنبجس، لما كان ذلك بأعجب من مطاعمة الغراب.

تخال قصبه مداري من فضة، وما أنبت عليها من عجيب داراته، وشموسه خالص العقيان، وفلذ الزبرجد، فإن شبهته بما أنبتت الأرض قلت: جني جني من زهرة كل ربيع، وإن ضاهيته بالملابس فهو كموشي الحلل، أو مونق عصب اليمن، وإن شاكلته بالحلي فهو كفصوص ذات ألوان قد نطقت باللجين المكلل.

يمشئ مشئ المرح المختال، ويتصفح ذنبه وجناحيه فيقهقه ضاحكاً لجمال سرباله، وأصابيغ وشاحه، فإذا رمي ببصره إلي قوائمه، زقا معولاً بصوت يكاد يبين عن استغاثته، ويشهد بصادق توجعه، لأن قوائمه حمش كقوائم الديكة الخلاسية، وقد نجمت من ظنبوب ساقه صيصية خفية.

وله في موضع العرف قنزعة خضراء موشاة، ومخرج عنقه كالإبريق، ومغرزها إلي حيث بطنه كصبغ الوسمة اليمانية، أو كحريرة ملبسة مرآة ذات صقال، وكأنه متلفع بمعجر أسحم، إلا أنه يخيل لكثرة مائه وشدة بريقه أن الخضرة الناضرة ممتزجة به، ومع فتق سمعه خط كمستدق القلم في لون الاقحوان، أبيض يقق، فهو ببياضه في سواد ما هنالك يأتلق، وقل صبغ إلا وقد أخذ منه بقسط، وعلاه بكثرة صقاله وبريقه، وبصيص ديباجه ورونقه، فهو كالازاهير المبثوثة لم تربها أمطار ربيع،

ولا شموس قيظ، وقد يتحسر من ريشه، ويعري من لباسه، فيسقط تتري، وينبت تباعاً، فينحت من قصبه انحتات أوراق الأغصان، ثم يتلاحق نامياً حتي يعود كهيئته قبل سقوطه، لا يخالف سالف ألوانه، ولا يقع لون في غير مكانه.

وإذا تصفحت شعرة من شعرات قصبه أرتك حمرة وردية، وتارة خضرة زبرجدية، وأحياناً صفرة عسجدية.

فكيف تصل إلي صفة هذا عمائق الفطن، أو تبلغه قرائح العقول، أو تستنظم وصفه أقوال الواصفين! وأقل أجزائه قد أعجز الاوهام أن تدركه، والالسنة أن تصفه، فسبحان الذي بهر العقول عن وصف خلق جلاه للعيون، فأدركته محدوداً مكوناً، ومؤلفاً ملوناً، وأعجز الألسن عن تلخيص صفته، وقعد بها عن تأدية نعته.

وسبحان من أدمج قوائم الذرة والهمجة، إلي ما فوقهما من خلق الحيتان والأفيلة، ووأي علي نفسه أن لا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح، إلا وجعل الحمام موعده، والفناء غايته...

و يصف النملة والجرادة

نهج البلاغة:2/115:

185 ومن خطبة له عليه السلام:... ولو فكروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة، لرجعوا إلي الطريق، وخافوا عذاب الحريق، ولكن القلوب عليلة، والبصائر مدخولة.

ألا تنظرون إلي صغير ما خلق كيف أحكم خلقه، وأتقن تركيبه، وفلق له السمع والبصر، وسوي له العظم والبشر. أنظروا إلي النملة في صغر جثتها، ولطافة هيئتها، لا تكاد تنال بلحظ البصر، ولا بمستدرك الفكر، كيف دبت علي أرضها، وصبت علي رزقها، تنقل الحبة إلي جحرها، وتعدها في مستقرها، تجمع في حرها لبردها، وفي وردها لصدرها، مكفولة برزقها مرزوقة بوفقها، لا يغفلها المنان، ولا يحرمها الديان، ولو في الصفا اليابس، والحجر الجامس.

ولو فكرت في مجاري أكلها، في علوها وسفلها، وما في الجوف من شراسيف بطنها، وما في الرأس من عينها وأذنها، لقضيت من خلقها

عجباً، ولقيت من وصفها تعبا. فتعالي الذي أقامها علي قوائمها، وبناها علي دعائمها، لم يشركه في فطرتها فاطر، ولم يعنه في خلقها قادر.

ولو ضربت في مذاهب فكرك لتبلغ غاياته، ما دلتك الدلالة إلا علي أن فاطر النملة هو فاطر النخلة، لدقيق تفصيل كل شئ، وغامض اختلاف كل حي، وما الجليل واللطيف، والثقيل والخفيف، والقوي والضعيف، في خلقه إلا سواء، وكذلك السماء والهواء، والرياح والماء. فانظر إلي الشمس والقمر، والنبات والشجر، والماء والحجر، واختلاف هذا الليل والنهار، وتفجر هذه البحار، وكثرة هذه الجبال، وطول هذه القلال، وتفرق هذه اللغات، والألسن المختلفات.

فالويل لمن جحد المقدر وأنكر المدبر. زعموا أنهم كالنبات ما لهم زارع، ولا لاختلاف صورهم صانع، ولم يلجؤوا إلي حجة فيما ادعوا، ولا تحقيق لما أوعوا. وهل يكون بناء من غير بان، أو جناية من غير جان.

وإن شئت قلت في الجرادة، إذ خلق لها عينين حمراوين، وأسرج لها حدقتين قمراوين، وجعل لها السمع الخفي، وفتح لها الفم السوي، وجعل لها الحس القوي، ونابين بهما تقرض، ومنجلين بهما تقبض، يرهبها الزراع في زرعهم، ولا يستطيعون ذبها ولو أجلبوا بجمعهم، حتي ترد الحرث في نزواتها، وتقضي منه شهواتها، وخلقها كله لا يكون إصبعاً مستدقة.

فتبارك الله الذي يسجد له من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً، ويعفرِّ له خداً ووجهاً، ويلقي إليه بالطاعة سلماً وضعفاً، ويعطي له القياد رهبة وخوفاً، فالطير مسخرة لامره، أحصي عدد الريش منها والنفس، وأرسي قوائمها علي الندي واليبس، وقدر أقواتها، وأحصي أجناسها، فهذا غراب، وهذا عقاب، وهذا حمام، وهذا نعام. دعا كل طائر باسمه، وكفل له برزقه، وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها، وعدد قسمها، فبلَّ الأرض بعد جفوفها، وأخرج نبتها بعد

جدوبها.

علي مؤسس علم التوحيد

أمالي المرتضي:1/148:

إعلم أن أصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين علي عليه السلام وخطبه، وأنها تتضمن من ذلك ما لا مزيد عليه ولا غاية وراءه، ومن تأمل المأثور في ذلك من كلامه، علم أن جميع ما أسهب المتكلمون من بعد في تصنيفه وجمعه، إنما هو تفصيل لتلك الجمل، وشرح لتلك الأصول.

وروي عن الأئمة من أبناءه عليهم السلام من ذلك ما لا يكاد يحاط به كثرة، ومن أحب الوقوف عليه وطلبه من مظانه أصاب منه الكثير الغزير، الذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة، ونتاج للعقول العقيمة، ونحن نقدم علي ما نريد ذكره شيئاً مما روي عنهم في هذا الباب. فمن ذلك ما روي عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وهو يصف الله تعالي:

بمضادته بين الأشياء علم أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور علم أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والخشونة بالليل، واليبوسة بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متباعداتها، مفرق بين متدانياتها.

وروي عنه عليه السلام أنه سئل: بم عرفت ربك؟ فقال: بما عرفني به. قيل: وكيف عرفك؟ قال: لا تشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بقياس الناس.

وقيل له عليه السلام: كيف يحاسب الله الخلق؟ قال: كما يرزقهم. فقيل كيف يحاسبهم ولا يرونه؟ فقال: كما يرزقهم ولا يرونه.

وسأله رجل فقال: أين كان ربك قبل أن يخلق السماء والأرض؟ فقال: أين سؤال عن مكان، وكان الله ولا مكان.

الامام زين العابدين ينظم زبور آل محمد

قال عليه السلام في أدعيته المعروفة بالصحيفة السجادية، الدعاء الأول:

الحمد لله الأول بلا أول كان قبله، والاخر بلا آخر يكون بعده، الذي قصرت عن رؤيته أبصار الناظرين، وعجزت عن نعته أوهام الواصفين، ابتدع بقدرته الخلق ابتداعاً، واخترعهم علي مشيته

اختراعاً، ثم سلك بهم طريق إرادته، وبعثهم في سبيل محبته، لا يملكون تأخيراً عما قدمهم إليه، ولا يستطيعون تقدماً إلي ما أخرهم عنه، وجعل لكل روح منهم قوتاً معلوماً مقسوماً من رزقه، لا ينقص من زاده ناقص، ولا يزيد من نقص منهم زائد، ثم ضرب له في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطي إليه بأيام عمره، ويرهقه بأعوام دهره، حتي إذا بلغ أقصي أثره، واستوعب حساب عمره، قبضه إلي ما ندبه إليه من موفور ثوابه، أو محذور عقابه، ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسني، عدلاً منه تقدست أسماؤه، وتظاهرت آلاؤه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون...

الصحيفة السجادية الدعاء الثاني والثلاثون:

وكان من دعائه عليه السلام بعد الفراغ من صلاة الليل: اللهم ياذا الملك المتأبد بالخلود والسلطان، الممتنع بغير جنود ولا أعوان، والعز الباقي علي مر الدهور وخوالي الأعوام، ومواضي الأزمان والأيام، عز سلطانك عزاً لا حد له بأولية، ولا منتهي له بآخرية، واستعلي ملكك علواً سقطت الأشياء دون بلوغ أمده، ولا يبلغ أدني ما استأثرت به من ذلك أقصي نعت الناعتين، ضلت فيك الصفات، وتفسخت دونك النعوت، وحارت في كبريائك لطائف الأوهام.

كذلك أنت الله الأول في أوليتك، وعلي ذلك أنت دائم لا تزول.

وأنا العبد الضعيف عملاً، الجسيم أملاً، خرجت من يدي أسباب الوصلات إلا ما وصلته رحمتك، وتقطعت عني عصم الامال إلا ما أنا معتصم به من عفوك، قلَّ عندي ما أعتد به من طاعتك، وكثر علي ما أبوء به من معصيتك، ولن يضيق عليك عفو عن عبدك وإن أساء فاعف عني...

الصحيفة السجادية:2/21:

دعاؤه عليه السلام في التحميد لله عز وجل: الحمد لله الذي تجلي للقلوب

بالعظمة، واحتجت عن الابصار بالعزة، واقتدر علي الأشياء بالقدرة، فلا الأبصار تثبت لرؤيته، ولا الأوهام تبلغ كنه عظمته، تجبر بالعظمة والكبرياء، وتعطف بالعز والبر والجلال، وتقدس بالحسن والجمال، وتجمل بالفخر والبهاء، وتهلل بالمجد والآلاء، واستخلص بالنور والضياء. خالق لا نظير له، وواحد لاند له، وماجد لا ضد له، وصمد لا كفو له، وإله لا ثاني معه، وفاطر لا شريك له، ورازق لا معين له، الأول بلا زوال، والدائم بلا فناء، والقائم بلا عناء، والباقي بلا نهاية، والمبدئ بلا أمد، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك، والفاطر بلا كلفة، والفاعل بلا عجز.

ليس له حد في مكان، ولا غاية في زمان، لم يزل ولا يزول ولن يزال، كذلك أبداً هو الاله الحي القيوم، الدائم القديم، القادر الحكيم...

الامام محمد الباقر يجيب علي سؤال متي وجد الله

الكافي:8/120:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي حمزة ثابت بن دينار الثمالي وأبي منصور، عن أبي الربيع قال: حججنا مع أبي جعفر عليه السلام في السنة التي كان حج فيها هشام بن عبد الملك، وكان معه نافع مولي عمر بن الخطاب، فنظر نافع إلي أبي جعفر عليه السلام في ركن البيت وقد اجتمع عليه الناس فقال نافع: يا أمير المؤمنين من هذا الذي قد تداك عليه الناس؟ فقال: هذا نبي أهل الكوفة، هذا محمد بن علي!

فقال: أشهد لاتينه فلأسألنه عن مسائل لا يجيبني فيها إلا نبي أو ابن نبي أو وصي نبي، قال: فاذهب إليه وسله لعلك تخجله.

فجاء نافع حتي اتكأ علي الناس ثم أشرف علي أبي جعفر عليه السلام فقال: يا محمد بن علي إني قرأت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان، وقد عرفت حلالها وحرامها، وقد جئت

أسألك عن مسائل لا يجيب فيها إلا نبي أو وصي نبي أو ابن نبي، قال فرفع أبو جعفر عليه السلام رأسه فقال: سل عما بدا لك.

فقال: أخبرني كم بين عيسي وبين محمد من سنة.

قال: أخبرك بقولي أو بقولك؟

قال: أخبرني بالقولين جميعاً.

قال: أما في قولي فخمسمائة سنة، وأما في قولك فستمائة سنة.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل لنبيه: وَاسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ. من الذي سأل محمد، وكان بينه وبين عيسي خمسمائة سنة.

فقال: فتلا أبو جعفر عليه السلام هذه الآية: سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَي بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إلي الْمَسْجِدِ الأَقْصَي الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا. فكان من الآيات التي أراها الله تبارك وتعالي محمداً صلي الله عليه وآله حيث أسري به إلي بيت المقدس أن حشر الله عز ذكره الأولين والآخرين من النبيين والمرسلين، ثم أمر جبرئيل عليه السلام فأذن شفعاً وأقام شفعاً وقال في أذانه حي علي خير العمل، ثم تقدم محمد صلي الله عليه وآله فصلي بالقوم فلما انصرف قال لهم: علي ما تشهدون وما كنتم تعبدون؟ قالوا: نشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنك رسول الله، أخذ علي ذلك عهودنا ومواثيقنا.

فقال نافع: صدقت يا أبا جعفر، فأخبرني عن قول الله عز وجل: أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا.

قال: إن الله تبارك وتعالي لما أهبط آدم إلي الأرض وكانت السماوات رتقاً لا تمطر شيئاً، وكانت الأرض رتقاً لا تنبت شيئاً، فلما أن تاب الله عز وجل علي آدم عليه السلام أمر السماء فتقطرت بالغمام ثم أمرها

فأرخت عزاليها، ثم أمر الأرض فأنبتت الأشجار وأثمرت الثمار وتفهقت بالأنهار، فكان ذلك رتقها، وهذا فتقها.

قال نافع: صدقت يابن رسول الله، فأخبرني عن قول الله عز وجل: يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ، أي أرض تبدل يومئذ.

فقال أبو جعفر عليه السلام: أرض تبقي خبزة يأكلون منها حتي يفرغ الله عز وجل من الحساب.

فقال نافع: إنهم عن الأكل لمشغولون.

فقال أبو جعفر: أهم يومئذ أشغل أم إذ هم في النار؟

فقال نافع: بل إذ هم في النار.

قال: فوالله ما شغلهم إذ دعوا بالطعام فأطعموا الزقوم، ودعوا بالشراب فسقوا الحميم. قال: صدقت يابن رسول الله، ولقد بقيت مسألة واحدة.

قال: وما هي.

قال: أخبرني عن الله تبارك وتعالي متي كان؟

قال: ويلك متي لم يكن حتي أخبرك متي كان! سبحان من لم يزل ولا يزال، فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً، ثم قال: يا نافع أخبرني عما أسألك عنه.

قال: وما هو.

قال: ما تقول في أصحاب النهروان، فإن قلت إن أمير المؤمنين قتلهم بحق فقد ارتددت، وإن قلت إنه قتلهم باطلاً فقد كفرت.

قال: فولي من عنده وهو يقول: أنت والله أعلم الناس حقاً حقا، فأتي هشاماً فقال له: ما صنعت؟ قال: دعني من كلامك، هذا والله أعلم الناس حقاً حقا، وهو ابن رسول الله حقاً، ويحق لاصحابه أن يتخذوه نبياً!! انتهي.

والظاهر أن الإمام الباقر عليه السلام سأل نافعاً عن رأيه في الخوارج، لأن نافعاً كان ناصبياً مؤيداً لرأي الخوارج في تكفير علي عليه السلام.

و يركز في المسلمين قاعدة: لا تشبيه و لا تعطيل

التوحيد للصدوق/104:

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله الأشعري قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن محمد بن عيسي عمن ذكره

قال: سئل أبو جعفر عليه السلام أيجوز أن يقال: إن الله عز وجل شئ قال: نعم، يخرجه عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه.

الامام الصادق: لا نفي و لا تشبيه و لا جبر و لا تفويض

قال الصدوق في كتابه التوحيد/102:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار قال: حدثنا العباس بن معروف قال: حدثنا ابن أبي نجران عن حماد بن عثمان، عن عبدالرحيم القصير قال: كتبت علي يدي عبد الملك بن أعين إلي أبي عبدالله عليه السلام بمسائل، فيها: أخبرني عن الله عز وجل هل يوصف بالصورة وبالتخطيط فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إلي بالمذهب الصحيح من التوحيد، فكتب عليه السلام بيد عبد الملك بن أعين:

سألت رحمك الله عن التوحيد وما ذهب إليه من قبلك، فتعالي الله الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير، تعالي الله عما يصفه الواصفون المشبهون الله تبارك وتعالي بخلقه، المفترون علي الله. واعلم رحمك الله أن المذهب الصحيح في التوحيد ما نزل به القرآن من صفات الله عز وجل، فانف عن الله البطلان والتشبيه، فلا نفي ولا تشبيه، هو الله الثابت الموجود، تعالي الله عما يصفه الواصفون، ولا تَعْدُ القرآن فتضل بعد البيان.

توحيد الصدوق/103:

حدثني محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا عبدالله بن جعفر الحميري، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن يعقوب السراج قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: إن بعض أصحابنا يزعم أن لله صورة مثل صورة الإنسان، وقال آخر إنه في صورة أمرد جعد قطط، فخر أبو عبدالله ساجداً، ثم رفع رأسه، فقال: سبحان الله الذي ليس كمثله شئ، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به علم، لم يلد

لأن الولد يشبه أباه، ولم يولد فيشبه من كان قبله، ولم يكن له من خلقه كفواً أحد، تعالي عن صفة من سواه علواً كبيرا.

المؤمنون يرون الله بعقولهم و قلوبهم في الدنيا والآخرة

بحار الأنوار:4/31:

لي: الطالقاني، عن ابن عقدة، عن المنذر بن محمد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن إسماعيل بن الفضل قال: سألت أبا عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن الله تبارك وتعالي هل يري في المعاد فقال: سبحان الله وتعالي عن ذلك علواً كبيرا. يا ابن الفضل، إن الابصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الالوان والكيفية.

بحار الأنوار:4/44:

يد: الدقاق، عن الأسدي، عن النخعي، عن النوفلي، عن البطائني، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة.

قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة.

فقلت: متي؟

قال: حين قال لهم: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثث به فأنكره منكر جاهل بمعني ما تقوله، ثم قدر أن ذلك تشبيه كَفَر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون.

ضه: سأل محمد الحلبي الصادق عليه السلام فقال: رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه قال: نعم رآه بقلبه، فأما ربنا جل جلاله فلاتدركه أبصار حدق الناظرين، ولا تحيط به أسماع السامعين.

بحار الأنوار:4/33:

ج: عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: إحاطة الوهم، ألا تري إلي قوله: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ

مِنْ رَبِّكُمْ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من أبصر بعينه، ومن عمي فعليها، ليس يعني عمي العيون، إنما عني إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يري بالعين.

الامام الصادق يرد علي الحلول والثنائية بين الذات والصفات

الكافي:1/82:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن ابن مسكان، عن زرارة بن أعين قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: إن الله خلو من خلقه وخلقه خلو منه، وكل ما وقع عليه شئ ما خلا الله فهو مخلوق، والله خالق كل شئ، تبارك الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

الكافي:1/83:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال للزنديق حين سأله: ما هو قال: هو شئ بخلاف الأشياء، أرجع بقولي إلي إثبات معني وأنه شئ بحقيقة الشيئية، غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس، لا تدركه الاوهام ولا تنقصه الدهور، ولا تغيره الازمان، فقال له السائل: فتقول إنه سميع بصير قال: هو سميع بصير: سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة، بل يسمع بنفسه ويبصر بنفسه، ليس قولي إنه سميع يسمع بنفسه وبصير يبصر بنفسه أنه شئ والنفس شئ آخر، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولاً وإفهاماً لك إذ كنت سائلاً، فأقول: إنه سميع بكله لا أن الكل منه له بعض، ولكني أردت إفهامك والتعبير عن نفسي، وليس مرجعي في ذلك إلا إلي أنه السميع.

الكافي:1/87:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النضر

بن سويد، عن هشام بن الحكم أنه سأل أبا عبدالله عليه السلام عن أسماء الله واشتقاقها: الله مما هو مشتق؟ قال: فقال لي: يا هشام الله مشتق من أله، والاله يقتضي مألوهاً والاسم غير المسمي، فمن عبد الإسم دون المعني فقد كفر ولم يعبد شيئاً، ومن عبد الإسم والمعني فقد كفر وعبد اثنين، ومن عبد المعني دون الإسم فذاك التوحيد، أفهمت يا هشام؟ قال فقلت: زدني قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً فلو كان الإسم هو المسمي لكان كل إسم منها إلهاً، ولكن الله معني يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره، يا هشام الخبز إسم للمأكول والماء إسم للمشروب والثوب إسم للملبوس والنار إسم للمحرق، أفهمت يا هشام فهماً تدفع به وتناضل به أعداءنا والمتخذين مع الله عز وجل غيره؟ قلت: نعم.قال فقال: نفعك الله به وثبتك يا هشام، قال هشام فوالله ما قهرني أحد في التوحيد حتي قمت مقامي هذا.

علي بن إبراهيم، عن العباس بن معروف، عن عبدالرحمن بن أبي نجران قال: كتبت إلي أبي جعفر عليه السلام أو قلت له: جعلني الله فداك نعبد الرحمن الرحيم الواحد الاحد الصمد؟ قال: فقال: إن من عبد الإسم دون المسمي بالأسماء أشرك وكفر وجحد ولم يعبد شيئاً بل أعبد الله الواحد الأحد الصمد المسمي بهذه الأسماء دون الأسماء أن الأسماء صفات وصف بها نفسه.

الكافي:1/103:

علي بن محمد، عن سهل بن زياد، وعن غيره، عن محمد بن سليمان، عن علي بن إبراهيم، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: إن الله عظيم رفيع لا يقدر العباد علي صفته، ولا يبلغون كنه عظمته، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ،

ولا يوصف بكيف ولا أين وحيث، وكيف أصفه بالكيف وهو الذي كيف الكيف حتي صار كيفاً فعرفت الكيف بما كيف لنا من الكيف، أم كيف أصفه بأين وهو الذي أين الاين حتي صار أيناً فعرفت الاين بما أين لنا من الأين، أم كيف أصفه بحيث وهو الذي حيث الحيث حتي صار حيثاً فعرفت الحيث بما حيث لنا من الحيث، فالله تبارك وتعالي داخل في كل مكان وخارج من كل شئ، لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ. لا إله إلا هو العلي العظيم، وهو اللطيف الخبير.

الامام الكاظم يرد علي تجسيد النصاري

وقال الصدوق في كتابه التوحيد/75:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر قال: سمعت أبا إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) وهو يكلم راهباً من النصاري، فقال له في بعض ما ناظره: إن الله تبارك وتعالي أجل وأعظم من أن يحد بيد أو رجل أو حركة أو سكون، أو يوصف بطول أو قصر، أو تبلغه الأوهام، أو تحيط به صفة العقول. أنزل مواعظه ووعده ووعيده، أمر بلا شفة ولا لسان، ولكن كما شاء أن يقول له كن، فكان خبراً كما أراد في اللوح.

و يبين أن الله تعالي غني عن النزول والحركة

قال الصدوق في كتابه التوحيد/183:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بأبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، عن علي بن العباس، عن الحسن بن راشد، عن يعقوب بن جعفر الجعفري، عن أبي إبراهيم موسي بن جعفر (عليهما السلام) قال: ذكر عنده قوم يزعمون أن الله تبارك وتعالي ينزل إلي السماء الدنيا، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينزل، ولا يحتاج إلي أن ينزل، إنما منظره في القرب والبعد سواء، لم يبعد منه قريب، ولم يقرب منه بعيد، ولم يحتج بل يحتاج إليه، وهو ذو الطَّول، لا إله إلا هو العزيز الحكيم. أما قول الواصفين: إنه تبارك وتعالي ينزل، فإنما يقول ذلك من ينسبه إلي نقص أو زيادة، وكل متحرك محتاج إلي من يحركه أو يتحرك به، فظن بالله الظنون فهلك، فاحذروا في صفاته من أن تقفوا له علي حد، فتحدوه بنقص أو زيادة أو تحرك أو

زوال أو نهوض أو قعود، فإن الله جل عن صفة الواصفين ونعت الناعتين وتوهم المتوهمين.

الامام الرضا يعلم تلاميذه الدفاع عن التوحيد

توحيد الصدوق/107:

حدثنا جعفر بن محمد بن مسرور رحمه الله قال: حدثنا محمد بن جعفر بن بطة قال: حدثني عدة من أصحابنا، عن محمد بن عيسي بن عبيد قال قال لي أبو الحسن عليه السلام: ما تقول إذا قيل لك أخبرني عن الله عز وجل شئ هو أم لا؟ قال فقلت له: قد أثبت الله عز وجل نفسه شيئاً حيث يقول: قل أي شئ أكبر شهادة قل الله شهيد بيني وبينكم، فأقول: إنه شئ لا كالأشياء، إذ في نفي الشيئية عنه إبطاله ونفيه. قال لي: صدقت وأصبت.

ثم قال لي الرضا عليه السلام: للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب: نفي، وتشبيه، وإثبات بغير تشبيه، فمذهب النفي لا يجوز، ومذهب التشبيه لا يجوز، لأن الله تبارك وتعالي لا يشبهه شئ، والسبيل في الطريقة الثالثة: إثبات بلا تشبيه.

توحيد الصدوق/98:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن سهل بن زياد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيغ، عن محمد ابن زيد قال: جئت إلي الرضا عليه السلام أسأله عن التوحيد فأملي علي: الحمد لله فاطر الأشياء إنشاء، ومبتدعها ابتداء بقدرته وحكمته، لا من شئ فيبطل الإختراع، ولا لعلة فلا يصح الإبتداع. خلق ما شاء كيف شاء، متوحداً بذلك لاظهار حكمته وحقيقة ربوبيته، لا تضبطه العقول، ولا تبلغه الاوهام، ولا تدركه الابصار، ولا يحيط به مقدار، عجزت دونه العبارة، وكلت دونه الأبصار، وضل فيه تصاريف الصفات، احتجب بغير حجاب محجوب، واستتر بغير ستر مستور، عرف بغير رؤية، ووصف بغير صورة، ونعت بغير جسم، لا إله

إلا الله الكبير المتعال.

ورواه في علل الشرائع:1/10

و يكشف حقيقة جديدة في الإسراء والمعراج

التوحيد للصدوق/113:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق (رض) قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي، عن الحسين بن الحسن، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن محمد الخزاز، ومحمد بن الحسين، قالا: دخلنا علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فحكينا له ما روي أن محمداً صلي الله عليه وآله رأي ربه في هيئة الشاب الموفق في سن أبناء ثلاثين سنة، رجلاه في خضرة، وقلت: إن هشام بن سالم وصاحب الطاق والميثمي يقولون: إنه أجوف إلي السرة والباقي صمد، فخر ساجداً ثم قال: سبحانك ما عرفوك ولا وحدوك، فمن أجل ذلك وصفوك، سبحانك لو عرفوك لوصفوك بما وصفت به نفسك، سبحانك كيف طاوعتهم أنفسهم أن شبهوك بغيرك. إلهي لا أصفك إلا بما وصفت به نفسك، ولا أشبهك بخلقك، أنت أهل لكل خير، فلا تجعلني من القوم الظالمين.

ثم التفت إلينا فقال: ما توهمتم من شئ فتوهموا الله غيره، ثم قال: نحن آل محمد النمط الأوسط، الذي لا يدركنا الغالي ولا يسبقنا التالي. يا محمد إن رسول الله صلي الله عليه وآله حين نظر إلي عظمة ربه كان في هيئة الشاب الموفق وسن أبناء ثلاثين سنة..

يا محمد عظم ربي وجل أن يكون في صفة المخلوقين.

قال قلت: جعلت فداك من كانت رجلاه في خضرة؟ قال: ذاك محمد صلي الله عليه وآله كان إذا نظر إلي ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتي يستبين له ما في الحجب! إن نور الله منه اخضرَّ ما اخضر، ومنه احمرَّ ما احمر، ومنه أبيضَّ ما

أبيض، ومنه غير ذلك. يا محمد ما شهد به الكتاب والسنة فنحن القائلون به.

ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/41 وقال:

بيان: قوله عليه السلام: النمط الوسطي وفي الكافي الأوسط قال الجزري: في حديث علي: خير هذه الأمة النمط الأوسط، النمط: الطريقة من الطرائق والضروب، يقال: ليس هذا من ذلك النمط أي من ذلك الضرب، والنمط: الجماعة من الناس أمرهم واحد. انتهي.

قوله عليه السلام: لا يدركنا الغالي في أكثر النسخ بالغين المعجمة، وفي بعضها بالعين المهملة، وعلي التقديرين المراد به من يتجاوز الحد في الأمور، أي لا يدركنا ولا يلحقنا في سلوك طريق النجاة من يغلو فينا أوفي كل شئ، والتالي أي التابع لنا لا يصل إلي النجاة إلا بالأخذ عنا، فلا يسبقنا بأن يصل إلي المطلوب لا بالتوصل بنا.

وفي الكافي: إن نور الله منه أخضر، ومنه أحمر، ومنه أبيض، ومنه غير ذلك. وسيأتي في باب العرش في خبر أبي الطفيل إن الله خلق العرش من أنوار مختلفة، فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار.

ثم اعلم أنه يمكن إبقاء الحجب والأنوار علي ظواهرها بأن يكون المراد بالحجب أجساماً لطيفة مثل العرش والكرسي يسكنها الملائكة الروحانيون، كما يظهر من بعض الدعوات والأخبار، أي أفاض عليه شبيه نور الحجب ليمكن له رؤية الحجب كنور الشمس بالنسبة إلي عالمنا.

ويحتمل التأويل أيضاً بأن يكون المراد بها الوجوه التي يمكن الوصول إليها في معرفة ذاته تعالي وصفاته إذ لا سبيل لاحد إلي الكنه، وهي تختلف باختلاف درجات العارفين قرباً وبعداً، فالمراد بنور الحجب قابلية تلك المعارف وتسميتها بالحجب،

إما لأنها وسائط بين العارف والرب تعالي كالحجاب، أو لأنها موانع عن أن يسند إليه تعالي ما لا يليق به، أو لأنها لما لم تكن موصلة إلي الكنه فكأنها حجب، إذ الناظر خلف الحجاب لا تتبين له حقيقة الشئ كما هي.

وقيل: إن المراد بها العقول فإنها حجب نور الأنوار، ووسائط النفوس الكاملة، والنفس إذا استكملت ناسبت نوريتها نورية تلك الأنوار، فاستحقت الإتصال بها والاستفادة منها، فالمراد بجعله في نور الحجب جعله في نور العلم والكمال مثل نور الحجب، حتي يناسب جوهر ذاته جوهر ذاتهم فيستبين له ما في ذواتهم، ولا يخفي فساده علي أصولنا بوجوه شتي.

وأما تأويل ألوان الأنوار فقد قيل فيه وجوه:

الأول: أنها كناية عن تفاوت مراتب تلك الأنوار بحسب القرب والبعد من نور الأنوار، فالابيض هو الاقرب، والاخضر هو الابعد، كأنه ممزوج بضرب من الظلمة، والأحمر هو المتوسط بينهما، ثم ما بين كل اثنين ألوان أخري كألوان الصبح والشفق المختلفة في الالوان لقربها وبعدها من نور الشمس.

الثاني: أنها كناية عن صفاته المقدسة، فالاخضر قدرته علي إيجاد الممكنات وإفاضة الأرواح التي هي عيون الحياة ومنابع الخضرة، والأحمر غضبه وقهره علي الجميع بالإعدام والتعذيب، والأبيض رحمته ولطفه علي عباده كما قال تعالي: وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللهِ.

الثالث: ما استفدته من الوالد العلامة قدس الله روحه وذكر أنه مما أفيض عليه من أنوار الكشف واليقين، وبيانه يتوقف علي تمهيد مقدمة وهي: أن لكل شئ مثالاً في عالم الرؤيا والمكاشفة، وتظهر تلك الصور والأمثال علي النفوس مختلفة باختلاف مراتبها في النقص والكمال، فبعضها أقرب إلي ذي الصورة، وبعضها أبعد، وشأن المعبر أن ينتقل منها إلي ذواتها، فإذا عرفت هذا فالنور

الأصفر عبارة عن العبادة ونورها كما هو المجرب في الرؤيا، فإنه كثيراً ما يري الرائي الصفرة في المنام فيتيسر له بعد ذلك عبادة يفرح بها، وكما هو المعاين في جباه المتهجدين، وقد ورد في الخبر في شأنهم أنه ألبسهم الله من نوره لما خلوا به. والنور الابيض العلم لأنه منشأ للظهور، وقد جرب في المنام أيضاً. والنور الاحمر المحبة كما هو المشاهد في وجوه المحبين عند طغيان المحبة، وقد جرب في الاحلام أيضاً. والنور الأخضر المعرفة، كما تشهد به الرؤيا ويناسبه هذا الخبر، لأنه عليه السلام في مقام غاية العرفان كانت رجلاه في خضرة.

ولعلهم عليهم السلام إنما عبروا عن تلك المعاني علي تقدير كونها مرادة بهذه التعبيرات، لقصور أفهامنا عن محض الحقيقة كما تعرض علي النفوس الناقصة في الرؤيا هذه الصور، ولانا في منام طويل من الغفلة عن الحقائق، كما قال عليه السلام: الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا.

وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام. انتهي.

ملاحظة:

إذا شرح لنا عالم الفيزياء مثلاً بعض قوانين الضوء وتحدث عن تغير تركيب الاجسام وطاقاتها إذا تحركت بسرعة الضوء أو بأسرع منه، فإننا نتعجب لذلك ونحترم آراءه..

أما النبي والإمام المعصوم فإن حديثهما أولي بالإحترام والثقة من عالم الفيزياء، ومن كل علماء الأرض، لأنهما يتحدثان عن الفيزياء كما أخبرهما عنها خالقها تبارك وتعالي. فحديث الإمام الرضا عليه السلام عن المعراج وعن أصل الأنوار والألوان إنما هو عن جده المصطفي سيد البشر صلي الله عليه وآله الذي أوحي إليه الله تعالي وعرج به مرات متعددة كما في الأحاديث الشريفة، فأراه ملكوت السماوات والأرض.وأحاديث المعراج فيها أحاديث صحيحة ومهمة، وهي تحتاج

إلي دراسة من علماء الطبيعة، لعلهم يكتشفون منها حقائق جديدة عن الكون والطبيعة.

ولا نعني بذلك رفض التفسيرات العقلية والاشراقية كالتي أوردها المجلسي رحمه الله، ولكنها تبقي تفسيراً لجانب، أو احتمالات.. ونعم ما ختم به المحدث المجلسي رحمه الله كلامه فقال (وهذه التأويلات غاية ما تصل إليه أفهامنا القاصرة، والله أعلم بمراد حججه وأوليائه عليهم السلام.

الامام الرضا يعلم بني العباس التوحيد

توحيد الصدوق/34:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا محمد بن عمر والكاتب، عن محمد بن زياد القلزمي، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة قال: حدثني محمد بن يحيي بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد، قال ابن أبي زياد: ورواه لي أيضاً أحمد بن عبدالله العلوي مولي لهم وخالاً لبعضهم، عن القاسم بن أيوب العلوي، أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام علي هذا الأمر جمع بني هاشم فقال: إني أريد أن أستعمل الرضا علي هذا الأمر من بعدي، فحسده بنو هاشم وقالوا: أتولي رجلاً جاهلاً ليس له بصر بتدبير الخلافة، فابعث إليه رجلاً يأتنا فتري من جهله ما يستدل به عليه، فبعث إليه فأتاه فقال له بنو هاشم: يا أبا الحسن إصعد المنبر وانصب لنا علماً نعبد الله عليه، فصعد عليه السلام المنبر، فقعد ملياً لا يتكلم مطرقاً، ثم انتفض انتفاضة واستوي قائماً، وحمد الله وأثني عليه وصلي علي نبيه وأهل بيته. ثم قال:

أول عبادة الله معرفته، وأصل معرفة الله توحيده، ونظام توحيد الله نفي الصفات عنه، لشهادة العقول أن كل موصوف مخلوق، وشهادة كل مخلوق أن له خالقاً ليس

بصفة ولا موصوف، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران، وشهادة الاقتران بالحدث، وشهادة الحدث بالإمتناع من الأزل الممتنع من الحدث، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته، ولا إياه وحد من اكتنهه، ولا حقيقة أصاب من مثله، ولا به صدق من نهاه، ولا صمد صمده من أشار إليه، ولا إياه عني من شبهه، ولا له تذلل من بعضه، ولا إياه أراد من توهمه.

كل معروف بنفسه مصنوع، وكل قائم في سواه معلول، بصنع الله يستدل عليه، وبالعقول تعتقد معرفته، وبالفطرة تثبت حجته. خلق الله حجاباً بينه وبينهم، ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم، وابتداؤه إياهم دليلهم علي أن لا ابتداء له، لعجز كل مبتدأ عن ابتداء غيره، وأَدْوه إياهم دليل علي أن لا أداة فيه، لشهادة الادوات بفاقة المتأدين، وأسماؤه تعبير، وأفعاله تفهيم، وذاته حقيقة، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه، وغبوره تحديد لما سواه.

فقد جهل الله من استوصفه، وقد تعداه من اشتمله، وقد أخطأه من اكتنهه، ومن قال كيف فقد شبهه، ومن قال لم فقد علله، ومن قال متي فقد وقته، ومن قال فيم فقد ضمنه، ومن قال إلي م فقد نهاه، ومن قال حتي م فقد غياه، ومن غياه فقد غاياه، ومن غاياه فقد جزأه، ومن جزأه فقد وصفه، ومن وصفه فقد ألحد فيه، لا يتغير الله بانغيار المخلوق، كما لا يتحدد بتحديد المحدود، أحد لا بتأويل عدد، ظاهر لا بتأويل المباشرة، متجل لا باستهلال رؤية، باطن لا بمزايلة، مبائن لا بمسافة، قريب لا بمداناة، لطيف لا بتجسم، موجود لا بعد عدم، فاعل لا باضطرار، مقدر لا بجول فكرة، مدبر لا بحركة، مريد لا بهمامة، شاء لا بهمة، مدرك لا بمجسة، سميع لا بآلة، بصير لا

بأداة.

لا تصحبه الأوقات، ولا تضمنه الأماكن، ولا تأخذه السنات، ولا تحده الصفات، ولا تقيده الأدوات.

سبق الأوقات كونه، والعدم وجوده، والابتداء أزله.

بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له، وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له، ضاد النور بالظلمة، والجلاية بالبهم، والجسو بالبلل، والصرد بالحرور، مؤلف بين متعادياتها، مفرق بين متدانياتها، دالة بتفريقها علي مفرقها، وبتأليفها علي مؤلفها، ذلك قوله عز وجل: ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون، ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها، له معني الربوبية إذ لا مربوب، وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه، ومعني العالم ولا معلوم، ومعني الخالق ولا مخلوق، وتأويل السمع ولا مسموع.

ليس منذ خلق استحق معني الخالق، ولا بإحداثه البرايا استفاد معني البارئية، كيف ولا تغيبه مذ، ولا تدنيه قد، ولا تحجبه لعل، ولا توقته متي، ولا تشمله حين، ولا تقارنه مع، إنما تحد الأدوات أنفسها، وتشير الالة إلي نظائرها، وفي الأشياء يوجد فعالها، منعتها منذ القدمة، وحمتها قد الأزلية، وجبتها لولا التكملة، افترقت فدلت علي مفرقها، وتباينت فأعربت من مباينها، لما تجلي صانعها للعقول، وبها احتجب عن الرؤية، وإليها تحاكم الاوهام، وفيها أثبت غيره، ومنها أنيط الدليل، وبها عرفها الإقرار.

وبالعقول يعتقد التصديق بالله، وبالإقرار يكمل الإيمان به، ولا ديانة إلا بعد المعرفة، ولا معرفة إلا بالإخلاص، ولا إخلاص مع التشبيه، ولا نفي مع إثبات

الصفات للتشبيه، فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه، لا تجري عليه الحركة والسكون، وكيف يجري عليه ما هو أجراه، أو يعود إليه ما هو ابتداه، إذا لتفاوتت ذاته، ولتجزأ كنهه، ولامتنع من الأزل معناه، ولما كان للبارئ معني غير المبروء.

ولو حد له وراء إذاً حد له أمام، ولو التمس له التمام إذاً لزمه النقصان، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء، إذاً لقامت فيه آية المصنوع، ولتحول دليلاً بعدما كان مدلولاً عليه.

ليس في محال القول حجة، ولا في المسألة عنه جواب، ولا في معناه له تعظيم، ولا في إبانته عن الخلق ضيم، إلا بامتناع الأزلي أن يثني، وما لا بدأ له أن يبدي، لا إله إلا الله العلي العظيم، كذب العادلون بالله وضلوا ضلالاً بعيداً، وخسروا خسراناً مبينا. وصلي الله علي محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.

نماذج من كلمات علماء مذهب أهل البيت

الإعتقادات/3 9 للصدوق المتوفي سنة 381:

إعلم أن اعتقادنا في التوحيد: أن الله تعالي واحد أحد ليس كمثله شئ، قديم لم يزل ولا يزال، سميعاً بصيراً عليماً حكمياً حياً قيوماً عزيزاً قدوساً عالماً قادراً غنياً، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان، وأنه تعالي متعال من جميع صفات خلقه، خارج عن الحدين حد الإبطال وحد التشبيه. وأنه تعالي شئ لا كالأشياء، صمد، لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفواً أحد، ولا نِدَّ له ولا ضد ولا شبه، ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك له، لا

تدركه الابصار وهو يدرك الأبصار ولا الأوهام وهو يدركها، لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير، خالق كل شئ، لا إله إلا هو، له الخلق والأمر، تبارك الله رب العالمين.

ومن قال بالتشبيه فهو مشرك، ومن نسب إلي الإمامية غير ما وصف في التوحيد فهو كاذب، وكل خبر يخالف ما ذكرت في التوحيد فهو موضوع مخترع، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو باطل، وإن وجد في كتب علمائنا فهو مدلس.

والأخبار التي يتوهمها الجهال تشبيهاً لله تعالي بخلقه فمعانيها محمولة علي ما في القرآن من نظائرها، لأن ما في القرآن: كل شئ هالك إلا وجهه، ومعني الوجه الدين، والوجه الذي يؤتي الله منه ويتوجه به إليه.

وفي القرآن: يوم يكشف عن ساق ويدعون إلي السجود وهم سالمون، والساق وجه الأمر وشدته.

وفي القرآن: أن تقول نفس يا حسرتي علي ما فرطت في جنب الله، والجنب الطاعة.

وفي القرآن: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، وهو روح مخلوقة جعل الله منها في آدم وعيسي، وإنما قال روحي كما قال: نبيي وعبدي وجنتي أي: مخلوقي، وناري وسمائي وأرضي. وفي القرآن: بل يداه مبسوطتان، يعني نعمة الدنيا ونعمة الآخرة.

وفي القرآن: والسماء بنيناها بأيد، والأيد القوة، ومنه قوله تعالي: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الْأَيْدِ، يعني ذا القوة.

وفي القرآن: يا إبليس ما منعك أن تسجد لماخلقت بيدي، يعني بقدرتي وقوتي.

وفي القرآن: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يعني ملكه ولايملكها معه أحد.

وفي القرآن: والسماوات مطويات بيمينه، يعني بقدرته.

وفي القرآن: وَجَاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، يعني وجاء أمر ربك.

وفي القرآن: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، يعني عن ثواب ربهم.

وفي القرآن: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا

أَنْ يَاتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَ الْمَلائِكَةُ، أي عذاب الله.

وفي القرآن: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، يعني مشرقة تنظر ثواب ربها.

وفي القرآن: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَي، وغضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

وفي القرآن: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَ لا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ، أي تعلم غيبي ولا أعلم غيبك.

وفي القرآن، وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ، يعني إنتقامه.

وفي القرآن: إِنَّ اللهَ وَ مَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَي النَّبِيِّ.

وفيه: هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَ مَلائِكَتُهُ، والصلاة من الله رحمة ومن الملائكة استغفار وتذكية ومن الناس دعاء.

وفي القرآن: وَمَكَرُوا وَ مَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ.

وفي القرآن: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ.

وفيه: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ.

وفي القرآن: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ.

وفيه: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ.

ومعني ذلك كله أنه عز وجل يجازيهم جزاء المكر وجزاء المخادعة وجزاء الإستهزاء وجزاء النسيان وهو أن ينسيهم أنفسهم كما قال عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ، لأنه عز وجل في الحقيقة لا يمكر ولا يخادع ولا يستهزي ولا يسخر ولا ينسي، تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً.

وليس يرد في الأخبار التي يشنع بها أهل الخلاف والإلحاد إلا بمثل هذه الألفاظ ومعانيها معاني ألفاظ القرآن.

الكافي/38، لأبي الصلاح الحلبي المتوفي سنة 447:

... وثبوت كونه تعالي قديماً مقتض لكونه سبحانه غنياً تستحيل عليه الحاجة،(لأن) الحاجة لا تكون إلا لاجتلاب نفع أو دفع ضرر، من حيث علمنا استحالة الحاجة علي من يستحيل عليه الضرر والنفع كالموات والجماد. والنفع والضرر لا يجوزان إلا علي من يلذ ويألم، لأن الحي إنما ينتفع بما يلذ به أو يسر له، ويستضر بما يألم به أو يغتم لأجله، واللذة

والألم لا يجوزان إلا علي ذي شهوة ونفور، إذ معني ملتذ أنه أدرك ما يشتهيه، ومعني متألم أنه أدرك ما ينفر عنه، ومعني مسرور أنه اعتقد أو ظن وصول نفع إليه أو إلي من يجري مجراه واندفاع ضرر، ومعني مغتم أنه اعتقد أو ظن وصول ضرر اليه أو إلي من يجري مجراه أو فوت نفع، فعاد معني السرور والغم إلي النفع والضرر.

إذا تقرر هذا وكانت الشهوة والنفار معاني تفتقر إلي محل استحال تخصيصها. وكونه تعالي لا يشبه شيئاً يحيل إدراكه سبحانه بشئ من الحواس، لاختصاص الإدراك المعقول بالجواهر وأجناس من الأعراض، وليس هو من الجنسين، فاستحال إدراكه تعالي.

ولأنه لو كان مما يصح أن يدرك بشئ من الحواس لوجب أن ندركه الآن، لأنا علي الصفة التي معها يجب أن يدرك كلما يصح إدراكه بشرط ارتفاع الموانع، وهو سبحانه موجود والموانع مستحيلة عليه، لأنها اللطافة والرقة وتفاوت البعد والقرب والحجاب والكون في غير جهة المقابلة، وذلك أجمع من صفات المتحيزات، وقد دللنا علي كونه سبحانه بخلافها، فلو كان مما يصح أن يدرك لأدركناه الان، ولو أدركناه لعلمناه ضرورة، من حيث كان العلم بالمدرك من كمال العقل، وفي عدم العلم به سبحانه ضرورة دليل علي عدم إدراكه...

وثبوت كونه تعالي لا يشبه شيئاً يحيل عليه التنقل والإختصاص بالحياة والمجاورة، لأن ذلك من أحكام المتحيزات وليس بمتحيز. ويحيل عليه سبحانه الحلول وإيجاب الاحوال والأحكام، لأن ذلك من خواص الاعراض، فتسقط لذلك مذاهب الثنوية والمجوس والصابئين وعباد الأصنام والمنجمين والنصاري والغلاة، لاثبات هؤلاء أجمع إلهية الاجسام، أو كونها مؤثرة ما يستحيل من الجسم تأثيره، علي ما سلف بيانه.

كشف المراد للعلامة الحلي ص320: المتوفي سنة 726:

المسألة العشرون:

في أنه تعالي ليس بمرئي.

أقول: وجوب الوجود يقتضي نفي الرؤية أيضاً. واعلم أن أكثر العقلاء ذهبوا إلي امتناع رؤيته تعالي، والمجسمة جوزوا رؤيته لاعتقادهم أنه تعالي جسم ولو اعتقدوا تجرده لم يجوزوا رؤيته عندهم. والأشاعرة خالفوا العقلاء كافة هنا وزعموا أنه تعالي مع تجرده يصح رؤيته.

والدليل علي امتناع الرؤية أن وجوب الوجود يقتضي تجرده ونفي الجهة والحيز عنه، فتنتفي الرؤية عنه بالضرورة، لأن كل مرئي فهو في جهة يشار إليه بأنه هناك أو هنا، ويكون مقابلاً أو في حكم المقابل، ولما انتفي هذا المعني عنه تعالي انتفت الرؤية... أقول: لما استدل علي نفي الرؤية شرع في الجواب عن الاحتجاج، والأشاعرة قد احتجوا بوجوه أجاب المصنف رحمه الله عنها.

الأول، إن موسي عليه السلام سئل الرؤية ولو كانت ممتنعة لم يصح عنه السؤال.

والجواب: أن السؤال كان من موسي عليه السلام لقومه ليبين لهم امتناع الرؤية لقوله تعالي: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ، وقوله: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا....

الوجه الثاني لهم، أنه تعالي حكي عن أهل الجنة النظر اليه فقال: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، والنظر المقرون بحرف إلي يفيد الرؤية، لأنه حقيقة في تقليب الحدقة نحو المطلوب التماساً للرؤية، وهذا متعذر في حقه تعالي لإنتفاء الجهة، عنه فيتعين أن يكون المراد منه المجاز، وهي الرؤية التي هي معلولة النظر الحقيقي، واستعمال لفظ السبب في المسبب من أحسن وجوه المجاز.

والجواب: المنع من إرادة هذا المجاز، فإن النظر وإن اقترن به حرف إلي لا يفيد الرؤية، ولهذا يقال نظرت إلي الهلال فلم أره، وإذا لم يتعين هذا المعني للإرادة أمكن حمل الآية علي غيره، وهو أن يقال إن إلي واحد إلاء

ويكون معني ناظرة أي منتظرة، أو نقول إن المضاف هنا محذوف وتقديره إلي ثواب ربها ناظرة.

لا يقال: الإنتظار سبب الغم والآية سيقت لبيان النعم.

لانا نقول: سياق الآية يدل علي تقدم حال أهل الثواب والعقاب علي استقرارهم في الجنة والنار بقوله: وجوه يومئذ ناظرة، بدليل قوله تعالي: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، فإن في حال استقرار أهل النار في النار قد فعل بها فاقرة فلا يبقي للظن معني. وإذا كان كذلك فانتظار النعمة بعد البشارة بها لا يكون سبباً للغم بل سبباً للفرح والسرور ونضارة الوجه كمن يعلم وصول نفع إليه يقيناً في وقت، فإنه يسر بذلك وإن لم يحضر الوقت، كما أن انتظار العقاب بعد الانذار بوروده يوجب الغم ويقتضي بسارة الوجه.

قال: وتعليق الرؤية باستقرار المتحرك لا يدل علي الإمكان.

أقول: هذا جواب عن الوجه الثالث للاشعرية وتقرير احتجاجهم أن الله سبحانه وتعالي علق الرؤية في سؤال موسي عليه السلام علي استقرار الجبل، والإستقرار ممكن لأن كل جسم فسكونه ممكن، والمعلق علي الممكن ممكن.

والجواب: أنه تعالي علق الرؤية علي الإستقرار لا مطلقاً بل علي استقرار الجبل حال حركته، واستقرار الجبل حال الحركة محال، فلا يدل علي إمكان المعلق.

قال: واشتراك المعلولات لا يدل علي اشتراك العلل مع منع التعليل والحصر.

أقول: هذا جواب عن شبهة الأشاعرة من طريق العقل استدلوا بها علي جواز رؤيته تعالي، وتقريرها أن الجسم والعرض قد اشتركا في صحة الرؤية، وهذا حكم مشترك يستدعي علة مشتركة، ولا مشترك بينهما إلا الحدوث أو الوجود، والحدوث لا يصلح للعلية لأنه مركب من قيد عدمي فيكون عدمياً، فلم يبق إلا الوجود فكل موجود يصح رؤيته وأنه تعالي

موجود.

وهذا الدليل ضعيف جداً لوجوه:

الأول: المنع من رؤية الجسم، بل المرئي هو اللون أو الضوء لا غير.

الثاني، لا نسلم اشتراكهما في صحة الرؤية، فإن رؤية الجوهر مخالفة لرؤية العرض.

الثالث، لا نسلم أن الصحة ثبوتية بل هي أمر عدمي، لأن جنس صحة الرؤية وهو الامكان عدمي، فلا يفتقر إلي العلة.

الرابع، لا نسلم أن المعلول المشترك يستدعي علة مشتركة، فإنه يجوز اشتراك العلل المختلفة في المعلولات المتساوية.

الخامس، لا نسلم الحصر في الحدوث والوجود، وعدم العلم لا يدل علي العدم، مع أنا نتبرع قسماً آخر وهو الامكان، وجاز التعليل به وإن كان عدمياً، لأن صحة الرؤية عدمية.

السادس، لا نسلم أن الحدوث لا يصلح للعلية، وقد بينا أن صحة الرؤية عدمية، علي أنا نمنع من كون الحدوث عدمياً، لأنه عبارة عن الوجود المسبوق بالغير لا المسبوق بالعدم.

السابع، لم لا يجوز أن تكون العلة هي الوجود بشرط الامكان أو بشرط الحدوث، والشروط يجوز أن تكون عدمية.

الثامن، المنع من كون الوجود مشتركاً، لأن وجود كل شئ نفس حقيقته، ولو سلم كون الوجود الممكن مشتركاً، لكن وجود الله تعالي مخالف لغيره من الوجودات، لأنه نفس حقيقته، ولا يلزم من كون وجود بعض الماهيات علة لشئ كون ما يخالفه علة لذلك الشئ.

التاسع، المنع من وجود الحكم عند وجود المقتضي، فإنه جاز وجود مانع في حقه تعالي، أما ذاته أو صفة من صفاته، أو نقول الحكم يتوقف علي شرط كالمقابلة هنا وهي تمتنع في حقه تعالي، فلا يلزم وجود الحكم فيه.

الرسالة السعدية للعلامة الحلي/39:

والدليل علي المذهب الأول: العقل، والنقل.

أما العقل، فإن الضرورة قاضية: بأن كل مرئي، فإنه لابد وأن يكون مقابلاً

للرائي، أو في حكم المقابل كالمرئي في المرايا. وكل مقابل أو في حكمه فهو في جهة، والله تعالي ليس في جهة فلا يكون مرئياً.

ولانه لو كان مرئياً لرأيناه الان، لوجود العلة المقتضية للرؤية وهي حصول الشرايط وانتفاء الموانع وسلامة الحاسة.

وأما النقل، فقوله تعالي: لَنْ تَرَانِي، ولو كانت صحيحة ويراه بعض المؤمنين، لكان موسي عليه السلام أولي بالرؤية.

وقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، تمدح بنفي الرؤية فيكون ثبوتها نقصاً، والنقص علي الله تعالي محال.

ولأن الخصم يسلم أن معرفة الله تعالي ليست حاصلة إلا بصفاته وآثاره دون حقيقته، فكيف تصح رؤيته والاحاطة بكنه حقيقته، تعالي الله عن ذلك.

من أين نشأت المشكلة عند إخواننا السنة

ميل العوام إلي التشبيه والتجسيم

للذهن البشري حالة ابتدائية طفولية يتصور فيها كثيراً من الأمور تصوراً خاطئاً، حتي إذا تعمق في الفكر والتجربة.. تصححت نظرته! ولعل أكثر الناس يتصورون الله تعالي في طفولتهم بصور من محيطهم، فيتخيله أحدهم كأبيه مثلاً، أو كإنسان صاحب صفات حسنة... وهذا أمر طبيعي، بل قد يكون فطرياً، فقد ورد أن النملة تتصور أن لربها قرنين كقرنيها (نحوه في بحار الأنوار:69/293)ولكن هذه الحالة الطفولية إذا استمرت مع الإنسان ولم تتطور، فإنها تتحول إلي حالة عامية مستعصية، ولذا تري أصحابها يميلون إلي الإعتقاد بأن الله تعالي جسم، ويروون عنه القصص والخيالات!

وقد كانت هذه (العامية) سائدة في مجتمع اليهود الذي انحرف عن رسالات أنبيائه، وكذا في مجتمع العرب الوثني، وصارت أرضية لتقبل نظريات الرؤية والتشبيه والتجسيم من اليهود، وترويجها بعد النبي صلي الله عليه وآله والتنظير لها! حتي أن بعض الحنابلة والأشعريين كابن عقيل والذهبي ادعيا أن الإسلام دين عوامي يتبني منهج العوامية!

قال الذهبي في سيره:19/448: قال ابن عقيل في الفنون: الأصلح

لإعتقاد العوام ظواهر الاي، لأنهم يأنسون بالإثبات، فمتي محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الاثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلي النفي، فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالالفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه كقول الاعرابي: أو يضحك ربنا؟ قال النبي (ص): نعم، فلم يكفهر لقوله وتركه وما وقع له! انتهي.

وقد تبني الذهبي هذا الإتجاه الخطير وأشاد بأهله! وبلغ به الأمر أنه نقل كلام أبي حاتم بن خاموش الذي كفر فيه كل المسلمين ما عدا الحنابلة ولم يعلق عليه، قال في سيره:18/507:

قال ابن طاهر: وسمعت أبا إسماعيل يقول: قصدت أبا الحسن الخرقاني الصوفي، ثم عزمت علي الرجوع، فوقع في نفسي أن أقصد أبا حاتم بن خاموش الحافظ بالري وألتقيه، وكان مقدم أهل السنة بالري، وذلك أن السلطان محمود بن سبكتكين لما دخل الري، وقتل بها الباطنية منع الكل من الوعظ غير أبي حاتم، وكان من دخل الري يعرض عليه اعتقاده فإن رضيه أذن له في الكلام علي الناس وإلا فمنعه، قال: فلما قربت من الري كان معي رجل في الطريق من أهلها فسألني عن مذهبي فقلت: حنبلي، فقال: مذهب ما سمعت به وهذه بدعة وأخذ بثوبي، وقال: لا أفارقك إلي الشيخ أبي حاتم، فقلت خيرة، فذهب بي إلي داره، وكان له ذلك اليوم مجلس عظيم، فقال: هذا سألته عن مذهبه، فذكر مذهباً لم أسمع به قط. قال: وما قال؟ فقال قال: أنا حنبلي. فقال: دعه، فكل من لم يكن حنبلياً فليس بمسلم. فقلت في نفسي: الرجل كما وصف لي، ولزمته

أياماً وانصرفت. انتهي.

وقال الناشر عما وجده في المخطوطة: (في حاشية الأصل بخط مغاير ما نصه: أخطأ هذا القائل قطعاً والمقول له في تصويبه ذلك وكذلك المادح له، بل لو قيل: إن قائل هذه المقالة يكفر بها لم يبعد، لأنه نفي الإسلام عن عالم عظيم من هذه الأمة ليسوا بحنابلة، بل هم الجمهور الاعظم، ولقد بالغ المصنف في هذا الكتاب في تعظيم رؤوس التجسيم، وسياق مناقبهم، والتغافل عن بدعهم، بل يعدها سنة. ويهضم جانب أهل التنزيه، ويعرض بهم أو يصرح، ويتغافل عن محاسنهم العظيمة وآثارهم في الدين، كما فعل في ترجمة إمام الحرمين والغزالي، والله حسيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم). انتهي.

وقد كان العوام الرعاع في كل جيل يتعصبون للقول بالتشبيه ولمن يقول به، ويؤيدونه ضد خصومه بأساليب خشنة عدوانية! فقد روي ابن بطوطة في رحلته:1/90 إحدي مشاهداته فقال: (وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين بن تيمية كبير الشام، يتكلم في الفنون إلا أن في عقله شيئاً.. وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس علي منبر الجامع ويذكرهم فكان من جملة كلامه أن قال: إن الله ينزل إلي سماء الدنيا كنزولي هذا، ونزل ربعة من ربع المنبر، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء وأنكر ما تكلم به، فقامت العامة إلي هذا الفقيه وضربوه بالايدي والنعال ضرباً كثيراً، حتي سقطت عمامته وظهر علي رأسه شاشية حرير) انتهي.

وبقي هذا السلوك العوامي لاصحاب الرؤية والتجسيم، إرثاً موروثاً من قرون الإسلام الأولي! بل زاد عليه الأشعريون والمجسمة والدولة في ابتكار أساليب القمع والإرهاب للذين يخالفونهم، كما عرفت في موقفهم من التأويل والمتأولة، وكما فعلوا مع الطبري المؤرخ لأنه لم

يوافقهم علي أن الله تعالي يجلس علي عرشه، فيفضل منه أربع أصابع ليجلس عليها الأنبياء إلي جنبه! قال الحموي في معجم الأدباء:9 جزء 18/57 في ترجمة الطبري: (فلما قدم إلي بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة وعن حديث الجلوس علي العرش. فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه، ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس علي العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم، وقيل كانت ألوفاً فقام أبوجعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتي صار علي بابه كالتل العظيم... إلي آخر القصة التي سنذكرها في مكانة المجسمين في مصادر إخواننا....

وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد:4/39:

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي(ص)وذكر فيه إقعاده علي العرش وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم.... وعبد الله بن الإمام أحمد... إلخ. ثم قال ابن القيم: قلت: وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهي.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولا ذكر إهانة الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه علي القول بذلك!

وقال ابن خلدون في تاريخه:4/477:

كانت مدينة بغداد قد احتفلت في كثرة العمران بما لم تنته إليه مدينة في العالم منذ مبدأ الخليقة فيما علمناه، واضطربت آخر الدولة العباسية بالفتن وكثر فيها المفسدون والدعار والعيارون من الرها، وأعيا علي الحكام أمرهم، وربما أركبوا

العساكر لقتالهم ويثخنون فيهم، فلم يحسم ذلك من عللهم شيئاً، وربما حدثت الفتن من أهل المذاهب ومن أهل السنة والشيعة من الخلاف في الإمامة ومذاهبها، وبين الحنابلة والشافعية وغيرهم من تصريح الحنابلة بالتشبيه في الذات والصفات ونسبتهم ذلك إلي الإمام أحمد وحاشاه منه، فيقع الجدال والنكير ثم يفضي إلي الفتنة بين العوام، وتكرر ذلك منذ حُجِرَ الخلفاء، ولم يقدر بنو بويه ولا السلجوقية علي حسم ذلك منها، لسكني أولئك بفارس وهؤلاء بأصبهان وبُعْدِهِم عن بغداد، والشوكة التي تكون بها حسم العلل لاتفاقهم، وإنما تكون ببغداد شحنة (حامية عسكرية) تحسم ما خف من العلل ما لم ينته إلي عموم الفتنة.

... لم يحصل من ملوكهم اهتمام لحسم ذلك لإشتغالهم بما هو أعظم منه في الدولة والنواحي، وعامة بغداد أهون عليهم من أن يصرفوا همتهم عن العظائم إليهم، فاستمرت هذه العلة ببغداد ولم تقلع عنها، إلي أن اختلفت جدتها وتلاشي عمرانها، وبقي طراز في ردائها لم تذهبه الأيام!!

وقال ابن كثير في البداية والنهاية:12/143:

ثم دخلت سنة سبعين وأربعمائة قال ابن الجوزي... وفي شوال منها وقعت فتنة بين الحنابلة وبين فقهاء النظامية، وحمي لكل من الفريقين طائفة من العوام، وقتل بينهم نحو من عشرين قتيلاً، وجرح آخرون ثم سكنت الفتنة.

وقال الصديق المغربي في فتح الملك العلي/95:

وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: الحديث يدخله الفساد من وجوه ثلاثة: الزنادقة واحتيالهم للإسلام بدس الأحاديث المستبشعة والمستحيلة. والقصاص فإنهم يميلون وجوه العوام إليهم ويستدرون ما عندهم بالمناكير وغرائب الأحاديث، ومن شأن العوام ملازمة القصاص ما دام يأتي بالعجائب الخارجة عن نظر العقول.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: معظم البلاء في وضع الحديث إنما يجري من القصاص لأنهم يريدون

أحاديث ترقق وتنفق، والصحيح فيها يقل. ويحكي عن أبي عبدالله النهاوندي أنه قال: قلت لغلام خليل: هذه الأحاديث التي تحدث بها في الرقاق قال: وضعناها لنقوي بها قلوب العامة، قال: وكان يتزهد ويهجر شهوات الدنيا ويتقوت الباقلاء صرفاً، وغلقت الأسواق ببغداد يوم موته!... وقد نص السلف علي أن القصص بدعة، وأن التزهد والتقشف الخارج عن السنة بدعة أيضاً. انتهي.

لكن ذكرت مصادر إخواننا أن أول من فتح الباب للقصاصين وأعطاهم الشرعية هو الخليفة عمر.. قال أحمد في مسنده:3/449: عن السائب بن يزيد: أنه لم يكن يقص علي عهد رسول الله(ص)ولا أبي بكر، وكان أول من قص تميماً الداري، استأذن عمر بن الخطاب أن يقص علي الناس قائماً فأذن له عمر!

وقال في كنز العمال:10/280: عن ثابت البناني قال: أول من قص عبيد بن عمير علي عهد عمر بن الخطاب ابن سعد والعسكري في المواعظ.

الخوف من أن يؤدي التنزيه إلي التعطيل

أفرط بعضهم في التأكيد علي الصفات السلبية وتنزيه الله تعالي، فسبب ذلك عند الآخرين الخوف من سلب فاعليته تعالي وتأثيره في الوجود.

ولكن هؤلاء المتخوفين وقعوا في الإفراط من الجهة الأخري في الصفات الثبوتية، فتصوروا أن فاعلية الله تعالي وتدبيره للكون يتوقف علي أن يكون وجوداً محدوداً، يتجول في سماواته وينزل إلي أرضه ويتجسد في صورة إنسان.. إلخ. ونلاحظ أن هذين الخطين من الإفراط والتفريط موجودان عند المتكلمين والفلاسفة من الأمم السابقة كما هما في هذه الأمة!

وقد أخذ الأشاعرة موقع الدفاع عن التحميد ومقاومة التعطيل، وأخذ المعتزلة موقع الدفاع عن التنزيه ومقاومة التشبيه.

ونفس الكلام يرد أيضاً في أفعال الإنسان، أوالجبر والإختيار، أو القضاء والقدر، فقال الأشاعرة بالجبر للدفاع عن فاعلية الله تعالي في الوجود.. بينما قال المعتزلة بحرية

الإنسان ومسؤوليته عن أعماله للدفاع عن عدل الله تعالي وتنزيهه عن الظلم.

أما أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم فكان لهم موقف ثالث يمثل أصالة الدين الإلهي من آدم عليه السلام إلي محمد صلي الله عليه وآله في تنزيه الله تعالي وتحميده في آن واحد، فنفوا عنه التشبيه والتجسيم والرؤية، كما نفوا عنه الظلم والإجبار، وأثبتوا فاعليته تعالي وهيمنته الشاملة علي الوجود، ومسؤولية الإنسان عن عمله، كما ستري إن شاء الله تعالي.

وقد اشتبه الأمر علي بعض الباحثين فتخيلوا أن موقف أهل البيت عليهم السلام حل وسط بين الإتجاهين، بينما هو مذهب ثالث أقدم من مذهبي الأشاعرة والمعتزلة، وهو يختلف عنهما في أساسه وعدد من تفاصيله، وإن أخذ منه الطرفان بعض الأسس والتفاصيل.

مضاهاة بعض المسلمين لليهود

كان الجدل بين المسلمين واليهود كثيراً في عهد النبي صلي الله عليه وآله وفي صدر الإسلام، ومن أبرز مسائله المفاضلة بين نبينا صلي الله عليه وآله وبين النبي موسي عليه السلام.

وقد حاول بعض المسلمين مضاهاة اليهود بمعارضة كل فضيلة يذكرونها لموسي عليه السلام بإثبات فضيلة مقابلها لنبينا صلي الله عليه وآله، وكأن المسألة مغالبة بين نبيين، وكأن أذهان البشر هي التي تزن فضائل الأنبياءوتعطي أحدهم درجة الأفضلية أو المساواة!

وقد عارض هؤلاء فضيلة تكليم الله تعالي لموسي عليه السلام التي نص عليها القرآن، باختراع حديث رؤية النبي صلي الله عليه وآله لربه، لكي يتم بذلك تقسيم الفضائل بين الأنبياء عليهم السلام، ويكون الترجيح لفضائل نبينا صلي الله عليه وآله، ولكن ادعاء هذه الفضيلة المستحيلة بنص القرآن جاء علي حساب تنزيه الله تعالي! وفيما يلي عدد من الأحاديث التي رووها في ذلك:

روي النسائي في تفسيره:2/348:

عن ابن عباس: أتعجبون أن تكون

الخلة لإبراهيم، والكلام لموسي، والرؤية لمحمد (ص).

وقال النووي في شرح مسلم:2 جزء 3/5:

... والحجج في هذه المسألة... حديث ابن عباس (رض) أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسي والرؤية لمحمد (ص)..

وروي الحاكم في المستدرك:1/65:

... عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أتعجبون أن تكون الخلة لابراهيم والكلام لموسي والرؤية لمحمد صلي الله عليه وآله. هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه. وله شاهد صحيح عن ابن عباس في الرؤية... قال رأي محمد صلي الله عليه وآله ربه. وله شاهد ثالث صحيح الإسناد... عن ابن عباس قال قد رأي محمد صلي الله عليه وآله ربه... وهذه الأخبار التي ذكرتها صحيحة كلها، والله اعلم. انتهي. ورواه الحاكم أيضاً في:2/282، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه. وروي نحوه في:2/316 وص 469.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:1/217:

جابر: إن الله أعطي موسي الكلام فأعطاني الرؤية.. وفضلني بالمقام المحمود والحوض المورود. انتهي. وروي نحوه الدميري في حياة الحيوان: 2/72.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:1/78:

وعن ابن عباس قال: نظر محمد(ص)إلي ربه تبارك وتعالي، قال عكرمة: فقلت لابن عباس نظر محمد إلي ربه! قال نعم، جعل الكلام لموسي والخلة لإبراهيم والنظر لمحمد(ص). رواه الطبراني في الأوسط، وفيه حفص بن عمر العدني روي ابن أبي حاتم توثيقه عن أبي عبد الله الطهراني، وقد ضعفه النسائي وغيره.

وروي الذهبي في سيره:14/45 عن عكرمة حديث ابن عباس، وقال الناشر في هامشه: أخرجه ابن خزيمة في التوحيد/199 من طريق عبد الوهاب بن الحكم الوراق، حدثنا هاشم بن القاسم، عن قيس بن الربيع، عن عاصم الأحول، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: إن الله..

الخ. وأخرجه أيضاً / 197 من طريق محمد بن بشار، ومحمد بن المثني قالا: حدثنا معاذ بن هشام، حدثني أبي، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس... وهذا رأي لا دليل عليه، وهو مخالف للأدلة الكثيرة الوفيرة في أنه(ص)لم ير ربه في تلك الليلة. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي ذلك. أنظر التفصيل في زاد المعاد:3/36-37. انتهي.

هذا، ولكن المعروف عن ابن عباس أنه كان ينفي التشبيه والرؤية كما تقدم، فلا يبعد أن يكون الحديث مكذوباً عليه من عكرمة غلامه، فقد كان عكرمة معروفاً بالكذب علي ابن عباس في حياته وبعد وفاته، حتي ضربه ابن عباس وولده وحبسوه لهذا السبب في المرحاض، كما هو معروف في كتب الجرح والتعديل.

وكان عكرمة يروي الإسرائيليات عن وهب وكعب وغيرهما من اليهود.

ويؤيد ذلك أن السهيلي روي هذا الحديث في الروض الأنف: 2/156 عن كعب وليس عن ابن عباس. وغرض كعب من هذه الرواية أن يثبت تجسم الله تعالي ورؤيته بالعين، فقد كان ذلك مطلباً مهماً يسعي إليه، وكثرت عنه وعن جماعته نسبة ذلك إلي ابن عباس وبني هاشم! كالذي رواه ابن خزيمة في كتاب التوحيد/225 _ 230... عن الشعبي عن عبدالله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم نزعم أو نقول: إن محمداً رأي ربه مرتين، قال فكبر كعب حتي جاوبته الجبال! فقال: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسي صلي الله عليهما وسلم! انتهي. والمطلع علي أحاديث ابن عباس وبني هاشم يعرف ان رأيهم يخالف كعباً وجماعته، ومن أجل هذا رووا تكبير كعب المزعوم!!

العامل الرابع: تأثير ثقافة اليهود

اعتقاد اليهود والنصاري بتشبيه الله تعالي و رؤيته بالعين

بلغ من تحريف اليهود لدينهم أنهم

قالوا بتشبيه الله تعالي بخلقه وأنه محدود بشكل مادي، ثم جعلوا له ولداً فقالوا عزير ابن الله، بل قالوا إن كل اليهود أبناء الله وأحباؤه وشعبه المختار.. إلي آخر ما حكي الله تعالي عنهم في القرآن.

وفيما يلي نصوص ننقلها من توراتهم الموجودة المطبوعة باسم العهد القديم والجديد، طبعة مجمع الكنائس الشرقية في بيروت:

جاء في/4: 27 فخلق الله الإنسان علي صورته. علي صورة الله خلقه. ذكراً وأنثي خلقهم.

وجاء في/6: 8 وسمعا صوت الرب الاله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. 9 فنادي الرب الإله آدم وقال له أين أنت. 10 فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. 11 فقال من أعلمك أنك عريان. هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. 12 فقال آدم المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت.

وجاء في/24: 1 ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ظهر الرب لابرام وقال له أنا الله القدير. سر أمامي وكن كاملاً. 2 فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيراً جداً. 3 فسقط أبرام علي وجهه وتكلم الله معه قائلاً. 4 أما أنا فهوذا عهدي معك وتكون أبا الجمهور من الأمم.

وجاء في/169: 3 وكلم بني إسرائيل قائلاً خذواً تيساً من المعز لذبيحة خطية وعجلاً وخروفاً حوليين صحيحين لمحرقة 4 وثوراً وكبشاً لذبيحة سلامة للذبح أمام الرب وتقدمة ملتوتة بزيت. لأن الرب اليوم يتراءي لكم. 5 فأخذوا ما أمر به موسي إلي قدام خيمة الاجتماع وتقدم كل الجماعة ووقفوا أمام الرب.

وجاء في/183: 2 وقال الرب لموسي كلم هرون أخاك أن لا يدخل كل وقت

إلي القدس داخل الحجاب أمام الغطاء الذي علي التابوت لئلا يموت لأني في السحاب أتراءي علي الغطاء.

وجاء في/330: فانطلق موسي ويشوع ووقفا في خيمة الإجتماع 15 فتراءي الرب في الخيمة في عمود سحاب ووقف عمود السحاب علي باب الخيمة. 16 وقال الرب لموسي ها أنت ترقد مع آبائك فيقوم هذا الشعب ويفجر وراء آلهة الأنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه.

وجاء في/404: 22 فقال منوح لامرأته نموت موتاً لاننا قد رأينا الله. 23 فقالت له امرأته لو أراد الرب أن يميتنا لما أخذ من يدنا محرقة وتقدمة، ولما أرانا كل هذه ولما كان في مثل هذا الوقت أسمعنا مثل هذه.

وجاء في/549: 2 إن الرب تراءي لسليمان ثانية كما تراءي له في جبعون. 3 وقال له الرب قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي.

وجاء في/431: 21 وعاد الرب يتراءي في شيلوه، لأن الرب استعلن لصموئيل في شيلوه بكلمة الرب. 4 فأرسل الشعب إلي شيلوه وحملوا من هناك تابوت عهد رب الجنود الجالس علي الكروبيم...

وجاء في/491: 2 وقام داود وذهب هو وجميع الشعب الذي معه من بعلة يهوذا ليصعدوا من هناك تابوت الله الذي يدعي عليه بالإسم إسم رب الجنود الجالس علي الكروبيم.

وجاء في/534: 5 في جبعون تراءي الرب لسليمان في حلم ليلاً، وقال الله إسأل ماذا أعطيك.

وجاء في/554: 9 فغضب الرب علي سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءي له مرتين 10 وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخري فلم يحفظ ما أوصي به الرب. 11 فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك

ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك.

وجاء في/569: 15 فقال إيليا حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه، إني اليوم أتراءي له.

وجاء في/579: 17 فقال رأيت كل إسرائيل مشتتين علي الجبال كخراف لا راعي لها. فقال الرب ليس لهؤلاء أصحاب فليرجعوا كل واحد إلي بيته بسلام. 18 فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك إنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. 19 وقال فاسمع إذاً كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً علي كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. 20 فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال هذا هكذا وقال ذاك هكذا.

وجاء في/586: 14 فقال أليشع حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه إنه لولا أني رافع وجه يهوشافاط ملك يهوذا لما كنت أنظر إليك ولا أراك. 15 والآن فأتوني بعواد. ولما ضرب العواد بالعود كانت عليه يد الرب 16 فقال هكذا قال الرب إجعلوا هذا الوادي جباباً جباباً.

وجاء في/683: 1 وشرع سليمان في بناء بيت الرب في أورشليم في جبل المريا حيث تراءي لداود أبيه حيث هيأ داود مكاناً في بيدر أرنان اليبوسي.

وجاء في/690: 12 وتراءي الرب لسليمان ليلاً وقال له. قد سمعت صلاتك واخترت هذا المكان لي بيت ذبيحة.

وجاء في/848: 8 من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال. 9 إرفعن أيتها الارتاج رؤوسكن وارفعنها أيتها الابواب الدهريات فيدخل ملك المجد. 10 من هو هذا ملك المجد رب الجنود هو ملك المجد.

وجاء في/799: 1 يا راعي إسرائيل إصغ، يا قائد يوسف كالضأن، يا جالساً علي الكروبيم

أشرق. 2 قدام أفرايم وبنيامين ومنسي أيقظ جبروتك وهلم لخلاصنا.

وجاء في/840: 4 الرب في هيكل قدسه، الرب في السماء كرسيه، عيناه تنظران، أجفانه تمتحن بني آدم. 5 الرب يمتحن الصديق، أما الشرير ومحب الظلم فتبغضه نفسه. 6 يمطر علي الأشرار فخاخاً ناراً وكبريتا، وريح السموم نصيب كأسهم.

وجاء في/998: 1 في سنة وفاة عزيا الملك رأيت السيد جالساً علي كرسي عال ومرتفع وأذياله تملا الهيكل. 2 السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة أجنحة. باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير. 3 وهذا نادي ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملأ كل الأرض. 4 فاهتزت أساسات العتب من صوت الصارخ وامتلا البيت دخاناً 5 فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود.

وجاء في/1186: 8 وكان بينما هم يقتلون وأبقيت أنا أني خررت علي وجهي وصرخت وقلت: آه يا سيد الرب. هل أنت مهلك بقية إسرائيل كلها بصب رجزك علي أورشليم 9 فقال لي: إن إثم بيت إسرائيل ويهوذا عظيم جداً جداً، وقد امتلات الأرض دماء وامتلات المدينة جنفاً. لأنهم يقولون الرب قد ترك الأرض والرب لا يري.

وجاء في الانجيل/42: 20 فإن من حلف بالمذبح فقد حلف به وبكل ما عليه. 21 ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه. 22 ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه.

وجاء في/280: 7 فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده. وأما المرأة فهي مجد الرجل. 8 لأن الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل. 9 ولان الرجل لم يخلق من أجل المرأة،

بل المرأة من أجل الرجل.

وجاء في/321: 5 فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً 6 الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله 7 لكنه أخلي نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس.

وجاء في/325: 14 الذي لنا فيه الفداء بدمه غفران الخطايا. 15 الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة.

وجاء في/366: 2 ناظرين إلي رئيس الإيمان ومكمله يسوع الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهيناً، بالخزي، فجلس في يمين عرش الله.

وجاء في/399: 21 من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي كما غلبت أنا أيضاً وجلست مع أبي في عرشه. 22 من له أذن فليسمع ما يقوله الروح للكنائس.

وجاء في/399 _ 400: 1 بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلي هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. 2 وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلي العرش جالس. 3 وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. 4 وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً. ورأيت علي العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب. 5 ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات. وأمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله.

وجاء في/400: وشكراً للجالس علي العرش الحي إلي أبد الابدين.

وجاء في/401: 11 ونظرت وسمعت صوت ملائكة كثيرين حول العرش والحيوانات والشيوخ وكان عددهم ربوات ربوات وألوف ألوف... 13 وكل خليقة مما في السماء وعلي الأرض وتحت الأرض وما علي البحر

كل ما فيها سمعتها قائلة: للجالس علي العرش وللخروف البركة والكرامة والمجد والسلطان إلي أبد الابدين.

وجاء في/403: 15 من أجل ذلك هم أمام عرش الله ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس علي العرش يحل فوقهم.

وجاء في/417: 4 وخرالأربعة والعشرون شيخاً والأربعة الحيوانات وسجدوا لله الجالس علي العرش.

وجاء في/419: 5 وقال الجالس علي العرش: ها أنا أصنع كل شئ جديداً. وقال لي: أكتب فإن هذه الأقوال صادقة وأمينة.

وقال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة الأديان:2/243 طبعة مكتبة النهضة المصرية 1973 تحت عنوان (الله عند اليهود):

لم يستطع بنو إسرائيل في أي فترة من فترات تاريخهم أن يستقروا علي عبادة الله الواحد الذي دعا له الأنبياء، وكان اتجاههم إلي التجسيم والتعدد والنقيصة واضحاً في جميع مراحل تاريخهم، وعلي الرغم من ارتباط وجودهم بإبراهيم إلا أن البدائية الدينية كانت طابعهم، وكثرة أنبيائهم دليل علي تجدد الشرك فيهم، وبالتالي تجدد الحاجة إلي أنبياء يجددون الدعوة إلي التوحيد، وكانت هذه الدعوات قليلة الجدوي علي أي حال، فظهروا للتاريخ بدائيين يعبدون الأرواح والاحجار، وأحياناً مقلدين يعبدون معبودات الأمم المجاورة التي كانت لها حضارة وفكر قلدهما اليهود... ويقول: إن اليهود كانوا في مطلع ظهورهم علي مسرح التاريخ بدواً رحلاً تسيطر عليهم الأفكار البدائية كالخوف من الشياطين، والإعتقاد في الأرواح وكانوا يعبدون الحجارة والأغنام والأشجار، ويقول: إن اليهود اتخذوا في بيوتهم أصناماً صغيرة كانوا يعبدونها ويتنقلون بها من مكان إلي مكان [1] وقد ظل بنو إسرائيل علي هذا الإعتقاد حتي جاء موسي وخرج بهم من مصر.

ولكن بني إسرائيل كما يقول ول ديورانت [2] لم يتخلوا قط عن عبادة العجل والكبش والحمل، ولم يستطع موسي أن يمنع قطيعه من

عبادة العجل الذهبي. عبادة العجول كانت لا تزال حية في ذاكرتهم منذ كانوا في مصر، وظلوا زمناً طويلاً يتخذون هذا الحيوان القوي آكل العشب رمزاً لإلههم. وتقرر التوراة قصة العجل الذي عمله لهم هارون فعبدوه بعد أن تأخر موسي في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون عراة أمام هذا الرب، وقد أعدم موسي ثلاثة آلاف منهم عقاباً لهم علي عبادة هذا الوثن [3] وقد بقيت عبادة العجل تتجدد في حياة بني إسرائيل من حين إلي حين، فقد عمل يربعام بن سليمان عجلي ذهب ليعبدهما أتباعه حتي لا يحتاجوا إلي الذهاب إلي الهيكل [4] وقد عبد أهاب ملك إسرائيل الأبقار بعد سليمان بقرن واحد [5] .

وقال الدكتور شلبي في:1/174:

وبعد موسي وفي عهد القضاة، تأثر بنو إسرائيل بمعبودات الكنعانيين تأثراً كبيراً، ويوضح أن إله الكنعانيين (بعل) أصبح معبوداً لبني اسرائيل في كثير من قراهم، وفي أحوال كثيرة أصبح للطائفتين معبد واحد به تمثال يهوه وتمثال بعل، بل أصبح يهوه ينادي بعل، وقد ظل ذلك إلي عهد يوشع. [6] .

وقال الدكتور شلبي في:1/187:

ويوضح الكتاب المقدس أن بني اسرائيل عبدوا أنواعاً من هذه الإلهة، وقد ندد بها أرميا في سفره، ومنه نقتبس بعض النصوص:

اسمعوا كلمة الرب يا بنات يعقوب وكل عشائر بيت إسرائيل، هكذا قال الرب: ماذا وجد في آباؤكم من جور حتي ابتعدوا عني وساروا وراء الباطل وصاروا باطلاً [7] .

وحين تقولون لماذا صنع الرب إلهنا كل هذه أقول لكم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم. [8] .

يقول الرب أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً، وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخري [9] .

يقول الرب: إن آباءكم قد تركوني

وذهبوا وراء آلهة أخري، وعبدوها وسجدوا لها، وإياي تركوا وشريعتي لم يحفظوها، وأنتم أسأتم في عملكم أكثر من آبائكم، وها أنتم ذاهبون كل واحد وراء عناد قلبه الشرير حتي لا تسمعوا لي [10] .

وعلي هذا فمع وجود الهيكل في عهد سليمان كانت عبادة آلهة الأجانب منتشرة، وينسب العهد القديم لسليمان نفسه أنه أقام مذابح للإلهة الخارجية التي كانت تعبدها زوجاته الأجنبيات، فبني مذبحاً لعشتروت رجاسة الصيدونيين، ولكموش رجاسة المؤابيين، ولملكوم إلهة بني عمون [11] وعقب موت سليمان انقسم ملكه بين ابنيه يربعام ورحبعام، وهذا التغيير في تاريخ العبرانيين صحبه تغير في عقيدتهم، فإسرائيل في الشمال كانت دولة غنية حظي سكانها بالاستقرار، وقبلوا عادات الكنعانيين وعبدوا آلهتهم (بعل) أما دولة يهوذا في الجنوب فكانت دولة فقيرة يشتغل سكانها بالزراعة والرعي وظلوا علي تبعيتهم لإلهم يهوه، إله الفقراء، وإلي هذه الفترة ينسب الأنبياء وقد صنع يربعام عجلين من ذهب ووضع أحدهما في بيت إبل وثانيهما في دان، وبني عندهما مذابح وقال لشعبه: هذه آلهتكم التي أصعدتكم من مصر، فاذبحوا وعيدوا عندها ولا تصعدوا إلي أورشليم، فاستجاب له الشعب.

BERRY: RELIRINS OF THE WERLED PP 32 - 33.

إقرأ الصحاح الثالث والعشرين من سفر الملوك الثاني.

وقال الدكتور شلبي في:1/267:

يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

ويقرر

التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه مصدر الخير، وأنه أعطي الإنسان طبيعة رديئة وسن له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير علي نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلي هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك (التلمود شريعة إسرائيل / 17 _ 19).

وقال في/192 تحت عنوان: اليهود والألوهية عموماً:

علي أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني اسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلي أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو تربة فلسطين وزهر برتقالها، والذي يقرأ رواية (طوبي للخائفين) للكاتبة اليهودية يائيل ديان ابنة القائد الصهيوني العسكري موشي ديان، يجد أحد أبطالها (إيفري) ينصح ابنه الطفل بأن يتخلي عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لالهه الجديد: تراب فلسطين. ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

... الصبي يحب أن يذهب إلي الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزي عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ علي ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردي، أما الان فقد أصبح لدينا شئ أهم هو الأرض، أنت الان إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شئ، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا علي رب

جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال، ألا تحس بذلك؟... وأخذ إيفري حفنة من تراب الأرض وسكبها في كف ابنه، وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه، تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر علي أرضنا، هذا هو المهم، إياك أن تذهب مرة أخري إلي المعبد.

وقال ابن حزم في الفصل في الملل:1 جزء 1/160:

قال في التوراة: إن الله عز وجل قال لبني إسرائيل: لقد رأيتموني كلكم من السماء فلا تتخذوا معي آلهة الفضة، ثم قال بعد ذلك ثم صعد موسي وهارون.. ونظروا إلي إله إسرائيل.

وقال في/141:

ذكر في هذا المكان (من التوراة) أن يعقوب صارع الله عز وجل.. حتي قالوا إن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب.. وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه.

وقال في/218:

وفي بعض كتبهم: إن الله تعالي قال لبني إسرائيل: من تعرض لكم فقد تعرض حدقة عيني.

وقال في/222:

ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان إثر خراب البيت المقدس سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته... ويلي علي ما أخربت من بيتي ويلي علي ما فرقت من بني، وبناتي.

وقال في/221:

وفي كتاب لهم يسمي شعر توما من كتاب التلمود.. ففي الكتاب المذكور أن تكسير جبهة خالقهم من أعلاها إلي أنفه خمسة آلاف ذراع.

[1] 176.

[2] قصة الحضارة:2/338.

[3] خروج 32: 18 26 والقرآن الكريم يقرر أن السامري هو الذي عمل العجل.

[4] الملوك الأول 12: 26 28.

[5] ول ديورانت:2/339.

[6] CHARLES FOSTER: HISTERY OF THE HEPREW POPEL P.94.

[7] أرميا: 2: 4 5.

[8] أرميا 5: 19 20.

[9] أرميا 7: 9 10.

[10] أرميا: 16: 11 13.

[11] الملوك الثاني33: 12.

محاولة بعض اليهود أن يتبرؤوا من التشبيه والتجسيم

جاء في هامش المطالب العالية:جزء 2/25:

في التوراة أن الله إله واحد. وفي التوراة أن الله ليس كمثله شئ. ففي الإصحاح السادس من سفر التثنية: إسمع يا إسرائيل. إن الرب إلهنا رب واحد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل قدرتك. ولتكن هذه الكلمات التي أنا آمرك بها اليوم في قلبك، وكررها علي بنيك وكلمهم بها إذا جلست في بيتك وإذا مشيت في الطريق وإذا نمت وإذا قمت، واعقدها علامة علي يدك، ولتكن عصائب بين عينيك واكتبها علي عضائد أبواب بيتك وعلي أبوابك. تثنية 6:4. 9 ترجمة اليسوعيين. وفي الإصحاح الثالث والثلاثين من سفر التثنية: لا كفء لله. وفي ترجمة البروتستانت: ليس مثل الله. تثنية 33: 26.

وقال موسي بن ميمون في دلالة الحائرين: إن ما ورد في التوراة مما يوحي بأن الله شبه إنسان بأعضائه وبصفاته، فذلك مؤول علي معني: أن الله يقرب ذاته إلي عقول الخلق، حديثه عن نفسه كأنه واحد منهم. أما هو فليس مثل إنسان وليس كمثله شئ، وذلك ليفهم الخلق ذات الله علي نحو قريب من تصوراتهم. وما جاء عن مشبهة اليهود أن الله يبكي علي خراب هيكل سليمان ويلعب مع الحيتان، فهو قول قال به سفهاء من اليهود لا وزن لهم عند الله ولا عند الناس. انتهي.

والمتأمل في التوراة يقبل مقولة هذا الباحث اليهودي القديم بأنها تشتمل علي عبارات في التوحيد شبيهة بالتوحيد الخالص الذي يقدمه القرآن، ولكن نصوص التشبيه والتجسيم فيها أكثر

من نصوص التوحيد. وهذا من الأدلة علي وقوع التحريف فيها، وأن أيدي سفهاء اليهود الذين ذكرهم وصلت إلي نصوص التوراة وملؤوها من تجسيمهم وتشبيههم. وقد وجدنا في نسخة التوراة المذكورة النصوص التالية في التوحيد: جاء في العهد القديم/98: 9 فقال موسي لفرعون عين لي متي أصلي لأجلك ولاجل عبيدك وشعبك لقطع الضفادع عنك وعن بيوتك، ولكنها تبقي في النهر. 10 فقال غداً فقال كقولك لكي تعرف أن ليس مثل الرب إلهنا. 11 فترتفع الضفادع عنك وعن بيوتك وعبيدك وشعبك.

وجاء في/100: 14 لأني هذه المرة أرسل جميع ضرباتي إلي قلبك وعلي عبيدك وشعبك، لكي تعرف أن ليس مثلي في كل الأرض.

وجاء في/493: 22 لذلك قد عظمت أيها الرب الإله، لأنه ليس مثلك وليس إله غيرك حسب كل ما سمعناه بآذاننا....

وجاء في/530: 20 يا رب ليس مثلك، ولا إله غيرك، حسب كل ما سمعناه بآذاننا.

وجاء في:2/43: 9 أذكروا الأوليات منذ القديم، لأني أنا الله وليس آخر. الإله وليس مثلي.

وجاء في:2/84: 6 لا مثل لك يا رب، عظيم أنت، وعظيم اسمك في الجبروت. 7 من لا يخافك ياملك الشعوب، لأنه بك يليق، لأنه في جميع حكماء الشعوب وفي كل ممالكهم ليس مثلك.

العهد القديم والجديد:1/253:

الإصحاح الثاني 1 يا ابني إن قبلت كلامي وخبأت وصاياي عندك 2 حتي تميل أذنك إلي الحكمة وتعطف قلبك علي الفهم 3 إن دعوت المعرفة ورفعت صوتك إلي الفهم 4 إن طلبتها كالفضة وبحثت عنها كالكنوز 5 فحينئذ تفهم مخافة الرب وتجد معرفة الله. 6 لأن الرب يعطي حكمة من فمه المعرفة والفهم. 7 يذخر معونة للمستقيمين. هو مجن السالكين بالكمال. 8 لنصر مسالك الحق وحفظ طريق أتقيائه.

9 حينئذ تفهم العدل والحق والإستقامة. كل سبيل صالح 10 إذا دخلت الحكمة قلبك ولذت المعرفة لنفسك.

لكن البابا في عصرنا يصر علي التجسيم و ينتقد التوحيد عند المسلمين

كتاب العبور إلي الرجاء للبابا يوحنا بولس الثاني:

والعبور إلي الرجاء هو التسجيل الكامل لأول وأشمل حوار مع البابا للصحافي الإيطالي الكبير فيتوري ميسوري، لمناسبة ذكري مرور خمس عشرة سنة علي اعتلائه السدة البابوية... كان الأول بين (خلفاء القديس بطرس) يظهر أمام آلات التصوير والتسجيل ليجيب علي أسئلة ترك اختيارها لمبادرة حرة من قبل صحافي. وبعد ما حصر البث بالمحطة الأولي ليلة الذكري، عرضت تلك المقابلة في كبريات المحطات العالمية.

ويروي فيتوري ميسوري قصة المقابلة التي تمت بعد ما قدم عشرين سؤالاً خطياً تشمل مختلف الموضوعات والقضايا الكبري، وتلقي مخطوطة الأجوبة عليها من مكتب البابا في نهاية شهر نيسان 1994. كما أن البابا وضع عنوان هذا الكتاب بنفسه... من هذا الحوار الوثيقة نقتطف هنا جواب الحبر الأعظم علي سؤالين، يتصل أولهما بالعلاقة مع الدين الإسلامي، في حين يتصل الثاني بعلاقة المسيحيةبالدين اليهودي، وقد رأينا فيهما أكمل رأي للبابا في هذا المجال خصوصاً وأنه بقلمه مباشرة:

السؤال الأول: ما الفرق بين إله المسلمين وإله المسيحيين؟

الجواب: لاشك في أن القارية مختلفة عندما يتعلق الأمر بالكنيس والمسجد حيث مجتمع الذين يعبدون الإله الواحد. نعم، صحيح ما تقوله، فالأمر يختلف في ما يتعلق بهاتين الديانتين التوحيديتين، بدءً بإسلام. ففي الاعلان المجمعي (في عصرنا) الانف الذكر، يمكننا أن نقرأ ما يأتي (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلي المسلمين الذين يعبدون الله الواحد، الحي القيوم، الرحمن القدير، الذي خلق السماء والأرض) إن المؤمنين بالتوحيد هم بنوع خاص الأقرب إلينا. أتذكر حدثاً من أحداث شبابي يوم كنا نزور دير القديس مرقس في فلورنسا، فقد

وقفنا مندهشين معجبين أمام جدرانيات فردا انجليكو.. في تلك الاثناء انضم إلينا رجل راح يشاطرنا إعجابنا بأعمال ذلك الراهب والفنان العظيم، غير أنه ما لبث أن أضاف: ولكن ما من شئ هنا يبلغ مدي جمال توحيدنا الإسلامي! لم يمنعنا ذلك التصريح من أن نكمل زيارتنا برفقة ذلك الرجل، وأن نتابع معه نقاشاً ودياً. لقد تذوقت سلفاً في تلك المناسبة ما يمكن أن يكون عليه الحوار بين المسيحية والإسلام. والذي حاولنا أن نطوره منهجياً منذ المجمع.

من يطالع القرآن، وكان ملماً بالعهدين القديم والجديد يتبين له جلياً ما وقع فيه للوحي الإلهي من اختزال. ومن المستجبل ألا يلحظ عدم مقاربة ما قاله الله عن ذاته بلسان الأنبياء أولاً في العهد القديم، ثم وبشكل نهائي بواسطة ابنه في العهد الجديد. إن الغني الذي يتجلي في كشف الله لذاته والذي يشكل تراث العهدين القديم والجديد، كل ذلك قد تغاضي عنه الإسلام بالفعل. (!)

إن القرآن يصف الله بأجمل ما عرفه اللسان البشري من الأسماء الحسني، ولكنه في النهاية، إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا) عمانوئيل.

ليس الإسلام دين فداء فلا مجال فيه للصلب! يذكر عيسي، ولكن ليس إلا بوصفه نبياً، يمهد لخاتمة جميع الأنبياء محمد. كذلك ورد ذكر السيدة مريم البتول، ولكن لا ذكر لمأساة الفداء.

لذلك تختلف نظرة الإسلام عن المسحية، لا علي الصعيد اللاهوتي فحسب، بل أيضاً علي الصعيد الانتروبولوجي.

بيد أن التدين الإسلامي يستحق كل تقدير، فلا يمكننا مثلاً إلا نعجب بالأمانة علي الصلاة. إذ أن الذي يسمي الرب (الله) يجثو علي ركبته غير آبه بالزمان أو بالمكان، مستغرقاً في الصلاة مرات عديدة في النهار. هذه الصورة تبقي نموذجاً لمن يعترفون بالله

الحق، وبخاصة لاولئك المسيحيين الذين يهجرون كاتدرائياتهم الرائعة ويصلون قليلاً أو لا يصلون مطلقاً...) انتهي.

أقول: السبب في تهمة البابا للدين الإسلامي بأنه اختزل التصور الذي قدمته كتب اليهود والنصاري عن الله تعالي، وبيت القصيد عنده وإشكاله الأساسي علي الإسلام: أن القرآن يقرر أن الله تعالي ليس كمثله شئ، وأنه غير متجسد في وجود مادي في السماء أو الأرض، وبتعبيره (لكنه في النهاية إله متعال عن العالم، ذو جلال، لا (إلهنا معنا عمانوئيل).

ولكن الظاهر أن البابا لم يقرأ الصحاح الستة ليري أن ما يريده من نزول الله تعالي وصعوده وتجسده موجود فيها، وأن هذا البلاء الذي ابتلي به اليهود والنصاري قد سري إلي إخواننا السنة وصحاحهم!!

كما أنه لو تأمل في تاريخ المسيحية لتوصل إلي أن دعوة المسيح عليه السلام كانت دعوة إلي التوحيد ولم يكن فيها تجسيم، وأن تجسم الله تعالي في المسيح إنما هو فكرة(بولسية) وليست مسيحية..

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان:2/245 تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

عندما نصل إلي الحديث عن الله في التفكير المسيحي نحتاج إلي مزيد من الصبر لنري التحول الخطير الذي أصاب الفكر المسيحي في هذه القضية الهامة: تقرر الأناجيل المسيحية وأعمال الرسل ثلاث قضايا مهمة:

أولاها: أن الله واحد لا شريك له.

والثانية: أن عيسي رسول الله وليس أكثر من رسول.

والثالثة: أن عيسي رسول لبني إسرائيل فقط.

وعن القضية الأولي نورد النصوص التالية من هذه الأناجيل:

يروي متي عن عيسي قوله: إن أباكم واحد الذي في السموات (إصحاح 23 الفقرة 8)

ويروي مرقص قول عيسي: الرب إلهنا إله واحد وليس آخر سواء(12: 30 31).

ويروي يوحنا عن عيسي قوله: إني أصمد

إلي أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم (20:18)

وعن القضية الثانية من الاناجيل النصوص التالية: (جاء في إنجيل متي قوله: هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل (21: 11).

وجاء في لوقا: قد خرج نبي عظيم (7: 16).

ويروي يوحنا: إن هذا هو بالحقيقة النبي الآتي إلي العالم (4: 14 و 7: 40).

ويروي يوحنا كذلك عن عيسي قوله: وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله (8: 40).

ويروي لوقا عن عيسي قوله عندما أحس بقرب نهايته بسبب مؤامرات اليهود عليه: ينبغي أن أسير اليوم وغداً وما يليه، لأنه لا يمكن أن يهلك نبي خارج أورشليم، يا أورشليم، يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين.

وعن القضية الثالثة نورد النصوص التالية:

جاء في متي ما نصه: ثم خرج يسوع من هناك، وانصرف إلي نواحي صور وصيدا، وإذا امرأة كنعانية خارجة من تلك التخوم صرخت قائلة: إرحمني يا سيد يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه وطلبوا إليه قائلين: إصرفها لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال: لم أرسل إلا إلي خراف بني إسرائيل الضالة (متي 15: 21 24).

وفي متي كذلك أن عيسي عند ما حدد الحواريين الإثني عشر أوصاهم قائلاً: إلي طريق أمم لا تمضوا، وإلي مدينة للسامريين لا تدخلوا، بل اذهبوا بالحري إلي خراف بني اسرائيل الضالة (10: 5 6).

وقد خاصم اليهود بطرس لأنه دخل علي غير اليهود وتكلم معهم (أعمال الرسل 11 الفقرة الأولي).

وورد في عبارات بطرس قوله لغير اليهود: أنتم تعلمون كيف هو محرم علي رجل يهودي أن يلتصق بأحد أجنبي أو يأتي إليه (أعمال الرسل 10: 28).

والقرآن الكريم يقرر هذه الاتجاهات الثلاث في المسيحية، قال

تعالي:

وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ. المائدة: 72.

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَ مَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ. المائدة: 73.

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ. المائدة: 75.

مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ المائدة: 17.

وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ التَّوْرَاةَ وَ الإنْجِيلَ وَرَسُولاً إلي بَنِي إِسْرَائِيلَ. المائدة: 48 _ 49.

ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلي التثليث، ونقل عيسي من رسول إلي إله، والقول بأن المسيحية رسالة عامة، والقول بأن عيسي ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر، وأنه عاد مرة أخري إلي السماء ليجلس علي يمين أبيه، كان هذا كله عملاً جديداً علي المسيحية التي جاء بها عيسي.

كيف انتقلت المسيحية من حال إلي حال، ومن الذي قام بذلك ومتي؟ هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي:

ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية، هي شخصية شاؤول (بولس) ولذلك يري الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل، ويقول إن بولس هو في الحقيقة مؤسس المسيحية، ويقول إن كثيراً من الثقات العصريين يعدونه المؤسس الحقيقي للمسيحية.

وبولس كما يقول عن نفسه (يهودي فريسي ابن فريسي علي رجاء قيامة الاموات _ أعمال الرسل 23: 6) وكان عدواً للمسيحيين، وهو في ذلك يقول (سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية علي كثيرين من أترابي في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة

في تقليدات آبائي (غلاطية 1: 13 14).

ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه عندما يظهر بأفكاره الجديدة، فادعي شاؤول أن السيد المسيح بعد نهايته علي الأرض ظهر له وصاح فيه وهو في طريقه إلي دمشق: لماذا تضطهدني فخاف شاؤول وصرخ: من أنت يا سيد؟ قال: أنا يسوع الذي تضطهده. قال شاؤول: ماذا تريد أن أفعل؟ قال يسوع: قم وكرز بالمسيحية. ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي: وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله (أعمال 9: 3-30) انتهي.

وقال أبو رية في أضواء علي السنة المحمدية الهامش 1/189:

يعتقد المسيحيون أن المسيح عليه السلام قد ارتفع بجسمه بعد صلبه وأنه يجلس هناك مع أبيه. وعند الكاثوليكية الرومانية عقيدة جوهرية تقضي بأن أمه مريم العذراء قد ارتفعت هي الأخري بجسدها إلي السماء وأنها لم تمت. ومنذ سبع عشرة سنة انعقد مجمع ديني مقدس برياسة البابا بيوس الثاني عشر بميدان القديس بطرس اشترك فيه 35 كردينالاً ونحو 500 بطريركا من جميع أنحاء العالم واحتشد له مليون مسيحي وقرر هذا المجمع هذه العقيدة الدينية، وقال إنها لا تقبل الجدل أو المناقشة ومن يناقشها أو يشك فيها يعتبر من وجهة نظر الكنيسة الكاثوليكية ملحداً أو كافراً (يراجع جريدة الوفد المصري في 31/10، و1 و2 و3 /11/1950)

والإقباط المصريون جميعاً يؤمنون بهذه العقيدة وتحتفل كل طوائفهم في يوم 16 مسري من كل سنة، بعيد انتقال السيدة مريم بجسدها إلي السماء، ويطلقون علي هذا الإحتفال اسم: عيد العذراء الكبير، وليس لأحد أن يعترض علي هذه العقيدة أو

يماري فيها، إذ مادام المسيح عليه السلام قد ارتفع إلي السماء وجلس بجوار أبيه، فإنه لا مانع من أن تصعد إليه أمه من بعده لتقيم وإياه مع الله في السماء، ويحيون جميعاً حياة طيبة في هناء وصفاء!

وإليك هذه الكلمة الصغيرة ننقلها من كتاب العقيدة والشريعة للمستشرق الكبير جولد تسيهر/42 و43:

وهناك جمل أخذت من العهد القديم والعهد الجديد، وأقوال للربانيين، أو مأخوذة من الأناجيل الموضوعة وتعاليم من الفلسفة اليونانية وأقوال من حكم الفرس والهنود، كل ذلك أخذ في الإسلام عن طريق (الحديث) حتي لفظ (أبونا) لم يعدم مكانه في الحديث المعترف به، وبهذا أصبحت ملكاً خالصاً للاسلام بطريق مباشر أو غير مباشر! وقد تسرب إلي الإسلام كنز (...) كبير من القصص الدينية حتي إذا ما نظرنا إلي المواد المعدودة في الحديث ونظرنا إلي الأدب الديني اليهودي، فإننا نستطيع أن نعثر علي قسم كبير دخل الأدب الديني الإسلامي من هذه المصادر اليهودية. ولا نستقصي كل ما دخل الإسلام من المسيحيات. انتهي.

اول قنوات التشبيه والتجسيم والرؤية من اليهودية إلي الإسلام

ينبغي أن نعرف أن نظرة العرب في الجاهلية والإسلام إلي ثقافة اليهود كانت نظرة إيجابية، وأن الخليفة عمر قد تبني سياسة الإنفتاح علي هذه الثقافة، فسبب ذلك تأثيراً واسعاً علي ثقافة الإسلام وعقائده.. لذلك نمهد للموضوع ببعض ما كتبناه في (تدوين القرآن)/ 409 تحت عنوان (احترام عرب الجاهلية للثقافة اليهودية):

(كان اعتداد العرب بقوميتهم ووثنيتهم في الجاهلية اعتداداً قوياً إلي حد التعصب، ولم يكونوا يحترمون اليهود كأمة ولكنهم كانو يحترمون علماءهم وثقافتهم، ويرجعون إليهم في العديد من مسائل التاريخ والتنبؤ بالمستقبل والأمور الروحية. بل كان الكثير من عرب الجاهلية يعيشون حالة الإنهزام أمام الثقافة اليهودية لأن اليهود أصحاب كتاب سماوي وعلماء وأنبياء، والعرب

أميون وثنيون، وإن بقيت عندهم بقايا من دين إبراهيم...

والشواهد علي ذلك من مصادر التاريخ والتفسير والحديث والفقه كثيرة، نكتفي منها بالنص التالي الذي يدل علي أن تأثيرات الثقافة اليهودية بقيت حتي بعد بعثة النبي صلي الله عليه وآله وحتي علي ذهن زوجته عائشة وأبيها الخليفة أبي بكر! روي مالك في الموطأ:2/502 (عن يحيي بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، أن أبا بكر الصديق دخل علي عائشة وهي تشتكي، ويهودية ترقيها! فقال أبو بكر: إرقيها بكتاب الله).

وقال في كتاب الأم للشافعي:7/241 (باب ما جاء في الرقية. سألت الشافعي عن الرقية؟

فقال: لا بأس أن يرقي الرجل بكتاب الله وما يعرف من ذكر الله.

قلت: أيرقي أهل الكتاب المسلمين؟

فقال: نعم، إذا رقوا بما يعرف من كتاب الله أو ذكر الله.

فقلت: وما الحجة في ذلك؟

قال: غير حجة، فأما رواية صاحبنا وصاحبك فإن مالكاً أخبرنا عن يحيي بن سعيد عن عمرة بنت عبدالرحمن أن أبا بكر دخل علي عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها فقال أبو بكر إرقيها بكتاب الله.

فقلت للشافعي: فإنا نكره رقية أهل الكتاب.

فقال: ولم وأنتم تروون هذا عن أبي بكر، ولا أعلمكم تروون عن غيره من أصحاب النبي(ص)خلافه. وقد أحل الله جل ذكره طعام أهل الكتاب ونساءهم، وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب الله مثل هذا، أو أخف). انتهي.

ورواه البيهقي في سننه:9/347، كما روي أن امرأة عبدالله بن مسعود كانت تذهب بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله إلي يهودي لرقية عينها.

وقال النووي في المجموع:9/64 (فرع في جواز الرقية بكتاب الله تعالي وبما يعرف من ذكر الله... وروي البيهقي بإسناده الصحيح عن يحيي بن سعيد عنعمرة عن عائشة

قالت: دخل أبو بكر (رض) عليها وعندها يهودية ترقيها فقال: إرقيها بكتاب الله عز وجل. وبإسناده الصحيح عن الربيع بن سليمان قال سألت الشافعي عن الرقية...). انتهي.

يلاحظ علي هذه الفتوي المجمع عليها عند إخواننا السنيين، أن الخليفة أبا بكر لم ينه عائشة عن هذا العمل، وإنما طلب من المرأة اليهودية باحترام أن ترقيها ببعض آيات القرآن، باعتبار أن ذلك أفضل من الأدعية التي تقرؤها من عندها، أو أراد منها أن تضم إلي أدعيتها آيات من القرآن ليكون ذلك أرجي لشفائها ابنته.. هذا إذا كان مقصوده بكتاب الله: القرآن، وإلا فيكون قصده: إرقيها بنص من التوراة، لا بدعاء من عندك!

وبذلك يتضح أن الشرط الذي شرطه الشافعي وغيره لما يجب أن يقرأه اليهودي أو النصراني في رقية المسلم لا أساس له في الرواية. وغاية ما يمكن استفادته منها أن الاحسن للمسلم أن يطلب من الكتابي أن يقرأ علي مريضه شيئاً من القرآن.. خاصة أن الذي يكلف أحداً أن يرقي مريضه لا يملي عليه ماذا يقرأ عليه، لانهلا يكلفه بالرقية إلا وهو يعتقد بأنه عبد صالح قريب إلي الله تعالي، فهو أعرف بما يقرأ عليه!

كما يلاحظ استغراب السائل لهذه الرواية والفتوي! فأجابه الشافعي بأن الرواية صحيحة ولم يصل إلينا إنكار أحد من الصحابة لعمل عائشة وإقرار أبي بكر. والقاعدة عند إخواننا أنه إذا فعل الصحابي شيئاً فهو جائز وحجة علي غيره، إلا إذا عارضه صحابي آخر، ويشترط أن يكون الصحابي المعارض من الصحابة الذين تؤثر معارضتهم عند الاخوة السنيين.. فبعض الصحابة عندهم لا تضر معارضتهم مثل علي المظلوم، وبعضهم تضر!

... إن معرفة هذا الجو في الجزيرة من التأثر العام بثقافة اليهود، تمكننا من تفسير

مواقف الخليفة عمر تجاه الثقافة اليهودية.. فقد كان من نشأته في مكة يحترم هذه الثقافة كثيراً قبل بعثة النبي صلي الله عليه وآله وتدل عدة نصوص علي أنه استمر علي احترامها حتي وهو إلي جانب النبي صلي الله عليه وآله ثم عندما صار خليفة.

وبهذا نفهم سبب احترامه لكعب الأحبار ووهب بن منبه وعبدالله بن سلام.. وأمثالهم من اليهود الذين أعلنوا دخولهم في الإسلام.. وتميم الداري وأمثاله من النصاري الذين دخلوا في الإسلام.. وكذا ثقته بما عند علماء اليهود والنصاري من كتب وتاريخ وتنبؤات واستنتاجات عن المستقبل!

وينبغي للباحث في هذا الموضوع أن يعرف المقومات الأساسية لشخصية الخليفة عمر.. فهو أولاً، عربي معتز بقوميته إلي حد أنه يري أن المخاطب بقوله تعالي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا..) هم العرب خاصة! قال السيوطي في الدر المنثور:6/98 (وأخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب إن هذه الآية في الحجرات. إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَي، هي مكية وهي للعرب خاصة. الموالي أي قبيلة لهم وأي شعاب؟ وقوله: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ، قال: أتقاكم للشرك).

وعلي تفسير الخليفة فإن الآية لا تساوي بين العرب وغيرهم كما فهم منها المسلمون. ولعله لذلك أفتي بأنه لا ملك علي عربي وبأن العرب لهم أن يتزوجوا من الأمم الأخري ولكن ليس لهم أن يزوجوهم، لأن العربية لا كفؤ لها إلا العربي.. إلي آخر فتاواه وقراراته في هذا المجال.

وهو ثانياً: قرشئ يحب قريش ويعتز بها اعتزازاً شديداً.. حتي بالطلقاء وقادة الأحزاب بعد انهزامهم وإسلامهم.. فيقول عن معاوية: كسري العرب، وعن أبي سفيان: سيد العرب! بل يثقل عليه يوم فتح مكة أن يدخل أنصاري براية النبي

صلي الله عليه وآله وهو يتحدي قادة الاحزاب من قريش.. فقد روي البيهقي في سننه:10/228... عن أنس قال دخل رسول الله(ص)مكة فقام أهلها سماطين ينظرون إلي رسول الله وإلي أصحابه، قال وابن رواحة يمشئ بين يدي رسول الله، فقال ابن رواحة:

خلوا بني الكفار عن سبيله فاليوم نضربكم علي تنزيله

ضرباً يزيل الهام عن مقيله ويذهل الخليل عن خليله

يا رب إني مؤمن بقيله

فقال عمر (رض): يابن رواحة أفي حرم الله وبين يدي رسول الله تقول الشعر!! فقال رسول الله (ص): مه يا عمر فوالذي نفسي بيده لكلامه هذا أشد عليهم من وقع النبل! وروي نحوه الترمذي في سننه:4/217، وسير أعلام النبلاء:1/235.

وعلي هذا الأساس يجب أن نعرف أن إعجاب الخليفة عمر بالثقافة اليهودية لا يتنافي في نظره مع عروبته وقرشيته بل يخدمهما.. وقد كان تقريبه لكعب الأحبار وتميم الداري وغيرهما، مشروطاً بأن يحترموا العرب وخاصة قريش.. فإن شعر منهم انتقاصاً للعرب أو قريش لم يتردد في اتخاذ الموقف الحاسم منهم.. وقد عنف كعب الأحبار وتميماً الداري أكثر من مرة. إنها نظرة مركبة إلي اليهود من عناصر متعددة في ذهنية الخليفة، وقد نتجت عنها هذه السياسة المركبة مع اليهود، ومع أن فيها مواقف مضادة لهم، لكنها علي العموم كانت ترضيهم.

وقد روت المصادر _ المحبة للخليفة _ مواقفه الدالة علي هذه السياسة، وروت أن بعض مواقفه جاء علي شكل اندفاع خطير منه لادخال الثقافة اليهودية في الإسلام، فنهاه النبي صلي الله عليه وآله مرات متعددة عن ذلك.. ثم ذات يوم غضب غضباً شديداً ودعا المسلمين إلي اجتماع طارئ ليحذرهم من خطورة ما يريده عمر وأصحابه... إلي آخر ما ذكرناه هناك.

من أفكار كعب الأحبار في الرؤية والتشبيه والتجسيم

وروي الطبري في

تفسيره:25/6:

فقال كعب:... سألت أين ربنا، وهو علي العرش العظيم متكئ واضع إحدي رجليه علي الأخري، ومسافة هذه الأرض التي أنت عليها خمسمائة سنة، ومن الأرض إلي الأرض مسيرة خمسمائة سنة وكثافتها... ثم قال: إقرؤوا إن شئتم: تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ!

وروي البغوي في معالم التنزيل:4/460: قال كعب الأحبار: عليين هو قائمة العرش اليمين.

وقال الصنعاني في تفسيره:2/37: عن قتادة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، قال قال كعب: إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثة: خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده... الخ.

وقال الطبري في تفسيره:7/100: قال محمد لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال: كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد..

فتح القدير للشوكاني:4/560: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعاً بيده: العرش وجنة عدن والقلم وآدم...

وقال الطبري في تفسيره:18/2: عن ميسرة قال: لم يخلق الله شيئاً غير أربعة أشياء: خلق آدم بيده، وكتب الألواح بيده، والتوراة بيده، وغرس عدناً بيده.

وقال البغوي في معالم التنزيل 4/236:... وكتاب مسطور، قال الكلبي: هو ما كتب الله بيده لموسي من التوراة، وموسي يسمع صرير القلم.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/6: وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم، قال قال عمر لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه بقلم ولا مداد، ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/121:

وأخرج الطبراني في السنة عن ابن عمر قال: خلق الله آدم بيده، وخلق جنة عدن بيده، وكتب التوراة بيده، ثم قال لسائر الأشياء كن فكان.

وأخرج أبو الشيخ عن عطاء

قال: كتب الله التوراة لموسي بيده، وهو مسند ظهره إلي الصخرة يسمع صريف القلم في ألواح من زمرد، ليس بينه وبينه إلا الحجاب.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله لم يمس شيئاً إلا ثلاثة: خلق آدم بيده، وغرس الجنة بيده، وكتب التوراة بيده.

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: كتبت التوراة بأقلام من ذهب.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد وابن المنذر عن حكيم بن جابر: قال أخبرت أن الله تبارك وتعالي لم يمس من خلقه بيده شيئاً إلا ثلاثة أشياء: غرس الجنة بيده، وجعل ترابها الورس والزعفران وجبالها المسك، وخلق آدم بيده، وكتب التوراة لموسي بيده.

وأخرج عبد بن حميد عن وردان بن خالد قال: خلق الله آدم بيده، وخلق جبريل بيده، وخلق القلم بيده، وخلق عرشه بيده، وكتب الكتاب الذي عنده لا يطلع عليه غيره بيده، وكتب التوراة بيده.

وأخرج أبو الشيخ عن ابن جريج قال: أخبرت أن الألواح من زبرجد ومن زمرد الجنة، أمر الرب تعالي جبريل فجاء بها من عدن وكتبها بيده، بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور، وكتب به الألواح.

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانوا يقولون كانت الألواح من ياقوتة، وأنا أقول إنما كانت من زبرجد وكتابها الذهب، كتبها الله بيده فسمع أهل السموات صريف القلم.

وأخرج ابن المنذر عن مجاهد قال: كانت الألواح من زمرد أخضر، أمر الرب تعالي جبريل فجاء بها من عدن فكتب الرب بيده بالقلم الذي كتب به الذكر، واستمد الرب من نهر النور وكتب به الألواح.

وأخرج عبد بن حميد عن مغيث الشامي قال بلغني أن الله تعالي

لم يخلق بيده إلا ثلاثة أشياء: الجنة غرسها بيده، وآدم خلقه بيده، والتوراة كتبها بيده.

كعب يدعي أن جنة عدن مسكن الله والأنبياء والخلفاء

روي السيوطي في الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (رض) قال: قرأ عمر (رض) علي المنبر: جنات عدن، فقال: أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد.

وروي في كنز العمال:12/560 و573:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين، قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل. فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لأهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله: وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلاً، وأما الشهادة فأني لعمر بالشهادة؟ ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع.

... عن كعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدك بالله يا كعب، أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال: بل خليفة. فاستحلفه، فقال كعب: خليفة والله، من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان.

وروي في الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة (رض)... في قوله تعالي: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ، قال: إن عمر بن الخطاب(رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

وروي في الدر المنثور:6/257:

... فقال عمر بن

الخطاب عند ذلك: ألا تسمع يا كعب ما يحدثنا به ابن أم عبد عن أدني أهل الجنة، ماله فكيف بأعلاهم؟! قال: يا أمير المؤمنين مالا عين رأت ولا أذن سمعت، إن الله كان فوق العرش والماء فخلق لنفسه داراً بيده فزينها بما شاء، وجعل فيها ما شاء من الثمرات والشراب، ثم أطبقها فلم يرها أحد من خلقه منذ خلقها، جبريل ولا غيره من الملائكة، ثم قرأ كعب: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.. الآية، وخلق دون ذلك جنتين فزينهما بما شاء وجعل فيهما ماذكر من الحرير والسندس والإستبرق، وأراهما من شاء من خلقه من الملائكة، فمن كان كتابه في عليين نزل تلك الدار، فإذا ركب الرجل من أهل عليين في ملكه لم يبق خيمة من خيام الجنة إلا دخلها من ضوء وجهه حتي أنهم ليستنشقون ريحه ويقولون واهاً هذه الريح الطيبة، ويقولون لقد أشرف علينا اليوم رجل من أهل عليين. فقال عمر: ويحك يا كعب إن هذه القلوب قد استرسلت فاقبضها! فقال كعب: ياأمير المؤمنين إن لجهنم زفرة ما من ملك ولا نبي إلا يخر لركبتيه، حتي يقول إبراهيم خليل الله: رب نفسي نفسي، وحتي لو كان لك عمل سبعين نبياً إلي عملك لظننت أن لن تنجو منها!

قال في معجم ما استعجم:2/74:

(الحثمة) بفتح أوله وإسكان ثانيه: صخرات بأسفل مكة، بها ربع عمر بن الخطاب، روي عنه مجاهد (أي عن عمر) أنه قرأ علي المنبر (جنات عدن) فقال: أيها الناس، أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر، وأشار إلي النبي(ص)، أو

صديق وهنيئاً لابي بكر وأشار إلي قبره، أو شهيد، وأني لعمر بالشهادة؟ وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي. انتهي.

هذا، وقد ضعف الذهبي في ميزان الاعتدال:2/98 زياد بن محمد الأنصاري أحد رواة هذا الحديث ولكن تضعيف هذا السند لايعني تضعيفهم للحديث لأنه روي عندهم بطرق أخري ومضمونه عندهم صحيح. وقد تقدم توثيق الهيثمي لرواية السيوطي الثانية، وفي مشابهاتها صحيح عندهم. وسوف نذكر بقيتها في تفسير قوله تعالي (عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي) إن شاء الله. وقد تقدمت أحاديثهم في أن الفردوس هو مسكن الله تعالي وبعض الخلفاء...

وروي الطبري في تفسيره:15/94:

عن أبي الدرداء، قال قال رسول الله (ص): إن الله يفتح الذكر في ثلاث ساعات بقين من الليل في الساعة الأولي منهن ينظر في الكتاب الذي لا ينظر فيه أحد غيره فيمحو ما يشاء ويثبت، ثم ينزل في الساعة الثانية إلي جنة عدن وهي داره التي لم ترها عين.. وهي مسكنه، ولا يسكن معه من بني آدم غير ثلاثة النبيين والصديقين والشهداء.. ثم ينزل في الساعة الثالثة إلي السماء الدنيا بروحه وملائكته. الخ.

وروي السيوطي في الدر المنثور:4/254:

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والحكم وصححه عن أبي أمامة، قال قال رسول الله (ص): سلوا الله الفردوس فإنها سرة الجنة، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش.

وأخرج البخاري ومسلم وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): إذا سألتم الله فاسألوه الفرودس، فإنه وسط الجنة وأعلي الجنة وفوقه عرش الرحمن.

وقال عبد الرزاق في تفسيره:2/37:

عن قتادة في قوله: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، قال قال كعب: إن الله لم يخلق بيده إلا

ثلاثة: خلق آدم بيده والتوراة بيده وغرس الجنة بيده، ثم قال للجنة تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون، لما علمت فيها من كرامة الله لاهلها. انتهي. ورواه الطبري في تفسيره:18/6.

وفي مصادر اخواننا روايات كثيرة عن صحابة وتابعين مثل أبي هريرة وأبي الدرداء وقتادة وغيرهم،وأصلها كلها عن كعب ووهب وأمثالهما من اليهود.

نموذج من علم كعب بالله تعالي

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالآخر وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن. انتهي.

وهذا يدل علي أن فكر كعب الأحبار سطحي وحشوي، لأن الآيات المسؤول عنها هي قوله تعالي (سَبَّحَ للهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ) الحديد: 1 _ 3، وقد فسر كعب قوله تعالي (هُوَ الأَوَّلُ وَالأخِرُ...) بأنه يعلم الأول والآخر!

و قال كعب وعمر: يفضل من ربه أو من عرشه أربع أصابع

مجمع الزوائد:1/83:

عن عمر (رض) أن امرأة أتت النبي(ص)فقالت: أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالي وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وقال في مجمع الزوائد:10/159: رواه أبو يعلي في الكبير ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن خليفة الهمذاني وهو ثقة.

ورواه في كنز العمال:10/373، وقال: (ع، وابن أبي عاصم، وابن خزيمة قط في الصفات، طب في السنة، وابن مردويه،/).

ونحوه في كنز العمال:2/466، وقال: ابن مردويه خط / ونحوه في:6 ص152 وقال الخطيب من طريق أبي إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة الهمداني.

وقال السيوطي في الدر المنثور:1/328:

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي عاصم في السنة والبزار وأبويعلي وابن جرير وأبوالشيخ والطبراني وابن مردويه والضياء المقدسي في المختارة عن عمر أن امرأة أتت النبي(ص)فقالت أدع الله أن يدخلني الجنة، فعظم الرب تبارك وتعالي وقال: إن كرسيه وسع السموات والأرض، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله، ما يفضل منه أربع أصابع.

وقال الديلمي في

فردوس الأخبار:3/86:

عمر بن الخطاب: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، حتي يسمع له أطيط كأطيط الرحل.

تاريخ بغداد:1/295:

عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي(ص)في قوله تعالي: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، قال: حتي يسمع أطيط كأطيط الرحل.

وقال ابن الاثير في النهاية:1/54:

الأطيط: صوت الأقتاب. وأطيط الإبل: أصواتها وحنينها... أي أنه ليعجز عن حمله وعظمته، إذ كان معلوماً أن أطيط الرحل بالراكب إنما يكون لقوة ما فوقه وعجزه عن احتماله.

وقال الديلمي في فردوس الأخبار: 1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل. انتهي.

ويلاحظ أنه جعل العرش أكبر من حجم الله تعالي بأربع أصابع مرة، وجعل الله تعالي أكبر من كرسيه بأربع أصابع بأصابع الرحمن مرة أخري، وبما أن آدم في رواياتهم مخلوق علي صورة الله تعالي وطوله ستون ذراعاً وفي بعضها سبعون ذراعاً، فتكون إصبع الرحمن أكثر من متر! سبحانه وتعالي عما يصفون، ونبرأ إليه وإلي رسوله من هذه المقولات، وقد تقدم أكثر منها في فصل بازار الأحاديث...

و قالوا: نبي الله داود يمسك بقدم الله تعالي و هو أعبد من جميع الأنبياء

كنز العمال:2/488:

من مسند عمر (رض). عن عمر قال: ذكر النبي(ص): يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال ويقول الرحمن لداود عليه السلام: مر بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: مر خلفي، فيقول: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول خذ بقدمي، فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر، قال: فتلك الزلفي التي قال الله تعالي: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ! انتهي. ورواه في كنز العمال:2/488 ورواه الشوكاني في فتح القدير:4/583 والسيوطي في الدر المنثور:5/305 عن ابن مردويه.

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الديلمي عن عمر (رض) قال قال رسول

الله (ص): لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود.

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حميد عن السدي بن يحيي قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب أن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد، فينادي المنادي داود فيسقي علي رؤوس العالمين، فهو الذي ذكر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ!

و قالوا: عمر أفضل من داود لأنه يصافح الله و يعانقه

روي ابن ماجة في:1/38:

... عن سعيد بن المسيب، عن (أبي بن) كعب قال: قال رسول الله (ص): أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة! انتهي. ورواه الحاكم في المستدرك:3/83.

عبدالله بن عمر يؤكد أحاديث أبيه

سنن ابن ماجه:1/65:قال ابن عمر: سمعت رسول الله (ص) يقول: يدني المؤمن من ربه يوم القيامة حتي يضع عليه كتفه.

تفسير الطبري:12/14: عبد الله بن عمر: قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتي يضع عليه كتفه..

تفسير الطبري:23/119: عن ابن عمر قال: خلق الله أربعة بيده: العرش وعدن والقلم وآدم..

مصابيح البغوي:3/497: عن ابن عمر أنه قال: قام رسول الله (ص)... ثم ذكر الدجال... تعلمون أنه أعور وأن الله ليس بأعور.

البعث والنشور للبيهقي/251:... سمعت ابن عمر يحدث رفع الحديث إلي النبي (ص)... وأكرمهم علي الله عز وجل من ينظر إلي وجه غدوةً وعشية.

كنز العمال:14/493: إن أدني أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلي جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسيرة ألف سنة، وأكرمهم علي الله من ينظر إلي وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ: وجوه يومئذ ناضرة ت، طب عن ابن عمر.

العقد الفريد:6/208: ومن حديث عبد الله بن عمر قال: العرش مطوق بحية والوحي ينزل في السلاسل.

فردوس الأخبار للديلمي:1/214: ابن عمر: إن الله عز وجل كلم موسي بمائة ألف وعشرين ألفاً وثلاثمائة وثلاث عشر كلمة، فكان الكلام من الله والإستماع من موسي فقال: أي رب أنت الذي تكلمني أم غيرك؟ قال الله عز وجل: يا موسي أنا أكلمك لا رسول بيني وبينك.

فردوس الأخبار للديلمي:3/85: ابن عمر: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، يجلسني معه علي السرير.

فردوس الأخبار للديلمي:5/165: ابن

عمر: لا تقبحوا الوجه فإن الله عز وجل خلق آدم علي صورته.

فردوس الأخبار للديلمي:5/128: ابن عمر: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، من البهاء والحسن ناظرة في وجه الله تعالي.

وقال المنذري في الترغيب والترهيب:4/507: روي عن ابن عمر: أكرم أهل الجنة علي الله من ينظر إلي وجهه غدوة وعشياً. وروي نحوه في:4/539 وص 551 وص 552 وص 553 وص 556 ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/86 وص 125 وص 128.

وقال الديلمي في:3/473:ابن عمر: لما كان في الليلة التي ولد فيها أبو بكر الصديق أقبل ربكم عز وجل علي جنات عدن فقال: وعزتي وجلالي لا أدخلك إلا من أحب هذا المولود.

من روايات أبي موسي الأشعري وابنه

قال السيوطي في الدر المنثور:4/254:

وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): الفردوس مقصورة الرحمن، فيها خيار الأنهار والأثمار.

وقال في الدر المنثور:1/327:

وأخرج ابن جرير وابن المنذر وأبوالشيخ والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي موسي الأشعري قال: الكرسي موضع القدمين وله أطيط كأطيط الرحل.

تفسير الطبري:3/7:

وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ... عن أبي موسي: قال الكرسي موضع القدمين. وعن السدي: والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه.

صحيح البخاري:4 جزء 8/185

عن أبي بكر بن عبدالله بن قيس عن أبيه (أبي موسي الأشعري) عن النبي (ص) قال: جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلي ربهم إلا رداء الكبر علي وجهه في جنة عدن. انتهي. ورواه البخاري في:3 جزء 6/56، وفي:4/86، وفي:8/185 ومسلم:1/112 والدارمي:2/333 ورواه أحمد:4/411 كما في مسلم وكذا ابن ماجة:1/66 والحاكم:2/392 والذهبي في سيره:8/370.

ورواه أحمد في:4/4162 وفيه (في جنة عدن وهذه الأنهار

تشخب من جنة عدن ثم تصدع بعد ذلك أنهاراً).

وروي في:4/400 وص 411:

عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس الأشعري عن أبيه أن النبي(ص)قال: الخيمة درة مجوفة طولها في السماء ستون ميلاً، في كل زاوية منها للمؤمن أهل لا يراهم الآخرون، ورباً قال عفان لكل زاوية. انتهي. يعني بالرب المسؤول عن أهله في كل زاوية من زوايا الخيمة!

وروي أحمد رواية تدل علي أن المقصود كثرة النساء في تلك الدرة الكروية الهائلة! قال في:4/411: عن أبي بكر بن عبد الله بن قيس عن أبيه عن رسول الله(ص)أنه قال: في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلاً، في كل زاوية منها أهل ما يرون الاخرين يطوف عليهم (عليهن) المؤمن.

وروي أحمد روايات أخري غير معقولة عن أبي موسي الأشعري في تجسيم الله تعالي والتكفير عن المسلمين المستحقين لدخول النار بغيرهم! قال في:4/408: عن أبي بردة عن أبي موسي الأشعري قال قال رسول الله (ص): يجمع الله عز وجل الأمم في صعيد يوم القيامة، فإذا بدا لله عز وجل أن يصدع بين خلقه، مثل لكل قوم ما كانوا يعبدون، فيتبعونهم حتي يقحمونهم النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن علي مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون. فيقول: ما تنتظرون؟ فيقولون: ننتظر ربنا عز وجل. قال فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟

فيقولون: نعم. فيق_ول: كيف تعرفونه ولم تروه؟! فيقولون: نعم إنه لا عدل له.

فيتجلي لنا ضاحكاً فيقول: أبشروا أيها المسلمون فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت مكانه في النار يهودياً أو نصرانياً!

وقال في:4/410 وص 411 وص 418:

عن أبي موسي قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع إلي

كل مؤمن رجل من أهل الملل، فقال له هذا فداؤك من النار!

عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن جده أبي موسي قال قال رسول الله (ص): إن أمتي أمة مرحومة ليس عليها في الآخرة عذاب! إنما عذابها في الدنيا القتل والبلابل والزلازل! قال أبو النضر بالزلازل والقتل والفتن!

وروي أحمد عن أبي موسي في:4/414:

عن أسيد بن أبي أسيد عن موسي بن أبي موسي الأشعري عن أبيه أن النبي (ص) قال: الميت يعذب ببكاء الحي عليه، إذا قالت النائحة واعضداه واناصراه واكاسباه، جبذ الميت وقيل له: أنت عضدها أنت ناصرها أنت كاسبها؟ فقلت: سبحان الله يقول الله عز وجل: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي! فقال: ويحك، أحدثك عن أبي موسي عن رسول الله(ص)وتقول هذا فينا كذب؟! فوالله ما كذبت علي أبي موسي، ولا كذب أبو موسي علي رسول الله(ص)!

وقال الديلمي في فردوس الأخبار:5/368:

أبو موسي: يتجلي ربنا ضاحكاً يوم القيامة حتي ينظروا إلي وجهه فيخرون له سجداً فيقول: إرفعوا رؤوسكم فليس هذا يوم عبادة.

البعث والنشور للبيهقي/262:

سمعت أبا موسي الأشعري يخطب علي منبر البصره يقول: إن الله عز وجل يبعث يوم القيامه ملكاً إلي أهل الجنة فيقول... قد بقي شئ إن الله يقول: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَي وَ زِيَادَةٌ، قال ألا إن الحسني الجنة، وزياده: النظر إلي وجه الله.

و قال الجرجاني وغيره: أطيط العرش فكرة يهودية

شرح المواقف للجرجاني:8/19:

المقصد الأول، أنه تعالي ليس في جهة من الجهات ولا في مكان من الأمكنة، وخالف فيه المشبهة وخصصوه بجهة الفوق اتفاقاً، ثم اختلفوا فيما بينهم فذهب أبو عبد الله محمد بن كرام إلي أن كونه في الجهة ككون الأجسام فيها، وهو أن يكون بحيث يشار إليه أنه هاهنا أو

هناك، قال: وهو مماس للصفحة العليا من العرش ويجوز عليه الحركة والإنتقال وتبدل الجهات، وعليه اليهود حتي قالوا العرش يئط من تحته أطيط الرحل الجديد تحت الركب الثقيل، وقالوا إنه يفضل علي العرش من كل جهة أربعة أصابع، وزاد بعض المشبهة كمضر وكهمس وأحمد الهجيمي أن المخلصين من المؤمنين يعانقونه في الدنيا والآخرة! ومنهم من قال هو محاذ للعرش غير مماس له، فقيل بعده عنه بمسافة متناهية، وقيل بمسافة غير متناهية!!...

التجسيم في مصادر إخواننا من روايات الحاخامات

من أقدم النصوص وأوسعها انتشاراً في مصادر إخواننا قصة الحاخام اليهودي التي رواها أهل الصحاح بروايات عديدة عن عبد الله بن عمر، ومفادها أن هذا الحاخام جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وعرض عليه عقيدة التجسيم، فصدق النبي قوله وضحك له حتي بدت نواجذه صلي الله عليه وآله فقد روي البخاري في صحيحه:6/33:

... عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من الأحبار إلي رسول الله(ص)فقال: يا محمد، إنا نجد أن الله يجعل السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والشجر علي إصبع والماء والثري علي إصبع وسائر الخلائق علي إصبع، فيقول أنا الملك، فضحك النبي(ص)حتي بدت نواجذه تصديقاً لقول الحبر، ثم قرأ رسول الله (ص): وما قدروا الله حق قدره.

وروي في:8/173:

عن عبدالله أن يهودياً جاء إلي النبي(ص)فقال يا محمد إن الله يمسك السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والجبال علي إصبع والشجر علي إصبع والخلائق علي إصبع، ثم يقول أنا الملك، فضحك رسول الله (ص)حتي بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ. قال يحيي بن سعيد وزاد فيه فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن عبيدة عن عبدالله فضحك رسول الله(ص)تعجباً وتصديقاً له.

... قال عبدالله جاء رجل

إلي النبي(ص)من أهل الكتاب فقال: يا أبا القاسم إن الله يمسك السماوات علي إصبع والأرضين علي إصبع والشجر والثري علي إصبع والخلائق علي إصبع، ثم يقول أنا الملك، أنا الملك فرأيت النبي(ص)ضحك حتي بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

صحيح البخاري:8/187:

... عن عبد الله قال جاء حبر إلي رسول الله(ص)فقال: يا محمد إن الله يضع السماء علي إصبع والأرض علي إصبع والجبال علي إصبع والشجر والأنهار علي إصبع وسائر الخلق علي إصبع ثم يقول بيده أنا الملك، فضحك رسول الله(ص)وقال: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ.

صحيح البخاري:8/202:

... عن عبدالله (رض) قال جاء حبر من اليهود فقال: إنه إذا كان يوم القيامة جعل الله السماوات علي إصبع والارضين علي إصبع والماء والثري علي إصبع والخلائق علي إصبع ثم يهزهن، ثم يقول أنا الملك أنا الملك، فلقد رأيت النبي صلي الله عليه وسلم يضحك حتي بدت نواجذه تعجباً وتصديقاً لقوله، ثم قال النبي (ص): وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إلي قوله يشركون.

ورواه مسلم في:8/125 بعدة روايات منها بلفظ البخاري وفيها عبارة (وقال فلقد رأيت رسول الله(ص)ضحك حتي بدت نواجذه تعجباً لما قال تصديقاً له).

ورواه أحمد في مسنده:1/378 وص 429 وص 457 وذكر في جميع رواياته أن النبي صلي الله عليه وآله ضحك حتي بدت نواجذه تصديقاً لليهودي! انتهي. ورواه البغوي في معالم التنزيل:4/87 وفي مصابيحه:3/523 والمراغي في تفسيره جزء 21/31

والصنعاني في تفسيره:2/250 والأحاديث القدسية:2/39 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين:1/287.. وغيرهم.

ورواه الطبري في تفسيره:24/18، بصيغة كأنها ابتداء من النبي صلي الله عليه وآله بدون ذكر لليهودي! قال: عن ابن عمر قال سمعت رسول الله (ص) يقول: يأخذ الجبار سمواته

وأرضيه بيمينه وقبض يده فجعل يقبضها ويبسطها ثم يقول أنا الجبار أنا الملك، أين الجبارون أين المتكبرون! قال ويميل رسول الله (ص) عن يمينه وعن شماله حتي نظرت إلي المنبر يتحرك من أسفل شئ منه، حتي أني لأقول أساقط هو برسول الله (ص)!

نكتفي بهذا القدر من النصوص عن الخليفة عمر وابنه وأبي موسي الأشعري وابنه، وهي أقدم من جميع نصوص الرؤية والتشبيه والتجسيم!

ومنها يتضح أن الخليفة عمر أول رائد في هذا المجال، وأن كعب الأحبار هو أول مصدر يهودي بعد يهود المدينة تلقي منه الخليفة ومن أطاع الخليفة من المسلمين بشكل رسمي! وكان من أبرز المتأثرين بالخليفة ولده عبد الله وأبا موسي الأشعري وولده أبا بكر. ثم جاء الذين من بعدهم فوجدوا طريقاً ممهداً فسلكوه، لأن فتح الخليفة عمر لهذا الباب لم يكن حدثاً عادياً، بل كان وضع أساس من صدر الإسلام لكل من جاء بعده، وفتح (قناة شرعية) بين نهر ثقافة أحبار اليهود ومكتوباتهم لتصب في نهر الإسلام الصافي!

وقد نشطت قناة الخليفة عمر، وصارت مصدراً أساسياً لثقافة المسلمين في عهد معاوية، وشرب الرواة وعلماء السلطة من أفكار كعب وجماعته، وشيدوا أبنيتهم بأحجارها! وهذه آثارها شاخصة في مصادر المسلمين وصحاحهم!

ومن جهة سياسية فقد سببت هذه الافكار اختلافات في الأمة وانقسامات وصراعات مريرة.. وحاول المؤرخون كعادتهم أن يبرئوا منها السلطة والخليفة ويتهموا بها المعارضة من أهل البيت وشيعتهم، لمجرد أنهم معارضة مكروهون!

ويطول البحث لو أردنا تعداد الذين رووا عن اليهود من رواة القرن الأول والثاني... ومن باب المثال نذكر ما قاله السبكي في طبقات الشافعية:9/73 في رده علي ابن تيمية: (... ثم أفاد المدعي (ابن تيمية) وأسند أن هذه المقالة مأخوذة

من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين. قال: فإن أول من حفظ عنه هذه المقالة: الجعد بن درهم، وأخذها عنه جهم بن صفوان، وأظهرها فنسبت مقالة الجهمية إليه، قال والجعد أخذها عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم، وأخذها طالوت من لبيد اليهودي الذي سحر النبي(ص). قال: وكان الجعد هذا فيما يقال من أهل حران.

فيقال له: أيها المدعي إن هذه المقالة مأخوذة من تلامذة اليهود، قد خالفت الضرورة في ذلك، فإنه ما يخفي علي جميع الخواص وكثير من العوام أن اليهود مجسمة مشبهات، فكيف يكون ضد التجسيم والتشبيه مأخوذاً عنهم!) انتهي.

ويسهل علي الباحث أن يلاحظ أن بعض الأحاديث التي استدل بها ابن تيمية وغيره من القائلين بالرؤية بالعين والتشبيه، هي نصوص يهودية أو نصرانية موجودة في مصادرهم، وبعضها الآخر يشم منها رائحة يهودية قوية!

ومن ذلك الحديثان اللذان أوردهما السبكي في مناقشته لابن تيمية، قال في طبقات الشافعية:9/53: (حديث الرقية: ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك... حديث الأوعال: والعرش فوق ذلك كله والله فوق ذلك كله. فقد فهمه هذا المدعي (يقصد ابن تيمية) أن الله فوق العرش حقيقة. انتهي.

وحديث الأوعال هو الحديث الذي يدعي أن الله تعالي يجلس علي عرشه وأن الحيوانات تحمل عرشه، تعالي الله عما يصفون، وستأتي رواياته في تفسير قوله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.

هذا وقد حاول بعض شراح البخاري ومسلم الدفاع عن النبي صلي الله عليه وآله وإثبات أنه لم يصدق الحاخام بل رد عقيدة اليهود في الله تعالي، ولكنهم ثاروا في وجههم!

قال في الأحاديث القدسية من الصحاح:2/42:

قال القسطلاني: هذا من شديد الإشتباه وقد حمله بعضهم علي أن اليهود

مشبهة، وروي الحديث من غير واحد فلم يذكروا قوله (ص) إنه تعجب من قول الحبر تصديقاً لقوله بل ذكروا أنه (ص) تعجب من كذب اليهودي. انتهي. وذكر نحوه في إرشاد الساري:10/388 وقال:... وهذه الأوصاف في حق الله تعالي محال. انتهي.

وقال النووي في شرح مسلم 9 جزء 17/130:

قوله (فضحك رسول الله (ص) تعجباً مما قال الحبر تصديقاً له، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ..) ظاهر الحديث أن النبي (ص) صدق الحبر في قوله إن الله تعالي يقبض السماوات والأرضين والمخلوقات بالاصابع. قال القاضي: وقال بعض المتكلمين ليس ضحكه (ص) وتعجبه تصديقاً للحبر، بل هو رد لقوله وإنكار تعجب من سوء اعتقاده، فإن مذهب اليهود التجسيم... انتهي. ونحوه في:9 جزء 17/131 وفي:2/46.

ولكن جمهور علماء إخواننا السنة لم يقبلوا هذه النقود العلمية لأنها رد لما صرح به البخاري ومسلم، فعصمة هذين الكتابين واجبة عندهم حتي من اشتباهات الرواة والنساخ، وحتي لو استلزم ذلك تهمة النبي بتصديق اليهود في التجسيم! قال في الأحاديث القدسية من الصحاح:2/43: قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح: ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة التواتر، وإن ضحك الرسول ليس إنكاراً... إن ما اتفق عليه الشيخان بمنزلة المتواتر فلا ينبغي التجاسر علي الطعن في ثقاة الرواة، ورد الأخبار الثابتة! انتهي.

وأمام ذلك التشدد تراجع القسطلاني في كتاب التوحيد:10/388 ونقل قول أبي عمر الصلاح وأيده! وقال جامع الأحاديث القدسية من الصحاح: 2/45: قال ابن فورك:... وقد اشتد إنكار ابن خزيمة علي من ادعي أن الضحك المذكور علي سبيل الإنكار منه(ص)!

وهكذا أخذ أكثر علماء إخواننا السنة بحديث البخاري عن الحاخام، وشهدوا أن النبي أيده وصدقه، وضحك له ضحكاً كثيراً شديداً من فرحه بهذا العلم

العظيم علي حد تعبير إمام الوهابية. ولكن عدداً منهم بقي يراوده الشك والتحير كيف يمكن أن يؤيد النبي صلي الله عليه وآله قول يهودي في التجسيم، مع أن الآية التي قرأها النبي تدل علي رده قول اليهودي.

الكوثري يصعد درجات و لا يصل إلي لب الحقيقة

اقترب الشيخ محمد زاهد الكوثري من الحقيقة، فاعترف بأن التشبيه والتجسيم انتقل إلي المسلمين من اليهود عن طريق رواة إخواننا السنة من التابعين ومن بعدهم، ولكنه لم ينفذ إلي لب الحقيقة، ولم يجرأ علي نسبة ذلك إلي الصحابة الذين أخذوا هذه العقائد من اليهود وأدخلوها في عقائد المسلمين.

قال في مقدمته لكتاب الأسماء والصفات للبيهقي:

للمحدثين ورواة الأخبار منزلة عليا عند جمهرة أهل العلم، لكن بينهم من تعدي طوره وألف فيما لايحسنه، فأصبح مجلبة العار لطائفته بالغ الضرر لمن يسايره ويتقلد رأيه! من هؤلاء غالب من ألف منهم في صفات الله سبحانه، فدونك مرويات حماد بن سلمة في الصفات تجدها تحتوي علي كثير من الأخبار التالفة يتناقلها الرواة طبقة عن طبقة، مع أنه قد تزوج نحو مائة امرأة من غير أن يولد له ولد منهن، وقد فعل هذا التزواج والتنكاح في الرجل فعله بحيث أصبح في غير حديث ثابت البناني لايميز بين مروياته الأصلية وبين مادسه في كتبه أمثال ربيبه ابن أبي العوجاء وربيبه الآخر زيد المدعو بابن حماد، بعد أن كان جليل القدر بين الرواة قوياً في اللغة، فضلّ بمروياته الباطلة كثير من بسطاء الرواة.

ويجد المطالع الكريم نماذج شتي من أخباره الواهية في باب التوحيد من كتب الموضوعات المبسوطة، وفي كتب الرجال، وإن حاول أناس الدفاع عنه بدون جدوي، وشرع الله أحق بالدفاع من الدفاع عن شخص، ولاسيما عند تراكب التهم القاطعة لكل عذر.

فعلت

مرويات نعيم بن حماد أيضاً مثل ذلك بل تحمسه البالغ أدي به إلي التجسيم كما وقع مثل ذلك لشيخ شيخه مقاتل بن سليمان تجد آثار الضرر الوبيل في مروياتهما في كتب الرواة الذين كانوا يتقلدونها من غير معرفة منهم لما هنالك، فدونك كتاب الإستقامة لخشيش بن أصرم، والكتب التي تسمي السنة لعبد الله وللخلال، ولأبي الشيخ، وللعسال، ولأبي بكر بن عاصم، وللطبراني، والجامع، والسنة والجماعة لحرب بن إسماعيل السيرجاني، والتوحيد لابن خزيمة، ولابن مندة، والصفات للحكم بن معبد الخزاعي، والنقض لعثمان بن سعيد الدارمي، والشريعة للأجري، والإبانة لابي نصر السجزي، ولابن بطة، ونقض التأويلات لأبي يعلي القاضي، وذم الكلام، والفاروق لصاحب منازل السائرين.. تجد فيها ما ينبذه الشرع والعقل في آن واحد ولا سيما النقض لعثمان بن سعيد الدارمي السجزي المجسم فإنه أول من اجترأ من المجسمة بالقول إن الله لو شاء لاستقر علي ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته، فكيف علي عرش عظيم!! وتابعه الشيخ الحراني (ابن تيمية) في ذلك كما تجد نص كلامه في غوث العباد المطبوع سنة 1351 بمطبعة الحلبي. وكم لهذاالسجزي من طامات مثل إثبات الحركة له تعالي وغير ذلك! كم من كتب من هذا القبيل فيها من الأخبار الباطلة والآراء السافلة ما الله به عليم، فاتسع الخرق بذلك علي الراقع وعظم الخطب إلي أن قام علماء أمناء برأب الصدع نظراً ورواية وكان من هؤلاء العلماء الخطابي، وأبو الحسن الطبري، وابن فورك، والحليمي، وأبو إسحاق الأسفرايني، والأستاذ عبد القاهر البغدادي، وغيرهم من السادة القادة الذين لايحصون عدداً... انتهي.

نقول: مع شكرنا لمن تصدي لهذه التحريفات في عقائد الإسلام.. فإن المشكلة مازالت قائمة في مصادر إخواننا لكثرة أحاديث الرؤية والتشبيه والتجسيم فيها، وجلها

إن لم يكن كلها يرجع مصدره إلي كعب الأحبار وزملائه وتلاميذهم ومن تأثر بهم مثل أبي هريرة وعكرمة ووهب ومقاتل والسفيانين والحمادين ونعيم بن حماد.. الخ.! فلا بد من فتح باب الاجتهاد في الجرح والتعديل وقيام الدراسات النقدية الجادة لرواة أخبار الصفات.

وفيما يلي نقدم خلاصة أقوال علماء الجرح والتعديل في اثنين من قدماء الرواة ذكرهما الكوثري في كلامه، وهما: حماد بن سلمة، ونعيم بن حماد.

السفيانان والحمادان

السفيانان والحمادان من كبار أئمة الحديث عند إخواننا السنيين، بل هم شيوخ أئمة المذاهب سوي مالك، وكلهم من الفرس ماعدا سفيان الثوري الذي نسب إلي تميم طابخة! وقد ولد الثوري سنة 97 ومات سنة 161 ثم سفيان بن عيينة الرازي، أي الطهراني ولد سنة 107 وتوفي سنة 178، ثم حماد بن سلمة الفارسي أيضاً الذي توفي سنة 167 ثم حماد بن زيد الفارسي أيضاً الذي توفي سنة 179 كما في سير أعلام النبلاء للذهبي.

فالحمادان متعاصران ومتقاربان في السن، بل ذكر الكوثري أن حماد بن زيد هو ربيب حماد بن سلمة.. وقد حكم أهل الجرح بأن عقل ابن زيد أكبر من دينه، وأن دين ابن سلمة أكبر من عقله.

حماد بن سلمة

حماد بن سلمة الربعي فارسي مولي ربيعة الجوع، أو ربيعة كلب، قال في إكمال الكمال:4/147:

وفي اللباب (ربيعة الجوع وهو ربيعة بن مالك بن زيد مناة، منهم حماد بن سلمة الربعي مولاهم إمام مشهور) وذكر أيضاً ربيعة كلب (ربيعة بن حصن بن ضمضم بن عدي بن جناب بن هبل....)

قال الذهبي في سير أعلام النبلاء:7/456:

حماد بن زيد بن درهم، العلامة، الحافظ الثبت، محدث الوقت، قال إبراهيم بن سعيد الجوهري: سمعت أبا أسامة يقول: كنت إذا رأيت حماد بن زيد قلت: أدبه كسري، وفقهه عمر (رض).

قال الخليلي: سمعت عبد الله بن محمد الحافظ، سمعت أبا عبيد محمد بن محمد بن أخي هلال الرأي، سمعت هشام بن علي يقول: كانوا يقولون كان علم حماد بن سلمة أربعة دوانيق، وعقلة دانقين، وعلم حماد بن زيد دانقين، وعقله أربعة دوانيق.

وقال المزي في تهذيب الكمال:7/251 عن حماد بن زيد:

وقال أبو حاتم بن حبان: كان ضريراً يحفظ

حديثه كله، وكان درهم جده من سبي سجستان، وما كان يحدث إلا من حفظه، وقد وهم من زعم أن بينهما كما بين الدينار والدرهم، إلا أن يكون القائل أراد فضل ما بينهما مثل الدينار والدرهم في الفضل والدين، لأن حماد بن سلمة كان أفضل وأدين وأورع من حماد بن زيد، ولسنا ممن يطلق الكلام علي أحد بالجزاف بل نعطي كل شيخ قسطه، وكل راو حظه، والله الموفق.

تهذيب التهذيب:3/10:

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن زيد أحب إلينا من عبد الوارث. حماد من أئمة المسلمين من أهل الدين والإسلام، وهو أحب إلي من حماد بن سلمة.

ميزان الاعتدال:3/136:

وقال الذهلي: قلت لأحمد في علي بن عاصم فقال: كان حماد بن سلمة يخطئ، وأومأ أحمد بيده كثيراً، ولم نر بالرواية عنه بأساً.

ونحوه في سير أعلام النبلاء:9/253 وفي تهذيب الكمال:20/510

سير أعلام النبلاء:5/236:

قال أبوداود: سمعت أبا عبدالله أحمد يقول: حماد (بن أبي سليمان) مقارب الحديث، ما روي عنه سفيان وشعبة، ولكن حماد بن سلمة عنده عنه تخليط.

الانساب:1/121:

الإمام أبو إسماعيل حماد بن زيد بن درهم الازدي البصري المعروف بالأزرق...

وروي الذهبي في سير أعلام النبلاء:9/114 أن حماد بن سلمة كان لا يحترم علم حماد بن زيد.. قال الذهبي: وروي عفان قال: كنا عند حماد بن سلمة، فأخطأ في حديث، وكان لا يرجع إلي قول أحد، فقيل له: قد خولفت فيه فقال: من؟ قالوا: حماد بن زيد فلم يلتفت، فقيل إن إسماعيل ابن علية يخالفك، فقام ودخل ثم خرج، فقال: القول ما قال إسماعيل.

بعض روايات ابن سلمة في التشبيه والتجسيم

لسان الميزان:1/485:

أيوب بن عبدالسلام، أبو عبد السلام، قال ابن حبان: كانه كان زنديقاً! يروي عن أبي بكرة عن ابن

مسعود رضي الله عنهما: إن الله إذا غضب انتفخ علي العرش حتي يثقل علي حملته. رواه حماد بن سلمة وكان كذاباً.

قلت، بئس ما فعل حماد بن سلمة برواية مثل هذا الضلال، فقد قال النبي (ص): كفي بالمرء إثما إن يحدث بكل ما سمع، بل ولا أعرف له إسنادا عن حماد فيتأمل هذا، فإن ابن حبان صاحب تشنيع وتشغب. انتهي.

وكذا في ميزان الإعتدال:1/290 وفيه:/590:

حماد بن سلمة، عن ثابت، عن ابن أبي ليلي، عن صهيب-مرفوعاً: للذين أحسنوا الحسني وزيادة، قال: هي النظر إلي وجه الله.

حماد، عن ثابت، عن أنس أن النبي(ص)قرأ: فلما تجلي ربه للجبل، قال: أخرج طرف خنصره، وضرب علي إبهامه، فساخ الجبل! فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب في صدر حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد (وصححه الترمذي).

إبراهيم بن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس _ مرفوعاً: رأيت ربي جَعْداً أمرد عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الأسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد دونه ستر من لؤلؤ قدميه أو رجليه في خضرة. وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسي، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي(ص)، قال: رأيت ربي. (ومثله في تذكرة الحفاظ: 2/596).

وقال أبوبكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيي بن كثير،

حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه. فهذا من أنكر ما أتي به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت... قال المرودي: قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة، عن عكرمة، في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان عن زيرك عن عكرمة. وهو غريب جداً....

وقال... في الموضوعات: 1/122 عن حديث (أخرج خنصره أو طرف خنصره): وهذا حديث لا يثبت. قال ابن عدي الحافظ: كان ابن أبي العوجاء ربيب حماد بن سلمة فكان يدس في كتبه هذه الأحاديث. ومثله في/100.

سير أعلام النبلاء:7/451:

وروي عبد العزيز بن المغيرة، عن حماد بن سلمة: أنه حدثهم بحديث نزول الرب عز وجل فقال: من رأيتموه ينكر هذا، فاتهموه....

وقال في ميزان الاعتدال:1/590:

الدولابي، حدثنا محمد بن شجاع الثلجي، حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث يعني التي في الصفات حتي خرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطاناً خرج إليه من البحر، فألقاها إليه!

قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دُسَّت في كتبه.

وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه. قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق علي حماد وأمثاله، وقد اتهم. نسأل الله السلامة.

وفي تهذيب التهذيب:3/11:

وقال الدولابي ثنا محمد بن شجاع البلخي حدثني إبراهيم بن عبدالرحمن بن مهدي قال كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث التي في الصفات حتي خرج مرة إلي عبادان فجاء وهو يرويها! فسمعت عباد ابن صهيب يقول: إن حماداً كان لا يحفظ وكانوا يقولون إنها دست في كتبه. وقد

قيل إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه...

وحكي أبو الوليد الباجي في رجال البخاري أن النسائي سئل عنه فقال ثقة. قال الحكم بن مسعدة فكلمته فيه فقال: ومن يجترئ يتكلم فيه لم يكن عند القطان هناك. ثم جعل النسائي يذكر الأحاديث التي انفرد بها في الصفات كأنه خاف أن يقول الناس تكلم في حماد من طريقها انتهي.

وهو يدل علي ما ذكرناه من أن العوام يحبون التجسيم لأن المعبود المادي أسهل علي أذهانهم، وقد كان ذلك عاملاً في رواج سوق روايات التجسيم اليهودية، حتي أن أئمة المحدثين مثل النسائي يخاف أن يقولوا عنه إنه ضعف حماداً الروايات التجسيم!!

سير أعلام النبلاء:5/31:

وروي جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، عن يحيي بن معين قال: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة، وفي حماد بن سلمة، فاتهمه علي الإسلام!.

قلت: هذا محمول علي الوقوع فيهما بهوي وحيف في وزنهما، أما من نقل ما قيل في جرحهما وتعديلهما علي الإنصاف فقد أصاب، نعم إنما قال يحيي هذا في معرض رواية حديث خاص في رؤية الله تعالي في المنام، وهو حديث يستنكر. وقد جمع ابن مندة فيه جزءاً سماه: صحة حديث عكرمة.

حماد يروي أن النبي لا يحفظ القرآن

تهذيب الكمال:2/267:

وقال حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الجارود بن أبي سبرة، عن أبي بن كعب: أن رسول الله(ص)صلي بالناس فترك آية! فقال: أيكم أخذ علي شيئاً من قراءتي؟ فقال أبي: أنا يا رسول الله، تركت آية كذا وكذا، فقال النبي (ص): قد علمت إن كان أحد أخذها علي فإنك أنت هو!

وقال في تهذيب الكمال:2/268: رواه البخاري في كتاب القراءة خلف الإمام عن أبي سلمة موسي بن إسماعيل، عن حماد. فوقع لنا

بدلاً عالياً!

اخذ حماد القول بالجبر من شيخ شيخه وهب

ميزان الاعتدال:4/353:

وروي حماد بن سلمة عن أبي سنان: سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتي قرأت بضعة وسبعين كتاباً من كتب الأنبياء في كلها: من جعل لنفسه شيئاً علي المشيئة فقد كفر، فتركت قولي انتهي. ومثله في تهذيب الكمال:31/147.

ويقصد وهب بكتب الأنبياء: كتب بني إسرائيل المنسوبة إلي الأنبياء.

ويقصد بعبارته التي نقلها من كتب اليهود: أن من يجعل للإنسان شيئاً من الإرادة في أفعاله فقد كفر! بل أفعاله كلها بما فيها المعاصي والجرائم من الله تعالي!! وبذلك رفع اليهود مسؤولية مخالفتهم لأنبيائهم وقتلهم إياهم عن عواتقهم، ونسبوها إلي الله تعالي..!! وتبعهم في ذلك بعض المسلمين حذو القذة بالقذة!!

ربيبه عبدالكريم بن أبي العوجاء

نذكر فيما يلي شيئا عن ابن العوجاء ابن زوجة حماد الذي اتهموه بالدس في أحاديثه، لكي تعرف خطورته.. قال في لسان الميزان:4/51:

عبد الكريم بن أبي العوجاء خال معن بن زائدة زنديق مغتر، قال أحمد بن عدي: لما أخذ ليضرب عنقه قال: لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيه الحلال وأحلل الحرام!! قتله محمد بن سليمان العباسي الأمير بالبصرة. انتهي.

وذكر أبو الفرج الأصبهاني في كتاب الأغاني عن جرير بن حازم: كان بالبصرة ستة من أصحاب الكلام: واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد وبشار بن برد وصالح بن عبد القدوس وعبد الكريم بن أبي العوجاء ورجل من الأزد، فكانوا يجتمعون في منزل الأزد...

وفي تهذيب المقال:3/101 ابن أبي العوجاء: هو عبد الكريم بن أبي العوجاء، أحد زنادقة عصر الإمام الصادق عليه السلام. كان من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد، فقيل له تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة! قال: إن صاحبي كان مخلطاً يقول طوراً بالقدر وطوراً

بالجبر، فما أعلمه اعتقد مذهباً دام عليه.

قتله أبو جعفر محمد بن سليمان عامل البصرة من جهة المنصور. وكان خال معن بن زائدة. وقد جري بينه وبين مولاناالصادق عليه السلام احتجاجات كثيرة... انتهي.

وتجد مناظرات الإمام الصادق عليه السلام وتلاميذه مع ابن أبي العوجاء وصاحبيه أبي شاكر الديصاني وعبد الله بن المقفع، وبقية أخباره ونشاطه في نشر الالحاد، في: الكني والألقاب للقمي: 1/201، وفي إختيار معرفة الرجال للطوسي: 2/430، جامع الرواة للاردبيلي:2/160 و296 و438، والإحتجاج للطبرسي.. وغيرها.

عشرات الألوف من الأحاديث و مئات التلاميذ

تهذيب الكمال:19/147:

وقال أبوحاتم: صدوق ثقة، روي عنه أحمد بن حنبل وكان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حديث...!!

تهذيب الكمال:22/89:

قال إسحاق بن سيار النصيبي: سمعت عمرو بن عاصم يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً! وكذا: 7/263 وفي سير أعلام النبلاء:10/257 وتهذيب التهذيب:8/52.

وفي سير أعلام النبلاء:7/446:

قال عمرو بن عاصم: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً.

جعفر الطيالسي: سمعت عفان يقول: كتبت عن حماد بن سلمة بضعة عشر ألفاً.

وفي تهذيب الكمال:20/172:

وقال جعفر بن أبي عثمان الطيالسي: سمعت عفان يقول: يكون عند أحدهم حديث فيخرجه بالمقرعة، كتبت عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث ما حدثت منها بألفي حديث.

وقال علي بن سهل بن المغيرة: سمعت يحيي بن معين يقول: لي حانوت بباب الطاق وددت أن عفان قرأ عليَّ كتب حماد بن سلمة فأبيعه وأدفع ثمنه إليه.

سير أعلام النبلاء:9/500:

قال علي بن المديني: كان عند يحيي بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث!

تذكرة الحفاظ:1/202:

قال ابن المديني: كان عنديحيي بن ضريس عن حماد عشرة آلاف حديث.

وقال في الجرح والتعديل:3/140:

قال يحيي بن معين...

وكان عند يحيي بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث، وعن الثوري عشرة آلاف أو نحوه....

الجرح والتعديل:1/335:

حدثنا عبد الرحمن قال سمعت أبا زرعة يقول: كتبت عن أبي سملة التبوذكي عشرة آلاف حديث، أما حديث حماد بن سلمة فعشرة آلاف حديث، وكنا نظن أنه يقرأ كما يقرأ قديماً فاستكتبنا الكثير، ومات فبقي علينا شئ نحو قوصرة فوهبت لقوم بالبصرة. انتهي. أي بقي من أحاديث التبوذكي تلميذ ابن حماد كيس كبير (خيشة)، وسيأتي أن أحمد بن حنبل روي عنه تسعة آلاف حديث!

تهذيب التهذيب:3/11:

البخاري في التعاليق ومسلم والاربعة: حماد بن سلمة بن دينار البصري أبو سلمة مولي تميم. ويقال مولي قريش وقيل غير ذلك. روي عن: ثابت البناني وقتادة وخاله حميد الطويل وإسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة وانس بن سيرين وثمامة بن عبدالله بن أنس ومحمد بن زياد القرشي وأبي الزبير المكي وعبد الملك بن عمير وعبد العزيز بن صهيب وأبي عمران الجوني وعمرو بن دينار وهشام بن زيد بن انس وهشام بن عروة ويحيي ابن سعيد الأنصاري وأيوب السختياني وخالد الحذاء وداود بن أبي هند وسليمان التيمي وسماك بن حرب وخلق كثير من التابعين فمن بعدهم.

وعنه: ابن جريج والثوري وشعبة وهم أكبر منه وابن المبارك وابن مهدي والقطان وأبوداود و أبوالوليد الطيالسيان وأبوسلمة التبوذكي وآدم بن أبي اياس والأشيب وأسود بن عامر شاذان وبشر بن السري وبهز بن أسد وسليمان بن حرب وأبونصر الثمار وهدبة بن خالد وشيبان بن فروخ وعبيد الله العيشي وآخرون... انتهي. وقد أورد الذهبي في سير أعلام النبلاء: 7/444 عدداً أكبر من شيوخه وتلاميذه.

تهذيب التهذيب:10/294:

دعس (أبي داود والنسائي في مسند علي) مهنأ بن

عبد الحميد أبوشبل ويقال أبو سهل البصري. روي عن حماد بن سلمة، وعنه أحمد بن حنبل.

كان مفتي البصرة و له مسجد و يلزم تلاميذه بالكتابة عنه

تهذيب التهذيب:3/14:

وحماد من أجلة المسلمين وهو مفتي البصرة، وقد حدث عنه من هو أكبر منه سناً. ونحوه في ميزان الإعتدال:1/590.

ميزان الاعتدال:1/608:

حمزة بن واصل البصري... قلت: هو صاحب حديث المرأة البيضاء بطوله، رواه الدارقطني في كتاب الرؤية من طريق محمد بن سعيد القرشئ، حدثنا حمزة بن واصل المنقري، وكان يلزم مسجد حماد بن سلمة، وحماد أمرنا أن نكتب عنه..

تذكرة الحفاظ:1/202:

قال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب إلا كتاب قيس بن سعد...! ومثله في سير أعلام النبلاء:7/444.

الانساب:2/356:

قلت: وعباد أيضاً ليس بشئ وقد قال أبو داود لم يكن لحماد بن سلمة كتاب غير كتاب قيس بن سعد يعني كان يحفظ علمه.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ضاع كتاب حماد عن قيس بن سعد وكان يحدثهم من حفظه.

سير أعلام النبلاء:11/99:

وقال ابن عدي: سمعت أبا يعلي وسئل عن هدبة وشيبان أيهما أفضل فقال: هدبة أفضلهما وأوثقهما وأكثرهما حديثاً، كان حديث حماد بن سلمة عنده نسختين: واحدة علي الشيوخ، وأخري علي التصنيف.

و مع هذا وثقه إخواننا وغالوا فيه

إكمال الكمال:2/185:

وفي المشتبه: فقيه العصر أبو حنيفة الخزاز، وإمام المحدثين حماد بن سلمة...

ميزان الاعتدال:1/590:

حماد بن سلمة بن دينار الإمام العلم، أبوسلمة البصري... وقال ابن المديني: من سمعتموه يتكلم في حماد فاتهموه.

وقال رجل لعفان: أحدثك عن حماد قال: من حماد ويلك! قال: ابن سلمة. قال: ألا تقول أمير المؤمنين....

تهذيب الكمال:19/147:

قال أبوطالب، عن أحمد بن حنبل: صدوق في الحديث... روي عنه أحمد بن حنبل وكان عنده عن حماد بن سلمة تسعة آلاف حديث...!

تهذيب الكمال:7/261:

وقال شهاب بن المعمر البلخي: كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال، وعلامة الأبدال أن لا

يولد لهم! تزوج سبعين امرأة فلم يولد له. انتهي. وكذا في أنساب السمعاني:2/356.

ولم أجد فيما راجعت من كتب الجرح والتعديل أنه تزوج نحو مئة امرأة كما ذكر العلامة الكوثري، وإن كانت السبعين أكثر من ثلثي المئة!

تذكرة الحفاظ:1/202:

شهاب بن معمر كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال.

وقال في الجرح والتعديل:3/140:

نا سعيد بن أبي سعيد الاراطي الرازي قال سئل أحمد بن حنبل عن حماد بن سلمة فقال: صالح... المديني: لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة... عن يحيي بن معين قال: حماد بن سلمة ثقة.

سير أعلام النبلاء:7/444:

حماد بن سلمة بن دينار، الإمام القدوة، شيخ الإسلام، أبوسلمة البصري، النحوي، البزاز، الخرقي، البطائني، مولي آل ربيعة بن مالك....

وقال حجاج بن منهال: حدثنا حماد بن سلمة، وكان من أئمة الدين.

قال أبو عبد الله الحاكم: قد قيل في سوء حفظ حماد بن سلمة، وجمعه بين جماعة في الإسناد بلفظ واحد، ولم يخرج له مسلم في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وله في كتابه أحاديث في الشواهد عن غير ثابت....

قال أحمد بن حنبل: إذا رأيت من يغمزه، فاتهمه فإنه كان شديداً علي أهل البدع، إلا أنه لما طعن في السن ساء حفظه، فلذلك لم يحتج به البخاري، وأما مسلم فاجتهد فيه وأخرج من حديثه عن ثابت، مما سمع منه قبل تغيره، وما عن غير ثابت فأخرج نحو اثني عشر حديثاً في الشواهد دون الإحتجاج، فالإحتياط أن لا يحتج به فيما يخالف الثقات....

قال أبو القاسم البغوي: حدثني محمد بن مطهر قال: سألت أحمد بن حنبل فقال: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما نزداد فيه كل يوم إلا

بصيرة.

قال أبوسلمة التبوذكي: مات حماد بن سلمة وقد أتي عليه ست وسبعون سنة.

وقال ابن سعد: أخبرني أ بوعبد الله التميمي قال: أخبرني أبوخالد الرازي، عن حماد بن سلمة قال: أخذ إياس بن معاوية بيدي وأنا غلام فقال: لا تموت حتي تقص، أما إني قد قلت هذا لخالك يعني حميد الطويل، فما مات حماد حتي قص. قال أبو خالد قلت لحماد: أنت قصصت قال: نعم.

قلت: القاص هو الواعظ.

قال علي بن عبدالله: قلت ليحيي: حملت عن حماد بن سلمة إملاء. قال: نعم، إملاء كلها، إلا شيئا كنت أسأله عنه في السوق، فأتحفظ. قلت ليحيي: كان يقول: حدثني وحدثنا قال: نعم، كان يجئ بها عفواً، حدثني وحدثنا... انتهي.

أقول: ينبغي للباحث أن يتوقف عند فراسة إياس بن معاوية بأن حماداً قصاص، وأن فراسته قد تحققت في حماد! فالقصاص في القرون الأولي له مواصفات محددة، ومن أولها أن يعرف الإسرائيليات ويقصها علي الناس.. ولابد أن حمادا كان صاحب بضاعة كبيرة من الإسرائيليات، وأين هي... إلا في مروياته!

تذكرة الحفاظ:1/202:

حماد بن سلمة بن دينار الإمام الحافظ شيخ الإسلام أبو سلمة الربعي مولاهم البصري... وقال وهيب: حماد بن سلمة سيدنا وأعلمنا.

وقال أحمد بن حنبل: حماد بن سلمة أعلم الناس بثابت البناني وأثبتهم في حميد... قلت: هو أول من صنف التصانيف... وقيل إن حماد بن سلمة تزوج سبعين امرأة ولم يولد له ولد. وعن حمد بن حنبل قال: إذا رأيت الرجل ينال من حماد بن سلمة فاتهمه علي الإسلام. مناقب حماد يطول شرحها...

و احترمه البخاري و روي عنه و لم يكتفوا بذلك

مع أن البخاري ترجم لحماد في تاريخه الكبير: 3/22 بكل احترام، وروي عنه في صحيحه، ولكن المتعصبين لحماد هاجموا البخاري لماذا لم

يحتج بحماد فيما خالف فيه الثقات! وقد دافع بعضهم عن البخاري!

قال في الموضوعات:1/34: وإنما اشترط البخاري ومسلم الثقة والإشتهار وقد تركا أشياء كثيرة تركها قريب وأشياء لا وجه لتركها، فمما ترك البخاري الرواية عن حماد بن سلمة مع علمه بثقته لأنه قيل له إنه كان له ربيب يدخل في حديثه ما ليس منه.

تهذيب الكمال:7/266:

يعرض ابن حبان هنا بمحمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح، وقد رد ابن حبان علي البخاري رداً قوياً في مقدمة صحيحه 114 _ 117 بسبب عدم تخريجه له.

الأنساب للسمعاني:2/356:

ولم ينصف من جانب حديثه واحتج بأبي بكر بن عياش في كتابه وبابن أخي الزهري وبعبد الرحمن بن عبدالله بن دينار، فإن كان تركه إياه لما كان يخطئ فغيره من أقرانه مثل الثوري وشعبة ودونهما كانوا يخطئون، فإن زعم أن خطأه قد كثر من تغير حفظه فقد كان ذلك في أبي بكر بن عياش موجوداً، وأني يبلغ أبوبكر حماد بن سلمة، ولم يكن من أقران حماد بالبصرة مثله في الفضل والدين والعلم والنسك والجمع والكتبة والصلابة في السنة والقمع لأهل البدعة، ولم يكن مثله في أيامه معتزلي قدري جهمي لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة، وأني يبلغ أبوبكر بن عياش حماد بن سلمة في إتقانه أم في جمعه أم في ضبطه. هذا كله كلام أبي حاتم بن حبان البستي.

... واعتذر أبوالفضل بن طاهر عن ذلك لما ذكر أن مسلماً أخرج أحاديث أقوام ترك البخاري حديثهم، قال: وكذلك حماد بن سلمة إمام كبير لمدحه الأئمة وأطنبوا لما تكلم بعض منتحلي المعرفة أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه. لم يخرج عنه البخاري معتمداً عليه،

بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم.

ومسلم اعتمد عليه لأنه رأي جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا وشاهد مسلم منهم جماعة وأخذ عنهم. ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل علي ثقته وأمانته!!

نعيم بن حماد

التاريخ الكبير:8/100:

نعيم بن حماد المروزي سكن مصر كنيته أبو عبد الله سمع ابن المبارك وابن عيينة والفضل بن موسي، هو الفارض....

الجرح والتعديل:8/463:

نعيم بن حماد وكنيته أبو عبد الله المروزي الخزاعي الأعور المعروف بالفارض سكن مصر روي عن عبد المؤمن بن خالد... مات سنة ثمان وعشرين ومئتين...

بعض مناكيره و رواياته في التجسيم

ميزان الإعتدال:2/102:

نعيم بن حماد، حدثنا عبد الرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن سعيد بن المسيب، عن عمر _ مرفوعاً: سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي الله إلي: يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم بعضهم أضوأ من بعض، فمن أخذ بشئ مما هم عليه من اختلافهم فهو عندي علي هدي. فهذا باطل، وعبد الرحيم تركوه، ونعيم صاحب مناكير.

ميزان الإعتدال: 4/268:

قال أبو داود: كان عند نعيم بن حماد نحو عشرين حديثاً عن النبي(ص)، ليس لها أصل. وقال النسائي: هو ضعيف.

وقال أبو زرعة الدمشقي: عرضت علي دحيم حديثاً حدثناه نعيم بن حماد، عن الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حياة، عن النواس بن سمعان: إذا تكلم الله بالوحي.... فقال دحيم: لا أصل له.

نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل أنها سمعت النبي(ص)يقول: رأيت ربي في أحسن صورة شاباً موقراً رجلاه في خضرة عليه نعلان من ذهب. قال أبو عبد الرحمن النسائي: ومن مروان حتي يصدق علي الله تعالي! وقد سرد ابن عدي في الكامل جملة أحاديث انفرد بها نعيم...

سير أعلام النبلاء:13/299:

عن ابن قتيبة: وما أحسن قول نعيم بن حماد، الذي

سمعناه بأصح إسناد عن محمد بن إسماعيل الترمذي، أنه سمعه يقول: من شبه الله بخلقه، فقد كفر، ومن أنكر ما وصف الله به نفسه، فقد كفر، وليس ما وصف به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.

قلت: أراد أن الصفات تابعة للموصوف، فإذا كان الموصوف تعالي: صفاته لا مثل لها، إذ لا فرق بين القول في الذات والقول في الصفات، وهذا هو مذهب السلف. انتهي.

وهكذا يدافع الذهبي عن تشبيه ابن حماد وتجسيمه، وقد صحح خبر أم الطفيل كما ستري!

تهذيب التهذيب:10/409:

وقال صالح بن محمد الأسدي في حديث شعيب عن الزهري كان محمد بن جبير يحدث عن معاوية في: الأمراء من قريش، والزهري إذا قال كان فلان يحدث فليس هو سماع. قال: وقد روي هذا الحديث نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري عن محمد بن جبير عن معاوية نحوه وليس لهذا الحديث أصل من ابن المبارك! ولا أدري من أين جاء به نعيم! وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. قال: وسمعت يحيي بن معين سئل عنه فقال ليس في الحديث بشئ ولكنه صاحب سنة.

وقال الآجري عن أبي داود عند نعيم نحو عشرين حديثاً عن النبي(ص)ليس لها أصل. وقال النسائي نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر ليس بثقة... وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب....

وقال أبو الفتح الأزدي: قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة!! وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب... قال النسائي ضعيف...

سير أعلام النبلاء:10/595:

قال عبد الخالق بن منصور: رأيت يحيي بن معين كأنه يهجن نعيم بن حماد في خبر أم الطفيل في

الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا...

فأما خبر أم الطفيل، فرواه محمد بن إسماعيل الترمذي وغيره، حدثنا نعيم، حدثنا ابن وهب، أخبرنا عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال أن مروان بن عثمان حدثه عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب: سمعت رسول الله(ص)يذكر أنه رأي ربه في صورة كذا. فهذا خبر منكر جدا، أحسن النسائي حيث يقول: ومن مروان بن عثمان حتي يصدق علي الله!

وهذا لم ينفرد به نعيم، فقد رواه أحمد بن صالح المصري الحافظ، وأحمد بن عيسي التستري، وأحمد بن عبدالرحمن بن وهب، عن ابن وهب. قال أبو زرعة النصري: رجاله معروفون.

قلت: بلا ريب قد حدث به ابن وهب وشيخه وابن أبي هلال وهم معروفون عدول، فأما مروان، وما أدراك ما مروان، فهو حفيد أبي سعيد بن المعلي الأنصاري، وشيخه هو عمارة بن عامر بن عمرو بن حزم الأنصاري. ولئن جوزنا أن النبي(ص)قاله، فهو أدري بما قال!! ولرؤياه في المنام تعبير لم يذكره عليه السلام، ولا نحن نحسن أن نعبره، فأما أن نحمله علي ظاهره الحسي، فمعاذ الله أن نعتقد الخوض (!) في ذلك بحيث إن بعض الفضلاء قال: تصحف الحديث، وإنما هو: رأي رئية، بياء مشددة. وقد قال علي (رض): حدثوا الناس بما يعرفون، ودعوا ما ينكرون. وقد صح أن أبا هريرة كتم حديثا كثيرا مما لا يحتاجه المسلم في دينه، وكان يقول: لو بثثته فيكم لقطع هذا البلعوم، وليس هذا من باب كتمان العلم في شئ، فإن العلم الواجب يجب بثه ونشره ويجب علي الأمة حفظه، والعلم الذي في فضائل الأعمال مما يصح إسناده يتعين نقله ويتأكد نشره، وينبغي

للامة نقله، والعلم المباح لا يجب بثه ولا ينبغي أن يدخل فيه إلا خواص العلماء.!! انتهي.

فقد صحح الذهبي حديث أم الطفيل وفسره بالظاهر الحسي المادي، ثم حبذ عدم الخوض فيه! وهذا هو مذهبه ومذهب ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب، كما بينا في كتاب الوهابية والتوحيد.

وقال ابن كثير في تفسيره، في قوله تعالي: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الأعراف: 54: بل الأمر كما قال الأئمة، منهم نعيم بن حمادالخزاعي شيخ البخاري: من شبه الله بخلقه فقد كفر. ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر. وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه!

قال السبكي الكبير في السيف الصقيل في الرد علي ابن زفيل _ ومعه تكملة الرد علي نونية ابن القيم للكوثري _ مكتبة زهران بمصر. وابن زفيل هو ابن القيم وزفيل اسم أبيه الذي كان قيما للمدرسة الجوزية وهي مدرسة للحنابلة بدمشق فعرف باسم ابن قيم الجوزية.

قال في/205:

ومما يزيدك بصيرة في هذا الباب اجتراء الذهبي علي حذف لفظ (إن صحت الحكاية عنه) من كلام البيهقي في الأسماء والصفات (/303) عندما نقل كلامه في كتاب العلو (/126) في صدد نسبة القول بأن الله في السماء إلي أبي حنيفة ليخيل إلي السامع أن سند هذه الرواية لا مغمز فيه!

مع أن نوحاً الجامع ربيب مقاتل بن سليمان المجسم في السند هالك مثل زوج أمه، وكذلك نعيم بن حماد ربيب نوح وقد ذكره كثير من أئمة أصول الدين في عداد المجسمة! فأين التعويل علي رواية مجسم فيما يحتج به لمذهبه؟! وليس بقليل ما ذكره الذهبي في حقهما في ميزان الإعتدال..

و مع ذلك وثقوا نعيما لأنه صلب في السنة

سير أعلام النبلاء:10/595:

نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث

بن همام بن سلمة بن مالك، الإمام العلامة الحافظ، أبو عبد الله الخزاعي المروزي الفرضي الأعور... روي عنه: البخاري مقرونا بآخر، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة بواسطة، ويحيي بن معين، والحسن بن علي الحلواني، وأحمد بن يوسف السلمي، ومحمد بن يحيي الذهلي،ومحمد بن عوف، والرمادي، وأبومحمد الدارمي، وسمويه، وأبو الدرداء عبدالعزيز بن منيب، وعبيد بن شريك البزار، وأبو حاتم، ومحمد بن إسماعيل الترمذي، ويعقوب الفسوي، وأبو الأحوص العكبري، وبكر بن سهل الدمياطي، وخلقٌ...

تهذيب التهذيب:10/409:

روي عنه البخاري مقروناً وروي له الباقون سوي النسائي بواسطة... وقال الميموني عن أحمد: أول من عرفناه يكتب المسند نعيم. وقال الخطيب يقال إنه أول من جمع المسند.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كان نعيم كاتباً لأبي عصمة وهو شديد الرد علي الجهمية وأهل الاهواء ومنه تعلم نعيم بن حماد...

وقال أيضاً: ثنا الحسن بن سفيان ثنا عبدالعزيز بن سلام حدثني أحمد بن ثابت أبويحيي سمعت أحمد ويحيي بن معين يقولان: نعيم معروف بالطلب ثم ذمه بأنه يروي عن غير الثقات....

قال ابن عدي وابن حماد متهم فيما يقوله عن نعيم لصلابته في أهل الرأي وأورد له ابن عدي أحاديث مناكير وقال: وليعلم غير ما ذكرت. وقد أثني عليه قوم وضعفه قوم وكان أحد من يتصلب في السنة.

تهذيب التهذيب:10/411:

قال عبد الغني بن سعيد المصري: كل من حدث به عن عيسي بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم. وبهذا الحديث سقط نعيم عند كثير من أهل العلم بالحديث إلا أن يحيي ابن معين لم يكن ينسبه إلي الكذب بل كان ينسبه إلي الوهم... وذكره ابن حبان في الثقات وقال ربما أخطأ ووهم... أما نعيم

فقد ثبتت عدالته وصدقه ولكن في حديثه أوهام معروفة... قال فيه الدارقطني إمام في السنة كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم ربما يخالف في بعض حديثه وقد مضي أن ابن عدي يتتبع ما وهم فيه، فهذا فصل القول فيه.

هامش سير أعلام النبلاء:19/505:

هو نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي نزيل مصر، مشهور من الحفاظ، لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوي موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر، وروي له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً، وأصحاب السنن إلا النسائي، وكان أحمد يوثقه، وكذا في رواية عن ابن معين، وسئل عنه ابن معين فقال: ليس في الحديث بشئ ولكنه صاحب سنة، وقال الاجري عن أبي داود: عند نعيم نحو عشرين حديثا عن النبي(ص)ليس لها أصل، وقال النسائي: نعيم ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة، وقال الحافظ أبوعلي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة بالسنن، فقيل له في قبول حديثه، فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة فصار في حد من لا يحتج به. وقال ابن قاسم: كان صدوقاً وهو كثير الخطأ، وله أحاديث منكرة (في الملاحم) انفرد بها. وقال الدارقطني: إمام في السنة كثير الوهم.

مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر السنيين

المشبهون سادة في التاريخ و مصادر السنة

لا نحتاج إلي إثبات احترام مصادر إخواننا السنة لأهل التشبيه والتجسيم، بعد أن كشفنا أن التشبيه والتجسيم دخل إلي المسلمين من كعب الأحبار وجماعته، عن طريق أكبر شخصيات الدولة الإسلامية، وبذلك شقت أحاديثه طريقها إلي مصادرهم، فصارت جزء من عقائد الأمة وتاريخها، وتأثر بها علماء وجماهير! وتحقق قول النبي صلي الله عليه وآله عن تقليد المسلمين لليهود والنصاري: حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل!

إنه بحث مفيد أن يتتبع

الباحث مجري هذه الأحاديث وتأثيرها علي حياة الأمة الفكرية والإجتماعية والسياسية، ويؤرخ لقصة التجسيم والمجسمين ابتداء من كعب الأحبار.. إلي.. عصرنا، وما سببته من انقسامات في الأمة وصراعات، وحروب وخسارات..

ونكتفي هنا بلقطات من عصور مختلفة يظهر منها احترام أكثر المصادر وأكثر الحكام للتجسيم والمجسمين.

وهب بن منبه: فارسي، يهودي، مجسم محترم و شيخ للمحدثين

روي عنه الصنعاني في تفسيره كثيراً من أفكار التوراة والتلمود في التجسيم، منها في:1/216: عن وهب بن منبه... لما أكل آدم وحواء من الشجرة بدت لهما سوآتهما دخل آدم في جوف الشجرة فناداه ربه أين أنت يا آدم؟

قال: ها هنا يا رب.

قال: ألا تخرج؟

قال: أستحي منك يا رب!

فقال: ملعونة الأرض التي خلقت منها!

ورواه الطبري مفصلاً في تاريخه:1/72، وروي عنه أنواعاً من الإسرائيليات تكفي للتدليل علي أن ثقافة وهب يهودية تلمودية، فمما رواه في تاريخه: 1/337: عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه قال: لما سلمت بنو إسرائيل الملك لطالوت أوحي الله إلي نبي بني إسرائيل أن قل لطالوت فليغز أهل مدين فلا يترك فيها حياً إلا قتله، فإني سأظهره عليهم، فخرج بالناس حتي أتي مدين فقتل من كان فيها إلا ملكهم فإنه أسره وساق مواشيهم.

فأوحي الله إلي أشمويل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته بأمري فأختل فيه فجاء بملكهم أسيراً وساق مواشيهم، فالقه فقل له لأنزعن الملك من بيته ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة، فإني إنما أكرم من أطاعني وأهين من هان عليه أمري.

فلقيه فقال له: ما صنعت لم جئت بملكهم أسيراً، ولم سقت مواشيهم!

قال: إنما سقت المواشئ لأقربها.

قال له أشمويل: إن الله قد نزع من بيتك الملك ثم لا يعود فيه إلي يوم القيامة!

فأوحي الله

إلي أشمويل إنطلق إلي إيشئ فيعرض عليك بنيه فادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكاً علي بني إسرائيل! فانطلق حتي أتي إيشي فقال: إعرض عليَّ بنيك.

فدعا إيشي يأكبر ولده فأقبل رجل جسيم حسن المنظر، فلما نظر إليه أشمويل أعجبه، فقال الحمد لله إن الله بصير بالعباد، فأوحي الله إليه: إن عينيك تبصران ما ظهر، وإني أطلع علي ما في القلوب ليس بهذا.

فقال ليس بهذا، إعرض علي غيره فعرض عليه ستة، في كل ذلك يقول ليس بهذا إعرض عليَّ غيره، فقال هل لك من ولد غيرهم؟

فقال بلي لي غلام أمغر وهو راع في الغنم.

قال أرسل إليه، فلما أن جاء داود جاء غلام أمغر فدهنه بدهن القدس، وقال لأبيه: أكتم هذا فإن طالوت لو يطلع عليه قتله!

فسار جالوت في قومه إلي بني إسرائيل فعسكر، وسار طالوت ببني إسرائيل وعسكر وتهيؤوا للقتال فأرسل جالوت إلي طالوت: لم يقتل قومي وقومك؟ أبرز لي أو أبرز لي من شئت، فإن قتلتك كان الملك لي وإن قتلتني كان لك، فأرسل طالوت في عسكره صائحاً من يبرز لجالوت.. ثم ذكر قصة طالوت وجالوت وقتل داود إياه وما كان من طالوت إلي داود. انتهي.

وقد قبل الطبري هذه الرواية فقال: قال أبو جعفر: وفي هذا الخبر بيان أن داود قد كان الله حول الملك له قبل قتله جالوت وقبل أن يكون من طالوت إليه ما كان من محاولته قتله، وأما سائر من روينا عنه قولاً في ذلك فإنهم قالوا إنما ملك داود بعد ما قتل طالوت وولده.

وروي الطبري في تاريخه عن وهب أيضاً:1/343:

ابن معقل أنه سمع وهب بن منبه يقول: إن داود أراد أن يعلم عدد

بني إسرائيل كم هم، فبعث لذلك عرفاء ونقباء وأمرهم أن يرفعوا إليه ما بلغ عددهم، فعتب الله عليه ذلك وقال:

قد علمت أني وعدت إبراهيم أن أبارك فيه وفي ذريته حتي أجعلهم كعدد نجوم السماء وأجعلهم لا يحصي عددهم، فأردت أن تعلم عدد ما قلت إنه لا يحصي عددهم، فاختاروا بين أن أبتليكم بالجوع ثلاث سنين أو أسلط عليكم العدو ثلاثة أشهر أو الموت ثلاثة أيام!

فاستشار داود في ذلك بني إسرائيل فقالوا ما لنا بالجوع ثلاث سنين صبر، ولا بالعدو ثلاثة أشهر، فليس لهم بقية، فإن كان لابد فالموت بيده لا بيد غيره.

فذكر وهب بن منبه أنه مات منهم في ساعة من نهار ألوف كبيرة لا يدري ما عددهم!

فلما رأي ذلك داود شق عليه ما بلغه من كثرة الموت فتبتل إلي الله ودعاه فقال:

يا رب أنا آكل الحماض وبنو إسرائيل يضرسون! أنا طلبت ذلك فأمرت به بني إسرائيل فما كان من شئ فبي واعف عن بني إسرائيل.

فاستجاب الله له ورفع عنهم الموت، فرأي داود الملائكة سالين سيوفهم يغمدونها يرتقون في سلم من ذهب من الصخرة إلي السماء، فقال داود: هذا مكان ينبغي أن يبني فيه مسجد.

فأراد داود أن يأخذ في بنائه فأوحي الله إليه أن هذا بيت مقدس وأنك قد صبغت يدك في الدماء فلست ببانيه، ولكن ابن لك أملكه بعدك أسميه سليمان أسلمه من الدماء، فلما ملك سليمان بناه وشرفه!

وروي عنه المزي في تهذيب الكمال:20/33:

وقال حنظلة بن أبي سفيان، عن عروة بن محمد: لما استعملت علي اليمن قال لي أبي: أوليت اليمن قلت: نعم. قال: إذا غضبت فانظر إلي السماء فوقك وإلي الأرض أسفل منك ثم

أعظم خالقهما. وقال سماك بن الفضل: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتي بعامل لعروة فشكي، فأكثروا عليه فقالوا: فعل وفعل وثبتت عليه البينة. قال: فلم يملك وهب نفسه فضربه علي قرنه بعصا فإذا دماؤه تشخب وقال: أفي زمن عمر بن عبد العزيز تصنع مثل هذا! قال: فاشتهاها عروة وكان حليماً واستلقي علي قفاه وضحك وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب في حكمته وهو يغضب! فقال وهب: وما لي لا أغضب وقد غضب خالق الاحلام! إن الله تعالي يقول: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، يقول: أغضبونا. انتهي.

أقول: حاول وهب أن يستدل علي نسبة الغضب إلي الله تعالي بالآية ففسر

(آسفونا) بأن الله تعالي يغضب كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في رأس وهب هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان:1/267:

يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لاني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة.

وترجم السمعاني لوهب في الانساب بكل احترام فقال في:3/11:

وأبو عبد الله وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن سبسجان الذماري من أبناء فارس، كان ينزل ذمار، يروي عن جابر بن عبدالله وابن عباس رضي الله عنهم وأخيه همام بن منبه، وكان عابداً فاضلاً، قرأ الكتب ومكث أربعين سنة يصلي الصبح بوضوء العشاء الآخرة، وهم أخوة خمسة: وهب

وهمام وغيلان وعقيل ومعقل والد عقيل بن معقل، روي عنه عمرو بن دينار والمغيرة بن حكيم وعوف الأعرابي وسماك بن الفضل والمنذر بن النعمان وبكار وعبدالصمد بن معقل، وسئل أبو زرعة عن وهب بن منبه فقال: يماني ثقة... الخ.

وترجم له الذهبي في ميزان الاعتدال كما يترجم لثقاة الرواة فقال في: 4/352:

وهب بن منبه أبو عبد الله اليماني، صاحب القصص، من أحبار علماء التابعين، ولد في آخر خلافة عثمان، حديثه عن أخيه همام في الصحيحين. وروي عن ابن عباس، وعبدالله بن عمرو، وروي عنه عمرو بن دينار وعوف الاعرابي وأقاربه. وكان ثقة صادقاً، كثير النقل من كتب الإسرائيليات. قال العجلي: ثقة تابعي، كان علي قضاء صنعاء. انتهي. وماذا يقول الباحث أمام حقيقة: حديثه في الصحيحين... كثير النقل من كتب الإسرائيليات!

وترجم له كذلك في سيره:4/1 فقال:

وهب بن منبه بن كامل بن سيج بن ذي كبار، وهو الأسوار، الإمام العلامة الأخباري القصصي، أبوعبد الله الأبناوي اليماني الذماري الصنعاني، أخو همام بن منبه، ومعقل بن منبه، وغيلان بن منبه. مولده في زمن عثمان سنة أربع وثلاثين، ورحل وحج، وأخذ عن ابن عباس، وأبي هريرة إن صح وأبي سعيد، والنعمان بن بشير، وجابر، وابن عمر، وعبدالله بن عمرو بن العاص علي خلاف فيه وطاووس. حتي إنه ينزل ويروي عن عمرو بن دينار، وأخيه همام، وعمرو بن شعيب وفنج اليماني ولا يدري من فنج.

حدث عنه ولداه: عبدالله وعبد الرحمن، وعمرو بن دينار، وسماك بن الفضل، وعوف الأعرابي، وعاصم بن رجاء بن حيوة، ويزيد بن يزيد بن جابر، وعبد الله بن عثمان بن خثيم، وإسرائيل أبو موسي، وهمام بن نافع أبو عبد الرزاق، والمغيرة بن حكيم، والمنذر

بن النعمان، وابن أخيه عقيل بن معقل، وابن أخيه عبدالصمد بن معقل، وسبطه إدريس بن سنان، وصالح بن عبيد، وعبد الكريم بن حوران، وعبدالملك بن خلج، وداود بن قيس، وعمران بن هربذ أبو الهذيل، وعمران بن خالد الصنعانيون، وخلق سواهم.

وروايته للمسند قليلة، وإنما غزارة علمه في الإسرائيليات، ومن صحائف أهل الكتاب.

قال أحمد: كان من أبناء فارس له شرف، قال: وكل من كان من أهل اليمن له ذي هو شريف، يقال: فلان له ذي، وفلان لا ذي له. قال العجلي: تابعي ثقة، كان علي قضاء صنعاء.. وقال أبو زرعة والنسائي: ثقة.

قال أحمد بن محمد بن الأزهر: سمعت سلمة بن همام بن مسلمة بن همام يذكر عن آبائه: أن هماماً ووهبا وعبد الله ومعقلاً ومسلمة بنو منبه أصلهم من خراسان، من هراة، فمنبه من أهل هراة، خرج أيام كسري، وكسري أخرجه من هراة، ثم إنه أسلم علي عهد النبي(ص)فحسن إسلامه. ومسكنهم باليمن، وكان وهب بن منبه يختلف إلي هراة، ويتفقد أمر هراة.

حسان بن إبراهيم: حدثنا يحيي بن زبان، أنبأنا عبدالله بن راشد، عن مولي لسعيد بن عبدالملك: سمعت خالد بن معدان يحدث عن عبادة بن الصامت، سمع النبي(ص)يقول: سيكون في أمتي رجلان: أحدهما يقال له وهب، يؤتيه الله الحكم، والآخر يقال له غيلان، هو أشد علي أمتي من إبليس. سئل ابن معين عن ابن زبان وشيخه فقال: لا أعرفهما....

وعن عبدالرزاق، عن أبيه، عن وهب قال: يقولون عبدالله بن سلام كان أعلم أهل زمانه، وإن كعباً أعلم أهل زمانه، أفرأيت من جمع علمهما، أهو أعلم أم هما، إسنادها مظلم.

وعن كثير، أنه سار مع وهب، فباتوا بصعدة عند رجل، فخرجت بنت الرجل فرأت

مصباحاً، فاطلع صاحب المنزل فنظر إليه صافا قدميه...

وقال ابن كثير كلاماً ناعماً حول إسرائيليات كعب ووهب كما في سير أعلام النبلاء في ترجمة وهب:

قال الحافظ ابن كثير في تفسيره، فيه (كعب الأحبار) وفي وهب بن منبه: سامحهما الله تعالي فيما نقلاه إلي هذه الأمة من أخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان ومما لم يكن، ومما حرف وبدل ونسخ. انتهي. والدعاء لهما بالمسامحة والمغفرة شئ، ومعالجة آثار عدوانهما من مصادر المسلمين شئ آخر.

مقاتل بن سليمان البلخي، مجسم و شيخ ابن حماد و أستاذ للمفسرين

قال ابن حبان في المجروحين:3/14:

مقاتل بن سليمان الخراساني مولي الأزد، أصله من بلخ وانتقل إلي البصرة وبها مات بعد خروج الهاشمية، كنيته أبو الحسن، كان يأخذ عن اليهود والنصاري علم القرآن الذي يوافق كتبهم، وكان شَبَهياً يشبه الرب بالمخلوقين، وكان يكذب مع ذلك في الحديث.

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن حبال قال: حدثنا عمر بن عبدالغفار: سمعت سفيان بن عيينة وذكر عنده مقاتل بن سليمان فقال: كنت أتيته سراً فقلت له: إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من الضحاك، فقال: لقد كان يغلق علي وعليه باب واحد.

سمعت إبراهيم بن محمد بن يوسف قال: سمعت الخضر بن حيان سمعت يحيي بن نصر بن حاجب: سمعت أبا حنيفة يقول: يا أبا يوسف إحذر صنفين من خراسان: الجهمية والمقاتلية.

سمعت ابن خزيمة يقول سمعت علي بن خشرم يقول سمعت وكيعاً يقول: لقينا مقاتل بن سليمان كان كذاباً....

أخبرنا عمرو بن محمد قال: حدثنا محمد بن عبد بن حميد قال: حدثنا ابن أبي شيبة وهو عثمان قال: حدثنا جرير عن مغيرة بن عبدالرحمن قال: العجب لقوم يكون ذلك فيهم رأساً يعني مقاتل بن سليمان. أخبرناه الحسين

بن صالح بن حمويه بهمدان قال: حدثنا عبدالعزيز بن منيب قال: حدثنا أبو معاوية النحوي قال: حدثنا خارجة قال: سمعت الكلبي يقول: ما قتلت مسلماً ولا معاهداً ولو رأيت مقاتل بن سليمان حيث لا يكون بيني وبينه أحد لتقربت بدمه إلي الله عز وجل.

وقال الرازي في الجرح والتعديل:8/354:

ثنا عبد الرحمن قال ذكره أبي نا محمود بن غيلان قال سئل وكيع عن مقاتل بن سليمان فقال: سمعنا منه والله المستعان.

نا عبد الرحمن نا العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي سمعت بعض مشيختنا يقول: جلس مقاتل بن سليمان في مسجد بيروت فقال: لا تسألوني عن شئ ما دون العرش إلا أنبأتكم عنه، فقال الأوزاعي لرجل: قم إليه فسله ما ميراثه من جدتيه، فحار ولم يكن عنده جواب، فما بات فيها إلا ليلة ثم خرج بالغداة.

نا عبدالرحمن نا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال أبي: مقاتل بن سليمان صاحب التفسير ما يعجبني أن أروي عنه شيئاً.

نا عبد الرحمن نا محمد بن سعيد المقرئ قال: سئل عبد الرحمن يعني ابن الحكم بن بشير عن مقاتل بن سليمان فقال: كان قاصاً، ترك الناس حديثه.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:10/249:

وروي عن الشافعي أن وجوه الناس عيال علي مقاتل في التفسير!

وقال نعيم بن حماد: رأيت عند ابن عيينة كتاباً لمقاتل فقلت: يا أبا محمد تروي لمقاتل في التفسير! قال لا، ولكن أستدل به وأستعين....

وقال مكي بن إبراهيم عن يحيي بن شبل قال لي عباد بن كثير: ما يمنعك من مقاتل؟ قلت: إن أهل بلادنا كرهوه، فقال: لا تكرهه فما بقي أحد أعلم بكتاب الله تعالي منه.

وقال القاسم بن أحمد الصفار: قلت

لإبراهيم الحربي ما بال الناس يطعنون علي مقاتل؟ قال: حسداً منهم له....

وكان يقص في الجامع فوقعت العصبية بينه وبين جهم فوضع كل واحد منهما كتاباً علي الآخر ينقض عليه....

وقال محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة: أفرط جهم في النفي حتي قال إنه ليس بشئ، وأفرط مقاتل في الإثبات حتي جعل الله تعالي مثل خلقه... وقال عبد الله ابن أبي القاضي الخوارزمي سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول: أخرجت خراسان ثلاثة لم يكن لهم في الدنيا نظير يعني في البدعة والكذب، جهم ومقاتل وعمر بن صبح.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:10/251:

وقال أبو إسماعيل الترمذي عن عبد العزيز بن عبد الله الأوسي قال: حدثنا مالك بن أنس أنه بلغه أن مقاتل بن سليمان جاءه إنسان فقال له: إن إنساناً جاءني فسألني عن لون كلب أصحاب الكهف فلم أدر ما أقول له، فقال له: ألا قلت أبقع، فلو قلته لم تجد أحداً يرد عليك!!....

وقال أحمد بن سيار المروزي: كان من أهل بلخ وتحول إلي مرو وخرج إلي العراق فمات بها، وهو متهم متروك الحديث مهجور القول، وكان يتكلم في الصفات بما لا يحل ذكره....

وقال العباس بن الوليد بن مزيد عن أبيه: سألت مقاتل بن سليمان عن أشياء فكان يحدثني بأحاديث كل واحد ينقض الآخر! فقلت: بأيها؟ قال: بأيها شئت!

الذهبي في ميزان الاعتدال:4/173:

مقاتل بن سليمان البلخي المفسر أبو الحسن. روي عن مجاهد، والضحاك، وابن بريدة. وعنه حرمي بن عمارة، وعلي بن الجعد، وخلق.

قال ابن المبارك: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة....

وترجم له الذهبي في سيره باحترام أكثر فقال في:7/201:

مقاتل كبير المفسرين أبو الحسن مقاتل بن

سليمان البلخي. يروي عن مجاهد والضحاك وابن بريدة وعطاء وابن سيرين وعمرو بن شعيب وشرحبيل بن سعد والمقبري والزهري، وعدة. وعنه: سعد بن الصلت، وبقية، وعبدالرزاق، وحرمي بن عمارة، وشبابة، والوليد بن مزيد، وخلق آخرهم علي بن الجعد.

قال ابن المبارك وأحسن: ما أحسن تفسيره لو كان ثقة...! انتهي.

ويبدو للباحث من مراجعة كتب إخواننا في الجرح والتعديل أن كفة تكذيب مقاتل هي الراجحة عندهم، ولكن جرح الجارحين ليس هو المقياس العملي، بل المقياس هو مصادرهم التفسيرية وغيرها المليئة بآراء مقاتل، والمؤلم أنهم ينقلونها كأنها مسلمات السلف الصالح، بل كأنها أحاديث نبوية شريفة!

يزيد بن هارون من شيوخ الإمام أحمد

سير أعلام النبلاء: 9/358 _ 362:

يزيد بن هارون بن زاذي، الإمام القدوة شيخ الإسلام أبو خالد السلمي مولاهم الواسطي الحافظ. مولده في سنة ثمان عشرة ومئة....

وكان رأساً في العلم والعمل، ثقة حجة، كبير الشأن.

حدث عنه: بقية بن الوليد مع تقدمه، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل....

يقال: إن أصله من بخاري.

قال علي بن المديني: ما رأيت أحفظ من يزيد بن هارون.

وقال زياد بن أيوب: ما رأيت ليزيد كتاباً قط، ولا حدثنا إلا حفظاً.

قال أبو حاتم الرازي: يزيد ثقة إمام، لا يسأل عن مثله.

وقال مؤمل بن يهاب: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما دلست حديثاً قط إلا حديثاً واحداً عن عوف الأعرابي، فما بورك لي فيه.

عن عاصم بن علي قال: كنت أنا ويزيد بن هارون عند قيس بن الربيع، فأما يزيد، فكان إذا صلي العتمة، لا يزال قائماً حتي يصلي الغداة بذلك الوضوء نيفاً وأربعين سنة....

قلت: احتفل محدثو بغداد وأهلها لقدوم يزيد، وازدحموا عليه لجلالته وعلو إسناده... العباس بن عبد العظيم، وأحمد بن

سنان، عن شاذ بن يحيي، سمع يزيد بن هارون يقول: من قال القرآن مخلوق، فهو زنديق... وقد كان يزيد رأساً في السنة معادياً للجهمية، منكراً تأويلهم في مسألة الإستواء. انتهي.

ومعناه أنه كان يرفض تفسير الآية بالاستواء المعنوي، ويفسرها بالقعود الحسي لله تعالي علي العرش!!

السمناني المجسم رئيس الأشعرية

قال الذهبي في سيره:17/651:

السمناني العلامة قاضي الموصل، أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي. حدث عن نصر المرجي وعلي بن عمر الحربي وأبي الحسن الدارقطني، وجماعة. ولازم ابن الباقلاني حتي برع في علم الكلام.

قال الخطيب: كتبت عنه، وكان صدوقاً فاضلاً حنفياً، يعتقد مذهب الأشعري، وله تصانيف.

قلت: كان من أذكياء العالم وقد ذكره ابن حزم فقال: هو أبو جعفر السمناني المكفوف، هو أكبر أصحاب أبي بكر الباقلاني ومقدم الأشعرية في وقتنا، ومن مقالته قال: من سمي الله جسماً من أجل أنه حامل لصفاته في ذاته فقد أصاب المعني وأخطأ في التسمية فقط....

توفي أبو جعفر بالموصل سنة أربع وأربعين وأربع مئة وله ثلاث وثمانون سنة. تخرج به في العقليات القاضي أبو الوليد الباجي، وغيره. انتهي.

ومن العجيب أن الأشاعرة والمجسمة يتهمون الشيعة بالتجسيم لمجرد أن هشاماً بن الحكم قال للمعتزلة تقولون إنه شيء لا كالأشياء فلماذا لاتقولون إنه جسم لا كالأجسام!

الامام الدارمي المجسم

سير أعلام النبلاء:10/199:

المريسي المتكلم المناظر البارع أبو عبدالرحمن بشر بن غياث بن أبي كريمة العدوي مولاهم البغدادي المريسي، من موالي آل زيد بن الخطاب (رض) كان بشر من كبار الفقهاء، أخذ عن القاضي أبي يوسف، وروي عن حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة. ونظر في الكلام فغلب عليه وانسلخ من الورع والتقوي، وجرد القول بخلق القرآن ودعا إليه حتي كان عين الجهمية في عصره وعالمهم فمقته أهل العلم، وكفره عدة... ذكره النديم وأطنب في تعظيمه وقال: كان دينا ورعاً متكلما. ثم حكي أن البلخي قال: بلغ من ورعه أنه كان لا يطأ أهله ليلاً مخافة الشبهة، ولا يتزوج إلا من هي أصغر منه بعشر سنين مخافة

أن تكون رضيعته.

وكان جهمياً له قدر عند الدولة، وكان يشرب النبيذ... وصنف كتاباً في التوحيد... وكتاب الرد علي الرافضة في الإمامة....

قلت: وقع كلامه إلي عثمان بن سعيد الدارمي الحافظ، فصنف مجلداً في الرد عليه... فيه بحوث عجيبة مع المريسي، يبالغ فيها في الإثبات والسكوت عنها، أشبه بمنهج السلف في القديم والحديث.

وقال الشيخ محمد حامد الفقي: إنه أتي فيه ببعض ألفاظ دعاه إليها عنف الرد وشدة الحرص علي إثبات صفات الله وأسمائه التي كان يبالغ بشر المريسي وشيعته في نفيها، وكان الأولي والأحسن أن لا يأتي بها، وأن يقتصر علي الثابت من الكتاب والسنة الصحيحة كمثل الجسم والمكان والحيز، فإنني لا أوافقه عليها ولا أستجيز إطلاقها، لأنها لم تأت في كتاب الله ولا في سنة صحيحة.

ابوالعباس السراج و إسحاق الحنظلي إمامان مجسمان

قال الذهبي في سيره:11/376:

قال أبو العباس السراج: سمعت إسحاق الحنظلي يقول: دخلت علي طاهر بن عبد الله بن طاهر وعنده منصور بن طلحة، فقال لي منصور: يا أبا يعقوب تقول: إن الله ينزل كل ليلة قلت: نؤمن به، إذا أنت لا تؤمن أن لك في السماء رباً لا تحتاج أن تسألني عن هذا. فقال له طاهر الأمير: ألم أنهك عن هذا الشيخ: قال أبو داود السجستاني: سمعت ابن راهويه يقول: من قال لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق، فهو جهمي.

وورد عن إسحاق أن بعض المتكلمين قال له: كفرت برب ينزل من سماء إلي سماء. فقال: آمنت برب يفعل ما يشاء....

وقال في سيره:14/396:

أخبرنا إسماعيل بن إسماعيل في كتابه، أخبرنا أحمد بن تميم اللبلي ببعلبك أخبرنا أبو روح بهراة، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا عبدالواحد بن أحمد المليجي، أخبرنا أحمد بن محمد الخفاف، حدثنا

أبو العباس السراج إملاء قال: من لم يقر بأن الله تعالي يعجب ويضحك وينزل كل ليلة إلي السماء الدنيا فيقول من يسألني فأعطيه، فهو زنديق كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ولا يصلي عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين....

و صار ابن عقيل شيخ الحنابلة

سير أعلام النبلاء:19/443:

ابن عقيل. الإمام العلامة البحر شيخ الحنابلة، أبوالوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل بن عبد الله البغدادي الظفري الحنبلي المتكلم، صاحب التصانيف، كان يسكن الظفرية، ومسجده بها مشهور.

ولد سنة إحدي وثلاثين وأربع مئة وسمع أبا بكر بن بشران، وأبا الفتح بن شيطا، وأبا محمد الجوهري، والحسن بن غالب المقري، والقاضي أبا يعلي بن الفراء، وتفقه عليه، وتلا بالعشر علي أبي الفتح بن شيطا، وأخذ العربية عن أبي القاسم بن برهان، وأخذ علم العقليات عن شيخي الإعتزال أبي علي بن الوليد، وأبي القاسم بن التبان صاحبي أبوالحسين البصري، فانحرف عن السنة.

وكان يتوقد ذكاء، وكان بحر معارف وكنز فضائل، لم يكن له في زمانه نظير علي بدعته، وعلق كتاب الفنون، وهو أزيد من أربع مئة مجلد، حشد فيه كل ما كان يجري له مع الفضلاء والتلامذة، وما يسنح له من الدقائق والغوامض، وما يسمعه من العجائب والحوادث....

قال المبارك بن كامل: صلي علي شيخنا بجامع القصر فأمهم ابن شافع، وكان الجمع ما لا يحصي، وحمل إلي جامع المنصور فصلي عليه، وجرت فتنة وتجارحوا، ونال الشيخ تقطيع كفن، ودفن قريباً من الإمام أحمد....

وفي تاريخ ابن الأثير قال: كان قد اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته علي بن الوليد، فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنين، ثم أظهر التوبة.

وقال ابن عقيل في الفنون: الأصلح لإعتقاد العوام ظواهر الاي لأنهم

يأنسون بالإثبات، فمتي محونا ذلك من قلوبهم زالت الحشمة. قال: فتهافتهم في التشبيه أحب إلينا من إغراقهم في التنزيه، لأن التشبيه يغمسهم في الإثبات فيخافون ويرجون، والتنزيه يرمي بهم إلي النفي فلا طمع ولا مخافة في النفي. ومن تدبر الشريعة رآها غامسة للمكلفين في التشبيه بالألفاظ الظاهرة التي لا يعطي ظاهرها سواه، كقول الأعرابي: أو يضحك ربنا قال النبي (ص): نعم. فلم يكفهر لقوله، وتركه وما وقع له....

من عقائد الدولة: إطاعة الحاكم الجائر والتجسيم والرؤية

سير أعلام النبلاء:12/67:

وعن يحيي بن عون: قال: دخلت مع سحنون علي ابن القصار وهو مريض فقال: ما هذا القلق؟ قال له: الموت والقدوم علي الله. قال له سحنون: ألست مصدقاً بالرسل والبعث والحساب، والجنة والنار، وأن أفضل هذه الأمة أبوبكر، ثم عمر، والقرآن كلام الله غير مخلوق، وأن الله يري يوم القيامة، وأنه علي العرش استوي، ولا تخرج علي الأئمة بالسيف وإن جاروا؟ قال: إي والله، فقال: مت إذا شئت، مت إذا شئت!!

تاريخ الإسلام للذهبي:29/73:

محمود السلطان كان صادق النية في إعلاء كلمة الله.. وقبره بغزنة يدعي عنده.. دخل ابن فورك علي السلطان محمود فقال: لا يجوز أن يوصف الله بالفوقيه لأنه يلزمك أن تصفه بالتحتيه.. فقال السلطان: هو وصف نفسه!

هجمة الحنابلة علي الطبري

قال الحموي في معجم الادباء:9 جزء 18/57 في ترجمة الطبري:

فلما قدم إلي بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها تعصب عليه أبو عبد الله الجصاص وجعفر بن عرفة والبياضي. وقصده الحنابلة فسألوه عن أحمد بن حنبل في الجامع يوم الجمعة، وعن حديث الجلوس علي العرش، فقال أبو جعفر: أما أحمد بن حنبل فلا يعد خلافه. فقالوا له: فقد ذكره العلماء في الإختلاف، فقال: ما رأيته روي عنه ولا رأيت له أصحاباً يعول عليهم. وأما حديث الجلوس علي العرش فمحال ثم أنشد:

سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم وقيل كانت ألوفاً، فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره فرموا داره بالحجارة حتي صار علي بابه كالتل العظيم! وركب نازوك صاحب الشرطة في ألوف من الجند يمنع عنه العامة، ووقف علي بابه يوماً إلي الليل وأمر برفع الحجارة عنه. وكان

قد كتب علي بابه: سبحان من ليس له أنيس ولا له في عرشه جليس، فأمر نازوك بمحو ذلك، وكتب مكانه بعض أصحاب الحديث:

لاحمد منزل لا شك عال إذا وافي إلي الرحمن وافد

فيدنيه ويقعده كريم_اً علي رغم لهم في أنف حاسد

علي عرش يغلفه بطيب علي الاكب_اد من باغ وعاند

له هذا المقام الفرد حقاً كذاك رواه ليث عن مجاهد

فخلا في داره وعمل كتابه المشهور في الإعتذار إليهم، وذكر مذهبه واعتقاده وجرح من ظن فيه غير ذلك، وقرأ الكتاب عليهم وفضل أحمد بن حنبل، وذكر مذهبه وتصويب اعتقاده ولم يزل في ذكره إلي أن مات، ولم يخرج كتابه في الإختلاف حتي مات فوجدوه مدفوناً في التراب، فأخرجوه ونسخوه أعني اختلاف الفقهاء، هكذا سمعت من جماعة منهم أبي رحمه الله!

وقال ابن قيم الجوزية في بدائع الفوائد:4/39:

قال القاضي: صنف المروزي كتاباً في فضيلة النبي(ص)وذكر فيه إقعاده علي العرش، وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم... وعبد الله بن الإمام أحمد... إلخ. ثم قال ابن قيم: قلت وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير. انتهي.

ولم يذكر ابن القيم عمن أخذه مجاهد، ولم يذكر تهديد الحنابلة للطبري وإجبارهم إياه علي القول بذلك حتي صار ليناً هينا مع التجسيم وأهله.

ولكن جولد تسيهر اليهودي قال في مذاهب التفسير الإسلامي/118:

وهو (الطبري) يعارض أشد صرامة وعنفاً فهم التجسيد في عبارات التشبيه المضافة إلي الله والذهاب إلي أن مثل هذه العبارات دالة علي صفات الله الحقيقية.. فقد اختلف أهل الجدل.. في تأويل قوله (بل يداه مبسوطتان) فقال بعضهم.. عني باليد النعمة أو القدرة أو الملك. وقال آخرون: بل يد الله صفة من صفاته،

هي يد غير أنها ليست بجارحة.. والطبري يجزم بالرأي الثاني..

هجمة الحنابلة علي ابن حبان

المجروحين لابن حبان:1 مقدمة:

قال أبواسماعيل عبدالله بن محمد... قال سألت يحيي بن عمار عن ابن حبان، قلت رأيته؟ قال: وكيف لم أره ونحن أخرجناه من سجستان، لأنه أنكر الحد لله!

وقال السبكي تعليقاً علي ذلك: من أحق بالاخراج من يجعل ربه محدوداً، أو من ينزهه عن الجسمية....

وقال ابن حجر في لسان الميزان:5/113:

وقد بدت من ابن حبان هفوة فطعنوا فيه بها. قال أبو إسمعيل الأنصاري شيخ الإسلام: سألت يحيي بن عمار عن أبي حاتم بن حبان فقال: رأيته ونحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير ولم يكن له كبير دين، قدم علينا فأنكر الحد لله فأخرجناه.

قلت: إنكاره الحد وإثباتكم للحد نوع من فضول الكلام، والسكوت من الطرفين أولي إذ لم يأت نص بنفي ذلك ولا إثباته، والله تعالي ليس كمثله شئ، فمن أثبته قال له خصمه جعلت لله حداً برأيك ولا نص معك بالحد، والمحدود مخلوق تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً. وقال هو للنافي ساويت ربك بالشئ المعدوم، إذ المعدوم لا حد له. فمن نزه الله وسكت سلم وتابع السلف.

وقال الذهبي في سيره:16/94:

وقال أبو بكر الخطيب: كان ابن حبان ثقة نبيلاً فهماً. وقال أبو عمرو بن الصلاح في طبقات الشافعية: غلط ابن حبان الغلط الفاحش في تصرفاته. قال ابن حبان في أثناء كتاب الأنواع: لعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ.

قلت: كذا فلتكن الهمم، هذا مع ما كان عليه من الفقه والعربية والفضائل الباهرة وكثرة التصانيف....

وقال أبو إسماعيل الأنصاري: سمعت يحيي بن عمار الواعظ، وقد سألته عن ابن حبان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان،

كان له علم كثير، ولم يكن له كبير دين، قدم علينا، فأنكر الحد لله، فأخرجناه!

قلت: إنكاركم عليه بدعة أيضاً، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتي نص بإثبات ذلك ولا بنفيه. ومن حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه. وتعالي الله أن يحد أو يوصف إلا بما وصف به نفسه، أو علمه رسله بالمعني الذي أراد بلا مثل ولا كيف: ليس كمثله شئ وهو السميع البصير. انتهي.

وهكذا مدح الذهبي ابن حبان وأظهر إعجابه بعلو همته، ولكنه خطَّأه في إنكاره الحد لله تعالي وحكم بأنه صاحب بدعة، فهو يستحق الطرد من سجستان، بل قد يستحق الاعدام إن لم يتب!

ومن عجب الزمان أن يكون الجو الحاكم في بعض مناطق المسلمين في أواخر القرن الثالث أن الذي يقول إن الله تعالي غير محدود بمكان ولا زمان يعتبر مبدعاً في الإسلام، وكأن النبي صلي الله عليه وآله قد بلغ الأمة بأن ربكم محدود بالمكان والزمان، ومن أنكر ذلك فقد أبدع!

ولا تغتر بتخطئة الذهبي للذين طردوا ابن حبان من سجستان، فإنه لم يخطئهم لطرده علي بدعته، بل خطَّأهم لمجادلته حتي أظهر بدعته، ولأنه كان الواجب عليهم أن يسكتوا عن لوازم التجسيم في نزول الله تعالي وجلوسه علي العرش، كما هو مذهبه!!

من تكفيرات المجسمين لمن خالفهم

سير أعلام النبلاء:11/70:

قال عبدالله بن أحمد: سمعت أبا معمر الهذلي يقول: من زعم أن الله لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر ولا يرضي ولا يغضب، فهو كافر، إن رأيتموه واقفاً علي بئر فألقوه فيها، بهذا أدين الله عز وجل!

سير أعلام النبلاء:11/302:

حدثنا أحمد بن جعفر الإصطخري قال: قال أبو عبدالله أحمد بن حنبل: هذا مذهب أهل العلم والأثر، فمن خالف

شيئاً من ذلك أو عاب قائلها، فهو مبتدع.

وكان قولهم: إن الإيمان قول وعمل ونية وتمسك بالسنة، والإيمان يزيد وينقص، ومن زعم أن الإيمان قول والأعمال شرائع فهو جهمي، ومن لم ير الإستثناء في الإيمان فهو مرجي، والزني والسرقة وقتل النفس والشرك كلها بقضاء وقدر من غير أن يكون لاحد علي الله حجة. إلي أن قال: والجنة والنار خلقتا ثم خلق الخلق لهما لا تفنيان، ولا يفني ما فيهما أبداً. إلي أن قال: والله تعالي علي العرش، والكرسي موضع قدميه. إلي أن قال: وللعرش حملة. ومن زعم أن ألفاظنا بالقرآن وتلاوتنا له مخلوقة والقرآن كلام الله، فهو جهمي. ومن لم يكفره فهو مثله. وكلم الله موسي تكليماً من فيه! إلي أن ذكر أشياء من هذا الأنموذج المنكر، والأشياء التي والله ما قالها الإمام. فقاتل الله واضعها. ومن أسمج مافيها قوله: ومن زعم أنه لا يري التقليد ولا يقلد دينه أحداً فهذا قول فاسق عدو لله. فانظر إلي جهل المحدثين كيف يروون هذه الخرافة ويسكتون عنها. انتهي.

ومع أن الذهبي وصف الانموذج بأنه منكر وخرافة، فهو يتبني أكثر عقائده!

التحفة اللطيفة للسخاوي:2/285:

علي بن عبد الله.. قال قبل أن يموت بشهرين.. من زعم أن الله لا يري فهو كافر، ومن زعم أن الله لم يكلم موسي علي الحقيقة فهو كافر. انتهي.

وقصدهم أن الله تعالي كلم موسي من فمه، ولم يخلق الصوت في شئ مخلوق، وقد نصت علي ذلك أحاديث أهل البيت عليهم السلام وقال به أكثر المسلمين.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/386:

هارون بن معروف... وقال هارون الجبال: سمعت هارون بن معروف يقول: من زعم أن القرآن مخلوق فكأنما عبد اللات والعزي! وروي عبدالله بن أحمد بن

حنبل عن هارون بن معروف قال: من زعم أن الله لا يتكلم فهو يعبد الأصنام! انتهي. وقصده أن الله تعالي يتكلم من فمه! وأن الذي يعتقد بأن الله لافم له فقد جعله صنماً! والذي يقول له فم، فقد نزهه عن الصنمية!!

سير أعلام النبلاء:17/255:

قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في فتاويه: وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر رحمه الله أنه قال: صنف أبو عبدالرحمن السلمي حقائق التفسير، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قلت: واغوثاه! واغربتاه!.

سير أعلام النبلاء:8/403:

حدثنا أحمد بن يونس، سمعت ابن المبارك قرأ شيئاً من القرآن، ثم قال: من زعم أن هذا مخلوق، فقد كفر بالله العظيم.

سير أعلام النبلاء:10/18:

الحاكم: سمعت أبا سعيد بن أبي عثمان، سمعت الحسن ابن صاحب الشاشي، سمعت الربيع، سمعت الشافعي وسئل عن القرآن فقال: أف أف، القرآن كلام الله، من قال: مخلوق، فقد كفر. هذا إسناد صحيح.

سير أعلام النبلاء:11/58:

ابن مخلد العطار: حدثنا محمد بن عثمان، سمعت علي بن المديني، يقول قبل أن يموت بشهرين: القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن قال مخلوق، فهو كافر. وقال عثمان بن سعيد الدارمي، سمعت علي بن المديني يقول: هو كفر، يعني من قال: القرآن مخلوق.

ملحد (سني) يحبه المجسمة لأنه يلعن من خالفهم

مروج الذهب للمسعودي:3/43:

كان رجل في أيام هارون الرشيد ببغداد، وإنه كان دهرياً من أهل السنة والجماعة! ويلعن أهل البدع... ويعرف بالسني، تنقاد له العامة فكان يجتمع إليه خلق من الناس، وإذا اجتمعوا وثب قائماً علي قدمه فقال: يا معشر المسلمين قلتم لا ضار ولا نافع إلا الله، فلاي شئ مصيركم إليَّ تسألوني عن مضاركم ومنافعكم؟ إلجؤوا إلي ربكم وتوكلوا علي بارئكم..

من الفتن التي حدثت بسبب التجسيم

في القرن الثاني انتق ثقل التشبيه والتجسيم من الشام إلي بغداد، وأرخ المؤرخون لفتن متعددة حدثت في بغداد ذكرنا بعضها في الفصل الخامس، ونشير منها هنا إلي الفتنة التي ذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام:23/384 بسبب تفسير آية: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قالت الحنابلة معناه أن يقعده علي عرشه كما فسره مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمي. وقد تقدم أن ابن خلدون يري أن الفتن بين الحنابلة ومخالفيهم كانت أحد الأسباب في خراب بغداد.

سير أعلام النبلاء:18/89:

القاضي أبو يعلي الإمام العلامة، شيخ الحنابلة، القاضي أبويعلي، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد البغدادي، الحنبلي، ابن الفراء، صاحب التعليقة الكبري، والتصانيف المفيدة في المذهب. ولد في أول سنة ثمانين وثلاث مئة... أفتي ودرس، وتخرج به الأصحاب، وانتهت إليه الإمامة في الفقه، وكان عالم العراق في زمانه، مع معرفة بعلوم القرآن وتفسيره، والنظر والأصول، وكان أبوه من أعيان الحنفية، ومن شهود الحضرة، فمات ولابي يعلي عشرة أعوام، فلقنه مقرئه العبادات من مختصر الخرقي، فلذ له الفقه، وتحول إلي حلقة أبي عبدالله بن حامد، شيخ الحنابلة، فصحبه أعواماً، وبرع في الفقه عنده، وتصدر بأمره للإفادة سنة اثنتين وأربع مئة، وأول سماعه من علي بن معروف في سنة 385.

وقد سمع

بمكة ودمشق من عبد الرحمن بن أبي نصر، وبحلب، وجمع كتاب «إبطال تأويل الصفات»، فقاموا عليه لما فيه من الواهي والموضوع، فخرج إلي العلماء من القادر بالله المُعتقَدُ الذي جمعه، وحمل إلي القادر كتاب «إبطال التأويل» فأعجبه، وجرت أمور وفتن _ نسأل الله العافية _ ثم أصلح بين الفريقين الوزير علي بن المسلمة، وقال في الملا: القرآن كلام الله، وأخبار الصفات تمر كما جاءت. ثم ولي أبو يعلي القضاء بدار الخلافة والحريم، مع قضاء حران وحلوان..

و واجه بعض الخلفاء تطرف المجسمين

نشوار المحاضرة للتنوخي:3/144:

وكانت العامة قد هاجت في أيام وزارته (أي أبو محمد المهلبي) وعظمت الفتنة... وكثر كلام القصاص في المساجد ورؤساء الصوفية... فاتفق أن بدئ برجل من رؤساء الصوفية يعرف بإسحاق بن ثابت أحد الربانيين عند أصحابه، فقال له: بلغني أنك تقول في دعائك: يا واحدي بالتحقيق يا جاري اللصيق، فمن لا يعلم بأن الله لا يجوز أن يوصف أنه لصيق علي الحقيقة فهو كافر، لأن الملاصقة من صفات الاجسام. إنكم تهذون وتوهمون الناس علي أنكم ربانيين... وكتب إليه أن لا يتكلم علي الناس.

تاريخ الإسلام للذهبي:32/171:

أبو بكر الواعظ البكري... قدم إلي بغداد وجلس للوعظ وذكر ما يلطخ به الحنابلة من التجسيم... وضربه جماعة من الهاشميين (يقصد العباسيين) بالحصي وهم من أصحاب أحمد، فأخذهم النقيب وعاقبهم.

و قتل خلفاء شرعيون إماما مجسما طمع بالحكم

تهذيب الكمال:1/507:

... حدثنا محمد بن عبدالله الحضرمي قال: وقُتِل أحمد بن نصر بن مالك الخزاعي سنة إحدي وثلاثين ومئتين. قال الحافظ أبوبكر: وكان قتله في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن. وبه حدثني القاضي أبو عبدالله الصيمري، حدثنا محمد بن عمران المرزباني، أخبرني محمد بن يحيي الصولي قال: كان أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم الخزاعي من أهل الحديث، وكان جده من رؤساء نقباء بني العباس، وكان أحمد وسهل بن سلامة، حين كان المأمون بخراسان، بايعا الناس علي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلي أن دخل المأمون بغداد، فرفق بسهل حتي لبس السواد، وأخذ الأرزاق ولزم أحمد بيته، ثم إن أمره تحرك ببغداد في آخر أيام الواثق، واجتمع إليه خلق من الناس، يأمرون بالمعروف، إلي أن ملكوا بغداد، وتعدي رجلان من أصحابه يقال لأحدهما: طالب في الجانب الغربي ويقال للآخر أبو هارون في

الجانب الشرقي، وكانا موسرين فبذلا مالاً، وعزما علي الوثوب ببغداد في شعبان سنة إحدي وثلاثين ومئتين، فنم عليهم قوم إلي إسحاق بن إبراهيم فأخذ جماعة فيهم أحمد بن نصر، وأخذ صاحبيه طالباً وأبا هارون فقيدهما، ووجد في منزل أحدهما أعلاماً، وضرب خادماً لاحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلاً فيعرفونه ما عملوا، فحملهم إسحاق مقيدين إلي سر من رأي، فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر: دع ما أخذت له، ما تقول في القرآن قال: كلام الله. قال: أفمخلوق هو قال: كلام الله. قال: أفتري ربك في القيامة قال: كذا جاءت الرواية، قال: ويحك، يري كما يري المحدود المتجسم ويحويه مكان ويحصره الناظر، أنا أكفر برب هذه صفته، ما تقولون فيه؟ فقال عبدالرحمان بن إسحاق، وكان قاضياً علي الجانب الغربي ببغداد فعزل: هو حلال الدم، وقال جماعة من الفقهاء كما قال، فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله، فقال للواثق: يا أميرالمؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله يؤخر أمره ويستتاب. فقال الواثق: ما أراه إلا مؤدياً لكفره قائماً بما يعتقده منه. ودعا الواثق بالصمصامة وقال: إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي، فإني أحتسب خطاي إلي هذا الكافر الذي يعبد رباً لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها، ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر بشد رأسه بحبل، وأمرهم أن يمدوه، ومشي إليه حتي ضرب عنقه، وأمر بحمل رأسه إلي بغداد فنصب بالجانب الشرقي أياماً، وفي الجانب الغربي أياماً، وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس!. انتهي. ورواه الذهبي أيضاً في:17/56.

سير أعلام النبلاء:11/165:

قال الحسن بن محمد الحربي: سمعت جعفر بن محمد الصائغ، يقول: رأيت أحمد بن

نصر حين قتل قال رأسه: لا إله إلا الله. قال المروذي: سمعت أحمد ذكر أحمد بن نصر فقال رحمه الله: لقد جاد بنفسه. وعلق في أذن أحمد بن نصر ورقة فيها: هذا رأس أحمد بن نصر، دعاه الإمام هارون إلي القول بخلق القرآن ونفي التشبيه، فأبي إلا المعاندة فعجله الله إلي ناره. وكتب محمد بن عبد الملك.

تاريخ الإسلام للذهبي:17/58:

قال: رأي بعضي أصحابنا أحمد بن نصر في النوم فقال: ما فعل ربك؟ قال: ما كانت إلا غفوه حتي لقيت الله فضحك لي... وقال غضبت له فأباحني النظر إلي وجهه!

و كان التجسيم منتشرا في عصر ابن الجوزي والسبكي

كشف الظنون:1/218:

للشيخ أبي الفرج عبدالرحمن بن علي بن الجوزي الحنبلي المتوفي سنة 597 سبع وتسعين وخمسمائة، مختصر صنف في تأييد مذهبه والرد علي الحنابلة المجسمة. انتهي.

وله أيضاً كتاب دفع شبهة التشبيه بأكف التنزيه، حققه في عصرنا ونشره الباحث السيد حسن السقاف، وتجد في ترجمة ابن الجوزي وكتبه قصة محنته مع الحنابلة المجسمين في عصره!

كشف الظنون:1/879:

رسالة الغفران من المكث بحران، مختصر لبعض العلماء، أولها الحمد لله علي كل حال... الخ. ألفها سنة 627 سبع وعشرين وستمائة رد فيها علي حنبلي مجسم منكر، علي قواعد علم الكلام.

وقد ذكر السبكي في طبقات الشافعية وغيره نماذج عديدة للمجسمة العلنيين والسريين، قال في:2/19: وقد وصل حال بعض المجسمة في زماننا إلي أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محي الدين النووي وحذف من كلام النووي ما تكلم به علي أحاديث الصفات، فإن النووي أشعري العقيدة، فلم تحمل قوي هذا الكاتب أن يكتب الكتاب علي الوضع الذي صنفه مصنفه! انتهي.

ووصل الحال في عصرنا إلي أن بعض الوهابيين ينشرون كتب النووي وغيره ويحذفون منها كل مايخالف

مذهبهم حتي أنهم حذفوا فضل زيارة النبي صلي الله عليه وآله من أحد كتبه. وهذا غيض من فيض فإن دور نشرهم في عدة بلدان تعمل مناشيرها وسكاكينها في كتب التراث الإسلامي، ومستأجريهم ينفذون تعليماتهم بحذف كل ما لا يليق لهم!

هذا مضافاً إلي نشرهم كتب المشبهة والمجسمة وتكبير شخصياتهم وإشاعة تعظيمهم وتقدسيهم، وتكفير مخالفيهم من سلف الأمة ومعاصريها!

وانتقل التجسيم من بغداد إلي مصر

سير أعلام النبلاء:15/429:

أبو إسحاق المروزي الإمام الكبير، شيخ الشافعية وفقيه بغداد، أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المروزي، صاحب أبي العباس بن سريج وأكبر تلامذته، اشتغل ببغداد دهراً وصنف التصانيف وتخرج به أئمة كأبي زيد المروزي، والقاضي أبي حامد أحمد بن بشر المروروذي مفتي البصرة، وعدة.

شرح المذهب ولخصه، وانتهت إليه رئاسة المذهب. ثم إنه في أواخر عمره تحول إلي مصر فتوفي بها في رجب في تاسعه، وقيل في حادي عشرة سنة أربعين وثلاث مئة، ودفن عند ضريح الإمام الشافعي ولعله قارب سبعين سنة... صنف المروزي كتاباً في السنة، وقرأه بجامع مصر، وحضره آلاف فجرت فتنة، فطلبه كافور فاختفي، ثم أدخل إلي كافور، فقال: أما أرسلت إليك أن لا تشهر هذا الكتاب فلا تظهره. وكان فيه ذكر الإستواء، فأنكرته المعتزلة. انتهي. يقصد أنه كان في الكتاب ذكر القعود الحسي لله تعالي علي عرشه، فأنكره علماء مصر. ولكن الحاكم كافوراً الأخشيدي كان يميل إلي التجسيم فطلب منه أن لا ينشر كتابه فقط!

الامام العبدري المغربي المجسم

تذكرة الحفاظ:4/1272:

العبدري: الإمام الحافظ العلامة أبو عامر محمد بن سعدون بن مرجي القرشئ العبدري الميورقي الأندلسي نزيل بغداذ، وكان من أعيان الحفاظ ومن فقهاء الظاهرية، سمع أبا عبدالله مالك بن أحمد البانياسي ورزق الله التميمي وأبا الفضل ابن خيرون وطراد بن محمد الزينبي ويحيي بن أحمد السيبي وأبا عبدالله الحميدي وطبقتهم، قال القاضي أبوبكر بن العربي في معجمه: أبوعامر العبدري هو أنبل من لقيته. وقال ابن ناصر: كان فهماً عالماً متعففاً وكان يذهب إلي أن المناولة كالسماع. وقال السلفي في معجمه: كان من أعيان علماء الإسلام بمدينة السلام، متصرفاً في فنون من العلوم أدباً ونحواً ومعرفة بالأنساب، وكان داودي المذهب قرشي النسب،

كتب عني وكتبت عنه، مولده بقرطبة. وقال أحمد بن أبي بكر البندنيجي: لما دفنوا أبا عامر العبدري قال ابن ناصر: خلا لك الجو فبيضي واصفري. مات أبوعامر حافظ حديث رسول الله صلي الله عليه وآله من شاء فليقل ما شاء.

قال الحافظ ابن عساكر: كان أبو عامر داودياً وكان أحفظ شيخ لقيته... ذكر أنه دخل دمشق، سمعته يقول جري ذكر الإمام مالك فقال: جلف جاف ضرب هشام بالدرة... بلغني أنه قال في: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وضرب علي ساقه فقال: ساق كساقي هذه. قلت: هذه حكاية منقطعة، وهذا قول الضلال المجسمة، وما أعتقد أن بلغ بالعبدري هذا. ثم قال: وبلغني أنه قال إن أهل البدع يحتجون بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ، أي في الإلهية أما في الصورة فهو مثلي ومثلك... قال ثم تلا قوله تعالي: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ، أي في الحرمة!!

وترجم له ترجمة مفصلة في تاريخ الإسلام:36/103.

التجسيم ينتشر في المغرب فيقاومه المهدي بن تومرت

تاريخ ابن خلدون:7/225:

الخبر عن مبدأ أمر المهدي ودعوته وما كان للموحدين القائمين بها علي يدي بني عبد المؤمن من السلطان والدولة بالعدوتين وإفريقية... وكانت وفاة المهدي لأربعة أشهر بعدها، وكان يسمي أصحابه بالموحدين، تعريضاً بلمتونة في أخذهم بالعدول عن التأويل وميلهم إلي التجسيم. وكان حصوراً لا يأتي النساء، وكان يلبس العباءة المرقعة، وله قدم في التقشف والعبادة، ولم تحفظ عنه فلتة في البدعة، إلا ما كان من وفاقه الإمامية من الشيعة في القول بالإمام المعصوم، والله تعالي أعلم. انتهي. يستكثر علينا إخواننا السنة أن نقول بعصمة أهل البيت وهم الأئمة الاثني عشر والصديقة الزهراء عليهم السلام الذين نص عليهم النبي صلي الله عليه وآله فقال إني تارك فيكم الثقلين

كتاب الله وعترتي ونص الله تعالي علي طهارتهم، وأوجب محبتهم وجعل بغضهم نفاقاً، وجعل الصلوة عليهم في صلاة المسلمين اليومية.. ثم نراهم يقولون بعصمة الخليفة عمر وأبي بكر وعثمان، بل وعصمة كل الصحابة وعدالتهم. فهل يريدون بذلك استثناء أهل البيت فقط من عشرة آلاف صحابي. واذا أجابوا بأنا لا نقول بعصمة الصحابة طالبناهم بأن يذكروا أخطاء الذين يقدسونهم منهم.

تاريخ ابن خلدون:7/266:

هذا العهد لما دعا المهدي إلي أمره في قومه من المصامدة بجبال درن، وكان أصل دعوته نفي التجسيم الذي آل إليه مذهب أهل المغرب باعتمادهم ترك التأويل في المتشابه من الشريعة، وصرح بتكفير من أبي ذلك، أخذاً بمذهب التكفير بالمآل، فسمي لذلك دعوته بدعوة التوحيد وأتباعه بالموحدين، نعياً علي الملثمين فإن مذاهبهم إلي اعتقاد الجسمية.

وقال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام:4/368:

صرف ابن تومرت الناس عن اتباع مذهب السلف الذي قد يجر معتنقيه إلي التشبيه والتجسيم. وابن تومرت في هذا الميدان العلمي يعتبر من الشخصيات العلمية البارزة في التاريخ الإسلامي.

و كثر الحشوية والمخلطون في العالم الإسلامي

قال العلامة الأرموي في منهاج الكرامة / 6: وقالت جماعة الحشوية والمشبهة: إن الله تعالي جسم له طول وعرض وعمق، وإنه يجوز عليه المصافحة، وإن الصالحين من المسلمين يعانقونه في الدنيا، وحكي الكعبي عن بعضهم أنه كان يجوز رؤيته في الدنيا وأنه يزورهم ويزورونه، وحكي عن داود الظاهري أنه قال: أعفوني عن الفرج واللحية واسألوني عما وراء ذلك، وقال: إن معبودهم له جسم ولحم ودم وله جوارح وأعضاء كيد ورجل ولسان وعينين وأذنين، وحكي أنه قال: هو أجوف من أعلاه إلي صدره مصمت ما سوي ذلك، وله شعر قطط. حتي قالوا: اشتكت عيناه فعادته الملائكة، وبكي علي طوفان نوح حتي رمدت

عيناه، وأنه يفضل من العرش من كل جانب أربع أصابع. وذهب بعضهم إلي أنه تعالي ينزل في كل ليلة جمعة علي شكل أمرد حسن الوجه راكباً علي حمار، حتي أن بعضهم ببغداد وضع علي سطح داره معلفاً يضع كل ليلة جمعة فيه شعيراً وتبناً لتجويز أن ينزل الله علي حماره علي ذلك السطح فيشتغل الحمار بالأكل ويشتغل الرب بالنداء، ويقول: هل من تائب هل من مستغفر، تعالي الله عن مثل ذلك.

... وحكي عن بعض المنقطعين التاركين من شيوخ الحشوية أنه اجتاز عليه في بعض الأيام نفاط ومعه أمرد حسن الوجه قطط الشعر علي الصفات التي يصفون ربهم بها، فألح الشيخ بالنظر إليه وكرره وأكثر تصويبه إليه، فتوهم فيه النفاط فجاء إليه ليلاً فقال: أيها الشيخ رأيتك تلح بالنظر إلي هذا الغلام وقد أتيتك به فإن كان لك فيه نية فأنت الحاكم، فحرد الشيخ عليه وقال: إنما كررت النظر إليه لأن مذهبي أن الله تعالي ينزل علي صورة هذا الغلام، فتوهمت أنه الله تعالي! فقال له النفاط: ما أنا عليه من النفاطة أجود مما أنت عليه من الزهد مع هذه المقالة....

وأضاف الأرموي: أقول: لا يسع المقام أكثر من ذلك وإلا لنقلنا أضعاف ما ذكرنا... وقال الطبراني: حدثنا علي بن سعيد الرازي حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي حدثنا حجاج بن محمد عن ابن جريج عن الضحاك عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه عز وجل في صورة شاب أمرد وبه قال ابن جريج.. عن صفوان بن سليم عن عائشة قالت: رأي النبي ربه علي صورة شاب جالس علي كرسي رجله في خضرة من لؤلؤ يتلالا!

كل الناس مبرؤون... والشيعة متهمون

منطق السلطة و أتباعه

المنطق الحاكم في كتب العقائد عند إخواننا، هو منطق

الدولة الذي يصدر الأحكام ولا يقبل الإعتراض، وأحكامه هنا تقول:

أولاً: السنة هم المسلمون الموحدون، حتي لو كانت مصادرهم تنادي بالتشبيه والتجسيم بأحاديث صحيحة عندهم!

والشيعة هم المجسمون والمعطلون، وإن كانت مصادرهم تنادي بالتنزيه ونفي التشبيه بأحاديث صحيحة عندهم!

ثانياً: يحرم قراءة أي كلام والخوض في أي بحث يوجب اتهام السنة بالتجسيم! كما يحرم قراءة كتب الشيعة وأحاديثهم في العقائد، لأنهم يجسمون الله تعالي ويؤلهون الأئمة من ذرية النبي صلي الله عليه وآله.

هذا هو حكم أكثر الكتاب والمؤلفين في العقائد، ودليلهم أن التاريخ عامل الشيعة بهذه الأحكام، فصارت هي الجو العام الذي نشأوا فيه، فكتبوا كما قرؤوا وكما سمعوا.

لقد استطاع كثير من المظلومين في التاريخ، أن يرفعوا أيديهم أو أصواتهم ويسجلوا (آخهم) من ظالميهم. أما نحن الشيعة فلم نستطع إلي الآن أن نسجل (آخنا) من التاريخ.

يكفيك أن تلقي نظرة علي مصادر التاريخ والعقائد وما كتبوه عن الفرق والملل والنحل، وما يكتبه خصوم الشيعة وأهل البيت في عصرنا.. لتراها تكرر ادعاء أن الشيعة أخذوا عقائدهم من اليهود والفرس والهندوس، فهم المجسمون الذين يعبدون إلهاً مادياً له طول وعرض وأعضاء، ولذا فهم يعبدون صنماً ولا يعبدون الله تعالي!

أما السنة فهم المسلمون الأصيلون الذين أخذوا عقائدهم من منبع الإسلام الصافي، من الكتاب والسنة، عن طريق الصحابة الأبرار بدون أي تأثر باليهود ولا بغيرهم، فهم الموحدون المنزهون لله تعالي عما افتراه عليه اليهود والنصاري والمجوس والشيعة!

إن مشكلتنا نحن شيعة أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله أن الكتب التي اتهمتنا قد كتبت بحبر حكام الجور وأقلام موظفيهم! وأن الذين أنصفونا ومدحونا، كتبوا ذلك وهم علي وجل من غضب السلاطين!

ولكن ذلك من مفاخرنا أيضاً!

محاولات الدولة والمشبهين إلصاق التشبيه بالنبي وآله

يدل النص التالي علي أن تهمة التشبيه والتجسيم للشيعة كانت موجودة في القرن الثاني، أي منذ أن راج التشبيه والتجسيم وطفح كيله فمجه الناس، فاتهمت به السلطة معارضيها من أئمة أهل البيت عليهم السلام.

وفي نفس الوقت عمد المشبهون والمجسمون إلي نسبة مذهبهم إلي النبي وأهل بيته صلي الله عليه وعليهم، ليثبتوا شرعية فريتهم! وهو اسلوب مزدوج في ترويج التهمة في الناس، بسبتها إلي أهل البيت عليهم السلام، ثم رمي أهل البيت وشيعتهم بها!!

روي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

قال الحسن بن خالد: قلت للرضا عليه السلام: يابن رسول الله إن الناس ينسبونا إلي القول بالتشبيه والجبر لما روي في الأخبار في ذلك عن آبائك عليهم السلام!

فقال: يابن خالد أخبرني عن الأخبار التي رويت عن آبائي عليهم السلام في التشبيه أكثر، أم الأخبار التي رويت عن رسول الله صلي الله عليه وآله في ذلك؟

فقلت: بل ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله أكثر.

فقال: فليقولوا إن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يقول بالتشبيه إذن!!

فقلت له: إنهم يقولون إن رسول الله لم يقل من ذلك شيئاً، وإنما روي عليه.

قال: قولوا في آبائي عليهم السلام إنهم لم يقولوا من ذلك شيئاً وإنما روي عليهم.

ثم قال عليه السلام: من قال بالتشبيه والجبر فهو كافر مشرك، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة. يابن خالد: إنما وضع الأخبار عنا في التشبيه الغلاة الذين صغروا عظمة الله جل جلاله، فمن أحبهم فقد أبغضنا.. إلي آخر الخبر.

وقال الشيخ الصدوق المتوفي سنة 381 في مقدمة كتابه التوحيد/17:

إن الذي دعاني إلي تأليف كتابي هذا أني وجدت قوماً من المخالفين لنا ينسبون عصابتنا إلي

القول بالتشبيه والجبر، لما وجدوا في كتبهم من الأخبار التي جهلوا تفسيرها ولم يعرفوا معانيها ووضعوها في غير موضعها، ولم يقابلوا بألفاظها ألفاظ القرآن، فقبحوا بذلك عند الجهال صورة مذهبنا، ولبسوا عليهم طريقتنا، وصدوا الناس عن دين الله، وحملوهم علي جحود حجج الله، فتقربت إلي الله تعالي ذكره بتصنيف هذا الكتاب في التوحيد ونفي التشبيه والجبر، مستعيناً به ومتوكلاً عليه.

بغض أهل البيت و شيعتهم إرث غير شرعي

إن التهم لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وشيعتهم موروثة إرثاً (غير شرعي) وقد كانت بدايتها يوم فارق النبي صلي الله عليه وآله الحياة وتركوا جنازته لأهل بيته، وأعلنوا ولادة حكومة السقيفة، فعارضها أهل البيت وجماعة من الأنصار والمهاجرين، واعتصموا في بيت فاطمة الزهراء عليها السلام فكان الهجوم علي بيت فاطمة بالحطب والنار!

ولم يهدأ الهجوم علينا بالحطب والنار إلي يومنا هذا!

نحن لا ننتظر من تاريخنا الإسلامي الذي لم يتحمل كلمة معارضة من بنت النبي صلي الله عليه وآله فهاجم بيتها وبدأ بإحراقه بمن فيه، أن يتحمل معارضتنا في بحوث وكتب!

ولا ننتظر من دول اضطهدتنا وطاردتنا وشردتنا وقتلتنا، أن تمدحنا وتمدح عقائدنا، أو تترك تهمة أو سبة تخطر بالبال أو لا تخطر، دون أن ترمينا بها!

لكن يحق لنا أن ننتظر من علماء إخواننا المنصفين بعد قرون وقرون، أن لا يرثوا بغض أهل بيت نبيهم وشيعتهم، وأن يقرؤوا عقائدهم وفقههم من مصادر مذهبهم لا من مصادر الذين اضطهدوهم وأبغضوهم.

قال السيد شرف الدين في الفصول المهمة/180:

فهنا مقصدان: المقصد الأول، في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان: الأول، ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير والشتم والتزوير.

الثاني، إعراض إخواننا أهل السنة عن

مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الإعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه بالمرة، وعدم الرجوع إليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) إلا دون ما يرجعون فيه إلي مقاتل بن سليمان المجسم المرجي الدجال، وعدم الإحتجاج بحديثهم إلا دون ما يحتجون بدعاة الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية! ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية المصطفي صلي الله عليه وآله ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة البربري الخارجي المكذب. انتهي.

وإني لاعجب من علماء إخواننا السنة القدماء والجدد، الذين بحثوا في توحيد الله تعالي وصفاته، ورووا حتي عن أقل الصحابة والتابعين، برهم وفاجرهم، وعن اليهود والنصاري، معتدلهم ومتطرفهم.. كيف لم يطلعوا علي الخطب الغنية لعلي أمير المؤمنين عليه السلام وكلمات أهل البيت البليغة في حقائق التوحيد، التي تشهد بأنهم باب مدينة علم النبي صلي الله عليه وآله وقد كانت هذه الخطب والأحاديث وما تزال في متناولهم، مودعة في المصادر المختلفة، ومجموعة في نهج البلاغة وأمثاله..! فلو أنهم اطلعوا عليها لفتحت لهم أبواباً جديدة، وحلت لهم مشكلات مستعصية ولظهر شئ من آثارها وأنوارها في مؤلفاتهم!

إن مقتضي قاعدة (إحمل أخاك المسلم علي الأحسن) أن نقول إنهم لم يقرؤوا شيئاً من أحاديث الشيعة ومؤلفاتهم وبحوثهم في التوحيد والصفات، لأنا إذا اتهمناهم بأنهم قرؤوها وتجاهلوها، فذلك يعني وجود كارثة في بحوث العقائد عندهم.

وتعجبي الأكبر من جرأة بعض إخواننا علي تبرئة مصادرهم من التشبيه والتجسيم، وإتهام الشيعة ومذهبهم بذلك!

و تواصلت علينا الإفتراءات عبر العصور

قال السمعاني المتوفي 562 في كتابه الأنساب:5/643:

والهشامية جماعة من غلاة الشيعة، وهم الهشامية الأولي والأخري. أما الأولي فهم أصحاب هشام بن الحكم الرافضي المفرط في التشبيه والتجسيم وكان يقول إن معبوده جسم ذو

حد ونهاية وإنه طويل عريض عميق وطوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه، وله مقالات في هذا الفن حكيت عنه.

وأما الهشامية الأخري فهم أصحاب هشام بن سالم الجواليقي، وكان يزعم أن معبوده جسم، وأنه علي صورة الإنسان ولكنه ليس بلحم ولا دم، بل هو نور ساطع يتلالا بياضاً، وله حواس خمس كحواس الإنسان ويد ورجل وسائر الاعضاء، وأن نصفه الاعلي مجوف، إلا الفرج واللحية. وزعم هشام بن الحكم أنه كسبيكة الفضة، وأنه بشبر نفسه سبعة أشبار. وكل واحد منهما يكفر صاحبه، ويكفرهما غيرهما. انتهي.

وقد وصل الأمر بالسمعاني وأمثاله أن ادعوا أن تجسيم الكرامية جاءهم من تأثرهم بالشيعة وغيرهم، وإلا فشيخهم الكرام عالم متقشف زاهد وإن كان في مذهبه شئ من التشبيه والتجسيم! قال السمعاني في الأنساب:5/43: الكرامي: بفتح الكاف وتشديد الراء المهملة. هذه النسبة إلي أبي عبد الله محمد بن كرام النيسابوري... من أهل نيسابور، ثم أزعج عنها وانتقل إلي بيت المقدس وسكنها ومات بها. يروي عن مالك بن سليمان الهروي. روي عنه محمد بن إسماعيل بن إسحاق وحكي عنه من الزهد والتقشف أشياء، وفي المذهب أشياء من التشبيه والتجسيم، وذكر في كتاب له سماه (عذاب القبر) في وصف الرب عز وجل، أنه أحدي الذات أحدي الجوهر، فشارك النصاري في وصفه إياه بالجوهر، وشارك اليهود والهشامية والجوالقية من مشبهة الروافض في وصفه إياه بأنه جسم. وناقض أصحابه في امتناعهم عن وصفهم إياه أنه جوهر، مع إطلاقهم وصفه بأنه جسم، إطلاق الجسم أفحش من إطلاق الجوهر. وذكر في هذا الكتاب أنه معبود في مكان مخصوص، وأنه مماس لعرشه من فوقه، وهكذا حكي عنه. انتهي. ولكن من حكي عنه، ومن أين أخذ ما نقله عنه.. هذا

ليس مهماً عند من يريد الإتهام.

وقال المسعودي في مروج الذهب: 4/103:

وكان أبو الهذيل محمد بن الهذيل اجتمع مع هشام بن الحكم الكوفي، وكان هشام شيخ المجسمه والرافضة في وقته ممن وافقه علي مذهبه، وكان أبو الهذيل يذهب إلي نفي التجسيم ورفض التشبيه.

وقال الأميني في الغدير:3/142:

الملل والنحل، هذا الكتاب وإن لم يكن يضاهي (الفصل) في بذاءة المنطق غير أن في غضونه نسباً مفتعلة وآراء مختلقة وأكاذيب جمة، لا يجد القاري ملتحداً عن تفنيدها، فإليك نماذج منها:

1 _ قال: قال هشام بن الحكم متكلم الشيعة: إن الله جسم ذو أبعاض في سبعة أشبار بشبر نفسه، في مكان مخصوص وجهة مخصوصة.

2 _ قال في حق علي: إنه إله واجب الطاعة..

3 _ وقال هشام بن سالم: إن الله علي صورة إنسان أعلاه مجوف وأسفله مصمت، وهو نور ساطع يتلألأ، وله حواس خمس ويد ورجل وأنف وأذن وعين وفم، وله وفرة سوداء، وهو نور أسود لكنه ليس بلحم ولا دم، وإن هشام هذا أجاز المعصية علي الأنبياء مع قوله بعصمة الأئمة.

4 _ وقال زرارة بن أعين: لم يكن الله قبل خلق الصفات عالماً ولا قادراً ولا حياً ولا بصيراً ولا مريداً ولا متكلماً.

5 _ قال أبوجعفر محمد بن النعمان: إن الله نور علي صورة إنسان، ويأبي أن يكون جسماً.

6 _ وزعم يونس بن عبدالرحمن القمي أن الملائكة تحمل العرش والعرش تحمل الرب، وهو من مشبهة الشيعة، وصنف لهم في ذلك كتباً.

وقال الأميني في الغدير:3/89:

وذكر ابن تيمية في منهاج السنة هذه النسب والإضافات المفتعلة، وراقه أن يري المجتمع أنه أقدر في تنسيق الأكاذيب من سلفه، وأنه أبعد منه عن

أدب الصدق والأمانة فزاد عليها:

اليهود لا يخلصون السلام علي المؤمنين إنما يقولون السام عليكم (السام: الموت) وكذلك الرافضة.

اليهود لا يرون المسح علي الخفين، وكذلك الرافضة.

اليهود يستحلون أموال الناس كلهم، وكذلك الرافضة.

اليهود تسجد علي قرونها في الصلاة، وكذلك الرافضة.

اليهود لا تسجد حتي تخفق برؤسها مراراً تشبيهاً بالركوع، وكذلك الرافضة.

اليهود يرون غش الناس، وكذلك الرافضة.

وأمثال هذه من الخرافات والسفاسف، وحسبك في تكذيب هذه التقولات المعزوة إلي الشيعة شعورك الحر، وحيطتك بفقههم وكتبهم وعقائدهم وأعمالهم، وما عرف منهم قديماً وحديثاً. فإلي الله المشتكي.

وقال الأميني في الغدير:3 هامش/90 واصفاً كتاب الإنتصار لعبد الرحيم الخياط:

إنك غير مائن لو سميته بمصدر الأكاذيب، ولو عزي إليه علي عدد صفحاته 173 الصفحة لما كذب القائل، ولو جست خلال صحايفه لأوقفك الفحص علي العجب العجاب، من كذب شائن وتحكم بارد وتهكم ممض ونسب مفتعلة، وإنا نرجئ إيقافك عليها إلي ظفرك بالكتاب نفسه، فإنه مطبوع بمصر منشور، ولا نسود جبهات صحائف كتابنا بنقل هاتيلك الاساطير كلها، وإنما نذكر لك نماذج منها لتعرف مقدار توغله في القذائف وتهالكه دون الطامات، وتغلغل الحقد في ضميره الدافع له إلي تشويه سمعة أمة كبيرة كريمة نزيهة عن كل ما تقوله عليها قال:

1 _ الرافضة تعتقد أن ربها ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل، وأنه كان غير عالم فعلم... إلي أن قال: هذا توحيد الرافضة بأسرها إلا نفراً منهم يسيراً صحبوا المعتزلة واعتقدوا التوحيد، فنفتهم الرافضة عنهم وتبرأت منهم، فأما جملتهم ومشايخهم مثل هشام بن سالم، وشيطان الطاق، وعلي بن ميثم، وهشام بن الحكم بن منور، والسكاك، فقولهم ما حكيت عنهم.

2 _ الرافضة تقول وهي معتقدة: إن ربها

جسم ذو هيئة وصورة يتحرك ويسكن ويزول وينتقل وأنه كان غير عالم ثم علم.

3 _ فهل علي وجه الأرض رافضي إلا وهو يقول: إن الله صورة ويروي في ذلك الروايات، ويحتج فيه بالأحاديث عن أئمتهم! إلا من صحب المعتزلة منهم قديماً فقال بالتوحيد فنفته الرافضة عنها ولم تقر به!!

و تضاعفت التهم في عصرنا عصر العلم و حرية الفكر

قال الدكتور حسن إبراهيم في تاريخ الإسلام:1/424:

الرافضة قالوا: إن الله له قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء. هشام بن الحكم وهشام بن سالم وشيطان الطاق من معتقدي الرافضة.

وقال في تاريخ الإسلام:2/158:

الشيعة انقسمت حسب اعتقادها إلي ثلاثة أقسام: غالية ورافضة وزيدية، والشيعة الغالية هم الذين غلوا في علي وقالوا فيه قولاً عظيماً.. والشيعة الرافضة هم الذين قالوا إن الله قد وصورة وإنه جسم ذو أعضاء!

فتاوي الالباني/441:

إن الإسلام كفكر لا يمكن أن يصور أنه مصفي.. كيف وهناك فرق كثيرة جداً كالمعتزلة... والشيعة والرافضة، كل هؤلاء يدعون الإسلام فلا بد أن يقوم العلماء بواجب تصفية هذا الإسلام وتقديمه للناس.

وقال الدكتور القفاري في كتابه أصول مذهب الشيعة، الذي منحته السعودية درجة دكتوراه برتبة الشرف الأولي، وأوصت بجعله مصدراً (أكاديمياً) في جامعات المملكة، علماً أن نسبة كبيرة من سكان المملكة من الشيعة! قال القفاري في ج1/87:

المذهب الشيعي مباءة للعقائد الأسيوية القديمة. ويضيف البعض أن مذهب الشيعة كان مباءة ومستقراً للعقائد الأسيوية القديمة كالبوذية وغيرها. يقول الأستاذ أحمد أمين: وتحت التشيع ظهر القول بتناسخ الأرواح وتجسيم الله والحلول، ونحو ذلك من الاقوال التي كانت معروفة عند البراهمة والفلاسفة والمجوس قبل الإسلام. ويشير بعض المستشرقين إلي تسرب الكثير من العقائد غير الإسلامية إلي الشيعة ويقول: إن تلك العقائد انتقلت إليها من المجوسية والمانوية والبوذية،

وغيرها من الديانات التي كانت سائدة في آسيا قبل ظهور الإسلام. انتهي.

وكأن هذا (الباحث) لا يعرف أن الفرس المجوس صاروا سنيين أولاً، وألفوا أهم مصادر إخواننا السنة وصحاحهم، ونظَّروا لعقائدهم ومذاهبهم بل أسسوا مذاهبهم، وبعد قرون طويلة صار أبناؤهم شيعة! فإن كانوا متأثرين بعقائدهم المجوسية والاسيوية فقد نقلوها معهم إلي التسنن الذي الذي صاروا أئمة مذاهبه ثم أئمة مصادره قروناً طويلة، وما زالوا، فالعلامة المجلسي الشيعي مثلاً صاحب موسوعة (بحار الأنوار) المتوفي سنة 1111 هجرية هو من أولاد الحافظ أبي نعيم الأصفهاني السني المتوفي سنة 435 هجرية! وهكذا العشرات بل المئات غيره من الفرس الذين صاروا أئمة المذاهب السنية أولاً، ثم صار أبناؤهم شيعة بعد قرون قد تطول أو تقصر، حتي أنك تجد الكثير من أبنائهم اليوم ما زالوا يحملون أسماء أجدادهم من أئمة السنة!

فمن أولي بتهتة التأثر بالعقائد المجوسية والأسيوية، الاجداد السنيون أم الأبناء الشيعيون!

علي أن الباحث علمياً لا يمكنه أن يرسل أحكامه هكذا جزافاً، ولابد له أن يفحص الأفكار والعقائد واحدة واحدة، ويري من أين جاءت ومن تبناها، ومن وقف ضدها.. الخ.

وقد رأيت أن أفكار الرؤية والتشبيه والتجسيم وأحاديثها ولدت في بيوت الدولة، ودرجت في قصورها ومساجدها، وتربت علي يد كبار شخصياتها، وأن أهل البيت عليهم السلام وشيعتهم وقفوا ضدها، وأفتوا بأنها دخيلة، وأن آباءها يهوداً!!

تفسير مقارن للآيات المتعلقة بالموضوع

الآيات المحكمة النافية لإمكان الرؤية

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ وَكِيلٌ لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام: 102 _ 103.

فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. الشوري: 11.

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا. طه: 110.

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا للهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ. البقرة: 22.

وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف: 143.

وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَي لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة: 55.

يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَي أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَ آتَيْنَا مُوسَي سُلْطَانًا مُبِينًا. النساء: 153.

وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَي رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَي يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا. الفرقان: 21 _ 22.

قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. أَللهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَ لَمْ يُولَدْ. وَ لَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ. الإخلاص: 1 _ 4.

الآيات المتشابهة التي استدلوا بها علي الرؤية

كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. القيامة: 20 _ 25.

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي. وَهُوَ بِالْأُفُقِ الأَعْلَي. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا

أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. النجم: 1 _ 18.

أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ. سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ. أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَ يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَ هُمْ سَالِمُونَ. القلم: 39 _ 43.

آيات: استوي علي العرش

إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الأعراف: 54.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس: 3.

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ الرعد: 2.

طَهَ. مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي. إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَي. تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَي. الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي. طه: 1 _ 6.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا. الفرقان: 59.

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ

مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4.

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَي اللهِ تُرْجَعُ الأُمُورُ. الحديد: 4 _ 5.

وقد أوردنا عدداً من الأحاديث الشريفة ومن كلمات العلماء في تفسير هذه الآيات، ونورد هنا ما بقي من تفسيرها، وفيها أحاديث وآراء مشتركة بين أكثر من آية، لأنها وردت في موضوع الرؤية ككل.

تفسير آية: لا تدركه الابصار

ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ فَاعْبُدُوهُ وَ هُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ وَكِيلٌ. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. الأنعام: 102 _ 103.

النبي و آله يقولون: لا تدركه الابصار و لا.. الاوهام

روي الصدوق في التوحيد الهامش 1/397:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رض) قال حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، قال حدثني محمد بن أبي بشير، قال حدثني الحسين بن أبي الهيثم، قال حدثنا سليمان بن داود، عن حفص بن غياث، قال حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد، قال حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي، قال حدثني سيد العابدين علي بن الحسين، قال حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي، قال حدثني سيد الأوصياء علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: كان رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم جالساً في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال: يا محمد إلي ما تدعو؟

قال: إلي شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله.

قال: يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلي وحدانيته وتزعم أنك رسوله، كيف هو؟

قال: يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف، لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه.

قال: فأين هو؟

قال: إن ربي لا يوصف بالاين، لأن الاين مخلوق وهو أينه.

قال: فهل رأيته يا محمد؟

قال: إنه لا يري بالأبصار ولا يدرك بالأوهام.

قال: فبأي شئ نعلم أنه موجود؟

قال: بآياته وأعلامه.

قال: فهل يحمل العرش أم العرش يحمله؟

فقال: يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل.

قال: فكيف خروج الأمر منه؟

قال: بإحداث الخطاب في المحال.

قال: يا محمد أليس الخلق كله له؟

قال: بلي.

قال: فبأي شئ اصطفي منهم قوماً

لرسالته؟

قال: بسبقهم إلي الإقرار بربوبيته.

قال: فلم زعمت أنك أفضلهم؟

قال: لاني أسبقهم إلي الإقرار بربي عز وجل؟

قال: فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم؟

قال: لا.

قال: ولم؟

قال: لعلمه بقبحه واستغنائه عنه.

قال: فهل أنزل عليك في ذلك قرآناً يتلي؟

قال: نعم إنه يقول عز وجل: وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ، ويقول: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، ويقول: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ، ويقول: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ.

قال اليهودي: يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الأطفال؟

فقال: يا يهودي إن الله عز وجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاماً فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم، تعالي عن الظلم والجور علواً كبيراً.

قال اليهودي: فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياماً معدودة؟

قال: يخلده علي نيته، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلي انقضائها كان يعصي الله عز وجل خلده في ناره علي نيته، ونيته في ذلك شر من عمله، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لاطاع الله أبداً، ونيته خير من عمله، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، والله عز وجل يقول: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَي سَبِيل

قال اليهودي: يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عز وجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك؟

قال: يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب، واسمه

في التوراة إليا وفي الإنجيل حيدار، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي، وهو مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وإنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء.

فقال اليهودي: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقاً، والله إني لاجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك، وإنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة، وإنه أبو سبطيك وولديك شبراً وشبيراً سيدي شباب أهل الجنة.

وروي الكليني في الكافي:1/98:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن أبي نجران، عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: إحاطة الوهم، ألا تري إلي قوله: قَدْ جَاءَكُمْ بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ، ليس يعني بصر العيون. فمن أبصر فلنفسه، ليس يعني من البصر بعينه. ومن عمي فعليها، ليس يعني عمي العيون إنما عني إحاطة الوهم، كما يقال فلان بصير بالشعر، وفلان بصير بالفقه، وفلان بصير بالدراهم، وفلان بصير بالثياب. الله أعظم من أن يري بالعين....

محمد بن أبي عبدالله، عمن ذكره، عن محمد بن عيسي، عن داود بن القاسم أبي هاشم الجعفري قال: قلت لابي جعفر عليه السلام: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ فقال: يا أبا هاشم أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون!

يد: ابن الوليد، عن الصفار، عن أحمد بن محمد، عن أبي هاشم الجعفري، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: سألته عن الله عز وجل هل يوصف؟ فقال: أما

تقرأ القرآن قلت بلي، قال أما تقرأ قوله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قلت بلي، قال: فتعرفون الابصار قلت: بلي، قال: وما هي قلت: أبصار العيون فقال: إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهو لا تدركه الأوهام، وهو يدرك الأوهام.

وروي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

عن الإمام الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قال: لا تدركه أوهام القلوب، فكيف تدركه أبصار العيون.

وسئل الصادق عليه السلام هل يري الله في المعاد؟ فقال: سبحان الله تبارك وتعالي عن ذلك علواً كبيرا، إن الأبصار لا تدرك إلا ماله لون وكيفية، والله خالق الألوان والكيفية.

وقال محمد بن أبي عمير: دخلت علي سيدي موسي بن جعفر (عليهما السلام) فقلت له: يابن رسول الله علمني التوحيد فقال: يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تبارك وتعالي في كتابه فتهلك، واعلم أن الله تعالي واحد أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولداً ولا شريكاً، وأنه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفني، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل. وأنه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الأقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا وهو سادسهم ولا أدني من

ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، وهو الأول الذي لا شئ قبله، والآخر الذي لا شئ بعده، وهو القديم وما سواه محدث، تعالي عن صفات المخلوقين علواً كبيرا.

وسئل الصادق عليه السلام هل لله تعالي رضي وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين، ولكن غضب الله عقابه ورضاه ثوابه.

وقال أيضاً عليه السلام: إن الله تعالي لا يوصف بزمان ولا مكان ولا حركة ولا انتقال ولا سكون، بل هو خالق الزمان والمكان، والحركة والسكون والانتقال، تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وروي المجلسي في بحار الأنوار:4/46:

نص: الحسين بن علي، عن هارون بن موسي، عن محمد بن الحسن، عن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن هشام قال: كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام إذ دخل عليه معاوية بن وهب و عبدالملك بن أعين، فقال له معاوية بن وهب: يابن رسول الله ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي ربه، علي أي صورة رآه، وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة، علي أي صورة يرونه؟ فتبسم عليه السلام ثم قال: يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه، ثم لا يعرف الله حق معرفته.

ثم قال عليه السلام: يا معاوية إن محمداً صلي الله عليه وآله لم ير الرب تبارك وتعالي بمشاهدة العيان، وإن الرؤية علي وجهين: رؤية القلب، ورؤية البصر، فمن عني برؤية القلب فهو مصيب ومن عني برؤية البصر فقد كفر بالله وبآياته، لقول رسول الله صلي الله عليه وآله: من شبه

الله بخلقه فقد كفر. ولقد حدثني أبي، عن أبيه، عن الحسين بن علي قال: سئل أمير المؤمنين عليه السلام فقيل: يا أخا رسول الله هل رأيت ربك فقال: وكيف أعبد من لم أره لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان.

فإذا كان المؤمن يري ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق، ولابد للمخلوق من الخالق، فقد جعلته إذا محدثاً مخلوقاً، ومن شبهه بخلقه فقد اتخذ مع الله شريكاً، ويلهم أولم يسمعوا يقول الله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

وقوله: لَنْ تَرَانِي ولكن انظر إلي الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكاً، وإنما طلع من نوره علي الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخر موسي صعقاً، أي ميتاً، فلما أفاق ورد عليه روحه، قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك تري، ورجعت إلي معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك، وأنا أول المؤمنين، وأول المقرين بأنك تري ولا تري، وأنت بالمنظر الاعلي.

ثم قال عليه السلام: إن أفضل الفرائض وأوجبها علي الإنسان معرفة الرب والإقرار له بالعبودية، وحد المعرفة أن يعرف أنه لا إله غيره، ولا شبيه له ولا نظير، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد، موصوف من غير شبيه ولا مبطل، ليس كمثله شئ وهو السميع البصير.

وبعده معرفة الرسول والشهادة بالنبوة.

وأدني معرفة الرسول الإقرار بنبوته، وأن ما أتي به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من الله عز وجل، وبعده معرفة الإمام الذي به تأتم بنعته وصفته واسمه في حال العسر واليسر....

ثم قال: يا معاوية جعلت

لك أصلاً في هذا فاعمل عليه، فلو كنت تموت علي ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الاحوال، فلا يغرنك قول من زعم أن الله تعالي يري بالبصر.

قال: وقد قالوا أعجب من هذا، أو لم ينسبوا آدم عليه السلام إلي المكروه!

أو لم ينسبوا إبراهيم عليه السلام إلي ما نسبوه!

أو لم ينسبوا داود عليه السلام إلي ما نسبوه من حديث الطير!

أو لم ينسبوا يوسف الصديق إلي ما نسبوه من حديث زليخا!

أو لم ينسبوا موسي عليه السلام إلي ما نسبوه من القتل!

أو لم ينسبوا رسول الله صلي الله عليه وآله إلي ما نسبوه من حديث زيد!

أو لم ينسبوا علي بن أبي طالب عليه السلام إلي ما نسبوه من حديث القطيفة!

إنهم أرادوا بذلك توبيخ الإسلام ليرجعوا علي أعقابهم، أعمي الله أبصارهم كما أعمي قلوبهم، تعالي الله عن ذلك علواً كبيرا.

وروي نحوه في بحار الأنوار:4/33 وص 39 وفيه (إن أوهام القلوب أكثر من أبصار العيون فهي لا تدركه، وهو يدرك الأوهام).

وروي نحوه في بحار الأنوار:4/29 وفيه (لا تدركه أوهام القلوب فكيف تدركه أبصار العيون! وقال المجلسي رحمه الله:

بيان: هذه الآية إحدي الدلالات التي استدل بها النافون للرؤية وقرروها بوجهين:

أحدهما: أن إدراك البصر عبارة شائعة في الإدراك بالبصر إسناداً للفعل إلي الآلة، والإدراك بالبصر هو الرؤية بمعني اتحاد المفهومين أو تلازمهما، والجمع المعرف باللام عند عدم قرينة العهدية والبعضية للعموم والإستغراق بإجماع أهل العربية والأصول وأئمة التفسير، وبشهادة استعمال الفصحاء، وصحة الإستثناء، فالله سبحانه قد أخبر بأنه لا يراه أحد في المستقبل، فلو رآه المؤمنون في الجنة لزم كذبه تعالي وهو محال.

واعترض عليه: بأن اللام في الجمع لو

كان للعموم والاستغراق كما ذكرتم كان قوله تدركه الأبصار موجبة كلية، وقد دخل عليها النفي، فرفعها وهو رفع الإيجاب الكلي، ورفع الإيجاب الكلي سلب جزئي. ولو لم يكن للعموم كان قوله لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ سالبة مهملة في قوة الجزئية، فكان المعني لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ونحن نقول بموجبة حيث لا يراه الكافرون، ولو سلم فلا نسلم عمومه في الأحوال والأوقات فيحمل علي نفي الرؤية في الدنيا جمعاً بين الأدلة.

والجواب: أنه قد تقرر في موضعه أن الجمع المحلي باللام عام نفياً وإثباتاً في المنفي والمثبت كقوله تعالي: وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ، مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، حتي أنه لم يرد في سياق النفي في شئ من الكتاب الكريم إلا بمعني عموم النفي، ولم يرد لنفي العموم أصلاً، نعم قد اختلف في النفي الداخل علي لفظة كل لكنه في القرآن المجيد أيضاً بالمعني الذي ذكرنا كقوله تعالي: وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، إلي غير ذلك، وقد اعترف بما ذكرنا في شرح المقاصد وبالغ فيه.

وأما منع عموم الأحوال والأوقات فلا يخفي فساده، فإن النفي المطلق الغير المقيد لا وجه لتخصيصه ببعض الأوقات إذ لا ترجيح لبعضها علي بعض، وهو أحد الأدلة علي العموم عند علماء الأصول.

وأيضاً صحة الإستثناء دليل عليه، وهل يمنع أحد صحة قولنا: ما كلمت زيداً إلا يوم الجمعة، ولا أكلمه إلا يوم العيد، وقال تعالي: وَلا تَعْضُلُوهُنَّ، إلي قوله: إِلا أَنْ يَأتِينَ. وقال: لا تُخْرِجُوهُنَّ، إلي قوله إِلا أَنْ يَاتِينَ.

وأيضاً كل نفي ورد في القرآن بالنسبة إلي ذاته تعالي فهو للتأبيد وعموم الأوقات لا سيما فيما قبل هذه الآية.

وأيضاً عدم إدراك الأبصار جميعاً لشئ لا يختص بشئ من الموجودات،

خصوصاً مع اعتبار شمول الأحوال والأوقات، فلا يختص به تعالي، فتعين أن يكون التمدح بعدم إدراك شئ من الأبصار له في شئ من الأوقات.

وثانيهما: أنه تعالي تمدح بكونه لا يري فإنه ذكره في أثناء المدائح، وما كان من الصفات عدمه مدحاً كان وجوده نقصاً يجب تنزيه الله تعالي عنه، وإنما قلنا من الصفات احترازاً عن الأفعال كالعفو والإنتقام فإن الأول تفضل، والثاني عدل، وكلاهما كمال.

الإقتصاد للشيخ الطوسي/39:

ولا يجوز عليه تعالي الرؤية بالبصر، لأن من شرط صحة الرؤية أن يكون المرئي نفسه أو محله مقابلاً للرائي بحاسة، أو في حكم المقابل، والمقابلة يستحيل عليه لأنه ليس بجسم، ومقابلة محله أيضاً يستحيل عليه لأنه ليس بعرض علي ما بيناه.

ولأنه لو كان مرئياً لرأيناه مع صحة حواسنا وارتفاع الموانع المعقولة ووجوده، لأن المرئي إذا وجد وارتفعت الموانع المعقولة وجب أن نراه، وإنما لا نراه إما لبعد مفرط أو قرب مفرط أو لحائل بيننا وبينه أو للطافة أو صغر، وكل ذلك لا يجوز عليه تعالي لأنه من صفات الأجسام والجواهر.

وبمثل ذلك بعينه يعلم أنه لا يدرك بشئ من الحواس الباقية، فلا وجه للتطويل بذكره، والحاسة السادسة غير معقولة، ولو كانت معقولة لكان حكمها حكم هذه الحواس مع اختلافها واتفاقها في هذا الحكم.

وأيضاً قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، دليل علي استحالة رؤيته، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكل تمدح تعلق بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، كقوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، وقوله تعالي: مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ وَلَدٍ، وقوله تعالي: وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ، وقوله تعالي: لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا، وغير ذلك مما تعلق المدح بالنفي، فكان إثباته نقصاً.

والآية فيها مدح بلا خلاف وإن اختلفوا في جهة المدح، والادراك في الآية بمعني الرؤية، لأنه نفي عن نفسه ما أثبته لنفسه بقوله: وهو يدرك الابصار.

وقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، لا يعارض هذه الآية، لأن النظر المذكور في الآية معناه الإنتظار، فكأنه قال: لثواب ربها منتظرة.

ومثله قوله: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة، أي منتظرة. وليس النظر بمعني الرؤية في شئ من كلام العرب، ألا تري أنهم يقولون: نظرت إلي الهلال فلم أره، فيثبتون النظر وينفون الرؤية، ولو كان معناه الرؤية لكان ذلك مناقضة، ويقولون: ما زالت أنظر إليه حتي رأيته، ولا يقولون: ما زلت أراه حتي رأيته. ولو سلم أن النظر بمعني الرؤية لجاز أن يكون معناه: إلي ثواب ربها رائية، وثواب الله يصح رؤيته.

ويحتمل أن تكون إلي في الآية واحد الالاء، لأنه يقال إلي وإلي وألي، وإنما لم تنون لمكان الاضافة، فتكون إلي في الآية إسماً لا حرفاً، فتسقط بذلك شبهة المخالف.

وقول موسي عليه السلام: رب أرني أنظر اليك، يحتمل أن يكون سأل الرؤية لقومه علي ما حكاه الله عز وجل في قوله: فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة، فسأل الله تعالي ذلك ليرد الجواب من جهته فيكون أبلغ.

ويحتمل أن يكون سأل العلم الضروري الذي تزول معه الخواطر والشبهات، أو إظهار آية من آيات الساعة التي يحصل عندها العلم الذي لا شك فيه، وللأنبياء أن يسألوا تخفيف البلوي في التكليف، كما سأل ابراهيم عليه السلام فقال: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَ لَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي وكل ذلك لا ينافي الآية التي ذكرناها. انتهي. ويؤيد الوجه الأخير الذي ذكره

الشيخ الطوسي رحمه الله تركيب الآية: أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، ولم يقل أنظرك، فهو يريد أن يريه شيئاً يجعله كأنه يشاهد الله تعالي.

تفسير التبيان:4/223:

قوله تعالي: لاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير الأنعام: 103.

في هذه الآية دلالة واضحة علي أنه تعالي لا يري بالابصار، لأنه تمدح بنفي الإدراك عن نفسه، وكلما كان نفيه مدحاً غير متفضل به فإثباته لا يكون إلا نقصاً، والنقص لا يليق به تعالي. فإذا ثبت أنه لا يجوز إدراكه ولا رؤيته.

وهذه الجملة تحتاج إلي بيان أشياء: أحدها، أنه تعالي تمدح بالآية. والثاني أن الادراك هو الرؤية. والثالث أن كلما كان نفيه مدحاً لا يكون إثباته إلا نقصاً.

والذي يدل علي تمدحه شيئان:

أحدهما، إجماع الأمة فإنه لا خلاف بينهم في أنه تعالي تمدح بهذه الآية، فقولنا تمدح بنفي الادراك عن نفسه لإستحالته عليه، وقال المخالف تمدح لأنه قادر علي منع الأبصار من رؤيته. فالإجماع حاصل علي أن فيها مدحة.

والثاني، أن جميع الأوصاف التي وصف بها نفسه قبل هذه الآية وبعدها مدحة، فلا يجوز أن يتخلل ذلك ما ليس بمدحة. والذي يدل علي أن الإدراك يفيد الرؤية أن أهل اللغة لا يفرقون بين قولهم: أدركت ببصري شخصاً، وآنست، وأحسست ببصري. وأنه يراد بذلك أجمع الرؤية. فلو جاز الخلاف في الادراك لجاز الخلاف فيما عداه من الاقسام.

فأما الإدراك في اللغة، فقد يكون بمعني اللحوق كقولهم: أدرك قتادة الحسن. ويكون بمعني النضج، كقولهم أدركت الثمرة، وأدركت القدر، وإدرك الغلام إذا بلغ حال الرجال.

وأيضاً فإن الإدراك إذا أضيف إلي واحد من الحواس أفاد ما تلك الحاسة آلة فيه. ألا تري أنهم يقولون: أدركته بأذني يريدون سمعته، وأدركته بأنفي

يريدون شممته، وأدركته بفمي يريدون ذقته. وكذلك إذا قالوا: أدركته ببصري يريدون رأيته. وأما قولهم أدركت حرارة الميل ببصري فغير معروف ولا مسموع، ومع هذا ليس بمطلق بل هو مقيد، لأن قولهم حرارة الميل تقييد لأن الحرارة تدرك بكل محل فيه حياة، ولو قال أدركت الميل ببصري لما استفيد به إلا الرؤية.

وقولهم إن الإدراك هو الاحاطة باطل، لأنه لو كان كذلك لقالوا: أدرك الجراب بالدقيق وأدرك الحب بالماء وأدرك السور بالمدينة لإحاطة جميع ذلك بما فيه، والأمر بخلاف ذلك. وقوله: حتي إذا أدركه الغرق، فليس المراد به الإحاطة بل المعني حتي إذا لحقه الغرق، كما يقولون أدركت فلاناً إذا لحقته، ومثله: فلما تراءي الجمعان قال أصحاب موسي إنا لمدركون، أي لملحوقون.

والذي يدل علي أن المدح إذا كان متعلقاً بنفي فإثباته لا يكون إلا نقصاً، قوله: لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَ لا نَوْمٌ، وقوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَ مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ، لما كان مدحاً متعلقاً بنفي فلو ثبت في حال لكان نقصاً.

فإن قيل: كيف يتمدح بنفي الرؤية ومع هذا يشاركه فيها ما ليس بممدوح من المعدومات والضمائر.

قلنا: إنما كان ذلك مدحاً بشرط كونه مدركاً للأصار، وبذلك تميز من جميع الموجودات، لأنه ليس في الموجودات ما يدرك ولا يدرك.

فإن قيل: ولم إذا كان يدرك ولا يدرك يجب أن يكون ممدوحاً.

قلنا: قد ثبت أن الآية مدحة بما دللنا عليه، ولابد فيها من وجه مدحة فلا يخلو من أحد وجهين: إما أن يكون وجه المدحة أنه يستحيل رؤيته مع كونه رائياً، أو ما قالوه من أنه يقدر علي منع الابصار من رؤيته بأن لا يفعل فيها الإدراك، وما قالوه باطل

لقيام الدلالة علي أن الإدراك ليس بمعني الإحاطة، فإذا بطل ذلك لم يبق إلا ما قلناه، وإلا خرجت الآية من كونها مدحة. وقد قيل: إن وجه المدحة في ذلك أن من حق المرئي أن يكون مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يدل علي مدحته، وهذا دليل من أصل المسألة لا يمكن أن يكون جواباً في الآية.

فإن قيل: إنه تعالي نفي أن تكون الابصار تدركه فمن أين أن المبصرين لا يدركونه؟

قلنا: الأبصار لا تدرك شيئاً البتة فلا اختصاص لها به دون غيره، وأيضاً فإن العادة أن يضاف الإدراك إلي الأبصار ويراد به ذووا الأبصار، كما يقولون: بطشت يدي وسمعت أذني وتكلم لساني، ويراد به أجمع ذووا الجارحة.

فإن قيل: إنه تعالي نفي أن جميع المبصرين لا يدركونه، فمن أين أن البعض لا يدركونه وهم المؤمنون؟

قلنا: إذا كان تمدحه في استحالة الرؤية عليه لما قدمناه، فلا اختصاص لذلك براء دون رائي، ولك أن تستدل بأن تقول: هو تعالي نفي الإدراك عن نفسه نفياً عاماً كما أنه أثبت لنفسه ذلك عاماً، فلو جاز أن يخص ذلك بوقت دون وقت لجاز مثله في كونه مدركاً. وإذا ثبت نفي إدراكه علي كل حال، فكل من قال بذلك قال الرؤية مستحيلة عليه. ومن أجاز الرؤية لم ينفها نفياً عاماً فالقول بنفيها عموماً، مع جواز الرؤية عليه قول خارج عن الإجماع.

فإن عورضت هذه الآية بقوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، فإنا نبين أنه لا تعارض بينهما وأنه ليس في هذه الآية مايدل علي جواز الرؤية إذا انتهينا إليها إنشاء الله.

تفسير التبيان:1/228:

وقال قوم: إن النظر إذا كان معه إلي لا يحتمل إلا الرؤية. وحملوا قوله: إلي

رَبِّهَا نَاظِرَةٌ علي ذلك وقالوا لا يحتمل التأمل. وذلك غلط لانهم يقولون: إنما أنظر إلي الله ثم إليك بمعني أتوقع فضل الله ثم فضلك. وقال الطريح بن إسماعيل:

وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك جرتني نعماء

وقال جميل بن معمر:

إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلي الغني الموسر

وقال آخر:

وجوه يوم بدر ناظرات إلي الرحمان تأتي بالفلاح

وأتوا ب(إلي) علي معني نظر الإنتظار.

والصحيح أن النظر لا يفيد الرؤية وإنما حقيقته تحديق الجارحة الصحيحة نحو المرئي طلباً لرؤيته، ولو أفاد الرؤية لما جعل غاية لنفسه، ألا تراهم يقولون: مازلت أنظر إليه (حتي رأيته) ولا يقولون ما زلت أراه حتي رأيته، ولانهم يثبتون النظر وينفون الرؤية فيقولون: نظرت إليه فلم أره، ولا يقولون رأيته فلم أره.

تفسير التبيان:10/197:

ثم قسم تعالي أهل الآخرة فقال (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي مشرقة مضيئة، فالنضرة الصورة الحسنة التي تملأ القلب سروراً عند الرؤية، نضر وجهه ينضر نضرة ونضارة فهو ناضر. والنضرة مثل البهجة والطلاقة، وضده العبوس والبسور، فوجوه المؤمنين المستحقين للثواب بهذه الصفة بما جعل الله عليها من النور علامة للخلق، والملائكة علي أنهم مؤمنون مستحقون الثواب.

وقوله: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، معناه منتظرة نعمة ربها وثوابه أن يصل إليهم.

وقيل (نَاضِرَةٌ) أي مشرفة (إلي) ثواب ربها (نَاظِرَةٌ) وليس في ذلك تنغيص، لأن الإنتظار إنما يكون فيه تنغيص إذا كان لا يوثق بوصوله إلي المنتظر أو هو محتاج إليه في الحال، والمؤمنون بخلاف ذلك، لأنهم في الحال مستغنون منعمون، وهم أيضاً واثقون أنهم يصلون إلي الثواب المنتظر.

والنظر هو تقليب الحدقة الصحية نحو المرئي طلباً للرؤية، ويكون النظر بمعني الإنتظار، كما قال تعالي (وَإِنِّي

مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ، أي منتظرة، وقال الشاعر:

وجوه يوم بدر ناظرات إلي الرحمن تأتي بالفلاح

أي منتظرة للرحمة التي تنزل عليهم.

وقد يقول القائل: إنما عيني ممدودة إلي الله وإلي فلان، وأنظر إليه أي أنتظر خيره ونفعه وأؤمل ذلك من جهته، وقوله: وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، معناه لا ينيلهم رحمته.

ويكون النظر بمعني المقابلة، ومنه المناظرة في الجدل، ومنه نظر الرحمة أي قابله بالرحمة، ويقال: دور بني فلان تتناظر أي تتقابل، وهو ينظر إلي فلان أي يؤمله وينتظر خيره، وليس النظر بمعني الرؤية أصلاً، بدلالة أنهم يقولون: نظرت إلي الهلال فلم أره، فلو كان بمعني الرؤية لكان متناقضاً، ولأنهم يجعلون الرؤية غاية للنظر يقولون: ما زلت أنظر إليه حتي رأيته، ولا يجعل الشئ غاية لنفسه لا يقال: بما زلت أراه حتي رأيته، ويعلم الناظر ناظراً ضرورة، ولا يعلم كونه رائياً بل يسأل بعد ذلك هل رأيت أم لا.

ودخول (إلي) في الآية لا يدل علي أن المراد بالنظر الرؤية، ولا تعليقه بالوجوه يدل علي ذلك، لانا أنشدنا البيت وفيه تعليق النظر بالوجه وتعديه بحرف (إلي) والمراد به الإنتظار، وقال جميل بن معمر:

وإذا نظرت إليك من ملك والبحر دونك جدتني نعم

والمراد به الإنتظار والتأميل.

وأيضاً، فإنه في مقابلة قوله في صفة أهل النار: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، فالمؤمنون يؤمنون بتجديد الكرامة وينتظرون الثواب، والكفار يظنون الفاقرة، وكله راجع إلي فعل القلب.

ولو سلمنا أن النظر يعد الرؤية لجاز أن يكون المراد أنها رؤية ثواب ربها، لأن الثواب الذي هو أنواع اللذات من المأكول والمشروب والمنكوح تصح رؤيته.

ويجوز أيضاً أن يكون إلي واحد إلاء وفي واحدها لغات (ألا) مثل قفا و

(ألي) مثل معي و (ألي) مثل حدي و (أل) مثل حسا، فإذا أضيف إلي غيره سقط التنوين، ولا يكون (إلي) حرفاً في الآية. وكل ذلك يبطل قول من أجاز الرؤية علي الله تعالي.

وليس لأحد أن يقول: إن الوجه الأخير يخالف الإجماع، أعني إجماع المفسرين، وذلك لأنا لا نسلم لهم ذلك، بل قد قال مجاهد وأبو صالح والحسن وسعيد بن جبير والضحاك: إن المراد نظر الثواب. وروي مثله عن علي عليه السلام.

وقد فرق أهل اللغة بين نظر الغضبان ونظر الراضي، يقولون: نظر غضبان، ونظر راض، ونظر عداوة ونظر مودة، قال الشاعر:

تخبرني العينان ما الصدر كاتم ولا حن بالبغضاء والنظر الشزر

والرؤية ليست كذلك فإنهم لا يضيفونها، فدل علي أن النظر غير الرؤية، والمرئي هو المدرك، والرؤية هي الإدراك بالبصر، والرائي هو المدرك، ولا تصح الرؤية وهي الإدراك إلا علي الأجسام أو الجوهر أو الألوان. ومن شرط المرئي أن يكون هو أو محله مقابلاً أو في حكم المقابل، وذلك يستحيل عليه تعالي، فكيف تجيز الرؤية عليه تعالي!

اميرالمؤمنين يدفع الشبهات

كتاب التوحيد للصدوق/254-269:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي، عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد، عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل، قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل؟

قال: لاني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً

فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً، ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا، وقال أيضاً: نسوا الله فنسيهم، وقال: وما كان ربك نسياً، فمرة يخبر أنه ينسي، ومرة يخبر أنه لا ينسي، فأني ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً.

قال: وأجد الله يقول: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا، وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين، وقال: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَ يَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقال: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ، وقال: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وقال: نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فمرة يخبر أنهم يتكلمون ومرة يخبر أنهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صواباً، ومرة يخبر أن الخلق لا ينطقون ويقول عن مقالتهم: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ: ومرة يخبر أنهم يختصمون، فأني ذلك يا أمير المؤمنين، وكيف لا أشك فيما تسمع...

قال: هات ويحك ما شككت فيه.

قال: وأجد الله عز وجل يقول: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. ويقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. ويقول: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، ويقول: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، ومن أدركته الأبصار فقد

أحاط به العلم، فأني ذلك يا أمير المؤمنين وكيف لا أشك فيما تسمع؟....

فقال عليه السلام: وأما قوله عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وقوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وقوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، وقوله: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا، فأما قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، فإن ذلك في موضع ينتهي فيه أولياء الله عز وجل بعدما يفرغ من الحساب إلي نهر يسمي الحيوان فيغتسلون فيه ويشربون منه فتنضر وجوههم إشراقاً فيذهب عنهم كل قذي ووعث، ثم يؤمرون بدخول الجنة، فمن هذا المقام ينظرون إلي ربهم كيف يثيبهم، ومنه يدخلون الجنة، فذلك قوله عز وجل من تسليم الملائكة عليهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ، فعند ذلك أيقنوا بدخول الجنة والنظر إلي ما وعدهم ربهم فذلك قوله: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وإنما (عني) بالنظر إليه النظر إلي ثوابه يعني لا تحيط به الأوهام. وهو يدرك الأبصار، يعني يحيط بها وهو اللطيف الخبير، وذلك مدح امتدح به ربنا نفسه تبارك وتعالي وتقدس علواً كبيرا، وقد سأل موسي عليه السلام وجري علي لسانه من حمد الله عزوجل: رب أرني أنظر إليك، فكانت مسألته تلك أمراً عظيماً، فقال الله تبارك وتعالي: لَنْ تَرَانِي.. انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فأبدي الله سبحان بعض آياته وتجلي ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميماً وخر موسي صعقاً، يعني ميتاً، ثم أحياه الله وبعثه وتاب عليه، فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول مؤمن آمن بك منهم أنه لن يراك.

وأما قوله: ولقد رآه

نزلة أخري عند سدرة المنتهي، يعني محمداً صلي الله عليه وآله كان عند سدرة المنتهي حيث لا يتجاوزها خلق من خلق الله، وقوله في آخر الآية: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. رأي جبرئيل عليه السلام في صورته مرتين هذه المرة ومرة أخري، وذلك أن خلق جبرئيل عظيم فهو من الروحانيين الذين لا يدرك خلقهم وصفتهم إلا الله رب العالمين. ورواه الطبرسي في الاحتجاج: 1/358 _ 362 ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/32.

شرح الأسماء الحسني:1/185:

(يا من يَري ولا يُري)

طال التشاجر بين الأشاعرة والمعتزلة في مسألة الرؤية فذهب الأشاعره إلي أن الله تعالي يري في الآخرة وينكشف انكشاف البدر المرئي ولكن بلا مقابلة وجهة ومكان، خلافاً للمعتزلة حيث نفوها، وللمشبهه والكرامية فإنهم وإن جوزوا رؤيته تعالي ولكن في الجهة والمكان وعلي سبيل المقابلة، لإعتقادهم جسميته تعالي عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

وحرر بعض متأخري الأشاعرة حل النزاع بأنه لا نزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي، ولا للمثبتين في امتناع ارتسام صورة المرئي في العين، أو اتصال الشعاع الخارج من العين بالمرئي.

وإنما محل النزاع أنا إذا عرفنا الشمس مثلاً بحد أو رسم كان نوعاً من المعرفة، ثم إذا أبصرناها وغمضنا العين كان نوعاً آخر من المعرفة فوق الأول، ثم إذا فتحنا العين حصل نوع آخر من الإدراك فوق الأولين، نسميها الرؤية ولا يتعلق في الدنيا إلا بما هو في جهة ومكان، فمثل هذه الحالة الإدراكية هل يصح أن تقع بدون المقابلة والجهة، وأن تتعلق بذات الله تعالي منزها عن الجهة والمكان أم لا.

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالي

حكاية عن موسي عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ....

ومنها، قوله تعالي لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ.

ومنها، هذا الإسم الشريف الذي هو نظير هذه الآية.

وبالجملة كل الآيات والسنن التنزيهية تدل عليه نصاً وظاهراً ومنطوقاً ومفهوماً، والحق أن مراد محققي الأشاعرة من الرؤية هو الشهود بنوره لنوره والإنكشاف البالغ حد العيان، أيدته الأذواق وصدقه قاطع البرهان، بدليل قولهم بلا مقابلة وجهة ومكان، وكذا قولهم في تحرير محل النزاع، فمثل تلك الحالة الإدراكية أعدل شاهد علي ذلك، إذ ليس مرادهم ما هو ظاهره حتي يقال حصول مثل تلك الحالة وعدم حصول مقابله ولا جهة، ومع هذا تكون رؤية لا تعقلاً، بل مرادهم أنه كما أن تلك الحالة ممتازة عن التعقل والتخيل والإحساس بالحس المشترك ومشاهدة وشهود للبصر، كذلك سيحصل لنا حالة عيانية ممتازة عنها وعلم حضوري بالنسبة إليه تعالي، هو شهود لا علي المشاعر الجامع لجميعها بنحو أعلي، خذ الغايات ودع المبادي أي المبادي الطبيعية المحدودة، كما ذكرنا في كونه سميعاً بصيراً أن المشاهدة التي يترتب علي قوانا يترتب علي ذاته النورية بنحو أنور فإنه سميع بصير بذاته لا بالسمع والبصر، فهذا مرادهم، وإلا فكما لا يليق بالعلماء التكلم في مسموعيته أو مشموميته مثلاً إذ ليس من سنخ المسموعات أو المشمومات، كذلك لا يليق بهم التكلم في مبصريته إذ ليس من سنخ المبصرات لأن المبصر بالذات هو الضوء واللون عند التحقيق وإن كانت الجواهر الفردة عند المتكلم مبصرة بالذات.

فإذا عرفت هذا، فاعلم أن أرباب القشور منهم حرفوا الكلم عن مواضعه فلم يتفوهوا بما هو مخ القول، وعموا وصموا عما هو لب الحق، إذ كان المراد هو الشهود، والمعتزلة أيضاً

لا ينكرونه، وإنما أنكروا الرؤية الظاهرية التي بالجارحة كما مر في محل النزاع أنه لانزاع للنافين في جواز الإنكشاف التام العلمي بأن يكون المراد بالعلمي العلم الحضوري، ولكن لا علي سبيل الاكتناه، كما قيل إن العارفين المتألهين يشاهدونه ولكن لا بالكنه بل علي سبيل الفناء الذي هو قرة عين العرفاء والعلماء، بأن يري كل فعل وصفة ووجود مستهلكة في فعله وصفته ووجوده تعالي.

ولا يجوز للمؤمن إنكار ذلك الشهود لأن إنكاره إنكار الكتب السماوية والسنن النبوية والآثار الولوية، بل هو غاية إرسال المرسلين وإرشاد الأئمة الهادين وسير السايرين وسلوك السالكين، ولولاه لم يكن سماء ولا أرض ولا بسيط ولا مركب، كما قال تعالي: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ، أي ليعرفون، وفي الحديث القدسي: فخلقت الخلق لأعرف، فالكتاب المجيد الذي هو تنزيل من حكيم حميد مشحون منه قال تعالي مَنْ كَانَ يَرْجُواْ لِقَاءَ اللهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لاتٍ. يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ. ارْجِعِي إلي رَبِّكِ. شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ. والشهادة بالوحدانية فرع الشهادة بالوجود وشهوده، وهكذا كل آية مشتملة علي ما دل علي الشهود حتي لفظ الإيمان باعتبار بعض درجاته العالية....

قال سيد الأولياء عليه السلام: لم أعبد رباً لم أره. ما رأيت شيئاً إلا ورأيت الله فيه أو قبله أو معه.

وقال ابنه سيد الشهداء عليه السلام: عميت عين لا تراك.

وقال أيضاً: تعرفت بكل شئ فما جهلك شي. تعرفت إلي في كل شئ فرأيتك ظاهراً في كل شئ، فأنت الظاهر لكل شئ.

وليكف هذا اليسير من الكثير لأن كل أشراك مقالاتهم وحبايل تحريراتهم لإصطياد هذا الصيد العديم المثال، فتمام سهام قصودهم واقعة علي هذا الغرض الرفيع المنال،

وحيث حملنا الرؤية علي الشهود فلا تخصيص له بالآخرة، فإن أبناء اليقين لموتهم الإرادي قبل موتهم الطبيعي وفنائهم عن ذواتهم قامت قيامتهم ورأوا ما رأوا، ومن كان في هذه أعمي فهو في الآخرة أعمي.

روي الشيخ الصدوق رحمه الله عن أبي بصير قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: أخبرني عن الله تعالي هل يراه المؤمنون يوم القيمة قال: نعم وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متي؟ قال: حين قال ألست بربكم قالوا بلي. ثم سكت ساعة ثم قال: وإن المؤمنين يرونه في الدنيا قبل يوم القيامة. ألست تراه في وقتك هذا قال أبو بصير فقلت: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال: لا فإنك إذا حدثت به فأنكره منكر جاهل بمعني ماتقول ثم قدر أن هذا تشبيه كفر، وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالي عما يصفه المشبهون والملحدون.

وقال سيد الموقنين ومولي المكاشفين: لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً....

وقوله عليه السلام ما ازددت يقيناً، لعل المراد منه نفي الزيادة الكمية لا الكيفية، ومن ثم قال صلي الله عليه وآله: إن العيش عيش الآخرة. ونعم ما قال العارف عبدالرحمن الجامي قدس سره السامي:

تا بود باقي بقاياي وجود كي شود صاف از كدر جام شهود

تا بود پيوند جان وتن بجاي كي شود مقصود كل برقع گشاي

تا بود قالب غبار چشم جان كي توان ديدن رخ جانان عيان

ثم إن الشهود الحاصل لأهل الله في الدنيا ليس لهم بما هم بأبدانهم فرشيون دنيويون، بل بما هم بقلوبهم عرشيون أخرويون، فيصدق أن الرؤية والشهود مطلقاً مخصوصة بالآخرة.

ويمكن أيضاً التوفيق بين المذهبين بأن الرؤية وإن كانت بمعني الشهود لا يمكن في الدنيا والآخرة بالنسبة إلي كنه

ذاته، احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، ويمكن بالنسبة إلي وجهه: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ.

بل هاهنا نظر آخر فيه حصر النظر علي وجهه الكريم كما قال المعصوم عليه السلام بنقل القاضي سعيد القمي: لا أري إلا وجهك ولا أسمع إلا صوتك، يا من يخلق ولا يخلق، يا من يهدي ولا يهدي، يا من يحيي ولا يحيي، يا من يسأل ولا يسأل. هذا الإسم الشريف مأخوذ من الآية الشريفة وهي: لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وقد تمسك الأشاعرة بها في كثير من المواضع، منها أنهم قالوا بنفي اللمية الغائية والداعي وجواز الترجيح من غير مرجح، فإذا سئل عنهم ما المخصص لأحداث العالم في وقت مخصوص دون ساير الأوقات مع تشابهها، وما المرجح للإمساك في أوقات غير متناهية، كما هو مذهبهم من التعطيل والإفاضة في وقت؟ مع كونه تعالي علة تامة غير محتاج إلي شرط أو آلة أو معاون أو حالة منتظرة، وبالجملة ما به يتم فاعليته؟ قالوا: لا يسئل عما يفعل، والتزموا القدرة الخرافية.

ومنها، أنهم حيث قالوا بالتحسين والتقبيح الشرعيين دون العقليين قالوا بنفي العلاقة اللزومية بين الأعمال الحسنة ودخول الجنة وبين الأعمال القبيحة ودخول النار، بحيث جوزوا أن يدخل الله السعيد في النار خالداً والشقي في الجنة أبداً، فإذا قيل عليهم إن هذا ظلم صريح، قالوا: لا يسأل عما يفعل... إلخ.

واحتج المعتزلة أيضاً بحجج عقلية ونقلية كثيرة، نذكر بعضها ونترك أكثرها لأن من أنس بالقواعد العقلية وحافظ علي تنزيه الله من سمات المحدثات وصفات الأجسام قدر علي إقامة حجج كثيرة وإبطال ما هو ظاهر الأشاعرة من الرؤية.

فمنها، أنه فيما عندنا من المبصرات يجب الرؤية عند تحقق شروط ثمانية

ككون الحاسة سليمة وكون الشئ جايز الرؤية وكون الشئ مقابلاً أو في حكم المقابل وعدم كون المرئي في غاية القرب وغاية البعد وغاية اللطافة وغاية الصغر وأن لا يكون بين الرائي والمرئي حجاب، إذ لو لم تجب الرؤية عند حصول الشرائط جاز أن يكون بحضرتنا جبال وأشخاص لا نراها، والستة الاخيرة لا يمكن اعتبارها في رؤيته تعالي لتنزهه عن الجهة والحيز، بقي سلامة الحاسة وجواز الرؤية، وسلامة الحاسة حاصلة فلو جاز الرؤية وجب أن تراه في الدنيا والجنة دائماً، والأول منتف بالضرورة والثاني بالإجماع والنصوص القاطعة الدالة علي اشتغالهم بغير ذلك من اللذات.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

روي السيوطي في الدر المنثور:3/37 عدداً من الروايات التي توافق مذهبنا ومذهب عائشة، قال:

وأخرج عبد ابن حميد وأبوالشيخ عن قتادة: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال هو أجلُّ من ذلك وأعظم من أن تدركه الأبصار.

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، يقول لا يراه شئ وهو يري الخلائق.

تفسير الطبري:9/38:

معاوية عن علي (بن طلحة) عن ابن عباس قوله تعالي: سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ، يقول أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك. انتهي.

وقد تقدم استدلال عائشة بالآية علي عدم إمكان الرؤية، قال الرازي في المطالب العالية:1 جزء 1/87: إن عائشة (رض) قالت: من حدثكم أن محمداً رأي ربه فقد أعظم الفرية، ثم قرأت: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ.

محاولاتهم تأويل الآية و إبطال معناه

رد النووي علي عائشة في شرح مسلم-هامش الساري:2/93 فقال: فأما إحتجاج عائشة بقول الله تعالي لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. فجوابه ظاهر فإن الإدراك هو الإحاطة والله تعالي لايحاط به! وإذا ورد النص بنفي الإحاطة فلما يلزم منه نفي الرؤية بغير إحاطة. انتهي. ولكن المنفي هنا هو إدراك البصر، وهو أعم من الرؤية الجزئية والإحاطة!

وقال الجويني في لمع الأدلة/101-105:

مذهب أهل الحق أن الباري تعالي مرئي، ويجوز أن يراه الراؤون بالأبصار...

والدليل علي جواز الرؤية عقلاً: أن الرب سبحانه وتعالي موجود، وكل موجود مرئي. وبيان ذلك: أنا نري الجواهر والألوان، فإن رئي الجوهر لكونه جوهراً لزم ألا يري الجوهر، وإن رئيا لوجودهما لزم أن يري كل موجود، والباري سبحانه وتعالي: موجود فصح أن يري.

فإن قالوا: إنما يري ما يري لحدوثه والرب تعالي أزلي قديم الذات فلا يري، فالجواب من وجهين: أحدهما أن نقول كلامكم هذا

نقض عليكم لجواز رؤية الطعوم والروائح والعلوم ونحوها فإنها حوادث، وعندكم يستحيل أن تري.

ثم الجواب الحقيقي أن نقول: الحدوث ينبي عن موجود مسبوق بعدم والعدم السابق لا يصحح الرؤية، فانحصر التصحيح في الوجود، فدل علي أن كل موجود صح أن يري.

ويستدل علي جواز الرؤية وأنها ستكون في الجنان وعداً من الله صدقاً وقولاً منه حقاً بقوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. والنظر إذا عدي بإلي اقتضي رؤية البصر. وإن عارضونا بقوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ. قلنا: فمن أصحابنا من قال الرب تعالي يري ولا يدرك فإن الإدراك ينبئ عن الإحاطة ودرك الغاية، والرب مقدس عن الغاية والنهاية. فإن عارضونا بقوله تعالي في جواب موسي عليه السلام: لَنْ تَرَانِي، فزعموا أن لن تقتضي النفي علي التأبيد...

قلنا: هذه الآية من أوضح الأدلة علي جواز الرؤية! فإنها لو كانت مستحيلة لكان معتقد جوازها ضالاً أو كافراً، وكيف يعتقد ما لا يجوز علي الله تعالي من اصطفاه الله تعالي لرسالته واجتباه لنبوته وخصصه بتكريمه وشرفه بتكليمه وجعله أفضل أهل زمانه وأيده ببرهانه، ويجوز علي الأنبياء الريب في أمر يتعلق بعلم الغيب، أما ما يتعلق بوصف الباري عز وعلا فلا يجوز الريب عليهم، فيجب حمل الآية علي أن ما اعتقد موسي عليه السلام جوازه جائز، لكن ظن أن ما اعتقد جوازه ناجزاً فيرجع النفي في الجواب إلي السؤال. وما سأل موسي عليه السلام ربه رؤية في الدنيا لينصرف النفي إليها، والجواب نزل علي قضية الخطاب. انتهي. وقد تقدم أن موسي عليه السلام لم يطلب رؤية ذات الله تعالي، بل طلب أن يريه شيئاً من آياته كأنه ينظر إليه.

وروي السيوطي في الدر المنثور:3/37:

وأخرج ابن

أبي حاتم وأبو الشيخ عن إسماعيل بن علية، في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: هذا في الدنيا!

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عكرمة عن ابن عباس قال: إن النبي(ص)رأي ربه، فقال له رجل عند ذلك أليس قال الله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ! فقال له عكرمة: ألست تري السماء؟ قال: بلي، قال فكلها تري! (يقصد بما أن الله تعالي كبير فإنا نري جزءً منه فقط!)

وأخرج الترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه واللالكائي في السنة عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه، قال عكرمة فقلت له: أليس الله يقول لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ قال: لا أم لك، ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلي بنوره لا يدركه شئ، وفي لفظ: إنما ذلك إذا تجلي بكيفيته لم يقم له بصر. انتهي. وهو يقصد أن ذات اللّه تعالي تري ولكن نوره لا تدركه الابصار!!

ثم أكد السيوطي رأي عكرمة فنقل في:3/37 قول ابن جريح في تفسير الآية أن الابصار لا تدرك الله تعالي كله لكبر حجمه! قال:

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريح في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: قالت امرأة استشفع لي يا رسول الله علي ربك. قال: هل تدرين علي من تستشفعين، إنه ملا كرسيه السموات والأرض ثم جلس عليه فما يفضل منه من كل أربع أصابع، ثم قال: إن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد فذلك قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، ينقطع به بصره قبل أن يبلغ أرجاء السماء. زعموا أن أول من يعلم بقيام الساعة الجن تذهب فإذا أرجاؤها قد سقطت لا تجد منفذاً تذهب في المشرق والمغرب واليمن والشام. انتهي.

وأعجب منه روايتهم

التي تفسر الأبصار التي لا تدركه بأنها أبصار العقول، ومع ذلك تدركه أبصار العيون!! قال: وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ واللالكائي من طريق عبدالرحمن بن مهدي قال سمعت أبا الحصين يحيي بن الحصين قاري أهل مكة يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ قال أبصار العقول. انتهي.

وقد تقدم في أول الباب عن (إمام الأئمة) ابن خزيمة حملته الشديدة علي عائشة وتفسيره للآية بأن جميع الأبصار لا تدركه ولكن البصر الواحد يدركه! قال في كتاب التوحيد/226:

لأن قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قد يحتمل معنيين علي مذهب من يثبت رؤية النبي (ص) خالقه عز وجل، قد يحتمل بأن يكون معني قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، علي ما قال ترجمان القرآن لمولاه عكرمة ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلي بنوره لا يدركه شيء. والمعني الثاني أي لا تدركه الابصار أبصار الناس لأن الأعم والأظهر من لغة العرب أن الأبصار إنما تقع علي أبصار جماعة، لا أحسب غريباً يجي من طريق اللغة أن يقال لبصر امري واحد أبصار وإنما يقال لبصر امري واحد بصر، لا ولا سمعنا غريباً يقال لعين امري واحد بصران فكيف أبصار، ولو قلنا: إن الأبصار تري ربنا في الدنيا لكنا قد قلنا الباطل والبهتان، فأما من قال إن النبي(ص)قد رأي ربه دون سائر الخلق فلم يقل إن الابصار قد رأت ربها في الدنيا فكيف يكون _ يا ذوي الحجا _ من ينفي أن النبي(ص)محمداً قد رأي ربه دون سائر الخلق مثبتاً أن الأبصار قد رأت ربها، فتفهموا يا ذوي الحجا هذه النكتة تعلموا أن ابن عباس رضي الله عنهما وأباذر وأنس بن مالك ومن وافقهم لم يعظموا الفرية علي الله، لا ولا خالفوا حرفاً من كتاب

الله في هذه المسألة! انتهي.

وقد علق علي ذلك محقق كتابه وهو الشيخ محمد الهراس من علماء الأزهر، فقال:

عجباً لإمام الأئمة كيف خانه علمه فتوهم أن المنفي هو إدراك الأبصار له إذا اجتمعت فإذا انفرد واحد منها أمكن أن يراه! فهل إذا قال قائل لا آكل الرمان، يكون معني هذا أنه لا يأكل الحبات منه ولكن يأكل الحبة! يرحم الله ابن خزيمة فلقد كبا ولكل جواد كبوة.

وقد كان الطبري من أعقلهم في تفسير الآية حيث اعترف بأنه لا مجال للهروب منها ولابد من الإعتراف بأنها تنفي إمكان الرؤية مطلقاً، وأن الأخبار المروية في رؤيته تعالي تنافيها، ولكن لابد لنا من قبول الأخبار وطرح الآية! قال في تفسيره:7/200-203:

قالوا فإن قال لنا قائل: وما أنكرتم أن يكون معني قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، لا تراه الأبصار؟ قلنا له: أنكرنا ذلك لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوهاً في القيامة إليه ناظرة، وأن رسول الله (ص) أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة كما يري القمر ليلة البدر....

وقال آخرون.. لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، إلا أنه جائز أن يكون معني الآية لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله. قالوا وجائز أن يكون معناها لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة وأما الرؤية فبلي. وقال آخرون: الآية علي العموم ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة، ولكن الله يحدث لاوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوي حواسهم الخمس فيرونه بها... والصواب من القول في ذلك: عذرنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله (ص) أنه قال إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر. انتهي.

ولم يبين

الطبري ولا غيره كيف صار هذا هو الصواب، وهل كلما عارض صريح القرآن خبر أخذنا به وخصصنا به القرآن وقلنا: عذرنا الأخبار المناقضة للقرآن!

قال القسطلاني في إرشاد الساري:10/364:

قوله تعالي في سورة الانعام: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وأجاب المثبتون بأن معني الآية لا تحيط به الأبصار أو لا تدركه الأبصار، وإنما يدركه المبصرون! أو لا تدركه في الدنيا لضعف تركيبها في الدنيا، فإذا كان في الآخرة خلق الله تعالي فيهم قوة يقدرون بها علي الرؤية. انتهي.

ولكنهم بهذه المواصفات الجديدة للعين ونظام الرؤية، خرجوا عن موضوع البحث، بل هربوا منه، وفي نفس الوقت ردوا أحاديثهم في الرؤية التي ظاهرها رؤيته تعالي في الدنيا والآخرة بالعين المتعارفة المجردة، في أحسن صورة، وكما يري القمر ليلة البدر علي حد زعمهم!

وقال الشوكاني في فتح القدير:2/185:

في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ... التقدير لا تدركه كل الابصار بل بعضها، وهي أبصار المؤمنين!....

وقال التلمساني في نفح الطيب:7/296:

سئل النصيبي عن الرؤية بمجلس عضد الدولة فأنكرها محتجاً بأن كل شئ يري بالعين فهو في مقابلتها، فقال له القاضي ابن الطيب: لا يري بالعين، قال له الملك: فبماذا يري؟ قال: بالإدراك الذي يحدثه الله في العين.. وهذا الأجهر عينه قائمة ولا يري بها شيئاً! انتهي.

وقال في نفح الطيب:8/ص 34:

حكاية أبي بكر بن الطيب مع رؤساء بعض المعتزلة، وذلك أنه اجتمع معه في مجلس الخليفة، فناظره في مسألة رؤية الباري فقال رئيسهم: ما الدليل أيها القاضي علي جواز رؤية الله تعالي؟ قال: قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ! فنظر بعض المعتزلة إلي بعض وقالوا: جنَّ القاضي، وذلك أن هذه الآية هي معظم ما احتجوا علي مذهبهم، وهو ساكت، ثم قال لهم:

أتقولون إن من لسان العرب قولك: الحائط لا يبصر قالوا: لا.. قال: فلا يصح إذن نفي الصفة عما من شأنه صحة إثباتها له؟ قالوا نعم، قال: فكذلك قوله تعالي (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) لولا جواز إدراك الابصار له لم يصح نفيه عنه. انتهي. ولابدّ أنهم أجابوه إن الذي يصحح النفي هو توهم جواز الرؤية لا جوازها وإمكانها!

وهكذا يحرِّم إخواننا التأويل، ولكنهم إذا وصلوا إلي آيات نفي الرؤية وأحاديثها هجموا عليها بمعاول التأويل والمغالطات بلا رحمة ولا ضابطة، حتي يجعلوا من النفي إثباتاً، وقد يجعلون من الكفر إيماناً!

تفسير آية: ما كذب الفؤاد ما رأي

قال الله تعالي: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي. وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي. ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَي. وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَي. ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَ مَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. النجم: 1 _ 18.

قال أهل البيت: رأي ربه بفؤاده و رأي آياته بعينيه

تقدم في الفصول السابقة عدد من الأحاديث عن النبي وآله صلي الله عليه وآله في تفسير هذه الآية، ونضيف إليها هنا مايلي:

روي الصدوق في كتاب التوحيد/108:

أبي رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، قال: حدثنا ابن أبي نصر، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء بلغ بي جبرئيل مكاناً لم يطأه جبرئيل قط، فكشف لي فأراني الله عز وجل من نور عظمته ما أحب.

و في/116:

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد (رض) قال: حدثنا إبراهيم بن هاشم، عن ابن أبي عمير، عن مرازم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سمعته يقول: رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه عز وجل يعني بقلبه، وتصديق ذلك: ما حدثنا به محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن محمد بن الفضيل قال: سألت أبا الحسن عليه السلام هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله

ربه عز وجل؟ فقال: نعم بقلبه رآه، أما سمعت الله عز وجل يقول: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، أي لم يره بالبصر، لكن رآه بالفؤاد.

وقد عقد الصدوق في التوحيد باباً بعنوان (ما جاء في الرؤية)/107، نورد بعض روايته قال:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل، قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه عليهم السلام قال: مر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل وهو رافع بصره إلي السماء يدعو، فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله: غض بصرك فإنك لن تراه.

وقال: ومر النبي صلي الله عليه وآله علي رجل رافع يديه إلي السماء وهو يدعو، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أقصر من يديك فإنك لن تناله.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن علي بن أبي القاسم، عن يعقوب بن إسحاق قال: كتبت إلي أبي محمد عليه السلام أسأله كيف يعبد العبد ربه وهو لا يراه؟ فوقع عليه السلام يا أبا يوسف جل سيدي وم ولأي والمنعم علي وعلي آبائي أن يري.

قال: وسألته هل رأي رسول الله صلي الله عليه وآله ربه؟ فوقع عليه السلام إن الله تبارك وتعالي أري رسوله بقلبه من نور عظمته ما أحب.

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبدالله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزءاً من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزءاً من نور العرش،

والعرش جزء من سبعين جزءاً من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزءاً من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

وفي علل الشرائع:1/131:

حدثنا محمد بن أحمد بن السناني وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب وعلي بن عبدالله الوراق رضي الله عنهم، قالوا حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي الأسدي، عن موسي بن عمران النخعي، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن سالم، عن أبيه، عن ثابت بن دينار، قال سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن الله جل جلاله هل يوصف بمكان؟ فقال: تعالي عن ذلك. قلت: فلم أسري بنبيه محمد صلي الله عليه وآله إلي السماء؟ قال: ليريه ملكوت السموات وما فيها من عجائب صنعه وبدايع خلقه. قلت فقول الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي؟ قال: ذاك رسول الله صلي الله عليه وآله دنا من حجب النور فرأي ملكوت السموات، ثم تدلي صلي الله عليه وآله فنظر من تحته إلي ملكوت الأرض حتي ظن أنه في القرب من الأرض كقاب قوسين أو أدني.

ورواي النيسابوري في روضة الواعظين/33:

قال عكرمة: بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام نافع بن الأزرق فقال: يابن عباس، تفتي في النملة والقملة، صف لنا إلهك الذي تعبده. فأطرق ابن عباس إعظاماً لله عز وجل، وكان الحسين بن علي قاعداً في موضع فقال: إليَّ يابن الأزرق، فقال: لست إياك أسأل، فقال ابن عباس: يابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة وهم ورثة العلم، فأقبل نافع بن الازرق نحو الحسين فقال الحسين

عليه السلام: يا نافع، إن من وضع دينه علي القياس لم يزل الدهر في التباس، مائلاً علي المنهاج ظاعناً في الاعوجاج، ضالاً عن السبيل قائلاً غير الجميل، يابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه: لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس، فهو قريب غير ملتصق، وبعيد غير منفصل، يوحد ولا يبعض، معروف بالآيات، موصوف بالعلامات، لا إله إلا هو الكبير المتعال.

وقال الطوسي في تفسير التبيان:9/424:

وقوله: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال ابن عباس: رأي ربه بقلبه، وهو معني قوله علمه، وإنما علم ذلك بالآيات التي رآها.

وقال ابن مسعود وعائشة وقتادة: رأي محمد جبرائيل علي صورته.

وقال الحسن: يعني ما رأي من مقدورات الله تعالي وملكوته.

وقال الحسن: عرج بروح محمد صلي الله عليه وآله إلي السماء وجسده في الأرض.

وقال أكثر المفسرين وهو الظاهر من مذهب أصحابنا والمشهور في أخبارهم: أن الله تعالي صعد بجسمه حياً سليماً حتي رأي ملكوت السموات وما ذكره الله بعيني رأسه، ولم يكن ذلك في المنام بل كان في اليقظة... ومعني: ما كذب الفؤاد، أي ما توهم أنه يري شيئاً وهو لا يراه من جهة تخيله لمعناه، كالرائي للسراب بتوهمه ماء ويري الماء من بعيد فيتوهمه سراباً. ومن شدد أراد لم يكذب فؤاد محمد ما رأت عيناه من الآيات الباهرات فعداه.

وفي تفسير نور الثقلين:5/155:

في تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر، عن علي بن موسي الرضا عليه السلام قال قال لي: يا أحمد ما الخلاف بينكم وبين أصحاب هشام بن الحكم في التوحيد؟ فقلت: جعلت فداك قلنا نحن بالصورة، للحديث الذي روي أن رسول

الله صلي الله عليه وآله رأي ربه في صورة شاب، وقال هشام بن الحكم بالنفي للجسم، فقال: يا أحمد إن رسول الله صلي الله عليه وآله لما أسري به إلي السماء وبلغ عند سدرة المنتهي، خرق له في الحجب مثل سم الإبرة فرأي من نور العظمة ما شاء الله أن يري وأردتم أنتم التشبيه، دع هذا يا أحمد لا ينفتح عليك منه أمر عظيم.

ورواه في بحار الأنوار:3/307، وقال: المراد بالحجب إما الحجب المعنوية، وبالرؤية الرؤية القلبية، أو الحجب الصورية، فالمراد بنور العظمة آثار عظمته برؤية عجائب خلقه.

وفي بحار الأنوار:4/37:

بيان: إعلم أن المفسرين اختلفوا في تفسير تلك الآيات قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، يحتمل كون ضمير الفاعل في رأي راجعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله، وإلي الفؤاد. قال البيضاوي: ما كذب الفؤاد ما رأي ببصره من صورة جبرئيل، أو الله، أي ما كذب الفؤاد بصره بما حكاه له، فإن الأمور القدسية تدرك أولاً بالقلب ثم تنتقل منه إلي البصر، أو ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك كان كاذباً، لأنه عرفه بقلبه كما رآه بصره، أو ما رآه بقلبه، والمعني لم يكن تخيلاً كاذباً. ويدل عليه أنه سئل عليه السلام هل رأيت ربك فقال: رأيته بفؤادي، وقرئ(ما كذَّب) أي صدقه ولم يشك فيه....

قوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال الرازي: يحتمل الكلام وجوهاً ثلاثة: الأول الرب تعالي، والثاني جبرئيل عليه السلام، والثالث الآيات العجيبة الإلهية. انتهي. أي ولقد رآه نازلاً نزلة أخري فيحتمل نزوله صلي الله عليه وآله ونزول مرئية.

فإذا عرفت محتملات تلك الآيات عرفت سخافة استدلالهم بها علي جواز الرؤية ووقوعها بوجوه:

الأول: أنه

يحتمل أن يكون المرئي جبرئيل، إذا المرئي غير مذكور في اللفظ، وقد أشار أمير المؤمنين عليه السلام إلي هذا الوجه في الخبر السابق.

وروي مسلم في صحيحه بإسناده عن زرعة عن عبدالله: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال: رأي جبرئيل عليه السلام له ستمائة جناح. وروي أيضاً بإسناده عن أبي هريرة، ولقد رآه نزلة أخري قال: رأي جبرئيل عليه السلام بصورته التي له في الخلقة الأصلية.

الثاني: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر وهو قريب من الأول لكنه أعم منه.

الثالث: أن يكون ضمير الرؤية راجعاً إلي الفؤاد، فعلي تقدير إرجاع الضمير إلي الله تعالي أيضاً لافساد فيه.

الرابع: أن يكون علي تقدير إرجاع الضمير إليه صلي الله عليه وآله وكون المرئي هو الله تعالي، المراد بالرؤية غاية مرتبة المعرفة ونهاية الانكشاف.

وأما استدلاله عليه السلام بقوله تعالي: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَئٌْ، فهو إما لأن الرؤية تستلزم الجهة والمكان وكونه جسماً أو جسمانياً، أو لأن الصورة التي تحصل منه في المدركة تشبهه.

رأي الشيعة الزيدية في نفي الرؤية

مختصر في العقيدة لللدكتور المرتضي بن زيد المحطوري/11:

8 _ الله سبحانه وتعالي لا يري بالأبصار. لأنه ليس جسماً ولا عرضاً لا يُري، والدليل علي ذلك _ عقلاً ونقلاً:

دليل العقل: إن حاسة الرؤية إذا كانت سليمة ولم يمنع مانع من الرؤية من ظلام أو إضاءة زائدة أو بعد أو قرب ملاصق للعين، فعندما توجد شروط الرؤية المذكورة تستطيع العين رؤية الموجودات. والله سبحانه وتعالي موجود ولم نره، ولا يصح لنا أن نراه، لأن المرئي يجب أن يكون جسماً يري، وله لون، وفي جهة من الجهات، والله سبحانه وتعالي ليس كذلك، فعظمته سبحانه في خفائه بدليل أن أعظم سر نبحث عنه هو

الحياة والروح والعقل والتفكير والتمييز والفرح والحزن ونحو ذلك مما لا نقدر علي وضع اليد عليه مع علمنا بوجوده، فالكائنات الحية معجزة في تكوينها.ولكن الروح التي لا ندركها معجزة أكبر (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي) فكيف يري الله والروح بعض أسراره؟

وكيف يخفي والشمس بعض آياته؟!

نراه سبحانه بعيون التصديق والإيمان في آياته الباهرة وآثاره الظاهرة، نراه بالبصائر لا بالأبصار.

ومن زعم أنه يري في الآخرة فقد استدل بقوله سبحانه (إِلَي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) وهي مؤولة بحذف مضاف والتقدير إلي رحمة ربها ناظرة لأنها مقابلة للآية التي بعدها (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) والمقابلة تقتضي ذلك فوجوه منتظرة لرحمة الله، ووجوه تتوقع غضبه ونقمته.

ومن جهة ثانية: فقد ورد ناظر بمعني منتظر كما في قوله سبحانه (مَا يَنْظُرُونَ إِلا صَيْحَةً) والصيحة لا تنظر بالعين وإنما تنتظر. وكذلك قوله تعالي _ حكاية عن بلقيس _ (فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ). والدليل إذا طرقه الاحتمال بطل الإستدلال به.

كما أن أهل البيت عليهم السلام مجمعون علي عدم تجويز رؤية الله، وإجماعهم حجة، كما قال ابن تيمية وغيره، والأحاديث الواردة في هذا الشأن تعرض علي القرآن، والقرآن ينفي عن الله الرؤية لأنها تقتضي التشبيه.

فالحديث الذي يقول (إنكم ترون ربكم كالقمر) يؤدي إلي تشبيه الله بخلقه كالقمر، وإن كان الحديث لا يفيد ذلك، فهو الذي نريد ويكون معناه ترون وعده ووعيده وصدق ما أخبركم به كالقمر عياناً، وإلا توقفنا عن العمل بحديث ظني يؤدي إلي التشبيه والتجسيم تعالي الله عن ذلك، والأخذ بالآية المحكمة أولي من الأخذ بالمتشابه.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

صحيح مسلم:1/109:

عن أبي ذر قال سألت رسول الله (ص): هل رأيت ربك قال: نور، أني أراه!

عن

عبدالله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله(ص)لسألته، فقال عن أي شئ كنت تسأله؟ قال كنت أسأله هل رأيت ربك؟ قال أبوذر: قد سألته فقال: رأيت نوراً.

حدثنا عباد وهو ابن العوام حدثنا الشيباني قال سألت زر بن حبيش عن قول الله عز وجل: فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي، قال أخبرني ابن مسعود أن النبي (ص)رأي جبريل له ستمائة جناح.

عن زر، عن عبدالله قال: ما كذب الفؤاد ما رأي، قال: رأي جبريل عليه السلام له ستمائة جناح.

زر بن حبيش، عن عبدالله قال: لقد رأي من آيات ربه الكبري، قال: رأي جبريل في صورته له ستمائة جناح.

عن عطاء، عن أبي هريرة: ولقد رآه نزلة أخري، قال: رأي جبريل.

عن عبد الملك عن عطاء، عن ابن عباس قال: رآه بقلبه.

عن أبي العالية، عن ابن عباس قال: ما كذب الفؤاد ما رأي، ولقد رآه نزلة أخري، قال: رآه بفؤاده مرتين. انتهي.

وروي الترمذي في:5/70، عدة روايات في رؤية النبي لربه في الإسراء بقلبه، وروايتين في رؤيته له بعينه، قال: عن عكرمة، عن ابن عباس قال: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال رآه بقلبه. هذا حديث حسن....

عن قتادة، عن عبدالله ابن شقيق، قال قلت لابي ذر لو أدركت النبي (ص)لسألته، فقال عما كنت تسأله؟ قلت: أسأله هل رأي محمد ربه؟ فقال: قد سألته فقال: نوراً، أني أراه! هذا حديث حسن.

عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبدالله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي رسول الله(ص)جبرائيل في حلة من رفرف قد ملا ما بين السماء والأرض. هذا حديث حسن صحيح.

عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأي محمد ربه، قلت أليس

الله يقول: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، قال ويحك ذاك إذا تجلي بنوره الذي هو نوره وقد رأي محمد ربه مرتين. هذا حديث حسن غريب.

عن ابن عباس في قول الله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي، فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. قال ابن عباس: قد رآه النبي (ص). هذا حديث حسن. انتهي.

وروي أحمد في مسنده:1/223:

عن ابن عباس في قوله عز وجل: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي محمد ربه عز وجل بقلبه مرتين.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/123:

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد والترمذي وصححه وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبوالشيخ والحاكم وصححه وابن مردويه وأبونعيم والبيهقي معاً في الدلائل عن ابن مسعود (رض) قوله مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رأي (ص) جبريل عليه حلتا رفرف أخضر قد ملا ما بين السماء والأرض.

وأخرج مسلم وأحمد والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي محمد ربه بقلبه مرتين.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن عباس في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رآه بقلبه.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي عن بعض أصحاب النبي(ص)قال قالوا يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال لم أره بعيني، ورأيته بفؤادي مرتين.

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال سئل رسول الله (ص)هل رأيت ربك؟ قال: رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً، ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أره غير ذلك.

وأخرج عبد بن

حميد وابن جرير عن أبي العالية في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: محمد، رآه بفؤاد ولم يره بعينيه.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن أبي صالح في قوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال: رآه مرتين بفؤاده.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير قال: ما أزعم أنه رآه، وما أزعم أنه لم يره.

وأخرج مسلم والترمذي وابن مردويه عن أبي ذر قال: سألت رسول الله(ص)هل رأيت ربك؟ فقال نور، أني أراه؟! وأخرج مسلم وابن مردويه عن أبي ذر أنه سأل رسول الله(ص)هل رأيت ربك؟ فقال رأيت نوراً!

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينيه.

وأخرج النسائي عن أبي ذر قال: رأي رسول الله(ص)ربه بقلبه ولم يره ببصره.

وأخرج مسلم والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة في قوله: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي جبريل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: رأي جبريل في صورته.

وأخرج عبد بن حميد عن مرة الهمداني قال: لم يأته جبريل في صورته إلا مرتين، فرآه في خضر يتعلق به الدر.

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال: رأي نوراً عظيماً عند سدرة المنتهي.

وأخرج أبوالشيخ وابن مردويه عن ابن مسعود ولقد رآه نزلة أخري، قال: رأي جبريل معلقاً رجله بسدرة عليه الدر كأنه قطر المطر علي البقل.

وأخرج أبوالشيخ عن ابن مسعود: ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي، قال: رأي رسول الله(ص)جبريل في صورته عند السدرة له ستمائة جناح، جناح منها سد الأفق يتناثر من أجنحته التهاويل الدر والياقوت ما لايعلمه إلا

الله.

وأخرج آدم بن أبي إياس والبيهقي في الأسماء والصفات عن مجاهد، إذ يغشي السدرة ما يغشي، قال: كان أغصان السدرة من لؤلؤ وياقوت، وقد رآها محمد بقلبه ورأي ربه.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول شأن رسول الله(ص)أنه رأي في منامه جبريل بأجياد ثم خرج لبعض حاجته فصرخ به جبريل يا محمد يا محمد، فنظر يميناً وشمالاً فلم ير شيئاً ثلاثاً، ثم رفع بصره فإذا هو ثان إحدي رجليه علي الأخري علي أفق السماء، فقال يا محمد جبريل جبريل يسكنه، فهرب النبي(ص)حتي دخل في الناس، فنظر فلم ير شيئاً، ثم خرج من الناس فنظر فرآه، فذلك قول الله: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَ مَا غَوَي إلي قوله: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي، يعني جبريل إلي محمد، فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي، يقول القاب نصف الأصبع، فأوحي إلي عبده ما أوحي، جبريل إلي عبد ربه.

وروي حديث (في حلة من رفرف) أحمد في:1/394 و/418 والحاكم:2 ص 468، وكلها عن عبدالله بن عمر، وقال الحاكم (صحيح علي شوط الشيخين ولم يخرجاه)

الجواهر الحسان للثعالبي:3 الهامش 1/252:

أنكر جمهور العلماء الأشاعرة من أهل السنة حديث مشرك بن أبي خمر الذي يثبت فيه الدنو والتدلي لرب العزة، سبحانه وتعالي عما يصفون... ذهب البيهقي إلي ترجيح ما روي عن عائشة وابن مسعود وأبي هريرة ومن حملهم هذه الآيات (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي..) عن رؤية جبرئيل، ورواية شريك تنقضها رواية أبي ذر الصحيحة، قال يا رسول الله هل رأيت ربك؟ قال: نور، أني أراه!

مصابيح السنة للبغوي:4/30:

عن زرارة بن أوفي: أن رسول الله (ص) قال لجبرئيل: هل رأيت ربك؟

فانتفض جبرئيل وقال: يا محمد إن بيني وبينه سبعين حجاباً من نور، لو دنوت من بعضها لاحترقت.

و نفي قدماء المتصوفة الرؤية بالعين في الدني

التعرف لمذهب أهل التصوف للكلاباذي المتوفي سنة 380 قال في/43:

وأجمعوا أنه لا يري في الدنيا بالأبصار ولا بالقلوب إلا من جهة الإيقان، لأنه غاية الكرامة وأفضل النعم، ولا يجوز أن يكون ذلك إلا في أفضل المكان، ولو أعطوا في الدنيا أفضل النعم لم يكن بين الدنيا الفانية والجنة الباقية فرق، ولما منع الله سبحانه كليمه موسي عليه السلام ذلك في الدنيا، وكان من هو دونه أحري. وأخري أن الدنيا دار فناء، ولا يجوز أن يري الباقي في الدار الفانية، ولو رأوه في الدنيا لكان الإيمان به ضرورة.

والجملة أن الله تعالي أخبر أنها تكون في الآخرة، ولم يخبر أنها تكون في الدنيا فوجب الانتهاء إلي ما أخبر الله تعالي به.

واختلفوا في النبي (ص): هل رأي ربه ليلة المسري، فقال الجمهور منهم والكبار إنه لم يره محمد(ص) ببصره، ولا أحد من الخلائق في الدنيا، علي ما روي عن عائشة أنها قالت: من زعم أن محمداً رأي ربه فقد كذب....

وقال بعضهم: رآه النبي(ص)ليلة المسري، وإنه خص من بين الخلائق بالرؤية كما خص موسي عليه السلام بالكلام، واحتجوا بخبر ابن عباس وأسماء وأنس، منهم أبو عبدالله القرشئ والشبلي وبعض المتأخرين.

وقال بعضهم: رآه بقلبه ولم يره ببصره، واستدل بقوله: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي.

ولا نعلم أحداً من مشايخ هذه العصبة المعروفين منهم والمتحققين به، ولم نر في كتبهم ولا مصنفاتهم ولا رسائلهم، ولا في الحكايات الصحيحة عنهم، ولا سمعنا ممن أدركنا منهم من زعم أن الله تعالي يري في الدنيا أو رآه أحد من الخلق، إلا

طائفة لم يعرفوا بأعيانهم.

بل زعم بعض الناس أن قوماً من الصوفية ادعوها لأنفسهم، وقد أطبق المشايخ كلهم علي تضليل من قال ذلك وتكذيب من ادعاه، وصنفوا في ذلك كتباً، منهم أبو سعيد الخراز، وللجنيد في تكذيب من ادعاه وتضليله رسائل وكلام كثير. وزعموا أن من ادعي ذلك فلم يعرف الله عز وجل، وهذه كتبهم تشهد علي ذلك.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

يلاحظ أن روايات إخواننا التي ادعت أن النبي صلي الله عليه وآله رأي ربه تعالي بعينه، ورد قليل منها في حادثة الإسراء والمعراج، وأكثرها ورد في حادثة غير مفهومة ادعي راويها أنها وقعت للنبي صلي الله عليه وآله في المدينة، وبعض رواياتها نصت علي أنها منام، أو شك راويها في أن تكون في المنام.. الخ.

شرح مسلم للنووي _ الساري:2/94:

قوله عن عبدالله بن مسعود (رض) في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، قال رأي جبريل له ستمائة جناح، وهو مذهبه في هذه الآية.. وذهب الجمهور من المفسرين إلي أن المراد أنه رأي ربه سبحانه وتعالي. انتهي.

ويلاحظ أنه نسب القول بالرؤية بالعين إلي جمهور المفسرين، وهم نوعاً مفسروا العهد الأموي من تلامذة كعب الأحبار وجماعته أو من الرواة عنهم! ولكنه عاد ونسبها إلي أكثر العلماء، فقال في هامش الساري:2/92:

الراجح عند أكثر العلماء أن رسول الله (ص) رأي ربه يعني بعيني رأسه ليلة الاسراء. انتهي. وهذا إن صحّ فهو يعني أن أكثرية علماء إخواننا قلدوا المفسرين من تلاميذ كعب وأعرضوا عن الأحاديث الصحيحة المعارضة لها.

رواي أحمد في مسنده:4/66 وج 5/378 وفي:1/368:

عن أبي قلابة عن ابن عباس أن النبي(ص)قال: أتاني ربي عز وجل الليلة في أحسن صورة أحسبه يعني في النوم فقال يا

محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال قلت لا، قال النبي(ص)فوضع يده بين كتفي حتي وجدت بردها بين ثديي أو قال نحري، فعلمت ما في السموات وما في الأرض، ثم قال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال قلت نعم يختصمون في الكفارات والدرجات، قال وما الكفارات والدرجات؟ قال المكث في المساجد والمشئ علي الأقدام إلي الجمعات وابلاغ الوضوء في المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه! وقل: يا محمد إذا أصليت اللهم إني أسألك الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون، قال والدرجات: قل إذا بذل الطعام وإفشاء السلام والصلاة بالليل والناس نيام.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/176 _ 178 بعدة روايات، وقال عن رواية ابن عايش: رواه أحمد ورجاله ثقات. وقال: عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي... قال أحمد بن حنبل: أنا أقول بحديث ابن عباس بعينه، رآه رآه حتي انقطع نفس أحمد.

وروي الترمذي في سننه:5/44 وقال:

وقد ذكروا بين أبي قلابة وبين ابن عباس في هذا الحديث رجلاً وقد رواه قتادة عن أبي قلابة، عن خالد بن اللجلاج، عن ابن عباس.

ورواه في 2/45 وص 46 بروايتين أيضاً وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، قال: وفي الباب عن معاذ بن جبل وعبدالرحمن بن عائش، عن النبي(ص).

وقال النويري في نهاية الارب:8 جزء 16/295:

عن ربيع بن أنس أن النبي (ص) قال رأيت ربي... ثم ذكر قول أحمد: أنا أقول بحديث بن عباس بعينه رآه رآه، حتي انقطع نفس أحمد.

وقال السهيلي في الروض الانف:2/156 وقال: سئل ابن حنبل

عن الرؤية قال: رآه رآه رآه حتي انقطع صوته.

ورواه أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس... وروي: رأي ربه في أحسن صورة ووضع يديه بين كتفيه حتي وجد بردها بين ثدييه.

وقال الذهبي في تاريخ الإسلام:1/257:

وأما الروايات عن ابن مسعود فإنما فيها تفسير ما في النجم، وليس في قوله ما يدل علي نفي الرؤية لله.

تاريخ الإسلام للذهبي:16/429:

عن نعيم عن... أم الطفيل أنها سمعت النبي (ص) يقول رأيت ربي في أحسن صورة، شاباً، موقراً، رجلاه في مخصر، عليه نعلان من ذهب.

وقال السيوطي في الدر المنثور:3/24:

وأخرج أحمد وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبدالرحمن بن عائش الحضرمي عن بعض أصحاب النبي(ص)قال سمعت رسول الله(ص)يقول: رأيت ربي في أحسن صورة....

وقال الذهبي في ميزان الاعتدال:1/593:

إبراهيم بن أبي سويد، وأسود بن عامر، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: رأيت ربي جعداً أمرد، عليه حلة خضراء.

وقال ابن عدي: حدثنا عبدالله بن عبدالحميد الواسطي، حدثنا النضر بن سلمة شاذان، حدثنا الاسود بن عامر، عن حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس أن محمداً رأي ربه في صورة شاب أمرد، دونه ستر من لؤلؤ، قدميه أو رجليه في خضرة.

وحدثنا ابن أبي سفيان الموصلي وابن شهريار قالا: حدثنا محمد بن رزق الله بن موسي، حدثنا الأسود بنحوه. وقال عفان: حدثنا عبدالصمد بن كيسان، حدثنا حماد، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي(ص)قال: رأيت ربي.

وقال أبوبكر بن أبي داود: حدثنا الحسن بن يحيي بن كثير، حدثنا أبي، حدثنا حماد بنحوه، فهذا من أنكر ما أتي به حماد بن سلمة، وهذه الرؤية رؤية منام إن صحت.

قال المرودي قلت لأحمد: يقولون لم يسمع قتادة عن عكرمة! فغضب وأخرج كتابه بسماع قتادة عن عكرمة في ستة أحاديث. ورواه الحكم بن أبان، عن زيرك، عن عكرمة. وهو غريب جداً. انتهي. وروي نحوه الدارمي في سننه:2/126 والبغوي في مصابيحه:1/290 والسهيلي في الروض الأنف:1/268 وابن الاثير في أسد الغابة:3/465 وج 7/356 ورواه الهندي في كنز العمال:15/897 _ 598 وفي:16/245 _ 247 بروايات متعددة وقال في مصادره (عب، حم وعبد بن حميد، ت عن ابن عباس) (ت، ك عن معاذ) (كر) (ابن مندة، والبغوي، ق، كر). والنويري في نهاية الإرب: 8 جزء 16/295 والمنذري في الترغيب والترهيب:1/262.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:6/185

عبدالرحمن بن عائش الحضرمي، روي عنه حديث: رأيت ربي في أحسن صورة.

الأحاديث القدسية من الصحاح:1/158:

حديث: أتاني ربي في أحسن صورة، أخرجه الترمذي عن ابن عباس: إن الله وضع يده علي كتف رسول الله (ص) حتي وجد رسول الله بردها بين ثدييه أو قال في خدي. وروي نحوه أيضاً في:2/44 والقسطلاني في إرشاد الساري:7/320 وص 359

وقال أبو الشيخ في طبقات المحدثين:2/432:

عن عبدالله بن عباس أن رسول الله (ص) خرج يوماً علي أصحابه مستبشراً.. فقال لهم: إن ربي أتاني الليلة في أحسن صورة... فوضع يده علي كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. الخ.

وقال في:1/129:

عن عبدالرحمن بن المبارك بن فضالة عن أبيه: كان الحسن يحلف بالله أن محمداً (ص) قد رأي ربه تبارك وتعالي.

وقال الطبري في تفسيره:7/162:

خالد الحلاج، قال سمعت عبدالرحمن بن عياش، يقول صلي بنا رسول الله (ص) ذات غداة فقال له قائل: ما رأيت أسعد منك الغداة، قال: ومالي وقد أتاني ربي في أحسن صورة فقال: فيم

يختصم الملأ الأعلي يا محمد؟ قلت أنت أعلم، فوضع يده علي كتفي فعلمت ما في السموات والأرض... الخ.

وقال الدميري في حياة الحيوان:2/359:

من حديث معاذ بن جبل (رض) قال: احتبس عنا رسول الله(ص)ذات غداة عن صلاة الصبح حتي كدنا نتراءي عين الشمس، فخرج سريعاً فَثَوَّبَ بالصلاة فصلي وتجوز في صلاته... ثم انفتل إلينا فقال: أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت وصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتي استثقلت، فإذا أنا بربي تعالي في أحسن صورة! فقال يا محمد... فيم يختصم الملأ الأعلي... الخ.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/319:

أخرج عبدالرزاق وأحمد وعبد ابن حميد والترمذي وحسنه ومحمد بن نصر... الخ.

وأخرج الترمذي وصححه ومحمد بن نصر والطبراني والحاكم وابن مردويه عن معاذ بن جبل (رض)... الخ.

وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه عن جابر بن سمرة (رض).... عن أبي هريرة (رض)...

وأخرج الطبراني في السنة والشيرازي في الألقاب....

وابن مردويه عن أنس (رض)....

وأخرج ابن نصر والطبراني وابن مردويه عن أبي أمامة....

وأخرج الطبراني في السنة والخطيب عن أبي عبيدة بن الجراح (رض)....

وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة والطبراني في السنة عن عبدالرحمن بن عابس الحضرمي (رض)....

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/124:

وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال قال(ص)رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ فقلت لا يا رب، فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض، فقلت يا رب في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام إلي الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فقلت يا رب إنك اتخذت ابراهيم خليلاً وكلمت موسي تكليماً

وفعلت وفعلت فقال: ألم أشرح لك صدرك ألم أضع عنك وزرك ألم أفعل بك ألم أفعل، فأفضي إليَّ بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها فذلك قوله: ثم دنا فتدلي فكان قاب قوسين أو أدني فأوحي إلي عبده ما أوحي ما كذب الفؤاد ما رأي. فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي. انتهي.

قال الذهبي في سيره:2/166:

ولم يأتنا نص جلي بأن النبي(ص)رأي الله تعالي بعينيه. وهذه المسألة مما يسع المرء المسلم في دينه السكوت عنها، فأما رؤية المنام فجاءت من وجوه متعددة مستفيضة، وأما رؤية الله عياناً في الآخرة فأمر متيقن تواترت به النصوص. جمع أحاديثها الدارقطني والبيهقي وغيرهما.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/123:

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة، فسأله عن شئ فكبر حتي جاوبته الجبال فقال ابن عباس إنا بنو هاشم نزعم أو نقول إن محمداً قد رأي ربه مرتين، فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين موسي ومحمد (عليهما السلام) فرأي محمد ربه مرتين وكلم موسي مرتين.

قال مسروق فدخلت علي عائشة فقلت هل رأي محمد ربه؟ فقالت لقد تكلمت بشئ قَفَّ له شعري، قلت رويداً، ثم قرأت لقد رأي من آيات ربه الكبري، قالت أين يذهب بك! إنما هو جبريل. من أخبرك أن محمداً رأي ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله إن الله عنده علم الساعة الآية، فقد أعظم الفرية، ولكنه رأي جبريل لم يره في صورته إلا مرتين، مرة عند سدرة المنتهي، ومرة عند جياد له ستمائة جناح قد سد الأفق.

وروي الطبري في تفسيره:9/34: ما يوهم

قرب النبي المادي من الله تعالي في الإسراء، قال: عن عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه، عن الربيع في قوله: وقربناه نجيا، قال: حدثني من لقي أصحاب النبي أنه قرب للرب حتي سمع صريف القلم من الشوق إليه. انتهي.

وروي النويري في نهاية الارب:8 جزء 16/299:

قال جعفر بن محمد... والدنو من الله لا حد له، ومن العباد بالحدود. انتهي. ويقصد بجعفر الإمام جعفر الصادق عليه السلام.

والملاحظات علي هذه الروايات كثيرة: منها تعارض نصوصها، واضطرابها، وأن سؤال الله تعالي لنبيه عن اختصام الملأ الأعلي غير مفهوم، بل غير منطقي! وكذا تأخر النبي عن صلاة الصبح، وطريقة تحديثه المسلمين بالقصة، ثم شباهة متونها بأحاديث اليهود مثل قوله (فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السماء والأرض). هذا مضافاً إلي أن بعضها خلط بين القصة المزعومة وبين روايات المعراج وآياته، والمعراج كان في مكة، وهذه القصة المزعومة في المدينة.

كل ذلك، وغيره، يوجب الشك في هذه الرواية والتريث في الحكم بصحتها، خاصة أن بعضها اشتمل علي التناقض كرواية الطبري التي يذكر في أولها أنه رآه في أحسن صورة، وفي آخرها أنه رآه بفؤاده!

وبعضها روي عن صاحبها ما يناقضها كرواية ابن عباس، وقد شهد ابن قيم أن روايتي الرؤية بالعين وضدها كلتاهما صحتا عن ابن عباس، فلابد أن تكون إحداهما مكذوبة! قال في زاد المعاد:3/29 _ 30: واختلف الصحابة رضي الله عنهم، هل رأي ربه تلك الليلة أم لا؟ فصح عن ابن عباس أنه رأي ربه وصح عنه أنه قال: رآه بفؤاده. انتهي.

وقد علق علي ذلك ناشر الكتاب الشيخ عبد القادر عرفان فقال في هامشه: لم أقف علي هذه الرواية

في الصحيح، بل الذي صح عن ابن عباس (رض) ما جاء عند مسلم في الإيمان 176 _ 285 في قوله تعالي: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي، وقوله تعالي: وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي، قال رآه بفؤاده مرتين. وأخرجه الترمذي في التفسير 3280.

ثم قال ابن قيم: وصح عن عائشة وابن مسعود إنكار ذلك وقالا إن قوله: ولقد رآه نزلة أخري عند سدرة المنتهي، إنما هو جبريل. وصح عن أبي ذر أنه سأله هل رأيت ربك فقال (ص): نور، أني أراه! أي: حال بيني وبين رؤيته النور، كما قال في لفظ آخر: رأيت نوراً. وقد حكي عثمان بن سعيد الدارمي اتفاق الصحابة علي أنه لم يره.

ثم قال ابن قيم: قال شيخ الإسلام ابن تيمية... وقد صح عنه أنه قال: رأيت ربي تبارك وتعالي ولكن لم يكن هذا في الإسراء، ولكن كان في المدينة لما احتبس عنهم في صلاة الصبح، ثم أخبرهم عن رؤية ربه تبارك وتعالي تلك الليلة في منامه، وعلي هذا بني الإمام أحمد رحمه الله وقال: نعم رآه حقاً، فإن رؤيا الأنبياء حق ولا بد، ولكن لم يقل أحمد رحمه الله: إنه رآه بعيني رأسه يقظة، ومن حكي عنه ذلك فقد وهم عليه، ولكن قال مرة رآه، ومرة قال رآه بفؤاده، فحكيت عنه روايتان، وحكيت عنه الثالثة من تصرف بعض أصحابه: أنه رآه بعيني رأسه، وهذه نصوص أحمد موجودة، ليس فيها ذلك. انتهي.

راجع ما تقدم في أول الباب من أن جمهور الصحابة كانوا يوافقون عائشة علي نفي الرؤية بالعين.

و جهل بعضهم فنسب الدنو والتدلي إلي الله تعالي

تاريخ الإسلام للذهبي:1/267:

وقال سليمان بن بلال.. وذكر حديث الاسراء وفيه ثم عرج به محمد (ص) إلي السماء السابعة ثم علا به فوق

ذلك بما لا يعلمه إلا الله حتي جاء إلي سدرة المنتهي، ودنا الجبار رب العزة فتدلي....

تفسير الطبري:12/14:

عبد الله بن عمر، قال سمعت نبي الله (ص) يقول يدنو المؤمن من ربه حتي يضع عليه كتفه!

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن جرير عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله(ص)لما عرج بي مضي جبريل حتي جاء الجنة فدخلت فأعطيت الكوثر، ثم مضي حتي جاء لسدرة المنتهي فدنا ربك فتدلي، فكان قاب قوسين أو أدني!

وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله ثم دنا قال دنا ربه فتدلي.

وأخرج أبوالشيخ وأبونعيم في الدلائل عن سريج بن عبيد قال لما صعد النبي(ص)إلي السماء فأوحي الله إلي عبده ما أوحي، قال فلما أحس جبريل بدنو الرب خر ساجداً، فلم يزل يسبحه تسبيحات ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة حتي قضي الله إلي عبده ما قضي، ثم رفع رأسه فرأيته في خلقه الذي خلق عليه منظوم أجنحته بالزبرجد واللؤلؤ والياقوت فخيل إليَّ أن ما بين عينيه قد سد الافقين وكنت لا أراه قبل ذلك إلا علي صور مختلفة، وأكثر ما كنت أراه علي صورة دحية الكلبي، وكنت أحياناً لا أراه قبل ذلك إلا كمايري الرجل صاحبه من وراء الغربالي.

وقال السهيلي في الروض الانف:2/156:

وروي: لما أحس جبريل دنو الرب خر ساجداً. انتهي.

وقدتقدم ذكر روايات أخري تنسب التدلي إلي الله تعالي، وتقدم عن أهل البيت عليهم السلام أن النبي صلي الله عليه وآله (دنا من حجب النور فرأي ملكوت السماوات، ثم تدلي فنظر من تحته إلي ملكوت الأرض، حتي ظن أنه في القرب من الأرض كتاب قوسين أو أدني).

و وصفوا عرشه بأنه تحمله حيوانات كما وصفه اليهود

الدر المنثور:6/123:

وأخرج ابن

إسحاق والبيهقي في الأسماء والصفات وضعفه عن عبدالله بن أبي سلمة أن عبدالله بن عمر بن الخطاب بعث إلي عبدالله بن عباس يسأله هل رأي محمد ربه؟ فأرسل إليه عبد الله بن عباس: أن نعم، فرد عليه عبدالله بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ فأرسل أنه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب علي كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، ملك في صورة رجل وملك في صورة ثور وملك في صورة نسر وملك في صورة أسد! انتهي.

وسيأتي ذكر بقية الحيوانات التي ادعوا أنها تحمل عرش الله تعالي في بازار الأحاديث، ويأتي بعصها في تفسير: الرحمن علي العرش استوي.

و قالوا رأي ربه واقفا علي أرض خضرة خلف ستر شفاف

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/124:

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات وضعفه من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل هل رأي محمد ربه؟ قال نعم رآه كأن قدميه علي خضرة دونه ستر من لؤلؤ، فقلت يا أبا عباس أليس يقول الله لا تدركه الأبصار! قال لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره، إذا تجلي بنوره لا يدركه شئ! انتهي.

ومضافاً إلي تضعيف البيهقي لهذه الرواية، فإنها تحاول تفسير قوله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، أي لا تدرك نوره، أما ذاته تعالي فتدركها الأبصار. وهو مخالف لظهور الآية، ولم يفسرها به أحد.

و حاول بعضهم أن يخفف القصة و يجعلها رؤيا في المنام

تقدم في رواية الترمذي نقل قول الراوي وهو ابن عباس بزعمهم (أحسبه قال في المنام).

وروي عبد الرزاق في تفسيره:2/137:

عن ابن عباس: أن النبي (ص) قال: أتاني ربي الليلة في أحسن صورة أحسبه قال: يعني في المنام، فقال: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلي؟ قال النبي (ص) قلت: لا، قال النبي (ص): فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي.. فعلمت ما في السموات والأرض...!!

وروي ابن حبان في المجروحين:3-135:

عن أنس أن الرسول (ص) قال: أتاه ربه في المنام في أحسن صورة، حتي وضع يده بين كتفه فوجد بردها بين ثدييه.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/319:

وأخرج ابن نصر والطبراني في السنة عن ثوبان (رض)... وفي بعض روايات السيوطي أنه رآه بقلبه، وفي بعضها (فعلمت في منامي ذلك ما سألني عنه من أمر الدنيا والآخرة، فقال: فيم يختصم الملأ الأعلي).

تفسير آية: وجوه يومئذ ناضرة، إلي ربها ناظرة

كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ. وَتَذَرُونَ الأخِرَةَ. وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ. القيامة:20 _ 25.

تفسير أهل البيت و فقهاء مذهبهم

تفسير القمي:2/397:

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: أي مشرقة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال ينظرون إلي وجه الله أي إلي رحمة الله ونعمته. وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ: أي ذليلة. انتهي. ورواه في الاحتجاج:2/191 وفي تفسير نور الثقلين:5/464 وقال: وفي مجمع البيان، وقال: وروي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن علي عليه السلام.

أمالي المرتضي:1/22:

مسألة: إعلم أن أصحابنا قد اعتمدوا في إبطال ما ظنه أصحاب الرؤية في قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، علي وجوه معروفة، لأنهم بينوا أن النظر ليس يفيد الرؤية ولا الرؤية من أحد محتملاته، ودلوا علي أن النظر ينقسم إلي أقسام كثيرة، منها تقليب الحدقة الصحيحة في جهة المرئي طلباً لرؤيته، ومنها النظر الذي هو الإنتظار، ومنها النظر الذي هو التعطف والمرحمة، ومنها النظر الذي هو الفكر والتأمل، وقالوا إذا لم يكن قي أقسام النظر الرؤية لم يكن للقوم بظاهرها تعلق واحتجنا جميعاً إلي طلب تأويل الآية من غير جهة الرؤية.

وتأولها بعضهم علي الإنتظار للثواب وإن كان المنتظر في الحقيقة محذوفاً والمنتظر منه مذكوراً، علي عادة للعرب معروفة.

وسلم بعضهم أن النظر يكون الرؤية بالبصر وحمل الآية علي رؤية أهل الجنة لنعم الله تعالي عليهم، علي سبيل حذف المرئي في الحقيقة وهذا كلام مشروح في مواضعه، وقد بينا ما يرد عليه وما يجاب به عن الشبهة المعترضة في مواضع كثيرة. وهاهنا وجه غريب في الآية حكي عن بعض المتأخرين لا يفتقر معتمده إلي العدول عن الظاهر أو إلي تقدير محذوف ولا يحتاج إلي

منازعتهم في أن النظر يحتمل الرؤية أو لا يحتملها، بل يصح الاعتماد عليه سواء كان النظر المذكور في الآية هو الإنتظار بالقلب أم الرؤية بالعين، وهو أن يحمل قوله تعالي إلي ربها إلي أنه أراد نعمة ربها لأن الآلاء النعم وفي واحدها أربع لغات: ألا مثل قفا، وألي مثل رمي، وألي مثل معي، وألَّي مثل حتَّي، قال أعشي بكر بن وائل:

أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحماً ولا يخون إلي أراد أنه لا يخون نعمة، وأراد تعالي إلي ربها فأسقط التنوين للإضافة.

فإن قيل: فأي فرق بين هذا الوجه وبين تأويل من حمل الآية علي أنه أراد به إلي ثواب ربها ناظرة بمعني رائية لنعمه وثوابه.

قلنا: ذلك الوجه يفتقر إلي محذوف لأنه إذا جعل إلي حرفاً ولم يعلقها بالرب تعالي فلابد من تقدير محذوف، وفي الجواب الذي ذكرناه لا يفتقر إلي تقدير محذوف، لأن إلي فيه اسم يتعلق به الرؤية ولا يحتاج إلي تقدير غيره، والله أعلم بالصواب.

بحار الأنوار:4/28:

لي: علي بن أحمد بن موسي، عن الصوفي، عن الروياني، عن عبدالعظيم الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود قال قال علي بن موسي الرضا عليه السلام في قول الله عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: يعني مشرفة تنتظر ثواب ربها.

بيان: إعلم أن للفرقة المحقة في الجواب عن الإستدلال بتلك الآية علي جواز الرؤية وجوها:

الأول: ما ذكره عليه السلام في هذا الخبر من أن المراد بالناظرة المنتظرة كقوله تعالي: فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ. روي ذلك عن مجاهد والحسن وسعيد بن جبير والضحاك، وهو المروي عن علي عليه السلام، واعترض عليه بأن النظر بمعني الإنتظار لا يتعدي بإلي، وأجيب بأن تعديته

بهذا المعني بإلي كثيرة، كما قال الشاعر:

إني إليك لما وعدت لناظر نظر الفقير إلي الغني الموسر

وقال آخر:

ويوم بذي قار رأيت وجوههم إلي الموت من وقع السيوف نواظر

والشواهد عليه كثيرة مذكورة في مظانه، ويحكي عن الخليل أنه قال: يقال: نظرت إلي فلان بمعني انتظرته، وعن ابن عباس أنه قال: العرب تقول إنما أنظر إلي الله ثم إلي فلان، وهذا يعم الاعمي والبصير، فيقولون: عيني شاخصة إلي فلان وطامحة إليك، ونظري إلي الله وإليك....

الثاني: أن يكون فيه حذف مضاف أي إلي ثواب ربها، أي هي ناظرة إلي نعيم الجنة حالاً بعد حال، فيزداد بذلك سرورها، وذكر الوجوه والمراد به أصحاب الوجوه، روي ذلك عن جماعة من علماء المفسرين من الصحابة والتابعين وغيرهم.

الثالث: أن تكون إلي بمعني عند، وهو معني معروف عند النحاة وله شواهد، كقول الشاعر:

فهل لكم فيما إلي فإنني طبيب بما أعيي النطاسي حذيم

أي فيما عندي، وعلي هذا يحتمل تعلق الظرف بناضرة وبناظرة. والأول أظهر.

الرابع: أن يكون النظر إلي الرب كناية عن حصول غاية المعرفة بكشف العلائق الجسمانية، فكأنها ناظرة إليه تعالي كقوله صلي الله عليه وآله: أعبد الله كأنك تراه.

وقال السيد شرف الدين في كتاب أبو هريرة:1/61:

أما رؤية الله عز وجل بالعين الباصرة فقد أجمع الجمهور علي إمكانها في الدنيا والآخرة، وأجمعوا أيضاً علي وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين والمؤمنات سيرونه يوم القيامة بأبصارهم، وأن الكافرين والكافرات لا يرونه أبداً. وأكثر هؤلاء علي أن الرؤية لا تقع في الدنيا، وربما قال بعضهم بوقوعها أيضاً.

ثم أن المجسمة يرونه ماثلاً أمامهم فينظرون إليه كما ينظر بعضهم إلي بعض، لا يمارون فيه كما لا يمارون في

الشمس والقمر ليس دونهما سحاب، علي ما يقتضيه حديث أبي هريرة. وقد خالف هؤلاء حكم العقل والنقل، وخرقوا إجماع الأمة بأسرها، وخرجوا عليها ومرقوا من الدين، وخالفوا ما علم منه بحكم الضرورة الإسلامية، فلا كلام لنا معهم.

وأما غيرهم من الجمهور وهم المنزهون من الأشعرية فقد قالوا بأن الرؤية قوة سيجعلها الله تعالي يوم القيامة بأبصار المؤمنين والمؤمنات خاصة، لا تكون بإتصال الأشعة، ولا بمقابلة المرئي ولا بتحيزه ولا بتكيفه، ولا، ولا، فهي علي غير الرؤية المعهودة للناس، بل هي رؤية خاصة تقع من أبصار المؤمنين والمؤمنات علي الله عز وجل لا كيف فيها ولا جهة من الجهات الست.

وهذا محال لا يعقل، ولا يمكن أن يتصوره متصور إلا إذا اختص الله المؤمنين في الدار الآخرة ببصر آخر لا تكون فيه خواص الأبصار المعهودة في الحياة الدنيا علي وجه تكون فيه الرؤية البصرية كالرؤية القلبية، وهذا خروج عن محل النزاع في ظاهر الحال. ولعل النزاع بيننا وبينهم في الواقع ونفس الأمر لفظي. انتهي.

وقد بيننا في تفسير لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، أن محاولة جعل الرؤية بحاسة أخري كالعين خروج عن الموضوع، وأن روايات إخواننا تأبي ذلك لأنها ظاهرة في الرؤية بالعين المتعارفة.

رؤية العارفين بقلوبهم أرقي من الرؤية البصرية

روي الصدوق في التوحيد/117:

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا موسي بن عمران النخعي، عن الحسين بن يزيد النوفلي، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال قلت له: أخبرني عن الله عز وجل هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ قال: نعم، وقد رأوه قبل يوم القيامة، فقلت متي؟ قال: حين قال لهم:

أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَي، ثم سكت ساعة، ثم قال: وإن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة، ألست تراه في وقتك هذا؟ قال أبو بصير فقلت له: جعلت فداك فأحدث بهذا عنك؟ فقال لا، فإنك إذا حدثت به فأنكر منكر جاهل بمعني ما تقوله، ثم قدَّر أن ذلك تشبيه كفر. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين، تعالي الله عما يصفه المشبهون والملحدون. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:4/44.

التحفة السنية/84:

ومن ثمت كان العلم الحاصل من الرؤية ألذ من العلم الحاصل من غيرها لازدياد الكشف فيها بسبب حضور نفس المعلوم عند الحس وصورته عند الذهن، فاللذة الزايدة إنما هي باعتبار هذا الإنكشاف الزايد من تصور معشوقه في خياله، فإنه يلتذ بتصوره لا محالة.

لكن لا نسبة لهذه اللذة إلي اللذة الحاصلة من مشاهدته رأي العين، وحيث أنها أقوي طرق الإنكشاف ربما يعبر عن مطلق الإنكشاف التام بأي طريق حصل بالرؤية والنظر كما في قوله سبحانه: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وما ورد من بعض الطرق: أن رسول الله صلي الله عليه وآله رأي ربه ليلة المعراج ونحو ذلك، لتطابق العقل والنقل علي امتناع الرؤية الحسية في حقه تعالي، لاشتراطها بالوضع والجهة وكثافة المرئي وغير ذلك. فالمراد بها أينما أطلقت في كلمات من يعتني بتصحيح كلامهم: غاية الإنكشاف التام الذي لا يكون ما فوقه مجازاً مقبولاً لوجود العلاقة البينة، إن ثبت كون اللفظ حقيقة في خصوص البصرية، وإلا فمن استعمال المشترك في معناه الآخر حقيقة اعتماداً علي وضوح القرينة وهي اشتراط الحسية بما يمتنع في حقه سبحانه.

وأحسن ما ينكشف به هذا المطلب ما سبقت روايته عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: لم أعبد رباً لم أره، لا تدركه

العيون بمشاهدة العيان ولكن تدركه القلوب بحقايق الإيمان، حيث أثبت عليه السلام الرؤية أولاً، ثم استدرك ذلك بصرفها من العينية لأنها المتبادر، إلي القلبية.

شرح الأسماء الحسني:1/185-191:

... ومنها قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وجه الإحتجاج: أن النظر في اللغة جاء بمعني الإنتظار ويتعدي بنفسه، وبمعني التفكر ويستعمل بفي، وبمعني الرأفة ويستعمل باللام، وبمعني الرؤية ويستعمل بإلي كما في الآية، فوجب حمله علي الرؤية كما قيل.

ويظهر من صاحب القاموس أن النظر المتعدي بنفسه يجي بمعني الرؤية أيضاً، وجعله من باب الحذف والإيصال خلاف الأصل، وأنه جاء بمعني الحكم ويستعمل بكلمة بين فقال: نظره كضربه وسمعه، وإليه نظراً ومنظراً ونظراناً ومنظرة وتنظاراً: تأمله بعينه كتنظره، والأرض أرت العين نباتها، ولهم: أعانهم، وبينهم: حكم.انتهي.

واعترض علي هذا الدليل أيضاً بأن النظر لا يدل علي الرؤية، فإن النظر تقليب الحدقة نحو المرئي. بل ادعي بعضهم أن النظر المستعمل بإلي موضوع لذلك ولتحققه بدونها، يقال نظرت إلي الهلال فما رأيته، ولو كان بمعني الرؤية لكان تناقضاً، ولم أزل أنظر إلي الهلال حتي رأيته، ولو حمل علي الرؤية لكان الشي غاية لنفسه.

أقول: يمكن جعله من باب الإكتفاء بالمراد عن الإرادة، كقوله تعالي: إِذَا قُمْتُمْ إلي الصَّلَوةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ، وهذا باب واسع كما في المغني وغيره، فمعني قولهم نظرت إلي الهلال فما رأيته أردت رؤية الهلال فما رأيته، وهكذا في الآخر، بل في كل موضع يقال إنه لتقليب الحدقة، فالنظر محمول علي معناه الحقيقي وهو الرؤية المرادة بتلك الإرادة، بل إذا نظرت المعاني المستعمل فيها النظر وجدت روح جلها لو لم يكن كلها، الرؤية. وأجيب أيضاً: بأن معني قولهم نظرت إلي الهلال فما رأيته ونحوه، نظرت

إلي مطلع الهلال.

واعترض أيضاً علي هذا الدليل بأنا لا نسلم أن لفظة إلي صلة للنظر، بل واحدة الآلاء ومفعول به للنظر بمعني الإنتظار، أي نعمة ربها منتظرة، ولو سلم فالنظر الموصول بإلي قد جاء للانتظار قال الشاعر:

وشعث ينظرون إلي هلال كما نظر الظما حب الغمام

والجواب: أما عن الثاني فبمثل ما ذكر عن حديث التقليب وكون النظر المستعمل بإلي بمعني الإنتظار مما لم يثبت عند البلغاء، وأما عن الأول فبأن انتظار النعمة غم، بل قيل الإنتظار موت أحمر، والآية مسوقة لبيان النعم.

وهذا الجواب زيف، لأن الآية دالة علي أن الحالة التي عبر عنها بقوله سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، سابقة علي حالة استقرار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، بقرينة المقابلة لقوله تعالي: وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ، أي تظن أن يفعل بها فعل هو في شدته وفظاعته داهية فاقرة تقصم فقار الظهر، ولم يفعل بها بعد، وحينئذ كان انتظار النعمة بعد البشارة بها سروراً يستتبع نضارة الوجه، كما أن انتظار إكرام الملك لا يكون موجباً للغم إذا تيقن وصوله إليه.

بل الحق في الجواب أن كون إلي في الآية بمعني النعمة لا يخفي بعده وغرابته وإخلاله بالفهم عند تعلق النظر به، ولهذا لم يحمل الآية عليه أحد من أئمة التفسير.

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

أورد السيوطي في الدر المنثور:6/290 _ أكثر من ثلاثين رواية وقولاً في تفسير قوله تعالي: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، منها روايتان توافقان مذهبنا وهما:

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن أبي صالح (رض) في قوله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال: حسنة، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ: قال: تنتظر الثواب من ربها... وأخرج ابن جرير عن مجاهد

(رض) في قوله: إلي ربها ناظرة، قال: تنتظر منه الثواب. انتهي.

وستأتي بقية رواياته التي فيها تجسيم. وقد تقدم عدد من رواياتهم النافية لامكان الرؤية بالعين في تفسير لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، كرواية أبي سعيد الخدري في الدر المنثور:3/37 وغيرها.

قال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/583:

وأما في الآخرة فذهب جمهور أهل السنة إلي إثبات رؤية الله تعالي للمؤمنين في الجنة، واحتجوا بقوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وبقوله تعالي عن الكافرين: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، وبحديث: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا البدر، وفي رواية: كما ترون الشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب، وهو في البخاري ومسلم.

وخالفهم في ذلك جماعة من أهل السنة والجماعة وغيرهم كالسيدة عائشة رضي الله عنها ومجاهد وأبي صالح السمان وعكرمة وغيرهم، وكذا المعتزلة والأباضية والزيدية، واحتجوا بقول الله تعالي: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَ هُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ، وأوَّلوا الآيات التي احتج بها جمهور أهل السنة بأن المراد بالآية هو: وجوه ناضرة مسرورة لأنها تنظر ثواب ربها وعطاءه وجنته وإنعامه، كما أنه هناك بالمقابل وجوه يومئذ باسرة عابسة تظن أن يفعل بها فاقرة أي مصابة بداهية كبيرة، وهذا الكلام هو بيان ما يكون في أرض المحشر، وحال المؤمنين والكافرين يومئذ، والرؤيا إنما تكون في الجنة.

قالوا: فالمقام هنا مقام مقابلة بين وجوه تنتظر الثواب ووجوه تنتظر العقاب، ورؤية الله تعالي غير مرادة هنا وخصوصاً أن الكلام يتعلق بالموقف قبل الدخول للجنة والنار، وأنتم _ يا جمهور أهل السنة والجماعة - تقولون بأن الرؤية إنما تتم في الجنة لا في أرض المحشر، وهذا الكلام يتعلق في أرض المحشر.

ورد هؤلاء علي من قال من أهل السنة بأن

لفظ (ناظرة) لا تأتي عربية بمعني منتظرة، فقالوا: إن ذلك ليس صحيحاً، بل قد ورد القرآن الكريم بإثبات أن معني ناظرة منتظرة! من ذلك قوله تعالي عن بلقيس: وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بهم يرجع المرسلون. النمل: 35، أي منتظرة بم يرجع المرسلون، وهو واضح ظاهر.

كذلك قالوا بأن المراد بقله تعالي: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، أي عن ثواب ربهم وإكرامه وإنعامه، والحجاب أيضاً هو عن كلامه لا عن رؤيته، لأن الله تعالي يقول وهو أصدق القائلين: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ. البقرة: 174

ثم قال في آخر بحثه/590 فتبين من هذا كله أن هذه الآيات لا يصح الإستدلال بها في مسألة إثبات الرؤية، والله تعالي الموفق. انتهي.

ونؤكد هنا علي ضرورة ملاحظة قوله تعالي (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ) الذي يدل علي أن هذا المشهد أحد مشاهد المحشر قبل دخول الجنة والنار كما روي عن علي عليه السلام. وهذا قرينة علي أن (ناظرة) بمعني منتظرة. ودليل علي أن الذين فسروها بالنظر إلي الله تعالي في الجنة لم يلتفتوا إلي بقية الآيات!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

صحيح البخاري:8/179:

باب قول الله تعالي وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... عن جرير قال كنا جلوساً عند النبي(ص)إذ نظر إلي القمر ليلة البدر قال: إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا علي صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروب الشمس فافعلوا.

سنن الترمذي:4/93:

عن إسرائيل، عن ثوير، قال سمعت ابن عمر يقول: قال رسول الله (ص): إن أدني أهل الجنة منزلة لمن ينظر إلي جنانه وزوجاته ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة، وأكرمهم علي الله

من ينظر إلي وجهه غدوة وعشية، ثم قرأ رسول الله (ص): وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ. وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن إسرائيل عن ثوير عن ابن عمر مرفوعاً. ورواه عبدالملك بن أبجر عن ثوير، عن ابن عمر موقوفاً. ورواه عبيد الله الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه.

سنن الترمذي:5/103:

عن إسرائيل عن ثوير قال سمعت ابن عمر يقول... الخ. هذا حديث غريب، وقد روي غير واحد عن إسرائيل مثل هذا مرفوعاً، وروي عبد الملك بن الجبر عن ثوير، عن ابن عمر قوله ولم يرفعه. وروي الأشجعي عن سفيان عن ثوير عن مجاهد عن ابن عمر قوله ولم يرفعه، ولا نعلم أحداً ذكر فيه عن مجاهد غير الثوري. انتهي. ورواه أحمد في:2/64 ورواه الحاكم في المستدرك:2/509، ولكن فيه (ألفي سنة) بدل ألف سنة، قال: عن ثوير بن أبي فاختة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن أدني أهل الجنة منزلة لرجل ينظر في ملكه ألفي سنة يري أقصاه كما يري أدناه، ينظر في أزواجه وخدمه وسرره.

وقال السيوطي في الدرالمنثور:3/37:

وأخرج أبوالشيخ والبيهقي في كتاب الرؤية عن الحسن في قوله: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، قال: في الدنيا، وقال الحسن: يراه أهل الجنة في الجنة، يقول الله وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ.، قال ينظر إلي وجه الله.

وقد استعرض السيوطي في الدر المنثور:6/290، أكثر رواياتهم وأقوالهم في تفسير الآية، وقد تقدم منها ما يوافق مذهب أهل البيت عليهم السلام، ونورد فيما يلي بقيتها، ونلاحظ أن أكثرها غير مسند إلي النبي صلي الله عليه وآله، بل هو أقوال مفسرين،

وأكثرهم علماء سلطة أو معادون لأهل البيت (عليهم السلام). قال السيوطي في:6/290:

وأخرج ابن المنذر والآجري في الشريعة واللالكائي في السنة والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال يعني حسنها، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: نظرت إلي الخالق.

وأخرج ابن المنذر والآجري عن محمد بن كعب القرظي في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال نضر الله تلك الوجوه وحسنها للنظر إليه.

وأخرج ابن المنذر والآجري واللالكائي والبيهقي عن عكرمة: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال: ناضرة من النعيم، إلي ربها ناظرة، قال: تنظر إلي الله نظراً.

وأخرج الدار قطني والآجري واللالكائي والبيهقي عن الحسن في الآية قال: النضرة الحسن، نظرت إلي ربها فنضرت بنوره.

وأخرج ابن جرير عن الحسن، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ: يقول حسنة، إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنظر إلي الخالق.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال مسرورة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال أنظر ماذا أعطي الله عبده من النور في عينيه أن لو جعل نور أعين جميع خلق الله من الإنس والجن والدواب وكل شئ خلق الله فجعل نور أعينهم في عيني عبد من عباده ثم كشف عن الشمس ستراً واحداً ودونها سبعون ستراً ما قدر علي أن ينظر إلي الشمس، والشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الستر. قال عكرمة: أنظروا ماذا أعطي الله عبده من النور في عينيه أن نظر إلي وجه الرب الكريم عياناً.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: تنظر إلي وجه ربها.

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن

مالك قال قال رسول الله(ص)في قول الله وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة قال: ينظرون إلي ربهم بلا كيفية ولا حد محدود ولا صفة معلومة. (وهل لهذا معني مفهوم غير النظر بالقلب؟!)

وأخرج الدارقطني والخطيب عن أنس أن النبي(ص)أقرأه هذه الآية: وجوه يومئذ ناضرة إلي ربها ناظرة، قال: والله ما نسخها منذ أنزلها، يزورون ربهم تبارك وتعالي فيطعمون ويسقون ويتطيبون ويحلون، ويرفع الحجاب بينه وبينهم فينظرون إليه وينظر إليهم عز وجل، وذلك قوله عز وجل: وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا.

وأخرج أبوالشيخ عن الحسن (رض) قال: أول من ينظر إلي الله تبارك وتعالي الأعمي.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن موسي بن صالح بن الصباح قال: إذا كان يوم القيامة يؤتي بأهل ولاية الله فيقومون بين يديه ثلاثة أصناف، فيؤتي برجل من الصنف الأول فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول: يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها... ثم يؤتي برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول ربي حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك، فيقول الله عبدي إنما عملت شوقاً إلي وحباً لي، فيتجلي له الرب فيقول ها أنا ذا أنظر إليَّ! ثم يقول فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي، فيدخل هو ومن معه الجنة.

الجواهر الحسان للثعالبي:3/416:

قوله تعالي: إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، حمل جميع أهل السنة هذه الآية علي أنها متضمنة رؤية المؤمنين لله عز وجل بلا تكييف ولا تحديد. انتهي. ولكن هل ذلك نظراً بالعين!

تفسير الطبري:29/119:

عن مجاهد في: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ، قال

مسرورة. إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، قال: إلي ربها نظراً.

وقال ابن حزم في المحلي:1/34:

مسألة: وأن الله تعالي يراه المسلمون يوم القيامة بقوة غير هذه القوة. قال عز وجل: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... ولو كانت هذه القوة لكانت لا تقع إلا علي الالوان، تعالي الله عن ذلك. وأما الكفار فإن الله عز وجل قال: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ. انتهي. وقد اضطر ابن حزم أن يجعل الرؤية غير بصرية وأن يوافق أهل البيت (عليهم السلام).

وقال القسطلاني في إرشاد الساري:10/398:

قوله تعالي (إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) بلا كيفية ولا جهة ولا ثبوت مسافة. وقال القاضي: تراه مستغرقة في مطالعة جماله بحيث تغفل عما سواه. انتهي. وهي رؤية غير بصرية كما تري.

وقال الألباني في فتاويه/143:

إن عقيدة رؤية الله لم ترد في السنة فقط حتي تشككوا فيها، إن هذه العقيدة أيضاً قد جاءت في القرآن الكريم المتواتر روايته عن رسول الله... إن قوله تعالي: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، هي وجوه المؤمنين قطعاً إلي رَبِّهَا نَاظِرَةٌ... المعتزلة والشيعة جاءوا بفلسفة ففسروا: وجوه إلي ربها ناظرة، أي إلي نعيم ربها ناظرة، أعطوا دلالة الآية ورفضوا التفسير الثاني للذين أحسنوا، وهذه الفلسفة معول هدام للسنة الصحيحة. انتهي.

وبذلك كشف الشيخ الالباني حقيقة موقف القائلين بالرؤية، فقد اعترف بأن تفسير (ناظرة) بالنظر المعنوي يحقق الانسجام والتوافق بين الآيات المحكمات مثل: لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ، وبين هذه الآية. ولكن الخطر كل الخطر منه علي (السنة الشريفة) أن يهدمها معول تأويل هذه الآية!

فلماذا يا تري يهتمون بالمحافظة علي روايات الرؤية ويخافون أن تهدم، ولا يهتمون بالآيات المحكمات النافية للرؤية ولايخافون أن تهدم!

ثم إن أحاديث السنة عند إخواننا منها

ما ينفي الرؤية بالعين مطلقاً ومنها ما يثبتها صراحة، وجميعها في البخاري، الكتاب المعصوم بزعمهم من الجلد إلي الجلد، فكيف صار بعض البخاري سنة يجب أن يحفظ من خطر الهدم وبعضه سنة لا مانع أن يهدم، وتهدم معه آيات محكمات!

لعل جوابهم: أن الذين رووا أحاديث نفي الرؤية عن النبي هم عائشة وعدد من الصحابة وأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله، بينما الذين رووا أحاديث الرؤية الخليفة عمر والمقربون منه، وعند التعارض يجب أن نحافظ علي روايات عمر ولا نسمح لاحد أن يهدمها أو يمسها، ويجب أن نعمل معول التأويل أو الهدم في آيات نفي الرؤية وأحاديثها لكي تخضع لما قاله كعب الأحبار والخليفة عمر ومن وافقهما!

بل الظاهر أنه لا مانع عند إخواننا من أن ترد أقوال كل الصحابة وأن تهدم عصمة البخاري برد بعض أحاديثه، لأنهم إنما يريدون عصمة البخاري من أجل عصمة المولي عمر! إنهم يقولون: الخليفة قال برؤية الله بالعين، والقول ما قاله عمر، وانتهي الكلام.

وإذا وصل الأمر إلي هذا، فعلي المسلم أن يسكت كما سكت نبيه صلي الله عليه وآله وهو علي فراش الموت عندما صاحوا في وجهه (القول ما قاله عمر) عندما كرروا شعارهم في وجهه قال لهم: قوموا عني! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

تفسير آيات التجلي لموسي

قال اللّه تعالي: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَي صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ. الأعراف: 143.

قال أهل البيت: تجلي بنوره الذي خلقه، لا بذاته

الامام الرضا يدفع التهم عن الأنبياء

روي الصدوق في كتابه التوحيد/118-122:

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبدالله بن عباس في قوله عز وجل: «فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ» قال يقول: سبحانك تبت إليك من أن أسألك الرؤية، وأنا أول المؤمنين بأنك لا تري.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب (رض): إن موسي عليه السلام علم أن الله عز وجل لا يجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسي ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، في حال تدكدكه فسوف تراني. ومعناه أنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لا يكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عز وجل: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً كما لا يلج الجمل في سم الخياط أبداً.

فلما تجلي ربه للجبل: أي ظهر بآية من آياته، وتلك الآية نور من

الأنوار التي خلقها ألقي منها علي ذلك الجبل، فجعله دكا وخر موسي صعقا، من هول تدكدك ذلك الجبل علي عظمه وكبره، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، أي رجعت إلي معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنبه لأن الأنبياء لا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً أن يستعمله ويأخذ به نفسه متي أراد أن يسأله.

علي أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز علي الله عز وجل.

وقوله: وأنا أول المؤمنين، يقول أنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا تري.

والأخبار التي رويت في هذا المعني وأخرجها مشايخنا رضي الله عنهم في مصنفاتهم عندي صحيحة، وإنما تركت إيرادها في هذا الباب خشية أن يقرأها جاهل بمعانيها فيكذب بها فيكفر بالله عز وجل وهو لا يعلم....

ومعني الرؤية الواردة في الأخبار العلم، وذلك أن الدنيا دار شكوك وارتياب وخطرات، فإذا كان يوم القيامة كشف للعباد من آيات الله وأموره في ثوابه وعقابه ما تزول به الشكوك، وتعلم به حقيقة قدرة الله عز وجل.

وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ، فمعني ما روي في الحديث أنه عز وجل يري أي يعلم علماً يقينياً، كقوله عز وجل: أَلَمْ تَرَ إلي رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ. وقوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ، وقوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ:

وقوله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ، وأشباه ذلك من رؤية القلب وليست من رؤية العين.

وأما قول الله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فمعناه: لما ظهر عز وجل للجبل بآية من آيات الآخرة التي تكون بها الجبال سراباً، والذي ينسف بها الجبال نسفاً، تدكدك الجبل فصار تراباً، لأنه لم يطق حمل تلك الآية، وقد قيل إنه بدا له نور العرش....

وتصديق ما ذكرته ما حدثنا به تميم القرشئ، عن أبيه، عن حمدان بن سليمان، عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسي (عليهم السلام) فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: إن الأنبياء معصومون قال: بلي، فسأله عن آيات من القرآن فكان فيما سأل أن قال له: فما معني قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي، الآية كيف يجوز أن يكون كليم الله موسي بن عمران عليه السلام لا يعلم أن الله تعالي ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتي يسأله عن هذا السؤال.

فقال الرضا عليه السلام: إن كليم الله موسي بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالي عن أن يري بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقربه نجياً رجع إلي قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لن نؤمن لك حتي نسمع كلامه كما سمعت وكان القوم سبعمائة ألف رجل فاختار منهم سبعين ألفاً، ثم اختار منهم سبعة آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربه، فخرج بهم إلي طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل، وصعد موسي عليه السلام إلي الطور،

وسأل الله تبارك وتعالي أن يكلمه ويسمعهم كلامه، فكلمه الله تعالي ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثاً منها حتي سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لن نؤمن لك بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتي نري الله جهرة، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقة فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسي: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم لانك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله، إياك فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لوسألت الله أن يريك تنظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته! فقال موسي عليه السلام: يا قوم إن الله لا يري بالأبصار ولا كيفية له، وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه. فقالوا: لن نؤمن لك حتي تسأله فقال موسي عليه السلام: يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحي الله جل جلاله إليه: يا موسي اسألني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسي عليه السلام: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ، وهو يهوي، فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَي صَعِقًا، فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك، يقول: رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي، وأنا أول المؤمنين، منهم بأنك لا تري.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن... الخبر...

ولو أوردت الأخبار التي رويت في معني الرؤية لطال الكتاب بذكرها وشرحها وإثبات صحتها، ومن وفقه الله تعالي ذكره للرشاد آمن بجميع ما يرد عن

الأئمة (عليهم السلام)بالاسانيد الصحيحة وسلم لهم، ورد الأمر فيما اشتبه عليه إليهم، إذ كان قولهم قول الله وأمرهم أمره، وهم أقرب الخلق إلي الله عز وجل وأعلمهم به، صلوات الله عليهم أجمعين.

وقال في علل الشرائع:2/497:

حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي العلوي الحسيني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن أسباط قال حدثنا أحمد بن محمد بن زياد القطان قال: حدثني أبوالطيب أحمد بن محمد بن عبدالله قال حدثني عيسي بن جعفر العلوي العمري عن آبائه عن عمر بن علي عن أبيه علي بن أبي طالب عليه السلام أنه سئل مم خلق الله الذر الذي يدخل في كوة البيت؟ فقال: إن موسي عليه السلام: لما قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال الله تعالي: إن استقر الجبل لنوري فإنك ستقوي علي أن تنظر إلي، وإن لم يستقر فلا تطيق إبصاري لضعفك، فلما تجلي الله تبارك وتعالي للجبل تقطع ثلاث قطع، فقطعة ارتفعت في السماء، وقطعة غاصت تحت الأرض، وقطعة تفتت فهذا الذر من ذلك الغبار، غبار الجبل.

تفسير العياشي:2/26:

عن أبي بصير عن أبي جعفر وأبي عبدالله عليه السلام قال: لما سأل موسي ربه تبارك وتعالي: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، قال: فلما صعد موسي علي الجبل فتحت أبواب السماء وأقبلت الملائكة أفواجاً في أيديهم العمد وفي رأسها النور، يمرون به فوجاً بعد فوج يقولون: يابن عمران أثبت فقد سألت عظيماً، قال: فلم يزل موسي واقفاً حتي تجلي ربنا جل جلاله، فجعل الجبل دكاً وخر موسي صعقاً، فلما أن رد الله إليه روحه أفاق قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين.

قال ابن أبي عمير: وحدثني عدة من أصحابنا أن النار أحاطت به، حتي لا يهرب من هول ما رأي.

وقال الشريف المرتضي في أماليه:4/125:

فإن قيل: كيف يجوز منه عليه الصلاة والسلام مع علمه باستحالة الرؤية عليه تعالي أن يسأل فيها لقومه، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن يسأل لقومه سائر ما يستحيل عليه تعالي من كونه جسماً وما أشبهه متي شكوا فيه.

قلنا: إنما صح ما ذكرناه في الرؤية ولم يصح فيما سألت عنه لأنه مع الشك في جواز الرؤية التي لا يقتضي كونه جسماً يمكن معرفة السمع وأنه تعالي حكيم صادق في إخباره، فيصح أن يعرفوا بالجواب الوارد من جهته تعالي استحالة ما شكوا في صحته وجوازه، ومع الشك في كونه جسماً لا يصح معرفة السمع فلا يقع بجوابه انتفاع ولا علم..

وقد قال بعض من تكلم في هذه الآية قد كان جائزاً أن يسأل موسي عليه السلام لقومه ما يعلم استحالته وإن كانت دلالة السمع لا تثبت قبل معرفته متي كان المعلوم أن في ذلك صلاحاً للمكلفين في الدين، وإن ورود الجواب يكون لطفاً لهم في النظر في الأدلة وإصابة الحق منها، غير أن من أجاب بذلك شرط أن يتبين في مسألة علمه باستحالة ما سأل عنه وأن غرضه في السؤال ورود الجواب ليكون لطفاً..

والجواب الثاني في الآية أن يكون موسي عليه السلام إنما سأل ربه أن يعلمه نفسه ضرورةً بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلي المعرفة فتزول عنه الدواعي والشكوك والشبهات ويستغني عن الإستدلال فتخف المحنة عليه بذلك، كما سأل إبراهيم عليه السلام ربه تعالي أن يريه كيف يحيي الموتي طلباً للتخفيف عليه بذلك، وإن كان قد عرف ذلك قبل

أن يراه، والسؤال إن وقع بلفظ الرؤية فإن الرؤية تفيد العلم كما تفيد الإدراك بالبصر، وذلك أظهر من أن يستدل عليه أو يستشهد به، فقال له جل وعز: لن تراني، أي لن تعلمني علي هذا الوجه الذي التمسته مني، ثم أكد تعالي ذلك بأن أظهر في الجبل من آياته وعجائبه ما دل به علي أن إظهار ما تقوم به المعرفة الضرورية في الدنيا مع التكليف وبيانه لا يجوز، وأن الحكمة تمنع منه.

والوجه الأول أولي لما ذكرناه من الوجوه ولانه لا يخلو موسي عليه السلام من أن يكون شاكاً في أن المعرفة ضرورية لا يصح حصولها في الدنيا أو عالماً بذلك، فإن كان شاكاً فهذا مما لا يجوز علي النبي صلي الله عليه وآله، لأن الشك فيما يرجع إلي أصول الديانات وقواعد التكليف لا يجوز عليهم سلام الله عليهم، لا سيما وقد يجوز أن يعلم ذلك علي الحقيقة بعض أمتهم فيزيد عليهم في المعرفة، وهذا أبلغ في التنفير عنهم من كل شئ يمنع منه فيهم. وإن كان عالماً فلا وجه لسؤاله إلا أن يقال إنه سأل لقومه، فيعود إلي معني الجواب الأول.

والجواب الثالث في الآية، ما حكي عن بعض من تكلم في هذه الآية من أهل التوحيد وهو أن قال: يجوز أن يكون موسي عليه السلام في وقت مسألته ذلك كان شاكاً في جواز الرؤية علي الله تعالي فسأل ذلك ليعلم هل يجوز عليه أم لا، قال وليس شكه في ذلك بمانع من أن يعرف الله تعالي بصفاته بل يجري مجري شكه في جواز الرؤية علي بعض ما لا يري من الاعراض في أنه غير مخل بما يحتاج إليه في معرفته تعالي.

قال: ولا

يمتنع أن يكون غلطه في ذلك ذنباً صغيراً وتكون التوبة الواقعة منه لاجل ذلك.

وهذا الجواب يبعد من قبل أن الشك في جواز الرؤية التي لاتقتضي تشبيهاً، وإن كان لا يمنع من معرفته تعالي بصفاته فإن الشك في ذلك لا يجوز علي الأنبياء (عليهم السلام)من حيث يجوز من بعض من بعثوا إليه أن يعرف ذلك علي الحقيقة فيكون النبي صلي الله عليه شاكاً فيه وغيره عارفاً به مع رجوعه إلي المعرفة بالله تعالي وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه، وهذا أقوي في التنفير وأزيد علي كل ما وجب أن يجنبه الأنبياء (عليهم السلام).

فإن قيل: فعن أي شئ كانت توبة موسي عليه السلام علي الجوابين المتقدمين؟

قلنا: أما من ذهب إلي أن المسألة كانت لقومه، فإنه يقول إنما تاب لأنه أقدم علي أن سأل علي لسان قومه ما لم يؤذن له فيه، وليس للأنبياء ذلك لأنه لا يؤمن أن يكون الصلاح في المنع منه فيكون ترك إجابتهم إليه منفراً عنهم. ومن ذهب إلي أنه سأل المعرفة الضرورية يقول إنه تاب من حيث سأل معرفة لا يقتضيها التكليف. وعلي جميع الأحوال تكون التوبة من ذنب صغير لا يستحق عليه العقاب ولا الذم.

والأولي أن يقال في توبته عليه الصلاة والسلام: إنه ليس في الآية ما يقتضي أن تكون التوبة وقعت من المسألة أو من أمر يرجع إليها، وقد يجوز أن يكون ذلك منه إما لذنب صغير تقدم تلك الحال أو تقدم النبوة، فلا يرجع إلي سؤال الله تعالي الرؤيا أو ما أظهره من التوبة علي سبيل الرجوع إلي الله تعالي وإظهار الإنقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب صغير، وقد يجوز أيضاً أن

يكون الغرض في ذلك مضافاً إلي ما قلناه تعليماً وتوقيفاً علي ما نستعمله وندعوه به عند الشدائد ونزول الأهوال وتنبيه القوم المخطئين خاصة علي التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه تعالي، فإن الأنبياء(عليهم السلام) وإن لم يقع منهم القبيح عندنا فقد يقع من غيرهم ويحتاج من رفع ذلك عنه إلي التوبة من الإستقالة..

فأما قوله تعالي: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، فإن التجلي هاهنا هو التعريف والإعلام والإظهار لما يقتضي المعرفة، كقولهم هذا كلام جلي أي واضح ظاهر، وكقول الشاعر:

تجلي لنا بالمشرفية والقنا وقد كان عن وقع الاسنة نائي

أراد أن تدبيره دل عليه حتي علم أنه المدبر له وإن كان نائياً فأقام ما أظهره من دلالة فعله علي مقام مشاهدته وعبر عنه بأنه تجلي منه.

وفي قوله تعالي (للجبل) وجهان، أحدهما، أن يكون المراد لأهل الجبل ومن كان عند الجبل فحذف كما قال تعالي: واسأل القرية، وما بكت عليهم السماء والأرض، وقد علمنا أنه بما أظهره من الآيات إنما دل من كان عند الجبل علي أن رؤيته تعالي غير جائزة. والوجه الآخر، أن يكون المعني للجبل أي بالجبل، فأقام اللام مقام الباء كما قال تعالي: آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ، أي به، وكما تقول: أخذتك لجرمك أي بجرمك، ولما كانت الآية الدالة علي منع ما سأل إنما حلت الجبل وظهرت فيه جاز أن يضاف التجلي إليه.

وقد استدل بهذه الآية كثير من العلماء الموحدين علي أنه تعالي لا يري بالأبصار من حيث نفي الرؤية نفياً عاماً بقوله تعالي: لَنْ تَرَانِي، ثم أكد ذلك بأن علق الرؤية باستقرار الجبل الذي علمنا أنه لم يستقر، وهذه طريقة للعرب معروفة في تبعيد الشئ لأنهم يعلقونه

بما يعلم أنه لا يكون كقولهم: لا كلمتك ما أضاء الفجر وطلعت الشمس، وكقول الشاعر:

إذا شاب الغراب رجوت أهلي وصار القير كاللبن الحليب

بحار الأنوار:3/45: أورد رواية الصدوق الأولي عن الأمالي والتوحيد وقال:

بيان: إعلم أن المنكرين للرؤية والمثبتين لها كليهما استدلوا بما ورد في تلك القصة علي مطلوبهم، فأما المثبتون فاحتجوا بها بوجهين:

الأول: أن موسي عليه السلام سأل الرؤية ولو امتنع كونه تعالي مرئياً لما سأل، لأنه حينئذ إما أن يعلم امتناعه أو يجهله فإن علمه فالعاقل لا يطلب المحال لأنه عبث، وإن جهله فالجاهل بما لا يجوز علي الله تعالي ويمتنع لا يكون نبياً كليماً.

وأجيب عنه بوجوه: الأول: ما ورد في هذا الخبر من أن السؤال إنما كان بسبب قومه لا لنفسه، لأنه كان عالماً بامتناعها، وهذا أظهر الوجوه واختاره السيد الأجل المرتضي في كتابي تنزيه الأنبياء وغرر الفوائد، وأيده بوجوه:

منها، حكاية طلب الرؤية من بني إسرائيل في مواضع كقوله تعالي: فقد سألوا موسي أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة بظلمهم. وقوله تعالي: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَي أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ؟؟ وأنتم تنظرون؟؟. ومنها، أن موسي عليه السلام أضاف ذلك إلي السفهاء، قال الله تعالي: فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَ إِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا. وإضافة ذلك إلي السفهاء تدل علي أنه كان بسببهم ومن أجلهم حيث سألوا ما لا يجوز عليه تعالي.

فإن قيل: فلم أضاف السؤال إلي نفسه ووقع الجواب مختصاً به.

قلنا: لا يمتنع وقوع الإضافة علي هذا الوجه، مع أن السؤال كان لأجل الغير إذا كانت هناك دلالة تؤمن من اللبس،

فلهذا يقول أحدنا إذا شفع في حاجة غيره للمشفوع إليه: أسألك أن تفعل بي كذا وتجيبني إلي ذلك، ويحسن أن يقول المشفوع إليه: قد أجبتك وشفعتك، وما جري مجري ذلك، علي أنه قد ذكر في الخبر ما يغني عن هذا الجواب.

وأما ما يورد في هذا المقام من أن السؤال إذا كان للغير، فأي جرم كان لموسي حتي تاب منه؟

فأجاب رحمه الله بحمل التوبة علي معناها اللغوي أي الرجوع، أي كنت قطعت النظر عما كنت أعرفه من عدم جواز رؤيتك، وسألت ذلك للقوم فلما انقضت المصلحة في ذلك تركت هذا السؤال ورجعت إلي معرفتي بعدم جواز رؤيتك وما تقتضيه من عدم السؤال.

وأجاب السيد قدس الله روحه عنه بأنه يجوز أن يكون التوبة لأمر آخر غير هذا الطلب، أو يكون ما أظهره من التوبة علي سبيل الرجوع إلي الله تعالي، وإظهار الانقطاع إليه والتقرب منه وإن لم يكن هناك ذنب.

والحاصل أن الغرض من ذلك إنشاء التذلل والخضوع، ويجوز أن يضاف إلي ذلك تنبيه القوم المخطئين علي التوبة مما التمسوه من الرؤية المستحيلة عليه. بل أقول يحتمل أن تكون التوبة من قبلهم كما كان السؤال كذلك.

الثاني: أنه عليه السلام لم يسأل الرؤية بل تجوز بها عن العلم الضروري لأنه لازمها، وإطلاق اسم الملزوم علي اللازم شائع سيما استعمال رأي بمعني علم وأري بمعني أعلم، والحاصل أنه سأله أن يعلمه نفسه ضرورة بإظهار بعض أعلام الآخرة التي تضطره إلي المعرفة، فتزول عنه الدواعي والشكوك، ويستغني عن الإستدلال كما سأل إبراهيم عليه السلام: رب أرني كيف تحيي الموتي.

الثالث: أن في الكلام مضافاً محذوفاً أي أرني آية من آياتك أنظر إلي آيتك، وحاصله يرجع إلي

الثاني.

الرابع: أنه عليه السلام سأل الرؤية مع علمه بامتناعها لزيادة الطمأنينة بتعاضد دليل العقل والسمع، كما في طلب إبراهيم عليه السلام، وحاصله يرجع إلي منع أن العاقل لا يطلب المحال الذي علم استحالته إذ يمكن أن يكون الطلب لغرض آخر غير حصول المطلوب، فلا يلزم العبث لجواز ترتب غرض آخر عليه، والعبث ما لا فائدة فيه أصلاً، ولعل في هذا السؤال فوائد عظيمة سوي ما ذكر أيضاً ولا يلزمنا تعيين الفائدة بل علي المستدل أن يدل علي انتفائها مطلقاً، ونحن من وراء المنع، ومما يستغرب من الأشاعرة أنهم أجمعوا علي أن الطلب غير الإرادة، واحتجوا عليه بأن الأمر ربما أمر عبده بأمر وهو لا يريده، بل يريد نقيضه، ثم يقولون هاهنا: بأن طلب ما علم استحالته لا يتأتي من العاقل.

الثاني من وجهي احتجاجهم: هو أنه تعالي علق الرؤية علي استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه، والمعلق علي الممكن ممكن، لأن معني التعليق أن المعلق يقع علي تقدير وقوع المعلق عليه، والمحال لا يقع علي شئ من التقادير.

ويمكن الجواب عنه بوجوه، أوجهها أن يقال: التعليق إما أن يكون الغرض منه بيان وقت المعلق وتحديد وقوعه بزمان وشرط، ومن البينِّ أن ما نحن فيه ليس من هذا القبيل. وإما أن يكون المطلوب فيه مجرد بيان تحقق الملازمة وعلاقة الاستلزام بأن يكون لافادة النسبة التي بين الشرط والجزاء مع قطع النظر عن وقوع شئ من الطرفين وعدم وقوعه، ولا يخفي علي ذي لب أن لا علاقة بين استقرار الجبل ورؤيته تعالي في نفس الأمر ولا ملازمة. علي أن إفادة مثل هذا الحكم وهو تحقق علاقة اللزوم بين هاتين القضيتين لا يليق بسياق مقاصد القرآن

الحكيم مع ما فيه من بعده عن مقام سؤال الكليم، فإن المناسب لما طلب من الرؤية بيان وقوعه ولا وقوعه، لا مجرد إفادة العلاقة بين الأمرين فالصواب حينئذ أن يقال: المقصود من هذا التعليق بيان أن الجزاء لا يقع أصلاً بتعليقه علي ما لا يقع، ثم هذا التعليق إن كان مستلزماً للعلاقة بين الشرط والجزاء فواجب أن يكون إمكان الجزاء مستتبعاً لامكان الشرط، لأن ماله هذه العلاقة مع المحال لا يكون ممكناً علي ما هو المشهور من أن مستلزم المحال محال، وإلا فلا وجه لوجوب إمكان الجزاء. والأول وإن كان شائع الإرادة من اللفظ إلا أن الثاني أيضاً مذهب معروف للعرب كثير الدوران بينهم، وهو عمدة البلاغة ودعامتها، ومن ذلك قول الشاعر:

إذا شاب الغراب أتيت أهلي وصار القار كاللبن الحليب

ومعلوم أن مشيب الغراب وصيرورة القار كالحليب لا ملازمة بينهما وبين إتيان الشاعر أهله. ونظيره في الكتاب الكريم كثير كتعليق خروج أهل النار منها علي ولوج الجمل في سم الخياط، وبعيد من العاقل أن يدعي علاقة بينهما، وإذا كان ذلك التعليق أمراً شائعاً كثير الوقوع في كلامهم فلا ترجيح للإحتمال الأول بل الترجيح معنا، فإن البلاغة في ذلك، وأما إذا تحققت العلاقة في الواقع بينهما وعلق عليه لمكان تلك العلاقة فليس له ذلك الموقع من حسن القبول، ألا تري أن المتمني لوصال حبيبه الميت لو قال: إذا رجع الموتي إلي الدنيا أمكن لي زيارة الحبيب، لم يكن كقول الصب المتحسر علي مفارقة الاحباء: متي أقبل الامس الدابر وحيي الميت الغابر طمعت في اللقاء.

وأيضاً لا يخفي علي ذي فطرة أن التزام تحقق علاقة لزوم بين استقرار الجبل في تلك الحال وبين رؤيته تعالي بحيث

لو فرض وقوع ذلك الاستقرار امتنع أن لا تقع رؤيته تعالي، مستبعد جداً يكاد يجزم العقل ببطلانه، فإذن المقصود من ذلك الكلام مجرد بيان انتفائه بتعليقه علي أمر غير واقع، ويكفي في ذلك عدم وقوع المعلق عليه، ولا يستدعي امتناع المعلق امتناعه. ولو سلم فنقول: إن المعلق عليه هو الإستقرار لا مطلقاً بل في المستقبل وعقيب النظر، بدلالة الفاء وإن، وذلك لأنه إذا دخلت الفاء علي إن تفيد اشتراط التعقيب لا تعقيب الإشتراط، فالشرط هاهنا وقوع الإستقرار عقيب النظر، والنظر ملزوم لوقوع حركة الجبل عقيبه، فوقوع السكون عقيبه محال لإستحالة وقوع الشئ عقيب ما يستعقب منافي ذلك الشئ ويستلزم وقوعه عقيبه.

وأما أن النظر لا يستلزم اندكاك الجبل وتزلزله ولا علاقة بينه وبينه وإنما هو مصاحبة اتفاقية فممنوع، ولعل النظر ملزوم للحركة كما أن استقرار الجبل ملزوم لرؤيته تعالي، وتحقق العلاقة بين النظر والحركة ليس بأبعد من تحقق العلاقة بين الإستقرار والرؤية.

ولنقتصر علي ذلك فإن إطناب الكلام في كل من الدلائل والأجوبة يوجب الخروج عما هو المقصود من الكتاب.

وأما المنكرون فاحتجوا بقوله تعالي: لَنْ تَرَاني، إن كلمة لن تفيد إما تأبيد النفي في المستقبل، كما صرح به الزمخشري في أنموذجه، فيكون نصاً في أن موسي عليه السلام لا يراه أبداً، أو تأكيده علي ما صرح به في الكشاف، فيكون ظاهراً في ذلك لأن المتبادر في مثله عموم الاوقات، وإذا لم يره موسي لم يره غيره إجماعاً.

وإن نوقش في كونها للتأكيد أو للتأبيد فكفاك شاهداً استدلال أئمتنا (عليهم السلام) بها علي نفي الرؤية مطلقاً، لانهم أفصح الفصحاء طراً باتفاق الفريقين، مع أنا لكثرة براهيننا لا نحتاج إلي الأكثار في دلالة هذه الآية علي

المطلوب.

وقال في هامشه: قال الرضي في تلخيصه: هذه استعارة علي أحد وجهي التأويل وهو أن يكون المعني: فلما حقق تعالي بمعرفته لحاضري الجبل الآيات التي أحدثها في العلم بحقيقته عوارض الشبه وخوالج الريب، وكأن معرفته سبحانه تجلت لهم من غطاء أو برزت لهم من حجاب.

شرح الأسماء الحسني:1/185 _ 191:

واحتج الأشاعرة بحجة عقلية كلامية لا نطيل الكلام بذكرها، وأدلة نقلية منها قوله تعالي حكاية عن موسي عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي.

والإحتجاج به من وجهين، أحدهما، أن موسي سأل الرؤية فلو استحالت كان سؤاله عليه السلام إما عبثاً إن علم المحالية وإما جهلاً إن لم يعلم، وكلاهما محالان علي النبي ولاسيما أنه كليم الله، كيف والنبي يدعو إلي العقايد الحقة والأعمال الصالحة. وثانيهما، أنه تعالي علق الرؤية علي استقرار الجبل، وهو أمر ممكن في نفسه فكذا ما علق عليه.

واعترض علي الأول، بأن سؤال موسي عليه السلام عن لسان قومه بدليل قوله تعالي: لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً، وقوله تعالي: أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ.

وأجيب بأنه مع مخالفته للظاهر حيث لم يقل أرهم ينظروا إليك، وهو فاسد، أما أولاً فلانهم لما قالوا أرنا الله جهرة زجرهم بأخذ الصاعقة فلم يحتج إلي سؤال الرؤية وليس أخذ الصاعقة دليلاً لهم لجواز أن يكون ذلك لقصدهم إعجاز موسي عليه السلام عن إتيان ما طلبوه عناداً، أو لعدم قابليتهم بما هم منهمكون في الدنيا، ولذا قال الأشاعرة: المؤمنون يرونه تعالي في الآخرة.

وأما ثانياً، فلان تجويز الرؤية باطل عند المعتزلة فلا يجوز لموسي عليه السلام تأخير رد الرؤية وتقرير الباطل، ألا تري

أنهم لما قالوا إجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة، رد عليهم من ساعة بقوله: إنكم قوم تجهلون.

وعلي الوجه الثاني بأنها علقت علي الاستقرار عقيب النظر بدليل الفاء وكلمة إن، وهو حالة الاندكاك، ولا نسلم إمكان الاستقرار حينئذ. والجواب: أن الاستقرار حال الحركة ممكن لا بشرط الحركة كما أن قيام زيد ممكن حال قعوده لا بشرط قعوده.

انواع التجلي الإلهي

شرح الأسماء الحسني:2/5:

بيان ذلك: أن لله تعالي تجليات: تجل ذاتي هو تجلي ذاته بذاته علي ذاته، إذ لم يكن إسم ولا رسم.

وتجل صفاتي، هو تجلي ذاته في أسمائه الحسني وصفاته العليا علي وجه يستتبع تجليه في صور أسمائه وصفاته، أعني الأعيان الثابتة اللازمة للأسماء والصفات لزوماً غير متأخر في الوجود، بل هي هناك موجودة بوجود الأسماء الموجودة بوجود المسمي جل شأنه.

وهذا التجلي يسمي بالمرتبة الواحدية، كما أن الأول يسمي بالمرتبة الأحدية.

وتجل أفعالي، هو تجلي ذاته بفعله، وهو الوجود الإنبساطي علي كل ماهية ماهية من الدراة البيضاء إلي ذرة الهباء، في كل من الجبروت والملكوت والناسوت بحسبه. وهذا مسمي بالرحمة الفعلية، كما أن الثاني مسمي بالرحمة الصفتية، وهذا بالفيض المقدس وذاك بالفيض الأقدس.

وصبح الأزل يمكن أن يراد به الثاني، كما يمكن أن يراد به الثالث.

وبيان النطق الحقيقي للصباح سواء كان صباح عالم الصورة أو صباح عالم المعني: أن النطق الظاهري اللفظي إنما يكون نطقاً لكونه وجوداً كاشفاً عن وجود ذهني وهو عن وجود عيني، لا لكون خصوصية الصوت معتبرة فيه حتي لو لم يكن صوتاً لم يكن نطقاً، وإنما هذه بالمواضعة للتسهيل. كما أن كاشفيته عن وجود آخر ذهني بالمواضعة ودلالته بالوضع لا بالطبع، ولو كان بالطبع لأكد نطقيته كما في الوجودات

الذهنية بالنسبة إلي الوجودات العينية، ولذا تسمي العقول المدركة للكليات نواطق والنفس ناطقة وقيل شعراً:

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان علي الفؤاد دليل

والأشاعرة ذهبوا إلي الكلمات النفسية، ولكن لاوجه للتخصيص، فإذن إن كان بدل الكيفيات المسموعة الموضوعة أشياء أخري موضوعة، بحيث يكون حضور الأشياء الدالة منشأ لحضور الأشياء المدلولة في الذهن، كان حالها حينئذ حالها.

تفسير عرفاني لعدم إمكان رؤية الله تعالي

شرح الأسماء الحسني:1/210:

(يا من لا تدرك الأفهام جلاله، يا من لا تنال الأوهام كنهه)

كما قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله احتجب عن العقول كما احتجب عن الأبصار، وإن الملأ الأعلي يطلبونه كما تطلبونه أنتم. ولذلك يطلق علي الذات باعتبار الحضرة الأحدية غيب الغيوب والغيب المطلق والغيب المكنون والغيب المصون والمنقطع الوحداني ومنقطع الإشارات والتجلي الذاتي والكنز المخفي والعماء، وغير ذلك.

وإنما لا يدرك كنه الذات لما تقرر أنه إذا جاوز الشئ حده انعكس ضده فإذا كان ظهوره في قصيا مراتب الظهور أنتج غاية الخفاء وانعكس عكس الجلاء.

وأيضاً لما كان قهاراً للكل فلم يبق أحد في سطوع نوره حتي يراه، بل يتلاشي ويضمحل بتأجج نار محياه.

وأيضاً هو تعالي بكل شئ محيط، والمحيط لا يصير محاطاً....

الله تعالي يتجلي بخلقه

شرح الأسماء الحسني:1/150:

(يا من في الآفاق آياته)

أي في النواحي من عوالم الوجود علاماته، والاسم مأخوذ من الآية أعني قوله تعالي: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الأفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ، وفي التعبير بالآيات إشارة إلي أن عالم الافاق كتاب تكويني له كالكتاب التدويني، كما قال الإمام الغزالي: العالم كله تصنيف الله، وقيل بالفارسية:

به نزد آنكه جانش در تجلي است همه عالم كتاب حق تعالي است

عرض اعراب وجوهر چون حروفست مراتب همچو آيات وقوفست

از هر عالمي چون سوره خاص يكي زان فاتحه وآن ديگر اخلاص

وفي الإكتفاء بالآفاق في الإسم إشارة إلي تطابق الكتاب الآفاقي والكتاب الأنفسي وأن كلاً منهما تام فيه جميع ما في الآخر.

قال ابن جمهور: الكتب ثلاثة: الآفاقي والقرآني والانفسي، فمن قرأ الكتاب القرآني الجمعي علي الوجه الذي ينبغي فكمن قرأ الكتاب الآفاقي بأسره إجمالاً وتفصيلاً، ومن قرأ الكتاب الآفاقي

علي الوجه المذكور فكمن قرأ الكتاب الأنفسي إجمالاً وتفصيلاً، ولهذا اكتفي النبي صلي الله عليه وآله بواحد منهما في معرفته تعالي بقوله: من عرف نفسه فقد عرف ربه، لأنه كان عارفاً بأن من يعرف نفسه علي ما ينبغي ويطالع كتابه علي ما هو عليه في نفسه يعرف ربه علي ما ينبغي، وإليه الإشارة بقوله تعالي: إقرأ كتابك كفي بنفسك اليوم عليك حسيبا.

وكذلك من طالع الكتاب القرآني علي وجه التطبيق تجلي له الحق تعالي في صور ألفاظه وتركيبه وآياته وكلماته تجلياً معنوياً، كما أشار إليه أمير المؤمنين عليه السلام بقوله: لقد تجلي لعباده في كلامه ولكن لا يبصرون.

ومن طالع الكتاب الافاقي علي ما هو عليه تجلي له الحق تعالي في صور مظاهره الأسمائية وملابسه الفعلية الكونية المسماة بالحروف والكلمات والآيات، المعبر عنها بالموجودات العلوية والسفلية والمخلوقات الروحانية والجسمانية علي الإطلاق والتعيين تجلياً شهودياً عيانياً، لأنه ليس في الوجود سوي الله وصفاته وأسمائه وأفعاله، فالكل هو وبه ومنه وإليه.

ومن طالع الكتاب الأنفسي الصغير الإنساني وطبقه بالكتاب الآفاقي تجلي له الحق تعالي في الصورة الإنسانية الكاملة والنشأة الحقيقية الجامعة، تجلياً ذاتياً شهودياً عيانياً بحسب ما يشاهده في كل عين من حروفه وكلماته وآياته، المعبر عنها بالقوي والأعضاء والجوارح.

فكل من طالع كتابه الخاص به وشاهد نفسه المجردة وبساطتها وجوهريتها ووحدتها وبقاءها ودوامها وإحاطتها بعالمها، عرف الحق وشاهده وعرف أنه محيط بالأشياء وصورها ومعانيها عاليها وسافلها شريفها وخسيسها، مع تجرده ووحدته وتنزهه وبقائه ودوامه من غير تغير في ذاته وحقيقته.

قالوا: وكذلك الحق إذا أراد أن يشاهد نفسه في المرآة الكاملة الذاتية الجامعة يشاهدها في الإنسان الكامل بالفعل، وفي غير الكامل بالقوة لأنه مظهر الذات الجامعة

لا غير... ومن هذا قيل: أراد الله أن يظهر ذاته الجامعة في صورة جامعة فأظهرها في صورة الإنسان، وأراد أن يظهر الأسماء والصفات والأفعال في صورة كاملة مفصلة فأظهرها في صورة العالم.

أقول: في هذا التقسيم لكتب الكون تأملات فكرية وروحية مفيدة، ولا شك في صحة القول بأن الله تعالي قد تجلي بخلقه بمعني من معاني التجلي، ولكن قولهم بأنه تعالي خلق الإنسان ليكون مظهراً تتجلي به ذاته، وخلق الكون ليكون مظهراً لاسمائه، كلام جميل لو وجد عليه دليل. وإلا فمن أين للعرفاني والفيلسوف أن يعرف لماذا خلق الله هذا المخلوق أو ذاك؟ إن الدليل علي ذلك منحصر بإخباره تعالي عن أهدافه عن طريق أنبيائه وأوصيائهم، وما ربما يجزم به العقل.. وما سوي ذلك فهو ظنون من عقولنا واحتمالات، لا يمكننا أن ننسبها إلي الله تعالي!

كما نلاحظ أن بعض الفلاسفة والمتصوفين والعرفانيين يميلون إلي قبول أحاديث التشبيه بلا تحقيق في سندها، ويحاولون الإستشهاد بها علي أفكارهم، بل قد يبنون عليها نظرياتهم، مع أن الحديث لا وجود له! أو له وجود في المصادر لكن ورد عن الأئمة (عليهم السلام) أو عن علماء الجرح والتعديل تكذيبه، كما رأيت في حديث (خلق الله آدم علي صورته)! وهذا البلاء عام في مصادر الفلسفة والعرفان والتصوف عند السنة والشيعة!

تفسيرهم الموافق لمذهبنا

قال النويري في نهاية الإرب:7 جزء 13/211:

واختلف العلماء في معني التجلي، قال ابن عباس: ظهر نوره للجبل... فقام موسي يسبح الله تعالي ويقول: آمنت أنك ربي وصدقت أنه لا يراك أحد.

وأورد السيوطي في الدر المنثور:3/118 _ 123 بضع عشرة رواية في بعضها تصريح بعدم إمكان الرؤية في الدنيا، وليس فيها ذكر خنصر الله تعالي ولا

أصابعه، وفي بعضها أن الله تعالي تجلي بأن أظهر خنصر يده! وفي بعضها اتهامات لموسي عليه السلام بما اتهمه اليهود، وتأثر واضح بأساطير الإسرائيليات.. ونذكر منها هنا الروايات الموافقة لمذهبنا، وشبه الموافقة.. قال السيوطي:

وأخرج ابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن ابن عباس، وخر موسي صعقا، قال: غشي عليه إلا أن روحه في جسده، فلما أفاق قال لعظم ما رأي: سبحانك تنزيهاً لله من أن يراه. تبت إليك، رجعت عن الأمر الذي كنت عليه. وأنا أول المؤمنين، يقول: أول المصدقين الآن أنه لا يراك أحد.

وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس: وأنا أول المؤمنين، يقول: أنا أول من يؤمن أنه لا يراك شئ من خلقك.

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: فلما تجلي ربه للجبل، قال: كشف بعض الحجب.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن قتادة في قوله: وخر موسي صعقاً، أي ميتاً. فلما أفاق، قال: فلما رد الله عليه روحه ونفسه قال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، أنه لن تراك نفس فتحيا.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبوالشيخ عن مجاهد في قوله: تبت إليك، قال من سؤالي إياك الرؤية، وأنا أول المؤمنين، قال: أول قومي إيماناً.

وأخرج عبدبن حميد وأبوالشيخ عن أبي العالية في قوله: وأنا أول المؤمنين، قال: قد كان إذن قبله مؤمنون، ولكن يقول أنا أول من آمن بأنه لا يراك أحد من خلقك إلي يوم القيامة.

وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو نعيم في الحلية عن ابن عباس قال: تلا رسول الله(ص)هذه الآية، رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال قال الله عز وجل: يا موسي إنه

لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده، ولا رطب إلا تفرق، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ولا تبلي أجسادهم.

عبد بن حميد عن مجاهد قال: لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ، فإنه أكبر منك وأشد خلقاً قال، فلما تجلي ربه للجبل فنظر إلي الجبل لا يتمالك، وأقبل الجبل يندك علي أوله، فلما رأي موسي ما يصنع الجبل، خر موسي صعقا.

وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله(ص)لما أوحي الله إلي موسي بن عمران أني مكلمك علي جبل طور سينا، صار من مقام موسي إلي الجبل طور سينا أربع فراسخ في أربع فراسخ رعد وبرق وصواعق فكانت ليلة قر، فجاء موسي حتي وقف بين يدي صخرة جبل طور سينا فإذا هو بشجرة خضراء الماء يقطر منها وتكاد النار تلفح من جوفها، فوقف موسي متعجباً فنودي من جوف الشجرة ياميشا فوقف موسي مستمعاً للصوت، فقال موسي من هذا الصوت العبراني يكلمني؟ فقال الله له: يا موسي إني لست بعبراني إني أنا الله رب العالمين، فكلم الله موسي في ذلك المقام بسبعين لغة ليس منها لغة إلا وهي مخالفة للغة الأخري، وكتب له التوراة في ذلك المقام، فقال موسي: إلهي أرني أنظر اليك، قال: يا موسي إنه لا يراني أحد إلا مات، فقال موسي: إلهي أرني أنظر إليك وأموت، فأجاب موسي جبل طور سينا: يا موسي بن عمران لقد سألت أمراً عظيماً لقد ارتعدت السموات السبع ومن فيهن والأرضون السبع ومن فيهن، وزالت الجبال واضطربت البحار لعظم ما سألت يا ابن عمران، فقال موسي وأعاد الكلام: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، فقال: يا موسي انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ

فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسَي صَعِقًا، مقدار جمعة فلما أفاق موسي مسح التراب عن وجهه وهو يقول: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، فكان موسي بعد مقامه لا يراه أحد إلا مات، واتخذ موسي علي وجهه البرقع فجعل يكلم الناس بقفاه، فبينا موسي ذات يوم في الصحراء فإذا هو بثلاثة نفر يحفرون قبراً حتي انتهوا إلي الضريح، فجاء موسي حتي أشرف عليهم فقال لهم لمن تحفرون هذا القبر، قالوا له لرجل كأنه أنت أو مثلك وفي طولك أو نحوك، فلو نزلت فقدرنا عليك هذا الضريح فنزل موسي فتمدد في الضريح فأمر الله الأرض فانطبقت عليه! انتهي.

وهذه واحدة من تهم اليهود لنبيهم موسي علي نبينا وآله و عليه السلام، وهو يدل علي أن وجوده كان ثقيلاً عليهم، حتي زعموا أن الله تعالي أراحهم منه بهذه الطريقة!!

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

مسند أحمد:3/125:

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي(ص)في قوله تعالي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال قال: هكذا، يعني أنه أخرج طرف الخنصر! قال أبي أرانا معاذ، قال فقال له حميد الطويل: ما تريد إلي هذا يا أبا محمد! قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال: من أنت يا حميد وما أنت يا حميد! يحدثني به أنس بن مالك عن النبي(ص)فتقول أنت: ما تريد إليه!

مسند أحمد:3/209:

عن ثابت عن أنس بن مالك عن النبي(ص)في قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: فأومأ بخنصره، قال فساخ.

ميزان الاعتدال:1/593:

عن ثابت عن أنس أن النبي(ص)قرأ: فلما تجلي ربه للجبل. قال: أخرج طرف خنصره وضرب علي إبهامه، فساخ الجبل. فقال حميد الطويل لثابت: تحدث بمثل هذا قال: فضرب في صدر

حميد وقال: يقوله أنس، ويقوله رسول الله(ص)وأكتمه أنا! رواه جماعة عن حماد، وصححه الترمذي.

مستدرك الحاكم:1/25:

... عن ثابت عن أنس (رض) أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال في هذه الآية فلما تجلي ربه للجبل جعله: بدا منه قدر هذا... عن ثابت عن أنس (رض)قال قرأ رسول الله صلي الله عليه وآله: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قال فأخرج من النور مثل هذا وأشار بيده إلي نصف أنملة الخنصر فضرب بها صدر حماد، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه.

مستدرك الحاكم:2/320:

عن ثابت عنه (أنس) عن النبي صلي الله عليه وآله في قوله عز وجل: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال حماد: هكذا ووضع الأبهام علي مفصل الخنصر الأيمن، قال فقال حميد لثابت: تحدث بمثل هذا! قال فضرب ثابت صدر حميد ضربة بيده وقال: رسول الله صلي الله عليه وآله يحدث به وأنا لا أحدث به، هذا حديث صحيح علي شرط مسلم.

مستدرك الحاكم:2/576:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن موسي بن عمران لما كلمه ربه أحب أن ينظر إليه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، قَالَ لَنْ تَرَانِي وَ لَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي، فحف حول الجبل الملائكة وحف حول الملائكة بنار، وحف حول النار بملائكة وحف حول الملائكة بنار، ثم تجلي ربك للجبل، ثم تجلي منه مثل الخنصر فجعل الجبل دكاً وخر موسي صعقاً ما شاء الله، ثم إنه أفاق فقال: سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين، يعني أول من آمن من بني إسرائيل. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

عن أنس (رض) أن رسول الله صلي الله عليه

وآله تلا هذه الآية: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، أشار حماد ووضع إبهامه علي مفصل الخنصر، قال فساخ الجبل. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه.

بقية روايات السيوطي في الدر المنثور:3/118-123:

وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في كتاب الرؤية من طرق عن أنس بن مالك أن النبي (ص)قرأ هذه الآية: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال هكذا وأشار بإصبعيه ووضع طرف إبهامه علي أنملة الخنصر، وفي لفظ علي المفصل الأعلي من الخنصر، فساخ الجبل وخر موسي صعقا. وفي لفظ فساخ الجبل في الأرض فهو يهوي فيها إلي يوم القيامة.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في الرؤية عن ابن عباس: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، قال: ما تجلي منه إلا قدر الخنصر، جعله دكاً، قال تراباً وخر موسي صعقاً، قال مغشياً عليه.

وأخرج الطبراني في الأوسط عن ابن عباس أن رسول الله(ص)قال: لما تجلي الله لموسي تطاير سبعة أجبال، ففي الحجاز منها خمسة وفي اليمن اثنان، في الحجاز أحد وثبير وحراء وثور وورقان، وفي اليمن حصور وصير.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر قال قال رسول الله(ص)في قوله: فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا، قال: أخرج خنصره!

من هو قيس بن ثابت راوي حديث خنصر الله تعالي

الظاهر أن عمدة السند عند إخواننا في الحديث المرفوع إلي النبي صلي الله عليه وآله، هو ثابت بن قيس غلام بني أمية، ولذلك نعرض شيئاً من ترجمته من مصادر الجرح والتعديل، ونلاحظ أن حميداً الطويل الذي هو غلام كابلي من منطقة ثابت قد استنكر علي ثابت أن يروي هذا الحديث الذي

فيه تجسيم، وأن الذهبي علي عادته في مدح المجسمين وصف ثابتاً بالصادق، مع أن عدداً من العلماء جرحوه أو وصفوه بالوهم والخلط، قال ابن حبان في كتاب المجروحين:1/206:

ثابت بن قيس أبو الغصن من أهل المدينة مولي عثمان بن عفان، روي عنه ابن مهدي وابن أبي أويس، وكان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه، سمعت الحنبلي يقول: سمعت أحمد بن زهير يقول: سئل يحيي بن معين عن ثابت بن قيس أبي الغصن فقال: ضعيف.

وقال ابن حجر في تهذيب التهذيب:2/13:

20 _ ي د س. البخاري في جزء رفع اليدين وأبي داود والنسائي. ثابت بن قيس الغفاري مولاهم أبوالغصن المدني. رأي أبا سعيد الخدري وروي عن أنس ونافع بن جبير بن مطعم وسعيد المقبري وأبيه أبي سعيد وخارجة بن زيد بن ثابت وجماعة.

وعنه، ابن مهدي، وزيد بن الحباب، وإسماعيل ابن أبي أويس، والقعنبي، وخالد بن مخلد، وغيرهم....

قال أبوطالب عن أحمد: ثقة، وقال عباس عن ابن معين: ليس به بأس، وقال في موضع آخر حديثه ليس بذاك وهو صالح، وقال النسائي: ليس به بأس.

وقال ابن سعد مات سنة (168) وهو يومئذ ابن مائة سنة وكان قديماً قد رأي الناس وروي عنهم، وهو شيخ قليل الحديث.

وقال ابن أبي عدي هو ممن يكتب حديثه.

قلت: وقال الآجري عن أبي داود: ليس حديثه بذاك، وقال مسعود الشحري عن الحاكم: ليس بحافط ولا ضابط. وقال ابن حبان في الضعفاء: كان قليل الحديث كثير الوهم فيما يرويه لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه عليه غيره. وأعاده في الثقات.

وترجم له الذهبي في ميزان الإعتدال ج1 ص366 وقال في سير

أعلام النبلاء: 7/25

أبوالغصن، هو الشيخ العالم الصادق المعمر بقية المشيخة أبوالغصن ثابت بن قيس الغفاري، مولاهم المدني: عداده في صغار التابعين.

يروي عن: أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، ونافع بن جبير....

قال يحيي بن معين والنسائي: ليس به بأس. وقال ابن معين أيضاً في رواية عباس: هو صالح، ليس حديثه بذاك، وروي أحمد بن أبي خيثمة عن يحيي: ضعيف. قال ابن حبان: هو من موالي عثمان بن عفان. وكان قليل الحديث، كثير الوهم فيما يروي، لا يحتج بخبره إذا لم يتابعه غيره عليه. وقال ابن عدي: يكتب حديثه. انتهي.

ومن الملاحظ في كتب الجرح والتعديل وعموم مصادر اخواننا أن أسهم رواة أحاديث التشبيه والتجسيم ارتفعت مع العصور، حتي بلغت أوجها علي يد المجسمين من أمثال الذهبي، وأن الوهابيين أهتموا بتعظيمهم ونشر كتبهم في أنحاء العالم الإسلامي!!

تفسير قوله تعالي: يوم يكشف عن ساق

قال تعالي: أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إلي يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ. يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ. فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ. القلم: 39 _ 45.

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننالهذه الآية تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية)

فسرها أهل البيت بكشف حجاب الآخرة و أهواله

تفسير نور الثقلين:5/395:

في عيون الأخبار في باب ما جاء عن الرضا عليه السلام من الأخبار في التوحيد بإسناده إلي الحسن بن سعيد عن أبي الحسن عليه السلام في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ، قال: حجاب من نور يكشف، فيقع المؤمنون سجداً، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود.

في مجمع البيان: وروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام) أنهما قالا في هذه الآية: أفحم القوم ودخلتهم الهيبة وشخصت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر لما رهقهم من الندامة والخزي والذلة، وقد كانوا يدعون إلي السجود وهم سالمون، أي لا يستطيعون الأخذ بما أمروا والترك لما نهوا عنه، ولذلك ابتلوا.

في كتاب التوحيد بإسناده إلي حمزة بن محمد الطيار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إلي السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ.، قال: مستطيعون يستطيعون الأخذ بما أمروا به والترك لما نهوا عنه، وبذلك ابتلوا. ثم قال: ليس شئ مما أمروا به ونهوا إلا ومن الله عز وجل فيه ابتلاء وقضاء.

تفسير التبيان:10/86:

وقوله يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال الزجاج: هو متعلق بقوله: فليأتوا بشركائهم... وقال ابن عباس

والحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك معناه: يوم يبدو عن الأمر الشديد كالقطيع من هول يوم القيامة. والساق ساق الإنسان وساق الشجرة لما يقوم عليه بدنها، وكل نبت له ساق فهو شجر، قال الشاعر:

للفتي عقل يعيش به حيث يهدي سَاقَهُ قَدَمُهْ

فالمعني يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج فيه إلي أن يقوم علي ساق، وقد كثر في كلام العرب حتي صار كالمثل فيقولون: قامت الحرب علي ساق وكشفت عن ساق، قال زهير بن جذيمة:

فإذا شَمَّرَتْ لك عن ساقها فَوَيْهاً ربيعُ ولا تسأمِ

وقال جد أبي طرفة:

كشفت لهم عن ساقها وبدا من الشر الصراح

وقال آخر:

قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدَّت الحرب بكم فجدو

والقوس فيها وترٌ غِرَدُّ

وقوله: ويدعون إلي السجود، قيل: معناه إنه يقال لهم علي وجه التوبيخ: اسجدوا فلا يستطيعون، وقيل: معناه إن شدة الأمر وصعوبة الحال تدعوهم إلي السجود، وإن كانوا لا ينتفعون به.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

مستدرك الحاكم:2/499:

عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهم أنه سئل عن قوله عز وجل: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: إذا خفي عليكم شئ من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر. إصبر عناق إنه شر باق....

وقد روي الحاكم وغيره عدة أحاديث فيها (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ) بدون نسبة الساق إلي الله تعالي، كما في: 2/376 وج 4/551 وقال عنه: حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه في: 4/582 ونحوه في مسلم في:1/115 وج 8/202.

مجمع الزوائد:7/128:

قوله تعالي: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، عن أبي موسي عن النبي (ص): يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال عن نور عظيم يخرون له سجداً. رواه

أبو يعلي وفيه روح بن جناح وثقه دحيم وقال فيه ليس بالقوي، وبقية رجاله ثقات.

وقال في مجمع الزوائد:6/303، ونحوه في:9/277:

وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي قال: خرج نافع بن الأزرق ونجدة بن عويمر في نفر من رؤوس الخوارج ينقرون عن العلم ويطلبونه، حتي قدموا مكة فإذا هم بعبدالله بن عباس قاعداً قريباً من زمزم وعليه رداء له أحمر وقميص، فإذا أناس قيام يسألونه عن التفسير يقولون يا أبا عباس ما تقول في كذا وكذا، فيقول هو كذا وكذا، فقال له نافع به الازرق: ما أجراك يا ابن عباس علي ما تخبر به منذ اليوم!

فقال له ابن عباس: ثكلتك أمك يا نافع وعدمتك! ألا أخبرك من هو أجرأ مني؟

قال: من هو يا ابن عباس؟

قال: رجل تكلم بما ليس له به علم، أو كتم علماً عنده.

قال صدقت يا ابن عباس، أتيتك لاسألك.

قال: هات يا ابن الأزرق فسل.

قال: فأخبرني عن قول الله عز وجل (يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ) ما الشواظ؟

قال: اللهب الذي لا دخان فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم، أما سمعت قول أمية بن أبي الصلت:

ألا من مبلغ حسان عني مغلغلةً ت_دبُّ إلي عُك_اظِ

أليس أبوك قيناً كان فينا إلي الفتيات فَسْلاً في الحفاظ

يمانياً يظل يشب كيراً وينفخ دائباً لهب الشواظ

قال: صدقت فأخبرني عن قوله: ونحاس فلا تنتصران، ما النحاس؟

قال: الدخان الذي لا لهب فيه.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص).

قال: نعم، قال أما سمعت نابغة بني ذبيان يقول:

يضي كضوء سراج السليط لم يجعل الله فيه نحاس

يعني دخانا.

قال: صدقت فأخبرني عن قول الله: أمشاج نبتليه؟

قال: ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا في الرحم كانا مشجاً.

قال: وهل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب الهذلي وهو يقول:

كأن النصل والفوقين فيه خلاف الريش سيط به مشيج

قال: صدقت، فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ.، ما الساق بالساق؟

قال: الحرب.

قال: هل كانت العرب تعرف ذلك قبل أن ينزل الكتاب علي محمد(ص)؟

قال: نعم أما سمعت قول أبي ذؤيب:

أخو الحرب إن عضت به الحرب عضه

وإن شمرت عن ساقها الحرب شمر

الدر المنثور:6/254:

وأخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن منده والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق إبراهيم النخعي في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال قال ابن عباس: يكشف عن أمر عظيم، ثم قال: قد قامت الحرب علي ساق.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: إذا خفي عليكم شئ من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب... وقامت الحرب بنا علي ساق، قال ابن عباس: هذا يوم كرب وشدة.

وأخرج الطستي في مسائله عن ابن عباس أن نافع بن الازرق سأله عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس....

وأخرج ابن منده عن ابن عباس....

وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن مندة عن مجاهد في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس أنه قرأ: يَوْمَ

يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: يريد القيامة والساعة لشدتها.

وأخرج البيهقي عن ابن عباس في قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، قال: حين يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وكشفه دخول الآخرة وكشف الأمر عنه.

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن منده من طريق عمرو ابن دينار قال كان ابن عباس يقرأ يوم تكشف عن ساق بفتح التاء، قال أبو حاتم السجستاني: أي تكشف الآخرة عن ساقها يستبين منها ما كان غائباً.

وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، بالياء ورفع الياء.

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن عكرمة أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ....

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن سعيد بن جبير أنه سئل عن قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، فغضب غضباً شديداً وقال: إن أقواماً يزعمون أن الله يكشف عن ساقه، وإنما يكشف عن الأمر الشديد. انتهي. ورواه أيضاً عن مجاهد والنخعي. ورواه في:6/292 عن قتادة.

الأحاديث القدسية للمجلس الاعلي المصري:1/98:

قوله: فيكشف عن ساق، فسر ابن عباس وجمهور أهل اللغة الساق هنا بالشدة، أي يكشف عن الشدة. انتهي.

وقد تقدمت رواياتهم التي فيها تجسيم، في الفصل الثالث في بازار الأحاديث، وهي كثيرة. وقد تبني علماء الوهابية تفسيرها بساق الله تعالي عما يصفون!

تفسير آيات الإستواء علي العرش

قال الله تعالي: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ. الأعراف: 54.

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا

مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس _ 3.

اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الأيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ. الرعد: 2.

طَهَ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَي. إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَي. تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَي. الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَ مَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَي. طه: 1 _ 6.

الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا. الفرقان: 59.

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4.

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَي اللهِ تُرْجَعُ الأمور. الحديد: 4 _ 5.

وقد تقدم قسم من تفسير إخواننا للإستواء علي العرش تحت عنوان (بازار الأحاديث والآراء في الرؤية).

تفسير أهل البيت

الاستواء علي العرش: استواء نسبة الله إلي العالم

روي الكليني في الكافي:1/127:

علي بن محمد، ومحمد بن الحسن، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن موسي الخشاب عن بعض رجاله، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، فقال استوي علي كل شئ، فليس شئ أقرب إليه من شئ.

وعنه، عن محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن صفوان بن يحيي، عن عبد الرحمن بن الحجاج

قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.، فقال: استوي في كل شئ فليس شئ أقرب إليه من شئ، لم يبعد منه بعيد، ولم يقرب منه قريب، استوي في كل شئ.

وعنه، عن محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من زعم أن الله من شئ، أو في شئ، أو علي شئ، فقد كفر، قلت: فسر لي، قال: أعني بالحواية من الشئ له أو بإمساك له أو من شئ سبقه.

وفي رواية أخري: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شئ فقد جعله محصوراً، ومن زعم أنه علي شئ فقد جعله محمولاً.

وروي في الكافي:1/128:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي رفعه، قال: سأل الجاثليق أمير المؤمنين عليه السلام فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أو العرش يحمله فقال أمير المؤمنين عليه السلام: الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما، وذلك قول الله إِنَّ اللهَ يُمْسِكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا.

قال: فأخبرني عن قوله: ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية، فكيف قال ذلك وقلت إنه يحمل العرش والسماوات والأرض؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: إن العرش خلقه الله تعالي من أنوار أربعة: نور أحمر، منه احمرت الحمرة، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة، ونور أبيض منه ابيض البياض، وهو العلم الذي حمله الله الحملة وذلك نور

من عظمته، فبعظمته ونوره أبصرت قلوب المؤمنين، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون، وبعظمته ونوره ابتغي من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة، فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته لا يستطيع لنفسه ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشورا، فكل شئ محمول، والله تبارك وتعالي الممسك لهما أن تزولا، والمحيط بهما من شئ وحياة كل شئ ونور كل شئ، سبحانه وتعالي عما يقولون علواً كبيراً.

قال له: فأخبرني عن الله عز وجل أين هو؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هو هاهنا وهاهنا وفوق وتحت ومحيط بنا ومعنا وهو قوله: ما يكون من نجوي ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدني من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا، فالكرسي محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثري، وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفي، وذلك قوله تعالي: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ.

فالذين يحملون العرش هم العلماء الذين حملهم الله علمه، وليس يخرج عن هذه الأربعة شئ خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه وأراه خليله عليه السلام فقال: وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ، وكيف يحمل حملة العرش الله، وبحياته حييت قلوبهم، وبنوره اهتدوا إلي معرفته!

التوحيد للصدوق _ الهامش ص 247 من حديث عن الإمام الصادق عليه السلام:

قال السائل: فله كيفية؟

قال: لا، لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة، ولكن لابد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه، لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله، ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية، ولكن لابد من إثبات ذات بلا

كيفية لا يستحقها غيره، ولا يشارك فيها، ولا يحاط بها، ولا يعلمها غيره.

قال السائل: فيعاني الأشياء بنفسه؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة، لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا تجي الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة، وهو تعالي نافذ الإرادة والمشية، فعال لما يشاء.

قال السائل: فله رضي وسخط؟

قال أبو عبدالله عليه السلام: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد في المخلوقين، وذلك أن الرضا والسخط دَخَالٌ يدخل عليه فينقله من حال إلي حال، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالي العزيز الرحيم لا حاجة به إلي شئ مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

قال السائل فقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: بذلك وصف نفسه، وكذلك هو مستول علي العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملاً له ولا أن يكون العرش حاوياً له، ولا أن العرش محتاز له، ولكنا نقول: هو حامل العرش وممسك العرش، ونقول من ذلك ما قال: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاوياً له، أو يكون عز وجل محتاجاً إلي مكان، أو إلي شئ مما خلق، بل خلقه محتاجون إليه.

قال السائل: فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلي السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض؟

قال أبو عبد الله عليه السلام: ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء، ولكنه عز وجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلي السماء نحو العرش، لأنه جعله معدن الرزق، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلي الله عليه وآله حين

قال: إرفعوا أيديكم إلي الله عز وجل، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها.

التوحيد للصدوق - الهامش - ص 315:

روي الحديثين المتقدمين في الكافي ثم قال:

استعمل الإستواء في معان: استقرار شئ علي شئ، وهذا ممتنع عليه تعالي كما نفاه الإمام عليه السلام في أخبار من هذا الباب، لأنه من خواص الجسم. والعناية إلي الشئ ليعمل فيه، وعليه فسر في بعض الأقوال قوله تعالي: ثم استوي إلي السماء. والإستيلاء علي الشئ، كقول الشاعر:

فلما علونا واستوينا عليهم تركناههم صرعي لِنِسْر وكاسرِ

والآية التي نحن فيها فسرت به في بعض الأقوال، وفي الحديث الأول من الباب الخمسين.

والإستقامة، وفسر بها قوله تعالي: فَاسْتَوَي عَلَي سُوقِهِ، وهذا قريب من المعني الأول. والإعتدال في شئ وبه، فسر قوله تعالي: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَي. والمساواة في النسبة، وهي نفيت في الآيات عن أشياء كثيرة كقوله تعالي: وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلا الأَمْوَاتُ. وفسر الإمام عليه السلام الآية بها في هذا الباب، وظاهره مساواة النسبة من حيث المكان، لأنه تعالي في كل مكان وليس في شئ من المكان بمحدود، ولكنه تعالي تساوت نسبته إلي الجميع من جميع الحيثيات، وإنما الإختلاف من قبل حدود الممكنات، ولا تبعد الروايات من حيث الظهور عن هذا المعني.

حدثنا أبوالحسين محمد بن إبراهيم بن إسحاق الفارسي قال: حدثنا أحمد بن محمد أبو سعيد النسوي قال: حدثنا أبو نصر أحمد بن محمد بن عبد الله الصغدي بمرو قال: حدثنا محمد بن يعقوب بن الحكم العسكري وأخوه معاذ بن يعقوب قالا: حدثنا محمد بن سنان الحنظلي قال: حدثنا عبدالله بن عاصم قال: حدثنا عبدالرحمن بن قيس، عن أبي هاشم الرماني، عن زاذان، عن سلمان الفارسي في حديث

طويل يذكر فيه قدوم الجاثليق المدينة مع مائة من النصاري بعد قبض رسول الله صلي الله عليه وآله وسؤاله أبا بكر عن مسائل لم يجبه عنها، ثم أرشد إلي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فسأله عنها فأجابه، وكان فيما سأله أن قال له: أخبرني عن الرب أين هو وأين كان؟

فقال علي عليه السلام: لا يوصف الرب جل جلاله بمكان، هو كما كان، وكان كما هو، لم يكن في مكان، ولم يزل من مكان إلي مكان، ولا أحاط به مكان، بل كان لم يزل بلا حد ولا كيف.

قال: صدقت، فأخبرني عن الرب أفي الدنيا هو أو في الآخرة؟

قال علي عليه السلام: لم يزل ربنا قبل الدنيا، ولا يزال أبداً، هو مدبر الدنيا، وعالم بالآخرة، فأما أن تحيط به الدنيا والآخرة فلا، ولكن يعلم ما في الدنيا والآخرة.

قال: صدقت يرحمك الله، ثم قال: أخبرني عن ربك أيحمل أو يحمل؟

فقال علي عليه السلام: إن ربنا جل جلاله يحمل ولا يحمل.

قال النصراني: فكيف ذاك ونحن نجد في الإنجيل (كذا): ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟

فقال علي عليه السلام: إن الملائكة تحمل العرش، وليس العرش كما تظن كهيئة السرير، ولكنه شئ محدود مخلوق مدبر، وربك عز وجل مالكه، لا أنه عليه ككون الشئ علي الشي. وأمر الملائكة بحمله فهم يحملون العرش بما أقدرهم عليه.

قال النصراني: صدقت رحمك الله.. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة، وقد أخرجته بتمامه في آخر كتاب النبوة....

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد ابن أبي عبدالله، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر،

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: من زعم أن الله عز وجل من شئ أو في شئ أو علي شئ فقد أشرك، ثم قال: من زعم أن الله من شئ فقد جعله محدثاً، ومن زعم أنه في شئ فقد زعم أنه محصور، ومن زعم أنه علي شئ فقد جعله محمولاً.

قال مصنف هذا الكتاب: إن المشبهة تتعلق بقوله عز وجل: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا. ولا حجة لها في ذلك لأنه عز وجل عني بقوله: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، أي ثم نقل إلي فوق السماوات وهو مستول عليه ومالك له، وقوله عز وجل (ثم) إنما لرفع العرش إلي مكانه الذي هو فيه ونقله للإستواء، فلا يجوز أن يكون معني قوله استوي استولي لأن استيلاء الله تبارك وتعالي علي الملك وعلي الأشياء ليس هو بأمر حادث، بل لم يزل مالكاً لكل شئ ومستولياً علي كل شئ، وإنما ذكر عز وجل الإستواء بعد قوله ثم وهو يعني الرفع مجازاً، وهو كقوله: ولنبلونكم حتي نعلم المجاهدين منكم والصابرين، فذكر (نعلم) مع قوله (حتي) وهو عز وجل يعني حتي يجاهد المجاهدون ونحن نعلم ذلك، لأن حتي لا يقع إلا علي فعل حادث، وعلم الله عز وجل بالأشياء لا يكون حادثاً. وكذلك ذكر قوله عز وجل: اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، بعد قوله (ثم) وهو يعني بذلك ثم رفع العرش لإستيلائه عليه، ولم يعن بذلك الجلوس واعتدال البدن لأن الله لا يجوز أن يكون جسماً ولا ذا بدن، تعالي الله عن ذلك علواً كبيرا.

الإقتصاد للشيخ الطوسي/37:

وقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، معناه استولي عليه لما خلقه،

كما قال الشاعر:

قد استوي بشرٌ علي العراق من غير سيف ودم مُهْرَاق

وقوله: لما خلقت بيدي، معناه أنه تولي خلقه بنفسه، كما يقول القائل هذا ما عملت يداك، أي أنت فعلته. وقيل: معناه لما خلقت لنعمتي الدينية والدنيوية وقوله: في جنب الله معناه في ذات الله وفي طاعته.

وقوله: والسماوات مطويات بيمينه، أي بقدرته، كما قال الشاعر:

إذا ما رايةٌ رفعت لمجد تلقاها عَرَابةُ باليمين

وقوله: تجري بأعيننا، أي ونحن عالمون.

ولا يجوز أن يكون تعالي بصفة شئ من الاعراض، لأنه قد ثبت حدوث الأعراض أجمع، فلو كان بصفة شئ من الأعراض لكان محدثاً، وقد بينا قدمه. ولأنه لو كان بصفة شئ من الاعراض لم يخل من أن يكون بصفة ما يحتاج إلي محل أو بصفة ما لا يحتاج إلي المحل كالغني وإرادة القديم تعالي وكراهته، فإن كان بصفة القسم الأول أدي إلي قدم المحال وقد بينا حدوثها، ولو كان بصفة القسم الثاني لاستحال وجوده وقتين كاستحالة ذلك علي هذه الأشياء. وأيضاً لو كان بصفة الغني لاستحال وجود الأجسام معه، وذلك باطل....

ولا يجوز أن يكون تعالي في جهة من غير أن يكون شاغلاً لها، لأنه ليس في الفعل ما يدل علي أنه في جهة لا بنفسه ولا بواسطة، وقد بينا أنه لا يجوز وصفه بما يدل عليه الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

ولا يجوز عليه تعالي الحاجة، لأن الحاجة لا تجوز إلا علي من يجوز عليه المنافع والمضار، والمنافع والمضار لا يجوزان إلا علي من تجوز عليه الشهوة والنفار، وهما يستحيلان عليه تعالي. والذي يدل علي أنه يستحيل عليه الشهوة والنفار أنه ليس في الفعل لا بنفسه ولا بواسطة ما يدل علي كونه

مشتهياً ونافراً، وقد بينا أنه لا يجوز إثباته علي صفة لا يقتضيها الفعل لا بنفسه ولا بواسطة.

وأيضاً فالشهوة والنفار لا يجوزان إلا علي الأجسام، لأن الشهوة تجوز علي من إذا أدرك المشتهي صلح عليه جسمه وإذا أدرك ما ينفر عنه فسد عليه جسمه، وهما يقتضيان كون من وجدا فيه جسماً، وقد بينا أنه ليس بجسم، فيجب إذا نفي الشهوة والنفار عنه. وإذا انتفيا عنه انتفت عنه المنافع والمضار، وإذا انتفيا عنه انتفت عنه الحاجة ووجب كونه غنياً، لأن الغني هو الحي الذي ليس بمحتاج.

تفسير التبيان:4/34:

والإستواء علي أربعة اقسام: استواء في المقدار، واستواء في المكان، واستواء في الذهاب، وإستواء في الإنفاق. والإستواء بمعني الإستيلاء راجع إلي الإستواء في المكان، لأنه تمكن واقتدار.

تفسير التبيان:7/159:

الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، قيل في معناه قولان: أحدهما، أنه استولي عليه، وقد ذكرنا فيما مضي شواهد ذلك. الثاني، قال الحسن: استوي لطفه وتدبيره وقد ذكرنا ذلك أيضاً فيما مضي وأوردنا شواهده في سورة البقرة، فأما الإستواء بمعني الجلوس علي الشئ فلا يجوز عليه تعالي، لأنه من صفة الأجسام والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوي فلان علي مال فلان وعلي جميع ملكه أي احتوي عليه، قال الفراء: يقال كان الأمر في بني فلان ثم استوي في بني فلان، أي قصد إليهم وأنشد:

أقول وقد قَطَعْنَ بنا شروري اني واستويْنَ من النُّجوعِ

أي خرجن وأقبلن.

كتاب العين:7/326:

والمساواة والاستواء واحد، فأما يسوي فإنها نادرة... ويقال: هما علي سوية من الأمر أي: علي سواء وتسوية واستواء.

مفردات الراغب/251:

واستوي يقال علي وجهين، أحدهما: يسند إليه فاعلان فصاعداً نحو استوي زيد وعمرو في كذا أي تساويا، وقال: لا يستوون عند الله. والثاني أن

يقال لإعتدال الشئ في ذاته نحو: ذو مرة فاستوي، وقال: فإذا استويت أنت. لتستووا علي ظهوره. فاستوي علي سوقه. واستوي فلان علي عمالته واستوي أمر فلان.

ومتي عدي بعلي اقتضي معني الاستيلاء كقوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي، وقيل معناه استوي له ما في السموات وما في الأرض، أي استقام الكل علي مراده بتسوية الله تعالي إياه، كقوله: ثم استوي إلي السماء فسواهن. وقيل معناه استوي كل شئ في النسبة إليه فلا شئ أقرب إليه من شئ، إذ كان تعالي ليس كالأجسام الحالة في مكان دون مكان.

وإذا عدي بإلي اقتضي معني الإنتهاء إليه إما بالذات أو بالتدبير، وعلي الثاني قوله: ثم استوي إلي السماء وهي دخان.

معني العرش والكرسي عند أهل البيت

الكافي للكليني:1/130:

أحمد بن إدريس، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي قال: سألني أبو قرة المحدث أن أدخله علي أبي الحسن الرضا عليه السلام فأستأذنته فأذن لي، فدخل فسأله عن الحلال والحرام ثم قال له: أفتقرُّ أن الله محمول؟ فقال أبو الحسن عليه السلام: كل محمول للمفعول مضاف، إلي غيره محتاج، والمحمول اسم نقص في اللفظ والحامل فاعل وهو في اللفظ مدحة، وكذلك قول القائل: فوق وتحت وأعلا وأسفل، وقد قال الله: وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَي فَادْعُوهُ بِهَا، ولم يقل في كتبه إنه المحمول، بل قال: إنه الحامل في البر وبالبحر والممسك السماوات والأرض أن تزولا، والمحمول ما سوي الله، ولم يسمع أحد آمن بالله وعظمته قط قال في دعائه: يا محمول!

قال أبوقرة: فإنه قال: وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ، وقال: الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ.

فقال أبو الحسن عليه السلام: العرش ليس هو الله والعرش اسم علم وقدرة، وعرش فيه كل شئ، ثم أضاف الحمل إلي

غيره خلق من خلقه، لأنه استعبد خلقه بحمل عرشه، وهم حملة علمه، وخلقاً يسبحون حول عرشه وهم يعملون بعلمه، وملائكة يكتبون أعمال عباده، واستعبد أهل الأرض بالطواف حول بيته، والله علي العرش استوي كما قال، والعرش ومن يحمله ومن حول العرش، الله الحامل لهم الحافظ لهم الممسك القائم علي كل نفس وفوق كل شئ وعلي كل شئ، ولا يقال محمول ولا أسفل، قولاً مفرداً لا يوصل بشئ فيفسد اللفظ والمعني.

قال أبوقرة: فتكذب بالرواية التي جاءت أن الله إذا غضب إنما يعرف غضبه أن الملائكة الذين يحملون العرش يجدون ثقله علي كواهلهم فيخرون سجداً، فإذا ذهب الغضب خف ورجعوا إلي مواقفهم؟

فقال أبوالحسن عليه السلام: أخبرني عن الله تبارك وتعالي منذ لعن إبليس إلي يومك هذا هو غضبان عليه فمتي رضي، وهو في صفتك لم يزل غضبان عليه وعلي أوليائه وعلي أتباعه! كيف تجتري أن تصف ربك بالتغير من حال إلي حال وأنه يجري عليه ما يجري علي المخلوقين! سبحانه وتعالي لم يزل مع الزائلين ولم يتغير مع المتغيرين ولم يتبدل مع المتبدلين، وَمَنْ دونَه يدُه وتدبيره، وكلهم إليه محتاج وهو غني عمن سواه!

محمد بن إسماعيل، عن الفضل بن شاذان، عن حماد بن عيسي، عن ربعي بن عبدالله، عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فقال: يا فضيل كل شئ في الكرسي، السماوات والأرض وكل شئ في الكرسي.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن عيسي، عن الحجال، عن ثعلبة بن ميمون، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السماوات والأرض

وسعن الكرسي أم الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: بل الكرسي وسع السماوات والأرض والعرش، وكل شئ وسع الكرسي.

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة بن أعين قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السماوات والأرض وسعن الكرسي أو الكرسي وسع السماوات والأرض؟ فقال: إن كل شئ في الكرسي.

التوحيد للصدوق/108:

حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله، عن أبيه، عن محمد بن عبدالجبار، عن صفوان بن يحيي، عن عاصم بن حميد، قال: ذاكرت أبا عبد الله عليه السلام فيما يروون من الرؤية، فقال: الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي، والكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش، والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب، والحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فإن كانوا صادقين فليملؤوا أعينهم من الشمس ليس دونها سحاب.

التوحيد للصدوق/319:

باب معني قوله عز وجل: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا جذعان بن نصر أبونصر الكندي قال: حدثني سهل بن زياد الادمي، عن الحسن بن محبوب، عن عبدالرحمن بن كثير عن داود الرقي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله عز وجل: وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ، فقال لي: ما يقولون في ذلك. قلت: يقولون إن العرش كان علي الماء والرب فوقه. فقال: كذبوا، من زعم هذا فقد صير الله محمولاً ووصفه بصفة المخلوقين، ولزمه أن الشئ الذي يحمله أقوي

منه! قلت: بين لي جعلت فداك.فقال: إن الله عز وجل حمل علمه ودينه الماء قبل أن تكون أرض أو سماء أو جن أو إنس أو شمس أو قمر، فلما أراد أن يخلق الخلق نثرهم بين يديه فقال لهم: من ربكم فكان أول من نطق رسول الله صلي الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام والأئمة صلوات الله عليهم، فقالوا: أنت ربنا، فحملهم العلم والدين، ثم قال للملائكة: هؤلاء حملة علمي وديني وأمنائي في خلقي وهم المسؤولون، ثم قيل لبني آدم: أقروا لله بالربوبية ولهؤلاء النفر بالطاعة، فقالوا: نعم ربنا أقررنا، فقال للملائكة: إشهدوا، فقالت الملائكة شهدنا علي أن لا يقولوا إنا كنا عن هذا غافلين، أو يقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون. يا داود ولايتنا مؤكدة عليهم في الميثاق.

حدثنا تميم بن عبدالله بن تميم القرشئ قال: حدثنا أبي، عن أحمد بن علي الأنصاري، عن أبي الصلت عبدالسلام بن صالح الهروي قال: سأل المأمون أبا الحسن علي بن موسي الرضا (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَي الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فقال: إن الله تبارك وتعالي خلق العرش والماء والملائكةقبل خلق السموات والأرض، وكانت الملائكة تستدل بأنفسها وبالعرش والماء علي الله عز وجل، ثم جعل عرشه علي الماء ليظهر بذلك قدرته للملائكة فيعلموا أنه علي كل شئ قدير، ثم رفع العرش بقدرته ونقله فجعله فوق السموات السبع، وخلق السموات والأرض في ستة أيام، وهو مستول علي عرشه، وكان قادراً علي أن يخلقها في طرفة عين، ولكنه عز وجل خلقها في ستة أيام ليظهر للملائكة ما

يخلقه منها شيئاً بعد شئ، وتستدل بحدوث ما يحدث علي الله تعالي ذكره مرة بعد مرة، ولم يخلق الله العرش لحاجة به إليه، لأنه غني عن العرش وعن جميع ما خلق، لا يوصف بالكون علي العرش لأنه ليس بجسم، تعالي الله عن صفة خلقه علواً كبيرا.

وأما قوله عز وجل: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً، فإنه عز وجل خلق خلقه ليبلوهم بتكليف طاعته وعبادته لا علي سبيل الإمتحان والتجربة، لأنه لم يزل عليماً بكل شئ.

فقال المأمون: فرجت عني يا أبا الحسن فرج الله عنك.

التوحيد للصدوق/321:

باب العرش وصفاته.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي، قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال: حدثني أبي، عن حنان بن سدير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن العرش والكرسي فقال: إن للعرش صفات كثيرة مختلفة، له في كل سبب وضع في القرآن صفة علي حدة. فقوله: رب العرش العظيم، يقول: الملك العظيم، وقوله: الرحمن علي العرش استوي، يقول: علي الملك احتوي، وهذا ملك لكيفوفية الأشياء.

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي، لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأن الكرسي هو الباب الظاهر من الغيب الذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلها، والعرش هو الباب الباطن الذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحد والاين والمشية وصفة الإرادة، وعلم الألفاظ والحركات والترك، وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأن ملك العرش سوي ملك الكرسي وعلمه أغيب من علم الكرسي، فمن ذلك قال: رب العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسي،

وهما في ذلك مقرونان.

قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي؟

قال: إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وأينيتها وحد رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف وبمثل صرف العلماء (كذا) وليستدلوا علي صدق دعواهما لأنه يختص برحمته من يشاء وهو القوي العزيز.

فمن اختلاف صفات العرش أنه قال تبارك وتعالي: رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ، وهو وصف عرش الوحدانية لأن قوماً أشركوا كما قلت لك، قال تبارك وتعالي: رَبِّ الْعَرْشِ، رب الواحدانية عما يصفون. وقوماً وصفوه بيدين فقالوا: يَدُ الله مَغْلُولَةٌ. وقوماً وصفوه بالرجلين فقالوا: وضع رجله علي صخرة بيت المقدس فمنها ارتقي إلي السماء. وقوماً وصفوه بالانامل فقالوا: إن محمداً صلي الله عليه وآله قال: إني وجدت برد أنامله علي قلبي!

فلمثل هذه الصفات قال: رب العرش عما يصفون، يقول رب المثل الأعلي عما به مثلوه، ولله المثل الأعلي الذي لا يشبهه شئ ولا يوصف ولا يتوهم، فذلك المثل الأعلي، ووصف الذين لم يؤتوا من الله فوائد العلم فوصفوا ربهم بأدني الأمثال وشبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به، فلذلك قال: وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً، فليس له شبه ولا مثل ولا عدل، وله الأسماء الحسني التي لا يسمي بها غيره، وهي التي وصفها في الكتاب فقال: فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه، جهلاً بغير علم، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك وهو لا يعلم، ويكفر به وهو يظن أنه يحسن، فلذلك قال: وما يومن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون، فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم فيضعونها غير مواضعها.

يا حنان إن الله تبارك وتعالي أمر أن يتخذ قوم أولياء، فهم

الذين أعطاهم الله الفضل وخصهم بما لم يخص به غيرهم، فأرسل محمداً صلي الله عليه وآله فكان الدليل علي الله بإذن الله عز وجل، حتي مضي دليلاً هادياً، فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلاً هادياً علي ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه، ثم الأئمة الراشدون (عليهم السلام).

التوحيد للصدوق/324:

باب أن العرش خلق أرباعاً.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الطفيل، عن أبي جعفر، عن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: إن الله عز وجل خلق العرش أرباعاً، لم يخلق قبله إلا ثلاثة أشياء: الهواء والقلم والنور، ثم خلقه من أنوار مختلفة: فمن ذلك النور نور أخضر اخضرت منه الخضرة، ونور أصفر اصفرت منه الصفرة، ونور أحمر احمرت منه الحمرة، ونور أبيض وهو نور الأنوار ومنه ضوء النهار، ثم جعله سبعين ألف طبق، غلظ كل طبق كأول العرش إلي أسفل السافلين، ليس من ذلك طبق إلا يسبح بحمد ربه ويقدسه بأصوات مختلفة وألسنة غير مشتبهة، ولو أذن للسان منها فأسمع شيئاً مما تحته لهدم الجبال والمدائن والحصون، ولخسف البحار ولأهلك ما دونه.

له ثمانية أركان علي كل ركن منها من الملائكة ما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، ولو أحس شئ مما فوقه ما قام لذلك طرفة عين. بينه وبين الإحساس الجبروت والكبرياء والعظمة والقدس والرحمة ثم العلم، وليس وراء هذا مقال.

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عبد

الله بن سنان، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فقال: السماوات والأرض وما بينهما في الكرسي، والعرش هو العلم الذي لا يقدر أحد قدره.

أخبار مكة للازرقي:1/50:

عن أبي الطفيل قال: شهدت علياً (رض) وهو يخطب وهو يقول: سلوني فوالله لا تسألوني عن شئ يكون إلي يوم القيامة إلا حدثتكم به. وسلوني عن كتاب الله فوالله ما منه آية إلا وأنا أعلم أنها بليل نزلت أم بنهار، أم بسهل نزلت أم بجبل. فقام ابن الكواء وأنا بينه وبين علي (رض)وهو خلفي قال: أفرأيت البيت المعمور ما هو قال: ذاك الضراح فوق سبع سموات، تحت العرش، يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يعودون فيه إلي يوم القيامة.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

تفسير البيضاوي:3/12:

ثم استوي علي العرش: استوي أمره أو استولي، وعن أصحابنا أن الإستواء علي العرش صفة لله بلا كيف، والمعني: أن له تعالي استواء علي العرض علي الوجه الذي عناه، منزهاً عن الإستقرار والتمكن.

والعرش الجسم المحيط بسائر الأجسام، سمي به لارتفاعه أو للتشبيه بسرير الملك، فإن الأمور والتدابير تنزل منه، وقيل الملك.

سير أعلام النبلاء:20/87:

قال أبو موسي المديني: سألت إسماعيل يوماً (إسماعيل بن محمد الحافظ): أليس قد روي عن ابن عباس في قوله استوي، قعد قال: نعم. قلت له: إسحاق بن راهويه يقول: إنما يوصف بالقعود من يمل القيام. قال: لا أدري أيش يقول إسحاق.

وسمعته يقول: أخطأ ابن خزيمة في حديث الصورة، ولا يطعن عليه بذلك، بل لا يؤخذ عنه هذا فحسب.

قال أبوموسي: أشار بهذا إلي أنه قل إمام إلا وله زلة، فإذا ترك لاجل زلته، ترك كثير من الأئمة،

وهذا لا ينبغي أن يفعل.

إرشاد الساري:3/24:

إضافة الظل إليه سبحانه وتعالي إضافة تشريف... والله تعالي منزه عن الظل لأنه من خواص الأجسام، فالمراد ظل عرشه، كما في حديث سلمان.

إرشاد الساري:10/420:

قوله تعالي: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، وتفسير العرش بالسرير والإستواء بالإستقرار كما يقول المشبه باطل، لأنه تعالي كان قبل العرش ولا مكان، وهو الآن كما كان، والتغير من صفات الأكوان.

الجواهر الحسان للثعالبي:2/179:

قوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ، إنه سبحانه مستوي علي العرش علي الوجه الذي قاله وبالمعني الذي أراده، استواء منزهاً عن المماسة والإستقرار والتمكن والحلول والإنتقال.

نهاية الارب للنويري:1/32:

روي أن أبا ذر قال يا رسول الله (ص) أي آية أنزلت عليك أعظم؟ قال: آية الكرسي، ثم قال: يا أبا ذر أتدري ما الكرسي قلت لا، فقال ما السماوات والأرض في الكرسي إلا كحلقة ألقاها ملق في فلاة. ونحوه في الجواهر الحسان للثعالبي:1/196 ونحوه في فتح القدير للشوكاني:1/347.

لسان الميزان:1/78:

إبراهيم بن عبدالصمد، عن عبدالوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي علي جميع بريته فلا يخلو منه مكان، وعنه عبدالله بن داود الواسطي بهذا. أورده ابن عبد البر في التمهيد وقال لا يصح، وعبد الله وعبدالوهاب ضعيفان، وإبراهيم مجهول لا يعرف.

حياة الحيوان للدميري:1/382:

سئل إمام الحرمين: هل الباري تعالي في جهة؟ فقال: هو متعال عن ذلك.

الفرق بين الفرق للنوبختي/292:

وقد قال أمير المؤمنين علي (رض): إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته. وقال أيضاً: قد كان ولا مكان، وهو الان علي ما كان.

معالم السنن للخطابي:4/302:

قال الشيخ: هذا الكلام (أتدري ما الله إن عرشه علي

سماواته وقال بأصابعه مثل القبة..) إذا جري علي ظاهره كان فيه نوع من الكيفية، والكيفية عن الله وصفاته منفية.

تفسير المنار لرشيد رضا:12/16:

أما عرش الرحمن عز وجل فهو من عالم الغيب الذي لا ندركه بحواسنا، ولا نستطيع تصويره بأفكارنا، فأجدر بنا أن لا نعلم كنه استوائه عليه... إن بعض المتكلمين تكلفوا تفسير السموات السبع والكرسي والعرش العظيم، أو تأويلهن بالأفلاك التسعة عند فلاسفة اليونان المخالف للقرآن...

خزانة الادب للحموي:1/240:

قال الزمخشري:... قوله تعالي: الرَّحْمَنُ عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي. الإستواء علي معنيين، أحدهما الاستقرار في المكان وهو المعني القريب الموري به الذي هو غير مقصود، لأن الحق تعالي وتقدس منزه عن ذلك.

وقد طعن المستشرق اليهودي جولد تسيهر في تفسير الإستواء علي العرش بغير القعود المادي، تأييداً لمذهبه في التجسيم، فقال في مذاهب التفسير الإسلامي/169: وجاء ذكر كرسي الله سبحانه في آية الكرسي... ويقول الزمخشري في ذلك: وما هو إلا تصوير لعظمته وتخييل فقط. ولا كرسي ثمة ولا قعود ولا قاعد. انتهي. وقد كذب هذا اليهودي علي الزمخشري ليشنع عليه، لأنه خالف مذهبه في التجسيم.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

قالوا إن الله جالس علي كرسيه كما قال اليهود

تاريخ بغداد:1/295:

محمد بن أحمد بن خالد بن شيرزاذ.. أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب قال قرئ علي أبي الحسين بن مظفر وأنا أسمع، حدثكم أبوبكر محمد بن أحمد بن خالد القاضي، قال نا سعيد بن محمد، قال نا سلم بن قتيبة، قال نا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن خليفة عن عمر بن الخطاب عن النبي(ص)في قوله تعالي: عَلَي الْعَرْشِ اسْتَوَي.، قال: حتي يسمع أطيط كأطيط الرحل. انتهي. ونحوه في فردوس الأخبار:1 ص220 وفتح القدير:1/347.

مسند احمد:1/295:

عن أبي نضرة قال خطبنا ابن

عباس علي هذا المنبر منبر البصرة قال: قال رسول الله (ص): إنه لم يكن نبي إلا له دعوة تنجزها في الدنيا، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي، وأنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، آدم فمن دونه تحت لوائي. قال: ويطول يوم القيامة علي الناس... قال ثم آتي باب الجنة فآخذ بحلقة باب الجنة فأقرع الباب فيقال من أنت فأقول محمد فيفتح لي فأري ربي عز وجل وهو علي كرسيه أو سريره، فأخر له ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال: إرفع رأسك وقل تسمع وسل تعطه واشفع تشفع.

قال فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال لي: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، ثم أعود فأخر ساجداً وأحمده بمحامد لم يحمده بها أحد كان قبلي ولا يحمده بها أحد بعدي، فيقال لي: إرفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأقول: أي رب أمتي أمتي، فيقال: أخرج من النار من كان في قلبه مثقال كذا وكذا فأخرجهم، قال وقال في الثالثة مثل هذا أيضاً! انتهي.

وهذه الرواية مضافاً إلي ما فيها من تجسيم فهي واحدة من روايات توسيع الشفاعة لتشمل جميع الأمة بر وفاجرها وظالمها ومظلومها، وقاتلها ومقتولها بل لتشمل كل الكفار تقريباً كما ستري في باب الشفاعة إن شاء الله تعالي. ولم يستثن إخواننا من هذه الشفاعة الموسعة المجانية إلا أهل بيت النبي وشيعتهم!!

مجمع الزوائد:1/126:

وعن ثعلبة بن الحكم قال قال رسول الله (ص): يقول الله عز وجل للعلماء يوم القيامة إذا

قعد علي كرسيه لفصل عباده: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم، إلا وأنا أريد أن أغفر لكم علي ما كان فيكم ولا أبالي. رواه الطبراني في الكبير ورجاله موثقون.

سير أعلام النبلاء:17/656:

قال أبونصر السجزي في كتاب الابانة: وأئمتنا كسفيان، ومالك، والحمادين وابن عيينة، والفضيل، وابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق، متفقون علي أن الله سبحانه فوق العرش، وعلمه بكل مكان، وأنه ينزل إلي السماء الدنيا، وأنه يغضب ويرضي، ويتكلم بما شاء!

دلائل النبوة للبيهقي:5/481:

يأتي رسول الله(ص)يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه. انتهي.

وقد أوردنا في الفصلين الثالث والخامس عدداً آخر من رواياتهم في جلوس الله تعالي علي عرشه وأطيط العرش من ثقله بزعمهم، وأثبتنا أن أول من فتح القول بالتجسيم في الإسلام هو كعب الأحبار والخليفة عمر.

و تناقضت رواياتهم في العرش والكرسي

فردوس الأخبار للديلمي:1/219:

ابن عمر: إن الله عز وجل ملا عرشه، يفضل منه كما يدور العرش أربعة أصابع بأصابع الرحمن عز وجل.

تفسير الطبري:3/8:

عن عبدالله بن خليفة أتت امرأة النبي فقال أدع الله أن يدخلني الجنة.. ثم قال (ص) إن كرسيه وسع السموات والأرض وإنه ليقعد عليه فما يفضل منه مقدار أربع أصابع.

تفسير الطبري:3/7:

عن الربيع: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، قال لما نزلت.. قال أصحاب النبي: يا رسول الله هذا الكرسي وسع السموات والأرض فكيف العرش؟ فأنزل الله تعالي وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ... عن أبي موسي: قال الكرسي موضع القدمين. وعن السدي: والكرسي بين يدي العرش وهو موضع قدميه.

فردوس الأخبار للديلمي:5/128:

ابن عباس: وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، كرسيه موضع قدمه، والعرش لا يقدر قدره. ونحوه في تاريخ بغداد: 9/251 وفي تفسير الصنعاني:2/203 وفي فردوس الأخبار:5/128.

مجمع الزوائد:10/343:

وعن عبد

الله بن عمرو عن رسول الله(ص)قال: إن الله يجمع الأمم يوم القيامة ثم ينزل من عرشه إلي كرسيه، وكرسيه وسع السموات والأرض.

سنن أبي داود:2/419:

قال ابن بشار في حديثه: إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته. وساق الحديث.

إرشاد الساري للقسطلاني:5/249:

عن بعض السلف أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهه.

إرشاد الساري للقسطلاني:7/42:

قال قوم هو (أي الكرسي) جسم بين يدي العرش... وزعم بعض أهل الهيئة من الإسلاميين أن الكرسي هو الفلك الثامن... وهو الأطلس.

إرشاد الساري للقسطلاني:7/312:

قال ابن كثير: والعرش فوق العالم مما يلي رؤس الناس.

و قالوا عرش الله كرسي متحرك

مجمع الزوائد:10/154:

وعن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله (ص): ينزل ربنا تبارك وتعالي إلي السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل فيقول... فيكون كذلك حتي يصبح الصبح ثم يعلو عز وجل علي كرسيه. رواه الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه... ويحيي بن إسحاق لم يسمع من عبادة ولم يرو عنه غير موسي بن عقبة، وبقية رجال الكبير رجال الصحيح.

فردوس الأخبار للديلمي:5/360:

عبادة بن الصامت: ينزل الله عز وجل كل ليلة إلي السماء الدنيا فلا يزال كذلك حتي يصلي الصبح، ثم يعلو ربنا عز وجل علي كرسيه.

فردوس الأخبار للديلمي:5/361:

ينزل ربنا عز وجل في ظلل من الغمام والملائكة، ويضع عرشه حيث يشاء من الأرض.

و قالوا العرش غير الكرسي، و قالوا العرش هو الكرسي

فردوس الأخبار للديلمي:5/365:

ينزل الله عز وجل في ظلل من الغمام من العرش إلي الكرسي.

معالم التنزيل للبغوي:1/239:

أبو هريرة: الكرسي هو العرش.

وروي السيوطي في:1/324:

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول الكرسي هو العرش... فقال رسول الله(ص)... وسع كرسيه السموات والأرض، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد. ورواه في كنز العمال:14/636.

تفسير قوله تعالي: عسي أن يبعثك ربك مقاما محمودا

أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا. وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 78-79

و قالوا يجلس الله علي عرشه و يجلس النبي إلي جانبه

روي الدارمي في سننه:2/325:

عن ابن مسعود عن النبي(ص)قال قيل له ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالي علي كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسي إبراهيم، يقول الله تعالي أكسوا خليلي، فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسي علي أثره ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والاخرون. ورواه الحاكم في المستدرك:2/364 والبغوي في مصابيحه:3/552 والهندي في كنز العمال:14/412 والسيوطي في الدر المنثور:3/84.

وقال السيوطي في الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324:

وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال: ذلك يوم ينزل الله علي كرسيه يئط منه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه، وهو كسعة ما بين السماء والأرض. ورواه في كنز العمال:14/636.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/198:

وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محمودا، قال: يجلسه بينه وبين جبريل عليه السلام ويشفع لامته، فذلك المقام المحمود.

وروي البيهقي في دلائل النبوة:5/481:

يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه.

دلائل النبوة للبيهقي:5/486:

عن عبد الله بن سلام:.. وينجو النبي (ص) والصالحون معه وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم.. حتي ينتهي إلي الله عز وجل فيلقي له كرسي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:3/85:

ابن عمر: عسي الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، يجلسني

معه علي السرير.

وفي فردوس الأخبار:4/298:

أنس بن مالك: من كرامتي علي ربي عز وجل قعودي علي العرش.

وقال الشوكاني في فتح القدير:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً (ص) معه علي كرسيه، حكاه ابن جرير... وقد ورد في ذلك حديث.

تاريخ بغداد:3/22:

أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي، أخبرنا يحيي بن وصيف الخواص، حدثنا أحمد بن علي الخراز، حدثنا المعيطي وغير واحد قالوا: حدثنا محمد بن فضيل عن ليث بن مجاهد في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: يقعده معه علي العرش..

تاريخ بغداد:8/52:

عن أبي إسحاق عن عبد الله بن خليفة قال قال رسول الله (ص): الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد!

قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبو بكر بن سلم العابد حين قدمنا إلي بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة فكتبه أبو بكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً، وقال أبو بكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد(ص)ليجلسه عليه. قال أبو بكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروذي، وعلي أبي بكر بن سلم العابد....

و نفي الفكرة بعض علماء السنة

صحيح شرح العقيدة الطحاوية:1/570:

قال الإمام الطحاوي رحمه الله: والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم ونخاف عليهم، ولا نقنطهم.

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي صلي الله عليه وآله، ومن تلك الآيات قوله تعالي: وَلَسَوْفَ

يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، الضحي: 3، وقال تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79، وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما [1] وقال الله تعالي: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلاً. طه: 9-10. وقال تعالي: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ يونس: 3. وفي شفاعة الملائكة قوله تعالي: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ مَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء: 78.

[1] أنظر البخاري 3-338 و 8-399 و 13-422 ومسلم 1-179. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد علي العرش بجنب الله!! تعالي الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً، وهم يعتمدون علي ذلك علي ما يروي عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1-209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء!.

و قال المستشرقون إنها فكرة مسيحية

مذاهب التفسير الإسلامي لجولد تسيهر/122:

... سجلت فتنة ببغداد، أثارها نزاع علي مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. ما المراد من المقام المحمود؟ ذهب الحنابلة... إلي أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله سبحانه يقعد النبي معه علي العرش... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في إنجيل مرقص 16، 19، وآخرون ذهبوا إلي أن المقام المحمود.. هو مرتبة الشفاعة التي يرفع اليها النبي.

و اعترفوا بأن بعض هذه الأحاديث موضوع

ميزان الاعتدال:4/174:

أنبأني جماعة عن عين الشمس الثقفية، أخبرنا محمد بن أبي ذر سنة ست وعشرين وخمسمائة، أخبرنا أبوطاهر عبدالرحيم، أخبرنا عبدالله بن محمد القباب، أخبرنا أحمد بن الحسن بن هارون الأشعري، حدثنا علي بن محمد القادسي بعكبرا سنة ست وخمسين ومائتين، حدثنا محمد بن حماد، عن مقاتل بن سليمان، عن الضحاك، عن ابن عباس، قال: إذا كان يوم القيامة ينادي مناد: أين حبيب الله فيتخطي صفوف الملائكة حتي يصير إلي العرش حتي يجلسه معه علي العرش، حتي يمس ركبته. فهذا لعله وضعه أحد هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي.

و قالوا يجلس صاحب أحمد بن حنبل علي سجاد العرش

تاريخ بغداد:12/112:

حدثنا أحمد بن عبد الله الحفار، قال رأيت أحمد بن حنبل في النوم فقلت: يا أبا عبد الله ما صنع الله بك؟ قال: حباني وأعطاني وقربني وأدناني. قال قلت: الشيخ الزمن علي بن الموفق ما صنع الله به؟ قال: الساعة تركته علي زلالي، يريد العرش. انتهي. وقال في هامشه: الزلية: بكسر الزاي واللام البساط، والجمع زلالي. عن القاموس.

و قالوا يجلس أبابكر علي كرسي عند العرش

تاريخ بغداد:4/386:

عن ابن أبي ذئب، عن معن بن الوليد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال قال النبي (ص): إذا كان يوم القيامة نصب لإبراهيم منبر أمام العرش ونصب لي منبر أمام العرش، ونصب لابي بكر كرسي، فنجلس عليها وينادي مناد يالك من صديق بين خليل وحبيب.!!

تفسير قوله تعالي: فلما آسفونا انتقمنا منهم

قال تعالي عن فرعون: فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوُه إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ. فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ. الزخرف: 54-55.

قال أهل البيت: إن الله لا يأسف كأسفن

الكافي:1/144:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن عمه حمزة بن بزيع، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل: فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ، فقال: إن الله عز وجل لا يأسف كأسفنا ولكنه خلق أولياء لنفسه يأسفون ويرضون وهم مخلوقون مربوبون، فجعل رضاهم رضا نفسه وسخطهم سخط نفسه، لأنه جعلهم الدعاة إليه والادلاء عليه، فلذلك صاروا كذلك، وليس أن ذلك يصل إلي خلقه، لكن هذا معني ما قال من ذلك، وقد قال: من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة ودعاني إليها، وقال: ومن يطع الرسول فقد أطاع الله. وقال: إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم. فكل هذا وشبهه علي ما ذكرت لك، وهكذا الرضا والغضب وغيرهما من الأشياء مما يشاكل ذلك.

ولو كان يصل إلي الله الأسف والضجر وهو الذي خلقهما وأنشأهما، لجاز لقائل هذا أن يقول: إن الخالق يبيد يوماً ما، لأنه إذا دخله الغضب والضجر دخله التغيير، وإذا دخله التغيير لم يؤمن عليه الابادة، ثم لم يعرف المكون من المكون ولا القادر من المقدور عليه، ولا الخالق من المخلوق، تعالي الله عن هذا القول علواً كبيرا، بل هو الخالق للاشياء لا لحاجة، فإذا كان لا لحاجة استحال الحد والكيف فيه، فافهم إن شاء الله تعالي. انتهي.

أقول: ومما يؤيد تفسير آسفونا في الآية بأنهم آسفوا الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام)، أنه تعالي قال (آسفونا) بجمع المتكلم ولم يقل آسفوني بالمفرد، وقد فسرها الإمام عليه السلام بأن الله تعالي نسب الفعل

إلي نفسه لانهم آسفوا عباده الخاصين، لأن إغضابهم إغضاب له تعالي.

وهذا يفتح لنا باباً لفهم نسبة الفعل الإلهي وقانونها في القرآن، ومتي يسند الفعل إلي الله تعالي بصيغة المفرد المتكلم، ومتي يسند بصيغة الجمع، أو بصيغة الغائب. فإن دراسة الأفعال المسندة إلي الله تعالي في القرآن، عن طريق إحصائها وتقسيمها وتحليلها، سيعطينا فوائد متعددة في معرفة أنواع الفعل الالهي ووسائله. ففي كل نوع من صيغ نسبته إلي الله تعالي هدف، ووراءه قاعدة..

فبعض الأفعال أسندها عز وجل إلي نفسه بصيغة المفرد المتكلم وجمع المتكلم والمفرد الغائب، مثل: أوحيت، أوحينا، نوحي، أوحي... وبعضها أسندها بصيغة جمع المتكلم والغائب فقط ولم يسندها بصيغة المفرد مثل: بشرنا، أرسلنا، صورنا، رزقنا، بينا.. الخ. ولم يقل بشرت أو رزقت.... الخ.

إن كلمات القرآن وحروفه موضوعة في مواضعها بموجب علوم إلهية عميقة وحسابات ربانية دقيقة، كما وضعت النجوم في مواضعها ومداراتها في الكون (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). وإن كشف أصل وجود القاعدة في نسبة الفعل الإلهي في القرآن بحد ذاته أمر مهم. ولكن معادلتها وتطبيقاتها ستبقي علي الأرجح ظناً وتخميناً، لأننا محرومون من الذي عنده علم الكتاب روحي فداه!

روي في الاحتجاج أن شخصاً جاء إلي أمير المؤمنين عليه السلام وقال له: لولا ما في القرآن من الإختلاف والتناقص لدخلت في دينكم! فقال له عليه السلام: وما هو فقال:... أجد الله يقول: قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم، وفي موضع آخر يقول: الله يتوفي الأنفس حين موتها، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين، وما أشبه ذلك، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت، ومرة للملائكة... فقال أمير المؤمنين: سبوح قدوس رب الملائكة والروح،

تبارك وتعالي، هو الحي الدائم، القائم علي كل نفس بماكسبت، هات أيضاً ما شككت فيه:

قال: حسبي ما ذكرت... قال عليه السلام: فأما قوله: الله يتوفي الأنفس حين موتها، وقوله: يتوفاكم ملك الموت، وتوفته رسلنا، والذين تتوفاهم الملائكة طيبين والذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم... فهو تبارك وتعالي أعظم وأجل من أن يتولي ذلك بنفسه، وفعل رسله وملائكته فعله، لأنهم بأمره يعملون، فاصطفي جل ذكره من الملائكة رسلاً وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال فيهم: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس.. فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره، وفعلهم فعله، وكل ما يأتون به منسوب إليه، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفي الانفس علي يد من يشاء، ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب علي يد من يشاء، وإن فعل أمنائه فعله. انتهي.

التوحيد للصدوق/168:

باب معني رضاه عز وجل وسخطه.

حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثني أحمد بن إدريس، عن أحمد بن أبي عبد الله، عن محمد عيسي اليقطيني، عن المشرقي، عن حمزة بن الربيع، عمن ذكره قال: كنت في مجلس أبي جعفر عليه السلام إذ دخل عليه عمرو بن عبيد فقال له: جعلت فداك قول الله تبارك وتعالي: وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَي، ما ذلك الغضب؟ فقال أبو جعفر عليه السلام: هو العقاب يا عمرو، إنه من زعم أن الله عز وجل زال من شئ إلي شئ فقد وصفه صفة مخلوق، إن الله عز وجل لا يستفزه شئ ولا يغيره.

وبهذا الإسناد، عن أحمد

بن أبي عبد الله:... كما في رواية الكافي المتقدمة.

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن العباس بن عمرو الفقيمي، عن هشام بن الحكم أن رجلاً سأل أبا عبدالله عليه السلام عن الله تبارك وتعالي له رضا وسخط؟ فقال: نعم، وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين، وذلك أن الرضا والغضب دَخَال يدخل عليه فينقله من حال إلي حال (لأن المخلوق أجوف) معتمل مركب، للأشياء فيه مدخل، وخالقنا لا مدخل للأشياء فيه، واحد أحدي الذات واحدي المعني، فرضاه ثوابه، وسخطه عقابه، من غير شئ يتداخله فيهيجه وينقله من حال إلي حال، فإن ذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين، وهو تبارك وتعالي القوي العزيز الذي لا حاجة به إلي شئ مما خلق، وخلقه جميعاً محتاجون إليه، إنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب، اختراعاً وابتداعاً.

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري، عن جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه قال: سألت الصادق جعفر بن محمد (عليهم السلام) فقلت له: يابن رسول الله أخبرني عن الله عز وجل هل له رضا وسخط؟ فقال: نعم وليس ذلك علي ما يوجد من المخلوقين ولكن غضب الله عقابه، ورضاه ثوابه.

بحار الأنوار:4/63:

روي حديث توحيد الصدوق الثالث، وقال:

بيان: في الكافي هكذا: فينقله من حال إلي حال لأن المخلوق أجوف معتمل. وهو الظاهر. والحاصل أن عروض تلك الاحوال والتغيرات إنما يكون لمخلوق أجوف له قابلية ما يحصل فيه ويدخله، معتمل يعمل بأعمال صفاته وآلاته، مركب من أمور مختلفة وجهات مختلفة للأشياء من الصفات والجهات والآلات فيه مدخل، وخالقنا تبارك

اسمه لا مدخل للاشياء فيه لإستحالة التركيب في ذاته، فإنه أحدي الذات واحدي المعني، فإذن لا كثرة فيه لا في ذاته ولا في صفاته الحقيقية، وإنما الإختلاف في الفعل فيثيب عند الرضا ويعاقب عند السخط. قال السيد الداماد رحمه الله: المخلوق أجوف لما قد برهن واستبان في حكمة ما فوق الطبيعة أن كل ممكن زوج تركيبي، وكل مركب مروج الحقيقة فإنه أجوف الذات لا محالة، فما لا جوف لذاته علي الحقيقة هو الاحد الحق سبحانه لا غير، فإذن الصمد الحق ليس هو إلا الذات الأحدية الحقة من كل جهة، فقد تصحح من هذا الحديث الشريف تأويل الصمد بما لا جوف له وما لا مدخل لمفهوم من المفهومات وشئ من الأشياء في ذاته أصلاً.

الإحتجاج: عن هشام بن الحكم أنه سأل الزنديق عن الصادق عليه السلام. فقال: فلم يزل صانع العالم عالماً بالأحداث التي أحدثها قبل أن يحدثها؟ قال: لم يزل يعلم فخلق. قال: أمختلف هو أم مؤتلف؟ قال: لا يليق به الإختلاف ولا الايتلاف، إنما يختلف المتجزي ويأتلف المتبعض، فلا يقال له: مؤتلف ولا مختلف.

قال: فكيف هو الله الواحد؟

قال: واحد في ذاته فلا واحد كواحد، لأن ما سواه من الواحد متجزئ، وهو تبارك وتعالي واحد لا متجزئ، ولا يقع عليه العد.

تفسير إخواننا الموافق لمذهبنا

إرشاد الساري:4/235:

الغضب من المخلوقين شئ يداخل قلوبهم، ولا يليق أن يوصف الباري تعالي بذلك، فيؤول ذلك علي ما يليق به تعالي، فيحمل علي آثاره ولوازمه. وفي:5 ص 229 والمراد من الغضب لازمه وهو إرادة إيصال الشر إلي المغضوب عليه.وفي ج 6/156 نسبة الضحك والتعجب إلي الباري جل وعلا مجازية، والمراد بهما الرضا بصنيعهما.

شرح مسلم للنووي:2 جزء

3/68:

المراد بغضب الله تعالي ما يظهر من انتقامه فيمن عصاه.. لأن الله تعالي يستحيل في حقه التغير في الغضب.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

تفسير الصنعاني:2/166:

حدثنا عبد الرزاق قال: سمعت ابن جريج يقول: وغضب في شئ فقيل له: أتغضب يا أبا خالد! فقال: قد غضب خالق الأحلام، إن الله تعالي يقول لما آسفونا، أغضبونا.

عن سماك بن الفضل قال: كنت عند عروة بن محمد جالساً وعنده وهب بن منبه فأتي بعامل لعروة.. فقالوا فعل وفعل، وثبت عليه البينة، قال فلم يملك وهب بن منبه نفسه فضربه علي قرنه بعصا وقال: أفي زمن عمر بن عبدالعزيز يصنع مثل هذا قال: فاشتهاها عروة... وقال: يعيب علينا أبو عبد الله الغضب وهو يغضب! قال وهب: قد غضب خالق الأحلام، إن الله يقول: فلما أسفونا انتقمنا منهم، يقول أغضبونا. انتهي. وقد ذكرنا في فصل مكانة المشبهين والمجسمين في مصادر إخواننا: أن وهباً استند في الظاهر إلي الآية ليثبت أن الغضب الإلهي كغضب البشر، ولكن أصل الغضب الإلهي في ثقافته هو الغضب التلمودي الذي قال عنه الدكتور أحمد شلبي في مقارنة الأديان: 1/267: يروي التلمود أن الله ندم لما أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي. وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة. انتهي. والمصيبة أن اخواننا أخذوا نسبة الغضب البشري إلي الله تعالي من وهب وأمثاله من اليهود وجعلوها من عقائد الإسلام،

ثم قعدوا يبكون من خطر الاسرائيليات علي الإسلام والمسلمين!

الدر المنثور:6/19:

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا.

وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا. وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: فَلَمَّا آسَفُونَا، قال أغضبونا.

دلائل النبوة للبيهقي:5/477:

عن أبي هريرة قال:... فيأتون موسي فيقولون: يا موسي أنت رسول الله.. إشفع لنا عند ربك.. فيقول لهم موسي: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، وإني قتلت نفساً لم أومر بقتلها.. نفسي نفسي، إذهبوا إلي عيسي... قال: فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت رسول الله إشفع لنا عند ربك... فيقول لهم عيسي: إن ربي غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله، ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي، إذهبوا إلي غيري، إذهبوا إلي محمد (ص).

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/211:

واختلف الناس في حملة العرش ما الذي يحمله؟ فقال قائلون الحملة تحمل الباري وأنه إذا غضب ثقل علي كواهلهم، وإذا رضي خف!.. وقال بعضهم الحملة ثمانية أملاك. وقال بعضهم ثمانية أصناف. وقال قائلون: إنه علي العرش.

الإيمان لابن تيمية/424:

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة: يقول كل من الرسل إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله... عن النبي: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دوية مهلكة.. وكذلك ضحكه إلي رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنه، وضحكه إلي الذي يدخل الجنه آخر الناس ويقول أتسخر بي وأنت رب العالمين... وكل هذا في الصحيح..

فتاوي ابن باز:2/96:

وهكذا القول في باقي الصفات، من السمع، والبصر، والرضي، والغضب، واليد، والقدم، والاصابع، والكلام، والإرادة، وغير ذلك، كلها يقال إنها

معلومة من حيث اللغة العربية! فالإيمان بها واجب والكيف مجهول لنا لا يعلمه إلا الله... انتهي.

وإذا كان الكي_ف مجهولاً كما يقول المفتي ابن باز فلماذا يصر علي تفسيره بالظاهر الحسي ولماذا لا يكون مفوضاً مثل مفوضة السلف، اللذين أوكلوا هذه الصفات إلي الله تعالي؟!

تفسير آيات أخري تتعلق بالموضوع

قال الصدوق في التوحيد/159:

باب تفسير قول الله عز وجل: نسوا الله فنسيهم

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان قال: حدثنا أبوحامد عمران بن موسي بن إبراهيم، عن الحسن بن القاسم الرقام، عن القاسم بن مسلم، عن أخيه عبدالعزيز بن مسلم قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا ينسي ولا يسهو، وإنما ينسي ويسهو المخلوق المحدث، ألا تسمعه عز وجل يقول: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم، كما قال عز وجل: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وقوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا. أي نتركهم كما تركوا الإستعداد للقاء يومهم هذا.

قال مصنف هذا الكتاب (رض): قوله: نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجو لقاء يومه، لأن الترك لا يجوز علي الله عز وجل.

وأما قول الله عز وجل: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ، أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا.

باب تفسير قوله عز وجل: والأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه.

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني (رض) قال: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني قال: حدثنا علي

بن محمد المعروف بعلان الكليني قال: حدثنا محمد بن عيسي بن عبيد قال: سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، فقال: ذلك تعبير الله تبارك وتعالي لمن شبهه بخلقه، ألا تري أنه قال: وما قدروا الله حق قدره، ومعناه إذ قالوا: إن الأرض جميعاً قبضته يوم القيمة والسموات مطويات بيمينه، كما قال عز وجل: وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إذ قالوا: ما أنزل الله علي بشر من شئ، ثم نزه عز وجل نفسه عن القبضة واليمين فقال: سبحانه وتعالي عما يشركون.

حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال: حدثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول، عن أبيه، عن أبي الحسن العبدي، عن سليمان بن مهران قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فقال: يعني ملكه لا يملكها معه أحد، والقبض من الله تبارك وتعالي في موضع آخر المنع، والبسط منه الإعطاء والتوسيع، كما قال عز وجل: وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ، يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق، والقبض منه عز وجل في وجه آخر الأخذ في وجه القبول منه كما قال: ويأخذ الصدقات، أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها.

قلت: فقوله عز وجل: وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ قال: اليمين اليد، واليد القدرة والقوة، يقول عز وجل: السماوات مطويات بقدرته وقوته، سبحانه وتعالي عما يشركون.

باب تفسير قول الله عز وجل: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا

أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: كَلا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده، ولكنه يعني أنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.

باب تفسير قوله عز وجل: وجاء ربك والملك صفاً صف

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه قال: سألت الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) عن قول الله عز وجل: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا، فقال: إن الله عز وجل لا يوصف بالمجي والذهاب، تعالي عن الانتقال، إنما يعني بذلك: وجاء أمر ربك والملك صفاً صفاً.

باب تفسير قوله عزوجل: هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا أَنْ يَاتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ، قال: يقول هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام، وهكذا نزلت. انتهي. أي هكذا نزل تفسيرها معها.

باب تفسير قوله عز وجل: سخر الله منهم

وقوله عز وجل: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وقوله عز وجل: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، وقوله عز وجل: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ

خَادِعُهُمْ.

حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال، عن أبيه، عن الرضا علي بن موسي (عليهما السلام) قال: سألته عن قول الله عز وجل: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ، وعن قول الله عز وجل: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وعن قوله: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ، وعن قوله: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ، فقال: إن الله تبارك وتعالي لا يسخر ولا يستهزي ولا يمكر ولا يخادع، ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الإستهزاء وجزاء المكر والخديعة، تعالي الله عما يقول الظالمون علواً كبيرا.

باب معني الحجزة

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن أبي الجارود، عن محمد بن بشر الهمداني قال: سمعت محمد بن الحنفية يقول: حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، قلت: يا أمير المؤمنين وما الحجزة قال: الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك، ولكن رسول الله صلي الله عليه وآله آخذ بأمر الله، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا، وشيعتنا آخذون بأمرنا.

أبي رحمه الله، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي عن الحسن بن علي الخزاز، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذ بحجزة الله، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، ثم قال: والحجزة النور.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق

رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثني علي بن العباس قال: حدثنا الحسن بن يوسف، عن عبدالسلام، عن عمار بن أبي اليقظان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يجي رسول الله صلي الله عليه وآله يوم القيامة آخذاً بحجزة ربه، ونحن آخذون بحجزة نبينا، وشيعتنا آخذون بحجزتنا، فنحن وشيعتنا حزب الله، وحزب الله هم الغالبون، والله ما نزعم أنها حجزة الإزار ولكنها أعظم من ذلك، يجي رسول الله صلي الله عليه وآله آخذاً بدين الله، ونجي نحن آخذين بدين نبينا، وتجي شيعتنا آخذين بديننا. وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: الصلاة حجزة الله، وذلك أنها تحجز المصلي عن المعاصي مادام في صلاته، قال الله عز وجل: إِنَّ الصَّلَوةَ تَنْهَي عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.

باب معني العين والاذن واللسان

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن أبان بن عثمان، عن محمد بن مسلم قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن لله عز وجل خلقاً من رحمته خلقهم من نوره ورحمته، من رحمته لرحمته فهم عين الله الناظرة، وأذنه السامعة، ولسانه الناطق في خلقه بإذنه، وأمناؤه علي ما أنزل من عذر أو نذر أو حجة، فبهم يمحو السيئات، وبهم يدفع الضيم، وبهم ينزل الرحمة، وبهم يحيي ميتاً، وبهم يميت حياً، وبهم يبتلي خلقه، وبهم يقضي في خلقه قضيته. قلت: جعلت فداك من هؤلاء؟ قال: الأوصياء.

باب معني قوله عز وجل: وقالت اليهود يد الله مغلولة

غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان.

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن

عبدالله، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه، عن علي بن نعمان، عن إسحاق بن عمار، عمن سمعه، عن أبي عبدالله عليه السلام أنه قال في قوله الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، لم يعنوا أنه هكذا، ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا، بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. ألم تسمع الله عز وجل يقول: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عيسي، عن المشرقي، عن عبد الله بن قيس، عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سمعته يقول: بل يداه مبسوطتان، فقلت: له يدان هكذا، وأشرت بيدي إلي يده، فقال: لا، لو كان هكذا لكان مخلوقاً.

باب معني قوله عز وجل: ونفخت فيه من روحي

حدثنا حمزة بن محمد العلوي رحمه الله، قال: أخبرنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قوله الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه إلي نفسه (كذا) وفضله علي جميع الأرواح، فأمر فنفخ منه في آدم.

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن ابن فضال، عن الحلبي وزرارة، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن الله تبارك وتعالي أحد، صمد، ليس له جوف، وإنما الروح خلق من خلقه، نصر وتأييد وقوة، يجعله الله في

قلوب الرسل والمؤمنين.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا الحسين بن الحسن، قال: حدثنا بكر بن صالح، عن القاسم بن عروة، عن عبد الحميد الطائي، عن محمد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، كيف هذا النفخ؟ فقال: إن الروح متحرك كالريح، وإنما سمي روحاً لأنه اشتق اسمه من الريح، وإنما أخرجه علي لفظ الروح لأن الروح مجانس للريح، وإنما أضافه إلي نفسه لأنه اصطفاه علي سائر الأرواح، كما اصطفي بيتاً من البيوت فقال بيتي، وقال لرسول من الرسل خليلي، وأشباه ذلك، وكل ذلك مخلوق مصنوع محدث، مربوب مدبر.

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن أبي جعفر الاصم قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن الروح التي في آدم عليه السلام والتي في عيسي عليه السلام ماهما؟ قال: روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم عليه السلام وروح عيسي عليه السلام.

حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال: حدثنا محمد بن أبي عبدالله الكوفي، عن محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا علي بن العباس، قال: حدثنا علي بن أسباط، عن سيف بن عميرة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله عز وجل: وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: من قدرتي.

حدثنا محمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران رضي الله

عنهم قالوا: حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال: حدثنا محمد بن أسماعيل البرمكي قال: حدثنا علي بن العباس قال: حدثنا عبيس بن هشام، عن عبد الكريم بن عمرو، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عز وجل: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي، قال: إن الله عز وجل خلق خلقاً وخلق روحاً، ثم أمر ملكاً فنفخ فيه، فليست بالتي نقصت من قدرة الله شيئاً من قدرته.

تم المجلد الثاني من كتاب العقائد الإسلامية

ويليه المجلد الثالث إن شاء الله تعالي، وأوله بحث الشفاعة

المجلد3

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 3)

العقائد الإسلامية (المجلد 3)

مقدمة

تعريف الشفاعة و تاريخها

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهية

شبهة حول أصل الشفاعة

مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة

محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة

تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاستشفاع

تعريف الشفاعة في اللغة

تعريف الشفاعة عند المتكلمين

تحريف اليهود والنصاري للشفاعة

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

شفاعة ابراهيم للمؤمنين و لاسماعيل و لوط

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

البشارة بالشفيع الذي سيأتي (البراقليطس)

توسيع بولس للشفاعة و حصرها بالمسيح

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرن

الشفاعة عند عرب الجاهلية

عبد العرب الأصنام أملا بشفاعتهن

مكانة اللات والعزي عند مشركي العرب

اليمين الرسمي المقدس عند قريش باللات والعزي

بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزي

اعتقاد قريش بنفع اللات والعزي و ضرهم

مصادرنا تروي بغض النبي لأصنام قريش

و تمسك سدنة اللات والعزي بهما إلي آخر نفس

و حطم النبي كل الأصنام

و اخترعت قريش قصة الغرانيق انتصارا لللات والعزي

البخاري و مسلم رويا فرية الغرانيق

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت علي فرية الغرانيق

تنبؤ عميق للنبي حول اللات والعزي

كليات الشفاعة

في القرآن

آيات الشفاعة و عناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدني

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالي

الاولياء المكرمون ينفعون مواليهم بفاعتهم

الشهداء بالحق شفعاء

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالي

الشفيع الأكبر

لا شفاعة من دون الله تعالي

لا شفاعة إلا بإذنه و من بعد إذنه

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدني

الكفار يبحثون بحثا حثيثا عن الشفعاء

لا شفاعة للظالمين

شفاعة نبينا

تفسير (المقام المحمود) لنبينا

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

القعود علي العرش فكرة يهودية مسيحية

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود علي العرش

تفسير قوله تعالي (و لسوف يعطيك ربك فترضي)

تفسير الآية بالعطاء الالهي الاعم من الشفاعة

تفسيرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقا

تفسيرها بشفاعة النبي لأهل بيته خاصة

تفسيرها بشفاعة النبي لجميع أمته

ملاحظتان

حدود الشفاعة

المذاهب في حدود الشفاعة (من ارتضي)

حدود الشفاعة عند أهل البيت

ما دل علي استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

اصناف من الناس موعودون بالشفاعة

من قضي لأخيه المؤمن حاجة

من سعي في حوائج ذرية النبي

من زار قبر النبي

من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالي

من يدعو للمؤمنين

شفاعة الملائكة لأهل مجلس الدعاء

من شيع جنازة مسلم

من حفظ علي أمتي أربعين حديثا

من عاهد أخاه المؤمن علي الشفاعة

مجموعة أعمال و صفات توجب الشفاعة

اصناف لا تنالهم الشفاعة

السلطان الظالم الغشوم

المنان والبخيل والنمام

الذين يخرجون من النار بالشفاعة يكونون أدني درجة

رأي السنيين القريب من رأي أهل البيت

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

نتيجة

توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر و أتباعه

ان الشفاعة تشمل كل من

شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين

ان الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي

ملاحظات علي روايات هذا الرأي

احاديث أن الله تعالي يشفع عند نفسه

ان الشفاعة تشمل جميع الخلق

ان العقاب في الآخرة ينتهي كليا و أن جهنم تفني و ينقل أهلها إلي الجنة

آراء المسلمين في آيات الخلود و أحاديثه

اجمع المسلمون علي خلود الكفار في جهنم

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

سبب خلود أهل النار فيه

آيات الخلود في الجنة والنار

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرن

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

روايات في الصحاح تقول بخلود الموحدين في النار

ما دل من مصادرنا علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

ما دل من مصادر السنيين علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

عودة إلي رأي عمر بفناء النار

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

والمرجئة أخذوا من عمر

و ابن العاص أخذ من عمر

و رووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

و الشعبي أخذ من عمر

و المعتزلة أخذت من عمر

و الجاحظ أخذ من عمر

و ابن عربي والجيلي أخذا من عمر

اما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

عمر ينظر إلي كعب كأنه نبي و يتلقي منه

شفاعات و حرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

رأي أهل البيت في الشهادة للجنازة

شفاعة النبي للظالمين من الامة

قال كعب الأحبار هم جميع المسلمين و هم في الجنة

و قال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

عائشة و عثمان يوافقان كعبا علي تفسيره

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

الخليفة عمر يميل إلي تفسير كعب

قال أهل

البيت لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

نظرية فداء المسلمين باليهود والنصاري

اسقاط المحرمات عن أهل بدر

حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

الدخول إلي جهنم

حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

رأي أهل البيت

خلاصة المسألة

مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي

حساسية قريش من أسرة النبي

حادثة خطيرة، عتمتها الصحاح

براعة البخاري في تضييع القضية

ماذا قال كبار الشراح؟

الحادثة في بعض روايات أهل البيت

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصاري و لم يسمحوا أن تشمل أسرته

روايات أخري غير منطقية أيضا

اغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

بماذا يفسرون قول النبي سأبلها ببلاله

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

احاديث نجت من الرقابة القرشية

بخلهم علي أبي طالب و خديجة و سخاؤهم علي غيرهم

اهم الأدلة علي إيمان أبي طالب

ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

عمل اليهود علي إسقاط المحرمات من الأديان

اخبار النبي بظهور المرجئة والقدرية و تحذيره منهم

تعريف المرجئة و مذهبهم

المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر

اول من تصدي لمذهب المرجئة علي

كان المرجئة خداما لبني أمية و مبررين لجرائمهم

تورط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء

تورط أصحاب الصحاح الستة في الارجاء

حب المستشرقين للمرجئة و حزنهم عليهم

المرجئة والجبرية شقيقان لاب و أم

القدرية المفوضة (الذين ينفون القدر)

القدرية الجبرية (الذين يثبتون القدر)

القدر عند أهل البيت: لا جبر و لا تفويض

ردة فعل الخوارج علي توسيع الدولة للشفاعة

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة

و صاحب الكبيرة في النار و لا تشمله الشفاعة

المزيد من تأثير الإسرائيليات علي أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظريا علي أن الشفاعة من مختصات نبينا

نبينا أول شافع يوم القيامة

الاحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

الاحاديث المتأثرة بالاسرائيليات في مصادر السنيين

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا

احسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا

مسألتا: الذبيح و أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة

رأي أهل البيت

بحث في إيمان عبدالمطلب و رواية أنا ابن الذبيحين

عبدالمطلب عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل و إسحاق

اول من يكسي كسوة الجنة

شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء

من مصادرنا

من مصادر السنيين

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له

من مصادر السنيين

شفاعة القرآن، والكعبة، والحجاج، والزوار

و اصناف أخري من الناس...

شفاعة القرآن

شفاعة سور القرآن و آياته

شفاعة القرآن لمن يتعلمه و يعلمه

شفاعة الكعبة لمن زاره

شفاعة حجاج بيت الله الحرام

شفاعة النبي الخاصة لزوار قبره

مقدمة

بس___م الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأفضل الصلاة وأتم السلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فهذا هو المجلد الثالث من كتاب العقائد الإسلامية، وقد اشتمل علي أكثر مسائل الشفاعة، وعدد من البحوث النافعة فيها.

ونظراً لاهمية مسائل الشفاعة، فقد حاولنا استقصاء الآراء فيها، وتعرضنا أحياناً لاراء غير المسلمين.

وتلاحظ ما تعرضت له من تحريفات كبيرة بعد الأنبياء عليهم السلام خدمةً لاغراض سياسية وثقافية، بعيدة عن الدين

الإلهي!!

وقد ساعد علي ذلك أنها من عقائد الغيب والآخرة غير المنظورة، التي يسهل علي المحرفين التحريف فيها، ويصعب كشف عملهم. نسأله تعالي أن يجعلنا من المشمولين بشفاعة سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين، وأن يصلي عليهم أجمعين.

مركز المصطفي للدراسات الإسلامية

علي الكوراني العاملي

تعريف الشفاعة و تاريخها

موقع الشفاعة من الرحمة الإلهية

الرحمة الإلهية وسعت كل شئ، ولا يمكن للبشر أن يحصوا أعدادها.. ولا أنواعها.. لكن نشير إلي ستة أنواع كبري منها، ليتضح موقع الشفاعة من بينها.

النوع الأول: التوبة، التي تمحو السيئات.

النوع الثاني: أن السيئة بواحدة والحسنة بعشرة.

النوع الثالث: أن نية الحسنة تكتب، ونية السيئة لا تكتب.

النوع الرابع: أن الحسنات يذهبن السيئات.

النوع الخامس: أنواع الرحمة الإلهية الخاصة بالآخرة.

النوع السادس: الشفاعة، وهي نوع من الوساطة إلي الله تعالي من وليٍّ مقرب عنده ليغفر لمذنب ويسامحه.

شبهة حول أصل الشفاعة

يدور في ذهن البعض سؤال عن أصل الشفاعة مفاده: أن رحمة الله تعالي ومغفرته وسعت وتسع كل شئ، وهي تتم بشكل مباشر، فلماذا يجعلها الله تعالي تحتاج إلي واسطة عباده مثل الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام)؟

والجواب: أن الرحمة الإلهية المباشرة في الدنيا والآخرة أنواع كثيرة لا تحصي، ولا يمنع أن يكون منها رحمة غير مباشرة جعلها الله تعالي مرتبطة بالدعاء والشفاعة لمصالح يعلمها سبحانه، كأن يريد رحمة عدد كبير من عباده بالشفاعة، ويُظهر كرامة أنبيائه وأوليائه عنده..

فالشفاعة من ناحية عقلية لا مانع منها ولا إشكال فيها، نعم، لا تثبت إلا بدليل، وفي الحدود والدائرة التي يدل عليها الدليل.

مثال لتقريب فهم عقيدة الشفاعة

يمكن تقريب الشفاعة إلي الذهن بأنها (قاعدة الإستفادة من الدرجات الإضافية) كأن يقال للطالب الذي حصل علي معدل عال: يمكنك أن تستفيد من النمرات الإضافية علي معدل النجاح فتعطيها إلي أصدقائك، الاقرب فالأقرب من النجاح..

ولنفرض أن الإنسان يحتاج للنجاة من النار ودخول الجنة إلي 51 درجة (من رجحت حسناته علي سيئاته) فالذي بلغ عمله 400 درجة مثلاً يسمح له أن يوزع 349 درجة علي أعزائه، ولكن ضمن شروط، مثل أن يكونوا من أقربائه القريبين، وأن يكون عند أحدهم ثلاثين درجة فما فوق، وذلك لتحقيق أفضل استفادة وأوسعها من هذه الدرجات الاضافية.

وقد نصت بعض الأحاديث عن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) علي أن شفاعة المؤمن تكون علي قدر عمله، ففي مناقب آل أبي طالب:2/15 عن الإمام الباقر عليه السلام في قوله تعالي: وَتَرَي كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً.. الآية، قال: ذلك النبي صلي الله عليه وآله وعلي عليه السلام يقوم علي كوم قد علا الخلايق فيشفع ثم يقول: يا علي إشفع، فيشفع الرجل في القبيلة،

ويشفع الرجل لأهل البيت ويشفع الرجل للرجلين علي قدر عمله. فذلك المقام المحمود. انتهي. وورد شبيه به في مصادر السنة أيضاً.

وعلي هذا، فالشفاعة مقننة بقوانين دقيقة حكيمة مثل كل الأعمال الإلهية الدقيقة والحكيمة، وليست كما يتصوره البعض من نوع الوساطات والمحسوبيات والمنسوبيات الدنيوية.

وبما أن درجات الملائكة والأنبياء والأوصياء صلوات الله عليهم ودرجات المؤمنين متفاوتة، وأعظمهم عملاً وأعلاهم درجةً نبينا صلي الله عليه وآله فليس غريباً أن يكون أعظمهم شفاعة عند الله تعالي.

وبما أن سيئات الناس تتفاوت دركاتها ويصل بعضها إلي تحت الصفر بألوف الدرجات مثلاً..فإن الذين تشملهم الشفاعة هم الأقرب إلي النجاح والافضل من مجموع المسيئين، وقد وردت في شروطهم عدة أحاديث، منها عن النبي صلي الله عليه وآله (إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعةً: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانةً، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس). مستدرك الوسائل:11/171.

قال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/497:

إن قيل: فإذا كانت الإثابة والمعاقبة مختصتين به تعالي، فكيف يصح لكم ما تذهبون إليه من الحوض واللواء والوقوف علي الاعراف، وقسمة النار وإدخال بعض إليها وإخراج بعض منها، مع كون ذلك ثواباً وعقاباً؟

قيل: لا شبهة في اختصاص أمور الآخرة أجمع به تعالي، غير أنه تعالي ردَّها أو ردَّ منها إلي المصطفين من خلقه: رسول الله وأمير المؤمنين والأئمة من آلهما صلوات الله عليهم، فأوردوها عن أمره وأصدروها. كما يضاف تعذيب أهل النار وتنزيل أهل الجنة حاصلاً بالملائكة المأذون لهم فيه... وليس لأحد أن يقول: فأي ميزة لهم بتولي هذه الأمور علي غيرهم في الفضل وهي موقوفة علي إذنه تعالي، لأن الآخرة لما كانت أفضل الدارين بكونها دار الجزاء وغاية المستحقين، وجعل الله سبحانه إلي هؤلاء المصطفين أفضل منازله

وأسني درجاته من اللواء والحوض والشفاعة وقسمة النار، دل علي تخصصهم من الفضل بما لا مشارك لهم فيه.

محاولات المستشرقين التشكيك في الشفاعة

وقد حاول بعضهم الإشكال علي قانون الشفاعة في الإسلام فتصوره أو صوره بأنه من نوع الوساطات الدنيوية المخالفة للعدالة، التي يفعلها الناس عند الحكام الظلمة لمن يحبونه من المجرمين..وقد مدح جولد تسيهر في كتابه مذاهب التفسير الإسلامي/192 المعتزلة وزعم أنهم لم يقبلوا الشفاعة لأنها تنافي العدالة، قال: والمعتزلة.. لا يريدون التسليم بقبول الشفاعة علي وجه أساسي حتي لمحمد ذلك بأنه يتعارض مع اقتناعهم بالعدل الإلهي المطلق. انتهي.

ولكن لايمكن لعاقل أن يدعي بأن زيادة الرحمة الإلهية والمغفرة للمذنبين بأسباب متعددة، أمرٌ يتنافي مع العدالة الإلهية!!

ثم إن الذي نفاه المعتزلة هو شمول الشفاعة لأهل الكبائر، ولم ينفوا الشفاعة لمرتكبي المعاصي الصغائر، كما سيأتي في محله.

علي أن تسيهر اليهودي نفسه يعتقد بالشفاعة التي يزعمها اليهود لكل بني إسرائيل دون سواهم من البشر، ولايراها منافية للعدالة الإلهية، فلا معني لمدحه المعتزلة بأنهم يرفضون الشفاعة لأنهم طلاب مساواة!

تهافت منطق الوهابيين في الشفاعة والاستشفاع

والأعجب من المستشرقين الوهابيون.. حيث يتوسعون في الشفاعة فيجعلونها تشمل اليهود والنصاري وجميع الخلق، علي حد تعبير ابن تيمية، قال في مجموعة رسائله:1/10: أجمع المسلمون علي أن النبي (ص) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك وبعد أن يأذن الله في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علي ما اتفقت عليه الصحابة... أنه يشفع لأهل الكبائر، ويشفع أيضاً لعموم الخلق. انتهي.

ولكنهم في نفس الوقت يحرّمون الاستشفاع والتوسل بالنبي صلي الله عليه وآله ويعتبرونه شركاً، مع أن الاستشفاع هو طلب شفاعة النبي صلي الله عليه وآله إلي الله تعالي في الآخرة، أو في أمر من أمور الدنيا!

إن التناسب بين الإعتقاد بسعة الشفاعة في الآخرة يقتضي تجويز الإستشفاع بأهلها في الدنيا!

وبتعبير آخر: إن تحريم الإستشفاع

والتوسل في الدنيا، يناسبه إنكار الشفاعة في الآخرة، لا القول بسعتها لجميع الخلق!

وقد التفت إلي ضرورة هذا التناسب بعض المتأثرين بالفكر الوهابي في تحريم التوسل والاستشفاع، فأنكر شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله بمعناها المعروف، وفسرها بتفسير شاذٍّ جعل منها أمراً شكلياً بعيداً عن أفعال الله تعالي.

قال فيما قال: إن الشفاعة هي كرامة من الله لبعض عباده فيما يريد أن يظهره من فضلهم في الآخرة فيشفعهم في من يريد المغفرة له ورفع درجته عنده، لتكون المسألة في الشكل واسطة في النتائج التي يتمثل فيها العفو الإلهي الرباني، تماماً كما لو كان النبي السبب أو الولي هو الواسطة.

إلي أن قال: وفي ضوء ذلك لا معني للتقرب للأنبياء والأولياء ليحصل الناس علي شفاعتهم، لأنهم لا يملكون من أمرها شيئاً بالمعني الذاتي المستقل. بل الله هو المالك لذلك كله علي جميع المستويات، فهو الذي يأذن لهم بذلك في مواقع محددة ليس لهم أن يتجاوزوها. الأمر الذي يفرض التقرب إلي الله في أن يجعلنا ممن يأذن لهم بالشفاعة له. انتهي.

ولم يصرح صاحب هذا القول بحرمة طلب الشفاعة من الأنبياء والأولياء (عليهم السلام)، ولكن محمد ابن عبد الوهاب صرح بذلك، واعتبر طلب الشفاعة منهم (عليهم السلام)شركاً! قال (فالشفاعة كلها لله فاطلبها منه، وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته اللهم شفعه فيَّ. وأمثال هذا.

فإن قال: النبي (ص) أعطي الشفاعة، وأنا أطلب مما أعطاه الله.

فالجواب: أن الله أعطاه الشفاعة ونهاك عن هذا، وقال: فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا... الخ.).

وقد قسم ابن عبد الوهاب الشفاعة إلي شفاعة منفية، وهي التي (تطلب من غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله) وشفاعة مثبتة، وهي (التي تطلب من الله

الشافع المكرم بالشفاعة... الخ.) انتهي.

والجواب الكلي علي هذه المقولة أنها دعوي بدون دليل، نشأت من سوء الفهم لمعني الشفاعة، ومعني طلبها من الشافع، ومعني الاستشفاع والتوسل إلي الله تعالي بالنبي وآله صلي الله عليه وآله وأوليائه المقربين! فافترضت فيها معان لا توجد فيها!!

والجواب عنها بشيء من التفصيل، أنها تتضمن شبهتين ينبغي التفكيك بينهما:

فالشبهة الأولي حول الشفاعة، ومفادها أن آيات الشفاعة وأحاديثها، يجب أن تحمل علي المجاز، لأن الشفاعة فيها أمرٌ شكلي لا حقيقي!

ولم يذكر صاحب هذه الشبهة دليلاً علي لزوم ترك المعني الحقيقي وحمل نصوص الشفاعة علي المجاز، بل لم نجد أحداً من الوهابيين ذكر ذلك.. نعم ذكر محمد رشيد رضا إشكال بعضهم علي ذلك وأجاب عنه بما قد يفهم منه أن الشفاعة أمرٌ شكلي!

قال في تفسير المنار:8/13:

فإن قيل: أليس الشفعاء يؤثرون في إرادته تعالي، فيحملونه علي العفو عن المشفوع لهم والمغفرة لهم؟

قلنا: كلا إن المخلوق لا يقدر علي التأثير في صفات الخالق الأزلية الكاملة... فيكون ذلك إظهار كرامة وجاه لهم عنده، لا إحداث تأثير الحادث في صفات القديم وسلطان له عليها، تعالي الله عن ذلك. انتهي.

ومفاد هذه الشبهة أن القول بالشفاعة الحقيقية يستلزم أن تكون إرادة الخالق متأثرة بإرادة المخلوق، وهو محال، فلا بد من القول بأن الشفاعة شكلية!!

وكذلك القول بتعليق بعض أفعاله تعالي علي طلب أنبيائه وأوليائه منه، مثل الرزق، والشفاء، والمغفرة، والنجاة من النار وإدخال الجنة.. لابد أن يكون شكلياً، لأن الحقيقي منه محال.

والجواب عنها: أن أصحاب هذه الشبهة أخطأوا في تخيلهم أن تعليق الله تعالي لمغفرته أو عطائه علي طلب مخلوق، معناه تأثير المخلوق في إرادته سبحانه وتعالي! فإن تعليق الإرادة

علي شيء ممكنٌ بالوجدان، ولا محذور فيه، لأنه بذاته فعلٌ إرادي وتأكيدٌ للارادة لا سلبها، أو جعلها متأثرة بفعل آخر، أو شيء آخر.. لقد تصور هؤلاء أن الشفاعة من الله، إذا أعطيت لاحد تصير شفاعةً من دون الله تعالي، فوقعوا في هذه الشبهة!

أما إذا قالوا إن ذلك ممكنٌ ولكن الله تعالي لا يفعله لأنه لا يجوز له، فلا دليل لهم عليه من عقل، ولا قول الله تعالي ولا قول رسوله صلي الله عليه وآله.

وإن كانوا يمنعونه من عند أنفسهم، فهو تعدٍّ علي الله تعالي، وتحديدٌ لصلاحيات من لايسأل عما يفعل، وهم يسألون!

ثم إن اللغة تأبي عليهم ما قالوه، فآيات الشفاعة وأحاديثها ظاهرة في الشفاعة الحقيقية لا الشكلية، ولا يمكنهم صرفها عن ظاهرها!

والشبهة الثانية حول الاستشفاع بالنبي وآله صلي الله عليه وآله، وهي الشبهة التي يكررها ابن تيمية والوهابيون، وهي غير شبهة الشفاعة وإن كانت مرتبطة بها.

ومفادها أن طلب الشفاعة حتي ممن ثبت أن الله تعالي أعطاهم إياها حرامٌ، لأنه شركٌ بالله، وادعاءٌ لهؤلاء المخلوقين بأنهم يملكون الشفاعة من دون الله تعالي!!

وقد استدل ابن عبد الوهاب علي ذلك بآيات النهي عن اتخاذ شريك مع الله كقوله تعالي (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا).

والجواب عنها: أنه ثبت من القرآن والسنة أن كثيراً من الأفعال الإلهية تتم بواسطة الملائكة، وليس في ذلك أي شرك لهم مع الله تعالي، لا في ملكه، ولا في أمره، بل هم عبادٌ مكرمون مطيعون. ولا مانع من العقل أو النقل أن يجعل الله تعالي أنواعاً من أفعاله وعطائه بواسطة الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) أو يجعلها معلقةً علي طلبهم منه!

ولا يصح التفريق بين الأمرين والقول بأن ذلك

إن كان بواسطة الملائكة فهو إيمان لانهم لايصيرون شركاء، أما إن كان بواسطة غيرهم فيصيرون شركاء لله تعالي!

أو القول بأن تعليق العطاء الالهي علي طلب الأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) شراكةٌ لله تعالي وشركٌ به، لكن شراكة الملائكة لله تعالي والشرك بهم لا بأس به!!

نقول لأصحاب هذه الشبهة: إقرؤوا قول الله تعالي: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. الفتح: 4.

وقوله تعالي: وَللهِ جُنُودُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا. الفتح: 7.

وقوله تعالي: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلا هُوَ وَمَا هِيَ إِلا ذِكْرَي لِلْبَشَرِ. المدثر: 31.

ثم نقول لهم: نحن وأنتم لايحق لنا أن نقسم رحمة الله تعالي أو نحصرها، أو نحصر طرقها، أو نضع له لائحة فتاوي لما يجوز له أن يفعله وما لايجوز!

ومعرفتنا ومعرفتكم بما يمكن له تعالي أن يفعله وما لا يمكن، إنما جاءت مما دلنا عليه العقل دلالةً قطعية، أو دلنا عليه كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وآله.

والعقل لا يري مانعاً في أن يربط الله تعالي أفعاله بطلب ملائكته أو أوليائه، فيجعلهم أدوات رحمته، ووسائط فيضه، ووسائل عطائه.. وذلك لا يعني تشريكهم في ألوهيته، بل هم عباده المكرمون المطيعون، ووسائله وأدواته التي يرحم بها عباده.

هذا من ناحية نظرية.. وأما من ناحية الوقوع والثبوت، فقد دل الدليل علي أن أنظمة الفعل الالهي وقوانينه واسعةٌ ومعقدةٌ، ودل علي أنه تعالي جعل كثيراً من عطائه - إن لم يكن كله - عن طريق خِيَرِةِ عباده من الملائكة والأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) ودل الدليل علي جواز الاستشفاع والتوسل بنبينا وآله صلي الله عليه وآله والطلب من الله تعالي بحقهم وحرمتهم وواسطتهم، سواءً في ذلك أمور الدنيا

والآخرة..

ودل الدليل علي أن موتهم (عليهم السلام) ليس كموت غيرهم، وأن حرمتهم أمواتاً كحرمتهم أحياء صلوات الله عليهم.

وقد قال تعالي في آخر سورة أنزلها من كتابه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35، ولا فرق في أصحاب الوسيلة إلي الله تعالي بين الملائكة وغيرهم، بل التوسل بنبينا صلي الله عليه وآله أفضل وأرجي من التوسل بالملائكة، لأنه أفضل مقاماً عند الله منهم.

وسيأتي ذلك في بحث التوسل والإستشفاع، إن شاء الله تعالي. ويأتي أنه يجوز لنا أن نطلب العطاء الإلهي المعلق علي شفاعة الأنبياء والأولياء، أو غير المعلق، منهم أنفسهم (عليهم السلام) ولا يعتبر ذلك شركاً، بل هو طلبٌ من الله تعالي.

وأن حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والإستشفاع بهم إلي الله تعالي، لا يختلف بين الاموات منهم والاحياء (عليهم السلام).. إلي آخر المسائل التي خالف فيها الوهابيون عامة المسلمين.

وقد أجاب السيد جعفر مرتضي في كتابه خلفيات مأساة الزهراء عليها السلام / 221 - 225 علي الشبهتين المذكورتين، ومما قاله:

1 - إن الكل يعلم: أن لا أحد يدعو محمداً صلي الله عليه وآله أو علياً عليه السلام أو أي نبي أو ولي كوجودات منفصلة عن الله تعالي ومستقلة عنه بالتأثير، ولم تحدث في كل هذا التاريخ الطويل أن تكونت ذهنية شرك عند الشيعة نتيجة لذلك فضلاً عن غيرهم.

2 - إننا نوضح معني الشفاعة في ضمن النقاط التالية:

أ - إن الإنسان المذنب قد لا يجد في نفسه الاهلية أو الشجاعة لمخاطبة ذلك الذي أحسن إليه وأجرم هو في حقه، أو هكذا ينبغي أن يكون شعوره في مواقع كهذه، فيوسط له من يحل

مشكلته معه ممن لا يرد هذا المحسن طلبهم ولا يخيب مسألتهم..

ب - إن الله إنما يريد المغفرة للعبد المذنب بعد شفاعة الشفيع له.. ولم تكن تلك الإرادة لتتعلق بالمغفرة لولا تحقق الشفاعة..فلو أن الشفيع لم يبادر إلي الشفاعة لكان العذاب قد نال ذلك العبد المذنب.

وهذا كما لو صدر من أحد أولادك ذنب فتبادر إلي عقوبته، فإذا وقف في وجهك من يعز عليك وتشفع به فإنك تعفو عنه إكراماً له، وإن لم يفعل ذلك كما لو لم يكن حاضراً مثلاً فإنك ستمضي عقوبتك في ذلك الولد المذنب لا محالة..فالشفاعة علي هذا سبب في العفو أو جزء سببه له.

إذن فليس صحيحاً ما يقوله البعض من أن الله تعالي له قد تعلقت إرادته بالمغفرة للعبد قبل الشفاعة بحيث تكون المغفرة له حاصلة علي كل حال، ثم يكرم الله نبيه ويقول له: هذا العبد أريد أن أغفر له فتعال وتشفع إلي فيه..

ج - إذا كان الشخص المذنب قد أقام علاقة طيبة مع ذلك الشافع وتودد إليه ورأي منه سلوكاً حسناً واستقامة وانقياداً، فإن الشافع يري أن من اللائق المبادرة إلي مساعدته في حل مشكلته أما إذا كان قد أغضبه وأساء إليه أو تعامل معه بصورة لا توحي بالثقة ولا تشير إلي الإستقامة، فإنه لا يبادر إلي مساعدته ولا يلتفت إليه.. فسلوك المشفوع له أثر كبير في مبادرة الشافع إلي الشفاعة.

د - وحين يكون الشفيع لا يريد شيئاً لنفسه من ذلك الشخص ولا من غيره ويكون ما يرضيه هو ما يرضي الله سبحانه فإن تقديم الصدقات والقربات للفقراء والإهتمام بما يرضي الشافع، هو في الواقع إثباتات عملية علي أن ذلك المذنب راغبٌ في تصحيح خطئه

وتدارك مافاته، وهو براهين وإثباتات علي أنه قد التزم جادة الإستقامة وندم علي ما فرط منه، فإذا قدم مالاً للفقراء أو أطعم أو ذبح شاة وفرقها علي المحتاجين، فإن ذلك لا يكون رشوةً للنبي أو الولي.. وهو يعلم أن النبي والولي لا يأخذ ذلك لنفسه بل يعود نفعه إلي الفقراء والمحتاجين أو يستثمر في سبيل الله وفي نشر الدين والباذل إنما يبذل ذلك رغبة في الحصول علي رضا الشافع الذي رضاه رضا الله.

ه- أما إذا أدار ذلك المذنب ظهره للنبي والوصي ولم يلمس الشافع منه أنه يتحرق لتحصيل العفو والرضا عنه، ويقرع كل باب ويتوسل بكل ما من شأنه أن يحل هذا الإشكال، ويبادر إلي العمل بكل مايعلم أنه يرضي سيده عنه، فإنه لا يشفع له ولا كرامة..

و - ومن الواضح: أن من يكون جرمه هائلاً وعظيماً فإن إمكانية وفرص الاقدام علي الشفاعة له تتضاءل وتضعف.. فلا يضع النبي والوصي نفسه في مواضع كهذه ولا يرضي الله سبحانه له ذلك. كما أن من يدير ظهره لأولياء الله ولا يهتم لرضاهم ولا يزعجه سخطهم فإنه لا يستحق شفاعتهم قطعاً، لأن الإهتمام بهم وبرضاهم جزء من عبادته تعالي ومن المقربات إليه وموجبات رضاه.. فالتوسل إليهم والفوز بمحبتهم وبرضاهم سبيل نجاة وطريق هدي وسلامة وسعادة.

ز - إن من الواضح أن المجرم لا يمكن أن يتشفع في مجرم مثله، وأن المقصر لا يتشفع بنظيره، لأن الشفاعة مقامٌ عظيمٌ وكرامةٌ إلهية فلا يقبل الله سبحانه شفاعة كل أحد، بل الذين يشفعون هم أناسٌ مخصصون بكرامة الله سبحانه لانهم يستحقونها..

ح - قد ظهر مما تقدم: أن إرادة الله لم تكن قد تعلقت بالمغفرة للمذنب قبل الشفاعة لتكون

شفاعة النبي أو الوصي بعدها - بالشكل - ومن دون أن يكون لها تسبيب حقيقي.. بل هناك تسبيب حقيقي للشفاعة، فإنها هي سبب المغفرة وهي سبب إرادة الله بأن يغفر لذلك المذنب ولو لم يقم الشافع بها لم يغفر الله لذلك المذنب.

ولولا ذلك فإنه لا يبقي معني للشفاعة..ولا يكون العفو إكراماً للشافع واستجابة له. انتهي.

تعريف الشفاعة في اللغة

قال الخليل في كتاب العين:1/260:

الشافع: الطالب لغيره، وتقول استشفعت بفلان فتشفع لي إليه فشفعه فيَّ. والاسم: الشفاعة. واسم الطالب: الشفيع. قال:

زعمت معاشر أنني مستشفع لما خرجت أزوره أقلامه

أي: زعموا أني أستشفع (بأقلامهم) أي بكتبهم إلي الممدوح، لا بل إني أستغني عن كتب المعاشر بنفسي عند الملك. والشفعة في الدار ونحوها معروفة يقضي لصاحبها. والشافع: المعين، يقال فلان يشفع لي بالعداوة، أي يعين علي ويضادني قال النابغة:أتاك امرؤ مستعلن شنآنهله من عدوٍّ مثل ذلك شافع أي: معين. وقال الاحوص:بأنَّ من لامَنِي لاصْرمهاكانوا علينا بلومهم شفعواأي: أعانوا.

وقال الراغب في المفردات/263:

الشفع: ضم الشئ إلي مثله ويقال للمشفوع شفع. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ: قيل الشفع المخلوقات من حيث إنها مركبات كما قال: ومن كل شئ خلقنا زوجين. والوتر هو الله من حيث إن له الوحدة من كل وجه.

وقيل: الشفع يوم النحر من حيث إن له نظيراً يليه، والوتر يوم عرفة. وقيل الشفع ولد آدم والوتر آدم لأنه لا عن والد.

والشفاعة: الإنضمام إلي آخر ناصراً له وسائلاً عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلي حرمة ومرتبة إلي من هو أدني. ومنه الشفاعة في القيامة قال (لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ. لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا

وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، أي لا يشفع لهم. وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ. مِنْ حَمِيمٍ وَ لا شَفِيعٍ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً. وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً، أي من انضم إلي غيره وعاونه وصار شفعاً له أو شفعياً في فعل الخير والشر فعاونه وقواه وشاركه في نفعه وضره.

وقيل الشفاعة هاهنا أن يشرع الإنسان للآخر طريق خير أو طريق شر فيقتدي به، فصار كأنه شفع له وذلك كما قال عليه السلام: من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها، ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، أي إثمها وإثم من عمل بها وقوله: ما من شفيع إلا من بعد إذنه، أي يدبر الأمر وحده لا ثاني له في فصل الأمر إلا أن يأذن للمدبرات والمقسمات من الملائكة فيفعلون ما يفعلونه بعد إذنه. واستشفعت بفلان علي فلان فتشفع لي، وشفعه أجاب شفاعته، ومنه قوله عليه السلام: القرآن شافع مشفع.

والشفعة: هو طلب مبيع في شركته بما بيع به ليضمه إلي ملكه، وهو من الشفع وقال عليه السلام: إذا وقعت الحدود فلا شفعة.

وقال في المفردات/436:

وأما قوله: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً إلي قوله: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا، فإن الكفل ههنا ليس بمعني الأول بل هو مستعار من الكفل وهو الشئ الردي.

وقال الزبيدي في تاج العروس:5/401:

وشفعته فيه تشفيعاً حين شفع كمنع شفاعة، أي قبلت شفاعته، كما في العباب قال حاتم يخاطب النعمان:

فَكَكْتَ عديّاً كلها من إسارها فأفضلْ وشفعني بقيسِ بن جُحْدرِ

وفي حديث الحدود: إذا بلغ الحد السلطان فلعن الله الشافع والمشفع.

وفي حديث أبي مسعود (رض): القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، أي

من اتبعه وعمل بما فيه فهو شافع له مقبول الشفاعة من العفو عن فرطاته، ومن ترك العمل به ندم علي إساءته وصدق عليه فيما يرفع من مساويه، فالمشفع الذي يقبل الشفاعة.

والمشفع الذي تقبل شفاعته، ومنه حديث الشفاعة: إشفع تشفع، واستشفعه إلينا، وعبارة الصحاح واستشفعه إلي فلان أي سأله أن يشفع له إليه، وأنشد الصاغاني للاعشي:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنِّب أبي الاوصاب والوجع

واستشفعت من سراة الحي ذا شرف فقد عصاها أبوها والذي شفع

يريد والذي أعان وطلب الشفاعة فيها. وأنشد أبو ليلي:

زعمت معاشر أنني مستشفعٌ لما خرجت أزوره أقلامه

قال زعموا أني أستشفع بأقلامهم في الممدوح أي بكتبهم.

ومما يستدرك عليه الشفيع من الأعداد ما كان زوجاً، والشفع ما شفع به سمي بالمصدر، وجمعه شفاع، قال كثير:

وأخو الاباءة إذ رأي خلانه تلي شفاعاً حوله كالاذخر

شبههم بالأذخر لأنه لا يكاد ينبت إلا زوجاً زوجاً. وشاة شفوع كشافع ويقال هذه شاة الشافع كقولهم صلاة الأولي ومسجد الجامع.

وهكذا روي في الحديث الذي تقدم عن سعر بن ديسم (رض)، وشاة مشفع كمكرم ترضع كل بهيمة، عن ابن الأعرابي. وتشفع إليه في فلان: طلب الشفاعة، نقله الجوهري. وتشفعه أيضاً مطاوع استشفع به كما في المفردات. وتشفع صار شافعي المذهب وهذه مولدة.

والشفاعة ذكرها المصنف ولم يفسرها وهي كلام الشفيع للملك في حاجة يسألها لغيره. وشفع اليه في معني طلب إليه. وقال الراغب: الشفع ضم الشئ إلي مثله، والشفاعة الإنضمام إلي آخر ناصراً له وسائلاً عنه وأكثر ما تستعمل في إنضمام من هو أعلي مرتبة إلي من هو أدني ومنه الشفاعة في القيامة. وقال غيره: الشفاعة التجاوز عن الذنوب والجرائم. وقال ابن

القطاع: الشفاعة المطالبة بوسيلة أو ذمام.

تعريف الشفاعة عند المتكلمين

قال الشريف المرتضي في رسائله:1/150:

وحقيقة الشفاعة وفائدتها: طلب إسقاط العقاب عن مستحقه، وإنما تستعمل في طلب إيصال المنافع مجازاً وتوسعاً، ولا خلاف في أن طلب إسقاط الضرر والعقاب يكون شفاعة علي الحقيقة.

وقال في:3/17:

وشفاعة النبي صلي الله عليه وآله إنما هي في إسقاط عقاب العاصي لا في زيادة المنافع، لأن حقيقة الشفاعة تختص بذلك، من جهة أنها لو اشتركت لكنا شافعين في النبي صلي الله عليه وآله إذا سألنا في زيادة درجاته ومنازله. انتهي.

وقال في:2/273:

الشفاعة: طلب رفع المضار عن الغير ممن هو أعلي رتبة منه، لاجل طلبه.

وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/469:

وقلنا: إن الشفاعة وجهٌ عندنا لإجماع الأمة علي ثبوتها له صلي الله عليه وآله ومضي إلي زمان حدوث المعتزلة علي الفتوي بتخصيصها بإسقاط العقاب، فيجب الحكم بكونها حقيقة في ذلك، لانعقاد الإجماع في الازمان السابقة لحدوث هذه الفرقة.

تفسير التبيان:5/334:

قوله تعالي: إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ...

وقوله: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ، فالشفيع هو السائل في غيره لاسقاط الضرر عنه. وعند قوم أنه متي سأله في زيادة منفعة توصل إليه كان شفيعاً. والذي اقتضي ذكره هاهنا صفات التعظيم مع اليأس من الإتكال في دفع الحق علي الشفيع.

والمعني هاهنا أن تدبيره للاشياء وصنعته لها، ليس يكون منه بشفاعة شفيع، ولا تدبير مدبر لها سواه، وأنه لا يجسر أحدٌ أن يشفع اليه إلا بعد أن يأذن له فيه، من حيث كان تعالي أعلم بموضع الحكمة

والصواب من خلقه بمصالحهم...

وإنما ذكر الشفيع في الآية ولم يجر له ذكر، لأن المخاطبين بذلك كانوا يقولون الأصنام شفعاؤهم عند الله، وذكر بعدها: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، وإذا كانت الأصنام لا تعقل فكيف تكون شافعة! مع أنه لا يشفع عنده إلا من ارتضاه الله.

كنز الدقائق:1/238:

واتقوا يوماً لا تجزي نفس عن نفس شيئاً ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون. واستدلت المعتزلة بهذه الآية علي نفي الشفاعة لأهل الكبائر.

قال البيضاوي: وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، قال: ويؤيده أن الخطاب معهم، والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم.

أقول: الآية يحتمل أن تكون مخصصة للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة الدالة علي عمومها، كما أن كون الخطاب معهم يحتمل أن يكون مؤيداً للتخصيص بالكفار، فلا يتم الإستدلال من الجانبين، فتأمل.

مجمع البحرين:2/522:

قال تعالي: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا، قيل معناه من يصلح بين اثنين يكن له جزء منها. ومن يشفع شفاعة سيئة، أي يمشئ بالنميمة مثلاً، يكن له كفل منها أي إثم منها.

وقيل المراد بالشفاعة الحسنة الدعاء للمؤمنين، وبالشفاعة السيئة الدعاء عليهم.

قوله: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، دينه، وهو مروي عن الرضا عليه السلام وعن بعض المفسرين ولايشفعون إلا لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلي الشفاعة. قال الصدوق: المؤمن من تسره حسنته وتسوءه سيئته لقول النبي صلي الله عليه وآله: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، ومتي ساءته سيئته ندم عليها والندم توبة، والتائب مستحق الشفاعة والغفران.

ومن لم تسوؤه سيئته فليس بمؤمن ومن لم يكن مؤمناً لم يستحق الشفاعة، لأن الله تعالي غير مرتض دينه.

قوله: فما تنفعهم شفاعة الشافعين قيل في معناه لا شافع ولا شفاعة، فالنفي راجع إلي الموصوف والصفة، كقوله لا يسألون الناس إلحافاً.

وفي الحديث تكرر ذكر الشفاعة فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم، ومنه قوله صلي الله عليه وآله: أعطيت الشفاعة.

قال الشيخ أبو علي: واختلفت الأمة في كيفية شفاعة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة فقالت المعتزلة ومن تابعهم: يشفع لأهل الجنة ليزيد في درجاتهم. وقال غيرهم من فرق الأمة: بل يشفع لمذنبي أمته ممن ارتضي الله دينهم، ليسقط عقابهم بشفاعته.

وفي حديث الصلاة علي الميت: وإن كان المستضعف بسبيل منك فاستغفر له علي وجه الولاية. وفي الخبر: إشفع تشفع، أي تقبل شفاعتك، وفيه: أنت أول شافع وأول مشفع، هو بفتح الفاء، أي أنت أول من يشفع وأول من تقبل شفاعته. وفي الحديث: لا تشفع في حق امرئ مسلم إلا بإذنه. وفيه: يشفعون الملائكة لإجابة دعاء من يسعي في المسعي كأنهم يقولون: اللهم استجب دعاء هذا العبد.

تفسير الرازي:2 جزء 3/55:

أجمعت الأمة علي أن لمحمد (ص) شفاعة في الآخرة، وحمل علي ذلك قوله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وقوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي... ثم اختلفوا بعد هذا في أن شفاعته عليه السلام لمن تكون؟ أتكون للمؤمنين المستحقين للثواب، أم تكون لأهل الكبائر المستحقين للعقاب؟ فذهب المعتزلة إلي أنها للمستحقين للثواب... وقال أصحابنا تأثيرها في إسقاط العذاب عن المستحقين للعقاب.

تحريف اليهود والنصاري للشفاعة

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرهم

عراقة عقيدة الشفاعة

قاموس الكتاب المقدس/513:

شفع - شفيع - شفاعة: وهي التوسط بين شخص وآخر. وهي

دليل محبة الإنسان لأخيه الإنسان. كما أنها مؤسسة علي أن معاملة الله للبشر معاملة ليست فردية فحسب بل جماعية أيضاً.

والصلاة الشفاعية قديمة قدم نوح (تك 8: 20 و 22) وإبراهيم (تك 17: 18 و23-33) وموسي (خر 15: 25).

وخليفة موسي الذي رفع صلواته كقاضي وكاهن ونبي هو صموئيل (1 صم 7:5 و 8) وحياة المسيح كانت مليئة بالصلوات الشفاعية. بل إن الصلاة الربانية تحمل روح الشفاعة في طلب الملكوت ومغفرة ذنوب الآخرين.

والصلاة الشفاعية يرفعها الإنسان لاجل صديق أو لاجل عدو (مت 5: 44) أما الروح القدس فهو يشفع فينا (رو 8: 26) أما المسيح في حياته الشخصية وموته علي الصليب فهو شفيعنا الذي ساقته شفاعته للموت علي الصليب كفارة لخطايا البشرية. أنظر (وسيط).

قاموس الكتاب المقدس/933:

وكان موسي وسيطاً بين الله وشعب بني إسرائيل وهكذا المسيح هو وسيط بين الله والناس.

العهد القديم والجديد:3/307:

18 - لأنه إن كانت الوراثة من الناموس فلم تكن أيضاً من موعد. ولكن الله وهبها لإبراهيم بموعد.

19 - لماذا الناموس. قد زيد بسبب التعديات إلي أن يأتي النسل الذي قد وعد له مرتباً بملائكة في يد وسيط.

20 - وأما الوسيط فلا يكون لواحد ولكن الله واحد.

شفاعة ابراهيم للمؤمنين و لاسماعيل و لوط

قاموس الكتاب المقدس/11:

ثم أعلن الرب لإبراهيم خراب سدوم وعمورة بسبب شرهما فتشفع إبراهيم لاجل الابرار هناك فأنقذ الرب لوطاً بيد ملاكين (تك/18 و 19)... وحيثما سكن إبراهيم كان يقيم مذبحاً للرب ويدعو باسمه (تك 12: 7 و 8) وقد قدم صلوات تشفعية لأجل الآخرين ففي تك 17:20 صلي لأجل إسماعيل وفي تك 18: 23 - 32 تشفع لاجل لوط.

شفاعة زكريا لبني إسرائيل

قاموس الكتاب المقدس/441:

كما ظهر لزكريا بروح النبوة واقفاً علي هذا الجبل شافعاً في شعبه (زك 14: 4).

البشارة بالشفيع الذي سيأتي (البراقليطس)

قاموس الكتاب المقدس/627:

معز: (يو 14: 16 و 15: 26 و 16: 7) وهو الروح القدس. ولم ترد إلا في إنجيل يوحنا. والكلمة الأصلية اليونانية (پرا كليتيس) وتعني (معز ومعين وشفيع ومحام) وتشير إلي عمل الروح القدس لأجلنا.

توسيع بولس للشفاعة و حصرها بالمسيح

قاموس الكتاب المقدس/124:

ومع أن بني الإنسان قد فقدوا الصورة الإلهية التي خلقوا عليها، ومع أنهم وقعوا تحت طائلة العقاب الإلهي الرهيب، إلا أنهم بسبب عمل الفداء أهل لأن ينالوا غفران خطاياهم غفراناً تاماً كاملاً إذا آمنوا بالرب يسوع المسيح (الشفيع الوحيد بين الله والناس) وندموا علي خطاياهم ندامة صحيحة حقيقية، وأصبحوا أهلاً للتحرر من عبودية الخطيئة ورقها والانتقال إلي حرية أبناء الله بالنعمة المجانية.

قاموس الكتاب المقدس/795:

وقد وصف يسوع بأنه رئيس كهنة المؤمنين العظيم الذي نضح قدس الاقداس السماوي بدمه، والذي جلس عن يمين الاب هناك حيث هو الان يشفع فيهم (عب 4: 14 و7: 25 و 9: 12) الخ.

قاموس الكتاب المقدس/869:

وأعلن لهم أن يهوذا الذي كان واحداً منهم سيسلمه (مر 14: 18-21 ويو 13 21 - 30) ورسم لهم فريضة العشاء الرباني (مت 26: 26-29 وما يليه) ثم قدم صلاته الشفاعية العظمي من أجل أتباعه (يو 17: 1-26. من ثم قدم نفسه نهائياً للاب وسلم إرادته تسليماً كلياً له في بستان جثسيماني (مت 26: 39-46 غيره).

قاموس الكتاب المقدس/889:

وسيط 1 تي 2: 5 وسيط العهد الجديد عب 12: 24.

قاموس الكتاب المقدس/904:

وكذلك يذكر فيلو (ملكي صادق) كرمز ومجاز للعقل الصائب الخير، بينما يذكره كاتب الرسالة إلي العبرانيين رمزاً للمسيح الفادي والوسيط الأعظم.

العهد القديم والجديد:2/57:

لأن معاصينا كثرت أمامك وخطايانا تشهد علينا لأن معاصينا معنا وآثامنا نعرفها.

13 -

تعدينا وكذبنا علي الرب وحدنا من وراء إلهنا. تكلمنا بالظلم والمعصية، حبلنا ولهجنا من القلب بكلام الكذب.

14 - وقد ارتد الحق إلي الوراء والعدل يقف بعيداً. لأن الصدق سقط في الشارع والإستقامة لا تستطيع الدخول.

15 - وصار الصدق معدوماً والحائد عن الشر يسلب، فرأي الرب وساء.

16 - فرأي أنه ليس إنسان وتحير من أنه ليس شفيع...

34 - من هو الذي يدين. المسيح هو الذي مات بل بالحري قام أيضاً الذي هو أيضاً عن يمين الله الذي أيضاً يشفع فينا.

العهد القديم والجديد:3/339:

5 - لأنه يوجد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس: الإنسان يسوع المسيح.

6 - الذي بذل نفسه فدية لاجل الجميع، الشهادة في أوقاتها الخاصة.

7 _ التي جعلت أنا لها كارزاً ورسولاً. الحق أقول في المسيح ولا أكذب. معلماً للأمم في الإيمان والحق.

8-فأريد أن يصلي الرجال في كل مكان رافعين أيادي طاهرة بدون غضب ولا جدال

العهد القديم والجديد:3/256:

26 _ وكذلك الروح أيضاً يعين ضعفاءنا، لاننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا ينطق بها.

27 _ ولكن الذي يفحص القلوب يعلم ما هو اهتمام الروح، لأنه بحسب مشيئة الله يشفع في القديسين.

العهد القديم والجديد:3/358:

25 _ فمن ثم يقدر أن يخلص أيضاً إلي التمام الذين يتقدمون به إلي الله، إذ هو حي في كل حين ليشفع فيهم.

26- - لأنه كان يليق بنا رئيس كهنة مثل هذا قدوس بلا شر ولا دنس، قد انفصل عن الخطاة وصار أعلي من السموات.

27 - الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدم ذبائح أولاً عن

خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب، لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدم نفسه.

العهد القديم والجديد:3/361:

11 - وأما المسيح وهو قد جاء رئيس كهنة للخيرات العتيدة، فبالمسكن الأعظم والأكمل غير المصنوع بيد أي الذين ليس من هذه الخليقة.

12 - وليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلي الأقداس فوجد فداء أبدياً.

العهد القديم والجديد:3/362:

ولأجل هذا هو وسيط عهد جديد، لكي يكون المدعوون إذ صار موت لفداء التعديات التي في العهد الأول، ينالون وعد الميراث الأبدي.

العهد القديم والجديد:3/367:

22 - بل قد أتيتم إلي جبل صهيون، وإلي مدينة الله الحي أورشليم السماوية وإلي ربوات هم محفل ملائكة.

23 - وكنيسة أبكار مكتوبين في السموات، وإلي الله ديان الجميع، وإلي أرواح أبرار مكملين.

24 - وإلي وسيط العهد الجديد يسوع، وإلي دم رش يتكلم أفضل من هابيل.

25 - انظروا أن لا تستعفوا من المتكلم. لأنه إن كان أولئك لم ينجوا إذ استعفوا من المتكلم علي الأرض، فبالأولي جداً لا ننجو نحن المرتدين عن الذي من السماء.

العهد القديم والجديد:3/386:

1 - يا أولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا، وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الأب، يسوع المسيح البار. 2 - وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً.

3 - وبهذا نعرف أننا قد عرفناه إن حفظنا وصاياه.

نفهم من هذه النصوص ملامح حقائق عديدة أهمها:

أولاً: أن أصل شفاعة الأنبياء والاوصياء وخيار المؤمنين للخاطئين، هي عندهم كما عندنا، أمرٌ ثابتٌ في الرسالات الإلهية من عهد إبراهيم، بل من عهد نوح (عليهما السلام).

ثانياً: أنها أخذت في اليهود شكل شفاعة رؤساء الكهنة ومسؤولي القرابين

في المعابد، ثم وصلت إلي ادعاء اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه، وأنهم شعب الله المختار، وأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة.. فلا يحتاجون إلي شفاعة!

ثالثاً: أن (عقيدة الفداء المسيحية) التي تدعي أن المسيح عليه السلام قد شفع في خطايا كل البشر بتحمله الصلب والقتل.. هي توسيع لعقيدة الشفاعة اليهودية، وقد اخترعها بولس الذي نصَّرَ النصاري، وعممها لغير القومية اليهودية.

قال الدكتور أحمد شلبي في كتابه مقارنة بين الأديان: 2/245 تحت عنوان: الله في التفكير المسيحي:

ومن أجل هذا كان نقل المسيحية من الوحدانية إلي التثليث ونقل عيسي من رسول إلي إله، والقول بأن المسيحية رسالة عامة، والقول بأن عيسي ابن الله نزل ليضحي بنفسه للتكفير عن خطيئة البشر، وأنه عاد مرة أخري إلي السماء ليجلس علي يمين أبيه، كان هذا كله عملاً جديداً علي المسيحية التي جاء بها عيسي.

كيف انتقلت المسيحية من حال إلي حال ومن الذي قام بذلك ومتي؟

هذا ما سنحاول إبرازه فيما يلي:

ترتبط هذه الأمور بشخصية مهمة في المسيحية هي شخصية شاؤول (بولس) ولذلك يري الباحثون الغربيون أن المسيحية الحالية بهذه العناصر الجديدة من صنع هذا الرجل...!

وبولس كما يقول عن نفسه (يهودي فريسي ابن فريسي علي رجاء قيامة الأموات - أعمال الرسل 23: 6) وكان عدواً للمسيحيين وهو في ذلك يقول (سمعتم بسيرتي قبلاً في الديانة اليهودية، إني كنت أضطهد كنيسة الله بإفراط وأتلفها، وكنت أتقدم في الديانة اليهودية علي كثيرين من أترابي في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي (غلاطية 1: 13-14).

ويبدو أنه كان من وسائل بولس لتدمير المسيحية أن يحطم معتقداتها واتجاهاتها المقدسة، ووضع لذلك طريقة تكفل له الوقوف في وجه معارضيه

عندما يظهر بأفكاره الجديدة،

فادعي شاؤول أن السيد المسيح - بعد نهايته علي الأرض - ظهر له وصاح فيه وهو في طريقه إلي دمشق: لماذا تضطهدني، فخاف شاؤول وصرخ: من أنت يا سيد؟ قال: أنا يسوع الذي تضطهده! قال شاؤول: ماذا تريد أن أفعل؟ قال يسوع: قم وكرز بالمسيحية!!

ويقول لوقا في ختام هذه القصة جملة ذات بال غيرت وجه التاريخ هي:

وللوقت جعل يكرز في المجامع بالمسيح أنه ابن الله(أعمال 9: 3-30) انتهي.

رابعاً: أن الإتجاه العام عند محرفي الأديان بعد أنبيائهم هو تسهيل أمر المغفرة الإلهية ودخول الجنة لاتباعهم، والافراط في ذلك إلي حد إلغاء قانون العقوبة الإلهية، وفي المقابل التشدد مع خصومهم ومخالفيهم من التابعين لنفس الدين، والحكم عليهم بأنهم من أهل النار!

خامساً: بما أنه ثبت عن النبي صلي الله عليه وآله بأحاديث صحيحة عند الجميع، أن الأمة الإسلامية سوف تتبع سنن اليهود والنصاري في انحرافها عن الإسلام وتحريفها له، وفي صراعاتها الداخلية.. فإن علي الباحث أن يكون حذراً متثبتاً في أحاديث الصحابة في الشفاعة، لكي يميز بين الثابت منها بنصوص متفق عليها عند جميع المسلمين، وبين الذي يتبناه صحابي نافذ، أو فئة حاكمة، وفي نفس الوقت يوجد في الصحابة من ينفيه أو يكذبه!

مقولاتهم في الشفاعة من مصادرن

قال الله تعالي: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَللهِ مُلْكُ السَّمَوِاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ. يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَي فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. المائدة 18-19.

تفسير التبيان:3/477:

وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ... روي عن ابن عباس أن جماعة من اليهود قالوا للنبي صلي الله عليه وآله حين حذرهم بنقمات الله وعقوباته فقالوا: لا تخوفنا فإنا أبناء الله وأحباؤه.

وقال السدي: إن اليهود تزعم أن الله عز وجل أوحي إلي بني اسرائيل أن ولدك بكر من الولد. وقال الحسن: إنما قالوا ذلك علي معني قرب الولد من الوالد.

وأما قول النصاري فقيل فيه: إنهم تأولوا ما في الإنجيل من قول عيسي أذهب إلي أبي وأبيكم. وقال قوم: لما قالوا المسيح ابن الله أجري ذلك علي جميعهم كما يقولون: هذيل شعراء، أي منهم شعراء...

وقوله: وأحباؤه، جمع حبيب فقال الله لنبيه محمد صلي الله عليه وآله: قل لهؤلاء المفترين علي ربهم: فلم يعذبكم بذنوبكم؟ فلاي شئ يعذبكم بذنوبكم إن كان الأمر علي ما زعمتم، فإن الاب يشفق علي ولده والحبيب علي حبيبه.

واليهود تقرُّ أنهم يعذبون أربعين يوماً، وهي عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل!

وقوله: بل أنتم بشر، معناه قل لهم ليس الأمر علي ما زعمتم أنكم أبناء الله وأحباؤه، بل أنتم بشر ممن خلق من بني آدم، إن أحسنتم جوزيتم علي إحسانكم مثلهم، وإن أسأتم جوزيتم علي إساءتكم، كما يجازي غيركم، وليس لكم عند الله إلا ما لغيركم من خلقه.

تفسير التبيان:1/486:

أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ... وكانت محاجتهم له صلي الله عليه وآله أنهم زعموا أنهم أولي بالحق لانهم راسخون في العلم وفي الدين، لتقدم النبوة فيهم والكتاب، فهم أولي بأن يكون الرسول منهم.

وقال قوم: بل قالوا نحن أحق بالإيمان، لأنا لسنا من العرب الذين عبدوا الأوثان. وقال الحسن: كانت محاجتهم أن قالوا نحن أولي بالله منكم، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ

الله وَأَحِبَّاؤُهُ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، وقالوا كونوا هوداً أو نصاري تهتدوا. وغرضهم بذلك الإحتجاج بأن الدين ينبغي أن يلتمس من جهتهم، وأن النبوة أولي أن تكون فيهم. وليس الأمر علي ما ظنوا، لأن الله أعلم حيث يجعل رسالته، ومن الذي يقوم بأعبائها ويتحملها علي وجه يكون أصلح للخلق وأولي بتدبيرهم. وقوله: لنا أعمالنا، معناه الإنكار لإحتجاجهم بأعمالهم، لأنهم مشركون ونحن له مخلصون. وقيل معناه الإنكار للإحتجاج بعبادة العرب للاوثان، فقيل: لا حجة في ذلك، إذ لكل أحد عمله لا يؤخذ بجرم غيره.

سيرة ابن هشام:2/403:

وأتي رسول الله(ص)نعمان بن أضاء، وبحري بن عمرو، وشاس بن عدي، فكلموه وكلمهم رسول الله(ص)ودعاهم إلي الله وحذرهم نقمته، فقالوا: ما تخوفنا يا محمد؟! نحن والله أبناء الله وأحباؤه، كقول النصاري فأنزل الله تعالي فيهم: وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَي نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ... الخ. ورواه في الدر المنثور:2/269 عن ابن اسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل، عن ابن عباس.

الدر المنثور:2/14:

عن قتادة: وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، حين قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد: وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، قال: غرهم قولهم لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة.

الدر المنثور:2/170:

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، قال: هم اليهود والنصاري، قالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري.

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ، قال: نزلت في اليهود قالوا:

إنا نعلم أبناءنا التوراة صغاراً فلا يكون لهم ذنوب، وذنوبنا مثل ذنوب أبنائنا، ما عملنا بالنهار كُفِّرَ عنا بالليل.

الدر المنثور:3/37:

وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، قال كذبوا له، أما اليهود والنصاري فقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وأما مشركوا العرب فكانوا يعبدون اللات والعزي، فيقولون: العزي بنات الله، سبحانه وتعالي عما يصفون، أي عما يكذبون..

وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله: وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَنَاتٍ، قال: وصفوا لله بنين وبنات افتراء عليه، قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال نعم، أما سمعت حسان بن ثابت يقول:

اخترق القول بها لاهياً مستقبلاً أشعث عذب الكلام

الدر المنثور:1/89:

أخرج ابن جرير عن أبي العالية قال: قالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، وقالوا نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فأنزل الله: قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين، فلم يفعلوا.

وأخرج البيهقي في الدلائل عن ابن عباس في هذه الآية قال: قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآخِرَةُ، يعني الجنة كما زعمتم خالصة من دون الناس، يعني المؤمنين فتمنوا الموت إن كنتم صادقين أنها لكم خالصة من دون المؤمنين. فقال لهم رسول الله (ص): إن كنتم في مقالتكم صادقين قولوا: اللهم أمتنا، فوالذي نفسي بيده لا يقولها رجل منكم إلا غص بريقه فمات مكانه، فأبوا أن يفعلوا وكرهوا ما قال لهم، فنزل: وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ، يعني عملته أيديهم وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ.

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ،

أي ادعوا بالموت علي أي الفريقين أكذب، فأبوا ذلك، ولو تمنوه يوم قال ذلك ما بقي علي وجه الأرض يهودي إلا مات.

وأخرج ابن اسحق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَي حَيَاةٍ، يعني اليهود، ومن الذين أشركوا، وذلك أن المشرك لا يرجو بعثاً بعد الموت فهو يحب طول الحياة، وأن اليهودي قد عرف ماله في الآخرة من الخزي بما ضيع ما عنده من العلم.

وقال الله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 80 - 82.

تفسير التبيان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وإنما لم يبين عددها في التنزيل لأنه تعالي أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الأيام التي يوقتونها في النار، فلذلك نزل تسمية عدد الأيام وسماها معدودة لما وصفنا. وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة: هي أربعون يوماً. ورواه الضحاك عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الأيام التي عبدوا فيها العجل.

وقال ابن عباس: إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب، وهلكت النار.

وقال مجاهد وسعيد بن جبير عن ابن عباس: إنها سبعة أيام، لأن عمر الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنهم يعذبون بعدد كل ألف سنة يوماً واحداً من أيام الآخرة، وهو كألف سنة من أيام الدنيا.

ولما قالت اليهود ما قالت من قولها: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاأَيَّامًا

مَعْدُودَةً علي ما بيناه، قال الله تعالي لنبيه: قل أتخذتم عند الله عهداً بما تقولون من ذلك أو ميثاقاً، فالله لا ينقض عهده، أم تقولون علي الله ما لا تعلمون من الباطل جهلاً وجرأة عليه...

قوله تعالي: بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ... قوله بلي جواب لقوله لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة، فرد الله عليهم بأن قال: بلي من أحاطت به خطيئته...

كنز الدقائق:2/47:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً: بسبب تسهيلهم أمر العذاب. وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون، من قولهم السابق، أو أن آبائهم الأنبياء يشفعون لهم، أو أنه تعالي وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم، وتكرير الكذب والإفتراء يصيره في صورة الصدق عند قائله ومفتريه.

تفسير نور الثقلين:1/93:

في تفسير علي بن ابراهيم قوله: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، قال: قال بنو اسرائيل: لن تمسنا النار ولن نعذب إلا الايام المعدودات التي عبدنا فيها العجل، فرد الله عليهم: قُلْ - يا محمد لهم - أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.

سيرة ابن هشام:2/380:

وقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ.

قال ابن إسحاق: وحدثني مولي لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام

ثم ينقطع العذاب، فأنزل الله في ذلك من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ. بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتي يحيط كفره بماله عند الله من حسنة، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، أي خلداً أبداً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم علي أهله أبداً ولا انقطاع له.

قال ابن إسحاق: ثم قال الله عز وجل يؤنبهم: وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أي ميثاقكم، لا تَعْبُدُونَ إِلا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَي وَالْيَتَامَي وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ. أي تركتم ذلك كله...

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة... الخ.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: اجتمعت يهود يوماً فخاصموا النبي(ص)فقالوا: لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ، وسموا أربعين يوماً ثم يخلفنا فيها ناس وأشاروا إلي النبي(ص) وأصحابه! فقال رسول الله(ص)ورد يده علي رؤسهم: كذبتم بل أنتم خالدون مخلدون فيها لا نخلفكم فيها إن شاء الله تعالي أبداً، ففيهم أنزلت هذه الآية: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، يعنون أربعين ليلة.

وأخرج ابن جرير

عن زيد بن أسلم أن رسول الله(ص)قال لليهود: أنشدكم بالله وبالتوراة التي أنزل الله علي موسي يوم طور سيناء: من أهل النار الذين أنزلهم الله في التوراة قالوا: إن ربهم غضب عليهم غضبة فنمكث في النار أربعين ليلة ثم نخرج فتخلفوننا فيها! فقال رسول الله (ص): كذبتم والله لا نخلفكم فيها أبداً، فنزل القرآن تصديقاً لقول النبي(ص)وتكذيباً لهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إلي قوله هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ.

مجمع الزوائد:6/314:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً عن ابن عباس أن يهوداً كانوا يقولون هذه الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لكل سنة يوماً في النار وإنما سبعة أيام معدودات، فأ نزل الله عز وجل: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، إلي قوله: فِيهَا خَالِدُونَ.

وقال الله تعالي: وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلَي مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة: 111 - 112.

يَا بَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ. وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 47 - 48.

قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. آل عمران: 31.

إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَ مَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَي إِثْمًا عَظِيمًا. أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. اُنْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَي اللهِ الْكَذِبَ

وَكَفَي بِهِ إِثْمًا مُبِينًا. أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَي مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. النساء: 48 - 51.

تفسير التبيان:3/221:

وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، تلك أمانيهم. قال الزجاج: اليهود جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله بأولادهم الأطفال فقالوا: يامحمد أعلي هؤلاء ذنوب؟ فقال صلي الله عليه وآله: لا، فقالوا: كذلك نحن مانعمل بالليل يغفر بالنهار، وما نعمل بالنهار يغفر بالليل، فقال الله تعالي: بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ.

وقال: مجاهد وأبو مالك: كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: كانوا يقولون: أطفالنا يشفعون لنا عند الله.

كنز الدقائق:2/58:

قال الله تعالي: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ...

قال البيضاوي: روي أنها نزلت لما قالت اليهود: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وقيل: نزلت في وفد نجران لما قالوا: إنا نعبد المسيح حباً لله..انتهي.

حقائق التأويل/126:

وقال بعضهم إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، فالخلائق غيرنا عبيد لنا ومنخفضون عن علونا، فليس علينا جناح في أكل أموال عبيدنا ومن هم في الرتبة دوننا. قال صاحب هذا القول: واليهود يتدينون باستحلال أموال كل من خالفهم باستعمال الغش في معاملاتهم، ويدعون أن ذلك فرض عليهم في دينهم، وليس تأولهم لذلك علي حد ما يتأوله المسلمون في أهل الحرب.

وذهب أبو علي إلي أن قولهم: لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ، إنما يعنون به ليس علينا لهم سلطان ولا قدرة، فلا يجب علينا اتباعهم ولا النزول تحت حكمهم، يريدون بذلك النبي صلي الله عليه وآله وأصحابه، فلذلك استحلوا أموالهم. انتهي.

تفسير التبيان:1/213:

وقوله:

وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ، مخصوص عندنا بالكفار، لأن حقيقة الشفاعة عندنا أن يكون في إسقاط المضار دون زيادة المنافع. والمؤمنون عندنا يشفع لهم النبي صلي الله عليه وآله فيشفعه الله تعالي ويسقط بها العقاب عن المستحقين من أهل الصلاة، لما روي من قوله صلي الله عليه وآله: ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي...

والشفاعة ثبتت عندنا للنبي صلي الله عليه وآله وكثير من أصحابه، ولجميع الأئمة المعصومين، وكثير من المؤمنين الصالحين.

وقيل إن نفي الشفاعة في هذه الآية يختص باليهود من بني إسرائيل، لأنهم ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه، وأن آباءهم يشفعون إليه، فآيسهم الله من ذلك فأخرج الكلام مخرج العموم والمراد به الخصوص.

تفسير التبيان:3/221:

قوله تعالي: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً... قال الحسن والضحاك وقتادة وابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام: إنهم اليهود والنصاري في قولهم: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ، وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَي تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ.

قال الزجاج: اليهود جاؤوا إلي النبي صلي الله عليه وآله بأولادهم الاطفال فقالوا: يا محمد أعلي هؤلاء ذنوب؟ فقال صلي الله عليه وآله: لا، فقالوا: كذلك نحن ما نعمل بالليل يغفر بالنهار وما نعمل بالنهار يغفر بالليل، فقال الله تعالي: بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ. وقال: مجاهد وأبو مالك: كانوا يقدمونهم في الصلاة ويقولون: هؤلاء لا ذنب لهم. وقال ابن عباس: كانوا يقولون: أطفالنا يشفعون لنا عند الله.

تفسير التبيان:3/222:

وافتراؤهم الكذب علي الله هاهنا المراد به تزكيتهم لانفسهم بأنا أبناء الله وأحباؤه، وأنه لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصاري، ذكره ابن جريج. وقوله:

وَكَفَي بِهِ إِثْمًا مُبِينًا، معناه تعظيم إثمه، وإنما يقال كفي به في العظم علي جهة المدح أو الذم كقولك كفي بحال المؤمن نبلاً، وكفي بحال الكافر إثماً.

تفسير التبيان:3/76:

وقوله: وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا... قال البلخي: إنهم قالوا: نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وأهل الصوم والصلاة. وليسوا بأولياء الله ولا أحباؤه ولا أهل الصلاة والصيام، ولكنهم أهل شرك ونفاق. وهو المروي عن أبي جعفر عليه السلام...

تفسير نور الثقلين:1/489:

في نهج البلاغة من كلام له عليه السلام يصف فيه المتقين: لا يرضون من أعمالهم القليل ولا يستكثرون الكثير، فهم لانفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زُكِّيَ أحد منهم خاف مما يقال له، فيقول أنا أعلم بنفسي من غيري وربي أعلم بي من نفسي، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لا يعلمون. انتهي.

هذا، والآيات والأحاديث في تحريفات اليهود للشفاعة ومقولاتهم فيها كثيرة، وسوف نري أن بعض الصحابة قد أخذوا أفكار اليهود وتحريفاتهم للشفاعة حرفاً بحرف، حَذْوَ القُذَّةِ بالقذة، والنعل بالنعل..كما أخبر به الصادق الامين صلي الله عليه وآله!

الشفاعة عند عرب الجاهلية

عبد العرب الأصنام أملا بشفاعتهن

تدل آيات القرآن الكريم علي أن عبادة العرب للأصنام كانت علي أساس أنها رموز لمخلوقات مقربة عند الله تعالي تشفع لهم عنده. قال الله عز وجل:

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَ كَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ. الروم: 12 _ 13.

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. يس: 23 _ 24.

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخرة وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. الزمر: 43-45.

أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إلي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَي مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الزمر: 3 _ 4.

رسائل الشريف المرتضي:3/223:

حكي أبو عيسي الوراق في كتابه كتاب المقالات أن العرب صنوف شتي: صنف أقر بالخالق وبالإبتداء والإعادة وأنكروا الرسل وعبدوا الأصنام، زعموا لتقربهم إلي الله زلفي ومعبراً إليها، ونحروا لها الهدايا ونسكوا لها النسائك، وأحلوا لها وحرموا.

ومنهم صنف أقروا بالخالق وبابتداء الخلق وأنكروا الإعادة والبعث والنشور.

ومنهم صنف أنكروا الخالق والبعث والاعادة، ومالوا إلي التعطيل والقول بالدهر، وهم الذين أخبر القرآن عن قولهم: ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر. ومنهم صنف مالوا إلي اليهودية، وآخر إلي النصرانية.

رسائل الشريف المرتضي:3/228:

وقد عبد الأصنام قوم من الأمم الماضية من أهل الهند والسند وغيرها، وقد أخبر الله تعالي عن قوم نوح أنهم عبدوها أيضاً فقال: لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا... وكان (سواع) لهذيل وكان (برهاط) وكان بدومة الجندل، وكان (يغوث) لمذحج ولقبائل اليمن، وكان (نسر) لذي الكلاع بأرض حمير، وكان (يعوق) لهمدان، وكانت (اللات) لثقيف وكانت بالطائف، وكانت (العزي) لقريش وجميع بني كنانة وسدنتها من بني سليم، وكانت (مناة) للاوس والخزرج وغسان وكانت بالمسلك، وكان (الهبل) أعظم أصنامهم عند أنفسهم وكان علي الكعبة.

وكان (أساف ونائلة) علي الصفا والمروة، ووضعهما عمرو بن يحيي فكان يذبح عليهما تجاه الكعبة.

مجمع الزوائد:7/115:

عن ابن عباس أن العزي كانت ببطن نخلة، وأن اللات كانت بالطائف، وأن مناة كانت بقديد، قال علي بن الجعد: بطن نخلة هو بستان بني عامر.

تفسير القمي:2/250:

قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ، يعني الأصنام ليشفعوا لهم يوم القيامة، وقالوا إن فلاناً وفلاناً يشفعون لنا عند الله يوم القيامة. وقوله: قل لله الشفاعة جميعاً، قال: لا يشفع أحد إلا بإذن الله تعالي.

تفسير القمي:2/289:

وقال علي بن ابراهيم: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة، قال: هم الذين قد عبدوا في الدنيا، لا يملكون الشفاعة لمن عبدهم.

تفسير التبيان:4/207:

وَمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ... يقول تعالي لهؤلاء الكفار: َمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ، الذين كنتم تزعمون في الدنيا أنهم يشفعون لكم عند ربكم يوم القيامة. وقال عكرمة: إن الآية نزلت في النضر بن الحارث بن كلدة حيث قال: سوف يشفع فيَّ اللات والعزي، فنزلت الآية.

وقوله: لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ، أي وصلكم. وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ، أي جار عن طريقكم ما كنتم تزعمون من آلهتكم أنه شريك لله تعالي، وأنه يشفع لكم عند ربكم، فلا شفيع لكم اليوم.

تفسير التبيان:9/33:

ثم أخبر عن هؤلاء الكفار فقال (أم اتخذوا) معناه بل اتخذ هؤلاء الكفار (من دون الله شفعاء) بزعمهم من الأصنام والأوثان فقال (قل) لهم يا محمد: أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَ لا يَعْقِلُونَ، تنبيهاً لهم علي أنهم يتخذونهم شفعاء وإن كانوا لا يقدرون علي شئ من الشفاعة، ولا غيرهما ولا يعقلون شيئاً. والألف في (أ ولو) ألف

الإستفهام يراد به التنبيه.

ثم قال (قل) لهم يا محمد (للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي الشفاعة لمن له التدبير والتصرف في السموات والأرض، ليس لأحد الإعتراض عليه في ذلك.

ثم إليه ترجعون، معاشر الخلق أي إلي حيث لا يملك أحد التصرف والأمر والنهي سواه، وهو يوم القيامة فيجازي كل إنسان علي عمله علي الطاعات بالثواب وعلي المعاصي بالعقاب.

الدر المنثور:3/302:

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا... أخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال قال النضر: إذا كان يوم القيامة شفعت لي اللات والعزي، فأنزل الله تعالي: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ. وَيَعْبُدُونَ مِنْ دونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَ يَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ. ومثله في:3/8

الدر المنثور:5/329:

قوله تعالي: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ.. أخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة (رض) في قوله: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قال: الإلهة.

الدر المنثور:3/149:

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ قال: اشتقوا العزي من العزيز، واشتقوا اللات من الله.

مكانة اللات والعزي عند مشركي العرب

كان لصنمي اللات والعزي مكانة عظيمة عند قريش خاصة، وعند بعض قبائل العرب، ويليهما صنم مناة، أما هبل فهو وإن كان الإله الأكبر عندهم ولكن ارتباطهم المباشر وقَسَمَهُم الرسمي ومراسم عبادتهم الاساسية إنما كانت لللات والعزي، وليس لهبل..

قال المحدث البحراني في حلية الابرار:1/127:

الشيخ في أماليه بإسناده عن ابن عباس قال: وقف رسول الله صلي الله عليه وآله علي قتلي بدر فقال: جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذَّبتموني صادقاً، وخوَّنتموني أميناً. ثم التفت إلي أبي جهل بن

هشام فقال: إن هذا أعتي علي الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وَحَّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزي!! راجع أمالي الطوسي:1 _ 316 والبحار: 19 _ 272 ح 11 ومثله في مجمع الزوائد:6/91).

وقال في مجمع الزوائد:6/21:

وعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله(ص)بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قال وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: لا يغوينكم هذا عن دينكم فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزي، وما يلتفت إليه رسول الله(ص)! قلت: إنعت لنا رسول الله(ص). قال: بين بردين أحمرين، مربوع، كثير اللحم، حسن الوجه، شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/408:

وأخرج أبونعيم في الدلائل عن ابن عباس قال: ما كان أبولهب إلا من كفار قريش، ما هو حتي خرج من الشعب حين تمالات قريش حتي حصرونا في الشعب وظاهرهم، فلما خرج أبو لهب من الشعب لقي هنداً بنت عتبة بن ربيعة حين فارق قومه فقال: يا ابنة عتبة هل نصرتُ اللات والعزي؟ قالت: نعم فجزاك الله خيراً يا أبا عتبة! قال: إن محمداً يعدنا أشياء لا نراها كائنة، يزعم أنها كائنة بعد الموت فما ذاك! وصنع في يدي ثم نفخ في يديه، ثم قال: تباً لكما ما أري فيكما شيئاً مما يقول محمد! فنزلت: تبت يدا أبي لهب. قال ابن عباس: فحصرونا في الشعب ثلاث سنين وقطعوا عنا الميرة، حتي أن الرجل ليخرج منا بالنفقة فما يبايع حتي يرجع، حتي هلك فينا من هلك!!

اليمين الرسمي المقدس عند قريش باللات والعزي

روي الحاكم في المستدرك:1/163:

عن ابن عباس قال

دخلت فاطمة علي رسول الله (صلي الله عليه وآله) وهي تبكي فقال: يابنية ما يبكيك قالت: يا أبت مالي لا أبكي وهؤلاء الملا من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزي ومناة الثالثة الأخري لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك! فقال يا بنية إئتني بوضوء فتوضأ رسول الله (صلي الله عليه وآله) ثم خرج إلي المسجد فلما رأوه قالوا: ها هوذا، فطأطأوا رؤوسهم وسقطت أذقانهم بين يديهم، فلم يرفعوا أبصارهم! فتناول رسول الله (صلي الله عليه وآله) قبضة من تراب فحصبهم بها وقال: شاهت الوجوه، فما أصاب رجلاً منهم حصاة من حصاته إلا قتل يوم بدر كافراً. هذا حديث صحيح، قد احتجا جميعاً بيحيي بن سليم. واحتج مسلم بعبد الله بن عثمان بن خثيم ولم يخرجاه. انتهي. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 8/228 وقال: رواه أحمد بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح.

وروي العياشئ في تفسيره:2/259:

عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله: وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت، قال: ما يقولون فيها؟ قلت: يزعمون أن المشركين كانوا يحلفون لرسول الله أن الله لا يبعث الموتي. قال: تباً لمن قال هذا، ويلهم هل كان المشركون يحلفون بالله أم باللات والعزي؟ قلت: جعلت فداك فأوجدنيه أعرفه. قال: لو قد قام قائمنا بعث الله إليه قوماً من شيعتنا قَبَايِعُ سيوفهم علي عواتقهم، فيبلغ ذلك قوماً من شيعتنا لم يموتوا فيقولون: بعث فلان وفلان من قبورهم مع القائم، فيبلغ ذلك قوماً من أعدائنا فيقولون: يا معشر الشيعة ما أكذبكم! هذه دولتكم وأنتم تكذبون فيها، لا والله ما عاشوا ولا تعيشوا إلي يوم القيامة، فحكي الله

قولهم فقال: وأقسموا بالله جهد أيمانهم. انتهي.

المسألة...

بعض الصحابة كانوا يقسمون باللات والعزي

تدل مصادر الفقه السني علي أن عادة القسم باللات والعزي بقيت في أذهان القرشيين وعلي ألسنتهم حتي بعد إسلامهم! فقد روي البخاري في صحيحه: 6/51: عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): من حلف فقال في حلفه واللات والعزي فليقل لا إله إلا الله. ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق.انتهي. (ورواه أيضاً في: 7/97 وص144 وص222 و223.

ورواه مسلم في: 5/81 وص82، ورواه ابن ماجة في: 1/678، وروي بعده عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: حلفت باللات والعزي فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثاً، وتعوَّذ ولا تعد). (ورواه أبو داود في:2/90، والترمذي في: 3/ 46 وص51، والنسائي في: 7/7، وأحمد: 1/ 183 و186 و:2/ 309، والبيهقي:1/ 149 و:10/30، ومالك في المدونة: 2/108).

الأسئلة

1 _ هذا يدلنا علي أن الصحابة كانوا حديثي عهد بالإسلام، وأن رواسب الجاهلية حتي عبادة الأصنام كانت ما تزال في مشاعرهم وعلي ألسنة بعض كبارهم كسعد بن وقاص، ومن يخلف النبي صلي الله عليه وآله لابد أن يكون كرم الله وجهه عن السجود للأصنام، حتي يكون نقياً من هذه الرواسب الجاهلية.. فهل تعرفون هذه الصفة في غير علي عليه السلام؟

2 _ نحن نفتي بأن اليمين الشرعي لاينعقد إلا بالله تعالي، ومن حلف بغيره فلا يمين له ولا شئ عليه. وقد أفتي ابن حزم في المحلي: 8/51، وابن قدامة في المغني:1/169 و:11/162،بأن من حلف باللات والعزي فلا شئ عليه إلا الإستغفار، وعلله ابن حزم في:11/ 163 بقوله: (لأن الحلف بغير الله سيئة والحسنة تمحو السيئة،

وقد قال الله تعالي: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ، وقال النبي (ص): إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها. ولأن من حلف بغير الله فقد عظم غير الله تعظيماً يشبه تعظيم الرب تبارك وتعالي، ولهذا سمي شركاً لكونه أشرك غير الله مع الله تعالي في تعظيمه بالقسم به، فيقول لا إله إلا الله توحيداً لله تعالي وبراءة من الشرك).

فهل تفتون بأن من حلف بصنم لا يخرج عن الملة، ومن حلف بالنبي صلي الله عليه وآله أو بأحد من عترته عليهم السلام فهو مشرك يخرج من الملة؟!

اعتقاد قريش بنفع اللات والعزي و ضرهم

مناقب آل أبي طالب:1/102 عن امرأة يقال لها زهرة قال:

أسلمت فأصيب بصرها، فقالوا لها أصابك اللات والعزي، فرد صلي الله عليه وآله عليها بصرها فقالت قريش: لو كان ما جاء محمد خيراً ما سبقتنا إليه زهرة! فنزل: وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيراً ما سبقونا إليه.

مسند أحمد:1/264:

عن عبدالله بن عباس قال: بعثت بنو سعد بن بكر ضمام بن ثعلبة وافداً إلي رسول الله(ص)فقدم عليه وأناخ بعيره علي باب المسجد ثم عقله، ثم دخل المسجد ورسول الله(ص)جالس في أصحابه، وكان ضمام رجلاً جلداً أشعر ذا غريرتين، فأقبل حتي وقف علي رسول الله(ص)في أصحابه فقال: أيكم ابن عبد المطلب؟ فقال رسول الله (ص): أنا ابن عبد المطلب. قال محمد؟ قال نعم فقال: يا ابن عبد المطلب إني سائلك ومغلظ في المسألة فلا تجدن في نفسك. قال: لا أجد في نفسي فسل عما بدا لك. قال: أنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك، آلله بعثك إلينا رسولاً؟ فقال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن

بعدك آلله أمرك أن تأمرنا أن نعبده وحده لانشرك به شيئاً وأن نخلع هذه الأنداد التي كانت آباؤنا يعبدونها معه؟ قال: اللهم نعم. قال: فأنشدك الله إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك آلله أمرك أن نصلي هذه الصلوات الخمس؟ قال: اللهم نعم. قال ثم جعل يذكر فرائض الإسلام فريضة فريضة الزكاة والصيام والحج وشرائع الإسلام كلها يناشده عند كل فريضة كما يناشده في التي قبلها، حتي إذا فرغ قال: فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن سيدنا محمداً رسول الله، وسأؤدي هذه الفرائض وأجتنب ما نهيتني عنه، ثم لا أزيد ولا أنقص.

قال ثم انصرف راجعاً إلي بعيره فقال رسول الله(ص)حين ولي: إن يصدق ذو العقيصتين يدخل الجنة. قال فأتي إلي بعيره فأطلق عقاله ثم خرج حتي قدم علي قومه فاجتمعوا إليه، فكان أول ما تكلم به أن قال: بئست اللات والعزي! قالوا مه يا ضمام، إتق البرص والجذام، إتق الجنون. قال: ويلكم إنهما والله لا يضران ولا ينفعان، إن الله عز وجل قد بعث رسولاً وأنزل عليه كتاباً استنقذكم به مما كنتم فيه، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، إني قد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه. قال فوالله ما أمسي من ذلك اليوم وفي حاضره رجل ولا امرأة إلا مسلماً!

قال يقول ابن عباس: فما سمعنا بوافد قوم كان أفضل من ضمام بن ثعلبة.

مصادرنا تروي بغض النبي لأصنام قريش

كمال الدين وتمام النعمة:1/184:

قال بحيري: ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزي إلا ما أخبرتنيها. فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزي وقال: لا تسألني

بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي! فقال بحيري: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيري من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيري فقبل رجليه وقال: يا بني ما أطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيين أتباعاً...

الخرائج والجرائح:1/71:

في خبر الراهب بحيري مع النبي صلي الله عليه وآله: قال: يا غلام أتخبرني عن أشياء أسألك عنها قال: سل. قال: أنشدك باللات والعزي إلا أخبرتني عما أسألك عنه، وإنما أراد أن يعرف لأنه سمعهم يحلفون بهما فذكروا أن النبي صلي الله عليه وآله قال له: لا تسألني باللات والعزي فإني والله لم أبغض بغضهما شيئاً قط. قال: فبالله إلا أخبرتني عما أسألك عنه قال: فجعل يسأله عن حاله في نومه وهيئته وأموره فجعل رسول الله صلي الله عليه وآله يخبره فكان يجدها موافقة لما عنده... فأخذه الافكل وهو الرعدة واهتز الديراني فقال: من أبو هذا الغلام؟ قال أبو طالب: هو ابني. قال: لا والله لا يكون أبوه حياً. قال أبو طالب: إنه ابن أخي. قال: فما فعل أبوه قال: مات وهو ابن شهرين. قال صدقت!-وروي في:3/1089 تتمة قول الراهب: كأني بك قد قدت الاجناب والخيل وقد تبعك العرب والعجم طوعاً وكرها، وكأني باللات والعزي قد كسرتهما وقد صار البيت العتيق تضع مفاتيحه حيث تريد... معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام. أنت الذي لا تقوم الساعة حتي تدخل الملوك كلها في دينك صاغِرَةً قَمِئَة.

و تمسك سدنة اللات والعزي بهما إلي آخر نفس

شرح الأخبار:2/163:

ولما فتح رسول الله

صلي الله عليه وآله الطائف سأله أهلها أن يدع لهم اللات _ وكانوا يعبدونها _ لمدة ذكروها وقالوا: إنا نخشي في هدمها سفهاءنا، فأبي عليهم.

مناقب آل أبي طالب:1/52:

ابن عباس في قوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا، قال وفد ثقيف: نبايعك علي ثلاث: لا ننحني، ولا نكسر إلهاً بأيدينا، وتمتعنا باللات سنة. فقال صلي الله عليه وآله: لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود، فأما كسر أصنامكم بأيديكم فذاك لكم، وأما الطاغية اللات فإني غير ممتعكم بها.

و حطم النبي كل الأصنام

مناقب آل أبي طالب:1/399:

وحدثني أبو الحسن علي بن أحمد العاصمي، عن اسماعيل بن أحمد الواعظ، عن أبي بكر البيهقي بإسناده عن أبي مريم عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إحملني لنطرح الأصنام عن الكعبة، فلم أطق حمله! فحملني فلو شئت أتناول السماء فعلت! وفي خبر والله لو شئت أن أنال السماء بيدي لنلتها.

وروي القاضي أبو عمرو عثمان بن أحمد، عن شيوخ بإسناده عن ابن عباس قال قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: قم بنا إلي الصنم في أعلي الكعبة لنكسره، فقاما جميعاً فلما أتياه قال له النبي: قم علي عاتقي حتي أرفعك عليه، فأعطاه علي ثوبه فوضعه رسول الله علي عاتقه ثم رفعه حتي وضعه علي البيت، فأخذ علي الصنم وهو من نحاس فرمي به من فوق الكعبة...

حلية الابرار:2/125:

عن علي عليه السلام: أنا الذي قال فيَّ الامين جبرئيل عليه السلام: لا سيف إلا ذوالفقار ولا فتي إلا علي، أنا صاحب فتح مكة، أنا كاسر اللات والعزي، أنا هادم الهبل الاعلي، ومناة الثالثة الأخري، أنا علوت علي كتف النبي صلي الله

عليه وآله وكسرت الأصنام، أنا الذي كسرت يغوث ويعوق ونسراً.

و اخترعت قريش قصة الغرانيق انتصارا لللات والعزي

قال الله عز وجل: ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّي. فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَي. فَأَوْحَي إلي عَبْدِهِ مَا أَوْحَي. مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَي. أَفَتُمَارُونَهُ عَلَي مَا يَرَي. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَي. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَي. عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَي. إِذْ يَغْشَي السِّدْرَةَ مَا يَغْشَي. مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَي. لَقَدْ رَأَي مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَي. أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأُنْثَي. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي. إِنْ هِيَ إِلا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَي. أَمْ لِلإنْسَانِ مَا تَمَنَّي. فَلِلَّهِ الآخرة وَالأُولَي. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَي. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّي عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا. ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَي. وَللهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَي. النجم: 8 _ 31.

نزلت هذه الآيات في مكة بعد مرحلة (َأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) وبعد مرحلة (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ) وإعلان النبي صلي الله عليه وآله دعوته لجميع الناس ودخول عدد من المستضعفين في الإسلام وتضييق قريش عليهم وتعذيبهم، وهجرة بعضهم إلي الحبشة.. ومن الواضح أن الصراع في تلك المرحلة كان يتفاقم بين الإسلام والمشركين، وكان أهم ما يتسلح به المشركون ويطرحونه

سبباً لمقاومتهم الإسلام هو (أن محمداً قد سبَّ آلهتنا وسفَّه أحلامنا).

وقد كان موقف النبي صلي الله عليه وآله من آلهتهم موقفاً صريحاً قوياً لامساومة فيه ولامهادنة.. وقد اتضح ذلك من السور الأولي للقرآن، وآياتها القاطعة في مسألة الأصنام.. ولم تكن سورة النجم إلا استمراراً لذلك الخط الرباني الصريح القوي، بل هي الحسم الالهي النهائي في المسألة، ووضع النقاط علي الحروف بتسمية أصنام قريش المفضلة (اللات والعزي ومناة) بأسمائها، وإسقاطها إلي الابد!

ومن الطبيعي أن تكون هذه الآيات شديدة جداً علي قريش، وأن تثير كبرياءها وعواطفها لأصنامها، وأن تقوم بردة فعل بإشكال متعددة. وقصة الغرانيق ما هي إلا واحدة من ردات الفعل القرشية..!

لكن متي اختُرِعَتْ ومن اخترعها؟!

يغلب علي الظن ماذكره الشريف المرتضي من أن المشركين عبدة هذه الأصنام الثلاثة لما سمعوا ذمها في آيات السورة حرَّفَ بعضهم الآيات، ووضع بعد أسماء الأصنام الثلاثة عبارة (تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي) فأعجب ذلك القرشيين، وتمنوا لو يضاف هذا المديح لآلهتهم في السورة!

ولكن كيف يمكن ذلك؟ وكيف ينسجم مع السياق، والسياق كله حملة شديدة علي فكر الأصنام وأهلها؟!!

هكذا ولدت قصة الغرانيق علي ألسنة القرشيين، ولكنها كانت هذياناً ولغواً في القرآن من قريش المشركة لا أكثر!

ولكن الجريمة الكبري عندما حولت قريش المنافقة هذا اللغو في القرآن إلي آيات الغرانيق واتهمت بها النبي بعد وفاته صلي الله عليه وآله لإثبات أنه لم يكن معصوماً عصمة مطلقة لتكون كل تصرفاته وأقواله حجة، بل كان يخطئ حتي في تبليغ الوحي! وفي ذلك فوائد عديدة لقريش للالتفاف علي أوامر النبي صلي الله عليه وآله وتبرير أخطاء حكامها ومخالفاتهم لسنته!!

وهكذا سجلت مصادر السنيين قصة الغرانيق التي تزعم

أن النبي صلي الله عليه وآله قد ارتكب خيانة والعياذ بالله في نص القرآن، وشهد بالشفاعة لأصنام اللات والعزي ومناة، وسجد لها لكي ترضي عنه قريش!

وقد طار منافقو قريش بهذه القصة فرحاً، ثم طار بها فرحاً ورثتهم الغربيون!!

وقد روي الهيثمي في مجمع الزوائد:6/32 بعض روايات الغرانيق، وروي السيوطي عدداً وافراً منها في الدر المنثور: 4/194 وص 366 وبعضها صحيح السند، خلافاً لمن برّأ منها الرواة المعتمدين عند حكام قريش! قال السيوطي في/366:

وأخرج البزار والطبراني وابن مردويه والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إن رسول الله(ص)قرأ أفرأيتم اللات والعزي ومنات الثالثة الأخري تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! ففرح المشركون بذلك وقالوا قد ذكر آلهتنا! فجاء جبريل فقال: إقرأ عليَّ ما جئتك به، فقرأ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! فقال ما أتيتك بهذا، هذا من الشيطان!! فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي.. إلي آخر الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه بسند صحيح عن سعيد بن جبير... الخ!! انتهي.

وقد ورد في بعض رواياتهم الافتراء علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه سجد للاصنام! (فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لهي التي ترتجي، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة، وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها، وقالوا إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتي بلغت أرض

الحبشة فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ...).

وفي بعضها (ألقي الشيطان علي لسانه: وهي الغرانيق العلي شفاعتهن ترتجي فلما فرغ من السورة سجد وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص فإنه أخذ كفاً من تراب فسجد عليه وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت، فأرادوا أن يُقْبِلوا واشتد علي رسول الله(ص)وعلي أصحابه ما ألقي الشيطان علي لسانه فأنزل الله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ.. الآية) انتهي.

وقد تجرأ بعض العلماء السنيين وردُّوا روايات الغرانيق ولكنهم ضعفوا سندها رغم صحته عندهم، من أجل أن لا يطعنوا في مؤلفي صحاحهم والموثقين من رواتهم!

قال المجلسي في بحار الأنوار:17/56:

قوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ... قال الرازي: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول لما رأي إعراض قومه عنه شق عليه ما رأي من مباعدتهم عما جاءهم به تمني في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه علي إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ ينفروا عنه وتمني ذلك! فأنزل تعالي سورة والنجم إذا هوي، فقرأها رسول الله(ص)حتي بلغ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي ألقي الشيطان علي لسانه: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي! فلما سمعت قريش فرحوا ومضي رسول الله(ص)في قراءته وقرأ السورة كلها، فسجد المسلمون لسجوده وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد، سوي الوليد بن المغيرة وسعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلي جبهتيهما وسجدا

عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر، فلما أمسي رسول الله أتاه جبرئيل فقال: ماذا صنعت! تلوت علي الناس ما لم آتك به عن الله، وقلت ما لم أقل لك! فحزن رسول الله(ص)حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً عظيماً حتي نزل قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ.. الآية.

هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، وأما أهل التحقيق فقد قالوا: هذه الرواية باطلةٌ موضوعةٌ واحتجوا بالقرآن، والسنة، والمعقول، أما القرآن فوجوه:

أحدها: قوله تعالي: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ.

وثانيها: قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحي إلي.

وثالثها: قوله: وما ينطق عن الهوي، إن هو إلا وحيٌ يوحي.

فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية تلك الغرانيق العلي لكان قد أظهر كذب الله تعالي في الحال، وذلك لا يقول به مسلم.

ورابعها: قوله تعالي: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ، وكاد معناه قرب أن يكون لأمر كذلك مع أنه لم يحصل.

وخامسها: قوله: ولولا أن ثبتناك، وكلمة (لولا) تفيد انتفاء الشئ لإنتفاء غيره، فدل علي أن الركون القليل لم يحصل.

وسادسها: قوله: كذلك لنثبت به فؤادك.

وسابعها: قوله: سنقرئك فلا تنسي.

وأما السنة فهي أنه روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا من وضع الزنادقة، وصنف فيه كتاباً.

وقال الإمام أبوبكر البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعونون، وأيضاً فقد روي البخاري في صحيحه أنه صلي الله عليه وآله قرأ سورة (والنجم)

وسجد فيها المسلمون والمشركون والانس والجن وليس فيه حديث الغرانيق، وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق.

وأما المعقول فمن وجوه: أحدها: أن من جوز علي الرسول(ص)تعظيم الأوثان فقد كفر، لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه(ص)كان في نفي الأوثان.

وثانيها: أنه(ص)ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمناً لأذي المشركين له، حتي كانوا ربما مدوا أيديهم إليه، وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلاً أو في أوقات خلوة، وذلك يبطل قولهم.

وثالثها: أن معاداتهم للرسول صلي الله عليه وآله كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا علي حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا علي أنه عظم آلهتهم حتي خروا سجداً، مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.

ورابعها: قوله: فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته، وذلك أن أحكام الآيات بإزالة تلقية الشيطان عن الرسول أقوي من نسخه بهذه الآيات التي تنتفي الشبهة معها، فإذا أراد الله تعالي إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآناً، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلاً، أولي.

وخامسها: وهو أقوي الوجوه: أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك، ويبطل قوله تعالي: بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فإنه لا فرق بين النقصان من الوحي وبين الزيادة فيه!

فبهذه الوجوه عرفنا علي سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة، أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها لكنهم ما بلغوا حد التواتر. وخبر الواحد لا يعارض الدلائل العقلية والنقلية المتواترة... انتهي.

ولم يلتفت هذا

المفسر الكبير إلي أن الآية التي ادعوا أنها نزلت علي أثر القصة مدنية، نزلت بعد النجم بنحو عشر سنوات! كما لم يلتفت إلي أن رواية البخاري وغيره التي ذكرها هي قصة الغرانيق بعينها!

البخاري و مسلم رويا فرية الغرانيق

وينبغي أن نحسن الظن بالرازي وأمثاله الذين دافعوا عن البخاري والصحاح فقالوا إنهم لم يرووا قصة الغرانيق، حيث لم يقرؤوا الصحاح جيداً، وإلا لوجدوا فيها قصة الغرانيق بأكثر من رواية! غاية الأمر أن أصحابها حذفوا منها أن النبي صلي الله عليه وآله زاد في السورة مدح أصنام المشركين، ولكنهم ذكروا دليلاً عليه وهو سجود المسلمين والمشركين وحتي سجود أبي أحيحة أو أمية بن خلف أو غيرهما علي كف من تراب أو حصي!! فإن سجود المشركين بعد سماع القرآن لم ينقله أي مصدر علي الإطلاق في أي رواية علي الإطلاق، إلا في رواية الغرانيق! ومضافاً إلي رواية البخاري الفظيعة التي ذكرها الرازي فقد روي البخاري أيضاً في:5/7: عن عبدالله (رض) عن النبي(ص)أنه قرأ والنجم فسجد بها وسجد من معه، غير أن شيخاً أخذ كفاً من تراب فرفعه إلي جبهته فقال يكفيني هذا! قال عبد الله: فلقد رأيته بعد قتل كافراً. انتهي. ورواه مسلم في /88.

وروي البخاري أيضاً في:6/52:

عن الأسود بن يزيد عن عبد الله (رض) قال: أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم، قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف.

وقال الحاكم في المستدرك:1/221:

عن أبي إسحاق عن الاسود عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله صلي الله عليه وآله علي الناس الحج، حتي إذا قرأها سجد فسجد الناس إلا رجل أخذ

التراب فسجد عليه فرأيته قتل كافراً. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين بالإسنادين جميعاً ولم يخرجاه، إنما اتفقا علي حديث شعبة عن أبي اسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلي الله عليه وآله قرأ والنجم فذكره بنحوه، وليس يعلل أحد الحديثين الآخرين فإني لا أعلم أحداً تابع شعبة علي ذكره النجم غير قيس بن الربيع. والذي يؤدي إليه الإجتهاد صحة الحديثين، والله أعلم.

ومعني كلام الحاكم: أنه كان الأولي بالبخاري ومسلم أن يرويا رواية السجود في سورة الحج لأنها أصح، ولكنهما تركاها ورويا رواية سورة النجم!!

وقال البيهقي في سننه:2/314:

عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي(ص)سجد فيها، يعني والنجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس. رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر وغيره، عن عبد الوارث.

ورواها في مجمع الزوائد:7/115 أيضاً وصححها، قال:

قوله تعالي (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي) عن ابن عباس فيما يحسب سعيد بن جبير أن النبي(ص)كان بمكة فقرأ سورة والنجم حتي انتهي إلي (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي) فجري علي لسانه: تلك الغرانيق العلي الشفاعة منهم ترتجي، قال فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسروا بذلك، فاشتد علي رسول الله(ص)فأنزل الله تبارك وتعالي (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ) رواه البزار والطبراني وزاد إلي قوله (عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) يوم بدر. ورجالهما رجال الصحيح إلا أن الطبراني قال لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي(ص)، وقد تقدم حديث مرسل في سورة الحج أطول من هذا، ولكنه ضعيف الإسناد. انتهي.

ويقصد بالرواية الطويلة الضعيفة ما رواه في مجمع الزوائد:7/70 وقد ورد فيها:

حين

أنزل الله السورة التي يذكر فيها (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي) فقال المشركون لو كان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصاري بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر، فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي) ألقي الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت فقال: وإنهم من الغرانيق العلي، وإن شفاعتهم لترتجي، وذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها وقالوا إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله(ص)آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيراً فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول الله(ص)، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقي الشيطان علي ألسنة المشركين، وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلي النبي(ص)، وحدثهم الشيطان أن النبي(ص)قد قرأها في السجدة، فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتي بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة علي التراب علي كفه، أقبلوا سراعاً! فكبر ذلك علي رسول الله(ص)، فلما أمسي أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه فأمره فقرأ له، فلما بلغها تبرأ منها جبريل وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك!! فلما رأي ذلك رسول الله(ص)شق عليه وقال: أطعت

الشيطان وتكلمت بكلامه وشركني في أمر الله!! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ) فلما برأه الله عز وجل من سجع الشيطان وفتنته، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم، فذكر الحديث، وقد تقدم في الهجرة إلي الحبشة. رواه الطبراني مرسلاً وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة. انتهي.

فتبين من مجموع ذلك أن سند القصة في مصادر السنيين صحيح، ولا يصح القول بأن الواقدي تفرد بها، أو أن الصحاح لم تروها!!

نماذج من ردود علماء مذهب أهل البيت علي فرية الغرانيق

قال الشريف المرتضي في تنزيه الأنبياء/106:

مسألة: فإن قال فما معني قوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

أو ليس قد روي في ذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله لما رأي تولي قومه عنه شق عليه ما هم عليه من المباعدة والمنافرة وتمني في نفسه أن يأتيه من الله تعالي ما يقارب بينه وبينهم وتمكن حب ذلك في قلبه، فلما أنزل الله تعالي عليه: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي، وتلاها عليهم، ألقي الشيطان علي لسانه لما كان تمكن في نفسه من محبة مقاربتهم: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي، فلما سمعت قريش ذلك سرت به وأعجبهم ما زكي به آلهتهم، حتي انتهي إلي السجدة فسجد المؤمنون وسجد أيضاً المشركون لما سمعوا من ذكر آلهتهم بما

أعجبهم، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا مشرك إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة فإنه كان شيخاً كبيراً لا يستطيع السجود فأخذ بيده حفنة من البطحاء فسجد عليها، ثم تفرق الناس من المسجد وقريش مسرورة بما سمعت. وأتي جبرائيل عليه السلام إلي النبي صلي الله عليه وآله معاتباً علي ذلك فحزن له حزناً شديداً. فأنزل الله تعالي عليه معزياً له ومسلياً: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ.. الآية.

قلنا: أما الآية فلا دلالة في ظاهرها علي هذه الخرافة التي قَصُّوها، وليس يقتضي الظاهر إلا أحد أمرين: إما أن يريد بالتمني التلاوة كما قال حسان بن ثابت:

تمني كتاب الله أول ليله وآخره لاقي حمام المقادر

أو أريد بالتمني تمني القلب.

فإن أراد التلاوة، كان المراد من أرسلنا قبلك من الرسل، كان إذا تلا ما يؤديه إلي قومه حرفوا عليه وزادوا فيما يقوله ونقصوا، كما فعلت اليهود في الكذب علي نبيهم فأضاف ذلك إلي الشيطان، لأنه يقع بوسوسته وغروره. ثم بين أن الله تعالي يزيل ذلك ويدحضه بظهور حجته وينسخه، ويحسم مادة الشبهة به.

وإنما خرجت الآية علي هذا الوجه مخرج التسلية له صلي الله عليه وآله لما كذب المشركون عليه وأضافوا إلي تلاوته مدح آلهتهم ما لم يكن فيها.

وإن كان المراد تمني القلب، فالوجه في الآية أن الشيطان متي تمني النبي صلي الله عليه وآله بقلبه بعض مايتمناه من الأمور يوسوس إليه بالباطل ويحدثه بالمعاصي ويغريه بها ويدعوه اليها، وأن الله تعالي ينسخ ذلك ويبطله بما يرشده إليه من مخالفة الشيطان وعصيانه وترك استماع غروره.

وأما الأحاديث المروية في هذا الباب، فلا يلتفت إليها من حيث تضمنت ما قد نزهت العقول الرسل (عليهم السلام) عنه. هذا

لو لم يكن في أنفسها مطعونة ضعيفة عند أصحاب الحديث بما يستغني عن ذكره.

وكيف يجيز ذلك علي النبي صلي الله عليه وآله من يسمع الله تعالي يقول: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ يعني القرآن، وقوله تعالي: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، وقوله تعالي: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَي!

علي أن من يجيز السهو علي الأنبياء (عليهم السلام) يجب أن لا يجيز ما تضمنته هذه الرواية المنكرة لما فيها من غاية التنفير عن النبي صلي الله عليه وآله لأن الله تعالي قد جنب نبيه من الأمور الخارجة عن باب المعاصي كالغلظة والفظاظة وقول الشعر، وغير ذلك مما هو دون مدح الأصنام المعبودة دون الله تعالي.

علي أنه لا يخلو صلي الله عليه وآله _ وحوشي مما قذف به _ من أن يكون تعمد ما حكوه وفعله قاصداً أو فعله ساهياً. ولا حاجة بنا إلي إبطال القصد في هذا الباب والعمد لظهوره، وإن كان فعله ساهياً فالساهي لا يجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ المطابقة لوزن السورة وطريقها ثم لمعني ما تقدمها من الكلام، لأنا نعلم ضرورةً أن من كان ساهياً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتي يتفق منه بيت شعر في وزنها وفي معني البيت الذي تقدمه، وعلي الوجه الذي يقتضيه فائدته، وهو مع ذلك يظن أنه من القصيدة التي ينشدها. وهذا ظاهر في بطلان هذه الدعوي علي النبي صلي الله عليه وآله علي أن الموحي إليه من الله النازل بالوحي وتلاوة القرآن جبرائيل عليه السلام وكيف يجوز السهو عليه؟!

علي أن بعض أهل العلم قد قال: يمكن أن يكون وجه التباس الأمر أن رسول الله صلي الله

عليه وآله لما تلا هذه السورة في ناد غاصٍّ بأهله وكان أكثر الحاضرين من قريش المشركين فانتهي إلي قوله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وعلم في قرب مكانه منه من قريش أنه سيورد بعدها ما يسوؤهم به فيهن قال كالمعارض له والراد عليه:

تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي، فظن كثير ممن حضر أن ذلك من قوله صلي الله عليه وآله واشتبه علهيم الأمر، لانهم كانوا يلغطون عند قراءته صلي الله عليه وآله ويكثر كلامهم وضجاجهم طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته.

ويمكن أن يكون هذا أيضاً في الصلاة لانهم كانوا يقربون منه في حال صلاته عند الكعبة ويسمعون قراءته ويلغون فيها.

وقيل أيضاً إنه صلي الله عليه وآله كان إذا تلا القرآن علي قريش توقف في فصول الآيات وأتي بكلام علي سبيل الحجاج لهم، فلما تلا: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَ الْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي قال: تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي؟! علي سبيل الإنكار عليهم وأن الأمر بخلاف ما ظنوه من ذلك. وليس يمتنع أن يكون هذا في الصلاة لأن الكلام في الصلاة حينئذ كان مباحاً وإنما نسخ من بعد.

وقيل إن المراد بالغرانيق الملائكة، وقد جاء مثل ذلك في بعض الحديث فتوهم المشركون أنه يريد آلهتهم.

وقيل إن ذلك كان قرآناً منزلاً في وصف الملائكة فتلاه الرسول صلي الله عليه وآله فلما ظن المشركون أن المراد به آلهتهم نسخت تلاوته.

وكل هذا يطابق ما ذكرناه من تأويل قوله: إذا تمني ألقي الشيطان في أمنيته، لأن بغرور الشيطان ووسوسته أضيف إلي تلاوته صلي الله عليه وآله مالم يرده بها. وكل هذا واضح بحمد الله تعالي.

نهج الحق للعلامة الحلي/139:

ذهبت الإمامية كافة إلي أن الأنبياء (عليهم السلام) معصومون

عن الصغائر والكبائر ومنزهون عن المعاصي قبل النبوة وبعدها، علي سبيل العمد والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل علي الخسة والضعة.

وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوزوا عليهم المعاصي. وبعضهم جوزوا الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها، وجوزوا عليهم السهو والغلط، ونسبوا رسول الله صلي الله عليه وآله إلي السهو في القرآن بما يوجب الكفر فقالوا: إنه صلي يوماً وقرأ في سورة النجم عند قوله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي. تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي. وهذا اعتراف منه بأن تلك الأصنام ترتجي الشفاعة منها!

نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسب النبي إليها، وهي توجب الشرك، فما عذرهم عند رسول الله صلي الله عليه وآله؟!

مجمع البحرين للطريحي:4/239:

رووا أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان في الصلاة فقرأ سورة النجم في المسجد الحرام وقريش يستمعون لقراءته، فلما انتهي إلي هذه الآية: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَي، أجري إبليس علي لسانه: فإنها الغرانيق العلي وشفاعتهن لترتجي! ففرحت قريش وسجدوا وكان في ذلك القوم الوليد بن المغيرة المخزومي وهو شيخ كبير فأخذ كفاً من حصي فسجد عليه وهو قاعد، وقالت قريش: قد أقر محمد بشفاعة اللات والعزي. قال فنزل جبرئيل فقال له: قرأت ما لم أنزل به عليك! انتهي.

وقد طار أعداء الإسلام بهذه القصة كما أشرنا وشنعوا بها علي الإسلام ورسوله، محتجين بأنها وردت في مصادر المسلمين! وكان آخر من استغلها المرتد سلمان رشدي والدول التي وراءه! وقد أخذها من المستشرقين بروكلمان ومونتغمري وأمثالهما، وأخذها هؤلاء من مصادر السنيين!!

وقد نقد الباحث السوداني الدكتور عبدالله النعيم في كتابه (الاستشراق في السيرة النبوية) _ المعهد العالمي للفكر الإسلامي 1417، استغلال المسشرقين لحديث

الغرانيق ونقل في/51، افتراء بروكلمان حيث قال عن النبي صلي الله عليه وآله (ولكنه علي ما يظهر اعترف في السنوات الأولي من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن بنات الله، وقد أشار اليهن في إحدي الآيات الموحاة اليه بقوله: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترجي... ثم مالبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي)!!

ونقل الدكتور النعيم في/96 زعم مونتغمري وات (تلا محمد الآيات الشيطانية باعتبارها جزءاً من القرآن إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين أو غير المسلمين، وأن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزء من القرآن يدل علي أنه تلاها، وأن عبادة محمد بمكة لاتختلف عن عبادة العرب في نخلة والطائف..ولقد كان توحيد محمد غامضاً (!) ولا شك أنه يعد اللات والعزي ومناة كائنات سماوية أقل من الله) انتهي.

أما نحن فإننا تبعاً لأهل البيت (عليهم السلام) نرفض رواية الغرانيق من أصلها، ونعتقد أنها واحدة من افتراءات قريش الكثيرة علي النبي صلي الله عليه وآله في حياته وبعد وفاته.. ونستدل بوجودها علي أن مطلب قريش كان الإعتراف بآلهتها وشفاعتهن، وأن منافقي قريش وضعوا هذه الروايات طعناً في عصمة النبي صلي الله عليه وآله فخدموا بذلك هدف قريش المشركة، وهدف أعداء الإسلام في كل العصور!

ومع أن المستشرقين لا يحتاجون إلي الروايات الموضوعة ليتمسكوا بها، فهم يكذبون علي نبينا صلي الله عليه وآله وعلي مصادرنا جهاراً نهاراً، ولكنا نأسف لأن مصادر إخواننا السنيين روت عدة افتراءات علي النبي صلي الله عليه وآله علي أنها حقائق، منها قصة الغرانيق، ومنها قصة ورقة بن نوفل في بدء الوحي، وغيرها من الروايات المخالفة للعقل والتهذيب والاحترام الذي ينبغي

لمقام النبي صلي الله عليه وآله..ثم لم يرووا ما ورد في مصادرنا من بغض النبي لاصنام قريش منذ طفولته، ولم يرووا تكذيب أهل البيت (عليهم السلام)لرواية ورقة بن نوفل، وتأكيدهم علي الأفق المبين الذي نص عليه القرآن وبدأ فيه الوحي.

وقد ذكر الدكتور النعيم في هامش كتابه المذكور المصادر التي روت حديث الغرانيق وهي طبقات ابن سعد:1/205 وتاريخ الطبري:2/226 وتاريخ ابن الاثير:2/77 وسيرة ابن سيد الناس:1/157.. وقال في/97 (يعتبر الواقدي أول من روج لهذه الفرية ثم أخذها عنه ابن سعد والطبري وغيرهم) وقال في/98 (ولم يرو ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً، ومهما يكن من أمر فالواقدي هو أصلها. إن ما يدعو للتساؤل هو كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل!) انتهي.

ولكن عرفت أن أصحاب الصحاح رووها، فعلي الذي يرد سندها أن يرد جميع أسانيدها، لا سند الواقدي وحده!

ثم نقل الدكتور النعيم نقد القاضي عياض في كتابه (الشفا) لحديث الغرانيق سنداً ومتناً، وكذلك نقد القرضاوي في كتابه (كيف نتعامل مع السنة النبوية) ونقل عنه قوله في/93 (ومعني هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن ولهذا كان حديث الغرانيق مردوداً بلا ريب، لأنه مناف للقرآن) انتهي.

وليت بقية الباحثين من إخواننا السنيين يتمسكون بدليل مخالفة القرآن ويردون به المكذوبات التي وضعها المنافقون، وروجتها الخلافة القرشية ورواتها، وما زالت إلي عصرنا صحيحة أو موثقة!!

تنبؤ عميق للنبي حول اللات والعزي

روت مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عندهم أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر أن العرب سوف يعبدون اللات والعزي مرة أخري!

فقد روي مسلم في صحيحه:8/182:

عن أبي سلمة عن عائشة قالت: سمعت رسول الله(ص)يقول: لا يذهب الليل والنهار حتي تعبد اللات والعزي! فقلت يا رسول

الله إن كنت لأظن حين أنزل الله: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ، أن ذلك تاماً. قال: إنه سيكون من ذلك ما شاء الله انتهي.

ورواه الحاكم في مستدركه:4/446 وص 549 وقال في الموردين (هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه) ورواه البيهقي في سنه:9/181 ورواه الهندي في كنز العمال:14/211 وقال عنه السيوطي في الدر المنثور:6/61: وأخرج مسلم والحاكم وصححه.. وقال عن الحديث الأول في:3/231 أخرج أحمد ومسلم والحاكم وابن مردويه عن عائشة. انتهي.

وإذا صحت هذه الأحاديث فتفسيرها أن بعض العرب سوف يكفرون في المستقبل، ويرجعون إلي عبادة اللات والعزي!

ولكن الاقرب أن يكون مقصوده صلي الله عليه وآله أن الأمة سوف تنحرف من بعده وتطيع شخصين من دون الله تعالي، ويكون لهما تأثير اللات والعزي.. لأن من أطاع شخصاً في معصية الله تعالي أو من دون أمره، فقد عبده من دون الله تعالي!!

والنتيجة التي نخلص بها من هذا البحث، أن الشفاعة كانت معروفة عند مشركي العرب، وكان يهمهم أن يثبتوا هذه المنزلة لاصنامهم..وهي نقطة تنفعنا في فهم السبب لوضع بعض الأحاديث التي تدعي توسيع شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله لتشمل كل قريش وكل المنافقين وغيرهم، وتحل محل شفاعة اللات والعزي، وتضاهي شفاعة اليهود المزعومة لقوميتهم!!

كليات الشفاعة في القرآن

آيات الشفاعة و عناوينها

الشفاعة الحسنة والشفاعة السيئة في الدني

مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَ كَانَ اللَّهُ عَلَي كُلِّ شَئٍْ مُقِيتًا. النساء: 85.

الشفعاء يوم القيامة يشفعون بعهد من الله تعالي

لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا. مريم: 87.

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا. طه: 109.

الاولياء المكرمون ينفعون مواليهم بفاعتهم

إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ. يَوْمَ لا يُغْنِي مَوْلًي عَنْ مَوْلًي شَيْئًا وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ. إِلا مَنْ رَحِمَ اللهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ. الدخان: 40 _ 42.

عباد الله المكرمون كلهم شفعاء

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء: 26 _ 28.

الشهداء بالحق شفعاء

وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. الزخرف: 86.

الملائكة يشفعون للناس بإذن الله تعالي

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَ يَرْضَي. النجم: 26

الشفيع الأكبر

عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 5

لا شفاعة من دون الله تعالي

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إلي رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. الانعام: 51

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَ لا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. السجدة: 4

لا شفاعة إلا بإذنه و من بعد إذنه

اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَاخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَئٍْ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. البقرة: 255

إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. يونس: 3

وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّي إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. سبأ: 23

وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي. النجم: 26

الشفعاء المزعومون لا شفاعة لهم

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ. يونس: 18

وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَي كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَي مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ. الأنعام: 94

وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاءُ وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ. الروم: 13

أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. يس: 23

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. الزمر: 43 _ 44

لا شفاعة في يوم القيامة كشفاعة الدني

وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 48

وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ. البقرة: 123

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَاتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ. البقرة: 254

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ. الأنعام: 70

فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ، وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. الشعراء: 100 _ 101

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. المدثر: 48

الكفار يبحثون بحثا حثيثا عن الشفعاء

هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَاوِيلَهُ يَوْمَ يَاتِي تَاوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. الأعراف: 53

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا. النبأ: 38

لا شفاعة للظالمين

وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الأَزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَي الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ. غافر: 18

وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّي أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ. المدثر: 46-48

شفاعة نبينا

تفسير (المقام المحمود) لنبينا

قال الله تعالي: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلي غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا صلي الله عليه وآله في المحشر

لعل أقوي نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله صلي الله عليه وآله بأن يكرمه به يوم القيامة، ما رواه الصدوق عن علي عليه السلام، فقد بين فيه أن ليوم القيامة مراحل ومراسم قبل الحساب، وأن المقام المحمود لنبينا صلي الله عليه وآله يبدأ في أوائل مراحل ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة (الفريدة) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله تعالي فيها أنواع المحامد لربه تعالي نيابة عن الخلائق، ويعطي علي أثرها لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر..

قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل/255 - 262:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال:

يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل.

قال له عليه السلام: ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل!

قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه.

فقال علي بن أبي طالب عليه السلام: إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل.

قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، وقال أيضاً: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ، وقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فمرة يخبر أنه ينسي ومرة يخبر أنه لا ينسي، فأني ذلك يا أمير المؤمنين!

قال: هات ما شككت فيه أيضاً....

فقال علي عليه السلام: قُدُّوسٌ ربنا قدوس، تبارك وتعالي علواً كبيراً، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول، ولا نشك فيه، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير، وأن الكتاب حق، والرسل حق، وأن الثواب والعقاب حق، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك، وإن يكن شراً ضللت وهلكت.

أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً، فصاروا منسيين من الخير

وكذلك تفسير قوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وأما قوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، فإن ربنا تبارك وتعالي علواً كبيراً ليس بالذي ينسي ولا يغفل، بل هو الحفيظ العليم، وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نَسِيَنَا فلان فلا

يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل؟ قال: نعم، فرجت عني فرج الله عنك، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك.

فقال عليه السلام: وأما قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا، وقوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ، وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وقوله: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ، وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَي أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فإن ذلك في موطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة! يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضاً، ويستغفر بعضهم لبعض، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا. ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا علي الظلم والعدوان في دار الدنيا، الرؤساء والأتباع من المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً. والكفر في هذه الآية: البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: إني كفرت بما أشركتمون من قبل، وقول إبراهيم خليل الرحمن: كفرنا بكم، يعني تبرأنا منكم.

ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه، فلو أن تلك الاصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله، فلا يزالون يبكون الدم.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين، فيختم الله تبارك وتعالي علي أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا،

قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ.

ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون، فيفر بعضهم من بعض، فذلك قوله عز وجل: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَ صَاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ، فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا، فيقوم الرسل صلي الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن، فذلك قوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنَا بِكَ عَلَي هَؤُلاءِ شَهِيدًا.

ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد صلي الله عليه وآله وهو المقام المحمود فيثني علي الله تبارك وتعالي بما لم يثن عليه أحد قبله، ثم يثني علي الملائكة كلهم فلا يبقي ملك إلا أثني عليه محمد صلي الله عليه وآله، ثم يثني علي الرسل: بما لم يثن عليهم أحد قبله، ثم يثني علي كل مؤمن ومؤمنة، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض، فذلك قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فطوبي لمن كان له في ذلك المقام حظ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب.

ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض، وهذا كله قبل الحساب، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه. نسأل الله بركة ذلك اليوم.

قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين، وحللت عني عقدةً، فعظم الله أجرك. انتهي. ورواه في بحار الأنوار:7/119

الصحيفة السجادية:1/37:

اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك، والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين يديك، والناطق إذا خرست الألسن في الثناء عليك.

اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لامته، وأَرِ أهل الموقف من النبيين وأتباعهم تمكن منزلته، وأوهل أبصار أهل المعروف العلي بشعاع نور درجته، وقفه في المقام

المحمود الذي وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته، مما كان اجتهادهم فيه تحرياً لمرضاتك ومرضاته، وما لم يكن تأليباً علي دينك ونقضاً لشريعته، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته، واجعلنا ممن تكثر به وارديه، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده، واسقنا منه كأساً روياً لا نظمأ بعده.

وروي في بحار الأنوار:7/335 عن تفسير فرات الكوفي:

عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود، وهو واف لي به. إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتي أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل عليه السلام بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فأقول لعلي: إصعد فيكون أسفل مني بدرجة، فأضع لواء الحمد في يده، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها، فهي قول الله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. انتهي.

ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيراً مقنعاً لتثنية الخطاب في هذه الآية، إلا هذا الحديث!

تفسير القمي:2/25:

وأما قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب، عن زرعة، عن سماعة، عن أبي عبدالله عليه السلام

قال: سألته عن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة؟ فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون: إنطلقوا بنا إلي آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون: يا آدم إشفع لنا عند ربك، فيقول: إن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح، فيأتون نوحاً فيردهم إلي من يليه، ويردهم كل نبي إلي من يليه، حتي ينتهوا إلي عيسي فيقول: عليكم بمحمد رسول الله، فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول: إنطلقوا، فينطلق بهم إلي باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله، فيقول الله: إرفع رأسك واشفع تشفع، واسأل تعط، وذلك هو قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. انتهي. ورواه في تفسير نور الثقلين: 3/206.

تفسير العياشي:2/314:

عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن هل له شفاعة؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمد يومئذ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً، وما من أحد إلا ويحتاج إلي شفاعة محمد يومئذ. قال وسأله رجل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر؟ قال: نعم يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع، أطلب تعط، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك، إشفع تشفع واطلب تعط، ثم يرفع رأسه فيشفع، فيشفع ويطلب فيعطي.

روضة الواعظين/500:

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: المقام الذي أشفع فيه لامتي.

وفي/273: وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم، والله لا تشفعت فيمن آذي ذريتي

تفسير التبيان:6/512:

وقوله: عسي أن يبعثك ربك

مقاماً محموداً، معناه متي فعلت ما ندبناك إليه من التهجد يبعثك الله مقاماً محموداً، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة، وقال قوم: المقام المحمود: إعطاؤه لواء الحمد. وعسي من الله واجبة.

وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/491:

ولرسول الله صلي الله عليه وآله محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم، له اللواء المعقود لواء الحمد، والحوض المورود، والمقام المحمود، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية، والدرجة المنيعة علي جميع النبيين وأتباعهم. وكل شئ خص به من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته علي رعيته أميرالمؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب عليه السلام شريك فيه، وهو صاحب الاعراف، وقسيم الجنة والنار، بنصه الصريح وقوله الفصيح.

وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوانٌ عليه ومساهمون فيه، حسب ما أخبر به وأشار بذكره.

ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإيمان دون من سواهم.

ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) في مواعظ الله تعالي لنبيه عيسي عليه السلام وشاهدنا منه الفقرة الأخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا صلي الله عليه وآله وشفاعته، لكن نورده كاملاً لكثرة فوائده.

فقد روي الكليني في الكافي:8/131:

عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن علي بن أسباط، عنهم (عليهم السلام) فيما وعظ الله عز وجل به عيسي عليه السلام:

يا عيسي، أنا ربك ورب آبائك إسمي واحد، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شي، وكل شئ من صنعي، وكل إليَّ راجع.

يا عيسي، أنت المسيح

بأمري، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني، وأنت تحيي الموتي بكلامي، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً، ولن تجد مني ملجأً إلا إليَّ.

يا عيسي، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتي حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت، إشهد أنك عبدي ابن أمتي، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك، وتقرب إلي بالنوافل، وتوكل عليَّ أكفك، ولا توكل علي غيري فآخذ لك.

يا عيسي، إصبر علي البلاء وارض بالقضاء، وكن كمسرتي فيك، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصي.

يا عيسي، أحي ذكري بلسانك، وليكن ودي في قلبك.

يا عيسي، تيقظ في ساعات الغفلة، واحكم لي لطيف الحكمة.

يا عيسي، كن راغباً راهباً، وأمت قلبك بالخشية.

يا عيسي، راع الليل لتحري مسرتي، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي.

يا عيسي، نافس في الخير جهدك، تعرف بالخير حيثما توجهت.

يا عيسي، أحكم في عبادي بنصحي، وقم فيهم بعدلي، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان.

يا عيسي، لا تكن جليساً لكل مفتون.

يا عيسي، حقاً أقول: ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي، ولا خشعت لي إلا رجوت ثوابي، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي.

يا عيسي ابن البكر البتول، إبك علي نفسك بكاء من ودع الاهل وقلي الدنيا وتركها لاهلها، وصارت رغبته فيما عند إلهه.

يا عيسي، كن مع ذلك لين الكلام وتفشئ السلام، يقظان إذا نامت عيون الابرار، حذراً للمعاد والزلازل الشداد، وأهوال يوم القيامة، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال.

يا عيسي، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون.

يا عيسي، كن خاشعاً صابراً، فطوبي لك إن نالك

ما وعد الصابرون.

يا عيسي، رح من الدنيا يوماً فيوماً، وذق لما قد ذهب طعمه، فحقاً أقول: ما أنت إلا بساعتك ويومك، فرح من الدنيا ببلغة، وليكفك الخشن الجشب، فقد رأيت إلي ما تصير، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت.

يا عيسي، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك، ولا تقهر اليتيم.

يا عيسي، إبك علي نفسك في الخلوات، وانقل قدميك إلي مواقيت الصلوات واسمعني لذاذة نطقك بذكري، فإن صنيعي إليك حسن.

يا عيسي، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها.

يا عيسي، إرفق بالضعيف، وارفع طرفك الكليل إلي السماء وادعني، فإني منك قريب، ولا تدعني إلا متضرعاً إليَّ، وهمك هماً واحداً، فإنك متي تدعني كذلك أجبك.

يا عيسي، إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك، ولا عقاباً لمن انتقمت منه.

يا عيسي، إنك تفني وأنا أبقي، ومني رزقك، وعندي ميقات أجلك، وإليَّ إيابك، وعليَّ حسابك، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة.

يا عيسي، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر، الأشجار كثيرة وطيبها قليل، فلا يغرنك حسن شجرة حتي تذوق ثمرها.

يا عيسي، لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان، يأكل رزقي ويعبد غيري، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه، ثم يرجع إلي ما كان عليه، فعليَّ يتمرد؟ أم بسخطي يتعرض! فبي حلفت لاخذنه أخذةً ليس له منها منجاً ولا دوني ملجأ، أين يهرب من سمائي وأرضي؟!

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم، والأصنام في بيوتكم، فإني آليت أن أجيب من دعاني، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتي يتفرقوا.

يا عيسي، كم أطيل النظر، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون، تخرج الكلمة من أفواههم لا

تعيها قلوبهم، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلي المؤمنين يا عيسي، لتكن في السر والعلانية واحداً، وكذلك فليكن قلبك وبصرك، واطو قلبك ولسانك عن المحارم، وكف بصرك عما لا خير فيه، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة، ووردت به موارد حياض الهلكة.

يا عيسي، كن رحيماً مترحماً، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الأهلين، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد، واذكرني بالصالحات حتي أذكرك.

يا عيسي، تب إليَّ بعد الذنب، وذكر بي الأوابين، وآمن بي وتقرب بي إلي المؤمنين، ومرهم يدعوني معك، وإياك ودعوة المظلوم، فإني آليت علي نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول، وأن أجيبه ولو بعد حين.

يا عيسي، إعلم أن صاحب السوء يُعدي، وقرين السوء يردي، واعلم من تقارن واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين.

يا عيسي، تب إلي، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره، وأنا أرحم الراحمين. إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون، فيه أجزي بالحسنة أضعافها، وإن السيئة توبق صاحبها، فامهد لنفسك في مهلة، ونافس في العمل الصالح، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار.

يا عيسي، إزهد في الفاني المنقطع، وطأ رسوم منازل من كان قبلك، فادعهم وناجهم، هل تحس منهم من أحد، وخذ موعظتك منهم، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين.

يا عيسي، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالأدهان: ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه، سيصطلم مع الهالكين.

طوبي لك يا ابن مريم ثم طوبي لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحماً، وبدأ النعم منه تكرماً، وكان لك

في الشدائد. لا تعصه يا عيسي فإنه لا يحلك عصيانه. قد عهدت إليك ما عهدت إلي من كان قبلك وأنا علي ذلك من الشاهدين.

يا عيسي، ما أكرمت خليقة بمثل ديني، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي.

يا عيسي، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن، فإنك إليَّ راجع.

يا عيسي، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً من غير تكدير، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلت به عليها، لتكون من الهالكين.

يا عيسي، تزين بالدين وحب المساكين، وامش علي الأرض هوناً، وصل علي البقاع، فكلها طاهر.

يا عيسي، شمر فكل ما هو آت قريب، واقرأ كتابي وأنت طاهر، وأسمعني منك صوتاً حزيناً.

يا عيسي، لا خير في لذاذة لا تدوم، وعيش من صاحبه يزول.

يا ابن مريم، لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه، فليس كدار الآخرة دار، تجاور فيها الطيبون، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون، دارٌ لا يتغير فيها النعيم، ولا يزول عن أهلها.

يا ابن مريم، نافس فيها مع المتنافسين، فإنها أمنية المتمنين، حسنة المنظر، طوبي لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً، كذلك أفعل بالمتقين.

يا عيسي، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب، ونار ذات أغلال وأنكال، لا يدخلها روح، ولا يخرج منها غم أبداً، قطع كقطع الليل المظلم، من ينج منها يفز، ولن ينجو منها من كان من الهالكين، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين، وكل فظ غليظ، وكل مختار فخور.

يا عيسي، بئست الدار لمن ركن إليها، وبئس

القرار دار الظالمين، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيراً.

يا عيسي، كن حيث ما كنت مراقباً لي، واشهد علي أني خلقتك وأنت عبدي.

يا عيسي لا يصلح لسانان في فم واحد، ولا قلبان في صدر واحد، وكذلك الأذهان.

يا عيسي، لا تستيقظن عاصياً، ولا تستنبهن لاهياً، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها، واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين، فكن مني علي حذو العم. إن دنياك مؤديتك إليَّ وإني آخذك بعلمي، فكن ذليل النفس عند ذكري، خاشع القلب حين تذكرني، يقظاناً عند نوم الغافلين.

يا عيسي، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك، فخذها مني، وإني رب العالمين.

يا عيسي، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله عليَّ، وكنت عنده حين يدعوني، وكفي بي منتقماً ممن عصاني، أين يهرب مني الظالمون؟

يا عيسي، أطب الكلام، وكن حيثما كنت عالماً متعلماً.

يا عيسي، أفض بالحسنات إليَّ، حتي يكون لك ذكرها عندي، وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب.

يا عيسي، لا تأمن إذا مكرت مكري، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري.

يا عيسي، حاسب نفسك بالرجوع إلي، حتي تتنجز ثواب ما عمله العاملون، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين.

يا عيسي، كنت خلقاً بكلامي، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل، الامين من ملائكتي، حتي قمت علي الأرض حياً تمشئ كل ذلك في سابق علمي.

يا عيسي، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً، ونظيرك يحيي من خلقي، وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي. أحبكم إلي أطوعكم لي، وأشدكم خوفاً مني.

يا عيسي، تيقظ ولا تيأس من روحي، وسبحني مع

من يسبحني، وبطيب الكلام فقدّسني.

يا عيسي، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي، وتقلبهم في أرضي، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي، وكذلك يهلك الكافرون.

يا عيسي، إن الدنيا سجن منتن الريح، وحسن فيها ما قد تري مما قد تذابح عليه الجبارون، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول، وما نعيمها إلا قليل.

يا عيسي، إبغني عند وسادك تجدني، وادعني وأنت لي محب، فإني أسمع السامعين، أستجيب للداعين إذا دعوني.

يا عيسي، خفني وخوف بي عبادي، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون.

يا عيسي، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه، فكل هذا أنا خلقته، فإياي فارهبون.

يا عيسي، إن الملك لي وبيدي، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين.

يا عيسي، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضي من رضي عنك، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين.

يا عيسي، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي، واذكرني في ملاك أذكرك في ملا خير من ملا الآدميين.

يا عيسي، أدعني دعاء الغريق الحزين، الذي ليس له مغيث.

يا عيسي، لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشئ غضباً. الدنيا قصيرة العمر طويلة الامل وعندي دار خير مما تجمعون.

يا عيسي، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين.

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم، أبي تغترون أم علي تجترئون؟! تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة، كأنكم أقوام ميتون!

يا عيسي، قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا، وأقبلوا علي بقلوبكم، فإني لست أريد صوركم.

يا عيسي، إفرح بالحسنة

فإنها لي رضي، وابك علي السيئة فإنها شين، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الايسر، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك، وأعرض عن الجاهلين.

يا عيسي، ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها، وكن عليهم شهيداً. وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء والجلساء عليه، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير.

يا عيسي، قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقاً مني، وأنتم بالضحك تهجرون، أتتكم براءتي، أم لديكم أمان من عذابي، أم تعرضون لعقوبتي؟! فبي حلفت لاتركنكم مثلاً للغابرين.

ثم أوصيك يابن مريم البكر البتول، بسيد المرسلين وحبيبي، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر، والوجه الأقمر، المشرق بالنور، الطاهر القلب، الشديد البأس، الحيي المتكرم، فإنه رحمة للعالمين، وسيد ولد آدم يوم يلقاني، أكرم السابقين عليَّ وأقرب المرسلين مني، العربي الامين، الديان بديني، الصابر في ذاتي، المجاهد المشركين بيده عن ديني، أن تخبر به بني إسرائيل، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه، وأن ينصروه.

قال عيسي: إلهي من هو حتي أرضيه، فلك الرضا؟ قال: هو محمد رسول الله إلي الناس كافة، أقربهم مني منزلة، وأحضرهم شفاعة، طوبي له من نبي، وطوبي لامته إن هم لقوني علي سبيله، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء، أمين ميمون، طيب مطيب، خير الباقين عندي، يكون في آخر الزمان، إذا خرج أرخت السماء عزاليها، وأخرجت الأرض زهرتها، حتي يروا البركة، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه، كثير الازواج، قليل الأولاد، يسكن بكة، موضع أساس إبراهيم.

يا عيسي، دينه الحنيفية، وقبلته يمانية، وهو من حزبي وأنا معه، فطوبي له ثم طوبي له، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً،

له حوض أكبر من بكة إلي مطلع الشمس، من رحيق مختوم، فيه آنية مثل نجوم السماء، وأكواب مثل مدر الأرض، عذب فيه من كل شراب، وطعم كل ثمار في الجنة، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه. علي فترة بينك وبينه، يوافق سره علانيته، وقوله فعله، لايأمر الناس إلا بما يبدأهم به، دينه الجهاد في عسر ويسر، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم. علي دين إبراهيم، يسمي عند الطعام، ويفشئ السلام، ويصلي والناس نيام، له كل يوم خمس صلوات متواليات، ينادي إلي الصلاة كنداء الجيش بالشعار، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها، ويخشع لي قلبه ورأسه، النور في صدره والحق علي لسانه، وهو علي الحق حيثما كان أصله. يتيمٌ ضال برهة من زمانه عما يراد به، تنام عيناه ولاينام قلبه، له الشفاعة، وعلي أمته تقوم الساعة، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث علي نفسه ومن أوفي بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه، ولا يحرفوا سنته، وأن يقرؤوه السلام، فإن له في المقام شأناً من الشأن. انتهي.

وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة، ولكن فيه أفكاراً وأموراً مهمة يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسي عليه السلام بالنصوص التي تشابهها من الانجيل والتوراة، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها.

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا

مسند أحمد:2/441:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: هو المقام الذي أشفع لامتي فيه.

الدر المنثور:4/197:

أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس

يصيرون يوم القيامة جثاء، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا، حتي تنتهي الشفاعة إلي النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص)في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي.

وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: المقام المحمود الشفاعة.

وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال مقام الشفاعة.

وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص (رض) قال: سئل رسول الله(ص)عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة.

الدر المنثور:4/198:

وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان (رض) قال: يقال له: سل تعطه، يعني النبي(ص)، واشفع تشفع، وادع تجب، فيرفع رأسه فيقول: أمتي مرتين أو ثلاثاً فقال سلمان (رض): يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان، أو مثقال شعيرة من إيمان، أو مثقال حبة خردل من إيمان. قال سلمان (رض): فذلكم المقام المحمود.

الدر المنثور:5/98:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتي بدت نواجذه ثم قال: إني كنت في صلبه، وهبط إلي الأرض وأنا في صلبه، وركبت السفينة في صلب أبي نوح، وقذفت في النار في صلب أبي ابراهيم، لم يلتق أبواي قط علي سفاح، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلي الارحام الطاهرة، مصفي مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، قد أخذ الله

بالنبوة ميثاقي وبالإسلام هداني وبين في التوراة والإنجيل ذكري، وبين كل شئ من صفتي في شرق الأرض وغربها، وعلمني كتابه، ورقي بي في سمائه، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر، وأنا أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني في خير قرون أمتي، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. انتهي.

ورواه في كنز العمال:12/427 وأضاف فيه: قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت في النبي (ص):

من قبلها طبت في الظلال وفي مستودع حيث يخصف الورقُ

ثم سكنت البلاد لا بشرٌ أنت ولا نطفة ولا عل_ق

مطهر تركب السفين وق_د ألجم أهل الضلالة الغ_رق

تنقل من صلب إلي رحم إذا مضي عالم بدا طبق

تفسير الطبري:15/97:

وقوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، عن ابن عباس قال: المقام المحمود مقام الشفاعة..

ومثله في طبقات المحدثين بأصبهان:1/201 عن جابر وأبي سعيد مرفوعاً وفي مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:1 جزء 2/165 عن ابن عباس.

الشفا للقاضي عياض:1/188:

فصل في تفضيله(ص)بالشفاعة والمقام المحمود، قال الله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا... عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثي، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا يا فلان إشفع لنا، حتي تنتهي الشفاعة إلي النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود.

تفسير الرازي:11 جزء 21/31:

قال الواحدي: أجمع المفسرون علي أنه (المقام المحمود) مقام الشفاعة... إن احتياج الإنسان إلي دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلي تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة به إلي تحصيلها. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا

مَحْمُودًا، هو الشفاعة في إسقاط العقاب. انتهي. وراجع التفسير الوسيط للنيسابوري:3/122.

وقال في: 16 جزء 32/127: قوله تعالي: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ، الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة... شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

تفسيرهم الذي فيه تجسيم

صحيح البخاري:8/183:

فأستأذن علي ربي في داره! فيؤذن لي عليه، فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول: إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضاً يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فاستأذن علي ربي في داره! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً، فيدعني ماشاء الله أن يدعني ثم يقول: إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال ثم أشفع، فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلي ربي في داره! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ماشاء الله أن يدعني، ثم يقول إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه، قال فأرفع رأسي فأثني علي ربي بثناء وتحميد يعلمنيه، قال ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، حتي ما يبقي في النار إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود.قال: ثم تلا الآية: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم(ص). ونحوه في صحيح مسلم:1/123 ومسند أحمد: 3/244 وشبيهه في مسند أحمد:1/398 وسنن الترمذي:4/370 ومستدرك الحاكم:4/496 والدر المنثور:3/87 عن

الطبري.

وفي الدر المنثور:6/257 في قصة الدجال:

عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال... إلي آخر الرواية. وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم.

وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه:2 جزء 4/105 وج 3 جزء 5/146 وص 225 وص 228 وج 7/203 وج 8/172 وص 183 وص 200 وص 203 من حديث الشدة التي تكون علي الناس في المحشر حتي يلجؤون (كذا) إلي آدم وغيره من الأنبياء فيحولونهم علي نبينا صلي الله عليه وآله فيشفع إلي الله تعالي فيشفعه. وروي ذلك في كنز العمال:2/26 وغيره.

سنن الدارمي:2/325:

عن ابن مسعود عن النبي(ص)قال قيل له: ما المقام المحمود؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالي علي كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به، وهو كسعة ما بين السماء والأرض، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً، فيكون أول من يكسي إبراهيم، يقول الله تعالي إكسوا خليلي فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة، ثم أكسي علي أثره، ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون. انتهي.

ورواه الحاكم في:2/364 والبغوي في مصابيحه:3/552 والهندي في كنز العمال:14/412 والسيوطي في الدر المنثور:3/84 وروي نحوه في الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324 قال: وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل: يا رسول الله ما المقام المحمود؟ قال...

وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش..فقال رسول الله(ص)... وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد! انتهي. ورواه

في كنز العمال: 14/636.

وفي فردوس الأخبار:3/85:

عن ابن عمر: عسي الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، يجلسني معه علي السرير.

وفي:4/298 عن أنس بن مالك: من كرامتي علي ربي عز وجل قعودي علي العرش.

مجمع الزوائد:7/51:

وعن ابن عباس أنه قال في قول الله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، يجلسه بينه وبين جبريل ويشفع لأمته، فذلك المقام المحمود. ورواه السيوطي في الدر المنثور:4/198.

وروي البيهقي في دلائل النبوة:5/481:

يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلي الله وهو جالس علي كرسيه.

وقال الشوكاني في فتح القدير:3/316:

إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً معه علي كرسيه حكاه ابن جرير... وقد ورد في ذلك حديث.

وفي تاريخ بغداد:3/22 عن ليث بن مجاهد في قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: يقعده معه علي العرش..

وفي تاريخ بغداد:8/52:

عن عبدالله بن خليفة قال قال رسول الله (ص): الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد!

قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبوبكر بن سلم العابد حين قدمنا إلي بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة، فكتبه أبوبكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً، وقال أبوبكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد(ص)ليجلسه عليه! قال أبوبكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن علي أبي بكر المروزي، وعلي أبي بكر بن سلم العابد!!

القعود علي العرش فكرة يهودية مسيحية

قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي/122:

سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع علي مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَي

أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، ما المراد من المقام المحمود؟ ذهب الحنابلة... إلي أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله يقعد النبي معه علي العرش... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في انجيل مرقص 16 - 19، وآخرون ذهبوا إلي أن المقام المحمود... هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها النبي. انتهي.

وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية أن أفكار التجسيم والصفات المادية لله تعالي وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة الإسلامية، وأضاف اليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلي جنب الله تعالي! بينما روي اليهود إجلاس موسي وداود إلي جنبه! وروي المسيحيون جلوس عيسي علي السرير إلي جنب أبيه!! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصاري.

ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا صلي الله عليه وآله إنه لا يجلس إلي جنب الله تعالي بل (يلقي) له كرسيٌّ في جنب المجلس مثلاً فيجلس عليه!

قال البيهقي في دلائل النبوة:5/486: عن عبد الله بن سلام: وينجو النبي (ص) والصالحون معه، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم.. حتي ينتهي إلي الله عز وجل فيلقي له كرسي. انتهي.

وسوف تعرف في بحث الشفيع الأول أن مصادر السنيين تأثرت بالاسرائيليات وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا صلي الله عليه وآله وجعلته الشفيع الرابع.

قال السيوطي في الدر المنثور:4/198: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود (رض) قال: يأذن الله تعالي في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل عليه السلام ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسي وموسي (عليهم السلام) ثم يقوم نبيكم(ص)رابعاً ليشفع... ورواه الحاكم في المستدرك: 4/496 بسند صحيح

علي شرط الشيخين!!

أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الأثير في تاريخه:5/121 فقال: (في سنة 317 ه_) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة، ودخل كثير من الجند فيها، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، هو أن الله سبحانه يقعد النبي (ص) معه علي العرش! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلي كثيرة. انتهي.

وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام: 23/384 وأنها بسبب تفسير آية المقام المحمود، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده علي عرشه كما قال مجاهد. وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمي.

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود علي العرش

قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 1/570:

قال الإمام الطحاوي رحمه الله: والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته، ولا نأمن عليهم، ولا نشهد لهم بالجنة، ونستغفر لمسيئهم، ونخاف عليهم ولا نقنّطهم.

الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم)ومن تلك الآيات قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 3 وقال تعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء: 79 وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما [1] .

وقال الله تعالي: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلا.طه: 109. وقال تعالي: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. يونس: 3.

وفي شفاعة الملائكة قوله تعالي: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ.. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. الأنبياء:

78.

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/170:

وهذا الخلال يقول في سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي [2] من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: عسي أن يبعثك ربك مقاماً محموداً، قال يقعده علي العرش [3] فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه.

أقول: ومن العجيب الغريب أن الآلباني ينكر هذا، ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً ويحكم علي هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف! فهل هؤلاء جهمية! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم!

ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد (صلي الله عليه وآله) بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي (صلي الله عليه وآله) والدليل علي ما قلناه قول الخلال هناك/237: (وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضيلة الرسول(ص)فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام!!) وقال/234 ناقلاً (وأنا أشهد علي هذا الترمذي أنه جهمي خبيث)! انتهي.

[1] أنظر البخاري 3 - 338 و 8 - 399 و 13 - 422 ومسلم 1 - 179. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد علي العرش بجنب الله! تعالي الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً، وهم يعتمدون علي ذلك علي ما يروي عن مجاهد بسند ضعيف من

أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1 - 209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء!.

[2] مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي ;. ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك/232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 (كنت أظنه جهم، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلي معرفته) فيا للعجب!!.

[3] وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد (صلي الله عليه وآله) بجنب الله تعالي علي العرش! تعالي الله عن ذلك علواً كبيراً! والدليل عليه قول الخلال هناك/244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد قال: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، قال: يجلسه معه علي العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية.

تفسير قوله تعالي (و لسوف يعطيك ربك فترضي)

قال الله تعالي: وَالضُّحَي وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَي مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَي وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. الضحي: 1 - 5.

والعطاء في الآية مطلق شامل لانواع ما يعطيه الله تعالي لرسوله صلي الله عليه وآله ومن الطبيعي أن يكون عطاء عظيماً متناسباً مع كرم الله تعالي علي حبيبه أشرف الخلق وسيد المرسلين صلي الله عليه وآله.. ولم تنص الآية علي أنه الشفاعة ولكن بعض الأحاديث نصت

علي ذلك، وبعضها نص علي أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب، وبعضها نص علي أنه العطاء في الجنة، وبعضها أطلق..وبعضها قال إنها الشفاعة في أهل بيته وأمته..وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته صلي الله عليه وآله بحيث لا يدخل أحد منها النار أبداً! ولكن ذلك لا يصح لأنه مخالف لما ثبت عنه صلي الله عليه وآله من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهي، كما ستعرف.

تفسير الآية بالعطاء الالهي الاعم من الشفاعة

تفسير القمي:2/427:

حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسي بن الحسن بن علي بن أبي حمزة، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله: وللآخرة خير لك من الأولي، قال: يعني الكرة هي الآخرة للنبي صلي الله عليه وآله. قلت قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يعطيك من الجنة فترضي. ورواه في مختصر بصائر الدرجات/47 وفي بحار الأنوار:53/59 وفي تفسير نور الثقلين:5/594.

تفسير التبيان:10/369:

قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضي النبي صلي الله عليه وآله به ويؤثره.

تأويل الآيات:2/810:

قوله تعالي: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. تأويله ما رواه محمد بن العباس رحمه الله عن أبي داود، عن بكار، عن عبد الرحمان، عن إسماعيل بن عبدالله، عن علي بن عبد الله بن العباس قال: عرض علي رسول الله صلي الله عليه وآله ما هو مفتوح علي أمته من بعده كفراً كفراً فسرَّ بذلك فأنزل الله عز وجل: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك، وفي كل قصر

ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وقوله: كفراً كفراً أي قرية، والقرية تسمي كفراً. انتهي.

ورواه في الدر المنثور:6/361:

عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال... الخ.

وقال: أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (ص): عرض عليَّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني، فأنزل الله: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي.

بحار الأنوار:16/136:

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الكرامة، أو في الدنيا أيضاً من إعلاء الدين وقمع الكافرين.

سيرة ابن هشام:1/278:

قال ابن إسحاق: ثم فتر الوحي عن رسول الله(ص)فترةً من ذلك حتي شق ذلك عليه فأحزنه، فجاءه جبريل بسورة الضحي يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به: ما ودَّعه وماقلاه، فقال تعالي: وَالضُّحَي وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَي، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَي، يقول: ما صرمك فتركك، وما أبغضك منذ أحبك. وللآخرة خير لك من الأولي، أي لَمَا عندي من مرجعك إليَّ خيرٌ لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا. ولسوف يعطيك ربك فترضي، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة.

تفسيرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقا

تفسير فرات الكوفي/570:

فرات قال: حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً: عن حرب بن شريح البصري قال: قلت لمحمد بن علي (عليهما السلام): أي آية في كتاب الله أرجي؟ قال: مايقول فيها قومك قال قلت يقولون: يا عبادي الذين أسرفوا علي أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله، قال: لكنا أهل البيت لا نقول ذلك. قال قلت: فأيش تقولون فيها؟ قال نقول: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي،

الشفاعة والله، الشفاعة والله الشفاعة. ورواه في بحار الأنوار:8/57.

وقال في هامش تفسير فرات:

وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن الحسين بن محمد بن حبيش المقري، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي، عن محمد بن أحمد المرادي، عن حرب بن شريح البزاز، عن محمد بن علي الباقر، عن ابن الحنفية، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أشفع لامتي حتي ينادي ربي: رضيت يا محمد؟ فأقول: رب رضيت. ثم قال الباقر: إنكم معشر أهل العراق تقولون إن أرجي آية في القرآن: يا عبادي الذين أسرفوا.. قلت: إنا لنقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجي آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وهي الشفاعة.

وفي الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح (رض) قال قلت: لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي؟ قال: إي والله، حدثني عمي محمد بن الحنفية، عن علي أن رسول.. (بما يشبه رواية الحسكاني). انتهي.

وقال أيضاً:

وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن (رض) أنه سئل عن قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي؟ قال: هي الشفاعة. انتهي. وروي الأول منهما في كنز العمال:14/636 عن مسند علي، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره:4/510 والكاندهلوي في حياة الصحابة:3/46 والشوكاني في فتح القدير:5/568.

مناقب آل أبي طالب:1/190، قال حسان:

لئن كلم الله موسي علي شريف من الطور يوم الند

ف__إن النب__ي أبا قاس_م حبي بالرسالة فوق السم

وقد صار بالقرب من ربه علي قاب قوسين لما دن

وإن فجَّر الماء موسي لهم عيوناً

من الصخر ضرب العص

فمن كفِّ أحمد قد فجرت عيونٌ من الماء يوم الظم

وإن كان هارون من بعده حبي بال_وزارة ي_وم الم_ل

ف_إن ال_وزارة ق_د ناله_ا علي بلا شك ي_وم الف_د

وقال كعب بن مالك الأنصاري:

فإن يك موسي كلم الله جهرةً علي جبل الطور المنيف المعظم

فقد كلم الله النبي محمداً علي الموضع الاعلي الرفيع المسوم

داود عليه السلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل، ولمحمد القرآن: ما فرطنا في الكتاب من شئ، وليست السلسلة كالكتاب، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلي آخر الدهر. وكان له النغمة، ولمحمد الحلاوة: وإذا سمعوا ماأنزل إلي الرسول... قال حسان:

وإن كان داود قد أوبت جبال لديه وطير الهو

ففي كف أحمد قد سبحت بتقديس ربي صغار الحصي

... وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم، ونبينا أتوه طائعين راغبين. وسأل سليمان ملك دنيا: رب هب لي ملكاً... وعرض مفاتيح خزائن الدنيا علي محمد فردها، فشتان بين من يسأل وبين من يعطي فلا يقبل، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وقال لسليمان: أمنن أو امسك بغير حساب، وقال لنبينا: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت:

وإن كانت الجن قد ساسها سليمان والريح تجري رخ

فشه_ر غ_دوٌّ به رابي_اً وشهر رواحٌ به إن يش

فإن النب_ي س_ري ليل_ةً من المسجدين إلي المرتقي

وقال كعب بن مالك:

وإن تك نمل البر بالوهم كلمت سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمي

فهذا نبي الله أحمدُ سبحت صغار الحصي في كفه بالترنم

ورواه في بحار الأنوار:16/415.

مناقب آل ابي طالب:3/103:

وكان رسول الله صلي الله عليه وآله يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها

وبشره بها:

لفراقه وطنه فأنزل الله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلي مَعَادٍ.

ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب، فنزل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ.

ولامته من العذاب، فنزل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ.

ولظهور الدين، فنزل: لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ.

وللمؤمنين بعده، فنزل: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخرة.

ولخصمائهم، فنزل: يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا.

وللشفاعة، فنزل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وللفتنة بعده علي وصيه، فنزل: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ.يعني بعلي.

ولثبات الخلافة في أولاده، فنزل: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ.

ولابنته حال الهجرة، فنزل: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا... الآيات. انتهي.

وقال الفخر الرازي في تفسيره:16 جزء 31/213:

قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة... واعلم أن الحمل علي الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه (أحدها) أنه تعالي أمره (ص) في الدنيا بالاستغفار... عن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدي أن لا يدخل النار موحد، وعن الباقر: أهل العراق يقولون: أرجي آية قوله (يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ)... الخ.

تفسيرها بشفاعة النبي لأهل بيته خاصة

تفسير فرات الكوفي/570:

قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال: حدثنا عباد، عن نصر، عن محمد بن مروان، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس(رض) في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يدخل الله ذريته الجنة.

تأويل الآيات:2/810:

وروي أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم، عن محمد بن يونس، عن حماد بن عيسي، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه صلي الله عليهما، عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله صلي الله

عليه وآله علي فاطمة عليها السلام وهي تطحن بالرحي وعليها كساء من جلَّة الإبل فلما نظر إليها بكي وقال لها: يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً، فأنزل الله عليه: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَي، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وروي أيضاً عن أحمد بن محمد النوفلي، عن أحمد بن محمد الكاتب، عن عيسي بن مهران بإسناده إلي زيد بن علي عليه السلام في قول الله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: إن رضي رسول الله صلي الله عليه وآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم. فعلي أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

مناقب آل أبي طالب:3/120:

تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد عليه السلام وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه رأي النبي صلي الله عليه وآله فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل... الخ.

ورواه في تفسير نور الثقلين:5/594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسير الثعلبي، وفي بحار الأنوار: 39/85 عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الأنصاري.

ورواه في الدر المنثور:6/361 قال: وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (ص)علي فاطمة وهي تطحن بالرحي... الخ.

مناقب أمير المؤمنين:1/153:

محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال: حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله تعالي: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً، قال: المودة في آل الرسول. وفي قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: يدخل أهل بيته الجنة.

أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد

عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي، حدثنا الحكم بن ظهير، عن السدي في قوله عز وجل: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا، قال: المودة في آل الرسول صلي الله عليه وآله. وفي قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، فقال: رضي محمد صلي الله عليه وآله أن يدخل أهل بيته الجنة. انتهي.

وقال في هامشه: أقول: وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية 23 من سورة الشوري والآية 5 من سورة الضحي في كتاب شواهد التنزيل: 2/147 و 344.

مناقب آل أبي طالب:2/15:

تفسير وكيع، قال ابن عباس في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضي بذلك عن ربك. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 8/43.

بحار الأنوار:24/48:

وروي عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله، وزاد في آخره: وقال في قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: رضي محمد صلي الله عليه وآله أن يدخل أهل بيته الجنة.

الدر المنثور:6/361:

وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار.

وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود (رض) قال قال رسول الله (ص): إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي..

تفسيرها بشفاعة النبي لجميع أمته

شعب الإيمان للبيهقي:2/164:

عن ابن عباس من قوله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة.

الدر المنثور:6/361:

وأخرج

البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.، قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم.

وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال: لا يرضي محمد واحد من أمته في النار.

وأخرج مسلم عن ابن عمرو (رض) أن النبي(ص) تلا قول الله في إبراهيم: فمن تبعني فإنه مني، وقول عيسي: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ.. الآية، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكي، فقال الله: يا جبريل إذهب إلي محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك، ولا نسوؤك.

تفسير نور الثقلين:5/595:

في مجمع البيان عن الصادق عليه السلام قال: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله علي فاطمة عليها السلام وعليها كساء من جلة الابل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله صلي الله عليه وآله لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.

وقال الصادق عليه السلام: رضا جدي أن لا يبقي في النار موحد.

وروي حريث بن شريح، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال: يا أهل العراق تزعمون أن أرجي آية في كتاب الله عز وجل: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ.. الآية، وإنا أهل البيت نقول: أرجي آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إله إلا الله حتي يقول: رب رضيت.

مجمع البحرين:1/115:

وفي حديث النبي صلي الله عليه وآله: كساه الله من حلل الأمان. قال بعض الشارحين: المراد أمان أمته من النار، فإن الله

تعالي قال له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.، وهو صلي الله عليه وآله لا يرضي بدخول أحد من أمته إلي النار، كما ورد في الحديث.

مجمع البحرين:2/186:

قوله تعالي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي، قال المفسرون: اللام في (ولسوف) لام الإبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف، والتقدير: ولانت سوف يعطيك، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل علي المضارع إلا مع نون التأكيد. وفي الرواية: إن أرجي آية في كتاب الله هذه الآية، لأنه لا يرضي بدخول أحد من أمته النار.

بحار الأنوار:79/91:

(المكسو حلل الأمان) قال الشيخ البهائي رحمه الله: المراد أمان أمته من النار، فإن الله تعالي قال له: ولسوف يعطيك ربك فترضي، وهو صلي الله عليه وآله لا يرضي بدخول أحد من أمته في النار، كما ورد في الحديث، وحلل الأمان استعارة.

ملاحظتان

الأولي: قد يشكل علي بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحي مكية فكيف نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلي الله عليه وعليها؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال (إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا) كما ذكرت بعض الروايات؟.

والجواب: أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات، كما قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول، فيكون النزول الثاني مؤكداً، أو مبيناً لمصاديق الآية، أو تأويلاً لها.. ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر من مناسبة لتطمين النبي صلي الله عليه وآله وتذكيره بنعم الله تعالي الآتية، ليتحمل أحقاد المشركين ومؤامراتهم، ومتاعب الأمة وأذاياها، ومصاعب الدنيا ومراراتها.

ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور:6/361: وأخرج ابن مردويه عن عكرمة (رض) قال: لما نزلت وللاخرة خير

لك من الأولي، قال العباس بن عبد المطلب: لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له. انتهي.

ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الأنوار:22/533: عن أبي جعفر عليه السلام قال: لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي عليه السلام فقال: حاجتك؟ قال: أردت الدخول إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال علي عليه السلام: لست تصل إليه فما حاجتك؟ فقال الرجل: إنه لابد من الدخول عليه، فدخل علي فاستأذن النبي (عليهما السلام) فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال: يا نبي الله إني رسول الله إليك، قال: وأي رسل الله أنت قال: أنا ملك الموت، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلي الدنيا، فقال له النبي صلي الله عليه وآله: فأمهلني حتي ينزل جبرئيل فأستشيره، ونزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولي، ولسوف يعطيك ربك فترضي، لقاء الله خير لك، فقال صلي الله عليه وآله: لقاء ربي خير لي، فامض لما أمرت به، فقال جبرئيل لملك الموت: لا تعجل حتي أعرج إلي ربي وأهبط... الخ. انتهي.

علي أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي صلي الله عليه وآله قال لفاطمة عليها السلام (يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي.) وهو يدل علي أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية، لا أنها نزلت في ذلك الوقت.

الثانية: نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الاتجاه إلي توسيع الشفاعة لكل المسلمين، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد! ولا اشترطت شروطاً

لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً: من مات علي الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد.. ولو أنها اشتملت علي ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه.. ولكنها وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالي ورسوله! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه..! فما داموا مسلمين بالاسم منتمين إلي أمة النبي فإن النبي صلي الله عليه وآله لا يرضي يوم القيامة حتي يدخلهم الجنة إلي آخر نفر!!

وهذه نفس مقولة اليهود (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع علي صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله.. مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض، ويؤمر بهم إلي النار.. كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة، إن شاء الله تعالي، وستعرف أن عدداً من الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص علي أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين، حتي لو كانوا من أمة رسول الله صلي الله عليه وآله وصحابته، وحتي لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة، لأن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الالهي.

ولذلك فإن مقولة (أن النبي لا يرضي مادام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلي النبي وآله صلي الله عليه وعليهم، لأن الآيات والأحاديث القطعية تعارضها، ويعارضها حكم العقل أيضاً، لأنها تساوي بين المحسنين والفجار، بل تبطل القانون الالهي في العقاب!

وبسبب ذلك نستظهر أن أصل

الحديث شفاعته صلي الله عليه وآله لأهل بيته فجعلوه لأمته، كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الأمة، ومن ذلك حديث (الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي) فجعلوه من قريش! ولا يتسع المجال للتفصيل.

نعم يمكن القول بشمول شفاعته صلي الله عليه وآله لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته صلي الله عليه وآله بمن يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، فهؤلاء قد يصح القول فيهم ان النبي صلي الله عليه وآله لا يرضي أن يدخلوا النار.

وقد ورد معني قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار: 94/119 يقول: اللهم إنك قلت لنبيك صلي الله عليه وآله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَي. اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضي بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها، وهبني لمحمد وآل محمد، يا أرحم الراحمين. انتهي.

حدود الشفاعة

من الطبيعي للباحث في مسائل الآخرة والحساب والشفاعة والجنة والنار، أن يتذكر دائماً أن مصدر معلوماته عن ذلك العالم وكل عوالم الغيب إنما هو النصوص الشريفة من القرآن والسنة، وأن بحثه في مسائله يعني الاهتداء بالعقل والفكر في إطار هذه النصوص لا خارجها.. ولذلك يحتاج في كثير من التفاصيل وأحياناً في أمر أساسي، إلي التوقف عند القدر المتيقن من النصوص، حتي لا يقول في دين الله تعالي بغير علم.

ومن الملاحظ في آيات الجنة والنار والشفاعة أن أحاديثها التي تصنف الناس بأنهم من أهل النار أو من

أهل الجنة، لا تستوعب كل أصناف الناس، بل تبقي أصناف كثيرة خارجة عن القدر المتيقن من الطرفين.. وكذلك الأمر في الشفاعة حيث نجد في القرآن الكريم شروطاً للشفعاء وللمشفوع لهم، ونجد في السنة تفصيلات لها وذكراً لأصناف من الناس تشملهم الشفاعة، أو لا تشملهم.. وتبقي أصناف أخري من الناس لا تذكرها النصوص ولا تشملها.

والحل في مثل هذه الحالة التوقف وعدم التورط في تصنيف عباد الله في الجنة أو النار، أو داخل الشفاعة أو خارجها، بالظنون والاحتمالات، كما يفعل البعض!

المذاهب في حدود الشفاعة (من ارتضي)

هذا البحث من أهم بحوث الشفاعة من ناحية نظرية، كما أنه بحث حساس من ناحية تطبيقية، لأنه يصنِّف المسلمين إلي مرضيين عند الله ورسوله وغير مرضيين..ولذلك اختلفت فيه آراء المذاهب والفئات، وكثر في تاريخ المسلمين وكتبهم البحث في الذين تشملهم شفاعة النبي صلي الله عليه وآله والذين لا تشملهم..

وأهم الأقوال أو المذاهب في المسألة أربعة:

القول الأول: قول أهل البيت (عليهم السلام) الذي يشترط للشفاعة: الإسلام، وعدم الشرك، وعدم الظلم، وإطاعة النبي صلي الله عليه وآله في مودة أهل بيته (عليهم السلام).

القول الثاني: القول بتوسيع الشفاعة، وهو قول أكثر المذاهب السنية التي توسعها إلي جميع المسلمين، بل إلي غيرهم من اليهود والنصاري.. وستعرف أن فيه عدة آراء بل مذاهب.

القول الثالث: إنكار شفاعة النبي صلي الله عليه وآله أصلاً، وهو قول قدماء الخوارج، وقد رد عليهم أهل البيت (عليهم السلام) وبقية المذاهب. وقد ولد هذا الرأي ردةَ فعل علي مذهب توسعة الشفاعة الذي تبنته الدولة وأفرطت فيه.

القول الرابع: قول المعتزلة بأن الشفاعة لا تشمل المسلم الذي يرتكب المعاصي الكبائر لأنه يستحق النار، بل تختص بالمسلم الذي يرتكب المحرمات الصغائر المعفو عنها،

وفائدتها رفع درجته في الجنة.

وسوف نستعرض هذه المذاهب في الفقرات التالية إن شاء الله تعالي.

حدود الشفاعة عند أهل البيت

ما دل علي استثناء المشرك والظالم من الشفاعة

التوحيد للصدوق/407:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني (رض) قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: سمعت موسي بن جعفر (عليهما السلام) يقول: لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود، وأهل الضلال والشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر، قال الله تبارك وتعالي: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيمًا.

قال فقلت له: يابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين؟

قال: حدثني أبي عن آبائه عن علي (عليهم السلام) قال: سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل.

قال ابن أبي عمير فقلت له: يابن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالي ذكره يقول: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَ هُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ؟ ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضي!

فقال: يا أبا أحمد مامن مؤمن يرتكب ذنباً إلا ساءه ذلك وندم عليه، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: كفي بالندم توبة.

وقال صلي الله عليه وآله: من سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن، فمن لم يندم علي ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة، وكان ظالماً والله تعالي ذكره يقول: ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع.

فقلت له: يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمناً من لم يندم علي ذنب يرتكبه؟ فقال: يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا

ندم علي ما ارتكب، ومتي ندم كان تائباً مستحقاً للشفاعة، ومتي لم يندم عليها كان مصراً، والمصر لا يغفر له، لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم. وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: لا كبيرة مع الإستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار. وأما قول الله عز وجل: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضي الله دينه، والدين الإقرار بالجزاء علي الحسنات والسيئات، فمن ارتضي الله دينه ندم علي ما ارتكبه من الذنوب، لمعرفته بعاقبته في القيامة. انتهي. ورواه في وسائل الشيعة:11/266، وفي تفسير نور الثقلين:4/517.

الإعتقادات للصدوق/44:

إعتقادنا في الشفاعة: أنها لمن ارتضي دينه من أهل الكبائر والصغائر، فأما التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلي الشفاعة.

قال النبي صلي الله عليه وآله: من لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي.

وقال صلي الله عليه وآله: لا شفيع أنجح من التوبة.

والشفاعة للأنبياء والاوصياء (عليهم السلام)، وفي المؤمنين من يشفع مثل ربيعة ومضر، وأقل المؤمنين من يشفع ثلاثين ألفاً.

والشفاعة لا تكون لأهل الشك والشرك، ولا لأهل الكفر والجحود، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد.

من لا يحضره الفقيه:3/574:

وقال رسول الله صلي الله عليه وآله: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.

وقال الصادق عليه السلام: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول: مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. ورواهما في وسائل الشيعة:11/264.

روضة الواعظين/501:

قيل للرضا عليه السلام: يابن رسول الله فما معني قول الله تعالي: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي؟ قال: لا يشفعون إلا لمن ارتضي دينه، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ما خلا الشرك

والظلم.

الاختصاص للمفيد/33: باب فيه مسائل اليهودي التي ألقاها علي النبي صلي الله عليه وآله

حدثنا عبدالرحمن بن إبراهيم قال: حدثنا الحسين بن مهران قال: حدثني الحسين بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: جاء رجل من اليهود إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله وأنه يوحي إليك كما أوحي إلي موسي بن عمران؟ قال: نعم، أنا سيد ولد آدم ولا فخر، أنا خاتم النبيين وإمام المتقين ورسول رب العالمين.

فقال: يا محمد إلي العرب أرسلت أم إلي العجم أم إلينا؟ قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني رسول الله إلي الناس كافة.

فقال: إني أسألك عن عشر كلمات أعطاها موسي في البقعة المباركة حيث ناجاه لا يعلمها إلا نبيٌّ مرسل أو ملكٌ مقرب.

فقال النبي صلي الله عليه وآله: سل عما بدا لك.

فقال: يا محمد أخبرني عن الكلمات التي اختارها الله لابراهيم عليه السلام حين بني هذا البيت؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: نعم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.

فقال: يا محمد لأي شئ بني إبراهيم عليه السلام الكعبة مربعاً؟

قال: لأن الكلمات أربعة.

قال: فلاي شئ سميت الكعبة كعبة؟

قال: لأنها وسط الدنيا.

قال: فأخبرني عن تفسير سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر؟ فقال النبي صلي الله عليه وآله: علم الله أن ابن آدم والجن يكذبون علي الله تعالي فقال: سبحان الله، يعني بري مما يقولون.

وأما قوله: الحمد لله، علم الله أن العباد لا يؤدون شكر

نعمته، فحمد نفسه عز وجل قبل أن يحمده الخلائق، وهي أول الكلام، لولا ذلك لما أنعم الله علي أحد بنعمة.

وأما قوله: لا إله إلا الله، وهي وحدانيته لا يقبل الله الأعمال إلا به، ولا يدخل الجنة أحد إلا به، وهي كلمة التقوي سميت التقوي لما تثقل بالميزان يوم القيامة.

وأما قوله: الله أكبر، فهي كلمة ليس أعلاها كلام وأحبها إلي الله، يعني ليس أكبر منه، لأنه يستفتح الصلوات به لكرامته علي الله، وهو اسم من أسماء الله الأكبر.

فقال: صدقت يا محمد ما جزاء قائلها؟

قال: إذا قال العبد: سبحان الله سبح كل شئ معه مادون العرش، فيعطي قائلها عشر أمثالها. وإذا قال: الحمد لله أنعم الله عليه بنعيم الدنيا حتي يلقاه بنعيم الآخرة، وهي الكلمة التي يقولها أهل الجنة إذا دخلوها، والكلام ينقطع في الدنيا ما خلا الحمد، وذلك قولهم: تحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين.

وأما ثواب: لا إله إلا الله فالجنة، وذلك قوله: هل جزاء الاحسان إلا الاحسان. وأما قوله: الله أكبر، فهي أكبر درجات في الجنة وأعلاها منزلة عند الله. فقال اليهودي: صدقت يا محمد، أديت واحدة، تأذن لي أن أسألك الثانية؟ فقال: النبي صلي الله عليه وآله: سلني ما شئت _ وجبرئيل عن يمين النبي صلي الله عليه وآله وميكائيل عن يساره يلقنانه _ فقال اليهودي: لأي شئ سميت محمداً وأحمد وأبا القاسم وبشيراً ونذيراً وداعيا؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: أما محمد فإني محمود في السماء، وأما أحمد فإني محمود في الأرض، وأما أبو القاسم فإن الله تبارك وتعالي يقسم يوم القيامة قسمة النار بمن كفر بي أو يكذبني من الأولين والآخرين، وأما

الداعي فإني أدعو الناس إلي دين ربي إلي الإسلام، وأما النذير فإني أنذر بالنار من عصاني، وأما البشير فإني أبشر بالجنة من أطاعني.

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن الثالثة لأي شئ وقت الله هذه الصلوات الخمس في خمس مواقيت علي أمتك، في ساعات الليل والنهار....

قال: صدقت يا محمد، فأخبرني عن العاشرة: تسعة خصال أعطاك الله من بين النبيين، وأعطي أمتك من بين الأمم؟

فقال النبي صلي الله عليه وآله: فاتحة الكتاب، والأذان، والإقامة، والجماعة في مساجد المسلمين، ويوم الجمعة، والأجهار في ثلاث صلوات، والرخصة لأمتي عند الأمراض والسفر، والصلاة علي الجنائز، والشفاعة في أصحاب الكبائر من أمتي... وأما شفاعتي في أصحاب الكبائر من أمتي ما خلا الشرك والمظالم. قال: صدقت يا محمد، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك خاتم النبيين، وإمام المتقين، ورسول رب العالمين.

ثم أخرج ورقاً أبيض من كمه مكتوب عليه جميع ما قال النبي صلي الله عليه وآله حقاً، فقال... يا محمد فقد كنت أمحي إسمك في التوراة أربعين سنة، فكلما محوت وجدت إسمك مكتوباً فيها! وقد قرأت في التوراة هذه المسائل لا يخرجها غيرك، وإن ساعة ترد جواب هذه المسائل يكون جبرئيل عن يمينك وميكائيل عن يسارك. فقال النبي صلي الله عليه وآله: جبرئيل عن يميني وميكائيل عن يساري!

الخصال للصدوق/355:

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه، عن عمه محمد بن أبي القاسم، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبي الحسن علي بن الحسين البرقي، عن عبد الله بن جبلة، عن الحسن بن عبدالله، عن آبائه، عن جده الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام في حديث طويل

قال: جاء نفر من اليهود إلي رسول الله صلي الله عليه وآله فسأله أعلمهم عن أشياء فكان فيما سأله: أخبرنا عن سبع خصال أعطاك الله من بين النبيين وأعطي أمتك من بين الأمم... الخ. وهو شبيه بما تقدم عن الاختصاص، ولعل السبع تصحيف للتسع ورواه في تفسير نور الثقلين:1/77 وبعضه في مستدرك الوسائل:11/364.

بشارة المصطفي/20:

قال الصادق جعفر بن محمد عليه السلام: أغفل الناس قول رسول الله صلي الله عليه وآله في علي بن أبي طالب يوم مشربة أم إبراهيم، كما أغفلوا قوله فيه يوم غدير خم! إن رسول الله صلي الله عليه وآله كان في مشربة أم إبراهيم وعنده أصحابه إذ جاءه علي عليه السلام فلم يفرجوا له، فلما رآهم لم يفرجوا له قال لهم: يا معاشر الناس هذا علي من أهل بيتي، وتستَخِفُّونَ بهم وأنا حيٌّ بين ظهرانيكم! أما والله لئن غبت عنكم فإن الله لا يغيب عنكم، إن الرَّوْحَ والراحة والبشر والبشارة لمن ائتم بعلي وتولاه، وسلم له وللأوصياء من ولده. إن حقاً عليَّ أن أدخلهم في شفاعتي لأنهم أتباعي فمن تبعني فإنه مني، سنة جرت فيَّ من إبراهيم لاني من إبراهيم وإبراهيم مني، وفضلي فضله وفضله فضلي، وأنا أفضل منه، تصديق قول ربي: ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم.

التبيان في تفسير القرآن:10/187:

فقال الله تعالي لهم: فما تنفعهم شفاعة الشافعين، الذين يشفعون لهم، لأن عذاب الكفر لا يسقطه الله بالشفاعة بالإجماع.

اصناف من الناس موعودون بالشفاعة

وردت في مصادر الفريقين أحاديث متعددة وَعَدت أصنافاً من الناس بالشفاعة جزاء لأعمالهم، أو جعلتهم من أهل الشفاعة لغيرهم، أو حذرتهم من الحرمان منها عقاباً علي أعمالهم، ونذكر منها نماذج من مصادرنا، ومن مصادر السنيين في محلها:

من قضي لأخيه المؤمن حاجة

وسائل الشيعة:11/588:

في ثواب الأعمال، عن أبيه، عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن عمرو بن شمر، عن جابر، عن شرحبيل بن سعد الأنصاري، عن أشيد بن حضيرة قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أغاث أخاه المسلم حتي يخرجه من هم وكربة وورطة، كتب الله له عشر حسنات ورفع له عشر درجات، وأعطاه ثواب عتق عشر نسمات، ودفع عنه عشر نقمات، وأعد له يوم القيامة عشر شفاعات.

مستدرك الوسائل:12/405:

عوالي اللآلي: عن النبي صلي الله عليه وآله قال: من قضي حاجة لأخيه كنت واقفاً عند ميزانه، فإن رجح وإلا شفعت له.

مستدرك الوسائل:12/407:

وعن إبراهيم التيمي قال: كنت في الطواف إذ أخذ أبو عبد الله عليه السلام بعضدي فسلم عليَّ ثم قال: ألا أخبرك بفضل الطواف حول هذا البيت؟ قلت: بلي قال: أيما مسلم طاف حول هذاالبيت أسبوعاً ثم أتي المقام فصلي خلفه ركعتين كتب الله له ألف حسنة، ومحا عنه ألف سيئة، ورفع له ألف درجة، وأثبت له ألف شفاعة، ثم قال: ألا أخبرك بأفضل من ذلك؟ قلت: بلي قال: قضاء حاجة امرئ مسلم أفضل من طواف أسبوع وأسبوع، حتي بلغ عشرة.

مستدرك الوسائل:12/409:

وعن أبي عبد الله عليه السلام: من مشي في حاجة أخيه كتب الله له بها عشر حسنات، وأعطاه الله عشر شفاعات.

من سعي في حوائج ذرية النبي

الكافي:4/60:

وعنه، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد الله قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجل نصر ذريتي، ورجل بذل ماله لذريتي عند المضيق، ورجل أحب ذريتي باللسان وبالقلب، ورجل يسعي في

حوائج ذريتي إذا طردوا أو شردوا. ورواه في من لا يحضره الفقيه:2/65 وفي تهذيب الأحكام: 4/111 وفي تأويل الآيات:2/109 وفي وسائل الشيعة:11/556 وفي مستدرك الوسائل:12/382.

من زار قبر النبي

الكافي:4/548:

علي بن محمد بن بندار، عن إبراهيم بن إسحاق، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن أبي حجر الاسلمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة، ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة، ومن مات في أحد الحرمين مكة والمدينة لم يعرض ولم يحاسب، ومن مات مهاجراً إلي الله عز وجل، حشر يوم القيامة مع أصحاب بدر.

من زار أخاه المؤمن لوجه الله تعالي

الكافي:2/178:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن عبدالله بن محمد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن المؤمن ليخرج إلي أخيه يزوره فيوكل الله عز وجل به ملكاً فيضع جناحاً في الأرض وجناحاً في السماء يظلّه، فإذا دخل إلي منزله نادي الجبار تبارك وتعالي: أيهاالعبد المعظم لحقي المتبع لآثار نبيي، حقَّ علي إعظامك، سلني أعطك، أدعني أجبك، أسكت أبتدئك، فإذا انصرف شيعه الملك يظله بجناحه حتي يدخل إلي منزله، ثم يناديه تبارك و تعالي: أيها العبد المعظم لحقي حق علي إكرامك، قد أوجبت لك جنتي، وشفعتك في عبادي.

الكافي:2/176:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: حدثني جبرئيل عليه السلام أن الله عزوجل أهبط إلي الأرض ملكاً فأقبل ذلك الملك يمشئ حتي وقع إلي باب عليه رجل يستأذن علي رب الدار، فقال له الملك ما حاجتك إلي رب هذه الدار؟ قال: أخ لي مسلم زرته في الله تبارك وتعالي،

قال له الملك: ما جاء بك إلا ذاك؟ فقال: ما جاء بي إلا ذاك، فقال: إني رسول الله إليك وهو يقرؤك السلام ويقول: وجبت لك الجنة. وقال الملك: إن الله عز وجل يقول: أيما مسلم زار مسلماً، فليس إياه زار، إياي زار وثوابه عليَّ الجنة.

من يدعو للمؤمنين

الكافي:2/507:

علي بن محمد، عن محمد بن سليمان، عن إسماعيل بن إبراهيم، عن جعفر بن محمد التميمي، عن حسين بن علوان، عن أبي عبد الله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما من مؤمن دعا للمؤمنين والمؤمنات إلا رد الله عز وجل عليه مثل الذي دعا لهم به من كل مؤمن ومؤمنة مضي من أول الدهر أو هو آت إلي يوم القيامة. إن العبد ليؤمر به إلي النار يوم القيامة فيسحب فيقول المؤمنون والمؤمنات: يا رب هذا الذي كان يدعو لنا فشفعنا فيه، فيشفعهم الله عز وجل فيه، فينجو من النار برحمة الله عزوجل. ورواه في وسائل الشيعة:4/541 وفي مستدرك الوسائل:5/242 عن أمالي الشيخ الطوسي.

شفاعة الملائكة لأهل مجلس الدعاء

الكافي:2/187:

الحسين بن محمد ومحمد بن يحيي جميعاً، عن علي بن محمد بن سعد، عن محمد بن مسلم، عن أحمد بن زكريا، عن محمد بن خالد بن ميمون، عن عبد الله بن سنان، عن غياث بن إبراهيم، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ما اجتمع ثلاثة من المؤمنين فصاعداً إلا حضر من الملائكة مثلهم فإن دعوا بخير أمَّنوا وإن استعاذوا من شر دعوا الله ليصرفه عنهم، وإن سألوا حاجة تشفعوا إلي الله وسألوه قضاها. وما اجتمع ثلاثة من الجاحدين إلا حضرهم عشرة أضعافهم من الشياطين. ورواه في وسائل الشيعة:11/568.

من شيع جنازة مسلم

الكافي:3/173:

أبو علي الأشعري، عن محمد بن عبدالجبار، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك. ورواه في من لا يحضره الفقيه:1/161 وفي تهذيب الأحكام:1/455.

من حفظ علي أمتي أربعين حديثا

وسائل الشيعة:18/67:

وعن طاهر بن محمد، عن حياة الفقيه، عن محمد بن عثمان الهروي، عن جعفر بن محمد بن سوار، عن علي بن حجر السعدي، عن سعيد بن نجيح، عن ابن جريح، عن عطاء عن ابن عباس عن النبي صلي الله عليه وآله قال: من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة.

وسائل الشيعة:18/70:

محمد بن علي الفارسي في روضة الواعظين قال قال النبي صلي الله عليه وآله: من حفظ من أمتي أربعين حديثاً من السنة كنت له شفيعاً يوم القيامة. ورواه في العمدة/17 بلفظ (من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً من سنتي أدخلته يوم القيامة في شفاعتي).

من عاهد أخاه المؤمن علي الشفاعة

مستدرك الوسائل:6/278:

قال في ضمن أعمال هذا اليوم المبارك (يوم الغدير): وينبغي عقد الأخوة في هذا اليوم مع الأخوان بأن يضع يده اليمني علي يمني أخيه المؤمن ويقول: واخيتك في الله وصافيتك في الله وصافحتك في الله، وعاهدت الله وملائكته وكتبه ورسله وأنبياءه والأئمة المعصومين (عليهم السلام) علي أني إن كنت من أهل الجنة والشفاعة وأذن لي بأن أدخل الجنة، لا أدخلها إلا وأنت معي. فيقول الأخ المؤمن: قبلت، فيقول: أسقطت عنك جميع حقوق الأخوة ما خلا الشفاعة، والدعاء، والزيارة.

مجموعة أعمال و صفات توجب الشفاعة

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ألا ومن مشي إلي مسجد يطلب فيه الجماعة كان له بكل خطوة سبعون ألف حسنة، ويرفع له من الدرجات مثل ذلك، فإن مات وهو علي ذلك وكل الله عز وجل به سبعين ألف ملك يعودونه في قبره ويبشرونه ويؤنسونه في وحدته ويستغفرون له حتي يبعث.

ألا ومن أذن محتسباً يريد بذلك وجه الله عز وجل أعطاه الله ثواب أربعين ألف شهيد وأربعين ألف صديق، ويدخل في شفاعته أربعون ألف مسي من أمتي إلي الجنة.

ألا وإن المؤذن إذا قال (أشهد أن لا إله إلا الله) صلي عليه سبعون ألف ملك ويستغفرون له وكان يوم القيامة في ظل العرش حتي يفرغ الله من حساب الخلائق ويكتب له ثواب قوله (أشهد أن محمداً رسول الله) أربعون ألف ملك.

هذا، وتوجد أحاديث كثيرة ضمنت الجنة لبعض أصناف الناس علي أعمالهم الحسنة، وهي تصلح بنحو للإستدلال علي شمول الشفاعة لهم، لأن الوعد من النبي صلي الله عليه وآله قد يكون بسبب شمولهم لشفاعته، ونذكر منهم:

1 _ من شفع لاخيه المؤمن في حاجة

وسائل الشيعة:11/562:

عن النبي صلي الله عليه وآله قال: ومن شفع

لاخيه شفاعة طلبها، نظر الله إليه فكان حقاً علي الله أن لا يعذبه أبداً، فإن هو شفع لاخيه شفاعة من غير أن يطلبها، كان له أجر سبعين شهيداً.

2 _ من قام بخدمة لمجتمع المسلمين

الكافي:2/164:

عنه عن علي بن الحكم، عن مثني بن الوليد الحناط، عن فطر بن خليفة، عن عمر بن علي بن الحسين، عن أبيه صلوات الله عليهما قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله من رد عن قوم من المسلمين عادية ماء أو نار، وجبت له الجنة.

3 _ من ربَّي بنتاً أو أكثر

الكافي:6/6:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنة فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين، فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة.

4 _ من احترم نعمة الله تعالي

من لا يحضره الفقيه:1/27:

ودخل أبو جعفر الباقر عليه السلام الخلاء فوجد لقمة خبز في القذر فأخذها وغسلها ودفعها إلي مملوك كان معه فقال: تكون معك لاكلها إذا خرجت، فلما خرج عليه السلام قال للمملوك: أين اللقمة؟ قال أكلتها يا ابن رسول الله، فقال: إنها ما استقرت في جوف أحد إلا وجبت له الجنة فاذهب فأنت حر، فإني أكره أن استخدم رجلاً من أهل الجنة.

5 _ أصناف أخري موعودون بالجنة

من لا يحضره الفقيه:1/140:

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: ضمنت لستة الجنة: رجل خرج بصدقة فمات فله الجنة، ورجل خرج يعود مريضاً فمات فله الجنة، ورجل خرج مجاهداً في سبيل الله فمات فله

الجنة، ورجل خرج حاجاً فمات فله الجنة، ورجل خرج إلي الجمعة فمات فله الجنة، ورجل خرج في جنازة رجل مسلم فمات فله الجنة.

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ألا ومن تصدق بصدقة، فله بوزن كل درهم مثل جبل أحد من نعيم الجنة، ومن مشي بصدقه إلي محتاج، كان له كأجر صاحبها من غير أن ينقص من أجره شي، ومن صلي علي ميت صلي عليه سبعون ألف ملك وغفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فإن أقام حتي يدفن ويحثي عليه التراب، كان له بكل قدم نقلها قيراط من الأجر، والقيراط مثل جبل أحد.

ألا ومن ذرفت عيناه من خشية الله عز وجل كان له بكل قطرة قطرت من دموعه قصر في الجنة مكللاً بالدر والجوهر، فيه ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.

اصناف لا تنالهم الشفاعة

السلطان الظالم الغشوم

قرب الاسناد/64:

وعنه، عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: صنفان لا تنالهما شفاعتي: سلطان غشوم عسوف، وغال في الدين مارق منه، غير تائب ولا نازع.

الخصال/63:

حدثنا محمد بن الحسن (رض) قال: حدثنا محمد بن يحيي العطار، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عبد الجبار بإسناده يرفعه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: رجلان لا تنالهما شفاعتي: صاحب سلطان عسوف غشوم، وغال في الدين مارق. ورواه في مناقب أميرالمؤمنين:2/330 ونحوه في مستدرك الوسائل:12/99.

تاريخ اليعقوبي:2/96:

أربع من فعلهن فقد خرج من الإسلام: من رفع لواء ضلالة، ومن أعان ظالماً أو سار معه أو مشي معه وهو يعلم أنه ظالم، ومن اخترم بذمة.

ورجلان لا تنالهما شفاعتي يوم القيامة:

أمير ظلوم، ورجل غال في الدين مارق منه. والأمير العادل لا ترد دعوته.

المنان والبخيل والنمام

من لا يحضره الفقيه:4/17:

ثم قال عليه السلام: يقول الله عزوجل: حرَّمت الجنة علي المنان والبخيل والقتات، وهو النمام. انتهي.

ولا نطيل في تعداد هذه الأصناف، وهي في مصادرنا مشابهة لما يأتي في مصادر إخواننا السنيين، مع تأكيدها علي عدم شمول الشفاعة لمن عصي النبي صلي الله عليه وآله في مودة أهل بيته وولايتهم وإطاعتهم.

الذين يخرجون من النار بالشفاعة يكونون أدني درجة

تفردت مصادر أهل البيت (عليهم السلام) ببيان أن الموحدين الذين يخرجون من النار دخلون جنة أخري أدني درجةً، وهي غير الجنة التي يسكنها أولياء الله تعالي.

ففي بحار الأنوار:8/361:

ين: فضالة، عن عمر بن أبان، عن آدم أخي أيوب، عن حمران قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: إنهم يقولون ألا تعجبون من قوم يزعمون أن الله يخرج قوماً من النار فيجعلهم من أصحاب الجنة مع أوليائه؟ فقال: أما يقرؤون قول الله تبارك وتعالي: وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ، إنها جنة دون جنة، ونار دون نار، إنهم لا يساكنون أولياء الله! وقال: بينهما والله منزلة، ولكن لا أستطيع أن أتكلم، إن أمرهم لاضيق من الحلقة، إن القائم لو قام لبدأ بهؤلاء.

رأي السنيين القريب من رأي أهل البيت

وهو الرأي القائل بأن الشفاعة تشمل بعض العاصين من المسلمين وليس كلهم.

ويدل عليه من مصادرهم:

أولاً: أحاديث كثيرة صحيحة السند عندهم، لكن دلالتها ضاعت، لأنها مخلوطة بأحاديث توسيع الشفاعة وشمولها لكل العاصين والمنافقين!

ونكتفي منها بالأحاديث التي نصت علي أن عدداً من صحابة النبي صلي الله عليه وآله سيغيرون ويبدلون بعده، فلايشفع لهم يوم القيامة، فيؤمر بهم إلي النار. فقد روي البخاري في صحيحه:7/208 عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: بينا أنا قائم فإذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، فقلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت وما شأنهم قال إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم، قلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت ماشأنهم؟! قال إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري!! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم. انتهي.

وروي شبيهاً به في:7/195 وص 207-210 وفي

نفس المجلد أيضاً /84 و87 وج 8/86 و87، وروي نحوه مسلم في:1/150 وج 7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد في:2/25 وص 408 وج 3/28 وج 5/21 وص 24 وص 50 وج 6/16، ورواه البيهقي في سننه:4/14، ونقل رواياته المتعددة في كنز العمال في:13/157 وج 14/48 و:15/647 وقال رواه (مالك والشافعي حم م ن _ عن أبي هريرة) انتهي.

فلو كانت الشفاعة تشمل كل الخلق أو كل الموحدين أو كل المسلمين، لشملت هؤلاء الصحابة المعروفين! فلابد من القول بأن شفاعته صلي الله عليه وآله مشروطة بشروط من أولها الإسلام وعدم الانحراف الكبير الذي ارتكبه هؤلاء الصحابة المطرودون!

ثانياً: أحاديث اشترطت شروطاً أخري فوق الشهادتين للشفاعة، كالذي رواه البخاري: 8/139: عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبي! قالوا يا رسول الله ومن يأبي؟ قال من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبي. انتهي. وفيه تصريح أن المستثني هم الذين عصوا الرسول صلي الله عليه وآله من أمته وأنهم لا يدخلون الجنة! ورواه الحاكم أيضاً بلفظ قريب منه في:1/55 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

والذي رواه النسائي في سننه: 7 من/88 عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله(ص)قال: من جاء يعبد الله ولا يشرك به شيئاً ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويجتنب الكبائر، كان له الجنة. فسألوه عن الكبائر فقال: الإشراك بالله وقتل النفس المسلمة، والفرار يوم الزحف.

والذي رواه أحمد في:2/176 عن عبد الله بن عمرو أن رجلاً جاء إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله ما عمل الجنة؟ قال: الصدق، وإذا صدق العبد برَّ، وإذا بر آمن، وإذا آمن دخل الجنة.

قال يا رسول الله ما عمل النار؟

قال: الكذب، إذا

كذب فجر، وإذا فجر كفر، وإذا كفر دخل.. يعني النار. انتهي.

فهذه الأحاديث تشترط لدخول الجنة شروطاً أخري غير التوحيد، فلو كان التوحيد وحده كافياً لما كان لهذه الشروط معني.

ثالثاً: أحاديث نصت علي أن الشفاعة تشمل أصنافاً معينين من الناس، نذكر منها:

1 - من قضي لاخيه حاجة

الدر المنثور:3/71:

وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من قضي لأخيه حاجة كنت واقفاً عند ميزانه، فإن رجح، وإلا شفعت له.

الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ثم أمر منادياً ينادي: ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا فيقومون حتي يقفوا بين يدي الله فيقول الله أنتم أهل المعروف في الدنيا، فيقولون نعم فيقول: وأنتم أهل المعروف في الآخرة فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة، حتي تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا.

2 - من صلي علي النبي

في مسند أحمد:4/108:

من صلي علي محمد وقال: اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة، وجبت له شفاعتي. ورواه في فردوس الأخبار:4/21 ح 5555

وفي فردوس الأخبار في:4/61 ح 5680:

أبو الدرداء: من صلي (عليَّ) حين يصبح عشراً وحين يمسي عشراً، أدركته شفاعتي يوم القيامة. ورواه في مجمع الزوائد:10/120 و163.

3 - من زار قبر النبي

وفي الدر المنثور:1/237:

وأخرج الحكيم الترمذي والبزار وابن خزيمة وابن عدي والدارقطني والبيهقي عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي. (ورواه في سنن الدار قطني:2/278 ح 194 والذهبي في تاريخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارني بعد موتي

وجبت شفاعتي).

وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي أن أكون له شفيعاً يوم القيامة.

وأخرج الطيالسي والبيهقي في الشعب عن عمر سمعت رسول الله(ص) يقول: من زار قبري كنت له شفيعاً أو شهيداً، ومن مات في أحد الحرمين بعثه الله في الآمنين يوم القيامة.

مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 2/406:

وعن علي بن أبي طالب قال: من سأل لرسول الله(ص)الدرجة الوسيلة حلت له شفاعته يوم القيامة ومن زار قبر رسول الله(ص)كان في جوار رسول الله (ص).

هامش طبقات المحدثين بإصبهان:2/420، 167:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً علي الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة. وشبيهه في:1/55.

وراجع أيضاً مجمع الزوائد:4/2 وكنز العمال:15/383 وص 651.

وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره صلي الله عليه وآله علي ماورد فيه ذكرالشفاعة وسنورد بقية أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالي مع جواب شبهة الوهابيين في تحريمهم زيارة القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين صلي الله عليه وآله!

4 _ من دعا للنبي صلي الله عليه وآله بالوسيلة

روي البخاري:5/228:

من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه أيضاً في:1 جزء 1/152 ورواه البيهقي في سننه:1/409 ومجمع الزوائد: 1/333 والنويري في نهاية الارب:3 جزء 5/308.

5 _ من حفظ من أحاديث النبي صلي الله عليه وآله أربعين حديثاً

روي الديلمي في فردوس الأخبار:4/91 ح 5778:

عن ابن عباس: من حفظ علي أمتي أربعين

حديثاً من أمر دينها، فهو من العلماء وكنت له شفيعاً يوم القيامة. ونحوه في كنز العمال:10/158.

وفي كتاب المجروحين لابن حبان:2/133:

عن أبي الدرداء قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: يا رسول الله ما حد العلم الذي إذا بلغه الرجل كان فقيهاً؟ فقال: من حفظ علي أمتي أربعين حديثاً في أمر دينها بعثه الله فقيهاً، وكنت له شافعاً وشهيداً.

6 _ من حفظ أسماء الله الحسني

صحيح البخاري:8/169:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: إن لله تسعة وتسعين إسماً مائة إلا واحداً، من أحصاها دخل الجنة.

ونحوه في:7/169 ونحوه في مستدرك الحاكم:1/16.

7 _ من قرأ بعض سور القرآن

روي في فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتي آية في كل يوم شفع في سبع قبور حول قبره وخفف الله عز وجل عن والديه وإن كانا مشركين. وفي/34 ح 5598: ابن عباس: من قرأ سورة الأعراف جعل الله بينه وبين إبليس ستراً وكان آدم شفيعاً له يوم القيامة. انتهي.

فهذه المجموعة من الأحاديث تدل علي أن بعض المسلمين من أصحاب الأعمال الحسنة يستحقون الدخول في شفاعة النبي صلي الله عليه وآله. ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لما صح جعلها ميزة لاصناف معينة من أصحاب الأعمال الحسنة، كما نصت هذه المجموعة.

ولا يضر بالإستدلال بها أن يكون بعضها ضعيفاً أو مكذوباً، لأن الإستدلال بمجموعها، بل حتي لو كانت كلها موضوعة فهي تدل علي أن المرتكز في أذهان المسلمين أن الشفاعة مخصوصة بأصناف من المسلمين وليست عامة.

رابعاً: أحاديث نصت علي أن الشفاعة لا تشمل أصنافاً من الناس، أو دلت علي أنهم لا يدخلون الجنة، بسبب سوء أعمالهم، نذكر منها:

1 _ السلطان الظلوم الغشوم

روي

الديلمي في فردوس الأخبار:2/558 ح 3598:

أبو أمامة: صنفان من أمتي لن تنالهما شفاعتي ولن أشفع لهما ولن يدخلا شفاعتي: سلطان ظلوم غشوم عسوف، وغال مارق من الدين. انتهي. ورواه السيوطي في الدر المنثور:1 ص352 عن الطبراني وفي كنز العمال: 6/21 وص30 وفي مجمع الزوائد: 5/235 وص 236.

وعن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص): إن أشد أهل النار عذاباً يوم القيامة من قتل نبياً، أو قتله نبي، أو إمام جائر. قلت: في الصحيح بعضه، رواه الطبراني وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات. ورواه البزار إلا أنه قال: وإمام ضلالة، ورجاله ثقات، وكذلك رواه أحمد.

2 _ الذي يكذب علي النبي صلي الله عليه وآله

روي البخاري في:1/35:

عن سلمة بن الأكوع قال سمعت النبي(ص)يقول: من يقل عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار.

وروي نحوه أيضاً في:1 من/36 وج 2/81 وج 4/145 وص 156 و: 6/84 وص 118 ورواه مسلم في:1/7 و8 وص 57 وج 7 ورواه غيرهما من مصادر السنة والشيعة.

3 _ الذي يبغض ذرية النبي صلي الله عليه وآله أو يظلمهم

لسان الميزان:3/276:

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبني فليحب علياً، ومن أبغض أحداً من أهل بيتي حرم شفاعتي.. الحديث.

كنز العمال:12/103:

عن الطبراني والرافعي عن ابن عباس: من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي خلقوا من طينتي ورزقوا فهمي وعلمي، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي. انتهي.

والأحاديث في ذلك كثيرة، سنوردها في مسائل الإمامة إن شاء الله.

4

_ أصحاب البدع المخالفين للسنة

قال الشاطبي في الاعتصام:1/120:

(البدعة) مانعة من شفاعة محمد، لما روي أنه(ص)قال: (حلت شفاعتي لأمتي إلا صاحب بدعة).

قال السبكي في طبقات الشافعية:6/291:

حديث: إن لله ملكاً ينادي كل يوم: من خالف السنة لم تنله الشفاعة (ورد في إحياء الغزالي).

5 _ من طلب العلم للدنيا أو طلب الدنيا بعمل الآخرة

في مجمع الزوائد:1/184:

عن معاذ بن جبل عن رسول الله(ص)قال: من طلب العلم ليباهي به العلماء أو يماري به السفهاء في المجالس، لم يرح رائحة الجنة. ورواه في كنز العمال:10/201-203.

وفي كنز العمال:3/474 عن الديلمي عن ابن عباس: ريح الجنة توجد من مسيرة خمسمائة عام، ولا يجدها من طلب الدنيا بعمل الآخرة.

6 _ من يؤذي جيرانه

صحيح مسلم:1/49:

عن أبي هريرة أن رسول الله(ص)قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.

وفي مستدرك الحاكم:1/11:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السوء، والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة عبد لا يأمن جاره بوائقه.

وفي مسند أحمد:2/440:

عن أبي هريرة قال قال رجل: يا رسول الله إن فلانة يذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها! قال: هي في النار. قال يا رسول الله فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وأنها تصدق بالأتوار من الاقط، ولا تؤذي جيرانها بلسانها، قال: هي في الجنة.

7 _ الذي يسي إدارة من تحت يده

روي البخاري في:8/107 بروايتين: عن معقل: سمعت النبي(ص)يقول: ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يحطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة. ونحوه

في كنز العمال:4/567 عن ابن سعد وابن عساكر، وفي: 6/20 وص 35 (عق ش م حم طب وابن عساكر عن معقل بن يسار).

وفي سنن الترمذي:3/225:

عن أبي بكر الصديق عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة سي الملكة. انتهي. ورواه أحمد في مسنده:1/7 وص 12 وج 5/22 والهيثمي في مجمع الزوائد:5/211.

وفي كنز العمال:6/39:

من ولي ذا قرابة محاباةً وهو يجد خيراً منه، لم يجد رائحة الجنة.

8 _ المتكبر ولو مثقال حبة خردل

روي مسلم في صحيحه:1/65:

عن عبد الله عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. انتهي. ورواه ابن ماجة في:2/1397 وأحمد:1/412 وص 416 وص 451 و ج2/164 وص 248 والحاكم في:3/416.

وفي مجمع الزوائد:6/255:

وعن نافع مولي رسول الله(ص)أن رسول الله(ص)قال: لا يدخل الجنة مسكين مستكبر، ولا شيخ زان، ولا منان علي الله تعالي بعمله. رواه الطبراني وتابعه الصباح بن خالد بن أبي أمية لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/116:

وأخرج البيهقي عن جابر قال كنا مع النبي(ص)فأقبل رجل، فلما رآه القوم أثنوا عليه، فقال النبي(ص)قال: إني لأري علي وجهه سفعة من النار، فلما جاء وجلس قال: أنشدك بالله أجئت وأنت تري أنك أفضل القوم؟ قال نعم. انتهي.

وقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن التكبر المانع من دخول الجنة هو التكبر عن قبول الحق وليس التكبر العادي وإن كان معصية كبيرة.

ويؤيده ما رواه الحاكم في المستدرك:1/26: عن عبد الله بن مسعود (رض)عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لا يدخل الجنة من كان في قلبه حبة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله إنه ليعجبني أن يكون ثوبي جديداً

ورأسي دهيناً وشراك نعلي جديداً، قال وذكر أشياء حتي ذكر علاقة سوطه، فقال: ذاك جمال، والله جميل يحب الجمال، ولكن الكبر من بطر الحق وازدري الناس. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقد احتجا جميعاً برواته.

9 _ من قتل نفسه

مسند أحمد:2/435:

عن أبي هريرة عن النبي(ص): الذي يطعن نفسه إنما يطعنها في النار، والذي يتقحم فيها يتقحم فيها في النار، والذي يخنق نفسه يخنقها في النار.

10 _ من نبت لحمه من سحت

روي أحمد في:3/321:

قول النبي صلي الله عليه وآله لكعب بن عجرة: يا كعب بن عجرة، الصوم جنة، والصدقة تطفي الخطيئة، والصلاة قربان أو قال برهان. يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولي به.

ورواه في:3/399 وفي مجمع الزوائد:10/230 وص 293.

11 _ من زني بذات محرم

في مجمع الزوائد:6/269:

وعن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا يدخل الجنة من أتي ذات محرم. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، غير يحيي بن حسان الكوفي وهو ثقة.

12 _ من نسب نفسه إلي غير أبيه

روي ابن ماجة في:2/870:

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله (ص): من ادعي إلي غير أبيه لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام. انتهي. ورواه أحمد في:2/71 وفيه (وإن ريحها ليوجد من قدر سبعين عاماً) ورواه في:2/171 وص 194 وفي مجمع الزوائد:1/98 وص 148 وكنز العمال:6/195 وج 16/32.

13 _ مدمن الخمر وقاطع الرحم والنمام وقاسي القلب... الخ.

مسند أحمد:4/399:

من حديث أبي موسي أن النبي(ص)قال: ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر.

وفي:2/69: ثلاثة قد حرم الله عليهم

الجنة: مدمن الخمر، والعاق، والديوث الذي يقر في أهله الخبث.

ونحوه في:2/164 وص 201 و203 وفي سنن البيهقي:8/288.

وفي:8/166: عن إبراهيم عن همام قال: كنت جالساً عند حذيفة فمر رجل فقالوا: هذا يرفع الحديث إلي السلطان، فقال حذيفة قال رسول الله(ص): لا يدخل الجنة قتات. قال الاعمش: والقتات النمام.أخرجه مسلم في الصحيح.

مسند أحمد:2/134:

قال عبد الله (رض) قال رسول الله (ص): ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق والديه والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال والديوث. وثلاثة لا ينظر الله اليهم يوم القيامة: العاق بوالديه، والمدمن الخمر، والمنان بما أعطي. وروي نحوه في:2/69 وص 134 والحاكم: 1/72.

وفي مسند أحمد:1/190:

عن سعيد بن زيد عن النبي(ص)أنه قال: من أربي الربا الإستطالة في عرض مسلم بغير حق، وإن هذه الرحم شجنة من الرحمن فمن قطعها حرم الله عليه الجنة.

وفي مسند أحمد:3/14:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): لا يدخل الجنة صاحب خمس: مدمن خمر، ولا مؤمن بسحر، ولا قاطع رحم، ولا كاهن، ولا منان. ونحوه مسند أحمد:3/28.

وفي مجمع الزوائد:8/149 ونحوه في:5/125:

فإن ريح الجنة يوجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجده عاق، ولا قاطع رحم، والباغي فإنه ليس من عقوبة أسرع من عقوبة بغي، ولا قاطع رحم، ولا شيخ زان، ولا جارُّ إزاره خيلاء.

وفي مجمع الزوائد:6/257 ونحوه في:8/148:

وعن عبدالله بن عمرو عن النبي(ص)قال: لا يدخل الجنة عاق، ولا مدمن خمر، ولا منان، ولا ولد زنية. قلت: رواه النسائي غير قوله ولا ولد زنية. رواه أحمد والطبراني وفيه جابان وثقه ابن حبان وبقيةرجاله رجال الصحيح.

سنن الترمذي:3/232:

عن أبي بكر الصديق، عن النبي (ص): لا يدخل

الجنة خب، ولا بخيل، ولا منان. هذا حديث حسن غريب.ونحوه في كنز العمال:3/546.

وفي مجمع الزوائد:10/243:

وعن نافع قال سمع ابن عمر رجلاً يقول: الشحيح أعذر من الظالم، فقال ابن عمر: كذبت، سمعت رسول الله(ص)يقول: الشحيح لا يدخل الجنة.

وفي مجمع الزوائد:8/155:

عن ابن عمر عن النبي(ص)قال: إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد، إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده. والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا يا رسول الله: كلنا يرحم، قال: ليس رحمته أن يرحم أحدكم صاحبه، إنما الرحمة أن يرحم الناس.

وفي كنز العمال:16/53:

لا يدخل الجنة ولد زني، ولا مدمن خمر، ولا عاق، ولا منان (ابن جرير ع _ عن أبي سعيد).

14 _ الذي يقتل أحداً من أهل الذمة

في صحيح البخاري:4/65:

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً. ونحوه في:8 /47 وابن ماجة: 2/896 والترمذي: 2/429 والحاكم في: 2/126 والبيهقي في سننه:8/133 وج 9/205 والنسائي:8/24 وفيه (وإن ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً) ورواه في مسند أحمد:2/186 وج 4/61 وص 237 وج 5/46 و50 و51 و369 و374 والهيثمي في مجمع الزوائد:6/293.

ونعم ما علق به الفخر الرازي علي هذا الموضوع حيث قال في تفسيره ج2 جزء3 ص151: عن الحسن، عن أبي بكرة، قال عليه السلام: من قتل نفساً معاهداً لم يرح رائحة الجنة. وإذا كان في قتل الكفار هكذا، فما ظنك بقتل أولاد رسول الله(ص)؟!

15-الذي يغش العرب

في مسند أحمد:1/72:

عن عثمان بن عفان قال قال رسول الله (ص): من غش العرب لم يدخل في شفاعتي ولم

تنله مودتي. انتهي. ورواه البغوي في مصابيح السنة:4/142 والديلمي في فردوس الأخبار:4/180 ح 6075 وأبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان:2/640.

16 _ اللعان الفحاش

صحيح مسلم:8/24:

حدثني سويد بن سعيد، حدثني حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلي أم الدرداء بأنجاد من عنده، فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه، فلما صبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته! فقالت سمعت أبا الدرداء يقول قال رسول الله (ص): لا يكون اللعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. انتهي. ورواه أبو داود في:2/458 والحاكم:1/48 والديلمي في فردوس الأخبار:5/311 ح 8009 وفي كنز العمال: 3/615 والسيوطي في الدر المنثور:1/146 وقال: وأخرج مسلم وأبو داود والحكيم الترمذي عن أبي الدرداء..

وقال البخاري في تاريخه:6/22:

عن عبد الرحمن بن الحارث أن أم الدرداء رضي الله عنها قالت لعبد الملك بن مروان: سمعت أبا الدرداء (رض) يقول سمعت النبي(ص)يقول: لا يكون الحليم لعَّاناً، ولا يؤذن في الشفاعة للعَّان.

وفي كنز العمال:3/353:

عن الديلمي عن عائشة: رحم الله امرأ كف لسانه عن أعراض المسلمين، لا تحل شفاعتي لطعان ولا لعان. انتهي.

ولا بد أن يكون المراد باللعان في هذه الأحاديث بذي اللسان الفحاش الذي يسب المسلمين ويلعنهم، وإلا فإن لعن الذين لعنهم الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله عملٌ جائز أو واجب شرعاً وفيه ثوابٌ، لأنه براءة ممن تبرأ منهم الله ورسوله ودعاءٌ عليهم باستمرار طردهم من رحمة الله تعالي.

17 _ ورووا أن أكثر النساء في النار

صحيح البخاري:7/200:

عن عمران بن الحصين عن النبي(ص)قال: اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها

الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء...

عن أسامة عن النبي(ص)قال: قمت علي باب الجنة فكان عامة من دخلها المساكين وأصحاب الجد محبوسون، غير أن أصحاب النار قد أمر بهم إلي النار. وقمت علي باب النار فإذا عامة من دخلها النساء!. انتهي.

ورواه أحمد في مسنده:2/297.

وفي مجمع الزوائد:4/274:

قال كنا مع عمرو بن العاص في حج أو عمرة فلما كنا بمر الظهران إذ امرأة في هودجها واضعةً يدها علي هودجها، فلما نزل دخل الشعب ودخلنا معه، قال كنا مع رسول الله(ص)في هذا المكان فإذا نحن بغربان كثير وإذا بغراب أعصم المنقار والرجل فقال: لا يدخل الجنة من النساء إلا كقدر الغراب في هذه الغربان، قال أبو عمر: الأعصم الأحمر. رواه الطبراني واللفظ له، وأحمد ورجال أحمد ثقات. انتهي.

18 _ ورووا في من أطال إزاره أو ثوبه

سنن النسائي:8/207:

عن أبي هريرة قال رسول الله (ص): ما تحت الكعبين من الإزار ففي النار. وفي رواية: ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار. انتهي.

فهذه الأحاديث تدل علي أن بعض المسلمين لا يدخلون الجنة.. ولو كانت الشفاعة تشمل كل المسلمين لم يكن لهذه الإستثناءات معني، بل للزم من إحدي المجموعتين كذب المجموعة الأخري!

ولا يضر بالإستدلال بمجموع أحاديث الاستثناء من الجنة، أو الحكم باستحقاقها أن بعضها ضعيف أو مكذوب كما ذكرنا، لأن المكذوب أيضاً يدل علي أن المرتكز في أذهان المسلمين اختصاص الشفاعة بأصناف من المسلمين، لا بجميعهم.

شرط الشفاعة في المظالم الشخصية

روت مصادر الفريقين أحاديث تدل علي إمكانية أن تشمل الشفاعة أهل المظالم الشخصية، بشرط أن يعفو صاحب المظلمة عن ظالمه.

ففي تفسير الإمام العسكري عليه السلام /204:

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام:

يا معشر شيعتنا اتقوا الله واحذروا أن تكونوا لتلك النار حطباً، وإن لم تكونوا بالله كافرين، فتوقوها بتوقي ظلم إخوانكم المؤمنين، فإنه ليس من مؤمن ظلم أخاه المؤمن المشارك له في موالاتنا، إلا ثقَّل الله في تلك النار سلاسله وأغلاله ولم يفكه منها إلا شفاعتنا، ولن نشفع إلي الله تعالي إلا بعد أن نشفع له إلي أخيه المؤمن، فإن عفا عنه شفعنا له، وإلا طال في النار مكثه.انتهي.

ورواه في مستدرك الوسائل:12/101.

وفي الإعتقادات للصدوق/29:

قيل لامير المؤمنين عليه السلام: صف لنا الموت فقال: علي الخبير سقطتم، هو أحد أمور ثلاثة يرد عليه: إما بشارةٌ بنعيم الأبد، وإما بشارةٌ بعذاب الأبد، وإما تخويفٌ وتهويلٌ وأمرٌ مبهمٌ لا يدري من أي الفرق هو؟ فأما ولينا والمطيع لأمرنا فهو المبشر بنعيم الابد، وأما عدونا والمخالف لأمرنا فهو المبشر بعذاب الأبد، وأما المبهم أمره الذي لا يدري ما حاله فهو المؤمن المسرف علي نفسه لا يدري ما يؤول إليه حاله يأتيه الخبر مبهماً مخوفاً، ثم لن يسويه الله تعالي بأعدائنا، ولكن يخرجه من النار بشفاعتنا فاعملوا وأطيعوا ولا تتكلوا ولا تستصغروا عقوبة الله، فإن من المسرفين من لا تلحقه شفاعتنا إلا بعد عذاب الله بثلاث مائة ألف سنة.

وفي مسند أحمد:3/13:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): يخلص المؤمنون يوم القيامة من النار فيحبسون علي قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتي إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة. فوالذي نفسي بيده لأحدهم أهدي لمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا. ورواه في:3/63 وص 74.

نتيجة

النتيجة الواضحة من هذا الفصل أن قانون الشفاعة متفقٌ عليه

بين السنة والشيعة، علي أصوله وخطوطه العامة أيضاً، وهي أنه يشمل من مات علي الشهادتين، ولم يكن ظالماً، ولم يكن عاصياً للنبي في أهل بيته صلي الله عليه وآله.

ومنه نعرف أن كل ما خالف هذه الأصول فهو نشاز عن ثقافة الإسلام، جاء إلي أصحابه من خلل الرأي، أو من التلقي والتأثر بثقافة اليهود، والنصاري، والمجوس وغيرهم!

توسيعات الشفاعة عند الخليفة عمر و أتباعه

في مصادر السنيين اتجاه يقول بتوسيع الشفاعة أكثر من القدر المتفق عليه بين الجميع، وهو اتجاه خطير، لأنه يلغي قانون العقوبة الإلهية جزئياً أو كلياً! وهو أربعة آراء أو مذاهب نذكرها حسب توسيعها لدائرة الشفاعة:

الرأي الأول: أن الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين!

الرأي الثاني: أن الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي، حتي لو كفر برسول الله صلي الله عليه وآله!

الرأي الثالث: أن الشفاعة تشمل كل الخلق!

الرأي الرابع: أن العقاب في الآخرة ينتهي كلياً، وأن جهنم تفني أوتبقي، ولكن ينقل أهلها كلهم إلي الجنة!

ونذكر هنا ملاحظات كلية علي هذه المذاهب أو الاقوال:

الملاحظة الأولي: أن هذه التوسيعات في الشفاعة أو في دخول الجنة زادت علي توسيع اليهود لها، لأن اليهود حصروا الشفاعة والجنة بقوميتهم اليهودية، وهذه التوسعات عممتها إلي العقائد المختلفة والقوميات المختلفة، وإن كانت احتفظت بميزة لكل قبائل قريش.

كما زادت علي عقيدة الفداء النصرانية، لأن بولس اشترط لشمول فداء المسيح وشفاعته الدخول في النصرانية.. بينما أكثر هذه التوسيعات لا تشترط الدخول في الإسلام!

الثانية: أن لكعب الأحبار وتلاميذه دوراً أساسياً في توسيع الشفاعة، بل كان كعب مرجعاً في الشفاعة بحيث أن الخليفة عمر يستفتيه فيها ويؤيد آراءه، ويعمل علي نشرها، كما ستري.

الثالثة: أن هذه التوسيعات

لا تشمل أحداً ممن اعترض علي الخلفاء أو خالفهم في الرأي، أو امتنع عن بيعتهم، كما لا تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب أسرة النبي وآباءه صلي الله عليه وآله وخاصة أبا طالب والد علي عليه السلام! وستري هذه الغرائب وغيرها في نصوص الشفاعة في مصادر إخواننا السنيين!

الرابعة: أن هذه الأفكار صارت أصلاً ومنبعاً لمذاهب فاسدة، جرَّت علي الأمة مصائب ثقافية وسياسية، مثل مذهب المرجئة والقدرية وغيرهما.

ان الشفاعة تشمل كل من شهد الشهادتين حتي الطلقاء والمنافقين

روي البخاري في صحيحه:1/41:

قال حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله(ص)ومعاذ رديفه علي الرحل قال: يا معاذ بن جبل، قال لبيك يا رسول الله وسعديك. قال يا معاذ، قال لبيك يا رسول الله وسعديك ثلاثاً! قال ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه، إلا حرمه الله علي النار. قال: يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا؟ قال: إذاً يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثماً! انتهي.

وروي البخاري في تاريخه:8/41:

عن عوف بن مالك قال: كنا مع النبي(ص)في بعض مغازيه فقال: إن ربي خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة والشفاعة، فاخترت الشفاعة. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:2/304 ح 2774.

وروي البخاري في تاريخه:1/184:

عن عوف بن مالك سمع النبي(ص)يقول: الشفاعة لمن مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً.

وروي مسلم في:1/122:

أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يسأل عن الورود، فقال:... فتدعي الأمم بأوثانها وما كانت تعبد الأول فالأول، ثم يأتينا ربنا بعد ذلك فيقول: من تنظرون؟ فيقولون ننظر ربنا! فيقول أنا ربكم، فيقولون حتي ننظر إليك، فيتجلي لهم يضحك! قال فينطلق بهم ويتبعونه! ويعطي كل إنسان منهم منافق أو مؤمن

نوراً ثم يتبعونه، وعلي جسر جهنم كلاليب وحسك، تأخذ من شاء الله، ثم يطفأ نور المنافقين ثم ينجو المؤمنون، فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفاً لا يحاسبون، ثم الذين يلونهم كأضوأ نجم في السماء، ثم كذلك.

ثم تحل الشفاعة ويشفعون حتي يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة، فيجعلون بفناء الجنة، ويجعل أهل الجنة يرشون عليهم الماء حتي ينبتوا نبات الشئ في السيل ويذهب حراقه. ثم يسأل حتي تجعل له الدنيا وعشرة أمثالها معها!!

وروي أبو داود في:1/632:

عن عامر بن سعد عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله(ص)من مكة نريد المدينة، فلما كنا قريباً من عزوراء نزل ثم رفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه فدعا الله ساعة ثم خر ساجداً فمكث طويلاً، ثم قام فرفع يديه ساعة ثم خر ساجداً ذكره أحمد ثلاثاً، قال: إني سألت ربي وشفعت لأمتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لامتي فأعطاني ثلث أمتي، فخررت ساجداً لربي شكراً ثم رفعت رأسي فسألت ربي لأمتي فأعطاني الثلث الآخر، فخررت ساجداً لربي. ورواه البيهقي في سننه:2/370.

وروي أحمد في مسنده:5/149:

عن أبي ذر قال صلي رسول الله(ص)ليلةً، فقرأ بآية حتي أصبح يركع بها ويسجد بها: إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم، فلما أصبح قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الآية حتي أصبحت تركع بها وتسجد بها؟ قال: إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله عز وجل شيئاً.

ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه:7/432 ح 104 عن أبي جعفر الباقر عليه السلام. وفي الدر المنثور:3/204 عن أحمد.

وروي أحمد في:5/325:

عن عبادة بن الصامت قال: فقد النبي(ص)ليلة أصحابه، وكانوا إذا نزلوا أنزلوه أوسطهم، ففزعوا وظنوا أن الله تبارك وتعالي اختار له أصحاباً غيرهم! فإذا هم بخيال النبي(ص)فكبروا حين رأوه وقالوا: يا رسول أشفقنا أن يكون الله تبارك وتعالي اختار لك أصحاباً غيرنا! فقال رسول الله (ص): لا بل أنتم أصحابي في الدنيا والآخرة، إن الله تعالي أيقظني فقال يا محمد إني لم أبعث نبياً ولا رسولاً إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط، فقلت: مسألتي الشفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله وما الشفاعة؟ قال أقول: يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك، فيقول الرب تبارك وتعالي: نعم، فيخرج ربي تبارك وتعالي بقية أمتي من النار، فينبذهم في الجنة.

وقال في مجمع الزوائد:10/369:

عن عوف بن مالك الأشجعي قال: سافرنا مع رسول الله(ص)سفراً حتي إذا كان الليل أرقت عيناي فلم يأتني النوم، فقمت فإذا ليس في العسكر دابة إلا واضعة خدها إلي الأرض، وأري وقع كل شئ في نفسي، فقلت لاتين رسول الله(ص)فلاكلا به الليلة حتي أصبح، فخرجت أتخلل الرحال حتي دفعت إلي رحل رسول الله(ص)فإذا هو ليس في رحله، فخرجت أتخلل الرحال حتي خرجت من العسكر فإذا أنا بسواد، فتيممت ذلك السواد فإذا هو أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل فقالا لي: ما الذي أخرجك؟ فقلت: الذي أخرجكما، فإذا نحن بغيطة منا غير بعيد فمشينا إلي الغيطة فإذا نحن نسمع فيها كدوي النحل وتخفيق الرياح، فقال رسول الله (ص): هاهنا أبو عبيدة بن الجراح؟ قلنا نعم،

قال ومعاذ بن جبل؟ قلنا نعم، قال وعوف بن مالك؟ قلنا نعم، فخرج إلينا رسول الله(ص)لا نسأله عن شئ ولا يسألنا عن شئ حتي رجع إلي رحله فقال: ألا أخبركم بما خيرني ربي آنفاً؟ قلنا بلي يا رسول الله، قال: خيرني بين أن يدخل ثلثي أمتي الجنة بغير حساب ولا عذاب، وبين الشفاعة. قلنا: يا رسول الله ما الذي اخترت؟ قال: اخترت الشفاعة. قلنا جميعاً: يا رسول الله إجعلنا من أهل شفاعتك قال: إن شفاعتي لكل مسلم.

وفي رواية عن عوف أيضاً قال: نزلنا مع رسول الله(ص)منزلاً فاستيقظت من الليل فإذا أنا لا أري في العسكر شيئاً أطول من مؤخرة رحل! قد لصق كل إنسان وبعيره بالأرض، فقمت أتخلل حتي جفلت إلي مضجع رسول الله (ص)فإذا هو ليس فيه! فوضعت يدي علي الفراش فإذا هو بارد، فقمت أتخلل الناس وأقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، فذكر نحوه إلا أنه قال: خيرني بين أن يدخل نصف أمتي الجنة. وفي رواية جعل مكان أبي عبيدة أبا موسي. قلت: روي الترمذي وابن ماجة طرفاً منه، رواه الطبراني بأسانيد ورجال بعضها ثقات.

وعن أبي كعب صاحب الحرير قال سألت النضر بن أنس فقلت: حدثني بحديث ينفعني الله عز وجل به، فقال نعم أحدثك بحديث كتب إلينا به من المدينة فقال أنس: إحفظوا هذا فإنه من كنز الحديث، قال: غزا رسول الله (ص)فسار ذلك اليوم إلي الليل، فلما كان الليل نزل وعسكر الناس حوله ونام هو وأبو طلحة زوج أم سليم وفلان وفلان أربعة، فتوسد النبي(ص)يد راحلته ثم نام ونام الأربعة إلي جنبه، فلما ذهب عتمة من الليل رفعوا رؤوسهم فلم يجدوا النبي(ص)عند راحلته، فذهبوا يلتمسون رسول الله (ص)فلقوه مقبلاً

فقالوا: جعلنا الله فداك أين كنت فإنا قد فزعنا لك إذ لم نرك؟ قال النبي (ص): كنت نائماً حيث رأيتم فسمعت في نومي دوياً كدوي الرحا أو هزيز الرحي ففزعت في منامي فوثبت فمضيت! فاستقبلني جبريل عليه السلام فقال: يا محمد إن الله بعثني إليك الساعة لاخيرك إما أن يدخل نصف أمتك الجنة وإما الشفاعة يوم القيامة، فاخترت الشفاعة لامتي. فقال النفر الأربعة: يا رسول الله إجعلنا ممن تشفع لهم، فقال: وجبت لكم. ثم أقبل النبي(ص)والنفر الأربعة حتي استقبله عشرة فقالوا: أين نبينا نبي الرحمة؟ قال نحدثهم بالذي حدث القوم فقالوا: جعلنا الله فداءك إجعلنا ممن تشفع لهم يوم القيامة، فقال: وجبت لكم. فجاؤا جميعاً إلي عظم الناس فنادوا في الناس: هذا نبينا نبي الرحمة، فحدثهم بالذي حدث القوم، فنادوا بأجمعهم جعلنا الله فداءك جعلنا الله ممن تشفع لهم، فنادي ثلاثاً: إني أشهد الله وأشهد من سمع أن شفاعتي لمن يموت لا يشرك بالله عز وجل شيئاً. رواه الطبراني في الأوسط وفيه علي بن قرة بن حبيب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات. انتهي. ورواه في المعجم الكبير أيضاً:18/107.

وفي مجمع الزوائد:10/377:

وعن أبي أمامة عن النبي(ص)قال: نعم الرجل أنا لشرار أمتي، فقال له رجل من جلساه: كيف أنت يا رسول الله لخيارهم؟ قال: أما شرار أمتي فيدخلهم الله الجنة بشفاعتي، وأما خيارهم فيدخلهم الله الجنة بأعمالهم. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:5/9 ح 7004.

وقال في الدر المنثور:2/115:

وأخرج البيهقي عن ابن عابد قال خرج رسول الله(ص)في جنازة رجل فلما وضع قال عمر بن الخطاب: لا تصل عليه يا رسول الله فإنه رجل فاجر، فالتفت رسول الله(ص)إلي الناس وقال: هل آراه أحد منكم علي الإسلام؟ فقال

رجل: نعم يا رسول الله حرس ليلة في سبيل الله، فصلي عليه رسول الله(ص)وحثي عليه التراب وقال: أصحابك يظنون أنك من أهل النار، وأنا أشهد أنك من أهل الجنة! وقال: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس ولكن تسأل عن الفطرة!!

وفي أسد الغابة:1/156:

عن أنيس الأنصاري أن النبي(ص)قال: إني لاشفع يوم القيامة لأكثر مما علي ظهر الأرض من حجر ومدر.

وفي تفسير الرازي:10 جزء 19/192:

فثبت أن (إن المتقين في جنات وعيون) يتناول جميع القائلين بلا إله إلا الله محمد رسول الله قولاً واعتقاداً، سواء كانوا من أهل الطاعة أو من أهل المعصية! انتهي.

وهذا غريب من الرازي الذي هو حريص علي العقلانية، ولكن كثرة أحاديث أصحابه غلبته وجعلته من المرجئة الذين ينتقدهم! فقد حكم بأن المسلم يدخل الجنة بالعقيدة فقط بدون عمل، بل حتي لو كانت حياته سلسلة من المعاصي والطغيان والاجرام!

ولم يزد عليه في ذلك إلا الديلمي حيث روي أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله إنما جعلت من أجل جبابرة هذه الأمة وفراعنتها! قال في فردوس الأخبار: 2/498 ح 3397: أنس بن مالك: شفاعتي للجبابرة من أمتي!!

وقد نقل السيوطي مجموعة كبيرة من الروايات مفادها أن الله تعالي يحاسب المسلمين علي أعمالهم ويدخل قسماً منهم إلي الجنة وقسماً آخر إلي النار، ولكن الكفار يعيرون المسلمين في جهنم بأنهم لم ينفعهم إسلامهم، فيأنف الله تعالي ويغضب وتأخذه الغيرة للمسلمين لتوحيدهم، فينقلهم جميعاً حتي جبابرتهم ومجرميهم وشياطينهم إلي الجنة، فعندئذ يتمني الكفار لو كانوا مسلمين، واستدل هو وغيره بذلك علي أن جميع المسلمين يدخلون الجنة!

وقد ورد شبيه هذا المعني في أحاديثنا من طريق أهل البيت (عليهم السلام) ولكنه بالنسبة إلي

بعض أصناف الموحدين وليس لكل المسلمين كما تذكر هذه الروايات!

قال السيوطي في الدر المنثور:4/92 _ 94 في تفسير قوله تعالي: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ:

وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس وأنس (رض) أنهما تذاكرا هذه الآية: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، فقالا: هذا حيث يجمع الله بين أهل الخطايا من المسلمين والمشركين في النار فيقول المشركون ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيخرجهم بفضل رحمته.

وأخرج سعيد بن منصور وهناد والبيهقي عن مجاهد (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: إذا خرج من النار من قال لا إله إلا الله.

وأخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه بسند صحيح عن جابر بن عبد الله (رض)قال قال رسول الله (ص): إن ناساً من أمتي يعذبون بذنوبهم فيكونون في النار ما شاء الله أن يكونوا، ثم يعيرهم أهل الشرك فيقولون: ما نري ما كنتم فيه من تصديقكم نفعكم، فلا يبقي موحد إلا أخرجه الله تعالي من النار. ثم قرأ رسول الله (ص): رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وأخرج ابن أبي عاصم في السنة وابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في البعث والنشور عن أبي موسي الأشعري (رض) قال قال رسول الله (ص): إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة، قال الكفار للمسلمين: ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا بلي، قالوا: فما أغني عنكم الإسلام وقد صرتم معنا في النار! قالوا: كانت لنا ذنوب فأخذنا بها، فسمع الله ماقالوا فأمر بكل من كان

في النار من أهل القبلة فأخرجوا، فلما رأي ذلك من بقي من الكفار قالوا: يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج كما خرجوا، ثم قرأ رسول الله (ص): أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: الرَ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَ قُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وأخرج إسحق بن راهويه وابن حبان والطبراني وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أنه سئل هل عندك من رسول الله(ص)في هذه الآية شي: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ؟ قال نعم سمعته يقول: يخرج الله أناساً من المؤمنين من النار بعد ما يأخذ نقمته منهم، لما أدخلهم الله النار مع المشركين قال لهم المشركون: ألستم كنتم تزعمون أنكم أولياء الله في الدنيا فما بالكم معنا في النار! فإذا سمع الله ذلك منهم أذن في الشفاعة لهم فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون حتي يخرجوا بإذن الله، فإذا رأي المشركون ذلك قالوا: يا ليتنا كنا مثلهم فتدركنا الشفاعة فنخرج معهم، فذلك قول الله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال فيسمون في الجنة الجهنميين من أجل سواد في وجوههم، فيقولون: يا ربنا أذهب عنا هذا الاسم، فيأمرهم فيغتسلون في نهر الجنة فيذهب ذلك الاسم عنهم.

وأخرج هناد بن السري والطبراني في الأوسط وأبو نعيم عن أنس (رض) قال قال رسول الله(ص): إن ناساً من أهل لا إله إلا الله يدخلون النار بذنوبهم فيقول لهم أهل اللات والعزي: ما أغني عنكم قول لا إله إلا الله وأنتم معنا في النار! فيغضب الله لهم فيخرجهم فيلقيهم في نهر الحياة فيبرؤون من حرقهم كما يبرأ القمر من خسوفه، فيدخلون الجنة ويسمون فيها الجهنميين.

وأخرج الحاكم في الكني عن حماد (رض)

قال سألت إبراهيم عن هذه الآية: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام: ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: إشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون، حتي أن إبليس ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ، قال: هذا في الجهنميين، إذا رأوهم يخرجون من النار. انتهي.

وفي نفس الوقت روي السيوطي روايات تدل علي أن تمني الكفار هذا ليس بعد دخول النار بل في يوم القيامة قبل دخول الجنة والنار.. قال: وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن عباس (رض) في قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا قال: ذلك يوم القيامة يتمني الذين كفروا لو كانوا مسلمين قال: موحدين.

وأخرج سعيد بن منصور وهناد بن السري في الزهد ابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس (رض) قال: ما زال الله يشفع ويدخل الجنة ويشفع ويرحم، حتي يقول من كان مسلماً فليدخل الجنة فذلك قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ. انتهي.

والإشكالات علي هذا الرأي كثيرة يكفي منها ما تقدم من أدلة الرأي الأول ويكفي منها أن القول بإسقاط اشتراط العمل هو مذهب المرجئة الذين أسقطوا قوانين العقوبة الإلهية، كما فعل اليهود من قبلهم!

وينبغي التذكير هنا بأن القرآن الكريم والأحاديث الثابتة المتفق عليها هي الميزان في قبول الأحاديث الأخري أو ردها.. وبهذا الميزان نجد أنفسنا ملزمين برد الأحاديث التي تكتفي بشرط إعلان الشهادتين فقط

لدخول الجنة، وتسقط كل الشروط العملية! لأنها تناقض عشرات الآيات والأحاديث القطعية المتفق عليها عند الجميع!

علي أنه يمكن لمن ثبتت عنده هذه الأحاديث أن يؤولها بأنها تقصد التأكيد علي أهمية الشهادتين، ولا تقصد إسقاط بقية الشروط التي نصت عليها الآيات والأحاديث الأخري، لأنها شرط ضمني فيها، فتكون النتيجة إخضاع هذه الأحاديث لمفاد أحاديث القول الأول، وهو المطلوب.

ان الشفاعة تشمل كل من شهد بتوحيد الله تعالي

حتي لو كفر بنبوة النبي صلي الله عليه وآله!

والمستفيد الأول من هذه التوسعة هم المنافقون من قريش والأنصار، الذين كانت تظهر منهم ظواهر النفاق وعدم الإيمان بالنبي في حياته صلي الله عليه وآله، وقد جعل الله تعالي لهم علامات يعرفهم المسلمون بها، ومن أوضحها بغض علي بن أبي طالب عليه السلام باعتباره يمثل تحدي الإسلام للكفر والنفاق، وباعتباره أول عترة النبي ووصيه صلي الله عليه وآله.. فكان حب علي وبغضه في حياة رسول الله وبنصه صلي الله عليه وآله ميزاناً للايمان والنفاق! وقد روي الجميع أحاديثه وصححوها، منها ما رواه أحمد في مسنده:1/95 وص 128 وص 292 عن زر بن حبيش عن علي (رض) قال عهد إليَّ النبي(ص)أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. ورواه الترمذي في سننه:5/306.

وقال الترمذي في سننه:5/298:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روي هذا عن الاعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

وروي الحاكم في المستدرك:3/128:

عن ابن عباس (رض) قال نظر النبي صلي الله عليه وآله إلي علي فقال: يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك

عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح علي شرط الشيخين، وأبو الأزهر بإجماعهم ثقة، وإذا تفرد الثقة بحديث فهو علي أصلهم صحيح.

وروي الحاكم في:3/135 سمعت عمار بن ياسر (رض) يقول سمعت رسول الله (صلي الله عليه وآله) يقول لعلي: يا علي طوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وروي الحاكم في:3/142 أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر علياً بأن الأمة ستغدر به من بعده، قال: عن حيان الأسدي سمعت علياً يقول قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الأمة ستغدر بك بعدي، وأنت تعيش علي ملتي وتقتل علي سنتي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني، وإن هذه ستخضب من هذا، يعني لحيته من رأسه. صحيح. انتهي.

أما بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله فصار بغض علي عليه السلام جهاراً نهاراً، ولم يعد علامةً علي النفاق بل صار علامةً علي (الإيمان) والتقوي والإخلاص للإسلام وتأييد السلطة الجديدة التي يعارضها علي وشيعته! وجهر المنافقون بنفاقهم مطمئنين! فقد روي البخاري:8/100 عن حذيفة بن اليمان قوله (إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم علي عهد النبي(ص)! كانوا يومئذ يسرون، واليوم يجهرون)!

هذه الحقيقة الثابتة تنفعنا في فهم أحاديث هذا الرأي التي تريد شمول المنافقين بالشفاعة والجنة! وهي كثيرة نورد عدداً منها ثم نذكر الملاحظات عليها:

روي مسلم في صحيحه:1/44:

عن أبي هريرة قال: كنا قعوداً حول رسول الله(ص)معنا أبو بكر وعمر في نفر، فقام رسول الله(ص)من بين أظهرنا، فأبطأ علينا وخشينا أن يقتطع دوننا وفزعنا، فقمنا فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله(ص)حتي أتيت حائطاً للأنصار لبني النجار، فدرت به هل أجد له باباً

فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة _ والربيع الجدول _ فاحتفرت فدخلت علي رسول الله(ص)، فقال: أبو هريرة؟ فقلت نعم يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا فخشينا أن تقتطع دوننا ففزعنا فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي!

فقال: يا أبا هريرة وأعطاني نعليه قال: إذهب بنعليَّ هاتين فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة! فكان أول من لقيت عمر فقال: ماهاتان النعلان يا أبا هريرة؟ فقلت هاتان نعلا رسول الله(ص)بعثني بهما من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشرته بالجنة، فضرب عمر بيده بين ثدييَّ فخررت لاستي! فقال: إرجع يا أبا هريرة، فرجعت إلي رسول الله(ص)فأجهشت بكاءً، وركبني عمر فإذا هو علي أثري، فقال رسول الله (ص): مالك يا أبا هريرة؟! قلت: لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربةً خررت لاستي قال إرجع!

قال رسول الله (ص): يا عمر ما حملك علي ما فعلت؟ قال: يا رسول الله بأبي أنت وأمي أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن إله إلا الله مستيقناً بها قلبه بشره بالجنة؟ قال: نعم. قال فلا تفعل! فإني أخشي أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون! قال رسول الله (ص): فخلهم!!

وروي البخاري في:1/41:

عن أنس: قال ذكر لي أن النبي(ص)قال لمعاذ: من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة. قال ألا أبشر الناس؟ قال: لا، أخاف أن يتكلوا.

وروي البخاري في:1/109:

قال أخبرني محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك وهو

من أصحاب رسول الله(ص)ممن شهد بدراً من الأنصار، أنه أتي رسول الله (ص)فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في بيتي فأتخذه مصلي.

قال فقال له رسول الله (ص): سأفعل إن شاء الله، قال عتبان: فغدا رسول الله(ص)وأبو بكر حين ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله(ص)فأذنت له فلم يجلس حين دخل البيت، ثم قال: أين تحب أن أصلي من بيتك؟ قال: فأشرت له إلي ناحية من البيت فقام رسول الله(ص)فكبر فقمنا فصففنا فصلي ركعتين ثم سلم، قال وحبسناه علي خزيرة صنعناها له قال فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذووا عدد، فاجتمعوا فقال قائل منهم: أين مالك بن الدخيشن أو ابن الدخشن؟ فقال بعضهم: ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، فقال رسول الله (ص): لا تقل ذلك، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله؟ قال: الله ورسوله أعلم، قال: فإنا نري وجهه ونصيحته إلي المنافقين! قال رسول الله (ص): فإن الله قد حرم علي النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله!! ورواه في كنز العمال:1/302.

وروي البخاري:2/55 وج 6/202:

فإن الله قد حرم علي النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله.

وروي شبيهه في:1/33، ورواه أحمد في مسنده:4/44.

وروي البخاري في:7/172:

عن أحد بني سالم قال غدا علي رسول الله(ص)فقال: لن يوافي عبد يوم القيامة يقول لا إله إلا الله يبتغي به وجه الله إلا حرم الله عليه النار.

وروي البخاري في:2/69:

عن أبي ذر (رض) قال

قال رسول الله (ص): أتاني آت من ربي فأخبرني أو قال بشرني أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق... عن عبدالله (رض) قال قال رسول الله (ص): من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار. وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة!!

وروي البخاري في:7/43:

أن أبا ذر حدثه قال: أتيت النبي(ص)وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات علي ذلك إلا دخل الجنة! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق. قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق! قلت وإن زني وإن سرق؟! قال وإن زني وإن سرق، علي رغم أنف أبي ذر!! وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر!! قال أبو عبد الله: هذا عند الموت أو قبله. انتهي.

وأبو عبدالله هو البخاري نفسه، وهو يريد بقوله هذا تخفيف إطلاق الحديث ووضع شرط للتوحيد المذكور فيه، بأنه المسلم المجرم يدخل الجنة بشرط أن يقول (لا إله إلا الله) قبل موته أو عند موته. ولكن الحديث مطلق وليس فيه هذا الشرط!

وروي النسائي في:8/112:

عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): ما مجادلة أحدكم في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار، قال يقولون: ربنا إخواننا كانوا يصلون معنا ويصومون معنا ويحجون معنا فأدخلتهم النار! قال فيقول: إذهبوا فأخرجوا من عرفتم منهم، قال فيأتونهم فيعرفونهم بصورهم، فمنهم من أخذته النار إلي أنصاف ساقيه، ومنهم من أخذته

إلي كعبيه، فيخرجونهم فيقولون: ربنا قد أخرجنا من أمرتنا، قال: ويقول أخرجوا من كان في قلبه وزن نصف دينار، حتي يقول من كان في قلبه وزن ذرة! قال أبو سعيد: فمن لم يصدق فليقرأ هذه الآية: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ إلي عَظِيمًا.

وروي أحمد في مسنده:4/43:

ذكروا المنافقين وما يلقون من أذاهم وشرهم حتي صيروا أمرهم إلي رجل منهم يقال له مالك بن الدخشم، وقالوا: من حاله، ومن حاله، ورسول الله (ص)ساكت، فلما أكثروا قال رسول الله (ص): أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟! فلما كان في الثالثة قالوا: إنه ليقوله. قال: والذي بعثني بالحق لئن قالها صادقاً من قلبه لا تأكله النار أبداً! قالوا فما فرحوا بشئ قط كفرحهم بما قال!! انتهي.

وابن الدخشن هذا، أو الدخشم، أو الدخيشن، هو الذي ذكره البخاري وهو رئيس المنافقين الرسمي بعد ابن سلول! ويمكنك أن تفكر فيما يزعمه هذا الحديث من أن أكبر فرحة للمسلمين كانت في ذلك اليوم، أي يوم ساوي النبي صلي الله عليه وآله بين المسلمين والمنافقين الذين قال الله تعالي فيهم ما قال!!

ولعمري إنها فرحة السلطة وأتباعها الذين أرادوا حل مشكلة المنافقين لتأييدهم لهم، فألصقوا ذلك بالنبي صلي الله عليه وآله!!

وروي أحمد في مسنده:4/411:

عن أبي بكر بن أبي موسي (الأشعري) عن أبيه أن رسول الله(ص)قال: أبشروا وبشّروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقاً بها دخل الجنة، فخرجوا يبشرون الناس، فلقيهم عمر (رض) فبشروه فردهم، فقال رسول الله (ص): من ردكم؟ قالوا عمر، قال: لم رددتهم يا عمر؟ قال إذاً يتكل الناس يا رسول الله! انتهي. وقال عنه

في مجمع الزوائد:1/16 رجاله ثقات.

وروي أحمد:1/464:

عن عبد الله قال قال رسول الله(ص)كلمة وأنا أقول أخري! من مات وهو يجعل لله ندا أدخله الله النار. قال وقال عبد الله: وأنا أقول: من مات وهو لا يجعل لله ندا أدخله الله الجنة!!. انتهي.

ولكن أحمد روي في:2/170 أن عبد الله بن عمرو بن العاص نسب الكلمتين إلي النبي صلي الله عليه وآله! قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: من لقي الله وهو لايشرك به شيئاً دخل الجنة ولم تضره معه خطيئة، كما لو لقيه وهو مشرك به دخل النار ولم ينفعه معه حسنة.انتهي.

ولكن أحمد روي هذا الحديث أيضاً عن عبد الله بن مسعود وليس عبد الله بن عمرو! قال في:1/374: قال ابن مسعود: خصلتان يعني إحداهما سمعتها من رسول الله(ص)، والأخري من نفسي: من مات وهو يجعل لله ندا دخل النار. وأنا أقول من مات... الخ.

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:1/23:

عن عقبة بن عامر (رض) قال جئت في اثني عشر راكباً حتي حللنا برسول الله(ص)فقال أصحابي: من يرعي إبلنا وننطلق فنقتبس من رسول الله(ص)، فإذا راح اقتبسناه ما سمعنا من رسول الله(ص)؟ فقلت: أنا، ثم قلت في نفسي: لعلي مغبون، يسمع أصحابي ما لا أسمع من نبي الله(ص)، فحضرت يوماً فسمعت رجلاً قال قال رسول الله (ص): من توضأ وضوء كاملاً ثم قام إلي صلاة كان من خطيئته كيوم ولدته أمه، فتعجبت من ذلك، فقال عمر بن الخطاب: فكيف لو سمعت الكلام الآخر كنت أشد عجباً! فقلت: أردد عليَّ جعلني الله فداءك، فقال عمر بن الخطاب: إن نبي الله(ص)قال: من مات لا يشرك بالله شيئاً فتحت له أبواب الجنة يدخل من أيها شاء، ولها ثمانية

أبواب! فخرج علينا رسول الله(ص)فجلست مستقبله فصرف وجهه عني، فقمت فاستقبلته ففعل ذلك ثلاث مرات فلما كانت الرابعة، قلت يا نبي الله بأبي أنت وأمي لم تصرف وجهك عني؟! فأقبل علي فقال: أواحد أحب اليك أم اثنا عشر؟ مرتين أو ثلاثاً! فلما رأيت ذلك رجعت إلي أصحابي!

وفي مجمع الزوائد:1/32:

عن عمر بن الخطاب (رض) أنه سمع النبي(ص)يقول: من مات يؤمن بالله واليوم الآخر، قيل له أدخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت. رواه أحمد وفي إسناده شهر بن حوشب وقد وثق. وأورده أيضاً في/49.

وفي مجمع الزوائد:1/22:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص (رض) قال: جئت ورسول الله(ص)قاعد في أناس من أصحابه فيهم عمر بن الخطاب (رض) وأدركت آخر الحديث ورسول الله(ص)يقول: من صلي أربع ركعات قبل العصر لم تمسه النار! فقلت بيدي هكذا يحرك بيده إن هذا حديث جيد، فقال عمر بن الخطاب: لما فاتك من صدر الحديث أجود وأجود! قلت يا ابن الخطاب فهات، فقال عمر بن الخطاب: حدثنا رسول الله(ص)أنه من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة!!

وفي مجمع الزوائد:1/16:

عن أبي الدرداء (رض) قال قال رسول الله (ص): من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة. قال قلت: وإن زني وإن سرق؟ قال: وإن زني وإن سرق! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال: وإن زني وإن سرق! قلت: وإن زني وإن سرق؟! قال: وإن زني وإن سرق علي رغم أنف أبي الدرداء! قال فخرجت لانادي بها في الناس فلقيني عمر فقال إرجع فإن الناس إن علموا بهذه اتكلوا عليها! قال: فرجعت فأخبرته(ص)فقال: صدق عمر.

رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط وإسناد أحمد

أصح، وفيه ابن لهيعة وقد احتج به غير واحد. ورواه في الدر المنثور:2/170.

وروي أحمد:5/170:

حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة فانتهت إلي الربذة فسمعت أباذر يقول: قام النبي(ص)ليلة من الليالي في صلاة العشاء فصلي بالقوم ثم تخلف أصحاب له يصلون، فلما رأي قيامهم وتخلفهم انصرف إلي رحله، فلما رأي القوم قد أخلوا المكان رجع إلي مكانه فصلي، فجئت فقمت خلفه فأومأ إليَّ بيمينه فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله فقمنا ثلاثتنا، يصلي كل رجل منا بنفسه ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية من القرآن يرددها حتي صلي الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلي عبد الله بن مسعود أن سله ما أراد إلي ما صنع البارحة؟ فقال ابن مسعود بيده لا أسأله عن شئ حتي يحدث إلي، فقلت: بأبي أنت وأمي قمت بآية من القرآن ومعك القرآن؟! لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه، قال: دعوت لأمتي، قال: فماذا أجبت أو ماذا عليك؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعةً تركوا الصلاة! قال: أفلا أبشر الناس؟ قال بلي، فانطلقت معنقاً قريباً من قذفة بحجر، فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلي الناس بهذا نكلوا عن العبادة، فنادي أن ارجع، فرجع.

وروي أحمد في مسنده:2/307 وفي/518:

عن أبي هريرة أنه سمعه يقول: سألت رسول الله (ص): ماذا رد إليك ربك في الشفاعة؟ فقال: والذي نفس محمد بيده لقد ظننت أنك أول من يسألني عن ذلك من أمتي لما رأيت من حرصك علي العلم! والذي نفس محمد بيده ما يهمني من انقصافهم علي أبواب الجنة أهم عندي من تمام

شفاعتي، وشفاعتي لمن شهد أن لا إله إلا الله مخلصاً يصدق قلبه لسانه ولسانه قلبه. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار:2/197 ح 3395.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/324:

وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: لما نزلت: فبشر عبادي الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، أرسل رسول الله(ص)منادياً فنادي: من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، فاستقبل عمر الرسول فرده، فقال: يا رسول الله خشيت أن يتكل الناس فلا يعملون، فقال رسول الله (ص): لو يعلم الناس قدر رحمة الله لا تكلوا ولو يعلمون قدر سخط الله وعقابه لاستصغروا أعمالهم!

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا علي كبائرهم غير نادمين ولا تائبين، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران، حرم الله أجسادهم علي الخلود من أجل التوحيد، وصورهم علي النار من أجل السجود، فمنهم من تأخذه النار إلي قدميه، ومنهم من تأخذه النار إلي عقبيه، ومنهم من تأخذه النار إلي فخذيه، ومنهم من تأخذه النار إلي حجزته، ومنهم من تأخذه النار إلي عنقه، علي قدر ذنوبهم وأعمالهم. ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج منها، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج منها، وأطولهم فيها مكثاً بقدر الدنيا منذ يوم خلقت إلي أن تفني.

فإذا أراد الله ان يخرجهم منها قالت اليهود والنصاري ومن في النار من أهل الأديان والأوثان لمن في النار من أهل التوحيد: آمنتم بالله وكتبه ورسله فنحن وأنتم اليوم في النار سواء، فغضب

الله غضبا لم يغضبه لشئ فيما مضي، فيخرجهم إلي عين بين الجنة والصراط فينبتون فيها نبات الطراثيث في حميل السيل، ثم يدخلون الجنة مكتوب في جباههم هؤلاء الجهنميون عتقاء الرحمن، فيمكثون في الجنة ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يسألون الله تعالي أن يمحو ذلك الاسم عنهم، فيبعث الله ملكاً فيمحوه ثم يبعث الله ملائكة معهم مسامير من نار فيطبقونها علي من بقي فيها يسمرونها بتلك المسامير فينساهم الله علي عرشه، ويشتغل عنهم أهل الجنة بنعيمهم ولذاتهم وذلك قوله: رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

وقال ابن باز في فتاويه:1/179:

روي البخاري عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك قال: من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه. انتهي.

ملاحظات علي روايات هذا الرأي

أولاً: نلاحظ في أحاديث هذا الرأي بل هذا المذهب، اضطرابها وتعارضها إلي حد التناقض! ولعل أصلها رواية مسلم التي ضرب فيها عمر أبا هريرة حتي خر لاسته! والمقصود منها ومن أمثالها إثبات أن النبي صلي الله عليه وآله قد (اعترف وشهد) بأن توحيد الله تعالي فقط كاف لدخول الجنة، وأنه لا يحتاج الأمر إلي الإيمان بنبوته ولا شفاعته صلي الله عليه وآله!

ويلاحظ أنها تؤكد علي أن الذي قال ذلك هو النبي نفسه صلي الله عليه وآله وليس عمر! بل إن عمر كان مخالفاً لذلك، وقد ردَّ أبا هريرة من الطريق وضربه، واعترض علي النبي مرات ومرات، وقد أطاعه النبي صلي الله عليه وآله في بعض المرات، ثم أصرَّ النبي علي هذا القول فهو الذي يتحمل مسؤوليته، وليس عمر، ولا أبو موسي، ولا أبو هريرة، ولا كعب الأحبار!!

ثانياً: أن هذا المذهب يلغي حاجة المسلمين إلي الشفاعة أصلاً!!

فأحاديثه تبشر بالجنة كل من قال (لا إله إلا الله) وتشمل رواياته اليهود والنصاري وغيرهم، فلا يبقي معني للشفاعة!!

ثالثاً: أنه يلغي الحاجة إلي أصل الإسلام ونبوة نبينا صلي الله عليه وآله! لأن رواياته تقول إن الله تعالي يقبل إيمان الموحد ويدخله الجنة لتوحيده، حتي لو كفر بنبوة محمد صلي الله عليه وآله! فلا يبقي مبرر لجهاد النبي صلي الله عليه وآله وحروبه وشدته علي الكافرين بنبوته! ولا يبقي معنيً لقوله تعالي (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخرة مِنَ الْخَاسِرِينَ) وكيف يجرأ مسلم علي قبول رأي من رواة أو خليفة، يستلزم إبطال دينه من أصله؟!!

رابعاً: تزعم روايات هذا المذهب عدم عصمة النبي صلي الله عليه وآله وأنه أخطأ في تبليغ الرسالة وصحح له عمر وأقنعه بخطئه! علي أنه توجد رواية أخري في تهذيب الكمال:4 ص31 وفي مجمع الزوائد:1 ص16 تقول إن النبي لم يقتنع وأصرَّ علي رأيه، وقال لعمر: دعهم يتكلوا! وتوجد رواية أخري في مجمع الزوائد وفي مسند أحمد:4/402 تقول إن النبي سكت!.. الخ.

ومن جهة أخري تدل هذه الروايات علي عدم إيمان عمر بعصمة النبي صلي الله عليه وآله وتعطي لعمر دور الناظر علي أعمال النبي صلي الله عليه وآله والولاية عليه لتصحيح أخطائه! بينما يؤكد الله تعالي عصمة رسوله صلي الله عليه وآله في كل كلمة يتفوه بها، فيقول (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي)!

خامساً: تقدمت رواية أن عمر هو الذي بشر الناس، ولعله اقترح علي النبي أن يبشر الناس بذلك فنهاه النبي صلي الله عليه وآله!! وقد روي الهيثمي رواية فيها تصريح بأن الذي أراد تبشير الناس هو عمر وإن كانت

متناقضة، قال (وعن جابر (رض) قال: قال رسول الله (ص): ناد يا عمر في الناس إنه من مات يعبد الله مخلصاً من قلبه أدخله الله الجنة وحرم علي النار! قال فقال عمر: يا رسول الله أفلا أبشر الناس؟ قال: لا، لا، يتكلوا. انتهي.

فأول الرواية يقول: إن النبي أمر عمر بالنداء، وآخرها يقول إن عمر اقترح النداء فلم يقبل به النبي صلي الله عليه وآله ونهاه عنه!

وهذا يؤيد أن يكون أصل القضية كلها محاولة من عمر لتبشير الناس بعدم اشتراط العمل للجنة، فنهاه النبي صلي الله عليه وآله.

سادساً: إن روايات (ضياع النبي!) في غزوة من غزواته أو في المدينة، قد حملت من التناقض واللامعقول ما يوجب علي الباحث بل علي القارئ الشك فيها من أصلها!

فحديث مسلم يقول: إنهم (أضاعوا) النبي صلي الله عليه وآله في المدينة حتي وجده أبوهريرة في بستان في المدينة لبني النجار! وروايتا الطبراني المتقدمتان عن عوف بن مالك والنضر بن أنس تقولان إنهم أضاعوا النبي في إحدي الغزوات! أو خرج مبهوتاً في وسط الليل! وبعض رواياتها تقول إن النبي صلي الله عليه وآله لم يضع بل كان في بيته أو في مسجده وأمر أبا موسي ونفراً من قومه أن يبشروا الناس فلما خرجوا من عنده لقيهم عمر... الخ. وقد رواها أحمد:4 ص402 وص411 و قال عنها مجمع الزوائد ج1ص 16 (رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات).

ثم إن رواية مسلم تقول: إن بطل القصة المأمور بالنداء هو أبو هريرة وأن عمر ضربه! بينما تقول روايات أخري إن المأمور بالنداء أبو موسي الأشعري ونفر من الأشعريين وأن عمر رده ولم يضربه! وأخري تقول: إن المأمور هو أبو الدرداء،

وأخري تقول: إنه أبوذر، وأخري تقول: إنه عمر.. إلخ. ورواية أبي سعيد تذكر مأموراً بدون تسمية!

أما روايات الطبراني فتذكر بطلين آخرين للحادثة هما عوف والنضر، وفي رواية أخري في مجمع الزوائد ج1 ص23 إنه عقبة بن عامر!

وتوجد رواية في مجمع الزوائد تقول إن البطل الوحيد هو عمر، ولا يوجد غيره قال الهيثمي في مجمع الزوائد ج1 ص16 وعن عمر (رض) أن رسول الله(ص)أمره أن يؤذن في الناس أنه: من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصاً دخل الجنة، فقال عمر: يا رسول الله إذا يتكلوا فقال: دعهم. رواه أبو يعلي والبزار إلا أن عمر قال يا رسول الله إذا يتكلوا! قال دعهم يتكلوا. انتهي.

أما رواية البخاري فتذكر أن بطل الرواية معاذ فقط، وأنه اقترح تبشير الناس بذلك فنهاه النبي صلي الله عليه وآله، ورواية أحمد تذكر أن بطلها عبادة بن الصامت.. وقد تقدمت الروايتان في الرأي الثاني لأنهما اشترطتا الشهادة بالنبوة!!

ولو أردنا مواصلة بحث ملف ضياع النبي المزعوم، والنداء المزعوم، لوجدنا فيها تناقضات أخري توجب سقوط أصل القصة عن الصلاحية لإثبات حكم شرعي عادي، فكيف تصلح لاثبات عقيدة خطيرة، أخطر من مذهب المرجئة؟! لأن المرجئة يشترطون لدخول الجنة الشهادتين، وهذه القصة تلغي الشهادة الثانية!!

سابعاً: توجد روايات تناقض هذا الرأي عن الخليفة عمر نفسه وتقول إن الذي يسرق عباءة من الغنائم يحرم من دخول الجنة، حتي لو كان السارق مسلماً واستشهد في سبيل الله تعالي! وتقول إن النبي صلي الله عليه وآله قد أمر عمر أن ينادي بنداء مضاد لما ذكرته قصة ضياع النبي صلي الله عليه وآله ونداء النعلين!!

فقد روي أحمد في مسنده:1/30 وص 47

عن عمر بن الخطاب (رض) قال لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي(ص)فقالوا: فلان شهيد فلان شهيد، حتي مروا علي رجل فقالوا فلان شهيد، فقال رسول الله (ص): كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة! ثم قال رسول الله (ص): يابن الخطاب إذهب فناد في الناس إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال: فخرجت فناديت: ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون. انتهي.

فإذا كانت سرقة عباءة تمنع صاحبها (الشهيد) من دخول الجنة، فكيف تكون شهادة (لا إله إلا الله) وحدها بدون عمل كافية لدخول الجنة؟!

وإذا كان النبي صلي الله عليه وآله قد أمر عمر بهذا النداء، فكيف أمر عمر نفسه أو غيره بنداء مناقض له؟! وكيف لم يعترض عليه عمر وهو المعروف بكثرة اعتراضاته؟!

ثم إن قصة سارق العباءة والنداء بشرط الإيمان والعمل الصالح، كانتا في خيبر، وهذه ظاهرة تحديد في الرواية توجب نوعاً من الثقة، ولكنك لا تجد في قصة ضياع النبي صلي الله عليه وآله والنداء المضاد المزعومين شيئاً من التحديد، لا اسم الغزوة، ولا اسم البستان، بل لا تجد إلا مجملاً في مجمل، وتناقضاً بعد تناقض!

وبما أن أغلب روايات هذه القصة تشترك في ذكر دور عمر ومناقشته للنبي صلي الله عليه وآله ونصحه إياه بضرر إعلان ذلك للناس، يترجح في الذهن احتمال أن يكون أصل القصة أن الخليفة عمر هو الذي بشر الناس كما نصت الروايات المتقدمة، وقد يكون اقترح علي النبي صلي الله عليه وآله أن يأمره بذلك فلم يقبل، وأن النبي صلي الله عليه وآله ما ضاع لا في غزوتين ولا في غزوة،ولا خرج مذعوراً في الليل من كلام جبرئيل، ولا ضاع

في المدينة، ولا اختبأ في بستان، ولا أعطي نعليه لابي هريرة علامةً للناس بأنه مبعوث من النبي صلي الله عليه وآله، ولا ضرب عمر أبا هريرة حتي خر لاسته! فعندما تتناقض الروايات ولا يمكن الجمع بينها، أو تكون مخالفة للقرآن وللسنة القطعية المتفق عليها.. فلا مجال أمام الباحث إلا ترجيح هذا الإحتمال الأخير.

ثامناً ثبت عند الجميع أن النبي صلي الله عليه وآله قد أرسل علياً عليه السلام الي مكة بأمر من الله تعالي لإبلاغ سورة براءة، وأمره أن ينادي في الناس بعدة أمور، منها (لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة)! وقد روي ذلك أحمد: 1/47 وص 79 والنسائي: 5/234 والدارمي:2/230 وغيرهم، وفي أحمد: 5/438: نفس مسلمة).

وروايات هذا النداء ثابتة عند الطرفين، وليست مهزوزة مثل نداء النعلين المزعوم!

ثم إن هذا النداء كان بعد فتح مكة، فلا بد للقائل بصحة روايات نداء النعلين أن يقول إنه ناسخ لهذا النداء، وأن يثبت صحة قصته وأنها كانت بعد نداء مكة.. ولكن دون إثبات ذلك خرط القتاد!

أما الأحاديث الأخري التي استدلوا بها علي هذا المذهب، فليست أحسن حالاً من حديث (ضياع النبي صلي الله عليه وآله واختفائه واختبائه ونداء النعلين) في تضاربها وتعارضها مع غيرها..ويكفي لردها الروايات التي تقدمت في الرأي الأول.

وأخيراً، فقد آن لاخواننا فقهاء السنة أن ينظروا بجدية إلي تناقضات روايات الصحاح ومخالفاتها الصريحة للقرآن وضرورات الإسلام، ويعيدوا النظر في مفهومهم للصحيح والحجة الشرعية!

ذلك أن صريح العقل هو الأصل الذي وصلنا به إلي الإيمان بالله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله ثم وصلنا به إلي قطعيات الشرع الشريف. وحبُّنا للصحاح وأصحابها وأسانيدها لا يجوز أن يوصلنا إلي التنازل عن قطعيات الشرع والعقل،

لأن إبطال الأصل يستلزم إبطال الفرع الذي نحبه، وبالنتيجة خسارة كل شئ!!

احاديث أن الله تعالي يشفع عند نفسه

بمقتضي أحاديثهم في استحقاق الموحد لدخول الجنة، فلا يحتاج الأمر إلي شفاعة، بل تصير الشفاعة من نصيب المشركين!

ولكن أصحاب هذا الرأي احتاطوا في أمر أصحابهم فشملوهم بالشفاعة! واختلفت رواياتهم في من يشفع فيهم! فقال بعضها إن النبي صلي الله عليه وآله هو الذي يشفع في الموحدين، وقال بعضها إن إسحاق هو شفيع الموحدين، وقد صحح الحاكم روايته علي شرط الشيخين، كما سيأتي في مسألة الذبيح! وقال بعضها إن النبي صلي الله عليه وآله يطلب من الله تعالي أن يعطيه الشفاعة فيهم فلا يعطيه إياها بل يستأثر بها لنفسه، فكأنه تعالي يريد أن يجازيهم هو شخصياً، لانهم شهدوا بتوحيده!!

قال في كنز العمال:1/56:

ما زلت أشفع إلي ربي فيشفعني حتي أقول: شفعني فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: ليست هذه لك يا محمد! إنما هي لي! أنا وعزتي وحلمي ورحمتي لا أدع في النار أحداً قال لا إله إلا الله-ع عن أنس. انتهي. وأورده الرازي في تفسيره: 11 جزء 22/10. وفي كنز العمال:1/64 فيقال: ليست هذه لك ولا لاحد، هذا إليَّ، فلا يبقي أحد قال لا إله إلا الله إلا أخرج منها _ الديلمي عن أنس.

طبقات الحنابلة لأبي يعلي:1/312:

قال أحمد بن حنبل: إذا لم يبق لاحد شفاعة قال الله تعالي: أنا أرحم الراحمين، فيدخل كفه في جهنم فيخرج منها ما لا يحصيه غيره.

وروي البيهقي في سننه:10/42:

عن معبد بن هلال العنزي قال: أتيت أنس بن مالك (رض) في رهط من أهل البصرة وسماهم لنا، نسأله عن حديث الشفاعة، فذكر الحديث بطوله في سؤاله وجوابه وخروجهم من عنده ودخولهم

عن الحسن بن أبي الحسن البصري، قال الحسن حدثني كما حدثكم، قال ثم قال يعني النبي (ص): فأجئ في الرابعة فأحمد بتلك المحامد ثم أخر له ساجداً فيقال لي يا محمد إرفع رأسك قل يسمع لك وسل تعطه واشفع تشفع، فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إله إلا الله فيقول ليس ذلك إليك ولكني وعزتي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله. رواه البخاري في الصحيح عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد زاد فيه (وجلالي) ورواه مسلم عن سعيد بن منصور وغيره.

ولكن الديلمي روي في فردوس الأخبار:3/276 ح 4695:

أن الله تعالي يتنازل ويعطي الشفاعة فيهم لرسوله صلي الله عليه وآله! قال عمرو بن العاص: قلت يا ربي شفعني فيمن قال لا إله إلا الله، قال: لك ذلك! انتهي.

وقال الثعالبي في الجواهر الحسان:1/351 في تفسير الآية 40 من سورة النساء:

فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط!

وقال في:2/360:

وأحاديث الشفاعة قد استفاضت وبلغت حد التواتر من أعظمها شفاعة أرحم الراحمين ففي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد الخدري قال: فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون... الخ.

ورواه البغوي في مصابيح السنة:3/542.

وقد أوردنا روايات هذه (الشفاعة) من مصادر السنيين في المجلد الثاني في ادعائهم رؤية الله تعالي بالعين في الآخرة! ومعناها أن الله تعالي يتوسط عند نفسه، وهو معني عامي للشفاعة! والظاهر أن أصلها الحديث المروي في مصادرنا عن الإمام محمد الباقر عليه السلام الذي رواه في بحار الأنوار:8/361 عن حمران قال

سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: إن الكفار والمشركين يرون أهل التوحيد في النار فيقولون مانري توحيدكم أغني عنكم شيئاً، وما أنتم ونحن إلا سواء! قال: فيأنف لهم الرب عز وجل فيقول للملائكة: إشفعوا فيشفعون لمن شاء الله، ويقول للمؤمنين مثل ذلك، حتي إذا لم يبق أحدٌ تبلغه الشفاعة، قال تبارك وتعالي: أنا أرحم الراحمين، أخرجوا برحمتي، فيخرجون كما يخرج الفراش، قال: ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ثم مدت العُمُد وأعمدت عليهم، وكان والله الخلود. انتهي.

ورواه في تفسير نور الثقلين:5/523 عن مجمع البيان عن العياشئ.

والمقصود بأهل التوحيد الذين تشملهم الشفاعة في هذه الرواية، المسلمون الذين ارتضي الله دينهم وأماتهم علي التوحيد.. فقد ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) أن بعض أصحاب المعاصي والانحرافات الكبيرة، يسلب منهم التوحيد قبل موتهم، والعياذ بالله!!

ان الشفاعة تشمل جميع الخلق

مجموعة الرسائل لابن تيمية:1/10:

أجمع المسلمون علي أن النبي(ص) يشفع للخلق يوم القيامة بعد أن يسأله الناس ذلك، وبعد أن يأذن الله في الشفاعة. ثم أهل السنة والجماعة متفقون علي ما اتفقت عليه الصحابة... أنه يشفع لأهل الكبائر ويشفع أيضاً لعموم الخلق... أما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن شفاعته إنما هي للؤمنين خاصة... ومنهم من أنكر الشفاعة مطلقاً... ومذهب أهل السنة والجماعة أنه يشفع في أهل الكبائر ولا يخلد أحد في النار.

ولكن ابن باز لم يأخذ بفتوي إمامه ابن تيمية فقال في فتاويه:4/368:

إن المشرك إذا مات علي شركه فهو مخلد في النار أبد الآباد بإجماع أهل العلم، وذلك مثل الذي يعبد الأصنام أو الأحجار أو الأشجار أو الكواكب... أو يعبد الأموات ومن يسمونهم بالأولياء، أو يستغيث بهم ويطلب منهم المدد أو العون عند قبورهم، مثل قول بعضهم:

يا سيدي فلان المدد المدد، يا سيدي البدوي المدد المدد... أو يا سيدي رسول الله المدد المدد الغوث الغوث، أو يا سيدي الحسين أو يا فاطمة أو يا ست زينب، أو غير ذلك ممن يدعوه المشركون... وهذا كله من الشرك الأكبر، فإذا مات عليه صاحبه صار من أهل النار. انتهي.

فإن عجبت فاعجب لإبن تيمية إمام الوهابيين حيث يحكم بدخول إبليس وقابيل وفرعون ونمرود الجنة لأنهم من عموم الخلق! ولإمامهم المعاصر ابن باز حيث يحكم بأن ملايين المسلمين الذين يدعون الله تعالي ويطلبون من أوليائه مدداً مما أعطاهم الله تعالي كلهم (مشركون) مخلدون في النار أبد الآباد!!

مجمع الزوائد:10/379:

وعن أنيس الأنصاري قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إني لاشفع يوم القيامة في كل شئ مما علي وجه الأرض من حجر ومدر. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أحمد بن عمرو صاحب علي بن المديني ويعرف بالقلوري ولم أعرفه، وبقية رجاله وثقوا علي ضعف في بعضهم. انتهي. ورواه ابن عبد البر في الاستيعاب:1/114 والديلمي في فردوس الأخبار:1/93 ح 174 عن بريدة الاسلمي وفيه (لاكثر مما علي وجه الأرض من حجر ومدر).

الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردويه عن عبدالرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً علي عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثني إلي ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟! فقال كعب: قد أخبرك الله في القرآن أن الله يقول (ما سلككم في سقر إلي قوله اليقين) قال كعب: فيشفع يومئذ حتي يبلغ من لم يصل صلاة قط ويطعم مسكيناً قط ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير!) انتهي.

وإذا أراد كعب بقوله (حتي يبلغ، فإذا بلغت هؤلاء) أن النبي يشفع حتي يبلغ

هؤلاء فيشفع لهم أيضاً، فلم يبق أحد في النار! وإن أراد أنه يبلغهم ويقف عندهم، فمعناه أن كعباً لا يشترط لشمول الشفاعة إلا الإيمان بيوم الدين، وعملاً واحداً من الأعمال المذكورة!

كنز العمال:14/511 عن ابن عساكر:

عن أنس أن رسول الله(ص)قال: والذي نفسي بيده! إني لسيد الناس يوم القيامة ولا فخر، وإن بيدي لواء الحمد وإن تحته آدم ومن دونه ولا فخر، ينادي الله يومئذ آدم فيقول: يا آدم، فيقول لبيك رب وسعديك، فيقول: أخرج من ذريتك بعث النار، فيقول: يا رب وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فيخرج ما لا يعلم عدده إلا الله، فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أكرمك الله وخلقك بيده، ونفخ فيك وروحه وأسكنك جنته، وأمر الملائكة فسجدوا لك، فاشفع لذريتك أن لا تحرق اليوم بالنار، فيقول آدم: ليس ذلك إليِّ اليوم، ولكن سأرشدكم، عليكم بنوح فيأتون نوحاً فيقولون: يا نوح إشفع لذرية آدم فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن عليكم بعبد اصطفاه الله بكلامه ورسالته وصنع علي عينه وألقي عليه محبة منه موسي وأنا معكم، فيأتون موسي فيقولون: يا موسي أنت عبد اصطفاك الله برسالته وبكلامه وصنعت علي عينه وألقي عليك محبة منه إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم عليكم بروح الله وكلمته عيسي فيأتون عيسي فيقولون: يا عيسي أنت روح الله وكلمته إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فيقول: ليس ذلك إليَّ اليوم ولكن سأرشدكم عليكم بعبد جعله الله رحمة للعالمين أحمد وأنا معكم، فيأتون أحمد فيقولون: يا أحمد جعلك الله رحمة للعالمين إشفع لذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار، فأقول: نعم أنا صاحبها فآتي حتي آخذ

بحلقة باب الجنة فيقال: من هذا أحمد؟ فيفتح لي فإذا نظرت إلي الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً، ثم يفتح لي من التحميد والثناء علي الرب شيئاً لا يفتح لاحد من الخلق ثم يقال: إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار فيقول الرب جل جلاله: إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال قدر قيراط من إيمان فأخرجوه!

ثم يعودون إليَّ فيقولون: ذرية آدم لا يحرقون اليوم بالنار فآتي حتي آخذ بحلقة الجنة فيقال: من هذا؟ فأقول أحمد، فيفتح لي فإذا نظرت الجبار لا إله إلا هو خررت ساجداً مثل سجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء علي الرب والتحميد مثل ما فتح لي أول مرة، فيقال: إرفع رأسك سل تعطه واشفع تشفع، فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار! فيقول الرب: إذهبوا من وجدتم في قلبه مثقال دينار من إيمان فأخرجوه!

ثم آتي حتي أصنع مثل ما صنعت أول مرة فإذا نظرت إلي الجبار عز جلاله خررت ساجداً فأسجد كسجودي أول مرة ومثله معه فيفتح لي من الثناء والتحميد مثل ذلك ثم يقال: إرفع رأسك وسل تعطه واشفع تشفع فأقول: يا رب ذرية آدم لا تحرق اليوم بالنار! فيقول الرب: إذهبوا فمن وجدتم في قلبه مثقال ذرة من إيمان فأخرجوه فيخرجون ما لا يعلم عدده إلا الله ويبقي أكثر. ثم يؤذن لادم في الشفاعة فيشفع لعشرة آلاف ألف ثم يؤذن للملائكة والنبيين فيشفعون ثم يؤذن للمؤمنين فيشفعون وإن المؤمن يشفع يومئذ لاكثر من ربيعة ومضر. انتهي.

ومن الواضح أن هذه الرواية تطرح ذرية آدم كلهم موضوعاً للشفاعة، ولكنها (تحتاط) من التصريح بشمول الشفاعة

لهم، علي عكس الروايات والآراء المتقدمة التي صرحت بشمول الشفاعة لجميع الخلق!

وإذا كان هذا الرأي يحتاج إلي رد، فإن ما تقدم في أدلة الرأي الموافق لمذهبنا، وما تقدم في نقد الآراء التوسيعية السابقة كاف لرده.

ان العقاب في الآخرة ينتهي كليا و أن جهنم تفني و ينقل أهلها إلي الجنة

وهذه المسألة من مسائل المعاد لا الشفاعة، ولكن بحثناها هنا لذكر الشفاعة في كثير من رواياتها.

وأول من قال من المسلمين بفناء النار هو الخليفة عمر بن الخطاب، وقد تأثر به عدد من المذاهب الكلامية. ولكن أكثر المتعصبين لعمر لم يأخذوا بقوله هذا، ماعدا ابن تيمية وبعض تلاميذه، كما ستري!

قال السيوطي في الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر عن الحسن عن عمر (رض) قال: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم يوم علي ذلك يخرجون فيه. انتهي. ورواه الشوكاني في فتح القدير:2/658 وغيره، وعالج: منطقة رملية في بين صحراء نجد والبحرين.

آراء المسلمين في آيات الخلود و أحاديثه

من عادة الكلاميين والمفسرين عندما يجدون قولاً لصحابي يحبونه مخالفاً لآيات محكمة وأحاديث صريحة، كمسألتنا هذه أنهم يحشدون للقارئ أقوالاً وآراء عديدة متضاربة متناقضة، ويؤيدونها بروايات كثيرة متضاربة أيضاً، وكأن واحدهم متحيرٌ يكتب للناس تحيره ويستغيث بهم! أو كأن هدفه بدل التفسير والتوضيح ترويض ذهن القارئ وتدويخه لكي يقبل التناقض الذي يريد إقناعه به!

وموضوعنا هذاواحدٌ من هذه الموضوعات التي اتبع فيها المفسرون السنيون هذه السياسة.

وتفادياً لذلك نقدم رأي أهل البيت (عليهم السلام) وعلماء مذهبهم في المسألة وما وافقهم وما خالفهم من الآراء الأخري، ليعرف الباحث من أين جاء الخلل إلي الرواة السنيين ومصادرهم في تفسير آيات الله تعالي، وتفسير أقوال النبي صلي الله عليه وآله، فإن الميزان الشرعي لكل الاراء والأحاديث عند الجميع هو القرآن والمتفق عليه من السنة..ويضاف اليه عندنا ماثبت عن المفسرين الشرعيين للقرآن بعد النبي صلي الله عليه وآله الذين هم عترته بصريح قوله صلي الله عليه وآله (إني تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي وإنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) وحديث الثقلين

صحيح عند الجميع.

اجمع المسلمون علي خلود الكفار في جهنم

الإعتقادات للصدوق/53:

باب الإعتقاد في الجنة والنار: قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: اعتقادنا في الجنة: أنها دار البقاء ودار السلامة، لا موتٌ فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا هم ولا غم ولا حاجة ولا فقر. وأنها دار الغني ودار السعادة، ودار المقامة ودار الكرامة، لا يمس أهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب، لهم فيها ما تشتهي الانفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون. وأنها دارٌ أهلها جيران الله تعالي وأولياؤه وأحباؤه وأهل كرامته.

وهم أنواع علي مراتب: منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته، ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدين والجلوس علي النمارق والزرابي ولباس السندس، كلٌّ منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد، علي حسب ما تعلقت همته، ويعطي ما عبد الله من أجله.

وقال الصادق عليه السلام: إن الناس يعبدون الله علي ثلاثة أصناف: فصنف منهم يعبدون شوقاً إلي جنته ورجاء ثوابه، فتلك عبادة الخدام، وصنف منهم يعبدونه خوفاً من ناره، فتلك عبادة العبيد، وصنف منهم يعبدونه حباً له، فتلك عبادة الكرام، وهم الامناء، وذلك قوله عز وجل: وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ.

واعتقادنا في النار: أنها دار الهوان ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك.

الإعتقادات/81:

واعتقادنا في قتلة الأنبياء (عليهم السلام) وقتلة الأئمة المعصومين (عليهم السلام) أنهم كفار مشركون مخلدون في أسفل درك من النار. ومن اعتقد بهم غير ما ذكرناه، فليس عندنا من دين الله في شئ.

تفسير الإمام العسكري عليه السلام /578:

قال الله تعالي: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ، كان عذابهم سرمداً دائماً،

وكانت ذنوبهم كفراً، لا تلحقهم شفاعة نبي ولا وصي، ولا خيِّر من خيار شيعتهم.

التبيان في تفسير القرآن:2/524:

الخلود في اللغة هو طول المكث، ولذلك يقال: خلده في السجن وخلد الكتاب في الديوان. وقيل للأثافي: خوالد مادامت في موضعها، فإذا زالت لا تسمي خوالد.

والفرق بين الخلود والدوام: أن الخلود يقتضي (في) كقولك خلد في الحبس ولا يقتضي ذلك الدوام، ولذلك جاز وصفه تعالي بالدوام دون الخلود.

إلا أن خلود الكفار المراد به التأبيد بلا خلاف بين الأمة... ومعني خلودهم فيها استحقاقهم لها دائماً مع ما توجبه من أليم العقاب، فأما من ليس بكافر من فساق أهل الصلاة فلا يتوجه إليه الوعيد بالخلود، لأنه لا يستحق إلا عقاباً منقطعاً به، مع ثبوت استحقاقه للثواب الدائم، لأنه لو كان كذلك لأدي إلي اجتماع استحقاق الثواب الدائم والعقاب الدائم لشخص واحد. والإجماع بخلافه.

الطهارة للشيخ الأنصاري/388:

ومن ذلك يعلم الجواب عما دل من الأخبار علي عدم قبول توبته، مثل قوله عليه السلام: من رغب عن الإسلام وكفر بما أنزل علي محمد صلي الله عليه وآله فلا توبة له وقد وجبت عليه وبانت منه امرأته، ويقسم ما ترك علي ولده. هذا مع أن عدم قبول التوبة لا ينافي الإسلام، ودعوي المنافاة من جهة أن عدم القبول مستلزم للخلود في النار وهو ينافي الإسلام، مدفوع بأنه لا إجماع علي خلود الكافر في النار مطلقاً حتي مثل هذا بعد التوبة.

هذا مضافاً إلي معارضتها مع عمومات قبول التوبة، حيث أن ظاهرها القبول فيما يتعلق بأمر الآخرة من العقاب، فتدل بظاهرها علي أن المرتد تقبل توبته ولا يخلد في النار بعد التوبة، بل يدخل الجنة فيكون مسلماً، للإجماع علي خلود الكافر

في النار.

فكما يمكن تقييد هذه بغير المرتد الفطري كذلك يمكن تقييد مثل الرواية والأخبار المستفيضة بعدم قبول التوبة في دفع ما يحكم عليه بحدث الكفر من مفارقة المال والزوجةوالحياة. وبعد التعارض يجب الرجوع إلي الأصل.

هذا مضافاً إلي قول الباقر عليه السلام المروي في باب إعادة الحج: من كان مؤمناً فحج وعمل في إيمانه خيراً ثم أصابته فتنة فكفر ثم تاب وآمن؟ قال: يحسب له كل عمل صالح عمله في إيمانه ولا يبطل منه شئ.

هذا كله مع أن لنا أن نكتفي بالأصل، ونستدل علي طهارته بما دل علي طهارة المسلمين.

الروايات التي توافق هذا الرأي عند إخواننا السنيين

صحيح البخاري:7/203:

عن أنس (رض) قال قال رسول الله (ص): يجمع الله الناس يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا علي ربنا حتي يريحنا من مكاننا؟ فيأتون آدم فيقولون أنت الذي خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا عند ربنا، فيقول: لست هناكم ويذكر خطيئته ويقول: إئتوا نوحاً أول رسول بعثه الله فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر خطيئته، إئتوا إبراهيم الذي اتخذه الله خليلاً، فيأتونه فيقول:لست هناكم، ويذكر خطيئته، ائتوا موسي الذي كلمه الله فيأتونه فيقول: لست هناكم، فيذكر خطيئته، إئتوا عيسي فيأتونه فيقول: لست هناكم، إئتوا محمداً فقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأستأذن علي ربي فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: إرفع رأسك، سل تعطه، قل يسمع، واشفع تشفع، فأرفع رأسي فأحمد ربي بتحميد يعلمني ثم أشفع فيحد لي حداً، ثم أخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، ثم أعود فأقع ساجداً مثله في الثالثة أو الرابعة حتي ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن. وكان قتادة يقول عند

هذا: أي وجب عليه الخلود. انتهي.

وقد روت مصادر السنيين عبارة (إلا من حبسه القرآن) وفسرتها رواياتهم ومفسروهم بالتأبيد..

وممن رواها البخاري في:8/183 كما تقدم

ورواها أيضاً في:5/147 وفيه (إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود. ثم قال البخاري: إلا من حبسه القرآن يعني قول الله تعالي: خَالِدِينَ فِيهَا).

وقال في:7/203 (إلا من حبسه القرآن، وكان قتادة يقول عند هذا: أي وجب عليه الخلود).ورواها في:8 من/173 (إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود).

وفي:8/184: إلا من حبسه القرآن، أي وجب عليه الخلود. انتهي.

ورواها مسلم في:1/124 وص 125 وأحمد:3/116 وص 244 مثل رواية البخاري الاخيرة.ورواها ابن ماجة:2/1443، وكنز العمال:14 /397 عن أحمد والبيهقي والترمذي وغيرهم.

سنن الترمذي:4/95:

باب ما جاء في خلود أهل الجنة وأهل النار: عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال: يجمع الله الناس يوم القيامة في صعيد واحد ثم يطلع عليهم رب العالمين فيقول ألا يتبع كل إنسان ما كانوا يعبدون...

فإذا أدخل الله تعالي أهل الجنة الجنة وأهل النار النار أتي بالموت ملبباً فيوقف علي السور الذي بين أهل الجنة وأهل النار، ثم يقال: يا أهل الجنة فيطلعون خائفين ثم يقال: يا أهل النار فيطلعون مستبشرين يرجون الشفاعة، فيقال لأهل الجنة ولاهل النار: هل تعرفون هذا؟ فيقولون هؤلاء وهؤلاء: قد عرفناه هو الموت الذي وكل بنا، فيضجع فيذبح ذبحاً علي السور، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود لا موت، ويا أهل النار خلود لا موت. هذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في:2/368.

مستدرك الحاكم:4/496:

فإذا أراد الله عز وجل أن لا يخرج منها أحد غير وجوههم وألوانهم، قال فيجي الرجل فينظر ولا يعرف أحداً فيناديه الرجل فيقول: يا فلان أنا فلان،

فيقول: ما أعرفك، فعند ذلك يقول: ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقول عند ذلك: إخسؤوا فيها ولا تكلمون، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلا يخرج منهم بشر. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

الدر المنثور:1/166:

وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: وما هم بخارجين من النار قال: أولئك أهلها الذين هم أهلها.

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الأوزاعي قال سمعت ثابت بن معبد قال: ما زال أهل النار يأملون الخروج منها حتي نزلت: وما هم بخارجين من النار.

الدر المنثور:2/163:

وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: وإن تك حسنة، وزن ذرة زادت علي سيآته يضاعفها، فأما المشرك فيخفف به عنه العذاب ولا يخرج من النار أبداً.

الدر المنثور:6/257:

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال: يفترق ثلاث فرق فرقة تتبعه، وفرقة تلحق بأرض آبائها منابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات فيقاتلهم ويقاتلونه حتي يجتمع المؤمنون بقري الشام... وما يترك فيها أحداً فيه خير، فإذا أراد الله أن لا يخرج منها أحداً غير وجوههم وألوانهم، فيجي الرجل من المؤمنين فيشفع فيقال له من عرف أحداً فيخرجه فيجي الرجل فينظر فلا يعرف أحداً فيقول الرجل للرجل يا فلان أنا فلان فيقول ما أعرفك فيقولون ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون، فيقول إخسؤوا فيها ولا تكلمون، فإذا قال ذلك أطبقت عليهم فلم يخرج منهم بشر.

مجمع الزوائد:10/395:

باب الخلود لأهل النار في النار وأهل الإيمان في الجنة. عن أنس قال قال رسول الله (ص): يؤتي بالموت يوم القيامة

كأنه كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا، قال فيقال: هل تعرفون هذا؟ فيقولون نعم ربنا هذا الموت، فيذبح كما يذبح الكبش، فيأمن هؤلاء وينقطع رجاء هؤلاء. رواه أبو يعلي والطبراني في الأوسط بنحوه والبزار ورجالهم رجال الصحيح غير نافع بن خالد الطاحي وهو ثقة.

وعن معاذ بن جبل أن رسول الله(ص)بعثه إلي اليمن فلما قدم عليه قال: يا أيها الناس إني رسول رسول الله(ص)إليكم يخبركم أن المرد إلي الله، وإلي جنة أو نار، خلود بلا موت، وإقامة بلا ظعن.

الدر المنثور:3/350:

وأخرج البيهقي في البعث والنشور عن ابن عباس في قوله: إلا ما شاء ربك، قال فقد شاء ربك أن يخلد هؤلاء في النار، وأن يخلد هؤلاء في الجنة.

وأخرج أبو الشيخ عن السدي في قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا... الآية، قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله فنسخها فأنزل الله بالمدينة: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا.. إلي آخر الآية، فذهب الرجاء لأهل النار أن يخرجوا منها وأوجب لهم خلود الابد. وقوله وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا.. الآية قال: فجاء بعد ذلك من مشيئة الله ما نسخها فأنزل بالمدينة: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ..إلي قوله ظلاً ظليلاً، فأوجب لهم خلود الأبد.

الأحكام في الحلال والحرام:1/35:

وأن من دخل الجنة أو النار من الأبرار والفجار فإنه غير خارج من أيهما، صار إليها وحل بفعله فيها أبد الأبد، لا ما يقول الجاهلون من خروج المعذبين من العذاب المهين إلي دار المتقين ومحل المؤمنين، وفي ذلك ما يقول رب العالمين: خالدين فيها أبداً، ويقول عز وجل: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ

مَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. ففي كل ذلك يخبر أن كل من دخل النار فهو مقيم فيها، غير خارج منها من بعد مصيره إليها، فنعوذ بالله من الجهل والعمي.

سبب خلود أهل النار فيه

الكافي:2/85:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن محمد، عن المنقري، عن أحمد بن يونس، عن أبي هاشم قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إنما خلد أهل النار في النار، لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو خلدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنما خلد أهل الجنة في الجنة لأن نياتهم كانت في الدنيا أن لو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً، فبالنيات خلد هؤلاء وهؤلاء، ثم تلا قوله تعالي: قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَي شَاكِلَتِهِ، قال علي نيته. ورواه الصدوق في الهداية/12 وفي علل الشرائع:2/523 والعياشئ في تفسيره:2/316 والبرقي في المحاسن:2/36.

آيات الخلود في الجنة والنار

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 39.

بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 81-82.

خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ. البقرة-162.

وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 217.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إلي الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة: 257.

الَّذِينَ يَاكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطَهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَي فَلَهُ مَا سَلَفَ وَ أَمْرُهُ إلي اللَّهِ وَ مَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. البقرة: 275.

أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ

إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَ أَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. آل عمران: 87 _ 89.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. آل عمران-116.

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَ لَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. النساء: 14.

وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا. النساء: 93.

قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام: 128.

وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. الأعراف: 36.

أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَ فِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ. التوبة: 17.

أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ. التوبة: 63.

وَعَدَ اللهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. التوبة: 68.

وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يونس: 27.

ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَ رَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَ مَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ. يونس: 52 _ 53.

فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ. خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَ الْأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ

مَجْذُوذٍ. هود: 106 _ 108

أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. الرعد: 5.

فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. النحل-29.

مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا. خَالِدِينَ فِيهِ وَ سَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلا. طه: 100 _ 101.

إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ، لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ كُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ. الأنبياء: 98 _ 99.

وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَ هُمْ فِيهَا كَالِحُونَ. أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَي عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ. المؤمنون: 103 _ 105.

وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. السجدة: 14.

خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. الأحزاب: 65.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. الزمر: 72.

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. غافر: 76

ذَلِكَ جَزَاءُ أَعْدَاءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ. فصلت: 28

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ. لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ. الزخرف: 74 _ 77

وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ. محمد: 15

لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. المجادلة: 17

فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَ ذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ. الحشر: 17

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا

وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. التغابن _ 10

وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا. الجن: 23

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ. البينة: 6

إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الأخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ. يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ. فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ. هود: 103 _ 108

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَ لَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ. إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّأُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ.البقرة: 165-167.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ. المائدة: 36 _ 37

عدم خلود الموحدين في النار في مصادرن

تقدم رأي أهل البيت (عليهم السلام) في شمول الشفاعة للمسلمين بشروط، وأوردنا فيه حديث ابن أبي عمير عن الإمام الكاظم عليه السلام من توحيد

الصدوق/407 وفيه (لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود والضلال والشرك...) انتهي. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:8/351 ووصف الشيخ الأنصاري في مكاسبه/335 روايته بأنها حسنة.

بحار الأنوار:8/361:

عيون أخبار الرضا: فيما كتب الرضا عليه السلام للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا يدخل النار مؤمناً وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزة لهم.

بحار الأنوار:8/366:

قال العلامة رحمه الله في شرحه علي التجريد: أجمع المسلمون كافة علي أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية علي أنه كذلك، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلي أن عذابه منقطع، والحق أن عقابهم منقطع لوجهين:

الأول: أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، والإيمان أعظم أفعال الخير، فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب علي العقاب وهو باطل بالإجماع، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم علي ما تقدم، أو بالعكس وهو المراد، والجمع محال.

الثاني: يلزم أن يكون من عبَد الله تعالي مدة عمره بأنواع القربات إليه، ثم عصي في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه، مخلداً في النار، كمن أشرك بالله مدة عمره! وذلك محال لقبحه عند العقلاء.

الكافي للحلبي/481:

إن قيل: فإذا كان الوعيد ثابتاً بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد، كيف يتم لكم ما تذهبون اليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟.

قيل: ثبوت الوعيد علي كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة، لأنا نقول بموجبه، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار، وثبوته منقطعاً يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه، ولا يمنع منه إجماع ولا

ظاهر قرآن، من حيث كان الإجماع حاصلاً باستحقاق العقاب دون دوامه... وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر.

الكافي للحلبي/492:

وأهل النار من الأولين والآخرين ضربان: كفار مخلدون وإن زاد عقاب بعض علي بعض بحسب كفره، وفساق مقطوع علي خروجهم من النار بعفو مبتدأ، أو عند شفاعة، أو انتهاء عقابهم إلي غاية مستحقه، وحالهم في مراتب التعذيب بحسب عصيانهم. ولا يجوز أن يبلغ عقابهم في العظم عقاب الكفار، لإقتران ما استحقوا به العقاب من المعصية بالمعرفة بالمعصي تعالي والخوف منه والرجاء لفضله، وتسويف التوبة، وانتفاء ذلك أجمع عن عصيان الكفار. ولا سبيل إلي العلم بمقدار إقامتهم فيها.

عدم خلود الموحدين في النار في مصادر السنيين

صحيح البخاري:1/195:

عن أبي هريرة: أن الناس قالوا يا رسول الله هل نري ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تمارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب؟ قالوا لا، يا رسول الله. قال: فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ قالوا لا، قال: فإنكم ترونه كذلك. يحشر الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئاً فليتبع، فمنهم من يتبع الشمس، ومنهم من يتبع القمر، ومنهم من يتبع الطواغيت. وتبقي هذه الأمة فيها منافقوها فيأتيهم الله عز وجل فيقول أنا ربكم! فيقولون: هذا مكاننا حتي يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا! فيدعوهم فيضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته، ولا يتكلم يومئذ أحد إلا الرسل، وكلام الرسل يومئذ: اللهم سلم سلم، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم شوك السعدان؟ قالوا نعم، قال: فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر عظمها إلا الله، تخطف الناس بأعمالهم، فمنهم من يوبق بعمله ومنهم من يخردل ثم

ينجو، حتي إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود وحرم الله علي النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود، فيخرجون من النار قد امتحشوا، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل... ورواه البخاري أيضاً في:7/205.

صحيح البخاري:1/16:

عن أنس عن النبي(ص)قال: يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله الا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال: لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير، قال أبو عبد الله قال أبان، حدثنا قتادة، حدثنا أنس عن النبي (ص): من إيمان، مكان خير.

صحيح البخاري:7/202:

عن جابر (رض) أن النبي(ص)قال: يخرج من النار بالشفاعة كأنهم الثعارير! قلت: ما الثعارير؟ قال الضغابيس! وكان قد سقط فمه فقلت لعمرو بن دينار: أبا محمد سمعت جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي(ص)يقول: يخرج بالشفاعة من النار؟ قال: نعم.

حدثنا هدبة بن خالد، حدثنا همام، عن قتادة، حدثنا أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: يخرج قوم من النار بعدما مسهم منها سفع فيدخلون الجنة فيسميهم أهل الجنة الجهنميين...

عن أبي سعيد الخدري (رض) أن النبي(ص)قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يقول الله: من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان فأخرجوه، فيخرجون قد امتحشوا وعادوا حمماً، فيلقون في نهر الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل، أو قال حمية السيل، وقال النبي (ص): ألم

تروا أنها تنبت صفراء ملتوية.

وفي/203:

عمران بن حصين (رض) عن النبي(ص)قال: يخرج قوم من النار بشفاعة محمد(ص)فيدخلون الجنة، يسمون الجهنميين.

سنن النسائي:2/229:

عن الزهري، عن عطاء بن يزيد قال: كنت جالساً إلي أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل، وذكر الصراط، قال قال رسول الله (ص): فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع، فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

الدر المنثور:3/349:

أما قوله فمنهم شقي وسعيد، فهم قوم من أهل الكبائر من أهل هذه القبلة يعذبهم الله بالنار ما شاء بذنوبهم، ثم يأذن في الشفاعة لهم، فيشفع لهم المؤمنون فيخرجهم من النار فيدخلهم الجنة، فسماهم أشقياء حين عذبهم في النار. فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها مادامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، حين أذن في الشفاعة لهم وأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة، وهم هم. وأما الذين سعدوا يعني بعد الشقاء الذي كانوا فيه، ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك، يعني الذين كانوا في النار.

الدر المنثور:2/280:

قوله تعالي (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ) الايتين: أخرج مسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة، قال يزيد بن الفقير: فقلت لجابر بن عبد الله: يقول الله يريدون أن يخرجوا من النار وما

هم بخارجين منها؟ قال: أتل أول الآية: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، ألا إنهم الذين كفروا.

وأخرج البخاري في الأدب المفرد وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن طلق بن حبيب قال: كنت من أشد الناس تكذيباً للشفاعة، حتي لقيت جابر بن عبدالله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار، قال: يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم لسنة رسول الله(ص)مني؟! إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً ثم خرجوا منها، ثم أهوي بيده إلي أذنيه فقال: صمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله(ص)يقول: يخرجون من النار بعد ما دخلوا، ونحن نقرأ كما قرأت.

وأخرج ابن جرير عن عكرمة أن نافع بن الازرق قال لابن عباس: وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا؟ فقال ابن عباس: ويحك إقرأ ما فوقها، هذه للكفار.

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: إن الله إذا فرغ من القضاء بين خلقه أخرج كتاباً من تحت عرشه فيه: رحمتي سبقت غضبي وأنا أرحم الراحمين قال فيخرج من النار مثل أهل الجنة، أو قال مثلي أهل الجنة، مكتوب هاهنا منهم، وأشار إلي نحره عتقاء الله تعالي.

فقال رجل لعكرمة: يا أبا عبدالله فإن الله يقول: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا؟ قال: ويلك أولئك هم أهلها الذين هم أهلها.

الدر المنثور:2/111:

ابن جرير والحاكم عن عمرو بن دينار قال: قدم علينا جابر بن عبد الله في عمرة فانتهيت إليه أنا وعطاء فقلت: وما هم بخارجين من النار؟ قال: أخبرني رسول الله(ص)أنهم الكفار، قلت لجابر فقوله: إنك من تدخل

النار فقد أخزيته؟ قال وما أخزاه حين أحرقه بالنار؟! وإن دون ذلك خزياً.

الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في السنة عن علي بن أبي طالب (رض) قال قال رسول الله (ص): إن أصحاب الكبائر من موحدي الأمم كلها الذين ماتوا علي كبائرهم غير نادمين ولا تائبين، من دخل منهم جهنم لا تزرق أعينهم ولا تسود وجوههم، ولا يقرنون بالشياطين ولا يغلون بالسلاسل، ولا يجرعون الحميم ولا يلبسون القطران، حرم الله أجسادهم علي الخلود من أجل التوحيد... الخ. وقد تقدم ذلك في روايات الرأي الثاني القائل بأن التوحيد وحده كاف لدخول الجنة، وأن الموحدين كلهم يخرجون من جهنم ويدخلون الجنة، ويسمون الجهنميين، ويلاحظ كثرة روايات الجهنميين في مصادر السنيين.

الإمام الصادق للشيخ محمد أبي زهرة/227:

اتفقت الإمامية علي أن من عذب بذنبه من أهل الإقرار والمعرفة لم يخلد في العذاب... وإن هذا الرأي... يتفق مع رأي الجمهور... وقد نسبه إليه (الإمام جعفر الصادق عليه السلام) أبو جعفر القمي...

شرح مسلم للنووي:1/69:

لا يخلد في النار أحد مات علي التوحيد، وهذه قاعدة متفق عليها عند أهل السنة.

روايات في الصحاح تقول بخلود الموحدين في النار

ولكن توجد في مصادر السنيين أحاديث تعارض الإجماع المذكور والأحاديث المتقدمة، وتنص علي خلود بعض الأصناف من أهل القبلة في جهنم!

كالذي رواه النسائي في:4/66:

عن أبي هريرة، عن النبي(ص)قال: من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسَّي سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن قتل نفسه بحديدة... كانت حديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ورواه أحمد في:2/254 وبعضه أبو داود

في:2/222.

وكالذي رواه الدارمي في:2/266:

عن أبي أمامة أن رسول الله(ص)قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة. فقال له رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله! قال: وإن قضيبا من أراك!!

والذي رواه ابن ماجة في:2/876 ح 2623:

عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله (ص): من أصيب بدم أو خبل (والخبل الجرح) فهو بالخيار بين إحدي ثلاث، فإن أراد الرابعة فخذوا علي يديه: أن يقتل، أو يعفو، أو يأخذ الدية. فمن فعل شيئاً من ذلك فعاد، فإن له نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. انتهي.

والذي رواه الطبراني في المعجم الكبير:12/8:

عن ابن عباس: ومن يقتل مؤمناً متعمداً قال: ليس لقاتل توبة ما نسختها آية!

وقال النيسابوري في الوسيط:2/96: وقوله: فجزاؤه جهنم خالداً فيها..إلي آخر الآية، وعيدٌ شديدٌ لمن قتل مؤمناً متعمداً حرم الله قتله وحظر سفك دمه، وقد وردت في قتل المؤمن أخبار شداد، فإن ابن عباس سأله رجل فقال: رجل قتل مؤمناً متعمداً؟ فقال ابن عباس: جزاؤه جهنم خالداً فيها، قال: فإن تاب وآمن وعمل صالحاً؟ فقال ابن عباس: وأَنَّي له التوبة، وقد سمعت نبيكم يقول: ويحٌ له قاتل المؤمن...

عن القاسم بن أبي بزة أنه سأل سعيداً: هل لمن قتل مؤمناً توبة؟ فقال لا... وعن حميد عن أنس عن النبي قال: إن الله أبي أن يجعل لقاتل المؤمن توبة... وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله: والذي نفسي بيده لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا...

ومذهب أهل السنة: أن قاتل المؤمن عمداً له توبة، عن عطاء عن ابن عباس أن رجلاً سأله: ألقاتل المؤمن توبة؟ فقلت لك

توبة، لكي لا يلقي بيده إلي التهلكة. انتهي.

ولكن هذه الرواية التي استندوا عليها عن ابن عباس تؤكد عدم قبول توبته، ولا تدل عليها! فلا بد لهم من طرح روايات خلود قاتل المسلم في النار وأمثالها، والقول بأن رواياته تشديدٌ من الرواة لتخويف القاتل في مجتمع كان يستسهل القتل!

وقد حاول النووي تأويلها فقال في شرح مسلم:9 جزء 17/83:

وأما قوله تعالي: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، فالصواب في معناها أن جزاؤه جهنم، وقد يجازي به وقد يجازي بغيره، وقد لا يجازي بل يعفي عنه، فإن قتل عمداً مستحلاً له بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد، يخلد به في جهنم بالإجماع... ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحداً فيها، فلا يخلد هذا ولكن قد يعفي عنه فلا يدخل النار أصلاً... انتهي.

وقد تضمنت محاولة النووي عدة وجوه ضعيفة، أقواها: القول بأن القاتل عمداً يخرج بقتله عن التوحيد فيجري عليه حكم المشرك في الآخرة.

ونحن نعتقد بصحة الأحاديث التي تقول إن بعض الأعمال توجب سلب التوحيد من صاحبها قبل الموت، فلا يموت علي التوحيد كما سيأتي، ولكن ذلك يحتاج في موردنا إلي دليل.

ما دل من مصادرنا لي أن الدار الآخرة لا موت فيه

بحار الأنوار:8/349:

الكافي: علي، عن أبيه، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال النبي صلي الله عليه وآله وساق الحديث في مراتب خلق الأشياء يغلب كل واحد منها الآخر حيث بغي وفخر، إلي أن قال: ثم إن الإنسان طغي وقال: من أشد مني قوة؟ فخلق الله له الموت وقهره وذل الإنسان، ثم إن الموت فخر في نفسه، فقال الله عز وجل لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة

وأهل النار، ثم لا أحييك أبداً فترجي أو تخاف.. الحديث.

تذنيب: إعلم أن خلود أهل الجنة في الجنة مما أجمع عليه المسلمون، وكذا خلود الكفار في النار ودوام تعذيبهم، قال شارح المقاصد: أجمع المسلمون علي خلود أهل الجنة في الجنة وخلود الكفار في النار.

فإن قيل: القوي الجسمانية متناهية، فلا يعقل خلود الحياة، وأيضاً الرطوبة التي هي مادة الحياة تفني بالحرارة سيما حرارة نار جهنم، فيفضي إلي الفناء ضرورة، وأيضاً دوام الإحراق مع بقاء الحياة خروج عن قضية العقل!

قلنا: هذه قواعد فلسفة غير مسلمة عند المليين، ولا صحيحة عند القائلين بإسناد الحوادث إلي القادر المختار، علي تقدير تناهي القوي وزوال الحياة، لجواز أن يخلق الله البدل فيدوم الثواب والعقاب، قال الله تعالي: كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ.

تفسير القمي:2/50:

وقال علي بن إبراهيم في قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.، فإنه حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي ولاد الحناط، عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئل عن قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ؟ قال: ينادي مناد من عند الله، وذلك بعد ما صار أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار: يا أهل الجنة ويا أهل النار هل تعرفون الموت في صورة من الصور؟ فيقولون لا، فيؤتي بالموت في صورة كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، ثم ينادون جميعاً: أشرفوا وانظروا إلي الموت فيشرفون، ثم يأمر الله به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت أبداً، ويا أهل النار خلود فلا موت أبداً. وهو قوله: وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ. أي قضي علي أهل الجنة بالخلود، وعلي

أهل النار بالخلود فيها.

ما دل من مصادر السنيين علي أن الدار الآخرة لا موت فيه

صحيح البخاري:7/200:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): إذا صار أهل الجنة إلي الجنة وأهل النار إلي النار، جي بالموت حتي يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي مناد: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلي فرحهم ويزداد أهل النار حزناً إلي حزنهم. ورواه أحمد في: 2/118 وص 120 وص 121.

وفي مسند أحمد:2/130:

عن عبد الله بن عمر قال: إن رسول الله(ص)قال: يدخل أهل الجنة الجنة، قال أبي وحدثناه سعد قال: يدخل الله أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار، لا موت، كل خالد فيما هو فيه. ورواه الترمذي في:4/95.

وفي الدر المنثور:4/272:

وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن مسعود (رض) في قوله: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر، قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يأتي الموت في صورة كبش أملح حتي يوقف بين الجنة والنار، ثم ينادي منادي أهل الجنة: هذا الموت الذي كان يميت الناس في الدنيا، ولا يبقي أحد في عليين ولا في أسفل درجة من الجنة إلا نظر إليه، ثم ينادي يا أهل النار هذا الموت الذي كان يميت الذي في الدنيا، فلا يبقي أحد في ضحضاح من النار ولا في أسفل درك من جهنم إلا نظر إليه، ثم يذبح بين الجنة والنار، ثم ينادي يا أهل الجنة هو الخلود أبد الآبدين، ويا أهل النار هو الخلود أبد الآبدين، فيفرح أهل الجنة فرحة لو كان أحد ميتاً من فرحة ماتوا، ويشهق أهل النار شهقة لو كان أحد

ميتاً من شهقة ماتوا، فذلك قوله: وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر، يقول إذا ذبح الموت.

وقال الرازي في تفسيره:13 جزء 26/139:

إن أهل الجنة لا يعلمون في أول دخولهم في الجنة أنهم لا يموتون، فإذا جي بالموت علي صورة كبش أملح وذبح، فعند ذلك يعلمون أنهم لا يموتون.

وقال في الأحاديث القدسية:1/160:

شرح حديث ذبح الموت وأنه يؤتي بالموت يوم القيامة فيوقف علي الصراط.. الخ. وإنه لا مانع عقلاً من أن يخلق الله تعالي الموت علي صوررة حيوان ويوقف ويذبح... ونحن نؤمن بما ثبت عن رسول الله، ولا نبحث عن كيفية تحقيقه.انتهي.

عودة إلي رأي عمر بفناء النار

في هذا الجو من آيات الخلود في النار وإجماع المسلمين علي خلود الجنة والنار.. نري الخليفة عمر من دون الصحابة يخالف المتفق عليه بين الجميع ويقول بفناء النار وانتهائها، ونقل أهلها إلي الجنة!!

وقد أخذ الخليفة ذلك من بعض أحبار اليهود الذين كان يثق بعلمهم، لأن من مقولاتهم أن الله تعالي وعد يعقوب بأن لا يدخل أبناءه إلي النار إلا تحلة القسم، وأن النار أساساً عمرها قصير ثم تنتهي وتهلك!!

وقد تقدم عنهم ذلك في تفسير قوله تعالي (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) في فصل الشفاعة عند اليهود!!

ونظراً لغرابة هذا الرأي حاول البعض التشكيك في نسبته إلي الخليفة عمر، ولكنه ثابت عنه عند المحدثين والمؤرخين والمتكلمين كما تقدم ويأتي! وأكثر أتباع الخليفة لا يعرفون رأيه هذا، فبعضهم ينكره.. وبعضهم (يستحي) به.. ولكن بعضهم تجرأ وكتب رداً عليه!

قال في مقدمة فتح القدير:1/9:

للشوكاني مؤلفات، منها كتاب نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار... وكشف الأستار في إبطال القول بفناء النار. انتهي.

وأكثر المتحمسين لتأييد رأي عمر ابن قيم الجوزية في

رسالته حادي الأرواح تبعاً لأستاذه ابن تيمية. ومن المتأخرين الشيخ محمد رشيد رضا في تفسير المنار:8/68

حيث أورد في كتابه رسالة ابن قيم كاملة، وهي تبلغ نحو خمسين صفحة، ولم يأت صاحب المنار بجديد سوي المدح والغلو في ابن قيم.. لأنه مفكر إسلامي نابغة استطاع أن يحل المشكلة ويثبت رأي الخليفة بخمس وعشرين دليلاً!

وتدور رسالة ابن قيم علي محور واحد هو أن النار تفني كما يخرب السجن فلا يبقي محل لأهلها إلا أن ينقلوا إلي الجنة، وهو كلامٌ لم يقله عمر!!

قال ابن قيم وهو يعدد الأقوال في الخلود في جهنم:

السابع: قول من يقول بل يفنيها ربها وخالقها تبارك وتعالي، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه، ثم تفني ويزول عذابها.

قال شيخ الإسلام (ابن تيمية): وقد نقل هذا القول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم، وقد روي عبد بن حميد وهو من أجل أئمة الحديث في تفسيره المشهور: حدثنا سليمان بن حرب، حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الحسن، قال قال عمر: لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج، لكان لهم علي ذلك يوم يخرجون فيه.

وقال: حدثنا حجاج بن منهال، عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن الحسن أن عمر بن الخطاب قال: لو لبث أهل النار في النار عدد رمل عالج، لكان لهم يوم يخرجون فيه. ذكر ذلك في تفسير ثابت عند قوله تعالي (لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) فقد رواه عبد وهو من الأئمة الحفاظ، وعلماء السنة عن هذين الجليلين سليمان بن حرب وحجاج بن منهال، وكلاهما عن حماد بن سلمة وحسبك به، وحماد يرويه عن ثابت وحميد وكلاهما يرويه عن الحسن وحسبك بهذا الإسناد جلالة،

والحسن وإن لم يسمع من عمر فإنما رواه عن بعض التابعين، ولو لم يصح عنده ذلك عن عمر لما جزم به وقال قال عمر بن الخطاب، ولو قدر أنه لم يحفظ عن عمر فتداولُ هؤلاء الأئمة له غير مقابلين له بالإنكار والرد، مع أنهم ينكرون علي من خالف السنة بدون هذا، فلو كان هذا القول عند هؤلاء الأئمة من البدع المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأئمة، لكانوا أول منكر له.

قال: ولا ريب أن من قال هذا القول عن عمر ونقله عنه إنما أراد بذلك جنس أهل النار الذين هم أهلها، فأما قوم أصيبوابذنوبهم فقد علم هؤلاء وغيرهم أنهم يخرجون منها، وأنهم لا يلبثون قدر رمل عالج ولا قريباً منه، ولفظ أهل النار لا يختص (يقصد لا يطلق) بالموحدين بل يختص بمن عداهم، كما قال النبي (ص) (أما أهل النار الذين هم أهلها فهم لا يموتون فيها ولا يحيون) ولا يناقض هذا قوله تعالي (خَالِدِينَ فِيهَا) وقوله (وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) بل ما أخبر الله به هو الحق والصدق الذي لا يقع خلافه. لكن إذا انقضي أجلها وفنيت كما تفني الدنيا، لم تبق ناراً ولم يبق فيها عذاب). انتهي.

وقد استدل ابن قيم علي رأي الخليفة عمر بخمس وعشرين وجهاً! لا نطيل الكلام بسردها وردها، لأنها ماعدا واحد منها وجوه خطابية استحسانية، وليست علمية، ويكفي في جوابها جميعاً أنها لا تنهض بمعارضة الآيات والأحاديث المتقدمة الدالة علي خلود بعض الفجار في النار، ولا علي معارضة الإجماع الذي تقدم من الفريقين!

أما الوجه الذي يحسن التعرض له فهو قول ابن القيم:

فصل. والذين قطعوا بدوام النار لهم ست طرق:

أحدها: اعتقاد الإجماع، فكثير من الناس

يعتقدون أن هذا مجمع عليه بين الصحابة والتابعين، لا يختلفون فيه، وأن الإختلاف فيه حادث، وهو من أقوال أهل البدع.

الطريق الثاني: أن القرآن دل علي ذلك دلالة قطعية، فإنه سبحانه أخبر أنه عذاب مقيم، وأنه لا يفتر عنهم، وأنه لن يزيدهم إلا عذاباً، وأنهم خالدون فيها أبداً، وما هم بخارجين من النار، وما هم منها بمخرجين، وأن الله حرم الجنة علي الكافرين، وأنهم لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط، وأنهم لا يقضي عليهم فيموتوا، ولا يخفف عنهم من عذابها، وأن عذابها كان غراماً أي مقيماً لازماً.. قالوا وهذا يفيد القطع بدوامه واستمراره.

الطريق الثالث: أن السنة المستفيضة أخبرت بخروج من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان دون الكفار، وأحاديث الشفاعة من أولها إلي آخرها صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار، وأن هذا حكم مختص بهم فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ولم يختص الخروج بأهل الإيمان.

الطريق الرابع: أن الرسول وقفنا علي ذلك وعلمناه من دينه بالضرورة من غير حاجة بنا إلي نقل معين، كما علمنا من دينه دوام الجنة وعدم فنائها.

الطريق الخامس: أن عقائد السلف وأهل السنة مصرحة بأن الجنة والنار مخلوقتان وأنهما لا تفنيان بل هما دائمتان، وإنما يذكرون فناءهما عن أهل البدع.

الطريق السادس: أن العقل يقضي بخلود الكفار في النار. وهذا مبني علي قاعدة وهي أن المعاد وثواب النفوس المطيعة وعقوبة النفوس الفاجرة هل هو مما يعلم بالعقل أو لا يعلم إلا بالسمع فيه طريقتان لنظار المسلمين، وكثير منهم يذهب إلي أن ذلك يعلم بالعقل مع السمع كما دل عليه القرآن في غير موضع كإنكاره سبحانه علي من زعم أنه يسوي بين الأبرار والفجار

في المحيا والممات، وعلي من زعم أنه خلق خلقه عبثا وأنهم إليه لا يرجعون وأنه يتركهم سدي أي لا يثيبهم ولا يعاقبهم، وذلك يقدح في حكمته وكماله وأنه نسبة إلي ما لا يليق به. وربما قرروه بأن النفوس البشرية باقية واعتقاداتها وصفاتها لازمة لها لا تفارقها وإن ندمت عليها لما رأت العذاب فلم تندم عليها لقبحها أو كراهة ربها لها، بل لو فارقها العذاب رجعت كما كانت أولاً قال تعالي (وَلَوْ تَرَي إِذْ وُقِفُوا عَلَي النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) فهؤلاء قد ذاقوا العذاب وباشروه ولم يزل سببه ومقتضيه من نفوسهم بل خبثها قائم بها لم يفارقها بحيث لو ردوا لعادوا كفاراً كما كانوا، وهذا يدل علي أن دوام تعذيبهم يقضي به العقل كما جاء به السمع.انتهي.

ثم قال ابن قيم:

قال أصحاب الفناء علي هذه الطرق يبين الصواب في هذه المسألة:

فأما الطريق الأول فالإجماع الذي ادعيتموه غير معلوم وإنما يظن الإجماع في هذه المسألة من لم يعرف النزاع وقد عرف النزاع بها قديماً وحديثاً، بل لو كلف مدعي الإجماع أن ينقل عن عشرة من الصحابة فما دونهم إلي الواحد أنه قال إن النار لا تفني أبداً لم يجد إلي ذلك سبيلاً، ونحن قد نقلنا عنهم التصريح بخلاف ذلك، فما وجدنا عن واحد منهم خلاف ذلك، بل التابعون حكوا عنهم هذا وهذا، قالوا والإجماع المعتد به نوعان متفق عليهما ونوع ثالث مختلف فيه، ولم يوجد واحد منها في هذه المسألة:

النوع الأول ما يكون معلوماً من ضرورة الدين كوجوب أركان الإسلام

وتحريم المحرمات الظاهرة.

الثاني ما ينقل عن أهل الإجتهاد التصريح بحكمه.

الثالث أن يقول بعضهم القول وينشر في الأمة ولا ينكره أحد. فأين معكم واحد من هذه الانواع، ولو أن قائلاً ادعي الإجماع من هذه الطريق واحتج بأن الصحابة صح عنهم ولم ينكر أحد منهم عليه، لكان أسعد بالإجماع منكم!

قالوا: وأما الطريق الثاني وهو دلالة القرآن علي بقاء النار وعدم فنائها، فأين في القرآن دليل واحد يدل علي ذلك، نعم الذي دل عليه القرآن أن الكفار خالدون في النار أبداً، وأنهم غير خارجين منها، وأنه لا يفتر عنهم من عذابها، وأنهم لا يموتون فيها، وأن عذابهم فيها مقيم، وأنه غرام أي لازم لهم. وهذا كله مما لا نزاع فيه بين الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين، وليس هذا مورد النزاع، وإنما النزاع في أمر آخر (!!) وهو أنه هل النار أبدية أو مما كتب عليه الفناء؟ وأما كون الكفار لا يخرجون منها، ولا يفتر عنهم من عذابها، ولا يقضي عليهم فيموتوا، ولا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط، فلم يختلف في ذلك الصحابة ولا التابعون ولا أهل السنة. وإنما خالف في ذلك من قد حكينا أقوالهم من اليهود (!!) والاتحادية وبعض أهل البدع، وهذه النصوص وأمثالها تقتضي خلودهم في دار العذاب مادامت باقية ولا يخرجون منها مع بقائها البتة كما يخرج أهل التوحيد منها مع بقائها، فالفرق كالفرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس علي حاله، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه.

قالوا: وأما الطريق الثالث وهو مجي السنة المستفيضة بخروج أهل الكبائر من النار دون أهل الشرك، فهي حق لا شك فيه، وهي إنما تدل علي ما قلناه من خروج الموحدين

منها وهي دار عذاب لم تفن، ويبقي المشركون فيها ما دامت باقية. والنصوص دلت علي هذا وعلي هذا.

قالوا: وأما الطريق الرابع وهو أن رسول الله(ص)وقفنا علي ذلك ضرورة، فلا ريب أنه من المعلوم من دينه بالضرورة أن الكفار باقون فيها ما دامت باقية، هذا معلوم من دينه بالضرورة، وأما كونها أبدية لا انتهاء لها ولا تفني كالجنة فأين في القرآن والسنة دليل واحد يدل علي ذلك!! انتهي.

وقد ذكر في 79: قول أهل السنة (إن الجنة والنار مخلوقتان لا تفنيان أبداً فلا ريب أن القول بفنائهما قول أهل البدع من الجهمية) وأجاب عليه بقوله (فقولكم إنه من أقوال أهل البدع كلام من لا خبرة له بمقالات بني آدم وآرائهم واختلافهم...) انتهي.

ونلاحظ أن ابن قيم اعترف بأن الذين نفوا خلود النار هم اليهود والإتحادية من الوثنيين والماديين، ثم قام بتغيير موضوع النزاع في المسألة، لكي يوفق بين إجماع المسلمين علي الخلود في النار وبين قول عمر بفنائها، وعمدة ماقاله: إنه لا مانع أن نقول خالدين فيها إذا لم تخرب، كما نقول مؤبدٌ في السجن مادام السجن موجوداً ولم يخرب. يريد بذلك أن أهل النار إنما ينقلون إلي الجنة بسبب خرابها!

ولو سلمنا هذا المنطق في المسألة، فأين دليله علي خراب السجن أو جهنم؟!

يكفي لرد ذلك أنه لو كان له أصلٌ في الإسلام لكثرت فيه الآيات والأحاديث!

ولو كان له أصلٌ لاحتج به الخليفة، وذكر ولو كلمةً عن فناء النار، وما اقتصر علي رمل عالج!!

إن فذلكات ابن قيم وأمثاله لا يمكنها أن تقاوم ما تقدم من الآيات والأحاديث والإجماع، ولا أن تقلب معاني ألفاظ اللغة فتلغي معني الدوام والتأبيد والخلود وتجعلها كلها لزمن

محدود ينتهي.

وقد اغتر بهذه الفذلكة بعضهم وقال: ليس في اللغة العربية كلمة للوقت الممتد بلا انقطاع! وخير جواب لهؤلاء أن نسألهم: إذا أردتم التعبير بالعربية عن هذا المعني فبماذا تعبرون؟ فلابد أنهم سيستعملون ألفاظاً من مادة الدوام والتأبيد والخلود..وهي المواد التي استعملها القرآن والحديث!!

الجهمية أخذت من الخليفة عمر

قال الأشعري في مقالات الإسلاميين/148:

واختلفت المرجئة في تخليد الله الكفار... فقالت الفرقة الأولي منهم وهم أصحاب جهم بن صفوان: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ويفني أهلهما... وأنه لا يجوز أن يخلد الله أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار!!

وفي/279:

والذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان!

تأويلات أهل السنة/75-76:

الرد علي الجهمية في قولهم بفناء الجنة وما فيها، وقوله وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي مقيمون أبداً، فالآية ترد علي الجهمية قولهم لأنهم يقولون بفناء الجنة... لكن ذلك وهمٌ عندنا، لأن الله تعالي هو الأول بذاته.. والباقي بذاته، والجنة وما فيها باقية بغيرها. إن الله تعالي جعل الجنة داراً مطهرة عن المعايب كلها.. ولو كان آخرها للفناء لكان فيها أعظم المعايب إذ المرء لا يهنأ بعيش إذا نقص عليه بزواله. فلو كان آخره للزوال كانت نعمته منغصه علي أهلها...

تأويلات أهل السنة/121:

الرد علي الجهمية في قولهم بفناء الجنة والنار وانقطاع ما فيهما: وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ، تنقض علي الجهمية قولهم... فلو كانت الجنة تفني وينقطع ما فيها لكان فيها خوف وحزنٌ لأن من خاف في الدنيا زوال النعمة عنه وفوتها يحزن عليه.. فأخبر عز وجل أن لا خوف عليهم فيها، خوف التبعة ولا حزن فوات النعمة، ولا هم يحزنون، دل علي أنها باقية وأن نعيمها دائم لا يزول، وكذلك

أخبر عز وجل أن الكفار في النار خالدون.

والمرجئة أخذوا من عمر

تاريخ الإسلام للذهبي:13/160:

وكان أبو المطيع فيما نقل الخطيب من رؤوس المرجئة.. وذكروا عنه أنه كان يقول: الجنة والنار خلقتا وستفنيان، وهذا كلام جهم.

و ابن العاص أخذ من عمر

فتح القدير للشوكاني:2/658:

عن ابن عمرو قال: ليأتين علي جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد. ثم قال صاحب الكشاف: ما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علياً ما يشغله عن تسيير هذا الحديث! انتهي.

ويقصد الزمخشري أن عبد الله بن عمرو بن العاص راوي هذا الحديث لا يوثق به، لأنه كان مبغضاً لعلي عليه السلام وقد قاتله في صفين بسيفين، وكان الأولي به أن يكتفي بفعلته تلك ولا ينقل مثل هذه الأحاديث الخارجة عن إجماع المسلمين!

قال في هامش اختيار معرفة الرجال:1/157: وقال في الكشاف: وماظنك بقوم نبذوا كتاب الله لما روي لهم بعض النوابت عبد الله بن عمرو بن العاص: ليأتين علي جهنم يوم تصفق فيه أبوابها ليس فيها أحد وذلك بعدما يلبثون أحقابا. وبلغني أن من الضلال من اغتر بهذا الحديث فاعتقد أن الكفار لا يخلدون في النار، وهذا ونحوه والعياذ بالله من الخذلان المبين زادنا الله هداية إلي الحق ومعرفة بكتابه وتنبهاً علي أن نغفل عنه. ولئن صح هذا عن ابن ابن العاص فمعناه أنهم يخرجون من حر النار إلي برد الزمهرير، فذلك خلق جهنم وصفق أبوابها، وأقول: أما كان لابن عمرو في سيفيه ومقاتلته بهما علي بن أبي طالب (رض) ما يشغله عن تسيير هذا الحديث. انتهي قول الكشاف.

و رووا عن ابن مسعود أنه وافق عمر

الدر المنثور:3/350:

وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن إبراهيم قال: ما في القرآن آية أرجي لأهل النار من هذه الآية: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلا مَا شَاءَ رَبُّكَ قال وقال ابن مسعود: ليأتين عليها زمان تخفق أبوابها.

وفي تفسير التبيان:6/68 وروي عن ابن مسعود أنه قال: ليأتين علي جهنم زمان تخفق أبوابها ليس فيها أحد، وذلك

بعد أن يلبثوا فيها أحقاباً.

و الشعبي أخذ من عمر

تفسير التبيان:6/68:

وقال الشعبي: جهنم أسرع الدارين عمراناً، وأسرعهما خراباً.

ويلاحظ علي رواياتهم عن ابن العاص وابن مسعود والشعبي أن جهنم تبقي ولكن تفرغ وينقل أهلها إلي الجنة! وهذا هو موضوع كلام عمر، لا ماادعاه ابن قيم!

و المعتزلة أخذت من عمر

الملل والنحل للشهرستاني _ هامش الفصل:1/64:

الخامسة: قوله (أبو الهذيل) إن حركات أهل الخلدين تنقطع، وإنهم يصيرون إلي سكون دائم خموداً، وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار.

و الجاحظ أخذ من عمر

الملل والنحل _ هامش الفصل:1 جزء 1/95:

أقوال الجاحظ التي انفرد بها عن أصحابه..منها: قوله في أهل النار إنهم لا يخلدون فيها عذاباً، بل يصيرون إلي طبيعة النار.

و ابن عربي والجيلي أخذا من عمر

قال في تفسير المنار:8/70:

ويدخل فيه أنها تفني كما تقول الجهمية، أو تتحول إلي نعيم كما قال الشيخ محيي الدين بن العربي وعبد الكريم الجيلي من الصوفية.

اما عمر فقد أخذ من كعب الأحبار واليهود

سيرة ابن هشام:2/380:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ

قال ابن إسحاق: وحدثني مولي لزيد بن ثابت عن عكرمة أو عن سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال: قدم رسول الله(ص)المدينة واليهود تقول: إنما مدة الدنيا سبعة آلاف سنة، وإنما يعذب الله الناس في النار بكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار من أيام الآخرة، وإنما هي سبعة أيام ثم ينقطع العذاب!!

فأنزل الله في ذلك من قولهم: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَي اللهِ مَا لا تَعْلَمُونَ بَلَي مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، أي من عمل بمثل أعمالكم وكفر بمثل ما كفرتم به حتي يحيط كفره بماله عند الله من حسنة، فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. أي خلداً أبداً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ أي من آمن بما كفرتم به وعمل بما تركتم من دينه فلهم الجنة خالدين فيها، يخبرهم أن الثواب بالخير والشر مقيم علي أهله أبداً، ولا انقطاع له.

الدر المنثور:1/84:

قوله تعالي: وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ الآية. أخرج ابن إسحق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والواحدي عن ابن عباس أن اليهود كانوا يقولون مدة الدنيا سبعة آلاف سنة... الخ. ورواه في مجمع الزوائد: 6/314.

تفسير التبيان:1/323:

وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا

النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً، وإنما لم يبين عددها في التنزيل، لأنه تعالي أخبر عنهم بذلك وهم عارفون بعدد الايام التي يوقتونها في النار، فلذلك نزل تسمية عدد الايام وسماها معدودة لما وصفنا.

وقال أبو العالية وعكرمة والسدي وقتادة: هي أربعون يوماً. ورواه الضحاك عن ابن عباس. ومنهم قال: إنها عدد الايام التي عبدوا فيها العجل.

وقال ابن عباس: إن اليهود تزعم أنهم وجدوا في التوراة مكتوباً إن ما بين طرفي جهنم مسيرة أربعين سنة، وهم يقطعون مسيرة كل سنة في يوم واحد، فإذا انقطع المسير انقطع العذاب، وهلكت النار!!

قال السيوطي في الدر المنثور:6/285:

وأخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن ميمون أن كعباً دخل يوماً علي عمر بن الخطاب فقال له عمر: حدثني إلي ما تنتهي شفاعة محمد يوم القيامة؟ فقال كعب قد أخبرك الله في القرآن إن الله يقول: ما سلككم في سقر... إلي قوله اليقين قال كعب: فيشفع يومئذ حتي يبلغ من لم يصل صلاة قط، ويطعم مسكيناً قط، ومن لم يؤمن ببعث قط، فإذا بلغت هؤلاء لم يبق أحد فيه خير! انتهي.

وقد ذكرنا أن كلام كعب هذا يحتل وجهين لأن قوله: حتي يبلغ، وقوله فإذا بلغت، قد يقصد بهما أن الشفاعة تبلغ هؤلاء المكذبين بيوم الدين الذين لم يفعلوا خيراً قط! فلا يبقي أحد في النار وتنتهي. وقد يقصد بهما أن الشفاعة تقف عند هؤلاء فيكون كلامه توسيعاً لها لكل المؤمنين بالبعث من غير المسلمين!

ولايبعد أن يكون هدف كعب القول بدخول الجميع الجنة وفناء النار، لأن ذلك من مقولات اليهود كما رأيت! ويكون قصده أن سؤال أهل اليمين للمجرمين: ماسلككم في سقر؟ إنما هو مقدمةٌ لاخراجهم من النار.. وبشفاعة

نبينا صلي الله عليه وآله!!

وقد يتصور البعض أن من المبالغة أو التهمة للخليفة عمر بأنه أخذ هذه العقيدة من كعب الأحبار، ولكن الذي يقرأ احترام عمر لاحبار اليهود والنصاري ولكعب الأحبار خاصة حتي قبل إسلام كعب.. لا يستبعد ذلك بل يطمئن اليه، ويحسن مراجعة ما كتبناه في ذلك موثقاً في كتاب تدوين القرآن، وأن الخليفة عمر كان يدرس عند اليهود في المدينة في حياة النبي صلي الله عليه وآله وأن النبي نهاه عن عن ذلك ولم يمتثل! ونذكر هنا بعض النصوص التي تكشف ثقته العالية بكعب، والمقام العظيم الذي يحتله كعب في ذهنه وعواطفه!

عمر ينظر إلي كعب كأنه نبي و يتلقي منه

يلاحظ الباحث تعاملاً فريداً للخليفة عمر مع كعب الأحبار، وأنه كان يحترمه أكثر من كل صحابة رسول الله صلي الله عليه وآله ويفضله عليهم علمياً وسياسياً، ويسأله عن عوالم الغيب والشهادة والأنبياء والجنة والنار وتفسير القرآن، وعن مستقبل الأمة ومستقبله الشخصي ويثق به ثقةً مطلقة ويقبل منه.. شبيهاً بتعامل الصحابي المؤمن مع نبيه الذي ينزل عليه الوحي!

قال السيوطي في الدر المنثور:3/6:

وأخرج ابن جرير عن أبي المخارق زهير بن سالم قال قال عمر لكعب: ما أول شئ ابتدأه الله من خلقه؟ فقال كعب: كتب الله كتاباً لم يكتبه قلم ولا مداد،ولكن كتب بإصبعه يتلوها الزبرجد واللؤلؤ والياقوت: أنا الله لا إله إلا أنا سبقت رحمتي غضبي!!

وقال أحمد في مسنده:1/42:

قال عمر يعني لكعب: إني أسألك عن أمر فلا تكتمني، قال: والله لا أكتمك شيئاً أعلمه قال: ما أخوف شئ تخوفه علي أمة محمد؟ قال أئمة مضلين. قال عمر: صدقت قد أسرَّ ذلك اليَّ وأعلمنيه رسول الله(ص). ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:5/239 وقال: رجاله ثقات.

وقال السيوطي في

الدر المنثور:4/57:

عن الحسن البصري أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وقال في:5/347:

عن قتادة قال: إن عمر بن الخطاب (رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون وأئمة العدل.

وقال في كنز العمال:12/560:

عن الحسن قال: قال عمر بن الخطاب: حدثني يا كعب عن جنات عدن. قال: نعم يا أمير المؤمنين قصور في الجنة لا يسكنها إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حكم عدل، فقال عمر: أما النبوة فقد مضت لاهلها، وأما الصديقون فقد صدقت الله ورسوله، وأما الحكم العدل فإني أرجو الله أن لا أحكم بشئ إلا لم آل فيه عدلاً، وأما الشهادة فأ نَّي لعمر بالشهادة؟!-ابن المبارك وأبو ذر الهروي في الجامع.

وقال السيوطي في الدر المنثور:4/57:

وأخرج عبد بن حميد عن الحسن (رض) أن عمر قال لكعب: ما عدن؟ قال: هو قصر في الجنة لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد أو حاكم عدل.

وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد (رض) قال: قرأ عمر (رض) علي المنبر جنات عدن، فقال: أيها الناس هل تدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له عشرة آلاف باب، علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد!

وقال في الدر المنثور:5/347:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة (رض)... في قوله: وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ قال إن عمر بن الخطاب (رض) قال: يا كعب ما عدن؟ قال: قصور من ذهب في الجنة يسكنها النبيون والصديقون

وأئمة العدل.

معجم ما استعجم:2/74:

الحثمة: بفتح أوله وإسكان ثانية: صخرات بأسفل مكة بها ربع عمر بن الخطاب. روي عنه مجاهد أنه قرأ علي المنبر: جنات عدن فقال: أيها الناس أتدرون ما جنات عدن؟ قصر في الجنة له خمسة آلاف باب علي كل باب خمسة وعشرون ألفاً من الحور العين لا يدخله إلا نبي، وهنيئاً لصاحب القبر وأشار إلي النبي(ص)، أو صديق وهنيئاً لأبي بكر وأشار إلي قبره، أو شهيد وأني لعمر بالشهادة وإن الذي أخرجني من منزلي بالحثمة قادر أن يسوقها إلي!! انتهي.

وفي هذه الرواية دلالة علي أن كعباً استطاع أن يقنع عمر أن مقصوده بالنبي والصديق والشهيد الذين يسكنون عدن: رسول الله صلي الله عليه وآله وأبا بكر وعمر، وأن كعباً كان من المخططين لقتله!

وقال في الدر المنثور:5/306:

قوله تعالي: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ الآية. أخرج الثعلبي من طريق العوام بن حوشب قال حدثني رجل من قومي شهد عمر (رض) أنه سأل طلحة والزبير وكعباً وسلمان: ماالخليفة من الملك؟ قال طلحة والزبير: ما ندري، فقال سلمان (رض): الخليفة الذي يعدل في الرعية، ويقسم بينهم بالسوية، ويشفق عليهم شفقة الرجل علي أهله ويقضي بكتاب الله تعالي. فقال كعب: ما كنت أحسب أحداً يعرف الخليفة من الملك غيري!

وفي كنز العمال:12/567:

عن طبقات ابن سعد: عن سفيان بن أبي العوجاء قال: قال عمر بن الخطاب: والله ما أدري أخليفة أنا أم ملك؟ فإن كنت ملكاً فهذا أمر عظيم، قال قائل يا أمير المؤمنين إن بينهما فرقاً، قال ما هو؟ قال: الخليفة لا يأخذ إلا حقاً ولا يضعه إلا في حق، فأنت بحمد الله كذلك، والملك يعسف الناس فيأخذ من هذا

ويعطي هذا، فسكت عمر (ابن سعد).

وقال في كنز العمال:12/573:

عن كعب أن عمر بن الخطاب قال: أنشدك بالله يا كعب أتجدني خليفة أم ملكاً؟ قال بل خليفة، فاستحلفه فقال كعب: خليفة والله من خير الخلفاء، وزمانك خير زمان-نعيم بن حماد في الفتن.

الدر المنثور:4/293:

سأل عمر كعباً عن آيات أول سورة الحديد فقال: معناها إن علمه بالأول كعلمه بالاخر، وعلمه بالظاهر كعلمه بالباطن! انتهي.

كنز العمال:2/488:

عن عمر قال: ذكر النبي(ص)يوم القيامة فعظم شأنه وشدته، قال: ويقول الرحمن لداود عليه السلام: مرَّ بين يدي، فيقول داود: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي، فيقول: مرِّ خلفي، فيقول: يا رب أخاف أن تدحضني خطيئتي فيقول: خذ بقدمي! فيأخذ بقدمه عز وجل فيمر!! قال فتلك الزلفي التي قال الله تعالي: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَحُسْنَ مَآبٍ! ورواه السيوطي في الدر المنثور: 5/305 عن ابن مردويه.

الدر المنثور:5/297:

وأخرج الديلمي عن عمر (رض) قال: قال رسول الله (ص): لا ينبغي لأحد أن يقول إني أعبد من داود!

الدر المنثور:5/305:

وأخرج عبد بن حميد، عن السدي بن يحيي، قال حدثني أبو حفص رجل قد أدرك عمر بن الخطاب: إن الناس يصيبهم يوم القيامة عطش وحر شديد فينادي المنادي داود فيسقي علي رؤس العالمين، فهو الذي ذكر الله: وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَي وَ حُسْنَ مَآبٍ! انتهي.

ومن الواضح أن هذه الروايات عن داود عليه السلام من مقولات اليهود وكعب الأحبار ولكن الخليفة عمر يقبلها منه، والرواة ينسبونها إلي نبينا صلي الله عليه وآله!!

كنز العمال:14/146:

عن سعيد بن المسيب قال: استأذن رجل عمر بن الخطاب في إتيان بيت المقدس فقال له: إذهب فتجهز فإذا تجهزت فأعلمني فلما تجهز جاءه فقال

له عمر: إجعلها عمرة!

مجمع الزوائد:9/65:

عن عمر بن ربيعة أن عمر بن الخطاب أرسل إلي كعب الأحبار فقال: يا كعب كيف تجد نعتي؟ قال: أجد نعتك قرن من حديد. قال: وما قرن من حديد؟ قال: أمير شديد لا تأخذه في الله لومة لائم. قال: ثم مه؟ قال: ثم يكون من بعدك خليفة تقتله فئة.

تاريخ الطبري:1/459:

عن أشعث عن سالم النصري قال: بينما عمر بن الخطاب يصلي ويهوديان خلفه، وكان عمر إذا أراد أن يركع خوي، فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال فلما انفتل عمر قال: أرأيت قول أحدكما لصاحبه أهو هو؟ فقالا: إنا نجد في كتابنا قرناً من حديد يعطي ما أعطي حزقيل الذي أحيا الموتي بإذن الله!!

فقال عمر: مانجد في كتابنا حزقيل، ولا أحيا الموتي بإذن الله إلا عيسي بن مريم! فقالا: أما تجد في كتاب الله: ورسلاً لم نقصصهم عليك؟ فقال عمر: بلي، قالا: وأما إحياء الموتي فسنحدثك إن بني اسرائيل وقع فيهم الوباء، فخرج منهم قوم حتي إذا كانوا علي رأس ميل أماتهم الله فبنوا عليهم حائطاً حتي إذا بليت عظامهم بعث الله حزقيل فقام عليهم فقال: ما شاء الله، فبعثهم الله له فأنزل الله في ذلك: ألم تر إلي الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. انتهي.

والأخوي: الذي لا يستطيع أن يركع أو يسجد بشكل طبيعي إلا بفتح قدميه ونحوه.. والرواية تدل علي اهتمام اليهود بإيمان عمر بثقافتهم، ومحاولتهم التزلف إليه بادعاء أن شخصيته مذكورة في كتبهم، وأنه نبي يحيي الموتي مثل حزقيل!

تاريخ المدينة لابن شبة:3/110:

لما قدم عمر (رض) من مكة في آخر حجة حجها أتاه كعب فقال: يا أمير المؤمنين إعهد فإنك ميت

في عامك! قال عمر (رض)وما يدريك يا كعب؟ قال: وجدته في كتاب الله! فقال: أنشدك الله يا كعب هل وجدتني باسمي ونسبي عمر بن الخطاب؟ قال: اللهم لا، ولكني وجدت صفتك وسيرتك وعملك وزمانك!

ورواه في:3/88 وزاد فيه: فلما أصبح الغد غدا عليه كعب فقال عمر (رض): يا كعب، فقال كعب: بقيت ليلتان، فلما أصبح الغد غدا عليه كعب-قال عبدالعزيز: فأخبرني عاصم بن عمر بن عبيد الله بن عمر قال: قال عمر (رض):

يواعدني كعب ثلاثاً يعدُّها ولا شك أن القول ما قاله كعبُ

وما بي لقاء الموت إني لميتٌ ولكنما في الذنب يتبعه الذنبُ

فلما طعن عمر (رض) دخل عليه كعب فقال: ألم أنهك؟!

قال: بلي، ولكن كان أمر الله قدراً مقدورا!! انتهي.

ولا يتسع المجال للرد علي أفكار كعب التي تضمنتها رواياته، وقد أوردنا عدداً منها في سبب نشأة التجسيم في المجلد الثاني.

والواقع أن كعب الأحبار من أكبر المصائب في مصادر إخواننا السنيين، حيث تجده مقيماً فيها، كامناً في المواقع الحساسة من أصول العقيدة والشريعة! وهذا أمر يحتاج إلي معالجات جريئة من علمائهم!

ولكن لابد من الإلفات هنا إلي أن النصوص المتقدمة تدل بما لايقبل الريب علي أن كعباً كان شريكاً في مؤامرة قتل عمر!

ولكن إخواننا السنيين ما زالوا يبرئون كعباً ويثقون به، كما برَّأَ المسيحيون اليهود من دم المسيح!

كما نشير إلي أن كعباً أخطأ في تفسير أول سورة الحديد، لأنه فسر (هو) بعلمه!! ولكن الخليفة عمر يقبل منه كل مايقوله، بل يحدث به المسلمين علي المنبر!

شفاعات و حرمانات غير معقولة روتها مصادر السنيين

شفاعة اثنين لصاحب الجنازة

ليس من السهل أن نعترض علي الأحاديث التي تحكم علي نوع من الناس باستحقاق الجنة أو النار.. لأن الخير والشر في داخل

الإنسان عالمٌ معقد، وما يظهر للعيان لا يجب أن يكون دائماً هو الحقيقة! فرب عمل صغير نقوم به يكون في حساب الثواب والعقاب الإلهي كبيراً، وبالعكس.. ورب ظرف يجعل العمل السي حسناً وبالعكس!

وبسبب هذه السعة والتعقيد في أعمال الناس وظروفها، لابد أن تكون أنظمة الجزاء عميقة واسعة حتي تستوعبها.

ولكنا مع ذلك نملك يقينيات من العقل والشرع تسمح لنا أحياناً بالحكم بإمكان هذا الجزاء الإلهي أو عدم إمكانه..ومن هذه اليقينيات: لو أن شخصاً قاتلاً ظالماً جامعاً للصفات الشريرة، توفي وحملوا جنازته، فمر بها شخصان مسلمان فقالا:

كان مؤمناً تقياً، لأنهما جاهلان بحاله أو متعمدان، فإن شهادتهما لا تغير شيئاً من قوانين المجازاة الإلهية!

لكن توجد (أحاديث) في مصادر السنيين تقول: إن مجرد شهادة إثنين بالخير لصاحب الجنازة تجعله من أهل الجنة! كما أن شهادتهما له بالسوء تجعله من أهل النار!!

فكأن الشهادة علي الجنازة في منطق هذه الأحاديث وثيقة شرعية نهائية لا يقرأ الملائكة غيرها، أو ختم نهائي لا يقبل الله تعالي غيره!!

لقد جاءنا هذا المنطق من الثقافة اليهودية، ولكنه مهما كان مصدره، ليس منطقاً إسلامياً! لأن معناه السماح للمجرمين بأن يفعلوا ما شاؤوا ويهلكوا الحرث والنسل، ثم يوصي أحدهم بأن يشهد علي جنازته عشرة شهود كذباً وزوراً فيدخل الجنة!

والأخطر من ذلك أن الإنسان المؤمن الطيب الأمين المستقيم مهما عمل من خير في حياته فإن عمله يتبخر بمجرد أن يرسل خصومه اثنين يشهدان علي جنازته بأنه كان سيئاً، فيدخلانه النار!

ولو كانت هذه المقولة توجد في مصادرهم من الدرجة الثانية لكان الأمر أسهل، ولكنها توجد في مصادر الدرجة الأولي مع الأسف، وعن لسان أقدس الشخصيات عندهم بعد النبي صلي الله عليه وآله

الأمر الذي يتطلب من فقهائهم جرأةً في معالجتها:

روي البخاري في صحيحه:2/100:

عن أنس بن مالك قال: مروا بجنازة فأثنوا عليها خيراً، فقال النبي (ص): وجبت، ثم مروا بأخري فأثنوا عليها شراً فقال: وجبت، فقال عمر بن الخطاب (رض): ما وجبت؟ قال: هذا أثنيتم عليه خيراً فوجبت له الجنة، وهذا أثنيتم عليه شراً فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض.

ورواه في:3/148 وفيه (قال شهادة القوم المؤمنين شهداء الله في الأرض). ورواه مسلم في صحيحه:3/53 وقد كرر فيه كلمة: وجبت وأنتم شهداء الله ثلاث مرات. ورواه النسائي:4/50 ورواه الترمذي:2/261 وقال (وفي الباب عن عمر وكعب بن عجرة وأبي هريرة. قال أبو عيسي: حديث أنس حديث حسن صحيح).

ورواه ابن ماجة في:1/478 وفيه (فقال: شهادة القوم والمؤمنون شهود الله في الأرض). وفي هامشه (ويوافقه حديث عمر رواه الترمذي والنسائي وإسناد ابن ماجة صحيح ورجاله رجال الصحيحين).

ورواه أبو داود في:2/86 وفيه (إن بعضكم علي بعض شهداء).

ورواه أحمد في ج3 ص179 وج2 ص261 وص498 وص528 وج2 ص466 وص470 وفيه (بعضكم شهداء علي بعض) وج3 ص186 وكرر فيه وجبت ثلاث مرات مثل مسلم. وفي رواية أخري (قال شهادة القوم والمؤمنون شهداء الله في الأرض) وفي ج3/197 وص 211 وص 245 وص 281.

ورواه البيهقي في سننه ج4 ص75 وج 10/123 وص 209.

وقال البخاري في صحيحه:2/100:

عن أبي الأسود قال: قدمت المدينة وقد وقع بها مرض فجلست إلي عمر بن الخطاب (رض) فمرت بهم جنازة فأثني علي صاحبها خيراً فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بأخري فأثني علي صاحبها خيراً، فقال عمر (رض): وجبت. ثم مر بالثالثة فأثني علي صاحبها شراً، فقال: وجبت. فقال أبو الأسود

فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي (ص): أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة، فقلنا وثلاثة قال: وثلاثة. فقلنا واثنان قال: واثنان. ثم لم نسأله عن الواحد!

ورواه البخاري أيضاً في:3/149 والنسائي في:4/51 وفيه:

(فقلت وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال رسول الله (ص): أيما مسلم شهد له أربعة قالوا خيراً أدخله الله الجنة. قلنا: أو ثلاثة؟ قال: أو ثلاثة. قلنا: أو اثنان؟ قال: أو اثنان.

ورواه الترمذي في:2/261 وقال (قال أبو عيسي: هذا حديث حسن صحيح وأبو الاسود الدؤلي اسمه ظالم بن عمر بن سفيان).

ورواه أحمد في:1/21 وص 22 وص27 وص 30 وص 45 وص 46، والبيهقي في سننه: 10/124.

إلي هنا تجد أن هذه المقولة بمقاييس إخواننا السنيين تامة السند والدلالة.. ولكن توجد مؤشرات تفتح باب البحث حولها:

المؤشر الأول: أن الإمام أحمد روي أن بعض الذين سمعوا الحديث من الخليفة عمر شككوا فيه لغرابته عن منطق النبي صلي الله عليه وآله وظنوا أنه رأيٌ من عمر لا من قول النبي صلي الله عليه وآله فأكد له عمر أن النبي هو الذي قال ذلك!

قال أحمد في:1/54:

حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا وكيع ثنا عمر بن الوليد الشني عن عبد الله بن بريدة قال: جلس عمر (رض) مجلساً كان رسول الله(ص)يجلسه، فمر عليه الجنائز، قال فمروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فأثنوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا خيراً فقال: وجبت. ثم مروا بجنازة فقالوا هذا كان أكذب الناس، فقال: إن أكذب الناس أكذبهم علي الله، ثم الذين يلونهم من كذب علي روحه في جسده، قال قالوا:

أرأيت إذا شهد أربعة؟ قال: وجبت. قالوا: أو ثلاثة؟ قال: وثلاثة، قال وجبت. قالوا: واثنين؟ قال: وجبت، ولان أكون قلت واحد أحب إلي من حمر النعم. قال فقيل لعمر: هذا شئ تقوله برأيك أم شئ سمعته من رسول الله(ص)؟ قال: لا، بل سمعته من رسول الله(ص). انتهي.

والروايةتدل علي أن الخليفة تفرد بهذه الرواية من دون الصحابة الحاضرين في ذلك المجلس الرسمي الذي كان يجلسه رسول الله صلي الله عليه وآله وأنهم تعجبوا لأنهم لم يسمعوا ذلك، وتجرؤوا أن يسألوا عمر رغم سطوته، فأكد لهم أنه سمع ذلك!

المؤشر الثاني: يشير إلي أن الحادثة قضية شخصية في جنازة أشخاص معينين في زمن النبي صلي الله عليه وآله وليست قاعدة كلية لكل جنازة..

فقد روي الحاكم في:1/377: عن أنس قال كنت قاعداً مع النبي (صلي الله عليه وآله) فمر بجنازة فقال: ما هذه الجنازة؟ قالوا جنازة فلان الفلاني كان يحب الله ورسوله ويعمل بطاعة الله ويسعي فيها، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت وجبت وجبت. ومر بجنازة أخري قالوا جنازة فلان الفلاني كان يبغض الله ورسوله ويعمل بمعصية الله ويسعي فيها، فقال: وجبت وجبت وجبت. فقالوا يا رسول الله قولك في الجنازة والثناء عليها؟ أثني علي الأول خير وعلي الآخر شر فقلت فيها وجبت وجبت وجبت؟ فقال: نعم يا أبا بكر إن لله ملائكة تنطق علي ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ. انتهي.

فلو صح الحديث لكان معناه أن النبي صلي الله عليه وآله شهد، بما عرفه الله تعالي، بأن الملائكة نطقت علي ألسنة أولئك المادحين والذامين.. وليس معناه أن الملائكة

تنطق دائماً علي ألسنة المسلمين.

المؤشر الثالث: يدل علي أن الخصوصية للشاهد أو الشافع في الجنازة.. ففي مستدرك الحاكم:2/268: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كنت مع رسول الله صلي الله عليه وآله في جنازة فينا في بني سلمة وأنا أمشئ إلي جنب رسول الله صلي الله عليه وآله فقال رجل: نعم المرء ما علمنا إن كان لعفيفاً مسلماً إن كان.. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت الذي تقول؟ قال يا رسول الله ذاك بدا لنا والله أعلم بالسرائر. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت. قال وكنا معه في جنازة رجل من بني حارثة أو من بني عبد الأشهل، فقال رجل: بئس المرء ما علمنا إن كان لفظاً غليظاً إن كان.. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت الذي تقول؟ قال يا رسول الله الله أعلم بالسرائر فأما الذي بدا لنا منه فذاك. فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: وجبت. ثم تلا رسول الله صلي الله عليه وآله: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، إنما اتفقا علي وجبت فقط. انتهي.

فقد أكد النبي صلي الله عليه وآله علي شخص القائل الذي لم تسمه الرواية فقال له: أنت الذي تقول ذلك وتشهد بهذه الشهادة لهذا الميت؟ فقال نعم إني أشهد حسب ظاهر حاله. فقال النبي إن الجنة قد وجبت له بشهادة ذلك الرجل، أو إن شهادته طابقت الواقع كما أوحي الله إلي رسوله صلي الله عليه وآله، فيحتمل أن تكون القضية شخصية كما في الرواية السابقة، وإذا وجد الإحتمال بطل الإستدلال، ولم يبق يقين بأنها

قاعدة عامة.

المؤشر الرابع: أنه توجد أحاديث معارضة تجعل دعاء مئة مسلم موحد أو أربعين بالشفاعة للميت موجباً للامل بأن الله تعالي يشفعهم فيه ويدخله الجنة..وقد روت الصحاح رواية المئة، ورواية الأربعين، وفي بعض رواياتها ثلاثة صفوف، وأمة من الناس، ونحوها.. الأمر الذي يدل علي أن وجود كثرة من المسلمين المؤمنين يصلون علي جنازة الميت أو يدعون له، أمر مفيد له، وأن الله تعالي قد يستجيب دعاءهم.. ولكن ليس في هذه الأحاديث تلك الحتمية و(الأتوماتيكية) التي في أحاديث (وجبت وجبت) المتقدمة!

ففي صحيح مسلم:3/52 عن عائشة عن النبي(ص)قال: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه. انتهي وفي رواية أخري: أربعون. ورواه في سنن البيهقي:3/180-181.

وفي سنن ابن ماجة:1/477:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: من صلي عليه مائة من المسلمين غفر له. في الزوائد: قد جاء عن عائشة في الترمذي والنسائي مثله. وإسناده صحيح ورجاله رجال الصحيحين. انتهي. وما ذكره موجود في سنن الترمذي:2/247 وفي سنن النسائي:4/75 بصيغة مائة وأمة من الناس).

وفي فردوس الأخبار:4/329 ح 6496:

أنس وعائشة: ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغوا أن يكونوا مائة يشفعون له إلا شفعوا فيه.

وفي/371 ح 6609: أبو هريرة: ماصف قوم صفوفاً ثلاث علي ميت فيستغفرون له إلا شفعوا.

وروي ابن ماجة في سننه:1/477:

عن كريب مولي عبدالله بن عباس قال: هلك ابن لعبد الله بن عباس فقال لي: يا كريب قم فانظر هل اجتمع لابني أحد؟ فقلت نعم. فقال ويحك كم تراهم أربعين؟ قلت: لا،بل هم أكثر. قال: فاخرجوا بابني فأشهد لسمعت رسول الله(ص)يقول: ما من أربعين من مؤمن يشفعون لمؤمن، إلا شفعهم الله.

وروي ذلك أحمد بشروط أشد قال في:1/277:

عن كريب مولي ابن عباس عن عبد الله بن عباس أنه مات ابن له بقديد أو بعسفان فقال: يا كريب أنظر ما اجتمع له من الناس؟ قال فخرجت فإذا ناس قد اجتمعوا له فأخبرته، قال يقول هم أربعون؟ قال نعم، قال أخرجوه فإني سمعت رسول الله(ص)يقول: ما من مسلم يموت فيقوم علي جنازته أربعون رجلاً لا يشركون بالله شيئاً، إلا شفعهم الله فيه. ورواها الديلمي في فردوس الأخبار:4/318 ح 6469.

المؤشر الخامس: يشير إلي احتمال اختلاط الحديث بغيره..

ففي مسند أحمد:3/303 عن جابر قال: قال قال رسول الله (ص): من كن له ثلاث بنات يؤويهن ويرحمهن ويكفلهن، وجبت له الجنة البتة. قال قيل يا رسول الله فإن كانت اثنتين؟ قال: وإن كانت اثنتين. قال فرأي بعض القوم أن لو قالوا له واحدة لقال واحدة. انتهي.

وفي مسند أحمد:4/212:

عن الحرث بن أقيش قال: كنا عند أبي برزة ليلة فحدث ليلتئذ عن النبي (ص)أنه قال: ما من مسلمين يموت لهما أربعة أفراط، إلا أدخلهما الله الجنة بفضل رحمته. قالوا يا رسول الله وثلاثة؟ قال: وثلاثة. قالوا: واثنان؟ قال: واثنان. انتهي.

فيحتمل أن يكون الأمر اشتبه علي الخليفة فجعل أجر (وجبت الجنة) لمن ربي ثلاث بنات أو اثنتين - جعله لمن شهد ثلاثة أو اثنان علي جنازته، لتشابه العدد فيهما ووحدة التعبير ب(وجبت).

ولا يرد الإشكال علي رواية تربية البنات تربية إسلامية كيف جعلت سبباً قطعياً لدخول الجنة، لأنها تجعل الجزاء للاب أو الام علي عمل يقومان به، بينما رواية الشهادة للجنازة تجعل لصاحبها الجنة مجاناً مهما كان فاجراً بمجرد قول غيره!

كما تجعل له النار مجاناً بمجرد قول غيره،

مهما كان صالحاً!!

علي أنه يمكن القول إن الله تعالي جعل ثواب تربية ثلاث بنات أو اثنتين الجنة ليعالج مشكلة في مجتمع كانوا يئدون بناتهم، وإذا بشر أحدهم بالأنثي ظل وجهه مسوداً وهو كظيم..وأن هذا الثواب قد يشمل في عصرنا الازواج الذين يئدون أطفالهم بطرق أخري، خوفاً من الفقر أو طلباً للراحة من الأطفال.

وفي أحاديث أهل البيت عن الإمام الصادق عليه السلام أن المسلمين قد سألوا النبي صلي الله عليه وآله عن تربية البنت الواحدة كما تقدم، فقد روي في الكافي:6/6 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم، عن عمر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من عالَ ثلاث بنات أو ثلاث أخوات وجبت له الجنة. فقيل: يا رسول الله واثنتين؟ فقال: واثنتين. فقيل: يا رسول الله وواحدة؟ فقال: وواحدة. انتهي.

وفي مسند أحمد:1/223:

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): من ولدت له ابنة فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها يعني الذكر، أدخله الله بها الجنة. انتهي.

والنتيجة: أن هذه المؤشرات تفتح باب البحث للشك في أحاديث (وجبت وجبت) للجنازة، وتضغط عليها لتكون منسجمةً مع اليقينيات العقلية والشرعية غير ناقضة لها.

ومادام الباب مفتوحاً للتخلص من منطقها اليهودي، فلا معني للتشبث بها بحجة الدفاع عن البخاري وعن الخليفة عمر!!

رأي أهل البيت في الشهادة للجنازة

لا أثر في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) لروايات (وجبت) ولا لمنطقها! بل نجد الترغيب في الدعاء للميت والشفاعة به إلي الله تعالي، والأمل بأن يستجيب الله تعالي ويشمل هذا الميت برحمته..كل ذلك علي حسب قوانين الجزاء والشفاعة التي يعلمها عز وجل بأصولها وتفاصيلها

وتطبيقاتها، ولا نعرف نحن منها إلا القليل.

روي الكليني في الكافي:3/188:

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن الحسن بن محبوب، عن عبد الله بن غالب، عن ثابت أبي المقدام قال: كنت مع أبي جعفر (الباقر) عليه السلام فإذا بجنازة لقوم من جيرته فحضرها وكنت قريباً منه، فسمعته يقول: اللهم إنك أنت خلقت هذه النفوس وأنت تميتها وأنت تحييها، وأنت أعلم بسرائرها وعلانيتها منا ومستقرها ومستودعها. اللهم وهذا عبدك ولا أعلم منه شراً وأنت أعلم به، وقد جئناك شافعين لبعد موته فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه واحشره مع من كان يتولاه. انتهي.

ونحوه في الكافي:3/185، ورواه الشيخ في تهذيب الأحكام:3/196 ورواه الحر العاملي في وسائل الشيعة: 2/237

وينبغي الإلتفات إلي عبارة (فإن كان مستوجباً فشفعنا فيه) فهي تدل علي وجود قانون استحقاق الشفاعة وعدم استحقاقها. وعبارة (واحشره مع من كان يتولاه) التي تدل علي قانون (يوم ندعو كل أناس بإمامهم) وهما قانونان مترابطان.

أما منطق (وجبت) فيقول لو كان الميت فاجراً مثل فرعون ومدح جنازته شخصان، لوجب أن يصير من أهل الجنة ويحشر يوم القيامة إلي جنب الأنبياء (عليهم السلام)!

هذا، وقد روي في الكافي رواية صحيحة طريفة تتضمن أضواء مهمة علي قانون الشفاعة قال في:3/187

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن كان مستضعفاً فقل: اللهم اغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم، وإذا كنت لا تدري ما حاله فقل: اللهم إن كان يحب الخير وأهله فاغفر له وارحمه وتجاوز عنه، وإن كان المستضعف منك بسبيل فاستغفر له علي وجه الشفاعة لا علي وجه الولاية. انتهي.

وروي في نفس الصفحة عن الإمام الصادق عليه السلام أيضاً قال: الترحم علي جهتين: جهة الولاية وجهة الشفاعة. ورواه في وسائل الشيعة:2/237.

ففي هذا الرواية منطق دقيق في التعامل مع الميت والشهادة له.. إن كنت لا تدري ما حاله، أو كان مستضعفاً فكرياً لا يعرف الحق من الباطل، أو كان معانداً يعرف الحق وينكره.. أو كان ممن يبغض أهل البيت (عليهم السلام) وينصب العداوة لهم.. وادع له علي نحو الولاية ووحدة الإمام الذي ستدعي أنت وإياه به يوم القيامة، أو علي جهة الشفاعة لارحامك إن لم يكن عارفاً بحق أهل بيت نبيه.. إلي آخر النقاط المنسجمة مع اليقينيات العقلية والشرعية.

قد يقال: يوجد في روايات أهل البيت (عليهم السلام) شبيه لرواية (وجبت)

فقد روي الكليني في الكافي:3/173 عن أبي علي الأشعري، عن محمد بن عبد الجبار، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن ميسر قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: من تبع جنازة مسلم أعطي يوم القيامة أربع شفاعات ولم يقل شيئاً إلا وقال الملك: ولك مثل ذلك. انتهي.

ورواه الصدوق في من لا يحضره الفقيه:1/161 والشيخ في تهذيب الأحكام: 1/455 والحر في وسائل الشيعة:2/288 وقال: ورواه في المجالس عن محمد بن الحسن عن الصفار عن أحمد بن محمد عن الحسن بن علي بن فضال. ورواه الشيخ بإسناده عن أبي علي الأشعري مثله. انتهي.

ولكن الفرق كبير بين رواية تعطي حق الشفاعة لشخص علي عمل يقوم به، وبين رواية تعطي الجنة أو النار مجاناً بكلمة يقولها شخص أو اثنان بعد موته!!

وقد وجدنا في مصادر إخواننا السنيين رواية شبيهة بما مصادرنا في الدعاء للميت في الصلاة علي جنازته رواها أحمد في مسنده: 2/256

قال: سمعت أبا هريرة ومر عليه مروان فقال: بعض حديثك عن رسول الله(ص)أو حديثك عن رسول الله(ص)؟ ثم رجع، فقلنا الآن يقع به قال: كيف سمعت رسول الله(ص)يصلي علي الجنائز؟ قال سمعته يقول: أنت خلقتها وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها تعلم سرها وعلانيتها، جئنا شفعاء فاغفر لها. انتهي.

شفاعة النبي للظالمين من الامة

قال الله تعالي: وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ مِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَ لِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ. الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ. فاطر: 31 - 35

اتفق الجميع علي أن موضوع الآية: الذين اصطفاهم الله تعالي وأورثهم الكتاب بعد النبي صلي الله عليه وآله بقرينة أن السياق قبلها عن الكتاب الموحي إلي نبينا صلي الله عليه وآله.

واتفقوا علي أن الأقسام الثلاثة للذين اصطفاهم هم من أهل الجنة بدليل السياق حيث انتقل الكلام بعد المصطفين إلي الكافرين.

والذي يتصل بموضوعنا من ذلك تعيين هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب الإلهي.. فقد ذهب السنيون إلي أنهم جميع المسلمين، وأنهم جميعاً في الجنة إما بالإستحقاق أو بالشفاعة.

ومذهبنا أن هؤلاء المصطفين ورثة الكتاب هم ذرية النبي صلي الله عليه وآله من ابنته فاطمة عليها السلام وأن السابقين بالخيرات منهم هم الأئمة المعصومون (عليهم السلام) والمقتصدين أتباعهم، والظالمين لانفسهم مخالفوهم.. وفيما يلي تفصيل هذه الآراء:

قال كعب الأحبار هم جميع المسلمين و هم في الجنة

الظاهر أن أقدم القائلين بهذا الرأي كعب الأحبار وأنه اعتمد علي استنتاجه الشخصي وليس علي رواية عن النبي صلي الله عليه وآله فقد

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252: وأخرج عبد بن حميد عن صالح أبي الخليل قال قال كعب: يلومني أحبار بني اسرائيل أني دخلت في أمة فرقهم الله ثم جمعهم ثم أدخلهم الجنة! ثم تلا

هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، حتي بلغ جنات عدن يدخلونها قال قال: فأدخلهم الله الجنة جميعاً.

وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عبد الله بن الحارث أن ابن عباس سأل كعباً عن قوله: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية، قال: نجوا كلهم. ثم قال: تحاكت مناكبهم ورب الكعبة ثم أعطوا الفضل بأعمالهم.

وفي تفسير الطبري:22/88، عن كعب:

إن الظالم لنفسه من هذه الأمة والمقتصد والسابق بالخيرات كلهم في الجنة، ألم تر أن الله قال: ثم أورثنا الكتاب الذي اصطفينا...الخ. وروي أيضاً بعض ما تقدم في الدر المنثور.

و قال الخولاني إنه قرأ ذلك في كتب اليهود

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج عبد بن حميد عن أبي مسلم الخولاني قال: قرأت في كتاب الله أن هذه الأمة تصنف يوم القيامة علي ثلاثة أصناف: صنف منهم يدخلون الجنة بغير حساب، وصنف يحاسبهم الله حساباً يسيراً ويدخلون الجنة، وصنف يوقفون ويؤخذ منهم ما شاء الله، ثم يدركهم عفو الله وتجاوزه.

عائشة و عثمان يوافقان كعبا علي تفسيره

روي الحاكم أن عائشة وافقت كعباً علي تفسيره قال في المستدرك:2/426:

عقبة بن صهبان الحراني قال: قلت لعائشة رضي الله عنها: يا أم المؤمنين أرأيت قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: أما السبَّاق فمن مضي في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله فشهد له بالحياة والرزق. وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بأعمالهم حتي يلحق بهم. وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا، وكل في الجنة!! صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهي. ورواه في مجمع الزوائد:7/96. وقال عنه السيوطي في الدر المنثور:5ص 251: وأخرج الطيالسي وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وابن مردويه عن عقبة بن صهبان قلت لعائشة... الخ.

وروي السيوطي في الدر المنثور أن الخليفة عثمان أيضاً وافق كعباً علي تفسيره قال في:5/252:وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عثمان بن عفان أنه نزع بهذه الآية قال: إن سابقنا أهل جهاد، ألا وإن مقتصدنا ناج أهل حضرنا، ألا وإن ظالمنا أهل بدونا. انتهي. ورواه في كنز العمال:2/485

وواضح من الروايتين أن عائشة وعثمان اعتمدا علي كعب الأحبار، أو علي فهمهما للآيات، ولم يذكرا رواية

عن النبي صلي الله عليه وآله.

الحسن البصري يرد تفسير كعب الأحبار

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي عن كعب الأحبار أنه تلا هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، إلي قوله لغوب، قال: دخلوها ورب الكعبة. وفي لفظ قال: كلهم في الجنة، ألا تري علي أثره والذين كفروا لهم نار جهنم، فهؤلاء أهل النار. فذكر ذلك للحسن فقال: أبت ذلك عليهم الواقعة! وأخرج عبد بن حميد عن كعب في قوله: جنات عدن يدخلونها قال: دخلوها ورب الكعبة، فأخبر الحسن بذلك فقال: أبت والله ذلك عليهم الواقعة. انتهي.

ويقصد الحسن البصري بذلك أن التقسيم الثلاثي للناس الذي ورد في سورة الواقعة يردُّ تفسير كعب وهو قوله تعالي: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. الواقعة: 7 -11 وكلام البصري قوي لأن الخطاب عنده في الآية للمسلمين، ولو كان المقصود بالمصطفين الذين أورثهم الله الكتاب كل المسلمين لكانوا جميعاً من أهل الجنة، ولما بقي معني لتقسيمات القرآن لهم في سورة الواقعة إلي أصحاب يمين وشمال وسابقين. فهذا التقسيم يدل علي أن من المسلمين من يدخل النار.

وإن ناقشنا في إستدلال الحسن البصري، فتدل علي رأيه الأحاديث والأدلة المتقدمة في الرد علي مذاهب توسيع الشفاعة!

الخليفة عمر يميل إلي تفسير كعب

روي السيوطي في الدر المنثور عن الخليفة عمر أنه خالف تفسير كعب الأحبار، وأن رأيه كان كما قال الحسن البصري.. قال في: 5/252:

وأخرج ابن مردويه عن عمر عن النبي(ص)في قوله فمنهم ظالم لنفسه قال: الكافر. انتهي. ويحتمل أن تكون هذه الرواية تفسيراً للآية 32 من سورة لقمان وهي قوله تعالي: وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ

إلي الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ. ولكنها علي أي حال تنطبق علي موضوعنا لأنها تفسر معني (الظالم لنفسه).

ولكن من البعيد أن تصح هذه الرواية، لأنه ورد عن عمر أنه كان يردد تفسير كعب، إلا أن نقول إنه كان يفسرها بذلك قبل أن يسمع تفسيرها من كعب!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/252:

وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في البعث عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية قال: ألا إن سابقنا سابق ومقتصدنا ناج وظالمنا مغفور له. انتهي. (والشوكاني في فتح القدير: 4/441، ورواه في كنز العمال:2/485.

وقال في هامشه: نزع بهذه الآية... ومنه الحديث: لقد نزعت بمثل ما في التوراة، أي: جئت بما يشبهها اه_. قلت: فكأن أمير المؤمنين عمر (رض) يأتي برأيه بما يشبه ظاهر الآية، ولا عجب فقد نزلت آيات توافق رأيه. انتهي.

غير أن معني نزع بالآية: شرع فيها فقرأها أو فسرها، لا أنه أتي بشبيهها، كما زعم مهمش كنز العمال، وأين الشبيه الذي أتي به عمر!

وغرضنا هنا تفسير عمر للاية بأن الظالم مغفور له، وهو مؤشرٌ علي أنه قبل تفسير كعب بأن المقصود بالآية كل المسلمين.

وتوجد رواية نقلها السيوطي قد يفهم منها أن عمر روي ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله.

قال في الدر المنثور:5/252:

وأخرج العقيلي وابن هلال وابن مردويه والبيهقي من وجه آخر عن عمر بن الخطاب سمعت رسول الله (ص)يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه الآية. انتهي.

وروي السيوطي نحوها عن أنس، ورواها في كنز العمال:2/10 وفي /485 عن عمر وأضاف إلي رواتها: الديلمي في

الفردوس والبيهقي في البعث والنشور. انتهي.

ولكن عمر لم يصرح فيها بأن النبي صلي الله عليه وآله كان يقصد كل الأمة، فقد يكون صلي الله عليه وآله قصد بقوله: سابقنا ومقتصدنا وظالمنا، ذريته وأهل بيته الذين أورثهم الله الكتاب كما أورثه آل ابراهيم وآل عمران، من نوع قوله صلي الله عليه وآله: المهدي منا، بنا فتح الله وبنا يختم، وشهيدنا خير الشهداء..الخ. وهو في كلامه كثير صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا الإحتمال يبطل الإستدلال بأن المقصود بورثة الكتاب كل الأمة، لأنه يحتمل أن يكونوا بعضها.. خاصة بعد أن نصت أن بعض الأحاديث علي أنهم بعض الأمة وليس كلها:

قال السيوطي في الدر المنثور:5/251:

وأخرج الطبراني والبيهقي في البعث عن أسامة بن زيد (رض): فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، قال قال رسول الله (ص): كلهم من هذه الأمة، وكلهم في الجنة. انتهي. ونقله في كنز العمال: 2/486.

ويؤيد ذلك ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/96 عن أسامة بن زيد قال: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، الآية، قال النبي (ص): كلهم من هذه الأمة. رواه الطبراني وفيه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلي وهو سي الحفظ. انتهي.

وتعبير كلهم من الأمة يدل علي أنهم ليسوا كل الأمة، ويكون هذا الحديث من ابن أبي ليلي السي الحفظ علي حد تعبير الهيثمي معقولاً أكثر من كلام غيره!

إلي هنا يبدو أنه لا مشكلة في تفسير ورثة الكتاب ببعض الأمة وهم ذرية النبي صلي الله عليه وآله.. وأن هؤلاء الذرية كلهم مقبولون بشرط أن لا يدعوا الناس إلي أنفسهم كما سيأتي، وأن الذين يمثلون خط جدهم هم السابقون منهم صلي الله عليه وعليهم.

لكن تبقي

مجموعة روايات في مصادر السنيين تؤكد علي تفسير كعب وتنسبه إلي النبي صلي الله عليه وآله! لكنها تصطدم بسورة الواقعة علي حد قول الحسن البصري، كما تصطدم بحكم العقل والأدلة المتقدمة التي لا تسمح بالقول إن كل مسلم في الجنة!!

وأول سؤال عن هذه الروايات: أين كانت عندما فسر كعب وعائشة وعثمان وعمر آيات ورثة الكتاب الإلهي، وكانت موضوعاً مهما يطرحه كعب الأحبار مع اليهود، ويطرحه الخليفة عمر في مجلسه أو علي منبر الجمعة؟!

إن عدم احتجاج أحد بها، يوجب الشك في سندها، أو القول بأن النبي صلي الله عليه وآله كان يتحدث عن اصطفاء الله تعالي لذريته من أولاد فاطمة وورثة خطه في الأمة (عليهم السلام)وقال كلهم من هذه الأمة، فرواها الراوي (كل هذه الأمة) ويوجد لذلك نظائر! فكم من ميزة للعترة الطاهرة جعلت بسبب بساطة الرواة، لكل الأمة!

ومما يؤيد ذلك وجود روايات مترددة في جعل هؤلاء المصطفين مجموع الأمة..

كالذي رواه أحمد:3/78: عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص)أنه قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، قال: هؤلاء كلهم بمنزلة واحدة، وكلهم في الجنة!ورواه الترمذي في:5/41 وقال (هذا حديث غريب حسن) ورواه في الدر المنثور:5/251 عن الطيالسي وأحمد وعبدبن حميد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي عن أبي سعيد الخدري... انتهي.

وقريب منه ما رواه الهيثمي في مجمع الزوائد:10/378 والطبراني كما في الدر المنثور:5/252 عن ابن عباس، وكذا شهادة البراء بن عازب التي نقلها الهيثمي عن سعيد بن منصور، والبيهقي في البعث وجاء فيها (أشهد علي الله أنه يدخلهم الجنة جميعاً).

فكل هذه الروايات تنص علي أنهم من

أهل الجنة، وأنهم من هذه الأمة لا كلها.. الأمر الذي يوجب الشك في تعبير أنهم: كل الأمة!

هذا، وقد ارتكب الحاكم خطأً في ميله إلي تصحيح حديث نسبوه إلي أبي الدرداء في تفسيرالآية يقول إن الظالمين من المسلمين يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة بالشفاعة!

قال في المستدرك:2/426:

عن أبي الدرداء (رض) قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول في قوله عز وجل: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ، قال: السابق والمقتصد يدخلان الجنة بغير حساب، والظالم لنفسه يحاسب حساباً يسيراً ثم يدخل الجنة. ثم قال الحاكم: وقد اختلفت الروايات عن الأعمش في إسناد هذا الحديث فروي عن الثوري، عن الأعمش، عن أبي ثابت، عن أبي الدرداء (رض)، وقيل عن شعبة، عن الأعمش، عن رجل من ثقيف، عن أبي الدرداء. وقيل، عن الثوري أيضاً، عن الأعمش قال: ذكر أبو ثابت، عن أبي الدرداء. وإذا كثرت الروايات في الحديث ظهر أن للحديث أصلاً. انتهي.

وحسب ماذكره السيوطي فقد ارتكب البيهقي نفس الخطأ أيضاً قال في الدر المنثور:5/251: وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء... ثم قال السيوطي: قال البيهقي: إن كثرت الروايات في حديث ظهر أن للحديث أصلاً.

والخطأ هو تطبيق قاعدة أن (كثرة الروايات في إسناد حديث تدل علي أن له أصلاً) علي هذا الحديث الذي نسب بثلاث نسب إلي أبي الدرداء كلها بلفظ قيل، وإحداها عن رجل من ثقيف عن أبي الدرداء، أو رجل لم يسم! فهذا ليست كثرة إسناد، بل كثرة تردد في الاسناد وعدم قطع به، وكثرة الإحتمالات من هذا النوع ككثرة أسماء السنور

لا تزيد في قيمته!

وقد كان الهيثمي أدق من الحاكم عندما علق صحة الحديث علي احتمال أن يكون الرجل المجهول ابن عمير فقال في مجمع الزوائد:7/96: رواه الطبراني عن الأعمش عن رجل سماه، فإن كان هو ثابت بن عمير الأنصاري كما تقدم عند أحمد فرجال الطبراني رجال الصحيح. انتهي.

وقصده بما تقدم ماذكره في نفس المجلد/95 حيث قال (رواه أحمد بأسانيد رجال أحدها رجال الصحيح، وهي هذه إن كان علي بن عبد الله الأزدي سمع من أبي الدرداء فإنه تابعي) انتهي.

فأين كثرة الاسانيد إلي أبي الدرداء! بل أين السند الواحد القطعي!

وأخيراً، نلاحظ في بعض روايات تفسير الآية بكل الأمة ضعفاً لا يتفق مع بلاغة الحديث النبوي وقوة منطقه، كحديث عوف بن مالك الذي سيأتي في نظرية الفداء المزعومة من النار.

قال أهل البيت لا يمكن أن تشمل الآية كل الأمة

الإعتقادات للصدوق/87:

وسئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ، قال: الظالم لنفسه هنا من لم يعرف حق الإمام، والمقتصد من عرف حقه، والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام.

وسأل إسماعيل أباه الصادق عليه السلام قال: ما حال المذنبين منا؟ فقال عليه السلام: ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب، من يعمل سوء يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيرا.

الاحتجاج:2/301:

وعن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا؟ قال: أي شئ تقول؟ قلت: إني أقول إنها خاصة لولد فاطمة. فقال عليه السلام: أما من سل سيفه ودعا الناس إلي نفسه إلي الضلال من ولد فاطمة وغيرهم فليس بداخل

في الآية، قلت: من يدخل فيها؟ قال: الظالم لنفسه الذي لا يدعو الناس إلي ضلال ولا هدي، والمقتصد منا أهل البيت هو العارف حق الإمام، والسابق بالخيرات هو الإمام.

بصائر الدرجات/44:

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن ابن مسكان، عن ميسر، عن سورة بن كليب، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية، قال: السابق بالخيرات الإمام فهي في ولد علي وفاطمة (عليهم السلام).

شرح الأخبار:2/505:

حماد بن عيسي بإسناده، عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام أنه سئل عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ. قال: فينا أنزلت أورث الله عز وجل الكتاب الأئمة منا، وقوله: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ يعني منهم من لا يعرف إمام زمانه ولا يأتم به فهو ظالم لنفسه بذلك، وقوله: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، يعني من هو منهم في النسب ممن عرف إمام زمانه وائتم به واتبعه فاقتصد سبيل ربه بذلك، والسابق بالخيرات هو الإمام منا.

شرح الأخبار:3/472:

الرازي قال: قال أبو جعفر محمد بن علي عليه السلام: ما يقول من قبلكم في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا...؟ قال قلت يقولون: نزلت في أهل القبلة. قال: كلهم؟! قلت كلهم. قال فينبغي أن يكونوا قد غفر لهم كلهم؟! قلت: يابن رسول الله فيمن نزلت؟ قال: فينا. قلت: فما لشيعتكم؟ قال: لمن اتقي وأصلح منهم الجنة، بنا يغفر

الله ذنوبهم، وبنا يقضي ديونهم، ونحن باب حطتهم كحطة بني إسرائيل.

الثاقب في المناقب/566:

وعنه قال: كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول الله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ؟ فقال عليه السلام: كلهم من آل محمد (عليهم السلام) الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام والسابق بالخيرات بإذن الله: الإمام.

البحار:23/218:

روي السيد ابن طاووس في كتاب سعد السعود من تفسير محمد بن العباس بن مروان قال: حدثنا علي بن عبدالله بن أسد، عن إبراهيم بن محمد، عن عثمان بن سعيد، عن إسحاق بن يزيد الفراء، عن غالب الهمداني، عن أبي إسحاق السبيعي قال: خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ.. الآية؟ فقال: ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق؟ يعني أهل الكوفة، قال: قلت يقولون إنها لهم، قال: فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة؟! قلت: فما تقول أنت جعلت فداك؟ فقال: هي لنا خاصة يا أبا إسحاق، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاء في التائبين وهو مغفور له.

يا أبا إسحاق بنا يفك الله عيوبكم، وبنا يحل الله رباق الذل من أعناقكم، وبنا يغفر الله ذنوبكم، وبنا يفتح الله وبنا يختم لا بكم، ونحن كهفكم كأصحاب الكهف، ونحن سفينتكم كسفينة نوح، ونحن باب حطتكم كباب حطة بني إسرائيل.

وقال ابن شعبة الحراني في تحف العقول/425:

لما حضر علي بن موسي (عليهما السلام)مجلس المأمون وقد اجتمع فيه جماعة علماء أهل العراق وخراسان.

فقال المأمون: أخبروني عن معني هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.. الآية؟

فقالت العلماء: أراد الله الأمة كلها.

فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟

فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما قالوا ولكن أقول: أراد الله تبارك وتعالي بذلك العترة الطاهرة (عليهم السلام).

فقال المأمون: وكيف عني العترة دون الأمة؟

فقال الرضا لنفسه: وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. ثم جعلهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا، فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم. ثم قال الرضا عليه السلام: هم الذين وصفهم الله في كتابه فقال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً، وهم الذين قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتي يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، يا أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة هم الال أو غير الال؟

فقال الرضا عليه السلام: هم الآل.

فقالت العلماء: فهذا رسول الله يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي، وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفيض (!!) الذي لا يمكن دفعه: آل محمد أمته!

فقال الرضا عليه السلام: أخبروني هل تحرم الصدقة علي آل محمد؟

قالوا: نعم.

قال عليه السلام: فتحرم علي الأمة؟

قالوا: لا.

قال عليه السلام: هذا فرق بين الآل وبين الأمة، ويحكم أين يذهب بكم أصرفتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون، أما علمتم أنما وقعت الرواية في الظاهر علي المصطفين المهتدين دون سائرهم!

قالوا: من أين قلت يا أبا الحسن؟

قال عليه السلام: من قول الله: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا

نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، فصارت وراثة النبوة والكتاب في المهتدين دون الفاسقين. أما علمتم أن نوحاً سأل ربه فقال: رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق، وذلك أن الله وعده أن ينجيه وأهله، فقال له ربه تبارك وتعالي: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.

فقال المأمون: فهل فضل الله العترة علي سائر الناس؟

فقال الرضا عليه السلام: إن الله العزيز الجبار فضل العترة علي سائر الناس في محكم كتابهُ.

قال المأمون: أين ذلك من كتاب الله؟

قال الرضا عليه السلام: في قوله تعالي إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَ نُوحًا وَ آلَ إِبْرَاهِيمَ وَ آلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وقال الله في موضع آخر: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، ثم رد المخاطبة في أثر هذا إلي سائر المؤمنين فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ يعني الذين أورثهم الكتاب والحكمة وحسدوا عليهما بقوله: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا، يعني الطاعة للمصطفين الطاهرين، والملك هاهنا الطاعة لهم.

قالت العلماء: هل فسر الله تعالي الاصطفاء في الكتاب؟

فقال الرضا عليه السلام: فسر الاصطفاء في الظاهر سوي الباطن في اثني عشر موضعاً. فأول ذلك قول الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وهذه منزلة رفيعة وفضل عظيم وشرف عال حين عني الله عز وجل بذلك الآل فهذه واحدة.

والآية الثانية في الإصطفاء قول الله:

إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً، وهذا الفضل الذي لا يجحده معاند، لأنه فضل بين.

والآية الثالثة، حين ميز الله الطاهرين من خلقه أمر نبيه في آية الإبتهال فقال: قل يا محمد تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله علي الكاذبين، فأبرز النبي صلي الله عليه وآله علياً والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)فقرن أنفسهم بنفسه. فهل تدرون ما معني قوله: وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ؟

قالت العلماء: عني به نفسه.

قال أبو الحسن عليه السلام: غلطتم، إنما عني به علياً عليه السلام، ومما يدل علي ذلك قول النبي صلي الله عليه وآله حين قال: لينتهين بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي، يعني علياً عليه السلام. فهذه خصوصية لا يتقدمها أحد، وفضل لا يختلف فيه بشر، وشرف لا يسبقه إليه خلق، إذ جعل نفس علي عليه السلام كنفسه، فهذه الثالثة.

وأما الرابعة: فإخراجه الناس من مسجده ما خلا العترة، حين تكلم الناس في ذلك وتكلم العباس فقال: يارسول الله تركت علياً وأخرجتنا! فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما أنا تركته وأخرجتكم، ولكن الله تركه وأخرجكم. وفي هذا بيان قوله لعلي عليه السلام: أنت مني بمنزلة هارون من موسي.

قالت العلماء: فأين هذا من القرآن؟

قال أبوالحسن عليه السلام: أوجدكم في ذلك قرآناً أقرؤه عليكم.

قالوا: هات.

قال عليه السلام: قول الله عز وجل: وَأَوْحَيْنَا إلي مُوسَي وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً، ففي هذه الآية منزلة هارون من موسي، وفيها أيضاً منزلة علي عليه السلام عن رسول الله صلي الله عليه وآله. ومع هذا دليل ظاهر في قول رسول الله صلي الله عليه

وآله حين قال: إن هذا المسجد لا يحل لجنب ولا لحائض إلا لمحمد وآل محمد صلي الله عليه وآله

فقالت العلماء: هذا الشرح وهذا البيان لا يوجد إلا عندكم معشر أهل بيت رسول الله!

قال أبو الحسن عليه السلام: ومن ينكر لنا ذلك؟! ورسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد مدينة العلم فليأتها من بابها، ففيما أوضحنا وشرحنا من الفضل والشرف والتقدمة والإصطفاء والطهارة ما لا ينكره إلا معاند، ولله عز وجل الحمد علي ذلك. فهذه الرابعة.

وأما الخامسة، فقول الله عزوجل: وآت ذا القربي حقه، خصوصية خصهم الله العزيز الجبار بها، واصطفاهم علي الأمة، فلما نزلت هذه الآية علي رسول الله صلي الله عليه وآله قال: أدعوا لي فاطمة فدعوها له فقال: يا فاطمة، قالت: لبيك يا رسول الله، فقال: إن فدكاً لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب، وهي لي خاصة دون المسلمين. وقد جعلتها لك لما أمرني الله به فخذيها لك ولولدك فهذه الخامسة.

وأما السادسة: فقول الله عز وجل: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي فهذه خصوصية للنبي صلي الله عليه وآله دون الأنبياء، وخصوصية للآل دون غيرهم. وذلك أن الله حكي عن الأنبياء في ذكر نوح عليه السلام: وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَي اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ، وحكي عن هود عليه السلام قال: لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلا عَلَي الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ، وقال لنبيه صلي الله عليه وآله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي.

ولم يفرض الله مودتهم إلا وقد علم

أنهم لا يرتدون عن الدين أبداً ولا يرجعون إلي ضلالة أبداً... إلي آخر الحديث.

ورواه في بشارة المصطفي/228 وفي بحار الأنوار:25/220

نظرية فداء المسلمين باليهود والنصاري

روي مسلم في:8/104:

عن أبي موسي الأشعري قال: قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة دفع الله عز وجل إلي كل مسلم يهودياً أو نصرانياً فيقول هذا فكاكك من النار!! ورواه ابن ماجة:2/1434 عن أنس وزاد في أوله (إن هذه الأمة مرحومة عذابها بأيديها) وقال في هامشه: في الزوائد: له شاهد في صحيح مسلم من حديث أبي بردة بن أبي موسي عن أبيه. وقد أعلَّه البخاري.

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/251:

وأخرج ابن أبي حاتم والطبراني عن عوف بن مالك عن رسول الله (ص): أمتي ثلاثة أثلاث، فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يمحصون ويكسفون، ثم تأتي الملائكة فيقولون وجدناهم يقولون لا إله إلا الله وحده فيقول الله: أدخلوهم الجنة بقولهم لا إله إلا الله وحده واحملوا خطاياهم علي أهل التكذيب، وهي التي قال الله: وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم وتصديقاً في التي ذكر الملائكة قال الله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ، فهذا الذي يكسف ويمحص، ومنهم مقتصد وهو الذي يحاسب حساباً يسيراً، ومنهم سابق بالخيرات فهو الذي يلج الجنة بغير حساب ولا عذاب بإذن الله، يدخلونها جميعاً لم يفرق بينهم، يحلون فيها من أساور من ذهب إلي قوله لغوب. انتهي. ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد:7/95 وقال: رواه الطبراني وفيه سلامة بن رونج وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله ثقات.

وقال النبهاني في جامع الثناء علي الله/41:

روي الإمام أحمد، عن أبي موسي، عن النبي(ص)قال: يجمع الله الأمم

في صعيد واحد يوم القيامة، فإذا بدأ الله يصدع بين خلقه مثَّل لكل قوم ما كانوا يعبدون فيتبعونه حتي يقحموهم النار، ثم يأتينا ربنا عز وجل ونحن علي مكان رفيع فيقول: من أنتم؟ فنقول: نحن المسلمون، فيقول: ما تنتظرون؟ فنقول: ننتظر ربنا! فيقول: وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فنقول: نعم، فيقول كيف تعرفونه ولم تعرفوه؟ فنقول: نعم، إنه لا عدل له فيتجلي لنا ضاحكاً!! فيقول: أبشروا يا معشر الإسلام فإنه ليس منكم أحد إلا جعلت في النار يهودياً أو نصرانياً مكانه!! انتهي

وما ذكره النبهاني رواه أحمد في:4/407 و 408 ورواه أيضاً في: 4/391 وص 398 وص 402 وص 410 بروايات متعددة، وفي كنز العمال:1/73 وص 86 وج 12/159 وص 170-172 وج 4/149 عن مصادر متعددة.

وما تدعيه هذه الروايات من رفع جرائم أحد ووضعها علي ظهر أحد لا علاقة له بجرمه.. أمرٌ لا يقبله دينٌ ولا عقل، ويرده قوله تعالي (لا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَي).

أما الذين قال الله تعالي إنهم يحملون أثقالاً مع أثقالهم، فإنهم الُمضِلُّون الذين يحملون من أثقال الذين أضلوهم، لأنهم شركاء في كفرهم ومعاصيهم، ثم لا ينقص من أثقال الضالين شي، لا أن جرائمهم تسقط كما تدعي هذه الرواية!!

والظاهر أن هذه المقولات ردةُ فعل من بعض المسلمين علي زعم اليهود بأنهم لا تمسهم النار إلا أياماً معدودة ثم يخلفهم فيها المسلمون، كما تقدم في فصل الشفاعة عند اليهود! فاخترع لهم أبو موسي الأشعري أو غيره نظرية فداء المسلم من النار بيهودي أو نصراني! كما يفعل المجرم الشاطر فيفدي نفسه من مشكلة تحصل له في الدنيا بأن يجعلها في رقبة غيره زوراً وبهتاناً!!

اسقاط المحرمات عن أهل بدر

قال البخاري في صحيحه:5/10:

عن علي (رض)

قال: بعثني رسول الله(ص)وأبا مرثد والزبير وكلنا فارس قال: إنطلقوا حتي تأتوا روضة خاخ فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلي المشركين، فأدركناها تسير علي بعير لها حيث قال رسول الله(ص)، فقلنا: الكتاب! فقالت: ما معنا كتاب! فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتاباً، فقلنا: ما كذب رسول الله(ص)، لتخرجن الكتاب أو لنجردنك، فلما رأت الجد أهوت إلي حجزتها وهي محتجزة بكساء فأخرجته، فانطلقنا بها إلي رسول الله(ص)فقال عمر: يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلا ضرب عنقه، فقال النبي (ص): ماحملك علي ما صنعت؟ قال حاطب: والله مابي أن لا أكون مؤمناً بالله ورسوله(ص)أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله. فقال: صدق، ولا تقولوا له إلا خيراً، فقال عمر: إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلاضرب عنقه، فقال: أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو فقد غفرت لكم. فدمعت عينا عمر وقال: الله ورسوله أعلم. انتهي.

ورواه مسلم في صحيحه:7/168 وقال (وليس في حديث أبي بكر وزهير ذكر الآية وجعلها إسحاق في روايته من تلاوة سفيان).

ورواه أبو داود في سننه:1/597 وج 2/403 والترمذي:5/83 والحاكم:3/134 وص 301 وج 4/77 والبيهقي في سننه:9/146 والدارمي في:2/313 ورواه أحمد في:1/80 وص 105وص 331 وج 2/109 وص 295... الخ.

ورواه البخاري أيضاً في مواضع عديدة أخري وجدنا منها سبعة: في:4/19 وقال بعده (قال سفيان وأي إسناد هذا!) وفي:4/39 وفي:5/89 وفي:6/60 وفيه (قال عمرو ونزلت فيه يا

أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي عدوكم. قال لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرو) وفي:7/134 وفي:8/55.

والموضعان الاخران روي البخاري فيهما طعناً علي علي عليه السلام قال في:4/38:

عن أبي عبد الرحمن وكان عثمانياً فقال لابن عطية وكان علوياً: إني لأعلم ما الذي جرأ صاحبك علي الدماء! سمعته يقول: بعثني النبي(ص)والزبير فقال إئتوا روضة كذا وتجدون بها امرأة أعطاها حاطب كتاباً... فقال: وما يدريك لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم! فهذا الذي جرأه. انتهي. وروي نحوه في:8/54.

ومن الواضح أن البخاري أعجبه قول أبي عبد الرحمان العثماني حتي رواه مرتين بدون تعليق!

وجوابه: أن علياً عليه السلام لم يكن يعتقد بهذه المقولة التي نسبوها إلي النبي صلي الله عليه وآله عن أهل بدر.. وأن حروبه الداخلية الثلاثة علي تأويل القرآن كانت بعهد معهود اليه من رسول الله صلي الله عليه وآله كما رواه البخاري نفسه وغيره!

بل ثبت عندنا أن كل مواقفه وأعماله كانت بعهد ووصية من النبي صلي الله عليه وآله.

وعلي فرض تسليمنا ما يراه البخاري، فالسؤال موجهٌ اليه: مادام الذي جرَّأَ علياً عليه السلام علي سفك دماء المسلمين بزعمك، أنه رفع القلم عن أهل بدر، وأن علياً عليه السلام معذورٌ لذلك!

فما هو عذر عدوه معاوية في خروجه علي الخليفة الشرعي وقتاله إياه وسفكه لدماء المسلمين؟

وما عذرك في الدفاع عن معاوية وتوثيقه والرواية عنه؟

إلا أن يكون البخاري قد عدَّ معاوية بدرياً لأنه شهدها مع أبيه أبي سفيان في صف المشركين!!

ومن أشرف المواقف السنية في هذا الموضوع موقف الحافظ ابن الجوزي، حيث رد مقولة المغفرة المطلقة لأهل بدر، وفسرها بأنها مغفرة مامضي من ذنوبهم

لا ما سيأتي، ثم رد علي رواية البخاري بقوله:

ثم دعنا من معني الحديث، كيف يحل لمسلم أن يظن في أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فعل ما لا يجوز اعتماداً منه علي أنه سيغفر له؟! حوشئ من هذا، وإنما قاتل بالدليل المضطر له إلي القتال، فكان علي الحق، ولا يختلف العلماء أن علياً لم يقاتل أحداً إلا والحق مع علي، كيف وقد قال رسول الله (ص): اللهم أدر الحق معه كيفما دار! فقد غلط أبو عبد الرحمن غلطاً قبيحاً، حمله عليه أنه كان عثمانياً! انتهي. (الصحيح في السيرة:5/141 عن صيد الخاطر/385)

وينبغي أن نشير أولاً إلي أن ما رووه من قول النبي صلي الله عليه وآله (لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم) معناه القطع بذلك وليس الإحتمال والرجاء.. فعلي هذا تعامل العلماء السنيون مع الحديث، وقد صرح بالقطع واليقين حديث آخر رواه الحاكم وصححه قال في المستدرك: 4 ص 77: عن أبي هريرة (رض) عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن الله تعالي اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ علي اليقين (إن الله اطلع عليهم فغفر لهم) إنما أخرجاه علي الظن وما يدريك لعل الله تعالي اطلع علي أهل بدر. انتهي.

وروي مفاده في دلائل النبوة للبيهقي:3/153 قال: عن جابر بن عبد الله: أن عبداً لحاطب بن بلتعة جاء إلي رسول الله يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار! فقال رسول الله (ص): جُذِبْت، لا يدخلها فإنه شهد بدراً والحديبية!. انتهي.

ولكن هذه الأحاديث الصحيحة عندهم

بمقاييس الجرح والتعديل وأحكامه يواجهها حكم العقل وآيات القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وآله القطعية المتفق عليها عند الجميع! إذ لا يمكن لعاقل أن يقبل أن الصحابة من أهل بدر أو كل الصحابة كما تقول روايات أخري..مبشرون بالجنة، وأعمالهم مغفورة مهما كانت، وولايتهم فريضة من الله تعالي علي المسلمين بعد ولاية الله تعالي وولاية رسوله صلي الله عليه وآله! وأن من لايتولاهم أو ينتقصهم فهو في النار محروم من الشفاعة والجنة ورائحة الجنة، وخارج عن ربقة الإسلام... إلي آخر الأحكام التي ذكروها للصحابة، وجعلوها جزء من شريعة الإسلام المقدسة، بل جزء من عقائده الاساسية!!

تقول لهم: يا إخواننا إن الصحابة أنفسهم قد سبَّ بعضهم بعضاً، وتبرأ بعضهم من بعضهم، وكفَّر بعضهم بعضاً، وقاتل بعضهم بعضا وقتل بعضهم بعضاً! فمن المحق ومن المبطل؟ ومن المظلوم ومن الظالم؟ ومن يستحق الشفاعة منهم ومن يستحق الحرمان؟

فيقولون: لا تخوضوا في موضوع الصحابة، فكلهم عدول وكلهم في الجنة!

تقول لهم: لقد علَّمنا النبي صلي الله عليه وآله أن نخوض في أمرهم، فقد ثبت في الصحاح أنه صلي الله عليه وآله أخبر بأن بعضهم يدخل النار وأنهم لا يرونه ولا يراهم في الآخرة، وأن بعضهم يردون عليه الحوض، فيذودهم عنه ويطردهم كما تطرد الأباعر الغريبة!!

فيقولون: لاتخوضوا في موضوع الصحابة، فكلهم عدول وكلهم في الجنة!

وترجمة كلامهم: أنك يجب عليك في موضوع الصحابة أن تعطل عقلك، وتعطل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلي الله عليه وآله حتي تحافظ علي إيمانك بالصحابة وتتمسك بهم!

ولكن التناقض لا فرق فيه بين صغير وكبير، فإذا قبلنا به لحل مشكلة الصحابة، فلنقبل به لحل مشكلة الأديان، ولنقل بصحة التثليث والتوحيد، والإيمان والكفر، والوثنية والإسلام..ولنحلَّ

به مشكلة إبليس ونقول إنه عدو الله وولي الله معاً!!

العقل يقول: إذا تناقض أمران أو شخصان في القول ولم يمكن الجمع بين قوليهما، فلا يمكن أن يكون كلا القولين حقاً، لأنه تناقض مستحيل.

وإذا تناقضا في الفعل واقتتلا فلا يمكن أن يكون كل منهما علي الحق، لأنه تناقض مستحيل.. ولا معني للقبول بالتناقض إلا تعطيل العقل والتنازل عن قوانين العلية والبدهيات! وإذا عطلنا العقل، فلا يبقي إيمان بالله ورسله وكتبه، ولا صحابة ولا مصحوبون!

إن ماننعاه علي اليهود والنصاري بأن عندهم عقائد لا يقبلها العقل، وأنهم يقبلون ما يناقض عقولهم من أجلها..يجب أن ننعاه علي أنفسنا، لاننا نزعم أن الله تعالي أمرنا بإطاعة صحابة نبينا المتناقضين في أقوالهم وأفعالهم، إلي حد كسر العظم وقطع الرقاب!

ولاننا نقرأ قول الله تعالي (ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَمًا لِرَجُلٍ..) ثم ندعي أن الله تعالي قد سلَّمَ أمة نبيه صلي الله عليه وآله من بعده إلي صحابة متشاكسين في الفقه والعقائد والسياسة إلي حد التناقض والتكفير والحرب!!

قال المفيد في الإفصاح/49:

فإن قال: أليس قد روي أصحاب الحديث عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: خير القرون القرن الذي أنا فيه، ثم الذين يلونه [1] .

وقال عليه السلام: إن الله تعالي اطلع علي أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم [2] وقال عليه السلام: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم [3] .

فكيف يصح مع هذه الأحاديث أن يقترف أصحابه السيئات أو يقيموا علي الذنوب والكبائر الموبقات؟!

قيل له: هذه أحاديث آحاد، وهي مضطربة الطرق والإسناد، والخلل ظاهر في معانيها والفساد، وما كان بهذه الصورة لم يعارض الإجماع، ولا يقابل حجج

الله تعالي وبيناته الواضحات، مع أنه قد عارضها من الأخبار التي جاءت بالصحيح من الإسناد، ورواها الثقات عند أصحاب الآثار، وأطبق علي نقلها الفريقان من الشيعة والناصبة علي الإتفاق، ما ضمن خلاف ما انطوت عليه فأبطلها علي البيان:

فمنها: ما روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتي لو دخلوا في جحر ضب لاتبعتموهم. فقالوا يا رسول الله اليهود والنصاري؟ قال: فمن إذن؟! [4] .

وقال صلي الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه: أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع آخرها أولها، الآخرة شر من الأولي [5] .

وقال صلي الله عليه وآله في حجة الوداع لاصحابه: ألا وإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب، ألا لأعرفنكم ترتدون بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إني قد شهدت وغبتم [6] .

وقال عليه السلام لأصحابه أيضاً: إنكم محشورون إلي الله تعالي يوم القيامة حفاة عراة، وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول: يا رب أصحابي؟ فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم [7] .

وقال عليه السلام: أيها الناس بينا أنا علي الحوض إذ مُرَّ بكم زمراً، فتفرق بكم الطرق فأناديكم: ألا هلموا إلي الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول:ألا سحقاً ألا سحقاً [8] .

وقال عليه السلام: ما بال أقوام يقولون: إن رحم رسول الله صلي الله عليه وآله لا تنفع يوم القيامة؟! بلي والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم

علي الحوض، فإذا جئتم قال الرجل منكم: يا رسول الله أنا فلان بن فلان، وقال الآخر: أنا فلان بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري [9] .

وقال عليه السلام وقد ذكر عنده الدجال: أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال [10] .

وقال عليه السلام: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني [11] .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلي برهان، علي أن كتاب الله عز وجل شاهدٌ بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفي في بيان ما وصفناه: قال الله سبحانه وتعالي: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّاللهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ، فأخبر تعالي عن ردتهم بعد نبيه صلي الله عليه وآله علي القطع والثبات، وقال جل اسمه: وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. فأنذرهم الله سبحانه من الفتنة في الدين، وأعلمهم أنها تشملهم علي العموم إلا من خرج بعصمة الله من الذنوب.

وقال سبحانه وتعالي: اَلَمِ. أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ. وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ. أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ. وهذا صريح في الخبر عن فتنتهم بعد النبي صلي الله عليه وآله بالإختبار، وتمييزهم بالأعمال.

وقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ.. إلي آخر الآية، دليل علي ما ذكرناه.

وقوله

تعالي: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللهُ أَضْغَانَهُمْ. يزيد ما شرحناه.

ولو ذهبنا إلي استقصاء ما في هذا الباب من آيات القرآن والأخبار عن رسول الله صلي الله عليه وآله لانتشر القول فيه، وطال به الكتاب.

وفي قول أنس بن مالك: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله المدينة فأضاء منها كل شئ، فلما مات عليه السلام أظلم منها كل شئ، وما نفضنا عن النبي صلي الله عليه وآله الأيدي ونحن في دفنه حتي أنكرنا قلوبنا. [12] شاهد عدل علي القوم بما بيناه.

مع أنا نقول لهذا السائل المتعلق بالأخبار الشواذ المتناقضة ما قدمنا حكايته وأثبتنا أن أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله الذين توهمت أنهم لا يقارفون الذنوب ولا يكتسبون السيئات، هم الذين حصروا عثمان بن عفان وشهدوا عليه بالردة عن الإسلام وخلعوه عن إمامة الأنام... إلي آخر كلامه المفيد رحمه الله.

[1] مسند أحمد 2: 228 سنن أبي داود 4: 214/4657 صحيح مسلم 4: 1962/210 وفيها: خير أمتي القرن.

[2] مسند أحمد 1: 80 و 2: 295 صحيح مسلم 4: 1941/161 صحيح البخاري 6: 363/383 سنن الدرامي 2: 313.

[3] لسان الميزان 2: 137 تفسير البحر المحيط 5: 528 أعلام الموقعين 2: 223 كنز العمال 1:199/1002 كشف الخفاء ومزيل الالباس 1/132. وانظر تلخيص الشافي 2: 246.

[4] مسند أحمد 2:511 سنن ابن ماجة 2:1322/3994 صحيح البخاري 4: 326/249.

[5] مسند أحمد 3: 489 مجمع الزوائد 9: 24 سنن ابن ماجة 2: 1310/3961.

[6] الجامع الصحيح للترمذي 4: 461/2159 و 486/2193 صحيح البخاري 7: 182 و8:285/14 و9:90/27 صحيح مسلم 3: 1305/29-31 سنن أبي داود 4: 221/4686 قطعة منه مسند

أحمد 1:230 سنن النسائي 7:127 قطعة منه سنن الدارمي 2:69 قطعة منه.

[7] صحيح البخاري 6: 108 صحيح مسلم 4: 2194/58 الجامع الصحيح للترمذي 4: 615/2423 سنن النسائي 4: 117.

[8] مسند أحمد 6: 297.

[9] مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه.

[10] كنز العمال 14: 322/28812.

[11] مسند أحمد 6: 307.

[12] الجامع الصحيح للترمذي 5: 588/3618 مسند أحمد بن حنبل 3: 221/268 سنن ابن ماجة 1: 522/1631. انتهي.

حرمان من سب الصحابة من الشفاعة

روي الديلمي في فردوس الأخبار:2/498 ح 3398:

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: شفاعتي مباحة إلا لمن سب أصحابي.

وفي:1/98 ح 196:

عن عبدالرحمن بن عوف أيضاً وفيه: فشفاعتي محرمة علي من شتم أصحابي. ورواه أبو نعيم في حلية الأولياء كما ذكر في كنز العمال: 14/398.

وروي الشيرازي في الالقاب وابن النجار كما ذكر كنز العمال: 14/635:

عن أم سلمة قالت قال رسول الله (ص): نعم الرجل أنا لشرار أمتي! فقال له رجل من مزينة: يا رسول الله أنت لشرارهم فكيف لخيارهم؟ قال: خيار أمتي يدخلون الجنة بأعمالهم، وشرار أمتي ينتظرون شفاعتي. ألا إنها مباحةٌ يوم القيامة لجميع أمتي إلا رجل ينتقص أصحابي! ونقله كاندهلوي في حياة الصحابةج 3/45.

ولا نقصد بنقد هذه الروايات الدفاع عن الذين يسبون بعض الصحابة، فالسب والشتم وكل أنواع البذاءة في المنطق لايمكن لعاقل أن يدافع عنها، بل لا يرتكبها عاقل في حالة سيطرة عقله علي منطقه، فضلاً عن الأتقياء الأبرار.

وإنما غرضنا بيان تهافت منطق هذه الأحاديث في منح الشفاعة والحرمان منها! فهذا المنطق يقول: يجوز للصحابي أن يحكم بفسق الصحابي الآخر أو كفره، وأن يسبه ويهينه ويضربه ويحبسه

ويشهر عليه سيفه ويقتله، أو يكيد به ويقتله بالسم أو بالاغتيال، ويجوز له أن يستعمل كل أساليب السياسة والمناورة والمخادعة ضده، وأن يجمع حوله الناس بالرشوة والتهديد.. وأن يخرج علي إمام زمانه ويسبب انشقاقاً في الأمة وحروبا يقتل فيها عشرات ألوف المسلمين، وأن يرتكب كل المحرمات.. ولا بأس بذلك كله، لأنه مغفورٌ له مشمولٌ بشفاعة رسول الله صلي الله عليه وآله أو مستحق للجنة بدون شفاعة!!

أما غير الصحابة من المسلمين فلو انتقد صحابياً ولو انتقاداً صغيراً.. فقد شمله مرسوم الحرمان النبوي من الشفاعة وصار مخلداً في النار!!

إنه منطق يستشكل في الحبة ويأكل القبة! ولا يمكن أن يكون مما أنزله الله تعالي علي رسوله صلي الله عليه وآله!

بل إن صيغة الحديث (لا تسبوا أصحابي) وأمثاله يصعب تعقل صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله لأن مخاطبيه هم أصحابه، فكيف يقول لهم: لا تسبوا أصحابي أو اقتدوا بأصحابي!

وأخيراً، فإن أحاديث فضل الصحابة ووجوب مودتهم وموالاتهم وحرمة بغضهم وانتقاصهم وانتقادهم..يصعب فهمها بل لا يمكن فهمها إلا بالمقارنة مع الآيات والأحاديث المشابهة الواردة في حق أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله مثل قوله تعالي: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي، وقوله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً... وأحاديث: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وأهل بيتي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم، ولا يؤمن أحدكم حتييحبهم لحبي، وعشرات غيرها متفق علي صدورها عن النبي صلي الله عليه وآله وقد ركز فيها الإسلام مكانة عترة النبي من بعده حتي أنه حرم عليهم الصرف من المصارف العامة وجعل لهم مالية خاصة هي الخمس!

والباحث المتتبع يجد أن

كل حديث قاله النبي صلي الله عليه وآله في أهل بيته.. نبت مقابله حديث في أصحابه! حتي أن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، نبت مقابله: أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة، وحديث إحفظوني في أهل بيتي نبت مقابله: إحفظوني في أصحابي..

وقانون الحرمان من الشفاعة لمن ينتقص الصحابة، ما هو إلا نبتةٌ قريشية مقابل قانون حرمان النواصب من الشفاعة الذي ثبت عند الجميع، كما سيأتي إن شاء الله تعالي.

الدخول إلي جهنم

لتحليل القسم الالهي بأن يملاه

روي البخاري في صحيحه:2/72:

عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص)قال: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار، إلا تحلة القسم. ورواه أيضاً في:7/224.

ورواه مسلم:8/39 وفيه (فتمسه النار) ورواه ابن ماجة:1/512 والنسائي:4/22 و25 بعدة روايات وفي بعضها: فتمسه النار.. والترمذي:2/262 وأحمد:2/240 وص 276 وص 473 وص 479 والبيهقي في سننه:4/67 وج 7/78 والهيثمي في مجمع الزوائد:1/163 وج 5/287 والهندي في كنز العمال:3/284 وص 293 وج 4/323 وج 10/216 والسيوطي في الدر المنثور:4/280 وفي عدد من رواياته: تمسه النار. وفي عدد آخر: يلج النار وفي أكثرها (تحلة القسم).

ورغم التفاوت في صيغ هذه الروايات إلا أنها تتفق علي أن هذا الوالد الذي تحمل ألم خسارة أولاده الثلاثة يستحق الجنة حتي لو كان مذنباً، لكن يجب علي هذا المسكين أن يدفع ضريبة يمين الله تعالي، ويدخل النار مدة قليلة تحلةً لقسم الله تعالي حتي لا يكون الله حانثاً بقسمه، ثم له من الله تعالي وَعْدُ شََرف أن ينقله إلي الجنة!!

فما هي قصة هذا القسم؟ وما ذنب هذا الوالد وغيره من المساكين الذين أدخلتهم صحاح السنيين في جهنم لا لشئ إلا لتحليل يمين الله تعالي!

حاولت بعض الروايات

أن تجعل القسم قوله تعالي (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَي رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا. ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا.) مريم: 70-71 وقالوا إن هذا القضاء الالهي الحتمي هو القسم وهو عام للجميع.

ولكنه تفسير من الرواة لأن الصحاح لم ترو حديثاً يفسر القسم بذلك!

قال البيهقي في سننه:10/64:

قال أبو عبيد: نري قوله تحلة القسم يعني قول الله تبارك وتعالي: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا كَانَ عَلَي رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا.، يقول فلا يردها إلا بقدر ما يبر الله قسمه فيه. وفيه: أنه أحل للرجل يحلف ليفعلن كذا وكذا ثم يفعل منه شيئاً دون شئ، يبري في يمينه. انتهي.

ولكن تفسيرهم هذا لا يصح:

أولاً، لما ذكره البيهقي من أنه يفتح الباب للناس للتلاعب بأيمانهم، ولا تبقي قيمة ليمين! فإذا كان الله تعالي يستعمل الحيلة الشرعية للتحلل من يمينه ويسميها (تحلة القسم) فلا حرج علي عباده أن يلعبوا بأيمانهم!!

وثانياً، لا يوجد في آية الورود قسم، بينما ورد في كل روايات الصحاح أن سبب دخول هذا الاب (تحلَّةَ القسم).

وثالثاً، إن المؤمنين الذين يردون جهنم ويشرفون عليها في طريق عبورهم إلي الجنة لا تمسهم نارها، بينما ورد في عدد من صيغ الحديث التعبير بتمسه النار تحلة القسم.

ورابعاً، أن الورود المذكور في الآية أمرٌ عامٌ شاملٌ، وليس من البلاغة استثناء هذا الوالد من استحقاق الجنة، مع أن حال في الورود حال غيره!!

وخامساً، ورد في صيغة البخاري وغيره تعبير بالولوج وهو الدخول المحقق في النار، بينما الورود أعم من الدخول في النار والاشراف عليها عند المرور علي الصراط.

قال في تفسير التبيان:7/143:

واختلفوا في كيفية ورودهم اليها فقال قوم وهو الصحيح: إن ورودهم هو

وصولهم إليها وإشرافهم عليها من غير دخول منهم فيها، لأن الورود في اللغة هو الوصول إلي المكان، وأصله ورود الماء وهو خلاف الصدور عنه. ويقال: ورد الخبر بكذا تشبيهاً بذلك.

ويدل علي أن الورود هو الوصول إلي الشئ من غير دخول فيه قوله تعالي: وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ، وأراد وصل اليه. وقال زهير:

فلما وردنَ الماء زرقاً جمامَه وضعنَ عِصِيَّ الحاضرِ المتخيمِ

وقال قتادة وعبدالله بن مسعود: ورودهم إليها هو ممرهم عليها.

وقال عكرمة: يردها الكافر دون المؤمن، فخص الآية بالكافرين.

وقال قوم شذاذ: ورودهم إليها دخولهم فيها ولو تحلة القسم. روي ذلك عن ابن عباس وكان من دعائه: اللهم أزحني من النار سالماً وأدخلني الجنة غانماً. وهذا الوجه بعيد، لأن الله قال: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَي أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ.، فبين تعالي أن من سبقت له الحسني من الله يكون بعيداً من النار، فيكف يكون مبعداً منها مع أنه يدخلها وذلك متناقض. فإذاً المعني بورودهم: إشرافهم عليها ووصولهم إليها. انتهي.

وعلي هذا يتعين أن يكون المقصود بتحلة القسم في هذه الأحاديث المزعومة: قسمه تعالي بأن يملا جهنم من الجنة والناس، في قوله تعالي: وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لامْلانَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. هود: 118-119

ويكون معني الحديث: أن هذا الوالد يستحق الجنة، ولكن بما أن الله تعالي أقسم أن يملأ النار، وليس عنده ما يكفي لملئها، فإن علي هذا الوالد المسكين أن يدفع الضريبة من جلده!!

إن منطق هذا الحديث يصور الله تعالي كأنه حاكم دنيوي بني سجناً وأقسم أن يملاه من المجرمين، وعندما وجد أن السجن

كبيرٌ لم يمتلي بالمجرمين الموجودين، أمر شرطته أن يقبضوا علي الناس من الشارع ويضعوهم في السجن حتي يملاوه ويفي حضرة الحاكم بيمينه، ولا يكون كاذباً!وهو تصورٌ نجده عن الله تعالي في التوراة ولا نجده في القرآن.. الأمر الذي يجعلنا نطمئن بأن فكرة إدخال الناس إلي النار لتحلة القسم فكرة توراتية أخذها المسلمون من اليهود، ففي تفسير كنز الدقائق:2/47، جاء في رد مقولات اليهود التي منها (أنه تعالي وعد يعقوب أن لا يعذب أولاده إلا تحلة القسم)!!

ولكن أين هذا المنطق من قوانين الحق والعدل الالهي التي أقام الله تعالي عليها الكون والحياة، وأنزلها في كتابه وأوحي بها إلي رسوله صلي الله عليه وآله فخضع لها العلماء والفلاسفة والمفكرون!

حرمان من الشفاعة بسبب صبغ الشعر

يمكن للباحث أن يتفهم أحاديث الحرمان من الشفاعة لمن ينتقد الصحابة، ويفسرها بأنها محاولة لتسكيت المسلمين عن الصحابي الحاكم وجماعته. ولكن بعض الحرمانات الواردة في الصحاح لا يستطيع أن يفهم لها علة ولا معني، إلا بعد جهد جهيد، مثل حرمانهم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد من الشفاعة والجنة!

فقد روت ذلك الصحاح كما في النسائي:8/138 قال: عن ابن عباس رفعه أنه قال قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. انتهي.

ورواه أبو داود في:2/291

وأحمد في:1/273

والبيهقي في سننه:7/311

وروي الهيثمي في مجمع الزوائد:5/163 روايةً شديدةً علي المجرم الذي يصبغ شعره ولحيته بالسواد، وقال إنها موثقة عند ابن حنبل وابن معين وابن حبان قال: عن أبي الدرداء قال قال رسول الله(ص): من خضب بالسواد سوَّد الله وجهه يوم القيامة. رواه الطبراني وفيه الوضين بن عطاء وثقه أحمد وابن معين وابن حبان، وضعفه من هو دونهم في المنزلة وبقية رجاله ثقات. انتهي.

وقد تحير في ذلك بعض أصحاب الصحاح.. ومن حقهم أن يتحيروا.. فمع أنهم عاشوا في القرن الثالث ولم يشهدوا القرن الأول ولا الثاني، ولكن عهدهم كان قريباً نسبياً، والمسألة واضحةٌ وضوح اللحي! ومع ذلك وصلت اليهم أحاديث متناقضة فيها! فمنها أحاديث تقول إن النبي صلي الله عليه وآله أمر بتغيير الشيب ومخالفة اليهود الذين يحرمون صبغ الشيب، وأحاديث تقول إنه أمر بصبغه بالحناء، أي باللون الاحمر الذي تصبغ به العرب ونهي عن السواد لأنه خضاب الكفار! وأخري تقول إنه أمر بالسواد، وأخري تقول بالكتم والوسم الأصفر...!

واختلفت رواياتهم في أن النبي صلي الله عليه وآله هل صبع شيبه أم لا، فروايةٌ تقول إنه صبغه بالحناء، ولكنهم رجحوا أخري تقول لم يدركه الشيب إلا شعرات قليلة ولم يصبغها.

قال مسلم في صحيحه: 7/84 و85: قال سئل أنس بن مالك عن خضاب النبي(ص)فقال: لو شئت أن أعد شمطات كن في رأسه فعلت وقال: لم يختضب وقد اختضب أبو بكر بالحناء والكتم واختضب عمر بالحناء بحتا. انتهي.

وقد روي الجميع خضاب أبي بكر وعمر بالحناء والكتم كما في مسند أحمد: 3/100 وج 3/108 وص 160 وص 178.

ولكن تحير أصحاب الصحاح كان علي مستوي الرواية فقط، أما الرأي السائدالمتبع عندهم فهو النهي المشدد عن الخضاب بالسواد، لأنه رأي الدولة من زمن أبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية..إلي آحر الخلافة الأموية!

ولذا جعل النسائي عنوان المسألة: النهي عن الخضاب بالسواد وقال في:8/38

عن ابن عباس رفعه أنه قال: قوم يخضبون بهذا السواد آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة.

عن أبي الزبير عن جابر قال أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة، ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله (ص):

غيروا هذا بشئ واجتنبوا السواد... ثم قال النسائي: والناس في ذلك مختلفون، والله تعالي أعلم، لعل المراد الخالص، وفيه أن الخضاب بالسواد حرامٌ أو مكروهٌ، وللعلماء فيه كلام، وقد مال بعض إلي جوازه للغزاة، ليكون أهيب في عين العدو، والله تعالي أعلم.

أما الفقهاء فقد قننوا المسألة وأعطوها صيغتها الشرعية، وأجمعوا علي ذم الحضاب بالسواد، ذمَّ تحريم، وربما وجد فيهم نادرٌ يقول بأنه ذم تنزيه!

قال النووي في المجموع:1/294:

(فرع) اتفقوا علي ذم خضاب الرأس أو اللحية بالسواد، ثم قال الغزالي في الأحياء والبغوي في التهذيب وآخرون من الأصحاب هو مكروه، وظاهر عباراتهم أنه كراهة تنزيه، والصحيح بل الصواب أنه حرام. وممن صرح بتحريمه صاحب الحاوي في باب الصلاة بالنجاسة، قال إلا أن يكون في الجهاد، وقال في آخر كتابه الأحكام السلطانية: يمنع المحتسب الناس من خضاب الشيب بالسواد إلا المجاهد.

ودليل تحريمه حديث جابر (رض) قال: أتي بأبي قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنهما يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضاً، فقال رسول الله (ص): غيروا هذا واجتنبوا السواد. رواه مسلم في صحيحه، والثغامة بفتح الثاء المثلثة وتخفيف الغين المعجمة نبات له ثمر أبيض. وعن ابن عباس (رض) قال: قال رسول الله (ص): يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة. رواه أبو داود والنسائي وغيرهما، ولا فرق في المنع من الخضاب بالسواد بين الرجل والمرأة، هذا مذهبنا. انتهي.

وقال ابن قدامة في المغني:1/76:

وعن الحكم بن عمر الغفاري قال: دخلت أنا وأخي رافع علي أمير المؤمنين عمر وأنا مخضوب بالحناء وأخي مخضوب بالصفرة، فقال عمر بن الخطاب: هذا خضاب الإسلام، وقال لاخي رافع: هذا خضاب الإيمان.

ويكره (وكره) الخضاب بالسواد. قيل لابي عبدالله تكره الخضاب بالسواد قال إي والله...! انتهي.

وروي الحاكم قصة أخري مشابهة وجعل رأي الخليفة عمر حديثاً مسنداً قال في المستدرك:3/526 قال:

دخل عبدالله بن عمر علي عبدالله بن عمرو وقد سوَّدَ لحيته، فقال عبدالله بن عمر: السلام عليك أيها الشويب! فقال له ابن عمرو: أما تعرفني يا أبا عبدالرحمن؟ قال بلي أعرفك شيخاً فأنت اليوم شاب! إني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: الصفرة خضاب المؤمن، والحمرة خضاب المسلم، والسواد خضاب الكافر. انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد:5/163: رواه الطبراني وفيه من لم أعرفه. انتهي.

- وقد سئل الشيخ ابن باز في كما في فتاويه:4/58 طبعة مكتبة المعارف بالرياض:

- مامدي صحة الأحاديث التي وردت في صبغ اللحية بالسواد، فقد انتشر صبغ اللحية بالسواد عند كثير ممن ينتسبون إلي العلم؟

فقال في جوابه: في هذا الباب أحاديث صحيحة كثيرة، وذكر حديث حواصل الحمام، وقال بعده: وهذا وعيدٌ شديد، وفي ذلك أحاديث أخري، كلها تدل علي تحريم الخضاب بالسواد، وعلي شرعية الخضاب بغيره. انتهي.

والمتتبع لنصوص المسألة يصل إلي قناعة بأن مرسوم الحرمان من الجنة مرسومٌ قرشي..وسببه أن العرب ومنهم قريش كانوا يصبغون شيبهم بالحناء الذي يأتيهم من الهند، وبعضهم يصبغونه بالورس والزعفران الذي يأتيهم من اليمن وإيران (لاحظ مغني ابن قدامة:1/76).

وأول من خضب بالسواد من العرب عبد المطلب كما نص السهيلي في الروض الانف:1/7 ونقله عنه النووي في المجموع:18/254.

ولا يبعد أنه صار بعد عبد المطلب رمزاً لبني هاشم. وسيأتي أن الإسلام أقر عدة تشريعات سنَّها عبد المطلب بإلهام من الله تعالي مثل: الطواف سبعاً، والدية، ومنها سنَّة الخضاب بالوسم.

ماذا يصنع رواة الخلافة القرشية بهذه الأحاديث

تدل الأحاديث من

مصادر الجميع علي أن الإسلام أقر سنَّة عبد المطلب في صبغ الشيب بالسواد فقد روي ابن ماجة في سننه:2/1197 عن صهيب قال: قال رسول الله (ص): إن أحسن ما اختضبتم به لَهَذَا السواد، أرغب لنسائكم فيكم، وأهيب لكم في صدور عدوكم. انتهي.

وقالوا بعده: هذا الحديث معارض لحديث النهي عن السواد، وهو أقوي إسناداً وأيضاً النهي يقدم عند المعارضة، وفي الزوائد: إسناده حسن. انتهي.

وإذا صح ما ذكره رواة قريش من أن النهي دائماً أقوي من الرخصة، وأن الخضاب بالسواد حرام وصاحبه لا يشم رائحة الجنة! فهل يلتزمون بأن الإمام الحسين عليه السلام سيد شباب أهل الجنة لا يشم رائحتها!

فقد روي البخاري في صحيحه:4/216:

عن أنس بن مالك (رض): أتي عبيد الله بن زياد برأس الحسين بن علي فجعل في طست فجعل ينكته وقال في حسنه شيئاً فقال أنس: كان أشبههم برسول الله(ص)وكان مخضوباً بالوسمة! انتهي. والوسمة هي السواد.

وفي مجمع الزوائد:5/162:

عن محمد بن علي أنه رأي الحسن بن علي (رض) مخضوباً بالسواد علي فرس ذنوب. رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، خلا محمد بن إسماعيل بن رجاء وهو ثقة. وعن سليم قال: رأيت جرير بن عبدالله يخضب رأسه ولحيته بالسواد. رواه الطبراني وسليم والراوي عنه لم أعرفهما.

وعن محمد بن علي أن الحسين بن علي (رض) كان يخضب بالسواد. رواه الطبراني ورجاله رجال الذي قبله، وقد روي عنهما من طرق وهذه أصحها ورجالها رجال الصحيح.

وعن عبد الرحمن بن بزرج قال: رأيت الحسن والحسين ابني فاطمة يخضبان بالسواد، وكان الحسين يدع العنفقة. رواه الطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات.

وعن عبدالله بن أبي زهير قال: رأيت الحسين بن

علي يخضب بالوسمة. رواه الطبراني وعبد الله بن أبي زهير لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. انتهي.

وجرير بن عبدالله المذكور هو البجلي من كبار أصحاب علي عليه السلام ومن قادة جيشه وقد حمل عدداً من رسائله إلي معاوية.

فيتضح من ذلك أن أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم كانوا يخضبون شيبهم بالسواد. وأن النهي عن السواد نهي قرشئ لا نبوي، وغرضه إبعاد الناس عن التشبه ببني هاشم المعارضين للدولة!

بل ماذا يصنع الشيخ ابن باز بإمامه الزهري الذي روي عنه البخاري نحو 1200 رواية في صحيحه، فقد كان-بعد أن خفَّت حدة المسألة في القرن الثاني-يصبغ شيبه بالسواد، ويقول إن النبي أمر بتغيير الشيب ولم يحدد لون الصبغ!

قال أحمد في مسنده:2/309:

قال رسول الله (ص): إن اليهود والنصاري لا يصبعون فخالفوهم. قال عبد الرزاق في حديثه: قال الزهري: والأمر بالاصباغ، فأحلكها أحب الينا. قال معمر: وكان الزهري يخضب بالسواد. انتهي.

رأي أهل البيت

روي الكليني في الكافي:6/481:

عن: أحمد بن محمد، عن سعيد بن جناح، عن أبي خالد الزيدي، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: دخل قوم علي الحسين بن علي صلوات الله عليهما فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك، فمد يده إلي لحيته ثم قال: أمر رسول الله صلي الله عليه وآله في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد، ليقووا به علي المشركين.

وفي الكافي:6/483:

عدة من أصحابنا، عن أحمد بن أبي عبدالله، عن عدة من أصحابه، عن علي بن أسباط، عن عمه يعقوب بن سالم قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: قتل الحسين صلوات الله عليه وهو مختضب بالوسمة.

وفي الكافي:6/480:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن مسكين بن

أبي الحكم، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وآله فنظر إلي الشيب في لحيته فقال النبي صلي الله عليه وآله: نورٌ، ثم قال: من شاب شيبةً في الإسلام كانت له نوراً يوم القيامة. قال فخضب الرجل بالحناء ثم جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله فلما رأي الخضاب قال: نورٌ وإسلامٌ، فخضب الرجل بالسواد، فقال النبي صلي الله عليه وآله: نورٌ وإسلامٌ وإيمانٌ، ومحبةٌ إلي نسائكم، ورهبةٌ في قلوب عدوكم.

وفي الكافي:6/480:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن الحسن بن الجهم قال: دخلت علي أبي الحسن (الرضا) عليه السلام وقد اختضب بالسواد فقلت: أراك قد اختضبت بالسواد؟ فقال: إن في الخضاب أجراً، والخضاب والتهيئة مما يزيد الله عز وجل في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن لهن التهيئة!

وفي من لا يحضره الفقيه:1/122:

قال الصادق عليه السلام: الخضاب بالسواد أنسٌ للنساء، ومهابةٌ للعدو.

وفي وسائل الشيعة:1/403:

محمد بن الحسين الرضي الموسوي في نهج البلاغة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: غيروا الشيب، ولا تشبهوا باليهود فقال: إنما قال ذلك والدين قلٌّ، وأما الآن وقد اتسع نطاقه، وضرب بجرانه فامرؤٌ وما اختار. انتهي.

ويفهم من هذا الحديث أن الأمر بتغيير الشيب ليس للوجوب، بل هو لإثبات الرخصة في مورد توهم الحظر والتحريم، كما يعتقد اليهود.

خلاصة المسألة

والخلاصة: أن الخضاب بالسواد سنة لعبد المطلب رضوان الله عليه، خالف فيها اليهود، وخالف فيها الخضاب بالأحمر والأصفر المستعمل عند العرب، وقد أقر الإسلام هذه السنة وجعلها مستحبة، ولم يحرم الخضاب بغيرها. بل لم يوجب

في الأصل تغيير لون الشيب، وإنما جعله مستحباً في بعض الحالات.

ولكن دخلت قريش علي الخط لتمسكها من جهة بالخضاب الأحمر والاصفر، وحساسيتها من جهة أخري من عبد المطلب وأولاده الذين لم يعترفوا بخلافتها.. فنتج عن ذلك تحريم الخضاب بالسواد، وحرمان صاحبه من الجنة والشفاعة، وتسويد وجهه يوم القيامة!!

ولكن العباسيين أولاد عبد المطلب ثأروا لخضاب جدهم، فجعلوا راياتهم سوداء حتي سماهم الناس (المُسَوِّدَة) وبعد انتصارهم فرضوا لبس السواد علي جميع المسلمين، خاصة أتباع الدولة، وجعلوه شعاراً لهم! فكان ذلك إفراطاً في الانتصار لخضاب عبد المطلب!

لذلك رأينا أن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) نهوا عن لبس السواد إلا في الحرب، والحزن، خاصةً لمصاب الإمام الحسين عليه السلام، وفضلوا في الحالات العادية اللون الاخضر الذي كان يفضله النبي صلي الله عليه وآله.

وعندما أراد المأمون أن يتقرب إلي الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)ويغيض العباسيين الذين خلعوه، نقل ولاية العهد من العباسيين وأوصي بها للإمام علي بن موسي الرضا عليه السلام وأمر بتغيير اللباس الاسود في الدولة إلي اللباس الأخضر.. وبذلك استقر اللون الاخضر شعاراً لبني هاشم، ثم شعاراً للعرب، والحمد لله.

وأخيراً لا يفوتنا أن نشير إلي حديث الرايات السود الثابت عن النبي صلي الله عليه وآله في علامات ولده المهدي الموعود عليه السلام وأن العباسيين حرصوا علي مصادرته وتطبيقه علي راياتهم وثورتهم، وسموا أحد خلفائهم بالمهدي، وأشهدوا كبار قضاتهم وفقهائهم علي أنه المهدي الموعود المبشر به من رسول الله صلي الله عليه وآله.

ولكن المهدي العباسي لم يملا الأرض قسطاً وعدلاً، ولم يعط المال للناس حثياً بدون عدٍّ كما ورد في صفات المهدي عليه السلام.

فقد ورد في سيرة هذا المهدي العباسي

أن قصره كان خالياً من التقوي والعدل، وأنه كان يصادر أموال الناس أحياناً حثياً أو حثواً من غير عد!!

مرسوم بحرمان الزوجة التي تطلب الطلاق

ومن مراسيم الصحاح في الحرمان من الشفاعة مرسومٌ مفيدٌ للرجال في حق الزوجة التي تطلب الطلاق من زوجها بدون سبب..

ففي سنن ابن ماجة:1/662:

عن ابن عباس أن النبي(ص)قال: لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة. وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً.

ورواه الترمذي في:2/29 3

وأبو داود:1/496

وأحمد:5/277 وص 283

والدارمي:2/162

والحاكم في:2/200

والبيهقي في سننه:7/316

والهندي في كنز العمال:16/382 وص 287 عن أحمد وأبي داود والترمذي وابن حبان وابن عساكر.

وفي بعض روايات الحديث: بدون عذر، والمقصود منه العذر القوي الذي يقبله المجتمع.

ولكنه تشديدٌ مبالغٌ فيه، فلا نعرف أحداً من الفقهاء يفتي بأن قولها لزوجها طلقني يعتبر جريمة تستحق عليها العقوبة الدنيوية أو الاخروية، فإن أصل الطلاق حلال وإن كان مكروهاً، وطلبها الطلاق في أصله حلال وقد يطرأ عليه ما يجعله مكروهاً أو منافياً للاخلاق، أو يجعله حراماً، أو واجباً.

وإذا حدث أن صار حراماً شرعاً، فلا يصير من المعاصي الكبائر التي يستحق صاحبها عقاب الدخول في جهنم، والحرمان من الجنة ومن شفاعة نبيه صلي الله عليه وآله!!

وقد حاول بعض الفقهاء أن يتخلصوا من الحديث بتضعيفه، وساعدهم علي ذلك أن الشيخين البخاري ومسلماً لم يروياه، فقد ذكروا بعد روايته في ابن ماجة أن الهيثمي في مجمع الزوائد ضَعَّف إسناده.. ولكن ذلك لا يحل المشكلة لأن الحاكم قال عنه في المستدرك: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وحاولوا محاولةً أخري أن يجعلوا الحديث في طلب الزوجة الطلاق الخلعي من زوجها بسبب كرهها له، فقد وضع

ابن ماجة الحديث تحت عنوان (باب كراهية الخلع للمرأة) ولكن واجههم قوله تعالي (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) حيث نصت الآية علي جواز افتداء المرأة نفسها من زوجها ببذل مهرها وطلب الطلاق الخلعي.. فاضطروا أن يحملوا الحديث علي طلبها الخلع بدون سبب ويجعلوه مكروهاً لا حراماً!

وهكذا فعل ابن قدامة في المغني:8/176:

قال شارحاً قول الماتن (ولو خالعته لغير ما ذكرنا كره لها ذلك ووقع الخلع):

والظاهر أنه أراد إذا خالعته لغير بغض وخشية من أن لا تقيم حدود الله، لأنه لو أراد الأول لقال كره له، فلما قال كره لها دل علي أنه أراد مخالعتها له والحال عامرة والأخلاق ملتئمة، فإنه يكره لها ذلك، فإن فعلت صح الخلع في قول أكثر أهل العلم منهم أبو حنيفة والثوري ومالك والأوزاعي والشافعي، ويحتمل كلام أحمد تحريمه فإنه قال: الخلع مثل حديث سهلة تكره الرجل فتعطيه المهر فهذا الخلع، وهذا يدل علي أنه لا يكون الخلع صحيحاً إلا في هذه الحال، وهذا قول ابن المنذر وداود.

وقال ابن المنذر: وروي معني ذلك عن ابن عباس وكثير من أهل العلم، وذلك لأن الله تعالي قال (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) فدل بمفهومه علي أن الجناح لا حق بهما إذا افتدت من غير خوف، ثم غلظ بالوعيد فقال (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وروي ثوبان قال: قال رسول الله(ص)(أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة) رواه أبوداود. وعن أبي هريرة عن النبي(ص)قال (المختلعات

والمنتزعات هن المنافقات) رواه أبو حفص ورواه أحمد في المسند وذكره محتجاً، به وهذا يدل علي تحريم المخالعة لغير حاجة، ولانه إضرار بها وبزوجها وإزالة لمصالح النكاح من غير حاجة، فحرم لقوله عليه السلام (لا ضرر ولا ضرار). واحتج من أجازه بقول الله سبحانه (فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَئٍْ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) انتهي.

ولكن كل ذكاء هؤلاء الفقهاء لا يحل مشكلة الحديث أيضاً:

أولاً، لأن الحديث في مجرد طلب الطلاق، وليس في بذل المهر وطلب الخلع، وقد اعترف بذلك ابن حزم قال في المحلي:10/236 حيث قال: قال أبو محمد (يعني نفسه): واحتج من ذهب إلي هذا (حرمة الخلع) بما حدثناه عبدالله بن ربيع نا محمد ابن اسحاق بن السليم نا ابن الاعرابي نا محمد بن إسماعيل الصائغ نا عفان بن مسلم نا حماد نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة.

وبما روينا من طريق أحمد بن شعيب نا إسحق بن ابراهيم - هو ابن راهويه - أنا المخزومي هو المغيرة بن سلمة - نا وهيب عن أيوب السختياني عن الحسن البصري عن أبي هريرة عن النبي(ص)أنه قال: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات. قال الحسن: لم أسمعه من أبي هريرة.

قال أبو محمد: فسقط بقول الحسن أن تحتج بذلك الخبر. وأما الخبر الأول فلا حجة فيه في المنع من الخلع لأنه إنما فيه الوعيد علي السائلة الطلاق من غير بأس وهكذا نقول. انتهي.

وثانياً، لو سلمنا أن الحديث في طلب الخلع، فلا بد لهم من القول بحرمته علي الزوجة

مطلقاً بسبب صيغة التشديد المؤكدة فيه، وذلك مخالف لقوله تعالي (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا).

ولذلك اضطروا إلي التنازل كما رأيت إلي القول بالكراهة فقط!

ومعناه أنهم اضطروا أن يبطلوا مرسوم الحديث بحرمان هذه الزوجة من رائحة الجنة ورائحة الشفاعة! ولكنه إبطالٌ له بصيغة الإستدلال به، والاحترام له!!

ولم يتسع لنا الوقت لبحث فتوي اليهود في هذه المسألة، ومن المحتمل أن أصل حديثها من الإسرائيليات التي تسربت إلي فقهنا!!

محاولة القرشيين حرمان بني هاشم من شفاعة النبي

توجد عدة مسائل تتعلق بأسرة النبي صلي الله عليه وآله بني عبد المطلب وبني هاشم.

المسألة الأولي، في إيمان آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وآله: ومذهبنا أن كل آباء النبي وأمهاته مؤمنون طاهرون مطهرون، من آدم وحواء إلي عبد الله وآمنة، صلوات الله عليه وعليهم. وقد روينا في ذلك أحاديث صحيحة ودلت عليه آيات كريمة، ووافقنا علي هذا الرأي عدد من علماء إخواننا السنة مثل الفخر الرازي والسيوطي وغيرهما، وألفوا في ذلك رسائل مستقلة.

بينما قال أكثر السنة إن آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وآله كفار مشركون، وأنهم في النار، ورووا في ذلك روايات هي عندهم صحيحة! منها رواية خشنة رواها مسلم في:1/133: أن رجلاً قال يا رسول الله أين أبي؟ قال في النار، فلما قفي دعاه فقال: إن أبي وأباك في النار!!

المسألة الثانية، في شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لبني هاشم وبني عبد المطلب، وهم ثلاثة أصناف: صنف مات قبل البعثة. وصنف أسلموا وهاجروا وجاهدوا مع النبي صلي الله عليه وآله. وصنف لم يذكر التاريخ أنهم أسلموا ولكنهم ناصروا النبي صلي الله عليه وآله في مواجهة قريش وتحملوا معه حصار الشعب ثلاث سنين، وهم كل من بقي من بني هاشم وبني عبد

المطلب ماعدا أبي لهب.

ومذهبنا أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله تشمل أول ما تشمل بني هاشم وبني عبد المطلب، من ارتضي الله منهم، وكلهم عندنا مرضي إلا من ثبت فيه عدم الإرتضاء وأنه من أهل النار مثل أبي لهب. وقد ثبت عندنا إسلام أبي طالب وإيمانه، وأنه كان يكتم إيمانه مثل مؤمن آل فرعون.

ومذهب إخواننا السنة في هذه المسألة متفاوت، ففي رواياتهم ما يوافقنا تقريباً، وفيها روايات تحاول حرمان كل بني هاشم من شفاعة النبي صلي الله عليه وآله!

المسألة الثالثة: في موقع علي عليه السلام وعترة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة من الشفاعة العظمي التي يعطاها صلي الله عليه وآله..ومذهبنا أن عترة النبي صلي الله عليه وآله الذين نصَّ عليهم بأسمائهم هم أوصياؤه وخلفاؤه الشرعيون وأئمة المسلمين وهداتهم بأمر الله تعالي، وأنهم خيرة البشر بعد النبي صلي الله عليه وعليهم، وهم معه يوم القيامة، وبأيديهم ينفذ الشفاعة المعطاة له من الله تعالي، ويفوضهم في كثير من الأمور.

وقد ثبت عندنا وروي السنيون أن لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر يجعله النبي صلي الله عليه وآله بيد علي عليه السلام كما كان صاحب لوائه في الدنيا.

وأن مقام الصديقة الزهراء عليها السلام في الشفاعة يوم القيامة مقام مميزٌ حتي من بين العترة.

أما السنيون فليس لهم مذهبٌ واحدٌ في مقام عترة النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة، بل حتي في مقام صحابته، لأن رواياتهم في ذلك متناقضة..فهم يريدون إعطاء الصحابة المرتبة الأولي بعد النبي صلي الله عليه وآله، ولكن النصوص الصحيحة عندهم في دخول بعض الصحابة النار، وفي المقام المميز للعترة الطاهرة، تأبي عليهم ذلك، فيقعون في حيص بيص!

حساسية قريش من أسرة النبي

من الواضح للمطلع علي السيرة أن الدافع الاساسي لتكذيب قبائل قريش بنبوة النبي صلي الله عليه وآله ورفضهم لها، كان دافعاً سياسياً، لانهم إذا آمنوا بنبوة ابن عبد المطلب بن هاشم، فقد اعترفوا بالقيادة لبني هاشم وصاروا أتباعاً لهم، وانتهي الأمر!

ولذلك كانوا شديدين في تكذيبهم، متحدين في موقفهم، شرسين في مواجهتهم، صريحين في إظهار تخوفهم..

وكان بعض قريش وغير قريش يفاوضون النبي صلي الله عليه وآله علي الإيمان بنبوته، بشرط أن يكون لهم (الأمر) من بعده..ولكن النبي صلي الله عليه وآله كان نبياً مبلغاً عن ربه تعالي، ولم يكن مساوماً علي الأمر من بعده.

لقد ظهرت هذه الحقيقة القرشية العميقة منذ إعلان النبي بعثته الشريفة ثم واجهته طوال نبوته، ولم تنته حتي بعد وفاته!

وهي حقيقةٌ ضخمةٌ لم تعطَ حقها من الدراسة، بسبب أن القرشيين بعد انتصار النبي صلي الله عليه وآله عليهم ودخولهم تحت حكمه كرهاً وطوعاً، جعلوا مواجهتهم معه من نوع الحرب الباردة، ثم ما أن توفي النبي صلي الله عليه وآله حتي أخذوا السلطة وأبعدوا أهل بيته وحاصروهم! وألقوا بثقلهم لصياغة السنة والسيرة والتاريخ لمصلحة قبائل قريش، وضد العترة الطاهرة!

وغرضنا هنا أن نعرض نماذج من حساسية قريش من أسرة النبي صلي الله عليه وآله، لكي نفهم تأثيرها علي رواياتهم في كفر آباء النبي صلي الله عليه وآله ورواياتهم في عدم انتفاع بني هاشم بقرابتهم من النبي صلي الله عليه وآله وشفاعته!

وهو باب خطيرٌ والدراسات فيه ممنوعةٌ، ولكن القليل منه يجعل الباحث يتوقف ملياً في قبول أي حديث سلبي عن أسرة النبي صلي الله عليه وآله جاءت روايته عن طريق القرشيين من غير أهل بيته!

حادثة خطيرة، عتمتها الصحاح

روي البخاري في:1/32: تحت

عنوان: باب الغضب في الموعظة والتعليم:

عن أبي بردة عن أبي موسي قال: سئل النبي(ص)عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب ثم قال للناس سلوني عما شئتم! قال رجل: من أبي؟ قال أبوك حذافة! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال أبوك سالم مولي شيبة! فلما رأي عمر ما في وجهه قال: يا رسول الله إنا نتوب إلي الله عز وجل!

باب من برك علي ركبتيه عند الإمام أو المحدث:

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله(ص)خرج فقام عبدالله بن حذافة فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، ثم أكثر أن يقول سلوني! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباًوبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)نبياً، فسكت! انتهي.

عندما تقرأ هذا النص تحس أنه ليس طبيعياً! فهو يقول: أكثروا عليه السؤال فغضب.. ثم قال: سلوني عما شئتم.. ثم أكثر أن يقول سلوني.. فسألوه هل هم أولاد شرعيون أو أولاد زنا!! فبرَّأ صحابياً وفضح آخر علي رؤوس الإشهاد، وشهد بأنه ابن زنا! ثم أصرَّ عليهم: سلوني سلوني سلوني..!! فقام عمر وأعلن التوبة فهدأ الموقف وسكت النبي صلي الله عليه وآله!!

فما هي القصة، وما سبب هذا الغضب والتحدي والفضح النبوي! والتوبة العمرية؟!

الذي يساعد الباحث هنا أن القصة وإن قطَّعتها الصحاح، لكنها روتها هي وغيرها بأكثر من عشرين نصاً..فيمكن للباحث أن يجمع منها خيوطاً كثيرة.

يقول مسلم في صحيحه لم يكن غضب النبي صلي الله عليه وآله لسؤال كما قال البخاري! بل بلغه عن أصحابه شئ كريه! فصعد المنبر وخطب وطلب منهم أن يسألوه (عن أنسابهم) وتحداهم فخافوا وبكوا، فقام عمر وتاب!!

قال مسلم في صحيحه:7/92:

عن أنس بن مالك قال: بلغ رسول الله(ص)عن أصحابه

شئ فخطب فقال: عرضت علي الجنة والنار فلم أر كاليوم في الخير والشر، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً. قال فما أتي علي أصحاب رسول الله(ص)يوم أشد منه!! قال غطَّوا رؤسهم ولهم خنين! قال فقام عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! قال فقام ذاك الرجل فقال: من أبي؟ قال أبوك فلان، فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ! انتهي. وروي مسلم جزء منها أيضاً في:3/167

فالمسألة إذن غضبٌ نبويٌّ لما بلغه عن (أصحابه) وخطبةٌ نارية.. وتحدٍّ نبوي لهم في أنسابهم.. وأشد يوم مر عليهم مع نبيهم.. وبكاء الصحابة المعنيين خوفاً من إطاعة الرسول وسؤاله عن نسبهم.. والفضيحة.. وإعلان عمر توبته وتوبتهم..!!

وهكذا تبدأ خيوط الحادثة بالتجمع..ويمكنك بعد ذلك أن تجمع من خيوطها من نفس البخاري!

قال البخاري في:1/136:

عن الزهري قال أخبرني أنس بن مالك أن رسول الله(ص)خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر، فقام علي المنبر فذكر الساعة فذكر أن فيها أموراً عظاماً، ثم قال: من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل فلا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم ما دمت في مقامي هذا!! فأكثر الناس في البكاء وأكثر أن يقول سلوني! فقام عبدالله بن حذافة السهمي فقال: من أبي؟ قال أبوك حذافة!

ثم أكثر أن يقول سلوني!! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً! فسكت، ثم قال: عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط فلم أر كالخير والشر!

وقال البخاري في:7/157:

عن أنس (رض) سألوا رسول الله(ص)حتي أحفوه المسألة فغضب فصعد المنبر فقال: لا تسألوني اليوم عن شئ إلا بينته لكم، فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل

رجل لافٌّ رأسه في ثوبه يبكي! فإذا رجل كان إذا لاحي الرجال يدعي لغير أبيه، فقال: يا رسول الله من أبي؟ قال: حذافة ثم أنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)رسولاً نعوذ بالله من الفتن. فقال رسول الله (ص): ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتي رأيتهما وراء الحائط. وروي نحوه أيضاً في: 8/94

وقال البخاري في:8/143:

عن الزهري أخبرني أنس بن مالك (رض) عن النبي(ص)خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر فلما سلم قام علي المنبر فذكر الساعة، وذكر أن بين يديها أموراً عظاماً ثم قال: من أحب أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فوالله لا تسألوني عن شئ إلا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا! قال أنس فأكثر الناس البكاء! وأكثر رسول الله(ص)أن يقول سلوني!! فقال أنس فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال النار!!! فقام عبدالله بن حذافة فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال أبوك حذافة. قال ثم أكثر أن يقول سلوني سلوني!! فبرك عمر علي ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد(ص)رسولاً. قال فسكت رسول الله(ص)حين قال عمر ذلك! ثم قال رسول الله: أولي، والذي نفسي بيده لقد عرضت علي الجنة والنار آنفاً في عرض هذا الحائط وأنا أصلي، فلم أر كاليوم في الخير والشر!

وقال البخاري في:4/73:

عن طارق بن شهاب قال سمعت عمر (رض) يقول: قام فينا النبي(ص)مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتي دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم...! حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه.

وقال أبو داود:1/542:

عن أبي قتادة أن رجلاً أتي النبي(ص)فقال: يا رسول الله كيف تصوم؟ فغضب رسول الله(ص)من قوله،

فما رأي ذلك عمر قال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله، فلم يزل عمر يرددها..حتي سكن غضب رسول الله(ص). انتهي.

وقال في مجمع الزوائد:1/161:

عن أبي فراس رجل من أسلم قال قال رسول الله(ص)ذات يوم: سلوني عما شئتم؟ فقال رجل: يا رسول الله من أبي؟ قال: أبوك فلان الذي تدعي إليه، وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: في الجنة. وسأله رجل: في الجنة أنا؟ قال: في النار!! فقال عمر: رضينا بالله رباً. رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

وقال في مجمع الزوائد:7/188 وص 390:

وعن أنس قال خرج رسول الله(ص)وهو غضبان! فخطب الناس فقال: لا تسألوني عن شئ اليوم إلا أخبرتكم به، ونحن نري أن جبريل معه! قلت فذكر الحديث إلي أن قال فقال عمر: يا رسول الله إنا كنا حديثي عهد بجاهلية فلا تبد علينا سوآتنا فاعف عفا الله عنك! رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح.

وفي مجمع الزوائد:9/170:

وأتاه العباس فقال: يا رسول الله إني انتهيت إلي قوم يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا لانهم يبغضونا! فقال رسول الله (ص): أو قد فعلوها؟! والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتي يحبكم، أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي، ولا يرجوها بنو عبد المطلب!

وفي مجمع الزوائد:9/258:

وجلس علي المنبر ساعة وقال: أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟! فوالله إن شفاعتي لتنال حي حا، وحكم، وصدا، وسلهب، يوم القيامة!

وفي مجمع الزوائد:8/214:

عقد الهيثمي باباً في عدة صفحات بعنوان: باب في كرامة أصله(ص). وأورد فيه أحاديث عن طهارة آباء النبي وأمهاته صلي الله عليه وعليهم، ونقل حوادث خطيرة أهان فيها القرشيون أسرة النبي صلي الله

عليه وآله في حياته، وهم تحت قيادته في المدينة، وهم مسلمون مهاجرون، أو طلقاء منَّ عليهم بالعفو بالأمس في فتح مكة! فغضب النبي صلي الله عليه وآله وأجابهم بشدة!

الحادثة الأولي:

عن عبد الله بن عمر قال إنا لقعودٌ بفناء رسول الله(ص)إذ مرت امرأة فقال رجل من القوم: هذه ابنة محمد، فقال رجل من القوم: إن مثل محمد في بني هاشم مثل الريحانة في وسط النتن! فانطلقت المرأة فأخبرت النبي (ص)فجاء النبي(ص)يعرف في وجهه الغضب، ثم قام علي القوم فقال: ما بال أقوال تبلغني عن أقوام! إن الله عز وجل خلق السموات سبعاً فاختار العليا منها فسكنها وأسكن سمواته من شاء من خلقه، وخلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم، واختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم، فأنا من خيار إلي خيار، فمن أحب العرب فبحبي أحبهم، ومن أبغض العرب فببغضي أبغضهم.

والثانية:

عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب قال: أتي ناس من الأنصار النبي(ص)فقالوا: إنا نسمع من قومك حتي يقول القائل منهم إنما مثل محمد نخلة نبتت في الكبا (قال حسين الكبا الكناسة) فقال رسول الله (ص): أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب - قال فما سمعناه ينتمي قبلها - ألا أن الله عز وجل خلق خلقه ثم فرقهم فرقتين، فجعلني في خير الفريقين، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً... رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

والثالثة:

عن ابن عباس قال توفي ابنٌ لصفية

عمة رسول الله(ص)فبكت عليه وصاحت، فأتاها النبي(ص)فقال لها: يا عمة ما يبكيك؟ قالت توفي ابني، قال: يا عمة من توفي له ولدٌ في الإسلام فصبر، بني الله له بيتاً في الجنة. فسكتت ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فاستقبلها عمر بن الخطاب فقال: يا صفية قد سمعت صراخك، إن قرابتك من رسول الله(ص)لن تغني عنك من الله شيئاً! فبكت فسمعها النبي(ص)وكان يكرمها ويحبها، فقال: يا عمة أتبكين وقد قلت لك ماقلت؟! قالت: ليس ذاك أبكاني يا رسول الله، استقبلني عمر بن الخطاب فقال إن قرابتك من رسول الله(ص)لن تغني عنك من الله شيئاً! قال فغضب النبي(ص) وقال: يا بلال هجِّر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع!! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة في الدنيا والآخرة!

فقال عمر: فتزوجت أم كلثوم بنت علي رضي الله عنهما لما سمعت من رسول الله(ص)يومئذ، أحببت أن يكون لي منه سببٌ ونسب.

ثم خرجت من عند رسول الله(ص)فمررت علي نفر من قريش فإذا هم يتفاخرون ويذكرون أمر الجاهلية فقلت رسول الله(ص)! فقالوا: إن الشجرة لتنبت في الكبا (المزبلة) قال فمررت إلي النبي(ص)فأخبرته! فقال يا بلال هجر بالصلاة فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: يا أيها الناس من أنا؟ قالوا أنت رسول الله، قال أنسبوني، قالوا أنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، قال أجل أنا محمد بن عبد الله، وأنا رسول الله، فما بال أقوام يبتذلون أصلي!! فوالله لانا أفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً!

قال فلما سمعت الأنصار بذلك قالت قوموا فخذوا السلاح، فإن رسول الله(ص)قد أغضب، قال فأخذوا السلاح ثم أتوا النبي(ص)لا

تري منهم إلا الحدق، حتي أحاطوا بالناس فجعلوهم في مثل الحرة، حتي تضايقت بهم أبواب المسجد والسكك!! ثم قاموا بين يدي رسول الله(ص)فقالوا: يا رسول الله لا تأمرنا بأحد إلا أبَّرنا عترته. فلما رأي النفر من قريش ذلك قاموا إلي رسول الله(ص)فاعتذروا وتنصلوا!! فقال رسول الله (ص): الناس دثارٌ والأنصار شعار، فأثني عليهم وقال خيراً. انتهي.

وقال في الدر المنثور:2/335:

وأخرج الفريابي وابن جرير وابن مردويه عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله(ص)وهو غضبان محمار وجهه، حتي جلس علي المنبر فقام إليه رجل فقال: أين آبائي؟ قال في النار! فقام آخر فقال من أبي؟ فقال أبوك حذافة، فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً وبالقرآن إماماً، إنا يا رسول الله حديثُ عهد بجاهلية وشرك والله أعلم من آباؤنا!! فسكن غضبه، ونزلت هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ.

وقال في الدر المنثور:4/309:

وأخرج الزبير بن بكار في الموفقيات عن ابن عباس رضي الله عنهما قال سألت عمر بن الخطاب (رض)عن قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ؟ قال: كان رجال من المهاجرين في أنسابهم شئ فقالوا يوماً والله لوددنا أن الله أنزل قرآناً في نسبنا، فأنزل الله ما قرأت.

ثم قال لي: إن صاحبكم هذا يعني علي بن أبي طالب إن ولي زهد، ولكني أخشي عجب نفسه أن يذهب به. قلت: يا أمير المؤمنين إن صاحبنا من قد علمت، والله ما نقول إنه غيَّر ولا بدل ولا أسخط رسول الله(ص)أيام صحبته! فقال: يابن عباس من ظن أنه يرد بحوركم فيغوص فيها حتي يبلغ قعرها فقد ظن

عجزاً! انتهي.

وراجع أيضاً: سنن ابن ماجة:1/546، ومسند أحمد:3/162 وص 177 وج 5/296 و303، وسنن البيهقي:4/286، ومصنف عبد الرزاق:11/379، وكنز العمال:4/443 وج 13/453

من مجموع هذه النصوص يصل الباحث إلي نتائج قطعية متعددة، نذكر منها:

أولاً - أن القرشيين لم يتركوا حساسيتهم من بني هاشم حتي بعد فتح مكة وإعلان إسلامهم! غاية الأمر أنهم استثنوا منهم شخص النبي صلي الله عليه وآله!

بل من حق الباحث أن يشك في هذا أيضاً، فالطلقاء أسلموا مهزومين تحت السيف! ولم يكونوا يستطيعون أن يتفوهوا بحرف علي شخص النبي صلي الله عليه وآله، وإلا كفروا وعرضوا أنفسهم لسيوف الأنصار!

ثانياً-أن القرشيين كانوا في حياة النبي صلي الله عليه وآله وفي عاصمته، وتحت لواء نبوته، وتحت سيوف الأنصار.. شرسين علي أسرته وعشيرته صلي الله عليه وآله، وكانت ألسنتهم بذيئة علي أصل النبي صلي الله عليه وآله وعشيرته، حتي ضجَّ من ذلك الأنصار، وجاؤوا يشكون إلي النبي صلي الله عليه وآله بذاءة قريش بحقه، طالبين منه معالجة هذه الألسنة المنافقة، أو إصدار أمر بتقتيلهم. وقد قال الهيثمي عن حديث شكوي الأنصار: رجاله رجال الصحيح!!

ثالثاً - أن الحوادث التي تكلم فيها القرشيون علي أسرة النبي صلي الله عليه وآله متعددة، فقد نقلت كتب الحديث منها أكثر من عشرة حوادث، ولا بد أن ما لم تنقله أكثر وأعظم!!

رابعاً - أن النبي صلي الله عليه وآله كانت حساسيته من هذا الموضوع عالية جداً، وكان رده دائماً شديداً، فهو يتعامل معه علي أنه موضوع ديني وليس موضوعاً شخصياً، لأن عدم الإيمان بأسرته الطاهرة، يساوق عدم الإيمان به صلي الله عليه وآله.

خامساً - أن إحدي الحوادث كانت كبيرة بذاتها، أو بالتراكم، فغضب الله

تعالي لغضب نبيه صلي الله عليه وآله، وأمره بالرد علي القرشيين (المسلمين الصحابة) وإتمام الحجة عليهم، وأنزل عليه جبرئيل ليكون إلي جانبه يوجهه ويجيبه عن أنساب القرشيين، وعن مستقبلهم في الجنة أو في النار!!!.

سادساً - أن النبي صلي الله عليه وآله أحضرهم في المسجد وأمر الأنصار بمحاصرتهم بالسلاح، وخطب خطبةً نبويةً نارية بليغة عاصفة، صبَّ فيها الغضب الإلهي والنبوي علي القرشيين، وتحداهم في أنسابهم وأعمالهم ونواياهم! فلفُّوا رؤوسهم! واستغشوا ثيابهم! وعلا خنينهم وبكاؤهم! وكان ذلك أشد يوم عليهم!!!

فتدارك الموقف زعيمهم وتقدم وبرك علي قدمي النبي صلي الله عليه وآله! وقبلها! وبكي له! ليعفو عنهم! ولا يفضح أنسابهم! وعشائرهم! ولا يصدر عليهم حكمه بالقتل، أو بالحرمان من الحقوق المدنية حتي أداء الشهادة!! فسكت النبي صلي الله عليه وآله ولم يقل لهم كلمة قبول أو عفو! وهدأت عاصفة الانتقام النبوي في الدنيا!!

سابعاً - إنها قضيةٌ ضخمةٌ في الحساب العقائدي والفقهي والسياسي، تستحق الدراسة ووضع النقاط علي الحروف.. ولكن الخلافة القرشية تعرف كيف تتخلص منها، فتعتم عليها إن استطاعت، أو تحولها إلي مجد لقريش، ولا تسمح لبني هاشم أن يستفيدوا منها!

ومن أجل هذا كانت براعة الخليفة عمر في طريقة روايتها، ثم كانت براعة الرواة ومصنفي الصحاح في تجزئتها وتقطيع أوصالها وتغييب حقيقتها!

وهذه هي مهمة جيل ما بعد الأنبياء!!

أما عبد الله بن الزبير الزهري، فقد كان عنده عقدةٌ من بني هاشم مع أنهم أخوال أبيه! وقد اشتهر عنه أنه لم يكن يطيق ذكرهم، وأنه ترك حتي ذكر النبي صلي الله عليه وآله والصلاة عليه في خطبة الجمعة حتي لا تشمخ أنوف بني هاشم بزعمه!

والظاهر أن القرشيين ربَّوه علي كره بني هاشم منذ

كان غلاماً، وأن له مشاركة في قصة الغضب النبوي!

فقد روي عنه الهيثمي في مجمع الزوائد:8/215 افتراء عجيباً علي النبي في ذم أهل بيته صلي الله عليه وآله حيث حول كلام قريش الذي غضب منه النبي صلي الله عليه وآله وغضب منه الله تعالي من فوق عرشه كما رأيت.. إلي حديث مسند عن النبي صلي الله عليه وآله!!

قال الهيثمي: وعن عبد الله ابن الزبير عن النبي(ص)قال: مثلي ومثل أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في مزبلة. رواه الطبراني وهو منكر، والظاهر أنه من قول الزبير إن صح عنه، فإن فيه ابن لهيعة ومن لم أعرفه.

وعن ابن الزبير أن قريشاً قالت: إن مثل محمد مثل نخلة في كبوة. رواه البزار بإسناد حسن، وهذا الظن به.

براعة البخاري في تضييع القضية

المحدث العادي-فضلاً عن البخاري-يعرف أن هذا الحديث قصةٌ واحدةٌ كما ذكر صاحب فتح الباري، أو اثنتان في الأكثر.. وهنا تظهر براعة البخاري في اختراع العناوين لجعل قطعة الحديث تحتها، أو عقد باب مناسب لتغطية حقيقة الحديث!

ففي:1/31:

عقد له باباً باسم: باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأي ما يكره. فجعله من نوع غضب المدرس والواعظ!

وفي/32:

جعله من نوع تأدب التلميذ بين يدي معلمه فسمي الباب: باب من برك علي ركبتيه عند الإمام أو المحدث!

وفي/136:

وضع جزءً منه تحت عنوان: باب وقت الظهر عند الزوال! بحجة أن خطبة النبي صلي الله عليه وآله النارية القاصعة كانت عند الزوال!

وفي:4/73:

جعل جزءً منه تحت عنوان: ما جاء في قول الله تعالي وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ.. بحجة أن الراوي قال: قام فينا النبي (ص) مقاماً فأخبرنا عن بدء الخلق حتي دخل أهل الجنة منازلهم

وأهل النار منازلهم!

وفي:7/157:

عقد له باباً باسم: باب التعوذ من الفتن! وكأن الموضوع كان حديثاً هادئاً عاماً لكل الأمة عن الفتن الاتية، وأن عمر قال: رضينا بالله رباً وبمحمد رسولاً... نعوذ بالله من الفتن!

وفي:8/142:

عقد له باباً باسم: باب ما يكره من كثرة السؤال وتكلف ما لا يعنيه وقوله تعالي: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ..!

وكان ينبغي له أن يسمي الباب: باب وجوب امتثال أمر النبي إذا أمر بالسؤال، وأن لا يربط الآية به، ولا يحشرها في هذا الموضوع أصلاً كما فعلت قريش، لأن موضوع الآية كراهة السؤال، وموضوع الحديث أمر النبي صلي الله عليه وآله المكرر المشدد لقريش أن يسألوه!

اللهم إلا يقصد البخاري بكراهة السؤال: كراهة إلحاح المعلم علي تلاميذه بقوله سلوني! فيكون الخطأ حينئذ من النبي صلي الله عليه وآله لأنه ألحَّ عليهم بالسؤال! ويكون موقف عمر تصحيحاً لخطأ النبي صلي الله عليه وآله كما هي عادته المشكورة!!

ماذا قال كبار الشراح؟

لا خبر عند شراح الصحاح بالقضية، فلا رأوا شيئاً ولا سمعوا ولا قرؤوا، ولا شموا رائحة شيء يستوجب التساؤل والبحث!!

قال ابن حجر في فتح الباري:

قوله سئل النبي(ص)عن أشياء..كان منها السؤال عن الساعة وما أشبه ذلك من المسائل، كما سيأتي في حديث ابن عباس في تفسير المائدة!

قوله قال رجل: هو عبد الله بن حذافة بضم أوله وبالذال المعجمة والفاء، القرشئ السهمي، كما سماه في حديث أنس الاتي.

قوله فقام آخر: هو سعد بن سالم مولي شيبة بن ربيعة، سماه بن عبد البر في التمهيد في ترجمة سهيل بن أبي صالح، وأغفله في الاستيعاب ولم يظفر به أحد من الشارحين، ولا من صنف في المبهمات ولا في

أسماء الصحابة، وهو صحابي بلا مرية، لقوله فقال من أبي يا رسول الله؟ ووقع في تفسير مقاتل في نحو هذه القصة أن رجلاً من بني عبد الدار قال من أبي؟ قال سعد: نسبه إلي غير أبيه، بخلاف ابن حذافة! وسيأتي مزيد لهذا في تفسير سورة المائدة.

قوله فلما رأي عمر.. هو بن الخطاب..ما في وجهه، أي من الغضب، قال: يا رسول الله إنا نتوب إلي الله، أي مما يوجب غضبك، وفي حديث أنس الآتي بعد أن عمر برك علي ركبتيه، فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد نبياً، والجمع بينهما ظاهر، بأنه قال جميع ذلك فنقل كل من الصحابيين ما حفظ، ودل علي اتحاد المجلس اشتراكهما في نقل قصة عبد الله بن حذافة.

تنبيه: قصر المصنف الغضب علي الموعظة والتعليم دون الحكم لأن الحاكم مأمورٌ أن لا يقضي وهو غضبان، والفرق أن الواعظ من شأنه أن يكون في صورة الغضبان، لأن مقامه يقتضي تكلف الإنزعاج لأنه في صورة المنذر!!

وكذا المعلم إذا أنكر علي من يتعلم منه سوء فهم ونحوه، لأنه قد يكون أدعي للقبول منه، وليس ذلك لازماً في حق كل أحد، بل يختلف باختلاف أحوال المتعلمين. وأما الحاكم فهوبخلاف ذلك كما يأتي في بابه.

فإن قيل: فقد قضي عليه الصلاة والسلام في حال غضبه حيث قال: أبوك فلان!

فالجواب: أن يقال أولاً، ليس هذا من باب الحكم!! وعلي تقديره فيقال هذا من خصوصياته لمحل العصمة، فاستوي غضبه ورضاه، ومجرد غضبه من الشئ دالٌّ علي تحريمه أو كراهته، بخلاف غيره(ص).

قوله باب من برك: هو بفتح الموحدة والراء المخففة يقال: برك البعير إذا استناخ، واستعمل في الادمي مجازاً.

قوله خرج، فقام عبد الله بن

حذافة: فيه حذف يظهر من الرواية الأخري، والتقدير خرج فسئل فأكثروا عليه، فغضب!! فقال سلوني، فقام عبد الله.

قوله فقال رضينا بالله رباً..قال ابن بطال: فهم عمر منه أن تلك الاسئلة قد تكون علي سبيل التعنت أو الشك، فخشئ أن تنزل العقوبة بسبب ذلك! فقال رضينا بالله رباً الخ. فرضي النبي(ص)بذلك، فسكت!

قوله وقال سلوني: في حديث أنس المذكور فصعد المنبر فقال: لا تسألوني عن شئ إلا بينته لكم.

وفي رواية سعيد بن بشير عند قتادة عن أبي حاتم: فخرج ذات يوم حتي صعد المنبر، وبين في رواية الزهري المذكورة في هذا الباب وقت وقوع ذلك، وأنه بعد أن صلي الظهر، ولفظه: خرج حين زاغت الشمس فصلي الظهر فلما سلم قام علي المنبر فذكر الساعة، ثم قال: من أحب (!) أن يسأل عن شئ فليسأل عنه، فذكر نحوه.

قوله فقام رجل فقال يا رسول الله من أبي؟ بين في حديث أنس من رواية الزهري اسمه، وفي رواية قتادة سبب سؤاله، قال فقام رجل كان إذا لاحي أي خاصم دعي إلي غير أبيه، وذكرت اسم السائل الثاني، وأنه سعد، وأني نقلته من ترجمة سهيل بن أبي صالح من تمهيد بن عبد البر.

وزاد في رواية الزهري الاتية بعد حديثين فقام إليه رجل فقال: أين مدخلي يا رسول الله؟ قال: النار! ولم أقف علي اسم هذا الرجل في شئ من الطرق كأنهم أبهموه عمداً للستر عليه!

وللطبراني من حديث أبي فراس الاسلمي نحوه، وزاد: وسأله رجل في الجنة أنا؟ قال: في الجنة، ولم أقف علي اسم هذا الآخر.

ونقل بن عبد البر عن رواية مسلم أن النبي(ص)قال في خطبته: لا يسألني أحد عن شئ إلا أخبرته، ولو

سألني عن أبيه، فقام عبد الله بن حذافة، وذكر فيه عتاب أمه له وجوابه، وذكر فيه فقام رجل فسأل عن الحج فذكره، وفيه فقام سعد مولي شيبة فقال من: أنا يا رسول الله؟ قال أنت سعد بن سالم مولي شيبة. وفيه فقام رجل من بني أسد فقال: أين أنا؟ قال: في النار!! فذكر قصة عمر، قال فنزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ.. الآية.

ونهي النبي(ص)عن قيل وقال، وكثرة السؤال (؟!) وبهذه الزيادة يتضح أن هذه القصة سبب نزول: لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، فإن المساءة في حق هذا جاءت صريحة بخلافها في حق عبد الله بن حذافة، فإنها بطريق الجواز أي لو قدر أنه في نفس الأمر لم يكن لابيه، فبين أباه الحقيقي لافتضحت أمه، كما صرحت بذلك أمه حين عاتبته علي هذا السؤال، كما تقدم في كتاب الفتن.

قوله: فلما رأي عمر ما بوجه رسول الله(ص)من الغضب.. بين في حديث أنس أن الصحابة كلهم فهموا ذلك، ففي رواية هشام فإذا كل رجل لافاً رأسه في ثوبه يبكي، وزاد في رواية سعيد بن بشير: وظنوا أن ذلك بين يدي أمر قد حضر! وفي رواية موسي بن أنس عن أنس الماضية في تفسير المائدة: فغطوا رؤوسهم ولهم حنين..زاد مسلم من هذا الوجه: فما أتي علي أصحاب رسول الله(ص)يوم كان أشد منه!

قوله: فقال إنا نتوب إلي الله عز وجل.. زاد في رواية الزهري: فبرك عمر علي ركبته فقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. وفي رواية قتادة من الزيادة نعوذ بالله من شر الفتن. وفي مرسل السدي عند الطبري في نحو هذه القصة: فقام إليه عمر فقبل رجله وقال

رضينا بالله رباً فذكر مثله، وزاد: وبالقرآن إماماً فاعف عفي الله عنك فلم يزل به... حتي رضي.

وفي هذا الحديث غير ما يتعلق بالترجمة مراقبة الصحابة أحوال النبي (ص)وشدة إشفاقهم إذا غضب خشية أن يكون لامر يعم فيعمهم، وإدلال عمر عليه وجواز تقبيل رجل الرجل، وجواز الغضب في الموعظة، وبروك الطالب بين يدي من يستفيد منه، وكذا التابع بين يدي المتبوع إذا سأله في حاجة، ومشروعية التعوذ من الفتن عند وجود شئ قد يظهر منه قرينة وقوعها، واستعمال المزاوجة في الدعاء في قوله اعف عفي الله عنك، وإلا فالنبي(ص) معفوٌّ عنه قبل ذلك.

قال ابن عبد البر: سئل مالك عن معني النهي عن كثرة السؤال، فقال: ما أدري أنهي عن الذي أنتم فيه من السؤال عن النوازل، أو عن مسألة الناس المال.

قال بن عبد البر: الظاهر الأول، وأما الثاني فلا معني للتفرقة بين كثرته وقلته، لا حيث يجوز ولا حيث لا يجوز.

قال: وقيل كانوا يسألون عن الشئ ويلحون فيه إلي أن يحرم. قال: وأكثر العلماء علي أن المراد كثرة السؤال عن النوازل والاغلوطيات والتوليدات، كذا.

وقال النووي في شرح مسلم:8/291 في سبب غضب النبي صلي الله عليه وآله كما تصوره أو صوره:

قوله: رجل أتي النبي فقال كيف تصوم فغضب رسول الله(ص).. قال العلماء: سبب غضبه أنه كره مسألته، لأنه يحتاج إلي أن يجيبه ويخشي من جوابه مفسدة، وهي أنه ربما اعتقد السائل وجوبه أو استقله أو اقتصر عليه، وكان يقتضي حاله أكثر منه!!

وقال في:15-16/111:

قوله: غطوا رؤوسهم ولهم خنين، هو بالخاء المعجمة هكذا هو في معظم النسخ ولمعظم الرواة ولبعضهم بالحاء المهملة. وممن ذكر الوجهين القاضي وصاحب التحرير وآخرون، قالوا: ومعناه

بالمعجمة صوت البكاء وهو نوع من البكاء دون الانتحاب. قالوا وأصل الخنين خروج الصوت من الانف كالحنين بالمهملة من الفم. وقال الخليل: هو صوت فيه غنة، وقال الاصمعي: إذا تردد بكاؤه فصار في كونه غنة فهو خنين. وقال أبو زيد: الخنين مثل الخنين وهو شديد البكاء.

قوله: فلما أكثر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يقول: سلوني برك عمر فقال: رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً. فسكت رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) حين قال عمر ذلك. قال العلماء: هذا القول منه (صلي الله عليه وآله وسلم) محمولٌ علي أنه أوحي إليه وإلا فلا يعلم كل ما سئل عنه من المغيبات إلا بإعلام الله تعالي.

قال القاضي: وظاهر الحديث أن قوله (صلي الله عليه وآله): سلوني إنما كان غضباً كما قال في الرواية الأخري سئل النبي (صلي الله عليه وآله) عن أشياء كرهها فلما أكثر عليه غضب، ثم قال للناس: سلوني. وكان اختياره(ص)ترك تلك المسائل، لكن وافقهم في جوابها، لأنه لا يمكن رد السؤال، ولما رآه من حرصهم عليها!! والله أعلم.

وأما بروك عمر(رض) وقوله: فإنما فعله أدباً وإكراماً لرسول الله (صلي الله عليه وآله) وشفقةً علي المسملمين لئلا يؤذوا النبي (صلي الله عليه وآله) فيهلكوا!!

ومعني كلامه: رضينا بما عندنا من كتاب الله تعالي وسنة نبينا محمد (صلي الله عليه وآله)واكتفينا به عن السؤال. ففيه أبلغ كفاية. انتهي.

وأنت تري أن ابن حجر والنووي غائبان عن كلام النبي صلي الله عليه وآله، وأن في كلامهما تهافتاً ونقاط ضعف كثيرة لا نطيل فيها.. وليس كلام غيرهما من الشراح أفضل، وإن كان فيه مادة مهمة لمن أراد أن يتتبع ملف القضية!

الحادثة في بعض روايات أهل البيت

قال النيشابوري في الفضائل/134:

عن سليم بن قيس يرفعه إلي أبي ذر والمقداد وسلمان قالوا: قال لنا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: إني مررت بفلان يوماً فقال لي: ما مثل محمد في أهل بيته إلا كمثل نخلة نبتت في كناسة! قال: فأتيت رسول الله صلي الله عليه وآله فذكرت ذلك له، فغضب غضباً شديداً، فقام فخرج مغضباً وصعد المنبر ففزعت الأنصار ولبسوا السلاح، لما رأوا من غضبه، ثم قال: ما بال أقوام يعيرون أهل بيتي؟!! وقد سمعوني أقول في فضلهم ما أقول، وخصصتهم بما خصهم الله تعالي به، وفضل علياً عليهم بالكرامة وسبقه إلي الإسلام وبلائه، وأنه مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي!

ثم إنهم يزعمون أن مثلي في أهل بيتي كمثل نخلة نبتت في كناسة! ألا إن الله سبحانه وتعالي خلق خلقه وفرقهم فرقتين، وجلعني في خيرها شعباً وخيرها قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً، حتي حصلت في أهل بيتي وعشيرتي وبني أبي، أنا وأخي علي بن أبي طالب....

أنا خير النبيين والمرسلين، وعلي خير الوصيين، وأهل بيتي خير بيوت أهل النبيين، وفاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة أجمعين.

أيها الناس: أترجون شفاعتي لكم، وأعجز عن أهل بيتي؟!

أيها الناس: ما من أحد غداً يلقي الله تعالي مؤمناً لا يشرك به شيئاً إلا أجره الجنة، ولو أن ذنوبه كتراب الأرض.

أيها الناس: لو أخذت بحلقة باب الجنة ثم تجلي لي الله عز وجل، فسجدت بين يديه ثم أذن لي في الشفاعة، لم أوثر علي أهل بيتي أحداً.

أيها الناس: عظموا أهل بيتي في حياتي وبعد مماتي، وأكرموهم وفضلوهم، لا يحل لاحد أن يقوم لاحد غير أهل بيتي،

فانسبوني من أنا؟!

قال فقام الأنصار وقد أخذوا بأيدهم السلاح، وقالوا: نعوذ الله من غضب الله وغضب رسوله، أخبرنا يا رسول الله من آذاك في أهل بيتك حتي نضرب عنقه؟!!

قال: أنا محمد بن عبدالله بن عبد المطلب، ثم انتهي بالنسب إلي نزار، ثم مضي إلي إسماعيل بن إبراهيم خليل الله، ثم مضي منه إلي نوح، ثم قال: أنا وأهل بيتي كطينة آدم عليه السلام نكاح غير سفاح!

سلوني، والله لا يسألني رجل إلا أخبرته عن نسبه وعن أبيه!

فقام إليه رجل فقال: من أنا يا رسول الله؟ فقال: أبوك فلان الذي تدعي إليه! قال فارتد الرجل عن الإسلام.

ثم قال صلي الله عليه وآله والغضب ظاهر في وجهه: مايمنع هذا الرجل الذي يعيب علي أهل بيتي وأهلي وأخي ووزيري وخليفتي من بعدي وولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي، أن يقوم ويسألني عن أبيه، وأين هو في جنة أم في نار؟!

قال فعند ذلك خشئ فلان علي نفسه أن يذكره رسول الله صلي الله عليه وآله ويفضحه بين الناس فقام وقال: نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله، ونعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عنا عفي الله عنك، أقلنا أقالك الله، أسترنا سترك الله، إصفح عنا جعلنا الله فداك. فاستحي النبي صلي الله عليه وآله وسكت، فإنه كان من أهل الحلم وأهل الكرم وأهل العفو ثم نزل صلي الله عليه وآله!!

وقال فرات الكوفي في تفسيره/392:

حدثنا عبد السلام بن مالك قال: حدثنا محمد بن موسي بن أحمد قال: حدثنا محمد بن الحارث الهاشمي قال: حدثنا الحكم بن سنان الباهلي، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح قال: قلت لفاطمة بنت الحسين: أخبريني

جعلت فداك بحديث أحدث واحتج به علي الناس. قالت: نعم أخبرني أبي أن النبي صلي الله عليه وآله كان نازلاً بالمدينة، وأن من أتاه من المهاجرين مرسوا أن يفرضوا لرسول الله صلي الله عليه وآله فريضة يستعين بها علي من أتاه، فأتوا رسول الله صلي الله عليه وآله وقالوا: قد رأينا ما ينوبك من النوائب، وإنا أتيناك لتفرض فريضة تستعين بها علي من أتاك.

قال: فأطرق النبي صلي الله عليه وآله طويلاً، ثم رفع رأسه فقال: إني لم أؤمر أن آخذ منكم علي ما جئتم به شيئاً، إنطلقوا فإني لم أؤمر بشئ، وإن أمرت به أعلمتكم.

قال: فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: يا محمد إن ربك قد سمع مقالة قومك، وما عرضوا عليك، وقد أنزل الله عليهم فريضة: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي.

قال فخرجوا وهم يقولون: ما أراد رسول الله إلا أن تذل الأشياء وتخضع الرقاب ما دامت السماوات والأرض لبني عبد المطلب!!

قال: فبعث رسول الله صلي الله عليه وآله إلي علي بن أبي طالب أن أصعد المنبر وادع الناس إليك ثم قل: أيها الناس من انتقص أجيراً أجره فليتبوأ مقعده من النار، ومن ادعي إلي غير موإليه فليتبوأ مقعده من النار، ومن انتفي من والديه فليتبوأ مقعده من النار!!

قال: فقام رجل وقال: يا أبا الحسن مالهن من تأويل؟ فقال: الله ورسوله أعلم. فأتي رسول الله صلي الله عليه وآله فأخبره، فقال رسول الله: ويلٌ لقريش من تأويلهن! ثلاث مرات. ثم قال: يا علي إنطلق فأخبرهم أني أنا الأجير الذي أثبت الله مودته من السماء، ثم أنا وأنت مولي المؤمنين، وأنا وأنت أبوا المؤمنين.

ثم خرج رسول الله

صلي الله عليه وآله فقال: يا معشر قريش والمهاجرين والأنصار. فلما اجتمعوا قال: يا أيها الناس، إن علياً أولكم إيماناً بالله وأقومكم بأمر الله، وأوفاكم بعهد الله، وأعلمكم بالقضية، وأقسمكم بالسوية، وأرحمكم بالرعية، وأفضلكم عند الله مزية. ثم قال: إن الله مثَّل لي أمتي في الطين، وعلمني أسماءهم كما علَّم آدم الأسماء كلها، ثم عرضهم فمر بي أصحاب الرايات فاستغفرت لعلي وشيعته، وسألت ربي أن تستقيم أمتي علي علي من بعدي، فأبي إلا أن يضل من يشاء ويهدي من يشاء. انتهي.

وقال محمد بن سليمان في المناقب:2/122:

عن عبد المطلب بن أبي ربيعة قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضهم بعضاً لقوا ببشر حسن، وإذا لقونا لقونا بوجوه ننكرها! فغضب رسول الله (صلي الله عليه وآله) غضباً شديداً، ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتي يحبكم لله ورسوله. هكذا قال خالد قال أبو خليفة، فأما أبي فحدثناه عن يزيد بن هارون، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبدالله بن الحارث، عن العباس بن عبد المطلب (رض)قال: قلت: يا رسول الله.. فذكر نحوه أو مثله.

وقال في هامشه:

وروي أبوبكر ابن أبي شيبة في الحديث الأول والثالث من فضائل العباس من كتاب الفضائل تحت الرقم: 12259 والرقم: 12261 من كتاب المصنف::12/108 - 109 قال: حدثنا ابن فضيل، عن يزيد، عن عبد الله بن الحارث قال: حدثني عبدالمطلب بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب أن العباس دخل علي رسول الله(ص)وهو مغضب، فقال له رسول الله (ص): من أغضبك؟ قال: يا رسول الله مالنا ولقريش إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة وإذا لقونا لقونا بغير ذلك؟! قال: فغضب رسول

الله(ص) حتي احمر وجهه، وحتي استدر عرْق بين عينيه، وكان إذا غضب استدر العرق - فلما سري عنه قال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله. ثم قال: أيها الناس من آذي العباس فقد آذاني إنما عم الرجل صنو أبيه.

حدثنا ابن نمير عن سفيان عن أبيه عن أبي الضحي مسلم بن صبيح قال: قال العباس: يا رسول الله إنا لنري الضغائن في وجوه قوم من وقائع أوقعتها فيهم. فقال النبي (ص): لن يصيبوا خيراً حتي يحبوكم لله ولقرابتي، ترجو سلهب شفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟!

أقول: والحديث الأول رواه الحاكم في فضائل العباس من كتاب المستدرك: 3/332 قال: أخبرنا الشيخ أبوبكر بن إسحاق أخبرنا إسماعيل بن قتيبة حدثنا يحيي بن يحيي وإسحاق بن إبراهيم وأبوبكر بن أبي شيبة قالوا:...

وأيضاً الأولان رواهما أحمد بن حنبل في مسند عبد المطلب بن ربيعة من كتاب المسند، ورواه عنه ابن كثير في تفسير آية المودة من سورة الشوري من تفسيره.

وقد روي الحافظ ابن عساكر معني الحديث بوجوه وأسانيد في ترجمة العباس من تاريخ دمشق، كما أورده أيضاً البدران في تهذيبه::7/239 فراجعهما.

وروي عمر بن شبه في عنوان: ذكر فضل بني هاشم... من تاريخ المدينة المنورة: 2/639 قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله إن قريشاً إذا لقي بعضها بعضاً لقوا ببشر حسن وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها! فغضب النبي غضباً شديداً فقال: والذي نفس محمد بيده لا يدخل قلب عبد الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله

حدثنا خلف بن الوليد قال: حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربيعه بنحوه.

حدثنا عمرو بن عون قال: أنبأنا بن عبدالله عن يزيد بن أبي زياد عن عبدالله بن الحارث عن المطلب بن ربيعة قال: كنت جالساً عند رسول الله (ص)فدخل عليه العباس وهو مغضب فقال: يا نبي الله ما بال قريش إذا تلاقوا بينها فتلاقوا بوجوه مبشره وإذا لقونا لقونا بغير ذلك! قال: فغضب النبي(ص)حتي احمرَّ وجهه وقال: لا يدخل قلب رجال الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله.

وحدثنا عيسي بن عبدالله بن محمد بن عمر بن علي قال: حدثني أبي عن أبيه عن جده قال: قال العباس: يا رسول الله إن قريشاً تتلاقي بينهما بوجوه لا تلقانا بها! فقال رسول الله (ص): أما إن الإيمان لا يدخل أجوافهم حتي يحبوكم لي.

حدثنا أبو حذيفة قال: حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحي: عن ابن عباس قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت! فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير - أو قال الإيمان - حتي يحبوكم لله لقرابتي، أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي. انتهي.

وسعوا شفاعة النبي لليهود والنصاري و لم يسمحوا أن تشمل أسرته

شفاعة النبي صلي الله عليه وآله تتسع لكل المسلمين.. بل لكل الموحدين.. بل لكل الخلق.. هذا ما تقوله مصادر إخواننا السنيين.. ولكن هذه المصادر عندما تصل إلي آباء النبي صلي الله عليه وآله وأسرته تختلف لهجتها! فالشفاعة لا تشملهم، بل هم في النار والعذاب.. وأحسنهم حالاً أبو طالب الذي (يشفع) له النبي صلي الله عليه وآله لأنه نصره، فلا تؤثر شفاعته فيه بسبب شرك أبي طالب وكثرة ذنوبه!

فيضعه الله تعالي في ضحضاح ماء ناري يغمر قدميه فيغلي منه دماغه!!

وفيما يلي نستعرض ما رواه السيوطي في تفسير قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ. ولك أن تلاحظ التأثيرات القرشية علي هذه الروايات.

وينبغي أولاً أن نشير إلي أن مرحلة (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) هي المرحلة الأولي من دعوة النبي صلي الله عليه وآله وهي مرحلة الدعوة الخاصة لأقاربه بني هاشم، وقد استمرت هذه المرحلة عدة سنين، ثم بدأت عدها المرحلة العامة، عندما أمره الله تعالي بأن يصدع بدعوته لعامة الناس..

ولكن المؤرخين أتباع الخلافة القرشية يعتِّمون علي هذه المرحلة، أو يسمونها المرحلة السرية، أو مرحلة ما قبل دار الأرقم.. الخ. وقد أعطوا لدار الأرقم دوراً خيالياً لطمس حقيقة أن الدعوة الإلهية اختصت في مرحلتها الأولي ببني هاشم، وأنهم وحدهم حموا النبي صلي الله عليه وآله من فراعنة قريش، وقد فعل ذلك مسلمهم إيماناً، وكافرهم حميةً، وتحملوا جميعاً ماعدا أبي لهب قرار المقاطعة والحصار القرشئ ثلاث سنوات بل أربع سنوات..حتي فك الله حصارهم بمعجزة!!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/95:

قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ..

أخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الدلائل عن أبي هريرة (رض) قال لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعا رسول الله(ص)قريشاً وعم وخص، فقال:

يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني قصي أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا معشر بني عبد مناف

أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، فإني لا أملك لكم ضراً ولا نفعاً.

يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لك ضراً ولا نفعاً، إلا أن لكم رحماً وسأبلها ببلالها.

وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جعل يدعوهم قبائل قبائل. انتهي.

ففي هذه الرواية (الصحيحة) في مصادرهم صار معني (عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) كل قريش! وصار تعبير (أَلأَقْرَبِينَ) غلطاً قرآنياً يلزم علي قريش أن تصححه! لأنه لم يبق معني لعشيرته الأبعدين والأوسطين!

وصار أول ما قاله النبي صلي الله عليه وآله لهم: إن قرابتي لا تنفعكم وشفاعتي لا تنالكم! وصار كل القرشيين أرحام النبي الذين وعدهم بصلة الرحم والشفاعة يوم القيامة!

ولكن هذا الكلام يناسب منطق النبي صلي الله عليه وآله بعد انتصاره وفتحه مكة مثلاً، ولا يناسب بداية نبوته ودعوته عشيرته الأقربين للتوحيد والإسلام! وقد ورد شبيهٌ لذلك عند فتح مكة.

غير أن القرشيين يريدون سلب أي امتياز أعطاه الله ورسوله لبني هاشم، فالامتيازات لقريش كلها، لا لبني هاشم! وفي نفس الوقت يريدون خلط أنفسهم بعشيرة النبي صلي الله عليه وآله والإستفادة من قرابته أمام العالم!

وقد استفادوا منه فعلاً في مقابل الأنصار في السقيفة، وقامت خلافة أبي بكر وعمر علي حق (قرابتهما) من النبي صلي الله عليه وآله! بل تجرأ رواة القرشيين ووضعوا علي لسان النبي صلي الله عليه وآله أن عشيرته الأقربين هم كل قريش!

قال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم أن النبي(ص)ذكر قريشاً فقال: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، يعني قومي!

وفي

مسند أحمد:2/333:

عن أبي هريرة قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جعل يدعو بطون قريش بطناً بطناً يا بني فلان أنقذوا أنفسكم من النار.. حتي انتهي إلي فاطمة فقال: يا فاطمة ابنة محمد، أنقذي نفسك من النار، لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها.

ولكن روايات أخري فلتت منهم واعترفت بأن عشيرته الاقربين تعني بني هاشم فقط!

قال في الدر المنثور:5/98: قوله تعالي: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ.. الآيتين، أخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، بدأ بأهل بيته وفصيلته، فشق ذلك علي المسلمين فأنزل الله: وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ. انتهي.

فالرواية تعترف بأن عشيرته الاقربين هم أهل بيته وفصيلته، لكنها تجعل الآية التي بعدها لبقية المسلمين! ولكن من هم المسلمون الذين شق عليهم ذلك! وهل كان يوجد مسلم من غير بني هاشم عند نزول الآية؟!

لقد كان الأولي بالرواية أن تقول: شقَّ ذلك علي قريش قبل إسلامها، وبعد أن اضطرت للدخول في الإسلام، فجعلت خلافة النبي صلي الله عليه وآله إرثاً لها دون بني هاشم!

روايات أخري غير منطقية أيضا

من عادة المفسرين عندما يصلون إلي آية في حق أهل البيت (عليهم السلام) أن يحشدوا الآراء والإحتمالات والروايات المتناقضة فيها، ليضيعوا بذلك مناقب عترة نبيهم صلي الله عليه وآله! ومما حشده المفسرون هنا:

ما رواه السيوطي في الدر المنثور:5/96 قال:

وأخرج عبد بن حميد عن قتادة (رض): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، قال ذكر لنا أن نبي الله(ص)نادي علي الصفا بأفخاذ عشيرته فخذاً فخذاً يدعوهم إلي الله فقال في ذلك المشركون: لقد بات هذا الرجل يهوت منذ الليلة.

قال وقال الحسن (رض): جمع نبي الله(ص)أهل بيته قبل موته فقال: ألا إن لي عملي

ولكم عملكم، ألا إني لا أغني عنكم من الله شيئاً، ألا إن أوليائي منكم المتقون، ألا لا أعرفنكم يوم القيامة تأتون بالدنيا تحملونها علي رقابكم، ويأتي الناس يحملون الآخرة. يا صفية بنت عبد المطلب يا فاطمة بنت محمد إعملا فإني لا أغني عنكما من الله شيئاً. انتهي.

أما رواية قتادة فإن النداء علي الصفا يناسب المرحلة العامة التي أمر النبي فيها أن يصدع بالدعوة لكل الناس.. أما إنذار عشيرته الخاصين الذين كان عدد رجالهم أربعين نفراً فيناسبه أن يدعوهم إلي طعام ويحدثهم كما ورد في الروايات المعقولة.

وأما رواية قتادة عن الحسن البصري إن صحت فلا علاقة لها بالموضوع، لأنها عند وفاته صلي الله عليه وآله والآية نزلت في أول بعثته!

ومع أن الحسن البصري غلامٌ فارسي، فهو مع قبائل قريش وحساسيتها ضد أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله ويريد أن يقول بهذه الرواية إن النبي صلي الله عليه وآله كان يخاف من حرص ابنته فاطمة وعمته صفية وعترته علي الدنيا، ولذلك جمعهم وحذرهم!

وقال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة أن رسول الله(ص)قال: يا بني هاشم ويا صفية عمة رسول الله، إني لا أغني عنكم من الله شيئاً، إياكم أن يأتي الناس يحملون الآخرة وتأتون أنتم تحملون الدنيا، وإنكم تردون علي الحوض ذات الشمال وذات اليمين، فيقول القائل منكم يا رسول الله أنا فلان ابن فلان، فأعرف الحسب وأنكر الوصف، فإياكم أن يأتي أحدكم يوم القيامة وهو يحمل علي ظهره فرساً ذات حمحمة، أو بعيراً له رغاء، أو شاة لها ثغاء، أو يحمل قشعاً من أدم، فيختلجون من دوني، ويقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك! فطيبوا نفساً وإياكم

أن ترجعوا القهقري من بعدي!

قال عكرمة (رض): إنما قال لهم رسول الله(ص)هذا القول حيث أنزل الله عليه: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ انتهي.

ومع أن عكرمة غلامٌ لابن عباس الهاشمي، لكنه معروفٌ ببغضه لعترة النبي صلي الله عليه وآله حتي أنه انضم إلي الخوارج. وهو بهذا التفسير يقول إن علياً وفاطمة وعترة النبي انحرفوا بعد النبي صلي الله عليه وآله ورجعوا بعده القهقري! لانهم عارضوا خلافة قريش ولم يطيبوا نفساً عن الخلافة لقريش، ولذلك سوف يمنعون من ورود الحوض، ولا تنالهم شفاعة النبي صلي الله عليه وآله

لقد أخذ عكرمة عبارات النبي صلي الله عليه وآله التي روت الصحاح أنه قالها عن صحابته الذين يرتدون من بعده ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة، وجعلها لعشيرة النبي صلي الله عليه وآله الأقربين، ثم ادعي عكرمة أن النبي كان يعرف هذا الإنحراف من أول يوم أمره الله تعالي أن ينذر عشيرته الأقربين!

وقد روي السيوطي نفس مضمون عكرمة عن أبي أمامة أيضاً.

ثم قال في الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن مردويه وابن عساكر والديلمي عن عبد الواحد الدمشقي قال: رأيت أبا الدرداء يحدث الناس ويفتيهم وولده وأهل بيته جلوس في جانب الدار يتحدثون، فقيل له: يا أبا الدرداء ما بال الناس يرغبون فيما عندك من العلم وأهل بيتك جلوس لاهين؟! فقال: إني سمعت نبي الله(ص)يقول: إن أزهد الناس في الأنبياء وأشدهم عليهم الأقربون! وذلك فيما أنزل الله: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ.. إلي آخر الآية. انتهي.

فهؤلاء الرواة الشاميون يريدون أن يقولوا علي لسان أبي الدرداء: إن أولاد النبي وعترته صلي الله عليه وآله كانوا لاهين عن علمه كأولاد أبي الدرداء! وإن بني هاشم كانوا أشد الناس علي النبي صلي الله

عليه وآله فقد كذبوه وأرادوا قتله، وحاصروه في شعب بني أمية!! لكن القرشيين حموه من بني هاشم، وتحملوا معه الحصار أربع سنوات، فحق لهم أن يرثوه ويحكموا من بعده، خاصة آل أبي سفيان الكرام!!

ويطول بنا الكلام إذا أردنا أن ننقد كل ما رووه في تفسير هذه الآية، وكيف جردوا عترة النبي وعشيرته الاقربين صلي الله عليه وآله من كل فضيلة، وحرموهم من كل امتياز أعطاهم إياه الله تعالي ورسوله!

ولكنا نشير هنا إلي أن الرواة خلطوا عن عمد وبعضهم عن جهل بين أربع حوادث: الأولي: نزول الآية وبداية إنذار النبي صلي الله عليه وآله لبني عبد المطلب بدعوتهم إلي طعام.

والثانية: مرحلة الإنذار العام عندما صعد النبي صلي الله عليه وآله علي الصفا في المرحلة الثانية من الدعوة، ونادي واصباحاه، وبدأ يدعو قريشاً والعالم.

والثالثة: عندما دخل النبي صلي الله عليه وآله مكة فاتحاً، وخضع له أبو سفيان وبقية أئمة الكفر من قريش، وأحس بعض بنو عبد المطلب بالنصر والفخر، وامتلات قلوب القرشيين حسداً لهم، وتفكيراً في مرحلة ما بعد النبي صلي الله عليه وآله.

والرابعة: في مرض وفاته صلي الله عليه وآله عندما شكي له بنو هاشم ما يحسونه من خطر قبائل قريش عليهم من بعده وتحالفهم علي إبعادهم.

وإليك أهم ما بقي من روايات السيوطي المخلوطة في تفسير آية الاقربين:

قال في الدر المنثور:5/96:

وأخرج ابن مردويه عن البراء قال لما نزلت علي النبي (ص): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، صعد النبي(ص)ربوةً من جبل فنادي: يا صباحاه، فاجتمعوا فحذرهم وأنذرهم، ثم قال: لا أملك لكم من الله شيئاً، يا فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار فإني لا أملك لك من الله شيئاً. انتهي.

وأخرج مسدد ومسلم والنسائي وابن جرير والبغوي في معجمه والباوردي والطحاوي وأبو عوانة وابن قانع والطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن قبيصة بن مخارق وزفير بن عمرو قالا: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، انطلق رسول الله(ص)إلي ربوة من جبل فعلا أعلاها حجراً ثم قال: يا بني عبد مناف إني نذير لكم، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأي العدو فانطلق يريد أهله فخشئ أن يسبقوه إلي أهله، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه، أُتيتم أُتيتم.

وأخرج عبد بن حميد والترمذي وابن جرير وابن مردويه عن أبي موسي الأشعري قال: لما نزلت: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وضع رسول الله (ص) اصبعيه في أذنيه ورفع صوته وقال: يا بني عبد مناف يا صباحاه.

وأخرج ابن مردويه عن الزبير بن العوام قال: لمانزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، صاح علي أبي قبيس: يا آل عبد مناف إني نذير فجاءته قريش فحذرهم وأنذرهم.

وأخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن مردويه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما نزلت وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، ورهطك منهم المخلصين خرج النبي(ص)حتي صعد علي الصفا فنادي: يا صباحاه فقالوا: من هذا الذي يهتف قالوا محمد فاجتمعوا إليه فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟

قالوا: نعم ما جربنا عليك إلا صدقاً.

قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.

فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم، ألهذا جمعتنا؟! فنزلت: تبت يدا أبي لهب وتب. انتهي.

فهذه الروايات تناسب بداية مرحلة الدعوة العامة كما أشرنا، وقد

جعلوها لمرحلة الدعوة الخاصة ببني هاشم، وذكروا فيها فاطمة الزهراء عليها السلام قبل ولادتها!!

أما الرواية اليتيمة المعقولة التي رواها السيوطي فهي حديث الدار المعروف..

قال في الدر المنثور:5/97:

وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل من طرق عن علي (رض) قال: لما نزلت هذه الآية علي رسول الله (ص): وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعاني رسول الله(ص)فقال: يا علي إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقت بذلك ذرعاً، وعرفت أني مهما أبادؤهم بهذا الأمر أري منهم ما أكره، فصمتُّ عليها حتي جاء جبريل فقال: يا محمد إنك إن لم تفعل ما تؤمر به يعذبك ربك، فاصنع لي صاعاً من طعام واجعل عليه رجل شاة واجعل لنا عِسَّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطلب حتي أكلمهم وأبلغ ما أمرت به، ففعلت ما أمرني به ثم دعوتهم له، وهم يومئذ أربعون رجلاً يزيدون رجلاً أو ينقصونه، فيهم أعمامه أبو طالب وحمزة والعباس وأبو لهب، فلما اجتمعوا إليه دعاني بالطعام الذي صنعت لهم فجئت به، فلما وضعته تناول النبي(ص)بضعة من اللحم فشقها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة، ثم قال: كلوا بسم الله، فأكل القوم حتي نهلوا عنه، ما تري إلا آثار أصابعهم! والله إن كان الرجل الواحد ليأكل ما قدمت لجميعهم!

ثم قال: إسق القوم يا علي، فجئتهم بذلك العس فشربوا منه حتي رووا جميعاً، وأيم الله إن كان الرجل منهم ليشرب مثله!

فلما أراد النبي(ص)أن يكلمهم بدره أبولهب إلي الكلام فقال: لقد سحركم صاحبكم! فتفرق القوم ولم يكلمهم النبي(ص).

فلما كان الغد قال: ياعلي إن هذا الرجل قد سبقني إلي ما سمعت من القول فتفرق القوم

قبل أن أكلمهم، فعد لنا بمثل الذي صنعت بالامس من الطعام والشراب، ثم اجمعهم لي ففعلت، ثم جمعتهم ثم دعاني بالطعام فقربته ففعل كما فعل بالامس، فأكلوا وشربوا حتي نهلوا، ثم تكلم النبي (ص) فقال:

يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم أحداً في العرب جاء قومه بأفضل مما جئنكم به، إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني علي أمري هذا؟ فقلت وأنا أحدثهم سناً: إنه أنا، فقام القوم يضحكون. انتهي.

ورواها السيوطي بسند آخر عن ابن مردويه عن البراء بن عازب، قال: لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، جمع رسول الله(ص)بني عبدالمطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً، منهم العشرة يأكلون المسنة ويشربون العس... الخ. انتهي.

- وقد روي المحدثون ومؤرخو السيرة هذا الحديث، لكن السيوطي بتره هنا ولم يذكر بقية كلام النبي صلي الله عليه وآله.. وهو أسلوب دَأَبَ رواة خلافة قريش علي ارتكابه ضد عترة النبي وأسرته صلي الله عليه وآله، والسبب في ذلك أن بقية الحديث تقول إن الله أمر رسوله من ذلك اليوم أن يختار وزيراً وخليفة من عشيرته الأقربين!

قال الأميني في الغدير:1/207:

وها نحن نذكر لفظ الطبري بنصه حتي يتبين الرشد من الغي، قال في تاريخه:2/217 من الطبعة الأولي: إني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله تعالي أن أدعوكم إليه، فأيكم يوازرني علي هذا الأمر علي أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم؟

قال: فأحجم القوم عنها جميعاً، وقلت وإني لاحدثهم سناً وأرمصهم عيناً وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال: إن هذا أخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له وأطيعوا.

قال: فقام

القوم يضحكون ويقولون لابي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع!!

وقال الأميني في:2/279:

وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الاسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفي 240 في كتابه نقض العثمانية وقال: إنه روي في الخبر الصحيح.

ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء)/ 46 - 48 وابن الاثير في الكامل 2/24 وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه:1/116 وشهاب الدين الخفاجي في شرح الشفا للقاضي عياض: 3/37 (وبتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح. والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره/390 والحافظ السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه:6/392 نقلا عن الطبري وفي/397 عن الحفاظ الستة: ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي. وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 3/254. انتهي.

ثم شكا صاحب الغدير من تحريف الذين حرفوا الحديث لارضاء قريش، ومنهم الطبري الذي رواه في تفسيره بنفس سنده المتقدم في تاريخه، ولكن أبهم كلام النبي صلي الله عليه وآله في حق علي (رض) فقال: ثم قال: إن هذا أخي وكذا وكذا. وتبعه علي ذلك ابن كثير في البداية والنهاية 3/40 وفي تفسيره 3/351

وقال في مناقب آل أبي طالب:1/305 وما بعدها:

وأما بيعة العشيرة، قال النبي صلي الله عليه وآله: بعثت إلي أهل بيتي خاصة، وإلي الناس عامة

وهذا النص النبوي هو أصح تفسير لقوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ.

وقد ذكر في المناقب أن السيد الحميري نظم هذه المنقبة لبني هاشم فقال:

وقيل له أنذر عشيرتك الآلي وهم من شباب أربعين وشيبِ

فقال لهم إني رسول اليكم ولست أراني عندكم بكذوب

وقد جئتكم من عند رب مهيمن جزيل العطايا للجزيل وهوب

فأيكم يقفوا مقالي فأمسكوا

فقال ألا من ناطق فمجيبي

ففاز بها منهم عليٌّ وسادهم وما ذاك من عاداته بغريب

وله أيضاً:

ويوم قال له جبريل قد علموا أنذر عشيرتك الادنين إن بصرو

فقام يدعوهم من دون أمته فما تخل_ف عنه منهم بش_ر

فمنهم آكلٌ في مجلس جذعاً وشاربٌ مثل عس وهو مختفر

فصدهم عن نواحي قصعة شبعاً فيها من الحب صاع فوقه الوزر

فقال يا قوم إن الله أرسلني اليك_م فأجيب_وا الله وادَّكِ_رو

فأيكم يجتبي قولي ويؤمن بي إني نبي رسول فانبري غُ_دَرُ

فق__ال تب_اً أتدع_ونا لتلفتن_ا عن ديننا ثم قام القوم فانشمرو

من الذي قال منهم وهو أحدثهم سناً وخيرهم في الذكر إذ سطرو

آمنت بالله.. قد أعطيتَ نافلةً لم يعطها أحد جنٌّ ولا بش_ر

وإن م_ا قلت_ه ح_قٌّ وإنه__م إن لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسرو

ففاز قدماً بها والله أكرم_ه فكان سباق غايات إذا ابتدرو

وقال دعبل:

سقي__اً لبيع__ة أحم__د ووصي__ه أعني الإمام ولينا المحسود

أعني الذي نصر النبي محمداً قبل البرية ناشياً ووليد

أعني الذي كشف الكروب ولم يكن في الحرب عند لقائها رعديد

أعني الموحد قبل كل موحد لا عابداً وثناً ولا جلمود

وقال في هامش بحار الأنوار:32/272:

وناهيك من ذلك مؤاخاته مع رسول الله صلي الله عليه وآله بأمر من الله عز وجل في بدء الإسلام حين نزل قوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ...

راجع تاريخ الطبري 2 - 321 كامل ابن الاثير 2 - 24 تاريخ أبي الفداء 1 - 116 والنهج الحديدي 3 - 254 مسند الإمام ابن حنبل 1 - 159 جمع الجوامع ترتيبه 6 - 408 كنز العمال 6 - 401.

وهذه المؤاخاة مع أنها كانت بأمر الله عزوجل إنما

تحققت بصورة البيعة والمعاهدة (الحلف) ولم يكن للنبي صلي الله عليه وآله أن يأخذ أخاً ووزيراً وصاحباً وخليفة غيره ولا لعلي أن يقصر في مؤازرته ونصرته والنصح له ولدينه كمؤازرة هارون لموسي علي ما حكاه الله عزو جل في القرآن الكريم. ولذلك تري رسول الله صلي الله عليه وآله حين يؤاخي بعد ذلك المجلس بين المهاجرين بمكة فيؤاخي بين كل رجل وشقيقه وشكله: يؤاخي بين عمر وأبي بكر، وبين عثمان وعبد الرحمن بن عوف، وبين الزبير وعبد الله بن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولي أبي حذيفة، وبين حمزة بن عبد المطلب وزيد بن حارثة الكلبي (راجع سيرة ابن هشام 1-504 المحبر 71-70 البلاذري 1/270)

يقول لعلي عليه السلام: والذي بعثني بالحق نبياً ما أخرتك إلا لنفسي فأنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، وأنت أخي ووارثي وأنت معي في قصري في الجنة. ثم قال له: وإذا ذاكرك أحد فقل: أنا عبد الله وأخو رسوله، ولا يدعيها بعدي إلا كاذب مفتر (الرياض النضرة 2-168 منتخب كنز العمال 5-45 و 46).

ولذلك نفسه تراه صلي الله عليه وآله حينما عرض نفسه علي القبائل فلم يرفعوا إليه رؤسهم ثم عرض نفسه علي بني عامر بن صعصعة قال رجل منهم يقال له بيحرة بن فراس بن عبد الله بن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة: والله لو أني أخذت هذا الفتي من قريش لأكلت به العرب ثم قال لرسول الله: أرأيت إن بايعناك علي أمرك ثم أظهرك الله علي من خالفك أيكون لنا

الأمر من بعدك؟ قال: الأمر إلي الله يضعه حيث يشاء! قال فقال له: أفنهدف نحورنا للعرب دونك فإذا أظهرك الله كان الأمر لغيرنا؟! لا حاجة لنا بأمرك، فأبوا عليه (راجع سيرة ابن هشام 1-424 الروض الأنف 1-264 بهجة المحافل 1-128 سيرة زيني دحلان 1-302 السيرة الحلبية 2-3). فلولا أنه صلي الله عليه وآله كان تعاهد مع علي عليه السلام بالخلافة والوصاية بأمر من الله عز وجل، قبل ذلك لَمَا ردهم بهذا الكلام المؤيس، وهو بحاجة ماسة من (..) نصرة أمثالهم. انتهي.

وختاماً فإن ما أوردناه يكفي لإثبات أن قبائل قريش كانت قبل الإسلام تحسد قبيلة بني هاشم حسداً إلي العظم، وأنها بعد إسلامها وخضوعها للنبي صلي الله عليه وآله ابن بني هاشم! لم تشف من هذا المرض، بل انتقل حسدها وحساسيتها إلي عشيرة النبي وعترته من أهل بيته صلي الله عليه وآله واتفقوا عزلهم سياسياً بعد النبي صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا الأساس يجب علي المؤمن والباحث أن يكون حذراً في تصديق أحاديث المصادر القرشية في هذا الموضوع، وفي كل ما يتعلق ببني هاشم.. ومن ذلك الأحاديث التي تنفي وعد الرسول صلي الله عليه وآله لاسرته بالشفاعة الخاصة في الآخرة..

اغرب شفاعة اخترعها القرشيون لرئيس بني هاشم

كل مطلع علي سيرة النبي صلي الله عليه وآله يعرف أن عمه أبا طالب كان حاميه وناصره، وأنه بحمايته ونصرته استطاع أن يصدع بدعوته، وبحكمة أبي طالب ونفوذه المعنوي وقف الهاشميون في وجه قريش إلي جانب النبي صلي الله عليه وآله وصمدوا في حصار الشعب أربع سنوات، وبإخلاصه واستماتته في الدفاع عن النبي صلي الله عليه وآله أفشل الله أكثر خطط قريش في إهانة النبي وقتله.

ويعرف أن أبا طالب له ديوان شعر

نقلته مصادر السيرة والتاريخ وكله في تأييد النبي والإيمان به وفي ذم قادة المشركين الذين وقفوا ضده.. وأن رواة الخلافة القرشية لو وجدوا بيتين من الشعر لشخصية قرشية يحبونها من المعاصرين لأبي طالب لطبلوا بأحدهما وزمروا بالاخر واستخرجوا منهما عشرين دليلاً علي إيمانه.

ويتفق فقهاء المذاهب أن القاضي إذا شك في إسلام شخص متوفي، يكفيه لاثبات إسلامه إقراره أو شهادة شاهدين عاديين بأنه كان مسلماً.. ولكن إثبات إسلام أبي طالب لا يكفي له عندهم إقراراته الصريحة، ولا ألوف الشهود!

ثم إن أهل البيت أدري بما فيه والأبناء أعرف بآبائهم، وإن علياً وأبناءه الصادقين المصدقين الطاهرين المطهرين بنص القرآن، قد شهدوا بأن أبا طالب كان مسلماً مؤمناً يكتم إيمانه، وأن مَثَلَه مثَلُ مؤمن آل فرعون.. ولكن ذلك لم يكف أيضاً في نظر قريش لإثبات إسلام أبي طالب!

والسبب في كل هذا التشدد والتعنت أن قريشاً لا تريد إعطاء هذا الوسام لابي طالب، وعندها لذلك مبررات عديدة:

أولاً: أبو طالب بن عبد المطلب، هو رئيس بني هاشم وزعيم قريش بعد أبيه عبدالمطلب. وإذا أعطي هذا الوسام فإن أولاده أولي بملك ابن عمهم النبي محمد! صلي الله عليه وآله..ولا إخالك تقول هنا إن هذا منطق قبلي غير إسلامي، فإن نظام الخلافة الإسلامي إنما قام علي أساس القبلية، وإنما كانت حجة عمر وأبي بكر في السقيفة قرابتهما القبلية من محمد وأنه من قريش وقريش أولي بسلطانه!

فالمنطق الذي حكم بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله وقامت عليه خلافة قريش هو المنطق القبلي وقد كان هو المنطق العام الحاكم عنند الجميع! لا يستثني منه إلا منطق النص الذي قال به أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم، ولم يصغ لهم أحدٌ

إلا الاقلُّون عدداً!

ثانياً: إن شعر أبي طالب رضوان الله عليه ما زال يرنُّ في آذان قادة قريش!! وفيه لهم من التوبيخ والتعنيف لهم، ووصفهم بالحسد والبغي والجحود والكفر وقطيعة الرحم، والحقارة..وأسوأ الصفات!! فالإعتراف بإسلامه إعطاء شعره الصفة لشعره الذي نشر به غسيل قريش!

ثالثاً: إن أبا طالب والد علي، وعلي يطالب بخلافة النبي بالنص، وهو المعارض الأول لأن تكون خلافة محمد لكل قريش تدور بين قبائلها بقاعدة من غلب! وهذه المعارضة ذنبٌ يجب أن يدفع ثمنه عليٌّ وأولاده وأبوه أبو طالب!

والظاهر أن أكبر ذنب لابي طالب عندهم أنه والد علي..فلو كان والد معاوية لاحبته قريش وقالت عنه إنه أسلم وحسن إسلامه، وشملته شفاعة النبي صلي الله عليه وآله

فقد غفرت قريش لأبي سفيان ما لم يغفره الله ورسوله، ونسيت أنه إمام الكفر، ومحزب الأحزاب، والعدو اللدود الذي لم يلق سلاحه في وجه الإسلام إلا مكرهاً، ولم يسلم إلا مكرهاً! بل غفرت له قولته عندما وصلت الخلافة إلي بني أمية (تلقفوها يا بني أمية تلقُّفَ الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما من جنة ولا نار)!

لهذه الأسباب وغيرها صدر حكم قريش بحق أبي طالب بأن حمايته للنبي صلي الله عليه وآله ودفاعه عنه وتحمله الشدائد من أجله واتصالاته بالقبائل ورسائله إليهم وإلي النجاشئ وعمله الدائب من أجل تمكين النبي من نشر دعوته..كل ذلك كان عصبيةً هاشميةً فقط، وأنه مات كافراً وليس له أي حق في وراثة النبي صلي الله عليه وآله وليس لأولاده أي امتياز بسبب حماية أبيهم للنبي، بل هم من قريش وقريش هي التي ترث سلطان محمد! وقد قال عمر للأنصار في السقيفة: نحن قومه وعشيرته فمن ذا ينازعنا سلطان محمد؟!

إنسجاماً مع هذه الثقافة تجد في مصادر السنيين أعجب الأحاديث عن أبي طالب، ولعل أعجبها علي الإطلاق حديث شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لهذا العم الذي أحبه ورباه وحماه وفداه بنفسه وأولاده..فشفع له النبي صلي الله عليه وآله ووضعه في مكان من جهنم يغلي منه دماغه!

قال البخاري في:7/203:

عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله(ص)وذكر عنده عمه أبو طالب، فقال: لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه أم دماغه!!

ورواه في:4/202 وروي نحوه أحمد في:1/290 وص 295 وص 206 وص 207 وج 3/9 وص 50 وص 55 والحاكم في:4/582 والبيهقي في البعث والنشور/59 والذهبي في تاريخ الإسلام:1/234 وغيره من مصادرهم. وقال ابن الاثير في النهاية:3/13: ضحضاح: الضحضاح: في الأصل مارق من الماء علي وجه الأرض وما يبلغ الكعبين فاستعاره للنار.

وقال البخاري في:4/247:

باب قصة أبي طالب. حدثنا مسدد، حدثنا يحيي، عن سفيان، حدثنا عبد الملك، حدثنا عبد الله بن الحرث، قال حدثنا العباس بن عبد المطلب (رض): قال للنبي (ص): ما أغنيت عن عمك فوالله كان يحوطك ويغضب لك؟ قال: هو في ضحضاح من نار، ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار!!

ورواه في: 7/121 وص 203 ورواه مسلم:1/135 ورواه أحمد في: 1/206 و207 و210 وج 3/50 و 55 قال: عن عباس بن عبد المطلب قال: يا رسول الله هل نفعت أباطالب بشئ فإنه قد كان يحوطك ويغضب لك! قال: نعم هو في ضحضاح من النار لولا ذلك لكان في الدرك الأسفل من النار. انتهي.

فهذه الرواية تريد بيان التأثير الكبير لشفاعة النبي صلي الله عليه وآله لعمه وأن أبا

طالب بالأساس يستحق الدرك الأسفل من النار مثل أبي لهب وأبي جهل وفراعنة قريش الذين كذبوا النبي وأرادوا قتله، والذين نص الله تعالي علي طغيانهم وعقابهم! فحماة الأنبياء في منطق هذه الأحاديث مثل أعدائهم، بل أسوأ حالاً منهم!

وقد رووا أن أبا طالب كان في طمطام من النار فخفف الله عنه! وطمطام النار هو وسطها الملتهب!

قال في مجمع الزوائد:1/118 عن لسان النبي صلي الله عليه وآله: وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه الي فجعله في ضحضاح من النار. انتهي.

لقد تحير علماء ثقافة قريش في هذا النوع من الشفاعة المخترعة، لأن الشفاعة إما أن يأذن بها الله تعالي لرسوله فيخلص المشفوع له من النار ويدخله الجنة، وإما أن لا يأذن بها فيبقي الشخص في مكانه في النار..وما ذكرته أحاديث الضحضاح ليس بشفاعة! ولكنهم ابتكروا له اسماً خاصاً وهو شفاعة التخفيف والنقل من الدرك الاسفل من النار إلي مستنقع من النار وضحضاحها!

قال القسطلاني في إرشاد الساري:9/328:

الشفاعات كما قال عياض خمسة، وقد زاد سادسة هي التخفيف عن أبي طالب. انتهي.

ثم احتاط القسطلاني لئلا يقال كيف تسمون الضحضاح شفاعة؟ فقال هي شفاعة مجازية وليست حقيقية!

قال في إرشاد الساري:9/324: إن أبا طالب لما بالغ في إكرام النبي (ص) والذب عنه، جوزي بالتخفيف، وأطلق علي ذلك شفاعة! انتهي.

وهكذابالغ النبي بزعم رواة قريش في إكرام عمه كما بالغ عمه في إكرامه!!

علي أن مقصود القرشيين من رواية الضحضاح قد يكون تشديد العذاب علي أبي طالب لا تخفيفه، فيكون ما تصوره النووي من المبالغة في إكرام أبي طالب مبالغةً في عذابه! فقد روت مصادر الثقافة القرشية أن العذاب

في الضحضاح أشد من بقيتها!

قال السيوطي في الدر المنثور:4/127:

وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال: إن أهل النار إذا جزعوا من حرها استغاثوا بضحضاح في النار، فإذا أتوه تلقَّاهم عقارب كأنهن البغال الدهم، وأفاع كأنهن البخاتي، فضربنهم، فذلك الزيادة!

بماذا يفسرون قول النبي سأبلها ببلاله

لم يقنع حديث الضحضاح المسلمين بعدم شمول شفاعة النبي صلي الله عليه وآله لعمه الحبيب أبي طالب، خاصةً أن رواة الضحضاح رووا أن أبا طالب له رحم مع النبي صلي الله عليه وآله وأن النبي وعد أنه سيبلها ببلالها، فهل لهذا الوعد تفسيرٌ إلا الشفاعة؟ وهل يسمي وضع أبي طالب في ضحضاح من نار بلالاً من النبي لرحمه؟!

والطريف أن البخاري نقل حديثاً عن عمرو بن العاص (وزير معاوية) تبرأ فيه النبي من آل أبي طالب وأعلن قطع الولاية والرحم بينه وبينهم! وفي نفس الحديث وعدٌ من النبي أن يبل رحمهم ببلالها!!

قال البخاري في:7/73: الرحم شجنة فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته. باب يبل الرحم ببلالها. عن قيس بن أبي حازم أن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي(ص)جهاراً غير سر يقول: إن آل (أبي طالب) قال عمر وفي كتاب محمد بن جعفر بياض، ليسوا بأوليائي إنما وليي الله وصالح المؤمنين. زاد عنبسة بن عبد الواحد عن بيان عن قيس عن عمرو بن العاص قال: سمعت النبي (ص): ولكن لهم رحمٌ أبلها ببلاها، يعني أصلها بصلتها. قال أبو عبدالله (أي البخاري) ببلاها كذا وقع وببلالها أجود وأصح وببلاها لا أعرف له وجهاً. وروي نحوه مسلم في:1/133 والترمذي:5/19 والنسائي:6/248-250 وأحمد:2/360 وص 519

وفي بعض رواياتهم توجه الوعد النبوي إلي أبي طالب خاصة، كما في كنز العمال:12/152: إن لابي طالب عندي رحماً سأبلها

ببلالها (ابن عساكر عن عمرو ابن العاص). وراجع كنز العمال:16/10 وج 12/42

ومعني بلال الرحم: صلتها حتي ترضي. قال الجوهري في الصحاح: 4/1639: ويقال أيضاً: في سقائك بلال أي ماء... ومنه قولهم: إنضحوا الرحم ببلالها أي صلوها بصلتها وندوها... ويقال أيضاً: لا تبلك عندي بلال مثال قطام قالت ليلي الاخيلية:

فلا وأبيك يا ابن أبي عقيل تبلك بعدها عندي بلال

وقال في الصحاح:5/1929: والرحم أيضاً: القرابة والرحم بالكسر مثله.

قال الأعشي: أما لطالب نعمة يممتهاووصال رحم قد بردت بلاله

وقال في الدرجات الرفيعة/514:

إن المكارم أصبحت لهفانةً حرَّي وأنت بلالها وبليله

وإذا المكارم ذللت أو ضللت يوماً فأنت دلالها ودليله

وقال ابن الاثير في البداية والنهاية:3/51: سأبلها ببلائها: وفي البيهقي ببلالها: معناه سأصلها. شبهت قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة. ومنه بلوا أرحامكم: أي صلوها. انتهي.

والنبي صلي الله عليه وآله عندما استعمل هذا التعبير ووعد هذا الوعد كان يعرف أن معني بلال الرحم عند العرب إكرام القريب بسخاء حتي يرضي وفوق الرضا، فهو صلي الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد، وأعرف الناس بمعانيها.

لهذا يبقي السؤال للبخاري وكافة علماء الخلافة القرشية: إذا وعد نبي أسرته وأهل بيته بأنه سيصل رحمهم ويرضيهم، فكيف تتعقلون أنه يجعل عمه العزيز عليه منهم الذي له عليه فضل خاص، في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟!

ضحضاح النور لا ضحضاح النار

لعل الراوي الاساسي لحديث ضحضاح النار هو المغيرة بن شعبة الثقفي، ثم أخذه عنه الآخرون، أو نسب إليهم.. وسبب إسلام المغيرة أنه كان في سفر في تجارة مع عدد من رفقائه الثقفيين من أهل الطائف، فغدر بهم وقتلهم جميعاً وسرق أموالهم، وفر إلي المدينة و... أسلم! وهو معروف بدهائه وفساد

أخلاقه، وبغضه لعلي عليه السلام وبني هاشم، وتاريخه مدونٌ معروف!

ولا يبعد أن يكون أخذ تعبير (الضحضاح) من حديث ضحضاح النور الذي ورد في حق أهل البيت (عليهم السلام) فجعله ضحضاح نار لأبي طالب!

فقد روي الشيخ الطوسي في الغيبة/147 قال: وأخبرنا جماعة عن التلعكبري، عن أبي علي أحمد بن علي الرازي الأيادي قال: أخبرني الحسين بن علي، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن أحمد بن محمد الخليلي، عن محمد بن صالح الهمداني، عن سليمان بن أحمد، عن زياد بن مسلم، وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن سلام قال: سمعت أبا سلمي راعي النبي صلي الله عليه وآله يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: سمعت ليلة أسريَ بي إلي السماء قال العزيز جل ثناؤه: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه. قلت: والمؤمنون. قال: صدقت يا محمد... إني اطلعت علي الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك إسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلا وذكرت معي، فأنا المحمود وأنت محمد، ثم اطلعت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فأنا الأعلي وهو علي. يا محمد إني خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمة من ولده أشباح نور من نوري، وعرضت ولايتكم عليالسماوات وأهلها وعلي الأرضين ومن فيهن، فمن قبل ولايتكم كان عندي من المقربين ومن جحدها كان عندي من الكفار الضالين.

يا محمد لو أن عبداً عبدني حتي ينقطع أو يصير كالشن البالي، ثم أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتي يقر بولايتكم.

يا محمد تحب أن تراهم؟ قلت: نعم يا رب قال التفت عن يمين العرش فالتفتُّ فإذا أنا بأشباح علي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة كلهم حتي

بلغ المهدي، في ضحضاح من نور قيام يصلون والمهدي في وسطهم كأنه كوكب دري، فقال لي: يا محمد هؤلاء الحجج، وهو الثائر من عترتك، فوعزتي وجلالي إنه حجةٌ واجبة لاوليائي منتقمٌ من أعدائي. انتهي.

ورواه فرات الكوفي في تفسيره/74 عن الإمام الباقر 7 وقال في هامشه: وأخرجه الحمويني في الفرائد 2-571 ط 1 والخوارزمي في مقتله والطوسي في الغيبة وصاحب المقتضب كما في البرهان بأسانيدهم إلي أبي سلمي راعي إبل رسول الله صلي الله عليه وآله قال سمعته يقول... (مثله تقريباً). وأخرج صدره القاضي أبو جعفر الكوفي في المناقب ح 130 وأورده بكامله مع تاليه العلامة المجلسي في البحار 37-82 انتهي. ورواه ابن شاذان في المنقبة السابعة عشرة من مناقب علي 7. ورواه المجلسي في بحار الأنوار:15/247 وج 18:18/297 وج 26/301

محاولتهم التخلص من الوعد النبوي لبني هاشم

وجد المفسرون للثقافة القرشية أن أحسن طريقة للتخلص من الوعد النبوي الذي انتشرت روايته في الناس، أن يبعدوه عن الآخرة كلياً، ويقولوا إنه ليس وعداً بالشفاعة!

قال ابن الاثير في النهاية:1/153: سأبلها ببلالها: أي أصلكم في الدنيا ولا أغني عنكم من الله شيئاً، والبلال جمع بلل. انتهي.

ولكن ذلك لا يصح:

أولاً، لأنه ورد في سياق حديث النبي صلي الله عليه وآله عن الآخرة وإنقاذ النفس من النار فالأصل أن يكون هذا استثناء متصلاً من موضوع الحديث ومصبه، لا من خارجه!

وثانياً، أن الحديث في مقام نفع نسبه وسببه صلي الله عليه وآله في الآخرة وقد صح عند الجميع أنه النسب الوحيد الذي لا ينقطع يوم القيامة. وتقدمت روايته عن عمر أن النبي: قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي، فإنها موصولة

في الدنيا والآخرة!

وثالثاً، لم يكن النبي يملك دنياً عند نزول أمره تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، حتي يعد أقاربه بها، بل لا معني لوعده إياهم في ذلك الوقت حتي بالشفاعة في الآخرة، لأنه في مرحلة عرض الإسلام عليهم..وهذا مما يضعف الرواية بأن هذا الوعد النبوي صدر عند نزول الآية.

ورابعاً، أنهم رووا هذا الحديث بشأن أبي طالب بعد وفاته كما تقدم في كنز العمال عن ابن عساكر وغيره، فهل وعده النبي بأن يعطيه مالاً بعد وفاته! أم وعد بأن يعطي ذريته ثروة فلم يعطهم وتركهم فقراء!

وخامساً، رووا في نفس هذا الوعد أن النبي صلي الله عليه وآله خاطب كل قريش ووعدهم ببلال الرحم، فإن قالوا إنه وعدٌ بإعطائهم مالاً في الدنيا دون الآخرة، لزم أن لا تشمل شفاعة النبي صلي الله عليه وآله أحداً من قريش أبداً!، فهل يلتزمون بذلك!

قال النووي في المجموع:15/356:

وأخرج الشيخان عن أبي هريرة واللفظ لمسلم (لما نزلت هذه الآية: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، دعا رسول الله(ص)قريشاً فاجتمعوا، فعم وخص فقال: يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً، غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها) وفي هذا دليل علي أن كل من ناداهم النبي(ص)يطلق عليهم لفظ الأقربين، لانه(ص)فعل ذلك ممتثلاً لقوله تعالي: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ، وهو دليل علي صحة ما ذهب إليه الشافعي (رض) من دخول النساء لذكره فاطمة، ودخول الكفار.انتهي.

وسادساً، رووا أحاديث

عديدة صرحت بالوعد النبوي بالشفاعة في الآخرة، كالذي رواه الحاكم في:3/568 ورواه مجمع الزوائد:1/88 وكنز العمال: 12/41: والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدهم حتي يحبكم لحبي! أيرجون أن يدخلوا الجنة بشفاعتي ولا يرجوها بنو عبد المطلب؟! انتهي.

بل روي في كنز العمال:12/100 أن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله مخصوصةٌ بمن أحب أهل بيته، قال: شفاعتي لامتي، من أحب أهل بيتي وهم شيعتي! انتهي.

وبذلك يتضح أن محاولة إبعاد وعد النبي صلي الله عليه وآله لبني هاشم عن الشفاعة.. محاولة مردودة، بل مشبوهة.

عمل المعروف ينجي الكفار من النار إلا أبا طالب

روي ابن ماجة في سننه:2/496:

عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): يُصَفُّ الناس يوم القيامة صفوفاً، وقال ابن نمير أهل الجنة، فيمر الرجل من أهل النار علي الرجل فيقول: يا فلان أما تذكر يوم استسقيت فسقيتك شربة؟ قال فيشفع له. ويمر الرجل فيقول: أما تذكر يوم ناولتك طهوراً؟ فيشفع له. قال ابن نمير ويقول: يا فلان أما تذكر يوم بعثتني في حاجة كذا وكذا فذهبت لك؟ فيشفع له. انتهي.

والرجل من (أهل النار) يعني الكافر أو يشمل الكافر الذي قدم خدمة ولو صغيرة للمسلم.. فإذا كانت مكانة المسلم العادي كبيرة عندالله تعالي بحيث يشفِّعه في من قدم له خدمة ولو بسيطة، فكيف بخدمات أبي طالب لأفضل الخلق صلي الله عليه وآله!

ويؤيد حديث ابن ماجة ما رواه السيوطي في الدر المنثور:2/249: عن ابن مسعود قال قال رسول الله(ص)في قوله: فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله، قال: أجورهم يدخلهم الجنة، ويزيدهم من فضله الشفاعة فيمن وجبت لهم النار ممن صنع اليهم المعروف في الدنيا.

وما رواه في الدر المنثور:3/256:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص):إذا

كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين، ثم أمر منادياً ينادي: ألا ليقم أهل المعروف في الدنيا، فيقومون حتي يقفوا بين يدي الله، فيقول الله: أنتم أهل المعروف في الدنيا؟ فيقولون نعم، فيقول وأنتم أهل المعروف في الآخرة، فقوموا مع الأنبياء والرسل فاشفعوا لمن أحببتم فأدخلوه الجنة حتي تدخلوا عليهم المعروف في الآخرة كما أدخلتم عليهم المعروف في الدنيا!

ويؤيده من مصادرنا مارواه المجلسي في بحار الأنوار:8/288

عن ثواب الأعمال للصدوق/163 قال: أبي، عن سعد، عن النهدي، عن ابن محبوب، عن علي بن يقطين، عن أبي الحسن موسي عليه السلام قال: كان في بني إسرائيل رجلٌ مؤمن وكان له جارٌ كافر فكان يرفق بالمؤمن ويوليه المعروف في الدنيا، فلما أن مات الكافر بني الله له بيتاً في النار من طين، فكان يقيه حرها ويأتيه الرزق من غيرها، وقيل له: هذا بما كنت تدخل علي جارك المؤمن فلان بن فلان من الرفق، وتوليه من المعروف في الدنيا!

وقال المجلسي: هذا الخبر الحسن الذي لا يقصر عن الصحيح، يدل علي أن بعض أهل النار من الكفار يرفع عنهم العذاب لبعض أعمالهم الحسنة، فلا يبعد أن يخصص الآيات الدالة علي كونهم معذبين فيها لا يخفف عنهم العذاب، لتأيده بأخبار أخر.

وفي بحار الأنوار:8/41 عن ثواب الأعمال أيضاً/167:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمر به الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلي النار والملك ينطلق به، قال فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافأة؟ فيقول المؤمن للملك المؤكل به: خلِّ سبيله، قال فيسمع الله قول

المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن، فيخلي سبيله. انتهي.

هذه الشفافية في الرحمة الإلهية وإكرامه تعالي لأنبيائه وعباده المؤمنين.. تتبخر عند قبائل قريش ورواتهم عندما يصلون إلي أسرة النبي صلي الله عليه وآله!

بل تتحول إلي قسوة وخشونة ينسبونها إلي الله ورسوله ضد هذه الأسرة التي جعل الله مودتها أجراً لتبليغ الإسلام، لأنه الضمانة الوحيدة لسلامة الإسلام!

احاديث نجت من الرقابة القرشية

مع كل المحاولات المتقدمة بقيت أحاديث عديدة، منها صحيح عندهم، استطاعت أن تعبر نقاط التفتيش، وتنجو من رقابة الثقافة القرشية الحاكمة، وفيما يلي نماذج منها:

تقدمت رواية الهيثمي في مجمع الزوائد:8/216 عن عمر وما قاله لصفية عمة النبي وما أجابه به النبي صلي الله عليه وآله فقد جاء فيها:

قال فغضب النبي(ص)وقال: يا بلال هجر بالصلاة فهجر بلال بالصلاة، فصعد المنبر(ص)فحمد الله وأثني عليه ثم قال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لا تنفع؟! كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي! فإنها موصولة في الدنيا والآخرة! انتهي.

وقد حاولت رواية أن تعتذر عن قول الخليفة عمر هذا باتهام أم هاني أخت علي عليه السلام بأنها كانت متبرجة، فنهاها عمر عن ذلك، وقال لها ذلك القول! ولكن الظاهر أن حادثة أم هاني حادثة أخري غير حادثة صفية، وقد كان جواب النبي صلي الله عليه وآله فيها أيضاً حاسماً:

قال في مجمع الزوائد:9/257:

عن عبد الرحمن بن أبي رافع أن أم هاني بنت أبي طالب خرجت متبرجة قد بدا قرطاها، فقال لها عمر بن الخطاب: إعملي فإن محمداً لا يغني عنك شيئاً، فجاءت إلي النبي(ص)فأخبرته به، فقال رسول الله (ص): ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي؟! وإن شفاعتي تنال حا وحكم!! وحا

وحكم قبيلتان. انتهي.

وذكرت مصادرنا كما في بحار الأنوار:93/219:

أن عمر قال لها: غطي قرطك فإن قرابتك من رسول الله لاتنفعك شيئاً! فقالت له: هل رأيت لي قرطاً يا ابن اللخناء؟! ثم دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله فأخبرته بذلك وبكت، فخرج رسول الله صلي الله عليه وآله فنادي الصلاة جامعة، فاجتمع الناس فقال: ما بال أقوام يزعمون أن قرابتي لاتنفع! لو قمت المقام المحمود لشفعت في حاء وحكم! لايسألني اليوم أحد من أبواه إلا أخبرته! فقام إليه رجل فقال: من أبي يا رسول الله؟ فقال: أبوك غير الذي تدعي له، أبوك فلان بن فلان! فقام آخر فقال: من أبي يا رسول الله؟ قال: أبوك الذي تدعي له! ثم قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما بال الذي يزعم أن قرابتي لاتنفع لا يسألني عن أبيه؟ فقام إليه عمر فقال: أعوذ بالله يا رسول الله من غضب الله وغضب رسوله، أعف عني عفا الله عنك...

ونقل البيهقي في البعث والنشور/59:

حادثة ثالثة: عن أبي هريرة قال كانت امرأه من بني هاشم تحت رجل من قريش، فكان بينه وبينها شئ فقال لها ستعلمين والله أنه لا ينفعك قرابتك من رسول الله (ص) شيئاً! فخرج رسول الله مغضباً فقال: ما بال رجال يزعمون أن قرابتي لا تنفع! وإني لترجو شفاعتي صدي أو سهلب!

وفي الانساب للسمعاني:1/30:

عن أبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهما أن النبي(ص)قال: أيها الناس مالي أوذي في أهلي؟! والله إن شفاعتي لتنال حاء وحكم وسلهب وصداء، تنالها يوم القيامة!

وسلهب في نسب اليمن من دوس. قال ابن إسحاق: هذا مما يصدق نسابة مضر أن هذه القبائل من معد.

وقال

الديلمي في فردوس الأخبار:4/399 ح 6683:

أبو سعيد: ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا تنفع؟! والله إن رحمي لموصولة في الدنيا والآخرة.

وقال ابن الاثير في أسد الغابة:1/134:

عن شهر بن حوشب قال أقام فلانٌ (يقصد معاوية) خطباء يشتمون علياً رضي الله عنه وأرضاه ويقعون فيه حتي كان آخرهم رجلٌ من الأنصار أو غيرهم يقال له أنيس، فحمد الله وأثني عليه ثم قال: إنكم قد أكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، وإني أقسم بالله أني سمعت رسول الله (ص) يقول: إني لاشفع يوم القيامة لأكثر مما علي الأرض من مدر وشجر، وأقسم بالله ما أحدٌ أوصل لرحمه منه، أفترون شفاعته تصل اليكم وتعجز عن أهل بيته؟! ورواه في مجمع الزوائد:9/170: عن شهر بن حوشب وفيه (أفيرجوها غيره ويقصر عن أهل بيته)

تاريخ المدينة:2/264:

حدثنا أبو حذيفة، قال حدثنا سفيان، عن أبيه، عن أبي الضحي، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت. فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير - أو قال: الإيمان - حتي يحبوكم لله ولقرابتي! أيرجو سؤلهم شفاعتي من مراد، ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي! وروي نحوه في كنز العمال:13/512 وص 514

الدر المنثور:6/409:

وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر وأبي هريرة وعمار بن ياسر رضي الله عنهم قالوا: قدمت درة بنت أبي لهب مهاجرةً، فقال لها نسوة أنت درة بنت أبي لهب الذي يقول الله تبت يدا أبي لهب، فذكرت ذلك للنبي(ص)، فخطب فقال: يا أيها الناس مالي أوذي في أهلي، فوالله إن شفاعتي لتنال بقرابتي حتي أن حكماً وحاء وصدا وسلهباً تنالها يوم القيامة بقرابتي!

ورواه في كنز العمال:13/644 عن فردوس الديلمي.

مجمع الزوائد:10/380:

باب في أول من يشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار. انتهي.

ولو تتبعنا المصادر لوجدنا الكثير من هذه الأحاديث. وهي مليئة بالحقائق والفوائد، ونكتفي منها بما يلي:

أولاً: أن حديث (مالي أؤذي في أهل بيتي) أصله هنا، ولكن صار نصه في الصحاح (مالي أؤذي في أهلي) وصار أهله صلي الله عليه وآله بمعني زوجته عائشة، فقد ادعوا أن قصة الافك التي اتهم فيها المنافقون المؤمنة الطاهرة الغافلة مارية القبطية، كانت المتهمة فيها عائشة ورضوا هنا أن تكون عائشة من (المؤمنات الغافلات) اللواتي ذكرتهم الآية، لكي تكون البراءة النازلة من السماء لها وليس لمارية، وادعوا أن قول النبي صلي الله عليه وآله: مالي أؤذي في أهلي، صدر بتلك المناسبة! وصار المؤذي للنبي صلي الله عليه وآله علياً بن أبي طالب، الذي زعموا أنه أشار علي النبي صلي الله عليه وآله بطلاق عائشة!

ثانياً: أن أذي القرشيين للنبي في آله صلي الله عليه وآله كان كثيراً متكرراً وقد نصت مصادر السنيين علي عدد من حوادثه كما تقدم في حادثة (برك علي قدميه) وتقدم هنا: قول فلان من قريش (كمثل نخلة نبتت في كناسة) وقول عمر لصفية، وقوله لأم هاني وقول (صهر بني هاشم) الذي لم يصرحوا باسمه، وقصة بنت أبي لهب، وشكوي العباس المتكررة.

كما أن تعدد الايذاء وتعدد جواب النبي صلي الله عليه وآله يفهم من تعدد أسماء القبائل الغريبة البعيدة التي ذكرها النبي صلي الله عليه وآله عمداً، بما آتاه الله من جوامع الكلم لتبقي أسماؤها ترنُّ في

الأذان ويبقي حديثه في الأذهان.. الأمر الذي يدل علي أن روح الايذاء للنبي في آله صلي الله عليه وآله كانت في القرشيين مرضاً لا عرضاً!

ثالثاً: ينبغي أن يسأل الذين يدافعون عن جميع الصحابة ويقدسونهم، عن حكم هؤلاء الذين آذوا رسول الله صلي الله عليه وآله وأغضبوه مراراً في أهل بيته، فقد ثبت عليهم الحكم الذي نزل به القرآن في حقهم، ولم يثبت أنهم جددوا إسلامهم وخرجوا من تبعات هذا الحكم.

رابعاً: إن هذه الأحاديث وحدها تكفي للمسلم لأن يعرف أن في الأمر شيئاً كبيراً يتعلق بآل النبي صلي الله عليه وآله وأنه يجب إعادة النظر في الروايات التي تنفي أن النبي صلي الله عليه وآله لم يوص لهم، ولم يجعل لهم حقاً علي الأمة، ولم يعدهم بشفاعة خاصة.. وتكفيه لأن يحتمل أن تكون رواياتهم في أبي طالب من هذا النوع. وهذا الإحتمال كاف للتوقف عن تصديقها.

بخلهم علي أبي طالب و خديجة و سخاؤهم علي غيرهم

من ظلامة الخلافة القرشية أنها بخلت علي أبي طالب بكلمة شكر، في حين تبنت مشركين في مقابله لم يؤمنوا بالنبي صلي الله عليه وآله فجعلتهم من أهل الجنة، بل جعلتهم في مرتبة الأنبياء! ومن أبرز هؤلاء ورقة بن نوفل وزيد بن عمرو بن نفيل.. والنص التالي يبين بعض الرتب التي أعطوها لهؤلاء في الجنة، بالمقايسة إلي الرتبة النازلة التي أعطوها لخديجة أم المؤمنين ورتبة الضحضاح لأبي طالب رضوان الله عليهما.

قال الهيثمي في مجمع الزوائد:9/416:

عن جابر بن عبد الله قال سئل النبي(ص)عن عمه أبي طالب، هل تنفعه نبوتك؟ قال: نعم أخرجته من غمرات جهنم إلي ضحضاح منها.

وسئل عن خديجة، لأنها ماتت قبل الفرائض وأحكام القرآن، فقال: أبصرتها علي نهر من أنهار الجنة في بيت من

قصب، لا صخب فيه ولا نصب.

وسئل عن زيد بن عمرو بن نفيل فقال: يبعث يوم القيامة أمةً وحده، بيني وبين عيسي عليه السلام. رواه أبو يعلي وفيه مجالد، وهذا مما مدح من حديث مجالد، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وعن جابر قال سألنا رسول الله(ص)عن زيد بن عمرو بن نفيل فقلنا: يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول ديني دين إبراهيم وإلهي إله إبراهيم وكان يصلي ويسجد؟ قال: ذاك أمة وحده، يحشر بيني وبين يدي عيسي بن مريم.

وسئل عن ورقة بن نوفل وقيل: يا رسول الله إنه كان يستقبل القبلة ويقول إل هي إله زيد وديني دين زيد، وكان يتوجه ويقول:

رشدت فأنعمت ابن عمرو فإنما عنيت بتنور من النار حامي

بدينك ديناً ليس دين كمثله وتركك حنَّان الجبال كما هي

قال: رأيته يمشئ في بطنان الجنة، عليه حلة من سندس. انتهي.

وإنما جعلوا بيت القصب لخديجة، لأنها بزعمهم توفيت قبل فرائض الصلاة والصوم والزكاة والحج، فهي تستحق درجة سفلي في الجنة وبيتاً عادياً من قصب أو سعف النخل..أما عائشة المحترمة عند دولة الخلافة فهي في الفردوس في قصر من ياقوت ولؤلؤ!

ويتألم المسلم عندما يري في المصادر الإسلامية افتراءً علي أم المؤمنين خديجة يصل إلي حد اتهامها بأنها كانت تعبد اللات والعزي وتلح علي النبي صلي الله عليه وآله أن يعبدهما قبل منامه، فيمتنع عن ذلك!!

فقد روي أحمد في مسنده:4/222 و:5/362:

عن عروة بن الزبير يعني ابن أخت عائشة قال: حدثني جار لخديجة بنت خويلد أنه سمع النبي (ص) وهو يقول لخديجة: أي خديجة والله لا أعبد اللات والعزي، والله لا أعبد أبداً! قال فتقول خديجة:خل اللات خل العزي، قال كانت

صنمهم التي كانوا يعبدون ثم يضطجعون)!! انتهي.

فكأن مدح عائشة يستلزم ذم ضرتها، والتي توفيت قبل أن يتزوج النبي بها! لأن النبي صلي الله عليه وآله كان يذكرها دائماً بالخير، ويباهي بها!!

وأما ورقة المعاصر لأبي طالب أيضاً، فهو في بطنان الجنة أي في وسطها، يرفل بالسندس، مع أنه مات بعد البعثة ولم يسلم! والسبب في استحقاقه الجنة أنه كان يقول: أنا علي دين زيد بن نفيل! بينما ذكروا أن الدليل علي كفر أبي طالب أنه كان يقول: أنا علي دين عبد المطلب!!

وأما زيد بن نفيل فقد عاش سنوات بعد البعثة ولم يسلم، ورووا عنه أنه نهي المشركين ذات مرة عن تعذيب بلال، ولكنهم جعلوه في مرتبة نبي لأنه ابن عم الخليفة عمر..بل هو بزعمهم أتقي من النبي صلي الله عليه وآله، لأن النبي كان قبل البعثة مشركاً يذبح للأصنام ويأكل مما ذبح علي النصب، بينما كان زيد علي دين إبراهيم لا يذبح للأصنام ولا يأكل إلا ما ذكر اسم الله عليه، وقد نصح النبي صلي الله عليه وآله ذات مرة أن لا يأكل مما ذبح علي النصب فاقتدي النبي به!!

إنها الكارثة الفكرية في الأمة.. عندما تفضل حكامها وأقاربهم علي نبيها سيد الأنبياء، وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام!!

قال في مجمع الزوائد:9/417: باب ما جاء في زيد بن عمرو بن نفيل...

قال فمر زيد بن عمرو بالنبي(ص)وزيد بن حارثة، وهما يأكلان من سفرة فدعياه فقال: يابن أخي لا آكل ما ذبح علي النصب، قال فما رؤي النبي(ص)يأكل ماذبح علي النصب من يومه ذلك، حتي بعث.

قال: وجاء سعيد بن زيد إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله إن زيداً كان كما رأيت أو كما بلغك،

فأستغفر له؟ قال: نعم، فاستغفروا له فإنه يبعث يوم القيامة أمة وحده. رواه الطبراني والبزار باختصار عنه، وفيه المسعودي وقد اختلط، وبقية رجاله ثقات.

وعن سعيد بن زيد قال: سألت أنا وعمر بن الخطاب رسول الله(ص)عن زيد بن عمرو؟ فقال: يأتي يوم القيامة أمة وحده. رواه ابو يعلي وإسناده حسن.

وعن زيد بن حارثة قال: خرجت مع رسول الله(ص)يوماً حاراً من أيام مكة وهو مردفي إلي نصب من الأنصاب! وقد ذبحنا له (أي للصنم)شاة فأنضجناها، قال فلقيه زيد بن عمرو بن نفيل فحيَّا كل واحد منهما صاحبه بتحية الجاهلية، فقال النبي (ص): يا زيد مالي أري قومك قد شنفوا لك؟ قال: والله يا محمد ذلك لغير نائلة لي منهم، ولكني خرجت أبتغي هذا الدين حتي أقدم علي أحبار فدك، وجدتهم يعبدون الله ويشركون به، قال قلت ماهذا الدين الذي أبتغي، فخرجت حتي أقدم علي أحبار الشام، فوجدتهم يعبدون الله ويشركون به، قلت ما هذا الدين الذي أبتغي، فقال شيخ منهم إنك لتسأل عن دين ما نعلم أحداً يعبد الله به إلا شيخٌ بالحيرة، قال فخرجت حتي أقدم عليه فلما رآني قال ممن أنت؟ قلت من أهل بيت الله، من أهل الشوك والقرظ، فقال إن الدين الذي تطلب قد ظهر ببلادك قد بعث نبي قد ظهر نجمه، وجميع من رأيتهم في ضلال، فلم أحس بشئ بعد يا محمد!!

قال: وقرب إليه السفرة فقال: ما هذا يا محمد؟ فقال شاة ذبحناها لنصب من الانصاب! فقال: ما كنت لأكل مما لم يذكر اسم الله عليه!

قال زيد بن حارثة: فأتي النبي(ص)البيت فطاف به وأنا معه، وبين الصفا والمروة صنمان من نحاس أحدهما يقال له يساف والآخر يقال له

نائلة، وكان المشركون إذا طافوا تمسحوا بهما، فقال النبي (ص): لا تمسحهما فإنهما رجس، فقلت في نفسي لامسنهما حتي أنظر ما يقول النبي(ص)؟ فقال النبي(ص) لزيد: إنه يبعث أمة وحده. رواه أبو يعلي والبزار والطبراني إلا أنه قال فيه: فأخبرته بالذي خرجت له فقال: كل من رأيت في ضلال وإنك لتسأل عن دين الله وملائكته، وقد خرج في أرضك نبي أو هو خارج فارجع فصدقه وآمن به. وقال أيضاً فقال زيد إني لا آكل شيئاً ذبح لغير الله، ورجال أبي يعلي والبزار وأحد أسانيد الطبراني رجال الصحيح غير محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث.

وعن أسماء بنت أبي بكر قالت: كان زيد بن عمرو بن نفيل في الجاهلية يقف عند الكعبة ويلزق ظهره إلي صفحتها، ويقول: يا معشر قريش ما علي الأرض علي دين إبراهيم غيري، وكان يفدي الموؤودة أن تقتل، وقال عمرو بن نفيل:

عزلت الجن والجنان عني كذلك يفعل الجلد الصبور

رواه الطبراني وإسناده حسن. انتهي.

فقد ثبت عندهم بهذه الأحاديث الصحيحة والحسنة، أن النبي صلي الله عليه وآله كان يعبد الأصنام ويذبح لها! وثبت أن زيد بن عمرو كان موحداً علي دين إبراهيم، وكان ينتظر النبوة، وكان أولي بها من محمد، ولكن زيداً إلي تاريخ لقائه بالنبي صلي الله عليه وآله وهو في طريقه إلي الصنم لم يحس بالوحي ولعله أحس به بعد ذلك!!

وقد روت الصحاح افتراءهم علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه ذبح للصنم وقصة اللحم الذي كان يأكل منه بزعمهم ويعافه ابن نفيل!! فقد رواها البخاري: 4/232 وأضاف فيه

(ثم قال زيد إني لست آكل مما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله

عليه، وإن زيد بن عمر كان يعيب علي قريش ذبائحهم ويقول: الشاة خلقها الله وأنزل لها من السماء الماء وأنبت لها من الأرض ثم تذبحونها علي غير اسم الله!! إنكاراً لذلك وإعظاماً له!) انتهي.

وروي نحوها أيضاً في:6/225 وكذلك أحمد في:1/189 وج 2/68 و89 و127

وعلي هذه الروايات الصحاح والحسان! يكون زيد بن عمرو بن نفيل أتقي من محمد صلي الله عليه وآله وأوعي منه، وأولي بالنبوة منه، ولكن الحظ جعلها لمحمد صلي الله عليه وآله.

ولذلك لم يؤمن به زيد عندما بعث لأنه لا يحتاج إلي ذلك!

كما أن ابن عمه عمر يستحق النبوة ولكن الحظ جعلها لمحمد، فقد نسبوا إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: لو لم أبعث لبعث عمر بن الخطاب!! وهذا يعطي الشرعية لكل مناقشات عمر للنبي صلي الله عليه وآله واعتراضاته عليه، بل ومخالفاته له!!

ويلاحظ في رواياتهم عن زيد بن عمرو، أن عدداً منها عن لسان ولده سعيد وابن عمه عمر، وأنها تريد التأكيد علي أن زيداً العدوي وحده كان علي ملة إبراهيم لا عبد المطلب الهاشمي ولا أبو طالب، ولا حتي النبي صلي الله عليه وآله، وهو عملٌ يقصد منه المساس بشخصية النبي وأجداده صلي الله عليه وآله من أجل تكبير شخصيات مشركة من أقارب الحكام!!

لكن المتأمل في رواياتهم يجد فيها حقيقة مهمة، وهي أنهم شهدوا علي زيد بن عمرو بن نفيل بأنه لم يسلم ومات كافراً رغم معرفته المزعومة ببعثة النبي صلي الله عليه وآله، ولو أنه أسلم لما سألوا النبي صلي الله عليه وآله عنه، ولملاوا الكتب بفضائله ومناقبه! كما ملؤوها بذم أبي طالب وضحضاحه!!

اهم الأدلة علي إيمان أبي طالب

تكفلت كتب مستقلة بإثبات إيمان أبي طالب

رضوان الله عليه..ومن أشهرها كتاب (أبو طالب مؤمن قريش) لمؤلفه الشيخ عبد الله الخنيزي الذي صادره الوهابيون وحبسوا مؤلفه (السعودي) بسببه، وحكموا عليه بالإعدام! ولكن الدولة السعودية خشيت من العواقب فأقنعت مفتيهم بتخفيف الحكم فخففه إلي الحبس والتعزير!!

وقد كتب علماؤنا عن إيمان أبي طالب بحوثاً مستفيضة في مصادر السيرة والعقائد، من أهمها ما كتبه المجلسي في البحار:35 والاميني في الغدير: 7 و 8 والشيخ نجم الدين العسكري في مقام الإمام علي عليه السلام والسيد جعفر مرتضي في الصحيح من السيرة:3/227.

ونورد فيما يلي خمسة أدلة علي إيمانه مستفادة من المصادر المذكورة وغيرها:

الدليل الأول: النصوص الصريحة الثابتة عندنا عن النبي والأئمة من آله صلي الله عليه وآله وهم الطاهرون المطهرون الصادقون المصدقون، غير المتهمين في شهادتهم لآبائهم وأقربائهم وأنفسهم.

منها: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: والله ما عبد أبي ولا جدي عبد المطلب ولا هاشم ولا عبد مناف، صنماً قط. قيل له فما كانوا يعبدون؟ قال: كانوا يصلون إلي البيت علي دين إبراهيم متمسكين به. انتهي.

وقال عنه في الغدير:7/384: رواه شيخنا الصدوق بإسناده في كمال الدين/104 والشيخ أبوالفتوح في تفسيره 4: 210 والسيد في البرهان 3: 795

ومنها: ع أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال: نزل جبرئيل عليه السلام علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول: إني قد حرمت النار علي صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك. فالصلب صلب أبيه عبد الله بن عبد المطلب، والبطن الذي حملك آمنة بنت وهب، وأما حجر كفلك فحجر أبي طالب. وزاد في رواية: وفاطمة بنت أسد. انتهي.

وقال عنه في الغدير: روضة الواعظين/121. راجع الكافي لثقة

الإسلام الكليني/242، معاني الأخبار للصدوق، كتاب الحجة السيد فخار بن معد/8، ورواه شيخنا للمفسر الكبير أبو الفتوح الرازي في تفسيره 4-210، ولفظه: إن الله عز وجل حرم علي النار صلباً حملك وبطناً حملك وثدياً أرضعك وحجراً كفلك..إلخ.

ومنها: ما رواه في مقام الإمام علي:3/140: قال السيد الحجة فخار بن معد في كتابه (الحجة علي الذاهب إلي تكفير أبي طالب)/16 بالإسناد إلي الكراجكي عن رجاله، عن أبان، عن محمد بن يونس، عن أبيه، عن أبي عبدالله أنه قال: يا يونس ما تقول الناس في أبي طالب؟ قلت جعلت فداك يقولون: هو في ضحضاح من نار، وفي رجليه نعلان من نار تغلي منهما أم رأسه! فقال: كذب أعداء الله! إن أبا طالب من رفقاء النببين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

ومنها: في المصدر المذكور أيضاً، عن علي بن حسان، عن عمه عبد الرحمن بن كثير قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: إن الناس يزعمون أن أبا طالب في ضحضاح من نار؟ فقال: كذبوا ما بهذا نزل جبرئيل علي النبي صلي الله عليه وآله! قلت وبما نزل؟ قال: أتي جبرئيل في بعض ما كان عليه فقال: يا محمد إن ربك يقرؤك السلام ويقول لك: إن أصحاب الكهف أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين، وإن أبا طالب أسر الإيمان وأظهر الشرك فآتاه الله أجره مرتين، وماخرج من الدنيا حتي أتته البشارة من الله تعالي بالجنة. ثم قال عليه السلام: كيف يصفونه بهذا وقد نزل جبرئيل ليلة مات أبو طالب فقال: يا محمد أخرج من مكة فما لك بها ناصر بعد أبي طالب!

ومنها: في المصدر المذكور أيضاً عن أبي بصير ليث المرادي قال: قلت لابي

جعفر: سيدي إن الناس يقولون: إن أبا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه؟ فقال عليه السلام: كذبوا، والله إن إيمان أبي طالب لو وضع في كفةِ ميزان وإيمان هذا الخلق في كفة لرجح إيمان أبي طالب علي إيمانهم، ثم قال: كان والله أمير المؤمنين يأمر أن يحج عن أب النبي وأمه صلي الله عليه وآله وعن أبي طالب في حياته، ولقد أوصي في وصيته بالحج عنهم بعد مماته. انتهي.

الدليل الثاني: تصريحات أبي طالب رضي الله عليه بصدق النبي صلي الله عليه وآله وأنه رسول رب العالمين.

قال السيد جعفر مرتضي في الصحيح من السيرة:3/230:

ويكفي أن نذكر نموذجاً من أشعاره التي عبر عنها ابن أبي الحديد المعتزلي بقوله: إن كل هذه الاشعار قد جاءت مجي التواتر من حيث مجموعها (شرح النهج:14/78) ونحن نذكر هنا اثني عشر شاهداً من شعره، علي عدد الأئمة المعصومين من ولده عليه وعليهم السلام تبركاً وتيمناً، والشواهد هي:

1 - ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسي خط في أول الكتب

2 - نبي أتاه الوحي من عند ربه ومن قال لا، يقرع بها سن نادم

3 - يا شاهد الوحي من عند ربه إني علي دين النبي أحمد

4 - أنت الرسول رسول الله نعلمه عليك نزِّل من ذي العزة الكتب

5 _ أنت النبي محمدُ قرمٌ أغرُّ مُسَوَّدُ

6 _ أو تؤمنوا بكتاب منزل عجب علي نبي كموسي أو كذي النون

7 _ وظلم نبي جاء يدعو إلي الهدي وأمر أتي من عند ذي العرش قيم

8 _ لقد أكرم الله النبي محمداً فأكرم خلق الله في الناس أحمد

9 _ وخير بني هاشم أحمدٌ رسول

الاله علي فترةِ

10 _ والله لا أخذل النبي ولا يخذله من بنيَّ ذو حسب

11 _ وقال رحمه الله يخاطب ملك الحبشة ويدعوه إلي الإسلام:

أتعلم ملك الحسن أن محمداً نبياً كموسي والمسيح ابن مريم

أتي بالهدي مثل الذي أتيا به فكلٌّ بأمر الله يهدي ويعصم

وإنكم تتلوته في كتابكم بصدقِ حديث لا حديث الترجم

فلا تجعلوا لله نداً فأسلموا فإن طريق الحق ليس بمظلم

12 -_ وقال مخاطباً ولده حمزة رحمه الله:

فصبراً أبا يعلي علي دين أحمد وكن مظهر للدين وفقت صابر

وحط من أتي بالحق من عند ربه بصدق وعزم لاتكن حمز كافر

فقد سرني أن قلت إنك مؤمنٌ فكن لرسول الله في الله ناصر

وباد قريشاً في الذي قد أتيته جهاراً وقل ما كان أحمد ساحر

وأشعار أبي طالب الناطقة بإيمانه كثيرة، وقد اقتصرنا منها علي هذا القدر لنفسخ المجال لذكر لمحة عن سائر ما قيل ويقال في هذا الموضوع. انتهي.

ونضيف إلي ماذكره صاحب الصحيح ما قاله الطبرسي في الاحتجاج: 1/345: وقد اشتهر عن عبدالله المأمون أنه كان يقول: أسلم أبو طالب والله بقوله:

نصرت الرسول رسول المليك ببيض تلالا كلمع البروقِ

أذب وأحمي رسول الاله حماية حام عليه شفيق

وما إن أدبُّ لأع_دائه دبيب البكار حذار الفنيق

ولك_ن أزي_ر له__م سامي__اً كما زار ليث بغيل مضيق

وما ذكره أبو الفداء في تاريخه:1/170 قال: ومن شعر أبي طالب مما يدل علي أنه كان مصدقاً لرسول الله(ص)قوله:

ودعوتني وعلمت أنك صادقٌ ولقد صدقت وكنت ثم أمين

الدليل الثالث: تحليل مقومات شخصية أبي طالب (رض) وعلاقته بالنبي صلي الله عليه وآله منذ أن أوصاه به أبوه عبد المطلب وكفله إياه، ونصرته

له من أول بعثته، وفي أصعب مراحلها..إلي أن توفي في السنة العاشرة من البعثة..فإن أي باحث ينظر في ذلك يقتنع بأن نصرته وحمايته للنبي صلي الله عليه وآله لايمكن أن تصدر إلا عن مؤمن قوي الإيمان.

بل لا يحتاج الأمر إلي دراسة مقومات شخصيته وكل حياته، فيكفي دراسة بعض مواقفه لإثبات ذلك.

منها: الموقف الذي رواه في الغدير:7/388: عن الأصبغ بن نباته قال: سمعت أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول: مرَّ رسول الله صلي الله عليه وآله بنفر من قريش وقد نحروا جزوراً، وكانوا يسمونها الفهيرة ويذبحونها علي النصب، فلم يسلِّم عليهم. فلما انتهي إلي دار الندوة قالوا: يمر بنا يتيم أبي طالب فلا يسلم علينا! فأيكم يأتيه فيفسد عليه مصلاه؟ فقال عبد الله بن الزبعري السهمي: أنا أفعل، فأخذ الفرث والدم فانتهي به إلي النبي صلي الله عليه وآله وهو ساجدٌ فملا به ثيابه ومظاهره، فانصرف النبي صلي الله عليه وآله حتي أتي عمه أبا طالب فقال: يا عم من أنا؟ فقال: ولم يا ابن أخي؟! فقص عليه القصة فقال: وأين تركتهم؟ فقال: بالابطح. فنادي في قومه: يا آل عبد المطلب! يا آل هاشم! يا آل عبد مناف! فأقبلوا إليه من كل مكان ملبين، فقال: كم أنتم؟ قالوا: نحن أربعون، قال: خذوا سلاحكم، فأخذوا سلاحهم وانطلق بهم حتي انتهي إلي أولئك النفر، فلما رأوه أرادوا أن يتفرقوا، فقال لهم: ورب هذه البنية لا يقومن منكم أحد إلا جللته بالسيف! ثم أتي إلي صفاة كانت بالأبطح فضربها ثلاث ضربات حتي قطعها ثلثة أفهار، ثم قال: يا محمد سألتني من أنت؟ ثم أنشأ يقول ويومي بيده إلي النبي صلي الله عليه وآله:

أنت النبيُّ محمَّدُ قَرْمٌ

أعَزُّ مُسَوَّدُ

ثم قال: يا محمد أيهم الفاعل بك؟ فأشار النبي صلي الله عليه وآله إلي عبد الله بن الزبعري السهمي الشاعر، فدعاه أبو طالب فوجأ أنفه حتي أدماها! ثم أمر بالفرث والدم فأمرَّ علي رؤس الملا كلهم! ثم قال: يا ابن أخ أرضيت؟

ثم قال: سألتني من أنت؟ أنت محمد بن عبد الله ثم نسبه إلي آدم عليه السلام ثم قال:

أنت والله أشرفهم حسباً وأرفعهم منصباً!

يا معشر قريش من شاء منكم يتحرك فليفعل أنا الذي تعرفوني!

رواه السيد ابن معد في الحجة/106 وذكر لِدَة هذه القضية الصفوري في نزهة المجالس 2: 122 وفي طبع/91، وابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق بهامش المستطرف 2: 3 نقلاً عن كتاب الأعلام للقرطبي 13

ومنها: الموقف الذي رواه الطبرسي في الإحتجاج:1/345 قال:

لما رأي المشركون موقف أبي طالب من نصرة الرسول، وسمعوا أقواله اجتمعوا بينهم، وقالوا ننافي بني هاشم ونكتب صحيفة ونودعها الكعبة، أن لا نبايعهم، ولا نشاريهم، ولا نحدثهم، ولا نجتمع معهم في مجمع، ولا نقضي لهم حاجة، ولا نقتضيها منهم، ولا نقتبس منهم ناراً، حتي يسلِّموا الينا محمداً، ويخلوا بيننا وبينه أو ينتهي عن تسفيه آبائنا، وتضليل آلهتنا. وأجمع كفار مكة علي ذلك.

فلما بلغ ذلك أبا طالب، قال يخبرهم باستمراره علي مناصرة الرسول ومؤازرته له، ويحذرهم الحرب، وينهاهم عن متابعة السفهاء:

ألا أبلغا عني علي ذاتِ بينِها لؤيّاً وخصَّا من لؤيٍّ بني كعبِ

ألم تعلموا أنا وجدنا محمداً نبياً كموسي خُطَّ في أول الكتْبِ

وأن عليه في العباد محبةً ولا حيفَ فيمن خصَّهُ الله بالحب

وأن الذي لفقتم في كتابكم يكون لكم يوماً كراغية السقب

أفيقوا أفيقوا قبل أن تُحْفََر الزُّبَي ويصبح من

لم يجنِ ذنباً كذي الذنب

ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا أواصرنا بع_د الم_ودة والق_رب

وتستجلبوا حرباً عواناً وربَّمَا أمَرَّ علي من ذاقهُ حَلَبُ الح_رب

فلسنا وبيتِ الله نسلم أحمداً لعزَّاءَ من عضِّ الزمان ولا حرب

ولَمَّا تَبِنْ منا ومنكم سوالفٌ وأي_د أبي_دت بالمهن_دة الشه_ب

بمعترك ضَنْك تري كِسَرَ القنا به نَواً لضباعِ العُرْجِ تعكف كالسرب

كأن مجال الخيل في حجراته وغمغمة الأبطال معركة الحرب

أليس أبونا هاشمٌ شدَّ أزره وأوصي بنيه بالطعان وبالض_رب

ورواها في البحار:35/160 وزاد فيها:

ولسنا نملُّ الحرب حتي تملَّنا ولا نشتكي مما ينوب من النكب

ولكننا أهل الحفائظ والنهي إذا طار أرواح الكماة من الرعب

ومنها: إيمانه بمعجزات النبي وكراماته صلي الله عليه وآله، ونظمه إياها شعراً.

قال الطبرسي في الاحتجاج:1/343:

روي أن أبا جهل بن هشام جاء إلي رسول الله وهو ساجد وبيده حجر يريد أن يرميه به، فلما رفع يده لصق الحجر بكفه فلم يستطع ما أراد، فقال أبو طالب:

أفيقوا بني غالب وانتهوا عن الغي من بعض ذا المنطق

وإلا فإني إذن خائفٌ بوائقَ في داركم تلتق_ي

تكون لغيرك_مُ عب__رةً وربِّ المغارب والمش_رق

كما نال من كان من قبلكم ثمودٌ وع_ادٌ وم_اذا بق_ي

غداةَ أتاهم بها صرص_رٌ وناقة ذي العرش قد تستقي

فحلَّ عليهم بها سَخْطَةٌ من الله في ضربة الأزرق

غ_داة يع_ضُّ بعرقوبه__ا حساماً من الهند ذا رونق

وأعجب من ذاك في أمركم عجائب في الحجر الملصق

بكف الذي قام من خبثه إلي الصابر الصادق المتقي

فأثبت_ه الل_ه ف_ي كف_ه علي رغمةِ الجائر الأحمق

أحيمق مخزومكم إذ غوي لغيِّ الغواةِ ولم يَصْ_دُقِ

الدليل الرابع: استدل به سبط ابن الجوزي علي إيمان أبي طالب، ومفاده: أن خصوم علي

عليه السلام من الأمويين والزبيريين وغيرهم، كانوا حريصين علي انتقاصه بأي عيب ممكن في نفسه وأبيه وأمه وعشيرته، وقد سجل التاريخ مراسلات علي عليه السلام ومعاوية ومناظرات أنصارهم، وقد تضمنت ماذمهم علي عليه السلام به وإزراؤه عيهم بكفر آبائهم وأمهاتهم، بل سجل التاريخ أن علياً عليه السلام فاخر معاوية بأبي طالب، فكتب له في رسالة (ليس أمية كهاشم، ولا حرب كعبد المطلب، ولا أبو سفيان كأبي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق) ومع ذلك لم يتكلم معاوية ولا غيره من أعداء علي عليه السلام بكلمة ذم في أبي طالب!!

فلو أنه كان مشركاً ومات علي الشرك كما يدعون، لاغتنم أعداء علي هذه النقطة وعيروه بها وشنعوا عليه بها. ولو كان حديث ضحضاح أبي طالب صادراً عن النبي صلي الله عليه وآله لسمعت أخباره شعراً ونثراً في صفين وبعدها..!

وهذا يدل علي أن أحاديث شرك أبي طالب وأنه في النار والضحضاح، قد وضعت في عهد الأمويين بعد شهادة علي عليه السلام!

الدليل الخامس: ترحم النبي صلي الله عليه وآله علي أبي طالب واستغفاره له، وتسميته عام وفاته ووفاة خديجة رضوان الله عليهما (عام الحزن).

قال الأميني في الغدير:7/372:

أخرج ابن سعد في طبقاته 1: 105 عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي قال: أخبرت رسول الله(ص)بموت أبي طالب فبكي ثم قال: إذهب فاغسله وكفنه وواره، غفر الله له ورحمه.

وفي لفظ الواقدي: فبكي بكاء شديداً ثم قال: إذهب فاغسله.. الخ. وأخرجه ابن عساكر كما في أسني المطالب/21 والبيهقي في دلائل النبوة. وذكره سبط ابن الجوزي في التذكره/6 وابن أبي الحديد في شرحه 3-314 والحلبي في السيرة 1-373 والسيد زيني دحلان في السيرة هامش الحلبية

1-90 والبرزنجي في نجاة أبي طالب وصححه كما في أسني المطالب/35 وقال: أخرجه أيضاً أبوداود وابن الجاوود وابن خزيمة وقال: إنما ترك النبي(ص)المشئ في جنازته اتقاء من شر سفهاء قريش، وعدم صلاته لعدم مشروعية صلاة الجنازة يومئذ.

عن الأسلمي وغيره: توفي أبوطالب للنصف من شوال في السنة العاشرة من حين نبئ رسول الله(ص)، وتوفيت خديجة بعده بشهر وخمسة أيام، فاجتمعت علي رسول الله(ص)عليها وعلي عمه حزناً شديداً، حتي سمي ذلك العام عام الحزن. انتهي.

وقد روي الخطيب البغدادي في تاريخه:13/196 عن ابن عباس ترحم النبي صلي الله عليه وآله واستغفاره لابي طالب بعد موته، وكذا الذهبي في تاريخ الإسلام:1/235، وروت مصادرنا أحاديث كثيرة في ذلك كما في مناقب آل أبي طالب:1/150 عن آخرين وبحار الأنوار:19/15 وص 25 وج 22/530

هذا وقد ثبت أن أبا طالب كان علي دين عبد المطلب، وسوف يتضح لك إيمان عبد المطلب ومقامه، رضوان الله عليهما، في فصل شفاعة الأنبياء (عليهم السلام).

ولادة المذاهب المنحرفة من أفكار توسيع الشفاعة

عمل اليهود علي إسقاط المحرمات من الأديان

كان اليهود أسبق الأمم إلي تحريف قانون العقوبة الإلهي، فقد أسقطوا المحرمات عن أنفسهم تجاه الأمم الأخري، وخففوا قانون العقوبة الإلهي وشوشوه بالنسبة إلي الجرائم الأخري التي يرتكبونها!

ومن الطبيعي أن يسري ذلك إلي عقيدتهم بالله تعالي، فصوروه بأنه قاس عصبيُّ المزاج، ولذا فإن عقوباته شديدة وغير منطقية! وذلك واضح لمن قرأ صفحات قليلة من توراتهم.

وقد أخذ المسيحيون هذه الثقافة من اليهود، وما زالوا.. وقد سمعت أن من المسائل الفكرية المطروحة أخيراً عند الكتاب الغربيين، خاصةً في فرنسا، موضوع: هل يجب أن يكون في الدين الإلهي محرمات، أم لا..

ذلك أن اليهود والكتاب المتأثرين بهم يريدون من الكنيسة المسيحية أن تقدم ديناً بلا محرمات، وتفتي بأن المهم

هو الإيمان الذي هو أمرٌ في القلب، مهما كان عمل الناس!

وهذا بالضبط هو مذهب المرجئة الذي زرعه اليهود في عقائد المسلمين، عن طريق بعض الصحابة!

أما زارعوه الجدد فليسوا كعب الأحبار ولا وهب بن منبه، بل هم ذراري النصاري واليهود الصرحاء! والمزروع فيهم ليسوا صحابة، بل هم ذراري المسلمين المتغربين!

اخبار النبي بظهور المرجئة والقدرية و تحذيره منهم

روت مصادر السنة والشيعة تنبؤ النبي صلي الله عليه وآله بظهور المرجئة والقدرية في أمته وتحذيره من خطرهم، وأنهم لا تنالهم شفاعته، لأنهم يحرفون الإسلام ويشوشون أمر الأمة من بعده.

فقد روي الهيثمي في مجمع الزوائد:7/207:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): صنفان من أمتي لا يردا عليَّ الحوض ولا يدخلان الجنة، القدرية والمرجئة. رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح غير هارون بن موسي الفروي وهو ثقة. انتهي. وروي الترمذي شبيهاً به في:3/308

ورواه في كنز العمال:1/119 عن حلية الأولياء لأبي نعيم عن أنس، وعن مسند الطيالسي، عن واثلة عن جابر. وروي نحوه في:1/362 عن السلفي في انتخاب حديث القراء عن علي. ورواه ابن حبان في كتاب المجروحين:2/112 عن عكرمة.

وفي مجمع الزوائد:7/203:

عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلي عليه وسلم: ما بعث الله نبياً قط إلا وفي أمته قدرية ومرجئة يشوشون عليه أمر أمته. ألا وإن الله قد لعن القدرية والمرجئة علي لسان سبعين نبياً. رواه الطبراني وفيه بقية بن الوليد وهو لين ويزيد بن حصين لم أعرفه. انتهي. ورواه ابن حبان عن أبي هريرة في كتاب المجروحين:1/362 وفيه (أمته من بعده..سبعين نبياً أنا آخرهم)

وفي كتاب الخصال للصدوق/72:

أخبرني الخليل بن أحمد قال: أخبرنا ابن منيع قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا علي

بن ثابت عن إسماعيل بن أبي إسحاق، عن ابن أبي ليلي، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. انتهي.

ورواه في ثواب الأعمال/212.وقال في صحيفة الرضا/278: وبإسناده قال قال رسول الله 9: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية. رواه في ثواب الأعمال: 252 ح3 بالإسناد رقم 10 عنه البحار: 5-118 ح 52. ورواه الشيخ حسن بن سليمان في المختصر: 135 بالاسناد رقم 57 والكراجكي في كنزه: 51 بالإسناد رقم 14 عنه البحار: 5-7 ح 8. ورواه الصدوق في الخصال: 1-72 ح 110 بإسناده عن ابن عمر عن النبي 9 عنه البحار: 5-7 ح 7.

وفي دعائم الإسلام:2/511:

وعنه صلي الله عليه وآله أنه قال: لا تجوز شهادة أهل الاهواء علي المؤمنين، قال أبو جعفر عليه السلام: لا تجوز شهادة حروري، ولا قدري ومرجئ، ولا أموي، ولاناصب، ولا فاسق، يعني من باين بذلك وظهرت عداوته ونصبه، فأما من كتم ذلك وأسره فظهر منه الخير وكان عدلاً في مذهبه، جازت شهادته وعلي هذا العمل.

تعريف المرجئة و مذهبهم

قال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصي الله من أهل الشهادتين فقالت المرجئة: لا تضره المعصية، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن.

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

في أن الله تعالي يعفو عن الكبائر. الإجماع منعقد علي أنه تعالي عفوٌّ، وأن عفوه ليس في حق الكافر بل في حق المؤمنين، فقالت المعتزلة: هو عفوٌّ عن الصغائر قبل التوبة، وعن الكبائر بعدها. وقالت المرجئة: عفو عن الصغائر والكبائر

مطلقاً!!

تفسير الرازي:16 جزء 31/203:

قوله تعالي (لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَي) إن المرجئة يتمسكون بهذه الآية في أنه لا وعيد إلا علي الكفار! قال القاضي: ولا يمكن إجراء هذه الآية علي ظاهرها، ويدل علي ذلك ثلاثة أوجه: أحدها أنه يقتضي أن لا يدخل النار إلا الأشقي الذي كذب وتولي... وثانيهما أن هذا إغراء بالمعاصي... وثالثهما... معلوم من حال الفاسق أنه ليس بأتقي... الخ.

وقال في هامش بحار الأنوار:8/364:

الوعيدية: فرقة من الخوارج يكفِّرون أصحاب الكبائر، والكبيرة عندهم كفرٌ يخرج به عن الملة، ويقابلهم المرجئة وهم يقولون: إنه لا يضر مع الإيمان معصية، كما لا ينفع مع الكفر طاعة، وليس العمل علي مذهبهم، وإن كان من الإيمان. فعليه معني الارجاء تأخير العمل عن النية والعقد.

وروي في الكافي:1/403:

محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن علي بن الحكم، عن الحكم بن مسكين، عن رجل من قريش من أهل مكة قال: قال سفيان الثوري: إذهب بنا إلي جعفر بن محمد، قال فذهبت معه إليه فوجدناه قد ركب دابته، فقال له سفيان: يا أبا عبد الله حدثنا بحديث خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله في مسجد الخيف، قال: دعني حتي أذهب في حاجتي فإني قد ركبت فإذا جئت حدثتك، فقال: أسألك بقرابتك من رسول الله صلي الله عليه وآله لما حدثتني، قال: فنزل فقال له سفيان: مر لي بدواة وقرطاس حتي أثبته، فدعا به ثم قال: أكتب: بسم الله الرحمن الرحيم. خطبة رسول الله صلي الله عليه وآله في مسجد الخيف: نضر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها، وبلغها من لم تبلغه.

يا أيها الناس ليبلغ الشاهد الغائب، فرب حامل فقه ليس بفقيه، ورب حامل فقه إلي من

هو أفقه منه، ثلاث لا يغلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسليمن، واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطةٌ من ورائهم، المؤمنون إخوة تتكافأ دماؤهم، وهم يد علي من سواهم، يسعي بذمتهم أدناهم.

فكتبه سفيان ثم عرضه عليه، وركب أبو عبد الله عليه السلام. وجئت أنا وسفيان، فلما كنا في بعض الطريق قال لي: كما أنت حتي أنظر في هذا الحديث، قلت له: قد والله ألزم أبو عبد الله رقبتك شيئاً لا يذهب من رقبتك أبداً!

فقال: وأي شئ ذلك؟

فقلت له: ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، قد عرفناه، والنصيحة لأئمة المسلمين، من هؤلاء الأئمة الذين يجب علينا نصيحتهم؟ معاوية بن أبي سفيان ويزيد بن معاوية ومروان بن الحكم؟ وكل من لاتجوز الصلاة خلفهم؟! وقوله: واللزوم لجماعتهم، فأي الجماعة؟ مرجئ يقول: من لم يصل ولم يصم ولم يغتسل من جنابة وهدم الكعبة ونكح أمه فهو علي إيمان جبرئيل وميكائيل؟! أو قدري يقول: لا يكون ما شاء الله عز وجل ويكون ما شاء إبليس؟! أو حروري يتبرأ من علي بن أبي طالب ويشهد عليه بالكفر؟! أو جهمي يقول إنما هي معرفة الله وحده ليس الإيمان شئ غيرها؟!

قال: ويحك وأي شئ يقولون؟!

فقلت يقولون: إن علي بن أبي طالب والله الإمام الذي وجب علينا نصيحته، ولزوم جماعتهم: أهل بيته. قال: فأخذ الكتاب فخرَّقه، ثم قال. لا تخبر بها أحداً.

المرجئة ولدوا من عهد الخليفة عمر

رأينا كيف وسعت دولة الخلافة القرشية شفاعة النبي صلي الله عليه وآله حتي شملت كل من يشهد بالتوحيد فقط ولو لم يشهد بالنبوة..

ثم وسعتها إلي جميع الخلق، كما تقدم من رواياتهم وكلام ابن تيمية.

ثم استغنت عن شفاعة

الأنبياء جميعاً، وأوجبت الجنة بأعمال وكلمات بسيطة.

ثم استغنت عن كل ذلك، وقالت بفناء النار ونقل أهلها إلي الجنة!!

ولعل الخليفة عمر وكعب الأحبار رائدي هذه الافكار ومن تابعهم عليها لم يلتفتوا إلي خطورتها الزائدة، وأنها تمثل مشروعاً خطيراً لإسقاط كل المحرمات وتعويم الإيمان، في أمة نهضت بالإسلام والإيمان وأخذت تفتح بلاد الإمبراطورية الفارسية والرومانية، بلداً بعد آخر.. وهي بأمسِّ الحاجة إلي حفظ شخصية جنودها وجديتهم، وعدم التساهل في مفاهيم إيمانهم.

علي أي حال فالذي وقع في حياة الأمة، أن هذه الأفكار بمساعدة فكرة الجبر وأن الله تعالي قد فرغ من الأمر وكتب كل شئ وانتهي الأمر ولا بداء.. سرعان ما أثمرت مذهبين عقائديين مواليين للسلطة هما: المرجئة والقدرية، وقد تبنتهما السلطة وأيدت علماءهما وهيأت لهم الظروف لنشر أفكارهم في الأمة.

ويتلخص مذهب المرجئة بمقولتهم المشهورة (الإيمان لا تضر معه معصية) فالإيمان عندهم مجرد القول بالشهادتين، وبذلك يضمن الإنسان دخول الجنة مهما كان عمله!!

ويتلخص مذهب القدرية أو الجبرية: بأن مسؤولية الإنسان عن أعماله وجرائمه محدودة أو منتفية، لأن الخير والشر من الله تعالي، وكل شئ مكتوب ومقدر منه تعالي!!

ومن الواضح أن هذين المذهبين هما نفس الأفكار والأحاديث التي رأيناها في توسيع الشفاعة وتوسيع دخول الجنة، لكن بصيغة (ممذهبة).

كما أن أحدهما مكمل للآخر في تخفيف مسؤولية الإنسان، لأن جوهرهما واحد وهو (تعويم) قانون العقوبة الإلهي، بل تطمين الناس بأنه قد تم شطبه!!

وقد مر معنا في بحث توسيعات الشفاعة ما رواه السيوطي في الدر المنثور:2/116 عن البيهقي، وادعاؤهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعمر: يا عمر إنك لا تسأل عن أعمال الناس، ولكن تسأل عن الفطرة! وهذا نفس ما يقوله المرجئة!

وفي سنن الترمذي:3/87:

أن النبي صلي الله عليه وآله سمع ذات يوم رجلاً يقول: الله أكبر الله أكبر، فقال: علي الفطرة. فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: خرجت من النار! انتهي. ونحوه في صحيح مسلم ج2/4 ومسند أحمد:3/241 وكنز العمال:8/366

بل وجدنا نفس تعبير (الإيمان لا تضر معه خطيئة) في عدة روايات في مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص:2/170 قال: قال رسول الله (ص): من لقي الله لا يشرك به شيئاً لم تضره معه خطيئة! انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد:1/19: رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ماخلا التابعي فإنه لم يسم، ورواه الطبراني فجعله من رواية مسروق عن عبد الله بن عمرو. وقال في كنز العمال:1/81 إنه صحح! انتهي.

ومصدر ابن عمرو إما أن يكون الخليفة عمر، وإما أن يكون أخذه من أحاديث (العِدْلَيْن) أي الكيسين الكبيرين اللذين أخذهما بعد معركة اليرموك من الشام من رايات اليهود وكتبهم، وكان يحدث المسلمين منهما!

اول من تصدي لمذهب المرجئة علي

روي الصدوق في علل الشرائع:2/602:

حدثنا الحسين بن أحمد رحمه الله عن أبيه عن محمد بن أحمد قال: حدثنا أبو عبد الله الرازي، عن علي بن سليمان بن راشد، بإسناده رفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام قال: يحشر المرجئة عمياناً، إمامهم أعمي، فيقول بعض من يراهم من غير أمتنا: ماتكون أمة محمد إلا عمياناً! فأقول لهم: ليسوا من أمة محمد، لانهم بدَّلوا فبدل ما بهم، وغيَّروا فغير ما بهم.

وروي في الخصال/611:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثني محمد بن عيسي بن عبيد اليقطيني، عن القاسم بن يحيي، عن جده الحسن بن راشد، عن أبي بصير ومحمد بن مسلم،

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: حدثني أبي عن جدي عن آبائه (عليهم السلام)أن أمير المؤمنين عليه السلام علم أصحابه في مجلس واحد أربع مائة باب مما يصلح للمسلم في دينه ودنياه.

قال عليه السلام: إن الحجامة تصحح البدن وتشد العقل، والطيب في الشارب من أخلاق النبي صلي الله عليه وآله وكرامة الكاتبين، والسواك من مرضات الله عز وجل وسنة النبي صلي الله عليه وآله ومطيبة للفم، والدهن يلين البشرة ويزيد في الدماغ ويسهل مجاري الماء ويذهب بالقشف ويسفر اللون، وغسل الرأس يذهب بالدرن وينفي القذاء، والمضمضة والاستنشاق سنة وطهور للفم والانف، والسعوط مصحة للرأس وتنقية للبدن وسائر أوجاع الرأس، والنورة نشرة وطهور للجسد، واستجادة الحذاء وقاية للبدن وعون علي الطهور والصلاة. وتقليم الاظفار يمنع الداء الأعظم... الخ.

وهو حديث طويل فيه تعليمات هامة دينية ودنيوية، وقد جاء فيه عن المرجئة: علموا صبيانكم ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها... انتهي.

وقال في هامشه: قال العلامة المجلسي رحمه الله: إعلم أن أصل هذا الخبر في غاية الوثاقة والإعتبار علي طريقة القدماء، وإن لم يكن صحيحاً بزعم المتأخرين، واعتمد عليه الكليني رحمه الله وذكر أكثر أجزائه متفرقة في أبواب الكافي، وكذا غيره من أكابر المحدثين.

أقول: عدم صحة السند عند المتأخرين لمقام القاسم بن يحيي، والظاهر أن أصل الرواية في كتابه، قال الشيخ في الفهرست: القاسم بن يحيي الراشدي له كتاب فيه آداب أمير المؤمنين عليه السلام، والراشدي نسبة إلي جده الحسن بن راشد البغدادي مولي المنصور الدوانيقي الذي كان وزيراً للمهدي وموسي وهارون الرشيد. قال ابن الغضائري: ضعيف. وقال البهبهاني في التعليقة: لا وثوق بتضعيف ابن الغضائري إياه، ورواية الاجلة سيما مثل

أحمد بن محمد بن عيسي عنه تشير إلي الاعتماد عليه، بل الوثاقة وكثرة رواياته والافتاء بمضمونها يؤيده. ويؤيد فساد كلام ابن الغضائري في المقام، عدم تضعيف شيخ من المشايخ العظام الماهرين بأحوال الرجال إياه، وعدم طعن من أحد ممن ذكره في ترجمته وترجمة جده وغيرها، والعلامة رحمه الله تبع ابن الغضائري بناء علي جواز عثوره علي مالم يعثروا عليه، وفيه ما فيه. انتهي. ورواه ابن شعبة الحراني مرسلاً في تحف العقول/104

هذا وقد صرح القاضي النعماني المغربي المتوفي سنة 363 بأن اسم المرجئة أول ما أطلق علي المتخلفين عن بيعة علي عليه السلام ونصرته علي الفئة الباغية، وهو يدل علي أن بعض الصحابة تمسكوا بفكرة كعب وعمر التي تكتفي لدخول الجنة بالتوحيد بدون عمل، فيكون مذهب المرجئة قد تمت ولادته بعد وفاة عمر بقليل وفي حياة كعب الأحبار!

قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/82:

فأما المتخلفون عن الجهاد مع علي صلوات الله عليه، وقتال من نكث بيعته ومن حاربه وناصبه، فإنه تخلف عنه في ذلك من المعروفين من الصحابة: سعد بن أبي وقاص وكان أحد الستة الذين سماهم عمر للشوري، وعبدالله بن عمر بن الخطاب، ومحمد بن سلمة، واقتدي بهم جماعة فقعدوا بقعودهم عنه، ولم يشهدوا شيئاً من حروبه معه ولا مع من حاربه. وهذه الفرقة هم أصل المرجئة وبهم اقتدوا، وذهب إلي ذلك من رأيهم جماعة من الناس وصوبوهم فيه وذهبوا إلي ما ذهبوا إليه، فقالوا في الفريقين في علي عليه السلام ومن قاتل معه وفي الذين حاربوه وناصبوه ومن قتل من الفريقين: إنهم يخافون عليهم العذاب ويرجون لهم الخلاص والثواب، ولم يقطعوا عليهم بغير ذلك وتخلفوا عنهم. والإرجاء في اللغة التأخير فسموا مرجئة

لتأخيرهم القول فيهم، وتأخرهم عنهم ولم يقطعوا عليهم بثواب ولا عقاب، لأنهم زعموا أنهم كلهم موحدون ولا عذاب عندهم علي من قال: لا إله إلا الله، فقدموا المقال وأخروا الأعمال فكان هذا أصل الإرجاء ثم تفرق أهله فرقاً إلي اليوم يزيدون علي ذلك من القول وينقصون. انتهي.

وقال في شرح الأخبار:1/365:

ثم هذه الفرق التي ذكرناها تتشعب ويحدث في أهلها الإختلاف إلي اليوم وأصلها ست فرق: شيعة وعامة وخوارج ومعتزلة ومرجئة وحشوية.

فالشيعة: هم شيعة علي صلوات الله عليه القائلون بإمامته، وهم أقدم الفرق وأصلها الذي تفرعت عنه، ورسول الله صلوات الله عليه وآله سماها بهذا الاسم. وقال: شيعة عليٍّ هم الفائزون. وقال لعلي عليه السلام: أنت وشيعتك.. في آثار كثيرة رويت عنه. وسنذكر في هذا الكتاب ما يجري ذكره إن شاء الله تعالي. وغير ذلك من الفرق محدثةٌ أحدثت بعد النبي صلوات الله عليه وآله. انتهي.

ويدل النصان التاليان علي وجود المرجئة علي شكل مذهب متكامل في عصر الإمام الباقر عليه السلام المتوفي سنة 94 هجرية، أي في الجيل الأول من التابعين بعد الصحابة مباشرة.

قال الصدوق في ثواب الأعمال/213:

وحدثني محمد بن موسي بن المتوكل قال: حدثني محمد بن جعفر قال: حدثني أحمد بن محمد العاصمي قال: حدثني علي بن عاصم الهمداني، عن محمد بن عبد الرحمن المحرري، عن يحيي بن سالم، عن محمد بن سلمة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: ما الليل بالليل ولا النهار بالنهار أشبه من المرجئة باليهود، ولا من القدرية بالنصرانية.

وفي علل الشرائع:2/528:

وبهذا الإسناد عن محمد بن أحمد، عن ابن عيسي، عن عثمان بن سعيد قال: حدثنا عبدالكريم الهمداني، عن أبي ثمامة قال: دخلت علي أبي

جعفر عليه السلام وقلت له: جعلت فداك إني رجل أريد أن ألازم مكة وعليَّ دينٌ للمرجئة فما تقول؟ قال: قال إرجع (وأد) دينك وانظر أن تلقي الله تعالي وليس عليك دين، فإن المؤمن لا يخون. انتهي.

أما في عصر الإمام الصادق عليه السلام وما بعده فقد كان للمرجئة وجودٌ واسع وصولةٌ، وانتشر مذهبهم حتي شمل أكثر الرواة وعلماء الدولة..كما اتسع تصدي أهل البيت (عليهم السلام) لأفكارهم، ففي دعائم الإسلام للقاضي النعمان: 1/3 قال: روينا عن جعفر بن محمد أنه قال: الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، وهذا الذي لا يصح غيره، لا كما زعمت المرجئة أن الإيمان قولٌ بلا عمل، ولا كالذي قالت الجماعة من العامة إن الإيمان قولٌ وعملٌ فقط، وكيف يكون ما قالت المرجئة إنه قول بلا عمل وهم والأمة مجمعون علي أن من ترك العمل بفريضة من فرائض الله عز وجل التي افترضها علي عباده منكراً لها أنه كافر حلال الدم ما كان مصراً علي ذلك، وإن أقر بالله ووحده وصدق رسوله بلسانه، إلا أنه يقول هذه الفريضة ليست مما جاء به، وقد قال الله عز وجل: وَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ أَلَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالآخرة هُمْ كَافِرُونَ، فأخرجهم من الإيمان بمنعهم الزكاة، وبذلك استحل القوم أجمعون بعد رسول الله صلي الله عليه وآله دماء بني حنيفة وسبي ذراريهم، وسموهم أهل الردة إذ منعوهم الزكاة. انتهي.

قال الكليني في الكافي:2/40:

محمد بن الحسن، عن بعض أصحابنا، عن الأشعث بن محمد، عن محمد بن حفص بن خارجة قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وسأله رجل عن قول المرجئة في الكفر والإيمان، وقال إنهم يحتجون علينا ويقولون كما أن الكافر عندنا هو

الكافر عند الله، فكذلك نجد المؤمن إذا أقر بإيمانه أنه عند الله مؤمن! فقال: سبحان الله وكيف يستوي هذان؟! والكفر إقرارٌ من العبد، فلا يكلف بعد إقراره ببينة، والإيمان دعوي لا يجوز إلا ببينة، وبينته عمله ونيته، فإذا اتفقا فالعبد عند الله مؤمن. والكفر موجود بكل جهة من هذه الجهات الثلاث من نية أو قول أو عمل، والأحكام تجري علي القول والعمل، فما أكثر من يشهد له المؤمنون بالإيمان ويجري عليه أحكام المؤمنين وهو عند الله كافر، وقد أصاب من أجري عليه أحكام المؤمنين بظاهر قوله وعمله.

وقال في الايضاح/44:

ومنهم المرجئة الذين يروي عنهم أعلامهم مثل إبراهيم النخعي وإبراهيم بن يزيد التيمي، ومن دونهما مثل سفيان الثوري وابن المبارك ووكيع وهشام وعلي بن عاصم، عن رجالهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: القدرية والمرجئة. فقيل له: ما المرجئة قالوا: الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل. وأصل ما هم عليه أنهم يدينون بأن أحدهم لو ذبح أباه وأمه وابنه وبنته وأخاه وأخته وأحرقهم بالنار أو زني أو سرق أو قتل النفس التي حرم الله أو أحرق المصاحف أو هدم الكعبة أو نبش القبور أو أتي أي كبيرة نهي الله عنها.. أن ذلك لا يفسد عليه إيمانه ولا يخرجه منه، وأنه إذا أقر بلسانه بالشهادتين أنه مستكمل الإيمان إيمانه كإيمان جبرئيل وميكائيل صلي الله عليهما، فعل ما فعل وارتكب ما ارتكب ما نهي الله عنه!

ويحتجون بأن النبي صلي الله عليه وآله قال: أمرنا أن نقاتل الناس حتي يقولوا: لا إله إلا الله. وهذا قبل أن يفرض سائر الفرائض وهو منسوخ. وقد روي محمد بن الفضل، عن

أبيه، عن المغيرة بن سعيد، عن أبيه، عن مقسم، عن سعيد بن جبير قال: المرجئة يهود هذه الأمة. وقد نسخ احتجاجهم قول النبي صلي الله عليه وآله حين قال: بني الإسلام علي خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم شهر رمضان.

كان المرجئة خداما لبني أمية و مبررين لجرائمهم

الكافي:2/409:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن مروك بن عبيد، عن رجل، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لعن الله القدرية، لعن الله الخوارج، لعن الله المرجئة، لعن الله المرجئة. قال قلت: لعنت هؤلاء مرة مرة ولعنت هؤلاء مرتين!

قال: إن هؤلاء يقولون: إن قتلتنا مؤمنون! فدماؤنا متلطخة بثيابهم إلي يوم القيامة، إن الله حكي عن قوم في كتابه: لن نؤمن لرسول حتي يأتينا بقربان تأكله النار، قل قد جاءكم رسل من قبلي بالبينات وبالذي قلتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين.. قال كان بين القاتلين والقائلين خمسمائة عام فألزمهم الله القتل برضاهم ما فعلوا. انتهي.

ومعني كلام الإمام الصادق عليه السلام: أن المرجئة زعموا أن قتلة الإمام الحسين عليه السلام مؤمنون من أهل الجنة ولا يعاقبون علي جريمتهم! وبذلك صار المرجئة شركاءلبني أمية في الجريمة، لأن من رضي بعمل قوم فقد شركهم فيه!

ويدل النص التالي علي أن المرجئة كانوا يجادلون المعارضين لبني أمية ليأخذوا عليهم مستمسكاً للخليفة لكي يضطهدهم!

- وقال الكليني في الكافي:8/270:

عن عبد الحميد بن أبي العلاء قال: دخلت المسجد الحرام فرأيت مولي لابي عبد الله عليه السلام فملت إليه لأسأله عن أبي عبدالله، فإذا أنا بأبي عبد الله ساجداً فانتظرته طويلاً فطال سجوده عليَّ، فقمت وصليت ركعات وانصرفت وهو بعد ساجد، فسألت مولاه متي

سجد؟ فقال: قبل أن تأتينا، فلما سمع كلامي رفع رأسه ثم قال: أبا محمد أدن مني فدنوت منه فسلمت عليه، فسمع صوتاً خلفه فقال: ما هذه الاصوات المرتفعة؟ فقلت: هؤلاء قوم من المرجئة والقدرية والمعتزلة، فقال: إن القوم يريدوني فقم بنا، فقمت معه فلما أن رأوه نهضوا نحوه فقال لهم: كفوا أنفسكم عني ولا تؤذوني وتعرضوني للسلطان، فإني لست بمفت لكم، ثم أخذ بيدي وتركهم ومضي، فلما خرج من المسجد قال لي يا أبا محمد والله لو أن إبليس سجد لله عز ذكره بعد المعصية والتكبر عمر الدنيا ما نفعه ذلك ولا قبله الله عز ذكره ما لم يسجد لادم، كما أمره الله عز وجل أن يسجد له.

وكذلك هذه الأمة العاصية المفتونة بعد نبيها صلي الله عليه وآله وبعد تركهم الإمام الذي نصبه نبيهم صلي الله عليه وآله لهم فلن يقبل الله تبارك وتعالي لهم عملاً، ولن يرفع لهم حسنة حتي يأتوا الله عز وجل من حيث أمرهم، ويتولوا الإمام الذي أمروا بولايته ويدخلوا من الباب الذي فتحه الله عز وجل ورسوله لهم.

يا أبا محمد إن الله افترض علي أمة محمد صلي الله عليه وآله خمس فرائض: الصلاة والزكاة والصيام والحج وولايتنا، فرخص لهم في أشياء من الفرائض الأربعة، ولم يرخص لاحد من المسلمين في ترك ولايتنا، لا والله مافيها رخصة.

تورط أصحاب المذاهب الأربعة في الإرجاء

للمرجئة في المذاهب الأربعة وفي الصحاح الستة مكانةٌ محترمةٌ حتي أن بعض أئمة المذاهب أنفسهم اتهموا بأنهم مرجئة..قال في هامش كتاب المجروحين: 3/63: هناك تعليقات كثيرة علي المخطوطة هاجمت ابن حبان لتحامله علي أبي حنيفة، ومما هوجم من أجله والد أبي حنيفه بأنه كان خبازاً واعتبر المعلق ذلك غيبة تخرج عن

حد الرأي في المحدث.

ونشير هنا إلي أن جد أبي حنيفة كان أحد أمراء بلاد الافغان (مرزبان) واختلفت أقوال حفيده في مسألة أسر جده ثم عتقه، قال أحدهما: والله ما وقع لنا رقٌّ قط.

يراجع الإمام الاعظم: اتهام أبي حنيفة بالإرجاء وأنه داعية إلي البدع، غير مقبول من ابن حبان ومن شاركه هذا القول علي إطلاقه، ونلخص القول في ذلك بما جاء في كتاب اللكنوي (الرفع والتكميل 154):

جملة التفرقة بين اعتقاد أهل السنة وبين اعتقاد المرجئة: أن المرجئة يكتفون في الإيمان بمعرفة الله ونحوه ويجعلون ما سوي الإيمان من الطاعات وما سوي الكفر من المعاصي غير مضرة ولا نافعة ويتشبثون بظاهر حديث: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة.

وأهل السنة يقولون: لا تكفي في الإيمان المعرفة، بل لا بد من التصديق الإختياري مع الإقرار اللساني، وأن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلي دار الخسران.

والذي يجب علمه علي العالم المشتغل بكتب التواريخ وأسماء الرجال أن (يعرف أن) الإرجاء يطلق علي قسمين: أحدهما الارجاء الذي هو ضلال. وثانيهما الإرجاء الذي ليس بضلال، ولا يكون صاحبه عن أهل السنة والجماعة خارجاً.

ولهذا ذكروا أن المرجئة فرقتان: مرجئة الضلالة، ومرجئة أهل السنة. وأبو حنيفة وتلامذته وشيوخه وغيره من الرواة الإثبات إنما عدوا من مرجئة أهل السنة لا من مرجئة الضلالة.

ثم يقول أيضاً في ختام مناقشته لهذا الموضوع 161: وخلاصة المرام في هذا المقام أن الإرجاء: قد يطلق علي أهل السنة والجماعة من مخالفيهم المعتزلة الزاعمين بالخلود الناري لصاحب الكبيرة، وقد يطلق علي الأئمة القائلين بأن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان وبعدم الزيادة فيه والنقصان _ وهو مذهب أبي حنيفه وأتباعه _

من جانب المحدثين القائلين بالزيادة والنقصان وبدخول الأعمال في الإيمان. وهذا النزاع وإن كان لفظياً كما حققه المحققون من الأولين والآخرين لكنه لما طال وآل الأمر إلي بسط كلام الفريقين من المتقدمين والمتأخرين، أدي ذلك إلي أن أطلقوا الإرجاء علي مخالفيهم وشنعوا بذلك عليهم، وهو ليس بطعن في الحقيقه، علي ما لا يخفي علي مهرة الشريعة.

أقول: إذا عرفت هذا علمت أن قول ابن حبان في إطلاقه الإرجاء علي أبي حنيفة وأصحابه فيه اتهام غير محدد وتعمية تضلل الباحث، وهو يقصد إلي ذلك قصداً ما كان يجدر به أن يقع في مثل ذلك. انتهي.

ولا كلام لنا في دفاعهم عن نسب أبي حنيفة وحسبه، فقد كان علي أتباعه أن يجعلوه من ملوك الأفاغنة وأبناء المرازبة أو الأكاسرة، حتي يواجهوا به مذهب أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله ونسبهم الشامخ من عَلْيَا قريش وذروة بني هاشم..

ولكنا نسأل: من أين جاؤوا بهذا التقسيم للمرجئة إلي مرجئة من أهل السنة ومرجئة ضلالة، وحكموا بأن أبا حنيفة من النوع الجيد لا الردئ..! فما هو الفرق العلمي والعقائدي بين هذين النوعين حتينقبل الجيد ونترك الردئ؟!

وهل يكفي التخلص اللفظي من مذهب المرجئة بمثل قول اللكنوي المتقدم بأن مذهب أهل السنة (أن الطاعات مفيدة والمعاصي مضرة مع الإيمان توصل صاحبها إلي دار الخسران) مع أن الأحاديث التي تشبث بها المرجئة علي حد تعبيره ثابتة وصحيحة عندهم!

تورط أصحاب الصحاح الستة في الارجاء

أما إذا نظرت إلي الصحاح فيأخذك العجب عندما تجد نسبةً كبيرةً من رواتها المحترمين مرجئة!! وهو موضوع يحتاج إلي دراسة مستقلة ولا يتسع المجال لأكثر من إشارة إلي بعضهم:

فمنهم: الفأفاء، وهو رأس في المرجئة متعصب لبني أمية مبغض لعلي عليه السلام

بل مبغض للنبي صلي الله عليه وآله! وكان يقرأ لخلفاء بني أمية القصائد في هجاء النبي! وقد قتله العباسيون في ثورتهم.. ومع ذلك فهو معتمدٌ عند ابن المديني شيخ البخاري ويقول عنه قتل مظلوماً، ومعتمدٌ عند البخاري فقد روي عنه في الأدب المفرد وكذلك عند مسلم والنسائي وابن ماجة والترمذي وأبي داود! قال في تهذيب التهذيب:3/83: خالد بن سلمة بن العاص بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو سلمة، ويقال أبو المقسم المعروف بالفأفاء الكوفي، أصله حجازي، روي عن عبدالله البهي وعيسي وموسي ابني طلحة بن عبيد الله، وسعيد بن المسيب وأبي بردة بن أبي موسي والشعبي وغيرهم. وعنه أولاده عكرمة ومحمد وعبد الرحمن، والسفيانان، وشعبة، ومسعر، وزائدة، وزكرياء بن أبي زائدة وابنه يحيي بن زكرياء، وحماد بن زيد، وغيرهم.. وحدث عنه عمرو بن دينار، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وهما أكبر منه.

قال البخاري عن ابن المديني له نحو عشرة أحاديث.

وقال أحمد وابن معين وابن المديني ثقة، وكذا قال ابن عمار ويعقوب بن شيبة والنسائي.

وقال أبو حاتم شيخ يكتب حديثه.

وقال ابن عدي: هو في عداد من يجمع حديثه، ولا أري بروايته بأساً.

وذكره ابن حبان في الثقات.

وقال ابن سعد: هرب من الكوفة إلي واسط لما ظهرت دعوة بني العباس، فقتل مع ابن هبيرة.

وقال محمد بن حميد عن جرير: كان الفأفأ رأساً في المرجئة، وكان يبغض علياً.

وقال يعقوب بن شيبة: يقال إن بعض الخلفاء قطع لسانه ثم قتله، ذكره علي بنالمديني يوماً فقال: قتل مظلوماً.

وقال أبو داود عن الحسن بن علي الخلال: سمعت يزيد بن هارون يقول دخلت المسودة واسط سنة 132 فنادي مناديهم بواسط: الناس آمنون إلا ثلاثة: العوام

بن حوشب، وعمر بن ذر، وخالد بن سلمة المخزومي. فأما خالد فقتل، وأما العوام فهرب وكان يحرض علي قتالهم، وكان عمر بن ذر يقص بهم ويحرض علي قتالهم عندنا بواسط. له عند مسلم حديث واحد.

قلت: وقع في صحيح البخاري ضمناً حيث قال في الحيض وقالت عائشة كان رسول الله(ص)يذكر الله علي كل أحيانه، فإن مسلماً أخرجه من طريق خالد بن سلمة.

هذا وذكر ابن المديني في العلل الكبري أن الفأفاء لم يسمع من عبد الله بن عمر، وذكر ابن عائشة: أنه كان ينشد بني مروان الأشعار التي هجي بها المصطفي (ص)!!. انتهي.

ومنهم: الحماني، الذي روي عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:6/109: عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني أبو يحيي الكوفي ولقبه بشمين. أصله خوارزمي. روي عن يزيد بن أبي بردة، والأعمش، والسفيانين، وأبي حنيفة وجماعة. وعنه أبو بكر ومحمد بن خلف الحدادي، والحسن بن علي الخلال، وأحمد بن عمر الوكيعي، وأبو كريب، وموسي بن عبد الرحمن المسروقي، وأبو بكر وعثمان ابنا أبي شيبة، وسفيان بن وكيع، والحسين بن يزيد الكوفي، ومحمد بن عبد بن ثعلبة، ويحيي بن موسي خت، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو سعيد الأشج، والحسن بن علي بن عفان العامري، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.

وقال أبو داود: كان داعية في الإرجاء!!

وقال النسائي: ليس بقوي، وقال في موضع آخر: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن عدي: هو وابنه ممن يكتب حديثه. قال هارون الحمال مات سنة اثنتين ومائتين. قلت: وفيها أرخه ابن قانع وزاد في جمادي الأولي وهو ثقة.

وقال ابن سعد وأحمد: كان ضعيفاً. وقال العجلي: كوفي ضعيف الحديث مرجئ. وقال

البرقي: قال ابن معين: كان ثقة، ولكنه ضعيف العقل!.انتهي.

ومنهم: شعيب بن اسحاق مولي بني أمية الذي روي عنه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.. قال في تهذيب التهذيب:4/304: شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد الدمشقي الأموي، مولي رملة بنت عثمان، أصله من البصرة. روي عن أبيه وأبي حنيفة وتمذهب له، وابن جريج والأوزاعي، وسعيد بن أبي عروبة، وعبيد الله بن عمرو، وهشام بن عروة، والثوري وغيرهم. وعنه ابن ابنه عبد الرحمن بن عبد الصمد بن شعيب، وداود بن رشيد، والحكم بن موسي، وأبو النضر الفراديسي، وعمرو بن عون، وإبراهيم بن موسي الرازي، وإسحاق بن راهويه، وسويد بن سعيد، وأبو كريب محمد بن العلاء، وهشام بن عمار، وغيرهم.

وحدث عنه الليث بن سعد، وهو في عداد شيوخه.

قال أبو طالب عن أحمد: ثقة ما أصح حديثه وأوثقه.

وقال أبو داود: ثقة وهو مرجئ، سمعت أحمد يقول: سمع من سعيد بن أبيعروبة بآخر رمق.

وقال هشام بن عمار عن شعيب: سمعت من سعيد سنة 144

وقال ابن معين ودحيم والنسائي: ثقة.

وقال أبو حاتم: صدوق.

وقال الوليد بن مسلم: رأيت الأوزاعي يقربه ويدنيه.

قال دحيم: ولد سنة 18 ومات سنة 189 وكذا أرخه ابن مصفي وزاد في رجبوفيها أرخه غير واحد. ووقع في الكمال سنة 98 وهو وهم.

قلت: وفي سنة 89 أرخه ابن حبان في الثقات، ونقل أبو الوليد الباجي عن أبي حاتم قال: شعيب ابن اسحاق ثقة مأمون. انتهي.

ومنهم: الغنوي الذي روي عنه مسلم والأربعة..قال في تهذيب التهذيب: 1/411: بشير بن المهاجر الغنوي الكوفي، رأي أنس بن مالك، وروي عن عبد الله بن بريدة والحسن البصري وعكرمة

وغيرهم. وعنه ابن المبارك، ووكيع، وابن نمير، والثوري، وجعفر بن عون، وأبو نعيم، وخلاد بن يحيي، وغيرهم... وقال العجلي: كوفي ثقة، وقال العقيلي: مرجئ متهم متكلم فيه. وقال الساجي: منكر الحديث عنده. انتهي.

وقد سجل ابن شاذان هذا التناقض علي أصحاب الصحاح فقال في الإيضاح /502: ومن جهة أخري تروون عن المرجئة ويروون عنكم وتروون عن القدرية ويروون عنكم وتروون عن الجهمية ويروون عنكم فتقبلون منهم بعض أقاويلهم وتردون عليهم بعضها، فلا الحق أنتم منه علي ثقة، ولا الباطل أنتم منه علي يقين وأنتم عند أنفسكم أهل السنة والجماعة.

حب المستشرقين للمرجئة و حزنهم عليهم

قال الدكتور حسن إبراهيم في كتابه تاريخ الإسلام:1/416 عن المرجئة:

وهي طائفة المرجئة التي ظهرت في دمشق حاضرة الأمويين بتأثير بعض العوامل المسيحية خلال النصف الثاني من القرن الأول الهجري.

وقد سميت هذه الطائفة المرجئة من الإرجاء هو التأخير، لأنهم يرجئون الحكم علي العصاة من المسلمين إلي يوم البعث. كما يتحرجون عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها....

وهؤلاء هم في الحقيقة كتلة المسلمين التي رضيت حكم بني أمية، مخالفين في ذلك الشيعة والخوراج. ومع هذا فإنهم يتفقون في العقيدة إلي حد ما مع طائفة المحافظين وهي أهل السنة، وإن كانوا _ كما يري فون كريمر _ قد ألانوا من شدة عقائد هؤلاء السنيين باعتقادهم (أنه لا يخلد مسلم مؤمن في النار) وعلي العموم فهم يضعون العقيدة فوق العمل.

وكانت آراؤهم تتفق تماماً مع رجال البلاط الأموي ومن يلوذ به، بحيث لا يستطيع أحد من الشيعيين أو الخوارج أن يعيش بينهم، في الوقت الذي تمكن فيه المسيحيون وغيرهم من المسلمين أن ينالوا الحظوة لديهم، أو يشغلوا المناصب العالية!. انتهي.

ويمكنك ملاحظة التناقض بين

ما ذكره الدكتور والمستشرقون عن تقوي المرجئة وتحرجهم عن إدانة أي مسلم مهما كانت الذنوب التي اقترفها وحكمهم عليه بأنه من أهل الجنة بحكم عقيدتهم، وبين تقواهم في أنهم كانوا يتعايشون مع الحكام الأمويين والنصاري واليهود ولا يتعايشون مع من خالفهم من المسلمين.

ولعل السبب في ذلك أن الحكام الأمويون أساتذتهم في عملية إسقاط المحرمات، بينما اليهود والنصاري أساتذتهم في نظرية إسقاط المحرمات!!

ثم قال الدكتور حسن إبراهيم:

وبزوال الدولة الأموية أفل نجم طائفة المرجئة ولم تصبح بعد حزباً مستقلاً، ومع ذلك فقد ظهر من بينهم أبو حنيفة صاحب المذهب المشهور. انتهي.

ولكن حكمه بزوال المرجئة مع أسيادهم الأمويين غير دقيق، لانهم سقطوا سياسياً لا ثقافياً، فقد بقيت أفكارهم ورواياتهم وعقائدهم في مصادر المسلمين..ويكفي دليلاً علي ذلك اتهام أبي حنيفة وغيره بأنهم منهم..فإن خط المرجئة عاد إلي النفوذ والحكم بقرار من الدولة العباسية لكي تواجه به أهل البيت (عليهم السلام)

غاية الأمر أن اسمهم صار الأشعرية والحنابلة وأهل الحديث وأهل السنة، فإن أكثرية هؤلاء من المرجئة!

ويكفي دليلاً علي ذلك أن كبار علمائهم لا يستطيعون التفريق بين رأيهم في الشفاعة وبين رأي المرجئة، وأن إطاعتهم للعباسيين كإطاعة المرجئة للأمويين!

بل يمكن القول إنه بعد زوال العباسيين وكثير من الفرق لم ينته المرجئة، لأن أساس مذهبهم ومنبع أفكارهم الأحاديث التي دخلت الصحاح كما رأيت، ومن أراد أن يأخذ بها ويلتزم بلوازمها فلا بد له أن يكون مرجئاً ويقول بسقوط المحرمات عملياً، ويكتفي بالشهادتين كما مر في توسيع الشفاعة!!

وأخيراً فقد نقل الدكتور المذكور تأسف المستشرق فون كريمر علي ضياع تاريخ المرجئة بعد زوالهم قال في:1/418:

ويقول فون كريمر: ومما يؤسف له كثيراً أنه ليس لدينا غير

القيل من الأخبار الصحيحة عن هذه الطائفة، فقد استمروا طوال ذلك العصر وذاقوا حلوه ومره، وقد ضاعت جميع المصادر التاريخية العربية عن الأمويين، حتي أن أقدم المصادر التاريخية التي وصلت إلينا إنما ترجع إلي عهد العباسيين، ومن ثَمَّ كان لزوماً علينا أن نستقي معلوماتنا عن المرجئة من تلك الشذرات المبعثرة في مؤلفات كتاب العرب في ذلك العصر الثاني. انتهي.

وهو تأسف ظاهره علمي وواقعه البكاء علي المرجئة لما اشتهر عنهم وعن الأمويين من تفضيلهم التعايش مع المسيحيين واليهود علي التعايش مع من خالفهم من المسلمين..وهو تأسف يجعلنا نلمس صدق قول الإمام محمد الباقر عليه السلام عن المرجئة بأنهم أشبه باليهود من الليل بالليل، وذلك لجرأتهم علي إسقاط قانون العقوبة الالهي، وقولهم إن المسلم مهما ارتكب من جرائم فلن تمسه النار حتي أياماً معدودة، فليس غريباً أن يحبهم ويتأسف عليهم المستشرقون من اليهود والنصاري!

المرجئة والجبرية شقيقان لاب و أم

مع أن مذهب المرجئة مذهبٌ في الثواب والعقاب ولا علاقة له بالقضاء والقدر والجبر والتفويض..ومع أن النسبة بين المرجئة وبين القدرية والمفوضة عمومٌ من وجه، لأن المرجئ في الأعمال قد يكون مفوضاً أو قدرياً، كما أن القدري والمفوض قد يكون مرجئاً أو غير مرجئ..

ولكن ذلك كله في مقام الإثبات والنظرية، أما في مقام الثبوت والتطبيق فالأعم الأغلب في المرجئة أنهم قدرية جبرية، والسبب في ذلك أن الأحاديث التي استندوا إليها في القول بالإرجاء أو (تشبثوا) بها علي حد تعبير اللكنوي رافقتها أحاديث الجبر التي تنسب أفعال الإنسان إلي الله تعالي وتحمله مسؤوليتها، لكي ترفعها عن الإنسان، كما رأيت في أحاديث توسيع الشفاعة وفناء النار!

وبما أن مسائل القضاء والقدر متعددة، لذا نكتفي هنا بإعطاء تصور كلي عنها ليتضح ارتباطها بموضوع

الشفاعة والإرجاء فنقول:

ورد تعريف القدر الإلهي في نص بديع عن الإمام الرضا عليه السلام بأنه (الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء) كما سيأتي. وقد وقع الخلاف بين المسلمين في مسائله العديدة، وتكونت علي أساس آرائهم مذاهبهم العقائدية.

قال السيد الطباطبائي في هامش الكافي:1/157:

واعلم أن البحث عن القضاء والقدر كان في أول الأمر مسألة واحدة ثم تحول ثلاث مسائل أصلية الأولي: مسألة القضاء وهو تعلق الإرادة الإلهية الحتمية بكل شئ والأخبار تقضي فيها بالإثبات...

الثانية: مسألة القدر وهو ثبوت تأثير ماله تعالي في الأفعال والأخبار تدل فيها أيضاً علي الإثبات.

الثالثة: مسألة الجبر والتفويض والأخبار تشير فيها إلي نفي كلا القولين وتثبت قولاً ثالثاً وهو الأمر بين الأمرين لا ملكاً لله فقط من غير ملك للإنسان ولا بالعكس بل ملكاً في طول ملك وسلطنة في ظرف سلطنة.

واعلم أيضاً أن تسمية هؤلاء بالقدرية مأخوذة مما صح عن النبي صلي الله عليه وآله (إن القدرية مجوس هذه الأمة الحديث) فأخذت المجبرة تسمي المفوضة بالقدرية لأنهم ينكرون القدر ويتكلمون عليه والمفوضة تسمي المجبرة بالقدرية لأنهم يثبتون القدر. والذي يتحصل من أخبار أئمة أهل البيت (عليهم السلام) أنهم يسمون كلتا الفرقتين بالقدرية ويطلقون الحديث النبوي عليهما.

أما المجبرة فلانهم ينسبون الخير والشر والطاعة والمعصية جميعاً إلي غير الإنسان كما أن المجوس قائلون بكون فاعل الخير والشر جميعاً غير الإنسان وقوله عليه السلام في هذا الخبر مبني علي هذا النظر.

وأما المفوضة فلانهم قائلون بخالقين في العالم هما الإنسان بالنسبة إلي أفعاله والله سبحانه بالنسبة إلي غيرها كما أن المجوس قائلون بإله الخير وإله الشر وقوله عليه السلام في الروايات التالية (لا جبر ولا قدر) ناظر إلي هذا

الإعتبار. انتهي.

ونضيف إلي ما ذكره السيد الطباطبائي رحمه الله: مسألة البداء، وهي هل أن تقدير الله تعالي في كل الأمور حتمي عليه، فلا يمكنه تغيير شئ منه، لأنه فرغ من الأمر علي حد تعبير بعض المسلمين، أو لأن يده مغلولة علي حد تعبير اليهود..أم أن القدر مفتوح له تعالي، وله الحق والقدرة علي البداء والتغيير كما يشاء، لأنه فرغ من الأمر ولم يفرغ منه علي حد تعبير أهل البيت (عليهم السلام).

القدرية المفوضة (الذين ينفون القدر)

محور الخلاف في مسألة القدر هو: سلطة الله تعالي علي أفعال الإنسان وحركة الطبيعة والكون، وفعله فيها.

فالذين ينفون هذه السلطة يسمون (المفوضة) لانهم يزعمون أن الإنسان مفوضٌ في أعماله، ولا دخل لله تعالي ولا لسلطته فيها.

وقد يكون المفوضة مؤمنين بوجود الله تعالي، ولكنهم يقولون إنه فوض ذلك إلي الإنسان وقوانين الطبيعة..

وقد يكونون ملحدين دهريين أو مشككين، ويعبر عنهم بالمفوضة أيضاً، لانهم ينفون سلطة الله تعالي وفاعليته في أفعال الإنسان وحركة الطبيعة.

وهم في عصرنا فئات الماديين من الملحدين والطبيعيين وأكثر العلمانيين، وبعض المتأثرين بالثقافة الغربية من المسلمين.

والتفويض في القدر مرفوض كلياً عند أهل البيت (عليهم السلام) ومنه التفويض الذي يذهب إليه أكثر المعتزلة أيضاً. قال في شرح المواقف: 8/146: وقالت المعتزلة أي أكثرهم: هي (الأفعال الإختيارية) واقعة بقدرة العبد وحدها علي سبيل الإستقلال بلا إيجاب بل باختيار.

وقال الكليني في الكافي:1/157:

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس بن عبد الرحمن قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السلام:

يا يونس، لا تقل بقول القدرية فإن القدرية لم يقولوا بقول أهل الجنة، ولا بقول أهل النار، ولا بقول إبليس!

فإن أهل الجنة قالوا: الحمد

لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وقال أهل النار: ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوماً ضالين.

وقال إبليس: رب بما أغويتني.

فقلت: والله ما أقول بقولهم ولكني أقول: لا يكون إلا بما شاء الله وأراد وقدروقضي.

فقال: يا يونس ليس هكذا، لا يكون إلا ما شاء الله وأراد وقدر وقضي.

يايونس تعلم ما المشيئة؟

قلت: لا.

قال: هي الذكر الأول.

فتعلم ما الإرادة؟

قلت: لا.

قال: هي العزيمة علي ما يشاء.

فتعلم ما القدر؟

قلت: لا.

قال: هو الهندسة ووضع الحدود من البقاء والفناء.

قال ثم قال: والقضاء هو الإبرام وإقامة العين.

قال: فاستأذنته أن أقبل رأسه وقلت: فتحت لي شيئاً كنت عنه في غفلة. انتهي.

وفي مجمع الزوائد:7/205:

عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): القدرية مجوس هذه الأمة، إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم. رواه الطبراني في الأوسط وفيه زكريا بن منظور وثقه أحمد بن صالح وغيره وضعفه جماعة. انتهي. ورواه البيهقي في سننه:10/202 وقال: أخرجه أبو داود في كتاب السنن هكذا. انتهي.

فهذان النصان يردَّان علي القدرية المفوضة.

وينبغي الالتفات إلي أن اسم المرجئة لا يستعمل في الأحاديث في ضد معناه، بينما يستعمل اسم القدرية للمؤمن بالقدر ولمنكر القدر.. ويعرف ذلك من سياق الكلام.

القدرية الجبرية (الذين يثبتون القدر)

أما الذين يثبتون فعل الله تعالي في حركة الكون وأفعال الإنسان فيسمون (القدرية) لانهم يؤمنون بوجود سلطة لله تعالي علي أفعال الإنسان وحركة الطبيعة بشكل من الإشكال، وهؤلاء منهم من يفرط في إثبات الفعل الإلهي في أفعال الإنسان فينسبون أفعال الإنسان إلي الله تعالي نسبةً كاملة فيسمون (الجبرية) وهم أكثر المرجئة، ولعلهم أكثر إخواننا السنة، وإن لم يصرحوا بذلك..

والسبب في ذلك وجود أحاديث ثبتت عندهم عن الخليفة عمر ومن تبعه من الصحابة توجب القول بذلك، وهي نقطة التقاء شديدة بينهم وبين المرجئة وقد أشرنا إلي أن السبب في جبرية المرجئة أن أحاديث الارجاء التي صحت عندهم رافقتها أحاديث الجبر مرافقة الأخت لأختها، بل كانت نفسها في بعض الأحيان..ومن هنا قلنا إن الارجاء والجبر أخوان شقيقان لأب وأم.

قال في شرح المواقف:8/146:

المقصد الأول في أن أفعال العباد الإختيارية واقعة بقدرة الله سبحانه وتعالي وحدها، وليس لقدرتهم تأثير فيها بل الله سبحانه أجري عادته بأن يوجد في العبد قدرةً واختياراً، فإذا لم يكن هناك مانعٌ أوجد فيه فعله المقدور مقارناً لهما، فيكون فعل العبد مخلوقاً لله إبداعاً وإحداثاً، ومكسوباً للعبد، والمراد بكسبه إياه مقارنته لقدرته وإرادته من غير أن يكون هناك منه تأثير أو مدخل في وجوده سوي كونه محلاً له! وهذا مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري.انتهي.

وأقدم الأحاديث في الجبر مروية عن الخليفة عمر وكعب الأحبار، وقد تقدم عدد منها في توسيع الشفاعة وفناء النار، ونذكر فيما يلي بعضها:

روي أحمد في مسنده:1/29:

عن ابن عمر عن عمر رضي الله عنهما أنه قال للنبي (ص): أرأيت ما نعمل فيه أقد فرغ منه أو في شئ مبتدأ أو أمر مبتدع؟ قال: فيما قد فرغ منه. فقال عمر ألا نتكل؟ فقال: إعمل يا ابن الخطاب فكل ميسر، أما من كان من أهل السعادة فيعمل للسعادة، وأما أهل الشقاء فيعمل للشقاء!

ورواه في:2/77، ونحوه في الترمذي:4/352 ونحوه الحاكم:2/462 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

ورواه في مجمع الزوائد:7/194 عن أبي بكر وعن عمر وقال: رواه البزار ورجاله رجال الصحيح. ورواه في كنز العمال بعدة روايات

في:1/128 وص 339

ورواه البخاري بصيغة أخري تذكر أن الله تعالي يتحمل مسؤولية خطيئة آدم عليه السلام، عيناً كما في التوراة!..قال في صحيحه:4/131

عن أبي هريرة: قال قال رسول الله (ص): احتج آدم وموسي فقال له موسي: أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة؟ فقال له آدم: أنت موسي الذي اصطفاك الله برسالاته وبكلامه ثم تلومني علي أمر قدر علي قبل أن أخلق؟ فقال رسول الله (ص): فحج آدم موسي مرتين! انتهي.

ورواه بصيغة أخري أيضاً فيها تعنيفٌ لادم قال في:7/214 فيها (فقال له موسي يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة)، وروي نحوه أيضاً في:8/203

فهذه النصوص الصحيحة عندهم تقول بالجبر في أفعال الإنسان، وفي تكوين الكون معاً.

القدر عند أهل البيت: لا جبر و لا تفويض

أما مذهب أهل البيت (عليهم السلام) فهو يثبت القدر ويؤمن بسلطة الله تعالي علي أفعال الإنسان وفعله فيها، ولكنه يقول لا تصح نسبة المعصية إليه تعالي وإن كان الأقدار عليها منه تعالي، أما نسبتها التي تستلزم تحمل مسؤوليتها فهي لفاعلها الذي هو الإنسان..

فالإنسان في هذا المذهب ليس مجبوراً في أفعاله الاختيارية ولا مفوضاً إليه، ولا مجرد مجري لأفعاله كمجري النهار، بل حاله من نوع آخر يوجد فيه القدر الالهي بشكل كامل لصغير الأمور وكبيرها ويوجد فيه حرية الإنسان ومسؤوليته. وهذا معني (لا جبر ولا تفويض ولكن أمر بين أمرين).

وقد أكد أهل البيت (عليهم السلام) علي هذا النوع من القدر، وقاوموا المفوضة لإنكارهم سلطان الله تعالي علي صغير الأمور وكبيرها. كما قاوموا القائلين بالجبر في أفعال الإنسان لانهم ينسبون المعاصي إلي الله تعالي، وينسبون إليه الظلم بمجازاة الإنسان عليها! وكذلك القائلين بالجبر في الخلق والتكوين والتخطيط، لأنهم يريدون تصوير الكون بأنه آلة وضع

الله مخططها وأطلقها ولا يمكنه البداء والتغيير والتبديل فيها وهم اليهود الذين قالوا (يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ) والمسلمون الذين قلدوهم فقالوا (فرغ من الأمر).

روي الصدوق في معاني الأخبار/18:

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال في قول الله عز وجل: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ، لم يعنوا أنه هكذا ولكنهم قالوا: قد فرغ من الأمر فلا يزيد ولا ينقص، فقال الله جل جلاله تكذيباً لقولهم: غُلَّتْ أيديهم ولُعِنُوا بما قالو بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء. ألم تسمع الله عز وجل يقول: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ.

وقال الحويزي في تفسير نور الثقلين:2/514:

في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا عليه السلام مع سليمان المروزي قال الرضا عليه السلام بعد كلام طويل لسليمان: ومن أين قلت ذلك وما الدليل علي أن إرادته علمه؟ وقد يعلم ما لا يريده أبداً وذلك قوله تعالي: وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ فهو يعلم كيف يذهب به ولا يذهب به أبداً؟

قال سليمان: لأنه قد فرغ من الأمر فليس يزيد فيه شيئاً.

قال الرضا عليه السلام: هذا قول اليهود، فكيف قال: أدعوني أستجب لكم؟

قال سليمان: إنما عني بذلك أنه قادر عليه!

قال: أفيعد بما لا يفي به؟! فكيف قال: يزيد في الخلق ما يشاء؟ وقال عز وجل: يَمْحُواْ اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، وقد فرغ من الأمر؟!

فلم يَحِرْ جواباً.

وفي هذا المجلس أيضاً قال الرضا عليه السلام:

يا سليمان إن من الأمور أموراً موقوفة عند الله تعالي، يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء.

يا سليمان إن علياً عليه السلام كان يقول: العلم علمان، فعلم علمه الله ملائكته ورسلهفإنه يكون ولا

يكذب نفسه ولا ملائكته ورسله.

وعلم عنده مخزونٌ لم يطلع عليه أحداً من خلقه، يقدم منه ما يشاء ويؤخر مايشاء، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء. انتهي.

وبذلك يتضح أن البداء الذي يؤكد أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله علي أنه جزءٌ من الإسلام، وأنه ما عبد الله بشئ كما عبد به، إنما هو نفي الجبرية علي الله تعالي، ونفي زعم اليهود أن يده مغلولة بحجة أنه فرغ من الأمر!

ويتضح منه أن الذين يشنعون علي الشيعة بعقيدة البداء..لم يفهموها!

ردة فعل الخوارج علي توسيع الدولة للشفاعة

من الواضح للباحث أن بذور تفكير الخوارج ولدت في عهد الخليفة عمر، وكانت تأخذ شكل اعتراضات علي عدم تطبيق الخليفة للقرآن، كما نلاحظ في أسئلة الوفد المصري (الدر المنثور:2/145)

ثم نمت في عهد الخليفة عثمان..

ثم أخذت شكل اتجاه فكري في فهم الدين، وشكل حزب سياسي معارض في عهد الإمام علي عليه السلام ثم استمرت مذهباً وحزباً مسلحاً في معارضة الأمويين والعباسيين وتكفيرهم وقتالهم..

ومن أبرز صفات الخوارج الفكرية: جمودهم في فهم الدين، وميلهم إلي إصدار الأحكام الكلية بدون شروط ولا تفاصيل ولا استثناءات، وتكفيرهم من خالفهم من فرق المسلمين، وفتواهم بهدر دمائهم ووجوب جهادهم.

وهذا المنحي الذهني يقع في الجهة المضادة لمذهب المرجئة الذي تتبناه السلطة، المنحي المتساهل في أداء الواجبات وترك المحرمات، المفرط في تأميل الناس بالشفاعة والجنة مهما عصوا.. ماعدا المعارضين للدولة طبعاً.

لقد ساعد مذهب الإرجاء الدولة وأتباعها في تخفيف المسؤولية المشددة في القرآن و السنة علي الحكام، ولكنه سبب ردات فعل في الأمة فظهرت فئات تنكر أصل الشفاعة التي تتذرع بها الدولة، وتكذب كل أحاديثها وتؤول كل آياتها..ولم يكن ذلك منحصراً بالخوارج، وإن اشتهروا به.

بل تدل روايات

السنيين علي أن ردود الفعل علي توسيع الشفاعة بدأت من زمن الخليفة عمر، ولكنه لم يستطع أن يؤدب أصحابها بالسوط، إما لأنه لم يعرفهم بالضبط، أو لسبب آخر، فخطب محذراً منهم بشدة!

قال في مجمع الزوائد:7/207:

عن ابن عباس قال: خطب عمر بن الخطاب فحمد الله وأثني عليه فقال: ألا إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم وبالدجال وبالشفاعة!

وروي نحوه في مسند أحمد:1/23 وفي الدر المنثور:3/60: عن سعيد بن منصور والبيهقي عن ابن عباس وفي كنز العمال:1/387 وج 5/429 وص 431 وفيه (قال أمر عمر بن الخطاب منادياً فنادي أن الصلاة جامعة، ثم صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه ثم قال...).

ويظهر من النص التالي أن بني أمية أفرطوا في التأكيد علي الشفاعة أيضاً، ففي فردوس الأخبار للديلمي:1/116 ح 254: عن معاوية: إشفعوا إلي تؤجروا، فإن الرجل ليسألني الحاجة فأرده كي تشفعوا له فتؤجروا! انتهي.

أما الخوارج فقد ثبت أنهم كانوا يقولون: إن مرتكب المعصية الكبيرة أو الصغيرة كافر، وإذا مات ولم يتب فهو مخلد في النار، وأنه لا شفاعة لاحد أبداً ولا خروج من النار!

وأول من تصدي لرد مقولتهم الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) ثم تبعهم غيرهم.

قال البرقي في المحاسن:1/184:

عن علي بن أبي حمزة قال: قال رجل لابي عبد الله عليه السلام: إن لنا جاراً من الخوارج يقول: إن محمداً صلي الله عليه وآله يوم القيامة همه نفسه فكيف يشفع؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام: ما أحدٌ من الأولين والآخرين إلا وهو يحتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

وقال العياشي في تفسيره:2/314:

عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله عليه السلام عن المؤمن

هل له شفاعة؟ قال: نعم، فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلي شفاعة محمد يومئذ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطاياً وذنوباً، وما من أحد إلا ويحتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يومئذ.

قال: وسأله رجل عن قول رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم ولا فخر؟ قال: نعم، يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع أطلب تعط، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع واطلب تعط، ثم يرفع رأسه فيشفع فيشفع، ويطلب فيعطي.

وفي تفسير القمي:2/201:

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولي لامرأة علي بن الحسين عليه السلام علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد؟!

فغضب أبو جعفر عليه السلام حتي تربَّدَ وجهه، ثم قال: ويحك يا أبا أيمن! أغرَّك أن عفَّ بطنك وفرجك؟! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله! ويلك! فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار؟!

ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن لرسول الله صلي الله عليه وآله الشفاعة في أمته، ولنا الشفاعة في شيعتنا، ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.

ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فإن المؤمن ليشفع حتي لخادمه ويقول: يارب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/102 و334

وفي الأدب

المفرد للبخاري/224:

عن طلق بن حبيب قال: كنت أشد الناس تكذيباً بالشفاعة فسألت جابراً فقال: يا طلق سمعت النبي يقول: يخرجون من النار بعد الدخول.

وقال السيوطي في الدر المنثور:6/286:

وأخرج ابن مردويه عن صهيب الفقير قال: كنا بمكة ومعي طلق بن حبيب، وكنا نري رأي الخوارج، فبلغنا أن جابر بن عبد الله يقول في الشفاعة فأتيناه فقلنا له: بلغنا عنك في الشفاعة قول الله مخالف لك فيها في كتابه! فنظر في وجوهنا فقال: من أهل العراق أنتم؟! قلنا نعم، فتبسم وقال: وأين تجدون في كتاب الله؟ قلت: حيث يقول: ربنا إنك من تدخل النار فقد أخزيته، ويريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها، وكلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها، وأشباه هذا من القرآن.

فقال: أنتم أعلم بكتاب الله أم أنا؟ قلنا بل أنت أعلم به منا. قال: فوالله لقد شهدت تنزيل هذا علي عهد رسول الله(ص)وشفاعة الشافعين، ولقد سمعت تأويله من رسول الله(ص)وإن الشفاعة لنبيه في كتاب الله، قال في السورة التي تذكر فيها المدثر: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ الآية. ألا ترون أنها حلت لمن مات لم يشرك بالله شيئاً؟!

وفي تفسير الطبري:4/141:

عن الأشعث الحملي قال قلت للحسن: يا أبا سعيد أرأيت ما تذكر من الشفاعه حق هو؟ قال: نعم حق.

وفي فتح القدير للشوكاني:5/567:

وأخرج بن المنذر عن طريق حرب بن شريح قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحقٌّ هي؟ قال: إي والله.

وفي دلائل النبوة للبيهقي:1/25:

عن شبيب بن أبي فضالة المالكي: لما بني مسجد الجامع ذكروا عند عمران بن

حصين الشفاعة فقال رجل من القوم: إنكم تحدثونا بأحاديث لم نجد لها أصلاً في كتاب الله، وعمران يقول أنتم أخذتم هذا الشأن منا، وأخذنا نحن عن نبي الله.

وفي الجواهر الحسان للثعالبي:1/356:

قوله تعالي: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ... قالت المعتزلة: إذا كان صاحب كبيرة فهو في النار ولا بد، وقالت الخوارج إذا كان صاحب كبيره أو صغيره فهو في النار مخلد.

وفي تطهير الجنان لإبن حجر/38:

إن قلت: في هذا الحديث (كل ذنب عسي الله أن يغفره إلا رجل يموت كافراً أو يقتل مؤمناً متعمداً) دليل للمعتزلة والخوارج قبحهم الله تعالي علي أن الكبيرة لا تغفر؟

قلت: لا دليل لهم فيها أبداً، لقوله تعالي: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا، لوجوب حملها علي المستحل... بدليل قوله تعالي: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ، وهو مخصص أيضاً بقوله تعالي: إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا... قد ضل... فرقٌ من فرق الضلالة القائلون بأن مرتكب الكبيرة إذا مات بلا توبة يخلد، وهؤلاء المعتزلة والخوارج، والفرق بينهما إنما هو من حديث إن الميت فاسقاً هل هو كافر أو لا مؤمن ولا كافر؟ فالخوارج علي الأول والمعتزلة علي الثاني.

وفي مقالات الإسلاميين للأشعري:1/124:

وأما الوعيد فقول المعتزلة فيه وقول الخوارج قولٌ واحد، لأنهم يقولون أن أهل الكبائر الذين يموتون علي كبائرهم في النار خالدون.

وفي مقالات الإسلاميين: 1/86 _ 87:

وأجمعوا (الخوارج) علي أن كل كبيرة كفر إلا النجدات، فإنها لاتقول ذلك. وأجمعوا أن الله سبحانه يعذب أصحاب الكبائر عذاباً دائماً إلا النجدات.

والأزارقة (من الخوارج) تقول إن كل كبيرة كفر، وإن الدار دار كفر يعنون دار مخالفيهم،

وإن كل مرتكب معصية كبيرة ففي النار خالداً مخلداً، ويكفرون علياً (رض)في التحكيم.

وقال في شرح المواقف:4 جزء 8/334:

إن مرتكب الكبيره من أهل الصلاة... مؤمن... ذهب الخوارج إلي أنه كافر، والحسن البصري إلي أنه منافق، والمعتزلة إلي أنه مؤمن ولا كافر.

وقال الرازي في تفسيره:1 جزء 3/238:

إن المعصية عند المعتزلة وعندنا لا توجب الكفر، أما عندنا فلان صاحب الكبيرة مؤمن، وأما عند المعتزلة فلانه وإن خرج عن الإيمان فلم يدخل في الكفر، وأما عند الخوارج فكل معصية كفر.

وقال الرازي في تفسيره:6 جزء 12/5:

قالت الخوارج: كل من عصي الله فهو كافر... احتجوا بهذه الآية (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ...) وقالوا إنها نص في أن كل من حكم بغير ما أنزل الله فهو كافر، وكل من أذنب فقد حكم بغير ما أنزل الله، فوجب أن يكون كافراً.

وقال الرازي في:15 جزء 30/239:

إن الخوارج احتجوا بهذه الآية (إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) علي أنه لا واسطة بين المطيع والكافر قالوا: لأن الشاكر هو المطيع والكفور هو الكافر، والله تعالي نفي الواسطة وذلك يقتضي أن يكون كل ذنب كفراً.

وقال النووي في شرح مسلم:1 جزء 1/218:

قال القاضي عياض: اختلف الناس فيمن عصي الله من أهل الشهادتين، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية، وقالت الخوارج: تضره ويكفر بها، وقالت المعتزلة: يخلد في النار، وقالت الأشعرية: بل هو مؤمن..

وقال المجلسي في بحار الأنوار:8/62:

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: قال القاضي عياض: مذهب أهل السنة جواز الشفاعة عقلاً، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات وبخبر الصادق، وقد جاءت الآثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين، وأجمع السلف الصالح ومن بعدهم من أهل السنة عليها. ومنعت الخوارج

وبعض المعتزلة منها، وتعلقوا بمذاهبهم في تخليد المذنبين في النار، واحتجوا بقوله تعالي: فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ وأمثاله وهي في الكفار.

وأما تأويلهم أحاديث الشفاعة بكونها في زيادة الدرجات فباطل، وألفاظ الأحاديث في الكتاب وغيره صريحة في بطلان مذهبهم وإخراج من استوجب النار.

(راجع شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/35)

وفي شرح مسلم للنووي:2 جزء 3/50:

رأي الخوارج.. أنهم يرون أن أصحاب الكبائر يخلدون في النار.

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:1/115:

لا ينسب إلي الكفر باكتساب المعاصي والإتيان بها إلا بالشرك أي بارتكابه، خلافاً للخوارج القائلين بتكفيره بالكبيرة، والمعتزلة القائلين بأنه لا مؤمن ولا كافر.

وفي فتاوي ابن باز:2/27:

وذهب الخوارج إلي أن صاحب المعصية مخلد في النار وهو بالمعاصي كافر أيضاً ووافقهم المعتزلة بتخليده في النار.

وفي فتاوي ابن باز:3/367:

قول أهل السنة والجماعة خلافاً للخوارج والمعتزلة... المعاصي التي دون الشرك لا تحبط الأعمال الصالحة ولا تبطل ثوابها..

وفي بحار الأنوار:8/364:

قال العلامة رحمه الله في شرحه علي التجريد: أجمع المسلمون كافة علي أن عذاب الكافر مؤبد لا ينقطع، واختلفوا في أصحاب الكبائر من المسلمين، فالوعيدية علي أنه كذلك، وذهبت الإمامية وطائفة كثيرة من المعتزلة والأشاعرة إلي أن عذابه منقطع. والحق أن عقابهم منقطع لوجهين:

الأول، أنه يستحق الثواب بإيمانه لقوله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ.

والإيمان أعظم أفعال الخير فإذا استحق العقاب بالمعصية فإما يقدم الثواب علي العقاب وهو باطل بالإجماع، لأن الثواب المستحق بالإيمان دائم علي ما تقدم، أو بالعكس وهو المراد، والجمع محال.

الثاني، يلزم أن يكون من عبد الله تعالي مدة عمره بأنواع القربات إليه ثم عصي في آخر عمره معصية واحدة مع بقاء إيمانه مخلداً في النار كمن أشرك

بالله مدة عمره، وذلك محال لقبحه عند العقلاء. انتهي.

وفي بحار الأنوار:8/370:

وقال شارح المقاصد: اختلف أهل الإسلام فيمن ارتكب الكبيرة من المؤمنين ومات قبل التوبة، فالمذهب عندنا عدم القطع بالعفو ولا بالعقاب بل كلاهما في مشيئة الله تعالي، لكن علي تقدير التعذيب نقطع بأنه لا يخلد في النار بل يخرج البتة، لا بطريق الوجوب علي الله تعالي، بل مقتضي ما سبق من الوعد وثبت بالدليل كتخليد أهل الجنة.

وعند المعتزلة القطع بالعذاب الدائم، من غير عفو ولا إخراج من النار، وما وقع في كلام البعض من أن صاحب الكبيرة عند المعتزلة ليس في الجنة ولا في النار فغلطٌ نشأ من قولهم: إن له المنزلة بين المنزلتين، أي حالة غير الإيمان والكفر.

وأما ما ذهب إليه مقاتل بن سليمان وبعض المرجئة من أن عصاة المؤمنين لا يعذبون أصلاً وإنما النار للكفار تمسكاً بالآيات الدالة علي اختصاص العذاب بالكفار مثل: قد أوحي إلينا أن العذاب علي من كذب وتولي، إن الخزي اليوم والسوء علي الكافرين.

فجوابه: تخصيص ذلك العذاب بما يكون علي سبيل الخلود.

وأما تمسكهم بمثل قوله عليه السلام: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زني وإن سرق، فضعيف، لأنه إنما ينفي الخلود لا الدخول.

لنا وجوه: الأول، وهو العمدة: الآيات والأحاديث الدالة علي أن المؤمنين يدخلون الجنة البتة، وليس ذلك قبل دخول النار وفاقاً، فتعين أن يكون بعده وهو مسألة انقطاع العذاب، أو بدونه وهو مسألة العفو التام، قال الله تعالي: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ. مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ.

تبادل المواقع بين الخوارج والمرجئة

يحسن هنا أن نسجل أمراً طريفاً نلاحظه في عصرنا، وهو تبادل

المواقع بين ورثة الخوارج، وورثة الخلافة الأمويين والمرجئة!

فورثة الخوارج (الأباضيون) تنازلوا عن العنف الفكري وسجلوا ليونتهم العقائدية والفقهية تجاه فرق المسلمين..بينما ورثة الخلافة الأموية (التكفير والهجرة والوهابيون) تخلوا عن أفكار الليونة والتسامح، وتبنوا مذهب العنف والشدة، وأفتوا بكفر كل فرق المسلمين، ماعدا فرقتهم! ولعلهم يتخلون أيضاً عن شمول الشفاعة لكل المسلمين ويحصرونها بفرقتهم..كما يشم ذلك من فكرهم!

وهكذا تتغير المواقع الفكرية والسياسية مع العصور من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.. وسبحان من لا يتغير.

المعتزلة مثقفون متوسطون بين الدولة والخوارج

قال ابن ناصر الدين في توضيح المشتبه:8/204:

ولد واصل سنة ثمانين بالمدينة وكان يجلس إلي الحسن البصري، فلما ظهر بين أهل السنة القول من الخوارج بتكفير أهل الكبائر، ومن المرجئة بجعلهم إيمان أهل الكبائر كإيمان جبرئيل وميكائيل، أبدع واصل (بن عطاء مولي بني ضبة) قوله في المنزلة بين المنزلتين... مات واصل سنة إحدي وثلاثين ومئة.

الصغائر تغفر والكبائر لا تغفر إلا بالتوبة

مقالات الإسلاميين للأشعري:1/270:

واختلفت المعتزلة.. في الصغائر والكبائر.. فقال قائلون منهم: كل ما أتي فيه الوعيد فهو كبير، وكل ما لم يأت فيه الوعيد فهو صغير.. وقال جعفر بن ميثر: كل عمد كبير وكل مرتكب لمعصية متعمداً لها فهو مرتكب لكبيرة...

واختلفت المعتزلة في غفران الصغائر... فقال قائلون: إن الله سبحانه يغفر الصغائر إذا اجتنبت الكبائر تفضلاً.. وقال قائلون: لا يغفر الصغائر إلا بالتوبة.

وقال في شرح المواقف:8/303:

أوجب جميع المعتزلة والخوارج عقاب صاحب الكبيرة إذا مات بلا توبة، ولم يجوزوا أن يعفو الله عنه، لوجهين: الأول أنه تعالي أوعد بالعقاب علي الكبائر وأخبر به أي بالعقاب عليها، فلو لم يعاقب علي الكبيرة وعفا لزم الخلف في وعيده والكذب في خبره، وإنه محال.

الجواب: غايته وقوع العقاب فأين وجوبه الذي كلامنا فيه، إذ لا شبهة في أن عد الوجوب مع الوقوع لا يستلزم خلفاً ولا كذباً.

قالت المعتزلة والخوارج: صاحب الكبيرة إذا لم يتب عنها مخلد في النار ولا يخرج منها أبداً. وعمدتهم في إثبات ما ادعوه دليل عقلي هو أن الفاسق يستحق العقاب بفسقه، واستحقاق العقاب بل العقاب مضرة خالصة لا يشوبها ما يخالفها دائمة لا تنقطع أبداً. واستحقاق الثواب بل الثواب منفعة خالصة عن الشوائب دائمة. والجمع بينهما أي بين استحقاقهما محال، كما أن الجمع بينهما محال.

وقال في شرح المواقف:8/334:

مرتكب الكبيرة من أهل الصلاة أي من أهل القبلة مؤمن، وقد تقدم بيانه في مسألة حقيقة الإيمان وغرضنا هاهنا ذكر مذهب المخالفين والجواب عن شبهتهم: ذهب الخوارج إلي أنه كافر، والحسن البصري إلي أنه منافق، والمعتزلة إلي أنه لا مؤمن ولا كافر.

حجة الخوارج وجوه: الأول قوله تعالي: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ، فإن كلمة (من) عامة في كل من لم يحكم بما أنزل، فيدخل فيه الفاسق المصدق. وأيضاً فقد علل كفرهم بعدم الحكم، فكل من لم يحكم بما أنزل الله كان كافراً، والفاسق لم يحكم بما أنزل الله.

قلنا: الموصولات لم توضع للعموم، بل هي للجنس تحتمل العموم والخصوص.

وفي ثمرات الأوراق بهامش المستطرف/13:

المعتزلة طائفة من المسلمين يرون أن أفعال الخير من الله وأفعال الشر من الإنسان وأن القرآن مخلوق محدث ليس بقديم وان الله تعالي غير مرئي يوم القيامة، وأن المؤمن إذا ارتكب الذنب مثل الزنا وشرب الخمر كان في منزلة بين منزلتين.

تأويلات أهل السنة للحنفي:1/630:

وقوله تعالي: وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، فيه دليل علي أن من السيئات ما يكفرها الصدقة... وهو نقض علي المعتزلة لأنهم لا يرون تكفير الكبائر بغير التوبة عنها، ولا التعذيب علي الصغائر. فأما إن كانت الآية في الكبائر فبطل قولهم (لا يكفر بغير التوبة) أو في الصغائر يبطل قولهم إنها مغفورة، إذ وعدت بالصدقة لأنهم يخلدون صاحب الكبيره في النار، والله تعالي أطمع له تكفير السيئات بالصدقة.

و صاحب الكبيرة في النار و لا تشمله الشفاعة

شرح المواقف:4 جزء 8/312:

أجمعت الأمة علي ثبوت أصل الشفاعة المقبولة له عليه الصلاة والسلام، ولكن هي عندنا لأهل الكبائر من الأمة في إسقاط العقاب عنهم... وقالت المعتزلة: إنما هي لزيادة

الثواب لا لدرأ العقاب، لقوله تعالي: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ، وهو عام في شفاعة النبي عليه الصلاة والسلام وغيره.

الجواب: أنه لا عموم له في الاعيان، لأن الضمير لقوم معينين هم اليهود، فلا يلزم أن لا تنفع الشفاعة غيرهم.

تأويلات أهل السنة:1/590:

قال المعتزلة: لا تكون الشفاعة إلا لأهل الخيرات خاصة، الذين لا ذنب لهم أو كان لهم ذنب فتابوا عنه.

تفسير الرازي 11 جزء 22/160:

احتجت المعتزلة بقوله تعالي: وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي، علي أن الشفاعة في الآخرة لا تكون لأهل الكبائر، لأنه لا يقال في أهل الكبائر إن الله يرتضيهم.

تفسير الرازي 11 جزء 22/118:

المعتزلة قالوا: الفاسق غير مرضي عند الله تعالي، فوجب أن لا يشفع الرسول (ص) في حقه لأن هذه الآية (يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ) دلت علي أن المشفوع له لابد وأن يكون مرضياً عند الله.

تفسير الرازي:12 جزء 23/66:

أما قوله (وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ) احتجت المعتزلة بهذه الآية في نفي الشفاعة.

وقال في:14 جزء 27/33:

احتج الكعبي بهذه الآية علي أن تأثير الشفاعة في حصول زيادة الثواب للمؤمنين، لا في إسقاط العقاب عن المذنيين.

وقال في:4 جزء 7/10:

قال القفال: إنه لا يأذن في الشفاعة لغير المطيعين... وأقول إن هذا القفال عظيم الرغبة في الإعتزال... ومع ذلك فقد كان قليل الاحاطة بأصولهم. وذلك لأن من مذهب البصريين أن العفو عن صاحب الكبيرة حسن في العقول.. إلا أن السمع دل... لا يقع، وإذا كان كذلك كان الإستدلال العقلي علي المنع من الشفاعة في حق العصاة خطأ علي قولهم.

وفي إرشاد الساري للقسطلاني:8/340:

قوله تعالي: مَنْ يَعْمَلْ سُوءً

يُجْزَ بِهِ، استدل بهذه الآية المعتزلة علي أنه تعالي لا يعفو عن شئ من السيئات.

وفي إرشاد الساري:9/447:

المعصية لا تخرج المسلم عن الإيمان، خلافاً للمعتزلة المكفرين بالذنب، القائلين بتخليد العاصي بالنار.

وفي معجم الادباء للحموي:9 جزء 17/81:

قال عبدالعزيز بن محمد الطبري: كان أبو جعفر (الطبري) يذهب في جل مذاهبه إلي ما عليه الجماعة من السلف... وكان يذهب إلي مخالفة أهل الاعتزال في جميع ماخالفوا فيه الجماعة، من القول بالقدر وخلق القرآن وإبطال رؤية الله في القيامة، وفي قولهم بتخليد أهل الكبائر في النار، وإبطال شفاعة رسول الله(ص)، وفي قولهم إن استطاعة الإنسان قبل فعله.

وفي طبقات الشافعية للسبكي:3/347:

يصف تحول الأشعري من الاعتزال إلي خط الدولة (أهل السنة والجماعة) قام علي بن اسماعيل بن أبي بشر علي الاعتزال أربعين سنة حتي صار للمعتزلة إماماً... وهو الذي قال: تكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي شئ علي شئ فاستهديت الله فهداني إلي اعتقاد ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده.. ودفع الكتب التي ألفها علي مذاهب أهل السنة للناس.. وأخذ في نصرة الأحاديث في الرؤية والشفاعة. انتهي.

هذا وقد تقدمت نصوص عن رأي المعتزلة في آراء المرجئة والخوارج في هذا الفصل وفي تعريف الشفاعة في الفصل الأول.

المزيد من تأثير الإسرائيليات علي أحاديث الشفاعة

اتفق الجميع نظريا علي أن الشفاعة من مختصات نبينا

قد يستشكل علي أحاديث اختصاص الشفاعة بنبينا صلي الله عليه وآله الواردة في مصادر الفريقين، بأنها تنافي الأحاديث الصحيحة التي تثبت الشفاعة لغير نبينا صلي الله عليه وآله.

والجواب: أن وجه الجمع بين الأحاديث أن باب الشفاعة إنما يفتح يوم القيامة إكراماً لنبينا صلي الله عليه وآله.. وكل من يشفع من الملائكة والأنبياء والأوصياء والعلماء والشهداء والمؤمنين، فإنما يشفع بإجازته وبالسهم الذي يعطيه

إياه شفيع المحشر صلي الله عليه وآله!

فلا منافاة بين أحاديث اختصاصه بالشفاعة صلي الله عليه وآله وبين مادل علي ثبوتها لغيره من الأنبياء (عليهم السلام) إلا ما دل منها علي أن لغيره شفاعة مستقلة أو أنه يشفع قبله كما في أحاديث الإسرائيليات الآتية.

من لا يحضره الفقيه:1/240:

قال النبي صلي الله عليه وآله: أعطيت خمساً لم يعطها أحدٌ قبلي: جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، ونصرت بالرعب، وأحل لي المغنم، وأعطيت جوامع الكلم، وأعطيت الشفاعة. ورواه في وسائل الشيعة:2/438 وفي سائل الشيعة:3/422 وفي مستدرك الوسائل:2/529

علل الشرائع:1/127:

حدثنا أبوالحسين محمد بن علي بن الشاه قال: حدثنا أبوبكر محمد بن جعفر بن أحمد البغدادي بآمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن السخت قال: حدثنا محمد بن الأسود الوراق عن أيوب بن سليمان عن حفص بن البختري عن محمد بن حميد عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

أنا أشبه الناس بآدم وإبراهيم أشبه الناس بي خلقه وخلقه.

وسماني الله من فوق عرشه عشرة أسماء وبين الله وصفي وبشرني علي لسان كل رسول بعثه الله إلي قومه.

وسماني ونشر في التوراة باسمي وبث ذكري في أهل التوراة والإنجيل وعلمني كتابه ورفعني في سمائه وشق لي إسماً من أسمائه فسماني محمداً وهو محمود.

وأخرجني في خير قرن من أمتي وجعل اسمي في التوراة أحيد فبالتوحيد حرم أجساد أمتي علي النار.

وسماني في الانجيل أحمد فأنا محمود في أهل السماء.

وجعل أمتي الحامدين وجعل اسمي في الزبور ماحي محي الله عز وجل بي من الأرض عبادة الأوثان.

وجعل اسمي في القرآن محمداً فأنا محمود في جميع القيامة في

فصل القضاء لا يشفع أحد غيري.

وسماني في القيامة حاشراً يحشر الناس علي قدمي.

وسماني الموقف أوقف الناس بين يدي الله عز وجل.

وسماني العاقب أنا عقب النبيين ليس بعدي رسول.

وجعلني رسول الرحمة ورسول الملاحم والمقتفي قفيت النبيين جماعة وأنا المقيم الكامل الجامع ومن علي ربي وقال لي يا محمد صلي الله عليك فقد أرسلت كل رسول إلي أمته بلسانها وأرسلتك إلي كل أحمر وأسود من خلقي ونصرتك بالرعب الذي لم أنصر به أحداً وأحللت لك الغنيمة ولم تحل لاحد قبلك وأعطيتك لك ولأمتك الأرض كلها مسجداً وترابها طهوراً وأعطيتك ولأمتك التكبير وقرنت ذكرك بذكري حتي لا يذكرني أحد من أمتك إلا ذكرك مع ذكري فطوبي لك يا محمد ولأمتك.

تفسير القمي:1/194:

ثم قال حكاية عن قريش: وقالوا لولا أنزل عليه ملك، يعني رسول الله صلي الله عليه وآله، ولو أنزلنا ملكاً لقضي الأمر ثم لا ينظرون، فأخبر عز وجل أن الآية إذا جاءت والملك إذا نزل ولم يؤمنوا هلكوا، فاستعفي النبي صلي الله عليه وآله من الآيات رأفةً ورحمةً علي أمته، وأعطاه الله الشفاعة.

صحيح البخاري:1/86:

جابر بن عبد الله أن النبي(ص)قال: أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعثت إلي الناس عامة.

ورواه أيضاً في ص:1 جزء 1/113 وج 2 جرء 2/105 ونحوه في مسلم:2/63 وفي سنن النسائي:1/209 وفي سيرة ابن هشام:2/234 وفي مسند أحمد: 5/149.

وفي:4/417 منه:

عن أبي موسي قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً: بعثت إلي الأحمر والأسود،

وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجداً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لمن كان قبلي، ونصرت بالرعب شهراً، وأعطيت الشفاعة وليس من نبي إلا وقد سأل شفاعة وإني أخبأت شفاعتي ثم جعلتها لمن مات من أمتي لم يشرك بالله شيئاً. ونحوه في:1/301 وفي الدر المنثور:3 ص204 وج 5/237 وسنن الدارمي:1/322 وسنن البيهقي:9/4 وتفسير الطبري:3/2 وصفة الصفوة لابن الجوزي جزء 1 و2/76 وتفسيرالمنار لرشيد رضا: 9/300

ولكن الهيثمي ضعف روايته في مجمع الزوائد:8/259 فقال:

ابن يزيد قال قال رسول الله (ص): فضلت علي الأنبياء بخمس: بعثت إلي الناس كافة، ودخرت شفاعتي لأمتي، ونصرت بالرعب شهراً أمامي وشهراً خلفي، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لاحد قبلي. رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وهو متروك.

نبينا أول شافع يوم القيامة

في مصادرنا نصوص واضحة صريحة في أن نبينا صلي الله عليه وآله هو خطيب المحشر والشفيع الأول قبل الأنبياء، بل هو شفيع الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً.. وقد تقدم بعضها آنفاً وفي تفسير قوله تعالي (عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) وفي بعضها أن الله تعالي قد أذن لنبينا صلي الله عليه وآله بالشفاعة وهو في الدنيا فلا يحتاج إلي إذن يوم القيامة.

في تفسير القمي:2/201:

قال: حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار، عن أبي العباس المكبر قال: دخل مولي لامرأة علي بن الحسين عليه السلام علي أبي جعفر عليه السلام يقال له أبو أيمن فقال: يا أبا جعفر يغرون الناس ويقولون شفاعة محمد شفاعة محمد فغضب أبو جعفر عليه السلام حتي تربد وجهه ثم قال: ويحك يا أبا أيمن أغرك أن عف بطنك وفرجك! أما لو قد رأيت أفزاع القيامة

لقد احتجت إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله! ويلك فهل يشفع إلا لمن وجبت له النار ثم قال: ما أحد من الأولين والآخرين إلا وهو محتاج إلي شفاعة محمد صلي الله عليه وآله يوم القيامة.

ثم قال أبو جعفر عليه السلام: إن لرسول الله صلي الله عليه وآله الشفاعة في أمته ولنا الشفاعة في شيعتنا ولشيعتنا الشفاعة في أهاليهم.

ثم قال: وإن المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر فإن المؤمن ليشفع حتي لخادمه ويقول: يا رب حق خدمتي كان يقيني الحر والبرد. ورواه في بحار الأنوار:8/38 وفي تفسير نور الثقلين:4/334، وقد تقدم ذلك في الرد علي الخوارج.

الصحيفة السجادية:2/290:

اللهم أنزل محمداً في أشرف منازل الأبرار، اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع، وأول قائل وأنجح سائل... اللهم أحسن عنا جزاءه، وعظم حباءه، وأكرم مثواه، وتقبل شفاعته في أمته، وفي من سواهم من الأمم، واجعلنا ممن تشفعه فيه، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة. ونحوه في المقنعة/411

الصحيفة السجادية:2/30:

اللهم فارفعه بما كدح فيك إلي الدرجة العليا من جنتك، حتي لا يساوي في منزلة، ولا يكافأ في مرتبة، ولا يوازيه لديك ملك مقرب، ولا نبي مرسل، وعرفه في أهله الطاهرين وأمته المؤمنين من حسن الشفاعة أجل ما وعدته، يا نافذ العدة، يا وافي القول، يا مبدل السيئات بأضعافها من الحسنات، إنك ذو الفضل العظيم. ونحوه في المقنعة/125

تهذيب الأحكام:3/121:

اللهم إني أسألك من فضلك بأفضله. اللهم واجعل محمداً صلي الله عليه وآله أدني المرسلين منك مجلسا، وأفسحهم في الجنة عندك منزلاً، وأقربهم اليك وسيلة، واجعله أول شافع وأول مشفع، وأول قائل وأنجح سائل، وابعثه المقام المحمود الذي يغبطه به الأولون والاخرون يا أرحم

الراحمين.

تأويل الآيات:2/37:

قال علي بن إبراهيم: روي عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: لا يقبل الله الشفاعة يوم القيامة لأحد من الأنبياء والرسل حتي يأذن في الشفاعة لرسول الله صلي الله عليه وآله فإن الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة فالشفاعة له ولأمير المؤمنين وللائمة من ولده ثم بعد ذلك للأنبياء (عليهم السلام) أجمعين. (ورواه في تفسير القمي:2/201 ونحوه في تفسير نور الثقلين: 4/334).

بحار الأنوار:16/326:

الأمالي: أبو عمرو عبد الواحد بن محمد بن مهدي، عن ابن عقدة، عن الحسن بن جعفر بن مدرار، عن عمه طاهر، عن الحسن بن عمار، عن عمرو بن مرة، عن عبد الله بن الحارث، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع (أمالي ابن الشيخ 170).

بحار الأنوار:16/304:

عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. عسي من الله واجبة، والمقام بمعني البعث فهو مصدر من غير جنسه، أي يبعثك يوم القيامة بعثاً أنت محمود فيه، ويجوز أن يجعل البعث بمعني الإقامة أي يقيمك ربك مقاماً يحمدك فيه الأولون والآخرون، وهو مقام الشفاعة يشرف فيه علي جميع الخلائق يسأل فيعطي ويشفع فيشفع، وقد أجمع المفسرون علي أن المقام المحمود هو مقام الشفاعة وهو المقام الذي يشفع فيه للناس، وهو المقام الذي يعطي فيه لواء الحمد فيوضع في كفه وتجتمع تحته الأنبياء والملائكة، فيكون صلي الله عليه وآله أول شافع وأول مشفع.

بحار الأنوار:8/47:

تفسير العياشي: عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام إن أناساً من بني

هاشم أتوا رسول الله صلي الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله للعاملين عليها فنحن أولي به فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يابني عبدالمطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم، ولكني وعدت الشفاعة _ ثم قال: والله أشهد أنه قد وعدها _ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة الباب أتروني مؤثرا عليكم غيركم؟ ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيامة في صعيد واحد، فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلي من؟ فيأتون نوحاً فيسألونه الشفاعة فقال: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من إلي إبراهيم، فيأتون إلي إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قدر رفعت حاجتي، فيقولون: إلي من فيقال: إيتوا موسي فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي، فيقولون إلي من؟ فيقال إيتوا محمداً، فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتي يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه، فيقال: من هذا؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب، فإذا نظر إلي الجنة خر ساجداً يمجد ربه بالعظمة، فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيرفع رأسه، فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه.انتهي.

وقد تقدمت الأحاديث بهذا المضمون، وهي محل اتفاق في مصادر الطرفين، وفيها دلالة علي أن نبينا صلي الله عليه وآله هوأول من يتقدم للشفاعة يوم القيامة.

الاحاديث الموافقة لمذهبنا في مصادر السنيين

في مصادر السنيين نوعان من الأحاديث في هذا الموضوع: فمنها ما يوافق مصادرنا، وقد روته صحاحهم كالذي رواه ابن ماجة:2/724: عن الطفيل بن أبي بن كعب، عن أبيه أن

رسول الله(ص)قال: إذا كان يوم القيامة كنت إمام النبيين وخطيبهم وصاحب شفاعتهم، غير فخر.

والذي رواه مسلم في:1/130:

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً...

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): أنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، وأنا أول من يقرع باب الجنة...

أنس بن مالك قال النبي (ص): أنا أول شفيع في الجنة، لم يصدَّق نبي من الأنبياء ما صدِّقت، وإن من الأنبياء نبياً ما يصدقه من أمته إلا رجل واحد.

وروي في:7/59:

عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع. انتهي.

وفي سنن الترمذي:5/248:

عن ابن عباس قال: جلس ناسٌ من أصحاب رسول الله(ص)ينتظرونه قال فخرج حتي إذا دنا منهم سمعهم يتذاكرون فسمع حديثهم فقال بعضهم: عجباً إن الله اتخذ من خلقه خليلاً اتخذ من إبراهيم خليلاً. وقال آخر: ماذا بأعجب من كلام موسي كلمه تكليماً. وقال آخر: فعيسي كلمة الله وروحه. وقال آخر: آدم اصطفاه الله. فخرج عليهم فسلم وقال: قد سمعت كلامكم وعجبكم، إن إبراهيم خليل الله وهو كذلك، وموسي نجي الله وهو كذلك، وعيسي روحه وكلمته وهو كذلك، وآدم اصطفاه الله وهو كذلك، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر، وأنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح الله لي فيدخلنيها ومعي فقراء المؤمنين ولا فحر، وأنا أكرم الأولين والآخرين ولا فخر. هذا حديث غريب. انتهي. وروي نحوه ابن ماجه: 2/1440 وأحمد في:3/2

وفي سنن

الدارمي:1/26:

عن أنس قال قال رسول الله (ص): أنا أولهم خروجاً، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا مشفعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أيسوا. الكرامة والمفاتيح يومئذ بيدي، وأنا أكرم ولد آدم علي ربي.

وفي فردوس الأخبار: 1/80 ح 124:

أنس بن مالك: أنا أول شفيع يوم القيامة، وأنا أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة، إن من الأنبياء لمن يأتي يوم القيامة ما معه مصدق غير واحد. انتهي.

وفي شعب الإيمان للبيهقي:2/132 وص 179:

أبو هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم، وأول شافع وأول مشفع.

وفي شعب الإيمان/181:

عن أنس قال: سمعت النبي (ص) يقول: إني أول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامه، وأنا أول من يدخل الجنة... ونحوه في تهذيب الكمال: 15/425 وج 22/551 وسير أعلام النبلاء:8/293 وكنز العمال: 11/404 فما بعدها بروايات متعددة، وفي:14/393 فما بعدها. وفيه في:11/435: أنا سيد المرسلين إذا بعثوا وسابقهم إذا وردوا، ومبشرهم إذا أيسوا، وإمامهم إذا سجدوا، وأقربهم مجلساً إذا اجتمعوا، أتكلم فيصدقني، وأشفع فيشفعني، وأسأل فيعطيني.

وفي الدر المنثور:4/93:

وأخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك (رض) قال وأول ما يأذن الله عزوجل له يوم القيامة في الكلام والشفاعة محمد(ص)فيقال له قل تسمع وسل تعطه قال: فيخر ساجداً فيثني علي الله ثناء لم يثن عليه أحد فيقال إرفع رأسك...

وفي سيرة ابن كثير:1/195:

فروي الحافظ أبو القاسم بن عساكر من طريق أبي الحسن بن أبي الحديد... عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: فداك أبي وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ قال: فتبسم حتي بدت نواجذه، ثم قال: كنت في صلبه وركب بي السفينة في صلب أبي نوح، وقذف بي

في صلب أبي إبراهيم، لم يلتق أبواي علي سفاح قط، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الحسيبة إلي الأرحام الطاهرة، صفياً مهذباً، لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما، وقد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام عهدي، ونشر في التوراة والانجيل ذكري، وبين كل نبي صفتي تشرق الأرض بنوري والغمام بوجهي، وعلمني كتابه وزادني شرفاً في سمائه، وشق لي اسماً من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد وأحمد، ووعدني أن يحبوني بالحوض والكوثر، وأن يجعلني أول شافع وأول مشفع، ثم أخرجني من خير قرن لامتي، وهم الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

فتاوي ابن باز:1/187:

قال رسول الله: أنا أول من ينشق عنه القبر يوم القيامة، وأنا أول شافع وأول مشفع. انتهي.

الاحاديث المتأثرة بالاسرائيليات في مصادر السنيين

والنوع الثاني من أحاديث السنيين: أحاديث تجعل الشفاعة أولاً لابراهيم، ثم لموسي، ثم لعيسي (عليهم السلام) وتجعل نبينا الشفيع الرابع عليهما السلام!!

روي الحاكم في المستدرك:4/496 حديثاً طويلاً عن الدجال ويأجوج ومأجوج وأشراط الساعة والقيامة والشفاعة، وصححه علي شرط الشيخين، وفيه أمورٌ وتفصيلاتٌ غير معقولة، جاء فيه:

عن أبي الزعراء قال كنا عند عبد الله بن مسعود (رض) فذكر عنده الدجال فقال عبد الله بن مسعود: تفترقون أيها الناس لخروجه علي ثلاث فرق، فرقة تتبعه وفرقة تلحق بأرض آبائها بمنابت الشيح، وفرقة تأخذ شط الفرات يقاتلهم ويقاتلونه حتي يجتمع المؤمنون بقري الشام، فيبعثون اليهم طليعة فيهم فارس علي فرس أشقر وأبلق قال فيقتتلون فلا يرجع منهم بشر....

قال: ثم تقوم الساعة علي شرار الناس ثم يقوم ملك بالصور بين السماء والأرض فينفخ فيه. والصور قَرْنٌ، فلا يبقي خلق في السماوات والأرض إلا مات إلا من شاء ربك...

قال: ثم يقوم ملك بالصور بين

السماء والأرض فينفخ فيه فينطلق كل نفس إلي جسدها حتي يدخل فيه ثم يقومون فيحيون حياة رجل واحد قياماً لرب العالمين. قال: ثم يتمثل الله تعالي إلي الخلق فيلقاهم فليس أحد يعبد من دون الله شيئاً إلا وهو مرفوع له يتبعه، قال فيلقي اليهود فيقول من تعبدون؟ قال فيقولون نعبد عزيراً قال هل يسركم الماء؟ فيقولون نعم، إذ يريهم جهنم كهيئة السراب! قال ثم قرأ عبد الله: وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضاً، قال ثم يلقي النصاري فيقول من تعبدون؟ فيقولون المسيح، قال فيقول هل يسركم الماء؟ قال فيقولون نعم، قال فيريهم جهنم كهيئة السراب! ثم كذلك لمن كان يعبد من دون الله شيئاً. قال: ثم قرأ عبد الله: وقفوهم إنهم مسؤولون.

قال: ثم يتمثل الله تعالي للخلق حتي يمر علي المسلمين قال فيقول من تعبدون؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً، فينتهرهم مرتين أو ثلاثاً فيقول من تعبدون؟ فيقولون نعبد الله ولا نشرك به شيئاً. قال فيقول هل تعرفون ربكم؟ قال فيقولون سبحانه إذا اعترف لنا عرفناه! قال فعند ذلك يكشف عن ساق فلا يبقي مؤمن إلا خر لله ساجداً، ويبقي المنافقون ظهورهم طبقاً واحداً كأنما فيها السفافيد! قال فيقولون: ربنا فيقول قد كنتم تدعون إلي السجود وأنتم سالمون.

قال ثم يأمر بالصراط فيضرب علي جهنم فيمر الناس كقدر أعمالهم زمراً كلمح البرق ثم كمر الريح ثم كمر الطير ثم كأسرع البهائم، ثم كذلك حتي يمر الرجل سعياً ثم مشياً، ثم يكون آخرهم رجلاً يتلبط علي بطنه!

قال فيقول أي رب لماذا أبطأت بي؟ فيقول لم أبطئ بك، إنما أبطأ بك عملك.

قال ثم يأذن الله تعالي في الشفاعة فيكون أول شافع روح القدس

جبريل عليه الصلاة والسلام، ثم إبراهيم خليل الله، ثم موسي، ثم عيسي عليهما الصلاة والسلام قال: ثم يقوم نبيكم رابعاً، لا يشفع أحد بعده فيما يشفع فيه، وهو المقام المحمود الذي ذكره الله تبارك وتعالي: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا.

قال فليس من نفس إلا وهي تنظر إلي بيت في الجنة أو بيت في النار...

قال: ثم يشفع الملائكة والنبيون والشهداء والصالحون والمؤمنون فيشفعهم الله.

قال ثم يقول الله: أنا أرحم الراحمين فيخرج من النار أكثر مما أخرج من جميع الخلق برحمته، قال ثم يقول: أنا أرحم الراحمين، قال ثم قرأ عبدالله: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ؟ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ، وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ، قال فعقد عبد الله بيده أربعاً ثم قال: هل ترون في هؤلاء من خير؟ ما ينزل فيها أحد فيه. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

ورواه البيهقي في البعث والنشور/326 والديلمي في فردوس الأخبار: 1/54 وص 80 والنيسابوري في الوسيط ج4/387 وابن منظور في مختصر تاريخ دمشق:1 جزء 2/170. وغيرهم.

أما الهيثمي فقد روي في مجمع الزوائد:9/31 حديث أنه صلي الله عليه وآله أول شافع، ووصفه لأنه موضوع، وقال عن بعض طرقه في:8/254 (وفيه صالح بن عطاء بن خباب ولم أعرفه وبقية رجاله ثقات)

ولكنه في نفس الوقت ردَّ الحديث الذي صححه الحاكم علي شرط الشيخين في ج10/330 وقال (رواه الطبراني وهو موقوف، مخالف للحديث الصحيح وقول النبي: أنا أول شافع)! فيبدو أنه اطلع علي طريق آخر صحيح للحديث، غير الطريقين اللذين ضعفهما. ولكنا لم نطلع عليه.

البخاري يفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا

أما البخاري فقد روي في تاريخه الذي ألفه قبل صحيحه

أن نبينا صلي الله عليه وآله هو الشفيع الأول، وتوقف في رواية أنه الشفيع الرابع، لوجود ما يعارضها.

قال في تاريخه:4/286:

عن جابر بن عبد الله: قال النبي (ص): أنا قائد المسلمين، ولا فخر، وأنا خاتم النبيين ولا فخر، وأنا أول شافع ومشفع ولا فخر.

وقال في تاريخه:5/221:

عبد الله بن هاني أبو الزعراء الكوفي سمع ابن مسعود (رض) سمع منه سلمة بن كهيل يقال عن أبي نعيم إنه الكندي روي عن ابن مسعود (رض) في الشفاعة: ثم يقوم نبيكم رابعهم والمعروف عن النبي (ص): أنا أول شافع. ولا يتابع في حديثه. انتهي.

ولكنه في صحيحه لم يرو هذه الرواية ولا غيرها مما ينص علي أن نبينا صلي الله عليه وآله أول شافع!

نعم، روي أن الشفاعة من مختصات نبينا صلي الله عليه وآله دون الأنبياء (عليهم السلام):

قال في:1/113:

جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص): أعطيت خمساً لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً وأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل، وأحلت لي الغنائم، وكان النبي يبعث إلي قومه خاصة وبعثت إلي الناس كافة، وأعطيت الشفاعة. انتهي.

وروي في:5/226:

رواية الشفاعة المعروفة في المصادر وأن الأنبياء (عليهم السلام)يهابون التقدم للشفاعة للخلق، ويطلبون من نبينا صلي الله عليه وآله أن يشفع إلي الله تعالي فيتقدم ويشفع.. وهي تدل علي أنه صلي الله عليه وآله الشفيع الأول، قال فيها: إذهبوا إلي محمد فيأتون محمداً فيقولون يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي مانحن فيه! فأنطلق فآتي تحت العرش

فأقع ساجداً لربي عز وجل ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك، سل تعطه واشفع تشفع.انتهي.

والي هنا يبدو أنه لامشكلة..

ولكن البخاري روي في صحيحه ما يعارض ذلك، ويجعل درجة نبي الله موسي عليه السلام في درجة نبينا صلي الله عليه وآله أو أفضل منه! فقد روي أن النبي صلي الله عليه وآله نهي المسلمين أن يفضلوه علي موسي، وقال إنه عندما يبعث من قبره يجد موسي جالساً عند العرش قبله!!

قال البخاري في صحيحه:7/193:

عن أبي هريرة قال: استبَّ رجلان، رجلٌ من المسلمين ورجلٌ من اليهود، فقال المسلم: والذي اصطفي محمداً علي العالمين، فقال اليهودي والذي اصطفي موسي علي العالمين، قال فغضب المسلم عند ذلك فلطم وجه اليهودي، فذهب اليهودي إلي رسول الله(ص)فأخبره بما كان من أمره وأمر المسلم، فقال رسول الله (ص): لا تخيروني علي موسي، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسي باطشٌ بجانب العرش، فلا أدري أكان موسي فيمن صعق فأفاق قبلي؟ أو كان ممن استثني الله؟! انتهي.

ورواه في صحيحه في سبعة مواضع أخري علي الأقل! في:3/89، وج 4/126، وج 5/196، وج 6/34، وج 8/48، وص 177، وص 192، وهي رواياتٌ متفاوتة في دلالتها علي تفضيل موسي، ولكن مجموعها كاف في الدلالة عليه، مهما حاول الشراح تأويلها!

فقد نصت الرواية المذكورة كما رأيت علي نهي النبي صلي الله عليه وآله عن تفضيله علي موسي، ووردت هذه العبارة (لا تخيروني علي موسي) في رواية البخاري الأخري:7/193 وفي:8/192 وكذا في مسلم:7/101، وسنن أبي داود:2/407، وأحمد:2/264. وورد في رواية:5/196 (قال لا تخيروني من بين

الأنبياء)

كما نصت علي أن موسي عليه السلام مستثني دون نبينا صلي الله عليه وآله من الصعقة التي يقول الله تعالي عنها: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ مَنْ فِي الأَرْضِ إِلا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَي فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ. الزمر: 68، وهذا امتيازٌ له علي جميع الأنبياء! وروي مثلها في:8/192.

وجاء في:8/177:

(فإذا أنا بموسي آخذ بقائمة من قوائم العرش) وزاد في:5/196 وج 8/48 (فلا أدري أفاق قبلي، أم جُزِيَ بصعقة الطور)

وفي:5/196:

(قال إني أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة، فإذا أنا بموسي متعلق بالعرش) وفي رواية أخري في غير البخاري أن النبي صلي الله عليه وآله أول ما ينفض رأسه من التراب يري موسي جالساً عند العرش!!

قد يقال: إن رواية البخاري لا تدل علي أن موسي أفضل من نبينا صلي الله عليه وآله لأنها تنص علي أن استثناءه من الصعقة إنما هو بسبب صعقته في الطور ولا علاقة له بالأفضلية.

والجواب: أن الرواية واردةٌ أساساً في مقام بيان أفضلية موسي، أو بالأقل عدم أفضلية نبينا عليه، فهذا هو موضوع الخلاف بين المسلم واليهودي، وهو موضوع الحديث، وموضوع النهي المزعوم من النبي صلي الله عليه وآله عن تفضيله علي موسي!!

وقد يقال: لو سلمنا أن الرواية تدل علي مساواة موسي لنبينا صلي الله عليه وآله أو أفضليته عليه، فهي لا تدل علي أن موسي هو الشفيع الأول.

والجواب: أن مقام الشفاعة الأول إنما أعطي لنبينا صلي الله عليه وآله بسبب أنه أفضل الأنبياء صلوات الله عليهم جميعاً، فإذا ثبت أن موسي أفضل منه، فلا يبعد أن يكون هو رئيس المحشر وشفيعه.. الخ.

وقد حاولت بعض الروايات

أن تحل المسألة مع الإسرائيليات حلاً سلمياً، فتجعل الافضلية لموسي، وتحتفظ بدرجة الشفيع الأول لنبينا صلي الله عليه وآله كالتي رواها الطبري في تفسيره:24/20 قال: عن قتادة قال: ذكر لنا أن نبي الله قال: أتاني ملكٌ فقال يا محمد إختر نبياً ملكاً أو نبياً عبداً، فأومأ اليَّ أن تواضع، قال نبياً عبداً، قال فأعطيت خصلتين: أن جعلت أول من تنشق عنه الأرض، وأول شافع، فأرفع رأسي فأجد موسي آخذاً بالعرش، فالله أعلم أصُعِقَ بعد الصعقة الأولي، أم لا. انتهي.

ولكنها علي أي حال محاولاتٌ في مصلحة تصديق الاسرائيليات التي لا نثق بها!

ومن جهة أخري.. فإن تأويل الروايات الواردة في موسي علي نبينا وآله وعليه السلام حتي لو أمكن فهو لا يحل المشكلة، لأنه توجد في صحاح إخواننا ومصادرهم روايات مشابهة عن كبار أنبياء بني إسرائيل، فهي تفضلهم علي نبينا صلي الله عليه وآله أو تجعلهم في درجته، فلا بد من معالجتها جميعاً!

ويحاول العلماء السنيون حل المشكلة بالتأويلات والإحتمالات البعيدة، حتي لا يقعوا في محذور رد الأحاديث الصحيحة أو تكذيب رواتها.. والدخول في هذا البحث يخرجنا عن موضوعنا، وإن كان من بحوث السيرة المهمة، لكن نكتفي بذكر نماذج من هذه الأحاديث:

فمنها حديث الحاكم المتقدم الصحيح علي شرط الشيخين، الذي يعطي الشفاعة في الموحدين ليعقوب عليه السلام قبل نبينا صلي الله عليه وآله بحجة أن يعقوب هو الذبيح!!

ومنها حديث البخاري المتقدم في:4/133 حيث جاء فيه (فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخري فأكون أول من بعث، فإذا موسي آخذٌ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور، أم بعث قبلي. ولا أقول

إن أحداً أفضل من يونس بن متي!) ومثله في مسلم:7/100

وفي البخاري:4/125:

عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متي، ونسبه إلي أبيه.

وفي:4/132:

عن ابن عباس أيضاً، عن النبي(ص)قال: لا يقولن أحدكم إني خير من يونس، زاد مسدد يونس بن متي. ونحوه في:4/132 و:4/133 و:5/185 وص 193 بروايتين، وفي:8/213

وقد صرحت رواية مسلم:7/102 بأنه حديث قدسي!! وأنه يشمل كل الناس حتي نبينا صلي الله عليه وآله قال:

عن النبي(ص)أنه قال يعني الله تبارك وتعالي: لا ينبغي لعبد لي _ وقال ابن المثني لعبدي _ أن يقول أنا خير من يونس بن متي عليه السلام)! وروي نحوه في/103

أما ابن ماجة فقد شدد علي الموضوع فروي في:2/1428 عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال (ومن قال: أناخير من يونس بن متي فقد كذب!. في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات.

وروي نحو ما في البخاري أبو داود في سننه:2/406 والترمذي ج1/118 وج 5/51

وعلل أفضلية يونس في كنز العمال:12/476:

فروي عن عدة مصادر، عن علي، عن النبي(ص)قال: لا ينبغي لأحد _ وفي لفظ لعبد _ أن يقول أنا خيرٌ من يونس بن متي، سبح الله في الظلمات!

أما رواياتهم عن نبي الله داود عليه السلام فقد تكون أكثر صراحةً بتفضيله علي نبينا صلي الله عليه وآله!!

ففي مجمع الزوائد:8/206:

عن أبي الدرداء قال: وكان رسول الله(ص)إذا ذكر داود(ص)قال: كان أعبد البشر. رواه البزار في حديث طويل وإسناده حسن.

وفي كنز العمال:12/476:

عن ابن عساكر، عن أنس أن رجلاً قال للنبي (ص): يا خير الناس، قال: ذاك إبراهيم! قال: يا أعبد الناس، قال: ذاك داود!!. وفي:3/671 (إن أخي

داود كان أعبد البشر)

وفي صحيح البخاري:6/31 ونحوه في:4/135:

قال سألت مجاهداً عن سجدة(سورة) (ص) فقال سألت ابن عباس: من أين سجدت (يعني لماذا) فقال: أو ما تقرأ: ومن ذريته داود وسليمان أولئك الذين هدي الله فبهداهم اقتده، فكان داود ممن أُمِرَ نبيكم(ص)أن يقتدي به، فسجدها رسول الله(ص)!!

ونفس المشكلة تجدها في رواياتهم عن يحيي عليه السلام، فقد روي الهندي في كنز العمال:11/521 عن مسند أحمد وطبقات ابن سعد وغيرهما، عن ابن عباس: ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة، إلا يحيي بن زكريا، فإنه لم يهم بها ولم يعملها)

وفي كنز العمال:11/522 عن ابن عساكر: لا ينبغي لاحد أن يقول أنا خير من يحيي بن زكريا، ما همَّ يخطيئة ولا جالت في صدره امرأة.

والنتيجة: أنه لابد للباحث من القول بأن روايات بني اسرائيل وجدت طريقها إلي مصادر إخواننا السنيين في عقيدة الشفاعة، وبقيت ضعيفة في بعض الحالات، ولكنها في حالات أخري صارت إلي صفِّ الروايات الإسلامية وبستواها من الصحة.. وأحياناً صارت أقوي منها وحلت محلها!!

احسن تصور في مصادر السنيين عن شفاعة نبينا

حاول القاضي عياض في كتابه (الشفا) أن يقدم أفضل صورة عن شفاعة النبي صلي الله عليه وآله ولذلك لم يتقيد بروايات الصحاح، وجمع روايات لم يصححوها وجرَّدها من كثير من الإسرائيليات التي تفضل أنبياء بني إسرائيل علي نبينا، كما جرَّد بعض رواياتها من تجسيم الإسرائيليات، وبقي في بعضها، ولم يجردها من التهم التي تضمنتها لادم وإبراهيم وموسي وعيسي (عليهم السلام) عندما يطلب الناس منهم الشفاعة يوم القيامة فيتكلمون عن خطاياهم وجرائمهم التي لم تغفر! فجاءت صورة عياض قريبة إلي أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)، وكانت أحسن تصور قدمها عالمٌ سنيٌّ عن شفاعة

النبي صلي الله عليه وآله.

وفيما يلي مقتطفات من كلامه من/216 وما بعدها:

وعن أبي هريرة سئل عنها رسول الله(ص)يعني قوله: عَسَي أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فقال: هي الشفاعة.

وروي كعب بن مالك عنه (ص): يحشر الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي علي تل، ويكسوني ربي حلة خضراء، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول، فذلك المقام المحمود.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما وذكر حديث الشفاعة قال: فيمشي حتي يأخذ بحلقة الجنة، فيومئذ يبعثه الله المقام المحمود الذي وعده.

وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله (ص): إني لقائم المقام المحمود، قيل وما هو؟ قال: ذلك يوم ينزل الله تبارك وتعالي علي كرسيه...!

وقال جابر بن عبد الله ليزيد الفقير: سمعت بمقام محمد يعني الذي يبعثه الله فيه: قال قلت نعم، قال: فإنه مقام محمد المحمود، الذي يخرج الله به من يخرج يعني من النار، وذكر حديث الشفاعة في إخراج الجهنميين.

وفي رواية أنس وأبي هريرة وغيرهما دخل حديث بعضهم في حديث بعض قال (ص): يجمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة فيلهمون فيقولون لو استشفعنا إلي ربنا. ومن طريق آخر عنه ماج الناس بعضهم في بعض، وعن أبي هريرة: وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم ما لا يطيقون ولا يحتملون، فيقولون ألا تنظرون من يشفع لكم فيأتون آدم فيقولون.....

وفي رواية: فآتي تحت العرش فأخر ساجداً، وفي رواية فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليها، إلا أنه يلهمنيها الله، وفي رواية: فيفتح الله عليَّ من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي...

وفي رواية قتادة عنه قال فلا أدري في الثالثة أو الرابعة فأقول يا رب ما

بقي في النار إلا من حبسه القرآن أي من وجب عليه الخلود...

ومن طريق زياد النميري عن أنس أن رسول الله(ص)قال: أنا أول من تنفلق الأرض عن جمجمته ولا فخر، وأنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، ومعي لواء الحمد يوم القيامة، وأنا أول من تفتح له الجنة ولا فخر، فآتي فآخذ بحلقة الجنة، فيقال من هذا؟ فأقول محمد، فيفتح لي فيستقبلني الجبار تعالي! فأخر ساجداً...

وفي رواية أنس سمعت رسول الله(ص)يقول: لاشفعن يوم القيامة لأكثر مما في الأرض من حجر وشجر.

فقد اجتمع من اختلاف ألفاظ هذه الاثار أن شفاعته(ص)ومقامه المحمود من أول الشفاعات إلي آخرها، من حين يجتمع الناس للحشر وتضيق بهم الحاجر، ويبلغ منهم العرق والشمس والوقوف مبلغه، وذلك قبل الحساب، فيشفع حينئذ لاراحة الناس من الموقف، ثم يوضع الصراط ويحاسب الناس كما جاء في الحديث عن أبي هريرة وحذيفة، وهذا الحديث أتقن، فيشفع في تعجيل من لا حساب عليه من أمته إلي الجنة...

ثم يشفع فيمن وجب عليه العذاب ودخل النار منهم حسبما تقتضيه الأحاديث الصحيحة ثم فيمن قال لا إله إلا الله. وليس هذا لسواه(ص)...

وفي/207:

أورد القاضي عياض أحاديث في أن نبينا صلي الله عليه وآله هو الشفيع الأول قبل غيره من الأنبياء منها:

أنا أول الناس خروجاً إذا بعثوا، وأنا قائدهم إذا وفدوا، وأنا خطيبهم إذا أنصتوا، وأنا شفيعهم إذا حبسوا، وأنا مبشرهم إذا أبلسوا، لواء الكرم بيدي وأنا أكرم ولد آدم علي ربي ولا فخر، ويطوف عليَّ ألف خادم كأنهم لؤلؤ مكنون.

وعن أبي هريرة: وأكسي حلةً من حلل الجنة، ثم أقوم عن يمين العرش ليس أحد من الخلائق يقوم ذلك المقام غيري.

وعن أبي سعيد الخدري

قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض ولا فخر.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنا حامل لواء الحمد يوم القيامة ولا فخر، وأنا أول شافع وأول مشفع ولا فخر، وأنا أول من يحرك حلق الجنة فيفتح لي فأدخلها فيدخل معي فقراء المؤمنين ولا فخر، وأنا أكرم الأولين والاخرين ولا فخر.

وعن أنس (رض) قال قال النبي (ص): أنا سيد الناس يوم القيامة، وتدرون لم ذلك؟ يجمع الله الأولين والآخرين.. وذكر حديث الشفاعة.

وفي حديث آخر: أما ترضون أن يكون إبراهيم وعيسي فيكم يوم القيامة، ثم قال إنهما في أمتي يوم القيامة، أما إبراهيم فيقول أنت دعوتي وذريتي فاجعلني من أمتك، وأما عيسي فالأنبياء إخوة بنو علات أمهاتهم شتي، وإن عيسي أخي ليس بيني وبينه نبي، وأنا أولي الناس به...

قوله أنا سيد الناس يوم القيامة: هو سيدهم في الدنيا ويوم القيامة ولكن أشار(ص)لإنفراده فيه بالسؤدد والشفاعة دون غيره، إذ لجأ الناس إليه في ذلك فلم يجدوا سواه. والسيد هو الذي يلجأ الناس إليه في حوائجهم، فكان حينئذ سيداً منفرداً من بين البشر لم يزاحمه أحد في ذلك ولا ادعاه. انتهي.

والنتيجة أن روايات الشفيع الأول في مصادر السنيين متعارضة بشكل لا يمكن الجمع بينها فلا بد من ترجيح طائفة منها وإسقاط الأخري، ولا شك في أن الأرجحية للطائفة الموافقة لأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) وللعقل، المخالفة لليهود.

مسألتا: الذبيح و أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة

يوجد مسألتان علي الأقل ترتبطان بمسألة الشفيع الأول، تغلب فيهما الإسرائيليات في مصادر السنيين يناسب أن نتعرض لهما باختصار، خاصة أن شفاعة

إسحاق وإبراهيم (عليهما السلام) وردت في رواياتهما:

الأولي منهما في تعيين الذبيح المذكور في القرآن، وهل هو إسحاق أوإسماعيل؟

والثانية في أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة، هل هو إبراهيم أم نبينا صلي الله عليهما وآلهما!

المسألة الأولي

رأي الشيعة أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام كما سيأتي.

وقالت اليهود إن الذبيح هو إسحاق وليس اسماعيل.

قال السيد جعفر مرتضي في (الصحيح) من السيرة:2/47:

السؤال الذي يلح في طلب الإجابة عليه هو: من أين جاء هذا الأمر الغريب: أن الذبيح هو إسحاق؟

والجواب: هو ما قاله ابن كثير وغيره (إنما أخذوه والله أعلم من كعب الأحبار أو من صحف أهل الكتاب، وليس في ذلك حديث صحيح عن المعصوم حتي نترك من أجله ظاهر الكتاب. [1] .

فاليهود إذن قد أرادوا ترويج عقيدتهم بين المسلمين، وتخصيص هذه الفضيلة بجدهم إسحاق حسب زعمهم. ولكن اليهود أنفسهم قد فاتهم أن التوراة المتدوالة نفسها متناقضة في هذا الأمر، فإنها في حين تقول (خذ ابنك وحيدك الذي تحبه إسحاق. وإذهب إلي أرض المريا وأصعده هناك محرقة علي..الخ. [2] فقد عبرت هنا بكلمة وحيدك الدالة علي أن إسحاق هو أكبر ولد إبراهيم، ولكنها تعود فتكذِّب نفسها وتنص علي أن إسحاق لم يكن وحيداً وإنما ولِدَ وعمرُ إسماعيل أربعة عشر سنة. انتهي.

أما السنيون فقد تحيروا تحيراً شديداً في من هو الذبيح، وروت مصادرهم روايات (صحيحة) متناقضة! فقد روي الحاكم مثلاً عدة روايات في أن الذبيح المذكور في القرآن هو اسماعيل، وصحح بعضها علي شرط الشيخين!

قال الحاكم في:2/430:

عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عز وجل: وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ، قال من

شيعة نوح إبراهيم علي منهاجه وسنته. بلغ معه السعي: شب حتي بلغ سعيه إبراهيم في العمل. فلما أسلما: ما أمرا به.

وتله للجبين: وضع وجهه إلي الأرض فقال لا تذبحني وأنت تنظر عسي أن ترحمني فلا تجهز علي، إربط يدي إلي رقبتي ثم ضع وجهي علي الأرض، فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحرك المدية حتي نودي: أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا فأمسك يده ورفع.

قوله فديناه بذبح عظيم: بكبش عظيم متقبل. وزعم ابن عباس أن الذبيح اسمعيل، هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

وقال في:2/554:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

وروي في الصفحة التي بعدها:

عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: المفدي اسمعيل، وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهي.

ثم روي الحاكم عدة روايات في أن الذبيح هو إسحاق، وأنه هو الذي يشفع للموحدين! ولم يذكر فيها شيئاً عن شفاعة نبينا صلي الله عليه وآله وصحح بعضها أيضاً علي شرط الشيخين! قال في:2/557 عن إحدي رواياته: قال الحاكم: سياقة هذا الحديث من كلام كعب بن ماتع الأحبار، ولو ظهر فيه سندٌ لحكمتُ بالصحة علي شرط الشيخين، فإن هذاإسنادٌ صحيحٌ لا غبار عليه!

وقال في/559:

حدثنا إسمعيل بن الفضل بن محمد الشعراني، ثنا جدي، ثنا سنيد بن داود، ثنا حجاج بن محمد، عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الاحوص، عن عبد الله قال عبد الله قال: الذبيح إسحاق. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وحدثنا محمد بن عمرو الأويسي، عن أبي الزبير، عن جابر (رض) قال:

لما رأي إبراهيم في المنام أن يذبح إسحاق أخذ بيده. فذكره بطوله... قال الحاكم: وقد ذكره الواقدي بأسانيده. وهذا القول عن أبي هريرة، وعبد الله بن سلام، وعمير بن قتادة الليثي، وعثمان بن عفان، وأبي بن كعب، وعبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن عمرو، والله أعلم. وقد كنت أري مشائخ الحديث قبلنا وفي سائر المدن التي طلبنا الحديث فيها، وهم لا يختلفون أن الذبيح إسمعيل، وقاعدتهم فيه قول النبي (ص): أنا ابن الذبيحين، إذ لا خلاف أنه من ولد إسمعيل، وأن الذبيح الآخر أبوه الادني عبد الله بن عبد المطلب. والان فإني أجد مصنفي هذه الأدلة يختارون قول من قال إنه إسحاق. انتهي.

فقد بين الحاكم أنه يوجد عند السنيين اتجاهان في تعيين الذبيح: قول بأنه اسماعيل، وهو الاتجاه الشعبي عند الناس وعند مشايخ الحديث الاكثر تقديساً للنبي صلي الله عليه وآله واختلاطاً بالناس، ولم يكن عندهم شكٌّ ولا خلافٌ بأن الذبيح اسماعيل.

وقول بأنه إسحاق، وهو اتجاه (مصنفي هذه الأدلة) أي مجموعات الأحاديث التي أمرت دولة الخلافة بتصنيفها، وكانت تكتبها علي دفاتر وتبعث بها إلي الآفاق، ومن راجع قصص دفاتر الزهري والعلماء الذين صنفوا الحديث برعاية الدولة، يعرف أن مقصود الحاكم هؤلاء المصنفين! ثم أشار الحاكم إلي أن هذه الأحاديث أوجبت عليه أن يتوقف فيما هو مشهور عند مشائخ الحديث، وأن يميل إلي اتجاه المصنفين، وأن الذبيح إسحاق وليس إسماعيل!

ثم أورد رواية عن وهب ابن منبه (اليهودي المقبول في مصادرهم) تؤكد أن الذبيح إسحاق وأنه هو شفيع الموحدين!! قال الحاكم:

عن وهب بن منبه قال: حديث إسحاق حين أمر الله إبراهيم أن يذبحه: وهب الله لإبراهيم إسحاق في

الليلة التي فارقته الملائكة، فلما كان ابن سبع أوحي الله إلي إبراهيم أن يذبحه ويجعله قرباناً، وكان القربان يومئذ يتقبل ويرفع، فكتم إبراهيم ذلك إسحاق وجميع الناس وأسرَّه إلي خليل له، فقال العازر الصديق وهو أول من آمن بابراهيم وقوله، فقال له الصديق: إن الله لا يبتلي بمثل هذا مثلك ولكنه يريد أن يجربك ويختبرك، فلا تسوأن بالله ظنك فإن الله يجعلك للناس إماماً ولا حول ولا قوة لابراهيم وإسحاق إلا بالله الرحمن الرحيم. فذكر وهب حديثا طويلاً إلي أن قال وهب: وبلغني أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لقد سبق إسحاق الناس إلي دعوة ما سبقها إليه أحد! ويقومن يوم القيامة فليشفعن لأهل هذه الدعوة، وأقبل الله علي إبراهيم في ذلك المقام فقال:

إسمع مني يا إبراهيم أصدق الصادقين. وقال لاسحاق: إسمع مني يا أصبر الصابرين، فإني قد ابتليتكما اليوم ببلاء عظيم لم أبتل به أحداً من خلقي، ابتليتك يا إبراهيم بالحريق فصبر صبراً لم يصبر مثله أحد من العالمين، وابتليتك بالجهاد فيَّ وأنت وحيدٌ وضعيفٌ فصدقت وصبرت صبراً وصدقاً لم يصدق مثله أحد من العالمين، وابتليتك يا إسحاق بالذبح فلم تبخل بنفسك ولم تعظم ذلك في طاعة أبيك، ورأيت ذلك هنيئاً صغيراً في الله كما يرجو من أحسن ثوابه ويسر به حسن لقائه، وإني أعاهدكما اليوم عهداً لا أحبسن به: أما أنت يا إبراهيم فقد وجبت لك الجنة عليَّ فأنت خليلي من بين أهل الأرض دون رجال العالمين، وهي فضيلة لم ينلها أحد قبلك ولا أحد بعدك، فخرَّ إبراهيم ساجداً تعظيماً لما سمع من قول الله متشكراً لله.

وأما أنت يا إسحاق فتمنَّ عليَّ بما شئت، وسلني واحتكم، أوتك سؤلك.

قال:

أسألك يا إلهي أن تصطفيني لنفسك، وأن تشفعني في عبادك الموحدين، فلا يلقاك عبدٌ لا يشرك بك شيئاً إلا أجرته من النار.

قال له ربه: أوجبت لك ما سألت وضمنت لك ولأبيك ما وعدتكما علي نفسي، وعداً لا أخلفه، وعهداً لا أحبسن به، وعطاء هنيئاً ليس بمردود. انتهي.

والنتيجة أن الحاكم يشهد بأن الروايات القائلة بأن الذبيح اسماعيل صحيحة ومشهورة عند مشائخ الحديث وعامة الناس.

ويشهد أيضاً بأن الروايات القائلة بأن الذبيح إسحاق صحيحة أيضاً عند أهل المصنفات، وهو يرجحها مع أنها مخالفة للمشهور!

لكن يبقي السؤال: من أين جاء هذان الاتجاهان في المسألة!

أما البخاري فقد تهرب في صحيحه من تعيين الذبيح ولكنه اختار في تاريخه أنه إسحاق وليس إسماعيل رغم وجود عدة روايات صحيحة علي شرطه تقول إنه اسماعيل ومن البعيد جداً أنه لم يرها!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد بن حميد والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن العباس بن عبد المطلب قال: الذبيح إسحاق. انتهي.

بل يمكن القول إن البخاري اختار في صحيحه أيضاً أن الذبيح إسحاق لأن الرواية اليتيمة التي رواها عن الموضوع اقتطعها وانتقاها من رواية مجاهد المتقدمة في مستدرك الحاكم، وقد حذف منها أن الذبيح اسماعيل!!

قال البخاري في صحيحه:8/70:

باب رؤيا إبراهيم وقوله تعالي: فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَي فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَي... قال مجاهد: أسلما: سلما ما أمرا به، وتله: وضع وجهه بالأرض. انتهي.

ولابد أن البخاري لم يرتض رأي مجاهد في أصل هذه الرواية وغيرها بأن الذبيح اسماعيل، ولذلك حذفه من تفسيره للايات الذي نقله عنه! ولكنه لم يشير إلي

ما فعل مع الأسف!

ووما يدل علي أن رأي مجاهد القاطع بأن الذبيح اسماعيل: ما رواه السيوطي في الدر المنثور: 5/280 قال:

وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق مجاهد ويوسف بن ماهك عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير من طريق يوسف بن مهران وأبي الطفيل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الذبيح اسمعيل عليه السلام.

وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير قالا: الذي أراد إبراهيم عليه السلام ذبحه اسمعيل عليه السلام.

وأخرج ابن جرير عن الشعبي ومجاهد والحسن ويوسف بن مهران ومحمد بن كعب القرظي مثله. انتهي.

وأما مسلم، فلم نجد فيه رواية تعين الذبيح! ولو كان يري أنه إسماعيل لذكره، لوجود روايات عديدة صحيحة علي شرطه في ذلك، ومن البعيد أنه لم يرها! فلا بد أنه كالبخاري والحاكم رجح أن الذبيح إسحاق.

أما لماذا فعل أصحاب المصنفات والصحاح ذلك؟

ولماذا أسقطوا الأحاديث الصحيحة بأن الذبيح اسماعيل!

فالجواب: أنهم فعلوه لحاجة في نفس يعقوب!!

والحاجة التي في نفس يعقوب هنا: أن قريشاً تبنت القول بأن الذبيح هو إسحاق حتي لا تضطر إلي الإعتراف بحديث (أنا ابن الذبيحين) لأن هذا الحديث يعطي لعبد المطلب مقاماً شبيهاً بمقام إبراهيم عليه السلام وأنه كان ولياً ملهماً كالأنبياء وأن الله تعالي امتحنه فأمره بذبح أحد أبنائه.. وإذا اعترفت بذلك، فإن حق الحكم بعد النبي يجب أن يكون في ذرية عبد المطلب دون غيرهم من بيوتات قريش وقبائلها!!

فالأفضل للقرشيين في تصورهم أن يقولوا إن عبد المطلب وأبا طالب وكل أسرة النبي الماضين، كانوا كفاراً وأنهم في النار،

وأن ورثة سلطان النبي صلي الله عليه وآله هم جيل قريش الذين عاصروه من جميع قبائل قريش الثلاث والعشرين!

ولهذا نجد أن شخص (الخليفة) يتدخل في هذا الموضوع ويصير راوياً، ويقول إن النبي لم يقل إنه ابن الذبيحين، ولكن بدوياً فقيراً تقرب إليه بهذه العبارة، فتبسم لها النبي صلي الله عليه وآله! وقد كان تبسمه اشتباهاً ورأياً رآه من عنده ولم ينزل عليه به وحي!!

روي الحاكم في المستدرك:2/554 عن: عبد الله بن سعيد الصنابحي قال: حضرنا مجلس معاوية بن أبي سفيان فتذاكر القوم اسمعيل وإسحاق بن إبراهيم فقال بعضهم: بل إسحاق الذبيح فقال معاوية: سقطتم علي الخبير كنا عند رسول الله فأتاه الاعرابي فقال: يا رسول الله خلفت البلاد يابسة والماء يابساً هلك المال وضاع العيال فعد علي بما أفاء الله عليك يابن الذبيحين فتبسم رسول الله ولم ينكر عليه!!

فقلنا يا أميرالمؤمنين وما الذبيحان قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرض ربك وافد ابنك. قال ففداه بمائة ناقة فهو الذبيح واسمعيل الثاني. انتهي.

وفي ظني أن الراوي تصرف في القسم الأخير من كلام معاوية، لأنه في القسم الأول نفي مسألة الذبيح من أصلها! ولا بد أن تكون بقية حديث معاوية في نفي الذبيحين بلسان معاوية أو عن لسان النبي صلي الله عليه وآله!

لقد التقت مصلحة القرشيين في هذه المسألة مع مصلحة اليهود! وكعب الأحبار وجماعته حاضرون لاغتنام هذه الفرصة، ليثبتوا أن الذبيح اسحاق، وليس إسماعيل، وينقضوا علي الشفاعة للموحدين فيأخذوها من النبي صلي الله عليه

وآله، ويجعلوها لاسحاق!!

ويتضح عمل كعب في الموضوع من الرواية التالية التي رواها عبد الرزاق في تفسيره:2/123 عن الزهري عن القاسم بن محمد في قوله: إني أري في المنام أني أذبحك، قال: اجتمع أبو هريرة وكعب فجعل أبو هريرة يحدث كعباً عن النبي (ص) وجعل كعب يحدث أبا هريرة عن الكتب! فقال: أبو هريرة قال النبي (ص): إن لكل نبي دعوة مستجابة وإني خبأت دعوتي شفاعة لامتي يوم القيامة فقال له كعب: أنت سمعت هذا من رسول الله! قال نعم.

قال كعب: فداه أبي وأمي أفلا أخبرك عن إبراهيم إنه لما رأي ذبح ابنه إسحاق قال الشيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهما أبدا فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه فذهب الشيطان فدخل علي سارة فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك قالت: غدا به لبعض حاجته فقال: إنه لم يغد به لحاجة إنما ذهب ليذبحه. قالت: ولم يذبحه! قال: يزعم أن ربه أمره بذلك! قالت: فقد أحسن أن يطيع ربه في ذلك فخرج الشيطان في أثرهما فقال للغلام أين يذهب بك أبوك قال لحاجته قال إنما يذهب بك ليذبحك! قال لم يذبحني قال يزعم أن ربه أمره بذلك! قال والله لئن كان أمره بذلك ليفعلن. قال فتركه ولحق بإبراهيم فقال: أين غدوت بابنك فقال لحاجة قال: فإنك لم تغد به لحاجة إنما غدوت لتذبحنه! قال ولم أذبحه قال تزعم أن ربك أمرك بذلك! قال: فوالله لئن كان أمرني بذلك لافعلن. قال: فتركه ويئس أن يطاع. انتهي.

وروي الطبري في تاريخه:1/187:

رواية معاوية وعدة روايات عن كعب الأحبار في أن الذبيح إسحاق، ومنها رواية عبد الرزاق بألفاظ مشابهة وزاد فيها: فلما أخذ إبراهيم إسحاق ليذبحه وسلم إسحاق

أعفاه الله وفداه بذبح عظيم قال إبراهيم لإسحاق قم أي بني فإن الله قد أعفاك فأوحي الله إلي إسحاق إني أعطيك دعوة أستجيب لك فيها قال إسحاق: اللهم فإني أدعوك أن تستجيب لي أيما عبد لقيك من الأولين والآخرين لا يشرك بك شيئاً فأدخله الجنة. انتهي.

وبذلك يقول لنا كعب: إن الذبيح هو إسحاق جد اليهود وليس جد العرب، ثم إنكم تزعمون أن محمداً يشفع في الموحدين، وقد سبقه إلي ذلك إسحاق فلم يبق معني لشفاعة نبيكم!

وقال السيوطي في الدر المنثور:5/282:

وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن كعب (رض) أنه قال لابي هريرة: ألا أخبرك عن اسحاق قال بلي قال: لما رأي إبراهيم أن يذبح إسحاق... وذكر شفاعة اسحاق للموحدين بنحو رواية الطبري المتقدمة!

وقال ابن خلدون في تاريخه:2/38:

واختلف في ذلك الذبيح من ولديه، فقيل اسمعيل وقيل اسحاق وذهب إلي كلا القولين جماعة من الصحابة والتابعين فالقول باسمعيل لابن عباس وابن عمر والشعبي ومجاهد والحسن ومحمد بن كعب القرظي وقد يحتجون له بقوله صلي الله عليه وسلم: أنا ابن الذبيحين ولا تقوي الحجة به لأن عم الرجل قد يجعل أباه بضرب من التجوز لا سيما في مثل هذا الفخر!!

ويحتجون أيضاً بقوله تعالي: فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ولو كان ذبيحاً في زمن الصبا لم تصح البشارة بابن يكون له لأن الذبح في الصبا ينافي وجود الولد ولا تقوم من ذلك حجة لأن البشارة إنما وقعت علي وفق العلم بأنه لا يذبح وأنما كان ابتلاء لإبراهيم.

والقول بإسحاق للعباس وعمر وعلي وابن مسعود وكعب الأحبار وزيد بن أسلم

ومسروق وعكرمة وسعيد بن جبير وعطاء والزهري ومكحول والسدي وقتادة. انتهي.

وينبغي الإلتفات هنا إلي أن أصل القول بأن الذبيح إسحاق من شخصين حسب رواية ابن خلدون وغيره:

الأول: الخليفة عمر مؤسس الخلافة القرشية وصاحب مشروع عزل بني هاشم عن الخلافة.

والثاني: كعب الأحبار حامل راية الثقافة الإسرائيلية.

وقد ذكر الرواة المؤيدون للخلافة القرشية اسم علي والعباس، ورووا عنهما أن الذبيح إسحاق لأنهما من أولاد عبد المطلب، ومن المناسب الإحتجاج بشهادتهما لسلب هذه المنقبة العظيمة عن عبد المطلب، التي تجعله بنص الرسول صلي الله عليه وآله إبراهيم الثاني!

ويظهر أن قريشاً وكعباً لم يستطيعوا إقناع جمهور المسلمين بمقولتهم المخالفة لظاهر القرآن، ولا إسكات بني هاشم ومنهم ابن عباس بأن الذبيح هو إسحاق، وإن رووا ذلك عنهم، فقد بقي عوام المسلمين مع ظاهر القرآن وفطرتهم، وبقيت روايات أهل البيت الصريحة، وروايات ابن عباس التي تقدمت في مستدرك الحاكم: 2/555: قال: المفدي إسمعيل وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود. انتهي. بقي كل ذلك يتحدي رواة الخلافة القرشية واسرائيلياتها!

[1] البداية والنهاية:1/161 و159 وراجع السيرة الحلبية:1/38 عن ابن تيمية.

[2] سفر التكوين: الإصحاح 22 الفقرة 1 _ 33 ولتراجع سائر فقرات الإصحاح أيضاً.

رأي أهل البيت

تؤكد مصادر أهل البيت(عليهم السلام) أن الذبيح هو اسماعيل عليه السلام وقد قوي العلماء رواياته وضعفوا رواية أن الذبيح إسحاق حتي صار ذلك من مختصات مذهبنا.. ففي تفسير القمي:2/226: قال: وحدثني أبي عن صفوان بن يحيي وحماد عن عبدالله بن المغيرة عن ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألناه عن صاحب الذبح فقال: اسماعيل. وروي عن رسول الله صلي الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين يعني اسماعيل وعبد الله

بن عبد المطلب.

وفي تفسير التبيان:8/517:

واختلفوا في الذبيح فقال ابن عباس وعبد الله بن عمر ومحمد بن كعب القرطي وسعيد بن المسيب والحسن في إحدي الروايتين عنه والشعبي: إنه كان إسماعيل وهو الظاهر في روايات أصحابنا ويقويه قوله بعد هذه القصة وتمامها: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين فدل علي أن الذبيح كان اسماعيل. ومن قال: إنه بشر بنبوة إسحاق دون مولده فقد ترك الظاهر لأن الظاهر يقتضي البشارة بإسحاق دون نبوته.

ويدل أيضاً عليه قوله: فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ولم يذكر اسماعيل. فدل علي أنه كان مولوداً قبله.

وأيضاً فإنه بشره بإسحاق وأنه سيولد له يعقوب فكيف يأمره بذبحه مع ذلك؟ وأجابوا عن ذلك بأن الله لم يقل إن يعقوب يكون من ولد إسحاق.

وقالوا أيضاً يجوز أن يكون أمره بذبحه بعد ولادة يعقوب. والأول هو الاقوي علي ما بيناه. وقد روي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: أنا ابن الذبيحين ولا خلاف أنه كان من ولد اسماعيل والذبيح الآخر عبد الله أبوه. انتهي.

وفي تفسير نور الثقلين:4/421:

في أمالي شيخ الطائفة قدس سره بإسناده إلي سليمان بن يزيد قال: حدثنا علي بن موسي قال: حدثني أبي عن أبيه عن أبي جعفر عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال: الذبيح اسماعيل عليه السلام.

وفي مهج الدعوات في دعاء مروي عن أمير المؤمنين عليه السلام عن النبي صلي الله عليه وآله: يا من فدي اسماعيل من الذبح.

وفي مستدرك الوسائل:16/98:

وفي العيون: عن أحمد بن الحسن القطان عن أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي عن علي بن حسن بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن معني

قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام) وعبد الله بن عبدالمطلب... إلي أن قال: وأما الآخر فإن عبدالمطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متي أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة قال: قد وفي الله تعالي لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله.. الخبر.

ابن شهر آشوب في المناقب: تصور لعبد المطلب أن ذبح الولد أفضل قربة لما علم من حال اسماعيل فنذر أنه متي رزق عشرة أولاد ذكوراً أن ينحر أحدهم في الكعبة شكراً لربه فلما وجدهم عشرة قال لهم: يا بني ما تقولون في نذري فقالوا: الأمر إليك ونحن بين يديك..الخبر. انتهي.

بحث في إيمان عبدالمطلب و رواية أنا ابن الذبيحين

نظراً لاهمية هذه المسألة وارتباطها بشفاعة النبي وشخصية أبيه وجده صلي الله عليه وآله.. نستعرضها بشكل موجز، ونبين ظلامة عبد المطلب في مصادر السنيين:

فقد روت مصادرهم بأسانيد صحيحة عن لسان أصدق الصادقين الناطق بإلهام رب العالمين صلي الله عليه وآله، نقاطاً ملفتة في مدح عبد المطلب، توجب الإعتقاد بأن شخصيته شخصية ربانية، وتوجب رفض الروايات التي تعارضها وتتهمه بالشرك وعبادة الأصنام!

فمن هذه الأحاديث:

أنه عندما انهزم المسلمون في حنين وتركوا نبيهم صلي الله عليه وآله بين سهام الكفار ورماحهم وسيوفهم في أشد ظروف الخطر، ولم يبق معه إلا الملائكة وعلي وبعض بني هاشم..ترجل صلي الله عليه وآله للحرب وافتخر علي الكفار بأمرين: نبوته، وأنه ابن عبد المطلب وباهاهم بذلك بين يدي الله تعالي وقاتلهم!

والنبي العادي لا يفتخر بجده وآبائه إذا كانوا كفاراً، فكيف بسيد الأنبياء

والمرسلين وأتقي الموحدين صلي الله عليه وآله!

قال البخاري في صحيحه:5/98:

عن أبي إسحاق قال سمعت البراء وجاءه رجل فقال: يا أبا عمارة أتوليت يوم حنين! فقال أما أنا فأشهد علي النبي(ص)أنه لم يول ولكن عجل سرعان القوم فرشقتهم هوازن وأبو سفيان بن الحرث (بن عبد المطلب) آخذ برأس بغلته البيضاء (وهو) يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقال البخاري في:3/220:

قال: لا والله ما ولي النبي(ص)، ولكن ولي سرعان الناس، فلقيهم هوازن بالنبل، والنبي(ص)علي بغلته البيضاء، وأبو سفيان بن الحر ث آخذ بلجامها، والنبي(ص)يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

وقال في:4/28:

فلما غشيه المشركون نزل فجعل يقول:

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب

قال: فما رؤي من الناس يومئذ أشد منه! ورواه مسلم في:5/168 و 169

وقال البخاري في صحيحه:4/161:

باب من انتسب إلي آبائه في الإسلام والجاهلية. وقال ابن عمرو وأبو هريرة عن النبي (ص): إن الكريم ابن الكريم بن الكريم بن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله. وقال البراء عن النبي (ص): أنا ابن عبد المطلب.

ومن هذه الأحاديث:

ما دل أن الله تعالي جعل في شريعته الخالدة مالية خاصة لأبناء عبد المطلب إلي يوم القيامة، فحرم عليهم الصدقات لأنها أوساخ الناس، وجعل لهم بدلها الخمس. وإن شخصاً يكون في ذريته أبرار وأخيار بهذا المستوي إلي يوم القيامة، يستبعد أن يكون مشركاً عابداً للأصنام!

قال النسائي في سننه:7/134:

عن مجاهد قال الخمس الذي لله وللرسول كان للنبي(ص)وقرابته لا يأكلون من الصدقة شيئاً... قال الله جل ثناؤه: واعلموا أنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن

السبيل.

وقال أبو داود في سننه:2/26:

حدثنا حسين بن علي العجلي، ثنا وكيع، عن الحسن بن صالح، عن السدي، في ذي القربي قال: هم بنو عبد المطلب.

وقال النسائي:5/105:

باب استعمال آل النبي(ص)علي الصدقة... أخبرنا عمرو بن سواد بن الأسود بن عمرو عن ابن وهب قال حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عبدالله بن الحرث بن نوفل الهاشمي أن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب أخبره أن أباه ربيعة بن الحرث قال لعبد المطلب بن ربيعة بن الحرث والفضل بن العباس بن عبد المطلب ائتيا رسول الله(ص)فقولا له استعملنا يا رسول الله علي الصدقات، فأتي علي بن أبي طالب ونحن علي تلك الحال فقال لهما: إن رسول الله(ص)لا يستعمل منكم أحداً علي الصدقة، قال عبد المطلب: فانطلقت أنا والفضل حتي أتينا رسول الله(ص)، فقال لنا: إن هذه الصدقة إنما هي أوساخ الناس، وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد!

وفي صحيح مسلم:3/118:

عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن الصدقة لاتنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس... وقال أيضاً: ثم قال رسول الله (ص): أدعوا لي محمية بن جزء، وهو رجل من بني أسد كان رسول الله(ص)استعمله علي الأخماس. انتهي.

ونحوه في سنن أبي داود:2/28 ومسند أحمد:4/166 والبيهقي في سننه:7/31 _ وشبهه في:6/338

وروي إحدي رواياته الحاكم في المستدرك:3/484وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروي نحوه في كنز العمال:6/458 بعدة روايات.

ومعني قوله ادعوا لي محمية: أدعوا لي المسؤول عن الأخماس التي هي شرعاً لبني عبد المطلب، حتي أعطي هؤلاء منها. وهو يدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله نفذ في حياته الحكم الشرعي في الخمس، وجعل له مسؤولاً

هو محمية بن جزء، ولكن ذلك انتهي بوفاته، ولم يبق له أثرٌ عند خلفاء قريش!

وقد يشكل علي هذا التشريع الإسلامي: بأنه قد أسس الطبقية في المجتمع الإسلامي، وجعل أسرة النبي صلي الله عليه وآله من بني هاشم وعبد المطلب، أسرة مميزة اجتماعياً ومالياً، بل ومترفعة علي غيرها، فهي لا تأكل من أموال بيت المال التي تتجمع من الزكوات والضرائب لأنها أوساخ الناس، بل لها ماليتها الخاصة في موارد الدولة.

وقد اختلف الفقهاء في موارد مالية بني عبد المطلب هذه، فحصرها فقهاء الخلافة القرشية بغنائم الحرب وجعلوا خمسها لذوي قربي النبي من بني هاشم..وعممها فقهاء الشيعة لكل مايغنم في الحرب والكسب، مما زاد علي مصارف المسلم السنوية.. فقد يقال إن هذه الاموال تشكل ميزانية دولة فكيف يجعلها الله تعالي لاسرة النبي صلي الله عليه وآله؟!

والجواب: أولاً، أن الخمس ليس لأغنياء بني هاشم، بل هو مختص بفقرائهم المؤمنين.

وثانياً، إن الاهتمام بالفقراء من أسر الأنبياء والنابغين أمر حضاري، فلو أن مجلس العموم البريطاني مثلاً أقرَّ قانوناً بإعطاء أبناء آينشتاين من أموال الدولة ما يكفي لمعيشة فقراءهم، بسبب أنهم من ذرية عالم نابغ، ويؤمل أن ينبغ منهم آخرون..لرأي فيه المعترضون علي الخمس الإسلامي عملاً عصرياً صحيحاً، واهتماماً جيداً من دولة متحضرة!

فما هو الإشكال في أن تهتم الشريعة الخاتمة بذرية سيد الأنبياء وأسرته صلي الله عليه وآله وتجعل لهم ميزانية من أزكي الموارد، لمن كان منهم مؤمناً محتاجاً.

وثالثاً، إن الذي يشكل علي تشريع الخمس لال النبي صلي الله عليه وآله عليه أن يرجع إلي القرآن ليري ما هو أعظم من الخمس، فإن نبينا صلي الله عليه وآله هو الوحيد من بين الأنبياء الذي أوجب الله

تعالي علي أمته إعطاءه أجراً علي تبليغ الرسالة، وجعل هذا الأجر: مودة آله فقال (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي) ولذا أفتي كل فقهاء المذاهب بنفاق الناصبي الذي يكره آل النبي صلي الله عليه وآله، وأفتي بعضهم بكفره!

إن المتأمل في آيات القرآن وتاريخ الأديان، لا مفر له من القول بأن الله تعالي من الأصل قد اختار الأنبياء وأسرهم لتبليغ الدين الإلهي، وإقامة الحكم به في المجتمعات البشرية. فالاسرة المختارة أساسٌ في نظام الدين الإلهي، ولكنها أسرة مصطفاة من الله العليم بشخصيات عباده، الحكيم في اختيار أنبيائه وأوليائه.. لا كالاسر التي يختارها الناس بأهوائهم، أو بعلمهم المحدود، أو الأسر التي تتسلط بالقوة وتفرض نفسها علي الناس!

قال الله تعالي: إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. آل عمران 33 _ 34

وقال عن جمهرة أسر الأنبياء:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنَا عَلَي الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَ هَدَيْنَاهُمْ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَي اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. الأنعام: 83 _ 89

وقال عن دعاء زكريا بالذرية الطيبة:

هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً

طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ. آل عمران: 38

وقال عن ذرية نبينا صلي الله عليه وآله وكثرتهم:

وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ. الرعد: 37 - 38

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ. الكوثر: 1-3

وقال عن دعاء الملائكة للذريات المؤمنة:

الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَئٍْ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنِ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. غافر: 7 _ 9

وقال عن نظام الذرية والاسر في الآخرة أيضاً:

وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَي الدَّارِ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ. سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَي الدَّارِ. الرعد: 22-24

مُتَّكِئِينَ عَلَي سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍْ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ. الطور: 20 _ 21 انتهي.

فنظام الأسرة والذرية نظام طبيعي في بني آدم، وقد أقره الله تعالي واستفاد منه في الدين الإلهي.

وإذا كانت البشرية قد عانت الويلات والمآسي وأنواع الظلم والاضطهاد من نظام الاسر الفاسدة المتجبرة.. فإن ذلك يرجع

إلي فساد تلك الأسر ولا يصح أن يكون سبباً لرفض بنية الأسرة وفكرتها.. فهذه البنية تختزن إيجابيات كبري لحمل الرسالة واستمرارها كما أن فيها خطر سلبيات كبري أيضاً وأن تتحول إلي ملك عضوض.. وقد تحدث القرآن عن الأجيال التي فسدت من أسر الأنبياء وأتباعهم فقال تعالي:

أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا. فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَوةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا. إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئًا. مريم: 58 _60

لكن عندما يختار الله تعالي أسرة كأسرة نبينا صلي الله عليه وآله ويصطفيها فليس معناه أنه يختار كل أفرادها علي علاتهم بل معناه أنه يختارها بصورة عامة بسبب علمه بأنه سيوجد منها أفراد معصومون يختارهم لهداية الأمة وقيادتها.

ولو فكرت فيما نقلته الصحاح من قول النبي صلي الله عليه وآله في حديث الثقلين (ولقد أخبرني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتي يردا علي الحوض) لما وجدت له معني إلا أن الله تعالي أخبر نبيه بأنه سيكون من عترته شخص معصوم يواصل خط نبوته في كل عصر إلي يوم القيامة! فالاختيار لبني عبد المطلب كليٌّ عام لانهم معدن النبي صلي الله عليه وآله ومعدن الأئمة من عترته (عليهم السلام) ولأنهم الأفضل بالمقايسة مع غيرهم من الأسر، فهي أقلهم سلبيات وأكثرهم إيجابيات.. وهو اختيار ترافقه تشريعات حازمة شرعها الله تعالي بشأنهم تتلخص بما يلي:

أن المودة والاحترام لجميع بني هاشم، بشرط الإسلام والإيمان.

أن الخمس لفقرائهم المؤمنين بمقدار كفايتهم وتمشية أمور معيشتهم.

أن وجوب الإطاعة فقط

لاولي الأمر المعصومين منهم (عليهم السلام) الذين هم الأئمة الإثنا عشر لاغير.. وقد تقدم في الفصل الثامن تفسير آية المصطفين الذين أورثهم الله الكتاب بعد نبينا صلي الله عليه وآله، وأنهم محصورون في ذرية فاطمة الزهراء عليها السلام، وأن الصالحين منهم ثلاثة أنواع: سابق بالخيرات وهم الأئمة (عليهم السلام) ومقتصد وظالم لنفسه.

ومن الأمور الطريفة أن الذين ينتقدون الشيعة لتمسكهم بمودة أهل البيت وولايتهم (عليهم السلام) ويقولون إن مذهب التشيع مذهب أسري، ينسون أنهم أسريون أكثر منا! فنحن نعتقد أن الخلافة في هذه الأمة إلي يوم القيامة مخصوصة في ذرية النبي عملاً بنصه صلي الله عليه وآله..بينما هم يقولون إن النبي صلي الله عليه وآله لم ينص علي أحد، وبعضهم يقول إنه علي أن الخلافة في قريش إلي يوم القيامة، لأنهم قبيلة النبي صلي الله عليه وآله.

فنحن أسريون بالنص، وهم قبليون بغير نص، أو بنص!

ونطاق ولائنا نحن لبني هاشم وعبد المطلب بصورة عامة، ولإثني عشر إماماً منهم بصورة خاصة.. بينما نطاق ولائهم لبضع وعشرين قبيلة، هم مجموعة قبائل قريش، ومنهم أئمة الشرك، والكفر، والنفاق!

وقد روينا ورووا أن علياً عليه السلام بعد أن فرغ من مراسم تغسيل النبي والصلاة عليه ودفنه صلي الله عليه وآله بلغه أن بعض زعماء قريش ذهبوا إلي السقيفة حيث كان رئيس الأنصار مريضاً، واحتجوا علي الأنصار بأنهم قوم النبي صلي الله عليه وآله وعشيرته وأولي منهم بسلطانه! فقال علي عليه السلام فيما قال: احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة!!

وغرضنا هنا أن نوضح أن جميع المسلمين ماعدا من شذ قد أجمعوا علي أن نظام الحكم في الإسلام بعد النبي صلي الله عليه وآله إما أن يكون أسرياً مخصوصاً بعترته عليهما

السلام، أو قبلياً مخصوصاً بقبائل قريش الثلاث والعشرين أو الخمس والعشرين.

فنحن نقول إنه نظامٌ أسري بالنص واختيار الله تعالي كما قال (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ)، والسنة يقولون إنه نظامٌ قبلي باختيار الناس لكن من داخل قريش، ولا يجب أن يكون الحاكم عندهم من أسرة النبي عليه السلام، بل لعله يستحبون أن يكون من غيرها!

ومن الأحاديث والنصوص الدالة علي إيمان عبد المطلب:

ما ثبت في الحديث والتاريخ من كرامات بل معجزات لعبد المطلب، في حملة أبرهة لهدم الكعبة تدل علي توحيده وإيمانه ويقينه، وعلي أنه كان يعرف أن الله تعالي سيرسل عليهم طيراً أبابيل، وكان يرسل بعص أولاده إلي الجبل لينظروا هل جاء سرب الطيور من قبل البحر!

ورووا كذلك مخاطبته للفيل وجواب الفيل له بالاشارة بأنه لن يدخل إلي محيط الكعبة... إلي آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب!

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي الكرامة التي أكرمه الله بها بأن أعاد نبع زمزم علي يده وما رافق ذلك من آيات فقد كان الله تعالي أكرم بهذا النبع جده اسماعيل وأمه هاجر ثم نضب وعفي علي مر الزمن حتي أعاده الله تعالي علي يد عبد المطلب عن طريق الرؤيا الصادقة التي لا تكون إلا للأنبياء والاوصياء وكبار الأولياء.

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي معرفته بنبوة حفيده صلي الله عليه وآله، واهتمامه الخاص به ورعايته المميزة له في طفولته وصباه، وتوصيته به إلي أرشد أبنائه أبي طالب، وإخباره إياه بأمره... إلي آخر ما اتفق عليه المؤرخون والمحدثون، مما لا يمكن أن يصدر إلا عن ولي مقرب!

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي

المكانة الدينية التي كانت لعبد المطلب في قلوب قبائل العرب وجماهير ها والتي لم يكن لاحد مثلها حتي لرؤساء قبائلهم... كل ذلك مع حسد قريش له وعمل رؤسائها للحط من مكانته خاصة بنو عبد الدار أصحاب لواء قريش الذين قادوا معركة بدر وبنو المغيرة الذين كان يرأسهم أبو جهل وبنو أمية الذين كان يرأسهم صخر.

وقد نصت مصادر التاريخ علي هذه المكانة وأن طابعها كان تقديساً دينياً غير وثني بل مرتبطاً بالكعبة وزمزم وإسماعيل وإبراهيم (عليهم السلام). ويلاحظ ذلك من مواقف عقلاء العرب وأصحاب الاذهان الحرة منهم واحترامهم للنبي صلي الله عليه وآله باعتباره ابن عبدالمطلب لأن عبد المطلب عندهم وارث أمجاد اسماعيل وإبراهيم وبركتهما!

روي النسائي في سننه:4/124:

عن أبي هريرة قال بينما النبي(ص)مع أصحابه (إذ) جاء رجل من أهل البادية قال: أيكم ابن عبد المطلب

قالوا: هذا الامغر المرتفق. قال حمزة: الامغر الأبيض مشرب حمرة.

فقال: إني سائلك فمشتد عليك في المسألة.

قال: سل عما بدا لك.

قال: أسألك بربك ورب من قبلك ورب من بعدك آلله أرسلك.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصلي خمس صلوات في كل يوم وليلة.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تأخذ من أموال أغنيائنا فترده علي فقرائنا.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن تصوم هذا الشهر من إثني عشر شهراً.

قال: اللهم نعم.

قال: فأنشدك به آلله أمرك أن يحج هذا البيت من استطاع إليه سبيلا.

قال: اللهم نعم.

فقال: فإني آمنت وصدقت وأنا ضمام بن ثعلبة. انتهي.

ورواه البخاري مختصراً في صحيحه:1/23وأبوداود في سننه:1/117_ 118 ويفهم من هذا النص أن لعبدالمطلب وأولاده مكانة خاصة في قلوب

المتفكرين من العرب..بل يشير النص التالي في صحيح البخاري إلي أن أولاد بني عبد المطلب لهم مميزات نورانية خاصة. ففي:5/140: أن علي بن أبي طالب (رض)خرج من عند رسول الله(ص)في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن كيف أصبح رسول الله(ص)فقال أصبح بحمد الله بارئاً فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا وإني والله لاري رسول الله(ص)سوف يتوفي من وجعه هذا إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت...!! ورواه البخاري أيضاً في:7/136

ومن هذه الأحاديث والنصوص:

ما دل علي العاطفة النبوية الجياشة التي كانت تفيض من قلب نبينا صلي الله عليه وآله علي بني هاشم وبني عبد المطلب وذريتهما وأحاديث ذلك كثيرة صحيحة مليئة بالدلالات لمن تأملها وجرد ذهنه عن ستار التلقين القرشي ضد عبد المطلب.

قال البخاري في صحيحه:2/204:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما قدم النبي(ص)مكة استقبله أغيلمة بني عبد المطلب فحمل واحداً بين يديه وآخر خلفه.. ورواه في:7/67

فهل كانت هذه العاطفة النبوية والحفاوة المحمدية بأطفال كافرين! أم بأطفال آباؤهم طلقاء أسلموا لتوهم تحت السيف!

كلا بل كانت عاطفة علي غصون شجرة مباركة يحملون إرث أجدادهم الأنبياء والأوصياء، ولم يظهر منهم إلي الآن انحراف عنها!!

وروي البخاري أن النبي صلي الله عليه وآله تعمد في حجة الوداع أن يوعي الأمة علي ظلم قريش للنبوة، ولكل بني هاشم وعبد المطلب!

قال البخاري في:2/158:

عن أبي هريرة (رض) قال قال النبي(ص)من الغد يوم النحر وهو بمني: نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا علي الكفر. يعني بذلك المحصب، وذلك أن قريشاً وكنانة تحالفت علي بني هاشم وبني عبد المطلب أو بني

المطلب، أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم حتي يسلموا إليهم النبي (ص). انتهي.

ثم لاحظ ذلك التعبير النبوي الملي بالعاطفة والحنان والإيمان بنوعية أبناء عبدالمطلب المميزة حيث قال صلي الله عليه وآله كما حديث الكافي الآتي (فما ظنكم يا بني عبدالمطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثراً عليكم غيركم!).

ويؤيده ما رواه ابن شبة في تاريخ المدينة:2/264 قال:

حدثنا أبوحذيفة قال حدثنا سفيان عن أبيه عن أبي الضحي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاء العباس (رض) إلي رسول الله(ص)فقال: إنك تركت فينا ضغائن منذ صنعت الذي صنعت! فقال رسول الله (ص): لن يبلغوا الخير أو قال الإيمان حتي يحبوكم لله ولقرابتي أيرجو سؤلهم شفاعتي عن مراد ولا يرجو بنو عبد المطلب شفاعتي انتهي. وروي نحوه غيره.

ومن هذه الأحاديث:

ما دل علي أن أولاده سادة أهل الجنة هم بنو عبد المطلب السبعة من بني عبدالمطلب! فقد روي ابن ماجة في سننه:2/1368: حدثنا هدية بن عبدالوهاب ثنا سعد بن عبد الحميد بن جعفر عن علي بن زياد اليمامي عن عكرمة بن عمار عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: نحن ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة: أنا وحمزة وعلي وجعفر والحسن والحسين والمهدي. انتهي. وهو حديث صحيح عند إخواننا السنة وقد أورنا مصادره وطرقه العديدة في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام فزادت علي مئة مصدر. وصحح العديد منها علماء الجرح والتعديل.

إن المجموعة الواحدة من هذه النصوص تكفي الباحث السوي الذهن، لأن يعيد النظر في الأحكام التي أصدرتها الخلافة القرشية وفقهاؤها علي عبد المطلب..! فكيف بهذه المجموعات الثمانية مجتمعة، ومثلها معها!

وإذا أنهار البناء القرشئ

ضد عبد المطلب، انهارت الجدران القرشية الأخري وانكشفت محاصرتهم الجديدة لبني هاشم وبني عبد المطلب..التي أحكموها أكثر من محاصرتهم لهم في شعب أبي طالب، لانهم فعلوها هذه المرة باسم الإسلام فطالت قروناً، وعمت أجيالاً، إلا من رحم ربك من أصحاب البصائر!

عبدالمطلب عليه سيماء الأنبياء و بهاء الملوك

اتفقت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) علي أن عبد المطلب رضوان الله عليه مؤمن بالله الواحد الاحد علي ملة جده إبراهيم ولي من أولياء الله ملهم بواسطة الملائكة والرؤية الصادقة.. بل يحتمل الناظر في هذه الأحاديث أن عبد المطلب كان من الأنبياء وأنه كان مأموراً أن يعبد ربه علي دين إبراهيم ويأمر أولاده بذلك.

وقد روت ذلك مصادرنا وبعض مصادر السنيين قال السيوطي في الدر المنثور:5/98: وأخرج ابن أبي عمر العدني في مسنده والبزار وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن مجاهد في قوله: وتقلبك في الساجدين قال: من نبي إلي نبي حتي أخرجت نبياً. انتهي.

قال المجلسي في بحار الأنوار:31/155:

روي عن جعفر بن محمد عليه السلام أنه قال: يبعث الله عبد المطلب يوم القيامة وعليه سيماء الأنبياء وبهاء الملوك.

وروي الكليني في الكافي:4/58:

عن أحمد بن إدريس عن محمد بن عبدالجبار ومحمد بن إسماعيل عن الفضل بن شاذان جميعاً عن صفوان بن يحيي عن عيص بن القاسم عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن أناساً من بني هاشم أتوا رسول الله صلي الله عليه وآله فسألوه أن يستعملهم علي صدقات المواشئ وقالوا: يكون لنا هذا السهم الذي جعله الله للعاملين عليها فنحن أولي به فقال رسول صلي الله عليه وآله الله: يا بني عبد المطلب إن الصدقة لا تحل لي ولا لكم ولكني قد وعدت الشفاعة _

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: والله لقد وعدها _ فما ظنكم يا بني عبد المطلب إذا أخذت بحلقة باب الجنة أتروني مؤثرا عليكم غيركم!

ثم قال: إن الجن والإنس يجلسون يوم القيمة في صعيد واحد فإذا طال بهم الموقف طلبوا الشفاعة فيقولون: إلي من فيأتون نوحا فيسألونه الشفاعة فيقول: ههيات قد رفعت حاجتي فيقولون إلي من فيقال: إلي إبراهيم فيأتون إلي إبراهيم فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون إلي من فيقال: إيتوا موسي فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلي من فيقال: إيتوا عيسي فيأتونه ويسألونه الشفاعة فيقول: هيهات قد رفعت حاجتي فيقولون: إلي من فيقال إيتوا محمداً فيأتونه فيسألونه الشفاعة فيقوم مدلاً حتي يأتي باب الجنة فيأخذ بحلقة الباب ثم يقرعه فيقال: من هذا؟ فيقول: أحمد فيرحبون ويفتحون الباب فإذا نظر إلي الجنة خر ساجداً يمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع فيرفع رأسه فيدخل من باب الجنة فيخر ساجداً ويمجد ربه ويعظمه فيأتيه ملك فيقول: إرفع رأسك وسل تعط وأشفع تشفع فيقوم فما يسأل شيئاً إلا أعطاه إياه. ورواه في تهذيب الأحكام:4/58 وتفسير العياشي:2/93 وتفسير نور الثقلين:2/235 ووسائل الشيعة:6/185 ومستدرك الوسائل:7/119 وتفسير نور الثقلين:3/210

هذا وقد تكفلت مصادر الحديث والتفسير عندنا بإثبات إيمان عبد المطلب وجميع آباء النبي صلي الله عليه وآله، وقد وافقنا علي ذلك عدد من العلماء السنيين منهم السيوطي والفخر الرازي والشعراني.. وغيرهم.

آراء شيعية مخالفة للمشهور في الذبيحين

رأي الشيخ الصدوق بأن إسحاق ذبيح أيضا

من لا يحضره الفقيه:2/230: وسئل الصادق عليه السلام عن الذبيح من كان فقال: إسماعيل عليه السلام لأن الله عز وجل ذكر قصته في كتابه ثم قال: وبشرناه بإسحاق نبياً من الصالحين.

وقد اختلفت الروايات

في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلي رد الأخبار متي صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه وكان يصبر لأمر الله عز وجل ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قبله فسماه بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك وقد ذكرت إسناد ذلك في كتاب النبوة متصلاً بالصادق عليه السلام. انتهي.

وقال الجزائري في هامش تفسير القمي:1/351:

قال جدي السيد الجزائري رحمه الله في قصص الأنبياء: اختلف علماء الإسلام في تعيين الذبيح هل هو إسماعيل أو إسحاق فذهبت الطائفة المحقة من أصحابنا وجماعة من العامة إلي أنه اسماعيل والأخبار الصحيحة دالة عليه مع دلالة غيرها من الآيات ودلائل العقل. وذهبت طائفة من الجمهور إلي أنه إسحاق وبه أخبار واردة من الطرفين وطريق تأويلها إما أن تحمل علي التقية وأما حملها علي ما قاله الصدوق صار ذبيحاً بالنية والتمني... حمل رحمه الله قول النبي صلي الله عليه وآله (أنا ابن الذبيحين) علي ذلك.

أقول: إن بعض الروايات المعتبرة كرواية هذا التفسير وغيره آب عن الحمل فإنها مصرحة بذبح إسحاق حقيقة لا مجازاً وفداه بكبش فعليه لا مجال إلي ما ذهب إليه الصدوق رحمه الله من الحمل فإما أن تحمل هذه الروايات كما قال جدي رحمه الله علي التقية أو علي تعدد الواقعة. انتهي.

ملاحظة: إن الشيخ الصدوق رحمه الله صحت عنده رواية أن الذبيح هو إسماعيل ورواية أنه إسحاق بالمجاز وصحت عنده رواية نذر عبد المطلب ذبح ولده عبد الله وقول النبي صلي الله عليه وآله (أنا ابن الذبيحين)

ففسره بأنه ابن الذبيحين من وجهين: أي من جهة عبد الله واسماعيل ومن جهة اسماعيل وإسحاق. وقد صرح بذلك في آخر كلامه في الخصال. ولكن كلامه جاء متداخلاً فالتبس الأمر علي الجزائري وعلي الغفاري وتصوراً أنه يفسره بالوجه الثاني فقط ويرفض الوجه الأول!

وروايته التي استند عليها في أن إسحاق ذبيح مجازي رواية عامية من نوع روايات معاصره الحاكم النيسابوري. ولو صحت لتعين ترجيح الموافق لمذهب أهل البيت (عليهم السلام) علي الموافق لليهود والنواصب. أو حملها كما ذكر السيد الجزائري علي التقية من الحكام خاصة أن المسألة كانت مطروحة في دار الخلافة في المدينة وفي قصور الخلافة في الشام كما رأيت من رواياتها.

محاولة أحد المعاصرين تفسير الذبيحين بإسماعيل و إسحاق

من لا يحضره الفقيه:3/89:

روي حماد بن عيسي عمن أخبره عن حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال: أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول الله عز وجل: وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ والسهام ستة ثم استهموا في يونس عليه السلام لما ركب مع القوم فوقعت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع السهم علي يونس ثلاث مرات قال: فمضي يونس عليه السلام إلي صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمي نفسه.

ثم كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه الله غلاماً أن يذبحه فلما ولد عبد الله لم يكن يقدر أن يذبحه ورسول الله صلي الله عليه وآله في صلبه فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلي عبد الله فخرجت السهام علي عبد الله فزاد عشراً فلم تزل السهام تخرج علي عبد الله ويزيد عشراً فلما أن خرجت مائة خرجت السهام علي الإبل فقال عبد المطلب: ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلاثاً

فخرجت علي الإبل فقال: الان علمت أن ربي قد رضي فنحرها. انتهي.

وقال الأستاذ علي أكبر غفاري في تعليقه علي هذا الحديث:

جاءت هذه القصة في كثير من كتب الحديث من الطريقين، واشتهرت بين الناس وأرسلها جماعة من المؤلفين إرسال المسلمات، ونقلوها في مصنفاتهم دون أي نكير، وهي كما تري تضمنت أمراً غريباً بل منكراً لا يجوز أن ينسب إلي أحد من أوساط الناس والسذج منهم، فضلاً عن مثل عبدالمطلب الذي كان من الأصفياء وهو في العقل والكياسة والفطنة علي حد يكاد أن لا يدانيه أحد من معاصريه، وقد يفتخر النبي صلي الله عليه وآله مع مقامه السامي بكونه من أحفاده وذراريه ويباهي به القوم ويقول:

أنا النبي لا كَذِبْ أنا ابن عبد المطلب

وفي الكافي روايات تدل علي عظمته وجلالته وكمال إيمانه وعقله ودرايته ورئاسته في قومه، ففي المجلد الأول منه/446 في الصحيح عن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يحشر عبد المطلب يوم القيامة أمة وحده، عليه سيماء الأنبياء وهيبة الملوك. يعني إذا حشر الناس فوجاً فوجاً يحشر هو وحده، لأنه كان في زمانه منفرداً بدين الحق من بين قومه، كما قاله العلامة المجلسي رحمه الله. وفي حديث آخر رواه الكليني أيضاً مسنداً عن الصادق عليه السلام قال: يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء، وذلك أنه أول من قال بالبداء.

وفي الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله عليها السلام قال: كان عبدالمطلب يفرش له بفناء الكعبة لا يفرش لاحد غيره، وكان له ولد يقومون علي رأسه فيمنعون من دنا منه... إلي أمثالها الكثير الطيب كلها تدل علي كمال إيمانه وعقله وحصافة رأيه..وإن أردت أن تحيط

بذلك خبراً فانظر إلي تاريخ اليعقوبي المتوفي في أواخر القرن الثالث، وما ذكر من سننه التي سنها وجاء بها الإسلام مثل تحريمه الخمر، والزنا، ووضع الحد عليه، وقطع يد السارق، ونفي ذوات الرايات، ونهيه عن قتل المؤودة، ونكاح المحارم، وإتيان البيوت من ظهورها، وطواف البيت عرياناً وحكمه بوجوب الوفاء بالنذر، وتعظيم الأشهر الحرم، وبالمباهلة بمائة إبل في الدية. ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة، كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار، دون أي مؤونة، وقال: أنا رب الإبل ولهذا البيت رب يمنعه، مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين.

فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصح أن يقال: إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلي الله سبحانه، وأن يتقرب بفعل منهي عنه في جميع الشرايع، والقتل من أشنع الأمور وأقبحها، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات، مضافاً إلي كل ذلك أن النذر بذبح الولد قرباناً للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين، وقد ذكره الله تعالي في جملة ما شنع به علي المشركين، وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم ومفتريانهم: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ مَا يَفْتَرُونَ. الأنعام: 137

وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعلمون به، فإن المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من المذكور منهم والبنات، والوأد مخصوص بالبنات، وأيضاً غير قتلهم أولادهم من إملاق أو خشيته، بل هو عنوان آخر يفعلونه علي سبيل التقرب إلي الإلهة.

فإن قيل: لعله

كان مأموراً من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم عليه السلام مأموراً؟ قلنا: هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات، فإنه صرح في جميعها بأنه نذر مضافاً إلي أنه لو كان مأموراً فلا محيص له عنه ويجب عليه أن يفعله كما أمر، فكيف فداه بالابل ولم لم يقل في جواب من منعه كما في الروايات: إني مأمور بذلك.

وبالجملة في طرق هذه القصة وما شاكلها مثل خبر (أنا ابن الذبيحين) رواه جماعة كانوا ضعفاء أو مجهولين أو مهملين، أو علي غير مذهبنا مثل أحمد بن سعيد الهمداني المعروف بابن عقدة، وهو زيدي جارودي أو أحمد بن الحسن القطان، وهو شيخ من أصحاب الحديث عامي ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية،مع أن دأبه أن يتبع مشايخه بها إن كانوا إمامية، وكذا محمد بن جعفر بن بطة الذي ضعفه ابن الوليد وقال: كان مخلطاً فيما يسنده، وهكذا عبد الله بن داهر الأحمري وهو ضعيف كما في الخلاصة والنجاشي، وأبو قتادة ووكيع بن الجراح وهما من رجال العامة ورواتهم ولا يحتج بحديثهم إذا كان مخالفاً لاصول المذهب، وإن كانوا يسندون خبرهم إلي أئمة أهل البيت (عليهم السلام).

وإنك إذا تتبعت أسانيد هذه القصة وما شابهها ما شككت في أنها من مفتعلات القصاصين ومخترعاتهم نقلها المحدثون من العامة لجرح عبد المطلب ونسبة الشرك والعياذ بالله إليه، رغماً للامامية حيث أنهم نزهوا آباء النبي صلي الله عليه وآله عن دنس الشرك.

ويؤيد ذلك أن كثيراً من قدماء مفسريهم كالزمخشري والفخر الرازي والنيشابوري وأضرابهم، والمتأخرين كالمراغي وسيد قطب وزمرة كبيرة منهم، نقلوا هذه القصة أو أشاروا إليها عند تفسير قوله تعالي: وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ، وجعلوا

عبد المطلب مصداقاً للاية انتصاراً لمذهبهم الباطل في اعتقاد الشرك في آباء النبي صلي الله عليه وآله وأجداده.

قال العلامة المجلسي رحمه الله: اتفقت الإمامية رضوان الله عليهم علي أن والدي الرسول صلي الله عليه وآله وكل أجداده إلي آدم عليه السلام كانوا مسلمين بل كانوا من الصديقين إما أنبياء مرسلين أو أوصياء معصومين ثم نقل عن الفخر الرازي أنه قال: قالت الشيعة إن أحداً من آباء الرسول صلي الله عليه وآله وأجداده ما كان كافراً. ثم قال: نقلت ذلك عن إمامهم الرازي ليعلم أن اتفاق الشيعة علي ذلك كان معلوماً بحيث اشتهر بين المخالفين.

وإن قيل: لا ملازمة بين هذا النذر وبين الشرك، ويمكن أن يقال إن نذر عبدالمطلب كان لله، وأما المشركون فنذروا لالهتهم.

قلت: ظاهر الآية أن النذر بذبح الولد من سنن المشركين دون الموحدين، فالناذر إما مشرك أو تابع لسنن الشرك وجلَّت ساحة عبد المطلب أن يكون مشركاً والعياذ بالله أو تابعاً لسنن المشركين، والإصرار بتصحيح أمثال هذه القصص مع نكارتها كثيراً ما يكون من الغفلة عما جنته يد الإفتعال.

ثم اعلم أن المصنف رضوان الله تعالي عليه لم يحتج بهذا الخبر في حكم من الأحكام، إنما أورده في هذا الكتاب طرداً للباب، ويكون مراده جواز القرعة فقط وهو ظاهر من الخبر. انتهي.

ثم كرر الاستاذ الغفاري رأيه في:4/368 فقال:

قال المصنف رحمه الله في الخصال (/27 باب الإثنين) قد اختلفت الروايات في الذبيح، فمنها ما ورد بأنه اسماعيل لكن اسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه، فينال بذلك درجته في الثواب، فعلم الله عز وجل

ذلك من قلبه فسماه بين الملائكة ذبيحاً، لتمنيه لذلك. انتهي.

أقول: علي هذا فالمراد بالذبيحين إسماعيل وإسحاق: أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز، مع أن كليهما لم يذبحا بعد. وتقدم فيه كلام: 3/89 والإشكال بأن إسحاق كان عما له دون أب ممنوع لأن إطلاق الاب علي العم شايع، وفي رواية سليمان بن مهران عن الصادق عليه السلام في قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم، لأن قد سماه الله عز وجل أبا في قوله: أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ. وكان اسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذه الموضع أباً، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: العم والد. فعلي هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والآخر ذبيح بالمجاز. انتهي.

والجواب علي ما ذكره الأستاذ الغفاري:

أولاً: أن الرواية التي استدل بها الصدوق علي أن اسحاق ذبيحٌ أيضاً مجازاً، عامية ضعيفة، وقد ضعف سندها الأستاذ الغفاري نفسه من حيث لايدري كما ستري!

ثم إن إطلاق العم علي الأب في اللغة وإن كان أمراً شائعاً، ولكن لا ينطبق علي قول القائل (أنا ابن فلان) مفتخراً أو مباهياً، لأن المتبادر منه الإفتخار بعمود نسبه من آبائه وأن منهم ذبيحين قربانين لله تعالي، لا من أعمامه، وإلا لقال: أنا من قوم فيهم ذبيحان أو من آل إبراهيم آل الذبيحين.

كما أن إطلاق اسم الذبيح المجازي علي إسحاق أيضاً ضعيف لغةً، لأن كلمة (الذبيح) لا تصدق إلا علي من قصدوا ذبحه لله تعالي قصداً عملياً حقيقياً ورضي به،

ولو كان يكفي لإطلاقها مجازاً أن الشخص قد أحب ذلك ونواه كما في إسحاق، لصح أن تطلق علي كل آباء النبي أو جلهم، بل علي كثير من المؤمنين، لأن أكثر الأنبياء والاوصياء والمؤمنين يحبون مقام إسماعيل وينوون أن لو كانوا مكانه لقبلوا بما قبل به.

فارتكاب المجاز في معني الإبن وجعله العم، ثم ارتكاب المجاز في الذبيح وجعله من يحب أن يكون ذبيحاً.. خلاف الظاهر جداً، وهو يكاد يفرغ الكلمة من هدفها بل من معناها!

ثانياً: لعل الغفاري لم يطلع علي تاريخ القربان لله تعالي في الشرائع الإلهية السابقة، فقد كان عامة الناس يقدمون قرابين من الانعام، وكان من المشروع أن يقدم كبار المؤمنين أحد أولاده قرباناً لله تعالي، وعلي أساسه كان منام إبراهيم صلي الله عليه وآله.. ولم يثبت نسخ هذا التشريع قبل الإسلام.

فالمشركون لم يخترعوا القربان لأوثانهم، وإنما أخذوه من الأديان وجعلوه لآلهتهم المزعومة بدل الله تعالي. وما عابه الله تعالي عليهم من قتلهم أولادهم وتقديمهم إياهم قرابين لآلهتهم، إنما عاب فيه شركهم وتقربهم للأوثان.

ثالثاً: إن وجود عبد المطلب في مجتمع وثني يتقرب إلي الأصنام بالقرابين وقد يذبح أحدهم ولده قرباناً لصنمه.. وإعلان عبد المطلب أنه علي ملة أبيه إبراهيم صلي الله عليه وآله، وإحيائه عدداً من سننها، وما جري في عهده من حفظ الله تعالي لكعبة إبراهيم في حادثة الفيل، وإعادة ماء زمزم المفقود علي يده... كل ذلك يساعد علي فهم نذر عبد المطلب أنه إذا رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً لله تعالي علي ملة إبراهيم، ويجعل هذا النذر أمراً طبيعياً مشروعاً في ذلك الوقت، بل دعوةً لعَبَدَة الأصنام أن يعبدوا رب البيت رب إبراهيم، ويقدموا له

قرابينهم، ولا يقدموها لأصنامهم.

أما لماذا نذر عبد المطلب ذلك، ولماذا عزم علي تنفيذ نذره جدياً فشاور أولاده فأطاعوه، وأقرع بينهم فرست القرعة علي عبدالله، وقال لأبيه كما قال إسماعيل.. ثم كيف تحلل من عبد المطلب من نذره بطريقة القرعة بين ذبح ولده أو نحر الإبل.. فهي إشكالات واردة. وجوابها: أنها واردة علي شريعتنا لا علي شريعة إبراهيم وعبد المطلب. وهي واردة عندنا لعدم معرفتنا بتفاصيل الحادث وبالمستند الشرعي الذي استند عليه عبد المطلب في نذره وطريقة وفائه به.

ولكن معرفتنا بشخصية عبد المطلب وإيمانه العميق، تكفي للقول بأنه لم يكن يقدم علي نذره ثم علي التحلل منه بالقرعة إلا بحجة بينة من ربه تعالي.

ويكفينا لإثبات هذه الصفة في شخصيته، حادثتا زمزم والفيل حيث ظهر للناس علي نحو اليقين أنه كان يتلقي أوامره من ربه عز وجل!

فما المانع أن تكون قصة نذر ولده من هذه الإلهامات، خاصة أن الولد الذي رست عليه القرعة هو والد النبي صلي الله عليه وآله الذي أعطاه الله تعالي ما أعطي جده إسماعيل من شرف الرضا بأن يذبحه أبوه قرباناً لله تعالي، ثم فداه الله بطريقة ألهمها لأبيه ليعطيه شرف أبوة سيد المرسلين صلي الله عليه وآله.

هذا، وقد روي الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي/41 ط دار المعارف المصرية، أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب، والذي كان أعظم ملك وثني في العرب، قد أسر ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حربه معه، فذبحه قرباناً للعزي!!

فلعل نذر عبد المطلب أن يذبح واحداً من أولاده لرب البيت سبحانه، كان تعزيزاً لدين ابراهيم، ورداً علي عمل المنذر، وإبطالاً لتأثير عمله في تعزيز

مكانة صنم العزي!

وأخيراً، فإن نذر عبد المطلب رضوان الله عليه لم يكن ارتجالاً بل امتد وقته طويلاً، فقد ذكرت الروايات أنه كان في أيام رؤيته الصادقة في حفر زمزم، وكان له ولدٌ واحدٌ، فنذر إن رزقه الله عشرة أولاد وكبروا أن يذبح واحداً منهم قرباناً لله تعالي.. وقد يكون نذره تحقق بعد عشرين سنة أو ثلاثين!

رابعاً: إن خصوم عبد المطلب أحرص الناس علي أن يجدوا له مذمة أو منقصة، وقد رأيت في رواية الحاكم المتقدمة أن معاوية ذكر نذر عبد المطلب، وأنه كان نذراً لله تعالي مرتبطاً بأمر الله له بحفر زمزم (قال إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها أن ينحر بعض ولده فأخرجهم فأسهم بينهم فخرج السهم لعبد الله، فأراد ذبحه فمنعه أخواله من بني مخزوم وقالوا: أرضِ ربك وافدِ ابنك).

فقد كان الأمر بحفر زمزم أمراً من الله تعالي وقد انكشفت صحته.. وهذا يقرب أن يكون النذر لله تعالي بأمره سبحانه، ويشير إليه أن عبد المطلب أخذ أولاده العشرة إلي داخل الكعبة وأقرع بينهم فخرجت القرعة علي عبد الله ورضي عبد الله بها واستعد للذبح مختاراً، وقرر عبد المطلب تنفيذ ذلك كما قرر جده إبراهيم..ولكن أسرته ومحبيه من قريش وأخوال عبد الله طلبوا منه أن يرضي ربه بفدائه، فتريث عبد المطلب يومه حتي أمره الله بطريقته التي كان يتلقي بها أن يقرع بين عبد الله وبين فدائه من الإبل، ويزيد في عدد الفداء حتي تخرج القرعة عليه فيفديه به.

إنه لو كان في عمل عبد المطلب منقصة لشنعوا بها عليه، ولكنها كرامة زادت من مكانته في حياته، وذكرت له باحترام وإجلال حتي من أعدائه

بعد وفاته.

بل زادت من تفكير الناس الوثنيين بإله إبراهيم وعبد المطلب، وهيأتهم للدعوة إلي عبادته بدل أصنامهم.

خامساً: لقد وقع الغفاري في اشتباهين كبيرين: أولهما أنه جعل سند رواية الذبيح المجازي لرواية نذر عبد المطلب وضعفها بسببه! فإن ابن داهر وأبا قتادة ووكيع لم يردوا في سند رواية النذر عن الإمام الرضا عليه السلام، بل وردوا في رواية أن الذبيح المجازي إسحاق! وقد التبس الأمر عليه لأن الصدوق ذكر مضمونها قبل سندها، فيكون الأستاذ الغفاري قد ضعف دليله متصوراً أنه ضعف رواية نذر عبد المطلب! وليس في رواية النذر ممن ضعفهم الغفاري إلا القطان الذي قال فيه (ويروي عنه المؤلف في كتبه بدون أن يردفه بالترضية) فإن كان هذا مستنده في التضعيف فقد قال في طرائف المقال/155 عن القطان هذا (كثيراً ما يروي عنه الصدوق مترضياً)!

ولو سلمنا ضعفه، فإن روايته المعتضدة بالشهرة التي سنذكر طرفاً منها والمخالفة لليهود والخط القرشي المعادي لعبد المطلب، والمؤيدة بتصحيح عدد من العلماء منهم الصدوق.. لهي جديرة بالقبول.

والإشتباه الثاني الذي وقع فيه الاستاذ الغفاري أنه حسب أن رواية الإمام الصادق عليه السلام تتعلق بإطلاق الاب علي العم وترتبط بموضوع الذبيحين، مع أنها لا علاقة لها بالعم والأب، وإنما استشهد الصدوق علي ذلك بالآية وبقول النبي صلي الله عليه وآله: العم أب. ويتضح الأمر من ملاحظة النص بتمامه وهو في الخصال للصدوق كما يلي:

قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال: سألت أبا الحسن علي بن موسي الرضا (عليهما السلام) عن

معني قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين قال: يعني إسماعيل بن إبراهيم الخليل (عليهما السلام) وعبد الله بن عبد المطلب. أما إسماعيل فهو الغلام الحليم الذي بشر الله به إبراهيم: فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك فانظر ماذا تري قال يا أبت افعل ما تؤمر (ولم يقل له يا أبت افعل ما رأيت) ستجدني إن شاء الله من الصابرين فلما عزم علي ذبحه فداه الله بذبح عظيم بكبش أملح يأكل في سواد ويشرب في سواد وينظر في سواد ويمشي في سواد ويبول ويبعر في سواد وكان يرتع قبل ذلك في رياض الجنة أربعين عاماً وما خرج من رحم أنثي وإنما قال الله عز وجل له كن فكان ليفدي به إسماعيل فكل ما يذبح بمني فهو فدية لإسماعيل إلي يوم القيامة فهذا أحد الذبيحين.

وأما الآخر فإن عبد المطلب كان تعلق بحلقة باب الكعبة ودعا الله عز وجل أن يرزقه عشرة بنين ونذر لله عز وجل أن يذبح واحداً منهم متي أجاب الله دعوته فلما بلغوا عشرة أولاد قال: قد وفي الله لي فلافين لله عز وجل فأدخل ولده الكعبة وأسهم بينهم فخرج سهم عبد الله أبي رسول الله صلي الله عليه وآله وكان أحب ولده إليه ثم أجالها ثانية فخرج سهم عبد الله ثم أجالها ثالثة فخرج سهم عبد الله فأخذه وحبسه وعزم علي ذبحه فاجتمعت قريش ومنعته من ذلك واجتمع نساء عبدالمطلب يبكين ويصحن فقالت له ابنته عاتكة: يا أبتاه أعذر فيما بينك وبين الله عز وجل في قتل ابنك: قال: فكيف أعذر يا بنية فإنك مباركة قالت: إعمد إلي تلك السوائم التي لك

في الحرم فاضرب بالقداح علي ابنك وعلي الإبل وأعط ربك حتي يرضي. فبعث عبدالمطلب إلي إبله فأحضرها وعزل منها عشراً وضرب السهام فخرج سهم عبد الله فما زال يزيد عشراً عشراً حتي بلغت مائة فضرب فخرج السهم علي الإبل فكبرت قريش تكبيرة ارتجت لها جبال تهامة فقال عبد المطلب لا حتي أضرب بالقداح ثلاث مرات فضرب ثلاثاً كل ذلك يخرج السهم علي الإبل فلما كان في الثالث اجتذبه الزبير وأبو طالب وإخوانه من تحت رجليه فحملوه وقد انسلخت جلدة خده الذي كان علي الأرض وأقبلوا يرفعونه ويقبلونه ويمسحون عنه التراب وأمر عبدالمطلب أن تنحر الابل بالحسرة ولا يمنع أحد منها وكانت مائة.

وكانت لعبد المطلب خمس سنن أجراها الله عز وجل في الإسلام: حرم نساء الآباء علي الأبناء وسن الدية في القتل مائة من الإبل وكان يطوف بالبيت سبعة أشواط ووجد كنزاً فأخرج منه الخمس وسمي زمزم لما حفرها سقاية الحاج ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه علي ذبح ابنه عبد الله شبيه بعزم إبراهيم علي ذبح ابنه إسماعيل لما افتخر النبي صلي الله عليه وآله بالإنتساب إليهما لأجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام: أنا ابن الذبيحين.

والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله وهي كون النبي صلي الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما فببركة النبي والأئمة صلي الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم ولولا ذلك لوجب علي الناس كل أضحي التقرب إلي الله تعالي ذكره بقتل أولادهم وكل ما يتقرب الناس به إلي الله عز وجل من

أضحية فهو فداء لإسماعيل إلي يوم القيامة.

قال مصنف هذا الكتاب أدام الله عزه: قد اختلف الروايات في الذبيح فمنها ما ورد بأنه إسماعيل ومنها ما ورد بأنه إسحاق ولا سبيل إلي رد الأخبار متي صح طرقها وكان الذبيح إسماعيل لكن إسحاق لما ولد بعد ذلك تمني أن يكون هو الذي أمر أبوه بذبحه فكان يصبر لأمر الله ويسلم له كصبر أخيه وتسليمه فينال بذلك درجته في الثواب فعلم الله عز وجل ذلك من قلبه فسماه الله عز وجل بين ملائكته ذبيحاً لتمنيه لذلك. وحدثنا بذلك محمد بن علي البشاري القزويني (رض) قال: حدثنا المظفر بن أحمد القزويني قال: حدثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عن عبدالله بن داهر عن أبي قتادة الحراني عن وكيع بن الجراح عن سليمان بن مهران عن أبي عبدالله الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام).

وقول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين يريد بذلك العم لأن العم قد سماه الله عز وجل أبا في قوله أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وآله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق. وكان إسماعيل عم يعقوب فسماه الله في هذا الموضع أبا وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: العم والد.

فعلي هذا الأصل أيضاً يطرد قول النبي صلي الله عليه وآله: أنا ابن الذبيحين أحدهما ذبيح بالحقيقة والاخر ذبيح بالمجاز واستحقاق الثواب علي النية والتمني فالنبي صلي الله عليه وآله هو ابن الذبيحين من وجهين علي ما ذكرناه. انتهي.

وأورده في البحار:12/22 عن العيون والخصال.

وفي هذا النص أمور متعددة تكفي للرد علي رأي الاستاذ الغفاري حفظه

الله في إنكار قصة نذر عبد المطلب.. ومن هذه الأمور أن الصدوق حكم بصحة الرواية من عنوانها الذي وضعه لها.

ومنها قوة حجج الإمام الرضا عليه السلام فيها وسنذكر بعضها.

ومنها أن الصدوق قبل تفسير الذبيحين بعبد الله واسماعيل من وجه، وبإسماعيل وإسحاق من وجه آخر، كما صرح في آخر كلامه.

والواقع أن نقطة الضعف الوحيدة فيها هي اعتماد الصدوق رحمه الله علي رواية الذبيح بالمجاز العامية.. والتي ضعفها الغفاري، والحمد لله!

سادساً: ولو أن المحقق الغفاري تأمل في قول الإمام الرضا عليه السلام في رواية الصدوق (ولولا أن عبد المطلب كان حجة وأن عزمه علي ذبح ابنه عبد الله شبيهٌ بعزم إبراهيم علي ذبح ابنه إسماعيل، لما افتخر النبي صلي الله عليه وآله بالإنتساب إليهما لاجل أنهما الذبيحان في قوله عليه السلام: أنا ابن الذبيحين.

والعلة التي من أجلها رفع الله عز وجل الذبح عن إسماعيل هي العلة التي من أجلها رفع الذبح عن عبد الله، وهي كون النبي صلي الله عليه وآله والأئمة (عليهم السلام) في صلبهما.. فببركة النبي والأئمة صلي الله عليه وآله رفع الله الذبح عنهما، فلم تجر السنة في الناس بقتل أولادهم) لعرف أن إشكاله علي نذر عبد المطلب يرد بعينه علي إبراهيم صلي الله عليه وآله لأنهما عملان من نوع واحد، غاية الأمر أن إبراهيم أمر بالذبح في المنام وأمر بالفداء بالوحي. ومادام عبد المطلب لانعرف كيف أمر بنذر الذبح والفداء، ولكن نعرف أنه حجة وعمله صحيح، ولا بد أنه كان عنده حجة شرعية علي نذره وفدائه.

وحينئذ فما يجاب به عن عمل إبراهيم، يجاب به عن عمل عبد المطلب بلا فرق، فلا معني لاستظهار أن ذبح الولد كان

من عادات المشركين، ولا معني للقول بأنه لو كان عبد المطلب نذر ذلك فلماذا لم يقدم عليه... الخ.

سابعاً: إن ما ذكره حفظه الله من ملاحظات روائية ليس شاملاً ولا مقنعاً، والظاهر أنه لم يطلع علي مصادر رواية (أنا ابن الذبيحين) وطرقها، واشتهارها عند الشيعة من العصر الأول، بل عند السنة أيضاً حتي أن فقهاءهم أخذوا بها، وإن لم يأخذ بها أهل صحاحهم، وممن صححها من الاحناف أبو بكر الكاشاني في بدائع الصنائع:5/85 قال (ودليل ما قلنا الحديث وضرب من المعقول. أما الحديث فقول النبي عليه الصلاة والسلام: أنا ابن الذبيحين أراد أول آبائه من العرب وهو سيدنا اسماعيل عليه الصلاة والسلام وآخر آبائه حقيقة وهو عبدالله بن عبد المطلب سماهما عليه الصلاة والسلام ذبيحين ومعلوم أنهما ما كانا ذبيحين حقيقة فكانا ذبيحين تقديراً بطريق الخلافة لقيام الخلاف مقام الأصل. انتهي.

وقال ابن كثير في السيرة النبوية:1/184:

(وهو ابن عبد الله وكان أصغر ولد أبيه عبد المطلب وهو الذبيح الثاني المفدي بمائة من الإبل كما تقدم). انتهي.

وفي اطمئناني أن المتتبع يجد لهذا الحديث طرقاً أخري سواء في مصادرنا أو في مصادر السنيين، ويجد المزيد ممن صححه من علماء الفريقين.

اول من يكسي كسوة الجنة

ذكرت بعض الروايات أن الناس يخرجون من قبورهم عرياً يوم القيامة ثم يكسون علي حسب عملهم. ولكن الظاهر أن المقصود بحديث أول من يكسي هنا ليس الكسوة من العري، بل كسوة الجنة كما ورد في النص.

وقد ادعي اليهود أن إبراهيم أول من يكسي كسوة الجنة يوم القيامة..ولا أظن أن هذه المسألة كانت مطروحة في ثقافتهم، ولكن لما رأوا المسلمين يروون عن نبيهم صلي الله عليه وآله أنه رئيس المحشر، والشفيع الأول، وخطيب الأنبياء،

وأول من يكسي يوم القيامة..ادعي اليهود أن أول من يكسي إبراهيم، وروي ذلك أحبارهم الذين أسلموا (؟) عن رسول الله صلي الله عليه وآله!! وأخذها عنهم من أخذها من الرواة فدخلت في مصادر المسلمين وثقافتهم، وساعد عليها أن إبراهيم هو جد النبي صلي الله عليهما وآلهما، وأن من المعقول أن يكون إكرام الله تعالي للجد قبل إكرام الابن.

وقد اختار البخاري أن أول من يكسي إبراهيم وليس محمداً صلي الله عليهما وآلهما!قال في صحيحه:4/110:

ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي(ص)قال: إنكم تحشرون حفاة عراة غرلاً ثم قرأ: كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين. وأول من يكسي يوم القيامة إبراهيم وإن أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقال إنهم لم يزالوا مرتدين علي أعقابهم منذ فارقتهم! فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيداً ما دمت قال العبد الصالح وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم إلي قوله الحكيم. انتهي.

ورواه أيضاً في:4/142 وروته بقية الصحاح وغيرها بألفاظ متقاربة مثل الترمذي في:4/38 والنسائي:4/117 والدارمي:2/325 وفيه (فيكون أول من يكسي إبراهيم يقول الله تعالي: إكسوا خليلي فيؤتي بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ثم أكسي علي أثره)

وروي نحوه في أحمد:1/398 ورواه أيضاً موجزاً في:1/223 وص 229 ورواه السيوطي في الدر المنثور:1/116 عن أبي نعيم في الحلية وابن أبي شيبة وأحمد. ورواه في:2/231 عن البيهقي في الأسماء والصفات، وفي:4/197 عن أحمد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وابن مردويه عن ابن مسعود

ورواه في:3/284:

وفيه من تجسيمات اليهود لله تعالي (قال ذاك يوم ينزل الله فيه علي كرسيه يئط فيه كما يئط الرحل الجديد من تضايقه وهو كسعة ما بين السماء

والأرض ويجاء بكم حفاة عراة غرلا فيكون أول من يكسي إبراهيم يقول الله اكسوا خليلي).

وقد حاول القسطلاني في إرشاد الساري:5/343 أن يخفف من وقع الحديث علي المسلمين فقال (ولا يلزم من تخصيص إبراهيم بأولية الكسوة هنا أفضليته علي نبينا (ص) لأن حلة نبينا (ص) أعلي وأكمل وكم لنبينا (ص) من فضائل مختصه به لم يسبق إليها ولم يشارك فيها ولو لم يكن له سوي خصوصية الشفاعه العظمي لكفي). انتهي.

ولعل القسطلاني رأي أن اليهود أخذوا الشفاعة في الموحدين من نبينا صلي الله عليه وآله وأعطوها لإسحاق عليه السلام! وصارت حديثاً صحيحاً علي شرط الشيخين كما تقدم في مستدرك الحاكم!

ومن المؤكد أنه رأي الأحاديث التي تنفي أن تكون الشفاعة خصوصيةً لنبينا صلي الله عليه وآله، ورأي الروايات التي تفضل أنبياء بني اسرائيل حتي يونس ويحيي علي نبينا صلي الله عليه وآله، لأن البخاري رواها وشرحها القسطلاني وفسرها!

والذي يدخل في بحثنا هنا أن نعرف لماذا وافقت الحكومة القرشية اليهود من في تقديمهم إبراهيم علي نبينا صلي الله عليه وآله في الكسوة وفي الشفاعة، وتبناها رواتهم؟!

يتوقف الجواب علي التأمل في النص الذي روته صحاحهم، فقد تضمن موضوعين: أولهما أن أول من يكسي يوم القيامة إبراهيم. والثاني أن بعض الصحابة يؤمر بهم إلي النار، لانهم انحرفوا وكفروا بمجرد وفاة النبي صلي الله عليه وآله. ولم يبين الحديث العلاقة بين الموضوعين! وبما أن النبي صلي الله عليه وآله أفصح من نطق بالضاد وقد أوتي جوامع الكلم، وكلامه دائماً مترابط.. فلا بد أن تكون في الحديث حلقة مفقودة.. عن عدم كسوة بعض الصحابة مثلاً فما هي!

هذه الحلقة تجدها في مصادر السنيين مجزأة، ولكنك تجدها في أحاديث

أهل البيت (عليهم السلام) مجتمعة، لأنها تذكر نص النبي صلي الله عليه وآله علي أن علياً يوم القيامة هو أول ينشق عنه قبره بعد النبي صلي الله عليه وآله وهو أول من يصافحه، وهو أول من يكسي بعده، وهو حامل لوائه لواء الحمد، وهو وزيره في المحشر، وهو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله

قال القاضي النعماني في شرح الأخبار:2/475:

في حديث وصية النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام: يا علي أنا أكرم ولد آدم ولا فخر، وليس بيني وبين ربي حجاب إلا النور، وأول من يكسي كسوة الجنة ولا فخر، وأول من يؤذن له في الكلام ولا فخر، وأول من يؤذن له في السجود ولا فخر، وأول من يؤذن له في الشفاعة ولا فخر، وأول من يسعي نوره أمامه ولا فخر.

وقال الصدوق في من لا يحضره الفقيه:4/374:

يا علي: إن الله تبارك وتعالي أعطاني فيك سبع خصال: أنت أول من ينشق عنه القبر معي، وأنت أول من يقف علي الصراط معي، وأنت أول من يكسي إذا كسيت، ويحيي إذا حييت، وأنت أول من يسكن معي في عليين، وأنت أول من يشرب معي من الرحيق المختوم الذي ختامه مسك. انتهي. ورواه في الخصال/342

وروي محمد بن عباس في تأويل الآيات:2/657:

يا علي أول من تنشق عنه الأرض محمد ثم أنت، وأول من يحيي محمد ثم أنت، وأول من يكسي محمد ثم أنت. فانكب علي عليه السلام ساجداً وعيناه تذرفان بالدموع. انتهي.

وقال ابن شهر آشوب في مناقب آل أبي طالب:3/26: قال الحميري:

يدعو النبي فيكسوه ويكرمه رب العباد إذا ما أحضر الأمم

ثم الوصي فيكسي مثل حلته خضراء يرغم منها

أنف من رغم

وله أيضاً:

عليٌّ غداً يدعي ويكسوه ربه ويدنوه منه في رفي_ع مك_رم

فإن كنت منه حيث يكسوه راغماً وتبدي الرضي كرهاً من الان فارغم

وقال أعرابي:

إن رسول الله يعطي لوا ء الحمد علياً حين يلقاه

يدعي فيعطي كسوة المصطفي وعن يمين العرش مثواه. انتهي.

فحديث الكسوة يوم القيامة فيه إذن سهم لعلي عليه السلام، فلا عجب إذا قفزت عنه قبائل قريش.

لكن السهم الأكبر لعلي والاخطر علي قريش أنه هو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله وهو الذي يذود الذين قال عنهم البخاري (وإن أناساً من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال) وقال عنهم في:8/86 (قال أنا علي حوضي انتظر من يرد علي فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي فيقول لا تدري مشوا علي القهقري). انتهي.

وقال عنهم مسلم في:7/ 68 _ 70 (قال رسول الله (ص) أنا فرطكم علي الحوض ولأنازعن أقواما ثم لأغلبن عليهم، فأقول يارب أصحابي أصحابي! فيقال إنك لا تدري ما أحدثوابعدك!!... قال لاذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل) ونحوه في:1/ 150

وقد صرحت أحاديث أخري بأن الذائد عن حوض النبي صلي الله عليه وآله هو علي عليه السلام، من ذلك ما رواه الحاكم وصححه قال في:3/138:

عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا علي الحسن بن علي بالمدينة ومعنا معاوية بن حديج فقيل للحسن إن هذا معاوية بن حديج الساب لعلي فقال علي به فاتي به فقال أنت الساب لعلي فقال: ما فعلت فقال والله إن لقيته وما أحسبك تلقاه يوم القيامة لتجده قائماً علي حوض رسول الله صلي الله عليه وآله يذود عنه رايات المنافقين بيده عصا من عوسج! حدثنيه

الصادق المصدوق صلي الله عليه وآله وقد خاب من افتري. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. انتهي.

وروي الديلمي في فردوس الأخبار:5/ 408 ح 8314 عن أبي سعيد:

يا علي أنت يوم القيامة بيدك عصاً من الجنة تذود بها المنافقين!!

وروي في مناقب آل أبي طالب:2/12-14 عن الفائق للزمخشري:

أن النبي قال لعلي: أنت الذايد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه الرجال كما يذاد الأصيد. البعير الصادي أي الذي به الصيد والصيد داء يلوي عنقه.

ونقل في المناقب قول حسان بن ثابت:

له الحوض لا شك يحبي به فمن شاء أسقي برغم العدي

ومن ناصبَ القوم لم يسقه ويدعو إلي الورد للأولي

وقول الحميري:

أؤمل في حبه شربةً من الحوض تجمع أمناً ورَيَّ

إذا ما وردنا غداً حوضه فأدني السعيد وذاد الشقي

متي يدن مولاه منه يقل رِدِ الحوض واشرب هنيئاً مري

وإن يدن منه عدوٌّ له يذده علي مكاناً قصيا. انتهي.

وعلي هذا فذكر كسوة النبي صلي الله عليه وآله أولاً وعلي ثانياً عليه السلام، وأنه يذود الصحابة المنحرفين عن الحوض، حديث ليس في مصلحة القرشيين، لأن معناه أن موقف علي هو الصحيح وموقف من يعارضه خطأ..فالأسلم لهم الأخذ بحديث يكسي إبراهيم أولاً والنبي ثانياً، لأنه ليس فيه ذكر لعلي!

وهكذا التقت مصلحة قريش مع مصلحة اليهود.. وصار حديث كعب الأحبار أسلم طريق للتخلص من علي بن أبي طالب حتي لو صححه الحاكم، ولم يروه الشيخان!

وهكذا يدون الخلفاء السنة، كما يكتب الحكام التاريخ!!

شفاعة الملائكة والأنبياء والعلماء والشهداء

من مصادرنا

قال الحميري في قرب الاسناد/64:

عن مسعدة بن صدقة قال: حدثني جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ثلاثة يشفعون إلي

اليوم القيامة فيشفعهم: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء. انتهي.

ورواه في مستدرك الوسائل:11/20 وتفسير نور الثقلين:5/264

من لا يحضره الفقيه:4/399:

إذا كان يوم القيامة جمع الله عز وجل الناس في صعيد واحد، ووضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء، فيرجح مداد العلماء علي دماء الشهداء.

علل الشرائع للصدوق:2/394:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا كان يوم القيامة بعث الله عز وجل العالم والعابد، فإذا وقفا بين يدي الله عز وجل قيل للعابد: انطلق إلي الجنة، وقيل للعالم قف تشفَّع للناس بحسن تأديبك لهم.

تفسير الإمام العسكري 7/344:

وقال علي بن موسي الرضا (عليهما السلام): يقال للعابد يوم القيامة: نعم الرجل كنت، همتك ذات نفسك وكفيت الناس مؤنتك، فادخل الجنة. إلا إن الفقيه من أفاض علي الناس خيره، وأنقذهم من أعدائهم، ووفر عليهم نعم جنان الله، وحصل لهم رضوان الله تعالي. ويقال للفقيه: يا أيها الكافل لأيتام آل محمد الهادي لضعفاء محبيه ومواليه، قف حتي تشفع لكل من أخذ عنك أو تعلم منك، فيقف فيدخل الجنة ومعه فئاماً وفئاماً حتي قال عشراً، وهم الذين أخذوا عنه علومه، وأخذوا عمن أخذ عنه، إلي يوم القيامة، فانظروا كم فرقُ ما بين المنزلتين!

وروي المجلسي في البحار حديثاً يدل علي أن العالم الذي يشفع يوم القيامة ليس من العلماء السبعة المذمومين.. قال في بحار الأنوار 8/307: قال أبو عبد الله عليه السلام: إن من العلماء من يحب أن يخزن علمه ولا يؤخذ عنه، فذاك في الدرك الاسفل من النار.

ومن العلماء من إذا وعظ أنف، وإذا وعظ عنف، فذاك في الدرك الثاني من النار.

ومن العلماء من يري أن يضع العلم عند ذوي الثروة، ولا يري

له في المساكين، فذاك في الدرك الثالث من النار.

ومن العلماء من يذهب في علمه مذهب الجبابرة والسلاطين، فإن رد عليه شئ من قوله أو قصر في شئ من أمره غضب، فذاك في الدرك الرابع من النار.

ومن العلماء من يطلب أحاديث اليهود والنصاري ليغزر به علمه ويكثر به حديثه، فذاك في الدرك الخامس من النار.

ومن العلماء من يضع نفسه للفتيا ويقول: سلوني ولعله لا يصيب حرفاً واحداً والله لا يحب المتكلفين، فذاك في الدرك السادس من النار.

ومن العلماء من يتخذ علمه مروةً وعقلاً، فذلك في الدرك السابع من النار (نقلاً عن الخصال:2/7).

وفي تفسير التبيان:9/65:

وقوله: ماللظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، نفيٌ من الله أن يكون للظالمين شفيع يطاع، ويحتمل أن يكون المراد بالظالمين الكفار فهؤلاء لا يلحقهم شفاعة شافع أصلاً، وإن حملنا علي عموم كل ظالم من كافر وغيره جاز أن يكون إنما أراد نفي شفيع يطاع، وليس في ذلك نفي شفيع يجاب، ويكون المعني: إن الذين يشفعون يوم القيامة من الأنبياء والملائكة والمؤمنين إنما يشفعون علي وجه المسألة إليه والاستكانة إليه، لا أنه يجب علي الله أن يطيعهم فيه.

تفسير التبيان:9/429:

قوله تعالي: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي... يقول الله تعالي مخبراً بأن كثيراً من ملائكة السموات لا تغني شفاعتهم، أي لا تنفع شفاعتهم في غيرهم بإسقاط العقاب عنهم شيئاً، إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء أن يشفعوا فيه ويطلق لهم ذلك ويرضي ذلك.

وقيل: إن الغرض بذلك الإنكار علي عبدة الأوثان وقولهم إنها تشفع لا الملك، إذا لم تغن شفاعته شيئاً فشفاعة من

دونه أبعد من ذلك. وفي ذلك التحذير من الإتكال علي الشفاعة لأنه إذا لم تغن شفاعة الملائكة كانت شفاعة غيرهم أبعد من ذلك.

ولا ينافي ما نذهب إليه من أن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة والمؤمنين يشفعون في كثير من أصحاب المعاصي فيسقط عقابهم لمكان شفاعتهم، لأن هؤلاء عندنا لا يشفعون إلا بإذن من الله ورضاه، ومع ذلك يجوز أن لا يشفعوا فيه، فالزجر واقع موقعه.

تفسير التبيان:7/209:

قوله تعالي: يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ وَ خَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا. يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ رَضِيَ لَهُ قَوْلا... أخبر الله تعالي أن ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد في غيره، إلا شفاعة من أذن الله له أن يشفع ورضي قوله فيها، من الأنبياء والأولياء والصديقين والمؤمنين.

مجمع البحرين:4/467:

وفي الحديث: الساعي بين الصفا والمروة تشفع له الملائكة بالإيجاب، أي القبول، يعني أن الله تعالي يثبت لهم الشفاعة.

دعائم الإسلام:1/343:

روينا عن رسول الله (ص) أنه قال: كل مؤمن من أمتي صديق شهيد، ويكرم الله بهذا السيف من شاء من خلقه، ثم تلا قول الله عز وجل: وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

دعائم الإسلام:1/217:

وعن علي عليه السلام أنه قال: المريض في سجن الله ما لم يشك إلي عواده، تمحي سيئآته. وأي مؤمن مات مريضاً مات شهيداً، وكل مؤمن شهيد، وكل مؤمنة حوراء، وأي ميتة مات بها المؤمن فهو شهيد، وتلا قول الله جل ذكره: والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم.

من مصادر السنيين

تاريخ البخاري:9/37:

عن أبي بكرة عن النبي(ص)قال: يحمل الناس علي الصراط يوم القيامة فيتقاذع بهم

جنبتا الصراط تقاذع الفراش في النار: ثم يؤذن للملائكة والنبيين والشهداء والصالحين فيشفعون، ويخرجون فيشفعون ويرجون فيشفعون فيجابون.

سنن النسائي:2/229:

عن عطاء بن يزيد قال كنت جالساً إلي أبي هريرة وأبي سعيد فحدث أحدهما حديث الشفاعة والآخر منصت، قال: فتأتي الملائكة فتشفع وتشفع الرسل، وذكر الصراط قال قال رسول الله (ص): فأكون أول من يجيز، فإذا فرغ الله عز وجل من القضاء بين خلقه، وأخرج من النار من يريد أن يخرج، أمر الله الملائكة والرسل أن تشفع فيعرفون بعلاماتهم أن النار تأكل كل شئ من ابن آدم إلا موضع السجود، فيصب عليهم من ماء الجنة، فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل.

سنن ابن ماجة:2/724:

عن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله (ص): يشفع يوم القيامة ثلاثة: الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان:2/265 والديلمي في فردوس الأخبار:5/428 وكنز العمال:10/151 وتهذيب الكمال:22/551 وتهذيب التهذيب:8/195 ومجمع الزوائد:10/381 راجع أيضاً سنن البيهقي:9/164

سنن الترمذي:4/46:

عن أبي سعيد أن رسول الله(ص)قال: إن من أمتي من يشفع للفئام من الناس، ومنهم من يشفع للقبيلة، ومنهم من يشفع للعصبة، ومنهم من يشفع للرجل حتي يدخلوا الجنة. هذا حديث حسن.

مسند أحمد:3/20:

عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص)قال قد أعطي كل نبي عطية فكل قد تعجلها وإني أخرت عطيتي شفاعة لأمتي، وإن الرجل من أمتي ليشفع للفئام من الناس فيدخلون الجنة، إن الرجل ليشفع للقبيله وإن الرجل ليسشفع للعصبة، وإن الرجل ليشفع للثلاثة، وللرجلين، وللرجل.

مجمع الزوائد:10/380:

باب شفاعة الصالحين. وعن أبي برزة قال سمعت رسول الله(ص)يقول: إن من أمتي لمن يشفع لأكثر من ربيعة ومضر وإن من أمتي لمن يعظم للنار حتي يكون ركناً من أركانها.

رواه أحمد ورجاله ثقات...

وعن أنس بن مالك قال قال رسول الله (ص): إن الرجل ليشفع للرجلين والثلاثة. رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وعن أنس عن رسول الله(ص)قال: سلك رجلان مفازة أحدهما عابد والآخر به رهق، فعطش العابد حتي سقط فجعل صاحبه ينظر إليه وهو صريع فقال والله لئن مات هذا العبد الصالح عطشاً ومعي ماء لا أصيب من الله خيراً وإن سقيته مائي لأموتن فاتكل علي الله وعزم ورش عليه من مائه وسقاه من فضله قال فقام حتي قطع المفازة قال فيوقف الذي به رهق يوم القيامة للحساب فيؤمر به إلي النار فتسوقه الملائكة فيري العابد فيقول يا فلان أما تعرفني قال فيقوب من أنت قال أنا فلان الذي آثرتك علي نفسي يوم المفازة قال فيقول بلي أعرفك قال فيقول للملائكة قفوا ويجي حتي يقف ويدعو ربه فيقول يا رب قد تعرف يده عندي وكيف آثرني علي نفسه يا رب هبه لي قال فيقول: هو لك ويأخذ بيده فيدخله الجنة. رواه أبو يعلي ورجاله رجال الصحيح غير أبي ظلال القسملي قد وثقه ابن حبان وغيره وضعفه غير واحد.

فردوس الأخبار للديلمي:1/396:

ابن عباس: إذا اجتمع العالم والعابد علي الصراط قيل للعابد: أدخل الجنة وتنعم بعبادتك، وقيل للعالم هاهنا فاشفع لمن أحببت فإنك لا تشفع لأحد إلا شفعت، فقام مقام الأنبياء. ورواه في كنز العمال:10/136 وص 173 وص 256

مجمع الزوائد:5/293:

قال رسول الله (ص): إن للشهيد عند الله عز وجل ست خصال: أن يغفر له في أول دفعة من دمه، ويري مقعده من الجنة، ويحلي حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع علي رأسه تاج الوقار

الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجه من الحور العين، ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه. رواه أحمد هكذا قال مثل ذلك، والبزار والطبراني إلا أنه قال سبع خصال وهي كذلك، ورجال أحمد والطبراني ثقات.

وعن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): الشهيد يغفر له في أول كل دفقة من دمه، ويزوج حوراوين ويشفع في سبعين من أهل بيته، والمرابط إذا مات في رباطه كتب له أجر عمله إلي يوم القيامة، وأتي عليه ريح برزقه، ويزوج سبعين حوراء، وقيل له قف فاشفع إلي أن يفرغ من الحساب _ قلت روي ابن ماجة بعضه _ رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي، قال الذهبي مقارب الحديث وضعفه النسائي. انتهي. وروي عدداً من هذه الروايات في مجمع الزوائد 2/98 وص 115 وج 4/398 وص 401 وص 405 وص 410

الدر المنثور:6/24:

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة، قال: عيسي وعزير والملائكة. إلا من شهد بالحق قال كلمة الإخلاص. وهم يعلمون أن الله حق...

وأخرج عبد بن حميد وعبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، قال: الملائكة وعيسي وعزير فإن لهم عند الله شفاعة.

الدر المنثور:4/94:

وأخرج الحاكم في الكني عن حماد (رض) قال: سألت إبراهيم عن هذه الآية: ربما يود الذين كفروا كانوا مسلمين، قال: حدثت أن أهل الشرك قالوا لمن دخل النار من أهل الإسلام ما أغني عنكم ما كنتم تعبدون، فيغضب الله لهم فيقول للملائكة والنبيين: اشفعوا لهم فيشفعون لهم فيخرجون حتي أن إبليس

ليتطاول رجاء أن يدخل معهم، فعند ذلك يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين.

تفسير الطبري:25/62:

اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك فقال بعضهم: معني ذلك ولا يملك عيسي وعزيز والملائكة الذين يعبدهم هؤلاء المشركين لشفاعة عند الله لاحد إلا من شهد بالحق فوحد الله وأطاعه... وأولي الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالي ذكره أخبره أنه لا يملك الذين يعبدهم المشركون من الله الشفاعة عنده لأحد، إلا من شهد بالحق.. ويعني بذلك أنهم يملكون الشفاعة عنده بإذنه لهم بها، كما قال جل ثناؤه: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي، فأثبت جل ثناؤه للملائكة وعيسي وعزيز ملكهم من الشفاعة ما نفاه عن الآلهة والأوثان، باستثنائه الذي استثناه.

تفسير الطبري:27/37:

وقوله: وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً يقول تعالي ذكره: وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا، عند الله لمن شفعوا له شيئاً إلا أن يشفعوا له من بعد أن يأذن الله لهم، بالشفاعه لمن يشاء منهم أن يشفعوا له ويرضي، يقول ومن بعد أن يرضي لملائكته الذين يشفعون له أن يشفعوا له، فتنفعه حينئذ شفاعتهم..

تفسير الرازي:4 جزء 7/11:

هؤلاء المذكورون في هذه الآية (َعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ) يحتمل أن يكونوا هم الملائكة وسائر من يشفع يوم القيامه من النبيين والصديقيين والشهداء والصالحين.

الجواهر الحسان للثعالبي:1/351:

فيقول الله عز وجل: شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعلموا خيراً قط.

الأنساب:5/623:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (ص): سبعة لهم شفاعة كشفاعة الأنبياء: المؤذن، والإمام، والشهيد وحامل القرآن، والعالم، والمتعلم، والتائب.

ما يوجب أمل المسلم بشفاعة إخوانه المؤمنين له

الكافي:2/248:

عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد عن محمد بن عبد الله عن خالد العمي عن خضر بن عمرو عن أبي عبد الله عليه السلام: المؤمن مؤمنان: مؤمن وفي لله بشروطه التي شرطها عليه فذلك مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وذلك من يشفع ولا يشفع له وذلك ممن لا تصيبه أهوال الدنيا ولا أهوال الآخرة.

ومؤمن زلت به قدم فذلك كخامة الزرع كيفما كفأته الريح انكفأ وذلك ممن تصيبه أهوال الدنيا والآخرة ويشفع له وهو علي خير. وروي نحوه في الكافي:2/188 وفي تفسير نور الثقلين:1/514 وج 4/260

الكافي:6/3:

محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد بن عيسي عن محمد بن يحيي عن طلحة بن زيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن أولاد المسلمين موسومون عند الله شافع ومشفع فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كانت لهم الحسنات فإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.

الكافي:8/101:

محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد بن عيسي عن الحسن بن علي بن فضال عن علي بن عقبة عن عمر بن أبان عن عبدالحميد الوابشي عن أبي جعفر عليه السلام قال... وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة فيقول: يا رب جاري كان يكف عني الأذي فيشفع فيه فيقول الله تبارك وتعالي: أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك فيدخله الجنة وماله من حسنة! وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم.

وسائل الشيعة:8/407:

وعن إبراهيم بن الغفاري عن جعفر بن إبراهيم عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: أكثروا من الأصدقاء في الدنيا فإنهم ينفعون في الدنيا والآخرة أما في الدنيافحوائج يقومون بها وأما في

الآخرة فإن أهل جهنم قالوا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.

وعن أحمد بن إدريس عن أحمد بن محمد عن بعض أصحابه قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن دعوة مستجابة وقال: استكثروا من الأخوان فإن لكل مؤمن شفاعة. وقال: أكثروا من مؤاخاة المؤمنين فإن لهم عند الله يداً يكافئهم بها يوم القيامة.

مستدرك الوسائل:8/323:

وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: عليكم بالاخوان فإنهم عدة في الدنيا والآخرة ألا تسمعون إلي قوله تعالي: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ.

بحار الأنوار:8/41:

ثواب الأعمال: أبي عن محمد بن يحيي عن أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبي ولاد عن ميسر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إن المؤمن منكم يوم القيامة ليمربه الرجل له المعرفة به في الدنيا وقد أمر به إلي النار والملك ينطلق به قال: فيقول له: يا فلان أغثني فقد كنت أصنع إليك المعروف في الدنيا وأسعفك في الحاجة تطلبها مني فهل عندك اليوم مكافاة فيقول المؤمن للملك المؤكل به: خل سبيل قال: فيسمع الله قول المؤمن فيأمر الملك أن يجيز قول المؤمن فيخلي سبيله. (المصدر/167)

من مصادر السنيين

تاريخ البخاري:6/533:

روي وكيع عن محمد بن قيس قال: أدني أهل الجنة منزلة الذي يشفع في الرجل من أهل بيته.

مسند أبي يعلي:2/292:

حدثنا أبوبكر حدثنا محمد بن بشر حدثنا زكريا بن أبي زائدة حدثني عطية عن أبي سعيد عن النبي(ص)قال: من أمتي من يشفع للرجل وأهل بيته فيدخلون الجنة بشفاعته.

فردوس الأخبار للديلمي:1/105:

أنس بن مالك: أكثروا من المعارف من المؤمنين، فإن لكل مؤمن شفاعة عند الله يوم القيامة.

الدر المنثور:6/8:

وأخرج ابن جرير من

طريق قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي في قوله: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ قال يشفعون في إخوان إخوانهم.

تفسير الطبري:25/18:

قوله تعالي: وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ... وقيل إن ذلك الفضل الذي ضمن جل ثناؤه أن يزيدهموه هو أن يشفعهم في إخوان إخوانهم، إذا هم شفعوا في إخوانهم فشفعهوا فيهم.

تفسير الطبري:29/105:

فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ، يقول فما يشفع لهم الذين شفعهم الله في أهل الذنوب.. وفي هذه الآية دلالة واضحة علي أن الله مشفع بعض خلقه في بعض.

هامش طبقات المحدثين بأصبهان:2/346:

عن أبي أمامة عن النبي (ص) قال: إن ذراري المسلمين يوم القيامة تحت العرش شافع مشفع.

الإيمان لابن تيمية/115:

أبو الحسن الأشعري نصر قول جهم في الإيمان مع أنه نصر المشهور من أهل السنة في أنه يستثني في الإيمان فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله لأنه نصر مذهب أهل السنة في أنه لا يكفر أحد من أهل القبلة ولا يخلدون في النار وتقبل منهم الشفاعة ونحو ذلك.

فتاوي الالباني/286:

سؤال: هل تارك الصلاة كافر ولا ينفعه أي عمل؟

جواب: نحن قلنا إن إخواننا كانوا يصلون ويصومون إلي آخره، فيأذن الله عز وجل بأن يشفع لهم فيشفعون، ثم يشفعون لوجبة أخري.

شفاعة القرآن، والكعبة، والحجاج، والزوار

و اصناف أخري من الناس...

وردت في مصادر الفريقين أحاديث عن شفاعة القرآن، وصرح بعضها بأن القرآن يتجسد يوم القيامة علي صورة إنسان وملك نوراني، ويتكلم مع أهل المحشر.

وقد ورد في أحاديث البعث والقيامة والحساب والجنة والنار، من طرق الجميع ما يدل علي تجسد القرآن، وتجسد بعض الأعمال، والأمور والأمكنة والأزمنة..

وقد كان هذا الأمر صعب التصديق بل صعب التصور في العصور السابقة، أما في عصر الذرة والجينات فقد عرف الناس حقائق مدهشة من خلق الله تعالي وقوانينه، وصار

الإيمان بضبط أعمال الإنسان وتجسدها في هذه الدنيا أمراً معقولاً فضلاً عن عالم الآخرة!

شفاعة القرآن

في نهج البلاغة:2/91:

واعلموا أن هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضل، والمحدث الذي لا يكذب.

وما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدي أو نقصان في عمي.

واعلموا أنه ليس علي أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غني، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به علي لأوائكم، فإن فيه شفاء من أكبر الداء، وهو الكفر والنفاق والغي والضلال.

فاسألوا الله به، وتوجهوا إليه بحبه، ولا تسألوا به خلقه، إنه ما توجه العباد إلي الله بمثله.

واعلموا أنه شافع مشفع، وقائل مصدق، وإنه من شفع له القرآن يوم القيامة شفع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صدق عليه، فإنه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إن كل حارث مبتلي في حرثه وعاقبة عمله، غير حَرَثَةِ القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلوه علي ربكم، واستنصحوه علي أنفسكم، واتهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم. العملَ العملِ، ثم النهاية النهاية. انتهي.

وفي الكافي:2/596-كتاب فضل القرآن:

علي بن محمد، عن علي بن العباس، عن الحسين بن عبد الرحمن، عن سفيان الحريري، عن أبيه، عن سعد الخفاف، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يا سعد تعلموا القرآن، فإن القرآن يأتي يوم القيامة في أحسن صورة نظر إليها الخلق، والناس صفوف عشرون ومائة ألف صف، ثمانون ألف صف أمة محمد صلي الله عليه وآله وأربعون ألف صف من سائر الأمم، فيأتي علي صف المسلمين في صورة رجل فيسلَّم، فينظرون إليه ثم يقولون: لا إله إلا الله الحليم الكريم، إن هذا الرجل من المسلمين نعرفه

بنعته وصفته، غير أنه كان أشد اجتهاداً منا في القرآن، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتي يأتي علي صف الشهداء، فينظرون إليه ثم يقولون: لا إله إلا الله الرب الرحيم، إن هذا الرجل من الشهداء نعرفه بسمته وصفته، غير أنه من شهداء البحر، فمن هناك أعطي من البهاء والفضل ما لم نعطه، قال: فيتجاوز حتي يأتي علي صف شهداء البحر في صورة شهيد، فينظر إليه شهداء البحر فيكثر تعجبهم يقولون: إن هذا من شهداء البحر نعرفه بسمته وصفته، غير أن الجزيره التي أصيب فيها كانت أعظم هولاً من الجزيرة التي أصبنا فيها، فمن هناك أعطي من البهاء والجمال والنور ما لم نعطه، ثم يجاوز حتي يأتي صف النبيين والمرسلين في صورة نبي مرسل، فينظر النبيون والمرسلون إليه، فيشتد لذلك تعجبهم ويقولون: لا إله إلا الله الحليم الكريم، إن هذا النبي مرسل نعرفه بسمته وصفته، غير أنه أعطي فضلاً كثيراً، قال: فيجتمعون فيأتون رسول الله صلي الله عليه وآله فيسألونه ويقولون: يا محمد من هذا؟ فيقول لهم: أو ما تعرفونه؟ فيقولون ما نعرفه، هذا ممن لم يغضب الله عليه، فيقول رسول الله صلي الله عليه وآله: هذا حجة الله علي خلقه.

فيسلم ثم يجاوز حتي يأتي علي صف الملائكة في سورة ملك مقرب، فتنظر إليه الملائكة فيشتد تعجبهم، ويكبر ذلك عليهم لما رأوا من فضله، ويقولون: تعالي ربنا وتقدس إن هذا العبد من الملائكه نعرفه بسمته وصفته، غير أنه كان أقرب الملائكة إلي الله عز وجل، مقاماً، فمن هناك ألبس من النور والجمال ما لم نلبس، ثم يجاوز حتي ينتهي إلي رب العزة تبارك وتعالي، فيخر تحت العرش، فيناديه

تبارك وتعالي: ياحجتي في الأرض وكلامي الصادق الناطق، إرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع، فيرفع رأسه، فيقول الله تبارك وتعالي: كيف رأيت عبادي؟ فيقول: يا رب منهم من صانني وحافظ علي ولم يضيع شيئاً، ومنهم من ضيعني واستخف بحقي وكذب بي وأنا حجتك علي جميع خلقك، فيقول الله تبارك وتعالي: وعزتي وجلالي، وارتفاع مكاني لاثيبن عليك اليوم أحسن الثواب، ولأعاقبن عليك اليوم أليم العقاب.(ورواه في وسائل الشيعة:4/213)

علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن النوفلي، عن السكوني، عن أبي عبدالله، عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أيها الناس إنكم في دار هدنة، وأنتم علي ظهر سفر، والسير بكم سريع، وقد رأيتم الليل والنهار والشمس والقمر يبليان كل جديد، ويقربان كل بعيد، ويأتيان بكل موعود، فأعدوا الجهاز لبعد المجاز.

قال: فقام المقداد بن الأسود فقال: يا رسول الله وما دار الهدنة؟ قال: دار بلاغ وانقطاع، فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم، فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع، وماحلٌ مصدق، ومن جعله أمامه قادة إلي الجنة، ومن جعله خلفه ساقه إلي النار، وهو الدليل يدل علي خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلي نجومه نجوم، لا تحصي عجائبه ولا تبلي غرائبه، فيه مصابيح الهدي، ومنار الحكمة، ودليل علي المعرفة لمن عرف الصفة.. فَلْيجُلْ جَال بصره، وليبلغ الصفة نظره، ينج من عطب، ويتخلص من نشب، فإن التفكر حياة قلب البصير، كما يمشئ المستنير في الظلمات بالنور، فعليكم بحسن التخلص وقلة التربص. انتهي.

ورواه في وسائل الشيعة:4/218 وفي تفسير نور الثقلين:4/13

وفي صحيح مسلم:2/197:

عن

أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله(ص)يقول: إقرؤوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاصحابه. إقرأوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير، صوافُّ تحاجان عن أصحابهما. إقرأوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا يستطيعها البطلة. قال معاوية بلغني أن البطلة السحرة. انتهي. ورواه أحمد في:5/248 - 249

وفي مستدرك الحاكم:1/554:

عن عبدالله بن عمرو (رض) أن رسول الله (صلي الله عليه وآله) قال: الصيام والقرآن يشفعان للعبد، يقول الصيام رب إني منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فيشفعان. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهي. ورواه أحمد في مسنده:2/174 وقال عنه في مجمع الزوائد:10/380: رواه أحمد وإسناده حسن علي شعف في ابن لهيعة وقد وثق. وقال في عنه الدر المنثور:1/182: وأخرج أحمد وابن أبي الدنيا في كتاب الجوع والطبراني والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو. ورواه الديلمي في فردوس الأخبار: 2/568 ح3631 وكنز العمال:8/444

وفي مستدرك الحاكم:1/568:

عن معقل بن يسار (رض) قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إعملوا بالقرآن، أحلوا حلاله وحرموا حرامه، واقتدوا به ولا تكفروا بشئ منه، وما تشابه عليكم منه فردوه إلي الله وإلي أولي الأمر من بعدي كيما يخبروكم.

وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور، وما أوتي النبيون من ربهم.

وليسعكم القرآن وما فيه من البيان، فإنه شافع مشفع وماحل مصدق. ألا ولكل آية نور يوم القيامة، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه وطواسين والحواميم من ألواح موسي، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروي نحوه في:3/578 ورواه

في كنز العمال:1/190

وفي مسند أحمد:5/348:

عن عبدالله بن بريدة عن أبيه عن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن القرآن يلقي صاحبه يوم القيامة حين ينشق عنه قبره كالرجل الشاحب، فيقول له هل: تعرفني؟ فيقول ما أعرفك! فيقول له: هل تعرفني؟ فيقول ما أعرفك! فيقول: أنا صاحبك القرآن الذي أظمأتك في الهواجر، وأسهرت ليلك، وإن كل تاجر من وراء تجارته، وإنك اليوم من وراء كل تجارة، فيعطي الملك بيمينه، والخلد بشماله، ويوضع علي رأسه تاج الوقار، ويكسي والداه حلتين، لا يقوم لهما أهل الدنيا، فيقولان بم كسينا هذه؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن! ثم يقال له: إقرأ واصعد في درجة الجنة وغرفها، فهو في صعود ما دام يقرأ هذاً كان أو ترتيلاً. وروي نحوه في الدر المنثور: 6/277:عن ابن أبي شيبة وابن الضريس عن مجاهد

وفي الدر المنثور:3/56:

وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد في الزهد، وابن الضريس، ومحمد بن نصر، والطبراني عن ابن مسعود قال: إن هذا القرآن شافع مشفع وماحل مصدق، من جعله أمامه قاده إلي الجنة، ومن جعل خلفه ساقه إلي النار. انتهي. وروي نحوه في كنز العمال:1/552 ونحوه في:1/516 و/519 و: 2/292 عن ابن مسعود وكذا في فردوس الأخبار:3/281 ح 4710 وفي المعجم الكبير للطبراني:9/132

وفي كنز العمال:14/390:

عن فردوس الأخبار عن أبي هريرة: الشفعاء خمسة: القرآن، والرحم، والأمانة، ونبيكم، وأهل بيته.

وفي سنن الدارمي:2/430:

عن أبي هريرة يقول: إقرؤوا القرآن، فإنه نعم الشفيع يوم القيامة، إنه يقول يوم القيامة: يا رب حلِّه حليةَ الكرامة، فيحلي حلية الكرامة، يا رب أكسه كسوة الكرامة، فيكسي كسوة الكرامة، يا رب ألبسه تاج الكرامة، يا رب إرض عنه، فليس بعد رضاك شئ.

عن ابن عمر

قال: يجي القرآن يشفع لصاحبه يقول: يا رب لكل عامل عمالة من عمله، وإني كنت أمنعه اللذة والنوم فأكرمه، فيقال: أبسط يمينك فيملا من رضوان الله، ثم يقال أبسط شمالك فيملا من رضوان الله، ويكسي كسوة الكرامة، ويحلي حلية الكرامة، ويلبس تاج الكرامة.

عن أبي صالح قال: القرآن يشفع لصاحبه فيكسي حلة الكرامة، ثم يقول: رب زده، فيكسي تاج الكرامه، قال فيقول رب زده فآته فآته، يقول: رضائي.

قال أبو محمد: قال وهيب بن الورد: إجعل قراءتك القرآن علماً ولا تجعله عملاً.

وفي سنن الدارمي:2/433:

عن ابن مسعود كان يقول: يجيء القرآن يوم القيامة فيشفع لصاحبه، فيكون له قائداً إلي الجنة، ويشهد عليه، ويكون سائقاً به إلي النار.

وفي الدر المنثور:1/18:

وأخرج أبو عبيد وأحمد وحميد بن زنجويه في فضائل القرآن ومسلم وابن الضريس وابن حبان والطبري وأبوذر الهروي في فضائله والحاكم والبيهقي في سننه عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إقرؤا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لاصحابه. انتهي.

ورواه الطبراني في المعجم الكبير:8/118

وقد بالغ بعضهم في شفاعة القرآن حتي جعلها أعظم من شفاعة النبي صلي الله عليه وآله! قال السبكي في طبقات الشافعيه:6/301 نقلاً عن إحياء الدين للغزالي: ما من شفيع أعظم عند الله منزلة من القرآن!

شفاعة سور القرآن و آياته

روت مصادر الشيعة والسنة أحاديث كثيرة في فضل سور القرآن وآياته، وشفاعتها لمن قرأها أو حفظها أو علمها أو تعلمها أو عمل بها، أو إعطائه حق الشفاعة بسبب ذلك.. ويطول الكلام لو أردنا استعراض هذه الأحاديث لكثرتها وضعف سند بعضها أو متنه.. لذا نكتفي بتقديم نماذج منها من مصادر الفريقين:

ففي وسائل الشيعة:4/199:

عن أبي بصير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

لا تدعوا قراءة سورة الرحمن والقيام بها، فإنها لا تقر في قلوب المنافقين، وتأتي بها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة وأطيب ريح، حتي تقف من الله موقفاً لا يكون أحد أقرب إلي الله منها، فيقول لها: من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا ويدمن قراءتك؟ فتقول: يا رب فلان وفلان، فتبيض وجوههم، فيقول لهم: إشفعوا فيمن أجبتم، فيشفعون حتي لا يبقي لهم غاية ولا أحد يشفعون له، فيقول لهم: أدخلوا الجنة واسكنوا فيها حيث شئتم.

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من قرأ التغابن في فريضة كانت شفيعة له يوم القيامة، وشاهد عدل عند من يجيز شهادتها، ثم لا يفارقها حتي يدخل الجنة.

وفي تفسير نور الثقلين:2/2:

في كتاب ثواب الأعمال بإسناده إلي أبي عبدالله عليه السلام قال: من قرأ سورة الأعراف في كل شهر، كان يوم القيامة من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. فلا تدعوا قراءتها، فإنها تشهد يوم القيامة لمن قرأها.

وفي مصباح الكفعمي عنه صلي الله عليه وآله: من قرأها جعل الله بينه وبين إبليس ستراً، وكان آدم عليه السلام شفيعاً له يوم القيامة. (ورواه في فردوس الأخبار: 4/34 ح 8 559)

وفي مستدرك الوسائل:4/351:

وعنه صلي الله عليه وآله قال: ومن قرأ سورة الممتحنة، كان المؤمنون والمؤمنات له شفعاء يوم القيامة.

وفي مستدرك الوسائل:4/335:

وقال صلي الله عليه وآله: من قرأ آية الكرسي مرة، محي اسمه من ديوان الاشقياء، ومن قرأها ثلاث مرات، استغفرت له الملائكة، ومن قرأها أربع مرات شفع له الأنبياء، ومن قرأها خمس مرات كتب الله اسمه في ديوان الابرار، واستغفرت له الحيتان في البحار ووقي شر الشيطان، ومن قرأها سبع مرات

أغلقت عنه أبواب النيران، ومن قرأها ثماني مرات فتحت له أبواب الجنان، ومن قرأها تسع مرات كفي هم الدنيا والآخرة، ومن قرأها عشر مرات نظر الله إليه بالرحمة، ومن نظر الله إليه بالرحمة فلا يعذبه.

وفي مستدرك الوسائل:4/323:

عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن لكل شئ قلباً وقلب القرآن يس، فمن قرأ يس في نهاره قبل أن يمسي، كان في نهاره من المحفوظين والمرزوقين حتي يمسي، ومن قرأها في ليلة قبل أن ينام وكَّل به ألف ملك يحفظونه من كل شيطان رجيم، ومن كل آفة وإن مات في يومه أدخله الله الجنة... ثم يقول له الرب تعالي: إشفع عبدي اشفعك في جميع ما تشفع، وسلني عبدي أعطك جميع ما تسأل، فيسأل ويعطي ويشفع فيشفع، ولا يحاسب فيمن يحاسب، ولا يذل مع من يذل، ولا يبكت بخطيئته ولا بشئ من سوء عمله، ويعطي كتاباً منشوراً فيقول الناس بأجمعهم: سبحان الله ما كان لهذا العبد خطيئة واحدة، ويكون من رفقاء محمد صلي الله عليه وآله.

وفي مستدرك الوسائل:6/356:

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يصلي ليلة السبت أربع ركعات، يقرأ في كل ركعة الحمد مرة وآية الكرسي ثلاث مرات، وقل هو الله أحد مرة، فإذا سلم، قرأ في دبر هذه الصلاة آية الكرسي ثلاث مرات، غفر الله تبارك وتعالي له ولوالديه، وكان ممن يشفع له محمد صلي الله عليه وآله.

وفي سنن ابن ماجة:2/525:

عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: إن سورة في القرآن، ثلاثون آية، شفعت لصاحبها حتي غفر له: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ.

ورواه أبو داود:1 ص316 والترمذي:4/238 والحاكم:1/565 وأحمد: 2/299 وكنز العمال:1/583 وص 594 وفردوس الأخبار: 2/470 ح 3318

وفي سنن الدارمي:2/454:

عن خالد بن معدان قال: إقرؤا المنجية، وهي أ. ل. م. تَنْزِيلُ، فإنه بلغني أن رجلاً كان يقرؤها ما يقرأ شيئاً غيرها، وكان كثير الخطايا، فنشرت جناحها عليه، وقالت: رب اغفر له، فإنه كان يكثر قراءتي، فشفعها الرب فيه وقال: أكتبوا له بكل خطيئة حسنة، وارفعوا له درجة.

وفي سنن الدارمي:2/459:

عن سعيد بن المسيب يقول إن نبي الله(ص)قال: من قرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ عشر مرات بني له بها قصر في الجنة، ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة، ومن قرأها ثلاثين مرة بني له بها ثلاثة قصور في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذن لنكثرن قصورنا! فقال رسول الله (ص): الله أوسع من ذلك.

وفي الدر المنثور:6/247:

وأخرج الديلمي عن أنس مرفوعاً قال: يبعث رجل يوم القيامة لم يترك شيئاً من المعاصي إلا ركبها، إلا أنه كان يوحد الله، ولم يكن يقرأ من القرآن إلا سورة واحدة، فيؤمر به إلي النار، فطار من جوفه شئ كالشهاب، فقالت: اللهم إني مما أنزلت علي نبيك(ص)، وكان عبدك هذا يقرؤني، فما زالت تشفع، حتي أدخلته الجنة، وهي المنجية: تبارك الذي بيده الملك.

وفي فردوس الأخبار:4/30 ح 5587:

أبو الدرداء: من قرأ مائتي آية في كل يوم، شفع في سبع قبور حول قبره، وخفف الله عز وجل عن والديه، وإن كانا مشركين. ورواه في كنز العمال:1/537 2408 عن ابن أبي داود في المصاحف والديلمي.

شفاعة القرآن لمن يتعلمه و يعلمه

في سنن ابن ماجة:1/78:

عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله (ص): من قرأ القرآن وحفظه أدخله الله الجنة، وشفعه في عشرة من أهل بيته، كلهم قد استوجب النار.

ورواه

أحمد في مسنده:1/148 وفي:1/149 عن علي أيضاً، ورواه الترمذي في:4/245 عن علي عليه السلام أيضاً ورواه البيهقي في شعب الإيمان: 2/328 وص 329 وص 552 وكنز العمال:1/521 وروي الخطيب في تاريخ بغداد:11/395 نحوه عن عائشة.

وفي مسند أحمد:3/440:

عن سهل، عن أبيه، عن رسول الله(ص)أنه قال: من قال سبحان الله العظيم نبت له غرس في الجنة. ومن قرأ القرآن فأكمله وعمل بما فيه، ألبس والديه يوم القيامة تاجاً هو أحسن من ضوء الشمس في بيوت من بيوت الدنيا لو كانت فيه، فما ظنكم بالذي عمل به!

كما روت المصادر ذم من يتعلم القرآن للدنيا، ففي سنن النسائي:6/23:

عن أبي هريرة فقال له قائل من أهل الشام: أيها الشيخ حدثني حديثاً سمعته من رسول الله(ص)قال: نعم سمعت رسول الله(ص)يقول: أول الناس يقضي لهم يوم القيامة ثلاثة: رجل استشهد فأتي به فعرفه نعمة فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتي استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت ليقال فلان جرئ فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار!

ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم! وقرأت القرآن ليقال قارئ، فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه حتي ألقي في النار.

ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها فقال: ما عملت فيها؟ قال ما تركت من سبيل تحب كما أردت أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال كذبت، ولكن ليقال إنه جواد، فقد قيل! ثم أمر به فسحب علي وجهه فألقي في النار!

ورواه الحاكم في المستدرك: 1/107 وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة. انتهي.

شفاعة الكعبة لمن زاره

في الدر المنثور:1/137:

وأخرج ابن مردويه والإصبهاني في الترغيب والديلمي عن جابر قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة زفت الكعبة البيت الحرام إلي قبري، فتقول: السلام عليك يا محمد، فأقول وعليك السلام يا بيت الله، ما صنع بك أمتي بعدي؟ فتقول: يا محمد من أتاني فأنا أكفيه وأكون له شفيعاً، ومن لم يأتني فأنت تكفيه وتكون له شفيعاً.

وروي في مستدرك الوسائل:8/40 رواية أخري في تجسد الكعبة وشفاعتها أشبه من رواية السيوطي بالإسرائيليات وإن كان موضوعها الكعبة الشريفة! قال:

عن وهب بن منبه أنه قال: مكتوب في التوراة: إن الله تعالي يبعث يوم القيامة سبعمائة ألف ملك، ومعهم سلاسل من الذهب ليأتوا بالكعبة إلي عرصات القيامة، فيأتون بها بسلاسل الذهب إلي موقف القيامة فيقول لها ملك: يا كعبة الله سيري، فتقول: لا أذهب حتي تقضي حاجتي، فيقول ما حاجتك؟ إلي أن قال ما حاجتك سلي حتي تعطي؟ فتقول: إلهي عبادك العصاة، أتوا إليَّ من كل فج عميق، شعثاً غبراً وخلفوا أهليهم وأولادهم وبيوتهم، وودعوا أحباءهم وأصحابهم لزيارتي وأداء المناسك كما أمرت، إلهي فاشفع لهم لتؤمنهم من الفزع الأكبر، فاقبل شفاعتي واجعلهم في كنفي.

فينادي ملك: إن فيهم أصحاب الكبائر والمصرين علي الذنوب، المستحقين النار! فتقول الكعبة: أنا أشفع في أهل الكبائر، فيقول الله تعالي: قبلت شفاعتك وقضيت حاجتك، فينادي ملك: ألا من كان من أهل الكعبة فليخرج من بين أهل الجمع، فيخرج جميع الحاج من بينهم، ويحتوشون الكعبة بيض الوجوه آمنون من الجحيم، يطوفون حول الكعبة، وينادون لبيك، فينادي ملك: يا كعبة الله سيري،

فتسير الكعبة وتنادي: لبيك اللهم لبيك لبيك، إن الحمد والملك والنعمة لك لا شريك لك لبيك، وأهلها يتبعونها. انتهي.

وقد روت المصادر أحاديث في شفاعة الحجر الأسود أعزه الله تعالي، كالذي في الدر المنثور:1/136 عن عائشة: قالت: قال رسول الله (ص): أشهدوا هذا الحجر خيراً، فإنه يأتي يوم القيامة شافع مشفع، له لسان وشفتان يشهد لمن استلمه. وقد رواه في مجمع الزوائد:3/242 وفي كنز العمال:12/217.

وورد في مصادر الطرفين أن الحجر الأسود ملكٌ من ملائكة الجنة، وأنه شهد علي ميثاق بني آدم، ثم أنزله الله تعالي مع آدم إلي الأرض، ولا يتسع المجال لبحث ذلك.

شفاعة حجاج بيت الله الحرام

في الكافي:4/255:

محمد بن يحيي، عن محمد بن أحمد، عن محمد بن عيسي، عن زكريا المؤمن، عن إبراهيم بن صالح، عن رجل من أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا ابتدأهم، ويعوضون بالدرهم ألف درهم. (وفي نسخة ألف ألف درهم) ورواه في وسائل الشيعة:8/68 وروي أحاديث متعددد عن استحقاق الجاج للجنة.

وفي من لا يحضره الفقيه:2/217:

ومن حج أربعين حجة قيل له: اشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة، يدخل منه هو ومن يشفع له.

وفي وسائل الشيعة:8/92:

عن زكريا الموصلي كوكب الدم، قال: سمعت العبد الصالح عليه السلام يقول: من حج أربعين حجة، قيل له: إشفع فيمن أحببت، ويفتح له باب من أبواب الجنة، يدخل منه هو ومن يشفع له.

وفي سائل الشيعة:9/512:

وقال علي بن الحسين (عليهما السلام): الساعي بين الصفا والمروة، تشفع له الملائكة، فيشسفع فيه بالإيجاب.

وفي مجمع الزوائد:3/211:

الحاج يشفع في أربعمائة أهل بيت، أو قال من

أهل بيته، ويخرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه. ورواه في كنز العمال:5/14 وفي الدر المنثور:1/210

وفي ذكر أخبار أصبهان:1/148:

عن جابر بن عبدالله قال قال رسول الله (ص): إذا كان عشية يوم عرفة أشرف الرب عز وجل من عرشه إلي عباده فيقول: يا ملائكتي أنظروا إلي عبادي شعثاً غبراً، قد أقبلوا يضربون إلي من كل فج عميق، أشهدكم أني قد شفعت محسنهم في ميسئهم، وأني قد غفرت لهم جميع ذنوبهم، إلا التبعات التي بينهم وبين خلقي. قال: فإذا أتوا المزدلفة وشهدوا جمعاً، ثم أتوا مني فرموا الجمار وذبحوا وحلقوا ثم زاروا البيت، قال: يا ملائكتي أشهدكم أني قد شفعت محسنهم في مسيئهم، وأني غفرت لهم جميع ذنوبهم، وأني قد خلفتهم في عيالاتهم، وأني قد استجبت لهم جميع ما دعوا به، وأني قد غفرت لهم التبعات التي بينهم وبين خلقي، وعليَّ رضاء عبادي.

وفي مجمع الزوائد:3/275:

عن أنس بن مالك قال: كنت قاعداً مع رسول الله(ص)في مسجد مني، فأتاه رجل من الأنصار ورجل من ثقيف فسلما عليه ودعيا له دعاء حسناً فقالا: يا رسول الله جئنا لنسألك، فقال: إن شئتما أخبرتكما بما جئتما تسألاني عنه فعلت، وإن شئتما أسكت وتسألاني فعلت؟ فقالا: أخبرنا يا رسول الله نزدد إيماناً أو يقيناً _ الشك من إسماعيل قال لا أدري أيهما قال إيماناً أو يقيناً _ فقال الأنصاري للثقفي: سل رسول الله(ص)، فقال الثقفي: بل أنت فسله فإني أعرف لك حقك، فسأله فقال: أخبرني يا رسول الله.

قال: جئت تسألني عن مخرجك من بيتك تؤم البيت الحرام، ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت وما لك فيه، وعن ركعتيك بعد الطواف ومالك فيهما، وعن طوافك بالصفا والمروة وما لك فيه، وعن

وقوفك عشية عرفة وما لك فيه، وعن رميك الجمار ومالك فيه، وعن نحرك ومالك فيه، وعن حلقك ورأسك ومالك فيه، وعن طوافك بالبيت بعد ذلك يعني طواف الافاضة.

قال: والذي بعثك بالحق عن هذا جئت أسألك.

قال: فإنك إذا خرجت من بيتك تؤم البيت الحرام، لا تضع ناقتك خفاً ولا ترفعه إلا كتب الله لك به حسنة وحط عنك به خطيئة ورفعك درجة، وأما ركعتاك بعد الطواف كعتق رقبة من بني إسماعيل.

وأما طوافك بين الصفا والمروة بعد ذلك، كعتق سبعين رقبة.

وأما وقوفك عشية عرفة، فإن الله تبارك وتعالي يهبط إلي السماء الدنيا يباهي بكم الملائكة، يقول هؤلاء عبادي جاؤوا شعثاً شفعاء من كل فج عميق، يرجون رحمتي ومغفرتي، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل وكعدد القطر وكزبد البحر لغفرتها!

أفيضوا عبادي مغفوراً لكم ولمن شفعتم له...

وروي بعضه في كنز العمال:5/71 وروي في/74:

ما من مسلم يقف عشية عرفة بالموقف فيستقبل القبلة ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو علي كل شئ قدير، مائة مرة ثم يقرأ أم الكتاب مائة مرة، ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله مائة مرة، ثم يسبح الله مائة مرة فيقول: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم يقرأ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ مائة مرة، ثم يقول: اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وعلينا معهم مائة مرة، إلا قال الله تعالي: يا ملائكتي ما جزاء عبدي هذا سبحني وهللني وكبرني

وعظمني ومجدني ونسبني وعرفني وأثني علي وصلي علي نبيي.. إشهدوا يا ملائكتي أني قد غفرت له وشفعته في نفسه، ولو شاء أن يشفع في أهل الموقف لشفعته. (هب وابن النجار والديلمي عن جابر) قال أبو بكر بن مهران الحافظ: تفرد به عبدالرحمن بن محمد المحاربي عن محمد بن سوقة وقال (هب): هذا متن غريب وليس في إسناده من نسب إلي الوضع.انتهي.

وقد أوردنا عدداً من أحاديث عرفة في المجلد الثاني، في أحاديث النزول وغيرها، ونقدنا مافيها من تجسيد!

شفاعة النبي الخاصة لزوار قبره

في الكافي:4/548:

أحمد بن محمد عن ابن محبوب عن أبان عن السدوسي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة. ورواه في تهذيب الأحكام ج6 ص4

وفي تفسير نور الثقلين:1/541:

علي بن محمد بن بندار عن إبراهيم بن إسحاق عن محمد بن سليمان الديلمي عن أبي حجر الاسلمي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفوته يوم القيامة ومن أتاني زائراً وجبت له شفاعتي ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة. ورواه في من لا يحضره الفقيه:2/565 وفي تهذيب الأحكام:6/4 وفي وسائل الشيعة:10/261

وروي في الوسائل:10/263:

عن مسعدة بن صدقة عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلي الله عليه وآله قال: من زارني حياً أو ميتاً كنت له شفيعاً يوم القيامة.

وفي المقنعة للمفيد/457:

روي عن الصادق عليه السلام، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين صلوات الله عليهم قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من زارني بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا

إليَّ بالسلام، فإنه يبلغني.

وقال عليه السلام: من أتاني زائراً، كنت شفيعه يوم القيامة.

وفي مستدرك الوسائل:10/185:

القطب الراوندي في لب اللباب: عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: من زار قبري وجبت له شفاعتي، ومن زارني ميتاً فكأنما زرارني حياً.

وعنه صلي الله عليه وآله أنه قال: من زار قبري حلت له شفاعتي.

وفي سنن الدار قطني:2/278 ح 194:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من زار قبري وجبت له شفاعتي.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام:11/212 ورواه بنص آخر: من زارني بعد موتي وجبت شفاعتي.

وفي هامش طبقات المحدثين بأصبهان:2/167 ونحوه في:1/55:

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي، كان حقاً علي الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة. انتهي.

وقد اقتصرنا من أحاديث زيارة قبره صلي الله عليه وآله علي ما ورد فيه ذكر الشفاعة، وسنورد بقية أحاديثها في محلها إن شاء الله تعالي، مع الجواب علي شبهة الوهابيين في تحريمهم زيارة القبور وخيرها وأشرفها قبر سيد المرسلين صلي الله عليه وآله!

هذا وقد تقدم ذكر عدد من الاصناف الذين يستحقون الشفاعة فتشملهم، أو يعطيهم الله تعالي حق الشفاعة بغيرهم ويقبل شفاعتهم، في الفصل السادس (حدود الشفاعة) وهم أنواع عديدة.

وكل هذه الأحاديث تدل علي أن شفاعة المؤمنين حقيقةٌ مسلَّمَةٌ عند الجميع، فلا عجبَ أن تكون شفاعة الأئمة الأطهار من عترة النبي أعظم من جميع الشفاعات بعد شفاعة جدهم، وأشمل وأكمل، صلي الله عليه وعليهم، ورزقنا شفاعتهم.

تم المجلد الثالث من كتاب العقائد الإسلامية

ويليه المجلد الرابع إن شاء الله تعالي، وأوله بحث شفاعة أهل البيت عليهم السلام

المجلد4

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 4)

العقائد الإسلامية

(المجلد 4)

شفاعة أحد شيعة أهل البيت

اويس القرني أحد كبار الشفعاء شفيع تشتاق اليه الجنة

اويس خير التابعين

خير التابعين صارت: من خير التابعين

هل أن كلمة (من) إضافة أموية

كان أويس أسمر اللون جسيما مهيبا

صورة من تزاحم المسلمين علي أويس

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالي

و هو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالي

زاهد يضرب بزهده المثل

زاهد يحمل هم الفقراء و يتصدق عليهم حتي بطعامه و ثيابه

و قد ربي أويس تلاميذ علي سيرته

رأيه في الحكام غير علي

اضطهاد مخابرات الخلافة لاويس

اويس من شيعة علي

صاحب البصيرة الزاهد، شجاع مجاهد

نسب أويس القرني و نسبته

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

روايات لقائه بعمر و استغفاره له

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

من هم الذين خاطبهم النبي في البشارة بأويس؟

آراء شاذة و أخري مشبوهة الهدف في أويس

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم علي أويس القرني

و زعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

آراء مضادة مغالية في أويس القرني

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

خير التابعين و نفس الرحمن

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

اويس من أركان التشيع لعلي

اويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

اويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

متفرقات عن أويس

من الأدعية المروية عن أويس

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

نتيجة

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

علي ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

من دلالات قصة بريدة

لمحة عن بريدة

و أحاديثه في مصادرن

والزهراء والحسنان جزء من المقياس النبوي أيض

و كل (أهل البيت) جزء من المقياس النبوي

و ويل لمبغضيهم

و ويل للمكذبين بفضلهم

واللعنة علي ظالميهم و قاتليهم

و لا يقبل عمل المسلم إلا بحبهم

و الأمة مسؤولة عنهم يوم القيامة

و هذه الأحكام مختصة بهم و لا يقاس بهم أحد

و محبو أهل البيت و شيعتهم جزء من المقياس النبوي

كيف طبقت الخلافة القرشية سنة النبي فيهم

و أجبرت المسلمين علي أن يكونوا نواصب

مرسوم آخر لخليفة المسلمين معاوية

مرسوم ثالث لخليفة المسلمين معاوية

مرسوم رابع لخليفة المسلمين معاوية

بعض ما ورد عن المقياس النبوي في مصادرن

بعض ما ورد في مصادرنا في عدم شمول الشفاعة للنواصب

بعض ما ورد في مصادرنا في أحكام التعامل مع النواصب

النصب يجر إلي التجسيم

فضل العلماء الذين يدفعون شبهات النواصب

شفاعة النبي يوم القيامة بيد أهل بيته

علي صاحب لواء النبي يوم القيامة

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر و لواء الحمد؟

علي آمر السقاية علي حوض النبي يوم القيامة

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض

ندم أئمة المذاهب علي تدوين أحاديث الحوض

و النتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة المطرودين

اسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

نتيجة كلية

احاديث أن عليا هو الساقي علي الحوض والذائد عنه

من أحاديث الحوض في مصادرنا

اهل البيت و شيعتهم علي الحوض

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

علي قسيم الله بين الجنة والنار

حديث قسيم الجنة والنار في الشعر

علي أول الواردين علي النبي عند حوض الكوثر

لا يعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علي

عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة

حب علي

من هو المخاطب بقوله تعالي: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

شفاعة علي و الأئمة من ذريته

احاديث في شفاعة الأئمة من أهل بيت النبي

احاديث في شفاعة فاطمة الزهراء

يا فاطمة لا تبكي، علي و شيعته غدا هم الفائزون في الجنة

نماذج من أحاديث شفاعة النبي و آله لزوار مشاهدهم المشرفة

الشفاعة لمن زار قبر أميرالمؤمنين

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسين

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا

ختام في بعض قواعد الشفاعة و أحكامه

النهي عن الإتكال علي الشفاعة

امل العاصين بشفاعة النبي وآله

الاولي بشفاعة النبي وآله

الدعاء للنبي باعطائه الشفاعة

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه و أقاربه

مسائل حول التوسل

مفردات التوسل

الدعاء والنداء

التوسل في الأديان السابقة

الفرق بين التوسل و أنواع الشرك

الرسول داعي الله

المؤمنون يدعون الله تعالي وحده

الاولياء الشياطين

انكشاف عدم فائدة الأولياء من دون الله في الآخرة

لا وجود حقيقيا لولي من دون الله

شبهة علي أصل التوسل

مسألة التوسل دقيقة و حساسة

تأكيد الأئمة علي المحافظة علي التوحيد في التوسل

من هم المتوسل بهم عند المسلمين

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

التوسل الواسع في صلاة الإستسقاء

التوسل العملي بالأعمال الصالحة

التوسل إلي الله في مصادر السنيين

تعليم النبي التوسل به إلي الله تعالي

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي

توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي

ما ورد عندهم من الدعاء للنبي بالوسيلة

ما هي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي؟

احاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

التوسل إلي الله في مصادرنا

التوسل إلي الله بالأعمال الصالحة

التوسل إلي الله بذاته و صفاته عزوجل

الاستشفاع إلي الله تعالي بحبه

و معرفته

افتتاح الصلاة بالتوجه إلي الله بالنبي و آله

دلالة استحباب التوسل عند الأذان و افتتاح الصلاة

التوجه بالنبي و آله لدفع شر السلطان

التوجه إلي الله بالنبي و آله عند الحاجة والشدة

الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية 01

عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي

الآية 02

جاؤوك، تشمل المجئ إلي قبر النبي والمجئ إلي وصيه

الآية 03

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

مناقشة تفسيرهم للآيات

علي أقرب الخلق وسيلة إلي الله

الترابط بين الوسيلة والوصية

الشيعة وسيلة إلي الله يوم القيامة

ما ورد في مصادرهم من تشويش علي الأحاديث المتقدمة

آيات مؤيدة لآيات التوسل

شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين في التوسل والإستشفاع

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والإستشفاع

غرض ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه إلي أصول العقائد

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل

علماء المذاهب الإسلامية يردون علي شذوذ ابن تيمية

نماذج من ردهم علي مذهب ابن تيمية

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد علي ابن تيمية

كتاب (التوسل بالنبي و جهلة الوهابيين)

كتاب (شفاء السقام) للإمام السبكي

حديث توسل آدم بالنبي

توسل عيسي بالنبي

توسل نوح و ابراهيم و سائر الأنبياء بنبيا

التوسل بالنبي (بعد موته)

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

كتاب (حقيقة التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة)

شفاعة أحد شيعة أهل البيت

اويس القرني أحد كبار الشفعاء شفيع تشتاق اليه الجنة

ثبت في مصادر الطرفين أن النبي صلي الله عليه وآله نص علي عدد من الصحابة بأسمائهم، أن لهم مقاماً كبيراً عند الله تعالي، وأن الجنة تشتاق إليهم!

والملاحظ أنهم كلهم من شيعة أهل البيت عليهم السلام.

أما من

التابعين فمن المتفق عليه أنه صلي الله عليه وآله أخبر عن أويس القرني وبشر بأنه يأتي بعده، وأنه من كبار أولياء الله تعالي، وأنه مستجاب الدعوة، وأنه يشفع عند الله تعالي لمئات الألوف، أو ملايين الناس!

ولما رأي المسلمون أويساً بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله استبشروا به وتبركوا به، وكانوا يحرصون علي الفوز بدعاء منه، ولو بكلمة (غفر الله لك)!

وقد حاول الخلفاء أن يتقربوا اليه، ولكنه هرب منهم، وفضل أن يعيش مغمورا مع الفقراء من شيعة علي عليه السلام، حتي إذا وصلت الخلافة لعلي عليه السلام نهض معه، وشارك في حروبه، واستشهد تحت رايته في صفين.. وقبره هناك إلي جانب قبر عمار بن ياسر، في مدينة الرقة السورية، وقد وفقنا الله لزيارته.

والمتأمل في النصوص الواردة في مصادر السنيين في أويس، يلاحظ فيها تناقضاً كثيراً، نشأ من أنهم أرادوا أن يغطوا علي فراره من عمر، وامتناعه من الدعاء له والاقامة عنده، فوضعوا أحاديث عن لقائه به، يناقض بعضها بعضاً!

كما أن شهادة أويس في صفين مع علي عليه السلام، كانت حجة لعلي والمسلمين علي أن معاوية وحزبه هم أهل الباطل، والفئة الباغية التي أخبر النبي صلي الله عليه وآله أنها تقتل عمار بن ياسر رحمه الله.

لذلك حاول الأمويون وأتباعهم أن ينفوا أصل بشارة النبي صلي الله عليه وآله بأويس، ومكانته المميزة عند الله تعالي!

ثم عندما عجزوا عن ذلك حاولوا أن ينفوا أنه قتل في صفين، وادعوا أنه توفي في طريقه إلي الشام، وجعلوا له في الشام قبراً ومزارا!!

اويس خير التابعين

روي مسلم في صحيحه: 7/188:

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس،

وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ... وستأتي بقية الحديث.

ورواه أحمد في مسنده: 1/38

وروي ابن سعد الطبقات: 6/161:

قال أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله (ص): خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

قال أخبرنا عفان بن مسلم قال: حدثنا حماد بن سلمة عن سعيد الجريري، عن أبي نضرة، عن أسير بن جابر أن عمر، أنه قال لأويس: استغفر لي.

قال: كيف أستغفر لك وأنت صاحب رسول الله(ص)؟!

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس.

ورواه الحاكم في المستدرك: 3/402 ورواه الخطيب في الجمع والتفريق: 1/480 ورواه ابن معين في تاريخه (رواية الدوري): 1/324 ونحوه في الجامع الصغير: 3 حديث رقم 4001

وروي أبو نعيم في حلية الأولياء: 2/86:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا علي بن حكيم، أخبرنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قال: قلنا نعم، وما تريده منه؟

قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان. وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي رضي الله تعالي عنهم.

وقال أبو نعيم في الحلية: 2/82، بعد حديث عن أويس: فهذا ما أتانا عن أويس خير التابعين... انتهي.

وقال في كنز العمال: 12/73:

إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ، فمروه فليستغفر لكم (م. عن عمر)...

خير التابعين أويس (ك. عن علي).

خير التابعين

أويس القرني (ك عن علي، ق، كر عن رجل). انتهي.

وقد وردت صفة (خير التابعين) في أحاديث أخري، كما سيأتي.

خير التابعين صارت: من خير التابعين

قال الهيتمي في مجمع الز وائد: 10/22:

عن ابن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال سمعت رسول الله(ص)يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد، وإسناده جيد. انتهي.

ورواه في تاريخ ابن معين رواية الدوري: 1/324

وفي طبقات ابن سعد: 6/161:

عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين فقال: أفيكم أويس القرني؟ قالوا نعم، قال إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني، ثم ضرب دابته فدخل فيهم.

ورواه اللالكائي في كرامات الأولياء/109، بطريقين.

وفي كنز العمال: 12/73:

إن من خير التابعين أويس القرني (حم، وابن سعد عن عبد الرحمن بن أبي ليلي عن رجل من الصحابة، حم، كر، عن رجل). انتهي.

راجع للتدقيق: طبقات ابن سعد: 6/113، وميزان الاعتدال: 1/279 و282، ولسان الميزان: 1/472، وسير أعلام النبلاء: 4/21، وتاريخ الإسلام للذهبي: 3/556، والبداية والنهاية: 6/225.

راجع أيضاً: أسد الغابة: 1/151، وأعلام النبلاء: 4/20، وكنز العمال: 12/74

هل أن كلمة (من) إضافة أموية

من الطبيعي أن تكون قصة الرجل الذي سأل عن أويس في صفين، وشهادة الرسول صلي الله عليه وآله التي رواها في حقه وحق علي عليه السلام، واحدة من الحجج التي استعملها المسلمون لاثبات أن معاوية وأهل الشام علي الباطل.

ويبدو أن الأحاديث في عمار بن ياسر وأنه تقتله الفئة الباغية، والأحاديث في أويس، لم يكن لها جواب عند مؤيدي معاوية، ولكن بعد سيطرته علي بلاچ المسلمين عمل علي تضعيف هذه الأحاديث وإبطال مفعولها.

ويظهر أن البصريين كانوا أكثر استجابة له من الكوفيين، فقد قال ابن أبي الوفاء في الجواهر المضية في طبقات الحنفية/419:

أهل المدينة يقولون أفضل التابعين سعيد بن

المسيب، وأهل الكوفة أويس القرني، وأهل البصرة الحسن البصري. انتهي.

وقد حاول النووي أن يوفق بين رواية مسلم وبين قول لأحمد بن حنبل! فقال في شرح مسلم - بهامش الساري: 9/429:

قوله (ص) خير التابعين رجل يقال له أويس... وقد يقال: قد قال أحمد بن حنبل وغيره: أفضل التابعين سعيد بن المسيب؟!

والجواب: أن مرادهم أن سعيد أفضل في العلوم الشرعية.. لا في الخير. انتهي.

وهذا النوع من العمل كثير عند الفقهاء السنيين، فتراهم يتركون الرواية التي صحت عندهم عن نبيهم صلي الله عليه وآله - وهي تقول هنا إن أويساً خير التابعين مطلقاً، ولا تقيد ذلك بناحية دون ناحية-لكي يصححوا قول شخص في مقابل حديث رسول الله صلي الله عليه وآله؟!!

كان أويس أسمر اللون جسيما مهيبا

في حلية الأولياء: 2/82، عن النبي صلي الله عليه وآله:

يا أبا هريرة إن الله تعالي يحب من خلقه الأصفياء الأخفياء الأبرياء، الشعثة رؤوسهم، المغبرة وجوههم، الخمصة بطونهم إلا من كسب الحلال، الذين إذا استأذنوا علي الأمراء لم يؤذن لهم، وإن خطبوا المتنعمات لم ينكحوا، وإن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، وإن طلعوا لم يفرح بطلعتهم، وإن مرضوا لم يعادوا، وإن ماتوا لم يشهدوا.

قالوا: يا رسول الله كيف لنا برجل منهم؟

قال: ذاك أويس القرني.

قالوا: وما أويس القرني؟

قال: أشهل، ذو صهوبة، بعيد ما بين المنكبين، معتدل القامة، آدم شديد الأدمة ضارب بذقنه إلي صدره، رام بذقنه إلي موضع سجوده، واضع يمينه علي شماله يتلو القرآن، يبكي علي نفسه، ذو طمرين لا يؤبه له، متزر بإزار صوف ورداء صوف، مجهول في أهل الأرض معروف في أهل السماء، لو أقسم علي الله لابر قسمه.

ألا وإن تحت منكبه الأيسر

لمعة بيضاء، ألا وإنه إذا كان يوم القيامة قيل للعباد ادخلوا الجنة، ويقال لأويس قف فاشفع، فيشفع لله عز وجل في مثل عدد ربيعة ومضر.

وفي حلية الأولياء: 2/84:

عن هرم بن حيان العبدي قال: قدمت الكوفة فلم يكن لي هم إلا أويس، أسأل عنه فدفعت اليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فإذا رجل آدم محلوق الرأس كث اللحية مهيب المنظر، فسلمت عليه ومددت إليه يدي لأصافحه، فأبي أن يصافحني! فخنقتني العبرة لما رأيت من حاله، فقلت: السلام عليك يا أويس، كيف أنت يا أخي؟

قال: وأنت فحياك الله يا هرم بن حيان، من دلك علي؟

قلت: الله عز وجل.

قال: سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

قلت: يرحمك الله من أين عرفت اسمي واسم أبي، فوالله ما رأيتك قط، ولا رأيتني!

قال: عرفت روحي روحك، حيث كلمت نفسي، لأن الأرواح لها أنفس كأنفس الأجساد وإن المؤمنين يتعارفون بروح الله عز وجل وإن نأت بعد بهم الدار وتفرقت بهم المنازل! انتهي، ونحن نشك في شهادة هرم لنفسه عن لأن أويس!

ورواهما في سير أعلام النبلاء: 4/28

صورة من تزاحم المسلمين علي أويس

روي الحاكم: 2/365، وصححه:

أخبرني الحسن بن حليم المروزي، ثنا أبو الموجه، أنبأ عبدان، أنبأ عبد الله بن المبارك، أنبأ جعفر بن سليمان، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، عن أسير بن جابر قال: قال لي صاحب لي وأنا بالكوفة: هل لك في رجل تنظر إليه؟ قلت نعم، قال هذه مدرجته وإنه أويس القرني، وأظنه أنه سيمر الآن.

قال: فجلسنا له فمر، فإذا رجل عليه سمل قطيفة، قال والناس يطؤون عقبه، قال وهو يقبل فيغلظ لهم ويكلمهم في ذلك فلا ينتهون عنه، فمضينا مع الناس،

حتي دخل مسجد الكوفة ودخلنا معه، فتنحي إلي سارية فصلي ركعتين، ثم أقبل الينا بوجهه فقال: يا أيها الناس مالي ولكم، تطؤون عقبي في كل سكة، وأنا إنسان ضعيف، تكون لي الحاجة فلا أقدر عليها معكم، لا تفعلوا رحمكم الله، من كانت له إلي حاجة فليلقني هاهنا.

شعاره الصدق والجد في أمر الله تعالي

في مستدرك الحاكم: 3/405:

أخبرنا أبو العباس السياري، ثنا عبدالله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا يزيد بن يزيد البكري قال: قال أويس القرني: كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم. انتهي.

ومعني كلامه رحمه الله: أن خوف الله تعالي يجب أن يكون في نفس المؤمن بدرجة عالية، كأن في رقبته قتل الناس كلهم، ليكون في تصرفاته مثل القاتل الملاحق دقيقاً حذراً متقياً، وشعوره بالمسؤولية أمام الله تعالي عميقاً.

وروي نحوه البيهقي في شعب الإيمان: 1/524

و هو صاحب مدرسة في شكر نعم الله تعالي

في كتاب المجروحين لإبن حبان: 3/151:

أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه فيقول: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له، فليستغفر له. انتهي.

وقد وردت هذه القصة في أحاديثه، كما ستري.

زاهد يضرب بزهده المثل

في حلية الأولياء: 2/87:

عن علقمة بن مرثد قال: انتهي الزهد إلي ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خيثم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبو مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن. انتهي. وهو يقصد بالأخير الحسن البصري.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/19:

هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.

وقال في هامش سير أعلام النبلاء: 18/558:

ذكر ابن خلكان في الوفيات: 2/263 أن الذي ضرب به الحريري المثل في المقامات هو دبيس بن صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي المتوفي سنة 529، من أحفاد المترجم، وقد وهم المؤلف في ذلك، وأورد ذكره الحريري في المقامة التاسعة والثلاثين وهي المقامة العمانية، وفيها يصف كيف أحاطت الجماعة بأبي زيد تثني عليه، وتقبل يديه، حتي خيل إلي أنه القرني أويس، أو الأسدي دبيس. انظر مقامات الحريري/342 (ط: صادر).

وفي لسان الميزان: 1/471:

قال ابن عدي ثنا الحسن بن سفيان، ثنا عبد العزيز بن سلام، سمعت اسحاق بن ابراهيم يقول: ما شبهت عدي بن سلمة الجزري إلا بأويس القرني تواضعاً. وذكره في ميزان الاعتدال: 1/279.

زاهد يحمل هم الفقراء و يتصدق عليهم حتي بطعامه و ثيابه

في مستدرك الحاكم: 3/406:

أخبرني أبو العباس قاسم بن القاسم السياري بمرو، ثنا عبد الله بن علي، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد الله بن المبارك، أنا سفيان الثوري قال: كان لأويس القرني رداء إذا جلس مس الأرض، وكان يقول: اللهم إني أعتذر إليك من كل كبد جائعة وجسد عار، وليس لي إلا ما علي ظهري وفي بطني.

ورواه البيهقي في شعب الإيمان: 1/524

وفي حلية الأولياء:

2/87:

عبيد الله بن عبد الكريم ثنا سعيد بن أسد بن موسي ضمرة بن ربيعة عن أصبغ بن زيد قال: كان أويس القرني إذا أمسي يقول هذه ليلة الركوع، فيركع حتي يصبح.

وكان يقول إذا أمسي: هذه ليلة السجود، فيسجد حتي يصبح.

وكان إذا أمسي تصدق بما في بيته من الفضل من الطعام والثياب، ثم يقول: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياناً فلا تؤاخذني به.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/29:

عبد الله بن أحمد: حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبوبكر بن عياش، عن مغيرة، قال: إن كان أويس القرني ليتصدق بثيابه، حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه إلي الجمعة.

عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال قال النبي (ص): إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري يحجزه إيمانه أن يسأل الناس، منهم أويس القرني، وفرات بن حيان.

(ورواه في كنز العمال: 12/74 وقال: حم، في الزهد، حل عن محارب بن دثار وعن سالم بن أبي الجعد).

أبو نعيم: حدثنا مخلد بن جعفر، حدثنا ابن جرير، حدثنا محمد بن حميد، حدثنا زافر بن سليمان، عن شريك عن جابر، عن الشعبي قال: مر رجل من مراد علي أويس القرني فقال: كيف أصبحت؟

قال: أصبحت أحمد الله عز وجل.

قال: كيف الزمان عليك؟

قال: كيف الزمان علي رجل إن أصبح ظن أنه لا يمسي، وإن أمسي ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إن الموت لم يترك لمؤمن فرحاً... لم يترك له صديقاً... الخ.

وكان إذا أمسي تصدق بما في بيته

من الفضل من الطعام والشراب، ثم قال: اللهم من مات جوعاً فلا تؤاخذني به، ومن مات عرياً فلا تؤاخذني به. (الحلية 2/83)

وفي حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني أبي وعبيد الله بن عمر قالا: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن الأشعث بن سوار، عن محارب بن دثار قال: قال رسول الله (ص): إن من أمتي من لا يستطيع أن يأتي مسجده أو مصلاه من العري، يحجزه إيمانه أن يسأل الناس! منهم أويس القرني وفرات بن حيان.

حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: وكان أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجد ما يروح فيه. أي الي الجمعة.

وفي كتاب الزهد للشيباني/346:

حدثنا عبدالله، حدثني عثمان بن أبي شيبة، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن مغيرة قال: إن أويس القرني ليتصدق بثيابه حتي يجلس عرياناً لا يجدها يروح فيه إلي الجمعة.

وفي لسان الميزان: 1/474:

سفيان الثوري: حدثني قيس بن يسير بن عمرو، عن أبيه أن أويساً القرني عري غير مرة فكساه أبي، قال وكان أويس يقول: اللهم لا تؤاخذني بكبد جائعة، أو جسد عار.

وفي صفحة 280: وقال ضمرة بن ربيعة، عن عثمان بن عطاء الخراساني، عن أبيه، قال: كان أويس يجالس رجلاً من فقهاء الكوفة يقال له يسير ففقدته، فإذا هو في خص له قد انقطع من العري... وذكره في ميزان الاعتدال: 1/282، وفي سير أعلام النبلاء: 294 - 33. انتهي.

وهذه النصوص تكشف عن الفقر الشديد الذي كانت تعيشه طبقة

واسعة من المجتمع الإسلامي، وأن أموال الفتوحات صرفت في الطريق قبل أن تصل اليها، فكان بعضها لا يملك حتي ثوبين مناسبين يتستر بهما، بل كان فيهم من يموت من الجوع!!

ولذلك كان أويس يدعو الله تعالي أن لا يؤاخذه بعري العارين، وجوع الجائعين، لأنه لا يملك إلا ثوبيه اللذين يلبسهما، ولا يملك إلا ما في بطنه من طعام، وكل ما يحصل عليه من عمله ومن هدايا الناس، كان يعطيه لهؤلاء للفقراء!!

وهي تدل أيضاً علي أن زهد أويس كان زهداً واعياً يحمل هم الفقراء، وكان يحمل مسؤولية فقرهم وبؤسهم للخليفة والدولة، والطبقة المترفة التي كونت ثروتها من الفتوحات، وكانت تنقم من أويس أنه يهتم بهم، ويأمر من أجلهم بالمعروف وينهي عن المنكر، وسيأتي رأيه في الخلفاء غير علي عليه السلام وما لاقاه منهم!

و قد ربي أويس تلاميذ علي سيرته

في مستدرك الحاكم: 3/408:

حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن بالويه، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا يحيي بن معين، حدثني أبو عبيدة الحداد، ثنا أبو مكين قال: رأيت امرأة في مسجد أويس القرني قالت: كان يجتمع هو وأصحاب له في مسجدهم هذا، يصلون ويقرؤون في مصاحفهم فآتي غداءهم وعشاءهم هاهنا، حتي يصلوا الصلوات، قالت: وكان ذلك دأبهم ما شهدوا حتي غزوا، فاستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين.

رأيه في الحكام غير علي

قال الشاطبي في الإعتصام: 1/30:

نقل عن سيد العابدين بعد الصحابة أويس القرني أنه قال: إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لم يدعا للمؤمن صديقاً، نأمرهم بالمعروف فيشتمون أعراضنا!! ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين!!

وفي مستدرك الحاكم: 3/405:

حدثنا أحمد بن زياد الفقيه الدامغاني، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن يونس، ثنا أبو الأحوص، حدثني صاحب لنا قال: جاء رجل من مراد إلي أويس القرني فقال السلام عليكم، قال وعليكم.

قال: كيف أنتم يا أويس؟

قال: الحمد لله.

قال: كيف الزمان عليكم؟

قال: لا تسأل! الرجل إذا أمسي لم ير أنه يصبح، وإذا أصبح لم ير أنه يمسي!

يا أخا مراد، إن الموت لم يبق لمؤمن فرحاً.

يا أخا مراد، إن عرفان المؤمن بحقوق الله لم تبق له فضة ولا ذهباً.

يا أخا مراد، إن قيام المؤمن بأمر الله لم يبق له صديقاً! والله إنا لنأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيتخذوننا أعداء، ويجدون علي ذلك من الفاسقين أعواناً، حتي والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق!! انتهي.

وفي بحار الأنوار: 68/367:

أعلام الدين: روي عن أويس

القرني رحمه الله قال لرجل سأله كيف حالك؟

فقال: كيف يكون حال من يصبح يقول: لا أمسي، ويمسي يقول: لا أصبح، يبشر بالجنة ولا يعمل عملها، ويحذر النار ولا يترك ما يوجبها.

والله إن الموت وغصصه وكرباته وذكر هول المطلع وأهوال يوم القيامة، لم تدع للمؤمن في الدنيا فرحاً، وإن حقوق الله لم تبق لنا ذهباً ولا فضة، وإن قيام المؤمن بالحق في الناس لم يدع له صديقاً، نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين!! إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله!

اضطهاد مخابرات الخلافة لاويس

يفهم من نصوص أويس أن سلطة الخلافة لم تتحمل منه ابتعاده عن الحكام وامتناعه أن يستغفر لهم ثم أمره إياهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وتعريضه وإعلانه بسيرته ودعائه كل يوم أنهم مسؤولون عن جوع الجائعين وعري العارين.. وكأنه بذلك يقول للناس إنهم لا يصلحون للحكم باسم رسول الله صلي الله عليه وآله!!

لقد عبر هذا الولي الذي هو آية من آيات الله تعالي، ومعجزة من معجزات رسوله بكلماته القليلة عن محنته ومعاناته من مخابرات السلطة في زمن عمر وأبي بكر وعثمان، ولم يكن ذنبه أنه نافس أحداً في سلطان، ولا جمع حوله قبيلته قرن وكون منهم قوة سياسية تطالب بحصة من أموال الفتوحات.. بل كان يعيش عيشة الفقراء مع الفقراء، ويعبد ربه عز وجل، ويأمر بالمعروف وينهي المنكر..

ولكن السلطة مع ذلك لم تتركه، فاتخذته عدواً! وسلطت عليه الفساق واتهمته بالعظائم والجرائم والمعايب، علي حد تعبيره!!

ولهذا ينبغي أن نبحث عن السلطة وراء كل ما نشك فيه من روايات أويس، ومن أولها الروايات التي تقول أن القرنيين سئلوا عنه

فلم يعرفوه، والتي احتج بها البخاري علي تضعيف أويس، وعدم قبول روايته!!

فكيف يتعقل إنسان أن شخصية بمستوي أويس، كان يبحث عنه الخليفة عمر، وكل أمله أن ينطق له بكلمة (غفر الله لك) لأن الرسول صلي الله عليه وآله قال له إن استطعت أن يستغفر لك فهنيئا لك!! ثم لا يكون معروفاً عند القرنيين وكل اليمانيين وموضع افتخارهم؟!

إن نفي القرنيين لمعرفتهم بأويس وتشكيكهم بنسبه، إما أن يكون مكذوباً، وإما أن تكون السلطة قد شوهت سمعة أويس وعزلته، حتي اضطر بعض القرنيين من قبيلته الصغيرة أن ينكروا أنه منهم!!

وتدل الروايات علي أن سلطة الخلافة لم تستطع الانتقام من أويس مباشرة، بسبب مكانته في قلوب المسلمين.. ولذلك اتبعت أسلوب إيذائه وتحقيره، ووكلت به رجلاً حكومياً من عشيرته، يؤذيه ويشيع التهم حول شخصيته ونواياه، وأنه رجل مراء ومجنون!!

فابن عمه الذي ورد أنه كان من رجال حاكم الكوفة، وكان مولعاً بأويس يشتمه ويؤذيه.. كان واحداً من عملاء السلطة المكلفين بتحقير أويس وأذيته، لاسقاط شخصيته ومنع تأثيره علي المسلمين!

فقد روي الحاكم في المستدرك: 3/404 عن أسير بن جابر، قال:

فكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكرهم وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره، ففقدته يوماً فقلت لجليس لنا: ما فعل الرجل الذي كان يقعد الينا، لعله اشتكي؟

فقال: الرجل من هو؟

فقلت: من هو؟

قال: ذاك أويس القرني.

فدللت علي منزله فأتيته فقلت يرحمك الله أين كنت، ولم تركتنا؟

فقال: لم يكن لي رداء، فهو الذي منعني من إتيانكم!

قال: فألقيت إليه ردائي، فقذفه إلي!

قال فتخاليته ساعة، ثم قال:

لو أني أخذت رداءك هذا فلبسته فرآه علي قومي

قالوا انظروا إلي هذا المرائي لم يزل في الرجل حتي خدعه وأخذ رداءه!!

فلم أزل به حتي أخذه، فقلت: انطلق حتي أسمع ما يقولون!

فلبسه فخرجنا، فمر بمجلس قومه فقالوا: أنظروا إلي هذا المرائي لم يزل بالرجل حتي خدعه وأخذ رداءه!!

فأقبلت عليهم فقلت: ألا تستحيون؟! لم تؤذونه؟! والله لقد عرضته عليه فأبي أن يقبله.

وروي ابن حبان في المجروحين: 3/151:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر رجلاً من قرن، وكان من أهل الكوفة وكان من التابعين، فخرج وبه وضح، فدعا الله أن يذهبه عنه فأذهبه فقال: اللهم دع في جسدي ما أتذكر به نعمتك. فترك الله منها ما يذكر به نعمته عليه، وكان رجلاً يلازم المسجد في ناس من أصحابه، وكان ابن عم له يلزم السلطان تولع به، فإن رآه مع قوم أغنياء قال ما هو إلا يشاكلهم! وإن رآه مع قوم فقراء، قال ما هو إلا يخدعهم!

وأويس لا يقول في ابن عمه إلا خيراً!! غير أنه إذا مر به استتر منه مخافة أن يأثم في سبه! انتهي.

وستأتي بقيته في روايات لقائه بعمر بن الخطاب.

اويس من شيعة علي

في مسند أحمد: 3/480:

حدثنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا أبو نعيم قال: ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين:

أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله (ص): إن من خير التابعين أويساً القرني. انتهي. وقد رواه أبونعيم في الحلية: 2/86 وقال في مجمع الزوائد: 10/22: رواه أحمد وإسناده جيد ورواه ابن سعد في الطبقات: 6/163 واللالكائي في كرامات الأولياء/109 وابن معين في تاريخه (رواية الدوري): 1/324

واللواتي في تحفة النظار: 2/190

وورواه أبو نعيم في الحلية: 2/221، وقال بعده:

ورواه جماعة عن شريك، وقال ابن عمار الموصلي: ذكر عند المعافي بن عمران أن أويساً قتل في الرجالة مع علي بصفين، فقال معافي: ما حدث بهذا إلا الأعرج! فقال له عبد ربه الواسطي: حدثني به شريك، عن يزيد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي! قال: فسكت!! انتهي.

ورواه كذلك في الإصابة: 1/221:

وقد تقدمت روايته عند الحاكم عن أبي مكين.

ورواه أبو نعيم أيضاً بذلك في صفحة 222، ثم قال:

ومن طريق الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً يوم صفين يقول من يبايعني علي الموت، فبايعه تسعة وتسعون رجلاً فقال: أين التمام؟

فجاءه رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس فبايعه علي القتل، فقيل: هذا أويس القرني، فما زال يحارب حتي قتل.

ورواه الحاكم في: 3/402، فقال:

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن ابي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: لما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

فضرب دابته حتي دخل معهم، ثم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني. انتهي.

ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: 3/556، بنحو رواية أحمد، قال:

عن ابن أبي ليلي قال: إن أويساً شهد صفين مع علي، ثم روي عن رجل أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أويس خير التابعين بإحسان.

ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/31، بنحو رواية الحاكم، قال:

شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: نادي رجل

من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ قلنا نعم وما تريد منه؟

قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان، وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي (رض). رواه عبد الله بن أحمد، عن علي بن حكيم الأودي، أنبأنا شريك. وزاد بعض الثقات فيه عن يزيد، عن ابن أبي ليلي، قال: فوجد في قتلي صفين.

وكذا رواه في أسد الغابة: 5/380 وروته مصادرنا بنحوه في اختيار معرفة الرجال: 3141، وشرح الأخبار: 2/3، ومعجم رجال الحديث: 4/154، وجامع الرواة: 1/110، وغيرها.

صاحب البصيرة الزاهد، شجاع مجاهد

في ميزان الاعتدال: 1/281:

وقال فضيل بن عياض: أخبرنا أبوقرة السدوسي، عن سعيد بن المسيب قال: نادي عمر بمني علي المنبر: يا أهل قرن، فقام مشايخ، فقال: أفيكم من اسمه أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ذاك مجنون يسكن القفار والرمال.

قال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم فاطلبوه وبلغوه سلامي.

فعادوا إلي قرن، فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(ص)، فقال: عرفني أمير المؤمنين، وشهر اسمي، ثم هام علي وجهه، فلم يوقف له بعد ذلك علي أثر دهرا، ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه فاستشهد بصفين، فنظروا فإذا عليه نيف وأربعون جراحة. انتهي.

راجع أيضاً: لسان الميزان: 1/474، وتاريخ الإسلام للذهبي: 3/558، وسير أعلام النبلاء: 4/32

وفي مستدرك الحاكم: 2/365:

قال ثم قال أويس: إن هذا المجلس يغشاه ثلاثة نفر: مؤمن فقيه، ومؤمن لم يتفقه ومنافق... لم يجالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان، فقضاء الله الذي قضي شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا.

اللهم ارزقني شهادة تسبق كسرتها أذاها، وأمنها فزعها، تؤوب الحياة والرزق. ثم سكت.

قال أسير فقال لي صاحبي: كيف

رأيت الرجل؟

قلت ما ازددت فيه إلا رغبة، وما أنا بالذي أفارقه، فلزمناه فلم نلبث إلا يسيرا حتي ضرب علي الناس بعث أمير المؤمنين علي (رض)، فخرج صاحب القطيفة أويس فيه، وخرجنا معه فيه، وكنا نسير معه وننزل معه، حتي نزلنا بحضرة العدو.

قال ابن المبارك: فأخبرني حماد بن سلمة، عن الجريري، عن أبي نضزة، عن أسير بن جابر قال: فنادي علي (رض): يا خيل الله اركبي وأبشري.

قال فصف الثلثين لهم، فانتضي صاحب القطيفة أويس سيفه حتي كسر جفنه فألقاه، ثم جعل يقول:

يا أيها الناس: تموا تموا، ليتمن وجوه ثم لا تنصرف حتي تري الجنة.

يا أيها الناس تموا تموا، جعل يقول ذلك ويمشي وهو يقول ذلك ويمشي إذ جاءته رمية فأصابت فؤاده فبرد مكانه، كأنما مات منذ دهر.

قال حماد في حديثه فواريناه في التراب. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه بهذه السياقة.

نسب أويس القرني و نسبته

قال الطبري في تاريخه: 10/145:

وأويس القرني من مراد، وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، وهو يحابر بن مالك.

وقال الجوهري: 6/2181:

والقرن: موضع، وهو ميقات أهل نجد، ومنه أويس القرني.

وقال في هامشه: القرن هنا بتسكين الراء، وأما أويس القرني فليس منسوباً إلي ميقات أهل نجد، وإنما نسبته إلي بني قرن، بطن من مراد من اليمن.

وقال الخليل في كتاب العين: 5/142:

وقرن: حي من اليمن، منهم أويس القرني.

وقال السمعاني في الانساب: 4/481:

القرني: بفتح القاف والراء وكسر النون.. هذه النسبة إلي قرن، وهو بطن من مراد، يقال له قرن بن ردمان

بن ناجية بن مراد، نزل اليمن، والمشهور بهذه النسبة المعروف في الأقطار: أويس بن عامر القرني، وقصته في الزهد معروفة، وقال الدار قطني: قرن، بفتحتين، فهو فيما ذكر ابن حبيب، قال: في مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد، قوم أويس بن عامر القرني الزاهد.

والموضع الذي يحرم منه أهل نجد يقال له: قرن المنازل، بسكون الراء. وأويس سكن الكوفة، وكان عبداً زاهداً.

وفي أسد الغابة: 1/151:

أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن مسعده بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجيه بن مراد المرادي ثم القرني، الزاهد المشهور، هكذا نسبه ابن الكلبي، أدرك النبي(ص)، ولم يره، وسكن الكوفة وهو من كبار تابعيها.

وفي إكمال الكمال: 7/113:

أما قرن بفتح القاف والراء ففي مراد، قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد. منهم أويس بن عمرو القرني الزاهد وغيره.

وفي صفحة 142: أويس بن عمرو القرني، ويقال ابن عامر.

وفي تهذيب التهذيب: 1/337:

(مسلم) أويس بن عامر القرني المرادي سيد التابعين.

وفي هامشه: قال في التقريب المغني: القرني بفتح القاف والراء بعدها نون، نسبة إلي قرن بن رومان، والمرادي بمضمومة وخفة راء ودال مهملة، نسبة إلي مراد. اسمه يحابر بن مالك. اه.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/19:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبوعمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد. انتهي.

وبذلك يتضح أن نسبته (القرني) بفتح الراء إلي قبيلة يمانية، وليس إلي قرن المنازل بسكون الراء، وقد اشتبه ذلك علي الجوهري وغيره، كما نص عليه ابن الأثير وغيره.

راجع أيضاً: اختيار معرفة الرجال/314، والتحرير الطاووسي/74،

وطرائف المقال: 2/192، ومجمع البحرين: 1/131، والأعلام: 1/375، والبداية والنهاية: 6/225.

وبهذا يتضح أن أويساً عربي يماني، ومن الطبيعي أن يكون أسمر اللون، ولكن بعض الروايات تذكر أنه كان آدم شديد الادمة، وكأنها تريد القول إنه كان أفريقيا أسود! في محاولة لذم أويس في ذلك المجتمع الأموي المتعصب ضد الأفارقة.

عشيرة الأويسات أو اللويسات السورية

في معجم قبائل العرب: 3/1019

اللويسات: من عشائر سهل الغاب بجسر الشغور، أحد أقضية محافظة حلب. ينتسبون إلي أويس القرني، وقد قطنوا الغاب في القرن الحادي عشر، وقريتهم الحويجة، ويعدون 32 بيتاً.

روايات لقائه بعمر و استغفاره له

قال مسلم في صحيحه: 7/188

عن عمر بن الخطاب قال: إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، وكان به بياض فبرئ، فمروه فليستغفر لكم...

كان عمر بن الخطاب إذا أتي عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر؟ حتي أتي علي أويس فقال: أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: من مراد، ثم من قرن؟

قال: نعم.

قال: فكان بك برص فبرئت منه، إلا موضع درهم؟

قال: نعم.

قال: لك والدة؟

قال: نعم.

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم. له والدة هو بها برٌّ، لو أقسم علي الله لأبره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل، فاستغفر لي، فاستغفر له...

عن أسير بن جابر أن أهل الكوفة وفدوا إلي عمر وفيهم رجل ممن كان يسخر بأويس، فقال عمر: هل ها هنا أحد من القرنيين؟

فجاء ذلك الرجل فقال عمر: إن رسول الله(ص)قد قال: إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس، لا يدع باليمن غير أم له، قد كان به بياض فدعا الله فأذهبه عنه إلا موضع الدينار أو الدرهم، فمن لقيه منكم فليستغفر لكم.

وروي أحمد: 1/38، رواية مسلم المطولة، وفيها:

قال له عمر (رض): استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله(ص).

فقال عمر (رض): إني سمعت رسول الله(ص)يقول: إن خير التابعين رجل يقال له أويس وله والدة وكان به بياض فدعا الله عز وجل فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته، فاستغفر له ثم دخل في غمار الناس، فلم يدر أين وقع! قال: فقدم الكوفة قال وكنا نجتمع في حلقة فنذكر الله، وكان يجلس معنا، فكان إذا ذكر هو وقع حديثه من قلوبنا موقعاً لا يقع حديث غيره. انتهي.

ورواه الحاكم في: 3/404، والبيهقي في الدلائل: 6/376 والذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/20

وقال الحاكم في: 3/403:

وقد صحت الرواية بذلك عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رض) عن رسول الله صلي الله عليه وآله. أخبرناه أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني... فلما كان في العام المقبل حج رجل من أشرافهم فسأل عمر عن أويس كيف تركته؟ فقال: تركته رث البيت قليل المتاع، قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم علي الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.

فلما قدم الرجل أتي أويساً فقال استغفر لي فقال: أنت أحدث الناس بسفر صالح فاستغفر لي.

فقال:لقيت عمر بن الخطاب؟

فقال: نعم.

قال فاستغفر له، قال ففطن له الناس، فانطلق علي وجهه.

قال أسير: فكسوته برداً، فكان إذا رآه عليه إنسان قال من أين لاويس هذا؟!

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه بهذه السياقة.

وروي نحوه في: 3/404، والذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/20.

وفي طبقات ابن سعد: 6/113

عن أسير بن جابر

قال: كان عمر بن الخطاب إذا أتت عليه أمداد اليمن سألهم أفيكم أويس بن عامر؟ فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر فسأله عن أويس القرني، قال: سمعت رسول الله يقول يأتي عليك أويس بن عامر من أمداد أهل اليمن من مراد.. بر لو أقسم علي الله لابره، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل.. ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/20 والبيهقي في شعب الإيمان: 5/319، وابن كثير في البداية والنهاية: 6/225

وفي المجروحين لابن حبان: 3/151:

وكان عمر بن الخطاب يسأل الوفود إذا قدموا من الكوفة: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا، فقدم وفد من أهل الكوفة فيهم ابن عمه فقال عمر: هل تعرفون أويس بن عامر القرني؟

فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين هو ابن عمي وهو رجل فاسد، لم يبلغ ما أن تعرفه أنت يا أمير المؤمنين!!

فقال له عمر: ويلك هلكت ويلك هلكت، إذا أتيته فاقرئه مني السلام، ومره فليقدم إلي، فقدم الكوفة فلم يضع ثياب سفره عنه حتي أتي المسجد قال: فرأي أويساً فسلم به وقال: استغفر لي يا ابن عمي!

قال: غفر الله لك يا ابن عمي!

قال: وأنت يا أويس يغفر الله لك، أمير المؤمنين يقرئك السلام.

قال: ومن ذكرني لامير المؤمنين؟

قال: هو ذكرك وأمرني أن أبلغك أن تفد إليه.

فقال: سمعا وطاعة لامير المؤمنين! فوفد إليه حتي دخل علي عمر فقال:

أنت أويس بن عامر؟

قال: نعم.

قال: أنت الذي خرج بك وضح فدعوت الله أن يذهب عنك فأذهبه فقلت: اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك؟

قال: نعم.

قال: أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن

يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه عنه فيذهبه، فيقول:اللهم دع لي من جسدي ما أذكر به نعمتك علي، فيدع الله له ما يذكره نعمته عليه، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له. استغفر لي يا أويس بن عامر، فقال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين.

قال آخر: استغفر لي يا أويس، وقال آخر: استغفر لي يا أويس، فلما أكثروا عليه انساب فذهب! فما رؤي حتي الساعة.

راجع أيضاً: الطبقات الكبري 111/6، الميزان 492/4، سير أعلام النبلاء: 4/25، كنز العمال: 14/10، الموضوعات لابن الجوزي 43/2. انتهي.

فهذه الروايات تدل علي أن أويساً جاء من اليمن إلي الكوفة وسكن بها، قبل أن يعرفه عمر، مع أن طريقه تمر علي الحجاز.

وتدل علي أن ايذاء السلطة له في الكوفة كان قبل مجيئه إلي المدينة، إلي عمر.

ومن البعيد أن حاكم الكوفة كان يجرؤ علي مضايقة شخصية مثل أويس بدون رأي عمر، وإذا صحت رواية استدعائه له، فقد يكون الغرض محاولة كسبه، وأنها فشلت، لأنه أنسل من المدينة وهرب راجعاً إلي الكوفة بدون رضا عمر!

ولا بد أن مشكلته مع حاكم الكوفة ورجاله قد زادت أو بقيت علي حالها!

وفي كنز العمال: 14/10:

عن صعصعة بن معاوية قال: كان عمر بن الخطاب يسأل وفد أهل الكوفة إذا قدموا عليه: تعرفون أويس بن عامر القرني؟ فيقولون: لا.

وكان أويس رجلاً يلزم المسجد بالكوفة فلا يكاد يفارقه، وله ابن عم يغشي السلطان ويؤذي أويساً، فوفد ابن عمه إلي عمر فيمن وفد من أهل الكوفة، فقال عمر: أتعرفون أويس بن عامر القرني؟ فقال ابن عمه: يا أمير المؤمنين إن أويساً لم يبلغ أن تعرفه

أنت، إنما هو إنسان دون، وهو ابن عمي...

فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله صلي الله عليه وسلم حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فأقرئه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد اليه، فلما دخل عليه قال:أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأني دريت يا أمير المؤمنين؟ والله إن أطلعت علي هذا بشرا! قال: أخبرني به رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم اترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر.فقال الناس: استغفر لنا يا أويس، فراغ، فما رئي حتي الساعة (ع، وابن منده، كر).وفي هامشه: راغ إلي كذا: مال اليه سرا وحاد (ع، وابن منده، كر) انتهي.

وفي هامشه: راغ إلي كذا: مال إليه سرا وحاد).

وقد روي قوله (فراغ فما رئي حتي الساعة) ابن حبان في المجروحين: 3/151، وفي لسان الميزان: 1/471..

روايات توجب الشك في استغفاره لعمر

الأمر الثابت في الروايات، والمنطقي أيضاً، أن عمر كان يبحث عن أويس لكي يستغفر له، كما تقدم.

بل في بعضها أنه كان يبحث عنه إلي آخر سنة من خلافته..

ففي طبقات ابن سعد: 6/113:

قال بن عون عن محمد

قال: أمر عمر أن نري رجلا من التابعين أن يستغفر له، قال محمد: فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم، يعني أويساً.. انتهي.

وتدل الرواية التالية علي أن أويساً لم ير عمر أبدا، وأنه بقي في اليمن إلي خلافة علي عليه السلام، ولم يقبل دعوة عمر للمجئ إلي المدينة!! وعندما وجدوه في اليمن وبلغوه سلام عمر وسلام الرسول صلي الله عليه وآله فقال له عمر: ويلك هلكت! إن رسول الله (ص)حدثنا أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، فمن أدركه منكم فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فإذا رأيته فاقرءه مني السلام، ومره أن يفد إلي، فوفد إليه، فلما دخل عليه قال:

أنت أويس بن عامر القرني؟ أنت الذي خرج بك وضح من برص فدعوت الله أن يذهبه عنك فأذهبه، فقلت اللهم أبق لي منه في جسدي ما أذكر به نعمتك؟ قال: وأني دريت يا أمير المؤمنين؟ والله إن أطلعت علي هذا بشراً!

قال: أخبرني به رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل يقال له أويس بن عامر القرني، يخرج به وضح من برص فيدعو الله أن يذهبه عنه فيفعل، فيقول: اللهم أترك في جسدي ما أذكر به نعمتك، فيفعل، فمن أدركه فاستطاع أن يستغفر له فليفعل، فاستغفر لي يا أويس. قال: غفر الله لك يا أمير المؤمنين! قال: ولك يغفر الله يا أويس بن عامر. فقال الناس: استغفر لنا يا أويس. رد علي سلام الرسول وآله، ولم يرد سلام عمر!!

وفي كنز العمال: 14/10:

عن سعيد بن المسيب قال: نادي عمر بن الخطاب وهو علي المنبر بمني:

يا أهل قرن! فقام مشايخ فقالوا: نحن يا أمير المؤمنين!

قال: أفي قرن من اسمه

أويس؟

فقال شيخ: يا أمير المؤمنين ليس فينا من اسمه أويس إلا مجنون يسكن القفار والرمال ولا يألف ولا يؤلف!

فقال: ذاك الذي أعنيه، إذا عدتم إلي قرن فاطلبوه وبلغوه سلامي وقولوا له: إن رسول الله(ص)بشرني بك، وأمرني أن أقرأ عليك سلامه.

فعادوا إلي قرن فطلبوه فوجدوه في الرمال، فأبلغوه سلام عمر وسلام رسول الله(ص)، فقال: أعرفني أمير المؤمنين وشهر باسمي؟! السلام علي رسول الله، اللهم صل عليه وعلي آله، وهام علي وجهه فلم يوقف له بعد ذلك علي أثر دهراً ثم عاد في أيام علي فقاتل بين يديه، فاستشهد في صفين (كر).

وكذا في سير أعلام النبلاء: 4/32

فهذه الروايات تدل علي أنه بقي في اليمن، ولم ير عمر أصلاً!!

بينما تقول لرواية أخري إنه قدم من اليمن علي عمر في المدينة، ولكنه لم يستغفر له، وهرب منه!

ففي سير أعلام النبلاء: 4/24:

قال عمر: فقدم علينا ها هنا فقلت: ما أنت؟ قال: أنا أويس.

قلت: من تركت باليمن؟

قال: أما لي.

قلت: هل كان بك بياض فدعوت الله فأذهبه عنك؟

قال: نعم.

قلت: استغفر لي.

قال: يا أمير المؤمنين يستغفر مثلي لمثلك؟!

قلت: أنت أخي لا تفارقني. فانملس مني، فأنبئت أنه قدم عليكم الكوفة. انتهي.

وقال في صفحة 27: وفي لفظ: أو يستغفر لمثلك؟!

وروي نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه!! انتهي.

وفي دلائل النبوة للبيهقي: 6/376:

لما أقبل أهل اليمن جعل عمر (رض) يستقرئ فيقول هل فيكم أحد من قرن؟... فوقع زمام عمر أو زمام أويس... فناوله عمر فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

فقال له عمر: استغفر لي.

قال: أنت أحق أن تستغفر لي.

ونحوه في مسند أحمد:

1/38، وسير أعلام النبلاء: 4/20

وفي مستدرك الحاكم: 3/404:

عن أسير بن جابر قال لما أقبل أهل اليمن جعل عمر (رض) يستقري الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قرن؟ حتي أتي عليه قرن فقال: من أنتم؟

قالوا: قرن.

فرفع عمر بزمامه أو زمام أويس فناوله عمر فعرفه بالنعت، فقال له عمر:

ما اسمك؟قال أنا أويس. قال: هل كان لك والدة؟ قال: نعم. قال: هل بك من البياض؟ قال: نعم، دعوت الله تعالي فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لاذكر به ربي. فقال له عمر: إستغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلي الله عليه وآله. انتهي.

وروي الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/27، نصاً طريفاً عن أبي هريرة، ورده، وقد جاء فيه:

فلما كان في آخر السنة التي هلك فيها عمر، قام علي أبي قبيس فنادي بأعلي صوته:

يا أهل الحجيج من أهل اليمن، أفيكم أويس من مراد؟

فقام شيخ كبير فقال: إنا لا ندري من أويس، ولكن ابن أخ لي يقال له أويس وهو أخمل ذكراً وأقل مالاً وأهون أمراً من أن نرفعه إليك، وإنه ليرعي إبلنا بأراك عرفات فذكر اجتماع عمر به وهو يرعي فسأله الاستغفار، وعرض عليه مالاً، فأبي. انتهي.

ثم قال الذهبي: وهذا سياق منكر لعله موضوع. انتهي.

وسبب حكمه عليه بالوضع أنه ينص علي امتناع أويس من الاستغفار لعمر، وأنه لم يلقه إلا في آخر سنة من عمره!

ولكن لو صح إشكال الذهبي علي هذا النص، فإن تعارض الروايات الصحيحة عندهم في القول بأنه استغفر لعمر أو لم يستغفر له، ورفضه أن يأخذ منه شيئاً مادياً أو معنوياً، وهروبه منه.. كل ذلك يؤيد مانص

منها علي أنه رفض الإستغفار له!

ويؤيد ذلك: أن التاريخ لم يذكر أن أويساً بايع أبا بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا شارك في حروب الفتح تحت إمرة أمرائهم، بل لم تذكر عنه شيئاً طيلة خلافتهم التي امتدت ربع قرن، حتي ظهر مع علي عليه السلام، وبايعه، وشارك في حروبه.

ويؤيده: أن روايات ذكرت أن عمر طلب منه أن يبقي عنده وقال له (أنت أخي لا تفارقني) فلم يقبل أويس وهرب منه، ولا تفسير لهروبه إلا أنه خاف أن يحرجه عمر في كلام، أو يصر عليه أن يوليه عملاً في دولته!

ويؤيده: أن عمر كان مركزياً شديد المركزية في إدارته، وكان أويس معروفاً في الكوفة، فلا يمكن القول بأن اضطهاد حاكم الكوفة لاويس كان بدون أمر من عمر! وبذلك يكون إحضاره إلي المدينة إن صح، محاولة من عمر لاستمالته، وقد فشلت!

ويؤيد أيضاً: تعارض الروايات في وقت لقائه بعمر!

فبعضها يقول إنه كان يبحث عنه في موسم الحج، كما في كنز العمال: 14/7، عن محمد بن سيرين قال: أمر عمر بن الخطاب إن لقي رجلاً من التابعين أن يستغفر له قال محمد: قال فأنبئت أن عمر كان ينشده في الموسم يعني أويساً (ابن سعد، كر).

وبعضها: يقول إنه وفد عليه من اليمن، كما في أسد الغابة: 1/151:

قال فقال عمر إن رسول الله(ص)قد قال إن رجلاً يأتيكم من اليمن يقال له أويس لا يدع باليمن غير أم... فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال ألا أكتب لك إلي عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحب إلي... ونحوه في كنز العمال: 14/5، وتاريخ الإسلام: 3/556..

وبعضها: ينص علي أنه كان في آخر سنة من خلافته

يبحث عنه! كالتي تقدمت من كنز العمال، وسير أعلام النبلاء: 4/27، عن أبي هريرة...

ويؤيد ذلك أيضاً: تناقضات أسير بن جابر راوي لقاء أويس بعمر، ففي رواية الحاكم المتقدمة عنه (: 2/365) أن أسيراً لم يعرف أويساً إلا في الكوفة في خلافة علي عليه السلام، وأن أويساً لم يلبث بعد معرفته به إلا قليلاً حتي ذهب إلي صفين!

ورواياته الأخري تقول إنه عرفه من عهد عمر، أي قبل بضع عشرة سنة من خلافة علي علي عليه السلام.

هذا، مضافاً إلي تناقض الاحداث والمضامين التي رواها أسير، والصورة الساذجة التي أعطاها لهذا الولي الواعي، والدور الذي أعطاه لنفسه في حياة أويس، كأنه ولي نعمته!

والمتأمل في روايات أسير يلاحظ أن همه أن يبرز دوره ودور عمر في حياة أويس!

وقد قال عنه الحاكم في المستدرك: 2/365 (وأسير بن جابر من المخضرمين ولد في حياة رسول الله صلي الله عليه وآله. وهو من كبار أصحاب عمر (رض)). انتهي.

وقد جرح صعصعة بن معاوية في أسير هذا، وصعصعة هو عم الأحنف بن قيس وقد وثقه النسائي وابن حبان، وشهد صعصعة بأن أسيراً كان من شرطة دار الإمارة بالكوفة وكان عمله إيذاء أويس (يغشي السلطان ويؤذي أويساً)!

وقد اعترف أسير بذلك ولكنه ادعي أنه تاب، وأن أويساً استغفر له!!

وإقراره علي نفسه حجة، وادعاؤه التوبة دعوي تحتاج إلي دليل.

أما رواية صعصعة بن معاوية عن لقائه بعمر، التي رواها كنز العمال: 12/10، ورواها أبو يعلي في مسنده: 1/187 ح 212، فهي مقطوعة، لأن صعصعة لم يدرك عمر، ولم يذكر ممن سمعها، وقد ذكروا أن صعصعة أدرك أبا ذر ورآه، وأنه كان حياً في زمن الحجاج، ولا يعلم متي قال

هذا الكلام، ولعله بعد زمن علي عليه السلام.

من هم الذين خاطبهم النبي في البشارة بأويس؟

تتعارض الروايات في تعيين المخاطبين في البشارة بأويس.. فبعضها تقول إن المخاطب بذلك هم المسلمون، بدون تحديد شخص أو أشخاص.

وروايات أسير بن جابر تقول إن النبي صلي الله عليه وآله خاطب بذلك عمر بن الخطاب، فهو يزعم أن ذلك إخبار غيبي بخلافة عمر، أو نوع من الوصية له، مع أن خلافة أبي بكر وعمر قامتا علي أساس أن النبي صلي الله عليه وآله لم يوص لاحد، وأن عشائر قريش الثلاث والعشرين كلها ترث ملكه صلي الله عليه وآله لأنه ابن قريش!

وبعض الرويات، كما في سير الذهبي: 4/24، تقول إن المخاطب هما عمر وعلي (يا عمر ويا علي إذا رأيتماه، فاطلبا إليه يستغفر لكما، يغفر الله لكما. فمكثا يطلبانه عشر سنين لا يقدران عليه). انتهي.

ومن الطبيعي أن هذه الرواية تريد تلطيف رواية أن المخاطب بذلك عمر وحده، لأن أويساً كان من شيعة علي ولم يكن من شيعة عمر، فجعلت الخطاب لهما معاً!

أما ابن سلام الأباضي فقد ذكر في كتابه بدء الإسلام/79، أن المخاطب بذلك هما أبو بكر وعمر...

ولعل بعضهم روي أن المخاطب بذلك عثمان بن عفان، مع أن اسم عثمان غائب عن أحاديث أويس كلياً، رغم أن خلافته امتدت بضع عشرة سنة!

فهذا الاضطراب في تسمية الذين خاطبهم النبي صلي الله عليه وآله في أمر أويس، يقوي ما ورد في مصادرنا من أن النبي صلي الله عليه وآله خاطب المسلمين عامة، وخاطب علياً عليه السلام خاصة، بأن أويساً سيبايعه ويقتل معه، فجعل الرواة هذه الفضيلة للخلفاء قبله، كما هو دأبهم في مصادرة فضائل علي عليه السلام وتلبيسها لغيره!

ولا يتسع البحث للافاضة

في هذا الموضوع.

قال المفيد في الإرشاد: 1/315:

في حديث عن علي عليه السلام أنه قال: الله أكبر أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني يكون من حزب الله ورسوله، يموت علي الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر. انتهي.

ونحوه في الخرائج والجرائح: 1/200، وإعلام الوري/170، والثاقب في المناقب/266، وبحار الأنوار: 37/299 و38/147.

آراء شاذة و أخري مشبوهة الهدف في أويس

1 - حاولوا إعطاء شخصية أويس لعدوي وأموي

مع كثرة الأحاديث والروايات الصحيحة في مصادر الشيعة والسنة حول أويس، ومع أن اسمه مميز لا يختلط بغيره.. إلا أن بعضهم حاول أن يجعل الشخص الذي بشر النبي صلي الله عليه وآله بشفاعته شخصاً آخر غير أويس!!

قال ابن الأثير في أسد الغابة: 3/29:

صلة بن أشيم العدوي من عدي بن الرباب وهو عدي ابن عبد مناة بن أد بن طابخة، أورده سعيد القرشي... صلة هذا قتل بسجستان سنة خمس وثلاثين، وكان عمره ثلاثين ومائة سنة، وقد ذكر النبي(ص)صلة فقال فيما روي يزيد بن جابر قال: بلغنا أن النبي(ص)قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. أخرجه أبو موسي.

روي يزيد عن جابر قال: بلغنا أن النبي قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة (بن أشيم) يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. انتهي. ورواه الذهبي في تاريخ الإسلام: 5/127

وترجم الذهبي في سير أعلام النبلاء: 3/497، لصلة هذا باحترام كبير فقال:

صلة بن أشيم الزاهد العابد القدوة، أبو الصهباء العدوي البصري زوج العالمة معاذة العدوية، ما علمته روي سوي حديث واحد عن ابن عباس.

حدث عنه أهله معاذة، والحسن، وحميد بن هلال، وثابت البناني، وغيرهم.

ابن المبارك

في الزهد: عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، قال: بلغنا أن النبي (ص)قال: يكون في أمتي رجل يقال له صلة، يدخل الجنة بشفاعته كذا وكذا. هذا حديث معضل. انتهي. ثم ذكر الذهبي أنه استشهد في سجستان سنة اثنين وستين.

وقال في هامشه عن معاذة زوجة صلة: من رجال التهذيب، وحديثها في الكتب الستة. وقال عن الحديث: إسناده ضعيف لأعضاله كما قال المؤلف، والحديث المعضل هو الذي سقط من إسناده اثنان علي التوالي.

والخبر في حلية الأولياء 2/241 من طريق ابن المبارك. انتهي.

وكفي الله المؤمنين هذا الحديث حيث ضعفه ناقلوه.. لكن تبقي دلالتة علي أن وجود أويس كان ثقيلاً علي السلطة وخاصة الأموية، لأنه شهادة نبوية حية علي أن الحق مع علي عليه السلام ولذلك حاولوا التخلص منه تارة بإنكار وجود أويس من الأساس! أو بتضعيفه، أو بإعطاء شخصيته لشخص عدوي قريب من الخليفة عمر.

وبعصهم سلم بوجود أويس لكن ادعي أنه قتل في سجستان أو آذربيجان، ولم يقتل مع علي في صفين!!

وأخيراً.. حاول بعضهم أن يعطي شفاعة أويس لعثمان بن عفان! فقال في تذكرة الموضوعات/94: في المختصر (يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر) قيل هو أويس، والمشهور أنه عثمان بن عفان. انتهي.

ومعني قوله (والمشهور) أنه يريد أن يجعله مشهوراً، وإن لم يكن كذلك حتي بين السنيين المحبين لعثمان!!

2 - والبخاري ضعف أويساً ولم يقبل روايته!

في ميزان الإعتدال: 1/278 ولسان الميزان: 1/471:

أويس بن عامر،ويقال ابن عمرو القرني اليمني العابد نزيل الكوفة، قال البخاري يماني مرادي، في إسناده نظر فيما يرويه! وقال البخاري أيضاً في الضعفاء: في إسناده نظر: يروي عن أويس في إسناد ذلك.

قلت

هذه عبارته! يريد أن الحديث الذي روي عن أويس في الإسناد إلي أويس نظر، ولولا أن البخاري ذكر أويساً في الضعفاء لما ذكرته أصلاً، فإنه من أولياء الله الصادقين، وما روي الرجل شيئاً فيضعف أو يوثق من أجله!

وقال أبو داود: حدثنا شعبة قال: قلت لعمرو بن مرة: أخبرني عن أويس، هل تعرفونه فيكم؟ قال: لا.

قلت: إنما سألت عمراً عنه لأنه مرادي، هل تعرف نسبه فيكم؟ فلم يعرف. ولولا الحديث الذي رواه مسلم في فضل أويس لما عرف، لأنه عبد لله تقي خفي، وما روي شيئاً، فكيف يعرفه عمرو، وليس من لم يعرف حجة علي من عرفه! انتهي.

وشبيه به في سير أعلام النبلاء: 4/19، قال:

أويس القرني. هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني. وقرن بطن من مراد.

وفد علي عمر وروي قليلاً عنه، وعن علي.

روي عنه يسير بن عمرو، و عبد الرحمن بن أبي ليلي، وأبو عبد رب الدمشقي وغيرهم، حكايات يسيرة، ما روي شيئاً مسنداً ولا تهيأ أن يحكم عليه بلين، وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين. انتهي.

وقال الجرجاني في الكامل: 1/12، بعد أن أورد عدداً من أحاديث أويس: قال الشيخ: وهذا الحديث معروف لأويس يرويه معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة وليس لأويس من الرواية شئ، وانما له حكايات ونتف وأخبار في زهده، وقد شك قوم فيه، إلا أنه من شهرته في نفسه وشهرة أخباره لا يجوز أن يشك فيه، وليس له من الأحاديث إلا القليل، فلا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو صدوق ثقة مقدار مايروي عنه. انتهي.

والذي يقرأ

البخاري في صحيحه وتاريخه وبقية مؤلفاته، يراه حريصاً علي الخط المتشدد لمذهب عمر وآرائه، ولذا فإن موقفه السلبي من أويس يمثل ما كان في عصره من التهوين من شخصيته.. وهو دليل كاف علي أن صلة أويس بعمر لم تكن كما يحبون.

3 - ومتشددة الحنابلة قللوا من مقام أويس!

فقد صرح متعصبوا الحنابلة بتفضيل بعض أصحابهم علي أويس القرني

قال أبو يعلي في طبقات الحنابلة: 2/63:

فقال البربهاري إذا كان أويس القرني يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، فكم يدخل في شفاعة أبي الحسن بن بشار؟!

قال أحمد البرمكي: صدق البربهاري لأن أويساً كان من الأبدال، وأبا الحسن كان من المستخلفين، والمستخلف أجل من البدل وأفضل عند الله، لأن المستخلف في الأرض مقامه مقام النبيين (عليهم السلام)!! لأنه يدعو الخلق إلي الله، فبركته عائدة عليه وعلي كافة الخلق، وبركة البدل عائدة علي نفسه!! انتهي.

لكنا نسأل البرمكي والبربهاري وأبا يعلي الذي ارتضي كلامهما: إن درجات الناس ومقامهم عند الله وتفاضلهم غيب لا سبيل إلي العلم به الا من الذي له نافذة علي الغيب! وقد عرفنا مقام أويس من شهادة الرسول صلي الله عليه وآله، فمن أين عرفتم مقام صاحبكم!! وأن الله تعالي جعله خليفته في أرضه! وجعله في رتبة الأنبياء صلوات الله عليهم؟!

إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا؟!

أما الذهبي فقد قيد قول النبي صلي الله عليه وآله المطلق في أويس! وقال إنه أفضل التابعين في عصره فقط.. ويقصد أنه بعد عصره يوجد كثيرون أفضل منه!!

قال في سير أعلام النبلاء: 4/19:

أويس القرني، هو القدوة الزاهد، سيد التابعين في زمانه، أبو عمرو، أويس... انتهي.

وأما ابن تيمية، فقد تناول أويساً من جهة أخري قد تكون هي السبب

في حساسية بعضهم منه، فقد أكد علي أن أمر الرسول صلي الله عليه وآله لعمر أن يطلب من أويس أن يستغفر له، لا يدل علي أن أويساً أفضل من عمر!

قال في التوسل والوسيلة/327:

وحتي أمر النبي(ص)أن يطلب من أويس القرني أن يستغفر للطالب، وإن كان الطالب أفضل من أويس بكثير.

وقد قال النبي(ص)في الحديث الصحيح: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلي علي مرة صلي لله عليه عشراً... انتهي.

فمن أين عرف ابن تيمية أفضلية عمر علي أويس؟! وكيف جعل طلب الإستغفار كطلب الدعاء؟!

وكيف شبه أمر النبي لعمر أن يطلب الإستغفار من أويس، بطلب الرسول منا أن نصلي عليه صلي الله عليه وآله؟!! مع الفارق الكبير بينهما؟!

فطلب الرسول منا أن ندعو له بالصلاة عليه إنما هو من أجلنا، ولم يستمد منا المساعدة!

أما توجيهه أحداً أن يطلب الإستغفار من أحد، فلا يكون إلا إذا كان للثاني مقام عند الله تعالي يؤمل به أن ينفع الأول!! فهو من قبيل قوله تعالي (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ...).

4 - وفضلوا أموياً علي أويس القرني!

في حلية الأولياء: 9/223:

قال وسمعت أبا سليمان وأبا صفوان يتناظران في عمر بن عبد العزيز وأويس، فقال أبو سليمان لأبي صفوان: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس!

فقال له: ولم؟

قال: لأن عمر بن عبد العزيز ملك الدنيا فزهد فيها.

فقال له أبو صفوان: وأويس لو ملكها لزهد فيها مثل ما فعل عمر!

فقال أبو سليمان: أتجعل من جرب كمن لا يجرب، إن من جرت الدنيا علي يديه ولم يكن لها في قلبه موقع.

وقال

في البداية والنهاية: 9/233:

قال أبو سليمان الداراني: كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزهد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟! ليس من جرب كمن لم يجرب! انتهي.

فهل تعامي الداراني وأبو نعيم وابن كثير أن أويساً شهد له سيد المرسلين صلي الله عليه وآله بأنه من كبار أولياء الله تعالي، والشفعاء عنده يوم القيامة، وأن معني ذلك أن الملك والخلافة ومغريات الدنيا لو عرضت له وقبلها فسوف لا تغير منه شيئاً!

بينما لم يشهد صلي الله عليه وآله لعمر بن عبد العزيز بحرف من ذلك!

فتفضيله علي أويس وجعله في درجته، ماهو إلا الظن والتعصب لبني أمية!

5 - ثم حاولوا إنكار شهادة أويس في صفين

في سير أعلام النبلاء: 4/25:

وروي نحواً من ذلك عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه، وزاد فيها: ثم إنه غزا أذربيجان فمات، فتنافس أصحابه في حفر قبره. انتهي.

وقد حاول المعلق علي سير الذهبي أن يؤكد الشك في شهادة أويس في صفين، فقال في هامشه: هناك أخبار مختلفة حول موته والمكان الذي دفن فيه، ذكرها أبو نعيم في الحلية 2/83، وابن عساكر في تاريخه 3/110، وما بعدها.

وفي حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيي ابن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه، عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب، ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه، فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب، وكفن

وحنوط، فغسلناه وكفناه!!

وفي لسان الميزان: 1/473:

وأخرج مسلم... عن أسير بن جابر فذكر اجتماع عمر (رض) بأويس، وفيه:

قال: أين تريد؟

قال: الكوفة.

قال: ألا أكتب لك إلي عاملها فيستوصي بك؟

قال: لا، بل أكون في غبرات الناس أحب إلي.. الحديث، وفي آخره أنه مات بالحيرة. انتهي.

وإذا كان يقصد أن الحديث الآخر في مسلم، فلم نجد فيه ذكراً لموته في الحيرة! وهذا يوجب الشك في أن نسخ صحيح مسلم متفاوتة، وأنه أضيف إلي بعضها أنه مات بالحيرة!

وفي لسان الميزان: 1/475:

وقال ابن حبان في ثقات التابعين: أويس بن عامر القرني من اليمن، من مراد سكن الكوفة، وكان زاهداً عابداً، يروي عن عمر، اختلفوا في موته، فمنهم من يزعم أنه قتل يوم صفين في رجالة علي (رض)، ومنهم من يزعم أنه مات علي جبل أبي قبيس بمكة، ومنهم من يزعم أنه مات بدمشق، ويحكون في موته قصصاً تشبه المعجزات التي رويت عنه.

وقد كان بعض أصحابنا ينكر كونه في الدنيا، حدثني عبد الله بن الحسين الرحبي ثنا عباس بن محمد قراد أبو نوح، فذكر ما تقدم، والأثر الذي تقدم عن لوين أخرج أحمد في مسنده عن أبي نعيم عن شريك به، وفي آخره سمعت رسول الله (ص) يقول: إن من خير التابعين أويساً القرني (رض). انتهي.

وفي تاريخ الطبري: 10/116:

(ذكر من هلك من التابعين سنة 32)

ومنهم أويس بن الخليص القرني. كذلك ذكر ضمرة بن ربيعة عن عثمان بن عطاء الخراساني عن أبيه قال: سمعت من رجل من قومي يعني من قوم أويس وأنا أحدث بحديثه، فقال تدري يا أبا عثمان أويس ابن من؟

قلت: لا.

قال: أويس بن الخليص.

وأما يحيي

بن سعيد القطان فإنه قال: حدثنا يزيد بن عطاء، عن علقمة بن مرثد بأنه قال: أويس بن أنيس القرني.

واختلف في وقت مهلكه فقال بعضهم: قتل مع علي عليه السلام بصفين، روي محمد بن أبي منصور قال: حدثنا الحماني قال: حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبدالرحمن بن أبي ليلي قال: نادي منادي علي عليه السلام يوم صفين: ألا اطلبوا أويساً القرني بين القتلي، فطلبوه فوجدوه فيهم. أو كلاماً هذا معناه. انتهي.

وفي تاريخ الطبري: 10/145:

وأويس القرني، من مراد وهو يحابر بن مالك بن مذحج، وهو أويس بن عامر بن جزء بن مالك بن عمرو بن سعد بن عصوان بن قرن بن ردمان بن ناجية بن مراد وهو يحابر بن مالك.

وكان ورعاً فاضلاً روي أنه قتل يوم صفين: حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال: حدثنا هشام عن الحسن قال: قال رسول الله(ص): ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر. قال هشام فأخبرني حوشب أنه قال هو أويس القرني.

وفي وقعة صفين لنصر بن مزاحم/324:

نصر، عن حفص بن عمران البرجمي، عن عطاء بن السائب، عن أبي البختري قال: أصيب أويس القرني مع علي بصفين.

وفي أنساب الاشراف/320:

وبعض الرواة يزعم أن أويساً القرني العابد، قتل مع علي بصفين. ويقال: بل مات بسجستان. قالوا: وكان علي بصفين في خمسين ألفاً، ويقال: بل في مئة ألف. وكان معاوية رحمه الله!! في سبعين ألفاً، ويقال: في مأة ألف، فقتل من أهل الشام خمسة وأربعون ألفاً، ومن أهل العراق خمسة وعشرون ألفاً، والله أعلم.

وقال في هامشه:

وهذا هو الشائع المعروف بين العلماء، لم يتردد فيه إلا بعض النواصب، وقد ذكر

الكثيرون من منصفي أهل السنة استشهاد أويس بصفين، وذكره ابن عساكر بطرق في ترجمة أويس من تاريخ دمشق: 6/69، وفي ترجمة زيد بن صوحان: 19/131، وفي تهذيبه: 6/14.

قال في مجمع الزوائد: 10/22: وعن ابن أبي ليلي قال: نادي رجل من أهل الشام يوم صفين أفيكم أويس القرني؟

قالوا: نعم.

قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: من خير التابعين أويس. رواه أحمد بن حنبل وإسناده جيد.

وقال ابن مسكويه في الحكمة الخالدة/134: وذكر ابن أبي ليلي الفقيه أن أويساً وجد في قتلي رجالة علي بن أبي طالب يوم صفين.

وقال الحاكم في ترجمة أويس من المستدرك: 3/402:

سمعت أباالعباس محمد بن يعقوب قال: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيي بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن ابي طالب يوم صفين.

وبالسند المتقدم عن أبي العباس محمد بن يعقوب، عن عباس بن الدوري، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمان بن أبي ليلي قال: ولما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي: أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم فضرب دابته حتي دخل معهم ثم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

وأخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، حدثنا عبدالله بن روح المدائني، حدثنا عبيد الله ابن محمد العبسي، حدثني إسماعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة قال:

شهدت علياً (رض) يوم صفين وهو يقول:

من يبايعني علي الموت؟ - أو قال: علي القتال؟

فبايعه تسع وتسعون قال: فقال:

أين التمام؟ أين الذي وعدت به؟

قال: فجاء رجل

عليه أطمار صوف محلوق الرأس فبايعه علي الموت والقتل[كذا ]قال فقيل: هذا أويس القرني. فما زال يحارب بين يديه حتي قتل (رض).

وقال في تاريخ الخميس:2/277: وقتل مع علي خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين وأويس القرني زاهد التابعين.

وقال في المختصر الجامع: قتل من أهل العراق خمسة وعشرون ألفا، منهم عمار بن ياسر، وأويس القرني، وخمسة وعشرون بدريا.

وقال ابن عساكر قبل ختام ترجمة أويس بحديث: أنبأنا أبو الغنائم محمد بن علية[كذا]بن الحسن الحسيني، حدثنا القاضي محمد بن عبدالله الجعفي، حدثنا الحسين بن محمد ابن الفرزدق، أنبأنا الحسن بن علي بن بزيع، حدثنا محمد بن عمر، حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا عبدالله بن أذنية البصري، عن أبان بن أبي عباش عن سليمان[كذا]بن قيس العامري: قال رأيت أويساً القرني بصفين صريعاً بين عمار وخزيمة بن ثابت.

وتقدم في تعليق الحديث (347) في صفحة 286 عن ترجمة زيد بن صوحان من تاريخ دمشق: 19/130، وفي تهذيبه: 6/14، بسند آخر أن أويس القرني قتل في الرجالة يوم صفين. انتهي.

وكان ينبغي لهؤلاء المؤرخين أن يتقيدوا بمنهجهم في الأخذ بالأحاديث الصحيحة التي نصت علي شهادة أويس مع علي عليه السلام في صفين، وأن لا يشككوا الناس بسرد أحاديث ضعيفة في مقابلها.

ولكن بغضهم لعلي عليه السلام يدفعهم دائماً إلي ترك منهجهم والتشبث بالطحلب لكي يتخلصوا من أويس، هذه الآية الربانية النبوية التي شهدت علي حق علي عليه السلام وباطل خصومه ومقاتليه، وحكمت عليهم بنصوص صحيحة عندهم بأنهم الفئة الباغية المحاربة لله ورسوله!!

تري أحدهم لا يشهد بأن الحق مع علي عليه السلام إلا مجبوراً، كأنه يساق إلي الموت!! ويبقي قلبه مشرباً بحب أعداء علي ومقاتليه، وكأنه يقول لهم (أحسنتم

وتقبل الله جهادكم وطاعاتكم)!!

قال الحاكم في المستدرك: 3/402:

ذكر مناقب أويس بن عامر القرني (رض).

أويس راهب هذه الأمة ولم يصحب رسول الله صلي الله عليه وآله إنما ذكره رسول الله صلي الله عليه وآله ودل علي فضله، فذكرته في جملة من استشهد بصفين بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (رض).

سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب يقول: سمعت العباس بن محمد الدوري يقول: سمعت يحيي بن معين يقول: قتل أويس القرني بين يدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يوم صفين.

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا أبو نعيم، ثنا شريك، عن يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال: لما كان يوم صفين نادي مناد من أصحاب معاوية أصحاب علي أفيكم أويس القرني؟ قالوا: نعم، فضرب دابته حتي دخل معهم، ثم قال سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين أويس القرني.

أخبرني أحمد بن كامل القاضي ببغداد، ثنا عبد الله بن روح المدايني، ثنا عبيد الله بن محمد العبسي، حدثني اسمعيل بن عمرو البجلي، عن حبان بن علي العنزي، عن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال: شهدت علياً (رض) يوم صفين وهو يقول: من يبايعني علي الموت، أو قال علي القتال؟ فبايعه تسع وتسعون.

قال فقال: أين التمام أين الذي وعدت به؟

قال فجاء رجل عليه أطمار صوف، محلوق الرأس، فبايعه علي الموت والقتل، قال فقيل هذا أويس القرني، فما زال يحارب بين يديه حتي قتل (رض).

حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا العباس بن محمد الدوري، ثنا علي بن حكيم، ثنا شريك قال ذكروا

في مجلسه أويس القرني فقال: قتل مع علي بن أبي طالب(رض) في الرجالة. انتهي.

وقد تقدم من صحيح مسلم وغيره أن أويساً كان في صفين.

راجع أيضاً: طبقات ابن سعد: 6/113 - 114، وغيره.

6 - وجعلوا له قبرين في الشام ليبعدوه عن صفين

في رحلة ابن بطوطه: 1/93:

أن جماعه من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلي الشام، فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه...

بعض المشاهد والمزارات بها (الشام): فمنها بالمقبرة التي بين باب الجابية والباب الصغير... وقبر بلال مؤذن رسول الله (ص)، وقبر أويس القرني، وقبر كعب الأحبار. انتهي.

أما ابن تيمية الذي مذهبه تحريم زيارة القبور، فقد صرح بأن قبر أويس الذي في الشام لا أصل له، قال في كتابه زيارة القبور/446: أما هذه المشاهد المشهورة فمنها ما هو كذب قطعاً مثل المشهد الذي بظاهر دمشق المضاف إلي أبي بن كعب، والمشهد الذي بظاهرها المضاف إلي أويس القرني، والمشهد الذي بمصر المضاف إلي الحسين (رض)، إلي غير ذلك من المشاهد التي يطول ذكرها بالشام والعراق ومصر وسائر الامصار، حتي قال طائفة من العلماء منهم عبد العزيز الكناني كل هذه القبور المضافة إلي الأنبياء لا يصح شئ منها إلا قبر النبي(ص)، وقد أثبت غيره أيضاً قبر الخليل عليه السلام!!

و زعم بعضهم أن قبر أويس طار من الأرض

قال حلية الأولياء: 2/84:

حدثنا أبو بكر بن مالك، ثنا عبد الله بن أحمد، حدثني زكريا بن يحيي بن زحمويه، ثنا الهيثم بن عدي، ثنا عبد الله بن عمرو بن مرة، عن أبيه عن عبد الله بن سلمة، قال غزونا أذربيجان زمن عمر بن

الخطاب ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا - يعني أويس - فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا فإذا قبر محفور وماء مسكوب وكفن وحنوط، فغسلناه وكفناه وصلينا عليه ودفناه!

فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فرجعنا فإذا لا قبر ولا أثر!!

وقال اللواتي في تحفة النظار في غرائب الأمصار: 1/55:

فمن بعض المشاهد والمزارات بدمشق التي بين باب الجابية والباب الصغير قبر أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وقبر أخيها أمير المؤمنين معاوية، وقبر بلال مؤذن رسول الله(ص)، رضي الله عنهم أجمعين، وقبر أويس القرني وقبر كعب الأحبار رضي الله عنهما.

ووجدت في كتاب المعلم في شرح صحيح مسلم للقرطبي أن جماعة من الصحابة صحبهم أويس القرني من المدينة إلي الشام فتوفي في أثناء الطريق في برية لا عمارة فيها ولا ماء، فتحيروا في أمره فنزلوا فوجدوا حنوطاً وكفناً وماء، فعجبوا من ذلك وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ثم ركبوا فقال بعضهم: كيف نترك قبره بغير علامة، فعادوا للموضع فلم يجدوا للقبر من أثر. انتهي.

ومن الواضح أنهما روايتان أمويتان تريدان إبعاد قبر أويس عن صفين، وتنفيان استشهاده مع علي عليه السلام!!

7 - ورووا عن مالك أنه أنكر وجود أويس

في سير أعلام النبلاء: 4/32:

قال أبو أحمد بن عدي في الكامل: أويس ثقة صدوق، ومالك ينكر أويساً! ثم قال: ولا يجوز أن يشك فيه. أخبار أويس مستوعبة في تاريخ الحافظ أبي القاسم ابن عساكر.

ميزان الإعتدال: 1/279:

قال ابن عدي: ليس لأويس من الرواية شئ، إنما له حكايات ونتف في زهده، وقد شك قومه فيه، ولا يجوز أن يشك فيه لشهرته ولا يتهيأ أن يحكم عليه بالضعف، بل هو ثقة صدوق.

قال: ومالك ينكر أويساً يقول: لم يكن. انتهي.

ولعل إنكار مالك لوجوده فيه إن صح مبني علي أن القرنيين قالوا لا نعرف نسبه فينا، أو شككوا في وجوده بينهم!

وقد تقدم أن مخابرات الخلافة كلفت ابن عمه بأذاه وتسقيط شخصيته، فلا يبعد أن تكون هذه الشائعة من صنعهم.

كما تقدم قول أويس عن رد فعل الخلفاء وعمالهم علي نصحه لهم (حتي والله لقد يقذفوننا بالعظائم، ووالله لا يمنعني ذلك أن أقول بالحق).

وقوله (نأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، فيشتمون أعراضنا، ويرموننا بالجرائم والمعايب والعظائم، ويجدون علي ذلك أعواناً من الفاسقين، إنه والله لا يمنعنا ذلك أن نقوم فيهم بحق الله)!

ومن المعروف للجميع أن الخلفاء (ماعدا علي عليه السلام) لم يكن يتسع صدرهم للإنتقاد، وأن سياستهم قامت علي أن المنتقد عدو، بل الممتنع عن البيعة عدو.. وقد أرادوا قتل سعد بن عبادة في السقيفة، وأشعلوا الحطب في اليوم الثاني لوفاة النبي صلي الله عليه وآله في دار علي وفاطمة ليحرقوه بمن فيه! إن لم يبايعوا!! الخ.

وعندما يكون منتقد للخليفة شخصية مهمة مبشراً به مشهوداً له من النبي صلي الله عليه وآله فإن جرمه يكون أكبر، لأن كلامه يكون مؤثراً في الناس أكثر!

وعليه فليس بعيداً أن تكون السلطة طلبت من القرنيين إنكار أويس، أو تبرعوا هم بإنكاره خوفاً من تحميلهم مسؤولية معارضته!

وهو عمل مألوف حتي في عصرنا من العشيرة التي لا تريد أن تتحمل مسؤولية ابنها المعارض للسلطة.

ويؤيد ذلك سلوك أويس الفريد في العناية بالفقراء، وتربيته مجموعة من الزهاد السائرين علي نهجه، وكان مركزهم في مسجد بالكوفة.. وأنه ورد عنه أنه كان يكرر (ماذا لقيت من عمر) وهو شبيه بالكلام الذي كانت

تكرره فاطمة الزهراء عليها السلام..

هذا، ومن المحتمل أن محبي بني أمية أشاعوا عن مالك تشكيكه في وجود أويس القرني، لأن أويساً كعمار بن ياسر رضي الله عنهما ظل شهادة صارخة من النبي صلي الله عليه وآله علي أنهم أهل الباطل!

ومن طريف ماجري في عصرنا أن الإيرانيين بنوا في صفين (الرقة) مسجداً كبيراً ضمنوه قبر عمار بن ياسر وأويس القرني رضي الله عنهما، وعندما كمل المشروع أقاموا لافتتاحه احتفالاً ودعوا بعض العلماء والمؤرخين لالقاء خطبهم فيه، ومنهم الدكتور سهيل زكار المحب للأمويين، فتكلم في افتتاح مسجد أويس، وأنكر وجود شخصيته من أساسها!!

والطريف أن الملحقية الثقافية الإيرانية نشرت خطابه في مجلتها!!

فإذا كنا إلي الآن نري أن المتعصبين لبني أمية مثل الدكتور زكار، يثقل عليهم وجود أويس القرني، ويحاولون إنكاره، فإن أسلافهم الذين عاصروه أو رأوا تأثيره العميق علي الأمة، أجدر من المتأخرين بإنكار وجوده للتخلص منه!

آراء مضادة مغالية في أويس القرني

من جهة أخري غالي بعضهم في أويس وجعلوه خليل رسول الله صلي الله عليه وآله

ففي طبقات ابن سعد: 6/163:

أخبرنا مسلم بن إبراهيم قال: حدثنا سلام بن مسكين قال: حدثني رجل قال: قال رسول الله (ص): خليلي من هذه الأمة أويس القرني.

ورواه في الجامع الصغير: 3/298، برقم 3942 وفي مختصر تاريخ دمشق: 3 جزء 895 وفي كنز العمال: 12/74. انتهي.

وهذه الرواية لا تصح عندنا ولا عند غيرنا.

أما عندنا فلانه ثبت أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: أنت أخي، وخليلي، وأول من يصافحني يوم القيامة.

وأما عندهم، فلانهم رووا حديثاً ينفي وجود خليل للنبي صلي الله عليه وآله وأنه لو كان متخذاً خليلاً لاتخذ أبا بكر خليلاً!

وحديثهم عن

ابي بكر كحديثهم عن أويس يراچ بهما نفي أن يكون خليل النبي علياً عليه السام! كما وضعوا حديث أن عمر أول من يصافح الرحمن يوم القيامة، مقابل حديث أن يكون علياً أول من يصافح النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة!

قال أحد العلقين في هامش المجروحين لابن حبان: 3/151:

وأخبار أويس أورد الكثير منها ابن سعد في الطبقات، وأورد ابن الجوزي خبراً منها ثم قال: قد وضعوا خبراً طويلاً في قصة أويس من غير هذه الطريق. وإنما يصح في الحديث عن أويس كلمات يسيرة جرت له مع عمر، وأخبره رسول الله(ص)فقال: يأتي عليكم أويس فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فأطال القصاص وعرضوا في حديث أويس بما لا فائدة في الإطاله بذكره. انتهي.

وقد حصر هذا المحشئ سبب الوضع في أحاديثه بالقصاص، ولكن عرفت مشكلة الخلافة والأمويين مع أويس، وهي دواع للإنكار والوضع معاً!!

8 - ورووا أنه أوصي إلي هرم بن حيان وبكي علي عمر

في مستدرك الحاكم: 3/406:

أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم بن عبد الله بن معاوية السياري شيخ أهل الحقائق بخراسان قال: أنا أبو الموجه محمد بن عمرو بن الموجه الفزاري، أنا عبدان بن عثمان، أنا عبد الله بن الشميط بن عجلان، عن أبيه أنه سمع أسلم العجلي يقول: حدثني أبو الضحاك الجرمي، عن هرم بن حيان العبدي قال:

قدمت الكوفة فلم يكن لي بها هم إلا أويس القرني أطلبه وأسأل عنه حتي سقطت عليه جالساً وحده علي شاطئ الفرات نصف النهار يتوضأ ويغسل ثوبه، فعرفته بالنعت فاذا رجل لحم آدم شديد الادمة، أشعر محلوق الرأس يعني ليس له جمة، كث اللحية عليه ازار من صوف ورداء من صوف

بغير حذاء، كبير الوجه مهيب المنظر جداً، فسلمت عليه فرد علي، ونظر الي فقال: حياك الله من رجل، فمددت يدي إليه لاصافحه فأبي أن يصافحني وقال: وأنت فحياك الله.

فقلت رحمك الله يا أويس وغفر لك، كيف أنت رحمك الله؟

ثم خنقتني العبرة من حبي إياه ورقتي له، لما رأيت من حاله ما رأيت حتي بكيت وبكي.ثم قال: وأنت فرحمك الله يا هرم بن حيان، كيف أنت يا أخي، من دلك علي؟ قلت: الله.قال: لا اله إلا الله سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا، حين سماني والله ماكنت رأيته قط ولا رآني.

ثم قلت: من أين عرفتني وعرفت اسمي واسم أبي؟ فوالله ما كنت رأيتك قط قبل هذا اليوم!

قال: نبأني العليم الخبير، عرفت روحي روحك حيث كلمت نفسي نفسك. إن الأرواح لها أنفس كأنفس الأحياء، إن المؤمنين يعرف بعضهم بعضاً ويتحدثون بروح الله وإن لم يلتقوا، وإن لم يتكلموا ويتعارفوا، وإن نأت بهم الديار وتفرقت بهم المنازل.

قال قلت: حدثني عن رسول الله صلي الله عليه وآله بحديث أحفظه عنك.

قال: إني لم أدرك رسول الله صلي الله عليه وآله ولم تكن لي معه صحبة، ولقد رأيت رجالاً قد رأوه وقد بلغني من حديثه كما بلغكم، ولست أحب أن أفتح هذا الباب علي نفسي أن أكون محدثاً أو قاضياً ومفتياً. في النفس شغل يا هرم بن حيان.

قال فقلت: يا أخي اقرأ علي آيات من كتاب الله أسمعهن منك فإني أحبك في الله حباً شديداً، وادع بدعوات وأوص بوصية أحفظها عنك.

قال فأخذ بيدي علي شاطئ الفرات وقال أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم، قال فشهق شهقة ثم

بكي مكانه، ثم قال قال ربي تعالي ذكره وأحق القول قوله وأصدق الحديث حديثه وأحسن الكلام كلامه: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَ الْأَرْضَ وَ مَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلا بِالْحَقِّ.. حتي بلغ إلي من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم. ثم شهق شهقة ثم سكت، فنظرت إليه وأنا أحسبه قد غشئ عليه، ثم قال: يا هرم بن حيان، مات أبوك، وأوشك أن تموت ومات أبو حيان. فإما إلي الجنة وإما إلي النار. ومات آدم ومات حواء.

يا ابن حيان ومات نوح وابراهيم خليل الرحمن.

يا ابن حيان ومات موسي نجي الرحمن.

يا ابن حيان ومات داود خليفة الرحمن.

يا ابن حيان ومات محمد رسول الرحمن.

ومات أبو بكر خليفة المسلمين.

يا ابن حيان ومات أخي وصفيي وصديقي عمر بن الخطاب.

ثم قال: واعمراه، رحم الله عمر وعمر يومئذ حي!! وذلك في آخر خلافته.

قال فقلت له: رحمك الله إن عمر بن الخطاب بعد حي!

قال: بلي إن تفهم فقد علمت ما قلت! وأنا وأنت في الموتي. وكان قد كان ثم صلي علي النبي صلي الله عليه وآله ودعا بدعوات خفاف ثم قال:

هذه وصيتي اليك يا هرم بن حيان: كتاب الله واللقاء بالصالحين من المسلمين والصلاة والسلام علي النبي صلي الله عليه وآله، ولقد نعيت علي نفسي ونعيتك، فعليك بذكر الموت، فلا يفارقن عليك طرفة، وأنذر قومك إذا رجعت اليهم، وانصح أهل ملتك جميعاً واكدح لنفسك، وإياك أن تفارق الجماعة فتفارق دينك وأنت لا تعلم، فتدخل النار يوم القيامة!

قال ثم قال: اللهم إن هذا يزعم أنه يحبني فيك وزارني من أجلك، اللهم عرفني وجهه في الجنة، وأدخله علي زائرآ في دارك دار السلام، واحفظه

مادام في الدنيا حيث ما كان، وضم عليه ضيعته ورضه من الدنيا باليسير، وما أعطيته من الدنيا فيسره له، واجعله لما تعطيه من نعمتك من الشاكرين، واجزه خير الجزاء.

استودعتك الله يا هرم بن حيان، والسلام عليك ورحمة الله.

ثم قال لي: لا أراك بعد اليوم رحمك الله فإني أكره الشهرة والوحدة أحب الي لأني شديد الغم كثير الهم مادمت مع هؤلاء الناس حياً في الدنيا، ولا تسأل عني ولا تطلبني. واعلم أنك مني علي بال ولم أرك ولم ترني!! فاذكرني وادع لي فاني سأذكرك وأدعو لك إن شاء الله تعالي.

انطلق ها هنا حتي آخذ هاهنا.

قال فحرصت علي أن أسير معه ساعة فأبي علي، ففارقته يبكي وأبكي!

قال فجعلت أنظر في قفاه حتي دخل في بعض السكك، فكم طلبته بعد ذلك وسألت عنه فما وجدت أحداً يخبرني عنه بشئ، فرحمه الله وغفر له.

وما أتت علي جمعة إلا وأنا أراه في منامي مرة أو مرتين! أو كما قال.

وفي سير أعلام النبلاء: 4/28:

أخبرنا إسحاق بن أبي بكر، أنبأنا يوسف بن خليل، أنبأنا أبو المكارم المعدل، أنبأنا أبو علي الحداد، أنبأنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا أبو شعيب الحراني، حدثنا خالد بن يزيد العمري، حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن علقمة بن مرثد، قال: انتهي الزهد إلي ثمانية: عامر بن عبد الله بن عبد قيس، وأويس القرني، وهرم بن حيان، والربيع بن خثيم، ومسروق بن الأجدع، والأسود بن يزيد، وأبي مسلم الخولاني، والحسن بن أبي الحسن.

وروي عن هرم بن حيان، قال: قدمت الكوفة، فلم يكن لي هم إلا أويس أسأل عنه، فدفعت إليه بشاطئ الفرات يتوضأ ويغسل ثوبه،

فعرفته بالنعت... إلي آخر القصة، وقال: أوردها أبونعيم في الحلية، ولم تصح، وفيها ما ينكر. انتهي.

ويكفي لرد هذه القصة أنها تنسب إلي أويس أن الله تعالي نعي إليه عمر، وأنه لو صح أنه أخبر بوفاة عمر في الكوفة قبل أن يعرف الناس لشاع ذلك ورواه غير هرم. مضافاً إلي تعارض ما فيها، وما يعارصها من أن هرما هذا كان يبحث عن أويس ولم يجده.

ثم إن هذه القصة شهادة من هرم لنفسه بأنه الوارث الشرعي لزهد أويس، وكان ينبغي أن يشهد له بذلك غيره، كما شهد النبي صلي الله عليه وآله والمسلمون لأويس.

وأخيراً، فإن الكرامات الباطلة التي رووها عن هرم توجب الشك في اصل تدينه وفي كل ماروي عنه وله.. فقد رووا أنه سمي هرما لأنه هرم في بطن أمه وبقي حملا لمدة سنتين، أو أربع سنين!! قال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/48:

وقيل: سمي هرماً لأنه بقي حملاً سنتين حتي طلعت أسنانه!

قال أبو القاسم ابن عساكر: قدم هرم دمشق في طلب أويس القرني. انتهي.

وقال في اختيار معرفة الرجال: 1/313:

قال القتيبي: وإنما سمي هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. انتهي.

فهذا هو هرم الذي هرموه، وكبروه علي حساب أويس!

9 - وادعوا أن أويساً ورث خرقة التصوف ثم ورثها لموسي الراعي

في طرائف المقال: 2/594:

عن تذكرة الأولياء أن علياً عليه السلام وعمر أعطيا خرقة النبي صلي الله عليه وآله حسب الوصية أويساً فلما رآه الثاني أن ثوبه وكساه شعر الابل ووبره، ورأسه ورجليه مكشوفان، وكان له رئاسة الدنيا والدين تغير حاله فقال عمر: من يشتري الخلافة مني برغيف من الخبز؟

وفي لسان الميزان: 6/117:

(موسي) بن

زيد الراعي أبو عمران الديلمي نزيل بلخ.

لم أجد له ذكراً، وأظن أن بعض من في إسناد خبره اختلقه، فإنه أسندت عنه خرقة التصوف، فزعم أو من اختلقه أن أويسآ القرني ألبسه الخرقة لما قدم بلاد الديلم، ومات بها، وأن عمر ألبسه قميصه بعرفات بحضور علي، وأن علياً ألبسه رداء ثم ألبسه قميصه بصفين، وهما لبسا من النبي صلي الله عليه وآله.

ذكره الفخر الفارسي، وهو محمد بن ابراهيم الذي تقدمت ترجمته عن أبيه، عن نصر بن خليفة البيضاوي، عن ابراهيم بن شهريار، عن أبي محمد الحسن الآبار الشيرازي، عن محمد بن خفيف، عن ابن عمر الإصطخري، عن أبي تراب النخشبي، عن أبي عمران المذكور.

وفي السياق أن كلا من هؤلاء ألبس الذي دونه.

وهذا خبر باطل مشوش. وأويس قتل بصفين كما ذكرته في ترجمته، وقيل مات قبل ذلك، فالله أعلم. انتهي.

وهذه الروايات وغيرها من الإدعاءات الباطلة، تدل علي المكانة التي كانت لأويس(رض) في وجدان المسلمين، وعلي تأثير شخصيته ومسلكه في نفوسهم، حتي كثرت الأحاديث عنه، وادعي كثير الإرتباط به والقرب منه، أو ادعوا قربه من أئمتهم الذين يحبونهم!

وهو أمر يزيد من التأكيد علي وجود شخصية أويس، وتأثير سيرته تأثيراً عميقاً في أجيال المسلمين ومتدينيهم.. رضوان الله عليه.

صورة عن أويس القرني من مصادرنا روائح الجنة تفوح من قرن!

في الفضائل/107:

مما روي أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يقول: تفوح روائح الجنة من قبل قرن الشمس، واشوقاه اليك يا أويس القرني، ألا من لقيه فليقرأه عني السلام.

فقيل: يا رسول الله ومن أويس القرني؟

فقال صلي الله عليه وآله: إن غاب لم يفقدوه، وإن ظهر لم يكترثوا له، يدخل في شفاعته إلي الجنة مثل ربيعة ومضر، آمن بي ومارآني، ويقتل

بين يدي خليفتي علي بن أبي طالب في صفين. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 38/155

وفي شرح الأخبار: 2/35:

وأويس بن عامر القرني، قتل مع علي صلوات الله عليه بصفين، وهو الذي قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إن من بعدي رجل يقال له: أويس به شامة بيضاء، من لقيه فليبلغه مني السلام، فإنه يشفع يوم القيامة لكذا وكذا من الناس.

خير التابعين و نفس الرحمن

في هامش مجمع البحرين: 3/498:

هو من التابعين الاخيار، ممن كانوا علي الهدي وثبتوا عليه.

شهد مع علي عليه السلام حرب صفين، واستشهد في سبيل حقه. ووصفه المؤرخون بأنه من خواص أمير المؤمنين وحوارييه، وورد في شأنه مدح كثير وثناء من النبي صلي الله عليه وآله، قال صلي الله عليه وآله في وصفه: إنه نفس الرحمن وخير التابعين.

كان راعي إبل فصار الشفيع الموعود

في طرائف المقال: 2/597:

وروي ضمرة عن أصبغ بن زيد قال: أسلم أويس علي عهد النبي صلي الله عليه وآله لكن منعه من القدوم بره بأمه.

واستشهد أويس وجماعة من أصحابه في الرجالة بين يدي علي عليه السلام، وقد ذكرنا أن أويساً كان راعياً للابل ويأخذ الاجرة علي الرعي، ويصرفها لأمه الصالحة الصادقة. فذات يوم استأذن من أمه أن يذهب إلي زيارة النبي صلي الله عليه وآله، فأذنت له لكن إن لم يكن النبي صلي الله عليه وآله في بيته فلا تتوقف وارجع معجلاً، فلما ذهب إلي زيارته ولم يكن في البيت رجع إلي اليمن، فلما أتي صلي الله عليه وآله إلي بيته فرأي نوراً لم ير مثله، فسأل أنه هل أتي في درب البيت أحد؟ فأجيب جاء أحد من اليمن اسمه أويس، فحيا وذهب. فقال صلي الله عليه وآله: نعم هذا نور أويس، جعله هدية في بيتنا. راجع أيضاً: سير أعلام النبلاء: 4/27

اويس من أركان التشيع لعلي

في الاختصاص/6: ذكر السابقين المقربين من أمير المؤمنين عليه السلام:

حدثنا جعفر بن الحسين، عن محمد بن جعفر المؤدب: الاركان الاربعة: سلمان، والمقداد، وأبو ذر، وعمار، هؤلاء الصحابة.

ومن التابعين: أويس بن أنيس القرني، الذي يشفع في مثل ربيعة ومضر...

وفي الإختصاص/81:

أحمد بن هارون الفامي، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن الحسن الصفار، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أبي عبدالله محمد بن خالد البرقي، عن أحمد بن النضر الخزاز، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: شهد مع علي بن أبي طالب عليه السلام من التابعين ثلاثة نفر بصفين شهد لهم رسول الله صلي الله عليه وآله بالجنة ولم يرهم:

أويس القرني، وزيد بن صوحان العبدي، وجندب الخير الأزدي، رحمة الله عليهم. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 29/618.

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/314:

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي صلي الله عليه وآله ولم يصحبه، فقال النبي صلي الله عليه وآله ذات يوم لاصحابة: أبشروا برجل من أمتي يقال له أويس القرني، فإنه يشفع لمثل ربيعة ومضر.

روي يحيي بن آدم، عن شريك، عن ابن أبي زياد، عن ابن أبي ليلي عبد الرحمن، قال: خرج رجل بصفين من أهل الشام، فقال: فيكم أويس القرني؟ قلنا نعم. قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: خير التابعين، أو من خير التابعين أويس القرني، ثم تحول الينا. انتهي.

وروي الأول في روضة الواعظين/289، وبحار الأنوار: 38/156، وجامع الرواة: 1/110، ووسائل الشيعة: 20/144، ومعجم رجال الحديث: 4/154

وفي طرائف المقال: 2/592

وعن غوث المتأخرين السيد محمد النور بخشئ نور الله مرقده في شجرة الأولياء قال: أويس القرني المجذوب قدس سره، هو الذي وصفه رسول الله صلي الله عليه وآله بالولاية، وقال: إني لاجد نفس الرحمن من جانب اليمن.

وفيه أيضاً في أوائل الكتاب: محمد بن قولوية، عن سعد بن عبد الله، عن علي بن سليمان بن داود الرازي، عن علي بن أسباط، عن أبيه أسباط بن سالم، قال قال أبو الحسن موسي بن جعفر (عليهما السلام): إذا كان يوم القيامة نادي مناد: أين حواري محمد بن عبد الله الذين لم ينقضوا العهد ومضوا إليه؟

فيقوم سلمان والمقداد وأبو ذر.

ثم ينادي المنادي: أين حواري علي بن أبي طالب عليه السلام وصي رسول الله صلي الله عليه وآله، فيقوم عمرو بن الحمق، ومحمد بن أبي بكر،

وميثم التمار مولي بني أسد، وأويس القرني... الحديث. راجع أيضاً: معجم رجال الحديث: 4/154.

وقد نقل عن أويس أنه في بعض الليالي يقول: هذه ليلة الركوع ويتم الليلة بركوع واحد، وفي الليلة الأخري يقول: هذه ليلة السجود ويتمها بسجدة، فقيل له: يا أويس كيف تطيق علي مضي الليالي الطويلة علي منوال واحد؟

فقال أويس: أين الليلة الطويلة؟ فياليت كان من الأزل إلي الأبد ليلة واحدة حتي نتمها بسجدة واحدة، ونتوفر علي الأنين والبكاء إلي آخرها.

اويس ختام المسك الموعود في حرب الجمل

قال المفيد في الإرشاد: 1/315:

نقلاً عن ابن عباس أن أمير المؤمنين عليه السلام جلس بذي قار لأخذ البيعة فقال:

يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً يبايعونني علي الموت.

قال ابن عباس: فجزعت لذلك أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدون عليه، فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتي ورد أوايلهم فجعلت أحصيهم فاستوفيت عددهم تسعماة وتسعة وتسعون رجلاً، ثم انقطع مجئ القوم فقلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا حمله علي ماقال؟!

فبينما أنا مفكر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتي إذا دنا وإذا هو رجل عليه قباء صوف معه سيفه وترسه وإداوته، فقرب من أميرالمؤمنين عليه السلام فقال له: أمدد يدك أبايعك، فقال له أمير المؤمنين عليه السلام: علي م تبايعني؟ قال: علي السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتي أموت، أو يفتح الله عليك.

فقال له: ما اسمك؟

قال: أويس.

قال: أنت أويس القرني؟

قال: نعم.

قال: الله أكبر، أخبرني حبيبي رسول الله صلي الله عليه وآله أني أدرك رجلاً من أمته يقال له أويس القرني، يكون من حزب الله ورسوله، يموت علي الشهادة، يدخل في

شفاعته مثل ربيعة ومضر.

قال ابن عباس: فسري والله عني. انتهي.

ورواه في الخرائج والجرائح: 1/200، وإعلام الوري/170، والثاقب في المناقب/266، وبحار الأنوار: 37/299

وفي مناقب آل ابي طالب: 2/104:

ابن عباس أنه قال عليه السلام يوم الجمل: لنظهرن علي هذه الفرقة، ولنقتلن هذين الرجلين. وفي رواية: لنفتحن البصرة وليأتينكم اليوم من الكوفة ثمانية آلاف رجل وبضع وثلاثون رجلاً، فكان كما قال. وفي رواية ستة آلاف وخمسة وستون.

وقال المفيد في الجمل/49:

ونحن نذكر الان جملة من بايع أمير المؤمنين عليه السلام الراضين بإمامته الباذلين أنفسهم في طاعته بعد الذي أجملناه من الخبر عنهم ممن يعترف المنصف بوقوفه علي أسمائهم تحقيق ما وصفناه، من غنايتهم في الدين وتقدمهم في الإسلام، ومكانهم من نبي الهدي، وأن الواحد منهم لو ولي العقد لامام لانعقد الأمر به، خاصة عند خصومنا فضلاً عن جماعتهم، وعلي مذهبهم فيما يدعونه من ثبوت الإمامة بالإختيار وآراء الرجال، وتضمحل بذلك عنده شبهات الأموية فيما راموه من القدح في دليلنا، بما ذكروه من خلاف من سموه حسبما قدمنا.

ومن بايع أمير المؤمنين بغير ارتياب ودان بامامته علي الإجماع والإتفاق، واعتقد فرض طاعته والتحريم لخلافه ومعصيته، والحاضرون معه في حرب البصرة ألف وخمسمائة رجل، من وجوه المهاجرين الأولين والسابقين إلي الإسلام والأنصار البدريين العقبيين، وأهل بيعة الرضوان، من جملتهم سبعمائه من المهاجرين وثمانمائة من الأنصار، سوي أبنائهم وحلفائهم ومواليهم، وغيرهم من بطون العرب والتابعين بإحسان، علي ماجاء به الثبت من الأخبار... إلي أن قال:

بيعة باقي الشيعة:

ومن يلحق منهم بالذكر من أوليائهم وعلية شيعتهم، وأهل الفضل في الدين والإيمان والعلم والفقه والقرآن، المنقطعين إلي الله تعالي بالعبادة والجهاد، والتمسك بحقائق الإيمان: محمد بن أبي

بكر، ربيب أمير المؤمنين وحبيبه. ومحمد بن أبي حذيفة وليه وخاصته المستشهد في طاعته.

ومالك ابن الحرث الأشتر النخعي، سيفه المخلص في ولايته.

وثابت بن قيس النخغي.

وعبد الله بن أرقم.

وزيد بن الملفق.

وسليمان بن صرد الخزاعي.

وقبيصة وجابر وعبد الله ومحمد بن بديل الخزاعي.

وعبد الرحمن بن عديس السلولي.

وأويس القرني...

اويس ختام المسك الموعود في حرب صفين

في خصائص الأئمة/53:

وبإسناد عن الأصبغ بن نباتة قال: كنت مع أمير المؤمنين عليه السلام بصفين فبايعه تسعة وتسعون رجلاً، ثم قال: أين تمام المائة؟ فقد عهد إلي رسول الله صلي الله عليه وآله (أنه) يبايعني في هذا اليوم مائة رجل!

قال فجاء رجل عليه قباء صوف متقلد سيفين فقال: هلم يدك أبايعك.

فقال: علي م تبايعني؟

قال: علي بذل مهجة نفسي دونك!

قال: ومن أنت؟

قال: أويس القرني، فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتي قتل، فوجد في الرجالة مقتولاً.

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/315:

وروي الحسن بن الحسين القمي، عن علي بن الحسن العرني، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قا ل كنا مع علي عليه السلام بصفين، فبايعة تسعة وتسعون رجلا، ثم قال: أين المائة لقد عهد الي رسول الله صلي الله عليه وآله أن يبايعني في هذا اليوم مائة رجل. قال: إذ جاء رجل عليه قباء صوف متقلداً بسيفين فقال: أبسط يدك أبايعك.

قال علي عليه السلام: علي م تبايعني؟ قال: علي بذل مهجة نفسي دونك.

قال: من أنت؟ قال: أنا أويس القرني.

قال: فبايعه فلم يزل يقاتل بين يديه حتي قتل، فوجد في الرجالة.

وفي رواية أخري، قال له أمير المؤمنين عليه السلام: كن أويساً.

قال: أنا أويس.

قال: كن قرنياً قال: أنا أويس

القرني.

وإياه يعني دعبل بن علي الخزاعي في قصيدته التي يفتخر فيها علي نزار، وينقض علي الكميت بن زيد قصيدته التي يقول فيها:

ألا حييت ع_نا يا مدينا أويس ذو الشفاعة كان من

فيوم البعث نحن الشافعون

راجع أيضاً: الخرائج والجرائح: 1/200 والثاقب في المناقب/266 وجامع الرواة: 1/110، ومدينة المعاجز: 2/299، ومعجم رجال الحديث (ط.ج): 4/154

وفي بحار الأنوار: 29/583

وبرز عبد الله بن جعفر في ألف رجل، فقتل خلقا حتي استغاث عمرو بن العاص. وأتي أويس القرني متقلداً بسيفين ويقال: كان معه مرماة ومخلاة من الحصي، فسلم علي أمير المؤمنين عليه السلام وودعه، وبرز مع رجالة ربيعة، فقتل من يومه، فصلي عليه أمير المؤمنين عليه السلام ودفنه. انتهي.

وفي المناقب/249

وفي رواية: قتل من أصحاب أميرالمؤمنين عليه السلام في ذلك اليوم والليلة ألفا رجل وسبعون رجلاً، وفيهم أويس القرني زاهد زمانه، وخزيمة بن ثابت الأنصاري ذوالشهادتين، وقتل من أصحاب معاوية في ذلك اليوم سبعة آلاف رجل. انتهي.

وتدل هذه النصوص علي أن أويساً رضي الله عنه ملهم من الله تعالي، حيث قال في بيعته لامير المؤمنين عليه السلام يوم الجمل (علي السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتي أموت، أو يفتح الله عليك) فكان الفتح.

وقال يوم صفين (علي بذل مهجة نفسي دونك) ولم يذكر الفتح!

وتدل علي مقادير الله تعالي لهذا الولي الكبير أن يكون تمام الالف في حرب الجمل، ثم تمام المئة في صفين، مبايعاً علي الموت في سبيل الله تعالي.

وتدل هي وغيرها علي أنه وجماعته كانوا فوجاً مقاتلاً، وأنهم قاتلوا قتال الابطال المستميتين، فقد كسر أويس جفن سيفه، ووجد فيه أربعون طعنة، وصلي عليه ودفنه أمير المؤمنين عليه السلام.

وليس كما

ذكر أسير بن جابر أنه سرعان ماجاءه سهم فقتل، وأنه هو دفنه.. الخ.

متفرقات عن أويس

في طرائف المقال: 2/592:

وفي رجال الكشي: علي بن محمد بن قتيبه قال: سئل أبو محمد عن الزهاد الثمانية فقال: الربيع بن خيثم، وهرم بن حيان، وأويس القرني، وعامر بن عبد قيس، وكانوا مع علي عليه السلام ومن أصحابه، وكانوا زهاداً أتقياء.

وأما أبو مسلم أهبان بن صيفي، فإنه كان فاجراً مرائياً، وكان صاحب معاوية، وهو الذي كان يحث الناس علي قتال علي فقال لعلي عليه السلام: إدفع الينا المهاجرين والأنصار حتي نقتلهم بعثمان، فأبي علي ذلك، فقال أبومسلم: الآن طاب الضراب إنما! كان وضع فخاً ومصيدة.

وأما مسروق، فانه كان عشاراً لمعاوية، ومات في عمله ذلك بموضع أسفل من واسط علي دجلة يقال له الرصافة، وقبره هناك.

والحسن كان يلقي كل فرق بما يهوون، ويتصنع للرئاسة، وكان رئيس القدرية.

وأويس القرني مفضل عليهم كلهم.

قال أبومحمد: ثم عرف الناس بعد.

وكان أويس من خيار التابعين لم ير النبي صلي الله عليه وآله ولم يصحبه، بل آمن به في الغياب، ولعدم المكنة وتفرق الحال والإشتغال علي خدمات أمه لم يدرك صحبته، وكان شغله رعي الجمال وأخذ الاجرة. انتهي.

راجع أيضاً: خلاصة الاقوال/24، والتحرير الطاووسي/74، ووسائل الشيعة: 20/144، ومعجم رجال الحديث: 4/154، ولسان الميزان: 1/471

وفي بحار الأنوار: 63/390:

قال أويس لهرم بن حيان: قد عمل الناس علي رجاء، فقال: بل نعمل علي الخوف والخوف خوفان ثابت وعارض، فالثابت من الخوف يورث الرجا، والعارض منه يورث خوفاً ثابتاً.

والرجاء رجاءان: عاكف وباد، فالعاكف منه يقوي نسبة العبد، والبادي منه يصحح أمل العجز والتقصير والحياء.

مستدرك الوسائل: 16/73:

مجموعة الشهيد رحمه الله: نقلاً

من كتاب قضايا أمير المؤمنين عليه السلام، عن أويس القرني قال: كنا عند أمير المؤمنين إذ أقبلت امرأة متشبثة برجل، وهي تقول: يا أ مير المؤمنين لي علي هذا الرجل أربعمائة دينار، فقال عليه السلام: للرجل: ما تقول المرأة؟

فقال: ما لها عندي إلا خمسون درهماً مهرها.

فقالت: يا أمير المؤمنين، أعرض عليه اليمين، فقال عليه السلام: تقول باركاً وتشخص ببصرك إلي السماء:

اللهم إن كنت تعلم أن لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها وطلب نشوها وأنكر ما ذكر ته من مهرها، فلا استعنت بك من مصيبة، ولا سألتك فرج كربة، ولا احتجت إليك في حاجة، وإن كنت أعلم أنك تعلم أن ليس لهذه المرأة شيئاً أريد ذهاب حقها فلا تقمني من مقامي هذا حتي تريها نقمتها منك.

فقال: والله يا أمير المؤمنين لا حلفت بهذا اليمين أبداً، وقد رأيت أعرابياً حلف بها بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله، فسلط الله عليه ناراً فأحرقته من قبل أن يقوم من مقامه، وأنا أوفيها ما ادعته علي. انتهي.

ورواه في الخرائج والجرائح: 1/200، والثاقب في المناقب/266، ومدينة المعاجز: 2/299

من الأدعية المروية عن أويس

في مستدرك الوسائل: 5/48:

السيد رضي الدين علي بن طاووس في مهج الدعوات: عن موسي بن زيد، عن أويس القرني، عن علي بن أبي طالب عليه السلام، عن رسول الله صلي الله عليه وآله، في حديث أنه قال: من دعا بهذا الدعاء في منامه، فيذهب به النوم وهو يدعو بها، بعث الله جل ذكره، بكل حرف منه سبعين ألف ملك من الروحانية، وجوههم أحسن من الشمس بسبعين ألف مرة، يستغفرون الله، ويدعون له، ويكتبون له الحسنات... الخبر.

الدعاء: يا سلام المؤمن المهيمن، العزيز الجبار المتكبر،

الطاهر المطهر، القاهر القادر المقتدر، يا من ينادي من كل فج عميق، بألسنة شتي ولغات مختلفة، وحوائج اخري، يا من لا يشغله شأن عن شأن، أنت الذي لا تغيرك الأزمنة، ولا تحيط بك الأمكنة، ولا تأخذك نوم ولا سنة، يسر لي من أمري ما أخاف عسره، وفرج من أمري ما أخاف كربه، وسهل لي من أمري ما أخاف حزنه، سبحانك لا اله إلا أنت، إني كنت من الظالمين، عملت سوءا، وظلمت نفسي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، والحمد لله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. انتهي. ورواه في بحار الأنوار: 88/390

وفي حلية الأولياء: 8/56:

سفيان الثقفي الكوفي، ثنا أبو علي الحسن بن عبد الله الوزان، ثنا أبو سعيد عمران بن سهل، ثنا سليمان بن عيسي، عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن أدهم، عن موسي بن يزيد، عن أويس القرني عن عمر بن الخطاب عن علي بن أبي طالب قالا:

قال رسول الله (ص): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له دعاءه. والذي بعثني بالحق لو دعا بهذه الأسماء علي صفائح من الحديد لذابت بإذن الله، ولو دعا بها علي ماء جار لسكن بإذن الله.

والذي بعثني بالحق إنه من بلغ إليه الجوع والعطش، ثم دعا بهذه الأسماء أطعمه الله وسقاه، ولو دعا بهذه الأسماء علي جبل بينه وبين الموضع الذي يريده الآن الله له شعب الجبل، حتي يسلك فيه إلي الموضع الذي يريده.

وإن دعا به علي مجنون أفاق من جنونه، وإن دعا به علي امرأة قد عسر عليها ولدها هون الله عليها، ولو أن رجلاً دعا به والمدينة تحرق وفيها منزله أنجاه الله ولم يحترق منزله.

وإن دعا أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر الله له كل ذنب بينه وبين الله عز وجل، ولو أن رجلاً دعا علي سلطان جائر لخلصه الله من جوره.

ومن دعا بها عند منامه بعث الله إليه بكل اسم منها سبعين ألف ملك مرة يكتبون له الحسنات ومرة يمحون عنه السيئات، ويرفعون له الدرجات إلي يوم ينفخ في الصور.

فقال سلمان: يا رسول الله فكل هذا الثواب يعطيه الله؟

قال: نعم يا سلمان، ولولا أني أخشي أن تتركوا العمل وتقتصروا علي ذلك لأخبرتك بأعجب من هذا!

قال سلمان: علمنا يا رسول الله.

قال: نعم، قل:

اللهم إنك حي لا تموت، وغالب لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وقهار لا تقهر، وأبدي لا تنفد، وقريب لا تبعد، وشاهد لا تغيب، واله لا تضاد، وقاهر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، ومحتجب لا تري، وجبار لا تضام، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وجبار لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وكنز لا تنفد، وحكم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، ووتر لا تستشار، وفرد لا يستشير، ووهاب لا ترد وسريع لا تذهل، وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وعليم لا تجهل، وحافظ لا تغفل، وقيوم لا تنام، ومجيب لا تسأم، ودائم لا تفني، وباق لا تبلي، وواحد لا تشبه، ومقتدر لا تنازع.

هذا حديث لا يعرف إلا من هذا الوجه، وموسي بن يزيد ومن دون إبراهيم وسفيان فيهم جهالة.

وفي حلية الأولياء: 10/380:

ثنا عبد الله بن عبيدة العامري، ثنا سورة بن شداد الأزهد، عن سفيان النوري، هو عن إبراهيم بن

أدهم عن موسي بن يزيد عن أويس القرني عن علز بن أبي طالب، قال قال رسول الله (ص): إن لله تسعة وتسعين اسما مائة غير واحد، ما من عبد يدعو بهذه الأسماء إلا وجبت له الجنة، إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام.. إلي قوله الرشيد الصبور.. مثل حديث الأعرج عن أبي هريرة حديث الأعرج عن أبي هريرة صحيح متفق عليه، وحديث الثوري عن إبراهيم فيه نظر لا صحة له.

وقال ابن الجوزي في الموضوعات: 3/175:

دعاء منقول: أنبأنا أبو سعد أحمد بن محمد البغدادي، أنبأنا عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن مندة، أنبأنا أبي، أنبأنا إبراهيم بن محمد بن رجاء الوراق، حدثنا إبراهيم بن محمد بن يزيد بن خالد المروزي، حدثنا محمد بن موسي السلمي، حدثنا أحمد بن عبد الله النيسابوري، عن شقيق البلخي، عن إبراهيم بن أدهم، عن موسي بن يزيد، عن أويس القرني، عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله (ص): من دعا بهذه الأسماء استجاب الله له:

اللهم أنت حي لا تموت، وخالق لا تغلب، وبصير لا ترتاب، وسميع لا تشك، وصادق لا تكذب، وقاهر لا تغلب، وأبدي لا تنفذ، وقريب لا تبعد، وغافر لا تظلم، وصمد لا تطعم، وقيوم لا تنام، وجبار لا تقهر، وعظيم لا ترام، وعالم لا تعلم، وقوي لا تضعف، وعليم لا توصف، ووفي لا تخلف، وعدل لا تحيف، وغني لا تفتقر، وحكيم لا تجور، ومنيع لا تقهر، ومعروف لا تنكر، ووكيل لا تحقر، وغالب لا تغلب، ووتر لا تستأمر، وفرد لا تستشير، ووهاب لا تمل، وسريع لا تذهل،

وجواد لا تبخل، وعزيز لا تذل، وحافظ لا تغفل، وقائم لا تنام، ومحتجب لا تري، ودائم لا تفني وباق لا تبلي، وواحد لا تشبه ومقتدر لا تنازع.

قال رسول الله (ص): والذي بعثني لو دعي بهذه الدعوات والأسماء علي صفائح الحديد لذابت، ولو دعي بها علي ما جار لسكن، ومن أبلغ إليه الجوع والعطش ثم دعا به أطعمه الله وسقاه، ولو أن بينه وبين موضع يريده جبل لانشعب له الجبل حتي يسلكه إلي الموضع الذي يريد، ولو دعي به علي مجنون لافاق، ولو دعي علي امرأة قد عسر عليها ولدها، ولو دعا بها والمدينة تحترق وفيها منزله لنجا ولم يحترق منزله، ولو دعي بها أربعين ليلة من ليالي الجمعة غفر له كل ذنب بينه وبين الله عزوجل، ولو أنه دخل علي سلطان جائر ثم دعي بها قبل أن ينظر السلطان إليه لخلصه الله من شره، ومن دعي بها عند منامه بعث الله عز وجل بكل حرف منها سبعمائة ألف ملك من الروحانيين، وجوههم أحسن من الشمس والقمر، يسبحون له ويستغفرون له ويدعون ويكتبون له الحسنات ويمحون عنه السيئات ويرفعون له الدرجات.

فقال سلمان: يا رسول أيعطي الله بهذه الأسماء كل هذا الخير؟ فقال: لا تخبر به الناس حتي أخبرك بأعظم منها، فإني أخشي أن يدعوا العمل ويقتصروا علي هذا. ثم قال: من نام وقد دعا بها، فإن مات مات شهيدا وإن عمل الكبائر وغفر لأهل بيته، ومن دعي بها قضي الله له ألف ألف حاجة.

وقد رواه سليمان بن عيسي عن سفيان الثوري، عن إبراهيم بن أدهم إلا أن الألفاظ تختلف. ورواه مختصراً الحسين بن داود البلخي، عن شقيق بن إبراهيم.

هذا حديث موضوع علي

رسول الله(ص)، وفي طرقه كلمات ركيكة يتنزه رسول الله(ص)عن مثلها وأسماء لله يتعالي الحق عنها، ولم نر التطويل بذكر الطرق لأنها من جنس واحد.

وفي الطريق الأول أحمد بن عبد الله وهو الجويباري.

وفي الطريق الثاني سليمان بن عيسي.

وفي الثالث الحسين بن داود، وثلاثتهم كانوا يضعون الحديث، والله أعلم أنهم ابتدوا بوضعه، ثم سرقه الآخران وبدَّلا فيه وغيرا.

وقد روي لنا من طريق مظلم فيه مجاهيل وفيه زيادات ونقصان. انتهي.

ونحن لا نحكم بصحة الأدعية المروية عن أويس رحمه الله، وهي أكثر من هذه النماذج التي ذكرناها، فرواياتها خاضعة للبحث العلمي وقواعد الجرح والتعديل، ولكنها تدل علي المكانة العميقة له رحمه الله في نفوس المسلمين من الشيعة والسنة، وأنه ثبت عندهم أن أويساً من أولياء الله الخاصين النادرين، كما ثبتت عندهم أحاديث شفاعته الواسعة..

جعلنا الله ممن تشملهم شفاعة النبي وآله، وشيعتهم المقربين.

شفاعة أويس القرني لمئات الألوف أو الملايين

تقدم ذكر شفاعة أويس القرني رحمه الله في أحاديث عديدة، ومنها أحاديث صحيحة من الدرجة الأولي عند الطرفين، ونورد هنا ما يلي:

في مستدرك الحاكم: 3/408

حدثنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا محمد بن عبدالسلام، ثنا اسحاق بن ابراهيم، ثنا عبد الوهاب الثقفي، ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن عبدالله بن أبي الجدعاء أنه سمع رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم.

قال الثقفي قال هشام: سمعت الحسن يقول إنه أويس القرني. صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ورواه في سير أعلام النبلاء: 4/32.

وفي مستدرك الحاكم: 3/405:

حدثنا أبو العباس احمد بن زياد الفقيه بالدامغان، ثنا محمد بن أيوب، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، ثنا

أبو بكر بن عياش، عن هشام عن الحسن قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام: فأخبرني حوشب عن الحسن أنه أويس القرني.

قال أبو بكر بن عياش: فقلت لرجل من قومه: أويس بأي شئ بلغ هذا؟

قال: فضل الله يؤتيه من يشاء.

وفي تاريخ الطبري: 10/145:

حدثنا أبو كريب قال: حدثنا أبو بكر قال حدثنا هشام، عن الحسن قال قال رسول الله (ص): ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر: قال هشام: فأخبرني حوشب أنه قال: هو أويس القرني.

وفي تاريخ الطبري: 11/662:

عن هشام عن الحسن.. قال رسول الله (ص) ليدخلن الجنه بشفاعة رجل من أمتي مثل ربيعة ومضر.. أنه قال هو أويس القرني.

وفي كنز العمال: 12/73:

سيكون في أمتي رجل يقال له أويس بن عبد الله القرني، وإن شفاعته في أمتي مثل ربيعة ومضر (عد، عن ابن عباس).

وفي كنز العمال: 12/76:

يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر (ش، ك، هق، وابن عساكر عن الحسن مرسلاً، قال الحسن: هو أويس القرني).

وفي كنز العمال: 14/8:

عن الحسن قال قال رسول الله (ص): يدخل بشفاعة رجل من أمتي الجنة أكثر من ربيعة ومضر، أما أسمي لكم ذلك الرجل؟

قالوا: بلي.

قال: ذاك أويس القرني...

وقال: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة ومضر، ثم سماك.. الحديث. وروي نحوه في صفحة 13

وفي كنز العمال: 12/74:

سيقدم عليكم رجل يقال له أويس كان به بياض فدعا الله له فأذهبه الله، فمن لقيه منكم فمروه فليستغفر له (ش، عن عمر).

وفي كنز العمال: 14/7:

مسند عمر، عن صعصعة بن معاوية قال: كان أويس بن عامر من التابعين رجل من قرن، وإن عمر بن الخطاب قال: أخبرنا رسول الله(ص)أنه سيكون في التابعين رجل من قرن يقال له أويس بن عامر، يخرج به وضح فيدعو الله أن يذهبه فيقول: اللهم دع لي في جسدي منه ما أذكر به نعمتك علي، فيدع له في جسده ما يذكر به نعمته عليه، فمن أدرك منكم فاستطاع أن يستغفر له فليستغفر له (الحسن بن سفيان وأبو نعيم في المعرفة، ق، في الدلائل، كر) راجع أيضاً: 14/8 و10. ونحوه في سير أعلام النبلاء: 4/26

وفي سير أعلام النبلاء: 4/32:

وروي هشام بن حسان عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة أويس أكثر من ربيعة ومضر.

أبو بكر الأعين: حدثنا أبو صالح، حدثنا الليث، عن المقبري، عن أبي هريرة مرفوعا: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وتميم. قيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني. هذا حديث منكر تفرد به الاعين، وهو ثقة.

ونحوه في ميزان الاعتدال: 2/445.

وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 3/558:

عن عمر قال: قال رسول الله (ص): يدخل الجنة بشفاعة أويس مثل ربيعة ومضر.

وفي بدء الإسلام لابن سلام الاباضي/79:

أويس القرني... جاء في الاثر عن النبي (ص) قال لأبي بكر وعمر: أوصيكم أن تقرؤوا مني أويس القرني السلام، يقدم المدينة بعدي... يدخل في شفاعته يوم القيامة عدد ربيعة ومضر...

وفي ميزان الإعتدال: 1/282:

عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي، أكثر من ربيعة ومضر.

قال هشام عن الحسن: هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي: حدثنا خالد الحذاء، عن عبد الله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء:

سمع رسول الله(ص)يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي ميزان الإعتدال: 1/282 ولسان الميزان: 1/474

يونس وهشام عن الحسن قال: يخرج من النار بشفاعة رجل ليس بنبي أكثر من ربيعة ومضر. قال هشام عن الحسن هو أويس.

وقال عبد الوهاب الثقفي ثنا خالد الحذاء، عن عبدالله بن شقيق، عن ابن أبي الجدعاء سمع رسول الله(ص)يقول: يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من ربيعة وبني تميم.

وفي لسان الميزان: 1/473

وقال أبو صالح: ثنا الليث، حدثني المقبري، عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ليشفعن رجل من أمتي في أكثر من مضر. قال تميم: ومضر، وأنه أويس القرني. انتهي.

نتيجة

النتيجة التي يخرج منها الباحث في أحاديث أويس وشفاعته:

أن الله تعالي أعطي هذه الكرامة العظيمة لراعي إبل من جبال اليمن، فجعله بسبب طاعته وإخلاصه له، موعوداً مبشراً به، علي لسان أشرف الأنبياء والمرسلين صلي الله عليه وآله وجعل المسلمين يتبركون به ويطمعون منه بكلمة (غفر الله لك) فيبخل بها علي أكثرهم! وينطق بها لمن أدركته الرحمة منهم.

ثم جعله يوم القيامة شفيعاً لمئات الألوف أو لملايين المذنبين، يدخلون ببركته جنة النعيم.

وقوله صلي الله عليه وآله (يشفع في مثل ربيعة ومضر.. أكثر من مضر وتميم.. أكثر من ربيعة وبني تميم) إنما هو إشارة إلي الكثرة وتفهيمها للناس بجمهور قبائل كانت تمثل الكثرة في ذلك المجتمع.. ولذلك قد يبلغ عدد من يشفع لهم أويس الملايين..

ومما يثير العجب، أن هذا الإنسان الكريم علي ربه، صاحب المقام العظيم عنده، الذي لا ينطق بكلمة (غفر الله لك) في غير محلها.. تراه يقول لعلي عليه السلام: مد

يدك أبايعك علي بذل مهجة نفسي دونك!!

فما هو مقام علي؟! الذي يتقرب كبار الأولياء إلي الله بالموت دونه، ودون نصرة حقه وقضيته؟!!

وهل يستطيع مسلم بعد هذا أن يشكك في مقام الشفاعة العظيمة لعلي وبقية أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله.. وهو يري أن أويساً صاحب الشفاعة العظيمة، فدائي لهم!!

وختاماً، فإن شفيع المحشر علي الإطلاق، هو رسول الله صلي الله عليه وآله.. بل يفهم من أحاديثنا أن الشفاعة بالأصل إنما هي كرامة من الله تعالي له صلي الله عليه وآله

وأن الأنبياء الاخرين إنما يشفعون بما يعطيهم سيد المحشر وصاحب لوائه مما أعطاه ربه عز وجل!

وهذه الشفاعة العظمي لنبينا صلي الله عليه وآله ملكٌ كبيرٌ.. لا بد له من مدراء ومفوضين يوم القيامة.. وهؤلاء إنما هم عترة النبي الذين نص عليهم أنهم يكونون معه، وهم علي وفاطمة والمعصومون من أولادهم، صلي الله علي رسوله وعليهم.

ولا بد أن يكون لهم أعوان من الملائكة والصالحين.

وقد خصصنا هذا الفصل بشفاعة أويس رحمه الله، لأنه شيعي ثبتت له هذه الشفاعة العظيمة بإجماع المسلمين، وكفي بها دليلاً علي شفاعة أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله.

النواصب مطرودون من الشفاعة والجنة

حكم النواصب في الفقه الإسلامي

عقدنا هذا الفصل لإستعراض الأحاديث التي رواها الجميع في قرار الحرمان الإلهي من الشفاعة والجنة، لمن أبغض أهل البيت النبوي (عليهم السلام)، أو نصب العداوة والبغضاء لهم أو لمن أحبهم، أو حمل في نفسه غلاً عليهم، أو كرهاً أو حسداً.. ولو بمقدار ذرة!!

فقد اتفقت مذاهب السنيين علي أن من يعادي علياً، أو أهل البيت النبوي (عليهم السلام)، فهو منافق.

أما في فقهنا فمبغض أهل البيت (عليهم السلام) الناصب لهم، كافرٌ نجس..

ويسمي المبغض والمعادي في الفقه

الإسلامي (الناصب والناصبي)

وهو اسم مشتق من: نصب له العداوة، أي أبغضه، وتكلم عليه، أو عمل ضده، شبيهاً بقولك: نصب له الحرب!

والمبغض والمخالف والمعادي والناصب، كلمات متقاربة، ولكنها متفاوتة.. فالمخالف ناظرةٌ إلي مخالفة الشخص في الرأي والمسلك.

والمبغض ناظرة إلي حالة النفرة النفسية المضادة للحب.

والمعادي ناظرة إلي الموقف النفسي والعملي المضاد.

والناصب تزيد عليهما بأن البغض والعداء يصير هم الناصب!

هذا في أصل اللغة، أما في الشرع فقد وردت استعمالاتها بمعني واحد وكأن المصطلح الإسلامي للمبغض يشملها جميعاً.

والذي يدخل في بحثنا من أحكام النواصب، أن الشفاعة النبوية الكبري علي سعتها يوم القيامة لا تنالهم، بل يؤمر بهم إلي النار!!

وهذا يعني أن بغض أهل البيت جريمةٌ كبري في نظر الإسلام، جزاؤها الطرد من الرحمة الإلهية والنبوية، واستحقاق العذاب في جهنم!

ونورد فيما يلي عدداً من أحاديث هذه المسألة، وفيها أحاديث صحيحةٌ عند الجميع:

علي ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق

روي الحاكم: 3/129

عن أبي ذر (رض) قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب (رض). هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه.

ورواه أحمد في فضائل الصحابة: 2/639، والدارقطني في المؤتلف والمختلف: 13763، والهيثمي في مجمع الزوائد: 9/132

وروي الترمذي: 4/327، و: 5/293 و298-باب مناقب علي:

عن أبي سعيد الخدري قال: إن كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب. هذا حديث غريب. وقد تكلم شعبة في أبي هارون العبدي، وقد روي هذا عن الاعمش عن أبي صالح، عن أبي سعيد.

وروي النسائي في: 8/115

عن أم سلمة قالت: كان رسول الله(ص)يقول: لا يحب علياً منافق، ولا يبغضه مؤمن. وقال: هذا حديث حسن.

ورواه

النسائي أيضاً في خصائص علي 5/137

وابن ماجة: 1/42

والترمذي: 4/327 وج 5/594

وأحمد في مسنده: 2/579 وص 639 وفي فضائل الصحابة: 2/264

وعبد الرزاق في مصنفه: 11/55

وابن أبي شيبة في مصنفه: 12/56

والحاكم في المستدرك: 3/129، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه! ووافقه الذهبي في تلخيص المستدرك.

ورواه الطبراني في الأوسط: 3/89

والهيثمي في مجمع الزوائد:1299، وقال: رجال أبي يعلي رجال الصحيح.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد عن صحابة متعددين في: 2/72 و: 4/41 و: 13/32/153 و: 14/426 و: 2/255

والبيهقي في سننه: 5/47

وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/37

وفي الترمذي: 5/601

عن الأعمش: إنه لا يحبك إلا مؤمن. وقال: هذا حديثٌ حسنٌ صحيح.

وفي الطبراني الكبير: 1/319 و 23/380

عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة تقول: أشهد أني سمعت رسول الله (ص)يقول: من أحب علياً فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض علياً فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله. ورواه الهيثمي في الزوائد: 9/132.

وفي فردوس الأخبار: 3/64

عن ابن عباس أن النبي (ص) قال: علي باب حطة، من دخل منه كان مؤمناً، ومن خرج منه كان كافراً.

عن أبي ذر أن النبي (ص) قال: علي باب علمي ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمانٌ، وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودة عبادة.

وفي صحيح مسلم: 1/60، تحت عنوان: باب حب علي من الإيمان.

عن زر بن حبيش قال قال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي(ص)إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق.

ورواه ابن ماجة: 1/42

والنسائي في سننه: 8/115 و117 وفي خصائص علي: 1375

وأحمد في مسنده: 1/84 و 95 و 128 وفي فضائل الصحابة: 2/264

وابن أبي شيبة في المصنف: 12/56

وعبد الرزاق في المصنف: 11/55

وابن أبي عاصم في السنة: 5842

وابن حبان في صحيحه: 9/40

والخطيب في تاريخ بغداد: 2/255 و: 14/426

وابن عبد البر في الاستيعاب: 3/37

وأبو نعيم في حلية الأولياء: 8/185

وابن حجر في الإصابة: 2/503

والحاكم في المستدرك: 3/139

والبيهقي في سننه: 5/47

وابن حجر في فتح الباري: 7/57

وفي مسند أبي يعلي: 1/237

عن الحارث الهمداني قال: رأيت علياً جاء حتي صعد المنبر فحمد الله وأثني عليه، ثم قال: قضاء قضاه الله علي لسان نبيكم النبي الامي صلي الله عليه و(آله) وسلم إلي: إنه لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق، وقد خاب من افتري.

وفي فتح الباري: 7/72

وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها علي المنافق علي أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضي علي لسان النبي الأمي صلي الله عليه و (آله) وسلم أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق.

وهو في نهج البلاغة: 2/154، شرح محمد عبده، وقال ابن أبي الحديد في شرحه 2: 485: في الخبر الصحيح المتفق عليه أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق، وحسبك بهذا الخبر، ففيه وحده كفاية:

وقال ابن ابي الحديد في موضع آخر كما في هامش بحار الأنوار: 39/294:

قال شيخنا أبو القاسم البلخي: قد اتفقت الأخبار الصحيحة التي لا ريب عند المحدثين فيها أن النبي قال له: لا يبغضك إلا منافق ولا يحبك إلا مؤمن.

وفي

بشارة المصطفي للطبري الشيعي/107

أخبرنا الشيخ الفقيه المفيد أبو علي الطوسي رحمه الله بقراءتي عليه في شعبان سنة إحدي عشرة وخمسمائة بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قال: أخبرنا السعيد الوالد أبو جعفر محمد بن الحسين الطوسي رحمه الله قال: أخبرنا أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان الحارثي رحمه الله قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عمر الجعابي قال: حدثنا علي بن العباس بن الوليد قال: حدثنا ابراهيم بن بشير بن خالد قال: حدثنا منصور بن يعقوب قال: حدثنا عمرو بن ميمون، عن ابراهيم بن عبد الاعلي، عن سويد بن غفلة قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: والله لو صببت الدنيا علي المنافق صباً ما أحبني، ولو ضربت بسيفي هذا خيشوم المؤمن لاحبني، وذلك أني سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: يا علي لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق! انتهي.

ورواه محمد بن سليمان في مناقب أمير المؤمنين (ع): 2/484، والفتال النيسابوري في روضة الواعظين/295

وفي فردوس الأخبار: 5/316

قال النبي (ص): يا علي محبك محبي، ومبغضك مبغضي.

ونحوه في الطبراني في الأوسط: 3/89، عن عمران بن حصين.

وأحمد في فضائل الصحابة: 2/639، عن جابر بن عبد الله الأنصاري.

والحاكم في: 3/130، عن سلمان الفارسي. وفي: 3/129، عن أبي ذر الغفاري

والهيثمي في مجمع الزوائد: 9/129، عن أبي يعلي، عن أبي رافع.

وفي تاريخ بغداد: 9/72، وفي: 4/41، وفي: 13/23، عن ابن مسعود، وفي صفحة 153، عن ابن عباس.

- ورواه أيضاً في: 9/72، وروي فيها: عن عمار بن ياسر قال سمعت رسول الله يقول لعلي: يا علي طوبي لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن

أبغضك وكذب فيك.

وروي الحاكم في المستدرك: 3/128

عن ابن عباس قال: نظر النبي(ص)الي علي فقال: يا علي أنت سيدٌ في الدنيا وسيدٌ في الآخرة، حبيبك حبيبي، وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي!! صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه.

ورواه في تاريخ بغداد: 4/41، وفي فردوس الأخبار: 5/324

وفي الطبراني الأوسط: 3/89

عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله(ص)يقول لعلي:إن الله تبارك وتعالي زينك بزينة لم يزين العباد بزينة مثلها! إن الله تعالي حبب اليك المساكين والدنو منهم، وجعلك لهم إماما ترضي بهم، وجعلهم لك أتباعاً يرضون بك، فطوبي لمن أحبك وصدق عليك، وويلٌ لمن أبغضك وكذب عليك.

فأما من أحبك وصدق عليك فهم جيرانك في دارك، ورفقاؤك من جنتك.

وأما من أبغضك وكذب عليك، فإنه حق علي الله عز وجل أن يوقفهم مواقف الكذابين.

وفي مستدرك الحاكم في صفحة 138 (عن علي بن أبي طلحة قال: حججنا فمررنا علي الحسن بن علي بالمدينة، ومعنا معاوية بن حديج، فقيل للحسن: إن هذا معاوية بن خديج الساب لعلي، فقال: عليَّ به، فأتي به فقال: أنت الساب لعلي؟! فقال: ما فعلت! فقال: والله إن لقيته، وما أحسبك تلقاه يوم القيامة، لتجده قائماً علي حوض رسول الله صلي الله عليه وآله، يذود عنه رايات المنافقين، بيده عصاً من عوسج.. حدثنيها الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه. انتهي.

وفي مسند أبي يعلي: 6/174

(عن علي بن أبي طلحة مولي بني أمية قال: حج معاوية بن أبي سفيان وحج معه معاوية بن خديج، وكان من أسب الناس لعلي، قال: فمر في المدينة وحسن بن علي ونفرٌ من

أصحابه جالسٌ فقيل له: هذا معاوية بن خديج الساب لعلي! قال: عليَّ الرجل، قال: فأتاه رسوله فقال: أجب.

قال: من؟

قال: الحسن بن علي يدعوك، فأتاه فسلم عليه.

فقال له الحسن: أنت معاوية بن خديج؟

قال: نعم.

فرد ذلك عليه، قال: فأنت الساب لعلي بن أبي طالب؟!

قال: فكأنه استحيا.

فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الازار علي ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الابل. قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري.

ورواه أبو يعلي في مسنده: 12/139، والطبراني في الأوسط: 3/22، وفي الكبير: 913، وفي مجمع الزوائد: 9/130، و272

وفيه: قال يامعاوية بن خديج إياك وبغضنا، فإن رسول الله قال: لا يبغضنا ولا يحسدنا أحدٌ إلا ذيد عن الحوض يوم القيامة بسياط من نار.

ورواه في مختصر تاريخ دمشق: 12 جزء 24/393، وفي كفاية الطالب /89، عن أبي كثير، ورواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة: 8 جزء 15/18، عن المدائني.

وفي شواهد التنزيل للحسكاني: 1/551 ح 585

بسنده عن جابر وأنس قالا قال رسول الله (ص): يا علي، لو أن أمتي أبغضوك لأكبهم الله علي مناخرهم في النار.

وفي شواهد التنزيل: 1/550 ح 583

بسنده عن جابر قال: قال رسول الله (ص) يا علي، لو أن أمتي صاموا حتي صاروا كالأوتاد، وصلوا حتي صاروا كالحنايا، ثم أبغضوك لأكبهم الله علي مناخرهم في النار!!.

وفي شواهد التنزيل: 1/496 ح 524

بسنده عن جابر قال: خطبنا رسول الله (ص) فسمعته يقول: من أبغضنا أهل البيت حشره الله يوم القيامة يهودياً.

وفي شواهد التنزيل: 1/550 ح 584

بسنده عن أبي سعيد قال: قتل قتيل بالمدينة علي

عهد النبي (ص)... فقال: والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله عز وجل في النار علي وجهه.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/204

قال حدثنا الهيثم بن حماد، عن يزيد الرقاشئ، عن أنس بن مالك قال: رجعنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله قافلين من تبوك فقال في بعض الطريق: ألقوا إلي الأحلاس والأقتاب ففعلوا، فصعد رسول الله صلي الله عليه وآله فخطب فحمد الله وأثني عليه بما هو أهله ثم قال: معاشر الناس مالي أراكم إذا ذكر آل ابراهيم تهللت وجوهكم، فإذا ذكر آل محمد كأنما يفقأ في وجوهكم حب الرمان!!

والذي بعثني نبياً لو جاء أحدكم يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال، ولم يجئ بولاية علي بن أبي طالب لأكبه الله عز وجل في النار!!

محاولة ابن حجر تجريد علي من هذه الفضيلة

قال في فتح الباري: 1/63

وقد ثبت في صحيح مسلم عن علي أن النبي (ص) قال له: لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق. وهذا جار باطراد في أعيان الصحابة لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

قال صاحب المفهم: وأما الحروب الواقعة بينهم، فإن وقع من بعضهم بغض فذاك من غير هذه الجهة، بل للأمر الطارئ الذي اقتضي المخالفة! ولذلك لم يحكم بعضهم علي بعض بالنفاق، وإنما كان حالهم في ذاك حال المجتهدين في الأحكام، للمصيب أجران وللمخطئ أجر واحد!! والله أعلم.

وقال في فتح الباري: 7/72، في شرح رواية البخاري: 1/525): لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله: وقوله في الحديثين إن علياً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله: أراد بذلك وجود حقيقة المحبة، وإلا فكل مسلم يشترك مع علي في مطلق هذه الصفة.

وفي الحديث تلميح

بقوله تعالي: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله، فكأنه أشار إلي أن علياً تام الإتباع لرسول الله (ص) حتي اتصف بصفة محبة الله له، ولهذا كانت محبته علامة الإيمان وبغضه علامة النفاق، كما أخرجه مسلم من حديث علي نفسه، قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي (ص) أن لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق. وله شاهد من حديث أم سلمة عند أحمد. انتهي.

فقد حاول ابن حجر أن يميع شهادة النبي صلي الله عليه وآله لعلي عليه السلام في خيبر، وشهادته له بأن حبه وبغضه ميزان الإيمان.. ويجعلهما شهادتين عامتين لكل الصحابة!!

أما في خيبر فقد حاصر المسلمون خيبر وفتحوا عددا من حصونها، ولكنهم عجزوا عن فتح أهم حصن فيها (حصن السلالم)!

وكانت آخر محاولتين لفتحه حملتان، قاد المسلمين في الأولي منهما أبو بكر، وما أن اقتربوا من الحصن حتي واجهتهم دفاعات اليهود من أعلي الحصن بوابل السهام والاحجار.. فانهزموا راجعين إلي مقر قيادة النبي صلي الله عليه وآله!!

وفي اليوم التالي قاد الحملة عمر بن الخطاب فتكرر نفس المشهد وأشد، فانهزم المسلمون ورجعوا، وهم يجبنون عمر وهو يجبنهم!!

عندها غضب النبي صلي الله عليه وآله وقال كلمته الخالدة (لأعطين الراية غدا رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، كرار غير فرار، لا يرجع حتي يفتح الله علي يديه) وكان علي مريضاً برمد العينين، فأحضره النبي صلي الله عليه وآله ومسح بريقه علي عينيه فشفاه الله تعالي، وأعطاه الراية، فتقدم علي أمام المسلمين وصعد في جبل الحصن قبلهم، وهو يدفع السهام والأحجار حتي تكسر ترسه، وتمكن من الصعود إلي باب الحصن وبه جراحات، فاستعان بالله تعالي ودحا الباب الحديدي

الضخم فانفتح، فدخل عليهم وحده وقتل فارسهم مرحباً، ورفع صوته بالتكبير، ففهم المسلمون أنه النصر، فدخلواالحصن علي أثره وأكملوا تحريره!!

فانظر كيف حاول ابن حجر توسيع هذه الشهادة النبوية لتشمل كل الصحابة، ويغمض عينيه عن صوصياتها المتعددة، التي لا تنطبق إلا علي علي؟!

والأعجب من ذلك أنه عمد إلي الميزان الإلهي لايمان الأمة، والذي هو ميزان منصوص، لشخص مخصوص، فجعله ميزاناً واسعاً ضائعاً مائعاً متناقضاً! فقال:

وهذا جار بأطراد في أعيان الصحابة، لتحقق مشترك الإكرام، لما لهم من حسن الغناء في الدين!

يعني بذلك أن حب كل واحد من الصحابة علامة علي الإيمان، وبغض أي واحد منهم علامة علي النفاق، لأنهم جميعاً شاركوا في نصرة النبي صلي الله عليه وآله!

يفعل ابن حجر ذلك وهو يعلم أن غرض الإسلام من التأكيد علي حب علي عليه السلام أن يضع للامة خطاً ومقياساً ليعرف به هدي المهتدين به، وكذب المنافقين في ادعائهم الإسلام.

وكيف يعقل ابن حجر أن يكون الصحابة جميعاً مقياساً لذلك، وعددهم عنده أكثر من مئة ألف، وقد كانوا في عهد النبي صلي الله عليه وآله مختلفي المشارب والإتجاهات والمستويات، وصاروا بعده أكثر اختلافاً وعداوة وبغضاء.. حتي انقسمت الأمة بسببهم إلي محب لهم ومبغض، وقامت بينهم الحروب!!

فلو جعلنا بغضهم مقياساً للنفاق، فقد نفينا وجود منافقين في الأمة!

لأن المنافقين في زمنه وبعده، إما صحابة أو يحبون أحداً من الصحابة!

وذلك تكذيب للقرآن حيث أخبرا بوجود منافقين في حياة التبي صلي الله عليه وآله

كما أن مقياس ابن حجر يسبب مشكلة عقيدية علي الصحابة أنفسهم.. لأنه لا يكاد يوجد صحابي إلا وأبغض صحابياً آخر، فيكونون جميعاً بهذا المقياس (الحجري) منافقين!!

وقد حاول ابن حجر أن

يخلص من هذه الورطة فنقل عن صاحب المفهم كلاماً غير مفهم، مفاده أن الصحابة قد أبغضوا بعضهم، وقد اشتهر بغض معاوية لعلي، ولكن هذا البغض بزعمه ليس نفاقاً! لأن قصد النبي صلي الله عليه وآله أن علامة النفاق هو بغض علي بسبب نصرته للنبي فقط.. وأما بغضه لسبب آخر فهو حلالٌ زلال، لا يوجب نفاقاً ولا من يحزنون!!

وهي حيلةٌ وجدها علماء الخلافة القرشية قبل ابن حجر، فحللوا بهابغض علي، وزعموا أن التأكيد النبوي المطلق مخصوص بمن أبغضه لنصرته للنبي صلي الله عليه وآله فقط! فلا يشمل الذين يبغضونه لأسباب أخري غير النصرة!!

وقد تشبثوا بتلك الحيلة لرفع حكم النفاق عن معاوية، وتبرير أمره بلعن علي عليه السلام علي منابر الإسلام في خطب الجمعة عشرات السنين، وتشريد أهل بيت النبي ومطاردتهم في كل صقع، وتقتيل شيعتهم وهدم بيوتهم، وتقريب مبغضيهم ولاعنيهم، وإعطائهم مناصب الدولة!!

وقد تمسك بهذه الحيلة بعض فقهاء النواصب في عصر ابن حجر، ودافعوا بها أمام القضاة السنيين، الذين أصدروا حكمهم علي ابن تيمية، بأنه ناصبي منافق مبغض لعلي عليه السلام! فقال المدافعون: إن بغضه لعلي الذي ليس بسبب نصرته للنبي صلي الله عليه وآله! فهو مثل معاوية يبغض علياً لأسباب أخري، فبغضه له حلالٌ لا يصير بسببه من المنافقين، كما أن معاوية لم يصر من المنافقين!!

ولكنه منطق متهافت:

أولاً، لأن كلام النبي صلي الله عليه وآله صريح في الإطلاق والعموم.. فأين دليلهم علي التخصيص، وأين المخصص والمقيد من عقل أو نقل؟

وثانياً، أنهم بذلك جوزوا للمسلمين أن يصيروا كلهم رافضة، وأن يبغضوا الصحابة ويلعنوهم لأسباب أخري غير نصرتهم للنبي صلي الله عليه وآله!!

فما دام بغض معاوية والنواصب ولعنهم علياً حلالٌ،

وهم مصدقون في إدعائهم أن بغضهم له لسبب آخر غير النصرة! فكل مسلم يجوز له أن يبغض من شاء من الصحابة ويلعنهم، ويكفي لتبرئته أن يزعم أن ذلك لسبب آخر غير النصرة!!

والواقع أن ابن حجر وأمثاله يعرفون أن علياً هو المقياس النبوي الإلهي للإيمان في الأمة في حياة النبي وبعده، ويروون في الصحاح قصة بغض بريدة وخالد وغيرهما لعلي وغضب النبي صلي الله عليه وآله عليهم لذلك!

ولكن علماء الخلافة يجادلون نبيهم، ويحتالون علي أحاديثه تخصيصاً وتوسيعاً وتمييعاً، لمصلحة مبغضي أهل بيت نبيهم من قبائل قريش الأخري، التي أشربوا حبها علي حساب أهل بيت نبيهم!! ولله في خلقه شؤون.

قصة بريدة وحدها حجة بالغة

روت الصحاح السنية قصة بريدة، ولكنها اختصرتها وحذفت منها!!

وما بقي منها عظيم! وخلاصتها:

أن الصحابي بريدة الاسلمي اعترف بأنه كان مع عدد من الصحابة القرشيين في زمن النبي صلي الله عليه وآله يبغضون علياً عليه السلام ويعملون ضده!

وذات يوم أرسل النبي صلي الله عليه وآله جيشين إلي اليمن، أحدهما بقيادة علي، والاخر بقيادة خالد بن الوليد، فاختار بريدة أن يذهب مع جيش خالد، لأن خالداً علي خطه في بغض علي عليه السلام.

وتوغل جيش علي داخل اليمن، وأنجز الجيشان مهماتهما العسكرية، كل في جبهته، وانتصرا وغنما ثم التقيا، فصار القائد عليهما علي كما أمر النبي صلي الله عليه وآله.

وكان خالد ومبغضو علي يراقبون حركات علي وسكناته، لعلهم يجدون عليه مأخذاً ينتقدونه به، ويضعفون شخصيته عند المسلمين، أو عند النبي صلي الله عليه وآله!

وعندما وزع علي الغنائم وعزل منها الخمس للرسول وآله صلي الله عليه وآله، اختار منه جارية فقوم قيمتها وحسبها من سهمه من الخمس، ولعله تزوجها.

فرأي خالد في

ذلك نصراً عظيما علي علي پ وكتب رسالة إلي النبي صلي الله عليه وآله وأرسلها مع وفد من ثلاثة أشخاص، وأرسل معهم بريدة شاهداً مصدقاً للرسالة!

ومفاد الرسالة أن علياً خان غنائم المسلمين وأخذ جارية لنفسه، وتزوج علي بنت النبي صلي الله عليه وآله!

ووصل بريدة إلي المدينة، واتصل بمبغضي علي وبشرهم برسالة خالد ضد علي ففرحوا بها، وأوصوه أن يقدم معها تقريراً شفهياً قوياً ضد علي، حتي تسقط مكانته عند النبي صلي الله عليه وآله ويرتاحوا من شره في المستقبل!!

وقام بريدة بالمهمة كما أرادوا، ولكن النتيجة كانت معكوسة عليهم تماماً!

فقد غضب النبي غضباً شديداً من رسالة خالد وتقرير بريدة، ومن حركة الصحابة الذين يقفون وراءهما ضد علي.. وكشف لهم حقائق تتعلق بعلي، تضمنتها أحاديث بريدة الصحيحة في مصادر السنة والشيعة، ومن أهم نقاطها ما يلي:

أولاً: أن علياً بأمر الله تعالي خليفة النبي صلي الله عليه وآله وولي المسلمين من بعده.

ثانياً: أنه لا يتصرف من عنده أبداً، حتي عندما يكون في اليمن بعيداً عن النبي صلي الله عليه وآله بل كل تصرفاته إما أن تكون بأمر الرسول، أو بإلهام الله تعالي!!

ثالثاً: أن علياً مع النبي وآله، هم أصحاب الخمس الشرعيون في الغنائم وغيرها، فحق علي في الخمس أكثر من جارية.

رابعاً: أن خبر زواج علي أو تسريه علي زوجته فاطمة الزهراء (عليهما السلام)، خاصة عندما يكون في سفر، لايؤذيها ولا يؤذي أباها، لأنهما لايخالفان شرع الله، ولأنهما علي ثقة منه، ومن مقامه الذي خصه به الله تعالي.

خامساً: أن مبغضي علي إما منافقون أو كفار.. وعلي مبغضيه من الصحابة أن يتوبوا من ذلك ويجددوا إسلامهم، ويستغفروا الله تعالي ويستغفر لهم

الرسول صلي الله عليه وآله، عسي أن يغفر نفاقهم أو ارتدادهم، ويقبل توبتهم وإسلامهم!!

وبالفعل فقد جدد بريدة إسلامه، وتاب من بغض علي وأخذ يحبه، وطلب من النبي صلي الله عليه وآله أن يستغفر له!

أما الباقون فلم نسمع بتوبتهم!

وفيما يلي نستعرض عدداً من نصوص القضية، التي تحتاج من الباحث والقارئ إلي تأمل لكي يفهم مداليلها، ويعرف هدف الرواة من صياغاتهم لها بإشكال مخففة، ويفهم معني تعليقات الحاكم في مستدركه علي رواياتها الصحيحة علي شرط البخاري ومسلم، اللذين تجاهلاها أو بتراها!!

ولنبدأ بإحدي روايات مسند أحمد المتعددة، قال في: 5/356

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث رسول الله(ص)بعثين إلي اليمن علي أحدهما علي بن أبي طالب وعلي الآخر خالد بن الوليد فقال: إذا التقيتم فعلي علي الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده، فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا فظهر المسلمون علي المشركين، فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية فاصطفي عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلي رسول الله(ص)، يخبره بذلك!

فلما أتيت النبي(ص)دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله(ص)، فقلت: يارسول الله هذا مكان العائذ بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (ص): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي، وإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي!!

وقال الحاكم في المستدرك: 2/129

عن عبد الله بن بريدة الأسلمي قال إني لامشي مع أبي إذ مر بقوم ينقصون علياً (رض) يقولون فيه! فقام فقال: إني كنت أنال من علي وفي نفسي عليه شئ، وكنت مع خالد بن الوليد في جيش، فأصابوا غنائم،

فعمد علي إلي جارية من الخمس فأخذها لنفسه، وكان بين علي وبين خالد شئ، فقال خالد هذه فرصتك! وقد عرف خالد الذي في نفسي علي علي، قال فانطلق إلي النبي صلي الله عليه وآله فاذكر ذلك له، فأتيت النبي صلي الله عليه وآله فحدثته، وكنت رجلاً مكباً وكنت إذا حدثت الحديث أكببت، ثم رفعت رأسي فذكرت للنبي صلي الله عليه وآله أمر الجيش، ثم ذكرت له أمر علي، فرفعت رأسي وأوداج رسول الله صلي الله عليه وآله قد احمرت! قال قال النبي صلي الله عليه وآله: من كنت وليه فإن علياً وليه. وذهب الذي في نفسي عليه.

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما أخرجه البخاري من حديث علي بن سويد بن منجوف، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه مختصراً، وليس في هذا الباب أصح من حديث أبي عوانة هذا، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة.

وهذا رواه وكيع بن الجراح، عن الأعمش، أخبرناه أبو بكر بن اسحاق الفقيه، أنبأ موسي بن اسحاق القاضي، ثنا عبد الله بن أبي شيبة، ثنا وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه، أنه مر علي مجلس... ثم ذكر الحديث بطوله. انتهي.

وقال عنه في مجمع الزوائد: 9/108: ورجاله رجال الصحيح. وورد فيه (فقلت لا أسوؤك فيه أبداً).

وروي الحاكم القصة أيضاً: 3/110

وفيها أن مبغضي علي كانوا أربعة، وأنهم تعاقدوا فيما بينهم علي شكايته إلي النبي صلي الله عليه وآله، قال الحاكم:

عن عمران بن حصين (رض) قال بعث رسول الله صلي الله عليه وآله سرية، واستعمل عليهم علي بن أبي طالب(رض)، فمضي علي في السرية فأصاب جارية، فأنكروا

ذلك عليه، فتعاقد أربعة من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله إذا لقينا النبي صلي الله عليه وآله أخبرناه بما صنع علي!

قال عمران: وكان المسلمون إذا قدموا من سفر بدؤوا برسول الله صلي الله عليه وآله، فنظروا إليه وسلموا عليه ثم انصرفوا إلي رحالهم، فلما قدمت السرية سلموا علي رسول الله صلي الله عليه وآله فقام أحد الأربعة فقال: يا رسول الله، ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا!!

فأعرض عنه! ثم قام الثاني فقال مثل ذلك، فأعرض عنه! ثم قام الثالث فقال مثل ذلك، فأعرض عنه! ثم قام الرابع فقال: يارسول الله ألم تر أن علياً صنع كذا وكذا! فأقبل عليه رسول الله صلي الله عليه وآله والغضب في وجهه فقال: ما تريدون من علي! إن علياً مني وأنا منه، وولي كل مؤمن. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم ولم يخرجاه. انتهي. وروي نحوه آخر، وصححه علي شرط مسلم أيضاً.

أما البخاري فهو علي عادته في أمثال هذا الحديث، إما أن يحذفه كلياً، أو يحذف منه ولاية علي عليه السلام ويرويه مبتوراً!

قال في صحيحه: 5/110

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه (رض) قال: بعث النبي(ص)علياً إلي خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض علياً، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا تري إلي هذا؟

فلما قدمنا علي النبي(ص)ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض علياً؟

قلت: نعم. قال: لا تبغضه فإن له في الخمس أكثر من ذلك. انتهي.

بل نلاحظ أن البخاري زهد في بريدة بسبب أحاديثه في فضل علي، وطبق عليه مذهبه في الاقلال من الرواية عن الصحابة والرواة الذين يحبون علياً، ومنهم بريدة الاسلمي!! فقد رووا عنه في الصحاح وغيرها أكثر من

مئتي حديث، ولكن البخاري لم يرو منها في صحيحه بعدد أصابع اليد الواحدة!!

كما أنه في تاريخه، ترجم لعشرات النواصب ومدحهم بمدائح كبيرة، ولكنه اختصر في ترجمة بريدة جداً، لأنه لا يحبه ولا يحب الإطالة في ترجمته!

والحديث الوحيد الذي ذكره في ترجمته حديث عام سيأتي!

قال البخاري في تاريخه: 2/141

بريدة بن حصيب الأسلمي له صحبة، نزل البصرة، قال لي عياش: حدثنا عبد الأعلي قال: ثنا الجريري عن أبي نضرة قال: كنت بسجستان فإذا بريدة الأسلمي فجلست إليه، قال لي محمد بن مقاتل: أخبرنا معاذ، حدثنا عبد الله بن مسلم السلمي من أهل مرو، سمعت عبد الله بن بريدة يقول: مات والدي بمرو وقبره بجصين. وقال: هو قائد أهل المشرق يوم القيامة ونورهم.

وقال ابن بريدة: قال النبي (ص): أيما رجل من أصحابي مات ببلدة فهو قائدهم ونورهم يوم القيامة، فقال: مات في خلافة يزيد بن معاوية، ومات بعده الحكم بن عمرو الغفاري، ودفن إلي جنبه. انتهي.

وهذه الترجمة المختصرة من البخاري، لا تناسب شخصية بريدة، وكثرة أحاديثه في المصنفات والصحاح.

بل نلاحظ أن البخاري يروي عن عبد الله بن بريدة، ولكن عن غير أبيه.. مع أن روايات عبد الله عن أبيه كثيرة، ومنتشرة في المصادر!!

والسبب في ذلك: أن عبد الله مقبولٌ عند الخلافة القرشية أكثر من أبيه، وكان قاضياً عندهم علي مرو، وكثيراً ما نراه يحذف من أحاديث أبيه بريدة ما يتعلق بولاية علي عليه السلام وفضائله! وهذا ما يريده البخاري!

وقد وجدت للبخاري رواية واحدة من روايات بريدة في حق علي عليه السلام، وهي (فلتةٌ)، ذكرها تاريخه في ترجمة أبي ربيعة الأيادي!

ولكن البخاري ألف تاريخه في شبابه قبل صحيحه، ولعله

كان أحسن حالاً علي علي يومذاك، قال في: 9/31:

حدثنا محمد بن الطفيل قال: نا شريك، عن أبي ربيعة الأيادي، عن ابن بريدة، عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): إن الله أمرني بحب أربعة من أصحابي، وأخبرني أنه يحبهم.

فقلنا يا رسول الله من هم، فكلنا نحب أن نكون منهم؟

فقال: إن علياً منهم، ثم سكت ساعة، ثم قال: إن علياً منهم، وسلمان الفارسي، وأبا ذر، والمقداد بن الأسود الكندي. انتهي.

وهذا الحديث يدل علي أن هؤلاء الأربعة هم صفوة الله تعالي من الصحابة، وهو بالحقيقة اصطفاء لعلي وحده عليه السلام، لأن هؤلاء الثلاثة هم كبار شيعة علي وأتباعه في زمن النبي صلي الله عليه وآله وبعده! خاصة مع ملاحظة تأكيد النبي صلي الله عليه وآله علي علي من بينهم.

ويدل حديث بريدة الذي فلت به قلم البخاري، علي أن بقية الصحابة لم يبلغوا مستوي أن يأمر الله تعالي رسوله والمسلمين بحبهم!

وقد روي هذا الحديث الحاكم في: 3/130، وصححه علي شرط مسلم، وفي نصه تأكيد أكثر علي علي، ورواه الترمذي: 5/299

ولا يبعد أن يكون هذا الحديث جزءاً مما قاله النبي صلي الله عليه وآله لبريدة عندما جاء بالرسالة من اليمن، أو جواباً نبوياً آخر لخطط مبغضي علي التي تواصلت ضده!

كما روي الترمذي حديثاً آخر عن بريدة في: 5/360، جاء فيه أن علياً وفاطمة أحب الناس إلي النبي علي الإطلاق.

علي أن هناك سبباً آخر لإقلال البخاري من أحاديث بريدة، قد لا يقل عند محبي قبائل قريش عن أحاديث بريدة في فضائل علي عليه السلام

وهو موقف بريدة من السقيفة وبيعة أبي بكر! فقد ذكرت الروايات أنه كان مسافراً إلي الشام، ورجع

إلي المدينة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله بقليل، وتفاجأ ببيعة أبي بكر، فأعلن عدم شرعية السقيفة، وذهب إلي قبيلته القريبة من مكة ونصب الراية في وسطهم، وأعلن الاعتصام والنفير، حتي يأمرهم علي بأمره!

فاستجابت له قبيلته، وكانت أول تهديد مسلح ضد أهل السقيفة! ولذلك صرح عمر أنه بقي متخوفاً من عدم نجاح بيعة السقيفة (حتي بايعت أسلم فأيقنت بالنصر!)

وقد استمرت مشكلة بريدة وقبيلته حتي أرسل اليهم علي عليه السلام أن الوقت فات، وأن أكثر قريش والأنصار قد بايعوا أبا بكر.. والإختلاف والحرب بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله مباشرة، ليس في مصلحة الإسلام..الي آخره.

هذا، وقد عقد الهيثمي في مجمع الزوائد فصلاً كاملاً، أورد فيه عدداً من روايات قصة بريدة وصحح بعضها، قال في: 9/127:

باب منه جامع فيمن يحبه ومن يبغضه:

عن بريدة يعني ابن الحصيب قال: أبغضت علياً بغضاً لم أبغضه أحداً قط!

قال: وأحببت رجلاً من قريش لم أحبه إلا علي بغضه علياً (رض)، قال فبعث ذلك الرجل علي جيش فصحبته، ما صحبته إلا ببغضه علياً (رض).

قال: فأصبنا سبايا، فكتب إلي رسول الله(ص)إبعث الينا من يخمسه، قال: فبعث علياً (رض)، وفي السبي وصيفة هي أفضل السبي، قال: فخمس وقسم، فخرج ورأسه يقطر، فقلنا يا أبا الحسن ما هذا؟

قال: ألم تروا إلي الوصيفة التي كانت في السبي فإني قسمت وخمست فصارت في الخمس، ثم صارت في أهل بيت النبي(ص)، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها.

قال: فكتب الرجل إلي نبي الله(ص)، فقلت: إبعثني مصدقاً.

قال: فجعلت أقرأ الكتاب وأقول: صدق!

قال: فأمسك يدي والكتاب، وقال: أتبغض علياً؟!

قال: قلت نعم.

قال: فلا تبغضه: وإن كنت تحبه

فازدد له حباً، فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة!

قال: فما كان أحد من الناس بعد قول رسول الله(ص)أحب إلي من علي.

قال عبد الله يعني ابن بريدة: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي(ص)في هذا الحديث إلا أبو بريدة.

قلت: في الصحيح بعضه، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير عبد الجليل بن عطية وهو ثقة، وقد صرح بالسماع، وفيه لين.

وعن بريدة قال: بعث رسول الله(ص)بعثين إلي اليمن، علي أحدهما علي بن أبي طالب (رض)وعلي الآخر خالد بن الوليد، فقال: إذا التقيتم فعلي علي الناس، وإن افترقتما فكل واحد منكما علي جنده.

قال فلقينا بني زيد من أهل اليمن فاقتتلنا، فظهر المسلمون علي المشركين فقتلنا المقاتلة وسبينا الذرية، فاصطفي عليٌّ امرأة من السبي لنفسه.

قال بريدة: فكتب معي خالد بن الوليد إلي رسول الله(ص)يخبره بذلك، فلما أتيت النبي(ص)دفعت الكتاب فقرئ عليه، فرأيت الغضب في وجه رسول الله (ص)فقلت:

يا رسول الله هذا مكان العائذ، بعثتني مع رجل وأمرتني أن أطيعه، ففعلت ما أرسلت به.

فقال رسول الله (ص): لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

قلت: رواه الترمذي باختصار، رواه أحمد والبزار باختصار، وفيه الاجلح الكندي وثقه ابن معين وغيره، وضعفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

وعن بريدة قال بعث رسول الله(ص)علياً أميراً علي اليمن، وبعث خالد بن الوليد علي الجبل، فقال: إن اجتمعتما فعليٌ علي الناس، فالتقوا وأصابوا من الغنائم ما لم يصيبوا مثله، وأخذ علي جارية من الخمس، فدعا خالد بن الوليد بريدة فقال: اغتنمها، فأخبر النبي ما صنع!

فقدمت المدينة ودخلت المسجد، ورسول الله(ص)في منزله، وناسٌ من أصحابه علي

بابه، فقالوا: ما الخبر يا بريدة؟

فقلت: خيراً فتح الله علي المسلمين.

فقالوا: ما أقدمك؟

قلت: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي(ص).

فقالوا: فأخبر النبي، فإنه يسقط من عين النبي!! ورسول الله يسمع الكلام، فخرج مغضباً فقال:

ما بال أقوام ينتقصون علياً؟!!

من تنقص علياً فقد تنقصني، ومن فارق علياً فقد فارقني.

إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وخلقت من طينة ابراهيم، وأنا أفضل من ابراهيم، ذريةٌ بعضها من بعض، والله سميع عليم.

يا بريدة: أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وأنه وليكم بعدي؟

فقلت: يا رسول الله بالصحبة إلا بسطت يدك فبايعتني علي الإسلام جديداً!!

قال: فما فارقته حتي بايعته علي الإسلام!!

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جماعة لم أعرفهم، وحسين الأشقر ضعفه الجمهور، ووثقه ابن حبان.

وعن عبد الله بن بريدة، عن أبيه قال: بعث رسول الله(ص)علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد، كل واحد منهما وحده، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعليكم علي، قال فخذا يميناً ويساراً، فدخل علي وأبعد، وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي.

قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي، قال: فأتي رجلٌ خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس، فقال: ما هذا؟!

ثم جاء آخر ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار علي ذلك، فدعاني خالدٌ فقال:

يا بريدة، قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلي رسول الله!

فكتب إليه فانطلقت بكتابه حتي دخلت علي رسول الله(ص)، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتي أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي فتكلمت فوقعت في علي حتي فرغت، ثم رفعت

رأسي فرأيت رسول الله(ص)غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير!!

فنظر الي فقال: يا بريدة أحب علياً، فإنما يفعل ما أمر به!!!

فقمت وما من الناس أحد أحب إلي منه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقهم ابن حبان.

وعن أبي سعيد الخدري قال: اشتكي علياً الناس، فقام رسول الله(ص)فينا خطيباً، فسمعته يقول:

أيها الناس لا تشكوا علياً، فو الله إنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله.

رواه أحمد.

وعن عمرو بن شاس الأسلمي، وكان من أصحاب الحديبية قال: خرجت مع علي عليه السلام الي اليمن فجفاني في سفري ذلك، حتي وجدت في نفسي عليه، فلما قدمت المدينة أظهرت شكايته في المسجد، حتي سمع بذلك رسول الله(ص)، فدخلت المسجد ذات غداة ورسول الله(ص)جالسٌ في ناس من أصحابه، فلما رآني أبدي لي عينيه - يقول حدد الي النظر - حتي إذا جلست قال: يا عمرو والله لقد آذيتني!!!

قلت: أعوذ بالله من أذاك يا رسول الله.

قال: بلي، من آذي علياً فقد آذاني.

رواه أحمد والطبراني بإختصار، والبزار أخصر منه، ورجال أحمد ثقات.

وعن أبي رافع قال: بعث رسول الله(ص)علياً أميراً علي اليمن، وخرج معه رجلٌ من أسلم يقال له عمرو بن شاس، فرجع وهو يذم علياً ويشكوه، فبعث إليه رسول الله(ص)فقال:

إخسأ يا عمرو!!! هل رأيت من علي جوراً في حكم، أو أثرة في قسمة؟!

قال: اللهم لا.

قال: فعلام تقول الذي بلغني؟!!

قال: بغضه، لا أملك.

قال: فغضب رسول الله(ص)حتي عرف ذلك في وجهه، ثم قال:

من أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله!! ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله تعالي.

رواه البزار، وفيه رجال

وثقوا علي ضعفهم.

وعن سعد بن أبي وقاص قال: كنت جالساً في المسجد أنا ورجلين معي، فنلنا من علي، فأقبل رسول الله(ص)غضبان يعرف في وجهه الغضب، فتعوذت بالله من غضبه فقال:

ما لكم وما لي؟!!

من آذي علياً فقد آذاني!!!

رواه أبو يعلي والبزار باختصار، ورجال أبي يعلي رجال الصحيح، غير محمود بن خداش وقنان، وهما ثقتان.

وعن أبي بكر بن خالد بن عرفطة، أنه أتي سعد بن مالك فقال: بلغني أنكم تعرضون علي سب علي بالكوفة، فهل سببته؟!

قال: معاذ الله، والذي نفس سعد بيده لقد سمعت من رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول في علي شيئاً، لو وضع المنشار علي مفرقي ما سببته أبداً.

رواه أبو يعلي وإسناده حسن.

وعن أبي عبد الله الحدلي قال: دخلت علي أم سلمة فقالت لي:

أيسب رسول الله(ص)فيكم؟!

قلت: معاذ الله، أو سبحان الله، أو كلمة نحوها.

قالت: سمعت رسول الله(ص)يقول: من سب علياً فقد سبني!!!

رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير أبي عبد الله الحدلي وهو ثقة.

وعن أبي عبد الله الحدلي قال: قالت لي أم سلمة:

يا أبا عبدالله، أيسب رسول الله(ص)فيكم؟!

قلت: أني يسب رسول الله(ص)؟!

قالت: أليس يسب علي ومن يحبه، وقد كان رسول الله(ص)يحبه!!

رواه الطبراني في الثلاثة، وأبو يعلي، ورجال الطبراني رجال الصحيح، غير أبي عبد الله، وهو ثقة.

وروي الطبراني بعده بإسناد رجاله ثقات إلي أم سلمة، عن النبي(ص)قال: مثله.

وعن كعب بن عجرة قال: قال رسول الله (ص):

لا تسبوا علياً فإنه ممسوسٌ في ذات الله.

رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه سفيان بن بشر أو بشير، متأخرٌ ليس هو الذي روي عن أبي عبد الرحمن الجيلي، ولم

أعرفه، وبقية رجاله وثقوا، وفي بعضهم ضعف.

وعن أبي كثيرة قال: كنت جالساً عند الحسن بن علي فجاءه رجل فقال لقد سب عند معاوية علياً سبا قبيحا رجل يقال له معاوية بن خديج... الخ. انتهي.

وقد تقدم ذلك من حديث الإمام الحسن عليه السلام. ورواه الهيثمي هنا بروايتين، وقال:

رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما علي بن أبي طلحة مولي بني أمية، ولم أعرفه. وبقية رجاله ثقات، والآخر ضعيف... الخ.

وفي مجمع الزوائد: 9/108

عن بريدة قال: بعثنا رسول الله(ص)في سرية فاستعمل علينا علياً، فلما جئنا قال: كيف رأيتم صاحبكم؟

فإما شكوته، وإما شكاه غيري، قال فرفع رأسه وكنت رجلاً مكباباً فإذا النبي (ص)قد احمر وجهه يقول: من كنت وليه فعلي وليه.

فقلت: لا أسوؤك فيه أبداً.

رواه البزار ورجاله رجال الصحيح.

وعن عمار بن ياسر قال قال رسول الله (ص):

أوصي من آمن بي وصدقني بولاية علي بن أبي طالب.

من تولاه فقد تولاني ومن تولاني فقد تولي الله عز وجل.

ومن أحبه فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله تعالي.

ومن أبغضه فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله عز وجل.

رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء، وقد وثقوا.

وعن وهب بن حمزة قال: صحبت علياً إلي مكة فرأيت منه بعض ما أكره، فقلت لئن رجعت لأشكونك إلي رسول الله(ص)، فلما قدمت لقيت رسول الله (ص)فقلت: رأيت من علي كذا وكذا.

فقال: لا تقل هذا، فهو أولي الناس بكم بعدي.

رواه الطبراني، وفيه دكين ذكره ابن أبي حاتم، ولم يضعفه أحد، وبقية رجاله وثقوا. انتهي.

وفي الصراط المستقيم للبياضي: 2/59

وروي ابن حنبل أيضاً أن علياً أخذ في اليمن جارية فكتب خالد مع

بريدة إلي النبي صلي الله عليه وآله فأعلمه فغضب وقال: يا بريدة لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه.

وأورده ابن مردويه من طرق عدة وفي بعضها أن النبي صلي الله عليه وآله قال لبريدة: إيهاً عنك فقد أكثرت الوقوع في علي، فوالله إنك لتقع في رجل أولي الناس بكم بعدي.

وفي بعضها إنه طلب من النبي صلي الله عليه وآله الإستغفار، فقال له: حتي يأتي علي، فلما أتي علي قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي: إن تستغفر له فاستغفر.

وفي بعضها أن بريدة امتنع من بيعة أبي بكر لأجل النص الذي سمعه من النبي صلي الله عليه وآله بالولاية بعده.

وفي بعضها أن بريدة بايع النبي صلي الله عليه وآله علي الإسلام جديداً، ولولا أن الإنكار علي علي يوجب تكفيراً لم يكن لبيعة بريدة ثانياً معني.

وهذا شئ لم يوجد لغيره من أصحابه قطعاً.

فهذه كتب القوم التي هي عندهم صادقة، بولاية علي عليه السلام ناطقة، إذ في جعله من بدنه مثل الراس، دليل تقديمه علي سائر الناس. انتهي.

من دلالات قصة بريدة

أولاً: أن الفائدة العملية لهذا الميزان في حياة النبي صلي الله عليه وآله كانت اختباراً للمسلمين في قبولهم تحدي الإسلام لقريش والمشركين الذي مثله علي عليه السلام بصفته سيف الله تعالي، وعضد رسوله صلي الله عليه وآله.

كما كانت اختباراً لقبول المسلمين الحقيقي للنبي صلي الله عليه وآله بقبول عترته الذين نص علي أنهم إمتداده في الأمة..

ولكن فائدة هذا الميزان الإلهي كانت في مرحلة ما بعد النبي أكثر منها في حياته! ولهذا ركز عليها صلي الله عليه وآله في أحاديث ومناسبات عديدة!

ثانياً: هذه النصوص النبوية القوية، تجعل المسلم يتيقن بأن

الله تعالي جعل حب علي بن أبي طالب ميزاناً للاسلام والكفر، ومقياساً للايمان والنفاق، وجعل ولايته فريضة مع حب الرسول وولايته صلي الله عليه وآله وهو مقامٌ لم يجعله الله تعالي لأي واحد من الصحابة!!

وبذلك يتضح ضعف محاولة السنيين أن يجعلوا ولاية بعض الصحابة غير علي جزءا من الوحي الذي نزل علي محمد صلي الله عليه وآله في الوقت الذي ما زالوا متحيرين في العثور علي صيغة فقهية تثبت شرعية خلافتهم للنبي صلي الله عليه وآله!

بل ما زالوا يبحثون عن نص صحيح يسمح لهم بإدخالهم في صيغة الصلاة علي النبي ليجوز لهم القول (عليهما السلام وصحبه) فيضيفون صحبه إلي آله الذين أوجب الله الصلاة عليهم معه!!

ثالثاً: إن هذا المقام الرباني لعلي عليه السلام، وأمره المسلمين بحبه وتحريمه بغضه.. تكليفٌ موجه إلي الصحابة أنفسهم، ومن بعدهم إلي أجيال الأمة.. فحب علي فريضةٌ علي الصحابة قبل غيرهم، وميزانٌ لإيمان الصحابي أو نفاقه قبل غيره!

وبهذه الأحاديث الصحيحة ينحسم الأمر، ولا يبقي معني لمقايسة أحد من الصحابة بعلي عليه السلام وهل يقاس الميزان بالموزون؟!

والدليل الإلهي بالمدلول عليه؟!

والمنار الرباني بمن يحتاج إلي شهادة علي بأن فيه شيئاً من نور الإيمان؟!

وهل يقاس الإنسان الكامل بمن لا تعرف درجة إنسانيته وكماله إلا به؟!

فعلي عليه السلام بنص هذه الصحاح هو: المسلم الرباني الكامل، الذي جعل الله حبه وبغضه، ورضاه وغضبه، مختبراً للأمة، وجعل شخصيته قدوة للعالمين، بعد رسول الله صلي الله عليه وآله.

رابعاً: بعد أن أذعن جميع المسلمين بصحة هذه الأحاديث القاطعة في علي عليه السلام فإن قولهم بتفضيل غيره عليه، ونسبتهم ذلك إلي النبي صلي الله عليه وآله، يكون إتهاماً للنبي بالتناقض، وأنه

أمر بحب علي وجعله ميزاناً، ثم ناقض نفسه وفضل التابع علي المتبوع، وجعل غير علي أفضل منه، وأوصي الأمة بحبه واتباعه بدل علي!!

وهو أمر لا يرتكبه رئيس عادي، ولا أمير قبيلة حكيم، ولا رب أسرة عاقل في أولاده!!

وبعد صحة هذه الأحاديث وصراحتها في مصادر السنيين، وعلو حجتها، لا نحتاج إلي روايتها من مصادرنا، إلا لتكميل صورة الموضوع، أو لبيان جوانب أخري لم تتعرض لها النصوص السنية، من قصة هذا الصحابي المؤمن، ورواياته الأخري لفريضة حب علي واتباعه علي الأمة، وتحريم كرهه ومخالفته!

لمحة عن بريدة و أحاديثه في مصادرن

بريدة الأسلمي صحابيٌ مميز، بشخصيته وأحاديثه.. لم يعط حقه في مصادر السنيين، لأنه أطاع النبي في علي وأهل بيته صلي الله عليه وآله.

وبريدة واحدٌ من مجموعة فرسان الصحابة، كان لهم دورٌ رياديٌ قيادي هام في حروب الردة، ثم في الفتوحات الإسلامية، ولكن جزاءهم كان طمس أدوارهم وإعطاء منجزاتهم إلي أشخاص آخرين، تبنتهم السلطة القرشية ثم الأموية، لأنهم أطاعوا الخلافة، ووقفوا في وجه علي وأهل البيت النبوي!!

ومن هؤلاء الأبطال الشيعة: عمار بن ياسر، وحذيفة بن اليمان، والمقداد بن عمر وأبو ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وخالد بن سعيد بن العاص، وأخوه أبان، وسعد بن عبادة، وابنه قيس بن سعد، وأبو أيوب الأنصاري... وآخرون يصلون إلي نحو مئة صحابي، كان لهم أدوارٌ هامة في حروب الردة والفتوحات، وقد وقفوا من أول الأمر مع علي عليه السلام أو انضموا إليه فيما بعد، أو قاتلوا معه في حروبه، واستشهدوا بين يديه، أو ثبتوا بعد شهادته علي ولائه..

وكل واحد من هؤلاء يستحق دراسة جادة، لشخصيته وأحاديثه.. فهم ظاهرةٌ يقل مثيلها في الأديان الأخري، تمثل الوجه الآخر لما قالته الحكومات القرشية ودونته عن إجراءات

النبي صلي الله عليه وآله وأقواله عن مستقبل الإسلام ومسيرته من بعده.. إلي أن يبعث الله الإمام المهدي الموعود علي لسانه بعده.

ونكتفي هنا بإيراد مقتطفات عن بريدة من مصادرنا:

قال أبو جعفر الطوسي في أماليه: 1/249

أبو العباس قال: حدثنا الحسن بن علي بن عفان قال: حدثنا الحسن - يعني ابن عطية قال: حدثنا سعاد، عن عبد الله بن عطاء، عن عبدالله بن بريدة، عن أبيه، قال: بعث رسول الله صلي الله عليه وآله علي بن أبي طالب عليه السلام وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما فقال: إذا اجتمعتما فعليكم علي.

قال: فأخذنا يميناً أو يساراً.

قال: وأخذ علي فأبعد، فأصاب سبياً فأخذ جارية من الخمس.

قال بريدة: وكنت أشد الناس بغضاً لعلي وقد علم ذلك خالد بن الوليد، فأتي رجل خالداً فأخبره أنه أخذ جارية من الخمس فقال: ما هذا؟ ثم جاء آخر، ثم أتي آخر، ثم تتابعت الأخبار علي ذلك، فدعاني خالد فقال: يا بريدة، قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلي رسول الله فأخبره، وكتب إليه.

فانطلقت بكتابه حتي دخلت علي رسول الله وأخذ الكتاب فأمسكه بشماله، وكان كما قال الله لا يكتب ولا يقرأ، وكنت رجلاً إذا تكلمت طأطأت رأسي حتي أفرغ من حاجتي، فطأطأت وتكلمت، فوقعت في علي حتي فرغت، ثم رفعت رأسي فرأيت رسول الله قد غضب غضباً شديداً لم أره غضب مثله قط إلا يوم قريظة والنضير، فنظر إلي فقال:

يا بريدة إن علياً وليكم بعدي، فأحب علياً فإنما يفعل ما يؤمر.

قال: فقمت وما أحد من الناس أحب إلي منه.

وقال عبد الله بن عطاء: حدثت بذلك أبا حرب بن سويد بن غفلة،

فقال: كتمك عبد الله بن بريدة بعض الحديث أن رسول الله قال له: أنافقت بعدي يا بريدة؟!!

وقال السيد شرف الدين في المراجعات/221

وكذلك حديث بريدة ولفظه في/356 من الجزء الخامس من مسند أحمد قال: بعث رسول الله بعثين إلي اليمن... الخ.

ولفظه عند النسائي في/17 من خصائصه العلوية: لا تبغضن يا بريدة لي علياً، فإن علياً مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي.

ولفظه عند ابن جرير: قال بريدة: وإذا النبي قد أحمر وجهه، فقال: من كنت وليه فإن علياً وليه، قال: فذهب الذي في نفسي عليه، فقلت لا أذكره بسوء.

والطبراني قد أخرج هذا الحديث علي وجه التفصيل، وقد جاء فيما رواه: أن بريدة لما قدم من اليمن، ودخل المسجد، وجد جماعة علي باب حجرة النبي صلي الله عليه وآله، فقاموا إليه يسلمون عليه ويسألونه فقالوا: ما وراءك؟

قال: خير فتح الله علي المسلمين.

قالوا: ما أقدمك؟

قال: جارية أخذها علي من الخمس، فجئت لأخبر النبي بذلك.

فقالوا: أخبره أخبره، يسقط علياً من عينه، ورسول الله صلي الله عليه وآله، يسمع كلامهم من وراء الباب، فخرج مغضباً فقال:

مابال أقوام ينتقصون علياً؟ من أبغض علياً فقد أبغضني، ومن فارق علياً فقد فارقني، إن علياً مني وأنا منه، خلق من طينتي، وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم. ذرية بعضها من بعض، والله سميع عليم.

يا بريدة أما علمت أن لعلي أكثر من الجارية التي أخذ. وأنه وليكم بعدي.

وهذا الحديث مما لاريب في صدوره، وطرقه إلي بريدة كثيرة، وهي معتبرة بأسرها، ومثله ما أخرجه الحاكم عن ابن عباس، من حديث جليل، ذكر فيه عشر خصائص لعلي فقال: وقال له رسول الله صلي

الله عليه وآله: أنت ولي كل مؤمن بعدي.

ومثله ما أخرجه ابن السكن، عن وهب بن حمزة قال، كما في ترجمة وهب من الإصابة: سافرت مع علي فرأيت منه جفاء، فقلت لئن رجعت لاشكونه، فرجعت فذكرت علياً لرسول الله فنلت منه، فقال: لا تقولن هذا لعلي، فإنه وليكم بعدي...

وقال المفيد في الإرشاد: 1/148

وكان أميرالمؤمنين عليه السلام قد اصطفي من السبي جارية، فبعث خالد بن الوليد بريدة الأسلمي إلي النبي صلي الله عليه وآله وقال له:

تقدم الجيش إليه فأعلمه بما فعل علي عليه السلام من اصطفائه الجارية من الخمس لنفسه، وقع فيه.

فسار بريدة حتي انتهي إلي باب رسول الله صلي الله عليه وآله، فلقيه عمر بن الخطاب فسأله عن حال غزوتهم وعن الذي أقدمه؟ فأخبره أنما جاء ليقع في علي عليه السلام، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر:

إمض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي!

فدخل بريدة علي النبي صلي الله عليه وآله ومعه كتاب من خالد بما أرسل به بريدة، فجعل يقرأه ووجه رسول الله صلي الله عليه وآله يتغير، فقال بريدة: يارسول الله إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم!

فقال له النبي صلي الله عليه وآله: ويحك يابريدة أحدثت نفاقاً!!

إن علي بن أبي طالب يحل له من الفئ مايحل لي، إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.

يا بريدة! إحذر أن تبغض علياً فيغبضك الله!

قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها، وقلت: أعود بالله من سخط الله وسخط رسول الله، يا رسول الله استغفر لي فلن أبغضن علياً

عليه السلام أبداً، ولا أقول فيه إلا خيراً، فاستغفر له النبي صلي الله عليه وآله.

وفي الشافي للشريف المرتضي: 3/243

وروي الثقفي قال: حدثني محمد بن علي، عن عاصم بن عامر البجلي، عن نوح بن دراج، عن محمد بن اسحق، عن سفيان بن فروة، عن أبيه قال: جاء بريدة حتي ركز رايته في وسط أسلم، ثم قال: لا أبايع حتي يبايع علي، فقال علي عليه السلام: يا بريدة أدخل فيما دخل فيه الناس، فإن اجتماعهم أحب إلي من اختلافهم اليوم.

وروي إبراهيم، عن يحيي بن الحسن بن الفرات، عن ميسر بن حماد، عن موسي بن عبد الله بن الحسن قال: أبت أسلم أن تبايع وقالوا: ما كنا نبايع حتي يبايع بريدة، لقول النبي صلي الله عليه وآله لبريدة: علي وليكم من بعدي.

فقال علي عليه السلام: يا هؤلاء إن هؤلاء خيروني أن يظلموني حقي وأبايعهم، أو ارتدت الناس، حتي بلغت الردة أحداً، فاخترت أن أظلم حقي، وإن فعلوا ما فعلوا.

وقال في هامشه: بريدة بن الحصيب بن عبد الله بن الحارث الأسلمي، صحابي أسلم هو وقومه - وكانوا ثمانين بيتاً - عند مرور رسول الله صلي الله عليه وآله بهم في طريقة إلي المدينة، وبقي في أرض قومه، ثم قدم المدينة بعد أحد، فشهد بقية المشاهد، وسكن البصرة أخيراً، ثم خرج غازياً إلي خراسان فأقام بمرو، وأقام بها حتي مات، ودفن بها (أسد الغابة 1/175).

وفي الإحتجاج للطبرسي: 1/97

وعن أبان بن تغلب قال: قلت لابي عبدالله جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام): جعلت فداك هل كان أحدٌ في أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله أنكر علي أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله

صلي الله عليه وآله؟

قال: نعم، كان الذي أنكر علي أبي بكر إثنا عشر رجلاً. من المهاجرين: خالد بن سعيد بن العاص، وكان من بني أمية، وسلمان الفارسي، وأبوذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وعمار بن ياسر، وبريدة الأسلمي.

ومن الأنصار أبو الهيثم بن التيهان، وسهل، وعثمان ابنا حنيف، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين، وأبي بن كعب، وأبو أيوب الأنصاري.

قال: فلما صعد أبو بكر المنبر تشاوروا بينهم، فقال بعضهم لبعض: والله لنأتينه ولننزلنه عن منبر رسول الله صلي الله عليه وآله.

وقال آخرون منهم: والله لئن فعلتم ذلك إذاً أعنتم علي أنفسكم، فقد قال الله عزوجل: ولا تلقوا بأيديكم إلي التهلكة، فانطلقوا بنا إلي أمير المؤمنين عليه السلام لنستشيره ونستطلع رأيه.

فانطلق القوم إلي أمير المؤمنين بأجمعهم، فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقاً أنت أحق به وأولي به من غيرك، لأنا سمعنا رسول الله يقول: علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف ما مال.

ولقد هممنا أن نصير إليه فننزل عن منبر رسول الله صلي الله عليه وآله، فجئناك لنستشيرك ونستطلع رأيك فما تأمرنا؟

فقال أمير المؤمنين: وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حرباً، ولكنكم كالملح في الزاد وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لاتيتموني شاهرين بأسيافكم مستعدين للحرب والقتال، وإذا لاتوني فقالوا لي بايع وإلا قتلناك، فلا بد لي من أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله صلي الله عليه وآله أوعز الي قبل وفاته وقال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك من بعدي وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسي، وإن الأمة من بعدي كهارون ومن اتبعه، والسامري ومن اتبعه!

فقلت: يارسول الله، فما تعهد الي إذا كان ذلك؟

فقال: إذا وجدت أعواناً فبادر اليهم وجاهدهم، وإن لم تجد أعواناً كف يدك واحقن دمك، حتي تلحق بي مظلوماً... الخ.

فانطلقوا بأجمعكم إلي الرجل فعرفوه ماسمعتم من قول نبيكم، ليكون ذلك أوكد للحجة وأبلغ للعذر، وأبعد لهم من رسول الله صلي الله عليه وآله إذا وردوا عليه.

فسار القوم حتي أحدقوا بمنبر رسول الله صلي الله عليه وآله وكان يوم الجمعة، فلما صعد أبو بكر المنبر، فأول من تكلم به خالد بن سعيد بن العاص... قال: إتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الل قال ونحن محتوشوه يوم بني قريظة حين فتح الله له... الخ.

ثم قام إليه بريدة الاسلمي فقال:

إنا لله وإنا إليه راجعون، ماذا لقي الحق من الباطل! يا أبا بكر أنسيت أم تناسيت وخدعت أم خدعتك نفسك أم سولت لك الأباطيل، أو لم تذكر ما أمرنا به رسول الله من تسمية علي بإمرة المؤمنين والنبي بين أظهرنا، وقوله له في عدة أوقات: هذا علي أمير المؤمنين وقاتل القاسطين؟!

إتق الله وتدارك نفسك قبل أن لا تدركها، وأنقذها مما يهلكها، واردد الأمر إلي من هو أحق به منك، ولا تتماد في اغتصابه، وراجع وأنت تستطيع أن تراجع، فقد محضتك النصح، ودللتك علي طريق النجاة، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين... الخ.

وفي تأويل الآيات/465

ويؤيده ما ذكره في تفسير الإمام أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام قال: إن رسول الله صلي الله عليه وآله بعث جيشاً وأمر عليهم علياً عليه السلام، وما بعث جيشاً قط وفيهم علي عليه السلام إلا جعله أميرهم، فلما غنموا رغب علي عليه السلام أن يشتري من جملة الغنائم

جارية وجعل ثمنها من جملة الغنائم، فكايده فيها حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي وزايداه، فلما نظر إليهما يكايدانه ويزايدانه انتظر إلي أن بلغت قيمتها قيمة عدل في يومها فأخذها بذلك.

فلما رجعا إلي رسول الله صلي الله عليه وآله تواطآ علي أن يقولا ذلك لرسول الله صلي الله عليه وآله فوقف بريدة قدام رسول الله صلي الله عليه وآله وقال: يارسول الله ألم تر إلي علي بن أبي طالب أخذ جارية من المغنم دون المسلمين؟ فأعرض عنه رسول الله صلي الله عليه وآله، فجاء عن يمينه فقالها، فأعرض عنه، فجاء عن يساره فقالها، فأعرض عنه.

قال: فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله غضباً لم ير قبله ولا بعده غضباً مثله، وتغير لونه وتربد وانتفخت أوداجه، وارتعدت أعضاؤه، وقال:

مالك يا بريدة آذيت رسول الله منذ اليوم؟!

أما سمعت قول الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا. وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا.

فقال بريدة: ما علمت أني قصدتك بأذي.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: أو تظن يا بريدة أنه لا يؤذيني إلا من قصد ذات نفسي؟ أما علمت أن علياً مني وأنا منه، وأن من آذي علياً فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله، ومن آذي الله فحق علي الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم!

وفي اختيار معرفة الرجال: 1/308

وبهذا الإسناد: عن أبان، عن فضيل الرسان، عن أبي داود قال: حضرته عند الموت، وجابر الجعفي عند رأسه، قال فهم أن يحدث فلم يقدر، قال ومحمد بن جابر أرسله، قال فقلت: يا أبا

داود حدثنا الحديث الذي أردت.

قال: حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله صلي الله عليه وآله أمر فلاناً وفلاناً أن يسلما علي علي عليه السلام بإمره المؤمنين، فقالا: من الله ومن رسوله؟! ثم أمر حذيفة وسلمان فسلما، ثم أمر المقداد فسلم، وأمر بريدة أخي وكان أخاه لأمه.

فقال: إنكم قد سألتموني من وليكم بعدي، وقد أخبرتكم به، وقد أخذت عليكم الميثاق!!

والزهراء والحسنان جزء من المقياس النبوي أيض

روي الترمذي في: 4/331

عن علي بن أبي طالب أن النبي(ص)أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين، وأباهما، وأمهما، كان معي في درجتي يوم القيامة. هذا حديث حسن.

وروي الحاكم في المستدرك: 3/166

عن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله ومعه الحسن والحسين، هذا علي عاتقه وهذا علي عاتقه، وهو يلثم هذا مرة وهذا مرة، حتي انتهي إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله إنك تحبهما؟ فقال: نعم، من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. ورواه أحمد في مسنده: 2/531، وأبو يعلي في مسنده: 5/449. وقد صححه الحاكم والذهبي.

وفي الطبراني في الكبير: 3/47

عن أبي هريرة عن النبي (ص) قال: من أحب الحسن والحسين، فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني. انتهي.

ورواه ابن ماجة: 1/51 في باب: فضل الحسن والحسين.

وفي الطبراني الكبير: 3/50

عن سلمان قال: قال رسول الله(ص)للحسن والحسين: من أحبهما أحببته، ومن أحببته أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله جنات النعيم، ومن أبغضهما أو بغي عليهما أبغضته، ومن أبغضته أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله عذاب جهنم، وله عذاب مقيم!

ونحوه في: 6/241، وفي مستدرك الحاكم في: 3/166، وفردوس الأخبار: 4/336، وتاريخ بغداد: 13/32

وفي سنن ابن ماجة: 2/1366

عن عبد الله قال:

بينما نحن عند رسول الله(ص)إذ أقبل فتيةٌ من بني هاشم فيهم الحسن والحسين، فلما رأهم النبي(ص)اغرورقت عيناه وتغير لونه! قال: فقلت: ما نزال نري في وجهك شيئاً نكرهه؟!

فقال: إنا أهل بيت أختار الله لنا الآخرة علي الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً! حتي يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود، فيسألون الخير، فلا يعطونه، فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه، حتي يدفعوها إلي رجل من أهل بيتي فيلمؤها قسطاً كما ملؤوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً علي الثلج.

ورواه ابن أبي شيبة:15/235

والبيهقي في الدلائل:6 ص515

والحاكم في المستدرك: 4/464

والطبراني في الكبير: 10/104 و 108

ونحوه في فردوس الأخبار: 5/499

والدولابي في الكني: 2/26

وابن أبي عاصم في السنة: 2/619

وفي الطبراني الكبير: 4/192، ومجمع الزوائد: 9/194:

عن عمارة بن يحيي قال: كنا عند أبي (خالد بن عرفطة) يوم قتل الحسين بن علي فقال لنا خالد: هذا ما سمعت من رسول الله(ص)يقول: إنكم ستبتلون في أهل بيتي من بعدي.

وفي الطبراني الكبير: 25/23

في حديث أم الفضل قالت: بينا أنا قاعدة عند رأس رسول الله (ص) وهو مريض، فبكيت فقال: ما يبكيك؟

فقلت: أخشي عليك، فلا ندري ما نلقي بعدك من الناس؟

قال: أنتم المستضعفون بعدي!!

ورواه أحمد: 6/339، ومجمع الزوائد: 9/34

وقال الفخر الرازي في تفسيره: 25/35

وثبت بالنقل المتواتر أنه(ص)كان يحب علياً والحسن والحسين، وإذا كان ذلك، وجب علينا محبتهم، لقوله فاتبعوه.

وكفي شرفاً لآل رسول الله (ص) فخراً ختم التشهد بذكرهم والصلاة عليهم في كل صلاة. انتهي.

و كل (أهل البيت) جزء من المقياس النبوي

في سنن الترمذي: 4/344

عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص): أحبوا الله

لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا أهل بيتي بحبي.

وقال العزيزي في السراج المنير: 1/57: هذا حديثٌ صحيح من طريق ابن عباس، وأخرجه الحاكم والترمذي. انتهي

ورواه الطبراني في الكبير: 3/46 و 10 /281

والحاكم في المستدرك: 3/150

والخطيب في تاريخ بغداد: 4 /160

وأحمد في فضائل الصحابة: 2/986

وفي الطبراني الأوسط: 3/203

عن عبد الرحمن بن أبي ليلي، عن أبيه قال قال رسول الله (ص): لا يؤمن عبدٌ حتي أكون أحب إليه من نفسه، وأهلي أحب إليه من أهله، وعترتي أحب إليه من عترته، وذاتي أحب إليه من ذاته. انتهي.

فقال رجلٌ من القوم: يا أبا عبد الرحمن: ما تزال تجئ بالحديث يحي الله به القلوب! انتهي.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 1/264

وفي الطبراني الكبير: 3/39

عن سلمان الفارسي قال: أنزلوا آل محمد(ص)بمنزلة الرأس من الجسد، وبمنزلة العين من الرأس، فإن الجسد لا يهتدي إلا بالرأس، وإن الرأس لا يهتدي إلا بالعينين.

ورواه الهيثمي: 9/172

وفي سنن الترمذي: 4/337

أن العباس بن عبد المطلب دخل علي رسول الله(ص)مغضباً وأنا عنده فقال: ما أغضبك؟

قال: يارسول الله ما لنا ولقريش! إذا تلاقوا بينهم تلاقوا بوجوه مبشرة، وإذا لقونا بغير ذلك!!

قال: فغضب رسول الله(ص)حتي احمر وجهه ثم قال: والذي نفسي بيده لا يدخل قلب رجل الإيمان حتي يحبكم لله ولرسوله. هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الطبراني في الكبير: 11/433،

والخطيب: 5/317

ورواه أحمد في مسنده: 1/207

وروي نحوه في: 4/165، بعدة روايات، منها:

عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب قال: أتي ناسٌ من الأنصار النبي(ص)فقالوا: إنا لنسمع من قومك حتي يقول القائل منهم: إنما مثل محمد مثل نخلة

نبتت في كباء! قال حسين الكباء الكناسة!

فقال رسول الله (ص): أيها الناس من أنا؟

قالوا: أنت رسول الله(ص).

قال أنا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - قال فما سمعناه قط ينتمي قبلها - ألا إن الله عز وجل خلق خلقه فجعلني من خير خلقه، ثم فرقهم فرقتين فجعلني من خير الفرقتين، ثم جعلهم قبائل فجعلني من خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني من خيرهم بيتاً، وأنا خيركم بيتاً وخيركم نفساً!!

وروي نحوه ابن ماجة: 1/50، وقال بعده: في الزوائد: رجال إسناده ثقات.

إلا أنه قيل: رواية محمد بن كعب عن العباس مرسلة.

ونحوه في الترمذي: 5/317، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

ورواه الحاكم في مستدرك: 3/333 وص 568 و4/75، بعدة روايات.

والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/88، بعدة روايات.

والخطيب في تاريخ بغداد: 5/317

وكنز العمال: 11/700 (حم، ت، ك - عن عبد المطلب بن ربيعة، ك - عن العباس) وفي: 12/41 (طس، ك عن عبدالله بن جعفر) (ط،/عن عبدالله بن جعفر) (خط، كر، عن أبي الضحي عن مسروق عن عائشة، وقال الخط يب: غريب والمحفوظ عن أبي الضحي عن ابن عباس، وقال: ورواه جماعة عن أبي الضحي مرسلاً).

وفي/97 (هعن العباس بن عبد المطلب) (حم، ت عن علي). انتهي.

وفي الترمذي: 4/292

عن المطلب بن أبي وداعة، قال: جاء العباس إلي رسول الله(ص)وكأنه سمع شيئاً فقام النبي(ص)علي المنبر فقال: من أنا؟

فقالوا: أنت رسول الله عليك السلام.

قال: أنا محمد بن عبد الله بن عبدالمطلب: إن الله خلق الخلق فجعلني في خيرهم، ثم جعلهم فرقتين فجعلني في خيرهم فرقة، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلة، ثم جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم

بيتاً وخيرهم نفساً. هذا حديث حسن.

وقال العزيزي في السراج المنير: 1/364: هذا حديث صحيح.

وروي الحاكم: 3/311، وصححه علي شرط مسلم قال:

عن أبي هريرة: خيركم خيركم لأهلي من بعدي.

ورواه الديلمي: 2/170، والهيثمي: 9/174، عن أبي يعلي، وقال: رجاله ثقات.

وفي الصواعق المحرقة/176

أخرج الديلمي..: من أراد التوسل إلي، وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة، فليصل أهل بيتي.

و ويل لمبغضيهم

في فردوس الأخبار: 3/508

عن النبي (ص) أنه قال: من مات وفي قلبه بغض علي بن أبي طالب، فليمت يهودياً أو نصرانياً!!

وفي فردوس الأخبار: 2/85

عن جابر بن عبد الله عن النبي (ص): ثلاثٌ من كن فيه فليس مني ولا أنا منه: بغض علي، ونصب أهل بيتي، ومن قال الإيمان كلام.

وفي الطبراني الكبير: 11/146

عن ابن عباس قوله: أم يحسدون الناس علي ما آتاهم الله من فضله. قال ابن عباس: نحن الناس دون الناس.

عن عطاء بن أبي رباح، عن عبدالله بن عباس أن رسول الله(ص)قال: بغض بني هاشم والأنصار كفر، وبغض العرب نفاق.

ورواه في مجمع الزوائد: 9/172

وفي تاريخ بغداد: 3/290

عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله (ص): رجل من أمتي يبغض عترتي، لا تناله شفاعتي.

وفي ميزان الاعتدال: 2/410

عن أنس (رض) مرفوعاً: من أحبني فليحب علياً، ومن أبغض أحداً من أهل بيتي حرم شفاعتي.. الحديث. وذكره في لسان الميزان: 3/276

وفي مجمع الزوائد: 7/580

عن النبي (ص) قال.. لا يبغضنا أهل البيت أحدٌ إلا أكبه الله في النار..

ورواه الدهلوي في حياة الصحابة: 2/369

وفي فردوس الأخبار: 3/626

عن علي عليه السلام (عن النبي): من لم يعرف حق عترتي فهو لاحدي ثلاث:

إما منافق وإما لزنية، وإما امرؤ حملت به أمه بغير طهر.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/150

قال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي، أخبرنا الحسين بن موسي، أخبرنا الحسين بن ابراهيم بن بابويه، أخبرنا علي بن ابراهيم بن همام، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن ابن زياد، عن عبيد الله بن صالح، عن زيد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي من أحبني وأحبك وأحب الأئمة من ولدك، فليحمد الله علي طيب مولده، فإنه لا يحبنا إلا من طابت ولادته، ولا يبغضنا إلا من خبثت ولادته!!

و ويل للمكذبين بفضلهم

وفي كنز العمال: 12/103

من سره أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنة عدن التي غرسها ربي، فليوال علياً من بعدي، وليوال وليه، وليقتد بأهل بيتي من بعدي، فإنهم عترتي، خلقوا من طينتي، ورزقوا فهمي وعلمي، فويلٌ للمكذبين بفضلهم من أمتي، القاطعين فيهم صلتي، لا أنالهم الله شفاعتي (الخطيب، والرافعي، عن ابن عباس).

ورواه الكنجي في كفاية الطالب/214، عن ابن عباس عن النبي (ص).

ورواه في مناقب آل أبي طالب: 1/251

واللعنة علي ظالميهم و قاتليهم

في مستدرك الحاكم: 2/525

عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن موهب قال سمعت علي بن الحسين يحدث عن أبيه عن جده (رض) قال: قال رسول الله (ص): ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت ليذل من أعز الله ويعز من أذل الله، والتارك لسنتي، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والمستحل لحرم الله. انتهي.

ثم رواه بسند آخر وصححه، وقال: قد احتج الإمام البخاري بإسحاق بن محمد الفروي وعبد الرحمن بن أبي الرجال في الجامع الصحيح. وهذا أولي بالصواب من الإسناد الأول. انتهي.

راجع أيضاً: المستدرك: 3/149، و: 1/36

ورواه الطبراني في الأوسط: 2/398

ومجمع الزوائد: 9/272

وابن أبي عاصم في السنة: 2/628

والأزرقي في أخبار مكة: 1 جزء 2/125

وفي المعجم الكبير للطبراني: 17/43

عن عمرو بن سعواء اليافعي قال قال رسول الله (ص): سبعة لعنتهم.. الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي والمستأثر بألفئ، والمتجبر بسلطانه.

وفي تاريخ الطبري: 5/426

عن كثير بن عبد الله.. قال زهير بن القين لشمر: يا بن البوال علي عقبيه ما إياك أخاطب، إنما أنت

بهيمة! والله ما أظنك تحكم من كتاب الله آيتين...

فقال له شمر: إن الله قاتلك وصاحبك عن ساعة!

قال أفبالموت تخوفني.. ثم أقبل علي الناس.. فقال: عباد الله لا يغرنكم من دينكم هذا الجلف الجافي.. فوالله لا تنال شفاعة محمد قوماً أراقوا دماء ذريته وأهل بيته!!

و لا يقبل عمل المسلم إلا بحبهم

في المعجم الكبير للطبراني: 11/142

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): يا بني عبد المطلب إني سألت الله لكم ثلاثاً، سألته أن يثبت قائمكم، ويعلم جاهلكم، ويهدي ضالكم... فلو أن رجلاً صفن بين الركن والمقام وصلي وصام، ثم مات وهو مبغضٌ لأهل بيت محمد رضي الله عنهم، دخل النار!!

ورواه الدهلوي في حياة الصحابة: 2/362

وفي الطبراني الأوسط: 3/122

عن الحسن بن علي عليه السلام أن رسول الله(ص)قال: إلزموا مودتنا أهل البيت، فإنه من لقي الله وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلا بمعرفة حقنا.

ورواه المفيد في الامالي/13 وص 44،

ورواه في مجمع الزوائد: 9/172

وفي مناقب آل أبي طالب: 3/2

كتاب ابن مردويه، بالاسناد عن زيد بن علي، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلي الله عليه وآله قال: يا علي لو أن عبداً عبد الله مثل ما دام نوح في قومه، وكان له مثل جبل أحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله، ومد عمره حتي حج ألف عام علي قدميه، ثم قتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ثم لم يوالك يا علي، لم يشم رائحة الجنة، ولم يدخلها.

وفي تاريخ النسائي، وشرف المصطفي واللفظ له: قال النبي صلي الله عليه وآله:

لو أن عبداً قام لله تعالي بين الركن والمقام ألف عام، ثم ألف عام، ولم يكن يحبنا أهل

البيت، لأكبه الله علي منخره في النار!! انتهي.

وفي فردوس الأخبار: 2/142 وص 226

عن ابن مسعود عن النبي (ص) قال: حب آل محمد يوماً، خير من عبادة سنة. ومن مات عليه دخل الجنة.

و الأمة مسؤولة عنهم يوم القيامة

في صحيح مسلم: 7/122

عن زيد بن أرقم (قام رسول الله(ص)يوماً فينا خطيباً بماء يدعي خماً، بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثني عليه، ووعظ وذكر، ثم قال:

أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تاركٌ فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدي والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به، فحث علي كتاب الله ورغب فيه، ثم قال:

وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي!!

وفي مجمع الزوائد: 1/170

عن زيد بن ثابت، عن رسول الله(ص)قال: إني تركت فيكم خليفتين: كتاب الله، وأهل بيتي، وإنهما لن يتفرقا حتي يردا علي الحوض.

رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.

ورواه بنحوه: 9/162، وقال: رواه أحمد، وإسناده جيد.

وروي الطبراني في الأوسط: 2/226

عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وشبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين كسبه وفيما أنفقه، وعن حبنا أهل البيت.

وفي مجمع الزوائد: 10/626

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا تزول قدما يوم القيامة حتي يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن جسد فيما أبلاه... وعن حبنا أهل البيت. قيل: يارسول الله فما علامة حبكم؟ فضرب بيده علي منكب علي!

ورواه الكنجي في كفاية الطالب/324، عن أبي ذر.

وروي

الحسكاني في شواهد التنزيل: 2/106

وفي حديث أبي سعيد الخدري، عن النبي (ص): وقفوهم إنهم مسؤولون. عن ولاية علي بن أبي طالب.

و هذه الأحكام مختصة بهم و لا يقاس بهم أحد

في فردوس الأخبار: 5/34 ح 7094

عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد. انتهي.

وفي فردوس الأخبار: 4/283

وفي كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: لا يقاس بآل محمد من هذه الأمة أحد، ولا يسوي بهم من جرت نعمتهم عليه أبداً، هم أساس الدين، وعماد اليقين، إليهم يفئ الغالي، وبهم يلحق التالي، ولهم خصائص حق الولاية، وفيهم الوصية والوراثة. انتهي.

ولا نطيل في استعراض أحاديث المكانة الشرعية المختصة بأهل البيت (عليهم السلام)، فهي في مصادر السنيين كثيرة وصريحة، تدل علي أن حبهم وولايتهم وإطاعتهم بعد النبي صلي الله عليه وآله من أركان الدين.. والإفاضة في ذلك تخرجنا عن غرضنا.

و محبو أهل البيت و شيعتهم جزء من المقياس النبوي

فتح الباري: 1/431

روي حديث (تقتل عماراً الفئة الباغية) جماعة من الصحابة، منهم قتادة بن النعمان كما تقدم، وأم سلمة عند مسلم، وأبو هريرة عند الترمذي، وعبد الله بن عمرو بن العاص عند النسائي، وعثمان بن عفان، وحذيفة، وأبو أيوب، وأبو رافع، وخزيمة بن ثابت، ومعاوية، وعمرو بن العاص، وأبو اليسر، وعمار نفسه، وكلها عند الطبراني وغيره، وغالب طرقها صحيحة أو حسنة، وفيه عن جماعة آخرين يطول عدهم.

وفي هذا الحديث علمٌ من أعلام النبوة، وفضيلةٌ ظاهرةٌ لعلي ولعمار، ورد علي النواصب الزاعمين أن علياً لم يكن مصيباً في حروبه.

وفي رواية ابن مسعود سمعت رسول الله(ص)يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق.

وقال الحافظ ابن كثير: ومعلوم أن عماراً كان في جيش علي يوم صفين، وقتله أصحاب معاوية من أهل الشام، وكان الذي تولي قتله رجلٌ يقال له أبو الفادية، وقيل إنه صحابي! وفي رواية وقاتله في النار، لا أناله الله شفاعتي يوم

القيامة!

وفي تاريخ بغداد: 2/146

عن علي أن النبي(ص)قال: شفاعتي لأمتي، من أحب أهل بيتي، وهم شيعتي.

وحسنه العزيزي في السراج المنير: 2/370

ورواه في كنز العمال: 14/398

وروي ابن أبي عاصم في السنة: 1/334

عن علي بن أبي طالب قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: أول من يرد علي الحوض أهل بيتي، ومن أحبني (أحبهم؟) من أمتي.

كيف طبقت الخلافة القرشية سنة النبي فيهم

جعلت الخلافة لعنهم علي المنابر فريضة!

في صحيح مسلم: 7/120

عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما منعك أن تسب أبا تراب؟!

فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(ص)فلن أسبه! لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم!

سمعت رسول الله(ص)يقول له (وقد) خلفه في بعض مغازيه فقال له علي يا رسول الله خلفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول الله (ص): أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لا نبوة بعدي... الخ...

وذكره فتح الباري: 7/60، عن مسلم والترمذي وأبي يعلي.

وفي مستدرك الحاكم: 3/121

عن بن أبي مليكة عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام فسب علياً عند ابن عباس فحصبه ابن عباس فقال: يا عدو الله آذيت رسول الله صلي الله عليه وآله. إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذاباً مهينا. لو كان رسول الله صلي الله عليه وآله حياً لاذيته. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.

ورواه الحاكم في: 1/36 ورواه الطبراني في الأوسط: 2/398، والصغير: 3982 والديلمي في فردوس الأخبار: 2/333 والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/425 و7/418 و580 - وابن حجر في الصواعق المحرقة/174

وابن العربي في

شرح الترمذي: 4 جزء 8/318، وقال: رواه غير واحد عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، عن علي بن حسين، عن النبي مرسلاً، وهذا أصح.

ورواه في بحار الأنوار: 27/225

و أجبرت المسلمين علي أن يكونوا نواصب

في الخطط السياسية للمحامي أحمد حسين يعقوب/107

خليفة المسلمين معاوية يرعي الرواية والرواة:

قال ابن أبي الحديد في شرح النهج: 3/595:

روي أبو الحسن علي بن محمد بن أبي سيف المدائني في كتاب الأحداث قال: كتب معاوية نسخةً واحدة إلي عماله بعد عام الجماعة:

أن برئت الذمة ممن روي شيئاً من فضل أبي تراب (يعني الإمام علي) وأهل بيته. (يعني أهل بيت النبوة الكرام) فقامت الخطباء في كل كورة وعلي كل منبر يلعنون علياً، ويبرؤون منه، ويقعون فيه، وفي أهل بيته، وكان أشد الناس بلاء حينئذ أهل الكوفة، لكثرة من بها من شيعة علي عليه السلام، فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم إليه البصرة، فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي، فقتلهم تحت كل حجر ومدر وأخافهم، وقطع الأيدي والأرجل، وسمل العيون، وصلبهم علي جذوع النخل، وطردهم وشردهم عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم.

مرسوم آخر لخليفة المسلمين معاوية

ويضيف المدائني بالحرف:

وكتب معاوية إلي عماله في جميع الآفاق أن لا يجيزوا لاحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة!

وكتب إليهم: أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان، ومحبيه وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا لي بكل ما يروي كل رجل منهم واسمه واسم أبيه وعشيرته.

ففعلوا ذلك حتي أكثروا من فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكسا والحبا والقطائع، ويفيضه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كل مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجئ أحد من الناس عاملاً من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلا كتب اسمه وقربه وشفعه!

فلبثوا بذلك حيناً.

مرسوم ثالث لخليفة المسلمين معاوية

كتب معاوية إلي عماله: إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر، وفي كل وجه وناحية، فإذا جاكم كتابي هذا فادعوا الناس إلي الرواية في فضائل الصحابة، والخلفاء الأوليين، ولا تتركوا خبراً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب الا وتأتوني بمناقض له في الصحابة، فإن هذا أحب إلي وأقر لعيني، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضله!

فقرئت كتبه علي الناس، فرويت أخبار كثيرةٌ في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجد الناس في رواية ما يجري هذا المجري، حتي أشاروا بذكر ذلك علي المنابر، وألقي إلي معلمي الكتاتيب، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتي رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن، وحتي علموا بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك ماشاء الله.

مرسوم رابع لخليفة المسلمين معاوية

ثم كتب معاوية نسخةً واحدةً إلي جميع البلدان: انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب علياً وأهل بيته فامحوه من الديوان، وأسقطوا عطاءه ورزقه!

وشفع ذلك بنسخة أخري: من اتهمتموه بموالاة هولاء القوم فنكلوا به واهدموا داره!

فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه بالعراق، ولا سيما الكوفة، حتي أن الرجل من شيعة علي ليأتيه من يثق به فيدخل بيته، فيلقي إليه سره، ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه حتي يأخذ عليه الإيمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث كثير موضوع وبهتان منتشر.. ومضي علي ذلك الفقها والقضاة والولاة!!

وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراؤون والمستضعفون، الذين يظهرون الخشوع والنسك، فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند ولاتهم، ويقربوا مجالسهم، ويصيبوا به الاموال والضياع والمنازل، حتي انتقلت تلك الأخبار، والأحاديث إلي أيدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق! ولو علموا

أنها باطلة لما رووها ولا تدينوا بها. فلم يزل الأمر كذلك حتي مات الحسن بن علي، فازداد البلاء والفتنة، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائفٌ علي دمه، أو طريدٌ في الأرض.

تفاقم الأمر:

ويضيف بن أبي الحديد نقلاً عن المدائني: ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين وولي عبدالملك بن مروان، فاشتد البلاء علي الشيعة، وولي عليهم الحجاج بن يوسف، فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي وموالاة أعدائه! وموالاة من يدعي من الناس أنهم أيضاً من أعدائه، فأكثروا من الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم، وأكثروا من الغض من علي وعيبه والطعن فيه والشنآن له، حتي أن انساناً وقف للحجاج ويقال إنه جد الاصمعي عبد الملك بن قريب، فصاح به: أيها الأمير إن أهلي عقوني فسموني علياً، وإني فقير بائس، وأنا إلي صلة الأمير محتاج، فتضاحك له الحجاج، وقال: للطف ما توسلت به، قد وليتك كذا!

وتابع ابن أبي الحديد قائلاً: وقد روي ابن عرفة المعروف بنفطويه، وهو من أكابر المحدثين وأعلامهم، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر، وقال: إن اكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيام بني أمية، تقرباً اليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم!! انتهي.

أما الدولة العباسية فقد واصلت السياسة الأموية في اضطهاد أهل البيت عليهم السلام، واضطهاد محبيهم ورواة فضائلهم، وأعطت للنواصب ووضاعي الأحاديث نفس المكانة المحترمة التي كانت لهم عند الخلافة الأموية!

وثقافة المسلمين السنيين إنما تكونت في ظل هاتين الدولتين.. ولذا صار من المألوف أن تقرأ فيها مثل هذه النص (أسد بن وداعة شامي تابعي ناصبي كان يسب علياً، وكان عابداً، وثقه النسائي!) الغدير: 5/294

وفي النصائح الكافية لمحمد بن عقيل/22

وهؤلاء هم الذين قال فيهم الإمام أحمد رحمه الله لما سئل عن معاوية: إن قوماً أبغضوا علياً فتطلبوا له عيباً فلم يجدوا، فعمدوا إلي رجل قد ناصبه العداوة فأطروه كيداً لعلي!!

وفي كتاب الإمام الصادق والمذاهب الأربعة: 2/277

قال الرياشي: سمعت محمد بن عبد الحميد قال: قلت لابن أبي حفصة: ما أغراك ببني علي؟!

قال: ما أحد أحب إلي منهم، ولكن لم أجد شيئاً أنفع عند القوم منه! أي من بغضهم والتحامل عليهم! وكان ابن أبي حفصة يتحامل علي آل علي، ويكثر هجاءهم طمعاً بجوائز العباسيين!! انتهي.

ولا نطيل بذكر الشواهد الكثيرة علي هذه السياسة المؤذية لله تعالي ولرسوله صلي الله عليه وآله وقد أفرد السيد محمد بن عقيل الحضرمي كتاباً لتعصبات علماء الجرح والتعديل ضد أهل البيت (عليهم السلام)ومحبيهم، سماه (العتب الجميل علي أهل الجرح والتعديل).

ولم يؤثر ذلك في كل الناس:

في العقد الفريد لإبن عبد ربه: 5/156

انتقص ابن حمزة بن عبد الله بن الزبير علياً فقال له أبوه... أما تري علياً وما يظهر بعض الناس من بغضه ولعنه علي المنابر فكأنما والله يأخذون بناصيته رفعاً إلي السماء، وما تري بني مروان وما يندبون به موتاهم من المدح... فكأنما يكشفون عن الجيف!!

بعض ما ورد عن المقياس النبوي في مصادرن

روي الكليني في الكافي: 8/93

عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال: لله عز وجل في بلاده خمس حرم: حرمة رسول الله صلي الله عليه وآله وحرمة آل رسول الله عليهم السلام، وحرمة كتاب الله عز وجل، وحرمة كعبة الله، وحرمة المؤمن.انتهي.

وروي نحوه في مجمع الزوائد: 1/266، عن أبي سعيد الخدري، قال قال رسول الله (ص): إن لله عز وجل حرمات ثلاث، من حفظهن حفظ الله له أمر

دينه ودنياه، ومن لم يحفظهن لم يحفظ الله له شيئاً: حرمة الإسلام، وحرمتي، وحرمة رحمي.

وفي معاني الأخبار للصدوق/58

حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال: حدثنا عبد العزيز بن يحيي الجلودي بالبصرة قال: حدثني المغيرة بن محمد، قال: حدثنا رجاء بن سلمة، عن عمرو بن شمر، عن جابر الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام)قال:

خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه بالكوفة بعد منصرفه من النهروان، وبلغه أن معاوية يسبه ويلعنه ويقتل أصحابه، فقام خطيباً، فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي رسول الله صلي الله عليه وآله، وذكر ما أنعم الله علي نبيه وعليه، ثم قال:

لولا آية في كتاب الله ما ذكرت ما أنا ذاكره في مقامي هذا، يقول الله عز وجل: وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ. اللهم لك الحمد علي نعمتك التي لا تحصي، وفضلك الذي لا ينسي.

يا أيها الناس: إنه بلغني ما بلغني، وإني أراني قد اقترب أجلي، وكأني بكم وقد جهلتم أمري، وإني تارك فيكم ماتركه رسول الله صلي الله عليه وآله: كتاب الله وعترتي، وهي عترة الهادي إلي النجاة خاتم الأنبياء، وسيد النجباء، والنبي المصطفي.

يا أيها الناس:

لعلكم لا تسمعون قائلاً يقول مثل قولي بعدي إلا مفتر، أنا أخو رسول الله، وابن عمه، وسيف نقمته، وعماد نصرته وبأسه وشدته.

أنا رحي جهنم الدائرة، وأضراسها الطاحنة، أنا موتم البنين والبنات، أنا قابض الأرواح، وبأس الله الذي لا يرده عن القوم المجرمين.

أنا مجدل الأبطال، وقاتل الفرسان، ومبير من كفر بالرحمن، وصهر خير الأنام.

أنا سيد الأوصياء، ووصي خير الأنبياء، أنا باب مدينة العلم، وخازن علم رسول الله ووارثه،

وأنا زوج البتول سيده نساء العالمين فاطمة التقية، ومن ولدي مهدي هذه الأمة.

ألا وقد جعلت محنتكم.. ببغضي يعرف المنافقون، وبمحبتي امتحن الله المؤمنين هذا عهد النبي الأمي الي أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق.

وأنا صاحب لواء رسول الله صلي الله عليه وآله في الدنيا والآخرة، ورسول الله فرطي، وأنا فرط شيعتي، والله لا عطش محبي، ولا خاف وليي. وأنا ولي المؤمنين، والله وليي.

حسب محبي أن يحبوا ما أحب الله، وحسب مبغضي أن يبغضوا ما أحب الله.

ألا وإنه بلغني أن معاوية سبني ولعنني. اللهم اشدد وطأتك عليه، وأنزل اللعنة علي المستحق، آمين رب العالمين، رب إسماعيل وباعث إبراهيم. إنك حميد مجيد.

وفي أمالي الصدوق/269

عن ابن عباس قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا سيد الأنبياء والمرسلين، وأفضل من الملائكة المقربين، وأوصيائي سادة أوصياء النبيين والمرسلين، وذريتي أفضل ذريات النبيين والمرسلين، وأصحابي الذين سلكوا منهاجي أفضل أصحاب النبيين والمرسلين، وابنتي فاطمة سيدة نساء العالمين، والطاهرات من أزواجي أمهات المؤمنين، وأمتي خير أمة أخرجت للناس، وأنا أكثر النبيين تبعاً يوم القيامة، ولي حوضٌ عرضه ما بين بصري وصنعاء، فيه من الأباريق عدد نجوم السماء، وخليفتي علي الحوض يومئذ خليفتي في الدنيا.

فقيل: ومن ذاك يا رسول الله؟

قال: إمام المسلمين وأمير المؤمنين ومولاهم بعدي علي بن أبي طالب، يسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه كما يذود أحدكم الغريبة من الابل عن الماء.

ثم قال صلي الله عليه وآله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد علي حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة، ومن أبغض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة،

واختلج دوني، وأخذ به ذات الشمال إلي النار.

وفي رواية قال: جاء رجل إلي النبي(ص)فقال: يا رسول الله أكل من قال: لا إله إلا الله مؤمن؟

قال: إن عداوتنا تلحق باليهود والنصاري! إنكم لا تدخلون الجنة حتي تحبوني، وكذب من زعم أنه يحبني ويبغض هذا، يعني علياً.

وفي أمالي الصدوق/134

وفي حديث علي بن أبي طالب قال: بينا أنا وفاطمة والحسن والحسين عند رسول الله صلي الله عليه وآله إذ التفت إلينا فبكي فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟

فقال: أبكي مما يصنع بكم بعدي!

فقلت: وما ذاك يارسول الله؟

قال: أبكي من ضربتك علي القرن، ولطم فاطمة خدها، وطعنة الحسن في الفخذ والسم الذي يسقي، وقتل الحسين!

قال: فبكي أهل البيت جميعاً، فقلت يا رسول الله، ما خلقنا ربنا إلا للبلاء.

قال: أبشر يا علي، فإن الله عز وجل قد عهد إلي أنه لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق.

وفي أمالي الصدوق/89

وقوله صلي الله عليه وآله: حرب علي حرب الله، وسلم علي سلم الله.

وقوله صلي الله عليه وآله: ولي علي ولي الله، وعدو علي عدو الله.

وقوله صلي الله عليه وآله: علي حجة الله، وخليفته علي عباده.

وقوله صلي الله عليه وآله: حب علي إيمان، وبغضه كفر.

وقوله صلي الله عليه وآله: حزب علي حزب الله، وحزب أعدائه حزب الشيطان.

وقوله صلي الله عليه وآله: علي مع الحق والحق معه لا يفترقان حتي يردا علي الحوض

وقوله صلي الله عليه وآله لعلي: قسيم النار والجنة.

وقوله صلي الله عليه وآله: من فارق علياً فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله عز وجل.

وقوله صلي الله عليه وآله: شيعة علي هم

الفائزون يوم القيامة.

وفي أمالي المفيد/169

في حديث أبي ذر الغفاري قال: رأيت رسول الله وقد ضرب كتف علي بن أبي طالب عليه السلام بيده، وقال:

يا علي: من أحبنا فهو العربي، ومن أبغضنا فهو العلج.

شيعتنا أهل البيوتات والمعادن والشرف، ومن كان مولده صحيحاً، وما علي ملة إبراهيم عليه السلام إلا نحن وشيعتنا، وسائر الناس منها براء!

وإن لله ملائكة يهدمون سيئات شيعتنا كما يهدم القدوم البنيان.

وفي أمالي المفيد/213

عن الإمام الصادق عن آبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله لعلي: ياعلي أنت مني وأنا منك، وليك ولي وولي ولي الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله.

يا علي: أنا حرب لمن حاربك، وسلم لمن سالمك، ياعلي لك كنز في الجنة، لا يدخل الجنة إلا من عرفك وعرفته، ولا يدخل النار إلا من أنكرك وأنكرته.

يا علي: أنت والأئمة من ولدك علي الأعراف يوم القيامة تعرف المجرمين بسيماهم والمؤمنون بعلاماتهم.

يا علي: لولاك لم يعرف المؤمنون بعدي.

وفي الغدير: 10/159

لما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فخطب ونال من ابن علي ومن علي!

فقام الحسن فحمد الله وأثني عليه، ثم قال:

إن الله عز وجل لم يبعث بعثاً إلا جعل له عدواً من المجرمين، فأنا ابن علي وأنت ابن صخر، وأمك هند وأمي فاطمة، وجدتك قتيلة وجدتي خديجة، فلعن الله ألامنا حسباً، وأخملنا ذكراً، وأعظمنا كفراً، وأشدنا نفاقاً!

فصاح أهل المسجد: آمين آمين. فقطع معاوية خطبته ودخل منزله!

وفي لفظ: خطب معاوية بالكوفة حين دخلها، والحسن والحسين رضي الله عنهما جالسان تحت المنبر، فذكر علياً عليه السلام فنال منه ثم نال من الحسن، فقام الحسين ليرد عليه، فأخذه الحسن بيده

فأجلسه، ثم قام فقال:

أيها الذاكر علياً! أنا الحسن وأبي علي، وأنت معاوية وأبوك صخر، وأمي فاطمة وأمك هند، وجدي رسول الله وجدك عتبة بن ربيعة، وجدتي خديجة، وجدتك قتيلة! فلعن الله أخملنا ذكراً، وألامنا حسباً، وشرنا قديماً وحديثاً، وأقدمنا كفراً ونفاقاً. فقال طوائف من أهل المسجد: آمين.

مقاتل الطالبيين ص22، وشرح ابن ابي الحديد ج4 ص12، وجمهرة الرسائل: 2/9 و50

بعض ما ورد في مصادرنا في عدم شمول الشفاعة للنواصب

في بصائر الدرجات/52

حدثنا سلام بن أبي عمرة الخراساني، عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله عليه السلام، عن أبيه أنه قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

من أراد أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويدخل جنة ربي جنة عدن غرسة ربي، فليتول علي بن أبي طالب، وليعاد عدوه، وليأتم بالأوصياء من بعده، فإنهم أئمة الهدي من بعدي، أعطاهم الله فهمي وعلمي، وهم عترتي من لحمي ودمي. إلي الله أشكو من أمتي المنكرين لفضلهم، القاطعين فيهم صلتي!

وأيم الله ليقتلن ابني-يعني الحسين-لا أنالهم الله شفاعتي. ورواه في الإمامة والتبصرة/41. وتقدم في المكذبين بفضلهم.

وفي الطبراني الكبير: 5/194 ومجمع الزوائد: 9/180

عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله (ص): من أحب أن يحيا حياتي، ويموت موتتي، ويسكن جنة الخلد التي وعدني ربي، فإن ربي غرس قصباتها بيده، فليتول علي بن أبي طالب، فإنه لن يخرجكم من هدي، ولن يدخلكم في ضلالة. انتهي.

ولا بد إذا صح الحديث أن يكون قوله (فإن ربي غرس قصباتها بيده) مجازياً لأجل بيان أهمية جنة الخلد، وأنها من خاص عطاء الله تعالي.

وفي المحاسن: 1/186

عنه، عن أبيه، عن النضر بن سويد، عن يحيي الحلبي، عن أبي المغرا، عن أبي بصير، عن علي الصائغ، قال: قال

أبو عبد الله عليه السلام: إن المؤمن ليشفع لحميمه إلا أن يكون ناصباً، ولو أن ناصباً شفع له كل نبي مرسل وملك مقرب ما شفعوا.

ورواه في ثواب الأعمال /203، والمحاسن /184، والبحار: 8/41، ونحوه في بشارة المصطفي للطبري الشيعي/38

بعض ما ورد في مصادرنا في أحكام التعامل مع النواصب

في الكافي: 5/348

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: لا يتزوج المؤمن الناصبة المعروفة بذلك. عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال له الفضيل: أتزوج الناصبة؟ قال: لا، ولا كرامة.

قلت: جعلت فداك، والله إني لاقول لك هذا، ولو جاءتني ببيت ملان دراهم ما فعلت.

وفي الكافي: 5/349

عن عبد الله بن سنان قال: سألت أبا عبد الله عن الناصب الذي قد عرف نصبه وعداوته، هل نزوجه المؤمنة، وهو قادرٌ علي رده، وهو لا يعلم برده؟

قال: لا يزوج المؤمن الناصبة، ولا يتزوج الناصب المؤمنة، ولا يتزوج المستضعف مؤمنة.

وفي الكافي: 5/351

عن عبد الله بن سنان، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سأله أبي وأنا أسمع عن نكاح اليهودية والنصرانية، فقال: نكاحهما أحب إلي من نكاح الناصبية، وما أحب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية، مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر.

وفي الكافي: 3/133

عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن عبد العزيز العبدي، عن ابن أبي يعفور قال: كان خطاب الجهني خليطاً لنا وكان شديد النصب لآل محمد (عليهم السلام)، وكان يصحب نجدة الحروري!

قال: فدخلت عليه أعوده للخلطة والتقية، فإذا هو مغمي عليه في حد الموت، فسمعته يقول: مالي ولك يا علي!! فأخبرت بذل أبا عبد الله فقال أبو عبد الله: رآه ورب الكعبة، رآه ورب الكعبة!

وفي الكافي: 4/309

عن وهب بن عبد ربه

قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيحج الرجل عن الناصب؟

فقال: لا.

فقلت: فإن كان أبي؟

قال: فإن كان أباك فنعم.

وفي وسائل الشيعة: 1/158

عن أبي الحسن الرضا عليه السلام (في حديث) قال: من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فأصابه الجذام، فلا يلومن إلا نفسه.

فقلت لابي الحسن عليه السلام: إن أهل المدينة يقولون: إن فيه شفاء من العين، فقال: كذبوا، يغتسل فيه الجنب من الحرام، والزاني، والناصب الذي هو شرهما و (شر) كل من خلق الله، ثم يكون فيه شفاء من العين؟!!

وفي وسائل الشيعة: 1/165

عن أبي عبد الله عليه السلام أنه كره سؤر ولد الزنا، وسؤر اليهودي والنصراني، والمشرك وكل من خالف الإسلام، وكان أشد ذلك عنده سؤر الناصب.

وفي الهداية للصدوق/26

إذا صليت علي ناصب، فقل بين التكبيرة الخامسة: أللهم اخز عبدك في عبادك وبلادك، أللهم أصله أشد نارك، وأذقه حر عذابك، فإنه كان يوالي أعداءك ويعادي أولياءك، ويبغض أهل بيت نبيك. فإذا رفع فقل: اللهم لا ترفعه ولا تزكه.

النصب يجر إلي التجسيم

في تنزيه الأنبياء للشريف المرتضي/177

مسألة: فإن قيل: فما معني الخبر المروي عن النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته. وهذا خبر مشهور لا يمكن تضعيفه ونسبته إلي الشذوذ؟

الجواب: قلنا أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه، فإن راويه قيس بن أبي حازم، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره مع استمراره علي رواية الأخبار، وهذا قدحٌ لا شبهة فيه، لأن كل خبر مروي عنه لا يعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً، لأنه لا يؤمن أن يكون مما سمع منه في حال

الإختلال، وهذه طريقة في قبول الأخبار وردها ينبغي أن تكون أصلاً ومعتبراً فيمن علم منه الخروج، ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.

علي أن قيساً لو سلم من هذا القدح كان مطعوناً فيه من وجه آخر، وهو أن قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والإنحراف عنه، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة يقول: انفروا إلي بقية الأحزاب، فأبغضته حتي اليوم في قلبي. إلي غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لا شك في عدالته.

فضل العلماء الذين يدفعون شبهات النواصب

في الصراط المستقيم للبياضي: 3/56

عن الهادي عليه السلام: لولا من يبقي بعد غيبة قائمكم من العلماء الدالين عليه، والداعين إليه، والذابين عن دينه بحجج الله.. ولكنهم الذين يمسكون أزمة قلوب ضعفاء الشيعة، كما يمسك صاحب السفينة سكانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل. (وهو في الإحتجاج للطبرسي: 1/15)

وقال علي عليه السلام: من قوي مسكيناً في دينه، ضعيفاً في معرفته، علي ناصب مخالف فأفحمه، لقنه الله يوم يدلي في قبره أن يقول: الله ربي، ومحمد نبيي، وعلي وليي، والكعبة قبلتي، والقرآن عدتي، والمؤمنون إخواني.

فيقول الله أدليت بالحجة، فوجبت لك عالي درجات الجنة، فعند ذلك يتحول عليه قبره أنزه رياض الجنة.

وقال الرضا عليه السلام: أفضل ما يقدمه العالم من محبينا ليوم فقره ومسكنته أن يعين في الدنيا مسكيناً من يد ناصب عدو لله ورسوله يقوم من قبره والملائكة صفوف إلي محل من الجنان، فيحملونه علي أجنحتهم، ويقولون: طوباك طوباك يا دافع الكلاب عن الأبرار، ويا أيها المتعصب للأئمة الأخيار.

وفي الإحتجاج للطبرسي: 1/16

وعنه عليه السلام قال: يأتي علماء شيعتنا القوامون بضعفاء محبينا

وأهل ولايتنا يوم القيامة والأنوار تسطع من تيجانهم، علي رأس كل واحد منهم تاج بهاء، قد انبثت تلك الأنوار في عرصات القيامة ودورها مسيرة ثلاثمائة ألف سنة، فشعاع تيجانهم ينبث فيها كلها، فلا يبقي هناك يتيم قد كفلوه ومن ظلمة الجهل علموه ومن حيرة التيه أخرجوه، إلا تعلق بشعبة من أنوارهم، فرفعتهم إلي العلو حتي تحاذي بهم فوق الجنان، ثم ينزلهم علي منازلهم المعدة في جوار أستاتيذهم ومعلميهم، وبحضرة أئمتهم الذين كانوا اليهم يدعون.

ولا يبقي ناصبٌ من النواصب يصيبه من شعاع تلك التيجان إلا عميت عينه وأصمت أذنه وأخرس لسانه، وتحول عليه أشد من لهب النيران، فيحملهم حتي يدفعهم إلي الزبانية فيدعونهم إلي سواء الجحيم.

شفاعة النبي يوم القيامة بيد أهل بيته

تقدم في الفصول السابقة من السنيين عن أويس القرني أنه يشفع لمثل ربيعة ومضر وتميم.

وعرفت أن أويساً ما كان إلا شيعياً مخلصاً لأهل البيت عليهم السلام، وأنه بايع أمير المؤمنين عليه السلام علي بذل مهجته دونه، واستشهد تحت رايته في صفين.

وإذا كان أويس صاحب هذه الشفاعة الكبيرة، فكيف تكون شفاعة علي الذي فداه بنفسه؟!

ثم كيف لا تكون لأهل البيت عليهم السلام شفاعةٌ مميزة، وقد نصت الأحاديث الصحيحة علي أن الجنة والشفاعة محرمةٌ علي مبغضيهم وظالميهم، كما عرفت!

إن الذين يستكثرون الشفاعة علي أهل البيت عليهم السلام، إنما يقفلون أعينهم عمداً عن المقام المميز الذي ثبت لهم بالأحاديث الصحيحة في مصادر الجميع.. أو يحسدون أهل بيت نبيهم علي ما فضلهم به ربهم، صلي الله عليه وعليهم.

ثم اعجب لهؤلاء المستكثرين للشفاعة علي أهل بيت نبيهم، وهم يعلمون أن جدهم رسول الله صلي الله عليه وآله هو رئيس المحشر يوم القيامة، وصاحب الشفاعة الكبري فيه وصاحب حوض

الكوثر.. وذلك ملكٌ عظيم يحتاج إلي من يديره، وينفذ فيه أوامر النبي وتوجيهاته.. فمن يكون هؤلاء المنفذون غير أهل بيته الأطهار، ومعهم ملائكة الله تعالي؟!

وفيما يلي نورد أحاديث تدل علي مقامهم وشفاعتهم من مصادر الطرفين:

علي صاحب لواء النبي يوم القيامة

روت بعض صحاح إخواننا أحاديث لواء الحمد، وهو لواء رئاسة المحشر، الذي يعطيه الله لرسوله يوم القيامة.

ولكن هذا اللواء بقي في الصحاح بلا أحد يحمله!

والسبب في ذلك أن حامله علي عليه السلام، وأحاديثه تضمنت فضائل له، وتعريضاً بالصحابة، وهي أمورٌ لا يتحملها الخلفاء، فتركها رواة الخلافة!!

ماذا روت الصحاح عن رئاسة المحشر و لواء الحمد؟

أما البخاري فلم يرو أن النبي صلي الله عليه وآله سيد ولد آدم يوم المحشر، ولا أنه يعطي لواء الحمد، ولا أنه يكون أول شافع!

فالبخاري قلد كعب الأحبار الذي زعم أن الشافع الأول هو ابراهيم أو اسحاق، كما بينا ذلك في المجلد الثالث!

ولذا أعطي مقام الشفاعة الأول لأنبياء اليهود، وأبقي المحشر بلا رئيس ولا لواء! ولعل أمر المحشر عنده يحتاج إلي سقيفة قرشية لإختيار رئيس له!!

وأما مسلم فقد روي في صحيحه: 7/59

عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع.

ونحوه في ابن ماجة: 2 /1440، وأبي داود: 2/407

وأما الترمذي فروي حديث لواء الحمد في: 4/294:

عن أبي سعيد قال: قال رسول الله (ص): أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر، وبيدي لواء الحمد ولا فخر، وما من نبي يومئذ آدم فمن سواه إلا تحت لوائي، وأنا أول من تنشق عنه الأرض، ولا فخر.

ورواه بصيغ أخري في: 4/370، وفي: 5/245 و247 و248

أما أحاديث أن علياً حامل لواء المحشر، وأنه الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله، فقد صارت من نصيب المصادر البعيدة عن رقابة الخلافة!

ولابأس بذلك، لأن بعض هذه المصادر أقدم من الصحاح الستة، وكل مصنفيها محترمون موثقون عند السنيين، وبعضهم شيوخ

أصحاب الصحاح!

وقد أورد الأميني في الغدير: 2/321، عدداً من هذه الأحاديث، وذكر فيها لواء الحمد والسقاية علي الحوض معاً.. ونحن نورد ما فيه ذكر اللواء، مما ذكره في الغدير، وغيره:

ففي مناقب الصحابة لاحمد بن حنبل/661

حدثنا محمد بن هشام بن البختري، ثنا الحسين بن عبيد الله العجلي، ثنا الفضيل بن الإستثناء، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (ص): أعطيت في علي خمساً هن أحب إلي من الدنيا وما فيها:

أما واحدة: فهو تكأتي إلي بين يدي، حتي يفرغ من الحساب.

وأما الثانية: فلواء الحمد بيده، آدم عليه السلام ومن ولد تحته.

وأما الثالثة: فواقفٌ علي عقر حوضي يسقي من عرف من أمتي.

وأما الرابعة: فساتر عورتي ومسلمي إلي ربي.

وأما الخامسة: فلست أخشي عليه أن يرجع زانياً بعد إحصان أو كافراً بعد إيمان.

ورواه أبو نعيم في الحلية: 10 ص211 والطبري المؤرخ في الرياض النضرة 2/203 ورواه في كنز العمال 6/403

وفي مناقب الخوارزمي/203: عن علي قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ياعلي؟ سألت ربي عز وجل فيك خمس خصال فأعطاني: أما الأولي: فإني سألت ربي: أن تنشق عني الأرض وانفض التراب عن رأسي وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثانية: فسألته أن يوقفني عند كفة الميزان وأنت معي، فأعطاني.

وأما الثالثة: فسألته أن يجعلك حامل لوائي وهو لواء الله الأكبر، عليه المفلحون والفائزون بالجنة، فأعطاني.

وأما الرابعة: فسألت ربي أن تسقي أمتي من حوضي فأعطاني.

وأما الخامسة: فسألت ربي أن يجعلك قائد أمتي إلي الجنة فأعطاني. فالحمد لله الذي من به علي. انتهي.

ورواه في فرائد السمطين في الباب الثامن عشر، وفي كنز العمال 6/402.

وفي الدر

المنثور: 6/379

أخرج ابن مردويه عن علي قال: قال لي رسول الله (ص): ألم تسمع قول الله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية، أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب، تدعون غراً محجلين.

وفي الطبراني الصغير: 2/88

عن عبد الله بن عكيم الجهني قال: قال رسول الله (ص): إن الله عز وجل أوحي إلي في علي بن أبي طالب ثلاثة أشياء ليلة أسري بي: إنه سيد المؤمنين وإمام المتقين، وقائد الغر المحجلين. انتهي.وروي نحوه الحاكم: 3/138، عن أسعد بن زرارة، وقال: إسناده صحيح.

ومعني قائد الغر المحجلين: أن علياً عليه السلام صاحب لواء أهل الجنة.

وفي الطبراني الكبير: 2/247

عن جابر: قالوا يارسول الله، من يحمل رايتك يوم القيامة؟

قال: من يحسن أن يحملها إلا من حملها في الدنيا، علي بن أبي طالب.

وفي فردوس الأخبار: 5/8346

عن أبي بن كعب أن النبي(ص)قال لعلي: يا علي أنت تغسل جثتي، وتؤدي ذمتي وتواريني في حفرتي، وتفي بذمتي، وأنت صاحب لوائي في الدنيا والآخرة.

وفي كنز العمال: 13/145

عن ابن عباس قال قال رسول الله(ص)لعلي: أنت أمامي يوم القيامة فيدفع إلي لواء الحمد فأدفعه إليك، وأنت تذود الناس عن حوضي (ابن عساكر، وقال: فيه أبو حذيفة إسحاق بن بشر، ضعيف) انتهي. ورواه في إحقاق الحق: 6/179، عن أرجح المطالب/662، ط. لاهور.

وفي إحقاق الحق: 27/199

عن كتاب التبر المذاب لاحمد الحافي الشافعي/81:

قال الواقدي وهشام بن محمد: لما رآهم الحسين مصرين علي قتله، أخذ المصحف ونشره، ونادي: بيني وبينكم كتاب الله وسنة جدي رسول الله(ص)، بم تستحلون دمي؟ألست ابن بنت نبيكم؟ألم يبلغكم قول جدي في وفي أخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟!...

فبم تستحلون دمي وجدي الذائد علي الحوض يذود عنه رجالاً كما يذاد البعير الشارد عن الماء، ولواء الحمد بيد أبي يوم القيامة... الخ.

وفي كنز العمال: 11/625 وج 13/129

عن الخطيب والرافعي عن علي قال قال رسول الله (ص):

سألت الله يا علي فيك خمساً، فمنعني واحدة وأعطاني أربعاً: سألت الله أن يجمع عليك أمتي فأبي علي، وأعطاني فيك أنك أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة أنا وأنت معي، ومعك لواء الحمد أنت تحمله بين يدي تسبق به الأولين والآخرين، وأعطاني فيك أنك ولي المؤمنين بعدي.

وروي في كنز العمال:13/152، حديثين في الموضوع جاء في أولهما:

أن تسقي أمتي من حوضي، وأن يجعلك قائد أمتي إلي الجنة، فأعطاني.

وذكر أن ابن الجوزي والذهبي ضعفا هذا الحديث بعبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه، وقال: ولم أقف لهذا الرجل علي ترجمة، وللحديث الأخير شاهدٌ من حديث ابن عباس، إلا أن ابن الجوزي أورده في الموضوعات، وللحديث الأول شاهد. انتهي.

فقد مال إلي تصحيح الحديثين بشواهدهما، وهو أمر متفق عليه في علم الحديث وكم من حديث ضعيف عندهم صححوه بشواهده.

ولكنه لم يذكر شواهدهما! ومن عادة المعتدلين السنيين أنهم لا يحبون أن يفتحوا نقاشاً صريحاً مع المتعصبين.

والأحاديث التي أوردناها من مصادرهم كافية للشهادة لهما، وفيها صحيحٌ سالم بشهادتهم!!

ويفهم من كلام صاحب كنز العمال أيضاً أنه لا يأخذ بتضعيفات ابن الجوزي والذهبي لأحاديث فضائل أهل البيت (عليهم السلام).

أما مصادرنا فقد تواترت فيها أحاديث أن لواء الحمد يكون بيد علي عليه السلام:

ففي أمالي الصدوق/61

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

يا علي أنت أخي ووزيري، وصاحب

لوائي في الدنيا والآخرة، وأنت صاحب حوضي، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني.

وفي بشارة المصطفي للطبري الشيعي/125

بسنده عن الحسين بن علي قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي أنت المظلوم بعدي، فويل لمن قاتلك وطوبي لمن قاتل معك...

يا علي أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي...

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة، الشقة منه أوسع من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبي في الجنة، أصلها في دارك وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك. انتهي. وروي نحوه في 220

علي آمر السقاية علي حوض النبي يوم القيامة

حوض النبي صلي الله عليه وآله أو حوض الكوثر، قضيةٌ كبيرة يوم القيامة.. فهو عين الحياة في أرض المحشر، يصب ماؤها من نهرين من أنهار الجنة، وكل الخلائق يحتاجون إلي الشرب منه، لأنه لا يمكن لاحد أن يدخل الجنة إلا بأن يشرب منه! ففي كنز العمال: 14 /420: ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض-حم، د، ك، عن زيد بن أرقم. انتهي.

والشربة منه تروي الإنسان رياً أبدياً، فلا يظمأ بعدها أبداً.. ويبدو أنها تؤثر علي التركيب الفيزيائي لبدن الإنسان، فتجعله صالحاً للحياة في الجنة.

وقد خص الله به سيد المرسلين صلي الله عليه وآله، وجعل أمره بيده ويد أهل بيته الطاهرين، فلا يشرب أحد منه إلا ببطاقة منهم!!

كما أن أحاديث حوض الكوثر قضيةٌ كبيرة أيضاً في مصادر المسلمين!

ونشكر الله أنها بقيت في الصحاح ولم تحذف منها!لانها كانت

مهددة بالنسيان والحذف!! بسبب أن النبي صلي الله عليه وآله في آخر سنة من عمره الشريف ركز علي العقيدة بالحوض، خاصة في خطب حجة الوداع، وربطه بوصيته بالقرآن وأهل بيته الطاهرين، وأكد علي أن من لا يطيع وصيته فيهم يمنعه الله تعالي من ورود الحوض والشرب منه، وبالتالي من دخول الجنة.

وأخبر صلي الله عليه وآله أن أكثر أصحابه سوف يطردون عن الحوض، ولا يسمح لهم بالشرب منه!!!

فأحاديث الحوض تتضمن إذن: بيان مقام أهل البيت الطاهرين، والأمر باتباعهم، وأنهم ومحبيهم الواردون علي الحوض، والساقون عليه..

كما تتضمن ذم مبغضيهم ومخالفيهم، وأنهم مطرودون عن الحوض، ممنوعون من الورود عليه والشرب منه، حتي لو كانوا صحابة!!

محاولات الأمويين التكذيب بأحاديث الحوض

من الطبيعي أن ينزعج المنافقون والحاسدون لبني هاشم من هذا التأكيد النبوي، ولا بد أنهم كانوا يسخرون من عقيدة (حوض محمد وأهل بيته).

ولا نحتاج إلي تتبع سخريتهم في زمن النبي صلي الله عليه وآله، ولكنا نراها ظاهرة عند ورثتهم من الحكام الكبار في العهد الأموي، مثل عبيد الله بن زياد، الذي كان الحاكم المطلق للعراق وايران وما وراءها!!

ويبدو أنه كان يعمل لحذف عقيدة الحوض من الإسلام.. ولكن المؤمنين وقفوا في وجهه!

فقد ذكر الحاكم في المستدرك: 1/75

أن أبا سبرة بن سلمة الهذلي سمع ابن زياد يسأل عن الحوض حوض محمد! فقال: ما أراه حقاً! بعد ما سأل أبا برزة الاسلمي، والبراء بن عازب، وعائذ بن عمرو، قال: ما أصدق هؤلاء!! الخ.

وقال في: 1/78:

عن أنس قال دخلت علي عبيد الله بن زياد وهم يتراجعون في ذكر الحوض، قال فقال جاءكم أنس، قال يا أنس ما تقول في الحوض؟

قال قلت: ما حسبت أني أعيش حتي

أري مثلكم يمترون في الحوض!

لقد تركت بعدي عجائز ما تصلي واحدة منهن صلاة إلا سألت ربها أن يوردها حوض محمد صلي الله عليه وآله!!

هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين، ولم يخرجاه، وله عن حميد شاهد صحيح علي شرطهما... انتهي. وروي نحوه أبو يعلي في مسنده: 6/96

وروي البيهقي في الإعتقاد والهداية/84: عن أبي حمزة قال: دخل أبو برزة علي عبيد الله بن زياد فقال: إن محمدكم هذا لدحداح!!!

فقال: ما كنت أراني أن أعيش في قوم يعدون صحبة محمد(ص)عاراً!

قالوا: إن الأمير إنما دعاك ليسألك عن الحوض! فقال: عن أي باله: قال: أحقٌ هو:

قال: نعم، فمن كذب به فلا سقاه الله منه!! انتهي.

وقد يدافع النواصب عن هذه الروايات بأنها تتحدث عن حالة شخصية في ابن زياد، وليس عن اتجاه عند الخلافة الأموية وأنصارها.

ولكنه يجد أنها اتجاه وليست حالة شخصية! فهذا عمر بن عبد العزيز، وهو في مطلع القرن الثاني، أراد أن يتثبت من صحة أحاديث الحوض! أو يقنع بها بني أمية وأجواءهم في العاصمة! أو يواصل ما عمله الأمويون.. فأرسل إلي المدينة في إحضار صحابي كبير السن، لكي يسمع منه مباشرة حديث الحوض!!

فقد روي البيهقي في شعب الإيمان: 8/243

عن شعبة، أخبرنا أبو بكر بن فورك، أنا عبد الله بن جعفر، ثنا يونس بن حبيب، ثنا أبو داود، ثنا أبو عتبة، عن محمد بن المهاجر، عن عباس بن سالم اللخمي، أن ابن عبد العزيز بعث إلي أبي سلام الحبشي، وحمل علي البريد حتي قدم عليه فقال: إني بعثت إليك أشافهك حديث ثوبان في الحوض!

فقال أبو سلام: سمعت ثوبان يقول سمعت رسول الله(ص)يقول: حوضي من عدن أبين إلي عمان

البلقاء، أكوازه مثل عدد نجوم السماء، ماؤه أحلي من العسل، أشد بياضاً من اللبن، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، أول من يرد علي فقراء أمتي.

فقال عمر: يا رسول الله من هم؟قال: هم الشعث الرؤوس، الدنس الثياب الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم أبواب السدد.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء: 4/355

أبو سلام ممطور الحبشئ، ثم الدمشقي، الأسود الأعرج... استقدمه عمر بن عبد العزيز في خلافته إليه علي البريد، ليشافهه بما سمع من ثوبان في حوض النبي (ص)، فقال له: شققت علي. فاعتذر إليه عمر وأكرمه. توفي سنة نيف ومئة.

ندم أئمة المذاهب علي تدوين أحاديث الحوض

بل يدل النص التالي علي أن حساسية الدولة من أحاديث الحوض امتدت إلي زمن العباسيين، بسبب أن هذه الأحاديث تتضمن ذم الصحابة!!

فقد أعلن الإمام مالك ندمه علي تدوين حديث الحوض في كتابه الموطأ! الذي دونه بأمر المنصور العباسي ليكون الكتاب الرسمي الإلزامي للمسلمين!

وكان الإمام الشافعي يظهر تأسفه أيضاً لتدوين مالك لهذه الأحاديث، ولو كانت صحيحة!!

قال الصديق المغربي في فتح الملك العلي/151

حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت علي حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث!! وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء علي الصحابة إلا حديث الحوض، ووددنا أنه لم يذكره!! انتهي.

ويناسب هنا أن نتوسع قليلاث في سبب ندم الإمام مالك والشافعي:

فقد طلب العباسيون عندما كانوا يخططون لثورتهم من الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام)أن يتحالفوا معهم للاطاحة ببني أمية، فلم يستجب لهم الإمام جعفر الصادق عليه السلام، بينما استجاب لهم الحسنيون وتحالفوا معهم، وعينوا لحركتهم إماماً حسنياً، وبدؤوا فعاليتهم ضد الأمويين في الحجاز والعراق وخراسان، بشعار: يالثارات

الحسين، والدعوة إلي الخليفة المرضي من آل محمد، والبراءة من غاصبي حقهم من الشيخين والأمويين بعدهم!!

وما أن حققت ثورتهم انتصارات حاسمة علي يد أبي مسلم الخراساني، حتي اختلفوا مع حلفائهم الحسنيين، ونشبت بينهم معارك ضارية في الحجاز والعراق، انتصر فيها العباسيون وتفردوا بالحكم..

وهنا بدأ العباسيون بتغيير استراتيجيتهم الفكرية التي أخذوا البيعة عليها من الناس، فاستثنوا الشيخين أبا بكر وعمر من البراءة واللعن، وحصروه ببني أمية بمن فيهم عثمان!

ويدل ندم مالك علي وجود ذم الصحابة في كتابه، علي أنه ألفه قبل أن يتبلور التحول في خط الخلافة العباسية، ويعدلوا عن البراءة من الشيخين إلي تبني ولايتهما والتأكيد عليها..

ذلك أن العباسيين كانوا سياسيين ولم يكونوا علماء، وكانت المرجعية الدينية للمعارضة في الأئمة من أولاد علي عليه السلام.. فأراد العباسيون أن يتبنوا مرجعية دينية، غير أموية وغير علوية، فاختار أبو جعفر المنصور الإمام مالك، وطلب منه أن يؤلف كتاباً سهلاً ممهداً موطأً، لينشره في بلاد المسلمين ويلزمهم به، فألف له الموطأ ووضع فيه حديث الحوض الذي يذم الصحابة لأنه ينسجم مع خطهم الفكري، ونشرت الخلافة الكتاب، وأصدر المنصور قراره الذي ذهب مثلاً (لا يفتين أحد ومالك في المدينة).

ولكن ندم مالك، والشافعي، والخلافة العباسية لم ينفع، لأن حديث الحوض دخل في كتاب الخلافة الرسمي، وصار شاهداً لأحاديث الحوض الأخري التي سمعها الناس ورووها ودونوها!

بل صار ندمهم شاهداً تاريخياً قوياً علي صحة صدور هذه الأحاديث النبوية الخطيرة، وتأكيد خط أهل البيت (عليهم السلام) ومكانتهم في الإسلام!

وإذا لاحظنا أن البخاري ومسلماً قد ألفا صحيحيهما في عصر المتوكل العباسي وبعده، وأن بغض المتوكل لعلي وأهل البيت النبوي كان مشهوراً.. فينبغي أن نشكرهما لأنهما رويا شيئاً

من حديث الحوض الذي فيه إزراء علي الصحابة حسب تعبير الشافعي، ولا نكلفهما أن يرويا أن علياً عليه السلام هو الساقي علي حوض النبي صلي الله عليه وآله وأنه يذود عنه الكفار والصحابة المطرودين!

و النتيجة للمتأمل في أحاديث حوض الكوثر

أن موقف السلطة الأموية والعباسية لم يمنع من روايتها، ولكنه سبب أن يقلل الرواة منها ويتحاشوا ما كان شديداً علي الصحابة!!

وقد رأيت أن البخاري ومسلماً لم يرويا حديث أنس مع ابن زياد، وغيره مما هو صحيح علي شرطهما!!

وبذلك يصح أن تقدر أن ما روته مصادرهم من أحاديث طرد الصحابة الخائنين عن الحوض، ليس إلا جزءاً قليلاً منها!

علي أن عدداً من المصادر بدلت كلمة أصحابي بكلمة: أمتي، أو بكلمة: الناس! وتحاشت صحاحهم رواية الأحاديث التي تربط حوض الكوثر بأهل البيت النبوي ومحبيهم، وتجعلهم المؤمنين المقبولين، والغر المحجلين، الذين يوافون النبي علي حوضه، ويردون منه ويدخلون الجنة!!

نماذج من أحاديث الحوض والصحابة المطرودين

في البخاري: 7/207

عن عبد الله بن عمرو قال النبي (ص): حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من شرب منها فلا يظمأ أبداً.

وفي البخاري: 8/86

عن أسماء عن النبي(ص)قال: أنا علي حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس من دوني فأقول أمتي! فيقول: لا تدري مشوا علي القهقري. انتهي.

وفي البخاري: 2/975

عن ابن المسيب أن النبي(ص)قال: يرد عليَّ الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه! فأقول: يارب أصحابي؟! فيقول: فإنه لا علم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أعقابهم القهقري.

وفي مسلم: 1/150

عن أبي هريره قال: قال رسول الله (ص): ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه.قالوا يا نبي الله أتعرفنا؟

قال: نعم تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء. وليصد عني طائفةٌ منكم فلا يصلون، فأقول يارب هؤلاء من أصحابي؟! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!!

وفي مسلم: 7/70

عن أبي هريره أن النبي (ص) قال: لاذودن عن حوضي رجالاً كما

تذاد الغريبة من الإبل. ورواه أحمد في: 2/298، ورواه في المسند الجامع-تحقيق د. عواد: 3/343 و5/135 و18 /471، والبيهقي في البعث والنشور/125، ومجمع الزوائد: 10/665

وروي مسلم: 2/369، وأحمد: 5/390: عن عمار بن ياسر قال: أخبرني حذيفة عن النبي (ص) قال: في أصحابي اثنا عشر منافقاً، منهم ثمانيةٌ لا يدخلون الجنة حتي يلج الجمل في سم الخياط! انتهي.

وقد اهتم ابن حجر بحكم أحواض الإبل التي في الحديث فقال في فتح الباري: 5/33: وقوله لأذودن.. أي لاطردن، ومناسبته الترجمة من ذكره (ص) أن صاحب الحوض يطرد إبل غيره عن حوضه، ولم ينكر ذلك، فيدل علي الجواز. انتهي.

وروي ابن أبي شيبة في المصنف: 15/109

عن حذيفة قال: المنافقون الذين فيكم اليوم شرٌ من المنافقين الذين كانوا علي عهد رسول الله(ص)!

قال الراوي هو شقيق، قلت: يا أبا عبد الله وكيف ذاك؟!

قال: إن أولئك كانوا يسرون نفاقهم، وإن هؤلاء أعلنوه!!

وقال المفيد في الافصاح/50

وقال عليه السلام: أيها الناس، بينا أنا علي الحوض إذ مُر بكم زمراً، فتفرق بكم الطرق فأناديكم: ألا هلموا إلي الطريق، فيناديني مناد من ورائي: إنهم بدلوا بعدك، فأقول: ألا سحقاً، ألا سحقاً [1] .

وقال عليه السلام: ما بال أقوام يقولون: إن رحم رسول الله صلي الله عليه وآله لا تنفع يوم القيامة، بلي والله إن رحمي لموصولةٌ في الدنيا والآخرة، وإني أيها الناس فرطكم علي الحوض، فإذا جئتم قال الرجل منكم يارسول الله أنا فلانٌ بن فلان، وقال الآخر: أنا فلانٌ بن فلان، فأقول: أما النسب فقد عرفته، ولكنكم أحدثتم بعدي فارتددتم القهقري [2] .

وقال عليه السلام، وقد ذكر عنده الدجال:

أنا لفتنة بعضكم أخوف مني لفتنة الدجال

[3] .

وقال عليه السلام: إن من أصحابي من لا يراني بعد أن يفارقني [4] .

في أحاديث من هذا الجنس يطول شرحها، وأمرها في الكتب عند أصحاب الحديث أشهر من أن يحتاج فيه إلي برهان.

علي أن كتاب الله عز وجل شاهد بما ذكرناه، ولو لم يأت حديث فيه لكفي في بيان ما وصفناه.

قال الله سبحانه وتعالي: وما محمدٌ إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم علي أعقابكم؟! ومن ينقلب علي عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين.

فأخبر تعالي عن ردتهم بعد نبيه صلي الله عليه وآله علي القطع والثبات!

وفي فردوس الأخبار: 3/444

عن أنس بن مالك عن النبي (ص) قال: ليرفعن أناسٌ من أصحابي وأنا علي الحوض، فإذا عاينوني عرفتهم وأنا علي الحوض، قد ذبلت شفاههم فاختلجوا دوني.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله: من أحب علياً وأطاعه في دار الدنيا ورد علي حوضي غداً، وكان معي في درجتي في الجنة.

ومن أبعض علياً في دار الدنيا وعصاه، لم أره ولم يرني يوم القيامة، واختلج دوني وأخذ به ذات الشمال إلي النار. انتهي.

[1] مسند أحمد 6: 297، ومسند أبي يعلي: 11/387.

[2] مسند أحمد 3: 18 و 62 قطعة منه.

[3] كنز العمال: 14/322/28812.

[4] مسند أحمد: 6/307.

اسس تدوين أحاديث القيامة عند علماء الخلافة

ونصل من أحاديث الحوض إلي قضية أوسع تتعلق بموضوعنا، وهي أحاديث مقام النبي صلي الله عليه وآله يوم القيامة..

فإن المتأمل فيها في مصادر إخواننا السنيين يصل إلي قناعة بأن أحاديثها كانت تتضمن أن أهل بيته معه في المحشر والجنة، بدليل بقاء ذكرهم وتسميتهم في عدد منها! وأنها كانت تتضمن بيان المصير الأسود

لأكثر الصحابة!

وقد رأيت أنهم لم يستطيعوا أن يتخلصوا من الأحاديث التي تنص علي أنه لا يرد منهم الحوض ولا ينجو إلا مثل همل النعم!

وهمل النعم هي النعاج المفردة الخارجة عن القطيع! وهو يعني أن أكثرية قطيع الصحابة لا ينجو!!

وبهذا نعرف الصعوبة في المهمة التي عهدت بهاالخلافة القرشية إلي علماء الحديث، أو تبرعوا هم بها، بتدوين صحاح ترضي عنها وتتبني نشرها!!

فلا بد أنهم وقفوا طويلاً أمام مشكلة تدوين أحاديث القيامة والآخرة، لأنها تعطي أهل البيت مقاماً إلي جنب رسول الله صلي الله عليه وآله.. ولأنها تذم الصحابة وتخبر عن هلاك أكثرهم!!

ولا شك أن الذين ألفوا بعد مالك بن أنس واجهوا نفس مشكلته، وخافوا أن يقعوا في نفس (مزلق) التشيع الذي وقع فيه!!

لذا رأوا أنهم مجبرون علي إتباع الأسس التالية:

أولاً: أن يختاروا الأحاديث التي ليس فيها ذكر لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله وهي قليلة جداً جداً!

ثانياً: أن يجردوا الأحاديث من ذكر مقام أهل البيت النبوي مهما أمكن!

ثالثاً: أن يستبدلوا أسماء أهل البيت والكلمات التي استعملها النبي صلي الله عليه وآله في التعبير عنهم بكلمات عن الأمة والصحابة.

رابعاً: أن يتحاشوا الأحاديث التي فيها ذم الصحابة، أو يحذفوا منها الذم أو يوجهوه إلي آخرين.

خامساً: أن يدونوا الأحاديث الموضوعة في فضل الصحابة، خاصة الخلفاء الثلاثة، لكي تقابل الأحاديث في فضائل أهل البيت النبوي!!

وتفصيل هذا الموضوع يخرجنا عن بحثنا، فنكتفي بذكر نماذج صغيرة:

فقد روي الخطيب في تاريخ بغداد 9/453

عن ابن عباس قال: سمعت النبي(ص)وهو آخذٌ بيد علي يقول: هذا أول من يصافحني يوم القيامة.

وفي الإستيعاب: 4/169

عن أبي ليلي الغفاري قال: سمعت رسول الله(ص)يقول:

ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يراني، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهو يعسوب المؤمنين والمال يعسوب المنافقين.

ورواه ابن حجر في الإصابة: 4/170، وضعفه بدون حجة، وكذا فعل ابن كثير في البداية: 7/348.

وفي سنن ابن ماجه: 1/44

عن عباد بن عبد الله قال: قال علي(رض): أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كذاب! صليت قبل الناس سبع سنين. هذا حديث صحيح.

ورواه العزيزي في السراج المنير: 2/402، وقال البوصيري في الزوائد: صحيحٌ علي شرط الشيخين، وتكلم فيه بعضهم لأجل عباد، لكن تابعته عليه معاذة العدوية.

وفي كنز العمال: 11/616

إن هذا أول من آمن بي، وأول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين - قاله لعلي. (الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً، والبيهقي، وابن سعد، عن حذيفة. انتهي.

وقال في هامشه: أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (9/102) وقال رواه الطبراني والبزار، وفيه عمر بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهي.

وكلام هذا المهمش ليس دقيقاً، لأن رواية كنز العمال عن ثلاثة: سلمان وأبي ذر وحذيفة. ورواية الطبراني والبزار التي ضعفها الهيثمي بعمر بن سعيد المصري إنما هي عن أبي ذر وحده، وبالتالي فهو لم يضعف رواية سلمان وأبي ذر معاً، ولا رواية حذيفة التي نقلها صاحب كنز العمال عن البيهقي، وعن طبقات ابن سعد!

واليك ما قاله في مجمع الزوائد: 9/102:

وعن أبي ذر وسلمان قالا: أخذ النبي(ص)بيد علي فقال:إن هذا أول من آمن بي، وهذا

أول من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصديق الأكبر، وهذا فاروق هذه الأمة، يفرق بين الحق والباطل، وهذا يعسوب المؤمنين والمال يعسوب الظالمين.

رواه الطبراني والبزار عن أبي ذر وحده وقال فيه: أنت أول من آمن بي، وقال فيه: والمال يعسوب الكفار. وفيه عمرو بن سعيد المصري وهو ضعيف. انتهي.

ومهما يكن، فإن بعض طرق الحديث صحيحةٌ علي مبانيهم بدون حاجة إلي شواهد، وبعضها صحيحةٌ بشواهدها. ولكنهم لا يبحثون أسانيده وأسانيد شواهده، ويضعفونه ويحكمون عليه بأنه منكر، لأنه يتضمن شهادة من النبي صلي الله عليه وآله بصفات مهمة لعلي عليه السلام، وهي أمر منكر يضر بالخلافة القرشية!!

بل الأحوط عند بعض علماء الخلافة أن يعارضوه بأحاديث تشهد بأن الصفات التي وردت فيه قد ثبتت لخلفاء قريش، وليس لعلي!!

ونترك لقب الصديق والفاروق فعلاً، ونذكر ما رووه حول: أول من تنشق عنه الأرض مع النبي في يوم المحشر، وأول من يصافح النبي صلي الله عليه وآله، لأنهما من صلب موضوعنا.

أما الأول:

فقد روي الحاكم في المستدرك: 2/465، وصححه:عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنا أول من تنشق الأرض عنه، ثم أبو بكر، ثم عمر، ثم آتي أهل البقيع فيحشرون معي، ثم أنتظر أهل مكة!!

وتلا عبد الله بن عمر: يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً ذلك حشر علينا يسير!

ورواه أيضاً في: 3/68، وصححه.ورواه في كنز العمال: 11/403

وروي نحوه في/426 و433 (عن الترمذي، وحسنه، وأبي عروبة في الاوائل، والطبراني الكبير، وابن عساكر، وأبي نعيم في فضائل الصحابة، عن ابن عمر. وبآخر عن ابن عساكر، عن أبي هريرة. انتهي.

وتلاحظ في هذه الأحاديث أنها تعطي الأولية في الحشر ودخول

الجنة لأبي بكر وعمر، ثم لأهل البقيع، ثم للقرشيين في مكة!

كما يوجد عندهم حديث آخر يميلون إلي قبوله، رواه في كنز العمال: 13/233 عن علي! قال قال رسول الله (ص):

أنا أول من تنشق الأرض عنه ولا فخر، فيعطيني الله من الكرامة ما لم يعطنيمن قبل. ثم ينادي مناد: يا محمد قرب الخلفاء، فأقول: ومن الخلفاء؟!

فيقول جل جلاله: عبد الله أبو بكر الصديق، فأول من تنشق الأرض عنه بعدي أبو بكر، ويقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ويكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش. ثم ينادي مناد: أين عمر بن الخطاب؟ فيجئ وأوداجه تشخب دماً فأقول: عمر! من فعل هذا بك!؟ فيقول: مولي المغيرة بن شعبة، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش. ثم يؤتي بعثمان بن عفان وأوداجه تشخب دماً، فأقول: عثمان! من فعل بك هذا!؟ فيقول: فلانٌ وفلان، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش.

ثم يؤتي بعلي وأوداجه تشخب دماً فأقول: علي! من فعل بك هذا؟!

فيقول: عبد الرحمن بن ملجم، فيوقف بين يدي الله فيحاسب حساباً يسيراً، ثم يكسي حلتين خضراوين، ثم يوقف أمام العرش مع أصحابه.

الزوزني، وفيه علي بن صالح، قال الذهبي: لا يعرف، وله خبرٌ باطل، وقال في اللسان ذكره ابن حبان في الثقات وقال: روي عنه أهل العراق، مستقيم الحديث. انتهي.

وهكذا عالج رواة الخلافة أولية علي التي رواها عن النبي صلي الله عليه وآله! فوضعوا حديثاً علي لسان علي نفسه! يجعل الأولية لخلفاء قريش بالترتيب، ويجعل علياً الرابع!!

وإذا كلمتهم في السند تراهم يعرضون عن بحث أسانيد

الأحاديث التي فيها فضائل علي، ويعملون المستحيل لتصحيح الأحاديث التي فيها فضائل غيره، ويمدح ابن حبان واضع الحديث بأنه مستقيم الحديث، أي أن أحاديثه في مدح الخلفاء والأمراء وعمالهم!

وأما حديث أن أول من يصافحه النبي يوم القيامة علي.. فقد وجدوا له معالجة أخري، فإذا كان علي أول شخص يستقبله الرسول صلي الله عليه وآله ويصافحه يوم القيامة، فإن عمر أول شخص يستقبله الله تعالي يوم القيامة ويصافحه!! ويرحب به، ويدخله الجنة!!

فقد روي ابن ماجة في صحيحه: 1/39

حدثنا إسماعيل بن محمد الطلحي، أنبأنا داود بن عطاء المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي بن كعب، قال: قال رسول الله (ص): أول من يصافحه الحق عمر، وأول من يسلم عليه، وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة.

ورواه في كنز العمال: 1/578 - ه_، ك - عن أبي. انتهي.

وقد جاءت روايتهم فاقعةً إلي حد أن الذهبي الذي يحب التجسيم ويحب عمر، لم يستطع الدفاع عنها!

وكذلك الألباني، حيث ضعفها علي مضض في ضعيفته برقم 22485.

نتيجة كلية

والنتيجة الأكيدة عند المتأمل في هذه الأحاديث من مصادر الفريقين:

أن علياً وأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله لهم دورٌ كبير في الشفاعة مع النبي يوم القيامة.. بل إن كل مؤمن مقبول له شفاعة يوم القيامة بحسبه، ولما كان أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله سادة المؤمنين، فشفاعتهم أكبر وأعظم.

أما الصحابة فتدل أحاديث القيامة علي أن أكثرهم يكونون مشغولين إلي آخر نفس في معالجة مشكلتهم وتخليص أنفسهم!!

احاديث أن عليا هو الساقي علي الحوض والذائد عنه

تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي ميزان الإسلام والكفر، حديث الإمام الحسن السبط عليه السلام، وقد صححه الحاكم وغيره، وفيه:

(فقال له الحسن: أما والله لئن وردت عليه الحوض، وما أراك ترده، لتجدنه مشمر الإزار علي ساق، يذود عنه رايات المنافقين ذود غريبة الإبل! قول الصادق المصدوق، وقد خاب من افتري).

كما تقدمت بعض أحاديثه في حمل لواء المحشر عن أحمد وغيره.

وفي مناقب الصحابة لاحمد/667

وفيما كتب إلينا (عبد الله بن غنام) يذكر أن عباد بن يعقوب حدثهم، نا علي بن عابس، عن عبد الله عن أبي حرب بن أبي الأسود الدئلي، قال اشتكي أبو الأسود الفالج فنعت له ثعلب فطلبناها في خرب البصرة، فبينا أنا أطوف إذا أنا برجل يصلي فأشار إلي فأتيته فقال: من أنت؟ فقلت أبو حرب بن أبي الأسود، فقال: أقرئ أباك السلام وقل له عبد الله بن فلان يقرأ عليك السلام ويقول لك: أشهد أني سمعت علياً يقول: لاذودن بيدي هاتين القصيرتين عن حوض رسول الله رايات الكفار والمنافقين، كما تذاد غريبة الابل عن حياضها. انتهي.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة: 1/37

حدثنا محمد بن بكار قال، حدثنا أبو معشر، عن حرام بن عثمان (عن أبي)

عتيق، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: أخرج رسول الله(ص)أناساً من المسجد وقال: لا ترقدوا في مسجدي هذا. قال: فخرج الناس، وخرج علي (رض)، فقال: لعلي (رض) إرجع فقد أحل لك فيه ما أحل لي، كأني بك تذودهم علي الحوض، وفي يدك عصا عوسج.

وفي مجمع الزوائد: 9/173

وعن أبي هريرة أن علي بن أبي طالب (رض) قال: يا رسول الله، أيما أحب اليك أنا أم فاطمة؟

قال: فاطمة أحب إليَّ منك، وأنت أعز عليَّ منها. وكأني بك وأنت علي حوضي تذود عنه الناس، وإن عليه لأباريق مثل عدد نجوم السماء، وإني وأنت والحسن والحسين وفاطمة وعقيل وجعفر في الجنة، إخوانآ علي سرر متقابلين، أنت معي وشيعتك في الجنة. ثم قرأ رسول الله (ص): إخواناً علي سرر متقابلين، لا ينظر أحد في قفا صاحبه.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سلمي بن عقبة ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. ورواه في تفسير الميزان: 12/176، عن تفسير البرهان عن الحافظ أبي نعيم عن رجاله عن أبي هريرة..

وفي مجمع الزوائد: 9/135

عن أبي سعيد قال قال رسول الله (ص): يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة تذود بها المنافقين عن حوضي. رواه الطبراني في الأوسط وفيه سلام بسليمان المدايني وزيد العمي، وهما ضعيفان وقد وثقا، وبقية رجالهما ثقات.

وعن عبد الله بن إجاره بن قيس قال: سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وهو علي المنبر يقول: أنا أذود عن حوض رسول الله(ص)بيدي هاتين القصيرتين الكفار والمنافقين كما تذود السقاة غريبة الإبل عن حياضهم. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد ابن قدامة الجوهري، وهو ضعيف.

وعن علي بن أبي طالب قال قال لي رسول

الله (ص): ألا ترضي يا علي إذا جمع الله النبيين في صعيد واحد، حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش فكان أول من يُدعي ابراهيم فيكسي ثوبين أبيضين، ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر مثعب من الجنة إلي حوضي، وحوضي أبعد مما بين بصري وصنعاء، فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسي ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعي فتشرب وتتوضأ وتكسي ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعي إلي خير إلا دعيت له.

رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمران بن ميثم، وهو كذاب.

وفي مجمع الزوائد: 10/366

وعن أبي هريرة وجابر بن عبد الله قالا: قال رسول الله (ص): علي بن أبي طالب صاحب حوضي يوم القيامة، فيه أكوابٌ كعدد نجوم السماء، وسعة حوضي ما بين الجابية إلي صنعاء. رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ضعفاء وثقوا.

وفي الغدير:1/321: (أخرج الطبراني بإسناد رجاله ثقات عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبي (ص): يا علي معك يوم القيامة عصا من عصي الجنة، تذود بها المنافقين عن الحوض. (الذخاير/91، الرياض: 2/211، مجمع الزوائد: 9/135، الصواعق/104. انتهي. وهو في الطبراني الصغير: 2/89، وفردوس الأخبار: 5 /317/408، وفي طبعة أخري من الصواعق/174

وفي تاريخ دمشق لابن عساكر: 1/265:

أخبرنا أبو الحسن السلمي، أنبأنا عبد العزيز التميمي، أنبأنا علي بن موسي ابن الحسين، أنبأنا أبو سليمان بن زير، أنبأنا محمد بن يوسف الهروي، أنبأنا محمد بن النعمان بن بشير، أنبأنا أحمد بن الحسين بن جعفر الهاشمي اللهبي، حدثني عبد العزيز بن محمد، عن حرام بن عثمان، عن عبد الرحمن ومحمد ابني جابر بن عبد الله عن أبيهما جابر بن عبد الله الأنصاري قال:

جاءنا رسول

الله(ص)ونحن مضطجعون في المسجد، وفي يده عسيب رطب فضربنا، وقال: أترقدون في المسجد، إنه لا يرقد فيه أحد.

فأجفلنا وأجفل معنا علي بن أبي طالب، فقال رسول الله (ص):يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، ياعلي ألا ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا النبوة.

والذي نفسي بيده إنك لتذودن عن حوضي يوم القيامة رجالاً كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصي من عوسج، كأني أنظر مقامك من حوضي.

قال (و) أخبرناه عاليا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم الشحامي قالا: أنبأنا محمد بن عبد الرحمن، أنبأنا أبو سعيد محمد بن بشر، أنبأنا محمد بن ادريس، أنبأنا سويد بن سعد، أنبأنا حفص بن ميسرة، عن حزام بن عثمان، عن ابن جابر - أراه عن جابر - قال: جاء رسول الله(ص)ونحن مضطجعون في المسجد، فضربنا بعصف في يده فقال: أترقدون في المسجد إنه لا يرقد فيه.

فأجفلنا فأجفل علي، فقال رسول الله (ص): تعال يا علي إنه يحل لك في المسجد ما يحل لي، أما ترضي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسي إلا النبوة، والذي نفسي بيده إنك لذواد عن حوضي يوم القيامة، تذود كما يذاد البعير الضال عن الماء بعصي لك من عوسج، كأني أنظر إلي مقامك من حوضي. انتهي. ونقله عنه في إحقاق الحق: 17/374، ورواه الخوارزمي في مناقبه/65

وفي الروض الأنف: 2/146:من طريق جابر بن عبد الله أن رسول الله (ص) قال لعلي: والذي نفسي بيده إنك لذائد عن حوضي يوم القيامة، تذود عنه كفار الأمم كما تذاد الإبل الضالة عن الماء.

وقال السهيلي: إلا أن هذا الحديث يرويه حرام بن عثمان عن جابر عن النبي. وقد

سئل مالك عنه فقال: ليس بثقة، وأغلظ فيه الشافعي. انتهي.

وكذلك ضعفه في تهذيب التهذيب: 4/283.

ولا بد أن مالكاً سئل عنه، بعد أن ندم علي تدوين حديث الحوض في موطئه!

وسواء صح ما نقلوه عن الشافعي في راوي الحديث حرام بن عثمان أم لا، فإن الذين ضعفوا هذا الحديث قد تعصبوا ضد أهل البيت، ودلسوا أيضاً!

ذلك أن القاعدة عند العلماء: أنهم إذا ضعفوا طريقاً لحديث مروي من طرق أخري صحيحة، أن ينبهوا إلي ذلك، ويذكروا أن له طرقاً أخري ليس فيها حرام! خاصة أنه حديثٌ مشهورٌ من رواية أهل البيت واحتجاجاتهم من زمن علي والحسنين (عليهم السلام)، وكذلك في احتجاج شيعتهم ومحاوراتهم من القرن الأول نثراً وشعراً.

وقد نقلته مصادر السنيين بأسانيد صحيحة عن علي، وعن الحسن السبط (عليهم السلام)، وقد تقدم في الفصل الخامس عشر تحت عنوان: علي عليه السلام ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق، فراجع.

وكذا روته مصادرهم فيما روت من خطب الإمام الحسين عليه السلام ومحاوراته لجيش يزيد في كربلاء..

ولذلك يعتبر علماء الجرح والتعديل مثل هذا العمل تدليساً، يقصد منه إيهام القارئ بضعف متن هذا الحديث وأسانيده الأخري!!

وأخيراً، فقد روت مصادر السنيين حديثاً غير مفهوم، ورد فيه أن النبي صلي الله عليه وآله يذود عن الحوض لأهل اليمن! ففي المسند الجامع - تحقيق الدكتور عواد: 3/343 - ح 2062 - 48: عن ثوبان، أن نبي الله(ص)قال: إني لبعقر حوضي أذود الناس لأهل اليمن أضرب بعصاي حتي يرفض عليهم. فسئل عن عرضه؟ فقال: من مقامي إلي عمان.

وسئل عن شرابه؟ فقال: أشد بياضاً من اللبن، وأحلي من العسل، يغث فيه ميزابان يحدانه من الجنة، أحدهما من ذهب، والآخر من

ورق. انتهي.

وقد وجدنا حديثاً صححه في مجمع الزوائد، وهو يعطي ضوءا علي هذا الحديث المبهم، ويدل علي أنه نصه كان يرتبط بأهل البيت (عليهم السلام)، فصار لأهل اليمن!!

قال في مجمع الزوائد: 10/366: وعن ثوبان قال قال رسول الله (ص): حوضي أذود عنه الناس لأهل بيتي إني لأضربهم بعصاي هذه حتي ترفض.

قلت: فذكر الحديث وهو في الصحيح غير قوله (لأهل بيتي).

رواه البزار بإسنادين، ورجال أحدهما رجال الصحيح. انتهي.

ومعني ذلك أن إحدي روايتي البزاز التي فيها (لأهل بيتي) صحيحة، ولعل أصل الحديث أذود عنه أنا وأهل بيتي، أو أذود من خالف أهل بيتي..

من أحاديث الحوض في مصادرنا

أما مصادرنا فلا مشكلة لها مع أحاديث حوض الكوثر ولا مع غيرها، لذلك تجد أحاديثه صحيحة ومتواترة في مصادرنا، وهي من حججنا علي إمامة أهل البيت النبوي الطاهرين (عليهم السلام)..

قال الصدوق في كتاب الإعتقادات/43

إعتقادنا في الحوض: أنه حق، وأن عرضه مابين أيلة وصنعاء، وهو للنبي صلي الله عليه وآله. الساقي عليه يوم القيامة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب (عليهم السلام)، يسقي منه أولياءه ويذود عنه أعداءه، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا.

وقال النبي صلي الله عليه وآله: ليختلجن قوم من أصحابي دوني وأنا علي الحوض، فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأنادي ياربي أصحابي أصحابي، فيقال لي: إنك لاتدري ما أحدثوا بعدك!

وروي في كتاب الخصال/624، عن علي عليه السلام:

أنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله، ومعي عترتي وسبطي علي الحوض، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل عملنا، فإن لكل أهل بيت نجيب ولنا شفاعة، ولأهل مودتنا شفاعة، فتنافسوا في لقائنا علي الحوض، فإنا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحباءنا وأولياءنا، ومن شرب منه

شربةً لم يظمأ بعدها أبدا.

حوضنا مترعٌ فيه مثعبان ينصبان من الجنة أحدهما من تسنيم، والآخر من معين، علي حافتيه الزعفران، وحصاه اللؤلؤ والياقوت، وهو الكوثر.

ورواه في تفسير فرات الكوفي/366، وتفسير نور الثقلين: 5/511

وفي تفسير فرات /172، من رواية يخبر بها النبي ابنته الصديقة فاطمة الزهراء عليها السلام بما سيحدث لها ولاولادها من بعده، ويعلمها الصبر علي أمر الله تعالي، قال:

يا فاطمة بنت محمد... أما ترضين أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة.

أما ترضين أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض فيسقي منه أولياءه، ويذود عنه أعداءه.

أما ترضين أن يكون بعلك قسيم النار، يأمر النار فتطيعه يخرج منها من يشاء ويترك من يشاء.

أما ترضين أن تنظرين إلي الملائكة علي أرجاء السماء ينظرون إليك والي ما تأمرين به، وينظرون إلي بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله!

فما ترين الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك؟!!

وقد أوردنا في معجم أحاديث الإمام المهدي: 3 /153

عن تفسير العياشي: 1/14، والكافي: 1 /62:

عن علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي، قال قلت لأمير المؤمنين عليه السلام: إني سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله صلي الله عليه وآله غير ما في أيدي الناس، ثم سمعت منك تصديق ما سمعت منهم، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ومن الأحاديث عن نبي الله صلي الله عليه وآله أنتم تخالفونهم فيها، وتزعمون أن ذلك كله باطل، أفتري الناس يكذبون علي رسول الله صلي الله

عليه وآله متعمدين؟ ويفسرون القرآن بآرائهم؟

قال: فأقبل عليَّ فقال: قد سألت فافهم الجواب.

إن في أيدي الناس حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، وناسخاً ومنسوخاً، وعاماً وخاصاً، ومحكماً ومتشابهاً، وحفظاً ووهماً، وقد كذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله علي عهده حتي قام خطيباً فقال: أيها الناس قد كثرت علي الكذابة، فمن كذب عليَّ متعمداً فليتبوء مقعده من النار! ثم كذب عليه من بعده!

وإنما أتاكم الحديث من أربعة ليس لهم خامس:

رجلٌ منافقٌ يظهر الإيمان، متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله متعمداً، فلو علم الناس أنه منافقٌ كذاب، لم يقبلوا منه ولم يصدقوه، ولكنهم قالوا هذا قد صحب رسول الله صلي الله عليه وآله ورآه وسمع منه، وأخذوا عنه، وهم لا يعرفون حاله، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ووصفهم بما وصفهم فقال عز وجل: وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ، وإن يقولوا تسمع لقولهم.

ثم بقوا بعده فتقربوا إلي أئمة الضلالة والدعاة إلي النار بالزور والكذب والبهتان فولوهم الأعمال، وحملوهم علي رقاب الناس، وأكلوا بهم الدنيا!

وإنما الناس مع الملوك والدنيا إلا من عصم الله، فهذا أحد الأربعة.

ورجلٌ سمع من رسول الله شيئاً لم يحمله علي وجهه ووهم فيه، ولم يتعمد كذباً فهو في يده، يقول به ويعمل به ويرويه فيقول: أنا سمعته من رسول الله صلي الله عليه وآله فلو علم المسلمون أنه وهم لم يقبلوه ولو علم هو أنه وهم لرفضه.

ورجلٌ ثالثٌ سمع من رسول الله صلي الله عليه وآله شيئاً أمر به ثم نهي عنه وهو لا يعلم، أو سمعه ينهي عن شئ ثم أمر به وهو لا يعلم، فحفظ

منسوخه ولم يحفظ الناسخ، ولو علم أنه منسوخ لرفضه، ولم علم المسلمون إذ سمعوه منه أنه منسوخ لرفضوه.

وآخرُ رابعٌ لم يكذب علي رسول الله صلي الله عليه وآله، مبغض للكذب خوفاً من الله وتعظيماً لرسول الله صلي الله عليه وآله، لم ينسه، بل حفظ ما سمع علي وجهه فجاء به كما سمع لم يزد فيه ولم ينقص منه، وعلم الناسخ من المنسوخ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ فإن أمر النبي صلي الله عليه وآله مثل القرآن ناسخ ومنسوخ[وخاص وعام]ومحكم ومتشابه قد كان يكون من رسول الله صلي الله عليه وآله الكلام له وجهان: كلامٌ عام وكلامٌ خاص، مثل القرآن، وقال الله عز وجل في كتابه: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا.

فيشتبه علي من لم يعرف ولم يدر ما عني الله به ورسوله صلي الله عليه وآله. وليس كل أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله كان يسأله عن الشئ فيفهم! وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه حتي أن كانوا ليحبون أن يجيئ الأعرابي والطارئ فيسأل رسول الله صلي الله عليه وآله حتي يسمعوا.

وقد كنت أدخل علي رسول الله صلي الله عليه وآله كل يوم دخلةً وكل ليلة دخلةً فيخليني فيها أدور معه حيث دار، وقد علم أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله أنه لم يصنع ذلك بأحد من الناس غيري، فربما كان في بيتي يأتيني رسول الله صلي الله عليه وآله أكثر ذلك في بيتي، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني وأقام عني نسائه، فلا يبقي عنده غيري، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عني فاطمة، ولا أحدٌ من بنيَّ، وكنت إذا سألته أجابني، وإذا سكت عنه

وفنيت مسائلي ابتدأني، فما نزلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله آية من القرآن إلا أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطي، وعلمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها، ومحكمها ومتشابهها، وخاصها وعامها، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها، فما نسيت آيةً من كتاب الله ولا علماً أملاه علي وكتبته، منذ دعا الله لي بما دعا، وما ترك شيئاً علمه الله من حلال ولا حرام، ولا أمر ولا نهي كان أو يكون ولا كتاب منزل علي أحد قبله من طاعة أو معصية إلا علمنيه وحفظته، فلم أنس حرفاً واحداً، ثم وضع يده علي صدري ودعا الله لي أن يملا قلبي علماً وفهماً وحكماً ونوراً، فقلت: يا نبي الله بأبي أنت وأمي منذ دعوت الله لي بما دعوت لم أنس شيئاً ولم يفتني شئ لم أكتبه، أفتتخوف علي النسيان فيما بعد؟

فقال: لا، لست أتخوف عليك النسيان والجهل. وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك، وفي شركائك الذين يكونون من بعدك.

فقلت: يا رسول الله ومن شركائي من بعدي؟

قال: الذين قرنهم الله بنفسه وبي.

فقال: الأوصياء مني إلي أن يردوا علي الحوض، كلهم هاد مهتد لا يضرهم من خذلهم، هم مع القرآن والقرآن معهم، لا يفارقهم ولا يفارقونه، بهم تنصر أمتي وبهم يمطرون، وبهم يدفع عنهم، وبهم استجاب دعاءهم.

فقلت: يا رسول الله سمهم لي فقال: ابني هذا، ووضع يده علي رأس الحسن، ثم ابني هذا ووضع يده علي رأس الحسين، ثم ابنٌ له يقال له علي، وسيولد في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر من ولد محمد.

فقلت له: بأبي أنت وأمي فسمهم لي، فسماهم رجلاً رجلاً فيهم والله يا أخا بني هلال مهدي

أمة محمد صلي الله عليه وآله الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، والله إني لاعرف من يبايعه بين الركن والمقام، وأعرف أسماء آبائهم وقبائلهم!! انتهي.

ويوجد قسم منه في نهج البلاغة-شرح صبحي الصالح، خطبة 210، وشرح محمد عبده:/214. وروي ابن الجوزي قسماً منه في تذكرة الخواص /143، مرسلاً عن كميل بن زياد. ورواه النعماني/75، والطبري الشيعي في المسترشد /29، والصدوق في كمال الدين: 1 /284، والخصال: 1 /255، والحراني في تحف العقول/193، والطبرسي في الاحتجاج: 1 /264، وابن ميثم البحراني في شرح النهج: 4 /19، والعاملي في إثبات الهداة:1 /664، والمجلسي في البحار: 2 /228، و: 36/273 و 276، و: 9/98

اهل البيت و شيعتهم علي الحوض

في مقاتل الطالبيين/ 43

حدثني محمد بن الحسين الأشناني وعلي بن العباس المقانعي قالا: حدثنا عباد بن يعقوب قال: أخبرنا عمرو بن ثابت، عن الحسن بن حكم، عن عدي بن ثابت، عن سفيان بن أبي ليلي، وحدثني محمد بن أحمد أبو عبيد قال: حدثنا الفضل بن الحسن المصري قال: حدثنا محمد بن عمرويه قال: حدثنا مكي بن إبراهيم، قال حدثنا السري بن إسماعيل، عن الشعبي، عن سفيان بن أبي ليلي دخل حديث بعضهم في حديث بعض، وأكثر اللفظ لابي عبيدة قال: أتيت الحسن بن علي حين بايع معاوية فوجدته بفناء داره وعنده رهط فقلت:

السلام عليك يا مذل المؤمنين!

فقال عليك السلام يا سفيان، إنزل.

فنزلت فعقلت راحلتي ثم أتيته فجلست إليه، فقال: كيف قلت ياسفيان؟

فقلت: السلام عليك يا مذل رقاب المؤمنين.

فقال: ما جر هذا منك إلينا؟

فقلت: أنت والله-بأبي أنت وأمي - أذللت رقابنا حين أعطيت هذا الطاغية البيعة وسلمت الأمر إلي اللعين بن اللعين بن آكلة

الاكباد، ومعك مائة ألف كلهم يموت دونك، وقد جمع الله لك أمر الناس.

فقال: يا سفيان، إنا أهل بيت إذا علمنا الحق تمسكنا به، وإني سمعت علياً يقول سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: لا تذهب الليالي والأيام حتي يجتمع أمر هذه الأمة علي رجل واسع السرم ضخم البلعوم يأكل ولا يشبع، لا ينظر الله إليه ولا يموت حتي لا يكون له في السماء عاذرٌ ولا في الأرض ناصر، وإنه لمعاوية، وإني عرفت أن الله بالغ أمره.

ثم أذن المؤذن فقمنا علي حالب يحلب ناقة، فتناول الاناء فشرب قائماً ثم سقاني، فخرجنا نمشي إلي المسجد، فقال لي: ما جاءنا بك ياسفيان؟

قلت: حبكم والذي بعث محمداً بالهدي ودين الحق.

قال: فأبشر يا سفيان فإني سمعت علياً يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله

يقول: يرد علي الحوض أهل بيتي ومن أحبهم من أمتي كهاتين، يعني السبابتين، ولو شئت لقلت هاتين يعني السبابة والوسطي، إحداهما تفضل علي الأخري.

أبشر يا سفيان فإن الدنيا تسع البر والفاجر، حتي يبعث الله إمام الحق من آل محمد صلي الله عليه وآله.

هذا لفظ أبي عبيد وقال (وفي حديث محمد بن الحسين وعلي بن العباس بعض هذا الكلام موقوفاً، عن الحسن غير مرفوع إلي النبي صلي الله عليه وآله، إلا في ذكر معاوية فقط).

ورواه ابن طاووس في الملاحم والفتن/109، ملخصاً عن الفتن للسليلي...

ورواه ابن أبي الحديد: 16 /44، عن أبي الفرج بسنديه بتقديم وتأخير، وفي سنده محمد بن أحمد بن عبيد بدل محمد بن أحمد أبو عبيد. والبصري بدل المصري. وابن عمرو بدل محمد بن عمرويه، والأشنانداني بدل الأشناني.

ورواه في البحار: 44 /59، وفي

العوالم: 16 /178، عن ابن أبي الحديد بسنديه.

شعر حوض الكوثر في مصادر الحديث والأدب

تعتبر مجموعة شعر الكوثر التي نقلتها مصادر الحديث والادب، من الأدلة العلمية المهمة علي صحة أحاديث أن الساقي علي الحوض والذائد عنه هو علي عليه السلام. وأول شعر نقله الرواة من ذلك رجز أمير المؤمنين في حرب صفين:

ففي مناقب آل أبي طالب: 1/219

أنه عليه السلام عندما دعي إلي المبارزة في صفين قال مرتجزاً:

أنا عليٌّ صاحب الصمصامه وصاحب الحوض لدي القيامة

أخو نبي الله ذي العلامة قد قال إذ عممني العمامة

أنت أخي ومعدن الكرامه ومن له من بعدي الإمامه. انتهي.

كما روت كتب التاريخ والحديث والعقائد أبياتاً للامام الحسين عليه السلام، جاءت ضمن خطبته التاريخة في كربلاء، ذكر فيها الحوض.. كما في الإحتجاج: 2 /26 وتفسير نور الثقلين: 3/565، وغيرهما، منها:

أنا ابن أباة الضيم من آل هاشم كفاني بهذا مفخراً حين أفخر

وجدي رسول الله أكرم من مشي ونحن سراج الله في الخلق نزهر

ونحن أمان الله للناس كلهم نطول بهذا في الأنام ونجهر

ونحن ولاة الحوض نسقي محبنا بكأس رسول الله ما ليس ينكر

وشيعتنا في الحشر أكرم شيعة ومبغضنا ي_وم القيام،ة يخسر

وفي بشارة المصطفي/112

أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحسيني الجرجاني القاضي، قدم علينا من بغداد، قال: حدثني الشريف أبو محمد الحسن بن أحمد المحمدي النقيب قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عباس الجوهري قال، حدثنا أحمد بن زياد الهمداني قال: رأيت صبياً صغيراً يكون سباعياً أو ثمانياً بالمدينة، علي ساكنها أفضل السلام، ينشد:

لنحن علي الحوض ذواده نذود وتسع_د وراده

وما فاز من فاز إلا بنا وما خاب من حبنا زاده

ومن سرنا نال منا السرور ومن

ساءنا ساء ميلاده

ومن كان ظالمنا حقنا فإن القيام_ة ميع_اده

فقلت يا فتي لمن هذه الأبيات؟

فقال: لمنشدها.

فقلت: من الفتي؟

فقال علويٌّ فاطميٌّ، إيهاً عنك. انتهي.

ونسب في رشفة الصادي/192، هذه الأبيات إلي الإمام محمد الباقر عليه السلام.

وقد ترجم الأميني في الغدير: 2، لعدد من شعراء الغدير الذين ذكروا الحوض، نذكر بعضهم:

فمن أقدمهم سفيان بن مصعب العبدي الكوفي:

وهو من شعراء أهل البيت عليهم السلام في القرن الثاني، وقد مدحه الإمام الصادق عليه السلام واستنشده شعره في رثاء الإمام الحسين عليه السلام.. قال العبدي من قصيدة طويلة:

هل في سؤالك رسم المنزل الخرب برءٌ لقلبك من داء الهوي الوصب

أم حره يوم وشك البين يبرده ما استحدثته النوي من دمعك السرب

يا رائد الحي حسب الحي ما ضمنت له المدامع من ماء ومن عشب

لهفي لما استودعت تلك القباب وما حجبن من قضب عنا ومن كثب

لاشرق_ن بدمع_ي إن ن_أت به_م دارٌ ولم أقض ما في النفس من إرب

ما هز عطفي من شوق إلي وطني ولا اعتراني من وجد ومن طرب

مثل اشتياقي من بعد ومنتزح الي الغري وما فيه من الحسب

يا راكباً جسرةً تطوي مناسمها ملاءة البيد بالتقري_ب والجن_ب

تثني الري_اح إذا م_رت بغايته_ا حسري الطلائح بالغيطان والخ_رب

بلغ سلامي قبراً بالغري ح_وي أوفي البرية من عجم ومن ع_رب

يا صاحب الكوثر الرقراق زاخره ذود النواصب عن سلساله العذب

قارعت منهم كماة في ه_واك بما جردت من خاطر أو مقول ذرب

حتي لقد وسمت كلما جباهم خواطري بمضاء الشعر والخطب

وقال أيضاً في مدح علي عليه السلام:

أنت عين الاله والجنب من فرط فيه يصلي لظي مذموم

أنت فلك

النجاة فينا وما زلت صراطاً إلي الهدي مستقيم

وعليك الورود تسقي من الحو ض ومن شئت ينثني محروم

وإليك الجواز تدخل من شئت جناناً ومن تشاء جحيم

وقال الأميني في الغدير: 2/296

في مقتضب الاثر عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده، عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبدالله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالي ذكره:

وعلي الأعراف رجالٌ يعرفون كلاً بسيماهم؟

قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر، لايعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه.

قال: فما الأعراف جعلت فداك؟

قال: كثائب من مسك، عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلاً بسيماهم.

فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئاً؟

فقال من قصيدة:

أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مربع وهل لليال كن لي فيك مرجع

ومنها:

وأنتم ولاة الحشر والنشر والجزا وأنتم ليوم المفزع الهول مف_زع

وأنتم علي الاعراف وهي كثائب من المسك رياها بكم يتض_وع

ثماني_ة بالع_رش إذ يحملون_ه ومن بعدهم في الأرض هادون أربع

وروي أبو الفرج في الاغاني 7/22، عن أبي داود المسترق سليمان بن سفيان: أن السيد والعبدي اجتمعا فأنشد السيد:

إني أدين بما دان الوصي به يوم الخريبة من قتل المحلين

وبالذي دان يوم النهروان به وشاركت كفه كفي بصفين

فقال له العبدي: أخطأت، لو شاركت كفك كفه كنت مثله، ولكن قل: تابعت كفه كفي، لتكون تابعاً لا شريكاً.

فكان السيد بعد ذلك يقول: أنا أشعر الناس إلا العبدي.

ومن شعراء الكوثر السيد الحميري، المتوفي 173:

وهو اسماعيل بن محمد بن

يزيد بن وداع الحميري، الملقب بالسيد.

قال عنه المرزباني: لم يسمع أن أحداً عمل شعراً جيداً وأكثر غير السيد.

وروي عن عبد الله بن إسحاق الهاشمي قال: جمعت للسيد ألفي قصيدة وظننت أنه ما بقي علي شئ، فكنت لا أزال أري من ينشدني ما ليس عندي، فكتبت حتي ضجرت، ثم تركت.

وقال: سئل أبو عبيدة من أشعر المولدين؟ قال: السيد وبشار.

ونقل عن الحسين بن الضحاك أنه قال: ذاكرني مروان بن أبي حفصة أمر السيد بعد موته، وأنا أحفظ الناس بشعر بشار والسيد، فأنشدته قصيدته المذهبة التي أولها:

أين التطرب بالولاء وبالهوي أالي الكواذب من بروق الخلب؟!

أالي أمية أم إلي شيع التي جاءت علي الجمل الخدب الشوقب

حتي أتي علي آخرها، فقال لي مروان:

ما سمعت قط شعرا أكثر معاني وألخص منه، وعدد ما فيه من الفصاحة. وكان يقول لكل بيت منها: سبحان الله، ما أعجب هذا الكلام!

وروي عن التوزي أنه قال: لو أن شعراً يستحق أن لاينشد إلا في المساجد لحسنه لكان هذا، ولو خطب به خاطب علي المنبر في يوم الجمعة لاتي حسناً، ولحاز أجراً.

ووقف السيد علي بشار وهو ينشد الشعر فأقبل عليه وقال:

أيها المادح العباد ليعطي إن لله ما بأي_دي العب_اد

فأسأل الله ما طلبت إليهم وارج نفع المنزل العواد

لا تقل في الجواد ما ليس فيه وتسمي البخيل باسم الجواد

قال بشار: من هذا؟ فعرفه.

ولعل أشهر قصائد السيد الحميري علي الإطلاق، التي مطلعها:

لام عمرو باللوي مربع طامس_ةٌ أعلامه_ا بلق__ع

تروع عنها الطير وحشية والوحش من خيفته تفزع

ومنها:

غدا يلاقي المصطفي حيدرٌ وراي_ة الحم_د ل_ه ترف_ع

مولي له الجنة مأمورةٌ والن_ار م_ن إجلال_ه تف_زع

إمام

ص_دق ول_ه شيع_ةٌ يرووا من الحوض ولم يمنعو

يذب عنه ابن أبي طالب ذَبَّك جَ_رْبي إب_لٍ تش_رع

إذا دنوا منه لكي يشربوا قيل لهم تباً لكم فارجعو

هذا لمن والي بني أحمد ول_م يك_ن غيره_م يتب_ع

بذاك جاء الوحي من ربنا يا شيعة الحق فلا تجزعو

وله أيضاً:

ولقد عجبت لقائل لي مرة علامة فهم من الفقهاء

سماك قومك سيداً صدقوا به أنت الموفق سيد الشع_راء

ما أنت حين تخص آل محمد بالمدح منك وشاعر بس_واء

مدح الملوك ذوي الغني لعطائهم والمدح منك لهم بغير عطاء

فابشر فإنك فايزٌ في حبهم لو قد وردت عليهم بجزاء

ما يع_دل الدنيا جميعاً كله_ا من حوض أحمد شربة من ماء

وله أيضاً:

أؤمل في حبه شربةً من الحوض تجمع أمناً وري

إذا ما وردنا غداً حوضه فأدني السعيد وذاد الشقي

متي يدن مولاه منه يقل رد الحوض واشرب هنيئاً مري

وإن يدن منه عدو له يذده عل_ي مكان_اً قصي

وله أيضاً:

فإنك تلقاه لدي الحوض قائماً مع المصطفي بالجسر جسر جهنم

يجيران من والاهما في حياته الي الروح والظل الظليل المكرم

وله قصيدة مطلعها:

هلا وقفت علي المكان المعشب بين الطويلع فاللوي من كبكب

ومنها:

إنا ندين بحب آل محمد ديناً ومن يحببه_م يستوج_ب

منا المودة والولاء ومن يرد ب_دلا بآل محم_د لا يحب_ب

ومتي يمت يرد الجحيم ولا يرد حوض الرسول وإن يرده يضرب

ضرب المحاذر أن تعر ركابه بالسوط سالفة البعير الأجرب

وله القصيدة المذهبة، ومنها:

لمن طللٌ كالوشم لم يتكلم ونؤيٌ وآثار كترقيش معجم؟

ألا أيها العاني الذي ليس في الأذي ولا اللوم عندي في علي بمحجم

ستأتيك مني في علي مقالة تسوؤك فاستأخر لها

أو تقدم

علي له عندي علي من يعيبه من الناس نصر باليدين وبالفم

متي ما يرد عندي معاديه عيبه يجد ناصراً من دونه غير مفحم

علي أحب الناس إلا محمداً إليَّ فدعني من ملامك أولم

علي وصي المصطفي وابن عمه وأول من صلي ووحد فاعلم

علي هو الهادي الإمام الذي به أنار لنا من ديننا كل مظلم

علي ولي الحوض والذائد الذي يذبب عن أرجاءه كل مجرم

علي قسيم النار من قوله لها: ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي

خذي بالشوي ممن يصيبك منهم ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي

علي غداً يدعا فيكسوه ربه ويدنيه حقاً من رفيق مكرم

فإن كنت منه يوم يدنيه راغماً وتبدي الرضا عنه من الان فارغم

فإنك تلقاه لدي الحوض قائماً مع المصطفي الهادي النبي المعظم

يجيزان من والاهما في حياته الي الروح والظل الضليل المكمم

علي أمير المؤمنين وحقه من الله مفروض علي كل مسلم

لان رسول الله أوصي بحقه وأشركه في كل فئٍ ومغنم

وله أيضاً في تفسير قوله تعالي (وأنذر عشيرتك الاقربين):

بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين

بأبي أنت وأمي وبرهطي أجمعين

وبأهلي وبمالي وبناتي والبنين

وفدتك النفس مني يا إمام المتقين

وأمين الله والوا رث علم الأولين

ووصي المصطفي أحمد خير المرسلين

وولي الحوض والذا ئد عنه المحدثين

أنت أولي الناس بالنا س وخير الناس دين

كنت في الدنيا أخاه يوم يدعو الاقربين

ليجيبوه إلي الل_ _ه فكانوا أربعين

بين عم وابن عم حوله كانوا عرين

فورثت العلم منه والكتاب المستبين

طبت كهلاً وغلاماً ورضيعاً وجنين

ولدي الميثاق طيناً يوم كان الخلق طين

كنت مأموناً وجيهاً عند ذي العرش مكين

في حجاب النور حياً

طيباً للطاهرين

ومن شعراء الكوثر الصاحب بن عباد، وله:

قالت فمن بعده تُصفي الولاء له قلت الوصي الذي أربي علي رجل

قالت فمن ذا غداً باب المدينة قل فقلت من سألوه وهو لم يسل

قالت فمن قاتل الأقوام إذ نكثوا فقلت تفسيره في وقعة الجمل

قال فمن حارب الارجاس إذ قسطوا فقلت صفين تبدي صفحة العمل

قالت فمن قارع الانجاس إذ مرقوا فقلت معناه يوم النهروان جلي

قالت فمن صاحب الحوض الشريف غدا فقلت من بيته في أشرف الحلل

قالت فمن ذا لواء الحمد يحمله فقلت من لم يكن في الروع بالوجل

قالت أكل الذي قد قلت في رجل فقلت كل الذي قد قلت في رجل

قالت فمن هو هذا الفرد سم لنا فقلت ذاك أمير المؤمنين علي

ومنهم الملك الصالح طلائع بن رزيك، وله:

أنا من شيعة الإمام علي حرب أعدائه وسلم الولي

أنا من شيعة الإمام الذي ما مال في عمره لفعل دني

أنا عبد لصاحب الحوض ساقي من توالي فيه بكأس روي

أنا عبد لمن أبان لنا المشكل فارتاض كل صعب أبي

والذي كبَّرت ملائكة الله له عند صرعة العامري

الإمام الذي تخيره الله بلا مرية أخاً للنبي

قسماً ما وقاه بالنفس لما بات في الفرش عنه غير علي

ولعمري إذ حل في يوم خم لم يكن موصياً لغير الوصي

ومنهم سعيد بن أحمد النيلي المؤدب، قال كما في الغدير: 4/ 395:

دع يا سعيد هواك واستمسك بمن تسعد بهم وتزاح من آثامه

بمحمد وبحيدر وبفاطم وبولدهم عقد الولا بتمامه

قوم يسر وليهم في بعثه ويعض ظالمهم علي إبهامه

ونري ولي وليهم وكتابه بيمينه والنور من قدامه

يسقيه من حوض النبي محمد

كأساً بها يشفي غليل أوامه

بيدي أمير المؤمنين وحسب من يسقي به كأساً بكف إمامه

ذاك الذي لولاه ما اتضحت لنا سبل الهدي في غوره وشامه

عبد الاله وغيره من جهله ما زال معتكفاً علي أصنامه

ما آصفٌ يوماً وشمعون الصفا مع يوشع في العلم مثل غلامه

ومنهم ابن العرندس الحلي:

ذكره في في الغدير: 7/14، ومن شعره:

طوايا نظامي في الزمان لها نشر يعطرها من طيب ذكراكم نشر

قصائد ما خابت لهن مقاصدٌ بواطنها حمد ظواهرها شكر

مطالعها تحكي النجوم طوالعاً فأخلاقها زهرٌ وأنوارها زهر

عرائس تجلي حين تجلي قلوبنا أكاليلها در وتيجانها تبر

حسان لها حسان بالفضل شاهد علي وجهها تبر يزان بها التبر

فيا ساكني أرض الطفوف عليكم سلام محب ما له عنكم صبر

نشرت دواوين الثنا بعد طيها وفي كل طرس من مديحي لكم سطر

فطابق شعري فيكم دمع ناظري فمبيض ذا نظم ومحمر ذا نثر

وقفت علي الدارالتي كنتم بها فمغناكم من بعد معناكم فقر

وقد درست منها الدروس وطالما بهادرس العلم الإلهي والذكر

وسالت عليها من دموعي سحائب الي أن تروي البان بالدمع والسدر

فراق فراق الروح لي بعد بعدكم ودار برسم الدار في خاطري الفكر

وقد أقلعت عنها السحاب ولم يجد ولا در من بعد الحسين لها در

إمام الهدي سبط النبوة والد الأئمة رب النهي مولي له الأمر

إمام أبوه المرتضي علم الهدي وصي رسول الله والصنو والصهر

وفيه رسول الله قال وقوله صحيحٌ صريح ليس في ذلك نكر

حُبي بثلاث ما أفاد بمثلها وليٌّ فمن زيد هناك ومن عمرو

له تربةٌ فيها الشفاء وقبةٌ يجاب بها الداعي إذا مسه الضر

وذريةٌ درية منه تسعةٌ أئمة حق

لا ثمان ولا عشر

أيقتل ظمآنآ حسينٌ بكربلا وفي كل عضو من أنامله بحر

ووالده الساقي علي الحوض في غد وفاطمة ماء الفرات لها مهر

فيالك مقتولاً بكته السما دماً فمغبر وجه الأرض بالدم محمر

ملابسه في الحرب حمرٌ من الدما وهن غداة الحشر من سندس خضر

ولهفي لزين العابدين وقد سري أسيراً عليلاً لا يفك له أسر

وآل رسول الله تسبي نسائهم ومن حولهن الستر يهتك والخدر

سبايا بأكوار المطايا حواسراً يلا حظهن العبد في الناس والحر

فويلُ يزيد من عذاب جهنم إذا أقبلت في الحشر فاطمة الطهر

تنادي وأبصار الانام شواخصٌ وفي كل قلب من مهابتها ذعر

وتشكو إلي الله العلي وصوتها علي ومولانا علي لها ظهر

فلا ينطق الطاغي يزيد بما جني وأني له عذر ومن شأنه الغدر

وفي مناقب آل ابي طالب: 3/28

وقال ابن الحجاج:

أنا مولي لمن لواء الحمد علي عاتقه يوم النشور.

إلي آخر ما رووه من شعر حوض الكوثر، وهو يؤكد أن أحاديث النبي صلي الله عليه وآله في أن علياً هو آمر السقاية عليه كانت من خصائصه المعروفة.

علي قسيم الله بين الجنة والنار

قال القاضي عياض في الشفا: 1/294

(وأخبر النبي)... وما ينال أهل بيته وتقتيلهم وتشريدهم، وقتل علي، وأن أشقاها الذي يخضب هذه من هذه، أي لحيته من رأسه، وأنه قسيم النار، يدخل أولياؤه الجنة، وأعداءه النار...

وقال الكنجي الشافعي في كفاية الطالب/72

فإن قيل: هذا سندٌ ضعيف:

قلت: قال محمد بن منصور الطوسي: كنا عند أحمد بن حنبل، فقال له رجل:

ما تقول في هذا الحديث الذي يروي أن علياً قال: أنا قسيم النار؟

فقال أحمد: وما تنكرون من هذا الحديث؟! أليس روينا أن النبي (ص) قال لعلي:

لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق؟

قلنا: بلي.

قال: فأين المنافق؟

قلنا: في النار.

قال: فعلي قسيم النار!!

ونقل هذه الحكاية عن أحمد، في إحقاق الحق: 17/209، عن مجمع الاداب للبخاري الفوطي: 3 ق/1/594 ط. بغداد.

ونقلها في: 30/402، عن مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة، للصفوري/167 ط. دار ابن كثير، دمشق وبيروت، تحقيق محمد خير المقداد ونقلها في: 4/259، عن طبقات الحنابلة لابي يعلي: 1/320 طبع القاهرة.

وروي الحديث في صحيفة الإمام الرضا/115، من عدة مصادر، بعدة أسانيد، عن الإمام الرضا عليه السلام عن آبائه، عن النبي صلي الله عليه وآله قا: يا علي إنك قسيم النار والجنة، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بلا حساب.

وقال في هامشه:

أخرجه محب الدين الطبري في الرياض النضرة: 2/160 وص 211. وذخائر العقبي: 61.

وابن المغازلي في المناقب: 7 6 ح 97، عنه ابن طاووس في الطرائف: 76 ح 100. وعنه البحار: 39/209 ح 31.

وأخرجه القندوزي في ينابيع المودة: 84 من طريق ابن المغازلي، عن ابن مسعود وفيه: وتدخلها أحباءك. وفي/303 وص 257 عن علي.

ورواه الخوارزمي في مناقبه: 209.

والحمويني في فرائد السمطين: 1/142 ح 105

وقال في إحقاق الحق: 7/172

حديث حذيفة رواه القوم: منهم العلامة الأمر تسري في أرجح المطالب/32 ط. لاهور، روي من طريق الديلمي وابن المغازلي والقاضي عياض عن حذيفة قال: قال رسول الله عليه صلي الله عليه وآله: يا علي أنت قسيم النار والجنة، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها أحباءك بغير حساب.

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر/126

عن علي الرضا أنه (ص) قال له: أنت قسيم الجنة والنار في يوم القيامة، تقول النار: هذا لي وهذا لك..

وفي فردوس الأخبار: 3/90، عن حذيفة: علي قسيم النار.

وفي بغية الطلب لابن العديم: 1/289

قال الأعمش: وإنما يعني بقوله أنا قسيم النار: أن من كان معي فهو علي الحق.

ورواه في إحقاق الحق: 20/251، عن مخطوطة كتاب (آل محمد) لحسام الدين المردي الحنفي صفحة 32، عن أبي سعيد الخدري.

وأورد في إحقاق الحق: 4/259، و: 30/402، أسماء عدد من المؤلفين السنيين الذين رووا الحديث أو ذكروه في مؤلفاتهم، منهم:

أحمد بن أبي عبيد العبدي الهروي في كتابه الغريبين/307 في مادة القاف مع السين مخطوط.

وابن المغازلي في كتابه مناقب أمير المؤمنين-مخطوط، قال: قال قال رسول الله (ص)لعلي عليه السلام: إنك قسيم الجنة والنار، وأنت تقرع باب الجنة وتدخلها بغير حساب.

والخوارزمي في المناقب/234 ط. تبريز.

وأبو يعلي الحنبلي في طبقات الحنابلة: 1/320 ط. القاهرة، ذكر حكاية أحمد المتقدمة.

وابن الأثير في نهاية اللغة: 3/284، قال: في حديث علي: أنا قسيم النار.

والحمويني في فرائد السمطين، قال:

أخبرنا الشيخ شرف الدين احمد بن عبد الله بن احمد بن محمد بن الحسن بن عساكر سماعاً عليه قال: أخبرتنا زينب بنت أبي القاسم عبد الرحمان الشعري الجرجاني إجازة، أنا أبو القاسم عبد الله بن أحمد بن عامر الطائي، نبأ أبي أحمد بن عامر بن سليمان، نبأ أبوالحسن علي بن موسي الرضا، حدثني أبي موسي بن جعفر بن محمد، حدثني أبي علي بن أبي طالب قال: قال النبي (ص): يا علي إنك قسيم النار، وإنك تقرع باب الجنة فتدخلها بغير حساب.

وقال: أنبأني أبو الفضل بن أبي العباس مودود بن محمود عبد الله بن محمود الحنفي رحمه الله قال أنا أبو جعفر عمر بن محمد بن معمر بن

طرزة الدارمي قال: أنا أبو القاسم بن أبي عبد الرحمان بن أبي نصر المستملي الشحامي إجازة قال: أنبأ أبو بكر بن الحسين الحافظ قال: أنا أبو الحسين بن الفضل القطامي قال: أنا عبد الله بن جعفر قال: ثنا يعقوب: قال حدثني يحيي بن عبد الحميد قال: ثنا علي بن معمر عن موسي بن طريف، عن عباية، عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة قلت هذا لك وهذا لي.

وابن كثير في البداية والنهاية/355: 7 ط. مصر، قال: لفظ عبد الله بن أحمد يعقوب بن سفيان: ثنا يحيي بن عبدالحميد، ثنا علي بن مسهر، عن الأعمش، عن موسي بن طريف، عن عباية، عن علي قال: أنا قسيم النار، إذا كان يوم القيامة، قلت هذا لك، وهذا لي.

والعسقلاني في لسان الميزان: 3/247 و 248 ط. حيدر آباد الدكن، و: 6 ص113

والمتقي الهندي في منتخب كنز العمال (المطبوع بهامش المسند: 5/52 ط القديم بمصر) قال: عن علي قال: أنا قسيم النار.

والصديقي في مجمع بحار الأنوار (3/144 ط نول كشور) قال: وفي الحديث: عليٌّ قسيم النار.

والكشفي الترمذي في المناقب المرتضوية/91 ط. بمبئي، عن سنن الدارقطني والصواعق المحرقة لابن حجر المكي.

والمناوي في كنوز الحقايق/98، ط. بولاق بمصر، قال: قال رسول الله (ص): علي قسيم النار.

والبدخشي في مفتاح النجا/46 مخطوط، قال: وأخرج الدارقطني عن علي كرم الله وجهه قال: قال رسول الله (ص): يا علي أنت قسيم النار يوم القيامة.

والزبيدي في تاج العروس: 2/25 ط. القاهرة، ذكر قول علي (رض): أنا قسيم النار.

والقندوزي في ينابيع المودة/84 ط إسلامبول، قال:

وفي جواهر العقدين: قد أخرج الدارقطني، عن أبي الطفيل عامر بن

وائلة الكناني أن علياً قال حديثاً طويلاً في الشوري، وفيه أنه قال لأهل الشوري: فأنشدكم بالله هل فيكم أحدٌ قال له رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت قسيم النار والجنة غيري؟ قالوا: اللهم لا.

وفي صفحة 85:

وفي المناقب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة، وفيه (يا علي لو أن رجلاً أحبك وأولادك في الله، لحشره الله معك ومع أولادك. وأنتم معي في الدرجات العلي، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار.

والصفوري، في مختصر المحاسن المجتمعة في فضائل الخلفاء الأربعة/167 ط. دار ابن كثير، دمشق وبيروت.

والعدوي الحمراوي في مشارق الأنوار/122 ط. مصر، عن جواهر العقدين أن المأمون قال لعلي الرضا... انتهي.

وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين (ع): 2/527

وروي ابن قتيبة في آخر غريب كلام أمير المؤمنين عليه السلام من كتاب غريب الحديث: 2/150، ط 1، قال: وقول علي: أنا قسيم النار، يرويه عبد الله بن داود، عن الأعمش، عن موسي بن طريف.

قال ابن قتيبة: أراد علي أن الناس فريقان: فريق معي فهم علي هدي، وفريق عليَّ فهم علي ضلال كالخوارج. فأنا قسيم النار، معناه: نصف الناس في الجنة معي، ونصف في النار. وقسيم: في معني مقاسم مثل جليس وأكيل وشريب.

وليلاحظ مادة قسم من الغريبين والنهاية والفائق ولسان العرب.

وروي المرشد بالله يحيي بن الحسن الشجري في فضائل علي عليه السلام كمافي ترتيب أماليه/134، ط. مصر، قال: أخبرنا أبو طاهر محمد بن علي بن محمد الواعظ المقرئ المعروف بابن العلاء بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن ميثم قال: أخبرنا أبو أحمد القاسم بن جعفر بن محمد بن عبدالله بن محمد بن

عمر بن علي بن أبي طالب قال: حدثنا أبي جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن عبدالله، عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه: الحسين بن علي(عليهما السلام) قال: قال لي أبي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: أنا قسيم النار. فقال عمار بن ياسر: إنما عني بذلك أن كل من معي فهو علي الحق، وكل من مع معاوية علي الباطل ضالاً مضلاً...

ثم قال المرشد بالله يحيي بن الحسين الشجري: أخبرنا أبو الفضل عبيد الله بن أحمد بن علي المقرئ ابن الكوفي بقراءتي عليه قال: أخبرنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد الكناني المقرئ قال: حدثنا أبوالحسين عمر بن الحسن القاضي الأشناني قال: حدثنا إسحاق بن الحسن الحربي قال: حدثني محمد بن منصور الطوسي قال: كنا عند أحمد بن حنبل فقال له رجل: يا أبا عبدالله ما تقول في هذا الحديث الذي يروي أن علياً عليه السلام قال: أنا قسيم النار؟

فقال أحمد: وما تنكر من ذا؟! أليس روينا أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعلي عليه السلام: لا يحبك إلا مؤمن ولا ببغضك إلا منافق؟!... وانظر الحكاية 7 و 9 من خاتمة أربعين منتجب الدين. وهذا رواه أيضاً ابن القاضي أبي يعلي الحنفي في كتاب طبقات الحنابلة: 1،/320. وقريباً منه رواه أيضاً ابن عساكر في الحديث: 775 من ترجمة علي من تاريخ دمشق: 2/253 ط 2، وفيما قبله وما بعده شواهد جمة للمقام.

ونقل في إحقاق الحق: 20/251

عن كتاب (آل محمد) لحسام الدين المردي الحنفي صفحة 32، والنسخة مصورة من مكتبة العلامة المحقق السيد الأشكوري، قال:

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول

الله (ص):إذا سألتم الله عز وجل فاسألوه لي الوسيلة، فسئل عنها فقال: درجة في الجنة، وهي ألف مرقاة ما بين المرقاء إلي المرقاة يسير الفرس الجواد شهراً، مرقاة زبرجد إلي مرقاة لؤلؤ، إلي مرقاة يلنجوج، إلي مرقاة نور، وهكذا من أنواع الجواهر، فهي في بين النبيين كالقمر بين الكواكب، فينادي المنادي: هذه درجة محمد خاتم الأنبياء، وأنا يومئذ متزي بريطة من نور علي رأسي تاج الرسالة واكليل الكرامة، وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد مكتوب عليه لا اله إلا الله، محمد رسول الله، علي ولي الله، وأولياء علي المفحلون الفائزون بالله.

حتي أصعد أعلي منها وعلي أسفل مني بدرجة وبيده لوائي، فلا يبقي يومئذ رسول ونبي ولا صديق ولا شهيد ولا مؤمن، إلا رفعوا أعينهم ينظرون الينا ويقولون: طوبي لهذين العبدين ما أكرمهما علي الله، فينادي المنادي يسمع نداءه جميع جميع الخلائق: هذا حبيب الله محمد، وهذا ولي الله علي.

فيأتي رضوان خازن الجنة فيقول: أمرني ربي أن آتيك بمفاتيح الجنة فأدفعها إليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعها إلي أخي علي.

ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: أمرني ربي ان آتيك بمقاليد النار فأدفعهما اليك يا رسول الله، فأقبلها أنا فأدفعهما إلي أخي علي.

فيقف علي علي غمرة جنهم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها واشتد حرها، فتنادي جهنم: يا علي ذرني فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: ذري هذا وليي، وخذي هذا عدوي، فلجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من رق أحدكم لصاحبه، ولذلك كان علي قسيم النار والجنة. انتهي.

وقد قوي ابن أبي الحديد المعتزلي حديث قسيم الجنة والنار في شرح نهج البلاغة:10 جزء 19/139،

وفي: 5 جزء 9/165: وقال (وهو ما يطابق الأخبار).

وأخيراً: فإن مما يؤيد صحة حديث (علي قسيم النار والجنة) أن مخالفيه وضعوا حديثاً بأن أبا بكر قسيم الجنة والنار، وقد شهد محبو أبي بكر بأنه موضوع، فلابد أن يكون الدافع لوضعه أن يقابلوا به حديثاً معروفاً يحتج به الشيعة..

قال ابن حبان في المجروحين: 1/145

أحمد بن الحسن بن القاسم شيخ كوفي: يضع الحديث علي الثقات.. روي عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): إذا كان يوم القيامة نادي مناد من تحت العرش: ألا هاتوا أصحاب محمد (ص) فيؤتي بأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب (رض) قال فيقال لأبي بكر: قف علي باب الجنه فأدخل من شئت برحمة الله، وادرأ من شئت بعلم الله.. إلخ.

ثم قال ابن حبان: الحديث موضوع لا أصل له. انتهي.

حديث: قسيم النار والجنة، في مصادرن

التعبير الأصلي في مصادرنا عن هذه الصفة لعلي عليه السلام أنه (قسيم الله بين الجنة والنار)، وقد ورد هذا التعبير في الكافي 1/196، عن الإمام الصادق عليه السلام، قال:

وكان أمير المؤمنين صلوات الله عليه كثيرا ما يقول: أنا قسيم الله بين الجنة والنار، وأنا الفاروق الأكبر وأنا صاحب العصا والميسم... الخ.

وفي الكافي: 1/98

وقال أمير المؤمنين عليه السلام: أنا قسيم الله بن الجنة والنار، لا يدخلها داخلٌ إلا علي حد قسمي، وأنا الفاروق الأكبر، وأنا الإمام لمن بعدي، والمؤدي عمن كان قبلي، لا يتقدمني أحدٌ إلا أحمد صلي الله عليه وآله. انتهي.

ونحوه في علل الشرائع: 1/164، وفي بصائر الدرجات/414

وقد جعله الصدوق عنواناً في علل الشرائع: 1/161، فقال:

قسيم الله بين الجنة والنار:

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيي بن زكريا أبو العباس القطان قال: حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي قال: حدثنا عبد الله بن داهر قال: حدثنا أبي، عن محمد بن سنان، عن المفضل بن عمر قال:

قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق: لم صار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار؟

قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان، وخلقت النار لأهل الكفر، فهو عليه السلام قسيم الجنة والنار، لهذه العلة فالجنة لا يدخلها إلا أهل محبته، والنار لا يدخلها إلا أهل بغضه.

قال المفضل: فقلت يابن رسول الله فالأنبياء والاوصياء (عليهم السلام) كانوا يحبونه وأعداؤهم كانوا يبغضونه؟

قال: نعم.

قلت: فكيف ذلك؟

قال: أما علمت أن النبي صلي الله عليه وآله قال يوم خيبر: لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ما يرجع حتي يفتح الله علي يديه، فدفع الراية إلي علي ففتح الله تعالي علي يديه.

قلت: بلي.

قال: أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله لما أتي بالطائر المشوي قال: اللهم إئتني بأحب خلقك اليك وإليَّ، يأكل معي من هذاالطائر، وعني به علياً؟

قلت: بلي.

قال: فهل يجوز أن لا يحب أنبياء الله ورسله وأوصياؤهم(عليهم السلام) رجلاً يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله.

فقلت له: لا.

قال: فهل يجوز أن يكون المؤمنون من أممهم لايحبون حبيب الله وحبيب رسوله وأنبيائه (عليهم السلام)؟

قلت: لا.

قال: فقد ثبت أن أعدائهم والمخالفين لهم كانوا لهم ولجميع أهل محبتهم مبغضين.

قلت: نعم.

قال: فلا يدخل الجنة إلا من أحبه من الأولين والآخرين، ولا يدخل النار إلا من أبغضه من الأولين

والآخرين، فهو إذن قسيم الجنة والنار.

قال المفضل بن عمر: فقلت له يابن رسول الله فرجت عني فرج الله عنك، فزدني مما علمك الله.

قال: سل يا مفضل.

فقلت له: يابن رسول الله فعلي بن أبي طالب عليه السلام يدخل محبه الجنةومبغضه النار؟ أو رضوان ومالك؟

فقال: يا مفضل أما علمت أن الله تبارك وتعالي بعث رسول صلي الله عليه وآله وهو روح إلي الأنبياء (عليهم السلام)، وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام؟

قال: أما علمت أنه دعاهم إلي توحيد الله وطاعته واتباع أمره، ووعدهم الجنة علي ذلك، وأوعد من خالف ما أجابوا إليه وأنكره النار؟

قلت: بلي.

قال: أفليس النبي صلي الله عليه وآله ضامناً لما وعد وأوعد عن ربه عز وجل؟

قلت: بلي.

قال: أوليس علي بن أبي طالب خليفته وإمام أمته؟

قلت: بلي.

قال: أو ليس رضوان ومالك من جملة الملائكة والمستغفرين لشيعته الناجين بمحبته؟

قلت: بلي.

قال: فعلي ابن أبي طالب إذن قسيم الجنة والنار عن رسول الله صلي الله عليه وآله، ورضوان ومالك صادران عن أمره، بأمر الله تبارك وتعالي.

يا مفضل خذ هذا، فإنه من مخزون العلم ومكنونه، لا تخرجه إلا إلي أهله.

وفي كفاية الأثر/151

أخبرنا القاضي المعافا بن زكريا، قال حدثنا علي بن عتبة، قال حدثني الحسين بن علوان، عن أبي علي الخراساني، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

أنت الوصي علي الأموات من أهل بيتي، والخليفة علي الأحياء من أمتي، حربك حربي وسلمك سلمي، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر من صلبك، أئمة مطهرون معصومون، ومنهم المهدي الذي يملا الدنيا قسطاً وعدلاً،

فالويل لمبغضكم.

يا علي لو أن رجلاً أحب في الله حجراً لحشره الله معه، وإن محبيك وشيعتك ومحبي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك، وأنت معي في الدرجات العلي، وأنت قسيم الجنة والنار، تدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار.

وفي مناقب آل أبي طالب: 2/9

قال الزمخشري في الفايق: معني قول علي أنا قسيم النار، أي مقاسمها ومساهمها يعني أن القوم علي شطرين مهتدون وضالون، فكأنه قاسم النار إياهم فشطر لها وشطر معه في الجنة.

ولقد صنف محمد بن سعيد كتاب: من روي في علي أنه قسيم النار.

وفي إحقاق الحق: 17/164

عن العدوي الحمراوي في مشارق الأنوار/122 ط. مصر، عن جواهر العقدين أن المأمون قال لعلي الرضا: بأي وجه جدك علي بن أبي طالب قسيم الجنة والنار؟

فقال: يا أمير المؤمنين ألم ترو عن أبيك، عن آبائه، عن عبد الله بن عباس أنه قال سمعت رسول الله(ص)يقول: حب علي إيمان وبغضه كفر.

فقال: بلي.

قال الرضا: فقسمة الجنة والنار إذاً كان علي حبه وبغضه.

فقال المأمون: لا أبقاني بعدك يا أبا الحسن، أشهد أنك وارث علم رسول الله (ص).

قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي: فلما رجع الرضا إلي بيته قلت له: يا بن رسول الله ما أحسن ما أجبت به أمير المؤمنين.

فقال: يا أبا الصلت ما أجبته إلا من حيث هو، ولقد سمعت أبي يحدث عن أبيه، عن علي (رض)، قال: قال لي رسول الله (ص): أنت قسيم الجنة والنار، فيوم القيامة، تقول للنار هذا لي، وهذا لك. انتهي.

وراجع أيضاً: بصائر الدرجات/414، والخصال/96، والاحتجاج: 1/189 و406، وإعلام الوري /187، ومناقب آل ابي طالب: 2/6، ومناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 2/ 462،

والأربعين حديثآ للمنتجب الرازي/87

حديث قسيم الجنة والنار في الشعر

في مناقب آل أبي طالب: 2/9

قال السيد (الحميري):

ذاك قسيم النار من قيله خذي عدوي وذري ناصري

ذاك علي بن أبي طالب صهر النبي المصطفي الطاهر

وله أيضاً:

علي قسيم النار من قيله ذري ذا وهذا فاشربي منه واطعمي

خذي بالشوي ممن يصيبك منهم ولا تقربي من كان حزبي فتظلمي

وله أيضاً:

قسيم النار هذا لك وذا لي ذريه إنه لي ذو وداد

يقاسمها فينصفها فترضي مقاسمة المعادل غير عاد

كما انتقد الدراهم صيرفي ينقي الزايفات من الجياد

وقال العوني:

يسوق الظالمين إلي جحيم فويلٌ للظلوم الناصبي

يقول لها خذي هذا فهذا عدوي في البلاء علي الشقي

وخلي من يواليني فهذا رفيقي في الجنان وذا وليي

وقال غيره:

وإني لارجو ياإلهي سلامةً بعفوك من نار تلظي همومه

أبا حسن لو كان حبك مدخلي جهنم كان الفوز عندي جحيمه

وكيف يخاف النار من هو موقنٌ بأن أمير المؤمنين قسيمه

وقال الزاهي:

يا سيدي يابن أبي طالب يا عصمة المعتف والجار

لا تجعلن النار لي مسكناً يا قاسم الجنة والنار

وقال غيره:

علي حبه جنة قسيم النار والجنة

وصي المصطفي حقاً إمام الانس والجنة

وفي مناقب آل ابي طالب: 3/28

وقال الناشئ:

فما لابن أبي طالب المفضال من ند

هو الحامل في الحشر بكفيه لوا الحمد

قسيم النار والجنة بين الند والضد

وفي ديوان دعبل الخراعي/126

قسيم الجحيم فهذا له وهذا لها باعتدال القسيم

يذود عن الحوض أعداءه فكم من لعين طريد وكم

فمن ناكثين ومن قاسطين ومن مارقين ومن مجترم

علي أول الواردين علي النبي عند حوض الكوثر

وردت أحاديث تنص علي أن علياً عليه السلام أول وارد علي رسول الله علي حوضه يوم القيامة، وقد تعرض لها الأميني رحمه الله في

الغدير: 3/220، وما بعدها، ونكتفي بذكر نماذج منها، قال:

قال صلي الله عليه وآله: أولكم وارداً وروداً عليَّ الحوض: أولكم إسلاماً، علي بن أبي طالب. أخرجه الحاكم في المستدرك 3/136، وصححه، والخطيب البغدادي في تاريخه: 2/81، ويوجد في الإستيعاب 2/457، وشرح ابن أبي الحديد 3/258 وفي لفظ: أول هذه الأمة وروداً علي الحوض أولها إسلاماً علي بن أبي طالب 2 - السيرة الحلبية 1/285 - سيرة زيني دحلان 1/188، هامش الحلبية.

وفي لفظ: أول الناس وروداً عليَّ الحوض أولهم إسلاماً علي بن أبي طالب - مناقب الفقيه ابن المغازلي، مناقب الخوارزمي. انتهي.

وفي مناقب أمير المؤمنين (ع): 1/280

محمد بن سليمان، عن محمد بن منصور، عن الحكم بن سليمان، عن أبي زكريا السمسار، عن محمد بن عبيد الله بن علي، عن أبيه عن جده، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أولكم وروداً علي الحوض أولكم إسلاماً علي بن أبي طالب. انتهي.

ورواه في كنز العمال: 11/616، وقال عنه (ك. ولم يصححه، والخطيب-عن سليمان). انتهي.

وليس من عادة العمال عندما ينقل حديثاً أن يقول (رواه فلانٌ ولم يصححه) ولكنهم يستعملون هذا التعبير للتبرؤ من تبني الحديث.

وبذلك أراد صاحب كنز العمال أن يبعد عن نفسه تهمة التشيع! لأن هذا الحديث يجعل علياً أول من أسلم وليس أبا بكر! وأول من يرد المحشر والحوض، وليس عمر!

وفي مجمع الزوائد: 9/102

وعن سلمان قال أول هذه الأمة وروداً علي نبيها(ص)أولها اسلاماً علي بن أبي طالب (رض). رواه الطبراني ورجاله ثقات.

وعن ابن عباس قال: أول من أسلم علي (رض). رواه الطبراني، وفيه عثمان الجزري ولم أعرفه، وبقية رجاله رجال الصحيح.

وفي كنز

العمال: 11/601

السبَّق ثلاثة: فالسابق إلي موسي يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي صاحب يس والسابق إلي محمد علي بن أبي طالب (طب، وابن مردويه، عن ابن عباس).

الصديقون ثلاثة: حزقيل مؤمن آل فرعون، وحبيب النجار صاحب آل يس، وعلي بن أبي طالب. (ابن النجار، عن ابن عباس).

وفي مجمع الزوائد: 9/102

عن ابن عباس عن النبي(ص)قال: السبَّق ثلاثة، السابق إلي موسي يوشع بن نون، والسابق إلي عيسي صاحب ياسين، والسابق إلي محمد(ص)علي بن أبي طالب (رض).

رواه الطبراني وفيه حسين بن حسن الاشقر، وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور، وبقية رجاله حديثهم حسن أو صحيح.

لا يعبر إنسان الصراط إلا بجواز من علي

في تاريخ بغداد: 10/357

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن علي الصراط لعقبة لا يجوزها أحدٌ إلا بجواز من علي بن أبي طالب.

وفي تاريخ بغداد: 3/161

وفي حديث ابن عباس قال: قلت للنبي (ص): يارسول الله للنار جواز؟

قال: نعم.

قلت: وما هو؟

قال: حب علي بن أبي طالب.

وفي الصواعق المحرقة لابن حجر/195

عن أبي بكر بن أبي قحافة سمعت رسول الله(ص)يقول: لا يجوز أحد الصراط إلا من كتب له علي الجواز.

عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي

في تاريخ بغداد: 4/410

عن أنس قال: والله الذي لا إله إلا هو لسمعت رسول الله(ص)يقول: عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن أبي طالب.

وفي المعجم الكبير للطبراني: 11/83

عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص): لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتي يسأل... وعن حبنا أهل البيت.

وفي الفضائل/114

وروي أنس بن مالك قال سمعت أذناي أن رسول الله (ص) يقول في علي بن أبي طالب عليه السلام: عنوان صحيفة المؤمن يوم القيامة حب علي.

من هو المخاطب بقوله تعالي: ألقيا في جهنم كل كفار عنيد

قال الله تعالي:

وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ أَلَّذِي جَعَلَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ. ق 20 - 29

والسؤال هنا: من هما المخاطبان بقوله تعالي (ألقيا) المأموران بإلقاء الكفارين العنيدين في جهنم؟

وقد أجاب أكثر المفسرين بأن المأمور بذلك هو القرين وهو واحدٌ!

لكن الأمر جاء بصيغة المثني للتأكيد!!!

قال الطبري في تفسيره: 27 /103 (فأخرج الأمر للقرين وهو بلفظ واحد مخرج الإثنين، وفي ذلك وجهان من التأويل: أحدهما أن يكون القرين بمعني الإثنين... والثاني أن يكون كما قال بعض أهل العربية وهو أن العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الإثنين. انتهي.

وقال الراازي في تفسيره: 27/165

ثم يقال للسائق أو للشهيد: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ فيكون هو أمراً

لواحد، وفيه وجهان: أحدهما أنه ثني تكرار الأمر كما يقال ألق ألق، وثانيهما عادة العرب ذلك. انتهي.

وذكر شبيهاً به بعض مفسرينا، كما في التبيان: 9/366، وإملاء ما من به الرحمن: 2 /242!ولكن لا يمكن قبول هذا الرأي:

أولاً، لأنه يخالف مصداقية النص القرآني الدقيقة دائماً، خاصة أنه تعالي كرر التثنية فقال (فألقياه في العذاب الشديد). فما ذكره الطبري والرازي وغيرهما، مضافاً إلي تهافته، لا يمكن قبوله.

وثانياً: أن الظاهر من الآيات أن القرين ملقي في جهنم أيضاً، وأن تخاصمه مع صاحبه داخل جهنم، فكيف يكون مقرباً عند الله تعالي، ومأموراً بإلقاء الكفارين فيها؟!

فلم يبق وجه للتثنية إلا أن يكون المخاطبان هما السائق والشهيد.

ولكن يرد عليه: أن الالقاء في النار عملٌ آخر غير السوق للمحشر والشهادة في الحساب. وأن المشهد في الآيات لشخصين: شخص كفار عنيد مناع للخير، وقرينه قرين السوء.. الخ. وهي تتناسب مع أمر اثنين بإلقائهما في جهنم!

وهذا يقوي ما ورد في مصادرنا وبعض المصادر السنية من أن المأمورين في الآية هما محمد صلي الله عليه وآله وعلي عليه السلام.

وقال في هامش مناقب أمير المؤمنين عليه السلام: 2/527

في مناقب علي المطبوع في خاتمة مناقب ابن المغازلي/427 ط 1، قال: حدثناأبو الأغر أحمد بن جعفر الملطي قدم علينا في سنة سبع وعشرين وثلاث مائة قال: حدثنا محمد بن الليث الجوهري قال: حدثنا محمد بن الطفيل قال: حدثنا شريك بن عبدالله قال: كنت عند الأعمش وهو عليل فدخل عليه أبو حنيفة وابن شبرمة وابن أبي ليلي فقالوا: يا أبا محمد إنك في آخر أيام الدنيا وأول أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث فتب إلي الله

منها!!

فقال الأعمش: أسندوني أسندوني. فأسند فقال:

حدثنا أبو المتوكل الناجي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة قال الله تبارك وتعالي لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما، وأدخلا في الجنة من أحبكما، فذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. فقال أبو حنيفة للقوم: قوموا لا يجئ بشئ أشد من هذا.

ورواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية (23) من سورة (ق) من شواهد التنزيل بسنده عن الكلابي، وبسند آخر، ثم قال: ورواه أيضاً الحماني عن شريك: حدثنيه أبو الحسن المصباحي، حدثنا أبو القاسم علي بن أحمد بن واصل، حدثنا عبد الله بن محمد بن عثمان، حدثنا يعقوب بن إسحاق من ولد عباد بن العوام، حدثنا يحيي بن عبدالحميد، عن شريك، عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة قال الله تعالي لمحمد وعلي: أدخلا الجنة من أحبكما، وأدخلا النار من أبغضكما، فيجلس علي علي شفير جهنم فيقول لها: هذا لي وهذا لك! وهو قوله: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. ثم رواه بأسانيد أخر...

ورواه أيضاً الطوسي في الحديث: 9 - 11 من أماليه: 1/296 ط 3، قال: قال أبومحمد الفحام: حدثني أبوالطيب محمد بن الفرحان الدوري قال: حدثنا محمد بن علي بن فرات الدهان، قال: حدثنا سفيان بن وكيع، عن أبيه عن الأعمش: عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله يقول الله تعالي يوم القيامة لي ولعلي بن أبي طالب: أدخلا الجنة من أحبكما وأدخلا النار من أبغضكما. وذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا

فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

وقريباً منه رواه بسند آخر في الحديث (32) من المجلس 13، من: 1/378 ورواه أيضاً بسنده عن أبي المفضل الشيباني في الحديث: (7) من المجلس: (12) من أماليه: 2/639 ط. بيروت، قال: قال أبوالمفضل: حدثنا إبراهيم بن حفص بن عمر العسكري بالمصيصة قال: حدثنا عبيد بن الهيثم بن عبيد الله الأنماطي البغدادي بحلب قال: حدثني الحسن بن سعيد النخعي ابن عم لشريك، قال: حدثني شريك بن عبدالله القاضي قال: حضرت الأعمش في علتة التي قبض فيها، فبينا أنا عنده إذ دخل عليه ابن شبرمة وابن أبي ليلي وأبوحنيفة فسألوه عن حاله فذكر ضعفا شديداً، وذكر ما يتخوف من خطيئاته وأدركته ذمة فبكي.

فأقبل عليه أبو حنيفة فقال: يا أبا محمد اتق الله وانظر لنفسك، فإنك في آخر يوم من أيام الدنيا وأول يوم من أيام الآخرة، وقد كنت تحدث في علي بن أبي طالب بأحاديث لو رجعت عنها كان خيراً لك.

قال الأعمش: مثل ماذا يا نعمان؟

قال: مثل حديث عباية: أنا قسيم النار!

قال: أو لمثلي تقول هذا يا يهودي؟!

أقعدوني سندوني أقعدوني! حدثني - والذي مصيري إليه - موسي بن طريف ولم أر أسدياً كان خيراً منه، قال: سمعت عباية بن ربعي إمام الحي قال: سمعت علياً أمير المؤمنين عليه السلام يقول: أنا قسيم النار، أقول هذا وليي دعيه وهذا عدوي خذيه.

وحدثني أبو المتوكل الناجي علي بن داوود... عن أبي سعيد الخدري (رض) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يأمر الله عز وجل فأقعد أنا وعلي علي الصراط، ويقال لنا: أدخلا الجنة من آمن بي وأحبكما، وأدخلا النار من كفر بي

وأبغضكما.

ثم قال أبو سعيد: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: ما آمن بالله من لم يؤمن بي، ولم يؤمن بي من لم يتول - أو قال: لم يحب - علياً، وتلا: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. قال: فجعل أبو حنيفة إزاره علي رأسه وقال: قوموا بنا لا يجيبنا أبو محمد بأطم من هذا.

قال الحسن بن سعيد: قال لي شريك بن عبدا الله: فما أمسي يعني الأعمش حتي فارق الدنيا رحمه الله.

وقريبا منه رواه أيضاً الشيخ السديد السعيد المفيد أبوسعيد محمد بن أحمد بن الحسين الخزاعي جد الشيخ أبي الفتوح الرازي في الحديث (14) من أربعينه قال: وعن محمد بن تميم الواسطي، عن الحماني عن شريك قال: كنت عند سليمان الأعمش في مرصه...

ورواه أيضاً في الحديث العاشر منه بسند آخر وزيادة، ومثله رواه ابن المغازلي في الحديث (97) من مناقب علي/67. انتهي.

وروي فرات هذا المعني في تفسيره بعدة طرق، قال في/439:

حدثني علي بن محمد الزهري معنعناً عن صباح المزني قال: كنا نأتي الحسن بن صالح وكان يقرأ القرآن، فإذا فرغ من القرآن سأله أصحاب المسائل حتي إذا فرغوا قام إليه شابٌ فقال له: قول الله تعالي في كتابه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ؟ فنكت نكتة في الأرض طويلاً، ثم قال: عن العنيد تسألني؟ قال: لا، أسألك عن (ألقيا) قال: فمكث الحسن ساعة ينكت في الأرض ثم قال: إذا كان يوم القيامة يقوم رسول الله(ص)وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب علي شفير جهنم، فلا يمر به أحدٌ من شيعته إلا قال: هذا لي وهذا لك).

ورواه في تفسير القمي: 2/324، بسنده عن فرات.

وفي تفسير فرات/437

عن جعفر

عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال قال النبي صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة، لا كمراقيكم، فأصعد حتي أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فأقول لعلي: إصعد، فيكون أسفل مني بدرجة، فأضع لواء الحمد في يده.

ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب.

ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالي، هذه مفاتيح النار، أدخل عدوك وعدو ذريتك وعدو أمتك النار، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب.

فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها، فهو قول الله تبارك وتعالي في كتابه: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. ألق يا محمد ويا علي عدوكما في النار ثم أقوم فأثني علي الله ثناء لم يثن عليه أحد قبلي، ثم أثني علي الملائكة المقربين، ثم أثني علي الأنبياء والمرسلين، ثم أثني علي الأمم الصالحين، ثم أجلس فيثني الله عليَّ، ويثني عليَّ ملائكته، ويثني عليَّ أنبياؤه ورسله، وتثني عليَّ الأمم الصالحة.

ثم ينادي مناد من بطنان العرش: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم حتي تمر بنت حبيب الله إلي قصرها، فتمر فاطمة بنتي عليها ريطتان خضراوان حولها سبعون ألف حوراء، فإذا بلغت إلي باب قصرها وجدت الحسن قائماً والحسين نائماً مقطوع الرأس فتقول للحسن: من هذا؟ فيقول هذا أخي، إن أمة أبيك قتلوه

وقطعوا رأسه، فيأتيها النداء من عند الله: يا بنت حبيبي إني إنما أريتك ما فعلت به أمة أبيك لأني ادخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه إني جعلت لتعزيتك بمصيبتك فيه أني لا أنظر في محاسبة العباد حتي تدخلي الجنة أنت وذريتك وشيعتك، ومن أولاكم معروفاً ممن ليس هو من شيعتك، قبل أن أنظر في محاسبة العباد!

فتدخل فاطمة ابنتي الجنة وذريتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممن ليس هو من شيعتها، فهو قول الله تعالي في كتابه: لا يحزنهم الفزع الأكبر...

وفي تفسير فرات الكوفي/438

عن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال: إذا كان يوم القيامة نصب منبر يعلو المنابر فيتطاول الخلائق لذلك المنبر، إذ طلع رجل عليه حلتان خضراوان، متزر بواحدة مترد بأخري، فيمر بالملائكة فيقولون هذا منا، فيجوزهم، ثم يمر بالشهداء فيقولون هذا منا، فيجوزهم، ويمر بالنبيين فيقولون هذا منا، فيجوزهم حتي يصعد المنبر.

ثم يجئ رجل آخر عليه حلتان خضراوان متزر بواحدة مترد بأخري فيمر بالشهداء فيقولون هذا منا، فيجوزهم ثم يمر بالنبيين فيقولون هذا منا، فيجوزهم ويمر بالملائكة فيقولون هذا منا، فيجوزهم حتي يصعد المنبر.

ثم يغيبان ما شاء الله، ثم يطلعان فيعرفان: محمد صلي الله عليه وآله وعلي.

وعن يسار النبي ملكٌ وعن يمينه ملكٌ، فيقول الملك الذي عن يمينه: يا معشر الخلائق أنا رضوان خازن الجنان، أمرني الله بطاعته، وطاعة محمد، وطاعة علي بن أبي طالب. وهو قول الله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ، يامحمد ويا علي.

ويقول الملك الذي عن يساره: يا معشر الخلائق أنا خازن جهنم، أمرني الله بطاعته، وطاعة محمد، وعلي!

وفي تأويل الآيات لشرف الدين: 2/609

تأويله: ما رواه الحسن بن أبي الحسن الديلمي

بإسناده، عن رجاله، عن جابر بن يزيد، عن أبي عبدالله عليه السلام في قوله عز وجل: وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ.

قال: السائق: أمير المؤمنين عليه السلام، والشهيد: رسول الله صلي الله عليه وآله. ويؤيد هذا التأويل: قوله تعالي لهما: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

بيان ذلك ما ذكره أبو علي الطبرسي قال: روي أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن الأعمش قال: حدثنا أبو المتوكل الناجي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا كان يوم القيامة يقول الله لي ولعلي: ألقيا في النار من أبغضكما وأدخلا الجنة من أحبكما، وذلك قوله تعالي: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ.

وذكر الشيخ في أماليه... إلي آخر ما تقدم.

ويؤيده: ما روي بحذف الإسناد عن محمد بن حمران قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قوله عز وجل: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ؟ فقال:

إذا كان يوم القيامة وقف محمد وعلي صلوات الله عليهما وآلهما علي الصراط، فلا يجوز عليه إلا من كان معه براءة.

قلت: وما براءة؟ قال: ولاية علي بن أبي طالب والأئمة من ولده (عليهم السلام).

وينادي مناد: يا محمد يا علي: القيا في جهنم كل كفار بنبوتك عنيد لعلي بن ابي طالب وولده (عليهم السلام).

وذكر في هامشه من مصادره: تفسير البرهان: 4 /222 ح 2، عن الحسن بن أبي الحسن الديلمي. وشواهد التنزيل: 2/190 ح 896 ومجمع البيان 9/147، وعنه البحار: 36/75 ونور الثقلين: 5/113 ح 35 عنه البرهان: 4/227 ح 4 والبحار: 7/338 ح 26 و: 39/253 ح 23 و: 68/117 ح 43، عن أمالي الطوسي: 1/378. انتهي.

وفي شواهد التنزيل للحسكاني: 2/265

عن

علي (ع) في قوله تعالي (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ...) قال قال لي رسول الله صلي الله عليه وآله: إن الله تبارك وتعالي إذا جمع الناس يوم القيامة في صعيد واحد، كنت أنا وأنت يومئذ عن يمين العرش، فيقول لي ولك: قوما فألقيا من أبغضكما وخالفكما في النار.

شفاعة علي و الأئمة من ذريته

في كنز العمال: 13/156

عن علي قال: قال رسول الله (ص): إن أول خلق الله يكسي يوم القيامة أبي إبراهيم فيكسي ثوبين أبيضين ثم يقام عن يمين العرش، ثم أدعي فأكسي ثوبين أخضرين ثم أقام عن يسار العرش، ثم تدعي أنت يا علي فتكسي ثوبين أخضرين ثم تقام عن يميني، أفما ترضي أن تدعي إذا دعيت وتكسي إذا كسيت وأن تشفع إذا شفعت. الدارقطني في العلل، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: تفرد به ميسرة بن حبيب النهدي والحكم بن ظهير عنه، والحكم كذاب.

قلت: الحكم روي له الترمذي، وقال فيه البخاري: منكر الحديث، وروي عنه القدماء سفيان الثوري ومالك، وك فصحح له، وقد تابع ميسرة عن المنهال عمران بن ميثم، وهو الحديث الذي قبله. انتهي.

ويلاحظ أن المتقي الهندي رد علي ابن الجوزي! ووثق الراويين اللذين تعلل بهما ابن الجوزي لتضعيف الحديث، ثم ذكر له متابعا وبذلك يقول لابن الجوزي: إذا أصريت علي تضعيفه فهو حسن أو صحيح بمتابعه!

ويقصد بالحديث الذي قبله رقم 36481، وهو من مسند علي قال:

قال لي رسول الله (ص): ألا ترضي يا علي إذا جمع الله الناس في صعيد واحد حفاة عراة مشاة قد قطع أعناقهم العطش، فكان أول من يدعي إبراهيم فيكسي ثوبين أبيضين ثم يقوم عن يمين العرش، ثم يفجر لي مثعب من الجنة إلي حوضي، وحوضي أعرض مما

بين بصري وصنعاء فيه عدد نجوم السماء قدحان من فضة، فأشرب وأتوضأ وأكسي ثوبين أبيضين، ثم أقوم عن يمين العرش، ثم تدعي فتشرب وتتوضأ وتكسي ثوبين أبيضين، فتقوم معي، ولا أدعي لخير إلا دعيت إليه؟ قلت: بلي.

(ابن شاهين في السنة، طس وأبو نعيم في فضائل الصحابة، أبو الحسن الميثمي: هذا حديث لا يصح وآفته عمران بن ميثم، وقال عق: عمران بن ميثم من كبار الرافضة يروي أحاديث سوء كذب) انتهي.

ويدل جعل المتقي الهندي لهذا الحديث متابعا ومؤيدا للحديث السابق، يدل علي أنه لم يتأثر بما قالوه عن عمران بن ميثم، أو أن المؤيد عنده يتسع ليشمل محتمل الصحة بمطلق الإحتمال.

وفي شرح الأخبار: 2/201، من حديث عن ابن عباس مع الشامي الناصبي:

فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا أخي في الدنيا، وقريني في الآخرة.

يا أم سلمة، اسمعي واحفظي واشهدي، هذا علي عيبة علمي، والباب الذي أوتي من قبله، والوصي علي الأحياء من أهل بيتي، وهو معي في السنام الأعلي، صاحب لوائي، والذائد عن حوضي، وصاحب شفاعتي.

يا أم سلمة، إسمعي واحفظي واشهدي، إن الله عز وجل دافع إلي يوم القيامة لواءين: لواء الحمد ولواء الشفاعة، ولواء الشفاعة بيدي، ولواء الحمد بيد علي، وهو واقفٌ علي حوضي، لا يسقي من حوضي من شتمه أو شتم أهل بيته، ولا من قتله ولا من قتل أهل بيته.

فقال له الشامي: حسبك يابن عباس رحمك الله، فرجت عني كربتي وأحييتني وأحييت معي خلقاً، فأحياك الله الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة. أشهد الله وأشهدك ومن حضر أن علياً مولاي ومولي كل مسلم.

ثم انصرف إلي الشام فأعلم الذين

أرسلوه بما كان من ابن عباس، فرجع معه خلق من أهل الشام عن سب علي عليه السلام.

وفي تفسير فرات الكوفي/116

عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله:

يا علي، إن فيك مثل من عيسي بن مريم قال الله تعالي: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا.

يا علي، إنه لا يموت رجل يفتري علي عيسي حتي يؤمن به قبل موته، ويقول فيه الحق حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وإنك علي مثله لا يموت عدوك حتي يراك عند الموت فتكون عليه غيظاً وحزناً حتي يقر بالحق من أمرك، ويقول فيك الحق ويقر بولايتك حيث لا ينفعه ذلك شيئاً، وأما وليك فإنه يراك عند الموت، فتكون له شفيعاً ومبشراً وقرة عين.

وفي بشارة المصطفي/125

أخبرنا الشيخ الرئيس أبو محمد الحسن بن الحسين بن بابويه في خانقانه بالري، في شهر ربيع الأول سنة عشرة وخمسمائة، وأخبرنا الشيخ أبو علي الحسن بن محمد وأبو عبد الله محمد بن شهريار الخازن، بمشهد مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، قال حدثنا الشيخ السعيد أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الطوسي رحمه الله قال حدثنا الشيخ المفيد محمد بن محمد، قال حدثني أبوبكر محمد بن عمر الجعابي، قال حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد، قال حدثنا أبو حاتم، قال حدثنا محمد بن الفرات، قال حدثنا حنان بن سدير، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال: ما ثبت الله تعالي حب علي في قلب أحد فزلت له قدم إلا ثبت الله له قدما أخري.

أخبرنا والدي أبو القاسم علي

بن محمد بن علي الفقيه رحمه الله وعمار بن ياسر وولده أبو القاسم سعد بن عمار رحمهم الله جميعاً عن إبراهيم بن نصر الجرجاني، عن السيد الزاهد محمد بن حمزة الحسيني رحمهم الله، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن بابويه رحمهم الله، قال حدثنا أبو الحسن علي بن عيسي المجاور في مسجد الكوفة، قال حدثنا اسماعيل بن رزين بن أخي دعبل الخزاعي، عن أبيه، قال حدثني علي بن موسي الرضا، قال حدثني أبي موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، قال حدثني أبي الحسين بن علي قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا علي، أنت المظلوم بعدي فويلٌ لمن قاتلك، وطوبي لمن قاتل معك.

يا علي أنت الذي تنطق بكلامي، وتتكلم بلساني بعدي، فويلٌ لمن رد عليك وطوبي لمن قبل كلامك.

يا علي، أنت سيد هذه الأمة بعدي، وأنت إمامها وخليفتي عليها، ومن فارقك فارقني يوم القيامة، ومن كان معك كان معي يوم القيامة.

يا علي، أنت أول من آمن بي وصدقني، وأول من أعانني علي أمري وجاهد معي عدوي وأنت أول من صلي معي والناس يومئذ في غفلة الجهالة.

يا علي، أنت أول من تنشق عنه الأرض معي، وأنت أول من يبعث معي، وأنت أول من يجوز الصراط معي، وإن ربي جل جلاله أقسم بعزته لا يجوز عقبة الصراط إلا من كان له براءة بولايتك وولاية الأئمة من ولدك.

وأنت أول من يرد حوضي، تسقي منه أولياءك وتذود عنه أعداءك.

وأنت صاحبي إذا قمت المقام المحمود، تشفع لمحبنا فيهم.

وأنت أول من يدخل الجنة وبيدك لوائي لواء الحمد، وهو سبعون شقة الشقة منه أوسع

من الشمس والقمر.

وأنت صاحب شجرة طوبي في الجنة، أصلها في دارك، وأغصانها في دور شيعتك ومحبيك.

احاديث في شفاعة الأئمة من أهل بيت النبي

في المحاسن 1/183

عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا.

قال: نحن والله المأذون لهم في ذلك اليوم، والقائلون صواباً.

قلت: جعلت فداك، وما تقولون إذا تكلمتم؟

قال: نمجد ربنا ونصلي علي نبينا، ونشفع لشيعتنا، فلا يردنا ربنا.

وبإسناده قال: قلت لابي عبد الله عليه السلام: قوله: من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم. من هم؟

قال: نحن أولئك الشافعون.

وروي الاخير في تفسير العياشي: 1/136، وفي تفسير نور الثقلين: 1/258 ورواه في البحار:8/41، عن المحاسن.

وفي بحار الأنوار: 7/335

جاء في روايات أصحابنا رضي الله عنهم مرفوعاً إلي النبي صلي الله عليه وآله أنه قال: إني أشفع يوم القيامة فأشفع، ويشفع علي فيشفع، ويشفع أهل بيتي فيشفعون، وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع في أربعين من إخوانه، كل قد استوجبوا النار.

وفي بصائر الدرجات/496

حدثنا أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أيوب، عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله: وَعَلَي الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ؟ قال: أنزلت في هذه الأمة، والرجال هم الأئمة من آل محمد.

قلت: فالأعراف؟

قال: صراط بين الجنة والنار، فمن شفع له الأئمة منا من المؤمنين المذنبين نجا، ومن لم يشفعوا له هوي.

وفي كفاية الاثر/194

حدثني علي بن الحسن، قال حدثني هارون بن موسي، قال حدثني أبوعبد الله الحسين بن أحمد بن شيبان القزويني، قال حدثنا أبوعمر أحمد بن

علي الفيدي، قال حدثنا سعد بن مسروق، قال حدثنا عبد الكريم بن هلال المكي، عن أبي الطفيل، عن أبي ذر (رض)، قال سمعت فاطمة عليها السلام تقول: سألت أبي عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: وَعَلَي الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ، قال: هم الأئمة بعدي علي وسبطاي وتسعة من صلب الحسين، هم رجال الأعراف، لا يدخل الجنة إلا من يعرفهم ويعرفونه ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وينكرونه، لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتهم.

وفي تأويل الآيات: 1/55

وقوله تعالي: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنصَرُونَ.

قال الإمام عليه السلام: قال الله عز وجل: وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا:

أي لا تدفع عنها عذابا قد استحقته عند النزع.

ولا يقبل منها شفاعة: من يشفع لها بتأخير الموت عنها.

ولا يؤخذ منها عدل: أي ولا يقبل منها فداء مكانه، يموت الفداء ويترك هو.

قال الصادق عليه السلام: وهذا اليوم يوم الموت فإن الشفاعة والفداء لا تغني منه، فأما يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء، ليكونن علي الأعراف بين الجنة والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، والطيبون من آلهم، فنري بعض شيعتنا في تلك العرصات، فمن كان منهم مقصراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظائرهم في العصر الذي يليهم، ثم في كل عصر إلي يوم القيامة.. فينقضون عليهم كالبزاة والصقور يتناولونهم، كما تتناول الصقور صيودها، ثم يزفون إلي الجنة زفاً.

وإنا لنبعث علي آخرين من محبينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات، كما يلتقط الطير الحب، وينقلونهم

إلي الجنان بحضرتنا. انتهي.

وقد يسأل: كيف يكون أصحاب الاعراف هم النبي والأئمة صلي الله عليه وآله، مع أنه تعالي قال عنهم (لم يدخلوها وهم يطمعون)!

والجواب: أن ضمير (لم يدخلوها) لا يعود عليهم، بل علي أصحاب الحجاب الذين يعرفونهم بسيماهم، فراجع الآيات 44، وما بعدها من سورة الأعراف، وما ورد في تفسيرها.

وفي تفسير فرات الكوفي/116

عن أبي جعفر عليه السلام قال: نزلت هذه الآية فينا وفي شيعتنا: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ، وذلك حين باها الله بفضلنا وبفضل شيعتنا حتي إنا لنشفع ويشفعون.

قال: فلما رأي ذلك من ليس منهم قالوا فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ..

وفي المحاسن: 1/184

عن عمر بن عبد العزيز، عن مفضل أو غيره، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ؟

قال: الشافعون الأئمة، والصديق من المؤمنين.

ورواه في تفسير نور الثقلين: 4/61

وفي الكافي: 8/101

محمد بن يحيي، عن ابن عيسي، عن ابن فضال، عن علي بن عقبة، عن عمر بن أبان، عن عبد الحميد الوابشئ، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: إن لنا جاراً ينتهك المحارم كلها حتي إنه ليترك الصلاة فضلاً عن غيرها:

فقال: سبحان الله!! وأعظم ذلك!

ألا أخبركم بمن هو شرٌّ منه؟

قلت: بلي.

قال: الناصب لنا شرٌ منه، أما إنه ليس من عبد يذكر عنده أهل البيت فيرق لذكرنا إلا مسحت الملائكة ظهره وغفر له ذنوبه كلها إلا أن يجئ بذنب يخرجه من الإيمان، وإن الشفاعة لمقبولة وما تقبل في ناصب، وإن المؤمن ليشفع لجاره وماله حسنة، فيقول: يارب جاري كان يكف عني الأذي فيشفع فيه، فيقول الله

تبارك وتعالي:

أنا ربك وأنا أحق من كافي عنك، فيدخله الجنة وماله من حسنة!

وإن أدني المؤمنين شفاعة ليشفع لثلاثين إنساناً فعند ذلك يقول أهل النار: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ..

وفي تفسير نور الثقلين: 4/60

عن تفسير علي بن ابراهيم: حدثني أبي، عن الحسن بن محبوب، عن أبي أسامة، عن أبي عبد الله وأبي جعفر (عليهما السلام) أنهما قالا: والله لنشفعن في المذنبين من شيعتنا حتي يقول أعداؤنا إذا رأوا ذلك: فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ. وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ. فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ أَلْمُؤْمِنِينَ.

قال: من المهتدين، قال: لأن الإيمان قد لزمهم بالإقرار.

ورواه في بحار الأنوار: 8/36، وقال:

بيان: أي ليس المراد بالإيمان هنا الإسلام، بل الاهتداء إلي الأئمة (عليهم السلام) وولايتهم أو ليس المراد الإيمان الظاهري.

وفي المحاسن: 1/61

عن ليث بن أبي سليمان، عن ابن أبي ليلي، عن الحسن بن علي (عليهما السلام)، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: الزموا مودتنا أهل البيت فإنه من لقي الله وهو يودنا أهل البيت دخل الجنة بشفاعتنا، والذي نفسي بيده لا ينتفع عبد بعمله إلا بمعرفة حقنا. انتهي.

ورواه في شرح الأخبار 3/487، وقد تقدمت روايته عن الطبراني ومجمع الزوائد، وأن ولايتهم (عليهم السلام) شرط لقبول الأعمال.

وفي تأويل الآيات: 2/349

وروي عن الصادق عليه السلام في قوله (إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ) قال عليه السلام: إذا حشر الله الناس في صعيد واحد أجل الله أشياعنا أن يناقشهم في الحساب، فنقول: إلهنا هؤلاء شيعتنا، فيقول الله تعالي: قد جعلت أمرهم إليكم، وقد شفعتكم فيهم وغفرت لمسيئهم، أدخلوهم الجنة بغير حساب. انتهي.

ولا بد أن يكون المقصود بهؤلاء:

النوع المقبول من شيعتهم وأوليائهم عليهم السلام.

وفي أمالي المفيد/48

قال، أخبرني أبو حفص عمر بن محمد قال: حدثنا أبو عبد الله جعفر بن محمد قال: حدثنا عيسي بن مهران قال: حدثنا مخول قال: حدثنا الربيع بن المنذر، عن أبيه قال: سمعت الحسن بن علي (عليهما السلام) يقول: إن أبا بكر وعمر عمدا إلي هذا الأمر وهو لنا كله فأخذاه دوننا، وجعلا لنا فيه سهماً كسهم الجدة، أما والله لتهمنهما أنفسهما يوم يطلب الناس فيه شفاعتنا.

وفي بحار الأنوار: 8/36

وعن الحسن عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: يقول: الرجل من أهل الجنة يوم القيامة: أي رب عبدك فلانٌ سقاني شربة من ماء في الدنيا فشفعني فيه، فيقول: إذهب فأخرجة من النار، فيذهب فيتجسس في النار حتي يخرجه منها.

علل الشرائع: أبي عن محمد العطار، عن جعفر بن محمد بن مالك، عن أحمد بن مدين، عن محمد بن عمار، عن أبيه، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: شيعتنا من نور الله خلقوا وإليه يعودون، والله إنكم لملحقون بنا يوم القيامة، وإنا لنشفع فنشفع، ووالله إنكم لتشفعون فتشفعون، وما من رجل منكم إلا وسترفع له نارٌ عن شماله وجنةٌ عن يمينه فيدخل أحباءه الجنة، وأعداءه النار.

وفي بصائر الدرجات/62

حدثنا عباد بن سليمان عن ابيه قال قال أبو عبد الله عليه السلام: إن الله تبارك و تعالي انتجبنا لنفسه، فجعلنا صفوته من خلقه، وأمناؤه علي وحيه، وخزانه في أرضه، وموضع سره، وعيبة علمه، ثم أعطانا الشفاعة، فنحن أذنه السامعة، وعينه الناظرة ولسانه الناطق بإذنه، وأمناؤه علي ما أنزل من عذر ونذر وحجة.

احاديث في شفاعة فاطمة الزهراء

في مسائل علي بن جعفر/345

أخبرني أبو

عبد الله محمد بن أحمد الصفواني قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيي الجلودي قال: حدثنا محمد بن سهل قال: حدثنا علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين قال: حدثني علي بن جعفر بن محمد، عن أخيه موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جده علي بن الحسين، عن أبيه الحسين بن علي، عن جده علي بن أبي طالب، عن النبي صلي الله عليه وآله قال:

إذا كان يوم القيامة نادي مناد: يا معشر الخلائق غضوا أبصاركم ونكسوا رؤوسكم حتي تمر فاطمة بنت محمد، فتكون أول من يكسي، وتستقبلها من الفردوس إثنا عشر ألف حوراء، وخمسون ألف ملك، علي نجائب من الياقوت، أجنحتها وأزمتها اللؤلؤ الرطب، ركبها من زبرجد، عليها رحل من الدر، علي كل رحل نمرقة من سندس حتي يجوزوا بها الصراط، ويأتوا بها الفردوس، فيتباشر بمجيئها أهل الجنان. فتجلس علي كرسي من نور ويجلسون حولها، وهي جنة الفردوس التي سقفها عرش الرحمان، وفيها قصران، قصر أبيض وقصر أصفر من لؤلؤة علي عرق واحد، في القصر الأبيض سبعون ألف دار، مساكن محمد وآل محمد.

وفي القصر الأصفر سبعون ألف دار، مساكن إبراهيم وآل إبراهيم.

ثم يبعث الله ملكاً لها لم يبعث لأحد قبلها ولا يبعث لاحد بعدها، فيقول: إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول: سليني. فتقول: هو السلام، ومنه السلام، قد أتم علي نعمته، وهنأني كرامته، وأباحني جنته، وفضلني علي سائر خلقه، أسأله ولدي وذريتي، ومن ودهم بعدي وحفظهم في. فيوحي الله إلي ذلك الملك من غير أن يزول من مكانه، أخبرها أني قد شفعتها في ولدها وذريتها ومن ودهم فيها وحفظهم بعدها، فتقول: الحمد

لله الذي أذهب عني الحزن، وأقر عيني، فيقر الله بذلك عين محمد صلي الله عليه وآله.

ورواه في تأويل الآيات: 2/ 179، عن الإمام الصادق عليه السلام، وقال في آخره: كان أبي إذا ذكر هذاالحديث تلا هذه الآية: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَئٍْ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ.

وفي علل الشرائع: 1/179

حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن محمد بن سنان، عن عبد الله بن مسكان، عن محمد بن مسلم الثقفي قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لفاطمة عليها السلام وقفةٌ علي باب جهنم، فإذا كان يوم القيامة كتب بين عيني كل رجل مؤمن أو كافر، فيؤمر بمحب قد كثرت ذنوبه إلي النار، فتقرأ فاطمة بين عينيه محباً فتقول: إلهي وسيدي سميتني فاطمة وفطمت بي من تولاني وتولي ذريتي من النار، ووعدك الحق وأنت لا تخلف الميعاد. فيقول الله عز وجل: صدقت يا فاطمة إني سميتك فاطمة وفطمت بك من أحبك وتولاك وأحب ذريتك وتولاهم من النار، ووعدي الحق، وأنا لا أخلف الميعاد، وإنما أمرت بعبدي هذا إلي النار لتشفعي فيه فأشفعك، وليتبين لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك مني، ومكانتك عندي، فمن قرأت بين عينيه مؤمناً فخذي بيده وأدخليه الجنة. انتهي.

ورواه في البحار: 8/51

وفي تفسير فرات/116

عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام)قال: قال جابر لابي جعفر عليه السلام: جعلت فداك يا بن رسول الله حدثني بحديث في فضل جدتك فاطمة عليها السلام إذا أنا حدثت به الشيعة فرحوا بذلك.

قال أبو جعفر: حدثني أبي،

عن جدي عن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور، فيكون منبري أعلي منابرهم يوم القيامة، ثم يقول الله: يا محمد أخطب، فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها.

ثم ينصب للأوصياء منابر من نور، وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور، فيكون منبره أعلي منابرهم، ثم يقول الله: يا علي أخطب، فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها.

ثم ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور، فيكون لإبني وسبطي وريحانتي أيام حياتي منبران من نور، ثم يقال لهما: أخطبا، فيخطبان بخطبتين لم يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما.

ثم ينادي المنادي وهو جبرئيل عليه السلام:

أين فاطمة بنت محمد؟

أين خديجة بنت خويلد؟

أين مريم بنت عمران؟

أين آسية بنت مزاحم؟

أين أم كلثوم أم يحيي بن زكريا؟

فيقمن، فيقول الله تبارك وتعالي: يا أهل الجمع لمن الكرم اليوم؟

فيقول محمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة: لله الواحد القهار.

فيقول الله جل جلاله: يا أهل الجمع إني قد جعلت الكرم لمحمد وعلي والحسن والحسين وفاطمة. يا أهل الجمع طأطئوا الرؤوس وغضوا الأبصار، فإن هذه فاطمة تسير إلي الجنة.

فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنة مدبجة الجنبين، خطامها من اللؤلؤ المحقق الرطب، عليها رحلٌ من المرجان، فتناخ بين يديها فتركبها فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا علي يمينها، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها علي أجنحتهم حتي يصيروها علي باب الجنة، فإذا صارت عند باب الجنة تلتفت فيقول الله: يا بنت حبيبي ما التفاتك وقد أمرت بك إلي جنتي؟

فتقول: يا رب أحببت أن يعرف قدري في مثل

هذا اليوم. فيقول الله تعالي يا بنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبٌّ لك أو لاحد من ذريتك خذي فأدخليه الجنة.

قال أبو جعفر: والله يا جابر إنها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبيها كما يلتقط الطير الحب الجيد من الحب الردي، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنة، يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله: يا أحبائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي؟

فيقولون: يا رب أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم، فيقول الله:

يا أحبائي إرجعوا وانظروا من أحبكم لحب فاطمة، أنظروا من أطعمكم لحب فاطمة، أنظروا من كساكم لحب فاطمة، أنظروا من سقاكم شربة في حب فاطمة، أنظروا من رد عنكم غيبة في حب فاطمة.. خذوا بيده وأدخلوه الجنة.

قال أبو جعفر: والله لا يبقي في الناس إلا شاكٌّ أو كافرٌ أو منافق.

فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله تعالي: فما لنا من شافعين ولا صديق حميم. فيقولون: فلو أن لناكرة فنكون من المؤمنين.

قال أبو جعفر: هيهات هيهات، منعوا ماطلبوا (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون).

وفي مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان: 2/589

حدثنا أبو أحمد قال: أخبرنا عبدالله بن عبد الصمد، عن عبد الله بن سوار، عن عباس بن خليفة، عن سليمان الأعمش قال قال: بعث أبو جعفر أمير المؤمنين إلي فأتاني رسوله في جوف الليل فبقيت متفكراً فيما بيني وبين نفسي، فقلت عسي أن يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة ليسألني عن فضائل علي فلعلي إن صدقته صلبني.

قال: فكتبت وصيتي ولبست كفني ودخلت عليه، فإذا عنده عمرو بن عبيد فحمدت الله علي ذلك،

فقال لي أبو جعفر يا سليمان أدن مني، قال فدنوت منه فاشتم رائحة الحنوط، فقال لي: والله يا سليمان لتصدقني أو لأصلبنك!

قال قلت: حاجتك يا أمير المؤمنين.

قال: ما لي أراك محنطاً؟

قال قلت: أتاني رسولك أن أجب، فبقيت متفكراً فيما بيني وبين نفسي، فقلت:

عسي أن يكون بعث إلي أبو جعفر في هذه الساعة يسألني عن فضائل علي، فلعلي إن صدقته صلبني!!

قال فاستوي جالساً وقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فقال: يا سليمان أسألك بالله كم من حديث ترويه في فضائل علي؟

قلت: ألفي حديث أو يزيد.

قال لي: والله لأحدثنك حديثين ينسيان كل حديث ترويه في فضل علي!

قال: قلت حدثني.

قال: نعم، أيام كنت هارباً من بني مروان أدور البلاد وأتقرب إلي الناس بحب علي وفضله وكانوا يطعموني، حتي وردت بلاد الشام وأنا في كساء خلق ما علي غيره، قال: فنودي للصلاة وسمعت الإقامة، فدخلت المسجد وفي نفسي أن أكلم الناس ليطعموني، فلما سلم الإمام إذا رجل عن يميني معه صبيان فقلت: من الصبيان من الشيخ؟

قال: أنا جدهما وليس في هذه المدينة رجل يحب علياً غيري، ولذلك سميت أحدهما حسناً والآخر حسيناً، قال: فقمت إليه فقال: يا شيخ ما تشاء؟

قال قلت: هل لك في حديث أقر به عينك؟

قال: إن أقررت عيني أقررت عينك.

قال قلت: حدثني أبي عن جدي قال: كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم قعدوا إذ أقبلت فاطمة وهي تبكي بكاء شديداً فقال لها النبي صلي الله عليه وآله: ما يبكيك؟

قالت: يا أبتاه خرج الحسن والحسين ولا أدري أين أقاما البارحة؟

فقال لها النبي صلي الله عليه

وآله: يا فاطمة لا تبكي فو الله إن الذي خلقهما هو ألطف بهما منك، ثم رفع طرفه إلي السماء، ثم قال: اللهم إن كانا أخذا براً أو ركبا بحراً فاحفظهما وسلمهما.

فإذا بجبرئيل قد هبط علي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا محمد إن الله يقرئك السلام ويقول: إنك لا تحزن لهما ولا تغتم لهما، فإنهما فاضلان في الدنيا فاضلان في الآخرة، وأبواهما خير منهما، وهما نائمان بحضيرة بني النجار، قد وكل الله بهما ملكاً يحفظهما.

فقام رسول الله صلي الله عليه وآله فرحاً مع أصحابه حتي أتي حضيرة بني النجار، فإذا الحسن معانق الحسين، وإذا ذلك الملك الموكل بهما باسط أحد جناحيه تحتهما والآخر قد جللهما به، فانكب عليهما النبي صلي الله عليه وآله فقبلهما، حتي انتبها من نومهما فحملهما النبي صلي الله عليه وآله، وهو يقول:والله لابينن فيكما كما بين فيكما الله.

فقال له أبو بكر: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك.

فقال النبي: يا أبا بكر نعم الحامل حاملهما ونعم المحمولان هما، وأبوهما خيرٌ منهما.

فقال عمر: يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك.

فقال: يا عمر نعم الحامل حاملهما، ونعم الراكبان هما، وأبوهما خيرٌ منهما.

فأتي بهما النبي صلي الله عليه وآله إلي المسجد فقال: يا بلال هلم إلي الناس فنادي منادي رسول الله في المدينة، فاجتمع الناس إلي رسول الله، فقام علي قدميه فقال:

يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس جداً وجدة؟ قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: الحسن والحسين جدهما رسول الله، وجدتهما خديجة ابنة خويلد سيدة نساء أهل الجنة.

ثم قال: أيها الناس، ألا أدلكم علي خير الناس أباً وأماً؟

قالوا: بلي

يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، أبوهما شاب يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وأمهما فاطمة ابنة رسول الله.

يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس عماً وعمة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، عمهما جعفر بن أبي طالب ذو الجناحين الطيار في الجنة مع الملائكة، وعمتهما أم هانئ بنت أبي طالب.

ثم قال: يا معشر الناس، ألا أدلكم علي خير الناس خالاً وخالة؟

قالوا: بلي يا رسول الله.

قال: عليكم بالحسن والحسين، فخالهما القاسم بن رسول الله، وخالتهما زينب ابنة رسول الله.

ثم قال: إن الحسن والحسين في الجنة، وأباهما في الجنة، وأمهما في الجنة وعمهما في الجنة، وعمتهما في الجنة، وخالهما في الجنة، وخالتهما في الجنة.

اللهم إنك تعلم أنه من يحبهما أنه معهما. اللهم إنك تعلم أنه من يبغضهما أنه في النار. فلما قلت ذلك للشيخ، قال: من أنت يا فتي؟ قلت: من أهل الكوفة.

قال: عربيٌّ أم مولي؟ قلت: عربي. قال: أنت تحدث بهذا الحديث، وأنت في هذا الكساء؟!قال: فكساني حلة وحملني علي بغلته.

قال: فبعتهما في ذلك الزمان بمائة دينار.

ثم قال: يا فتي أقررت عيني، والله لارشدنك إلي شاب يقر عينك.

قال: قلت نعم أرشدني.

قال: فقال نعم ههنا رجلان أحدهما إمام والآخر مؤذن، فأما الإمام فهو يحب علياً منذ خرج من بطن أمه، وأما الآخر فقد كان يبغض علياً وهو اليوم يحب علياً.

قال: فأخذ بيدي وأتي بي باب الإمام، فإذا شابٌ صبيح الوجه قد خرج علي فعرف الحلة وعرف البلغة وقال: والله يا أخي ما كساك فلان حلته، ولا حملك علي بغلته، إلا أنك تحب الله ورسوله وتحب علياً، فحدثني في علي.

فقلت: نعم حدثني والدي عن أبيه عن جده قال:

كنا مع رسول الله صلي الله عليه وآله ذات يوم إذ أقبلت فاطمة وهي حاملة الحسن والحسين علي كتفيها وهي تبكي بكاء شديداً، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: يا فاطمة ما يبكيك؟

قالت: يا رسول الله عيرتني نساء قريش أن أباك زوجك معدماً لا مال له!

فقال لها رسول الله: يا فاطمة لا تبكي، فو الله ما زوجتك حتي زوجك الله وشهد علي ذلك جبرئيل وإسرافيل. ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق أباك فبعثه نبيا، ثم اختار من أهل الدنيا فاختار من الخلق علياً فجعله وصياً.

يا فاطمة لا تبكي، فإني زوجتك أشجع الناس قلباً، وأعلم الناس علماً، وأسمح الناس كفاً، وأقدم الناس إسلاماً.

يا فاطمة لا تبكي، ابناه سيدا شباب أهل الجنة، كان اسمهما مكتوبك في التوراة شبراً وشبيراً ومشبراً.

(وفي مناقب الخوارزمي: ثم إن الله عز وجل أطلع إلي أهل الأرض فاختار من الخلائق أباك فبعثه نبياً، ثم أطلع إلي الأرض ثانية فاختار من الخلائق علياً، فزوجك الله إياه واتخذته وصياً، فعلي مني وأنا منه، فعلي أشجع الناس قلبآ وأعلم الناس علماً وأحلم الناس حلماً وأقدم الناس سلماً وأسمحهم كفاً وأحسنهم خلقاً.

يا فاطمة، إني آخذ لواء الحمد ومفاتيح الجنة بيدي، ثم أدفعها إلي علي، فيكون آدم ومن ولده تحت لوائه.

يا فاطمة، إني مقيم غداً علياً علي حوضي، يسقي من عرف من أمتي، والحسن والحسين ابناه سيدا شباب أهل الجنة من الأولين والآخرين، وقد سبق اسمهما في توراة موسي، وكان اسمهما في التوراة شبراً وشبيراً، سماهما الله الحسن والحسين لكرامة محمد علي الله ولكرامتهما عليه).

يا فاطمة، ألا

ترين أني إذا دعيت إلي رب العالمين دعي علي معي، وإذا شفعني الله في المقام المحمود شفع علي معي.

يا فاطمة إذا كان يوم القيامة كسي أبوك حلتين، وعلي حلتين، وينادي المنادي في ذلك اليوم: يا محمد نعم الجد جدك إبراهيم، ونعم الأخ أخوك علي.

يا فاطمة لا تبكي، علي و شيعته غدا هم الفائزون في الجنة

وقال في هامشه:

1100 - والحديث رواه الخوارزمي في أول الفصل (19) من كتابه مناقب علي عليه السلام بسند آخر عن الأعمش، وبزيادات في متن الحديث.

وقد رواه بعدة أسانيد ابن المغازلي الشافعي في الحديث (188) من كتابه مناقب علي عليه السلام صفحة 143، قال: أخبرنا أبو طالب محمد بن أحمد بن عثمان بن الفرج بن الأزهر الصيرفي البغدادي رحمه الله قدم علينا واسطاً، حدثنا أبو بكر محمد بن الحسبن سليمان، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العكبري، حدثنا أبو القاسم عبد الله بن عتاب العبدي، حدثنا عمر بن شبة بن عبيدة النميري قال: حدثني المدائني قال: وجه المنصور إلي الأعمش يدعوه...

قال: وحدثنا محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبدالله العكبري، حدثنا عبدالله بن عتاب بن محمد، حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش قال: أرسل إلي المنصور...

وحدثنا محمد بن الحسن، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الله العكبري، حدثنا عبد الله بن عتاب بن محمد العبدي، حدثنا أحمد بن علي العمي، حدثنا إبراهيم بن الحكم قال: حدثني سليمان بن سالم قال: حدثني الاعمش قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور..

أقول: ورواه أيضاً شيخ الشيعة وصدوق الشريعة محمد بن علي بن الحسين بأسانيد أربعة في المجلس (67) من أماليه/352، قال:

وأخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي فيما كتب

إلينا من إصبهان قال: حدثنا أحمد بن القاسم بن مساور الجوهري سنة ست وثمانين ومائتين قال: حدثنا الوليد بن الفضل العنزي قال: حدثنا مندل بن علي العنزي عن الأعمش.

أقول: وهذا هو السند الثالث من أسانيد الشيخ الصدوق، ومن أحب أن يطلع علي جميع أسانيده، ولفظ الحديث فليراجع الأمالي فإنه منشور كثير الوجود، وإنما أخترنا هذا السند لاجل وقوع الحافظ الطبراني فيه وعلو مقامه في الحفظ غير خفي.

ورواه أبو القاسم الطبري في بشارة المصطفي/114

والمحب الطبري ملخصاً في ذخائر العقبي/130

والحمويني في فرائد السمطين 2/90 ح 406

والخزاعي أبو بكر في أربعينه ح 25

ولاحظ البحار: 37/88.

نماذج من أحاديث شفاعة النبي و آله لزوار مشاهدهم المشرفة

من الثابت في سيرة المؤمنين في كل الأديان، من عهد أبينا آدم عليه السلام إلي ظهور الإسلام، احترام قبور أنبيائهم وأوصيائهم وأوليائهم، وتشييدها وزيارتها.

بل إن ذلك سيرة عقلائية عند كل الأمم والشعوب، فتراهم يحترمون قبور موتاهم، خاصة المهمين العزيزين عندهم.

وكان ذلك من عادات العرب أيضاً، وكانت الإستجارة بالقبر العزيز علي القبيلة وسيلة مهمة للعفو عمن استجار به أو تحقيق طلبه.

ولكن في أيام وفاة النبي عليهما السلام والإختلاف الذي وقع بين صحابته وأهل بيته علي خلافته، ادعي بعض الصحابة أنه صلي الله عليه وآله أوصي أن لا يبني علي قبره، ولا يصلي عند قبره، ولا يجتمع المسلمون عند قبره.. الخ.

وقد اهتمت دولة الخلافة بترويج هذه الأحاديث، وتشددت في تنفيذها.

ونحن نعتقد أنها أحاديث غير صحيحة، وأن الدافع لوضعها كان خوف أهل الخلافة الجديدة من أن تستجير المعارضة خاصة أهل بيت النبي بقبره صلي الله عليه وآله ويعلنوا مرابطتهم عنده، ومطالبتهم بإرجاع الخلافة إليهم!!

وغرضنا هنا أن نلفت إلي أن تأكيد الأئمة من أهل

البيت عليهم السلام علي زيارة قبر النبي صلي الله عليه وآله وقبورهم الشريفة، كان استمراراً لسنة الله تعالي في الأنبياء والأوصياء السابقين، كما كان رداً لمقولة السلطة التي عملت لتكريسها علي أنها جزءٌ من الدين!

وفيما يلي نماذج من الأحاديث الشريفة، اقتصرنا منها علي ما تضمن شمول شفاعة النبي وأهل بيته الطاهرين صلي الله عليه وآله لمن زار قبورهم الطاهرة.

- ففي علل الشرائع: 2/460:

حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن عباد بن سليمان، عن محمد بن سليمان الديلمي، عن ابراهيم بن أبي حجر الأسلمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من أتي مكة حاجاً ولم يزرني إلي المدينة جفاني، ومن جفاني جفوته يوم القيامة، ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة.

قال مصنف هذا الكتاب: العلة في زيارة النبي صلي الله عليه وآله أن من حج ولم يزره فقد جفاه، وزيارة الأئمة تجري مجري زيارته، بما قد روي عن الصادق، وذكرهم في هذا الباب.

- وفي الكافي: 4/567:

أبو علي الأشعري، عن عبد الله بن موسي، عن الحسن بن علي الوشاء قال: سمعت الرضا عليه السلام يقول: إن لكل إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته، وإن من تمام الوفاء بالعهد وحسن الأداء: زيارة قبورهم، فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقاً بما رغبوا فيه، كان أئمتهم شفعاءهم يوم القيامة.

- ورواه في علل الشرائع: 2/459، وتهذيب الأحكام: 6/ 78 و93، والفقيه: 2 /577، والمقنعة/474

الشفاعة لمن زار قبر أميرالمؤمنين

- في تهذيب الأحكام: 6/107:

وعنه عن محمد بن علي بن الفضل قال: أخبرني الحسين بن محمد بن الفرزدق قال: حدثنا علي بن

موسي بن الأحول قال: حدثنا محمد بن أبي السري إملاءً قال: حدثني عبد الله بن محمد البلوي قال: حدثنا عمارة بن زيد عن أبي عامر الساجي واعظ أهل الحجاز قال: أتيت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له: يابن رسول الله، ما لمن زار قبره؟ يعني أمير المؤمنين، وعمر تربته؟

قال: يا أبا عامر، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده الحسين بن علي، عن علي، أن النبي صلي الله عليه وآله قال له: والله لتقتلن بأرض العراق وتدفن بها.

قلت: يا رسول الله ما لمن زار قبورنا وعمرها وتعاهدها؟

فقال لي: يا أبا الحسن، إن الله جعل قبرك وقبر ولدك بقاعاً من بقاع الجنة، وعرصة من عرصاتها، وإن الله جعل قلوب نجباء من خلقه وصفوته من عباده تحن اليكم، وتحتمل المذلة والأذي فيكم، فيعمرون قبوركم ويكثرون زيارتها تقرباً منهم إلي الله، مودة منهم لرسوله. أولئك يا علي المخصوصون بشفاعتي والواردون حوضي، وهم زواري غداً في الجنة.

يا علي، من عمر قبوركم وتعاهدها فكأنما أعان سليمان بن داود علي بناء بيت المقدس.

ومن زار قبوركم عدل ذلك له ثواب سبعين حجة بعد حجة الإسلام، وخرج من ذنوبه حتي يرجع من زيارتكم كيوم ولدته أمه، فأبشر وبشر أولياءك ومحبيك من النعيم وقرة العين بما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر علي قلب بشر.

ولكن حثالةً من الناس يعيرون زوار قبوركم بزيارتكم، كما تعير الزانية بزناها!

أولئك شرار أمتي، لا نالتهم شفاعتي ولا يردون حوضي.

- وفي علل الشرائع: 2/585:

حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله قال: حدثنا علي بن ابراهيم عن عثمان بن عيسي عن أبي الجارود رفعه فيما يروي إلي

علي صلوات الله عليه قال: إن ابراهيم صلي الله عليه مر ببانقيا فكان يزلزل بها، فبات بها فأصبح القوم ولم يزلزل بهم، فقالوا ما هذا وليس حدث؟!

قالوا: نزل هاهنا شيخٌ ومعه غلامٌ له.

قال فأتوه فقالوا له: يا هذا إنه كان يزلزل بنا كل ليلة، ولم يزلزل بنا هذه الليلة فبت عندنا، فبات فلم يزلزل بهم، فقالوا: أقم عندنا ونحن نجري عليك ماأحببت.

قال: لا، ولكن تبيعوني هذاالظهر، ولا يزلزل بكم.

فقالوا: فهو لك.

قال: لا آخذه إلا بالشراء، فقالوا: فخذه ما شئت فاشتراه بسبع نعاج وأربعة أحمرة فلذلك سمي بانقيا، لأن النعاج بالنبطية نقيا.

قال: فقال له غلامه يا خليل الرحمن ما تصنع بهذا الظهر ليس فيه زرع ولاضرع؟!

فقال له: أسكت، فإن الله تعالي يحشر من هذا الظهر سبعين ألفاً يدخلون الجنة بغير حساب، يشفع الرجل منهم لكذا وكذا. انتهي.

وبانقيا كما ذكره اللغويون هي أول العراق من جهة الحجاز، وهي منطقة النجف وأبي صخير الفعلية، وقد تشمل كربلاء.

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الحسين

في الكافي: 4/582:

محمد بن يحيي، وغيره، عن محمد بن أحمد، ومحمد بن الحسين جميعاً، عن موسي بن عمر، عن غسان البصري، عن معاوية بن وهب، وعلي بن ابراهيم، عن أبيه، عن بعض أصحابنا، عن ابراهيم بن عقبة، عن معاوية بن وهب قال: استأذنت علي أبي عبد الله عليه السلام فقيل لي: أدخل فدخلت فوجدته في مصلاه في بيته فجلست حتي قضي صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه ويقول: يا من خصنا بالكرامة وخصنا بالوصية، ووعدنا الشفاعة، وأعطانا علم ما مضي وما بقي، وجعل أفئدة من الناس تهوي الينا، اغفر لي ولإخواني، ولزوار قبر أبي الحسين عليه السلام.

- و في تهذيب الأحكام:

6/108:

أحمد بن محمد الكوفي قال: أخبرني المنذر بن محمد عن جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال: كنت عند أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد صلي الله عليه وآله، فدخل رجل من أهل طوس فقال: يا بن رسول الله ما لمن زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام)؟ فقال له: يا طوسي من زار قبر أبي عبد الله الحسين بن علي (عليهما السلام) وهو يعلم أنه إمام من قبل الله عز وجل مفترض الطاعة علي العباد، غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر وقبل شفاعته في خمسين مذنباً، ولم يسأل الله عز وجل حاجة عند قبره إلا قضاها له.

قال: فدخل موسي بن جعفر وهو صبي فأجلسه علي فخذه، وأقبل يقبل ما بين عينيه، ثم التفت الي وقال: يا طوسي إنه الإمام والخليفة والحجة بعدي، سيخرج من صلبه رجلٌ يكون رضاً لله عز وجل في سمائه ولعباده في أرضه، يقتل في أرضكم بالسم ظلماً وعدواناً، ويدفن بها غريباً، ألا فمن زاره في غربته وهو يعلم أنه امام بعد أبيه مفترض الطاعة من الله عز وجل، كان كمن زار رسول الله صلي الله عليه وآله.

الشفاعة لمن زار قبر الإمام الرضا

- في من لا يحضره الفقيه: 2/584

وروي الحسن بن علي بن فضال، عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا صلي الله عليه وآله، أنه قال له رجلٌ من أهل خراسان: يا ابن رسول الله رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله في المنام كأنه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بضعتي، واستحفظتم وديعتي، وغيب في ثراكم نجمي؟

فقال له الرضا عليه السلام: أنا المدفون في أرضكم، أنا

بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، ألا فمن زارني وهو يعرف ما أوجب الله عز وجل من حقي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنا شفعاؤه نجي ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجن والانس، ولقد حدثني أبي عن جدي عن أبيه عليه السلام أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: من رآني في منامه فقد رآني، لأن الشيطان لا يتمثل في صورتي، ولا في صورة أحد من أوصيائي، ولا في صورة واحد من شيعتهم، وإن الرؤيا الصادقة جزءٌ من سبعين جزء من النبوة.

- وفي من لا يحضره الفقيه: 2/583

وروي البزنطي عن الرضا عليه السلام قال: ما زارني أحد من أوليائي عارفاً بحقي، إلا شفعت فيه يوم القيامة. ورواه في وسائل الشيعة: 10/ 434

- وفي تهذيب الأحكام: 6/108:

أحمد بن محمد بن سعيد الهمداني قال: أخبرنا علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه، عن أبي الحسن علي بن موسي الرضا أنه قال: إن بخراسان لبقعة يأتي عليها زمانٌ تصير مختلف الملائكة، فلا يزال فوجٌ ينزل من السماء وفوجٌ يصعد إلي أن ينفخ في الصور، فقيل له: يا بن رسول الله، وأية بقعة هذه؟

قال: هي أرض طوس، وهي والله روضة من رياض الجنة. من زارني في تلك البقعة كان كمن زار رسول الله صلي الله عليه وآله، وكتب الله له ثواب ألف حجة مبرورة وألف عمرة مقبولة، وكنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة.

ورواه في من لايحضره الفقيه: 2/585، وفي وسائل الشيعة: 10/445

ختام في بعض قواعد الشفاعة و أحكامه

نصيحة المسلم بأن لا يحتاج إلي الشفاعة

وردت أحاديث تنصح المسلم بأن يكون تقياً في سلوكه، ويتوب إلي ربه من سيآته في الدنيا، حتي

يكون من أهل الجنة، ولا يحتاج إلي شفاعة لغفران ذنوبه يوم القيامة.

- ففي نهج البلاغة: 4/87:

371 - وقال عليه السلام: لاشرف أعلي من الإسلام، ولا عز أعز من التقوي، ولا معقل أحصن من الورع، ولا شفيع أنجح من التوبة.

- وفي من لا يحضره الفقيه: 3/574:

وقال الصادق عليه السلام: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، وأما التائبون فإن الله عز وجل يقول: مَا عَلَي الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ.

النهي عن الإتكال علي الشفاعة

- في الكافي: 8/405:

وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فركبها فقد أبلغ في الإساءة إلي نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعلموا بطاعة الله واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد من خلقه شيئاً، لا ملكٌ مقرب ولا نبيٌّ مرسل، ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله، فليطلب إلي الله أن يرضي عنه.

واعلموا أن أحداً من خلق الله لم يصب رضا الله إلا بطاعته، وطاعة رسوله، وطاعة ولاة أمره من آله، ولم ينكر لهم فضلاً، عظم ولا صغر.

وفي الكافي: 6/400:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن الحسن العطار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لا ينال شفاعتي من استخف بصلاته، ولا يرد عليَّ الحوض، لا والله! لا ينال شفاعتي من شرب المسكر، ولا يرد عليَّ الحوض، لا والله!

أحمد بن محمد، عن محمد بن اسماعيل، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي الحسن عليه السلام قال: إنه لما احتضر أبي عليه السلام قال لي:

يا بني إنه لا ينال شفاعتنا من استخف بالصلاة، ولا يرد علينا الحوض من أدمن هذه الأشربة.

فقلت: يا أبَه، وأي الأشربة؟

فقال: كل مسكر. ورواهما في تهذيب الأحكام: 9/106

وفي علل الشرائع: 2/356:

أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن حديد وعبد الرحمان بن أبي نجران، عن حماد بن عيسي الجهني، عن حريز بن عبد الله السجستاني، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لا تستخقن بالبول ولا تتهاون به، ولا بصلاتك، فإن رسول الله صلي الله عليه وآله قال عند موته: ليس مني من استخف بصلاته، لا يرد علي الحوض، لا والله، ليس مني من شرب مسكراً لا يرد علي الحوض، لا والله. ورواه في المحاسن: 1 /79

- وفي الكافي: 5/469:

محمد بن يحيي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن اسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبي شبل قال قلت لابي عبدالله عليه السلام: رجلٌ مسلم ابتلي ففجر بجارية أخيه فما توبته؟

قال: يأتيه فيخبره ويسأله أن يجعله من ذلك في حل، ولا يعود.

قال: قلت: فإن لم يجعله من ذلك في حل؟

قال: قد لقي الله عز وجل وهو زان خائن.

قال: قلت: فالنار مصيره؟

قال: شفاعة محمد صلي الله عليه وآله وشفاعتنا تحيط بذنوبكم يا معشر الشيعة، فلا تعودون وتتكلون علي شفاعتنا، فوالله ما ينال شفاعتنا إذا ركب هذا حتي يصيبه ألم العذاب ويري هول جهنم. ورواه في الفقيه: 4/39

- وفي الصحيفة السجادية: 1 /324:

وسألتك مسألة الحقير الذليل، البائس الفقير، الخائف المستجير، ومع ذلك خيفةً وتضرعاً وتعوذاً وتلوذاً، لا مستطيلاً بتكبر المتكبرين، ولا متعالياً بدالة

المطيعين، ولا مستطيلاً بشفاعة الشافعين، وأنا بعد أقل الاقلين وأذل الأذلين، ومثل الذرة...

- وفي مستدرك الوسائل: 11/174:

- جامع الأخبار: عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال: المؤمن يكون صادقاً في الدنيا، واعي القلب، حافظ الحدود، وعاء العلم، كامل العقل، مأوي الكرم، سليم القلب، ثابت الحلم، عاطف اليقين، باذل المال، مفتوح الباب للإحسان، لطيف اللسان، كثير التبسم، دائم الحزن، كثير التفكر، قليل النوم، قليل الضحك، طيب الطبع، مميت الطمع، قاتل الهوي، زاهداً في الدنيا، راغباً في الآخرة، يحب الضيف، ويكرم اليتيم، ويلطف الصغير، ويرفق الكبير، ويعطي السائل، ويعود المريض، ويشيع الجنائز، ويعرف حرمة القرآن، ويناجي الرب، ويبكي علي الذنوب، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، أكله بالجوع، وشربه بالعطش، وحركته بالأدب، وكلامه بالنصيحة، وموعظته بالرفق، ولا يخاف إلا الله، ولايرجو إلا اياه، ولا يشغل إلا بالثناء والحمد، ولايتهاون، ولا يتكبر، ولا يفتخر بمال الدنيا، مشغولٌ بعيوب نفسه، فارغٌ عن عيوب غيره، الصلاة قرة عينه، والصيام حرفته وهمته، والصدق عادته، والشكر مركبه، والعقل قائده، والتقوي زاده، والدنيا حانوته، والصبر منزله، والليل والنهار رأس ماله، والجنة مأواه، والقرآن حديثه، ومحمد صلي الله عليه وآله شفيعه، والله جل ذكره مؤنسه.

امل العاصين بشفاعة النبي وآله

- في الصحيفة السجادية: 1 /350

اللهم فصل علي محمد وآل محمد، ولا تخيب اليوم ذلك من رجائي، ويا من لا يحفيه سائل ولا ينقصه نائل، فاني لم آتك ثقة مني بعمل صالح قدمته، ولا شفاعة مخلوق رجوته، إلا شفاعة محمد وأهل بيته، عليه وعليهم سلامك...

- وفي الإعتقادات للصدوق/47:

قال النبي صلي الله عليه وآله: لا يدخل رجل الجنة بعمله، إلا برحمة الله عز وجل.

- وفي بحار الأنوار: 8/362

- العيون: فيما كتب الرضا عليه

السلام للمأمون من محض الإسلام: إن الله لا يدخل النار مؤمنا وقد وعده الجنة، ولا يخرج من النار كافراً وقد أوعده النار والخلود فيها، ومذنبو أهل التوحيد يدخلون النار ويخرجون منها، والشفاعة جائزةٌ لهم.

وهو في عيون أخبار الرضا 7: 268، وفي الخصال: 2/154

- وفي تأويل الآيات: 2/68:

الشيخ رحمه الله في أماليه، عن أبي محمد الفحام، عن المنصوري، عن عم أبيه قال: دخل سماعة بن مهران علي الصادق عليه السلام فقال له: يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

قال: نحن يا بن رسول الله!

قال: فغضب حتي احمرت وجنتاه، ثم استوي جالساً وكان متكئاً، فقال:

يا سماعة من شر الناس عند الناس؟

فقلت: والله ما كذبتك يابن رسول الله، نحن شر الناس عند الناس، لأنهم سمونا كفاراً ورافضة.

فنظر الي ثم قال: كيف بكم إذا سيق بكم إلي الجنة، وسيق بهم إلي النار فينظرون إليكم فيقولون: ما لنا لا نري رجالاً كنا نعدهم من الأشرار؟

يا سماعة بن مهران، إنه من أساء منكم إساءة مشينا إلي الله تعالي يوم القيامة بأقدامنا فنشفع فيه فنخلصه، والله لا يدخل النار منكم عشرة رجال، والله لا يدخل النار منكم خمسة رجال، والله لا يدخل النار منكم ثلاثة رجال، والله لا يدخل النار منكم رجل واحد، فتنافسوا في الدرجات، وأكمدوا أعداءكم بالورع. انتهي.

ولا بد أن يكون مقصود الإمام الباقر عليه السلام محبي أهل البيت المؤمنين المقبولين عند الله تعالي.

- وفي تأويل الآيات: 2/155:

وروي الشيخ أبو جعفر الطوسي قدس الله روحه عن رجاله، عن زيد بن يونس الشحام، عن أبي الحسن موسي بن جعفر عليه السلام قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: الرجل من

مواليكم عاقٌ يشرب الخمر، ويرتكب الموبق من الذنب نتبرأ منه؟

فقال: تبرؤوا من فعله، ولا تتبرؤوا من خيره، وابغضوا عمله.

فقلت: يتسع لنا أن نقول: فاسقٌ فاجر؟

فقال: لا، الفاسق الفاجر الكافر الجاحد لنا ولأوليائنا، أبي الله أن يكون ولينا فاسقاً فاجراً وإن عمل ما عمل، ولكنكم قولوا: فاسق العمل فاجر العمل مؤمن النفس، خبيث الفعل طيب الروح والبدن.

لا والله لا يخرج ولينا من الدنيا إلا والله ورسوله ونحن عنه راضون، يحشره الله علي ما فيه من الذنوب، مبيضاً وجهه، مستورة عورته، آمنة روعته، لا خوف عليه ولا حزن. وذلك أنه لا يخرج من الدنيا حتي يصفي من الذنوب، إما بمصيبة في مال أو نفس أو ولد أو مرض، وأدني ما يصنع بولينا أن يريه الله رؤيا مهولة فيصبح حزيناً لما رآه، فيكون ذلك كفارةً له. أو خوفاً يرد عليه من أهل دولة الباطل، أو يشدد عليه عند الموت، فيلقي الله عز وجل طاهراً من الذنوب، آمنة روعتة بمحمد وأمير المؤمنين، صلوات الله عليهما.

ثم يكون أمامه أحد الأمرين: رحمة الله الواسعة التي هي أوسع من أهل الأرض جميعاً، أو شفاعة محمد وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، إن أخطأته رحمة الله أدركته شفاعة نبيه وأمير المؤمنين، فعندها تصيبه رحمة الله الواسعة، وكان أحق بها وأهلها، وله إحسانها وفضلها. انتهي.ورواه في أصل زيد الزراد/51

ولا بد أن يكون المقصود بوليهم المؤمن المقبول عند الله تعالي.

- وفي بحار الأنوار: 8/362:

تذييل: اعلم أن الذي يقتضيه الجمع بين الآيات والأخبار أن الكافر المنكر لضروري من ضروريات دين الإسلام مخلدٌ في النار، لا يخفف عنه العذاب إلا المستضعف الناقص في عقله، أو الذي لم يتم عليه الحجة،

ولم يقصر في الفحص والنظر، فإنه يحتمل أن يكون من المرجون لأمر الله، كما سيأتي تحقيقه في كتاب الإيمان والكفر. وأما غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممن لم ينكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام فهم فرقتان:

إحداهما، المتعصبون المعاندون منهم ممن قد تمت عليهم الحجة فهم في النار خالدون.

والأخري، المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات والبله وأمثالهم، ومن لم يتم عليه الحجة ممن يموت في زمان الفترة، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجة، فهم المرجون لأمر الله، إما يعذبهم وإما يتوب عليهم، فيرجي لهم النجاة من النار.

وأما أصحاب الكبائر من الإمامية فلا خلاف بين الإمامية في أنهم لا يخلدون في النار، وأما أنهم هل يدخلون النار أم لا؟ فالأخبار مختلفة فيهم اختلافاً كثيراً.

ومقتضي الجمع بينها أنه يحتمل دخولهم النار، وأنهم غير داخلين في الأخبار التي وردت أن الشيعة والمؤمن لا يدخل النار، لأنه قد ورد في أخبار أخر أن الشيعة من شايع علياً في أعماله، وأن الإيمان مركبٌ من القول والعمل.

لكن الأخبار الكثيرة دلت علي أن الشفاعة تلحقهم قبل دخول النار، وفي هذا التبهيم حكم لا يخفي بعضها علي أولي الأبصار.

الاولي بشفاعة النبي وآله

- في مستدرك الوسائل: 8/442:

وبهذا الإسناد: عن علي بن أبي طالب قال: قيل يا رسول الله ما أفضل حال أعطي للرجل؟

قال: الخلق الحسن، إن أدناكم مني وأوجبكم عليَّ شفاعة: أصدقكم حديثاً، وأعظمكم أمانة، وأحسنكم خلقاً، وأقربكم من الناس.

ورواه في صفحة 454، وفي 11/171

- وفي تفسير نور الثقلين: 1/77:

في كتاب الخصال عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثٌ من كن فيه استكمل خصال الإيمان: من صبر

علي الظلم وكظم غيظه، واحتسب وعفي وغفر، كان ممن يدخله الله تعالي الجنة بغير حساب، ويشفعه في مثل ربيعة ومضر.

- وفي المقنعة/267:

وقال صلي الله عليه وآله: إني شافع يوم القيامة لأربعة أصناف ولو جاؤوا بذنوب أهل الدنيا: رجلٌ نصر ذريتي، ورجلٌ بذل ماله لذريتي عند الضيق، ورجلٌ أحب ذريتي بالقلب واللسان، ورجلٌ سعي في حوائج ذريتي إذا طردوا وشردوا.

- وفي فردوس الأخبار للديلمي: 5/107 ح 7327

أنس بن مالك: وعدني ربي عز وجل في أهل بيتي: من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ، أن لا يعذبهم.

- وفي فردوس الأخبار: 1/54 ح 28:

عبد الله بن عمر: أول من أشفع له يوم القيامة من أمتي أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ثم الأنصار. ثم من آمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب والأعاجم. ومن أشفع له أولاً أفضل.

وفي الطبراني الكبير: 12/421

عن ابن عمر قال: قال رسول الله (ص): أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش، ثم الأنصار ثم من أمن بي واتبعني من اليمن، ثم سائر العرب، ثم الأعاجم، وأول من أشفع له أولوا الفضل.

ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد: 10/381

- وفي مجمع الزوائد ج10/380:

باب في أول من يشفع لهم: عن ابن عمر قال قال رسول الله (ص): أول من أشفع له من أمتي أهل بيتي، ثم الأقرب فالأقرب من قريش والأنصار، ثم آمن بي واتبعني من أهل اليمن، ثم من سائر العرب، ثم الأعاجم. وأول من أشفع له أولو الفضل. رواه الطبراني، وفيه من لم أعرفهم.

الدعاء للنبي باعطائه الشفاعة

- في الكافي: 3/187:

علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن رجل،

عن سليمان بن خالد، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تقول: أشهد أن لا اله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، اللهم صل علي محمد عبدك ورسولك، اللهم صل علي محمد وآل محمد، وتقبل شفاعته، وبيض وجهه، وأكثر تبعه.

وفي الصحيفة السجادية 1/291:

اللهم اجعل محمداً أول شافع وأول مشفع، وأول قائل، وأنجح سائل.

اللهم صل علي محمد وآل محمد سيد المرسلين وإمام المتقين وأفضل العالمين وخير الناطقين، وقائد الغر المحجلين، ورسول رب العالمين.

اللهم أحسن عنا جزاءه، وعظم حباءه وأكرم مثواه وتقبل شفاعته في أمته وفي من سواهم من الأمم، واجعلنا ممن تشفعه فيه، واجعلنا برحمتك ممن يرد حوضه يوم القيامة.

- وفي تهذيب الأحكام: 6/100:

وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة، ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة، والمكان المحمود والمقام المعلوم عند الله عز وجل، والجاه العظيم، والشأن الكبير والشفاعة المقبولة.

ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك انت الوهاب، سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا.

يا ولي الله إن بيني وبين الله عز وجل ذنوباً لا يأتي عليها إلا رضاكم، فبحق من ائتمنكم علي سره، واسترعاكم أمر خلقه، وقرن طاعتكم بطاعته، لما استوهبتم ذنوبي، وكنتم شفعائي، فإني لكم مطيع.

من أطاعكم فقد أطاع الله، ومن عصاكم فقد عصي الله، ومن أحبكم فقد أحب الله، ومن أبغضكم فقد أبغض الله.

اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك، أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم، وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم، إنك أرحم الراحمين.

الدعاء بطلب الشفاعة لوالديه و أقاربه

-

في الصحيفة السجادية 1/347:

اللهم رب هذه الأمكنة الشريفة، ورب كل حرم ومشعر عظمت قدره وشرفته... واغفر لي ولوالدي ولمن ولدني من المسلمين، وارحمهما كما ربياني صغيراً، واجزهما عني خير الجزاء، وعرفهما بدعائي لهما ما يقر أعينهما، فإنهما قد سبقاني إلي الغاية، وخلفتني بعدهما، فشفعني في نفسي وفيهما، وفي جميع أسلافي من المؤمنين والمؤمنات، في هذا اليوم يا أرحم الراحمين. انتهي.

مسائل حول التوسل

مفردات التوسل

وقع خلط في مسائل هذا الباب ومعاني مفرداته، فكان لا بد من تمييزها.

وأهم المفردات المستعملة في التوسط بين الإنسان وربه عز وجل، هي:

الدعاء، النداء، التوسل، التذرع، الإستشفاع، الإستعانة، الإستغاثة، السؤال به، التوجه به. ويتصل بها: التضرع، والابتهال، والتبرك..

وقد استعمل الإسلام كلمات: الشفاعة والتوسل والإستشفاع والتوجه إلي الله تعالي، بعمل، أو شخص، أو سؤاله بكرامته عليه، أو حقه، أو جاهه عنده.. الخ. بنفس معناها اللغوي، وهو التوسط إلي الله تعالي بعمل أو بشخص، أو طلب التوسط من ذلك الشخص إلي الله تعالي.

ويتخيل بعضهم أن توسيط شخص إلي شخص أو إلي الله تعالي، يتضمن إشراكه في مقام المتوسط إليه، وهو خطأٌ لأن التوسيط يدل علي أن للواسطة وجاهةً ما، يؤمل بها أن يقبل المتوسط إليه شفاعته.

فمعني الشراكة في الألوهية معني آخر لا يأتي من التوسيط، بل قد يكون من عقيدة المتوسط ونيته، وقد لا يكون أصلاً.

وسوف تعرف بطلان دعوي ابن تيمية وأتباعه تحريم بعض أنواع التوسيط بحجة أنه يتضمن شركاً بالله تعالي، وأن الشرك لا يأتي من التوسيط بل من خارجه.

ويبدو أن أقوي معاني التوسيط: سؤال الله تعالي بشخص، أو بعمل.. ويأتي بعده في المرتبة: التوسل والتوجه به إلي الله تعالي.

ففي روضة الواعظين للنيسابوري/327، أن أبا بصير

سأل الإمام الصادق عليه السلام: ما كان دعاء يوسف في الجب، فإنا قد اختلفنا فيه؟

قال: إن يوسف لما صار في الجب وآيس من الحياة قال: اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتاً، ولن تستجيب لي دعوة فإني أسألك بحق الشيخ يعقوب، فارحم ضعفه واجمع بيني وبينه، فقد علمت رقته عليَّ وشوقي إليه. قال: ثم بكي أبو عبد الله عليه السلام ثم قال: وأنا أقول:

اللهم إن كانت الخطايا والذنوب قد أخلقت وجهي عندك فلن ترفع لي اليك صوتا ولن تستجيب دعوة، فإني أسألك بك فليس كمثلك شئ، وأتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة، يا الله يا الله يا الله.

قال ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: قولوا هذا وأكثروا منه، كثيراً ما أقوله عند الكرب العظام. انتهي.

ونلاحظ أن الإمام الصادق عليه السلام أجري تعديلاً علي دعاء نبي الله يوسف عليه السلام، وجعل السؤال فجعله بالله تعالي وحده، وجعل التوجه إليه بنبيه محمد صلي الله عليه وآله.

وهو يدل علي أن سؤال الله تعالي بالشئ أعظم من التوجه إليه به.

فالتوجه هو أن يقدم السائل شخصاً له وجهةٌ عند المسؤول.

والسؤال به يشبه المطالبة بحق للمسؤول به علي المسؤول.

والإستشفاع قريبٌ من التوجه، وهو توسيط من له حق الوساطة.

ولا يبعد أن يكون التوسل أعم منها جميعاً، لأنه توسيط من له وجهة عند المسؤول، أو له حق عنده، أو له حق شفاعة ووساطة..

وقد يكون التوسل غير ناظر إلي حق المسؤول به نهائياً بل ناظرٌ إلي مسيس حاجة السائل المتوسل، فيكون التوسل من هذه الناحية علي نحو القضية المهملة.

والذي أعتقده أن هذه التعبيرات الأربع (التوجه

بشخص أو شئ، والتوسل به، والإستشفاع به، والسؤال به) غير مترادفة، ويتضح ذلك من استعمالات القرآن والنبي وآله لها، وهم أفصح من نطق بالضاد، وأعلم الناس بالله تعالي وأدب سؤاله. وأن مانراه من من ترادفها فهو بالنظرة الأولي.

ويحتمل في بعضها أن المعصومين (عليهم السلام)أقروا ترادفها تخفيفاً علي الأمة، أو أن الراوي اشتبه في نقلها لترادفها في ذهنه.

ويؤيد ذلك أن الإمام الصادق عليه السلام قال (وأنا أقول.. وفي رواية ولكني أقول) وهو بذلك لا خطئ يوسف عليه السلام بسؤاله بأبيه يعقوب، ولكنه ارتقي في أدب الدعاء فسأل الله تعالي به وحده، مشيراً بذلك إلي أن حق يعقوب وحق جميع الرسل والعباد إنما هو تفضل من الله تعالي وليس ذاتياً، فالتوجه بمقام الجاه الذي أعطاهم الله أنسب.

وفي هذا الموضوع بحوثٌ مفيدة لطيفة، يحسن لمن أرادها أن يتأمل في نصوص أدعية الصحيفة السجادية، ففيها أنواع المعرفة بالله تعالي، وأدب سؤاله ودعائه، وفيها خصائص الكلمات العربية، التي ليس فيها مترادفٌ بالمعني الدقيق!

الدعاء والنداء

توسع العرب في مادة (دَعَوَ) واستعملوا مشتقاتها في معان كثيرة، مثل نداء الشخص لأي غرض حتي مجازاً، ودعائه إلي طعام.. ومن ذلك الدعاء إلي عبادة الله تعالي، أو غيره، كما قال تعالي (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك)!

قال الخليل في العين: 2/221:

(وفلانٌ في مدعاة إذا دعي إلي الطعام. وتقول دعا دعاء، وفلان داعي قوم وداعية قوم: يدعو إلي بيعتهم دعوة. والجميع: دعاة). انتهي.

- وقال الراغب في المفردات/169:

الدعاء كالنداء، إلا أن النداء قد يقال بيا أو أيا ونحو ذلك، من غير أن يضم إليه الإسم، والدعاء لا يكاد يقال إلا إذا كان معه الإسم نحو يا

فلان... ودعوته إذا سألته وإذا استغثته، قال تعالي (قالوا ادع لنا ربك) أي سله.

وقال (قل أرأيتم أن أتاكم عذاب الله أ وأتتكم الصاعة أغير الله تدعون ان كنتم صادقين بل اياه تدعون) تنبيها أنكم إذا أصابتكم شدة لم تفزعوا إلا إليه.

وادعوه خوفاً وطمعاً. وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين. وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيباً إليه. وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه.

ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك. انتهي.

- وفي الفروق اللغوية لأبي هلال/534:

الفرق بين النداء والدعاء: أن النداء هو رفع الصوت بماله معني، والعربي يقول لصاحبه ناد معي ليكون ذلك أندي لصوتنا، أي أبعد له.

والدعاء يكون برفع الصوت وخفضه، يقال دعوته من بعيد ودعوت الله في نفسي، ولا يقال ناديته في نفسي. انتهي.

والنتيجة

أن النداء الذي هو أحد معاني الدعاء، يشمل النداء لأي غرض كان، ويشمل النداء الحقيقي والمجازي.. وعليه فلا يصح زعمهم أن قول القائل (يا محمد يا علي يا فاطمة) هو حرامٌ وشرك، لأنه دعاء لغير الله تعالي وعبادة له!

فإن ذلك يتبع عقيدة المنادي ونيته، فإن كانت نيته عبادتهم والعياذ بالله، فهو شرك أو كفر! أما إذا كان غرضه التوسل بهم إلي الله تعالي، كما هو عقيدة الشيعة وعامة المتوسلين المستغيثين من المسلمين، والمتبادر إلي أذهان عوامهم فضلاً عن علمائهم، فهو عبادةٌ لله تعالي وتوسلٌ إليه بالنبي وآله، الذين شرع التوسل بهم، صلوات الله عليهم.

وسيأتي أن الإستعانة والإستغاثة كالتوسل والإستشفاع وبقية ألفاظ التوسيط، معنيً وحكماً.

التوسل في الأديان السابقة

هل كان مبدأ التوسل والإستشفاع إلي الله تعالي بالأعمال والاشخاص موجوداً في الدين الإلهي قبل الإسلام؟

والجواب بالإيجاب، لأن قوله تعالي

في آخر سورة نزلت من القرآن:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35

ليس دعوةً إلي سنة جديدة، بل إلي سنته سبحانه في الأديان السابقة.

ولذلك أبقي الوسيلة مطلقةً ولم يبينها، لأنها معهودةٌ في أذهان المتديني بأنها التوسل إلي الله تعالي بالأعمال الصالحة وبرسله وأوصيائهم، وبذلك تكون الآية إذناً للمسلمين بأن يتوسلوا إليه بأعمالهم وبنبيه وأوصيائه، كما كانت السنة في الأديان السابقة.

فإن قلت: مادام الإسلام جاء بمبدأ الواسطة بين الله وعباده، وأمر به، فلماذا كل هذا الإنكار في القرآن والحديث علي المشركين الذين اتخذوا آلهتهم ومعبوديهم وسائط بينهم وبين الله تعالي؟ وماذا يصير الفرق بينهم وبين المؤمنين؟!

والجواب:

أن الفرق بين المؤمنين والمشركين في كل الأديان: أن المشركين جعلوا لله شركاء وشفعاء لم يأذن بهم، فأشركوهم معه بأنواع من التشريك الذي زعموه.

أما المؤمنون فوحدوا الله وأطاعوه، وهو الذي أمرهم باتخاذ الوسيلة اليه والتوجه اليه بهم وتقديمهم بين يدي دعائهم وأعمالهم.. فالأنبياء والأوصياء وسيلةٌ مشروعةٌ وشفعاء بإذنه.

وبذلك يكون الحد الفاصل بين الشرك والتوحيد في نوع الواسطة لا في أصلها: فالواسطة التي أذن بها الله الواحد الأحد سبحانه لا تنافي التوحيد بل تؤكده..

والواسطة التي لم يأذن بها شركٌ يخرج صاحبه عن التوحيد.

والله تعالي يستحيل أن يأذن باتخاذ وسيلة اليه ممن يزعم أن له شراكة معه! ولذا لا يدعي المتوسلون بالرسل والأوصياء عليهم السلام أن لهم شراكةً مع الله تعالي ولو بقدر ذرة! بل هم عبادٌ مكرمون، شاء الله تعالي أن يجعلهم وسائط لعطائه.

الفرق بين التوسل و أنواع الشرك

تضمنت آيات القرآن الكريم كل المفاهيم اللازمة للبشر، في تحديد ما هو من دون الله في العبادة والإطاعة، وما

هو من الله. وفيما يلي أهم عناوينها:

1 - الذين هم من دون الله

هَذَا خَلْقُ اللهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. لقمان: 11

أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. الزمر: 36

2 - الآلهة من دون الله

قال تعالي عن الأصنام المعبودة عند قوم عاد:

قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَ مَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ. إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَي اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. هود: 53 - 56

وقال تعقيباً علي إهلاك حضارت عاد وثمود ومصر:

وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَئٍْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ. هود: 101

وقال عن آلهة البابليين:

قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ. قَالُوا سَمِعْنَا فَتًي يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ. قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَي أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ. قَالُوا أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِألِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ. فَرَجَعُوا إِلَي أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ. ثُمَّ نُكِسُوا عَلَي رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلاءِ يَنْطِقُونَ. قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَي إِبْرَاهِيمَ. الأنبياء: 59 - 69

وقال عن آلهة الرومان:

وَرَبَطْنَا عَلَي قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَاْ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا. هَؤُلاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَوْلا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا. وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلا اللهَ فَاوُواْ إِلَي الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا. الكهف: 14 - 16

وَجَاءَ مِنْ أَقْصَي الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَي قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ. اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَ هُمْ مُهْتَدُونَ. وَمَا لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلا يُنْقِذُونَ. إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. يس: 20 - 24

وقال عن تأليه النصاري لعيسي ومريم:

وَإِذْ قَالَ اللهُ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ آنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ... المائدة: 116 - 120

وقال عن آلهة أمم مختلفة:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا. الفرقان: 3

وقال عن (الالهة) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس:

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ. إِنَّكُمْ وَ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ. لَوْ كَانَ هَؤُلاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَ كُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ. الأنبياء: 96 - 99

لَهُمْ

فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَي رَبِّكَ وَعْداً مَسْئُولاً. وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَقُولُ أَأَنْتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ. الفرقان: 16 - 17

هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ. احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَي صِرَاطِ الْجَحِيمِ. وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ. بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ. وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَي بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ. قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ. قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ. فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ. فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ. فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ. الصافات: 21 - 33

وقال عن آلهة بعض مشركي العرب:

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا. كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا. مريم: 18 - 82

وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ. لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ. فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ. يس: 74 - 76

وقال عن آلهة مكذبي الرسل من الأمم السابقة والعرب:

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ. الأنبياء: 24

وقال عن تأليه الملائكة والأنبياء:

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. الأنبياء: 29

وقال عن قوم سبأ:

إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَئٍْ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ. وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللهِ وَ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ. أَلا يَسْجُدُوا للهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ

وَمَا تُعْلِنُونَ. اللهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. النمل: 23 - 26

وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ. قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَ أَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. النمل: 43 - 44

وقال عن آلهة الحضارات التي في الجزيرة العربية وحولها:

وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَي وَصَرَّفْنَا الأيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. فَلَوْلا نَصَرَهُمُ الَّذِينَ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِ اللهِ قُرْبَانًا آلِهَةً بَلْ ضَلُّوا عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ. الأحقاف: 27 - 28

وقال عن عباد الرحمن الموحدين:

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَي الْأَرْضِ هَوْنًا وَ إِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا.... وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. الفرقان: 63، 68

3 - المعبودون من دون الله

قال تعالي عن المعبودين من دون الله عند أمم مختلفة:

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ. يونس: 104 - 106

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَا لَيْسَ لَهُمْ بِهِ عِلْمٌ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ. الحج: 71

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَي رَبِّهِ ظَهِيرًا. الفرقان:55

وقال عن عبادة الناس غير الملموسة

للحكام الطواغيت:

وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَي الرُّسُلِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَي اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ. النحل: 35 - 36

وقال عن معبودات البابليين:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ. أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ. قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ. قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَي إِبْرَاهِيمَ. الأنبياء: 66 - 69

وَأَتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ. قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ. قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ. قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنْتُمْ وَ آبَاؤُكُمُ أَلأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ أَلْعَالَمِينَ. الشعراء: 69 - 77

وَأُزْلِفَتِ أَلْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ. وَبُرِّزَتِ أَلْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ. وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ. مِنْ دُونِ أَللهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ. فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَأَلْغَاوُونَ. وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ. قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ. تَأَللهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ أَلْعَالَمِينَ. وَمَا أَضَلَّنَا إِلا أَلْمُجْرِمُونَ. الشعراء: 90 - 99

وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. العنكبوت: 16 - 17

وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لابْرَاهِيمَ.

إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ. أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ. فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ. فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ. فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ. فَرَاغَ إِلَي آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلا تَأْكُلُونَ. مَا لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ. فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ. فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ. قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ. وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ. الصافات: 83 - 96

فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلا أَنْ قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجَاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ. العنكبوت: 24 - 25

فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا. مريم: 49

قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّي تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لاسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَئٍْ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. الممتحنة: 4

وقد تقدمت الآيات 97 - 99 من سورة الأنبياء، والفرقان - 17، عن (الآلهة) الذين رضوا بأن يعبدهم الناس.

وقال تعالي عن عبادة النصاري للمسيح ومريم:

مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَاكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الأيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّي يُؤْفَكُونَ.

قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَاللهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. مائدة: 75 - 76

وقال عن عبادة العرب

وأمثالهم للاصنام:

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ.

أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. الزمر: 2 - 3

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لايَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ.

فَلا تَضْرِبُوا للهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ.

ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لا يَقْدِرُ عَلَي شَئٍْ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَي شَئٍْ وَهُوَ كَلٌّ عَلَي مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. النحل: 73 - 76

وقال مقارنا بين عبادة الرسول (ص) وعبادة مكذبيه:

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ.

قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. الزمر: 11 - 15

وقال عن تخويف المشركين للنبي بمعبوداهم:

أَلَيْسَ اللهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ.

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ

رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ. الزمر: 36 - 38

4 - الأنداد من دون الله

قال تعالي عن الرؤساء المطاعين من دون الله (الانداد):

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا للهِ وَلَوْ يَرَي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ للهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ.

إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ. البقرة 165 - 166

وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُواْ إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ للهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ. الزمر: 8

5 - الشركاء من دون الله

قال تعالي عن الأصنام:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ.

فَلَمَّا آتَاهُمَا صَالِحًا جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِي مَا آتَاهُمَا فَتَعَالَي اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

أَيُشْرِكُونَ مَا لا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ.

وَلا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ.

وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَي الْهُدَي لا يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ.

إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوالَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ.

أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ. الأعراف: 189 - 195

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَئٍْ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَي النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا

يَشْكُرُونَ.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ.

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يوسف: 38 - 40

ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكَافِرِينَ. غافر: 70 - 74

6 - المزعومون من دون الله

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً.

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا.

وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا. الإسراء: 56 - 58

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. سبأ: 22

7 - المدعوون من دون الله

إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلاضِلَّنَّهُمْ وَلامَنِّيَنَّهُمْ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلامُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا. يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلا غُرُورًا. النساء: 117 - 120

قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَي أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَي الْهُدَي ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَي اللهِ هُوَ الْهُدَي وَأُمِرْنَا

لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. الأنعام: 71

وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَي رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. الأنعام: 108

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّي إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَي أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ. الأعراف: 37

لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ إِلا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَي الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَ مَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ. الرعد: 14

أَلا إِنَّ للهِ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكَاءَ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ. يونس: 66

وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ.

إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. لا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ. النحل: 20 - 23

وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَي الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الإنْسَانُ كَفُورًا. الإسراء: 67

قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ.

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَي أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ. الأنعام: 40 - 42

قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ

كَانَ بِي حَفِيًّا. وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَأَدْعُواْ رَبِّي عَسَي أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا. مريم: 46 - 48

وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ. وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ فَأَنَّي يُؤْفَكُونَ. الزخرف: 86 - 87

وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَي حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَي وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالأخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُ وَمَا لا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ. يَدْعُواْ لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَي وَ لَبِئْسَ الْعَشِيرُ. الحج: 11 - 13

ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. الحج: 62

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الحج: 73 - 74

ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ. لقمان: 30

يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّي ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ.

إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ. فاطر: 13 - 14

قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَإِذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْهُ

بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلا غُرُورًا. فاطر: 40

وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَ ظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ. فصلت: 48

قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَوَاتِ ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ. الأحقاف: 4 - 6

وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ. الزمر: 38

وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَئٍْ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ. غافر: 20

هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. غافر: 65 - 66

وقال تعالي عن اهلاك الحضارات الظالمة:

فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ. إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَئٍْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ. العنكبوت 40 - 43

الرسول داعي الله

وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَي قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَي مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَي الْحَقِّ وَإِلَي طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ. الأحقاف: 29 - 32

قُلْ إِنَّمَا أَدْعُواْ رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. الجن: 20 - 21

قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْوَاءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ. قُلْ إِنِّي عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ. الأنعام: 56 - 57

إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّي الصَّالِحِينَ. وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ. وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَي الْهُدَي لا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لا يُبْصِرُونَ. خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ. الأعراف: 196 - 199

المؤمنون يدعون الله تعالي وحده

وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَي رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ. وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَئٍْ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَئٍْ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ. الأنعام: 51 - 52

وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ

ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا. الكهف: 28

8 - الشفعاء من دون الله والشفعاء من الله

وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ. قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَنْفَعُنَا وَلا يَضُرُّنَا وَنُرَدُّ عَلَي أَعْقَابِنَا بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللهُ كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَي الْهُدَي ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَي اللهِ هُوَ الْهُدَي وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. الأنعام: 70 - 71

وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ. يونس: 18

اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَي عَلَي الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ. يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَي الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ. السجدة: 4 - 5

أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ. قُلْ للهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. وَإِذَا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالأخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ.الزمر: 43 - 46

9 - الأرباب من دون الله

قال الله تعالي عن ربوبية

الحكام والأحبار عند أهل الكتاب:

قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَي كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. آل عمران: 64

إِتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ. التوبة: 31

وقال تعالي عن المسيح والأنبياء:

مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ. وَلا يَامُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَامُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. آل عمران: 79 - 80

وقال عن أرباب الفراعنة وأتباعهم في مصر:

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَئٍْ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنَا وَعَلَي النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ. يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا للهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. يوسف: 38 - 40

هذا وقد تقدم تصنيف آيات الشفاعة في المجلد الثالث.

10-الشهداء من دون الله والاشهاد من الله

وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَي عَبْدِنَا فَاتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ. البقرة: 23

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَي عَلَي اللهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَي رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَي رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَي

الظَّالِمِينَ. الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالأخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ. هود: 18 - 19

11 - الصدق عن الله والإفتراء من دون الله

وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ. وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَي مِنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ. يونس: 36 - 39

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. هود: 13 - 14

12 - العاصم من الله والعاصم من دون الله

قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَعُّونَ إِلا قَلِيلاً.

قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. الأحزاب: 16 - 17

13-الوليجة من دون الله:

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. التوبة: 16

14 - الأولياء من دون الله:

وهذا الموضوع أوسع المواضيع في مصطلح (من دون الله القرآني) لأن الأولياء من دونه في المجتمعات البشرية والسلوك الإنساني متنوعون. قال الله تعالي:

أَلَمْ تَعْلَمْ

أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. البقرة: 107

الاولياء الشياطين

قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. فَرِيقًا هَدَي وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. الأعراف: 29 - 30

التأثر بأفكار الناس يجعلهم أولياء من دون الله

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَ مَنْ تَابَ مَعَكَ وَ لا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. وَ لا تَرْكَنُوا إِلَي الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَ أَقِمِ الصَّلَوةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَي لِلذَّاكِرِينَ. وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ. هود: 112 - 115

إِتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. الأعراف: 3

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. الرعد: 11

وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا. قُلِ اللهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا. وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا. الكهف: 25 - 27

وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ

مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ. القصص: 80 - 81

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَي وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَئٍْ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الرعد: 16

انكشاف عدم فائدة الأولياء من دون الله في الآخرة

وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقَالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذَابٍ مُقِيمٍ. وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِيَاءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ سَبِيلٍ. اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ. الشوري: 45 - 47

وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا. وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا. وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلا ضَلالاً. مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصَارًا. نوح: 22 - 25

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. الزمر: 2 - 3

وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ.

وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَي وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ

فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. أَمِ اتَّخَذَوُا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَي وَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. الشوري: 6 - 9

تِلْكَ آيَاتُ اللهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ. وَيْلٌ لِكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ. يَسْمَعُ آيَاتِ اللهِ تُتْلَي عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ. وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتخَّذَهَأَ هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ. مِنْ وَرَائِهِمْ جَهَنَّمُ وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ مَا كَسَبُوا شَيْئًا وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِيَاءَ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. الجاثية: 6 - 10

لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. الرعد: 11

وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. أَوَ لَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِيءُ اللهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَي اللَّهِ يَسِيرٌ. قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الأخِرَةَ إِنَّ اللهَ عَلَي كُلِّ شَئٍْ قَدِيرٌ. يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ. وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. العنكبوت: 18 - 23

- وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَي إِلا أَنْ قَالُوا أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً. قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً. قُلْ كَفَي بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ

كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا. وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَي وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا. الإسراء: 94 - 97

أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا. وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَي مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَي عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا. وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا. هُنَالِكَ الْوَلايَةُ للهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا. الكهف: 41 - 44

قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّي نَسُواْ الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا. فَقَدْ كَذَّبُوكُمْ بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلا نَصْرًا وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا. وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا. الفرقان: 18 - 20

لا وجود حقيقيا لولي من دون الله

- إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَي النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ. التوبة: 116 - 117

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَي جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ. وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَنْ كَثِيرٍ. وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ. الشوري: 29 - 31

نتيجة

من الآيات المتقدمة، يتضح أن سبب الكفر والشرك والضلال، ثلاثةُ أمور:

الأول: زعم

الألوهية لأحد غير الله تعالي.

والثاني: زعم الشراكة في الألوهية أو في التصرف في الخلق لأحد مع الله تعالي.

والثالث: زعم حق الوسيلة والوساطة لأحد أو شئ لم يأذن به الله تعالي.

أما التوسل إلي الله بمن أذن بالتوسل به، وبدون ادعاء شراكة له مع الله تعالي.. فهو خارجٌ عن هذه الحالات المذمومة كلها، ولا يدخل في شيء من الكفر والشرك والضلال، بل هو إطاعة لله، لأنه اتخاذ وسيلة بأمره، وليس من دونه.

فالميزان في المسألة هو: أن اتخاذ الوسيلة والشفعاء من دون الله تعالي شرك وكفر، واتخاذهم من عنده بإذنه وأمره، إيمان وتقوي.

وشتان بين الأمرين!! فهما وإن تشابها في الظاهر لكن الفرق بينهما هو المسافة بين الكفر والضلال، والهدي والرشاد.

وبذلك تعرف وهن تشبث به ابن تيمية وأتباعه فحكموا علي أكثر المسلمين بالكفر بسببه!! واستحلوا بذلك دماءهم وأموالهم!!

شبهة علي أصل التوسل

أثار بعضهم اشكالاً علي مبدأ التوسل، شبيهاً بما مر في الشفاعة..

والسبب في ذلك أنهم رأوا الشفاعات والوساطات والمحسوبيات السيئة عند الرؤساء والمسؤولين في دار الدنيا، وما فيها من محاباة وإعطاء بغير حق، ولا جهد من المشفوع لهم، أو المتوسط لهم.

وبما أن الله تعالي يستحيل عليه أن يحابي كما يحابي حكام الدنيا، وإنما يعطي جنته وثوابه بالإيمان والعمل الصالح.. فلذا صعب علي هؤلاء قبول الشفاعة والوساطة والوسيلة إلي الله تعالي!

ولكنه فات هؤلاء أنه لا استحقاق في الأصل لمخلوق علي الله تعالي، وأن المنشأ الحقوقي الوحيد لحق المخلوق علي ربه هو وعده سبحانه إياه بالعطاء، فهو حقٌّ مكتسبٌ بالوعد لأن الله تعالي رحيمٌ صادق، وليس حقاً أصلياً للعبد!

وفاتهم أيضاً، أن الإستشفاع والتوسل إليه تعالي عملٌ صالح، لأنه تعالي أمرنا أن نبتغي إليه

الوسيلة.

فاتهم أن الحكمة من جعله تعالي الأنبياء والأوصياء الوسيلة إليه تعالي:

أولاً: أن يعالج مشكلة التكبر في البشر، لأن البشر لا يمكنهم الإنتصار علي تكبرهم والخضوع لعبودية الله تعالي، إلا إذا انتصروا علي ذاتيتهم في مقابل الأنبياء والأوصياء، واعترفوا لهم بالفضل والمكانة المميزة والإختيار الإلهي، وأنهم المبلغون عن الله تعالي.. فهذا الإعتراف مطلوب لأنه مقدمة علمية وعملية للإيمان بالله تعالي وممارسة العبودية له.

فبدون الخضوع للأنبياء والأوصياء لا يتحقق خضوع حقيقي لله تعالي، ولا إيمان حقيقي به!! وهذا هو المقصود بقوله تعالي (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.)!!

لقد كان من الممكن أن يقول الله تعالي للناس: آمنوا بي ولا شغل لكم برسلي وأوليائي، فإنما هم مبلغون لما أرسلتهم به، وإنما (الرسول طارش) كما قال بعض الوهابيين! ولكن ذلك لا يعالج مشكلة الإنسان في التكبر علي عباد الله!!

وإذا لم تنحل مشكلته هذه، لم تنحل مشكلته في التكبر علي ربه وادعاءاته الفارغة بقربه منه وتكريمه له!!

فالخضوع العملي للمخلوقين الربانيين الممتازين، هو الطريق الطبيعي الوحيد للخضوع للخالق سبحانه.

وهما نوعان مختلفان من الخضوع، لأن حق الخضوع لله ذاتي، ولأوليائه تبعي جعلي.. بل هما في الحقيقة نوعٌ واحد، لأن الخضوع للأولياء بأمر الله تعالي إنما هو خضوعٌ لله تعالي.

وثانياً: أن جعل الأنبياء والأوصياء وسيلة إلي تعالي ضرورة ذهنية للبشر.. ذلك أن الفاصلة بين ذهن الإنسان المحدود الميال إلي المادية والمحدودية، وبين التوحيد المطلق المطلوب والضروري، فاصلةٌ كبيرة، فهي تحتاج إلي نموذج ذهني حاضر من نوع الإنسان، يمارس التوحيد أمامه ويكون قدوةً له. وبدون هذا النموذج القدوة، يبقي الإنسان في معرض الجنوح في تصوره للتوحيد وممارسته، والجنوح في هذا الموضوع الخطير، أخطر أنواع جنوح

الضلال!!

وهذا هو السبب في اعتقادي في أن الله تعالي جعل أنبياءه وأوصياءهم حججاً علي العباد، وهو السبب في أنه جعلهم من نوع الناس أنفسهم وليس من نوع آخر كالملائكة مثلاً.

والنتيجة:

أن وجود الوسيلة بين العباد والله تعالي لو كان أمره يرجع الينا لصح لنا أن نقول ياربنا نريد أن تجعل كل أنواع ارتباطنا بك مباشراً، فلا تجعل بيننا وبينك واسطةً في شئ! كما يميل إليه أهل الإشكال علي الشفاعة والتوسل!

ولكن الأمر له سبحانه، فالأفضل أن يكون منطقنا سليما فنقول:

اللهم لا نقترح عليك، فأنت أعلم بما يصلحنا، وإن أردت أن تجعل أنبياءك وأوصياءك واسطةً بيننا وبينك، وحججاً علينا عندك، فنحن مطيعون لك ولهم، ولا اعتراض عندنا..

وهذا هو التسليم المطلق لإرادته تعالي الذي عبر عنه بقوله لرسوله صلي الله عليه وآله في سورة الزخرف: 81 - 82: قل إن كان لله ولد فأنا أول العابدين.

ومعناه: أيها الرسول وحد لله تعالي توحيداً بلا شرط، واقبل معه كل شرط حتي لو اتخذ ولداً وأمرك بعبادته!

ثم بين تعالي أن الواقع أنه لم يتخذ ولن يتخذ ولداً فقال:

سبحان الله رب السماوات والأرض، رب العرش، عما يصفون.

مسألة التوسل دقيقة و حساسة

فهي مسألة ذات حدين، لابد فيها التوازن والحذر من الإفراط والتفريط!

فلا هؤلاء الوسائط يملكون شيئاً مع الله تعالي.. لأنهم مخلوقون فقراء إليه تعالي.

كما أنه لا غني للناس عن وساطتهم إلي الله.. لأنهم عباده المكرمون الذين أمر بالتوجه اليه بهم.

والتعادل المطلوب فيها تعادل فكري وعملي.. لأن الحركة الإنحرافية، ذهنية أو عملية، قد توجب الضلال!!

فالذين ينقصون من دور أنبياء الله وأوصيائه ومقامهم عند الله تعالي، بحجة توحيده وإبعاد الشركاء عن ساحته المقدسة، يقعون في

الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله لتوحيده وطاعته..وهو طلعتهم، والتوجه اليه بهم!

والذين يزيدون علي دورهم المحدد من الله تعالي، ويجعلون لهم معه شراكةً في ملكه أو حكمه أو عبادته، ولو ذرةً واحدة، بحجة أنه جعلهم وسيلةً إليه.. يقعون في الضلال والبعد عن الطريق الذي عينه الله تعالي، والذي هو التوحيد المطلق!

وبسبب هذه الدقة في العقيدة الإسلامية في الأنبياء والاوصياء نري أن الآيات والأحاديث الشريفة أكدت علي الجانبين معاً!

1 - فهي تؤكد من ناحية علي أن طاعته تعالي إنما تكون بطاعتهم وابتغاء الوسيلة إليه عن طريقهم.

2 - ومن ناحية أخري تؤكد علي بشريتهم، وأن الذين جعلوهم آلهة أو شركاء لله قد ضلوا وكفروا.

وفيما يلي نورد بعض الآيات في إطاعة الرسول صلي الله عليه وآله، ونلاحظ أن الله جعل طاعة الرسول إيماناً ومعصيته كفراً! وهو مقام مافوقه مقام لمخلوق أن يجعل الله طاعته طاعته، ومعصيته معصيته!!

قال سبحانه:

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ. آل عمران: 32

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَمَنْ تَوَلَّي فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا. النساء: 80

وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ وَكَفَي بِاللهِ وَكِيلًا. النساء:" 81

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ. وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ. إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ. وَ لَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْرًا لاسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ. الانفال: 20 - 23

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ

وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَي بِاللهِ عَلِيمًا. النساء: 69 - 70

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. النور: 52 - 53

قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ. النور: 54

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا. الأحزاب: 70 - 71

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ. محمد: 33

وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا. الفتح: 17

تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ. النساء: 13 - 14

ونلاحظ هنا أن نفس فريضة الإطاعة التي فرضها الله لرسوله، فرضها لأولي الأمر من بعده! صلي الله علي رسوله وآله، قال تعالي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَئٍْ فَرُدُّوهُ إِلَي اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلًا. النساء: 59

وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَي الرَّسُولِ وَإِلَي أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلا قَلِيلاً. النساء: 83

ومن الجهة الأخري قال تعالي

في الذين ألَّهوا الأنبياء والأولياء أو جعلوهم شركاء لله سبحانه:

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ. وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَي وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ. وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ. الأنبياء: 25 - 29

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ. لَوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لاصْطَفَي مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ. الزمر: 2 - 4

تأكيد الأئمة علي المحافظة علي التوحيد في التوسل

وذلك في نصوص كثيرة، ومنها نصوص الأدعية والتوسلات التي علمها الأئمة الطاهرون (عليهم السلام) لشيعتهم، كما لاحظت فيما أوردناه منها.. وهذا نموذجٌ آخر:

- في بحار الأنوار: 98/168:

عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أتيت القبر بدأت فأثنيت علي الله عز وجل، وصليت علي النبي صلي الله عليه وآله، واجتهدت في ذلك إن شاء الله، ثم تقول: سلامُ الله وسلام ملائكته فيما تروح وتغدو.

من هم المتوسل بهم عند المسلمين

يكاد يكون التوسل والإستشفاع في مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، محصوراً روايةً وعملاً بمحمد وآله المعصومين صلي الله عليه وعليهم.

ولم أجد في سيرة أئمتنا (عليهم السلام)، ولا في سلوك المتشرعين من أصحابهم وشيعتهم ذكراً للتوسل بأحد غير المعصومين (عليهم السلام)! وإن وجد فهو توسلٌ بهم تبعاً للمعصومين أو في موارد خاصة.

نعم ورد في عدد من الأدعية عن أهل البيت (عليهم السلام) تعليم التوسل بالملائكة المقربين والأنبياء السابقين، وكتب الله المنزلة، وعباده الصالحين، والأعمال الصالحة..

ففي مصباح المتهجد/358:

اللهم إني أتقرب اليك بجودك وكرمك، وأتشفع اليك بمحمد عبدك ورسولك، وأتوسل اليك بملائكتك المقربين، وأنبيائك المرسلين، أن تقيلني عثرتي، وتستر علي ذنوبي، وتغفرها لي، وتقلبني بقضاء حاجتي، ولا تعذبني بقبيح كان مني.

يا أهل التقوي وأهل المغفرة، يا بر ياكريم، أنت أبر بي من أبي وأمي، ومن نفسي، ومن الناس أجمعين، بي اليك فاقة وفقر، وأنت غني عني...

- وفي مصباح المتهجد /302

روي ابراهيم بن عمر الصنعاني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: للأمر المخوف العظيم تصلي ركعتين، وهي التي كانت الزهراء عليها السلام تصليها، تقرأ في الأولي الحمد، وقل هو الله أحد خمسين مرة، وفي الثانية مثل ذلك، فإذا سلمت صليت علي النبي صلي الله

عليه وآله، ثم ترفع يديك وتقول:

اللهم اني أتوجه بهم اليك وأتوسل اليك بحقهم العظيم الذي لا يعلم كنهه سواك وبحق من حقه عندك عظيم، وبأسمائك الحسني وكلماتك التامات، التي أمرتني أن أدعوك بها.

وأسألك باسمك العظيم الذي أمرت ابرهيم عليه السلام أن يدعو به الطير فأجابته.

وباسمك العظيم الذي قلت للنار كوني برداً وسلاماً علي ابرهيم فكانت.

وبأحب أسمائك إليك، وأشرفها عندك، وأعظمها لديك، وأسرعها إجابة، وأنجحها طلبة، وبما أنت أهله ومستحقه ومستوجبه...

وأسألك بكتبك التي أنزلتها علي أنبيائك ورسلك صلواتك عليهم أجمعين من التوراة والإنجيل والقرآن العظيم، من أولها إلي آخرها، فإن فيها اسمك الأعظم. وبما فيها من أسمائك العظمي أتقرب اليك.

التوسل بغير المعصومين عند السنيين

سيرة أئمة المذاهب السنية وسلوك أتباعهم حافلةٌ بالتوسل بمن يعتقدون صلاحه من شيوخ العلم والتصوف.

وحتي الحنابلة الذين يدعي ابن تيمية الإنتساب إليهم ويشن باسمهم حملة ضد التوسل والإستشفاع ويكفر بهم المسلمين.. يعتقدون بالتوسل!!

فقد ثبت عن إمامهم أحمد وكبار متقدميهم ومتأخريهم، أنهم كانوا يزورون القبور ويتوسلون إلي الله تعالي بأصحابها!!

وقد بنوا علي قبر أحمد بن حنبل مسجداً وقبة! وجعلوه مزاراً يصلون عنده ويتمسحون به ويتوسلون به!!

- ففي وفيات الأعيان لابن خلكان: 1/64:

أحمد بن حنبل... توفي ضحوة الجمعه لثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول.. ودفن بمقبرة باب حرب، وباب حرب منسوب إلي حرب بن عبد الله أحد أصحاب أبي جعفر المنصور، والي حرب هذا تنسب المحلة المعروفة بالحربية، وقبر أحمد بن حنبل مشهور بها يزار.

- وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي/454:

حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلي الحربي وكان شيخاً صالحاً قال: كان قد جاء في بعض السنين مطرٌ كثير جداً قبل

دخول رمضان بأيام، فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت علي عادتي إلي قبر الإمام أحمد بن حنبل أزور، فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتي بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف أو سافين، فقلت: إنما تم هذا علي قبر الإمام أحمد من كثرة الغيث!

فسمعته من القبر وهو يقول: لا، بل هذا من هيبة الحق عز وجل، لأنه عز وجل قد زارني!! فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل: يا أحمد، لأنك نصر ت كلامي فهو ينشر ويتلي في المحاريب.فأقبلت علي لحده أقبله ثم قلت: يا سيدي ما السر في أنه لا يقبل قبر إلا قبرك؟ فقال لي: يا بني، ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله(ص)! لأن معي شعرات من شعره!!

ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان! قال ذلك مرتين!!

- وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلي: 2/186:

سمعت رزق الله يقول: زرت قبر الإمام أحمد صحبة القاضي الشريف أبو علي فرأيته يقبل رجل القبر! فقلت له: في هذا أثر؟

قال لي: أحمد في نفسي شئ عظيم، وما أظن أن الله تعالي يؤاخذني بهذا!!

- وفي تاريخ بغداد للخطيب: 4/423:

عن أبي الفرج الهندباني يقول: كنت أزور قبر أحمد بن حنبل فتركته مدة، فرأيت في المنام قائلاث يقول لي: لم تركت زيارة إمام السنة!!

ورواه ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد/481

- وفي رحلة ابن بطوطه: 1/220:

قبور الخلفاء ببغداد وقبور بعض العلماء والصالحين بها... وبقرب الرصافه قبر الإمام أبي حنيفة، وعليه قبة عظيمه وزاوية فيها الطعام للوارد والصادر، وليس بمدينة بغداد اليوم زاوية يطعم الطعام فيها ماعدا هذه الزاوية.

وبالقرب منها قبر الإمام أبي

عبد الله أحمد بن حنبل، ولا قبة عليه.. ويذكر أنها بنيت علي قبره مراراً فتهدمت بقدرة الله تعالي.

وقبره عند أهل بغداد معظم، وأكثرهم علي مذهبه، وبالقرب منه قبر أبي بكر الشبلي من أئمة المتصوفة.

- وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 38/23:

في عام 554 غرقت مقبرة الإمام أحمد وخرجت الموتي علي وجه الماء وكانت آية عجيبة.

- وفي عمدة القاري للعيني: 5 جزء 9/241:

سعيد العلائي قال: رأيت في كلام أحمد بن حنبل.. أن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي (ص) وتقبيل منبره، فقال: لا بأس بذلك.

قال فأريناه للشيخ تقي الدين بن تيمية، فصار يتعجب من ذلك ويقول: عجبت! أحمد عندي جليل، يقول هذا الكلام!

وأي عجب.. وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصاً للشافعي وشرب الماء الذي غسله به!!

- وفي تاريخ الإسلام للذهبي: 14/335:

وقال ابن خزيمه: هل كان ابن حنبل إلا غلاماً من غلمان الشافعي؟

- وفي الإعتصام للشاطبي: 1/226:

والجواب عن هذا (قول أحمد بن حنبل) أنه كلام مجتهد يحتمل اجتهاده الخطأ والصواب.. وقد كان (ابن حنبل) يميل إلي نفي القياس، ولذلك قال: مازلنا نلعن أهل الرأي ويلعنوننا، حتي جاء الشافعي فخرج بيننا..

- وفي الغدير للأميني: 5/194:

قال ابن حجر في (الخيرات الحسان) في مناقب الإمام أبي حنيفة في الفصل الخامس والعشرين: إن الإمام الشافعي أيام كان هو ببغداد كان يتوسل بالإمام أبي حنيفة ويجئ إلي ضريحه يزوره فيسلم عليه، ثم يتوسل إلي الله تعالي به في قضاء حاجاته، وقال: قد ثبت أن الإمام أحمد توسل بالإمام الشافعي حتي تعجب ابنه عبد الله بن الإمام أحمد، فقال له أبوه: إن الشافعي كالشمس للناس وكالعافية للبدن. ولما بلغ

الإمام الشافعي: أن أهل المغرب يتوسلون بالإمام مالك لم ينكر عليهم.

وفي الغدير: 5/198:

قال (ابن الجوري) في المنتظم: 10/283:

وفي أوائل جمادي الآخرة سنة 574 تقدم أمير المؤمنين بعمل لوح ينصب علي قبر الإمام أحمد بن حنبل، فعمل ونقضت السترة جميعها وبنيت بآجر مقطوع جديدة، وبني له جانبان، ووقع اللوح الجديد وفي رأسه مكتوب: هذا ما أمر بعمله سيدنا ومولانا المستضي بأمر الله أمير المؤمنين.

وفي وسطه: هذا قبر تاج السنة وحيد الأمة العالي الهمة العالم العابد الفقيه الزاهد الإمام أبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني رحمه الله. وقد كتب تاريخ وفاته وآية الكرسي حول ذلك.

ووعدت بالجلوس في جامع المنصور، فتكلمت يوم الاثنين سادس عشر جمادي الأولي، فبات في الجامع خلق كثير وختمت ختمات، واجتمع للمجلس بكرة ما حزر بمائة ألف، وتاب خلق كثير وقطعت شعور، ثم نزلت فمضيت إلي زيارة قبر أحمد، فتبعني من حزر بخمسة آلاف.

- وفي الغدير للأميني: 5/199:

الحافظ ابن عساكر في تاريخه: 2/46:

عن أبي بكر بن أنزويه قال: رأيت رسول الله(ص)في المنام ومعه أحمد بن حنبل فقلت: يا رسول الله من هذا؟

فقال: هذا أحمد ولي الله وولي رسول الله علي الحقيقة، وأنفق علي الحديث ألف دينار.

ثم قال: من يزوره غفر الله له، ومن يبغض أحمد فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله.

وفي النهاية لابن كثير: 12/323

وفي صفر سنة 542 رأي رجل في المنام قائلاً يقول له: من زار أحمد بن حنبل غفر له. قال: فلم يبق خاصٌ ولا عامٌ إلا زاره وعقدت يومئذ ثم مجلساً، فاجتمع فيه ألوفٌ من الناس!!

التوسل الواسع في صلاة الإستسقاء

ورد عندنا وعندهم الحث علي التوسل في صلاة

الإستسقاء بالأخيار والضعفاء والمرضي، ومن ذلك: ما قاله النووي في المجموع: 5/66:

قال في الأم: ولا آمر بإخراج البهائم. وقال أبو اسحق: استحب إخراج البهائم، لعل الله تعالي يرحمها، لما روي أن سليمان(ص)خرج ليستسقي فرأي نملة تستسقي، فقال ارجعوا فإن الله تعالي سقاكم بغيركم.

ويكره إخراج الكفار للاستسقاء لأنهم أعداء الله فلا يجوز أن يتوسل بهم إليه، فإن حضروا وتميزوا لم يمنعوا، لأنهم جاؤوا في طلب الرزق.

وقال في: 5/70:

يستحب أن يستسقي بالخيار من أقارب رسول الله(ص)، وبأهل الصلاح من غيرهم، وبالشيوخ والضعفاء والصبيان والعجائز وغير ذوات الهيئات من النساء، ودليله ما ذكره المصنف.

وأيضاً ففي الصحيح أن رسول الله(ص)قال: وهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟

قال القاضي حسين والروياني والرافعي وآخرون من أصحابنا: ويستحب أن يذكر كل واحد من القوم في نفسه ما فعله من الطاعة الجليلة، ويتشفع به ويتوسل.

واستدلوا بحديث ابن عمر في الصحيحين عن رسول الله(ص)في قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين أووا إلي غار فأطبقت عليهم صخرة، فتوسل كل واحد بصالح عمله، فأزال الله عنهم بسؤال كل واحد ثلثاً من الصخرة وخرجوا يمشون. انتهي.

فهذه فتاوي من فقهاء المذاهب الأربعة، تنص علي التوسل بالصالحين والضعفاء والمرضي والأعمال والحيوانات، وتنص علي أنه توسل واستشفاع، وهو أوسع من التوسل المتبادر إلي أذهاننا بالنبي وأهل بيته صلي الله عليه وعليهم.

التوسل العملي بالأعمال الصالحة

في بحار الأنوار: 74/398:

عن أمالي المفيد، عن أحمد بن الوليد، عن أبيه، عن الصفار، عن ابن عيسي، عن ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام:

أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله، ورسوله،

والجهاد في سبيل الله، وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة، وإقام الصلاة فانها الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام شهر رمضان فإنه جنة من عذاب الله، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فإنها مثراة للمال ومنسأة للأجل، والصدقة في السر فإنها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. ومثله في: 93/177

ونحوه في: 74/289، عن تحف العقول، قال: خطبته عليه السلام المعروفة بالديباج:

الحمد لله فاطر الخلق، وخالق الإصباح، ومنشر الموتي، وباعث من في القبور، وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلي الله عليه وآله عباد الله، إن أفضل ماتوسل به المتوسلون إلي الله جل ذكره: الإيمان بالله وبرسله وما جاءت به من عند الله... الحديث، كما تقدم بتفاوت.

- ورواه في: 71/410، عن علل الشرائع عن أبي، عن سعد، عن ابراهيم بن مهزيار، عن أخيه علي، عن حماد عن ابراهيم بن عمر، رفعه إلي أمير المؤمنين عليه السلام قال: ان أفضل ما توسل به المتوسلون...

- ورواه في: 62/386، عن أمالي المفيد، عن الإمام الصادق عليه السلام، بتفاوت وزيادة في آخره، قال (ألا فاصدقوا فإن الله مع من صدق، وجانبوا الكذب فإن الكذب مجانب الإيمان، ألا وإن الصادق علي شفا منجاة وكرامة، ألا وإن الكاذب علي شفاه مخزاة وهلكة، ألا وقولوا خيراً تعرفوا به، واعملوا به تكونوا من أهله، وأدوا الأمانة إلي من ائتمنكم، وصلوا من قطعكم، وعودوا بالفضل عليهم. انتهي.

ولكن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينفي التوسل بالنبي وآله صلي الله عليه وآله، فقد ثبت أنه لا يقبل عملٌ لمسلم إلا بولايتهم، وأنه لا يرفع

دعاء إلا بالصلاة عليهم، وهو التوسل بهم! وقد روي ذلك عندنا في مصادر الجميع!

التوسل إلي الله في مصادر السنيين

تعليم النبي التوسل به إلي الله تعالي

روي الترمذي: 5/229 برقم 3649:

حدثنا محمود بن غيلان، أخبرنا عثمان بن عمر، أخبرنا شعبة، عن أبي جعفر، عن عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي(ص)فقال: أدع الله أن يعافيني.

قال: إن شئت دعوت، وإن شئت صبرت فهو خير لك.

قال: فادعه. قال: فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعوه بهذا الدعاء: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي هذه لتقضي لي، اللهم فشفعه في.

هذا حديث حسن صحيح غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر، وهو غير الخطمي. انتهي.

- ورواه ابن ماجة في: 1/441، وقال: قال أبو اسحاق هذا حديث صحيح. انتهي.

- ورواه أحمد: 4/138، بروايتين.

- ورواه الحاكم في المستدرك: 1/313، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

- ورواه في: 1/519، بسندين آخرين، وقال بعدهما: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

- ورواه في: 1/526، وقال: تابعه شبيب بن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد والقول...

وقال أيضاً: هذا حديث صحيح علي شرط البخاري ولم يخرجاه، وإنما قدمت حديث عون بن عمارة لأن من رسمنا أن نقدم العالي من الأسانيد.

- ورواه الطبراني في كتاب الدعاء/320، وما بعدها بعدة طرق، وكذا في المعجم الكبير: 9/ 31، والصغير: 1/183، وصححه.

- ورواه في مجمع الزوائد: 2/279، وقال:

قلت: روي الترمذي وابن ماجه طرفا من آخره خاليا عن القصة، وقد قال الطبراني عقبه: والحديث صحيح، بعد ذكر طرقه

التي روي بها.

- ورواه في كنز العمال: 2/181، و6/521 (ت، ه، ك، عن عثمان بن حنيف). (حم ت: حسن صحيح غريب هك وابن السني عن عثمان بن حنيف) ورواه ابن خزيمة في صحيحه: 2/225 وروي الطبراني تطبيق عثمان بن حنيف للحديث بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله كما سيأتي.

- وفي السنن الكبري للنسائي: 6/168

أخبرنا محمد بن معمر قال، حدثنا حبان قال، حدثنا حماد قال، أخبرنا جعفر عن عمارة بن خزيمة، عن عثمان بن حنيف أن رجلاً أعمي أتي النبي (ص) فقال: يا رسول الله إني رجل أعمي، فادع الله أن يشفيني، قال بل أدعك، قال: أدع الله لي مرتين أو ثلاثاً.

قال: توضأ ثم صل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلي الله أن يقضي حاجتي، أو حاجتي إلي فلان، أو حاجتي في كذا وكذا. اللهم شفع فيَّ نبيي وشفعني في نفسي. انتهي.

ثم رواه النسائي بروايتين أخريتين.

توسل عمر بن الخطاب بالعباس عم النبي

- روي الحاكم في المستدرك: 3/334

أخبرنا أبو زكريا يحيي بن محمد العنبري، ثنا الحسن بن علي بن نصر، ثنا الزبير بن بكار، حدثني ساعدة بن عبيد الله المزني، عن داود بن عطاء المدني، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر أنه قال: استسقي عمر بن الخطاب عام الرمادة بالعباس ابن عبد المطلب فقال: اللهم هذا عم نبيك العباس نتوجه اليك به فاسقنا، فما برحوا حتي سقاهم الله. قال فخطب عمر الناس فقال:

أيها الناس إن رسول الله كان يري للعباس مايري الولد لوالده، يعظمه ويفخمه ويبر قسمه، فاقتدوا أيها الناس برسول الله في عمه العباس، واتخذوه وسيلة إلي الله عز

وجل فيما نزل بكم! انتهي. وروته عامة مصادرهم.

توسل الناس في المحشر واستشفاعهم بالنبي

- روي ذلك البخاري في عدة مواضع، في صحيحه: 5/147

عن أنس (رض) عن النبي(ص)قال:

يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون لو استشفعنا إلي ربنا فيأتون آدم فيقولون أنت أبو الناس خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته وعلمك أسماء كل شئ، فاشفع لنا عند ربك حتي يريحنا من مكاننا هذا. فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي ائتوا نوحاً فإنه أول رسول بعثه الله إلي أهل الأرض، فيأتونه فيقول لست هناكم... ائتوا ابراهيم... ائتوا موسي... ائتوا عيسي... ائتوا محمداً عبداً غفر الله له ماتقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتي أستأذن...الخ.

- ونحوه بتفاوت في: 7 /203، و: 8/172 و 183، وروته عامة مصادرهم.

ما ورد عندهم من الدعاء للنبي بالوسيلة

- قال البخاري في صحيحه: 1/152:

عن جابر بن عبد الله أن رسول الله(ص)قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته.. حلَّت له شفاعتي يوم القيامة.

ورواه البخاري في: 5/228، وابن ماجة: 1/239، وأبو داود: 1/ 129، والنسائي: 2/27، والترمذي: 1/ 136، والبيهقي في السنن: 1/410، والهيثمي في الزوائد: 1/333 و: 10/112، وفي كنز العمال: 2/80 و: 7/698 و703... وغيرها.

هذه هي صيغة البخاري، التي لم يرو في صحيحه غيرها، وهي تريد الإيحاء بأن الدعاء بالوسيلة دعاءٌ مستقل يستحب أن يدعو به المسلمون عند سماع الأذان، ولا علاقة لها بصيغة الصلاة علي النبي، ولا علاقة لها بآله!!

وقد تبع البخاري محدثون آخرون كما رأيت، ثم تبعهم الفقهاء فأفتوا بهذا الدعاء فصار سنةً للسنيين في عملهم ومساجدهم!

ولكن وردت لهذا الدعاء صيغةٌ أخري صحيحةٌ عندهم أيضاً، تقول إن هذا الدعاء جزءٌ من صيغة الصلاة علي النبي التي علمها

للمسلمين، وأمرهم أن يصلوا علي آله معه، وأن يختموها بالدعاء له بالوسيلة!!

وفي بعضها أن الدعاء بالوسيلة مقدمةٌ للصلاة عليه وآله!

فلماذا صار دعاء الوسيلة عندهم دعاءً مستقلاً للرسول وحده، بدون آله!!

السبب عندهم: أن الصلاة علي آل النبي معه والدعاء لهم معه، أمرٌ ثقيلٌ علي الخلافة القرشية، التي فرضت عليهم العزل السياسي والإجتماعي والإقتصادي، لذلك اختار الرواة بدله الدعاء للنبي بالوسيلة، وجعلوه أمراً مستقلاً خاصاً بالنبي دون آله، مماشاةً للخلافة القرشية!!

والطريف أنهم رروه عن جابر بن عبد الله الأنصاري رحمه الله، المعروف بأحاديثه القوية في وجوب ولاية أهل البيت (عليهم السلام)، حتي أنهم رووا عنه أنه كان في زمن معاوية يتوكأ علي عصاه ويدور في سكك المدينة ويبلغ المسلمين ما قاله النبي صلي الله عليه وآله في من أبغض عليا وأهل البيت النبوي الطاهرين!

ويلاحظ أن الذي رواه عن جابر عند البخاري هو محمد بن المنكدر، المبغض لأهل البيت (عليهم السلام)!!

ولك أن تقارن بين رواية البخاري، وبين رواية مسلم وغيره لهذا الدعاء!!

- قال مسلم في صحيحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي(ص)يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ فإنه من صلي عليَّ صلاةً صلي الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلةٌ في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة!

ورواه النسائي: 2/25، وأبو داود: 1/128، والترمذي: 5/247، والبيهقي في سننه: 1/409، والهيثمي في مجمع الزوائد: 1/332.

ورواه أحمد: 2/167، ونحوه في: 2/265، وقال (من صلي عليَّ ليس ليس في البخاري)!!

- وأفتي به النووي في

المجموع: 3/116

وقدمه في تلخيص الحبير: 3 /203، علي رواية البخاري فقال:

(قوله) من المحبوبات أن يصلي المؤذن وسامعه علي النبي(ص)بعد الأذان ويقول: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة لقائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته. أخرجه مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع النبي(ص)يقول: إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، الحديث.

وأخرج البخاري وأصحاب السنن من حديث جابر مرفوعاً من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة.. الحديث، لكن ليس فيه والدرجة الرفيعة. انتهي.

- وقال السيوطي في الدر المنثور: 5/219:

وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود (رض) قال: قلنا يا رسول الله قد عرفنا كيف السلام عليك، فكيف نصلي عليك؟

قال قولوا: اللهم صل علي محمد، وأبلغه درجة الوسيلة من الجنة. اللهم اجعل في المصطفين محبته، وفي المقربين مودته، وفي عليين ذكره وداره، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته.

اللهم صل علي محمد وعلي آل محمد كما صليت علي ابراهيم وعلي آل ابراهيم، إنك حميد مجيد، وبارك علي محمد وعلي آل محمد. انتهي.

فقد نصت هذه الأحاديث الصحيحة عندهم علي أن الدعاء له صلي الله عليه وآله بالوسيلة إنما هو جزءٌ من صيغة الصلاة الشرعية عليه، صلي الله عليه وعليهم، فهل يعقل أن يكون أمر باصافة آله معه في الصلاة عليه، ثم أفرد نفسه عنهم في الدعاء!!

وبذلك يترجح أن يكون أصل النص النبوي لهذا الدعاء ما روته مصادرنا، وفيه ذكر أهل بيته معه، كما سيأتي.

ما هي الوسيلة التي ورد الدعاء بها للنبي؟

ذكرت بعض المصادر السنية أنها درجةٌ ومنزلةٌ في الجنة، تكون لشخص واحد من الخلق، ولذا طلب من المسلمين أن يدعوا له ليكون هو

ذلك الشخص.

ولكن ذلك يشبه كلام التوراة، فكأن درجة الوسيلة موضوع قرعة أو مسابقة بين الأنبياء ولم يعلم صاحبها بعد! فالرسول لله صلي الله عليه وآله يرجو أمته أن يدعوا له أن تكون له!

- قال مسلم في صحيحه: 2/4:

عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي(ص)يقول:إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي فانه من صلي علي صلاة صلي الله عليه بها عشرآ، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لاتنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة! انتهي.

ورواه أبو داود: 1/ 128، والترمذي: 5 /247، والبيهقي في السنن: 1/409 وأحمد: 2/167 و 168، وفي: 2/265 و365، عن أبي هريرة، والترمذي: 5/46 2، عن كعب عن أبي هريرة. وفي مجمع الزوائد: 1/332، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وفي كنز العمال: 2/ 79 و134 و: 7/698 و700 و:14/ 400 و: 1/489 و494 و497، وفردوس الأخبار: 5/147

بينما روت أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) أن أمر الوسيلة مفروغٌ عنه، وهي أعلي مساكن الفردوس، وأنها للنبي وآله، إلي جانب مساكن ابراهيم وآله صلي الله عليهم. ووافقتهابعض مصادر السنيين:

فقد روي ابن مردويه كما في كنز العمال: 12/ 103 و: 13/639: عن النبي صلي الله عليه وآله قال: في الجنة درجة تدعي الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة.

قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك فيها؟

قال: علي وفاطمة والحسن والحسين. انتهي.

وهذه هي الصيغة المعقولة لحديث الوسيلة والدعاء بها للنبي صلي الله عليه وآله.. ولكن ذلك ليس في مصلحة الخلافة القرشية!! ولذا تركوا هذه الصيغة ورووا غيرها!!

احاديث تفسر الوسيلة في مصادرنا

- قال الصدوق في معاني الأخبار/116:

116 - حدثنا أبي (رض) قال: حدثنا سعد بن عبدالله قال: حدثنا أحمد ابن محمد بن عيسي قال: حدثنا العباس بن معروف، عن عبدالله بن المغيرة قال: حدثنا أبوحفص العبدي قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: إذا سألتم الله لي فسلوه الوسيلة. فسألنا النبي صلي الله عليه وآله عن الوسيلة؟ فقال: هي درجتي في الجنة، وهي ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلي المرقاة حضر الفرس الجواد شهراً، وهي ما بين مرقاة جوهر إلي مرقاة زبرجد، إلي مرقاة ياقوت، إلي مرقاة ذهب، إلي مرقاة فضة.

فيؤتي بها يوم القيامة حتي تنصب مع درجة النبيين، فهي في درجة النبيين كالقمر بين الكواكب، فلا يبقي يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال طوبي لمن كانت هذه الدرجة درجته. فيأتي النداء من عند الله عز وجل يسمع النبيين وجميع الخلق: هذه درجة محمد.

فأقبل أنا يومئذ متزراً بريطة من نور، علي تاج الملك، واكليل الكرامة، وعلي ابن أبي طالب أمامي، وبيده لوائي وهو لواء الحمد، مكتوب عليه (لا اله إلا الله، المفلحون هم الفائزون بالله). فإذا مررنا بالنبيين قالوا: هذان ملكان مقربان لم نعرفهما ولم نرهما. وإذا مررنا بالملائكة قالوا: نبيين مرسلين، حتي أعلو الدرجة وعلي يتبعني، حتي إذا صرت في أعلي درجة منها وعلي أسفل مني بدرجة، فلا يبقي يومئذ نبي ولا صديق ولا شهيد إلا قال: طوبي لهذين العبدين ما أكرمهما علي الله تعالي!

فيأتي النداء من قبل الله عز وجل يسمع النبيين والصديقين والشهداء والمؤمنين: هذا حبيبي محمد وهذا وليي علي، طوبي لمن أحبه، وويل لمن أبغضه

وكذب عليه. فلا يبقي يومئذ أحدٌ أحبك يا علي إلا استروح إلي هذا الكلام، وابياضَّ وجهه وفرح قلبه، ولا يبقي أحدٌ ممن عاداك أو نصب لك حرباً أوجحد لك حقاً، إلا اسود وجهه واضطربت قدماه.

فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا الي، أما أحدهما فرضوان خازن الجنة، وأما الآخر فمالك خازن النار، فيدنو رضوان فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: السلام عليك أيها الملك، من أنت؟ فما أحسن وجهك الطيب وأطيب ريحك!

فيقول: أنا رضوان خازن الجنة، وهذه مفاتيح الجنة بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد علي ما فضلني به، ادفعها إلي أخي علي بن أبي طالب، فيدفع إلي علي.

ثم يرجع رضوان فيدنو مالك فيقول: السلام عليك يا أحمد.

فأقول: عليك السلام أيها الملك، فما أقبح وجهك وأنكر رؤيتك، من أنت؟! فيقول: أنا مالك خازن النار، وهذه مقاليد النار بعث بها اليك رب العزة فخذها يا أحمد.

فأقول: قد قبلت ذلك من ربي، فله الحمد علي ما فضلني به، ادفعها إلي أخي علي بن أبي طالب، فيدفعها إليه ثم يرجع مالك.

فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنة ومقاليد النار، حتي يقف بحجزة جهنم وقد تطاير شررها وعلا زفيرها واشتد حرها، وعلي آخذٌ بزمامها فتقول له جهنم: جزني يا علي فقد أطفأ نورك لهبي، فيقول لها علي: قري يا جهنم: خذي هذا واتركي هذا! خذي عدوي واتركي وليي.

فَلَجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه، فإن شاء يذهبها يمنة، وإن شاء يذهبها يسرة، ولجهنم يومئذ أشد مطاوعة لعلي فيما يأمرها به من جميع الخلائق. انتهي.

ورواه في روضة الواعظين/113، وبشارة المصطفي/21، وتفسير القمي:

2/324، وفي آخره (وذلك أن علياً يومئذ قسيم الجنة والنار) وفي بصائر الدرجات/416:

خطبة الوسيلة من كتاب الكافي

روي الكليني رحمه الله خطبة عظيمة خطبها أمير المؤمنين عليه السلام، تسمي خطبة الوسيلة، تتضمن تفصيلاث عن درچة الوسيلة في الجنة لمحمد وآله صلي الله عليه وعليهم. ونظراً لاهميتها وفوائدها أوردنا منها أكثر من محل الشاهد.

قال رحمه الله في الكافي: 8/18:

خطبة لامير المؤمنين عليه السلام، وهي خطبة الوسيلة:

محمد بن علي بن معمر، عن محمد بن علي بن عكاية التميمي، عن الحسين بن النضر الفهري، عن أبي عمرو الأوزاعي، عن عمرو بن شمر، عن جابر بن يزيد قال: دخلت علي أبي جعفر فقلت: يا بن رسول الله قد أرمضني اختلاف الشيعة في مذاهبها!

فقال: يا جابر ألم أقفك علي معني اختلافهم من أين اختلفوا، ومن أي جهة تفرقوا؟ قلت: بلي يا ابن رسول الله.

قال: فلا تختلف إذا اختلفوا يا جابر، إن الجاحد لصاحب الزمان كالجاحد لرسول الله صلي الله عليه وآله في أيامه، يا جابر إسمع وع.

قلت: إذا شئت.

قال: اسمع وع وبلغ حيث انتهت بك راحلتك: إن أمير المؤمنين خطب الناس بالمدينة بعد سبعة أيام من وفاة رسول الله صلي الله عليه وآله، وذلك حين فرغ من جمع القرآن وتأليفه فقال:

الحمد لله الذي منع الأوهام أن تنال إلا وجوده، وحجب العقول أن تتخيل ذاته، لإمتناعها من الشبة والتشاكل، بل هو الذي لا يتفاوت في ذاته، ولا يتبعض بتجزئة العدد في كماله، فارق الأشياء لا علي اختلاف الاماكن، ويكون فيها لا علي وجه الممازجة، وعلمها لا بأداة، لا يكون العلم إلا بها، وليس بينه وبين معلومه علمٌ غيره به كان عالماً بمعلومه.

إن قيل كانَ، فعلي

تأويل أزلية الوجود، وإن قيل لم يزل، فعلي تأويل نفي العدم.

فسبحانه وتعالي عن قول من عبد سواه، واتخذ إلها غيره علواً كبيرا.

نحمده بالحمد الذي ارتضاه من خلقه، وأوجب قبوله علي نفسه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، شهادتان ترفعان القول وتضاعفان العمل، خف ميزان ترفعان منه، وثقل ميزان توضعان فيه، وبهما الفوز بالجنة والنجاة من النار، والجواز علي الصراط، وبالشهادة تدخلون الجنة وبالصلاة تنالون الرحمة.

أكثروا من الصلاة علي نبيكم: إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما.

أيها الناس: إنه لا شرف أعلي من الإسلام، ولا كرم أعز من التقوي، ولا معقل أحرز من الورع، ولا شفيع أنجع من التوبة، ولا لباس أجمل من العافية، ولا وقاية أمنع من السلامة، ولا مال أذهب بالفاقة من الرضي بالقناعة، ولا كنز أغني من القنوع ومن أقتصر علي بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة، وتبوء خفض الدعة.

والرغبة مفتاح التعب، والإحتكار مطية النصب، والحسد آفة الدين، والحرص داع إلي التقحم في الذنوب، وهو داع للحرمان، والبغي سائق إلي الحين، والشره جامع لمساوي العيوب.

رب طمع خائب وأمل كاذب، ورجاء يؤدي إلي الحرمان، وتجارة تؤول إلي الخسران.

ألا ومن تورط في الأمور غير ناظر في العواقب، فقد تعرض لمفضحات النوائب، وبئست القلادة قلادة الذنب للمؤمن.

أيها الناس: إنه لا كنز أنفع من العلم، ولا عز أرفع من الحلم، ولا حسب أبلغ من الادب، ولا نصب أوضع من الغضب، ولا جمال أزين من العقل، ولا سوءة أسوأ من الكذ ب، ولا حافظ أحفظ من الصمت، ولا غائب أقرب من الموت.

أيها الناس: إنه

من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يأسف علي ما في يد غيره، ومن سل سيف البغي قتل به، ومن حفر لأخيه بئراً وقع فيها، ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته، ومن نسي زلته استعظم زلل غيره، ومن أعجب برأيه ضل، ومن استغني بعقله زل، ومن تكبر علي الناس ذل، ومن سفه علي الناس شتم، ومن خالط الأنذال حقر، ومن حمل ما لا يطيق عجز.

أيها الناس: إنه لا مال أعود من العقل، ولا فقر أشد من الجهل، ولا واعظ أبلغ من النصح، ولا عقل كالتدبير، ولا عبادة كالتفكر، ولا مظاهرة أوثق من المشاورة، ولا وحشة أشد من العجب، ولا ورع كالكف عن المحارم، ولا حلم كالصبر والصمت.

أيها الناس: في الإنسان عشر خصال يظهرها لسانه: شاهدٌ يخبر عن الضمير، حاكمٌ يفصل بين الخطاب، وناطقٌ يرد به الجواب، وشافعٌ يدرك به الحاجة، وواصفٌ يعرف به الأشياء، وأميرٌ يأمر بالحسن، وواعظٌ ينهي عن القبيح، ومعزٌ تسكن به الأحزان، وحاضرٌ تجلي به الضغائن، ومونقٌ تلتذ به الاسماع.

أيها الناس: إنه لا خير في الصمت عن الحكم، كما أنه لا خير في القول بالجهل. واعلموا أيها الناس إنه من لم يملك لسانه يندم، ومن لا يعلم يجهل، ومن لا يتحلم لا يحلم، ومن لا يرتدع لا يعقل، ومن لا يعقل يهن، ومن يهن لا يوقر، ومن لا يوقر يتوبخ، ومن يكتسب مالاً من غير حقه يصرفه في غير أجره، ومن لا يدع وهو محمود يدع وهو مذموم، ومن لم يعط قاعداً منع قائماً، ومن يطلب العز بغير حق يذل، ومن يغلب بالجور يغلب، ومن عاند الحق لزمه الوهن، ومن تفقه

وقر، ومن تكبر حقر، ومن لا يحسن لا يحمد.

أيها الناس: إن المنية قبل الدينة، والتجلد قبل التبلد، والحساب قبل العقاب والقبر خير من الفقر، وغض البصر خير من كثير من النظر، والدهر يومٌ لك ويوم عليك، فإذا كان لك فلا تبطر، وإذا كان عليك فاصبر، فبكليهما تمتحن.

أيها الناس: أعجب ما في الإنسان قلبه، وله موادُّ من الحكمة، وأضدادٌ من خلافها، فإن سنح له الرجاء أذله الطمع، وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضي نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحذر، وإن اتسع له الأمن استلبته الغرة، وان جددت له نعمة أخذته العزة، وإن أفاد ما لا أطغاه الغني، وإن عضته فاقة شغله البلاء وإن أصابته مصيبة فضحه الجزع، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط في الشبع كظته البطنة.. فكل تقصير به مضر، وكل إفراط له مفسد.

أيها الناس: إنه من فل ذل، ومن جاد ساد، ومن كثر ماله رأس، ومن كثر حلمه نبل، ومن أفكر في ذات الله تزندق، ومن أكثر من شئ عرف به، ومن كثر مزاحه استخف به، ومن كثر ضحكه ذهبت هيبته، فسد حسب من ليس له أدب، إن أفضل الفعال صيانة العرض بالمال، ليس من جالس الجاهل بذي معقول، من جالس الجاهل فليستعد لقيل وقال، لن ينجو من الموت غني بماله ولا فقير لإقلاله.

أيها الناس: لو أن الموت يشتري لاشتراه من أهل الدنيا الكريم الابلج، واللئيم الملهوج.

أيها الناس: إن للقلوب شواهد تجري الأنفس عن مدرجة أهل التفريط وفطنة الفهم. للمواعظ ما يدعو النفس إلي الحذر من الخطر، وللقلوب خواطر للهوي، والعقول

تزجر وتنهي، وفي التجارب علم مستأنف، والإعتبار يقود إلي الرشاد، وكفاك أدباً لنفسك ما تكرهه لغيرك، وعليك لأخيك المؤمن مثل الذي لك عليه، لقد خاطر من استغني برأيه، والتدبر قبل العمل، فإنه يؤمنك من الندم، ومن استقبل وجوه الآراء عرف مواقع الخطأ، ومن أمسك عن الفضول عدلت رأيه العقول، ومن حصن شهوته فقد صان قدره، ومن أمسك لسانه أمنه قومه ونال حاجته، وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، والأيام توضح لك السرائر الكامنة، وليس في البرق الخاطف مستمتع لمن يخوض في الظلمة، ومن عرف بالحكمة لحظته العيون بالوقار والهيبة، وأشرف الغني ترك المني، والصبر جنة من الفاقة، والحرص علامة الفقر، والبخل جلباب المسكنة، والمودة قرابة مستفادة، ووصول معدم خير من جاف مكثر، والموعظة كهف لمن وعاها، ومن أطلق طرفه كثر أسفه، وقد أوجب الدهر شكره علي من نال سؤله، وقل ما ينصفك اللسان في نشر قبيح أو إحسان، ومن ضاق خلقه مله أهله، ومن نال استطال، وقل ما تصدقك الامنية، والتواضع يكسوك المهابة، وفي سعة الأخلاق كنوز الأرزاق.

كم من عاكف علي ذنبه في آخر أيام عمره، ومن كساه الحياء ثوبه خفي علي الناس عيبه، وانح القصد من القول فإن من تحري القصد خفت عليه المؤن، وفي خلاف النفس رشدك، من عرف الأيام لم يغفل عن الإستعداد.

ألا وإن مع كل جرعة شرقاً وإن في كل أكلة غصصاً، لا تنال نعمة إلا بزوال أخري ولكل ذي رمق قوت، ولكل حبة آكل، وأنت قوت الموت.

أعلموا أيها الناس أنه من مشي علي وجه الأرض فإنه يصير إلي بطنها، والليل والنهار يتنازعان في هدم الأعمار.

يا أيها الناس: كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، إن من الكرم

لين الكلام ومن العبادة إظهار اللسان وإفشاء السلام. إياك والخديعة فإنها من خلق اللئيم، ليس كل طالب يصيب، ولا كل غائب يؤوب. لا ترغب فيمن زهد فيك. رب بعيد هو أقرب من قريب. سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.

ألا ومن أسرع في المسير أدركه المقيل. أستر عورة أخيك كما تعلمها فيك. اغتفر زلة صديقك ليوم يركبك عدوك.

من غضب علي من لا يقدر علي ضره، طال حزنه وعذب نفسه. من خاف ربه كف ظلمه، ومن لم يزغ في كلامه أظهر فخره، ومن لم يعرف الخير من الشر فهو بمنزلة البهيمة.

إن من الفساد إضاعة الزاد. ما أصغر المصيبة مع عظم الفاقة غداً هيهات هيهات. وما تناكرتم إلا لما فيكم من المعاصي والذنوب، فما أقرب الراحة من التعب والبؤس من النعيم، وما شرٌ بشر بعده الجنة، وما خيرٌ بخير بعده النار. كل نعيم دون الجنة محقور، وكل بلاء دون النار عافية، وعند تصحيح الضمائر تبدو الكبائر.

تصفية العمل أشد من العمل، وتخليص النية من الفساد أشد علي العاملين من طول الجهاد. هيهات لو لا التقي لكنت أدهي العرب.

أيها الناس: إن الله تعالي وعد نبيه محمداً صلي الله عليه وآله الوسيلة ووعده الحق، ولن يخلف الله وعده.

ألا وإن الوسيلة علي درج الجنة وذروةُ ذوائب الزلفة، ونهاية غاية الأمنية، لها ألف مرقاة، ما بين المرقاة إلي المرقاة حضر الفرس الجواد مائة عام. وما بين مرقاة درة إلي مرقاة جوهرة، إلي مرقاة زبرجدة، إلي مرقاة لؤلؤة، إلي مرقاة ياقوته، إلي مرقاة زمردة، إلي مرقاة مرجانة، إلي مرقاة كافور، إلي مرقاة عنبر، إلي مرقاة يلنجوج، إلي مرقاة ذهب، إلي مرقاة غمام، إلي مرقاة هواء،

إلي مرقاة نور!!

قد أنافت علي كل الجنان، ورسول الله صلي الله عليه وآله يومئذ قاعدٌ عليها، مرتد بريطتين، ريطة من رحمة الله وريطة من نور الله، عليه تاج النبوة واكليل الرسالة، قد أشرق بنوره الموقف، وأنا يومئذ علي الدرجة الرفيعة وهي دون درجته، وعليَّ ريطتان، ريطة من أرجوان النور، وريطة من كافور.

والرسل والأنبياء، قد وقفوا علي المراقي، وأعلام الأزمنة وحجج الدهور، عن أيماننا وقد تجللهم حلل النور والكرامة، لا يرانا ملكٌ مقربٌ ولا نبي مرسل إلا بهت بأنوارنا وعجب من ضيائنا وجلالتنا.

وعن يمين الوسيلة عن يمين الرسول صلي الله عليه وآله غمامةٌ بسطة البصر، يأتي منها النداء:

يا أهل الموقف طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الاٌمي العربي، ومن كفر فالنار موعده!

وعن يسار الوسيلة عن يسار الرسول صلي الله عليه وآله ظلةٌ يأتي منها النداء:

يا أهل الموفق طوبي لمن أحب الوصي وآمن بالنبي الامي، والذي له الملك الأعلي لا فاز أحد ولا نال الروح والجنة إلا من لقي خالقه بالإخلاص لهما والإقتداء بنجومهما. فأيقنوا يا أهل ولاية الله ببياض وجوهكم، وشرف مقعدكم، وكرم مآبكم وبفوزكم اليوم علي سرر متقابلين. ويا أهل الإنحراف والصدود عن الله عز ذكره ورسوله وصراطه وأعلام الأزمنة، أيقنوا بسواد وجوهكم وغضب ربكم جزاءً بما كنتم تعملون.

وما من رسول خلفَ ولا نبي مضي إلا وقد كان مخبراً أمته بالمرسل الوارد من بعده، ومبشراً برسول الله صلي الله عليه وآله، وموصياً قومه باتباعه ومحله عند قومه، ليعرفوه بصفته وليتبعوه علي شريعته، ولئلا يضلوا فيه من بعده، فيكون من هلك أو ضل بعد وقوع الأعذار والإنذار عن بينة وتعيين حجة، فكانت الأمم في رجاء من الرسل وورود من

الأنبياء.

ولئن أصيبت بفقد نبي بعد نبي، علي عظم مصائبهم وفجائعها بهم فقد كانت علي سعة من الامل، ولا مصيبة عظمت ولا رزية جلت كالمصيبة برسول الله صلي الله عليه وآله، لأن الله ختم به الأنذار والأعذار، وقطع به الإحتجاج والعذر بينه وبين خلقه، وجعله بابه الذي بينه وبين عباده، ومهيمنه الذي لا يقبل إلا به، ولا قربة إليه إلا بطاعته، وقال: في محكم كتابه: من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولي فما أرسلناك عليهم حفيظا. فقرن طاعته بطاعته، ومعصيته بمعصيته، فكان ذلك دليلاً علي ما فوض إليه، وشاهداً له علي من اتبعه وعصاه، وبين ذلك في غير موضع من الكتاب العظيم فقال تبارك وتعالي في التحريض علي اتباعه، والترغيب في تصديقه والقبول لدعوته: قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم. فاتباعه صلي الله عليه وآله محبة الله، ورضاه غفران الذنوب، وكمال الفوز، ووجوب الجنة.

وفي التولي عنه والإعراض محادة الله وغضبه وسخطه، والبعد منه مسكن النار وذلك قوله: ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده، يعني الجحود به والعصيان له. فإن الله تبارك اسمه امتحن بي عباده، وقتل بيدي أضداده، وأفني بسيفي جحاده، وجعلني زلفة للمؤمنين، وحياض موت علي الجبارين، وسيفه علي المجرمين، وشد بي أزر رسوله، وأكرمني بنصره، وشرفني بعلمه، وحباني بأحكامه، واختصني بوصيته، واصطفاني بخلافته في أمته، فقال صلي الله عليه وآله وقد حشده المهاجرون والأنصار وانغصت بهم المحافل: أيها الناس إن علياً مني كهارون من موسي إلا أنه لا نبي بعدي، فعقل المؤمنون عن الله نطق الرسول، إذ عرفوني أني لست بأخيه لأبيه وأمه، كما كان هارون أخا موسي لأبيه وأمه، ولا كنت نبياً فاقتضي نبوة،

ولكن كان ذلك منه استخلافاً لي، كما استخلف موسي هارون، حيثث يقول: أخلفني في قومي وأصلح، ولا تتبع سبيل المفسدين، وقوله صلي الله عليه وآله حين تكلمت طائفة فقالت: نحن موالي رسول الله، فخرج رسول الله إلي حجة الوادع، ثم صار إلي غدير خم فأمر فأصلح له شبه المنبر، ثم علاه وأخذ بعضدي حتي رئي بياض إبطيه رافعاً صوته قائلاً في محفله: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه.

فكانت علي ولايتي ولاية الله، وعلي عداوتي عداوة الله. وأنزل الله عز وجل في ذلك اليوم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسلام دِينًا. فكانت ولايتي كمال الدين ورضا الرب جل ذكره، وأنزل الله تبارك وتعالي اختصاصاً لي وتكرماً نحلنيه، وإعظاماً وتفضيلاً من رسول الله صلي الله عليه وآله منحنيه، وهو قوله تعالي: ثُمَّ رُدُّوا إِلَي اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ. في مناقب لو ذكرتها لعظم بها الارتفاع فطال لها الإستماع.

ولئن تقمصها دوني...

إن القوم لم يزالوا عباد أصنام وسدنة أوثان، يقيمون لها المناسك، وينصبون لها العتائر، ويتخذون لها القربان، ويجعلون لها البحيرة والوصيلة والسائبة والحام، ويستقسمون بالأزلام، عامهين عن الله عز ذكره، حائرين عن الرشاد، مهطعين إلي البعاد، وقد استحوذ عليهم الشيطان، وغمرتهم سوداء الجاهلية، ورضعوها جهالة وانفطموها ضلالة، فأخرجنا الله اليهم رحمة وأطلعنا عليهم رأفة، وأسفر بنا عن الحجب نوراً لمن اقتبسه، وفضلاً لمن اتبعه، وتأييداً لمن صدقه، فتبوؤوا العز بعد الذلة، والكثرة بعد القلة، وهابتهم القلوب والأبصار، وأذعنت لهم الجبابرة وطوائفها وصاروا أهل نعمة مذكورة، وكرامة ميسورة، وأمن بعد خوف، وجمع بعد كوف، وأضاءت بنا مفاخر معد بن عدنان،

وأولجناهم باب الهدي، وأدخلناهم دار السلام وأشملناهم ثوب الإيمان، وفلجوا بنا في العالمين، وأبدت لهم أيام الرسول آثار الصالحين، من حام مجاهد، ومصل قانت، ومعتكف زاهد، يظهرون الأمانة، ويأتون المثابة.

حتي إذا دعا الله عز وجل نبيه ورفعه إليه، لم يك ذلك بعده إلا كلمحة من خفقة أو وميض من برقة، إلي أن رجعوا علي الاعقاب، وانتكصوا علي الأدبار، وطلبوا بالأوتار، وأظهروا الكتائب، وردموا الباب، وفلوا الديار، وغيروا آثار رسول الله، ورغبوا عن أحكامه، وبعدوا من أنواره، واستبدلوا بسمتخلفه بديلا، اتخذوه وكانوا ظالمين، وزعموا أن من اختاروا من آل أبي قحافة أولي بمقام رسول الله ممن اختار رسول الله لمقامه، وأن مهاجر آل أبي قحافة خيرٌ من المهاجري والأنصاري الرباني ناموس هاشم بن عبد مناف.

ألا وإن أول شهادة زور وقعت في الإسلام شهادتهم أن صاحبهم مستخلف رسول الله صلي الله عليه وآله، فلما كان من أمر سعد بن عبادة ما كان، رجعوا عن ذلك وقالوا: إن رسول الله صلي الله عليه وآله مضي ولم يستخلف، فكان رسول الله الطيب المبارك أول مشهود عليه بالزور في الإسلام، وعن قليل يجدون غب ما أسسه الأولون.

ولئن كانوا في مندوحة من المهل، وشفاء من الاجل وسعة من المنقلب، واستدراج من الغرور، وسكون من الحال، وإدراك من الأمل، فقد أمهل الله عز وجل شداد بن عاد، وثمود بن عبود، وبلعم بن باعور، وأسبغ عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، وأمدهم بالأموال والأعمار، وأتتهم الأرض ببركاتها ليذكروا آلاء الله، وليعرفوا الإهابة له، والإنابة إليه، ولينتهوا عن الإستكبار، فلما بلغوا المدة، واستتموا الأكلة أخذهم الله عز وجل واصطلمهم، فمنهم من حصب، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من أحرقته الظلة، ومنهم من أودته

الرجفة، ومنهم من أردته الخسفة: وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.

ألا وإن لكل أجل كتاباً، فاذا بلغ الكتاب أجله لو كشف لك عما هوي إليه الظالمون، وآل إليه الأخسرون، لهربت إلي الله عز وجل مما هم عليه مقيمون، وإليه صائرون.

ألا وإني فيكم أيها الناس كهارون في آل فرعون، وكباب حطة في بني اسرائيل، وكسفينة نوح في قوم نوح. إني النبأ العظيم، والصديق الأكبر، وعن قليل ستعلمون ما توعدون، وهل هي إلا كلعقة الأكل ومذقة الشارب، وخفقة الوسنان، ثم تلزمهم المعرات، خزياً في الدنيا، ويوم القيامة يردون إلي أشد العذاب، وما الله بغافل عما يعملون.

فما جزاء من تنكب محجته، وأنكر حجته، وخالف هداته، وحاد عن نوره، واقتحم في ظلمه، واستبدل بالماء السراب، وبالنعيم العذاب، وبالفوز الشقاء، وبالسراء الضراء، وبالسعة الضنك، إلا جزاء اقترافه وسوء خلافه، فليوقنوا بالوعد علي حقيقته، وليستيقنوا بما يوعدون: يوم تأتي الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج. إنا نحن نحيي ونميت والينا المصير. يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً... الي آخر السورة.

العلاقة بين التوسل والإستشفاع وبين درجة الوسيلة في الجنة

لا بد أن يكون اسم (الوسيلة) لتلك المنطقة والدرجة العالية من الجنة، بسبب أنها مسكن أقرب المخلوقات وسيلةً إلي الله تعالي.

وبذلك تكون الشفاعة التي يعطاها النبي صلي الله عليه وآله، نوعاً من الوسيلة، التي استحقها لأنه أقرب الناس إلي الله صلي الله عليه وآله، واستحق معها مسكن الفردوس والوسيلة، أعلي مراتب الجنة.

التوسل إلي الله في مصادرنا

التوسل إلي الله بالأعمال الصالحة

تقدم في المسألة السابعة: التوسل العملي إلي الله تعالي بالأعمال الصالحة وقول أمير المؤمنين عليه السلام: أفضل ما توسل به المتوسلون الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وكلمة الإخلاص فانها الفطرة، وأقام الصلاة فانها

الملة، وإيتاء الزكاة فإنها من فرائض الله، وصيام شهر رمضان فانه جنة من عذاب الله، وحج البيت فانه ميقات للدين ومدحضة للذنب، وصلة الرحم فانها مثراة للمال، ومنسأة للأجل، والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة وتطفئ غضب الرب، وصنايع المعروف فانها تدفع ميتة السوء، وتقي مصارع الهوان. انتهي.

وذكرنا هناك أن التوسل بالأعمال الصالحة لاينافي التوسل إليه بدعائه بأسمائه وصفاته، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبيائه وأوصيائه.. لأن ذلك من الأعمال الصالحة أيضاً.

التوسل إلي الله بذاته و صفاته عزوجل

- في الكافي: 4/74:

علي، عن أبيه، عن اسماعيل بن مرار، عن يونس، عن ابراهيم، عن محمد بن مسلم والحسين بن محمد، عن أحمد بن اسحاق، عن سعدان، عن أبي بصير قال: كان أبو عبد الله عليه السلام يدعو بهذا الدعاء في شهر رمضان:

اللهم اني بك أتوسل ومنك أطلب حاجتي. من طلب حاجته إلي الناس، فاني لا أطلب حاجتي إلا منك، وحدك لا شريك لك.

وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي علي محمد وأهل بيته وأن تجعل لي في عامي هذا إلي بيتك الحرام سبيلا، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك، تقر بها عيني وترفع بها درجتي، وترزقني أن أغض بصري، وأن أحفظ فرجي، وأن أكف بها عن جميع محارمك، حتي لا يكون شئ آثر عندي من طاعتك وخشيتك، والعمل بما أحببت والترك لما كرهت ونهيت عنه.

واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي.

وأسألك أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك.

وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك.

وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك.

اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلاً. حسبي الله، ما

شاء الله.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 408:

الهي استشفعت بك اليك، واستجرت بك منك، أتيتك طامعا في احسانك، راغبا في امتنانك، مستسقيا وابل طولك، مستمطرا غمام فضلك، طالبا مرضاتك، قاصدا جنابك، واردا شريعة رفدك، ملتمسا سني الخيرات من عندك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 151:

دعاؤه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها:

اللهم صل علي محمد وآله، وشفع في خطاياي كرمك، وعد علي سيئاتي بعفوك، ولا تجزني جزائي من عقوبتك، وابسط علي طولك، وجللني بسترك، وافعل بي فعل عزيز تضرع إليه عبد ذليل فرحمه، أو غني تعرض له عبد فقير فنعشه.

اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك، ولا شفيع لي فليشفع لي فضلك، وقد أوجلتني خطاياي فليؤمني عفوك..

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 402:

يا مجيب المضطر، يا كاشف الضر، يا عظيم البر، يا عليما بما في السر، يا جميل الستر استشفعت بجودك وكرمك اليك، وتوسلت بحنانك وترحمك لديك فاستجب دعائي، ولاتخيب فيك رجائي، وتقبل توبتي، وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/441:

يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين، ولا يزيد جبروته ايمان الموحدين، إليك أستشفع بقديم كرمك، أن لا تسلبني مامنحتني من جسيم نعمك.

الاستشفاع إلي الله تعالي بحبه و معرفته

- وفي الصحيفة السجادية: 1/ 216

فيا من رباني في الدنيا باحسانه وتفضله ونعمه، وأشار لي في الآخرة إلي عفوه وكرمه. معرفتي يا م ولأي دلتني عليك، وحبي لك شفيعي اليك، وأنا واثق من دليلي بدلالتك، وساكن من شفيعي إلي شفاعتك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/249:

ياذا المن ولا يمن عليك، يا ذا الطول، ويا ذا الجلال والاكرام، لا إله إلا أنت ظهر اللاجين، وجار المستجيرين، وأمان الخائفين، اليك فررت بنفسي

يا ملجأ الخائفين، لا أجد شافعاً إليك إلا معرفتي بأنك أفضل من قصد إليه المقصرون، وآمل من لجأ إليه الخائفون.

افتتاح الصلاة بالتوجه إلي الله بالنبي و آله

- في الكافي: 2/544:

- محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن علي بن النعمان، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول: من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة:

اللهم إني أتوجه اليك بمحمد وآل محمد، وأقدمهم بين يدي صلاتي، وأتقرب بهم إليك، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

مننت علي بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم، فانها السعادة، واختم لي بها، فانك علي كل شئ قدير.

ثم تصلي فاذا انصرفت قلت:

اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء، واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوي ومنقلب، اللهم اجعل محياي محياهم، ومماتي مماتهم، واجعلني معهم في المواطن كلها، ولا تفرق بيني وبينهم، إنك علي كل شئ قدير.

- عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن بعض أصحابنا رفعه قال: تقول قبل دخولك في الصلاة:

اللهم اني أقدم محمدا نبيك صلي الله عليه وآله بين يدي حاجتي، وأتوجه به اليك في طلبتي، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخره ومن المقربين.

اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة، وذنبي بهم مغفورا، ودعائي بهم مستجابا، يا أرحم الراحمين.

- وفي الكافي: 3/309:

وعنه، عن أبيه، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن أبان، ومعاوية بن وهب قالا: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا قمت إلي الصلاة فقل:

اللهم اني أقدم اليك محمدا صلي الله عليه وآله بين يدي حاجتي وأتوجه

به اليك، فاجعلني به وجيها عند ك في الدنيا والآخرة ومن المقربين.

اجعل صلاتي به مقبولة، وذنبي به مغفورا، ودعائي به مستجابا. انك أنت الغفور الرحيم... ورواه في تهذيب الأحكام: 2 /287، وفي الفقيه: 1/302

- وفي الفقيه: 1 /483: القول عند القيام إلي صلاة الليل:

قال الصادق عليه السلام: إذا أردت أن تقوم إلي صلاة الليل فقل: اللهم اني أتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة وآله وأقدمهم بين يدي حوائجي، فاجعلني بهم وجيها في الدنيا والآخرة ومن المقربين، اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم، واهدني بهم ولا تضلني بهم، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم، واقض لي حوائجي للدنيا والآخرة، انك علي كل شئ قدير، وبكل شئ عليم.

باب الصلوات التي جرت السنة بالتوجه فيهن:

من السنة التوجه في ست صلوات وهي أول ركعة من صلاة الليل، والمفردة من الوتر وأول ركعة من ركعتي الزوال، وأول ركعة من ركعتي الإحرام، وأول ركعة من نوافل المغرب، وأول ركعة من الفريضة. كذلك ذكره أبي (رض) في رسالته الي.

وفي الصحيفة السجادية: 2/258:

أسألك يا سيدي، وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان، واستجبت دعوته، وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، إني أتوجه بك إلي ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

وفي الصحيفة السجادية: 2/344:

أسألك بحق نبيك محمد صلي الله عليه وآله، وأتوسل اليك بالأئمة (عليهم السلام) الذين اخترتهم لسرك، وأطلعتهم علي خفيك، واخترتهم بعلمك، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم، وجعلتهم هداة مهديين، وائتمنتهم علي وحيك، وعصمتهم عن معاصيك، ورضيتهم لخلقك، وخصصتهم بعلمك، واجتبيتهم وحبوتهم، وجعلتهم حججا

علي خلقك، وأمرت بطاعتهم علي من برأت.

وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

دلالة استحباب التوسل عند الأذان و افتتاح الصلاة

من الأمور التي تهز الإنسان وهو يبحث في آيات التوسل وأحاديثه: أن الله تعالي أنزل آيته الكبري الأمرة بالتوسل في آخر سورة من قرآنه (المائدة) بعبارة موجزة مقتضبة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ...) ولكن بصيغة قوية أمر فيها المسلمين بالارتفاع بايمانهم إلي نوع راق من السلوك الإيماني يتميز بالتعامل اليومي مع النبي وأهل بيته صلي الله عليه وآله علي أنهم وسيلة المسلم إلي ربه تعالي!!

ثم بين الرسول للمسلمين كيفية هذا التعامل الذي أراده الله تعالي بأن يصلوا عليه عندما يذكر اسمه.. وعندما يسمعون الأذان بالتوحيد والنبوة.. وعندما يقفون بين يدي ربهم في افتتاح صلاتهم.. وفي ختام صلاتهم، وعندما تمسهم شدة أو حاجة!! وهذا يعني أن يعايش المسلم يوميا وفي أقدس لحظات حياته وأهمها، التوجه إلي الله تعالي بالنبي وآله والتوسل بهم إليه، لانهم الواسطة التي اختارها الله ورضيها وأمر أن يتوسط إليه بها!!

وهي حقيقة كبيرة يفهم منها المسلم أبعاد النبوة وأعماق الولاية، لمحمد وآله الطيبين الطاهرين.. فقد جذر الله تعالي مقامهم في الكون والحياة، حتي قرنه بألوهيته فلم يقبل مدخلا إليه إلا به.. وهو مقام عظيم، وشرف محلق، ما عليه من مزيد!!

التوجه بالنبي و آله لدفع شر السلطان

- في الكافي: 2/558:

وقال أبو عبد الله عليه السلام: من دخل علي سلطان يهابه فليقل: بالله أستفتح، وبالله أستنجح، وبمحمد صلي الله عليه وآله أتوجه، اللهم ذلل لي صعوبته، وسهل لي حزونته، فانك تمحوما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب.

- ونحوه في الصحيفة السجادية: 2 /65

التوجه إلي الله بالنبي و آله عند الحاجة والشدة

- في الكافي:2/552:

محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أحمد بن محمد بن أبي داود عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله اني ذو عيال وعليَّ دين، وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني، وأستعين به علي عيالي.

فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا عبد الله توضأ وأسبغ وضوءك، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود، ثم قل: يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم، أتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله اني أتوجه بك إلي الله ربك وربي ورب كل شئ أن يصلي علي محمد وأهل بيته.

وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيرا ورزقا واسعا ألم به شعثي، وأقضي به ديني، وأستعين به علي عيالي.

- ورواه في الكافي:3/473، بسنده عن عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أحمد بن أبي داود، عن أبي حمزة، عن أبي جعفر عليه السلام...

وروي نحوه في التهذيب: 3 /311:

أحمد بن محمد عن احمد بن ابي داود عن ابن ابي حمزة عن ابي جعفر عليه السلام قال: جاء رجل إلي الرضا عليه السلام فقال له: يابن رسول الله اني ذو عيال وعلي دين،

وقد اشتدت حالي، فعلمني دعاءا إذا دعوت الله عز وجل به رزقني الله فقال: يا عبدالله توضأ واسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود فيهما، ثم قل... وذكره.

وفي الكافي: 2/582: علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن معاوية بن عمار قال: قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداء منه: يا معاوية أما علمت أن رجلا أتي أمير المؤمنين صلوات الله عليه فشكي الأبطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له:

أين أنت عن الدعاء السريع الاجابة؟

فقال له الرجل: ما هو؟

قال قل: اللهم اني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الأكرم، المخزون المكنون النور الحق البرهان المبين، الذي هو نور مع نور، ونور من نور، ونور في نور، ونورعلي نور، ونور فوق كل نور، ونور يضئ به كل ظلمة، ويكسر به كل شدة، وكل شيطان مريد، وكل جبار عنيد، لا تقربه أرض، ولا تقوم به سماء، ويأمن به كل خائف، ويبطل به سحر كل ساحر، وبغي كل باغ، وحسد كل حاسد، ويتصدع لعظمته البر والبحر، ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك، فلا يكون للموج عليه سبيل. وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل النور الأكبر الذي سميت به نفسك، واستويت به علي عرشك، وأتوجه اليك بمحمد وأهل بيته، أسألك بك وبهم، أن تصلي علي محمد وآل محمد، وأن تفعل بي كذا وكذا.

وفي الكافي: 3/476

علي بن ابراهيم، عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله، عن زياد القندي، عن عبد الرحيم القصير قال: دخلت علي أبي عبدالله عليه السلام فقلت جعلت فداك إني اخترعت دعاء، قال: دعني من اختراعك! إذا نزل بك أمر فافزع إلي رسول الله، وصل ركعتين

تهديهما إلي رسول الله صلي الله عليه وآله. قلت: كيف أصنع؟ قال: تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة، وتشهد تشهد الفريضة، فاذا فرغت من التشهد وسلمت قلت:

اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وإليك يرجع السلام، اللهم صل علي محمد وآل محمد، وبلغ روح محمد مني السلام، وأرواح الأئمة الصادقين سلامي، واردد علي منهم السلام، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.

اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني إلي رسول الله صلي الله عليه وآله، فأثبني عليهما ما أملت ورجوت، فيك وفي رسولك، يا ولي المؤمنين.

ثم تخر ساجدا وتقول:

يا حي يا قيوم، ياحي لا يموت، ياحي لا إله إلا أنت، ياذا الجلال والإكرام، ياأرحم الراحمين. أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيمن فتقولها أربعين مرة.

ثم ضع خدك الأيسر فتقولها أربعين مرة.

ثم ترفع رأسك وتمد يدك وتقول أربعين مرة.

ثم ترد يدك إلي رقبتك وتلوذ بسبابتك وتقول ذلك أربعين مرة.

ثم خذ لحيتك بيدك اليسري وابك أو تباك وقل:

يا محمد يا رسول الله أشكو إلي الله واليك حاجتي، والي أهل بيتك الراشدين حاجتي، وبكم أتوجه إلي الله في حاجتي.

ثم تسجد وتقول: يا الله يا الله - حتي ينقطع نفسك - صل علي محمد وآل محمد وافعل بي كذا وكذا.

قال أبو عبد الله عليه السلام: فأنا الضامن علي الله عزوجل أن لا يبرح حتي تقضي حاجته. ورواه في الفقيه:1/556

وفي الكافي: 3/478

وبهذا الاسناد، عن أبي اسماعيل السراج، عن ابن مسكان، عن شرحبيل الكندي، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إذا أردت أمرا تسأله ربك، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين، وعظم الله وصل علي النبي صلي الله عليه وآله، وقل بعد التسليم:

اللهم إني أسألك بأنك ملك، وأنك علي كل شئ قدير مقتدر، وبأنك ما تشاء من أمر يكون.

اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك إلي الله ربك وربي، لينجح لي طلبتي.

اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد. ثم سل حاجتك.

ورواه في تهذيب الأحكام: 3/313

وفي الفقيه: 1 /556

روي موسي بن القاسم البجلي، عن صفوان بن يحيي، ومحمد بن سهل عن أشياخهما عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

إذا حضرت لك حاجة مهمة إلي الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية: الأربعاء والخميس والجمعة، فاذا كان يوم الجمعة ان شاء الله تعالي فاغتسل والبس ثوبا جديداً، ثم اصعد إلي أعلي بيت في دارك وصل فيه ركعتين، وارفع يديك إلي السماء ثم قل:

اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك، وإنه لا قادر علي حاجتي غيرك، وقد علمت يارب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي إليك، وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت بكشفه عالم غير معلم، واسع غير متكلف فأسألك باسمك الذي وضعته علي الجبال فنسفت، ووضعته علي السماء فانشقت، وعلي النجوم فانتثرت، وعلي الأرض فسطحت، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد والائمة عليهم السلام وتسميهم إلي آخرهم، أن تصلي علي محمد وأهل بيته، وأن تقضي حاجتي، وأن تيسر لي عسيرها، وتكفيني مهمها، فإن فعلت فلك الحمد، وإن لم تفعل فلك الحمد، غير جائر في حكمك، ولا متهم في قضائك، ولا حائف في عدلك.

وتلصق خدك بالأرض وتقول:

اللهم أن يونس بن متي عبدك دعاك في بطن الحوت وهو عبدك فاستجبت له، وأنا عبدك أدعوك فاستجب لي.

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام: لربما

كانت الحاجة لي فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضيت.

- صلاة أخري للحاجة: روي سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ان أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه، وإذا كانت له حاجة إلي سلطان، رشا البواب وأعطاه!

ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع إلي الله تعالي، فتطهر وتصدق بصدقة قلت أو كثرت ثم دخل المسجد فصلي ركعتين فحمد الله وأثني عليه، وصلي علي النبي وأهل بيته، ثم قال: اللهم إن عافيتني من مرضي، أو رددتني من سفري، أو عافيتني مما أخاف من كذا وكذا. إلا آتاه الله ذلك.

- وفي الصحيفة السجادية: 1/293:

اللهم فاني أتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة، والعلوية البيضاء، وأتوجه إليك بهما أن تعيذني من شر كذا وكذا، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك، ولا يتكأدك في قدرتك وأنت علي كل شئ قدير...

وفي الصحيفة السجادية: 2/ 258:

أسألك يا سيدي وليس مثلك شئ بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل، أو ملك مقرب، أو مؤمن امتحنت قلبه بالإيمان، واستجبت دعوته، وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة، وأقدمه بين يدي حوائجي.

يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين، اني أتوجه بك إلي ربك، وأقدمك بين يدي حوائجي.

يا رباه يا الله، يا رباه يا الله، اني أسألك بك فليس كمثلك شئ، وأتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة وبعترته الطيبين، وأقدمهم بين يدي حوائجي أن تعتقني من النار، وتكفيني وجميع المؤمنين والمؤمنات كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة.. انتهي.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، وفيها صحاح متواترة، تجدها في أبواب افتتاح الصلاة من الفقه، وأبواب صلاة الحاجة، وفي كتب المزار والأدعية.

الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

ستأتي أحاديث الاستشفاع والتوسل بالنبي صلي الله

عليه وآله في تفسير قوله تعالي (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ...).

وفي المقنعة/463:

وتحول إلي عند الرأس فقف عليه، وقل:

السلام عليك يا وصي الأوصياء، ووارث علم الأنبياء، أشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والاداء.

أتيتك بأبي أنت وأمي زائراً عارفاً بحقك، مستبصراً بشأنك، موالياً لأوليائك، معادياً لأعدائك، متقربا إلي الله بزيارتك في خلاص نفسي، وفكاك رقبتي من النار، وقضاء حوائجي للآخرة والدنيا، فاشفع لي عند ربك، صلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته.

وفي الكافي: 4/569:

- عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن محمدبن أورمة، عمن حدثه، عن الصادق وأبي الحسن الثالث (عليهما السلام)، قال يقول:

السلام عليك يا ولي الله أنت أول مظلوم، وأول من غصب حقه، صبرت واحتسبت، حتي أتاك اليقين، فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب، وجدد عليه العذاب.

جئتك عارفاً بحقك مستبصراً بشأنك، معادياً لأعدائك ومن ظلمك، ألقي علي ذلك ربي ان شاء الله.

يا ولي الله: ان لي ذنوبا كثيرة، فاشفع لي إلي ربك، فإن لك عند الله مقاماً محموداً معلوماً، وان لك عند الله جاها وشفاعة، وقد قال تعالي: ولا يشفعون إلا لمن ارتضي. ورواه في تهذيب الأحكام: 6/ 28

- وفي مصباح المتهجد/694:

اللهم لا قوة لي علي سخطك ولا صبر لي علي عذابك ولا غني لي عن رحمتك تجد من تعذب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك ولا قوة لي علي البلاء ولا طاقة لي علي الجهد، أسألك بحق محمد نبيك صلي الله عليه وآله، وأتوسل اليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك وأطلعتهم علي خفيك وأخبرتهم بعلمك وطهرتهم وخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم علي وحيك وعصمتهم

عن معاصيك ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا علي خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لأحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم علي من برأت، وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

- وفي بحار الأنوار: 99/ 169:

ثم قال السيد رحمه الله، دعاء يدعي به عقيب الزيارة لسائر الأئمة (عليهم السلام): اللهم إني زرت هذا الإمام مقراً بإمامته، معتقداً لفرض طاعته، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي، وموبقات آثامي، وكثرة سيئاتي وخطاياي، وما تعرفه مني، مستجيرا بعفوك، مستعيذاً بحلمك، راجياً رحمتك، لاجياً إلي ركنك، عائذاً برأفتك، مستشفعاً بوليك وابن أوليائك، وصفيك وابن أصفيائك، وأمينك وابن أمنائك، وخليفتك وابن خلفائك، الذين جعلتهم الوسيلة إلي رحمتك ورضوانك، والذريعة إلي رأفتك وغفرانك.

وفي بحار الأنوار: 24/2

319 - كنز: روي شيخ الطائفة رحمه الله بإسناده إلي الفضل بن شاذان رفعه إلي أبي جعفر عليه السلام قال: ان الله عز وجل يقول: ماتوجه إليَّ أحد من خلقي أحب اليَّ من داع دعاني يسأل بحق محمد وأهل بيته، وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال:(اللهم أنت وليي في نعمتي، والقادر علي طلبتي، وقد تعلم حاجتي، فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي) فأوحي الله إليه: يا آدم أنا ولي نعمتك، والقادر علي طلبتك، وقد علمت حاجتك، فكيف سألتني بحق هؤلاء؟ فقال: يارب انك لما نفخت في الروح رفعت رأسي إلي عرشك، فإذا حوله مكتوب: لا اله إلا الله محمد رسول الله، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك، ثم عرضت عليَّ الأسماء، فكان ممن مربي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم، فعلمت أنهم أقرب خلقك اليك، قال: صدقت يا آدم.

تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية 01

قال الله تعالي: يَا

أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة: 35

فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ (وسيلة) إلي الله تعالي، ولكنها لم تبين ما هي، وهذا يعني أن الله تعالي ترك بيانها للرسول صلي الله عليه وآله.

عمل المفسرين السنيين لإبعاد الوسيلة عن النبي

يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثا لابعاد (الوسيلة المأمور بها في القرآن) عن النبي صلي الله عليه وآله!!

فمن ناحية، لم يرووا شيئا في تفسيرها عن النبي وآله، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة، وغاية ما رووا في رواي مقطوعة عن حذيفة تقول أن الوسيلة هي القربة! كما في مستدرك الحاكم: 2/312!

مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلهي نزل إلي الأمة بأن يبتغوا إلي ربهم الوسيلة، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس؟!

أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء! لأن القربة كلمة مجملة تحتاج إلي تفسير كالوسيلة!!

فهل تختص بالأعمال الصالحة، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء.. الخ.

قال السيوطي في الدر المنثور: 2/280

- أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله:

وابتغوا إليه الوسيلة، قال: القربة.

- وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا إليه الوسيلة قال: القربة.

- وأخرج عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: وابتغوا إليه الوسيله قال تقربوا إلي الله بطاعته والعمل بما يرضيه.

- وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال: الوسيلة في الإيمان.

- وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، قال: الحاجة. قال وهل

تعرف العرب ذلك؟

قال: نعم، أما سمعت عنترة وهو يقول:

إن الرجال لهم اليك وسيلة أن ياخذوك تكحلي وتخضبي. انتهي.

وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة ان صح عنه فلا يصح، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة: ان الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي! علي أنه لا يبعد أن يكون معني الحاجة في زمن ابن عباس هو المعني الذي يستعمله أهل مصر اليوم، وهو عام يشمل الوسيلة.

وفي حلية الأولياء: 4/105

عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالي وابتغوا إليه الوسيلة، قال: القربة في الأعمال. انتهي.

وهكذا ساروا علي ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وابعادها عن النبي وآله صلي الله عليه وآله، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه!

ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة، حتي ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي صلي الله عليه وآله، وقبورهم الشريفة!!

وسوف تري أن الإتجاه الأموي أخذ شكلا حادا علي يد ابن تيمية واتباعه!

وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين إلي النبي صلي الله عليه وآله حتي في ايمانهم، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدة بعده بأهل بيته الطاهرين.

وفي اعتقادي أن ذلك يرجع إلي يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة! فقد منعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك.. وأكثر مظاهر الإحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها!!

فصار ذلك فقها وعقيدة، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره.. ولم يخرج عنه إلا المتصوفة، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة إلي الله

تعالي بمشايخ طرقهم!!

وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل علي إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني، فقال في تفسيره: 6 جزء 11/220:

المسألة الثالثة، الوسيلة: فعيلة، من وسل أي تقرب إليه، قال لبيد الشاعر:

أري الناس لا يدرون ماقدر أمرهم إلا كل ذي لب إلي الله واسل أي متوسل، فالوسيلة هي التي يتوسل بها إلي المقصود.

قالت التعليميه: دلت الآيه علي أنه لا سبيل إلي الله تعالي إلا بمعلم معرفته، ومرشد يرشدنا إلي العلم به، وذلك لأنه طلب الوسيلة إليه مطلقاُ، والإيمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد، فلا بد فيه من الوسيلة.

وجوابنا: أنه تعالي أمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به، والإيمان به عبارة عن المعرفة به، فكان هذا أمرا بابتغاء الوسيلة إليه بعد الإيمان به ومعرفته، فيمتنع أن يكون هذا أمرا بطلب الوسيلة إليه في معرفته!

فكان المراد طلب الوسيلة إليه في تحصيل مرضاته، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهي كلام الرازي.

وغرضه أن يقول ان الآية تخاطب المؤمنين بعد ايمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص إلي الإيمان.

ولكنه نسي قوله تعالي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) النساء: 136

فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله! ونسي قوله تعالي (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا) الحجرات - 14

فلا مانع أن يخاطب الله تعالي المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا إليه الوسيلة عن طريق رسوله؟!

بل حتي لو سلمنا أن الآية ناظرة إلي مرحلة مابعد ايمانهم، فأي مانع في أن يطلب الله تعالي منهم أن يرتقوا بايمانهم إلي درجة أعلي فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم إلي ربهم؟!!

ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور

بها بالأعمال، ويبعدها عن شخص النبيي وآله صلي الله عليه وآله! كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم، ويثبتوا بها حاجة المسلم في الإيمان والتدين إلي شيخ طريقة يكون هو وسيلته إلي ربه!!

أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام)، من أن الوسيلة هو النبي أو وصيه من بعده..

- قال الطوسي في تفسير التبيان: 3/509

خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها، ويبتغوا إليه معناه يطلبون إليه، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل. وهي علي وزن فعيلة، من قولهم: توسلت اليك، أي تقربت. قال عنترة ابن شداد:

إن الرجال لهم اليك وسيلة أن يأخذوك فلجلجي وتخضبي

وقال الآخر:

إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل

يقال: منه سلت أسال، أي طلبت، وهما يتساولان، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهي.

والظاهر أن منهج الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارئ السني.

وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن: 1/369

والبلاغي في إملاء ما منَّ به الرحمن:1/214

أما التفاسير الروائية عن أهل البيت (عليهم السلام)، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله تعالي بها بالنبي والأئمة من بعده صلي الله عليه وعليهم.

ففي تفسير القمي: 1/168

وقوله (اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) فقال: تقربوا إليه بالإمام. انتهي.

والمتأمل في الآية يلاحظ أنها: أمر الهي

نزل في آخر سورة من القرآن، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو (البحث.. عن.. الوسيلة)!

وهو أمر مجمل، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسول صلي الله عليه وآله.

أما نحن فنروي أنه بين الوسيلة بأنها هو وأهل بيته، فالأمة مكلفة أن تتعبد لله تعالي بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم..

بينما لم يرو السنييون بيانها، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة، وهو لا يصح لأنه أولا تفسير مجمل مثلها! ولانه ثانيا يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية، ويجعل معناها تأكيداً لمثل قوله تعالي (أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ)، وبذلك لا يبقي معني لإستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها، ولا لنزول الآية!!

الآية 02

قال الله تعالي: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. النساء: 64

ورد تفسير المجئ إلي الرسول فيها عن أهل البيت (عليهم السلام)، أنه يشمل المجئ إلي الرسول صلي الله عليه وآله في حياته، والمجئ إلي قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم علي ذلك روايات عديدة من مصادر السنيين.

ففي الكافي: 4 /550:

عن معاوية بن عمار، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلي الله عليه وآله ثم تقوم فتسلم علي رسول الله صلي الله عليه وآله ثم تقوم عند الاسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر إلي جانب القبر ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر، فانه موضع رأس رسول الله صلي الله عليه وآله وتقول:

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وأشهد أنك رسول الله، وأشهد

أنك محمد بن عبدالله، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك، وجاهدت في سبيل الله، وعبدت الله مخلصاً حتي أتاك اليقين وأديت الذي عليك من الحق وأنك قد رؤفت بالمؤمنين وغلظت علي الكافرين فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين، الحمدالله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة، اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ومن سبح لك يا رب العالمين من الأولين والآخرين علي محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك، اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.

اللهم إنك قلت: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً.

وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك إلي الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي.

وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلي الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك فإنك أحري ان تقضي ان شاء الله.

- ورواه في تهذيب الأحكام: 6 /5

- ونحوه في من لا يحضره الفقيه: 2/567، وفيه:

اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاما محموداً يغبطه به الأولون والآخرون، اللهم إنك قلت وقولك الحق: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي، يا رسول الله اني أتوجه بك إلي الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهي.

- وفي الدر المنثور: 1/238:

- وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء إلي باب مسجد رسول الله(ص)أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتي

أتي القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله(ص)فقال:

بأبي أنت وأمي يا رسول الله، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا، مستشفعاً بك علي ربك، لأنه قال في محكم كتابه: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا، أستشفع بك علي ربك أن يغفر لي ذنوبي، وأن يشفع في.

ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول:

يا خير من دفنت في الترب أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم

- ورواه في كنز العمال: 4/258، وقال في هامشه: وذكر ابن كثير في تفسيره: 2/329

وقصة هذا الأعرابي تدل علي أن العربي الصافي الفطرة يفهم أن قوله تعالي (جاؤوك) يشمل المجئ إلي الرسول في حياته، والي قبره بعد وفاته.

- وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح/156

لمسلمين ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبي صلي الله عليه وآله الشريف مستقبله كالأول ويقول اللهم إنك قلت وقولك الحق وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك اللهم ربنا اغفر لنا ولاباءنا) وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربا انك رؤوف رحيم

- وفي الدر المنثور: 2/219:

وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال: من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا.

وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ.. الآية.

- وفي الدر المنثور: 2 /170:

- وأخرج هناد عن ابن مسعود قال: أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب إلي من حمر النعم وسودها:

في سورة النساء قوله: إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ.. الآية.

وقوله: إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ.. الآية.

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ.. الآية.

وقوله: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ.. الآية.

- وفي الدر المنثور: 2 /180:

وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال:

الإستغفار علي نحوين، أحدهما في القول والآخر في العمل.

فأما استغفار القول فإن الله يقول: ولو أنهم اذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول.

وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون، فعني بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهي.

جاؤوك، تشمل المجئ إلي قبر النبي والمجئ إلي وصيه

في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطابات وأحكام خاصة بالنبي صلي الله عليه وآله، فما حكمها بعد وفاته؟

قالت مذاهب الخلافة القرشية: منها ماهو من شأن النبوة وقد انتهي بوفاة النبي، والباقي صار المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبي صلي الله عليه وآله! وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية فقالت صار أمرها إلي الخليفة... الخ.

ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلي الله عليه وآله.. وللبحث في هذا الموضوع مكان آخر، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الإلهي بالمجئ إلي النبي صلي الله عليه وآله، فهل هو حكم مستمر بعده في وصيه أم لا؟

دلت أحاديثنا الصحيحة علي أن هذا المقام الرباني ثابت للوصي عليه السلام، وهو الذي يساعد عليه إستمرار الإسلام، ووراثة الكتاب الإلهي، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين، صلي الله عليه

وعليهم.

- ففي الكافي: 1/391:

- علي بن ابراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن ابن اذينة، عن زرارة أو بريد، عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال: لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه قال: قلت: في أي موضع؟ قال: في قوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَ اسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمدا ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم، ثم لا يجدوا في أنفسه حرجا مما قضيت، عليهم من القتل أو العفو، ويسلموا تسليما.

- وفي الكافي: 8 /334:

علي بن ابراهيم، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل، وغيره، عن منصور بن يونس عن ابن اذينة، عن عبدالله بن النجاشئ قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عزوجل: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغًا. يعني والله فلانا وفلانا.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا.

يعني والله النبي صلي الله عليه وآله وعلياً مما صنعوا أي لو جاؤوك بها يا علي فا ستغفروا الله مما صنعوا، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما.

فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. فقال أبوعبد الله: هو والله علي بعينه، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت، علي لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي، ويسلموا تسليما، لعلي.

- وفي تفسير القمي: 1/ 142:

وقوله: وَلَوْ أَنَّهُمْ

إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ، فانه حدثني أبي، عن ابن أبي عمير، عن ابن أذينة، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَحِيمًا. هكذا نزلت.

ثم قال: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّي يُحَكِّمُوكَ، يا علي، فيما شجر بينهم، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، عليهم يا محمد علي لسانك من ولايته، ويسلموا تسليما، لعلي عليه السلام. انتهي.

ومعني قول الإمام الباقر عليه السلام (هكذا نزلت) أي هذا هو المعني المقصود فيها الذي أنزله الله تعالي.

وقد يكون الول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً علي بعضهم، ولكنه لا بد منه إذا أرنا أن لا نعطل معني الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبي صلي الله عليه وآله! مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه!!

الآية 03

قال الله تعالي: وَ رَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَ الْأَرْضِ وَ لَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَي بَعْضٍ وَ آتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا.

قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَ لا تَحْوِيلاً.

أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. الإسراء: 55 - 57

وهذه الآية تدل علي مشروعية التوسل إلي الله تعالي بالأشخاص الأقرب إليه، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالي (يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) مدح لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل إلي الله تعالي.. وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين، والمتوسل بهم. كما سيأتي.

تفسيرنا للآيتين الكريمتين

معني الآيات:

قل لهم فليدعوا الذين يزعمون لكشف

الضر عنهم، فلا مجيب!! لأنهم في الحقيقة لا يدعون شيئا!

ولكن المؤمنين هم الذين يدعون من هو أهل لكشف الضر سبحانه، فتراهم يبتغون إليه الوسيلة، ويبحثون عن أقرب عباده إليه وسيلة فيتوسلون به إليه، فيستجيب دعاءهم. ف- (أولئك) في مطلع الآية الثانية إستئناف، والمقصود بهم المؤمنون عبر التاريخ، وقد مدحهم الله تعالي بدعائهم ربهم الحق، وبتوسلهم بمن هو أقرب منهم إليه.. وذلك في مقابل المشركين الذين يدعون هباء! ويتوسلون بما لم يأذن به الله!!

أما المفسرون السنيون فقد أرجعوا الضمير في أولئك إلي المعبودين المزعومين من دون الله. وبعضهم كالجبائي أرجعه إلي الأنبياء، ولكنه وافقهم علي أن (أيهم أقرب) صفة للمتوسلين، لا للمتوسل بهم، كما سيأتي.

وأما المفسرون الشيعة غير المحدثين، فقد راعوا التفسير السني، ولم يخرجوا عنه إلا قليلاً.

- قال الطوسي في تفسير التبيان: 6/490:

ثم قال لنبيه: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ، يعني الذين زعمتم أنهم أرباب وآلهة من دون الله، ادعوهم إذا نزل بكم ضرر، فانظروا هل يقدرون علي دفع ذلك أم لا.

وقال ابن عباس والحسن: الذين من دونه، الملائكة والمسيح وعزير.

وقال ابن مسعود: أراد به ماكانوا يعبدون من الجن: وقد أسلم أولئك النفر من الجن، لأن جماعة من العرب كانوا يعبدون الجن، فأسلم الجن وبقي الكفار علي عبادتهم.

وقال أبو علي: رجع إلي ذكر الأنبياء في الآية الأولي، والتقدير ان الأنبياء يدعون إلي الله يطلبون بذلك الزلفة لديه ويتوسلون به إليه والي رضوانه وثوابه، أيهم كان أفضل عند الله، وأشد تقربا إليه بالأعمال.

ثم قال: فلا يملكون، يعني الذين تدعون من دون الله، كشف الضر، والبلاء عنكم، ولا تحويله إلي سواكم.

ثم قال: أولئك الذين يدعون يبتغون

إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب..الآية قوله: أولئك: رفع بالإبتداء، والذين، صفة لهم، ويبتغون إلي ربهم خبر الإبتداء. والمعني الجماعة الذين يدعون يبتغون إلي ربهم.

أيهم رفع بالإبتداء، وأقرب خبره. والمعني يطلبون الوسيلة ينظرون أيهم اقرب فيتوسلون به، ذكره الزجاج.

وقال قوم: الوسيلة هي القرية والزلفة.

وقال الزجاج: الوسيلة والسؤال والسؤل والطلبة واحد، والمعني ان هؤلاء المشركين يدعون هؤلاء الذين اعتقدوا فيهم أنهم أرباب ويبتغي المدعوون أرباباً إلي ربهم القربة والزلفة لأنهم أهل ايمان به.

والمشركون بالله يعبدونهم من دون الله، أيهم أقرب عند الله بصالح أعماله واجتهاده في عبادته، فهم يرجون بأفعالهم رحمته ويخافون عذابه بخلافهم إياه. إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. أي متقي. انتهي.

وقد اقتصر الشيخ الطوسي علي ذكر أقوال السنيين، كما رأيت.

- وأما الطبرسي في مجمع البيان: 6/422، فقد مال إلي قول أبي علي الجبائي، فقال: ثم قال سبحانه لنبيه (ص):

قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين يعبدون غير الله: أدعوا الذين زعمتم من دونه أنهم آلهة عند ضر ينزل بكم ليكشفوا ذلك عنكم أو يحولوا تلك الحالة الي حالة أخري.

فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، للحالة التي تكرهونها إلي حالة تحبونها يعني تحويل حال القحط إلي الخصب والفقر إلي الغني والمرض إلي الصحة.

وقيل معناه لا يملكون تحويل الضر عنكم إلي غيركم، بين سبحانه أن من كان بهذه الصفة فانه لايصلح للإلهية، ولا يستحق العبادة.

والمراد بالذين من دونه الملائكة والمسيح وعزير عن ابن عباس والحسن، وقيل هم الجن لأن قوماً من العرب كانوا يعبدون الجن عن ابن مسعود، قال وأسلم أولئك النفر من الجن وبقي الكفار علي عبادتهم.

قال الجبائي: ثم رجع سبحانه إلي ذكر الأنبياء في

الآية الأولي فقال: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، ومعناه أولئك الذين يدعون إلي الله تعالي ويطلبون القربة إليه بفعل الطاعات.

أيهم أقرب، أي ليظهر أيهم الأفضل والأقرب منزلة منه. وتأويله أن الأنبياء مع علو رتبهم وشرف منزلتهم إذا لم يعبدوا غير الله فأنتم أولي أن لا تعبدوا غير الله. وإنما ذكر ذلك حثاً علي الإقتداء بهم.

وقيل ان معناه أولئك الذين يدعون ويعبدونهم ويعتقدون أنهم آلهة من المسيح والملائكة يبتغون الوسيلة والقربة إلي الله تعالي بعبادتهم، ويجتهد كل منهم ليكون أقرب من رحمته، أو يطلب كل منهم أن يعلم أيهم أقرب إلي رحمته أو إلي الاجابة، ويرجون رحمته ويخافون عذابه، أي وهم مع ذلك يستغفرون لأنفسهم فيرجون رحمته أن أطاعوه ويخافون عذابه ان عصوا، ويعملون عمل العبيد. انتهي.

ومع أنه رحمه الله مال إلي تفسير الجبائي، ولكنه لم يخرج عن التفسير الأساسي للمفسرين السنيين، ولم يبحث النسبة بين الآية وبين أحاديث أهل البيت عليهم السلام الصحيحة التي تنص علي أن الذين جعلهم الله تعالي وسيلة للناس والأنبياء هم محمد وآله صلي الله عليهم.

وأما الطباطبائي فقد ذكر أقوال المفسرين السنيين في الآية، ولم يجزم بشئ منها! قال في تفسير الميزان: 13/130:

قوله تعالي: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، إلي آخر الآية.أولئك مبتدأ، والذين صفة له، ويدعون صلته ضميره عائد إلي المشركين. ويبتغون خبر أولئك، وضميره وسائر ضمائر الجمع إلي آخر الآية راجعة إلي أولئك.

وقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ، بيان لابتغاء الوسيلة لكون الإبتغاء فحصا وسؤإلا في المعني. هذا ما يعطيه السياق.

والوسيلة علي ما فسروه هي التوصل والتقرب، وربما استعملت بمعني ما به التوصل والتقرب، ولعله هو الأنسب بالسياق بالنظر

إلي تعقيبه بقوله: أَيُّهُمْ أَقْرَبُ. والمعني والله أعلم:

أولئك الذين يدعوهم المشركون من الملائكة والجن والانس يطلبون ما يتقربون به إلي ربهم يستعلمون.

أَيُّهُمْ أَقْرَبُ: حتي يسلكوا سبيله ويقتدوا بأعماله ليتقربوا إليه تعالي كتقربه. ويرجون رحمته. من كل ما يستمدون به في وجودهم ويخافون عذابه فيطيعونه ولا يعصونه.

إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا. يجب التحرز منه والتوسل إلي الله ببعض المقربين إليه - علي ما في الآية الكريمة قريب من قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ، غير ما يرومه المشركون من الوثنيين، فإنهم يتوسلون إلي الله ويتقربون بالملائكة الكرام والجن والأولياء من الانس، فيتركون عبادته تعالي ولا يرجونه ولا يخافونه، وإنما يعبدون الوسيلة ويرجون رحمته ويخافون سخطه ثم يتوسلون إلي هؤلاء الأرباب والإلهة بالأصنام والتماثيل فيتركونهم ويعبدون الأصنام، ويتقربون اليهم بالقرابين والذبائح.

وبالجملة يدعون التقرب إلي الله ببعض عباده أو أصنام خلقه، ثم لا يعبدون إلا الوسيلة مستقلة بذلك، ويرجونها ويخافونها مستقلة بذلك من دون الله، فيشركون بإعطاء الإستقلال لها في الربوبية والعبادة.

والمراد بأولئك الذين يدعون: ان كان هو الملائكة الكرام والصلحاء المقربون من الجن والأنبياء والأولياء من الإنس، كان المراد من ابتغائهم الوسيلة ورجاء الرحمة وخوف العذاب ظاهره المتبادر.

وان كان المراد بهم أعم من ذلك حتي يشمل من كانوا يعبدونه من مردة الشياطين وفسقة الإنسان كفرعون ونمرود وغيرهما، كان المراد بابتغائهم الوسيلة إليه تعالي ماذكر من خضوعهم وسجودهم وتسبيحهم التكويني (!)

وكذا المراد من رجائهم وخوفهم ملذواتهم. انتهي.

ثم ذكر رحمه الله وجوها أخري في رجوع الضمائر، ولم يتبن منها شيئا.

تفسير السنيين للآيتين الكريمتين

قال المحدثون والمفسرون السنيون ان المقصود ب_(أولئك) في الآية، المعبودون المزعومون من دون الله الذين يؤلههم

بعض الناس، فالمعبودون مؤمنون يعبدون الله تعالي ويبتغون إليه الوسيلة... وعابدوهم مشركون.

ورووا عن ابن مسعود وابن عباس أن هؤلاء المعبودين من مؤمني الجن، أو الملائكة، أو أنهم المسيح وعزير والشمس والقمر!

- قال البخاري في صحيحه: 5/227:

عن أبي معمر عن عبد الله (ابن مسعود): إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، قال: كان ناس من الإنس يعبدون ناسا من الجن، فأسلم الجن وتمسك هؤلاء بدينهم. زاد الأشجعي: عن سفيان عن الأعمش: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ.

باب أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.. الآية:

عن أبي معمر عن عبدالله (رض) في هذه الايه: الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ، قال: ناس من الجن يعبدون، فأسلموا.

- ورواه مسلم: 8/244، عن عبد الله أيضاً، وفيه قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن، فأسلم النفر من الجن، واستمسك الإنس بعبادتهم فنزلت: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ.

- ورواه الحاكم بنحوه: 2/362، عن عبد الله أيضاً.

- وقال السيوطي في الدر المنثور: 4/ 189:

أخرج عبدالرزاق، والفريابي، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابن مردويه، وأبو نعيم في الدلائل، عن ابن مسعود (رض) في قوله: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً، قال: كان نفر من الإنس يعبدون نفراً من الجن فأسلم النفر من الجن وتمسك الأنسيون بعبادتهم، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ. كلاهما بالياء.

وأخرج ابن جرير، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي، معا في الدلائل، عن ابن مسعود (رض) قال: نزلت هذه الآية في نفر من العرب كانوا يعبدون نفراً من الجن، فأسلم الجنيون

والنفر من العرب لا يشعرون ذلك.

- وقال في الدر المنثور: 4/190:

وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود (رض) قال: كان قبائل من العرب يعبدون صنفا من الملائكة يقال لهم الجن، ويقولون هم بنات الله، فأنزل الله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ.. الآية.

وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مرديه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في الآية قال: كان أهل الشرك يعبدون الملائكة والمسيح وعزيرا.

وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ، قال: عيسي وأمه وعزيز.

وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ، قال: هم عيسي وعزيز والشمس والقمر. انتهي.

- وقال الفخر الرازي في تفسيره: 20/231:

فنقول: ان قوما عبدوا الملائكة فنزلت هذه الآية فيهم.

وقيل إنها نزلت في الذين عبدوا المسيح وعزيرا.

وقيل إن قوماً عبدوا نفرا من الجن فأسلم النفر من الجن، فبقي أولئك من الناس متمسكين بعبادتهم، فنزلت هذه الآية. انتهي.

وعلي هذا المنوال نسج المفسرون الباقون.. ومنهم ابن تيمية، الذي أهمل كغيره أن الآية في مدح المتوسلين، وأخذ منها ذم الذين عبدوا المتوسلين!

- قال في رسالة فتيا في نية السفر/430

فالآية تتناول كل من دعا من دون الله من هو صالح عند الله من الملائكة والإنس والجن! قال تعالي: هؤلاء الذين دعوتموهم لا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا، أولئك الذين يدعون يبتغون إلي ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، ان عذاب ربك كان محذورا.

قال أبومحمد عبد الحق بن عطية في تفسيره: أخبر الله تعالي

أن هؤلاء المعبودين يطلبون التقرب إليه والتزلف إليه، وأن هذه حقيقة حالهم، والضمير في ربهم للمبتغين أو للجميع، والوسيلة هي القربة، وسبب الوصول إلي البغية، وتوسل الرجل إذا طلب الدنو والنيل لامر ما، ومنه قول النبي(ص)من سأل الله لي الوسيلة.. الحديث.

وهذا الذي ذكره ذكر سائر المفسرين نحوه، إلا أنه برز به علي غيره فقال: وأيهم ابتداء وخبره أقرب، وأولئك يراد بهم المعبودون، وهو ابتداء وخبره يبتغون. والضمير في يدعون للكفار، وفي يبتغون للمعبودين، والتقدير نظرهم وذكرهم أيهم أقرب!! وهذا كما قال عمر بن الخطاب (رض) في حديث الراية بخيبر فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ أي يتبارون في طلب القرب!! قال رحمه الله: وطفف الزجاج في هذا الموضع فتأمله.

ولقد صدق في ذلك فإن الزجاج ذكر في قوله أيهم أقرب وجهين كلاهما في غاية الفساد. وقد ذكر ذلك عنه ابن الجوزي وغيره، وتابعه المهدوي والبغوي وغيرهما، ولكن ابن عطية كان أقعد بالعربية والمعاني من هؤلاء وأخبر بمذهب سيبوبة والبصريين، فعرف تطفيف الزجاج مع علمه رحمه الله بالعربية وسبقه ومعرفته بما يعرفه من المعاني والبيان! وأولئك لهم براعة وفضيلة في أمور يبرزون فيها علي ابن عطية لكن دلالة الألفاظ من جهة العربية هو بها أخبر، وان كانوا هم أخبر بشئ آخر من المنقولات أو غيرها!!

وقد بين سبحانه وتعالي أن المسيح وان كان رسولاً كريماً فانه عبد الله، فمن عبده فقد عبد مالا ينفعه ولا يضره!

قال تعالي: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ، وقال المسيح يا بني اسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم، انه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. انتهي.

مناقشة تفسيرهم للآيات

يلاحظ

علي تفسيرهم للايات:

أولا: أنهم ابتعدوا عن سياق الآية ومصبها، وهو المقابلة بين المشركين الذين يدعون من يزعمون، وبين المؤمنين الذين يدعون ربهم ويبتغون إليه الوسيلة.. فقد قال سبحانه لرسوله (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً.).

ثم مدح الذين يقابلونهم فقال (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَي رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخَافُونَ عَذَابَهُ)...

فالسياق هو تحدي المشركين بأن آلهتهم المزعومة لا تستطيع أن تكشف الضر عنهم، وأنهم بالحقيقة لا يدعون من دون الله شيئاً، بل أوهاماً.. ثم قابلهم بالذين يدعون الله تعالي ويتوسلون إليه، فهؤلاء الذين يدعون الحق بحق، وعبر عنهم بأولئك تعظيما لهم. أما غيرهم فلا يدعون شيئا.

وبذلك تتم المقابلة وتكون (أولئك) استئنافاً جديداً تاماً، والضمير فيها للشأن، ولا ربط له بالآية السابقة حتي يعود علي شئ منها!!

أما تفسيرهم فقد جعل التقابل بين المشركين وبين بعض من يعبدونهم من الأنبياء.. وهو تقابل ضعيف بعيد لو سلم من الإشكالات فلا يتبادر إلي الذهن.

وقول الجبائي ان المقصود ب_ (أولئك) هم الأنبياء المذكورون في الآية السابقة، أقرب من أقوالهم إلي الصحة، ولكن لفظ (أولئك) مطلق شامل لكل العابدين لله، ولا دليل علي حصره بالأنبياء (عليهم السلام)، وان كانوا سادتهم.

ثانيا: ارجاعهم ضمير (أولئك) إلي المعبودين المزعومين من دون الله خلاف الظاهر، لأن ضمير هؤلاء المزعومين خفي، والضمير البارز فيها ضمير العابدين المخاطبين، فلو كان يريد المزعومين لقال (أولئك الذين تدعونهم أو تزعمونهم) أو ذكر اشارة تدل علي قصدهم، وعدم قصد العابدين المخاطبين!

ثالثا: أن المعبودين المزعومين فيهم الصالح والطالح والجماد، ففيهم الأنبياء مثل عزير وعيسي، وفيهم الملائكة والجن، والشمس والقمر والنجوم والأصنام، وبقية المعبودات..

وصفات المدح ل_ (أولئك) تمنع رجوع الضمير إلي المعبودين جميعا! وكيف يصح عود الضمير علي بعض العام المعهود بدون قرينة؟!

ولعمري ان هذا الضعف في ارجاع الضمائر لا وجود له في القرآن؟!! وهو كاف لتضعيف ما روي عن ابن مسعود وغيره!

رابعاً: ما رووه عن ابن مسعود وغيره من أن قوما من العرب كانوا يعبدون الجن فآمن الجن وبقي عبادهم مشركين.. الخ.. فنزلت الآية..

هذه الوجوه ليست حديثا بل هي أقوال لو تم سندها لبقي تعارضها!

ولو سلمنا ارتفاع تعارضها،فهي سبب لنزول الآية لا أكثر، والسبب الخاص لا يخصص الوارد العام، وصيغة الآية عامة (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ..) وهو يشمل كل الذين زعموا فلا مبرر لتخصيصها ببعضهم!

خامسا: أن ضمير العاقل في (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ينقض تفسيرهم، فقد جعلوا أيهم بدل جزء من كل من الفاعل، ليبعدوه عن المتوسل بهم ويجعلوه صفة للمتوسلين، فصار المعني عندهم: يبتغي الوسيلة منهم من كان أقرب وسيلة إلي ربه، فكيف بالأبعد وسيلة!!

وذلك كمن يقول (أولئك يقاتلون عدوهم حقاً أيهم أشجع من غيره!) ويقصد القائل أن الأشجع منهم يقاتل، فكيف بالأضعف!!

وهو كلام بعيد عن البلاغة بل عن الفصاحة حتي في كلام المخلوقين، فلا يصح أن ينسبوه إلي كلام الخالق سبحانه؟!!

ولعل هذا هو السبب في أن بعض مفسريهم كالفخر الرازي هرب من من تفسير (أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) ومر عنها كأنها لا وجود لها!!

سادسا: أن ضمير (أَيُّهُمْ) يعود علي (أولئك) وما داموا أرجعوا ضمير أولئك علي المعبودين المزعومين، فيجب أن يرجعوا ضمير أيهم اليهم! فيكون المعني عندهم: أن المتوسل بهم الممدوحين هم من بين المعبودين المزعومين، فيكون التوسل بالأشخاص ممدوحا، ويكون منحصراً بالأنبياء المعبودين كعيسي وعزير! وهذا خلاف

مذهبهم!!

سابعا: أن فعل (يَبْتَغُونَ) ينقض تفسيرهم، لأنه يدل علي البحث والتحري، ويطلب مفعولا! و(أَيُّهُمْ أَقْرَبُ) أقرب مفعول إليه، فحق أي أن تكون منصوبة علي المفعولية، لا مرفوعة بدلاً عن الفاعل بدل جزء من كل كما زعموا!

ولكنهم أغمضوا عيونهم عن يبتغي وتركوه بلا مفعول، ليحصروا التوسل بالأعمال دون الذوات!!

وهكذا.. يتضح لك أن التفسير الذي قدمناه هو الوحيد الخالي عن الإشكال.. وهو نص في مشروعية التوسل بالأشخاص الأقرب وسيلة إلي الله، وأنه من صفات المؤمنين عبر التاريخ وسيرتهم.

وهو يتفق مع أحاديثنا الصحيحة التي تنص علي أن الله تعالي جعل الوسيلة إليه في هذه الأمة بل قبلها، محمدا وآله صلي الله عليهم.

علي أقرب الخلق وسيلة إلي الله

أقرب الخلق وسيلة إلي الله تعالي هو سيد المرسلين محمد ومعه آله الذين أمرنا بالصلاة عليهم معه، صلي الله عليه وعليهم.

ولذلك لا تجد في جميع مصادر الحديث السنية والشيعية أن النبي صلي الله عليه وآله وصف أحدا بأنه أقرب الخلق وسيلة إلي الله تعالي بعده، إلا علياً عليه السلام، وهي حقيقة مهمة! شاء الله تعالي أن ترويها عائشة عن النبي صلي الله وآله!!

-قال القاضي النعمان في شرح الأخبار: 1/ 141:

عن مسروق، قال: دخلت علي عائشة فقالت لي: يا مسروق: انك من أبر ولدي بي، واني أسألك عن شئ فأخبرني به.

فقلت: سلي يا أماه عما شئت.

قالت: المخدج من قتله؟

قلت: علي بن أبي طالب عليه السلام.

قالت: وأين قتله؟

قلت: علي نهر يقال لأعلاه تامرا، ولأسفله النهروان بين أحافيف (أخافيق) وطرق.

فقالت: لعن الله فلاناً، تعني عمرو بن العاص فانه أخبرني أنه قتله علي نيل مصر.

قال مسروق: يا أماه فاني أسألك بحق الله وبحق رسوله وبحقي

فاني ابنك لما أخبرتني بما سمعت من رسول الله فيهم.

قالت: سمعته يقول فيهم (أهل النهروان): هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة.

قال مسروق: وكان الناس يومئذ أخماساً، فأتيتها بخمسين رجلاً عشرة من كل خمس، فشهدوا لها أن عليا قتله!!

-وفي هامشه:

-وفي المناقب لابن شهر آشوب 3/67: عن الداري بإسناده عن الأصبغ بن نباتة وعن جميع التميمي كليهما عن عائشة: إنها لما روت هذا الخبر، قيل لها: فلم حاربتيه؟ قالت: ما حاربته من ذات نفسي إلا حملني طلحة والزبير. وفي رواية: أمر قدر وقضاء غلب.

-ذكر فضل بن شاذان المتوفي 260 ه في الإيضاح/86: عن أبي خالد الأحمر عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عائشة قالت: لعن الله عمرو بن العاص ما أكذبه لقوله: أنه قتل ذا الثدية بمصر.

وروي البحراني في غاية المرام/451 الباب الأول الحديث 21 نقلاً من كتاب صفين للمدائني عن مسروق: أن عائشة قالت له - لما عرفت -: من قتل ذي الثدية؟ لعن الله عمرو بن العاص فانه كتب اليَّ يخبرني أنه قتله بالإسكندرية إلا أنه ليس يمنعني ما في نفسي أن أقول ما سمعته من رسول الله، سمعته يقول: يقتله خير أمتي من بعدي.

ورواه في شرح الأخبار:1 /430، وفي هامشه:

رواه ابن المغازلي في المناقب/55 عن أحمد بن محمد بن عبدالوهاب بن طاوان عن الحسين بن محمد العلوي، عن أحمد بن محمد الجواربي، عن أحمد بن حازم، عن سهل بعامر البحلي عن أبي خالد الأحمر، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق قال:

قالت عائشة: يا مسروق إنك من ولدي، وإنك من أحبهم الي، فهل عندك علم من المخدج؟

قال: قلت:

نعم، قتله علي بن أبي طالب علي نهر يقال لأعلاه تامرا ولأسفله النهروان، بين أحفاق وطرقاء.

قالت: ابغني علي ذلك بينة، فأتيتها بخمسين رجلاً من كل خمسين بعشرة - وكان الناس اذ ذاك أخماساً - يشهدون أن عليا عليه السلام قتله علي نهر يقال لأعلاه تأمرا ولأسفله النهروان بين أخفاق وطرقاء.

فقلت: يا أمة، أسألك بالله وبحق رسول الله وبحقي - فإني من ولدك - أي شئ سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول فيه؟

قالت: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة، يقتلهم خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة. انتهي.

- ورواه في شرح الأخبار: 2/59، وفيه:

قال: ثم ذكرت لها أن عليا عليه السلام استخرج ذا الثدية من قتلي أهل النهروان الذين قتلهم، فقالت: أذا أتيت الكوفة فاكتب إلي بأسماء من شهد ذلك ممن يعرف من أهل البلد.

قال: فلما قدمت الكوفة، وجدت الناس أسباعاً، فكتبت من كل سبع عشرة ممن شهد ذلك - ممن نعرفه - فأتيتها بشهادتهم.

فقالت: لعن الله عمرو بن العاص، فانه زعم هو قتله علي نيل مصر. انتهي.

- وقال المفيد في الإرشاد: 1/317

وقال عليه السلام وهو متوجه إلي قتال الخوارج: لولا أني أخاف أن تتكلوا وتتركوا العمل لأخبرتكم بما قضاه الله علي لسان نبيه فيمن قاتل هولاء القوم مستبصراً بضلالتهم.

وان فيهم لرجلا مودون اليد له ثدي كثدي المرأة، وهم شر الخلق والخليقة وقاتلهم أقرب خلق الله إلي الله وسيلة.

ولم يكن المخدج معروفا في القوم، فلما قتلوا جعل عليه السلام يطلبه في القتلي ويقول: والله ما كذبت ولا كذبت! حتي وجد في القوم، وشق قميصه وكان علي كتفه

سلعة كثدي المرأة عليها شعرات إذا جذبت انجذبت كتفه معها، وإذا تركت رجع كتفه إلي موضعه، فلما وجده كبر وقال: ان في هذا لعبرة لمن استبصر.

- وفي بحار الأنوار: 38/9

تاريخ الخطيب: روي الأعمش، عن عدي، عن زر، عن عبيدالله، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: من لم يقل علي خير الشر فقد كفر. وعنه في التاريخ بالإسناد عن علقمة عن عبدالله قال: رسول الله صلي الله عليه وآله: خير رجالكم علي بن أبي طالب، وخير شبابكم الحسن والحسين، وخيرنسائكم فاطمة بنت محمد. الطبريان في الولاية والمناقب بإسنادهما إلي مسروق عن عائشة: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: هم شر الخلق والخليقة يقتلهم خير الخلق والخليقة وأقربهم إلي الله وسيلة أي المخدج وأصحابه.

- وفي هامش اختيار معرفة الرجال: 1/ 239

ومن المتفق عليه لدي الجميع أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال في المخدج ذي الثدية: يقتله خير الخلق والخليقة، وفي رواية يقتله خير هذه الأمة. وفي روايات جمة عن عائشة قالت: سمعت النبي صلي الله عليه وآله يقول: هم - أي المخدج وأصحابه - شر الخلق والخليقة، يقتله خير الخلق والخليقة، وأقربهم إلي الله وسيلة.

رواه الحافظ نور الدين في مجمع الزوائد 6/239، راجع في ذلك:

احقاق الحق: 8/475 - 522 ومسلم في صحيحه 3/112 طبعة محمد علي وأحمد بن حنبل في مسنده 3 /56 والبخاري في صحيحه 4/200 الطبعة الأميرية. والنسائي في الخصائص: 43 طبعة مصر

ومن طرق عديدة عنها عنه صلي الله عليه وآله، هم شر الخلق والخليقة يقتلهم سيد الخلق والخليقة، وفي أخبار كثيرة أنه صلي الله عليه وآله قال

لعلي عليه السلام: وانك أنت قاتله يا علي.

ثم قد أطبقت الأمة علي أن عليا عليه السلام قد قتله يوم النهروان وأخبر الناس بذلك وقد كان عليه السلام يخبر به وبصفته من قبل، ثم استخرجه من تحت القتلي فوجدوه علي ماكان يذكر فيه من صفته، فكبر الله وقال: صدق الله ورسوله وبلغ رسوله.

وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما من صحاحهم أن النبي صلي الله عليه وآله قال فيه: إن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون الكتاب لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية يخرجون علي خير فرقة من الناس. وكان أبوسعيد الخدري يقول، أشهد اني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلي الله عليه وآله وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وقتلهم وأنا معه، ثم من بعد القتال استخرجوا من بين القتلي من هذه صفته فجاؤوا به إليه، فشاهدت فيه تلك الصفات. انتهي.

الترابط بين الوسيلة والوصية

- في بصائر الدرجات/216:

حدثنا أبو الفضل العلوي قال: حدثني سعيد بن عيسي الكربزي البصري، عن ابراهيم بن الحكم بن ظهير، عن أبيه، عن شريك بن عبد الله، عن عبد الأعلي الثعلبي، عن أبي تمام، عن سلمان الفارسي رحمه الله، عن أمير المؤمنين عليه السلام في قول الله تبارك وتعالي: قُلْ كَفَي بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ، فقال: أنا هو الذي عنده علم الكتاب، وقد صدقه الله وأعطاه. والوسيلة في الوصية ولا تخلو أمة من وسيلة إلي الله، فقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ.

الشيعة وسيلة إلي الله يوم القيامة

- في علل الشرائع: 2/564:

باب العلة التي من أجلها يكره تكليف المخالفين للحوائج:

حدثنا أبي قال: حدثنا أحمد بن ادريس عن حنان قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: لا تسألوهم فتكلفونا قضاء حوائجهم يوم القيامة.

وبهذا الإسناد قال: قال أبو جعفر عليه السلام: لا تسألوهم الحوائج فتكونوا لهم الوسيلة إلي رسول الله يوم القيامة. انتهي.

ورواه في في بحار الأنوار: 8/55:

ما ورد في مصادرهم من تشويش علي الأحاديث المتقدمة

وفي مقابل رواية عائشة عن شهادة النبي صلي الله عليه وآله في حق علي عليه السلام نلاحظ وجود رواية أكثرت من نقلها المصادر السنية تصف عبد الله بن مسعود بأنه أقرب الناس أو من أقربهم وسيلة إلي الله!

ولكنها والحمد لله ليست رواية عن النبي صلي الله عليه وآله، بل عن حذيفة!! وحتي لو صحت عن حذيفة وفسرناها بأي تفسير، فهي لا ترقي إلي معارضة حديث عائشة وغيرها في علي عليه السلام.

وان أحسنا الظن بروايتهم عن ابن مسعود فهي تدل علي أن مصطلح (الأقرب وسيلة إلي الله تعالي) كان معروفاً بين المسلمين من عصر الرسول صلي الله عليه وآله، وأن حذيفة أو واضع الحديث علي لسانه أراد أن يمدح به عبد الله بن مسعود.

وان أسأنا الظن بروايتهم، فهي محاولة للتعتيم علي الحديث النبوي البليغ في علي عليه السلام، واعطاء هذه الصفة لعبد الله بن مسعود! وطالما فعلتها الخلافة القرشية ورواتها!

- روي أحمد في مسنده: 5/394:

عن شقيق قال كنت قاعداً مع حذيفة فاقبل عبدالله بن مسعود فقال حذيفة إن أشبه الناس هدياً ودلا برسول الله(ص)من حين يخرج من بيته حتي يرجع فلا أدري ما يصنع في أهله كعبد الله بن مسعود والله لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص)ان

عبد الله من أقربهم عند الله وسيلة يوم القيامة.

- وروي نحوه الحاكم في: 2/312، ورواه في: 3/315، وقال: هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين ولم يخرجاه. انتهي.

ومن الملفت في الموضوع أن... نفي القسم الأخير من النص وقال انه لم يسمعه من عبد الرحمن بن يزيد!

قال أحمد في مسنده: 5/395:

ولم نسمع هذا من عبد الرحمن بن يزيد لقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص) إن ابن أم عبد من أقربهم إلي الله عز وجل وسيلة!!

- وفي الغدير: 9/9:

أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان: إن أشبه الناس هدياً ودلاً وسمتاً بمحمد(ص)عبد الله.

وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحداً أقرب سمتاً وهدياً ودلاً برسول الله(ص)من ابن أم عبد.

وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله(ص)أن ابن أم عبد أقربهم إلي الله زلفي.

وفي لفظ أبي نعيم: إنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة.

وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلاً وهدياً برسول الله من حين يخرج من بيته إلي أن يرجع إليه من عبدالله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد(ص)أنه من أقربهم وسيلة إلي الله يوم القيامة.

وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته.

راجع صحيح البخاري كتاب المناقب. مسند أحمد 5: 389، المستدرك 3: 315، 320

حلية الأولياء 1: 126، 127،

الاستيعاب 1: 372،

مصابيح السنة 2: 283،

صفة الصفوة 1: 156، 158،

تاريخ ابن كثير 2: 162،

تيسير الوصول 3: 297

الإصابة 2: 369

كنز العمال 7: 55. انتهي.

وقد ذكرنا أن هذا لنص حتي لو صح عن حذيفة، فهو لا يصلح معارضا ولا مقللا

من قيمة الحديث الشريف الذي روته عائشة وغيرها في أن عليا عليه السلام أقرب الخلق وسيلة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله.

آيات مؤيدة لآيات التوسل

وردت آيات متعددة في طلب المؤمنين من الأنبياء (عليهم السلام) أن يتوسطوا لهم عند الله تعالي، ويدعوه لهم بالمغفرة وبالخير.. وهذا نوع من التوسيط يدل علي أن باب الطلب من الله تعالي بواسطة الغير أمر طبيعي في دين الله تعالي وشرائعه!

وأنه لو كان التوسيط منافياً للتوحيد كما يزعم ابن تيمية، لوجب أن يطلب كل إنسان لنفسه بنفسه مباشرة، ووجب تحريم كل طلب من الله تعالي بواسطة!! اذ لا فرق في أصل الواسطة بين التوسط والتوسل بدعاء الغير وبين أنواع التوسيط الأخري!

منها، قوله تعالي:

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ. قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. يوسف: 98

- وروي الصدوق في علل الشرائع: 1/ 54:

- حدثنا محمد بن ابراهيم بن اسحاق الطالقاني (رض) قال: حدثنا احمد بن محمد بن سعيد الهمداني مولي بني هاشم قال: أخبرنا المنذر بن محمد قال: حدثنا اسماعيل بن ابراهيم الخزاز، عن اسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: قلت لجعفر بن محمد عليه السلام: أخبرني عن يعقوب لما قال له بنوه: يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا انا كنا خاطئين، قال سوف أستغفر لكم ربي، فأخر الإستغفار لهم.

ويوسف عليه السلام لما قالوا له: تالله لقد آثرك الله علينا وان كنا لخاطئين؟ قال: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين.

قال: لأن قلب الشاب أرق من قلب الشيخ، وكانت جناية ولد يعقوب علي يوسف، وجنايتهم علي يعقوب انما كانت بجنايتهم علي يوسف، فبادر يوسف إلي العفو عن

حقه، وأخر يعقوب العفو لأن عفوه انما كان عن حق غيره، فأخرهم إلي السحر ليلة الجمعة.

- ورواه وغيره في تفسير نور الثقلين: 2/465

- وفي تفسير التبيان: 6/195:

وروي عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال: أخرهم إلي ليلة الجمعة. وقال ابن مسعود وابراهيم التيمي، وابن جريج وعمرو بن قيس: انه أخرهم إلي السحر، لأنه أقرب إلي اجابة الدعاء. انتهي.

- وروي نحوه الترمذي في سننه: 5 /223، عن ابن عباس، والحاكم: 1/316، والدر المنثور: 4/36، وكنز العمال: 2/59، وغيرها.

ومنها، قوله تعالي:

وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَي ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ. الأعراف: 134

وقد قبل موسي عليه السلام طلبهم، ودعا الله لهم، فدل ذلك قبوله علي أنه طلبهم بواسطته أمر مشروع إلي آخر الآيات التي والأحاديث التي تدل علي توسيط الغير مع الله تعالي.

شذوذ الوهابيين عن اجماع المسلمين في التوسل والإستشفاع

من المسائل التي شذ فيها ابن تيمية وتبعه ابن عبد الوهاب، تحريم السفر لزيارة النبي صلي الله عليه وآله، بل تحريم الزيارة نوي لها السفر!

وكذلك تحريم التوسل والاستشفاع به صلي الله عليه وآله، بحجة أنه ميت ولا يجوز التوسل بالميت.

وكذا تحريم الإستغاثة به صلي الله عليه وآله لأن المستغيث بزعمه يعبد المستغاث به.. الخ.!!

- قال الشيخ محمود سعيد ممدوح في كتابه رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة - المطبوع في دار الإمام النووي بعمان - سنة 1416:

وهو - التوسل - السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات وما في معني ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته أو أنه بدعة

ضلالة، أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نري الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده! وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل. قال ابن تيمية في (التوسل والوسيلة) (/98): هذا الدعاء (أي الذي فيه توسل بالنبي(ص)) ونحوه قد روي أنه دعا به السلف ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه، ونحوه في (/155) من الكتاب المذكور.

وقال في (/65): (والسؤال به (أي بالمخلوق) فهذا يجوزه طائفة من الناس، ونقل في ذلك آثار عن بعض السلف، وهو موجود في دعاء كثير من الناس.) اه.

وذكر أثرا فيه التوسل بالنبي(ص)لفظه: (اللهم اني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة(ص)تسليماً. يا محمد إني أتوجه بك إلي ربك وربي يرحمني مما بي).

قال ابن تيمية: فهذا الدعاء ونحوه روي أنه دعا به السلف، ونقل عن أحمد بن حنبل في منسك المروزي التوسل بالنبي(ص)في الدعاء. اه.

وهذا هو نص عبارة أحمد بن حنبل، فقال في منسك المروزي بعد كلام مانصه: وسل الله حاجتك متوسلاً إليه بنبيه(ص)، تقض من الله عز وجل. اه. هكذا ذكره ابن تيمية في الرد علي الأخنائي/168!!

والتوسل به(ص)معتمد في المذاهب ومرغب فيه نص علي ذلك الأئمة الأعلام، وكتب التفسير والحديث والخصائص ودلائل النبوة والفقه طافحة بأدلة ذلك بدون تحريم وهي بكثرة...

كان ابن تيمية يري منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه (التوسل والوسيلة) (/169). انتهي كلام الممدوح.

وقال ابن تيمية في كتابه زوار المقابر/433:

قال عامة المفسرين كابن عباس ومجاهد وعطاء والفراء: الوسيلة القربة، قال قتادة: تقربوا إلي الله بما

يرضيه.

قال أبو عبيدة: توسلت إليه أي تقربت.

وقال عبد الرحمن بن زيد: تحببوا إلي الله.

والتحبب والتقرب إليه انما هو بطاعة رسوله، فالإيمان بالرسول وطاعته هو وسيلة الخلق إلي الله، ليس لهم وسيلة يتوسلون بها البتة إلا الإيمان برسوله وطاعته. وليس لأحد من الخلق وسيلة إلي الله تبارك وتعالي إلا بوسيلة الإيمان بهذا الرسول الكريم وطاعته.

وهذه يؤمر بها الإنسان حيث كان من الأمكنة وفي كل وقت. وما خص من العبادات بمكان كالحج، أو زمان كالصوم والجمعة، فكل في مكانه وزمانه.

وليس لنفس الحجرة من داخل فضلا عن جدارها من خارج إختصاص بشئ في شرع العبادات ولا فعل شئ منها، فالقرب من الله أفضل منه بالبعد عنه باتفاق المسلمين، والمسجد خص بالفضيلة في حياته(ص)، قبل وجود القبر.

فلم تكن فضيلة مسجده لذلك، ولا أستحب هو(ص)ولا أحد من أصحابه، ولا علماء أمته أن يجاور أحد عند قبر ولا يعكف عليه، لا قبره المكرم ولا قبر غيره، ولا أن يقصد السكني قريبا من قبر أي قبر كان.

وسكني المدينة النبوية هو أفضل في حق من تتكرر طاعته لله ورسوله فيها أكثر كما كان الأمر لما كان الناس مأمورين بالهجرة إليها فكانت الهجرة إليها والمقام بها أفضل من جميع البقاع مكة وغيرها.

بل كان ذلك واجبا من أعظم الواجبات، فلما فتحت مكة قال النبي(ص)لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وكان من أتي من أهل مكة وغيرهم ليهاجر ويسكن المدينة يأمره أن يرجع! انتهي.

وخلاصة كلامه: أن التوسل محصور بالإيمان بالرسول وطاعته، وبدعائه في حال حياته.

أما التوسل به في حياته وبعد موته، ومجاورة قبره الشريف والعكوف عنده، فليس من الطاعة، لأن الصحابة لم يفعلوه.

والأصل في

كل ما لم يفعلوه عدم المشروعية، حتي يقوم عليه دليل!

وهو كما تري تحكم لا دليل عليه:

فحصره التوسل المأمور به في القرآن بالإيمان بالرسول وطاعته، لا دليل عليه وكذلك لادليل علي ميزانه فيما جعله جزء من الإيمان بالرسول أو نفي جزئيته، وما جعله طاعة للرسول أونفي كونه طاعة له!

فلماذا لا يكون التوسل بزيارة قبره صلي الله عليه وآله والتبرك به والسكني عنده من الإيمان به، ومن طاعته صلي الله عليه وآله؟!!

ثانيا، دعوي أن القاعدة والأصل في الأشياء الحرمة حتي تثبت حليتها، لا دليل عليه أيضاً. بل الأصل في الأشياء الحلية حتي يثبت دليل الحرمة ويصل إلي المكلف، فقد قال الله تعالي (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّي يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ).

ثالثاً، دعوي أن كل ما لم يفعله الصحابة فهو حرام حتي يقوم عليه دليل، تحكم بلا دليل أيضاً، فإن كثيرا من الأمور لم يفعلها الصحابة وهي حلال حتي بفتوي ابن تيمية، كالوسائل المعيشية المتجددة!! وقد ألف الحافظ الصديق المغربي رسالة في عدم دلالة الترك علي التحريم، كما ذكر تلميذه الممدوح.

أما عندنا فإن فعل الصحابي ليس حجة إذا لم يكن معصوماً، فضلا عن تركه!

تلبيس ابن تيمية لتحريم التوسل والإستشفاع

يفترض ابن تيمية مسبقا أن المتوسل أو المستغيث بالنبي صلي الله عليه وآله (يدعوه) أي يطلب منه، لا من الله تعالي!

وهذا مصادرة علي المطلوب وتبطين الحكم المتنازع فيه في لفافة علي أنه جزء من مقدمة مسلمة عند الطرف الآخر!

فابن تيمية يقول للمتوسل أو المستغيث: انك اعترفت أنك دعوت الرسول أو الولي بدل الله!! فأنت اذن كافر!!

مع أن المتوسل لم يدع النبي بدل الله تعالي! بل توسل به واستغاث به واستشفع

به إلي الله تعالي!!

ومثال ذلك في أمور الدنيا: أن يتوسل شخص إلي رئيس مكتب الملك، ليتوسط له عند الملك!

فيقول له ابن تيمية: انك تعديت علي شرعية الملك، وجعلت الملك الشرعي رئيس مكتبه! وهذا خروج علي الملك ونظامه، تستحق به الإعدام!!

وقد حاول ابن تيمية أن يستدلوا علي هذه المصادرة المفضوحة فقالوا: ان المستغيث يطلب من الرسول أو الولي مالا يقدر عليه إلا الله تعالي، وهذا يستلزم أنه يؤلهه!!

ولكن هذا اللزوم ممنوع.

بل هو علي مذهبهم ممنوع حتي لو صحت الملازمة، لانهم يزعمون أن لازم المذهب ليس بمذهب!!

- قال الشيخ سليمان حفيد ابن عبد الوهاب في تيسير العزيز الحميد/209:

فحديث الأعمي شئ، ودعاء غير الله تعالي والاستغاثة به شئ آخر.

فليس في حديث الاعمي شئ غير أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له ويشفع له، فهو توسل بدعائه وشفاعته، ولهذا قال في آخره: اللهم فشفعه في.

فعلم أنه شفع له. وفي رواية أنه طلب من النبي(ص)أن يدعو له. فدل الحديث علي أنه(ص)شفع له بدعائه، وأن النبي(ص)أمره هو أن يدعو الله، ويسأله قبول شفاعته.

فهذا من أعظم الأدلة أن دعاء غير الله شرك، لأن النبي(ص)أمره أن يسأل قبول شفاعته، فدل علي أن النبي صلي الله عليه وسلم لا يدعي، ولأنه(ص)لم يقدر علي شفائه إلا بدعاء الله له. فأين هذا من تلك الطوام؟!

والكلام إنما هو في سؤال الغائب أو سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله.

أما أن تأتي شخصاً يخاطبك فتسأله أن يدعو لك فلا إنكار في ذلك علي ما في حديث الأعمي.

فالحديث سواء كان صحيحا أو لا، وسواء ثبت قوله فيه يا محمد أو لا، لا يدل علي سؤال الغائب

ولا علي سؤال المخلوق فيما لا يقدر عليه إلا الله، بوجه من وجوه الدلالات.

ومن ادعي ذلك فهو مفتر علي الله وعلي رسوله(ص)!! انتهي.

فتراه يشكك في حديث الأعمي الذي صححه علماء المذاهب، وقبله إمامه ابن تيمية، ثم تراه يفترض أن المستشفع (يدعو) النبي صلي الله عليه وآله، ويطلب من النبي نفسه ما لا يقدر عليه إلا الله تعالي!!

كل ذلك ليثبت أن المسلم المستغيث إلي الله برسوله قد كفر واستبدل عبادة الله بعبادة الرسول! ويستحل بذلك دمه وماله!!

وإن سألته عن دليله علي أن المتوسلين والمستشفعين يدعون الرسول من دون الله.. فانك تطلب منهم ما لايقدر عليه إلا الله تعالي، وتكون علي مذهبه عبدته من دونه تعالي!!!

غرض ابن تيمية من نقل التوسل من فروع الفقه إلي أصول العقائد

ماذا يحدث لو نقلنا مادة جزائية من القانون التجاري إلي مواد القانون الجنائي، أو إلي مواد مخالفات الدستور، ومحكمة أمن الدولة؟

طبعاً سيكون الفرق علي مرتكبها كبيرا، لأن التهمة الجنائية أصعب من التهمة الجزائية، وأصعب منهما تهمة الإخلال بالدستور!!

ان ما فعله ابن تيمية من اتهام المتوسلين بمخالفة الشرع، شئ لا يذكر أمام نقله تهمتهم إلي الإخلال بأصول الدين وارتكاب الشرك!!

وبذلك حكم عليهم بالكفر واستحل قتلهم وأعراضهم وأمواهم!!!

فبدل أن يقول مثلاً أنهم مخلصون ولكنهم يتخيلون أنهم يتقربون إلي الله بالتوسل بالنبي الميت، فهم مخطئون يرتكبون معصية! قال انهم يشركون بالله ويستحقون القتل!!

وهكذا، كانت مسألة التوسل والإستشفاع والاستغاثة لمدة ثمانية قرون مسألة فقهية، وكان فقهاء المذاهب الأربعة، والخمسة والستة، يبحثونها في باب الحج والزيارة، فيذكرون صورها، ويفتي مفتيهم بجواز بعض فروعها وحرمة بعضها، أو التوقف فيه.. حتي عالم حراني نصبه الحاكم الشركسي المصري لمدة قليلة شيخا للاسلام في الشام، فأبدع في عمله أيما ابداع،

وقدم للأجيال أكبر خدمة، فكفر مسلمي عصره و العصور المتقدمة، لأنهم يتوسلون بنبيهم الميت!!!

هل تراجع ابن تيمية أمام القاضي أو في سجنه عن تحريم التوسل

المعروف عن ابن تيمية أنه تراجع عن تحريم التوسل، عندما عقدوا له جلسة مع العلماء لمناقشة آرائه الشاذة، ومنها تحريم التوسل بالنبي صلي الله عليه وآله!!

وقد اعتمد الذين نسبوا إليه هذا القول علي أمرين:

الأول، ما اعترف به في مصر، حيث عرف عنه اعتقاده بعدم جواز التوسل والإستشفاع بالنبي صلي الله عليه وآله فاستنكر المسلمون ذلك، وعقد القضاة مجلسا للنظر في قوله..

قال السقاف في كتابه (البشارة والإتحاف بما بين ابن تيمية والآلباني في العقيدة من الإختلاف)

13 - فصل: أما مسألة التوسل فقد اختلف آراء دعاة السلفية فيه بشكل ملحوظ مع أن الموجودين في الساحة منهم اليوم يقولون بأن هذه المسألة من مسائل العقائد، وليست كذلك قطعاً.

أما ابن تيمية فقد أنكر في كتابه (قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة) التوسل - ومرادنا التوسل بالذوات - ثم رجع عن ذلك كما نقل تلميذه ابن كثير في (البداية والنهاية) (14 - 45) حيث قال: (قال البرزالي (16): وفي شوال منها شكي الصوفية بالقاهرة علي الشيخ تقي الدين - وكلموه في ابن عربي وغيره - إلي الدولة فردوا الأمر في ذلك إلي القاضي الشافعي، فعقد له مجلس وادعي عليه ابن عطاء بأشياء فلم يثبت عليه منها شئ، لكنه قال: لا يستغاث إلا بالله، لا يستغاث بالنبي استغاثة بمعني العبارة - ولعلها العبادة - ولكن يتوسل به ويتشفع به إلي الله، فبعض الحاضرين قال ليس عليه في هذا شئ، ورأي القاضي بدر الدين بن جماعة أن هذا فيه قلة أدب) انتهي. فتأمل!!

(هو الحافظ ابو محمد القاسم بن البهاء محمد الدمشقي البرزالي

ترجم في طبقات الحفاظ للسيوطي - / 256).

وأما الشوكاني فقد أجاز التوسل في كتابه (تحفة الذاكرين) كما يعلم ذلك القاصي والداني، ففي صحيفة (37) من كتاب الشوكاني (تحفة الذاكرين طبع دار الكتب العلمية) عقد باباً سماه: (وجه التوسل بالأنبياء وبالصالحين) ثم قال:) (قوله ويتوسل إلي الله سبحانه بأنبيائه والصالحين) أقول: ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي. انتهي.

وأصرح من هذا ما ذكره الشوكاني/(138) في (باب صلاة الضر والحاجة) حيث قال ما نصه: (وفي الحديث دليل علي جواز التوسل برسول الله إلي الله عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالي) انتهي.

وقد نص الشوكاني أيضاً علي جواز التوسل، ورد علي ابن تيمية في كتابه (الدر النضيد في اخلاص كلمة التوحيد) فليرجع إليه من شاء.

وأما الألباني فمنع ذلك واعتبره من الضلال في كتابه (التوسل أنواعه وأحكامه) كما هو مشهور ومعلوم، مع أنه قال في مقدمة (شرح الطحاوية)/(60 الطبعة 8) أن مسالة التوسل ليست من مسائل العقيدة، وهذا خلاف ما يقوله كثير من أدعياء السلفية. فتأملوا يا ذوي الأبصار!! انتهي كلام السقاف.

والأمر الثاني، ماكتبه في رسالة، من سجنه، حيث قال في/16:

وكذلك مما يشرع التوسل به في الدعاء كما في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه أن النبي(ص)علم شخصا أن يقول: اللهم إني أسألك وأتوسل اليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد يا رسول الله، إني أتوسل بك إلي ربي في حاجتي ليقضيها. اللهم فشفعه في.

فهذا التوسل به حسن، وأما دعاؤه والإستغاثة به فحرام!

والفرق بين هذين متفق عليه بين المسلمين. المتوسل انما يدعو الله ويخاطبه ويطلب منه لا يدعو غيره إلا علي سبيل استحضاره لا علي سبيل الطلب منه. وأما الداعي

والمستغيث فهو الذي يسأل المدعو ويطلب منه ويستغيثه ويتوكل عليه. انتهي.

والذي وصلت إليه أن ابن تيمية لم يغير رأيه في التوسل، ولكنه استعمل عبارات مبهمة ليرضي بها قضاة الدولة والناقمين عليه من الناس!

ومهما يكن، فقد أخطأ ابن تيمية بتحريمه الإستغاثة أيضاً، لأنها معناها طلب الغوث أي العون من شخص، وهو لا يعني أن المستغيث به يعبده، فحكمها حكم الإستعانة والنداء والتوسل، بدون فرق!

- قال ابن السكيت في اصلاح المنطق/29

يقال: قد استغاثني فلان فأغثته، وقد غاث الله البلاد يغيثها غيثا، إذا أنزل بها الغيث وقد غيثت الأرض تغاث، وهي أرض مغيثة ومغيوثة.

- وقال الراغب في المفردات/379

ويقال فزع إليه إذا استغاث به عند الفزع، وفزع له أغاثه. انتهي.

فزعم ابن تيمية أنك عندما تقول (يا رسول الله أغثني) فانك تعبده من دون الله تعالي! تصور باطل، لأن معني الإستعانة والإستغاثة لا يعطي ذلك، ولا المستعين والمستغيث ينويه، ولا يعتقده! بل المستغيث كالمتوسل ينويان طلب توسط الرسول إلي الله تعالي، فلا فرق بينهما حتي يحل أحدهما ويحرم الآخر!

علماء المذاهب الإسلامية يردون علي شذوذ ابن تيمية

رد علماء المذاهب علي آراء ابن تيمية في التجسيم وتحريم السفر إلي زيارة قبر النبي صلي الله عليه وآله، وتحريم التوسل والإستشفاع به، وألفوا فيها كتبا عديدة، من عصر ابن تيمية إلي عصر ابن عبد الوهاب.. والي يومنا.

ولا يتسع المجال هنا إلا لعرض نماذج مختصرة منها.

نماذج من ردهم علي مذهب ابن تيمية

- قال ابن عابدين في حاشية رد المحتار: 6/716:

نعم ذكر العلامة المناوي في حديث: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة، عن العز بن عبد السلام أنه ينبغي كونه مقصوراً علي النبي (ص) وأن لا يقسم علي الله بغيره، وأن يكون من خصائصه.

قال: وقال السبكي يحسن التوسل بالنبي إلي ربه، ولم ينكره أحد من السلف، ولا الخلف إلا ابن تيمية، فابتدع ما لم يقله عالم قبله. اه

ونازع العلامة ابن أمير حاج في دعوي الخصوصية، وأطال الكلام علي ذلك في الفصل الثالث عشر، آخر شرحه علي المنية، فراجعه.

- وقال الشربيني في مغني المحتاج: 1/184

خاتمة: سئل الشيخ عز الدين هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي؟

فأجاب بأنه جاء عن النبي(ص) أنه علم بعض الناس: اللهم اني أقسم عليك بنبيك محمد نبي الرحمة.. الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصورا عليه عليه الصلاة والسلام، لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم علي الله بغيره من الأنبياء والملائكة، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون هذا من خواصه. اه_. والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك.

- وقال الشرواني في حواشيه: 2 /108:

خاتمة: سئل الشيخ عز الدين: هل يكره أن يسأل الله بعظيم من خلقه كالنبي والملك والولي؟

فأجاب: بأنه جاء عن النبي (ص) أنه علم بعض الناس: اللهم إني أقسم عليك

بنبيك محمد نبي الرحمة.. الخ. فإن صح فينبغي أن يكون مقصوراً عليه عليه الصلاة والسلام، لأنه سيد ولد آدم، ولا يقسم علي لله بغيره من الأنبياء والملائكة، لأنهم ليسوا في درجته، ويكون هذا من خواصه.انتهي.

والمشهور أنه لا يكره شئ من ذلك - مغني.

وفي ع ش بعد ذكر كلام الشيخ عز الدين ما نصه: فإن قلت: هذا قد يعارض ما في البهجة وشرحها لشيخ الإسلام، والافضل استسقاؤهم بالاتقياء لأن دعاءهم أرجي للإجابة الخ.

قلت: لا تعارض لجواز أن ما ذكره العز مفروض فيما لو سأل بذلك علي صورة الألازم، كما يؤخذ من قوله: اللهم اني أقسم عليك.. الخ.

وما في البهجة وشرحها محصور بما إذا ورد علي صورة الإستشفاع والسؤال، مثل أسألك ببركة فلان، أو بحرمته أو نحو ذلك. انتهي.

مقتطفات من أهم كتب علماء المذاهب في الرد علي ابن تيمية

كتاب: ارغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي

للحافظ ابن الصديق الغماري الحسني.. الطبعة الثانية - 1412 - دار الإمام النووي - الأردن، وقد حققه وقدم له السيد حسن السقاف، ومقدمته وتحقيقه لا تقل فائدتهما عن أصل الكتاب.

- قال السقاف في مقدمته:

أما بعد: فالتوسل والإستغاثة والتشفع بسيد الانام، نبينا محمد(ص)مصباح الظلام، من الأمور المندوبات المؤكدات، وخصوصا عند المدلهمات، وعلي ذلك سار العلماء العاملون، والأولياء العابدون، والسادة المحدثون، والأئمة السالفون، كما قال السبكي فيما نقل عند صاحب فيض القدير (2/135): ويحسن التوسل والإستعانه والتشفع بالنبي إلي ربه ولم ينكر ذلك احد من السلف ولامن الخلف.. انتهي.

حتي نص السادة الحنابلة في مصنفاتهم الفقهية علي استحباب التوسل بسيدنا رسول الله(ص)، ونقلوا ذلك عن الإمام أحمد أنه استحبه كا في كتاب الإنصاف فيما ترجح من الخلاف (2/456) وغيره. ونقل ابن كثير في البداية (14/45) أن

ابن تيمية أقر أخيراً في المجلس الذي عقده له العلماء العاملون الربانيون المجاهدون بالتوسل وأصر علي إنكار الإستغاثة. مع أنه يقول في رسالة خاصة له في الاستغاثة بجوازها بالنبي فيما يقدر عليه المخلوق.

واعتمد الإمام الحافظ النووي استحباب التوسل والإستغاثة في مصنفاته، كما في حاشية الإيضاح علي المناسك له (/450) و (/498) من طبعة أخري وفي شرح المهذب المجموع (8/274) وفي الاذكار (/307) من طبعة دار الفكر، في كتاب أذكار الحج، وص (184) من طبعة المكتبة العلمية.

وهو مذهب الشافعية، وغيرهم من الأئمة المرضيين، المجمع علي جلالتهم وثقتهم.

واني أود أن أسرد بعض الأدلة من الأحاديث الصحيحة الثابتة عند علماء المسلمين وائمة الحفاظ والمحدثين، والتي لم تضرها محاولة تلاعب المتلاعبين في الطعن في أسانيدها، وغير ذلك من طرق التلاعب والتدليس التي بينتها، ومثلت عليها في بهجة الناظر في الفصل الرابع.

ولا يعرف الحق كما هو معلوم بالجعجعة وكثرة الكلام، ونفخ الكتب بتكثير عدد الصفحات، وانما يعرف الحق بالبراهين العلمية، والأدلة الواضحة الجلية، وان كانت قليلة العبارات، فهي كثيرة التعبيرات والإشارات.

وقد أرشد إلي ذلك سيدنا رسول الله صلي اللة عليه وسلم في قوله (أوتيت جوامع الكلم واختصر لي الكلام إختصاراً).

واني أبدأ بعرض بعض أدلة التوسل ثم أردفها بأدلة الاستغاثة المندوبة التي أرشدت اليها السنة الغراء فأقول:

أدلة التوسل:

1 - حديث الشفاعة المتواتر والمروي في الصحيحين وغيرهما، من أن الناس يتوسلون بسيد الأنام عند إشتداد الأمر عليهم يوم القيامة ويستغيثون به.

ولو كان التوسل والإستغاثة من الكفر والشرك لم يشفع النبي للناس يومئذ، ولا يأذن الله له بالشفاعة للمشركين والكفار، علي زعم من يكفر عباد الله بالألاف، ويحاول تهييج العامة والسذج علي من أظهر

كفر من قال بقدم العالم، المجمع علي كفر قائله ومعتقده.

وأيضاً لو كان التوسل شركاً أو كفراً لبينه سيدنا رسول الله(ص)عندما أخبر أصحابه بحديث الشفاعة. فلما لم يكن كفراً بنص الأحاديث المتواترة كان أمراً مندوباً إليه في الدنيا والآخرة، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ومن قال أن التوسل والإستغاثة كفر في الدنيا ليس كفرا في الآخرة، قلنا له: إن الكفر كفر سواء كان في الدنيا أو في الآخرة، والتوسل به قبل موته(ص)وبعد موته لا فرق. وإن ادعيت الفرق فأت لنا بدليل شرعي مخصص مقبول معتبر.

2 - حديث سيدنا عثمان بن حنيف (رض) قال: (إن رجلاً ضريرأ أتي النبي (ص)فقال ادع الله أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت وهو خير قال فادعه. فأمره أن يتوضأ ويحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء:

اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.

يا محمد إني أتوجه بك إلي ربي في حاجتي لتقضي.

اللهم شغعه في.

قال سيدنا عثمان: فعاد وقد أبصر.

رواه الترمذي والنسائي والطبراني والحاكم وأقره الذهبي والبيهقي بالأسانيد الصحيحة. وللحديث تتمة صحيحة تأتي في (إرغام المبتدع الغبي).

3 - حديث سيدنا علي رضي الله عنه وكرم وجهه: أن سيدنا النبي(ص)لما دفن فاطمة بنت أسد أم سيدنا علي رضي الله عنهما قال: اللهم بحقي وحق الأنبياء من قبلي اغفر لأمي بعد أمي. رواه الطبراني، والحاكم مختصرا، وابن حبان وغيرهم، وفي إسناده روح بن صلاح قال الحاكم: ثقة، وضعفه بعضهم،والحديث صحيح.

4 - وروي الإمام البخاري في صحيحه: أن سيدنا عمر (رض) استسقي عام الرمادة بالعباس عم النبي(ص)ومن قوله توسلاً به: اللهم إنا كنا نتوسل اليك بنبينا(ص)، وإنا نتوسل اليك بعم نبينا. قال

فيسقون. وفي الحديث إثبات التوسل به(ص)وبيان جواز التوسل بغيره، كالصالحين من آل البيت ومن غيرهم. كما قال الحافظ في فتح الباري (2/497)

وأما أدلة الإستغاثة:

1 - فما روي البخاري في صحيحه وغيره من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما في حديث الشفاعة بلفظ (إن الشمس تدنو يوم القيامة حتي يبلغ العرق نصف الأذن فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسي ثم بمحمد (ص)فيشفع ليقضي بين الخلق فيمشي حتي يأخذ بحلقة الباب، فيومئذ يبعثه الله مقاماً محموداً يحمده أهل الجمع كلهم).

وهذا صريح في الإستغاثة، وهي عامة في جميع الأحوال، مع لفت النظر أنه (ص)حي في قبره يبلغه سلام من يسلم عليه وكلام من يستغيث به لأن الأعمال تعرض عليه كما صح فيدعو الله لاصحاب الحاجات.

2 - روي الإمام أحمد بسند حسن كما قال الإمام الحافظ ابن حجر في الفتح (8/579) عن الحارث بن حسان البكري (رض) قال: خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلي رسول الله(ص).. الحديث، وفيه: فقلت أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد.

قال أي سيدنا رسول الله - وما وافد عاد؟ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه... الحديث.

وقد استغاث الرجل بالله وبرسوله ولم يكفره سيدنا رسول الله(ص). وقد خالف الألباني ذلك فكفر كل مستغيث به(ص)كما في توسله/7 الطبعة الثانية، وقلده في هذه البدعة أصحابه والمتعصبون له، وأنكروا علي من كفر من العلماء مثبت قدم العالم نوعاً، ومن قال بالحد والجهة والإستقرار وغير ذلك من طامات! نسأل الله لهم الهداية، وأن يردهم إلي دينه وإلي الحق رداً جميلاً، وأن يخلصهم من أهوائهم وعنادهم الذي بنوه علي سوء فهم كبيرهم الذي علمهم السحر، أو فساد قصده وقد يجتمعان.

3

- قوله(ص)في حديث الأعمي الصحيح عندما علم الرجل أن يقول: (يا محمد إني أتوجه بك إلي الله). وهذه إستغاثة صريحة، وقد اعتمدها العلماء المحدثون والحفاظ في كتب السنة في صلاة الحاجة، حاثين الأمة عليها.

4 - جاء في البخاري أن النبي(ص)قص علي أصحابه قصة السيدة هاجر هي وابنها في مكة قبل أن تبني الكعبة، بعد أن تركهما سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي ما قصه: أنها لما سمعت صوتا عند الطفل قالت: إن كنت ذا غوث فأغث، فاستغاثت فاذا بجبريل عليه السلام فغمز الأرض بعقبه فخرجت زمزم. ولم يقل النبي(ص)انها كفرت، كما يزعم الألباني، ولم ينبه أن تلك الإستغاثة منها كفر البتة. وهي تعلم أن صاحب الصوت لن يكون رب العالمين المنزه عن الزمان والمكان.

وهناك أدلة كثيرة بجواز التوسل والإستغاثة وندبهما أفردتها برسالة خاصة أسميتها (الإغاثة بأدلة الإستغاثة) وقد اقتصرت هنا علي بعضها، وفيها بيان لمن ألقي السمع وهو شهيد، هذا إذا كان قلبه نظيفا لا يحب رمي عباد الله بالشرك بمجرد مخالفتهم لمزاجه، وأراد اقتفاء النبي(ص).

وأختم الإستدلال ببيان مسألة هامة جدا وهي إستدلال أخير علي التوسل والإستغاثة من أحد الصحابة بعد وفاة النبي(ص)، وإقرار الباقين من الصحابة له وعلي رأسهم سيدنا عمر بن الخطاب (رض)، وهو ما ذكره الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري (2/495) حيث قال: روي ابن ابي شيبة بإسناد صحيح (وصححه أيضاً ابن كثير في البداية والنهاية 7/92 من طريق البيهقي) عن أبي صالح السمان عن مالك الدار، وكان خازن عمر قال: أصاب الناس قحط شديد في زمن عمر فجاء رجل إلي قبر النبي(ص)فقال يارسول الله استسق لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتي الرجل في المنام فقيل له ائت

عمر وأقرئه السلام وأخبره أنهم يسقون. اسناده صحيح.

وقد ضعف هذا الأثر الصحيح الألباني بحجج أوهي من بيت العنكبوت في توسله/(119 - 121) وزعم أن مالك الدار مجهول.

ونقل ترجمته من كتاب الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فقط، ليوهم قراءة أنه لم يرو عنه إلا رجل واحد وهو أبو صالح السمان، وقد تقرر عند الألباني بما ينقله عن بعض العلماء من غير المتفق عليه أن الرجل يبقي مجهولاً حتي يروي عنه اثنان فأكثر. ثم قال لينصر هواه ان المنذري والهيثمي لم يعرفا مالك الدار، فهو مجهول، ولا يصح السند لوجود مجهول فيه. ثم تبجح قائلا: وهذا علم دقيق لا يعرفه إلا من مارس هذه الصناعة.

ونحن نقول له: بل هذا تدليس وغش وخيانة لا يدريه إلا من امتلأ قلبه حقداً وعداء علي السنة والتوحيد وأهلهما.

وقد تبعه علي هذا الغش والتدليس وزاد عليه أحد الاغبياء المتعصبين اللاهثين وراء بريق الدراهم في كتاب له ملأه من هذه البضاعة، تخيل فيه أنه رد التوسل وهيهات، وهو لم يقرأ العلوم وخاصة ملحها الإعراب علي أحد، ولم يكن له في حياته أستاذ يهذب أو شيخ يدرب، إلا التلقي من صفحات دفاتر هذا الألباني. ونقول في بيان نسف ما قاله الألباني من جهالة مالك الد ار:

إذا صرح المنذري والهيثمي بأنهما لا يعرفانه فنقول للباحث عن الحق اذن لم يصرحا بتوثيق له أو تجريح، لأنهما لا يعرفانه.

لكن هناك من يعرفه وهم ابن سعد والبخاري وعلي ابن المديني وابن حبان والحافظ ابن حجر العسقلاني وغيرهم. فهل يا ألباني ينقل كلام من عرفه أم كلام من جهله؟! العجيب أن الالباني يحبذ كلام من جهل حاله، ويختاره ويفضله علي كلام من علم

حاله، الذي يستره الألباني ولا يحب أن يطلع عليه أحد!!

وما سأنقله من أقوال الأئمة الحفاظ الذين عرفوه في توثيقه كاف في اثبات ما يقوله السيد عبد الله الغماري وغيره من المحدثين والمشتغلين في علم الحديث من أن الالباني يعرف الصواب في كثير من الأمور، لكنه غاش مدلس خائن مضلل لا يؤتمن علي حديث واحد.

وقد صرح بذلك كثير من أهل العلم كالسيد أحمد الغماري والسيد عبد الله والسيد عبد العزيز المحدثون، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والمحدث حبيب الرحمن الأعظمي محدث الهند والباكستان، والشيخ اسماعيل الأنصاري، والشيخ محمد عوامة، والشيخ محمود سعيد، والشيخ شعيب الأرناؤوط، وغيرهم عشرات من أهل هذا الفن والمشتغلين به.

فأهل الحديث شهدوا بأن هذا الرجل لا يعتمد كلامه في التصحيح والتضعيف، لأنه يصحح ويضعف حسب الهوي والمزاج، وليس حسب القواعد العلمية!!

ومن تتبع أقواله وما يكتبه تحقق ذلك.

ويكفيني أن أقول في مالك الدار ان ابن سعد قال في الطبقات (5/12): مالك الدار مولي عمر بن الخطاب، روي عن أبي بكر وعمر، ثم قال وكان معروفاً.

وقال الحافظ ابن حجر في الإصابة في ترجمته ترجمة رقم (8356):

له ادراك، أي أنه معدود من الصحابة. ويكفيه في ذلك توثيقا، ثم ذكر أنه روي عنه أربعة رجال وهم أبو صالح السمان، وابناه عون وعبد الله ابنا مالك، وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع المخزومي.

ثم قال: قال علي بن المديني: كان مالك الدار خازناً لعمر اه، بمعناه ملخصا.

وبذلك نعلم أن سيدنا عمر وسيدنا عثمان قد وثقاه اذ قد ولياه بيت مال المسلمين وفي ذلك أقوي توثيق له أيضاً.

وقد نقل الحافظ الخليلي في كتابه الإرشاد الإتفاق عل توثيق مالك الدار فقال

هناك: متفق عليه أثني عليه التابعون!! فقد ذهب كلام الألباني هباء.

وللموضوع توسع في رسالة لنا خاصة أسميناها بالباهر. والله يقول الحق وهو يهدي السبيل. انتهي.

- وقال الصديق المغربي في كتابه المذكور/11:

وبعد، فإن الشيخ الألباني سامحه الله تعالي صاحب غرض وهوي، إذا رأي حديثا أو أثراً لا يوافق هواه فانه يسعي في تضعيفه بأسلوب فيه تدليس وغش، ليوهم قراءه أنه مصيب، مع أنه مخطئ بل خاطئ غاش، وبأسلوبه هذا ضلل كثيراً من أصحابه الذين يثقون به ويظنون أنه علي صواب، والواقع خلاف ذلك.

ومن المخدوعين به من يدعي حمدي السلفي الذي يحقق المعجم الكبير، فقد أقدم بجرأة علي تضعيف أثر صحيح لم يوافق هواه كما لم يوافق هوي شيخه، وكان كلامه في تضعيفه هو كلام شيخه نفسه.

فأردت أن أرد الحق إلي نصابه، ببيان بطلان كلام الخادع والمخدوع به، وعلي الله اعتمادي، وإليه تفويضي واستنادي.

روي الطبراني في المعجم الكبير (9/17) من طريق ابن وهب عن شبيب عن روح بن القاسم عن ابي جعفر الخطمي المدني عن ابي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف (رض): أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان (رض) في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي عثمان بن حنيف فشكا إليه ذلك، فقال له عثمان بن حنيف: ائت الميضأة فتوضأ ثم ائت المسجد، فصل فيه ركعتين، ثم قل: اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبيك محمد(ص)نبي الرحمة، يا محمد اني أتوجه بك إلي ربي فتقضي لي حاجتي، وتذكر حاجتك، ورح إلي حتي أروح معك.

فانطلق الرجل فصنع ما قال له، ثم أتي باب عثمان بن عفان فجاء البواب حتي

أخذ بيده، فأدخله علي عثمان بن عفان فأجلسه معه علي الطنفسة، وقال له ما حاجتك فذكر حاجته، فقضاها له، ثم قال: ما ذكرت حاجتك حتي كانت هذه الساعة، وقال: ما كانت لك من حاجة فائتنا.

ثم ان الرجل خرج من عنده فلقي عثمان بن حنيف، فقال له: جزاك الله خيراً، ما كان ينظر في حاجتي ولا يلتفت الي حتي كلمته في.

فقال عثمان بن حنيف: والله ما كلمته، ولكن شهدت رسول الله(ص)وأتاه رجل ضرير فشكا إليه ذهاب بصره، فقال له النبي (ص): أو تصبر؟ فقال: يا رسول الله انه ليس لي قائد وقد شق علي.

فقال له النبي(ص): ائت الميضأة فتوضأ ثم صل ركعتين، ثم ادع بهذه الدعوات!

قال عثمان بن حنيف: فوالله ما تفرقنا وطال بنا الحديث، حتي دخل علينا الرجل كأنه لم يكن به ضر، قط. صححه الطبراني، وتعقبه حمدي السلفي بقوله: لا شك في صحة الحديث المرفوع، وإنما الشك في هذه القصة التي يستدل بها علي التوسل المبتدع، وهي انفرد بها شبيب كما قال الطبراني، وشبيب لا بأس بحديثه، بشرطين: أن يكون من رواية ابنه أحمد عنه، وأن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد.

والحديث رواه عن شبيب ابن وهب وولداه اسماعيل واحمد، وقد تكلم الثقات في رواية ابن وهب عن شبيب، في شبيب، وابنه اسماعيل لا يعرف، وأحمد وان روي القصة عن أبيه إلا أنها ليست من طريق يونس بن يزيد، ثم اختلف فيها علي احمد، ورواه ابن السني في عمل اليوم والليلة، والحاكم من ثلاثة طرق بدون ذكر القصة، ورواه الحاكم من طريق عون بن عمارة البصري عن روح بن القاسم به، قال شيخنا محمد ناصر الدين الألباني:

وعون هذا وان كان ضعيفا فروايته أولي من رواية شبيب لموافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة عن أبي جعفر الخطمي. ا ه.

وفي هذا الكلام تدليس وتحريف نبينه فيما يلي:

أولا: هذه القصة رواها البيهقي في دلائل النبوة من طريق يعقوب بن سفيان حدثنا أحمد بن شبيب بن سعيد ثنا أبي عن روح بن القاسم عن أبي جعفر الخطمي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن عمه عثمان بن حنيف، أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان (رض)، فذكر القصة بتمامها.

ويعقوب بن سفيان هو الفسوي الحافظ الإمام الثقة، بل هو فوق الثقة، وهذا اسناد صحيح البخاري، ومعني ذلك أنها صحيحة، وهذا الذي يوافق كلام الحافظ، ويبطل ما استنبطه الألباني من كلام الحافظ في مقدمة فتح الباري فليتأمل.

ان الحفاظ أيضاً صححوا هذه القصة، كالمنذري في الترغيب والترهيب (1/476) باقراره للطبراني، والهيثمي في مجمع الزوائد (2/279) أيضاً، وقبلهما الإمام الحافظ الطبراني في معجمه الصغير (1/307 الروض الداني) وغيرهم.

ثانياً: أحمد بن شبيب من رجال البخاري، روي عنه في الصحيح، وفي الأدب المفرد.

ووثقه ابوحاتم الرازي وكتب عنه هو وأبو زرعة، وقال ابن عدي: وثقه أهل البصرة وكتب عنه علي ابن المديني. وأبوه شبيب بن سعيد التميمي الحبطي البصري أبو سعيد من رجال البخاري أيضاً، روي عنه في الصحيح وفي الأدب المفرد.

ووثقه ابوزرعة وأبو حاتم والنسائي والذهلي والدارقطني والطبراني في الأوسط. قال أبو حاتم: كان عنده كتب يونس بن زيد، وهو صالح الحديث لا بأس به. وقال ابن عدي: ولشبيب نسخة الزهري عنده عن يونس عن الزهري أحاديث مستقيمة. وقال ابن المديني: ثقة كان يختلف في تجارة إلي مصر وكتابه كتاب صحيح، هذا

ما يتعلق بتوثيق شبيب، وليس فيه اشتراط صحة روايته بأن تكون عن يونس بن يزيد، بل صرح ابن المديني بأنه كتابه صحيح. وابن عدي انما تكلم علي نسخة الزهري عن شبيب فقط، ولم يقصد جميع رواياته!!

فما ادعاه الألباني تدليس وخيانة، يؤكد ذلك أن حديث الضرير صححه الحفاظ ولم يروه شبيب عن يونس عن الزهري!! وانما رواه عن روح بن القاسم!!

ودعواه ضعف القصة بالإختلاف فيها، حيث لم يذكرها بعض الرواة عند ابن السني والحاكم، لون آخر من التدليس! لأن من المعلوم عند أهل العلم أن بعض الرواة يروي الحديث وما يتصل به كاملاً، وبعضهم يختصر منه بحسب الحاجة، والبخاري يفعل هذا أيضاً، فكثيرا ما يذكر الحديث مختصرا أو يوجد عند غيره تاماً.

والذي ذكر القصة في رواية البيهقي امام فذ يقول عنه ابو زرعة الدمشقي: قدم علينا رجلان من نبلاء الناس أحدهما وأرحلهما يعقوب بن سفيان يعجز أهل العراق أن يرو مثله رجلا.

وتقديمه رواية عون الضعيف علي من زاد القصة، لون ثالث من التدليس والغش.

فإن الحاكم روي حديث الضرير من طريق عون مختصرا، ثم قال: تابعه شبيب ابن سعيد الحبطي عن روح بن القاسم زيادات في المتن والإسناد، والقول فيه قول شبيب فانه ثقة مأمون، هذا كلام الحاكم، وهو يؤكد ما تقرر عند علماء الحديث والأصول أن زيادة الثقة مقبولة، وأن من حفظ حجة علي من لم يحفظ!

والألباني رأي كلام الحاكم لكن لم يعجبه لذلك ضرب عنه صفحاً، وتمسك بأولوية رواية عون الضعيف عنادا وخيانة.

ثالثا: تبين مما أوردناه وحققناه في كشف تدليس الالباني وغشه، أن القصة صحيحة جدا، رغم محاولاته وتدليساته، وهي تفيد جواز التوسل بالنبي(ص) بعد انتقاله، لأن الصحابي

راوي الحديث فهم ذلك،وفهم الراوي له قيمته العلمية، وله وزنه في مجال الإستنباط.

وانما قلنا ان القصة من فهم الصحابي علي سبيل التنزل، والحقيقة أن ما فعله عثمان بن حنيف من ارشاده الرجل إلي التوسل، كان تنفيذا لما سمعه من النبي (ص)، كما ثبت في حديث الضرير.

قال ابن أبي خيثمة في تاريخه: حدثنا مسلم بن ابراهيم ثنا حماد بن سلمة أنا أبو جعفر الخطمي عن عمارة بن خزيمة عن عثمان بن حنيف (رض): أن رجلا أعمي أتي النبي(ص)فقال: إني أصبت في بصري فادع الله لي قال:

إذهب فتوضأ وصل ركعتين ثم قل:

اللهم إني أسألك وأتوجه اليك بنبيي محمد نبي الرحمة. يا محمد إني أستشفع بك إلي ربي في رد بصري. اللهم فشفعني في نفسي، وشفع نبيي في رد بصري.

وإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك. إسناده صحيح.

والجملة الأخيرة من الحديث تصرح بإذن النبي(ص)في التوسل به عند عروض حاجة تقتضيه.

وقد أعل ابن تيمية هذه الجملة بعلل واهية. بينت بطلانها في غير هذا المحل. وابن تيمية جرئ في رد الحديث الذي لا يوافق غرضه، ولو كان في الصحيح!!

مثال ذلك: روي البخاري في صحيحه حديث (كان الله ولم يكن شئ غيره) وهو موافق لدلائل النقل والعقل والإجماع المتيقن، لكنه خالف رأيه في إعتقاده قدم العالم، فعمد إلي رواية للبخاري أيضاً في هذا الحديث بلفظ (كان الله ولم يكن شئ قبله) فرجحها علي الرواية المذكورة، بدعوي أنها توافق الحديث الآخر (أنت الأول فليس قبلك شئ).

قال الحافظ ابن حجر: مع أن قضية الجمع بين الروايتين تقتضي حمل هذه الرواية علي الأولي لا العكس، والجمع مقدم عل الترجيح بالإتفاق.

قلت: تعصبه لرأيه أعماه عن فهم

الروايتين اللتين لم يكن بينهما تعارض...

مثال ثان: حديث أمر رسول الله(ص)بسد الأبواب الشارعة في المسجد، وترك باب علي عليه السلام، حديث صحيح، أخطأ ابن الجوزي بذكره في الموضوعات. ورد عليه الحافظ في القول المسدد.

وابن تيمية لإنحرافه عن علي عليه السلام كما هو معلوم، لم يكفه حكم ابن الجوزي بوضعه، فزاد من كيسه حكاية اتفاق المحدثين علي وضعه!!

وأمثلة رده للأحاديث التي يردها لمخالفة رأيه كثيرة، يعسر تتبعها.

رابعا: ونقول علي سبيل التنزل: لو فرضنا أن القصة ضعيفة تطييبا لخاطر الألباني، وأن رواية ابن أبي خيثمة معلولة كما في محاولة ابن تيمية، قلنا: في حديث توسل الضرير كفاية وغناء، لأن النبي حين علم الضرير ذلك التوسل، دل علي مشروعيته في جميع الحالات.

ولا يجوز أن يقال عنه: توسل مبتدع! ولا يحوز تخصيصه بحال حياته(ص)، ومن خصصه فهو المبتدع حقيقة، لأنه عطل حديثا صحيحاً وأبطل العمل به، وهو حرام.

والألباني عفا الله عنه جرئ علي دعوي التخصيص والنسخ لمجرد خلاف رأيه وهواه. فحديث الضرير لو كان خاصا به، لبينه النبي(ص)، كما بين لأبي بردة أن الجذعة من المعز تجزيه في الأضحية، ولا تجزي غيره، كما في الصحيحين. وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.

اعتذار وجوابه:

قد يقال: الداعي إلي تخصيص الحديث بحال حياة النبي صلي الله عليه وآله ما فيه من ندائه، وهو عذر مقبول.

والجواب: أن هذا اعتذار مردود، لأنه تواتر عن النبي صلي عليه وسلم تعليم التشهد في الصلاة، وفيه السلام عليه بالخطاب ونداؤه (السلام عليك أيها النبي) وبهذه الصيغة علمه علي المنبر النبوي أبو بكر وعمر، وابن الزبير، ومعاوية، واستقر عليه الإجماع، كما يقول ابن حزم، وابن تيمية!

والألباني لإبتداعه خالف

هذا كله، وتمسك بقول ابن مسعود، فلما مات قلنا السلام علي النبي، ومخالفة التواتر والإجماع، هي عين الإبتداع.

مع أنه صح عن النبي(ص)أن أعمالنا تعرض عليه، وكذلك صلاتنا عليه(ص)، تعرض عليه.

وثبت أن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغونه سلام أمته.

وثبت بالتواتر والإجماع أن النبي(ص)حي في قبره، وأن جسده الشريف لا يبلي، فكيف يمتنع مع هذا نداؤه في التوسل به، وهل هو إلا مثل ندائه في التشهد؟!!

ولكن الألباني عنيد شديد العناد، والألبانيون عندهم عناد، وصلابة في الرأي، أخبرني بذلك عالم ألباني حضر علي في تفسير البيضاوي وشرح التحرير لابن أمير الحاج، وكان وديعا هادئ الطبع، وهو تلميذ لي.

هذا موجز ردنا لدعوي الألباني. أما من يدعي حمدي السلفي فليس هناك، وإنما هو مجرد مخدوع يردد الصدا.

الحاق: قال الدرامي في سننه:

حدثنا أبو النعمان ثنا سعيد بن زيد ثنا عمرو بن مالك النكري حدثنا ابوالجوزاء اوس بن عبد اللة قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً، فشكوا إلي عائشة، فقالت انظروا قبر النبي(ص)فافتحوا منه كوي إلي السماء حتي لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا. فمطرنا مطرا حتي نبت العشب وسمنت الإبل حتي تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق.

ضعف الألباني هذا الأثر بسعيد بن زيد، وهو مردود لأن سعيداً من رجال مسلم ووثقه يجيي بن معين وضعفه أيضاً بإختلاط ابي النعمان، وهو تضعيف غير صحيح لأن إختلاط أبي النعمان لم يؤثر في روايته، قال الدارقطني: تغير بأخرة. وما ظهر له بعد اختلاط حديثٌ منكر، وهو ثقة. وقول ابن حبان: وقع في حديثه المناكير الكثيرة بعد إختلاطه، رده الذهبي فقال: لم يقدر ابن حبان أن يسوق له حديثا منكراً والقول فيه ما قال الدارقطني

(45)، وابن تيمية كذب أثر عائشة، ولا عبرة به لجرأته علي تكذيب ما يخالف هواه.

والحمد لله رب العالمين. انتهي.

كتاب (التوسل بالنبي و جهلة الوهابيين)

تأليف أبي حامد المرزوق - طبعة مكتبة ايشيق في إستانبول

قال في/24:

وانما جر هذا المبتدع ومن انخدع بأباطيله هذه، أنه لم يحقق معني العبادة شرعاً كما يدل عليه استقراء موارد هذه اللفظة في كلام الله تعالي ورسوله صلي الله تعالي عليه وسلم، فظن أن التوسل برسول الله صلي الله تعالي عليه وسلم وسائر الصالحين والإستغاثة بهم، مع استقرار القلب علي أنهم أسباب لا إستقلال لهم بنفع ولا ضر، وليس لهم من الربوبية شئ، ولكن الله جعلهم مفاتيح لخيره ومنابع لبره وسحبا يمطر منها علي عباده أنواع خيره.. ظن أن ذلك وما إليه من الشرك المخرج عن الملة.

ومن رافقه التوفيق وفارقه الخذلان ونظر في المسألة نظر الباحث المنصف علم يقينا لا تخالطه ريبة أن مسمي العبادة شرعاً لا يدخل فيه شئ مما عده من توسل واستغاثة وغيرهما، بل لا يشتبه بالعبادة أصلاً فإن كل ما يدل علي التعظيم لا يكون من العبادة إلا إذا اقترن به اعتقاد الربوبية لذلك المعظم، أو صفة من صفاتها الخاصة بها. ألا تري الجندي يقوم بين يدي رئيسه ساعة وساعات احتراما له وتأدبا معه، فلا يكون هذا القيام عبادة للرئيس شرعاً ولا لغةً، ويقوم المصلي بين يدي ربه في صلاة بضع دقائق أو بعضها، قدر ما يقرأ الفاتحة، فيكون هذا القيام عبادة شرعا؟! وسر ذلك أن هذ القيام وإن قلت مسافته مقترن باعتقاد القائم ربوبية من قام له، ولا يقارن ذاك القيام هذا الإعتقاد. ا ه_.

وقد اطلعت علي كلام لابن تيمية في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية مفرق

في أربعة مواضع من كتبه، أذكره كله ليراه القراء، ثم أبطله:

1 - قال في الجزء الأول من فتاواه/219، في تفسير قوله صلي الله تعالي عليه وسلم: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد) والمعني أن صاحب الجد لا ينفعه منك جده، ألا ينجيه ويخلصه منك جده، وإنما ينجيه الإيمان والعمل الصالح، والجد هو الغني وهو العظمة وهو المال، (إلي أن قال) فبين في هذا الحديث أصلين عظيمين أحدهما، توحيد الربوبية، وهو أن لا معطي لما منع الله ولا مانع لما أعطاه ولا يتوكل إلا عليه ولا يسأل إلا هو.

والثاني، توحيد الإلهية، وهو بيان ما ينفع وما لا ينفع، وأنه ليس كل من أعطي مالا أو دنيا أو رئاسة، كان ذلك نافعاً عند الله منجياً له من عذابه، فإن الله تعالي يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الإيمان إلا من يحب (إلي أن قال): وتوحيد الإلهية أن يعبد الله ولا يشرك به شيئاً فيطيعه ويطيع رسله ويفعل ما يحبه ويرضاه.

وأما توحيد الربوبية فيدخل ما قدره وقضاه، وان لم يكن مما أمر به وأوجبه أرضاه، والعبد مأمور بأن يعبد الله ويفعل ما أمر به وهو توحيد الإلهية ويستغفر الله علي ذلك وهو توحيد له فيقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) اه.

2 - وقال في الجزء الثاني من فتاواه/275:

فإن المقصود هنا بيان حال العبد المحض لله تعالي الذي يعبده ويستعينه فيعمل له ويستعينه، ويحقق قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية، وان كانت الإلهية تتضمن الربوبية والربوبية تستلزم الإلهية فإن أحدهما إذا تضمن الآخر عند الإنفراد لم يمنع أن يختص بمعني عند الإقتران، كما في قوله: (قُلْ أَعُوذُ

بِرَبِّ النَّاسِ. الخ) فجمع بين الإسمين، فإن الإله هو المعبود الذي يستحق أن يعبد، والرب هو الذي يرب عبده ا ه.

3 - وقال في الجزء الثاني من منهاج السنة/62، بعد ثرثرة ذم فيها جميع فرق المسلمين من المتكلمين، مصرحا بأنهم عبدوا غير الله لجهلهم توحيد الألوهية وإثبات حقائق أسماء الله، ما نصه:

فانهم قصروا عن معرفة الأدلة العقلية التي ذكرها الله في كتابه فعدلوا عنها إلي طرق أخري مبتدعة فيها من الباطل ما لأجله خرجوا عن بعض الحق المشترك بينهم وبين غيرهم، ودخلوا في بعض الباطل المبدع، وأخرجوا من التوحيد ما هو منه كتوحيد الإلهية، واثبات حقائق أسماء الله وصفاته، ولم يعرفوا من التوحيد إلا توحيد الربوبية، وهو الإقرار بأن الله خالق كل شئ وهذا التوحيد كان يقر به المشركون الذين قال الله عنهم (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ)، وقال تعالي: (قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ. سَيَقُولُونَ للهِ، الآيات). وقال عنهم: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ.) فالطائفة من السلف تقول لهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله، وهم مع ذلك يعبدون غيره، وإنما التوحيد الذي أمر الله به العباد هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية، بأن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً، فيكون الدين كله لله ا ه.

4 - وقال في رسالة أهل الصفة/34: توحيد الربوبية وحده لا ينفي الكفر ولا يكفي ا ه.

أقول: قد لبس ابن تيمية في تآليفه علي العامة وأشباههم من المتفقهة كثيراً بالسلف الصالح والكتاب والسنة، لترويج هواه في سوقهم!

ولكنه في هذا الكلام صرح بهواه ولم يلصقه بهما ولا بالسلف، وإني بحول الله وتوفيقه أكيل له

بصاعه الذي لبس به علي البسطاء كيلاً حقيقياً وافياً، مبرهنا فأقول:

كلامه هذا في الأربعة المواضع بالطل باثنين وثلاثين وجها.

الوجه الأول: لم يقل الإمام احمد بن حنبل الذي انتسب إليه كذبا لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا تعتبر معرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وهذا عقيدة الإمام أحمد مدونة في مصنفات أتباعه في مناقبه لإبن الجوزي وفي غيره ليس فيه هذا الهذيان.

الوجه الثاني: لم يقل أي واحد من أتباع التابعين لأصحابه ان التوحيد قسمان: توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، فلو اجتمع معه الثقلان علي إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.

الوجه الثالث: لم يقل أي واحد من التابعين لأصحابه ان التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، فلو اجتمع معه الثقلان علي إثباته عن أي واحد منهم لا يستطيعون.

الوجه الرابع: لم يقل أي صحابي من أصحاب النبي صلي الله تعالي عليه وسلم ورضي عنهم ان التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وأن من لم يعرف توحيد الألوهية لا يعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية لأن هذا يعرفه المشركون، وإني اتحدي كل من له المام بالعلم أن ينقل لنا هذا التقسيم المخترع عنهم، ولو برواية واهية.

الوجه الخامس: لم يأت في سنة النبي صلي الله تعالي عليه وسلم الواسعة التي هي بيان لكتاب الله عز وجل من صحاح وسنن ومسانيد ومعاجم، أن النبي صلي الله تعالي عليه وسلم كان يقول لأصحابه ويعلمهم أن التوحيد ينقسم إلي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية، وان من لم يعرف توحيد الألوهية لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، لأن هذا يعرفه

المشركون، فلو اجتمع معه الثقلان علي اثبات هذا الهذيان عن النبي صلي الله تعالي عليه وسلم باسناد ولو واهياً لا يستعطيون.

الوجه السادس: بل كتب السنة طافحة بأن دعوته(ص)الناس إلي الله كانت إلي شهادة ان لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله وخلع عبادة الأوثان، ومن أشهرها حديث معاذ بن جبل لما أرسله النبي صلي الله تعالي عليه وسلم إلي اليمن فقال له: (ادعهم إلي شهادة أن لا اله إلا الله وان محمدا رسول الله فإن هم أطاعوا لذلك فأخبرهم أن عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة - الحديث).

وروي الخمسة وصححه ابن حبان أنه(ص)أخبره أعرابي برؤية الهلال، فأمر بالصيام ولم يسأله النبي(ص)إلا عن الإقرار بالشهادتين، وكان اللازم علي هذيانه هذا أن يدعو النبي صلي الله تعالي عليه وسلم جميع الناس إلي توحيد الألوهية الذي جهلوه، وأما توحيد الربوبية فقد عرفوه! ويقول لمعاذا ادعهم إلي توحيد الألوهية! ويقول للأعرابي الذي رأي هلال رمضان هل تعرف توحيد الألوهية؟!

الوجه السابع: لم يأمر الله في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عباده بتوحيد الألوهية، ولم يقل لهم ان من لم يعرفه لايعتد بمعرفته لتوحيد الربوبية، بل أمر وهو:

الوجه الثامن: بكلمة التوحيد مطلقة، قال الله تبارك وتعالي مخاطبا نبيه صلي الله تعالي عليه وسلم (فاعلم أنه لا اله إلا الله) وهكذا جميع آيات التوحيد المذكورة في القرآن، مع سورة الإخلاص التي تعدل ثلث القرآن.

الوجه التاسع: يلزم علي هذا الهذيان علي الله تبارك وتعالي لعباده حيث عرفوا كلهم توحيد الربوبية ولم يعرفوا توحيد الألوهية - أن يبينه لهم ولا يضلهم ولا يعذ بهم علي جهلهم نصف التوحيد ولا يقول لهم:

(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًا) نعوذ بالله من زلقات اللسان وفساد الجنان.

الوجه العاشر: الإله هو الرب والرب هو الإله، فهما متلازمان يقع كل منهما في موضع الآخر، وكتاب الله تعالي طافح بذلك، وكذلك سنته عليه الصلاة والسلام، قال الله تبارك وتعالي: (يَأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ) وكان اللازم - علي زعمه - حيث كانوا يعرفون توحيد الربوبية ولا يعرفون توحيد الألوهية أن يقول الله: (إعبدوا الهكم)!!

وقال الله تعالي: (أَلَمْ تَرَ إِلَي الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ - الآية)، وكان اللازم - علي زعمه حيث كان النمرود يعرف توحيد الربوبية ويجهل توحيد الألوهية - أن يقول الله تعالي: (ألم تر إلي الذي حاج ابراهيم في إلهه)!!

وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ) اتقوا إلهكم!!

وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ)، هل يستطيع إلهك، وكان اللازم علي زعمه أن يقول الله في قوله تعالي: (ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) ثم الذين كفروا بالههم يعدلون! لأن الرب يعرفونه، وهو شئ كثير في القرآن...

الوجه الثلاثون: جعله التوسل والإستغاثة عبادة للمتوسل به والمستغاث به والمستعان به!!...

قوله (وهم مع ذلك يعبدون غيره) فاسد أيضاً ومعناه يقول أحمد بن تيمية الملبس بلفظ (الطائفة) والملبس أيضاً المدعي أنه (من السلف) للمالكية والشافعية والحنفية ومستقيمي العقيدة من الحنابلة (من خلق السموات والأرض فيقولون الله) وهم مع إعترافهم بتوحيد الربوبية مشركون في رأيه لأنهم (يعبدون غيره)،

أي يتوسلون بالنبي صلي الله تعالي عليه وسلم وبالصالحين من أمته ويستغيثون ويستعينون بهم، وكل من التوسل والإستعانة والإستغاثة عبادة غير الله تعالي في زعمه!!

وقد اعتمد في تكفير المسلمين بهذه الالفاظ علي إرادة نفع جاه المتوسل به أو المستغاث به مثلاً، قياساً علي عبدة الأوثان بجامع الإرادة المذكورة في كل، وهو قياس فاسد من ستة أوجه:

الأول: جهله حقيقة العبادة، فإن العبادة لغة: أقصي نهاية الخضوع والتذلل بشرط نية التقرب، ولا يكون ذلك إلا لمن له غاية التعظيم، فقد تبين منه أن العبادة لغة لا تطلق إلا علي العمل الدال علي الخضوع المتقرب به لمن يعظمه بإعتقاد تأثيره في النفع والضر، أو اعتقاد الجاه العظيم الذي ينفعه في الدنياوالآخرة، وهي التي نهي الله سبحانه وتعالي عن أن تقع لغيره، وكفر من لم ينته عنها، وما قصر عن هذه المرتبة لايقال فيه عبادة لغير الله.

وشرعاً: إمتثال أمر الله كما أمر علي الوجه المأمور به من أجل أنه أمر، مع المبادرة بغاية الحب والخضوع والتعظيم، فاعتبر فيها ما اعتبر في اللغوية من الخضوع والتذلل والتعظيم.

فاللغوية غير مقيدة بعمل مخصوص والشرعية مقيدة بالأعمال المأمور بها فكانت جارية علي الأعم الأغلب في الحقائق الشرعية من كونها أخص من اللغوية.

ومن أجل اختصاصها بالمأمور به خرجت عبادة اليهودي مثلاً، لأنه وإن تمسك بشريعة إلا أنها لما كانت منسوخة كانت كأن لم تكن، وعبادة المبتدع في الدين ما ليس منه، فالله سبحانه لما نهي الكفار عما هم مشتغلون به من عبادة غيره، ووبخهم علي وضع الشئ في غير محله وتعظيمهم غير أهله، وبين لهم بالدلائل الواضحة عدم صلوحية ما اتخذوه من دونه لما اتخذوه إليه، وكان الحامل لهم

علي ذلك اتباع أهوائهم، والإسترسال مع أغراضهم، وذلك مناف لعبوديتهم، إذا العبد لا يتصرف في نفسه بمقتضي شهوته وغرضه، وإنما يتصرف علي مقتضي أمر سيده ونهيه، قصد سبحانه أن يخرجهم عن داعية أهوائهم واتباع أغراضهم، حتي يكونوا عبيدا لله تعالي، اختيارا كما هم عبيد له اضطرارا، فوضع لهم الشريعة المطهرة وبين لهم الأعمال التي تعبدهم بها، والطرق التي توصلهم إلي منافعهم ومصالحهم علي الوجه الذي ارتضاه لهم، ونهاهم عن مجاوزة ما حد لهم...

وعلي هذا فشرط كونها عبادة نية التقرب للمعبود، فالسجود لايكون عبادة ولا كفراً إلا تبعاً للنية، فسجود الملائكة عليهم الصلاة والسلام لآدم عليه الصلاة والسلام عبادة لله لأنه امتثال لأمره وتقرب وتعظيم له، والسجود للصنم كفر إذا قصد به التقرب إليه اذ هو عبادة لغير الله، وكذا يحكم عليه به عند جهل قصده أو إنكاره لأنه علامة علي الكفر.

والسجود للتحية معصية فقط في شرعنا، وقد كان سائغا في الشرائع السابقة بدليل سجود يعقوب وبنيه ليوسف عليهم الصلاة والسلام.

فتحقق من تعريفي العبادة لغة وشرعاً أن العبادة التذلل والتعظيم للمعبود، وعليه فليس كل تعظيم عبادة، وأن ضابط التعظيم المقتضي للعبادة هو أن يعتقد له التأثير في النفع والضر، أو يعتقد له الجاه التام والشهادة المقبولة بحيث ينفع في الآخرة ويستنزل به النصر والشفاء في الدنيا.

والتوسل لا يسمي عبادة قطعاً ولا يقال فيه عبادة وانما هي وسيلة اليها، وسيلة الشئ غيره بالضرورة.

الثاني: الوسيلة لغة كل ما يتقرب به إلي الغير، وسل إلي الله تعالي توسيلاً عمل عملا تقرب به إليه، فتحقق منه أن التوسل لا يسمي عبادة قطعاً، ولا يقال فيه عبادة وإنما هو وسيلة إليها، ووسيلة الشئ غيره بالضرورة وهو

واضح، فإن التوسل لاتقرب فيه للمتوسل به ولا تعظيمه غاية التعظيم، والتعظيم إذا لم يصل إلي هذا الحد لا يكون الفعل المعظم به عبادة، فلا يطلق إسم العبادة علي ما ظهر من الإستعمال اللغوي إلا علي ما كان بهذه المثابة من كون العمل دالاً علي غاية الخضوع منويا به التقرب للمعبود تعظيماً له بذلك التعظيم التام، فاذا اختل شئ منها منع الإطلاق، أما الدلالة علي نهاية الخضوع فظاهر، لأن مناط التسمية لم يوجد، ولأن الناس من قديم الزمان إلي الآن يخضعون لكبرائهم ورؤسائهم بما يقتضيه مقامه الدنيوي عندهم ويحيونهم بأنواع التحيات، ويتذللون بين أيديهم ولا يعدون ذلك قربة ولا يطلقون عليه اسم العبادة، وانما يرونه من باب الأدب، وما ذاك إلا لكون ذلك الخضوع لم يبلغ نهايته والعظيم الناشئ عنه لم يبلغ غايته، وبهذا ظهر الفرق بين التوسل والعبادة. علي أن عبد يتعدي بنفسه وتوسل يتعدي بحرف الجر.

وقد أوغل ابن تيمية في بيداء القياس الفاسد دفعتين، قياسه معاني هذا الألفاظ، توسل استعان، استغاث، تشفع، علي العبادة، وقياسه المؤمنين المتوسلين بالنبي صلي الله تعالي عليه وسلم مثلاً علي عبدة الأوثان من دون الله بجامع أرادة الجاه في كل.

فلينظر اللبيب إلي أين رماه جهله باللغة العربية، فانه لو تأمل في قول القائل: اللهم اني أتوسل اليك بفلان، وأجراه علي ما تدل عليه اللغة لوجد معناه، اللهم اني أتقرب اليك وأتحبب اليك، فهو دال بجوهره علي أن التقرب لله لا لمن يراد جاهه!!

ومن جهل الفرق بين عبد وتوسل، كيف يصح له القياس في دين الله والحاق بعض الفروع ببعض، والقياس أصعب أنواع الإجتهاد، لكثرة ما يعتبر في أركانه من الشروط، وما يرد عليه من المعارضات

والمناقضات وغير ذلك من أنواع الإعتراضات، فلا يصفو مشربه إلا لأهل الاجتهاد ومن أحاط بمداركهم علي اختلاف مراتبهم، ومن قصر عن تلك المراتب لايسوغ له الجزم بالحكم المأخوذ منه في دانق، فكيف بالحكم المأخوذ منه في تكفير المسلمين؟!!

الثالث: وحيث تحقق الفرق بين العبادة والتوسل، فالعبادة فيها معني زائد يناسب اناطة الحكم به، وهو اشتمالها علي الأعراض عن الله واطلاق الإلهية علي غيره وإقامته مقامه وخدمته بما يستحق أن يخدم، وقد أشار إلي هذا المعني بعض فضلاء أهل السنة، وملخص كلامه: أن الشبهة الحاملة لعبدة الأوثان علي عبادتها هي أنهم استصغروا أنفسهم فاستعظموا أن يعبدوا الله مباشرة، ورأوا من سوء الأدب أن يشتغل الحقير من أول وهلة بخدمة العظيم، وقربوا ذلك بأمر مستحسن في العادة، وهو أن الحقير لا ينبغي له أن يخدم الملك حتي يخدم عماله إلي أن يترقي لخدمته، وقال: وهذه هي الحاملة علي التوسل إلي الله تعالي بمن له جاه عنده، إلا أن الشرع أذن في التوسل ولم يأذن في العبادة، فكانت حاجة الكفار تندفع بما شرعه الله، إلا أن الله تعالي أعمي بصائرهم، ولو تنبهوا لأمر عادي آخر لأرشدهم، فإن الملك من ملوك الدنيا إذا استجاه له أحد بعظيم من وزرائه وتشفع له بذلك، ربما أقبل عليه وأخذ بيديه وقضي ما أراده منه. أما إذا عظم ذلك الوزير بما يعظم به الملك وعامله بمعاملته وأقامه في مقامه فيما يختص به الملك عن غيره، رجاء أن يقضي ذلك الوزير حاجته من الملك، فإن الملك إذا علم بصنيعه يغضب أشد الغضب، ولا يقتصر في العقوبة علي قطع الرجاء من الحاجة، بل يفتك به وبالوزير ان أحب ذلك!

فمثال التوسل الأول ومثال العبادة الثاني

فتأمل هذا المثال فانه واف بواقعة الحال، وبالله التوفيق والإعتصام.

الرابع: القاعدة المشهورة المطردة وهي: أن استواء الفعلين في السبب الحامل علي الفعل لايوجب استواءهما في الحكم، يدل علي هاته القاعدة دلالة قطعية، أنه لو لم يكن الأمر كذلك بأن كان الاستواء في الحامل يوجب الإستواء في الحكم = كما ادعاه ابن تيمية وقرره في قياسه التوسل علي العبادة والمتوسل علي عابد الوثن، للزم ابطال الشريعة وتساوي الأعمال في الأحكام، واللازم باطل بالإتفاق، وهو ضروري غني عن الإستدلال!!

- وقال في/96:

وقد انتهيت بتوفيق الله من ابطال كثير من كلام ابن تيمية وابن القيم وبعض كلام ابن عبد الوهاب، في توحيد الربوبية والألوهية والعبادة وملحقاتهما في هذا الفصل، وأختمه بما كتبه العلامة المحقق المرحوم الشيخ (يوسف الدجوي) المتوفي سنة خمس وستين وثلاثمائة وألف في توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية قال رحمه الله: جاءتنا رسائل كثيرة يسأل مرسلوها عن توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ما معناهما، وما الذي يترتب عليهما ومن ذا الذي فرق بينهما؟ وما هو البرهان علي صحة ذلك أو بطلانه؟ فنقول وبالله التوفيق: ان صاحب هذا الرأي هو ابن تيمية الذي شاد بذكره قال: ان الرسل لم يبعثوا إلا لتوحيد الألوهية، وهو إفراد الله بالعبادة، وأما توحيد الربوبية وهو اعتقاد أن الله رب العالمين المتصرف في أمورهم فلم يخالف فيه أحد من المشركين والمسلمين بدليل قوله تعالي: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ).

ثم قالوا: إن الذين يتوسلون بالأنبياء ويتشفعون بهم وينادونهم عند الشدائد هم عابدون لهم قد كفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان والملائكة والمسيح سواء بسواء، فانهم لم يكفروا باعتقادهم الربوبية في تلك الأوثان وما معها بل بتركهم توحيد الألوهية بعبادتها،

وهذا ينطبق علي زوار القبور المتوسلين بالأولياء المنادين لهم المستغيثين بهم الطالبين منهم ما لا يقدر عليه إلا الله تعالي!! بل قال محمد بن عبد الواهاب: (ان كفرهم أشنع من كفر عباد الأوثان، وإن شئت ذكرت لك عبارته المحزنة الجريئة) فهذا ملخص مذهبهم مع الإيضاح، وفيه عدة دعاوي...

- وقال في/100:

ولكن نقول لهم بعد هذا علي فرض أن هناك فرقاً بين توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية كما يزعمون، فالتوسل لا ينافي توحيد الألوهية فانه ليس من العبادة في شئ لا لغة ولا شرعاً ولا عرفاً، ولم يقل أحد ان النداء أو التوسل بالصالحين عبادة، ولا أخبرنا الرسول صلي الله تعالي وسلم بذلك!!

ولو كان عبادة أو شبه عبادة لم يجز بالحي ولا بالميت.

ومن المعلوم أن المتوسل لم يطلب إلا من الله تعالي بمنزلة هذا النبي أو الولي، ولا شك في أن لهما منزلة عند الله تعالي في الحياة وبعد الممات.

فإن تشبث متشبث بأن الله أقرب الينا من حبل الوريد فلا يحتاج إلي واسطة.

قلنا له: (حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء...)، فإن رأيك هذا يلزمه ترك الأسباب والوسائط في كل شئ، مع أن العالم مبني علي الحكمة التي وضعت الأسباب والمسببات في كل شئ!!

ويلزمه عدم الشفاعة يوم القيامة وهي معلومة من الدين بالضرورة، فانها علي هذا الرأي لا حاجة اليها، اذ لا يحتاج سبحانه وتعالي إلي واسطة فانه أقرب من الواسطة. ويلزم خطأ عمربن الخطاب في قوله: (إنا نتوسل اليك بعم نبيك العباس الخ..)!!

وعلي الجملة يلزم سد باب الأسباب والمسببات والوسائل والوسائط، وهو خلاف السنة الإلهية التي قام عليها بناء هذه العوالم كلها من أولها إلي آخرها، ولزمهم علي هذا التقدير أن

يكونوا داخلين فيما حكموا به علي المسلمين، فانه لا يمكنهم أن يدعوا الأسباب أو يتركوا الوسائط بل هم أشد الناس تعلقاً واعتماداً عليها.

ولا يفوتنا أن نقول: ان التفرقة بين الحي والميت في هذا المقام لا معني لها، فإن المتوسل لم يطلب شيئا من الميت أصلاً، وانما طلب من الله متوسلاً إليه بكرامة هذا الميت عنده أو محبته له أو نحو ذلك، فهل في هذا كله تأليه للميت أو عبادة له، أم هو حق لا مرية فيه، ولكنهم قوم يجازفون ولا يحققون!! كيف وجواز التوسل بل حسنه معلوم عند جميع المسلمين.

وانظر كتب المذاهب الأربعة (حتي مذهب الحنابلة) في آداب زيارته(ص) تجدهم قد استحبوا التوسل به إلي الله تعالي، حتي جاء ابن تيمية فخرق الإجماع وصادم المركوز في الفطر مخالفا في ذلك العقل والنقل. انتهي.

كتاب (شفاء السقام) للإمام السبكي

وهو من كبار علماء مصر المعاصرين لابن تيمية، وذكروا أن ابن تيمية كان يحترمه كثيرا، ولعله كان يهابه فلم يرد علي كتابه!!

وقد طبع الكتاب مرات في مصر، ثم نشرته مكتبة ايشيق في استانبول، وحققه أخيراً ونشره العلامة السيد محمد رضا الجلالي.

والمحور الأصلي للكتاب هو رد بدعة ابن تيمية في تحريم زيارة النبي صلي الله عليه وآله، وفيه فصل في رد تحريمه التوسل والإستشفاع والإستغاثة بالنبي صلي الله عليه وآله.

- قال السبكي في/59 من كتابه المذكور:

أما بعد، فهذا كتاب سميته (شفاء السقام في زيارة خير الأنام) ورتبته علي عشرة أبواب:

الأول: في الأحاديث الواردة في الزيارة.

الثاني: في الأحاديث الدالة علي ذلك وان لم يكن فيها لفظ (الزيارة).

الثالث: فيما ورد في السفر إليها.

الرابع: في نصوص العلماء علي إستحبابها.

الخامس: في تقرير كونها قربة.

السادس:

في كون السفر إليها قربة.

السابع: في دفع شبه الخصم وتتبع كلماته.

الثامن: في التوسل والإستغاثة.

التاسع: في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

العاشر: في الشفاعة، لتعلقها بقوله: (من زار قبري وجبت له شفاعتي).

وضمنت هذا الكتاب الرد علي من زعم: أن أحاديث الزيارة كلها موضوعة! وأن السفر إليها بدعة غير مشروعة!

وهذه المقالة أظهر فسادا من أن يرد العلماء عليها، ولكني جعلت هذا الكتاب مستقلا في الزيارة وما يتعلق بها، مشتملاً من ذلك علي جملة يعز جمعها علي طالبها.

- وقال في/291:

اعلم أنه يجوز ويحسن التوسل، والإستغاثة، والتشفع بالنبي(ص)الي ربه سبحانه وتعالي.

وجواز ذلك وحسنه من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين، والعلماء والعوام من المسلمين.

ولم ينكر أحد ذلك من أهل الأديان، ولا سمع به في زمن من الأزمان، حتي جاء ابن تيمية، فتكلم في ذلك بكلام يلبس فيه علي الضعفاء الأغمار، وابتدع ما لم يسبق إليه في سائر الأعصار.

وحسبك أن إنكار ابن تيمية للإستغاثة والتوسل قول لم يقله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مثلة!!

وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك رأيت من الرأي القويم أن أميل عنه إلي الصراط المستقيم ولا أتتبعه بالنقض والأبطال، فإن دأب العلماء القاصدين لإيضاح الدين وارشاد المسلمين تقريب المعني إلي أفهامهم وتحقيق مرادهم وبيان حكمه، ورأيت كلام هذا الشخص بالضد من ذلك، فالوجه الأضراب عنه.

وأقول: أن التوسل بالنبي(ص)جائز في كل حال: قبل خلقه وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته، في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وهو علي ثلاثة أنواع:

النوع الأول: أن يتوسل به، بمعني أن طالب الحاجة

يسأل الله تعالي به أو بجاهه أو ببركته.

فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة، وقد ورد في كل منها خبر صحيح:

حديث توسل آدم بالنبي

أما الحالة الأولي: قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها علي ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله بن البيع في (المستدرك علي الصحيحين أو أحدهما) (1) قال: ثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل (1) ثنا أبو الحسن محمد بن اسحاق ابن ابراهيم الحنظلي ثنا أبو الحارث عبدالله بن مسلم الفهري ثنا اسماعيل ابن مسلمة أنا عبدالرحمان بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب (رض) قال: قال رسول الله (ص): (لما اقترف (2)

آدم عليه السلام الخطيئة (3) قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي.

فقال الله: يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه؟

قال: يا رب لأنك لما خلقتني بيدك، ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت علي قوائم العرش مكتوبا: لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفت أنك لم تضف إلي إسمك إلا أحب الخلق إليك.

فقال الله: صدقت يا آدم، إنه لأحب الخلق الي اذ سألتني بحقه فقد غفرت لك، ولولا محمد ما خلقتك).

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمان بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب.

ورواه البيهقي أيضاً في (دلائل النبوة) وقال: تفرد به عبد الرحمان.

وذكره الطبراني وزاد فيه (وهو آخر الأنبياء من ذريتك).

توسل عيسي بالنبي

وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا... عن ابن عباس قال: أوحي الله إلي عيسي عليه السلام: يا عيسي آمن بمحمد وأمر من أدركه من امتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش علي الماء فاضطرب فكتبت

عليه: لا اله إلا الله فسكن. قال الحاكم: هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه، انتهي ما قاله الحاكم.

والحديث المذكورلم يقف عليها بن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه. فانه قال أعني ابن تيمية: أما ما ذكره في قصة آدم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي(ص)باسناد يصلح الإعتماد عليه، ولا الإعتبار ولا الإستشهاد).

ثم أدعي ابن تيمية أنه كذب، وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص!.. ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه علي الحاكم وأيضا: عبدالرحمان بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف الي الحد الذي ادعاه.

وكيف يحل لمسلم أن يتجاسر علي منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع؟ وقد ورد فيه هذا الحديث؟!

توسل نوح و ابراهيم و سائر الأنبياء بنبيا

وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء: فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يعبر عنه بلفظ (التوسل) أو (الاستغاثة) أو (التشفع) أو (التجوه). والداعي بالدعاء المذكور وما في معناه: متوسل بالنبي(ص)، لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه. ومستغيث به والمعني أنه استغاث الله به علي ما يقصده فالباء ها هنا للسببية، وقد ترد للتعدية، كما تقول: (من استغاث بك فأغثه). ومستشفع به. ومتجوه به، ومتوجه، فإن التجوه والتوجه راجعان إلي معني واحد.

فإن قلت: المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع فكيف يصح أن يقال: يتشفع به؟

قلت: ليس الكلام في العبارة وانما الكلام في المعني وهو سؤال الله بالنبي (ص)كما ورد عن آدم، وكما يفهم الناس من ذلك، وانما يفهمون من التشفع والتوسل والإستغاثة والتجوه ذلك، ولا مانع من اطلاق

اللغة بهذه الألفاظ علي هذا المعني.

والمقصود جواز أن يسأل العبد الله تعالي بمن يقطع أن له عند الله قدرا أو مرتبة.

ولا شك أن النبي(ص)له عند الله قدر علي ومرتبة رفيعة وجاه عظيم. وفي العادة أن من كان له عند الشخص قدر بحيث أنه إذا شفع عنده قبل شفاعته، فإذا انتسب إليه شخص في غايته وتوسل بذلك وتشفع به، فإن ذلك الشخص يجيب السائل إكراماً لمن انتسب إليه وتشفع به وان لم يكن حاضراً ولا شافعاً.

وعلي هذا التوسل بالنبي(ص)قبل خلقه.

ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالي ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو العظيم سبباً للإجابة. كما في الأدعية الصحيحة المأثورة (أسألك بكل اسم لك وأسألك بأسمائك الحسني وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك).

وحديث الغار الذي فيه الدعاء بالأعمال الصالحة وهو من الأحاديث الصحيحة المشهورة.

فالمسؤول في هذه الدعوات كلها هو الله وحده لا شريك له والمسؤول به مختلف ولم يوجب ذلك اشراكاً، ولا سؤال غير الله.

كذلك السؤال بالنبي(ص)ليس سؤالاً للنبي بل سؤ ال لله به.

وإذا جاز السؤال بالأعمال وهي مخلوقة فالسؤال بالنبي(ص)أولي.

ولا يسمع الفرق بأن الأعمال تقتضي المجازاة عليها، لأن استجابة الدعاء لم تكن عليها، وإلا لحصلت بدون ذكرها وانما كانت علي الدعاء بالأعمال.

وليس هذا المعني مما يختلف فيه الشرائع حتي يقال: إن ذلك شرع من قبلنا فإنه لو كان ذلك مما يخل بالتوحيد لم يحل في ملة من الملل، فإن الشرائع كلها متفقة علي التوحيد. وليت شعري ما المانع من الدعاء بذلك؟!

فإن اللفظ انما يقتضي أن للمسؤول به قدرا عند المسؤول. وتارة يكون المسؤول به أعلي

من المسؤول: اما الباري سبحانه وتعالي كما في قوله (من سألكم بالله فأعطوه) وفي الحديث الصحيح في حديث أبرص وأقرع وأعمي (أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن) الحديث.. وهو مشهور.

وأما بعض البشر، ويحتمل أن يكون من هذا القسم قوله عائشة لفاطمة: أسألك بما لي عليك من الحق.

وتارة: يكون المسؤول أعلي من المسؤول به، كما في سؤال الله تعالي بالنبي (ص)، فانه لا شك أن للنبي قدرا عنده. ومن أنكر ذلك فقد كفر.

فمتي قال: (أسألك بالنبي(ص)) فلا شك في جوازه.

وكذا إذا قال (بحق محمد) والمراد بالحق الرتبة والمنزلة. والحق الذي جعله الله علي الخلق أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه، كما في الحديث الصحيح قال: فما حق العباد علي الله؟

وليس المراد بالحق الواجب، فانه لا يجب علي الله شئ، وعلي هذا المعني يحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الإمتناع من اطلاق هذه اللفظة.

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع بعد خلقه(ص)في مدة حياته: فمن ذلك ما رواه أبو عيسي الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات، قال... عن عثمان بن حنيف: أن رجلاً ضرير البصر أتي النبي(ص) فقال... وقد كفانا الترمذي والبيهقي رحمهما الله بتصحيحهما مؤنة النظر في تصحيح هذا الحديث، وناهيك به حجة في المقصود.

فإن اعترض معترض: بأن ذلك انما كان لأن النبي(ص)شفع فيه فلهذا قال له أن يقول (اني توجهت اليك بنبيك).

قلت: الجواب من وجوه:

أحدها: سيأتي أن عثمان بن عفان وغيره استعملوا ذلك بعد موته(ص)وذلك يدل علي أنهم لم يفهموا اشتراط ذلك.

الثاني: أنه ليس في الحديث أن النبي(ص)بين له ذلك.

الثالث: أنه ولو كان كذلك لم يضر في حصول المقصود وهو جوار

التوسل إلي الله بغيره بمعني السؤال به كما علمه النبي(ص)وذلك زيادة علي طلب الدعاء منه فلو لم يكن في ذلك فائدة لما علمه النبي(ص)وأرشده إليه، ولقال له: إني قد شفعت فيك، ولكن لعله(ص)أراد أن يحصل من صاحب الحاجة التوجه بذل الإضطرار والإفتقار والإنكسار ومستغيثا بالنبي(ص)فيحصل كمال مقصوده.

ولا شك أن هذا المعني حاصل في حضرة النبي(ص)وغيبته وفي حياته وبعد وفاته فإنا نعلم شفقته(ص)علي امته ورفقه بهم ورحمته لهم واس تغفاره لجميع المؤمنين وشفاعته فإذا انضم إليه توجه العبد به حصل هذا الغرض الذي أرشد النبي(ص)الأعمي إليه.

التوسل بالنبي (بعد موته)

الحالة الثالثة: أن يتوسل بذلك بعد موته(ص)لما رواه الطبراني رحمه الله في المعجم الكبير في ترجمة عثمان بن حنيف... أن رجلا كان يختلف الي عثمان بن عفان... ورواه البيهقي بإسناده عن أبي جعفر المديني عن أبي امامة بن سهل بن حنيف...

والإحتجاج من هذا الأثر لفهم عثمان (رض) ومن حضره الذين هم أعلم بالله ورسوله وفعله.

النوع الثاني: التوسل به بمعني طلب الدعاء منه وذلك في أحوال:

إحداها: في حياته(ص)، وهذا متواتر والأخبار طافحة به، ولا يمكن حصرها، وقد كان المسلمون يفزعون إليه ويستغيثون به في جميع ما نابهم كما في الصحيحين... والأحاديث والاثار في ذلك أكثر من أن تحصي، ولو تتبعتها لوجدت منها ألوانا.

ونص قوله تعالي: وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ... الآية صريح في ذلك.

وكذلك يجوز ويحسن مثل هذا التوسل بمن له نسبة من النبي(ص)كما أن عمر ابن الخطاب (رض) إذا قحط استسقي بالعباس بن عبدالمطلب(رض)ويقول: اللهم انا كنا إذا قحطنا توسلنا بنبينا فتسقينا وانا نتوسل اليك بعم نبينا محمد(ص) فاسقنا.

وكذلك يجوز مثل هذا التوسل بسائر الصالحين وهذا

شئ لا ينكره مسلم بل متدين بملة من الملل.

فإن قيل: لم توسل عمر بن الخطاب بالعباس ولم يتوسل بالنبي(ص)أو بقبره؟

قلنا: ليس في توسله بالعباس إنكار للتوسل بالنبي(ص)أو بالقبر. وقد روي عن أبي الجوزاء قال: قحط أهل المدينة قحطاً شديداً فشكوا إلي عائشة رضي الله عنها فقالت: فانظروا قبر النبي(ص)فاجعلوا منه كوي الي السماء حتي لا يكون بينه وبين السماء سقف. ففعلوا فمطروا حتي نبت العشب وسمن الإبل حتي تفتقت من الشحم فسمي(عام الفتق)...

فإن قال المخالف: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع اطلاق (التجوه) و(الإستغاثة) لأن فيهما إيهام أن المتجوه به والمستغاث به أعلي من المتجوه عليه والمستغاث عليه.

قلنا: هذا لا يعتقده مسلم ولا يدل لفظ (التجوه) و (الإستغاثة) عليه.

فإن (التجوه) من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنزلة وقد يتوسل بذي الجاه الي من هو أعلي جاها منه.

و (الاستغاثة) طلب الغوث فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره وإن كان أعلي منه.

فالتوسل والتشفع والتجوه والإستغاثة بالنبي(ص)وسائر الأنبياء والصالحين ليس لها معني في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بها أحد منهم سواه، فمن لم ينشرح صدره لذلك فليبك علي نفسه، نسأل الله العافية.

وإذا صح المعني فلا عليك في تسميته (توسلاً) أو (تشفعاً) أو (تجوها) أو (إستغاثة).

ولو سلم أن لفظ (الإستغاثة) تستدعي النصر علي المستغاث منه فالعبد يستغيث علي نفسه وهواه والشيطان وغير ذلك مما هو قاطع له عن الله تعالي بالنبي (ص) وغيره من الأنبياء والصالحين متوسلاً بهم إلي الله تعالي ليغيثه علي من استغاث منه من النفس وغيرها، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالي والنبي(ص)

واسطة بينه وبين المستغيث.

وإذ قد تحررت هذه الأنواع والأحوال في الطلب من النبي(ص)وظهر المعني فلا عليك في تسميته (توسلاً) أو (تشفعاً) أو (إستغاثة) أو (تجوها) أو (توجهاً) لأن المعني في جميع ذلك سواء:

أما التشفع: فقد سبق في الأحاديث المتقدمة قول وفد بني فزارة للنبي (ص): تشفع لنا الي ربك وفي حديث الأعمي ما يقتضيه أيضاً.

والتوسل: في معناه.

وأما التوجه والسؤال: ففي حديث الأعمي.

والتجوه: في معني التوجه قال تعالي في حق موسي عليه السلام:)وكان عند الله وجيهاً. وقال في حق عيسي ابن مريم عليه الصلاة والسلام:)وجيها في الدنيا والآخرة. وقال المفسرون) وجيهاً (أي ذا جاه ومنزلة عنده. وقال الجوهري في فعل (وجه): وجه إذا صار وجيها ذا جاه وقدر. وقال الجوهري أيضاً في فعل (جوه): الجاه القدر والمنزلة وفلان ذو جاه وقد أوجهته ووجهته أنا أي جعلته وجيهاً (1). وقال ابن فارس: فلان وجيه ذو جاه(2).

إذا عرف ذلك فمعني (تجوه) توجه بجاهه وهو منزلته وقدره عند الله تعالي إليه.

وأما الإستغاثة: فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالي وحده كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ.

وتارة يطلب ممن يصح اسناده إليه علي سبيل الكسب، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبي(ص)في هذين القسمين.

وتعدي الفعل تارة بنفسه، كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ. فاستغاثة الذي من شيعته. وتارة بحرف الجر، كما في كلام النحاة في المستغاث به، وفي كتاب سيبويه رحمه الله: فاستغاث بهم ليشتروا له كليبا.

فيصح أن يقال:استغثت النبي (ص)، وأستغيث بالنبي بمعني واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه، علي النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته وبعد موته.

ويقول: استغثت الله، واستغيث بالله، بمعني

طلب خلق الغوث منه، فالله تعالي مستغاث. فالغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي(ص)مستغاث والغوث منه تسبباً وكسباً.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يستعمل الفعل متعديا بنفسه أو لازماً أو متعدياً بالباء.

وقد تكون الإستغاثة بالنبي(ص)علي وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت الله بالنبي(ص)، كما يقول: سألت الله بالنبي(ص)، فيرجع إلي النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

وقد يحذف المفعول به ويقال: استغثت بالنبي(ص)، بهذا المعني.

فصار لفظ الإستغاثة بالنبي(ص)له معنيان:

أحدهما: أن يكون مستغاثاً.

والثاني: أن يكون مستغاثاً به، والباء للإستعانة.

فقد ظهر جواز إطلاق (الإستغاثة) و (التوسل) جميعاً وهذا أمر لا يشك فيه، فإن (الإستغاثة) في اللغة طلب الغوث وهذا جائز لغة وشرعاً من كل من يقدر عليه بأي لفظ عبر عنه كما قالت أم إسماعيل: أغث ان كان عندك غواث.

- وقال في/319:

قد تضمنت الأحاديث المتقدمة أن روح النبي (ص) قد قيل في ذلك بالنسة الي الأنبياء وسائر الموتي وقد رتبنا الكلام في هذا الباب علي فصول:

الفصل الأول: فيما ورد في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام صنف الحافظ أبو بكر البيهقي رحمه الله في ذلك جزء وروي فيه أحاديث منها: (الأنبياء صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون).

ورواه ابن عدي في (الكامل أنا غير واحد أذناً عن ابن المقير عن ابن الشهرزوري أنا اسماعيل بن مسعدة أنا حمزة بن يوسف أنا أحمد بن عدي الحافظ قال: ثنا قسطنطين بن عبدالله الرومي مولي المعتمد علي الله أمير المؤمنين ثنا الحسين بن عرفة حدثني الحسن بن قتيبة المدائني ثنا المتسلم بن سعيد الثقفي عن الحجاج الأسود عن ثابت البناني عن أنس قال: قال رسول الله (ص): (الأنبياء

صلوات الله عليهم أحياء في قبورهم يصلون).

قال ابن عدي: وللحسن بن قتيبة هذا أحاديث غرائب حسان فأرجو أنه لابأس به.

ومما يدل علي ذلك ما ساق اسناده الي أوس بن أوس قال: قال رسول الله (ص): (أفضل أيامكم يوم الجمعة وفيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا عليَّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة).

قالوا: وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يقولون: بليت - فقال: إن الله تعالي حرم علي الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء أخرجه أبو داود.

قال البيهقي: وله شواهد منها:

ما أنا أبو عبدالله أنا ابن اسحاق الفقيه أنا الآبار ثنا أحمد بن عبدالرحمان ثنا الوليد ثنا أبو رافع عن سعيد المقبري عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي(ص)أنه قال: (أكثروا الصلاة علي في يوم الجمعة فانه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته).

وحديث: (ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتي أرد).

قال البيهقي وانما أراد - والله أعلم - إلا وقد رد الله علي روحي حتي أرد عليه.

وقد ثبت في الصحيح في حديث الإسراء: أنه(ص)وجد آدم في السماء الدنيا وقال فيه: (فإذا رجل عن يمينه أسودة وعن يسارة أسودة فاذا نظر قبل يمينه ضحك وإذا نظر قبل شماله بكي فقال: مرحبا بالنبي الصالح والإبن الصالح)

ومن الأحاديث الصحيحة المتفق عليها نداؤه(ص)أهل البئر وقوله: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم).

وأما الإدراك: فيدل له مع ذلك الأحاديث الواردة في عذاب القبر وهي أحاديث صحيحة متفق عليها رواها البخاري ومسلم وغيرهما وأجمع عليها وعلي مدلولها أهل السنة والأحاديث في ذلك متواترة.

ومن أحسنها ما رواه أبو داود الطيالسي أنا أبو

العباس أحمد بن محمد الدشتي بقراءتي عليه بالشام في سنة سبع وسبعمائة قال: أنا الحافظ ابن خليل أنا اللبان أنا الحداد أنا أبو نعيم أنا ابن فارس ثنا يونس بن حبيب ثنا أبو داود الطيالسي ثنا الأسود بن شبيان عن بحر بن مرار(1) عن أبي بكرة قال: بينما أنا أمشي مع رسول الله(ص)ومعي رجل ورسول الله(ص)في مشي بيننا اذ أتي علي قبرين فقال رسول الله (ص): (إن صاحبي هذين القبرين ليعذبان الآن في قبورهما فأيكما يأتيني من هذا النخل بعسيب؟).

فاستبقت أنا وصاحبي فسبقته وكسرت من النخل عسيباً فأتيت به النبي(ص)فشقه نصفين من أعلاه فوضع علي أحدهما نصفاً وعلي الآخر نصفاً وقال: (إنه يهون عليهما ما دام فيهما من بلوتهما شئ إنهما يعذبان في الغيبة والبول... وفي هذه الرواية النص علي أن العذاب الآن وأنه في القبور.

وقد أجمع أهل السنة علي اثبات الحياة في القبور قال إمام الحرمين في الشامل: إتفق سلف الأمة علي إثبات عذاب القبر وإحياء الموتي في قبورهم ورد الأرواح في أجسادهم.

وقال الفقيه أبو بكر بن العربي في (الأمد الأقصي في تفسير أسماء الله الحسني:

إن أحياء المكلفين في القبر وسؤالهم جميعاً لا خلاف فيه بين أهل السنة.

وقال سيف الدين الآمدي في كتاب أبكار الأفكار:

اتفق سلف الأمة قبل ظهور المخالف وأكثرهم بعد ظهوره علي إثبات إحياء الموتي في قبورهم ومسألة الملكين لهم، واثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين...

وقال القرطبي: إن الإيمان به مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أهل الملة ولم يفهم الصحابة الذين نزل القرآن بلسانهم ولغتهم من نبيهم عليه السلام غير ذلك وكذلك التابعون بعدهم وذهب بعض المعتزلة إلي موافقة أهل السنة علي ذلك.

وذهب

صالح قبة والصالحي وابن جرير إلي أن الثواب والعقاب ينال الميت من غير حياة وهذا مكابرة للعقول...

وقد تلخص من هذا: أن الروح تعاد إلي الجسد ويحيا وقت المسألة وأنه ينعم أو يعذب من ذلك الوقت إلي يوم البعث إما متقطعاً أو مستمراً علي ما سبق.

وهل ذلك من بعد وقت المسألة إلي البعث للروح فقط أو لها مع الجسم؟

يترتبان علي أن الجسم هل يفني أو يتفرق وكلا الأمرين جائز عقلاً وفي الواقع منه قولان للمتكلمين ولم يرد في الشرع ما يمكن التمسك به في ذلك إلا قوله (ص): (كل ابن آدم يبلي إلا عجب الذنب).

فحيث يكون الجسم أو بعضه باقياً فلا امتناع من قيام الحياة به وحيث يعدم بالكلية يتعين القول بالروح فقط...

وبالجملة: كل أحد يعامل بعد موته كما كان يعامل في حياته ولهذا يجب الأدب مع النبي(ص)بعد موته كما كان في حياته.

وقد روي عن أبي بكر الصديق (رض) قال: لا ينبغي رفع الصوت علي نبي حيا ولا ميتاً.

وروي عن عائشة رضي الله عنها: أنها كانت تسمع صوت الوتد يوتد والمسمار يضرب في بعض الدور المطيفة بمسجد رسول الله(ص)فترسل اليهم: لا تؤذوا رسول الله(ص)...

وعن عروة قال: وقع رجل في علي عند عمر بن الخطاب فقال له عمر بن الخطاب: قبحك الله لقد آذيت رسول الله(ص)في قبره.

كتاب رفع المنارة لتخريج أحاديث التوسل والزيارة

للشيخ محمود سعيد ممدوح - طبعة دار الإمام النووي - الأردن 1416

قال في/5:

وبعد.. فإن مسألتي التوسل والزيارة من المسائل التي شغلت الناس كثيراً، وصنفت فيهما - خاصة مسالة التوسل - مصنفات متعددة، وحصل أخذ ورد وجدل، وتزيد! وتاجر بهما سماسرة الإختلاف بين المسلمين!

ومما زاد الطين بله أن سبكهما

المتشددون في مسائل الإعتقاد..!!

وقد حصل بسببهما الخوض في أعراض كثير من أئمة الدين، وتطاول في أعراض جماهير المسلمين. ومن أحاط علما بما ذكرت علم كم صحب ذلك من النهي الشديد والتخويف والتهديد، وقد تلاحقت أقلام في ذلك كان من آخرها رسالة باسم (الأخطاء الأساسية في توحيد الألوهية الواقعة في فتح الباري) شنع فيها صاحبها علي الحافظ ابن حجر لتجويزه التوسل، وقوله بإستحباب الزيارة! وهذا غاية في الغلو والتعصب والجهل! فيا للعار والشنار: قاضي قضاة المسلمين وشيخ المحدثين وامامهم، ومفخرة المسلمين، أحمد بن حجر العسقلاني (رض) تصنف - بدون حياء - رسالة تحوي هذا المعني الذي لا يدل إلا علي مبلغ إنحراف مصنفها المسكين...

والغرض من هذا المصنف بعد بيان الحق في الأحاديث، هو أن الخلاف في مسألة التوسل هو خلاف في الفروع، ومثله لا يصح أن يشنع أخ به علي أخيه أو يعيبه به، وأن من قال به - وهو التوسل بالأنبياء والأولياء - متمسك بأدلة ثابتة ثبوت الجبال الرواسي وردها لا يجئ إلا من متعنت أو مكابر.

وأما المقصود في مسألة الزيارة فهو اثبات اطباق فقهاء الأمة علي اأستحباب أو وجوب زيارة المصطفي صلي الله عليه وآله، بشد رحل أو بدونه، وأن من قال بتحريم الزيارة المستوجبة لشد الرحل قد ابتدع وخالف النصوص الصريحة، واطباق فقهاء مذهبه، فضلاً عن المذاهب الأخري.

فأولي بأولي النهي ترك الشاذ من القول، والتسليم بالمعروف المشهور الذي أطبقت الأمة علي العمل به، والله المستعان.

أما من تعود أن يقول: عنزة ولو طارت، أو يا داخل مصر مثلك كثير، فهو مكابر أو متعنت، فلا كلام لنا معه، فقد خالف صريح الدليل وخالف أعيان الأئمة وسرج الأمة...

- وقال في/13:

وكون الوسيلة هي القربة لا خلاف بين المفسرين في ذلك، كما صرح به ابن كثير في تفسيره (3/97) وقال (الوسيلة هي ما يتوصل بها إلي تحصيل المطلوب). اه_.

فقول بعضهم: إن التوسل هو اتخاذ واسطة بين العبد وربه، خطأ محض! فالتوسل ليس من هذا الباب قطعاً، فالمتوسل لم يدع إلا الله وحده، فالله وحده هو المعطي والمانع والنافع والضار، ولكنه اتخذ قربة رجاء قبول دعاءه، والقربة في الدعاء مشروعة بالإتفاق.

وترد الوسيلة بمعني المنزلة كما في الحديث الصحيح المشهور: سلوا الله لي الوسيلة.. الحديث...

والتوسل علي نوعين: أحدهما ما اتفق عليه. وترك الخوض فيه صواب، لأنه تكرار وتحصيل حاصل.

ثانيهما: ما اختلف فيه، وهو السؤال بالنبي أو بالولي أو بالحق أو بالجاه أو بالحرمة أو بالذات، وما في معني ذلك.

وهذا النوع لم ير المتبصر في أقوال السلف من قال بحرمته، أو أنه بدعة ضلالة أو شدد فيه وجعله من موضوعات العقائد، كما نري الآن.

لم يقع هذا إلا في القرن السابع وما بعده!

وقد نقل عن السلف توسل من هذا القبيل...

- وقال في/15:

وقد أكثر ابن تيمية من بحث النوع الثاني من التوسل في مصنفاته قائلاً بمنعه، وقلده وردد صدي كلامه آخرون. ويحسن ذكر كلام ابن تيمية مع بيان ما فيه، واقتصاري علي كلامه فقط هو الأولي، لأن من تشبث بكلامه لا يزيد عن كونه متشبعا من موائده، دائرأ في فلكه، والله المستعان:

كان ابن تيمية يري منع التوسل بالأنبياء والملائكة والصالحين، وقال: التوسل حقيقته هو التوسل بالدعاء - دعاء الحي فقط - وذكر ذلك في مواضع من كتابه (التوسل والوسيلة) (/169).

وقال ابن تيمية (/65) وهو الإعتراض الأول:

السؤال به (أي بالمخلوق)

فهذا يجوزه طائفة من الناس، لكن ما روي عن النبي(ص)في ذلك كله ضعيف بل موضوع، وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة، إلا حديث الأعمي ولا حجة لهم، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي(ص)وشفاعته، وهو طلب من النبي(ص)الدعاء، وقد أمره النبي أن يقول: اللهم شفعة في، ولهذا رد الله عليه بصره لما دعا له النبي، وكان ذلك مما يعد من آيات النبي(ص)، ولو توسل غيره من العميان الذين لم يدع لهم النبي (ص)بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اه_.

قلت: قوله كله ضعيف بل موضوع وليس عنه حديث ثابت قد يظن أن لهم فيه حجة إلا.. سيأتي ان شاء الله تعالي الرد علي هذا الكلام في تخريج الأحاديث، ففيها الصحيح والحسن والضعيف عند أئمة هذا الشأن، ووفق قواعد الفن.

أما قوله: إلا حديث الأعمي لا حجة لهم فيه، فانه صريح في أنه انما توسل بدعاء النبي(ص)وشفاعته... وكلامه فيه نظر ظاهر، لأن الناظر في حديث توسل الأعمي يجد فيه الآتي:

1 - جاء الأعمي للنبي(ص)فقال له: ادع الله أن يعافيني، فالأعمي طلب الدعاء.

2 - فأجابه النبي(ص)قائلاً: إن شئت أخرت ذلك وهو خير، وإن شئت دعوت. فخيره رسول الله(ص)وبين له أن الصبر أفضل.

3 - ولكن لشدة حاجة الأعمي، التمس الدعاء من النبي(ص).

4 - عند ذلك أمره النبي(ص)أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويصلي ركعتين.

5 - وزاد علي ذلك هذا الدعاء: اللهم إني أسالك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة. يا محمد إني توجهت بك إلي ربي في حاجتي فتقضي لي.

فدعا النبي(ص)بهذا الدعاء، كما طلب الأعمي في أول الحديث، ودعا الأعمي بهذا الدعاء كما علمه النبي(ص).

6 - فعلمه النبي(ص)دعاء

هو توسل به، وهو نص في التوسل به(ص)، لا يحتمل أي تاويل، وكيف يحتمل غير التوسل به وفيه (أتوجه إليك بنبيك.. إني توجهت بك. ومن رأي غير ذلك فقد استعجم عليه الحديث.

وابتهج الألباني في توسله بكلام ابن تيمية فردده قائلاً (/72): وعلي هذافالحادثة كلها تدور حول الدعاء - كما هو ظاهر - وليس فيها ذكر شئ مما يزعمون. اه_.

قلت: هذه مصادرة للنص وتعمية علي القارئ!

كيف لا يكون كذلك والنبي(ص)علم الرجل دعاء فيه السؤال بالنبي(ص).

نعم، الحادثة تدور حول الدعاء، ولكن السؤال هنا ما هو الدعاء الذي دعا به النبي(ص)؟ وما هو الدعاء الذي علمه للرجل الأعمي؟

لا يستطيع أي منصف إلا الإجابة بأن هذا الدعاء هو الذي فيه نص بالتوسل به(ص)، فالأعمي جاء يطلب مطلق الدعاء برد بصره، وعلمه(ص) وأمره بالتوسل به ليتحقق المطلوب.

7 - ثم قال (ص): اللهم شفعه في وشفعني في نفسي، أي تقبل شفاعته أي دعاءه في وتقبل دعائي في نفسي.

وهنا سؤال: أي دعاء هنا الذي يطلب قبوله؟ لا شك أن الإجابة عليه ترد بداهة في ذهن أي شخص، إنه الدعاء المذكور فيه التوسل به(ص)، وهذا لا يحتاج لأعمال فكر أو اطالة نظر وتأمل، وهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. ويمكن أن يقال: إن سؤال قبول الشفاعة هو توسل بدعائه(ص)، مع التوسل بذاته وهذا منتهي ما يفهم من النص، والله أعلم.

8 - فسبب رد بصر الأعمي هو توسله بالنبي(ص)، وهذا ما فهمه الأئمة الحفاظ الذين أخرجوا الحديث في مصنفاتهم، فذكروا الحديث علي أنه من الأدعية التي تقال عند الحاجات. فقال البيهقي في دلائل النبوة (6/166) باب: ما جاء في تعليمه الضرير ما كان فيه شفاؤه

حين لم يصبر، وما ظهر في ذلك من آثار النبوة. ا ه_.

ولا يخفي أن تعليمه للضرير هو الدعاء الذي فيه التوسل بالذوات، وعبارة البيهقي واضحة جدا. والبيهقي حافظ فقيه.

وهكذا ذكره النسائي، وابن السني في عمل اليوم والليلة، والترمذي في الدعوات والطبراني في الدعاء، والحاكم في المستدرك، والمنذري في الترغيب والترهيب، والهيثمي في مجمع الزوائد في صلاة الحاجة ودعائها، والنووي في الأذكار علي أنه من الاذكار التي تقال عند عروض الحاجات، وابن الجزري في العدة في باب صلاة الضر والحاجة (/161).

وقال القاضي الشوكاني في تحفة الذاكرين (/162): وفي هذا الحديث دليل علي جواز التوسل برسول الله(ص)الي الله عز وجل، مع إعتقاد أن الفاعل هو الله سبحانه وتعالي، وأنه المعطي المانع، ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. ا ه_.

واستقصاء الحفاظ الذين فهموا أن الحديث علي عمومه، وإستعمال الدعاء الوارد فيه الذي فيه التوسل به(ص)، يطول.

9 - إن عثمان بن حنيف (رض) وهو راوي الحديث فهم من الحديث العموم، فقد وجه رجلا يريد أن يدخل علي عثمان بن عفان (رض) إلي التوجه بالدعاء المذكور في الحديث الذي فيه التوسل بالنبي(ص)، إسناده صحيح سيأتي إن شاء الله تعالي.

وفهم الصحابي الجليل عثمان بن حنيف (رض)، هو ما لا يستقيم فهم الحديث إلا به.

10 - إن رواية ابن أبي خيثمة للحديث من طريق حماد بن سلمة الحافظ الثقة فيها (فإن كانت حاجة فافعل مثل ذلك) وهي زيادة ثقة حافظ، فهي صحيحة مقبولة، كما هو معلوم ومقرر في علوم الحديث. وهذه الرواية تدل علي العموم وطلب العمل بالحديث في الحياة وبعد الممات، إلي قيام الساعة.

ثم قال ابن تيمية: ولو توسل غيره

من العميان الذين لم يدع لهم النبي في بالسؤال به لم تكن حالهم كحاله. اه_.

وقال ابن تيمية في موضع آخر: وكذلك لو كان أعمي توسل به(ص)ولم يدع له الرسول(ص)بمنزلة ذلك الأعمي، لكان عميان الصحابة أو بعضهم يفعلون مثل ما فعل الأعمي، فعدولهم عن هذا إلي هذا دليل علي أن المشروع ما سألوه دون ما تركوه. ا ه_.

قلت: الجواب عليه سهل ميسور، وكنت أود أن لا أرد هذا الإيراد، لكنني رأيت جماعة أخذوا هذا الإيراد ونسبوه لأنفسهم، وكان الصواب ألا يذكر لفساده، أو يذكر مع نسبته لقائله!

ومن الذين نسبوه لأنفسهم الألباني فإنه قال في توسله (/76):

لو كان السر في شفاء الأعمي أنه توسل بجاه النبي(ص)وقدره وحقه كما يفهم عامة المتأخرين، لكان المفروض أن يحصل هذا الشفاء لغيره من العميان الذين يتوسلون بجاهه(ص)، بل ويضمون إليه أحيانا جاه جميع الأنبياء المرسلين، وكل الأولياء والشهداء والصالحين، وجاه كل من له جاه عند الله من الملائكة والإنس والجن أجمعين.

ولم نعلم ولا نظن أحداً قد علم حصول مثل هذا خلال هذه القرون الطويلة بعد وفاته(ص)الي اليوم. اه_.

وذكر نحو هذا الإيراد صاحب (التوصل إلي حقيقة التوسل)/243، وكذا المتعالم صاحب (هذه مفاهيمنا)/37.

والجواب علي هذا الإيراد بالآتي:

1 - إجابة الدعاء ليست من شروط صحة الدعاء، وقد قال الله تعالي (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ونحن نري بعض المسلمين يدعون فلا يستجاب لهم، وهذا الإيراد يأتي علي الدعاء كله، فانظر إلي هذا الإيراد أين ذهب بصاحبه؟

2 - هذا الإيراد يرد عليه احتمال أقوي منه وحاصله: أن عدم توسل عميان الصحابة وغيرهم إحتمال فقط لا يؤيده دليل، وهم إما توسلوا فاستجيب لهم، أو تركوا رغبة في الآجر، أو

توسلوا وادخر ذلك أجراً لهم، أو تعجلوا فما استجيب لهم.

وقد صح أن رسول الله(ص)قال (يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يستجب لي) رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

وكم من داع متوسلاً لله بأسمائه وصفاته ولم يستجب له، ويلزم هؤلاء إشكال وهو أننا نري من يدعو ويتوسل بأسماء الله وصفاته أو بعمله الصالح أو بدعاء رجل صالح ولم نر إجابة الدعاء.

هذا من تمام الحجة عليهم ونقض إيرادهم! فلا تلازم بين الدعاء والإجابة. والله أعلم بالصواب.

علي أن قول الألباني: لا نعلم ولا نظن أحداً.. إلخ. تهافت وشهادة علي نفي لا ينخدع بها إلا مسلوب العقل.

تذنيب مفيد لكل لبيب:

بعد أن تبين لك دلالة الحديث الواضحة علي التوسل بالنبي(ص)، وأن المخالف متسنم بيتا من بيوت العنكبوت.. تجد أن من هؤلاء المخالفين من لم يستطع تحت قوة الدليل إلا الإعتراف بجواز هذا التوسل، وأنه لا غبار عليه فشكك في شبهاته وأسقط كلامه!!

إنه الألباني الذي قال في توسله (/77):

علي أنني أقول: لو صح أن الأعمي انما توسل بذاته(ص)فيكون حكماً خاصاً به (ص)، لا يشاركه فيه غيره من الأنبياء والصالحين، وإلحاقهم به مما لا يقبله النظر الصحيح، لأنه(ص)سيدهم وأفضلهم جميعاً، فيمكن أن يكون هذا مما خصه الله به عليهم، ككثير مما يصح به الخبر، وباب الخصوصيات لا تدخل فيه القياسات، فمن رأي أن توسل الأعمي كان بذاته(ص)فعليه أن يقف عنده ولا يزيد عليه، كما نقل عن الإمام أحمد والشيخ العز بن عبد السلام رحمهما الله تعالي. هذا هو الذي يقتضيه البحث العلمي مع الإنصاف والله الموفق للصواب). اه

فقل لي بربك لماذا كان كل هذا المراء من أساسه، وترك الدليل إلي التقليد؟

بيد

أن عبارته فيها هنات لا تخفي، فقصره بالتوسل بالنبي(ص)فقط لا دليل عليه، وهو تخصيص بدون مخصص، فالخصوصية لاتثبت إلا بدليل.

وإذا كان الإمام أحمد رحمه الله يجوز التوسل بالنبي(ص)، فلم ينقل عنه المنع من التوسل بغيره، ومن نقل عنه ذلك يكون قد افتأت عليه، والحنابلة وهم أعرف بامامهم لم يذهبوا إلي القصر الذي ادعاه الألباني! فيقول ابن مفلح الحنبلي في الفروع (1/595): (ويجوز التوسل بصالح وقيل يستحب قال أحمد في منسكه الذي كتبه للمروزي انه يتوسل بالنبي صلي الله عليه وسله في دعائه، وجزم به في المستوعب وغيره). اه.

وقال في/31:

وقال عمر بن حمزة: حدثنا سالم عن أبيه: ربما ذكرت قول الشاعر وأنا انظر إلي وجه النبي(ص)يستسقي، فما ينزل حتي يجيش كل ميزاب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه ثمال اليتامي عصمة للأرامل وهو قول أبي طالب والشاهد فيه قوله: (يستسقي الغمام بوجهه) فتمثل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بقول أبي طالب، وتذكره له مع النظر للنبي(ص)، يدل علي توسله بالنبي(ص)في الإستسقاء، وهو نص لا يحتمل غيره.

وقد أجاب الشيخ بشير السهسواني علي هذا النص الصريح اجابة مندفعة فقال (/373): فإن قلت: لفظ (يستسقي الغمام بوجهه) يدل علي أن التوسل بالذوات الفاضلة جائز؟

قلت: المكروه من التوسل هو أن يقال أسألك بحق فلان أو بحرمة فلان، وأما احضار الصالحين في مقام الاستسقاء، أو طلب الدعاء منهم فهو ليس من المكروه في شئ، بل هو ثابت بالسنة الصحيحة. اه.

وقال في موضع آخر (/274): وإذا كان حضور الصحابة والتابعين وتابعي التابعين والضعفاء سببا للنصر والفتح، فما ظنك بحضور سيد ولد آدم(ص)؟ اه.

ثم قال في (/275): فالمراد بوجهه في قول أبي طالب: (يستسقي بوجهه) ببركة

حضور ذاته أو بدعائه. ا ه.

قلت وبالله التوفيق: صرف السهسواني هذا التوسل إلي التبرك بالذات أوالدعاء فيه نظر، أما الدعاء فظاهر أن كون المراد بيستسقي بوجهه ببركة حضوره فيمكن أن يكون كذلك ان كان التبرك والتوسل عنده مترادفان وهو الصواب، وهو ما صرح به البدر العيني فقال في عمدة القاري (7/30):

معني قول أبي طالب هذا في الحقيقة توسل إلي الله عز وجل بنبيه، لأنه حضر استسقاء عبد المطلب والنبي(ص)معه، فيكون استسقاء الناس الغمام في ذلك الوقت ببركة وجهه الكريم. ا ه.

وإن لم يكن، فلفظة (يستسفي الغمام بوجهه) هو عين التوسل، ولابد من حمل النص علي ظاهره، ولا يصرف إلا بدليل ولا صارف هنا. والله أعلم.

وللعلامة محمد بن علي الشوكاني كلمة في جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم من الصالحين رد فيها علي من منعه وفند ايراداته، فقال رحمه الله في كتابه (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) ما نصه:

أما التوسل إلي الله سبحانه وتعالي بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه، فقد قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام انه لا يجوز التوسل إلي الله تعالي إلا بالنبي(ص)ان صح الحديث فيه.

ولعله يشير إلي الحديث الذي أخرجه النسائي في سننه، والترمذي وصححه، وابن ماجه، وغيرهم، أن أعمي أتي النبي...

وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي(ص)كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين: الأول، ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضي الله تعالي عنهم.

والثاني، ان التوسل إلي الله بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة، إذ لا يكون فاضلاً إلا بأعماله، فاذا قال القائل: اللهم إني أتوسل اليك بالعالم الفلاني فهو بإعتبار ما

قام به من العلم. وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي(ص)حكي عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل...

فلو كان التوسل بالأعمال الفاضلة غير جائز، أو كان شركا كما زعمه المتشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه، لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي(ص)عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم!

وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من نحو قوله تعالي (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَي اللهِ زُلْفَي) ونحو قوله تعالي (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا)، ونحو قوله تعالي (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَئٍْ) ليس بوارد، بل هو من الإستدلال علي محل النزاع بما هو أجنبي عنه... وهكذا الإستدلال علي منع التوسل بقوله(ص)لما نزل قوله تعالي (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ أَلأَقْرَبِينَ) يا فلان ابن فلان لا أملك لك من الله شيئاً، يا فلانة بنت فلان لا أملك لك من الله شيئاً، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه(ص)لا يستطيع نفع من أراد الله ضره ولا ضر من أراد الله تعالي نفعه، وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلاً عن غيرهم شيئاً من الله. وهذا معلوم لكل مسلم، وليس فيه أنه لا يتوسل به إلي الله، فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهي، وانما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سبباً للإجابة ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع، وهو مالك يوم الدين. انتهي كلام الشوكاني رحمه الله.

- وقال الآلوسي: أنا لا أري بأساً في التوسل إلي الله تعالي بجاه النبي(ص)عند الله تعالي حياً وميتاً، ويراد بالجاه معني يرجع إلي صفة من صفاته تعالي مثل أن

يراد به المحبة التامة المستدعية عدم رده وقبول شفاعته فيكون معني قول القائل: إلهي أتوسل اليك بجاه نبيك صلي الله تعالي عليه وسلم أن تقضي لي حاجتي، الهي اجعل محبتك له وسيلة في قضاء حاجتي.

ولا فرق بين هذا وقولك: إلهي أتوسل اليك برحمتك أن تفعل كذا، إذ معناه أيضاً الهي اجعل رحمتك وسيلة في فعل كذا. انتهي من جلاء العينين (/572).

وقال في/37:

التوسل ليس من مباحث الإعتقاد:

التوسل من موضوعات الفروع، لأن حقيقته اتخاذ وسيلة، أي قربة إلي الله تعالي.

قال الله عز وجل (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ).

والتوسل علي أنواع، وأمره يدور بين الجواز والندب والحرمة، وماكان أمره كذلك فهو من الأحكام الشرعية التي موضوعها علم الفقه.

واقحام موضوعات الفقه في التوحيد والعقائد خطأ يجب مجانبته، حتي ينزل كل بحث منزلته.

وهذا الإمام أبو حنيفة يقول: ويكره أن يقول الرجل في دعائه: أسألك بمعقد العز من عرشك. اه_ (الجامع الصغير للإمام محمد/395 مع النافع الكبير) فعبر الإمام أبوحنيفة رحمه الله بقوله (يكره) فدار الأمر بين الكراهة التنزيهية أو التحريمية، كما قرره أصحابه في كتاب (الكراهية) أو الحظر والإباحة من مصنفاتهم الفقهية.

والسادة الفقهاء يذكرون التوسل في باب الإستسقاء، وعند زيارة قبر النبي(ص).

أما سلك بحث التوسل في العقائد وجعله وسيلة من وسائل الشرك، فبدعة قد حلت بالمسلمين ومسلك قد زرع العداوة بينهم، ونفخ في بوق الخلاف بين الأخ وأخيه والأب وابنه.

ومن قلب النظر في عشرات الكتب والرسائل التي يصنفها بعض المعاصرين التي تتحدث عن (منهج أهل السنة والجماعة) و (أصول أهل السنة) و (عقيدة الفرقة الناجية أو (العقيدة الصحيحة) و (مجمل أصول أهل السنة والجماعة). وخصائص...

و مميزات... لرأي الهول والجهل معا ووقف علي أنواع من التشدد كادت أن تأتي علي الأخضر واليابس.

وينبغي علي العقلاء كشف أوضار وأخطار هؤلاء الجهلة، ومن علي شاكلتهم من المتاجرين بالخلاف بين المسلمين.

وإن المرء لا يعجب ممن يأخذ بأحد الرأيين، ولكنه لا ينقضي عجبه ممن يتبع أحد هذين الرأيين، ثم يجعل ما اتبعه هو الحق الذي يجب المصير إليه ويجعل من اختيار الآخرين للرأي الآخر برهان كونهم مبتدعة يجب مفارقتهم ويجب... ويجب... فقل لي بربك أي عالم من علماء الأمة يقر هذا المسلك المتخلف العجيب!

ولطالما اتهم كثير من عباد الله الصالحين بالإبتداع وغيره، وعند المحقاقة تجد الحق معهم والجهل مع غيرهم، فإلي الله المشتكي مما إليه أمر المسلمين.

وقال في/41:

ولا بأس أن ألفت نظر القارئ الكريم لنوع من رسائل التهويل والتضليل والتعدي علي المسلمين، وما أكثرها.

من هذه الرسائل رسالة باسم (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) يعيب المؤلف فيها علي صاحب كتاب (للدعاة فقط) مسائل منها قول الإمام حسن البنا رحمه الله: (والدعاء إذا قرن بالتوسل إلي الله تعالي بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء، وليس من مسائل العقيدة). اه (/25).

وهذا حق لا مرية فيه، ومنكره منكر للمحسوس ومكابر في الضروريات، ولأن صاحب الرسالة المذكورة وقف علي بعض الرسائل التي ترشح بالتهويل والتضليل وتعميق الخلاف بين المسلمين، جري المسكين في فلك هذه الرسائل فأبرق لمن يفتيه وفق مراده، فأفاده بعضهم بقوله المضحك المبكي (هو صالح الفوزان):

التوسل في الدعاء بذوات الصالحين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلة من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافا في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع، لأن الدعاء فيه أعظم أنواع العبادة،

ولا يجوز فيه إلا ما ورد في الكتاب والسنة... الخ (/31 - 32).

قلت: لا يخفي أن الأحاديث والاثار الصحيحة والحسنة ترد قوله، ولو استحضر هذا المجيب حديثا واحدا منها، وليكن حديث توسل الأعمي بالنبي(ص) واستعمال عثمان بن حنيف له، وزيادة حماد بن سلمة الصحيحة، وكان مع استحضاره منصفاً وترك تقليد غيره، لأعرض عما تفوه به، فإن أبي ترك التقليد فأولي به تقليد إمامه في توسله بالنبي(ص)، وجماعة من السلف، كما نقله ابن تيمية في التوسل والوسيلة/65، 98!

فإذا كان أحمد وجماعة من السلف لايعرفون الشرك ووسائله، وعرفه هذا المستدرك عليهم، فليكن ماعرفه هو سب السلف وأئمة الدين ورميهم بالعظائم لا غير.

نعم الدعاء من أعظم أنواع العبادة، كلمة حق أريد بها باطل، لكن المتوسل لا يدعو إلا الله جل وعز، ولكنه اتباعا لقول بقول الله تعالي (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) توسل في دعائه. وهذه الوسيلة مختلف في بعض أنواعها منها ما يجوز، ومنها ما لا يجوز.

فالأمر فيه خلاف وهو ضعيف، ومحل هذا الخلاف موضوع علم الفقه، أما علم العقيدة أو التوحيد فيتكلم في الإلهيات والنبويات والسمعيات، فلا معني لإدخال بحث التوسل في العقيدة، وبون كبير بين العالمين!

وقال في/47:

وإذا كان صاحب رسالة (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) قد اعتمد علي غيره، فإن أبا بكر الجزائري قد اعتمد علي نفسه، فزاد الطين بلة، وكفر قسطاً وافراً من المسلمين فقال ما نصه:

إن دعاء الصالحين والإستغاثة بهم والتوسل بجاههم لم يكن في دين الله تعالي قربة ولا عملاً صالحاً فيتوسل به أبداً، وانما كان شركاً في عبادة الله محرماً يخرج فاعله من الدين ويوجب له الخلود في جهنم. انتهي بحروفه من كتابه (عقيدة المؤمن) (/144).

والصحيح أن المؤمن لا يعتقد ذلك في اخوانه المؤمنين الذين يعتقدون ألا مؤثر إلا الله عز وجل، وغاية عملهم أنهم علموا منزلة النبي(ص)عند ربه فتوسلوا به واتبعوا الأدلة الصحيحة، وقد تأسوا في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم.

وقد أخطأ أبوبكر الجزائري فكفر عباد الله الصالحين، وهذا التكفير الجزاف لا ارتباط له بكتاب أو سنة، ولا بما عليه السواد الأعظم، ولم يقل ذو عقل ودين بمقولته الفاسدة إلا من كان علي رأي الخوارج!! نسأل الله العافية.

وللأسف قد طبع كتابه مرات، وليتأمل القارئ المنصف كم من المسلمين فتنوا بهذا الباطل! والله المستعان.

وقال في/48:

وإذا كان أبوبكر الجزائري قد تفوه بالتكفير، فهناك آخر هو محمد صالح العثيمين الذي أصر علي اعتبار التوسل من مباحث الإعتقاد واستدل علي مقولته بما لم يصرح به مسلم فقال:

وبالنسبة للتوسل فهو داخل في العقيدة لأن المتوسل يعتقد أن لهذه الوسيلة تاثيراً في حصول مطلوبه ودفع مكروهه، فهو في الحقيقة من مسائل العقيدة، لأن الإنسان لايتوسل بشئ إلا وهو يعتقد أن له تأثيرا فيما يريد. اه

من فتاوي ابن عثيمين (3/100) كما نقله عنه جامع (فتاوي مهمه لعموم الأمة).

قلت: أثبت العرش ثم انقش، فمن الذي أطلعك علي ما في صدور المتوسلين حتي تصرح بهذه المقولة الشنيعة.

إن ما قاله مناف للإعتقاد تماما، فكل مسلم يعتقد إعتقاداً جازماً أن الله جل وعز هو النافع وهو الضار، وأن المؤثر الحقيقي هو الله، وأنه وحده مسبب لأسباب، فلا فاعل إلا الله، ولا خالق سواه، وإليه يرجع الأمر كله.

وغاية مافي المتوسل أن يقول: اللهم إني أسالك أو أتوسل اليك بنبيك(ص)مثلا.

فالمتوسل سأل الله تعالي ولم يسأل سواه، ولم ينسب إلي المتوسل به تأثيراً

أو فعلاً أو خلقاً، وانما أثبت له القربة والمنزلة عند الله تعالي، وتلك المنزلة ثابتة له في الدنيا والآخرة، وإليه نذهب يوم القيامة طلباً للشفاعة.

ومن اعتقد أن إخوانه المسلمين يعتقدون أن المتوسل به له تأثير، فيكون قد كفرهم، ووضع نفسه مقام العارف بما في الصدور!

وهذه فتاوي يضحك بها هؤلاء علي البسطاء ليوضحوا لهم أن المتوسلين من جلدة أخري! وكلام العثيمين ينسحب إلي التوسل كله.

والحق يقال: انه كلام لا علاقة له بالعلم، وكم من حوادث وفتن تتبع هذه الفتاوي، وكم من جاهل كفر أبويه أو أهل خطته بسبب اغتراره بمثل هذه الفتاوي، ولو تمهل المفتي وفكر قليلا لأدرك سخف مقولته.

والعجب أنه أطلق وما قيد، فهل للعمل الصالح المتوسل به تأثيراً بذاته. ومحال أن الصحابة اعتقدوا هذا الإعتقاد في النبي(ص)، والعباس ويزيد عندما توسلوا بهم، ومحال أن يعتقد السلف، ومنهم الإمام أحمد الذين توسلوا بالنبي(ص) (كما صرح به ابن تيمية في التوسل والوسيلة/98) هذا الإعتقاد الفاسد.

والحنابلة يجوزون أو يستحبون التوسل بالنبي(ص)كما صرح إمامهم ابن قدامة بذلك في المغني، فهل يراهم يعتقدون مثل هذا الإعتقاد؟!!

إن من الآفات المردية التسرع في رمي العباد بالعظائم.

والحاصل أن ماقاله العثيمين لا يصلح دليلاً علي ما ادعي، بل هو مما يدوم ضرره، لأن آثاره نراها دارجة تفرق بين المسلمين! نسأل الله لنا جميعا الهداية والتوفيق، ولو حسن الشيخ الظن باخوانه المسلمين لكان له موقف آخر.

كتاب (حقيقة التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة)

والوسيلة ما يتقرب به إلي الغير. والجمع الوسل، والوسائل، والتوسيل والتوسل واحد، يقال: وسل فلان إلي ربه وسيلة، وتوسل إليه بوسيلة، إذا اقترب إليه بعمل.

وهي أيضاً: كل ما جعله الله سبباً في القربي عنده، ووصلة إلي قضاء الحوائج منه،

والمدار فيها علي أن يكون للوسيلة قدر وحرمة عند المتوسل إليه.

ولفظ الوسيلة عام في الآيتين، فهو شامل للتوسل بالذوات الفاضلة من الأنبياء والصالحين، في الحياة وبعد الممات، وباتيان الأعمال الصالحة علي الوجه المأثور به وللتوسل بها بعد وقوعها.

أخرج الطبراني في معجمه الكبير والأوسط بسند رجاله رجال الصحيح، وابن حبان والحاكم عن أنس أنه قال: لما ماتت فاطمة بنت أسد أم علي رضي الله عنهما، دخل عليها رسول الله.. الحديث، وفي آخره: أنه لما فرغ من حفر لحدها دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال: الله الذي يحيي ويميت، وهو حي لا يموت، اغفر لأمي فاطمة بنت أسد، ولقنها حجتها، ووسع عليها مدخلها، بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فانك أرحم الراحمين.

ففي هذا الحديث الثابت، توسله عليه الصلاة والسلام إلي ربه بذاته، التي هي أرفع الذوات قدراً، وباخوانه من النبيين، وجلهم موتي عليهم جميعا الصلاة والسلام.

فالتوسل بسيدنا رسول الله، والتوسل بسائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والتوسل بالصالحين من عباد الله سبحانه، والإستغاثة بهم جميعاً، علي النحو الذي عليه الأمة، من اعتقاد أنهم عباد مكرمون مقبولو الشفاعة، عند الله تعالي بفضله، هو مما أجمعت عليه الأمة، ودل عليه الكتاب، ونطقت به صحاح السنة، وأقوال العلماء.

وجواز التوسل وحسنه يعد بحق من الأمور المعلومة لكل ذي دين، المعروفة من فعل الأنبياء والمرسلين، وسير السلف الصالحين والعلماء العوام من المسلمين.

وحسبك من انكار المنكر للإستعانة والتوسل، قول لم يقله عالم قبله، وقد وقفت له علي كلام طويل في ذلك، رأيت أن أميل عنه ولا أتتبعه بالنقض والأبطال، فإن دأب القاصدين لإيضاح الدين وإرشاد المسلمين، تقريب المعني إلي أفهامهم، وتحقيق مرادهم وبيان حكمه وأحكامه.

وعلي أي حال

من الأحوال، ومهما بلغ قول المنكر من الإنكار، فإن التوسل بالنبي جائز في كل حال، قبل خلقه، وبعد خلقه، في مدة حياته في الدنيا، وبعد موته في مدة البرزخ، وبعد البعث في عرصات القيامة، والجنة.

وهو علي ثلاثة أنواع:

1 - النوع الأول: أن التوسل به بمعني أن طالب الحاجة يسأل الله تعالي به، أو بجاهه أو ببركته. وله ثلاث حالات:

أما الحالة الأولي: قبل خلقه فيدل علي ذلك آثار عن الأنبياء الماضين، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، اقتصرنا منها علي بعض ما تبين لنا صحته، وهو ما رواه الحاكم أبو عبدالله في المستدرك علي الصحيحين، وعبد الرزاق في مصنفه، وابن أبي شيبة في مسنده: عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: أوحي الله إلي عيسي يا عيسي آمن بمحمد، وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به، فلولا محمد ما خلقت آدم، ولولاه ما خلقت الجنة والنار، ولقد خلقت العرش علي الماء فاضطرب فكتبت عليه: لا إله إلا الله محمد رسول الله، فسكن.

وأما ما ورد من توسل نوح، وابراهيم، وغيرهما من الأنبياء (عليهم السلام)، فذكره المفسرون، واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم له.

ولا فرق في هذا المعني بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل، أو الإستعانة، أو التشفع أو التجوه. ولسنا في ذلك سائلين غير الله تعالي، ولا داعين إلا إياه، ويكون ذكر المحبوب أو التعظيم سبباً في ذلك للإجابة، كما في الأدعية الصحيحة المأثورة: أسألك بكل اسم لك، وأسألك بأسمائك الحسني، وأسألك بأنك أنت الله، وأعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك...

أما عن التوسل بدعاء الرسول وشفاعته، فيدل عليه قوله تعالي: وَلَوْ

أَنَّهُمْ إِذْ ظَّلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً.

وفي الحديث الصحيح عن أنس بن مالك (رض)، أن رجلاً دخل يوم الجمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله قائم يخطب، فاستقبل رسول الله قائماً، قال: يا رسول الله، هلكت المواشي، وانقطعت السبل فادع الله أن يغيثنا. قال: فرفع رسول الله يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا...

فالنبي أقر هذا الأعرابي علي التوسل به، وسعي في تحقيق ما توسل إليه...

الحالة الثانية: التوسل به بذلك النوع، بعد خلقه، في مدة حياته، فمن ذلك ما رواه أبو عيسي الترمذي في جامعه في كتاب الدعوات: عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتي النبي فق_ال: ادع الله أن يعافني...

والحالة الثالثة: أن يتوسل به بعد موته، لما رواه الطبراني في معجمه الكبير: عن عثمان بن حنيف أن رجلاً كان يختلف إلي عثمان بن عفان في حاجة له فكان عثمان لا يلتفت إليه، ولا ينظر في حاجته، فلقي ابن حنيف فشكا ذلك إليه فقال له عثمان بن حنيف: ايت الميضاة فتوضأ، ثم ايت المسجد فصل فيه ركعتين، ثم قل: «اللهم اني أسألك وأتوجه اليك بنبينا محمد نبي الرحمة، يا محمد إني أتوجه بك إلي ربك فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك...

والإحتجاج بهذا الأثر فهم عثمان بن حنيف (رض) ومن حضره ممن هم أعلم بالله ورسوله.

2 - النوع الثاني: التوسل به بمعني طلب الدعاء منه، وذلك في أحوال: الحالة الأولي: في حياته وهذا متواتر...

ولا يصح أن يقول مانع التوسل: أنا لا أمنع التوسل والتشفع لما قدمتم من الآثار والأدلة وإنما أمنع إطلاق التوجه والإستغاثة لأن فيهما إبهام وهو أن المتوجه به، والمستغاث

به أعلي من المتوجه عليه والمستغاث عليه.

وهذا لا يعتقده مسلم، ولا يدل لفظ التوجه والإستغاثة عليه فإن التوجه من الجاه والوجاهة، ومعناه: علو القدر والمنزلة.

وقد يتوسل بذي جاه إلي من هو أعلي جاها منه.

الحالة الثانية: بعد موته في عرصات القيامة بالشفاعة منه، وذلك مما قام الإجماع عليه وتواترت الأخبار به.

الحالة الثالثة: المتوسطة في مدة البرزخ، ولا مانع من ذلك، فإن دعاء النبي لربه تعالي في هذه الحالة غير ممتنع، وقد وردت الأخبار علي ما ذكرنا من قبل، ونذكر طرفا منه باثبات علمه بسؤال من يسأله، فلا مانع من أن يسأل به الإستسقاء كما كان يسأله في الدنيا.

3 - النوع الثالث: من التوسل أن يطلب منه ذلك الأمر المقصود، بمعني أنه (ص) قادر علي التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه، فيعود إلي النوع الثاني في المعني، وإن كانت العبارة مختلفة، ومن هذا قول القائل للنبي: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال له (ص): أعني علي نفسك بكثرة السجود.

والآثار في ذلك كثيرة، ولا يقصد الناس بسؤالهم ذلك إلا كون النبي (ص) سبباً وشافعاً، وليس المراد نسبة النبي إلي الخلق والإستقلال بالأفعال، فإن هذا لا يقصده مسلم. فصرف الكلام إليه ومنعه من باب التلبيس في الدين والتشويش علي عوام الموحدين!!

وأما الإستغاثة فهي طلب الغوث. وتارة يطلب الغوث من خالقه وهو الله تعالي وحده، كقوله تعالي: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ.

وتارة يطلب ممن يصح إسناده إليه، علي سبيل الكسب، ومن هذا النوع الإستغاثة بالنبي(ص)في هذين القسمين فيصح أن يقال: استغثت بالنبي، وأستغيث بالنبي، بمعني واحد، وهو طلب الغوث منه بالدعاء ونحوه علي النوعين السابقين في التوسل من غير فرق، وذلك في حياته

وبعد موته، ويقول: استغثت الله، وأستغيث الله بمعني طلب خلق الغوث منه.

فالله تعالي مستغاث، والغوث منه خلقاً وايجاداً، والنبي(ص)مستغاث، والغوث منه تسبباً وكسباً.

وقد تكون الإستغاثة بالنبي علي وجه آخر، وهو أن يقول: استغثت بالنبي كما يقول: سألت الله بالنبي، فيرجع إلي النوع الأول من أنواع التوسل، ويصح قبل وجوده وبعد وجوده.

والحاصل أن مذهب أهل السنة والجماعة صحة التوسل، وجوازه بالنبي(ص)، في حياته وبعد وفاته، وكذا بغيره من الأنبياء والمرسلين، والأولياء الصالحين، كما دلت عليه الأحاديث السابقة.

ومعاشر أهل السنة لا يعتقدون خلقاً ولا ايجاداً، ولا إعداماً إلا لله تعالي وحده لا شريك له. فلا فرق في التوسل بالنبي وغيره من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمع_ين. وكذلك بالأولياء والصالحين، لا فرق بين كونهم أحياءً أو أمواتاً، لأنهم لا يخلقون شيئاً، وانما يتبرك بهم لكونهم أحباء الله تعالي، والخلق والإيجاد لله وحده لا شريك له.

شبهة إنكار التوسل والإستغاثة والرد عليها:

من شبهات الخصم التي يدلس فيها ويموه بها:

1 - الإنكار علي المتوسلين والمستغيثين، وتكفيرهم وعدهم مشركين، كعباد الأوثان، بل وجعلهم أسوأ حالاً منهم، واتهامهم أنهم يعتقدون التأثير لغير الله تعالي.

2 - الإنكار علي المستغيثين بالموتي.

3 - انكار زيارة قبور الأنبياء والصالحين، وبالأخص سيد المرسلين والإستغاثة به(ص)، إلي رب العالمين.

4 - إنكار الصلاة في المساجد التي بها قبور، وعد ذلك من الشرك، ولا ذريعة إلي الشرك.

5 - إنكار وصول ثواب قراءة القرآن والدعاء والإستغفار للموتي. وغير ذلك مما اعتبره الخصم من أنواع الشرك.

ولتفنيد شبهات الخصم سالفة الذكر هذه، فقد أفردنا لكل شبهة فصلاً مستقلاً تناولنا فيه الرد عليها.

أما الشبهة الأولي فقد استقصينا كلام الخصم،

فوجدناه مفتتحا إظهار دعوة مخالفة لأهل الأرض والسماء وهو عارف بضعف حاله، فإن تكفيره لمن خالف بدعته من جميع المسلمين، ونسبتهم إلي الشرك الأكبر، واتخاذه هذا الإتهام ذريعة لتكفيرهم لا دليل له عليه.

هذه الذريعة التي اتخذها هي قوله: إن المشركين السابقين كانوا مشركين في الألوهية فقط، وأما مشركو المسلمين فنعني بهم من أشركوا في الألوهية والربوبية. وقال أيضاً: إن الكفار في زمن رسول الله لا يشركون دائماً، بل تارة يشركون، وتارة يوحدون، ويتركون دعاء الأنبياء والصالحين، وذلك أنهم إذا كانوا في السراء دعوهم واعتقدوا بهم، وإذا أصابهم الضر والشدائد تركوهم وأخلصوا لله الدين، وعرفوا أن الأنبياء والصالحين لا يملكون ضراً ولا نفعاً.

قال الخصم هذا، وحمل تأويل جميع الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين علي الموحدين من أمة محمد وتمسك بها في تكفيرهم.

مجمل القول في رد هذه الشبهة: أن التوسل والتشفع والإستغاثة كلها بمعني واحد، وليس لها في قلوب المؤمنين معني إلا التبرك بذكر أحباب الله تعالي، لما ثبت أن الله يرحم العباد بسببهم، سواء أكانوا أحياءً أم أمواتاً. فالمؤثر والموجد حقيقة هو الله تعالي، وهؤلاء سبب عادي في ذلك، لا تأثير لهم، وذلك مثل السبب العادي فانه لا تأثير له.

فالمسلم الموحد متي صدر منه اسناد الشئ لغير من هو له، يجب حمله علي المجاز العقلي، واسلامه وتوحيده، قرينة علي ذلك، كما نص علي ذلك علماء المعاني في كتبهم، وأجمعوا عليه.

وأما منع التوسل مطلقاً فلا وجه له مع ثبوته في الأحاديث الصحيحة، ومع صدوره من النبي(ص)، وأصحابه، وسلف الأمة وخلفها.

والمنكرون للتوسل، والمانعون منه، منهم من يجعله حراماً، ومنهم من يجعله كفراً وإشراكاً! وكل ذلك باطل، لأنه يؤدي إلي اجتماع معظم

الأمة علي الحرام والإشراك، لأن من تتبع كلام الصحابة والعلماء من السلف والخلف يجد التوسل صادراً منهم، بل ومن كل مؤمن في أوقات كثيرة، وإجتماع أكثرهم علي الحرام أو الإشراك لا يجوز، لقوله(ص)في الحديث الصحيح: لا تجتمع أمتي علي ضلالة.

كما أن المنع من التوسل والإستغاثة بالكلية مصادم للأحاديث الصحيحة، ولفعل السلف والخلف، فعليك باتباع الجمهور والسواد الأعظم. يقول سبحانه وتعالي: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَي وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّي وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا.

يقول رسول الله (عليهما السلام): عليكم بالسواد الأعظم فانما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

هؤلاء المنكرون للتوسل والزيارة، فارقوا الجماعة والسواد الاعظم، وعمدوا إلي آيات كثيرة من آيات القرآن التي نزلت في المشركين، فحملوها علي المؤمنين الذين تقع منهم الزيارة والتوسل، وتوصلوا بذلك إلي تكفير أكثر الأمة من العلماء والصلحاء والعباد والزهاد وعوام الخلق، والحق علي خلاف ما يقولون ويزعمون.

أما تخيلهم أن منع التوسل والزيارة من المحافظة علي التوحيد، وأن فعل ذلك مما يؤدي إلي الشرك، فهو تخيل فاسد باطل. فالتوسل والزيارة إذا فعل كل منهما مع المحافظة علي آداب الشريعة الغراء لا يؤدي إلي محذور البتة.

والقائل بمنع ذلك سدا للذريعة متقول علي الله، وعلي رسوله(ص)، وكأن هؤلاء المانعين للتوسل والزيارة يعتقدون أنه لا يجوز تعظيم النبي(ص)، فحيثما صدر من أحد تعظيم له حكموا علي فاعله بالكفر والإشراك، وليس الأمر كما يقولون، فإن الله تعالي عظم النبي في القرآن الكريم بأعلي أنواع التعظيم، فيجب علينا أن نعظم من عظمه الله تعالي وأمر بتعظيمه.

الفصل الثاني شبهة إنكار الإستغاثة بالموتي والرد عليها:

كثر الخوض، واشتد الجدال، وحدث الإنكار، ضد الإستغاثة بالموتي، ومنع النداء

لهم، ظنا من المنكرين، أن سائر الموتي من الأنبياء، والمرسلين، والأولياء الصالحين، وعامة المؤمنين لمجرد انتقالهم من دار الحياة الدنيا، صاروا ترابا لا بقاء لهم في قبورهم، لا يسمعون ولا يدركون. بيد أن الحق علي خلاف ما يزعمون، والصواب علي غير ما يعتقدون.

والسنة الشريفة ترد عليهم زعمهم في صراحة قوية، وتبطل قولهم فيما جاء بها من أحاديث صحيحة.

أخرج البخاري ومسلم، وأصحاب السنن، من حديث ابن عمر قال: اطلع رسول الله(ص)علي أهل القليب فقال: هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقا...

وقال الله تعالي: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ. فإذا ثبت هذا في الشهداء وهم من سائر الأمة في كل زمان، فلا شك أن الأنبياء من باب أولي.

وفي الحديث الصحيح: ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتي أرد عليه السلام. فظاهره يقتضي أن روحه الشريفة تفارق جسده الشريف وأنها بالسلام ترد...

يؤيد ذلك ما صح عنه(ص)من قوله: حياتي خير لكم، تحدثون ويحدث لكم، ووفاتي خير لكم تعرض عليَّ أعمالكم، ما رأيت من خير حمدت الله، وما رأيت من شر استغفرت لكم. وفي هذا الباب آثار كثيرة.

وأما شبهتهم في المنع من النداء لهم فقالوا: إن النداء والخطاب للجمادات، والغائبين، والاموات، من الشرك الذي يباح به الدم والمال، ولا حجة لهم في ذلك، فإن الأحاديث الصحيحة صريحة في بطلان قولهم هذا.

إنهم زعموا أن النداء للأموات والغائبين والجمادات يسمي دعاء، وأن الدعاء عبادة، بل هو مخ العبادة. وحملوا كثيراً من الآيات القرآنية التي نزلت في المشركين علي الموحدين، وقد تقدم ذكر كثير من تلك الآيات ورد زعمهم فيها.

وهذا كله منهم تلبيس في

الدين، فانه وان كان النداء قد يسمي دعاء كما في قوله تعالي: لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً. لكن ليس كل نداء عبادة، ولو كان كل نداء عبادة لشمل ذلك نداء الأحياء والأموات، فيكون كل نداء ممنوعاً مطلقاً، وليس الأمر كذلك، وإنما النداء الذي يكون عبادة هو نداء من يعتقدون ألوهيته واستحقاقه العبادة فيرغبون إليه ويخضعون بين يديه.

الذي يوقع في الإشراك هو إعتقاد ألوهية غير الله تعالي، وأما مجرد النداء لمن لا يعتقدون ألوهيته ولا تأثيره فانه ليس عبادة...

المجلد5

فهرست مطالب كتاب: العقائد الإسلامية (المجلد 5)

العقائد الإسلامية (المجلد 5)

مقدمة

عقيدة اليهود نفي الحكمة عن الله تعالي و نفي العصمة أنبيائه

لماذا يحسد اليهود الشعوب التي عندها مقدسات

لم يكن اليهود موحدين حتي في عصور أنبيائهم

الالحاد الصريح في اليهود الماضين والمعاصرين

افتراء اليهود علي الله تعالي و نفيهم عنه العلم والعدل

وصفوا الله تعالي بأنه لا يعلم ما خلق

و وصفوه بالطيش والغضب والظلم

و افتروا علي الله تعالي بأنه ينسي عهده ثم يتذكره

و زعموا أن يعقوب صارع الله تعالي فعجز الله أن يغلبه

و وصفوا معبودهم بأنه موجود مادي يسكن في السماء

و وصفوه بأن له سبعة أرواح كالقطط

من إهانات اليهود لأنبيائهم و افتراءاتهم عليهم

افتروا علي ابراهيم بأنه كان قبل نبوته يعبد الأوثان

و اتهموا ابراهيم بأنه تزوج سارة و هي أخته

و اتهموه بأنه كذب علي الحاكم القبطي بأن سارة أخته

و اتهموا نبي الله إسحاق بنفس التهمة

و اتهموا إبراهيم و بقية الأنبياء بأنهم كانوا يشربون الخمر

و زعموا أن لوطا سكن في سدوم اختلافه مع ابراهيم

و نسبوا إلي سارة رضي الله عنها الظلم والقسوة

و اتهموا إبراهيم بأنه

أطاع سارة و طرد هاجر و ابنها إسماعيل

اما مصادرنا فتبرئ إبراهيم و عترته من الظلم والمعصية

و اتهموا نبي الله هارون و موسي بالشرك والمعاصي

و اتهموا أنبياء الله بالحيل والدجل والبلاهة

و اتهموا يوشع بأنه ختن اليهود بسكاكين من حجر الصوان

و افتروا علي سليمان أنه أشرك بالله تعالي

النتائج الخطيرة لتخريب اليهود لعقيدة العدل والعصمة

امتياز الشيعة عن اليهود والسنة بعقيدة العصمة التامة

نؤمن بالعدالة المطلقة لله تعالي والعصمة التامة للأنبياء والأئمة

من أحاديث الشيعة في عصمة الأنبياء والأئمة عصمة تامة

من شرائع ديننا عصمة الأنبياء و الأوصياء

وجوب طاعة الأنبياء والأوصياء تستوجب عصمتهم

ضرورة بعثة الأنبياء تستوجب عصمتهم

العصمة من أول صفات الإمام

احاديث نصت علي إمامة الأئمة الإثني عشر و عصمتهم

كتاب كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الإثني عشر

العصمة التامة هي الوسطية بين الغلو والتقصير

من كلمات علماء الشيعة في عصمة الأنبياء والأئمة

الانبياء معصومون مطهرون كاملون

العصمة عن الذنوب، والغلط، والرذائل، وما ينفر

جليلنا

اصل الأدلة عندنا علي العصمة التامة: الدليل العقلي

العصمة لاتعني الإجبار، و لا تنافي الإختيار

دفاع أهل البيت و شيعتهم عن عصمة الأنبياء

الامام الصادق يتألم لظلم الناس للأنبياء والأوصياء

ملاحظة

استغفار الأنبياء والأوصياء وابتلاؤهم لم يكن بسبب الذنوب

ملاحظة

هشام بن الحكم يدافع عن عصمة الأنبياء والأئمة تحت سيف هارون الرشيد

مرجع الشيعة الشيخ المفيد رحمه الله يدافع عن عصمة نبينا

مرجع الشيعة السيد المرتضي قدس سره يؤلف كتابا في تنزيه الأنبياء

مقتطفات من كتاب تنزيه الأنبياء

بيان الخلاف في نزاهة الأنبياء عن الذنوب

تنزيه آدم عن الغواية

تنزيه نوح عما لا يليق به

تنزيه إبراهيم عن الكفر والعصيان

تنزيه إبراهيم عن

الشك في الله تعالي

تنزيه إبراهيم عن الإستغفار للكفار

تنزيه يعقوب عن إيقاع التحاسد بين بنيه

تنزيه يعقوب عن الحزن المكروه

تنزيه يوسف عن الصبر علي الإستعباد

تنزيه يوسف عن الهم بالمعصية

في أن أيوب ابتلي امتحانا لا عقابا

تنزيه موسي عن العصيان بالقتل

تنزيه يونس عن الظلم والمعصية بمغاضبته قومه

معركة تنزيه الأنبياء بين الشيعة و مخالفيهم

موقف علماء الشيعة الثابت: تأويل الآيات التي يبدو منها...

لا عصمة للأنبياء عند السنيين لكن الصحابة عندهم معصومون

نماذج من آراء علمائهم في عصمة الأنبياء

رأي الغزالي

رأي الآمدي

رأي القاضي عياض

رأي الفخر الرازي

ملاحظات علي كتاب عصمة الأنبياء للفخر الرازي

الملاحظة 01

الملاحظة 02

رأي ابن تيمية و مشبهة الحنابلة في عصمة الأنبياء

ابن تيمية يهاجم الشيعة لقولهم بعصمة الأنبياء

السبب الغريب لهجوم ابن تيمية علي العصمة

دفاع ابن تيمية عن اليهود و عن أسطورة الغرانيق

ابن تيمية يجوز أن يكون النبي كافرا فاسقا شريرا

البخاري ينقض عصمة الأنبياء و يفتري عليهم

صحيح البخاري مشحون بالإسرائيليات التي تطعن في الأنبياء و أسوأ منها القرشيات التي تطعن في نبينا

نبي الله إبراهيم يكذب

نبي الله موسي غضوب بطاش

نبي الله موسي يركض عاريا وراء ثيابه

نبي الله سليمان مفرط في الجنس، معرض عن ذكر الله

البخاري يروي تفضيل نبينا علي الرسل والبشر

ثم يتراجع البخاري و يفضل نبي الله موسي علي نبينا لكنه يفضل قريشا علي اليهود

و يفضل عيسي علي نبينا

و يروي النهي عن تفضيل الأنبياء علي بعضهم

الانبياء عند البخاري عصبيون كما في التوراة

قرشيات البخاري في الطعن بنبينا أسوأ من إسرائيلياته

روايات البخاري المشينة في سلوك نبينا

البخاري يفتتح صحيحه بالطعن في

نبوة نبينا

غرانيق قريش و محاولات التغطية علي البخاري

البخاري يروي فرية الغرانيق في ست مواضع

تناقض الفخر الرازي في حديث الغرانيق

القاضي عياض أكثر علماء السنة اعتدالا في عصمة نبينا

غرانيق قريش يتصيدها بروكلمان و مونتغمري

ملاحظات علي قصة الغرانيق

عمر عندهم معصوم و أفضل من جميع الأنبياء

النبي معصوم نظريا، و أبوبكر و عمر معصومان عمليا

مقولة عدالة الصحابة سياج لعصمة أبي بكر وعمر

اضطرارهم لتضييق سياج الصحابة بأهل بدر و بيعة الرضوان

عصمة عمر عندهم أعلي من عصمة جميع الأنبياء

النبي عندهم أضعف من عمر أمام شيطانه

و زعموا أن الله تعالي يتكلم بلسان عمر

و زعموا أن الملائكة تحدث عمر

و الفوا مؤلفات في الأخطاء النبوية والتصحيحات العمرية

و اخترع الذهبي قاعدة خاصة لعصمة عمر و أبي بكر

و غيروا إسم العصمة لإثباتها لعمر و أبي بكر

و من لعبهم بالألفاظ و ادعائهم الأدب مع النبي

و منهم أخذ الصوفيون عصمة الأقطاب و حفظ الأولياء

رأي التفتازاني: في عصمة أبي بكر و عمر و عدالة باقي الصحابة

نقد منطق التفتازاني في العصمة في مسائل

المسألة 01

المسألة 02

المسألة 03

المسألة 04

ابوبكر و عمر معصومان عند الغزالي، لكن لا يجب تقليدهما

هل تشيع الغزالي في آخر عمره؟

النقد الذاتي قليل نادر في علمائهم

السلطة القرشية تتبع اليهود حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل

تقليد اليهود.. من مصادرة الخلافة الي.. ترك الصلاة

اعمال تحريفية واسعة من أجل ترسيخ عصمة عمر و أبي بكر

بدأ نشاطهم بعد النبي واستمر إلي يومنا هذا

حملوا آيات مدح الصحابة أكثر مما تحتمل

غيبوا الآيات الصريحة في نقد الصحابة و ذمهم

لابد من ميزان لتقييم الصحابة

وضعوا

أحاديث في مدح الصحابة و عصمتهم

ليقابلوا بها أحاديث عصمة العترة

نقد حديث: خير القرون قرني

و معناه أن التاريخ الإسلامي يسير إلي الإنحدار، والأمة إلي الزوال

الخط البياني للأمة.. نزول ثم صعود

تخبط الشراح في حديث خير القرون قرني

ردهم شهادات النبي في انحراف الصحابة بعده

الامام مالك يعض يديه ندما لروايته أحاديث الحوض

قرنوا الصحابة بالنبي في الصلاة عليه من أجل عمر

من الذي حذف الصلاة علي آل النبي؟! ومن أين جاء قولهم، أو عليه وآله صحبه و سلم؟

من الذي وضع الصلاة علي الصحابة بدل الآل أو معها؟

عصموا البخاري من أجل عصمة عمر

مات البخاري قبل أن يكمل كتابه، فأكمله جماعة المتوكل

السر في تبنيهم كتاب البخاري

هل أن تبني البخاري عمل علمي أم ضد العلم؟

نظرية إلجام العوام بيد السلطة و رجال الدين

الجام العوام عن قبول شهادة الصحابة بحق أنفسهم

الجام العوام عن قبول إقرار بعض الصحابة بالمعصية

الجام العوام عن قبول شهادة النبي لقاتل عمار بالنار

ابن حنبل يقول: صحابي في النار

الجام العوام عن قبول شهادة ثقة و أمين أسراره

الجام العوام لتغطية مؤامرة خير القرون لقتل النبي

الجام العوام لتغطية اضطهاد خير القرون لأهل بيت نبيهم

الجام العوام عن تصديق القرآن بأن أكثرية خير القرون لن يؤمنوا

من أساليبهم في إلجام العوام

تمييع الحقائق و حلف الإيمان

تعليم العوام إنكار الحقائق نهارا جهارا

الجام أطفال المسلمين بتربيتهم علي عصمة عمر

الجام العوام باستخدام وسائل الإعلام

العصمة والمعصومون في القرآن

المعصومون ثمرة الوجود البشري

آيات العصمة في القرآن

آيات الإستخلاف

لا يكون خليفة الله في الأرض إلا معصوما

تكريم بني آدم لا يعني استخلافهم لأنه تكريم تكويني

واقتضائي

خلفاء الله في الأرض ليس بالضرورة أن يكونوا حكاما

تعليم آدم الأسماء دليل علي عصمة خلفاء الله تعالي

آيات الإصطفاء الإلهي

آيات الإصطفاء الإلهي

معني الإصطفاء و أنواعه

تفسير آية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفين

الآية من متشابهات القرآن

القرطبي يرفض التفسير الرسمي

تفسير أهل البيت

اختصاص أهل البيت بعلم الكتاب لا يلغي حجيته

ابناء فاطمة و أتباع أهل البيت ورثة مجازيون للكتاب

الظالم لنفسه درجات متفاوتة

رأي علماء الشيعة

بعض مفسري الشيعة وافق علي تفسير عمر و كعب

اهم الإشكالات علي التفسير الحكومي

التوريث الإلهي للكتاب مقام عظيم

آيات الإستخلاص والإجتباء الإلهي

اخلاص الدين لله تعالي

دعاء الله بانقطاع و إخلاص

المخلصون المستخلصون

المخلصون ناجون من الضلال والهلاك

المخلصون مقربون من الله و ليسوا أبناءه

المخلصون ناجون من العذاب مكرمون في الجنة

يتمني غير المخلصين أن يكونوا منهم

معني الإخلاص والمخلص

دلالة الإستخلاص الإلهي علي العصمة

آيات الإجتباء تشبه آيات الإستخلاص

آيات نفي سلطان الشيطان علي المخلصين

وجه دلالتها علي العصمة

الحكمة من نزول آيات متشابهة في عصمة الأنبياء

معجزة الجغرافية القرآنية

العصمة و قاعدة اللطف

معني العصمة في القرآن واللغة والحديث

من تعريفات المتكلمين للعصمة

قاعدة اللطف الإلهي التي استدل بها علماؤنا علي العصمة

قاعدة اللطف عقلية و شرعية

اللطف الإلهي في القرآن

اللطف في أحاديث النبي و آله

من كلمات علمائنا في قاعدة اللطف

رد الفقهاء للإستدلال بقاعدة اللطف في الفقه

ضرر الإغراق في التأصيل بقاعدة اللطف

كيف يلطف الله تعالي بالمعصوم

درجات العصمة واللطف بالمعصومين

عصمة نبينا و آله أرقي أنواع العصمة

النبي و عترته المعصومون منظومة خاصة لا يقاس بهم أحد

درجة شيعة النبي و آله في أحاديث الطرفين

زيادة رزين العبدري عن أبي داود

مقدمة

بس_م الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم السلام علي سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين

وبعد، فإن عصمة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام من العقائد المركزية في الأديان الإلهية، وقد اهتم بها علماء المسلمين، خاصةً علماء مذهب أهل البيت عليهم السلام، وبحثوا مسائلها بإجمال وتفصيل، وسلكوا المنهج الكلامي الذي يغلب عليه الطابع العقلي، أو المنهج الحديثي الذي يغلب عليه الطابع النقلي، وإن كانت عملية الإستدلال عملية عقلية دائماً، لأنها ترتيب مقدمات للإنتقال بها إلي نتيجة سواءً كانت مقدماتها عقلية أو نقلية، أو مركبة.

وقد اخترنا لسلسلة العقائد الإسلامية المنهج الحديثي المقارن، وتوسعنا في هذا المجلد في بحثين من بحوث العصمة:

الأول: العصمة في القرآن، فبحثنا طوائف من الآيات الكريمة لايمكن تفسيرها إلا بالمعصومين من الأنبياءوأوصيائهم عليهم السلام.

والثاني: مقارنة عقيدة العصمة بين الإسلام واليهودية، لبيان دور اليهود في تخريب عقيدة عصمة الأنبياء عليهم السلام وتأثر المسلمين بهم! فاليهود هم الذين فتحوا باب التنقيص من مقام الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام، وطوَّلوا ألسنتهم عليهم، واتهموهم بارتكاب أخطاء ومعاصي وأفعال مشينة، حتي الكفر بالله تعالي!

ومن المؤسف أن النصاري تبعوهم في ذلك، ولم يستثنوا إلا نبي الله عيسي عليه السلام فقط. ثم تبعهم جمهور المسلمين فاستوردوا منهم أكثر اتهاماتهم للأنبياء عليهم السلام وافتراءاتهم عليهم، وكان السبب الأكبر في ذلك أن الخلافة القرشية قامت علي سياسة منع المسلمين من التحديث بأحاديث نبيهم صلي الله عليه وآله، وقرَّبَتْ عدداً من حاخامات اليهود وقساوسة النصاري، وأطلقت ألسنتهم في نشر ثقافتهم بين المسلمين فنشروها بإسم الإسلام، وغرسوا في أذهان المسلمين التصور اليهودي الظالم للأنبياءوالأوصيائهم عليهم السلام، ودخل كل ذلك في كتب الصحاح والتفسير والسيرة،

وورثت ذلك أجيال المسلمين علي أنه حقائق دينية!

ولولا وقوف أهل البيت عليهم السلام وعلماء مذهبهم في مقابل موجة الثقافة اليهودية، لاتسعت زاوية الإنحراف، وتضاعف الإفتراء علي الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام، بل علي الله نفسه تبارك وتعالي، ولم يبقَ مَن يعتقد بعصمة الله وأوليائه، ويدفع عنهم افتراءات اليهود والمتهوكين!

إن النص التالي يصوِّر لنا عمق الفاجعة التي حلَّتْ بثقافة الأمة الإسلامية من تبني السلطة القرشية للإسرائيليات، ويكشف نوع عمل الأئمة عليهم السلام في معالجتها:

قال الصدوق رحمه الله في عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/170:(باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون مع أهل الملل والمقالات، وما أجاب به علي بن محمد بن الجهم في عصمة الأنبياءسلام الله عليهم أجمعين:

حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني(رض)والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا القإسم بن محمد البرمكي قال:حدثنا أبو الصلت الهروي قال: لما جمع المأمون لعلي بن موسي الرضا عليه السلام أهل المقالات من أهل الإسلام والديانات من اليهود والنصاري والمجوس والصابئين وسائر المقالات، فلم يقم أحد إلا وقد ألزمه حجته كانه ألقم حجراً، قام إليه علي بن محمد بن الجهم فقال له: يا ابن رسول الله أتقول بعصمه الأنبياء عليهم السلام؟ قال عليه السلام: نعم. قال: فما تعمل في قول الله عز وجل: وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي. (ط_ه:121)، وفي قوله عز وجل: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ.(الأنبياء:87) وفي قوله عز وجل في يوسف عليه السلام:وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا. (يوسف:24). وفي قوله عز وجل في داود: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلي

نِعَاجِهِ وإن كثيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَي بَعْضٍ إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ. (صّ:24)، وقوله تعالي في نبيه محمد صلي الله عليه وآله: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ. (الأحزاب:37)

فقال الرضا عليه السلام: ويحك ياعلي إتق الله ولاتنسب إلي أنبياءالله عليهم السلام الفواحش ولا تتأول كتاب الله برأيك، فإن الله عز وجل قد قال: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ.(آل عمران:7). أما قوله عز وجل في آدم: وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي(ط_ه: 121)، فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لافي الأرض، وعصمته يجب أن تكون في الأرض لتتم مقادير أمر الله، فلما أهبطه إلي الأرض وجعله حجة وخليفة عصمه بقوله عز وجل: أن الله اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ.(آل عمران: 33) وأما قوله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ. إنما ظن بمعني استيقن أن الله لن يضيق عليه رزقه، ألاتسمع قول الله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ.(الفجر:16) أي ضيق عليه رزقه، ولو ظن أن الله لا يقدر عليه لكان قد كفر.

وأما قوله عز وجل في يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا، فإنها همت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عز وجل: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.(يوسف: 24) يعني القتل والزنا. وأما داود عليه السلام فما يقول من قبلكم فيه؟

فقال علي بن محمد بن الجهم: يقولون إن

داود عليه السلام كان في محرابه يصلي فتصور له إبليس علي صورة طير أحسن ما يكون الطيور، فقطع داود صلاته وقام ليأخذ الطير فخرج الطير إلي الدار، فخرج الطير إلي السطح، فصعد في طلبه، فسقط الطير في دار أوريا بن حنان، فاطلع داود في أثر الطير بامرأة أوريا تغتسل فلما نظر إليها هواها، وقد أخرج أوريا في بعض غزواته، فكتب إلي صاحبه أن قدم أوريا إمام التابوت، فقدم فظفر أوريا بالمشركين، فصعب ذلك علي داود، فكتب إليه ثانية أن قدمه إمام التابوت فقدم فقتل أوريا، فتزوج داود بامرأته!

قال: فضرب الرضا عليه السلام بيده علي جبهته وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! لقد نسبتم نبياً من أنبياءالله عليهم السلام الي التهاون بصلاته حتي خرج في أثر الطير، ثم بالفاحشة ثم بالقتل! فقال: يا بن رسول الله فما كان خطيئته؟

فقال: ويحك! إن داود إنما ظن أن ما خلق الله عز وجل خلقاً هو أعلم منه فبعث الله عز وجل إليه الملكين فتسورا المحراب، فقالا: خَصْمَانِ بَغَي بَعْضُنَا عَلَي بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاتُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلي سَوَاءِ الصِّرَاطِ.إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلي نِعَاجِهِ، (صاد:22-24) فعجل داود علي المدعي عليه فقال: قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلي نِعَاجِهِ، ولم يسأل المدعي البينة علي ذلك ولم يقبل علي المدعي عليه فيقول له: ما تقول؟ فكان هذا خطيئة رسم الحكم لا ما ذهبتم إليه! ألا تسمع الله عز وجل يقول: يَا دَاوُدُ أنا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَي فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ. (صاد: 26).

فقال: يا بن

رسول الله فما قصته مع أوريا؟

فقال الرضا عليه السلام:إن المرأة في أيام داود عليه السلام كانت إذا مات بعلها أو قتل لاتتزوج بعده أبداً، وأول من أباح الله له أن يتزوج بامرأة قتل بعلها كان داود عليه السلام، فتزوج بامرأة أوريا لما قتل وانقضت عدتها منه، فذلك الذي شق علي الناس من قبل أوريا.

وأما محمد صلي الله عليه وآله وقول الله عز وجل: وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ.(الأحزاب:37)فإن الله عز وجل عرف نبيه صلي الله عليه وآله أسماء أزواجه في دار الدنيا وأسماء أزواجه في دار الآخرة وأنهن أمهات المؤمنين، وإحداهن من سمي له زينب بنت جحش، وهي يومئذ تحت زيد بن حارثة، فأخفي إسمها في نفسه ولم يبده لكيلا يقول أحد من المنافقين أنه قال في امرأة في بيت رجل أنها إحدي أزواجه من أمهات المؤمنين، وخشئ قول المنافقين، فقال الله عز وجل: وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ، يعني في نفسك. وإن الله عز وجل ما تولي تزويج أحد من خلقه إلا تزويج حواء من آدم عليه السلام وزينب من رسول الله صلي الله عليه وآله بقوله: فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُاللهِ مَفْعُولاً.(الأحزاب:37)وفاطمة من علي عليهما السلام.

قال: فبكي علي بن محمد بن الجهم وقال: يا بن رسول الله: أنا تائب إلي الله عز وجل من أن أنطق في أنبياءالله عليهم السلام بعد يومي إلا بما ذكرته). انتهي.

لذلك ركَّزنا البحث علي كشف الجذور التاريخية للشبهات والإفتراءت علي عصمة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام، خاصة ما يتعلق بعصمة نبينا صلي

الله عليه وآله، ثم علي بحث الأصل القرآني لعقيدة العصمة، وقاعدة اللطف. والله تعالي ولي التوفيق.

حرره بقم المشرفة في الثاني والعشرين من رجب الخير 1423

علي الكوراني العاملي

عقيدة اليهود نفي الحكمة عن الله تعالي و نفي العصمة أنبيائه

لماذا يحسد اليهود الشعوب التي عندها مقدسات

لا تتعجب إذا رأيت اليهودي عنده عقدة من كل ما هو مقدس عند الشعوب!

فقد ورث من أجداده التطاول علي قداسة الله تعالي وأنبيائه عليهم السلام، فهم أول من فتح باب الجرأة علي الله وأنبيائه عليهم السلام، مع أن كل مايزعمونه لأنفسهم من مكانة وامتياز علي الشعوب، مبنيٌّ علي أنهم شعب الله المختار وأتباع أنبيائه عليهم السلام!

وبهذا تفهم سبب نشاطهم في تخريب مقدسات الأديان الأخري، لأن الذي يخرب مقدساته، ويجعل معبوده جاهلاً، متعصباً، فظاً، غليظاً، ظالماً، ويجعل أنبياءالله عليهم السلام أنانيين، شهوانيين، خونة! لايطيق أن يكون للآخرين إلهٌ حكيمٌ، عادلٌ، لايظلم مخلوقاً مثقال ذرة. وأن يكون لهم أنبياءأطهارٌ، معصومون في كل حياتهم، وجميع أعمالهم، منزهون عن المعاصي والنقائض!

وقد نجح اليهود في تخريب مقدسات المسيحيين وعقيدتهم، ونفذوا إلي جهازهم الكنسي ونشروا فيه الفساد، وأسقطوا مقام القساوسة عند الناس!

وقد أخبرني مستشار ثقافي في مؤسسة اليونسكو أن اليهود هم الذين يقفون وراء طرح التحلل من الدين والمقدسات، الذي ينادي به مثقفون (مسيحيون) ويكتبون مقالات يطالبون فيها البابا والفاتيكان: نريد ديناً بلا محرمات!

وها نحن نري سعيهم الحثيث لتخريب مقدسات المسلمين، بكل الوسائل!

لم يكن اليهود موحدين حتي في عصور أنبيائهم

لم يكن جمهور اليهود مخلصاً لتوحيد الله تعالي حتي في عصور أنبيائهم عليهم السلام، رغم تبجحهم بأنهم هم الموحدون، وأنهم أبناء نبي الله إبراهيم صلي الله عليه وآله، الذي قاوم عبادة الأوثان وأرسي أسس التوحيد، هذا إن صحت أنسابهم اليه!

ومن أوضح الأدلة علي ذلك أنهم بعد أن رأوا المعجزة علي يد موسي عليه السلام، وشقَّ الله لهم البحر وجعله طريقاً يبساً، وعبروا فيه ونجوا من فرعون وجنوده.. قابلوا هذه المعجزة الكبري بفكرهم الوثني، وطالبوا موسي عليه السلام أن يتخذ لهم إلهاً

عجلاً ليعبدوه! وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إسرائيل الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَي قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَي أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَي اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. إن هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إلهاً وَهُوَفَضَّلَكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ (الأعراف:138-140(ويظهر أن سكوتهم يومها كان خوفاً من موسي عليه السلام! فأول ما سنحت لهم الفرصة في غيابه، صنعوا عجلاً ذهبياً واتخذوه إلهاً! وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَي مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أنَّهُ لايُكَلِّمُهُمْ وَلايَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ. وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ.

وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَي إلي قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أمر رَبِّكُمْ وَأَلْقَي الألواح وَأَخَذَ بِرَأْسِ أخيه يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أم أن الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاتُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلاتَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.قَالَ رَبِّ اغْفِرْلِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. أن الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَاوَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ. وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا أن رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَي الْغَضَبُ أخذ الألواح وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًي وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ.

وَاخْتَارَ مُوسَي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رجلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أخذتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا أن هِيَ إلا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أنت وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخرة أنا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَئٍ

فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ. الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الآمّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالآنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أنزل مَعَهُ أولئك هُمُ الْمُفْلِحُونَ. (الأعراف 148-157)

وقال تعالي: وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَي أربعين لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ. ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُم مِّنْ بَعْدِ ذََلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ. وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَي الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ. وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إلي بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ أنه هُوَ التَّوَابُ الرَّحِيمُ. وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَي لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). (البقرة: 51-56)

فاليهود لم يخلصوا في تاريخهم لتوحيد الله تعالي فكيف يخلصوم لأنبيائه؟! ولهذا أجاب أمير المؤمنين عليه السلام يهودياً عندما سأله: (ما دفنتم نبيكم حتي اختلفتم فيه! فقال له عليه السلام: إنما اختلفنا عنه لا فيه، ولكنكم ماجفَّتْ أرجلكم من البحر حتي قلتم لنبيكم: اجْعَلْ لَنَا إلهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ). (نهج البلاغة:4/75، وأمالي المرتضي:1/198، والعرائس للثعالبي113).

الالحاد الصريح في اليهود الماضين والمعاصرين

شهد المؤرخ الغربي ول ديورانت في قصة الحضارة (2/338) وغيره، بأن عبادة العجل الذهبي استمرت في بني إسرائيل في زمن نبي الله موسي عليه السلام الي ما بعد سليمان عليه السلام، حيث استبدلوا العجل بأصنام أخري!!

وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية ص177، نصوصاً من توراتهم وإنجيلهم تدل علي تأصل المادية والوثنية في تفكيرهم!

قال الدكتور الشلبي في مقارنة الأديان:1/192: (علي

أن مسألة الألوهية كلها، سواء اتجهت للوحدانية أو للتعدد، لم تكن عميقة الجذور في نفوس بني إسرائيل، فقد كانت المادية والتطلع إلي أسلوب نفعي في الحياة من أكثر ما يشغلهم، وإذا تخطينا عدة قرون، فإننا نجد الفكر اليهودي الحديث يجعل لليهود رباً جديداً نفعياً كذلك، ذلك هو: تربة فلسطين وزهر برتقالها!

والذي يقرأ رواية(طوبي للخائفين)للكاتبة اليهودية يائيل ديان، ابنة القائد الصهيوني العسكري موشئ ديان، يجد أحد أبطالها(إيفري)ينصح ابنه الطفل بأن يتخلي عن الذهاب للكنيسة، وأن يحول اهتمامه لإلهه الجديد: تراب فلسطين! ونقتبس فيما يلي سطوراً من هذه الرواية:

...الصبي يحب أن يذهب إلي الكنيس مع أمه، ولكنه عندما عاد مرة من المعبد الذي لا يذهب إليه إلا القليلون، ثار أبوه في وجهه بحديث له مغزي عميق قال له: أيام زمان حين كنا يهوداً في روسيا وغيرها، كان من الضروري بالنسبة لنا أن نطيع التعليمات ونحافظ علي ديننا، فقد كان الدين اليهودي لنا وسيلتنا لنتعاون ونتعاطف ونذود عنا الردي، أما الآن فقد أصبح لدينا شئ أهم هو الأرض، أنت الآن إسرائيلي ولست مجرد يهودي، إني قد تركت في روسيا كل شئ، ملابسي ومتاعي وأقاربي وإلهي، وعثرت هنا علي رب جديد، هذا الرب الجديد هو خصب الأرض وزهر البرتقال. إلا تحس بذلك؟.... وأخذ إيفري حفنة من تراب الأرض وسكبها في كف ابنه وقال له: إمسك هذا التراب، إقبض عليه، تحسسه تذوقه، هذا هو ربك الوحيد، إذا أردت أن تصلي للسماء فلا تصل لها لكي تسكب الفضيلة في أرواحنا، ولكن قل لها أن تنزل المطر علي أرضنا، هذا هو المهم: إياك أن تذهب مرة أخري إلي المعبد)!!.

وقال أيضاً:1/267: (ويقرر التلمود أن الله هو مصدر الشر كما أنه

مصدر الخير، وأنه أعطي الإنسان طبيعة رديئة، وسنَّ له شريعة لم يستطع بطبيعته الرديئة أن يسير علي نهجها، فوقف الإنسان حائراً بين اتجاه الشر في نفسه، وبين الشريعة المرسومة إليه، وعلي هذا فإن داود الملك لم يرتكب خطيئة بقتله أوريا واتصاله بامرأته، لأن الله هو السبب في كل ذلك!!). (التلمود شريعة إسرائيل ص17).

افتراء اليهود علي الله تعالي و نفيهم عنه العلم والعدل

مضافاً إلي فريتهم الكبري علي الله تعالي بأنه جسم متجسدٌ في عِجْل، من حجر أو ذهب، أو متجسد بصورة إنسان كبير السن، كما في توراتهم طبعة مجمع الكنائس الشرقية(ص4فقرة27) قد وصفوا الله تعالي بصفات لاتناسب الإنسان العادي، فضلاً عن رب العالمين الذي ليس كمثله شئ، عز وجل:

وصفوا الله تعالي بأنه لا يعلم ما خلق

جاء في ص6 من توراتهم: (8. وسمعاً صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار. فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة. 9. فنادي الرب الإله آدم وقال له أين أنت. 10. فقال سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت. 11. فقال من أعلمك إنك عريان، هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها. 12. فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت).!!

و وصفوه بالطيش والغضب والظلم

قال الدكتور شلبي في تاريخ الأديان:1/267: (يروي التلمود أن الله ندم لِمَا أنزله باليهود وبالهيكل، ومما يرويه التلمود علي لسان الله قوله: تب لي لأني صرحت بخراب بيتي وإحراق الهيكل ونهب أولادي!! وليست العصمة من صفات الله في رأي التلمود، لأنه غضب مرة علي بني إسرائيل فاستولي عليه الطيش، فحلف بحرمانهم من الحياة الأبدية، ولكنه ندم علي ذلك بعد أن هدأ غضبه، ولم ينفذ قسمه، لأنه عرف أنه فعل فعلاً ضد العدالة).

وقال ابن حزم في الفصل:1/1/222: (ونقل في توراتهم وكتب الأنبياء بأن رجلاً اسمه إسماعيل كان أثر خراب البيت المقدس، سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته....وَيْلِي علي ما أخربت من بيتي! ويْلي علي ما فرقت من بنيَّ وبناتي)!!

و افتروا علي الله تعالي بأنه ينسي عهده ثم يتذكره

في التوراة والإنجيل ص99: (23.وبعد مرور حقبة طويلة مات ملك مصر وارتفع أنين بني إسرائيل وصراخهم من وطأة العبودية، وصعد إلي الله.24. فأصغي الله إلي أنينهم، وتذكر ميثاقه مع إبراهيم وإسحق ويعقوب.25. ونظر الله إلي بني إسرائيل.(ورق لحالهم).

و زعموا أن يعقوب صارع الله تعالي فعجز الله أن يغلبه

قال ابن حزم في الفصل:1جزء1/141: (ذكر في هذا المكان(من التوراة)أن يعقوب صارع الله عز وجل.... حتي قالوا أن الله عز وجل عجز عن أن يصرع يعقوب! وفيه أن يعقوب قال: رأيت الله مواجهة وسلمت عليه)!

و وصفوا معبودهم بأنه موجود مادي يسكن في السماء

في/579 من توراتهم: (18.فقال ملك إسرائيل ليهوشافاط أما قلت لك أنه لا يتنبأ علي خيراً بل شراً. 19. وقال فاسمع إذا كلام الرب. قد رأيت الرب جالساً علي كرسيه وكل جند السماء وقوف لديه عن يمينه وعن يساره. 20. فقال الرب من يغوي أخآب فيصعد ويسقط في راموت جلعاد. فقال: هذا هكذا، وقال: ذاك هكذا).

و وصفوه بأن له سبعة أرواح كالقطط

جاء في توراتهم طبعة مجمع الكنائس الشرقية ص399: (1. بعد هذا نظرت وإذا باب مفتوح في السماء والصوت الأول الذي سمعته كبوق يتكلم معي قائلاً إصعد إلي هنا فأريك ما لابد أن يصير بعد هذا. 2. وللوقت صرت في الروح وإذا عرش موضوع في السماء وعلي العرش جالس. 3. وكان الجالس في المنظر شبه حجر اليشب والعقيق وقوس قزح حول العرش في المنظر شبه الزمرد. 4. وحول العرش أربعة وعشرون عرشاً، ورأيت علي العروش أربعة وعشرين شيخاً جالسين متسربلين بثياب بيض وعلي رؤوسهم أكاليل من ذهب. 5. ومن العرش يخرج بروق ورعود وأصوات، وإمام العرش سبعة مصابيح نار متقدة هي سبعة أرواح الله)!!

من إهانات اليهود لأنبيائهم و افتراءاتهم عليهم

افتروا علي ابراهيم بأنه كان قبل نبوته يعبد الأوثان

في قاموس الكتاب المقدس ص596: (وقد أدرك إبراهيم بالوحي والإلهام وجود إله واحد أبدي خالق السموات والأرض، وسيد الكون. (تك 18: 19)

وكان إيمان إبراهيم جديداً بالنسبة لأور التي كان يقيم فيها، حيث كانت مركز عبادة القمر، بل أن أبا إبراهيم نفسه كان يخدم آلهة أور الوثنية(يش24:2).

لذلك هاجر إبراهيم من أور نحو بلاد كنعان حوالي أواخر القرن العشرين قبل الميلاد).

و اتهموا ابراهيم بأنه تزوج سارة و هي أخته

في قاموس الكتاب المقدس ص9: (وقد عاش إبراهيم الجزء الأول من حياته مع أبيه وإخوته في أور الكلدانيين، وقد تزوج من ساري وكانت أخته بنت أبيه وليست بنت أمه، كما نعرف ذلك من تك 20: 12).

و اتهموه بأنه كذب علي الحاكم القبطي بأن سارة أخته

في التوراة والإنجيل ص21(موقعarabicbible): (14. ولما اقترب أبرام من مصر استرعي جمال ساراي أنظار المصريين، وشاهدها أيضاً رؤساء فرعون فأشادوا بها أمامه. 15. فأخذت المرأة إلي بيت فرعون. 16. فأحسن إلي أبرام بسببها وأجزل له العطاء من الغنم والبقر والحمير والعبيد والإماء والأتن والجمال. 17. ولكن الرب ابتلي فرعون وأهله ببلايا عظيمة بسبب ساراي زوجة أبرام. 18. فاستدعي فرعون أبرام وسأله ماذا فعلت بي؟ لماذا لم تخبرني أنها زوجتك؟ 19. ولماذا ادعيت أنها أختك حتي أخذتها لتكون زوجة لي؟ والآن ها هي زوجتك، خذها وامض في طريقك.20. وأوصي فرعون رجاله بأبرام فشيعوه وامرأته، وكل ما كان يملك).

وفي التوراة والإنجيل ص33: (1. وارتحل إبراهيم من هناك إلي أرض النقب وأقام بين قادش وشور وتغرب، في جرار. 2. وهناك قال إبراهيم عن سارة زوجته هي أختي. فأرسل أبيمالك ملك جرار وأحضر سارة إليه. 3. ولكن الله تجلي لأبيمالك في حلم في الليل وقال له: إنك ستموت بسبب المرأة التي أخذتها، فإنها متزوجة. 4. ولم يكن أبيمالك قد مسها بعد، فقال للرب: أتميت أمة بريئة؟ 5. ألم يقل لي أنها أختي وهي نفسها ادعت أنه أخوها؟ ما فعلت هذا إلا بسلامة قلبي وطهارة يدي. 6. فأجابه الرب: أنا أيضاً علمت إنك بسلامة قلبك قد فعلت هذا، وأنا أيضاً منعتك من أن تخطئ إلي ولم أدعك تمسها. 7. والآن رُدَّ للرجل زوجته فإنه نبي، فيصلي من أجلك فتحيا، وإن لم تردها

فإنك وكل من لك حتماً تموتون).

وفي قاموس الكتاب المقدس ص10: (فارتحل من هناك إلي مصر(تك 12: 10) وهناك خوفاً علي حياته، ذكر لفرعون أن ساراي أخته دون أن يذكر أنها زوجته (تك 12:11-20) ومن عند بلوطات ممرا انتقل إبراهيم إلي أرض الجنوب وهناك أرسل أبيمالك ملك جرار وأخذ سارة لأن إبراهيم قال أنها أختي ولكن الرب ظهر لأبيمالك في حلم ولم يدعه يمسها، ولما عاقبه الرب علي أخذه سارة ردها إلي إبراهيم. وصلي إبراهيم لأجله ولأجل بيته فرفع الرب العقاب عنه (تك/20). إلا أنه أظهر ضعفاً مرتين عندما لم يقل الحق كله في ذكر علاقة سارة زوجته به! (تك 12: 18 و20: 11).

وفي قاموس الكتاب المقدس ص443: (سارة: إسم عبري معناه: أميرة، وهي زوجة إبراهيم، وكانت في الأصل تدعي ساراي. تزوجت سارة من إبراهيم في أور الكلدانيين وكانت أصغر منه بعشر سنوات (تكوين11: 29-31 و17: 17). وعندما خرج إبراهيم من حاران كان عمر سارة 65سنة (تكوين12: 4) ولكنها كانت جميلة بالرغم مما بلغت من العمر، وكانت محتفظة بقوتها وبشبابها. وبعد مغادرة حاران وقبل النزول إلي مصر، تحدث إبراهيم مع سارة وطلب منها أن تخفي أنها زوجته وتقول أنها أخته، وقد كانت بالفعل أخته ابنة أبيه ليست ابنة أمه! (تك 20: 12). وكان سبب طلب إبراهيم ذلك خوفه من أن جمال سارة يلفت نظر المصريين إليها، فيقتلونه ويأخذونها، وأطاعت سارة زوجها، فأخذها ملك مصر، ولكن الله منعه من الإقتراب إليها. ووبخ فرعون زوجها عندما أعلن له الله الأمر.

وبعد عدة سنين سكن إبراهيم في جرار وقال عن سارة أنها أخته، فطلب أبيمالك أن يتزوج منها، ربما لغرض إيجاد تحالف مع الأمير البدوي القوي. وهنا

أيضاً منع الله أبيمالك من الإساءة إلي سارة)! (تكوين 20: 1- 18).

أما الرواية الصحيحة للقصة فهي في مصادر أهل البيت عليهم السلام في الكافي:8/370: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، جميعاً عن الحسن بن محبوب، عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول:إن إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثي ربا، وكان أبوه من أهلها، وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة- وفي نسخة رقية- أختين وهما ابنتان للاحج، وكان لاحج نبياً منذراً ولم يكن رسولاً، وكان إبراهيم عليه السلام في شبيبته علي الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، حتي هداه الله تبارك وتعالي إلي دينه واجتباه، وأنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملَّكت إبراهيم عليه السلام جميع ماكانت تملكه، فقام فيه وأصلحه، وكثرت الماشية والزرع حتي لم يكن بأرض كوثي ربا رجل أحسن حالاً منه.

وإن إبراهيم عليه السلام لما كسر أصنام نمرود أمر به نمرود فأوثقه وعَمل له حِيراً وجمع له فيه الحطب وألهب فيه النار، ثم قذف إبراهيم عليه السلام في النار لتحرقه، ثم اعتزلوها حتي خمدت النار، ثم أشرفوا علي الحير فإذا هم بإبراهيم عليه السلام سليماً مطلقاً من وثاقه، فأخبر نمرود خبره، فأمرهم أن ينفوا إبراهيم عليه السلام من بلاده، وإن يمنعوه من الخروج بماشيته وماله، فحاجَّهم إبراهيم عليه السلام عند ذلك فقال:إن أخذتم ماشيتي ومالي فإن حقي عليكم أن تردوا عليَّ ما ذهب من عمري في بلادكم! واختصموا إلي قاضي نمرود فقضي علي إبراهيم عليه السلام أن يسلم إليهم جميع ما أصاب

في بلادهم، وقضي علي أصحاب نمرود أن يردوا علي إبراهيم عليه السلام ما ذهب من عمره في بلادهم! فأخبر بذلك نمرود، فأمرهم أن يخلوا سبيله وسبيل ماشيته وماله، وأن يخرجوه، وقال: إنه إن بقي في بلادكم أفسد دينكم وأضر بآلهتكم، فأخرجوا إبراهيم ولوطاً معه من بلادهم إلي الشام، فخرج إبراهيم ومعه لوط لايفارقه وسارة، وقال لهم: إِنِّي ذَاهِبٌ إلي رَبِّي سَيَهْدِينِ، يعني بيت المقدس، فتحمل إبراهيم عليه السلام بماشيته وماله وعمل تابوتاً وجعل فيه سارة وشد عليها الأغلاق غيرةً منه عليها، ومضي حتي خرج من سلطان نمرود وصار إلي سلطان رجل من القبط يقال له عرارة، فمر بعاشر له فاعترضه العاشر ليعُشِّر ما معه، فلما انتهي إلي العاشر ومعه التابوت، قال العاشر لإبراهيم عليه السلام: إفتح هذا التابوت حتي نُعَشِّر ما فيه، فقال له إبراهيم عليه السلام: قل ما شئت فيه من ذهب أو فضة حتي نعطي عُشره ولا نَفتحه، قال: فأبي العاشر إلا فتحه، قال: وغضب إبراهيم عليه السلام علي فتحه، فلما بدت له سارة وكانت موصوفة بالحسن والجمال قال له العاشر: ما هذه المرأة منك؟ قال إبراهيم عليه السلام: هي حرمتي وابنة خالتي فقال له العاشر: فما دعاك إلي أن خبيتها في هذا التابوت؟ فقال إبراهيم عليه السلام: الغيرة عليها أن يراها أحد، فقال له العاشر: لست أدعك تبرح حتي أعلم الملك حالها وحالك قال: فبعث رسولاً إلي الملك فأعلمه، فبعث الملك رسولاً من قبله ليأتوه بالتابوت، فأتوا ليذهبوا به فقال لهم إبراهيم عليه السلام: إني لست أفارق التابوت حتي تفارق روحي جسدي، فأخبروا الملك بذلك فأرسل الملك أن احملوه والتابوت معه، فحملوا إبراهيم عليه السلام والتابوت وجميع ما كان معه حتي أدخل

علي الملك فقاله له الملك: إفتح التابوت، فقال إبراهيم عليه السلام: أيها الملك إن فيه حرمتي وابنة خالتي، وأنا مفتدٍ فتْحَهُ بجميع ما معي!

قال: فغضب الملك وأجبر إبراهيم عليه السلام علي فتحه، فلما رأي سارة لم يملك حلمه سفهه أن مد يده إليها، فأعرض إبراهيم عليه السلام بوجهه عنها وعنه غيرةً منه، وقال: اللهم احبس يده عن حرمتي وابنة خالتي، فلم تصل يده إليها ولم ترجع إليه! فقال له الملك: أن إلهك الذي فعل بي هذا؟ فقال له: نعم، أن إلهي غيور يكره الحرام وهو الذي حال بينك وبين ما أردت من الحرام! فقال له الملك: فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإن أجابك لم أعرض لها، فقال: إبراهيم عليه السلام: إلهي رُدَّ عليه يده ليكف عن حرمتي: قال: فردَّ الله عز وجل عليه يده، فأقبل الملك نحوها ببصره ثم أعاد بيده نحوها فأعرض إبراهيم عليه السلام عنه بوجهه غيرةً منه وقال: اللهم احبس يده عنها، قال: فيبست يده ولم تصل إليها، فقال الملك لإبراهيم عليه السلام: أن إلهك لغيور وإنك لغيور، فادع إلهك يرد عليَّ يدي فإنه أن فعل لم أعد، فقال له إبراهيم عليه السلام: أسأله ذلك علي أنك إن عدت لم تسألني أن أسأله، فقال الملك: نعم، فقال إبراهيم عليه السلام: اللهم إن كان صادقاً فردَّ عليه يده، فرجعت إليه يده! فلما رأي ذلك الملك من الغيرة ما رأي ورأي الآية في يده، عظَّمَ إبراهيم عليه السلام وهابَهُ وأكرمه واتقاه وقال له: قد أمِنتَ من أن أعرض لها، أو لشئ مما معك فانطلق حيث شئت ولكن لي إليك حاجة، فقال إبراهيم عليه السلام: ما هي؟ فقال له: أحب أن تأذن لي أن

أخدمها قبطية عندي جميلة عاقلة تكون لها خادماً، قال: فأذن له إبراهيم عليه السلام فدعا بها فوهبها لسارة، وهي هاجر أم إسماعيل عليه السلام، فسار إبراهيم عليه السلام بجميع مامعه وخرج الملك معه يمشئ خلف إبراهيم عليه السلام إعظاماً لإبراهيم عليه السلام وهيبةً له، فأوحي الله تبارك وتعالي إلي إبراهيم أن قف ولا تمش قدام الجبار المتسلط ويمشئ هو خلفك، ولكن اجعله أمامك وامش خلفه وعظمه وهبه فإنه مسلط، ولا بد من إمرة في الأرض بَرَّة أو فاجرة، فوقف إبراهيم عليه السلام وقال للملك: إمض فإن إلهي أوحي إليَّ الساعة أن أعظمك وأهابك وأن أقدمك أمامي وأمشئ خلفك إجلالاً لك، فقال له الملك: أوحي إليك بهذا؟ فقال له إبراهيم عليه السلام: نعم، فقال له الملك: أشهد أن إلهك لرفيق حليم كريم، وأنك ترغبني في دينك، قال: وودعه الملك فسار إبراهيم عليه السلام حتي نزل بأعلي الشامات، وخلف لوط في أدني الشامات. ثم إن إبراهيم عليه السلام لما أبطأ عليه الولد قال لسارة: لو شئت لبعتني هاجر لعل الله أن يرزقنا منها ولداً فيكون لنا خلفاً، فابتاع إبراهيم عليه السلام هاجر من سارة، فوقع عليها فولدت إسماعيل عليه السلام).

و اتهموا نبي الله إسحاق بنفس التهمة

في التوراة صفحة 46: (6. فأقام إسحق في مدينة جرار. 7. وعندما سأله أهل المدينة عن زوجته قال: هي أختي، لأنه خاف أن يقول: هي زوجتي لئلا يقتله أهل المدينة من أجل رفقة، لأنها كانت رائعة الجمال. 8. وحدث بعد أن طال مكوثه هناك، أن أبيمالك ملك الفلسطينيين أطل من النافذة، فشاهد إسحق يداعب امرأته رفقة. 9. فاستدعاه إليه وقال: إنها بالحقيقة زوجتك، فكيف قلت هي أختي؟ فأجاب إسحق: لأني قلت لعلي أقتل بسببها. 10. فقال

أبيمالك: ما هذا الذي فعلت بنا؟ لقد كان يسيراً علي أي واحد من الشعب أن يضطجع مع زوجتك فتجلب بذلك علينا إثماً. 11. وأنذر أبيمالك كل الشعب قائلاً: كل من يمس هذا الرجل أو زوجته فحتماً يموت).

و اتهموا إبراهيم و بقية الأنبياء بأنهم كانوا يشربون الخمر

في قاموس الكتاب المقدس ص776: وقد أتقن القدماء الإعتناء بالكروم ووضع ملكي صادق خبزاً وخمراً إمام أبرام. (تك 14: 18)

وشرب لوط خمراً. (تك 19: 33).

وأحضر يعقوب خمراً لإسحاق. (تك 27: 25)

وتنبأ يعقوب قبل موته بأن يهوذا يشتهر بتربية الكرم. (تك 49: 12).

وكان أولاد أيوب يشربون الخمر. (أي 1: 18)

وندد صاحب الأمثال بمن يدمن الخمر. (أم 23: 30 و 31)

وكذلك إشعياء النبي. (اش 5: 11)!!

و زعموا أن لوطا سكن في سدوم اختلافه مع ابراهيم

في التوراة والإنجيل ص22(موقع arabicbible): (5. وكان للوط المرافق لأبرام غنم وبقر وخيام أيضاً. 6. فضاقت بهما الأرض لكثرة أملاكهما، فلم يقدرا أن يسكنا معاً. 7. ونشب نزاع بين رعاة مواشئ أبرام ورعاة مواشئ لوط، في الوقت الذي كان فيه الكنعانيون والفرزيون يقيمون في الأرض. 8. فقال أبرام للوط: لايكن نزاع بيني وبينك، ولابين رعاتي ورعاتك لأننا نحن أخوان 9. أليست الأرض كلها أمامك؟ فاعتزل عني. أن اتجهت شمالاً، أتجه أنا يميناً، وإن تحولت يميناً، أتحول أنا شمالاً).

و نسبوا إلي سارة رضي الله عنها الظلم والقسوة

في التوراة والإنجيل ص26: (4. فعاشر هاجر فحبلت منه. ولما أدركت أنها حامل هانت مولاتها في عينيها، 5. فقالت ساراي لأبرام: ليقع ظلمي عليك، فأنا قد زوجتك من جاريتي، وحين أدركت أنها حامل هنتُ في عينيها. ليقض الرب بيني وبينك. 6. فأجابها أبرام: ها هي جاريتك تحت تصرفك، فافعلي بها ما يحلو لك. فأذلتها ساراي حتي هربت منها).

وفي التوراة ص36: (9. ورأت سارة أن ابن هاجر المصرية الذي أنجبته لإبراهيم يسخر من ابنها إسحق. 10. فقالت لإبراهيم: أطرد هذه الجارية وابنها، فإن ابن الجارية لن يرث مع ابني إسحق. 11. فقبح هذا القول في نفس إبراهيم من أجل ابنه. 12. فقال الله له: لا يسوء في نفسك أمر الصبي أو أمر جاريتك، واسمع لكلام سارة في كل ما تشير به عليك لأنه بإسحق يدعي لك نسل. 13. وسأقيم من ابن الجارية أمَّةً أيضاً لأنه من ذريتك. 14. فنهض إبراهيم في الصباح الباكر وأخذ خبزاً وقربة ماء ودفعهما إلي هاجر، ووضعهما علي كتفيها، ثم صرفها مع الصبي، فهامت علي وجهها في برية بئر سبع. 15. وعندما فرغ الماء من القربة طرحت الصبي تحت إحدي الأشجار. 16.

ومضت وجلست مقابله، علي بعد نحو مئة متر، لأنها قالت: لا أشهد موت الصبي. فجلست مقابله ورفعت صوتها وبكت. 17. وسمع الله بكاء الصبي، فنادي ملاك الله هاجر من السماء وقال لها: ما الذي يزعجك يا هاجر؟ لا تخافي لأن الله قد سمع بكاء الصبي من حيث هو ملقي. 18. قومي واحملي الصبي، وتشبثي به لأنني سأجعله أمة عظيمة. 19. ثم فتح عينيها فأبصرت بئر ماء، فذهبت وملأت القربة وسقت الصبي. 20. وكان الله مع الصبي فكبر، وسكن في صحراء فاران وبرع في رمي القوس. 21. واتخذت له أمه زوجة من مصر).

وفي قاموس الكتاب المقدس ص994: (وقد تكلم الرسول بولس عن هاجر وولادتها حسب الجسد ابناً للعبودية! ووصف المؤمنين بالمسيح بأنهم كأولاد الحرة يرثون مع الأب وميلادهم(الثاني) بالموعد مثل إسحاق ابن إبراهيم (غل 4: 21-31). وقد جاء في معظم التقاليد أن العرب هم ذرية إسماعيل).

و اتهموا إبراهيم بأنه أطاع سارة و طرد هاجر و ابنها إسماعيل

في قاموس الكتاب المقدس ص443: (وعندما بلغت سارة سن89 جاءها الموعد بميلاد إسحق، الذي ولدته بعد سنة. وغيَّر الله إسم ساراي إلي سارة في ذلك الوقت- وقت الموعد). (تك 17: 15 - 22 و 18: 9 - 15 و 21: 1 - 5).

وعندما فطم إسحاق أقام والداه وليمة عظيمة... ولاحظت سارة أن إسماعيل يمزح، وقد قيل أنه كان يصوب سهامه علي إسحاق مهدداً بقتله من باب التخويف، فطلبت سارة من إبراهيم أن يطرد الجارية مع ابنها! وقد ظن البعض أن ذلك كان قساوة وشراً من سارة، غير أن البعض الآخر يعتقد أن سارة لم تطلب طرد هاجر إلا إلي الخيام الأخري لإبراهيم والتي كان يقيم فيها عبيده الآخرون، أي أن سارة منعت الجارية وابنها من السكن في

خيمة السيد، وجعلتها تأخذ مكانها كجارية فقط، واختلفت الآراء في سارة، ولكنها كانت في الحق مؤمنةً فاضلة وزوجةً أمينة وأما مثالية. وقد ماتت سارة وهي في سن 127 سنة، بعد ولادة إسحاق بما يزيد علي36 سنة، ودفنها إبراهيم في حقل المكفيلة الذي اشتراه لهذا الغرض).

وفي قاموس الكتاب المقدس ص73: (وقد حثَّت سارة إبراهيم أن يأخذ أمتها زوجة لكي يعقب منها نسلاً، لأن سارة كانت عاقراً (تك 16: 1 - 4) وكان هذا النظام في الزواج معمولاً به في تلك الأزمنة. وقد دلت الإكتشافات علي أنه كان موجوداً في (نوزي) بالقرب من كركوك في العراق. أما هذا العمل من ناحية سارة فمصدره ضعف الإيمان بمواعيد الرب لإبراهيم وسارة بأن يكون لهما ابن! وبعد أن حملت سارة نظرت إلي سيدتها باحتقار لأنها كانت عاقراً فطردتها سيدتها، ولاقاها ملاك الرب في الطريق وأمرها أن ترجع إلي سيدتها وإلي بيت إبراهيم، ووعدها بأنها ستلد ابناً تسميه إسماعيل، وأنه يكون أبا لجمهور من الناس، وأنه سيسكن البرية كحمار وحشي). (تك 16: 5 - 14)

وبعد أن رجعت هاجر ولدت إسماعيل، لما كان إبراهيم ابن ست وثمانين سنة وبعد أن كان له في أرض كنعان عشر سنين(تك 16: 3 - 16). وقد ختن إسماعيل في الثالثة عشرة من عمره(تك 17: 25) وهي السن التي يختن فيها الأولاد العرب في الوقت الحاضر.

وفي الوليمة التي أقيمت بمناسبة فطام إسحاق، سَخِر إسماعيل من أخيه الصغير وكان إسماعيل حينئذ قد بلغ السادسة عشرة من عمره. فألحَّت سارة علي إبراهيم أن يطرد هاجر وابنها فطردهما (تك 21: 8 - 14). فتاهت الأم وابنها في برية بئر سبع في جنوب فلسطين، وكانا علي وشك الهلاك

من الظمأ. فأري الله هاجر بئر ماء ووعدها ثانية بأن ابنها إسماعيل سيصير مصدر أمة عظيمة. ومنذ ذلك الحين سكن إسماعيل في برية فاران في جنوب فلسطين علي حدود شبه جزيرة سيناء، وأصبح ماهراً في استعمال القوس. وأخذت له أمه زوجة من بلادها، من مصر (تك 21: 15 - 21) وولد له اثنا عشر ابناً الذين أصبحوا آباء القبائل العربية(أنظر إسماعيليين) وولد له أيضاً ابنة اسمها محلة (تك 28: 9) أو بسمة(تك 36: 3) وقد تزوجها عيسو. وقد اشترك إسماعيل مع إسحاق في دفن أبيهما إبراهيم في مَمْرا بالقرب من حبرون. (تك 25: 9). وقد مات إسماعيل بعد أن بلغ من العمر137 سنة).(تك 25: 17.

اما مصادرنا فتبرئ إبراهيم و عترته من الظلم والمعصية

ففي المحاسن:2/337،عن الإمام الصادق عليه السلام:(إن إبراهم عليه السلام لما خلف هاجر وإسماعيل بمكة عطش إسماعيل فبكي، فخرجت هاجر حتي عَلَتْ علي الصفا وبالوادي أشجار فنادت: هل بالوادي من أنيس؟ فلم يجبها أحد، فانحدرت حتي علت علي المروة، فنادت هل بالوادي من أنيس؟ فلم تزل تفعل ذلك حتي فعلته سبع مرات، فلما كانت السابعة هبط عليها جبرئيل عليه السلام فقال لها: أيتها المرأة من أنت؟ قالت: أنا هاجر أم ولد إبراهيم، قال لها: وإلي من خلَّفك؟ قالت: أما إذا قلت ذلك، لقد قلت له يا إبراهيم إلي من تخلفني ههنا؟ فقال: إلي الله عز وجل أخلفك، فقال لها جبرئيل عليه السلام: نعم ما خلفك إليه، ولقد وكلك إلي كافٍ فارجعي إلي ولدك، فرجعت إلي البيت وقد انبعث زمزم والماء ظاهر يجري، فجمعت حوله التراب فحبسته! قال أبو عبد الله عليه السلام: ولو تركته لكان سيحاً!

ثم مرَّ ركب من اليمن ولم يكونوا يدخلون مكة، فنظروا إلي الطير مقبلة علي

مكة من كل فج، فقالوا: ما أقبلت الطير علي مكة إلا وقد رأت الماء، فمالوا إلي مكة حتي أتوا موضع البيت، فنزلوا واستقوا من الماء وتزودوا منه ما يكفيهم وخلفوا عندهما من الزاد ما يكفيهما، فأجري الله لهم بذلك رزقاً.

وروي محمد بن خلف، عن بعض أصحابه، قال: فكان الناس يمرون بمكة فيطعمونهم من الطعام، ويسقونهم من الماء). (والكافي:4/ 202).

وفي الكافي:4/201:(عن الإمام الصادق عليه السلام قال:لما ولد إسماعيل حمله إبراهيم وأمه علي حمار، وأقبل معه جبرئيل حتي وضعه في موضع الحجر ومعه شئ من زاد وسقاء فيه شئ من ماء، والبيت يومئذ ربوةٌ حمراء من مَدَر فقال إبراهيم لجبرئيل عليهما السلام: هاهنا أمرت؟ قال: نعم، قال: ومكة يومئذ سَلَمٌ وسَمَر، وحول مكة يومئذ ناسٌ من العماليق).

وروي في الكافي:4/202عن الإمام الصادق عليه السلام رواية تختلف عن المشهور تذكر أن زمزم الأولي شحَّت فحفرها إبراهيم عليه السلام، قال:(عن محمد بن يحيي، وأحمد بن إدريس، عن عيسي بن محمد بن أبي أيوب، عن علي بن مهزيار، عن الحسين بن سعيد، عن علي بن منصور، عن كلثوم بن عبد المؤمن الحراني، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يحج ويحج إسماعيل معه ويسكنه الحرم، فحجَّا علي جمل أحمر وما معهما إلا جبرئيل عليه السلام، فلما بلغا الحرم قال له جبرئيل: يا إبراهيم إنزلا فاغتسلا قبل أن تدخلا الحرم، فنزلا فاغتسلا، وأراهما كيف يتهيئان للإحرام ففعلا، ثم أمرهما فأهلا بالحج، وأمرهما بالتلبيات الأربع التي لبي بها المرسلون، ثم صار بهما إلي الصفا فنزلا وقام جبرئيل بينهما، واستقبل البيت فكبر الله وكبرا، وهلل الله وهللا، وحمد الله وحمدا، ومجَّد الله ومجَّدا،

وأثني عليه وفعلا مثل ذلك.

وتقدم جبرئيل وتقدما، يثنيان علي الله عز وجل ويمجدانه، حتي انتهي بهما إلي موضع الحجر فاستلم جبرئيل الحجر وأمرهما أن يستلما، وطاف بهما أسبوعاً، ثم قام بهما في موضع مقام إبراهيم عليه السلام فصلي ركعتين وصليا، ثم أراهما المناسك وما يعملان به. فلما قضيا مناسكهما أمر الله إبراهيم عليه السلام بالإنصراف وأقام إسماعيل وحده، ما معه أحد غير أمه، فلما كان من قابل أذن الله لإبراهيم عليه السلام في الحج وبناء الكعبة، وكانت العرب تحج إليه وإنما كان ردماً إلا أن قواعده معروفة، فلما صدر الناس جمع إسماعيل الحجارة وطرحها في جوف الكعبة. فلما أذن الله له في البناء قدم إبراهيم عليه السلام فقال: يا بنيَّ قد أمرنا الله ببناء الكعبة، وكشفا عنها فإذا هو حجر واحد أحمر، فأوحي الله عز وجل إليه ضع بناءها عليه، وأنزل الله عز وجل أربعة أملاك يجمعون إليه الحجارة، فكان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام يضعان الحجارة والملائكة تناولهما، حتي تمت اثني عشر ذراعاً، وهيئا له بابين: باباً يدخل منه وباباً يخرج منه، ووضعا عليه عتباً وشرجاً من حديد علي أبوابه.

وكانت الكعبة عريانة فصدر إبراهيم وقد سوي البيت وأقام إسماعيل، فلما ورد عليه الناس نظر إلي امرأة من حِمْيَر أعجبه جمالها، فسأل الله عز وجل أن يزوجها إياه، وكان لها بعل فقضي الله علي بعلها بالموت وأقامت بمكة حزناً علي بعلها، فأسلي الله ذلك عنها، وزوجها إسماعيل.

وقدم إبراهيم الحج وكانت امرأة موفقة، وخرج إسماعيل إلي الطائف يمتار لأهله طعاماً، فنظرت إلي شيخ شعث، فسألها عن حالهم فأخبرته بحسن حال، فسألها عنه خاصة فأخبرته بحسن الدين، وسألها ممن أنت؟ فقالت: امرأة من حِمْيَر فسار

إبراهيم ولم يلق إسماعيل، وقد كتب إبراهيم كتاباً فقال: إدفعي هذا إلي بعلك، إذا أتي أن شاء الله، فقدم عليها إسماعيل فدفعت إليه الكتاب فقرأه فقال: أتدرين من هذا الشيخ؟ فقالت: لقد رأيته جميلاً فيه مشابهة منك، قال: ذاك إبراهيم فقالت: واسوءتاه منه فقال: ولِمَ، نظرَ إلي شئ من محاسنك؟ فقالت: لا ولكن خفت أن أكون قد قصرت! وقالت له المرأة وكانت عاقلة: فهلا تعلق علي هذين البابين سترين ستراً من ههنا وستراً من ههنا؟ فقال لها: نعم فعملا لهما سترين طولهما اثني عشر ذراعاً فعلقا هما علي البابين فأعجبهما ذلك، فقالت: فهلاَّ أحوكُ للكعبة ثياباً فتسترها كلها فإن هذه الحجارة سمجة؟ فقال لها إسماعيل: بلي، فأسرعت في ذلك وبعثت إلي قومها بصوف كثير تستغزلهم. قال أبو عبد الله عليه السلام: وإنما وقع استغزال النساء من ذلك بعضهن لبعض لذلك، قال: فأسرعت واستعانت في ذلك، فكلما فرغت من شقة علقتها فجاء الموسم وقد بقي وجه من وجوه الكعبة، فقالت لإسماعيل: كيف نصنع بهذا الوجه الذي لم تدركه الكسوة، فكسوه خصفاً فجاء الموسم وجاءته العرب علي حال ماكانت تأتيه، فنظروا إلي أمر أعجبهم، فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يهدي إليه، فمن ثَمَّ وقع الهدي، فأتي كل فخذ من العرب بشئ يحمله من ورق ومن أشياء غير ذلك، حتي اجتمع شئ كثير، فنزعوا ذلك الخصف وأتموا كسوة البيت وعلقوا عليها بابين.

وكانت الكعبة ليست بمسقفة، فوضع إسماعيل فيها أعمدة مثل هذه الأعمدة التي ترون من خشب، وسقفها إسماعيل بالجرائد وسوَّاها بالطين، فجاءت العرب من الحول فدخلوا الكعبة ورأوا عمارتها فقالوا: ينبغي لعامل هذا البيت أن يزاد، فلما كان من قابل جاءه الهدي، فلم يدر إسماعيل كيف

يصنع، فأوحي الله عز وجل إليه أن انحره وأطعمه الحاج.

قال: وشكا إسماعيل إلي إبراهيم قلة الماء، فأوحي الله عز وجل إلي إبراهيم أن احتفر بئراً يكون منها شراب الحاج فنزل جبرئيل عليه السلام فاحتفر قليبهم يعني زمزم حتي ظهر ماؤها ثم قال جبرئيل عليه السلام:إنزل يا إبراهيم فنزل بعد جبرئيل فقال: ياإبراهيم إضرب في أربع زوايا البئر وقل بسم الله، قال فضرب إبراهيم عليه السلام في الزاوية التي تلي البيت وقال: بسم الله فانفجرت عين ثم ضرب في الزاوية الثانية وقال: بسم الله فانفجرت عين، ثم ضرب في الثالثة وقال: بسم الله فانفجرت عين، ثم ضرب في الرابعة وقال: بسم الله فانفجرت عين.

وقال له جبرئيل:إشرب يا إبراهيم وادع لولدك فيها بالبركة، وخرج إبراهيم عليه السلام وجبرئيل جميعاً من البئر فقال له: أفض عليك يا إبراهيم، وطف حول البيت فهذه سقيا سقاها الله ولد إسماعيل، فسار إبراهيم وشيَّعه إسماعيل حتي خرج من الحرم، فذهب إبراهيم ورجع إسماعيل إلي الحرم). انتهي.

و اتهموا نبي الله هارون و موسي بالشرك والمعاصي

في قاموس الكتاب المقدس ص995: (غير أن هارون أظهر ضعف إيمان في حالات كثيرة، وكان أولها لما تأخر موسي وهو علي الجبل مع الرب. فقد ضج الشعب وارتد عن طاعة الله، وطلب إلي هارون أن يصنع له تماثيل آلهة ليعبدها. فصنع هارون عجل الذهب وبني له مذبحاً (خر/32). ومع هذا غفر الله له خطأه، وأمر برسمه، هو وذريته، كهنة علي بني إسرائيل.(خر 40: 12 - 15). وبذلك تأسست الكهانة اللاوية، وأصبح هارون أول رئيس كهنة....

وكان الله كثير الإحسان لهارون بالرغم من أخطائه. وكانت آخر أخطائه أنه لم يقدس الرب إمام بني إسرائيل، لا هو ولا موسي، في أواخر رحلة بني إسرائيل إلي

فلسطين وحينما شعر الشعب بالظمأ إمام قادش. فأمر الله بعقابهما، بمنعهما من دخول فلسطين، أي بموتهما قبل الوصول إليها (عد 20: 1 - 13).

وغادر بنو إسرائيل قادش وأتوا إلي جبل هور، فأمر الرب موسي أن يأخذ هارون وابنه ألعازار، ويصعد بهما إلي الجبل وهناك يخلع ثياب هارون الكهنوتية ويلبسها لابنه. ولما نفذ هارون ذلك مات هارون، وانضم إلي آبائه وبكاه قومه ثلاثين يوماً (عد 20: 22 - 29 و33: 37 - 39 وتث 10: 6).

وكان عمره عند وفاته مئة وثلاث وعشرين سنة. ولا يزال أثر المكان الذي مات فيه محفوظاً إلي اليوم علي إحدي قمتي جبل هور بالقرب من بترا. وسمي هارون (قدس الرب). (مز 106: 16).

وكان اليهود المتأخرون يحفظون ذكراه بإكرام. وهم يصومون تذكاراً له في اليوم الأول من شهر آب. وظلت رئاسة الكهنوت عند العبرانيين في بيت هارون إلي دمار أورشليم والهيكل في سنة 70م).

و اتهموا أنبياء الله بالحيل والدجل والبلاهة

في التوراة والإنجيل ص47:(27-1. ولما شاخ إسحق وضعف بصره استدعي ابنه الأكبر عيسو وقال له: يا بني 2. ها أنا قد شخت ولست أعرف متي يحين يوم وفاتي. 3. فالأن خذ عدتك:جعبتك وقوسك، وامض إلي البرية واقتنص لي صيداً. 4. وجهز لي طعاماً شهياً كما أحب وائتني به لآكل، لتباركك نفسي قبل أن أموت. 5. وسمعت رفقة حديث إسحق لابنه عيسو. فعندما انطلق عيسو إلي البرية ليصطاد صيداً ويأتي به. 6. قالت رفقة لابنها يعقوب: سمعت أباك يقول لعيسو أخيك 7. إقتنص لي صيداً، وجهز لي أطعمة شهية لآكل وأباركك إمام الرب قبل موتي. 8. والأن يا بني أطع قولي في ما آمرك به، 9. واذهب إلي قطيع الماشية، واختر جديين لأجهز لأبيك أطعمة

شهية كما يحب! 10. تقدمها لأبيك ليأكل، فيباركك قبل وفاته. 11. فقال يعقوب لرفقة أمه: أخي عيسو رجل أشعر، وأنا رجل أملس. 12. وقد يجسني أبي فيتبين خداعي، وأستجلب علي نفسي لعنة لا بركة. 13. فقالت له أمه: لعنتك عليَّ يا بنيَّ، فأطع قولي فقط، واذهب وأحضر الجديين لي. 14. فذهب واختارهما وأحضرهما لأمه، فأعدت رفقة الأطعمة المطيبة كما يحب أبوه 15. وتناولت ثياب بكرها عيسو الفاخرة الموجودة عندها في البيت وألبست يعقوب ابنها الأصغر، 16. وكذلك غطت يديه وملاسة عنقه بجلد الجديين. 17. وأعطته ما أعدته من الأطعمة الشهية والخبز. 18. فأقبل علي أبيه وقال: يا أبي. فأجابه: نعم يا ابني من أنت؟ 19. فقال يعقوب: أنا عيسو بكرك. وقد فعلت كما طلبت، والأن قم واجلس وكل من صيدي حتي تباركني.20. فقال إسحق: كيف استطعت أن تجد صيداً بمثل هذه السرعة يا ولدي؟ فأجابه: لأن الرب إلهك قد يسر لي ذلك. 21. وقال إسحق: إقترب مني لأجسك يا ابني لأري أن كنت حقاً ابني عيسو أم لا. 22. فدنا يعقوب من أبيه إسحق فجسه وقال: الصوت صوت يعقوب، أما اليدان فهما يدا عيسو. 23. ولم يعرفه لأن يديه كانتا مشعرتين كيدي أخيه عيسو، فباركه!! 24. وسأل: هل أنت ابني عيسو؟ فأجاب: أنا هو. 25. ثم قال: قدم لي من صيدك حتي آكل وأباركك. فأحضر يعقوب إليه الطعام فأكل ثم قدم له خمراً فشرب، 26. فقال له إسحق أبوه: تعال وقبلني يا ولدي. 27 فاقترب منه وقبله، فتنسم رائحة ثيابه وباركه قائلاً: ها أن رائحة ابني كرائحة حقل باركه الرب، 28. فلينعم عليك الرب من ندي السماء ومن خيرات الأرض، فيكثر لك الحنطة والخمر. 29.

لتخدمك الشعوب، وتسجد لك القبائل، لتكن سيداً علي إخوتك. وبنو أمك لك ينحنون. وليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين.

30. ولما فرغ إسحق من مباركة يعقوب، وخرج يعقوب من عند أبيه، رجع عيسو من صيده، 31. فجهز هو أيضاً أطعمة طيبة وأحضرها إلي أبيه وقال: ليقم أبي ويأكل من صيد ابنه فتباركني نفسك. 32. فقال إسحق: من أنت؟ فأجابه: أنا ابنك بكرك عيسو. 33. فارتعد إسحق بعنف وقال: من هو إذا الذي اصطاد صيداً وأحضره إليَّ فأكلت من الكل قبل أن تجئ، وباركته؟ وحقاً يكون مباركاً. 34. فما أن سمع عيسو كلام أبيه حتي أطلق صرخة هائلة ومرة جداً وقال: باركني أنا أيضاً يا أبي. 35. فأجاب: لقد مكر بي أخوك وسلب بركتك! 36. فقال: ألم يدع اسمه يعقوب؟ لقد تعقبني مرتين: أخذ بكوريتي، وها هو يسلبني الآن بركتي. ثم قال: أما احتفظت لي ببركة؟ 37. فأجاب إسحق: لقد جعلته سيداً لك، وصيرت جميع إخوته له خداماً، وبالحنطة والخمر أمددته. فماذا أفعل لك الآن يا ولدي؟. 38. فقال عيسو: ألك بركة واحدة فقط يا أبي؟ باركني أنا أيضاً يا أبي. وأجهش عيسو بالبكاء بصوت عال. 39. فأجابه أبوه: ها مسكنك يكون في أرض جدباء لايهطل عليها ندي السماء. 40. بسيفك تعيش ولأخيك تكون عبداً، ولكن حين تجمح تحطم نيره عن عنقك.

41. وحقد عيسو علي يعقوب من أجل ما ناله من بركة أبيه. فناجي نفسه: قريباً يموت أبي، وبعدئذ أقتل أخي يعقوب. 42. فبلغ رفقة وعيد عيسو ابنها الأكبر، فأرسلت واستدعت يعقوب ابنها الأصغر وقالت له: عيسو يخطط لقتلك. 43. والأن يا ابني إصغ لقولي، وقم اهرب إلي أخي لابان إلي حاران، 44 وامكث عنده أياماً

قلائل ريثما يهدأ سخط أخيك. 45. ومتي سكن غضبه ونسي ما صنعت به، عندئذ أبعث إليك لتعود من هناك)!!

و اتهموا يوشع بأنه ختن اليهود بسكاكين من حجر الصوان

في قاموس الكتاب المقدس ص337: (7: 22. والختان من الشعائر المعروفة في اليهودية، وهو قطع لحم غرلة كل ذكر ابن ثمانية أيام... وقد ختن إبراهيم وهو في التاسعة والتسعين وإسماعيل وهو في الثالثة عشرة. (تك 17: 11 - 27).

ثم تجددت سنة الختان لموسي(لا 12: 3) فقضي أن لا يأكل الفصح رجل أغرل. وكان اليهود يحافظون كل المحافظة علي هذه السنة وقد أهملوها أثناء رحلتهم في البرية. علي أنه عند دخول الشعب أرض كنعان صنع يشوع سكاكين من الصوان وختن الشعب كله). (يشوع 5: 2 - 9).

و افتروا علي سليمان أنه أشرك بالله تعالي

في التوراة/554: (9. فغضب الرب علي سليمان لأن قلبه مال عن الرب إله إسرائيل الذي تراءي له مرتين 10. وأوصاه في هذا الأمر أن لا يتبع آلهة أخري فلم يحفظ ما أوصي به الرب. 11. فقال الرب لسليمان من أجل أن ذلك عندك ولم تحفظ عهدي وفرائضي التي أوصيتك بها فإني أمزق المملكة عنك تمزيقاً وأعطيها لعبدك). انتهي.

النتائج الخطيرة لتخريب اليهود لعقيدة العدل والعصمة

لهذا العمل اليهودي دلالات مهمة ونتائج خطيرة بل مهولة، في عقائد اليهود وحياتهم، في تعاملهم مع ربهم وأنبيائهم عليهم السلام، ومع الشعوب الإخري!

فمنها: أنه يكشف سبب التعقيد فيهم، والذي تحول من صفة في الشخص اليهودي المنحرف، إلي صفة في الجماعة اليهودية كلها، إلا من عصم الله.

فإن كنت تعتقد أن رب العالمين خالق السماوات والأرضين، يعامل عباده

بالغضب والظلم والإنتقام، ويفتقر إلي العلم المطلق، والحكمة المطلقة، والرحمة المطلقة.. فمن الطبيعي أن تتأصل في نفسك الذاتية، وتشعر أنك موجودٌ في مقابل خالقه، ليس المهم عنده عبادة ربه وطاعته وكسب فيض رحمته، بل المهم أن يستعمل الحيَل مع ربه لحماية نفسه منه، وكسب ما يمكنه منه! وهذا هو التعقيد في الشخصية في أعمق حالاته!

وإذا كان رب العالمين معاذ الله كذلك، وكان الأنبياء عليهم السلام جماعة أنانيين شهوانيين، يسيؤون استعمال السلطة والبركة التي أعطاهم إياها! فماذا عسي أن يكون اليهودي العادي؟!!

ومنها: أنه يكشف منشأ نظرتهم الدونية إلي أنفسهم فضلاً عن غيرهم، فعقيدة أنهم شعب الله المختار لاتقلل من عقيدة الدونية! فما دام أنبياءهذا الشعب سيؤون ذميمون، فصفات عامة الشعب أحط منها وأسوأ بكثير!

ومنها: أن نعرف سبب عقيدتهم بدونية الشعوب، فمن كانت هذه عقيدته إلي أنبيائه عليهم السلام ونفسه، فلا عجب أن تكون نظرته إلي بقية

شعوب العالم بأنهم حمير خلقهم الله ليركبهم أبناء الشعب اليهودي؟!

ومنها: أنه يكشف سبب حرصهم علي نشر النظرة الدونية إلي الإنسان في العالم، التي تزعم أن الإنسان حيوان يحركه الجنس لا أكثر!

ولذا كان دارون وفرويد اليهوديان أبطالاً قوميين عند اليهود! لايتكارهما نظريات تساعد في تركيز النظرة اليهودية في ثقافة شعوب العالم!

ومنها: أنا بذلك نضع يدنا علي فعالية أحبار يهود المدينة وخيبر والشام واليمن، ونابغتهم كعب الأحبار، في تخريب عقيدة المسلمين في صفات الله تعالي والطعن في عدالته، ونفيهم لعصمة الأنبياء عليهم السلام، وخاصة نبينا صلي الله عليه وآله فإن أول هدف وأهمه عند اليهودي أن يجعلك مثله تنتقد الله تعالي ورسله، وتطول لسانك عليهم، فبذلك تقف معه علي الطريق الذي يريده لك!

راجع ماكتبناه في(ألف سؤال وإشكال:1/485) عن دور كعب في تخريب عقائد المسلمين وزرع اليأس في نفوسهم من المستقبل، وزعمه حتمية انتهاء الإسلام وفناء أمته، وهدم الكعبة وخراب مكة، خراباً لاتسكن بعده أبداً!

امتياز الشيعة عن اليهود والسنة بعقيدة العصمة التامة

نؤمن بالعدالة المطلقة لله تعالي والعصمة التامة للأنبياء والأئمة

امتاز الشيعة عن غيرهم من جميع مذاهب المسلمين وأهل الأديان الأخري بأنهم يعتقدون بالعدالة الكاملة لله تعالي، والعصمة الكاملة لأنبيائه وأوصيائه عليهم السلام وينزهونهم عن جميع المعاصي والرذائل، طوال أعمارهم الشريفة، قبل البعثة والإمامة وبعدها، سواء في تبليغ الرسالة وعقائدها وأحكامها، أو في غيره من سلوكهم الشخصي والعام.

وقد عرَّف الإمام الصادق عليه السلام العصمة كما في معاني الأخبار للصدوق: ص132:

(حدثنا علي بن الفضل بن العباس البغدادي بالري المعروف بأبي الحسن الحنوطي، قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن الحارث، قال: حدثنا محمد بن علي بن خلف العطار قال: حدثنا حسين الأشقر قال: قلت لهشام بن الحكم: ما معني قولكم: أن الإمام لا يكون

إلا معصوماً؟ فقال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال: المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالي: ومن يعتصم بالله فقد هدي إلي صراط مستقيم).

وفي معاني الأخبار ص132: (حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الرحمن المقري قال: حدثنا أبو عمرو محمد بن جعفر المقري الجرجاني قال: حدثنا أبو بكر محمد بن الحسن الموصلي ببغداد، قال: حدثنا محمد بن عاصم الطريفي، قال: حدثنا عباس بن يزيد بن الحسن الكحال مولي زيد بن علي قال: حدثني أبي قال: حدثني موسي بن جعفر، عن أبيه جعفر بن محمد، عن أبيه محمد بن علي، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام قال: الإمام منا لايكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، ولذلك لايكون إلا منصوصاً.

فقيل له: يا ابن رسول الله فما معني المعصوم؟ فقال: هو المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن لايفترقان إلي يوم القيامة، والإمام يهدي إلي القرآن والقرآن يهدي إلي الإمام، وذلك قول الله عز وجل: " إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)".

وفي معاني الأخبار ص132: (حدثنا محمد بن علي ماجيلوية- رحمه الله - قال حدثنا علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: ما سمعت ولا استفدت من هشام بن الحكم في طول صحبتي له شيئاً أحسن من هذا الكلام في صفة عصمة الإمام، فإني سألته يوماً عن الإمام أهو معصوم؟ فقال: نعم. فقلت: فما صفة العصمة فيه؟ وبأي شئ تعرف؟ فقال: إن جميع الذنوب لها أربعة أوجه ولا خامس لها: الحرص والحسد والغضب والشهوة، فهذه منفية عنه لا يجوز أن يكون حريصاً علي هذه الدنيا وهي تحت

خاتمه لأنه خازن المسلمين، فعلي ماذا يحرص؟ ولا يجوز أن يكون حسوداً لأن الإنسان إنما يحسد من فوقه وليس فوقه أحد، فكيف يحسد من هو دونه؟ ولا يجوز أن يغضب لشئ من امور الدنيا إلا أن يكون غضبه لله عز وجل، فإن الله عز وجل قد فرض عليه إقامة الحدود وأن لا تأخذه في الله لومة لائم ولا رأفة في دينه حتي يقيم حدود الله عز وجل، ولا يجوز له أن يتبع الشهوات ويؤثر الدنيا علي الآخرة لأن الله عز وجل حبب إليه الآخرة كما حبب إلينا الدنيا فهو ينظر إلي الآخرة كما ننظر إلي الدنيا فهل رأيت أحداً ترك وجهاً حسناً لوجه قبيح وطعاماً طيباً لطعام مر وثوباً لينا لثوب خشن ونعمةً دائمةً باقية لدنيا زائلة فانية). (ورواه في علل الشرائع:1/204. وأمالي الصدوق/731:والخصال/215)

وهذا الإمتياز معروف للجميع عن الشيعة، من عصر النبي والأئمة عليهم السلام.

قال الرازي في تفسيره:3/7: (واختلف الناس علي ثلاثة أقوال:

أحدها: قول من ذهب إلي أنهم معصومون من وقت مولدهم، وهو قول الرافضة.

وثانيها: قول من ذهب إلي عصمتهم وقت بلوغهم، ولم يجوزوا منهم ارتكاب الكفر والكبيرة قبل النبوة، وهو قول كثير من المعتزلة.

وثالثها: قول من ذهب إلي أن ذلك (يعني ارتكاب الكفر والكبيرة) لايجوز وقت النبوة أما قبلها فجائز، وهو قول أكثر أصحابنا، وقول أبي الهذيل العلاف، وأبي علي من المعتزلة).

وقال أيضاً في عصمة الأنبياءص8: (وقد اختلفوا فيه علي خمسة مذاهب:

(الأول): الحشوية وهو أنه يجوز عليهم الإقدام علي الكبائر والصغائر.

(الثاني): أنه لايجوز منهم تعمد الكبيرة البتة، وأما تعمد الصغيرة فهو جائز بشرط أن لا تكون منفراً، وأما أن كانت منفراً فذلك لايجوز عليهم، مثل التطفيف

بما دون الحبة، وهو قول أكثر المعتزلة.

(الثالث) أنه لا يجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة، ولكن يجوز صدور الذنب منهم علي سبيل الخطأ في التأويل، وهو قول أبي علي الجبائي

(الرابع): أنه لايجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة، لا بالعمد ولا بالتأويل والخطأ. أما السهو والنسيان فجائز، ثم إنهم يعاتبون علي ذلك السهو والنسيان لما أن علومهم أكمل، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ، وهو قول أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام.

(الخامس): أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة، لا بالعمد ولا بالتأويل، ولا بالسهو والنسيان. وهذا مذهب الشيعة).

وقال في تفسيره:18/9: (وعندنا العصمة إنما تعتبر في وقت النبوة لاقبلها).

وهذه النصوص من عالم سني مشهود له بالعمق والدقة، تكشف لنا أنه لم ينج من التأثر بالتهم اليهودية للأنبياء عليهم السلام إلا الشيعة، أتباع العترة النبوية الطاهرة صلوات الله عليهم.

كما تكشف لنا خريطة التأثير اليهودي بنسب متفاوتة علي فئات المسلمين في تنقيصهم من مقام الأنبياء عليهم السلام، مع الإلتفات إلي أن ماذكره الرازي هو القدر المتبني رسمياً في فتاوي علمائهم وعقائدهم، أما في مصادرهم الصحيحة فهي حافلة بأنواع الطعن في عصمة الأنبياء عليهم السلام وعدالتهم واتهامهم في سلوكهم الشخصي، وحتي في تبليغهم للرسالة!

وسبب ذلك ما نشره اليهود فيهم من مفاهيم وقصص انتقاص الأنبياء عليهم السلام! وإن حكومات الخلافة القرشية شجعت تلك الروايات وجعلت مجالسها مجالس رسمية في مسجد النبي صلي الله عليه وآله وغيره من مساجد المسلمين، وأعطت رواتها مناصب علياً في الدولة!

كما أنها شجعت علي روايات الإنتقاص من نبينا صلي الله عليه وآله لتبرير عمل الخلفاء، ورفعهم إلي صف النبي صلي الله عليه وآله، بل تفضيلهم عليه أحياناً، كما سيأتي!

من أحاديث الشيعة في عصمة الأنبياء والأئمة عصمة تامة

من شرائع ديننا عصمة الأنبياء و الأوصياء

في الخصال للصدوق ص603: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي، وأحمد بن الحسن القطان، ومحمد بن أحمد السناني، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب، وعبد الله بن محمد الصائغ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا: حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيي بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال:

(هذه شرائع الدين لمن أراد أن يتمسك بها وأراد الله هداه:

إسباع الوضوء كما أمر الله عز وجل في كتابه الناطق، غسل الوجه واليدين إلي المرفقين، ومسح الرأس والقدمين إلي الكعبين، مرة مرة. ومرتان جائز.... وهو حديث طويل تضمن أهم أحكام الوضوء والأغسال والفرائض والنوافل وصلاة الجماعة، وأحكام الزكاة... وجاء فيه قوله عليه السلام:

وبر الوالدين واجب، فإن كانا مشركين فلا تطعهما ولا غيرهما في المعصية، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. والأنبياءوالأوصياء عليهم السلام لاذنوب لهم، لأنهم معصومون مطهرون...الي أن قال عليه السلام: ولا يفرض الله عزوجل علي عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه، ولا يتخذ علي خلقه حجة إلا معصوماً. والإسلام غير الإيمان وكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن...الخ.).

وفي أمالي الصدوق ص738: (المجلس الثالث والتسعون، مجلس يوم الجمعة الثالث عشر من شعبان سنة ثمان وستين وثلاثمائة:

واجتمع في هذا اليوم إلي الشيخ الفقيه أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسي بن بابويه القمي(رض)، أهل مجلسه والمشايخ، فسألوه أن يملي عليهم وصف دين الإمامية علي الإيجاز والإختصار،

فقال رضي الله عنه:

دين الإمامية هو الإقرار بتوحيد الله تعالي ذكره ونفي التشبيه عنه، وتنزيهه عما لا يليق به، والإقرار بأنبياءالله ورسله وحججه وملائكته وكتبه، والإقرار بأن محمداً صلي الله عليه وآله هو سيد الأنبياءوالمرسلين، وأنه أفضل منهم ومن جميع الملائكة المقربين، وأنه خاتم النبيين، فلا نبي بعده إلي يوم القيامة، وإن جميع الأنبياءوالرسل والأئمة عليهم السلام أفضل من الملائكة، وأنهم معصومون مطهرون من كل دنس ورجس، لا يهمون بذنب صغير ولا كبير ولا يرتكبونه، وأنهم أمان لأهل الأرض كما أن النجوم أمان لأهل السماء.

وإن الدعائم التي بني الإسلام عليها خمس: الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، وولاية النبي والأئمة صلوات الله عليهم بعده، وهم اثنا عشر إماماً، أولهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ثم الحسن، ثم الحسين، ثم علي بن الحسين، ثم الباقر محمد بن علي، ثم الصادق جعفر بن محمد، ثم الكاظم موسي بن جعفر، ثم الرضا علي بن موسي، ثم الجواد محمد بن علي، ثم الهادي علي بن محمد، ثم العسكري الحسن بن علي، ثم الحجة بن الحسن بن علي، عليهم السلام، والإقرار بأنهم أولوا الأمر الذين أمر الله عز وجل بطاعتهم، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أطيعوا اللهَ وَأطيعوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمر مِنْكُمْ) (النساء:59) وإن طاعتهم طاعة الله، ومعصيتهم معصية الله، ووليهم ولي الله، وعدوهم عدو الله عز وجل. ومودة ذرية النبي صلي الله عليه وآله إذا كانوا علي منهاج آبائهم الطاهرين فريضةٌ واجبةٌ في أعناق العباد إلي يوم القيامة، وهي أجر النبوة، لقول الله عز وجل: (قُلْ لاأَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إلاالْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي)(الشوري:23) والإقرار بأن الإسلام هو الإقرار بالشهادتين، والإيمان هو إقرار باللسان، وعقد بالقلب، وعمل بالجوارح، لا يكون

الإيمان إلا هكذا، ومن شهد الشهادتين فقد حقن ماله ودمه إلا بحقها، وحسابه علي الله عز وجل).

وفي التوحيد للصدوق ص118: (حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل رحمه الله قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد، عن أحمد بن النضر، عن محمد بن مروان، عن محمد بن السائب، عن أبي الصالح، عن عبد الله بن عباس في قوله عزوجل: فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ، قال: يقول سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ من أن أسألك الرؤية وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ بأنك لا تري.

قال محمد بن علي بن الحسين مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه:

إن موسي عليه السلام علم أن الله عز وجل لايجوز عليه الرؤية، وإنما سأل الله عز وجل أن يريه ينظر إليه عن قومه حين ألحوا عليه في ذلك، فسأل موسي ربه ذلك من غير أن يستأذنه فقال: رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ في حال تزلزله فَسَوْفَ تَرَانِي، ومعناه إنك لا تراني أبداً، لأن الجبل لايكون ساكناً متحركاً في حال أبداً، وهذا مثل قوله عزوجل: وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّي يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ، ومعناه أنهم لا يدخلون الجنة أبداً، كما لايلج الجمل في سم الخياط أبداً.

فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ، أي ظهر للجبل بآية من آياته، وتلك الآية نور من الأنوار التي خلقها ألقي منها علي ذلك الجبل جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَي صَعِقاً، من هول تزلزل ذلك الجبل علي عظمه وكبره.

فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ، أي رجعت إلي معرفتي بك عادلاً عما حملني عليه قومي من سؤالك

الرؤية، ولم تكن هذه التوبة من ذنب لأن الأنبياءلا يذنبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً، ولم يكن الإستيذان قبل السؤال بواجب عليه، لكنه كان أدباً يستعمله ويأخذ به نفسه متي أراد أن يسأله، علي أنه قد روي قوم أنه قد استأذن في ذلك فأذن له، ليعلم قومه بذلك أن الرؤية لا تجوز علي الله عزوجل.

وقوله: وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ، يقول: وأنا أول المؤمنين من القوم الذين كانوا معه وسألوه أن يسأل ربه أن يريه ينظر إليه، بأنك لا تري.

وجوب طاعة الأنبياء والأوصياء تستوجب عصمتهم

في علل الشرائع للصدوق:1/123: (حدثنا محمد بن موسي بن المتوكل(رض) قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن ابن أذينة، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: إنما الطاعة لله عز وجل ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر بطاعة أولي الأمرلأنهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصيته).

وفي الخصال ص139: (حدثنا أبي(رض)قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن أبيه، عن حماد بن عيسي، عن عمر بن أذينة. عن أبان بن أبي عياش، عن سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت أمير المؤمنين علياً عليه السلام يقول: إحذروا علي دينكم ثلاثة: رجلاً قرأ القرآن حتي إذا رأيت عليه بهجته، اخترط سيفه علي جاره ورماه بالشرك!

فقلت: يا أمير المؤمنين أيهما أولي بالشرك؟ قال: الرامي.

ورجلاً استخفته الأحاديث، كلما أُحدثت أحدوثة كذب مدَّها بأطول منها!

ورجلاً آتاه الله عز وجل سلطاناً فزعم أن طاعته طاعة الله ومعصيته معصية الله! وكذبَ لأنه لاطاعة لمخلوق في معصية الخالق، لاينبغي للمخلوق أن يكون حبه لمعصية الله، فلا طاعة في

معصيته ولا طاعة لمن عصي الله، إنما الطاعة لله ولرسوله ولولاة الأمر، وإنما أمر الله عز وجل بطاعة الرسول لأنه معصوم مطهر، لايأمر بمعصيته، وإنما أمر بطاعة أولي الأمر لأنهم معصومون مطهرون لايأمرون بمعصيته).

ضرورة بعثة الأنبياء تستوجب عصمتهم

في الكافي:1/168عن الإمام الصادق عليه السلام قال:(إنا لما أثبتنا أن لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيماً متعالياً، لم يجز أن يشاهده خلقه ولايلامسوه فيباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، ثبت أن له سفراء في خلقه، يُعَبِّرون عنه إلي خلقه وعباده، ويدلونهم علي مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم، فثبت الأمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه والمعبِّرون عنه جلَّ وعز، وهم الأنبياء عليهم السلام وصفوته من خلقه، حكماء مؤدبين بالحكمة، مبعوثين بها، غير مشاركين للناس- علي مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب- في شئ من أحوبالهم، مؤيدين من عند الحكيم العليم بالحكمة. ثم ثبت ذلك في كل دهر وزمان مما أتت به الرسل والأنبياء من الدلائل والبراهين لكي لاتخلو أرض الله من حجة، يكون معه عَلَم يدل علي صدق مقالته وجواز عدالته). انتهي.

وقال الوحيد الخراساني في شرح هذا الحديث في منهاج الصالحين:1/64:

(ومعناه أن كل فعل وترك وحركة وسكون يصدر من الإنسان، إما أن يكون نافعاً لدنياه وآخرته، أو ضاراً، أو غير نافع ولا ضار، وعلي كل الفروض يحتاج الإنسان إلي معرفة ما هو النافع وما هو الضار وما هو المصلح والمفسد لدنياه وآخرته، وهذه المعرفة لا تتيسر إلا من عند من هو خبير بالرابطة التي بين الأفعال والتروك وصلاح الإنسان وفساده، ومحيطٌ بتأثير الحركات والسكنات في حياة الإنسان في الدنيا والآخرة، وإنما هو خالق الإنسان وخالق الدنيا والآخرة سبحانه. ولما كانت حكمته

تعالي تستوجب أن يدل عباده علي ذلك، وكانت دلالته عليه بدون واسطة غير ممكنة لتعاليه عن مباشرتهم ومخاطبتهم، فلا بد من سفراء مختارين (يدلونهم علي مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم).

وهذا البرهان يمتاز من جهات عما برهن به الفلاسفة علي ضرورة النبوة، الذي اعتمد علي قاعدة أن الإنسان مدني بالطبع فيحتاج إلي قوانين عادلة لمعاملاته وعلاقاته الاجتماعية، فإن دليلهم مختص بالحياة الاجتماعية علي الأرض، بينما دليل الإمام عليه السلام يشمل عموم مصالح الإنسان ومضاره في كل عوالم الوجود).

العصمة من أول صفات الإمام

في الخصال ص428: (حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي(رض)قال: حدثنا أحمد بن يحيي بن زكريا القطان قال: حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب قال: حدثنا تميم بن بهلول قال: حدثنا أبو معاوية، عن سليمان بن مهران، عن أبي عبدالله جعفر بن محمد عليهما السلام قال: عشر خصال من صفات الإمام: العصمة، والنصوص، وإن يكون أعلم الناس، وأتقاهم لله، وأعلمهم بكتاب الله، وإن يكون صاحب الوصية الظاهرة، ويكون له المعجز والدليل، وتنام عينه ولا ينام قلبه، ولا يكون له فئٌ، ويري من خلفه كما يري من بين يديه).

احاديث نصت علي إمامة الأئمة الإثني عشر و عصمتهم

في أمالي الصدوق ص574: (حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله قال:حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثنا جعفر بن سلمة الأهوازي قال: حدثنا إبراهيم بن محمد الثقفي، عن إبراهيم بن موسي بن أخت الواقدي قال: حدثنا أبو قتادة الحراني، عن عبد الرحمن بن العلاء الحضرمي، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عباس قال: أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان جالساً ذات يوم وعنده عليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ فقال: اللهم إنك تعلم أن هؤلاء أهل بيتي وأكرم الناس عليَّ فأحبب من أحبَّهم وأبغض من أبغضهم، ووال من والأهم وعاد من عاداهم، وأعن من أعانهم. واجعلهم مطهرين من كل رجس، معصومين من كل ذنب، وأيدهم بروح القدس.

ثم قال: يا عليُّ أنت إمام أمتي، وخليفتي عليها بعدي، وأنت قائد المؤمنين إلي الجنة، وكأني أنظر إلي ابنتي فاطمة قد أقبلت يوم القيامة علي نجيب من نور، عن يمينها سبعون ألف ملك، وعن يسارها سبعون ألف ملك، وبين يديها سبعون ألف ملك، وخلفها سبعون ألف ملك، تقود مؤمنات أمتي إلي الجنة، فأيما امرأة

صلت في اليوم والليلة خمس صلوات، وصامت شهر رمضان، وحجت بيت الله الحرام، وزكت مالها، وأطاعت زوجها، ووالت علياً بعدي، دخلت الجنة بشفاعة ابنتي فاطمة، وإنها لسيدة نساء العالمين.

فقيل له: يا رسول الله أهي سيدة نساء عالمها؟ فقال النبي: ذاك لمريم بنت عمران، فأما ابنتي فاطمة فهي سيدة نساء العالمين من الأولين والإخرين، وإنها لتقوم في محرابها فيسلم عليها سبعون ألف ملك من الملائكة المقربين، وينادونها بما نادت به الملائكة مريم فيقولون: يا فاطمة (إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. ثم التفت إلي عليٍّ فقال: يا عليُّ، أن فاطمة بضعة مني، وهي نور عيني، وثمرة فؤادي، يسوءني ما ساءها، ويسرني ما سرها، وإنها أول من يلحقني من أهل بيتي فأحسن إليها بعدي.

وأما الحسن والحسين فهما ابناي وريحانتاي، وهما سيدا شباب أهل الجنة، فليكرما عليك كسمعك وبصرك. ثم رفع, يده إلي السماء، فقال: اللهم إني أشهدك أني محب لمن أحبهم، ومبغض لمن أبغضهم، وسلم لمن سالمهم، وحرب لمن حاربهم، وعدو لمن عاداهم، وولي لمن والأهم).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/65: (حدثنا علي بن عبد الله الوراق الرازي قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحسين بن علوان، عن عمرو بن خالد، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته، عن عبدالله بن عباس قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أنا وعليٌّ والحسنُ والحسينُ وتسعةٌ وُلْدِ الحسين، مطهرون معصومون). (ورواه أيضاً في كمال الدين ص280، وفي كفاية الأثر ص19).

وفي دلائل الإمامة للطبري الشيعي ص506: (أخبرني أبو القإسم عبد الباقي بن يزداد بن عبد الله البزاز قال: حدثنا أبو محمد عبد الله

بن محمد الثعالبي قراءة في يوم الجمعة مستهل رجب سنة سبعين وثلاثمائة، قال: أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن يحيي العطار، عن سعد بن عبد الله بن أبي خلف القمي، من حديث طويل، قال:

كنت أمرءً لَهِجاً بجمع الكتب المشتملة علي غوامض العلوم ودقائقها، كَلِفاَ باستظهار ما يصح من حقائقها، مغرماً بحفظ مشتبهها ومستغلقها، شحيحاً علي ما أظفر به من معاضلها ومشكلاتها، ومتعصباً لمذهب الإمامية، راغباً عن الأمن والسلامة في انتظار التنازع والتخاصم، والتعدي إلي التباغض والتشاتم، معيباً للفرق ذوي الخلاف، كشافاً عن مثالب أئمتهم، هتاكاً لحجب قادتهم.

إلي أن بليت بأشد النواصب منازعة، وأطولهم مخاصمة، وأكثرهم جدالاً، وأقشعهم سؤالاً، وأثبتهم علي الباطل قدماً. فقال ذات يوم وأنا أناظره:

تباً لك يا سعد ولأصحابك، إنكم معشر الرافضة تقصدون علي المهاجرين والأنصار بالطعن عليهما....

وكنت قد اتخذت طوماراً، وأثبت فيه نيفا وأربعين مسألة من صعاب المسائل التي لم أجد لها مجيباً، علي أن أسأل عنها خير أهل بلدي أحمد بن إسحاق صاحب مولانا أبي محمد عليه السلام فارتحلت خلفه، وقد كان خرج قاصداً نحو م ولأي بسر من رأي، فلحقته في بعض المناهل، فلما تصافحنا قال: لخير لحاقك بي؟ قلت: الشوق، ثم العادة في الأسئلة. قال: قد تكافأنا علي هذه الخطة الواحدة، فقد برح بي الشوق إلي لقاء مولانا أبي محمد عليه السلام، وأريد أن أسأله عن معاضل في التأويل ومشاكل من التنزيل، فدونكها الصحبة المباركة، فإنها تقف بك علي ضفة بحر لاتنقضي عجائبه، ولا تفني غرائبه، وهو إمامنا.

فوردنا سر من رأي فانتهينا منها إلي باب سيدنا عليه السلام، فاستأذنا فخرج إلينا الإذن بالدخول عليه، وكان علي عاتق أحمد بن إسحاق جراب قد غطاه

بكساء طبري، فيه ستون ومائة صرة من الدنانير والدارهم، علي كل صرة ختم صاحبها.

قال سعد: فما شبهت مولانا أبا محمد عليه السلام حين غشينا نور وجهه إلا ببدر قد استوفي من لياليه أربعاً بعد عشر، وعلي فخذه الأيمن غلام يناسب المشتري في الخلقة والمنظر، علي رأسه فرق بين وفرتين، كأنه ألف بين واوين، وبين يدي مولانا عليه السلام رمانة ذهبية تلمع بدائع نقوشها وسط غرائب الفصوص المركبة عليها، قد كان أهداها إليه بعض رؤساء أهل البصرة، وبيده قلم، إذا أراد أن يسطر به علي البياض قبض الغلام علي أصابعه، وكان مولانا عليه السلام يدحرج الرمانة بين يديه ويشغله بردها لئلا يصده عن كتبة ما أراد، فسلَّمنا عليه فألطف في الجواب، وأومأ إلينا بالجلوس، فلما فرغ من كتابة البياض الذي كان بيده، أخرج أحمد بن إسحاق جرابه من طيِّ كسائه، فوضعه بين يدي مولانا فنظر أبو محمد عليه السلام إلي الغلام وقال: يا بني، فض الخاتم عن هدايا شيعتك ومواليك.

فقال: يا م ولأي، أيجوز لي أن أمد يداً طاهرة إلي هدايا نجسة، وأموال رجسة قد شيب أحلها بأحرمها؟!

فقال مولانا عليه السلام: يا بن إسحاق، استخرج ما في الجراب ليميز بين الأحل منها والأحرم. فأول صرة بدأ أحمد بإخراجها قال الغلام: هذه لفلأن بن فلأن من محلة كذا بقم، تشتمل علي اثنين وستين ديناراً، فيها من ثمن حجرة باعها وكانت إرثاً له من أبيه خمسة وأربعون ديناراً، ومن أثمان تسعة أثواب أربعة عشر ديناراً، وفيها من أجرة الحوانيت ثلاثة دنانير.

فقال مولانا عليه السلام: صدقت يا بني، دُلَّ الرجل علي الحرام منها....

قال أحمد (رواي الحديث عن سعد): وكان ذلك الثوب في حقيبة لي

فنسيته. فلما انصرف أحمد بن إسحاق ليأتيه بالثوب نظر إلي مولانا أبو محمد عليه السلام فقال: ما جاء بك يا سعد؟ فقلت: شوقني أحمد بن إسحاق إلي لقاء مولانا. فقال: والمسائل التي أردت أن تسأله عنها؟ قلت: علي حالتها يا مولاي. فقال: سل قرة عيني، وأومأ إلي الغلام، عما بدا لك منها.

فقلت: مولانا وابن مولانا، أنا روينا عنكم أن رسول الله صلي الله عليه وآله جعل طلاق نسائه بيد أمير المؤمنين صلوات الله عليه حتي أرسل يوم الجمل إلي عائشة: "إنك قد أرهجت علي الإسلام وأهله بفتنتك، وأوردت بنيك حياض الهلاك بجهلك، فإن كففت عني غربك وإلا طلقتك". ونساء رسول الله صلي الله عليه وآله قد كان طلاقهن بوفاته؟!

قال عليه السلام: ما الطلاق؟ قلت: تخلية السبيل. قال:فإذا كنَّ بوفاة رسول الله صلي الله عليه وآله قد خُلِّيَ سبيلهنَّ، فلِمَ لايحلُّ لهنَّ الأزواج؟ قلت: لأن الله حرم الأزواج عليهن قال: كيف وقد خلَّي الموت سبيلهن؟ قلت فأخبرني يا بن م ولأي عن معني الطلاق الذي فوض رسول الله صلي الله عليه وآله حكمه إلي أمير المؤمنين عليه السلام؟

قال: إن الله تقدس اسمه عظم شأن نساء النبي صلي الله عليه وآله فخصهن بشرف الأمهات، فقال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا أبا الحسن، إن هذا الشرف باق لهن ما دُمْنَ لله علي الطاعة، فأيتهن عصت الله بعدي بالخروج عليك، فأطلق لها في الأزواج وأسقطها من شرف الأمهات ومن شرف أمومة المؤمنين.....

قلت: فأخبرني يا م ولأي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار إمام لأنفسهم؟ قال: مصلحٌ أو مفسد؟ قلت: مصلح. قال: هل يجوز أن تقع خيرتهم علي الفساد بعد أن لا يعلم

أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟

قلت: بلي. قال: فهي العلة أوردها لك ببرهان ينقاد له عقلك: أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله وأنزل عليهم علمه، وأيدهم بالوحي والعصمة، إذ هم أعلام الأمم، وأهدي إلي الإختيار منهم، مثل موسي وعيسي عليهما السلام، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما، إذا هما بالإختيار أن تقع خيرتهما علي المنافق، وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت: لا.

قال عليه السلام: فهذا موسي كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه، اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه سبعين رجلاً، ممن لم يشك في إيمانهم وإخلاصهم، فوقعت خيرته علي المنافقين، قال الله عز وجل: وَاخْتَارَ مُوسَي قَوْمَهُ سَبْعِينَ رجلاً لِمِيقَاتِنَا، وقوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ، فلما وجدنا اختيار من قد اصطفاه الله لنبوته، واقعاً علي الأفسد دون الأصلح، وهو يظن أنه الأصلح دون الأفسد، علمنا أن لا اختيار إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وتُكنُّ الضمائر، وتنصرف عليه السرائر، وإن لاخطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء عليهم السلام...). انتهي.

كتاب كفاية الأثر في النصوص علي الأئمة الإثني عشر

وهو كتاب جليل جمع فيه مؤلفه الخزاز القمي رحمه الله وهو من علماء القرن الرابع، الأحاديث النبوية علي إمامة الأئمة الإثني عشر عليهم السلام عن ثلاثين صحابياً من طرق غير أهل البيت عليهم السلام. وقد اقترحنا علي بعض الفضلاء تحقيقه وتخريج أحاديثه، وسيصدر في مجلدات إن شاء الله، وهذه بعض أحاديثه في عصمتهم عليهم السلام:

في كفاية الأثرص 29: (حدثنا علي بن الحسين، قال حدثنا أبو جعفر محمد بن الحسن البرقوي(رض)، قال حدثنا القاضي أبو إسماعيل جعفر بن الحسين البلخي، قال حدثنا شقيق البلخي، عن سماك، عن زيد بن أسلم،

عن أبي هرون العبدي، عن سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول:

أهل بيتي أمانٌ لأهل الأرض كما أن النجوم أمانٌ لأهل السماء.

قيل: يارسول الله فالأئمة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم الأئمة بعدي اثنا عشر تسعةً من صلب الحسين، أمناء معصومون. ومنا مهدي هذه الأئمة، إلا إنهم أهل بيتي وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنالهم الله شفاعتي).

وفي كفاية الأثر: ص35: (حدثنا أبو المفضل محمد بن عبد الله الشيباني رحمه الله، قال حدثنا محمد بن رياح الأشجعي، قال حدثنا محمد بن غالب بن الحارث، قال حدثنا إسماعيل بن عمرو البجلي، قال حدثنا عبد الكريم، عن أبي الحسن، عن أبي الحرث، عن أبي ذر قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: من أحبني وأهل بيتي كنا نحن وهو كهاتين- وأشار بالسبابة والوسطي- ثم قال: أخي خير الأوصياء، وسبطي خير الأسباط، وسوف يخرج الله تبارك وتعالي من صلب الحسين أئمة أبراراً، ومنا مهدي هذه الأمة.

قلت: يارسول الله وكم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل.

حدثنا القاضي أبو الفرج المعافا بن زكريا البغدادي، قال حدثني محمد بن همام بن سهيل الكاتب، قال حدثني محمد بن معافا السلماسي، عن محمد بن عامر، قال حدثنا عبدالله بن زاهر، عن عبد العدوس، عن الأعمش، عن حبش بن المعتمر قال: قال أبو ذر الغفاري رحمة الله عليه: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله في مرضه الذي توفي فيه، فقال: يا أبا ذر إيتني بابنتي فاطمة. قال: فقمت ودخلت عليها وقلت: يا سيدة النسوان أجيبي أباك. قال: فلبت منحلها وأبرزت وخرجت حتي دخلت علي رسول الله

صلي الله عليه وآله، فلما رأت رسول الله صلي الله عليه وآله انكبت عليه وبكت وبكي رسول الله صلي الله عليه وآله لبكائها وضمها إليه، ثم قال: يا فاطمة لا تبكين فداك أبوك، فأنت أول من تلحقين بي مظلومة مغصوبة، وسوف يظهر بعدي حسيكة النفاق وسمل حلباب الدين، وأنت أول من يرد علي الحوض.

قالت: ياأبَهْ أين ألقاك؟ قال: تلقيني عند الحوض وأنا أسقي شيعتك ومحبيك وأطرد أعداك ومبغضيك. قالت: يا رسول الله فإن لم ألقك عند الحوض؟ قال تلقيني عند الميزان. قالت: يا أبَهْ وإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: تلقيني عند الصراط وأنا أقول: سلِّمْ سلِّمْ شيعة علي.

قال أبو ذر: فسكن قلبها ثم التفت الي رسول الله صلي الله عليه وآله فقال: يا أبا ذر أنها بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني، إلا أنها سيدة نساء العالمين، وبعلها سيد الوصيين، وابنيها الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، وإنهما إمامان أن قاما أو قعدا، وأبوهما خير منهما، وسوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمه معصومون قوامون بالقسط، ومنا مهدي هذه الأمة. قال قلت: يا رسول الله فكم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني اسرائيل.

وفي كفاية الأثر: ص44: (حدثنا علي بن الحسين بن محمد قال:حدثنا هارون بن موسي(رض)قال: أحمد بن محمد بن سعيد قال: حدثنا محمد بن عامر بن السائب الثقفي، عن أبيه، عن سلمان الفارسي رحمة الله عليه قال: دخلت علي رسول الله صلي الله عليه وآله وعنده الحسن والحسين يتغديان والنبي صلي الله عليه وآله يضع اللقمة تارة في فم الحسن وتارة في فم الحسين، فلما فرغا من الطعام أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله الحسن علي عاتقه والحسين

علي فخذه، ثم قال: يا سلمان أتحبهم؟ قلت: يا رسول الله كيف لا أحبهم ومكانهم منك مكانهم؟ قال: يا سلمان من أحبهم فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله. ثم وضع يده علي كتف الحسين عليه السلام فقال: أنه الإمام ابن الإمام، تسعة من صلبه أئمة أبرار، أمناء، معصومون، والتاسع قائمهم).

وفي كفاية الأثر: ص73: (حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن عياش الجوهري قال: حدثنا محمد بن أحمد الصفواني قال:حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا محمد بن عبد الله الحمصي قال: حدثنا بن حماد، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك، قال: صلي بنا رسول الله صلي الله عليه وآله صلاة الفجر، ثم أقبل علينا فقال: معاشر أصحابي من أحب أهل بيتي حشر معنا، ومن استمسك بأوصيائي من بعدي فقد استمسك بالعروة الوثقي.

فقام إليه أبو ذر الغفاري فقال: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: عدد نقباء بني إسرائيل، فقال: كلهم من أهل بيتك؟ قال: كلهم من أهل بيتي، تسعة من صلب الحسين، والمهدي منهم.

حدثنا محمد بن عبد الله الشيباني رحمه الله قال: حدثنا رجا بن يحيي العرآني الكاتب قال: حدثنا يعقوب بن إسحق عن محمد بن بشارقال: حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما عرج بي إلي السماء رأيت علي ساق العرش مكتوباً: لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته. ورأيت اثني عشر إسماً مكتوباً بالنور فيهم علي بن أبي طالب وسبطي وبعدهما تسعة أسماء علياً علياً ثلاث مرات، ومحمد ومحمد مرتين، وجعفر

وموسي والحسن، والحجة يتلألأ من بينهم، فقلت: يا رب أسامي من هؤلاء؟ فناداني ربي جل جلاله: هم الأوصياء من ذريتك، بهم أثيب وأعاقب).

وفي كفاية الأثر ص75: وعنه قال: حدثنا أبو مزاحم موسي بن عبد الله بن يحيي بن خاقان المقرئ ببغداد قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن الفضل بن ربيع أبو العباس مولي بني هاشم قال: حدثني عثمان بن أبي شيبة في مسند أنس. قال: حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عبد الله ابن عوف، عن أنس بن سيرين، عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله قال: أوصياء الأنبياءالذين بعدهم بقضاء ديونهم وإنجاز عداتهم ويقاتلون علي سنتهم. ثم التفت إلي علي عليه السلام فقال: أنت وصيي وأخي في الدنيا والآخرة تقضي ديني وتنجز عداتي، وتقاتل علي سنتي، تقاتل علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل، فأنا خير الأنبياءوأنت خير الأوصياء وسبطاي خير الأسباط، ومن صلبهما يخرج الأئمة التسعة، مطهرون معصومون قوامون بالقسط، والأئمة بعدي علي عدد نقباء بني إسرائيل وحواري عيسي. هم عترتي من لحمي ودمي.

وفي كفاية الأثر ص98: (حدثنا الحسين بن علي الرازي قال: حدثني إسحاق بن محمد بن خالويه قال: حدثني يزيد بن سليمان البصري قال: حدثني شريك، عن الركين بن الربيع، عن القإسم بن حسان، عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: معاشر الناس ألا أدلكم علي خير الناس جداً وجدة؟ قلنا: بلي يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، أنا جدهما، وجدتهما خديجة سيدة نساء أهل الجنة.

ألا أدلكم علي خير الناس أبا وأما؟ قلنا: بلي يا رسول الله، قال: الحسن والحسين أبوهما علي بن أبي طالب، وأمهما فاطمة سيدة نساء

العالمين.

ألا أدلكم علي خير الناس عماً وعمة؟ قلنا: بلي يارسول الله، قال: الحسن والحسين عمهما جعفر بن أبي طالب، وعمتهما أم هاني بنت أبي طالب.

أيها الناس إلا أدلكم علي خير الناس خالاً وخالة؟ قلنا: بلي يا رسول الله، قال: الحسن والحسين، خالهما القإسم بن رسول الله، وخالتهما زينب بنت رسول الله.

ثم قال: علي قاتلهما لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، وإنه ليخرج من صلب الحسين أئمة أبرار أمناء معصومون قوامون بالقسط، ومنا مهدي هذه الأمة الذي يصلي عيسي بن مريم خلفه. قلنا: من يا رسول الله؟ قال: هو التاسع من صلب الحسين، تسعة من صلب الحسين أئمة أبرار والتاسع مهديهم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً).

وفي كفاية الأثر: ص100: (حدثنا أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد الخزاعي قال: حدثنا أبو الحسين محمد بن عبد الله الكوفي الأسدي قال: حدثني محمد بن إسمعيل البرمكي قال: حدثني مندل بن علي، عن أبي نعيم عن محمد بن زياد، عن زيد بن أرقم قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام: أنت الإمام والخليفة بعدي، وابناك سبطاي وهما سيدا شباب أهل الجنة، وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون، ومنهم قائمنا أهل البيت. ثم قال:

يا علي، ليس في القيامة راكب غيرنا، ونحن أربعة. فقام إليه رجل من الأنصار، فقال: فداك أبي وأمي يا رسول الله ومن هم؟ قال: أنا علي دابة الله البراق، وأخي صالح علي ناقته التي عقرت، وعمي حمزة علي ناقتي العضباء، وأخي علي علي ناقة من نوق الجنة، وبيده لواء الحمد، ينادي لا إله إلا الله محمد رسول الله، فيقول الآدميون: ما هذا إلا ملك

مقرب أو نبي مرسل أو حامل عرش، فيجيبهم ملك من بطنان العرش: يا معشر الآدميين، ليس هذا ملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا حامل عرش، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب).

وفي كفاية الأثر ص110: (حدثنا علي بن الحسن بن محمد قال:حدثنا هرون بن موسي قال: حدثنا جعفر بن علي بن سهل الدقاق الدوري قال:حدثنا علي بن الحارث المروزي قال: حدثنا أيوب بن عاصم الهمذاني قال:حدثنا حفص بن غياث، عن يزيد بن مكحول، عن واثلة بن الأسقع يقول: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: لما عرج بي إلي السماء وبلغت سدرة المنتهي ناداني ربي جل جلاله فقال: يا محمد. فقلت: لبيك سيدي. قال: اني ما أرسلت نبياً فانقضت أيامه إلا أقام بالأمر بعده وصيه، فاجعل علي بن أبي طالب الإمام والوصي من بعدك، فإني خلقتكما من نور واحد، وخلقت الأئمة الراشدين من أنوار كما، أتحب أن تراهم يا محمد؟ قلت: نعم يا رب. قال: إرفع رأسك. فرفعت رأسي فإذا أنا بأنوار الأئمة بعدي اثنا عشر نوراً، قلت: يا رب أنوار من هي؟ قال: أنوار الأئمة بعدك أمناء معصومون.

وفي كفاية الأثر ص113: (أخبرنا أبو المفضل الشيباني قال:حدثني حيدر بن محمد بن نعيم السمرقندي قال: حدثنا محمد بن مسعود، عن يوسف بن السخت، عن سفيان الثوري، عن موسي بن عبيدة أياس بن مسلمة بن الأكوع، عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: أناسيد الأنبياء، وعليٌّ سيد الأوصياء، وسبطاي خير الأسباط، ومنا الأئمة المعصومون من صلب الحسين، ومنا مهدي هذه الأمة. فقام إليه أعرابي فقال: يارسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال:عدد الأسباط وحواري عيسي ونقباء بني إسرائيل).

وفي

كفاية الأثر ص124: (حدثني علي بن الحسن بن محمد قال: حدثنا هارون بن موسي قال: حدثني محمد بن علي بن معمر قال: حدثني عبد الله بن معبد قال: حدثنا موسي بن إبراهيم الممتع قال: حدثني عبد الكريم بن هلال، عن أسلم، عن أبي الطفيل، عن عمار قال: لما حضرت رسول الله صلي الله عليه وآله الوفاة دعا بعلي عليه السلام، فسارَّهُ طويلاً ثم قال: يا علي أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي، فإذا متُّ ظهرت لك ضغائن في صدور قوم وغصبٌ علي حقد. فبكت فاطمة عليها السلام وبكي الحسن والحسين، فقال لفاطمة: يا سيدة النسوان مم بكاؤك؟ قالت: يا أبة أخشي الضيعة بعدك. قال: أبشري يا فاطمة فإنك أول من يلحقني من أهل بيتي، ولاتبكي ولاتحزني فإنك سيدة نساء أهل الجنة، وأباك سيد الأنبياء، وابن عمك خير الأوصياء، وابناك سيدا شباب أهل الجنة، ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة مطهرون معصومون، ومنا مهدي هذه الأمة. ثم التفت إلي علي عليه السلام فقال:

يا علي لايلي غسلي وتكفيني غيرك. فقال علي عليه السلام: يا رسول الله من يناولني الماء فإنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أقلبك. فقال: أن جبرئيل معك والفضل يناولك الماء وليغطي عينيه فإنه لا يري أحد عورتي إلا انفقأت عيناه.

قال: فلما مات رسول الله صلي الله عليه وآله كان الفضل يناوله الماء وجبرئيل يعاونه، فلما أن غسله وكفنه أتاه العباس فقال:ياعلي أن الناس قد أجمعوا أن يدفن النبي صلي الله عليه وآله بالبقيع وإن يؤمهم رجل واحد، فخرج عليٌّ إلي الناس فقال: أيها الناس أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان إمامنا حياً وميتاً، وهل تعلمون أن رسول

الله صلي الله عليه وآله لعن من جعل القبور مصلي، ولعن من جعل مع الله إلهاً آخر، ولعن من كسر رباعيته وشق لثته.

قال فقالوا: الأمر اليك فاصنع ما رأيت. قال: فإني أدفن رسول الله صلي الله عليه وآله في البقعة التي قبض فيها. قال: ثم قام علي الباب فصلي عليه، وأمر الناس عشراً عشراً يصلون عليه ثم يخرجون).

وفي كفاية الأثر ص132: (أخبرنا محمد بن عبد الله بن المطلب، قال حدثنا أبو أسيد أحمد بن محمد بن أسيد المديني بأصبهان، قال حدثنا عبد العزيز بن إسحاق بن جعفر، عن عبد الوهاب بن عيسي المروزي، قال حدثنا الحسين بن علي بن محمد البلوي، قال حدثنا عبد الله بن سحح، عن علي بن هاشم، عن علي بن خرور، عن الأصبغ بن نباتة، قال سمعت عمران بن حصين، يقول سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لعلي: أنت وارث علمي وأنت الإمام والخليفة بعدي، تعلِّم الناس بعدي ما لا يعلمون، وأنت أبو سبطيَّ وزوج ابنتي، من ذريتكم العترة الأئمة المعصومون. فسأله سلمان عن الأئمة، فقال: عدد نقباء بني إسرائيل). (حدثنا علي بن محمد بن الحسن، قال حدثنا هارون بن موسي قال: حدثنا حيدر بن نعيم السمرقندي قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال:حدثنا العباس بن بكار الضبي قال: حدثنا أبو بكر الهذلي، عن أبي عبد الله الشامي، عن عمران بن حصين، وذكر نحوه).

وفي كفاية الأثر ص134: (حدثنا محمد بن وهبان بن محمد البصري قال: حدثنا الحسين بن علي البزوفري قال: حدثني عبد العزيز بن يحيي الجلودي بالبصرة قال: حدثني محمد بن زكريا، عن أحمد بن عيسي بن زيد قال: حدثني عمر بن عبد الغفار، عن

أبي بصير، عن حكيم بن جبير، عن علي بن زيد بن جذعان، عن سعيد بن المسيب، عن سعد بن مالك أن النبي صلي الله عليه وآله قال: يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسي إلا أنه لانبي بعدي، تقضي ديني وتنجز عداتي، وتقاتل بعدي علي التأويل كما قاتلت علي التنزيل. يا علي حبك إيمان وبغضك نفاق، ولقد نبأني اللطيف الخبير أنه يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون مطهرون، ومنهم مهدي هذه الأمة الذي يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أوله).

وفي كفاية الأثرص151: (أخبرنا القاضي المعافا بن زكريا قال: حدثنا علي بن عتبة قال: حدثني الحسين بن علوان، عن أبي علي الخراساني، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن علي عليه السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أنت الوصي علي الأموات من أهل بيتي، والخليفة علي الأحياء من أمتي، حربك حربي وسلمك سلمي، أنت الإمام أبو الأئمة الأحد عشر، من صلبك أئمة مطهرون معصومون، ومنهم المهدي الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً، فالويل لمبغضكم. يا عليُّ لو أن رجلاً أحب في الله حجراً لحشره الله معه وإن محبيك وشيعتك ومحبي أولادك الأئمة بعدك يحشرون معك. وأنت معي في الدرجات العلي، وأنت قسيم الجنة والنار، يدخل محبيك الجنة ومبغضيك النار).

وفي كفاية الأثر ص180: (حدثنا علي بن الحسن بن محمد بن مندة قال: حدثنا أبو الحسين زيد بن جعفر بن محمد بن الحسين الخزاز بالكوفة في سنة سبع وسبعين وثلثمائة قال: حدثنا العباس بن العباس الجوهري ببغداد في دار عميرة قال: حدثني عفان بن مسلم قال: حدثني حماد بن سلمة، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن سداد بن

أوس، قال: لما كان يوم الجمل قلت: لا أكون مع علي ولا أكون عليه، وتوقفت عن القتال إلي انتصاف النهار فلما كان قرب الليل ألقي الله في قلبي أن أقاتل مع علي، فقاتلت معه حتي كان من أمره ما كان.

ثم إني أتيت المدينة فدخلت علي أم سلمة، قالت: من أين أقبلت؟ قلت: من البصرة. قالت: مع أي الفريقين كنت؟ قلت: يا أم المؤمنين إني توقفت عن القتال إلي انتصاف النهار وألقي الله عز وجل أن أقاتل مع علي.

قالت: نعم ما عملت، لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: من حارب علياً فقد حاربني، ومن حاربني فقد حارب الله! قلت: فترين أن الحق مع علي؟ قالت: أي والله، عليٌّ مع الحق والحق معه، والله ما أنصف أمة محمد نبيهم إذ قدموا من أخره الله عز وجل ورسوله، وأخروا من قدمه الله تعالي ورسوله، وأنهم صانوا حلائلهم في بيوتهم وأبرزوا حليلة رسول الله صلي الله عليه وآله الي الفناء! والله لقد سمعت رسول الله صلي الله عليه وآله يقول: لأمتي فرقة وجعلة (وجمعة) فجامعوها إذا اجتمعت، وإذا افترقت فكونوا من النمط الأوسط، ثم ارقبوا أهل بيتي فإن حاربوا فحاربوا، وإن سالموا فسالموا، وإن زالوا فزالوا معهم، فإن الحق معهم حيث كانوا.

قلت: فمَن أهل بيته؟ قالت: أهل بيته الذين أمرنا بالتمسك بهم، قالت: هم الأئمة بعده كما قال: عدد نقباء بني إسرائيل: عليٌّ وسبطاه، وتسعةٌ من صلب الحسين، هم أهل بيته، هم المطهرون، والأئمة المعصومون.

قلت أنا: لله هلك الناس إذا! قالت: كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ).

وفي كفاية الأثر: ص185: (أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الله بن الحسن العياشئ قال: حدثني

جدي عبيدالله بن الحسن، عن أحمد بن عبد الجبار، قال حدثنا أحمد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا عمر بن حماد قال: حدثنا علي بن هاشم البريد، عن أبيه قال: حدثني أبو سعيد التميمي، عن أبي ثابت مولي أبي ذر، عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: لما أسري بي إلي السماء نظرت فإذا مكتوب علي العرش " لا إله إلا الله محمد رسول الله أيدته بعلي ونصرته بعلي "، ورأيت أنوار علي وفاطمة والحسن والحسين وأنوار علي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد وموسي بن جعفر وعلي بن موسي ومحمد بن علي وعلي بن محمد والحسن بن علي، ورأيت نور الحجة يتلألأ من بينهم كأنه كوكب دري، فقلت: يا رب من هذا ومن هؤلاء؟ فنوديت: يا محمد هذا نور علي وفاطمة، وهذا نور سبطيك الحسن والحسين، وهذه أنوار الأئمة بعدك من ولد الحسين مطهرون معصومون، وهذا الحجة يملأ الدنيا قسطاً وعدلا.

وهذه أم سلمة روي عنها شداد بن أوس والحكم بن قيس وأبو الأسود وأبو ثابت مولي أبي ذر رحمة الله عليه).

وفي كفاية الأثرص301: (حدثنا أبو المفضل رحمه الله قال: حدثني محمد بن علي بن شاذان بن حباب الأزدي الخلال بالكوفة قال: حدثني الحسن بن محمد بن عبد الواحد قال: حدثنا الحسن ثم الحسين العربي الصوفي قال: حدثني يحيي بن يعلي الأسلمي، عن عمرو بن موسي الوجيهي، عن زيد بن علي عليه السلام قال: كنت عند أبي علي بن الحسين عليه السلام إذ دخل عليه جابر بن عبد الله الأنصاري، فبينما هو يحدثه إذ خرج أخي محمد من بعض الحجر، فأشخص جابر ببصره نحوه ثم قام إليه

فقال: يا غلام أقبل فأقبل ثم قال: ادبر فأدبر، فقال: شمائل كشمائل رسول الله صلي الله عليه وآله ما اسمك يا غلام؟ قال: محمد. قال: ابن من؟ قال: ابن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، قال: أنت إذاً الباقر. قال فأكبي عليه وقبل رأسه ويديه ثم قال: يا محمد إن رسول الله صلي الله عليه وآله يقرؤك السلام. قال: علي رسول الله أفضل السلام وعليك يا جابر بما أبلغت السلام. ثم عاد إلي مصلاه، فأقبل يحدث أبي ويقول: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال لي يوماً: يا جابر إذا أدركت ولدي الباقر فاقرأه مني السلام، فإنه سميِّي وأشبه الناس بي، علمه علمي وحكمه حكمي، سبعة من ولده أمناء معصومون أئمة أبرار، والسابع مهديهم الذي يملأ الدنيا قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً. ثم تلا رسول الله صلي الله عليه وآله: وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ)

وفي كفاية الأثر ص303: (حدثني أبو عبد الله الحسين بن محمد بن سعيد بن علي الخزاعي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد بالكوفة قال: حدثني جعفر بن علي بن سحلح الكندي قال: حدثني إبراهيم بن محمد بن ميمون قال: حدثني المسعودي أبو عبد الرحمان، عن محمد بن علي الفراري، عن أبي خالد الواسطي، عن زيد بن علي عليه السلام، قال حدثني أبي علي بن الحسين، عن أبيه الحسين ابن علي، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: يا حسين أنت الإمام وأخ الإمام وابن الإمام. تسعة من ولدك أمناء معصومون والتاسع مهديهم، فطوبي لمن أحبهم، والويل لمن أبغضهم).

وفي كفاية الأثرص261:(عن أبي عبدالله عليه

السلام:أن قائمنا يخرج من صلب الحسين والحسين، يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب محمد، ومحمد يخرج من صلب علي، وعلي يخرج من صلب ابني هذا، وأشار إلي موسي بن جعفر، وهذا خرج من صلبي. نحن اثنا عشر، كلنا معصومون مطهرون).

وفي أمالي الصدوق ص679:(حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم(رض)قال: حدثنا أبي، عن أبيه، عن محمد بن علي التميمي قال: حدثني سيدي علي بن موسي الرضا، عن أبيه، عن آبائه، عن النبي(صلي الله عليه وآله) أنه قال: من سره أن ينظر إلي القضيب الأحمر الذي غرسه الله بيده، ويكون متمسكاً به، فليتول علياً والأئمة من ولده فإنهم خيرة الله عز وجل وصفوته، وهم المعصومون من كل ذنب وخطيئة). (ورواه في عيون أخبار الرضا عليه السلام:1/ 629).

العصمة التامة هي الوسطية بين الغلو والتقصير

في الكافي:1/269: (محمد بن يحيي، عن أحمد بن محمد، عن البرقي، عن أبي طالب، عن سدير قال: قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أن قوماً يزعمون أنكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآناً: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إله وَفِي الأرض إِلَهٌ! فقال: ياسدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم، ما هؤلاء علي ديني ولاعلي دين آبائي! والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم! قال قلت: وعندنا قوم يزعمون أنكم رسل، يقرؤون علينا بذلك قرآنا: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صالحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ! فقال: ياسدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم ورسوله، ما هؤلاء علي ديني ولا علي دين آبائي والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة إلا وهو ساخط عليهم! قال: قلت: فما أنتم؟

قال: نحن

خُزَّانُ علم الله، نحن تَراجمة أمر الله، نحن قومٌ معصومون أمر الله تبارك وتعالي بطاعتنا ونهي عن معصيتنا، نحن الحجة البالغة علي من دون السماء و فوق الأرض).

وفي علل الشرائع للصدوق:1/173: (حدثنا أبو علي أحمد بن يحيي المكتب قال حدثنا أحمد بن محمد الوراق قال حدثنا بشر بن سعيد بن قلبويه المعدل بالرافقه قال حدثنا عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول: سألت جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له يا ابن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها فقال: إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وإن شئت فسل، قال: قلت له يا ابن رسول الله وبأي شئ تعرف ما في نفسي قبل سؤالي؟ فقال بالتوسم والتفرس، أما سمعت قول الله عز وجل(إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) وقول رسول الله صلي الله عليه وآله اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله، قال: فقلت له يا ابن رسول الله فأخبرني بمسألتي قال: أردت أن تسألني عن رسول الله صلي الله عليه وآله لمَ لم يطق حمله علي عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة مع قوته وشدته وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر والرمي به إلي ورائه أربعين ذراعاً، وكان لايطيق حمله أربعون رجلاً وقد كان رسول الله صلي الله عليه وآله يركب الناقة والفرس والحمار، وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي في القوة والشدة؟ قال فقلت له: عن هذا والله أردت أن أسألك يا ابن رسول الله، فأخبرني؟ فقال:

إن علياً عليه السلام برسول الله تشرَّف وبه ارتفع، وبه وصل إلي أن أطفأ نار الشرك، وأبطل كل معبود

من دون الله عز وجل، ولو علاه النبي عليهما السلام لحطِّ الأصنام لكان عليه السلام بعلي مرتفعاً وتشريفاً وواصلاً إلي حط الأصنام، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه، ألا تري أن علياً عليه السلام قال: لما علوت ظهر رسول الله صلي الله عليه وآله شرفت وارتفعت حتي لو شئت أن أنال السماء لنلتها، أما علمت أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة، وانبعاث فرعه من أصله، وقد قال علي عليه السلام أنا من أحمد كالضوء من الضوء، أما علمت أن محمداً وعلياً صلوات الله عليهما كانا نوراً بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام، وإن الملائكة لما رأت ذلك النور رأت له أصلاً قد تشعب منه شعاع لامع فقالت: إلهنا وسيدنا ماهذا النور؟ فأوحي الله تبارك وتعالي إليهم هذا نور من نوري أصله نبوة وفرعه إمامة، أما النبوة فلمحمد عبدي ورسولي وأما الإمامة فلعلي حجتي ووليي، ولولاهما ما خلقت خلقي! أما علمت أن رسول الله صلي الله عليه وآله رفع يد علي عليه السلام بغدير خم حتي نظر الناس إلي بياض إبطيهما فجعله مولي المسلمين وإمامهم، وقد احتمل الحسن والحسين عليهما السلام يوم حظيرة بني النجار، فلما قال له بعض أصحابه ناولني أحدهما يارسول الله قال: نعم الراكبان وأبوهما خير منهما، وأنه كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته فلما سلم قيل له يارسول الله لقد أطلت هذه السجدة فقال صلي الله عليه وآله لأن ابني ارتحلني فكرهت أن أعاجله حتي ينزل، وإنما أراد بذلك رفعهم وتشريفهم، فالنبي صلي الله عليه وآله إمام ونبي وعلي عليه السلام إمام ليس بنبي ولا رسول، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة.

قال محمد

بن حرب الهلالي: فقلت له زدني يا ابن رسول الله فقال: إنك لأهل للزيادة إن رسول الله صلي الله عليه وآله حمل علياً عليه السلام علي ظهره يريد بذلك أنه أبو ولده وإمام الأئمة من صلبه، كما حول ردائه في صلاة الإستسقاء وأراد أن يعلم أصحابه بذلك أنه قد تحول الجدب خصباً، قال: قلت له زدني ياابن رسول الله، فقال: احتمل رسول الله صلي الله عليه وآله علياً عليه السلام يريد بذلك أن يعلم قومه أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله ما عليه من الدين والعدات والأداء عنه من بعده، قال: فقلت له يا ابن رسول الله زدني فقال: احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمل إلا لأنه معصوم لايحمل وزراً فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصواباً وقد قال النبي صلي الله عليه وآله لعلي يا علي أن الله تبارك وتعالي حملني ذنوب شيعتك ثم غفرها لي وذلك قوله تعالي: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ،ولما أنزل الله عز وجل إذا اهتديتم وعليٌّ نفسي وأخي أطيعوا علياً فإنه مطهر معصوم لايضل ولايشقي ثم تلاهذه الآية: قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فإن تَوَلَّوْا فإنما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وإن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَي الرَّسُولِ إلا الْبَلاغُ الْمُبِينُ.

قال محمد بن حرب الهلالي: ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام: أيها الأمير لو أخبرتك بما في حمل النبي صلي الله عليه وآله علياً عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة من المعاني التي أرادها به، لقلت إن جعفر بن محمد لمجنون! فحسبك من ذلك ما قد سمعت! فقمت إليه وقبلت رأسه وقلت: اللهُ أعلم حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ). انتهي.

من كلمات علماء الشيعة في عصمة الأنبياء والأئمة

الانبياء معصومون مطهرون كاملون

قال الصدوق في الإعتقادات في دين الإمامية ص70: باب الإعتقاد في العصمة: (إعتقادنا في الأنبياءوالرسل والأئمة والملائكة عليهم السلام أنهم معصومون مطهرون من كل دنس، وأنهم لايذنبون ذنباً لاصغيراً ولاكبيراً، ولايعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون. ومن نفي عنهم العصمة في شئ من أحوالهم فقد جهلهم، ومن جهلهم فهو كافر. واعتقادنا فيهم: أنهم معصومون موصوفون بالكمال والتمام والعلم، من أوائل أمورهم وأواخرها، لايوصفون في شئ من أحوالهم بنقص ولا عصيان ولا جهل). انتهي.

ملاحظة: لابد أن يكون الكفر في كلام الصدوق رحمه الله بمعناه اللغوي، فلا هو ولا بقية فقهائنا يكفرون أحداً من أهل القبلة لقوله بالعصمة الناقصة.

وقال المفيد في المقنعة ص30: (ويجب أن يعتقد التصديق لكل الأنبياء عليهم السلام وأنهم حجج الله علي من بعثهم إليه من الأمم، والسفراء بينه وبينهم، وإن محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، خاتمهم وسيدهم وأفضلهم، وإن شريعته ناسخة لما تقدمها من الشرائع المخالفة لها، وأنه لانبي بعده صلي الله عليه وآله ولا شريعة بعد شريعته.

وكل من ادعي النبوة بعده فهو كاذب علي الله تعالي، ومن يغير شريعته فهو ضال، كافر من أهل النار، إلا أن يتوب ويرجع إلي الحق بالإسلام فيكفر بالله تعالي حينئذ عنه... بالتوبة ما كان مقرفاً من الآثام.

ويجب اعتقاد نبوة جميع من تضمن الخبر عن نبوته القرآن علي التفصيل، واعتقاد الجملة منهم علي الإجمال، ويعتقد أنهم كانوا معصومين من الخطأ، موفقين للصواب، صادقين عن الله تعالي في جميع ما أدوه إلي العباد، وفي كل شئ أخبروا به علي جميع الأحوال، وإن طاعتهم طاعة لله ومعصيتهم معصية لله، وإن آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف،

وإدريس وموسي وهارون وعيسي وداود وسليمان وزكريا ويحيي وإلياس وذا الكفل وصالحاً وشعيباً ويونس ولوطاً وهوداً، كانوا أنبياءالله تعالي ورسلاً له صادقين عليه، كما سماهم بذلك وشهد لهم به، وإن من لم يذكر اسمه من رسله علي التفصيل كما ذكر ممن سميناه منهم، وذكرهم في الجملة حيث يقول:وَرسلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرسلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ، كلهم أنبياءعن الله صادقون، وأصفياء له منتجبون لديه، وإن محمداً صلي الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم، كما قدمناه...

ويجب علي كل مكلف أن يعرف إمام زمانه، ويعتقد إمامته وفرض طاعته وأنه أفضل أهل عصره وسيد قومه، وأنهم في العصمة والكمال كالأنبياء عليهم السلام ويعتقد أن كل رسول الله تعالي فهو نبي إمام، وليس كل إمام نبياً ولا رسولاً، وإن الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله حجج الله تعالي وأوليائه، وخاصة أصفياء الله، أولهم وسيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عليه أفضل السلام، وبعده الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي بن الحسين، ثم جعفر بن محمد، ثم موسي بن جعفر، ثم علي بن موسي، ثم محمد بن علي بن موسي، ثم علي بن محمد بن علي، ثم الحسن بن علي بن محمد، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسي عليهم السلام. لاإمامة لاحد بعد النبي صلي الله عليه وآله غيرهم، ولايستحقها سواهم، وأنهم الحجة علي كافة الأنام كالأنبياء عليهم السلام وأنهم أفضل خلق الله بعد نبيه عليه وآله السلام، والشهداء علي رعاياهم يوم القيامة، كما أن الأنبياء عليهم السلام شهداء الله علي أممهم، وأنه بمعرفتهم وولايتهم تُقبل

الأعمال، وبعداوتهم والجهل بهم تُستحق النار).

في بحار الأنوار:11/72-96: (باب عصمة الأنبياء عليهم السلام وتأويل مايوهم خطأهم وسهوهم). أورد فيه نحو مجموعة أحاديث وكلمات لعلمائنا رضي الله عنهم في عصمة الأنبياءالتامة عليهم السلام.

العصمة عن الذنوب، والغلط، والرذائل، وما ينفر

قال المفيد في تصحيح اعتقادات الإمامية/128:

(العصمة من الله تعالي لحججه هي التوفيق واللطف، والإعتصام من الحجج بها: عن الذنوب، والغلط في دين الله تعالي.

والعصمة تفضل من الله تعالي علي من علم أنه يتمسك بعصمته، والإعتصام فعل المعتصم، وليست العصمة مانعةً من القدرة علي القبيح، ولا مضطرةً للمعصوم إلي الحسن، ولا مُلجئةً له إليه، بل هي الشئ الذي يعلم الله تعالي أنه إذا فعله بعبد من عبيده لم يؤثر معه معصيته له، وليس كل الخلق يعلم هذا من حاله، بل المعلوم منهم ذلك هم الصفوة والإخيار).

جليلنا

وفي الكافي لأبي الصلاح الحلبي/78: (وإذا ثبتت نبوة نبينا صلي الله عليه وآله بالبراهين الواضحة وجب القطع علي كونه صلي الله عليه وآله علي الصفات التي يجب كون النبي عليها من العصمة فيما يؤديه، والعصمة من جميع القبائح، وتنزيهه عن كل منفر حسب ما دللنا عليه).

اصل الأدلة عندنا علي العصمة التامة: الدليل العقلي

أقول: أصل الدليل في مذهبنا علي عقيدة عصمة الأنبياءوالأئمة عليهم السلام عصمة تامة هو العقل، الذي يحكم بضرورة أن يكون المؤدي للناس عن الله تعالي والمؤدي للناس عن النبي صلي الله عليه وآله معصوماً، وإلا فلا يمكن الوثوق بقوله، وأن عصمته تثبت بنص المعصوم أو بالمعجزة.

وقد حاول غيرنا إثبات العصمة بالنقل لكنه يلزم منه الدور، لأن الوثوق بالنص الذي يثبت العصمة يتوقف عليها، فلا يصح أن تتوقف هي عليه.

وأسوأ من ذلك قول بعضهم بأن الأنبياء عليهم السلام يرتكبون الذنوب والمعاصي حتي في تبليغ الرسالة، لكن الله تعالي لايقرهم علي الخطأ، فيصحح لهم ما عصوا فيه ويتوبون من معصيتهم!

قال ابن تيمية في منهاج سنته:2/400: (والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها، والجمهور الذين يقولون بجواز الصغائر عليهم يقولون إنهم معصومون من الإقرار عليها، وحينئذ فما وصفوهم إلا بما فيه كمالهم، فإن الأعمال بالخواتيم. مع أن القرآن والحديث وإجماع السلف معهم في تقرير هذا الأصل! فالمنكرون لذلك يقولون في تحريف القرآن ما هو من جنس قول أهل البهتان، ويحرفون الكلم عن مواضعه). انتهي.

وقوله: (والجمهور...) يقصد بهم أتباع المذاهب السنية، وتعبيره بالصغائر لكي يجعل آيات الغرانيق الشيطانية التي افتروها علي النبي صلي الله عليه وآله وصحح هو روايتها ودافع عنها، أن يجعلها من المعاصي الصغيرة! مع أنها خيانةٌ للوحي، وكفرٌ بالله العظيم، وعبادةٌ للأصنام وسجودٌ لها!

والوجه في بطلأن هذا الكلام أنه يستوجب سلب الثقة بكل كلام النبي عليه السلام فما دام قد يخطئ أو يخون الرسالة ويبلِّغ الكفرَ بدلَ التوحيد! فلا ينفع بعد ذلك أن الله تعالي لايقره علي الخطأ، وأنه ينبهه بعد مدة فيقول النبي للناس إن الشئ الفلاني الذي بلغتكم إياه كان خطأ مني أو من شيطاني، وقد نبهني اليه جبرئيل وتاب الله عليَّ! فخذوا الصحيح ودعوا الخطأ!

فمن أين يثق الناس بأن هذا البديل الذي بلغه الآن ليس منه أو من الشيطان كسابقه؟! فإن من وقع في خطيئة مرة يمكن أن يقع فيها مئة مرة، ومن خان الوحي مرة، قد يخونه مئة مرة!

ونفس هذا الكلام يجري بطريق أولي في عصمة الإمام المؤدي للأمة عن نبيها صلي الله عليه وآله فإن من يؤدي عن النبي صلي الله عليه وآله لابد أن يكون عنده العلم القطعي بكتاب الله والسنة، وأن يكون معصوماً لايحتمل في حقه النسيان والخطأ وارتكاب خيانة، لأن احتمال الكذب والخطأ فيه يسلب الإطمئنان من أجيال الأمة بأن ما أدَّاهُ اليها هو مراد الله تعالي من كلامه قطعاً وهو قول النبي صلي الله عليه وآله قطعاً!

قال المحقق الحلي في المسلك في أصول الدين ص154:

(وأما العصمة(للنبي)عن المعاصي فقد اختلفوا، فمنهم من عصمه عن الخلل في التبليغ لاغير، ومنهم من عصمه مع ذلك عن الكبائر.

والحق أنه معصومٌ عن الكل في حال النبوة وقبلها. وهل هو معصوم عن السهو أم لا؟ فيه خلاف بين أصحابنا، والأصح القول بعصمته عن ذلك كله.

لنا: لو جاز شئ من ذلك لجاز تطرقه إلي التبليغ، لكن ذلك محال، ولأنه مع تجويز ذلك يرتفع الوثوق بخبره، فينتقض الغرض المراد بالبعثة.

وأما

قبل النبوة فهو معصوم عن تعمد المعصية، صغيرة كانت أو كبيرة، ويدل عليه من القرآن قوله: لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ.

وأما ما تضمنه الكتاب العزيز وكثير من الأخبار من ماظاهره وقوع المعصية فمحمول علي ضرب من التأويل، لئلا تتناقض الأدلة).

وقاتل العلامة الحلي في شرح التجريد ص375:

المسألة الثانية: في وجوب العصمة قال: ويجب في النبي العصمة ليحصل الوثوق فيحصل الغرض، ولوجوب متابعته، وضدها الإنكار عليه.

أقول: اختلف الناس هاهنا، فجماعة المعتزلة جوزوا الصغائر علي الأنبياء عليهم السلام أما علي سبيل السهو كما ذهب إليه بعضهم، أو علي سبيل التأويل كما ذهب إليه قوم منهم، أو لأنها تقع محبطة بكثرة ثوابهم. وذهبت الأشاعرة والحشوية إلي أنه يجوز عليهم الصغائر والكبائر، إلا الكفر والكذب.وقالت الإمامية إنه يجب عصمتهم عن الذنوب كلها، صغيرة كانت أو كبيرة، والدليل عليه بوجوه:

أحدها: أن الغرض من بعثة الأنبياء عليهم السلام إنما يحصل بالعصمة فيجب العصمة تحصيلاً للغرض، وبيان ذلك أن المبعوث إليهم لو جوزوا الكذب علي الأنبياءوالمعصية جوزوا في أمرهم ونهيهم وأفعالهم التي أمروهم باتباعهم فيها ذلك، وحينئذ لا ينقادون إلي امتثال أوامرهم وذلك نقض للغرض من البعثة.

الثاني: أن النبي عليه السلام يجب متابعته فإذا فعل معصية فأما أن يجب متابعته أولاًوالثاني باطل لانتفاء فائدة البعثة، والأول باطل لأن المعصية لايجوز فعلها وأشار بقوله لوجوب متابعته وضدها إلي هذا الدليل، لأنه بالنظر إلي كونه نبياً يجب متابعته، وبالنظر إلي كون الفعل معصية لا يجوز اتباعه.

الثالث: أنه إذا فعل معصية وجب الإنكار عليه، لعموم وجوب النهي عن المنكر، وذلك يستلزم إيذائه، وهو منهيٌّ عنه، وكل ذلك محال).

وفي النافع يوم الحشر للعلامة الحلي ص84: (والإمامية أوجبوا العصمة مطلقاً عن كل

معصية، عمداً وسهواً، وهو الحق لوجهين:

الأول: ما أشار إليه المصنف، وتقريره: أنه لو لم يكن الأنبياء عليهم السلام معصومين لانتفت فائدة البعثة، واللازم باطل فالملزوم مثله.

بيان الملازمة: أنه إذا جازت المعصية عليهم لم يحصل الوثوق بصحة قولهم لجواز الكذب حينئذ عليهم، وإذا لم يحصل الوثوق لم يحصل الإنقياد لأمرهم ونهيهم، فتنتفي فائدة بعثهم، وهو محال.

الثاني: لوصدر عنهم الذنب لوجب اتباعهم، لدلالة النقل علي وجوب اتباعهم، لكن الأمر حينئذ باتباعهم محال لأنه قبيح! فيكون صدور الذنب عنهم محالاً وهو المطلوب....

وأما ما ورد في الكتاب العزيز والأخبار مما يوهم صدور الذنب عنهم فمحمول علي ترك الأولي، جمعاً بين ما دل العقل عليه وبين صحة النقل، مع أن جميع ذلك قد ذكر له وجوه ومحامل في مواضعه... وعليك في ذلك بمطالعة كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام الذي رتبه السيد المرتضي رحمه الله علم الهدي الموسوي وغيره من الكتب، ولولا خوف الإطالة لذكرنا نبذة من ذلك).

وقال في تذكرة الفقهاء(ط.ج):9/397: (الخامس عشر: أن يكون منزهاً عن القبائح لدلالة العصمة عليه، ولأنه يكون مستحقاً للإهانة والإنكار عليه، فيسقط محله من قلوب العامة فتبطل فائدة نصبه.

وأن يكون منزهاً عن الدناءات والرذائل، كاللعب والأكل في الأسواق وكشف الرأس بين الناس، وغير ذلك مما يسقط محله ويوهن مرتبته.

وأن يكون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات.

وقد خالفت العامة في ذلك كله).

وقال ابن ميثم البحراني في قواعد المرام في علم الكلام ص125:

البحث الأول: العصمة صفة للإنسان يمتنع بسببها من فعل المعاصي ولايمتنع منه بدونها. وعندنا أن النبي معصوم عن الكبائر والصغائر عمداً وسهواً من حين الطفولية إلي آخر العمر. وجوز بعض الخوارج صدور جميع الذنوب عن

الأنبياء عليهم السلام، وجوزت المعتزلة والزيدية وقوع الصغائر عنهم فيما يتعلق بالفتوي دون الكبائر. ثم منهم من جوزها سهواً فقط، وهو مذهب الأشعرية.

فأما ما يتعلق بأداء الشريعة فأجمعوا علي أنه لايجوز عليهم فيه التحريف والخيانة لا عمداً ولا سهواً، وكذلك أجمعوا علي أن وقت العصمة هو وقت النبوة دون ما قبله.

لنا وجوه: أحدها، أن غرض الحكيم من البعثة هداية الخلق إلي مصالحهم وحثهم بالبشارة والنذارة وإقامة الحجة عليهم بذلك لقوله تعالي:رسلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلايَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَي اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ. (النساء:165) فلو لم يجب في حكمته عصمة النبي لناقض غرضه من بعثه وإرساله، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله، فعصمة النبي واجبة في الحكمة.

أما الملازمة فلأنه بتقدير وقوع المعصية منه جاز أن يأمرهم بما هو مفسدة لهم وينهاهم عما هو مصلحة لهم، وذلك مستلزم لإغوائهم وإضلالهم، فكان في بعثة غير المعصوم مناقضة للغرض من بعثه.

وأما بطلأن اللازم فلأن مناقضة الغرض يستلزم السفه والعبث، وهما محالأن علي الحكيم، كما تقدم في باب اللطف.

الثاني، لو جاز صدور المعصية عن النبي لوجب علينا فعل المفسدة أو ترك المصلحة الواجبة، لكن اللازم باطل فالملزوم مثله.

بيان الملازمة أنه يجب علينا فعل ما أمرنا به والانتهاء عما نهانا عنه لقوله تعالي: وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. (الحشر:7) فبتقدير أن تجوز المعصية عليه جاز أن يوجب علينا ما هو محرم ويحرم علينا ما هو واجب، ويجب علينا اتباعه في ذلك.

وأما بطلأن اللازم فلأن أمر الحكيم لنا باتباعه مطلقاً يستلزم أمره لنا بفعل القبيح إذن، لكن الأمر بالقبيح قبيح ممتنع عليه تعالي.

الثالث، لو جاز صدور المعصية عنهم لكان بتقدير وقوعها منهم لاتقبل شهاداتهم، لقوله

تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا. (الحجرات:6) لكن اللازم باطل، لأنها إذا لم تقبل في محقرات الأمور فكان أولي أن لا تقبل في الأديان الباقية إلي يوم القيامة).

قال الصدوق رحمه الله في معاني الأخبار ص133 بعد إيراد الحديث المتقدم في أماليه:

(قال أبو جعفر مصنف هذا الكتاب: الدليل علي عصمة الإمام أنه لما كان كل كلام ينقل عن قائله يحتمل وجوهاً من التأويل، وكان أكثر القرآن والسنة مما أجمعت الفرق علي أنه صحيح لم يغير ولم يبدل، ولم يزد فيه ولم ينقص منه، محتملاً لوجوه كثيرة من التأويل، وجب أن يكون مع ذلك مخبرٌ صادقٌ معصومٌ من تعمد الكذب والغلط، منبئٌ عما عني الله ورسوله في الكتاب والسنة علي حق ذلك وصدقه، لأن الخلق مختلفون في التأويل، كل فرقة تميل مع القرآن والسنة إلي مذهبها، فلو كان الله تبارك وتعالي تركهم بهذه الصفة من غير مخبر عن كتابه صادق فيه لكان قد سوغهم الإختلاف في الدين ودعاهم إليه، إذ أنزل كتاباً يحتمل التأويل، وسن نبيه سنةً تحتمل التأويل، وأمرهم بالعمل بهما، فكأنه قال: تأولوا واعملوا. وفي ذلك إباحة العمل بالمتناقضات والإعتماد للحق وخلافه.

فلما استحال ذلك علي الله عز وجل، وجب أن يكون مع القرآن والسنة في كل عصر من يبين عن المعاني التي عناها الله عز وجل في القرآن بكلامه، دون ماتحتمله ألفاظ القرآن من التأويل، ويبين عن المعاني التي عناها رسول الله في سننه وأخباره دون التأويل الذي تحتمله ألفاظ الأخبار المروية عنه عليه السلام المجمع علي صحة نقلها.

وإذا وجب أنه لا بدَّ من مخبر صادق، وجب أن لايجوز عليه الكذب تعمداً ولا الغلط فيما يخبر به

عن مراد الله عز وجل في كتابه، وعن مراد رسول الله في أخباره وسننه. وإذا وجب ذلك وجب أنه معصوم.

ومما يؤكذ هذا الدليل أنه لايجوز عند مخالفينا أن يكون الله عز وجل أنزل القرآن علي أهل عصر النبي صلي الله عليه وآله ولا نبي فيهم ويتعبدهم بالعمل بما فيه علي حقه وصدقه، فإذا لم يجز أن ينزل القرآن علي قوم ولا ناطقٌ به ولا معبِّرٌ عنه ولا مفسر لما استعجم منه، ولا مبين لوجهه، فكذلك لايجوز أن نتعبد نحن به إلا ومعه من يقوم فينا مقام النبي صلي الله عليه وآله في قومه وأهل عصره، في التبيين لناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه، و المعاني التي عناها الله عز وجل بكلامه دون ما يحتمله التأويل، كما كان النبي صلي الله عليه وآله مبيناً لذلك كله لأهل عصره. ولابد من ذلك ما لزموا العقول والدين.

فإن قال قائل: إن المؤدي إلينا ما نحتاج إلي علمه من متشابه القرآن ومن معانيه التي عناها الله دون ما يحتمله ألفاظه، هو الأمة.

أكذبه اختلاف الأمة وشهادتها بأجمعها علي أنفسها في كثير من أي القرآن لجهلهم بمعناه الذي عناه الله عز وجل!

وفي ذلك بيان أن الأمة ليست هي المؤدية عن الله عز وجل ببيان القرآن، وأنها ليست تقوم في ذلك مقام النبي صلي الله عليه وآله.

فإن تجاسر متجاسر فقال: قد كان يجوز أن ينزل القرآن علي أهل عصر النبي صلي الله عليه وآله , ولا يكون معه نبي ويتعبدهم بما فيه مع احتماله للتأويل.

قيل له: فهبْ ذلك كان قد وقع من الخلاف في معانيه ما قد وقع في هذا الوقت، ما الذي كانوا يصنعون؟

فإن قال: ما قد

صنعوا الساعة.

قيل: الذي فعلوه الساعة أخذ كل فرقة من الأمة جانباً من التأويل وعمله عليه، وتضليل الفرقة المخالفة لها في ذلك، وشهادتها عليها بأنها ليست علي الحق.

فإن قال: أنه كان يجوز أن يكون أول الإسلام كذلك وإن ذلك حكمة من الله و عدل فيهم، ركب خطأ عظيماً وما لا أري أحداً من الخلق يقدم عليه.

فيقال له عند ذلك: فحدثنا إذا تهيأ للعرب الفصحاء أهل اللغة أن يتأولوا القرآن ويعمل كل واحد منهم بما يتأوله علي اللغة العربية، فكيف يصنع من لا يعرف اللغة من الناس؟ وكيف يصنع العجم من الترك والفرس؟ وإلي أي شئ يرجعون في علم ما فرض الله عليهم في كتابه؟ ومن أي الفرق يقبلون مع اختلاف الفرق في التأويل؟!

وإباحتك كل فرقة أن تعمل بتأويلها، فلا بد لك من أن تجري العجم ومن لا يفهم اللغة مجري أصحاب اللغة من أن لهم أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا! و[إلا] إن ألزمت من لايفهم اللغة اتباع بعض الفرق دون بعض، لزمك أنت تجعل الحق كله في تلك الفرقة دون غيرها، فإن جعلت الحق في فرقة دون فرقة نقضت مابنيت عليه كلامك واحتجت إلي أن يكون مع تلك الفرقة علم وحجة تبين بها من غيرها، وليس هذا من قولك!

ولو جعلت الفرق كلها متساوية في الحق مع تناقض تأويلاتها، فيلزمك أيضاً أن تجعل للعجم ومن لايفهم اللغة أن يتبعوا أي الفرق شاؤوا، وإذا فعلت ذلك لزمك في هذا الوقت أن لاتلزم أحداً من مخالفيك من الشيعة والخوارج وأصحاب التأويلات وجميع من خالفك ممن له فرقة ومن مبتدع لافرقة له علي مخالفيك ذماً!! وهذا نقض الإسلام والخروج من الإجماع.

ويقال لك: وما ينكر

علي هذا الأعطاء أن يتعبد الله عز وجل الخلق بما في كتاب مطبق لا يمكن أحداً أن يقرأ ما فيه، ويأمر أن يبحثوا ويرتادوا ويعمل كل فرقة بما تري أنه في الكتاب.

فإن أجزت ذلك أجزت علي الله عز وجل العبث لأن ذلك صفة العابث! ويلزمك أن تجيز علي كل من نظر بعقله في شئ واستحسن أمراً من الدين أن يعتقده! لأنه سواء أباحهم أن يعملوا في أصول الحلال و الحرام وفروعها بآرائهم، وأباحهم أن ينظروا بعقولهم في أصول الدين كله وفروعه من توحيده وغيره، وإن يعملوا أيضاً بما استحسنوه وكان عندهم حقاً!

فإن أجزت ذلك أجزت علي الله عز وجل أن يبيح الخلق أن يشهدوا عليه أنه ثاني اثنين، وإن يعتقدوا الدهر، وجحدو البارئ جل وعز.

وهذا آخر ما في هذا الكلام، لأن من أجاز أن يتعبدنا الله عز وجل بالكتاب علي احتمال التأويل ولا مخبر صادق لنا عن معانيه، لزمه أن يجيز علي أهل عصر النبي صلي الله عليه وآله مثل ذلك! وإذا أجاز مثل ذلك لزمه أن يبيح الله عز وجل كل فرقة العمل بما رأت وتأولت، لأنه لايكون لهم غير ذلك إذا لم يكن معهم حجة في أن هذا التأويل أصح من هذا التأويل.

وإذا أباح ذلك أباح متبعهم ممن لايعرف اللغة! وإذا أباح أولئك أيضاً لزمه أن يبيحنا في هذا العصر، وإذا أباحنا ذلك في الكتاب لزمه أن يبيحنا ذلك في أصول الحلال والحرام ومقائيس العقول وذلك خروج من الدين كله.

وإذاً وجب بما قدمنا ذكره أنه لابد من مترجم عن القرآن وأخبار النبي صلي الله عليه وآله وجب أن يكون معصوماً ليجب القبول منه، فإذا وجب أن يكون معصوماً

بطل أن يكون هو الأمة لما بينا من اختلافاتها في تأويل القرآن والأخبار، وتنازعها في ذلك ومن إكفار بعضها بعضاً!!

وإذا ثبت ذلك وجب أن المعصوم هو الواحد الذي ذكرناه وهو الإمام. وقد دللنا علي أن الإمام لا يكون إلا معصوماً، وأرينا أنه إذا وجبت العصمة في الإمام لم يكن بد من أن ينص النبي عليه، لأن العصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينص عليها علام الغيوب تبارك وتعالي علي لسان نبيه , وذلك لأن الإمام لايكون إلا منصوصاً عليه، وقد صح لنا النص بما بيناه من الحجج وبما رويناه من الأخبار الصحيحة). انتهي.

وقال الطباطبائي في تفسير الميزان:2/134: (كلام في عصمة الأنبياء عليهم السلام:

العصمة علي ثلاثة أقسام: العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي، والعصمة عن الخطأ في التبليغ والرسالة، والعصمة عن المعصية، وهي ما فيه هتك حرمة العبودية ومخالفة مولويته، ويرجع بالآخرة إلي قول أو فعل ينافي العبودية منافاةً ما. ونعني بالعصمة وجود أمر في الإنسان المعصوم يصونه عن الوقوع فيما لا يجوز من الخطأ، أو المعصية.

وأما الخطأ في غير باب المعصية وتلقي الوحي والتبليغ، وبعبارة أخري: في غير باب أخذ الوحي وتبليغه والعمل به، كالخطأ في الأمور الخارجية نظير الأغلاط الواقعة للإنسان في الحواس وإدراكاتها، أو الإعتباريات من العلوم، ونظير الخطأ في تشخيص الأمور التكوينية من حيث الصلاح والفساد والنفع والضرر ونحوها، فالكلام فيها خارج عن هذا المبحث.

وكيف كان، فالقرآن يدل علي عصمتهم عليهم السلام في جميع الجهات الثلاث:

أما العصمة عن الخطأ في تلقي الوحي وتبليغ الرسالة: فيدل عليه قوله تعالي في الآية: كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ

بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَااخْتَلَفَ فِيهِ إِلاالَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَاجَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَي اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ. (البقرة:213) فإنه ظاهر في أن الله سبحانه إنما بعثهم بالتبشير والإنذار وإنزال الكتاب، وهذا هو الوحي، ليبينوا للناس الحق في الإعتقاد والحق في العمل. وبعبارة أخري لهداية الناس إلي حق الإعتقاد وحق العمل، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم، وقد قال تعالي:لايَضِلُّ رَبِّي وَلايَنْسَي.(ط_ه:52) فبيَّن أنه لايضل في فعله ولايخطئ في شأنه، فإذا أراد شيئاً فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ، وإذا سلك بفعل إلي غاية فلا يضل في سلوكه، وكيف لا وبيده الخلق والأمر وله الملك والحكم، وقد بعث الأنبياء عليهم السلام بالوحي إليهم وتفهيمهم معارف الدين، ولا بد أن يكون، وبالرسالة لتبليغها للناس ولابد أن يكون. وقال تعالي أيضاً: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَئٍ قَدْرا.(الطلاق:3) وقال أيضاً: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَي أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أكثر النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. (يوسف:21) ويدل علي العصمة عن الخطأ أيضاً قوله تعالي:عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَي غَيْبِهِ أحداً، الأمن ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً. لِيَعْلَمَ أن قَدْ أَبْلَغُوارِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي كُلَّ شَئٍ عَدَداً.(الج_ن:26-28) فظاهره أنه سبحانه يختص رسله بالوحي فيظهرهم علي الغيب ويؤيدهم بمراقبة ما بين أيديهم وما خلفهم، والإحاطة بما لديهم، لحفظ الوحي عن الزوال والتغير بتغيير الشياطين وكل مغير غيرهم، ليتحقق إبلاغهم رسالات ربهم.

ونظيره قوله تعالي حكاية عن قول ملائكة الوحي: وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلابِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً. (مريم:64)، دلت الآيات علي أن الوحي

من حين شروعه في النزول، إلي بلوغه النبي، إلي تبليغه للناس محفوظ مصون عن تغيير أي مغير يغيره).

وقال الوحيد الخراساني في مقدمة منهاج الصالحين ص61:

والأدلة علي عصمة الأنبياء عليهم السلام عديدة، نشير إلي بعضها:

الدليل الأول: أن لوصول كل مخلوق إلي كماله الذي خلق له سنناً وقوانين، وقد تبين مما تقدّم أن السنة التي توصل الإنسان إلي كماله المقصود من خلقه، إنما هي الهداية الإلهية ودين الحقّ.

ولما كان تحقق هذا الكمال يتوقف علي تبليغ السنة والنظام الإلهي وتنفيذه،

والنبي متكفل لتربية الإنسان وفق هذه السنة والنظام، فلو حصل تخلّف في تبليغه أو تنفيذه لكان نقضاً للغرض، ولا يكون تخلّف مبلغ الوحي والمربّي بالتربية الإلهية إلامن جهة الخطأ أو الهوي، وأيّ منهما كان فلا يحصل الغرض الأقصي.

فكمال الهداية الإلهية يتطلّب كمال الهادي، وعصمة النظام الإلهي الذي لاَيَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ، تستلزم عصمة المعلم والمنفذ.

الدليل الثاني: دلّ العقل والنقل علي أن الدين جاء ليُحيي الإنسان حياة طيّبة مَنْ عَمِلَ صالحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَي وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَاكَانُوا يَعْمَلُونَ، وماء الحياة الطيّبة للإنسان هو الإيمان والعمل الصالح، وهما يشكّلأن مجموعة الدين، ومجري هذا الماء الطيب وجود النبيّ عليه السلام، فلو كان مجري الماء ملوثاً لتلوث الماء ولم يصلح لسقي عقول الناس وقلوبهم، ولا يحصل منه ثمرة الحياة الطيبة.

الدليل الثالث: بما أن الغرض من بعثة النبي عليه السلام لايتحقّق إلا بإطاعته في أمره ونهيه، وبما أن إطاعة المخطئ والعاصي لاتجوز، فلو لم يكن النبي عليه السلام معصوماً لم تجب إطاعته، فيلزم نقض الغرض وبطلأن نتيجة البعثة.

الدليل الرابع: إذا لم يكن النبي عليه

السلام معصوماً، لم يحصل للأمة اليقين بصدقه وصحة قوله في تبليغ الوحي، وإذا لم يكن معصوماً من الذنوب، سقطت مكانته في أعين الناس، وكلام العالم بلا عمل، والواعظ غير المتعظ لا يؤثر في النفوس، فلا يحصل الغرض المقصود من البعثة.

الدليل الخامس: منشأ الخطأ والذنب ضعف العقل والإرادة، وعقل النبي عليه السلام كامل، لأنه باتصاله بالوحي اتصل بحق اليقين، وصار يري الأشياء علي واقعها كما هي، وإرادته لا تتأثّر إلا من إرادة الله سبحانه وتعالي، فلا يبقي في شخصيته مجالٌ للخطأ والذنب). انتهي.

العصمة لاتعني الإجبار، و لا تنافي الإختيار

قال المفيد في رسالة النكت الإعتقادية ص45:

(فإن قيل: ما حد العصمة؟ الجواب: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة، مع قدرته عليهما.

فإن قيل: ما الدليل علي أنه معصوم من أول عمره إلي آخره؟

والجواب: الدليل علي ذلك أنه لو عهد منه السهو والنسيان لارتفع الوثوق منه عند إخباراته. ولو عهد منه خطيئة لتنفرت العقول من متابعته فتبطل فائدة البعثة).

وقال العلامة الحلي في شرح التجريد/494:

قال: ولا تنافي العصمة القدرة.

أقول:اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا؟ فذهب قوم منهم إلي عدم تمكنه من ذلك، وذهب آخرون إلي تمكنه منها. أما الأولون فمنهم من قال: أن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه علي المعصية، ومنهم من قال: أن العصمة هو القدرة علي الطاعة وعدم القدرة علي المعصية، وهو قول أبي الحسين البصري. وأما الإخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالي بالعبد من الألطاف المقربة إلي الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم علي المعصية بشرط أن لا

ينتهي ذلك الأمر إلي الالجاء، ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي. وآخرون قالوا: العصمة لطف يفعله الله تعالي بصاحبها لا يكون له معه داع إلي ترك الطاعة وارتكاب المعصية، وأسباب هذا اللطف أمور أربعة:

أحدها: أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل.

الثاني: أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات.

الثالث: تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالي.

الرابع: مؤاخذته علي ترك الأولي بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة.

فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الإنسان معصوماً.

والمصنف رحمه الله اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر علي فعل المعصية، وإلا لما استحق المدح علي ترك المعصية ولا الثواب، ولبطل الثواب والعقاب في حقه، فكان خارجاً عن التكليف! وذلك باطل بالإجماع وبالنقل في قوله تعالي:(قُلْ إنما أنا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَي إِلَيَّ).

وقال العلامة الحلي في كتاب الألفين/67:

البحث السابع: في عصمة الإمام، وهي ما يمتنع المكلف معه من المعصية متمكنا منها، ولا يمتنع منها مع عدمها. اختلف الناس في ذلك، فذهبت الإمامية والإسماعيلية إليه، ونفاه الباقون، لنا وجوه:

الأول: لو كان غير معصوم لكان محتاجاً إما إلي نفسه أو إلي إمام آخر فيدور أو يتسلسل وهما محالأن، وذلك لوجود العلة المحوجة إليه فيه.

لايقال: المعصوم لايخلو إما أن يقدر علي المعصية أو لا يقدر، فإن قدر فلايخلو أن يمكن وقوعها منه أو لايمكن، فإن أمكن فهو كسائر المكلفين في الحقيقة من غير امتياز، وإن لم يمكن فقدرته علي ما لايمكن وقوعه لا يكون قدرة،

وإن لم يقدر فهو مجبورٌ وليس ذلك بشرف له.

وأيضاً، إذا جاز أن يمتنع وقوع المعصية من شخص من المكلفين بفعل الله تعالي، ولا يضر ذلك قدرته وتمكنه من الطرفين، فالواجب أن يجعل جميع المكلفين كذلك، إذ كان الغرض من وجودهم إيصال الثواب إليهم دون وقوع المعصية وعقابهم عليها؟

وأيضاً، فلمَ يجوز أن يكون الإنتهاء في الإحتجاج إلي النبي صلي الله عليه وآله أو القرآن وينقطع التسلسل.

لأنا نجيب عن الأول: بأنه يقدر عليها ولكن لاتقع مقدورة منه، لعدم خلوص داعيه إليها، كما نقول في امتناع وقوع القبايح من الحكيم تعالي، وكما نقول في عصمة الأنبياء عليهم السلام فإن القدرة علي ما لايمكن وقوعه لاعتبار شئ غير ذاته لايستنكر، إنما يستنكر القدرة علي ما لا يمكن وقوعه لذاته.

وعن الثاني: أنا لا نقول أن الحكيم تعالي جعل شخصاً واحداً بفعله معصوماً من غير استحقاق منه لذلك، لكِنَّا نقول: كل من يستحق الألطاف الخاصة التي هي العصمة بكسبه، فهو تعالي يخصه بها.

ثم الإمام يجب أن يكون من تلك الطايفة، فالمكلفون بأسرهم لو استحقوا بكسبهم تلك الألطاف لكانوا كلهم معصومين، فظهر أن الخلل في عدم عصمتهم جميعاً راجع عليهم لا عليه تعالي.

وعن الثالث: أن نسبة غير المعصومين إلي النبي صلي الله عليه وآله القرآن نسبة واحدة، فلو جاز أن يكون النبي الموجود في زمان سابق أو القرآن مُغنياً لمكلف مع جواز خطأه عن الإمام لجاز في الجميع مثل ذلك، وحينئذ لايجب احتياجهم جميعاً إلي الإمام، وقد سبق فساد اللازم فظهر فساد الملزوم.

الثاني: لما ثبت وجوب نصب الإمام علي الله تعالي بالطريق الثاني فنقول: أنا نعلم ضرورة أن الحاكم إذا نصب في رعيته من يعرف

منه أنه لا يقوم بمصالحهم ولا يراعي فيهم ما لأجله احتاجوا إلي منصوب قبله، تستقبح العقول منه ذلك النصب وتنفر عنه، ونصب غير المعصوم من الله تعالي داخل في هذه الحِكم، فعلمنا أنه لاينصب غير المعصوم، فكل إمام ينصبه الله تعالي فهو معصوم). انتهي.

وقال الشريف المرتضي في رسائله:3/323:

(مسألة في العصمة: ماحقيقة العصمة التي يعتقد وجوبها للأنبياءوالأئمة عليه السلام، وهل هو معني يضطر إلي الطاعة ويمنع من المعصية أو معني يضامُّ الإختيار؟ فإن كان معني يضطر إلي الطاعة ويمنع من المعصية، فكيف يجوز الحمد والذم لفاعلها؟ وإن كان معني يضامُّ الإختيار، فاذكروه ودُلُّوا علي صحة مطابقته له، ووجوب اختصاص المذكورين به دون من سواهم، فقد قال بعض المعتزلة: إن الله عصم أنبياءه بالشهادة لهم بالإعتصام، وضلل قوماً بنفس الشهادة عليهم بالضلال، فإن يكن ذلك هو المعتمد، أنعمْ بذكره ودلَّ علي صحته وبطلأن ما عساه نعلمه من الطعن عليه، وإن كان باطلاً دلَّ علي بطلانه وصحة الوجه المعتمد دون ما سواه؟

الجواب ولله التوفيق: أعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله تعالي، فيختار العبد عنده الإمتناع من فعل القبيح، فيقال علي هذا إن الله عصمه، بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح، ويقال إن العبد معتصم، لأنه اختار عند هذا الداعي الذي فعل الإمتناع عن القبيح.

وأصل العصمة في وضع اللغة المنع، يقال: عصمت فلاناً من السوء إذا منعت من فعله به. غير أن المتكلمين أجروا هذه اللفظة علي من امتنع باختياره عند اللطف الذي يفعله الله تعالي به، لأنه إذا فعل به ما يعلم أن يمتنع عنده من فعل القبيح فقد منعه منه، فأجروا عليه لفظ المانع قسراً أو قهراً. وأهل اللغة

يتصارفون ذلك ويستعملونه، لأنهم يقولون فيمن أشار علي غيره برأي فقبله مختاراً، واحتمي بذلك من ضرر يلحقه هو وماله إنه حماه من ذلك الضرر ومنعه وعصمه، وإن كان ذلك علي سبيل الإختيار.

فإن قيل: أفتقولون فيمن لطف له بما اختار عنده الإمتناع من فعل واحد قبيح أنه معصوم.

قلنا: نقول ذلك مضافاً ولا نطلقه، فنقول: أنه معصوم من كذا ولا نطلق، فيوهم أنه معصوم من جميع القبائح، ونطلق في الأنبياءوالأئمة عليهم السلام العصمة بلا تقييد، لأنهم عندنا لايفعلون شيئاً من القبائح، دون ما يقوله المعتزلة من نفي الكبائر عنهم دون الصغائر.

فإن قيل: فإذا كان تفسير العصمة ما ذكرتم، أفلا عصم الله جميع المكلفين وفعل بهم ما يختارون عنده الإمتناع من القبائح.

قلنا: كل من علم الله تعالي أن له لطفاً يختار عنده الإمتناع من القبح، فإنه لا بدَّ أن يفعله وإن لم يكن نبياً ولا إماماً، لأن التكليف يقتضي فعل اللطف علي ما دل عليه في مواضع كثيرة.

غير أنا لانمنع أن يكون في المكلفين من ليس في المعلوم أن فيه سبباً متي فعل اختار عنده الإمتناع من القبح، فيكون هذا المكلف لاعصمة له في المعلوم ولا لطف، ولا يكلف من لا لطف له بحسن ولا بقبح، وإنما القبيح منع اللطف فيمن له لطف مع ثبوت التكليف.

فأما قول بعضهم إن العصمة الشهادة من الله تعالي بالإعتصام، فباطل لأن الشهادة لا يجعل الشئ علي ما هو به، وإنما يتعلق به علي ما هو عليه، لأن الشهادة هي الخبر، والخبر عن كون الشئ علي صفة لا يؤثر في كونه عليها، فيحتاج أولاًإلي أن يتقدم إلي العلم بأن زيداً معصوم أو معتصم، ويوضح عن معني ذلك،

ثم تكون الشهادة من بعده مطابقة لهذا العلم، وهذا بمنزلة من سئل عن حد المتحرك، فقال: هو شهادة بأنه متحرك أو العلم بأنه علي هذه الصفة. وفي هذا البيان كفاية لمن تأمل).

وقال الطباطبائي في تفسير الميزان:2/138: (فإن قلت: الذي يدل عليه ما مر من الآيات الكريمة هو أن الأنبياء عليهم السلام لايقع منهم خطأ ولا يصدر عنهم معصية، وليس ذلك من العصمة في شئ، فإن العصمة علي ما ذكره القوم قوة تمنع الإنسان عن الوقوع في الخطأ، وتردعه عن فعل المعصية واقتراف الخطيئة، وليست القوة مجرد صدور الفعل أو عدم صدوره، وإنما هي مبدأ نفساني تصدر عنه الفعل كما تصدر الأفعال عن الملكات النفسانية.

قلت: نعم لكن الذي يحتاج إليه في الأبحاث السابقة هو عدم تحقق الخطأ والمعصية من النبي عليه السلام ولايضر في ذلك عدم ثبوت قوة تصدر عنها الفعل صواباً أو طاعة وهو ظاهر.

ومع ذلك يمكن الإستدلال علي كون العصمة مستندة إلي قوة رادعة بما مر في البحث عن الإعجاز من دلالة قوله تعالي: إِنَّ اللهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَئ قَدْراً. (الطلاق:3) وكذا قوله تعالي: إِنَّ رَبِّي عَلَي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (هود:56) علي أن كلاً من الحوادث يحتاج إلي مبدأ يصدر عنه وسبب يتحقق به، فهذه الأفعال الصادرة عن النبي عليه السلام علي وتيرة واحدة صواباً وطاعة تنتهي إلي سبب مع النبي عليه السلام وفي نفسه وهي القوة الرادعة.

وتوضيحه: أن أفعال النبي عليه السلام المفروض صدورها طاعة أفعال اختيارية من نوع الأفعال الإختيارية الصادرة عنا، التي بعضها طاعة وبعضها معصية، ولا شك أن الفعل الإختياري إنما هو اختياري بصدوره عن العلم والمشية، وإنما يختلف الفعل طاعة ومعصية باختلاف

الصورة العلمية التي يصدر عنها، فإن كان المقصود هو الجري علي العبودية بامتثال الأمر مثلاً تحققت الطاعة، وإن كان المطلوب- أعني الصورة العلمية التي يضاف إليها المشية- اتباع الهوي واقتراف ما نهي الله عنه تحققت المعصية، فاختلاف أفعالنا طاعة ومعصية لاختلاف علمنا الذي يصدر عنه الفعل، ولو دام أحد العلمين أعني الحكم بوجوب الجري علي العبودية وامتثال الأمر الإلهي، لما صدر إلا الطاعة، ولو دام العلم الآخر الصادر عنه المعصية (والعياذ بالله) لم يتحقق إلا المعصية.

وعلي هذا فصدور الأفعال عن النبي عليه السلام بوصف الطاعة دائماً ليس إلا لأن العلم الذي يصدر عنه فعله بالمشية صورة علمية صالحة غير متغيرة، وهو الإذعان بوجوب العبودية دائماً، ومن المعلوم أن الصورة العلمية والهيئة النفسانية الراسخة غير الزائلة، هي الملكة النفسانية كملكة العفة والشجاعة والعدالة ونحوها، ففي النبي ملكة نفسانية تصدر عنها أفعاله علي الطاعة والإنقياد وهي القوة الرادعة عن المعصية.

ومن جهة أخري النبي عليه السلام لايخطئ في تلقي الوحي ولا في تبليغ الرسالة ففيه هيئة نفسانية لاتخطئ في تلقي المعارف وتبليغها، ولاتعصي في العمل. ولو فرضنا أن هذه الأفعال وهي علي وتيرة واحدة ليس فيها إلا الصواب والطاعة تحققت منه من غير توسط سبب من الأسباب يكون معه، ولا انضمام من شئ إلي نفس النبي عليه السلام، كان معني ذلك أن تصدر أفعاله الإختيارية علي تلك الصفة بإرادة من الله سبحانه من غير دخالة للنبي عليه السلام فيه، ولازم ذلك إبطال علم النبي عليه السلام وإرادته في تأثيرها في أفعاله، وفي ذلك خروج الأفعال الإختيارية عن كونها اختيارية، وهو ينافي افتراض كونه فرداً من أفراد الإنسان الفاعل بالعلم والإرادة. فالعصمة من الله سبحانه إنما هي

بإيجاد سبب في الإنسان النبي يصدر عنه أفعاله الإختيارية صواباً وطاعة، وهو نوع من العلم الراسخ، وهو الملكة كما مر).

وقال في الميزان:5/78، في تفسير قوله تعالي: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ.(النساء:113): (ظاهر الآية أن الأمر الذي تتحقق به العصمة نوع من العلم يمنع صاحبه عن التلبس بالمعصية والخطأ. وبعبارة أخري: علم مانع عن الضلال، كما أن سائر الإخلاق كالشجاعة والعفة والسخاء كل منها صورة علمية راسخة موجبة لتحقق آثارها، مانعةٌ عن التلبس بأضدادها من آثار الجبن والتهور والخمود والشره والبخل والتبذير.

والعلم النافع والحكمة البالغة وإن كانا يوجبان تنزه صاحبهما عن الوقوع في مهالك الرذائل، والتلوث بأقذار المعاصي، كما نشاهده في رجال العلم والحكمة والفضلاء من أهل التقوي والدين، غير أن ذلك سببٌ غالبيٌّ كسائر الأسباب الموجودة في هذا العالم المادي الطبيعي، فلا تكاد تجد متلبساً بكمال يحجزه كماله من النواقص ويصونه عن الخطأ صوناً دائمياً من غير تخلف، سنةً جاريةً في جميع الأسباب التي نراها ونشاهدها.

والوجه في ذلك أن القوي الشعورية المختلفة في الإنسان يوجب بعضها ذهوله عن حكم البعض الآخر، أو ضعف التفاته إليه، كما أن صاحب ملكة التقوي مادام شاعراً بفضيلة تقواه لايميل إلي اتباع الشهوة غير المرضية ويجري علي مقتضي تقواه، غير أن اشتعال نار الشهوة وانجذاب نفسه إلي هذا النحو من الشعور، ربما حجبه عن تذكر فضيلة التقوي أو ضعف شعور التقوي، فلا يلبث دون أن يرتكب ما لاترتضيه التقوي، ويختار سفساف الشره، وعلي هذا السبيل سائر الأسباب الشعورية في الإنسان.

وإلا فالإنسان لايحيد عن حكم سبب من هذه الأسباب ما دام السبب قائماً علي ساق، ولا مانع يمنع من تأثيره، فجميع هذه

التخلفات تستند إلي مغالبة التقوي والأسباب، وتغلُّبِ بعضها علي بعض.

ومن هنا يظهر أن هذه القوة المسماة بقوة العصمة سبب شعوري علمي غير مغلوب البتة، ولو كانت من قبيل ما نتعارفه من أقسام الشعور والإدراك لتسرب إليها التخلف، وخَبَطت في أثرها أحياناً، فهذا العلم من غير سنخ سائر العلوم والإدراكات المتعارفة التي تقبل الإكتساب والتعلم. وقد أشار الله تعالي إليه في خطابه الذي خص به نبيه صلي الله عليه وآله بقوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) وهو خطاب خاص لانفقهه حقيقة الفقه، إذ لاذوق لنا في هذا النحو من العلم والشعور.

غير أن الذي يظهر لنا من سائر كلامه تعالي بعض الظهور كقوله: قُلْ مَنْ كَانَ عدواً لِجِبْرِيلَ فإنه نَزَّلَهُ عَلَي قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُديً وَبُشْرَي لِلْمُؤْمِنِينَ. (البقرة:97) (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ، عَلَي قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، (الشعراء:195-196) أن الإنزال المذكور من سنخ العلم، ويظهر من جهة أخري أن ذلك من قبيل الوحي والتكليم، كما يظهر من قوله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إبراهيم وَمُوسَي وَعِيسَي، الآية.. (الشوري:13) وقوله: أنا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إلي نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ، (النساء:163) وقوله: إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا يُوحَي إِلَيَّ.(الأنعام-50)، وقوله: إنما أَتَّبِعُ مَا يُوحَي إِلَيَّ (لأعراف:203) ويستفاد من الآيات علي اختلافها أن المراد بالإنزال هو الوحي، وحي الكتاب والحكمة، وهو نوع تعليم إلهي لنبيه صلي الله عليه وآله.

غير أن الذي يشير إليه بقوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) ليس هو الذي علمه بوحي الكتاب والحكمة فقط، فإن مورد الآية قضاء النبي صلي الله

عليه وآله في الحوادث الواقعة والدعاوي التي ترفع إليه برأيه الخاص، وليس ذلك من الكتاب والحكمة بشئ وإن كان متوقفاً عليهما بل رأيه ونظره الخاص به. ومن هنا يظهر أن المراد بالإنزال والتعليم في قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ. (النساء:113) نوعان اثنان من العلم، أحدهما التعليم بالوحي ونزول الروح الأمين علي النبي صلي الله عليه وآله والإخر: التعليم بنوع من الإلقاء في القلب والإلهام الخفي الإلهي من غير إنزال الملك، وهذا هو الذي تؤيده الروايات الواردة في علم النبي صلي الله عليه وآله.

وعلي هذا فالمراد بقوله: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ،آتاك نوعاً من العلم لو لم يؤتك إياه من لدنه لم يكفك في إيتائه الأسباب العادية التي تعلم الإنسان ما يكتسبه من العلوم.

فقد بان من جميع ما قدمناه أن هذه الموهبة الإلهية التي نسميها قوة العصمة نوع من العلم والشعور، يغاير سائر أنواع العلوم في أنها غير مغلوبة لشئ من القوي الشعورية البتة، بل هي الغالبة القاهرة عليها المستخدمة إياها، ولذلك كانت تصون صاحبها من الضلال والخطيئة مطلقاً.

وقد ورد في الروايات أن للنبي والإمام عليهما السلام روحاً تسمي روح القدس تسدده وتعصمه عن المعصية والخطيئة، وهي التي يشير إليها قوله تعالي وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَامَاكُنْتَ تَدْرِي مَاالْكِتَابُ وَلا الإيمان وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا، (الشوري:52) بتنزيل الآية علي ظاهرها من الإلقاء عليه صلي الله عليه وآله ونظيره قوله تعالي: وَجَعَلْنَاهُمْ أئمة يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ، (الأنبياء:73)بناء علي ما سيجئ من بيان معني الآية إن شاء الله العزيز أن المراد به تسديد

روح القدس الإمام بفعل الخيرات وعبادة الله سبحانه. وبانَ مما مر أيضاً أن المراد بالكتاب في قوله: وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ، هو الوحي النازل لرفع اختلافات الناس علي حد قوله تعالي:كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ). (البقرة:213).

دفاع أهل البيت و شيعتهم عن عصمة الأنبياء

الامام الصادق يتألم لظلم الناس للأنبياء والأوصياء

اشاره

في أمالي الصدوق ص163: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا علي بن محمد بن قتيبة عن حمدان بن سليمان، عن نوح بن شعيب، عن محمد بن إسماعيل، عن صالح، عن علقمة، قال: قال الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام وقد قلت له: يا بن رسول الله أخبرني من تقبل شهادته ومن لاتقبل شهادته؟ فقال: (يا علقمة، كل من كان علي فطرة الإسلام جازت شهادته. قال فقلت له: تقبل شهادة المقترف للذنوب؟ فقال: يا علقمة لو لم تقبل شهادة المقترفين للذنوب لما قبلت إلا شهادات الأنبياءوالأوصياء صلوات الله عليهم، لأنهم هم المعصومون دون سائر الخلق، فمن لم تره بعينك يرتكب ذنباً أو لم يشهد عليه بذلك شاهدان، فهو من أهل العدالة والستر، وشهادته مقبولة، وإن كان في نفسه مذنباً...

قال علقمة: فقلت للصادق عليه السلام: يا بن رسول الله أن الناس ينسبوننا إلي عظائم الأمور، وقد ضاقت بذلك صدورنا. فقال عليه السلام:

يا علقمة أن رضا الناس لايملك، وألسنتهم لاتضبط، فكيف تَسْلمون مما لم يسلم منه أنبياءالله ورسله وحججه عليهم السلام؟!

ألم ينسبوا يوسف إلي أنه هم بالزنا؟! ألم ينسبوا أيوب إلي أنه ابتلي بذنوبه؟!

ألم ينسبوا داود إلي أنه تبع الطير حتي نظر إلي امرأة أوريا فهواها! وأنه قدم زوجها إمام التابوت حتي قتل ثم تزوج بها؟!

ألم

ينسبوا موسي إلي أنه عنين وآذوه حتي برأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها؟!

ألم ينسبوا جميع أنبياءالله إلي أنهم سحرة طلبة الدنيا؟!

ألم ينسبوا مريم بنت عمران إلي أنها حملت بعيسي من رجل نجار اسمه يوسف؟!

ألم ينسبوا نبينا محمداً صلي الله عليه وآله إلي أنه شاعر مجنون؟ ألم ينسبوه إلي أنه هوي امرأة زيد بن حارثة فلم يزل بها حتي استخلصها لنفسه؟ ألم ينسبوه يوم بدر إلي أنه أخذ لنفسه من المغنم قطيفة حمراء! حتي أظهره الله عز وجل علي القطيفة وبرأ نبيه من الخيانة، وأنزل بذلك في كتابه: وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أن يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يأت بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ! ألم ينسبوه إلي أنه ينطق عن الهوي في ابن عمه علي حتي كذبهم الله عز وجل، فقال سبحانه: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي؟!

ألم ينسبوه إلي الكذب في قوله: أنه رسول من الله إليهم؟ حتي أنزل الله عز وجل عليه: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَي مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّي أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَأِ الْمُرْسَلِينَ؟!

ولقد قال يوماً: عرج بي البارحة إلي السماء. فقيل: والله ما فارق فراشه طول ليلته.

وما قالوا في الأوصياء عليهم السلام أكثر من ذلك! ألم ينسبوا سيد الأوصياء عليه السلام إلي أنه كان يطلب الدنيا والملك وأنه كان يؤثر الفتنة علي السكون، وأنه يسفك دماء المسلمين بغير حلها، وأنه لو كان فيه خير ما أمر خالدَ بن الوليد بضرب عنقه؟

ألم ينسبوه إلي أنه أراد أن يتزوج ابنة أبي جهل علي فاطمة عليها السلام، وإن رسول الله صلي الله عليه وآله شكاه علي المنبر إلي المسلمين،

فقال: أن علياً يريد أن يتزوج ابنة عدو الله علي ابنة نبي الله، إلا أن فاطمة بضعة مني، فمن آذاها فقد آذاني، ومن سرها فقد سرني، ومن غاظها فقد غاظني؟

ثم قال الصادق عليه السلام: يا علقمة، ما أعجب أقاويل الناس في علي عليه السلام!

كم بين من يقول: أنه رب معبود، وبين من يقول: أنه عبد عاص للمعبود! ولقد كان قول من ينسبه إلي العصيان أهون عليه من قول من ينسبه إلي الربوبية.

يا علقمة، ألم يقولوا لله عز وجل: أنه ثالث ثلاثة؟ ألم يشبهوه بخلقه؟ ألم يقولوا أنه الدهر؟ ألم يقولوا: أنه الفلك؟ ألم يقولوا: أنه جسم؟ ألم يقولوا: أنه صورة؟ تعالي الله عن ذلك علوا كبيراً.

ياعلقمة، أن الألسنة التي تتناول ذات الله تعالي ذكره بما لايليق بذاته، كيف تحبس عن تناولكم بما تكرهونه! فاستعينوا بالله واصبروا، أن الأرض لله يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ. فإن بني إسرائيل قالوا لموسي عليه السلام: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أن تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا، فقال الله عز وجل: قل لهم يا موسي:عَسَي رَبُّكُمْ أن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأرض فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ). (لأعراف:129)

الإمام الرضا عليه السلام يدافع عن عصمة الأنبياء والأوصياء عليهم السلام

في عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/174: (باب ذكر مجلس آخر للرضا عليه السلام عند المأمون في عصمة الأنبياء عليهم السلام: (حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي(رض)قال: حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد بن الجهم قال: حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا علي بن موسي عليهما السلام فقال له المأمون: يا ابن رسول الله أليس من قولك: الأنبياءمعصومون؟ قال: بلي قال: فما معني قول

الله عز وجل: وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي؟

فقال عليه السلام: أن الله تبارك وتعالي قال لآدم:(اسْكُنْ أنت وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ، وأشار لهما إلي شجره الحنطة فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ، ولم يقل لهما: لاتأكلا من هذه الشجره ولا مما كان من جنسها، فلم يقربا تلك الشجره ولم يأكلا منها وإنما أكلا من غيرها لمَّا أن وسوس الشيطان اليهما وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وإنما نهاكما أن تقربا غيرها ولم ينهكما عن الأكل منها، إلا أنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ , ولم يكن آدم وحواء شاهداً قبل ذلك من يحلف بالله كاذباً، فَدَلاهُمَا بِغُرُور، فأكلا منها ثقة بيمينه بالله.>وكان ذلك من آدم قبل النبوة، ولم يكن ذلك بذنب كبير استحق به دخول النار، وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز علي الأنبياءقبل نزول الوحي عليهم< فلما اجتباه الله تعالي وجعله نبياً كان معصوماً لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال الله عز وجل: وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَي. وقال عز وجل: أن الله اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ.

فقال له المأمون: فما معني قول الله عز وجل: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا؟

فقال له الرضا عليه السلام: >إن حواء ولدت لآدم خمس مأة بطن ذكراً وأنثي<، وإن آدم عليه السلام وحواء عاهدا الله عز وجل ودعواه وقالا: لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً من النسل خلقاً سوياً بريئاً من الزمانة والعاهة وكان ما آتاهما صنفين صنفاً ذكراناً وصنفاً إناثاً، فجعل الصنفان لله تعالي شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، ولم

يشكراه كشكر أبويهما له عز وجل، قال الله تبارك وتعالي: فَتَعَالَي اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ.

فقال المأمون: أشهد إنك ابن رسول الله حقاً، فأخبرني عن قول الله عز وجل في حق إبراهيم عليه السلام: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي؟

فقال الرضا عليه السلام: أن إبراهيم عليه السلام وقع إلي ثلاثه أصناف صنف يعبد الزهرة وصنف يعبد القمر وصنف يعبد الشمس، وذلك حين خرج من السرب الذي أخفي فيه فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ فرأي الزهرة قال:هَذَا رَبِّي؟! علي الإنكار والإستخبار فَلَمَّا أَفَلَ الكوكب قَالَ لا أحب الآفِلِين، لأن الأفول من صفات المحدث لا من صفات القدم، فَلَمَّا رَأي الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي علي الإنكار والإستخبار: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، يقول: لو لم يهدني ربي لكنت من القوم الضالين، فلما أصبح رَأي الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ من الزهرة والقمر، علي الإنكار والإستخبار لا علي الأخبار والإقرار، فَلَمَّا أَفَلَتْ قال للأصناف الثلاثة من عبدة الزهرة والقمر والشمس:يَا قَوْمِ إِنِّي بَرئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَالسَّمَاوَاتِ والأرض حنيفاً وَمَاأَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وإنما أراد إبراهيم عليه السلام بما قال أن يبين لهم بطلأن دينهم ويثبت عندهم أن العبادة لا تحق لما كان بصفة الزهرة والقمر والشمس، وإنما تحق العبادة لخالقها وخالق السموات والأرض.

وكان ما احتج به علي قومه مما ألهمه الله تعالي وآتاه كما قال الله عز وجل: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبراهيم عَلَي قَوْمِهِ.

فقال المأمون: لله درك يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول إبراهيم عليه السلام: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي؟

قال الرضا عليه

السلام: أن الله تبارك وتعالي كان أوحي إلي ابراهيم عليه السلام: إني متخذ من عبادي خليلاً أن سألني إحياء الموتي أجبته، فوقع في نفس إبراهيم أنه ذلك الخليل، فقال:رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي علي الخلَّة، قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَي كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أن الله عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

فأخذ إبراهيم عليه السلام نسراً وطاووساً وبطاً وديكاً، فقطَّعهنَّ وخَلَطهُنَّ، ثم جعل علي كل جبل من الجبل التي حوله وكانت عشرة منهن جزءً وجعل مناقيرهن بين أصابعه، ثم دعاهن بأسمائهن ووضع عنده حباً وماءً، فتطايرت تلك الأجزاء بعضها إلي بعض حتي استوت الأبدان، وجاء كل بدن حتي انضمَّ إلي رقبته ورأسه، فخلَّي إبراهيم عليه السلام عن مناقيرهن فطِرْنَ، ثم وقعنَ فشربنَ من ذلك الماء، والْتقطنَ من ذلك الحب وقلنَ: يا نبيَّ الله أحييتنا، أحياك الله. فقال إبراهيم: بل الله يحيي ويميت، وهو علي كل شئ قدير.

قال المأمون: بارك الله فيك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: فَوَكَزَهُ مُوسَي فَقَضَي عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ؟

قال الرضا عليه السلام: أن موسي دخل مدينه من مدائن فرعون عَلَي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها، وذلك بين المغرب والعشاء، فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، فقضي موسي علي العدو، وبحكم الله تعالي ذِكْره فَوَكَزَهُ، فمات! قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان، يعني الإقتتال الذي كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسي عليه السلام من قَتْلِهِ. أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، يعني الشيطان.

فقال المأمون: فما معني قول موسي:

رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؟

قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة، فَاغْفِرْ لِي، أي أسترني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني، فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قال موسي عليه السلام: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، من القوة حتي قتلت رجلاً بوكزة، فَلَنْ أكون ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوة حتي ترضي.

فَأَصْبَحَ موسي عليه السلام فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ علي آخر، قَالَ لَهُ مُوسَي إنك لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، قاتلت رجلاً بالأمس وتقاتل هذا اليوم، لأوذينك، وأراد أن يبطش به فَلَمَّا أن أراد أن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وهو من شيعته قَالَ يَا مُوسَي أَتُرِيدُ أن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نفساً بِالأَمْسِ أن تُرِيدُ إلا أن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض وَمَا تُرِيدُ أن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ.

قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن، فما معني قول موسي لفرعون: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ؟

قال الرضا عليه السلام: أن فرعون قال: لموسي لما أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، بي! قال موسي: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ، عن الطريق بوقوعي إلي مدينه من مدائنك، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلي الله عليه وآله: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَي، يقول: ألم يجدك وحيداً فآوي إليك الناس. وَوَجَدَكَ ضَالاً، يعني عند قومك، فَهَدَي، أي هداهم إلي معرفتك.

وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَي، يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً.

قال المأمون: بارك الله فيك يا ابن رسول الله، فما معني قول الله عز وجل: وَلَمَّا جَاءَ مُوسَي لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ

إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي، كيف يجوز أن يكون كلم الله موسي بن عمران عليه السلام لايعلم أن الله تبارك وتعالي ذكره لا يجوز عليه الرؤية حتي يسأله هذا السؤال؟

قال الرضا عليه السلام: أن كليم الله موسي بن عمران عليه السلام علم أن الله تعالي أعزُّ من أن يري بالأبصار، ولكنه لما كلمه الله عز وجل وقرَّبه نجياً، رجع إلي قومه فأخبرهم أن الله عز وجل كلمه وقربه وناجاه، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حتي نستمع كلامه كما سمعت، وكان القوم سبعمأة الف رجل، فاختار منهم سبعين ألفاً ثم اختار منهم سبعه آلاف، ثم اختار منهم سبعمائة، ثم اختار منهم سبعين رجلاً لميقات ربهم، فخرج بهم إلي طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسي إلي الطور، وسأل الله تعالي أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالي ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وإمام، لأن الله عز وجل أحدثه في الشجرة، وجعله منبعثاً منها حتي سمعوه من جميع الوجوه، فقالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ بأن هذا الذي سمعناه كلام الله: حَتَّي نَرَي اللهَ جَهْرَةً، فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عز وجل عليهم صاعقه فأخذتهم بظلمهم فماتوا، فقال موسي: يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا رجعت إليهم وقالوا: إنك ذهبت بهم فقتلتهم، لأنك لم تكن صادقاً فيما ادعيت من مناجاة الله عز وجل إياك، فأحياهم الله وبعثهم معه فقالوا: إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك، وكنت تخبرنا كيف هو فنعرفه حق معرفته؟ فقال موسي: يا قوم أن الله تعالي لايري بالأبصار ولا كيفيه له وإنما يعرف بآياته ويعلم بأعلامه فقالوا: لن نؤمن لك حتي تسأله، فقال موسي:

يا رب إنك قد سمعت مقاله بني إسرائيل، وأنت أعلم بصلاحهم فأوحي الله جل جلاله: يا موسي سلني ما سألوك فلن أؤاخذك بجهلهم، فعند ذلك قال موسي عليه السلام: قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إلي الْجَبَلِ فإن اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ وهو يهوي فَلَمَّا تَجَلَّي رَبُّهُ لِلْجَبَلِ بآية من آياته جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَي صَعِقاً فَلَمَّا أفاق قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ يقول: رجعت إلي معرفتي بك عن جهل قومي وأنا أول الْمُؤْمِنِينَ منهم بأنك لا تري.

فقال المأمون لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأي بُرْهَانَ رَبِّه؟

قال الرضا عليه السلام: لقد همت به ولولا أن رأي برهان ربه لهَمَّ بها كما همت، لكنه عليه السلام كان معصوماً والمعصوم لايهمُّ بذنب ولا يأتيه، ولقد حدثني أبي عن أبيه الصادق عليهما السلام أنه قال: همَّت بأن تفعل، وهمَّ بأن لا يفعل.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن فأخبرني عن قول الله عز وجل:وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أن لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ؟

فقال الرضا عليه السلام: ذاك يونس بن متي عليه السلام ذهب مغاضباً لقومه فظن بمعني استيقنأَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ أي لن نضيق رزقه، ومنه قوله عز وجل: وأما إذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ، أي ضيق وقتر. فَنَادَي فِي الظُّلُمَاتِ،أي ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت أن لاإله إِلاأنت سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، بتركي مثل هذه العبادة التي قد فرغتني لها في بطن الحوت، فاستجاب الله وله وقال عز وجل: فَلَوْلا أنه كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ.لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إلي يَوْمِ يُبْعَثُونَ.

فقال المأمون: لله درك أبا الحسن

فأخبرني عن قول الله عز وجل: حَتَّي إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا؟

قال الرضا عليه السلام يقول الله عز وجل:حَتَّي إذا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ من قومهم، وظن قومهم أن الرسل قد كُذِبوا، جاء الرسل نصرنا.

فقال المأمون: لله درك يا أبا الحسن، فأخبرني قول الله عز وجل: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ قال الرضا عليه السلام: لم يكن أحد عند مشركي أهل مكه أعظم ذنباً من رسول الله صلي الله عليه وآله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاث مأة وستين صنماً فلما جاءهم صلي الله عليه وآله بالدعوه إلي كلمة الإخلاص كبُرَ ذلك عليهم وعَظُم وقالوا: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إلهاً واحداً أن هَذَا لَشَئٌ عُجَابٌ. وَانْطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أن امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَي آلِهَتِكُمْ أن هَذَا لَشَئٌ يُرَادُ. مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي الْمِلَّةِ الآخرة أن هَذَا إلا اخْتِلاقٌ. فلما فتح الله عز وجل علي نبيه صلي الله عليه وآله مكه قال له يا محمد: أنا فَتَحْنَا لَكَ >مكة فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَاتَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ، عند مشركي أهل مكه بدعائك إلي توحيد الله فيما تقدم. وَمَا تَأَخَّرَ، لأن مشركي مكه أسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر علي إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه، فصار ذنبه عندهم ذلك مغفوراً بظهوره عليهم.

فقال المأمون: لله درك أبا الحسن، فأخبرني عن قول الله عز وجل: عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ؟ قال الرضا عليه السلام:هذا مما نزل بإياك أعني واسمعي يا جارة، خاطب الله عز وجل بذلك نبيه وأراد به أمته وكذلك قوله: تعالي: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وقوله عز وجل: وَلَوْلا

أن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شيئاً قليلاً.

قال صدقت يا ابن رسول الله فأخبرني عن قول الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ؟

قال الرضا عليه السلام: >إن رسول الله صلي الله عليه وآله قصد دار زيد بن حارثه بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأي امرأته تغتسل فقال لها: سبحان الذي خلقك، وإنما أراد بذلك تنزيه الباري عز وجل عن قول من زعم أن الملائكة بنات الله، فقال الله عز وجل: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قولاً عَظِيماً، فقال النبي صلي الله عليه وآله: لما رآها تغتسل: سبحان الذي خلقك أن يتخذ له ولداً يحتاج إلي هذا التطهير والإغتسال، فلما عاد زيد إلي منزله أخبرته امرأته بمجئ رسول الله صلي الله عليه وآله وقوله لها: سبحان الذي خلقك! فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظن أنه قال ذلك لما أعجبه من حسنها < فجاء إلي النبي صلي الله عليه وآله وقال له: يارسول الله أن امرأتي في خلقها سوء وإني أريد طلاقها فقال النبي صلي الله عليه وآله: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ، وقد كان الله عز وجل عرَّفه عدد أزواجه وإن تلك المرأ صلي الله عليه وآله منهن، فأخفي ذلك في نفسه، ولم يبده لزيد، وخشئ الناس أن يقولوا أن محمداً يقول لمولاه: أن امرأتك ستكون لي زوجة، يعيبونه بذلك، فأنزل الله عز وجل: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ يعني بالإسلام، وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ يعني بالعتق أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ

وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أن تَخْشَاهُ.

ثم أن زيد بن حارثه طلقها واعتدت منه فزوجها الله عز وجل من نبيه محمد صلي الله عليه وآله وأنزل بذلك قرآناً فقال عز وجل: فَلَمَّا قَضَي زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لايَكُونَ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أمر اللهِ مَفْعُولاً. ثم علم الله عز وجل أن المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل الله تعالي: مَا كَانَ عَلَي النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ سُنَّةَ اللهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أمر اللهِ قَدَراً مَقْدُوراً.

فقال المأمون: لقد شفيت صدري يا ابن رسول الله وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ، فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً.

قال علي بن محمد بن الجهم: فقام المأمون إلي الصلاة وأخذ بيد محمد بن جعفر بن محمد صلي الله عليه وآله وكان حاضر المجلس وتبعتهما، فقال له المأمون: كيف رأيت ابن أخيك؟ فقال له:عالم ولم نره يختلف إلي أحد من أهل العلم!

فقال المأمون: أن ابن أخيك من أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله الذين قال فيهم النبي:

إلا أن أبرار عترتي وأطايب أرومتي أحلم الناس صغاراً، وأعلم الناس كباراً، فلا تعلموهم فإنهم أعلم منكم، لايخرجونكم من باب هدي، ولايدخلونكم في باب ضلالة.

وانصرف الرضا عليه السلام الي منزله، فلما كان من الغد غدوت عليه وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمه محمد بن جعفر له، فضحك عليه السلام ثم قال: يا ابن الجهم لايغرنك ما سمعته منه فإنه سيغتالني، والله تعالي ينتقم لي منه!

قال مصنف هذا الكتاب: هذا الحديث غريب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل

البيت عليهم السلام). انتهي. (ورواه الصدوق أيضاً في التوحيد/74: و/121)

ملاحظة

اعتبر السيد الخوئي قدس سره عليَّ بن الجهم وعليَّ بن محمد بن الجهم، شخصاً واحداً، قال في معجم رجال الحديث:12/323: (علي بن الجهم: عن مروج الذهب أنه بلغ من نصب علي بن الجهم أنه كان يلعن أباه فسئل عن ذلك فقال: بتسميتي علياً! قال ابن شهرآشوب: قال أبو العيناء لعلي بن الجهم: إنما تبغض علياً لأنه كان يقتل الفاعل والمفعول، وأنت أحدهما! فقال له: يا مخنث! فقال أبو العيناء: وَضَرَبَ لَنَا مثلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ)!!

وقال في:13/142: (علي بن محمد بن الجهم: روي الصدوق بإسناده عنه في حديث ذكر في آخره أن المأمون سأل محمد بن جعفر بن محمد وقال: كيف رأيت ابن أخيك (الرضا عليه السلام)؟ فقال: عالم، ولم نره يختلف إلي أحد من أهل العلم...الخ. ثم قال السيد الخوئي رحمه الله: أقول: كأن علي بن محمد بن الجهم، هو علي بن الجهم المتقدم). انتهي.

لكنَّ عليَّ بن محمد بن الجهم إسم لعديد من الرواة، وقد ميزوا بعضهم بالسمري، وبعضهم بالكاتب، وبعضهم بالسائي، وبعضهم بكنية أبي طالب... (راجع كفاية الخطيب ص90 قال: أنا أبو طالب علي بن محمد بن الجهم الكاتب، قال ثنا صالح بن أحمد بن حنبل...).

وميزه الكلباسي في سماء المقال:1/8: فقال:(علي بن الجهم بن بدر السائي: كان أكذب خلق الله، مشهوراً بالنصب كثير الحط علي علي وأهل البيت عليهم السلام وقيل إنه كان يلعن أباه لم سماه علياً).

أما الحسكاني في شواهد التنزيل:1/42، فروي عن أبي الفضل جعفر بن الفضل الوزير بمكة، قال: حدثنا علي بن محمد بن الجهم..وروي عنه فضيلة لأمير المؤمنين عليهم السلام)

كما روي الزرندي في نظم درر

السمطين: ص242، عن علي بن الجهم معجزة الإمام الهادي عليه السلام مع المتوكل.

ولعل الذي روي عنه الصدوق غير الذين ترجموا لهم بهذا الإسم، لاسيما أن رواية أبي الصلت التي نقلناها في مقدمة الكتاب عن العيون:2/170،، تدل علي أنه كان من العلماء الذين اختارهم المأمون لمناظرة الإمام الرضا عليه السلام وأنه لم يكن معانداً بل كان مؤدباً مخبتاً مطيعاً للحق، فقد جاء في آخرها:

(وفي آخرها: فبكي علي بن محمد بن الجهم وقال: يا ابن رسول الله،أنا تائب إلي الله عز وجل من أن أنطق في أنبياءالله عليهم السلام بعد يومي إلا بما ذكرته).

فمن المحتمل أنه اهتدي بعد مناظرته مع الإمام الرضا عليه السلام ولم يطلع الصدوق علي ذلك.

لكن الإشكال الأهم من إسم ابن الجهم، متن روايته، ففيها تنزيهٌ للأنبياء عليهم السلام يتفق مع مذهبنا، وفيها ما يخالف عصمتهم التامة قبل البعثة، ولذا قال صاحب الميزان:1/146: (أقول: قال الصدوق رحمه الله بعد نقل الحديث علي طوله: والحديث عجيب من طريق علي بن محمد بن الجهم مع نصبه وبغضه وعداوته لأهل البيت عليهم السلام. انتهي. وما أعجبه منه إلا ما شاهده من اشتماله علي تنزيه الأنبياء عليهم السلام من غير أن يمعن النظر في الأصول المأخوذة فيه، فما نقله من جوابه عليه السلام في آدم لايوافق مذهب أئمة أهل البيت المستفيض عنهم من عصمة الأنبياءمن الصغاير والكبائر قبل النبوة وبعدها.

علي أن الجواب مشتمل علي تقدير في قوله تعالي: مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إلا أن تَكُونَا...، إلي مثل قولنا: ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة وإنما نها كما عن غيرها، وما نهاكما عن غيرها إلا أن تكونا..الخ.). انتهي.

فالرواية مضافأً إلي الجهالة

في سندها، فيها إشكالات تتعلق بالعصمة، وقد وضعنا أهم فقراتها بين قوسين (> <).

لكنها بقرينة الشواهد الأخري الصحيحة، تدل علي أن الإمام الرضا عليه السلام قد أجاب المأمون علي تمسك العامة بالمتشابهات وشبهات اليهود علي عصمة الأنبياءالتامة عليهم السلام، وشبهات قريش علي عصمة نبينا صلي الله عليه وآله، وإن كان الرواي ابن الجهم أو غيره رواها متأثرةً بتصوره، ولم يحفظها بدقة!

استغفار الأنبياء والأوصياء وابتلاؤهم لم يكن بسبب الذنوب

اشاره

في الخصال للصدوق ص399: (حدثنا أبي(رض)قال: حدثنا سعد بن عبد الله قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن علي الخزاز، عن فضل الأشعري، عن الحسين بن المختار، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ابتلي أيوب عليه السلام سبع سنين بلا ذنب.

حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا الحسن بن علي السكري قال: حدثنا محمد بن زكريا الجوهري قال: حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عليهم السلام قال: أن أيوب عليه السلام ابتلي من غير ذنب، وإن الأنبياءلايذنبون لأنهم معصومون مطهرون، لايذنبون ولايزيغون ولايرتكبون ذنباً صغيراً ولا كبيراً.

وقال عليه السلام: إن أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به لم ينتن له رائحة، ولا قبحت له صورة، ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا يدود شئ من جسده، وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره، لجهلهم بما له عند ربه تعالي ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي صلي الله عليه وآله: أعظم الناس بلاء الأنبياءثم الأمثل فالأمثل، وإنما ابتلاه الله

عزوجل بالبلاء العظيم الذي يهون معه علي جميع الناس، لئلا يدَّعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متي شاهدوه، ليستدلوا بذلك علي أن الثواب من الله تعالي ذكره علي ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفاً لضعفه، ولا فقيراً لفقره ولأمريضاً لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء ويشفي من يشاء، متي شاء كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرةً لمن يشاء وشقاوة لمن يشاء وسعادة لمن يشاء، وهو في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله، لايفعل بعباده إلا الأصلح لهم، ولا قوة لهم إلا به).

وفي معاني الأخبار/383: (حدثنا أبي رحمه الله قال: حدثنا سعد بن عبد الله، عن أحمد بن محمد بن عيسي، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَمَاأَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ، أرأيت ما أصاب علياً وأهل بيته هو بما كسبت أيديهم، وهم أهل بيته طهارة معصومون؟

فقال: أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان يتوب إلي الله عزوجل ويستغفره في كل يوم وليلة مائة مره من غير ذنب. أن الله عز وجل يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب). (ورواه في الكافي:2/450)

وفي الكافي:2/450: (علي بن إبراهيم، رفعه قال: لما حمل علي بن الحسين إلي يزيد بن معاوية فأوقف بين يديه، قال يزيد: وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، فقال علي بن الحسين: ليست هذا الآية فينا أن فينا قول الله عز وجل: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأرض وَلافِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أن نَبْرَأَهَا أن ذَلِكَ عَلَي

اللهِ يَسِيرٌ).

ملاحظة

إن نفيَ الذنوب عن الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام والإعتقاد بأنهم مطهرون منها، كما في الخصال ص603 وأمالي الصدوق ص738، لاينافيه وجود آيات تنسب اليهم الذنوب عليهم السلام، لأنها ذنوب من مستواهم وليست من نوع ذنوبنا، فيصح إطلاق الذنوب عليها بلحاظ، ونفي كونها ذنوباً بلحاظ آخر، كما لو دخل شخص مجلساً ولم يسلِّم علي أهله، فقلت له هذا ذنبٌ لايناسب أخلاقك العالية، ثم قلت له: لكن لابأس فهو ليس ذنباً شرعياً.

هشام بن الحكم يدافع عن عصمة الأنبياء والأئمة تحت سيف هارون الرشيد

في كمال الدين للصدوق ص362: (حدثنا أحمد بن زياد الهمداني، والحسين بن إبراهيم بن ناتانه رضي الله عنهما قالا: حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير قال: أخبرني علي الأسواري قال: كان ليحيي بن خالد مجلس في داره يحضره المتكلمون من كل فرقة وملة يوم الأحد فيتناظرون في أديانهم، يحتج بعضهم علي بعض، فبلغ ذلك الرشيد، فقال ليحيي بن خالد: ياعباسي ما هذا المجلس الذي بلغني في منزلك يحضره المتكلمون؟ قال: يا أمير المؤمنين ما شئ مما رفعني به أمير المؤمنين وبلغ بي من الكرامة والرفعة أحسن موقعاً عندي من هذا المجلس، فإنه يحضره كل قوم مع اختلاف مذاهبهم، فيحتج بعضهم علي بعض ويعرف المحق منهم، ويتبين لنا فساد كل مذهب من مذاهبهم.

فقال له الرشيد: أنا أحب أن أحضر هذا المجلس وأسمع كلامهم علي أن لا يعلموا بحضوري فيحتشموني ولا يظهروا مذاهبهم، قال: ذلك إلي أمير المؤمنين متي شاء، قال: فضع يدك علي رأسي أن لا تعلمهم بحضوري، ففعل، وبلغ الخبر المعتزلة، فتشاوروا بينهم وعزموا علي أن لا يكلموا هشاماً إلا في الإمامة لعلمهم بمذهب الرشيد وإنكاره علي من قال بالإمامة.

قال: فحضروا وحضر هشام، وحضر عبد الله

بن يزيد الإباضي وكان من أصدق الناس لهشام بن الحكم، وكان يشاركه في التجارة، فلما دخل هشام سلم علي عبد الله بن يزيد من بينهم، فقال يحيي بن خالد لعبد الله بن يزيد: يا عبد الله كلم هشاماً فيما اختلفتم فيه من الإمامة.

فقال هشام: أيها الوزير ليس لهم علينا جواب ولا مسألة إن هؤلاء قوم كانوا مجتمعين معنا علي إمامة رجل، ثم فارقونا بلا علم ولا معرفة، فلا حين كانوا معنا عرفوا الحق، ولا حين فارقونا علموا علي ما فارقونا، فليس لهم علينا مسألة ولا جواب.

فقال بيان، وكان من الحرورية: أنا أسألك يا هشام، أخبرني عن أصحاب علي يوم حكموا الحكمين أكانوا مؤمنين أم كافرين؟

قال هشام: كانوا ثلاثة أصناف: صنف مؤمنون، وصنف مشركون، و صنف ضُلال، فأما المؤمنون فمن قال مثل قولي إن علياً عليه السلام إمام من عند الله عز وجل ومعاوية لايصلح لها، فآمنوا بما قال الله عز وجل في علي عليه السلام وأقروا به. وأما المشركون فقوم قالوا: علي إمام، ومعاوية يصلح لها، فأشركوا إذ أدخلوا معاوية مع علي عليه السلام. وأما الضلال: فقوم خرجوا علي الحمية والعصبية للقبائل والعشائر لم يعرفوا شيئاً من هذا وهم جهال.

قال: فأصحاب معاوية ما كانوا؟ قال: كانوا ثلاثة أصناف: صنف كافرون، وصنف مشركون، وصنف ضلال. فأما الكافرون: فالذين قالوا إن معاوية إمام، وعلي لا يصلح لها، فكفروا من جهتين إذ جحدوا إماماً من الله عز وجل، ونصبوا إماماً ليس من الله. وأما المشركون: فقوم قالوا: معاوية إمام، وعلي يصلح لها، فأشركوا معاوية مع علي عليه السلام. وأما الضلال: فعلي سبيل أولئك خرجوا للحمية والعصبية للقبائل والعشائر. فانقطع بيان عند ذلك.

فقال ضرار:

وأنا أسألك يا هشام في هذا؟ فقال هشام: أخطأت قال: ولمَ؟ قال: لأنكم كلكم مجتمعون علي دفع إمامة صاحبي، وقد سألني هذا عن مسألة وليس لكم أن تثنوا بالمسألة عليَّ حتي أسألك يا ضرار عن مذهبك في هذا الباب؟

قال ضرار: فسل، قال: أتقول إن الله عز وجل عدل لا يجور؟

قال: نعم هو عدل لا يجور تبارك وتعالي.

قال: فلو كلف الله المقعد المشئ إلي المساجد والجهاد في سبيل الله، وكلف الأعمي قراءة المصاحف والكتب أتراه كان يكون عادلا أم جائراً؟

قال ضرار: ما كان الله ليفعل ذلك.

قال هشام: قد علمت أن الله لا يفعل ذلك ولكن ذلك علي سبيل الجدل والخصومة أن لو فعل ذلك أليس كان في فعله جائراً إذ كلفه تكليفاً لا يكون له السبيل إلي إقامته وأدائه؟

قال: لو فعل ذلك لكان جائراً.

قال: فأخبرني عن الله عز وجل كلف العباد ديناً واحداً لا اختلاف فيه لا يقبل منهم إلا أن يأتوا به كما كلفهم؟

قال: بلي. قال: فجعل لهم دليلاً علي وجود ذلك الدين، أو كلفهم مالا دليل لهم علي وجوده فيكون بمنزلة من كلف الأعمي قراءة الكتب والمعقد المشئ إلي المساجد والجهاد؟

قال: فسكت ضرار ساعة، ثم قال: لا بدَّ من دليل وليس بصاحبك!

قال: فتبسم هشام وقال: تشيع شطرك وصرت إلي الحق ضرورة ولا خلاف بيني وبينك إلا في التسمية!

قال ضرار: فإني أرجع القول عليك في هذا.

قال: هات.. قال ضرار لهشام: كيف تعقد الإمامة؟

قال هشام: كما عقد الله عز وجل النبوة.

قال: فهو إذاً نبي! قال هشام: لا لأن النبوة يعقدها أهل السماء، والإمامة يعقدها أهل الأرض فعقد النبوة بالملائكة، وعقد الإمامة بالنبي،

والعقدان جميعاً بأمر الله جل جلاله.

قال: فما الدليل علي ذلك؟ قال هشام: الإضطرار في هذا.

قال ضرار: وكيف ذلك؟

قال هشام: لا يخلو الكلام في هذا من أحد ثلاثة وجوه: أما أن يكون الله عز وجل رفع التكليف عن الخلق بعد الرسول صلي الله عليه وآله، فلم يكلفهم ولم يأمرهم ولم ينههم فصاروا بمنزلة السباع والبهائم التي لا تكليف عليها، أفتقول هذا يا ضرار إن التكليف عن الناس مرفوع بعد الرسول صلي الله عليه وآله؟

قال: لا أقول هذا.

قال هشام: فالوجه الثاني ينبغي أن يكون الناس المكلفون قد استحالوا بعد الرسول صلي الله عليه وآله علماء في مثل حد الرسول في العلم حتي لا يحتاج أحد إلي أحد، فيكونوا كلهم قد استغنوا بأنفسهم، وأصابوا الحق الذي لا اختلاف فيه! أفتقول هذا إن الناس استحالوا علماء حتي صاروا في مثل حد الرسول في العلم بالدين حتي لا يحتاج أحد إلي أحد، مستغنين بأنفسهم عن غيرهم في إصابة الحق؟

قال: لا أقول هذا، ولكنهم يحتاجون إلي غيرهم.

قال: فبقي الوجه الثالث وهو أنه لا بدَّ لهم من عالم يقيمه الرسول لهم لا يسهو ولا يغلط ولا يحيف، معصوم من الذنوب، مبرؤ من الخطايا، يحتاج الناس إليه ولا يحتاج إلي أحد.

قال: فما الدليل عليه؟ قال هشام: ثمان دلالات أربع في نعت نسبه، وأربع في نعت نفسه. فأما الأربع التي في نعت نسبه: فإنه يكون معروف الجنس، معروف القبيلة، معروف البيت، وإن يكون من صالب الملة والدعوة إليه إشارة، فلم ير جنس من هذا الخلق أشهر من جنس العرب الذين منهم صاحب الملة والدعوة الذي ينادي باسمه في كل يوم خمس مرات علي الصوامع " أشهد

أن لا إله إلا الله، وإن محمداً رسول الله " فتصل دعوته إلي كل بر وفاجر وعالم وجاهل، مقر ومنكر، في شرق الأرض وغربها، ولو جاز أن تكون الحجة من الله علي هذا الخلق في غير هذا الجنس لأتي علي الطالب المرتاد دهر من عصره لا يجده، ولجاز أن يطلبه في أجناس من هذا الخلق من العجم وغيرهم، ولكان من حيث أراد الله عز وجل أن يكون صلاح يكون فساد، ولا يجوز هذا في حكمة الله جل وجلاله وعدله أن يفرض علي الناس فريضة لا توجد. فلما لم يجز ذلك لم يجز أن يكون إلا في هذا الجنس لا تصاليه بصاحب الملة والدعوة، فلم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لقرب نسبها من صاحب الملة وهي قريش، ولما لم يجز أن يكون من هذا الجنس إلا في هذه القبيلة لم يجز أن يكون من هذه القبيلة إلا في هذا البيت لقرب نسبه من صاحب الملة و الدعوة، ولما كثر أهل هذا البيت وتشاجروا في الإمامة لعلوها وشرفها، ادعاها كل واحد منهم فلم يجز إلا أن يكون من صاحب الملة والدعوة إشارة إليه بعينه واسمه ونسبه كيلا يطمع فيها غيره.

وأما الأربع التي في نعت نفسه: فإن يكون أعلم الناس كلهم بفرائض الله وسننه وأحكامه حتي لا يخفي عليه منها دقيق ولا جليل، وإن يكون معصوماً من الذنوب كلها، وإن يكون أشجع الناس، وإن يكون أسخي الناس.

فقال عبد الله بن يزيد الإباضي: من أين قلت: أنه أعلم الناس؟

قال: لأنه أن لم يكن عالماً بجميع حدود الله وأحكامه وشرائعه وسننه لم يؤمن عليه أن يقلب الحدود، فمن وجب عليه القطع حده،

ومن وجب عليه الحد قطعه، فلا يقيم لله عز وجل حدا علي ما أمر به فيكون من حيث أراد الله صلاحاً يقع فساداً.

قال: فمن أين قلت: أنه معصوم من الذنوب؟ قال: لأنه إن لم يكن معصوماً من الذنوب دخل في الخطأ، فلا يؤمن أن يكتم علي نفسه ويكتم علي حميمه وقريبه، ولا يحتج الله بمثل هذا علي خلقه.

قال: فمن أين قلت: إنه أشجع الناس؟

قال: لأنه فئة للمسلمين الذي يرجعون إليه في الحروب، وقال الله عز وجل: وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إلا مُتَحرفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إلي فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، فإن لم يكن شجاعاً فرَّ فيبوء بغضب من الله، ولا يجوز أن يكون من يبوء بغضب من الله عز وجل حجة الله علي خلقه.

قال: فمن أين قلت أنه أسخي الناس؟

قال: لأنه خازن المسلمين فإن لم يكن سخياً تاقت نفسه إلي أموالهم فأخذها فكان خائناً، و لا يجوز أن يحتج الله علي خلقه بخائن.

فعند ذلك قال ضرار: فمن هذا بهذه الصفة في هذا الوقت؟

فقال: صاحب القصر أمير المؤمنين! وكان هارون الرشيد قد سمع الكلام كله، فقال عند ذلك: أعطانا والله من جراب النورة، ويحك يا جعفر، وكان جعفر بن يحيي جالساً معه في الستر، مَنْ يعني بهذا؟

فقال: يا أمير المؤمنين يعني به موسي بن جفعر، قال: ما عني بها غير أهلها، ثم عضَّ علي شفتيه وقال: مثل هذا حيٌّ ويبقي لي ملكي ساعة واحدة! فو الله للسان هذا أبلغ في قلوب الناس من مائة ألف سيف!!

وعلم يحيي أن هشاماً قد أُتِيَ، فدخل الستر فقال: يا عباسي ويحك من هذا الرجال؟ فقال: يا أمير المؤمنين حسبك،

تكفي تكفي!

ثم خرج إلي هشام فغمزه، فعلم هشام أنه قد أتيَ فقام يريهم أنه يبول أو يقضي حاجة، فلبس نعليه وانسل، ومر ببيته وأمرهم بالتواري، وهرب ومر من فوره نحو الكوفة، فوافي الكوفة ونزل علي بشير النبال- وكان من حملة الحديث من أصحاب أبي عبد الله عليه السلام - فأخبره الخبر، ثم اعتل علة شديدة فقال له البشير: آتيك بطبيب؟ قال: لا أنا ميت، فلما حضره الموت قال لبشير: إذا فرغت من جهازي فاحملني في جوف الليل وضعني بالكناسة واكتب رقعة وقل: هذا هشام بن الحكم الذي يطلبه أمير المؤمنين، مات حتف أنفه.

وكان هارون قد بعث إلي إخوانه وأصحابه فأخذ الخلق به، فلما أصبح أهل الكوفة رأوه، وحضر القاضي وصاحب المعونة والعامل و المعدلون بالكوفة، وكتب إلي الرشيد بذلك، فقال: الحمد لله الذي كفانا أمره فخلي عمن كان أخذ به)!!. انتهي. (وعنه في البحار بتفاوت يسير: 48/197)

وفي هذا النص دلالات هامة تاريخية وعقيدية، وهو يكشف الحكمة من نهي الإمام الكاظم عليه السلام لهشام رحمه الله نهياً مشدداً عن المشاركة في ذلك مجلس المناظرات البرمكي!

وإن كان زمن هذه القصة بعد وفاة الإمام الكاظم عليه السلام بكثير حيث توفي الإمام الكاظم عليه السلام سنة 183، وهشام قريب المئتين.

مرجع الشيعة الشيخ المفيد رحمه الله يدافع عن عصمة نبينا

في مصنفات الشيخ المفيد:1/30: (فصل: ومن كلام الشيخ أدام الله عزه أيضاً: حضر في دار الشريف أبي عبدالله محمد بن محمد بن طاهر رحمه الله، وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فقهائهم، فقال له الورثاني: أليس من مذهبك أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان معصوماً من الخطأ، مبرأً من الزلل مأموناً عليه من السهو والغلط، كاملاً بنفسه غنياً عن رعيته؟

فقال له الشيخ أيده الله: بلي كذلك كان صلي الله عليه وآله.

قال له: فما تصنع في قول الله جل جلاله: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ، أليس قد أمره الله بالإستعانة بهم في الرأي وأفقره إليهم، فكيف يصح لك ماادعيت مع ظاهر القرآن وما فعله النبي صلي الله عليه وآله؟

فقال له الشيخ أدام الله عزه: إن رسول الله صلي الله عليه وآله لم يشاور أصحابه لفقر منه إلي آرائهم ولحاجة دعته إلي مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الإيضاح عما أخبرتك به، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله صلي الله عليه وآله كان معصوماً من الكبائر والصغائر، وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر. وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأياً وأوفرهم عقلاً وأكملهم تدبيراً، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله عز وجل والتهذيب، والإنباء له عن المصالح، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعوه داع إلي اقتباس الرأي من رعيته، لأنه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه، وإنما يستشير الحكيم غيره علي طريق الإستفادة والإستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأياً منه وأجود تدبيراً وأكمل عقلاً أو ظن ذلك فأما إذا أحاط علماً بأنه دونه فيما وصفناه، لم يكن للإستعانة في تدبيره برأيه معني، لأن الكامل لايفتقر إلي الناقص فيما يحتاج فيه إلي الكمال، كما لايفتقر العالم إلي الجاهل فيما يحتاج فيه إلي العلم. والآية بينةٌ يدل متضمنها علي ذلك، ألا تري إلي قوله تعالي: وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَي اللهِ، فعلق وقوع الفعل

بعزمه دون رأيهم ومشورتهم).

مرجع الشيعة السيد المرتضي قدس سره يؤلف كتابا في تنزيه الأنبياء

ألف السيد المرتضي وهو من أكابر علمائنا رحمه الله توفي سنة436، كتاباً خاصاً سماه "تنزيه الأنبياء"، ليساعد الشيعة في وقوفهم إمام ثقافة اليهود التي نشرها الحكام في الأمة، وقد ردَّ فيه افتراءهم علي الأنبياء عليهم السلام وما تمسكوا به من متشابهات القرآن.

وقد تتبعت المؤلفات في هذا الموضوع، وأقدم ما رأيته منها كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام لجعفر بن مبشر الكاتب المعتزلي، ذكره كتابه ابن النديم في الفهرست ص208، وقال الذهبي في ميزان الإعتدال:1/414: (جعفر بن مبشر الثقفي، من رؤوس المعتزلة، له تصانيف في الكلام، وهو أخو الفقيه حبيش بن مبشر.... مات سنة أربع وثلاثين ومائتين). انتهي.

وأخوه حبيش هذا من رواة الشيعة وفقهائهم المشهورين في بغداد.

كما وجدت إسم كتاب عصمة الأنبياءلأحمد بن سهل أبي زيد البلخي المعتزلي أيضاً، توفي322، ذكره ابن النديم في الفهرست ص153، وابن حجر في لسان الميزان:1/183.

وهذا يدل علي أن المدافعين عن عصمة الأنبياء عليهم السلام كانوا الشيعة وبعض المعتزلة فقط، وإن أتباع الفرق الموالية للحكم القرشئ كانوا يقبلون الإسرائيليات فيهم التي تطعن في عصمتهم قبل النبوة وبعدها!

أما في القرون المتأخرة فنجد مؤلفات كثيرة في تنزيه الأنبياء عليهم السلام أكثرها لعلماء شيعة، وأقل منها لمعتزلة وقليل منها لصوفية وعلماء سنيين، وأشهرها علي الإطلاق كتاب عصمة الأنبياءللفخر الرازي المتوفي606 هجرية، (كشف الظنون:1/333) وهو سني متأثر بالمعتزلة، وسوف نورد فقرات من كتابه.

مقتطفات من كتاب تنزيه الأنبياء

رأينا أن نورد في هذا الكتاب مقتطفات منه أو فهرساً علمياً موسعاً لأهم مسائله، ونضع لها العناوين المناسبة، ونلفت إلي أن العناوين المطبوعة بما فيها المسألة والجواب، ليست من كلام المؤلف، ولا في النسخة الأصلية.

قال رحمه الله في ص15: (سألت أحسن الله توفيقك، إملاء كتاب في

تنزيه الأنبياءوالأئمة عليهم السلام عن الذنوب والقبائح كلها، ما سمي منها كبيرة أو صغيرة والرد علي من خالف في ذلك، علي اختلافهم وضروب مذاهبهم.

وأنا أجيب إلي ما سألت علي ضيق الوقت، وتشعب الفكر، وأبتدئ بذكر الخلاف في هذا الباب، ثم بالدلالة علي مذهب الصحيح من جملة ما اذكره من المذاهب، ثم بتأويل ما تعلق به المخالف من الآيات والأخبار، التي اشتبه عليه وجهها، وظن أنها تقتضي وقوع كبيرة أو صغيرة من الأنبياءوالأئمة عليهم السلام، ومن الله تعالي استمد المعونة والتوفيق، واياه اسأل التأييد والتسديد.

بيان الخلاف في نزاهة الأنبياء عن الذنوب

اختلف الناس في الأنبياء عليهم السلام، فقالت الشيعة الإمامية، لايجوز عليهم شئ من المعاصي والذنوب كبيراً كان أو صغيراً، لاقبل النبوة ولا بعدها، ويقولون في الأئمة مثل ذلك.

وجوَّزَ أصحاب الحديث والحشوية علي الأنبياءالكبائر قبل النبوة، ومنهم من جوزها في حال النبوة سوي الكذب فيما يتعلق بأداء الشريعة، ومنهم من جوزها كذلك في حال النبوة بشرط الإستسرار دون الإعلأن، ومنهم من جوزها علي الأحوال كلها.

ومنعت المعتزلة من وقوع الكبائر والصغائر المستخفة من الأنبياء عليهم السلام قبل النبوة وفي حالها، وجوزت في الحالين وقوع ما لا يستخف من الصغاير، ثم اختلفوا فمنهم من جوز علي النبي عليه السلام الإقدام علي المعصية الصغيرة علي سبيل العمد، ومنهم من منع من ذلك وقال إنهم لايقدمون علي الذنوب التي يعلمونها ذنوباً، بل علي سبيل التأويل.

وحكي عن النظام، وجعفر بن مبشر، وجماعة ممن تبعهما، أن ذنوبهم لا تكون إلا علي سبيل السهو والغفلة، وأنهم مؤاخذون بذلك وإن كان موضوعاً عن أممهم لقوة معرفتهم وعلو مرتبتهم.

وجوزوا كلهم ومن قدمنا ذكره من الحشوية وأصحاب الحديث علي الأئمة الكبائر والصغائر، إلا أنهم يقولون أن

وقوع الكبيرة من الإمام تفسد إمامته ويجب عزله والإستبدال به.....

واعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء عليهم السلام عنه ونمنع من وقوعه منهم، يستند إلي دلالة العلم المعجز أما بنفسه أو بواسطة. وتفسير هذه الجملة، أن العلم المعجز إذا كان واقعاً موقع التصديق لمدعي النبوة والرسالة، وجارياً مجري قوله تعالي له: صدقت في إنك رسولي ومؤدٍّ عني، فلابد من أن يكون هذا المعجز مانعاً من كذبه علي الله سبحانه فيما يؤديه عنه، لأنه تعالي لايجوز أن يصدق الكذاب، لأن تصديق الكذاب قبيح.....

فإن قيل: لم يبق إلا أن تدلوا علي أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول والإمتثال.

قلنا: لاشبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه الإقدام علي الذنوب، لاتكون أنفسنا ساكنة إلي قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلي من لانجوز عليه شيئاً من ذلك، وهذا هو معني قولنا أن وقوع الكبائر منفر عن القبول....

فإن قيل: أو ليس قد جوز كثير من الناس علي الأنبياء عليهم السلام الكبائر مع أنهم لم ينفروا عن قبول أقوالهم والعمل بما شرعوه من الشرايع، وهذا ينقض قولكم أن الكبائر منفرة!

قلنا: هذا سؤال من لا يفهم ما أوردناه، لأنا لم نرد بالتنفير ارتفاع التصديق وإن لايقع امتثال الأمر جملة، وإنما أردنا ما فسرناه من أن سكون النفس إلي قبول قول من يجوز ذلك عليه لايكون علي حد سكونها إلي من لا يجوز ذلك عليه، وأنا مع تجويز الكبائر نكون أبعد من قبول القول.....

ومما يدل أيضاً علي أن الكبائر لاتجوز عليهم، أن قولهم قد ثبت أنه حجة في الشرع....

فأما ما حكيناه عن النظام وجعفر بن مبشر ومن وافقهما، من

أن ذنوب الأنبياء عليهم السلام تقع منهم علي سبيل السهو والغفلة، وأنهم مع ذلك مؤاخذون بها فليس بشئ، لأن السهو يزيل التكليف ويخرج الفعل من أن يكون ذنباً مؤاخذاً به، ولهذا لايصح مؤاخذة المجنون والنائم.

وحصول السهو في أنه مؤثر في ارتفاع التكليف بمنزلة فقد القدرة والآلات والأدلة، فلو جاز أن يخالف حال الأنبياءفي صحة تكليفهم مع السهو، جاز أن يخالف حالهم لحال أممهم في جواز التكليف مع فقد سائر ما ذكرناه، وهذا واضح.

فأما الطريق الذي به يعلم أن الأئمة عليهم السلام لايجوز عليهم الكبائر في حال الإمامة، فهو أن الإمام إنما احتيج إليه لجهة معلومة، وهي أن يكون المكلفون عند وجوده أبعد من فعل القبيح وأقرب من فعل الواجب علي ما دللنا عليه في غير موضع، فلو جازت عليه الكبائر لكانت علة الحاجة إليه ثابتة فيه وموجبة وجود إمام يكون إماماً له، والكلام في إمامته كالكلام فيه، وهذا يؤدي إلي وجود ما لا نهاية له من الأئمة وهو باطل، أو الإنتهاء إلي إمام معصوم وهو المطلوب.....

تنزيه آدم عن الغواية

فمما تعلقوا به قوله تعالي في قصة آدم عليه السلام: (وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي) (ط_ه:121) قالوا وهذا تصريح بوقوع المعصية التي لا تكون إلا قبيحة، وأكده بقوله فغوي، وهذا تصريح بوقوع المعصية، والغيُّ ضد الرشد.

يقال لهم: أما المعصية فهي مخالفة الأمر، والأمر من الحكيم تعالي قد يكون بالواجب وبالمندوب معاً، فلا يمتنع علي هذا أن يكون آدم عليه السلام مندوباً إلي ترك التناول من الشجرة، ويكون بمواقعتها تاركاً نفلاً وفضلاً وغير فاعل قبيحاً، وليس يمتنع أن يسمي تارك النفل عاصياً كما يسمي بذلك تارك الواجب، فإن تسمية من خالف ما أمر به سواء كان واجباً

أو نفلاً بأنه عاص ظاهرة، ولهذا يقولون أمرت فلاناً بكذا وكذا من الخير فعصاني وخالفني، وإن لم يكن ما أمره به واجباً.

وأما قوله فغوي فمعناه أنه خاب، لأنا نعلم أنه لو فعل ما ندب إليه من ترك التناول من الشجرة لاستحق الثواب العظيم.....

فإن قال قائل: فما قولكم في قوله تعالي:(هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِه فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صالحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا فَتَعَالَي اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (لأعراف:189-190)، أوَليس ظاهر هذه الآية يقتضي وقوع المعصية من آدم عليه السلام لأنه لم يتقدم من يجوز صرف هذه الكناية في جميع الكلام إليه، إلا ذكر آدم عليه السلام وزوجته....

يقال له: قد علمنا أن الدلالة العقلية التي قدمناها في باب أن الأنبياء عليهم السلام لايجوز عليهم الكفر والشرك، والمعاصي غير محتملة، ولا يصح دخول المجاز فيها، والكلام في الجملة يصح فيه الإحتمال وضروب المجاز، فلابد من بناء المحتمل علي ما لايحتمل، فلو لم نعلم تأويل هذه الآية علي سبيل التفصيل لكنا نعلم في الجملة أن تأويلها مطابق لدلالة العقل. وقد قيل في تأويل هذه الآية ما يطابق دليل العقل، ومما يشهد له اللغة وجوه.

منها، أن الكناية في قوله سبحانه: جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، غير راجعة إلي آدم عليه السلام وحواء، بل إلي الذكور والإناث من أولادهما....

فأما مايدعي في هذا الباب من الحديث فلا يلتفت إليه، لأن الأخبار يجب أن تبني علي أدلة العقول، ولاتقبل في خلال ما تقتضيه أدلة العقول. ولهذا لاتقبل أخبار الجبر والتشبيه، ونردها أو نتأولها أن

كان لها مخرج سهل. وكل هذا لو لم يكن الخبر الوارد مطعوناً علي سنده مقدوحاً في طريقه، فإن هذا الخبر يرويه قتادة عن الحسن عن سمرة وهو منقطع، لأن الحسن لم يسمع من سمرة شيئاً في قول البغداديين.

وقد يدخل الوهن علي هذا الحديث من وجه آخر، لأن الحسن نفسه يقول بخلاف هذه الرواية فيما رواه خلف بن سالم، عن إسحاق بن يوسف عن عوف، عن الحسن في قوله تعالي: فَلَمَّا آتَاهُمَا صالحاً جَعَلا لَهُ شُرَكَاءَ فِيمَا آتَاهُمَا، قال: هم المشركون، وبإزاء هذا الحديث ما روي عن سعيد بن جبير وعكرمة والحسن وغيرهم، من أن الشرك غير منسوب إلي آدم وزوجته عليهما السلام وإن المراد به غيرهما، وهذه جملة واضحة.

تنزيه نوح عما لا يليق به

فإن سأل سائل: عن قوله تعالي:(وَنَادَي نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ أن ابْنِي مِنْ أَهْلِي وإن وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين. قَالَ يَا نُوحُ أنه لَيْسَ مِنْ أهلك أنه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ). (هود:45-46) فقال: ظاهر قوله تعالي أنه ليس من أهلك، فيه تكذيب لقوله عليه السلام أن ابْنِي مِنْ أَهْلِي، وإذا كان النبي لايجوز عليه الكذب، فما الوجه في ذلك؟

قيل له: في هذه الآية وجوه، كل واحد منها صحيح مطابق لأدلة العقل:

أولها، أن نفيه لأن يكون من أهله لم يتناول فيه نفي النسب، وإنما نفي أن يكون من أهله الذين وعده الله تعالي بنجاتهم....الخ.

تنزيه إبراهيم عن الكفر والعصيان

فإن قال قائل: فما معني قوله تعالي حاكياً عن إبراهيم عليه السلام:فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأي كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أحب الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأي الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأي الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِئٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ.(الأنعام:76-78) أوَليس ظاهر هذه الآية يقتضي أنه عليه السلام كان يعتقد في وقت من الأوقات الإلهية للكواكب، وهذا مما قلتم أنه لايجوز علي الأنبياء عليهم السلام.....

قلنا: عن هذا جوابان، أحدهما: أنه لم يقل ذلك مخبراً، وإنما قال فارضاً ومقدراً علي سبيل الفكر والتأمل، إلا تري أنه قد يحسن من أحدنا إذا كان ناظراً في شئ ومتأملاً بين كونه علي إحدي صفتيه أن يفرضه علي إحداهما لينظر فيما يؤدي ذلك الفرض إليه من صحة أو فساد، ولا يكون بذلك مخبراً في الحقيقة....

تنزيه إبراهيم عن الشك في الله تعالي

فإن قيل فما معني قوله تعالي مخبراً عن إبراهيم عليه السلام: (فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ) (الصافات:89)

تنزيه إبراهيم عن الإستغفار للكفار

فإن قال قائل: فما معني قوله تعالي: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إبراهيم لأبِيهِ إلا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ)، (التوبة:114) وكيف يجوز أن يستغفر لكافر، أو أن يعده بالإستغفار؟ قلنا:.... فكيف يجوز أن يجعل ذلك ذنباً لإبراهيم عليه السلام وقد عذره الله تعالي في أن استغفاره إنما كان لأجل موعده، وبأنه تبرأ منه لما تبين له منه المقام علي عداوة الله تعالي.....

تنزيه يعقوب عن إيقاع التحاسد بين بنيه

فإن قيل: فما معني تفضيل يعقوب ليوسف عليهما السلام علي إخوته في البر والتقريب والمحبة، حتي أوقع ذلك التحاسد بينهم وبينه، وأفضي إلي الحال المكروهة التي نطق بها القرآن....

فإن قيل: فلم أرسل يعقوب يوسف عليهما السلام مع إخوته....

تنزيه يعقوب عن الحزن المكروه

فإن قيل: فلم أسرف يعقوب عليه السلام في الحزن والتهالك وترك التماسك حتي ابيضت عيناه من البكاء والحزن....

تنزيه يوسف عن الصبر علي الإستعباد

فإن قيل: كيف صبر يوسف عليه السلام، ولم لم ينكرها ويبرأ من الرق، وكيف يجوز علي النبي الصبر علي أن يستعبد ويسترق....

تنزيه يوسف عن الهم بالمعصية

فإن قيل: فما تأويل قوله تعالي حاكياً عن يوسف عليه السلام وامرأة العزيز: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أن رَأي بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ أنه مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (يوسف:24).... قلنا: يجوز أن يكون لما هم بدفعها وضربها، أراه الله تعالي برهاناً علي أنه أن أقدم علي من همَّ به أهلكه أهلها وقتلوه، أو أنها تدعي عليه المراودة علي القبيح، وتقذفه بأنه دعاها إليه وضربها لامتناعها منه، فأخبر الله تعالي أنه صرف بالبرهان عنه السوء والفحشاء، اللذين هما القتل والمكروه...

فأما ما يدل من القرآن، علي أنه عليه السلام ما هم بالفاحشة ولا عزم عليها فمواضع كثيرة منها قوله تعالي: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ).......

تنزيه يوسف عليه السلام عن إلحاق الأذي بأبيه. تنزيه يوسف عليه السلام عن الكذب وتهمة إخوته. تنزيه يوسف عليه السلام عن الرضا بالسجود له. تنزيه يوسف عليه السلام عن طاعة الشيطان

في أن أيوب ابتلي امتحانا لا عقابا

فإن قيل: فما قولكم في الأمراض والمحن التي لحقت أيوب عليه السلام أو ليس قد نطق القرآن بأنها كانت جزاء علي ذنب في قوله: أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ.(صّ:41)والعذاب لايكون إلا جزاءً كالعقاب. والآلام الواقعة علي سبيل الإمتحان لا تسمي عذاباً ولا عقاباً، أو ليس قد روي جميع المفسرين أن الله تعالي إنما عاقبه بذلك البلاء لتركه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقصته مشهورة يطول شرحها؟

قلنا: أما ظاهر القرآن فليس يدل علي أن أيوب عليه السلام عوقب بما نزل به من المضار، وليس في ظاهره شئ مما ظنه السائل.....

فأما ما روي في هذا الباب من جهلة المفسرين فمما لا يلتفت إلي مثله، لأن هؤلاء لايزالون يضيفون إلي ربهم تعالي والي رسله عليهم السلام

كل قبيح ومنكر، ويقذفونهم بكل عظيم! وفي روايتهم هذه السخيفة ما إذا تأمله المتأمل علم أنه موضوع الباطل مصنوع، لأنهم رووا أن الله تعالي سلط إبليس علي مال أيوب عليهم السلام وغنمه وأهله، فلما أهلكهم ودمر عليهم ورأي من صبره عليه السلام وتماسكه، قال إبليس لربه يا رب أن أيوب قد علم إنك ستخلف عليه ماله وولده فسلطني علي جسده، فقال تعالي قد سلطتك علي جسده كله إلا قلبه وبصره، قال فأتاه فنفخه من لدن قرنه علي قدمه فصار قرحة واحدة، فقذف علي كناسة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهراً تختلف الدواب علي جسده.. إلي شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله! فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته، ومن لا يعلم أن الله تعالي لا يسلط إبليس علي خلقه، وإن إبليس لا يقدر علي أن يقرح الأجساد ولا يفعل الأمراض كيف تعتمد روايته؟!

تنزيه موسي عن العصيان بالقتل

فإن قيل: فما الوجه في قتل موسي عليه السلام للقبطي وليس يخلو من أن يكون مستحقاً للقتل أو غير مستحق، فإن كان مستحقاً فلا معني لندمه عليه السلام وقوله: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ) وقوله: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي)، وإن كان غير مستحق فهو عاص في قتله...

قلنا: مما يجاب به عن هذا السؤال أن موسي عليه السلام لم يعتمد القتل ولا أراده، وإنما اجتاز فاستغاث به رجل من شيعته علي رجل من عدوه بغي عليه وظلمه وقصد إلي قتله، فأراد موسي عليه السلام أن يخلصه من يده ويدفع عنه مكروهه، فأدي ذلك إلي القتل من غير قصد إليه، فكل ألم يقع علي سبيل المدافعة للظالم من غير أن يكون مقصوداً فهو حسن غير

قبيح ولا يستحق عليه العوض به، ولا فرق بين أن تكون المدافعة من الإنسان عن نفسه، وبين أن يكون عن غيره....

ومن العجب، أن أبا علي الجبائي ذكر هذا الوجه في تفسيره، ثم نسب مع ذلك موسي عليه السلام إلي أنه فعل معصية صغيرة، ونسب معصيته إلي الشيطان!!

تنزيه موسي عليه السلام عن الضلالة والاستعفاء من الرسالة. وتنزيهه عن الأمر بالسحر، وعن الخوف الحرام، وعن نسبة الإضلال لله تعالي، وعن سؤال الرؤية لنفسه، وبيان الوجه في أخذ موسي برأس أخيه عليهما السلام يجره، وتنزيهه عن المعصية في مرافقته للخضر عليهما السلام، وتنزيهه عما رموه به من أخذ الحجر لثيابه وركضه عارياً.....

تنزيه داود عليه السلام عن المعصية، وتفسير قوله تعالي: وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ. وتنزيه سليمان عليه السلام عن المعصية، وعن الإفتتان. وعن الشح وعدم القناعة في طلبه ملكاً لاينبغي لأحد من بعده.

تنزيه يونس عن الظلم والمعصية بمغاضبته قومه

تنزيه عيسي عليه السلام عن ادعائه الألوهية، وتفسير قوله تعالي: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أعلم مَا فِي نَفْسِكَ إنك أنت عَلامُ الْغُيُوبِ.

تنزيه نبينا صلي الله عليه وآله عن الضلال، وتفسير قوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ.

وقوله تعالي: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً.

وقوله تعالي: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ. لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ.

وقوله تعالي: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَي.

وقوله تعالي: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي

فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَي النَّاسَ وَاللهُ أحق أَنْ تَخْشَاهُ. وقوله تعالي: مَاكَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَي حَتَّي يُثْخِنَ فِي الأرض تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآخرة وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ.

وقوله تعالي: لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أخذتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ. وقوله تعالي: عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّي يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ.

وقوله تعالي: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً.

وقوله تعالي: وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ، الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَك.

وقوله تعالي: عَبَسَ وَتَوَلَّي، أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَي.

وقوله تعالي: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

وقوله تعالي: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَي الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. وكيف يوجه هذا الخطاب إلي من لايجوز عليه الشرك ولا شئ من المعاصي؟

قد قيل في هذه الآية أن الخطاب للنبي صلي الله عليه وآله والمراد به أمته، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: نزل القرآن بإياك أعني واسمعي يا جارة.... وليس يمتنع أن يتوعد الله تعالي علي العموم. وعلي سبيل الخصوص من يعلم أنه لا يقع منه ما تناوله الوعيد، لكنه لابد من أن يكون مقدوراً له وجائزا بمعني الصحة لا بمعني الشك، ولهذا يجعل جميع وعيد القرآن عاماً لمن يقع منه ما تناوله الوعيد، ولمن علم الله تعالي أنه لا يقع منه....

والشيعة لها في هذه الآية جواب تنفرد به وهو أن النبي صلي الله عليه وآله لما نص علي أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام بالإمامة في ابتداء الأمر جاءه قوم من قريش فقالوا له: يا رسول الله

إن الناس قريبوا عهد بالإسلام لا يرضون أن تكون النبوة فيك والإمامة في ابن عمك علي بن أبي طالب! فلو عدلت به إلي غيره لكان أولي. فقال لهم النبي صلي الله عليه وآله: ما فعلت ذلك برأيي فأتخير فيه، لكن الله تعالي أمرني به....الي آخر ما أورده الشريف المرتضي رحمه الله.

وقد تعرض المؤلف رحمه الله الي عدة مسائل في تنزيه الله تعالي عن التجسيم والتشبيه وبحث عدداً من أحاديثهم المروية عن النبي صلي الله عليه وآله مثل: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن.. إن الله خلق آدم علي صورته.. إن أحب الأعمال إلي الله تعالي أدومها وإن قل، فعليكم من الأعمال بما تطيقون فإن الله لا يمل حتي تملوا.. سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لاتضامون في رؤيته!

وقال تعليقاً علي الإخير: قلنا: أما هذا الخبر فمطعون عليه مقدوح في راويه، فإن راويه قيس بن أبي حازم، وقد كان خولط في عقله في آخر عمره، مع استمراره علي رواية الأخبار! وهذا قدح لاشبهة فيه، لأن كل خبر مروي عنه لايعلم تاريخه يجب أن يكون مردوداً، لأنه لايؤمن أن يكون مما سمع منه في حال الإختلال. وهذه طريقة في قبول الأخبار وردها ينبغي أن يكون أصلاً ومعتبراً فيمن علم منه الخروج ولم يعلم تاريخ ما نقل عنه.

علي أن قيساً لو سَلِمَ من هذا القدح، كان مطعوناً فيه من وجه آخر، وهو أن قيس بن أبي حازم كان مشهوراً بالنصب والمعاداة لأمير المؤمنين صلاة الله وسلامه عليه والإنحراف عنه، وهو الذي قال: رأيت علي بن أبي طالب علي منبر الكوفة يقول: إنفروا إلي بقية الأحزاب، فأبغضته حتي اليوم في قلبي!

إلي غير ذلك من تصريحه بالمناصبة والمعاداة. وهذا قادح لاشك في عدالته.

وختم المؤلف رحمه الله كتابه بالإجابة علي مايشكله بعضهم علي إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته، من قبيل إشكالهم وسؤالهم لماذا لم ينازع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام الذين غصبوا خلافته؟ قال رحمه الله:

إن قال قائل: إذا كان من مذهبكم يا معشر القائلين بالنص أن النبي صلي الله عليه وآله نص علي علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعده، وفوض إليه أمر أمته، فما باله لم ينازع المتآمرين بعد النبي صلي الله عليه وآله في الأمر الذي وكل إليه وعول في تدبيره عليه، أوَ ليس هذا منه إغفالاً لواجب لايسوغ إغفاله؟

فإن قلتم إنه لم يتمكن من ذلك فهلا أعذر وأبلي واجتهد، فإنه إذا لم يصل إلي مراده بعد الإعذار والإجتهاد كان معذوراً.

أو ليس هو عليه السلام الذي حارب أهل البصرة وفيهم زوجة رسول الله صلي الله عليه وآله، وطلحة والزبير، ومكانهما من الصحبة والإختصاص والتقدم مكانهما، ولم يحشمه ظواهر هذه الأحوال من كشف القناع في حربهم حتي أتي علي نفوس أكثر أهل العسكر؟

وهو المحارب لأهل صفين مرة بعد أخري مع تخاذل أصحابه وتواكل أنصاره، وإنه كان في أكثر مقاماته تلك وموقفه لايغلب في ظنه الظفر ولا يرجو لضعف من معه النصر، وكان مع ذلك كله مصمماً ماضياً قدماً...

قلنا: أما الكلام علي ما تضمنه هذا السؤال فهو مما يخص الكلام في الإمامة وقد استقصيناه في كتابنا المعروف بالشافي في الإمامة، وبسطنا القول فيه في هذه الأبواب ونظائرها بسطاً يزيل الشبهة ويوضح الحجة، لكنا لا نخلي هذا الكتاب من حيث تعلق غرضه بهذه المواضع

من إشارة إلي طريقة الكلام فيها، فنقول: قد بينا في صدر هذا الكتاب أن الأئمة عليهم السلام معصومون من كبائر الذنوب وصغائرها، واعتمدنا في ذلك علي دليل عقلي لايدخله احتمال ولا تأويل بشئ، فمتي ورد عن أحدهم عليهم السلام فعل له ظاهر الذنب، وجب أن نصرفه عن ظاهره ونحمله علي ما يطابق موجب الدليل العقلي فيهم، كما فعلنا مثل ذلك في متشابه القرآن المقتضي ظاهره ما لا يجوز علي الله تعالي، وما لا يجوز علي نبي من أنبيائه عليهم السلام.

فإذا ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام إمام فقد ثبت بالدليل العقلي أنه معصومٌ عن الخطأ والزلل، فلا بدَّ من حمل جميع أفعاله علي جهات الحسن، ونفي القبيح عن كل واحد منها. وما كان له منها ظاهر يقتضي الذنب علمنا في الجملة أنه علي غير ظاهره، فإن عرفنا وجهه علي التفصيل ذكرناه، وإلا كفانا في تكليفنا أن نعلم أن الظاهر معدولٌ عنه، وأنه لابدَّ من وجه فيه يطابق ما تقتضيه الأدلة.

وهذه الجملة كافية في جميع المشتبهة من أفعال الأئمة عليهم السلام وأقوالهم، ونحن نزيد عليها فنقول: إن الله تعالي لم يكلف إنكار المنكر سواءً اختص بالمنكر أو تعداه إلي غيره، إلا بشروط معروفة، أقواها التمكن، وإن لا يغلب في ظن المنكر أن إنكارة يؤدي إلي وقوع ضرر به لايحتمل مثله، وإن لايخاف في إنكاره من وقوع ما هو أفحش منه وأقبح من المنكر.

وهذه شروط قد دلت الأدلة عليها، ووافقنا المخالفون لنا في الإمامة فيها. وإذا كان ما ذكرناه مراعيً في وجوب إنكار المنكر، فمن أين أن أمير المؤمنين عليه السلام كان متمكناً من المنازعة في حقه والمجادلة، وما المنكر من أن يكون عليه

السلام خائفاً متي نازع وحارب، من ضرر عظيم يلحقه في نفسه وولده وشيعته؟! ثم ما المنكر من أن يكون خاف من الاإكار من ارتداد القوم عن الدين وخروجهم عن الإسلام ونبذهم شعار الشريعة، فرأي أن الإغضاء أصلح في الدين، من حيث كان يجر الإنكار ضرراً فيه لايتلافي...

ثم قد ذكرنا في كتابنا في الإمامة من أسباب الخوف وأمارات الضرر التي تناصرت بها الروايات، ووردت من الجهات المختلفة ما فيه مقنع للمتأمل، وأنه عليه السلام غولط في الأمر وسوبق إليه وانتهزت غرته، واغتنمت الحال التي كان فيها متشاغلاً بتجهيز النبي صلي الله عليه وآله، وسعي القوم إلي سقيفة بني ساعدة، وجري لهم فيها مع الأنصار ما جري...

وأما حضور مجالسهم، فما كان عليه الصلاة والسلام ممن يتعمدها ويقصدها، وإنما كان يكثر الجلوس في مسجد رسول الله صلي الله عليه وآله فيقع الإجتماع مع القوم هنا، وذلك ليس بمجلس لهم مخصوص. وبعد، فلو تعمد حضور مجالسهم لينهي عن بعض ما يجري فيها من منكر، فإن القوم قد كانوا يرجعون إليه في كثير من الأمور، لجاز، ولكان للحضور وجه صحيح له بالدين علقه قوية.

فأما الدخول في آرائهم، فلم يكن عليه السلام ممن يدخل فيها إلا مرشداً لهم، ومنبهاً علي بعض ما شذ عنهم، والدخول بهذا الشرط واجب....

فأما الدخول في الشوري، فقد بينا في كتابنا المقدم ذكره الكلام فيه مستقصي، ومن جملته أنه عليه السلام لولا الشوري لم يكن ليتمكن من الإحتجاج علي القوم بفضائله ومناقبه، والأخبار الدالة علي النص بالإمامة عليه...ومن كان يصغي لولا الشوري إلي كلامه المستوفي في هذا المعني؟...

فإن قيل: فما الوجه في تحكيمه عليه السلام أبا موسي الأشعري وعمرو بن العاص، وما

العذر في أن حكم في الدين الرجال.....؟

قلنا: كل أمر ثبت بدليل قاطع غير محتمل فليس يجوز أن نرجع عنه ونتشكك فيه لأجل أمر محتمل، وقد ثبت إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وعصمته وطهارته من الخطأ، وبراءته من الذنوب والعيوب، بأدله عقلية وسمعية، فليس يجوز أن نرجع عن ذلك أجمع، ولا عن شئ منه، لما وقع من التحكيم للصواب بظاهره، وقبل النظر فيه كاحتماله للخطأ، ولو كان ظاهره أقرب إلي الخطأ وأدني إلي مخالفة الصواب.

بل الواجب في ذلك القطع علي مطابقة ما ظهر من المحتمل لما ثبت بالدليل، أو صرف ماله ظاهر عن ظاهره، والعدول به إلي موافقة مدلول الدلالة التي لا يختلف مدلولها ولا يتطرق عليها التأويل.

وهذا فعلنا فيما ورد من أي القرآن التي تخالف بظاهرها الأدلة العقلية مما يتعلق به الملحدون أو المجبرة أو المشبهة.

وهذه جملة قد كررنا ذكرها في كتابنا هذا لجلالة موقعها من الحجة، ولو اقتصرنا في حل هذه الشبهة عليها لكانت مغنية كافية...). انتهي.

معركة تنزيه الأنبياء بين الشيعة و مخالفيهم

موقف علماء الشيعة الثابت: تأويل الآيات التي يبدو منها...

موقف علماء الشيعة الثابت: تأويل الآيات التي يبدو منها معصية الأنبياء، ورد الأحاديث التي تزعم ذلك

اتضح بما تقدم أن أئمة أهل البيت عليهم السلام رسموا خطاً في تنزيه الأنبياء عليهم السلام والدفاع عنهم، وأن علماء المذهب رضوان الله عليهم اتبعوهم فأجادوا الإتباع والشرح والإستدلال، وكان موقفهم ثابتاً في أن الآيات التي يبدو منها وقوع المعصية من الأنبياء عليهم السلام وأنها ليست علي ظاهرها بل يجب اتباع الراسخين في العلم في تأويلها.

واتضح أن الأحاديث الصريحة في ارتكاب الأنبياء عليهم السلام للمعاصي مكذوبة، وأنها من موضوعات رواة السلطة القرشية لتبرير معاصي الخلفاء أو من الإسرائيليات التي ابتليت بها مصادر السنة عندهم، وكلها

روايات باطلة يجب التوقف فيها أو تكذيبها، حتي لو تسرب بعضها إلي مصادرنا!

وتشمل هذه القاعدة نفي وقوع المعصية من الأنبياء عليهم السلام وكلِّ سلوكٍ أو وضعٍ ينفِّر الناس منهم، كما تشمل نفي السهو والنسيان عنهم عليهم السلام.

قال العلامة الحلي في منتهي المطلب:1/335: (احتج المخالف بأن النبي صلي الله عليه وآله صلي بأصحابه فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب، فقال لأصحابه: كما أنتم، ومضي ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف، فدل علي عدم الجواز.

والجواب: أن هذا عندنا باطل، والخبرُ كذبٌ إذ الأنبياء عليهم السلام معصومون عن وقوع الذنب عمداً وسهواً). انتهي.

ومن هذا القبيل رد علماء الشيعة لخبر اتهام نبي داود عليه السلام مع أنه ورد في تفسير القمي:2/229: وجاء فيه: (فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي، فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من ياقوت أحمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد، فأعجبه جداً ونسي ما كان فيه، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع علي الحائط بين داود وبين أوريا بن حنان، وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود عليه السلام الحائط ليأخذ الطير، وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلي محرابه ونسي ما كان فيه، وكتب إلي صاحبه في ذلك البعث لما أن يصيروا إلي موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عز وجل:فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌمِمَّاتَرَكَ آلُ مُوسَيوَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (البقرة:248) وقد كان رفع بعد موسي

عليه السلام إلي السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكاً يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل، ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل. فكتب داود إلي صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت، فقدمه وقتل، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدوا ولم يكن تزوج امرأة أوريا، وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته، فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغَي بَعْضُنَا عَلَي بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلي سَوَاءِ الصِّرَاطِ. (صّ:22) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلي جارية، فقال أحدهما لداود:إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. أي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكي الله عز وجل:قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلي نِعَاجِهِ وإن كثيراًمِنَ الْخُلَطَاءِلَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَيبَعْضٍ إلاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) (ص:23-24) قال: فضحك المستعدي عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل علي نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم فاك، قال: فعرجا، وقال الملك المستعدي عليه: لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني.

ففهم داود الأمر وذكر الخطيئة فبقي أربعين يوماً ساجداً يبكي ليله ونهاره ولايقوم إلا وقت الصلاة، حتي انخرق جبينه وسال الدم من عينيه....)!! إلي آخر القصة الواردة في مصادر أهل الكتاب ومصادر السنيين! وقد ردها علماء

الشيعة، وحملها بعضهم علي التقية لموافقتها مذهب العامة ورواياتهم التي تجوِّز المعاصي علي الأنبياء عليهم السلام.

وقد تقدم استنكارها في مقدمة الكتاب في حديث الإمام الرضا عليه السلام.

لا عصمة للأنبياء عند السنيين لكن الصحابة عندهم معصومون

المعروف عن المذاهب السنية أنها تعتقد بعصمة الأنبياء عليهم السلام، لكن واقعها العملي عدم الإعتقاد بعصمتهم، لاعن الصغائر ولا الكبائر ولا ماينفِّر الناس منهم، لاقبل البعثة ولا بعدها، لا في الأمور الشخصية ولا في تبليغ الرسالة!

فأئمة المذاهب وعلماؤها يقولون نظرياً بعصمة الأنبياء عليهم السلام عصمة غير تامة علي اختلافٍ بينهم فيها، لكنهم عندما يصلون إلي الإسرائيليات، أو إلي القرشيات، يقعون في اتهام الأنبياء عليهم السلام، ويتمسكون بالآيات المتشابهة التي يبدو منها وقوع المعصية منهم عليهم السلام فينفون عنهم العصمة التي أثبتوها لهم آنفاً! بل ينسبون اليهم المنكرات والعظائم، حتي إلي خاتمهم وأفضلهم صلي الله عليه وآله!

من جهة أخري.. يقول علماء المذاهب السنية إنهم لايعتقدون بعصمة الصحابة بل بعدالتهم، وقد يفسرون عدالتهم بتصديق روايتهم عن النبي صلي الله عليه وآله.

لكن كلامهم هذا نظري، لأنهم إذا وصلوا إلي أي مسألة تتعلق بأبي بكر وعمر وعثمان، تراهم يدافعون عنهم حتي لو كانت المسألة مقابل النبي صلي الله عليه وآله!

ومعناه أنهم يقولون بعصمة هؤلاء الثلاثة، وبعضهم يقول بعصمة عائشة وحفصة ومعاوية معهم، فهم يبررون أخطاءهم، وقد يكفِّرون من ينتقدهم!

أما إذا اختلف الصحابة في رأي أو فتوي أو نقل حديث، فهم مجمعون علي أن العصمة والحق دائماً مع عمر، وفيما وافق عمر!

وقد ناقشنا بعض المتحمسين لعمر وابن تيمية، فقال إنكم تتهموننا زوراً بأنا نعتقد بعصمة عمر وابن تيمية، فنحن لم نقل ذلك؟

فقلنا له إنكم لاتقولون ذلك بل تفعلونه، فإن كنت صادقاً فأعطنا خطأ واحداً

تراه لابن تيمية أو لعمر! فغضب وولي!

وهذه مفارقة عجيبة أنهم يقولون بعصمة الأنبياء عليهم السلام نظرياً ثم ينقضونها عملياً! ويقولون بعدم عصمة الصحابة نظرياً، ثم يصرون عليها عملياً!

قال العلامة الحلي قدس سره في نهج الحق وكشف الصدق ص142:

(ذهبت الإمامية كافة إلي أن الأنبياء عليهم السلام معصومون عن الصغائر والكبائر، ومنزهون عن المعاصي، قبل النبوة وبعدها، علي سبيل العمد والنسيان، وعن كل رذيلة ومنقصة، وما يدل علي الخسة والضعة.

وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوَّزوا عليهم المعاصي، وبعضهم جوَّزوا الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها! وجوزوا عليهم السهو والغلط!

ونسبوا رسولَ الله صلي الله عليه وآله الي السهو في القرآن بما يوجب الكفر! فقالوا إنه صلي يوماً وقرأ في سورة (النجم) عند قوله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَي: تلك الغرانيق العلي، منها الشفاعة ترتجي!!

وهذا اعترافٌ منه صلي الله عليه وآله بأن تلك الأصنام ترتجي الشفاعة منها! نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسبوا النبيَّ صلي الله عليه وآله إليها، وهي توجب الشرك! فما عذرهم عند رسول الله صلي الله عليه وآله، وقد قَتَلَ جماعةً كثيرةً من أهله وأقاربه علي عبادة الأصنام، ولم تأخذه في الله لومة لائم، و(هم) ينسبون إليه هذا القول الموجب للكفر والشرك!!...

ورووا عنه صلي الله عليه وآله أنه صلي الظهر ركعتين، فقال له ذو اليد: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! فقال: أصدق ذو اليد؟ فقال الناس: نعم، فقام رسول الله صلي الله عليه وآله فصلي اثنتين أخريين، ثم سلَّم.. الحديث!!

ورووا في الصحيحين أنه صلي الله عليه وآله صلي بالناس صلاة العصر ركعتين، ودخل حجرته، ثم خرج لبعض حوائجه، فذكَّره بعضٌ فأتمَّها!

وأي نسبة أنقص من

هذا وأبلغ في الدناءة! فإنها تدل علي إعراض النبي صلي الله عليه وآله عن عبادة ربه وإهمالها والإشتغال عنها بغيرها، والتكلم في الصلاة، وعدم تدارك السهو من نفسه لو كان! نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة!

ونسبوا إلي النبي صلي الله عليه وآله كثيراً من النقص! روي الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن عائشة قالت: كنت ألعبُ بالبنات عند النبي(ص) وكانت لي صواحبُ يلعبنَ معي وكان رسول الله إذا دخل تقبَّعْنَ منه، فيشير إليهن فيلعبن معي!

مع أنهم رووا في صحاح الأحاديث: أن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه صور مجسمة، أو تماثيل! وتواتر النقل عنه بإنكار عمل الصور والتماثيل، فكيف يجوز لهم نسبة هذا إلي النبي صلي الله عليه وآله وإلي زوجته من عمل الصور في بيته، الذي أسس للعبادة، وهو محل هبوط الملائكة والروح الأمين في كل وقت! ولما رأي النبي صلي الله عليه وآله الصور في الكعبة لم يدخلها حتي محيت، مع أن الكعبة بيت الله تعالي، فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلو مرتبته، فكيف يتخذ في بيته، وهو أدون من الكعبة صوراً ويجعله محلاً لها.

وروي الحميدي في الجمع بين الصحيحين: قالت عائشة: رأيت النبي يسترني بردائه وأنا أنظر إلي الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر! وروي الحميدي عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع علي الفراش وحوَّل وجهه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي؟! فأقبل عليه رسول الله وقال: دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا! وكيف يجوز للنبي صلي الله عليه وآله الصبر علي هذا، مع أنه نصَّ علي تحريم اللعب واللهو والقرآن مملوءٌ به، وبالخصوص مع زوجته؟! وهلا دخلته الحمية والغيرة

مع أنه صلي الله عليه وآله أغْيَرُ الناس؟!

وكيف أنكر أبو بكر وعمر ومنعهما؟ فهل كانا أفضل منه؟!

وقد رووا عنه صلي الله عليه وآله أنه لما قدم المدينة من سفر، خرجت إليه نساء المدينة يلعبن بالدف فرحاً بقدومه، وهو يرقص بأكمامه!! وهل يصدر مثل هذا عن رئيس، أو من له أدني وقار، نعوذ بالله من هذه السقطات!

مع أنه لو نُسِبَ أحدهم إلي مثل هذا، قابله بالسب والشتم وتبرأ منه، فكيف يجوز نسبة النبي صلي الله عليه وآله إلي مثل هذه الأشياء التي يُتبرأ منها؟!

وفي الصحيحين أن ملك الموت لما جاء لقبض روح موسي عليهما السلام لطمه موسي ففقأ عينه! فكيف يجوز لعاقل أن ينسب موسي عليه السلام مع عظمته وشرف منزلته وقربه من الله تعالي والفوز بمجاورة عالم القدس، إلي هذه الكراهة؟! وكيف يجوز منه أن يوقع بملك الموت ذلك وهو مأمور من قبل الله تعالي؟!

وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال في صفة الخلق يوم القيامة: وإنهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم، فيأتون نوحاً فيعتذر إليهم، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله، إشفع لنا إلي ربك أما تري ما نحن فيه؟! فيقول لهم: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله! وإني قد كذبت ثلاث كذبات. نفسي، نفسي، إذهبوا إلي غيري! وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: لم يكذب إبراهيم النبي إلا ثلاث كذبات!!

كيف يحلُّ لهؤلاء نسبة الكذب إلي الأنبياء عليهم السلام؟! وكيف الوثوق بشريعتهم، مع الإعتراف بتعمد كذبهم؟!

وفي الجمع بين الصحيحين أن النبي صلي الله عليه وآله

قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَي قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَي وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلي ركن شديد! ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي!

كيف يجوز لهؤلاء الإجتراء علي النبي صلي الله عليه وآله بالشك في العقيدة؟

وفي الصحيحين قال: بينما الحبشة يلعبون عند النبي صلي الله عليه وآله بحرابهم دخل عمر فأهوي إلي الحصباء فحصبهم بها فقال له رسول الله صلي الله عليه وآله:دعهم يا عمر.

وروي الغزالي في إحياء علوم الدين أن النبي صلي الله عليه وآله كان جالساً وعنده جوارٍِ يغنين فجاء عمر فاستأذن فقال النبي صلي الله عليه وآله للجواري: أسكتنَ فسكتن، فدخل عمر وقضي حاجته ثم خرج، فقال لهن عُدْنَ، فعدن إلي الغناء!

فقلن: يارسول الله، مَن هذا الذي كلما دخل قلت أسكتنَ، وكلما خرج قلت: عدنَ إلي الغناء؟ قال هذا رجلٌ لا يؤثرُ سماع الباطل.

كيف يحلُّ لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النبي صلي الله عليه وآله؟ أتري عمر أشرف من النبي صلي الله عليه وآله؟ حيث لا يؤثر سماع الباطل، والنبي صلي الله عليه وآله يؤثره؟!

وفي الجمع بين الصحيحين: عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة، وعدلت الصفوف قياماً قبل أن يخرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله، فخرج إلينا رسول الله صلي الله عليه وآله فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنبٌ فقال لنا: مكانكم. فلبثنا علي هيئتنا قياماً، فاغتسل، ثم خرج إلينا، ورأسه يقطر، فكبَّر وصلينا.

فلينظر العاقل: هل يحسن منه وصف أدني الناس بأنه يحضر الصلاة ويقوم في الصف وهو جنب! وهل هذا الأمن التقصير في عبادة ربه

وعدم المسارعة إليها وقد قال تعالي:وَسَارِعُوا إلي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم... فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ، فأي مكلف أجدر بقبول هذا الأمر من النبي صلي الله عليه وآله؟!

وفي الجمع بين الصحيحين عن أبي هريرة قال: صلي النبي صلي الله عليه وآله إحدي صلاتي العشئ، قال وأكثر ظني العصر ركعتين ثم سلم، ثم قال إلي خشبة في مقام المسجد فوضع يده عليها، وفيهم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة؟ ورجلٌ يدعوه النبي صلي الله عليه وآله ذو اليدين فقال: لم أنسَ ولم أقَصِّر، قال: بل قد نسيت! فصلي ركعتين ثم سلم!

فلينظر العاقل هل يجوز نسبة هذا الفعل إلي رسول الله صلي الله عليه وآله؟ وكيف يجوز منه أن يقول: ما نسيت؟ فإن هذا سهوٌ في سهو، ومن يعلم أن أبا بكر وعمر حفظا ما نسي رسول الله صلي الله عليه وآله مع إنهما لم يذكرا ذلك للنبي صلي الله عليه وآله؟

وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله صلي الله عليه وآله: أنه دعا زيد بن عمرو بن نفيل وذلك قبل أن ينزل الوحي علي رسول الله صلي الله عليه وآله، فقدم إليه رسول الله صلي الله عليه وآله سفرةً فيها لحم فأبي أن يأكل منها ثم قال: إني لا آكل ما تذبحون علي أنصابكم، ولا آكل مما لم يذكر إسم الله عليه!!

فلينظر العاقل هل يجوز له أن ينسب نبيه إلي عبادة الأصنام، والذبح علي الأنصاب ويأكل منه! وإن زيدَ بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه، وأتمَّ حفظاً ورعايةً لجانب الله تعالي؟! نعوذ بالله من هذه الإعتقادات الفاسدة!

وفي الصحيحين عن حذيفة بن

اليمان قال:كنت مع النبي صلي الله عليه وآله فانتهي إلي سباطة قوم فبال قائماً، فتنحيت فقال: أدنه، فدنوتُ حتي قمت عند عقبيه، فتوضأ فمسح علي خفيه! فكيف يجوز: أن ينسب إلي رسول الله صلي الله عليه وآله البول قائماً، مع أن أرذل الناس لو نُسب هذا إليه تبرأ منه؟! ثم المسح علي الخفين والله تعالي يقول: وأرجلكم!

فانظروا إلي هؤلاء القوم: كيف يجوِّزون الخطأ والغلط علي الأنبياء عليهم السلام، وإن النبي يجوز أن يسرق درهماً، ويكذب في أخس الأشياء وأحقرها!

وقد لزمهم من ذلك محالات:

منها: جواز الطعن علي الشرائع وعدم الوثوق بها، فإن المبلِّغ إذا جوَّزوا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمداً أو نسياناً، أو يترك شيئاً مما أوحيَ إليه، أو يأمر من عنده، فكيف يبقي اعتمادٌ علي أقواله؟!

ومنها: أنه إذا فعل المعصية، فإما أن يجب علينا اتباعه فيها، فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه، واجتمع الضدان! وإن لم يجب، انتفت فائدة البعثة.

ومنها: أنه لو جاز أن يعصي لوجب إيذاؤه والتبري منه، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الله تعالي قد نص علي تحريم إيذاء النبي صلي الله عليه وآله فقال:إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عذاباً مُهِيناً , (الأحزاب:57) ومنها: سقوط محله ورتبته عند العوام، فلاينقادون إلي طاعته، فتنتفي فائدة البعثة.

ومنها: أنه يلزم أن يكونوا أدون حالاً من آحاد الأمة، لأن درجات الأنبياء عليهم السلام في غاية الشرف، وكل من كان كذلك كان صدور الذنب عنه أفحش، كما قال تعالي: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يأت مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن، (الأحزاب:30) والمحصن يرجم وغيره يحد،

وحد العبد نصف حد الحر. والأصل فيه: أن علمهم بالله تعالي أكثر وأتمُّ، وهم مهبط وحيه، ومنازل ملائكته، ومن المعلوم أن كمال العلم يستلزم كثرة معرفته والخضوع والخشوع، فينافي صدور الذنب، لكن الإجماع دل علي أن النبي صلي الله عليه وآله لايجوز أن يكون أقل حالاً من آحاد الأمة.

ومنها: أنه يلزم أن يكون مردود الشهادة، لقوله تعالي: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا، فكيف تقبل شهادته في الوحي ويلزم أن يكون أدني حالاً من عدول الأمة، وهو باطل بالإجماع.

ومنها: أنه لو صدر عنه الذنب لوجب الإقتداء به لقوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوااللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ..لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... فَاتَّبِعُونِي... والتالي باطل بالإجماع، وإلا اجتمع الوجوب والحرمة). انتهي.

وقال رحمه الله في نهج الحق وكشف الصدق/159:

(ذهبت الإمامية إلي أن النبي صلي الله عليه وآله يجب أن يكون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات، بريئاً من الرذائل والأفعال الدالة علي الخسة، كالإستهزاء به والسخرية والضحك عليه، لأن ذلك يسقط محله من القلوب، وينفِّر الناس عن الإنقياد إليه، فإنه من المعلوم بالضرورة الذي لايقبل الشك والإرتياب.

وخالفت السنة فيه: أما الأشاعرة فباعتبار نفي الحسن والقبح، فلزمهم أن يذهبوا إلي جواز بعثة ولد الزنا المعلوم لكل أحد! وإن ب فاعلاً لجميع أنواع الفواحش وأبلغ أصناف الشرك! وهو ممن يُسخر به ويُضحك عليه ويُصفع في الأسواق ويُستهزأ به، ويكون قد ليط به دائماً لأبنة فيه، قواداً، وتكون أمه في غاية الزنا والقيادة والإفتضاح بذلك، لا تردُّ يدَ لامس! ويكون هو في غاية الدناءة والسفالة، ممن قد ليط به طول عمره، حال النبوة وقبلها، ويصفع في الأسواق، ويعتمد المناكير، ويكون قواداً بصاصاً. فهؤلاء يلزمهم

القول بذلك حيث نفوا التحسين والتقبيح العقليين، وإن ذلك ممكنٌ فيجوز من الله وقوعه، وليس هذا بأبلغ من تعذيب الله من لايستحق العذاب، بل يستحق الثواب طول الأبد!

وأما المعتزلة، فلأنهم جوَّزوا صدور الذنب عنهم عليهم السلام، لزمهم القول بجواز ذلك أيضاً، واتفقوا علي وقوع الكبائر منهم، كما في قصة إخوة يوسف!

فلينظر العاقل بعين الإنصاف: هل يجوز المصير إلي هذه الأقاويل الفاسدة، والآراء الردية؟ وهل يبقي مكلف ينقاد إلي قبول قول من كان يفعل به الفاحشة طول عمره إلي وقت نبوته؟ وأنه يصفع ويستهزأ به حال النبوة؟! وهل يثبت بقول هذا حجة علي الخلق؟!

واعلم أن البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط، وأنهم إن بحثوا في ذلك استعملوا الفضول، لأنهم يجوزون تعذيب المكلف علي أنه لم يفعل ما أمره الله تعالي به من غير أن يعلم ما أمره به، ولا أرسل إليه رسولاً البتة! بل وعلي امتثال أمره به، وإن جميع القبائح من عنده تعالي، وإن كل ما وقع في الوجود فإنه فعله تعالي وهو حسن، لأن الحسن هو الواقع والقبيح هو الذي لم يقع. فهذه الصفات الخسيسة في النبي وأبويه تكون حسنة، لوقوعها من الله تعالي، فأي مانع حينئذ من البعثة باعتبارها؟!

فكيف يمكن للأشاعرة منع كفر النبي عليه السلام وهو من الله وكل ما يفعله تعالي فهو حسن! وكذا أنواع المعاصي! وكيف يمكنهم مع هذا المذهب التنزيه للأنبياء عليهم السلام؟! نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلي تحسين الكفر وتقبيح الإيمان، وجواز بعثة من اجتمعت فيه كل الرذائل والسقطات.

وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة في هذا الباب، قد أنكروا الضروريات!

وقال في منهاج الكرامة ص31، وهو الكتاب الذي حاول ابن تيمية

أن يرد عليه في منهاج سنته، قال العلامة: (الفصل الأول: في نقل المذاهب في هذه المسألة:

ذهبت الإمامية إلي أن الله تعالي عدلٌ حكيمٌ لايفعل قبيحاً ولايخلُّ بواجب وإن أفعاله إنما تقع لغرض صحيح وحكمة، وأنه لايفعل الظلم ولا العبث، وأنه رؤوفٌ بالعباد، يفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع، وأنه تعالي كلفهم تخييراً لا إجباراً، ووعدهم بالثواب وتوعدهم بالعقاب علي لسان أنبيائه ورسله المعصومين، بحيث لايجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي، وإلا لم يبق وثوقٌ بأقوالهم، فتنتفي فائدة البعثة.

ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالأمة، فنصب أولياء معصومين عليهم السلام، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم، فينقادون إلي أوامرهم، لئلا يخلي الله تعالي العالم من لطفه ورحمته. وأنه تعالي لما بعث رسوله محمداً صلي الله عليه وآله قام بنقل الرسالة ونصَّ علي أن الخليفة بعده عليُّ بن أبي طالب، ثم من بعده ولدُه الحسن الزكي، ثم علي الحسين الشهيد، ثم علي علي بن الحسين زين العابدين، ثم علي محمد بن علي الباقر، ثم علي جعفر بن محمد الصادق، ثم علي موسي بن جعفر الكاظم، ثم علي علي بن موسي الرضا، ثم علي محمد بن علي الجواد، ثم علي علي بن محمد الهادي، ثم علي الحسن بن علي العسكري، ثم علي الخلف الحجة محمد بن الحسن عليهم السلام، وإن النبي صلي الله عليه وآله لم يمت إلا عن وصية بالإمامة.

وذهب أهل السنة إلي خلاف ذلك كله، فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالي، وجوَّزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب، وأنه تعالي لايفعل لغرض بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة البتة!

وأنه تعالي يفعل الظلم والعبث، وأنه لايفعل ما هو

الأصلح للعباد، بل ما هو الفساد في الحقيقة، لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مستندة إليه! تعالي الله عن ذلك، وإن المطيع لايستحق ثواباً والعاصي لايستحق عقاباً، بل قد يعذب المطيع طول عمره، المبالغ في امتثال أوامره تعالي كالنبي عليه السلام ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون! وإن الأنبياء عليهم السلام غير معصومين بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو، وغير ذلك.

وإن النبي صلي الله عليه وآله لم ينص علي إمام بينهم، وأنه مات عن غير وصية، وإن الإمام بعد رسول الله صلي الله عليه وآله أبو بكر بن أبي قحافة لمبايعة عمر بن الخطاب له برضا أربعة: أبي عبيدة، وسالم مولي حذيفة، وأسيد بن حضير، وبشر بن سعيد، ثم من بعده عمر بن الخطاب بنص أبي بكر عليه، ثم عثمان بن عفان بنص عمر علي ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم، ثم علي بن أبي طالب عليه السلام لمبايعة الخلق له.

ثم اختلفوا، فقال بعضهم إن الإمام بعده ابنه الحسن عليه السلام، وبعضهم قال: إنه معاوية بن أبي سفيان، ثم ساقوا الإمامة في بني أمية إلي أن ظهر السفاح من بني العباس، فساقوا الإمامة إليه، ثم انتقلت الإمامة منه إلي أخيه المنصور ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلي المعتصم، إلي أربعين).!

وقال الكراجكي رحمه الله في كتابه: التعجب من أغلاط العامة ص64:

(الفصل السابع في أغلاطهم في العصمة: فمن عجيب أمرهم: أنهم ينكرون عصمة الأنبياءوالأئمة عليهم السلام عن سائر الأنام، ويقولون إن هذه العصمة إن كانت منهم جاز أن تقع في غيرهم فيساويهم في منزلتهم، وإن كانت من الله سبحانه فقد جبرهم

واضطرهم ولم يستحقوا ثواباً علي عصمتهم!

وهم مع ذلك معترفون بأن النبي صلي الله عليه وآله معصومٌ في التأدية والتبليغ، ومعصومٌ عما سوي ذلك من جميع كبائر الذنوب في حال نبوته وقبلها، وأنها عصمة اختيار يستحق عليها الجزاء، ولايساويه أحد من أمته فيها!

ومن عجيب أمرهم: إنكارهم لعصمة الأئمة وقولهم أنها لاتقتضي الإختيار!

ومن العجب قولهم: إن العصمة ثابتة لجميع الأمة منتفية عن كل واحد منها، مع علمهم بأن آحادَهم جماعتُها، وأنها إذا كانت مؤمنة بأجمعها كان الإيمان حاصلاً لآحادها، ولو كفر جميعها لكان الكفر حاصلاً مع كل واحد منها.

وقد قال أحد المعتزلة يوماً وقد سمع هذا الكلام: فرقٌ بين العصمة وما ذكرت من الكفر والإيمان، وذلك أن ما ثبت لكل واحد منها فهو ثابتٌ لجماعتها، وليس كلما ثبت لجماعتها ثابتاً لكل واحد منها، فلذلك إذا آمن آحادها كان جميعها مؤمنين، وإذا كفر آحادها كان جميعها كافرين، وليس إذا ثبت العصمة لجماعتها يكون آحادها معصومين.

فقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك وانصرافك عن مقتضي قضيتك، إذا كان ما ثبت لكل واحد من الأمة ثابتاً لجميعها فقد ثبت عندي وعندك الحكم علي كل واحد منها بجواز الخطأ والنسيان وتعمد الغلط في الأفعال والأقوال، فاحكم بثبوت ذلك لجميعها، وأسقط ما ادعيت من عصمتها! فلم يدر ما يقول بعد هذا!

ومن عجيب أمرهم وطريف رأيهم قولهم: إن الأمة معصومة وقولها حجة، وهي مفتقرةٌ مع ذلك إلي إمام، وإمامها غير معصوم ولا قوله حجة، وليس هو مفتقراً إلي إمام، وهذا من أعجب الأقوال! ومن عجيب المناقضة أن يكون لها إمام ولا يكون ارتفاع العصمة عن الإمام موجباً أن يكون له إمام، ولا يكون أيضاً غناية عن الإمام

يقتضي تميزه بالعصمة عن الأنام.

إنهم جعلوا حجتهم في عصمة الأمة وفي أن إجماعها صواب وحجة خبراً نسبوه إلي رسول الله صلي الله عليه وآله وهو أنه: لاتجتمع أمتي علي ضلالة، وهذا الخبر لايمكنهم علي أصلهم أن يدعوا فيه التواتر، إذا كان غير موجب لسامعيه علي الضرورة بصحته، فهو لامحالة من أخبار الآحاد، فهم إذاً قد جعلوا دليل الدعوي بأن الأمة لاتجتمع علي ضلال قول بعضها، والحجة علي عصمتها شهادة واحد منها، ولم يعلموا أن الخلاف في قول جميعها يتضمن الخلاف في قول بعضها، والتخطئة لسائرها يدخل في التخطئة لواحدها! وهل هم في ذلك إلا كمن ادعي الحجة بإجماع عشرة من الناس علي قول أو فعل، وجعل دليله علي ذلك قول واحد من العشرة، ولم يعلم أن المخالف له في الحجة بإجماع العشرة لم يصر إلي ذلك إلا بعد المخالفة له فيمن دون العشرة! إذ لو سلَّم الخصم قول بعضها لم يصح خلافه له في قول جميعها!

ولما رأوا أن خبرهم لايصح كونه في قسم المتواتر علي أصلهم، ولا ينصرف عن إضافته إلي أخبار الآحاد التي لاتثبت بها حجة لدعواهم، اشتد غلطهم وعظم زللهم، فأدَّاهم إلي القول بأنهم علموا صحته بالإجماع! وهذا من أعجب الأقوال! وهو في المناقضة لاحقٌ في الهذيان، لأن أصل الخلاف إنما هو في الإجماع وهل هو حجة أم لا، فكيف يكون الإجماع دليلاً لنفسه، وبرهاناً علي ما يدعي من صوابه؟! ولو جاز هذا لكانت الدعوي نفسها برهاناً والفتوي بعينها دليلاً، وهذا ما لايخفي فساده علي العقلاء.

ومما يوضح غلطهم فيه أن الدليل علي الشئ يعرف قبل معرفة الشئ، فإذا كانوا لم يعلموا أن الإجماع حجة، وإن الأمة فيما تخبر به معصومة

إلا بالخبر فقد وجب أن يكونوا عالمين بصحته قبل علمهم بأن الإجماع حجة، وإن الأمة فيما تخبر به معصومة، وإذا كانوا لم يعلموا أن الخبر صحيح إلا بالإجماع، فقد وجب أن يكونوا عالمين بأن الإجماع حجة قبل علمهم بصحة الخبر، فكيف يتقدم المؤخر ويتأخر المقدم، وهل رؤي قط أعجب من هذا الأمر؟!).

أقول: ما أوردناه من كلام العلامة الحلي والكراجكي رحمهما الله، يكفي لبيان أن مخالفينا ينقضون عملياً عصمة الأنبياء عليهم السلام التي قرروها نظرياً!

نماذج من آراء علمائهم في عصمة الأنبياء

هذه آراء بعض كبار علمائهم في عصمة الأنبياء عليهم السلام، وهي صريحة في سلب قسم من العصمة عنهم عليهم السلام، ثم تراهم يسلبون ما أقروا به منها عندما يصلون إلي الإسرائيليات التي تطعن في عصمتهم وعدالتهم عليهم السلام، والقرشيات التي تطعن في عصمة نبينا وعدالته صلي الله عليه وآله، ويؤيدونها بمتشابه الآيات!

وقد بسطنا الكلام في رأي الفخر الرازي لأنه إمام معترف به عند الأشعرية. وكذا في رأي ابن تيمية لأنه هاجم الشيعة بسبب قولهم بالعصمة التامة للأنبياء عليهم السلام وادعي إجماع السنيين علي ارتكاب الأنبياء عليهم السلام للمعاصي الصغيرة والكبيرة حتي في تبليغ الرسالة، غاية الأمر أن الله تعالي ينبههم أو يؤنبهم ويتوب عليهم!!

ولأنه انفرد بالكشف عن السبب الحقيقي لرفضهم عصمة الأنبياء عليهم السلام وهو أنها تستوجب الطعن في أبي بكر وعمر، وذلك لأن الإرتكاز الذهني يوجب التجانس بين النبي صلي الله عليه وآله وخليفته، وأبو بكر وعمر قد عبدا الأصنام مدة طويلة، فلو قبلوا أن النبي صلي الله عليه وآله معصوم لما ناسب أن يكونا خليفتيه، وستري كلامه!

رأي الغزالي

قال في المستصفي ص274: (الفصل الأول في دلالة الفعل ونقدم عليه مقدمة في عصمة الأنبياء، فنقول: لما ثبت ببرهان العقل صدق الأنبياءوتصديق الله تعالي إياهم بالمعجزات، فكل مايناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل، ويناقض مدلول المعجزة جواز الكفر والجهل بالله تعالي وكتمان رسالة الله والكذب والخطأ والغلط فيما يبلغ، والتقصير في التبليغ والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه.

أما ما يرجع إلي مقارفة الذنب فيما يخصه ولايتعلق بالرسالة فلا يدل علي عصمتهم عنه، عندنا دليل العقل، بل دليل التوقيف والإجماع قد دل علي عصمتهم عن الكبائر، وعصمتهم أيضاً عما يصغر

أقدارهم من القاذورات، كالزنا والسرقة واللواط.

أما الصغائر فقد أنكرها جماعة وقالوا: الذنوب كلها كبائر فأوجبوا عصمتهم عنها، والصحيح أن من الذنوب صغائر وهي التي تكفرها الصلوات الخمس، واجتناب الكبائر كما ورد في الخبر، وكما قررنا حقيقته في كتاب التوبة من كتاب إحياء علوم الدين.

فإن قيل: لِمَ لمْ تثبت عصمتهم بدليل العقل، لأنهم لو لم يعصموا لنَفَرَت قلوب الخلق عنهم؟!

قلنا: لايجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفِّر، فقد كانت الحرب سجالاً بينه وبين الكفار، وكان ذلك ينفِّر قلوب قوم عن الإيمان ولم يعصم عنه وإن ارتاب المبطلون، مع أنه حفظ عن الخط والكتابة كي لايرتاب المبطلون. وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ، كما قال تعالي: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أعلم بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنما أنت مُفْتَر. (النحل:101) وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا: كان يقدر علي كشف الغطاء لو كان نبياً لخلَّص الخلق من كلمات الجهل والخلاف كما قال تعالي:فَيَتَّبِعُونَ مَاتَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ (آل عمران:7) وهذا لأن نفي المنفرات ليس بشرط دلالة المعجزة.

هذا حكم الذنوب، أما النسيان والسهو فلاخلاف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع والرسالة، فإنهم كلفوا تصديقه جزماً، ولايمكن التصديق مع تجويز الغلط، وقد قال قوم: يجوز عليه الغلط فيما شرعه بالإجتهاد، لكن لايقرُّ عليه، وهذا علي مذهب من يقول المصيب واحد من المجتهدين، أما من قال: كل مجتهد مصيب فلايتصور الخطأ عنده في اجتهاد غيره فكيف في اجتهاده).

وقال في المنخول ص309: (وقد تقرر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر، وأما الصغائر ففيه تردد العلماء، والغالب علي الظن وقوعه، وإليه تشير بعض الآيات والحكايات.

هذا كلام في وقوعه، أما جوازه فقد أطبقت المعتزلة علي وجوب عصمة النبي

عليه السلام عقلاً عن الكبائر تعويلاً علي أنه يورث التنفير وهو مناقض لغرض النبوة، وهذا يبطل بكون الحرب سجالاً بينه وبين الكفار وبه اعتصم بعض اليهود في تكذيبه. والمختار ما ذكره القاضي وهو أنه لايجب عقلاً عصمتهم إذ لايستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر العقل، وليس هو مناقضاً لمدلول المعجزة فإن مدلولها صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالي، فلاجَرَمَ لايجوز وقوع الكذب فيما يخبر به عن الرب تعالي لاعمداً ولاسهواً، ومعني التنفير باطل، فإنا نُجَوِّز أن ينبِّئ الله تعالي كافراً ويؤيده بالمعجزة! والمعتزلة يأبون ذلك أيضاً.

والذين أوجبوا عصمته عن الكبيرة اختلفوا، فمنهم من قال كل مخالفة كبيرة بالنسبة إلي عظمته، فلا صغيرة أصلاً وكل مخالفة كبيرة. وهذا كما أن رفع الصوت فوق صوت من يماثل الإنسان، قد يعدُّ صغيرةً وهو بعينه في مجلس الملوك كبيرة دونه تُحَزُّ الرقاب، فللنسبة بعد تأثير في تعظيم أثر المخالفة.

والذين أثبتوا الصغيرة اضطربوا، ومثار الإضطراب في أنه هل يورث التنفير.

أما النسيان فلايجب كونه عندنا معصوماً عنه في أفعاله وأقواله، إلا فيما يخبر عن الله تعالي، لأن تجويزه مناقض مدلول المعجزة). انتهي.

أقول: لك أن تلاحظ فظاعة مذهب أتباع الخلافة في قول الغزالي: (ومعني التنفير باطل، فإنا نُجَوِّز أن ينبِّئَ الله تعالي كافراً ويؤيده بالمعجزة)!! ومعناه أن المهم عندهم في العقائد والقيم والشرائع التي يدعو إلي الرسول، هو إبلاغها للناس ليطبقوها، وليس أن يطبقها هو!

والمهم في شخصية الأنبياءوالرسل عليهم السلام ليس إيمانهم بما جاؤوا به ولا تطبيقهم له، بل نقلهم البريدي له! حتيلو كانوا فسقة فجرة كفرة، وضربوا بماأوحي اليهم عرض الجدار، فنفر الناس منهم لتناقضهم وفقدانهم المصداقية!

وهذا يضع يدنا علي تأثر علماء السلطة

القرشية بتصور اليهود عن أفعال الله تعالي وفقدانها للحكمة! وتصورهم عن أنبياءالله عليهم السلام، وأن النبوة منصب دنيوي كمنصب قضاة بني إسرائيل، ومنصب الخلافة الأموية والعباسية!

رأي الآمدي

قال في الأحكام في أصول الأحكام:1/169:

(المقدمة الأولي:في عصمة الأنبياء عليهم السلام وشرح الإختلاف في ذلك، وما وقع الإتفاق من أهل الشرائع علي عصمتهم عنه من المعاصي وما فيه الإختلاف.

أما قبل النبوة فقد ذهب القاضي أبو بكر وأكثر أصحابنا وكثير من المعتزلة إلي أنه لايمتنع عليهم المعصية كبيرة كانت أو صغيرة، بل ولا يمتنع عقلاً إرسال من أسلم وآمن بعد كفره.

وذهبت الروافض إلي امتناع ذلك كله منهم قبل النبوة، لأن ذلك مما يوجب هضمهم في النفوس واحتقارهم والنفرة عن اتباعهم، وهو خلاف مقتضي الحكمة من بعثة الرسل، ووافقهم علي ذلك أكثر المعتزلة، إلا في الصغائر.

والحق ما ذكره القاضي لأنه لاسمع قبل البعثة يدل علي عصمتهم عن ذلك والعقل دلالته مبنية علي التحسين والتقبيح العقلي، ووجوب رعاية الحكمة في أفعال الله تعالي، وذلك كله مما أبطلناه في كتبنا الكلامية.

وأما بعد النبوة فالإتفاق من أهل الشرائع قاطبة علي عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة علي صدقهم فيه، من دعوي الرسالة والتبليغ عن الله تعالي.

واختلفوا في جواز ذلك عليهم بطريق الغلط والنسيان، فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة، لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة. وجوَّزه القاضي أبو بكر، مصيراً منه إلي أن ما كان من النسيان وفلتات اللسان غير داخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة، وهو الأشبه.

وأما ما كان من المعاصي القولية والفعلية التي لادلالة للمعجزة علي عصمتهم عنها، فما كان منها كفراً فلا نعرف خلافاً بين أرباب

الشرائع في عصمتهم عنه، إلا ما نقل عن الأزارقة من الخوارج أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته، وما نقل عن الفضلية من الخوارج أنهم قضوا بأن كل ذنب يوجد فهو كفر، مع تجويزهم صدور الذنوب عن الأنبياءفكانت كفراً.

وأما ما ليس بكفر، فإما أن يكون من الكبائر أو ليس منها. فإن كان من الكبائر فقد اتفقت الأمة سوي الحشوية ومن جوز الكفر علي الأنبياء، علي عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل، وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع، كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا، أو العقل، كما ذهب إليه المعتزلة.

وأما أن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطأ، فقد اتفق الكل علي جوازه سوي الرافضة.

وأما ما ليس بكبيرة، فإما أن يكون من قبيل ما يوجب الحكم علي فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة، كسرقة خبزة أو كسرة، فالحكم فيه كالحكم في الكبيرة. وأما ما لايكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفه نادرة في حالة غضب، فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة علي جوازه عمداً وسهواً خلافاً للشيعة مطلقاً، وخلافاً للجبائي والنظَّام وجعفر بن مبشر في العمد). انتهي.

وتلاحظ في رأي الآمدي تصديق قول العلامة الحلي قدس سره في نهج الحق ص159:

(واعلم أن البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط، وأنهم إن بحثوا في ذلك استعملوا الفضول، لأنهم يجوزون تعذيب المكلف علي أنه لم يفعل ما أمره الله تعالي به من غير أن يعلم ما أمره به، ولا أرسل إليه رسولاً البتة!....

فكيف يمكن للأشاعرة منع كفر النبي عليه السلام وهو من الله وكل ما يفعله تعالي فهو حسن! وكذا أنواع

المعاصي! وكيف يمكنهم مع هذا المذهب التنزيه للأنبياء عليهم السلام؟! نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلي تحسين الكفر وتقبيح الإيمان، وجواز بعثة من اجتمعت فيه كل الرذائل والسقطات. وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة في هذا الباب، قد أنكروا الضروريات). انتهي.

رأي القاضي عياض

قال في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفي):2/172:

(فصل: قد استبان لك أيها الناظر مما قررناه ماهو الحق من عصمته(ص) عن الجهل بالله وصفاته، أو كونه علي حالة تنافي العلم شئ من ذلك كله جملة، بعد النبوة عقلاً وإجماعاً، وقبلها سماعاً ونقلاً، ولا بشئ مما قررناه من أمور الشرع، وأداه عن ربه من الوحي، قطعاً وعقلاً وشرعاً.

وعصمته عن الكذب وخلف القول، منذ نبأه الله وأرسله، قصداً أو غير قصد، واستحالة ذلك عليه شرعاً وإجماعاً ونظراً وبرهاناً، وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعاً، وتنزيهه عن الكبائر إجماعاً، وعن الصغائر تحقيقاً، وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغلط والنسيان عليه فيما شرعه للأمة، وعصمته في كل حالاته من رضاً وغضب، وجد ومزح). انتهي.

أقول: بذل القاضي عياض جهده في كتابه لإظهار النبي صلي الله عليه وآله بمظهر لائق وتنزيهه عما نسبوه اليه من أخطاء ومعاص، لكنه اصطدم دائماً بالقرشيات التي ملأت الصحاح، فحاول معالجتها وتأويلها بما يحفظ رواياتها، ويحفظ مكانة النبي صلي الله عليه وآله فلم يحالفه التوفيق، كما ستري في قضة الغرانيق!

رأي الفخر الرازي

قال في المحصول:3/225: (اختلفت الأمة في عصمة الأنبياء عليهم السلام علي قولين: أحدهما، قول من ذهب إلي أنه لايجوز أن يقع منهم ذنب صغيراً كان أو كبيراً، لاعمداً ولاسهواً ولا من جهة التأويل، وهو قول الشيعة.

والإخر: قول من ذهب إلي جوازه عليهم، ثم اختلفوا فيما يجوز من ذلك وما لايجوز. والإختلاف في هذا الباب يرجع إلي أقسام أربعة:

أحدها، ما يقع في باب الإعتقاد وقد اتفقوا علي أنه لايجوز أن يقع منهم الكفر، وقالت الفضيلية من الخوارج أنه قد وقعت منهم ذنوب وكل ذنب عندهم كفر وشرك. وأجازت الشيعة إظهار الكفر علي سبيل التقية.

فأما الإعتقاد الخطأ الذي لايبلغ الكفر، مثل أن يعتقد مثلاً أن الأعراض باقية ولايكون كذلك، فمنهم من أباه لكونه منفراً، ومنهم من جوزه.

وثانيها، باب التبليغ، واتفقوا علي أنه لايجوز عليهم التغيير، وإلا لزال الوثوق بقولهم. وقال قوم يجوز ذلك من جهة السهو.

وثالثها، ما يتعلق بالفتوي، واتفقوا أيضاً علي أنه لايجوز عليهم الخطأ فيه، وجوزه قوم علي سبيل السهو.

ورابعها، مايتعلق بأفعالهم، واختلفت الأمة فيه علي أربعة أقوال:

أحدها: قول من جوَّز عليهم الكبائر عمداً. وهؤلاء منهم من قال بوقوع هذا الجائز وهم الحشوية، وقال القاضي أبو بكر: هذا وإن جاز عقلاً ولكن السمع منع من وقوعه.

وثانيها: أنه لايجوز أن يرتكبوا كبيرة ولاصغيرة عمداً، لكن يجوز أن يأتوا بها علي جهة التأويل، وهو قول الجبائي.

وثالثها: أنه لايجوز ذلك لا عمداً ولامن جهة التأويل لكن علي سبيل السهو، وهم مؤاخذون بما يقع منهم علي هذه الجهة، وإن كان موضوعاً عن أمتهم، لأن معرفتهم أقوي فيقدرون علي التحفظ عما لا يتأتَّي لغيرهم.

ورابعها: أنه لا يجوز أن يرتكبوا كبيرة، وأنه قد وقعت منهم صغائر علي جهة العمد والخطأ والتأويل إلا ما ينفر كالكذب والتطفيف، وهو قول أكثر المعتزلة.

والذي نقول به أنه لم يقع منهم ذنب علي سبيل القصد لاصغيراً ولاكبيراً، أما السهو فقد يقع منهم لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم علي أن ذلك كان سهواً، وقد سيقت هذه المسألة في علم الكلام، ومن أراد الإستقصاء فعليه بكتابنا في عصمة الأنبياء، والله أعلم). انتهي.

وقال في عصمة الأنبياءص8:

[الرابع] ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم، وقد اختلفوا فيه علي خمسة مذاهب:

الأول: الحشوية وهو أنه يجوز عليهم الإقدام علي الكبائر والصغائر.

الثاني: أنه

لايجوز منهم تعمد الكبيرة البتة، وأما تعمد الصغيرة فهو جائز بشرط أن لا تكون منفراً، وأما أن كانت منفراً فذلك لايجوز عليهم، مثل التطفيف بما دون الحبة، وهو قول أكثر المعتزلة.

الثالث: أنه لايجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة، ولكن يجوز صدور الذنب منهم علي سبيل الخطأ في التأويل، وهو قول أبي علي الجبائي.

الرابع: أنه لايجوز عليهم الكبيرة ولاالصغيرة، لا بالعمد ولا بالتأويل والخطأ. أما السهو والنسيان فجائز، ثم إنهم يعاتبون علي ذلك السهو والنسيان لِمَا أن علومهم أكمل، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ، وهو قول أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام.

الخامس: أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة، لا بالعمد ولا بالتأويل، ولا بالسهو والنسيان. وهذا مذهب الشيعة.

واختلفوا أيضاً في وقت وجوب هذه العصمة، فقال بعضهم: أنها من أول الولادة إلي آخر العمر، وقال الأكثرون هذه العصمة إنما تجب في زمان النبوة فأما قبلها فهي غير واجبة. وهو قول أكثر أصحابنا رحمهم الله تعالي

والذي نقول: أن الأنبياء عليهم السلام معصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد، أما علي سبيل السهو فهو جائز.

ويدل علي وجوب العصمة وجوه خمسة عشرة:

الحجة الأولي، لو صدر الذنب عنهم لكان حالهم في استحقاق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً أشد من حال عصاة الأمة، وهذا باطل....

الحجة الثانية، لو صدر الذنب عنهم لما كانوا مقبولي الشهادة لقوله تعالي: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا....

الحجة الثالثة، لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم، لأن الدلائل دالة علي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن زجر الأنبياءعليهم الصلاة والسلام غير جائز، لقوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة، فكان صدور

الذنب عنهم ممتنعاً...

الحجة الرابعة، لو صدر الفسق عن محمد عليه الصلاة والسلام لكنا إما أن نكون مأمورين بالإقتداء به وهذا لايجوز، أولاًنكون مأمورين بالإقتداء به وهذا أيضاً باطل لقوله تعالي: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ....

الحجة الخامسة، لو صدرت المعصية عن الأنبياء عليهم السلام لوجب أن يكونوا موعودين بعذاب الله بعذاب جهنم، لقوله تعالي: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ، ولكانوا ملعونين لقوله تعالي: إلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَي الظَّالِمِينَ...

الحجة السادسة، إنهم كانوا يأمرون بالطاعات وترك المعاصي، ولو تركوا الطاعة وفعلوا المعصية لدخلوا تحت قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ.كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاتَفْعَلُونَ. وتحت قوله تعالي: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ...

الحجة السابعة، قال الله تعالي في صفة إبراهيم وإسحاق ويعقوب: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ، والألف واللام في صيغة الجمع تفيد العموم فدخل تحت لفظ الخيرات فعل كل ما ينبغي وترك كل ما لاينبغي، وذلك يدل علي أنهم كانوا فاعلين لكل الطاعات وتاركين لكل المعاصي.

الحجة الثامنة، قوله تعالي: إِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الإخيَار.... فدلت هذه الآية علي أنهم كانوا من المصطفين الإخيار في كل الأمور...

الحجة التاسعة، قوله تعالي حكاية عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أجمعين، إِلاعِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. استثني المخلصين من إغوائه وإضلاله. ثم إنه تعالي شهدعلي إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام أنهم من المخلصين، حيث قال: أنا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَي الدَّارِ.وقال في حق يوسف عليه السلام:إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ فلما أقر إبليس أنه لايغوي المخلصين، وشهد الله بأن هؤلاء من المخلصين، ثبت أن إغواء إبليس ووسوسته ما وصلت إليهم...

الحجة العاشرة،

قال الله تعالي: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبليس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلافَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فهؤلاء الذين لم يتبعوا إبليس إما أن يقال إنهم الأنبياءأو غيرهم فإن كانوا غيرهم لزم أن يكونوا أفضل منهم....

الحجة الحادية عشرة، أنه تعالي قسم المكلفين إلي قسمين: حزب الشيطان كما قال تعالي:أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وحزب الله كما قال تعالي: أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ولاشك أن حزب الشيطان هو الذي يفعل مايريد الشيطان ويأمره به، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياءلصدق عليهم أنهم من حزب الشيطان، ولصدق عليهم قوله تعالي: إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ، ولصدق علي الزهاد من آحاد الأمة قوله تعالي: إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وحينئذ يلزم أن يكون واحد من آحاد الأمة أفضل بكثير من الأنبياء، ولا شك في بطلانه..

الحجة الثانية عشرة، إن أصحابنا بينوا أن الأنبياءأفضل من الملائكة، وثابت بالدلالة أن الملائكة ما أقدموا علي شئ من الذنوب، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياءلامتنع أن يكونوا زائدين في الفضل علي الملائكة...

الحجة الثالثة عشرة، قال الله تعالي في حق إبراهيم عليه السلام:إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً، والإمام هو الذي يقتدي به، فلو صدر الذنب عن إبراهيم لكان اقتداء الخلق به في ذلك الذنب واجباً. وإنه باطل.

الحجة الرابعة عشرة، قوله تعالي: لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ، فكل من أقدم علي الذنب كان ظالماً لنفسه لقوله تعالي: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. إذا عرفت هذا فنقول: ذلك العهد الذي حكم الله تعالي بأنه لايصل إلي الظالمين إما أن يكون هو عهد النبوة أو عهد الإمامة، فإن كان الأول فهو المقصود، وإن كان الثاني فالمقصود أظهر، لأن عهد الإمامة أقل درجة من عهد

النبوة، فإذا لم يصل عهد الإمامة إلي المذنب العاصي، فبأن لايصل عهد النبوة إليه أولي.

الحجة الخامسة عشرة، روي أن خزيمة بن ثابت الأنصاري(رض)شهد علي وفق دعوي النبي(ص)مع أنه ماكان عالماً بتلك الواقعة فقال خزيمة: إني أصدقك فيما تخبر عنه من أحوال السماء، أفلا أصدقك في هذا القدر؟! فلما ذكر ذلك صدقه النبي(ص)فيه ولقبه بذي الشهادتين، ولو كان الذنب جائزاً علي الأنبياءلكانت شهادة خزيمة غير جائزة....

ثم قال الرازي:(واعلم أن شبهات المخالفين في هذه المسألة كثيرة، ونحن نذكرها علي سبيل الإختصار...). انتهي.

ملاحظات علي كتاب عصمة الأنبياء للفخر الرازي

الملاحظة 01

أنه تأثر كثيراً بمنهج السيد المرتضي في كتابه تنزيه الأنبياء عليهم السلام الذي ألفه قبله بأكثر من قرن ونصف، بل يمكن القول إن كتاب عصمة الأنبياء عليهم السلام للرازي هو نفس كتاب تنزيه الأنبياء عليهم السلام للسيد المرتضي، مصوغاً بقلم سني!

الملاحظة 02

أن الرازي كغيره من علماء الأشعرية، يجيدون الدفاع عن الأنبياء عليهم السلام عندما يعتمدون العقل والفطرة الإنسانية، فيجئ دفاعهم قوياً متماسكاً، لكنهم عندما يصطدمون بعشرات الأحاديث الصحيحة عندهم في البخاري ومسلم وغيرهما، ينخنث كلامهم ويضطرب! فتري بعضهم يغمض بصره عن تلك الأحاديث، أو يشير اليها إشارة ويردها، وأحياناً أخري يدافع عنها، فيقع في التناقض!

فالمشكلة الأساسية التي تواجه الباحث منهم ليست الآيات المتشابهة التي يفهم من ظاهرها معصية الأنبياء عليهم السلام وتحتاج إلي تفسير أو تأويل، بل الإسرائيليات التي تثقل كاهل الصحاح في ذم الأنبياء عليهم السلام، ولا يمكن تأويلها!

نعم إن العقبة الكأداء هي القرشيات التي روتها مصادرهم في ذم نبينا صلي الله عليه وآله وربطتها بالآيات المتشابهة وفسرتها بها، أو جعلتها سبباً لنزولها كذباً وزوراً!

وقلما تجد من علمائهم صاحب شجاعة، يتقرب إلي الله تعالي ويتخطي هذه الموانع دفاعاً عن نبينا صلي الله عليه وآله وأنبياءالله عليهم السلام!

لاحظ ما قاله الرازي في ص72، في قصة نبي الله داود عليه السلام:(فاعلم أن الذي أقطع به عدم دلالة هذه الآية علي صدور الكبيرة من داود عليه السلام. وبيانه من وجوه:

الأول، أن الذي حكاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوريا فاحتال حتي قتل زوجها فتزوجها، لايليق بالأنبياء، بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكراً.

الثاني، أن الدخول في دم أوريا أعظم من التزوج بامرأته، فكيف ترك الله الذنب الأعظم

واقتصر علي ذكر الإخف؟!

الثالث، أن السورة من أولها إلي آخرها في محاجة منكري النبوة، فكيف يلائمها القدح في بعض أكابر الأنبياءبهذا الفسق القبيح؟!

الرابع، أن الله تعالي وصف داود عليه السلام في ابتداء القصة بأوصاف حميدة، وذلك ينافي ما ذكروه في الحكاية.....!

فإن قلت: إن كثيراً من المحدثين روي هذه الحكاية!

قلت: هذه الدلائل الباهرة لما أبطلت قولهم وجب القطع بفسادها، فالعجب اتفاق الناس علي أن خبر الواحد لايفيد إلا الظن، والظن إنما ينتفع به في العمليات وهذه المسألة ليست من العمليات، فصارت روايتهم ساقطة العبرة من كل الوجوه....وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علياً(رض)قال:من حدثكم بحديث داود عليه السلام علي ما يرويه القٌصَّاص جلدته مأتين وستين وهو حد الفرية علي الأنبياء عليهم السلام. وروي أن واحداً ذكر ذلك الخبر عند عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق، فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة علي ما في كتاب الله تعالي فما ينبغي أن نلتمس خلافها، وإن كان علي ما ذكرت وكفَّ الله عنها ستراً علي نبيه فيما ينبغي إظهار ما عليه. فقال عمر: سماعي هذا الكلام أحب إلي مما طلعت الشمس عليه). انتهي.

فأنت تري أن الرازي أجاد، لأنه جري في كلامه علي مقتضي العقل والفطرة، وردَّ إسرائيليات رواة السلطة، لأنها تنافي عصمة نبي الله داود عليه السلام.

لكنه لايملك هذه الشجاعة إذا وصل إلي القرشيات التي يستوجب ردها أن يضرب برواية البخاري عرض الجدار، مع أن البخاري دخل في الرواة الذين هاجمهم! حيث تبني اتهام رواة الإسرائيليات لداود عليه السلام! قال في:4/134: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ.....إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً..... يقال للمرأة نعجة، ويقال

لها أيضاً شاة...الخ.)! انتهي.

ومعني هذا أن البخاري تبني كل إسرائيليات السلطة، لأنها كلها مبنية علي أن المقصود بتسع وتسعين نعجة: تسعٌ وتسعون امرأة!!

ومن تأثير قداسة البخاري علي الرازي أنه قال بتنزيه الأنبياء عليهم السلام وساق حججه التي رأيت بعضها، لكنه غض بصره عن أحاديث البخاري وغيره التي تنسبهم إلي المعاصي، ولم يؤولها ولم يردها!

لقد أطال في ص28 وما بعدها في الدفاع عن نبي الله إبراهيم عليه السلام، فقال عن الآيات التي تمسكوا بها في اتهامه بالكفر والكذب: (تمسكوا بها من وجوه تسعة: الأولي: قوله تعالي حاكياً عن إبراهيم عليه السلام:قَالَ هَذَا رَبِّي، فلا يخلو إما أن يقال إنه قال هذا الكلام في النظر والإستدلال أو قبل البلوغ أو بعده....

والأصح من هذه الأقوال أن ذلك علي وجه الإعتبار والإستدلال لا علي وجه الأخبار، ولذلك فإن الله تعالي لم يذم إبراهيم عليه السلام علي ذلك، بل ذكره بالمدح والتعظيم، وأنه أراه ذلك كي يكون من الموقنين، هذا هو البحث المشهور في الآية، وفيها أبحاث أخر من حيث أن بعض الملاحدة قال إن إبراهيم استدل علي الشئ بما لايدل عليه وذكر أشياء لا تصح، فكان الطعن متوجهاً، ونحن نذكر كل واحد من تلك الأسئلة الأربعة عشرة مع جوابه....). انتهي.

وقد تقدم قول الرازي: (الحجة الثالثة عشرة: قال الله تعالي في حق إبراهيم عليه السلام: إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً، والإمام هو الذي يقتدي به، فلو صدر الذنب عن إبراهيم لكان اقتداء الخلق به في ذلك الذنب واجباً. وإنه باطل). انتهي.

فهل فاته أنه بذلك يطعن فيما رواه البخاري عن الأنبياء عليهم السلام؟!

رأي ابن تيمية و مشبهة الحنابلة في عصمة الأنبياء

ابن تيمية يهاجم الشيعة لقولهم بعصمة الأنبياء

قال في منهاج سنته:1/473: (وأما الرافضة فأشبهوا النصاري، فإن الله تعالي أمر

الناس بطاعة الرسل فيما أمروا به، وتصديقهم فيما أخبروا به، ونهي الخلق عن الغلو والإشراك بالله تعالي، فبدلت النصاري دين الله تعالي فغلوا في المسيح فأشركوا به وبدلوا دينه.....

وكذلك الرافضة غَلَوْا في الرسل بل في الأئمة حتي اتخذوهم أرباباً من دون الله، فتركوا عبادة الله وحده لاشريك له التي أمرهم بها الرسل، وكذبوا الرسل فيما أخبروا به من توبة الأنبياءواستغفارهم)! انتهي.

يقصد بذلك أن الشيعة كذبوا الرسل في أن الأنبياء عليهم السلام قد ارتكبوا المعاصي وتابوا، وذلك لأن الشيعة يكذبون الإسرائيليات في مصادر الخلافة القرشية التي تنسب إلي الأنبياء عليهم السلام المعاصي، فتكذيبها عنده يعتبر تكذيباً للرسل وكفراً!!

السبب الغريب لهجوم ابن تيمية علي العصمة

كشف ابن تيمية عن سبب حملته علي الشيعة لتنزيههم الأنبياء عليهم السلام!

فقد تخيل أن غرضهم من ذلك الطعن بأبي بكر وعمر، لأن عقيدة العصمة التامة تجعل المعاصي فضيلة وارتكابها منقصة، وأبو بكر وعمر كانا كافرين قبل الإسلام يرتكبان المعاصي، فيكون ذلك منقصة فيهما، فلا يستحقان مقام الخلافة عن النبي المعصوم عصمة تامة!.

لذا رأي ابن تيمية أنه يجب الدفاع عن أبي بكر وعمر، وذلك برفض عقيدة العصمة التامة للأنبياء عليهم السلام، والقول بأنهم كانوا قبل النبوة مثل أبي بكر وعمر كفاراً يرتكبون المعاصي ثم تابوا، ثم بجعل الكافر ومرتكب المعصية التائب أفضل من غير مرتكبها!!

قال في منهاج سنته: 2/429: (وأما ما تقوله الرافضة من أن النبي قبل النبوة وبعدها لايقع منه خطأ، ولاذنب صغير وكذلك الأئمة، فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة كلها، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف، ومن مقصودهم بذلك القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكونهما أسلما بعد الكفر، ويدعون أن علياً(رض)لم يزل مؤمناً، وأنه لم

يخطئ قط ولم يذنب قط، وكذلك تمام الإثني عشر. وهذا مما يظهر كذبهم وضلالهم فيه لكل ذي عقل يعرف أحوالهم! ولهذا كانوا هم أغلي الطوائف في ذلك وأبعدهم عن العقل والسمع....

ونكتة أمرهم أنهم ظنوا وقوع ذلك من الأنبياءوالأئمة نقصاً، وإن ذلك يجب تنزيههم عنه، وهم مخطئون إما في هذه المقدمة وإما في هذه المقدمة.

أما المقدمة الأولي فليس من تاب إلي الله تعالي وأناب إليه بحيث صار بعد التوبة أعلي درجة مما كان قبلها، منقوصاً ولا مغضوضاً منه، بل هذا مفضَّلٌ عظيمٌ مكرمٌ، وبهذا ينحل جميع ما يوردونه من الشبه). انتهي!!

ثم أفاض ابن تيمية بذكر فضائل من يعصي ويتوب، فقال في منهاجه2/430:

(وفي الصحيحين عن النبي(ص)من غير وجه أنه قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دويِّة مهلكة، عليها طعامه وشرابه، فقال (من القيلولة) تحت شجرة ينتظر الموت، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه! فكيف تجدون فرحه بها؟ قالوا: عظيماً يا رسول الله. قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته..... فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصاً بما كان من الذنب الذي تاب منه، وقد صار بعد التوبة خيراً مما كان قبل التوبة، فهو جاهل بدين الله تعالي وما بعث الله به رسوله)!!.

ثم تنازل ابن تيمية قليلاً، فقال: (ولسنا نقول إن كل من أذنب وتاب فهو أفضل ممن لم يذنب ذلك الذنب، بل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس! فمن الناس من يكون بعد التوبة أفضل، ومنهم من يعود إلي ما كان ومنهم من لا يعود إلي مثل حاله. والأصناف الثلاثة فيهم من هو أفضل ممن لم يذنب ويتب، وفيهم من هو مثله، وفيهم من

هو دونه). انتهي.

ومعني كلامه أن الكافر مرتكب المعصية إذا تاب، قد يكون أحياناً خيراً ممن لم يكفر ولم يرتكب المعصية!

ثم قال: (بل أقوال هؤلاء الذين غلوا بجهل من الأقوال المبتدعة في الإسلام (بقولهم بالعصمة التامة) وهم قصدوا تعظيم الأنبياءبجهل، كما قصدت النصاري تعظيم المسيح وأحبارهم ورهبانهم بجهل، فأشركوا بهم واتخذوهم أرباباً من دون الله)!

ثم ارتكب ابن تيمية مصادرة واضحة فاستدل علي معاصي الأنبياء عليهم السلام بما رووه من الإسرائيليات، وبظواهر بعض الآيات المتقدمة! قال في منهاجه2/435:

(بل كتب التفسير والحديث والآثار والزهد وأخبار السلف مشحونةٌ عن الصحابة والتابعين بمثل ما دل عليه القرآن (أي ارتكاب الأنبياءللمعاصي!) وليس فيهم من حرَّف الآيات كتحريف هؤلاء، ولا من كذب بما في الأحاديث كتكذيب هؤلاء، ولا من قال هذا يمنع الوثوق أو يوجب التنفير ونحو ذلك، كما قال هؤلاء)!

وقال: (وأما المسائل المتقدمة فقد شرك غير الإمامية فيها بعض الطوائف إلا غلوهم في عصمة الأنبياءفلم يوافقهم عليه أحد أيضاً، حيث ادعوا أن النبي (ص)لايسهو، فإن هذا لايوافقهم عليه أحد فيما علمت، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك، فإن بينهم وبين الرافضة قدراً مشتركاً في الغلو وفي الجهل والإنقياد لما لا يعلم صحته، والطائفتان تشبهان النصاري في ذلك)!

وقال في:2/393: (فصل: وأما قوله وإن الأنبياءمعصومون من الخطأ والسهو والمعصية صغيرها وكبيرها من أول العمر إلي آخره، وإلا لم يبق وثوق بما يبلغونه فانتفت فائدة البعثة ولزم التنفير عنهم.

فيقال: أولاً، إن الإمامية متنازعون في عصمة الأنبياء.... ثم يقال ثانياً قد اتفق المسلمون عليأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله فلايجوز أن يقرَّهم علي الخطأ في شئ مما يبلغونه عنه، وبهذا يحصل المقصود من البعثة، وأما وجوب

كونه قبل أن يبعث نبياً لايخطئ أو لايذنب، فليس في النبوة ما يستلزم هذا).

لاحظ قوله: (لايجوز أن يقرَّهم علي الخطأ في شئ مما يبلغونه عنه) فهو صريح في أن الأنبياءقد يخطئون حتي بعد البعثة في التبليغ عن الله تعالي! غاية الأمر أن الله لايقرهم علي الخطأ بل يوبخهم ويصحح لهم، وذلك لتبرير زعم قريش أن النبي صلي الله عليه وآله زاد في القرآن وكفر، ومدح الأصنام في سورةالنجم بأنهن الغرانيق العلي، وشفاعتهن ترتجي، فنزل جبرئيل ووبخه وصحح له!

ثم قال في:2/397 (والله تعالي قد أخبر أنه يبدل السيئات بالحسنات للتائب، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم من عهد الرسول(ص)وقبل أن يصدر منهم مايدعونه من الأحداث، كانوا من خيار الخلق، وكانوا أفضل من أولادهم الذين ولدوا بعد الإسلام). انتهي.

وبذلك كشف ابن تيمية عن هدفه وغرضه، وهو أن يثبت أن كفر أبي بكر وعمر ومعاصيهما قبل الإسلام، وكذا معاصي بعض الصحابة بعد الإسلام، لاتنقص من درجتهم، ولا تجعل درجة عليٍّ عليه السلام والنبي صلي الله عليه وآله لعصمتهما التي يدعيها الشيعة، وعدم عبادتهما للأصنام، أرفع من درجة الصحابة!

ثم تمادي ابن تيمية فاعتبر أن القول بعصمة الأنبياءالتامة هو حرمان للأنبياء عليهم السلام من الوقوع في المعاصي والفوز بالتوبة وثوابها العظيم!! قال في نفس الموضع:

(وأيضاً: فوجوب كون النبي لايتوب إلي الله فينال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته بذلك، ويكون بعد التوبة التي يحبه الله منه خيراً مما كان قبلها، فهذا مع ما فيه من التكذيب للكتاب والسنة، غض من مناصب الأنبياءوسلبهم هذه الدرجة، ومنع إحسان الله إليهم وتفضله عليهم بالرحمة والمغفرة.

ومن اعتقد أن كل من لم يكفر

ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره وتاب بعد ذنبه، فهو مخالف ماعلم بالإضطرار من دين الإسلام! فإنه من المعلوم أن الصحابة الذين آمنوا برسول الله(ص)بعد كفرهم وهداهم الله به بعد ضلالهم، وتابوا إلي الله بعد ذنوبهم أفضل من أولادهم الذين ولدوا علي الإسلام!

وهل يُشَبِّهُ بني الأنصار بالأنصار، أو بني المهاجرين بالمهاجرين إلا من لا علم له!!....... وقد قال عمر بن الخطاب(رض)إنما تنقض عري الإسلام عروة عروة، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية)!! انتهي.

فالنبي عند ابن تيمية إذا ذاق طعم الكفر والجرائم والمعاصي مثل أبي بكر وعمر، يكون أقرب إلي الله تعالي! والذين يقولون بعصمة النبي عليه السلام وعدم صدور المعاصي منه فقد نقصوه حقه وحرموه من النعمة العظيمة التي لاتتحقق إلا بالكفر أو بالمعاصي وهي فرحة الله بتوبته، والتي فاز بها أبو بكر وعمر!

وهكذا يظهر لك أن مكانة أبي بكر وعمر عنده هي حجر الزاوية في هندسة عقائده(الإسلامية)! وأنه لايخجل في سلب العصمة عن جميع الأنبياء عليهم السلام ورميهم بالكفر والمعاصي حتي بعد النبوة، من أجل مساواتهم بأبي بكر وعمر! والتفضل عليهم بدرجة التوبة العظيمة التي نالها أبو بكر وعمر بتوبتهما من كفرهما ومعاصيهما!

وقد واصل ابن تيمية خطبة الجمعة في مقام التائبين من جرائمهم، وكيف أن الله تعالي يمحوها بل يبدلها حسنات، ثم قال في:2/400:(وكذلك من اتفق أن شرب السم فسقي ترياقاً فاروقاً يمنع نفوذ سائر السموم فيه، كان بدنه أصح من بدن من لم يشرب ذلك الترياق. والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها. فهذا وأمثاله من خيار تأويلات المانعين لما دل عليه القرآن من توبة الأنبياءمن ذنوبهم واستغفارهم، وزعمهم أنه لم يكن هناك

مايوجب توبة ولااستغفار ولاتفضل الله عليه بمحبته وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم. فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل علي الله، ما ليس هذا موضع بسطه!

وقال: (والمقصود هنا أن الذين ادعوا العصمة مما يتاب منه، عمدتهم أنه لو صدر منهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة، لأن درجتهم أعلي فالذنب منهم أقبح، وأنه يجب أن يكون فاسقاً فلا تقبل شهادته، وأنه حينئذ يستحق العقوبة فلا يكون إيذاؤه محرماً وأذي الرسول محرم بالنص، وأنه يجب الإقتداء بهم ولايجوز الإقتداء بأحد في ذنب. ومعلوم أن العقوبة ونقص الدرجة إنما يكون مع عدم التوبة، وهم معصومون من الإصرار).

ثم ذكر عدداً من أدعية النبي صلي الله عليه وآله مستدلاً بها علي أنها دليل علي صدور الذنوب الصغيرة والكبيرة منه صلي الله عليه وآله والعياذ بال له، وإن ذلك لم يكن ينفر المسلمين منه!

ثم ختم كلامه بقوله:2/408: (وهذا عمر بن الخطاب(رض)قد علم تعظيم رعيته له وطاعتهم، مع كونه دائماً كان يعترف بما يرجع عنه من خطأ، وكان إذا اعترف بذلك وعاد إلي الصواب زاد في أعينهم وازدادوا له محبة وتعظيماً.... فعلم أن التوبة والإستغفار (من المعاصي) لاتوجب تنفيرأولاًتزيل وثوقاً)!!

دفاع ابن تيمية عن اليهود و عن أسطورة الغرانيق

قال في منهاج سنته::2/409: (وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في نبي من الأنبياءبتوبته في أمر من الأمور! وإنما كانوا يقدحون فيهم بالإفتراء عليهم كما كانوا يؤذن موسي عليه السلام، وإلا فموسي قد قتل القبطي قبل النبوة، وتاب من سؤال الرؤية، وغير ذلك بعد النبوة، وما أعلم أحداً من بني إسرائيل قدح فيه بمثل هذا. وما جري في سورة النجم من قوله:(تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتها لترتجي) علي المشهور عند السلف والخلف من

أن ذلك جري علي لسانه ثم نسخه الله وأبطله، هو من أعظم (الردود)علي قول هؤلاء...

والعصمة المتفق عليها أنه لا يُقَرُّ علي خطأ في التبليغ بالإجماع، ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا، وقوله إن هذا مما ألقاه الشيطان. ولكن روي أنهم نفروا لما رجع إلي ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها، فكان رجوعهم لدوامه علي ذمها، لا لأنه قال شيئاً ثم قال إن الشيطان ألقاه. وإذا كان هذا لم ينفر، فغيره أولي أن لا ينفر)!!

ابن تيمية يجوز أن يكون النبي كافرا فاسقا شريرا

وأخيراً صرح ابن تيمية بمذهبه وإن لفه بلفافة! فقال بعدم عصمة الأنبياءمطلقاً وأن الله تعالي يمكن أن يبعث نبياً كافراً أو فاسقاً قبل النبوة، أو يصير كافراً فاسقاً بعدها. وهو بذلك يجري مع رواسب أشعريته في إنكار الحسن والقبح العقليين، وإنكار لزوم الحكمة في أفعال الله تعالي! قال في منهاجه:2/413:

(ومما يبين الكلام في مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها، فإن الناس تكلموا في ذلك بحسب أصولهم في أفعال الله تعالي، إذْ كان جعل الشخص نبياً رسولاً من أفعال الله تعالي، فمن نفي الحِكَم والأسباب في أفعاله وجعلها معلقةً بمحض المشيئة، وجوَّز عليه فعل كل ممكن، ولم ينزهه عن فعل من الأفعال، كما هو قول الجهم بن صفوان وكثير من الناس كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من مثبتة القدر، فهؤلاء يجوِّزون بعثة كل مكلف! والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إليه! والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه! والنبوة عندهم صفة ثبوتية ولامستلزمة لصفة يختص بها، بل هي من الصفات الإضافية كما يقولون، مثل ذلك في الأحكام الشرعية. وهذا قول طوائف من أهل الكلام كالجهم بن

صفوان والأشعري وأتباعهما، ولهذا من يقول بها كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما يقول إن العقل لايوجب عصمة النبي إلا في التبليغ خاصة، فإن هذا هو مدلول المعجزة! وما سوي ذلك إن دل السمع عليه، وإلا لم تجب عصمته منه.

وقال محققوا هؤلاء كأبي المعالي وغيره إنه ليس في السمع قاطع يوجب العصمة، والظواهر تدل علي وقوع الذنوب منهم! وكذلك كالقاضي أبي بكر إنما يثبت مايثبته من العصمة في غير التبليغ إذا كان من موارد الإجماع، لأن الإجماع حجة، وما سوي ذلك فيقول لم يدل عليه عقل ولا سمع.

وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة عليهم بأن هذا يوجب التنفير ونحو ذلك فيجب من حكمة الله منعهم منه، قالوا هذا مبني علي مسألة التحسين والتقبيح العقليين ونحن نقول لايجب علي الله شئ ويحسن منه كل شئ! وإنما ننفي ما ننفيه بالخبر السمعي، ونوجب وقوع ما يقع بالخبر السمعي أيضاً، كما أوجبنا ثواب المطيعين وعقوبة الكافرين لإخباره أنه يفعل ذلك، ونفينا أن يغفر لمشرك لإخباره أنه لايفعل ذلك، ونحو ذلك. وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم ممن يقول بأصله في التعديل والتجوير، وأن الله لايفضل شخصاً علي شخص إلا بعمله، يقول إن النبوة أو الرسالة جزاءٌ علي عمل متقدم فالنبي فَعَل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن يجزيه الله بالنبوة، وهؤلاء القدرية في شق، وأؤلئك الجهمية الجبرية في شق). انتهي.

إن اعتراف ابن تيمية هذا، لايقف عند تجويزه أن يكون النبي كافراً فاسقاً شريراً! بل يصل إلي نفي الحكمة عن الله تعالي في أفعاله وأقواله!

وهذا هو نفس معبود التوراة الذي قال التلمود في وصفه: (سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل

الويل لمن أخرب بيته....وَيْلِي علي ما أخربت من بيتي! ويْلي علي ما فرقت من بنيَّ وبناتي)! (الفصل لابن حزم:1/1/222)

البخاري ينقض عصمة الأنبياء و يفتري عليهم

صحيح البخاري مشحون بالإسرائيليات التي تطعن في الأنبياء و أسوأ منها القرشيات التي تطعن في نبينا

نبي الله إبراهيم يكذب

مضافاً إلي ما تقدم، نورد هنا عدداً من افتراءات البخاري علي الأنبياء عليهم السلام!

فقد نسب إلي نبي الله إبراهيم عليه السلام في:4/112و113، وكرر ذلك في:6/121، أنه كذب ثلاث كذبات، اثنتان لله، وواحدة لغير الله! قال: (لم يكذب ابراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين منهن في ذات الله عز وجل، قوله: إِنِّي سَقِيمٌ، وقوله: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا! وقال بينا هو ذات يوم وسارة إذ أتي علي جبار من الجبابرة فقيل له إن ههنا رجلاً معه امرأة من أحسن الناس فأرسل إليه فسأله عنها فقال من هذه؟ قال: أختي)!

وروي في:5/226: أن ابراهيم عليه السلام يستحي من ربه يوم القيامه أن يشفع للناس بسبب كذباته الثلاث! وكرر ذلك في:5/225و:7/203و:8/172و183،و192،و201!!

نبي الله موسي غضوب بطاش

وفي:2/92، روي ما يقوله اليهود حرفياً في نبي الله موسي عليه السلام ووضعه علي لسان نبينا صلي الله عليه وآله، مثل أن موسي كان قوي الشخصية والبدن وقد غضب علي ملك الموت ولطمه ففقأ عينه وأرسله إلي السماء أعور باكياً شاكياً! فعالجه الله تعالي وأعاده ليقبض روح موسي عليه السلام! واحتاج عزرئيل إلي استعمال الحيلة مع موسي فأعطاه تفاحة مسمومة، فشمها موسي فمات!!

قال البخاري: (باب من أحب الدفن في الأرض المقدسة... أرسل ملك الموت إلي موسي فلما جاءه صكه! فرجع إلي ربه فقال: أرسلتني إلي عبد لايريد الموت! فرد الله عز وجل عليه عينه وقال: إرجع فقل له يضع يده علي متن ثور، فله بكل ما غطت به يده بكل شعرة سنة، قال: أي رب ثم ماذا؟ قال: ثم الموت. قال: فالأن. فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، قال قال رسول الله (ص) فلو كنت ثم لأريتكم قبره إلي جانب

الطريق عند الكثيب الأحمر)! وكرر البخاري هذا الحديث المزعوم في:4/130، فقال: (باب وفاة موسي وذكره بعد...(كذا)! وحذف منه جملة (ففقأ عينه)، التي أثبتها مسلم:7/99!!

قال ابن حجر في فتح الباري:6/315: (صكه: أي ضربه علي عينه، وفي رواية همام عن أبي هريرة عند أحمد ومسلم: جاء ملك الموت إلي موسي فقال أجب ربك فلطم موسي عين ملك الموت ففقأها!

وفي رواية عمار بن أبي عمار عن أبي هريرة عند أحمد والطبري:كان ملك الموت يأتي الناس عياناً فأتي موسي فلطمه ففقأ عينه.....وفي رواية عمار: فقال يا رب عبدك موسي فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه)!!

نبي الله موسي يركض عاريا وراء ثيابه

روي البخاري قصة (ثوبي حجر) التي يزعم فيها اليهود أن نبي الله موسي عليه السلام كان يغتسل ووضع ثيابه علي حجر، فركض الحجر هارباً بثيابه، وركض موسي وراءه عارياً، ورآه بنو إسرائيل! فغضب موسي علي الحجر وأخذ ثيابه منه وضربه بعصاه!

وزعموا أن ذلك كان بتدبير الله تعالي لكي يبرئ موسي عليه السلام من اتهام بني إسرائيل له بأن له أُدْرَة! وكأن تبرئة الله تعالي لنبيه عليه السلام لاتتم إلا بإهانته!

قال البخاري:4/129: (فوضع ثيابه علي الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل إلي ثيابه ليأخذها وإن الحجر عدا بثوبه فأخذ موسي عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول ثوبي حجر! ثوبي حجر! حتي انتهي إلي ملأ من بني إسرائيل فرأوه عرياناً أحسن ما خلق الله وأبرأه مما يقولون، وقام الحجر فأخذ ثوبه فلبسه وطفق بالحجر ضرباً بعضاه! فوالله إن بالحجر لندباً من أثر ضربه ثلاثاً أو أربعاً أو خمساً، فذلك قوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاتَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَي فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً). انتهي.

وكرره البخاري هذا الحديث

علي عادته بمثله أو بنحوه في:6/28 و:1/73!

نبي الله سليمان مفرط في الجنس، معرض عن ذكر الله

وروي البخاري في:3/209 عن سليمان عليه السلام: (قال سليمان بن داود عليهما السلام لأطوفن الليلة علي مائة امرأة أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله فقال له صاحبه: قل إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله! فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل! والذي نفس محمد بيده لوقال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون)! وكرره البخاري بنحوه:4/136و:6/160!

البخاري يروي تفضيل نبينا علي الرسل والبشر

قال في:5/225: (قال: أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون ممَّ ذلك؟ يجمع الناس الأولين والإخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لايطيقون ولا يحتملون فيقول الناس ألا ترون ما قد بلغكم، ألا تنظرون من يشفع لكم إلي ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض عليكم بآدم فيأتون آدم عليه السلام فيقولون له: أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، وأمر الملائكة فسجدوا لك، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه، ألا تري إلي ما قد بلغنا؟

فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله! ولن يغضب بعده مثله! وإنه نهاني عن الشجرة فعصيته، نفسي نفسي نفسي، إذهبوا إلي غيري إذهبوا إلي نوح!!

فيأتون نوحاً فيقولون يا نوح إنك أنت أول الرسل إلي أهل الأرض وقد سماك الله عبداً شكوراً، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟

فيقول: إن ربي عز وجل قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله، وإنه قد كانت لي دعوة دعوتها علي قومي. نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلي غيري، إذهبوا إلي إبراهيم!!

فيأتون إبراهيم فيقولون يا إبراهيم أنت نبي

الله وخليله من أهل الأرض اشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فيقول لهم: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله! وإني قد كنت كذبت ثلاث كذبات، فذكرهن أبو حيان في الحديث، نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلي غيري إذهبوا إلي موسي!! فيأتون موسي فيقولون ياموسي أنت رسول الله، فضلك الله برسالته وبكلامه علي الناس، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فيقول: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله، وإني قد قتلت نفساً لم أومر بقتلها، نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلي غيري، إذهبوا إلي عيسي! فيأتون عيسي فيقولون ياعيسي أنت رسول الله وكلمته، ألقاها إلي مريم وروح منه وكلمت الناس في المهد صبياً، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فيقول عيسي: إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله!! ولم يذكر ذنباً، نفسي نفسي نفسي! إذهبوا إلي غيري إذهبوا إلي محمد!!

فيأتون محمداً فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياءوقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، إشفع لنا إلي ربك، ألا تري إلي ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش فأقع لربي عز وجل، ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئاً لم يفتحه علي أحد قبلي، ثم يقال يا محمد إرفع رأسك سل تعطه، واشفع تشفَّع، فأرفع رأسي فأقول أمتي يا رب أمتي يا رب، فيقال يا محمد أدخل من أمتك من لاحساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة وهم شركاء الناس فيما سوي ذلك، من الأبواب

ثم قال: والذي نفسي بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة كما بين مكة وحمير، أو كما بين مكة وبصري). انتهي.

ونحن نعتقد بتفضيل نبينا وآله صلي الله عليه وآله علي الخلق كلهم، لكنا لانقبل حديث أبي هريرة المذكور، لأنه مصوغً من جو الإسرائيليات والمسيحيات عن غضب الله تعالي، وعن اعترافات أنبيائه بمعاصيهم إلا عيسي عليهم السلام!

ونطمئنُّ بأن البخاري أورده لا لكي يمدح النبي صلي الله عليه وآله فهو لايتردد في تفضيل بقية الأنبياءعليه صلي الله عليه وآله حتي يونس عليه السلام! بل ليثبت فضيلة لأمته التي في طليعتها طلقاء قريش! وحيثما وجدنا مدحاً لأمة النبي صلي الله عليه وآله فينبغي لنا أن نفحصه حتي لايكون موضوعاً، أو يكون كلمة حق أريد بها باطل!

ثم يتراجع البخاري و يفضل نبي الله موسي علي نبينا لكنه يفضل قريشا علي اليهود

روي صحيحه:8/48: روي أن نبي الله موسي رغم عيوبه يبقي أفضل من نبينا صلي الله عليه وآله، لأنه يفيق قبله من نفخة الصور يوم القيامة، أو يستثني منها أصلاً، لأنه أصيب بالصعقة في طور سيناء فكفته عن صعقة الصور!

قال البخاري: (قال (ص): لاتخيروني من بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا أنا بموسي أخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي، أم جزي بصعقة الطور)!! انتهي. وكرر ذلك في:3/88، و:4/ 126و131و133، و:5/196، و:6/34، و:7/193، و:8/177!

كما روي سبباً آخر لتفضيل موسي علي نبينا صلي الله عليه وآله هو أن موسي عليه السلام كان أوسع صدراً، فقد تحمل من بني إسرائيل أكثر مما تحمل نبينا صلي الله عليه وآله من قريش! قال في:4/130: (قسم النبي(ص) قسماً فقال رجل: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، فأتيت النبي(ص)فأخبرته، فغضب حتي رأيت الغضب

في وجهه، ثم قال: يرحم الله موسي قد أوذي بأكثر من هذا، فصبر)! وكرره في:5/106و:7/87 و96و143و153!

وبهذا تكون قريش أفضل من اليهود لأنها لم تؤذ نبيها صلي الله عليه وآله كما آذت اليهود موسي عليه السلام! ولهذا يبكي موسي عليه السلام يوم القيامة لتفضيل أمة محمد علي أمته!

قال البخاري:4/249 عن لسان النبي صلي الله عليه وآله يصف معراجه: (فلما خلصت فإذا موسي قال هذا موسي فسلِّمْ عليه فسلمتُ عليه فردَّ ثم قال: مرحباً بالإخ الصالح والنبي الصالح، فلما تجاوزت بكي! قيل له: ما يبكيك؟ قال أبكي لأن غلاماً بعث بعدي يدخل الجنة من أمته أكثر من يدخلها من أمتي)!

وينبغي أن تعرف أن تعبير(غلاماً) عن النبي صلي الله عليه وآله تعبير يهودي فهم يزعمون أن الله تعالي جعل إسماعيل وذريته عبيداً لأبناء إسحاق!!

وهكذا يحرص البخاري علي إرضاء ولي نعمته المتوكل العباسي في تبرئة القرشيين وتفضيلهم، حتي لو استوجب ذلك تنقيص مقام النبي صلي الله عليه وآله!

و يفضل عيسي علي نبينا

رواه البخاري مرة واحدة لأن روايته مسيحية وليست إسرائيلية! قال في:4/94: (قال النبي(ص): كل بني آدم يطعن الشيطان في جنبيه بإصبعه حين يولد، غير عيسي بن مريم ذهب يطعن فطعن في الحجاب)!! انتهي.

ومعني هذا الحديث المزعوم غريب قد يعرفه البخاري والقساوسة، فما معني أن الشيطان يطعن في جنب المولود، وهل يتسلط عليه بهذه الطعنة بإصبعه؟ وما معني أنه أراد أن يطعن في جنبيَّ عيسي عليه السلام فذهبت طعنة إصبعه في الحجاب، ولم تصل إلي أحد جنبيه؟ وما هو ذلك الحجاب، ولماذا خص الله به عيسي من دون الرسل والبشر، حتي نبينا صلي الله عليه وآله؟!

و يروي النهي عن تفضيل الأنبياء علي بعضهم

قال الله تعالي:(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ). (البقرة:253)

(وَإِذْ أخذ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَي ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ). (آل عمران:81) فقد نصَّت الآيات الكريمة علي تفاضل الرسل عليهم السلام، وأجمع المسلمون علي تفضيل نبينا صلي الله عليه وآله علي الجميع، ورواه البخاري كما رأيت.

لكن البخاري نقض ما رواه من تفضيل نبينا صلي الله عليه وآله من جهة!

ثم خالف القرآن فروي قاعدة تحريم تفضيل الأنبياء عليهم السلام علي بعضهم!

ثم نقض هذه القاعدة فروي تفضيل موسي علي نبينا صلي الله عليه وآله كما رأيت!!

قال البخاري:4/132: (عن

أبي هريرة قال: بينما يهودي يعرض سلعته، أعطي بها شيئاً كرهه فقال: لا والذي اصطفي موسي علي البشر، فسمعه رجل من الأنصار فقام فلطم وجهه وقال: تقول والذي اصطفي موسي علي البشر، والنبي بين أظهرنا؟! فذهب إليه فقال أبا القإسم إن لي ذمة وعهداً فما بال فلأن لطم وجهي؟! فقال: لم لطمتَ وجهه؟ فذكره، فغضب النبي(ص)حتي رؤي في وجهه! ثم قال: لاتفضلوا بين أنبياءالله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم ينفخ فيه أخري فأكون أول من بعث، فإذا موسي أخذ بالعرش، فلا أدري أحوسب بصعقته يوم الطور أم بعث قبلي! ولا أقول إن أحداً أفضل من يونس بن متي!). انتهي.

فهذا الحديث المزعوم صريح في أن النبي صلي الله عليه وآله وقف إلي جانب اليهودي الذي زعم أن الله تعالي اصطفي موسي علي البشر، وأنه صلي الله عليه وآله خَطَّأ المسلم الذي زعم أن الله اصطفي النبي صلي الله عليه وآله علي البشر!!

بل زاد في آخره النهي عن تفضيله صلي الله عليه وآله علي نبي الله يونس! وروي بعده مباشرة: (عن النبي(ص)قال: لاينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متي)!

وكرر حديث النهي عن تفضيل أحد علي يونس بصيغ مختلفة في أكثر من عشرة مواضع في:4/125و132بروايتين، و:5/193و:6/30 و:8/213، و:5/185و:6/31 وفي الإخيرتين: من قال أنا خير من يونس بن متي فقد كذب! والمقصود به أن لايفضل أحد نبينا صلي الله عليه وآله علي يونس عليه السلام!

أما السبب فهو تعريض القرشيين بنبينا صلي الله عليه وآله وأنه كيونس لم يصبر علي قومه بل ذهب مغاضباً منهم، وهاجر إلي المدينة واستعان عليهم بالأنصار!

وإلا

فلا معني لروايته أصلاً، أو روايته في سياق تفضيل موسي علي نبينا صلي الله عليه وآله!!

الانبياء عند البخاري عصبيون كما في التوراة

روي البخاري أن الأنبياء عليهم السلام غير معصومين عن الغضب المفرط انتقاماً لأنفسهم! في حديثين في نبي قرصته نملة، فغضب وأحرق قرية النمل بالنار، قال في:4/22: (قرصت نملة نبياً من الأنبياءفأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه إن قرصتك نملة أحرقت أمة من الأمم تسبح الله)!! وكرره في:4/100!!

قرشيات البخاري في الطعن بنبينا أسوأ من إسرائيلياته

عندما يصل البخاري إلي نبينا صلي الله عليه وآله تنضم قرشياته إلي إسرائيلياته، وتتعاونان في طعن قريش المبطن في عصمة نبينا صلي الله عليه وآله وشخصيته!!

تزعم هذه الفِرَي القرشية أن النبي صلي الله عليه وآله من الأساس لم يكن علي يقين من بعثته، بل كان في شك وحيرة! ثم لما أطمأن بنبوته وتأخر عليه الوحي، قرر أن ينتحر!!

وهو ثانياً، غير معصوم حتي في تبليغ رسالة ربه، فقد غلبه الشيطان فخان الرسالة وغيَّر القرآن واستبدل ذم أصنام قريش اللات والعزي ومناة بمدحها، وسجد لها هو والمشركون، فعبد الأصنام وكفر برب العالمين!

وهو ثالثاً، ليس أفضل من أنبياءبني إسرائيل، فموسي علي عيوبه ومعاصيه أفضل منه، ويونس علي تركه لقومه ومغاضبته خير منه، وعيسي خير منه!!

وهو رابعاً، عصبي المزاج سئ الإخلاق مع المسلمين، غير مسدد في منطقه، ولذا ينطق عن الهوي ويسب ويشتم ويلعن بغير حق، وهو غير مسدد في عمله فقد يؤذي ويجلد الناس ظلماً وعدواناً!

وهو خامساً، ساذج ضعيف الشخصية والتدبير، يقع في أخطاء فظيعة، فيصححها له عمر وينزل الوحي موبخاً له مؤيداً لعمر!

وهو سادساً، ظلم قريشاً في بدر وأخذ منهم أسري بغير حق، وأخذ من الأسري فدية حتي أطلقهم، فعاقبه الله بهزيمته وكسر رباعيته في أحد!

وهو سابعاً، غير مسدد في حكمه وقضائه بين المسلمين، فقد يقضي لشخص بالباطل لأنه حاذق في

كلامه!

وهو ثامناً، ينهي عن الأمر ويرتكبه، فقد نهي المسلمين عن التمني وقول (لو) لكنه تمني وقالها مرات!

وهو تاسعاً، صاحب ذهن عادي، ينسي كثيراً، فقد نسي أنه جُنُب لم يغتسل وبدأ في صلاته! وقد نسي عدد ركعات الصلاة ونقَّص منها! وقد أخطأ في قراءة القرآن في صلاته فصححها له بدوي!

وهو عاشراً، غلب عليه المرض في آخر حياته فأخذ يهذي وطلب من المسلمين أن يأتوه بدواة وقرطاس ليكتب لهم كتاباً يؤمِّنهم من الإختلاف والضلال إلي يوم القيامة، فرفض ذلك عمر وقال نبيكم غلب عليه الوجع، وأيده أكثر الحاضرين، ومنعوه من كتابة ذلك العهد!

كما كان يغمي عليه في مرضه ويفيق، فأحس بأنهم يريدون أن يسقوه دواء إذا أغمي عليه (يَلِدُّوه)، فنهاهم عن ذلك فلم تسمع كلامه عائشة وحفصة كلامه ولدَّتاه، فلما أفاق غضب عليهم وأمرهم أن يشربوا من ذلك الدواء كلهم، إلا بني هاشم!

وأخيراً تقول عائشة إنه سُحِرَ ففقد ذاكرته، وبقي لستة أشهر مسحوراً يخيَّلُ إليه أنه فعل الشئ وهو لم يفعله، وأنه أتي زوجته ولم يأتها!

روايات البخاري المشينة في سلوك نبينا

أما إذا وَصَلَ الحديث إلي سلوك النبي الشخصي صلي الله عليه وآله، فتري في البخاري الأعاجيب! فهو مفرط في الجنس، يأتي نساءه التسعة في ليلة واحدة، ويباشر زوجته وهي حائض، ويتبذَّل تبذلاً لايناسب وجيهاً اجتماعياً عادياً، فيبول وهو واقف، ويستقبل ضيوفه وهو مضطجع، ويستمع الغناء، ويشرب النبيذ!

أما عمر بن الخطاب فكان محافظاً أكثر منه، حيث قال له أحجب نساءك فلم يفعل، فأنزل الله آية الحجاب، وأمره بما أمره به عمر!

وتجد في البخاري أنه صلي الله عليه وآله كان مغرماً بزوجة له اسمها عائشة، يفضلها علي كل زوجاته، فكان يستمع معها الغناء من جاريتين

تغنيان لهما، ويحملها علي كتفه ويضع خده علي خدها لتشاهد من شباك الغرفة رقص الأحباش، ويأخذها معه في غزواته، وربما ترك جيشه وسابقها، وقد سبقها مرة وسبقته مرة، فتعادلا!

وقد روت عنه عائشة مئات الأحاديث، فيها قصص حياتهما الشخصية، مما لايناسب زوجين مسلمين محافظين!!

إلي غير ذلك من مطاعن البخاري في نبينا صلي الله عليه وآله التي لو أفضنا فيها لخرجنا عن قصد هذا الكتاب، فنكتفي بالتعداد، وتفصيل بعضها!

البخاري يفتتح صحيحه بالطعن في نبوة نبينا

صدَّر البخاري صحيحه بحديث بدء الوحي وكرره في أجزاء كتابه مرات، فروي عن عائشة أن النبي صلي الله عليه وآله لم يبعث نبياً في جوٍّ واضح، ولا رأي جبرئل بالأفق المبين كما قال تعالي:وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ. وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ. إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ. ذِي قُوَةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ. وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ.وَلَقَدْ رَآهُ بِالآفُقِ الْمُبِينِ. وَمَا هُوَعَلَي الْغَيْبِ بِضَنِينٍ. وَمَا هُو بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ. إِنْ هُوَإِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ. لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ.وَمَا تَشَاءُونَ إلا أَنْ يَشَاءَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ). (التكوير:17-29)

يقول البخاري كلا! فقد كان الأفق غائماً وكانت النبوة مشكوكة! والذي جاء للنبي صلي الله عليه وآله أشبه بكابوس منه بملَك، وكان تعامله معه وحشياً! فقد أمره أن يقرأ، ولم يقبل عذره بأنه لايعرف القراءة، فغطه غطاً عنيفاً ثلاث مرات!! أي أمسكه، وخبزه بالأرض، وعجنه!!

والأهم من ذلك أن النبي صلي الله عليه وآله لم يعرف جبرئيل، ولا فهم كلامه ولا ما يريده منه! وعاد إلي منزله في مكة مرعوباً فشكي إلي زوجته خديجة عليها السلام فطمأنته، لكنها بقيت هي في شك! فأخذت زوجها إلي ورقة بن نوفل، وهو قسيس عجوز من قبيلتها بني زهرة، وعرضت عليه مشكلة زوجها،

فسأله ورقة وأجابه، فطمأنه بأن الذي جاءه هو حبرئيل، وأنه فعلاً قد بعث نبياً!!

لكن النبي صلي الله عليه وآله لم يطمئن، خاصة بعد أن انقطع عنه الوحي! فقرر أن يلقي بنفسه من رأس جبل شاهق وينتحر! وذهب مراراً إلي رؤوس الجبال، لكنه كلما ذهب إلي رأس جبل لينتحر، كان جبرئيل يأتيه ويمنعه من ذلك!!

قال بخاري في صحيحيه:8/67: (باب التعبير وأول ما بدئ به رسول الله(ص)من الوحي.. عن عائشة أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لايري رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فكان يأتي حِرَاء فيتحنَّث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلي خديجة فتزوده لمثلها، حتي فجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: إقرأ، فقال له النبي(ص): ما أنا بقارئ، قال فأخذني فغطني حتي بلغ مني الجَهد! ثم أرسلني فقال:إقرأ! فقلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني الثانية حتي بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ! فقلت:ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتي بلغ مني الجهد! ثم أرسلني فقال: إقرأ باسم ربك! ثم أرسلني فقال: إقرأ بإسم ربك الذي خلق، حتي بلغ ما لم يعلم.

فرجع بها ترجف بوادره حتي دخل علي خديجة فقال: زمِّلوني زمِّلوني، فزمَّلوه حتي ذهب عنه الروع! فقال يا خديجة مالي؟! وأخبرها الخبر وقال: قد خشيت علي نفسي! فقالت له: كلا، أبشر فوالله لايخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين علي نوائب الحق.

ثم انطلقت به خديجة حتي أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزي بن قصي، وهو ابن عم خديجة أخو أبيها، وكان امرأً تنصَّر

في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العبري فيكتب بالعربية من الإنجيل ماشاء الله أن يكتب، وكان شيخاً كبيراً قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم إسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة: ابنَ أخي ماذا تري؟ فأخبره النبي(ص)ما رأي فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل علي موسي، يا ليتني فيها جذعاً أكون حياً حين يخرجك قومك؟ فقال رسول الله: أو مُخرجيَّ هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً، ثم لم ينشب ورقه أن توفي!

وفتر الوحي فترة حتي حزن النبي(ص) فيما بلغنا حزناً غدا منه مراراً كي يتردي من رؤس شواهق الجبال، فكلما أوفي بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدي له جبريل فقال يامحمد إنك رسول الله حقاً، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك! فإذا أوفي بذروة جبل تبدَّي له جبريل فقال له مثل ذلك)!!

نعم لقد افتتح البخاري بهذه الخرافة:1/2 وكررها في:4/124، و6/88!!

غرانيق قريش و محاولات التغطية علي البخاري

الغرانيق جمع غرنوق، وهو طائر أبيض من طيور الماء يشبه الكركي، يعلو في طيرانه. وقد شبهت به قريش أصنامها الخاصة بها: اللات والعزي ومُناة، ووصفتها بالغرانيق العلي، لأن مقامها عند الله بزعمهم مقامٌ عال كطائر الغرنوق! (النهاية:3/364، والعين:4/458، ولسان العرب:10/287).

قال الرازي في تفسيره:24/12:(والغرانيق تصعد في الجو جداً عند الطيران، فإن حجب بعضها عن بعض ضباب أو سحاب، أحدثت عن أجنحتها حفيفاً مسموعاً يلزم به بعضها بعضاً، فإذا نامت علي جبل فإنها تضع رؤوسها تحت أجنحتها، إلا القائد فإنه ينام مكشوف الرأس، فيسرع انتباهه وإذا سمع جرساً صاح). انتهي.

وقد كان موقف النبي صلي الله عليه وآله من الأصنام

من أول بعثته موقفاً صريحاً حاسماً لامساومة فيه، رافضاً لها كلها، داعياً إلي عبادة رب العالمين وحده لاشريك له، وكانت سور القرآن تتوالي مهاجمةً الأصنام وعُبَّادها، مسفهةً أحلامهم، حتي قال القرشيون: إن محمداً قد سب آلهتنا وسفه أحلامنا!

في ذلك الجو نزلت سورة النجم بعد أكثر من عشرين سورة من القرآن، كلها صريحة في رفض الأصنام، ومنها سورة الكافرون، وقل هو الله أحد! لكن سورة النجم تميزت بأنها ذمَّت أصنام قريش الثلاثة بأسمائها، فقال الله تعالي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَي.أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنثي. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي. إِنْ هِيَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاالظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَي. (19-23) فكان ذلك إعلاناً بتسفيه أصنام قريش (اللات والعزي ومناة) وإسقاطها إلي الأبد!

ومن الطبيعي أن يكون تأثير ذلك علي قريش كبيراً، وأن يثير كبرياءها وردة فعلها العنيف، وهذا ما حدث بالفعل حتي وصلت إلي قرار قتل النبي صلي الله عليه وآله، فأنجاه الله بالهجرة.

في هذا السياق القطعي من السيرة لايمكننا أن نفسير قصة الغراني إلا بأنها ردة فعل قرشية، وأن أصلها أن أحد المشركين القرشيين أجاب علي ذم أصنام قريش في سورة النجم: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري، أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنثي، تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي، إِنْ هِيَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاالظَّنَّ وَمَاتَهْوَي الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَي. فقام بتحريفها إلي مدح للأصنام وقال:أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ تلك الغرانيق العلي، وإن شفاعتهن لترجي! فأعْجَبَ ذلك القرشيين وتمنوا لو أن القرآن قال هذا المديح في آلهتهم، بدل ذمها وذمهم!

ومن

المؤكد أن قصة الغرانيق وضعها رواة قريش بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله، ولم يكن لها عين ولا أثر في سيرته صلي الله عليه وآله في مكة، وإلا لرفعها المشركون علماً، وطبَّل بها اليهود وزمَّروا!

لكن السؤال ما هو غرض طلقاء قريش من ترويج هذه القصة بعد وفاة النبي صلي الله عليه وآله ونسبتها اليه مع أن أصنامهم انتهت وهدمت، وتبرؤوا منها ودخلوا في الإسلام تحت السيف ثم رضوا به؟!

الجواب: أن الغرض منها إثبات أن النبي صلي الله عليه وآله لم يكن معصوماً عصمة مطلقة حتي تكون كل تصرفاته وأقواله حجة، بل كان يخطئ حتي في تبليغ الوحي! وبذلك يمكن تبريرمخالفة الخلفاء والسلطة لأوامره صلي الله عليه وآله!

فالمهم عندهم تبرير مخالفةالنبي صلي الله عليه وآله وليكن ثمن ذلك قصة الغرانيق التي تزعم أنه صلي الله عليه وآله ارتكب خيانة في نص القرآن والعياذ بالله، وكفَر ومدَح أصنام قريش لكي ترضي عنه، وسجد لها وسجد معه مشايخ قريش وكل من كان في المسجد، وزاد البخاري أن كل الإنس والجن سجدوا يومها!!

وزادت الرواية المزعومة أن زعماء قريش طاروا فرحاً بخيانة النبي صلي الله عليه وآله في نص القرآن، وطبيعي أن يطير المستشرقون فرحاً بهذه القصة!!

وأخيراً المرتد سلمان رشدي والحكومات الغربية!!

البخاري يروي فرية الغرانيق في ست مواضع

روي البخاري:2/32: (عن عبدالله(رض)قال قرأ النبي(ص)النجم بمكة فسجد فيها وسجد من معه، غير شيخ أخذ كفاً من حصي أو تراب ورفعه إلي جبهته وقال يكفيني هذا، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً...

وعن عبد الله(رض)أن النبي(ص)قرأ سورة النجم فسجد بها، فما بقي أحد من القوم إلا سجد، فأخذ رجل من القوم كفاً من حصي أو تراب فرفعه إلي وجهه وقال يكفيني هذا،

فلقد رأيته بعد قتل كافراً...

وعن ابن عباس(رض)أن النبي(ص)سجد بالنجم وسجد معه المسلمون والمشركون، والجن والإنس! ورواه ابن طهمان عن أيوب).

وفي:4/239: (عن عبد الله(رض)قال: قرأ النبي(ص)النجم فسجد، فما بقي أحد إلاسجد إلا رجل رأيته أخذ كفاً من حصي فرفعه فسجد عليه وقال: هذا يكفيني، فلقد رأيته بعد قتل كافراً بالله). وفي:5/7: بنحوه.

وفي:6/52: (قال فسجد رسول الله(ص)وسجد من خلفه إلا رجلاً رأيته أخذ كفاً من تراب فسجد عليه، فرأيته بعد ذلك قتل كافراً، وهو أمية بن خلف). انتهي. فهذه ست روايات رواها البخاري علي الأقل.

ورواه مسلم بنحوه في:2/88، ورواه في:6/52، وسمي الذي سجد بأنه أمية بن خلف).

وقال الحاكم في المستدرك:1/221: (عن عبد الله قال: أول سورة قرأها رسول الله صلي الله عليه وآله علي الناس الحج، حتي إذا قرأها سجد فسجد الناس، إلا رجل أخذ التراب فسجد عليه فرأيته قتل كافراً. هذا حديث صحيح علي شرط الشيخين بالإسنادين جميعاً، ولم يخرجاه إنما اتفقا علي حديث شعبة عن أبي إسحاق عن الأسود عن عبد الله أن النبي صلي الله عليه وآله قرأ والنجم، فذكره بنحوه، وليس يعلل أحد الحديثين الإخيرين، فإني لاأعلم أحداً تابع شعبة علي ذكره النجم، غير قيس بن الربيع. والذي يؤدي إليه الإجتهاد صحة الحديثين، والله أعلم).

ومعني كلام الحاكم: أنه كان الأولي بالبخاري ومسلم أن يرويا السجود في سورة الحج لأنها أصح، ولكنهما تركاها ورويا السجود في سورة النجم!!

وقال البيهقي في سننه:2/314:(عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي(ص) سجد فيها يعني والنجم، وسجد فيها المسلمون والمشركون والجن والإنس. رواه البخاري في الصحيح عن أبي معمر وغيره عن عبد الوارث.

وصححه في مجمع الزوائد:7/115، قال: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي...عن ابن

عباس فيما يحسب سعيد بن جبير، أن النبي(ص)كان بمكة، فقرأ سورة والنجم حتي انتهي إلي: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري،فجري علي لسانه: تلك الغرانيق العلي الشفاعة منهم ترتجي. قال: فسمع بذلك مشركو أهل مكة فسرُّوا بذلك فاشتدَّ علي رسول الله(ص)فأنزل الله تبارك وتعالي:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ. رواه البزار والطبراني... ورجالهما رجال الصحيح، إلا أن الطبراني قال: لا أعلمه إلا عن ابن عباس عن النبي(ص)وقد تقدم حديثٌ مرسل في سورة الحج أطول من هذا، ولكنه ضعيف الإسناد).

ويقصد بالحديث المرسل الحديث الذي يضعفه بابن لهيعة وقد وثقه عدد من علمائهم، وله شواهد صحيحة تجعله حسناً، وهو في مجمع الزوائد: 7/70، وفيه:

(حين أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم إذا هوي، فقال المشركون: لوكان هذا الرجل يذكر آلهتنا بخير أقررناه وأصحابه، فإنه لا يذكر أحداً ممن خالف دينه من اليهود والنصاري بمثل الذي يذكر به آلهتنا من الشتم والشر. فلما أنزل الله السورة التي يذكر فيها والنجم وقرأ: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري، ألقي الشيطان فيها عند ذلك ذكر الطواغيت، فقال: وإنهم من الغرانيق العلي وإن شفاعتهم لترتجي، وذلك من سجع الشيطان وفتنته فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك، وذلقت بها ألسنتهم واستبشروا بها، وقالوا: إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه، فلما بلغ رسول الله (ص)آخر السورة التي فيها النجم سجد وسجد معه كل من حضره من مسلم ومشرك، غير أن الوليد بن المغيرة كان كبيراً فرفع ملء كفه تراب فسجد عليه، فعجب الفريقان كلاهما من جماعتهم في السجود لسجود رسول

الله(ص)، فأما المسلمون فعجبوا من سجود المشركين من غير إيمان ولا يقين، ولم يكن المسلمون سمعوا الذي ألقي الشيطان علي ألسنة المشركين. وأما المشركون فاطمأنت أنفسهم إلي النبي(ص)وحدثهم الشيطان أن النبي (ص)قد قرأها في السجدة فسجدوا لتعظيم آلهتهم، ففشت تلك الكلمة في الناس وأظهرها الشيطان حتي بلغت الحبشة! فلما سمع عثمان بن مظعون وعبدالله بن مسعود ومن كان معهم من أهل مكة أن الناس أسلموا وصاروا مع رسول الله(ص)، وبلغهم سجود الوليد بن المغيرة علي التراب علي كفه، أقبلوا سراعاً! فكبُر ذلك علي رسول الله(ص)فلما أمسي أتاه جبريل عليه السلام فشكا إليه، فأمره فقرأ له، فلما بلغها تبرأ منها جبريل! وقال: معاذ الله من هاتين ما أنزلهما ربي ولا أمرني بهما ربك! فلما رأي ذلك رسول الله(ص)شق عليه وقال: أطعتُ الشيطان وتكلمتُ بكلامه وشرَّكني في أمر الله! فنسخ الله ما يلقي الشيطان وأنزل عليه:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ إلا إذا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وإن الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ). الحج:52-53 فلما برأه الله عز وجل من سجع الشيطان وفتنته، انقلب المشركون بضلالهم وعداوتهم. فذكر الحديث وقد تقدم في الهجرة إلي الحبشة. رواه الطبراني مرسلاً وفيه ابن لهيعة، ولا يحتمل هذا من ابن لهيعة).

وقد أورد السيوطي قصة الغرانيق بعدة طرق بعضها صحيح في الدر المنثور:4/194وقال في ص366: (وأخرج البزار، والطبراني، وابن مردويه، والضياء في المختارة بسند رجاله ثقات، من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: إن رسول الله(ص)قرأ: أفرأيتم اللات والعزي ومنات الثالثة الأخري تلك الغرانيق العلي

وإن شفاعتهن لترتجي! ففرح المشركون بذلك وقالوا: قد ذكر آلهتنا. فجاء جبريل فقال: إقرأ علي ما جئتك به، فقرأ: أفرأيتم اللات والعزي ومناة الثالثة الأخري تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! فقال: ما أتيتك بهذا! هذا من الشيطان فأنزل الله:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ إلا إذا تَمَنَّي..إلي آخر الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه، بسند صحيح عن سعيد بن جبير...!!). انتهي.

بهذا يتبين لك أن حديث الغرانيق أو الآيات الشيطانية رواها البخاري ومسلم وغيرهما بأسانيد صحيحة، فكل هؤلاء يتحملون وزرها! ويتبين لك بطلأن دعوي من قال إن الواقدي تفرَّد بها وأن الصحاح لم تروِها!!

ويتبين لك مصيبة أن بعض الحفاظ يكذبون ليغطوا علي البخاري!!

قال ابن كثير في تفسيره: قد ذكر كثير من المفسرين هنا قصة الغرانيق وما كان من رجوع كثير من مهاجرة الحبشة ظناً منهم أن مشركي قريش قد أسلموا، ولكنها من طرق كلها مرسلة، ولم أرها من وجه صحيح.

وقال القسطلاني في شرح البخاري: وقد طعن في هذه القصة وسندها غير واحد من الأئمة حتي قال ابن إسحاق وقد سئل عنها: هي من وضع الزنادقة. وقال القاضي عياض: إن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولارواه أحد بسند متصل، وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون عن الصحف كل صحيح وسقيم)!

ونقل عن أبي بكر بن العربي الإمام المالكي: إن جميع ما ورد في هذه القصة لا أصل له)!! (هامش عصمة الأنبياءللرازي ص94).

وذكر عبد الله النعيم في كتابه الإستشراق في السيرة النبوية- نشرالمعهد العالمي للفكر الإسلامي1417، أن المصادرَ التي روت حديث الغرانيق هي: طبقات ابن سعد:1/205، وتاريخ الطبري:2/226، وتاريخ

ابن الأثير:2/77، وسيرة ابن سيد الناس:1/157. وقال في ص97: (يعتبر الواقدي أول من روج لهذه الفرية، ثم أخذها عنه ابن سعد والطبري وغيرهم).

ونقل في ص93 نقد القرضاوي في كتابه كيف نتعامل مع السنة النبوية، وجاء فيه: (ومعني هذا أن تفهم السنة في ضوء القرآن، ولهذا كان حديث الغرانيق مردوداً بلا ريب، لأنه منافٍ للقرآن). انتهي.

وقال في ص98: (ولم يروِ ابن إسحاق وابن هشام هذه الواقعة إطلاقاً. ومهما يكن من أمر فالواقدي هو أصلها. إن ما يدعو للتساؤل هو: كيف أمكن تمرير هذه الواقعة مع علم أصحابها بعصمة الرسل؟!). انتهي.

ثم نقل نقد القاضي عياض في كتابه الشفا لحديث الغرانيق سنداً ومتناً.

وكلامهم يشبه بعضه في تبرئة البخاري من الغرانيق!! ولكن عدداً منهم يعرفون أن البخاري روي فرية الغرانيق بأكثر من رواية، وروتها صحاحهم بطرق متعددة، يكثر فيها الإسناد الصحيح!

غاية الأمر أن البخاري ومن شاكله حذفوا منها إسم الغرانيق وأبقوا سجود النبي صلي الله عليه وآله المزعزم بعد مدحه لأصنام قريش وسجود المشركين معه، وقد سموا من زعماء المشركين الذين سجدوا أمية بن خلف، وأبا أحيحة وهو سعيد بن العاص! وهم يعرفون أن سجود المشركين بعد سماع القرآن لم ينقله مصدر علي الإطلاق، في أي قصة علي الإطلاق، إلا قصة الغرانيق!

لذلك من حقنا أن نشك في أمانة النافين لرواية البخاري والصحاح لها، كالذين تقدم كلامهم، وكالفخر الرازي عندما قال في تفسيره:23/49:

(وأيضاً فقد روي البخاري في صحيحه أن النبي(ص)قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق! وروي هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق)!!

تناقض الفخر الرازي في حديث الغرانيق

وقد بحث الفخر الرازي هذه الفرية في كتابه عصمة

الأنبياء عليهم السلام وفي تفسيره:23/49، فدافع عن النبي صلي الله عليه وآله ونفاها عنه، ودافع عن البخاري وغيره من صحاحهم! ثم عاد في أواخر تفسيره واتهم بها النبي صلي الله عليه وآله!!

قال في عصمة الأنبياء عليهم السلام ص93:

(الشبهة الثانية:تمسكوا بقوله تعالي:وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ إِلاإِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَايُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قالوا إن ظاهر الآية يدل علي أن الشيطان ملقٍ في قراءة الأنبياء عليه السلام ما يؤدي إلي الشبهة، فإذا جوَّزنا ذلك ارتفع الوثوق!

روي أنه(ص)شقَّ عليه ما رأي من مباعدتهم عما جاءهم به، فتمني في نفسه أن يأتيه من الله تعالي ما يقارب بينه وبين قومه، وذلك لحرصه علي إيمانهم، فجلس ذات يوم في ناد من أندية قريش كثير أهله، وأحب يومئذ أن لا يأتيه شئ من الله فينفروا عنه، وتمني ذلك فأنزل الله تعالي: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي، فقرأ رسول الله(ص): أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري، ألقي الشيطان علي لسانه ما كان يحدث به نفسه ويتمناه: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي! فلما سمعت قريش ذلك فرحوا ومضي رسول الله(ص)في قراءته فقرأ السورة كلها وسجد في آخرها، فسجد المسلمون وسجد جميع من في المسجد من المشركين، فلم يبق في المسجد مؤمن ولاكافر إلا سجد، إلا الوليد بن المغيرة، وأبو أحيحة سعيد بن العاص، فإنهما أخذا حفنةً من البطحاء ورفعاها إلي جبهتهما وسجدا عليها، لأنهما كانا شيخين كبيرين فلم يستطيعا السجود!

وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا وقالوا: قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر! فلما أمسي رسول الله(ص)أتاه جبريل عليه السلام وقال: ما ذا صنعت؟ تلوت علي الناس ما

لم آتك به عن الله، وقلت ما لم أقل لك؟! فحزن رسول الله (ص)حزناً شديداً وخاف من الله خوفاً كثيراً، فأنزل الله هذه الآية)!!

الجواب الذي يدل علي أنه عليه السلام ما غير ومابدل وجوه خمسة:

الأول: قوله تعالي:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ، لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ. الثاني: وَ إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لايَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إلا مَا يُوحَي إِلَيَّ. الثالث: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَريَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلا. وَ لَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شيئاً قليلاً. الرابع: كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلا. الخامس: قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَي.

وإذا ثبت ما ذكرناه فلنشرع في الجواب عن الشبهة فنقول:

التمني، جاء في اللغة لأمرين: أحدهما تمني القلب، والثاني التلاوة، قال الله تعالي:وَمِنْهُمْ أمِّيُّونَ لايَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاأَمَانِيَّ، أي إلا قراءة...

إذا عرف ذلك فنقول: من المفسرين من حمل الآية علي تمني القلب، والمعني أن النبي متي تمني بقلبه بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس الشيطان إليه بالباطل ويدعوه إلي ما لاينبغي، ثم إن الله تعالي ينسخ ذلك ويبطله، ويأتيه بما يرشده إلي ترك الإلتفات إلي وسوسته.

وهذا ضعيف، لأنه لوكان كذلك لم يكن مايخطر بباله فتنة للكفار، وذلك يبطله قوله تعالي: لِيَجْعَلَ مَايُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيد.. الآية: فثبت أن المراد بالتمني القراءة، ثم اختلف الذاهبون إلي هذا التأويل علي وجوه....

فإن قلت: لعله قد ذكر ذلك استفهاماً علي سبيل الإنكار؟

قلت: هب أنه كذلك لكن قراءته في

أثناء قراءة القرآن مع كونه علي ذلك الوزن توهم كونه منه، فيعود المحذور المذكور.

أما السهو فغير جائز أيضاً، لأنه لو جاز وقوع السهو هاهنا لجاز في غيره وحينئذ ترتفع الثقة بالشرع! ولأن الساهي لايجوز أن يقع منه مثل هذه الألفاظ مطابقة لوزن هذه السورة وطريقتها ومعناها، فإنا نعلم بالضرورة أن واحداً لو أنشد قصيدة لما جاز أن يسهو حتي يتفق فيه بيت شعر في وزنها ومعناها وطريقتها.

الثالث، أن يكون الشيطان أجبر النبي(ص)علي التكلم، وهذا أيضاً فاسدٌ لوجوه ثلاثة......

الخامس، أن المتكلم بذلك بعض الكفرة، فإنه عليه الصلاة والسلام لما انتهي من قراءة هذه السورة إلي هذا الموضع وذكر أسماء آلهتهم وقد علموا من عادته أنه يعيبها، فقال بعض من حضر من الكفار:تلك الغرانيق العلا، فاشتبه علي القوم، لأنهم كانوا يلغطون عند قراءته ويكثرون من الكلام طلباً لتغليطه وإخفاء قراءته. وممكن أن يكون أيضاً في الصلاة لأنهم كانوا يقربون منه في حال الصلاة ويسمعون قراءته ويلغون فيها، وقيل: إنه عليه الصلاة والسلام كان إذا تلا القرآن علي قريش توقف في فصول الآيات، فألقي بعض الحاضرين ذلك الكلام في تلك الواقعات فتوهم القوم أنه من قراءته عليه الصلاة والسلام، ثم أضاف الله ذلك إلي الشيطان لأنه بوسوسته حصل، أو لأنه جعل ذلك المتكلم شيطاناً.....

ولقائل أن يقول: إذا جوزتم أن يتكلم الشيطان في أثناء كلام الرسول عليه الصلاة والسلام بما يشتبه علي كل السامعين حتي يظنوه كلاماً لرسول الله (ص) بقي هذا الإحتمال في كل ما يتكلم به الرسول(ص)فتفضي إلي ارتفاع الوثوق عن كل الشرع!

الجواب: أن ذلك الإحتمال قائم، ولكنه لو وقع لوجب في حكمة الله تعالي أن يشرح الحال فيه كما في هذه

الواقعة إزالة للتلبيس.....

السادس، أن المراد بالغرانيق الملائكة، وقد كان ذلك قرآنا منزلاً في وصف الملائكة، فلما توهم المشركون أنه يريد آلهتهم نسخ الله تلاوته)!!. انتهي.

والتهافت في دفاع االرازي واضح، فقد نفي أولاًأن يكون النبي صلي الله عليه وآله غيَّر أو بدَّل في قراءته فقال:(الجواب الذي يدل علي أنه عليه السلام ماغيَّر ومابدَّل...)، لكنه عاد وفسر آية:ألْقَي الشَّيْطَان فِي أمْنِيَّتِه، بذلك! وضعَّف الإحتمالات التي تنزه النبي صلي الله عليه وآله أو سكت عنها، كالوجه الخامس الذي استفاده من الشريف المرتضي!

أما في تفسيره الكبير، فقد بدأ قوياً في استدلاله، لكنه ضعف في ختام كلامه، وعاد إلي تبني اتهام قومه القرشيين للنبي صلي الله عليه وآله، وينبغي أن تعرف أن الفخر الرازي قرشئ تيمي، من عشيرة أبي بكر وقيل من ذريته!

قال في الجزء 23/49: (المسألة الثانية: ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول(ص)لما رأي إعراض قومه عنه وشق عليه ما رأي من مباعدتهم عما جاءهم به تمني....الي آخر ما ذكره في كتاب العصمة، ثم قال:

هذا رواية عامة المفسرين الظاهريين، أما أهل التحقيق فقد قالوا هذه الرواية باطلة موضوعة واحتجوا عليه بالقرآن والسنة والمعقول.

أما القرآن فوجوه...وأورد الآيات المتقدمة وغيرها، ثم قال:

وأما السنة فهي ما روي عن محمد بن إسحاق بن خزيمة أنه سئل عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة، وصنف فيه كتاباً.

وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي: هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.

وأيضاً فقد روي البخاري في صحيحه أن النبي(ص)قرأ سورة النجم وسجد فيها المسلمون والمشركون والإنس والجن، وليس فيه حديث الغرانيق. وروي

هذا الحديث من طرق كثيرة وليس فيها البتة حديث الغرانيق. وأما المعقول فمن وجوه:

أحدها: أن من جوز علي الرسول(ص)تعظيم الأوثان فقد كفر لأن من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعيه كان في نفي الأوثان.

وثانيها: أنه عليه السلام ما كان يمكنه في أول الأمر أن يصلي ويقرأ القرآن عند الكعبة آمناً أذي المشركين له حتي كانوا ربما مدوا أيديهم إليه وإنما كان يصلي إذا لم يحضروها ليلاً أو في أوقات خلوة وذلك يبطل قولهم

وثالثها: أن معاداتهم للرسول كانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا علي حقيقة الأمر فكيف أجمعوا علي أنه عظم آلهتهم حتي خروا سجداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم.

ورابعها: قوله: فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ، وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوي من نسخه بهذه الآيات التي تبقي الشبهة معها، فإذا أراد الله إحكام الآيات لئلا يلتبس ما ليس بقرآن قرآناً، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلاً، أولي.

وخامسها: وهو أقوي الوجوه أنا لو جوزنا ذلك ارتفع الأمان عن شرعه وجوزنا في كل واحد من الأحكام والشرائع أن يكون كذلك ويبطل قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ، فإنه لا فرق في العقل بين النقصان عن الوحي وبين الزيادة فيه. فبهذه الوجوه عرفنا علي سبيل الإجمال أن هذه القصة موضوعة. أكثر ما في الباب أن جمعاً من المفسرين ذكروها، لكنهم ما بلغوا حد التواتر، وخبر الواحد لايعارض الدلائل النقلية والعقلية المتواترة...). انتهي.

أقول: إلي هنا يبدو الرازي منسجماً، فقد وافق محمد بن

إسحاق صاحب السيرة علي أن القصة فريةٌ من وضع الزنادقة القرشيين علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه مدحَ أصنامهم وسجد لها، وسجد معه القرشيون، وكل من في المسجد!

لكن الرازي دخل مدخلاً صعباً في الدفاع عن البخاري وبقية مصادرهم التي روتها بطرق متعددة وصححتها! وادعي أن البخاري لم يرو حديث الغرانيق، مع أنه رواه وحذف منها إسم الغرانيق، كما رأيت!

ثم دخل الرازي مدخلاً أصعب في تفسير قوله تعالي:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، لأنه اقتفي أثر مفسري السلطة القرشية وحبس نفسه بتفسير أُمْنِيَّتِهِ بذهن النبي صلي الله عليه وآله وقراءته للقرآن!

بينما التمني أمر ذهني، لكن الأمنيَّة قد تكون ذهنية، وقد تكون خارجية، وهي في الآية خارجية، وإلقاء الشيطان إنما هو في الأمنيَّة الخارجية، وليس في ذهن النبي صلي الله عليه وآله:

ونلاحظ أن كلام الرازي الطويل بلا طائل، فقد قال:

(ولنشرع الآن في التفصيل فنقول التمني جاء في اللغة لأمرين: أحدهما: تمني القلب والثاني: القراءة)...

ثم أخذ في تعداد الإحتمالات علي تفسير الأمنية بالقراءة، وردها جميعاً فقال: (فهذه الوجوه المذكورة في قوله تلك الغرانيق العلا قد ظهر علي القطع كذبها، فهذا كله إذا فسرنا التمني بالتلاوة. وأما إذا فسرناها بالخاطر وتمني القلب فالمعني أن النبي(ص)متي تمني بعض ما يتمناه من الأمور يوسوس الشيطان إليه بالباطل ويدعوه إلي ما لا ينبغي، ثم إن الله تعالي ينسخ ذلك ويبطله ويهديه إلي ترك الإلتفات إلي وسوسته، ثم اختلفوا في كيفية تلك الوسوسة علي وجوه.... واختار منها الرابع، وختم بقوله:

(ورابعها: معني الآية إذا تمني

إذا أراد فعلاً مقرباً إلي الله تعالي ألقي الشيطان في فكره ما يخالفه فيرجع إلي الله تعالي في ذلك وهو كقوله تعالي: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ. وكقوله: وأما يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ.

ومن الناس من قال لايجوز حمل الأمنية علي تمني القلب لأنه لو كان كذلك لم يكن ما يخطر ببال رسول الله(ص)فتنة للكفار وذلك يبطله قوله تعالي: لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ. والجواب: لايبعد أنه إذا قوي التمني اشتغل الخاطر به فحصل السهو في الأفعال الظاهرة بسببه فيصير ذلك فتنة للكفار. فهذا آخر القول في هذه المسألة). انتهي.

وبذلك ختم الرازي بتبني الفرية علي النبي صلي الله عليه وآله بأنه يتمني فيلقي الشيطان في ذهنه فينشغل به خاطره، فيحصل له السهو في أفعاله، فيكون ذلك فتنة!!

فأين صار استنكاره لفرية الغرانيق، وأنها من وضع الزندقة؟!

بل صرح في تفسيره:32/141، بنسبة الكفر إلي النبي صلي الله عليه وآله وهو يعدد الفوائد لكلمة"قل" في(قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) قال:

(الحادي والثلاثون: كأنه تعالي يقول: يا محمد ألست أنت الذي قلت: من كان يؤمن بالله وباليوم الآخر فلا يوقفن مواقف التهم، وحتي أن بعض المشايخ قال لمريده الذي يريد أن يفارقه: لاتخاف السلطان قال: ولم؟ قال: لأنه يوقع الناس في أحد الخطأين، وأما أن يعتقدوا أن السلطان متدين، لأنه يخالطه العالم الزاهد، أو يعتقدوا أنك فاسق مثله، وكلاهما خطأ، فإذا ثبت أنه يجب البراءة عن موقف التهم فسكوتك يا محمد عن هذا الكلام يجر إليك تهمة الرضا بذلك، لاسيما وقد سبق أن الشيطان ألقي فيما بين قراءتك:تلك الغرانيق العلي منها الشفاعة ترتجي،

فأزل عن نفسك هذه التهمة و: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ لاأَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ)! انتهي.

فأين حملة الفخر الرازي علي الزنادقة واضعي فرية الغرانيق، ونصه علي أن النبي صلي الله عليه وآله لم يغيِّر في سورة النجم ولم يبدِّل؟!!

نعوذ بالله من هذه الفرية علي سيد الموحدين صلي الله عليه وآله، التي بلغ من تأكيد مصادرهم عليها أنها أوقعت الفخر الرازي وهو العالم المتبحر والفيلسوف المتضلع في هذا التهافت المشين، فنقض ما كتبه بيمينه في الجزء الثالث والعشرين، وعمي عن أن سورة الكافرون نزلت بالإتفاق قبل سورة النجم!

قال الزركشئ في البرهان:1/193:(أول مانزل من القرآن بمكة إقرأ بإسم ربك، ثم والقلم، ثم ياأيها المزمل، ثم المدثر، ثم تبت يدا أبي لهب، ثم إذا الشمس كورت، ثم سبح اسم ربك الأعلي، ثم والليل إذا يغشي، ثم والفجر، ثم والضحي، ثم ألم نشرح، ثم والعصر، ثم والعاديات، ثم إنا أعطيناك الكوثر، ثم ألهاكم التكاثر، ثم أرأيت الذي، ثم قل يأيها الكافرون، ثم سورة الفيل، ثم الفلق، ثم الناس، ثم قل هو الله أحد، ثم والنجم إذا هوي، ثم عبس وتولي...). انتهي.(راجع فهرست ابن النديم/28، وتفسير الميزان للطباطبائي:13/233)

هذا، وسوف نلقي مزيداً من الضوء عل تفسير آية: أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، في فصل العصمة في القرآن، إن شاء الله تعالي.

القاضي عياض أكثر علماء السنة اعتدالا في عصمة نبينا

قال في الشفا بتعريف حقوق المصطفي:2/123:

(فصل:وأما أقواله(ص)فقد قامت الدلائل الواضحة بصحة المعجزة علي صدقه وأجمعت الأمة فيما كان طريقه البلاغ أنه معصوم فيها من الأخبار عن شئ منها بخلاف ما هو به. لا قصداً ولا عمداً، ولا سهواً ولا غلطاً.

أما تعمد الخلف في ذلك فمنتف بدليل المعجزة القائمة مقام قول الله صدق فيما قال، اتفاقاً، وبإطباق

أهل الملة إجماعاً.

وأما وقوعه علي جهة الغلط في ذلك، فبهذه السبيل عند الأستاذ أبي إسحاق الإسفرائيني ومن قال بقوله.

ومن جهة الإجماع فقط وورود الشرع بانتفاء ذلك وعصمة النبي لامن مقتضي المعجزة نفسها عند القاضي أبي بكر الباقلاني ومن وافقه، لاختلاف بينهم في مقتضي دليل المعجزة، لا نطول بذكره فنخرج عن غرض الكتاب.

فلنعتمد علي ما وقع عليه إجماع المسلمين أنه لايجوز عليه خلف في القول إبلاغ الشريعة والإعلام بما أخبر به عن ربه وما أوحاه إليه من وحيه، لا علي وجه العمد ولا علي غير عمد، ولا في حالي الرضا والسخط والصحة والمرض، وفي حديث عبد الله بن عمرو قلت: يا رسول الله أأكتب كل ما أسمع منك؟ قال: نعم، قلت: في الرضي والغضب؟ قال: نعم فإني لا أقول في ذلك كله إلا حقاً.

ولنزد ما أشرنا إليه من دليل المعجزة عليه بياناً: فنقول إذا قامت المعجزة علي صدقه وأنه لا يقول إلا حقاً ولا يبلغ عن الله إلا صدقاً وأن المعجزة قائمة مقام قول الله له صدقت فيما تذكره عني، وهو يقول إني رسول الله إليكم لأبلغكم ما أرسلت به إليكم، وأبين لكم ما نزل عليكم: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي. وقَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ. وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا. فلا يصح أن يوجد منه في هذا الباب خبر بخلاف مخبره علي أي وجه كان، فلو جوزنا عليه الغلط والسهو لما تميز لنا من غيره ولاختلط الحق بالباطل!

فالمعجزة مشتملة علي تصديقه جملة واحدة من غير خصوص، فتبرئة النبي(ص)عن ذلك كله واجب، برهاناً وإجماعاً، كما قاله أبو اسحاق.

فصل: وقد توجهت ههنا لبعض الطاعنين

سؤالات:

منها ما روي من أن النبي(ص)لما قرأ سورة والنجم: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري، قال: تلك الغرانيق العلي، وإن شفاعتها لترتجي. ويروي ترتضي، وفي رواية إن شفاعتها لترتجي وإنها لمع الغرانيق العلي. وفي أخري والغرانقة العلي تلك الشفاعة ترتجي، فلما ختم السورة سجد وسجد معه المسلمون والكفار لمَّا سمعوه أثني علي آلهتهم!

وما وقع في بعض الروايات أن الشيطان ألقاها علي لسانه وأن النبي(ص) كان يتمني أن لو نزل عليه شئ يقارب بينه وبين قومه. وفي رواية أخري أن لاينزل عليه شئ ينفرهم عنه، وذكر هذه القصة، وأن جبريل عليه السلام جاءه فعرض عليه السورة فلما بلغ الكلمتين قال له: ماجئتك بهاتين! فحزن لذلك النبي(ص)فأنزل الله تعالي تسلية له: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ..الآية وقوله: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ..الآية.

فاعلم أكرمك الله أن لنا في الكلام علي مشكل هذا الحديث مأخذين: أحدهما في توهين أصله، والثاني علي تسليمه.

أما المأخذ الأول، فيكفيك أن هذا حديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل! وإنما أولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب، المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم، وصدق القاضي بكر بن العلاء المالكي حيث قال: لقد بلي الناس ببعض أهل الأهواء والتفسير وتعلق بذلك الملحدون، مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده واختلاف كلماته، فقائل يقول إنه في الصلاة، وآخر يقول قالها في نادي قومه حين أنزلت عليه السورة، وآخر يقول قالها وقد أصابته سِنة، وآخر يقول بل حدَّث نفسه فيها، وآخر يقول إن الشيطان قالها علي لسانه وأن النبي(ص)لما عرضها علي جبريل قال ما هكذا أقرأتك، وآخر يقول بل أعلمهم الشيطان أن النبي(ص)قرأها، فلما بلغ

النبي(ص)ذلك قال: والله ما هكذا نزلت.. إلي غير ذلك من اختلاف الرواة.

ومن حُكيت هذه الحكاية عنه من المفسرين والتابعين، لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلي صاحب! وأكثر الطرق عنهم فيها ضعيفة واهية، والمرفوع فيه حديث شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: فيما أحسب الشك في الحديث أن النبي(ص)كان بمكة وذكر القصة.

قال أبو بكر البزار: هذا الحديث لانعلمه يروي عن النبي(ص)باسناد متصل يجوز ذكره إلا هذا، ولم يسنده عن شعبة إلا أمية بن خالد، وغيره يرسله عن سعيد بن جبير، وإنما يعرف عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس. فقد بين لك أبو بكر رحمه الله أنه لايعرف من طريق يجوز ذكره سوي هذا، وفيه من الضعف ما نبه عليه، مع وقوع الشك فيه كما ذكرناه، الذي لايوثق به ولاحقيقة معه.

وأما حديث الكلبي فمما لا تجوز الرواية عنه ولا ذكره، لقوة ضعفه وكذبه كما أشار إليه البزار رحمه الله.

والذي منه في الصحيح أن النبي(ص)قرأ والنجم وهو بمكة، فسجد معه المسلمون والمشركون والجن والإنس). انتهي.

وينبغي أن نحسن الظن بالقاضي عياض بأنه لم يطلع علي الطرق والأسانيد الكثيرة لحديث الغرانيق، لكن العجب أنه أورد ما رواه البخاري في الصحيح، وهرب منه ولم يعلق عليه بشئ! فهل غاب عليه أن ما رواه البخاري هو حديث الغرانيق بعينه وذاته، وأنه لم يُرْوَ سجود المشركين مع المسلمين في غيره أبداً؟!

ثم تابع القاضي عياض توهين حديث الغرانيق من جهة دلالته فقال:

(هذا توهينه من طريق النقل، فأما من جهة المعني فقد قامت الحجة وأجمعت الأمة علي عصمته(ص)ونزاهته عن مثل هذه الرذيلة، إما من تمنيه أن ينزل عليه مثل

هذا من مدح آلهةٍ غير الله، وهو كفر! أو أن يتسور عليه الشيطان ويشبِّه عليه القرآن حتي يجعل فيه ما ليس منه ويعتقد النبي(ص)أن من القرآن ما ليس منه حتي ينبهه جبريل عليه السلام وذلك كله ممتنع في حقه(ص)! أو يقول ذلك النبي(ص)من قبل نفسه عمداً وذلك كفر! أو سهواً وهو معصوم من هذا كله! وقد قررنا بالبراهين والإجماع عصمته (ص)من جريان الكفر علي قلبه أولسانه لاعمداً ولا سهواً، أو أن يتشبه عليه ما يلقيه الملك مما يلقي الشيطان، أو يكون للشيطان عليه سبيل أو أن يتقول علي الله لاعمداً ولاسهواً ما لم ينزل عليه، وقد قال الله تعالي:وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيل، الآية. وقال تعالي: إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ. الآية.

ووجه ثان، وهو استحالة هذه القصة نظراً وعرفاً، وذلك أن هذا الكلام لو كان كما روي لكان بعيد الإلتئام متناقض الأقسام، ممتزج المُدح بالضم، متخاذل التأليف والنظم، ولما كان النبي(ص)ولا من بحضرته من المسلمين وصناديد المشركين ممن يخفي عليه ذلك! وهذا لا يخفي علي أدني متأمل، فكيف بمن رجح حلمه، واتسع في باب البيان فصيح الكلام علمه.

ووجه ثالث، أنه قد علم من عادة المنافقين ومعاندي المشركين وضَعَفَة القلوب والجَهَلة من المسلمين نفورهم لأول وهلة، وتخليط العدو علي النبي(ص) لأقل فتنة، وتعييرهم المسلمين والشماتة بهم الفيْنَة بعد الفينة، وارتداد من في قلبه مرض ممن أظهر الإسلام لأدني شبهة، ولم يَحْكِ أحدٌ في هذه القصة شيئاً سوي هذه الرواية الضعيفة الأصل، ولو كان ذلك لوجَدَت قريش بها علي المسلمين الصولة، ولأقامت بها اليهود عليهم الحجة كما فعلوا مكابرةً في قصة الإسراء، حتي كانت في ذلك لبعض الضعفاء ردة، وكذلك ما روي في قصة

القضية(صلح الحديبية)،ولافتنة أعظم من هذه البلية لو وجدت، ولاتشغيب للمعادي حينئذ أشد من هذه الحادثة لو أمكنت.

فما روي عن معاند فيها كلمة، ولا عن مسلم بسببها بنت شفة، فدل علي بطلها واجتثاث أصلها، ولاشك في إدخال بعض شياطين الإنس أو الجن هذا الحديث علي بعض مغفلي المحدثين ليلبسن به علي ضعفاء المسلمين!

ووجه رابع، ذكر الرواة لهذه القضية أن فيها نزلت: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ.. الآيتين وهاتان الآيتان تردان الخبر الذي رووه، لأن الله تعالي ذكر أنهم كادوا يفتنونه حتي يفتري، وأنه لولا أن ثبته لكاد يركن إليهم، فمضمون هذا ومفهومه أن الله تعالي عصمه من أن يفتري وثبته حتي لم يركن إليهم قليلاً، فكيف كثيراً! وهم يروون في أخبارهم الواهية أنه زاد علي الركون والإفتراء بمدح آلهتهم وأنه قال(ص):(افتريت علي الله وقلتُ ما لم يُقل) وهذا ضد مفهوم الآية، وهي تضعف الحديث لو صح، فكيف ولا صحة له؟!). انتهي.

ثم ذكر عياض الوجوه التي ذكرها علماؤهم لتوجيه حديث الغرانيق، وضعَّف أكثرها، وبذلك تنزَّل وفتح الباب لاحتمال صحته، وهو أضعف الإيمان!

غرانيق قريش يتصيدها بروكلمان و مونتغمري

انتقد الباحث السوداني عبدالله النعيم في كتابه: الإستشراق في السيرة النبوية- (نشرالمعهد العالمي للفكر الإسلامي1417) استغلالَ المستشرقين لرواية الغرانيق، ونقل في ص51 افتراءَ المستشرق بروكلمان وقوله عن النبي صلي الله عليه وآله: (ولكنه علي ما يظهر اعترف في السنوات الأولي من بعثته بآلهة الكعبة الثلاث اللواتي كان مواطنوه يعتبرونهن بنات الله، وقد أشار إليهن في إحدي الآيات الموحاة إليه بقوله: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترجي... ثم ما لبث أن أنكر ذلك وتبرأ منه في اليوم التالي)!!

ونقل في ص96 عن المستشرق مونتغمري وات قوله: (تلا محمد الآيات الشيطانية باعتبارها جزءً من القرآن،

إذ ليس من المتصور أن تكون القصة من تأليف المسلمين أو غير المسلمين، وإن انزعاج محمد حينما علم بأن الآيات الشيطانية ليست جزءً من القرآن، يدل علي أنه تلاها، وأن عبادة محمد بمكة لاتختلف عن عبادة العرب في نخلة والطائف (محلتان لأصنام قريش) ولقد كان توحيد محمد غامضاً، ولاشك أنه يعد اللات والعزي ومناة كائنات سماوية أقل من الله). انتهي.

ومع أن المستشرقين لايحتاجون إلي الروايات الموضوعة ليتمسكوا بها، فهم يكذبون علي نبينا صلي الله عليه وآله وعلي مصادرنا جهاراً نهاراً، لكن المؤسف أن تحفل مصادر السنيين وفي طليعتها البخاري بالإفتراءات علي النبي صلي الله عليه وآله كقصة الغرانيق، وقصة ورقة بن نوفل، وغيرهما من القرشيات المخالفة للعقل، فتقدِّم للمستشرقين مادةً ومستمسكاً للطعن في النبي صلي الله عليه وآله والقرآن والإسلام!

ملاحظات علي قصة الغرانيق

1- لعل فرية الغرانيق أعظم فرية تضمنتها مصادر الحديث السنية علي رسول الله صلي الله عليه وآله من بين أكثر من ثلاثين فرية عليه بأنه شك في نبوته، وأنه خالف أوامر ربه، وتحيز لأقربائه، وأنه كان يهتم بالأغنياء ويعبس في وجه الفقراء، أو اتهمته بسلوك مشين! وقد تعرضنا لأكثرها في المجلد الرابع من كتاب الإنتصار.

2- من المفارقات الواضحة في رواياتهم أن سورة النجم التي اتهموا النبي صلي الله عليه وآله بأنه تعمد في قراءتها الكفر ومدح الأصنام وسجد لها، أو أن الشيطان قالها علي لسانه، أو أنه نسي وأثَّر عليه الشيطان ففعل ذلك! هي السورة التي نص الله تعالي في مطلعها علي عصمة نبيه صلي الله عليه وآله عصمة مطلقة بمستوي لم يبلغه نبي ولا رسول آخر عليهم السلام! قال تعالي: وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَي. مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَي. وَمَايَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي.إِنْ

هُوَإِلا وَحْيٌ يُوحَي. عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَي.

فكأنهم تعمدوا وضع فرية الغرانيق في سورة نصت علي العصمة الشاملة للنبي صلي الله عليه وآله تكذيباً صريحاً للقرآن ليقولوا: بل نطق عن الهوي وكفر، وسجد للأصنام تقرباً لقريش! فوبخه الله وتسامح معه وتاب عليه!!

3- لا بد علي زعمهم أن يكون جبرئيل قد تأخر في توبيخ النبي صلي الله عليه وآله أياماً عديدة حتي انتشر خبر كفر النبي صلي الله عليه وآله وسجوده للأصنام في مكة، ووصل الخبر إلي الحبشة ففرح المسلمون المهاجرون بالحل السلمي مع قريش! وعاد قسم منهم إلي مكة، فوجدوا نبيهم صلي الله عليه وآله عاد إلي التوحيد وكفَر بالأصنام بعد أن وبخه جبرئيل عليه السلام، وأن قريشاً عادت إلي عدائها له، فرجعوا أدراجهم إلي الحبشة!

وقد تندر الأخ الباحث السيد جعفر مرتضي علي ذلك فقال في الصحيح من السيرة:3/146: (وقولهم إن هذه القضية قد كانت بعد شهرين من الهجرة إلي الحبشة نقول فيه: إنهم يقولون إن عودة مهاجري الحبشة قد كانت بعد شهرين أيضاً، فهل وصل إليهم الخبر بالتلكس، أو بالتلفون، وهل جاؤوا بالطائرة، أم بالصواريخ؟! إلا أن يكون المراد أنهم بدأوا بالتوجه نحو مكة بعد شهرين من هجرتهم، وإن كان هذا بعيداً عن ظاهر اللفظ.

وكذا قولهم إنه لما عرض صلي الله عليه وآله السورة علي جبرئيل وقرأ الفقرتين أنكرهما جبرئيل فقال صلي الله عليه وآله: قلت علي الله ما لم يقل! فأنزل الله: وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ، نقول فيه إن الخطاب في الآية للنبي صلي الله عليه وآله أن الناس كادوا يفتنونه مع أن الرواية تنص علي أن الشيطان هو الذي كاد أن يفتنه.. إلي غير ذلك من موارد الضعف والوهن والتناقض التي

يمكن تلمسها في هذا المجال). انتهي.

4- ليت الفخر الرازي وعياضاً وابن كثير والقرضاوي، وغيرهم من الذين ردوا حديث الغرانيق لمخالفته للقرآن والعقل، يتمسكون بهذا الدليل لرد غيره من المكذوبات المخالفة للقرآن مما وضعه منافقوا قريش وروجته الخلافة القرشية ورواتها، ولم يعدوها من الأحاديث الصحيحة أو الموثقة!!

قال الطباطبائي في تفسير الميزان:14/396، عن رواية الغرانيق:

(الرواية مروية بطرق عديدة عن ابن عباس وجمع من التابعين، وقد صححها جماعة منهم الحافظ ابن حجر، لكن الأدلة القطعية علي عصمته صلي الله عليه وآله تكذب متنها وإن فرضت صحة سندها فمن الواجب تنزيه ساحته المقدسة عن مثل هذه الخطيئة، مضافاً إلي أن الرواية تنسب إليه صلي الله عليه وآله أشنع الجهل وأقبحه فقد تلي: تلك الغرانيق العلي وإن شفاعتهن لترتجي، وجهل أنه ليس من كلام الله ولا نزل به جبريل، وجهل أنه كفر صريح يوجب الإرتداد وداوم علي جهله حتي سجد وسجدوا في آخر السورة، ولم يتنبه ثم داوم علي جهله حتي نزل عليه جبريل وأمره أن يعرض عليه السورة فقرأها عليه وأعاد الجملتين، وهو مصر علي جهله حتي أنكره عليه جبريل، ثم أنزل عليه آية تثبت نظير هذا الجهل الشنيع والخطيئة الفضيحة لجميع الأنبياءوالمرسلين عليهم السلام وهي قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ إلا إذا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ، وبذلك يظهر بطلان ما ربما يعتذر دفاعاً عن الحديث بأن ذلك كان سبقاً من لسان دفعةً بتصرف من الشيطان سهواً منه وغلطاً من غير تفطن! فلا متن الحديث علي ما فيه من تفصيل الواقعة ينطبق علي هذه المعذرة، ولا دليل العصمة يجوز مثل هذا السهو والغلط.

علي أنه لو جاز مثل هذا التصرف من الشيطان

في لسانه صلي الله عليه وآله بإلقاء آية أو آيتين في القرآن الكريم، لارتفع الأمن عن الكلام الإلهي فكان من الجائز حينئذ أن يكون بعض الآيات القرآنية من إلقاء الشيطان، ثم يلقي نفس هذه الآية وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ، الآية، فيضعه في لسان النبي وذكره فيحسبها من كلام الله الذي نزل به جبريل كما حسب حديث الغرانيق كذلك، فيكشف بهذا عن بعض ما ألقاه وهو حديث الغرانيق ستراً علي سائر ما ألقاه. أو يكون حديث الغرانيق من كلام الله وآية وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ، الخ، وجميع ما ينافي الوثنية من كلام الشيطان، ويستر بما ألقاه من الآية وأبطل من حديث الغرانيق علي كثير من إلقاءاته في خلال الآيات القرآنية، وبذلك يرتفع الاعتماد والوثوق بكتاب الله من كل جهة، وتلغو الرسالة والدعوة النبوية بالكلية، جلت ساحة الحق من ذلك). انتهي.

5- من الحيل اللفظية التي استعملها رواة قريش، أنهم حاولوا تغطية طعنهم بالنبي صلي الله عليه وآله، فقالوا إنه صلي الله عليه وآله سجد بعد أن أكمل قراءة سورة النجم، وكأنه سجد لله وللأصنام معاً!! وهذه بعض نصوصهم:

(فقال: وإنهن لهن الغرانيق العلي، وإن شفاعتهن لهي التي ترتجي، فكان ذلك من سجع الشيطان وفتنته، فوقعت هاتان الكلمتان في قلب كل مشرك بمكة وذلقت بها ألسنتهم وتباشروا بها. وقالوا: إن محمداً قد رجع إلي دينه الأول ودين قومه. فلما بلغ رسول الله(ص)آخر النجم، سجد وسجد كل من حضر من مسلم ومشرك، ففشت تلك الكلمة في الناس، وأظهرها الشيطان حتي بلغت أرض الحبشة، فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلك...).

وفي بعضها: (ألقي الشيطان علي لسانه: وهي الغرانيق العلي، شفاعتهن ترتجي، فلما فرغ

من السورة سجد، وسجد المسلمون والمشركون إلا أبا أحيحة سعيد بن العاص، فإنه أخذ كفاًّ من تراب فسجد عليه، وقال: قد آن لابن أبي كبشة أن يذكر آلهتنا بخير، فبلغ ذلك المسلمين الذين كانوا بالحبشة أن قريشاً قد أسلمت فأرادوا أن يقبلوا، واشتد علي رسول الله(ص)وعلي أصحابه ما ألقي الشيطان علي لسانه، فأنزل الله: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي.. الآية). انتهي. (راجع أيضاً مجمع الزوائد: 6/32 و: 7/70).

لكن غاب عنهم أن المشركين كانوا يرفضون السجود لله تعالي كما قال عنهم: وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَاالرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَاتَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً. فلا بد أن يكون سجودهم علي أثر مدحه لآلهتهم، وهو في الثلث الأول للسورة بعد الآية العشرين منها. وبما أن السورة اثنتان وستون آية، وسياقها متتابع، فلا يمكن أن نجمع بين سجود النبي صلي الله عليه وآله والمشركين معاً، وبين قولهم إنه صبر حتي أكمل السورة فسجد لله تعالي وحده، أو لله وللأصنام معاً!!

6- بناءً علي قصتهم المزعومة، لابد أن يكون النبي صلي الله عليه وآله ترك آيات ذم اللات والعزي ومناة في سورة النجم ولم يقرأها يومئذ، وهي قبل آيات الغرانيق المزعومة وبعدها، فكانت جريمته حذف آيات كثيرة واستبدالها بآيات الغرانيق الشيطانية! فلا يعقل أنَّ يكون زعماء قريش فرحوا وسجدوا عند مدح أصنامهم، ثم سمعوه يقرأ بقية السورة، وكلها هجوم كاسح عليهم؟!

7- ينبغي الإلفات هنا إلي أن اللات والعزي ومناة أسماء مؤنثة، زعمت قريش أنها ملائكة وأن الملائكة إناث! وقد ردهم الله تعالي في نفس الآيات:

(أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي. وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَي. أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الأنثي. تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَي. إِنْ هِيَ إِلاأَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا

أَنْزَلَ اللهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَي الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَي. أَمْ لِلإِنْسَانِ مَا تَمَنَّي. فَلِلَّهِ الآخرة وَالأولي. وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لاتُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شيئاً إلا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَي. إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخرة لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الأنثي. وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لايُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا. فَأَعْرِضْ عَمَّنْ تَوَلَّي عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إلا الْحَيَوةَ الدُّنْيَا.ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَأَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَأَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَي) (النجم:19-29)

أما مكان هذه الأصنام الثلاثة، فقد جاء في لسان العرب:2/112: (تقول العرب: اللات والعزي وأشباهها من الآلهة المؤنثة)، وفي:5/378: (اللات صنم كان لثقيف، والعزي صنم كان لقريش وبني كنانة).

وفي مجمع البحرين:4/151:(اللات والعزي ومناة، إسم أصنام من حجارة، كانت في جوف الكعبة يعبدونها، فاللات لثقيف وقيل لقريش، والعزي لغطفان ومناة لهذيل وخزاعة).

وفي التبيان:9/427: (أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّي، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأخري، أسماءأصنام كانت العرب تعبدها، والعزي كانت تعبدها غطفان، وهي شجرة سمرة عظيمة، واللات صنم كانت ثقيف تعبدها، ومنات كانت صخرة عظيمة لهذيل وخزاعة كانو يعبدونها). انتهي.

ويظهر أن هذه الثلاثة كانت مفضلة عند قريش ومعها غيرها من قبائل العرب، وأن بعض هذه الأصنام كان خارج مكة، لكن لها ثلاثة تماثيل عند الكعبة أو داخلها، وروي أن الأصنام حول الكعبة وعلي سطحها كانت أكثر من ثلاث مئة، وكانت قريش اكثر تمسكاً بالعزي من بينها! ففي أمالي الطوسي:1/316، عن ابن عباس قال: وقف رسول الله صلي الله عليه وآله علي قتلي بدر فقال:جزاكم الله من عصابة شراً! لقد كذَّبتموني صادقاً، وخوَّنتموني أميناً. ثم التفت إلي أبي جهل بن

هشام فقال: إن هذا أعتي علي الله من فرعون! إن فرعون لما أيقن بالهلاك وَحَّدَ الله، وهذا لما أيقن بالهلاك دعا باللات والعزي)!! (ومثله في مجمع الزوائد:6/91).

وفي مجمع الزوائد:6/21: (وعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله(ص)بسوق ذي المجاز يتخللها يقول: يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا، قال وأبو جهل يحثي عليه التراب ويقول: لايغوينكم هذا عن دينكم فإنما يريد لتتركوا آلهتكم وتتركوا اللات والعزي، وما يلتفت إليه رسول الله! قلت: إنعت لنا رسول الله (ص)، قال: بين بردين أحمرين، مربوع، كثير اللحم، حسن الوجه شديد سواد الشعر، أبيض شديد البياض، سابغ الشعر. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح). انتهي.

8- نزلت سورة الإسرا ء في مكة، ودلت علي أن النبي صلي الله عليه وآله كان يتعرض لضغط المشركين، وأن الله تعالي ثبته وعصمه من الوقوع تحت تأثيرهم، ولم تشر إلي أنه كان يتعرض لضغط الشيطان وتأثيره، قال تعالي: (وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً. وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شيئاً قَلِيلاً. إِذًا لاذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لاتَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا). (الإسراء:73-75)

كما أنها تضمنت تهديداً للنبي صلي الله عليه وآله إن هو غيَّر في القرآن وتقوَّل علي ربه.

وفي المقابل، تقول قصة الغرانيق إن الله لم يثبت نبيه صلي الله عليه وآله وإنه خضع لضغوط قريش ولتأثير الشيطان، فكفر بعد إيمانه، ومدح الأصنام، وافتري علي ربه! فالسؤال: لماذا لم يعاقبه ربه، ولا أذاقه ضعف الحياة وضعف الممات؟! وهل هذا إلا نقضٌ لمصداقية القرآن واتهامٌ لله تعالي بأنه تراجع عن تهديده؟!

9- نزلت سورة الحاقة في المدينة المنورة،

وفيها قوله تعالي: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيم. وَمَا هُوَبِقَوْلِ شَاعِرٍ قليلاً مَا تُؤْمِنُونَ. وَلابِقَوْلِ كَاهِنٍ قليلاً مَا تَذَكَّرُونَ. تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَوْ تَقَوَلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ. لأخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ.فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أحد عَنْهُ حَاجِزِينَ). (الحاقّة:40-47)

فمن حق المسلم في المدينة أن يسأل أين مصداقية هذا الكلام وقد كفر النبي صلي الله عليه وآله وتقوَّل علي ربه وافتري عليه أعظم فرية، وغيَّر في القرآن ومدح الأصنام، فلم يأخذ منه باليمين ولاقطع منه الوتين، بل اكتفي بتوبيخه وسامحه وتاب عليه! بل أعطاه الأجر العظيم الذي يستحقه الأنبياء عليهم السلام لتوبتهم من كفرهم ومعاصيهم كما يزعم ابن تيمية!!

وهكذا تستوجب قصة الغرانيق مضافاً إلي طعنها بالنبي صلي الله عليه وآله الطعن بالله تعالي وتكذيب العديد من الآيات، وليس ما ذكرناه إلا نموذجين منها.

10- في السيرة والتاريخ عدة مفردات حول اللات والعزي تضئ لنا خلفية الفرية القرشية علي النبي صلي الله عليه وآله، وتكشف أن قبائل قريش تبنَّتْ عبادة اللات والعزي في مقابل خط الأحناف من بني إسماعيل، وحتي في مقابل الكعبة! وأن عبد المطلب جد النبي صلي الله عليه وآله كان متشدداً في رفض أصنامهم والتمسك بحنيفية إبراهيم عليه السلام. ففي معجم البلدان:3/226: (وقال أبو المنذر: وكانت قريش قد حمت للعزي شعباً من وادي حراض يقال له سُقام يضاهون به حرم الكعبة)!!

وفي:4/185: (وقيل: الغَبْغَب: هو الموضع الذي كان يُنحر فيه للات والعزي بالطائف، وخزانة ما يهدي إليهما بها.... قال أبو المنذر: وكان للعزي منحر ينحرون فيه هداياهم، يقال له الغبغب).

وفي تاريخ دمشق:16/232: من حديث خالد بن سعيد بن العاص، عن أبيه الذي هو من كبار زعماء قريش، قالت رواية الغرانيق

إنه أخذ كفاً من حصي وسجد عليه، قال خالد للنبي صلي الله عليه وآله: (أيْ رسول الله، الحمد لله الذي أكرمنا بك وأنقذنا من الهلكة، ولقد كنت أري أبي يأتي إلي العزي بحَتْرةٍ مائة من الإبل والغنم فيذبحها للعزي، ويقيم عندها ثلاثاً ثم ينصرف إلينا مسروراً! فنظرت إلي ما مات عليه أبي، وذلك الرأي الذي كان يعاش في فضله كيف خدع حتي صار يذبح لحجر لايسمع ولايبصر ولايضر ولاينفع! فقال رسول الله(ص):إن هذا الأمر إلي الله، فمن يسَّرَهُ للهدي تيسر، ومن يُسِّر للضلالة كان فيها).

وذكر الدكتور شوقي ضيف في تاريخ الأدب العربي ص41 (دارالمعارف المصرية) أن المنذر بن ماء السماء ملك المناذرة المعاصر لعبد المطلب، وهو أعظم ملك وثني في العرب، أسَرَ ابن الحارث بن شمر ملك الغساسنة النصراني في حرب ضروس بين المناذرة والغساسنة، فذبحه قرباناً للعزي!!

وهو يعطينا ضوءاً علي نذر عبد المطلب(رض)إن رزقه الله عشرة أولاد أن يذبح أحدهم قرباناً للكعبة، أي لرب الكعبة عز وجل، تعزيزاً لدين جده إبراهيم صلي الله عليه وآله، ورداً علي قريش وعلي عمل المنذر في تعزيزهم مكانة صنم العزي!

ومما يدل علي مكانة اللات والعزي عند القرشيين غير بني هاشم، أن شعارهم في الحرب، وتعاقدهم، وقسمهم الرسمي، كان باسمها:

ففي طبقات ابن سعد:2/42: (ونادي المشركون بشعارهم يا للعزي يا لهبل! وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً، وولي من ولي منهم يومئذ وثبت رسول الله (ص)ما يزول، يرمي عن قوسه حتي صارت شظايا). انتهي.

كما تعاقدت قريش علي قتل النبي صلي الله عليه وآله بإسم اللات والعزي، ففي مستدرك الحاكم:1: 163، وصححه: (عن ابن عباس قال دخلت فاطمة علي رسول الله صلي الله عليه وآله وهي تبكي

فقال: يابنية ما يبكيك قالت: يا أبت مالي لا أبكي وهؤلاء الملأ من قريش في الحجر يتعاقدون باللات والعزي ومناة الثالثة الأخري، لو قد رأوك لقاموا إليك فيقتلونك، وليس منهم رجل إلا وقد عرف نصيبه من دمك...الخ.). (ورواه أحمد وصححه الهيثمي في الزوائد:8 /228)

وقد بقيت عادة القسم باللات والعزي علي ألسنة القرشيين حتي بعد إسلامهم! فقد روي ابن ماجه:1/678،أن سعد بن أبي وقاص قال للنبي صلي الله عليه وآله:حلفت باللات والعزي فقال رسول الله (ص) قل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ثم انفث عن يسارك ثلاثاً، وتعوَّذ ولا تَعُد). انتهي.(ورواه أبو داود في:2/90، والترمذي:3/ 46 وص51، والنسائي: 7/7، وأحمد:1/ 183 و186 و:2/ 309، والبيهقي:1/ 149 و:10/30، ومالك في الدونة: 2/108ونحوه البخاري:6/51 و: 7/97 وص144 وص222و223 ومسلم:5/81 وص82).

وبهذا نفهم كُرْهَ النبي صلي الله عليه وآله للات والعزي بأنه مضافاً إلي كونه عصمة إلهية، فهو موروثٌ من أسرته الحنيفية، وقد انفردت مصادرنا برواية بغض النبي صلي الله عليه وآله لأصنام قريش، دون مصادرهم! ففي كمال الدين وتمام النعمة:1/184، في خبر بحيري الراهب: (قال بحيري: ياغلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزي إلا ما أخبرتنيها. فغضب رسول الله صلي الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزي وقال: لاتسألني بهما فوالله ما أبغضت شيئاً كبغضهما، وإنما هما صنمان من حجارة لقومي!

فقال بحيري: هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه ويقظته وأموره وجميع شأنه، فوافق ذلك ما عند بحيري من صفته التي عنده، فانكب عليه بحيري فقبل رجليه وقال: يا

بني ما أطيبك وأطيب ريحك، يا أكثر النبيين أتباعاً...). انتهي.

عمر عندهم معصوم و أفضل من جميع الأنبياء

النبي معصوم نظريا، و أبوبكر و عمر معصومان عمليا

يقول أتباع المذاهب السنية إن النبي صلي الله عليه وآله معصوم في تبليغ الرسالة فقط، دون بقية سلوكه العام، وسلوكه الشخصي! لكن هذا الكلام نظري فقط! لأن مصادرهم الصحيحة تزعم أن النبي صلي الله عليه وآله ارتكب أخطاء عديدة في سلوكه الشخصي والعام، وحتي في تبليغ الرسالة! وأن بعض أخطائه كان يصححها له جبرئيل عليه السلام، وبعضها كان يصححها له عمر بن الخطاب فيؤيده الوحي!

أما أهل بيت النبي وعترته صلي الله عليه وآله، عليٌّ وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، فهم لا يروْن عصمتهم، ويقولون إن لهم فضائل كما لهم أخطاء، ولايعترفون بأنهم معيَّنون من الله تعالي أوصياء للنبي صلي الله عليه وآله وأئمة للأمة، بل يؤوِّلون الآيات والأحاديث التي تدل علي عصمتهم وإمامتهم عليهم السلام، ويجعلون درجة علي عليه السلام رابع الصحابة، لأنه كان الخليفة الرابع! وأكثرهم يفضل عليه أبا بكر وعمر وعثمان، وقد يفضلون عائشة علي فاطمة الزهراء عليها السلام...الخ.

فالصحابة عندهم هم الأصل بعد النبي صلي الله عليه وآله والأفضل من جميع أجيال الأمة، وعنهم يتلقَّوْن دينهم، ولايهتمون بالرأي المخالف لهم، بل يعتبرونه خطاً أو انحرافاً عن الإسلام، حتي لو كان صادراً من أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله!

وقد وصل بهم الأمر إلي أنهم يقرنون الصحابة بالنبي في الصلاة عليه صلي الله عليه وآله، وقد يحذفون منها الصلاة علي آل النبي صلي الله عليه وآله، مع أنهم رووا في أصح صحاحهم أن النبي صلي الله عليه وآله علَّمَهم الصلاة عليه، وأمرهم أن يقرنوا به آله عليهم السلام فقط!

مقولة عدالة الصحابة سياج لعصمة أبي بكر وعمر

وعندما تراهم أو تسمعهم يقولون(الصحابة)، فلا تتصور أنهم يقصدون المئة ألف شخص وأكثر، الذين رأوا النبي صلي الله عليه وآله وأطلقوا

عليهم إسم (الصحابة)!

بل عليك أن تعرف باطن كلامهم وأنهم لايقصدون إلا أربعة رجال منهم فقط: أبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية، ومَن وافقهم، ومعهم امرأتان: عائشة وحفصة، ومن وافقهما! ولايُدخلون معهم حتي أهل بيت النبوة علياً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، مع أنهم أهل بيت وصحابة!

فباقي الصحابة إنما يقبلونهم بشرط أن يوافقوا هؤلاء الستة، ولا عبرة بقولهم جميعاً إن خالفوا الستة، بل لا عبرة بقولهم جميعاً إن خالفوا عمر وحده!

ولا يقول السنيون نظرياً بعصمة هؤلاء الصحابة الستة. لكن ما قيمة الكلام النظري وهم عملياً يقولون بعصمتهم كمجموع، بل بعصمة عمر وأبي بكر خاصة، والدليل البسيط علي ذلك أنهم لايقبلون أن يوجه اليهما أي نقد! ويصححون أفعالهما وأقوالهما بكل وسيلة حتي في مقابل النبي صلي الله عليه وآله!

بل يغالون فيحكمون بضلال من ينتقدهما، أو بكفره!

يشعر أتباع الخلافة القرشية بأنهم مجبورون علي القول بعصمة الشيخين! لأن عدالة الصحابة لاتكفيهم لإثبات قداستهما، لأنها سيف ذو حدين!

كما أن حديث(أصحابي كالنجوم) الذي يحتج به علماؤهم في علومهم المختلفة، رغم تضعيفهم له، سيفٌ ذو حدين! إذ يكفي بموجبه أن يقتدي المسلم بأي صحابي ويأخذ منه دينه وخطه السياسي، لأنه نجمٌ رباني جعله الله دليلاً لعباده! فيحق للمسلم أن يرفض خلافة قريش وخلفائها، ويقتدي بالذين رفضوا سقيفتها واتهموا أبا بكر وعمر بالخيانة، ولم يبايعوهما إلا مجبرين، كسعد بن عبادة، فهو صحابي وزعيم أنصار الله ورسوله صلي الله عليه وآله، وأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله فهم صحابة وعترة! لكن هذا نقضٌ لغرضهم في تربية الناس علي تقديس الشيخين أبي بكر وعمر!

إنهم لايريدون عدالة الصحابة من أجل ذاتها، ولا من أجل الصحابة، بل من أجل عصمة

أبي بكر وعمر بالخصوص، ولا كرامة لمن خالفهما!

فكل ما تراه من تأكيدهم علي عدالة الصحابة، إنما هو تمهيد وسياج لعقيدة عصمة عمر وأبي بكر ليس إلا!

اضطرارهم لتضييق سياج الصحابة بأهل بدر و بيعة الرضوان

بعد أن أعطوا كل الصحابة صفة العدالة، وهم أكثر من مئة ألف، وهو أمر غير معقول، قاموا بخطوة في تحديد السياج الذي أرادوه لأبي بكر وعمر، فضيقوا الدائرة وقالوا إن مقصودنا بالصحابة العدول المشهود لهم بالجنة، وهم أهل بدر وأهل بيعة الشجرة، وعددهم ألفٌ وأربع مئة كما في البخاري!

قال البخاري في:5/62: (عن البراء....كنا مع النبي(ص)أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها فلم نترك فيها قطرة، فبلغ ذلك النبي(ص) فأتاها فجلس علي شفيرها، ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ، ثم مضمض ودعا، ثم صبه فيها، فتركناها غير بعيد ثم إنها أصدرتنا ما شئنا نحن وركابنا). انتهي.

وروي في:5/63، عن ابن أبي أوفي أنهم ألف وثلاث مئة. وروي في:4/19، أن النبي صلي الله عليه وآله قال في قصة حاطب بن بلتعة، الذي خان المسلمين وكتب إلي المشركين بأنهم ينوون غزو مكة: (إنه شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع علي أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)! وكرره في:4/38، و39، وفي: 5/89 , وفي: 6/60، و:7/134، و: 8/55.

وروي في:5/10: (فقال أليس من أهل بدر؟ فقال: لعل الله اطلع علي أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم، فقد وجبت لكم الجنة أو فقد غفرت لكم)، ونحوه في: 7/97.

وصححوا حديث مسلم:7/169، في قصة حاطب أن النبي صلي الله عليه وآله قال: (لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد، الذين بايعوا تحتها). وروي مسلم أن حفصة اعترضت فنهرها النبي صلي الله عليه وآله،

و(أن عبداً لحاطب جاء رسول الله (ص) يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلنَّ حاطبٌ النار! فقال رسول الله (ص): كذبت لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية). انتهي.

وبهذا ضيقوا دائرة الصحابة إلي نحو ألف وخمس مئة، لأن أهل بدر ضمن أهل الحديبية، ورفعوا علماً لذلك آية: (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (الفتح:18) وجعلوها شعاراً ودثاراً في الدفاع عنهم، لكنه دفاع بالمحال، لأن هذه الآية كغيرها من الآيات متحفظة جداً، ولا إطلاق فيها، لا في الأشخاص، ولا في الزمان! فلو كان مقصوده عز وجل الإطلاق لما قيدها بقيدين فاستعمل كلمة (المؤمنين) وكلمة (إذ) ولقال: لقد رضي الله عن الذين يبايعونك تحت الشجرة!

فلما لم يقل ذلك وقال: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ..فمعناه وجود غير مؤمنين فيهم، وأن رضاه عن المؤمنين منهم محدود بظرف (إذْ) وهو زمن البيعة!

لكنهم اتخذوا قراراً بالدفاع عن هذا السياج، لأن النيل من أهل بدر والحديبية يعني انهيار آخر خطوط الدفاع عن أبي بكر وعمر وعثمان!

كما تراهم عندما يحتاج الأمر يوسعون السياج، كما فعلوا في مواجهة حملة المسلمين علي يزيد بن معاوية: قال التفتازاني في شرح المقاصد:5/310:

(فإن قيل: فمن علماء المذهب من لايجوِّز اللعن علي يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو علي ذلك ويزيد.

قلنا: تحامياً علي أن يرتقي إلي الأعلي فالأعلي، كما هو شعار الروافض، علي ما يروي في أدعيتهم، ويجري في أنديتهم، فرأي المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية، طريقاً إلي الإقتصاد في الإعتقاد). انتهي.

فهذا التوسيع قانون من السلطة وعلمائها له قوة الدين! (فرأي المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية)!

عصمة عمر عندهم أعلي من عصمة جميع الأنبياء

قال البخاري في صحيحه:4/96: (استأذن عمر علي رسول الله(ص)وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه، عالية أصواتهن، فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله(ص)ورسول الله يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله؟ قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كنَّ عندي فلما سمعنَ صوتك ابتدرنَ الحجاب! قال عمر: فأنت يا رسول الله كنت أحق أن يَهَبْنَ، ثم قال: أيْ عدوات أنفسهن، أتهبنني ولا تهبنَ رسول الله؟ قلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله(ص)! قال رسول الله(ص): والذي نفسي بيده مالقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك). (وكرره البخاري في:4/199و:7/93).

وما دام النبي صلي الله عليه وآله أخبر عن ربه بفرار الشيطان من عمر وعدم تأثيره عليه، فهو معصومٌ من كل أنواع الذنوب! بل هو أفضل من النبي صلي الله عليه وآله! لأنهم رووا أن شيطان النبي صلي الله عليه وآله معه لايهرب منه، وأنه خاض معه صراعاً فأعانه الله عليه!!

قال النووي في شرح مسلم:15/165: (الفج الطريق الواسع، ويطلق أيضاً علي المكان المنخرق بين الجبلين. وهذا الحديث محمولٌ علي ظاهره أن الشيطان متي رأي عمر سالكاً فجّاً هرب هيبة من عمر، وفارق ذلك الفج وذهب في فج آخر لشدة خوفه من بأس عمر أن يفعل فيه شيئاً! قال القاضي: ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وإغوائه منه، وأن عمر في جميع أموره سالك طريق السداد، خلاف ما يأمر به الشيطان. والصحيح الأول). (والديباج:5/380).

وقال ابن حجر في فتح الباري:7/38: (قوله: إلا سلك فجاً غير فجك. فيه فضيلة عظيمة لعمر، تقتضي أن الشيطان لاسبيل له عليه، لا أن ذلك يقتضي وجود العصمة، إذ ليس فيه إلا فرار الشيطان منه

أن يشاركه في طريق يسلكها، ولا يمنع ذلك من وسوسته له بحسب ما تصل إليه قدرته.

فإن قيل: عدم تسليطه عليه بالوسوسة يؤخذ بطريق مفهوم الموافقة، لأنه إذا منع من السلوك في طريق فأولي أن لايلابسه بحيث يتمكن من وسوسته له، فيمكن أن يكون حُفِظَ من الشيطان، ولا يلزم من ذلك ثبوت العصمة له، لأنها في حق النبي واجبة، وفي حق غيره ممكنة.

ووقع في حديث حفصة عند الطبراني في الأوسط بلفظ أن الشيطان لا يلقي عمر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه، وهذا دل علي صلابته في الدين، واستمرار حاله علي الجد الصرف والحق المحض). ثم نقل كلام النووي، وفي آخره: (والأول أولي، بدل: والصحيح الأول)! انتهي. وهو تحريف من أجل التخفيف!

لقد رأي ابن حجر أن حديث البخاري يجعل عمر معصوماً بدرجة فوق درجة عصمة النبي صلي الله عليه وآله! فأراد أن يخفف من وقعه فزعم أن ذلك لايستلزم العصمة، وأن فرار الشيطان منه لايمنع أنه يحاول الوسوسة له من بعيد بعيد وهو هارب منه!

ثم اعترف بأن فراره منه ينفي إمكانية وسوسته أصلاً، وقد روي هو وقبله أن الشيطان يخرُّ لوجهه إذا لقي عمر! ومع ذلك تحايل في التأويل وقال هي عصمة جائزة وعصمة النبي صلي الله عليه وآله واجبة!

وليس ذلك إلا تلاعباً بالألفاظ من أجل عمر، فالعصمة الجائزة أو المستحبة التي اخترعوها عصمةٌ أكمل وأفضل من عصمة النبي صلي الله عليه وآله لأن الشيطان يفر من صاحبها ويخر لوجهه من رؤيته، بينما لا يفر من النبي صلي الله عليه وآله ولا يخر علي وجهه!!

فهل رأيت كيف عَصَرَ علماء الخلافة القرشية أدمغتهم من أجل عمر، فجعلوا النبوة قسمين: نبوة واجبة علي

الله تعالي للنبي صلي الله عليه وآله، ونبوة ممكنة قررها الله تعالي لعمر فوصل اليه مضمونها، وكادت تصل رسمياً: (لوكان بعدي نبي لكان عمر)!

وجعلوا العصمة قسمين: عصمة واجبة علي الله للنبي صلي الله عليه وآله، وعصمة ممكنة أو مستحبة لله لعمر، وقالوا إن الله تعالي أتقن عمله المستحب أكثر من عمله الواجب فتدخل لمصلحة عمر وخصَّه بأن الشيطان يهرب منه ويخرُّ لوجهه إذا لقيه، ولم يتدخل لمصلحة خاتم انبيائه وسيد رسله صلي الله عليه وآله بل تركه يغالب شيطان وسلطه عليه حتي في صلاته!

قال ابن القيم في زاد المعاد:1/268: (والصحيح عن النبي(ص)أنه كان يشير في صلاته، رواه أنس وجابر وغيرهما. وكان(ص)يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة فإذا سجد غمزها بيده فقبضت رجليها وإذا قام بسطتهما.

وكان(ص)يصلي فجاءه الشيطان ليقطع عليه صلاته، فأخذه فخنقه حتي سال لعابه علي يده). انتهي.

وأفتي به سيد سابق في فقه السنة وهو كتاب موجه لأهل المذاهب الأربعة:1/265 وصححه محمد ناصر الألباني في تمام المنة ص304، فقال: (وقد صح أن الشيطان أراد أن يفسد علي النبي(ص)صلاته، فمكنه الله منه وخنقه، حتي وجد برد لعابه بين إصبعيه، وقال: والله لولا دعوة أخينا سليمان لأصبح موثقاً يلعب به أهل المدينة. والقصة في مسلم:2/73، وعبد الرزاق:2/24/2338)، وأحمد:1/413 و3/82 و5/104 و105، والطبراني في الكبير:2/224 و227 و251، عن غير واحد من الصحابة بألفاظ متقاربة. أنظر صفة الصلاة (74). انتهي.

وفي هذه الأحاديث المزعومة فضيلة لسليمان عليه السلام وأن الله تعالي جعل الشيطان طليقاً بدعوته، فمنع نبيه صلي الله عليه وآله من القبض عليه وتحويله إلي لعبة لصبيان المدينة! ولعل هذه الكرامة لسليمان عليه السلام لأنه نبي اليهود!

ومن محاولاتهم في تهدئة خواطر المسلمين لتفضيل

عمر علي النبي صلي الله عليه وآله، ما نقله الصالحي وارتضاه، قال في سبل الهدي:11/275: (قال الكرماني: إن قلت: يلزم أن يكون أفضل من أيوب ونحوه، إذ قال: مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ؟ قلت: لا، إذ التركيب لايدل إلا علي الزمن الماضي، وذلك أيضاً مخصوص بحال الإسلام فليس علي ظاهره، وأيضاً هو مقيد بحال سلوك الطريق، فجاز أن يلقاه علي غير تلك الحالة. وقال القاضي عياض: ويحتمل أنه ضرب مثلاً لبعد الشيطان وأعوانه من عمر، وأنه لا سبيل له عليه، أي إنك إذا سلكت في أمر بمعروف أو نهي عن منكر تنفذ فيه ولا تتركه، فليس للشيطان أن يوسوس فيه فيتركه، ويسلك غيره، وليس المراد بالطريق علي الحقيقة، لأنه تعالي قال:إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاتَرَوْنَهُمْ فلا يخافه إذا لقيه في فج، لأنه لا يراه). انتهي.

يقصد الكرماني وعياض أن حديث فرار الشيطان من عمر لا يجعله أفضل من نبي الله أيوب عليه السلام الذي مسه الشيطان! لأن الحديث لا يشمل مرحلة عبادة عمر للأصنام وهي أكثر من أربعين سنة! ولايشمل عمر إذا لم يسلك طريقاً، ففرار الشيطان منه محدود في الزمان وفي الحالة! ففيه فتحة لأن يكون أيوب أفضل منه! وهو جواب هزيل كما تري، لأن عصمة عمر قبل الإسلام ليست محل بحث، وحديثهم المدعي ليس فيه حصْرُ فرار الشيطان منه في حالة سلوكه فجاً، بل فيه إطلاق لكل حالات عمر، بل هو يخرَّ علي وجهه بزعمهم بمجرد رؤيته!

وهذا كله لعب بالألفاظ، فلو قلنا لمن يريد حصر فرار الشيطان منهم بسلوك عمر فجاً: هل تقبل بأن الشيطان يمس عمر إذا لم يسلك فجاً؟ لقامت قيامته!

من ناحية أخري فإن عياضاً أو غيره عندما

يقولون إن فرار الشيطان من عمر محصور بما إذا سلك فجاً بأمر بمعروف أو نهي عن منكر، فماذا يبقون من سلوكه لم تشمله العصمة؟! بل ماذا يبقون للأنبياء عليهم السلام من سلوك يتميزون به علي عمر، وجِلُّ سلوكهم أو كلُّه عبارة عن أمر بمعروف ونهي عن منكر، وفي كله لايهرب منهم الشيطان كما يهرب من عمر!

إنها محاولات تهدئة وتغطية، عن عمد، وأحياناً عن سذاجة وبلادة، حتي لايصرخ المسلم: ماذا فعلتم بهذا الحديث؟! لقد طعنتم في أنبياءالله جميعاً عليهم السلام وصادرتم نبوتهم، ورفعتم درجة عمر فوق درجتهم عليهم السلام!!

المشكلة أنهم اخترعوا حديثاً يفضل عمر علي نبينا صلي الله عليه وآله وجميع الأنبياء عليهم السلام ورأوا أنهم تورطوا فيه! فأخذوا يتكلفون لغرض تحديده وتقليصه بقدر يريدونه باللعب بالألفاظ، ليجعلوا عمر بعد الأنبياء عليهم السلام مباشرة!

وكيفَ يمكنهم ذلك وقد فسروا قوله تعالي: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ). (الحج:52) فسروه بالأمنية في القلب لا في تحققها في الخارج كما نفسره نحن؟!

قالوا إن الشيطان يمس جميع الأنبياء عليهم السلام ويتسلط عليهم جزئياً حتي في تبليغهم لرسالة ربهم! ولا شك أن الذي يهرب منه الشيطان ويخرُّ علي وجهه إذا شاهده، أفضل من جميع الأنبياء عليهم السلام الذين يمسهم ويلقي في قلوبهم الكفر والمعصية!

أما نحن فنقول حاشا لله أن يسلط الشيطان علي قلوب أنبيائه وأذهانهم عليهم السلام، وليس معني(إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) أنه يلقي في قلب النبي وتفكيره، بل يلقي في أذهان الناس في الأمر الذي تتحقق به أمنية النبي عليه السلام! فالأمنية هنا بمعناها الخارجي العملي

وليس الذهني!

النبي عندهم أضعف من عمر أمام شيطانه

روي القرشيون عن النبي المصطفي المظلوم صلي الله عليه وآله أن شيطانه قويٌّ لايهرب منه إذا رآه، بل يرافقه دائماً ولا يخاف منه، بل يأتيه بصورة جبرئيل ويؤثر عليه!

وقد رأيت اختراعهم فرية الغرانيق عليه صلي الله عليه وآله وأن الشيطان تسلَّطَ عليه حتي كفَرَ معاذ الله، وغيَّرَ نَصَّ القرآن المنزل عليه، ومدح أصنام قريش بأنها الغرانيق العلي أي الطيور المحلِّقة في السماء، وسجد لها!

قال العلامة مرتضي في الصحيح من السيرة:2/305:(ومن الطعن في النبوة أيضاً.... قولهم: إنه قد كان للنبي(ص) عدو من شياطين الجن يسمي الأبيض، كان يأتيه في صورة جبرئيل، ولعله هو الشيطان الذي أعانه الله عليه فأسلم كما يقولون. (السيرة الحلبية:1/253، راجع: إحياء علوم الدين:3/171 وفي هامشه عن مسلم، والغدير:11/91 عنه، والمواهب اللدنية:1/202، ومشكل الآثار:1/30، وحياة الصحابة:2/ 712 عن مسلم وعن المشكاة ص280 والمحجة البيضاء:5 /302/303).

وشيطانه هذا الذي أسلم، كان يجري منه مجري الدم. (مشكل الأثار:1/30).

وكان يدعو الله بأن يُخْسِئ شيطانه، فلما أسلم ذلك الشيطان ترك ذلك!

ورووا أنه عرض للنبي صلي الله عليه وآله في صلاته قال: فأخذتُ بحلقه فخنقته، فإني لأجد بَرْدَ لسانه علي ظهر كفي! (مسند أبي يعلي:1/506 و360 ومسند أبي عوانة:2/143 والسنن الكبري:2/264 ومسند أحمد:2/298 وأخرجه البخاري في مواضع من صحيحه، وثمة مصادر كثيرة أخري وراجع الغدير:8/95).

ويروون أيضاً أنه صلي الله عليه وآله قد صلي بهم الفجر فجعل يهوي بيديه قدامه، وهو في الصلاة، وذلك لأن الشيطان كان يلقي عليه النار ليفتنه عن الصلاة! (المصنف:2/24، وراجع: البخاري ط. سنة 1309:1/137، و:2/143).

ونقول: ونحن لانشك في أن هذا كله من وضع أعداء الدين، بهدف فسح المجال أمام التشكيك في النبوة وفي الدين الحق....

وقد أخذه بعض المسلمين لربما بسلامة نية وحسن طوية، وبلا تدبر أو تأمل، سامحهم الله وعفا عنهم. والغريب في الأمر أننا نجدهم في مقابل ذلك يروون عنه صلي الله عليه وآله قوله لعمر: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلا سلك فجاً غير فجك....!). انتهي. وقد تقدم تصحيح ابن القيم والألباني لذلك!

ومن تخبط علمائهم في ترقيع تفضيلهم عمر علي النبي صلي الله عليه وآله! ما قاله الصالحي في سبل الهدي والرشاد:1/507:

(المحفوظ: إسم مفعول من الحفظ، وسمي به لأنه محفوظٌ من الشيطان. روي البخاري عن أبي هريرة أن النبي صلي صلاة فقال: إن الشيطان عرض لي فشد عليَّ ليقطع الصلاة عليَّ فأمكنني الله منه. وفيه دليل علي حفظه منه.

فإن قيل: لمَ سُلِّطَ عليه الشيطان أولاً، وهلاَّ كان إذا سلك طريقاً هربَ الشيطان منه كما وقع لعمر بن الخطاب، فقد روي الشيخان عن سعد بن أبي وقاص أن النبي قال لعمر: مالقيك الشيطان قط سالكاً فجاً إلاسلك فجاً غيره.

الجواب: أنه لما كان رسول الله(ص)معصوماً من الشيطان ومكره، ومحفوظاً من كيده وغدره، آمناً من وسواسه وشره، كان اجتماعه به وهربه منه سيان في حقه(ص). ولما لم يبلغ عمر هذه الرتبة العليه والمنزلة السنية، كان هرب الشيطان منه أولي في حقه، وأيقن لزيادة حفظه، وأمكن لدفع شره!

علي أنه يجوز أن يحمل الشيطان الذي كان يهرب من عمر غير قرينه، أما قرينه فكان لايهرب منه، بل لايفارقه لأنه وكل به). انتهي.

وقد وصفناه بالتخبط، لأن النبي صلي الله عليه وآله عندهم غير محفوظ من الشيطان، ويكفي أن تقرأ تفسيرهم لقوله تعالي: (إِذَا تَمَنَّي أَلْقَي الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) وإصرارهم علي أن الأمنية هي

قلب النبي صلي الله عليه وآله، وليست ما تحقق في الخارج كما نفسرها نحن!

ثانياً، إنهم بهذا اللعب بالألفاظ لم يفعلوا شيئاً، فما داموا يقبلون أن الشيطان يهرب من عمر دون النبي صلي الله عليه وآله فلن يستطيعوا أن يرتقوا ما فتقوه! بل هم بذلك ينفون الحكمة والعصمة عن الله تعالي، حيث عصم عمر التابع، بأفضل وأقوي مما عصم به النبي المتبوع صلي الله عليه وآله!

ثالثاً، لعل الصالحي رأي أنه لا يستطيع أن يجعل مقام النبي صلي الله عليه وآله أعلي قليلاً من مقام عمر أو مساوياً له، فطرح احتمال أن يكون الشيطان الذي يهرب من عمر غير الشيطان العام الذي هو القرين! وهو احتمال هوائي كثيراً ما يلجأ اليه علماء الحكومة القرشية في ورطاتهم، فإن لفظ الشيطان المستعمل في حديثهم المزعوم، والذي يهرب من عمر، هو نفس لفظه المستعمل في أنه تسلط علي النبي صلي الله عليه وآله، فالمتبادر منهما واحد! ولا قرينة ولا دليل علي أن الشيطان الذي يهرب منه شيطان فرعي! وأن الأصلي لايهرب منه بل يمسه!

والنتيجة: أنه لا طريق لهم إلا أن يعترفوا بكذب (حديثهم) المزعوم ويفروا ويفروا منه كفرار الشيطان المزعوم من عمر! ولكنهم لايفعلون لأنه منقبة لعمر، رواها الشيخان، ومن أوجب الواجبات علي الأمة أن تعتقد بمناقب عمر العظيمة حتي لو كانت تفضله علي أنبياءالله تعالي جميعاً عليهم السلام!

ولك الله يارسول الله! فقد بخلوا عليك حتي بأن يساووك بعمر!

و زعموا أن الله تعالي يتكلم بلسان عمر

ولم يكتفوا بمقولة إن الشيطان يهرب من عمر ويخر لوجهه خوفاً منه!

بل وضعوا حديث إن (الحق) ينطق علي لسان عمر، أي إن الله تعالي ينطق علي لسانه! وذلك في مقابل قوله تعالي عن نبيه صلي

الله عليه وآله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي!

(قال في فتح الباري:9/397: ولقد كان الحق ينطق علي لسان عمر)!

ولما رأو ذلك غلواً واضحاً خففوه فقالوا: إن الله جعل الحق علي لسانه! ولكنه بنفس المعني، لأن قصدهم منه ومن الذي قبله: الإستمرار والشمول!

ومن سوء توفيقهم أنهم عندما يتحدثون عن النبي صلي الله عليه وآله يميِّعون الآية الصريحة في عصمته صلي الله عليه وآله وهي قوله تعالي:(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَي) فيكابرون أمام صراحتها في عصمتة منطقه الشاملة، واستلزامها عصمة فعله الشاملة صلي الله عليه وآله، ويردونها بادعاء عشرات الأخطاء للنبي صلي الله عليه وآله في سلوكه الشخصي والعام، وحتي في التبليغ!

فإذا وصل الحديث إلي عمر وضعوا له مقابل آية عصمة النبي صلي الله عليه وآله حديثاً فزعموا أن الحق ينطق علي لسانه! وتفاخروا به ولم يثبتوا له أخطاء ومعاصي، بل تراهم يهاجمون من يذكر له أخطاء ومعاصي، وقد يكفرونه!

واعجب إن شئت من حجتهم في ذلك بأن عمر والصحابة أمناء النبي صلي الله عليه وآله علي تبليغ الدين للأجيال، فالطعن فيهم طعن في الدين! فيجعلون حصانة الوكيل أعظم من حصانة الأصيل صلي الله عليه وآله؟ هذا لو صحت وكالة الصحابة التي زعموها!

ويجعلون القول بخطأ المبلغ الوكيل حراماً وطعناً في الدين، بينما القول بخطأ الأصيل صلي الله عليه وآله حلالاً وليس طعناً في الدين؟!

و زعموا أن الملائكة تحدث عمر

كما وضعوا في مقابل تحديث الملائكة للنبي وآله صلي الله عليه وآله الأطهار، أن الملائكة تحدث عمر! وقد تقدم ذلك في كلام الغزالي، ورواه البخاري وغيره!

قال السيوطي في الخصائص:2/219: (باب إخباره بأن عمر من المحدثين. أخرج الشيخان عن عائشة قالت قال رسول الله: كان

في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فعمر. وأخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله: إنه لم يبعث الله نبياً إلا كان في أمته محدثون، وإن يكن في أمتي أحد فهو عمر قالوا: يارسول الله كيف محدث؟ قال: تتكلم الملائكة علي لسانه).

وقال ابن حجر في شرحه للبخاري:7/40: (قوله: محدَّثون، بفتح الدال جمع محدَّث، واختلف في تأويله فقيل: ملهم، قاله الأكثر، قالوا: المحدَّث بالفتح هو الرجل الصادق الظن وهو من ألقي في روعه شئ من قبل الملأ الأعلي، فيكون كالذي حدثه غيره به، وبهذا جزم أبو أحمد العسكري.

وقيل: من يجري الصواب علي لسانه من غير قصد. وقيل مكلم أي تكلمه الملائكة بغير نبوة. وهذا ورد من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً ولفظه: قيل يا رسول الله وكيف يحدث قال تتكلم الملائكة علي لسانه. رويناه في فوائد الجوهري، وحكاه القابسي وآخرون. ويؤيده ما ثبت في الرواية المعلقة ويحتمل رده إلي المعني الأول أي تكلمه في نفسه وإن لم ير مكلماً في الحقيقة فيرجع إلي الإلهام).

وقال ابن تيمية في الرد علي المنطقيين ص513: (فأما درجة السابقين الأولين كأبي بكر وعمر فتلك لايبلغها أحد! وقد ثبت في الصحيحين عن النبي(ص)أنه قال: قد كان في الأمم قبلكم محدثون فإن يكن في أمتي فعمر، وفي حديث آخر: إن الله ضرب الحق علي لسان عمر وقلبه. وقال عليٌ: كنا نتحدث أن السكينة تنطق علي لسان عمر. وفي الترمذي وغيره: لو لم أبعث فيكم لبعث فيكم عمر، ولو كان بعدي نبي ينتظر لكان عمر).

وقال في منهاجه:6/75(وكلام عمر رضي الله عنه من أجمع الكلام وأكمله، فإنه ملهم محدث! كل كلمة من كلامه تجمع علماً

كثيراً!)! انتهي.

فقد وصلوا في كلام عمر إلي درجة كلام النبي صلي الله عليه وآله، وصار عمر لاينطق عن الهوي إن هو إلا حديث الملائكة! والفرق بينهما أن النبي صلي الله عليه وآله مع ذلك قد يخطئ فيصحح له عمر، أما عمر فلايخطئ!

و الفوا مؤلفات في الأخطاء النبوية والتصحيحات العمرية

افتروا علي النبي صلي الله عليه وآله أنه كان يخطئ وكان عمر يصحح له أخطاءه ويسدده وأنه كان يختلف مع النبي صلي الله عليه وآله في الأمر فيوافقه الله تعالي وينزل الوحي طبق رأي عمر! وسموا ذلك موافقات عمر، وقد بحثناها في المجلد الثاني من كتاب (ألف سؤال وإشكال:2/مسألة 144)، وقلنا هناك ما مضمونه: إن الوضع الطبيعي للعلاقة بين النبي صلي الله عليه وآله وعمر أن تكون علاقة مسلم تابع بنبيٍّ متبوع مُطاع، لكن الثابت أن عمر كان كثير الإعتراض علي النبي صلي الله عليه وآله! والتفسير الصحيح لذلك أنه خطأ من عمر، وأن الإعتراض علي رسول الله صلي الله عليه وآله معصية أو رد عليه وكلاهما أمرٌ كبير لأنه صلي الله عليه وآله كما قال الله تعالي:وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي... وَمَاآتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَانَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

لكن عمر ومجبيه خرجوا عن المألوف، وفسروا اعتراضات عمر بأنه كان دائماً مصيباً، بينما كان النبي صلي الله عليه وآله يقع في الخطأ! وأن الوحي كان ينزل مؤيداً لرأي عمر منتقداً لرأي النبي صلي الله عليه وآله، بل كان أحياناً يوبِّخ النبي صلي الله عليه وآله، معاذ الله!!

فكأن النبي صلي الله عليه وآله عندهم رجلٌ ساذج، يقع في أخطاء فيصححها له عمر!

وكأن المطلوب أن يثبتوا لعمر فضائل، ولو بالطعن في شخصية النبي

صلي الله عليه وآله!

وقد ألفوا في هذا الطعن المغطي به صلي الله عليه وآله كتباً ونظموا أراجيز وسموه (موافقات عمر) ومعناها: موافقات الله تعالي لرأي عمر، ولو بتخطئة رأي النبي صلي الله عليه وآله!!

ففي الأعلام:2/63: (أبو بكر بن زيد بن أبي بكر الحسني الجراعي الدمشقي... (825-883) له.... نفائس الدرر في موافقات عمر).

وفي:3/301: (الجلال السيوطي(849–911)، وعدَّ من مؤلفاته: قطف الثمر في موافقات عمر). وكذا في كشف الظنون:2/1353.

وفي:5/302: (..._937ه_) محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي... صنَّف: شرح نظم الدرر في موافقات عمر للبدر الغزي).

وفي:7/44: (محمد بن جمال الدين عبد الله بن أبي حفص سراج الدين عمر، من علماء حلب، ولي قضاءها مرات، واستقضيَ بدمشق والقاهرة. له كتب منها... الموافقات العمرية للقرآن الشريف).

وفي معجم المؤلفين:2/22: (أحمد بن النقيب(771-816 ه) أحمد بن علي بن محمد المقدسي... له الموافقات التي وقعت في القرآن لعمر بن الخطاب).

وفي إيضاح المكنون:1/447:(الدر المستطاب في موافقات عمر بن الخطاب، لحامد بن علي بن إبراهيم بن عبد الرحيم العمادي، المفتي الدمشقي الحنفي المتوفي سنة 1171).

وفي:2/658: (نظم الدرر في موافقات عمر، أعني عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبدر الدين محمد بن محمد الغزي).

وفي هدية العارفين:1/497: (ابن البدر الخطيب عبد الباقي بن عبدا لباقي بن عبد القادر بن عبدا لباقي بن إبراهيم بن عمر البعلي الدمشقي.... ولد سنة 1005 وتوفي في ذي الحجة من سنة1071. من تصانيفه شرح الجامع الصحيح للبخاري لم يكمل. اقتطاف الثمر في موافقات عمر).

وفي:2/233: (محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن بدر بن عثمان الغزي...توفي سنة935.... من تصانيفه... شرح نظم الدرر في موافقات

عمر... نظم الدرر في موافقات عمر). انتهي.

قال ابن حجر في فتح الباري:1/200: (وروي البزار باسناد حسن، من حديث أبي سعيد الخدري في هذه القصة أن النبي(ص)أذن لمعاذ في التبشير، فلقيه عمر فقال: لاتعجل، ثم دخل فقال: يا نبي الله أنت أفضل رأياً، إن الناس إذا سمعوا ذلك اتكلوا عليها! قال: فَرُدَّهُ! وهذا معدودٌ من موافقات عمر، وفيه جواز الإجتهاد بحضرته (ص)!!

وقال في فتح الباري:7/42: (عن عمرو بن دينار قال: كان ابن عباس يقرأ: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلانَبِيٍّ،ولا محدث. والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي(ص)من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها)!!

وفي تحفة الأحوذي:10/125:(فإن يك في أمتي أحد)أي من المحدثين (فعمر بن الخطاب) وفي بعض النسخ: يكون عمر بن الخطاب، والسبب في تخصيص عمر بالذكر لكثرة ما وقع له في زمن النبي(ص)من الموافقات التي نزل القرآن مطابقاً لها، ووقع له بعد النبي(ص)عدة إصابات). انتهي.

وقال الصالحي في سبل الهدي والرشاد:3/197:(عن عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله(ص)بيعة النساء وذلك قبل أن تفترض علينا الحرب، علي ألانشرك بالله شيئاً، ولانسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف...

وقوله: علي بيعة النساء، يعني علي وفق ما نزلت عليه بيعة النساء بعد ذلك عام الحديبية، وكان هذا مما نزل علي وفق ما بايع عليه أصحابه ليلة العقبة، وليس هذا بعجيب، فإن القرآن نزل بموافقات عمر بن الخطاب). انتهي.

وفي تاريخ المدينة لابن شبة:3/859: (موافقاته رضي الله عنه... قال ابن عمر: ما أنزل الله أمراً قط فقالوا فيه وقال فيه عمر، إلا نزل القرآن علي نحو ما قال عمر)!

(ورواه أحمد:2/95، والترمذي:5/280، وروي عن ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وآله قال: إن الله جعل الحق علي لسان عمر وقلبه)!

ثم ذكر ابن شبَّه عدداً من موافقات الله تعالي لعمر، بعضها واضح الكذب، وبعضها محرَّف، وفي بعضها تخطئة صريحة للنبي صلي الله عليه وآله!

الي آخر إفراطهم وغلوهم في عمر، الذي هو طعن في النبي صلي الله عليه وآله لامحالة! في مأساة حقيقية للإسلام، صنعتها قريش من أجل عمر، وربت عليها الأجيال!

و اخترع الذهبي قاعدة خاصة لعصمة عمر و أبي بكر

شمس الدين الذهبي(محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشركسي) من كبار أئمتهم، معروف بكثرة مؤلفاته، وبتشدده في النقد الرجالي والحديثي، لكنه لم يملك نفسه في حب عمر وأبي بكر، فأفتي صراحةً بأن العصمة لا تختص بالأنبياء عليهم السلام بل تشمل معهم نوعين من الناس هما: أبو بكر الصديق لتصديقه بالنبي صلي الله عليه وآله وعمر الفاروق، لأنه حاكم عادل!

شمس الدين الذهبي(محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الشركسي) من كبار أئمتهم، معروف بكثرة مؤلفاته، وبتشدده في النقد الرجالي والحديثي، لكنه لم يملك نفسه في حب عمر وأبي بكر، فأفتي صراحةً بأن العصمة لا تختص بالأنبياء عليهم السلام بل تشمل معهم نوعين من الناس هما: أبو بكر الصديق لتصديقه بالنبي صلي الله عليه وآله وعمر الفاروق، لأنه حاكم عادل!

قال في كتابه (الموقظة في علم مصطلح الحديث) ص84، بعد أن قسم طبقات أئمة الجرح والتعديل إلي: الحاد، والمعتدل، والمتساهل، قال ما نصه: (والعصمة للأنبياء عليهم السلام، والصديقين، وحكام القسط)!! انتهي.

وبذلك أضاف الذهبي من جيبه إلي الأنبياء عليهم السلام نوعين: الأول، الصديقين ليثبت العصمة لأبي بكر. والثاني، حكام القسط ليثبتها لعمر لأنه حاكم عادل!

وإنما قلنا إنه وضع القاعدة

من أجلهما خاصة، لأنهم لايقولون بعصمة كل صدِّيق، ولا كل حاكم عادل، وإلا لزم أن يقولوا بعصمة كسري الذي رووا أن النبي صلي الله عليه وآله قال فيه (ولدت في زمن الملك العادل)! والذهبي نفسه أعطي وصف الملك العادل لمجموعة سلاطين تراكمة وشراكسة مع أنه لايثبت لهم العصمة، وفيهم رافضي قوي الرفض علي حد قوله، هو رزيك بن طلائع بن رزيك سلطان مصر! قال في أعلام النبلاء:15/208:(وولي مكانه(طلائع) ولده الملك العادل رزيك وكان مليح النظم، قوي الرفض، جواداً شجاعاً، يناظر علي الإمامة والقدر)!

كما وصف: تُقَاق بن سلجوق التركماني بأنه الملك العادل (أعلام النبلاء:18/243) وكذلك وصف ألب أرسلأن (:18/414)، ونور الدين حاكم الموصل(:20/190)، وعلي بن السلار الكردي(:20/281)، وأبا بكر بن أيوب الأيوبي(:23/184)، وطومباي الأول (تذكرة الحفاظ ص7)، وغيرهم ممن لايراهم معصومين! فهو إذن يقصد بحكام القسط والعدل عمر وحده!

و غيروا إسم العصمة لإثباتها لعمر و أبي بكر

اخترعوا للعصمة اسم(الحفظ من الذنوب)ليخففوا علي المسلمين تنقيصهم لمقام نبيهم صلي الله عليه وآله ويستعملوها لأبي بكر وعمر، كما رأيت أنهم اخترعوا تقسيمها إلي عصمة واجبة للأنبياء عليهم السلام وجائزة مستحبة لأبي بكر وعمر!

قال ابن نجيم المصري في البحر الرائق:1/80: (ثبت عن رسول الله(ص) مرسلاً ومسنداً: بينما رسول الله(ص)يصلي بالناس إذ دخل رجل فتردي في حفرة وكان في بصره ضرر، فضحك كثير من القوم وهو في الصلاة، فأمر رسول الله(ص)من ضحك أن يعيد الوضوء والصلاة. وتمامه في فتح القدير. وما قيل بأنه لايظن الضحك بالصحابة خلفه قهقهة، أجيب عنه بأنه كان يصلي خلفه الصحابيون والمنافقون والأعراب الجهال، فالضاحك لعله كان بعض الأحداث أو المنافقين، أو بعض الأعراب لغلبة الجهل عليهم، كما بال أعرابي في مسجد النبي(ص). وهو نظير قوله تعالي: (وتركوك قائماً) فإنه لم

يتركه كبار الصحابة باللهو. قال في العناية: وهذا من باب حسن الظن بهم رضي الله عنهم، وإلا فليس الضحك كبيرة، وهم ليسوا من الصغائر بمعصومين ولا عن الكبائر، علي تقدير كونه كبيرة. ا ه_. والمنقول في الأصول أن الصحابة عدول فهم محفوظون من المعاصي)!! انتهي.

وقال ابن حجر في فتح الباري:1/244: (قال ابن بن المنذر...وتمسكوا بحديث لايصح، وحاشا أصحاب رسول الله (ص)الذين هم خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالي خلف رسول الله (ص)). انتهي.

فاعجب لهم كيف تجاهلوا قوله تعالي: وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قائماً قُلْ مَاعِنْدَاللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وتجاهلوا الأحاديث المستفيضة التي تقول إن الصحابة قطعوا صلاتهم وتركوا الصلاة وأبا الصلاة، ولم يبق مع النبي صلي الله عليه وآله في المسجد إلا بضع عشرة، أوبضعة نفر!

ومع ذلك تراهم يقولون: حاشا أصحاب رسول الله (ص)خير القرون أن يضحكوا بين يدي الله تعالي، فهم محفوظون من المعاصي!!

و من لعبهم بالألفاظ و ادعائهم الأدب مع النبي

قولهم في تحفة الأحوذي في شرح الترمذي:2/481، في شرح دعاء النبي صلي الله عليه وآله بالسلامة من كل إثم: (قال العراقي: فيه جواز سؤال العصمة من كل الذنوب، وقد أنكر بعضهم جواز ذلك، إذ العصمة إنما هي للأنبياءوالملائكة عليهم السلام.

قال والجواب: أنها في حق الأنبياءوالملائكة واجبة، وفي حق غيرهم جائزة، وسؤال الجائز جائز، إلا أن الأدب سؤال الحفظ في حقنا لا العصمة، وقد يكون هذا هو المراد هنا). انتهي.

يقصد بذلك أنه ينبغي للمسلم لزوم الأدب مع رسول الله صلي الله عليه وآله وحفظ مقام العصمة الخاص به صلي الله عليه وآله، فلا يدعو لنفسه بالعصمة من الذنوب بل بالحفظ منها.

وظاهره حسن أدب

مع النبي صلي الله عليه وآله، لكنهم يتنازلون عنه إذا جاء الحديث عن عمر ويطلقون لهواهم العنان في عصمته فيجعلونه معصوماً بدرجة أعلي من عصمة النبي صلي الله عليه وآله! فإذا ناقشتهم قالوا لا بأس بذلك فنحن نراعي الأدب مع النبي صلي الله عليه وآله ونحفظ حرمته ومقامه، ونقول إن عمر محفوظ من الذنوب والمعاصي، وإن الشيطان كلما رآه صرخ وهرب!!

و منهم أخذ الصوفيون عصمة الأقطاب و حفظ الأولياء

قال الشعراني في العهود المحمدية ص8: (ولذلك لم يقع الإحتلام إلا من المريدين والعوام دون الأكابر! فإن الأكابر إما معصومون كالأنبياء، أو محفوظون كالأولياء! ثم إن وقع أن أحداً من أكابر الأولياء احتلام، فإنما يكون ذلك في حليلته من زوجة أو جارية لا فيما لايحل له، وسببه غفلته عن تدبير جسده، لما هو عليه من الإشتغال بالله عز وجل، أو أمر المسلمين، كما بلغنا أن عمر بن الخطاب(رض)احتلم في جاريته، وقال: قد ابتلينا بهذا الأمر منذ اشتغلنا بأمر المسلمين)! انتهي.

يقصد الشعراني بذلك أن الأكابر مثل عمر وأبي بكر والأقطاب، يصح أن نستعمل فيهم لفظ العصمة، لأنهم معصومون كالأنبياء عليهم السلام، أما الأولياء فنقول عنهم إنهم محفوظون من الذنوب، ولا نقول إنهم معصومون.

ويقول الشعراني إن أكابر الأولياء لايرون أحلاماً جنسية لأنهم مستغرقون في الله تعالي، أو في التفكير أمر المسلمين وقضاياهم! وإذا حدث ذلك فإنهم يحتلمون بزوجاتهم، كما حدث لعمر فقد كان كل عمره مستغرقاً في الله تعالي لايحتلم، ثم استغرق بأمور المسلمين السياسية، فحدث أن احتلم ذات مرة، لكن بجاريته وليس بامرأة أجنبية!

وقال المقريزي في فضل آل البيت ص92: (وما تجد في القرآن عباداً مضافين إليه سبحانه إلا السعداء خاصة، وجاء اللفظ في غيرهم بالعباد، فما ظنك بالمعصومين المحفوظين منهم،

القائمين بحقوق سيدهم، الواقفين عند مراسمه وحدوده، فشرفهم أعلي، وهؤلاء هم أقطاب هذا المقام).انتهي.

وقال البيومي في كتابه السيدة فاطمة الزهراء ص82: (وقد ذهب البعض إلي أن آل البيت(يقصدكل ذرية علي وفاطمة عليهما السلام)محفوظون من الكبائر بعناية الله، فقد فطرهم علي حبه وحب طاعته، والناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام.

وذهب قوم إلي أن القطب في كل عصر، لابد وأن يكون من أهل البيت النبوي الشريف، وإن رأي أبو العباس كما نقل عنه تلميذه ابن عطاء، أن القطب قد يكون من غيرهم، ولكن قطب الأقطاب لا يكون إلا منهم، لأنهم أزكي الناس أصلاً وأوفرهم فضلاً، غير أن القطب من شأنه غالباً الخفاء وعدم الظهور، فإذ لم يوجد في الظاهر من أهل البيت من يصلح للإتصاف بالقطبية، حمل علي أنه قام بذلك رجل منهم في الباطن، وأما القائم بتجديد الدين فلا بد أن يكون ظاهراً حتي يسير علمه في الأفاق، وينتشر في الأقطار). انتهي.

رأي التفتازاني: في عصمة أبي بكر و عمر و عدالة باقي الصحابة

سعد الدين التفتازاني من كبار العلماء المنظِّرين لمذهب الحكومات القرشية،

جاء في معجم المطبوعات العربية:1/635: (التفتازاني، سعد الدين(722-793هجرية) مسعود بن عمر بن عبد الله سعد الدين التفتازاني الهروي الشافعي الخراساني التفتازاني، نسبة إلي تفتازان بلدة بخراسان ولد فيها، كان من محاسن الزمان، لم تر العيون مثله في الأعلام والأعيان. وهو الأستاذ علي الإطلاق، والمشار إليه بالإتفاق. اشتهرت تصانيفه في الأرض وأتت بالطول والعرض). انتهي.

وكتابه شرح المقاصد من أهم كتبهم الكلامية المعتمدة، وقد سجل فيه رأيه في الصحابة فقال في:5/310: (ما وقع بين الصحابة من المحاربات والمشاجرات علي الوجه المسطور في كتب التواريخ، والمذكور علي ألسنة الثقات، يدل بظاهره علي أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق، وبلغ حد

الظلم والفسق، وكان الباعث عليه الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرياسات والميل إلي اللذات والشهوات، إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي (ص) بالخير موسوماً. إلاأن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله(ص)ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلي أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار، المبشرين بالثواب في دار القرار.

وأما ما جري بعدهم من الظلم علي أهل بيت النبي(ص)، فمن الظهور بحيث لامجال للإخفاء، ومن الشناعة بحيث لا اشتباه علي الآراء، ويكاد تشهد به الجماد والعجماء، ويبكي له من في الأرض والسماء، وتنهدُّ منه الجبال، وتنشق منه الصخور، ويبقي سوء عمله علي كر الشهور ومر الدهور، فلعنة الله علي من باشر، أو رضي، أوسعي، ولعذاب الآخرة أشد وأبقي.

فإن قيل: فمن علماء المذهب من لايجوِّز اللعن علي يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو علي ذلك ويزيد.

قلنا: تحامياً علي أن يرتقي إلي الأعلي فالأعلي، كما هو شعار الروافض، علي ما يروي في أدعيتهم، ويجري في أنديتهم، فرأي المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية، طريقاً إلي الإقتصاد في الإعتقاد، بحيث لاتزلُّ الأقدام عن السواء، ولا تضل الأفهام بالأهواء!! وإلا فمَن خفيَ عليه الجواز والإستحقاق، وكيف لايقع عليهما الإتفاق؟! وهذا هو السر فيما نقل عن السلف من المبالغة في مجانبة أهل الضلال، وسد طريق لايؤمن أن يجر إلي الغواية في المآل، مع علمهم بحقيقة الحال وجلية المقال)!! انتهي.

وفي هامش الإصابة:1/25:(وقال السعد التفتازاني: يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم، وحمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم علي محامل وتأويلات، سيما المهاجرين والأنصار، وأهل بيعة الرضوان، ومن شهد بدراً

وأحداً والحديبية، فقد انعقد علي علو شأنهم الإجماع، وشهد بذلك الآيات الصراح، والأخبار الصحاح. وللروافض سيما الغلاة منهم مبالغات في بغض البعض من الصحابة رضي الله عنهم والطعن فيهم، بناء علي حكايات وافتراءات لم تكن في القرن الثاني والثالث! فإياك والإصغاء إليها فإنها تضل الأحداث، وتحير الأوساط وإن كانت لاتؤثر فيمن له استقامة علي الصراط المستقيم، وكفاك شاهداً علي ما ذكرنا أنها لم تكن في القرون السالفة ولا فيما بين العترة الطاهرة، بل ثناؤهم علي عظماء الصحابة وعلماء السنة والجماعة، والمهديين من خلفاء الدين، مشهور في خطبهم ورسائلهم وأشعارهم). انتهي.

نقد منطق التفتازاني في العصمة في مسائل

المسألة 01

اعترف التفتازاني بأن بعض الصحابة قد انحرف بعد النبي صلي الله عليه وآله عالماً عامداً وكان دافعه إلي ذلك علي حد تعبيره: (الحقد والعناد، والحسد واللداد، وطلب الملك والرياسات، والميل إلي اللذات والشهوات)! وأن صحبة النبي صلي الله عليه وآله لاتوجب العصمة ولا العدالة، فقد صدرت منهم المعاصي والظلم والفسق!

وما داموا لايعرفون من هم المنحرفون من الصحابة، ولا مقياس عندهم مثلنا حيث نقول بأن العترة هم المقياس لجميع الصحابة، فوجب عليهم أن يجروا فيهم حكم الشبهة المحصورة، ويحرِّموا علي المسلمين أن يتلقَّوْا منهم دينهم بعد النبي صلي الله عليه وآله! فقد أفتي فقهاؤهم وفقهاؤنا بأنه إذا اشتبه إناء نجس بآنية طاهرة ولم يتميز، وجب اجتناب الجميع ولا يصح الوضوء بأي منها!

قال العلامة الحلي في نهاية الأحكام:1/253: (فلو اشتبه إناء طاهر بماء الغالب في مثله النجاسة كان كما لو اشتبه بمتيقن النجاسة، فيحتاج إلي الإجتهاد).انتهي.

فإن قلت: أفتي بعضهم في هذه الحالة بجواز العمل بما غلب الظن علي أنه طاهر فيصح الوضوء به، قال النووي في المجموع:1/180:(إذا اشتبه ماءان طاهر ونجس، ففيه ثلاثة

أوجه: الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور وتظاهرت عليه نصوص الشافعي أنه لاتجوز الطهارة بواحد منهما إلا إذا اجتهد وغلب علي ظنه طهارته بعلامة تظهر، فإن ظنه بغير علامة تظهر لم تجز الطهارة به... وسواء عندنا كان عدد الطاهر أكثر أو أقل حتي لو اشتبه إناء طاهر بمائة إناء نجسة تحري فيها، وكذلك الأطعمة والثياب، هذا مذهبنا، ومثله قال بعض أصحاب مالك. كذا قال بمثله أبو حنيفة في القبلة والطعمة والثياب، وأما الماء فقال لايتحري إلا بشرط أن يكون عدد الطاهر أكثر من عدد النجس. وقال أحمد وأبو ثور والمزني: لايجوز التحري في المياه بل يتيمم، وهذا هو الصحيح عند أصحاب مالك). (راجع أيضاً إعانة الطالبين:1/45).

فالجواب: أولاً، أن الأصل في الظن عدم الحجية كما قال الله تعالي: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلا ظناً إِنَّ الظَّنَّ لايُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شيئاً.(يونس:36) فلا حجية للظن إلا بدليل شرعي من كتاب أوسنة، ولو سلمنا أن الله تعالي أجاز الإعتماد علي غلبة الظن في الأواني والأطعمة المشتبهة كعدد الركعات تسهيلاً علي العباد، فلا يدل ذلك علي جواز الإعتماد علي الظن في تلقي الدين بعد النبي صلي الله عليه وآله من صحابته، ونحن نعلم كما اعترف التفتازاني بأن فيهم أهل دنيا كذابين!

إن مجرد وجود هؤلاء فيهم مع عدم إمكانية تمييزهم، يرفع الإطمئنان بأن ما رواه هذا الصحابي من الدين فيجب التوقف!

ثم لو سلمنا أن وثاقة الصحابي وعدالته تابعة لغلبة ظن المسلم، فمعناه فتح باب الإجتهاد فيهم، وهذا ما يقفون ضده بشدة.

وثانياً، إن دليلهم علي حجية الظن في الإناء المشتبه هو عمل الصحابة واتفاقهم عليه، فلو أردنا أن نثبت به حجية قول الصحابة، لزم الدور!

قال الغزالي في المستصفي

ص253: (لو اشتبه إناء نجس بعشر أوان طاهرة فلا ترجيح للأكثر، بل لا بد من الإجتهاد والدليل، ولا يجوز أن يأخذ واحداً ويقدر حله أو طهارته، لأن جنسه أكثر.

لكنا نقول: الظن عبارة عن أغلب الإحتمالين، ولكن لايجوز اتباعه إلا بدليل، فخبر الواحد لايورث إلا غلبة الظن من حيث أنَّ صدق العدل أكثر وأغلب من كذبه، وصيغة العموم تتبع، لأن إرادة ما يدل عليه الظاهر أغلب وأكثر من وقوع غيره. والفرق بين الفرع والأصل ممكن غير مقطوع ببطلانه في الأقيسة الظنية، لكن الجمع أغلب علي الظن، واتباع الظن في هذه الأصول لا لكونه ظناً، لكن لعمل الصحابة به واتفاقاتهم عليه). انتهي.

فقد تشدد الغزالي حتي في الظن الحاصل من خبر الواحد الثقة، وحكم بأنه ليس حجة في ذاته، بل لعمل الصحابة به واتفاقهم عليه! فهو يرجع بالحقيقة إلي حجية إجماع الصحابة، وستعرف ما فيه.

وثالثاً، إن إجماع الصحابة بدون القول بعصمة بعضهم لايفيد العلم.

ولو سلمنا حجيته نظرياً، فكيف نطبقه عملياً ونحن لا نكاد نجد مسألة عقيدية أو فقهية أو سياسية، إلا وقد روي فيها عنهم الرأي وخلافه!

فبيعة أبي بكر التي يضربونها مثلاً لإجماعهم، يعترفون بأن الإجماع فيها انتقض بمخالفة سعد بن عبادة وفاطمة الزهراء عليها السلام وأهل البيت عليهم السلام وعديدين من المهاجرين والأنصار!

المسألة 02

لايغرُّك أن التفتازاني بدأ كلامه بالإعتراف بأن ما وقع بين الصحابة كان صراعاً علي السلطة، حسداً وطمعاً في الدنيا والرئاسة والشهوات، فقد عاد وبرَّرَ كل ذلك بقوله إنه: (يدل بظاهره علي أن بعضهم قد حاد عن طريق الحق) فظاهر قولهم وفعلهم عنده الظلم والفسق، أما باطنه فهو الحق والعدالة من بعضهم، والعدل والعصمة من كبارهم! وبذلك تعرف كيف

أتقن هذا الإيراني أسلوب المحامين المعاصرين في صياغة كلامه، للدفاع عن نظرية الصحابة القرشية!

وتعرف أن أتباع الحكومات القرشية يقعون في التناقض الذي يعيبونه علي الإسماعيلية الباطنية، فقد قلنا لبعض أتباع الإسماعيلة إن إمامهم يشرب الخمر علناً، فأجاب إن عمله في الظاهر شربُ خمر، أما في الباطن فإنه بمجرد أن يلمس زجاجة الويسكي بيده الشريفة تتحول إلي شراب طهور من الجنة!

فما الفرق بين مقولتهم ومقولة التفتازاني في ظاهر عمل الصحابة وباطنه؟!

وقد بلغت براعة التفتازاني ذروتها في قراءته التعزية علي ظلم أهل البيت النبوي صلوات الله عليهم، لكنه بَرَّأ الصحابة من ذلك بمن فيهم معاوية، وهاجم يزيد بن معاوية وأدانه بجريمة قتل الإمام الحسين عليه السلام، ثم تراجع وأثبت له حق الحصانة، حتي لاتصعد الإدانة إلي من فوقه من الصحابة!

فهل رأيت محامياً محترفاً أبرع منه في الدفاع عن جرائم أئمته؟!

المسألة 03

يظهر أن التفتازاني يقول بعصمة أبي بكر وعمر من بين الصحابة! فقد قال: (إذ ليس كل صحابي معصوماً، ولا كل من لقي النبي(ص)بالخير موسوماً. إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله (ص)ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلي أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة)!

فقوله: (إذ ليس كل صحابي معصوماً) يشعر بأن بعضهم قد يكون معصوماً! وكلامه بعده يدل علي أنه ارتضي قول (العلماء) أي علماء مذاهب السلطة القرشية في تبرير جميع أقوالهما وأفعالهما وإنهما محفوظان من الضلال والمعصية! وهذه هي العصمة بعينها! فهويقول بها لمن سماهم (كبار الصحابة) ويقصد بهم أبا بكر وعمر فقط، وربما قصد معهما عثمان وعلياً عليه السلام

المسألة 04

إن دليل(العلماء) الذي ارتضاه التفتازاني علي مقام العصمة لأبي بكر وعمر، ومقام العدالة لبقية الصحابة، مع الإعتراف بجرائم بعضهم، أجمله في قوله: (إلا أن العلماء لحسن ظنهم بأصحاب رسول الله(ص)ذكروا لها محامل وتأويلات بها تليق، وذهبوا إلي أنهم محفوظون عما يوجب التضليل والتفسيق، صوناً لعقائد المسلمين من الزيغ والضلالة في حق كبار الصحابة، سيما المهاجرين منهم والأنصار المبشرين بالثواب في دار القرار).

وترجمته بالعربية:أن عقيدة المسلمين فيهم يجب أن تحفظ، لأنهم مبشرون بالجنة!

وهو مصادرة واضحة، لأن البحث فيما يجب أن تكون عقيدة المسلمين فيهم، هل هي العدالة أو العصمة، أو أن الأصل عدم أي منهما حتي تثبت قطعياً؟

وكان ينبغي للتفتازاني المنطقي أن يقول: يجب التوقف في الصحابة، لأن الله مدح بعضهم وبشرهم بالجنة، وذم بعضهم وأخبر أنهم سينقلبون بعد النبي صلي الله عليه وآله فقال:(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي

أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).(آل عمران:144). ولأن النبي صلي الله عليه وآله مدح بعضهم ووعدهم الجنة، وذم أكثرهم وأخبر أنهم في النار كما في صحيح البخاري:7/209، عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: بينا أنا قائم فإذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمَّ! فقلت أين! قال إلي النار والله! قلت: وما شأنهم؟قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمَّ! قلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت: ما شأنهم؟ قال إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري، فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم)!!

وهمل النعم كما في مقدمة فتح الباري: ص197: الإبل بغير راع وكذا غيرها، أي الصحابة الخارجون علي السلطة، وهم الشاكرون في الآية.

كان ينبغي للتفتازاني أن يقول مادامت النتيجة المنطقية تتبع أخس المقدمات، فليس بوسعنا إلا التوقف في أمر الصحابي حتي تثبت عدالته أو عصمته!

لكنه كرر دليله الواهي بقوله: (يجب تعظيم الصحابة والكف عن مطاعنهم، وحمل مايوجب بظاهره الطعن فيهم علي محامل وتأويلات، سيما المهاجرين والأنصار وأهل بيعة الرضوان، ومن شهد بدراً وأحداً والحديبية، فقد انعقد علي علو شأنهم الإجماع، وشهد بذلك الآيات الصراح، والأخبار الصحاح).

وكلامه هذا دعوة إلي تعطيل العقل والشرع، وإلغاء ما قرره عامة عقلاء المجتمعات البشرية، وعلماء البيان والفقه والأصول، من حجية ظواهر الكتاب والسنة، وظواهر أقوال الناس وأفعالهم! فإن فتواه بوجوب(حمل ما يوجب بظاهره الطعن فيهم علي محامل وتأويلات) دعوةٌ صريحة إلي القول بعصمة الصحابة، وإلغاء الظاهر، واتباع المذهب الباطني بأسوأ أنواع الباطنية!

أما قوله إن الآيات الصريحة تدل علي علو شأنهم فهو كلام

تعمد إبهامه، فإنْ قصد أنها تدل علي عصمتهم جميعاً، ووجوب تأويل ظاهر معاصيهم وانحرافهم فهو ممنوع. وإن قصد أنها تدل علي أن بعضهم من أهل الجنة، فهو صحيح، لكن لمَّا لم يدل دليلٌ عندهم علي تمييزهم، كان حكمهم حكم الشبهة المحصورة وهو وجوب اجتناب كل أطرافها حتي يتميز الطاهر فيها من النجس، والحلال من الحرام، والمتهم من البرئ، وأهل الجنة من أهل النار!

وأما دعواه إجماع المسلمين علي علو شأنهم، ونسبته إلي أهل البيت عليهم السلام مديحهم، فهو ممنوع، بل الثابت بشهادة علمائهم نقض هذا الإجماع، وطعن أهل البيت عليهم السلام وغيرهم في أهل السقيفة، ومن ذلك اعتراف عمر بأن علياً والعباس شهدا عليه وعلي أبي بكر بأنهم غادران خائنان آثمان! (صحيح مسلم:5/152)

ولو لم يكن إلا خطية علي عليه السلام الشقشقية لكفت، ولا يتسع المجال للإفاضة!

فظهر أن التفتازاني يقول بعصمة الصحابة بعضاً أو كلاً، ويقول بعدالتهم كلاً، لكنه لم يقدم دليلاً واحداً علي ذلك، إلا التقليد للسلطة وعلمائها!

ابوبكر و عمر معصومان عند الغزالي، لكن لا يجب تقليدهما

عندما يبحث علماؤهم حجية قول الصحابي، يصرِّحون بعدم عصمة الصحابة، لكنهم عملياً يعصمون الشيخين! قال الغزالي في المستصفي:ص170:

(إن قال قائل: إن لم يجب تقليدهم، فهل يجوز تقليدهم؟

قلنا: أما العامي فيقلدهم، وأما العالم فإنه إن جاز له تقليد العالم جاز له تقليدهم وإن حرمنا تقليد العالم للعالم فقد اختلف قول الشافعي رحمه الله في تقليد الصحابة، فقال في القديم: يجوز تقليد الصحابي إذا قال قولاً وانتشر قوله ولم يخالف. وقال في موضع آخر: يقلد وإن لم ينتشر، ورجع في الجديد إلي أنه لايقلد العالم صحابياً، كما لايقلد عالماً آخر.

ونقل المزني عنه ذلك وأن العمل علي الأدلة التي بها يجوز للصحابة الفتوي، وهو

الصحيح المختار عندنا إذ كل مادل علي تحريم تقليد العالم للعالم كما سيأتي في كتاب الإجتهاد لايفرق فيه بين الصحابي وغيره.

فإن قيل: كيف لايفرق بينهم مع ثناء الله تعالي وثناء رسول الله(ص)قال تعالي: أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمرمِنْكُمْ...وقال تعالي: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ...وقال رسول الله(ص):خير الناس قرني. وقال(ص):أصحابي كالنجوم إلي غير ذلك؟

قلنا: هذا كله ثناء يوجب حسن الإعتقاد في علمهم ودينهم ومحلهم عند الله تعالي، ولايوجب تقليدهم لاجوازاً ولا وجوباً، فإنه (ص)أثني أيضاً علي آحاد الصحابة، ولايتميزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه، كقوله (ص): لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان العالمين لرجح. وقال (ص): إن الله قد ضرب بالحق علي لسان عمر وقلبه، يقول الحق وإن كان مراً. وقال لعمر: والله ما سلكت فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غير فجك. وقال (ص) في قصة أساري بدر حيث نزلت الآية علي وفق رأي عمر: لو نزل بلاء من السماء ما نجا منه إلا عمر. وقال صلوات الله عليه: إن منكم لمحدثين وإن عمر لمنهم. وكان علي(رض)وغيره من الصحابة يقولون: ما كنا نظن إلا أن ملكاً بين عينيه يسدده وأن ملكاً ينطق علي لسانه! وقال (ص) في حق علي: اللهم أدر الحق مع علي حيث دار، وقال(ص): أقضاكم علي، وأفرضكم زيد، وأعرفكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل). انتهي.

وقد ناقض الغزالي نفسه، فقد شهد بعصمة أبي بكر وعمر وعلي، ثم قال: (ولايتميزون عن بقية الصحابة بجواز التقليد أو وجوبه)! وقال: (إذ كل ما دل علي تحريم تقليد العالم للعالم...لايفرق فيه بين الصحابي وغيره). انتهي.

فإن الدرجة التي أثبتها لهم هي درجة العصمة، وهي توجب علي الأمة اتباعهم، وهي فوق درجة التقليد

ورجوع الجاهل إلي العالم، أو إلي أهل الخبرة.

بل ما دام الغزالي يعتقد بأن النبي صلي الله عليه وآله شهد بأن إيمان أبي بكر يَرْجُح علي إيمان العالمين بمن فيهم الأنبياءأو باستثناء الأنبياء عليهم السلام، فالواجب علي العالمين أن يقتدوا به في قوله وفعله، وإلا لم يؤمن عليهم الضلال!

ومادام عمر كالنبي صلي الله عليه وآله لاينطق عن الهوي، بل ينطق علي لسانه ملك معصوم، وتحدثه الملائكة، ويهرب منه الشيطان الذي لايهرب من الأنبياء عليهم السلام! فالواجب علي المسلمين أن يقتدوا به في قوله وفعله، وإلا لم يؤمن عليهم الضلال!

وما دام النبي صلي الله عليه وآله دعا لعلي عليه السلام أن يجعل الله معه الحق أينما دار، ودعاؤه صلي الله عليه وآله مستجاب، فالواجب علي المسلمين أن يقتدوا به في قوله وفعله، وإلا لم يؤمن عليهم أن يتركوا الحق ويتبعوا الباطل!

لكن لايغرك قول الغزالي وغيره بعدم وجوب إطاعة أبي بكر وعمر وعدم عصمتهما، فإنما يقولونه بألسنتهم، و وستري أنهم عندما يصلون إلي عملهم وسيرتهم، يتبنون عصمتهم بالكامل، ويدافعون عن أفعالهم ليثبتوا أنها كلها صحيحة، وأنهم لم يرتكبوا معصية أبداً، لاصغيرة ولا كبيرة، حتي فيما خالفوا فيه النبي صلي الله عليه وآله! أما إذا وصلوا إلي حكم من يرفض شرعية خلافتهما، فيحكمون بكفره ويهدرون دمه، ويوجبون قتله! فيثبتون لهما درجة فوق العصمة، ويجعلون ولايتهما ركناً قام عليه الإسلام، إلي صف التوحيد والنبوة أو قبلهما!!

بل يصل بهم الأمر أنهم يجعلون ولايتهما أعظم من ولاية الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله لأنهم لا يحكمون دائماً بالكفر والقتل علي من عصي الله ورسوله صلي الله عليه وآله!!

ليس من المبالغة أن نقول إن غيرتهم علي

أبي بكر وعمر، وشدَّتَهم علي من رفضهم، أعظم من غيرتهم علي الله تعالي ورسوله صلي الله عليه وآله! وبعضهم يضيف اليهم عائشة وحفصة وعثمان ومعاوية.

وهذا التاريخ يشهد بأنه لم تضطهد أمة من الأمم من أجل شخصين،كما اضطهد ملايين المسلمين من أجل عمر وأبي بكر، ولم تُرق دماءٌ بذنب رفض ولاية أحد، كما أريقت بذنب رفض ولاية أبي بكر وعمر!

لقد أقاموا كل عقيدتهم وفقههم ودولهم وتاريخهم وتربية أبنائهم وبناتهم، علي تقديسهما واضطهاد من لايقبلهما، حتي كان أجيال الشيعة في زمن الأمويين والعباسيين والعثمانيين، يتمنون أن تعاملهم دولة الخلافة القرشية معاملة المنكرين لله ورسوله صلي الله عليه وآله، ليخف جرمهم، واضطهادهم، وتقتيلهم!!

هل تشيع الغزالي في آخر عمره؟

للغزالي كتاب اسمه (سر العالمَيْن وكشف مافي الداريْن)نقل الدكتور الخليلي في كتابه (السقيفة أم الفتن) ص114، عن مخطوطته في دار الكتب المصريةرقم:1/316.

وقد طبع الكتاب في الهند ومصر والعراق وبيروت وإيران، وهو مرتب علي مقالات، وقد أظهر فيه تشيَّعه بصراحة، ولذا شكك بعضهم في نسبته اليه!

قال المرحوم الطهراني في الذريعة إلي تصانيف الشيعة:12/168:

(120:سر العالمين) المنسوب إلي الغزالي. كتاب شيعي نسبه إليه في تذكرة خواص الأمة، وتاج العروس، والإتحاف في شرح الإحياء. فراجعه).

وتابعه إليان سركيس في معجم المطبوعات العربية:2/1412، فقال: (سر العالمين وكشف ما في الدارين، وهو منسوب للغزالي والصواب أنه لأحد الباطنية- هند 1314 مصر1324). كما وافقه الباحث السيد جعفر مرتضي فشكك بنسبة الكتاب إلي الغزالي. (مجلة تراثنا:2/97 و:4/173)

بينما خالفهم عديدون ونسبوا الكتاب إلي الغزالي كالبغدادي في إيضاح المكنون:2/11، قال: (سر العالميْن وكشف ما في الداريْن لأبي حامد الغزالي محمد بن محمد). ونحوه في هدية العارفين:2/80، وكذا القاضي نورالله التستري في كتابه مجالس المؤمنين، والفيض الكاشاني في الوافي،

والطريحي في مجمع البحرين، والأميني في الغدير:1/391، والمرعشئ في شرح إحقاق الحق:33/244، كما نقلوا ذلك عن المحقق الكركي.

وقال الماحوزي في الأربعين ص151: (ذكر مولانا محسن الكاشئ في المحجة البيضاء أن ابن الجوزي الحنبلي ذكر في بعض تصانيفه أن الغزالي ترفض في آخر عمره، وأظهر رفضه في كتاب سر العالمين).

ووافقهم السيد الميلاني في نفحات الأزهار:1/102و:9/ 184، مؤيداً ما استدلوا به من نسبة ابن الجوزي الكتاب إلي الغزالي في تذكرة الخواص ص62، والذهبي في ميزان الإعتدال:1/500، وفي طبعتنا:2/215، حيث اعتمد عليه فقال: (قال أبو حامد الغزالي في كتاب (سر العالميْن): شاهدت قصة الحسن بن الصباح لما تزهَّد تحت حصن ألَمُوت فكان أهل الحصن يتمنون صعوده إليهم، ويمتنع ويقول: أما ترون المنكر قد فشا وفسد الناس! فتبعه خلق، ثم خرج أمير الحصن يتصيد فنهض أصحابه وملكوا الحصن!) انتهي.

أقول: وهذا هو الصحيح، والعبارة موجودة في سر العالمين، ولا توجد في غيره. وقد نقل عنه الذهبي أيضاً في:19/403، نفس عبارته في ميزان الإعتدال وقال قبلها في ترجمة الغزالي:19/327: (ومن معجم أبي علي الصدفي، تأليف القاضي عياض له، قال: والشيخ أبو حامد، ذو الأنباء الشنيعة، والتصانيف العظيمة، غلا في طريقة التصوف، وتجرد لنصر مذهبهم وصار داعية في ذلك، وألف فيه تواليفه المشهورة، أخذ عليه فيها مواضع، وساءت به ظنون أمة! والله أعلم بسره، ونفذ أمر السلطان عندنا بالمغرب وفتوي الفقهاء بإحراقها والبعد عنها فامتُثل ذلك. مولده سنة خمسين وأربع مئة.

قلتُ(الذهبي): ما زال العلماء يختلفون ويتكلم العالم في العالم باجتهاده، وكل منهم معذور مأجور، ومن عاند أو خرق الإجماع فهو مأزور، وإلي الله ترجع الأمور. ولأبي المظفر يوسف سبط ابن الجوزي في كتاب رياض الأفهام في مناقب أهل

البيت قال: ذكر أبو حامد في كتابه سر العالميْن وكشف ما في الداريْن فقال في حديث: من كنت مولاه فعلي مولاه، إن عمرقال لعلي: بخ بخ أصبحت مولي كل مؤمن ومؤمنة. قال أبو حامد: وهذا تسليم ورضي، ثم بعد هذا غلب عليه الهوي، حباً للرياسة وعقْد البنود، وأمر الخلافة ونهيها، فحملهم علي الخلاف فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون! وسرد كثيراً من هذا الكلام الفسل الذي تزعمه الإمامية، وما أدري ما عذره في هذا! والظاهر أنه رجع عنه وتبع الحق فإن الرجل من بحور العلم، والله أعلم.

هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد، ففي هذا التأليف بلايا لاتتطبب! وقال في أوله:إنه قرأه عليه محمد بن تومرت المغربي سراً بالنظامية، قال: وتوسمت فيه الملك). انتهي.

أقول:لم يعين الذهبي من اتهمه باحتمال وضع الكتاب، بقوله (هذا إن لم يكن هذا وضع هذا وما ذاك ببعيد)! فهل يقصد الصدفي، أم القاضي عياضاً! مع أنه ترجم لهما ووصف كلاً منهما بالإمام ومدحهما كثيراً، قال في سير أعلام النبلاء:20/212: (القاضي عياض: الإمام العلامة الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام القاضي أبو الفضل عياض بن موسي بن عياض بن عمرو بن موسي بن عياض اليحصبي الأندلسي، ثم السبتي المالكي. ولد في سنة ست وسبعين وأربع مئة... الخ.).

وقال في تذكرة الحفاظ:4/1253: (الإمام الحافظ البارع أبو علي الحسين بن محمد بن فيرة بن حيون الصدفي السرقسطي الأندلسي...الخ.). انتهي.

فتشكيك الذهبي في الكتاب بدون حجة بعد ما اعتمد عليه كبار علمائهم!

أما البلية التي لاتتطبب عند الذهبي فهي قول الغزالي في سر العالمين ص21:

(المقالة الرابعة في ترتيب الخلافة والمملكة: اختلف العلماء في ترتيب الخلافة وتحصيلها لمن

آل أمرها إليه، منهم من زعم أنها بالنص ودليلهم قوله تعالي: قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إلي قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللهُ أَجْراً حَسَناً وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عذاباً أَلِيماً) (الفتح:16) وقد دعاهم أبو بكر إلي الطاعة بعد رسول الله(ص)فأجابوا.

وقال بعض المفسرين في قوله تعالي: وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إلي بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حديثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ. (التحريم:3)، قال في الحديث: إن أبا بكر هو الخليفة من بعدي يا حميراء، وقالت امرأة: إذا فقدناك فالي من نرجع؟ فأشار إلي أبي بكر، ولأنه أمَّ بالمسلمين علي بقاء رسول الله(ص)والإمامة عماد الخلافة. هذه جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوص.

ثم تأولوا وقالوا: إذ لو كان عليٌّ أول الخلفاء لانسحب عليهم ذيل الفناء، ولم يأتوا بفتوح ولا مناقب، ولا يقدح في كونه رابعاً للخلفاء، كما لايقدح في نبوة رسول الله صلي الله عليه وآله إذ كان آخراً.

والذين عدلوا عن هذه الطريقة زعموا أن هذا تعلق فاسد جاء علي زعمكم وأهويتكم، وقد وقع الميراث في الأحكام والخلافة، مثل داود وسليمان وزكريا ويحيي، قالوا: كان لأزواجه ثمن الخلافة فبهذا تعلقوا. وهذا باطل، إذ لو كان ميراثاً لكان العباس أولي.

لكن أسفرت الحجة وجهها، وأجمع الجماهير علي متن الحديث من خطبته في يوم غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت م ولأي ومولي كل مولي، فهذا تسليمٌ ورضاً وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوي بحب الرئاسة، وحَمْلُ عمود الخلافة، وعقود

البنود، وخفقان الهوي، في قعقعة الرايات، واشتباك ازدحام الخيول، وفتح الأمصار، سقاهم كأس الهوي، فعادوا إلي الخلاف الأول، فنبذوه وراء ظهورهم، واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون.

ولما مات رسول الله صلي الله عليه وآله قال وقت وفاته: إيتوني بدواة وبياض لا زيل عنكم إشكال لأمر، وأذكر لكم من المستحق لها بعدي! قال عمر: دعوا الرجل فإنه ليهجر وقيل ليهذر. فإذن بطل تعلقكم بتأويل النصوص، فعدتم إلي الإجماع، وهذا منقوض أيضاً فإن العباس وأولاده وعلياً عليه السلام وزوجته لم يحضروا حلقة البيعة وخالفكم أصحاب السقيفة في مبايعة الخزرجي....الخ.). انتهي.

والظاهر أن استبصار الغزالي كان في آخر أيامه في طوس، ولم يمهله العمر حتي ينشر ذلك، ويبرئ ذمته بإعلأن رجوعه عن كتبه ومؤلفاته العديدة، وما غصت به من عدائه لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام وتأصيله لمذاهب مخالفيهم!

وقد رأيت قبره قرب بيته أو مسجده في بلده طوس، حيث أمضي آخر حياته، وهي في ضاحية مشهد الإمام الرضا عليه السلام، وقد اهتمت به الحكومة الإيرانية.

النقد الذاتي قليل نادر في علمائهم

مضافاً إلي كتاب سر العالمين للغزالي، فقد أعجبني هذا النقد الذاتي للحافظ محمد بن عقيل في كتابه القيِّم: النصائح الكافية لمن يتولي معاوية/174، قال:

(إننا أهل السنة قد أنكرنا علي الشيعة دعواهم العصمة للأئمة الإثني عشر، وجاهرناهم بصيحات النكير، وسفهنا بذلك أحلامهم، ورددنا أدلتهم بما رددنا، أفبعد ذلك يجمل بنا أن ندعي أن مائة وعشرين ألفاً حاضرهم وباديهم وعللهم وجاهلهم وذكرهم وأنثاهم، كلهم معصومون أو كما نقول محفوظون من الكذب والفسق، ونجزم بعدالتهم أجمعين فنأخذ رواية كل فرد منهم قضيةً مسلمةً نضلل من نازع في صحتها ونفسقه، ونتصامم عن كل ما ثبت وصح عندنا، بل وما تواتر من ارتكاب بعضهم

ما يخرم العدالة وينافيها، من البغي، والكذب، والقتل بغير حق، وشرب الخمر، وغير ذلك مع الإصرار عليه؟!! لا أدري كيف تحل هذه المعضلة ولا أعرف تفسير هذه المشكلة.

إليك فإني لستُ ممن إذا اتَّقي عِضاضُ الأفاعي نامَ فوقَ العقارب

أما الأمر بحسن الظن فحسن، ولكنه ليس في مقام بيان الحق وإبطال الباطل، والكلام علي جرح أو تعديل، ولو سوغنا هذا لتعطلت الأحكام، وبطلت الحدود والشهادات، وكُبكب الشرع علي أم رأسه، إذ لا وجه لتخصيص أشخاص دون آخرين بحسن الظن بهم في كل ما يفعلونه، إذا ترتب علي فعله حكم شرعي إلا بمخصص شرعي، وأنَّي بذلك.

ولو عممنا القول بذلك لكان حسن الظن حسناً بكل فرد من أفراد المسلمين في كل ما يفعله كما يقول به بعض الصوفية، فيتأول حينئذ لكل منهم ما ارتكبه من القبائح والبدع المضلة والكبائر، ويحمل كل ذلك علي محمل حسن وقصد صالح، ويدخل في ذلك الخوارج وغلاة الرافضة فيما يرتكبونه من البدع والتفكير والسب، وهلم جراً.

اللهم غفرانك، إنه بهذا يتعطل الشرع وتلتبس الأمور ويختلط الحابل بالنابل، بل الواجب إجراء كل شئ في مجراه عند إرادة إيضاح الحقائق وبيان المشروعات. وبهذا عمل الصحابة رضي الله عنهم فيما بينهم، وهكذا عمل جهابذة أصحاب الحديث في الجرح والتعديل، في رواة الحديث إلا فيمن له صحبة علي حسب اصطلاحهم في تعريف الصاحب، وهي نقطة الإنتقاد عليهم ومحل الإشكال، إذ كيف يمكن طالب الحق أن يعتمد ما قالوه ويجري علي ماجروا عليه من التسوية، صحةً واحتجاجاً، بين روايات الحكم والوليد ومعاوية

وعمرو وأشباههم؟! سبحان الله أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ؟! لا والله، ثم لا والله إن الإذعان للحق شأن المنصفين، وَلَكِنَّ

أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ).

السلطة القرشية تتبع اليهود حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل

تقليد اليهود.. من مصادرة الخلافة الي.. ترك الصلاة

شهدت عامة المصادر كالبخاري ومسلم أن النبي صلي الله عليه وآله حذر المسلمين من الإنحراف بعده، وفي نفس الوقت أخبرهم بأن ذلك سيكون، فقال: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً، وذراعاً بذراع، حتي لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ تبعتموهم! قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصاري؟ قال: فمن؟!

وفي مناسبة أخري قال لهم: والذي نفسي بيده لتتبعنَّ سننَ الذين من قبلكم، شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، وباعاً فباعاً، حتي لو دخلوا جُحْرَ ضبٍّ لدخلتموه! قالوا ومن هم يا رسول الله، أهل الكتاب؟ قال: فمه؟!

وفي مناسبة أخري قال لهم: لاتقوم الساعة حتي تأخذ أمتي مأخذ الأمم والقرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع، قالوا: يا رسول الله كما فعلت فارس والروم؟ قال: وهل الناس إلا أولئك؟!

(روت ذلك عامة المصادر كالبخاري:9/ 126 و:8/151، ومسلم:4/ 2054 ح2669 عن أبي سعيد الخدري، ونحوه/2055، وأحمد:2/327و325 و450، ونحوه ص336 و367 و527 و: 3/84 و89 و94 و:4/125، والروياني: ح1085 عن سهل بن سعد، والبغوي في المصابيح:3 /458، من صحاحه، عن أبي سعيد، كما في رواية البخاري الثانية، وجامع الأصول:10/ 409 ح7472، و7473، وجمع الجوامع: 1/ 902، والجامع الصغير:2/401 ح7224، ومجمع الزوائد:7/261، وفيض القدير:5/ 261، ومسند ابن الجعد ص491، والديباج علي مسلم: 6/33 و34، ومصنف عبد الرزاق:11/369، وكنز العمال: 14/ 207، والكني والأسماء:2/30، عن ابن عباس، أن رسول الله صلي الله عليه وآله قال: ولتركبن سنن من كان قبلكم شبراً حتي لو أن أحدهم دخل حجر ضب دخلتم، وحتي لو أن أحدهم ضاجع أمه بالطريق لفعلتم. والحاكم:1/37 و4/ 455 وصححه وفيه:"حتي لو أن أحدهم جامع إمرأته بالطريق لفعلتموه. ومصنف ابن أبي شيبة:8/634، وفيه:

(أنتم أشبه الناس سمتاً وهدياً ببني إسرائيل

لتسلكن طريقهم حذو القذة بالقذة والنعل بالنعل).، قال عبد الله: إن من البيان سحراً. وقال في هامشه: القذة ريش السهم، وللسهم ثلاث قذذ متقاربة الواحدة بجانب الأخري، ويقال حذو القذة بالقذة للشيئين يستويان ولا يتفاوتان).

وفي شرح مسلم للنووي:16/219: (السَّنَن بفتح السين والنون هو الطريق، والمراد بالشبر والذراع وجحر الضب كل التمثيل بشدة الموافقة لهم).

وفي فتح الباري:13/255: (في رواية الكشميهني شبراً بشبر وذراعاً بذراع، عكس الذي قبله. قال عياض: الشبر والذراع والطريق ودخول الجحر، تمثيلٌ للإقتداء بهم في كل شئ مما نهي الشرع عنه وذمه.....

وقد أخرج الطبراني من حديث المستورد بن شداد رفعه: لاتترك هذه الأمة شيئاً من سننن الأولين حتي تأتيه..... وحيث قيل اليهود والنصاري كان هناك قرينة تتعلق بأمور الديانات أصولها وفروعها.....

عن أنس قيل يا رسول الله متي يترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قال: إذا ظهرفيكم ما ظهر في بني إسرائيل، إذا ظهر الإدهان في خياركم، والفحش في شراركم، والملك في صغاركم، والفقه في رذالكم). انتهي.

وفي مناسبة أخري قال النبي صلي الله عليه وآله:(لتنقض عري الإسلام عروة عروة، كلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة).

(رواه من مصادرنا: الطوسي وغيره، قال في الأمالي ص186: أخبرنا محمد بن محمد قال: أخبرني أبو محمد الحسن بن محمد العطشئ قال: حدثنا أبو علي محمد بن همام الإسكافي قال: حدثنا حمزة بن أبي جمة الجرجرائي الكاتب قال: حدثنا أبو الحارث شريح قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن عبد العزيز بن سليمان، عن سليمان بن حبيب، عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلي الله عليه وآله.

ورواه من مصادرهم: أحمد:5/251، والبخاري في تاريخه: 8 /333 ح 3214، وابن

حبان: 8/253 ح 6680، عن أبي أمامة. والطبراني الكبير: 8/116 ح 7486، والجامع الصغير:2/403 ح 7232، وص473، والحاكم: 4/92، وقال: والإسناد كله صحيح ولم يخرجاه. ومجمع الزوائد:7/281، وقال: رواه أحمد، والطبراني، ورجالهما رجال الصحيح). انتهي.

أمام هذه الأحاديث النبوية تواجهنا عدة أسئلة:

السؤال الأول، معني هذه الأحاديث أن النبي صلي الله عليه وآله قد نعي الأمة إلي نفسها، وأنها من بعده ستنحرف، فهل هذا حقيقة قطعية؟!

والجواب: نعم إنها حقيقة قطعية وإن كانت مُرَّة، بدليل أن هذه الأحاديث صحيحة مجمع عليها عند كافة الأمة، والمجمع عليه من الأمة لاشك فيه.

والسؤال الثاني، هل المقصود بهذا الكلام النبوي انحراف غالبية الأمة، أو انحراف فئة صغيرة منها؟

والجواب: أن الخطاب في هذه الأحاديث موجه إلي جميع الأمة، فلا بد أن يشمل الإنحراف غالبيتها حتي يصح نسبة الإنحراف إلي الأمة، فقد قال صلي الله عليه وآله: لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً شبراً... والذي نفسي بيده لتتبعنَّ سننَ الذين من قبلكم... ولتركبن سنن من كان قبلكم... ولو كان الإنحراف محصوراً بفئة قليلة من الأمة لقال: ليتبعن فئة من أمتي، أو مارقة من أمتي سنن من كان قبلهم.

والسؤال الثالث، هل أن الإنحراف الموعود يشمل العقائد والشرائع والسياسة، كما حدث في بني إسرائيل؟!

والجواب: نعم لا بد من القول بشمول الإنحراف لكل معالم الإسلام، بدليل الإطلاقات في ألفاظ اتباع سنن اليهود والنصاري، وبدليل السعة في انحراف اليهود بعد أنبيائهم عليهم السلام، حيث شمل انحرافهم أصول عقيدتهم بالله تعالي، وطعنهم بأنبيائهم ومخالفتهم لأوصيائهم عليهم السلام، واتباعهم غيرهم!

وقد نصَّت صيغ الأحاديث علي الشمول كقوله صلي الله عليه وآله: لتنقض عري الإسلام عروة عروة، كلما نقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها،

فأولهن نقضاً الحكم، وآخرهن الصلاة. وسواء أراد بالحكم الخلافة، أو القضاء، فهو يدل علي انحراف السلطة الحاكمة.

والسؤال الرابع، ما علاقة هذه الأحاديث النبوية بآية الإنقلاب علي الأعقاب؟: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) (آل عمران:144) والجواب: هذه الأحاديث النبوية المتفق عليها تفسر الإنقلاب المقصود في الآية، وتدل علي أن الله تعالي لم يتحدث فيها وفي أمثالها عن فرضية لن تحدث وأن الشرطية والإستفهام فيها إخبار إلهيٌّ، قبل أن يكون إنذاراً واستنكاراً!

والسؤال الخامس، أين هذا الإنحراف في الأمة، إن لم يكن ما تقوله الشيعة؟

والجواب: نعم هذه هي الحقيقة، ولذلك يدور أمر الذين ينكرون وقوع الإنحراف في جمهور الأمة، بين أن يكذِّبوا إخبارات النبي صلي الله عليه وآله عن وقوعه، ويكذِّبوا آية الإنقلاب.. وبين أن يعترفوا بعدم شرعية السلطة القرشية التي بدأت في السقيفة يوم وفاة النبي صلي الله عليه وآله من غير مشورة المسلمين، ولا استناد علي نص من النبي صلي الله عليه وآله، وأجبرت الناس علي بيعتها، ثم تواصلت سياسة الإجبار في بني أمية وبني العباس بنفس طريقة الغلبة والجبر، التي أسستها السقيفة!

فلو سألت عالماً سنياً: هل تحقق ما أخبر به النبي صلي الله عليه وآله فاتبعت الأمة سنن اليهود والنصاري أم لا؟! لحاول أن ينفي ذلك، ويثبت لك أن الأمة بعد نبيها صلي الله عليه وآله مشت علي طريق الهدي، واتبعت خير أصحابه أبا بكر وعمر، وأن الذين انحرفوا فئة قليلة هم أهل الأهواء والبدع، وهم الرافضة الذين رفضوا خلافة أبي بكر وعمر، وزعموا أن النبي صلي الله عليه وآله

أوصي الأمة باتباع علي والعترة عليهم السلام!

ولو قلت له: لو كانت أغلبية الأمة مهتدية لما صح هذه الإطلاق والتعميم في كلام النبي صلي الله عليه وآله، ولكان اللازم أن يقول مثلاً: لتتبعن فئة من أمتي أو مارقة من أمتي سنن من كان قبلها.. لما استطاع أن يجيب!

والسؤال السادس، من أين يبدأ هذا الإنحراف الخطير في الأمة؟

الجواب: صحت الأحاديث أن النبي صلي الله عليه وآله حدد مصدر الإنحراف في أمته وأساس فتنتها، بالحكام والأئمة القرشيين المضلين!

ففي مجمع الزوائد:5/239: (وعن ثوبان قال قال رسول الله(ص):إنما أخاف علي أمتي الأئمة المضلين. رواه أحمد ورجاله ثقات...

وعن سداد بن أوس قال قال رسول الله(ص): إني لا أخاف علي أمتي إلا الأئمة المضلين، وإذا وضع السيف في أمتي لايرفع عنهم إلي يوم القيامة. رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

وعن عمير بن سعد وكان عمر ولاه حمص قال قال عمر لكعب: إني سائلك عن أمر فلا تكتمني. قال: والله ما أكتمك شيئاً أعلمه، قال: ما أخوف ما تخاف علي أمة محمد(ص)؟ قال: أئمة مضلين، قال عمر: صدقت قد أسرَّ إليَّ وأعلمنيه رسول الله(ص). رواه أحمد ورجاله ثقات).

وروي أحمد:5/145، عن أبي ذر قال: كنت أمشئ مع رسول الله(ص)فقال: لغير الدجال أخوفني علي أمتي قالها ثلاثاً! قال قلت يارسول الله، ما هذا الذي غير الدجال أخوفك علي أمتك قال: أئمة مضلون!! (ورواه أبو يعلي:1/359 ح 466، والفردوس:3/131ح 4163 عن علي).

وفي سنن الترمذي:3/342: (2330- عن ثوبان قال قال رسول الله (ص): إنما أخاف علي أمتي الأئمة المضلين.

قال وقال رسول الله(ص): لاتزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم حتي يأتي أمر الله. هذا حديث

صحيح). انتهي.

وفي تحفة الأحوذي:6/401: (باب ما جاء في الأئمة المضلين: قوله: إنما أخاف علي أمتي أئمة مضلين، أي داعين إلي البيع والفسق والفجور....

قوله (هذا حديث صحيح)، وأخرجه مسلم وابن ماجة بدون ذكر إنما أخاف علي أمتي أئمة مضلين. وأخرجه أبو داود مطولاً).

وروي ابن أبي شيبة في المصنف:15/142 ح 19332: (عن علي قال: كنا عند النبي(ص)جلوساً وهو نائم، فذكرنا الدجال، فاستيقظ محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم عندي من الدجال: أئمة مضلون).

وفي الطبراني الكبير:8/176عن أبي أمامة يحدث أنه سمع رسول الله(ص) يقول: لست أخاف علي أمتي جوعاً يقتلهم ولا عدواً يجتاحهم، ولكني أخاف علي أمتي أئمة مضلين، إن أطاعوهم فتنوهم، وإن عصوهم قتلوهم).

أما من طرق أهل البيت عليهم السلام فقد روي الطوسي في أماليه:2/126: (عن عبد الله بن يحيي الحضرمي قال: سمعت علياً عليه السلام يقول: كنا جلوساً عند النبي صلي الله عليه وآله وهو نائم ورأسه في حجري، فتذاكرنا الدجال، فاستيقظ النبي محمراً وجهه فقال: غير الدجال أخوف عليكم من الدجال، الأئمة المضلون، وسفك دماء عترتي من بعدي، أنا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم). انتهي.

والسؤال السابع: ما دام الإنحراف وقع قطعاً بحكم أن الصادق الأمين صلي الله عليه وآله أخبر به عن ربه، فلا بد أن يكون له ثقافة تحريفية واسعة في العقائد والتفسير والأحاديث والأحكام والسيرة والمذاهب والمشارب! فأين هذه الآثار الثقافية في مصادر المسلمين، إن لم تكن ما يقوله الشيعة؟!

والسؤال الثامن: كتبنا في كتاب تدوين القرآن: الفصل العاشر موقف إخواننا السنة من الثقافة اليهودية، تحت عنوان:

مذهب أهل البيت أبعد المذاهب عن الثقافة اليهودية

إذا كان عند الباحث معرفة بالثقافة اليهودية وحساسية منها، ومشي

بهذا النور في مصادر الإسلام متتبعاً احتمالات التسرب والتأثير، فلن يجد معيناً صافياً لا شائبة فيه إلا الثروة المروية عن أهل البيت عليهم السلام.

ولا يهمنا أن يستكثر الآخرون هذه الدعوي، ولكن يهمنا أن يبحثوا في مفردات ما أنزل الله تعالي علي رسوله برواية أهل بيته صلي الله عليه وآله ثم يقارنوا بينها وبين مثيلاتها من رواية غير أهل البيت، من زاوية القرب والبعد عن الثقافة اليهودية، ومن زاوية احتمال التسرب والتأثر، وزاوية التعبير عن استقلال الشخصية الفكرية للوحي المنزل علي رسول الله صلي الله عليه وآله.. ثم يحكموا!...

حدثني الأستاذ الشيخ مصطفي الزرقا، وهو من كبار فقهاء السنة في عصرنا، ومن أبرز عقولهم العلمية المحترمة، عن جلسة من جلسات مؤتمر البحوث الإسلامية في القاهرة في أواخر الستينات فقال: تحدث أحد المحاضرين عن مشكلة الإسرائيليات في مصادر المسلمين فحمل علي الشيعة الذين جلبوا علي المسلمين هذا البلاء، وأطال في ذلك. فطلبت الكلام بعده وقلت: لا يصح أن نظلم الشيعة، لأنهم طائفة إسلامية لها عراقتها وأصالتها العلمية، وقد اطلعت علي مصادر من فقههم فرأيته فقهاً قوي المنطق والحجة مستنداً إلي القرآن والسنة.. والإسرائيليات بلاء عام ابتليت به مصادرنا كما ابتليت به مصادر الشيعة، فلا يصح أن نقول إنه جاءنا منهم..

إن هذا الموقف شبه المنصف لهذا الفقيه يدل علي اطلاعه علي مصادر السنة وشئ من مصادر الشيعة.. ولكني مطمئن بأنه لو اطلع أكثر لقال: إن بلاء الإسرائيليات في مصادر المسلمين وإن كان مشتركاً بين السنة والشيعة، إلا أن منبعه عند السنة وبعض ترشحاته عند الشيعة، والسبب في ذلك أن السلطة كانت بيد خلفاء السنة وأئمتهم، وكان علماء اليهود وحملة ثقافتهم يتقربون إليهم فقربوهم وأجازوا لهم بث

ثقافتهم في المسلمين! أما الشيعة فكانوا أقلية محكومين، وكان اليهود يبتعدون عنهم خوفاً من غضب السلطة.

ولو اطلع أكثر لقال: أما علي والأئمة من أهل بيت النبي فلم يكونوا بحاجة لأن تكون لهم علاقات ثقافية مع اليهود والنصاري، بل كانوا يأنفون من الإستماع إلي علومهم المحرفة.. ولم يعهد عنهم أنهم مدحوا شخصيات أهل الكتاب أو ثقافتهم بكلمة واحدة، بل كانوا أقوي المناظرين لهم، وكان المسلمون إذا أحرجوا في مسألة من أهل الكتاب هرعوا إلي أهل بيت نبيهم صلي الله عليه وآله ليأخذوا جوابها..

ومن المعروف عن علي عليه السلام أن حاخاماً يهودياً قال له: سرعان ما اختلفتم في نبيكم. يقصد في أمر الخلافة. فأجابه عليه السلام: نحن لم نختلف في نبينا بل اختلفنا عنه، وأما أنتم فما جفت أقدامكم من البحر حتي قلتم: يا موسي اجعل لنا إلهاً كما لهؤلاء!!

إننا علي يقين بأن الباحثين المنصفين في سلوك أهل البيت وفقههم والعلوم التي أثرت عنهم، سوف يصلون إلي نتيجة تقول: إن أصفي المذاهب وأبعدها عن التأثر بثقافة أهل الكتاب: هو مذهب أهل البيت عليهم السلام.

اعمال تحريفية واسعة من أجل ترسيخ عصمة عمر و أبي بكر

بدأ نشاطهم بعد النبي واستمر إلي يومنا هذا

رأي أتباع الخلافة القرشية أن كل أمرهم يتوقف علي تصحيح عمل السقيفة، فأشاعوا نشر تقديس شخصية عمر وأبي بكر، وبقية زعماء قريش، مقابل قداسة عترة النبي الطاهرين عليهم السلام الذين تعلم المسلمون الآيات والأحاديث فيهم، وشاهدوا فيهم مناقبية الأوصياء في القول والعمل!

ولا نتكلم هنا عن أعمال أتباع الخلافة في تبرير عزل زعماء قريش لأهل البيت واضطهادهم وتنقيص مقامهم! ولا عن أعمالهم في آيات القرآن وأحاديث النبي صلي الله عليه وآله في عترته أهل بيته عليهم السلام. وإنما عن أعمالهم لرفع مقام الصحابة من أجل عمر وأبي بكر، فقد

جعلوا لعمر مقام النبي بلا نبوة، ومقام العصمة بدرجة أعلي من عصمة النبي صلي الله عليه وآله، وقد أوردنا عدداً من مسائل هذا الموضوع في المجلد الثاني من كتاب (ألف سؤال وإشكال علي المخالفين لأهل البيت الطاهرين) في الفصل 21 و22، ونكتفي هنا ببضعة أعمال يتسع لها هذا الكتاب:

حملوا آيات مدح الصحابة أكثر مما تحتمل

في القرآن عدد من الآيات في مدح الصحابة، وأضعافها في انتقادهم! وهذا طبيعي لأن القرآن تنزل في ثلاث وعشرين سنة، ليثبِّتَ الله به قلب نبيه صلي الله عليه وآله في تبليغه الرسالة وبناء الأمة، قال تعالي: وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً. وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا. (الفرقان:32-33).

وليوجه أمة النبي صلي الله عليه وآله وأصحابه، فيمدحهم عندما يحسنون، ويشجعهم عندما يضعفون، ويؤنبهم عندما يقصرون! وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمٌ. (البقرة:231).

وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَي عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. (آل عمران:1).

وقد ضخَّمت السلطة بعد النبي صلي الله عليه وآله آيات مدح الصحابة، وتناست آيات نقدهم وذمهم! وبالغت في ذلك حتي جعلت صحابتها معصومين عملياً، لتثبت أنهم الورثة الشرعيون للنبي صلي الله عليه وآله مع أن أهل البيت النبوي عليهم السلام أهل بيت وصحابة!

ومن الحقائق الملفتة أن احتجاج أتباع الخلافة بهذه الآيات، ظهرت في عهد معاوية ولم يكن لهما وجود في زمن أبي بكر وعمر وعثمان! فغاية ما تجده عن عمر أنه فضل أهل بدر بالعطاء علي غيرهم، وحكم بأن الخلافة يجب أن تكون فيهم وأنها حرام علي

الطلقاء! قال:(هذا الأمر في أهل بدر ما بقي منهم أحد، ثم في أهل أحد ما بقي منهم أحد، ثم في كذا وكذا وليس فيها لطليق ولا لولد طليق ولا لمسلمة الفتح شئ. أخرجه الثلاثة).(أسد الغابة:4/387، وفتح الباري:13/178، والطبقات:3/342، وابن عساكر:59/145، وكنز العمال:12/681).

بل إن شهادتهم لأهل بدر بالجنة، التي رواها بخاري في:4 /19، وعدة مواضع أخري، والتي تقول إن النبي صلي الله عليه وآله قال: (وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع علي أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). لم يروها أحد عن أبي بكر ولا عمر! مع أنها لو كانت صحيحةً لاحتجَّا بها فيما احتجَّا!

إن هذا يدل علي أن أتباع الخلافة اتخذوا فيما بعد قرارهم بتعظيم الصحابة بآيات وأحاديث، وإشاعتها في المسلمين، فملأوا بها مصادرهم، وربَّوا عليها أولادهم، وأنسوهم آيات توبيخ الصحابة، وأحاديث دخول اكثرهم النار! وحرموا علي المسلمين انتقادهم، بل أفتوا بكفر من ارتكب ذلك وقتله!

قال الخطيب البغدادي الكفاية في علم الرواية ص63: (باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلي سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم.

كل حديث اتصل إسناده بين من رواه وبين النبي(ص)لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم، سوي الصحابي الذي رفعه إلي رسول الله(ص)لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن.

فمن ذلك قوله تعالي: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ.

وقوله:وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وهذا اللفظ وإن كان عاما فالمراد به الخاص وقيل وهو وارد في الصحابة دون غيرهم.

وقوله: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ

يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً

وقوله تعالي: وَالسَّابِقُونَ الأولونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأنصار وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ.

وقوله تعالي: وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ.

وقوله: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

وقوله تعالي:لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ. وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإيمان مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَي أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ في آيات يكثر ايرادها ويطول تعدادها...). انتهي.

ولو سألتهم أولاً: أين الآيات الأخري في الصحابة، لنقارنها بآيات مدحهم ونجمع بينها وبينها، كقوله تعالي عن النبي صلي الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلي فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَاْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. (الأنفال:15-16)

لمَا كان عندهم جواب، لأن الصحابة جميعاً، ما عدا بني هاشم، فروا في أحد وخيبر وحنين، وغيرها، واستحقوا بنص الآية نار جهنم، إلا من ثبتت توبته!

وثانياً، لو قلنا لهم: ما هي أقوي آية عندكم في مدح الصحابة؟ لقالوا: إنها قوله تعالي: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً، فقد نصت علي رضا الله عن أهل بيعة الرضوان، وكانوا ألفاً وأربع مئة، ولذا حكمنا بأنهم من أهل الجنة.

نقول لهم: إن أهل بيعة الرضوان أو الشجرة، فيهم مؤمنون وفيهم دون ذلك، والرضا ورد في

الآية عن المؤمنين فقط، واستمراره عن هؤلاء المؤمنين مشروط بأن لايحدثوا ما يغضب الله عليهم ويحبط عملهم!

فلو كان كل المبايعين مؤمنين والرضا عنهم مطلق، لقال عز وجل: لقد رضي اللهُ عن الذين يُبايعونك، وما قيده بالمؤمنين، وب_ظرف (إِذْ يُبَايِعُونَكَ)! فاختياره لهذين القيدين، تحفظٌ إلهي كبير، يدل علي أن رضاه محدود في الأشخاص، وفي الظرف!

وثالثاً، لماذا نسيتم العقد الذي بايعوا عليه النبي صلي الله عليه وآله، فكان سبب رضا الله عنهم، والذي جعلتموه رضاً مستمراً وعصمة شاملة؟ فقد صرحتم بأنهم بايعوه علي أن يقاتلوا معه ولا يفروا! قال بخاري:4/8: (باب البيعة في الحرب أن لايفروا، وقال بعضهم علي الموت، لقوله تعالي: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ...فسألت نافعاً علي أي شئ بايعهم علي الموت؟ قال: لا بايعهم علي الصبر). انتهي.

فكيف يستمر رضا الله عليهم وقد نكثوا بيعتهم وفروا في خيبر وحنين، وكانتا بعد بيعة الشجرة؟والله تعالي يقول: إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِهِ! (الفتح:10).

قال ابن طاوس في الطرائف ص58: (رواه علماء التاريخ مثل محمد بن يحيي الأزدي، وابن جرير الطبري [1] والواقدي، ومحمد بن إسحاق، وأبي بكر البيهقي في دلائل النبوة [2] وأبي نعيم في كتاب حلية الأولياء [3] والأبشهي في الإعتقاد، عن عبد الله بن عمر، وسهل بن سعد، وسلمة بن الأكوع، وأبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله الأنصاري، أن النبي صلي الله عليه وآله بعث أبا بكر برايته مع المهاجرين وهي راية بيضاء، فعاد يؤنب قومه ويؤنبونه، ثم بعث عمر بعده فرجع يجبِّن أصحابه ويجبنونه، حتي ساء ذلك النبي صلي الله عليه وآله فقال: لأعطين الراية

غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كراراً غير فرار لايرجع حتي يفتح الله علي يديه فأعطاها علياً ففتح علي يديه [4] .

وقال تعالي: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأرض بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. (التوبة:25).

وفي صحيح بخاري:5/101: (عن أبي قتادة قال: وانهزم المسلمون يوم حنين وانهزمت معهم فإذا عمر بن الخطاب في الناس فقلت له: ما شأن الناس؟، قال: أمر الله)!! ونحوه:4/58.

فكيف يجوز التمسك بآية: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ، وترك قوله عن الفار: فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ، وقوله عن الناكث: فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَي نَفْسِهِ؟!

ورابعاً، سواء كان المدح في الآية لكل من بايع كما تقولون، أو لبعضهم كما نقول، فإن أهل البيت عليهم السلام في طليعتهم، فهم شركاء للصحابة فيها، مضافاً إلي ما اختصوا به من آيات وأحاديث، فكيف يصح رفع الصحابة إلي مرتبتهم لأنهم شاركوهم في مديح؟!

وخامساً، ما ذا يعني عندكم نص القرآن علي رضا الله عز وجل عن أناس؟

هل يعني عصمتهم، وأنهم حجة علي المسلمين يجب عليهم الإقتداء بهم؟ فتكون سنتهم وقولهم وفعلهم وتقريرهم حجة شرعية كالنبي صلي الله عليه وآله؟

وإذا اختلفوا واقتتلوا، فهل يكون إجماعهم فقط هو الحجة؟ أم يجوز للمسلم أن يقتدي بأي واحد منهم كما رويتم: أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم؟!

فيصح الإقتداء بسعد بن عبادة وأهل البيت عليهم السلام في رفضهم لخلافة السقيفة؟

وسادساً، كيف تقولون إن الرضا الإلهي شمل كل أهل بيعة الشجرة فكلهم في الجنة، وفيهم رأس المنافقين ابن سلول، وفيهم ابن عديس البلوي قاتل عثمان، وفيهم أبو الغادية قاتل عمار الذي شهد النبي صلي الله عليه وآله بأنه

من أهل النار؟!

هذه مناقشة عابرة في أهم آية عندهم في مدح الصحابة، التي حاولوا بها رفعهم إلي صف أهل البيت عليهم السلام. ولايتسع المجال لبسط القول فيها وفي غيرها.

[1] تاريخ الطبري:3/93 ط بيروت.

[2] رواه البيهقي في السنن الكبري: 9/106، وكذا في الإعتقاد: 151.

[3] حلية الأولياء:1/62 و:4/356، والحاكم النيسابوري في المستدرك: 3/38.

[4] محب الدين الطبري في ذخائر العقبي:82، وابن حجر في الصواعق المحرقة:72). انتهي.

غيبوا الآيات الصريحة في نقد الصحابة و ذمهم

فمنها قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَي رَسُولِهِ (النساء:136)، وهو خطاب يشمل الصحابة ويأمرهم أن يؤمنوا، ويدل علي أنهم كغيرهم، فيهم كامل الإيمان وناقصه!

وتدل الآية التالية علي أنهم كغيرهم من الناس، فأكثرهم موحد في الظاهر، مشركٌ في الواقع: وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ...وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاوَهُمْ مُشْرِكُونَ.(يوسف:103و106).

كما أن منهم من لبس إيمانه بظلم: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ. الأنعام:82

ومنهم من يؤذي النبي صلي الله عليه وآله: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَأُذُنٌ! (التوبة:61).

ومنهم يفتري علي النبي صلي الله عليه وآله ويتهم عرضه: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَخَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِيءٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّي كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ. (النور:11).

ومنهم منافقون لايعلمهم حتي النبي صلي الله عليه وآله: وَمِنْ أهل الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَي النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ. التوبة:101

ومنهم من يريد الحياة الدنيا فيهرب من المعركة: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخرة. آل عمران:152

ويتهم الله ورسوله لتغطية جبنه: وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا. الأحزاب:10 وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ

فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلا غُرُورًا. الأحزاب:12

ومنهم من يتسلل هرباً من أمر النبي صلي الله عليه وآله: قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ. النور:63

ومنهم من يتثاقل عن الجهاد مع النبي صلي الله عليه وآله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إلي الأرض أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخرة! التوبة:38

ومنهم من يثبط المؤمنين عن الجهاد مع النبي صلي الله عليه وآله: وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيدًا. النساء:72

ومنهم بخيلٌ بماله فكيف بدمه: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ. محمّد:38

ومنهم من يخون الله ورسوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ. الأنفال:27

ومن يتبع خطوات الشيطان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَي مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. النور:21

ومنهم من يسقط في الفتنة: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ. العنكبوت:10 وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ. العنكبوت:11

ومنهم صاحب أضغان وعقد: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ

اللهُ أَضْغَانَهُمْ. محمّد:29 وَلَوْ نَشَاءُ لارَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ. محمّد:30

ومنه في معرض الردة والكفر: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً. النساء:137

ولم ينته امتحانهم بوفاة النبي صلي الله عليه وآله: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّي نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ. محمّد:31

ومنهم من سيرتد وينقلب علي عقبيه بعد النبي صلي الله عليه وآله: وَمَا مُحَمَّدٌ إِلارَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَي أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَي عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شيئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ).(آل عمران:144)

ومنهم الخائن العميل للكافرين: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ. التوبة:16

ومنهم من هو من اليهود أو النصاري: وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. المائدة:51 فَتَرَي الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَي أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَي اللهُ أَنْ يَاتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَي مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ. المائدة:52

وهم مثل أتباع الأنبياء السابقين منهم الصالح ومنهم الطالح: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَي وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخر وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. البقرة:62

ولا نريد بذلك أن ننقص من حق صحابة النبي صلي الله عليه وآله، ففيهم أبرار أخيار ومجاهدون أئمة، نزلت فيهم آيات مديح فريدة، وصدرت بحقهم شهادات نبوية خالدة، لكنها تخص الصالحين منهم، دون المنافقين، ومرضي القلوب وضعفاء العقيدة. فلا بد من ميزان لمعرفتهم.

لابد من ميزان لتقييم الصحابة

كان

الميزان رسول الله صلي الله عليه وآله، أما بعده فالميزان عترته الطاهرون عليهم السلام الذين قال فيهم في حديثه المتواتر عند الجميع: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما.

وقال في أولهم علي عليه السلام:(علي باب علمي، ومبيِّنٌ لأمتي ما أرسلت به من بعدي. حبه إيمان وبغضه نفاق، والنظر إليه رأفة ومودة وعبادة.(فردوس الأخبار:3/64)

وروي الحاكم: 3/129: عن أبي ذر قال: ما كنا نعرف المنافقين إلا بتكذيبهم الله ورسوله، والتخلف عن الصلوات، والبغض لعلي بن أبي طالب. هذا حديث صحيح علي شرط مسلم، ولم يخرجاه. (ورواه أحمد في فضائل الصحابة: 2/639).

وفي صحيح مسلم: 1/60، تحت عنوان: باب حب علي من الإيمان: عن زر بن حبيش قال: قال علي عليه السلام: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي(ص)إليَّ: أن لا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق). (ورواه ابن ماجة:1/42، والنسائي في سننه: 8/115 و117 وفي خصائص علي: 1375، وأحمد:1/84 و95 و128 وفضائل الصحابة: 2/264، وابن أبي شيبة في مصنفه:12/56، وعبد الرزاق في مصنفه:11/55، وابن أبي عاصم في السنة:5842، وابن حبان في صحيحه:9/40، والخطيب في تاريخ بغداد:2/255 و14/426، وابن عبد البر في الإستيعاب: 3/37، وأبو نعيم في حلية الأولياء:8/185، وابن حجر في الإصابة:2/503، والحاكم في المستدرك:3 /139، والبيهقي في سننه:5/47، وابن حجر في فتح الباري:7/57).

وفي فتح الباري: 7/72: وفي كلام أمير المؤمنين كرم الله وجهه يقول: لو ضربت خيشوم المؤمن بسيفي هذا علي أن يبغضني ما أبغضني، ولو صببت الدنيا بجمانها علي المنافق علي أن يحبني ما أحبني! وذلك أنه قضي فانقضي علي لسان النبي الأمي صلي الله عليه و(آله)وسلم

أنه قال: يا علي لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق). انتهي.

ويطول الكلام لو أردنا استعراض ما دل علي أن علياً والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الإسلام والكفر والإيمان والنفاق، فبهم فقط نستطيع أن نعرف المرضيين وغير المرضيين من الصحابة، من أهل السقيفة وغيرهم.

وضعوا أحاديث في مدح الصحابة و عصمتهم

ليقابلوا بها أحاديث عصمة العترة

قال الخطيب البغدادي في الكفاية ص64: (ووصف رسول الله(ص) الصحابة مثل ذلك(مثل الآيات)وأطنب في تعظيمهم وأحسن الثناء عليهم. فمن الأخبار المستفيضة عنه في هذا المعني: ما أخبرنا أبو نعيم الحافظ ثنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس...عن عبد الله بن مسعود أن النبي(ص)قال: خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجئ قوم تسبق ايمانهم شهادتهم ويشهدون قبل ان يستشهدوا... ثم رواه الخطيب عن أبي هريرة وعمران بن حصين، وروي بعده:

عن أبي سعيد قال قال رسول الله(ص): لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً، ما أدرك مُدَّ أحدهم ولا نصيفه...

عن ابن عباس قال قال رسول الله(ص): مهما أوتيتم من كتاب الله فالعمل به لا عذر لأحدكم في تركه، فإن لم يكن في كتاب الله فسنة مني ماضية، فإن لم تكن سنة مني ماضية فما قال أصحابي، إن أصحابي بمنزلة النجوم في السماء فأيها أخذتم به اهتديتم، واختلاف أصحابي لكم رحمة...

عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال قال رسول الله(ص): سألت ربي فيما اختلف فيه أصحابي من بعدي، فأوحي الله إليَّ يا محمد إن أصحابك عندي بمنزلة النجوم في السماء، بعضها أضوأ من بعض، فمن أخذ بشئ مما هم عليه من اختلافهم فهم عندي علي هدي....

عن أنس بن مالك قال قال رسول الله(ص): إن الله اختارني

واختار أصحابي فجعلهم أصهاري وجعلهم أنصاري، وإنه سيجئ في آخر الزمان قوم ينتقصونهم ألا فلا تناكحوهم، ألا فلا تنكحوا إليهم، ألا فلا تصلوا معهم، ألا فلا تصلوا عليهم، عليهم حلت اللعنة.

وتابع الخطيب: الأخبار في هذا المعني تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن! وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة والقطع علي تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالي لهم المطلع علي بواطنهم، إلي تعديل أحد من الخلق له، فهو علي هذه الصفة، إلا أن يثبت علي أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط العدالة، وقد برأهم الله من ذلك ورفع أقدارهم عنه.

علي أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شئ مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد والنصرة وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين، القطع علي عدالتهم والإعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين، الذين يجيؤن من بعدهم أبد الآبدين! هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء.

وذهبت طائفة من أهل البدع إلي أن حال الصحابة كانت مرضية إلي وقت الحروب التي ظهرت بينهم وسفك بعضهم دماء بعض، فصار أهل تلك الحروب ساقطي العدالة، ولما اختلطوا بأهل النزاهة، وجب البحث عن أمور الرواة منهم.

وليس في أهل الدين والمتحققين بالعلم من يصرف إليهم خبر ما لا يحتمل نوعاً من التأويل، وضرباً من الإجتهاد، فهم بمثابة المخالفين من الفقهاء، المجتهدين في تأويل الأحكام لإشكال الأمر والتباسه.

ويجب ان يكونوا علي الأصل الذي قدمناه من حال العدالة والرضا، إذ لم يثبت ما يزيل ذلك عنهم.

أخبرنا أبو منصور محمد بن

عيسي الهمذاني، ثنا صالح بن أحمد الحافظ قال: سمعت أبا جعفر أحمد بن عبدل يقول: سمعت أحمد بن محمد بن سليمان التستري يقول: سمعت أبا زرعة يقول: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله(ص)فاعلم أنه زنديق! وذلك أن الرسول(ص)عندنا حق والقرآن حق، وإنما أدي إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله(ص)، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولي وهم زنادقة). انتهي.

وكلام أبي زرعة الذي رواه الخطيب البغدادي في سياق الأحاديث كأنه حديث شريف! يدل علي تصعيد محاولتهم في الدفاع عن أبي بكر وعمر وأتباعهما، بحصر سند الإسلام والقرآن بهم، وجعل التشكيك فيهم تشكيكاً في سند الإسلام! وكأن كل أمة الإسلام ماتت بعد النبي صلي الله عليه وآله وضاع الإسلام، ولا يوجد سند لإثباته إلا رواية هؤلاء!!

أما الأحاديث التي ذكرها الخطيب في فضلهم، فكلها ضعيفة أو موضوعة، بدون استثناء، بشهادة النقاد من علمائهم! ولا يتسع المجال لبيان ذلك.

وقال القاضي الجرجاني في شرح المواقف:8/373، وهو من كبار متكلمي المذاهب السنية: (المقصد السابع: إنه يجب تعظيم الصحابة كلهم، والكف عن القدح فيهم لأن الله سبحانه وتعالي عظمهم وأثني عليهم، في غير موضع من كتابه، كقوله: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار. وقوله: يوم لايخزي الله النبي والذين آمنوا معه، نورهم يسعي بين أيديهم. وقوله: والذين معه أشداء علي الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضواناً. وقوله: لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة.

إلي غير ذلك من الآيات الدالة علي عظم قدرهم وكرامتهم عند الله.

والرسول قد أحبهم وأثني عليهم في أحاديث كثيرة، منها قوله عليه السلام:خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين

يلونهم. ومنها قوله: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه. ومنها قوله: الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذي الله فيوشك أن يأخذه. إلي غير ذلك من الأحاديث المشهورة في الكتب الصحاح.

ثم إن من تأمل سيرتهم، ووقف علي مآثرهم، وجدهم في الدين وبذلهم أموالهم وأنفسهم في نصرة الله ورسوله، لم يتخالجه شك في عظم شأنهم، وبراءتهم عما ينسب إليهم المبطلون من المطاعن، ومنعه ذلك أي تيقنه بحالهم عن الطعن فيهم، فرأي ذلك مجانباً للإيمان.

ونحن لا نلوث كتابنا بأمثال ذلك، وهي مذكورة في المطولات مع التفصي عنها، فارجع إليها إن أردت الوقوف عليها.

وأما الفتن والحروب الواقعة بين الصحابة، فالهشامية من المعتزلة أنكروا وقوعها! ولا شك أنه مكابرة للتواتر في قتل عثمان ووقعة الجمل وصفين.

والمعترفون بوقوعها، منهم من سكت عن الكلام فيها بتخطئة أو تصويب، وهم طائفة من أهل السنة. فإن أرادوا إنه اشتغال بما لا يعني فلا بأس به، إذ قال الشافعي وغيره من السلف: تلك دماء طهر الله عنها أيدينا فلنطهر عنها ألسنتنا. وإن أرادوا إنا لا نعلم أوقعت أم لا؟ فباطل، لوقوعها قطعاً، وأنت خبير بأن الشق الثاني من الترديد ينافي الإعتراف بوقوعها.

واتفق العمرية أصحاب عمرو بن عبيد، والواصلية أصحاب واصل بن عطاء علي رد شهادة الفريقين، قالوا لو شهد الجميع بباقة بقلة لم نقبلها، أما العمرية فلأنهم يرون فسق الجميع من الفريقين.

وأما الواصلية فلأنهم يفسقون أحد الفريقين لا بعينه، فلا يعلم عدالة شئ منهما.

والذي عليه الجمهور من الأمة هو: أن

المخطئ قتلة عثمان ومحاربوا علي لأنهما إمامان فيحرم القتل والمخالفة قطعاً، إلا أن بعضهم كالقاضي أبي بكر ذهب إلي أن هذه التخطئة لا تبلغ إلي حد التفسيق. ومنهم ذهب إلي التفسيق كالشيعة وكثير من أصحابنا). انتهي.

وقد كشف الجرجاني وجود آراء مختلفة تدين أكثر الصحابة ومنهم أبو بكر وعمر، لكنه مرَّ عليها مروراً وركَّز علي بضعة أحاديثهم الموضوعة المتقدمة! ونكتفي هنا بمناقشة واحد منها:

نقد حديث: خير القرون قرني

روي البخاري:7/173، عن عبدالله بن عمر أن النبي صلي الله عليه وآله قال:خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجئ من بعدهم قوم تسبق شهادتهم أيمانهم، وأيمانهم شهادتهم. ورواه أيضاً بصيغة: خيركم قرني، ثم الذين يلونهم- قال عمران فما أدري قال النبي بعد قوله مرتين أو ثلاثاً- ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولايستشهدون، ويخونون ولايؤتمنون، وينذرون ولايفون، ويظهر فيهم السِّمَن).انتهي. ومعني السِّمَن: البدنة من الترف وكثرة الأكل. (وكرر روايته في:7/224، و233)

و معناه أن التاريخ الإسلامي يسير إلي الإنحدار، والأمة إلي الزوال

وأصل الحديث هو تصور عمر لمستقبل الإسلام وأمته، وأنه كالبعير سيهرم ويموت! ففي مسند أحمد:3/463: (قال كنت في مجلس فيه عمر بن الخطاب بالمدينة فقال لرجل من القوم: يا فلان كيف سمعت رسول الله (ص)ينعت الإسلام؟ قال: سمعت رسول الله(ص)يقول: إن الإسلام بدأ جَذعاً ثم ثِنْياً ثم رُباعياً ثم سُديسياً ثم بازلاً! قال فقال عمر بن الخطاب: فما بعد البزول إلا النقصان)!! (ورواه في:5/52، وقال في لسان العرب إن الذي سأله عمر هو العلاء بن الحضرمي).

وقال الزبيدي في تاج العروس:9/245: (وأدني الأسنان الإثناء، وهو أن تنبت ثنيتاها، وأقصاها في الإبل البزول، وفي البقر والغنم السلوغ).

وأصل الفكرة من كعب الأحبار الذي أقنع عمر بأن الإسلام سوف ينتهي، وأن الكعبة سوف تهدم، ومكة ستخرب! فقد عقد البخاري باباً في:2/159، بعنوان: (باب هدم الكعبة!) روي فيه (عن أبي هريرة عن النبي(ص) قال: يُخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة)! (ورواه مسلم:8/183) ثم روي البخاري حديثين آخرين، أحدهما عن ابن عباس عن النبي(ص)قال:كأني به أسود أفحج يقلعها حجراً حجراً!

ومن الثابت أن أبا هريرة كان يروي عن كعب ويسنده إلي النبي صلي الله عليه وآله مع أن كعباً لم ير النبي صلي الله

عليه وآله! ويبدو أن عمر يفعل ذلك أيضاً لشدة ثقته بكعب!

ففي مسند أحمد:1/23: عن عمر أنه سمع رسول الله (ص) يقول: سيخرج أهل مكة ثم لايعبر بها أولاًيعبر بها إلا قليل، ثم تمتلئ وتبني، ثم يخرجون منها فلا يعودون فيها أبداً)! (وقال عنه في مجمع الزوائد:3/298: رواه أحمد وأبو يعلي وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن، وبقية رجاله رجال الصحيح).

وفي مسند أحمد:2/220: (عن عبدالله بن عمرو قال سمعت رسول الله (ص) يقول: يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها! ولكأني أنظر إليه أصيلع أُفَيْدِع، يضرب عليها بمسحاته ومعوله)! انتهي.

الخط البياني للأمة.. نزول ثم صعود

كل من قرأ القرآن يعرف أن الله تعالي وعد أن يظهر دينه علي الدين كله: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).

وكل من قرأ الحديث يعرف أن النبي صلي الله عليه وآله أخبر أمته عن مستقبلها ومسارها وأنها ستصاب بالإنحراف والضعف، ثم يبعث الله فيها المهدي من عترته عليه السلام فيظهر به دينه علي الدين كله، وينزل فيها عيسي عليه السلام من السماء ليساعده.

فهي أحاديث متواترة روتها مصادر السنيين ومصادر أهل البيت عليهم السلام، منها ما رواه الإمام الصادق عليه السلام عن أبيه، عن آبائه، عن علي عليهم السلام قال: قال رسول الله صلي الله عليه وآله: أبشروا ثم أبشروا-ثلاث مرات-إنما مثل أمتي كمثل غيث لايدري أوله خير أم آخره، إنما مثل أمتي كمثل حديقة أطعم منها فوج عاماً، ثم أطعم منها فوج عاماً، لعل آخرها فوجاً يكون أعرضها بحراً وأعمقها طولاً وفرعاً، وأحسنها جنيً! وكيف تهلك أمة أنا أولها واثنا عشر من بعدي من السعداء وأولي الألباب، والمسيح عيسي بن

مريم آخرها؟! ولكن يهلك بين ذلك نتج الهرج، ليسوا مني ولست منهم). (الخصال ص475، وكمال الدين ص269، وعيون أخبار الرضا عليه السلام:2/56).

لكنك تري علماء السلطة القرشية يتعمدون الإعراض عن هذه الأحاديث ويرجحون عليها حديث خير القرون المزعوم، لأنه بتصورهم يُفَضِّل الصحابة الذين يحبونهم، أي أبا بكر وعمر، علي كل البشر، وهذا مطلوبهم حتي لو خربت الدنيا، وهدمت الكعبة، وانتهي الإسلام!!

وقد تمحلوا في تأويل الأحاديث الصريحة الصحيحة التي تفضل جيلاً أو أشخاصاً آتين من الأمة علي جيل الصحابة، مثل حديث: (تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين، قيل: منهم أو منايارسول الله؟ قال: بل منكم).

فهاجموا كل نوع من هذه الأحاديث تأويلاً وتمييعاً وتضعيفاً، لتسلم لهم مقولة أن الصحابة أفضل من الجميع! (راجع الفصل السادس عشر من المجلد الأول، لتري تأثير اليهود في نشر عقيدة أن الأمة الإسلامية تسير في خط نزول مستمر إلي فنائها! وأن القرآن سيرفع من الأرض، والكعبة ستهدم، ومكة ستخرب فلا تسكن بعدها أبداً).

تخبط الشراح في حديث خير القرون قرني

قال النووي في مقدمة شرح مسلم:1/3: (المُكرَّم بتفضيل أمته زادها الله شرفاً علي الأمم السابقين، وبكون أصحابه خير القرون الكائنين، وبأنهم كلهم مقطوع بعدالتهم عند من يعتد به من علماء المسلمين).وقال في:16/84: (اتفق العلماء علي أن خير القرون قرنه(ص)، والمراد أصحابه، وقد قدمنا أن الصحيح الذي عليه الجمهور أن كل مسلم رأي النبي(ص)ولو ساعة فهو من أصحابه. ورواية خير الناس علي عمومها والمراد منه جملة القرن، ولا يلزم منه تفضيل الصحابي علي الأنبياء(ص)ولا أفراد النساء علي مريم وآسية وغيرهما، بل المراد جملة القرن بالنسبة إلي كل قرن بجملته...الخ.). ثم ذكر النووي اختلافهم في القرن، من عشر سنوات إلي مئة وعشرين سنة!

فانظر كيف فسر القرن بالمجموع

الكلي للأصحاب، وفضلهم علي المجموع الكلي لأناس كل قرن! وهذا معني قوله (جملة القرن بالنسبة إلي كل قرن بجملته) ولكنه يقول لايلزم منه ذلك!

ولو أنصف لقال: يلزم منه أنهم أفضل من المجموع الكلي لأناس القرون الماضية والآتية مجتمعين، لأن تفضيلهم جاء مطلقاً!

ويبدو أن البخاري لم يروِ: خير القرون قرني، فراراً من التعميم الذي فيه، ولكنه روي: خير الناس قرني، فوقع فيما فرَّ منه!

قال الشوكاني في نيل الأوطار:9/228: (وحديث أبي هريرة أن خير القرون قرنه (ص)، وفي ذلك دليل علي أنهم الخيار من هذه الأمة، وأنه لا أكثر خيراً منهم. وقد ذهب الجمهور إلي أن ذلك باعتبار كل فرد فرد. وقال ابن عبد البر: إن التفضيل إنما هو بالنسبة إلي مجموع الصحابة، فإنهم أفضل ممن بعدهم، لا كل فرد منهم. وقد أخرج الترمذي باسناد قوي، من حديث أنس مرفوعاً: مَثَلُ أمتي مثلُ المطر، لا يدري أوله خير أم آخره.....

وأخرج ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير باسناد حسن قال رسول الله (ص): ليدركن المسيح أقواماً إنهم لمثلكم أو خير ثلاثاً.....

وأخرج أحمد، والدارمي، والطبراني باسناد حسن، من حديث أبي جمعة قال: قال أبو عبيدة: يارسول الله أحد خير منا، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم، يؤمنون بي ولم يروني. وقد صححه الحاكم.

وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة رفعه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبي للغرباء.

وأخرج أبو داود والترمذي من حديث ثعلبة رفعه: تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين، قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: بل منكم

وجمع الجمهور، بأن الصحابة لها فضيلة ومزية لايوازيها شئ من الأعمال، فلمن صحب

النبي(ص)فضيلة الصحبة وإن قصر في الأعمال، وفضيلة من بعد الصحابة باعتبار كثرة الأعمال المستلزمة لكثرة الأجور، فحاصل هذا الجمع أن التنصيص علي فضيلة الصحابة باعتبار فضيلة الصحبة، وأما باعتبار أعمال الخير فهم كغيرهم...فتقرر بما ذكرناه عدم صحة ما جمع به الجمهور...

والذي يستفاد من مجموع الأحاديث أن للصحابة مزية لايشاركهم فيها من بعدهم، وهي صحبته(ص)ومشاهدته والجهاد بين يديه وإنفاذ أوامره ونواهيه، ولمن بعدهم مزية لايشاركهم الصحابة فيها وهي إيمانهم بالغيب في زمان لا يرون فيه الذات الشريفة، التي جمعت من المحاسن ما يقود بزمام كل مشاهد إلي الإيمان، إلامن حقت عليه الشقاوة....). انتهي.

فتكون النتيجة عند الشوكاني قريبة من التساوي!!

ثم تابع الشوكاني:(فإن قلت: ظاهر الحديث المتقدم عن أبي عبيدة قال: يارسول الله أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ فقال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولايروني، يقتضي تفضيل مجموع قرن هؤلاء علي مجموع قرن الصحابة.

قلت: ليس في هذا الحديث ما يفيد تفضيل المجموع علي المجموع، وإن سلم ذلك وجب المصير إلي الترجيح لتعذر الجمع، ولاشك أن حديث خير القرون قرني أرجح من هذا الحديث بمسافات، لو لم يكن إلا كونه في الصحيحين وكونه ثابتاً من طرق، وكونه متلقي بالقبول....فلم يبق ههنا إشكال والله أعلم)!

أما ابن حجر فقد بحث في أول المجلد السابع من فتح الباري حديث خير القرون وأفضلية الصحابة، بحثاً مطولاً كغيره، فقوَّي رأي البخاري في أن الصحابي من رأي النبي صلي الله عليه وآله! وأفتي بأن من قاتل منهم أو أنفق فهم خير البشر علي الإطلاق! ثم قال: (لكن هل هذه الأفضلية بالنسبة إلي المجموع أو الأفراد، محل بحث، والي الثاني نحا الجمهور، والأول قول ابن عبد البر. والذي

يظهر أن من قاتل مع النبي(ص)أو في زمانه بأمره، أو أنفق شيئاً من ماله بسببه، لايعدله في الفضل أحد بعده كائناً من كان! وأما من لم يقع له ذلك فهو محل البحث، والأصل في ذلك قوله تعالي: لايَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا.. الآية

واحتج بن عبد البر بحديث: مثلُ أمتي مثل المطر لايدري أوله خير أم آخره، وهو حديث حسن، له طرق قد يرتقي بها إلي الصحة.

وقد روي بن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن جبير بن نفير أحد التابعين باسناد حسن قال قال رسول الله(ص): ليدركنَّ المسيح أقواماً، إنهم لمثلكم أو خير. ثلاثاً، ولن يخزي الله أمة أنا أولها والمسيح آخرها.

وروي أبو داود والترمذي من حديث أبي ثعلبة رفعه: تأتي أيام للعامل فيهن أجر خمسين. قيل: منهم أو منا يا رسول الله؟ قال: بل منكم، وهو شاهد لحديث مثل أمتي مثل المطر.

واحتج بن عبد البر أيضاً بحديث عمر رفعه: أفضل الخلق إيماناً قوم في أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني..الحديث، أخرجه الطيالسي وغيره لكن إسناده ضعيف فلا حجة فيه.

وروي أحمد والدارمي والطبراني من حديث أبي جمعة قال قال أبو عبيدة: يارسول الله أحدٌ خير منا، أسلمنا معك وجاهدنا معك؟ قال: قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني، وإسناده حسن وقد صححه الحاكم.

واحتج أيضاً بأن السبب في كون القرن الأول خير القرون أنهم كانوا غرباء في إيمانهم لكثرة الكفار حينئذ، وصبرهم علي أذاهم، وتمسكهم بدينهم، قال: فكذلك أواخرهم إذا أقاموا الدين وتمسكوا به وصبروا علي الطاعة حين ظهور المعاصي والفتن، كانوا أيضاً عند ذلك غرباء، وزكت

أعمالهم في ذلك الزمان كما زكت أعمال أولئك. ويشهد له ما رواه مسلم عن أبي هريرة رفعه: بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبي للغرباء.

وقد تعقب كلام بن عبد البر بأن مقتضي كلامه أن يكون فيمن يأتي بعد الصحابة من يكون أفضل من بعض الصحابة، وبذلك صرح القرطبي، لكن كلام بن عبد البر ليس علي الإطلاق في حق جميع الصحابة، فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية، نعم، والذي ذهب إليه الجمهور أن فضيلة الصحبة لايعدلها عمل لمشاهدة رسول الله(ص). انتهي.

ثم واصل ابن حجر محاولته لترجيح هذا حديث خير القرون علي مايعارضه بكلام طويل، ومما قاله: (وأما حديث أبي جمعة فلم تتفق الرواة علي لفظه، فقد رواه بعضهم بلفظ الخيرية كما تقدم، ورواه بعضهم بلفظ: قلنا يا رسول الله هل من قوم أعظم منا أجراً.. الحديث...). انتهي.

وتلاحظ أنه أسقط حديث أبي جمعة عن الصلاحية لمعارضة حديث القرون لتفاوت ألفاظه، وهو يعرف أن ألفاظ حديث القرون متفاوتة ومتعارضة، وأن صيَغه تزيد علي العشرة، وقد تضمن بعضها شتماً لكل أجيال المسلمين الآتية! كالذي في فيض القدير:3/638: (خير الناس قرني الذين أنا فيهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، والآخرون أراذل)! انتهي. يقصد الذين من بعدهم!!

ثم ختم ابن حجر بقوله: (واستدل بهذا الحديث علي تعديل أهل القرون الثلاثة وإن تفاوتت منازلهم في الفضل، وهذا محمول علي الغالب والأكثرية)! انتهي.

وبذلك حصر أمر التفضيل علي العالمين في أبي بكر وعمر ومن تبعهما! وهو بيت قصيدهم، في هذه المسألة وغيرها!

قال المناوي في فيض القدير:2/233: (وأما خبر خير الناس قرني فخاص بقوم منهم، والمراد في قرني كالعشرة وأضرابهم، وأما سواهم فيجوز أن يساويهم أفاضل

أواخر هذه الأمة). انتهي.

فاتجاههم إلي تضييق المقصود بالحديث، ثابتٌ مستمر، حتي يصل الأمر إلي العشرة المبشرة، ثم يصل منهم إلي عمر وأبي بكر خاصة!

ردهم شهادات النبي في انحراف الصحابة بعده

يحمد الله الشوكاني علي أنه لم يبق إشكال علي حديث القرون (خير القرون قرني) وأنه ثبت به تفضيل أبي بكر وعمر، علي أهل القرون!

أما ابن حجر فتخيل أنه عثر علي علل في الأحاديث المعارضة لحديث القرون في سند بعضها، ونقاط ضعف في تفاوت ألفاظ بعضها!

ومن العجيب أن هؤلاء الباحثين يرجحون حديث القرون وهو حديث واحد لراويِيْن أو ثلاثة، علي أحاديث الحوض وهي عشرات الأحاديث الصحيحة الصريحة، المتعددة الطرق والرواة إلي حد التواتر، بل تراهم يذكرونها علي مضض كأنهم مجبرون! والسبب أنها نصَّتْ علي أن أكثر الصحابة في النار! وأنه لا ينجو منهم إلا مثل هَمَل النَّعَم، أي القلة الذين لاراعي لهم!

قال البخاري:7/208: (عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: (بيْنَا أنا قائمٌ فإذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلي النار والله! قلتُ: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلم! قلتُ: أين؟ قال: إلي النار والله! قلتُ: ما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم)!! انتهي.

وقد قتل شراح البخاري أنفسهم لإبعاد هذه الأحاديث عن الصحابة وإلصاقها بغيرهم، وقالوا إن النبي صلي الله عليه وآله يقصد الذين ارتدوا في اليمن ونجد!

لكن رواية البخاري التالية صرحت بأن هؤلاء المطرودين عن الحوض الصحابة لا البدو المرتدين! قال في:2/975: (عن ابن المسيب أن النبي(ص)قال: يَرِدُ عليًّ الحوضَ رجالٌ

من أصحابي فيحلؤون عنه، فأقول يارب أصحابي! فيقول: فإنه لاعلم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أعقابهم القهقري)!

(وروي شبيهاً به في: 8/86، وشبيهاً بالأول في:7/195 و207_210 وص84 و87 و:8/86 و87، ونحوه مسلم:1/150 و:7/66 وابن ماجة:2/1440 وأحمد:2/25 و408 و:3/28 و:5/21 و24 و50 و:6/16، والبيهقي في سننه:4/ 14، ونقل رواياته المتعددة في كنز العمال:13/157و:14/48 و:15/647 وقال رواه(مالك والشافعي حم م ن-عن أبي هريرة. وأورد ابن حجر في فتح الباري:11/333، قرابة عشرين حديثاً في الحوض والصحابة المطرودين عنه).

وفي مسلم:1/150، (عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص): ترد عليَّ أمتي الحوض وأنا أذود الناس عنه، قالوا يا نبي الله أتعرفنا؟ قال: نعم تردون عليَّ غراً محجلين من آثار الوضوء. ولَيُصَدَّ عني طائفةٌ منكم فلايصلون فأقول يارب هؤلاء من أصحابي! فيجيبني ملكٌ فيقول: وهل تدري ما أحدثوا بعدك؟!).

وفي مسلم:7/70: (عن أبي هريره أن النبي(ص) قال: لأذودن عن حوضي رجالاً كما تذاد الغريبة من الإبل). (ورواه أحمد:2/298، المسند الجامع تحقيق د. عواد:3/343 و:5/135 و18 /471، والبيهقي في البعث والنشور ص125 ومجمع الزوائد:10/665).

فهل يعقل من الذي أخبر بوحي رب العالمين عن مستقبل الصحابة الرهيب في جهنم، أن يقول عنهم إنهم خير القرون، وأفضل من جميع العالمين؟!

وهل يعقل من الذي لم يرض أن يسميهم إخواني صلي الله عليه وآله، لأنهم سينقلبون من بعده، أن يقول عنهم إنهم خير القرون! ففي صحيح مسلم:1/150: (وددت أنا قد رأينا إخواننا. قالوا: أولسنا إخوانك يا رسول الله؟ قال أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم يأتوا بعد. فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهريْ خيل دُهْم

بُهْم، ألا يعرف خيله؟ قالوا: بلي يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم علي الحوض، ألا ليذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال! أناديهم ألا هلمَّ، فيقال إنهم قد بدلوا بعدك! فأقول سحقاً سحقاً!). ورواه أحمد في مسنده:2/300 وص408، والبيهقي في سننه:1/83 و:4/78، وابن حبان:3/321، ومجمع الزوائد:10/66، وغيرهم بدون نقيصة، لكن رواه النسائي في سننه:1/93، وحذف آخره لأن فيه ذم الصحابة!

وهل يعقل أن يكون الصحابة خير أهل القرون، ثم يكون قطيعهم وأكثريتهم من أهل النار، ولاينجو منهم ولا يدخل الجنة إلا قلة قليلة، يكونون منفردين عن قطيعهم مثل (هَمَل النعم)كالأغنام المنفردة البعيدة عن القطيع!

قال ابن حجر في مقدمته ص197: (والخليفة راعي الصحابة بلا شك).انتهي. فمن هم الهمل الناجون، البعيدون عن قطيع الصحابة الذي راعياه أبو بكر وعمر؟!

الامام مالك يعض يديه ندما لروايته أحاديث الحوض

تحالف الحسنيون والعباسيون في جبهة واحدة للثورة علي الأمويين، وكانت القيادة للحسنيين، وما أن اشتعلت الثورة في خراسان بقيادة أبي مسلم الخراساني حتي بادر العباسيون في الكوفة إلي سرقتها وأقنعوه بالبيعة للسفاح فبايعوا له في الكوفة وأزاحوا الحسنيين، فغضب الحسنيون وسيطروا علي اليمن والحجاز والبصرة، وزحفوا في سبعين ألف مقاتل نحو الكوفة ووصلوا اليها وشارفوا علي النصر، وتهيأ أبو جعفر المنصور للهرب، لكن قائدهم إبراهيم بن عبدالله بن الحسن أصابه سهم طائش فقتل وتفرق جنده، فاستتب الأمر للعباسيين.

كان مالك بن أنس أفتي بالثورة مع الحسنيين! فعاقبه العباسيون بعد ذلك بالسجن والجلد، ثم استرضاهم فرضي عنه السفاح والمنصور.

وقد ساء المنصور أن يري المرجعية الفكرية للأمة متمركزة في الأئمة من ذرية الحسين عليه السلام فاتخذ قراراته غيظاً من كل أبناء علي عليه السلام بتغيير الخط الفكري لثورة العباسيين، وإعادة

الإعتبار للخلفاء القرشيين، بعد أن قامت الثورة الهاشمية علي البراءة منهم، ورفعت في مقابل الأمويين شعار: يالثارات الحسين عليه السلام، وفي مقابل قريش: الدعوة إلي الرضا من آل محمد، فقرر المنصور تأسيس مذهب في مقابلهم، وأمر مالك بن أنس أن يكتب له كتاباً موطأً ليلزم به المسلمين، وحصر الفتوي بمالك، ومنع أئمة أهل البيت عليهم السلام وفقهاء المدينة أن يفتوا مادام مالك موجوداً فصار قراره مثلاً: (لايفتين أحد ومالك في المدينة)، وقام باضطهاد الإمام جعفر الصادق عليه السلام وقتله.

وقد استغرق هذا العمل بضع عشرة سنة، كتب مالك كتابه الموطأ في أولها،

وتبنته السلطة ونشرته، وبعد نشره أصدر المنصور أمراً للمحدثين والفقهاء والولاة أن لايرووا شيئاً في فضائل علي عليه السلام، ولا طعناً بأبي بكر وعمر، وأن يفضلوهما علي علي عليه السلام! ثم أمر بمدح أبي بكر وعمر في خطبة الجمعة وقال: (والله لأرغمن أنفي وأنوفهم، وأرفع عليهم بني تيم وعدي). (منهاج الكرامة ص69).

لكن الموطأ كان قد انتشر وفيه أحاديث الحوض وما أدراك ما أحاديث الحوض! فكان مالك يعض أصابعه ندماً علي وجودها فيه!

قال الحافظ ابن الصديق المغربي في فتح الملك العلي ص151: (وخرج مالك والبخاري ومسلم حديث الحوض، الذي حكي عن مالك أنه قال: ما ندمت علي حديث أدخلته في الموطأ إلا هذا الحديث (الموطأ: 1/40 ط مصر1369)!

وعن الشافعي أنه قال: ما علمنا في كتاب مالك حديثاً فيه إزراء علي الصحابة إلا حديث الحوض ووددنا انه لم يذكره). انتهي.

هذا واقع الصحابة في النص الصحيح عندهم! لكن السلطة القرشية تريد إخفاءه ورفع الصحابة في مقابل عترة النبي صلي الله عليه وآله وكأنهم ليسوا صحابة! وكأن النبي صلي الله عليه وآله لم

يقل فيهم: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي)!

علي أنهم ليسوا حريصين علي مدح جميع الصحابة، بل يريدون مدحاً مجملاً مبهماً للصحابة، يمكنهم تفسيره بأبي بكر وعمر ومن تبعهما فقط، من بين مئة ألف صحابي رأوا النبي صلي الله عليه وآله!

وحديث: خير الناس قرني، برأيهم حديث جميل يصلح لهذه الوظيفة!

علي أنا لو سلمنا صحة هذا الحديث وقلنا إن النبي صلي الله عليه وآله قال عن مسلمي عصره إنهم خير البشر! فهل ينفع هذا المدح المجمل في إثبات عدالة أبي بكر وعمر، أوإثبات عصمتهما؟ فقد يكون سبب الخير وجود العترة النبوية فيهم عليهم السلام كما تقول خير العصور عصر رسول الله بسبب وجوده الشريف صلي الله عليه وآله ووجود أهل بيته الأطهار عليهم السلام الذين هم معدن الخير، وبهم كانت الأمة خير أمة أخرجت للناس!

لكن القوم لا يريدونهم، ولا يريدون عدالة الصحابة، وإنما اتخذوا حديث خير القرون جسراً لإثبات عصمة عمر وأبي بكر! فهي بيت قصيدهم!

بل، حتي لو قلنا إن سبب هذه الخيرية والأفضلية وجود خمس مئة من الصحابة الأبرار، فلا ينفعهم ذلك، إذا لم يوجد نصَّ يُعينهم، ومقياسَ يُميزهم، فتكون القضية بالنسبة إلي غير أهل البيت عليهم السلام المخصوصين بالمدح النبوي، من نوع الشبهة المحصورة والأواني المشتبهة بين الحلال والحرام، أو الطاهر والنجس، وفتوي مذاهبهم فيها وجوب اجتنابها جميعاً إلا ما ثبتت طهارته!

قرنوا الصحابة بالنبي في الصلاة عليه من أجل عمر

اتفقت مصادرهم علي أن المسلمين سألوا النبي صلي الله عليه وآله كيف نصلي عليك؟ فأمرهم بالصلاة عليه وآله معاً، وعلمهم صيغتها! وهذا نصها من البخاري:

(قِيلَ يَارَسُولَ اللهِ أَمَّا السَّلامُ عَلَيْكَ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي آلِ

مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَي آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَي آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ).(راجع أيضاً: الأحاديث: 3369، 3370، 6357، 6358، 4798، 6360).

فهو نصٌّ صريح في أن الله تعالي لايقبل الصلاة علي نبيه إلا مقرونة بآله صلي الله عليه وآله. وهوصيغة توقيفية يجب اتباعها في الصلاة وغير الصلاة، لأن السؤال مطلق: فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ فعلمهم، ولم يسألوه كيف نصلي عليك في صلاتنا؟ حتي يتفلسف متفلسف فيقول نحن نتقيد بهذه الصيغة في الصلاة، ونحذف منها ونزيد عليها في غير الصلاة!

من الذي حذف الصلاة علي آل النبي؟! ومن أين جاء قولهم، أو عليه وآله صحبه و سلم؟

اعترف الحافظ الحنبلي ابن حجر بأن العلماء والرواة ارتكبوا تحريف أحاديث النبي صلي الله عليه وآله وحذفوا منها الصلاة علي آل النبي(تقيةً)من حكام بني أمية وجنودهم!

قال في سبل السلام بشرح الكحلاني:1/192: (ودعوي النووي وغيره الإجماع علي أن الصلاة علي الآل مندوبة، غير مسلَّمة! بل نقول: الصلاة عليه(ص)لاتتم ولا يكون العبد ممتثلاً بها حتي يأتي بهذا اللفظ النبوي الذي فيه ذكر الآل، لأنه قال السائل: كيف نصلي عليك؟فأجابه بالكيفية أنها الصلاة عليه وعلي آله، فمن لم يأت بالآل فما صلي عليه بالكيفية التي أمر بها، فلا يكون ممتثلاً للأمر، فلا يكون مصلياً عليه(ص). وكذلك بقية الحديث من قوله: كما صليت إلي آخره، يجب، إذ هو من الكيفية المأمور بها، ومن فرق بين ألفاظ هذه الكيفية بإيجاب بعضها وندب بعضها، فلا دليل له علي ذلك.

وأما استدلال المهدي في البحر علي أن الصلاة علي الآل سنة، بالقياس علي الأذان، فإنهم لم يذكروا معه (ص) فيه، فكلامٌ باطل، فإنه كما قيل لا قياس مع النص، لأنه لا يذكر الآل في تشهد الأذان لا ندباً ولا وجوباً، ولأنه

ليس في الأذان دعاء له (ص) بل شهادة بأنه رسول الله، والآل لم يأت تعبدٌ بالشهادة بأنهم آله. ومن هنا تعلم أن حذف لفظ الآل من الصلاة كما يقع في كتب الحديث، ليس علي ما ينبغي! وكنت سئلت عنه قديماً فأجبت إنه قد صح عند أهل الحديث بلا ريب كيفية الصلاة علي النبي(ص)وهم رواتها، وكأنهم حذفوها خطأ تقيةً لمَّا كان في الدولة الأموية من يكره ذكرهم، ثم استمر عليه عمل الناس متابعةً من الآخر للأول فلا وجه له. وبسطت هذا الجواب في حواشئ شرح العمدة بسطاً شافياً). انتهي.

ولم يسبق بني أمية إلا عبدالله بن الزبير، الذي كان في خلافته يصلي الجمعة فلا يذكر النبي صلي الله عليه وآله أصلاً! وإذا ذكره لايصلي عليه صلي الله عليه وآله!فسئل عن ذلك فقال:(إن هذا الحيَّ من بني هاشم إذا سمعوا ذكره أشرأبَّت أعناقهم، وأبغض الأشياء إليه ما يسرهم! لايمنعني ذكره إلا أن تشمخ رجال بآنافها! وفي رواية أنه قال مرةَ: إن له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره)!. (راجع الصحيح من السيرة: 2/153، عن العقد الفريد:4/413 ط دار الكتاب العربي، وشرح النهج:20/127، وأنساب الأشراف:4/ 28 وقاموس الرجال: 5/452، ومقاتل الطالبيين ص474).

من الذي وضع الصلاة علي الصحابة بدل الآل أو معها؟

الذين حذفوا الآل من الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله هم الذين وضعوا صحابته بدلهم! فهل عندهم حديث جوَّز لهم قَرْنَ الصحابة بالنبي صلي الله عليه وآله في الصلاة عليه، سواء في صلاة الفريضة أو خارجها؟ أم هو استدراكٌ علي النبي صلي الله عليه وآله وبدعة! وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟!

قال الحافظ الصديق المغربي في رسالته (القول المقنع في الرد علي الألباني المبتدع) طبع طنجة بالمغرب 1986، ص12:(وننبه هنا علي خطأ

وقع من جماهير المسلمين، قلد فيه بعضهم بعضاً ولم يتفطن له إلا الشيعة، ذلك أن الناس حين يصلون علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم يذكرون معه أصحابه مع أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم حين سأله الصحابة فقالوا: كيف نصلي عليك؟ أجابهم بقوله: قولوا اللهم صل علي محمد وآل محمد. وفي رواية: اللهم صل علي محمد وأزواجه وذريته، ولم يأت في شئ من طرق الحديث ذكر أصحابه مع كثرة الطرق وبلوغها حد التواتر.

فذكرُ الصحابة في الصلاة علي النبي صلي الله عليه وآله وسلم زيادةٌ علي ما علمه الشارع، واستدراكٌ عليه، وهو لا يجوز.

وأيضاً فإن الصلاة حقٌّ للنبي ولآله صلي الله عليه وآله وسلم، ولا دخلَ للصحابة فيها، لكن يترضي عنهم). انتهي. وهو كلام قويٌّ من عالم سني منصف.

وقد رد الألباني عليه في مقدمة كتابه: سلسلة الأحاديث الضعيفة:3/ 8، رداً مطولاً جداً، ومما قاله: (قلت: ليس في هذا الكلام من الحق إلا قولك الأخير: إنه لاتجوز الزيادة علي ما علمه الشارع..إلخ، فهذا حق نقول به ونلتزمه ما استطعنا إلي ذلك سبيلا. ولكن ما بالك أنت وأخوك خالفتم ذلك، واستحببتم زيادة كلمة (سيدنا) في الصلاة عليه صلي الله عليه وآله وسلم، ولم ترد في شئ من طرق الحديث؟! أليس في ذلك استدراك صريح عليه صلي الله عليه وآله وسلم، يامن يدعي تعظيمه بالتقدم بين يديه؟! أما سائر كلامك فباطل لوجوه:

الأول: أنك أثنيت علي الشيعة بالفطنة ونزهتهم عن البدعة، وهم فيها من الغارقين الهالكين. واتهمت أهل السنة بها وبالبلادة والغباوة، وهم والحمد لله مبرؤون منها، فحسبك قوله (ص)في أمثالك: إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم. رواه مسلم.....

وتابع الألباني قائلاً: (هذا

العموم المزعوم، أنت أول مخالف له! لأنه يستلزم الصلاة عليه(ص)بهذه الصلوات الابراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خطبة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي(ص)! ولا علمنا أحداً من السلف فعل ذلك والخير كله في الإتباع (!).

والسر في ذلك أن هذا العموم المدعي إنما هو خاص بالتشهد في الصلاة كما أفادته بعض الأحاديث الصحيحة، ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري:11/154، الطبعة السلفية فليراجعه من شاء، والإمام الشافعي في رسالته علي ما ذكره الحافظ السخاوي في القول البديع، والرافعي، والشيرازي، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن حجر، وغيرهم كثير وكثير جداً، لا يمكن حصرهم، ما زال كل واحد منهم يصلي علي النبي(ص)في خطبة كتبه ويصلي علي أصحابه معه، كما أفعل أنا أحياناً اقتداءً بهم، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في تفسيره الإجماع علي جوازه (!)، ومع ذلك كله رميتني بسبب ذلك بدائك وبَدَّعتني! أفهؤلاء الأئمة مبتدعةٌ عندك ويحك! أم أنت تزن بميزانين وتكيل بكيلين؟!).

ثم قال الألباني: (وهو يعلم أن النبي(ص)كان يصلي علي أصحابه بمناسبات مختلفة، ومن ذلك حديث: كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صل عليهم فأتاه أبو أوفي بصدقته فقال: اللهم صل علي آل أبي أوفي. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في الإرواء،853، وغيره.....ولا دليل علي أن ذلك من خصوصياته (ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض رسولك. رواه ابن أبي شيبة في المصنف:10/414، وسنده صحيح علي شرط الشيخين. وبعد هذا كله فإني أرجو أن يكون ظهر للقراء جميعاً من هو المبتدع!). انتهي.

هذا لبُّ

ماذكره الألباني من كلامه الطويل الذي لم يأت فيه بدليل علي جواز قرن الصحابة بالنبي في الصلاة عليه صلي الله عليه وآله، وغاية ما ذكره ثلاثة أدلة:

الأول: قوله:(والسر في ذلك أن هذا العموم المدعي إنما هو خاص بالتشهد في الصلاة، كما أفادته بعض الأحاديث الصحيحة، ونبه عليه الإمام البيهقي، فيما ذكره الحافظ في فتح الباري..الخ). انتهي.

وقصده أنه لاعموم لصيغة الصلاة التي علمها النبي صلي الله عليه وآله للمسلمين للصلاة عليه في كل حال، بل هو تعليم نبوي خاص بتشهد الصلاة، ففي غير الصلاة يجوز لك أن تحذف الصلاة علي الآل، وتضع مكانهم الصحابة، ولا حرج!

لكن ما هو دليل الألباني علي تخصيصها بتشهد الصلاة، وحديثها في البخاري وغيره عامٌّ مطلقٌ ليس فيه حصرٌ في التشهد، قالوا: (فَكَيْفَ الصَّلاةُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَي مُحَمَّدٍ وَعَلَي آلِ مُحَمَّدٍ...)؟!

يقول الألباني أن دليله علي تخصيصها: (أفادته بعض الأحاديث الصحيحة، ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري). انتهي.

فقد ادعي وجود أحاديث صحيحة تحصر صيغة الصلاة النبوية التعليمية للمسلمين في تشهد الصلاة، فأين هي هذه الأحاديث الصحيحة؟!

الجواب: لاتوجد أحاديث لاصحيحة ولاضعيفة! وإلا لأتي بها الألباني في رده الطويل الذي أخذ أكثر من عشر صفحات، وهو متخصص في الحديث! لكنه

كما يبدو يستحل الكذب للدفاع عن الصحابة!

ثم قال الألباني:(ونبه عليه الإمام البيهقي فيما ذكره الحافظ في فتح الباري...)

يقصد أن هؤلاء العلماء الذين ليس فيهم واحد قبل القرن السادس! نبهوا علي تخصيص صيغة الصلاة التعليمية النبوية بالتشهد دون غيره!

ويبدو أنها كذبة أخري! ولو صدقناه لقلنا لهؤلاء: ما هو دليلكم علي التخصيص؟ وهل هو الأحاديث الصحيحة التي وعد بها الألباني!!

الدليل

الثاني: قال الألباني: (وهو يعلم أن النبي(ص)كان يصلي علي أصحابه بمناسبات مختلفة، ومن ذلك حديث: كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: اللهم صلِّ عليهم، فأتاه أبو أوفي بصدقته فقال: اللهم صل علي آل أبي أوفي. رواه الشيخان وغيرهما، وهو مخرج في الإرواء،853، وغيره....). انتهي.

والجواب: إن هذا تدليس في الإستدلال مع الأسف! لأن موضوعنا كيف يجب أن نصلي نحن علي النبي صلي الله عليه وآله؟فكيف يستدل عليه بصلاة النبي صلي الله عليه وآله علي المسلمين؟! فالنبي صلي الله عليه وآله يعرف تكليفه كيف يصلي علينا وعلي غيرنا، وقد بين لنا تكليفنا نحن كيف نصلي عليه، وحدده بصيغة تعليمية توقيفية صحيحة.

فهل يجوز لنا أن نقول له: كلا، نريد أن نصلي عليك كما نحب، ونضم في الصلاة عليك من نحب، ونحذف منها لا نحب! لأنك أنت تفعل ذلك؟!

الدليل الثالث: قال الألباني: (ولا دليل علي أن ذلك من خصوصياته(ص) بل قد صح عن ابن عمر أنه كان يقول في الجنازة: اللهم بارك فيه وصل عليه واغفر له وأورده حوض رسولك. رواه ابن أبي شيبة في المصنف:10/414، وسنده صحيح علي شرط الشيخين). انتهي.

يقول الألباني بذلك لقد ثبت بأثر صحيح عن ابن عمر أنه قال لميت (اللهم بارك فيه وصل عليه) فالصلاة علي المسلمين ليست من مختصات النبي صلي الله عليه وآله، بل يجوز لأي مسلم أن يقول لمسلم آخر (اللهم صل عليه)، ونحن نقول: اللهم صل علي الصحابة، فما المانع؟

والجواب: أن الألباني يعرف أن المسألة ليست جواز الصلاة علي مسلم بقولنا: (اللهم صل عليه)، بل هي قَرْنُ الصحابةبالنبي صلي الله عليه وآله، وهل يجوز أن نتعدي تعليمه بالصلاة عليه، ونحذف آله من صلاتنا عليه، ونضع

بدلهم الصحابة؟!

فانظر كيف غيَّر الموضوع أيضاً، وشطَّ عنه بعيداً، وكذلك يفعلون!

قرنهم الصحابة بالنبي صلي الله عليه وآله معضلة لاحل لها!

إن حذف أتباع الخلافة لآل النبي من الصلاة عليه صلي الله عليه وآله، ووضعهم الصحابة بدلهم أو معهم وقرنهم بالنبي صلي الله عليه وآله، معضلةٌ لم ولن يستطيعوا حلها! بل هي ست معضلات فقهية كاملة:

1- هل يجوز الصلاة علي غير النبي صلي الله عليه وآله، ومن أمر النبي بالصلاة عليه؟

2- هل يوجد دليل يخصص صيغة الصلاة النبوية بتشهد الصلاة؟

3- هل يجوز حدف آل النبي صلي الله عليه وآله من الصلاة عليه؟

4- هل يجوز وضع الصحابة مكانهم وقرنهم بالنبي صلي الله عليه وآله؟

5- هل يجوز أن ننوي بصلاتنا علي آل النبي صلي الله عليه وآله جميع ذريته من فاطمة وعلي عليهما السلام وكل ذرية بني هاشم إلي يوم القيامة، ونقرنهم بالنبي صلي الله عليه وآله وفيهم من ثبت أنهم أعداء لله ورسوله، وفيهم اليوم نصاري وملحدون وقتلة وأشرار؟!

فهل يمكن أن يأمرنا الله تعالي أن نصلي علي هؤلاء الكفار والفجار ونقرنهم بسيد المرسلين صلي الله عليه وآله؟! وهل يجب عليهم أن يقولوا (وآله المؤمنين)؟!

6- إذا حلينا أصل مشكلة ضم الصحابة وقرنهم بالصلاة مع النبي صلي الله عليه وآله فهل يجوز لنا أن نعمم الصلاة عليهم جميعاً بدون تخصيص أو تقييد، لأنا بقولنا (وعلي أصحابه أجمعين)نقرن أكثر من مئة ألف شخص بالنبي صلي الله عليه وآله وهؤلاء فيهم من شاركوا في محاولة اغتيال النبي صلي الله عليه وآله ليلة العقبة، وفيهم من ثبت نفاقهم بنص القرآن ونص النبي صلي الله عليه وآله، وفيهم جماعة شهد النبي صلي الله عليه

وآله بأنهم لن يروه بعد وفاته، وأنهم سوف ينقلبون من بعده، ويمنعون من ورود حوضه يوم القيامة ويؤمر بهم إلي النار! فهل يجب التخلص من هذا الإشكال بأن نقول: (عليه وعلي أصحابه المؤمنين، أو المرضيين)؟!

لقد أوقعوا أنفسهم في كل هذه المشكلات، لأنهم استدركوا علي النبي صلي الله عليه وآله ولم يتَّبعوا! أما نحن فلا مشكلة عندنا، لأنا لانستحل أن نقرن بنبينا في الصلاة عليه صلي الله عليه وآله إلا آله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام الذين أمرنا بقرنهم به، وهم عندنا مصطلح نبوي خاص حدده النبي صلي الله عليه وآله بعلي، وفاطمة، والحسن، والحسين، وتسعة من ذرية الحسين، آخرهم المهدي، صلوات الله عليهم.

عصموا البخاري من أجل عصمة عمر

صحيح البخاري كتابٌ في الحديث، ألفه محمد بن إسماعيل بن برد زبه، المعروف بالبخاري الخرتنكي، نسبة إلي بلده بخاري في شرق إيران، وخرتنك قرية قرب بخاري فيها مولده وقبره، وقد ولد سنة196وتوفي سنة256.

وكانت كتب الحديث قبله بالمئات، وبعده بالألوف، لكن المتوكل العباسي تنبي كتابه بتوثيق أحمد بن حنبل، وأعرض عن كتاب الموطأ الذي ألفه مالك بن أنس لجد جده المنصور! فقد ولد مالك سنة93 وتوفي سنة179. (مقدمة كتاب الموطأ والأعلام:5/257).

قال ابن فرحون في الديباج المذهب ص25: (باب في ذكر الموطأ وتأليفه إياه: روي أبو مصعب أن أبا جعفر المنصور قال لمالك: ضع للناس كتابا أحملهم عليه فكلمه مالك في ذلك فقال: ضعه فما أحد اليوم أعلم منك، فوضع الموطأ فلم يفرغ منه حتي مات أبو جعفر، وفي رواية أن المنصور قال له: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودون كتابا وجنب فيه شدائد عبد الله بن عمر ورخص عبد الله بن عباس وشواذ ابن مسعود، واقصد أواسط

الأمور وما أجمع عليه الصحابة والأئمة وفي رواية أنه قال له: إجعل هذا العلم علما واحد، فقال له: إن أصحاب رسول الله(ص)تفرقوا في البلاد فأفتي كل في مصره بما رأي فلأهل المدينة قول، ولأهل العراق قول تعدوا فيه طورهم. فقال: أما أهل العراق فلست أقبل منهم صرفا ولا عدلا، وانما العلم علم أهل المدينة فضع للناس العلم.

وفي رواية عن مالك فقلت له: إن أهل العراق لا يرضون علمنا، فقال أبو جعفر: نضرب عليه عامتهم بالسيف ونقطع عليه ظهورهم بالسياط!

وروي أن المهدي قال له: ضع كتابا أحمل الأمة عليه، فقال له مالك: أما هذا الصقع فقد كفيته يعني المغرب، وأما الشام ففيه الأوزاعي، وأما أهل العراق ففيهم أهل العراق، قال عتيق الزبيدي: وضع مالك الموطأ علي نحو من عشرة آلالف حديث، فلم يزل ينظر فيه كل سنة ويسقط منه حتي بقي هذا، ولو بقي قليلا لأسقطه كله). انتهي.

وبقي الموطأ المرجع الرسمي للدولة وعلمائها، وكان أئمة المذاهب يمدحونه بأنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالي، حتي تركه المتوكل واستعاض عنه بمسودة كتاب البخاري فصار أصح كتاب بعد كتاب الله تعالي!

قال ابن عبد البر في التمهيد:1/79: (سمعت الشافعي يقول: ما رأيت كتاباً الف في العلم أكثر صواباً من موطأ مالك).

وقال الذهبي سير أعلام النبلاء:9/205: (قال بندار: سمعت عبد الرحمن يقول: ما نعرف كتابا في الإسلام بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك).

وقال السيد الميلاني في الأحاديث المقلوبة في مناقب الصحابة ص38:

(ولما أراد الرشيد الشخوص إلي العراق قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي فإني عزمت أن أحمل الناس علي الموطأ كما حمل عثمان الناس علي القرآن! (مفتاح السعادة: 2 /687). ثم أراد

هارون أن يعلق الموطأ علي الكعبة! (7 كشف الظنون: 2/1908). ونادي منادي الحكومة: ألا لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس) (وفيات الأعيان 3/284، مفتاح السعادة:2/87، مرآة الجنان:1/375.)

أما المتوكل الذي فقد كان صاحب مشروع جديد في التجسيم والنصب، يختلف عن مشروع أجداده، فقد أسس ميليشا (أصحاب الحديث) واختار لهم إماماً هو أحمد بن حنبل، ودعاه إلي سامراء وأكرمه وعقد له مجالس، وكان لايعين قاضي القضاة إلا بموافقته، ففي تاريخ بغداد 3/147: (أمر المتوكل بمسائلة أحمد بن حنبل عمن يتقلد القضاء).

وفي تاريخ بغداد:2/426: (بعث المتوكل إلي أحمد بن حنبل يسأله عن ابن الثلجي ويحيي بن أكتم في ولاية القضاء، فقال أما بن الثلجي فلا). انتهي.

وكان البخاري علي صلة دائمة بأحمد، وقد ألف كتابه بتوجيهه، وعرضه عليه فارتضاه، ففي مقدمة فتح الباري ص491: (لما صنف البخاري كتاب الصحيح عرض مسودته علي ابن المديني وأحمد بن حنبل ويحيي بن معين وغيرهم فاستحسنوه، وشهدوا له بالصحة إلا أربعة أحاديث. قال العقيلي: والقول فيها قول البخاري وهي صحيحة). انتهي.

وطلب ابن حنبل من البخاري أن يسكن في بغداد فاعتذر له، لكنه ندم بعد ذلك! ففي تاريخ بغداد:2/22: (سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: دخلت بغداد آخر ثمان مرات، كل ذلك أجالس أحمد بن حنبل فقال لي في آخر ما ودعته: يا أبا عبد الله تترك العلم والناس وتصير إلي خراسان؟! قال أبو عبد الله: فأنا الآن أذكر قوله). انتهي.

مات البخاري قبل أن يكمل كتابه، فأكمله جماعة المتوكل

وقد اعترف بذلك ابن حجر في مقدمة الفتح ص6، قال: (حدثنا الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم،

وأشياء مبيضة منها تراجم(عناوين)لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها أحاديث(أي عناوين أحاديث) لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلي بعض!

قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل علي صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشمهيني ورواية أبي زيد المروزي، مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصل واحد! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة، أنه من موضع ما، فأضافه إليه! ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين(عنوانين)وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث). انتهي.

ومع ذلك فقد تبنته السلطة وألزمت به الطلبة والناس، وأنستهم موطأ مالك!

السر في تبنيهم كتاب البخاري

كتاب البخاري واحدٌ من مئات الكتب المشابهة التي ألفت قبله، وألوف الكتب التي ألفت بعده، وليس فيه سر سوي أنه مفصل علي مزاج المتوكل! فمن أراد أن يعرف البخاري فليعرف المتوكل، في نصبه لأهل البيت عليهم السلام كلهم وكرهه لعلي عليه السلام خاصة، وقتله أئمة أهل البيت عليهم السلام واضطهاده لشيعتهم، ومنعه الناس من زيارة قبر الحسين عليه السلام ثم هدمه القبر الشريف! (راجع كتابنا: جواهر التاريخ).

يوازي ذلك تقديسه لأبي بكر وعمر إلي حد العصمة! وقد رأيت أن أهم أحاديث عصمة عمر رواها البخاري، ومنها: (والذي نفسي بيده مالقيك الشيطان قط سالكاً فجَّاً إلا سلك فجاً غير فجِّك). (البخاري:4/96, و199 و:7/93)!

هل أن تبني البخاري عمل علمي أم ضد العلم؟

يسأل بعضهم: لماذا لا يقوم مجموعة من العلماء المشهورين بجمع الأحاديث الصحيحة في مدرسة أهل البيت ويصححونها، وتخرج في كتب ونقول للعامة هذا صحيحنا وبه حاجونا؟

وقد أجبنا عليه: بأن هذا سؤال يسأله أهل البساطة العلمية، فإن من مشاكل المذاهب السنية أنها أقفلت علي نفسها باب الإجتهاد في الحديث، واعتمدت علي اجتهاد البخاري قبل ألف ومئتي سنة، وفرضته علي الناس في كل العصور!

أما نحن، فمنهجنا علمي منطقي، نعتبر كل ما روي عن النبي وآله صلوات الله عليهم، مواديجب أن تخضع للبحث العلمي، والإجتهاد فيها مفتوح في كل العصور، والذي يصحح ويضعف هو المرجع بالنسبة إلي مقلديه وأهل الإختصاص الموثوق بهم. فأي النهجين أصح؟

وهل إذا قام عالم في عصرنا فألف كتاباً جمع فيه الصحيح برأيه، يجب عليك وعلي كل الناس تقليده، وعلي الأجيال الآتية؟!

كلا، فتصحيحه حجةٌ علي نفسه وعلي من يقلده فقط، ولا بد أن يكون في المسلمين في كل عصر مجتهدون وخبراء، يبحثون كل الثروة العلمية التي رويت عن

النبي صلي الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام، ويجتهدون في التصحيح والتضعيف، ويفتون المسلمين بنتيجة آرائهم فيقلدهم المسلمون بصفتهم أهل خبرة في الشريعة وأحاديث السنة الشريفة.

وبذلك فقط نضمن براءة ذمة المسلمين، وعدم جمودهم علي تصحيح عالم من مئات السنين، لم يطلع علي ما اطلع عليه العلماء المتأخرون.

نظرية إلجام العوام بيد السلطة و رجال الدين

قال التفتازاني في شرح المقاصد:5/310: (فإن قيل: فمن علماء المذهب من لايجوِّز اللعن علي يزيد، مع علمهم بأنه يستحق ما يربو علي ذلك ويزيد. قلنا: تحامياً علي أن يرتقي إلي الأعلي فالأعلي، كما هو شعار الروافض، علي ما يروي في أدعيتهم، ويجري في أنديتهم، فرأي المعتنون بأمر الدين إلجام العوام بالكلية، طريقاً إلي الإقتصاد في الإعتقاد). انتهي.

فقد ألجموهم علي حد تعبير التفتازاني عن الكلام علي يزيد! لكنهم لم يقفوا في شد لجامهم عند قصور بني أمية فقط، بل عن أمور كثيرة، نذكر منها هنا:

الجام العوام عن قبول شهادة الصحابة بحق أنفسهم

فقد شهد أهل بدر وبيعة الرضوان بأن رضا الله تعالي عنهم ليس مطلقاً، بل هو مشروطٌ بشروط، منها أن لا يحدثوا بعد النبي صلي الله عليه وآله وينحرفوا! فقد روي البخاري:5/66، عن المسيب أنه قال للبراء بن عازب: (طوبي لك، صحبت النبي(ص)وبايعته تحت الشجرة. فقال:يا ابن أخي إنك لا تدري ما أحدثنا بعده)!

لكنهم لم يقبلوا هذه الشهادة، وقالوا لهم: كلا، إن رضا الله عنكم مطلق وشامل، وأنتم من أهل الجنة، فاعملوا ماشئتم!!

الجام العوام عن قبول إقرار بعض الصحابة بالمعصية

ففي مسند أبي يعلي:9/176: (عن عبدالله بن مسعود أنه تعمد الكذب من أجل أن يأخذ ناقة! قال: ماكذبت مذ أسلمت إلا كذبة! كنت أرحل رسول الله(ص) فأتي رجل من الطائف فقال: أي راحلة أعجب إلي رسول الله(ص)فقلت الطائفية المنكبة، قال ورسول الله (ص)يكرهها! قال: فلما رحَّلها فأتي بها قال: من رحَّل لنا هذه؟ قالوا رحَّل لك الذي أتيت به من الطائف، قال: ردوا الراحلة إلي ابن مسعود). (ورواه ابن أبي الدنيا في آداب اللسان/253، والطبراني في المعجم الكبير:10/174، وأبو نعيم الأصفهاني في مسند أبي حنيفة/235و 258، وابن عساكر في تاريخ دمشق:24/311)

الجام العوام عن قبول شهادة النبي لقاتل عمار بالنار

فقد رووا بأسانيد صحيحة أن النبي صلي الله عليه وآله قال لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية، وقال: قاتل عمار وسالبه في النار! وقد قتله في صفين(الصحابي)أبو الغادية يسار بن سبع، وهو ممن بايع بيعة الشجرة أوالرضوان! ففي مجمع الزوائد:9/297: عن النبي صلي الله عليه وآله (قاتل عمار وسالبه في النار. رواه الطبراني...ورجاله رجال الصحيح).

وفي مستدرك الحاكم:3/387: (أن رجلين أتيا عمرو بن العاص يختصمان في دم عمار بن ياسر وسلبه، فقال عمرو خلِّيا عنه، فإني سمعت رسول الله(ص)يقول: اللهم أولعت قريش بعمار، إن قاتل عمار وسالبه في النار). انتهي.

وفي طبقات ابن سعد:3/260، عن كلثوم بن جبر قال:(كنت بواسط القصب، عند عبد الأعلي بن عبدالله بن عامر، فقلت الإذنَ هذا أبو غادية الجهني، فقال عبد الأعلي: أدخلوه، فدخل عليه مقطعات له، فإذا رجل طوال ضرب من الرجال كأنه ليس من هذه الأمة، فلما أن قعد قال بايعت رسول الله (ص)يوم العقبة فقال:يا أيها الناس ألا إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم إلي أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم

هذا، ألا هل بلغت؟ فقلنا: نعم، فقال: اللهم اشهد، ثم قال ألا لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض!

قال: ثم أتبع ذا فقال: إنا كنا نعد عمار بن ياسر فينا حناناً، فبينا أنا في مسجد قباء إذ هو يقول ألا إن نعثلاً هذا لعثمان، فألتفتُّ فلو أجد عليه أعواناً لوطأته حتي أقتله، قال: قلت اللهم إنك إن تشأ تمكني من عمار، فلما كان يوم صفين أقبل يستن أول الكتيبة رجلاً، حتي إذا كان بين الصفين فأبصر رجل عورة فطعنه في ركبته بالرمح، فعثر فانكشف المغفر عنه فضربته، فإذا رأس عمار ندر!

قال: فلم أر رجلاً أبين ضلالةً عندي منه! إنه سمع من النبي عليه السلام ما سمع ثم قتل عماراً!!

قال: واستسقي أبو غادية فأتي بماء في زجاج فأبي أن يشرب فيها، فأتي بماء في قدح فشرب، فقال رجل علي رأس الأمير قائم بالنبطية: أوي يد كفتا! يتورع عن الشراب في زجاج(إناء مفضض)، ولم يتورع عن قتل عمار)!! (قال عنه في مجمع الزوائد:7/243، رجاله رجال الصحيح).

وفي تاريخ دمشق:43/476: (وقال عليٌّ حين قتل عمار:إن امرءأً من المسلمين لم يَعْظُمْ عليه قتل ابن ياسر ويدخلْ عليه المصيبة الموجعة، لغير رشيد! رحم الله عماراً يوم أسلم، ورحم الله عماراً يوم قتل، ورحم الله عماراً يوم يبعث حياً، لقد رأيت عماراً وما يذكر من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله أربعة إلا كان رابعاً، ولا خمسة إلا كان خامساً، وما كان أحد من قدماء أصحاب رسول الله صلي الله عليه وآله يشك أن عماراً قد وجبت له الجنة في غير موطن، ولا اثنين، فهنيئاً لعمار بالجنة). انتهي.

ابن حنبل يقول: صحابي في النار

تقدم حديث(قاتل عمار وسالبه في النار)، وأن

رجاله رجال الصحيح، وفي مقابله تجد في مسند أحمد:4/76 عنواناً: (بقيه حديث أبي الغادية رضي الله تعالي عنه)!!

لكن أحمد احتاط فرجح أن يروي عنه ولا يسمي! (العلل لأحمد:2/602)

أما ابن حبان فعدَّه في الثقات! (3/381 ونحوه في:3/448). لكن الذهبي تعجب في ميزان الإعتدال:1/488، فقال: (عن أبي الغادية: سمعت رسول الله(ص)يقول: قاتل عمار في النار. وهذا شئ عجيب، فإن عماراً قتله أبو الغادية)! انتهي.

ونحوه في لسان الميزان لابن حجر:2/204.

ونقل عنه في تعجيل المنفعةص509 أنه كان يتبجح بقتله عماراً، قال: (كان إذا استأذن علي معاوية وغيره يقول قاتل عمار بالباب، يتبجح)!!

أما ابن تيمية فحاول أن يشكك في قتله لعمار، قال في منهاجه:7/56: (وذكر ابن حزم أن عمار بن ياسر قتله أبو الغادية، وأن أبا الغادية هذا من السابقين ممن بايع تحت الشجرة، وأولئك جميعهم قد ثبت في الصحيحين أنه لا يدخل النار منهم أحد! ففي صحيح مسلم وغيره عن جابر عن النبي(ص)أنه قال: لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة)!!

لكنه شهد في نفس منهاجه:6/204، بأنه قاتل عمار، لكن شكك في أنه من أهل بيعة الرضوان! قال: (بل نشهد أن العشرة في الجنة، وأن أهل بيعة الرضوان في الجنة، وأن أهل بدر في الجنة، كما ثبت الخبر بذلك عن الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحي. وقد دخل في الفتنة خلق من هؤلاء المشهود لهم بالجنة، والذي قتل عمار بن ياسر هو أبو الغادية وقد قيل إنه من أهل بيعة الرضوان ذكر ذلك ابن حزم، فنحن نشهد لعمار بالجنة، ولقاتله إن كان من أهل بيعة الرضوان بالجنة)!! راجع أيضاً:6/334!

ثم عاد في كتابه رأس الحسين عليه السلام ص204 وشكك

في قتله لعثمان، قال: ولهذا كان الكلام في السابقين الأولين ومن شُهد له بالجنة، كعثمان وعلي وطلحة والزبير ونحوهم: له حكم آخر، بل ومن هو دون هؤلاء، مثل أكابر أهل الحديبية الذين بايعوا تحت الشجرة. وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقد ثبت في الصحيح عن النبي(ص) أنه قال: (لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة). فهؤلاء ونحوهم فيما شجر بينهم: إما أن يكون عمل أحدهم سعياً مشكوراً، أو ذنباً مغفوراً، أو اجتهاداً قد عفي لصاحبه عن الخطأ فيه، فلهذا كان من أصول أهل العلم أنه لايمكَّن أحدٌ من الكلام في هؤلاء بكلام يقدح في عدالتهم وديانتهم، بل يُعلم أنهم عدول مرضيون، رضي الله عنهم وأرضاهم، لا سيما والمنقول عنهم من العظائم كذبٌ مفتري). انتهي.

ولا بد أن يكون من هذه العظائم المفتراة أن أبا لغادية قتل عماراً!

أما عبد الرحمن بن عديس البلوي الذي قتل عثمان، وهو من أهل بيعة الشجرة، فالأمر فيه يختلف! وهم يتمنون أن يحكموا عليه بأنه من أهل النار، لكن بشرط أن لاينكسر سياج أهل الشجرة لأبي بكر وعمر! فهل من طريق؟!

الجام العوام عن قبول شهادة ثقة و أمين أسراره

إذا اختلف شخصان فيما بينهما، أو اختلفنا في قبول شهادتهما، ترانا نبحث عن شخص متفق عليه من الطرفين أو من الأطراف، يرضي به الجميع ويشهدون بصدقه ووثاقته، فنعتبره حكماً عادلاً، ونقبل شهادته أوحكمه.

والصحابة فيهم مجمع عليه وفيهم مختلف فيه. ومن المجمع عليهم حذيفة بن اليمان ثقة رسول الله صلي الله عليه وآله وموضع سره. فلماذا لايقبلون شهاداته القاصعة التي رواها البخاري؟! ولماذا لايقارنونها بحديثهم (خير الناس قرني)؟!

قال حذيفة،كما في البخاري:8/100: (إن المنافقين اليوم شرٌّ منهم علي عهد النبي (ص)! كانوا يومئذ يسرون واليوم يجهرون! إنما كان النفاق

علي عهد النبي(ص) فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد الإيمان!!). انتهي.

فمَن هم الذين كانوا يجهرون بالنفاق في عهد أبي بكر وعمر وعثمان، إلا طلقاء قريش؟ وما هو النفاق الذي كانوا يجهرون به إلا التشكيك برسول الله صلي الله عليه وآله والكذب عليه والطعن بعترته؟ ومن كان يحميهم إلا السلطة؟!

قال الذهبي في السير:2/361: (حذيفة بن اليمان. من نجباء أصحاب محمد (ص)، وهو صاحب السر... حليف الأنصار، من أعيان المهاجرين...

وليَ حذيفة إمرة المدائن لعمر، فبقي عليها إلي بعد مقتل عثمان، وتوفي بعد عثمان بأربعين ليلة....وحذيفة هو الذي ندبه رسول الله(ص)ليلة الأحزاب ليجس له خبر العدو، وعلي يده فتح الدينور عنوة. ومناقبه تطول، رضي الله عنه... خالد عن أبي قلابة عن حذيفة قال: إني لأشتري ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله..... ما أدرك هذا الأمر أحد من الصحابة إلا قد اشتري بعض دينه ببعض. قالوا: وأنت؟ قال: وأنا والله!). انتهي.

فمن الذي كان يستعمل سياسة الإرهاب والقمع والإضطهاد مع المسلمين إلا السلطة القرشية المعادية لأهل بيت النبي صلي الله عليه وآله؟

ومن كان يحمي المنافقين المجاهرين بنفاقهم ضد الإسلام ونبيه إلا السلطة ومسلحوها، وجمهورها من طلقاء قريش، الذين ملؤوا المدينة وسيطروا علي الدولة؟ وهل يعقل أن يقول النبي صلي الله عليه وآله عن هؤلاء إنهم خير القرون؟!

روي مسلم:1/71:(كنا جلوساً مع حذيفة في المسجد فجاء رجل حتي جلس الينا، فقيل لحذيفة إن هذا يرفع إلي السلطان أشياء، فقال حذيفة: إرادة أن يسمعه: سمعت رسول الله(ص)يقول: لايدخل الجنة قتات)، وفي رواية أخري(ينقل الحديث إلي الأمير) وفي البخاري:7/86: (يرفع الحديث إلي عثمان)!

فهل يكون هؤلاء خير القرون بإرهابهم واضطهادهم أبرار الصحابة؟!

وفي الطبراني الكبير:3/280: (عن أبي

مالك الأشعري أنه قال لقومه: إجتمعوا أصلي بكم صلاة رسول الله(ص)فاجتمعوا فقال: هل فيكم أحد؟ فقالوا لا، إلا بن أخت لنا! قال فذلك من القوم، فدعا بجفنة فيها ماء فتوضأ وهم شهود، فمضمض واستنشق ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وذراعيه ثلاثاً ومسح برأسه وظهر قدميه، ثم صلي بنا الظهر فكبر فيها ثنتين وعشرين تكبيرة، يكبر إذا سجد وإذا رفع رأسه...الخ.) انتهي.

وفي البخاري:1/134، عن الزهري قال: (دخلت علي أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي! فقلت له ما يبكيك؟ فقال لا أعرف شيئاً مما أدركت إلا هذه الصلاة، وهذه الصلاة قد ضيعت!!). انتهي.

فهل يكون هؤلاء خير القرون، وقد انقلبوا علي أعقابهم بعد الرسول صلي الله عليه وآله وغيروا كل شئ، حتي الوضوء والصلاة؟!

قال المفيد في الإفصاح ص53:(وفي قول أنس بن مالك: دخل رسول الله صلي الله عليه وآله المدينة فأضاء منها كل شئ، فلما مات عليه السلام أظلم منها كل شئ، وما نفضنا عن النبي صلي الله عليه وآله الأيدي ونحن في دفنه حتي أنكرنا قلوبنا شاهد عدل علي القوم بما بيناه). انتهي.

وفي فتح الباري:8/114:(قال أبو سعيد فيما أخرجه البزار بسند جيد: وما نفضنا أيدينا من دفنه حتي أنكرنا قلوبنا). وفي تحفة الأحوذي:10/62:(قال التوربشتي يريد أنهم لم يجدوا قلوبهم علي ما كانت عليه من الصفاء والألفة)!!

الجام العوام لتغطية مؤامرة خير القرون لقتل النبي

في صحيح مسلم:8/123: قال رجل لحذيفة (أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟ قال فقال له القوم أخبره إذ سألك! قال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر! وأشهد بالله ان اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد). انتهي.

فمن هؤلاء الذين كانوا مستعجلين علي الخلافة واستطالوا

عمر النبي صلي الله عليه وآله فتآمروا لقتله في عودته من تبوك، وصعدوا إلي أعلي العقبة ليلاً وألقوا الصخور علي ناقته ليقتلوه، فنجاه الله منهم، ولم يستطع النبي صلي الله عليه وآله أن يعلن أسماءهم ويعاقبهم خوفاً من حدوث حركة ردة عن الإسلام! فهل هؤلاء خير القرون؟!

الجام العوام لتغطية اضطهاد خير القرون لأهل بيت نبيهم

وهل خير القرون أولئك الذين عرض عليهم نبيهم صلي الله عليه وآله وهو علي فراش مرضه ما لم يعرضه نبي علي أمته قط، أن يكتب لهم عهداً إن عملوا به لايضلوا إلي يوم القيامة، ويكونوا سادة العالم إلي يوم القيامة! فرفضوه بقلة أدب وقالوا إن نبيكم يهجر! وهددوه بالردة، فسكت صلي الله عليه وآله علي ألم وطردهم من بيته؟!

وهل خير القرون أولئك الذين تركوا جنازة نبيهم صلي الله عليه وآله بين يدي أهل بيته، وعدَوْا إلي السقيفة ليبايعوا أحدهم خلسةً، ثم عادوا مسلحين لا ليعزوا أهل بيت النبي صلي الله عليه وآله بل ليهددوهم بأن يبايعوا لصاحبهم، أو يحرقوا عليهم دارهم؟!

الجام العوام عن تصديق القرآن بأن أكثرية خير القرون لن يؤمنوا

وكيف يكون أهل عصر النبوة أو قريش خاصة خير القرون وقد صدر حكم الله تعالي علي أكثرهم بأنهم حق عليهم القول، وبأنهم لن يؤمنوا وإن أظهروا الإيمان، فقال عنهم: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ. لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَي أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ.وقال:لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاًوَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَي الْكَافِرِينَ. (يس:7 و70) فهل نقض الله تعالي في المدينة ما أنزله في مكة؟! فقوله تعالي: لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أُنْذِرَ آبَاؤُهُمْ، يشمل أهل مكة، وأهل الجزيرة الذين بلغتهم دعوة النبي صلي الله عليه وآله وإنذاره في حياته.

وقوله تعالي: لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَي أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لايُؤْمِنُونَ.إخبار منه وهو العليم بهم بأن أكثريتهم من أهل جهنم، وأنهم لن يؤمنوا واقعاً، وإن آمنوا ظاهراً، طمعاً أو خوفاً. وقد فسر المقصود بالقول الذي حق عليهم بقوله تعالي: قَالَ فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ. لأَمْلأن جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (صاد 84- 85)

وهل يستطيع المسلم الذي يؤمن بالقرآن ويقول صدق الله العظيم إلا أن يعتقد بأن أكثر أهل مكة

وقريش كانوا كفاراً عند وفاة النبي صلي الله عليه وآله ولم يؤمنوا!

قال ابن الجوزي في زاد المسير:6/263: (لقد حق القول، فيه قولان: أحدهما وجب العذاب، والثاني سبق القول بكفرهم.

قوله تعالي:"أكثرهم، يعني أهل مكة، وهذه إشارة إلي إرادة الله تعالي السابقة لكفرهم. لا يؤمنون، لما سبق من القدر بذلك). انتهي.

وأخيراً، كيف يكونون خير القرون وقد حكم عليهم الله تعالي بأنهم فراعنة وجنود للفراعنة فقال لنبيه صلي الله عليه وآله:وَاصْبِرْ عَلَي مَايَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً.إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالاً وَجَحِيماً. وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعذاباً أَلِيماً.يَوْمَ تَرْجُفُ الأرض وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَهِيلاً. إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رسولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْ_نَا إلي فِرْعَوْنَ رَسُولاً. فَعَصَي فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أخذاً وَبِيلاً. (المزمل 10-16).

وقد تحقق إخباره سبحانه، فلم يكن مع النبي صلي الله عليه وآله من قريش في مهجره إلا قلة قليلة جداً! وفي بعضهم كلام! وعندما فتح النبي صلي الله عليه وآله مكة مَلَكهم عبيداً، ولم يعتقهم بل أطلقهم إطلاقاً، وسماهم الطل_ق_اء! فكيف صاروا بمجرد وفاته صحابة عدولاً، وكيف يجعل الله فيهم خلافة نبيه صلي الله عليه وآله ويأمر المسلمين أن يطيعوا قريشاً مدي الدهر، لأنهم خير القرون؟ حاشا لله!

من أساليبهم في إلجام العوام

تمييع الحقائق و حلف الإيمان

قال ابن حزم في الأحكام:2/203: (وأما قدامة بن مظعون، وسمرة بن جندب والمغيرة بن شعبة، وأبو بكرة، رضوان الله عليهم، فأفاضل أئمة عدول.

أما قدامة فبدري مغفور له بيقين، مرضي عنه، وكل من تيقنا أن الله عز وجل رضي عنه وأسقط عنه الملامة ففرض علينا أن نرضي عنه وأن لا نعدد عليه شيئاً، فهو عدل بضرورة البرهان القائم علي عدالته من عند الله عز وجل وعندنا، وبقوله عليه السلام إن

الله اطلع علي أهل بدر فقال لهم إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.

وأما المغيرة بن شعبة، فمن أهل بيعة الرضوان، وقد أخبر عليه السلام ألا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، فالقول فيه كالقول في قدامة.

وأما سمرة بن جندب فأُحُدي، وشهد المشاهد بعد أحد وهلم جراً، والأمر فيه كالأمر في المغيرة بن شعبة.

وأما أبو بكرة، فيحتمل أن يكون شبه عليه، وقد قال ذلك المغيرة، فلا يأثم هو ولا المغيرة، وبهذا نقول: وكل ما احتمل ولم يكن ظاهره يقيناً فغير منقول عن متيقن حاله بالامس، فهما علي ما ثبت من عدالتهما، ولا يسقط اليقين بالشك وهذا هو استصحاب الحال الذي أباه خصومنا، وهم راجعون إليه في هذا المكان بالصغر منهم! فما منهم أحد امتنع من الرواية عن المغيرة وأبي بكرة معاً، وأبو بكرة وهو متأول، وأما سمرة فمتأول أيضاً، والمتأول مأجور وإن كان مخطئاً، وكذلك قدامة تأول أن لا جناح عليه وصدق لاجناح عليه عند الله تعالي في الآخرة بلا شك، وأما في أحكام الدنيا فلا، ولنا في الدنيا أحكام غير أحكام الآخرة. وكذلك كل من قاتل علياً رضوان الله عليه يوم صفين.

وأما أهل الجمل فما قصدوا قط قتال علي رضوان الله عليه، ولا قصد علي رضوان الله عليه قتالهم، وإنما اجتمعوا بالبصرة للنظر في قتلة عثمان رضوان الله عليه، وإقامة حق الله تعالي فيهم، فأسرع الخائفون علي أنفسهم أخذ حد الله تعالي منهم-وكانوا أعداداً عظيمة يقربون من الألوف- فأثاروا القتال خفية حتي اضطر كل واحد من الفريقين إلي الدفاع عن أنفسهم، إذ رأوا السيف قد خالطهم وقد جاء ذلك نصاً مروياً.....

وليس عندنا من أمرهم إلا أنهم فيما بدا لنا مسلمون

فاضلون، يلزمنا توقيرهم والاستغفار لهم، إلا أننا لا نقطع لهم بالجنة ولا بمغيب عقودهم، ولا برضي الله عز وجل عنهم، لكن نرجو لهم ذلك ونخاف عليهم كسائر أفاضل المسلمين ولا فرق. ثم لا نجيز ذلك لعلي وأم المؤمنين وطلحة والزبير وعمار وهشام بن حكيم ومعاوية وعمرو والنعمان وسمرة وأبي الغادية وغيرهم، وهم أئمة الإسلام حقا والمقطوع علي فضلهم وعلي أكثرهم بأنهم في الجنة، وهذا لا يخيل إلا علي مخذول.

وكل من ذكرنا من مصيب أو مخطئ فمأجور علي اجتهاده، إما أجريْن، وإما أجراً، وكل ذلك غير مسقط عدالتهم. وبالله تعالي التوفيق).

وقال في المحلي:9/49: (إن من البرهان الواضح علي كذب هذا الخبر ووضعه وانه لا يمكن أن يكون حقا أصلا ما فيه مما نسب إلي أم المؤمنين من أنها قالت: أبلغي زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله(ص)إن لم يتب. وزيد لم يفته مع رسول الله(ص)إلا غزوتان فقط بدر وأحد فقط، وشهد معه عليه السلام سائر غزواته، وأنفق قبل الفتح وقاتل وشهد بيعة الرضوان تحت الشجرة بالحديبية ونزل فيه القرآن وشهد الله تعالي له بالصدق وبالجنة علي لسان رسوله عليه السلام انه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، ونص القرآن بأن الله تعالي قد رضي عنه وعن أصحابه الذين بايعوا تحت الشجرة. فوالله ما يبطل هذا كله ذنب من الذنوب غير الردة عن الإسلام فقط وقد أعاذه الله تعالي منها برضاه عنه وأعاذ أم المؤمنين من أن تقول هذا الباطل)

تعليم العوام إنكار الحقائق نهارا جهارا

قال ابن كثير في النهاية:6/211: (ثبت أيضاً الأخبار عنه صلوات الله وسلامه عليه بأنه لايدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، وكانوا ألفاً وأربعمائة، وقيل وخمسمائة، ولم ينقل أن أحداً من

هؤلاء رضي الله عنه عاش إلا حميداً، ولا مات إلا علي السداد والاستقامة والتوفيق، ولله الحمد والمنة. وهذا من أعلام النبوات، ودلالات الرسالة). انتهي.

الجام أطفال المسلمين بتربيتهم علي عصمة عمر

قال ابن حبان في صحيحه:15/317: (ذكر الخبر الدال علي أن عمر بن الخطاب (رض) كان من المحدثين في هذه الأمة.....عن عائشة قالت قال رسول الله(ص)قد كان يكون في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر بن الخطاب!

ذكر إجراء الله الحق علي قلب عمر بن الخطاب(رض)ولسانه:

عن بن عمر أن النبي(ص)قال: إن الله جعل الحق علي لسان عمر وقلبه.

وقال ابن عمر ما نزل بالناس أمر قط فقالوا فيه وقال عمر بن الخطاب، إلا نزل القرآن علي نحو مما قال عمر!

ذكر بعض ما أنزل الله جل وعلا من الآي وفاقاً لما يقوله عمر بن الخطاب(رض):

عن حميد عن أنس قال قال عمر بن الخطاب: وافقت ربي في ثلاث أو وافقني ربي في ثلاث....

ذكر الخبر الدال علي أن ناحية بعد أبي بكر كان عمر...

ذكر البيان بأن عمر بن الخطاب أول ما تنشق عنه الأرض بعد أبي بكر الصديق...

ذكر البيان بأن عمر بن الخطاب كان أحب الناس إلي رسول الله بعد أبي بكر...

ذكر إثبات الرشد للمسلمين في طاعة أبي بكر وعمر...

ذكر أمر المصطفي المسلمين بالاقتداء بأبي بكر وعمر بعده...

ذكر شهادة المصطفي للصديق والفاروق بكل شئ كان يقوله (ص)...

ذكر البيان بأن الصديق والفاروق يكونان في الجنة سيدي كهول الأمم فيها...

ذكر رضا المصطفي عن عمر بن الخطاب في صحبته إياه... انتهي.

وليس ابن حبان إلا نموذجاً لجميع مصادرهم في الحديث! فقد عقدوا لهذه الأحاديث أبواباً متعددة متنوعة، في الصحاح، والسنن، والمسانيد! وعلَّموا الناس

حفظها ونشرها، وترديدها في زيارة قبر عمر، كما في إعانة الطالبين:2/357: (فيسلم علي سيدنا عمر(رض)ويقول: السلام عليك ياأمير المؤمنين ياسيدنا عمر بن الخطاب، يا ناطقاً بالحق والصواب، السلام عليك ياحليف المحراب.

السلام عليك يا من بدين الله أمر، يا من قال في حقك سيد البشر(ص): لو كان بعدي نبيٌّ لكان عمر.

السلام عليك يا شديد المحاماة في دين الله والغيرة، يا من قال في حقك هذا النبي الكريم(ص): ما سلك عمر فجاً إلا سلك الشيطان فجاً غيره...). إلخ.

قال السيد المرتضي قدس سره في كتابه الشافي في الإمامة:3/129، وهو يفند الأحاديث القرشية الموضوعة في فضائل أبي بكر وعمر:

(وأما ما رواه من قوله صلي الله عليه وآله: إن الحق ينطق علي لسان عمر، فهو مقتض إن كان صحيحاً عصمة عمر والقطع علي أن أقواله كلها حجة! وليس هذا مذهب أحد في عمر، لأنه لاخلاف في أنه ليس بمعصوم وأن خلافه سائغ!

وكيف يكون الحق ناطقاً علي لسان من يرجع في الأحكام من قول إلي قول، ويشهد علي نفسه بالخطأ، ويخالف في الشئ ثم يعود إلي قول من خالفه، فيوافقه عليه، ويقول (لولا علي لهلك عمر) و (لولا معاذ لهلك عمر)؟!

وكيف لم يحتجَّ بهذا الخبر هو لنفسه في بعض المقامات التي احتاج إلي الإحتجاج فيها؟! وكيف لم يقل أبو بكر لطلحة لما قال له: ما تقول لربك إذ وليت علينا فظاً غليظاً! أقول له: ولَّيْتُ من شهد الرسول بأن الحق ينطق علي لسانه!

وليس لأحد أن يدعي في الإمتناع من الإحتجاج بذلك سبباً مانعاً كما ندعيه في ترك أمير المؤمنين عليه السلام الإحتجاج بذلك بالنص، لأنا قد بينا فيما تقدم أن لتركه عليه السلام ذلك

سبباً ظاهراً، وهو تآمر القوم عليه وانبساط أيديهم، وأن الخوف والتقية واجبان ممن له السلطان، ولا تقية علي عمر وأبي بكر من أحد، لأن السلطان كان فيهما ولهما، والتقية منهما لا عليهما!

علي أن هذا الخبر لو كان صحيحاً في سنده ومعناه، لوجب علي من ادعي أنه يوجب الإمامة (يقصد القاضي عبد الجبار الهمداني صاحب المغني، وقد ألف الشافي رداً عليه)، أن يبين كيفية إيجابه لذلك، ولايقتصر علي الدعوي المحضة، وعلي أن يقول: إذا جاز أن يدعي في كذا وكذا أنه يوجب الإمامة، جاز في هذا الخبر، لأنا لما ادعينا في الأخبار التي ذكرناها ذلك، لم نقتصر علي محض الدعوي، بل بينا كيفية دلالة ما تعلقنا به علي الإمامة، وقد كان يجب عليه إذا عارضنا بأخباره أن يفعل مثل ذلك). انتهي.

وقال الأميني في الغدير:6/331: (هناك أحاديث موضوعة تذكر في فضائل عمر لاتلتئم مع شئ مما ذكرناه بأسانيده الوثيقة(في علم عمر) وكلٌّ من ذلك يفنِّدها منها ما يعزي إليه صلي الله عليه وآله من قوله: لو لم أبعث فيكم لبعث عمر.

ورواية: لو لم أبعث لبعثت يا عمر.

ورواية: لو كان نبي بعدي لكان عمر بن الخطاب.

ورواية: قد كان في الأمم محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر.

ورواية: إن الله جعل الحق علي لسان عمر وقلبه.

وراية: أن الله ضرب بالحق علي لسان عمر وقلبه.

ومنها ما رووه عن علي أمير المؤمنين عليه السلام من قول: كنا نتحدث إن ملكاً ينطق علي لسان عمر. وقوله: ما كنا نبعد أن السكينة تنطق علي لسان عمر.

ومنها ما يروي عن أعاظم الصحابة مثل ما يعزي إلي ابن مسعود من قوله: لو وضع علم عمر

في كفة وعلم أهل الأرض في كفة لرجح علم عمر.

وأمثال هذه من الأكاذيب، فإن من يكون بتلك المثابة حتي يكاد أن يبعث نبياً لايفقد علم واضحات المسائل عند ابتلائه، أو ابتلاء من يرجع أمره إليه من أمته بها، ولا يتعلم مثله سورة من القرآن في اثنتي عشرة سنة!

وأين كان الحق والملك والسكينة، يوم كان لايهتدي إلي أمهات المسائل سبيلاً فلا تسدده، ولا تفرغ الجواب علي لسانه، ولا تضع الحق في قلبه!

وكيف يسعُ المسدَّد بذلك كله أن يحسب كل الناس أفقه منه حتي ربات الحجال؟! وكيف كان يأخذ علم الكتاب والسنة من نساء الأمة وغوغاء الناس فضلاً عن رجالها وأعلامها؟

وكيف كان يري عرفان لفظة مفسرة بالقرآن تكلفاً ويقول: هذا لعمر الله هو التكلف، ما عليك يا بن أم عمر أن لا تدري ما الأبُّ؟!

وكيف كان يأخذ عن أولئك الجم الغفير من الصحابة ويستفتيهم في الأحكام.

وكيف كان يعتذر عن جهله أوضح ما يكون من السنة بقوله: ألهاني عنه الصفق بالأسواق.

وكيف كان لم يسعه أن يعلم الكلالة ويقيمها، ولم يتمكن من تعلم صور ميراث الجد، وكان النبي صلي الله عليه وآله يقول: ما أراه يعلمها، وما أراه يقيمها. ويقول: إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك؟!

وكيف كان مثل أبيٍّ بن كعب يغلظ له في القول ويراه لاهياً عن علم الكتاب بالصفق بالأسواق وبيع الخيط والقرظة؟

وكيف كان يراه أمير المؤمنين عليه السلام جاهلاً بتأويل القرآن الكريم.

وكيف وكيف، إلي مائة كيف؟!

نعم راق القوم أن ينحتوا له فضائل ويغالوا فيها ولم يترووافي لوازمها).انتهي.

وقال المفيد رحمه الله في الإفصاح في إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ص40: (فلو سلمنا لك دعواك

لمن ادعيت الفضل لهم علي ما تمنيت لم يمنع مما ذكرناه، لأنه لا يوجب لهم العصمة من الضلال، ولايرفع عنهم جواز الغلط والسهو والنسيان، ولايحيل منهم تعمد العناد. وقد رأيت ما صنع شركاؤهم في الصحبة والهجرة والسبق إلي الإسلام حين رجع الأمر إلي أمير المؤمنين عليه السلام باختيار الجمهور منهم والإجتماع، فنكث بيعته طلحة والزبير، وقد كانا بايعاه علي الطوع والإيثار وطلحة نظير أبي بكر، والزبير أجل منهما علي كل حال، وفارقه سعد بن أبي وقاص وهو أقدم إسلاماً من أبي بكر، وأشرف منه في النسب، وأكرم منه في الحسب، وأحسن آثاراً من الثلاثة في الجهاد! وتبعه علي فراقه وخذلانه محمد بن مسلمة، وهو من رؤساء الأنصار، واقتفي آثارهم في ذلك وزاد عليها بإظهار سبه والبراءة منه حسان!! فلو كانت الصحبة مانعة من الضلال لمنعت من ذكرناه ومعاوية ابن أبي سفيان وأبا موسي الأشعري، وله من الصحبة والسبق ما لايجهل وقد علمتم عداوتهم لأمير المؤمنين عليه السلام وإظهارهم البراءة منه، والقنوت عليه، وهو ابن عم رسول الله صلي الله عليه وآله وأميره علي أبي بكر وعمر وعثمان.

ولو كانت الصحبة أيضاً مانعة من الخطأ في الدين والآثام.....ولكانت صحبة السامري لموسي بن عمران عليهما السلام وعظم محله منه ومنزلته، تمنعه من الضلال باتخاذ العجل والشرك بالله عز وجل، ولاستحال أيضاً علي أصحاب موسي نبي الله عليه السلام وهم ستمائة ألف إنسان وقد شاهدوا الآيات والمعجزات وعرفوا الحجج والبينات أن يجتمعوا علي خلاف نبيهم وهو حي بين أظهرهم، ويباينوا خليفته وهو يدعوهم ويعظهم ويحذرهم من الخلاف وينذرهم، فلا يصغون إلي شئ من قوله، ويعكفون علي عبادة العجل من دون الله عز وجل.

ولكان أيضاً أصحاب عيسي عليه

السلام معصومين من الردة، ولم يكونوا كذلك، بل فارقوا أمره وغيروا شرعه، وادعوا عليه أنه كان يأمرهم بعبادته، واتخاذه إلهاً مع الله تعالي تعمداً للكفر والضلال، وإقداماً علي العناد من غير شبهة ولا سهو ولا نسيان). انتهي.

الجام العوام باستخدام وسائل الإعلام

لو نظرنا في حجم ما يقوم به في عصرنا الذين يسميهم ابن حبَّان (المعتنين بأمر الدين)، لتركيز قداسة أبي بكر وعمر في نفوس المسلمين، لرأينا العجب!!

من مناهج التربية المدرسية والجامعية، إلي برامج الراديو والتلفزيون، إلي خطب المساجد ودروسها، إلي الكتب والكتيبات والأشرطة، إلي صفحات النت ومواقعها المتنوعة.. ومنها بإسم الصحابة لكن المقصود به أبو بكر وعمر!

والمطلوب فيها كلها غرس الإعتقاد بفضائل أبي بكر وعمر إلي حد العصمة والغلو، وغرس الإعتقاد بأن من لم يعتقد بذلك فهو عدو للإسلام ونبيه وقرآنه!

وفي مقابله لاتكاد تجد شيئاً عن أهل البيت، وحتي عن بقية الصحابة!

والمطلوب أن يكبر الطفل المسلم وعنده تقديس خاص لعمر وأبي بكر لايصل اليه تقديس آخر، وحساسية خاصة تجاههما بحيث تستنفر وسائل دفاعه لأقل ما يحتمل أنه يمس بهما، أكثر مما يستنفر لرسول الله صلي الله عليه وآله!

وبهذا يتجاوز المعتنون بأمر (الدين) قضية إلجام العوام عن المساس بأبي بكر وعمر، إلي تعبئتهم للحرب من أجلهما، ومن أجل كل ما يتعلق بهما!

وليس في كلامنا هذا مبالغة، إذ يكفي أن تجرب مع هؤلاء المعبئين أن تبحث في عصمة النبي صلي الله عليه وآله وأخطائه الكثيرة، فتراهم يشاركونك في البحث! حتي إذا طرحت ما يحتمل أنه خطأ لعمر، انصب عليك جام غضبهم بلا هوادة!

العصمة والمعصومون في القرآن

المعصومون ثمرة الوجود البشري

يتصور البعض أن القرآن لايري عصمة الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام، لأنه يتحدث عن(معصية)آدم عليه السلام ويذكر(مؤاخذات)علي بعض الأنبياء عليهم السلام كطلب نوح عليه السلام من ربه أن ينجِّي ابنه مع أنه كان كافراً، وما يبدو من تحيُّر إبراهيم عليه السلام في ربه هل هو النجوم أو القمر أو الشمس، ومن قتل موسي للقبطي، وغضبه علي أخيه هارون عليهما السلام.

ونحو ذلك من(ذنوب الأنبياء) التي أكثرَ اليهود فيها الكلام والإتهام وتمسك بها المخالفون لمذهب أهل البيت عليهم السلام، فحصروا عصمة الأنبياء عليهم السلام في التبليغ فقط، ونفوها في الأمور الشخصية والعامة، بل نسبوا اليهم أخطاء ومعاصي فظيعة حتي في التبليغ كما تقدم!

لكنَّ النظرة الفاحصة ترينا أن العصمة والمعصومين في القرآن ظاهرةٌ بارزةٌ من أول مشروع خلق آدم عليهم السلام وذريته، وقد وردت في القرآن ببضعة عشر عنواناً:

فالمعصومون هم النخبة الذين من أجلهم كان مشروع إسكان آدم في الأرض، وبهم ستصل الحياة الإجتماعية إلي هدفها الرباني الحكيم الذي لم يعرفه الملائكة: قَالَ إِنِّي أعلم مَا لا تَعْلَمُونَ. وهم الذين تحدي الله تعالي عدوه إبليسَ أن يؤثرَ عليهم فقال له: إِنَّ عِبَادي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ.

وهم العباد المكرمون عنده الذين: لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.

وهم الذين يخصهم بالإطلاع علي غيبه، ويحيطهم برصد لحفظ الغيب ضمن خطه المقرر، كما قال تعالي: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَي غَيْبِهِ أحداً. إلا مَنِ ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا.

وهم الذين يورثهم الكتاب عبر الأجيال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا.

وهم الذين وعد أن يغلب بهم: كَتَبَ اللهُ لأغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي إن الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ.

ووعد أن تتجلي هذه الغلبة بعد خاتم رسله وأنبيائه صلي الله عليه وآله: هُوَ الَّذِي أرسل رَسُولَهُ بِالْهُدَي وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَي الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. وهم الذين سيورثهم الأرض بعد عهود الجبابرة: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أن الأرض يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ.

وهم عباد الرحمن الخاصون الذين خصهم بصفات وافية من سورة الفرقان.

وهم الذين أعطاهم عنده عهداً فلن يخلفه: قُلْ

أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللهِ عهداً فَلَنْ يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ... إلي آخر الآيات التي تتحدث بيقين عن نجاح المشروع الإلهي في آدم وذريته. وليس نجاحه إلا بهؤلاء المعصومين عليهم السلام، الذين هم لبُّ هذا المشروع وضمانه، وهدفه الأسمي!

آيات العصمة في القرآن

في القرآن الكريم طوائف من الآيات تتحدث عن نخبة من البشرية، وتصفهم بصفات تدل علي عصمتهم، وهذه أهمها:

آيات الإستخلاف

(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً. قَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ؟ قَال:َ إِنِّي أعلم مَا لا تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأسماء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ إن كُنْتُمْ صَادِقِينَ. قَالُوا: سُبْحَانَكَ لاعِلْمَ لَنَآ إلا مَا عَلَّمْتَنَآ، إنك أنت الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. قَالَ: ياآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ! فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أعلم غَيْبَ السَّمَوَاتِ والأرض وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ).(البقرة:30–33)

لا يكون خليفة الله في الأرض إلا معصوما

قالت أحاديث أهل البيت عليهم السلام إن المستخلف في الآية هو بعض المعصومين وهم آدم عليه السلام وبعض الأنبياء والأوصياء عليهم السلام وليس كل نوع الإنسان.

وذهب أغلب المفسرين السنة المتأخرين وتبعهم بعض مفسري الشيعة، إلي أن المستخلف في الآية نوعُ الإنسان، وأكثروا في توجيه ذلك بلا طائل.

والصحيح أن هذا الجعل الإلهي مختص بآدم والمعصومين من ذريته عليهم السلام، لأنه جعلٌ تشريعي لولاية من الله علي الأرض وأناسها، وإعطاؤها لغير المعصوم يستوجب نفي الحكمة عن الله ونسبة الظلم اليه، سبحانه وتعالي!

ذلك أن قوله تعالي للملائكة: إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرض خَلِيفَةً، ليس إخباراً عن مجرد إسكان آدم وذريته في الأرض، بل عن جعل خلفاء لله منهم.

وعندما تساءل الملائكة كيف تصلح ذرية آدم للخلافة مع أنهم سيفسدون ويسفكون الدماء؟ خطَّأهم الله تعالي لأنهم حكموا علي جميع ذرية آدم، وجميع مدتهم علي الأرض! وأخبرهم سبحانه أن مشروع استخلافهم لايضر به ما تفعله ذرية آدم من إفساد وسفك الدماء اي حين! وأن آدم والمستخلفين من ذريته عليهم السلام أفضل من الملائكة فهم يصلحون ولا يفسدون، وأثبت الله لهم ذلك فعلم آدم عليه السلام ما لايعلمونه، وأراهم سيرة خلفائه من

ذرية آدم عليهم السلام، فاعترف الملائكة واستغفروا!

نعم، يصح القول إن الإنسان خليفة الله في الأرض، باعتبار أن خلفاء الله الشرعيين من نوعه، لكنه لايعني شمول الخلافة لغير المعصومين عليهم السلام بحال. وذلك كقوله تعالي: (وَإِذْ قَالَ مُوسَي لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أنبياءوَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً)(المائدة:20) فعبَّر بجعلهم ملوكاً بالعموم، لأنهم منهم.

ولا نطيل في ذكر أقوال المفسرين في المسألة ومناقشتها، فإن أحداً منهم لم يأت بدليل من الآية أوخارجها علي أن هذه الخلافة تشمل كل ذرية آدم عليه السلام، اللهم إلا الإستحسانات والظنون، وهي لا تنهض دليلاً!

ولعل القائلين بعموم الخلافة لكل بني آدم غفلوا عن أن الجاعل لها هو العالم الحكيم المطلق عز وجل، وأن أحدنا لايعطي هذا المقام الخطير للمفسدين ولا للعاديين فكيف بالله تعالي! وإذ انتفت خلافة المفسدين بالفعل أو بالقوة، لم يبق إلا المعصومون عليهم السلام، وهذا مذهب أهل البيت عليهم السلام.

ولعله اختلط عليهم هذا الإستخلاف التشريعي بالإستخلاف التكويني بمعني أن الله جعل الإنسان أجيالاً يخلف بعضها بعضاً، كما قال نبي الله هود عليه السلام لقومه: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَصْطَةً فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.(الأعراف:69)، فهذا استخلافٌ لكن ليس فيه ولاية ولا مقام، بل امتنَّ الله عليهم بخلقهم بعد قوم نوح وتوريثهم حضارتهم، رغم كفرهم.

لأجل ما تقدم فإن مقام خليفة الله لم يثبت في القرآن إلا لآدم وداود عليهما السلام:يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرض فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ. (سورة صاد:26).

أما قوله تعالي:أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأرض أإلَهٌ مَعَ اللهِ قليلاً مَا تَذَكَّرُونَ، (النمل:62) وقوله تعالي: وَعَدَ اللهُ

الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (النور:55)، فهو وعدٌ إلهي باستخلاف المعصومين وختامهم الإمام المهدي عليه السلام، خليفة الله الموعود، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً!

في الكافي:1/193، عن الإمام الرضا عليه السلام قال: (الأئمة خلفاء الله عز وجل في أرضه). وعن الإمام الصادق عليه السلام، في قوله تعالي:وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرض كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ، قال: هم الأئمة).

أما في السنة فثبت إسم خليفة الله لنبينا وآله صلي الله عليه وآله، وربما لكبار الأنبياء عليهم السلام. ففي من لايحضره الفقيه:2/611، في رواية الزيارة الجامعة: (ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججاً علي بريته).

وفي خصائص الأئمة للشريف الرضي رحمه الله ص105: في حديث كميل بن زياد رحمه الله في وصف الأئمة عليهم السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (اللهم بلي، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة، إما ظاهراً مشهوراً، أو خافياً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته.... أولئك خلفاء الله في أرضه والدعاة إلي دينه). انتهي.

أما الزيدية فقد توسعوا في إعطاء لقب خليفة الله لكل من اجتمعت فيه شروط الإمامة عندهم فكان فقيهاً من ذرية علي وفاطمة عليهما السلام وقام بالسيف.(الأحكام:2/505)

تكريم بني آدم لا يعني استخلافهم لأنه تكريم تكويني واقتضائي

استدل بعضهم علي عموم الإستخلاف في الأرض بآية تكريم بني آدم، وهي قوله تعالي: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً. يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولَئِكَ يَقْرَأُونَ كِتَابَهُمْ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً. (الإسراء:70-71).

لكن لا علاقة لهذا التكريم بالإستخلاف، لأنه أعم منه محمولاً وموضوعاً، فهو يشمل المؤمن والكافر، كما

قال الله تعالي: فَأَمَّا الإنسان إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ كَلا بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. (الفجر:15-17). فالإكرام هنا دنيوي يشمل حتي الكفار والفجار والطغاة، ولا يصح القول إنهم مكرمون، فهم خلفاء الله في أرضه!

والمقصود بالتكريم التكويني خلق الإنسان في أحسن تقويم، ومنحه قدرات وظروفاً تمكنه من التكامل ونيل التكريم الحقيقي إن أراد، كما قال تعالي عن مؤمن آل ياسين: قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ. (يس:26-27). فوصل بتكريمه التكويني إلي تكريمه الحقيقي.

وأخيراً، فإن جعل التقوي ميزاناً للكرامة والتكريم، في قوله تعالي: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ. (الحجرات:13) يؤكد أن ماتحقق لكل بني آدم في قوله: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ، تكريمٌ عامٌّ بنعم الله التي وسعت الكافر والمؤمن، أما الإستخلاف فهو تكريمٌ خاص ومنصبٌ لعباد خاصين لايثبت إلا بدليل، قال تعالي: وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ لايَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.(الأنبياء:26-27).

خلفاء الله في الأرض ليس بالضرورة أن يكونوا حكاما

من الواضح أن خليفة الله في أرضه وحجته علي عباده، ليس بالضرورة أن يكون حاكماً، فأكثر أنبياءالله وأوصيائهم عليهم السلام كانوا محكومين مضطهدين، ولم ينقص ذلك من مقامهم العظيم وخلافتهم عن الله تعالي في أرضه.

وهذا معني ما رووه ورويناه من أن الخلفاء الذين بشر بهم النبي صلي الله عليه وآله لايضرهم تكذيب من كذبهم. فقد روي الكافي:1/529، وكمال الدين ص299، واللفظ له: (عن أبي الطفيل قال: شهدت جنازة أبي بكر يوم مات، و شهدت عمر حين بويع وعليٌّ جالس ناحية، إذ أقبل عليه غلام يهودي عليه ثياب حسان وهو من ولد هارون، حتي قام علي

رأس عمر فقال: يا أمير المؤمنين أنت أعلم هذه الأمة بكتابهم وأمر نبيهم؟ قال: فطأطأ عمر رأسه، فقال: إياك أعني وأعاد عليه القول! فقال له عمر: ما شأنك؟ فقال: إني جئتك مرتاداً لنفسي شاكاً في ديني، فقال: دونك هذا الشاب قال: ومَن هذا الشاب؟ قال: هذا علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله، وهو أبو الحسن والحسين ابني رسول الله، وهذا زوج فاطمة ابنة رسول الله. فأقبل اليهودي علي علي فقال: أكذلك أنت؟ قال: نعم، فقال اليهودي: إني أريد أن أسألك عن ثلاث وثلاث وواحدة..... إلي أن قال: أخبرني عن محمد كم بعده من إمام عدل وفي أي جنة يكون، ومن الساكن معه في جنته؟ فقال: يا هاروني إن لمحمد صلي الله عليه وآله من الخلفاء اثنا عشر إماماً عدلاً، لايضرهم خذلأن من خذلهم، ولا يستوحشون بخلاف من خالفهم، وإنهم أرسب في الدين من الجبال الرواسي في الأرض. ومسكن محمد صلي الله عليه وآله في جنة عدن معه أولئك الإثنا عشر الأئمة العدل. فقال:صدقت والله الذي لا إله إلا هو إني لأجدها في كتاب أبي هارون كتبه بيده). انتهي.

وفي معجم الطبراني الكبير: 2/196، و213 و214، و256، والأوسط:3 /201، ومجمع الزوائد:5/191:(عن جابر بن سمرة عن النبي(ص)قال: يكون لهذه الأمة اثنا عشر قيماً، لايضرهم من خذلهم). انتهي.

وقد روي بعضهم زيادة في حديث الأئمة الإثني عشر (كلهم تجتمع عليه الأمة) وأراد حصر تطبيقه بالحكام، وأنه لايشمل من أهل البيت إلا علياً عليه السلام، لكن الألباني رد هذه الزيادة في سلسلته برقم 376، وقال عنها إنها منكرة!

وقد بحثنا في المجلد الثاني من كتاب (ألف سؤال وإشكال- مسألة 162) لقب خليفة الله تعالي وخليفة النبي صلي

الله عليه وآله، واستغلال القرشيين له وأعطاءه لحكامهم! وأن أبا بكر استكثر علي نفسه لقب خليفة الله فنهاهم عنه (ابن أبي شيبة في المصنف:8/572، وصححه في الزوائد:5/184 عن أحمد. وكذلك عمر: شرح النهج:12/94)

بينما سمي معاوية نفسه (خليفة الله) فاعترض عليه صعصعصة بن صوحان رحمه الله!

(مروج الذهب للمسعودي:3/52) ثم تمادي حكام بني أمية في استغلا لقب خليفة الله لأنفسهم، ففضلوا الحاكم الأموي بذلك علي نبينا صلي الله عليه وآله بحجة أن خليفة المرأ خير من رسوله في حاجته! (الصحيح السيرة:1/29)

ونقل النووي في الأذكار ص360، عن البغوي أنه قال: (ولا يسمي أحد خليفة الله تعالي بعد آدم وداود عليهما الصلاة والسلام).

ونقل عنه الشربيني في مغني المحتاج:4/132، قوله: (ولا يجوز تسميته بخليفة الله تعالي، لأنه إنما يستخلف من يغيب ويموت، والله تعالي منزه عن ذلك).انتهي.

ودليل البغوي ضعيف، والدليل الصحيح: أن خليفة الله وخليفة الرسول منصب يحتاج إلي نص من الله تعالي أو رسوله صلي الله عليه وآله، وإلا كان ادعاءً وافتراءً.

والنتيجة: أن نظام الإستخلاف في الأرض ومقام الخلافة الذي نصَّت عليه الآية يدل علي أن من ثبت له هذا المنصب، فقد ثبتت له العصمة.

وقد اتضح أن توسيع إسم (خليفة الله) لكل بني آدم، إنما قال به بعض المتأخرين تأثراً بفكر بعض المتصوفة، أو بفكر الغربييين الذي يؤكد علي أصالة الإنسان إلي حد تأليهه! فجعلوا التكريم بمعني الإستخلاف وعمموه لكل إنسان! وأن معاوية أول من ابتدع تعميمه للحاكم أيُّ حاكم! بحجة أن الله أعطاه الحكم فيكون استخلفه في أرضه!

تعليم آدم الأسماء دليل علي عصمة خلفاء الله تعالي

في آية استخلاف آدم عليه السلام بحوثٌ مهمة تتعلق بموضوعنا، فقد أوضحت أن ملاك خلافة الله تعالي والأفضلية علي الملائكة هو العلم

الإلهي الذي يعطيه لخليفته، ودرجة العبودية التي يوفقه لها.

فالإنسان رغم أن فيه قابلية الإفساد وسفك الدماء، فيه إيجابيات وقابليات عظيمة لم يعرفها الملائكة، هي التي أوجبت جعله خليفة في الأرض، وهي تغلب في مصلحتها علي إفساد المفسدين منه! وأنها ستتحق في المعصومين عليهم السلام ويتحقق علي يدهم إقامة دولة العدل الإلهي في الأرض، التي لا إفساد فيها ولاسفك دماء، والتي تمتد حتي يرث الله الأرض ومن عليها!

وقد أثبت عز وجل للملائكة أن آدم عليه السلام يستطيع أن يتلقي من العلم الإلهي فيصل إلي درجة أعلي من الملائكة، وأن خلفاء الله من ذريته سيكونون أهلاً للتلقي والطاعة بأفضل من الملائكة!

لقد علَّم الله آدم أسماء خلفائه من ذريته وبين له مقامهم، ثم عرض سيرتهم علي الملائكة، وامتحنهم في معرفة(أَسْمَاءِ هؤُلاءِ) العظماء فلم يعرفوهم، وعرفهم آدم عليه السلام فأخبرهم بهم، فاقتنع الملائكة وقالوا: (سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَآ إلا مَا عَلَّمْتَنَآ، إنك أنت الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ).

وقد أكثر المفسرون في بحث الأسماء التي علمها الله لآدم عليه السلام، ثم في معني (عرضهم) علي الملائكة، لكنهم ذهبوا بها بعيداً مع أنها لابد أن تكون معلومات عن مستقبل أبناء آدم عليه السلام في الأرض، لتكون جواباً مقنعاً للملائكة الذين تصوروا أن كل حياة الإنسان علي الأرض إفسادٌ وسفك للدماء!

لذلك لانجد تفسيراً معقولاً لها، إلا أن الله علَّم آدم عليه السلام علماً استطاع به أن يري مستقبل ذريته في الأرض، ويري أن مرحلة السماح بالإفساد وسفك الدماء في الأرض ستنتهي، ثم تبدأ مرحلة دولة العدل الإلهي علي يد خلفاء الله من عترة خاتم أنبيائه محمد صلي الله عليه وآله، وتمتد إلي آخر حياة الإنسان!

فهذا هو الجواب الوحيد الذي

يقنع الملائكة بجدارة آدم للخلافة، وجدارة الخلفاء من أبنائه، وانهم لا يُفسدون في الأرض ولا يَسفكون الدماء، بل سيصلحونها ويعمرونها، صلوات الله عليهم!

فيكون معني قوله تعالي: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَي الْمَلائِكَةِ.. أنه عرض عليهم شريطاً لسيرة شخصيات ربانية أعظم مقاماً من الملائكة، فتعجبوا لهم ولم يعرفوهم، فأخبرهم آدم عليه السلام بأنهم من ذريته، وأنهم ديرون بخلافة الله في الأرض!

وبهذا المعني فقط تصح الشرطية في قوله تعالي: فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هؤُلاءِ أن كُنْتُمْ صَادِقِينَ. أي إن كنتم مصيبين في قولك إنهم سيفسدون!

وقد يسأل: هل إن صور مايكون محفوظة عند الله تعالي، ليعلمها لمخلوق قبل أن تكون؟

والجواب: أن هذا من بدائه عقيدتنا في الغيب والنبي وآله صلي الله عليه وآله، وأحاديثه عندنا صحيحة مستفيضة بل متواترة، وأن الله تعالي علم نبيه صلي الله عليه وآله علم ما يكون إلي يوم القيامة، فعلمه لعلي والأئمة من عترته عليهم السلام.

قد يقال: روي أن الله تعالي علم آدم أسماء الأشياء، مما تحتاجه حياته علي الأرض مثل إسم الماء والهواء والشجر والحيوان والجبال؟

والجواب: أن هذا لو صح لا يكون جواباً علي إشكال الملائكة، إذ لاتلازم بين معرفة أسماء الأشياء، وعدم الإفساد وسفك الدماء!

ثم لو صح أن يكون جواباً لاستخلاف آدم عليه السلام، فلا يصح جواباً لاستخلاف ذريته، فإن الملائكة أخبروا عن إفساد ذريته وليس عن إفساده هو! فهم بحاجة إلي جواب يثبت عدم إفساد الذرية، أو وجود مصلحة في استخلافهم تغلب ما يقع من إفساد بعضهم، وليس ذلك إلا مرحلة حكم خلفاء الله في أرضه عليهم السلام.

وبذلك يتضح قوة ما ورد في مصادرنا في تفسير الآية الكريمة، كالذي في تفسير فرات الكوفي ص56 بسنده

عن الإمام الصادق عليه السلام قال: (إن الله تبارك وتعالي كان ولا شئ، فخلق خمسة من نور جلاله، وجعل لكل واحد منهم إسماً من أسمائه المنزلة، فهو الحميد وسمي النبي محمداً، وهو الأعلي وسمي أمير المؤمنين علياً، وله الأسماء الحسني فاشتق منها حسناً وحسيناً، وهو فاطر فاشتق لفاطمة من أسمائه إسماً، فلما خلقهم جعلهم في الميثاق فإنهم عن يمين العرش،وخلق الملائكة من نور، فلما أن نظروا إليهم عظموا أمرهم وشأنهم ولقنوا التسبيح فذلك قوله: وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون فلما خلق الله تعالي آدم نظر إليهم عن يمين العرش فقال: يا رب من هؤلاء؟ قال: يا آدم هؤلاء صفوتي وخاصتي، خلقتهم من نور جلالي وشققت لهم إسماً من أسمائي، قال: يا رب فبحقك عليهم علمني أسماءهم، قال: يا آدم فهم عندك أمانة سر من سري، لايطلع عليه غيرك إلا بإذني، قال: نعم يا رب، قال: يا آدم أعطني علي ذلك العهد فأخذ عليه العهد، ثم علمه أسماءهم، ثم عرضهم علي الملائكة ولم يكن علمهم بأسمائهم فقال: أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم..علمت الملائكة أنه مستودع وأنه مفضل بالعلم، وأمروا بالسجود إذ كانت سجدتهم لآدم تفضيلاً له وعبادة لله). انتهي. (والبحار:37/62)

آيات الإصطفاء الإلهي

الإصطفاء الإلهي، والإستخلاص، والإجتباء، والإختيار، أوصاف قرآنية، وصف الله تعالي بها نخبة عباده.

والمتحصل من كلمات اللغويين أن أعلاها درجة الإصطفاء، لأنه اختيار الصفو بذاته من البشرية، ويليه الإستخلاص وهو تخليص الشئ من الشوائب واختياره، ويليه الإختيار وهو انتخاب الشئ الأفضل من غيره.

قال الراغب في المفردات ص154:(الخالص كالصافي إلا أن الخالص هو

ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، والصافي قد يقال لما لا شوب فيه، ويقال خلصته فخلص... وقوله تعالي: فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً، أي انفردوا خالصين عن غيرهم....فإخلاص المسلمين أنهم قد تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه والنصاري من التثليث، قال تعالي: مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ... فحقيقة الإخلاص التبري عن كل ما دون الله تعالي). انتهي.

وقال في ص283: (أصل الصفاء خلوص الشئ من الشوب، ومنه وذلك إسم لموضع مخصوص، والاصطفاء تناول صفو الشئ كما أن الإختيار تناول خيره والإجتباء تناول جبايته. واصطفاء الله بعض عباده قد يكون بإيجاده تعالي إياه صافياً عن الشوب الموجود في غيره، وقد يكون باختياره وبحكمه وإن لم يتعر ذلك من الأول، قال تعالي: الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس - إن الله اصطفي آدم ونوحا - اصطفاك وطهرك واصطفاك - اصطفيتك علي الناس- وإنهم عندنا لمن المصطفين الإخيار).

واصطفيت كذا علي كذا أي اخترت (أصطفي البنات علي البنين- وسلام علي عباده الذين اصطفي. ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا. والصفي والصفية ما يصطفيه الرئيس لنفسه....

والصفوان كالصفا الواحدة صفوانة، قال:صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ، ويقال يوم صفوان، صافي الشمس، شديد البرد). انتهي.

وقال في ص160: (الخير ما يرغب فيه الكل، كالعقل مثلاً والعدل والفضل والشئ النافع، وضده الشر....فالخير يقابل به الشر مرة والضر مرة نحو قوله تعالي: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَي كُلِّ شَئ قَدِيرٌ....

وقوله: وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَي عِلْمٍ عَلَي الْعَالَمِينَ، يصح أن يكون إشارة إلي إيجاده تعالي إياهم خياراً، وأن يكون إشارة إلي تقديمهم علي غيرهم). انتهي.

أقول: لاشك أن الإستخلاف الإلهي درجةٌ أعلي من الإصطفاء والإستخلاص

والإختيار، لكن التفاضل بين هذه الثلاثة لا دليل عليه من اللغة أو استعمالات القرآن والسنة، بل المصطفون هم المستخلصون وهم المختارون.

واستعمالات القرآن ليست لبيان درجاتها، بل لبيان أنواع فاعلياته تعالي في الإصطفاء والإستخلاص والإختيار، المتناسبة مع أبعاد شخصية الإنسان ومجتمعه.

فالإصطفاء، وهو أخذ الصفو، يتناسب مع جوهر نفوسهم الصافية، ويشير إلي كدورة أنفس البشر الإخرين.

والإستخلاص، يتناسب مع جهادهم لتصفية نياتهم وأعمالهم وتخليصها مما هو لغير الله تعالي، حتي صاروا مخلِصين، فاستخلصهم الله وجعلهم مخلَصين بالفتح. بينما بقي غيرهم في شوائب الشرك العقدي، وشوائبه العملية.

والإختيار، يتناسب مع انتخاب الله تعالي لخير البشر وصفوتهم ومخلصيهم، في مقابل من اختاره البشر، أو مقابل من لم يستحق اختيار الله تعالي.

ولهذا ورد تفسير آيات هذه الصفات بالنبي وآله الأطهار صلي الله عليه وآله، كما ورد وصفهم بها في أحاديث عديدة.

فقد ورد وصفهم بخلفاء الله تعالي، وبالمصطفين، كما في الزياة الجامعة:

(ورضيكم خلفاء في أرضه، وحججاً علي بريته....

وأشهد أنكم الأئمة الراشدون، المهديون المعصومون، المكرمون المقربون المتقون الصادقون المصطفون....اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته).

وفي المقنعة ص32: (وأن الأئمة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله حجج الله تعالي وأولياؤه، وخاصة أصفياء الله...). وفي فقه الرضا/128: (اللهم صل علي محمد وآل محمد المصطفين، بأفضل صلواتك..)

وفي علل الشرائع:1/18: (عن زرارة قال: سئل أبو عبد الله عليه السلام عن بدء النسل من آدم كيف كان وعن بدء النسل عن ذرية آدم فإن أناساً عندنا يقولون إن الله عز وجل أوحي إلي آدم يزوج بناته ببنيه، وإن هذا الخلق كله أصله من الإخوة والإخوات! فقال أبو عبد الله عليه السلام: تعالي الله عن ذلك علوا كبيراً،

يقول من قال هذا بأن الله عز وجل خلق صفوة خلقه وأحبائه وأنبيائه ورسله والمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، من حرام؟! ولم يكن له من القدرة ما يخلقهم من حلال، وقد أخذ ميثاقهم علي الحلال الطهر الطاهر الطيب؟!!). (ورواه في الفقيه:3/381).

كما ورد وصفهم بالمخلصين بفتح اللام وكسره، ففي الزيارة الجامعة: (السلام علي الدعاة إلي الله، والأدلاء علي مرضات الله، والمستقرين في أمر الله، والتامين في محبة الله، والمخلصين في توحيد الله). (من لا يحضره الفقيه:2/610).

وفي من لايحضره الفقيه:1/513:(وأعوذ بك من شر ما عاذ منه عبادك المخلصون).

وورد وصفهم بالمختارين: ففي الزياة الجامعة:(اصطفاكم بعلمه، وارتضاكم لدينه، واختاركم لسره، واجتباكم بقدرته....

السلام علي الأئمة الدعاة، والقادة الهداة، والسادة الولاة، والذادة الحماة، وأهل الذكر وأولي الأمر، وبقية الله وخيرته...).

وفي الكافي:1/199، في حديث الإمام الرضا عليه السلام عن الإمامة: (إن الإمامة أجل قدراً وأعظم شأناً وأعلي مكانا وأمنع جانبا وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم، أو ينالوها بآرائهم، أو يقيموا إماماً باختيارهم، إن الإمامة خص الله عز وجل بها إبراهيم الخليل عليه السلام بعد النبوة والخلة مرتبة ثالثة، وفضيلة شرفه بها وأشاد بها ذكره، فقال: إني جاعلك للناس إماماً فقال الخليل عليه السلام سرورا بها: " ومن ذريتي؟ قال الله تبارك وتعالي: لا ينال عهدي الظالمين ". فأبطلت هذه الآية إمامة كل ظالم إلي يوم القيامة وصارت في الصفوة ثم أكرمه الله تعالي بأن جعلها في ذريته أهل الصفوة والطهارة فقال: ووهبنا له إسحاق و يعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين لم تزل في ذريته يرثها بعض عن بعض قرنا فقرنا حتي

ورثها الله تعالي النبي صلي الله عليه وآله فقال جل وتعالي: إن أولي الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين فكانت له خاصة فقلدها علياً).

وليس غرضنا هنا شرح هذه الصفات العظيمة وبيان الفروق بينها، وفيها بحوث مفصلة، بل الغرض أن كلاً من الإصطفاء والإستخلاص والإختيار، يستلزم العصمة كالإستخلاف، لأن أياً منها لايتم إلا لخيرة البشر المطيعين لربهم عز وجل، الورعين عن محارمه ومعاصيه.

ولأن من اصطفاه الله واستخلصه واختاره، يمده بالحماية والعناية والألطاف، التي تعني عصمته عن المعاصي، بل وما فوق العصمة العادية.

لذلك نكتفي بإيراد آيات هذه الصفات، وبعض الأحاديث الموضحة المؤكدة لدلالتها علي العصمة.

آيات الإصطفاء الإلهي

نص القرآن علي أن الله تعالي اصطفي عدداً من عباده من الأمم الماضية، ومن هذه الأمة، منهم أشخاص ومنهم أسر، وهوكالإستخلاف يدل علي عصمة المصطفيْن صلوات الله عليهم. وهذه عناوين آيات الإصطفاء:

قانون الإصطفاء الإلهي لمهمات وأدوار

اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رسلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ. يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَي اللهِ تُرْجَعُ الأمور. (الحج:75-76)

ابتدأ الإصطفاء الإلهي من آدم عليه السلام

إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ. ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. (آل عمران:33-34)

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ. (آل عمران:42)

وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِينَ. (البقرة:130)

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأبصار. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَي الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الإخيَارِ. وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الإخيَارِ. (صاد:45-48)

اصطفاء موسي عليه السلام مشروع مستقل

قَالَ يَا مُوسَي إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. (الأعراف:144).

اصطفاء طالوت ملكاً

وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا إني يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَاتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَي وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لايَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. (البقرة:247-248)

المصطفوْن عليهم السلام أهل السلام والأمن الإلهي

قُلِ الْحَمْدُ لله وَسَلامٌ عَلَي عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَي اللهُ خَيْرٌ أما يُشْرِكُونَ. (النمل:59 (

اصطفاء الإسلام ديناً

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّي بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِي إِنَّ اللهَ اصْطَفَي لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. (البقرة:131-132)

معني الإصطفاء و أنواعه

غرض الإصطفاء: نَصَّ قوله تعالي:(اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رسلاً وَمِنَ النَّاسِ) علي أن الإصطفاء يكون لمهمة عظيمة كحمل الرسالة الإلهية، فهو عمل إلهي يكشف عن مقام لغرض اجتماعي في الدنيا: (وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا).

وقد يكون هدفه أن يكون أصحابه قدوة للأجيال فيتبعوا ملتهم وسيرتهم، كما في إبراهيم عليه السلام وذريته: (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصَّالِحِينَ). (البقرة:130)

أنواع الإصطفاء: فمنه اصطفاء عام علي العالمين كاصطفاء آدم ونوح، والأسر المصطفاة من آل إبراهيم عليهم السلام: (إِنَّ اللهَ اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ). (آل عمران:33)

ومنه اصطفاء لموجودين أو لآتين، علم الله ما سيعملون فاصطفاهم

قبل ولادتهم: (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). (آل عمران:33-34)

ومنه اصطفاء علي أناس معينين كاصطفاء طالوت للملك علي بني إسرائيل: (قَالَ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ).

ومنه اصطفاء بمنصب أو ميزة: (يَا مُوسَي إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَي النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي)، أو بالتطهير المناسب للشخص: (يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ)

ومنه اصطفاء لشخص علي أهل عصره: (وَاصْطَفَاكِ عَلَي نِسَاءِ الْعَالَمِينَ).

والإصطفاء لايكون إلا باستحقاق:

ففي علل الشرائع:1/56، عن الإمام الباقر عليه السلام قال:(أوحي الله عز وجل إلي موسي عليه السلام: أتدري لما اصطفيتك لكلامي دون خلقي؟ فقال موسي: لا، يا رب، فقال: يا موسي إني قلبت عبادي ظهراً لبطن فلم أجد فيهم أحداً أذلً لي منك نفساً. يا موسي انك إذا صليت وضعت خديك علي التراب).

وعن الصادق عليه السلام قال: (وكان موسي عليه السلام إذا صلي لم ينفتل حتي يلصق خده الأيمن بالأرض والأيسر). انتهي.

أما الذين اصطفاهم الله تعالي قبل أن يولدوا (ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْض)ٍ، فقد علم الله ما هم عاملون فاصطفاهم قبل ولادتهم. علي أنه قد امتحن جميع الخلق في نشأة سابقة قبل نشأتهم في الدينا، ففي الكافي:2/10:(عن أبي عبد الله عليه السلام أن بعض قريش قال لرسول الله صلي الله عليه وآله: بأي شئ سبقت الأنبياءوأنت بعثت آخرهم وخاتمهم؟ فقال: إني كنت أول من آمن بربي وأول من أجاب حيث أخذ الله ميثاق النبيين وأشهدهم علي أنفسهم ألست بربكم؟ فكنت أنا أول نبي قال: بلي، فسبقتهم بالإقرار بالله عز وجل). انتهي.

تفسير آية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفين

قال الله تعالي: وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ

اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ. وَقَالُوا الْحَمْدُ لله الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أن رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ.الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ. وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَي عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ. (فاطر:31-36).

الآية من متشابهات القرآن

فما معني توريث القرآن للمصطفيْن؟ ومن هم؟ وما معني التقسيم بعدها إلي ظالم ومقتصد وسابق بالخيرات، فهل يمكن أن يكون الظالم من المصطفين الذين أورثهم الله الكتاب؟ وهل يدخل الجميع الجنة بمن فيهم الظالمون؟!

والموقف الشرعي والعلمي عندما يواجه الباحث المتشابه، أن يرده إلي المحكم، وأن يرد الجميع إلي أهل البيت عليهم السلام الذين قرنهم النبي صلي الله عليه وآله بالقرآن فقال: (إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي)، فأوجب بذلك أخذ القرآن وتفسيره منهم.

لكن هل يفعل ذلك مفسرو قريش؟ كلا! بل يتبعون ما تشابه منه، ويهيمون في كل واد! فقد كثرت احتملاتهم واتسع تحيرهم وتخبطهم في هذه الآيات، حتي وصل إلي بعض مفسري الشيعة!

وأصل الموضوع عندهم أن عمر وكعب الأحبار قالا: إن الله ورَّث القرآن للأمة كلها بمن فيها الظالمون، وكلهم في الجنة! فتبعهما أكثر المفسرين، وحاولوا جعل تفسيرهما مسنداً إلي رسول الله صلي الله عليه وآله! وقارب آخرون وباعدوا، وحاولوا ترقيع ما يستلزمه هذا التفسير من مشكلات عقدية!

قال السيوطي في الدر المنثور:5/251: (وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي في البعث، عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا نزع بهذه الآية:ثم أورثنا الكتاب...

قال: ألا إن سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له!!

وفي تفسير النحاس:5/458: (وقال كعب: هذه الأمة علي ثلاث فرق، كلها في الجنة، ثم تلا: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..إلي قوله: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا، فقال: دخلوها ورب الكعبة)! انتهي. (ونحوه تفسير ابن كثير:3/564)

وفي تفسير الطبري:22/160، عن كعب: (قال: كلهم في الجنة، وتلا هذه الآية: جنات عدن يدخلونها). انتهي.

وفي تفسير عبد الرزاق:3/136: (عن عبد الله بن الحارث عن كعب قال: قرأ هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ حتي بلغ: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا... فقال كعب: دخلوها ورب الكعبة)! (ورواه في تفسير الثوري ص246)

ورووا ذلك عن عمر وكعب بطرق عديدة، وعن عثمان وعائشة أيضاً، كما في تفسير ابن كثير:3/564، عن عثمان قال: (هي لأهل بدونا ومقتصدنا أهل حضرنا وسابقنا أهل الجهاد). وقال ابن كثير في تفسيره:2/79: (والصحيح أن الأقسام الثلاثة من هذه الأمة كلهم يدخلون الجنة).

وفي المعجم الأوسط للطبراني:6/167: (عن عقبة بن صهبان قال قلت لعائشة: أرأيت قول الله جل ذكره: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا...الآية؟ قالت: أما السابق فقد مضي في حياة رسول الله(ص)وشهد له بالجنة، وأما المقتصد فمن اتبع آثارهم فعمل بمثل أعمالهم حتي يلحق بهم، وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك ومن اتبعنا. قالت وكلهم في الجنة). (والحاكم:2/426، وصححه)

القرطبي يرفض التفسير الرسمي

وقال القرطبي في تفسيره:14/346: (هذه الآية مشكلة، لأنه قال جل وعز: اصطفينا من عبادنا ثم قال: فمنهم ظالم لنفسه! وقد تكلم العلماء فيها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم!! قال النحاس: فمن أصح ما روي في ذلك ما روي عن ابن عباس: فمنهم ظالم لنفسه، قال: الكافر، رواه ابن عيينة عن

عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس أيضاً. وعن ابن عباس أيضاً: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات قال: نجت فرقتان، ويكون التقدير في العربية: فمنهم من عبادنا ظالم لنفسه، أي كافر. وقال الحسن: أي فاسق. ويكون الضمير الذي في يدخلونها، يعود علي المقتصد والسابق، لا علي الظالم....

وقيل: الضمير في يدخلونها يعود علي الثلاثة الأصناف لي ألا يكون الظالم ها هنا كافراً ولا فاسقاً. وممن روي عنه هذا القول عمر، وعثمان، وأبو الدرداء، وابن مسعود، وعقبة بن عمرو، وعائشة، والتقدير علي هذا القول: أن يكون الظالم لنفسه الذي عمل الصغائر....

قال النحاس: وقول ثالث يكون الظالم صاحب الكبائر، والمقتصد الذي لم يستحق الجنة بزيادة حسناته علي سيئاته، فيكون: جنات عدن يدخلونها للذين سبقوا بالخيرات لا غير. وهذا قول جماعة من أهل النظر، لأن الضمير في حقيقة النظر لما يليه أولي.

قلت: القول الوسط(أنه يعود علي المقتصد والسابق)أولاها وأصحها إن شاء الله، لأن الكافر والمنافق لم يصطفوا بحمد الله، ولا اصطفيَ دينهم. وهذا قول ستة من الصحابة، وحسبك. وسنزيده بياناً وإيضاحاً في باقي الآية). انتهي.

وأهم ما عمله القرطبي أنه ذكر التفسير الرسمي بصيغة: (قيل) وحاول تخفيف وقعه بتضييق دخول الظالمين الجنة! فهو من المفسرين القلائل الذين لم يدخل في قلبهم تفسير عمر وكعب، بل اختار أن آية: جنات عدن يدخلونها... تختص بالسابقين والمقتصدين ولاتشمل الظالمين!

لكنك تجد قول عمر وكعب صار عندهم حديثاً نبوياً! فقالوا إن عمر قال: (سمعت رسول الله(ص)يقول: سابقنا سابق، ومقتصدنا ناج، وظالمنا مغفور له، وقرأ عمر: فمنهم ظالم لنفسه...الآية) انتهي. (الدر المنثور:5/251، عن العقيلي وابن لآل وابن مردويه والبيهقي، وأضاف كنز العمال:2/485 عن الديلمي).

وقال الرازي في

تفسيره:26/24: (اتفق أكثر المفسرين علي أن المراد من الكتاب القرآن، وعلي هذا فالذين اصطفينا هم الذين أخذوا بالكتاب وهم المؤمنون، والظالم والمقتصد والسابق، كلهم منهم. ويدل عليه قوله تعالي: جنات عدن يدخلونها، أخبر بدخولهم الجنة، وكلمة: ثم أورثنا، أيضاً تدل عليه لأن الإيراث إذا كان بعد الإيحاء ولا كتاب بعد القرآن فهو الموروث. والإيراث المراد منه الأعطاء بعد ذهاب من كان بيده المعطي..... ويصحح هذا قول عمر عن النبي(ص): ظالمنا مغفور له). انتهي.

وهكذا صار التفسير الذي وضع أساسه عمر وكعب الأحبار، الرأي الرسمي لأجيال مفسري الدولة، اتبعه أكثرهم علي تحيُّر، ومال عنه بعضهم علي وجل! ولكنه كان سداً إمام تفسير أهل البيت عليه السلام!

تفسير أهل البيت

نورد فيما يلي نماذج من أحاديثنا المتواترة في أن أهل البيت عليهم السلام هم ورثة القرآن، وأنهم الذين عندهم علم الكتاب، دون غيرهم!

ففي شرح الأخبار:3/472: (قال أبو جعفر محمد بن علي صلي الله عليه وآله: ما يقول من قِبلكم في هذه الآية: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ.جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا...؟ قال قلت: يقولون نزلت في أهل القبلة. قال: كلهم؟ قلت: كلهم. قال: فينبغي أن يكونوا قد غفر لهم كلهم. قلت: يا ابن رسول الله في من نزلت؟ قال: فينا. قلت: فما لشيعتكم؟ قال: لمن اتقي وأصلح منهم الجنة، بنا يغفر الله ذنوبهم وبنا يقضي ديونهم، ونحن باب حطتهم كحطة بني إسرائيل).

وفي الثاقب في المناقب ص566، عن أبي هاشم الجعفري رحمه الله قال: (كنت عند أبي محمد عليه السلام فسألته عن قول الله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ

لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ؟ فقال عليه السلام: كلهم من آل محمد عليهم السلام، الظالم لنفسه الذي لا يقر بالإمام، والمقتصد العارف بالإمام، والسابق بالخيرات بإذن الله الإمام. قال: فدمعت عيناي وجعلت أفكر في نفسي عظم ما أعطي الله آل محمد عليهم السلام، فنظر إليَّ وقال: الأمر أعظم مما حدثتك به نفسك من عظم شأن آل محمد عليهم السلام فاحمد الله فقد جعلك متمسكاً بحبلهم، تدعي يوم القيامة بهم إذا دعي كل أناس بإمامهم، فأبشر يا أبا هاشم فإنك علي خير). انتهي.

وفي بصائر الدرجات ص135: (حدثنا العباس بن معروف عن حماد بن عيسي عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام إن العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع، والعلم يتوارث، وكان علي عليه السلام عالم هذه الأمة، وإنه لن يهلك منا عالم إلا خلفه من أهله من يعلم مثل علمه، أو ما شاء الله).

وفي بصائر الدرجات ص134: (حدثنا محمد بن الحسن عن حماد عن إبراهيم بن عبد الحميد عن أبيه عن أبي الحسن الأول عليه السلام قال قلت له: جعلت فداك النبي صلي الله عليه وآله ورث علم النبيين كلهم؟ قال لي: نعم، قلت: من لدن آدم إلي أن انتهي إلي نفسه؟ قال: نعم، قلت: ورثهم النبوة وما كان في آبائهم من النبوة والعلم؟ قال: ما بعث الله نبياً إلا وقد كان محمد صلي الله عليه وآله أعلم منه، قال قلت: إن عيسي بن مريم كان يحيي الموتي بإذن الله؟ قال: صدقت، وسليمان بن داود كان يفهم كلام الطير، قال وكان رسول الله صلي الله عليه وآله يقدر علي هذه المنازل، فقال إن سليمان بن داود قال للهدهد

حين فقده وشك في أمره: مَا لِيَ لا أَرَي الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ، وكانت المردة والريح والنمل والإنس والجن والشياطين له طائعين، وغضب عليه فقال: لأُعَذِّبَنَّهُ عذاباً شَدِيداً أَوْ لأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، وإنما غضب عليه لأنه كان يدله علي الماء، فهذا وهو طير قد أعطيّ ما لم يعطَ سليمان! وإنما أراده ليدله علي الماء، فهذا لم يعط سليمان، وكانت المردة له طائعين ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء وكانت الطير تعرفه!

إن الله وتعالي يقول في كتابه: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأرض أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَي بَلْ لله الأمر جميعاً، وقد ورثنا هذا القرآن، ففيه ما تقطَّع به الجبال وتقطَّع المداين به ويحيا به الموتي، ونحن نعرف الماء تحت الهواء، وإن في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلي أن يأذن الله به، مع ما فيه أذن الله، فما كتبه للماضين جعله الله في أم الكتاب، إن الله يقول في كتابه: وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرض إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، فنحن الذين اصطفانا الله فورثنا هذا الذي فيه تبيان كل شئ). انتهي.

وروي في كتاب بصائر الدرجات ص65، أكثر من خمسة عشر حديثاً في هذا الموضوع، وفيها صحيح السند بدرجة عالية، منها: (عن أبي جعفر عليه السلام قال في هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا..الآية، قال: السابق بالخيرات الإمام، فهي في وُلد علي وفاطمة عليهم السلام).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/207: (عن الريان بن الصلت قال: حضر الرضا عليه السلام مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعه من علماء أهل العراق

وخراسان فقال المأمون: أخبروني عن معني هذه الآية: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا؟ فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا عليه السلام: لا أقول كما قالوا ولكني أقول: أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة فقال المأمون: وكيف عني العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا عليه السلام: إنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة لقول الله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب، الآية. فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه السلام: الذين وصفهم الله في كتابه فقال عز وجل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، وهم الذين قال رسول الله صلي الله عليه وآله:إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي إلا وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفون فيهما أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم.

قالت العلماء: أخبرنا يا أبا الحسن عن العترة أهم الآل أم غير الآل؟

فقال الرضا عليه السلام: هم الآل، فقالت العلماء: فهذا رسول الله (ص) يؤثر عنه أنه قال: أمتي آلي وهؤلاء أصحابه يقولون بالخبر المستفاض الذي لايمكن دفعه آل محمد أمته! فقال أبو الحسن عليه السلام: أخبروني فهل تحرم الصدقة علي الآل؟ فقالوا: نعم، قال: فتحرم علي الأمة؟ قالوا: لا، قال: هذا فرق بين الآل والأمة! ويحكم أين يذهب بكم؟ أضربتم عن الذكر صفحاً أم أنتم قوم مسرفون! أما علمتم

أنه وقعت الوراثة والطهارة علي المصطفين المهتدين دون سائرهم؟ قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، فصارت وراثه النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين). انتهي.

وفي معاني الأخبار للصدوق ص104: (عن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال: سألته عن قول الله عز وجل: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ؟ فقال: الظالم منا من لا يعرف حق الإمام، والمقتصد العارف بحق الإمام والسابق بالخيرات بإذن الله هو الإمام. جنات عدن يدخلونها، يعني السابق والمقتصد).انتهي.

اختصاص أهل البيت بعلم الكتاب لا يلغي حجيته

قال السيد الخوئي رحمه الله في البيان ص268: (فإن معني ذلك أن الله قد خص أوصياء نبيه صلي الله عليه وآله بإرث الكتاب، وهو معني قوله تعالي: ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا(35:32)فهم المخصوصون بعلم القرآن علي واقعه وحقيقته، وليس لغيرهم في ذلك نصيب. هذا هو معني المرسلة، وإلا فكيف يعقل أن أبا حنيفة لا يعرف شيئاً من كتاب الله حتي مثل قوله تعالي: قل هو الله أحد، وأمثال هذه الآية مما يكون صريحاً في معناه. والأخبار الدالة علي الإختصاص المتقدم كثيرة جداً). انتهي.

ابناء فاطمة و أتباع أهل البيت ورثة مجازيون للكتاب

في تفسير العياشي:1/70: (عن عاصم بن حميد عن أبي عبد الله عليه السلام:إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ، يقول لا حرج عليه أن يطوَّف بهما، فنزلت هذه الآية، فقلت: هي خاصة أو عامة قال: هي بمنزلة قوله: مَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، فمن دخل فيهم من الناس كان بمنزلتهم يقول الله: وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً). انتهي.

الظالم لنفسه درجات متفاوتة

(الظالم لنفسه) مفهوم واسع في القرآن، يشمل الكافر والفاسق والظالم لغيره، لأن الجميع ظلم للنفس، وقد نص القرآن علي أن بعض أنواع الظالمين لأنفسهم يدخلون جهنم، قال تعالي: الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَي إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَي الْمُتَكَبِّرِينَ. (النحل:28-29).

وبعضهم يدخل الجنة، قال تعالي: وَسَارِعُوا إلي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَي مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ. أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ. (آل عمران:133-136).

وبعضهم ظالمون لأنفسهم فكرياً وعملياً بترك عقيدة التوحيد واتخاذ عقيدة الكفر، كقوله تعالي: وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَئٍْ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ. (هود:101).

وبعضهم ظالم لنفسه عملياً فقط بتعدي حدود الله تعالي: وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ

لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا. (الطلاق:1.

أو بعمل سوء يتبعه بالإستغفار: وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا. (النساء:110).

وعلي هذا، فحتي لو جعلنا الظالم لنفسه من أبناء فاطمة عليها السلام قسماً ملحقاً بالمصطفين ورثة الكتاب عليهم السلام فالمقصود به ليس الظالم للناس بل لنفسه بسلوكه الشخصي المحض يتبعه بالإستغفار، كما تقدم.

علي أنك عرفت رواية الصدوق في معاني الأخبار ص104 عن الإمام الباقر عليه السلام قال: (جنات عدن يدخلونها، يعني السابق والمقتصد). انتهي.

رأي علماء الشيعة

قال المفيد رحمه الله في المسائل العكبرية ص111: (وقوله تعالي: فمنهم ظالم لنفسه بعد وصفه الوارثين للكتاب بالصفوة، فإنه عير ما ظنه السائل أنه لم يرد بقوله: فمنهم من أعيانهم، وإنما أراد من ذوي أنسابهم وذراريهم. فأما المصطفون فقد حرسوا بالاصطفاء من الظلم ووفقوا به للعدل. وكذلك قوله: ومنهم مقتصد، يريد به من نسلهم وأهلهم وذوي أنسابهم. وقوله: ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله كذلك. ولم يرد بالأصناف الثلاثة أعيان من خبر اصطفائه وتوريثه الكتاب).

ةقال السيد المرتضي رحمه الله في رسائله:3/102: (والذي أعتمده وأعوِّل عليه أن يكون: فمنهم ظالم لنفسه، من صفة عبادنا، أي أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا، ومن عبادنا ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات، أي فليس كل عبادنا ظالماً لنفسه، ولا كلهم مقتصداً ولا كلهم سابقاً بالخيرات، فكان الذين أورثوا الكتاب السابقون بالخيرات دونهما).

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في التبيان:8/430: (إن الله تعالي أورث علم الكتاب الذي هو القرآن، الذين اصطفاهم واجتباهم واختارهم علي جميع الخلق من الأنبياءالمعصومين والأئمة المنتجبين، الذين لا يجوز عليهم الخطأ ولا فعل القبيح لا صغيراً ولا كبيراً. ويكون قوله: فمنهم

ظالم لنفسه، راجعاً إلي عبادنا وتقديره فمن عبادنا ظالم لنفسه ومن عبادنا مقتصد ومن عبادنا سابق بالخيرات، لأن من اصطفاه الله لايكون ظالماً لنفسه، فلا يجوز أن ترجع الكناية إلي الذين اصطفينا).

وقال الطبرسي رحمه الله في مجمع البيان:8/245: (اختُلف في أن الضمير في منهم إلي من يعود علي قولين، أحدهما: إنه يعود إلي العباد، وتقدير الكلام: فمن العباد ظالم. وروي نحو ذلك عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، واختاره المرتضي قدس الله روحه من أصحابنا، قال: والوجه فيه أنه لما علق توريث الكتاب بمن اصطفاه من عباده، بين عقيبه أنه إنما علق وراثة الكتاب ببعض العباد دون بعض لأن فيهم من هو ظالم لنفسه، ومن هو مقتصد، ومن هو سابق بالخيرات.

والقول الثاني: إن الضمير يعود إلي المصطفيْن من العباد، عن أكثر المفسرين).

بعض مفسري الشيعة وافق علي تفسير عمر و كعب

قال في تفسير الميزان:17/45:(واختلفوا في هؤلاء المصطفيْن من عباده من هم؟ فقيل هم الأنبياء، وقيل هم بنو إسرائيل الداخلون في قوله: إن الله اصطفي آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران علي العالمين. وقيل هم أمة محمد صلي الله عليه وآله فقد أورثوا القرآن من نبيهم. وقيل وهو المأثور عن الصادقيْن صلي الله عليه وآله في روايات كثيرة مستفيضة، إن المراد بهم ذرية النبي صلي الله عليه وآله من أولاد فاطمة عليها السلام).

وقال في:17/50: (واعلم أن الروايات من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في كون الآية خاصة بولد فاطمة عليها السلام، كثيرة جداً). انتهي.

أقول: بل وصلت هذه الروايات إلي حد التواتر، وفيها عدد صحيح السند قطعي الحجية بنفسه، فقد قال السيد ابن كاووس في سعد السعود ص108: (أقول: وروي تأويل هذه الآية من عشرين طريقاً). انتهي.

لكن

صاحب الميزان رحمه الله أعرض عنها مع الأسف، ولم يصل حتي إلي مستوي تفسير القرطبي، بل أخذ بالتفسير القرشئ الرسمي تبعاً لكثرة المفسرين القائلين به! فخفف معني وراثة الكتاب، وأدخل الظالمين الجنة!

قال في الميزان:17/45: (وقوله: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " يحتمل أن يكون ضمير منهم راجعاً إلي الذين اصطفينا، فيكون الطوائف الثلاث الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات شركاء في الوراثة وإن كان الوارث الحقيقي العالم بالكتاب والحافظ له هو السابق بالخيرات.

ويحتمل أن يكون راجعا إلي عبادنا - من غير إفادة الإضافة للتشريف - فيكون قوله: فمنهم مفيدا للتعليل والمعني إنما أورثنا الكتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جميع العباد، لأن من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا يصلح الكل للوراثة.

ويمكن تأييد أول الإحتمالين بأن لامانع من نسبة الوراثة إلي الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالي: وأورثنا بني إسرائيل الكتاب (المؤمن:54)، وما في الآية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات، يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفي ووارثاً! والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق. والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلي درجات القرب، فهو إمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات، قال تعالي: والسابقون السابقون أولئك المقربون. (الواقعة: 11).

وقوله تعالي: ذلك هو الفضل الكبير، أي ما تقدم من الإيراث هو الفضل الكبير من الله، لادخل للكسب فيه. هذا ما يعطيه السياق وتفيده الأخبار من معني الآية! وفيها للقوم اختلاف عجيب)! انتهي.

وتبعه صاحب تفسير الأمثل فقال:14/87: (ثم تنتقل الآية

إلي تقسيم مهم بهذا الخصوص فتقول: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير. ظاهر الآية هو أن هذه المجاميع الثلاثة هي من بين الذين اصطفينا أي ورثة وحملة الكتاب السماوي. وبتعبير أوضح إن الله سبحانه وتعالي قد أوكل مهمة حفظ هذا الكتاب السماوي بعد الرسول الأكرم صلي الله عليه وآله الي هذه الأمة، الأمة التي اصطفاها الله سبحانه...

وقد ورد في روايات كثيرة عن أهل بيت العصمة عليهم السلام في تفسير:سابق بالخيرات بالمعصوم، وظالم لنفسه: بمن لايعرف الإمام، والمقتصد:، العارف بالإمام. وهذه التفسيرات شاهد واضح علي ما اخترناه لتفسير الآية، وهو أنه لا مانع من كون هذه المجاميع الثلاثة ضمن ورثة الكتاب الإلهي! ولا نحتاج إلي التذكير بأن تفسير الروايات أعلاه هو من قبيل بيان المصاديق الأوضح للآية، وهم الأئمة المعصومون، إذ هم الصف الأول، بينما العلماء والمفكرون وحماة الدين الإخرون في صفوف أخري). انتهي.

اهم الإشكالات علي التفسير الحكومي

أهم الإشكالات عليه: أنه يخرِّب معني توريث القرآن للمصطفيْن، فيجعل كل الأمة مصطفاة بمن فيها الظلمة والقتلة والجبابرة والمنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار! فهو يخرب معني الإصطفاء الإلهي ويطعن في حكمة الله تعالي!

وعندما يحكم بأن الظالم يدخل الجنة يصل تخريبه إلي قانون استحقاق الثواب والعقاب، لا يبقي لطاعة الله معني لأنها تتساوي في النتيجة مع الظلم والمعصية!

1- معني توريث الكتاب الإلهي:

قال الراغب الأصفهاني، وهو من أفضل علماء العربية في تجذير الكلمات، قال في المفردات ص518: (الوراثة والإرث: انتقال قُنْيَةٍ إليك عن غيرك، من غير عقد ولا ما يجري مجري العقد. وسمي بذلك المنتقل عن الميت، فيقال للقنية الموروثة: ميراث وإرث، وتراث. أصله وُراث، فقلبت الواو ألفاً

وتاء، قال: وتأكلون التراث... ويقال: ورثت مالاً عن زيد وورثت زيداً، قال: وورث سليمان داود.. وورثه أبواه.. وعلي الوارث مثل ذلك....ويقال لكل من حصل له شئ من غير تعب: قد ورث كذا. ويقال لمن خَوَّل شيئاً مهنئاً: أوْرث، قال تعالي: وتلك الجنة التي أورثتموها.. أولئك هم الوارثون الذين يرثون.....وقال لعلي رضي الله عنه: أنت أخي ووارثي، قال: وما أرثك؟ قال: ما ورَّثت الأنبياءقبلي، كتاب الله وسنتي).

وموضوعنا: وراثة الكتاب الإلهي، وقد وردت في القرآن بثلاث صيغ:

الصيغة الأولي: الذين ورثوا الكتاب، وأورثوا الكتاب.

ومعناها مطلق الوراثة للأمة، كقوله تعالي عن اليهود: (وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأرض أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ...فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الأَدْنَي وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا. وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَوةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ..(الأعراف:168-170).

وقوله تعالي عن النصاري: وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ. (الشوري:14). فلم ينسب فيها التوريث إلي الله تعالي، وجاءت في سياق ذم ورثة الكتاب لأنهم لم يعملوا به، ومدح الذين عملوا به.

وشبيه بها صيغة: (الذين أوتوا الكتاب، وأوتوا نصيباً من الكتاب) بالمبني للمجهول، بدون نسبة الإيتاء صريحاً إلي الله تعالي. وسياقها أيضاً الذم، كقوله تعالي: نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ. البقرة:101

وقوله تعالي: وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ. البقرة:144

وقوله تعالي: وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ. البقرة:145

وقوله تعالي: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسلام وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ. آل عمران:19

وقوله تعالي: وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالآمِّيِّينَ أأسْلَمْتُمْ؟ آل عمران:20

وقوله تعالي: وَإِذْ أخذ اللهُ

مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ. آل عمران:187

وقوله تعالي: كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ.(الحديد:16)

وقوله تعالي: وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ. (البيّنة:4)

وينبغي أن نسجل ثلاث ملاحظات علي هذا الآيات:

الأولي، أن تعبير(ورثوا الكتاب، وأورثوا الكتاب، وأوتوا الكتاب)، وإن كان فيه مدح بأن الله تعالي آتاهم الكتاب، لكنه مدحٌ بنعمة أنعمها الله عليهم فلم يحفظوها، فهو في جوهره ذمٌّ لهم، مضافاً إلي صفاتهم الأخري التي نصت عليها الآيات، كالكفر والفسق، ولذا قلنا إن سياق الآيات هو الذم.

والثانية، أن الذين(أوتوا نصيباً من الكتاب) هم نفس(أوتوا الكتاب) أو بعضهم وهذا التعبير يدل علي أنهم استوعبوا شيئاً من الكتاب، أو طبقوه، بينما ضيعوا الباقي! فهو أيضاً ذم لهم وليس مدحاً.

قال الله تعالي:أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إلي كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّي فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. آل عمران:23

وقال تعالي: أَلَمْ تَرَ إلي الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَي مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا. النساء:51-52

والثالثة، أن إيتاء الكتاب في هذه الآيات عام لكل الأمة، ومجمل لم يحدد فيه الأنبياءأو الأوصياء عليهم السلام أو العلماء الذين آتاهم الكتاب، ولا مستواهم العلمي لكن يوجد آية أخري كشفت أن وصف هؤلاء المذمومين بأنهم ورثوا أو أورثوا أو أوتوا الكتاب، كان بسبب وجود الصالحين المصطفيْن منهم الذين أورثهم الله الكتاب، وإنما وصف به المذمومون لأنهم أممهم وقومهم!

قال تعالي: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ

عَلَي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَي الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَي اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ). (الأنعام:83-89)

وتعبير: أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ، يكشف عن أن هؤلاء هم أهل الكتاب وأصحابه وورثته الحقيقيين، وأن وصف غيرهم به مجازٌ بسبب وجودهم فيهم.

الصيغة الثانية: أورثنا الكتاب. وقد وردت في آيتين فقط:

إحداهما، توريث الكتاب لبني إسرائيل، وهي قوله تعالي: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَي الْهُدَي وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ. هُدًي وَذِكْرَي لأُولِي الأَلْبَابِ. (غافر:53-54)، فذكرت أن إيتاء الكتاب وتنزيله كان لموسي عليه السلام، بينما توريثه لبني إسرائيل.

والثانية، توريث القرآن للمصطفيْن من هذه الأمة، وهي الآية موضوع البحث:

ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ. (فاطر:32).

وهذه الصيغة شبيهة بصيغة: آتيناهم الكتاب في قوله تعالي: وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ. (الجاثية:16)

وقوله تعالي: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ. (البقرة:146).

ومن الملاحظات في الصيغتين:

الأولي، أن المورِّث في الآيتين هو الله تعالي، لكن المورَّث مختلف، فتوريث التوراة والإنجيل كان لبني إسرائيل عامة، أما توريث القرآن فكان للمصطفيْن

فقط! فقد تحدث سبحانه في سورة فاطر من آية 27، في سياق متصل عن العلم والعلماء، ثم عن التالين لكتاب الله، ثم عن تنزيل هذا الكتاب علي رسوله صلي الله عليه وآله مصدقاً لما بين يديه، ثم قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، ولم يقل: ثم أورثناكم الكتاب، أو ثم أورثنا الأميين الكتاب، كما قال: وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ. هُدًي وَذِكْرَي لأُولِي الأَلْبَابِ؟!

فما هو السر في هذا العموم والخصوص في التوريث الإلهي؟

الثانية، أن توريث الكتاب الإلهي يختلف معناه حسب المورَّثين، فتوريثه للأمة يعني توريثه لأشخاص معينين منها مجازي للأمة وحقيقي لأفراد منها، أما توريثه لأشخاص فهو توريث حقيقي يعني تعليمهم تفسيره وعلومه ليكونوا معلمين له. كما تقول إن فلاناً ورَّث علم الطب للشعب الفلاني، أو ورثه للأطباء الفلانيين، فلا بد من في تفسيره من مراعاة التناسب بين التوريث والمورث!

والفرق الذي يبدو صغيراً هو كبير جداً، فتوريث الكتاب لبني إسرائيل يعني توريث علومه لأنبياءوأوصياء منهم وجعله في متناول كل الأمة.

أما توريث الكتاب للمصطفيْن من أمة النبي صلي الله عليه وآله فيعني توريث علومه لأئمة معينين، وجعله في متناول من تبعهم.

الثالثة، لايمكن تفسير المصطفيْن ورثة الكتاب الإلهي، إلا بملاحظة الصفات المشابهة التي وصف بها القرآن حملة العلم الإلهي في هذه الأمة، كالذين عندهم علم الكتاب، والراسخين في العلم، وأهل الذكر، في قوله تعالي عن وصي سليمان عليهما السلام: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فإنما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40) وقوله تعالي عن

وصي النبي صلي الله عليه وآله: وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرسلاً قُلْ كَفَي بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ)(الرعد:43) وقوله تعالي: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ). (آل عمران:7)

وقوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أهل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النحل:43).

وقوله تعالي: وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أهل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (الأنبياء:7) وهي نفس الآية المتقدمة بدون كلمة: (مِن)!

وآية الشهود التالين للنبي صلي الله عليه وآله في قوله تعالي: أَفَمَنْ كَانَ عَلَي بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَي إماماً وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (هود:17) فهذه الآيات وغيرها، تعرفنا من هم المصطفوْن الذي خصهم الله في هذه الأمة بوراثة القرآن. وكذلك أحاديث النبي صلي الله عليه وآله، ومثلها أحاديث أهل بيته الطاهرين عليهم السلام، لأن النبي صلي الله عليه وآله أرجع أمته إليهم وجعلهم عدل القرآن في مثل قوله المتواتر صلي الله عليه وآله: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فقولهم قوله وحديثهم حديثه، ومنهم يجب أن تأخذ الأمة كتاب الله وتفسيره.

2- الظالم مطلقاً يستحيل أن يكون من المصطفيْن!

القاعدة العامة في التفسير وكل بحث علمي، بل في كل الحياة، أن لا

نبيع اليقين بالشك، ولا المحكم بالمتشابه. ومن اليقين المحكم أن المصطفيْن من الله أشخاص اختارهم الله لأدوار في الشعوب والأمم والعالم، لأنهم أهل لذلك، وأعطاهم ما يحتاجونه في عملهم من علم وتأييد.

وهذا يقتضي طهارتهم وعصمتهم ووجوب اتباعهم.

وعندما نجد نصاً ظاهره أن المصطفيْن فيهم ظالمون عاصون لربهم، فيجب أن نتوقف فيه، لأن قبول ظاهره يعني تخريب قانون الإصطفاء الإلهي، والطعن في حكمة الله تعالي!

لهذا لا بد في آية توريث الكتاب للمصطفين من أحد أمرين:

إما أن نجعل الظالم لنفسه قسماً من عبادنا وليس من المصطفين كما اختاره الشريف المرتضي رحمه الله، وغيره. قال في مجمع البيان:8/245: (اختلف في أن الضمير في منهم إلي من يعود، علي قولين، أحدهما: إنه يعود إلي العباد، وتقدير الكلام: فمن العباد ظالم. وروي نحو ذلك عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، واختاره المرتضي قدس الله روحه، من أصحابنا).انتهي.

وإما أن نجعل دخول الظالم لنفسه في المصطفيْن مجازاً، لأنه منهم نسباً أو اتباعاً، كما فسره الإمام الرضا عليه السلام وهذا الذي أرجحه لأنه روي عن المعصوم عليه السلام، ولعل المرتضي لم يطلع عليه، وقد استدل له الإمام الرضا عليه السلام بقوله تعالي: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ. (الحديد:26) فكما أن جعل النبوة والكتاب في بعض ذرية نوح وإبراهيم، لم يمنع أن يكون بعضهم الآخر فاسقين، فكذلك توريث الكتاب لعترة محمد صلي الله عليه وآله لم يمنع أن يكون بعض آخر منهم ظالم لنفسه.

وقد تقدمت روايته من عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/207 وفيها: (فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها، فقال المأمون: ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال الرضا

عليه السلام: لا أقول كما قالوا ولكني أقول: أراد الله عز وجل بذلك العترة الطاهرة. فقال المأمون: وكيف عني العترة من دون الأمة؟ فقال له الرضا عليه السلام: إنه لو أراد الأمة لكانت أجمعها في الجنة لقول الله عز وجل: فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير، ثم جمعهم كلهم في الجنة فقال عز وجل: جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب، الآية. فصارت الوراثة للعترة الطاهرة لا لغيرهم فقال المأمون: من العترة الطاهرة؟ فقال الرضا عليه السلام: الذين وصفهم الله في كتابه فقال عز وجل: إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا، وهم الذين قال رسول الله صلي الله عليه وآله:إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي إلا وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض، فانظروا كيف تخلفون فيهما. أيها الناس لا تعلموهم فإنهم أعلم منكم. إلي أن قال: أما علمتم أنه وقعت الوراثة والطهارة علي المصطفين المهتدين دون سائرهم؟ قالوا: ومن أين يا أبا الحسن؟ فقال من قول الله عز وجل: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ، فصارت وراثه النبوة والكتاب للمهتدين دون الفاسقين). انتهي.

3- تعميمهم للمفردات الخاصة، وتمييعهم للقوانين الحاسمة!

ليست محاولة علماء السلطة في التعميم والتمييع في تفسير الآية، إلا واحدة من منهج ابتدعوه في التفسير، كشفنا جانباً منه في المجلد الثاني من كتاب (ألف سؤال وإشكال- المسألة163)، وقد ارتكبوا هنا تعميمين للكتاب والمصطفيْن، وتمييعين لتوريث الكتاب، وقانون الثواب والعقاب:

فقد عمموا الكتاب في قوله تعالي: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، فجعلوه كل كتاب إلهي، مع

أن السياق يتحدث عن القرآن، فالآية التي قبلها: وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ. ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا..الآية. فعدلوا عن السياق بلاحجة!

وكأن هدف كعب الأحبار من توسيع المصطفيْن وتوسيع الكتاب، أن يعطي الشرعية للتوراة والثقافة اليهودية وأنها مورَّثة لهذه الأمة، ويعطي لنفسه مقام مستشار الخلافة في علم الكتاب كله التوراة والإنجيل والقرآن! وإلا فأين التوراة والإنجيل اللذين ورثتهما الأمة، وعند مَنْ يوجدان؟!

أما لو اعترف كعب بأن القرآن هو المورَّث لفئة من هذه الأمة، فلا بد أن تكون عترة النبي صلي الله عليه وآله، فيكون أخرج نفسه وعلمه من الساحة، وأوجب علي الأمة أن ترجع إلي العترة ورثة القرآن ومعادله، كما أمرها نبيها صلي الله عليه وآله!

وقد استطاع كعب أن يقنع عمر بذلك وبأشياء كثيرة، لا يتسع لها هذا الكتاب!

ولا نطيل الكلام في وقوف كعب وراء هذه التعميمات والتمييعات ودوافعه، ونكتفي بالقول إن المقصود بالكتاب في الآية هو القرآن بحكم السياق، ولا دليل إلا التحكم لمن ادعي تعميمه لكل كتاب إلهي.

وأما جعله الظالمين من المصطفيْن وأهل الجنة، فهو جزءٌ من خطته في فتح أبواب الجنة لجميع الناس، وهو أمر عمل له كعب وأطاعه فيه عمر حتي قال بشمول الشفاعة لجميع الخلق، ثم قال إن النار تفني وينقل أهلها إلي الجنة! (راجع المسألة155 من كتابنا (ألف سؤال وإشكال)، والمجلد الثالث من العقائد الإسلامية).

وأما معني المصطفيْن الذين أورثهم الله الكتاب، فلا يصح أن يكونوا إلا جماعة خاصين بحكم الظهور المستحكم للكلمة، وهم عترة النبي صلي الله عليه وآله الذين قرنهم بالقرآن وجعلهم عدلاً له، وسماهما الثقلين! وتؤيد ذلك الأدلة

الكثيرة لاصطفاء العترة النبوية، التي رواها المؤالف والمخالف.

ولا دليل من عقل ولا نقل علي زعم كعب أنهم كل الأمة، ولا زعم غيره أنهم الصحابة، إلا الإستحسان الظني، أو التحكم، لمصادرة ما خص الله به عترة نبيه صلي الله عليه وآله وأعطاؤها لغيرهم!

فلو كان الصحابة هم المصطفوْن ورثة الكتاب، لَمَا أوجب النبي صلي الله عليه وآله علي أمته التمسك بالثقلين الكتاب والعترة في حديث الثقلين المتواتر عند الجميع، ولَمَا أمر الأمة أن يقرنوا العترة بالنبي صلي الله عليه وآله والصلاة عليهم معه في صلواتهم!

ثم لو سلمنا أن المقصود بهم الصحابة، لكان أهل البيت أولي بوراثة الكتاب أيضاً، لأنهم صحابة وعترة!

وخامساً، كيف يكون الصحابة مصطفيْن، وقد أخبر النبي صلي الله عليه وآله في أصح كتب أتباعهم بأن أكثرهم يدخلون جهنم، ولا ينجو منهم إلا مثل هَمَل النعم!

قال البخاري:7/208: (عن أبي هريرة عن النبي(ص)قال: بينا أنا قائمٌ فإذا زمرةٌ حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ، فقلت أين؟ قال إلي النار والله! قلت: وما شأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! ثم إذا زمرة حتي إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال: هلمَّ! قلت: أين؟قال: إلي النار والله! قلت: ماشأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم)! انتهي.

ولم تصرح رواية البخاري هذه بإسمهم، لكن صرحت روايته الأخري بالصحابة وفسرها شراحه بهم! قال في صحيحه:2/975: (يرد علي الحوض رجالٌ من أصحابي فيحلؤون عنه فأقول يارب أصحابي! فيقول: فإنه لاعلم لك بما أحدثوا بعدك، إنهم ارتدوا علي أعقابهم القهقري)! (وشبيهاً به في: 8/86.و:7/195و207_210 وص84 و87 و:8/86 و87، ونحوه مسلم:1/150 و:7/66 وابن

ماجة:2/1440وأحمد:2/25و408 و:3/28 و:5/21 و24 و50 و:6/16، والبيهقي في سننه:4/ 14، وغيرهم).

أما دعوي كعب وعمر ومن وافقهما بأن المصطفيْن كل الأمة، فيرد عليها:

أولاً، أنه لادليل عليها من عقل ولا نقل، فإن الله تعالي قال: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا، وظاهره أنه انتخب عباداً خاصين فأورثهم الكتاب، ولا دليل لهم علي أنهم كل الأمة إلا التحكم المحض، أو الإستحسان والتخرص!

وثانياً، كيف يتجرأ مسلم أو عاقل علي القول إن كل المسلمين مصطفوْن يدخلون الجنة بمن فيهم الظالم والمنافق! ويرفع يده عن آيات القرآن التي تنص علي دخول أصناف من هذه الأمة جهنم؟!

فأين قول الله تعالي: وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ.(المؤمنون:103)وعشرات الآيات التي تدفع هذا الزعم وتردهذه الأماني، ومنها قوله تعالي: لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أهل الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا. (النساء:123)

وأين قول رسول الله صلي الله عليه وآله الذي تقدم في أكثر أصحابه: (قلت: ماشأنهم؟ قال: إنهم ارتدوا بعدك علي أدبارهم القهقري! فلا أراه يخلص منهم إلا مثل هَمَل النعم)!

إنه لامناص لمن جعل المصطفيْن ورثة الكتاب كل الأمة، من تخريب قانون الجزاء والعقاب الإلهي! كما لامناص له من تمييع معني التوريث، وجعله توريثاً شكلياً لايتعدي توريث أوراق القرآن، لأنه لايعترف بمركز لهذا التوريث، وإن سألته عن علم القرآن الذي ورثه الله للأمة أين هو؟ لقال عند جميع الأمة! وهو يعرف أن كبير الصحابة عمر لايعرف معني مفردات القرآن مثل(وفاكهةً وأبَّا)؟!

وثالثاً، إن روايات أهل البيت عليهم السلام

التوريث الإلهي للكتاب مقام عظيم

قال أمير المؤمنين عليه السلام: (أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا، كذباً وبغياً علينا أن

رفعنا الله ووضعهم وأعطانا وحرمهم، وأدخلنا وأخرجهم! بنا يستعطي الهدي، ويستجلي العمي إن الأئمة من قريش، غرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح علي سواهم، ولاتصلح الولاة من غيرهم). (نهج البلاغة:2/27).

وقال عليه السلام: (والله ما تنقم منا قريش إلا أن الله اختارنا عليهم، فأدخلناهم في حيِّزنا، فكانوا كما قال الأول:

أدمتَ لعمري شُرْبَك المحْضَ صابحاًوأكلك بالزبد المقشرةَ البُجْر

ونحن وهبناكَ العلاءَ ولم تكن علياً وحُطنا حولك الجُرْدَ والسُّمْرا).

(نهج البلاغة:1/82)

وقال الإمام الباقر عليه السلام:في قوله تعالي: أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً: نحن الناس المحسودون علي ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله أجمعين! فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عظيماً، يقول: جعلنا منهم الرسل والأنبياءوالأئمة، فكيف يقرُّون به في آل إبراهيم عليه السلام وينكرونه في آل محمد صلي الله عليه وآله؟!

قال الراوي بريد العجلي: قلت: وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً؟ قال: الملك العظيم أن جعل فيهم أئمةً مَن أطاعهم أطاع الله ومن عصاهم عصي الله، فهوالملك العظيم). (الكافي:1/205)

آيات الإستخلاص والإجتباء الإلهي

اخلاص الدين لله تعالي

إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. أَلا للهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إلي اللهِ زُلْفَي إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَكَاذِبٌ كَفَّارٌ. (الزمر:2-3).

قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ. وَأُمِرْتُ لأن أَكُونَ أَوَلَ الْمُسْلِمِينَ. وَأُمِرْتُ لأن أَكُونَ أَوَلَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. قُلِ اللهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي. فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ

وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَالْخُسْرَانُ الْمُبِينُ. (الزمر:11-15).

قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللهِ وَهُوَرَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ. (البقرة:139).

إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ للهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. (النساء:146)

وَمَاتَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ. وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَوةَ وَيُؤتُوا الزَّكَوةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَة.(البيّنة:4- 5).

دعاء الله بانقطاع و إخلاص

وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ. (الأعراف:29).

فَادْعُواْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. (غافر:14).

هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. (غافر:65).

وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. (يونس:22).

فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلي الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ. (العنكبوت:65).

وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إلي الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ. (لقمان:32).

المخلصون المستخلصون

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. (يوسف:24).

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ. (يوسف:54).

فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنْ أَبَاكُمْ قَدْ أخذ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأرض حَتَّي يَاذَنَ لِي أبي أَوْ يَحْكُمَ اللهُ لِي وَهُوَخَيْرُ الْحَاكِمِينَ. (يوسف:80).

ابراهيم وموسي وغيرهما من المخلصين عليهم السلام

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأبصار. إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَي الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الإخيَارِ. (صاد:45-47).

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَي إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رسولاً نبياً. (مريم:51).

المخلصون ناجون من الضلال والهلاك

وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الأولينَ. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ. فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. (الصافات:71-74).

أَتَدْعُونَ بَعْلاً وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ. اللهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأولينَ. فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. (الصافات:125-128).

المخلصون مقربون من الله و ليسوا أبناءه

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. (الصافات:158-160).

المخلصون ناجون من العذاب مكرمون في الجنة

إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الأَلِيمِ. وَمَا تُجْزَوْنَ إِلا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ. فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ. (الصافات:38-42).

يتمني غير المخلصين أن يكونوا منهم

وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ. لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الأولينَ. لَكُنَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. (الصافات:167-169)

معني الإخلاص والمخلص

قال الراغب في المفردات ص154:(الخالص كالصافي، إلا أن الخالص هو ما زال عنه شوبه بعد أن كان فيه، والصافي قد يقال لما لا شوب فيه، ويقال خلصته فخلص....وقوله: ونحن له مخلصون. إنه من عبادنا المخلصين، فإخلاص المسلمين أنهم قد تبرؤوا مما يدعيه اليهود من التشبيه والنصاري من التثليث، قال تعالي: مخلصين له الدين، وقال: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، وقال: وأخلصوا دينهم لله، وهو كالأول، وقال: إنه كان مخلصاً وكان رسولاً نبياً. فحقيقة الإخلاص: التبري عن كل ما دون الله تعالي). انتهي.

والظاهر أن تسمية الشئ خالصاً ليس بسبب تخليصه من الشَّوْب، بل بسبب أنه في معرض الشَّوْب، وإن كان من أصله خالصاً لم يمَسَّه شَوْب في وقت ما.

ومعني إخلاص الدين لله تعالي:توحيده توحيداً كاملاً، قال أمير المؤمنين عليه السلام:

(وكمال معرفته التصديق به، وكمال التصديق به توحيده، وكمال توحيده الإخلاص له، وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة). (نهج البلاغة:1/14)

هذا هو الإخلاص النظري العقدي، أما الإخلاص العملي فهو الطاعة الكاملة لله تعالي بالقيام بما أوجبه وترك مانهي عنه، وإخلاص النية له في كل ذلك.

في تحف العقول لابن شعبة الحراني ص86، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: (رأس الدين صحة اليقين، وتمام الإخلاص تجنبك المعاصي).

وفي معاني الأخبار للصدوق ص260:(أن جبرئيل عليه السلام جاء إلي النبي صلي الله عليه وآله فقال: يا رسول الله إن الله تبارك وتعالي أرسلني إليك بهدية لم يعطها أحداً قبلك، قال رسول الله صلي الله عليه وآله: قلت:

وما هي؟ قال: الصبر وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: الرضا وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال قال: الإخلاص وأحسن منه، قلت: وما هو؟ قال: اليقين....الي أن قال:

قلت: يا جبرئيل فما تفسير الإخلاص؟ قال: المخلص الذي لا يسأل الناس شيئاً حتي يجد، وإذا وجد رضي، وإذا بقي عنده شئ أعطاه في الله، فإن من لم يسأل المخلوق فقد أقر لله عز وجل بالعبودية، وإذا وجد فرضي فهو عن الله راض والله تبارك وتعالي عنه راض، وإذا أعطي لله عز وجل فهو علي حد الثقة بربه عز وجل. قلت: فما تفسير اليقين؟ قال: الموقن يعمل لله كأنه يراه فإن لم يكن يري الله فإن الله يراه، وأن يعلم يقيناً أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وهذا كله أغصان التوكل ومدرجة الزهد). انتهي.

وفي الكافي:1/181:(عن الإمام الصادق عليه السلام قال: إنكم لاتكونون صالحين حتي تعرفوا، ولا تعرفوا حتي تصدقوا، ولا تصدقوا حتي تسلموا. أبواباً أربعة لا يصلح أولها إلا بآخرها، ضل أصحاب الثلاثة وتاهوا تيهاً بعيداً. إن الله تبارك وتعالي لا يقبل إلا العمل الصالح ولا يقبل الله إلا الوفاء بالشروط والعهود، فمن وفي لله عز وجل بشرطه واستعمل ما وصف في عهده نال ما عنده، واستكمل ما وعده، إن الله تبارك وتعالي أخبر العباد بطرق الهدي وشرع لهم فيها المنار وأخبرهم كيف يسلكون، فقال: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدي، وقال: إنما يتقبل الله من المتقين، فمن اتقي الله فيما أمره لقي الله مؤمناً بما جاء به محمد صلي الله عليه وآله، هيهات هيهات فات قوم وماتوا قبل أن يهتدوا وظنوا أنهم آمنوا، وأشركوا من حيث

لا يعلمون.

إنه من أتي البيوت من أبوابها اهتدي، ومن أخذ في غيرها سلك طريق الردي، وصل الله طاعة ولي أمره بطاعة رسوله، وطاعة رسوله بطاعته، فمن ترك طاعة ولاة الأمر لم يطع الله ولا رسوله، وهو الإقرار بما انزل من عند الله عز وجل، خذوا زينتكم عند كل مسجد، والتمسوا البيوت التي أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، فإنه أخبركم أنهم رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلب فيه القلوب والأبصار.

إن الله قد استخلص الرسل لأمره، ثم استخلصهم مصدقين بذلك في نذره، فقال: وإن من أمة إلا خلا فيها نذير. تاهَ من جهل، واهتدي من أبصر وعقل، إن الله عز وجل يقول: فإنها لا تعمي الأبصار و لكن تعمي القلوب التي في الصدور، وكيف يهتدي من لم يبصر؟ وكيف يبصر من لم يتدبر؟

إتبعوا رسول الله وأهل بيته صلي الله عليه وآله، وأقروا بما نزل من عند الله، واتبَّعوا آثار الهدي، فإنهم علامات الأمانة والتقي). انتهي.

دلالة الإستخلاص الإلهي علي العصمة

يدل لقب المُخْلَص بالفتح، علي عصمة صاحبه، لأن الله تعالي استخلصه، أي أنه استحق بعمله وتخليصه لفكرَه ونياته من الشوائب، أن يتقبله الله تعالي لنفسه فيجعله من المخلَصين له، وذلك يقتضي أنم يحميه حماية تامة من شوائب نية المعصية فضلاً عن فعلها.

وهذا معني المعصوم فقد قال الإمام الصادق عليه السلام في تعريفه: (المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالي: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). انتهي.(معاني الأخبار للصدوق: ص132).

وقد بيَّن الله تعالي أن عباده المخلَصين لهم علاقة خاصة معه، لكن ليست علاقة نسب ومصاهرة كما يتصورها بعض

الناس! قال تعالي: وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ. (الصافات:158-160).

وقال تعالي عن موسي عليه السلام: وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَي إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصاً وَكَانَ رسولاً نبياً. (مريم:51).

وقال عن يوسف عليه السلام:وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَءَا بُرْهَانَ رَبِّهِ، كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. (يوسف:24).

فقوله: إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، تعليلٌ لصرف السوء والفحشاء عنه، ومعناه أن يوسف عليه السلام لمَّا كان عبداً مخلَصاً مستخلصاً لنا، فقد صرفنا عنه الضرر والمعصية، فمقام الإستخلاص يستوجب هذه الدرجة العالية من العصمة والرعاية!

ومع هذا النص الإلهي، فلا قيمة لكل ما رووه من أن يوسف عليه السلام قد همَّ بالمعصية وفكر بالزنا، وجلس منها مجلس الرجل من المرأة! معاذ الله!

فكل ذلك إسرائيليات اليهود وطعنهم بيوسف عليه السلام، تلقفها عنهم رواة السلطة!

بل همَّت به لنفسها، وهمَّ بها أن يضربها، فرأي برهان ربه يقول له: أهرب ولا تضربها! فلو ضربها لرآه زوجها الذي كان لدي الباب، ولادَّعت عليه بأنه أرادها فلم تقبل فضربها! وللحق به السوء أي القتل! فدفع الله عنه بإخلاصه واستخلاصه السوء والضرر من زوجها، كما دفع عنه الفحشاء من أول ما راودته عن نفسه، وبقيت نيته خالصة لله تعالي، لم يشبها عمل ولا تفكير ولا نية بالفحشاء والزنا.

وقد تقدم قول الإمام الرضا عليه السلام من العيون:2/170: (وأما قوله عز وجل في يوسف: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا، فإنها همت بالمعصية وهمَّ يوسف بقتلها إن أجبرته لعظم ما تداخله فصرف الله عنه قتلها والفاحشة، وهو قوله عز وجل: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ.(يوسف:

24) يعني القتل والزنا).

أما جواب من تخيل أن معني (همَّ بها) فكَّر بالمعصية، فهو:

أن معني فعل(همَّ به) في اللغة: أراد به الضرر، فإن وُجدت قرينة صُرف عن معناه بحسبها، وإلا بقي عليه. ومراودة زليخا ليوسف عليه السلام قرينةٌ علي أن معني (همَّتْ به) أرادته لنفسها، لكن لاقرينة توجب صرف (همَّ بها) في يوسف عليه السلام عن معناها الأصلي، فيبقي معناه: هم أن يضربها كما ورد به الحديث.

وينبغي الغلفات إلي أن نوع الضرر المقصود ب_(همَّ به)قد يُصَرَّح به كقوله تعالي: وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ،(التوبة:13)، وقد يعرف بالقرينة كقوله تعالي:يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَاقَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا. (التوبة:74) أي بقتل النبي صلي الله عليه وآله كما دل الحديث.

وفي مسند أحمد:2/416 والبخاري3/61: (أن رجلاً أتي رسول الله يتقاضاه فأغلظ له قال فهمَّ به أصحابه، فقال: دعوه فإن لصاحب الحق مقالاً). انتهي.

أي همَّ المسلمون بطرده أو ضربه أو إيذائه، حيث لم يرد أن المسلمين هموا بقتل أحد في حضور النبي صلي الله عليه وآله بدون أمره.

وفي البحار:30/85، في قصة يهودي مع أبي بكر: (فوقف عليه وقال: إني أريد أن أسألك عن أشياء لايعلمها إلا نبي أو وصي نبي. فقال أبو بكر: سل عما بدا لك؟ فقال اليهودي: أخبرني عما ليس لله وعما ليس عند الله وعما لايعلمه الله؟ فقال أبو بكر: هذه مسائل الزنادقة! يا يهودي أو في السماء شئ لا يعلمه الله؟ وهمَّ به المسلمون، وكان في القوم ابن عباس فقال: ما أنصفتم الرجل! قال أبو بكر: أوَما سمعت ما تكلم به؟! فقال ابن عباس: إن كان عندكم جواب، وإلا فاذهبوا به إلي من يجيبه، فإني سمعت

رسول الله صلي الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: اللهم اهد قلبه وثبت لسانه...). انتهي.

فقوله (وهم به المسلمون) أي هموا بضربه، أو إيذائه.

علي أن قوله تعالي: لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ، كافٍ لتفسير معني همَّ بها، فمَن استخلصه الله تعالي لايمكن أن يهمَّ بالفحشاء!

وهنا يأتي دور فهم الفعل الإلهي في الإستخلاص وغيره، وأنه فعلٌ من عالم حكيم رحيم، بالعلم المطلق والحكمة المطلقة والرحمة الشاملة، فلا يصح أن نتصوره كأفعالنا القاصرة المحدودة!

وقد كشف لنا عز وجل أن استخلاصه عز وجل ليوسف عليه السلام يستوجب صرف السوء عنه، أي منع الغير من الإضرار به، وصرف الفحشاء عنه، أي جعل عقله وتقواه عليه السلام هما المسيطرين الحاكمين علي نوازعه الجسدية.

ولئن صح الإستثناء في صرف الله للسوء عن الأنبياءوالأوصياء عليهم السلام أو السماح به تجاههم لحِكَمٍ يعلمها سبحانه، فإن الإستثناء في صرف الفحشاء لايمكن، لأنه أمر يتعلق بفعل المستخلص فهومن لوازم الإستخلاص دائماً.

أما كيف تتم عصمة المستخلَص، فقد يكون من وسائلها (رصد الملائكة)، وقد يكون البرهان الذي أراه الله ليوسف عليه السلام أن الملك هتف به كما في الرواية.

وقد بيَّن الله تعالي أنه يستعمل رصد الملائكة لحفظ معلومة عن الغيب يخبر بها رسوله، فقال: قُلْ إن أدري أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أم يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَدًا. عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَي غَيْبِهِ أحداً. إِلا مَنِ ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أن قَدْأَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي كُلَّ شَئٍْ عدداً. (الجنّ:25-28)

والإستخلاص مقامٌ أعظمُ من حفظ ما يخبر به الله رسوله من الغيب، فلا بد أن تكون وسائل حفظ المستخلص

أكثر تفصيلاً من حفظ الغيب المخبر به.

هذا، وفي هذه الآيات أبحاث أخري لايتسع المجال لاستيفائها.

آيات الإجتباء تشبه آيات الإستخلاص

اجتبي الله آدم عليه السلام وعصمه

قال تعالي: وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي. ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَي. (طَهَ:121-122).

إبراهيم صلي الله عليه وآله أبو المجتبين وأبو الأنبياء

قال تعالي: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا للهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَداهُ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. (النحل:120-121).

المجتبون الهداة عليهم السلام شخصيات وأسر هم قدوات البشرية

قال تعالي: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَي الْعَالَمِينَ. وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ. ذَلِكَ هُدَي اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ. أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَي اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَإِلا ذِكْرَي لِلْعَالَمِينَ. (الأنعام:83-90).

وقال تعالي: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَي عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا. (مريم:58).

إجتباء يوسف عليه السلام وتعليمه من علم الغيب

وقال تعالي: قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَي إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ. وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأحاديث وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَي آلِ

يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَي أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. (يوسف:5-6)

اجتباء بعض الأنبياء عليه السلام يعني رفع درجتهم

وقال تعالي: لَوْلا أَنْ تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاءِ وَهُوَمَذْمُومٌ. فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ. (القلم:49-50).

إجتباء المؤمنين مستمر في هذه الأمة بعد النبي صلي الله عليه وآله

قال الله تعالي: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّي بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَي وَعِيسَي أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَي الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ.(الشوري:13).

وقال تعالي: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَسَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَوةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللهِ هُوَمَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَي وَنِعْمَ النَّصِيرُ. (الحج:77-78).

وقال تعالي: مَا كَانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَي مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّي يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَي الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ. (آل عمران:179).

في مفردات الراغب ص87: (واجتباء الله العبد تخصيصه إياه بفيض إلهي يتحصل له منه أنواع من النعم بلا سعي من العبد وذلك للأنبياءوبعض من يقاربهم من الصديقين والشهداء كما قال تعالي: وكذلك يجتبيك ربك. فاجتباه ربه فجعله من الصالحين. واجتبيناهم وهديناهم إلي صراط مستقيم. وقوله تعالي: ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدي. وقال عز وجل: يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب. وذلك نحو قوله

تعالي: إنا أخلصناهم بخالصة ذكري الدار).

وفي أساس البلاغة لزمخشري ص172: (واجتباه: اختاره. مستعار منه لأن من جمع شيئاً لنفسه فقد اختصه واصطفاه، وهو من جبوة الله وصفوته). انتهي.

والإجتباء علي مقام عظيم لكنه أعم من الإستخلاص في موضوعه، لأنه يشمل غير الأنبياء والأوصياء عليهم السلام كالمؤمنين من هذه الأمة، قال تعالي: وَجَاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.

ولا بد أنه أعم من الإستخلاص في وسائله أيضاً، ولذلك لا يدل علي العصمة إلا بقرينة، كما في آدم وغيره من الأنبياء عليهم السلام.

ونكتفي بغيراد بعض الأحاديث في الإجتباء والمجتبيْن:

ففي الكافي:1/444: من خطبة للإمام الصادق عليه السلام:(فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم، أن انتجب لهم أحب أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمد بن عبد الله صلي الله عليه وآله في حومة العز مولده، وفي دومة الكرم محتده، غير مشوب حسبه ولا ممزوج نسبه، ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشرت به الأنبياء في كتبها، ونطقت به العلماء بنعتها، وتأملته الحكماء بوصفها...الخ.)

وفي الكافي:8/370: (عن إبراهيم بن أبي زياد الكرخي قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن إبراهيم عليه السلام كان مولده بكوثي ربا وكان أبوه من أهلها وكانت أم إبراهيم وأم لوط سارة وورقة أختين وهما ابنتان للاحج وكان لاحج نبياً م نذراً ولم يكن رسولاً،وكان إبراهيم في شبيبته علي الفطرة التي فطر الله عز وجل الخلق عليها، حتي هداه الله تبارك وتعالي إلي دينه واجتباه، وإنه تزوج سارة ابنة لاحج وهي ابنة خالته، وكانت سارة صاحبة ماشية كثيرة وأرض واسعة وحال حسنة، وكانت قد ملَّكت إبراهيم عليه السلام

جميع ما كانت تملكه، فقام فيه وأصلحه وكثرت الماشية والزرع حتي لم يكن بأرض كوثي ربا رجل أحسن حالاً منه).

وفي الإحتجاج:1/133، من خطبة الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام قالت:

(وأشهد أن أبي محمداً عبده ورسوله اختاره قبل أن أرسله، وسماه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، وبستر الأهاويل مصونة، وبنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالي بما يلي الأمور، وإحاطة بحوادث الدهور، ومعرفة بموقع الأمور. ابتعثه الله إتماماً لأمره، وعزيمة علي إمضاء حكمه، وإنفاذاً لمقادير حتمه).

وفي تفسير الثعالبي:1/221: (قوله تعالي: وعصي آدم ربه فغوي، ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدي. فذكر أن الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان، وقيل بل أكلها، وهو متأول، وهو لا يعلم أنها الشجرة التي نهي عنها، لأنه تأول نهي الله تعالي عن شجرة مخصوصة لاعلي الجنس، ولهذا قيل: إنما كانت التوبة من ترك التحفظ لا من المخالفة، وقيل: تأول أن الله تعالي لم ينهه عنها نهي تحريم).

وفي تفسير الثعالبي:3/102: (وينزه آدم وحواء عن طاعتهما لإبليس، ولم أقف بعد علي صحة ما روي في هذه القصص، ولو صح لوجب تأويله، نعم روي الترمذي عن سمرة بن جندب، عن النبي(ص)قال: لما حملت حواء، طاف بها إبليس وكان لايعيش لها ولد، فقال لها سميه عبد الحارث، فسمته عبد الحارث فعاش ذلك، وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره! قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب انفرد به عمر بن إبراهيم عن قتادة، وعمر شيخ بصري. انتهي. وهذا الحديث ليس فيه أنهما أطاعاه، وعلي كل حال: الواجب التوقف والتنزيه لمن اجتباه الله وحسن التأويل ما أمكن، وقد قال ابن العربي في توهين هذا القول وتزييفه: وهذا القول ونحوه

مذكور في ضعيف الحديث في الترمذي وغيره، وفي الإسرائيليات التي ليس لها ثبات، ولا يعول عليها من له قلب، فإن آدم وحواء وإن كانا غرهما بالله الغرور فلا يلدغ المؤمن من حجر مرتين، وما كانا بعد ذلك ليقبلا له نصحاً ولا يسمعاً له قولا، والقول الأشبه بالحق: أن المراد بهذا جنس الآدميين). انتهي.

آيات نفي سلطان الشيطان علي المخلصين

قال الله تعالي: قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأرض وَلأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. (الحجر:39-42).

وقال تعالي: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين. إِلاعِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ.(ص:82-83).

وقال تعالي: قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فإن جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُورًا. وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ وَالأولادِ وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إلا غُرُورًا. إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَي بِرَبِّكَ وَكِيلاً. (الإسراء:63-65).

وقال تعالي:فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ. إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَي الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَي رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ. إنما سُلْطَانُهُ عَلَي الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ. (النحل:98-100).

وقال تعالي: إِنْ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا إِنَاثًا وَإِنْ يَدْعُونَ إِلا شَيْطَانًا مَرِيدًا. لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لاتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً. (النساء:117-118).

وجه دلالتها علي العصمة

نصت الآيات الكريمة علي أن عباد الله المخلصين لاسبيل للشيطان عليهم، وهذا يعني عصمتهم. أما الإشكالات التي قد تورد علي هذا الإستدلال فهي مردودة، وهذه خلاصة لها ولأجوبتها:

الأول: أن مصادر الشر ثلاثة: الشيطان والنفس والناس، فنفي تأثير الشيطان عن إنسان لايعني نفي تأثير مصادر الشر الأخري، فيبقي في معرض المعصية.

وجوابه: أن المفهوم من آيات نفي تأثير الشيطان وأحاديثها، أن هذه الدرجة لاتعطي لإنسان إلا بعد أن يكون غالباً لهواه قوياً إمام تأثير الناس، فبها تكتمل نعمة الله علي الإنسان المخلَص بالعصمة. وسنورد طرفاً من أحاديثها.

والإشكال الثاني: أن نفي سلطان الشيطان في قوله تعالي: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ، وقوله تعالي: إِلاعِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، يعني نفي سلطنته الكاملة علي سلوك الإنسان ولاينفي بقاء تأثيره إلي حد،

وهذا ينافي العصمة.

وجوابه: أن الله تعالي نفي سلطان الشيطان عن جميع الناس في قوله تعالي: وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ، (ابراهيم:22) وقوله تعالي: فَاتَّبَعُوهُ إِلا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ.. (سبأ:20-21). ثم نفاه في الآية عن عباد الله الخاصين المستخلصين، فدل ذلك علي أنه معناه نفي مطلق التأثير، وإلا لكان تخصيصه بعباده الخاصين لغواً.

والإشكال الثالث:أن عبادي في قوله تعالي: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (الحجر:42والإسراء:65)، لاتعني عباد الله الخاصين بل كل العباد، فلا تبقي ميزة للمخلصين في نفيها عنهم لتدل علي امتيازهم بها، فضلاً عن عصمتهم.

قال صاحب الميزان:12/166: (فإذا أمعنت في الآية وجدتها ترد علي إبليس قوله لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، من ثلاث جهات أصلية:

إحداها، أنه حصر عباده في المخلصين منهم ونفي عنهم سلطان نفسه وعمم سلطانه علي الباقين. والله سبحانه عمم عباده علي الجميع، وقصر سلطان إبليس علي طائفة منهم، وهم الذين اتبعوه من الغاوين، ونفي سلطانه علي الباقين.

والثانية، أنه لعنه الله ادعي لنفسه الإستقلال في إغوائهم كما يظهر من قوله لأغوينهم في سياق المخاصمة والتقريع بالإنتقام. والله سبحانه يرد عليه بأنه منه مزعمةٌ باطلة وإنما هو عن قضاء من الله وسلطان بتسليطه، وإنما ملكه إغواء من اتبعه وكان غاوياً في نفسه وبسوء اختياره، فلم يأت إبليس بشئ من نفسه، ولم يفسد أمراً علي ربه، لا في إغوائه أهل الغواية فإنه بقضاء من الله سبحانه أن يستقر لأهل الغواية غيهم بسببه.

وقد اعترف لعنه الله بذلك بعض الإعتراف بقوله رب بما أغويتني ولا في استثنائه المخلصين فإنه أيضاً بقضاء من الله نافذ

فلا حكم الا لله. وهذا الذي تفيده الآية الكريمة أعني تسليط إبليس علي إغواء الغاوين الذين هم في أنفسهم غاوون وتخليص المخلصين وهم مخلصون في أنفسهم من كيده، كل ذلك بقضاء من الله مبني علي أصل عظيم يفيده التوحيد القرآني المفاد بأمثال قوله تعالي: إن الحكم إلا لله،(يوسف:67) وقوله: وهو الله لا إله إلا هو له الحمد في الأولي والآخرة وله الحكم، (القصص:70) وقوله: الحق من ربك (آل عمران:60) وقوله: ويحق الله الحق بكلماته، (يونس:82)، وغير ذلك من الآيات الدالة علي أن كل حكم إيجابي أو سلبي فهو مملوك لله نافذٌ بقضائه.

ومن هنا يظهر ما في تفسيرهم قوله: إلا من اتبعك من الغاوين، من المسامحة فإنهم قالوا إنه إذا قبل من إبليس واتبعه صار له سلطان عليه بعدوله عن الهدي إلي ما يدعوه إليه من الغي، وظاهره أنه سلطان قهري يحصل لإبليس عن سوء اختيارهم ليس من عند نفسه، ولا بجعل من الله سبحانه.

وجه الفساد: أن فيه أخذ الإستقلال والحول الذاتي من إبليس وإعطاؤه ذوات الأشياء، ولو كان إبليس لايملك شيئاً من عند نفسه وبغير إذن ربه، فالأشياء والأمور أيضاً لاتملك لنفسها شيئاً ولا حكماً حتي الضروريات ولوازم الذوات، إلا بإذن من الله وتمليك فافهمه.

والثالثة، إن سلطانه علي إغواء من يغويه وإن كان بجعل وتسليط من الله سبحانه، إلا أنه ليس بتسليط علي الإغواء والإضلال الإبتدائي غير الجائز إسناده إلي ساحته سبحانه، بل تسليط علي الإغواء بنحو المجازاة المسبوق بغوايتهم من عندهم وفي أنفسهم. والدليل علي ذلك قوله تعالي: إلا من اتبعك من الغاوين فإبليس إنما يغوي من اتبعه بغوايته، أي أن الإنسان يتبعه بغوايته أولاًفيغويه هو ثانياً، فهناك غواية بعدها إغواء

والغواية إجرام من الإنسان والإغواء بسبب إبليس مجازاة من الله سبحانه. ولو كان هذا الإغواء إغواء ابتدائياً من إبليس لمن لا يستحق ذلك لكان هو الأليق باللوم دون الإنسان، كما يذكره يوم القيامة علي ما يحكيه سبحانه بقوله: وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم. إبراهيم: 22، فاللوم علي الإنسان المجرم وهو مسؤول عن معصيته دون إبليس. نعم إبليس ملوم علي ما يتلبس به من الفعل بسوء اختياره وهو الإغواء الذي سلطه الله عليه، مجازاةً لما امتنع من السجود لآدم لما أمر به. فالإغواء هو الذي استقرت ولايته عليه كما يشير سبحانه إليه في موضع آخر من كلامه إذ يقول: إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون، الأعراف: 27، وقال تعالي وهو أوضح ما يؤيد جميع ما قدمناه: كتب عليه انه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلي عذاب السعير.(الحج:4).). انتهي.

وجوابه: أن كلمة عبادي في الآية وأمثالها كقوله تعالي:يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ إرْجِعِي إلي رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي. (الفجر:27-30) تعني عباد الله الخاصين، وإضافة العباد اليه تعالي إضافة تشريف من قبيل (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) (الحجر:29) فهي روح مخلوقة نسبها الله سبحانه إلي نفسه. كما نسب البيت الحرام والمسجد اليه.

وقد أجمع المفسرون واللغويون وأحاديث النبي وآله صلي الله عليه وآله علي ذلك، لكن الأمر اشتبه علي صاحب الميزان رحمه الله فعمم كلمة عبادي! لأنه تصور أن تخصيصها يعطي لإبليس سلطاناً علي الباقين، وهذا ينافي توحيد الله تعالي بالفاعلية، وينافي قانون حرية الإنسان ومسؤوليته عن عمله.

والصحيح أنه لايلزم شئ من ذلك. أما السلطان الذي أعطي لإبليس ونصَّ عليه الله تعالي بقوله: إِنَّمَا

سُلْطَانُهُ عَلَي الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ.(النحل:100) وقوله: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ. (الحجر:42). فلم يقل أحد إنه سلطان ابتدائي بلا أرضية من نياتهم وعملهم تجعلهم مستحقين لتسلطه عليهم، فيزدادون غواية إلي غوايتهم، ومعني نفي سلطانه عن عباد الله الخاصين أنهم بلطف ربهم لاتوجد فيهم أرضية استعمار للشيطان.

فقوله رحمه الله: (وجه الفساد: أن فيه أخذ الإستقلال والحول الذاتي من إبليس وإعطاؤه ذوات الأشياء، ولو كان إبليس لايملك شيئاً من عند نفسه وبغير إذن ربه، فالأشياء والأمور أيضاً لاتملك لنفسها شيئاً ولا حكماً حتي الضروريات ولوازم الذوات، إلا بإذن من الله وتمليك) انتهي.

هذا القول، يصلح رداً علي الثنوية القائلين بشراكة إبليس مع الله تعالي، أو علي الماديين القائلين بألوهية الأسباب والأشياء أو شراكتها مع الله تعالي!

أما الأحاديث وعامة المفسرين الذين فسروا الآية بوجود سلطان ما للشيطان علي قسم من الناس، وعدم وجوده علي عباد الله الخاصين، فإنما قصدوا سلطانه الذي نص عليه الله تعالي، وهو سلطان مترتب علي غواية الإنسان نفسه وليس في عرضها، وسلطان تحت سيطرة الله تعالي وليس في عرضها.

والإشكال الرابع: أن تفسير الآية بعصمة المخلَصين، ونفي سلطان الشيطان وكل أنواع تأثيره عليهم، يستوجب نفي نزغه ووسوسته ومسِّه لهم، مع أن القرآن نص علي وسوسة الشيطان لآدم وزوجه فقال: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَي شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَي. (طَهَ:20).

وقال: فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأرض مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إلي حِينٍ. (البقرة:36).

ووصف آدم وحواء بأنهما تأثرا بوسوسة الشيطان: فَأَكَلا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ

وَعَصَي آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَي. (ط_ه:121). ونص علي مسِّ الشيطان لأيوب عليه السلام فقال: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أيوب إِذْ نَادَي رَبَّهُ إني مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابِ. اُرْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ. (صاد:41-42).

ووصف يوسف بأنه أنساه الشيطان فقال: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا أذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ. (يوسف:42).

ووصف إنساءه لموسي عليه السلام فقال: قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إلي الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً. (الكهف:63). ووصف قتل موسي عليه السلام لعدوه بأنه من عمل الشيطان، فقال: وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَي فَقَضَي عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ. قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. (القصص:15-16).

وأخبر أن النبي صلي الله عليه وآله قد يصيبه نزغٌ من الشيطان، وطائفٌ منه فقال له: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ أنه هُوَالسَّمِيعُ الْعَلِيمُ. (فُصِّلَتْ:36).

وقال له: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إنهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إذا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ. (الأعراف:201).

وقال له: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّي يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.(الأنعام:68).

وجوابه: مع ما سنذكره من تفسير الآيات، أنا لو سلمنا أن الشيطان يمكنه أن يوسوس أو ينزغ أو يمس المعصوم عليه السلام، فلا يدل ذلك علي تأثيره عليه وتسبيبه وقوعه في المعصية،

فلا يقدح في عصمته.

فالنزغ هو محاولة تخريب الأمر، قال الراغب ص488: (النزغ دخول في أمر لإفساده، قال: مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي). انتهي. فالسماح له بالنزغ لايعني تأثيره علي المعصوم عليه السلام إلي حد إيقاعه في المعصية.

ومسُّ الشيطان يعني أذاه أو محاولته الأذي، ولا يدل أيضاً علي تسبيبه وقوع المعصوم في المعصية، قال الراغب ص467: (المس كاللمس لكن اللمس قد يقال لطلب الشئ، وإن لم يوجد كما قال الشاعر: وألمسه فلا أجده. والمس يقال فيما يكون معه إدراك بحاسة اللمس. وكنَّي به عن النكاح فقيل: مسها وماسها....وكني بالمس عن الجنون قال:كالذي يتخبطه الشيطان من المس. والمس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذي نحو قوله: وقالوا لن تمسنا النار. مستهم البأساء والضراء. ذوقوا مس سقر. مسني الضر. مسني الشيطان. مستهم إذا لهم مكر في آياتنا. وإذا مسكم الضر). انتهي.

وكذلك الوسوسة، فهي تعني أن الشيطان يُحدث في ذهن الإنسان خطورات رديئة، ولو سلمنا إمكان ذلك في ذهن المعصوم فلا نسلم أن المعصوم عليه السلام يخضع لها بل يطردها. قال الراغب ص522: (الوسوسة: الخطرة الرديئة، وأصله من الوسواس وهو صوت الحلي والهمس الخفي، قال: فوسوس إليه الشيطان. وقال: من شر الوسواس. ويقال لهمس الصائد: وسواس). انتهي.

علي أن التفسير الذي افترضه الإشكال للآيات غير دقيق، وقد تقدم جواب الإمام الرضا عليه السلام عن وسوسة الشيطان لآدم وحواء عليهما السلام ومعصيتهما وأنها كانت في الجنة وليست في الأرض، قال عليه السلام:(فإن الله عز وجل خلق آدم حجة في أرضه وخليفة في بلاده لم يخلقه للجنة، وكانت المعصية من آدم في الجنة لا في الأرض، وعصمته يجب أن تكون في الأرض لتتم

مقادير أمر الله، فلما أهبطه إلي الأرض وجعله حجة وخليفة عصمه بقوله عز وجل: إن الله اصْطَفَي آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهيم وَآلَ عِمْرَانَ عَلَي الْعَالَمِينَ. (آل عمران: 33) انتهي.

وفي مسند الإمام الرضا عليه السلام:2/125: (وإنما كان من الصغائر الموهوبة التي تجوز علي الأنبياء قبل نزول الوحي عليهم، فلما اجتباه الله تعالي وجعله نبياً كان معصوماً، لا يذنب صغيرة ولا كبيرة، قال الله عز وجل:وعصي آدم ربه فغوي ثم اجتباه ربه، فتاب عليه فهدي). انتهي.

أقول: إن صح الحديث بأن الأنبياء عليهم السلام غير معصومين عن الصغائر قبل البعثة فهو يصح في بعضهم كآدم عليه السلام، ولا يصح في كبارهم كنبينا وأوصيائه صلي الله عليه وآله، لأنه ثبت أن عصمتهم اعلي درجة من عصمة جميع الأنبياء عليهم السلام.

وأما قول أيوب عليه السلام: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أيوب إِذْ نَادَي رَبَّهُ إني مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابِ، فلا يدل علي تأثيره عليه في معصية، بل هو كقوله تعالي: وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَي رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.(الأنبياء:83).

قال في مجمع البيان:8/364: (أي بتعب ومكروه ومشقة. وقيل: بوسوسة فيقول له: طال مرضك ولا يرحمك ربك، عن مقاتل. وقيل: بأن يذكره ما كان فيه من نعم الله تعالي من الأهل والولد والمال، وكيف زال ذلك كله، وحصل فيما هو فيه من البلية، طمعاً أن يزله بذلك، ويجد طريقاً إلي تضجره وتبرمه فوجده صابراً مسلماً لأمر الله).انتهي.

وأما قوله تعالي: أذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ، فمعناه أن يوسف عليه السلام قال للناجي من السجن: أذكرني عند سيدك، أي عزيز مصر، فنسي الناجي أن يذكره عنده، فلا علاقة له بإنساء الشيطان ليوسف عليه السلام.

وأما قوله تعالي: وَمَا أَنْسَانِيهُ

إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ، فالذي أنساه الشيطان أن يذكر قصة الحوت لموسي عليه السلام، هو فتاه المرافق له، وليس موسي عليه السلام.

وقال في الميزان:13/31: (ولاضير في نسبة الفتي نسيانه إلي تصرف من الشيطان بناء علي أنه كان يوشع بن نون النبي والأنبياءفي عصمة إلهية من الشيطان، لأنهم معصومون مما يرجع إلي المعصية، وأما مطلق إيذاء الشيطان فيما لا يرجع إلي معصية فلا دليل يمنعه قال تعالي: وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَي رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ). انتهي.

وأما قوله تعالي عن موسي عليه السلام: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان، فقد تقدم جواب الإمام الرضا عليه السلام للمأمون:(إن موسي دخل مدينه من مدائن فرعون عَلَي حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أهلها، وذلك بين المغرب والعشاء، فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلأن هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَي الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ، فقضي موسي علي العدو، وبحكم الله تعالي ذِكْره فَوَكَزَهُ، فمات! قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَان، يعني الإقتتال الذي كان وقع بين الرجلين، لا ما فعله موسي عليه السلام من قَتْلِهِ. أنه عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ، يعني الشيطان. فقال المأمون: فما معني قول موسي: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي؟ قال: يقول: إني وضعت نفسي غير موضعها بدخولي هذه المدينة، فَاغْفِرْ لِي، أي أسترني من أعدائك لئلا يظفروا بي فيقتلوني، فَغَفَرَ لَهُ أنه هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قال موسي عليه السلام: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ، من القوة حتي قتلت رجلاً بوكزة، فَلَنْ أكون ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ، بل أجاهد سبيلك بهذه القوة حتي ترضي.فَأَصْبَحَ موسي عليه السلام فِي الْمَدِينَةِ خَائِفاً يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ علي آخر، قَالَ لَهُ مُوسَي إنك لَغَوِيٌّ مُبِينٌ، قاتلت رجلاً بالأمس

وتقاتل هذا اليوم، لأوذينك، وأراد أن يبطش به فَلَمَّا أن أراد أن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا وهو من شيعته قَالَ يَا مُوسَي أَتُرِيدُ أن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نفساً بِالأَمْسِ أن تُرِيدُ إلا أن تَكُونَ جَبَّاراً فِي الأرض وَمَا تُرِيدُ أن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ.

قال المأمون: جزاك الله عن أنبيائه خيراً يا أبا الحسن، فما معني قول موسي لفرعون: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ؟قال الرضا عليه السلام: إن فرعون قال لموسي لما أتاه: وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ، بي! قال موسي: فَعَلْتُهَا إذا وأنا مِنَ الضَّالِّينَ، عن الطريق بوقوعي إلي مدينه من مدائنك، فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ، وقد قال الله عز وجل لنبيه محمد صلي الله عليه وآله: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَي، يقول: ألم يجدك وحيداً فآوي إليك الناس. وَوَجَدَكَ ضَالاً، يعني عند قومك، فَهَدَي، أي هداهم إلي معرفتك. وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَي، يقول: أغناك بأن جعل دعاءك مستجاباً). (العيون:2/177والإحتجاج:2/218).

وأما مجرد خطاب الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وآله في الآيتين: وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ، وقوله له: وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، فهو من باب مخاطبة المسلمين من خلال النبي صلي الله عليه وآله، ولايدل علي أن النبي صلي الله عليه وآله في معرض النزغ والإنساء من الشيطان.

فتبين بذلك، أن كل ما يتصور أنه تسليط للشيطان علي المعصومين صلوات الله عليهم، لا يصحُّ، وإن صحَّ فهو محدودٌ لايؤدي إلي وقوعهم في المعصية، فتبقي آية: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ (الحجر:42والإسراء:65)، علي ظهورها في تحقق عصمتهم، ومنع تأثيره عليهم عليهم السلام.

الحكمة من نزول آيات متشابهة في عصمة الأنبياء

سؤال يرد في الذهن: لماذا

جعل الله تعالي بعض الآيات المتعلقة بعصمة أنبيائه عليهم السلام من المتشابهات التي توهم وقوعهم في المعاصي؟

والجواب: نعم، لقد تضمنت الآيات المتعلقة بسلوك الأنبياء عليهم السلام آيات محكمة كقوله تعالي عن نبينا صلي الله عليه وآله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي.إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي، والذي يعصم الله منطقه فلا يفتح فمه عن كلمة إلا بوحي وعصمة إلهية، لايمكن أن يصدر منه فعلٌ ولا حركةٌ ولا سكونٌ إلا بعصمة إلهية!

وفي نفس الوقت توجد آيات تُوهم وقوعه في الذنب والمعصية كقوله تعالي: لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. (الفتح: 2). والحكمة المتصورة من ذلك:

أولاً، لعله سبحانه أراد أن يؤكد بشريتهم حتي لايعبدوا من دونه، وأن يبين أن عصمتهم الكاملة محاطة بغلاف وحجاب. ويؤيد ذلك ما رواه الطوسي في كتاب الغيبة ص324، قال رحمه الله (وأخبرني جماعة، عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال: حدثني محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رحمه الله قال: كنت عند الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح رضي الله عنه مع جماعة منهم علي بن عيسي القصري، فقام إليه رجل فقال: إني أريد أن أسألك عن شئ؟ فقال له: سل عما بدا لك، فقال الرجل: أخبرني عن الحسين عليه السلام أهو وليُّ الله؟ قال: نعم، قال: أخبرني عن قاتله لعنه الله أهو عدو الله؟ قال: نعم، قال الرجل: فهل يجوز أن يسلط الله عز وجل عدوه علي وليه؟

فقال له أبو القإسم قدس سره: إفهم عني ما أقول لك، إعلم أن الله تعالي لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان، ولا يشافههم بالكلام، ولكنه جلت عظمته يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم

وأصنافهم بشرا مثلهم، ولو بعث إليه رسلاً من غير صفتهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم، فلما جاؤوهم وكانوا من جنسهم يأكلون ويمشون في الأسواق قالوا لهم: أنتم مثلنا لا نقبل منكم حتي تأتوا بشئ نعجز عن أن نأتي بمثله فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه، فجعل الله عز وجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها.

فمنهم من جاء بالطوفان بعد الإعذار والإنذار، ففرق جميع من طغي وتمرد.

ومنهم: من ألقي في النار فكانت عليه برداً وسلاماً.

ومنهم: من أخرج من الحجر الصلد الناقة وأجري من ضرعها لبناً.

ومنهم: من فلق له البحر، وفجر له من الحجر العيون، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون.

ومنهم: من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتي بإذن الله، وأنبأهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم.

ومنهم: من انشق له القمر وكلمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.

فلما أتوا بمثل ذلك وعجز الخلق من أممهم أن يأتوا بمثله، كان من تقدير الله جل جلاله ولطفه بعباده وحكمته، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين وأخري مغلوبين، وفي حال قاهرين وأخري مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم، لاتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل! ولما عُرف فضل صبرهم علي البلاء والمحن والإختبار! ولكنه جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلوي صابرين، وفي حال العافية والظهور علي الأعداء شاكرين، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلهاً هو خالقهم ومدبرهم، فيعبدوه ويطيعوا رسله، ويكونوا حجة لله ثابتة علي من تجاوز الحد فيهم وادعي لهم الربوبية،

أو عاند وخالف وعصي وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَي مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ! قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه: فعدت إلي الشيخ أبي القإسم الحسين بن روح قدس سره من الغد، وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟! فابتدأني فقال: يا محمد بن إبراهيم لئن أخرَّ من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح من مكان سحيق، أحبُّ إليَّ من أن أقول في دين الله برأيي ومن عند نفسي! بل ذلك من الأصل ومسموع من الحجة صلوات الله وسلامه عليه). (ورواه في الاحتجاج:2/284).

ثانياً، ابتلاء المسلمين لكي يتوفق بعضهم فينفذ من حجاب المتشابه ويصل إلي نور المحكم، ويبقي المتخلف يعيش في خطأ تصوره عن مقام النبي صلي الله عليه وآله.

معجزة الجغرافية القرآنية

لماذا تكلم القرآن في هذا الموضوع، ولم يتكلم في ذاك؟

ولماذا تكلم في هذا مرتين، وفي ذاك مرة واحدة؟

وأطال في هذا، واختصر في ذاك؟

وأجمل في هذا، وبين في ذاك؟

وذكر هؤلاء بأسمائهم، ولم يذكر أولئك؟

واستعمل التصريح هنا، والكناية هنا؟

وقال هنا كذا، وهناك كذا؟

وهذا الأسلوب، وذاك الأسلوب، وهذا التعبير وذاك، وهذه الكلمة وتلك؟

ولماذا أقيم بناؤه علي المحكم والمتشابه، والعام والخاص، والمجمل والمبين والمطلق والمقيد، والناسخ والمنسوخ؟

الجواب علي ذلك: أن القرآن بناءٌ ربانيُّ يحير عنده الذهن، ويخشع له العقل! وكما يتميز عن كل ما قرأت وسمعت ببلاغته، فكذلك بمقاصده وأهدافه!

لقد أتقن الله تعالي بناء القرآن بدقة متناهية وإعجاز كبناء السماء! (فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ). (سورة الواقعة: 75_77)

والتناسب القرآني بين عناصر

القسم يدل علي التشابه في دقة بناء السماء ومواقع نجومها، ودقة سور القرآن وآياته وكلماته وحروفه!

وإلي اليوم لم يكتشف العلماء من بناء الكون إلا القليل، وكلما اكتشفوا جديداً خضعت أعناقهم لبانيه عز وجل! ولم يكتشفوا من بناء القرآن إلا القليل، وكلما اكتشفوا منه جديداً خضعت أعناقهم لمعماره عز وجل!!

والحديث التالي يكشف لنا عجائب في البناء القرآني، ففي دعائم الإسلام:2/ 146:

(عن علي عليه السلام قال: اعتلَّ الحسين فاشتد وجعه، فاحتملته فاطمة فأتت به النبي صلي الله عليه وآله مستغيثة مستجيرة فقالت: يارسول الله أدع الله لابنك أن يشفيه، ووضعته بين يديه، فقام صلي الله عليه وآله حتي جلس عند رأسه، ثم قال: يا فاطمة يا بنية، إن الله هو الذي وهبه لك، هو قادر علي أن يشفيه. فهبط علي جبرئيل فقال: يا محمد، إن الله لم ينزل عليك سورة من القرآن إلا فيها فاء وكل فاء من آفة، ما خلا (الحمد لله) فإنه ليس فيها فاء، فادع بقدح من ماء فاقرأ فيه الحمد أربعين مرة ثم صبه عليه فإن الله يشفيه، ففعل ذلك فكأنما أنشط من عقال)! (وجامع أحاديث الشيعة:15/83).

يعني ذلك: أن ما يبدو لنا من القرآن عادياً بسبب سذاجتنا، كله تابعٌ لحساب بل حسابات، إلهية لا بشرية، وأن هذه الحروف الثمانية والعشرين في القرآن عوالم من الرياضيات والعلوم والحقائق، وليست حروف كتاب بشري!

فوجود الحرف له دلالة بل دلالات، وعدم وجوده، وعدده، وتوزيعه في الآية، وفي السورة، وفي كل القرآن!

الله أكبر.. فحيثما كانت الفاء في سورة أو موضوع، فهي تدل علي وجود آفة! وحيثما وجدت الباء، والسين، وكل الحروف، تدل علي حقائق أخري!

ثم ما معني الآفة؟ وما معني خلو

سورة الحمد منها؟ وما معني قراءة كلام الله الذي ليس فيه آفة علي قدح ماء؟ وماذا يؤثر تكرار القراءة؟ وهل يتغير تركيب الماء بذلك؟ ثم هل تؤثر فيزياؤه المطورة في بدن المريض وتذهب منه الآفة؟!

من المؤكد أنه يوجد ارتباط بين النظام الفيزيائي والروحي للكون، وبين نظام القرآن، وأن للقرآن إمكانات تأثير متنوعة علي عالمي الروح والمادة، هي لون أو ألوان من فاعليات الله تعالي في الكون، لأن القرآن كلامه سبحانه!

ومن المؤكد أن النبي صلي الله عليه وآله أعطي من معرفة ذلك أقصي ما يمكن أن يعطاه إنسان ويحتمله، لأنه صلي الله عليه وآله أفضل بني الإنسان، بل أفضل المخلوقات والمصطفي منها جميعاً، ولقد أجاد الشاعر الأزري بقوله:

قلَّبَ العالمين ظهراً لبطنفرأي ذات أحمد فاصطفاه

ولكن النبي صلي الله عليه وآله لم يكن يستعمل ذلك إلا بأمر الله تعالي أو إجازته، وهذه قضية مهمة في شخصيته وسلوكه صلي الله عليه وآله، حيث أعطي وسائل العمل الإعجازي، ومع ذلك كان يعمل في كل أموره بالأسباب والقوانين الطبيعية العادية، ولا يستعمل الإعجاز إلا عندما يؤمر، أو عند (الضرورة).

إن الفرق بينه وبين موسي والخضر أن الخضر أعطي العلم اللدني أو علم الباطن فهو يعمل بموجبه، وموسي أعطي الشريعة أو علم الظاهر فهو يعمل بموجبها. أما نبينا صلي الله عليه وآله فقد أعطي العلمين معاً، ولكنه يعمل بالظاهر إلا عندما يؤمر أو عند الضرورة! وهذه هي سنة الله تعالي، فهو لا يطلع علي غيبه أحداً إلا من ارتضاه، ولا يرتضيه حتي يستوعب مسألة العمل بالقوانين الطبيعية والغيبية ويسلم لإرادة الله فيها! ثم يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا!

والقرآن أكبر، أو من أكبر، تلك الوسائل التي

أعطاها الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وآله، وقد كان له ترتيب نزل به منجماً في بضع وعشرين سنة، وكان يؤدي فيه إدارة أحداث النبوة وصناعة الأمة وتوجيه النبي والأمة، وتسجيل كل ذلك للأجيال. ثم صار له ترتيب ككتاب تقرؤه الأجيال، كتاب له مقدمة وفصول وفقرات. أحدث من كل ما أنتجه وينتجه المؤلفون في منهجة التأليف والأسلوب!

فما المانع أن يكون للقرآن ترتيب ثالث، ورابع، وخامس، أملاه النبي صلي الله عليه وآله علي علي عليه السلام وادخره عنده مع وصيته المحفوظة وعهده المعهود إلي ولده المهدي الذي بشر به الأمة والعالم؟ والذي يظهر الله علي يديه صدق دين جده علي الدين كله، فتخضع لبراهينه العقول والأعناق!

أرواحنا فداه وعجل الله ظهوره.

وإذا كان نظام حروف القرآن كذلك، فما قولك في جغرافيته العلمية، وما ذكره الله فيه وما لم يذكره، ومحكمه ومتشابهه، ومجمله ومبينه...؟!

العصمة و قاعدة اللطف

معني العصمة في القرآن واللغة والحديث

وردت العصمة في القرآن بمعني المنع من عذاب الله في الدنيا: (قَالَ سَآوِي إلي جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لاعَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلا مَنْ رَحِمَ) (هود:43).

والمنع من عذابه في الآخرة: قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً. (الأحزاب:17). وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ (يونس:27). والأعم منهما: يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ. (غافر:33).

وفي الإمتناع عن الحرام: وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ. (يوسف:32).

أما قوله تعالي: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ. (المائدة:67)، فقد بينا في كتاب (آيات الغدير) أن العصمة فيها ليست بمعني عصمة

الأنبياء المصطلحة، فهي عصمة من الناس وليست عصمة عن المعاصي، وقد نزلت في آخر سورة قبل وفاة النبي صلي الله عليه وآله بنحو ثمانين يوماً، و كان صلي الله عليه وآله قبلها معصوماً عن المعاصي.

فلا بد أن يكون المقصود فيها عصمته صلي الله عليه وآله من أن يطعن الناس بنبوته أو يرتدوا عن الإسلام، إن بلغ ما أنزل اليه في علي عليه السلام.

وقال الراغب في مفرداته: (العَصْمُ: الإمساك، والإعتصام: الإستمساك...والعصام ما يعصم به أي يشد. وعصمة الأنبياء عليهم السلام حفظه إياهم أولاً بما خصهم به من صفاء الجوهر، ثم بما أولاهم من الفضائل الجسمية والنفسية، ثم بالنصرة وبتثبيت أقدامهم، ثم بإنزال السكينة عليهم، وبحفظ قلوبهم وبالتوفيق، قال تعالي: وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ.

قال الخليل في كتاب العين: العصمة أن يعصمك الله من الشر، أي يدفع عنك. واعتصمت بالله أي امتنعت به من الشر، واستعصمت أي أبيت، وأعصمت أي لجأت إلي شئ اعتصمت به... وأعصمت فلاناً: هيأت له ما يعتصم به. والغريق يعتصم بما تناله يده، أي: يلجأ إليه... والعصمة: المنع. يقال عصمه الطعام، أي منعه من الجوع. والعصمة: الحفظ. يقال: عصمته فانعصم. واعتصمت بالله، إذا امتنعت بلطفه من المعصية). انتهي

وفي الفروق اللغوية ص464: الفرق بين اللطف والتوفيق: أن اللطف هو فعل تسهل به الطاعة علي العبد، ولا يكون لطفاً إلا مع قصد فاعله وقوع ما هو لطف فيه من الخير خاصة، فأما إذا كان ما يفعل عنده قبيحاً وكان الفاعل له قد أراد ذلك، فهو انتقاد وليس بلطف.

والتوفيق فعل ما تتفق معه الطاعة، وإذا لم تتفق معه الطاعة لم يسم توفيقاً ولهذا قالوا إنه لايحسن الفعل...

واللطف قد يتقدم الفعل بأوقات

يسيرة يكون له معها تأثير في نفس الملطوف له، ولا يجوز أن يتقدمه بأوقات كثيرة حتي لايكون له معها في نفسه تأثير، فكل توفيق لطف وليس كل لطف توفيقاً....

والعصمة هي اللطيفة التي يمتنع بها عن المعصية إختياراً، والصفة بمعصوم إذا أطلقت فهي صفة مدح وكذلك الموفق، فإذا أجري علي التقييد فلا مدح فيه، ولا يجوز أن يوصف غير الله بأنه يعصم.

ويقال عصمه من كذا ووفقه لكذا ولطف له في كذا، فكل واحد من هذه الأفعال يعدَّي بحرف، وهاهنا يوجب أيضاً أن يكون بينهما فروق من غير هذا الوجه الذي ذكرناه، وشرح هذا يطول فتركته كراهة الإكثار. وأصولهما في اللغة واشتقاقاتهما أيضاً توجب فروقا من وجوه أخر فاعلم ذلك).

وفي مجمع البحرين:1/241: (روي أن إبليس لعنه الله تمثل ليحيي عليه السلام فقال له: أنصحك. قال: لا أريد ذلك ولكن أخبرني عن بني آدم. قال: هم عندنا علي ثلاثة أصناف: صنف منهم وهم أشد الأصناف عندنا نقبل علي أحد منهم نفتنه عن دينه ونتمكن منه ثم يفزع إلي الإستغفار والتوبة فلا نحن نيأس منه ولا نحن ندرك حاجتنا فنحن معه في عناء. وأما الصنف الآخر منهم فهم في أيدينا كالكرة في أيدي صبيانكم نتلقفهم كيف شئنا، قد كفونا مؤنة أنفسهم!

وأما الصنف الثالث فهم معصومون لا نقدر منهم علي شئ).

وفي مجمع البحرين:3/393: (وفي الحديث: ما اعتصم عبدٌ من عبادي بأحد من خلقي إلا قطعت أسباب السماوات من يديه وأسخت الأرض من تحته. قال بعض الشارحين: هاتان الفقرتان كناية عن الخيبة والخسران. وفيه: أعوذ بك من الذنوب التي تهتك العصم، وهي كما روي عن الصادق عليه السلام: شرب الخمر، واللعب بالقمار، وفعل ما يضحك الناس

من المزاح واللهو، وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب.

والمعصوم: الممتنع من جميع محارم الله، كما جاءت به الرواية.

وعن علي بن الحسين عليه السلام الإمام منا لايكون إلا معصوماً، وليست العصمة في ظاهر الخلقة فتعرف، قيل: فما معني المعصوم؟ قال: المعتصم بحبل الله، وحبل الله هو القرآن، لا يفترقان إلي يوم القيامة، والإمام يهدي إلي القرآن والقرآن يهدي إلي الإمام، وذلك قوله تعالي.(أن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم). وفي الدعاء إن عصمة أمري كذا، أي وقايتي وحافظي من الشقاء المخلد. واعتصمت بالله: امتنعت به. وفي حديث رسول الله صلي الله عليه وآله:أربع من كن فيه كان في نور الله الأعظم وعد، منها: من كان عصمة أمره شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله " أي ما يعصم من المهلك يوم القيامة. والمعني: من كانت الشهادتان ويعني بهما الإيمان، عصمة ووقاية له من المعاصي تحجزه وتمنعه من اقتراف سخط الله وسخط رسوله. ومنه قول أبي طالب: ثمال اليتامي عصمة للأرامل، أي حفظ لهم ووقاية يمنعهم من الضياع والحاجة).

وفي نهج البلاغة:2/49:(وعليكم بكتاب الله، فإنه الحبل المتين والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع والعصمة للمتمسك والنجاة للمتعلق، لايعوج فيقام، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد، وولوج السمع).

وفي نهج البلاغة:2/23: (وإنما ينبغي لأهل العصمة والمصنوع إليهم في السلامة أن يرحموا أهل الذنوب والمعصية، ويكون الشكر هو الغالب عليهم والحاجز لهم عنهم، فكيف بالعائب الذي عاب أخاً وعيره ببلواه...).

وفي الصحيفة السجادية ص90: (اللهم صل علي محمد وآله، وقني من المعاصي، واستعملني بالطاعة، وارزقني حسن الانابة، وطهرني بالتوبة، وأيدني بالعصمة، واستصلحني بالعافية، وأذقني حلاوة المغفرة). انتهي.

وقد تقدم قول الإمام الصادق عليه السلام

في تعريف المعصوم: (المعصوم هو الممتنع بالله من جميع محارم الله، وقال الله تبارك وتعالي: وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (معاني الأخبار: ص132).

وفي الصراط المستقيم:1/116: قالوا: معصوم إسم مفعول، فيكون مجبوراً علي ترك العصيان في كل آن ولافخر في ذلك علي إنسان. قلنا: العصمة الملجئة من الله إنما هي من الغلط والنسيان وأما العصمة التي لايقع منها عصيان فهي لطف يفعله الله، لايوجب الإجبار، بل يجامع الإختيار، والإنسان يعلم أنه يترك ذنوباً بحسب اختياره فالمعصوم يترك الجميع كذلك).

من تعريفات المتكلمين للعصمة

قال المفيد رحمه الله في النكت الإعتقادية ص45: (فإن قيل: ما حدُّ العصمة؟

الجواب: العصمة لطف يفعله الله بالمكلف، بحيث يمنع منه وقوع المعصية وترك الطاعة، مع قدرته عليهما).

وقال في تصحيح الإعتقادص128: (العصمة من الله تعالي لحججه هي التوفيق واللطف، واعتصام من الحجج بها عن الذنوب، والغلط في دين الله تعالي.

وقال في أوائل المقالات ص164: (العصمة في موضوع اللغة هي: المنع، وقد خُصت في اصطلاح المتكلمين بمن يمتنع باختياره عن فعل الذنوب والقبائح عند اللطف الذي يحصل من الله تعالي في حقه.

وعرفه صاحب كتاب (الياقوت) من قدماء الإمامية بأنه: لطف يمتنع من يختص به عن فعل المعصية، ولا يمنعه علي وجه القهر، أي إنه لا يكون له حينئذ داع إلي فعل المعصية وترك الطاعة، مع قدرته عليهما). انتهي.

وقال الشريف المرتضي رحمه الله في رسائله:3/326:(إعلم أن العصمة هي اللطف الذي يفعله تعالي، فيختار العبد عنده الإمتناع من فعل القبيح، فيقال علي هذا إن الله عصمه بأن فعل له ما اختار عنده العدول عن القبيح، ويقال إن العبد معتصم، لأنه أختار عند هذا الداعي الذي فعل الإمتناع عن القبيح). انتهي.

قاعدة اللطف الإلهي التي استدل بها علماؤنا علي العصمة

قاعدة اللطف عقلية و شرعية

معني قاعدة اللطف: أن العقل يحكم بأن الله تعالي لم ولن يترك عباده سدي، فلا بد أن يلطف بهم فيبعث فيهم أنبياء ويجعل لهم أوصياء، ويكون له علي الأرض حجة في كل عصر، وأن يكون هذا الحجة هادياً مهدياً معصوماً.

وقد ورد هذا المعني صريحاً وضمناً، في آيات وروايات عديدة، منها قوله تعالي:أَيَحْسَبُ الإنسان أَنْ يُتْرَكَ سُدًي. (القيامة:36). وقوله تعالي: أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ. (المؤمنون:115).

وفي الكافي:1/169: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن الحسن بن إبراهيم، عن يونس بن يعقوب قال:كان عند أبي عبد الله عليه السلام جماعة من أصحابه منهم حمران بن أعين، ومحمد بن النعمان، وهشام ابن سالم، والطيار، وجماعة فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله عليه السلام: يا هشام ألا تخبرني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته؟ فقال هشام: يا ابن رسول الله إني اجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك، فقال أبو عبد الله: إذا أمرتكم بشئ فافعلوا. قال هشام: بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة فعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة فيها عمرو بن عبيد وعليه شملة سوداء متزر بها من صوف، وشملة مرتد بها والناس يسألونه، فاستفرجت الناس فأفرجوا لي، ثم قعدت في آخر القوم علي ركبتي ثم قلت: أيها العالم إني رجل غريب تأذن لي في مسألة؟ فقال لي: نعم، فقلت له: ألك عين؟ فقال يا بني أيُّ شئ هذا من السؤال؟ وشئ تراه كيف تسأل عنه؟ فقلت هكذا مسألتي فقال يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء! قلت: أجبني فيه قال لي

سل: قلت ألك عين؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أري بها الألوان والأشخاص، قلت: فلك أنف؟ قال: نعم قلت: فما تصنع به؟ قال: أشم به الرائحة قلت: ألك فم؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أذوق به الطعم، قلت: فلك إذن؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع بها؟ قال: أسمع بها الصوت، قلت: ألك قلب؟ قال: نعم، قلت: فما تصنع به؟ قال: أميز به كلما ورد علي هذه الجوارح والحواس.

قلت: أوليس في هذه الجوارح غني عن القلب؟ فقال: لا، قلت: وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة، قال: يا بني إن الجوارح إذا شكت في شئ شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته، ردته إلي القلب فيستيقن اليقين ويبطل الشك.

قال هشام: فقلت له: فإنما أقام الله القلب لشك الجوارح؟ قال: نعم، قلت: لابد من القلب وإلا لم تستيقن الجوارح؟ قال: نعم.

فقلت له: يا أبا مروان فالله تبارك وتعالي لم يترك جوارحك حتي جعل لها إماماً يصحح لها الصحيح ويتيقن به ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم، لا يقيم لهم إماماً يردون إليه شكهم وحيرتهم، ويقيم لك إماماً لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك؟! قال: فسكت ولم يقل لي شيئاً! ثم التفت إلي فقال لي: أنت هشام بن الحكم؟ فقلت: لا، قال: أمن جلسائه؟ قلت: لا، قال: فمن أين أنت؟ قال: قلت: من أهل الكوفة قال: فأنت إذا هو، ثم ضمني إليه، وأقعدني في مجلسه وزال عن مجلسه وما نطق حتي قمت.

قال: فضحك أبو عبد الله عليه السلام وقال: يا هشام من علمك هذا؟ قلت: شئ أخذته منك وألفته، فقال: هذا والله مكتوب في صحف إبراهيم وموسي). انتهي.

ومعني كون اللطف قاعدة عقلية: أن العقل يدرك بقطع النظر عن نصوص الدين أنه يستحيل علي العليم الحكيم القدير عز وجل، أن يترك مخلوقاته بدون هداية بل إن من أفعال الله الثابتة، بمقتضي صفاته، أنه يلطف بعباده فيبعث الأنبياء والأوصياء لهدايتهم، وهذا معني قولهم: يجب اللطف علي الله تعالي. وتعبيرهم وإن كان ثقيلاً وكأنه يفرض شيئاً علي الله تعالي، لكنه يعني أن ذلك مما يدركه العقل من قوانين فعله تعالي.

ومعني كونها قاعدة شرعية: أن القرآن والسنة يدلأن علي أن الله لطيف بعباده، فلا يتركهم بدون أنبياء وهداية، كما نبهت إلي ذلك آيات القرآن، وأحاديث النبي وأهل بيته صلي الله عليه وآله، وبينت حدودها وتفاصيلها التي لايدركها العقل وحده.

وينبغي الإلفات إلي أن الشرع قد ينبه العقل البشري إلي بعض الأمور المركوزة فيه فيصل اليها، فتكون من المدركات العقلية ولايضر بذلك أن الشرع ألفته اليها وأثار فيه كامنها. وقد قلنا في العقائد الإسلامية:1/26: (سمي الله عز وجل القرآن الكريم: الذكر، ووصف عمل النبي صلي الله عليه وآله بأنه تذكير، واستعمل مادة التذكير في القرآن للتذكير بالله تعالي، والتذكير باليوم الآخر، والتذكير بالفطرة والميثاق.

ووصف أمير المؤمنين صلي الله عليه وآله عمل الأنبياء عليهم السلام بأنه مطالبة الناس بالإنسجام مع ميثاق الفطرة، فقال عليه السلام في خطبة طويلة في نهج البلاغة:1/23،يذكر فيها خلق آدم عليه السلام وصفته: (فأهبطه إلي دار البلية، وتناسل الذرية. اصطفي سبحانه من ولده أنبياء، أخذ علي الوحي ميثاقهم، وعلي تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم فجهلوا حقه واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله وواتر إليهم أنبياءه، ليستأدوهم ميثاق فطرته، ويذكروهم منسي

نعمته، ويحتجوا عليهم بالتبليغ، ويثيروا لهم دفائن العقول، ويروهم آيات المقدرة من سقف فوقهم مرفوع...). انتهي.

وعلي هذا يمكن أن نعتبر قاعدة اللطف عقلية، لأن العقل البشري يدرك بقطع النظر عن الدين، أن هذا الخالق العظيم سبحانة لايمكن أن يترك خلقه سدي، بل يجب بمقتضي حكمته أن يعرفهم ما يريده منهم لتحقيق هدفه السامي فيهم.

وقد ذكر أبو الفتح الكراجكي رحمه الله في كنز الفوائد ص195 أن لأفلاطون كتاباً إسمه (كتاب اللطف) ونقل عنه قوله: (نقل الطبع عسير الإنتزاع)، وقد يكون موضوع الكتاب اللطف الإنساني، ولكنه علي أي حال من جوِّ اللطف الإلهي.

اللطف الإلهي في القرآن

ورد هذا الإسم المقدس في القرآن في سبعة مواضع، تشمل لطف ذاته المقدسة، وأنواع ألطافه بمخلوقاته:

1- لطف الذات الإلهية

قال الله تعالي: لاتُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَيُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. (الأنعام:103).

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام أن الله تعالي لطيف لكن لايوصف باللطف، ومعناه أن ذاته تعالي من غير نوع المادة والمخلوقات، لكن لايوصف باللطف حتي لاستصور أن ذاته المقدسة مادة شفافة!

ففي التوحيد للصدوق/305، من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام: (ثم قال: سلوني قبل أن تفقدوني، فوالله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل أنزلت أو في نهار أنزلت، مكيها ومدنيها، سفريها وحضريها، ناسخها ومنسوخها، محكمها ومتشابهها، وتأويلها وتنزيلها لأخبرتكم!

فقام إليه رجل يقال له ذعلب وكان ذرب اللسان بليغاً في الخطب، شجاع القلب فقال: لقد ارتقي ابن أبي طالب مرقاةً صعبة، لأخجلنه اليوم لكم في مسألتي إياه فقال: يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك؟

قال: ويلك يا ذعلب لم أكن بالذي أعبد رباه لم أره، قال: فكيف رأيته صفه لنا؟ قال: ويلك

لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان، ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد، ولا بالحركة، ولا بالسكون، ولا بالقيام قيام انتصاب، ولا بجيئه ولا بذهاب، لطيف اللطافة لا يوصف باللطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لايوصف بالكبر، جليل الجلالة لايوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لابمجسة، قائل لاباللفظ، هو في الأشياء علي غير ممازجة، خارج منها علي غير مباينة، فوق كل شئ فلا يقال شئ فوقه، وإمام كل شئ فلا يقال له إمام، داخل في الأشياء لا كشئ في شئ داخل، وخارج منها لا كشئ من شئ خارج! فخرَّ ذعلب مغشياً عليه، ثم قال: تالله ما سمعت بمثل هذا الجواب، والله لا عدت إلي مثلها). انتهي.

2- لطفه في إدارة الطبيعة

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِير. (الحج:63)

3- لطفه في التخطيط لأنبيائه عليهم السلام وعباده المؤمنين

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَي الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَالْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. (يوسف:100)

4- لطفه في إدراة أرزاق عباده

اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَالْقَوِيُّ الْعَزِيزُ. (الشوري:19).

5- لطفه في مراقبة عمل نساء النبي صلي الله عليه وآله والناس

وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَي فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا.(الأحزاب:34).

6- لطفه في الإطلاع علي خفايا خلقه

وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. أَلا يَعْلَمُ مَنْ

خَلَقَ وَهُوَاللَّطِيفُ الْخَبِيرُ. (الملك:13-14).

7- لطفه في الحساب يوم القيامة

يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأرض يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ. (لقمان:16).

وفي التوحيد للصدوق ص217: (اللطيف معناه أنه لطيف بعباده، فهو لطيف بهم بار بهم، منعم عليهم. واللطف البر والتكرمة يقال: فلأن لطيف بالناس بار بهم يبرهم ويلطفهم إلطافاً. ومعني ثان: أنه لطيف في تدبيره وفعله يقال: فلأن لطيف العمل، وقد روي في الخبر أن معني اللطيف هو أنه الخالق للخلق اللطيف كما أنه سمي العظيم لأنه الخالق للخلق العظيم). انتهي.

وفي كل واحدة من هذه الآيات بحث مفصل لايتسع له المجال.

اللطف في أحاديث النبي و آله

في الكافي:1/159: أن رجلاً سأل الإمام الصادق عليه السلام (أجبر الله العباد علي المعاصي؟ قال: لا، قلت: ففوض إليهم الأمر؟ قالقال: لا، قال: قلت فماذا؟ قال: لطف من ربك بين ذلك).

وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام:2/113: (عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني رضي الله عنه عن إبراهيم بن أبي محمود قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله تعالي: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ. (البقرة:17) فقال: إن الله تبارك وتعالي لا يوصف بالترك كما يوصف خلقه، ولكنه متي علم أنهم لا يرجعون عن الكفر والضلال منعهم المعاونة واللطف، وخلي بينهم وبين اختيارهم). انتهي.

وفي المقنعة 339، من دعاء كل يوم من شهر رمضان: (وكذلك نسبت نفسك يا سيدي باللطف، بلي إنك لطيف فصل علي محمد وآله، والطف لما تشاء). انتهي.

وفي الكافي:1/120، عن الإمام الرضا عليه السلام أنه قال: (إعلم علمك الله الخير أن الله تبارك وتعالي قديم، والقدم صفته التي دلت العاقل

علي أنه لا شئ قبله ولا شئ معه في ديموميته، فقد بان لنا بإقرار العامة معجزة الصفة أنه لا شئ قبل الله، ولا شئ مع الله في بقائه، وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شئ، وذلك أنه لو كان معه شئ في بقائه لم يجز أن يكون خالقاً له، لأنه لم يزل معه، فكيف يكون خالقاً لمن لم يزل معه! ولو كان قبله شئ كان الأول ذلك الشئ لا هذا، وكان الأول أولي بأن يكون خالقاً للأول.

ثم وصف نفسه تبارك وتعالي بأسماء دعا الخلق إذ خلقهم وتعبدهم وابتلاهم إلي أن يدعوه بها فسمي نفسه سميعاً، بصيراً، قادراً، قائماً، ناطقاً، ظاهراً، باطناً، لطيفاً خبيراً، قوياً، عزيزاً، حكيماً، عليماً، وما أشبه هذه الأسماء. فلما رأي ذلك من أسمائه القالون المكذبون، وقد سمعونا نحدث عن الله أنه لا شئ مثله ولا شئ من الخلق في حاله، قالوا: أخبرونا إذا زعمتم أنه لا مثل لله ولا شبه له، كيف شاركتموه في أسمائه الحسني فتسميتم بجميعها! فإن في ذلك دليلاً علي أنكم مثله في حالاته كلها أو في بعضها دون بعض، إذ جمعتم الأسماء الطيبة!

قيل لهم: إن الله تبارك وتعالي ألزم العباد أسماء من أسمائه علي اختلاف المعاني وذلك كما يجمع الإسم الواحد معنيين مختلفين. والدليل علي ذلك قول الناس الجائز عندهم الشائع، وهو الذي خاطب الله به الخلق فكلمهم بما يعقلون، ليكون عليهم حجة في تضييع ما ضيعوا، فقد يقال للرجل: كلب وحمار وثور وسكرة وعلقمة وأسد! كل ذلك علي خلافه وحالاته. لم تقع الأسامي علي معانيها التي كانت بنيت عليها، لأن الإنسان ليس بأسد ولا كلب، فافهم ذلك رحمك الله.

وإنما سمي

الله تعالي بالعلم، بغير علم حادث علم به الأشياء استعان به علي حفظ ما يستقبل من أمره، والروية فيما يخلق من خلقه، ويفسد ما مضي مما أفني من خلقه، مما لو لم يحضره ذلك العلم ويغيبه كان جاهلاً ضعيفاً، كما أنا لو رأينا علماء الخلق إنما سموا بالعلم لعلم حادث إذ كانوا فيه جهلة، وربما فارقهم العلم بالأشياء فعادوا إلي الجهل. وإنما سمي الله عالماً لأنه لايجهل شيئاً، فقد جمع الخالق والخلوق إسم العالم واختلف المعني علي ما رأيت.

وسمي ربنا سميعاً لا بخرت فيه يسمع به الصوت ولا يبصر به، (الخِرْت: ثقب الإبرة والأذن والعين ونحوها وجمعه خروت (العين:1/236) كما أن خرتنا الذي به نسمع لا نقوي سبه علي البصر، ولكنه أخبر أنه لايخفي عليه شئ من الأصوات، ليس علي حد ما سمينا نحن، فقد جمعنا الإسم بالسمع واختلف المعني.

وهكذا البصر لا بخرت منه أبصر، كما أنا نبصر بخرت منا لا ننتفع به في غيره ولكن الله بصير لا يحتمل شخصا منظورا إليه، فقد جمعنا الإسم واختلف المعني. وهو قائم ليس علي معني انتصاب وقيام علي ساق في كبد كما قامت الأشياء ولكن قائم يخبر أنه حافظ كقول الرجل: القائم بأمرنا فلأن، والله هو القائم علي كل نفس بما كسبت، والقائم أيضاً في كلام الناس: الباقي والقائم أيضاً يخبر عن الكفاية كقولك للرجل: قم بأمر بني فلأن، أي أكفهم، والقائم منا قائم علي ساق، فقد جمعنا الإسم ولم نجمع المعني.

وأما اللطيف فليس علي قلة وضآلة وصغر، ولكن ذلك علي النفاذ في الأشياء والامتناع من أن يدرك، كقولك للرجل: لطف عني هذا الأمر ولطف فلأن في مذهبه وقوله: يخبرك أنه غمض فيه العقل

وفات الطلب وعاد متعمقا متلطفا لا يدركه الوهم فكذلك لطف الله تبارك وتعالي عن أن يدرك بحد أو يحد بوصف. واللطافة منا الصغر والقلة، فقد جمعنا الإسم واختلف المعني). انتهي.

من كلمات علمائنا في قاعدة اللطف

قال المفيد عليهم السلام في النكت الإعتقادية ص35: (فإن قيل: ما الدليل علي أن نصب الأنبياء والرسل واجب في الحكمة؟ فالجواب: الدليل علي ذلك أنه لطف واللطف واجب في الحكمة فنصب الأنبياء والرسل واجب في الحكمة.

فإن قيل: ما حد اللطف؟ فالجواب: اللطف هو ما يقرب المكلف معه من الطاعة ويبعد عن المعصية ولاحظ له في التمكين ولم يبلغ الالجاء.

فإن قيل: ما الدليل علي أن اللطف واجب في الحكمة؟ فالجواب: الدليل علي وجوبه توقف غرض المكلف عليه فيكون واجباً في الحكمة وهو المطلوب.

فإن قيل: من نبي هذه الأمة؟ فالجواب: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلي الله عليه وآله. فإن قيل: ما الدليل علي نبوته؟

فالجواب: الدليل علي ذلك أنه ادعي النبوة وظهر المعجز علي يده وكل من ادعي النبوة وظهر المعجز علي يده فهو نبي حقاً). انتهي.

وقال في ص39: فإن قيل: ما الدليل علي أن الإمامة واجبة في الحكمة؟

فالجواب: الدليل علي ذلك أنها لطف واللطف واجب في الحكمة علي الله تعالي فالإمامة واجبة في الحكمة.

وقال في ص161: (عرف المتكلمون اللطف بما أفاد هيئة مقربة إلي الطاعة ومبعدة عن المعصية بحيث لم يكن له حظ في التمكين ولا يبلغ حد الإلجاء.....

والقول بوجوب اللطف يختص به العدلية من المعتزلة والإمامية والزيدية ويخالفهم فيه الأشعرية، وقد نسب الخلاف فيه أيضاً إلي بشر بن المعتمر من قدماء المعتزلة وإن حكي رجوعه عن ذلك أخيراً بعد

مناظرة سائر المعتزلة إياه، لكن تعليل المعتزلة بوجوبه من جهة أنهم أوجبوه من جهة العدل وأن الله تعالي لو فعل خلافه لكان ظالماً، والإمامية إنما أوجبوه من جهة الجود والكرم وأنه تعالي لمَّا كان متصفاً بهاتين الصفتين اقتضي ذلك أن يجعل للمكلفين ما دام هم علي ذلك الحال أصلح الأشياء لهم، وأن لا يمنعهم صلاحا ولا نفعاً). انتهي.

لكن يبدو أن المحقق الحلي رحمه الله يقول به من باب العدل وليس من باب الكرم، فقد قال في المسلك في أصول الدين ص301: (ومن الواجب في الحكمة اللطف للمكلفين، وهو أن يفعل معهم كل ما يعلم أنه محرك لدواعيهم إلي الطاعة، لأنه لو لم يفعل ذلك لكان ناقضاً لغرضه، إذ لا مشقة عليه في فعله، وهو مفض إلي غرضه). انتهي.

وقال الشريف المرتضي رحمه الله في الشافي:1/39: (والنبوة طريق وجوبها أيضاً اللطف لم يجب عندهم أن تكون المعرفة نبوة، ولا النبوة معرفة لاستبداد كل واحدة منهما بصفة لا يشركها فيها الأخري، والنبي لم يكن عندنا نبيا لاختصاصه بالصفات التي يشرك فيها الإمام بل لاختصاصه بالأداء عن الله تعالي بغير واسطة، أو بواسطة هو الملك، وهذه مزية بينة).

وقال الشيخ الطوسي رحمه الله في الإقتصاد ص77: (وأما الكلام في اللطف فيحتاج أن نبين أولاً ما اللطف وما حقيقته. واللطف في عرف المتكلمين: عبارة عما يدعو إلي فعل واجب أو يصرف عن قبيح، وهو علي ضربين: أحدهما أن يقع عنده الواجب ولولاه لم يقع فيسمي توفيقاً، والآخر ما يكون عنده أقرب إلي فعل الواجب أو ترك القبيح.....

واللطف علي ثلاثة أقسام: أحدها من فعل الله تعالي، والثاني من فعل من هو لطف له، والثالث من فعل غيرهما. فما

هو من فعل الله تعالي علي ضربين: أحدهما يقع بعد التكليف للفعل الذي هو لطف له فيوصف بأنه واجب، والثاني ما يقع مع التكليف للفعل الذي هو لطف فيه فلا يوصف بأنه واجب، لأن التكليف ما أوجبه ولم يتقدم له سبب وجوب، لكن لا بد أن يفعل به لأنه كالوجه في حسن التكليف.

وأما ما كان من فعل المكلف فهو تابع لما هو لطف فيه، فإن كان واجباً فاللطف واجب وإن كان لطفاً في فعل نفل فهو نفل.

وإذا كان اللطف من فعل غيرهما فلا بد من أن يكون المعلوم من حاله أنه يفعل ذلك الفعل علي الوجه الذي هو لطف في الوقت الذي هو لطف فيه، ومتي لم يعلم ذلك لم يحسن التكليف الذي هذا الفعل لطف فيه.

هذا إذا لم يكن له بدل من فعل الله يقوم مقامه، فإن كان له بدل من فعل الله تعالي جاز التكليف لذلك الفعل إذا فعل الله تعالي ما يقوم مقامه).

وقال ابن البراج الطرابلسي رحمه الله في جواهر الفقه ص247: (اللطف علي الله واجب، لأنه خلق الخلق، وجعل فيهم الشهوة، فلو لم يفعل اللطف لزم الإغراء، وذلك قبيح، والله لا يفعل القبيح، فاللطف هو نصب الأدلة، وإكمال العقل، وإرسال الرسل في زمانهم، وبعد انقطاعهم إبقاء الإمام، لئلا ينقطع خيط غرضه).

وقال المحقق الحلي رحمه الله في المسلك: ص101: (وهل يجب علي البارئ سبحانه فعل اللطف أم لا؟ الأكثرون يقولون بوجوبه، واحتجوا علي ذلك بوجوه:

أحدها: أن اللطف مفض إلي غرض المكلف، وليس فيه وجه من وجوه القبح ولا يؤدي إلي ما لا نهاية له، وكل ما كان كذلك فهو واجب في الحكمة.

أما أنه مفض إلي

غرض المكلف، فلأنا نتكلم علي هذا التقدير، وأما أنه ليس فيه وجه من وجوه القبح، فلأن وجوه القبح مضبوطة، وليس فيه شئ منها.

وأما أن كل ما كان كذلك كان واجباً في الحكمة، فلأن داعي الحكمة متعلق به، والصوارف منتفية عنها، وكل ما تعلق به الداعي وانتفي الصارف عنه، فإنه يجب أن يفعل.

الوجه الثاني: لو لم يفعل البارئ سبحانه وتعالي اللطف علي هذا التقدير، لكان ناقضاً لغرضه، ونقض الغرض قبيح.

بيان أنه يكون ناقضاً لغرضه، أن من دعا غيره إلي طعام له وعلم أنه يحضر إن أرسل رسولاً إليه لا غضاضة عليه في إرساله، ولم يرسل رسوله، فإنه يكون غير مريد لحضوره، والعلم بذلك ظاهر.

الوجه الثالث: لو لم يجب فعل اللطف، لكان البارئ مخلاً بما يجب عليه في الحكمة، إذ لا فرق بين منع اللطف وعدم التمكين.

احتج المخالف بأنه: لو وجب اللطف لوجب أن يفعل بالكافر.

والجواب: لا نسلم أن للكافر لطفاً. وتحقيق ذلك أن اللطف هو ما يعلم المكلف أن المكلف يطيع عنده، أو يكون أقرب إلي الطاعة، مع تمكنه في الحالين، والكافر قد لا يكون له لطف يحركه إلي فعل الطاعة. ويجري هذا مجري رجل له ثلاثة أولاد، أحدهم يطيعه بالإكرام، والآخر بالإهانة، والثالث لا يؤثر فيه أحد الأمرين، فلا يكون لذلك لطف، فالكافر الذي لا يطيع يجري مجري الثالث). انتهي.

رد الفقهاء للإستدلال بقاعدة اللطف في الفقه

رأينا أن أصل قاعدة اللطف الإلهي ثابتٌ بحكم العقل والكتاب والسنة، وأن موردها بعثة الأنبياء ونصب الأوصياء عليهم السلام وعصمتهم.

وقد توسع فيها بعض علمائمنا فاستعملوها في حجية خبر الواحد (رسائل المرتضي:1/74). وفي حجية الإجماع (فرائد الأصول:1/188، ومنية الطالب:2/337 ومصباح الفقاهة للخوئي:2/170، و:5/645).

وفي نفي الحرج في الأحكام:

(هداية المسترشدين:2/737، وعوائد 196).

وفي وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: (جواهرالكلام:21/358 ومصباح الفقاهة للسيد الخوئي:1/298).

وفي وجوب القضاء بين الناس (جواهرالكلام:40/10، والقضاء للسيد الكلبايكاني:1/14)، وغيرها.

وفي كل هذه الموارد رد العلماء الإستدلال بها إلا نادراً، مثل أصل القضاء كما هو عند السيد الكلبايكاني، وعدم خلو الواقعة من حكم كما عند الشهيد الصدر (دروس في علم الأصول:1/148)

وقد توسع بعضهم في ردها حتي لحق الحيف بأصل قاعدة اللطف، وتحامل بعضهم عليها وكأنها من مبتدعات الشيخ الطوسي رحمه الله، مع أن أستاذه المرتضي استدل بها، وأستاذهما المفيد، وغيرهم، رحمهم الله.

نعم يصح القول إن الشيخ الطوسي أكثر فقهائنا استدلالاً بقاعدة اللطف في الفقه والتفسير، كما نلاحظ ذلك في مبسوطه وتبيانه رحمه الله.

وقد نبه السيد الخوئي رحمه الله الي ضرورة أن لايسبب الهجوم علي موارد القاعدة في الفقه مساساً بها في العقائد، فقال في أجود التقريرات:2/37:

(الجهة الثانية في بيان أن العقل هل يدرك الحسن والقبح بعد الفراغ عن إثبات أنفسهما أم لا؟ والتحقيق أن يقال إن العقل وإن لم يكن له إدراكُ جميع المصالح والمفاسد، إلا أنَّ إنكار إدراكه لهما في الجملة وبنحو الموجبة الجزئية مناف للضرورة أيضاً، ولولا ذلك لما ثبت أصل الديانة، ولزم إفحام الأنبياء عليهم السلام! إذ إثبات النبوة العامة فرع إدراك العقل لقاعدة وجوب اللطف، كما أن إثبات النبوة الخاصة بظهور المعجزة علي يد مدعيها فرع إدراك العقل قبح إظهار المعجزة علي يد الكاذب، ومع إنكار إدراك العقل للحسن والقبح بنحو السالبة الكلية، كيف يمكن إثبات أصل الشريعة فضلاً عن فروعه). انتهي.

وكلامه رحمه الله واضح في أنه لايقبل قاعدة اللطف في الفقه، ولكنه يقبلها في العقائد، غير أن موقفهم العام

منها في الفقه يبقي أكثر تأثيراً علي الفقيه، ولذا قال السيد الخوئي رحمه الله في جواب سؤال كما في صراط النجاة:2/445:

(سؤال 1403: قاعدة اللطف التي ناقشتموها في الأصول صغري وكبري، علي ما في مصباح الأصول، في مناقشتكم لشيخ الطائفة التي استدل بها جمع من أصحابنا علي وجوب الإمامة، لأنها من صغرياتها، هل يمكن الإستدلال علي هذه الكبري، بما دل من القرآن الكريم علي أنه لطيف بعباده، فتكون الإمامة من صغريات ما دلت علي الكبري المستفادة من الكتاب العزيز، أم أن اللطف المشار إليه في القرآن الكريم غير اللطف المصطلح الذي تكون مسألة وجوب الإمامة من صغرياته؟

الخوئي: نعم هو كما كتب، لايدل علي صحة الإستدلال بالقاعدة إن تمت القاعدة، ولا دلالة للآية الشريفة في أدلة الأحكام كما زعم). انتهي.

ولعل أهم إشكالاتهم علي تطبيقات قاعدة اللطف في الفقه أن اللطف الواجب علي الله تعالي، إنما هو اللطف الواقعي وليس ما نتصوره لطفاً!

ثم إن اللطف الواجب هو اللطف التي تمت مقتضياته وفقدت موانعه، ولا علم لنا بتحقق ذلك، بعكس الأمر في أصل النبوة والإمامة والعصمة. (راجع هداية المسترشدين للشيخ محمد تقي الرازي:2/737).

ضرر الإغراق في التأصيل بقاعدة اللطف

كان الطابع العام لخطاب علماء المسلمين سنة وشيعة الإستدلال ب_(النقل)، أي بنصوص الكتاب والسنة، إلي أن ظهر في مطلع القرن الثالث الأسلوب الكلامي الفلسفي، بسبب اتساع ترجمة الكتب اليونانية، خاصة في عهدي الرشيد والمأمون، فأخذ علماء السنة يستعملونه في خطابهم، ويكتبون فيه مؤلفاتهم، في الكلام والفقه والتفسير!

وقد بقي علماء الشيعة متمسكين في تآليفهم وخطابهم بالأسلوب التقليدي فحفظوا مؤلفاتهم وخطابهم لقرنين بعيدةً عن التأثر بالأسلوب الفلسفي اليوناني.

لكن بحلول القرن الخامس حدثت ثلاثة تطورات علي أسلوب علماء الشيعة:

الأول، ظهر علي

يد المفيد رحمه الله الذي كان يعيش في العاصمة بغداد، حيث رأي أن اللازم أن يكتب علماء الشيعة بأسلوب العصر، ويردُّوا الشبهات عن المذهب بنفس أسلوبها الذي كتبها فيه علماء السنة في عصره وقبلهم!

من هنا اتجه هو وتلاميذه الكبار كالسيد المرتضي والشيخ الطوسي رحمهم الله إلي التأصيل بلغة عصرهم، وكان رحمه الله ينتقد مَن قبله بأنهم اقتصروا علي النقل فقلدوا ولم يتعمقوا ولم يحتهدوا!

قال عن الشيخ الصدوق رحمه الله في مسألة الإرادة والمشيئة: (قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: نقول: شاء الله وأراد، ولم يحب ولم يرض، وشاء عز اسمه ألا يكون شئ إلا بعلمه، وأراد مثل ذلك.

فعلق عليه المفيد رحمه الله بقوله: الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه الله في هذا الباب لايتحصل، ومعانيه تختلف وتتناقض، والسبب في ذلك أنه عمل علي ظواهر الأحاديث المختلفة ولم يكن ممن يري النظر فيميز بين الحق منها والباطل، ويعمل علي ما يوجب الحجة، ومن عول في مذهبه علي الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف ما وصفناه. والحق في ذلك: أن الله تعالي لا يريد) (تصحيح اعتقادات الإمامية ص48).

وقد اشتبه الأمر علي المفيد رحمه الله فإن الصدوق رحمه الله لم يقل ذلك تقليداً، بل عمل بأحاديث غفل عنها المفيد، وهي تجعل الإرادة الإلهية أنواعاً منها الإرادة بمعني السماح التكويني، وهذا معني أنه لايكون شئ في الكون إلا بإرادة.

ففيالكافي:1/150: (عن أبي بصير قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام: شاء وأراد وقدر وقضي؟ قال: نعم، قلت: وأحب؟ قال: لا، قلت: وكيف شاء وأراد وقدر وقضي ولم يحب؟قال: هكذا خرج إلينا).(راجع: تعليق الطباطبائي علي الحديث، والكافي:1/157، والمحاسن للبرقي:1/244، والحدائق الناضرة:13/452، وتفسير الميزان:13/74 و:

19/90).

فالملاحظة الأولي علي المتجددين، أن التقليديين أكثر إحاطة منهم بأحاديث النبي وأهل البيت عليهم السلام، وهذا ما ينبغي ملاحظته عند إشكالاتهم عليهم.

والملاحظة الثانية، أن المتجددين مع جهدهم المشكور في التأصيل، واستعمالهم لغة الخطاب العصرية، إلا أنهم قد يبالغون في الإعتماد علي ما أصَّلوه، ثم يكررونه حتي يتخيل المخالف أن هذا كل دليلهم في المسألة!

وهذا ماحدث في قاعدة اللطف حيث تراها في مؤلفات المفيد وتلاميذه رحمه الله،

أبرز ما استدلوا به علي بعثة الأنبياء والأوصياء وعصمتهم عليهم السلام، حتي جاء بعدهم الفخر الرازي فتخيل أنه إن رد قاعدة اللطف فقد رد مذهب الشيعة بكامله!

قال في المحصول ص124: (فهذا ما علي هذه الطريقة من الإعتراضات ومن أحاط بها تمكن من القدح في جميع مذاهب الشيعة أصولاً وفروعاً، لأن أصولهم في الإمامة مبنية علي هذه القاعدة، ومذاهبهم في فروع الشريعة مبنية علي التمسك بهذا الإجماع. والله أعلم) انتهي.

طبعاً نحن لانصدق ما زعمه الفخر الرازي، وقد ظهر شكه هو في تعميمه بقوله(والله أعلم)، لكنه قرأ للسيد المرتضي والشيخ المفيد فوجد قاعدة اللطف محور استدلالهم علي الإمامة والعصمة، فدبَّج صفحات في مناقشتهما دون أن يسميهما، وطمع في أن يصدق القارئ كلامه هذا.

ولو وجد أن المحور في استدلالهم الآيات والأحاديث كآية التطهير وحديث الثقلين وحديث علي مع القرآن والقرآن مع علي، والعشرات من أمثالها،، وأن قاعدة اللطف ليست إلا تأصيلاً عقلياً مكملاً للدليل، لما طمع بذلك!

والنتيجة: أن قاعدة اللطف قاعدة عقلية، يدرك أصلها العقل ويقطع به، لكنه لايدرك تفاصيلها، ولذلك لا بد من الإقتصار في الإستدلال علي القدر المتيقن منها، وعدم تجاوزه إلي الإستحسانات والإحتمالات.

أما ما دل عليه القرآن والسنة من أصلها أو

تفاصيلها، فيرتقي عن كونه استحساناً واحتمالاً عقلياً، ويكون وحياً من خالق العقل سبحانه.

أما التطور الثاني، علي أسلوب علماء الشيعة، فهو تأثير احتكاكهم بثقافة الروم عن طريق علماء حلب، والذي ورثه علماء جبل عامل بشكل خاص.

والتطور الثالث، تأثير الفلسفة اليونانية بعد أن اجتهد فيها المسلمون وحاولوا إخضاعها لثقافة الإسلام، واستعملوا أسلوبها في خطابهم ومؤلفاتهم، واتجاهاتهم العقدية والعرفانية.

ولايتسع المجال لبسط الكلام في صفات وإيجابيات وسلبيات هذه الإتجاهات في أسلوب الفهم والخطاب، وتأثيرها أحياناً علي المضمون.

كيف يلطف الله تعالي بالمعصوم

اتفق علماؤنا علي أن النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام معصومون، عن كل معصية وكل ما يشين شخصيتهم الربانية السامية.

وبحثوا في حدود العصمة، وأدلتها، والموارد التي فيها إشكال أو سؤال.

ثم بحثوا في ماهية العصمة فاتفقوا علي أنها من فعل الله تعالي، وبما يحفظ حرية اختياره ومسؤوليته عن عمله.

وعندما تأملوا في كيفية حصولها للمعصوم عليه السلام، والوسائل التي يستعملها الله تعالي لتحقيقها، وجدوها متعددة وأكثرها مجهولاً لنا، فقالوا إنها ألطافٌ إلهية من الله تعالي لعبادة المكرمين، وعرَّفوا العصمة بأنها لطفٌ إلهي بالمعصوم يمنعه من الوقوع في المعصية وما يشين.

وهذا موقف علمي صحيح من كيفية عصمة الله تعالي لخاصة عباده عليهم السلام، لكنا لانعدم نصوصاً تعطينا أضواءً مهمة علي الوسائل الربانية في العصمة، منها:

1- ينبغي أن نتذكر السلطة الإلهية والهيمنة الكاملة علي كل الوجود، وهي سلطة أعمق، وأكثر تنوعاً، من كل ما نعرف من سلطات.

قال الله تعالي: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لايَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأرض وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ. وَهُوَالَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا

جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَي أَجَلٌ مُسَمًّي ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّي إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ. ثُمَّ رُدُّوا إلي اللهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَأَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ. (الأنعام:59-62).

وقال تعالي: سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ. لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّي يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوءً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ. (الرعد:10-11).

وقال تعالي: أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلامُ الْغُيُوبِ. (التوبة:78).

وفي حديث النبي وأهل بيته صلي الله عليه وآله من تفصيل هذه الآيات وتفسيرها ما يخشع له العقل القلب. قال الشريف المرتضي في الأمالي:2/2: (إن سأل سائل عن الخبر المروي عن عبد الله بن عمر أنه قال سمعت النبي(ص)يقول: إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن يصرفها كيف شاء ثم يقول قال رسول الله(ص)عند ذلك اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلي طاعتك. وعما يرويه أنس قال قال رسول الله(ص) ما من قلب آدمي إلا وهو بين إصبعين من أصابع الله تعالي فإذا شاء أن يثبته ثبته وان شاء أن يقلبه قلبه.

وعما يرويه ابن حوشب قال قلت لأم سلمة زوج النبي(ص): ما كان أكثر دعاء النبي(ص)؟ قالت: كان أكثر دعائه يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك، فقالت قلت: يا رسول الله ما أكثر دعائك يا مقلب القلوب ثبت قلبي علي دينك؟ فقال: يا أم سلمة ما من آدمي إلا وقلبه

بين إصبعين من أصابع الله عز وجل، ما شاء أقام، وما شاء أزاغ. فقال ما تأويل هذه الأخبار علي ما يطابق التوحيد وينفي التشبيه؟ أوليس من مذهبكم أن الأخبار التي يخالف ظاهرها الأصول ولا تطابق العقول، لا يجب ردها والقطع علي كذب راويها، إلا بعد أن لا يكون لها في اللغة مخرج ولا تأويل....

ثم استعرض معني الإصبع وأنها تستعمل بمعان مجازية في لغة العرب وشعرهم، وقال:(فكأنه صلي الله عليه وآله لما أراد المبالغة في وصفه بالقدرة علي تقليب القلوب وتصريفها بغير مشقة ولا كلفة، وإن كان غيره تعالي يعجز عن ذلك ولا يتمكن منه، فقال إنها بين إصبعين من أصابعه، كناية عن هذا المعني واختصاراً للفظ الطويل، وجرياً علي مذهب العرب في إخبارهم عن مثل هذا المعني).انتهي.

وفي قصص الأنبياء للجزائري ص471:(بينما عيسي بن مريم جالس وشيخ يعمل بمسحاة ويثير الأرض، فقال عيسي عليه السلام: اللهم انزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع، فلبث ساعة فقال عيسي عليه السلام: اللهم أردد إليه الأمل، فقام يعمل بمسحاته، فسأله عيسي عن ذلك فقال: بينما أنا اعمل إذ قالت لي نفسي: إلي متي تعمل وأنت شيخ كبير! فألقيت المسحاة واضطجعت، ثم قالت لي نفسي: والله لابد لك من عيش ما بقيت، فقمت إلي مسحاتي). (وتاريخ دمشق:47/468، ومستدرك سفينة البحار:1/185، عن مجموعة ورام).

2- إن كل شخص منا يحيط به بضعة ملائكة يعملون بأمر الله تعالي، فكيف بالمعصوم؟ قال الله تعالي: إِنَّ رَبِّي عَلَي كُلِّ شَئٍْ حَفِيظٌ. (هود:57) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ. (الإنفطار:10-12). إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ.(الطارق:4). لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ (الرعد:11).

3- وسائل الفعل الإلهي كثيرة، وهي أوسع

وأعمق مما نتصور! قال الله تعالي:

هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلله جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالأرض وَكَانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً. (الفتح:4)، وقد ذكر في الآية إنزال روح السكينة علي قلوب المؤمنين، وهي كما في الأحاديث روح خاصة ترافق المؤمن وتوجب اليقين في فكره والطمأنينة في نفسه، وهي نوع من أنواع جنود السماوات والأرض، التي تشمل أنواعاً كثيرة من المخلوقات، والقوي المنظورة وغير المنظورة، المتصورة لنا وغير المتصورة!

4- من وسائل العصمة أن الله يبعث ملكاً يرافق المعصوم ويكلمه ويرشده، قال علي عليه السلام يصف رسول الله صلي الله عليه وآله:(ولقد قرن الله به صلي الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره). (نهج البلاغة:2/157).

وفي حلية الأبرار للسيد البحراني:1/34: (قرن جبرائيل بنبيه محمد صلي الله عليه وآله ثلاث سنين، يسمع حسه ولا يري شخصه، ويعلمه الشئ بعد الشئ، ولا ينزل عليه القرآن فكان في هذه المدة مبشراً بالنبوة غير مبعوث إلي الأمة).(عن المناقب:1/43).

5- ومن وسائل العصمة أن الله تعالي يلقي حالة خاصة علي شخصية المعصوم من الخشوع والإحساس بوجود الله تعالي، فيعيش كل حياته حالة استحضار لربه عز وجل وحضور بين يديه، وكفي بذلك عاصماً له عن معصيته. وتحدث هذه الحالة له في آخر دقيقة من حياة المعصوم السابق عليهم السلام.

ففي بصائر الدرجات ص497: (باب الوقت الذي يعرف الإمام الأخير ما عند الأول. حدثنا محمد بن الحسين، عن علي بن أسباط، عن الحكم بن مسكين، عن عبيد بن زرارة وجماعة معه قالوا: سمعنا أبا عبد الله عليه السلام يقول: يعرف الإمام الذي بعده علم من

كان قبله في آخر دقيقة تبقي من روحه). (وروي حديثين آخرين مثله. وروي الكليني في الكافي:1/274، ثلاثة أحاديث):

وفي بصائر الدرجات ص486: (باب في الإمام متي يعلم أنه إمام. حدثنا محمد بن الحسين عن صفوان بن يحيي قال قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: أخبرني عن الإمام متي يعلم أنه إمام حين يبلغه أن صاحبه قد مضي أو حين يمضي؟ مثل أبي الحسن عليه السلام قبض ببغداد وأنت هاهنا؟ قال: يعلم ذلك حين يمضي صاحبه. قلت: بأي شئ؟ قال: يلهمه الله ذلك.....

حدثنا محمد بن عيسي....قال: بينا أبو الحسن عليه السلام جالس مع مؤدب له يكني أبا زكريا وأبو جعفر عليه السلام عندنا أنه ببغداد وأبو الحسن يقرأ من اللوح إلي مؤدبه، إذ بكي بكاء شديداً، سأله المؤدب ما بكاؤك؟ فلم يجبه، فقال: إئذن لي بالدخول فأذن له، فارتفع الصياح والبكاء من منزله، ثم خرج إلينا، فسألناه عن البكاء فقال: إن أبي قد توفي الساعة. فقلنا: بما علمتَ؟ قال: دخلني من إجلال الله ما لم أكن أعرفه قبل ذلك، فعلمت أنه قد مضي! فتعرفنا ذلك الوقت من اليوم والشهر، فإذا هو قد مضي في ذلك الوقت....

عن هارون بن الفضل قال: رأيت أبا الحسن عليه السلام في اليوم الذي توفي فيه أبو جعفر عليه السلام فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، مضي أبو جعفر! فقيل له: وكيف عرفتَ ذلك؟ قال: تداخلَني ذلةٌ لله لم أكن أعرفها). انتهي.

6- أن المعصوم تحدثه الملائكة وتوجهه عند اللزوم، ففي الكافي:1/271:

(عن محمد بن إسماعيل قال: سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول: الأئمة علماء صادقون مفهمون محدثون..... عن محمد بن مسلم قال: ذكر المحدث عند أبي عبد الله عليه

السلام فقال: إنه يسمع الصوت ولا يري الشخص. فقلت له: جعلت فداك كيف يعلم أنه كلام الملك؟ قال: إنه يعطي السكينة والوقار حتي يعلم أنه كلام ملك.....

ثم روي عن الإمام الباقر عليه السلام أن علياً عليه السلام كان محدَّثاً فسأله حمران:من يحدثه؟ فقال: يحدثه ملك، قلت: تقول: إنه نبي؟ قال: فحرك يده هكذا: أو كصاحب سليمان أو كصاحب موسي أو كذي القرنين، أوَما بلغكم أنه صلي الله عليه وآله قال: وفيكم مثله).

7- أن الله يؤيد المعصوم بملك خاص. والأحاديث في ذلك عديدة، منها ما رواه في الكافي:1/273: (عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالي: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمان؟ قال:خلقٌ من خلق الله عز وجل أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده...

عن أسباط بن سالم قال: سأله رجل من أهل هيت وأنا حاضر عن قول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا؟ فقال: منذ أنزل الله عز وجل ذلك الروح علي محمد، صلي الله عليه وآله ما صعد إلي السماء وإنه لفينا....

عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي؟ قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلي الله عليه وآله وهو مع الأئمة وهو من الملكوت.

عن أبي حمزة قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن العلم، أهو علمٌ يتعلمه العالم من أفواه الرجال، أم في الكتاب عندكم تقرؤنه فتعلمون منه؟ قال:

الأمر أعظم من ذلك وأوجب، أما سمعت قول الله عز وجل: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمان؟ثم قال: أيُّ شئ يقول أصحابكم في هذه الآية، أيقرون أنه كان في حال لايدري ما الكتاب ولا الإيمان؟فقلت: لا أدري جعلت فداك ما يقولون، فقال: بلي قد كان في حال لايدري ما الكتاب ولا الإيمان حتي بعث الله تعالي الروح التي ذكر في الكتاب، فلما أوحاها إليه علم بها العلم والفهم، وهي الروح التي يعطيها الله تعالي من شاء، فإذا أعطاها عبداً علمه الفهم....

عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي، قال: خلق أعظم من جبرئيل وميكائيل، لم يكن مع أحد ممن مضي، غير محمد صلي الله عليه وآله وهو مع الأئمة يسددهم، وليس كل ما طلب وجد). انتهي.

وفي الكافي:1/274:(عن سعد الإسكاف قال أتي رجل أمير المؤمنين عليه السلام يسأله عن الروح أليس هو جبرئيل؟فقال له أمير المؤمنين:جبرئيل من الملائكة والروح غير جبرئيل، فكرر ذلك علي الرجل فقال له: لقد قلت عظيماً من القول ما أحد يزعم أن الروح غير جبرئيل فقال له: أمير المؤمنين: إنك ضال تروي عن أهل الضلال، يقول الله تعالي لنبيه صلي الله عليه وآله: أَتَي أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَي عَمَّا يُشْرِكُونَ، يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ، والروح غير الملائكة صلوات الله عليهم).انتهي.

وفي الكافي:1/271: (عن جابر الجعفي قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا جابر إن الله تبارك وتعالي خلق الخلق ثلاثة أصناف وهو قول الله عز وجل: وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلاثَةً. فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ

السَّابِقُونَ. أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُون.(الواقعة:7-11) فالسابقون هم رسل الله عليهم السلام وخاصة الله من خلقه، جعل فيهم خمسة أرواح: أيدهم بروح القدس فبه عرفوا الأشياء، وأيدهم بروح الإيمان فبه خافوا الله عز وجل، وأيدهم بروح القوة فبه قدروا علي طاعة الله، وأيدهم بروح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله عز وجل وكرهوا معصيته، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون. وجعل في المؤمنين وأصحاب الميمنة روح الإيمان فبه خافوا الله، وجعل فيهم روح القوة فبه قدروا علي طاعة الله، وجعل فيهم روح الشهوة فبه اشتهوا طاعة الله، وجعل فيهم روح المدرج الذي به يذهب الناس ويجيئون....

عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن علم العالم فقال لي: يا جابر إن في الأنبياء والأوصياء خمسة أرواح: روح القدس وروح الإيمان وروح الحياة وروح القوة وروح الشهوة، فبروح القدس يا جابر عرفوا ما تحت العرش إلي ما تحت الثري، ثم قال: يا جابر إن هذه الأربعة أرواح يصيبها الحدثان إلا روح القدس فإنها لا تلهو ولا تلعب...

عن المفضل بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن علم الإمام بما في أقطار الأرض وهو في بيته مرخي عليه ستره؟ فقال: يا مفضل إن الله تبارك وتعالي جعل في النبي صلي الله عليه وآله خمسة أرواح:روح الحياة فبه دب ودرج، وروح القوة فبه نهض وجاهد، وروح الشهوة فبه أكل وشرب وأتي النساء من الحلال، وروح الإيمان فبه آمن وعدل، وروح القدس فبه حمل النبوة فإذا قبض النبي صلي الله عليه وآله انتقل روح القدس فصار إلي الإمام. وروح القدس لاينام ولا يغفل ولا يلهو ولا يزهو. والأربعة الأرواح تنام وتغفل وتزهو وتلهو، وروح

القدس كان يري به). انتهي.

8- قلنا في دلالة الإستخلاص الإلهي علي العصمة: وقد بيَّن الله تعالي أنه يستعمل رصد الملائكة لحفظ معلومة عن الغيب يخبر بها رسوله، فقال: قُلْ إن أدري أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أم يَجْعَلُ لَهُ ربي أَمَدًا. عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَي غَيْبِهِ أحداً. إِلا مَنِ ارْتَضَي مِنْ رَسُولٍ فإنه يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أن قَدْأَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَي كُلَّ شَئٍْ عدداً. (الجنّ:25-28)

والإستخلاص مقامٌ أعظمُ من حفظ ما يخبر به الله رسوله من الغيب، فلا بد أن تكون وسائل حفظ المستخلص أكثر تفصيلاً من حفظ الغيب المخبر به.

9- وردت أحاديث عديدة في صفات ومقامات للنبي والأئمة صلي الله عليه وآله، تُعتبر كل واحدة منها من وسائل الله تعالي في عصمتهم، صلوات الله عليهم، ويطول الكلام لو أردنا عرضها ولو إجمالاً، لذا نكتفي بالإشارة إلي بعضها:

فمنها: عرض الأعمال علي النبي صلي الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، فقد روي الكليني في الكافي تحت هذا العنوان:1/219، عدة أحاديث، منها: (عن أبي بصير، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: تعرض الأعمال علي رسول الله صلي الله عليه وآله أعمال العباد كل صباح أبرارها وفجارها فاحذروها، وهو قول الله تعالي: إعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ. وسكت.... عن يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: إعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ؟قال: هم الأئمة....

عن عبد الله بن أبان الزيات وكان مكيناً عند الرضا عليه السلام قال: قلت للرضا عليه السلام: أدع الله لي ولأهل بيتي، فقال: أو لست أفعل؟ والله إن أعمالكم لتعرض عليَّ في كل يوم وليلة!

قال: فاستعظمت ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب الله عز وجل: إعْمَلُوا فَسَيَرَي اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ؟ قال: هو والله علي بن أبي طالب عليه السلام). انتهي.

وفي الكافي:1/387: (عن محمد بن مروان قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن الإمام ليسمع في بطن أمه، فإذا ولد خط بين كتفيه: وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، فإذا صار الأمر إليه جعل الله له عموداً من نور، يبصر به ما يعمل أهل كل بلدة). انتهي.

ومنها: أن الله تعالي أعطاهم من إسمه الأعظم أضعاف ما أعطي غيرهم، ففي الكافي:1/ 230: (عن علي بن محمد النوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكر عليه السلام قال: سمعته يقول: إسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلم به فانخرقت له الأرض فيما بينه وبين سبأ فتناول عرش بلقيس حتي صيَّره إلي سليمان، ثم انبسطت الأرض في أقل من طرفه عين! وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً. وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب). انتهي.

ومنها: أن قوة نفس المعصوم عليه السلام وقربه من الله تعالي، يجعل رغبته وتوجهه النفسي إلي الشئ كافياً لأن يكشفه الله له: ففي الكافي:1/258: (عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الإمام أن يعلم شيئاً أعلمه الله ذلك).

ومنها: أنهم أصحاب ليلة القدر الذين تتنزل عليهم الملائكة بأمر الله فيها. ففي الكافي:1/247، عن الإمام الصادق عليه السلام في حديث: (إن ليلة القدر في كل سنة، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة، وإن لذلك الأمر ولاة بعد رسول الله صلي الله عليه وآله فقلت: من هم؟ فقال: أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون).

انتهي.

أقول: وهذا باب واسع، يفهم منه الكثير من عطاءات الله وأفعاله عز وجل في عصمة أنبيائه وأوصيائهم عليهم السلام، وإن كان الكثير منه منه مختصاً بالنبي وآله صلي الله عليه وآله لايشركهم فيه غيرهم، فالمعصومون درجات.

درجات العصمة واللطف بالمعصومين

نص القرآن الكريم علي أن الله تعالي جعل مخلوقاته درجات، وفضَّل بعضها علي بعض، لأسباب وحكم وأسرار يعلمها عز وجل. وهذه أهم آيات التفضيل:

تفضيل بني آدم علي كثير من المخلوقات

قال الله تعالي: وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَي كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً. (الإسراء:70).

تفضيل بعض الناس علي بعضهم في الرزق والتكوين

(وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَي مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللهِ يَجْحَدُونَ). (النحل:71).

(وَهُوَالَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرض وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ). (الأنعام:165).

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ. وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ. وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ.وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخرة عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ). (الزخرف:32-35).

تفضيل الرجال علي النساء

(أَلرِّجَالُ قَوَامُونَ عَلَي النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللهُ بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْب). (النساء:34).

(وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَي بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُلِّ شَئٍْ عَلِيمًا).(النساء:32).

تفضيل المجاهدين علي القاعدين

(فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَي الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاً وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَي وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَي الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا. النساء:95 دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا. النساء:96

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَي الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَي الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. المائدة:54

تفضيل العلماء علي غيرهم

(يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). (المجادلة:11).

التفضيل في الآخرة أكبر منه في الدني

0وَمَنْ أَرَادَ الآخرة وَسَعَي لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا. كُلاً نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً. (الإسراء:19-21).

(وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا. ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَي بِاللهِ عَلِيمًا. (النساء:69-70).

(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا. (النساء:175).

تَرَي الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَوَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ. (الشوري:22).

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ. فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ. كَذَلِكَ وَزَوَجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ.لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلا الْمَوْتَةَ الأولي وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَالْفَوْزُ الْعَظِيمُ. (الدخان: 51-57).

(سَابِقُوا إلي مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرض أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ

ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. الحديد:21

تفضيل بعض الأنبياء عليهم السلام علي بعض

(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرض وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَي بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا. (الإسراء:55)

تفضيل بعض الرسل عليهم السلام علي بعض

(تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَي بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَي ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ. (البقرة:253).

تفضيل إبراهيم وآل إبراهيم ومن معهم عليهم السلام

(وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَي قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاً هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَي وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَي وَعِيسَي وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاً فَضَّلْنَا عَلَي الْعَالَمِينَ. (الأنعام:83-84)

تفضيل آل إبراهيم عامة

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَي مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا. فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَي بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا. (النساء:54-55).

تفضيل داود وسليمان عليهما السلام خاصة

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ علماً وَقَالا الْحَمْدُ للهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَي كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ. وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَئٍْ إِنَّ هَذَا لَهُوَالْفَضْلُ الْمُبِينُ. (النمل:15-16).

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ. سبأ:10

أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ. سبأ:11

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ

عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ. (سبأ:10-12).

تفضيل نبينا صلي الله عليه وآله

(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ. وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ. وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ). (الشرح:1-4) (إِلا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ عَلَيْكَ كَبِيرًا). (الإسراء:87).

(وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَئٍْ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا). (النساء:113).

تفضيل آل محمد صلي الله عليه وآله

(ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَي وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ). (الشوري:23).

(إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهل الْبَيْتِ وَيُطَهِّرُكُمْ تَطْهِيراً). (الأحزاب:33).

(سَلامٌ عَلَي إِلْيَاسِينَ). (الصافات:130).

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَلِكَ هُوَالْفَضْلُ الْكَبِيرُ). (فاطر:32).

تفضيل اليهود علي الأمم المعاصرة لأنبيائهم

(يَا بَنِي إِسْرَاءِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ). (البقرة:47 و122) (قَالَ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَي الْعَالَمِينَ). (الأعراف:140).

تفضيل أمة رسول الله صلي الله عليه وآله

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الآمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَالْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ. مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ

الظَّالِمِينَ). (الجمعة:2-5).

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.لِئَلا يَعْلَمَ أهل الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَي شَئٍْ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ).(الحديد:28-29). (قُلْ إِنَّ الْهُدَي هُدَي اللهِ أَنْ يُؤْتَي أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ). (آل عمران:73 –74)

عصمة نبينا و آله أرقي أنواع العصمة

أجمع المسلمون علي أن نبينا محمداً صلي الله عليه وآله أفضل الخلق عند الله تعالي، وأنه صاحب لواء رئاسة المحشر يوم القيامة، وقد روي ذلك جميعهم.

لكن رواة السلطة وقعوا في التناقض، فرووا ذلك ورووا ضده أيضاً! وفضلوا بعض الأنبياء علي نبينا صلي الله عليه وآله كما في البخاري! وقد بحثنا ذلك في كتاب (ألف سؤال وإشكال علي المخالفين لأهل البيت الطاهرين عليهم السلام)، مسألة 137.

فقد امتاز الشيعة بالقول إنه صلي الله عليه وآله أفضل الخلق علي الإطلاق، وإن درجة عصمته أعلي من درجة عصمة جميع الأنبياء عليهم السلام، فالأفضلية استحقاق بالعمل وبعمق الوعي والعبودية، والعصمة استحقاق يتناسب مع مستوي العمل.

ويكفي دليلاً عليه قوله تعالي: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي، فهذه رتبة عظيمة لم تثبت لأحد من الأنبياء عليهم السلام، ومَن عصم الله منطقه عن الهوي فجعله وحياً يوحي، فقد عصم فعله أيضاً، أو بطريق أولي! حيث لا يمكن تصور عصمة لسان أحد عن المعصية والخطأ بدون عصمة بقية جوارحه!

هذا مضافاً إلي الآيات الأخري، والأحاديث الصحيحة المتواترة، التي نصَّت علي مقامه الفريد صلي الله عليه

وآله ودرجة عصمته الخاصة، ودلت علي أن درجة عترته الطاهرين عليهم السلام تلي درجته صلي الله عليه وآله مباشرةً.

وقد رواها معنا رواة الخلافة أيضاً، ولكنهم عملوا علي تأويلها أو تضعيفها، ومنها الحديث الصحيح المعروف: (نحن ولدَ عبد المطلب سادةُ أهل الجنة، أنا، وعلي أخي، وحمزة عمي، وجعفر بن عمي، والحسن، والحسين، والمهدي). وقد استوفينا مصادره وتصحيحه عند الطرفين في معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام:1/198، ومن ذلك تصحيح الحاكم له علي شرط مسلم:3/211.

وينبغي الإلفات إلي أن مقام حمزة بن عبد المطلب وجعفر بن أبي طالب، يلي مقام المعصومين من العترة عليهم السلام ولا يتقدم علي أحد منهم، كما قد يُتوهم من ظاهر الحديث، فهما مرضيَّان غير معصوميْن رضي الله عنهما، والعصمة عندنا مختصة بمن دل عليهم النص النبوي فقط، وهم العترة، أو أهل البيت بالمعني الأخص: علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من ذرية الحسين آخرهم المهدي عليهم السلام. وهم المعني النبوي المصطلح لأهل البيت، وآل محمد، والعترة، في مقابل المعني اللغوي الأوسع منهم.

ومنها، حديث النبي صلي الله عليه وآله لفاطمة الزهراء عليها السلام، الذي رواه الصدوق في كمال الدين ص662، عن سلمان قال: (كنت جالساً بين يدي رسول الله صلي الله عليه وآله في مرضته التي قبض فيها فدخلت فاطمة عليها السلام فلما رأت ما بأبيها من الضعف بكت حتي جرت دموعها علي خديها، فقال لها رسول الله صلي الله عليه وآله: مايبكيك يا فاطمة؟ قالت:يارسول الله أخشي علي نفسي وولدي الضيعة بعدك! فاغرورقت عينا رسول الله بالبكاء ثم قال: يا فاطمة أما علمت أنا أهل بيت اختار الله عز وجل لنا الآخرة علي الدنيا، وأنه حتم الفناء علي جميع خلقه، وأن

الله تبارك وتعالي اطَّلع إلي الأرض إطلاعة فاختارني من خلقه فجعلني نبياً، ثم اطلع إلي الأرض إطلاعة ثانية فاختار منها زوجك، وأوحي إليَّ أن أزوجك إياه، وأتخذه ولياً ووزيراً، وأن أجعله خليفتي في أمتي. فأبوك خير أنبياء الله ورسله، وبعلك خير الأوصياء، وأنت أول من يلحق بي من أهلي.

ثم اطَّلع إلي الأرض إطلاعة ثالثة فاختارك وولديك، فأنت سيدة نساء أهل الجنة وابناك حسن وحسين سيدا شباب أهل الجنة، وأبناء بعلك أوصيائي إلي يوم القيامة كلهم هادون مهديون، وأول الأوصياء بعدي أخي علي، ثم حسن، ثم حسين، ثم تسعة من ولد الحسين في درجتي، وليس في الجنة درجة أقرب إلي الله من درجتي ودرجة أبي إبراهيم! أما تعلمين يا بنية أن من كرامة الله إياك أن زوجك خير أمتي، وخير أهل بيتي، أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً، وأكثرهم علماً. فاستبشرت فاطمة عليها السلام وفرحت بما قال لها رسول الله صلي الله عليه وآله...الحديث). (ورواه في شرح الأخبار: 1/122، عن أبي سعيد الخدري، والطبري في المسترشد ص613، بتفصيلات أخري..الخ.).

وروت منه مصادر الخلافة فقرات مهمة بسند صحيح، كالطبراني في الكبير:3/57 والصغير:1/67، وابن عساكر:42/130، والطبري في ذخائر العقبي ص135،وابن الأثير في أسد الغابة:4/42، والهيثمي في مجمع الزوائد: 8/253، ولم يضعفه أحد منهم غير الذهبي في القرن الثامن! بحجة ضعف أحد رواته (الهيثم بن حبيب) الذي قال عنه الهيثمي في الزوائد:3/190: وأما الهيثم بن حبيب فلم أرَ من تكلم فيه غير الذهبي اتهمه بخبر رواه، وقد وثقه ابن حبان).انتهي.

بل وثق الهيثم هذا كبار أئمة الجرح والتعديل عندهم كأحمد وأبي عوانة وشعبة وأبي حاتم وأبي زرعة وغيرهم، كما بيناه في (جواهر التاريخ:1/115) ووقع الهيثمي والذهبي فيه في التناقض أو

الكذب!

ونكتفي بهذا القدر في تفضيل نبينا صلي الله عليه وآله علي بقية الأنبياء عليهم السلام، وقد تعرضنا له في مؤلفاتنا الأخري، وبينا أن مقام عترته وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام يلي مقامه مباشرة، بل هو ملحق به، وجزءٌ لايتجزأ منه.

النبي و عترته المعصومون منظومة خاصة لا يقاس بهم أحد

العصمة هي الإمتناع بالله تعالي عن جميع معاصي الله، علي حد تعبير الإمام الصادق عليه السلام، وهي مقام ربانيٌّ عظيم دون شك، غير أن مقام النبي وآله صلي الله عليه وآله أعلي منها بكثير! ويكفي لذلك قوله تعالي عن نبيه صلي الله عليه وآله: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَي. إِنْ هُوَ إلا وَحْيٌ يُوحَي، وهي أعلي مرتبة يمكن أن يصل اليها إنسان.

وقول النبي صلي الله عليه وآله في الحديث المتواتر عن أهل بيته عليهم السلام: إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، وإنهما لن يفترقا حتي يردا عليَّ الحوض. فقد جعلهم عِدلاً للقرآن الذي لايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ، فهم مثله لايأتيهم الباطل، وهم ورثة القرآن، وحجة الله في بيانه وهداية الأمة به.

وقد روت مصادر الخلافة قليلاً، وروت مصادرنا كثيراً، من الأحاديث التي تكشف عن مقامهم العظيم، وأنهم مشروع رباني مميز، منذ تكوين الكون، وفي مسيرة وجوده، إلي ختامها بالحياة الآخرة.

ولا يتسع المجال لبحث مفرداتها ولا لعرضها، فنكتفي بالإشارة إلي أهمها:

1- صحت الأحاديث بأن الله تعالي أول ما خلق أنوارهم عليهم السلام من نور عظمته قبل خلق الخلق.

2- وأن وجود المعصوم علي الأرض ضرورة، ظاهراً مشهوراً أو غائباً مستوراً، وإلا لساخت الأرض بأهلها.

3- وأن الله تعالي جعلهم واسطة في فيض عطائه علي الوجود.

4- وأعطاهم ما شاء من الولاية التكوينية والتشريعية.

5- وفرض

ولايتهم علي الأنبياء والأوصياء السابقين عليهم السلام.

6- وفرض ولايتهم علي هذه الأمة، فلا يقبل من أحد عملاً إلا بها.

7- وأن دولة العدل الإلهي ستقوم علي يدهم، وتستمر إلي يوم القيامة.

درجة شيعة النبي و آله في أحاديث الطرفين

بل دلت الأحادث الصحيحة علي أن شيعة أهل البيت ومحبيهم عليهم السلام ملحقون بدرجتهم يوم القيامة، ومن ذلك الحديث المشهور الذي رواه أبو داود والترمذي، وأحمد، والطبراني وغيرهم، وهو حديث صحيح لايمكن لأحد أن يطعن في أحد من رواته. وقد رويناه نحن بنفس السند كما في كامل الزيارات ص117: (عن أبي سعيد قال: حدثنا نصر بن علي قال: حدثنا علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر قال: أخذ رسول الله صلي الله عليه وآله بيد الحسن والحسين فقال: من أحب هذين الغلامين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة). (ورواه الصدوق في الأمالي ص299، وغيره).

ورواه منهم كثيرون كالترمذي:5/305، قال: (حدثنا نصر بن علي الجهضمي أخبرنا علي بن جعفر بن محمد بن علي قال أخبرني أخي موسي بن جعفر بن محمد عن أبيه جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن جده علي بن أبي طالب أن النبي(ص)أخذ بيد حسن وحسين وقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة. هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث جعفر بن محمد إلا من هذا الوجه).

ورواه الطبري في الكبير:3/50، والصغير:2/70، وابن عساكر:13/195و196، وفي هامشه:مسند أحمد:1/77، وأسد الغابة:4/29.

ورواه الخطيب في تاريخ بغداد:13/289 وقال: قال أبو عبد الرحمن عبد الله: لما حدث بهذا الحديث نصر بن علي أمر المتوكل بضربه ألف سوط، وكلمه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول

له: هذا الرجل من أهل السنة، ولم يزل به حتي تركه، وكان له أرزاق فوفرها عليه موسي). انتهي.

ورواه المزي في تهذيب الكمال:20/354، وقال: (رواه عن نصر بن علي، فوافقناه فيه بعلو، وقال: غريب لا نعرفه من حديث جعفر إلا من هذا الوجه. وقد كتبناه من وجه آخر عن نصر بن علي في ترجمة الحسين بن علي). انتهي.

(ورواه المزي في:29/360، وذكر قصة المتوكل. وأسنده القاضي عياض في الشفا:2/49، بنحو القطع إلي النبي صلي الله عليه وآله، ورواه كنز العمال:12/103، و13/639، عن مصادر أخري.وأسنده البيهقي في لباب الأنساب:1/ 26 بنحو القطع إلي النبي صلي الله عليه وآله).

ورواه الهيتمي في الصواعق:2/406، وقال: (وليس المراد بالمعية هنا المعية من حيث المقام بل من جهة رفع الحجاب نظير ما في قوله تعالي: فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً).

ورواه الذهبي في سيره:12/135، وشهد بوثاقة رواته، لكنه رده بخلاً بدرجة النبي صلي الله عليه وآله علي الذين يحبون عترته! قال: (قلت: هذا حديث منكر جداً.... ثم ذكر قصة المتوكل عن عبد الله بن أحمد بن حنبل وقال: قلت: والمتوكل سني، لكن فيه نصب. وما في رواة الخبر إلا ثقة! وما كان النبي(ص)من حبه وبث فضيلة الحسنين ليجعل كل من أحبهما في درجته في الجنة، فلعله قال: فهو معي في الجنة. وقد تواتر قوله عليه السلام: المرء مع من أحب. ونصر بن علي، فمن أئمة السنة الأثبات). انتهي.

والعجيب أن الذهبي قَبِلَ أن يكون محب العترة مع النبي صلي الله عليه وآله، ولم يقبل أن يكون في درجته! وكان عليه كما وسَّع معني المعية، أن يقبل توسيع الدرجة!

ولم يطعن الذهبي

في علي بن جعفر الصادق عليه السلام، لكنه شكك في حفظه بدون دليل! إلا أنه لم يعجبه حديثه فشكك في حفظه!

كما ارتكب الذهبي تضعيف هذا الحديث في سيره:3/254، فقال: (إسناده ضعيف والمتن منكر). انتهي. ولم يبين سبب حكمه بضعفه، لأنه لايستطيع أن يضعف أياً من رواته! فهل هذا إلا هوي!

وتبعه الألباني فضعفه في ضعيف الترمذي ص504، والضعيفة 3122، وتخريج المختارة392، تقليداً بإسم الإجتهاد، وتعصباً بإسم البحث العلمي!

ومن عسي أن يضعف الألباني والذهبي من رجال رواته، التي تبدأ بنصر الذي اتفقوا علي وثاقته وأنه من أئمة السنة، عن علي بن جعفر الصادق عليه السلام الذي هو من رجال الترمذي، ولم يجرحه أحد من علماء الجرح، ثم يصل إلي سلسلة الذهب الأئمة المعصومين عليهم السلام الذين قال أحمد بن حنبل عن إسنادهم: (لو قرئ هذا الإسناد علي مجنون لأفاق من جنونه)!!

قال في هامش مسند زيد بن علي ص440: (أورد صاحب كتاب تاريخ نيسابور أن علياً الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق، لما دخل نيسابور كان في قبة مستورة علي بغلة شهباء وقد شق بها السوق، فعرض له الإمامان الحافظان أبو زرعة وأبو مسلم الطوسي ومعهما من أهل العلم والحديث ما لا يحصي فقالا: يا أيها السيد الجليل ابن السادة الأئمة، بحق آبائك الأطهرين وأسلافك الأكرمين إلا ما أريتنا وجهك الميمون ورويت لنا حديثاً عن آبائك عن جدك أن نذكرك به. فاستوقف غلمانه وأمر بكشف المظلة وأقر عيون الخلايق برؤية طلعته، وإذا له ذؤابتان معلقتان علي عاتقه، والناس قيام علي طبقاتهم ينظرون ما بين باك وصارخ، ومتمرغ في التراب، ومقبل حافر بغلته وعلا الضجيج، فصاحت الأئمة الأعلام: معاشر الناس، أنصتوا واسمعوا ما ينفعكم

ولا تؤذونا بصراخكم، وكان المستملي أبا زرعة ومحمد بن أسلم الطوسي، فقال علي الرضا رضي الله عنه: حدثني أبي موسي الكاظم، عن أبيه جعفر الصادق، عن أبيه محمد الباقر، عن أبيه زين العابدين، عن أبيه شهيد كربلا، عن أبيه علي المرتضي، قال حدثني حبيبي وقرة عيني رسول الله صلي الله عليه وآله قال حدثني جبريل عليه السلام قال حدثني رب العزة سبحانه وتعالي قال: لا إله إلا الله حصني، فمن قالها دخل حصني، ومن دخل حصني أمن من عذابي. ثم أرخي الستر علي المظلة وسار، قال فعد أهل المحابر وأهل الدواوين الذين كانوا يكتبون فأنافوا علي عشرين ألفاً. قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه: لو قرئ هذا الإسناد علي مجنون لأفاق من جنونه)! انتهي.

وقال أبو نعيم في الحلية:3/191، بعد أن رواه بتفاوت يسير: (هذا حديث ثابت مشهور بهذا الإسناد من رواية الطاهرين عن آبائهم الطيبين، وكان بعض سلفنا من المحدثين إذا روي هذا الإسناد قال: لو قرئ هذا الإسناد علي مجنون لأفاق).

وقال ابن الشجري في الأمالي ص25، والقزويني في التدوين:3/481، بعد حديث بسند مشابه: (قال علي بن مهرويه: قال أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي: قال أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي: لو قرئ هذا الاسناذ علي مجنون لأفاق). وقال الزمخشري في ربيع الأبرار ص673: (كان يقول يحيي بن الحسين الحسني في إسناد صحيفة الرضا: لو قرئ هذا الإسناد في أذن مجنون لأفاق).

وقال الإربلي في كشف الغمة:1/134: (هذا الحديث نقله أحمد في مواضع من مسنده، وهو حديث خطره عظيم، ومجده كريم، ووجده وسيم، وشرفه قديم فإنه جعل درجة محبيهم مع درجته، وهذا محل يقف دونه الخليل والكليم، وههنا ينقاد

المنقول والمعقول، وهو صلي الله عليه وآله أعلم بما يقول).انتهي.

وأغرب من الألباني والذهبي: ابن تيمية الذي قال في منهاجه:7/397: (فصل. قال الرافضي: الحادي عشر، ما رواه الجمهور من وجوب محبته وموالاته. روي أحمد بن حنبل في مسنده أن رسول الله(ص)أخذ بيد حسن وحسين فقال: من أحبني وأحب هذين وأباهما وأمهما فهو معي في درجتي يوم القيامة… وأورد عدة أحاديث أوردها العلامة الحلي رحمه الله في كتابه منهاج الكرامة الذي ألف ابن تيمية كتابه للرد عليه، ثم قال:

(والجواب من وجوه: أحدها، المطالبة بتصحيح النقل وهيهات له بذلك!

وأما قوله رواه أحمد فيقال: أولاً، أحمد له المسند المشهور وله كتاب مشهور في فضائل الصحابة روي فيه أحاديث لايرويها في المسند لما فيها من الضعف، لكونها لا تصلح أن تروي في المسند لكونها مراسيل أو ضعافاً بغير الإرسال.

ثم إن هذا الكتاب زاد فيه ابنه عبد الله زيادات، ثم إن القطيعي الذي رواه عن ابنه عبد الله زاد عن شيوخه زيادات، وفيها أحاديث موضوعة باتفاق أهل المعرفة. وهذا الرافضي وأمثاله من شيوخ الرافضة جهال، فهم ينقلون من هذا المصنف فيظنون أن كل ما رواه القطيعي أو عبد الله قد رواه احمد نفسه، ولا يميزون بين شيوخ أحمد وشيوخ القطيعي، ثم يظنون أن أحمد إذا رواه فقد رواه في المسند، فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلي مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد قط، كما فعل ابن البطريق وصاحب الطرائف منهم وغيرهما، بسبب هذا الجهل منهم! وهذا غير ما يفترونه من الكذب فإن الكذب كثير منهم.

وبتقدير أن يكون أحمد روي الحديث، فمجرد رواية أحمد لا توجب أن يكون صحيحاً يجب العمل به، بل الإمام أحمد روي أحاديث

كثيرة ليُعرِّف ويبين للناس ضعفها، وهذا في كلامه وأجوبته أظهر وأكبر من أن يحتاج إلي بسط، لاسيما في مثل هذا الأصل العظيم.

مع أن هذا الحديث الأول من زيادات القطيعي، رواه عن نصر بن علي الجهضمي، عن علي بن جعفر، عن أخيه موسي بن جعفر.الخ.). انتهي.

وأول سؤال يرد في الذهن: لماذا افترض ابن تيمية أن راوي الحديث ابن حنبل وحده؟ ألا يعرف أن له رواة آخرين عديدين؟!

والجواب: أن هذه عادة ابن تيمية! فهو يعرف أن للحديث مصادر عديدة غير مسند أحمد، وأنه لايمكنه تضعيف سنده! لكنه تصور أن نقل العلامة الحلي له عن مسند أحمد نقطة ضعف، لأن الحديث من زيادات عبد الله بن أحمد وتلميذه القطيعي علي مسند أحمد تحت نظره، فركز هجومه عليها! وصوَّر الأمر كأنه: هل كتب أحمد هذا الحديث بيده؟ أو أضافه ولده أو تلميذه؟

فلو قلنا لابن تيمية: حسناً، إعتبره من رواية ابن أحمد أو القطيعي، فما رأيك فيه؟ هل تطعن في واحد منهما، وهل تستطيع تضعيف رواة الحديث؟!

ثم نلاحظ أن ابن تيمية قال: (فقد رأيتهم في كتبهم يعزون إلي مسند أحمد أحاديث ما سمعها أحمد قط! كما فعل ابن البطريق وصاحب الطرائف منهم وغيرهما، بسبب هذا الجهل منهم). انتهي.

وهذا يعني أنه قرأ الطرائف لابن طاوس رحمه الله، وقرأ العمدة لابن البطريق رحمه الله ورأي أنهما نقلا الحديث عن مسند أحمد!

أما في الطرائف ص111فقال:(ومن ذلك ما رواه أحمد بن حنبل في مسنده) انتهي، فقد اقتصر في روايته علي أحمد، ونسبها اليه كغيره من علماء السنة!

لكن ابن البطريق رواه في العمدة في ص274 عن عبد الله بن أحمد عن الجهضمي..الخ. ورواه بعده في ص283، فقال:

(ومن الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري في الجزء الثالث في باب مناقب الحسن والحسين عليهما السلام، وبالإسناد المقدم من سنن أبي داود قال: عن علي عليه السلام قال: كنت إذا سألت رسول الله صلي الله عليه وآله أعطاني وإذا سكت ابتدأني وأخذ بيد الحسن والحسين يوماً وقال: من أحب هذين وأباهما وأمهما ومات، كان متبعاً لسنتي كان معي في الجنة). انتهي.

فقد قرأ ابن تيمية روايته عن الجمع بين الصحاح أيضاً، فلماذا أهملها؟!

إنه لايريد أن يبحث بحثاً علمياً، لافي سند الحديث ولا في متنه! بل همه أن يفتش عن شئ يتصوره نقطة ضعف ليهرج به ويترك كل ما سواه!

وهو حاضر لذلك أن يطعن في أحمد ومسنده وعبدالله بن أحمد والقطيعي، من أجل أن يردَّ فضيلة للنبي وعترته صلي الله عليه وآله، لمجرد أن عالماً شيعياً استدل بها!

زيادة رزين العبدري عن أبي داود

قال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة:2/500: (من أحبني وأحب هذين يعني حسناً وحسيناً، وأباهما وأمهما، كان معي في الجنة في درجتي. زاد أبو داود (ومات متبعاً لسنتي). وبها يعلم أن مجرد محبتهم من غير اتباع للسنة كما يزعمه الشيعة والرافضة من محبتهم مع مجانبتهم للسنة، لا يفيد مدعيها شيئاً من الخير بل تكون عليه وبالاً وعذاباً أليما في الدنيا والآخرة). انتهي.

أقول: بقطع النظر عن تفسير ابن حجر المتوتر لهذه الزيادة، فقد أخذها هو وغيره من رزين العبدري، صاحب كتاب الجمع بين الصحاح، حيث نسبها هو إلي سنن أبي داود، ولا وجود للحديث في سنن أبي داود!

قال السيد البحراني في غاية المرام:6/48: (الخامس عشر: الجمع بين الصحاح الستة لرزين العبدري في الجزء الثالث، في باب مناقب الحسن والحسين من سنن أبي داود

عن علي، قال: كنت إذا سألت رسول الله أعطاني وإذا سكت ابتداني، وأخذ بيد حسن وحسين يوماً وقال: من أحب هذين وأباهما وأمهما ومات متبعاً لسنتي كان معي في الجنة). انتهي.

ونص صاحب البحار:37/76، علي أن الزيادة من رزين نفسه، فقد نقل الحديث عن ابن الأثير عن الترمذي، ثم قال: (وذكر رزين بعد قوله: وأمهما: ومات متبعا لسنتي غير مبتدع). انتهي.

وكذا السيد المرعشئ في شرح إحقاق الحق:9/178، قال: (رزين العبدري في الجمع بين الصحاح(مخطوط) قال: إن النبي أخذ بيد حسن وحسين يوماً وقال: من أحب هذين وأباهما وأمهما ومات متبعاً لسنتي كان معي في الجنة).انتهي.

وأدق ما وجدناه قول الأذرعي في بشارة المحبوب بتكفير الذنوب ص66، بعد نقل الحديث: (رواه الترمذي. زاد رزين: ومات متبعاً لسنتي غير مبتدع).انتهي.

فكيف يصح نسبة الزيادة إلي أبي داود والحديث لايوجد في سننه أصلاً! وحتي لو قلنا بنقص نسخة أبي داود الموجودة فلا يمكننا نسبة الزيادة اليه، فيتعين أن تكون لرزين تعليقاً منه علي رواية الترمذي، كما ذكر الأذرعي.

علي أن هذه الزيادة لو ثبتت لا تغير من الأمرشيئاً، ولا تحتمل ما حملها إياه ابن حجر فجعل اتباع سنة النبي صلي الله عليه وآله بمعني اتباع أبي بكر وعمر! لأن اتباع سنة النبي صلي الله عليه وآله لايتحقق إلا بحب أهل بيته عليهم السلام ولايتحقق حبهم إلا بطاعتهم دون من خالفهم، وأخذ سنة النبي صلي الله عليه وآله منهم دون ما خالفهم.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.