دروس الاعلام و نقدها

اشارة

سرشناسه : خميني، مصطفي، 1356 - 1309

عنوان و نام پديدآور :دروس الاعلام و نقدها/ تاليف مصطفي الخميني؛ [گردآورنده محمد السجادي]؛ تحقيق موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهري : 84، 60، ص 154

شابك : 9000ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : عنوان روي جلد: ثلاث رسائل: ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان روي جلد : ثلاث رسائل: ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها.

عنوان ديگر : ثلاث رسائل: ولايه الفقيه

موضوع : ولايت فقيه

موضوع : اصول فقه شيعه -- قرن 14

موضوع : اسلام -- علوم نقلي

موضوع : علوم اسلامي

شناسه افزوده : سجادي، محمد، گردآورنده

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP223/8 /خ 85و8 1376

رده بندي ديويي : 297/45

شماره كتابشناسي ملي : م 80-4778

[المدخل]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطّيبين الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين.

و بعد:

فهذه الدروس التي تلقّيتُها من أعلام النجف، حين ما اقصيتُ مع الوالد مُدّ ظلّه من تركيا إليه، و لجهات مختلفة كنت أحضرها جميعاً، و أضبطها مع ما أرىٰ فيها من القصور و الفتور:

دروس الأعلام و نقدها، ص: 5

الدرس الأوّل ما ألقاه السيّد الشاهرودي حول جريان الأُصول في أطراف العلم الإجمالي

و الذي ظهر لي منه: هو أنّ الأُصول العمليّة لا تجري؛ لا لما قيل من لزوم المخالفة العمليّة، بل لأجل المناقضة في الجعل؛ لأنّ الأصلين مجعولان عرضاً و جمعاً، لا طولًا و تدريجاً، و عند ذلك تلزم المناقضة بين العلم الإجمالي و مفادها.

نعم، إذا كان الأصل من قبيل الأُصول اللبيّة أو اللفظيّة غير المتكفّلة للجمع في الجعل، فإنّه حينئذٍ لا يلزم الإشكال المزبور، و من تلك الأُصول الاستصحاب.

و توهّم الفرق بين الدليل المتكفّل للأصل الذي يكون من قبيل العمومات، و بين ما هو من قبيل المطلقات، في غير مقامه؛ لأنّ مقدّمات الحكمة تقوم مقام ألفاظ العموم على ما تقرّر في محلّه.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 6

ثمّ تعرّض لمثال في المسألة، و هو المثل المعروف المشهور بينهم و هو: أنّه لو خرج البلل المشتبه المردّد بين البول و المنيّ، و لم تكن الحالة السابقة معلومة، فإنّه لا تجري أصالة عدم البوليّة؛ لعدم الأثر لها؛ ضرورة أنّ البول مع احتمال الحدث الأكبر، مشكوك الأثر، بخلاف المنيّ، فإنّه مع احتمال الحدث الأصغر ذو أثر، كما لا يخفى».

و فيما ذكره مع أنّه ببيان منّي مجال للنظر، فإنّ الأُصول تجري في أطراف العلم الإجمالي حتّى الاستصحاب، و قد تقرّر منّا جواز ارتكاب مجموع الأطراف تدريجاً؛ لتقدّم أدلّة الأُصول علىٰ أدلّة الأحكام الواقعية ملاكاً و

خطاباً و لحاظاً علىٰ ما تقرّر منّا «1».

هذا، و ما توهّم من الجمع في الجعل، غير تامّ؛ ضرورة أنّ القوانين الكلّية تكون من القضايا الحقيقيّة في الاعتبار، و تنحلّ حسب صُغرياتها، فلا يكون جعل مستقلّ في عرض الجعل الآخر، بل جعل واحد علىٰ عنوان كلّى، ينحلّ حسب المصاديق الطوليّة و العرضيّة، الجمعيّة و التدريجيّة، فكلّ واحد من الترخيصين، لا يلاحظ عند الترخيص الآخر حتّى يتوهّم التنافي.

مع أنّه لو سلّمنا ذلك فالاختلاف في العنوانين يكفي؛ لأنّ محرّمية الخمر لا تنافي محلّلية مشكوك الخمريّة بما هو مشكوك؛ من غير دخالة

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 185 و ما بعدها.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 7

الخمر الواقعي في الترخيص. و التفصيل في مقام آخر «1»، و هذا هو التحقيق لإجراء الاستصحاب و الأُصول المحرزة في أطراف العلم.

و ما قاله سيّدنا الأُستاذ مُدّ ظلّه-: من عدم جريان أصالة عدم البول؛ لتقوّمها بعدم الجنابة في الأثر في بعض صور المسألة، إن كان يرجع إلىٰ نفي جريانها فهو ممنوع؛ لأنّ العلم بعدم الأثر غير حاصل، و احتمال الأثر لا يُورث عدم الجريان ثبوتاً و إن لا يُثمر جريانها إثباتاً.

و أمّا التفصيل في المسألة فيعرف من الكتب الفرعية الاستدلاليّة، و ربّما تبلغ الصور إلىٰ أزيد من أربع صور، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) نفس المصدر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 8

الدرس الثاني ما ألقاه الوالد مُدّ ظلّه حول التمسّك بحديث السلطنة لتصحيح المعاطاة

و هو: «أنّ التمسّك بعموم قوله

الناس مسلّطون علىٰ أموالهم «1»

لأجل تصحيح المعاطاة غير تامّ؛ لأنّ غاية ما يمكن أن يقال تحريراً: هو أنّ مقتضىٰ إطلاق السلطنة علىٰ الأموال سراية الحكم إلىٰ الملازمات و اللوازم العرفيّة، و علىٰ هذا يكون جعل السلطنة ملازماً للحكم التكليفي و الترخيص الوضعي، و هو جواز التصرّفات تكليفاً و وضعاً؛ أي نفوذ

النقل و الانتقال الملازم لإنفاذ الأسباب و العقود، و نفي صحّة المعاطاة ينافي دعوى إطلاق قاعدة السلطنة.

______________________________

(1) عوالي اللآلي 1: 222/ 99، و 2: 138/ 383، بحار الأنوار 2: 272.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 9

و إن شئت قلت: القاعدة تورث السلطنة لكلّ أحد على كلّ أمواله سلطنة مطلقة، و مقتضى ذلك جواز جعل ماله حذاء المال الآخر للنقل الاعتباري.

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ المعاملات العقلائية تحتاج عندهم في النفوذ إلى الأمرين:

السلطنة على مورد المعاملة فلو كان مجنوناً أو مهجوراً أو صبيّاً غير مميّز، و هكذا، فإنّهم و إن كانوا مالكين إلّا أنّ معاملاتهم غير نافذة عقلًا.

و التبعيّة من المقرّرات العرفية و القوانين العقلائيّة، فلو باع شيئاً من ماله بشي ء من مال الآخر، لا يصحّ عندهم مع سلطنتهم علىٰ أموالهم.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ القاعدة تعرّضت للشرط الأوّل، و أنفذت ذلك القيد و المقرّر العرفي، و لا يعقل تنفيذ السبب و العقد؛ لعدم الارتباط بين مفادها و هذه المسألة؛ ضرورة أنّ جعل السلطنة على الإطلاق لا يورث صحّة سبب التصرّف و النقل الاعتباري؛ لأجنبيّة هذه الموضوعات عن مورد القاعدة، و توهّم الإطلاق اللحاظي «1» خلاف التحقيق علىٰ ما تقرّر في محلّه، بل الإطلاق علىٰ ما تقرّر في مقامه رفض القيود، لا جمع القيود «2».

و اشتراط القوانين الأُخر لصحّة النقل و الانتقال و لتأثير العقد فيهما،

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 1: 26/ السطر 12.

(2) مناهج الوصول 2: 325، و لاحظ تحريرات في الأُصول 5: 447 449.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 10

لا يورث قصوراً في موضوعها؛ لأنّ القاعدة تورث السلطنة المطلقة على الأموال، و أمّا احتياج نفوذ موجبات النقل الاعتباري إلىٰ قيود أُخر، فهو لا ربط

له بها، كما لا يخفىٰ.

و إن شئت قلت: لا إطلاق لها من تلك الجهة، بل هي متعرّضة لإثبات السلطنة على الأموال و جاعلة لها، أو مُمضِية لما عليه طريقة العقلاء، و متعرّضة لعدم حجر الناس عن أموالهم» «1».

و الذي يظهر لي في المسألة: أنّها قاعدة إمضائيّة، و ليست تأسيسيّة فلو شكّ في جواز التصرّف، و رجع الشكّ إلىٰ شكّ العقلاء فيه، لا شكّ الفقيه، فلا تكون هي المرجع لرفع الشكّ، كما في مسألة عموم دليل قاعدة اليد، فإنّ قوله (عليه السّلام)

من استولىٰ علىٰ شي ءٍ فهو له «2»

لا يكون مؤسِّساً في موقف شكّ العقلاء في كاشفيّة اليد المستولية، كالأيادي المسبوقة بالخيانة المعروفة بها.

و الجمع بين التأسيس و الإمضاء و إن أمكن ثبوتاً، إلّا أنّه خلاف المتفاهم العرفي إثباتاً، فمسألة المعاطاة إن كانت من المسائل العقلائيّة المحتاجة إلى الإمضاء، فعمومه ربّما يكفي لإمضائها، و أمّا مع قطع النظر عن تلك الجهة، فهي لا تدلّ علىٰ مشروعيّتها و صحّتها.

فتحصّل إلىٰ هنا: أنّ المشهور جوّزوا التمسّك بقاعدة السلطنة

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 79 81.

(2) تهذيب الأحكام 9: 302/ 1079، وسائل الشيعة 26: 216، كتاب الفرائض و المواريث، أبواب ميراث الأزواج، الباب 8، الحديث 3.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 11

لتصحيح المعاملات المعاطاتية؛ لاستلزام إطلاقها مشروعيّة الأسباب المؤدّية إليها، بل نفس جعل ماله حذاء المال الآخر للنقل الاعتباري، من التصرّف الجائز بعمومها، فلا نحتاج لتصحيح المعاملة إلى الأخذ بالملازمات حتّى يشكل ذلك بأنّ الإطلاق غير كافٍ له.

و أنّ الوالد المحقّق مُدّ ظلّه أنكر ذلك عليهم، و اختار قصورها عنه؛ معلّلًا: بأنّ الحيثيّات لا بدّ و أن ينفكّ بعضها من بعض.

و قد عرفت أنّ القاعدة تعرّضت لحيثية أُخرى مع إطلاقها

في تلك الحيثيّة، و أنّ الفاضل الخراساني (رحمه اللّٰه) أنكر إطلاقها؛ معلِّلًا: بأنّ القاعدة في مقابل الحَجْر، و لا نظر لها بالنسبة إلى الأُمور الأُخر «1».

و إن شئت قلت: بانصرافها عن أمثال هذه التصرّفات، و ممّا يشهد علىٰ ذلك: أنّ العقلاء لا يفهمون منها نفوذ المعاملات الرائجة بينهم، و لا ينتقل ذهنهم منها إلىٰ أنّ الشرع بها يصحّح أسباب المعاملات و العقود، و هذا ليس إلّا لأجل أنّ تلك الملازمة، لا تفي لكشف حكم الصحّة من عموم القاعدة.

و ممّا ذكرنا يظهر حال التوهّم: لجواز التمسّك بأنّ القاعدة تدلّ بالدلالة المطابقيّة علىٰ جواز التصرّف، و شمول السلطنة لجميع أمواله في جميع الأحيان، و بالدلالة الالتزاميّة علىٰ أنّ الأسباب و العقود بأيّ وجه اتّفق تكون صحيحة و نافذة.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 14.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 12

و بيان الملازمة: أنّ التصرّف الغير النقلي يكون في مقابل التصرّفات الناقلة قليلًا، فإلقاء العموم المزبور قليل النفع، بل هو يكون ساقطاً.

و إن شئت قلت: تجويز التصرّف بنحو الإطلاق يستلزم تجويز السبب، و إلّا تلزم اللَّغويّة.

و وجه الظهور معلوم؛ ضرورة أنّ دلالة الالتزام هنا غير تامّة لعدم اللزوم البيِّن.

و اقتضاء دلالة الاقتضاء صحّة الملازمات غير مرضيّ؛ لأنّ الأقلّية- لو فرضت تكون مجوِّزة إذا لم يكن دليل آخر علىٰ صحّة الأسباب، و أمّا مع دلالة الأدلّة الأُخر فلا يلزم اللَّغوية، و لا يتمّ البحث الحيثي في المسائل الدلالية.

هذا، مع أنّ الأقلّية ممنوعة جدّاً، و الفرار من لَغْوية الإطلاق ليس من سنن أرباب الفضل؛ للزوم ما لا يلتزم به.

و تحصّل: أنّ التحقيق لا هذا و لا ذاك، بل هو أنّها قاعدة إمضائية، و لا يمكن أن تكون مرجعاً عند الشكّ.

نعم، لو فرضنا

أنّها من الأُمور العقلائية، و عليها بناؤهم كما هو المتحقّق في المعاطاة يمكن أن يُرجع إليها لإمضاء تلك الطريقة، و لكنّها غير كافية؛ لعدم مساعدة فهم العرف لكشف الإمضاء من تلك القاعدة، فتدبّر جيّداً.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 13

الدرس الثالث ما ألقاه السيّد الأُستاذ مُدّ ظلّه الخوئي حول أقسام النواهي

فقال:

قد قسّم شيخنا الأُستاذ قدّس اللّٰه نفسه النواهي علىٰ ثلاثة أقسام:

منها: ما يكون إرشاداً إلى الشرطية، كالنواهي الواردة في مسائل لبس ما لا يؤكل في الصلاة و نحوها، فإنّها لا تكون مولوية ذات عقاب و ثواب مستقلّ، و غايته بطلان الصلاة بدون المأمور به، أو العقاب على الفعل التشريعي، و أمّا نفس العمل فهو ليس محرّماً.

و منها: ما يكون إرشاداً إلى المانعية و بطلان الصلاة معه، فتكون تلك النواهي مفيدة للقيود الوجوديّة و العدمية، المستلزمة بطلان

دروس الأعلام و نقدها، ص: 14

الطبيعة؛ عباديّة كانت أو معامليّة.

و منها: ما يكون نهياً مولوياً مُورّثِاً لحرمة المتعلّق.

ففي هذه الصورة لو كان مقتضىٰ إطلاق دليل الحرمة مصداقية الواجب له، فهل يكون الواجب العبادي باطلًا أم صحيحاً؟ فيه خلاف، فالمشهور على الصحّة، و اختار الشيخ الأُستاذ البطلان؛ معلّلًا: بأنّ النهي عن الشي ء كما يدلّ بالمطابقة على محرّمية مدلوله و مدخوله، يدلّ بالالتزام علىٰ أنّ الواجب ليس قابلًا لأن يكون فرداً له، و عليه لو سقط دليل المحرّم في مدلوله المطابقي لأجل إحدى الجهات الموجبة له لا يسقط دلالة الالتزام، فتكون العبادة باطلة.

و قال السيّد: ما ذكره الأُستاذ لا يتمّ؛ لأنّ الدلالة الالتزامية من توابع الدلالة المطابقيّة علىٰ ما تحرّر منّا في محلّه «1»، و لو لم يكن الأمر كذلك يلزم النقوض الغير الملتزم بها الأصحاب، مثل ما لو قامت البيّنة علىٰ أنّ المال الكذائي لزيد، فإنّه بالالتزام يدلّ علىٰ عدم كونه للآخرين،

و لو سقطت البيّنة، يلزم كون الدلالة الالتزامية باقية و معارضة مع البيّنة القائمة علىٰ أنّه له.

و أنت خبير بما في خلط الشيخ و تلميذه، فإنّ الدلالة الالتزامية من الدلالات اللفظيّة، و كونها منها لأجل أنّ الانتقال منها إلى المعنى الالتزامي، يكون بحيث يتوهّم أنّه من اللفظ، مع أنّه من دلالة المعنىٰ على

______________________________

(1) أجود التقريرات 1: 269، الهامش، محاضرات في أُصول الفقه 3: 72.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 15

المعنىٰ تحقيقاً و واقعاً، و لذلك قالوا باعتبار اللزوم البيِّن في الدلالة الالتزامية «1»، فلا النهي يدلّ على المعنى الالتزامي المذكور، و لا البيّنة على المطلب المشار إليه؛ ضرورة أنّ النهي لا يكون متعرّضاً بتلك الدلالة لإخراج المحرّم عن الفردية للواجب و لا البيّنة، فإنّ قوله: زيد في الدار، ليس يدلّ علىٰ أنّه ليس في مكّة، و لا في قعر البئر .. و هكذا، مع أنّ ذلك من التوابع للإثبات.

و لكن مجرّد التبعيّة و التفسير ليس من الدلالة الالتزاميّة، فالنهي لا يدلّ إلّا على المعنى المقصود و حرمة متعلّقه، و مسألة كون الواحد مصداق الواجب و الحرام، ممّا فرغنا عنها في محلّه، و جوّزنا ذلك «2».

و أمّا حديث تبعيّة الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية فهي ممنوعة؛ لأنّ الالتزامات و الملازمة قد تكون عقليّة و عرفية و عادية و بنائية، فلو كان المتعارف من كلام المولى لدابة المعلوم منه بعض اللوازم الجعلية، فإنّه عند سقوط المدلول المطابقي لا يسقط الالتزامي، فلو ورد: أكرم زيداً، و هو يدلّ علىٰ إكرام بكر بالالتزام، لَما عُلم منه ذلك؛ بحيث يكون من اللوازم لِكلامه، ثمّ ورد دليل آخر معارض، و سقط بالمعارضة المدلول المطابقي، أو شُكّ لأجل بعض القرائن

______________________________

(1) شرح المطالع: 33، شرح

الشمسيّة: 44، الهامش.

(2) تحريرات في الأُصول 4: 113 121.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 16

الصالحة في وجوب إكرام زيد، فإنّه لا وجه لسقوط الدلالة الالتزامية؛ لعدم الارتباط التكويني و لا الجعلي بينهما، بل كلّ ذلك بمبادئ خاصّة، و لذلك يُعقل التصريح منه بعدم إرادته المدلول المطابقي، و معه لا يكون تناقضاً، كما لا يخفىٰ.

إن قلت: لو كانت الدلالة الالتزامية من توابع المدلول المطابقي، فعند عدم إرادته ذلك لا يعقل بقاؤها؛ لأنّ المدلول الالتزامي من لواحق المدلول المطابقي.

قلت: نعم، لو كان من توابع المدلول الجدّي و المراد اللُّبّي دون المدلول الاستعمالي و المراد الإنشائي فما قاله المشهور: من صحّة العبادة التي تكون مصداق المحرّم، في محلّه؛ لا لأجل سقوط المحرّم، و لا تغفل.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 17

الدرس الرابع ما ألقاه الوالد مُدّ ظلّه حول عدم شمول حديث السلطنة للشكّ في الأسباب

و هو: «أنّ قاعدة السلطنة ربّما تكون كقوله تعالىٰ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «1» بمعنى أنّها لا إطلاق لها إلّا إطلاقاً ذاتياً، و إلّا يلزم جواز التمسّك بها لضرب المؤمن؛ لأنّ مقتضى السلطنة على الأموال و إطلاقها ذلك، أو المعارضة بينهما و بين النهي عنه، و تكون النسبة عموماً من وجه، و الالتزام بهما خلاف الفهم العرفي قطعاً.

فعليه تكون القاعدة مثل الروايات المتعرّضة لعدّ المحرَّمات و المحلَّلات؛ في عدم نظارتها علىٰ حكم الطبيعة عند العوارض

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 18

و الطوارئ، كما لا يخفىٰ.

فإطلاقها بالنسبة إلى الأسباب و العقود، مضافاً إلى عدم معقوليته لخروجها عن موضوعها، غير تامّ عرفاً» «1».

و يُشكل الأمر عليه مُدّ ظلّه لأنّ نفي الإطلاق يورث عدم صحّة التمسّك بها؛ لو شكّ في جواز أحد التصرّفات لجهة من الجهات، و هو ممنوع، أو عدم جواز الرجوع إليها لكشف رضاه و إمضاءه، و هو

مضروب عنه قطعاً.

فعليه يقال: بأنّ القاعدة مطلقة، إلّا أنّه لا يلزم من اختيار إطلاقها جواز المعارضة؛ لانصرافها عن مثل تلك الصور، بل على ما أفاده دام ظلّه في اخريات بحثه «2»، لا تعارض بين النواهي الشرعية و عمومها؛ لأنّ البناءات العقلائيّة عند أبناء الملل التابعين للشرائع الإلهيّة، تكون غير منجّزة، [بل] معلّقة علىٰ عدم منع الشرع عنها، و لا إطلاق لها حتّى يكون بناؤهم علىٰ تسلّط الناس على الأموال و إن لزم منه الهرج و المرج.

بل لنا أن نقول: الأمر كذلك حتّى عند غيرهم بالنسبة إلىٰ ما يرونه عصياناً و طغياناً في المجتمع البشري.

فنفي الإطلاق الأحوالي بإثبات الإطلاق الذاتي لأجل ما مرّ، غير تامّ؛ للزوم ما لا يمكن الالتزام به.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 82 83.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 83.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 19

و لو سلّمنا إطلاق قاعدة السلطنة و جواز الرجوع إليها في الشبهات الحكمية، و لكنّها لأجل عدم مؤسِّسيتها لا تقاوم الأدلّة المتكفّلة للأحكام المحرّمات و الواجبات فيقال بعدم وجوب إخراج الأخماس و الزكوات؛ لأنّهم مسلَّطون علىٰ أموالهم.

و الذي يظهر لي: أنّه لو كان مفادها ما يقتضيه ألفاظها، يلزم تعارضها البدوي مع جميع تلك الأدلّة، و العرف يشهد علىٰ خلافه، مع لزوم تخصيص الأكثر، أو المستهجن و إن لم يكن أكثر، كما لا يخفىٰ.

فيعلم أنّ مصبّ القاعدة و نطاق إمضائها مع إطلاقها، ليس بتلك التوسعة؛ لعدم مساعدة الفهم العرفي عليها، فافهم و تدبّر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 20

الدرس الخامس ما ألقاه شيخنا الأُستاذ محمد باقر الزنجاني دام ظلّه في مسألة الماء المردّد بين القلّة و الكثرة إذا لم تكن الحالة السابقة معلومة

و قال: المشهور علىٰ نجاسته إذا لاقى النجس. و الذي يمكن أن يُتوهّم لذلك، و يكون سنداً لهذه الفتوىٰ، أُمور:

أوّلها: جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقية، فإنّ المستفاد من

الأدلّة، هو أنّ الماء ينجس بملاقاة النجس إلّا إذا كان كُرّاً، و هذا المردّد مصداق العامّ لكونه ماء، و لكنّه مشكوك مصداقيته بعنوان المخصّص.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 21

و فيه: أنّ المسألة عموماتها و مخصّصاتها علىٰ خلاف ذلك، بل المعروف فيها طهارة الماء إلّا إذا كان قليلًا؛ لمفهوم أدلّة الكرّ «1»، و من تلك العمومات: «خلق اللّٰه الماء طهوراً لا ينجّسه شي ء» «2» فلو كان يجوز التمسّك المذكور، فالنتيجة علىٰ خلاف المنسوب إليهم.

و ثانيها: أنّ مقتضىٰ قاعدة المقتضي و المانع هي النجاسة؛ ضرورة أنّ الماء بطبعه يقبل النجاسة، و يستقذر العرف من الملاقى بالفتح. نعم، إذا كانت الكُرّية و المطرية و العصمة معلومة، فإنّه حينئذٍ يبني على الطهارة.

و هذا هو الأمر المساعَد عليه في الفهم العرفي في هذه المسائل، و لا تأسيس للشريعة المقدّسة في مسائل الطهارات و النجاسات.

و فيه: أنّ قاعدة المقتضي و المانع في أمثال هذه المواقف و الموضوعات الجزئية، غير جارية علىٰ ما تقرّر منّا في محلّه و كون بناء العقلاء علىٰ ترتيب الأثر مع عدم إحراز المانع، غير مقبول، فمع العلم بالمقتضي و الشكّ في المانع لا يمكن مساعدتهم على النجاسة.

و بعبارة منّي: أنّ الماء المردّد بين القليل و الكثير و المحتمل أقلّيته عن الكُرّية، في غاية القلّة، فإنّه في هذه الصور عند العرف، تكون الكثرة العاصمة موجودة و إن لم يكن القدر الشرعي معلوم

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 158، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 9.

(2) المعتبر 1: 41، السرائر 1: 64، وسائل الشيعة 1: 135، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 9.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 22

الوجود، فمقتضىٰ تلك القاعدة طهارة مثل ذلك دون نجاسته.

و ثالثها: ما يلوح

من كلام شيخ مشايخنا الأنصاري «1»، و اتّخذه شيخنا الأُستاذ مدركاً لفتواه في جميع الفروع المسانخة مع هذه المسألة: و هو أنّ الأحكام الترخيصيّة الشرعيّة كالإباحة و الحلّية و الطهارة إذا كانت معلّقة علىٰ أمر وجودي في لسان الأدلّة الشرعيّة، يُستفاد من تلك الأدلّة عرفاً قاعدة واقعيّة و قاعدة ظاهريّة: أمّا الواقعيّة فهي أنّ الحكم- بحسب اللُّبّ و الثبوت مرهون لذلك الأمر الوجودي، و أمّا الظاهريّة فهي أنّه مع الشكّ في وجود ذلك الأمر الوجودي لا بدّ من الاحتياط، و هذا أمر يساعد عليه العرف، و إن لم يكن الدليل عقلًا مساعداً عليه «2».

و لعلّ وجوب الاجتناب في الشبهات المعروفة مثل ما لو شكّ في حلّية مال زيد، أو حلّية النظر إلى الأجنبية، و أمثالها لأجل هذه القاعدة المغروسة في أذهانهم الواردة في قلوبهم، فإنّ الدليل جوّز التصرّف في مال الغير إذا كان بطيب نفسه، فلو شكّ في الطيب فلا يجوز ترك الاحتياط المستفاد منه، و هكذا جوّز النظر إلى الإنسان إذا كان من الأقرباء و غيرها لما تقرّر في محلّه، فلو شكّ في ذلك فلا بدّ من الاحتياط حتى يحرز عنوان المستثنىٰ.

فالماء المردّد بين القليل و الكثير ينجس بملاقاة النجس؛ لأنّ

______________________________

(1) فرائد الأُصول: 571 572.

(2) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 528 530.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 23

عدم انفعاله مشروط بالكُرّية التي هي أمر وجودي، و قد اختار الفاضل الخراساني في مسائل الاستصحاب «1» جواز استفادة القواعد الثلاث من قوله (عليه السّلام)

كلّ شي ء حلال حتّى تعلم الحرام «2»

و

كلّ شي ء طاهر حتّى تعلم أنّه قَذِر «3»

، فلو كان غير معقول لما ذهب إليه أمثال هؤلاء الأعلام.

و فيه: أنّ المسألة ممّا لا يمكن المماشاة معهم

فيها، و لا الركون إليهم فيها، فإنّ الألفاظ موضوعة للمعاني النفس الأمريّة الواقعيّة، و كون الدليل الواحد متكفّلًا بالحكم الواقعي و الظاهري، يحتاج إلىٰ قوّة و إعمال رويّة؛ لو فرضنا إمكانه الذاتي، و هذه الأدلّة لا تورث إلّا قاعدة واحدة، متعرّضة للحكم الواقعي بلا شبهة و إشكال، و استنباط القواعد المختلفة من لسان واحد خارج عن المتفاهم العرفي. فالمساعدة [علىٰ مختار] الشيخين و العَلَمين و المحقّق الخراساني في تلك المسألة ممنوعة جدّاً.

هذا، مع أنّ صُغريات هذه المسألة في غاية الإشكال، فإنّ الأدلّة فيما علّق الحكم الترخيصي على الأمر الوجودي؛ بحيث لم يكن فيها خلافه، في غاية الشذوذ و الندرة، و تشخيص صغرياتها في نهاية الإشكال.

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 452 453.

(2) و نصّ الحديث هكذا: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه».

الكافي 5: 313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(3) مستدرك الوسائل 2: 583، أبواب النجاسات و الأواني، الباب 30، الحديث 4.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 24

أقول: هذا ما ورد من الأُستاذ مُدّ ظلّه ثمّ بعد ذلك اختار طهارة الماء في صورة الجهل بالحالة السابقة، و مع العلم بها فالحكم يقتضي الاستصحاب من الطهارة و النجاسة.

و قال: «إنّ استصحاب الطهارة و قاعدتها الكبيرة و الصغيرة لا يثبت الكرّية، و لكنّه إذا القي الماء على النجس يطهّره، و إن لاقاه النجس فهو يبقىٰ على النجاسة، و تلك على الطهارة.

و توهّم: أنّه خلاف الواقع، مدفوع بما مرّ في محلّه: من إمكان التفكيك بين المتلازمات تعبُّداً».

و فيه: أنّ قاعدة الطهارة لا تورث مطهّرية موردها لجريانها في جميع الأشياء، و كون الماء طاهراً غير كونه مطهّراً، فإنّه مجعول آخر

وراء جعل الطهارة، و لذلك بنى الأصحاب على استفادة المطهّرية من كلمة «الطَّهور» في كتاب الطهارة، فلا تغفل.

و الذي يظهر لي: أنّ مسألة القلّة و الكثرة ربّما تكون من قبيل مسألة القصر و الإتمام، فكما هناك يقال: بأنّ الحاضر يتمّ و المسافر يقصّر، و لا أصل في المسألة و لا عموم، بل تكون المسألة من قبيل التنويع، فالماء القليل ينجس، و الكثير الكرّ لا ينجس، و المردّد مشكوك العنوان. و لا يجري ما قيل في المقام من الوجوه في المسألة إلّا الوجه الثاني، فليتأمّل جدّاً.

و لو سلّمنا أنّ المسألة من قبيل العامّ و الخاصّ، فلا شبهة في أنّ

دروس الأعلام و نقدها، ص: 25

العمومات علىٰ إفادة طهارة الماء بذاته إلّا القليل، و الماء المردّد بين القلّة و الكثرة لا يكون مشكوك السابق و مجهولًا؛ لأنّه إذا خُلق طاهراً، و له الطهارة الذاتيّة، و النجاسة تعرضه، ففي جميع الأحيان و الفروض يجري الأصل الموضوعي، و هو استصحاب الطهارة الذاتيّة الثابتة له.

فالكلام في مطهريّته، فإنّه ليس من العناوين الذاتيّة، فإن قلنا بالملازمة بين الطهارة و المطهّرية فهو، و لكنّه خلاف أدلّة الكُرّ.

و دعوى الملازمة بين الطهارة و المطهريّة في صورة اللقاء دون الاغتسال فيه، غير مسموعة، بل ممنوعة جدّاً.

و توهّم أنّ قوله: «الماء يطهّر و لا يطهّر» «1» يشمل مطلق الماء خرج منه القليل، غير كافٍ عندنا علىٰ ما تقرّر في محلّه. و الاستصحاب التعليقي لو فرضنا جريانه في محلّه فهو في المعلّقات الشرعيّة، دون الاختراعيّة و الانتزاعيّة، فلا يصحّ أن يقال: إنّه كان إذا يلقىٰ علىٰ شي ء يطهّره فالآن كذلك؛ لعدم ورود مثله في الأدلّة الشرعيّة، فأفهم و تدبّر.

و ربّما يخطر بالبال أن يقال بالتفصيل بين صور

المسألة: فإنّه تارة يكون الماء الملاقي معه النجس قليلًا، يحتمل اتّصاله بالمنبع المعتصم بحيث مع الشكّ يستقذره العقلاء، و أُخرى يكون الماء الملاقى- بالفتح

______________________________

(1) الكافي 3: 1/ 1، الفقيه 1: 6/ 2، وسائل الشيعة 1: 133 134، كتاب الطهارة، أبواب الماء المطلق، الباب 1، الحديث 3 و 6.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 26

كثيراً جدّاً، و لكنّه يحتمل أقليته من الكرّ بمثقال مثلًا فإنّه في الصورة الأُولى يجب الاجتناب لانفعاله العرفي و عدم شمول المطلقات المقتضية لطهارته و في الصورة الثانية لا يجب الاجتناب؛ لاعتصام العرفي و إن شكّ في وجود العصمة الشرعيّة، و هي الكثرة المخصوصة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 27

الدرس السادس ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ الحكيم دام ظلّه حول لزوم الشركة و جوازها

و آخر ما استفدنا منه هو: «أنّ الأصحاب اختاروا جواز عقد الشركة «1»، و اختار بعضهم لزومها «2».

و الذي يقتضيه التحقيق: هو أنّ الشركة علىٰ تقدير [عقد] لازم، و علىٰ تقديرٍ ليست عقداً، بل هو إيقاع خارج عن مصبّ النزاع، و علىٰ تقدير

______________________________

(1) المبسوط 2: 342، شرائع الإسلام 2: 107، قواعد الأحكام 1: 243/ السطر 6 7، جامع المقاصد 8: 22 23، العروة الوثقى 2: 703، المسألة 8.

(2) كما اختاره الميرزا آقا الإصطهباناتي الشيرازي في حاشيته على العروة الوثقىٰ، راجع العروة الوثقىٰ (طبعة المطبعة الإسلامية 1373 ه. ق)، كتاب المضاربة، فصل في أحكام الشركة، المسألة 5 و 8.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 28

معاملة خاصّة خارجة عن محلّ البحث في مسألة الشركة.

و ذلك لأنّ الشركة: إن كانت بمعنى تشريك أحد الشركاء، الآخر في ماله حذاء تشريك الآخر، فإنّه عقد لازم.

و إن كانت بمعنى إذن صاحب المال للآخر في الاتّجار بماله، فهو إيقاع.

و إن كان يأذن له أن يتّجر بماله، و يردّ إليه الثُّلث و الثُّلثين

و غير ذلك من المقابلات، فهي معاملة أُخرى و عقد آخر خارج عن معنى الشركة.

فلا يظهر لي أنّ النزاع في اللزوم و الجواز لأجل ماذا؟» «1».

و فيه: أنّ من معاني الشركة هو أن يعقد الاثنان علىٰ أن يتّجرا معاً، و يكون الربح و الخسران بينهما على نسبة مالهما، و هذه هي الشركة العقديّة المعروفة بين الناس، و المتداولة في الملل و الأقوام، و يكون بناء العقلاء في هذه الأيّام و العصور علىٰ لزومها و إحداثها علىٰ نعت سائر العقود اللازمة، و لكن المعروف بينهم جواز هذا العقد لاقتضاء طبعه ذلك، و ما هو محطّ النظر و يصلح للنفي و الإثبات هو ذلك؛ من دون أن يكون في البين معاوضة و تبديل، بل هي مجرّد العقد و العهد على الأمر المعلوم في المدّة المعلومة أو غير المعلومة.

و الذي يقتضيه التحقيق في المسألة: هو أنّ عقد الشركة

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 13: 11 13 و 38 39.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 29

و الشركة العقديّة، ليس مفادها التشريك في المال مطابقاً؛ و إن يستلزم ذلك مطلقاً أو أحياناً.

و ما قاله السيّد: أنّه إن كان معناه التشريك فهو لازم، غير تامّ؛ لأنّ معنى التشريك لا يورث اللزوم تعبّداً، فلا بدّ من دلالة الدليل علىٰ لزومه، و عرفت أنّ الشركة غير العقديّة تحصل من الشركة العقديّة استلزاماً، و الكلام في أنّه عقد لازم أم جائز، فلا ينبغي الخلط.

إذا عرفت ذلك فاعلم: أنّ المحرّر عندنا في كتبنا الأُخر لزوم جميع العقود إلّا ما خرج بالنصّ الصحيح الصريح «1»؛ و ذلك لأنّ وجه اللزوم في العقود اللازمة، ليس إلّا العهد و التعاهد الحاصل بين العاقلَينِ المتوجّهَينِ إلى الأُمور و القضايا، فلو تخلّف أحدهما

عمّا عاهد عليه يُعَدّ عند العرف فعله قبيحاً، و هذا هو اللزوم العرفي.

و أمّا حرمة التصرّف في ماله بعد العقد، أو حرمة نقض العهد، أو سلب الملكيّة بالعقد؛ بحيث لا يتمكّن من إرجاعها بعد العقد و القبض، فهو عندي من الأحكام الشرعيّة اللاحقة بالبناءات العرفية.

و من القويّ ما يخطر ببالي: و هو أنّ الناس مختلفون في فهم هذه الأُمور، و هذه الأُمور متفاوتة بينهم، فربّما يكون عندهم العقد لازماً؛ أي غير جائز عرفاً العود إلى السلف، و منه ما لا يكون كذلك، كعقد الشركة،

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع، المقصد الأوّل، الجهة الثانية، الأمر الأوّل من الأُمور الدالة على أصالة اللزوم.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 30

و عندئذٍ مقتضىٰ عموم الأدلّة الملزمة لزوم عقد الشركة علىٰ رغم أنف العقلاء؛ لعدم الدليل اللّفظي علىٰ جوازه، و الشهرة و الإجماع في مثل المسألة بعيدة، فقولهم بالجواز لبناء العقلاء غير تامّ؛ لارتداعهم بالعمومات اللفظيّة.

فما اختاره السيّد من لزومها و إن لا يبعد، إلّا أنّ اعتراضه على القوم في غير مقامه.

و علىٰ هذا تنحلّ عُقدة مسألة الشركة العصريّة، و البناءات الخاصّة علىٰ لزومها و عدم جواز نقض عهدها، و أنّه لو لم يرضَ بالتصرّف في أمواله يكون رضاه غير مرعيّ، و لا يترتّب الأثر علىٰ عدم طيب نفسه بتلك التصرّفات؛ لأنّ معنى العقد اللازم هو ذلك، كما لا يخفىٰ.

و ربّما يمكن دعوى جوازه؛ لأجل أنّ اللزوم يستلزم الأمر المحرّم، و هو التصرّف في مال الغير بلا طيب النفس.

و هو يندفع: أوّلًا: بأنّه أخصّ، فإنّ من الممكن بقاء الطيب، و مع ذلك يفسخ العقد لأجل الأغراض الأُخر.

و ثانياً: عمومات إلزام العقود، مقدّمة ظهوراً علىٰ أدلّة حرمة التصرّف في مال الغير بلا

طيب منه؛ و إن كانت النسبة عموماً من وجه؛ لتعرّضها للسبب الذي به حلّ التصرّف في ماله، و هو العقد، و بعد ذلك يجوز التصرّف حسب اقتضائها و إن زال الطيب.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 31

و لكنّ الإنصاف إمّا علىٰ خلافه أو علىٰ بقاء الإشكال بحاله؛ و عدم إمكان الخروج عنهما بالطريقة العرفيّة.

ثمّ إنّه دام ظلّه تعرّض لمسألة أُخرى و هي: مسألة جواز اشتراط عدم الفسخ في ضمن العقد، و قال:

«قد تعرّض المصنّف في كتاب المضاربة و اختار الجواز «1»، و أنّه مقتضىٰ عموم أدلّة الشروط، و القدرة علىٰ إزالة العقد و فسخه لا تستلزم منع الاشتراط، كما لا يخفىٰ».

و الحقّ في المسألة: هو أنّ شرط عدم الفسخ، أو الالتزام بعدم الفسخ مستقلا: إن كان يرجع إلىٰ عدم انفساخ العقد به، فهو باطل؛ لانفساخه به بحكم الشرع فرضاً، و الشرط المخالف لحكم الشرع غير جائز و غير صحيح.

و إن كان يرجع إلى الالتزام في ضمن العقد الجائز، ففيه خلاف، ظاهر بعضهم عدم جوازه «2»؛ لزيادة الفرع على الأصل، و لعدم مساعدة فهم العرف علىٰ معنىً إلزامي في ضمن معنىً جوازي و ترخيصي.

و اختار الوالد المحقّق مدّ ظلّه جوازه، و لزوم العمل علىٰ طبقه ما لم يُفسَخ العقد «3». و في المسألة وجوه و احتمالات لا يسع المقام للتعرّض

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 643، كتاب المضاربة، المسألة 2.

(2) العروة الوثقىٰ 2: 644، كتاب المضاربة، الهامش 3، و 673، المسألة 46، الهامش 9.

(3) مباني العروة الوثقىٰ، كتاب المضاربة 3: 40 42.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 32

لها و حلّها و نقدها.

ثمّ إنّ الذي ظهر لي بعد ذلك في وجه مرامه: هو أنّه أراد أنّ عقد الشركة ليس من العقود؛

لأنّه إمّا التشريك في المال فهو نحو الهبة يكون لازماً، و إمّا إذن في التصرّف فلا يحتاج إلى القبول، و إمّا إذْنٌ بحِذاء الأُجرة فهو عمل و معاملة خاصّة غير الشركة.

فما أفاده القوم من أنّها من العقود، ثمّ بحثوا عن الجواز و اللزوم، ممّا لا يرجع إلىٰ مُحصَّل.

ثمّ بعد ذلك استشكل في المسألة: بأنّ الإذن في الاتّجار علىٰ أن يكون الربح بينهما، يستلزم دخول المعوّض في ملك المأذون، مع أنّ العِوَض يخرج من كيس الشريك، و هذا غير صحيح.

و أجاب: بأنّ المعوّض يدخل في ملك الشريك، ثمّ منه يدخل في كيس المأذون في الاتّجار.

و أنت خبير بما فيه، فإنّ عقد الشركة من العقود عند العقلاء، و تحليله إلى الإيقاع غير المحتاج إلى القبول لا يورث سقوطه؛ ضرورة أنّ كثيراً من العقود يرجع إلى العقود الأُخر تحليلًا، و لكنّ المناط على العنوان البسيط المتعارف عليه بين العقلاء و الملل، و الذي هو من خواصّ عقد لا يكون سبباً لانقلاب عقد آخر إليه.

فبالجملة: ليس عقد الشركة بالحمل الأوّلي الإذن في التصرّف و الاتّجار بالمال، بل الإذن من آثاره، و لذلك قال الأصحاب: «إطلاق عقد

دروس الأعلام و نقدها، ص: 33

الشركة [لا] يقتضي جواز تصرّف كلٍّ منهما بالتكسب برأس المال».

و قال الفقيه الوالد مدّ ظلّه-: «لا يقتضي عقد الشركة و لا إطلاقه جواز تصرّف كلّ من الشريكين أحدهما في مال الآخر، إلّا إذا دلّت قرينة حاليّة أو مقاليّة عليه، كما إذا كانت الشركة حاصلة كالموروث فأوقعا العقد، و مع عدم الدلالة لا بدّ من إذن صاحب المال، و يتبع في الإطلاق و التقييد» «1» انتهىٰ.

فإنّه صرّح بعدم كونه من خواصّه اللّازمة.

و توهّم: أنّه غير تامّ؛ لأجل التناقض بين عقدها

و نفي الإذن، في محلّه، إلّا أنّه لا يورث الإذن في التصرّف؛ لأنّه مع نفي الإذن يبقى العقد بلا أثر، فينقلب و ينفسخ.

فبالجملة: نفس عقد الشركة ليس إلّا البناء على الاتّجار بمال مشترك بين الشركاء و قبولهم ذلك.

نعم، هذا يستلزم عرفاً الإذن بعد العقد، إلّا أنّه يمكن نفي الإذن لأحد الشركاء في يوم و تجويزه في يوم آخر، و ما هو المنافي لذات العقد هو نفي الإذن مطلقاً، كما لا يخفىٰ.

فتحصّل: أنّ الشبهة في عقديّته لا ترجع إلىٰ محصَّل.

نعم لنا الشبهة في جوازه خلافاً للمشهور «2» بعدم الدليل عليه بعد

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 625، كتاب الشركة، المسألة 8.

(2) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 13: 37.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 34

اقتضاء العمومات لزومه.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بعدم العموم في المسألة، و لكنّه خلاف بنائهم؛ لاستدلالهم بها في المسائل الكثيرة.

و ما قاله إيراداً في المسألة غير وارد لدى التحقيق؛ لعدم الاعتبار بالتبادل المالكي في المعاملات، بل يصحّ خروج المال من ملك زيد و دخول عِوَضه في ملك عَمْرو، و عليه التعارف العقلائي.

و توهّم: دخوله أوّلًا في ملك من خرج عن ملكه المعوَّض، ثمّ دخوله في ملك عمرو، غير مساعد عليه العرف و العقلاء، و غير منظور إليه، و لا معنىٰ لأن يكون الأمر كذلك من غير توجّه من المتعامل، فإنّ الأُمور الاعتبارية ليست قهريّة الوجود؛ حتّى يقال لحلّ الشبهة بما لا يكون معقولًا.

و لو قيل: عدم اعتبار التبادل المالكي في صحّة المعاملات خلاف ظاهر المشهور بل صريحهم، و هذا لا يكون بناءً عليه وجهاً لحلّ الشبهة.

فلنا أن نقول: أوّلًا: بأنّ نفي الكلّي لا يورث النفي الكلّي، فربّما لا يكون شرطاً فيما نحن فيه؛ لقولهم بذلك و عدم إمكان

الفرار من الشبهة إلّا بالوجه المشار إليه، الذي هو غير معقول قطعاً.

و ثانياً: لا يدخل الشي ء إلّا في موضع خرج منه، و هو عنوان الشركة الحاصلة من البناء و العقد، فإنّ أحد الشركاء يكون بائعاً من

دروس الأعلام و نقدها، ص: 35

قِبَل العنوان و بعنوان الشريك و الشركة، لا من قِبَل نفسه، فالمبيع يخرج من كيس الشركة، و الثمن يدخل في كيسها، و كلّ واحد منهم يربح من الكيس الكلّي المشترك الفاني فيه الخصوصيّات، و لذلك يقال بصحّة اشتراء أحد الشركاء لنفسه من الشركة، و إلّا يلزم بطلان المعاملة بالنسبة إلىٰ حصّته؛ لعدم معقولية اشتراء ماله لنفسه، فكما تنحلّ الشبهة في هذه المسألة بالتقرير المشار إليه، كذلك تنحلّ في أمثالها.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 36

الدرس السابع ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ أبو القاسم الخوئي مدّ ظلّه في مسألة المتوسّط في الأرض المغصوبة

قائلًا: إنّ في تلك المسألة اختلفت أنظارهم و تشتّتت آراؤهم: فقد يقال بالحرمة الفعليّة في جميع التصرّفات الخروجيّة و الدخوليّة على حدّ سواء «1»، و هو الحق.

و أُخرى: يقال بوجوب الخروج «2».

و ثالثة: يقال باستحقاقه العقاب و إن لم يكن الخروج واجباً و لا محرّماً بالفعل. «3» و الذي قيل في المقام: هو أنّ الامتناع بالاختيار لا يُنافي

______________________________

(1) لاحظ مطارح الأنظار: 153/ السطر 30.

(2) مطارح الأنظار: 153/ السطر 33، أجود التقريرات 1: 374.

(3) كفاية الأُصول: 204.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 37

الاختيار، فهو يكون معاقَباً على التصرّف الخروجي أيضاً.

و قال شيخنا الأُستاذ: بأنّ تلك القاعدة لا تجري في المقام لوجوه:

منها: أنّ مجراها لا بدّ و أن يكون الملاك الإلزامي و المبغوضية التحريمية تامّاً، و يكون قصور الخطاب لأجل عجز المولى من الإيجاب و التحريم، كما في الحجّ، فإنّ الواجبات المعلّقة ممتنعة، و لا يعقل الخطاب الفعلي قبل البلوغ إلى المواقف، و لكنّ

الملاك تامّ؛ بحيث لو ترك المكلّف المقدّمات يستحقّ العقوبة علىٰ تفويت تلك المصلحة الملزمة بإعدامها، أو المفسدة المبغوضة بإيجادها، ففي الواجبات و المحرّمات قد يكون الأمر علىٰ هذه الوتيرة، و حينئذٍ يصحّ التمسّك بهذه القاعدة.

و فيما نحن فيه و هو الخروج الغصبي لا يكون الأمر كذلك؛ لأنّ ما هو الممتنع عليه بالاختيار، هو الجامع بين الخروج الغصبي و البقاء الغصبي، و الاضطرار إلى الجامع لا يصحّح ارتكاب الفرد، و إلّا يلزم جواز شرب الماء النجس إذا اضطرّ إلى الماء، و كان عنده إناءان طاهر و نجس، و هكذا في صورة الاضطرار إلى المائع، و عنده الخمر و الماء، ففي جميع هذه الصور لا يمكن دعوى صحّة نفي الضرورة بارتكاب الماء، فالاضطرار إلى الجامع لا يورث ارتكاب الفرد، و هكذا في مسألة الإكراه على الجامع» «1».

______________________________

(1) أجود التقريرات 1: 374 377.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 38

ثمّ قال دام ظلّه إنّ هذه القاعدة ليست من القواعد الشرعيّة حتّى يُدّعى انصرافها في صورة كون الامتناع تكوينياً، بل هي قاعدة عقليّة و ملاكها العامّ يشمل الامتناعين: التكويني كما في الحج، و التشريعي كما فيما نحن فيه، فالتصرّف بالخروج ممّا لا بدّ منه؛ لأنّ مع تركه يبتلي بالمحرّم الأشدّ، و هو البقاء.

و ما قاله من الأمثلة لا ينطبق علىٰ ما نحن فيه؛ لأنّ الأمر هناك يدور مدار الجامع بين المحرّم و المباح، و هنا يكون الجامع بين المحرّمين، فمُقتضى القاعدة علىٰ هذا صحّة العقوبة، و يكون المورد من مواردها، كما لا يخفىٰ.

أقول:

أوّلًا: لم يظهر وجه لما قاله و حكاه من أنّه اختار جريانها فيما إذا كان الملاك تامّاً، و كان قصور الخطاب لأجل العجز الطارئ من سوء سريرة العبد، فإنّه

ممّا لا شبهة فيه، و لكن لا ربط له بالمقام.

و ثانياً: هذه القاعدة من القواعد الكلاميّة المحرّرة في محلّه «1»؛ لتصحيح عقوبة العباد إذا أوقعوا أنفسهم في مخالفة المولى عن علم و عمد؛ من غير نظر إلىٰ مسألة صحّة الخطاب و عدمها، و لا ربط بين المسألتين، بل مقتضىٰ ما تحرّر منّا في محلّه «2» صحّة الخطاب إليه؛ لعدم

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 52.

(2) تحريرات في الأُصول 3: 453.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 39

كونه خطاباً شخصيّاً حتّى يُقال بامتناع نشوء الإرادة الجدّية، مع ابتلائه بامتناع صدور الفعل منه، أو عدم صدوره منه.

و ثالثاً: ليس الخروج و البقاء و الدخول محرّمة بعناوينها، بل المحرّم عنوان واحد، و هو الغصب. فتوهّم الفرد الدخولي و الخروجي و البقائي غير تامّ، بل ما هو مورد الاضطرار هو المحرّم، و هو الغصب، أو التصرّف في مال الغير، و مقتضى القاعدة أنّ العناوين المحرّمة إذا كانت ذات أفراد اختياريّة بلا وسط، و اختياريّة مع الوسط، لا يكون العنوان المحرّم مخصوصاً بالطائفة الاولىٰ، بل الطائفة الثانية أيضاً محرّمة.

فتحصّل من مجموع ما ذكرناه: أنّ الوجوب و خلوّ الواقعة عن الحكم و أمثال ذلك كلّه من قصور الفهم، و إلّا فالغصب محرّم في جميع مصاديقه و التصرّف في مال الغير حرام؛ من غير فرق بين حالات المتوسّط في الأرض المغصوبة؛ حتّى لو ندم في الأثناء و تاب و أراد الخروج، فإنّه يرتكب المحرّم الشرعي المبغوض بالخطاب القانوني و إن لا يعاقب. و تفصيل المسألة و كيفيّة الخطابات الكلّية يُطلب من محلّه و محرّره، و لقد تعرّضنا للمسألة بحدودها في كتاب الأُصول «1»، و من شاء فليراجع.

ثمّ إنّ ما أورده عليه: بأنّ الامتناع أعمّ

من التكوين، خالٍ من التحصيل، فإنّ الممتنع التشريعي ليس كالممتنع العقلي علىٰ ما تقرّر

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 259 267.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 40

في تحريراتنا «1» لأنّ ذلك يستلزم قُبح التكليف كما في التكوين، فلو كان الخروج مورد الاضطرار بحكم العقل و الشرع، يلزم امتناع الخطاب بعنوانه، مع أنّه بالضرورة باطل؛ لإمكان الخروج، و شرط الخطاب- و هو إمكان المكلّف به حاصل، فالمراد من الامتناع في القاعدة هو الامتناع العقلي و التكويني، و أمّا الاضطرار إلى الخروج فهو ممنوع.

نعم، إذا كان ناظراً إلىٰ حكم الشرع و مبغوض المولى و الأهمّ و المهمّ، فهو حينئذٍ لا بدّ أن يختار الخروج؛ فراراً من العقاب الأشدّ مع قبح الخروج و حرمته و صحّة العقوبة عليه؛ لأنّ ترك الأقبح باختيار القبح لا يورث قصوراً في قبحه و مبغوضيّته.

فتحصّل: أنّ التمسّك بالممتنع الشرعي كالممتنع العقلي، في غير محلّه، و قد تمسّك به الأعلام كثيراً في مختلف المسائل «2»، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 182 و 185 و 191.

(2) جواهر الكلام 4: 184، و 5: 235، كفاية الأُصول: 172، أجود التقريرات 1: 281 و 332 و 368، نهاية الأُصول: 217، مستمسك العروة الوثقىٰ 12: 209، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 9: 444.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 41

الدرس الثامن ما ألقاه الوالد المحقّق مدّ ظلّه حول التمسّك بعمومات الشروط على صحّة المعاطاة

إنّ الشرط بحسب اللّغة و العرف هو الالتزامات الضمنيّة و المعهودة في العقود. و هذا ممّا لا شبهة فيه.

و قد يطلق علىٰ ما عُلّق عليه الشي ء الآخر، و منه القضيّة الشرطية و كلمة «الشرط» في الكتب النحويّة و العقلية، و هذا هو المعروف بين أبناء العصر ب «الشرط بندي»، فإنّه و إن لم تساعد عليه اللغة، إلّا أنّ العرف و الاستعمالات

في مختلف الكتب و الفنون تساعد عليه.

و أمّا إطلاقه على الأُمور الابتدائية، كالبيع و الإجارة و المعاطاة، فهو

دروس الأعلام و نقدها، ص: 42

غير معلوم، بل ممنوع «1».

و الكلام بعد ذلك يكون في مقامين:

أحدهما: في دعوى القدر الجامع بين المعنيين الأوّلين، و قد أنكره لعدم السنخيّة الذاتية بينهما، و ما يقال: من أنّ الالتزام و الربط و أمثالهما جامعهما «2»، غير تامّ لأجمعيّته عنهما و أشمليته منهما، فإطلاق الشرط علىٰ ما في ضمن العقد هو المقصود من تلك الأدلّة؛ لتمسّكهم في المآثير بها في مثلها، فدعوى إجمالها أو انصرافها إلىٰ الثانية، غير مسموعة، فالقدر المتيقّن دخول المعنى الأوّلي فيها «3».

ثانيهما: حول دعوى إلحاق الشروط الابتدائيّة بالشروط الضمنيّة حكماً و إن لم تلتحق بها موضوعاً.

و تدلّ عليها: أنّ الروايات في مختلف الأبواب تتضمّن ذلك، و أطلقت الشرط على المعاني الاستقلاليّة، و هكذا في بعض الأدعية.

و استشكل مدّ ظلّه في تماميتها: بأنّ الإطلاق أعمّ من الحقيقة، فمع فقد القرينة لا يمكن التمسّك بالعمومات.

هذا لو كان أُريد منها كشف المعنى الحقيقي و الإلحاق الموضوعي.

و أمّا لو أُريد منها الإلحاق الحكمي فهو أيضاً غير تامّ؛ لأنّ مُقتضى

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 87 88.

(2) لاحظ حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 2: 61/ السطر 7، حاشية المكاسب، المحقّق الأصفهاني 2: 138/ السطر 13.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 89.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 43

التتبّع فيها أنّه في كثير منها أُطلق على المعنى الثاني، و في بعضٍ منها أُطلق بلحاظ الضمنية، و ليس أُطلق الشرط على البيع من غير وجود الجهة المقتضية له من الجهتين الأُوليين.

و قد تعرّض مدّ ظلّه لعدّة روايات و أنهاها إلىٰ أكثر من عشرين، و لم يرضَ

بما قيل فيها، و دعوى الحدائق «1» و إن كانت صادقة في أصل إطلاقه عليها، إلّا أنّ نكتة الإطلاق خفيت عليه «2».

فتحصّل: أنّ الأدلّة بمدلولها المطابقي قاصرة عن تصحيح الشروط الابتدائية و المعلّقات العُرفية.

نعم، بعد إلغاء الخصوصيّة من القيود المأخوذة فيها، و دعوى فهم العرف ذلك، و مساعدة العقلاء عليه يتمكّن من تصحيح جميع المعاهدات العرفيّة القديمة و الجديدة «3».

أقول: لنا بحثان:

الأوّل: أنّ المعاملات و إن لم تكن بصورة الشرط و القضيّة الشرطيّة، إلّا أنّ كلّها يتضمّن القضيّة الشرطية، و يكون تسليط أحد المتعاملين المتعاملَ الآخر علىٰ ماله، مشروطاً بالمقابلة و أن يصنع به ما صنعه به، و ربّما يصرّحون بتلك القضيّة و يقول: هذا لك إن أعطيتني ذلك من غير إرادة الهبة المعوّضة، بل يريدون به البيع بتلك الصورة.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة 20: 73.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 90 91.

(3) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 93.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 44

فبالجملة: لا إطلاق بلا شبهة في تعويض الشي ء بالشي ء، بل التعويض معلّق علىٰ تعويض الآخر و قبوله. فعليه يمكن دعوى جريان مفهوم الشركة في جميع المعاملات.

نعم، هو الشرط بالمعنى الثاني، دون الأوّل، و لا يخفىٰ أنّ الجُعالة هي القضيّة الشرطيّة بهذا المعنىٰ، لأنّها هي أن يقول: من ردّ عليّ عبدي فله كذا، فيعلم منه أنّ العقود كلّها كذلك، و لكن بعضها الصريح فيه، و بعضها يتضمّن ذلك.

الثاني: إطلاق الشرط على المعنى الأوّل ليس إلّا لاستلزامه المعنى الثاني، و أنّه لكونه عند انتفائه و تخلّفه يورث الخيار و التسليط على الإعدام، يعبِّر عنه بالشرط، فقوله: «بعتُ هذا بهذا علىٰ أن تخيط لي ثوباً» عقد متضمّن للشرط؛ أي لما لو لم يعمل به يتزلزل

العقد، كما يكون شأن الشرط في سائر الأُمور، فإنّه بعدمه ينتفي المشروط، و عدم انتفائه فيما نحن فيه رأساً لا يورث استقلاله في المعنىٰ حتى يكون المعنى الأصلي ذلك، فالمعنى الأصلي الأوّلي هو المعنى الثاني الدارج في جميع العلوم و الفنون، و من ذلك انتقل مفهومه إلى المعنى الأوّل، فما اختاره في المسألة غير تامّ، و لأجله يصحّ أن يقال في ضمن العقد بعد ذكر الشرط: إن لم تَخِطْ لي ثوبي فلا تعاهد بيني و بينك، فإنّه عند ذلك لو تخلّف يبطل العقد من غير حاجة إلىٰ إعمال الخيار لإبطاله.

فتحصّل: أنّ حقيقة الشرط هو المعنى المعروف في الصلاة، و هو

دروس الأعلام و نقدها، ص: 45

الأمر الدخيل في الشي ء الخارج عن هويّته و ماهيّته، و الشرط في ضمن العقد أيضاً شرط لأجل خروجه عن ماهيّة العقد، و لكنّه دخيل في الأثر المطلوب منها، و مناط لتحصيلها.

و هذا قد يكون مذكوراً صريحاً، كما في القضايا الابتدائية و في الجعالة، و قد يكون مطويّاً في المطالب، و ما يقال في القضيّة التعليقية أنّها قضيّة شرطية، هو أيضاً يرجع إلى الدخالة في حصول الشي ء و ترتّب الأثر عليه، فجميع المعاني ترجع إلىٰ معنىً واحد.

نعم، المعاملات المتعارفة الخالية عن التعليق و الشرط بالمفهوم و إن تضمّنت القضيّة الشرطية إلّا أنّها ليست مشمولة للعمومات في المسألة عرفاً. نعم عقد الجُعالة مشمول لها بلا شبهة، و كلّ الشروط الابتدائية المذكورة بهذه الوتيرة تكون مشمولة لها كما لا يخفىٰ.

ثمّ إنّ قضيّة إلغاء الخصوصيّة فيما نحن فيه غير معلوم جريانه؛ لأنّه نرىٰ من العقود ما ردع عنها الشرع، فمجرّد التعاهد و العقد ليس تمام الموضوع؛ للزوم الوفاء حتّى يقال بصحّة المعاطاة.

و تفصيل المسألة في

كتاب الشروط، و لقد تعرّضنا لحدود هذه العمومات في مباحث الإجارات «1»، فمن شاء فليراجع.

______________________________

(1) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه للمصنّف (قدّس سرّه) مفقود.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 46

الدرس التاسع ما أفاده السيّد الأُستاذ الشاهرودي مدّ ظلّه في مسألة العلم الإجمالي

بأنّ هذين الثوبين الموجودين عنده مردّدان بين الغصبيّة و النجاسة؛ بأن يدور الأمر بين الغصبيّة و النجاسة، فإنّه إن علم بالغصبية و النجاسة و لم يعلم شخص المغصوب و النجس، فإنّه يعلم بالمانع تفصيلًا، فلا يجوز له الصلاة في الثوبين جمعاً و تدريجاً.

و أمّا لو لم يعلم إلّا إحداهما: الغصبيّة أو النجاسة، فإنّه مقتضى الصناعة جواز الصلاة في كلّ واحد منهما تدريجاً؛ لأنّ الممنوع هو معلوم الغصبيّة و النجاسة، و ذلك منفيّ؛ لعدم العلم بنجاسة ما يُصلّي فيه و لا غصبيّته بالضرورة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 47

و بعبارة منّي: لا يكون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في تلك الجهة، و هو لو كان الثاني مأخوذاً جزءاً في الموضوع، فلو ورد النهي عن الصلاة في معلوم الغصبيّة، فإنّه لو علم إجمالًا بغصبيّة شي ء يجوز له الصلاة فيه؛ لعدم كونه معلوم الغصبيّة.

هذا حسب القواعد، و لكنّه ممّا يُشكل الالتزام به، و لو أمكن الإشكال في جواز الصلاة في مشكوك النجاسة؛ لاشتراط الطهارة، و عندئذٍ لا تصحّ الصلاة؛ للزوم إحراز الشرط، لا يمكن ذلك في الطرف الآخر؛ لعدم اشتراط الإباحة، بل الظاهر مانعيّة الغصب، و لو أمكن جرّ الشبهة إلىٰ هنا أيضاً، فلنا فرض العلم الإجمالي فيما كان الطرفان من الموانع في الصلاة.

مثلًا: لو علم إجمالًا بأنّ هذا الثوب أو ذاك من شعر الهرّة، فإنّ الممنوع ليس وجوده الواقعي حتّى يتنجّز بالعلم بل الممنوع هو وجوده المعلوم، و مع العلم الإجمالي لا يكون كلّ واحد في حدّ نفسه معلوماً،

فالقيد الآخر للمانعية و هو المعلوميّة غير محرَز، فتصحّ الصلاة، مع أنّ الالتزام به مشكل جدّاً. هذا في الثوبين.

و ما قيل يأتي في الثوب الواحد المعلوم غصبيته أو نجاسته، فإنّه بناءً علىٰ أنّ مفاد صحيحة ابن أبي عبد اللّٰه «1»، اشتراط المانعيّة بالعلم

______________________________

(1) عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي و في ثوبه عذرة من إنسان أو سنّور أو كلب، أ يعيد صلاته؟ قال: «إن كان لا يعلم فلا يعيد».

وسائل الشيعة 3: 475، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات، الباب 40، الحديث 5.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 48

بالنجاسة، تجوز الصلاة فيه؛ لأنّ المانعيّة من قِبَل النجاسة ممنوعة، و من قبل الغصب مرفوعة بالبراءة، فعندئذٍ يجوز الصلاة عالماً عامداً في هذا الثوب.

نعم، يمكن الشبهة؛ لأجل أنّ الغصبيّة ليست مانعة، بل الإباحة شرط، أو عدم الغصبيّة، و أنّ النجاسة كذلك، بل المانعيّة غير متصوّرة، و ترجع الموانع الشرعية إلى القيود العدميّة و الشروط السلبيّة، و لا يمكن الرجوع بعد ذلك إلى الأُصول العمليّة. و هذا أيضاً خلاف فهم الفقهاء.

و الذي يظهر لي: هو أنّ المانعيّة قابلة التصوير بوجه فصّلناه في رسالتنا المعمولة في قاعدة «لا تعاد» «1». و لكنّ الغصبية ليست من الموانع، بل الإباحة شرط، بخلاف ما لا يؤكل لحمه، فإنّه مانع في الصلاة حسب ظواهر الأدلّة و فهم العموم، إلّا أنّ الشي ء قد يكون مانعاً بوجوده الواقعي، فإنّه حينئذٍ يجب الإعادة حسب القواعد لو تبيّن وجوده في الصلاة، و حيث لا تجب فربما يُستظهر ابتداء أمران: مانعيّة المعلوم، فيكون العلم جزء الموضوع، و مانعية الشي ء بوجوده المنجَّز، فيكون صفة المنجّزية جزءاً؛ سواء حصلت من العلم التفصيلي، أو الإجمالي،

أو الحجّة الشرعيّة، كالاستصحاب و نحوه، أو الطرق العرفيّة العقلائيّة المُمضاة، كخبر الواحد و البيّنة و نحوها.

______________________________

(1) رسالة في قاعدة «لا تعاد» للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

دروس الأعلام و نقدها، ص: 49

و توهم: دلالة قوله (عليه السّلام) في الصحيحة بعد السؤال عن الصلاة في الثوب النجس-: «إنّه لا يُعيد إذا كان جاهلًا» علىٰ دخالة العلم بعنوانه في المانعيّة، فاسد جدّاً؛ لعدم أخذه فيها، بل غاية ما يُعلم منه أنّ مع الجهل لا يعيد، و هذا يحتمل وجوهاً: الأوّل: أن يكون الشي ء بوجوده الواقعي مانعاً، و لكنّه إذا ارتكبه حال الجهل لا تكون الإعادة واجبة لمصالح أُخر، لا لأجل صحّة الصلاة، كما في القصر و الإتمام، و الجهر و الإخفات.

الثاني: أن يكون حال الجهل غير مانع؛ من غير كون العلم شرطاً؛ حتّى يلزم جواز الصلاة حال العلم الإجمالي؛ بدعوىٰ أنّه ليس علماً.

و بعبارة اخرىٰ: لو كان العلم جزء الموضوع يمكن دعوى ظهوره في التفصيلي.

و أمّا لو كان الجهل مانعاً عن مانعيّة الشي ء، فهو منصرف إلى الجهل المطلق، دون العلم الإجمالي، مع أنّه لو كان العلم شرطاً و قيداً، فمع الشكّ فيه مقتضى الأصل جواز الصلاة للشكّ في المانع.

و أمّا لو كان الشي ء بوجوده الواقعي مانعاً، و يكون الجهل مانعاً عن مانعيّته، فإنّه في الشبهة الحكميّة لا بدّ من الاحتياط؛ للعلم بالمانع و الشكّ فيما يمنع به المانع.

الثالث: أن يكون الممنوع وجوده المنجَّز.

الرابع: أن يكون الممنوع وجوده العلمي.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 50

الخامس: هو أن يكون العلم جزء الموضوع على الطريقيّة؛ بناءً علىٰ تصويره، لا الصفتيّة.

السادس: أن يكون العلم الطريقي جزء الموضوع بقاطعيته في الطريقية لا ظنيّته، فإنّه على الصفتية لا تقوم مقامه الأُصول و الأمارات، و هكذا

على الطريقية بالمعنى الأخير؛ لأنّها طرق غير قطعيّة.

و هذا هو المحتمل قويّاً في عدد الركعات في الثنائية و الثلاثيّة، كما احتمله الفقيه اليزدي في رسالته المعمولة في ذلك المطبوعة «1»، فليراجع.

هذا كلّه بحسب الثبوت.

و أمّا بحسب مقام الإثبات و الاستظهار، فلا بدّ من ملاحظة الأخبار و النظر في مقتضى الجمع بينها.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: 8.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 51

الدرس العاشر ما ألقاه السيّد الأُستاذ الوالد مُدّ ظلّه في مسألة إفادة المعاطاةِ الملكيةَ المتزلزلة و المستقرّة

و أنّ المسألة من حيث الأدلّة الاجتهاديّة و العملية كيف تكون؟

و سيتعرّض لمفاد الاولىٰ «1»، و قال في مقتضى الثانية باستصحاب الملكيّة، و أنّ فسخ المشتري أو البائع لا ينفسخ؛ لعدم الدليل على الانفساخ، و مقتضى الشك بقاؤها.

و قد أورد إشكالات في المقام: فمنها: أنّ استصحاب الكلّي القسم الثاني غير جارٍ، و المسألة من هذا القبيل.

______________________________

(1) يأتي في الدرس 20 و 22 و 24 و 26 و 29.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 52

و منها: أنّه لا أثر لهذا الاستصحاب؛ لأنّ الأمر الجامع بين الملكيّتين ليس من المجعولات الشرعيّة و الأحكام الإلهيّة.

و منها: أنّه لو فرضنا جريان الاستصحاب الكلّي فهو هنا غير جارٍ؛ لأنّ الجامع بينهما غير معقول؛ لاختلافهما في تمام ذاتهما؛ و هما متفاوتان في هويّتهما و متباينان في الحقيقة؛ ضرورة أنّ المستقرّة هي ما لا تزول بالمُزيل، و المتزلزلة هي ما تزول به، و لا جامع بين هذين الأمرين.

و منها: أنّه من الشكّ في المقتضي، و حجّية الاستصحاب فيه محلّ الإشكال.

و الظاهر جريانه لتماميّة شرائطه و أركانه. و ما قيل في محلّه: من عدم جريان القسم الثاني فهو تامّ، إلّا أنّ العرف لا يساعد عليه، و نفي الجامع بين القصير و الطويل عقلًا، لا يورث نفيه عند العرف علىٰ ما تقرّر في محلّه

«1».

و دعوىٰ: لغويّة الاستصحاب، غير مسموعة؛ لأنّ الجامع الانتزاعي ليس من المجعولات الشرعيّة في التكاليف الإلزاميّة، كالجامع بين الحرمة و الوجوب، بخلاف الجوامع الاعتبارية العقلائية في الموضوعات العرفيّة، فالملكيّة من الجوامع العرفيّة بين الملكيتين، و بقاؤها مع قطع النظر عن الخصوصيات ربّما يستلزم الأثر، و لا حاجة إلى الأزيد منه بنظر العرف في مفاد قوله (عليه السّلام)

لا تنقض

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 84 86.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 53

اليقين بالشكّ «1».

و توهّم: عدم وجود الجامع، مضروب عنه؛ لأنّ الملكيّتين ليستا متقابلتين بالسلب و الإيجاب، و لا بالعدم و المَلَكة، بل هما اعتباران وجوديّان مختلفان في الحكم العقلائي و الأثر؛ من غير فرق بينهما ذاتاً، مع أنّ الاختلاف في الهويّة و الذات، لا يورث نفي الجامع إذا كان الأثر مترتّباً علىٰ ذلك الجامع البعيد أيضاً.

و ما قرع سمعك من الشبهة في المسألة لأجل أنّها من الشكّ في المقتضي مدفوع:

أوّلًا: بعموم حجّيته.

و ثانياً: بأنّ المسألة من قبيل الشكّ في الرافع؛ لأنّ الكلام في أنّ هذه الملكيّة سواء كانت متزلزلة أو مستقرّة لا تزول إلّا بالفسخ، و هذا هو معنىٰ كون الشبهة في بقائها من قبيل الشكّ في الرافع، كما لا يخفىٰ «2».

و الذي هو التحقيق منّا في مقامه: أنّ الاستصحاب في القسم الثاني جار عقلًا و عرفاً و التفصيل في محلّه «3»، و ما تخيله من عدم جريانه عقلًا خالٍ عن التحقيق، و أنّ الأثر المقصود في الاستصحاب ليس الحكم التكليفي المجعول من قِبَل الشرع، بل هو الأعمّ منه و من كلّ ما يكون

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 217، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 10، الحديث 3.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 94

99.

(3) تحريرات في الأُصول 8: 464.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 54

التعبّد به موجباً للأثر كالجوامع الانتزاعيّة، و لذلك تجري الأُصول في عدم الأحكام الكلّية مع أنّها ليست مجعولة.

فما اشتهر: أنّ المستصحب لا بدّ و أن يكون حكماً شرعيّاً أو موضوعاً ذا حكم شرعي «1»، غير تامّ؛ لجريان الأُصول الموضوعيّة في الأعدام المضافة لنفي الأثر عن المضاف إليه.

و الوالد كان يعتقد بذلك، إلّا أنّه لا يلتزم به فعلًا، فالملكيّة الانتزاعية تُستصحب و الأثر مترتب عليها.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الجامع بين الوجوبين الشرعيّين مورد الأثر؛ لأنّ بقاء الإلزام تعبّداً موضوع للزوم الطاعة و الإطاعة، بخلاف الجامع بين الموضوعين و إن كانا من الأحكام الوضعية كالملكيّة؛ لعدم الأثر له.

نعم، ربّما يمكن دعوى مساعدة العرف علىٰ مثل ذلك الجامع، و أنّه يعتبره في المتعدّدات المملوكة، فتأمّل جدّاً.

و ربّما ينفعك بعض الكلام في جريان الاستصحاب الشخصي في المسألة، كما لا يخفى.

و من تلك الإشكالات: أنّ استصحاب الملكيّة محكوم لاستصحاب عدم حدوث الملكيّة المستقرّة؛ لتسبّب شكّه من شكّه «2».

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 394 و 422، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 458 و 471، تهذيب الأُصول 2: 397 و 575.

(2) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي: 73/ السطر 8.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 55

و فيه: أنّه من المثبتات الواضحة؛ ضرورة أنّ نفي الفرد لا يكون أثره الشرعي نفي الكلّي؛ سواء قلنا بأنّ الطبيعي موجود بذاته، أو قلنا بأنّ الفرد علّة وجود الطبيعي، فإنّه على الثاني واضح، و علىٰ الأوّل هما مختلفان في عالم الاعتبار و الموضوعيّة للحكم، فتدبّر «1».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 96 97.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 56

الدرس الحادي عشر ما ألقاه الشيخ باقر الزنجاني مدّ ظلّه في مسألة إحراز عنوان المخصّص بالاستصحاب في الفروض المختلفة

قائلًا: إنّ أخذ الوجود و العدم المحمولين في دليل علىٰ

نعت الكثرة؛ لا التقييد و التركيب، ممّا يمكن ثبوتاً، و يحرز بالاستصحاب إثباتاً، و أمّا العناوين المنتزعة من الوجودين المأخوذين في موضوع الحكم و إن كانت دخيلة في الموضوع، إلّا أنّ إحراز منشأ الانتزاع يكفي لإحرازها؛ لعدم وجود لها إلّا بتلك المناشئ، و لا أثر لها إلّا بها.

فعلى هذا لو ورد: أكرم زيداً إذا كان زيد في الدار و عمرو فيها، و كان

دروس الأعلام و نقدها، ص: 57

وجود زيد مُحرَزاً بالوجدان، و عمرو مُحَرزاً بالأصل، فإنّه يجب الإكرام، و أمّا لو كان معنى المقارنة دخيلًا في الحكم، فهو أيضاً حاصل؛ لعدم وجود لها منحازةً إلّا بهما، و هكذا في مسألة السبق و اللحوق، فتلك العناوين لو كانت دخيلة، فهي تحصل بالاستصحاب الجاري في الموضوعين؛ سواء كانا وجوديّين، أو عدميّين، أو وجوديّاً و عدميّاً، و علىٰ جميع التقادير سواء كان مفاد الناقصة أو التامّة؛ «كان» كانت أو «ليس»، فإنّه في جميع الصور إن دلّ الدليل على اعتبار المقارنة أو السبق و اللحوق، فلا يكون الأصل مثبتاً، و إن لم يدلّ دليل عليه بدالّ مخصوص، فالواقع لا يخرج عن أن يكون تلك العناوين دخيلة لامتناع الانفكاك، كما لا يخفىٰ.

فما أفاده المشهور من جريان الأُصول في محلّه، إلّا أنّ القوم ذهبوا إلىٰ عدم الدخالة، فلا يكون الأصل مثبتاً.

و ما هو التحقيق: هي الدخالة و عدم لزوم الأصل المثبت؛ لأنّ مع فرض الوجودين لا بدّ من إحراز المنشأ للانتزاع. و هذا هو مفاد ما حقّقه شيخنا الأُستاذ في مباحث اللباس المشكوك.

و الذي يظهر لي: هو أنّ الخلط بين التكوين و بين كيفيّة جعل الشي ء موضوعاً للحكم، أورث أن يقع القوم فيما وقعوا فيه؛ و ذلك أنّ المسائل العقلية تؤخذ

من الخارجيات؛ من غير دخالة لحاظ أحد فيه، فيكون المرجع الوجدان و الشهود و البرهان، و الموضوعات المأخوذة في الأدلة تابعة للحاظ المولى ثبوتاً و يؤخذ ذلك من الدلالات الواقعة منه

دروس الأعلام و نقدها، ص: 58

في كلامه و خطابه؛ من غير دخالة الأُمور المقارنة و الملازمة معه في موضوعيّة ذلك الموضوع؛ بحيث لو أمكن التفكيك لبقي الموضوع الشرعي بحاله في موضوعيّته.

فعلى هذا: تارة يكون الموضوع الأمرين الموجودين في زمان واحد من غير لحاظ المقارنة، و هكذا في السبق و اللحوق، و أُخرى يلاحظ ذلك في الموضوع، فإن دلّ الدليل على الأوّل فالاستصحاب يُنقِّح الموضوع، و إلّا فلا، و الملازمة العقلية بين المنتزع و المنتزع منه لا تستلزم الملازمة الشرعية.

و لَعَمري إنّ ما توهّمه من الأصل أظهر مصاديق الأصل المُثبِت، كيف و التفكيك بين المتلازمين معمول به في التعبّد، فضلًا عمّا نحن فيه، فما تخيّله مدّ ظلّه ساقط، كما أنّ ما ذهب إليه الآخرون: من أنّ التقارن غير مستفاد من الدليل، غير محصّل؛ لأنّ الكلام في المسائل فرضي، و ذلك ممّا يمكن. و ممّا يترتّب علىٰ ذلك: أنّ أخذ القضيّة بنحو الكثرة دخيلةً في الحكم، لا يُعقل إلّا فيما كانت تلك القضيّة معلّقاً عليها الحكم، لا أن تكون موضوعة، فإنّ الحكم الواحد لا يتعلّق بالكثرات لتشخّص الإرادة بالمراد، و لا يُعقل جعل الحكم الواحد على الكثير بما هو كثير علىٰ ما تحرّر في محلّه «1».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 3: 444 445.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 59

فإذا كان الأمر كذلك ففي جميع الموضوعات لا يعقل إحراز جزء منه بالأصل و الجزء الآخر بالوجدان ممّا بينهما من المعنى الحرفي الرابط، و في المعلّقات عليها الأحكام تفصيل بين استظهار

العناوين المذكورة و عدمه، فافهم و لا تغفل.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 60

الدرس الثاني عشر ما ألقاه سيّدنا المحسن الحكيم مُد ظلّه في مسألة عقد الشركة و جوازه

و قد مرّ منّا تحريره «1».

و قال بعد تكرار المسألة: إنّ عقد الشركة بمعنى التشريك في الأموال، فيقول فلان لصاحبه: أنا شاركتُك فيما أشتريه، أو في مالي، أو في هذا الدرهم، فإنّه يحتاج إلى القبول، و يكون عقداً لازماً؛ لعموم أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «2» و أصالة اللزوم، و عقدها بمعنى الإذن في الاتّجار، فهو ليس من العقد علىٰ تفصيل مضى منّا «3».

______________________________

(1) تقدّم في الدرس السادس.

(2) المائدة (5): 1.

(3) تقدّم في الدرس السادس.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 61

و قد عرفت ما في مختاره، فإنّ الشركة بالمعنى الثاني المسمّاة بالشركة العقديّة هي العقد علىٰ أن تحصل الشركة في المنافع المترتّبة عليها و الآثار و الثمرات الحاصلة من الاتّجار بها؛ بحيث تكون مشتركة بينهما، و ربّما تكون علىٰ وجه لا يمكن تمييزها و إن حصلت مع التمييز أيضاً أحياناً.

و لو صحّ رجوع العقود المتعارفة العقلائية بدعوى ارتكازهم علىٰ ذلك و إن لم يكونوا مشعرين بها إلى العقود المعروفة، لكانت ترجع المضاربة و المساقاة و المزارعة إلىٰ نوع من الإجارة مع الشرائط في ضمن عقدها، فالاشتراك في الأثر و اللازم، لا يورث رجوع الموضوع إلى الموضوع الآخر إلّا مع الاتّحاد في الآثار و الاعتبار، كما لا يخفىٰ.

و دعوىٰ لزوم الشركة بالمعنى الأوّل ممنوعة؛ لأنّه عبارة أُخرى عن هبة المشاع بلفظة «الشركة»، و هذا ممّا يرتكزه العقلاء، فافهم و لا تغفل.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 62

الدرس الثالث عشر ما أفاده السيّد الوالد مُدّ ظلّه في مسألة جريان الاستصحاب الشخصي في الملكية الحاصلة بالمعاطاة، المردّدة بين المتزلزلة و المستقرّة

فقال: «يمكن دعوى عدم جريانه؛ لأجل أنّ الملكيّة اعتبار مقولة الإضافة أو الجِدة، و هما لا يتقبّلان الاشتداد و الضعف، و ليستا ذات مراتب، فهي من الكلّيات ذات الأنواع، فلا يعقل جريان الاستصحاب الشخصي؛ لأنّ الموجود في الخارج: إمّا صنف المتزلزل، أو المستقرّ، و

حيث لا يعلم الخصوصيات الفرديّة، فلا يعلم الشخص حتّى يستصحب، و ما هو المتيقّن هو الجامع بينهما، و هي نفس الملكيّة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 63

فما أفاده الشخص من استصحاب الجزئي في غير مقامه.

و لنا دعوى جريانه بتقريب منّا: و هو أنّ الملكيّة ليست من المقولات قطعاً، و احتمال كونها اعتبار إحدى المقولتين، مدفوع: بأنّ المقولات متأخّر زمان العلم بها عن اعتبار الملكيّة، فعند ما يعتبرها العقلاء لم يكن يعلم بالمقولات أحد من الفلاسفة بالضرورة، فضلًا عن أهل السوق و البوادي و كونها اعتبار المقولة، لا يستلزم سريان جميع أحكام المقولة إليها؛ حتّى لا تكون ذات مراتب؛ و لم يجرِ فيها التشكيك الخاصّي.

فالحقّ أنّه اعتبار من غير لحاظ المقولة في ذلك، و لا شبهة أنّها كسائر العقود و الاعتباريات، ليست من العلل و المعاليل التكوينيّة؛ حتّى يكون في البين تأثير و تأثّر، فيقال: بأنّ الملكيّة معلول العقد كمعلوليّة الحرارة للنار و أمثالها.

و هكذا لا شبهة في أنّ لزوم الملكيّة و جوازها، ليس من الآثار القهريّة الحاصلة من لزوم العقد و جوازه، و لا مبدءاً تكوينياً للزوم العقد و جوازه؛ حتّى يكون لزوم السبب من آثار لزوم المسبّب، أو يستند إليه بالمجاز و العرض، أو يكون اللزوم مستنداً إلى السبب بالذات و إلى الملكيّة بالعرض و هكذا.

بل التحقيق: أنّ اللزوم و الجواز من اعتبارات الأسباب و العقود، و يكون عند العقلاء العقود علىٰ صنفين: لازمة و جائزة و الملكيّة

دروس الأعلام و نقدها، ص: 64

الحاصلة من العقود ليست شديدة و ضعيفة حتّى يتوهّم التشكيك الخاصّي فيها، بل السبب إذا كان عقداً لازماً، فهو يورث الملكيّة الغير المنفكّة بالفسخ، و إذا كانت عقداً جائزاً فهو يورث الملكيّة المنفسخة

بأسبابه، و ذلك ليس معناه اشتداد المعنى الاعتباري، كما يتصوّر في الماهيّات الحقيقيّة، بل الزوال و عدمه من آثار الأسباب.

فالملكيّة الحاصلة من العقد المردّد بين الجواز و اللزوم، هي الملكيّة الشخصية؛ لأنّ الجواز و اللزوم ليسا من الجهات الدخيلة في النقل و الانتقال، بل العقد بعنوانه دخيل في النقل، و إيجاد الملكيّة و الجواز و اللزوم الطارئ عليه، لا مدخليّة له في النقل بالضرورة.

و إن شئت قلت: لو فرضنا أنّ المسألة من قبيل المسائل التكوينيّة، و أنّ العقود تؤثّر في معاليلها، فالذي هو المؤثّر ليس الجواز و اللزوم بالقطع و اليقين، بل المؤثّر هو الحيثية العقدية، فالاستصحاب الشخصي جارٍ لعدم اختلاف الأثر بين العقد اللازم و المتزلزل، بل الملكيّة الحاصلة منهما معنىً واحد شخصي، و اعتبار خاصّ جزئي، و جواز الفسخ و انتقال الملكيّة و زوالها من آثار خصوصيّة الجهة الناقلة، و هو اللزوم و الجواز، فلا تغفل.

ثمّ إنّه إذا جرى الاستصحاب الشخصي، يمكن إجراء الكلّي القسم الأوّل منه، كما لا يخفىٰ» «1».

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 99 101.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 65

هذا ما أفاده المحقّق النحرير في المسألة، و ما قاله و إن وافقناه في أصل المسألة، إلّا أنّ اللازم علينا الإشارة إلىٰ نكتة فيها و هي: أنّ اللزوم و الجواز من الأحكام العقلائية للعقد، و ليسا من الآثار، و لا ذَوَي الدَّخْل في التأثير، فلا يكونان من قيود المؤثّر، و لا من قيود الملكيّة المتأثّرة، و صفة الاستقرار و التزلزل، من الصفات الاعتبارية المنتزعة من الحكمين الثابتين للعقود، فما ظنّه: من أنّهما من قيود المؤثّر و إن لم يكونا دخيلين في التأثير، غير تامّ، كما أنّ نفي التشكيك الخاصّي من

الملكيّة، لا يورث نفي التشكيك العامّي، و لذلك اختار الفقيه اليزدي في ملحقات «العروة» صريحاً و غيره في غيرها كثيراً-: أنّ الملكيّة ذات مراتب «1»، و المراد منه اختلافها في الأحكام و الآثار.

بل الوالد مُدّ ظلّه اختار في حواشيه على إرث الملّا هاشم الخراساني الملكَ الضعيف بالنسبة إلىٰ مراتع القُرى و القصبات «2»، فراجع.

ثمّ إنّ الملازمة بين جريان الاستصحاب الشخصي و الكلّي القسم الأوّل ممنوعة، كما فيما نحن فيه، فإنّه يصحّ دعوى بقاء الملك الشخصي، و لكنّه لا يعتبر الملك الكلّي علىٰ حذو الاستصحاب الشخصي، و بيانه يعرف بالرجوع إلىٰ المثال.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 2: 4/ السطر 33، الإجارة، المحقّق الرشتي: 13/ السطر 24.

(2) حاشية الإمام الخميني (قدّس سرّه) على إرث ملّا هاشم الخراساني (مخطوطة).

دروس الأعلام و نقدها، ص: 66

ففي مثل العلم بوجود زيد في الدار، يعلم وجود الإنسان في الدار، فيُستصحب كلّ واحد علىٰ حِدَة، و يترتّب عليه الأثر المقصود، و ربّما يُغني أحدهما عن الآخر، أو الشخصي عن الكلّي، أو بالعكس علىٰ تفصيل تقرّر في محلّه «1».

و أمّا إذا علم بوجود ملكيّة الدار لزيد بالعقد المعاطاتي، فلا يعلم بالملكيّة الكلّية، بل يعلم بملكيّة مضافة إلى الدار، و المضاف إلى الشخصي و الجزئي في مثل المسألة جزئي.

نعم، يمكن دعوى إجرائه في موقف آخر، و هو أنّه بعد العلم المذكور يعلم بمالكية زيد لشي ء، و إذا فسخ العقد يشكّ في بقاء العنوان المزبور، و لكنّه ليس علىٰ حَذْو الاستصحاب الشخصي، و لا يُعقل دعوى كفاية أحد الاستصحابين عن الآخر، فافهم و تدبّر.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 8: 455 458.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 67

الدرس الرابع عشر ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ الشاهرودي دام مجده في مسألة العلم الإجمالي بأنّ أحد الشخصين دائن أو الأشخاص

بشرط أن لا تكون غير محصورة، فإنّه في هذه الصورة ربّما

تكون من المجهول المالك و الداخلة في أحكام المظالم:

فقال: قد يقال بالقرعة، و قد يقال بالتنصيف بعد لزوم تحصيل الرضا، و الظاهر هو التقسيم بالنسبة؛ و ذلك لأنّ العلم بالاشتغال مُحرَز، و لزوم التفريغ معلوم، فإن أمكن التراضي و إن لم يُعطِ شيئاً فهو، و إلّا فلا وجه للقُرعة؛ لأنّها موضوعة لمواقف لم تكن الحجج الأُخرىٰ جارية

دروس الأعلام و نقدها، ص: 68

حتّى الأُصول العقلائية، و فيما نحن فيه مقتضى الأصل العقلائي هو التقسيم بالنسبة، و أمّا التنصيف فهو غير تامّ؛ لأنّ اختلاف الدائن في مقدار الدين، يورث عند العقلاء أن يكون المال علىٰ نحو المال المبذول للغرماء.

و توهّم: أنّ الشبهة المحصورة كغير المحصورة، فيكون الدين مَظْلمة و مجهول المالك، في غير محلّه.

و كان يظهر منه حفظه اللّٰه تعالىٰ عدم لزوم الاحتياط بأداء الدين بالأشخاص، و لعلّه لأجل استلزامه الضرر المفروغ نفيه، فليتدبّر.

و عدم قبول الدائن بعنوان الدَّين لا يورث خللًا في تكليفه؛ إذا تمكّن من أدائه و لو بالعناوين الأُخر علىٰ زعمه، كما لا يخفىٰ.

أقول: فيما ذكره مواقف للنظر، و لما يكثر النفع فيه لا بأس بالإشارة إليها. و قد عنون الأصحاب المسألة:

و يظهر من الفقيه اليزدي وجوهاً في المسألة: «إرضاءهم بأيّ وجه كان أو وجوب اجراء حكم مجهول المالك عليه، أو استخراج المالك بالقرعة، أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسويّة، و اختار الأخير و لعلّ اختيار التسوية لمفروضية تساوى الدُّيّان» «1».

و التّحقيق: أنّ مقتضى العلم الإجمالي هو الاحتياط بحكم العقل، و عليه يجب دفع الدَّين حتّى يُعلم بالفراغ.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 381، كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه الخمس، المسألة 30.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 69

و توهّم: لزوم الضرر و هو منفيّ، في غير

محلّه؛ لأنّ ما يستلزم الضرر هو حكم العقل دون الشرع، و ما هو المنفيّ على الفرض طبق اقتضاء القاعدة هو الحكم الشرعي. و أمّا جهلنا بالواقعة، و سوء تدبيرنا، و عدم ضبط الدائن و ذي الحقّ، و غير ذلك، فهو ليس منفيّاً، و لا ذا حكم منفيّ.

و ما توهّمه: من عدم جريان أدلّة القُرعة فيما نحن فيه لأجل الأصل العقلائي، في غاية الوهن؛ لأنّ جميع موارد القُرعة يجري فيه هذا الأصل، و هو التقسيم بالنسبة أو السويّة، فعِدّة من أخبارها في مورد اختلاف الوارث و المورّث حياة و مماتاً، و الجهل بحالهم .. و هكذا، فلو كان الأمر كما توهّمه، يلزم سقوط أصل القُرعة، و سقوط الأخبار المتمسَّك بها في تلك المواضع، فلا تغفل.

نعم، في مورد العلم الإجمالي فليس الأمر مشكلًا؛ لحكم العقل في المسألة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّها لكلّ أمر مجهول، و هو يشمل المورد.

و فيه: أنّ الظاهر رجوع مفهوم الجهل إلى الإشكال؛ لأنّه يُورثه.

هذا بناءً على التمسّك بعمومات القُرعة في غير مواقف فتوى الأصحاب و عملهم بها، كما ذهب إليه الوالد المحقّق مُدّ ظلّه و بعض الأعلام المعاصرين «1» علىٰ ما يظهر منهم.

ثمّ إنّ اختيار التسوية في التقسيم أو النسبة فيه يحتاج إلى

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 398 399، مصباح الأُصول 3: 341 343.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 70

الدليل، فلو كان حقّ أحدهما أقلّ من النصف، فربّما يتعيّن إيفاء حقّه ثمّ إيفاء حقّ الآخر؛ لأنّه يدور الأمر بين القطع بعدم إيفاء حقّهما، و بين العلم بإيفاء بعض الحقّين و احتمال إيفاء حقّ أحدهما كلا.

و ربّما يقال: بأنّ البذل بأحدهما مطلقاً أرجح؛ لاحتمال وفائه بالدين، بخلاف ما لو قسّمه عليهما؛ فإنّه يعلم ببقاء

الدَّين، فإنّ تقليل الدَّين ليس من الواجبات الشرعيّة، بل الواجب هو أداؤه، و هو غير ميسور، فمقتضى العقل هو الفرار عن المخالفة القطعيّة بموافقة احتماليّة.

ثمّ إنّ مقتضىٰ ما تحرّر منّا في محلّه، جريانُ الأُصول في أطراف العلم الإجمالي، و جواز ارتكاب المجموع «1» إلّا في مواقف خاصّة، و في كون ما نحن فيه منها إذا كان الأطراف كثيرة؛ و إن لم تُدرج في الشبهة غير المحصورة و عدمه، وجهان، و التفصيل في مواضعه.

و العجب من الفقيه اليزدي، حيث اختار في المسألة التوزيع «2»، و في ختام الزكاة قال: إذا علم اشتغال ذمّته بالخمس أو الزكاة وجب عليه إخراجهما إلّا إذا كان هاشمياً فإنّه يجوز للهاشمي [أن] يقصد ما في الذمة «3».

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّه في مسألة الدَّين و تعلّق حقّ الغير

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 185 و ما بعدها، و 7: 195 و ما بعدها.

(2) العروة الوثقىٰ 2: 381، كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه الخمس، المسألة 6.

(3) العروة الوثقىٰ 2: 381، كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه الخمس، المسألة 30.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 71

بذمّته، ليست الجهة المشتركة موجودة، بخلافها هنا، فإنّه يصحّ له أن يردّ المال الواحد المردّد إلىٰ وكيل المستحقّين للزكاة و الخمس، فحينئذٍ يتمكّن من الفرار من الاحتياط نوعاً، مع أنّه اختار الاحتياط تعييناً.

نعم، إذا لم يتمكّن من ذلك، و قلنا بعدم جواز صرفه بعنوان الوكيل من قِبَلهم، تكون المسألة من قبيل هذه المسألة، و تأتي فيها الوجوه السابقة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 72

الدرس الخامس عشر ما ألقاه السيّد الأُستاذ الخوئي دام مجده في مسألة ترجيح جانب النهي و الحرمة على الأمر و الوجوب

فقال: قد ذكروا في المسألة وجوهاً:

منها: الاستقراء، فإنّه بعد ما نراجع الفقه نجد ترجيح الشرع جانب الحرمة على الوجوب.

و منها: إيجابه الاستظهار بعد انقطاع

دم الحيض، مع أنّ المسألة تدور بين وجوب العبادة و حرمتها، و هكذا في مسألة إراقة الماءين المعلوم نجاسة أحدهما، فإنّه قدّم جانب الحرمة على الوجوب و إلزام الإهراق و التيمّم.

و في ذلك نظر؛ ضرورة أنّ الاستقراء الناقص لا يحصل بالموردين،

دروس الأعلام و نقدها، ص: 73

فضلًا عن التامّ، فهو من القياس الذي لا نقول به، مع أنّ كونهما من موارد القاعدة ممنوع؛ ضرورة أنّ ترجيح ترك العبادة علىٰ فعلها لو كان معلوماً في الشريعة، فلا يعلم أنّه لتلك الجهة، بل لعلّه لجهات اخرىٰ مثل استصحاب حكم الحيض أو موضوعه، مع أنّ العبادة ليست محرّمة علىٰ ما قال به جماعة إلّا تشريعاً، و الكلام في المحرّم الذاتي، مع أنّ وجوب الاستظهار محلّ خلاف، و قد اختار استحبابه الفقيه اليزدي «1»، و الحقّ وجوبه يوماً، و قيل: ثلاثة أيّام، و لو كان الأمر كما ذكر، لما كان وجه لما قيل في المسألة و قلنا، فالمسألة خارجة بالضرورة عن القاعدة.

نعم، على القول بالحرمة الذاتية و وجوب الاستظهار في تمام المدّة، ربّما يمكن أن يحتمل ذلك، و لكنّه مجرّد احتمال، و هو غير كافٍ، و هكذا المورد الآخر، فإنّ الوضوء بالماء النجس ليس من المحرّمات؛ حتّى يقال: بأنّ ذلك من باب ترجيح جانب النهي على الأمر، فالإراقة و التيمّم لأجل الجهات الأُخر، و إلّا فمقتضى القاعدة هو التوضّي بالماءين، و التطهير بالثاني قبل الوضوء، و الصلاة بعد كلّ وضوء، فإنّه عند ذلك يعلم بالفراغ، و مع ذلك الزم بالتيمّم.

فهذا الوجه غير تامّ؛ لاختيار بطلان الصلاة في الدار المغصوبة؛ لغلبة جانب النهي و خروج الفرد من الواجب المطلق، فتدبّر.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 338، المسألة 1.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 74

أقول:

ما كانت تمسّ الحاجة إلىٰ هذا البسط لإبطال هذا الوجه، المعلوم ضعفه كالنار على المنار، بل كالشمس في رابعة النهار.

و لَعَمري أنّ قلّة فهم الطلّاب و تداني منزلتهم العلميّة و الأُفق الفكري، أوقع هذا الأُستاذ و أمثاله في صفّ الآخرين، و يعدّون في عصرنا من وجوه المحقّقين، و نرجو من اللّٰه تعالىٰ أن يوفّقنا لما يُحبّ و يرضى.

و في كلماته مواقف للنظر: أوّلًا: أنّه يظهر منه جواز الاتّكال على الاستقراء الناقص؛ حيث نفىٰ قولنا بالقياس، فلا تغفل.

و ثانياً: لو كانت العبادة في أيّام الاستظهار محرّمة تشريعاً لجواز الإتيان بها بداعي الأمر لكان ذلك جائزاً في أيّام الحيض أيضاً؛ لاحتمال عدم صحّة ما يدلّ علىٰ حرمة العبادة عليهنّ ثبوتاً و لبّاً، و لذلك قلنا بعدم جوازها و حرمتها، و إلّا يلزم [حلّية] جميع المحرّمات؛ باحتمال أنّ الأدلّة المقتضية لحرمتها غير صادرة؛ لعدم الدليل علىٰ صدورها إلّا الحجج الشرعية و العقلائية، و هذه هي لا تورث القطع بالحكم.

و أنت خبير بما فيه، فلا ينبغي اختيار ذلك و إن قال به كثير من الأعلام في كثير من المقامات. و التفصيل في محلّه.

هذا، مع أنّ الاختلاف في المبنىٰ لا يورث سقوط البناء علىٰ جميع التقادير، و لذلك يسقط احتمال التمسّك بالاستصحاب.

و ثالثاً: خروج المحرّم التشريعي عن محلّ الكلام ليس لأجل

دروس الأعلام و نقدها، ص: 75

اختصاصه بغيره كما يظهر منه، بل ذلك لأجل أنّ المحرّم التشريعي متقوّم بقصد المكلَّفين، و هو يتبع جعل الشرع، بخلاف المحرّم الذاتي الغير المنوط بالقصد.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إذا لاحظ الشرع أنّ الأمر في تلك الأيّام يدور بين ترك العبادة و إتيانها، و حيث لو أتى بها يقصد بها ما يحتمل مبغوضيّتها، أو أنّ نفس

الإتيان بها تشريع محرّم و لا يُؤاخذ على العبادة، بل يُؤاخذ على الإتيان بها في تلك الحالة المجهولة، تكون المسألة من دوران الأمر بين الحرام و الواجب، و لاحظ الشرع جانب المحرّم، فافهم.

و رابعاً: غرض المستدلّ من التمسّك بالموردين بيان: أنّ الشرع في دوران الأمر بين الفعل و الترك قدّم جانب الترك، فيقدّم جانب الحرمة؛ لأنّها الترك؛ أي لاحظ جانب الوضوء بالنجس و ترك الوضوء، فقدّم الثاني على الأوّل، و لذلك لا يكون المورد الثاني فعلًا و تركاً داخلًا في المسألة بعنوانها.

و خامساً: ربّما يكون غرضه جعل أمثال هذه الموارد، قرائنَ عرفية للاستظهار في المواقف الخالية من تلك القرائن في التمسّك بالاستقراء و القياس، فإنّ الاستقراء عندنا كالقياس لا يفيد شيئاً إلّا إذا رجع بالاستظهار من الدليل فلا يخفىٰ.

و سادساً: لا حاجة إلى الصلاة بعد الوضوء الأوّل؛ لأنّه بعد ما توضّأ بالماء الأوّل، ثمّ طهّر مواضع الوضوء و المسح بالثاني، ثمّ توضّأ

دروس الأعلام و نقدها، ص: 76

به، يعلم بالوضوء الصحيح، ثمّ يشكّ في نجاسة بدنه، و تجري أصالة الطهارة لو قلنا بجريان الأصلين و سقوط الحالة السابقة، و إلّا فبعد الحالة السابقة فإنّه يبني على الطهارة.

نعم، في بعض الصور يحتاج إلىٰ تخلّل العبادة بينهما، كما لو كانت الحالة السابقة الطهارة، فالأخذ بنقيض تلك الحالة يرجع إلىٰ نجاسة اليد، فعليه يلزم التكرار، فليتدبّر جيّداً.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 77

الدرس السادس عشر ما أفاده الوالد المحقّق مدّ ظلّه في مسألة جريان الاستصحابات المعارضة مع استصحاب الملكيّة

اشارة

من أنّها ليست جارية في حدّ ذاتها، أو ليست مثمرة.

فمنها: الاستصحاب التعليقي، فإنّه بعد المعاملة كان له إذا يفسخ العقد ينفسخ للخيار، و يُحتمل بقاؤه؛ لأجل تزلزل الملك و كون المعاطاة من العقود الجائزة المفيدة ملكيّة متزلزلة.

و فيه: أنّ التعليقات الاختراعيّة غير جارية.

و منها: استصحاب جواز الفسخ

وضعاً و نفوذه، و لا تعليق شرعاً، بل هو

دروس الأعلام و نقدها، ص: 78

حكم منجَّز.

و فيه أنّه ليس من الأحكام الشرعيّة، بل الثابت هو أنّ البيِّعَيْنِ بالخيار، و أمّا المعنى المنتزع منه الصادق على البيع الخياري و العقد الجائز فهو غير كافٍ؛ لأنّه ليس من الأحكام الشرعيّة «1».

و منها: استصحاب عدم كون العقد لازماً بالعدم الأزلي.

و فيه: أنّ الأُصول العدمية الأزليّة أمرها بين اللاجريان و المثبتيّة علىٰ ما تقرّر في محلّه «2»، و الأعدام الناعتيّة أيضاً في الموضوعات المعدولة غير جارية؛ سواء كانت من قبيل القضايا الموجبة المعدولة المحمول، أو السالبة المحمول، أو السالبة المحصّلة المفروض وجودها. و التفصيل في محلّه «3».

و في ما ذكره مُدّ ظلّه بعض الأنظار: منها: أنّ الأُمور الانتزاعية القابلة للبقاء، و المثمرة في الإطاعة و الثواب، يجري فيها الاستصحاب، فاستصحاب الوجوب المنتزع من الوجوبات الشرعية يجري، و نتيجته لزوم الإطاعة، فالمناط هو الأثر العملي لا غير، و إلّا يلزم عدم جريان استصحاب عدم الوجوب و الحرمة، فليتدبّر.

فعلى هذا نقول: كان المالك نافذاً فسخه، و الآن كذلك.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 102 104.

(2) مناهج الوصول 2: 259 269، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 96 106.

(3) نفس المصدر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 79

و إن شئت قلت: العرف يستظهر من قوله: «البيِّعان بالخيار» «1» نفوذ الفسخ و يستند ذلك إلى الشرع، فإنّ معنى الخيار عرفاً ذلك و ثمرته هو، فلنا استصحاب بقائه لأجل احتمال حدوث العلّة الأُخرىٰ، القائمة مقام العلّة المقتضية لجعل ذلك الخيار، و استصحاب عدم حدوث تلك العلّة غير كافٍ لرفع اليد عن ذلك الاستصحاب، فتدبّر.

و منها: أنّ المقرّر منّا في مقامه أنّ الأصل العدم الأزلي إذا كان نفس

التعبّد به موضوع الأثر، كما لو ورد: «أكرم زيداً إن لم يكن عمرو موجوداً» يكون جارياً «2»، ففيما نحن فيه يصحّ دعوى أنّ نفس التعبّد بعدم لزوم العقد، يكفي لنفي الحكم الشرعي.

و توهّم: تعارضه مع الأصل الجاري في صفة الجواز، أيضاً في غير محلّه؛ لأنّ الالتزام بهما ممكن؛ لإمكان خُلُوّ العقد من الصفتين تعبّداً، و لا علم إجمالًا بأنّه موصوف بهما واقعاً، مع أنّ الأثر إذا كان للأعمّ من العقد العاري منهما و من الموصوف بالجواز، لا يلزم في المسألة إشكال، فتأمّل.

ثمّ إنّه مدّ ظلّه حكى الاستصحاب الآخر، و هو استصحاب بقاء العُلقة الجامعة بين الملكيّة الزائلة و الاسترجاع المشكوك بقاؤها.

و فيه: أنّه يندرج في القسم الثاني، و المجرى أمر كلّي انتزاعي لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 5.

(2) تحريرات في الأُصول 8: 493.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 80

أثر له شرعاً، و نفس التعبّد بها لا يورث ترتيب أثر العُلْقة الخاصّة إلّا بالإثبات.

و لنا أن نقول: هو من القسم الثالث؛ لأنّ عُلْقة الاسترجاع و حقّ الإرجاع من الأُمور المستحدثة، و ليست في عرض حقّ التصرّف في ماله و الاستفادة عنه و العُلْقة الملكيّة لأنّه من توابع خروج المال عن ملكه، و لو سلّمنا جريان القسم الثالث في بعض الصور لمساعدة العرف عليه، فهو هنا ممنوع لعدم المساعدة عليه.

فرع

لو شكّ في أنّ اللزوم و الجواز من آثار العقد و أوصافه، أو من آثار الملك و عوارضه، فهل يجري الاستصحاب أم لا؟

و المفروض هو أنّ اللزوم و الجواز لو كانا من توابع العقد، يكون الاستصحاب الشخصي جارياً للعلم بحصول الملكيّة، و إذا كانا من أوصاف الملكيّة فيلزم اختلافهما ذاتاً و

وجوداً، فلا يعلم بالشخص حتّى يجري الاستصحاب الشخصي، و إذا شكّ في أنّهما من أوصاف الأسباب أو المسبّبات؛ حتّى تكون الملكيّة أمرها دائر بين كونها موصوفاً بأحدهما، أو لا موصوفاً مطلقاً إلّا بالعرض و المجاز تبعاً للأسباب، فالشخصي غير جارٍ، بخلاف الكلّي.

و توهّم: أنّه في هذه الصورة تكون المسألة من الشبهات

دروس الأعلام و نقدها، ص: 81

الموضوعيّة للاستصحاب «1»، فاسد جدّاً؛ لعدم إمكان الشبهة الموضوعيّة؛ لعموم «لا تنقض» من جهة القيدين الشكّ و اليقين و إن أمكن من جهة سائر القيود المعتبرة في جريانها.

ثمّ إنّه لم يظهر لي وجه ما وقع فيه بعض الأعاظم؛ من أنّ التمسّك به هنا من التمسّك بالاستصحاب في الشبهة المصداقيّة، و حيث يكون المُخرِج لُبياً يجوز التمسّك به «2».

و قال الوالد: «لو كانت المسألة من شبهات تلك المسألة، فقد فرغنا من عدم الفرق بين اللُّبّيات و اللفظيات في محلّه «3»، و أنّ اللُّبّي كاللفظي، فإن كان مجملًا فلزوم القدر المتيقّن منه دليل جواز التمسّك، لكن الشكّ يرجع إلى الشكّ في أصل التخصيص، و إن كان مُبيَّناً فلا يجوز؛ لتأتّي ما قلناه في وجه عدم الجواز هناك هنا. و التفصيل موكول إلىٰ محلّه «4».

و الأصحاب في تلك المسألة، وقعوا في الخلط بين الشبهة المصداقية و الشبهة في أصل التخصيص، و عرَّجوا منها إليها، فراجع.

و لنا سؤال منهم جميعاً في خصوص مسألتنا: و هو الشكّ في أنّ اللزوم و الجواز من طواري الأسباب و المسبّبات، فإنّه لا ربط له

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 73/ السطر 31، منية الطالب 1: 61/ السطر 14.

(2) منية الطالب 1: 61/ السطر 18.

(3) مناهج الوصول 2: 252 254.

(4) مناهج الوصول 2: 247 251.

دروس الأعلام و نقدها، ص:

82

بالشبهة المصداقيّة، بل هو لو فرض فيه الشبهة، فهو لأجل كونها من الشبهة الموضوعيّة لعموم

لا تنقض

، و لا مخصّص له حتى يبحث عن لُبّيته و لفظيته و عن إجماله و مُبيَّنيته.

و الحاصل: جريان الأصل الكلّي دون الشخصي عقلًا و عرفاً.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 83

الدرس السابع عشر ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ الشاهرودي مُدّ ظلّه في مسألة تردّد الحقّ المتعلّق بالغير بين الأفراد المحصورة

و قد عرفت تفصيلها «1»، و هو حفظه اللّٰه كان يخلط بين المسألتين:

إحداهما: ما لو علم بمديونيّته إمّا لزيد أو عمرو.

ثانيتهما: ما لو علم مديونيّته لزيد و عمرو، و ليس له إلّا المال القاصر عن دَيْنه.

فإنّ المسألة الثانية فيها التوزيع قبل الحجْر، و بعده يتعلّق الدَّين بالخارج، و لا يأتي البحث عن التوزيع بالنسبة فيها.

و أمّا المسألة الأُولىٰ فهي موضوع المحتملات السابقة، و لا يأتي

______________________________

(1) تقدّم في الدرس الرابع عشر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 84

فيها البحث عن التوزيع بالنسبة إلّا علىٰ تقدير، و هو ما لو علم إجمالًا بمديونيّته لزيد أو عمرو، و لكنّه يعلم أنّه إن كان مديوناً لزيد، فهو الأقلّ من الفرض الثاني، فإنّه على القول بالتوزيع في أصل المسألة يمكن دعوى التوزيع بالنسبة، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

ثمّ إنّه مُدّ ظلّه اختار في المسألة التوزيع كما هو مختار الفقيه اليزدي «1» معلّلًا: بأنّ تنجيز العلم الإجمالي في هذه المواقف غير معلوم، و هو خلاف الضرورة، و أنّ القُرعة في هذه المواضع غير جارية؛ لجريان الأُصول العقلائية غير المردوعة، و إجراء حكم مجهول الملك غير موجّه.

و أمّا التوزيع فربّما يساعد عليه البناءات العقلائيّة الحجّة لعدم مردوعيّتها.

و هذا خلاف ما ذكره في حواشيه على المسألة في كتاب الخمس؛ حيث قال بعد اختيار السيّد التوزيع-: كونه أقوى الوجوه غير معلوم. نعم، هو أقوى من بعض الوجوه. و من هنا يُعلم الحال

في الفرع الآتي «2». انتهىٰ.

و الذي هو الحقّ: أنّ مقتضى الصناعة هو الاحتياط، إلّا أنّ الرجوع إلىٰ مآثير القُرعة «3»، يورث الاطمئنان بأنّ مسألتنا هذه تعرف منها، فكأنّ

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 381، كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه الخمس، المسألة 30.

(2) العروة الوثقىٰ 2: 382، كتاب الخمس، فصل فيما يجب فيه الخمس، الهامش 2.

(3) تهذيب الأحكام 6: 233، الباب 90، وسائل الشيعة 27: 257، أبواب كيفية الحكم و أحكام الدعوى، الباب 13.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 85

الإمام (عليه السّلام) لم يعمل بقاعدة الاحتياط و لا التوزيع، فيعلم منه أنّ المسألة من موارد القاعدة، فليتأمّل.

و إن شئت قلت: العمل بالعمومات الواردة في القُرعة إن لم يكن موافقاً للتحقيق، و لكن استكشاف حكم هذه المسائل ممّا ورد فيها خصوصاً، ممّا لا يمكن إنكاره لعدم التعبّد في الخصوصيّات المفروضة في الروايات «1»، فَلْيراجع.

______________________________

(1) نفس المصدر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 86

الدرس الثامن عشر ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ الحكيم مُدّ ظلّه في مسألة جواز إيقاع عقد المزارعة بالأمر

قائلًا: أنّه غير صحيح إلّا إذا كان المقصود الإنشاء به، دون نفس المدلول المطابقي، أو الاستعمال المجازي، فإنّه من المجازات البعيدة المستنكرة قطعاً، و الأمر لا يتقوّم بالقبول، فلو كان المقصود من الأمر إحداث المعنى الاعتباري كالتكويني فهو يحصل، و لا يحتاج إلى المقابل، بخلاف ما لو قصد به المعنى الحاصل من الإيجاب.

ثمّ إنّ المعروف جواز تقديم القبول على الإيجاب، و لكنّه ممنوع؛ لأنّ القبول: تارة يكون بالمعنى اللُّغوي المستعمل في المقاصد المتعارفة مثل قوله: أنا أقبل أن أكون كذا و كذا؛ سواء كان من الأُمور

دروس الأعلام و نقدها، ص: 87

الممتنعة أو الممكنة.

و أُخرى: يكون بالمعنى المتقوّم به العقد المقابل للإيجاب، و يُعدّ قبولًا للإيجاب و قبول المنشأ.

فإنّه على الأوّل لا يتقدّم و لا يتأخّر؛ لعدم معقولية التقديم

و التأخير فيه، و على الثاني لا بدّ و أن يتأخّر؛ لأنّه لا بدّ و أن يلتقم ما أُنشئ بالإيجاب و يبلعه، و يكون قبولًا في العقد قبال الإيجاب، و هذا غير معقول تقدّمه عن الإيجاب؛ لتقوّمه بالوجود الإنشائي السابق المعلّق في الهواء حتّى يأخذه و يقبله و يلتقمه.

و ما قرع سمعك من جواز تقديم القبول على الإيجاب في البيع، فيقول المشتري: أشتري منك الفرس بدرهم، و يقول البائع: قبلت أو بعت «1»، فهو ليس من تقديم القبول على الإيجاب، بل هو من قبيل تقديم الإيجاب على القبول.

نعم، يجوز في عقد البيع الإيجاب بكلمة الاشتراء و البيع، و السرّ هو: أنّ المبيع و المعوَّض في الفرضين هو الفرس، و الدرهم هو العوض، و لا يختلف العوض و المعوّض باختلاف التعابير، بل هما من الأُمور الواقعية في عالم الاعتبار، و يكونان محفوظين إجمالًا.

فحصّل: أنّ القبول قبول الإنشاء، و هو يتقوّم بسبق الإنشاء، و ما

______________________________

(1) كما في جواهر الكلام 22: 254.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 88

لا وجود له كيف يقبل القبول؟!» «1».

أقول: في كلامه مواقف للنظر: أوّلًا: أنّ المراد من الأمر و الإيقاع الأمري ليس إلّا إنشاء المعنى المقصود بتلك الصيغة، و لا يستعمل في جميع الفروض، الأمر إلّا في معنىً واحد، و إنّما الاختلاف في الدواعي و المقاصد الخارجة عن الاستعمال، و لا مجاز في البين حتّى يكون من المجازات المستنكرة.

و ثانياً: لا نفرض القبول العقدي ما يلتقم المعنى المنشأ حتّى يلزم ما ذكر، و يكون من القضايا [الّتي] قياساتها معها، بل القبول العقدي هو قبول المعنى الإنشائي المعلوم في البين، و المعروف بين الطرفين، غير المُظهرَ بعد، فيقول المشتري: إنّي قابل بيعك و مزارعتك و

إجارتك، و يقول البائع: بعتك و آجرتك و زارعتك .. و هكذا، و الأُمور الاعتبارية لا تأتي فيها التوالي الفاسدة الآتية في الأُمور الحقيقيّة على ما تقرّر «2».

و ثالثاً: لو فرضنا لزوم كون القبول قبول المُنشَأ الفعلي الموجود سابقاً، لا نسلّم اشتراط العقد بذلك، بل معنى العقد هو الأعمّ من العهد الموجود من تقدّم الإيجاب على القبول و العكس، فالكبرىٰ حينئذٍ في المسألة ممنوعة جدّاً.

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 13: 50 51.

(2) تحريرات في الأُصول 3: 32.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 89

و رابعاً: أنّ عناوين المشتري و المستأجر و البائع و المؤجر و المعوَّض و العوض و إن كانت لها واقعية محفوظة في عالم الاعتبار في الجملة، بخلاف الإيجاب و القبول، و لكن ذلك لا يورث خللًا فيما أشرنا إليه، كما لا يخفىٰ.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 90

الدرس التاسع عشر ما ألقاه السيّد الخوئي مُدّ ظلّه في مسألة جريان النزاع في الاجتماع و الامتناع

فيما إذا كان العناوين مختلفة حسب اختلاف الإضافات:

فإنّ صاحب «الكفاية» قدّس اللّٰه نفسه اختار ذلك «1»، و قال: لو ورد: أكرم العلماء و لا تكرم الفسّاق، و اتّحد مصداق العالم و الفاسق، يجري البحث المعروف و النزاع في إمكان اجتماع الأمر و النهي؛ لأنّ النزاع في الحقيقة دائر مدار تعدّد العنوان المُورِث لتعدّد المُعَنوَن، و يكون التركيب انضماميّاً، أو تعدّده لا يورث تعدّده، فيكون التركيب اتّحاديّاً.

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 216.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 91

و الإضافة الحاصلة في ماهية الإكرام تورث تكثّره، فإن قلنا بالامتناع في العناوين المختلفة بالذات نقول به هنا، و إن قلنا بالجواز نقول هنا بالجواز؛ ضرورة أنّ الحصّة المضافة من تلك الطبيعة، غير الحصّة المضافة إلى الطبيعة الأُخرىٰ.

و يتوجّه عليه: أوّلًا: أنّ المثال المذكور لا يكون مثالًا لهذه المسألة؛ لاشتراط المندوحة و إمكان الامتثال في

المسألة، و المكلّف فيما نحن فيه لا يقدر على الامتثال و الجمع، فترجع المسألة إلىٰ باب التزاحم أو التعارض، و تخرج عن مبحث الاجتماع؛ لعدم معقوليّة الجعل و الخطاب علىٰ ما تقرّر.

و ما هو مثال المسألة: «أكرم العالم، و لا تكرم الفاسق»، و يكون الواجب إكرام صرف الوجود، فإنّه يتمكن من الجمع بين التكليفين، فلو ابتُلي بهما لسوء اختياره فيأتي النزاع مثلًا فيه.

و ثانياً: البحث في مسائل الاجتماع و الامتناع، يدور مدار التراكيب الانضماميّة و الاتّحادية، و القائل بالأُولىٰ يجوّز، و الثاني لا يجوّز، و هذه الاختلافات الآتية من قِبَل الإضافات خارجة عن ميزان المسألة؛ ضرورة أنّ الفسق و العلم من عوارض الوجود الخارجي المجتمع قطعاً، و لا يُعقل فرض التركيب الاتّحادي حتّى يَجري النزاع، فالكبرىٰ في كلامه أيضاً ممنوعة، و فيه مواضع للنظر لا ثمرة للبحث عنه و إن تعرّض له الأُستاذ، و قال في آخر كلامه: فجميع ما قاله صاحب الكفاية في الأمر

دروس الأعلام و نقدها، ص: 92

الأخير غير قابل للتصديق، فليتدبّر.

أقول: ما توهّمه: من خروج المثال من كبرى المسألة، مبنيّ على اشتراط المندوحة في المسألة، و هو ممنوع علىٰ ما فصّلناه «1».

و ما تخيّله: من أنّ مدار المسألة على التركيب الاتّحادي و الانضمامي، من قلّة الباع و قصور الفهم.

و قد تحرّر من الوالد المحقّق في محلّه ما هو الحقيق بالتصديق، و أنّ مسائل الاعتباريات لا ربط لها بالعقليّات «2».

و قد تحرّر منّا في غير مقام: أنّ العلل و المفاسد في الأُمور العقليّة و التكوينية مثل اجتماع الأضداد و الأمثال لا تجري في الاعتباريات «3»، و أنّ مسألة اجتماع الأمر و النهي ترجع إلىٰ أنّ العناوين المختلفة- اعتباراً و ذهناً و حكماً إذا

تصادقت علىٰ موضوع واحد يلزم سراية أحد الحكمين إلى الآخر، و من متعلّقه إلى المتعلّق الآخر؛ حتّى يلزم اجتماع المتنافيات، أو يسقط أحد الحكمين لجهة أُخرى، أو يبقى الحكمان علىٰ موضوعهما، و لا رَبْط بين عالَم الجعل و الامتثال و الخارج، فإنّ الخارج ظرف السقوط، و لا يعقل الاجتماع فيه، و المتعلَّقات للأحكام في ظرف التعلُّق و الجعل مختلفات قطعاً، فلا وجه لتوهّم امتناع الاجتماع.

و لَعَمْري إنّ الغفلة عن البحث و حيثياته أوقعهم في توهّم

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 4: 178 179.

(2) تهذيب الأُصول 1: 210 211 و 224.

(3) تحريرات في الأُصول 6: 225.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 93

محظوريّة الاجتماع.

فعليه يكون الاختلاف الذاتي و الحاصل من الإضافات داخلًا في حريم المسألة، و يصحّ دعوى الاجتماع بالضرورة، فافهم و تدبّر.

فقوله: أكرم العلماء، و قوله: لا تكرم الفسّاق، كلاهما باقيان بفعليّتهما إلّا أنّ المكلّف قاصر عن الجمع؛ لامتناع اجتماع الإكرام و تركه، و الامتناع في صورة جزئية، لا يورث امتناع الخطاب القانوني و إن يورث امتناع الخطاب الشخصي، و الخلط بينهما أوقع أصحابنا فيما لا ينبغي أن يقعوا فيه.

فما توهّمه السيّد المشار إليه كلّه خالٍ عن التحصيل.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 94

الدرس العشرون ما ألقاه سيّدنا الأُستاذ الوالد مُدّ ظلّه حول قاعدة السلطنة و الاستدلال بها للزوم المعاطاة

و التقريب هو: «أنّها قاعدة شُرّعت حسب ظاهرها لإثبات سلطنة الناس علىٰ أموالهم، و مقتضى إطلاقها عدم جواز التصرّف في ملك الغير و ماله تصرّفاً خارجيّاً أو اعتباريّاً، فلا معنىٰ لتملّك المالك الأوّل ماله بعد المعاطاة و الإخراج عن الملك، و هذا هو معنى اللزوم المقصود في الباب.

و توهّم: عدم الإطلاق لأجل أنّها في قبال نفي الحَجْر «1»، ممنوع كما لا يخفىٰ.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، دروس الأعلام و نقدها، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و

نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

دروس الأعلام و نقدها؛ ص: 94

إن قلت: مقتضىٰ نفي إطلاقها، و عدم صحّة التمسّك بها لصحّة

______________________________

(1) حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 12 و 14.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 95

المعاطاة، عدم جوازه للزومها لاتّحاد المناط و الملاك.

قلت: لا؛ ضرورة أنّ قيود الأسباب و إنكار سببيّة المعاطاة، لا يزاحم السلطنة الثابتة على الأموال، بخلاف تملّك المالك الأصلي المال الموجود في يد المالك الثاني، فإنّه خلاف سلطنته، فلا يخفىٰ.

إن قلت: مقتضىٰ كونها قاعدة حيثيّة، كقاعدة تحريم الخبائث و المحرّمات، و كقوله تعالىٰ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعٰامِ «1» عدم جواز التمسّك بها للزوم القصد؛ لأنّه أمر خارج عن تلك الجهة.

قلت: لا؛ ضرورة أنّ نفي الإطلاق بالنسبة إلى العوارض كضرب اليتيم بماله، لا يورث نفي الإطلاق في مورده الحيثي، فكما لو شكّ في حلّية بهيمة يتمسّك بالآية، كذلك فيما نحن فيه يتمسّك بإطلاق القاعدة، فنفي الإطلاق من جهة لا يورث نفيه المطلق.

إن قلت: مقتضىٰ ما تحرّر منكم: هو أنّ القاعدة معلّقة عرفاً علىٰ أن لا يكون للشارع المقدّس سلطنة قبال هذه السلطنة، و لا تُعارض سلطنته المقدّسة الثابتة بالعقل و النقل على الأعراض و الأموال و النفوس قطعاً «2».

فعليه إذا فسخ المالك الثاني، فربّما يكون ذلك تملُّكاً لمال

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

(2) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 83 و تقدّم في الدرس الرابع.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 96

المالك الأوّل لسلطنة مالك الملوك، و إذا شكّ في ذلك فلا تكون القاعدة مرجعاً لرفع الشبهة الحكميّة؛ لأنّ المعلّق عليه أمر عقليّ مستقلّ، و تكون الشبهة في حكم الشبهة الموضوعيّة المتّفق عليه عدم جواز التمسّك بالعمومات فيها لامتناعه.

قلت: القيود العقليّة و المعلّقات اللُّبيّة علىٰ صنفين:

أحدهما: ما

يكون من العقليّات البديهية، التي يتذكّرها العقول عند ذكر الدليل و إنشاء القانون؛ بحيث يعدّ عندهم من أوّل الأمر قانوناً مضيّقاً.

و ثانيهما: ما يكون نظرياً حاصلًا بعد التأمّل و التدبّر.

ففي الأوّل لا يجوز التمسّك لعين ما مرّ، و في الثاني يجوز؛ لأنّ الظهور منعقد علىٰ سعته، و الحكم اللُّبّي العقلي ليس أزيد من المخصّص المنفصل، فإذا شكّ في نفوذ الفسخ، و فحصنا عن دليله، و لم نجد ما يكون دليلًا علىٰ قصر سلطنة المالك، فالقاعدة محكّمة لعمومها، فافهم و تدبّر جيّداً» «1».

أقول: مفاد هذه القاعدة معارض بدْواً مع جميع الأدلّة المقيِّدة للسلطنة و المزيلة لها، مثل أدلّة الأخماس و الزكوات و الكفّارات و أمثالها، فإنّ إيجابها و إخراجها بإيجاد الشركة مخالف لبسط السلطنة و إطلاقها، خصوصاً على القول بالإشاعة، و على الحكم الوضعي زائداً

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 105 110.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 97

على الأمر التكليفي، كما هو المشهور المعروف.

و الخروج من تلك الشبهة يحتاج إلى البسط في المسألة؛ للزوم التخصيص الكثير و إن لم يكن أكثر، و من تلك التحقيقات العقود الجائزة الواقعة على الأموال كالهبة، فإنّه بعد ما ملك الموهوب له الموهوب، فتملُّك الواهب ثانياً خلاف السلطنة.

ثمّ إنّ هذه القاعدة عرفيّة عقلائيّة، ناظرة إلىٰ ما عليه المرتكزات العقلائيّة، و كونها قابلة لرفع الشكّ و الشبهة الحكميّة ممنوع، مع لزوم كونها قاعدة إمضائيّة و تأسيسيّة. و هذا لا ضير فيه لإمكانه، إلّا أنّ العرف لا يساعد عليه، فإنّ الأدلّة الناظرة إلى المرتكزات العرفية ليست مرجعاً لرفع الشبهات الحكمية.

و ما قاله: من أنّ جواز تملّك المال منافٍ للسلطنة، ممنوع؛ ضرورة أنّ الفاسخ لا يتملّك المال بالأصالة، فإنّه يفسخ العقد، و يرجع فسخ

العقد إلى رجوع كلّ مال إلىٰ مالكه لاقتضائه، فليس إطلاقها قابلًا لمنع الفسخ، فلا دلالة لها علىٰ لزوم الملك و إبقاء المال عند المالك الثاني.

ثمّ إنّ المراد من اللزوم في هذه المسألة و نظائرها، هو المعنى القابل للاجتماع مع الخيار الواقع علىٰ خلافه، و لو كان اللزوم في العقود مستفاداً من تلك القاعدة، يلزم ممنوعيّة جعل الخيار في ضمن العقد؛ لأنّه علىٰ خلاف حكم اللّٰه و كتابه، فتأمّل.

و أمّا ما قاله: من التفصيل بين اللُّبّي البديهي و النظري، فهو غير

دروس الأعلام و نقدها، ص: 98

مهذّب، فإنّ الفهم العقلائي و الحكم العقلي، لا يورث عنواناً معلوماً قيوده و تعبيره في الدليل، و لا يمكن أن يتصرّف في العامّ بجعل القيد و إخراجه من العموم إلى العموم المقيّد، بل غاية ما يفهم هو أنّه لو قال: «أكرم العلماء» ينال أنّ المقصود غير المُضِرّين بالديانة، فإن أحرزوا ذلك فلا يكرمونه، و إلّا فبناؤهم على الإكرام و عدم الاعتناء بالاحتمال مطلقاً، فلاحظ و تدبّر جيداً.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 99

الدرس الحادي و العشرون ما أفاده السيد الحكيم مُدّ ظلّه للإسلام في مسألة صحّة الإيجاب من كلٍّ من الزارع و المالك

و هو: «أنّ ذلك لا يورث تجويز تقدّم القبول على الإيجاب، و يجوز القبول الفعلي بعد الإيجاب القولي، كما صرّح به «العروة» «1» و «القواعد» «2»، و لا وجه للاختصاص؛ لجواز القبول القولي بعد الإيجاب الفعلي.

و قد يتوهّم: أنّ التسانخ بين الإيجاب و القبول شرط، فإنّ المعاطاة تجري في المزارعة، و هكذا العقد اللفظي، و أمّا الملفّق منهما فلا، و لعلّه

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 707، كتاب المزارعة، الشرط الأوّل.

(2) قواعد الأحكام 1: 237/ السطر 12.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 100

لقصور الأدلّة عن هذه الصورة، و عدم التعارف يكفي له، و لدعوىٰ عدم السيرة عليه».

و الذي يظهر لي: هو أنّ

الإيجاب الفعلي من جانب الفلّاح مشكل التصوّر، إلّا بالتصرّف في الأرض بعنوان العامل و المزارعة، و هذا غير كافٍ لاحتياج العقد إلى القيود الأُخر المحتاجة إلى الذكر، و منها الإذن من المالك للتصرّف، و عند عدمه لا يجوز، و هكذا في جانب المالك يشكل؛ لأنّ تسليم الأرض إليه، و الإذن في التصرّف بعنوان المزارعة و أمثاله، يكون من غير الفعلي؛ ضرورة أنّ أساس العقود على الالتزامات القلبيّة المُبرَزة بنوع من المُبرِزات؛ قولًا كان أو فعلًا أو إشارة أو كتابة. اللّهمّ إلّا أن يُدّعىٰ أنّ الثلاثة الأخيرة تحت عنوان واحد، و هو الفعل.

ثمّ إنّه كان يقول بعدم الحاجة في المسائل العقديّة إلى المبرِز رأساً، بل نفس علم الطرفين بتلك الالتزامات المقيّدة موضوع دليل اللزوم؛ لأنّ ما به قوام العقد ليس إلّا الأمر القلبي، و المظهرات نحتاج إليها عند خفائه، فلو بنوا على العقد المذكور و عملوا، فظاهر تعابيره يقتضي صحّة المعاوضيّة، و لزوم الاتّباع بناء على أصالة اللزوم.

و قد يشكل: بأنّ المبرزات لإدخاله لها في تقوّم المعنى العقدي، إلّا أنّ الحاجة إلى المهملة منه ممّا لا يكاد ينكر في مرحلة الإثبات أي لزوم الوفاء به عرفاً لا الثبوت؛ أي عقديّة ذلك العقد.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 101

و بعبارة اخرىٰ: القيود في المسألة علىٰ صنفين: قسم منهما ما هو الدخيل في موضوعيّة الموضوع، كالقيود الشرعيّة و العرفيّة في حصول حقيقة العقد من التنجيز و غيره، و هذه تحصل و إن لم يكن في البين إبراز، بل نفس اطّلاع كلٍّ منهما على ذلك المعنى القلبي كافٍ.

و قسم منهما ما هو الدخيل في الحكم أي لزوم الوفاء بالعقد و هو المبرَز بنحو الإهمال، فإنّه في غير تلك الصورة ربّما

لا يلتزمون به، كما لا يخفىٰ.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 102

الدرس الثاني و العشرون ما ألقاه الوالد مُدّ ظلّه حول حديث: «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلّا بطيبة نفس منه» «1»

و إجماله: أنّ هذه الرواية تدلّ على اللزوم، و المراد منه هو بقاء الملك.

و تقريبه هو: أنّ الحلّية و الحرمة من حيث اللغة لا تنقسم إلى التكليفيّة و الوضعيّة، بل هما من الاعتبارات المخترعة من الخصوصيات الحاصلة من موارد الاستعمال و الإطلاق، فلا يكون محذوف فيها، بل المراد منه ممنوعيّة مال الغير، إلّا أنّ الممنوعيّة كما

______________________________

(1) الفقيه 4: 66/ 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 103

توجب المنع التكليفي و حرمته مستلزمة للعقاب، كذلك توجب البطلان و المنع الوضعي؛ لأنّ معنىٰ ممنوعيّة المال قطع يد الأجانب عنه، و لو كان يدّعي ممنوعية عنوان آخر مضاف إليه فلا يفيد ذلك، فالتملّك بالفسخ ممنوع أشدّ المنع، و هكذا التملّك الخارجي و الرجوع إليه في البين بالتصرّف العملي.

إن قلت: هذا هو استعمال مجازي قطعاً، و الذي ينقدح لدى الأذهان العرفيّة حذف المضاف، و هو التصرّف، و هو منصرف إلى التصرّفات الحسّية، دون الاعتبارية.

قلت أوّلًا: كونه من المجازات بالاصطلاح المعروف ممنوع، بل هو الحقيقة، إلّا أنّ الاستعمال قد يكون بدواعٍ مختلفة مورثة لانتقال النفس من الاستعمال إلى المرادات الجدّية، فلا حذف علىٰ ما تقرّر منّا في محلّه «1».

و ثانياً: لا دليل علىٰ أنّ المحذوف مفهوم خاصّ كالتصرّف، فلعلّه أمر آخر، و مجرّد وقوع هذه الجملة في التوقيع الشريف

لا يجوز لأحد أن يتصرّف في مال الغير إلّا بإذن الغير «9»

لا يورث حذفها هنا، و الدليل علىٰ أنّ المحذوف أعمّ نفس حذفها، فإنّه قرينة العموم.

و ثالثاً: التصرّف لغة أعمّ من التصرّف الحسّي، و يظهر ذلك

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 104

106.

(9) كمال الدين: 520/ 49، الاحتجاج 2: 559، وسائل الشيعة 9: 540، كتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحديث 6.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 104

بمراجعة اللغة قطعاً «1»، فليراجع.

و رابعاً: إلغاء الخصوصية و مناسبة الحكم و الموضوع، يوجبان الأعمّية في الفهم و إن كانت العبارة قاصرة، فلا تغفل.

و دعوىٰ: نفي الإطلاق بدعوىٰ ظهور الحديث في المنع الخاصّ؛ لأجل القرينة في صدرها، و هي قوله (عليه السّلام) علىٰ ما في الرواية-

لا يحلّ دم امرئ مسلم و لا ماله إلّا بطيبة نفسه «2»

، فكما أنّ نفي الحلّية في الدم يوجب التكليفي كذلك هنا، غير مسموعة لما عرفت، فلاحظ.

و توهّم: أنّ الحديث مثل قاعدة السلطنة في عدم شمول التصرّفات المزيلة للملكيّة؛ لأنّهما متعلّقان بالمال، فلا بدّ من وجوده في جميع الفروض و الصور، فكما لا يجوز التمسّك بها لنقل المال؛ لأنّه إفناء المال، و هو مسلّط على المال، دون إفنائه و إعدامه، لا يجوز التمسّك به لحفظ المال عند صاحبه و إبقائه و نفي إزالته، فاسدٌ جدّاً عقلًا و عرفاً.

أمّا الثاني: فهو واضح ممّا يُضحك الثكلى.

و أمّا الأوّل: فلأنّ المال محفوظ الوجود حال السلطنة على الإزالة، و خروجه بها لا يورث قصوراً فيها.

و إن شئت قلت: المال من العناوين الخارجة عن مفهومي الوجود و العدم، و هما يعرضانه، و ما هو مورد السلطنة هو ذلك العنوان، إلّا أنّ

______________________________

(1) المنجد: 423، مادّة (صرف).

(2) الفقيه 4: 66/ 195، وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي، الباب 3، الحديث 1.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 105

العنوان المأخوذ هو الموجود منه، و ما به شيئيّة المال هو ماليّته و صورته الماليّة دون مادّته، فلو كان ما ذكره كلاماً تحقيقيّاً، يلزم منع

تجويز التصرّف المُورِث لانقلاب صورة ماليته إلىٰ صورة مالية أُخرى؛ لأنّ المحفوظ في الحالتين ليس مالًا، بل هو المادّة التي لإدخاله لها في شيئيّة الشي ء، فكما لا يمكن الالتزام بذلك، كذلك لا يمكن الالتزام بممنوعيّة إحراقه؛ لأجل عدم السلطنة عليه، أو لعدم دلالتها عليه، فإيراث الصورة الثانية المُعدِمة للصورة الأُولىٰ كإزالة المال عن المالية، فلاحظ جيّداً» «1».

هذا هو ملخّص ما قاله الوالد، مع إضافات كثيرة منّا حول تقريب الاستدلال.

ثمّ إنّه لو فرضنا أنّ المحذوف هو التصرّف، و مفهوم التصرّف لا يشمل إلّا التصرّف الحسّي، فالتملّك الفعلي ممنوع؛ لأنّه تصرّف حسّي أي لا يجوز للمالك الأصلي أن يتصرّف بالتصرّف الحسّي في المال الموجود عند المشتري بعنوان الفسخ، مع أنّه جائز في العقود الجائزة، فإذاً يلزم التفصيل، و مع القول بعدم الفصل يلحق الفسخ القولي بالفعلي، فتأمّل.

أقول: محلّ الكلام هو أنّ فسخ المالك الأوّل يكون نافذاً، أم لا؟ و هذا غير مرتبط بالمال و التصرّف فيه و لو كان تصرّفاً اعتبارياً، فإنّ

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 110 114.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 106

الفسخ يتعلّق بالعقد، و انفساخ العقد يرجع إلى انعدام المقتضي لبقاء المالين عند المتعاملين، و إذا انعدم المقتضي فلا بدّ أن يرجع كلٌّ منهما إلىٰ مالكهما الأوّل، و أين هذا من الحديث حتى يرجع إليه لرفع الشبهة الحكميّة؟! و ما ذكرنا: من إلحاق الفسخ القولي بالفعلي غير تامّ؛ لعدم القول بعدم الفصل، و عدم القول بالفصل غير كافٍ، فليتدبّر.

ثمّ إنّ المستثنىٰ يشهد علىٰ أنّ المقصود أخصّ؛ لأنّ الطيب في العقود لا يتعلّق بالمال، بل هو متعلّق بالعقد، و لو كان متعلّقاً بالمال لكان يجوز التصرّف فيه و لو كان العقد فاسداً، مع أنّه

لا يلتزم به، خصوصاً الوالد مُدّ ظلّه كما سيأتي «1».

فالإنصاف: أنّ الفهم العرفي غير مساعد على استفادة صحّة العقود، و هكذا عدم نفوذ الفسخ، و عدم جواز بيع مال الغير و أمثاله؛ لقوله (عليه السّلام)

لا بيع إلّا في ملك «2»

، لا لأجل هذا الحديث، فإنّه ساكت عن ذلك، فلا ينبغي الخلط.

فبالجملة: عطف المال على الدّم و استثناء صورة الطيب، ممّا يصحّ أن يكونا قرينة على المعنى التكليفي؛ لو لم نقل بظهوره فيه مطلقاً، فكأنّ الحديث سيق لحفظ النفوس و الأموال من الغارات و السرقات.

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 247.

(2) عوالي اللآلي 3: 205/ 37، مستدرك الوسائل 13: 230، كتاب التجارة، أبواب عقد البيع و شروطه، الباب 1، الحديث 4، و فيه «لا بيع إلّا فيما تملكه».

دروس الأعلام و نقدها، ص: 107

و إن شئت قلت: هو يمنع التصرّفات الحسّية لسوق الذهن العرفي إليها، و إنشاء العقود علىٰ مال الغير ليس ممنوعاً في حدّ ذاته، و لكنّه ليس بنافع ما لم يتعقّب بالتسليم و التسلّم الذي هو من التصرّف المنهي عنه، و النهي عن التسليم لأجل التصرّف الحسّي يورث قهراً سقوط الإنشاءات المتعلّقة بتلك الأموال، فهو لا يشمل إلّا التكليف المحض، و لكنّه ينفع لسلب الأثر عن العقود، و أمّا فسخ العقد فهو غير ساقط؛ لعدم مسّ الحاجة إلى التصرّف الحسّي، إلّا بعد الشكّ في كونه مال الغير، و لا يجوز التمسّك به بعده.

نعم، لك استصحاب الماليّة للغير و بقائها عنده، فإنّه حينئذٍ يشمله الحديث، و يُحرَز به موضوعه و يُنقَّح به متعلَّقه، كما لا يخفىٰ.

و لو قلنا بأنّ العقود لا تمنع به؛ لأنّه بعد العقد علىٰ مال الغير يشكّ في بقائه عنده، و لا

يجوز التمسّك بالعموم و الإطلاق في الشبهات الموضوعيّة.

و بعبارة أُخرى: إذا عقد علىٰ مال الغير و احتمل انتقاله إليه، فيشكّ في كونه مال المالك الأوّل، فلا يصحّ التمسّك.

قلت: ما ذكرنا من جريان الأصل المنقِّح آنفاً يأتي في هذه المرحلة أيضاً، و يلزم سقوط العقود لعدم الأثر لها متعارفاً، فلا تغفل.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 108

الدرس الثالث و العشرون ما أفاده سيّدنا الأُستاذ الشاهرودي مُدّ ظلّه في مسألة إمكان التعبّد بالأمارات و أنّ ما أوقعه ابن قبة غير تامّ

فقال: «ليست الأمارات العقلائية المُمضاة إلّا مثل القطع، و أنّ العبد معذور حال المخالفة، و يدرك الواقع و المصالح النفس الأمرية حال الموافقة، و هذا من الأُمور الخارجة عن اختياره، و الشرع أمضاها لمصالح في إمضائها، و منها لزوم العسر و الحرج لو أوجب الاحتياط، مع أنّ إدراك الواقع به علىٰ نحو كلّي غير تامّ و ممنوع، فالمصالح النوعيّة الغالبة توجب صرف النظر عن الملاك التامّ في مورد جزئي.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 109

فما ظنّه ابن قبة: من لزوم التناقض و التضادّ؛ و الجمع بين المصالح و المفاسد و الحرمة و الوجوب و غير ذلك، خالٍ عن التحقيق.

و دعوىٰ: أنّ الأمارات إيجاب شرعي و تعبّد إلهي، غير مسموعة؛ للزوم كونها كالأُصول الشرعيّة؛ لرجوعها إلىٰ إيجاب ترتيب الأثر، و هو عين الأُصول الشرعيّة، فلا وجه لتقدّمها عليها، و غير ذلك ممّا قيل فيها.

و هذه الملاحظة بين المصالح الغالبة النوعيّة و المغلوبة الشخصيّة، تجري في الأُمور العينيّة و التكوينيّة، كما لا يخفىٰ.

و هذا لا يرجع إلى اختصاص الحكم بالعالِم؛ حتّى تلزم لَغْويّة البراءة الشرعيّة و الرُّخَص الإلهيّة، بل الحكم في جميع الأحيان عام يشمل العالم و الجاهل، فلو أخلّ الجاهل بالطرق و خالفت الواقع لصحّ العقاب؛ لتركه الواقع من غير عذر، فالملاك في صورة المُخالفة موجود تامّ، إلّا أنّ جعل الاحتياط كان

يستلزم المفسدة؛ فعليه غضّ عينه عنه و أن يطلبه غاية الطلب لُبّاً و ثبوتاً، و الترخيص في نيل الواقع بالطرق الأُخر مثل الرَّمْل و الجَفْر، كان علىٰ خلاف المصالح العامّة فتركه».

أقول: هذا ما أشار إليه في مجلس درسه، مع إضافات منّا في تقريب كلامه و تنظيم مرامه، و ما ذكره هو في المسألة أي في خصوص بحث

دروس الأعلام و نقدها، ص: 110

الأمارات يُوافق ما سلكه الوالد المحقّق مُدّ ظلّه في المقام «1»، و لعلّه هو الأوفق بالذهن من سائر ما قيل في الباب.

نعم، ما توهّم: من أنّ الأمارات لو كانت كالأُصول في كونها تعبديّة يلزم ما لزم، غير تامّ؛ لما تقرّر منّا في محلّه: أنّ من الممكن تعبّد و إيجاب الشارع في مورد أصلًا شرعياً أو عقلائياً طبق الأمارات، و ترتيب آثارها عليه حذواً بحذو، فلا يلزم التوالي الفاسدة، فتدبّر.

ثمّ إنّه علىٰ مسلكهما يلزم اختيارهما الإجزاء في صورة التخلّف؛ لأنّ حقيقة الإجزاء ليست إلّا مضيّ الشرع عن واقعة لمصالح، و أساس الاكتفاء بالناقص هو أنّه اكتفىٰ بالبعض؛ لأنّ في عدمه مفاسد كثيرة.

فلو كان الجمع بين الأمارات و الواقعيّات بذلك يلزم [منه] عدم وجوب الإعادة مطلقاً؛ حتّى في صورة ترك الطبيعة، فإنّه و إن لم يكن من الإجزاء المصطلَح عليه، إلّا أنّه في اصطلاحنا هو الإجزاء بالمعنى الأعمّ، فإطلاق دليل الإمضاء سكوتيّاً كان أو لفظيّاً يقتضي عدم الإعادة مطلقاً أي سواء ترك بعض الطبيعة أو كلّها لأنّه بعد ملاحظة الملاكات رجّح جانب العمل بالطرق و الأمارات على الآخر، و كان لا يرىٰ وجوب تحصيل تلك المصالح الفائتة في ضمن العمل بها.

و توهّم: كون الأمر مُراعى إلىٰ حال كشف الخلاف، و مُعلّقاً علىٰ عدم العلم بتخلّف المُحْرِزات

العقلائية عن الواقع، في غير محلّه، بعد إطلاق

______________________________

(1) أنوار الهداية 1: 196 202.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 111

الأدلّة اللفظية الإمضائيّة و سكوتهم الإطلاقي، فانحفاظ الواقع بعد العلم بالتخلّف يحتاج إلىٰ دليل آخر غير دليل الواقع، و ما هو التحقيق في الجمع بين الحكم الظاهري و الواقعي ليس إلّا ذلك، و ما هو رافع الشبهة في سائر الأُمور المجعولة حجّةً شرعيّة أو إمضائية المؤدّية إلىٰ خلاف الواقع، كالأُصول المحرزة و غيرها، ليس إلّا ذلك.

و لقد تقرّر منّا: جريان الشبهة في العلم الجزمي التكويني «1»؛ لأنّه مراده تعالى الجاعل للأحكام التشريعيّة، فبإرادته التكوينيّة خلق الطريق المؤدّي إلىٰ خلاف الواقع، فيأتي الإشكال هنا أيضاً، مع أنّ حجّية العلم ليست ذاتيّة، بل هي كحجّية سائر الأُمور تحتاج إلى الجعل أو الانجعال، الحاصل من عدم ردع صاحب الشرع، فسلب جعل الحجّية عنه لكونها ذاتيّة له، في غير محلّه.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 216 217.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 112

الدرس الرابع و العشرون ما أفاده الوالد المحقّق مُدّ ظلّه حول قوله تعالىٰ لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ «1»

اشارة

فقال: الكلام فيها يقع في ثلاثة مقامات:

المقام الأوّل: حول جملة المستثنىٰ منه

و كيفيّة الاستدلال بها للزوم المعاملة بعد الفسخ علىٰ نحوين:

أحدهما: أنّ الباطل من المفاهيم العرفيّة، و الفسخ عند العقلاء

______________________________

(1) النساء (4): 29.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 113

يكون باطلًا فالأكل بعد الفسخ يكون من الأكل المنهيّ عنه بالآية الكريمة، فالآية بالمطابقة تشمل الفسخ؛ لأنّ اللزوم أمر عقلائي، و إرجاع المال به من الأكل بالباطل و بالسبب الغير النافذ، فالفسخ غير نافذ.

ثانيهما: مقتضىٰ إطلاقها حرمة الأكل و التصرّف، فالأكل بعد الفسخ حرام، و إذا كان حراماً يستكشف عرفاً عدم نفوذ الفسخ؛ لعدم الوجه المعقول للجمع بين حرمة الأكل و نفوذ الفسخ، فالملازمة العرفية ثابتة بين حرمته و عدم نفوذه قطعاً.

إن قلت: الفسخ هو إرجاع العقد و إبطاله، فالأكل مستند إلىٰ مقتضى الأوّل، و لا سببيّة للفسخ حتّى يكون موضوع الآية الشريفة.

قلت: لا دلالة للآية علىٰ أنّ الباطل السبب منهيّ عنه، بل مطلق ما هو الباطل الدخيل في الأكل منهيّ عنه، و هو يشمل الفسخ، كما لا يخفىٰ.

و لكن بعد اللَّتيا و التي يُشكل التمسّك بها؛ لأجل أنّ المخصّص المفروض للآية الكريمة ليس من التخصيص الحكمي لإبائها عنه، فإنّ العرف غير مساعد علىٰ فرض بطلان السبب الدخيل في الأكل و فرض نفوذه. و ما اختاره السيد من التخصيص غير تامّ «1».

بقي الكلام: في أنّه يكون من الخروج الموضوعي، و يكون ما هو الباطل بنظر العرف غير باطل بعد التخصيص أيضاً بنظر العرف، و هذا في

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 126/ السطر 34.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 114

حدّ نفسه غير معقول؛ لعدم إمكان الانقلاب الواقعي في فهم العرف، فلا بدّ و أن نقول: بأنّ العرف التابع للشرع لا يحكم ببطلان شي ء

إلّا بعد ملاحظة الشرع، المتبوع المالك لهم بأنفسهم و أموالهم، فلو فرضنا استفادة نفوذ سبب من الشرع فالعرف يراه حقّا و غير باطل، فيكون حكمه بالبطلان معلّقاً علىٰ عدم ردع الشرع [عن] ذلك، و عدم ترتيب الآثار عليه من قبله شرط إدراكه الباطل، فلو يرىٰ أنّه رتّب آثار النفوذ فهو يدرك صحّته، و إلّا فيدرك بطلانه.

فعلى هذا لا يمكن التمسّك بها لو شكّ في حصول المعلّق عليه، فبعد الفسخ لا يمكن التمسّك بالآية الكريمة؛ لأنّ إحراز الموضوع شرطه، و هو ممنوع للشكّ في نظر الشرع، و حصول المعلّق عليه غير معلوم، كما هو المفروض.

و ما قرع سمعك: من أنّ اللبّيات الحافّة بالعمومات و المطلقات لا تورث قصور التمسّك بها، غير موافق للتحقيق هنا؛ ضرورة أنّ ذلك فيما إذا كان الحكم معلّقاً دون الموضوع، مع أنّ في المسألة تفصيلًا بين اللُّبّيات النظرية و البديهية، كما عرفت.

المقام الثاني: حول جملة المستثنىٰ

و تقريب الاستدلال بها للزوم المعاطاة على وجه يخلو من الإشكال: هو أنّ الظاهر منها حصر مجوّز الأكل في التجارة علىٰ أن يكون ملكاً للآكل

دروس الأعلام و نقدها، ص: 115

لا لغيره؛ حتّى لا يلزم خروج المباحات و أمثالها منها، و حيث إنّ الفسخ ليس من التجارة، و لا عن تراضٍ، فليس موجباً لصحّة الأكل و التصرّف.

و توهّم امتناع التمسّك بالجملتين للزوم المعاطاة، غير تامّ؛ لاختلاف الوجه في كيفية التمسّك، كما لا يخفىٰ.

و يمكن دعوى عدم الحاجة إلىٰ تفسير التجارة بما سبق؛ لإمكان تخصيص المستثنىٰ ببعض المخصِّصات اللفظيّة و غيرها، و هذا لا ينافي الحصر؛ لأنّ الحصر ليس إلّا ما يستفاد من الظهور، فإذا قاومه ظهور آخر مقدّم عليه، يبقى الحصر بحاله بالإضافة كسائر العمومات.

فبالجملة: مقتضى الجملة الثانية جواز أكل مال

التجارة، و أنّ العرف يفهم منها أنّ الأموال لا يجوز أكلها بالباطل، و يجوز أكلها بالتجارة، فإن كان المال مقيّداً بالتجارة فلا يمكن التمسّك؛ لأنّ الفسخ مشكوك تجاريّته، و إن لم يكن مقيّداً؛ إمّا لامتناع تقييد المعلول بالعلّة كما قيل و هو غير تامّ؛ لإمكان فرض ذلك في القانون، و إمّا لعدم الدليل عليه، و إن يكن المال الجائز أكله هو المال الآتي من قِبَل التجارة ثبوتاً، فالتمسّك أيضاً غير جائز؛ ضرورة أنّ إطلاق جواز الأكل لا يشمل صورة عدم علّته؛ للزوم شمول عدم نفسه، فبعد الفسخ لا يمكن تجويز الأكل؛ لأنّه يحتمل انتفاء التجارة التي هي سبب جواز الأكل، و إطلاق جوازه لا يشمل صورة انتفاء التجارة، و عند ما يُشكّ في وجودها لا يصحّ التمسّك، لأنّه شبهة موضوعيّة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 116

و توهّم: أنّ الفسخ ليس تجارة فلا يصحّ التمسّك بها لعدم نفوذه، مدفوع بما سيوافيك إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

فتحصّل: أنّ التمسّك بالجملتين بناء علىٰ فرض الاستقلال لا يورث لزوم المعاملة؛ لأنّ الشكّ في الموضوع لا يندفع بالدليل.

المقام الثالث: التمسّك بالآية الكريمة ملاحظاً حال الجملتين

فقد يقال: بأنّ الاستثناء متّصل؛ لأنّ المنقطع خلاف الصناعة؛ و ذلك إمّا لأجل أنّ كلمة «الباطل» من القيود الغير الاحترازيّة، فيكون مفادها: لا تأكلوا أموالكم إلّا كلوها بالتجارة، و إمّا لأجل أنّ المستثنىٰ منه محذوف و الاستثناء مفرّغ، فيكون المعنىٰ: لا تأكلوا أموالكم بينكم بوجه من الوجوه إلّا بوجه التجارة، و علىٰ هذا يتمّ الاستدلال؛ لأنّ إطلاق المستثنىٰ و تجويز الأكل، يرفع الشكّ في جواز الأكل بعد الفسخ، و لا تناسب بين جواز الأكل و نفوذ الفسخ، فيعلم ارتفاع النفوذ، فيبقى المال عند المالك الثاني، و هذا هو مفاد اللزوم المقصود.

و الذي يتوجّه عليه:

هو أنّ إمكان فرض الاستثناء المتّصل لا يلازم كونه موافقاً للظهور، و لا شبهة في أنّ الظاهر هو كون الباطل قيداً، و يكون الإخراج موضوعياً؛ لإباء المستثنىٰ منه عن التخصيص، و لأجله أتى بالمنقطع، فالمستثنى الانقطاعي في كمال الصناعة في هذه المواقف؛ ممّا يترتّب عليه تأكيد العموم و الإطلاق، و أنّه لم يكن مورد التخصيص حتّى

دروس الأعلام و نقدها، ص: 117

يخصّص و حيث إنّ نفس المستثنىٰ منه يأبىٰ عنه؛ لأنّ الباطل غير قابل للتخصيص، و غير قابل للتنفيذ و التجويز عرفاً، بل و عقلًا، كما لا يخفىٰ.

فتوهّم التخصيص الحكمي كما عن السيد المحشّي (رحمه اللّٰه) «1» في غير مقامه، و دعوىٰ عدم لياقة المنقطع للكلام الإلهي، غير مسموعة، بل ربّما هي لائقة دون المتّصل، كقوله تعالىٰ لٰا يَسْمَعُونَ فِيهٰا لَغْواً وَ لٰا تَأْثِيماً. إِلّٰا قِيلًا سَلٰاماً سَلٰاماً «2»، فإنّه في مقام أنّ اللغو في الجنّة هو السلام، و هذا في الحقيقة يرجع إلى انتفاء اللَّغْو إلّا ادّعاء؛ أي لو كان فيها لغو فهو هذا؛ أي السلام و أمثاله، فافهم و تدبّر جيّداً.

و الذي هو التحقيق: أنّ المستفاد عرفاً من الكريمة، هو أنّ ما هو تمام الموضوع و العلّة لتحريم الأكل، هو الباطل ليس إلّا، و لا خصوصيّة للمال و الأكل و غير ذلك، و لا يلزم استفادة العلّية من حروفها المخصوصة بها، و إذا كانت الجملة الأُولىٰ مفيدة لمثل ذلك، فلتكن الثانية أيضاً في مقابلها، إلّا أنّ التقابل بين مصداق الحقّ و مفهوم الباطل، فيكون الأمر في الجواز و عدمه دائراً مدار الحقّ و الباطل، و لا خصوصيّة للتجارة حتّى يلزم التخصيص و غيره.

و علىٰ هذا إن كان الفسخ بعد المعاملة المعاطاتية معلوماً من الباطل

أو الحقّ فهو، و إلّا فالآية تقصر عن شموله.

______________________________

(1) حاشية المكاسب، السيّد اليزدي 1: 126/ السطر 34.

(2) الواقعة (54): 25 26.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 118

و بعبارة اخرىٰ: مجرّد كونه حقّا أو باطلًا عرفاً، لا يكفي لشمول الآية؛ لما عرفت أنّ حكم العرف على الباطل و الحقّ، معلّق علىٰ عدم دخالة الشرع، كما مرّ.

و مقتضى ما تقرّر: أنّ الفسخ و إن لم يكن من التجارة، إلّا أنّ المستفاد منها أنّ جواز الأكل يدور مدار الحقّ؛ سواء كان في التجارة، أو في الإيقاعات المستتبعة لجواز أكل المال، الخارجة عرفاً من مفهوم التجارة. و دعوى انصرافها إلى البيع لا تفيد شيئاً، كما لا يخفىٰ.

هذا كلّه ما أفاده الوالد المحقّق مُدّ ظلّه في المسألة، مع بيان مشتمل على زيادات منّا لتقريب مقصوده و مرامه.

أقول: أوّلًا: علىٰ مسلكه يلزم سقوط الآية عن المرجعية في جميع الشبهات الحكميّة؛ لأنّه ينفي صحّة التمسّك بها حتّى بعد الفحص؛ لأنّه بعده لا تنقلب الشبهة الموضوعيّة عمّا هي عليه، و إلّا فبعد الفحص عن حكم الفسخ يلزم جواز التمسّك بها، فكون الموضوع معلّقاً يورث سقوط الآية عن الاستدلال، كما اخترناه في بعض كتُبنا «1».

و إجماله: هو أنّ الحقّ و الباطل ليسا معلّقين، بل هما من العناوين المستقرّة كسائر العناوين، إلّا أنّ الإخراج الموضوعي، يرجع إلىٰ تنبُّه

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب البيع، المقصد الأوّل، الجهة الثانية، الآية الاولى من الآيات المستدلّ بها على أصالة اللزوم في المعاطاة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 119

العرف للملاكات المخفيّة الموجبة لإنفاذ ما هو الباطل بنظره، و عندئذٍ يسقط التمسّك لصيرورة مفهوم الباطل و الحقّ من الموضوعات المستنبطة؛ أي لا يجوز الاتّكال علىٰ تخصيص العرف؛ بل الموضوع في هذه القضيّة يتّخذ

من الشرع لخصوصيّة فيه؛ ضرورة أنّ الشرائع في أنظارهم تختلف مفاهيم الباطل و الحقّ؛ لما يرون المصالح الكلّية، فيكون الكذب أحياناً حقّا و الصدق باطلًا .. و هكذا، فلا بدّ من الرجوع إليهم في فهم ذلك، و عليه تسقط الآية.

و لَعمري إنّ العرف و العقلاء لا يدركون البواطل؛ لما لا يدركون سيرانها، و لا ضير في أن يقال: هذا العنوان في حكم الحقائق الشرعيّة؛ لتقومها بالملاك الغير المعلوم لنا، فالقول بالتعليق بعيد إنصافاً؛ لما نجد خلافه من أنفسنا بعد الرجوع إلىٰ وجداننا.

ثمّ إنّ المقرّر عندنا: جواز التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقية؛ إذا كانت المخصّصات من اللُّبّيات العقليّة أو العقلائية دون الإجماع، و عدم جواز التمسّك مطلقاً إذا كانت من اللفظيات و إن كانت مجملات، و التفصيل في محلّه «1».

فعليه لا وجه لما ذهب إليه المحقّق الوالد مُدّ ظلّه.

و الذي ينحلّ به الخطب هو: أنّ في الشريعة لا يوجد مورد يكون باطلًا عرفاً و ممضًى شرعاً، فلا وجه لدعوى التعليق، بل في جميع المواقف

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 5: 251 و ما بعدها.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 120

يكون الباطل مرفوضاً.

و توهّم: أنّ الأخذ بالشُّفعة و أكل المارّة من الباطل الموضوعي، غير تامّ؛ ضرورة أنّ الدقّة في الأمر تورث كون الأكل من باب الحقّ؛ لما أنّ الشرفات على الشوارع يترقّىٰ قيمها السوقيّة؛ لأجل كونها في مسعي الناس و ممرّهم، فتلك الزيادة القيميّة تحصل من ذلك، و تورث جواز الاستيفاء، و كون الأخذ من باب علاج التشاحّ قبل وقوعه، بل الشريك يكون ذا حقّ عرفي بالنسبة إلىٰ ذلك المال، و لذلك يكون حقّ الشفعة من الحقوق العقلائية، دون الشرعيّة و الأحكام الإلهيّة، و هكذا في كلّ موقف ظننت ذلك،

فإنّه بعد التدبّر و الدقّة تجد إلىٰ نكتة التجويز سبيلًا لطيفاً، موافقاً للموازين العلميّة الاقتصاديّة، فالتخصيص الحكمي و التعليق الموضوعي ممّا لا يمكن المصير إليهما.

و ما وجدنا بعد مورداً يكون باطلًا و هو من المقرّرات الشرعيّة؛ حتّى يلزم دعوى تخطئة العرف، و أنّ في المسألة مصالح خفيّة عنهم.

و علىٰ هذا يقال: لو شكّ في نفوذ الفسخ بعد كونه باطلًا في نظر العقلاء يصحّ التمسّك بجملة المستثنىٰ منه؛ لأنّ الاستثناء منفصل.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ المتبادر منها هو النهي عن التصرّف بالوجوه و الأسباب الباطلة المبتدأة، و ليس الفسخ منها؛ و ذلك لأنّ الباء إمّا للسببيّة فلا يشمل الفسخ؛ لأنّه حلّ العقد، و الأكل مستند إلىٰ نقيض آخر أو يكون لإفادة معنىً في المسبّبات، فهو أيضاً خارج و لو أمكن إدخاله

دروس الأعلام و نقدها، ص: 121

عقلًا، و لكن دعوى التبادر و الانصراف غير بعيدة إنصافاً.

فالمسألة خارجة عن المستثنىٰ منه، و قابلة لإدراجها في المستثنىٰ؛ لأنّه بعد الفسخ يُشكّ في بقاء العنوان، و مقتضى الاستصحاب جواز الأكل و بقاء الموضوع، و نفي التمسّك بها في الشبهات الموضوعيّة- بعد وجود الأصل المحرز غالباً غير موافق للمقصود، فليتدبّر.

فعلى هذا لو كان المستثنىٰ عنوان مال التجارة، فهو قابل للاستصحاب بعد الشكّ في خروجه عنه بالفسخ، و لو كان المستثنىٰ عنوان التجارة عن تراضٍ بدعوىٰ أنّ الأموال هي التجارة فهو أيضاً قابل للإحراز بالأصل المنقّح.

و ما يظهر منهم: من أنّ اللزوم المقصود ليس إلّا ما يثبت بالكتاب و ظاهره أو الاستصحاب أو السُّنّة، غير معلوم الوجه فإنّ اللزوم من الأحكام العقلائية، و ليس المستثنىٰ في باب الشروط شاملًا لها علىٰ ما تقرّر منّا «1»، بل مفاد الاستثناء فيها الأحكام المجعولة في

الشريعة؛ أي يكون المطرود كلّ شرط خالف حكم اللّٰه التأسيسي، دون الإمضائي؛ فإنّه ليس حكم اللّٰه عرفاً.

و لو كان اللزوم ثابتاً بالشرع، و يكون حكماً ثابتاً بالكتاب و السُّنّة، فجعل الخيار المزاحم له القابل لحلّ العقد، خلاف الكتاب، فتدبّر.

______________________________

(1) تحريرات في الفقه، كتاب الخيارات، المقصد الثالث: في الشروط، المبحث الرابع: ما هو الضابط للشرط المخالف و المضاد.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 122

ثمّ إنّه لو فرضنا أنّ الفسخ بعد المعاطاة غير معلوم حقيقته و باطليته، و قلنا بأنّ التجارة لا تصدق عليه، فإنّه يرجع حينئذٍ إلى استصحاب جواز الأكل للمالك الثاني، و بقاء التجارة المُورِثة لجواز الأكل، أو إلىٰ إطلاق دليل منع التصرّف في مال الغير إلّا بإذنه، فإنّه قد خرجنا عنه بالتجارة إلىٰ زمن الفسخ، و أمّا بعده فهو مشكوك.

و بعبارة اخرىٰ: مقتضى الدليل الاجتهادي عدم جواز الأكل في جميع الأزمنة، بعد كونه مال المالك الأوّل، و قد خرج عنها الزمنُ الخاصّ، و هو إلىٰ وجود رضا المالك الأوّل و وجود التجارة يشكّ في أنّ المال خرج من ملكه مطلقاً، أو خرج إلىٰ زمن الفسخ، فمقتضى الاستصحاب عدم خروجه عن ملكه مطلقاً و بقاؤه في ملكه، و مقتضى الإطلاق ممنوعية التصرّف فيه إلّا بإذنه، و هذا هو المقدّم على الاستصحاب الجاري في طرف المالك الثاني حكمياً كان أم موضوعياً.

و أنت خبير بما فيه؛ ضرورة أنّ المفروض خروجه من سلطانه علىٰ الإطلاق، فليتدبّر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 123

الدرس الخامس و العشرون ما أفاده السيّد الحكيم مُدّ ظلّه للإسلام في مسائل المزارعة و شروطها

فقال: قال في العروة:

و منها: تعيين المزروع من الحنطة و الشعير و غيرهما، مع اختلاف الأغراض فيه، فمع عدمه يبطل إلّا أن يكون هناك انصراف يوجب التعيين، أو كان مرادهما التعميم «1».

و قد يشكل ذلك؛ لأجل أنّ وجه

البطلان في صدر العبارة هو الغرر اللازم.

و وجه الإشكال: هو أنّ الغرر لا ينتفي و لو كان المراد التعميم؛

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 708، كتاب المزارعة، المسألة 8.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 124

ضرورة أنّ عموميّة المراد هي رضا الفلاح و المالك على الأمر المطلق، و يكون بالخيار في المزروع، مع أنّ هذه العموميّة تورث صحّة بيع الموجود في الكيس المردّد بين الشيئين إذا كان المراد أعمّ؛ أي يشتري المشتري ما في الكيس سواء كان الدينار أو الدرهم لتعلّق الغرض بالأعمّ، مع أنّها ممنوعة عندهم؛ للزوم معلوميّة المبيع و ليس اختيار الأمر بيدهما حتّى يشتري ما فيه، فيقول: بعني ما فيه و لو كان حجراً، فإنّه عند الشرع غير نافذ قطعاً.

فالتعميم المفروض في كلام السيّد بعد اختلاف البذور في الجهات المختلفة؛ من المدّة المحتاج إليها في الزرع، و من أنّ الأرض تترك في بعض الفروض في سنوات؛ لعدم إمكان استيفاء الزرع منها، و غير ذلك، فالأخذ بالقدر المتيقّن في الأجر لا يورث صحّة المعاملة، كما عرفت في المثال المذكور.

ثمّ إنّ دليل نفي الغرر غير تامّ عندنا؛ لأنّ ما هو المعروف هو نفي الغرر في البيع «1»، و ما هو غير المعروف هو النهي عن الغرر «2»، و الإجماع غير كاشف عن نهيه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عنه في جميع المعاملات؛ حتّى يقال بالبطلان في بعض الصور التي لا يُعتنىٰ فيها بالغرر، فليتدبّر.

هذا، مع أنّ المناط في لزوم التعيين ليس اختلاف الأغراض، فإنّها

______________________________

(1) وسائل الشيعة 17: 448، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة، الباب 40، الحديث 3.

(2) تذكرة الفقهاء 2: 291، المسألة 2، لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 12: 7، و 13: 271، و 14: 403 404.

دروس

الأعلام و نقدها، ص: 125

ربّما لا توجب شيئاً في المعاملة، بل المناط هو اختلاف القيم و أُجرة الأرض بالنسبة إلى البَذْر، فإنّ الأرض التي تزرع حنطة تزيد أُجرتها على المزروعة شعيراً .. و هكذا، و لعلّ المراد من الاختلاف في الأغراض هو الاختلاف في الماليّة و التقويم، كما لا يخفىٰ» «1».

أقول: مقتضىٰ ما تقرّر منّا في محلّه: أنّ الغرر المورث لبطلان المعاملة، هو الغرر الذي لا يُقدم العقلاء عليه بطبعهم، و لا تعبّد من الشرع في المسألة، و التفصيل في محلّه «2».

ثمّ إنّ مراد السيّد ربّما كان صورة أُخرى و هي: ما لو كان مرادهما التعميم مع عدم الاختلاف في الأغراض؛ بالمعنى الذي مضى تفسيره، فتأمّل.

أو أنّ وجه تعيين المزروع في الصورة الأُولىٰ؛ لأنّه يرجع إلى الفرد المردّد، و ليس وجه البطلان الغرر حتّى يتوجّه إليه ما مرّ، و لأجل ذلك قال بالصحّة في الصورة الثانية، و هي صورة التعميم؛ لأنّه يصير كالكلّي.

و الإنصاف: أنّ العقلاء لا يُقدمون علىٰ مثل هذه بعد تفاوت الأرض المزروعة في الاستفادة للسنوات الآتية، و عليه تختلف القيم، فلو كان البذر حنطة فربّما يعيّن ثُلُثها، و لو كان شعيراً يعيّن ربعها، بل و خمسها، و لا

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 13: 59 60.

(2) تحريرات في الفقه، كتاب البيع، المقصد الثاني، الشرط الرابع، المرحلة السابعة، الأمر الأوّل: قاعدة نفي الضرر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 126

جامع حتّى يمكن تصحيح هذه المعاملة، إلّا بالغضّ عمّا هو المعتبر في صحّتها.

و إذا كان مجرّد الأغراض العقلائية غير كافٍ لصحّة المعاملات، فتلك التجارات منهيّ عنها قطعاً؛ و إن أقدم عليها العرف لأغراض خاصّة خارجة عن الأغراض المعامليّة، كما لو فرضنا تعلّق غرض المالك بزرع الأرض لمنافع جمالية؛

و لا نظر له إلىٰ قيمتها و ما يخرج منها، فإنّ ردعهم عن تلك المعاملة مشكل، مع أنّ مقتضىٰ دعوى الأصحاب بطلانها، كما في بيع ما في الخزينة المردّد بين الكثير، فليتدبّر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 127

الدرس السادس و العشرون ما ألقاه السيّد الوالد المحقّق مُدّ ظلّه حول أدلّة خيار المجلس، و كيفية الاستدلال بها للزوم المعاطاة

فقال: «مقتضىٰ إطلاق هذه المآثير شمول عناوينها للمعاطاة، و مقتضى ذيلها وجوب البيع، و هو ظاهر في اللزوم.

و بعبارة اخرىٰ: المستفاد منها أنّ طبع البيع على اللزوم، إلّا إذا اعتُبر فيه خيار، فإنّه ما دام الخيار لم يجب، و إذا تمّ أمده يجب البيع، و لا فرق بين البيوع اللفظية و الفعلية.

و قد يُشكل: بأنّ الخيار مجعول فيما كان لازماً بطبعه؛ أي لا يعقل

دروس الأعلام و نقدها، ص: 128

جعله في العقد الجائز؛ للتنافي، أو لِلَغْويّة ذلك، و هذا هو حكم العقل خارجاً و إن لم يدلّ من الشرع دليل عليه، فيكون الدليل اللُّبّي و الإدراك العقلي: علىٰ أنّ ما هو الجائز بطبعه لا يجعل فيه الخيار، فما هو المشكوك جوازه و لزومه كالمعاطاة، معلوم البيعيّة إلّا أنّه مشكوك الجواز، و في جواز التمسّك بالعمومات و المُطلَقات في مثل هذه الفروض وجوه أو أقوال.

و المختار عدم الجواز؛ لأنّ ما هو السرّ المحرّر في محلّه لعدم جوازه في اللفظيّات، جارٍ هنا أيضاً «1»، فالجملة المغيّاة مع قطع النظر عن الغاية غير قابلة للتمسّك بها للزومه.

و أمّا الغاية و هي قوله (عليه السّلام)

و إذا افترقا وجب البيع «2»

فهي أيضاً لا تدلّ على المقصود؛ و ذلك لأنّ مقتضىٰ ظاهر الرواية اتّحاد الموضوع المفروض في الجملتين أي البيع في الصدر هو البيع في الذيل و لا يكون بينهما الاختلاف بالتباين، و لا بالإطلاق و التقييد، فلو فرضنا إطلاق الصدر؛ و إمكان جعل الخيار

للأعمّ من اللازم و الجائز، يلزم التهافت بين الجملتين؛ لأنّ الصدر يورث الخيار في الجائز، و الذيل يحكم باللزوم، و الحكم باللزوم مع فرض الإطلاق ممتنع، فلا بدّ من التصرّف في إحدى الجملتين، فإن قلنا: بأنّ الصدر خارج عنه الجوائز،

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 247 254.

(2) وسائل الشيعة 18: 6، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 1، الحديث 4 و 9، و الباب 2، الحديث 4.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 129

فلا يمكن التمسّك؛ للشبهة في أنّ المعاطاة جائزة أم لازمة.

و إن قلنا: بأنّ الذيل ناظر إلىٰ ما بطبعه اللزوم، و يكون الموضوع في الذيل أخصّ، فهو أيضاً غير نافع لما هو المقصود كما ترى.

ثمّ إنّه لو فرضنا إمكان اعتبار الخيار في الجوائز، فالذيل لا يدلّ على اللزوم؛ و ذلك أنّ نفي الخيار لا ينافي بقاء الجواز؛ ضرورة أنّ الخيار من الحقوق، و الجواز من الأحكام، و لا تلازم بينهما وجوداً و عدماً، فنفي الخيار لا يورث اللزوم، فيمكن أن يكون جائزاً غير ذي خيار بناء علىٰ إمكان الفرض، فلا تخلط.

و دعوىٰ: أنّ إطلاق الوجوب يقتضي الوجوب المطلق أي وجب البيع بذاته و على الإطلاق غير مسموعة؛ لجريان الخيارات الأُخر فيه قطعاً، و في الأخبار شواهد علىٰ أنّ المقصود من الوجوب هو الحكم الحيثي، لا الإطلاقي حتّى يلزم التقييد المستهجن.

فتحصّل: أنّ هذه المآثير غير قابلة للاستناد إليها» «1».

أقول: فيما ذكره مواقف للنظر: أوّلًا: أنّ المختار جواز التمسُّك باللفظيّات في الشبهات المصداقية اللُّبّية العقليّة أو العقلائيّة «2».

و ثانياً: لو سلّمنا ذلك ففيما نحن فيه لا يجوز التمسّك؛ لأنّ العنوان

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 120 123.

(2) تحريرات في الأُصول 5: 251 و ما بعدها.

دروس الأعلام و نقدها، ص:

130

المدرك بالعقل ليس أخصّ من العامّ اللفظي، بل النسبة بينهما العموم من وجه؛ لأنّ ما يُدركه العقل عدم مساعدة الأمر الجائز علىٰ جعل الخيار؛ سواء كان بيعاً أو صلحاً أو غير ذلك، فالموضوع للخيار ليس جائزاً بالطبع. و هذا أعمّ من الدليل اللفظي، فإذا شكّ في جواز المعاطاة و لزومها بعد كونها بيعاً، يرجع إلى الإطلاق لكشف العرف حينئذٍ عن لزومها بذلك الإطلاق، فلو فرضنا نصّاً من المولى علىٰ لزوم المعاطاة، فكما أنّه لا يُنافي الإدراك العقلي، كذلك الكلّي و العموم الكاشف عن حال المعاطاة جوازاً و لزوماً.

و ثالثاً: وجه مصيره مُدّ ظلّه إلىٰ عدم التمسّك في اللفظيّات: هو أنّه بعد خروج عنوان من العامّ، يشكّ في جريان أصالة التطابق بين الجدّ و الاستعمال في الشبهة المصداقيّة، و هذا غير جارٍ هنا؛ لعدم خروج عنوان من العامّ؛ لعدم وجود البيع الجائز، و مجرّد الحكم العقلي على العنوان المذكور، لا يورث قصوراً في جريان الأصل العقلائي.

فالوجه لعدم صحّة التمسّك: عدم جريان الأصل العقلائي بالنسبة إلىٰ طائفة، و أنّ العرف من دليل المخصّص توجّه إلىٰ عدم الإرادة الجدّية من المولى إلىٰ هذه الطائفة، فإذا شكّ في مصداق فلنا الشكّ في جريانها في هذه الشبهة، فإنّ العقلاء ربّما يتردّدون في ذلك، فالوجه للتردّد و لشكّهم هو العلم بخروج جماعة من العامّ، و أنّ طائفة من العامّ غير موافق فيهم الاستعمال مع الجدّ، و فيما نحن فيه ليس الأمر ذلك. و لعمري

دروس الأعلام و نقدها، ص: 131

إنّه مُدّ ظلّه غفل عن سرّ مختاره في تلك المسألة، فليُراجَع و يُتأمّل.

هذا، مع أنّ المختار لعدم الجواز ليس ذلك، و قد فرغنا عن تزييفه في محلّه «1»، و ما هو الوجه لعدم

جواز التمسّك في الشبهات المصداقيّة اللفظية، لا يجري في هذا المقام.

ثمّ إنّ التحقيق هو: أنّ هذه المآثير ليست ناظرة قبل حصول الغاية إلى الجواز و اللزوم، بل الموضوع لجعل الخيار، هو البيع العاري عن جميع الاعتبارات الخارجة عن مفهوم البيع؛ من الأحكام و القيود، و لا نظر فيها إلىٰ جعل الخيار للبيع اللازم، أو غير الجائز، أو هما معاً؛ لأنّ الإطلاق رفض القيود بأجمعها، ففي نفس طبيعة البيع يُجعل الخيار حتّى يفترقا، ثمّ بعد ذلك يُنظر إلىٰ جعل اللزوم الحيثي؛ و سقوط خيار الاجتماع و المجلس، و هذا لا يورث لزوم المعاطاة؛ لأنّ وجه الاستفادة منها للزوم المعاطاة لَغْويّة جَعْل الخيار فيما هو الجائز ثبوتاً، و هو غير كافٍ؛ ضرورة أنّ هذه اللَّغويّة نظير لَغويّة شمول أدلّة الاستصحاب للأصل المسبّبي، فإنّه لا معنىٰ لشموله و محكوميّته، فكما يُجاب هناك بأنّ اللَّغْويّة في الإطلاق ممّا لا ضير فيها، و ما هو الممنوع اللَّغْوية في أصل الدليل و تمامه، يجاب هنا أيضاً، فمقتضىٰ هذه الأخبار ثبوت الخيار لمطلق البيع، و سقوطه في صورة الافتراق، و اللغويّة في إطلاق الجعل لا تورث نفعاً لنا في المسألة، فخذ و اغتنم.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 5: 256 و ما بعدها.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 132

نعم، لو قلنا: بأنّ الغاية لها إطلاق و تورث وجوب البيع على الإطلاق، فهو ينفع إلّا أنّه التزام غير موافق معه الأدلّة قطعاً.

إن قلت: ما ذكرتم يورث سقوط هذه الأدلّة عن الاستناد إليها، إلّا أنّ كثرة المعاملة المعاطاتية، تكون إلىٰ حدّ يُشكل دعوى اللَّغوية في إطلاق تلك الأدلّة، بل هو يوجب اللّغويّة في أصل الدليل و الخطاب.

قلت: بعد النظر إلىٰ مجموع الأعصار و الأزمان و الأمصار، ليست

الكثرة بالغة إلىٰ هذا الحدّ، و ما ترى في نفسك من دلالة هذه الأخبار على المسألة، فذلك لأجل ما ترى في نفسك من لزوم المعاطاة؛ و أنّها واجبة، فكيف لا يشملها الحديث، و هذا ممّا لا غبار فيه؛ ضرورة أنّ هذه المآثير تدلّ علىٰ ثبوت الخيار في المعاطاة؛ لأنّها من العقود اللّازمة؛ سواء كانت بيعاً و صُلْحاً و متشكِّلًا بإشكال العقود، أو كانت عقداً مستقلا، و مع إلغاء الخصوصيّة يثبت فيها الخيار، كما قلنا به في الإجارة «1»، فليراجع.

و قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّ هذه الروايات ليست إلّا في مقام جعل الخيار و أمده، و أمّا أنّ الموضوع له هو البيع مطلقاً، أو بيع خاصّ، فلا إطلاق لها؛ لعدم نظرها إلىٰ تلك الجهة، و من تأمّل في أخبار المسألة، يطمئنّ إلىٰ عدم ثبوت الإطلاق لها في هذه المرحلة، التي هي مرحلة القيود المأخوذة في الموضوع، و يكون أساس النظر إلىٰ ترتيب الحكم عليه و بيانه، فتأمّل جيّداً.

______________________________

(1) كتاب الإجارة من تحريرات في الفقه للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقود).

دروس الأعلام و نقدها، ص: 133

الدرس السابع و العشرون ما ألقاه السيّد الخوئي حفظه اللّٰه تعالىٰ في مسألة أنّ الصحّة و الفساد من الأُمور القابلة للجعل

فحكى القول بقبولهما الجعل، و بعدم قبولهما الجعل مطلقاً، و قال:

اختار صاحب «الكفاية» التفصيل بين العبادات و المعاملات: بأنّ الصحّة في العبادة لا تقبل الجعل مطلقاً؛ ضرورة أنّها من الأُمور الانتزاعيّة، فإن طابق المأتيّ به المأمور به يكون حينئذٍ اعتبار الصحّة، و إلّا فيعتبر الفساد، و عليه هما من الواقعيات النفس الأمريّة الموجودة بوجود المناشئ، فلا يعقل تعلّق الجعل بهما لا مستقلا و لا تبعاً بخلافهما في المعاملات، فإنّهما فيها يُعتبران من حكم الشرع

دروس الأعلام و نقدها، ص: 134

بالتأثير و حصول الأثر و عدمه، و عند ذلك يكونان قابلين للجعل بالتبع «1».

و

اختار شيخنا الأُستاذ قدّس اللّٰه نفسه تفصيلًا آخر بين الصحّة الواقعيّة و الظاهريّة، فاختار عدم قبولهما الجعل في الأُولىٰ دون الثانية؛ لأنّ الواقعية في العبادات كانت أم المعاملات تعتبر حال الوجود، و لا يعقل اتّصاف الطبائع الكلّيّة بالصحّة و الفساد، فإذا كان الموجود في الخارج مجتمع الشرائط، فيكون صحيحاً من غير فرق بين العبادة و المعاملة، ثمّ إذا كان الموجود في الخارج فاسداً بحسب الواقع، فيكون تعبّد الشرع دليلًا على الصحّة و جعلها، فهما لا تنالهما يد التشريع بالنسبة إلى الواقع؛ لأنّها غير مبسوطة، بخلافها بالنسبة إلىٰ مقام الامتثال و الظاهر، فإنّها مبسوطة «2».

و لنا أن نلتزم بهما أي بالمقالتين أي نختار عدم قبولهما الجعل في العبادات مطلقاً، و قبولهما الجعل في المعاملات و الظاهرية، فما هو التحقيق هو التفصيلان؛ و ذلك لما مضى في العبادات؛ و أنّ الصحّة و الفساد من لواحق الوجود الخارجي قطعاً، و أنّ الحكم الفعلي المنجَّز لا يورث اتّصاف المتعلّق بهما.

و أمّا الظاهرية فلأنّ الشرع بعد التصرّف و التعبّد و التوسعة في الامتثال، يوجب اتّصاف المصداق الخارجي بالصحّة، فهي مجعولة.

______________________________

(1) كفاية الأُصول 1: 220 222.

(2) أجود التقريرات 1: 392.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 135

و أمّا في المعاملات فهو أنّ العبادات تكون متعلّقات الأحكام، و المعاملات تكون موضوعاتها، و الأحكام في المعاملات متعلقة بالخارج النافذ؛ أي كلُّ ما صدق عليه البيع المملّك و الناقل، صدق عليه أنّه الصحيح، فعلى هذا لا معنىٰ لنفي قابليّتها عن الجعل؛ ضرورة أنّ حكم الشرع بحصول الأثر مبدأ ذلك الوصف، فهو قابل للجعل تبعاً.

فتحصّل: أنّ باب العبادات غير باب المعاملات، فإنّ الأحكام في الأُولىٰ تعلّقت بالطبائع، و في الثانية هي موضوعاتها على ما تحرّر منّا في

محلّه.

و إذا كان الأمر كذلك فالصحّة في الاولىٰ لا توجد إلّا بعد وجود الطبيعة، و أمّا في الثانية فقد فرض الشارع تلك الطبيعة موجودة، و حكم بحصول الأثر، فالحكم بحصول الأثر و النفوذ و الحلّية بعد الوجود المفروض، و بعد ذلك يعتبر الصحّة، فهي في العبادات توجد بعد وجودها و إن كان الحكم قبله فعليّاً تامّاً لا يكفي لوجودها، بخلافها في العبادات، فإنّها فيها توجد بعد الحكم، فهي من توابعه و مجعولاته التبعية فلاحظ و تدبّر.

أقول: يتوجّه عليه:

أوّلًا: أنّ البابين من باب واحد، و لا يُعقل تعلّق الحكم بالوجود المفروض وجوده؛ ضرورة أنّ ما وجد في الخارج مفروضاً، فهو في مرتبة ذاته: إمّا يكون مؤثّراً أولا، فإن كان مؤثّراً فلا حاجة إلى الحكم

دروس الأعلام و نقدها، ص: 136

الشرعي، و لا يعقل تأثيره به؛ لعدم دخالته فيه، بل هو إمضاء ما وجد مؤثّراً، و لا سببيّة له للتأثير، و إن كان غير مؤثّر فلا معنىٰ للحكم بالتأثير، فالحكم الشرعي دليل إمضاء ما هو المؤثّر العقلائي.

و ثانياً: ليس الفرق بين العبادات و المعاملات بأنّ الاولىٰ متعلّق الأحكام و الثانية موضوعها؛ لأنّ الموضوع فيهما هو المكلّف، و العمل المتعلّق للحكم أمر يُتسبّب إليه، و هو الصلاة و العقد، و كما أنّ حلّية العقد بمعنى نفوذه و تأثيره من توابع الوجود، كذلك تأثير الصلاة و أنّها معراج المؤمن من توابع ذلك، و حلّية العقد بمعنى أنّه الجامع للشرائط المعتبرة الشرعيّة، فهي عين معناها في الصلاة المحلّلة.

و أمّا الحكم التكليفي فيهما فهو أيضاً من سنخ واحد، فكما يجب الصلاة ربّما يمكن أن يصير البيع واجباً بالعرض.

فتوهّم: أنّ الحكم في العبادات ليس منشأ لاعتبار الصحّة، بخلاف الحكم في المعاملات، فاسد جدّاً،

فإنّه فيهما ليس مبدأ الاتّصاف.

و ثالثاً: هذا المقدار من الجعل التبعي المفروض في المعاملات، يأتي في العبادات؛ لأنّ الصلاة من الأُمور الاختراعية و الأحكام الوضعيّة، و إذا كانت هي بيد الشارع، فأوصافها أيضاً قابلة للجعل تبعاً لجعل الموصوف و اعتباره.

و رابعاً: كان عليه و علىٰ أقرانه مطالعة تقريرات الوالد المحقّق «1»

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 1: 411 412.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 137

- مُدّ ظلّه حتّى يتوجّهوا إلىٰ مسائل جديدة، و هو أنّ الصحّة و الفساد لا يقبلان الجعل على الإطلاق، فإنّ الأحكام متعلّقة بعناوينها و المصاديق إذا كانت مجتمعاً فيها ذلك العنوان بشرائطه و قيوده تصير موصوفة بالصحّة، و إلّا فبالفساد، فالبيع الفاسد هو ما كان موجوداً في الخارج، و لم يكن منطبقاً عليه العناوين بشروطها الشرعيّة كالصلاة، و مسألة أنّ البيع موضوع للمؤثّر باطلة قطعاً؛ لما ترى من صدقه على الأعمّ بالوجدان و الضرورة.

و ما ترى من اتّصاف الصلاة الفاقدة للشرط و الجزء بالصحّة، فهو ليس لأجل اعتبارهما فيها، بل الوجه دخالة الشرع في منشأ ذلك الاتصاف، و إلّا فلا يعقل وجوب السورة مطلقاً، و مع ذلك تكون الصلاة الفاقدة لها صحيحة، بل الصلاة تصير صحيحة إذا كانت بدونها حال الجهل و غيره واجبة، و تكون السورة جزءاً في بعض الحالات.

و من هنا ظهر حال مختار الوالد مُدّ ظلّه في المسألة، و لعلّه لا يقول بعدم قبولهما الجعل العرضي و التبعي؛ لأنّ معنى الجعل العرضي هو جعل شي ء آخر مستقلا، و انتساب الجعل إليه ثانياً و مجازاً، و لذلك تصحّ دعوى أنّها من المجعولات الشرعيّة؛ لمجعولية ما هو الدخيل في وجودهما، فلو لا الصلاة و لو لا القيود الشرعيّة في المعاملات لا يعقل اعتبارهما إلّا

بالنسبة إلى القيود العرفيّة، فلا تغفل.

هذا ما هو عند القوم.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 138

و الذي ذهبنا إليه و اخترناه: هو أنّ الصحّة و الفساد من العناوين العرفيّة مع قطع النظر عن الشرع، و عندهم تكون العبادة صحيحة و المعاملة فاسدة، و إذا راجعنا [نجد] أنّ منشأ اتّصافهما بهما ليس إلّا جهة واحدة، فيعلم أنّ تلك الجهة أيضاً منشأ لاعتبارهما بالنسبة إلى العبادات و المعاملات بعد الشرع، و بعد التوسعة و التضييق الواقعين فيهما بأمره و نهيه. فتوهّم: دخالة الأمر الشرعي و الحكم في تلك الأُمور الرائجة بين الملل و الأقوام، ناشئ من القصور.

و تحقيق المسألة يستدعي الإشارة الإجماليّة، و قد أوضحناه في محلّه «1»، و هو أنّ المقرّر في مقامه: أنّ العناوين و الطبائع الحقيقية بأنفسها موجودات في الخارج، و ما اشتهر: أنّ الكلّي الطبيعي موجود بمصداقه و شخصه دون نفسه «2»، خالٍ عن التحصيل و كلام لا يساعد عليه العقل و العقلاء، و لما يرون أنّ الإنسان في الخارج، و هكذا العناوين الاختراعيّة و الاعتباريّة، فإنّها تصير بأنفسها في الخارج، و لأجله يكون حكم الشرع ساقطاً بالعقل قطعاً، و إلّا نحتاج إلىٰ إقامة الدليل لو لم يكن المأمور به بنفسه في الخارج.

فإذا كان المأمور به و الحلال الوضعي بنفسه في الخارج، فإن كان بتمام أجزائه خارجيّاً و في الخارج، فهو منشأ اتّصافه بالصحّة، و إلّا

______________________________

(1) شرح المنظومة، قسم المنطق: 21/ السطر 13 17.

(2) الحكمة المتعالية 4: 213.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 139

فهو يوصف بالفساد لعدم تمامية الأجزاء و الشرائط، و عند عدمه لا يترتّب عليه آثارها من معراجية المؤمن و من الملكيّة و الزوجيّة، فلا تعدّد بين المأتيّ به و المأمور به حتّى

يقال: ينتزعان من التطابق و اللّاتطابق، كما هو مختار المحقّقين في المسألة كلّا أو بعضاً حتّى الوالد- مُدّ ظلّه «1» مع أنّه كان ينبغي أن [يُتذكّر] إلىٰ تلك الجهة، فعنوان الصحّة يعتبر من الماهية الموجودة، لا من التطابق بين المأمور به و المأتيّ به.

نعم، إذا كانت الماهية الموجودة تامّة الأجزاء و الشرائط تتّصف بالصحّة، و إلّا فبالفساد و ما ذكره القوم مضافاً إلىٰ أنّه غير موافق لما تقرّر في الكتب العقليّة يلزم منه عدم سقوط الأمر؛ لأنّ ما اتي به هو مصداق المأمور به، و الأمر متعلّق بالطبيعة و سقوط ذلك الأمر بهذا المصداق يحتاج إلى الدليل، بخلاف الذي قرّرناه، فإنّ المأمور به بنفسه يأتي في الخارج، و إذا أتى فيه فهو ظرف السقوط قهراً، و لا يعقل الثبوت، فالصحّة و الفساد من الكيفيات المزاجية في التكوين و التشريع اعتباراً، و غير قابلين للجعل، فتأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأُصول 1: 211، كفاية الأُصول: 222، مناهج الوصول 2: 154 155، نهاية الأُصول: 280، أجود التقريرات 1: 390.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 140

الدرس الثامن و العشرون ما ألقاه السيّد الشاهرودي حفظه اللّٰه تعالىٰ حول شبهات ابن قبة

و قال: «ليست الأمارات من الأُمور المجعولة الشرعية، و لا أساس لما قيل من التنزيل، بل هي كالعلوم القطعيّة إلّا أنّ الشرع يتمكّن من الردع عنها.

و علىٰ هذا بعد التأمّل في المسألة يظهر: أنّ المناط في مسألة الأمارات على العلم العادي و الظنّ النظامي، الحاصل من التفحّص و التدبّر في التاريخ و التراجم و الكتب الرجاليّة، فإنّه لولا حصول العلم بمقالة النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و الأئمة (عليهم السّلام)، لا يمكن الاستناد إليهم؛ لأنّ مجرّد الشك تمام الموضوع لحرمة الافتراء و الكذب عليهم، و تخيّل

دروس الأعلام و نقدها، ص: 141

حصول العلم بقول

الرجالي لا يكفي لصحّة الاستناد، بل الرجالي لا يدرك إلّا ما لا يورث شيئاً، فلا بدّ من تحصيل الظنون المتراكمة حتّى يحصل العلم بحال الراوي، و إلّا فأصحاب الكتب الرجاليّة لا يُكلَّفون بالشهود علىٰ أحوال الرواة، بل هم باستماعهم من المشيخة غير المعلومة حالهم أيضاً قالوا: فلان ثقة، و هذا عندنا غير كافٍ؛ لعدم الدليل على اعتبار أقوالهم و توثيقاتهم خصوصاً، فكلّ خبر تضمّن حجّيّة خبر الثقة بنفسه مشكوك الحجّيّة، و لا قطع بالنسبة إلىٰ خبر معيّن- كما قيل و هذا لا يورث دعوى إنكار العلم بوثاقة الرجال؛ لأنّا نعلم وثاقة مثل محمّد بن مسلم و زرارة و أمثالهما، و ليس هذا إلّا لكثرة المراجعة إلىٰ أحوالهم و خصوصيّاتهم، و عند ذلك يجب تحصيل ذلك العلم بالنسبة إلىٰ غيرهم أيضاً، و إلّا فالعمل بقولهم مع حرمة الافتراء و الكذب على اللّٰه تعالىٰ و رسوله غير صحيح».

أقول: و لَعَمْري إنّه ما كان يريد من هذه المطالب أمراً جدّيّاً، و إلّا لما كان يقتدر على الإفتاء إلّا في مسائل نادرة جدّاً، فيعلم من رسائله العملية أنّ ارتكازه و طينته علىٰ خلاف مقالته، و أنّه يعمل بالظنّ، فضلًا عن المتراكم منه، و عن القطع و العلم. و الذي هو التحقيق ما قرّرناه في محلّه «1».

و يتوجّه عليه ثانياً: أنّ كون الشكّ تمام الموضوع لحرمة الافتراء

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 6: 222 و ما بعدها.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 142

و النسبة خلاف الصناعة؛ لأنّ المحرّم هو الكذب على اللّٰه و رسوله، و الكذب مخالفة الواقع و إذا شكّ في قضيّة يشكّ في كونها كذباً، يشكّ في حرمتها. و أمّا كون النسبة بغير العلم مُحرَّماً، فهو من الأدلّة اللفظيّة و الروايات

غير القطعيّة، و تحصيل العلم هنا إن أمكن يمكن في مواقف أُخر، و إلّا فلا.

و العجب أنّه يذكر رواية للاستدلال علىٰ أنّ الشكّ تمام الموضوع؛ حال البحث عن عدم حجّيّة الأخبار إلّا بعد الاطمئنان و العلم النظامي، فليتدبّر.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 143

الدرس التاسع و العشرون ما أفاده الوالد المحقّق مُدّ ظلّه حول الكريمة الشريفة في مسألة لزوم المعاطاة

فقال: «الاستفادة من قوله تعالىٰ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» علىٰ تقريبين و مبنيين في معنى الوفاء، فإنّه على المختار هو أنّ الوفاء بالعقد هو العمل علىٰ طبق المعهود و المقرّر، فإن كان بالصيغة فمعنى الوفاء به هو ترتيب آثارها؛ من التسليم علىٰ وفق المقرّر في ضمن العقد، و إن كان على نحو المعاطاة فقد يشكل تصوير الوفاء؛ لأنّه يتقوّم بالتسليم، و هو حاصل.

و فيه: أنّ المعاطاة تجري في النسيئة و السلف، و تفرض مع كون

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 144

العطاء من طرف واحد، فيكون الوفاء بالنسبة إلى الآخر بالتسليم، و لو كان العقد حاصلًا بالطرفين و وقع التعاطي في زمن واحد، فمعنى الوفاء هو البقاء على المقرّر المعاطاتي، فلو رجع إلىٰ رفيقه لاسترداد ماله بعنوان نقض العهد و العقد، فهو خلاف الوفاء بالعقد عرفاً، فكما يجب التسليم قبله بعنوان الوفاء كذلك يجب الإبقاء بعنوانه، فبعد العقد الفعلي لو استردّ ماله بعنوان نقض العهد فقد خالف الحكم، و إن أخذه بعنوان السرقة فقد أكل مال الغير. هذا كلّه هو أحد المعنيين في الوفاء.

و المعنى الثاني: هو عدم حلّ العقد بالفسخ، و عدم نقضه بإعمال ما يُورِث حلّ العقدة، و أمّا وجوب التسليم و الردّ فهو غير مربوط بمفهوم الوفاء بالعقد، و إلّا يلزم خروج المعاطاة؛ لعدم إمكان فرض الوفاء فيها.

و الذي هو التحقيق: هو المعنى الأوّل؛ لفهم العرف ذلك، و لكنّنا

نبيّن كيفيّة استفادة اللزوم من المعنيين فيه. فالكلام علىٰ هذا يقع في مرحلتين:

أُولاهما: في الطرق الممكنة لاستفادة اللزوم من الكريمة بناءً على المعنى الأوّل، و هي كثيرة:

فمنها: أن يكون وجوب الوفاء بالعقد كناية عن لزوم العقد؛ لأنّ معنى الوفاء هو ترتيب آثار العقد عليه و إيجاد ما يقتضيه، فإذا أُريد بيان اللزوم فتارة يصرّح: بأنّ العقد لازم، و أنّ زيداً جواد، و أُخرى يأتي بالكناية الأبلغ من التصريح، فيقول: يجب الوفاء بالعقد، و إنّ زيداً كثير

دروس الأعلام و نقدها، ص: 145

الرماد، فإذا كان يجب الوفاء و التسليم مثلًا و عدم الاسترداد بالكناية؛ أي لانتقال النفس منه إلىٰ وجوب ملزومه، و هو العقد، تنتقل النفس من المراد الجدّي و هو الثاني، و لا جدّ بالنسبة إلى المراد الاستعمالي، فلا يجب في الحقيقة الوفاء بالعقد إلّا أنّه أطلق ذلك للانتقال إلىٰ أنّه يجب العقد و يلزم، و لو لا ذلك لما قال بوجوب الوفاء، و هذا بعينه كالمثال المعروف المشار إليه.

و منها: أن يكون الوفاء بالعقد واجباً بالكريمة كوجوبه ببناء العقلاء، فأُريد إيجاب الوفاء جدّاً، إلّا أنّه إذا كان يجب ذلك على الإطلاق، فيعلم منه عدم إمكان الفسخ و عدم تأثيره، و إلّا فلا وجه للإيجاب المطلق؛ و لسدّ باب الفسخ و الحلّ على المكلّفين، بعد إمكان تجويز امتناعه من التسليم بإعمال الفسخ، الرافع لموضوع العقد المقتضي للزوم التسليم، فإذا وجب الوفاء على الإطلاق جدّاً، فيجب العقد و يلزم قهراً في نظر الشرع و العرف، و هذا هو الوجوب الطريقي الشرعي.

و منها: أنّه يكون الهيئة مولويّة، و يجب تكليفاً الوفاء، و إذا وجب ذلك و يكون التصرّف في المال الموجود عنده محرّماً شرعاً، فلا بدّ من القول

بلزوم العقد، و هذا أيضاً من توابع الإطلاق المستفاد من الآية الشريفة.

و لا يخفىٰ أنّ الوجوب المذكور يمكن أن يكون مولويّاً ذا عقاب

دروس الأعلام و نقدها، ص: 146

و ثواب، و يمكن أن يكون مترشّحاً من حرمة التصرّف في مال الغير؛ لأنّه بالعقد صار ملكاً للآخر، و الالتزام بالأوّل إن يشكل فالالتزام بالثاني ممكن، و تصير النتيجة لزوم العقد أيضاً.

و منها: لو فرضنا صحّة ما قيل: من أنّ الأمر بالشي ء يقتضي النهي عن ضدّه العامّ، فالأمر بالوفاء يقتضي النهي عمّا يناقضه و يضادّه ضدّية لا ثالث لهما، و هذا النهي إذا لوحظ بالنسبة إلى التصرّفات الناقضة الكثيرة، يفيد فائدة النهي المولوي لاقتضاء موضوعه عرفاً، و إذا لوحظ بالنسبة إلى الفسخ بناءً علىٰ أنّه أيضاً مناقض الوفاء يفيد فائدة النهي الإرشادي إلىٰ أنّه غير مفيد للفسخ و غير مؤثّر، و عليه يُعلم لزوم العقد؛ لأنّ الفسخ إذا كان غير مفيد لحلّ العقد يكون العقد واجباً و لازماً.

هذا كلّه غاية ما يمكن أن يقال في المسألة.

و لكنّك تعلم أنّ الوجهين الأخيرين ممّا لا يمكن الالتزام به، و يكون خلاف المتفاهم العرفي، فإنّ الارتكاز العقلائي علىٰ لزوم العقود في الجملة، و هذه الكريمة إرشاد و إلزام طريقيّ إليه.

الجهة الثانية: في كيفيّة استفادة اللزوم من المعنى الثاني، و هو يتوقّف علىٰ مقدّمة:

و هي أنّ الأمر بالوفاء و عدم الفسخ يقتضي القدرة على المأمور به، فلو كان العقد لازماً عند العقلاء، فلا يكون المؤمنون قادرين علىٰ ترك الوفاء؛ لأنّ الفسخ لا يؤثّر عندهم لانتقال المال إلى المالك الأوّل،

دروس الأعلام و نقدها، ص: 147

فهذا أمر بما هو حاصل، و لا يمكن التخلّف عنه. فعلى هذا لا بدّ من أحد أمرين: إمّا اختيار

كونه أمراً إرشادياً إلىٰ أنّه لا بدّ من الوفاء؛ لأنّه لا يمكن غير ذلك، كما في النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه، فإنّه ليس نهياً مولوياً، بل هو نهي يورث عجز المكلّف عن الإتيان بالصلاة معه، و هو معنىٰ مانعيّته عنها، و إمّا اختيار أنّ الشرع أقدَرَ المكلّفين علىٰ تكليفه، فجعل العقود جائزة، ثمّ أمرهم بالوفاء بذلك، و هذا تارة يكون مستفاداً من لازم الخطاب و حكم العقل، و أُخرى من دعوى الكناية؛ و أنّها تكون إرشاداً إلى الجواز، و حيث لا يُعقل كونه إرشاداً إليه مع نهيه عنه و أمره بالوفاء مولويّاً؛ للزوم الجمع بين الإرشاد و المولويّة و المجاز و الكناية، و هذا و لو أمكن تصويره غير مناسبٍ حملُ الكلام عليه، و تكون الآية عليه من اللّغز و الأُحْجيّة، كما لا يخفى، يتعيّن الحمل الأوّل؛ لما أنّ دعوى أنّ العقل يستكشف منه جواز العقد في نظر الشرع فيكون علىٰ هذا هذه الكريمة من أدلّة جواز العقود و إن كان يجب الوفاء بالعقد ممكنة، إلّا أنّ الالتزام بذلك غير صحيح؛ للزوم جواز الأكل بعد الفسخ، مع عدم إمكان الالتزام به قطعاً.

فبالجملة: لو سلّمنا مساعدة العرف بدواً علىٰ مثل ذلك، و تكون الآية ناظرة إلىٰ دعوى جواز العقود، أو كانت هذه الدعوىٰ مسبوقة بها و إن لم تصل إلينا، غير ملتزم به؛ لما يلزم من إنكار الحكم الوضعي رأساً في المعاملات، و أنّه بعد العقد سواء كان بالصيغة أو بالمعاطاة يجوز

دروس الأعلام و نقدها، ص: 148

وضعاً، و يمكن أكل المال للمالك الأوّل و إن يحرم عليه حلّ العقد و فسخه.

و لو قلت: بأنّ الآية إذا كانت كناية عن الجواز، أو كانت إرشاداً إلى

الجواز، يكون الحمل عليهما حملًا خارجاً عن محيط العقلاء؛ لأنّ مثل هذه الطريقة في الكناية مثل اللُّغز، و لأنّ الإرشاد إلى الجواز يستلزم كونه جائزاً قبل ذلك، و حيث هو لازم، فيلزم الجمع بين جعلها العقود جائزة و إرشادها إليه بعد ذلك الجعل، و هو جمع غير معقول، أو غير قابل لحمل الكلام عليه.

و أمّا لو كانت محمولة على المعنى المطابقي، إلّا أنّ مثلها مثل النهي عن العبادة و المعاملة إذا كان مولويّاً، فإنّه كما يستلزم الصحّة و إلّا فلا يعقل كذلك الأمر هنا، و هذا الحمل ليس خارجاً عن محيط العقلاء.

قلنا: نعم، إلّا أنّ إدراك العقل ذلك اللازم، لا يكون قابلًا للاستظهار منه؛ لأنّه ليس في قالب لفظي، فليتدبّر.

ثمّ إنّه قد يتوهّم: أنّ الهيئة في الكريمة تكون موعظة حسنة، أو إرشاداً إلى حُسْنٍ في الوفاء بالعهد و العقد، و يشهد له قوله تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا، فإنّ ذلك في حكم القرينة علىٰ أنّ الأمر كذلك.

و فيه: أنّ العدول عن الهيئة الظاهرة في الوجوب، أو الهيئة التي هي الحجّة و لا يمكن العدول عنها إلّا بمثلها، أو الكاشفة نوعاً

دروس الأعلام و نقدها، ص: 149

عن الإرادة اللزوميّة بمثل ذلك غير ممكن» «1».

أقول: قد تقرّر منّا في محلّه أجنبيّة الكريمة الشريفة حسب القرائن المتّصلة و المنفصلة عن هذه المواقف و المسائل، أو أنّها غير قابلة للاستظهار منها أمراً تكليفيّاً شرعيّاً، و ليست مؤسِّسة لمعنىً شرعيّ جزئي تكليفيّ أو وضعيّ، و تفصيله يُطلب من بعض كتبنا الأُخرىٰ «2».

و الذي لا بأس بأن نقول هنا: هو أنّ مقتضىٰ إطلاقها وجوب الوفاء الأعمّ من المعنى الأوّل و الثاني، و لا وجه للاختصاص فإنّ اللازمَ الوفاءُ بالعقد، و الممنوعَ هو

التخلُّفُ عن المقرّر في المعاملة، و هذا كما يقتضي لزوم تسليم الثمن و المبيع، كذلك يستلزم إبقاء العقد بحاله و عدم فسخه؛ و عدم استرجاع ماله بعنوان إرجاع المعاملة.

و ما قرع سمعك: من أنّ المعنى الثاني، مفروض علىٰ نحو يتمكّن فيه المكلّف من الوفاء و عدمه، دون المعنى الأوّل، لا يرجع إلىٰ محصَّل، فإنّ وجوب الوفاء بالعقد يلازم عرفاً ممنوعية نقض العهد و العقد؛ أي أنّ العرف يفهم من الكريمة أنّه لا يجوز نقض العهد، و هذا لا يمكن اعتباره إلّا مع القدرة عليه، المستلزم لحلّ العقد بعد النقض، فإنّ من نقض عهده و لم يُوفِ بعقده فقد حلّه؛ لأنّ معنىٰ نقضه ذلك، فيعلم من هنا أنّ معنى العهد و العقد فيها، هو الذي لا ينقضه الأمر الوضعي الخارج عن قدرة العبد

______________________________

(1) البيع، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 125 131.

(2) تحريرات في الفقه، كتاب البيع، المقصد الأوّل، الجهة الثانية، الآية الرابعة من الآيات المستدلّ بها على أصالة اللزوم في المعاطاة.

دروس الأعلام و نقدها، ص: 150

و حيطة سلطانه، و حملُها على الإرشاد إلىٰ لزوم الوفاء و ممنوعية النقض- بأنّ ذلك لازم، و إلّا يلزم أكل مال الغير قهراً و قطعاً حملٌ بعيد عن مساق الآية، الظاهرة في أنّه من الأُمور التي يرغب فيها المؤمنون، و لا يستمع إليها الكفّار، فالصدر يشهد علىٰ أنّ المسألة داخلة في قدرة العباد، و تكون من الأُمور المخصوصة بالمؤمنين، و يكون المتوقّع منهم ذلك، دون غيرهم.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، دروس الأعلام و نقدها، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.