الواجبات في الصلاة

اشارة

سرشناسه : خميني، مصطفي، 1309- 1356.

عنوان و نام پديدآور : تحريرات في الفقه: الواجبات في الصلاه/ تاليف مصطفي الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1378.

مشخصات ظاهري : ص 251

شابك : 964-335-119-x 8500ريال ؛ 28000ريال : چاپ دوم

يادداشت : چاپ دوم: 1385

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان ديگر : الواجبات في الصلاه

موضوع : نماز

موضوع : فقه جعفري -- قرن 14

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP186/خ 84ت 3

رده بندي ديويي : 297/353

شماره كتابشناسي ملي : م 78-10685

[تمهيد]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

و الصّلاة و السَّلام علىٰ رسول اللّٰه و آله الطيّبين الطاهرين، و اللّعنة الدائمة علىٰ أعدائهم أجمعين

الواجبات في الصلاة، ص: 3

المقصد الثاني الواجبات في الصلاة

الواجبات في الصلاة، ص: 5

تمهيد الأمور التي تجب في الصلاة و تسمّىٰ من أجزائها كالقراءة و الذكر و التكبيرة تارةً، و من أفعالها اخرىٰ، كالركوع و السجود، و من مقوّماتها ثالثة، كالنيّة و القصد إلى العنوان، و التوجّه إلى الطبيعة بما هي المسمّاة ب «الصلاة» فإنّها بدونها ليست بصلاة، و مجرّد المشاركة في الأجزاء و الأفعال بعد كونه قاصداً بها المعاني الأُخر لا يوجب صدقها، بل مع عدم القصد و إرادة العنوان البسيط المنحلّ إلى الأجزاء، لا تتحقّق الطبيعة المصدوق عليها اسمها، على المعروف بينهم أحد عشر «1»:

«النيّة» و «القيام» و «تكبيرة الإحرام» و «الركوع» و «السجود» و «القراءة» و «الذكر» و «التشهّد» و «السلام» و «الترتيب» و «الموالاة» [1]

______________________________

[1] لم يظهر لي وجه لعدم عدّهم الاستقرار منها، و دعوىٰ أنّه من واجبات الواجبات «2»، ممنوعة لو كان تصحّ الصلاة بالإخلال به في الأكوان المتخلّلة.

مع أنّ القيام أيضاً من واجبات واجباتها؛ فإنّه شرط التكبيرة و الركوع

و القراءة، و لذلك قيل: «لو أهوىٰ حال القراءة إلى شي ء عمداً، ثمّ رجع و أتى بها حال القيام، تصحّ». «3» [منه (قدّس سرّه)].

______________________________

(1) و هو المعروف بين المتأخّرين من مقاربي عصرنا، لاحظ العروة الوثقى 1: 613، فصل في واجبات الصلاة، وسيلة النجاة 1: 141، فصل في أفعال الصلاة، تحرير الوسيلة 1: 156، فصل في أفعال الصلاة.

(2) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 4.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 663، كتاب الصلاة، فصل في مستحبات القراءة، المسألة 9.

الواجبات في الصلاة، ص: 6

و الأخيرتان أيضاً ربّما تكونان من المقوّمات، فعدّ المقوّم من الواجبات، خروج عن الاصطلاح، و لا بأس به.

و سيأتي أنّ النيّة غير القربة «1»، فتكون اثني عشر.

و لعلّهم أرادوا من «النيّة» أمراً جامعاً بين الأُمور الثلاثة التي بها تمتاز العبادة عن غيرها:

أحدها: إرادة الفعل و التوجّه و الاختيار، مقابل الفعل الحاصل من غير اعتبار ذلك، فلا بدّ من العلم بالصلاة و الإتيان بها بعنوانها، و عن إرادة و اختيار.

ثانيها: قصد الفعل المنوّع لتلك الطبيعة الجنسيّة؛ من الفصول المقوّمة، كالظهريّة و العصريّة، مقابل الدين، فإنّه لا يلزم لإفراغ الذمّة في الجملة، زائداً علىٰ قصد الإفراغ و أداء الدين، و لو كانت الديون مختلفة، فإنّه يقع إجمالًا في بعض فروض المسألة.

ثالثها: الخلوص، و عدم كونه مشتملًا على الرياء، و الإتيان به للتقرّب و الامتثال و أداء المطلوب، من غير دخالة الأُمور الأُخر غير المضرّة في مثل أداء الدين و نحوه.

و لو كانوا مريدين بها ذلك، فقد يشكل في مثل بعض الصلوات، التي لا يعتبر فيها الأزيد من الأمر الأوّل و الثالث على تأمّل «2» كالنوافل المطلقة غير الراتبة.

و إن لم يكونوا مريدين بها معنىً جامعاً، فيلزم ازدياد الواجب إلىٰ

ثلاثة عشر، و الأمر سهل.

إذا عرفت ذلك، فالكلام في تلك الأُمور يقع في مطالب

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 5 12، لاحظ أيضاً: تحريرات في الأُصول 2: 152 155.

(2) يأتي وجهه في الصفحة 84.

الواجبات في الصلاة، ص: 7

المطلب الأوّل حول النيّة

اشارة

و هو مشتمل على مقامات

الواجبات في الصلاة، ص: 9

المقام الأوّل في المراد من النيّة

اشارة

و قيل: «هي القصد إلى الفعل بعنوان الامتثال و القربة» «1».

و يشكل ذلك؛ فإنّ الصلاة تصحّ من غير الحاجة إلى الأمر المتقوّم به الامتثال «2»، مع أنّ النيّة معتبرة في كثير من الأُمور غير العباديّة، فإنّه لا بدّ من القصد إلى عنوان الدين حتّى يفرّغ ذمّته، و إلى عنوان الجواب للسلام حتّى يسقط أمره، و إلى فكّ الرهن حتّى ينفكّ، و في المعاملات و الإيقاعات مع عدم اعتبار القربة فيها.

و العجب أنّ السيّد الطباطبائيّ اليزدي (رحمه اللّٰه)، قال بعد ذلك: «فحال الصلاة و سائر العبادات، حال سائر الأعمال و الأفعال الاختياريّة كالأكل و الشرب و القيام و القعود و نحوها من حيث النيّة.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة.

(2) يأتي في الصفحة 73.

الواجبات في الصلاة، ص: 10

نعم، تزيد عليها باعتبار القربة فيها؛ بأن يكون الداعي و المحرّك هو الامتثال و القربة» «1» انتهىٰ!! و أنت خبير بما فيه، و سيتّضح لك بعد ذكر الحقّ في المسألة، و هو أنّ الواجبات علىٰ أنحاء شتّىٰ:

أقسام الواجبات الشرعيّة

منها: ما هو المقصود فيها هو الأثر الحاصل منها، كوجوب الغَسل، فإنّه لو وجب فليس إلّا لحصول الطهارة من الخبث، و لا يشترط فيها الإرادة و الاختيار و التوجّه و القصد، فضلًا عن الأُمور الأُخر.

و منها: ما يحتاج فيها إلى الإرادة و القصد الزائد علىٰ إرادة الأكل و الشرب، كما مرّت أمثلته.

و منها: ما يعتبر فيها زائداً عليه التقرّب و الإخلاص و صدق الطاعة مثلًا، و العبوديّة، كالواجبات القربيّة و التعبّديّة، علىٰ ما يأتي تفصيله «2».

بيان حقيقة النيّة

و النيّة ليست الإرادة الموجودة في الآكل و الشارب بالضرورة، كيف؟! و هذه الروايات الكثيرة الداعية إلى النيّة و إتيان الأعمال بها «3»،

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة.

(2) يأتي تفصيله في الصفحة 75 و 83.

(3) وسائل الشيعة 1: 46 و 58، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5 و 6 و 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 11

ليست تدعو إلى الإرادة المقابلة لحركة المرتعش و الساهي و الغافل مثلًا.

و هي أيضاً ليست القربة؛ لاعتبارها في المتون الفقهيّة في جميع العقود و الإيقاعات.

بل هي الأمر الثاني الذي به يمتاز طائفة من الأفعال و الأعمال عن طائفة أُخرى، فهي القصد إلى الوجهة الخاصّة المعتبرة المفيدة لذلك الفعل.

و أمّا إرادة الفعل بالحمل الشائع، فهي غير كافية للتفكيك بينه و بين الاسم المنطبق عليه عقلًا، بل الصلاة من الأُمور القصديّة، و لا تتعلّق بها الإرادة علىٰ نعت تعلّقها بالحركة المسمّاة «أكلًا» قهراً فيما إذا أراد الأكل، فالآكل يريد الأكل؛ لأنّه ليس إلّا الحركة الخاصّة، بخلاف المصلّي، فإنّه يقصد الصلاة، و يريد أمراً ذهنيّاً منطبقاً على الحركات في حالٍ دون حال، فلا ينبغي قياس تلك الأفعال المنطبقة على الحركات الخاصّة بالاسم و

العنوان، بالأعمال الخاصّة المنطبقة علىٰ بعض الحركات في حال دون حال.

عدم كون النيّة من الواجبات الشرعيّة

فتحصّل: أنّ المعتبر في الصلاة علىٰ نعت الجزئيّة و القيديّة المقوّمة لها، قصدها؛ أي قصد العنوان المطلوب المتعلّق به الغرض، و أمّا الإرادة، فهي ما تتعلّق بإخراج تلك الطبيعة عن حالة الاستواء- بالنسبة إلى الطرفين إلىٰ طرف الوجود، فليست هي شرطاً في

الواجبات في الصلاة، ص: 12

الطبيعة، و لا جزءً لها، بل المعتبر فيها أمر مسمّى ب «القصد و النيّة» و هو الإرادة المتعلّقة بنحو الكلّيّة، كما لا يخفى.

و إن شئت قلت: ليست النيّة من الواجبات، بل الواجب يكون علىٰ نحوٍ لا يتحقّق إلّا بها، فليست هي من الشرائط و الواجبات الشرعيّة.

و بعبارة أُخرى: إذا قال المولى: «صلّ» و قال: «كُل» فإنّ الأكل و إن لم يتحقّق إلّا بالإرادة، إلّا أنّه لا يعقل تفكيك الحركة الخاصّة عن اسم «الأكل» بخلاف الصلاة، فإنّها ربّما لا تتحقّق في الخارج و إن تحقّقت الحركة المشابهة لحركاتها في صورة صدق اسمها، فنحو وجود الصلاة غير نحو وجود الأكل.

و من قبيل الصلاة قوله: «أدِّ دَينك» فإنّ مجرّد اتحاد الدين مع المبذول في المقدار، لا يعدّ عرفاً و عقلًا و اسماً «أداء الدين» فإنّه بذاته قاصر عن الصدق إلّا في صورة القصد إليه.

فلا يشترط شرعاً النيّة في الصلاة، بل هي بذاتها تقصر عن الصدق علىٰ مطلق الحركة المشابهة لحركاتها، فلو لم تكن الصلاة قربيّة و معتبرة فيها قصد التقرّب كما قال به السيّد الفقيه الأصفهانيّ في الصلاة الاستيجاريّة «1» و لكنّها يعتبر فيها النيّة، فهي ليست القربة و الإخلاص، كما هي ليست الإرادة المطلقة، و لا هي مشروطة في الصّلاة شرعاً، فليتدبّر.

و لأجل كونها مقوّمة للاسم خارجاً لا ذهناً حتّى يلزم

الدور ليست شرطاً شرعيّاً و واجباً في الصلاة. و تكون الموالاة في بعض الأحيان من هذا

______________________________

(1) وسيلة النجاة 1: 200 القول في صلاة الاستئجار.

الواجبات في الصلاة، ص: 13

القبيل أيضاً؛ فإنّ في تركها ينقطع الاسم، و ينعدم المسمّى، فهي أيضاً من الشرائط و المقوّمات العقليّة.

فبالجملة: كلّ ما كان من مقوّمات الطبيعة عرفاً، و أنّها بدونه غير قابلة للتحقّق حتّى على الأعمّ، فهو ليس من واجبات الصلاة شرعاً، فقولهم: «إنّها أحد عشر» «1» في غير محلّه؛ لأنّ النيّة بمعناها الواقعيّ ليست منها، و هكذا الموالاة في بعض الفروض.

نعم، المعتبر هي القربة و الخلوص من الرياء و السمعة، و هي من الشرائط الشرعيّة؛ لأنّها ليست من المقوّمات للطبيعة.

و توهّم أنّها لا بدّ و أن تكون ممّا ينتزع منها عنوان العبوديّة للّٰه تعالىٰ، و هي متقوّمة بذلك، في محلّه أصلًا، و في غير محلّه تفرّعاً:

اعتبار عنوان العبوديّة في الصلاة

أمّا الأوّل: فهو أنّ الذي يظهر لي، اعتبار أمر آخر في الصلاة غير ما ذكره القوم، و هو كونها بحيث يعتبر لها عنوان العبوديّة المعبّر عنها بالفارسيّة (پرستش) و ذلك للأمر بالعبادة، و هي ليست إلّا تلك الصلاة و نظائرها ممّا شرع في الشريعة، ففي سؤال عيسىٰ بن عبد اللّٰه القمّي قال له (عليه السّلام): ما العبادة؟

فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): «حسن النيّة بالطاعة؛ من الوجه الذي يطاع

______________________________

(1) العُروة الوثقى 1: 613، فصل في واجبات الصلاة، وسيلة النجاة 1: 141، فصل في أفعال الصلاة، تحرير الوسيلة 1: 156، فصل في أفعال الصلاة.

الواجبات في الصلاة، ص: 14

اللّٰه منه» «1».

و ربّما يدلّ علىٰ ذلك بعض آيات الكتاب «2».

هذا، مع أنّ الأذهان الشرعيّة بل جميع الفِرَق الذين يعبدون اللّٰه بطريقة يعتبرون في عملهم أن يكون كذا،

و الأفعال المنافية لذلك عندئذٍ يلزم تركها، مثل أن يأتي بالفواحش حين الصلاة، فيلمس المرأة المحرّمة عليه، و ينظر إلى المحرّمة الأُخرىٰ، و يسمع إلى الحرام، فإنّ ذلك عند ذوق المؤمن منافٍ للعبوديّة اسماً.

و دعوىٰ: أنّ المنافاة معلومة، إلّا أنّها غير معتبرة «3»، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ تلك الأوامر الكثيرة الآمرة بالعبادة، كافية بعد ما لا يفهم منها و لا ينتقل الذهن منها إلّا إلى الصلاة في الدرجة الأُولىٰ، و لا يجوز لأحد أن يتمسّك بإطلاق تلك الأوامر؛ لتجويز العبادة بأيّ نحوٍ أمكن.

و هذا أيضاً من الشواهد، علىٰ أنّ العبوديّة لا تكون إلّا بالعبادات المشروعة كالصلاة، فلا شبهة في لزوم اعتبارها فيها، و كونها بحيث ينتزع منها عنوانها، و عليه يلزم ترك جملة من الأُمور حالها المنافية لها، و إن لم يقل به الأصحاب.

______________________________

(1) الكافي 2: 68/ 4، وسائل الشيعة 1: 52، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 6، الحديث 13.

(2) كقوله تعالىٰ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة (98): 5.

(3) مستمسك العروة الوثقى 6: 582 583.

الواجبات في الصلاة، ص: 15

عدم تقوّم الصلاة بعنوان العبوديّة للّٰه تعالىٰ

و أمّا الثاني: فهو أنّ عنوان «العبوديّة» من العناوين العامّة؛ تصدق علىٰ عبادة الأصنام و غيرها، فاعتبارها في الصلاة يحتاج إلى دليل، و لا يكفي مجرّد الأمر بالصلاة لكونها قابلة لانتزاع العبوديّة منها؛ ضرورة أنّها صادقة لغة و طبيعة، و لذلك تنهىٰ عنها الشريعة بالنسبة إلى الآخرين، فالعبوديّة من العناوين اللّازمة انتزاعها من الصلاة المأمور بها، و المطلوب للمولىٰ شرعاً، لا عرفاً، فافهم و تدبّر.

إن قلت: بناءً على الأصل المذكور، ينبغي أن لا يعدّ من الواجبات، الأجزاءُ التي اعتبرها الشرع مقوّماً للاسم في الأدلّة، كالقراءة و القيام و غير

ذلك.

قلت: نعم، إلّا أنّه يتمّ إذا رتّب الشرع عليه آثارها، و الأمر ليس كذلك؛ فإنّ الصلاة بدونها في بعض الأحيان، تكون صحيحة، فلا تخلط.

فتحصّل في ذلك المقام: ماهيّة النيّة، و كيفيّة اعتبارها في الطبيعة؛ و أنّ الواجبات الشرعيّة في الصّلاة، ليست علىٰ نحو ما زعمه القوم.

الواجبات في الصلاة، ص: 17

المقام الثاني اعتبار قصد الفصول المنوّعة في بعض الصلوات

اشارة

يعتبر زائداً على أصل النيّة و هي قصد عنوان المأمور به، كعنوان «الصلاة» و «الصوم» أمر آخر في بعض الصلوات؛ و هو القصد إلى الفصول المنوّعة، كالظهريّة و العصريّة، و صلاة نفسه، و صلاة الغير، و هكذا ممّا يأتي تفصيله.

و يتمّ البحث في المقام في ضمن جهتين:

الجهة الاولى: في اعتبار قصد الفصول في بعض الصلوات خاصّة

اشارة

هل في الشريعة، تكون الصلوات كلّها ذات فصول منوّعة، لا بدّ من القصد و التوجّه إليها، و إتيانُ المأمور به لا يمكن إلّا حين لحاظها، حتّى يتّصف بها، و يعيّن بذلك العنوان، مثل عنوان الظهريّة و العصريّة و نافلتيهما، و النافلة المطلقة المقيّدة بالإطلاق اللحاظيّ، و تكون لا بشرط قسميّ؟

الواجبات في الصلاة، ص: 18

فلو صلّىٰ من غير لحاظ تلك الأُمور، لا تقع صلاته إلّا كما لو لم يقصد عنوان «الصلاة» رأساً، فتكون هذه الحركة المسمّاة ب «الصلاة» كالحركة المسمّاة ب «اللّعب و التفريح» و لا يثاب عليها، بل و لا يعاقب بها؛ لأنّ المنهيّ في مورده هي الصلوات المأمور بها الآخرون، و هي الطبيعة النوعيّة، لا الجنسيّة.

أم في الشريعة بعض الصلوات معنون بعناوين مقوّمة، و فصول محصّلة، و بعض منها تكون بطبيعتها الجنسيّة مورد الطلب و الأمر، و لا يشترط فيها النيّة الزائدة علىٰ نيّة الصلاة و قصدها حين الامتثال؟

فيه وجهان و احتمالان.

وجه للاختصاص ببعض الصلوات

و قد يظهر بدواً، أنّ المتعارف عدم اعتبار النيّة إلّا في طائفة خاصّة، فيكون اللّازم إتيانها بوجهها للدليل، مثل صلاة الظهر و العصر و المغرب و أمثالها، و صلاة الكسوف و الخسوف، و هكذا الرواتب؛ فإنّ نافلة الظهر أيضاً تحتاج إلى النيّة، بخلاف أصل النافلة؛ فإنّها لا تحتاج إلى الأمر الزائد علىٰ نيّة الطبيعة، و تكون مأموراً بها بالأمر الاستحبابيّ، و لعلّ هذا هو الذي يظهر من الأعلام رضوان اللّٰه تعالى عليهم «1».

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 3: 103، جواهر الكلام 9: 158 159.

الواجبات في الصلاة، ص: 19

وجوه لتعميم الاعتبار في جميع الصلوات

و قد يشكل ذلك:

تارة: من جهة أنّ تقسيم الصلاة إلى الأقسام المعروفة، يقتضي اختصاص كلّ قسم بخصوصيّة، بها تحصل البينونة المعتبرة في الأقسام، و لا يعقل تقسيم الشي ء إلىٰ نفسه و غيره، علىٰ ما تقرّر في تقسيم الواجب إلى النفسيّ و الغيريّ «1».

و أُخرى: أنّ الأمر المتعلّق بالطبيعة الجنسيّة، يلزم تعلّقه علىٰ نعت الاستحباب بالصلوات الخاصّة، فتكون صلاة الغداة واجبة بفصلها، و مستحبّة بعنوان «أنّها صلاة» و هو أيضاً ممتنع؛ ضرورة عدم معقوليّة ترشّح الإرادتين المستقلّتين على المطلق و المقيّد، و إلّا يلزم ترشّحهما على المترادفين و المتساويين، بل و الشي ء الواحد مرّتين، علىٰ ما تقرّر في مقدّمات مباحث الاجتماع و الترتّب «2».

و ثالثة: لا بدّ من أن تكون المتعلّقات المختلفات في الأمر الوجوبيّ و الندبيّ، متفاوتة في الخصوصيّات، حتّى يرخّص الشرع في ترك صلاة دون صلاة، و لا يكون ذلك جزافاً.

و بعبارة اخرىٰ: ما دام لم يحصل التمييز بينها في مقام التصوّر و الجعل، لا يعقل تعلّق الأمر الإلزاميّ تارة، و الندبيّ اخرىٰ، فَعلىٰ هذا كلّ

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 3: 134.

(2) تحريرات في الأُصول 4: 142 144.

الواجبات في

الصلاة، ص: 20

الصلوات، تمتاز بالعنوان الخاصّ عن الآخر، و إذا لم يقصد ذلك العنوان، لا يسقط الأمر المتعلّق به.

نعم، ذلك العنوان تارة: يكون وجوديّاً، و أُخرى: يكون عدميّاً، فليس في الشريعة صلاة بما هي هي مورد تعلّق الأمر، و يكفي في تعلّقه امتيازه و لو بالعنوان العدميّ؛ و هو «ما لا يكون كذا و كذا».

توهّم عدم اعتبار الفصول المنوّعة في مقام الامتثال و جوابه

هذا، و قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّ ما ذكرناه يتمّ على القول: بأنّ تلك العناوين مقوّمات، و توجب اختصاص كلّ طبيعة بأمرٍ يخصّها، كما هو المعروف بين الأصحاب (رحمهم اللّٰه).

و أمّا على القول: بأنّها أوصاف المأمور به و قيوده، فكما أنّ الصلاة مشروطة بالطهارة، مشروطة بقصد العشائيّة و المغربيّة، و هذا الشرط لا خصوصيّة له، حتّى يلزم عدم جريان القواعد الشرعيّة لو شكّ في الإتيان بها بعنوانها، علىٰ تفصيل يأتي «1»، فلا يلزم الامتناع؛ ضرورة أنّ أقسام الصلاة حينئذٍ ليست متنوّعات، حتّى نحتاج إلى الفصول المنوّعة؛ عدميّة كانت في الاعتبار، أو وجوديّة، بل الصلاة كما تكون مائيّة تارة، و ترابيّة اخرىٰ، و بدونهما ثالثة، كذلك هي هكذا إذا قيست إلىٰ سائر القيود و الشرائط.

و لو شئت قلت: في مقام التقسيم، لا يعقل حصول القسمة بدون الجهة التي بها تحصل البينونة، و لكن في مقام الامتثال لا يلزم غير

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 158 159.

الواجبات في الصلاة، ص: 21

نفس الطبيعة.

و فيه: أنّ المسألة ليس كما توهّم؛ ضرورة أنّ من الشرائط ما هو شرط طبيعة الصلاة، و هو المستفاد من الدليل الخارج، كالطهارة، فإنّه بعد ما أمر بالصلاة بيّن اشتراطها بها، بخلاف قصد النفل الخاصّ و العنوان المخصوص، فإنّه لا يكون شرطاً في مطلق الصلوات.

مع أنّ الآمر لا يعقل أن يتصوّر شيئاً

حال الأمر في المتعلّق، إلّا و أنّ ذلك يصير من قيوده، فلا بدّ من الإتيان به.

الحقّ في المقام

و الحقّ: أنّ المقيِّد لحصول القسمة في مقام التقسيم ممّا يحتاج إليه بلا شبهة، إلّا أنّ ذلك القيد المأخوذ بنحو اللّابدية بشرط القسميّ، يحصل في مقام الامتثال مع الغفلة و الذهول و الجهل؛ لأنّه اعتبر للتمييز بين متعلّق الأمر عن المتعلّق الآخر، و لم يؤخذ قيداً فيه، فالامتثال يحصل بنفس الإتيان بدون الحاجة إلى القصد. مع أنّه لا يحتاج إلى الامتثال؛ لما أُشير إليه، فلاحظ و تدبّر.

الجهة الثانية: في بيان مقوّميّة النيّة للمأمور به

يشترك جميع الصلوات، في لزوم القصد و النيّة، التي بها تكون الصلاة منطبقة علىٰ تلك الحركات، و تمتاز بالأُخرىٰ، فيكون بعض منها مشروطاً بقصد آخر حتّى يكون مأموراً به.

الواجبات في الصلاة، ص: 22

و بعبارة اخرىٰ: من النيّة ما هو مقوّم الاسم، و منها ما هو مقوّم المأمور به، كالظهريّة و العصريّة، و نافلة المغرب و الغفيلة، و صلاة ليلة الدفن، و الكسوف، و صلاة الأموات، و غير ذلك، فإنّه لا بدّ من تلك النيّات، و إلّا فلا يسقط أمرها؛ لعدم الإتيان بالمأمور به.

و وجه تقوّمه بها، هو أنّ القواعد مع الشكّ في الشرائط، جارية بخلافها، فلو شكّ في صلاته أنّ ما بيده ظهر أو عصر، و يعلم أنّه أتى بالظهر، تكون ما بيده باطلة عند الأكثر «1»، و هذا ليس إلّا لأجل أنّ القواعد تجري في صلاة الظهر و العصر و المغرب و الغداة و غيرها، و لا معنىٰ لجريانها في نفس الصلاة بما هي هي؛ لأنّها ليست مأموراً بها، ضرورة أنّ الأوامر الشرعيّة، تعلّقت بالصلوات الخمس اليوميّة، و سائرِ العناوين الواجبة و المستحبّة، الملحوظة حال التصوير و الجعل.

توهّم عدم قيديّة عناوين الصلوات في المأمور به

و ربّما يمكن أن يقال: لا دليل علىٰ لزوم قصد الظهريّة و العصريّة؛ فإنّ هذه العناوين من الاعتبارات اللّاحقة بالمأمور به من ناحية أوقاتها كالجمعة، أو من ناحية أسبابها كالزلزلة و الكسوف، أو من ناحية أُخرى، و الّذي يجب هو الأربع ركعات عند الزوال، و أربع أُخرى في العصر، و لو صلّىٰ هكذا، و خرج الوقت، و شكّ في أنّه قصد الظهريّة أو العصريّة، مع

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 106، جواهر الكلام 12: 325، العروة الوثقىٰ 1: 620، تحرير الوسيلة 1: 159.

الواجبات في الصلاة، ص: 23

أنّه لم

يكن عليه شي ء من الصلوات القضائيّة لنفسه أو بالإجارة، فلا أظنّ أن يلتزم الفقيه بلزوم الإعادة.

تحكيم العقل في اعتبار القيود في بعض الصور

نعم، العقل حاكم بذلك فيما لو اتّحد الكثير في الصورة، فإنّه مع وحدة المأمور به من جهة الصورة، لا يعقل تعدّد الأمر المولويّ بالنسبة إليه، فلا بدّ من وجود الخصوصيّة التي بها يمتاز أحدهما عن الآخر؛ ليحصل المقصود؛ و هو البعث مولويّاً مرّتين إلىٰ طبيعة واحدة، و يكون العقاب و الثواب متعدّدين أيضاً؛ فإنّه مع حصول ذلك، يلغى كلّ شي ء لوحظ فيها حين الأمر، من غير دخالته في المصلحة و الملاك، بل تمام المقصود هو الصلاة في أوّل الوقت أربع ركعات، و في آخره أربع ركعات.

و القيود ربّما تأتي من العرف و العقلاء؛ فيما إذا تعدّد الأمر و المأمور به بالأسباب المختلفة، مثلًا لو كان زيد مديناً لعمرو، فإذا أراد أن يؤدّي دينه لا يقصد إلّا أداء الدين، و أمّا لو كانت داره مرهونة في حذاء الدين الآخر، فهو يقصد زائداً علىٰ أداء الدين أمراً آخر، حتّى يفكّ الرهن أو يبقىٰ بحاله، من غير أمر من الشرع في ذلك، و هكذا مَن يصلّي لنفسه، لا يقصد الصلاة عن نفسه إلّا فيما إذا كانت علىٰ عهدته صلاة الغير.

و ما قد يتوهّم من دخول تلك الامتيازات في المأمور به، و قوامه بها، و يتعلّق الأمر حين الجعل بتلك الخصوصيّات، و إلّا لا معنى للزومها «1»،

______________________________

(1) الطهارة، الشيخ الأنصاري: 82/ السطر 32. مصباح الفقيه، الطهارة: 99/ السطر 35، الصلاة: 233/ السطر الأخير.

الواجبات في الصلاة، ص: 24

مدفوع بما ترى في المثال المشار إليه؛ فإنّه بعد ما صار أجيراً، يقصد صلاة نفسه، و يقصد صلاة الغير، و لا يعقل دخالة الإجارة و أمرها في

الصلاة و قيودها، فليس ذلك إلّا لأنّ العقل يرىٰ لزوم تلك النيّات؛ ليحصل الامتيازات التي لا يعقل بدونها تعدّد الأمر المولويّ التأسيسيّ، و لأجل ذلك يجوز أن يقصد الواجب أوّلًا، و الواجب ثانياً، و هكذا.

التمسّك بآية الدلوك لإثبات خروج الخصوصيّات و القيود

و توهّم تعدّد الأمر بالنسبة إلى الصلوات الخمس اليوميّة ممنوع؛ بداهة أنّ ذلك مفاد قوله تعالىٰ أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كٰانَ مَشْهُوداً «1» و الأخبار تبيّن الحدود و القيود من حيث الركعات و الأوقات و الأجزاء و الشرائط، فلو كانت تلك الفصول المنوّعة، من قيود المأمور به، لما كان البعث إلىٰ تلك المتباينات بالأمر الواحد؛ لعدم الجامع بينها، و الصلاة ليست جامعة الظهريّة و العصريّة، و الجنس ليس يشتمل على الفصول المنوّعة علىٰ ما تقرّر «2»؛ لخروجها من حقيقته، كما نجد ذلك في الاعتباريّات.

فبالجملة: تلك الخصوصيّات، ليست ذات ملاكات شرعيّة، حتّى تكون من قيود المأمور به على الإطلاق، كسائر الشرائط و الأجزاء، بل هي

______________________________

(1) الإسراء (17): 80.

(2) الحكمة المتعالية 2: 24.

الواجبات في الصلاة، ص: 25

خصوصيّات اعتبرت لتمكين المقنّن من إبانة مرامه، و لأجل ذلك يطمئنّ بأنّ مع وحدة الصورة، لا تجب النيّة بهذا المعنىٰ، كما في صلاة المغرب، فإنّه لا تجب إلّا ثلاث ركعات في وقت المغرب، و لا يلزم إلّا نيّة الصلاة بعد ما كان منبعثاً عن الأمر المتعلّق بها.

نعم، لو كان في ذمّته صلاة المغرب القضائيّ، يتعيّن عليه تلك النيّة، مع صراحة كلماتهم في عدم وجوب قصد الأداء و القضاء «1»، فهذا دليل على أنّ المنفيّ هو القيد الشرعيّ، و اللّازم هو اعتبار التمييز عند العقل، فافهم و تأمّل.

و ممّا يؤيّد ذلك، عدّة روايات مشتملة علىٰ تعبيرها عن صلاتي

العشاءين و الظهرين ب «الصلاة الاولىٰ» و «الثانية» «2» كما لا يخفى.

الجواب عن التوهّم السابق

و أنت خبير بما فيه؛ فإنّ كلّ ذلك في مقابل البديهة التي عليها النفوس الشرعيّة، و الروايات تنادي بأعلى صوتها علىٰ تلك الصلوات

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 310 و 311، جواهر الكلام 7: 160، العروة الوثقىٰ 1: 615، تحرير الوسيلة 1: 157.

(2) وسائل الشيعة 4: 47، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 6. وسائل الشيعة 4: 85، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 23، الحديث 1. وسائل الشيعة 4: 190، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 18، الحديث 13. وسائل الشيعة 4: 219، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 31، الحديث 5. وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1 و 3 و 4 و 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 26

بعناوينها، و عدّها بها من الواجبات دليل علىٰ قيديّتها و مقوّميتها لها؛ و أنّها بدونها ليست مأموراً بها.

و لعمري، إنّ المتدبّر في الأخبار، لا يجد مناصاً من الالتزام بمقالة المشهور.

و ممّا يدلّ علىٰ ذلك، أخبار العدول «1»، و توهّم أنّ المعدول إليه معنون، دون المعدول عنه، غير تمام حسب الروايات.

و ممّا يشهد عليه المآثير المتعرّضة لأوقاتها و الركعات الصريحة في تعنونها بها، و مفروغيّة المسألة اقتضت أنّ المسألة ليست معنونة في كتاب «العروة» و «الوسيلة» الموجودين عندي من الكتب الفقهيّة.

و أمّا الآية الشريفة، فهي مجملة من جميع الحيثيّات، و ناظرة إلى أصل الجعل و الإلزام، و لا دلالة لها على الصلوات الخمس، و بعد مراجعة الروايات الشريفة يعلم أنّها الصلوات الخمس، و تكون الصلاة مستعملة في معناها الجنسيّ، الذي هو جزء المعنى المأمور به، و جزؤه الآخر يعلم من الدليل الخارج.

و

قد تعرّضنا لكيفيّة الشبهة وروداً و جواباً في رسالة «لا تعاد ..» فمن شاء فليراجع «2»، و لا شبهة في الالتزام بعدم الوجوب في الفرع المذكور «3»؛ فإنّ قاعدة الشكّ بعد الوقت، تنفي الإعادة لو شكّ في إتيان المأمور به في الوقت، فضلًا عن الشكّ في الجهات الأُخر المقوّمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(2) رسالة في قاعدة لا تعاد، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(3) تقدّم في الصفحة 22 23.

الواجبات في الصلاة، ص: 27

و غيرها، و ليس ذلك دليلًا علىٰ عدم تقوّمها بها، بل ذلك لأجل عموميّة دليل طرح الشكّ بعد الوقت، و عدم اختصاصه بمفاد «كان» الناقصة.

وجه بطلان الصلاة المشكوكة العنوان

نعم، في الوقت لو شكّ في أنّ ما صلّاهُ كان ظهراً أو عصراً، أو لم ينوِ أصلًا، لا يجوز له الاعتناء؛ لتلك الجهة، و لا أظنّ أن يلتزم أحد بجواز الاكتفاء عن المأمور به بتلك الصلاة، و ليس ذلك إلّا من جهة لزوم معلوميّة صورة العمل، فكما لو شكّ في أثناء الحركة أنّها حركة صلاتيّة أو تفريح، لا معنى للتمسّك بالقواعد الظاهريّة، كذلك لو شكّ في الظهريّة و العصريّة؛ فإنّهما صورة العمل اللّازم وجودها، حتّى تجري القواعد فيها.

و التزام بعض المعاصرين بصحّة الصلاة المشكوك عنوانها؛ لو توجّه في الأثناء «1»، ربّما كان لأجل تخيّله كفاية الإتمام بالعنوان المخصوص، كما هو مقتضىٰ أخبار العدول، و قد شرحنا حال هذه المسألة بطولها في الفروع من العلم الإجماليّ «2» في قيطريّة الذي كان مقرّ أبي في السنة الماضية «3».

______________________________

(1) انظر ما علّقه العلمان الميلاني و الخوئي على العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النية، المسألة 19، و العروة الوثقىٰ 2: 58 ختام الخلل، المسألة الأُولىٰ.

(2)

رسالة في فروع العلم الإجمالي، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(3) ألقى النظام المنحوس للحكومة البهلوية القبض على الإمام الخميني (قدّس سرّه) في 15/ خرداد/ 1342 فأودعه السجن لمدّة شهرين تقريباً ثم نقله الى محلّة قيطرية إحدى محال طهران العاصمة ففرض عليه الإقامة الجبرية و بقي معتقلًا هناك إلى 18/ فروردين/ 1343.

الواجبات في الصلاة، ص: 28

فتحصّل إلى هنا: أنّ المسألة من جهة الأدلّة تامّة.

الاستدلال بصحيحة زرارة على دخول خصوصيّة الظهريّة في المأمور به

و في صحيحة زرارة

و إنّما وضعت الركعتان اللّتان أضافهما النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يوم الجمعة للمقيم؛ لمكان الخُطبتين مع الإمام، فمن صلّىٰ يوم الجمعة في غير جماعة، فليصلّها أربع ركعات، كصلاة الظهر في سائر الأيّام «1».

و هي تنادي بتقوّم المأمور به بتلك النيّة؛ و أنّ الجمعة غير الظهر. و مجرّد كون العناوين المنطبقة عليها من لواحقها، لا يورث قصوراً في ذلك، فلاحظ و تدبّر جدّاً.

و سيأتي ما يتعلّق بسائر العناوين الاخر، و ربّما ينفعك ما هناك هنا، فانتظر.

فحص و بحث في روايات النيّة

قال في «الوسائل»: «الباب الخامس وجوب النيّة في العبادات الواجبة و اشتراطها بها مطلقاً».

ثمّ ذكر روايات من قبيل قوله (عليه السّلام)

لا عمل إلّا بنيّة «2».

و عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)، قال

لا قول إلّا بعمل، و لا قول و عمل إلّا

______________________________

(1) الكافي 3: 271/ 1، الفقيه 1: 124/ 1، تهذيب الأحكام 2: 241/ 954، وسائل الشيعة 4: 10، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 2، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 29

بنيّة، و لا قول و عمل و نيّة إلّا بإصابة السنَّة «1».

و قولِهِ (عليه السّلام)

إنّ اللّٰه يحشر الناس علىٰ نيّاتهم يوم القيامة «2».

و عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّما الأعمال بالنيّات، لكلّ امرئ ما نوىٰ «3»

و غير ذلك.

و تلك المآثير لا تدلّ علىٰ عنوان الباب، بل هي تفسّر بعدّة اخرى: منها و هي رواية أبي ذر، عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في وصيّته له قال

يا أبا ذر، ليكن لك في كلّ شي ء نيّة، حتّى في النوم و الأكل «4».

و قال (صلّى

اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث: إنّما الأعمال بالنيّات، و لكل امرئ ما نوىٰ، فمن غزا ابتغاء ما عند اللّٰه، فقد وقع أجره على اللّٰه عزّ و جلّ، و من غزا يريد عرض الدنيا أو نوىٰ عقالًا، لم يكن له إلّا ما نوىٰ «5»

و غير ذلك «6».

فإنّه يعلم: أنّ المراد في هذه الجملات، معنى أعمّ من النيّة المعتبرة في العبادات، فلا دلالة لها على الشرطيّة و البطلان.

و ربّما كان النظر فيها إلىٰ بيان، أنّ كلّ حركة في هذه النشأة لها جنبتان: إلهيّة، و شيطانيّة، و تلك الجنبة تعلم من النيّات، فلا يدلّ شرب الخمر على العصيان؛ لأنّه ربّما نوى العلاج لأن يغلب على الأعداء، و لا

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 47، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 2.

(2) وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 5.

(3) أمالي الطوسي: 618/ 1274، وسائل الشيعة 1: 49، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 10.

(4) وسائل الشيعة 1: 48، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 8.

(5) أمالي الطوسي: 618/ 1274، وسائل الشيعة 1: 49، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5، الحديث 10.

(6) لاحظ وسائل الشيعة 1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 30

كثرة السجود و طول الركوع على الإطاعة؛ لأنّه ربّما نوى الشيطان، و يخدع الناس بها، فالمدار على النيّة في حسن الحركات و قبحها.

المراد من «نيّة المؤمن خيرٌ من عمله ..»

و أمّا معنىٰ قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في معتبرة السَّكوني قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): نيّة المؤمن خيرٌ من عمله، و نيّة الكافر شرّ من عمله «1»

فهو كثير الوجه:

و

من تلك الوجوه، توهّم رجوع الضمير إلى الكافر؛ لقصّة خارجيّة، فإنّه فاسد؛ لقوله الثاني.

و من تلك الوجوه، ما ألقاه الوالد المحقّق مدّ ظلّه دفعاً للشبهة المتوجّهة إلى الحديث؛ و هي أنّ العمل بلا نيّة ليس فيه خير، و مع النيّة لا يعقل خيريّة النيّة منه، فلا معنى لقوله (عليه السّلام) علىٰ صفة التفضيل

نيّة المؤمن خيرٌ من عمله.

قال: «ربّما يريد بيان خيريّة جزء من المجموع علىٰ جزء منه؛ فإنّ الروح خير من البدن، فإنّ البدن هو الجسم حينما تعلّق به الروح، فالعمل مع النيّة ذو جزءين، و أحدهما خير من الآخر، و هكذا في جانب الشرّ؛ و ذلك لأنّ الخلود في الجنّة لأجل تلك النيّة، و ذلك الجزء و الخلود في النار كذلك، حسب بعض الروايات، فما من الجزء من عالم

______________________________

(1) الكافي 2: 69/ 2، وسائل الشيعة 1: 50، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 6، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 31

المعنىٰ، أعلىٰ من الجزء من عالم الصورة» «1»، و اللّٰه الهادي إلىٰ سبيل الرشاد.

هذا كلّه حول مفاد المآثير الشريفة.

إيراد و تلخيص

و لكنّه لم يظهر لي وجه لقوله في عنوان الباب «2»، و تقييده العبادات بالواجبة، و لعلّه أراد معنىٰ خفي علينا.

و إنّك قد عرفت اعتبار النيّة في جميع العبادات و المعاملات بالمعنى الأوّل، و اعتبارَها بالمعنى الثاني في العبادات، إلّا ما شذّ بوجه مضى سبيله «3»، و ربّما كان ذلك أيضاً معتبراً في بعض الفروض من المعاملات، و أمّا اعتبار القربة فهو في جميع العبادات، واجبة كانت أو مستحبّة، علىٰ ما يأتي بيانه «4».

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 318 319. چهل حديث، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 332، الحديث 20.

(2) فإنّه (قدّس سرّه) قال:

«باب وجوب النيّة في العبادات الواجبة و اشتراطها بها مطلقاً». وسائل الشيعة 1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5.

(3) تقدّم في الصفحة 5.

(4) يأتي في الصفحة 77.

الواجبات في الصلاة، ص: 33

المقام الثالث حول اعتبار نيّة الوجوب و التمام و مقابليهما

اشارة

هل يعتبر أمر زائد في الصلوات اليوميّة و ساير الصلوات الواجبة و غيرها على النيّة السابقة؛ من الأدائيّة و القضائيّة، و القصريّة و الإتماميّة، و الوجوبيّة و الندبيّة، و النفسيّة و الغيريّة، كما في صلاة الأجير، و الأوّلية و الثانويّة، كما في قضاء شهر رمضان مثلًا، و قضاء صلوات الغداة، و غير ذلك، أم لا يعتبر كلّ هذه، أو يفصّل؟

حكم نيّة الوجوب و الندب

فإنّ الوجوب و الندب ممّا لا يعتبران قطعاً، لأنّهما من العناوين اللّاحقة بها بعد تعلّق الأمر، و الرخصة في الترك و عدمها، و ليسا من القيود المأخوذة فيها، و إن أمكن التقييد «1».

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 118، 133 135.

الواجبات في الصلاة، ص: 34

و توهّم الاحتياج إليه في بعض الأحيان «1»، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ الركعتين المشتركتين بين الغداة و نافلتها، تمتازان بهذين العنوانين «الغداة» و «نافلتها» حسب الروايات «2»، و لا بدّ من قصد النفل، و إلّا لا يكفي لو أتى بركعتين مأمورتين على الاستحباب في كلّ وقتٍ، و مع قصدها لا حاجة إليه؛ لتميّزها عن مشاركها.

و بعبارة اخرىٰ: العناوين تارة: تكون من قيود المأمور به و إن لم يشاركه غيره، كصلاة المغرب، فإنّه لو أتى بصلاة علىٰ ثلاث ركعات، لا تكون مغرباً، و أتى بها في وقتها.

و أُخرى: تكون من العناوين المعتبرة للتمييز بين المتشاركات، فإنّه بدونها لا يمكن امتثال الأمر و أداء الوظيفة، كما لو كان في ذمّته صلاة المغرب، و أراد الإتيان بها في وقت المغرب الأدائيّ، فإنّه لا بدّ من القصد المميّز المسقط به الأمر.

و الوجوب و الندب ليسا منهما، و لا دليل على اعتبارهما، بل قضيّة الإطلاق نفيه؛ بناءً علىٰ صحّة التمسّك بتلك المطلقات لرفع هذه القيود الجائية

من قبل الأمر.

و من هذا القبيل قصد الفريضة المقابلة للنافلة، و ما يقصد بعنوان «النافلة» هي النوافل المضافة إلى الفرائض اليوميّة، لا مطلق النافلة؛ فإنّها مساوقة مع الندب و الاستحباب، فما هو المأمور به هي

______________________________

(1) انظر مدارك الأحكام 3: 310.

(2) وسائل الشيعة 4: 266، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 51.

الواجبات في الصلاة، ص: 35

نافلة الظهر، علىٰ أن يكون المضاف إليه داخلًا في المأمور به، و تلك النافلة مستحبّة، فلا ينبغي أن يتوهّم أنّ النفل و الندب واحد، فيلزم اعتباره، كما لا يخفى.

حكم نيّة القصر و الإتمام

و أمّا قصد القصر و الإتمام، فالمعروف بينهم عدم اعتبارهما «1»، و لا يخلّ الإخلال بهما في الصحّة و سقوط الأمر، فلو دخل قصراً، ثمّ بدا له الإتمام و بالعكس، كما في أماكن التخيير فهو ممّا لا بأس به، و هكذا فيما قصد الإقامة، ثمّ تبدّل رأيه و بالعكس، و هكذا في السفينة ذاهباً و جائياً، و قد اخترنا أنّ قصدهما كالحجر جنب الإنسان، و ربّما يضرّ؛ لاستلزام التشريع.

و من ثمراته: أنّه لو تخيّل صلاة القصر ثلاث ركعات مثلًا، و التمام خمس ركعات، و أتى اتفاقاً بالاثنين و الأربع، تصحّ صلاته؛ لأنّه قصد المأمور به و هو الظهر، و أتى به، و لا يلزم العلم علىٰ نحو الاشتراط و الوضع بمقدار الركعات، و إن كان اللّازم الاطلاع على المأمور به، و لكنّه مطّلع تخيّلًا، فليس يضرّ ذلك بقصده و قربته.

و توهّم التفصيل بين صورتي التقييد و الخطأ في التطبيق «2»، بعد مراجعة النيّة إلى الأمر الشخصيّ و قصد المطلوب الفعليّ، في غير محلّه.

______________________________

(1) مدارك الأحكام 3: 311، جواهر الكلام 9: 165، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 13.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 615، كتاب الصلاة، فصل

في النيّة، المسألة 9.

الواجبات في الصلاة، ص: 36

نعم، ربّما يشكل لو كان من نيّته امتثال الأمر المتعلّق بالخمس ركعات ليس إلّا، فقصد صلاة الظهر الخمس ركعات فإنّه لا يسقط أمره.

و فيه: أنّ عنوان «الخمس ركعات» يضرّ فيما لو كان عنوان «الأربع ركعات» لازماً في النيّة، و إلّا فلا يضرّ كما لا يخفى.

و لو صحّ ما قيل، يلزم الإشكال في بعض الصور السابقة: مثلًا لو قصد الأمر المتعلّق بالتمام ليس إلّا، ثمّ قبل أن يتجاوز حدّ القصر، خرجت السفينة من حد الترخّص، فإنّه حينئذٍ تبطل صلاته، و لا يصحّ تقصيرها، و هكذا فيما لو تردّد بعد الإقامة في الأثناء.

فيعلم منه: أنّ قصد الركعتين و الأربع ركعات، لا يضرّ و لا ينفع، بل المدار علىٰ قصد الظهريّة، فإن شاء قصّره بالتسليم، و إلّا أتمّه، و هو بالخيار في مواضع كثيرة، كما مرّت الإشارة إليه.

إحالة المقام علىٰ معرفة حقيقة القصر و التمام

اشارة

و ربّما يخطر بالبال أن يقال: إنّ هذه المسألة من متفرّعات المسألة الأُخرىٰ؛ و هي أنّ القصر و الإتمام متباينان، و يكون السلام داخلًا في صلاة القصر، و واجباً من واجبات الصلاة المعتبرة من الأجزاء الداخلة، أو القصر و التمام من الأقلّ و الأكثر، و السلام من الواجبات الخارجة، و كأنّه خاتم الصلاة؛ لو شاء يختمها على الركعتين، و لو شاء يختمها على الأربع ركعات.

فإن قلنا: بالأوّل، فلا بدّ من القصد و النيّة؛ لتباين الطبيعتين، و لا يعقل

الواجبات في الصلاة، ص: 37

الأمر أن يتعلّق بالطبيعة الواحدة الجامعة بين المتباينين، و تحميله ما به تحصل البينونة.

و بعبارة اخرىٰ: لو كان الواجب صلاة الظهر، و لم يكن الآمر في جعله و أمره، محتاجاً إلىٰ تصوير آخر و لحاظ زائداً عليها، فلا وجه لتوهّم الحاجة إلىٰ

قصد القصر و الإتمام، و لو كان الأمر متعلّقاً بالصلاة، و كانت صلاة القصر و التمام متباينة، فلا يعقل البعث إليهما بالأمر الواحد، مع تحميل الخصوصيّة التي بها حصلت البينونة.

فإذا أمر بالقصر، لا بدّ و أن تصوّر ركعتين و أمر بهما، و هكذا الأمر في جانب التمام، فَعلى هذا، لا تتمّ تلك المسائل إلّا على المبنىٰ غير المعروف بينهم.

و توهّم: أنّ الخصوصيّة مشروطة بالدليل الخارج، في غير محلّه؛ لأنّ ذلك الدليل في حكم المبيّن للمأخوذ أوّلًا، و ليس هو دليلًا على الشرط كسائر أدلّة الشروط، بل الدليل في المسألة يورث التنويع، فيكون شارحاً، كأدلّة اعتبار قصد الظهريّة و العصريّة؛ فإنّها لا تورث الشرطيّة علىٰ خلاف إطلاق الآية مثلًا، بل هي تفسّر المقصود منها، بخلاف دليل اشتراط الطهارة، فإنّه يورث التقييد.

و ليس ذلك إلّا لأجل أنّ الطهارة المائيّة و الترابيّة، لا توجب البينونة في الصلوات، بخلاف الظهريّة و العصريّة، و القصريّة و التماميّة.

الواجبات في الصلاة، ص: 38

الجواب عن الإحالة السابقة

و فيه: أنّ القصر و التمام في الاعتبار، متباينان؛ فإنّ القصر مأخوذ بشرط لا، و التمام مأخوذ بشرط شي ء، و هما مختلفان، إلّا أنّ اختلافهما لا يورث ازدياد الجزء الذهنيّ في المأمور به، بل الظاهر من الأدلّة وجوب التمام على الكلّ، و أصالةُ التمام عند الشكّ «1»، و مقتضى آية التقصير «2»، لزوم تقصير ما وجب قبلًا؛ بإتيان السلام الواجب في التشهّد الثاني في التشهّد الأوّل، و إلقاء الركعتين من الرباعيّات، حسب المآثير و الروايات «3»، و البينونة الخارجيّة لا تستلزم البينونة في الطبيعة، كما هو الأمر في الماهيّات الأصليّة «4».

و تصوير الشرع الأربع ركعات حين الأمر، لا يورث لزوم نيّتها؛ لأنّها من الأُمور الخارجيّة، بخلاف الظهريّة و العصريّة،

فإنّها من الأُمور الذهنيّة، التي تنقلب بانقلابها أوصاف الأُمور الخارجيّة، فالأمر بالحركة من الدار إلى السوق، لا يحتاج إلى شي ء زائد على نفس الحركة الخارجيّة بعد الانبعاث عنه، بخلاف الأمر المتعلّق بأداء الدين و نحوه،

______________________________

(1) جواهر الكلام 14: 205، مستمسك العروة الوثقىٰ 8: 17، ذيل المسألة 3.

(2) النساء (4): 101.

(3) الكافي 3: 273/ 7 و 487/ 2 و 8: 336/ 531، وسائل الشيعة 4: 49 و 50، كتاب الصلاة، أبواب أعداد الفرائض، الباب 13، الحديث 12 و 13 و 14، وسائل الشيعة 8: 504، كتاب الصلاة، أبواب صلاة المسافر، الباب 8.

(4) انظر تحريرات في الأُصول 1: 224 226.

الواجبات في الصلاة، ص: 39

فمثال الأربع ركعات، مثال تلك الحركة المتعلّقة للأمر.

نعم، لا بدّ من الأُمور المميّزة هذه الأربعةَ من أربعة أُخرى، و أمّا نفس الأربعة فهي من الأُمور الخارجيّة، و لا يدعو الأمر إلّا إلىٰ عنوان «الظهر»، إلّا أنّه إن أتى به ركعتين يصحّ في فرض، و إن أتى به ركعات يصحّ في الآخر، و المطلوب ليس إلّا نفس الركعات بالحمل الشائع.

فبالجملة: ما يساعده الاعتبار و الذوق الشرعيّ، أنّ الواجب في السفر و الحضر هو الظهر، لا الظهر الموصوف بركعتين و الموصوف بركعات بعنوانهما، و تلك البينونة لا تورث الأمر الآخر في الواجب.

هذا مع أنّ مقتضىٰ هذه الشبهة، لزوم القصد، و عدم جواز العدول في أماكن التخيير، مع أنّه لا يلتزم به أحد علىٰ ما ببالي «1».

و هكذا لا يجوز للجاهل المتوجّه في الأثناء إلى الوظيفة قصراً و إتماماً، الإتمامُ؛ لأنّ الشرع اعتبر قصد الركعات في المأمور به، و هو قد أخلّ به، فعليه الاستئناف، و لا أدري من يلتزم به «2»!! و كلّ ذلك لأجل أنّ

المأمور به هو الظهر، و المكلّف مخيّر بين أن يأتي في بلده أربعاً، و علىٰ رأس ثمانية فراسخ ركعتين، و هكذا بعد الشروع؛ بشرط عدم الإخلال بسائر الشرائط، و ما هو أمره كذلك ليس من المقوّمات للطبيعة و الواجبات المرعيّة في أمرها.

______________________________

(1) المعتبر 2: 150، مدارك الأحكام 4: 470، جواهر الكلام 14: 341، العروة الوثقىٰ 2: 164، أحكام صلاة المسافر، المسألة 11.

(2) لاحظ جواهر الكلام 14: 353، العروة الوثقى 2: 162، أحكام صلاة المسافر، المسألة 7، مستمسك العروة الوثقى 8: 168.

الواجبات في الصلاة، ص: 40

فتحصّل: أنّ مجرّد لحاظ الشرع بعض الأُمور حال تعلّق الأمر، لا يستلزم وروده في المأمور به؛ بنحوٍ يجب ذلك اللحاظ علىٰ المأمور، أو يجب ترتيب الأثر عليه.

مثلًا: الشرع الآمر بالصلاة، و اللاحظ أربع ركعات، و يكون كلّ ركعة بلونٍ خاصّ كما ترى في ركعاتها لم يلزم قصد الركعات؛ من الأوّلية و الثانويّة، و لا تبطل الصلاة لو أتى بعنوان الثالثة، ثمّ تبيّن أنّها الرابعة.

و السرّ كلّه: هو أنّ الركعات من الأُمور الواقعيّة؛ لا تحتاج إلى القصد، كما مضى بيانه.

وجه آخر للزوم نيّة القصر و التمام

و قد يمكن دعوى: أنّ الأمر ليس كما توهّم؛ ضرورة أنّ صلاة الركعتين تختصّ بأحكام، و صلاة الأربع ركعات بخلافها «1»؛ فإنّ الشكّ في الأُولى مبطل، و تجب الإعادة، و في الثانية غير مبطل، و يجب العمل بالوظيفة المقرّرة، فكون ما بيده موضوع ذاك الدليل أو تلك الأدلّة، لا يتميّز إلّا بالقصد المتعلّق بالقصر و التمام، فلا بدّ من نيّتهما قبل أن يشرع فيها.

و لا يجوز العدول في جميع الفروض طبق القاعدة، إلّا مع الدليل، كما في صلاة الظهر و العصر؛ لأنّ العدول علىٰ خلاف الأصل، بعد تعنون الطبيعة بالعنوان الخاصّ. و

مع فرض عدم تعنونها به، لا معنىٰ للعدول، كما لا معنىٰ للعدول من الركعة الثانية من النوافل إلى الاولى لو دخل بعنوان

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 231، جواهر الكلام 9: 167.

الواجبات في الصلاة، ص: 41

الثانية؛ لأنّ وصف «الأوّلية» إذا لم يكن شرطاً، فوصف «الثانويّة» ليس مُضرّاً حتّى يعدل منها إليها، فلا تغفل.

و لذلك يتّجه إلى الأعلام: أنّ تجويز العدول من القصر إلى التمام و بالعكس، ممّا لا معنى له؛ لأنّه يصحّ اعتباره فيما كان المعدول إليه و المعدول عنه، طبيعتين مختلفتين، و يكون بالعدول إحراز الجهة الفاقدة، أو التخلّص من الجهة المضرّة، كما في الظهرين و العشاءين.

و أمّا لو كانت الطبيعتان متّفقتين بحسب الطبع، مختلفتين بحسب العوارض الخارجيّة و الوجود، فلا معنىٰ للعدول موضوعاً. و لو سلّم لا وجه له حكماً؛ إيجاباً أو استحباباً.

إبطال الوجه السابق

أقول: هذه الشبهة غير واردة ثبوتاً؛ ضرورة أنّ صلاة الركعتين موضوع الشكّ المبطل، و صلاة الأربع ركعات موضوع الدليلين؛ لأنّها تبطل بالشكّ في الأوّليين، و لا تبطل في الأخيرتين، فلا وجه للحاجة إلى القصد المذكور؛ لأنّه إمّا يشكّ فيما بيده في الأوّليين، فهو مبطل.

و إمّا يشكّ في الأخيرتين بحسب الواقع و نفس الأمر، فهو غير مبطل، و لا ثمرة للقصد المذكور حتّى يلزم اعتباره؛ لاشتراكهما في البطلان بالشكّ في أولييهما.

و لو تجاوز للإتيان بالأخيرتين فشكّ، فهو يخصّ بحكم آخر فيهما.

و توهّم اختصاص أدلّة الشكوك بالصلاة الأربعة التي اتي بها بعنوان

الواجبات في الصلاة، ص: 42

«الأربعة» في غير مقامه.

نعم، لو قلنا: بعدم حجّية الظنّ في الثنائيّة، و حجّيته في جميع الركعات الرباعيّة، كان لذلك القصد وجه، و يجب حينئذٍ؛ لأجل شمول أحد الدليلين له، فافهم و تدبّر جدّاً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: اندفاع الشبهة ثبوتاً،

لا يستلزم رفعها إثباتاً؛ ضرورة أنّ الفهم العرفيّ، لا يساعد التفكيك المذكور، بل العرف بعد مراجعة الأدلّة يجد أنّ الثنائيّة تبطل بالشكّ، دون الرباعيّة، و ما يدلّ خارجاً من أنّ ذلك يورث البطلان إذا عرضه و طرأه بعد إكمال السجدتين لا يوجب عدم اتصاف الطبيعة بتلك الجهة. و فيه ما لا يخفىٰ.

فإلى هنا تقرّر: أنّ القصر و الإتمام، ليسا من العناوين اللازمة في الطبيعة شرعاً، كالظهرين و الغداة و غيرها، و لا عقلًا، كما قد يتّفق ذلك فيما تعدّد الواجب، كأن يكون أحدهما القضاء، و الآخر الأداء، فإنّه لا بدّ عقلًا من النيّة، حتّى يسقط الأمر، و هكذا يعتبر قصد التمييز فيما لو اشغلت ذمّته بصلاة نفسه و صلاة الغير بالإجارة.

و سيأتي توضيح هذه المسألة من ذي قبل، فلا يحتاج إليهما؛ لعدم تعلّق الأمر بهما، و لا تعلّق الغرض.

و بعبارة اخرىٰ: هما كعنواني «الوجوب و الندب» ليسا شرطاً في المأمور به، و لا لازماً لتمييز إحدى المأمور بهما عن الأُخرىٰ؛ لأنّه يحصل بالجهات الأُخرىٰ كما لا يخفى.

الواجبات في الصلاة، ص: 43

الاستدلال بلزوم تصوّر الصلاة علىٰ لزوم نيّة القصر و التمام

و ربّما يشكل إلغاء العنوانين؛ لأجل الجهة الثالثة غير الجهتين السابقتين: و هي أنّ المعروف بينهم، لزوم تصوّر الصلاة و لو إجمالًا «1»، و ذلك يرجع إلى لزوم تصوّر الركعتين و الركعات؛ لأنّها ليست إلّا هي، و قولهم مع ذلك: «بعدم اعتبار القصر و الإتمام» منافٍ له.

و فيه: أنّ المقصود من اعتبار تصوّر الصلاة، ليس إلّا ما مرّ منّا في المقام الأوّل؛ و هو أنّ الصلاة ليست مطلق الحركة الخارجيّة، كالأكل و الشرب، بل هي تنطبق عليها، و تكون بذاتها قاصرة من الانطباق علىٰ مطلق الحركة «2»، فعليه لا بدّ من التوجّه إلى الصلاة

بعنوانها، و لا يعتبر أزيد من ذلك؛ لأنّها ليست الأجزاء علىٰ نعت التفصيل، بل هي عنوان ينحلّ إلى الأجزاء، علىٰ ما تقرّر في محلّه «3».

الاستدلال بتنويع صلاة القصر و التمام علىٰ وجوب نيّتهما

إن قلت: المشهور بينهم أنّ المسافر و الحاضر نوعان، و صلاة القصر و التمام نوّعت، و الذي يظهر لي من «الجواهر» «4» علىٰ ما ببالي و بعض

______________________________

(1) جامع المقاصد 2: 220، العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 4.

(2) تقدّم في الصفحة 9 10.

(3) تحريرات في الأُصول 1: 245.

(4) جواهر الكلام 14: 205.

الواجبات في الصلاة، ص: 44

آخر «1»، هو أصالة التمام و التخصيص، و ليست المسألة من قبيل التنويع.

فعلى القول الأوّل؛ و أنّ الأدلّة تفيد أنّ المسافر يقصّر، و الحاضر يتمّ، فهما طبيعتان متنوّعتان، كالظهريّة و العصريّة، فما هو المأمور به هو القصر و التمام، و هما عبارتان أُخريان عن الركعتين و الأربع ركعات في لحاظ الإجمال، و لا بدّ علىٰ هذا من نيّتهما؛ لأنّهما مأموران.

و على القول الثاني كما هو مختارنا في مباحث المسافر «2» لا يلزم نيّتهما زائدة علىٰ نيّة الظهريّة و العصريّة.

قلت: لا يلتزم القائل بالتنويع بأحكامه؛ فإنّه عليه يلزم عدم جواز الاتكاء على الصلاة التي بيده، إذا شكّ فيما نواه من القصر و التمام، كما في الظهر و العصر، و هكذا الفروع الكثيرة المذكورة سابقاً «3»، المشهور فيها جواز العدول «4»، مع أنّ العدول علىٰ خلاف القاعدة.

هذا، و المحتمل أنّ الأمر و لو تعلّق بعنوان «القصر» و لكنّه ليس أمراً قصديّاً، بل هو أمر واقعيّ؛ و هو الإتيان بركعتين من أربع ركعات، و كأنّه يجب التقصير أي تقطيع الواجب المطوّل بأن يقدّم السلام المؤخّر.

فعنوان «الظهر و العصر» بعد اتّساع وقتهما، و عدم لزوم

إيقاع كلّ في

______________________________

(1) مجمع الفائدة و البرهان 3: 367 و 368، الحدائق الناضرة 11: 308، مصباح الفقيه، الصلاة: 725/ السطر 7، مستمسك العروة الوثقىٰ 8: 17، صلاة المسافر، ذيل المسألة 3.

(2) مباحث صلاة المسافر، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(3) تقدّم في الصفحة 35 36 و 40.

(4) لاحظ جواهر الكلام 9: 195 و ما بعدها، العروة الوثقىٰ 1: 475 477.

الواجبات في الصلاة، ص: 45

وقت الظهر و العصر، لا يتمايزان إلّا بالنيّة، و مقتضى الأدلّة و الفهم العرفيّ و إرسال المسلّم، اشتراط الطبيعة تنويعاً بهما على ما مضى «1»، و أمّا عنوان «القصر و الإتمام» من تبعات العمل الخارجيّ، و من عوارض مقدار الصلاة، لا طبيعتها كما لا يخفى.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 22.

الواجبات في الصلاة، ص: 47

المقام الرابع حول بيان نيّة الأداء و القضاء

اشارة

فالمعروف بينهم عدم اعتبارهما شرعاً «1»، و لأجل ذلك لو تخيّل بقاء الوقت فأتىٰ أداءً، ثمّ تبيّن خروجه، تصحّ صلاته، و هكذا في الفروع المشابهة؛ و ذلك لأنّ الأدلّة قاصرة عن إثبات الشرطيّة، و ليس الأداء بعنوانه مورد الأمر، و القضاءُ أمر ينتزع من وقوع الطبيعة خارج الوقت.

نعم، لو اشتغلت ذمّته بالأدائيّة و القضائيّة، فالمشهور بينهم لزوم قصد الأداء و القضاء «2»؛ لعدم إمكان المأمور به إلّا بالتمييز و القصد.

______________________________

(1) هذا هو المعروف بين المتأخّرين، لاحظ جواهر الكلام 9: 154 و 164، الصلاة، الشيخ الأنصاري 1: 270، العروة الوثقىٰ 1: 615، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 2، تحرير الوسيلة 1: 157، المسألة 6.

(2) الحدائق الناضرة 2: 183. جواهر الكلام 9: 156، الصلاة، الشيخ الأنصاري 1: 270. العروة الوثقى 1: 615، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 2. تحرير الوسيلة 1: 157، المسألة 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 48

و الذي يتوجّه إلى

المسألة: هو أنّ الأمر المتعلّق بطبيعة مخصوصة، لا يدعو إلّا إليها، و لو تعلّق الأمر ثانياً بها مع تلك الخصوصيّة، ليس إلّا تأكيد الأوّل؛ ضرورة امتناع التأسيس مع وحدة المتعلّق، علىٰ ما تقرّر في الأُصول «1»، فلو كان بعد الوقت أمر متعلّق بالمغرب الأدائيّ، و أمر متعلّق بالمغرب القضائيّ، مع عدم ورود قيدي «الأداء» و «القضاء» في المتعلّق، يلزم الامتناع المشار إليه.

و لا يعقل دخالة العقل في متعلّق الأوامر الشرعيّة، إلّا بما يرجع إلى الامتثال و كيفيّته، و أمّا لزوم الإتيان بها بعنوان كذا و كذا، فهو خارجٌ عن حدود مدارك العقل و النظر، فما هو المأمور به إمّا معنون بعنوان «الأداء» فعليه نيّته، و إلّا فلا، و هكذا في جانب القضاء و سائر الأُمور الأُخر.

و أمّا اشتراط نيّة الأداء في هذه الصورة دون تلك للحاجة إلى التمييز فهو ممنوع؛ لأنّه لا بدّ و أن تتميّز المتعلّقات بأنفسها، لابتميّز المكلّف، و لو لم يكن تمييز بينها ثبوتاً، فلا يتعدّد الأمر و المتعلّق؛ بداهة امتناع تعلّق الإرادتين و الحبّين بطبيعة واحدة، علىٰ نعت الاستقلال و التأسيس، فلا ينبغي الخلط و الغفلة.

اعتبار نيّة القضاء دون نيّة الأداء

و الذي هو التحقيق: هو أنّ الأداء و القضاء، من الانقسامات اللّاحقة بالطبيعة في مقام التقسيم، و اعتبارِ المقسم و الأقسام، و لكن في مقام

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 257.

الواجبات في الصلاة، ص: 49

الامتثال و الأمر، لا يعتبر بنيّة الأداء، و تجب نيّة القضاء؛ و ذلك لأنّ الأوامر في باب القضاء، تعلّقت بعنوانه «1»، بخلافها في الأداء، و ليس في الأدلّة ما يورث لزوم نيّة الأداء، و هذا هو المساعد مع القواعد و الاعتبارات.

و توهّم لزوم قصد الأداء فيما لو اشتغلت ذمّته بالقضاء، في غير

محلّه؛ لأنّ الواجب في الوقت ليس إلّا صلاة المغرب، و لو اشتهىٰ أن يقضي ما فاته، فلا بدّ من نيّة القضاء؛ لأنّ المأمور به في القضاء ليس متعلّق الأمر الأوّل، بل المأمور به هو متعلّق الأمر الآخر؛ و هو الأمر بالقضاء.

و أمر القضاء ليس تعبّدياً، بل هو أمر بالموضوع التعبّدي، علىٰ ما يأتي «2»؛ من أنّ الأمر ليس حتّى في العبادات تعبّدياً، و لا ينقسم الوجوب إلى التعبّدي و التوصّلي، خلافاً لما يظهر من جماعة الأُصوليّين «3» إلّا من شذّ منهم «4».

فَعلىٰ هذا، لو شكّ بعد الفراغ من صلاة المغرب في وقته؛ أنّه قصد بها القضاء أو الأداء، فهي صلاة الأداء؛ لأنّه لا يشترط في المأمور به الفعليّ إلّا الإتيان بصلاة المغرب، و لا يشترط نيّة الأداء شرعاً فيه، و احتمال قصد القضائيّة مدفوعٌ بالأصل، و لا تجري القاعدة المصحّحة؛ لأنّها على التقديرين صحيحة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 253 و 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 1 و 6.

(2) يأتي في الصفحة 77 78.

(3) مطارح الأنظار: 59/ السطر 18، كفاية الأُصول: 94 95، فوائد الأُصول 1: 137 138، و لاحظ أيضاً تحريرات في الأُصول 2: 110 114.

(4) مناهج الوصول 1: 258.

الواجبات في الصلاة، ص: 50

و لا يعارض الأصل المذكور باستصحاب عدم قصد الأداء؛ لعدم الأثر الشرعيّ لعنوان «الأداء» مع أنّ المفروض أنّه يدري عدم قصد الأداء، و يشكّ في أنّه قصد القضاء أم لا.

و قد يشكل الأصل لأجل المثبتيّة، و حينئذٍ يلزم الإتيان بصلاة المغرب الأُخرى مخيّراً بين قصد المغرب، و بين قصد ما في ذمّته من القضائيّ و الأدائيّ؛ فإنّه على الأوّل لا يسقط صلاته القضائيّة، دون الثاني كما لا يخفى.

و هكذا في الفرع

السابق، فإنّه لو تذكّر بعد الوقت أنّه صلّىٰ خارج الوقت، فإنّه يجب قضاء ما فاته في الوقت؛ لاشتراط قصد القضاء، و ليس القضاء من قبيل العناوين غير اللّازمة كما عرفت، و لا من قبيل العناوين القهريّة الوجود، بل هو من المعاني القصديّة، و يعرض الطبيعة مع وجود الأمر التأسيسي الآخر، بنحو مرّ منّا في بعض رسائلنا «1»، و تقرّر في كتاب القضاء «2».

الاستدلال علىٰ عدم وجوب عنوان القضاء

اشارة

إن قلت: مقتضى الشبهة السابقة، اعتبار القضاء بعنوانه، و لزوم نيّته فيما لو اشتغلت الذمّة بالأداء و القضاء، و لا مقتضي لاعتباره على الإطلاق، حتّى يلزم وجوب الإعادة في الفرع المشار إليه؛ لأنّ الجمع

______________________________

(1) الصوم، للمؤلّف (قدّس سرّه)، الفصل الثامن.

(2) مباحث القضاء من كتاب الصلاة، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 51

بين الأدلّة صدراً و ذيلًا يورث خلافه؛ ضرورة أنّ الواجب هو صلاة المغرب، و هو المطلوب الأعلى، ثمّ المطلوب الثاني إتيانه في الوقت، فهو إمّا يقع فيه، أو يقع خارجه، فإن وقع فيه فقد أتى بالمطلوب بتمامه، و إلّا فهو قد أتى بالمطلوب الأعلى، و أدلّة القضاء ليست إلّا لإفادة بقاء الأمر الأوّل بالطبيعة خارج الوقت، و ليست مولويّة تأسيسيّة؛ ذات عقوبة و مثوبة مستقلّة.

و ما ورد في الأخبار من الأمر بالقضاء «1»، لو كان دليلًا علىٰ وجوب القضاء، لكان لما ذكر وجه، و أمّا هو فلا يورث إلّا لزوم الاتحاد في الكيفيّة و الكمّية بين المأتيّ به و المقضيّ، و ليس ناظراً إلى إيجاب القضاء، كقوله تعالىٰ:

أَقِمِ الصَّلٰاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ «2».

فإنّه ربّما لا يكون في مقام إيجاب الصلاة، بل هو في مقام بيان وقت الصلاة؛ و أنّها عند الإتيان بها لا بدّ من كونها في هذا الوقت، و ليس

المأمور به فيهما القضاء و الصلاة مع القيدين؛ لأنّه خلاف الظاهر منهما، و لا سيّما من أدلّة القضاء.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6.

(2) الإسراء (17): 78.

الواجبات في الصلاة، ص: 52

الجواب عن الاستدلال السابق

قلت: لو لم يكن القضاء واجباً، يلزم قصد اليوم الذي فات فيه الأدائيّة شرعاً؛ ضرورة أنّه لو تعدّدت الفوائت المتّحدة في الكيفيّة و الكمّية، يلزم تعدّد الأمر المولويّ التأسيسيّ مع وحدة المتعلّق، و حيث لا يعقل أن يتصرّف العقل، بل و لا يكفي، فيكشف وجود القيد في المتعلّق، اللّازم اعتباره و لحاظه حال العمل؛ لأنّه من القيود القصديّة، لأنّ التكثّر لا يحصل إلّا به، و هذا بديهيّ البطلان.

و يعلم من ذلك: أنّ الواجب هو عنوان «القضاء» و الشبهة المذكورة في تلك الأدلّة و إن لم تكن بعيدة بدواً، إلّا أنّ فهم المشهور حجّة أقوى؛ فإنَّهم من تلك الأدلّة فهموا ذلك، و لا شبهة في وجوب القضاء بعنوانه عند الطائفة «1»، بل سائر الفرق الإسلاميّة «2»، و توهّم أنّه لا ظهور لها في وجوبها بعنوانه «3»، في غير مقامه بعد ملاحظة أطراف المسألة، فلا تخلط.

الاستدلال بكثرة الفوائت بعد قلّتها علىٰ عدم وجوب عنوان القضاء

و توهّم: أنّ القضاء قد يكون قليلًا، ثمّ يصير كثيراً، فلو كان الأمر القضائيّ واحداً متعلّقاً بعنوان «القضاء» يلزم الامتناع؛ لأنّه قد تنجّز،

______________________________

(1) الخلاف 1: 309، المسألة 57، تذكرة الفقهاء 3: 101 102، جواهر الكلام 9: 164.

(2) المجموع 3: 279.

(3) لاحظ مهذّب الأحكام 6: 123.

الواجبات في الصلاة، ص: 53

و لا يعقل تنجيز القضاء الآخر بالأمر الآخر، فيكون الأوامر متعدّدة، و تلزم الشبهة السابقة، لا يرجع إلى محصَّلٍ؛ و ذلك لأنّ حديث القضاء و الدَّين واحد، فكما أنّ الاستقراضات المتعدّدة، لا تستلزم الديون المتعدّدة، بل يكون الكلّ دَيناً واحداً، و الأمر بأداء الدين لا يتعدّد حسب تكثّر الاقتراضات.

مثلًا: لو اقترض زيد من عمرو ديناراً، فإنّه يجب عليه بعد القرار أداء دَينه و هو الدينار الواحد، ثمّ لو اقترض ثانياً يزداد دَينه، و

لا يتعلّق به الأمر الآخر، و إلّا يلزم عدم تداخل المسبّب مع وحدته، و هو ممتنع؛ للزوم الأمرين المستقلّين بالمعنى الواحد و هو أداء الدينار، و لا لون لأحدهما، و لذلك لا يجب تعيين أحدهما حين أداء الدينار الواحد.

و لو كان الدَّين متعدّداً حسب ذلك، تلزم شبهة اخرىٰ: و هي انحلال الوجوب إلى الكثير، بل و غير المتناهي؛ ضرورة أنّ الدينار الواحد ينقسم إلىٰ غير متناهٍ، فلو أدّى نصف دينار، فقد سقط من الأمر شي ء، و هو غير معقول؛ لبساطة الأمر.

أو لا، فلم يسقط شي ء، و هو ممتنع؛ لاقتضاء سقوط الدين سقوطَ الأمر.

فلا بدّ من الأمر المستقلّ الساقط بأداء نصف الدينار، و هو أيضاً ممتنع؛ للزوم العقابات غير المتناهية للأوامر الانحلاليّة. مع أنّ الثواب و العقاب من تبعات الأوامر الاستقلاليّة، كما لا يخفى.

إذا علمت ذلك كلّه، فالحلّ يسهل عليك بأن يراعىٰ جانب العرف في القضايا الاعتباريّة و الأُمور العقلائيّة؛ فإنّ الاقتراضات الكثيرة لا تورث الديون المتعدّدة، بل توجب الدين الواحد، و يزداد ذلك الدين بالأسباب المتأخّرة، إلّا إذا كانت لها الألوان الخاصّة و الخصوصيّات المشروطة

الواجبات في الصلاة، ص: 54

حال عقد القرض، أو غير ذلك.

فلو اقترض ديناراً، فلا يجب عليه إلّا أداء الدين، و لو اقترض ثانياً يزداد دينه؛ لأنّ نحو وجود الدين يكون كذلك، و لو أدّى جميع دينه إلّا ديناراً يعاقب، و لو أدّى تمامه يثاب، على القول بالثواب في هذه المواقف، فعنوان «الدين» عنوان واحد، ينقبض و ينبسط.

و إن شئت قلت: هو عنوان مقابل العدم، فكلّما كثر فلا يزداد علىٰ تلك المقابلة، و كلّما نقص لا ينقص مطلقاً من أمره، ما دام لم ينعدم كلّاً.

و من هذا القبيل عنوان «القضاء» فإنّه لو اشتغلت

ذمّته بخروج الوقت، يجب عليه قضاء الفائت، و هذا العنوان يصدق على الواحد و الكثير، فلو ورد الأمر بقضاء الفائت، فلا ينحلّ حسب الكثرة الخارجيّة كما في الأمر لمجموع العلماء، فلو اشتغلت بعد ذلك ذمّته لا يتعدّد الأمر، و لا تتعدّد العقوبة و المثوبة.

نعم، إذا أدرك الفائتة بعد الوقت، فقد خفّت عقوبته؛ لإتيانه بالمطلوب الأصلي، و إن يعاقب علىٰ ترك مصلحة الوقت، كما يعاقب علىٰ ترك مصلحة الطهارة المائيّة؛ لو صلّىٰ بالترابيّة بعد إراقة الماء.

و أمّا أمر القضاء، فهو أمر واحد، باقٍ بحاله إلىٰ أن يأتي بجميع الفوائت، و لا يسقط منه شي ء؛ لأنّه متعلّق بعنوان هو نحو وجوده يكون على النعت المذكور.

و لعمري، إنّه بعد التدبّر في أطراف المسألة، و الجهات و الشبهات

الواجبات في الصلاة، ص: 55

المشار إليها، و التي ذكرناها في كتاب القضاء «1»، يظهر أنّ قصد الأداء ليس لازماً، و لا شرطاً، فلو صلّىٰ في الوقت غافلًا عن شرطيّة الوقت، أو جاهلًا بها، فقد تمّت صلاته، بخلاف القضاء فإنّه من العناوين القصديّة اللّازم اعتباره مع تعلّق الأمر به.

و قد كنّا في سالف الزمن نؤيّد عدم اعتباره أيضاً، إلّا أنّ الذي يظهر لي هنا خلافه، و التفصيل حول بعض الشبهات المذكورة يطلب من مواضعها «2»؛ فلاحظ و تدبّر جيّداً.

الاستدلال على وجوب قصد الأداء و جوابه

و قد يتوهّم لزوم قصد الأداء و القضاء «3»؛ لأنّه يجب قصد المأمور به بجميع أجزائه و شرائطه و لو إجمالًا، و الأداء منتزع من إتيان الفعل في الوقت، و لو كان الوقت من القيود فيجب إدخاله في القصد.

و فيه: أنّه كبرى و صغرى ممنوع:

أمّا أوّلًا: فلما عرفت من أنّ مَنْ صلّىٰ في الوقت بجميع شرائطها و أجزائها، غافلًا عن شرطيّة الوقت، صحّت صلاته؛

و ذلك لأنّ الشرائط و الأجزاء، لا يعتبر لحاظها في القصد و لو إجمالًا، بل هي معتبرة بوجودها الواقعيّ، فمن يصلّي مدّة العمر مع الستر، معتقداً عدم اشتراط الستر في

______________________________

(1) مباحث القضاء من كتاب الصلاة، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 110 114.

(3) مصباح الفقيه، الصلاة: 234/ السطر 10، مستمسك العروة الوثقى 8: 205.

الواجبات في الصلاة، ص: 56

الصلاة، تصحّ صلاته حسب القواعد الأوّلية، و لا يتخيّل توهّم اعتبار قصد تلك الأُمور في حصول الامتثال و المأمور به.

و أمّا ثانياً: فالأداء غير الإتيان في الوقت، و لو كان شرطاً فهو لا يكفي للزوم اعتباره فيها، بل حينئذٍ يحتاج إلى الأمر الآخر، و ذلك مثل صلاة الظهر، فإنّها إتيان الصلاة في الظهر، إلّا أنّ لزوم ذلك فرضاً، لا يستلزم لزوم قصد الظهريّة.

فتحصّل: أنّ الأدلّة خالية عن اعتبار قصد الأداء، بخلاف قصد القضاء، مع احتياج المكلّف إلى اعتباره عقلًا.

إيجاب قصد الأداء عند اشتغال الذمّة بالقضاء و بيان فساده

و توهّم احتياجه إلىٰ قصد الأدائيّة؛ في صورة اشتغال ذمّته بالقضاء «1» فاسد؛ لأنّه مضافاً إلى لزوم اعتباره مطلقاً، لعدم الدليل على التفكيك؛ اللّهمّ إلّا أن يقال: باكتشاف العقل قيداً في المأمور به عند اشتراك الذمّة لا يلزم القصد، فلو صلّىٰ مع اعتقاد عدم وجوب القضاء، تصحّ صلاته إذا كانت جامعة الشرائط، بخلافه في العكس.

بل و مع التوجّه تصحّ صلاته؛ لأنّه إذا نوى المغرب فهو الأدائيّ، لأنّ المغرب القضائيّ ليس واجباً بعنوانه، بل الواجب قضاء الفائت، فلو اشتغل في وقت المغرب بصلاة، فإن كانت نيّته صلاة المغرب فهي صحيحة، مسقطة لأمره الأدائيّ، من غير الحاجة إلى القصد الآخر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 47.

الواجبات في الصلاة، ص: 57

و توهّم: أنّه ربّما كان مشغولًا بالمغرب القضائيّ، غير تمام؛ لأنّ

الآتي بها لا يقصد إلّا قضاء الفائت، و بعد ذلك يشتغل بصلاة المغرب، و لا يجيب إذا سأله سائل: «ما تفعل؟» إلّا بأنّه: «يقضي الفائت» بخلافه في الأوّل، فإنّه يجيبه: ب «صلاة المغرب».

فهنا أمران:

أحدهما: متعلّق بعنوان «صلاة المغرب الحادثة في وقته».

و ثانيهما: متعلّق بعنوان «قضاء الفائت».

و حينما اشتغل بالمغرب، فإن كان من قصده الإتيان بالمغرب، فهي صلاة أدائيّة، و إن كان من قصده قضاء الفائت فاشتغل بالمغرب، فهي صلاة قضائيّة و استدراك للفائتة. و قد مرّ ما يتعلّق بصورة الشكّ في النيّة بعد الفراغ «1».

بيان المسامحة في التقسيم إلى الأدائيّة و القضائيّة

و بناءً علىٰ هذا يظهر: أنّ تقسيم الصلوات إلى الأدائيّة و القضائية، لا يخلو من المسامحة؛ ضرورة أنّ واقع الأمر ليس كذلك، بل صلاة المغرب مثلًا، إمّا تجب شرعاً فهي الأدائيّة، أو تجب عقلًا فهي تدارك الفائتة، و ليست تلك الصلاة في الصورة الثانية من الواجبات الشرعيّة، بل الواجب هو قضاء الفائت، و مقتضى وجوبه لزوم الإتيان بصلاة المغرب.

و لو كانت الأدائيّة من القيود المعتبرة في الطبيعة، يلزم بمقتضىٰ لزوم الاتحاد بين القضاء و الأداء الإتيان بها بعنوان «الأداء» فيعلم من ذلك

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 49 50.

الواجبات في الصلاة، ص: 58

أنّ العنوان المذكور ليس إلّا أمراً انتزاعيّاً، و غير دخيل في حدود المأمور به شرعاً، و خطاباً، و ملاكاً.

تذنيب: في نيّة صلاة الوليّ و الأجير

ممّا ذكرناه ظهر حال قصد النفسيّة و الغيريّة، كما في صلاة الوليّ و الأجير، فإنّه بدون النيّة لا يتمكّن من إتيان المأمور به، و لا من إسقاط أمر الإجارة. و لكنّ الذي يجب، هو قصد القضاء على الوليّ، و قصد الوفاء بعقد الإجارة على الأجير.

و انقسام الواجب إلى الواجب المباشريّ، و الواجب غير المباشريّ علىٰ ما تحرّر منّا في أقسام الواجبات؛ و أنّه غير التقاسيم المعروفة «1» لا يستلزم تقييد المأمور به بالنيّة في الأقسام، علىٰ ما عرفت سابقاً «2»، و يأتيك تفصيله في مبحث الواجبات العباديّة «3»، فلا يجب عليهما قصد صلاة نفسه قبال صلاة الغير، بل الواجب عليه قصد صلاة المغرب تارة، و قصد القضاء عن الولي أُخرى، أو الوفاء بالإجارة.

و توهّم اكتشاف العقل قيداً في المأمور به في تلك الصورة، أو اقتضاء الأمر الإجاريّ قيداً في متعلّق الإجارة و الصلوات، في غير مقامه؛ لأنّ الثاني ممتنع، لعدم الارتباط بين المسألتين، كما هو المحرّر.

______________________________

(1)

تحريرات في الأُصول 4: 50 52.

(2) تقدّم في الصفحة 21 22.

(3) يأتي في الصفحة 77 78.

الواجبات في الصلاة، ص: 59

و الأوّل و إن أمكن، إلّا أنّه لا حاجة إليه؛ ضرورة أنّ الواجب عليه، ليس صلاة المغرب مرّة عن نفسه، و مرّة عن أبيه، حتّى يقال: «بلزوم تلك النيّة» لامتناع تعلّق الأمرين التأسيسيين بالمعنى الواحد، و حيث يكون هناك أمران، فلا بدّ من كشف القيد في المتعلّق، و إلّا يلزم التداخل و سقوط الأمرين بصلاة المغرب مرّة، بناءً علىٰ إمكان الجعلَيْن تأسيساً.

بل الواجب عليه صلاة المغرب شرعاً، و القضاء عن المولّى عليه شرعاً. و الإتيان بصلاة المغرب حينئذٍ يكون بحكم العقل؛ لأنّه بدونه لا يسقط الأمر المذكور، فلو كان مشغولًا بصلاة المغرب، فهي صلاته، و إن كان مشغولًا بالقضاء أو العمل بالوفاء بالعقد، فهي صلاة الغير.

و لو شكّ فيما بيده؛ أنّها الواجب الشرعيّ أو العقليّ، فإن قلنا: بكفاية استصحاب عدم نيّة القضاء عن الغير مثلًا، فهي صلاة نفسه؛ لأنّه لا يجب عليه إلّا صلاة المغرب، و إلّا فعليه الإتيان بالمغرب الأُخرىٰ بقصد ما في الذمّة، المردّد بين الأمر العباديّ و الأمر التوصّلي. و لقد تحرّر منّا في كتاب قضاء الوليّ ما ينفعك هنا، فراجع «1».

فرع: في كفاية القصد الإجمالي

يكفي القصد الإجماليّ؛ و ذلك لأنّ الأُمور القصديّة تحصل به، و المدار على تعيّن الطبيعة بتلك الصورة المخصوصة و العنوان المحصِّل لها، و لا دليل علىٰ لزوم التفصيل أو ممنوعيّة الإجمال، بل

______________________________

(1) مباحث القضاء من كتاب الصلاة، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 60

ارتكازيّة صورة العمل و الاغتراس المغفول عنه حين العمل، ممّا يحصل به الغرض.

و من النيّة و القصد الإجماليّ، العناوين المشيرة بها إلى المأمور به عند الجهل، و

إن كان قادراً على التعيين أو الاحتياط.

و توهّم: أنّه غير كافٍ؛ لأنّ العنوان المقوّم «كالظهريّة و العصريّة و القضائيّة» و أمثالها لا يحصل بتلك النيّة المجملة؛ ضرورة أنّ بقوله حين العمل: «إنّي قاصد ما هو المأمور به الفعليّ» لا يحصل عنوان «الظهريّة» الذي من الأُمور القصديّة المتقوّمة بالقصد و النيّة، فلا بدّ إمّا من تحصيلها تفصيلًا، أو إجمالًا بوجودها في خزانة نفسه و محفظته «1».

ممنوع؛ لأنّه ليس معنى العنوان المشير، إلّا أنّه يقصد على الترديد عنوان المأمور به. و لزوم الجزم في حصول ذلك غير تمام، فمن يقصد ما في ذمّته، لا يريد به إلّا أنّه إن كان في ذمّته الظهر، فهو ظهر، و إلّا فهو عصر.

وجه بناء المتأخّرين علىٰ كفاية النيّة الإجماليّة

فبالجملة: لا يعتبر الجزم في النيّة، و لا التفصيل، فضلًا عن التقوّل، و ما اشتهر من اعتبار الجزم «2»، غير مقبول لدى المتأخّرين «3».

______________________________

(1) انظر جامع المقاصد 3: 218 219.

(2) الكافي، أبو الصلاح الحلبي: 150، المبسوط 1: 24، ذكرى الشيعة: 98/ السطر 35.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 103 104، العروة الوثقى 1: 98، كتاب الطهارة، فصل إذا صلّى في النجس، المسألة 7، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 35 36، نهاية الأُصول: 430 431، تهذيب الأُصول 2: 317 و 413.

الواجبات في الصلاة، ص: 61

و السرّ كلّه: أنّ المقصود يحصل بلا جزم، و لا دليل على العنوان المذكور، فمن صلّىٰ، ثمّ شكّ في أنّه كان ظهراً أو عصراً، فعليه الأربع الأُخر، و يأتي بها بقصد ما في ذمّته، إن لم يكن في ذمّته شي ء آخر، و هو كافٍ حينئذٍ؛ لأنّها إمّا ظهر أو عصر، بناءً علىٰ عدم اعتبار الترتيب في هذه الصورة.

و ممّا يدلّ علىٰ ذلك، المآثير الآمِرة بإتيان الأربع

ركعات؛ فيما إذا علم بترك إحدى الصلوات اليوميّة «1»، فإنّه لو كان يكفي نفس الأربع ركعات، فيلزم سقوط أمره بإتيان الأربع القضائيّ.

مع أنّه قد عرفت: أنّ تشريع مثل ذلك ممتنع «2»، فيما لو كان الواجب عليه الأربع الأُخر؛ لأنّ المباينة بين المسألتين، شرط في حصول الإرادتين التأسيسيّتين، فيعلم منه أنّ القصد الترديديّ و الإجماليّ، كافٍ في حصول المعنى المقصود و العنوان المحصّل و المقوّم، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

هذا كلّه حال المسألة على المعروف بين المتأخّرين.

الأرجح وجوب العلم بالمأمور به لا الجزم

و الّذي يخطر بالبال: هو أنّ المأمور به، مركّب من الأمر الخارجيّ و الصورة العينيّة، و الأمر الذهنيّ و المعنى القلبيّ.

مثلًا: صلاة الغداة عبارة عن الحركات الخارجيّة المعنونة بعنوان

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 275، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 11.

(2) تقدّم في الصفحة 52.

الواجبات في الصلاة، ص: 62

«الغداة» و إن لم تكن في الغداة، كما يأتي بها في اللّيل قضاءً، و هذا الجزء الثاني، لا يكون من الأُمور الواقعيّة القابلة للإشارة إليها، و ما هو مورد الأمر ليس إلّا عنوان «الغداة» و أمّا اللّازم فهو الغداة بالحمل الشائع، و هو ليس إلّا في النفس و القلب.

و الذي تقرّر في مقامه: أنّ الأُمور الوجوديّة، لا تحصل إلّا بالمبادئ المخصوصة بها الحاصلة منها، و هي معلولتها، و تلك علّتها «1»، و عندئذٍ هل يعقل حصول عنوان «الغداة» مع القصد الإجماليّ بالمعنى الثاني دون الأوّل؟! و لعمري، إنّه غير معقولٍ؛ ضرورة أنّ القصد الإجماليّ بمعنى عدم حضور العنوان تفصيلًا، و عدم خطوره بالبال حين الشروع ممّا يكفي لحصول الجزء القلبيّ بالضرورة، بخلاف الترديد و الجهل؛ فإنّه ليس من الحقائق و المعاني القابلة لاستناد الموجود إليه، و لا شبهة في لزوم وجود العنوان، الذي

هو أمر ذهنيّ، و جزء مقوّم للطبيعة المأمور بها.

فإذا كان ذلك لازماً و لو بوجود ما في خزانة الخيال، فهو يحتاج في تحقّقه إلى العلم بالواقعة؛ بمعنى أنّ المكلّف إذا علم بأنّ المطلوب هو صلاة الغداة، يتمكّن من تحصيل العنوان و إيجاده في النفس حين العمل، و إذا كان جاهلًا لا يقدر علىٰ تحصيل المطلوب بكلا جزءيه.

و قصدُ الأمر الفعليّ و المطلوب الذي ليس مشروعاً إلّا في هذا الوقت، أو هذا الوقت ظرف وجوده، أو وجوبه، يكفي لو كان للجزء

______________________________

(1) انظر شرح المنظومة (قسم الحكمة): 132.

الواجبات في الصلاة، ص: 63

المذكور واقعيّة يُشار إليها بتلك العناوين، و ما يشار إليها هو الذي يطلبه المولى، و هو ليس إلّا صلاة الغداة، إلّا أنّ عنوان «الغداة» لا يوجد بذلك، مع لزوم وجوده بالضرورة.

فَعلىٰ هذا تحصّل: أنّ الجزم بالنيّة في مواقف يحصل المأمور به مع الترديد، ليس شرطاً عقليّاً، و في غيرها يلزم؛ للزوم الإخلال بالأمر الواجب المعتبر في الطبيعة، كما عرفت.

و لا يخفىٰ: أنّ القائلين باعتبار الجزم، كما يقولون به في هذه المواقف «1»، يقولون به فيما لو كان الأمر غير معلوم، و أنّه إذا تمكّن من العلم بالأمر يجب ذلك «2».

و هذا غير تمام؛ لأنّه مع احتمال الأمر، يتمكّن من قصد الظهريّة و العصريّة كما لا يخفى، فلا تخلط.

و ما أُورد: من أنّه لا يتمكّن من الامتثال مع الاحتمال؛ عند القدرة على العلم التفصيليّ بالمأمور به «3»، مندفع في محلّه «4». فالاحتياط بتكرار العمل غير ممنوعٍ؛ لأنّه يقصد وجه العمل.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 60، الهامش 2.

(2) انظر فرائد الأُصول 2: 519.

(3) فوائد الأُصول 3: 72.

(4) تحريرات في الأُصول 6: 195 و ما بعدها و 8: 204 و

ما بعدها.

الواجبات في الصلاة، ص: 64

منافاة القصد الترديدي لقصد المأمور به بعنوانه

و لكن القصد الترديديّ في المسألة السابقة، لا يجامع اعتبار العنوان الذي لا يعقل تحقّقه إلّا بالعلم بالمأمور به، فلو شكّ بعد ما صلّىٰ أنّها الظهر أو العصر، يتعيّن عليه الإتيان بأربع بعنوان «الظهر» و الإتيان بأربع أُخر بعنوان «العصر» و ما مرّ منّا في المقام السابق؛ من كفاية النيّة المردّدة «1»، غير تمام.

إن قلت: تلك المآثير تشهد على الكفاية، و إلّا يلزم الامتناع العقليّ، علىٰ ما ذكر مراراً «2».

قلت: لا دلالة لها علىٰ أنّ الجهة المأمور بها، تحصل بالقصد المردّد بين الصلوات الثلاث: الظهرين و العشاء، لأنّه مسألة عقليّة لا تثبت بالرواية، و غاية ما يدلّ عليه أخبار تلك المسألة، أنّ الأربع ركعات تكفي، و حيث يلزم الامتناع العقليّ في بعض الصورتين، قُصِد الأمر الفعليّ علىٰ وجهٍ لا ينطبق إلّا عليه.

و هذا هو القيد المعتبر في الطبيعة شرعاً باستكشاف العقل، و لا خصوصيّة لذلك القيد، بل الذي يكشف به ما يُخرج المسألة من الشبهة السابقة، فإن شئت أخذت قصد الأمر المنجّز، أو الذي لا يشرع إلّا في هذا الوقت، أو غير ذلك؛ ممّا يتميّز الطبيعة عن الطبيعة الأُخرىٰ،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 61.

(2) تقدّم في الصفحة 48 و 52 و 59 و 61.

الواجبات في الصلاة، ص: 65

اللّازم منه إمكان تعلّق الأمرين المولويّين بهما.

كلام الفقيه اليزدي و ما يرد عليه

و ممّا أسّسناه يظهر النظر فيما قاله الفقيه اليزدي في «العروة»: «يجب تعيين العمل إذا كان ما عليه فعلًا متعدّداً، و لكن يكفي التعيين الإجماليّ، كأن ينوي ما وجب عليه أوّلًا من الصلاتين مثلًا، أو ينوي ما اشتغلت ذمّته به أوّلًا، أو ثانياً، و لا يجب مع الاتّحاد» «1» انتهىٰ.

فإنّ في كلامه مواضعَ نظر؛ ضرورة أنّ التعيين لا يعقل إلّا إذا كان

المتعلّق مهملًا، و قد مضى أنّه لا بدّ من تعيّن المتعلّق ثبوتاً حتّى يتعدّد الأمر «2»، و لا يكفي التعيّن الإجماليّ لسقوط الأمر المتعلّق بالعمل المتوجّه بعنوان «الظهريّة و العصريّة» و لا يكفي ما قاله؛ لأنّ الصلاتين لو كانتا من قبيل الظهرين، تجبان معاً، و يجب مع الاتّحاد في مثل صلاة المغرب، و أمثالها من المعنونات الشرعيّة.

نعم، لو اتّحدت لا يكشف العقل شيئاً في سائر المواضع التي أسمعناكها، و اللّٰه العالم.

فرع آخر: حول الشكّ في الركعات في أماكن التخيير

يجوز قصد القصر و التمام، و لا يجوز ذلك بعنوان الوجوب و الندب،

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 1.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 64، الهامش 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 66

فلو نوى القصر في أماكن التخيير، ثمّ بعد إكمال السجدتين شكّ في الركعات، فهل تبطل صلاته؛ لأنّه من الشكّ في الثنائيّة؟

أو تصحّ، و يتخيّر بين الاستئناف، و العمل بوظيفة الشاكّ؛ لأنّه مقتضى الأدلّة، بعد عدم الدليل علىٰ وجوب حفظ العمل عن الفساد و لزوم تصحيحه؟

أو يجب عليه الإتمام؛ لقاعدة الشكّ و إطلاقها، و أنّ نيّة القصر لا تورث عدم شمولها لمثل الفرض، و لأنّ

الفقيه يحتال، و لا يعيد صلاته «1».

و يحتمل التفصيل في المسألة؛ بين ما لو شكّ في الفرض المذكور بعد إكمال السجدتين، و بين ما لو غفل و تجاوز عن الركوع الثالث، و شكّ بين الثلاث و الأربع، بعد ما توجّه إلى أنّه نوى القصر، و غفل عن التسليم بعد التشهّد الأوّل، فيكون بالخيار في الأوّل، و الإتمام في الثاني.

وجوه و احتمالات، بل و أقوال «2».

اختيار وجوب الإتمام

و الذي تقتضيه الصناعة علىٰ ما عرفت منّا «3» أنّ نيّة القصر

______________________________

(1) نصّ الخبر هكذا: ما أعاد الصلاة فقيه قطّ، يحتال لها و يدبّرها حتّى لا يعيدها. تهذيب الأحكام 2: 351/ 1455، وسائل الشيعة 8: 247، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 29، الحديث 1.

(2) جامع المقاصد 2: 510، مفتاح الكرامة 2: 494 و 3: 335، جواهر الكلام 12: 308 الخلل في الصلاة، الشيخ الأنصاري، الرسالة الاولىٰ: 216، المسألة 16، مصباح الفقيه، الصلاة: 555/ السطر 11، الصلاة، الحائري: 379.

(3) تقدّم في الصفحة 35 36.

الواجبات في الصلاة، ص: 67

و التمام ليست مورثة لشي ء،

و لا موجبة لاختلاف الحكم في موقف، و عليه فإن قلنا: بحرمة إبطال العمل في مثل تلك الصورة، يتعيّن العمل بأخبار الشكوك «1»، إلّا أنّ حرمة الإبطال لا إطلاق لدليلها «2».

أو قلنا: بوجوب الإتمام عند إمكان التصحيح حسبَ «القواعدِ» الموضوعة لتصحيح الصلوات، و قولِه (عليه السّلام)

الفقيه يحتال، و لا يعيد الصلاة.

و هذا غير بعيد. و التدبّر فيما أُشير إليه، يشرف على الاطمئنان بأنّ الشرع يشرّع القواعد لإتمام العمل صحيحاً، فعندئذٍ يتعيّن ذلك.

و قد يشكل: بأنّ التصحيح غير ممكن؛ لأنّ قوله (عليه السّلام)

الفقيه يحتال

ليس من القواعد الشرعيّة، بل هو بعث الفقيه إلىٰ تفتيش حال القواعد الصحيحة، و التفحّص عن موضوعها في المسألة؛ حتّى لا يعيد، و أدلّة الشكوك لا تشمل المسألة؛ لأنّها مخصوصة بالرباعيّة، و هي لا تحقّق إلّا بالقصد؛ لأنّ الشكّ إن كان بعد الدخول في الثالثة، فيكون ما بيده رباعيّة، و أمّا بعد السجدة الثانية من الركعة الثانية، فليس هو رباعيّة، حتّى يمكن العمل بتلك الوظيفة المقرّرة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ عموم قوله (عليه السّلام)

ابنِ على الأكثر متى شككت «3»

يقتضي لزوم البناء؛ لأنّ الخارج منه ليس إلّا الغداة و المغرب

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 8.

(2) و هو الإجماع، لاحظ جواهر الكلام 11: 123 129، مستمسك العروة الوثقى 6: 609 611.

(3) نصّ الخبر هكذا: «متى ما شككت فخذ بالأكثر». الفقيه 1: 225/ 992، وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 68

و الأُوليين، و أمّا لو شكّ بين الثلاث و الأربع، يتعيّن عليه البناء، و هكذا لو شكّ بين الاثنتين و الثلاث، فيلزم البناء حينئذٍ على الأكثر.

و بعبارة اخرىٰ:

التخيير في الأماكن استمراريّ إلىٰ هذه الحالة، فإنّه عندئذٍ مشمول دليل البناء على الأكثر، فيكون أمر التخيير منقطعاً.

الخدشة في التمسُّك بأخبار الشكوك لإثبات الإتمام

و ربّما يحتمل اختصاص قوله (عليه السّلام)

إذا شككت فابن على الأكثر

بالصلاة التي تكون الوظيفة فيها معلومة «1»؛ بأن تكون رباعيّة، و ليس مفاده تبيين الوظيفة.

و بعبارة اخرىٰ: لا يعقل أن يكون الدليل متكفّلًا لوجود موضوعه و إيجاده، و البناء على الأكثر من الأحكام المترتّبة على الموضوع، فلا بدّ و أن يثبت موضوعه من قبل شموله و لو قبليّته بالرتبة، و فيما نحن فيه يتعيّن الثلاث بالعمل به، و هو مستحيلٌ قطعاً.

و بعبارة ثالثة: تجري قاعدة الشكّ في مورد كانت الوظيفة رباعيّة، و لا معنىٰ لتعيينها الوظيفة رباعيّة، حتّى تجري فيها.

هذا مع أنّ عموم تلك الرواية، يشكل العمل به؛ لخروج قاطبة الصلوات عنه، و اختصاصها بالركعتين الأخيرتين من الرباعيّة. و جوازُ البناء على الأكثر في النافلة أحياناً، لا يكفي لرفع الشبهة، كما لا يخفى.

و الذي يسهّل الخطب: أنّ المختار في المسألة تعيّن القصر، و أنّ

______________________________

(1) الصلاة، الحائري: 380، مهذّب الأحكام 8: 288.

الواجبات في الصلاة، ص: 69

أماكن التخيير كغيرها، و التفصيل يطلب من كتاب صلاة المسافر «1».

و ممّا يشهد علىٰ أنّ شمول تلك الأدلّة، ينحصر بما إذا كانت الوظيفة رباعيّة؛ أنّ الركعتين الأخيرتين موضوعهما و هما، من الإضافات التي لا تحصل إلّا بالقصد، و إلّا فالأخيرتان بعد وقوعهما لا تكونان قابلتين للموضوعيّة.

و توهّم: أنّ هذا دليل على اعتبار قصد القصر و التمام فاسد، بل الأدلّة المتكفّلة لوظيفة الشاكّ، لا تجري إلّا في صورة تعيّن الوظيفة بالتمام، سواء كان قصد الأربع حين الشروع، أو قصد القصر، ثمّ تذكّر أنّ وظيفته التمام، أو تخيّل أنّ التمام خمس ركعات، فشكّ بين الثلاث

و الأربع، و أتمّ على الأربع الواقعيّة، ثمّ تبيّن أنّه صلّى أربع ركعات، و غير ذلك من الفروع.

جواز الاكتفاء بالقصر عند الشكّ بين الاثنتين و الثلاث

و ربّما يمكن دعوى: أنّ مع الشكّ بين الاثنتين و الثلاث و أمثاله، يجوز له القصر و الاكتفاء به؛ و ذلك لأنّ الدليل الموجب لبطلان الثنائيّة بالشكّ، ربّما كان منصرفاً عن مثل هذه الثنائيّة، أو كان لأجل أنّ الاستصحاب، يكفي لإحراز الركعتين الموصوفتين بالوصف العدميّ، و فيما نحن فيه لا تجب الثنائيّة بتلك الصفة؛ لأنّه لو اتّفق له الإتمام تصحّ صلاته، فلو كان التخيير بدويّاً كان لذلك وجه، و حيث هو استمراريّ، فلا يعقل أن يكون الواجب بشرط لا، و مع ذلك لو اتّفق الازدياد عليهما

______________________________

(1) مباحث صلاة المسافر، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 70

كان صحيحاً.

فعليه يعلم: أنّ استصحاب عدم الزيادة في أماكن التخيير لو شكّ بين الاثنتين و الأربع و غيره قابل لأن يعتمد عليه.

نعم، ربّما يشكل ذلك على الإطلاق؛ فإنّه ليس القصر لا بشرط بالنسبة إلى الركعة، بل هو لا بشرط بالنسبة إلى الركعتين، فلو شكّ بين الاثنتين و الأربع، يصحّ رفع الزيادة المحتملة بالأصل؛ لعدم الحاجة إلى أزيد من التعبّد بعدم الزيادة، بخلاف ما لو احتمل زيادة الركعة الواحدة، فإنّ الأصل غير كافٍ، و لا يحرز به الوصف اللّازم.

التحقيق في المقام

و الذي هو التحقيق: أنّ القصر و الإتمام، و الثنائيّة و الثلاثيّة، ليسا من العناوين اللّازمة في حصول الامتثال، و لكنّهما ربّما يلزمان؛ لشمول الدليل المتكفّل لحكم خاص.

و توهّم: أنّه إمّا يكونان متعلّق الأمر، أو لٰا:

فعلى الأوّل: يجب لحاظهما حال النيّة، كسائر العناوين المتعلّقة للأمر.

و على الثاني: لا يلزم مطلقاً، و لا يجب عقلًا ذلك؛ بمعنى اكتشاف القيد الشرعيّ بحكم العقل، ضرورة أنّ أدلّة الشكوك لا تختصّ بتلك المسألة، حتّى تلزم اللغويّة، فيحكم العقل بذلك فراراً منها، فلو وقع في مثل

هذه الغائلة، يستأنف الصلاة.

الواجبات في الصلاة، ص: 71

في غير محلّه؛ بداهة أنّ العناوين المتعلّقة للأمر تارة: تكون واجبة «كالظهريّة و العصريّة» و أُخرى: تكون لأجل تمييز المتعلّق عن المتعلّق الآخر؛ ليتمكّن من الأمرين المولويّين، و لا تكون قابلة للتداخل بحسب الامتثال، كعنواني «الثنائيّة» و «الرباعيّة» فإنّهما لو تعلّق بهما الأمر، لا يلزم نيّتهما حين العمل بالضرورة، و إلّا يلزم ما لا يمكن الالتزام به.

نعم، لو كان حكم للرباعيّة، فلا منع من جواز قصده حتّى يثبت ذلك الحكم، و إن جاز له مع القصد التخلّف عنها.

و السرّ كلّ السرّ: هو أنّ الذي وجب بالدليل، هو صلاة الظهر مثلًا ليس إلّا، و الذي ثبت بالدليل الآخر، هو أنّه إن شاء قصّره أي يسلّم علىٰ ركعتين و إن شاء أتمّه؛ أي يسلّم على أربع ركعات، و هذا الدليل لا يرجع إلىٰ بيان المراد من الأوّل؛ لأنّ الواجب ليس تخييريّاً على المشهور بينهم، بل الواجب تعيينيّ، إلّا أنّه يخيّر بين الفرد القصير من المتعيّن، و الفرد الطويل منه «1».

فلو أمر المولى بإيجاد الخطّ، فما هو اللّازم هو الخطّ، و هو واجب معيّن، و لو كان في البين انصراف إلىٰ أنّه يكون علىٰ مقدار كذا أو مقدار كذا، فهو لا يورث التخيير الشرعيّ، بل هو تخيير من جانب عقل الشريعة، لا الشرع، و لا عقل الناس و إدراكهم، فافهم و اغتنم جدّاً.

فتوهّم: أن القصر و التمام بعنوانيهما متعلّقا الأمر في أماكن التخيير،

______________________________

(1) لاحظ مفتاح الكرامة 2: 335/ السطر 19، جواهر الكلام 14: 341، مستمسك العروة الوثقى 8: 190، مستند العروة الوثقى 8: 426 427.

الواجبات في الصلاة، ص: 72

و يعاقب التارك علىٰ ترك الواجب التخييريّ، فاسد جدّاً.

نعم، لا منع من قصد

الرباعيّة من أوّل الأمر، إلّا إذا كان يأتي به بعنوان الجزء الشرعيّ للمأمور به.

ثمّ إنّه لو كان من قصده الإتمام، ثمّ بعد ما فرغ من السجدة الثانية يشكّ، فجواز التقصير مرهون جريان الأصل السابق، فليتدبّر.

فتحصّل: أنّ التخيير في الأماكن الأربعة، ليس شرعيّاً، و لا عقليّاً، بل هو من جانب الشرع لا بعنوان الشرع، و ذلك لا يستلزم التخيير بين الأقلّ و الأكثر، بل القصر ما دام لم يلتحق به السلام ليس قصراً، و إذا تجاوز فعليه الإتمام، و المسألة تطلب بفروعها من مقامها «1».

______________________________

(1) مباحث صلاة المسافر، للمؤلّف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 73

المقام الخامس في عدم اعتبار عنوان الامتثال و الطاعة

لا يعتبر عنوان «الامتثال و الإطاعة» في سقوط أوامر العبادات، و لا يلزم أن يكون العبد ممتثلًا، أو العمل صادقاً عليه عنوان «الطاعة و الإطاعة» زائداً علىٰ عنوان «الصلاة و الظهريّة» فلو تخيّل محبوبيّته للمولىٰ، غافلًا عن الأمر؛ لما يرىٰ خلف الإمام العادل، يصلّون الناس، فَصلّى بهم مع الشرائط و الأجزاء، صحّت صلاته؛ لأنّ الأمر لا خصوصيّة له في حدّ ذاته إلّا البعث إلى المتعلّقات.

نعم، مع سقوطه فهل يثاب أم لا؟

فإن قلنا: بثواب أصحاب المعرفة، فلا بحث فيه.

و إن قلنا: بمقالة المتشرّعين «1» فقد يشكل؛ لأنّ طلب الثواب

______________________________

(1) لاحظ في كيفيّة الثواب و العقاب و اختلاف الآراء و الأنظار فيها إلى تهذيب الأُصول 1: 247، تحريرات في الأُصول 3: 163.

الواجبات في الصلاة، ص: 74

و استحقاق الأجر منوط بالأمر، كما في باب الضمانات، و مجرّد القيام بمطلوب المولى، لا يوجب استحقاقه الأُجرة، و لا تلازم بين سقوط الأمر و الاستحقاق، و بقائه و عدم الاستحقاق.

هذا مع أنّه لا دليل شرعيّ علىٰ ذلك، و ما ورد من الأمر بإطاعة اللّٰه تعالىٰ «1»،

ليس مولويّاً، و العقل الحاكم بلزوم الإطاعة، ليس معناه لزوم الانبعاث عن أمره و الامتثال و الإطاعة؛ فإنّ الذي يعبد اللّٰه تعالىٰ على استحقاقه، لا ينبعث عن أمره.

و حصول تلك العناوين القهريّة، لا يستلزم وجوب رعايتها في المأمور به، و قد أفتى الأعلام بكفاية الحسن الذاتيّ الثابت من الأمر الساقط للتزاحم لصحّة العبادات «2»، و أنت خبيرٌ بأنّ هذه العناوين متقوّمة بالأمر.

و الذي تحرّر منّي في بعض المقامات: أنّ الأوامر الشرعيّة الإلهيّة، لا يعقل أن تكون مولويّة «3»، و عليه يسقط البحث رأساً.

فتحصّل: أنّ سقوط الأمر العباديّ و مطلق الأمر، لا يتقوّم بأن يؤتىٰ بالمتعلّق لأجل أنّه تعالىٰ أمر بذلك، بل ربّما يسقط الأمر تارة: لمبادئ عالية عنه، و أُخرى: يسقط لمبادئ دانية منه، و الأكثر لا يأتونه لأمره، و إلّا يلزم إتيانهم به و إن علموا بأنّ عاقبته النار، و سيأتي زيادة توضيح حول تلك

______________________________

(1) كقوله تعالىٰ أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ .. المائدة (5): 92.

(2) كفاية الأُصول: 166، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 138، نهاية الدراية: 126، نهاية الأُصول: 212، نهاية التقرير 1: 302، راجع تحريرات في الأُصول 4: 345.

(3) لاحظ تحريرات في الأُصول 3: 152.

الواجبات في الصلاة، ص: 75

الجهة في المقام الآتي «1».

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الواجبات في الصلاة، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الواجبات في الصلاة؛ ص: 75

هذا كلّه حال عنوان «الامتثال».

و أمّا عنوان «العبوديّة» فهي ممّا لا بدّ منها في العبادات الشرعيّة عقلًا و شرعاً، و قد مضى بعض الكلام فيه سابقاً «2»، و يأتي من ذي قبل إن شاء اللّٰه تعالىٰ «3».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 81.

(2) تقدّم في الصفحة 13

15.

(3) يأتي في الصفحة 79.

الواجبات في الصلاة، ص: 77

المقام السادس في بطلان الصلاة و نحوها إذا لم تكن عبادة له تعالىٰ

اشارة

تمتاز العبادات عن غيرها باعتبار قصد القربة فيها، و الخلوص من الرياء، و الإتيان بها مريداً بها وجه اللّٰه؛ و ذلك للإجماع «1» و الأخبار «2».

و حيث تحتاج المسألة إلى مزيد توضيح، لا بدّ من الإشارة الإجماليّة إليها.

فاعلم: أنّ الأمر لا ينقسم إلى التعبّدي و التوصّلي، بل الأمر موضوع للبعث إلى المشتهيات، و تحريك نحوها، و كاشف عقلائيّ عن الإرادة الجدّية الإلزاميّة ما لم تكن القرينة، علىٰ ما تقرّر منّا تفصيله و برهانه

______________________________

(1) مفتاح الكرامة 2: 330 331، جواهر الكلام 9: 187، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 20 21.

(2) وسائل الشيعة 1: 46 و 59 و 64 و 70، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، أبواب 5 و 8 و 11 و 12.

الواجبات في الصلاة، ص: 78

في الأُصول «1».

فما اشتهر: من أنّ الأوامر تعبّدية أو توصّلية، غلط، بل الواجبات تعبّدية و توصّلية.

ثمّ إنّ الطبائع مختلفة بحسب الذات:

فمنها: ما هي الموضوعة عند العرف و العقلاء للعبوديّة، و يعبدون اللّٰه و غيره بها، كالصلاة و نحوها، و لا حاجة عرفاً إلى اعتبار قصد التقرّب فيها شرعاً.

و منها: ما لا تكون كذلك، كالأخماس و الزكوات و الكفّارات، فإنّها تعتبر فيها القربة، إلّا أنّه بإلزام من الشرع.

و منها: ما ليس يعتبر فيه القربة شرعاً، و يكون غير مناسب لاعتباره، كالختان و نحوه.

و الأوامر المتعلّقة بها، لا تدعو إلّا إلىٰ ما هي المبنيّة عليها بطبعها، و اعتبار القيد الزائد يحتاج إلى الدليل، كما أنّ سلب القيد المعلوم عند العرف، يحتاج إلى الدليل، فالأوامر المتعلّقة بالعبادات العرفيّة، تدعو إليها، و عند الإخلال بشي ء من مقوّماتها تبقىٰ علىٰ حالها.

فالصلاة الموضوعة للعبوديّة عند العرف، إذا كانت

متعلّقة للأمر الباعث إلىٰ إتيانها عبوديّة للّٰه تعالىٰ، لا يكون بطلانها بالرياء و نحوه؛ إلّا لأجل الإخلال بالشرط فيها.

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 2: 109 و ما بعدها.

الواجبات في الصلاة، ص: 79

توضيح لبطلان الصلاة الفاقدة لوصف العبودية

و لتوضيح ذلك نقول: مقتضى الأدلّة الشرعيّة الآمِرة بالعبادة، و الباعثة نحو عبوديّة اللّٰه تعالىٰ «1»، أنّ العبادة من الواجبات الشرعيّة، و حيث هي لا إطلاق لها، أو لا عمل بإطلاقها، يكون العمل بها منحصراً بالطريقة المعيّنة في الشرع للعبادة، كالصلاة و نحوها، فالصلاة إذا كانت مصداق العبادة، توجب سقوط أمرها، و إذا كانت العبادة المأمور بها، ليس عبادة الأصنام، بل هي عبادة اللّٰه، فلا بدّ من اتصافها بعبوديّة اللّٰه تعالىٰ؛ حسب النظر العرفيّ و الشرعيّ.

و معنى «عبوديّة اللّٰه تعالىٰ» واضح لدى اللّغة و العرف، و هي القيام حذاءه تعالىٰ، دون حذاء غيره و لو بالشركة؛ فإنّه ليس عبادة اللّٰه تعالىٰ، بل هي عبادة الجهة الجامعة المنطبقة عليه تعالىٰ.

و لو سلّمنا ذلك، فظاهر تلك الأدلّة اشتراط العبادة بالانحصار، بل لا تعارف بين الناس العابدين، الشركة في العبادة.

فعلى هذا، مع الإخلال بتلك الجهة يكون عمله باطلًا؛ للإخلال بالشرط المعتبر في المأمور به، فلو اخترنا أنّ أدلّة الرياء تقصر عن إثبات الإبطال، فلا يلزم منه صحّة العبادة التي روئي فيها، كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّ مقتضى الصناعة مع قطع النظر عن أخبار حرمة

______________________________

(1) كقوله تعالىٰ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ البيّنة (98): 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 80

الرياء و إحراقها العمل «1» بطلان العمل الذي لم يكن عبادة للّٰه تعالىٰ، بعد كونه موضوعاً بحسب الأدلّة للعبادة.

عدم اشتراط عبادية الدواعي المتأخّرة

و أمّا الدواعي المتأخّرة التي هي الداعي إلىٰ عبادة اللّٰه، فلا يلزم أن تكون من شؤون اللّٰه تعالىٰ أيضاً، كما في باب الاستئجار على الأعمال العباديّة، بل الحلقة الاولى القريبة من العمل، إذا كانت للّٰه تعالىٰ تكفي، و لا حاجة لصحّة العبادة إلىٰ قربيّة الحلقات المتأخّرة البعيدة.

نعم، لو دلّ الدليل علىٰ ذلك

فهو المتّبع، مثل أدلّة الرياء «2» المستفاد منها على المشهور «3» بطلان العمل و لو كان لإراءة الغير أي عبادة اللّٰه تعالىٰ لإراءة الغير باطلة خلافاً لما ظهر منهم أنّهم قالوا: «عبادة اللّٰه تعالىٰ لأخذ الأُجرة صحيحة» «4» مع أنّ الجهة غير القربيّة في المسألتين، من قبيل الداعي على الداعي، و سيأتي في المقام الآتي تحرير المسألة «5» إن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 64 و 70، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، أبواب 11 و 12.

(2) نفس المصدر.

(3) جامع المقاصد 2: 226، مدارك الأحكام 3: 315، الحدائق الناضرة 2: 180، جواهر الكلام 9: 187، العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8. و في مقابل المشهور قول السيّد المرتضى في الانتصار: 17، من عدم بطلان العبادة بالرياء.

(4) إيضاح الفوائد 2: 257، ذكرى الشيعة: 75، السطر 30. جامع المقاصد 7: 152، الحدائق الناضرة 11: 44، الرسائل الفقهيّة، رسالة القضاء عن الميّت، الشيخ الأنصاري: 238 و 241، العروة الوثقى 1: 742، كتاب الصلاة، فصل في صلاة الاستئجار.

(5) يأتي في الصفحة 83 85.

الواجبات في الصلاة، ص: 81

شاء اللّٰه تعالىٰ.

بيان آخر: لاعتبار كون الصلاة و نحوها عبادة له تعالىٰ

ثمّ إنّه قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّ الواجب على العباد بعنوانه، هو عبادة اللّٰه تعالىٰ حسب الأوامر الظاهرة في المولويّة، و الأمر بالصلاة و الصوم و الحجّ و أمثال ذلك من العبادات التي تكون عبادة عرفيّة ليس إلّا لبيان الطريقة التي يعبد اللّٰه تعالىٰ عليها؛ و ذلك لأنّ الالتزام بوجوب الصلاة و العبادة مولويّاً، غير ممكن؛ ضرورة أنّ العبادة ليست في الشريعة واجبة، و يكون اختيارها بيد المكلّفين، بل هي موقوفة علىٰ بيان الشرع، فالنسبة بين أدلّة الصلاة و العبادة عموم مطلق، لا العموم من وجه.

و قد

تقرّر: أنّ تعلّق الإرادتين الجدّيتين المولويّتين المتعلّقتين بالعنوانين، اللتين تكون نسبتهما ذلك، ممتنع عقلًا «1»، فلا بدّ إمّا من اختيار كون أوامر العبادة، إرشاداً إلىٰ شرطيّة كون الصلاة علىٰ وجه تكون عبادة اللّٰه، و لا تصحّ الصلاة للصنم، و لا له تعالىٰ و له معاً.

و إمّا من اختيار مولويّة تلك الأوامر، و إرشاد أوامر الصلاة إلىٰ تعيين ما يعبد به اللّٰه تعالىٰ:

مقتضىٰ فهم المشهور هو الأوّل، و مقتضى الذوق الشرعيّ و مناسبة الحكم و الموضوع، هو الثاني.

و عندئذٍ يقال: تجب شرعاً عبادة اللّٰه تعالىٰ بالصلاة و نحوها، فلا بدّ من

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 142 144 و 5: 465.

الواجبات في الصلاة، ص: 82

أن تكون الصلاة بحيث تعدّ عبادة للّٰه تعالىٰ، و هكذا الصوم و الحجّ. و أمّا ما اعتبر الشرع القربة في سقوط أمره، و لم يكن عبادة عرفيّة، فهو خارج عن عمومات وجوب العبادة.

نعم، لو ادعى الشرع عباديّة شي ء بعنوانها، يثبت أحكامها، و مقتضى ذلك وجوب الاحتياط عند الشكّ في واجبات الصلاة؛ لأنّ المسألة تندرج في كبرى الشكّ في الأسباب و المحصِّلات.

نعم، علىٰ ما تقرّر منّا من البراءة في المحصِّلات الشرعيّة «1»، تكون المسألة مجرى البراءة أيضاً، فلا تغفل.

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 66 68.

الواجبات في الصلاة، ص: 83

المقام السابع في لزوم الإخلاص و مبطلية الرياء

اشارة

لا شبهة في لزوم كون الصلاة للّٰه تعالىٰ، و العبادة له لا لغيره؛ بأن يعبده بصلاته، أو تكون صلاته عبادته لا غيره، حسب ما عرفت من أوامر الكتاب الكريم «1».

و الكلام هنا في أنّ عبادة اللّٰه تعالىٰ، لا بدّ و أن تكون للّٰه تعالىٰ أيضاً، فيعبد اللّٰه للّٰه، و أن تكون صلاته للّٰه تعالىٰ للّٰه أيضاً، أم لا؟

و بعبارة اخرىٰ: يشترط الخلوص زائداً

على العبوديّة، و أن تكون جميع الحلقات المرتبطة بالعمل الدخيلة في تحقّقه، وجهَ اللّٰه و شؤونه، و يكون العمل غير الخالص باطلًا، كما لو عبد الشيطان، أو صلّىٰ بلا طهور و لا نيّة، أم ليس الأمر كذلك؟

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 81.

الواجبات في الصلاة، ص: 84

تحرير محلّ النزاع

و الذي ينبغي أن يعلم: هو أنّ محلّ البحث هنا هو ذلك، لا الأمر السابق؛ بداهة أنّ السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) علىٰ ما ببالي قال: «بأنّ العمل الريائي ليس باطلًا، و يكون غير مقبول» «1» فالخلوص من الرياء من شرائط القبول، كالولاية و غيرها حسب بعض الآراء عنده، و ليس هو يقول بصحّة عبادة الأصنام و الصلاة لغير اللّٰه تعالىٰ بالضرورة و البداهة.

فعلى هذا، مسألة اشتراط الصلاة بكونها عبادة اللّٰه تعالىٰ، غير مسألة أنّ عبادة اللّٰه تعالىٰ لا بدّ و أن تكون للّٰه تعالىٰ.

و المراد من «الرياء» ليس العمل الخالي من عبادة اللّٰه، و الصلاةَ الآتي بها عبادة للشيطان و الصنم، أو شركةً بينه تعالىٰ و بينهم، بل الرياء من تبعات الحلقة الثانية و الثالثة، و من مزاحِمات الإخلاص و منافيات الخلوص.

و بعبارة اخرىٰ: الأدلّة المتكفّلة لاعتبار كون الصلاة عبادة اللّٰه تعالىٰ، لا تفي باعتبار الخلوص و بطلانها بالرياء، بل هو يحتاج إلى الأدلّة الأُخرىٰ، بإفادتها مانعيّة شي ء أو شرطيّته، حتّى يلزم بطلانها، فتوهّم أنّ من الرياء أن يصلّي للصنم، و يعبد الشيطان «2»، ناشئ من قلّة التدبّر في

______________________________

(1) الانتصار: 17، الحدائق الناضرة 2: 180، جواهر الكلام 9: 187.

(2) انظر جواهر الكلام 9: 189، العروة الوثقى 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، ذيل المسألة 8 في وجه الأوّل، مهذّب الأحكام 6: 131.

الواجبات في الصلاة، ص: 85

المسألة، و مخالفة مثل

السيّد (رحمه اللّٰه) و قلّة التأمّل في معنى «الرياء» لغة و في مفاد الأخبار الواردة.

المآثير الواردة في الرياء

اشارة

إذا عرفت المسألة، فالمآثير الواصلة من النواحي المقدّسة علىٰ طوائف:

الطائفة الأُولىٰ: ما تدلّ علىٰ حرمة الرياء تكليفاً
اشارة

و هي كثيرة:

فمنها: معتبرة السَّكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): سيأتي على الناس زمان تخبث فيه سرائرهم، و تحسن فيه علانيّتهم؛ طمعاً في الدُّنيا، لا يريدون به ما عند ربّهم، يكون دينهم رياءً، لا يخالطهم خوف، يعمّهم اللّٰه بعقاب، فيدعونه دعاء الغريق، فلا يستجيب لهم «1».

و ربّما يشكل دلالتها على المقصود.

و منها: معتبرة مَسْعدة بن زياد، عن جعفر بن محمّد، عن آبائه (عليهم السّلام)

أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سُئل: فيما النجاة غداً؟

فقال: إنّما النجاة في أن لا تخادعوا اللّٰه عزّ و جلّ فيخدعكم؛ فإنّه من يخادع اللّٰه يخدعه، و يخلع منه الإيمان، و نفسه يخدع لو يشعر.

______________________________

(1) الكافي 2: 224/ 14، وسائل الشيعة 1: 65، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 4.

الواجبات في الصلاة، ص: 86

قيل له: كيف، فكيف يخادع اللّٰه؟

قال: يعمل بما أمره اللّٰه، ثمّ يريد به غيره، فاتّقوا اللّٰه في الرياء؛ فإنّه الشرك باللّٰه، إنّ المرائي يُدعىٰ يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر، يا كافر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له «1».

و توهّم: أنّها لا تدلّ على الحرمة التكليفيّة زائداً على الابتلاء بترك العمل الواجب؛ لشهادة ذيلها بذلك، ممنوع فإنّ التعبير ب «الشرك و الكفر» لا يناسب إلّا حرمة ذلك العنوان، فحرمة الرياء حسب المآثير و الفتاوىٰ ممّا لا يشكّ فيها بعد موافقة بعض الموازين لها.

تحريم الرياء في مطلق الأعمال

و الظاهر أنّ الحرمة لا تختصّ بالأعمال العباديّة و القربيّة، بل هي من المحرّمات الشرعيّة على الإطلاق، و هذا هو مقتضىٰ إطلاق أخبارها، و مساعدةِ الحكم

و الموضوع لها، فلو أدّى دينه أو ترك المحرّم؛ رئاء الناس، فقد أشرك.

و هذا هو ظاهر فتوى الأصحاب أيضاً؛ فإنّ الفقيه اليزديّ قال بعد بيان اشتراط الخلوص من الرياء: «بل هو من المعاصي الكبيرة؛ لأنّه

______________________________

(1) عقاب الأعمال: 303/ 1، وسائل الشيعة 1: 69، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 16.

الواجبات في الصلاة، ص: 87

شرك باللّٰه تعالىٰ» «1».

و ربّما يمكن دعوى: أنّ التوصّليّات لا يتصوّر فيها الشرك باللّٰه تعالىٰ.

و فيه: أنّ حقيقة الرياء، لا تتصوّر إلّا بأن يرائي الناس بأنّه يعبد اللّٰه تعالىٰ، أو يطيعه و يمتثل أوامره، و حينئذٍ و إن لم يكن لحاظ وجه اللّٰه شرطاً في أداء الدَّين و ردّ السلام، و لكنّه لا يتمكّن من الرياء إلّا بإدخال وجه اللّٰه في عمله، حتّى يستثمر من قصده، و يصل إلىٰ مرامه و غرضه.

و إن شئت قلت: حقيقة الرياء ذلك، إلّا أنّها لا تتقوّم بلحاظ وجه اللّٰه في عمله؛ فإنّه لو أمر المولى عبده و هو يطيعه لإراءة الناس بأنّه عبد مطيع لمولاه، و هكذا الابن و الزوجة، فإنّه مراءٍ، و لكنّه ليس محرّماً؛ لأنّ الظاهر من أدلّته، هو الرياء الذي لاحظ فيه اللّٰه تعالىٰ؛ ضرورة أنّه بذلك يعدّ شركاً، و العبد و الابن ليسا مشركين بالمعنى المقصود منه في أدلّة حرمة الشرك.

و بالجملة: حقيقة الرياء أعمّ من المحرّم منه؛ لظهور أدلّته في حرمته حينما كان شركاً، و ذلك يخصّ بما إذا لاحظ وجه اللّٰه.

و يمكن دعوى: أنّ المراد من «الشرك» ليس الشرك في العبادة فقط و الطاعة، بل هو الشرك في التأثير و مطلق الشرك، فتكون جميع الأعمال الراجعة إلىٰ توهّم تأثير الغير في مقاصده شركاً، و إراءة ذلك في الظاهر

لكسب الاعتبار و غيره رياءً.

و قد ورد في الحديث

إنّ أدنى الشرك أن تحفظ الشي ء في القرطاس

______________________________

(1) العروة الوثقى 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8.

الواجبات في الصلاة، ص: 88

لئلّا يمحو «1».

و في روايات الرياء، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

سُئل رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عن تفسير قول اللّٰه تعالىٰ فَمَنْ كٰانَ يَرْجُوا لِقٰاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صٰالِحاً وَ لٰا يُشْرِكْ بِعِبٰادَةِ رَبِّهِ أَحَداً «2».

إلى أن قال: و من عمل عملًا ممّا أمر اللّٰه به مراءاة الناس، فهو مشرك، و لا يقبل اللّٰه عمل مراءٍ «3».

و لا شبهة في أنّ الأعمال التي يراءىٰ فيها: إمّا من الواجبات، أو من المستحبّات، و تكون مأمور اللّٰه عزّ و جلّ، فتأمّل.

الطائفة الثانية: ما تدلّ علىٰ صحّة العمل الذي وقع فيه الرياء
اشارة

و هي كثيرة:

فمنها: رواية يزيد بن خليفة قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

ما علىٰ أحدكم لو كان علىٰ قُلّة جبل حتّى ينتهي إليه أجله؟! أ تريدون تراؤون الناس؟! إنّ من عمل للناس كان ثوابه على الناس، و من عمل للّٰه كان ثوابه على اللّٰه، إنّ كلّ رياء شرك «4».

______________________________

(1) لم نعثر عليه في الجوامع الروائية.

(2) الكهف (18): 110.

(3) تفسير القمّي 2: 47، وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13.

(4) علل الشرائع: 560/ 4، وسائل الشيعة 1: 70، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 89

و منها: رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أبيه (عليه السّلام) قال

قال عليّ (عليه السّلام): اخشوا اللّٰه خشية ليست بتعذير، و اعملوا للّٰه في غير رياء و لا سمعة؛ فإنّه من عمل لغير اللّٰه، وكله اللّٰه إلىٰ عمله يوم القيامة «1».

و

منها: رواية أبي الجارود في «تفسير القمّي» المذكورة سابقاً، و في ذيلها

و لا يقبل اللّٰه عمل مراءٍ.

و منها: معتبرة السَّكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): إنّ الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجاً به، فإذا صعد بحسناته يقول اللّٰه عزّ و جلّ: اجعلوها في سجّين؛ إنّه ليس إيّاي أراد به «2».

و منها: معتبرة عقبة بن خالد قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

اجعلوا أمركم هذا للّٰه، و لا تجعلوه للناس؛ فإنّه ما كان للّٰه فهو للّٰه، و ما كان للناس فلا يصعد إلى اللّٰه «3».

و من هذه الطائفة معتبرة هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

يقول اللّٰه عزّ و جلّ: أنا خير شريك، فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمله غيري «4».

______________________________

(1) الكافي 2: 225/ 17، المحاسن: 254/ 282، وسائل الشيعة 1: 66، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 10.

(2) الكافي 2: 223/ 7، وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 3.

(3) الكافي 2: 222/ 2، وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 5.

(4) المحاسن: 252/ 271. وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 90

و منها: رواية عليّ بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

قال اللّٰه تعالىٰ: أنا أغنى الأغنياء عن الشريك، فمن أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً «1»

و غير ذلك ممّا هو المزبور في كتب الأخبار «2».

تقريب دلالة الطائفة الثانية

و تقريب الاستدلال بهذه الطائفة على الصحّة، لا يحتاج إلىٰ بيان؛ لعدم خفاء

فيها، ضرورة أنّ الأعمال الواجبة، إذا عمل بها المكلّف، يترتّب عليها الأمران: الخلاص من العقاب، و الفوز بالثواب، و إذا تركها يدخل النار، و لا يدرك المقام المخصوص بها.

و هنا بعض من الأعمال لا عقاب عليه، و لا ثواب:

أمّا الأوّل: فلأنّ الأمر الباعث نحوه سقط؛ لتماميّة متعلّقه.

و أمّا الثاني: فلأنّ استحقاق الأجر يتبع نحو الجعل، و الذي هو المجعول له الثواب هي عبادة اللّٰه للّٰه، و القيام بمطلوب اللّٰه له تعالىٰ، و يكون الانبعاث إلى المتعلّق لبعثه و أمره، حسب هذه المآثير.

فمن عَبَدَ اللّٰه تعالىٰ و إن أتى بمحبوبه لأنّه لا يعبد غيره إلّا أنّه في الحلقة الثانية يريد وجه الناس، و المدار علىٰ استحقاق الأجر هو الثاني، كما هو الأمر في الأُمور العرفيّة؛ فإنّ القيام بمطلوب الغير،

______________________________

(1) المحاسن: 252/ 270، وسائل الشيعة 1: 73، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 11.

(2) لاحظ بحار الأنوار 67: 213 250.

الواجبات في الصلاة، ص: 91

لا يورث استحقاق الأُجرة، بخلاف ما لو أتى به لأمره، فإنّه يورث الضمان.

فعدم القبول نصّ في الصحّة، و إيكال الثواب على الناس ظاهر فيه، بل هو كالنصّ.

و أمّا دخوله النار، فهو ليس للصلاة بما هي صحيحة؛ مسقطة للأمر، محبوبة للمولىٰ، بل هو لأجل الرياء الذي فيها؛ فإنّه من المحرّمات، و هذا هو المناسب للاعتبار، و إلّا يلزم تعدّد العقاب؛ لأنّه مرّة يعاقب على الرياء، و مرّة علىٰ ترك الصلاة، بل و مرّة علىٰ إبطال العمل، و هو غير مناسب لظواهر الأخبار، كيف و إن حسناته تجعل في سجّين؟! فهي مع كونها حسنات تكون قابلة لذلك، فلا يستبعد كون العمل صحيحاً، و مع ذلك يعاقب على الجهة الملتحقة به، و لا يثاب أصلًا.

و

قوله

إنّه ليس إيّاي أراد به «1»

كالنصّ في أنّ المسألة، تدور مدار الإرادات المتأخّرة، و ليس هو و غيره ناظراً إلىٰ أنّه عبد الشيطان، أو عبد الأصنام، أو عبد غير اللّٰه تعالىٰ؛ ممّا يرتبط بالإرادة المقارنة و هي إرادة العبوديّة؛ فإنّه فيها لا يريد غيره، فلا يخفى.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ علىٰ بطلان العمل الريائيّ
اشارة

فمنها: معتبرة عليّ بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السّلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): يؤمر برجال إلى النار ..

إلى أن قال

فيقول لهم خازن النار: يا أشقياء، ما كان حالكم؟ قالوا: كنّا نعمل لغير

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 89، الهامش 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 92

اللّٰه، فقيل لنا: خذوا ثوابكم ممّن عملتم له «1».

و منها: قوله (عليه السّلام) في رواية مَسْعدة بن زياد الماضية في الطائفة الأُولىٰ، عنه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

إنّ المرائي يُدعىٰ يوم القيامة بأربعة أسماء: يا فاجر، يا كافر، يا غادر، يا خاسر، حبط عملك، و بطل أجرك، فلا خلاص لك اليوم، فالتمس أجرك ممّن كنت تعمل له «2».

و دلالة هاتين الروايتين على البطلان؛ لأجل قوله

حبط عملك

و قوله

يا خاسر

و قول الخازن

يا أشقياء

فإنّ جوابهم لا يناسب إلّا بطلان عملهم؛ فإنّ الظاهر أنّ العقاب من تبعات الأمر بأخذ ثوابهم ممّن عملوا له، و ذلك يشهد علىٰ بطلان عملهم، و تكون النتيجة اشتراط العبادة بالإخلاص و التزكية من الشرك في الحلقة الثانية أيضاً.

أو يرجع إلىٰ أنّ الرياء، مبطل العمل بصورته البرزخيّة المحشور عليها يوم القيامة، و يعدّ مانعاً بناءً علىٰ تصويره؛ فإنّ لكلّ حركة صادرة من الإنسان في النشأة الآخرة، صورة من سنخها، سواء كانت صحيحة أو فاسدة، و الرياء موجب لانقلاب الصورة الصحيحة لو

وجدت صحيحة، أو حدوثها باطلة و سقيمة و ظلمانيّة و حابطة، و اللّٰه العالم.

و منها: معتبرة عبد اللّٰه بن مُسْكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه عزّ و جلّ حَنِيفاً مُسْلِماً «3»، قال

خالصاً مخلصاً؛ ليس فيه شي ء من عبادة

______________________________

(1) عقاب الأعمال: 266/ 1، علل الشرائع: 466/ 18، وسائل الشيعة 1: 70، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 1.

(2) تقدّم في الصفحة 86، الهامش 1.

(3) آل عمران (3): 67.

الواجبات في الصلاة، ص: 93

الأوثان «1».

و منها: معتبرة السَّكوني عنه (عليه السّلام) قال

قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)

في حديث

و بالإخلاص يكون الخلاص «2».

و منها: رواية يونس، عن ابن مُسْكان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في قول اللّٰه حَنِيفاً مُسْلِماً «3» قال

خالصاً مخلصاً، لا يشوبه شي ء «4»

و غير ذلك.

الإشكال في دلالة الطائفة الثالثة على الإخلاص

و دلالة هذه الطائفة على اشتراط الإخلاص في العبادة بأن يعبد اللّٰه تعالىٰ لوجه اللّٰه، و أن يريد بها اللّٰه عزّ و جلّ مشكلة؛ و ذلك لأنّ الإخلاص و كون الداعي على الداعي اللّٰه تعالىٰ أيضاً على ما في بعض الروايات الشريفة الأُخر في تفسيره يناسب كمال العبوديّة و قرب العبد منه بأعلاه:

ففي رواية عليّ بن أسباط، عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام)

أنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان يقول: طوبىٰ لمن أخلص للّٰه العبادة و الدعاء، و لم يشغل قلبه بما ترى عيناه، و لم ينس ذكر اللّٰه بما تسمع أُذناه، و لم يحزن صدره بما

______________________________

(1) الكافي 2: 13/ 1، وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 1.

(2) الكافي 2: 340/ 2، وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 2.

(3) آل عمران (3): 67.

(4) المحاسن:

251/ 269، وسائل الشيعة 1: 60، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 94

اعطي غيره «1».

و رواية سفيان بن عُيَيْنة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

الإبقاء على العمل حتّى يخلص، أشدّ من العمل، و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا اللّٰه عزّ و جلّ «2».

فإنّ هاتين الروايتين، تفسّران الموضوع في الروايات السابقة، مع أنّ فيها ما يفسّر الإخلاص، فإبطال العمل العباديّ غير الخالص بها، في غاية الإشكال.

و في قوله (عليه السّلام)

طوبىٰ لمن أخلص للّٰه العبادة

دلالة علىٰ أنّ العبادة تتحقّق مع الإخلاص و عدمه.

و توهّم دلالة الكتاب «3» على اعتبار الإخلاص «4» ممنوع؛ لأنّ الأوامر فيه تدعو إلى العبادة، و ما يدلّ منها على الإخلاص ليس محمولًا إلّا علىٰ ما في هذه المآثير، و إن كان مقتضى الصناعة حمل المطلق على المقيّد لو قلنا باتحاد المطلوب، و لكنّه ممنوع، فيحمل دليل المقيّد على الاستحباب؛ لامتناع وجوب المطلق و المقيّد معاً وجوبين مستقلّين، كما تقرّر في مقامه «5».

______________________________

(1) الكافي 2: 13/ 3، وسائل الشيعة 1: 59، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 3.

(2) الكافي 2: 13/ 4، وسائل الشيعة 1: 60، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 4.

(3) البيّنة (98): 5 قوله تعالىٰ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.

(4) لاحظ كنز العرفان 1: 32.

(5) لاحظ تحريرات في الأُصول 5: 464 466.

الواجبات في الصلاة، ص: 95

منافاة اشتراط الإخلاص لاستئجار العبد للحجّ

ثمّ إنّه لو كان الإخلاص شرط صحّة العبادة، فهو ينافي ما ورد من الأخبار الواردة في استئجار العبد للحجّ «1» و فيه الصلاة. مع أنّه بنفسه عبادة؛ فإنّ الأجير يعبد اللّٰه للدنيا، و

عبادة اللّٰه للآخرة أو عبادته له، غير ميسورة منه؛ بشهادة الوجدان فيما تعارف الآن بين أبناء الزمان.

و توهّم: أنّ الأجير يعبد اللّٰه للّٰه؛ لأنّ معنىٰ إرادة اللّٰه في العمل، هو إرادة وجهه و قصد مطلوبه الآخر؛ من الوفاء بالعقد، و من كسب الرزق لعياله، و بسط المعيشة عليهم، و غير ذلك ممّا يعدّ من وجوه اللّٰه و شؤونه تعالىٰ «2»، في محلّه، إلّا أنّ ذلك غير لازم في صحّة الحجّ المذكور عند أرباب الفتوىٰ «3»، و دائرة النزاع أوسع من تلك الصورة.

عدم وفاء الطائفة الأُولى ببطلان العمل الريائيّ

إن قلت: الطائفة الأُولىٰ تكفي لبطلان العمل الريائيّ؛ فإنّ الرياء المحرّم يرجع إلىٰ محرّمية العمل، و العبادة المحرّمة باطلة قطعاً.

قلت: أوّلًا: تلك الأدلّة تدلّ علىٰ حرمة الرياء، من غير فرق بين

______________________________

(1) وسائل الشيعة 11: 179 184، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 10 و 11 و 12 و 13 و 14.

(2) المكاسب، الشيخ الأنصاري: 62/ السطر 18.

(3) لاحظ جواهر الكلام 17: 356، العروة الوثقىٰ 2: 503، كتاب الحجّ، فصل في النيابة.

الواجبات في الصلاة، ص: 96

الرياء في العبادات و الإطاعات، و الحرمة التكليفيّة لا تورث الحكم الوضعيّ بذاتها؛ لأنّ البطلان من توابع عدم تطابق المأتيّ به مع المأمور به، فإذا كانت العبادة باطلة، فلا بدّ من اكتشاف قيد فيه؛ وجوديّاً أو عدميّاً، أو مانع، أو اكتشاف عدم الأمر الراجع إلى البطلان بالمعنى الآخر، و النهي عن الرياء لا يفيد إلّا حرمته تكليفاً، و الدليل الواحد لا يتمكّن من إفادة الجهتين.

و ثانياً: الرياء من العناوين المستقلّة، و لا يسري الحكم منها إلىٰ ما لحقها من الأعمال الأُخر إلّا بالعرض و المجاز، فالعمل الريائيّ ليس محرّماً؛ لعدم الدليل عليه، و المحرّم هو الرياء، فكما أنّه

مورد جواب السلام؛ لإظهار أنّه العبد المطيع للّٰه تعالىٰ، حتّى يتوجّه الناس إليه، و يتمكّن من الارتزاق من قبلهم بنحو يشتهيه، يقع جواباً، و يسقط أمر الشرع قطعاً، و مع ذلك يعاقب على اللّاحق به و هو الرياء، كذلك لو عبد اللّٰه تعالىٰ، و لا معنىٰ لإفادة الدليل الواحد شرطاً في حصّة من الملتحقات بمتعلّقه كالعباديّات، بل هو إمّا يفيد شرطاً، أو لا يفيد، و حيث لا سبيل إلى الأوّل يتعيّن الثاني.

فتحصّل: أنّ مسائل الرياء، من قبيل الدواعي علىٰ عبادة اللّٰه تعالىٰ، و حيث قد تقرّر أنّ العبادة لا يشترط فيها شي ء زائداً عليها «1»، فبطلانها بالرياء ممنوع.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 79 80.

الواجبات في الصلاة، ص: 97

عدم قبول العمل الريائيّ

نعم، المرائي يدخل النار لريائه، و لا يثاب علىٰ عمله الصحيح؛ لأنّه أتى به لغير اللّٰه.

و مقتضى طائفة من الروايات الشريفة، أنّ المقبوليّة مشروطة بالإخلاص، و عدمِ شركة الغير معه تعالىٰ في إرادة العبد، فلو عبد اللّٰه تعالىٰ لأمره، و لأن يحمد عليه، أو لأمره، و لأن يحصل الغرض الآخر، فلا تقبل تلك العبادة؛ لقوله

لا يقبل اللّٰه عمل مراءٍ «1».

و لقوله

أنا خير شريك، فمن عمل لي و لغيري فهو لمن عمل له «2».

و لقوله

من أشرك معي غيري في عمل لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً «3».

و توهّم: أنّ هذه المآثير ناظرة إلى الشرك في العبادة؛ بأن يعبد اللّٰه و غيره، أو يعبد غيره، في غاية الفساد، مع أنّه يخرج عن موضوع الرياء، كما لا يخفى.

______________________________

(1) تفسير القمّي 2: 47، وسائل الشيعة 1: 68، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11، الحديث 13.

(2) المحاسن: 252/ 271، وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث

7.

(3) المحاسن: 252/ 270، الكافي 2: 223/ 9، وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 9.

الواجبات في الصلاة، ص: 98

وجهان لبطلان العمل الريائي

و ربّما يمكن دعوى بطلان العبادة، لا لأجل كشف القيد فيها بهذه الأخبار، بل لأجل كشف العرف عدم الأمر بها، و هو كافٍ لعدم صحّة الاجتزاء بها عن المأمور به الواقعيّ.

و لو استشكل أيضاً: بأنّ ذلك غير ممكن؛ لأنّ النهي عن العمل الريائيّ المورث لحرمته، كاشف عن اشتراط المكلّف به بعدمه، فإليك رواية أبي بصير، قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

يجاء بالعبد يوم القيامة قد صلّىٰ، فيقول: يا ربّ، قد صلّيت ابتغاء وجهك.

فيقال له: بل صلّيت ليقال: ما أحسن صلاة فلان!! اذهبوا به إلى النار.

ثمّ ذكر مثل ذلك في القتال و قراءة القرآن و الصدقة «1».

فإنّها تدلّ علىٰ أنّ العبادة تورث استحقاقه العقاب، فهي محرّمة، و عليه تكون باطلة، و ليس وجه لتوهّم تأكّد الصحّة بالنهي هنا «2».

و أنت خبير: بأنّها من الصدر إلى الذيل، دليل علىٰ صحّة صلاته، و لكنّه للجهة العرضيّة الملتحقة بها يعاقب، و لا دلالة لها علىٰ أنّ العقاب للصلاة الكذائيّة، بل هي على العكس أدلّ، فليتدبّر جيّداً.

فبالجملة: الناظر في المسألة غافلًا عن مقالة المشهور، لا يخرج منها إلّا ذاهباً إلىٰ هذه المقالة. و لكن مخالفة الشهرة أيضاً مشكلة.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 1: 72، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 10.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 350 351 و 393 394.

الواجبات في الصلاة، ص: 99

حمل الروايات علىٰ مبطلية مراءاة الناس لا أخذ الأُجرة
اشارة

إن قيل: في روايات الحجّ؛ أنّ ثواب الأجير أضعاف ثواب المستأجر و المنوب عنه «1»، و مقتضى هذه الأخبار عدم مقبوليّة العمل غير الخالص، فيعلم أنّ تلك الأخبار ناظرة إلىٰ بيان شرطيّة الخلوص من الرياء، و هو العبادة لإراءة الناس، دون العبادة لأخذ الأُجرة؛ فإنّ الظاهر من قوله

فمن عمل لي و لغيري «2»

أنّ

الغير هو الناس، لا الجهات الأُخر، كأخذ الأُجرة.

بل هذا صريح روايات كثيرة مضت طائفة منها، المشتملة على أنّ العامل للناس يحال عليهم، و لا يثاب من قبل اللّٰه تعالىٰ «3».

فالجمع بين هذه الشتات يقتضي أن يقال: بأنّ الإخلاص شرط؛ بمعنى عدم شركة الناس في العمل، لا بمعنى عدم شركة الجهات الدنيويّة، بل بعض الأصحاب قال بصحّة العبادة؛ لبسط الرزق و الأُمور الدنيويّة الحاصلة من تلك العبادة «4» حسب الروايات «5»، و لعلّه المعروف بينهم «6»،

______________________________

(1) وسائل الشيعة 11: 163، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 1.

(2) تقدّم في الصفحة 97، الهامش 2.

(3) تقدّم في الصفحة 86، الهامش 1، و في الصفحة 88، الهامش 4، وسائل الشيعة 1: 64 73، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 11 و 12، وسائل الشيعة 11: 109، كتاب الحجّ، أبواب وجوب الحجّ و شرائطه، الباب 40.

(4) مشارق الشموس: 89/ السطر 14.

(5) وسائل الشيعة 8: 116 139، كتاب الصلاة، أبواب بقيّة الصلوات المندوبة، الباب 15 و 18 و 19 و 22 و 23 و 24 و 25 و 26 و 30 و 31.

(6) القواعد و الفوائد 1: 77، الحدائق الناضرة 2: 177 180، رياض المسائل 1: 219 220، مستند الشيعة 2: 48 52.

الواجبات في الصلاة، ص: 100

و إن خالفهم بعضهم «1».

و ممّا يؤيّد ذلك: أنّ الجهات الخارجة عن وجه اللّٰه تعالىٰ و القرب منه كنيل الدرجات العاليات من الجنّة أيضاً ممّا تصحّ معها العبادة حسب الأخبار و الأحاديث «2»، التي ربّما يأتي بعض الكلام فيها في المقام الآتي «3».

بل العبادة للّٰه و للملائكة بمعنى عدم الخلوص من تلك الجهة ربّما تكون عندهم صحيحة؛ بأن يعبد اللّٰه تعالىٰ لأن يعدّه الملائكة

من المقرّبين، و يحمدوه عليها، و كلّ ذلك لأجل أنّ هذه الروايات ناظرة إلى الجهة الخاصّة؛ و هي الخلوص من الأُمور الراجعة إلى الناس فقط.

الجواب عن الحمل السابق

قلنا: كلّ ذلك لا ينافي مقالتنا في المسألة من جهة الحكم الوضعيّ؛ و هي صحّة تلك العبادة؛ و سقوط أمرها، بل أخبار الحجّ تؤيّد و تدلّ علىٰ ذلك «4».

و توهّم انصراف هذه المآثير عن مورد المسألة في أخبار الحجّ،

______________________________

(1) المسائل المهنّائية: 89.

(2) وسائل الشيعة 1: 62، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 9.

(3) يأتي في الصفحة 110، الهامش 1.

(4) وسائل الشيعة 11: 163، كتاب الحجّ، أبواب النيابة في الحجّ، الباب 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 101

فاسد جدّاً؛ بداهة أنّ الروايات ناظرة إلى اختصاص إرادة العبد في عمله باللّٰه تعالىٰ، لا قطعها من الناس و تشريك الجهات للّٰه تعالىٰ و الملائكة، أ فما سمعت فيها قوله

اجعلوها في سجّين؛ إنّه ليس إيّاي أراد به «1»

؟! و قوله

لم أقبله، إلّا ما كان لي خالصاً «2»

؟! فإنّ هذه التعابير، تشهد علىٰ أنّ المقبوليّة مشروطة بذلك.

و قوله

.. حتّى يخلص أشدّ من العمل، و العمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلّا اللّٰه عزّ و جلّ «3»

؟! فإرادة محمدة الملائكة، كإرادة محمدة الأموات و آبائه و سائر الموجودين في الدار الآخرة، كالأنبياء و الأولياء، أو في البرزخ كسائر الناس، فإنّه لو صلّىٰ لأن يعدّوه عبداً محسناً مطيعاً، و لأن يتقرّب إلى الملائكة و الأنبياء و الأولياء في الجنّة، فإنّ كلّ ذلك مانع عن مقبوليّة العمل، و الدخولِ في الجنّة، و نيلِ الجزاء المقرّر له.

نعم، في الحجّ للروايات الخاصّة المبنيّة علىٰ مصالح عالية من أداء الوظيفة و أمثالها؛ ممّا ابتلي به الميّت و غير ذلك لا

يكون الأمر كذلك، و لعلّ مسألة النائب في الحجّ، تشتمل علىٰ نكتة تفصيلها خارج عن

______________________________

(1) الكافي 2: 223/ 7، وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 3.

(2) المحاسن: 252/ 270، الكافي 2: 223/ 9، وسائل الشيعة 1: 61 و 73، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8 و 12، الحديث 9 و 11.

(3) الكافي 2: 13/ 4، وسائل الشيعة 1: 60، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 4.

الواجبات في الصلاة، ص: 102

الكتاب، و موقوفة علىٰ مباحث أُخر.

حرمة مراءاة الأنبياء و الملائكة و الأموات

لا يقال: بناءً على ما أفدتم، يلزم حرمة الرياء و لو كان المراءى له من الأنبياء و الملائكة و الأموات، مع أنّ الالتزام به مشكل.

لأنّا نقول: أوّلًا: لا إشكال فيه بعد مساعدة الدليل، و العقل، و مناسبة الحكم و الموضوع، و الاعتبار السليم، و الفهم المستقيم.

و ثانياً: ربّما يمكن دعوى انصراف الأدلّة في الحرمة التكليفيّة عن ذلك المورد؛ لقلّة ذلك و ندرة الابتلاء به، و إن يتّفق الرياء في مثل ذلك لا يمكن إلّا مع الاعتقاد باطلاعهم علىٰ حاله و أعماله، و ذلك قلّما يتّفق لأحد و إن اقتضاه المآثير، بل و العقل، فتأمّل.

و هذه الدعوىٰ لا تأتي في المسألة السابقة؛ لأنّ الأدلّة المتكفّلة لاشتراط المقبوليّة بالإخلاص، ظاهرة في الاختصاص، و الأدلّة المتكفّلة لتحريم الرياء ليست كذلك. هذا تمام الكلام في المسألة.

مواقع النظر في مقالة المشهور

و يظهر ممّا أسّسناه مواقف النظر في مقالة القوم: من إبطالهم العمل الريائي «1»، و من قولهم باستحقاق الثواب لو انبعث عن البواعث الأُخر غير

______________________________

(1) شرائع الإسلام 1: 69، تذكرة الفقهاء 3: 110، المسألة 207، جواهر الكلام 9: 187، العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8.

الواجبات في الصلاة، ص: 103

بعث اللّٰه و بعث الناس «1»، و من إدخالهم الرياء موضوعاً في الشرك في العبادة «2»؛ بأن تكون عبادة الصنم و الشيطان رياءً، و التقرّب إلى الناس و غير اللّٰه منها أيضاً، مع أنّ الأمر علىٰ ما عرفت «3» ليس كذلك.

كلام الفقيه اليزدي و نقده

و من عجيب الكلام قول الفقيه اليزديّ: «إنّ من وجوه الرياء أن يأتي بالعمل لمجرّد إراءة الناس، من دون أن يقصد به امتثال أمر اللّٰه تعالىٰ، و هذا باطل بلا إشكال؛ لأنّه فاقد لقصد القربة أيضاً» «4» انتهىٰ!! فإنّ لازمه اشتراط الأُمور الثلاثة: عبوديّة اللّٰه، و قصد القربة، و الخلوص، و الخلط بين الجهات و عدم نيل حقيقة المسألة، أوقعهم في أمثال ذلك؛ فإنّ المعتبر أن يعبد اللّٰه بصلاته و إن كان جاهلًا بالأمر و غير منبعث عنه، كما مضى مثاله «5»، فلو قصد بعبادة اللّٰه تعالىٰ، امتثالَ الأمر التوصّلي منه تعالىٰ، أو من الأب و السيّد، فإنّها تصحّ عبادته؛ لأنّه عبد

______________________________

(1) رياض المسائل 1: 219 220، مستند الشيعة 2: 48 52، العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، الصلاة (تقريرات المحقّق الداماد) الآملي 3: 264.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 188، العروة الوثقى 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، ذيل المسألة 8، الوجه الأوّل من وجوه الرياء، الصلاة (تقريرات المحقّق الداماد) الآملي 3: 280. مهذّب الأحكام 6: 131.

(3)

تقدّم في الصفحة 84.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، ذيل المسألة 8، الوجه الأوّل من وجوه الرياء.

(5) تقدّم في الصفحة 73.

الواجبات في الصلاة، ص: 104

اللّٰه، و لم يشرك في عبادته أحداً، و ليس التقرّب المعتبر في العبادة، أزيد من ذلك الحاصل قهراً، و المقصود جدّاً.

نعم، التقرّب الحاصل من امتثال أمر الأب و الزوج و العالم و الرسول و غير ذلك، أيضاً حاصل، و لكنّه لا يضرّ بصحّة العبادة، فلو أمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أعرابيّاً بالعبادة للّٰه تعالىٰ، فعبد اللّٰه تعالىٰ لأمره (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فقد صحّت صلاته، و أطاع الرسول؛ لأنّ إطاعته واجبة أيضاً، كإطاعته تعالىٰ.

بل المسألة كذلك في المأمورين بالمعروف، فإنّهم ينبعثون نحو الصلاة للّٰه؛ بأمر الآمر بالمعروف كما لا يخفى، و هذا غير الصلاة لإراءة الناس بأنّه يعبد اللّٰه، و يكون كذا و كذا، فإنّه من المحرّمات، و من المعاصي الكبيرة.

و لو شئنا رفع حجاب الشبهات عن كلماتهم رضي اللّٰه عنهم لطال الكلام، فلا ينبغي الخلط بين مسألة الانبعاث و العبادة و التقرّب و الخلوص و أحكامها، و بين مسألة الرياء و موضوعها و حكمها.

فبالجملة: الانبعاث عن أمر اللّٰه تعالىٰ، ليس من الشرائط المعتبرة في الصحّة قطعاً؛ لأنّ الخلوص و لو كان شرطاً، لا يقتضي أن يكون العبد متحرّكاً بأمره في صحّة عبادته؛ ضرورة أنّ ذلك غير الرياء، و أدلّتها لا توجب شرطيّة مثله، و قد عرفت أنّ الأمر لا حاجة إليه في صحّتها «1»، فضلًا عن الامتثال و الانبعاث.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 73 74.

الواجبات في الصلاة، ص: 105

مع أنّ الامتثال، ربّما يكون من العناوين القهريّة الوجود؛ فإنّ المأتيّ

به العباديّ، لو كان مطابقاً مع المأمور به، فقد امتثل الأمر. و كون متعلّق الأمر قصديّاً و تقرّبيّاً، ليس معناه لزوم قصد الأمر و العلم به بعد وفائه بغرض.

الواجبات في الصلاة، ص: 107

المقام الثامن في بعض الفروع المتعلّقة بالمقام

تمهيد: و فيه أُمور:

الأوّل: في أنّ مقتضىٰ اعتبار العبادية ترك المنافيات

مقتضىٰ ما تحرّر: أنّ المعتبر شرطاً للصحّة، أن تكون الصلاة عبادة للّٰه تعالىٰ محضاً، و لا يشترط الخلوص في الصحّة، و كلّ ما كان مخلّاً بالثاني لا يورث بطلانها، بخلاف الأوّل.

و مقتضى اعتبار كونها كذلك، ترك ما ينافيها عرفاً، كما مرّ الإيماء إليه «1»؛ فإنّ المشغول بمعصية اللّٰه بحواسّه الخمس، و يكون بطنه مملوءاً من محرّم اللّٰه تعالىٰ حين العبادة، لا يعدّ عمله «عبادة للّٰه تعالىٰ».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 13 15.

الواجبات في الصلاة، ص: 108

بل عن بعض السادة الأجلّة «1» حكي: أنّ حين الصلاة لو نظر إلى الأجنبيّة، و اشتغل بنظره إليها بالمعصية، لا يعدّ عمله عبادة له تعالىٰ، و تكون صلاته باطلة، فما يظهر من أصحاب الصناعة من صحّتها «2»، في غير محلّه إنصافاً.

و لعلّهم لا يشترطون اعتبار انتزاع «العبادة» من الصلاة، و إلّا فإنّ من يعصي اللّٰه حينها بلمسه و بصره و ذوقه و سمعه و شمّه، كيف يقال: «هو يعبد اللّٰه تعالىٰ»؟! و علىٰ كلّ حال: المسألة معلومة، و لا سترة فيها.

و من المنافيات لها، الأعمال الكثيرة و الأفعال اليسيرة، كالترقّص حينما يركع و يسجد، مع أنّ مقتضىٰ صناعة الأصحاب صحّتها؛ لعدم اشتراط الأزيد من «الصلاة».

و لعمري، إنّه كيف يصحّ أن يقال: بأنّ بعضاً من الترقّص حينها ينافي اسمها «3»، و تلك الاشتغالات الباطلة المنهيّة، لا تنافي كونها عبادة له تعالىٰ؟!

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 91.

(2) لم يذكر في مبطلات الصلاة هذا الشرط، لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 715،

كتاب الصلاة، فصل في مبطلات الصلاة.

(3) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 718، كتاب الصلاة، فصل في مبطلات الصلاة، الثامن.

الواجبات في الصلاة، ص: 109

الثاني: في أصالة التوصّليّة

و مقتضى ما تحرّر منّا في الأُصول «1»: أنّ تقسيم الواجب إلى التعبّدي و التوصّلي، و البحثَ عن أصالة التعبّدية و التوصّلية، لا يورث شيئاً معتدّاً به، و أنّ الحقّ صحّة التمسّك بالمطلقات لرفع كلّية القيود؛ حتّى الجائية من قبل الأمر، و أنّ النتيجة ليست أصالة التوصّلية بالعنوان المأخوذ في التقسيم؛ لأنّ «التوصّلي» في الأقسام مقيّد بعدم النيّة المخصوصة و التقرّب و العبوديّة، و هذا القيد ليس ملحوظاً في المأمور به التوصّلي، فيكون الحاصل من المسألة أصالة التوصّلية نتيجةً، لا عنواناً، و الأمر سهل، و التفصيل في محلّه «2».

الثالث: في أقسام العبادة و أشرفها قسماً

ثمّ إنّ عبادة اللّٰه تعالىٰ ذات مراتب شتّىٰ؛ حسب تفاوت معرفة اللّٰه تعالىٰ و العشق به و الحبّ فيه، و إليها يشير ما روي عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) «3»، و ما في معتبرة هارون بن خارجة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

العبادة ثلاثة: قوم عبدوا اللّٰه عزّ و جلّ خوفاً، فتلك عبادة العبيد، و قوم

______________________________

(1) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 146 147.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 114 118.

(3) إلهي ما عبدتك خوفاً من نارك و لا طمعاً في جنّتك لكن وجدتك أهلًا للعبادة فعبدتك. الوافي 4: 361، مرآة العقول 8: 89، بحار الأنوار 67: 186.

الواجبات في الصلاة، ص: 110

عبدوا اللّٰه تبارك و تعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الأُجراء، و قوم عبدوا اللّٰه عزّ و جلّ حبّا له، فتلك عبادة الأحرار، و هي أفضل العبادة «1».

و هي أيضاً تدلّ علىٰ أنّ مسألة امتثال أمر اللّٰه و الانبعاث عنه، أمر مغفول عنه، لإدخاله له في التحريك، بل المتحرّك كلا يتحرّك من المبادئ الكامنة في نفسه؛ حسب اختلاف معارفهم باللّٰه العظيم العزيز، فلا ينبغي الخلط جدّاً.

ثمّ

إنّ أعلىٰ مراتب العبادة، هو أنّ العابد لو أدرك وجوب وجوده يعبده، و ليس مقصورة عبادته بحال إمكانه، و لهذه المسألة باب آخر و مفتاح علىٰ حدة.

و قد تقرّر منّا في «العوائد و الفوائد»: أنّ العبودية بذاتها قبيحة، و تكون حسنة؛ لتوقّف نيل الكمالات الراقية عليها، و لا يعقل أن يكون العنوان الواحد ذا ذاتين: حسناً بالإضافة إليه تعالىٰ، قبيحاً بالإضافة إلىٰ غيره، مع لزوم كون ذاته من الإضافتين «2».

و بناءً على ما حصّلناه، لا حاجة إلىٰ ذكر الفروع الكثيرة المذكورة في المتون، المبنيّة علىٰ مبنى المشهور، إلّا بعض منها:

الفرع الأوّل؛ في أنّ فوات عباديّة بعض الأجزاء هل يوجب بطلان الصلاة؟

اشارة

لا شبهة في اشتراط الصلاة بكونها عبادته؛ في جميع الأفعال

______________________________

(1) الكافي 2: 68/ 5، وسائل الشيعة 1: 62، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 9، الحديث 1.

(2) العوائد و الفوائد: 51، العائدة 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 111

و الأقوال، و أنّه لا بدّ و أن يكون قاصداً بها عبادته أوّلًا و استدامةً، و هكذا في الأجزاء المستحبّة، كالقنوت و نحوه، فإنّه يبطل.

و لكنّ الكلام هنا، في أنّ الصلاة تبطل ببطلانه، أم لا؟ و على الثاني، فربّما لا بحث في جواز تداركه بعد بقاء المحلّ.

و هكذا لو أخلّ بالشرط المذكور في بعض الأجزاء الواجبة القابلة للتدارك.

بل يمكن دعوى جريان النزاع في الأجزاء الركنيّة؛ لأنّ ذلك ليس من زيادة الركن، فإنّ الركن الذي أتى به قد بطل، و هو يتمكّن من تداركه، و ما هو يورث البطلان، هو زيادة الركن المخصوص بالركوع الثاني، و أمّا الإتيان بالركوع الباطل سهواً و تداركه، فهو غير معلوم إبطاله لها.

محتملات المسألة و وجوهها و نقدها

فبالجملة: في المسألة احتمالات:

قال الفقيه اليزدي: «الثالث: أن يقصد ببعض الأجزاء الواجبة الرياء، و هذا أيضاً باطل و إن كان محلّ التدارك باقياً» «1».

و احتاط بعض السادة المعاصرين: بأنّ «الأحوط فيه التدارك و الإعادة» «2».

______________________________

(1) العروة الوثقى 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8، الوجه الثالث من وجوه الرياء.

(2) الظاهر هو السيّد الگلبايگاني (قدّس سرّه) لاحظ العروة الوثقى 1: 617، التعليقة 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 112

و قال السيّد في موضع آخر: «الرابع: أن يقصد ببعض الأجزاء المستحبّة، الرياء، كالقنوت في الصلاة، و هذا أيضاً باطل على الأقوىٰ» «1».

و قال بعض سادة العصر: «لأنّها زيادة و إن لم يأتِ بالآخر» «2».

و يستفاد من السيّد أيضاً، أنّ الوجه للبطلان هي الزيادة، حيث

قال: «نعم، في مثل الأعمال التي لا يرتبط بعضها ببعض، أو لا ينافيها الزيادة، كقراءة القرآن و الأذان و الإقامة، إذا أتى ببعض الآيات أو الفصول من الأذان، اختصّ البطلان به، فلو تدارك بالإعادة صحّ» «3» انتهىٰ.

و قد يشكل استدلالهم «4»؛ لأنّ قوله (عليه السّلام)

من زاد في صلاته فعليه الإعادة «5»

لا يشمل الزيادة المطلقة؛ إمّا انصرافاً، أو تقييداً، و تلك الزيادة ليست عمديّة قطعاً؛ فإنّ من أخلّ بالشرط المعتبر في الطبيعة، لم يخلّ عمداً بالجزء، و لم يزد في صلاته ذلك الجزء عمداً.

و لذلك نقول: يدور الوجه مدار أنّ الشرط و هو كونها عبادة اللّٰه

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8، الوجه الرابع من وجوه الرياء.

(2) هو السيّد الشاهرودي، راجع العروة الوثقى 1: 617، التعليقة 6.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 617، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 8، الوجه الثالث من وجوه الرياء.

(4) مصباح الفقيه، الصلاة: 238/ السطر 10 و 540/ السطر 14، الصلاة، الحائري: 136 و 312، نهاية التقرير 2: 58 و 59.

(5) تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، الإستبصار 1: 376/ 1429، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 113

تعالىٰ، أو كونها خالصة من الرياء إن كان ركناً، و يكون شرط الطبيعة، لا الأجزاء بالتفصيل، يورث الإخلال به البطلان؛ لأنّ الإخلال بالعبادة في بعض الأجزاء، إخلال بشرط الطبيعة، و حينئذٍ لا يتمكّن من التدارك، و إذا كان ركناً تبطل الصلاة بالإخلال به، و عند فقد أحد القيدين لا يمكن إبطالها به؛ لأنّه إن كان غير ركن فيشمله قاعدة

لا تعاد ..

و إن كان ركناً، و لكنّه شرط الجزء، فهو يتمكّن من

الإتيان به كذلك.

نعم، بناءً علىٰ عدم جريان القاعدة في الأثناء يشكل، و لكنّ الحقّ جريانها.

و هكذا لو كان شرطاً للجزء ركناً، و تذكّر بعد ما تجاوز محلّ التدارك، فإنّه أيضاً تبطل الصلاة. و لقد فصّلنا الكلام ثبوتاً في مباحث الخلل؛ حول مسألة شرطيّة الاستقرار، و أنّ المحتملات تقرب من الثمانية، و تختلف أحكامها و آثارها «1».

عدم الفرق في البطلان من ناحية الأجزاء و المحلّ

و الذي هو الظاهر من الأدلّة: أنّ العبادة من شرائطها الركنيّة؛ و أنّ قاعدة

لا تعاد ..

لا تشمل الصلاة للشيطان، بل هي تجري بعد الفراغ عن كونها عبادة، و حيث تكون الأجزاء المستحبّة من الصلاة، فالإخلال بالشرط حال الإتيان بها إخلال بشرط الصلاة؛ ضرورة أنّ الطبيعة و الأجزاء

______________________________

(1) رسالة الخلل المذكورة هنا هي ما كتبه (قدّس سرّه) في قم المقدّسة و هي مفقودة، و مباحث الخلل من كتب الصلاة الموجودة لدينا لم نجد فيها التفصيل المذكور.

الواجبات في الصلاة، ص: 114

مختلفان بالاعتبار، و مقتضى ظاهر الأدلّة أيضاً، أنّ الصلاة لا بدّ و أن تكون عبادة للّٰه تعالىٰ، لا الأجزاء بالتفصيل الفاقدة لعنوان إجماليّ، حتّى يتوهّم صحّة بقيّة الأجزاء و إن بطل بعضها «1».

فعلى هذا، لا فرق بين صور المسألة من حيث الأجزاء، و من حيث بقاء المحلّ و عدمه.

و تفصيل الكلام من جهة محتملات المسألة و أنّ شرطيّة كونها عبادة، ترجع إلى اشتراط الأجزاء محضاً، أو الطبيعة محضاً، أو هما معاً، أو اشتراط كون المصلّي عابداً، كما قيل في بعض الشرائط «2»، و هكذا أنّه شرط ركنيّ قابل للتدارك، أو شرط علىٰ نحو القضيّة الحينيّة، أو ليس ركناً يطلب من المسألة التي أشرنا إليها.

مفاد أخبار الرياء باعتبار الإخلال بالإخلاص

و أيضاً: الذي يظهر من أخبار الرياء على القول بشرطيّة الخلوص في صحّة الصلاة عدم الركنيّة؛ لحكومة قاعدة

لا تعاد ..

على إطلاق أدلّته «3».

و توهّم حكومة أدلّتها عليها «4»، في غير محلّه؛ لعدم دلالتها علىٰ نفي

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقى 6: 23.

(2) وسائل الشيعة 5: 471، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، باب 1، الحديث 14.

(3) تقدّم في الصفحة 83.

(4) يأتي في الصفحة 117.

الواجبات في الصلاة، ص: 115

الاسم، و الأمر بالجعل في سجّين «1»، لا يدلّ

علىٰ أنّه بدون الخلوص، ليس مورد القاعدة، و حبط العمل معناه سقوط أجره، لا فساده من حيث عدم سقوط الأمر، أ فلا ترى أنّ العمل الريائيّ غير العباديّ، مع كونه مسقط الأمر، و لكنّه يجعل في سجّين؟! فلا ينبغي الخلط بين المسائل و الشروط.

فالإخلال بالجزء المستحبّي إن كان عن عمدٍ، فهو يورث البطلان؛ لأنّ من شرائط الصلاة الخلوص، و ذلك الجزء صلاة في لحاظ بقيّة الأجزاء، فيكون إخلالًا عمديّاً بشرط الطبيعة.

و لو كان سهويّاً فلا تبطل؛ لعدم إعادة الصلاة بتلك القاعدة.

و أمّا وجوب التدارك فيما كان الجزء الباطل واجباً، فهو ممنوع؛ لأنّه بعد ما كانت الصلاة صحيحة، فهو ملازم عرفاً لصحّة ذلك الجزء أيضاً، فافهم و تدبّر.

بطلان التفصيل بين الجزء الواجب و المستحبّ

و قد يتوهّم: أنّ شرط الخلوص، يتبع العمل الذي يراءىٰ فيه، فإن كان واجباً فهو واجب، و إن كان مستحبّاً فهو المستحبّ.

و هو مدفوع بأدلّته؛ ضرورة أنّ أخباره ناظرة إلىٰ شرطيّة الصلاة بالخلوص، من غير النظر فيها إلى أجزائها و تفصيلها.

______________________________

(1) الكافي 2: 223/ 7، وسائل الشيعة 1: 71، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 12، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 116

شبهة ناشئة من لحاظ الجزء مستقلا و لحاظه تبعاً

نعم، قد يشكل ذلك؛ لأجل أنّ شرط الطبيعة إن كان شرطاً لها بما هي هي، فخلوصها من الرياء إجمالًا لا يكفي لصحّتها؛ لحصول ما هو المشروط.

و إن كان شرط الأجزاء، فبطلان الجزء لا يستلزم بطلان الكلّ و لو كان واجباً؛ لتداركه في المحلّ، أو لقضائه خارج الصلاة.

نعم، الجزء الركنيّ يورث بطلانُه بطلانَها.

فعليه لا بدّ و أن يكون شرطَ الطبيعة، و شرطَ الأجزاء معاً، حتّى يجب الخلوص في جميع الأجزاء، و تبطل الصلاة بالإخلال به في بعضها، و هذا ممّا لا شاهد له في أدلّة المسألة.

أقول: الخلط بين لحاظ الجزء مستقلا و لحاظِه تبعاً، أوجب الشبهة؛ فإنّه ليس الخلوص شرط الأجزاء؛ بمعنى أن يلاحظ أجزاءها واحداً بعد واحد، و اعتبر فيها ذلك، بل هو شرط الأجزاء في لحاظ الاجتماع، لأنّها ليست إلّا الكلّ و الطبيعة الإجماليّة، فما هو شرط الطبيعة شرط الأجزاء، و ما هو شرط الجزء في لحاظ بقيّة الأجزاء، هو شرط الطبيعة على الإجمال.

فلو أخلّ بالخلوص في جزء، أخلّ بشرط الطبيعة؛ لأنّه لم يعتبر ذلك الجزء مستقلا، حتّى يكون هو باطلًا بالاستقلال، و ما هو شرط الطبيعة، لا بدّ و أن يلاحظ في جميع أجزاء الطبيعة؛ لأنّها ليست إلّا هي.

فمن الجزء ما هو بحيال الكلّ، و من الجزء ما هو في لحاظ

البقيّة

الواجبات في الصلاة، ص: 117

عين الكلّ، فلا تخلط.

و توهّم جريان القاعدة فيما لو أخلّ بشرط العبوديّة أيضاً؛ بأن تكون صلاته صحيحة لو عبد البيت بعد أمر الرسول؛ توهّماً أنّه يأمر بعبادته، فاسد؛ لأنّ «العبوديّة» من العناوين المقوّمة لموضوع

لا تعاد ..

بخلاف الخلوص من الرياء، خصوصاً بعض مراتبه المخفيّة.

و لم يتعرّض السيّد اليزديّ في «العروة» و الأصفهاني في «الوسيلة» لهذه المسألة؛ و هو الإخلال غير العمديّ بشرط الإخلاص خصوصاً.

نعم، مقتضىٰ عموم فتواهم، صحّة العبادة الفاقدة لهذا الشرط، إلّا عن عمدٍ، أو في بعض صور الجهل بالمسألة.

مختار الوالد المحقّق في مسألة الإخلال غير العمدي بشرط الإخلاص

و إنّي بعد ما عنونت المسألة عند الوالد المحقّق مدّ ظلّه أجابني: «بأنّ أدلّة الرياء، ربّما تكون حاكمة على القاعدة؛ لظهور مآثيرها في أنّ العمل الريائيّ ليس بشي ء، و ما كانت حاله كذلك، فليس صحيحاً معه و لو كان عن الجهل أو الغفلة و السهو» فتأمّل.

الواجبات في الصلاة، ص: 118

ذنابة: و فيها أُمور:
الأوّل: في توقّف الأجر على قصد الامتثال و الإخلاص

قد مرّ سابقاً «1»: أنّ الموضوعات مختلفة:

فمنها: ما يكون موضوعة للعبادة، و ما كان كذلك تحصل القربة بها بأنفسها، بعد الإتيان بها عبادة له تعالىٰ. و لنعم العبد يخلّص عمله من الشوائب و الكدورات، و انضمام المحرّمات إليه.

و منها: ما لا يكون بنفس ذاتها العرفيّة، عباديّة عرفاً و اعتباراً، فالقرب بها لا يحصل بنفس الإتيان بالمتعلّقات، و إن كانت أوامرها تسقط به، و عليه لا بدّ من نيّة الجهات المحسّنة المقرّبة، حتّى يستحقّ الثواب؛ بناءً علىٰ عموم يدلّ علىٰ ثوابه تعالىٰ علىٰ كلّ ما كان كذلك.

و من تلك الجهات قصد امتثال أمره، و الانبعاث نحو المطلوب التوصّلي ببعثه و تحريكه. و لو راءى هنا فقد حبط عمله، و لا خير له فيه.

مضافاً إلى شرّ الشرك و الرياء؛ فإنّ الانبعاث و التحرّك نحو مطلوبه بتحريكه و بعثه، و بالأُمور الراجعة إليه تعالىٰ الموجودة في نفسه، و الكامنة في خزانة خياله، لا يجتمع معها إلّا بالشركة، و إن كان أمره على التعليق كافياً لبعثه؛ و أنّه تمام العلّة عند فقد الجهة الأُخرىٰ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78 79.

الواجبات في الصلاة، ص: 119

غير الإلهيّة.

و مقتضى أدلّة اختصاص الأجر بالتحرّك بتحريكه، انحصاره به أيضاً، بل بعضها صريح في ذلك «1». و المسألة ليست فقهيّة، فتكون محوّلة إلىٰ محلّ آخر «2».

الثاني: في بطلان العمل بالرياء المحرّم

و قد يتوهّم: أنّ الرياء المحرّم يورث البطلان «3»؛ لأجل منافاته للعبوديّة، كالضمائم المحرّمة حين الصلاة، علىٰ ما عرفت منّا تقريره «4».

و فيه: أنّ مقتضىٰ أخباره صحّة الأعمال الريائيّة «5»، و منها يعلم تناسبه مع العبوديّة و اجتماعه معها.

هذا مع أنّ ما ذكرنا من الضمائم المحرّمة المنافية لصدق «العبادة» هو فيما كانت كثيرة مجتمعة، دون الاشتغال بواحدة منها، و هذا

ممّا لا بأس بالالتزام به مع الرياء أيضاً؛ فإنّ الشاغل بجوارحه و حواسّه و قلبه بالمعصية حال العبادة، ربّما لا يعدّ عابد اللّٰه تعالىٰ، و عمله عبادةً و مقرّباً عرفاً، و إن أمكن ذلك عقلًا.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 88 90.

(2) لاحظ تحريرات في الأُصول 2: 152 161.

(3) الصلاة، الحائري: 133.

(4) تقدّم في الصفحة 107.

(5) تقدّم في الصفحة 84.

الواجبات في الصلاة، ص: 120

الثالث: في أنّ الرياء في العبادة قد يكون حلالًا

ثمّ اعلم: أنّ الرياء المحرّم أو المبطل، هو الذي لم يكن موجّهاً بوجهة اللّٰه تعالىٰ، فلو كان في إراءته عبادتَه للناس، حُسناً و وجهاً إلهيّاً، فهي المحلّلة غير المبطلة، كما لو أراد بها أن يعلِّم الناس أنّه يعبده، فهم تبعاً له يعبدونه؛ لعظمة منه في قلوبهم، و اعتقادهم به، و تكون عبادته برهاناً لهم علىٰ وجوده تعالىٰ، و لزوم الخضوع لديه.

فهو يعبد اللّٰه تعالىٰ؛ لإراءة الناس، حتّى يعلموا أنّه يعبده تعالىٰ، و لكن في ذلك و جهة إلهيّة مطلوبة؛ و هي أنّهم يعتقدون به و يعبدونه. و لا أظنّ التزام القائلين باشتراط الخلوص، بطلانَ مثلها.

و بعبارة اخرىٰ: لو كان الرياء في العبادة؛ للعمل بالوظيفة الأُخرىٰ الإلهيّة، فهو مضافاً إلى أنّه ليس محرّماً ليس مبطلًا.

و دعوى التفصيل بين الوظائف المترتّبة عليها؛ فما كان مثل المثال السابق فالأمر كما قيل، و أمّا لو راءى لرزق عياله الواجب عليه، أو للواجب الآخر المقارن له فلا؛ لظهور بعض الروايات في المنع عنه؛ و أنّه إذا أخلص عمله للّٰه تعالىٰ، يُسرّح عنه فيما يرجوه و يريده «1».

غير مسموعة؛ لعدم دلالتها على الأزيد من الرجحان و المحبوبيّة، و إطلاق أخبارها منصرف عن مثل ما لو كان في ريائه وجه اللّٰه؛ فإنّ ذلك

______________________________

(1) المحاسن: 254/ 280، الكافي 1: 21/ 33،

وسائل الشيعة 1: 61، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 8، الحديث 11.

الواجبات في الصلاة، ص: 121

يرجع إلىٰ حفظ حدود اللّٰه، و ما هو المحرّم المبطل المستفاد منها، هو ما كان الغير شريكاً، بخلاف ما لو كان العمل بجوانبه له تعالىٰ، و إدخال الغير للوصول إلى الغرض الآخر منه، و الوظيفة الأُخرىٰ، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

و لعمري، إنّه بعد التأمّل فيما ذكرناه، يظهر أنّ إطلاق كلامهم في إبطال مطلق الرياء، في غير محلّه، و لا أظنّ التزامهم ببطلان عمل الذي لو لم يعبد اللّٰه في المسجد، لا يعطيه أحد شيئاً ليداوي به مرضه الواجب شرعاً تداويه، أو لو قال له بعض أهل الخير و الآمر بالمعروف: «بأنّه إن حضر الجماعة يعطه ما يعيش به» لعدم تمكّنه من الإعاشة يكون عمله محرّماً، بل و عمل الجاعل و الآمر بالمعروف أيضاً محرّماً.

و توهّم: أنّ ذلك للعناوين العرضيّة الحاكمة على إطلاق أدلّة الشروط و الأجزاء، فاسد لشبهة أحياناً في صغراها؛ لأنّ تلك الأدلّة لا ترخّص الشرك، فالذي هو الأصحّ أنّ أدلّته تقصر عن تحريم مثل ذلك؛ و أنّ مثلها ليس شركاً كما لا يخفى.

الرابع: في حكم الجزء المقصود به عبادته تعالى و تعظيم الغير

ثمّ إنّه ظهر لك حال المسائل الكثيرة في المقام؛ و أنّ البطلان في الفروع السابقة، لا يستند إلى الزيادة العمديّة، بل هو مستند إلى الإخلال بشرط الطبيعة، على الوجه الذي مضى سبيله «1»، فلو أتى ببعض أجزاء الصلاة بقصد الصلاة و غيرها بمعنى أن يعبد بها اللّٰه و غيره-

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 112 113.

الواجبات في الصلاة، ص: 122

فهي باطلة، و إن كان في الجزء المستحبّي.

و أمّا لو قصد بركوعه تعظيم الغير و الركوعَ الصلاتيّ، فإن قلنا: بأنّ الركوع موضوع لعبادة اللّٰه تعالىٰ، فالتعظيم به

عبادة، و ليست العباديّة به قصديّة، بل هي منتزعة قهراً منه؛ لأنّه لا يصنع به إلّا تعظيم اللّٰه تعالىٰ، فهي باطلة لما عرفت.

و إلّا ففي هذه الصورة و الصور الأُخرىٰ المشترك فيها قصد الصلاة و قصد غيرها البطلان غير معلوم؛ و ذلك لأنّ في قصد الصلاة لا يعتبر الإخلاص، و قصدها يتحقّق مع شركة الغير، فكأنّه يعبد اللّٰه بصلاته و ركوعه، و يعظّم غيره، و هذا ليس رياءً حتّى يكون باطلًا و مبطلًا، و لا عبوديّة له حتّى يلزم الشرك، فلا وجه لبطلانه.

خلافاً لما ظهر من القوم، فإنّهم مع قولهم: «بأنّ عباديّة الركوع قصديّة» «1» و تصريحهم: «بأنّ الشركة في القصد ليست رياءً، إذا كانت بذلك المعنىٰ» «2» قالوا بالبطلان «3»، و اختلفوا في بطلان مجموع العمل على أقوال «4»، و لكنّك عرفت أنّ ذلك ممّا لا وجه له؛ لانحصار الوجه بما

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 619 كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 12. مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 32، مهذّب الأحكام 6: 145، الصلاة (تقريرات المحقّق الداماد) الآملي 3: 321.

(2) الحدائق الناضرة 2: 177، مستند الشيعة 2: 48، مستمسك العروة الوثقىٰ 2: 418 و 6: 30 و 31.

(3) لاحظ مفتاح الكرامة 2: 331، جواهر الكلام 9: 187، العروة الوثقىٰ 1: 618 و 619، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، ذيل المسألة 11 و 12.

(4) نفس المصدر.

الواجبات في الصلاة، ص: 123

أُشير إليه.

و لكنّها باطلة على التحقيق؛ لأنّ الركوع و الصلاة موضوعان للعبادة، فالإتيان بهما حمداً للغير و تعظيماً، إمّا يرجع إلىٰ سلب اسم «الصلاة» أو يرجع إلىٰ عبوديّته لغير اللّٰه تعالىٰ، و حيث أنّه قاصد الصلاة، فتكون تلك الأعمال عبادة للغير قهراً.

و لكن الالتزام بأنّ العبوديّة ليست من

العناوين القصديّة، أيضاً مشكل، بل ممنوع، فبطلان الجزء المقصود به تعظيم الغير و الركوع الصلاتيّ، غير مبرهن حتّى يكون الكلّ باطلًا.

الخامس: في أن فساد الجزء مبطل للكلّ

ثمّ علىٰ فرض بطلان الجزء، فهو يورث بطلان الكلّ؛ لما مضى من أنّ ذلك إخلال بشرط الطبيعة، و ليس من الزيادة العمديّة حتّى يتدارك الجزء الباطل، و الإخلال بشرطها إن كان عمديّاً تبطل الصلاة به، و إن كان عن غير عمد فمقتضىٰ عموم

لا تعاد ..

عدم بطلان الجزء، و لا الكلّ.

نعم، لو اختصّت القاعدة بالفراغ منها، فمقتضىٰ إطلاق دليل الشرط لزوم الإعادة. و البحث عن الأُصول العمليّة موكول إلىٰ مباحث الخلل «1».

فما قد يقال: بأنّ الأجزاء الباطلة، لا تورث بطلانها و إن كانت واجبة؛ لأنّها إن كان في المحلّ يتداركها، و إن مضى محلّها فلا شي ء عليه إلّا القضاء،

______________________________

(1) مباحث الخلل في الصلاة الموجودة لدينا خلي عن تلكم المباحث.

الواجبات في الصلاة، ص: 124

لو كان من قبيل التشهّد و السجدة «1».

أو يقال: بصحّتها و إن كانت من الأركان؛ لأنّ بطلان الركن لا يورث بطلان الصلاة، إلّا إذا مضى محلّ تداركه.

أو يقال: بالتفصيل بين الأجزاء و بينما يأتي فيها، كالقرآن و الذكر؛ لأنّ ذلك ليس من الزيادة المبطلة «2».

كلّه خالٍ عن التحصيل، و غفلةٌ عن وجه المسألة، كما لا يخفى.

الفرع الثاني: في اشتراط استدامة النيّة

اشارة

كما يجب قصد عنوان المأمور به بدواً، كذلك يجب كونه منويّة في جميع الأفعال و الأقوال إلى آخر الصلاة؛ بأن يكون شاغلًا بها و إن كان غافلًا عنها، و الإجمال كافٍ؛ لعدم الاحتياج إلى الأزيد منه، كما مضى تقريره «3».

و كما يجب أن يأتي بها عبادة للّٰه تعالىٰ بدواً، كذلك يجب استدامته، و الاستدامة الحكميّة على القول بلزوم الإخطار كافية؛ لأنّها باقية موضوعاً في خزانة النفس.

و على القول المنصور غير كافية؛ لأنّ معنى الاستدامة حكماً، هو الذهول الفعليّ عمّا بيده من صورة العمل و عنوانه، و هو بلا

شبهة مضرّ بها؛ لتقوّم المأمور به بالعنوان المأخوذ في الدليل، علىٰ ما مضى بيانه «4».

______________________________

(1) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 23.

(2) لاحظ الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 18.

(3) تقدّم في الصفحة 59 60.

(4) تقدّم في الصفحة 17 و 21 22.

الواجبات في الصلاة، ص: 125

و قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّه تارة: يتذكّر حين الصلاة، و يشكّ في أنّ ما بيده صلاة أو غير صلاة، فإنّه لا معنى لإيجاب الإتمام، و لا دليل علىٰ إحراز موضوع المسألة؛ لأنّه الغافل عن حاله السابقة، فعليه يجب الاستئناف.

و أُخرى: يتذكّر بعد الصلاة أنّه نوى الصلاة، ثمّ غفل بحيث كان لو سئل: «ما تفعل؟» لما كان يقتدر على الجواب، و لكنّه أتمّ ما كان في يده، ثمّ تذكّر أنّه افتتح صلاة الظهر، و غفل عنها بنحو قريب من المحو عن خزانة النفس، و أتمّها غير شاعر بها، ثمّ بعد الفراغ من العمل، توجّه إلىٰ أنّه كان يصلّي الظهر مثلًا، فإنّه حينئذٍ بمقتضىٰ قوله (عليه السّلام) علىٰ ما في بعض الروايات-

إنّ الصلاة علىٰ ما افتتحت «1»، و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «2»

و مقتضى عموم

لا تعاد .. «3»

لا تجب الإعادة عليه.

توهّم عدم مبطليّة الغفلة عن عنوان الفعل و وجهه
اشارة

و لو قيل: مقتضىٰ بعض المآثير مثل معتبرة عبد اللّٰه بن المغيرة قال

______________________________

(1) نص الخبر هكذا: «هي على ما افتتح الصلاة عليه» تهذيب الأحكام 2: 197/ 776، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

(2) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2 الحديث 3.

(3) الخصال: 284/ 35، وسائل الشيعة 5: 471، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1 الحديث 14.

الواجبات في الصلاة،

ص: 126

في «كتاب حريز» أنّه قال: إنّي نسيت أنّي في صلاة فريضة حتّى ركعت، و أنا أنويها تطوّعاً. قال فقال

هي التي قمت فيها، إن كنت قمت و أنت تنوي فريضة، ثمّ دخلك الشكّ، فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة، فأنت في النافلة، و إن كنت دخلت في فريضة، ثمّ ذكرت نافلة كانت عليك، فأمض في الفريضة «1»

هو أنّ الغفلة حين العمل عن عنوان الفعل، غير مضرّة، فضلًا عن لزوم التوجّه التفصيليّ به.

بل الطبيعة بعد ما افتتحت بعنوان الفريضة، فهي علىٰ ما افتتحت، و إن أتمّها بعنوان الفريضة الأُخرىٰ أو نافلة، و كان غافلًا حينها بحيث لا يقتدر على الجواب لو سئل عن فعله، و يبقى متحيّراً، بل و لو أجاب بشي ء آخر مضادّ لما نواه فإنّ ظاهرها و ظاهر بعض آخر، أنّ الميزان افتتاحها، و عروض العناوين المضادّة، و خلوّها عن عنوان العمل كلّه، لا يضرّ بحصول المطلوب.

و من هذه المآثير، رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل ..

إلى أن قال

و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «2».

فإنّها كالنصّ، في أنّ المدار علىٰ ذلك، و إن لم يلتزم به الأصحاب

______________________________

(1) الكافي 3: 363/ 5، تهذيب الأحكام 2: 342/ 1418، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 127

- رضوان اللّٰه تعالىٰ عليهم.

جواب التوهّم السابق

قلنا: هذه الطائفة من المعاصير تحتمل وجوهاً:

منها: أنّها تكون ناظرة إلىٰ سلب اعتبار النيّة التفصيليّة حال الصلاة؛ و أنّ توهّم العنوان

الآخر، و نيّة الصلاة الأُخرىٰ بنحو الخطور بالبال، مع التوجّه إلىٰ عنوان صلاته بدواً، لا يضرّ بتلك النيّة و العمل.

و منها: أنّها ناظرة إلىٰ نفي جواز العدول من الصلاة إلىٰ صلاة أُخرى؛ و أنّه بعد ما افتتح الصلاة لا يجوز له العدول، و إنّما يحسب له ما افتتح عليه.

و منها: أنّها ناظرة إلىٰ مقام الثبوت؛ و أنّ الصلاة المفتتحة علىٰ عنوان، فهي باقية عليه و إن ذهل عن ذلك العنوان، أو طرأ العنوان المضادّ له، و تحسب له تلك الصلاة، و لكنّها في مقام الامتثال، هل يجوز الاكتفاء بمثلها؟ فهي ساكتة عنه، و المسألة ترجع إلىٰ حكم العقل؛ و هو الاشتغال.

و منها: أنّها ناظرة إلىٰ أنّ القيام للصلاة الخاصّة، كافٍ عن النيّة، و لعلّه لكونه أمارة ظنّية علىٰ تلك النيّة المعتبرة المقارنة للعمل، و هو مختار بعض الأصحاب حيث قال: «بأنّ في صورة الشكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر، يبني علىٰ ما قام إليها» «1».

______________________________

(1) البيان: 154، ذكرى الشيعة: 178/ السطر 12، مسالك الأفهام 1: 293، جامع المقاصد 2: 230.

الواجبات في الصلاة، ص: 128

و هذا هو مقتضىٰ صدر رواية ابن أبي يعفور، عنه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قام في صلاة فريضة، فصلّى ركعة، و هو ينوي أنّها نافلة.

فقال

هي التي قمت فيها و لها.

و قال

إذا قمت و أنت تنوي الفريضة، فدخلك الشكّ بعدُ، فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة، ثمّ إنّك تنويها بعد فريضة، فأنت في النافلة، و إنّما يحسب للعبد .. «1».

فبالجملة: مقتضىٰ هذا الاحتمال، هو أنّ القيام للصلاة المعيّنة، في حكم الأمارة الظنّية علىٰ عنوان الطبيعة، و الافتتاح علىٰ ذلك

تمام الموضوع؛ لكفاية النيّة بحدوثها، و لا حاجة إلىٰ بقائها حتّى بوجودها الواقعيّ الإجماليّ، فضلًا عن وجودها التفصيليّ.

نعم، لو لم يعلم لماذا قام، فهي باطلة؛ أي لا يصحّ الاجتزاء بما في يده أو ما فرغ عنه؛ لعدم الأمارة على النيّة المعتبرة في سقوط الأمر.

و هذا الاحتمال هو الأقرب من الاخريات، و الأوفق بظواهر الروايات مجموعاً، و إن كان مفاد بعض منها، أقرب إلى البعض منها، و من تلك الروايات رواية معاوية قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة، فسها فظنّ أنّها نافلة، أو قام في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة.

قال

هي على ما افتتح الصلاة عليه «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

(2) تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 129

و لعلّها ناظرة إلى أنّ الظنّ بالخلاف، لم يكن إلىٰ حدّ لو يُسأل عنه عن فعله، لما كان يقتدر على الجواب، بل كان بحيث يتذكّر العنوان المفتتح به لو سُئل عنه.

و عليه يحمل قولهم: «لو دخل في فريضة، فأتمّها بزعم أنّها نافلة غفلةً، أو بالعكس، صحّت علىٰ ما افتتحت عليه» «1» و إلّا فإطلاقه ممنوع؛ لما أنّ الغفلة لو كانت إلىٰ حدّ التحيّر و نسيان صورة العمل و عنوانه، تضرّ بالصحّة؛ للإخلال بالشرط، علىٰ ما صرّحوا به: من «أنّ استدامة النيّة واجبة إلىٰ آخر الصلاة؛ بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة» «2» فراجع و تدبّر.

فبالجملة: مقتضى القاعدة اشتراط النيّة استدامةً.

هل تدلّ الروايات علىٰ كفاية بعض الأُمور عن الاستدامة؟

و لكنّ الكلام هنا، في أنّ هذه المآثير، تدلّ على أنّ افتتاح العمل بعنوان يكفي،

و لا تلزم الاستدامة.

أو تدلّ علىٰ أنّ القيام له كافٍ، و إن لم يعلم النيّة حين التكبيرة.

أو تدلّ علىٰ مقالة المشهور؛ و أنّ المراد من «القيام للعمل» هو الشروع فيه، أو القيام المتّصل به الملازم نوعاً للنيّة، و أنّ المفروض فيها هو العارف بأنّه افتتح صلاته بعنوان الفريضة مثلًا، ثمّ شكّ في أنّها

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 18.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 15.

الواجبات في الصلاة، ص: 130

نافلة، بعد العلم بأنّها مفتتحة على الفرض، فإنّها تدلّ علىٰ لزوم البناء على الفرض، و ذلك ليس إلّا لتوجّهه إلى الفرض، و غفلتِه عنه برهة من العمل، و ذلك ليس يضرّ بصحّته، إلّا على القول بلزوم التوجّه التفصيليّ في جميع الآنات و الأحيان، و هو ممنوع بالإجماع المركّب، و بمقتضىٰ هذه الروايات الشريفة.

و قد يحتمل أن يكون المفروض فيها، هو العارف بافتتاح العمل بعنوان كذا، و إذا سها و ظنّ أنّها نافلة، لا يتوجّه ثانياً إلىٰ عمله؛ لاحتمال فراغه منها و شروطه في النفل، و حينئذٍ لو قلنا بصحّة ذلك العمل، و لزوم إتمامه فرضاً، فهو علىٰ خلاف القواعد. و لكنّه بعيد إنصافاً.

حدود دلالة رواية معاوية المتقدّمة

و الذي يظهر لي: أنّ هذه المآثير مختلفة المضمون و المفاد؛ فإنّ رواية معاوية «1» مضافاً إلى ضعف سندها «2» تقصر عن إثبات حكم علىٰ

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

(2) لأنّ في السند محمّد بن عيسى (بن عبيد) عن يونس قال فيه النجاشي: ذكر أبو جعفر بن بابويه عن ابن الوليد أنّه قال: ما تفرّد به محمّد بن عيسىٰ

من كتب يونس لا تعتمد عليه، و ضعّفه الشيخ أيضاً، انظر رجال النجاشي: 333/ 896، الفهرست، الشيخ الطوسي: 140/ 601، معجم رجال الحديث 17: 113/ 11509 مضافاً إلى ضعف طريق الشيخ إلى العيّاشي لوقوع أبي المفضّل الشيباني فيه، لاحظ رجال النجاشي: 396/ 1059، الفهرست: 136/ 593.

الواجبات في الصلاة، ص: 131

خلاف القاعدة؛ للاحتمال الذي مرّ منّا «1»، و لا إطلاق للجملة السؤاليّة، حتّى يتمسّك بالقول بعدم التفصيل؛ لإثبات الإطلاق في المرام.

مع أنّ الجهة المسئول عنها غير معلومة؛ لأنّه لا يتمّ سؤاله بما ذكره، للزوم بيان أنّه بعد ما سها، فهل يتمّ نافلة، أو فريضة؟ إن كان المقصود في الأثناء، أو أنّه بعد ما سها و أتمّ، فهل يكتفي به أم لا؟ فعليه ربّما كان المقصود هو السهو الآنيّ العارض نوعاً على المصلّين، فتأمّل جيّداً.

التعرّض لمفاد رواية ابن أبي يعفور

و رواية ابن أبي يعفور المعتبرة «2»، تدلّ بصدرها علىٰ ممنوعيّة العدول، و هكذا بذيلها.

نعم، الجملة المتوسّطة المتعرّضة لحال الشكّ، تدلّ علىٰ أنّ الشكّ و النيّة المخالفة لا يضرّان بالنيّة الأُولىٰ.

و أمّا فرض ذهوله عن النيّة الأُولىٰ، فهو خلاف المفروض فيها؛ لأنّ الكلام مسوق لبيان المسألة علىٰ أنّه يدري افتتاح الصلاة بعنوان الفريضة.

و هذه الرواية و سابقتها، ربّما تدلّان على أنّ المراد من «القيام» هو

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الواجبات في الصلاة، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الواجبات في الصلاة؛ ص: 131

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 128 129.

(2) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 132

الشروع في العمل؛ لقوله (عليه السّلام) فيها

و إن كنت دخلت فيها

و لقوله: «قام في الصلاة» مثلًا،

و لا ظهور لها في أنّ المقصود، هو القيام للصلاة، و يكون ظرف النيّة موسّعاً، حتّى تصحّ صلاة الذاهل حين الشروع.

بل الجملتان المتعرّضتان لبيان الأصل في المسألة و هو أنّ المدار علىٰ ما افتتحت الصلاة عليه تدلّان علىٰ لزوم النيّة حال الافتتاح.

نعم، لو فرضنا دلالتها علىٰ كفايتها حين القيام للصلاة، فهو لأجل أنّ القيام لها، ملازم للعنوان حينها، و تكون من الأمارات العقلائيّة علىٰ وجود اللّزوم، مع جريان أصالة عدم السهو و الغفلة عمّا قام له و نهض، فليتدبّر.

مفاد رواية ابن المغيرة

و إنّ رواية ابن المغيرة «1» كالنصّ، في أنّ المقصود هو الغفلة عن افتتاح الصلاة؛ و الإتيان بها في الأثناء نافلة، ثمّ تذكّره و تردّده في لزوم الإتمام فرضاً، أو ندباً و نفلًا، فقال (عليه السّلام): «إنّ الميزان هو النيّة الأُولىٰ، و الثانية لا تضرّ».

نعم، مقتضىٰ إطلاقها عدم مضرّيتها حتّى لو كان يعلم: أنّه لو يسأل لما أجاب في تلك الحال إلّا بالنفل، و هذا خلاف القاعدة، إلّا أنّ الإفتاء بمثلها

______________________________

(1) الكافي 3: 363/ 5، تهذيب الأحكام 2: 342/ 1418، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 133

غير ممنوع جدّاً، بعد اقتضاء عموم

لا تعاد .. «1»

ذلك أيضاً.

صور الشكّ في نيّة الصلاة

فتحصّل: أنّه تارة: يتذكّر حين الصلاة، و أُخرى: يتذكّر بعد الصلاة.

و على الأوّل تارة: يتذكّر أنّه افتتح الصلاة فريضة، ثمّ أتى ببعض منها نافلة، و لم يكن غافلًا بالمرّة، فإنّها صحيحة على المعروف «2»، و يتمّ صلاته.

و أُخرى: يتذكّر و لا يكون كذلك، فهو أيضاً يتمّ علىٰ ما استخرجناه من الرواية.

و ثالثة: يكون شاكّاً في أنّ ما بيده صلاة، أو غير صلاة، و يعلم بشروعه في الصلاة، و لكن يحتمل تماميّتها، و هذا عمل غير الصلاة، و يحتمل صلاتيّة هذا العمل أيضاً، فإنّه حينئذٍ يستأنف بلا شبهة، و إن كان احتمال كفايته لو أتمّها فرضاً، غيرَ بعيد بحسب الثبوت، و لكنّه لا يجتزئ به إثباتاً، بل عليه الإعادة.

و على الثاني: ربّما تتمّ صلاته مطلقاً؛ لعموم القاعدة، و لافتتاحها بعنوانها المعتبر فيها.

و لو دلّ الدليل على اشتراط الاستدامة، فهو محكوم بعموم القاعدة، و لا يشترط في شمول القاعدة، تصويرُ إمكان الإخلال العمديّ.

______________________________

(1) الخصال: 284/ 35، وسائل الشيعة 5: 471، كتاب الصلاة،

أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.

(2) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 18.

الواجبات في الصلاة، ص: 134

و لو سلّمنا شرطيّته؛ للزوم لغويّة جعل الحكم الوضعيّ من غير ترتّب الأثر عليه، فيكفي أن يكون الأثر بطلان الصلاة بالإخلال السهويّ، دون الجهليّ.

كما يمكن دعوى: أنّ دليل اشتراط النيّة استدامةً، ليس إلّا حكم العقل «1»؛ ضرورة أنّه بدونها لا يتمكّن من إتيان المأمور به بعنوانه، و كونُه معنوناً في ابتداء العمل، لا يكفي استدامةً، و لكن للشرع سلب اعتباره استدامةً، فلو افتتح الصلاة بعنوان الظهر فأتمّ، ثمّ تذكّر غفلته حينها؛ بذهوله عن العنوان كلّاً، و تحيّرِه في الجواب لو يُسأل عنه، تصحّ صلاته.

و تفصيل المسألة من جهة القاعدة، و ما أبدعنا هنا، يطلب من رسالتنا المعمولة في حدودها و إفاداتها فليراجع «2»؛ فإنّ المسألة تحتاج إلى التفصيل، و إن قلت قلتات كما لا يخفى.

الفرع الثالث: حول اشتراط الجزم بإتمام العمل

اشارة

المشهور اشتراط الجزم بالإتمام، و البناءِ علىٰ أن يتمّ الصلاة التي شرع فيها «3»، فلا يجوز الشروع في الصلاة مع البناء علىٰ قطعها في الأثناء، و هكذا مع الشكّ في إمكان الإتمام، و البناء علىٰ قطعها لو طرأ عارض، كمجي ء زيد و أمثال ذلك.

______________________________

(1) انظر مستند العروة الوثقىٰ 3: 58، مهذّب الأحكام 6: 150.

(2) رسالة في «قاعدة لا تعاد» للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(3) جامع المقاصد 2: 222 225، جواهر الكلام 9: 177 186، مصباح الفقيه، الصلاة: 237/ السطر 17، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 35 و 36.

الواجبات في الصلاة، ص: 135

نعم، لو كان احتمال الطارئ المانع عن الإتمام، غيرَ عقلائيّ، أو احتمال مجي ء زيد بعيداً غايته، فربّما يكفي لحصول الاطمئنان به.

و هكذا لو نوىٰ في أثناء العمل

قطعها، أو قطعَها بعد ذلك، أو نوى القاطع و المنافي فعلًا، أو بعد ذلك، فإنّ السيّد الفقيه اليزديّ اختار البطلان، إلّا إذا عاد إلى النيّة الأُولىٰ، و لم يأت ببعض الأجزاء بعنوان الجزئيّة، و لم يكن ما يأتي به فعلًا كثيراً ممّا تبطل الصلاة به «1»، و في المسألة أقوال أُخر أيضاً «2».

الحقّ عدم اشتراط الجزم و الخلو من نيّة القطع و القاطع

و الذي يقتضيه النظر، أنّ اللّازم بحكم العقل و اقتضاء الشرع، قصد عنوان الصلاة و سائر العناوين المعتبرة، و لا يتقوّم حصول ذلك بالقطع و الجزم المذكور، فلو شرع صلاته في مسيل، و احتمل وجود المانع، و لكنّه أتى بها و أتمّها، فقد أتى بالوظيفة الشرعيّة، و لا دليل على اشتراط الأزيد ممّا أتى به؛ فإنّ الجزم بالإتمام غير الجزم بالنيّة. و لو قلنا بشرطيّته لعدم إمكان تحقّقها بدونه علىٰ ما عرفت «3» فلا نقول بشرطيّة ذاك؛ لحصول جميع الجهات المعتبرة في الصلاة.

و علىٰ هذا، لا وجه لمنعهم في مسائل الجماعة، الاقتداء مع الشكّ

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 16.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 177 186، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 36.

(3) تقدّم في الصفحة 61 62.

الواجبات في الصلاة، ص: 136

في درك الإمام، مع أنّه لا يعلم بتمكّنه من إتمام الصلاة صحيحة؛ لاحتمال عدم دركه، و تكون الصلاة باطلة «1»، فتأمّل.

فبالجملة: نيّة القطع و القاطع و الإتيان بالعمل بعنوانه، لا تضرّ بالصحّة؛ لأنّ ذلك لا يرجع إلى الإخلال بنيّة العمل، و لا بقربته.

نعم، لو نوىٰ في الأثناء العمل الآخر، فهو مورث للبطلان علىٰ إشكال يأتي في المقام الآتي «2» لأنّ ذلك إخلال بالنيّة المعتبرة على الاستدامة، فلو دخل في الظهر، ثمّ نوى العصر و أتمّ عصراً، فربّما تكون

صلاته باطلة؛ لأجل الإخلال بالشرط الركنيّ المقوّم للطبيعة و المحصّل لها، بخلاف ما لو نوىٰ قطع الظهر في الركعة الرابعة، أو كان متردّداً في إتمامها أو قطعها، فإنّه لم يخلّ بالشرط فيها.

فتحصّل: أنّ كبرى المسألة غير مبرهنة، فضلًا عن فروعها، و لا نحتاج بعد ذلك إلى الغور في المسائل المترتّبة عليها، فلاحظ و تدبّر.

هذا كلّه حال اعتبار البناء على الإتمام و الجزم به، و هو مقالة القدماء «3».

حول مختار المتأخّرين من كفاية الإتمام رجاءً

و أمّا المعروف بين المتأخّرين، عدم اشتراط ذلك، و يكفي عندهم

______________________________

(1) راجع العروة الوثقىٰ 1: 774، كتاب الصلاة، فصل في الجماعة، المسألة 25 و 26.

(2) يأتي في الصفحة 157.

(3) الكافي، أبو الصلاح الحلبي: 150، المبسوط 1: 24، ذكرى الشيعة: 98/ السطر 35.

الواجبات في الصلاة، ص: 137

الإتمام رجاءً «1»، فلو شرع في الصلاة مع التردّد في تمكّنه من الإتمام، أو مع البناء علىٰ قطعها لو دعاه الناس، و لكنّه اتفق له إتمامها، فهي صحيحة، بخلاف ما لو قصد الخلاف؛ من نيّة قطع العمل أو القاطع، فإنّها تضرّ، على التفصيل المذكور من الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) «2» و ذلك لأنّه يرجع إلىٰ عدم قصد الصلاة، أو عدم قصد المأمور به و ما يطلبه المولى.

نعم، فيما لم تكن تلك النيّة الثانية مضرّة كما لو حصلت له في الأثناء آناً ما فهي صحيحة؛ لعدم الدليل على اشتراط الأزيد من ذلك، بعد عدم تنافيها للصلاة و نيّتها.

نعم، لو أتى ببعض الصلاة حال النيّة الثانية، فقد زاد في صلاته عمداً؛ لأنّ ما أتى به لا يقع منها، و إمكانُ تداركها لا يكفي بعد الازدياد فيها عمداً.

و الذي هو التحقيق: أنّ قصد المأمور به ليس شرطاً، و قصدَ الصلاة بناءً علىٰ وضعها للأعمّ حاصل،

فتوهّم أنّ قصد الخلاف يضرّ بقصد الصلاة «3»، في غير محلّه.

نعم، ربّما يكون بعض المقاصد، مضرّاً بالعبوديّة و القربة، فإنّه لو قصد أن يضحك في أثناء الصلاة، فإنّه لا يتمكّن من عبوديّته تعالىٰ بذلك

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 103 و 104، العروة الوثقىٰ 1: 98، كتاب الطهارة، فصل إذا صلّى في النجس، المسألة 7. الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 35 و 36، نهاية الأُصول: 430 و 431، تهذيب الأُصول 2: 317 و 413.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 16.

(3) الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 44.

الواجبات في الصلاة، ص: 138

العمل، إذا كان عالماً بأنّ القهقهة ممنوعة في الصلاة و مبطلة لها.

و أمّا قصد قطعها، فإن كان ذلك من الأوّل، فهو أيضاً يضرّ بشرط الطبيعة؛ و هي إتيانها عبادة للّٰه تعالىٰ، و ليست صورة العبادة اختياريّة علىٰ ما تقرّر «1»، حتّى يتوهّم تمكّنه منها و إن كان قاصداً لقطع صلاته في الأثناء.

و لو طرأ قصد القطع في الأثناء، ثمّ زال فوراً، و عاد إلى النيّة الأُولىٰ، فلا تبعد الصحّة.

و أمّا لو طرأ، و أتى بمقدار من الطبيعة، فاختار السيّد البطلان «2».

و لكنّه ربّما يشكل إمكانه «3»؛ لأنّه مع توجّهه إلىٰ قصد قطع النيّة الأُولىٰ، كيف يتمكّن من قصد الإتيان بمقدار من الطبيعة و أجزائها بعنوان الجزئيّة، إلّا هزلًا و غلطاً؟! فتلك الأجزاء المأتيّ بها بعنوان الجزئيّة، لا تضرّ زيادتها.

بطلان الصلاة مطلقاً إلّا بالعود الفوري أو الجهل بالمنافاة

نعم، يمكن دعوى بطلان العمل في جميع الصور؛ لأنّه إعراض عن صورة العمل، و اشتغال بالعمل الآخر المقابل له، فكأنّه ترك الصلاة، و اشتغل بعمل آخر، و تركُ الصلاة في الأثناء، مضرٌّ بالنيّة المشروطة فيها بدواً و استدامةً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 81.

(2)

العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 16.

(3) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 39.

الواجبات في الصلاة، ص: 139

و إن شئت قلت: لو عاد بعد ذلك إلى النيّة الأُولىٰ، يعدّ من إضافة النيّة و تكرارها، و تصير الطبيعة لزيادة الركن باطلة.

و بعبارة اخرىٰ: الإعراض عن النيّة الأُولىٰ، و العود إليها، تارة: يتّفق في زمان يعدّ عرفاً من إعادة المعدوم، و أُخرى: يكون في زمان لا يكون كذلك، بل يعدّ خروجاً من الصلاة بذلك العمل المقصود به غير الصلاة، و لو عاد إلى النيّة الأُولىٰ فهي زيادة فيها؛ أي نيّة مستقلّة للصلاة بمقدار الباقي منها، فكأنّه أتى بمقدار من الطبيعة بالنيّة الأُولىٰ، و بمقدارها الآخر بالنيّة الثانية.

و توهّم عدم الدليل علىٰ بطلان العمل بزيادة النيّة لو أمكنت «1» فاسد؛ لرجوع ذلك إلىٰ أنّ الصلاة أعمال متعدّدة متعاقبة، و يستقلّ كلّ بعنوان مقابل للآخر، و يحتاج إلى النيّة المستقلّة، و هو باطل بالضرورة كما لا يخفى.

فما أفاده القوم: من صحّة الصلاة الكذائيّة «2» خصوصاً لو كان ما اشتغل به بعد الإعراض، القرآن و الذكر في غاية السقوط، بل الصلاة في جميع الفروض باطلة، إلّا في الفرضين:

أحدهما: نيّة القطع و العود فوراً.

ثانيهما: نيّة القاطع مع الجهل بأنّه منافٍ للصلاة.

بل البطلان فيما لو اشتغل بالأعمال الأُخر بعنوان غير الصلاة

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 9: 154، مصباح الفقيه، الصلاة: 233/ السطر 24.

(2) الخلاف 1: 307، جواهر الكلام 9: 177، العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 16.

الواجبات في الصلاة، ص: 140

- كالقرآن و الذكر أقوى و أظهر ممّا لو اشتغل بأجزاء الصلاة بعنوانها، خلافاً لما يظهر من السيّد «1»؛ ضرورة أنّه اشتغال بالصلاة، و ليس من

الزيادة فيها عرفاً لو تمكّن من قصد الجزئيّة، بل هو من قبيل الإخلال بالنيّة.

دليل وجداني علىٰ بطلان مقالة المتأخّرين

و ممّا يتوجّه إليهم: أنّ حال النيّة الثانية و هي نيّة القطع مثلًا، لو كانت بعد الإعراض عن النيّة الأُولىٰ و هي نيّة الصلاة حال الصلاة لكان يحرم عليه بعد ذلك المنافيات و القواطع، فلو اشتغل حال الاشتغال بالقرآن، ببعض المنافيات كالأكل و الشرب، يكون آثماً و عاصياً، مع أنّ وجدان كلّ ذي وجدان، يجد جوازها لنفسه معلّلًا: «بأنّه خارج عن الصلاة، و أبطل عمله بالقطع، و أعرض عنه» من غير كونه مراعى بمضيّ زمان طويل، أو اشتغال بالمضادّات و الأفعال الكثيرة، فلاحظ و تدبّر جيّداً.

تنبيه: في تصوير زيادة النيّة و حكمها

المشهور عدم تصوير الزيادة في النيّة «2».

و هو إن كان يرجع إلىٰ عدمها بالنسبة إلىٰ مجموع العمل، فكذلك إلّا على القول بالإخطار.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 16.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 154، مصباح الفقيه، الصلاة: 233/ السطر 24، العروة الوثقىٰ 1: 613، كتاب الصلاة، فصل في واجبات الصلاة.

الواجبات في الصلاة، ص: 141

و إن كان يرجع إلىٰ بعض العمل، فربّما يمكن أن يتصوّر كما عرفت آنفاً «1»؛ فإنّ النيّة الأُولىٰ، تزول بنيّة القطع مع تعلّقها بمجموع العمل، ثمّ بعد العود إلى النيّة الأُولىٰ، يتعلّق به النيّة الثانية؛ لامتناع إعادة المعدوم.

و توهّم: أنّها هي الأُولىٰ عرفاً، في غير محلّه مع الفصل الطويل، كقراءة سورة من القرآن كالتوحيد و نحوه، فما اشتهر من عدم التصوير، ممنوع بإطلاقه.

فهل هي مثل زيادة الركوع؛ فتكون باطلة بها؟

أو هي مثل زيادة تكبيرة الإحرام علىٰ قول «2»، فلا تكون باطلة؛ لعدم الدليل علىٰ ركنيّتها بالمعنى الأوّل؟ إلّا ما مضى سابقاً منّا تقريره «3»؛ و هو أنّ الصلاة عمل واحد في الاعتبار، و هو يحتاج إلى النيّة الواحدة، و لو كفت النيّة

الثانية المتعلّقة ببقيّة الأجزاء، يلزم اعتبارها تفصيلًا في مورد الأمر و الإيجاب، و هو لو لم يمتنع، يكون خلاف الظاهر من الأدلّة، و خلافَ القواعد المتعارفة في كيفيّة اعتبار المركّبات «4».

هذا مع أنّ المسألة عندنا، لا تحتاج إلىٰ إثبات ركنيّتها المطلقة؛ لأنّ

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 139.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 220، العروة الوثقىٰ 1: 613، كتاب الصلاة، فصل في واجبات الصلاة، التعليقة 4 و 5، العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، التعليقة 4، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 54، منهاج الصالحين 1: 158.

(3) تقدّم في الصفحة 139.

(4) لاحظ تحريرات في الأُصول 8: 34.

الواجبات في الصلاة، ص: 142

بالإخلال بالأُولىٰ تبطل الصلاة لما مرّ «1»، و مع العود إليها فوراً، ليس من تعدّد الركن عرفاً، حتّى تكون باطلة.

نعم، علىٰ مبناهم ربّما يشكل الأمر عليهم، كما لا يخفى.

و لا يخفىٰ أيضاً: أنّ النيّة في الصلاة الاحتياطيّة بناءً علىٰ أنّها تبديل الامتثال من الزيادة فيها احتمالًا، و بعد الكشف يقيناً، فتصويرها ممكن إجمالًا.

الفرع الرابع: في حكم الصلاة الفاقدة لعنوان الظهرية و نحوه

لو صلّىٰ في أوقات الصلوات، الركعات الواجبة فيها عليه، مع الغفلة أو الجهل أو النسيان؛ بأنّه يجب عليه الإتيان بثمان ركعات النهاريّة بعنوانين و هكذا، بل كان يعتقد بأنّه لا يجب إلّا ثمان ركعات بعد الزوال، و سبع بعد الغروب، و اثنتين في الغداة، من غير الزيادة عليها، و قد صلّىٰ سنوات، فهل عليه الإعادة أم لا؟

فيه وجهان، و المشهور علىٰ ما يستظهر منهم وجوبها «2».

و قد يمكن دعوى عدم الوجوب؛ لأنّ العناوين المقوّمة للطبيعة المأمور بها، دخيلة في جريان القواعد في الأثناء؛ ضرورة أنّ صورة العمل ما لم تكن محفوظة، لا تجري القاعدة، و إذا كانت محفوظة فلا شكّ في

______________________________

(1) تقدّم في

الصفحة 138.

(2) مفتاح الكرامة 2: 319، جواهر الكلام 9: 158، العروة الوثقىٰ 2: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 143

الصورة، علىٰ ما مرّ تفصيله «1»، و أنّ أدلّة البناء علىٰ أحد طرفي الترديد، لا تشمل صورة الشكّ في العنوان؛ لعدم الوجه لاختيار أحد الطرفين تعييناً، و لا نصّ بالخصوص حتّى يكون هو المرجع.

و أمّا بعد ما فرغ من الصلاة غير المفتتحة علىٰ عنوان خاصّ، فمقتضىٰ قاعدة

لا تعاد ..

نفي وجوب الإعادة، و صحّة المأتيّ بها، و الاكتفاء بها؛ لمضيّ الشرع حسب دلالتها عن العناوين المقوّمة، و اكتفائه بنفس الركعات.

و توهّم: أنّ المكلّف المفروض نوى الواجب و المطلوب، في غير محلّه؛ لأنّ المفروض غير هذه الصورة.

مع أنّك قد أحطت خُبراً؛ بعدم كفاية ذلك لتحصيل العناوين القصديّة، التي لا وعاء لها إلّا الذهن «2».

فبالجملة: ربّما لا يستبعد صحّة التمسّك بها لنفي الإعادة، بعد ما كان يأتي بالركعات حسب اعتقاده في أوقاتها، و المسألة بعد تحتاج إلى التأمّل.

و ربّما يمكن دعوى، حكومة قوله (عليه السّلام) في معتبرة عبد اللّٰه بن أبي يعفور

إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «3».

فلو كانت صلاته بلا افتتاح و بلا نيّة، فهي لا تحسب له، كقوله (عليه السّلام)

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 21 و ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 21.

(3) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 144

لا صلاة لمن لم يقم صلبه «1»

و أمثاله.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الجملة المشار إليها، ليست في مقام بيان مسألتنا، بل هي ناظرة إلىٰ صلاة مفتتحة علىٰ نيّة؛ و أنّها عليها تحسب و إن أخلّ بها في

الأثناء مثلًا.

و ممّا يمكن أن يستدلّ به علىٰ وجوب الإعادة، رواية مصدّق، عن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): في الرجل يريد أن يصلّي ثماني ركعات، فيصلّي عشر ركعات، و يحتسب بالركعتين من صلاة عليه.

قال

لا، إلّا أن يصلّيها متعمّداً، فإن لم ينوِ ذلك فلا «2».

فإنّها كالنصّ في لزوم الإعادة، و عدم صحّة الاكتفاء بمجرّد الإتيان بالركعتين الموافقتين مع ما عليه، فلا تغفل.

______________________________

(1) الكافي 3: 320/ 4 و 6، تهذيب الأحكام 2: 78/ 290، وسائل الشيعة 6: 321، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 16، الحديث 2. و لاحظ أيضاً: وسائل الشيعة 5: 488، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 2.

(2) تهذيب الأحكام: 343/ 1421، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 3، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 145

المقام التاسع في حكم العدول من السابقة إلى اللّاحقة و بالعكس

اشارة

لا شبهة في عدم صحّة العدول؛ حسب الموازين العقليّة و الصناعات العلميّة، لا من السابقة إلى اللّاحقة، و لا العكس.

و توهّم: أنّ هذه المسائل اعتباريّة قصديّة، و الطبيعة كما توصف ب «الظهريّة» بالقصد، كذلك توصف ب «العصريّة» بعد انقلاب النيّة، و الأدلّةُ الشرعيّة لا تصحّح الممتنعات العقليّة، فمن شرع في العصر، ثمّ تذكّر أنّه لم يأتِ بالأُولىٰ، فله أن ينويها ظهراً و أتمّها، و هذه كافية لحصول الوصف المقوّم للطبيعة بذلك «1».

فاسد؛ بداهة أنّ مقتضى الأدلّة اتصاف الطبيعة بأجزائها التي هي ليست إلّا هي بالأوصاف اللّازمة، لا الطبيعة المهملة، علىٰ ما مضى

______________________________

(1) انظر مهذّب الأحكام 6: 161 162.

الواجبات في الصلاة، ص: 146

سبيله «1»، و عندئذٍ يكون ما بيده فاقدة الصفة المعتبرة قيداً في المأمور به.

و اتصافها بعد ذلك و إن أمكن، إلّا أنّ ذلك لا يورث انقلاب ما أتى به عمّا كان عليه، و تلك الأوصاف

ليست من الأُمور الاعتباريّة بالمعنى الحقيقيّ، بل هي من الحقائق الذهنيّة الموجودة في النفس، الموجبة لاتصاف الخارج ب «الظهريّة» و «العصريّة» فلا يمكن سلبها بعد وجودها، بخلاف الأُمور الاعتباريّة، فلا تخلط.

ثمّ إنّ مقتضىٰ بعض الروايات السابقة «2»، ممنوعيّة العدول، ففي رواية معاوية قال (عليه السّلام)

هي علىٰ ما افتتح الصلاة عليه «3».

بل ربّما يمكن دعوى معارضة قوله (عليه السّلام) في معتبرة ابن أبي يعفور

إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «4»

مع الأخبار المرخّصة للعدول «5»؛ لحجّيّة مفهوم الحصر، بل و إباء هذه الجملة عن التقييد.

فبالجملة: ممنوعيّة العدول حسب القواعد، و الأخبار، و الفتاوى بديهيّة.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 116.

(2) تقدّم في الصفحة 125 126.

(3) تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

(4) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

(5) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

الواجبات في الصلاة، ص: 147

توهّم دلالة الأخبار المرخصة على الجواز و جوابه

و ربّما يتوهّم، دلالة الأخبار المرخّصة على الجواز مطلقاً؛ لأنّها بترخيصها تدلّ على أنّ الشرط، ليس العنوان على الإطلاق، حتّى يلزم اتصاف الطبيعة به في جميع أجزائها، فعليه يكون مقتضى القاعدة جواز العدول؛ لأنّ وجه المنع ظهور الروايات الشريفة في لزوم اتصاف الطبيعة ب «الظهريّة» و «العصريّة» حتّى تكون مسقطة لأمرها، و حيث سقط ظهورها بقرينيّة تلك الأخبار فيعلم جوازه على الإطلاق إلّا مع الدليل.

و قد يمنع ذلك؛ لأجل سقوط الروايات السابقة طرّاً، مع أنّ فيها المعتبرة، و عليها الفتوىٰ «1». و توهّم أنّها ساقطة بالمعارضة، غير معلوم؛ لاحتمال اختصاصها بمنع العدول من الفريضة إلى النافلة.

و ممّا يشهد لذلك:

أنّ مورد تلك المآثير، نيّة الفريضة في النافلة و بالعكس.

و لو فرضنا سقوط العلّة عن الحجّية، لا يسقط الخبر عنها.

مع أنّ قوله (عليه السّلام)

هي علىٰ ما افتتح «2»

لا يعارض أخبار العدول «3»،

______________________________

(1) جواهر الكلام 5: 199 و 200، العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 18.

(2) تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

(3) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

الواجبات في الصلاة، ص: 148

فيجمع بينهما بالتقييد، فيبقىٰ دليل المنع في غير مورد أخبار ترخيص العدول بحاله.

و توهّم ضعف سند رواية معاوية «1»، في محلّه، إلّا أنّ انجباره بعملهم قويّ «2»، فتدبّر جدّاً.

هذا مع أنّ إفادة كلمة

إنّما

للحصر محلّ البحث، بل منعه جماعة «3»، و إباءَها عن التقييد ممنوع.

بل يمكن دعوى نظارة قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد ..

إلىٰ أنّ الصلاة الواقعة في محلّها و رتبتها، إذا افتتحت علىٰ نيّة، لا يجوز العدول منها إلىٰ غيرها، و أمّا الصلاة الواقعة في غير محلّها، فهي غير ناظرة إليها كما لا يخفى.

إذا عرفت قضيّة القواعد، و ممنوعيّة العدول، فالكلام في مباحثها يتمّ في ضمن جهات، و قبل الخوض فيها، لا بدّ من الإشارة إلىٰ أنّ مسائل العدول كثيرة؛ حسب الموارد التي يجوز فيها، و لا نتعرّض لها هنا، بل كلّ منها يحال إلى الكتاب المناسب لها، و قد تعرّضنا لها في كتاب القضاء، و التفصيل يطلب من هناك «4».

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى 3: 69.

(2) الدروس الشرعيّة 1: 166، جواهر الكلام 9: 176 177، العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 18.

(3) مفاتيح الأُصول: 105/ 4، مناهج الأحكام و

الأُصول: 134/ السطر 23 24، مطارح الأنظار: 188/ السطر 22، نهاية النهاية 1: 271 272، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 208، لاحظ تحريرات في الأُصول 5: 182 183.

(4) مباحث القضاء من كتاب الصلاة، للمؤلف (قدّس سرّه)، (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 149

و الذي هو المناسب للمقام، مسألة جواز العدول من إحدى المرتّبتين بالأصالة إلى الأُخرىٰ.

الجهة الاولىٰ: في مشروعيّة العدول في الظهرين و العشاءين

اشارة

لا شبهة في جواز العدول إجمالًا؛ حسب النصوص الكثيرة و الفتاوىٰ، فلو شرع في العصر قبل أن يأتي بالظهر، يعدل إلى الأُولىٰ و يتمّ ظهراً، ثمّ يأتي بالعصر، و لا شي ء عليه، و هكذا في صلاة المغرب و العشاء.

و تدلّ عليه معتبرة الحلبيّ، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أمّ قوماً في العصر، فذكر و هو يصلّي بهم أنّه لم يكن صلّى الاولىٰ.

قال

فليجعلها الأُولى التي فاتته، و يستأنف العصر، و قد قضى القوم صلاتهم «1».

و معتبرة زرارة المفصّلة، و فيها

فإن كنت قد صلّيت العشاء الآخرة، و نسيت المغرب، فقم فصلّ المغرب، و إن كنت ذكرتها، و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب، ثمّ سلّم، ثمّ قم فصلّ العشاء الآخرة .. «2».

______________________________

(1) الكافي 3: 294/ 7، تهذيب الأحكام 2: 197/ 777 و 269/ 1072، وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3.

(2) الكافي 3: 291/ 1، وسائل الشيعة 4: 290 و 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 150

شبهة عدم جواز العدول من العشاء إلى المغرب و جوابها

و قد يشكل جواز العدول من العشاء إلى المغرب؛ لرواية ابن مُسْكان، عن الحسن بن زياد الصيقل، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولىٰ، حتّى صلّىٰ ركعتين من العصر.

قال

فليجعلها الاولىٰ، و ليستأنف العصر.

قلت: فإنّه نسي المغرب حتّى صلّىٰ ركعتين من العشاء، ثمّ ذكر.

قال

فليتمّ صلاته، ثمّ ليقض بعد المغرب.

قال قلت له: جعلت فداك، قلت حين نسي الظهر، ثمّ ذكر و هو في العصر

يجعلها الاولىٰ ثمّ ليستأنف

و قلت لهذا

يتمّ صلاته

بعد المغرب؟! فقال

ليس هذا مثل هذا؛ إنّ العصر ليس بعدها صلاة، و العشاء بعدها صلاة «1».

و يؤيّد ذلك

أنّ أكثر الروايات في المسألة، مشتملة علىٰ تجويز العدول من العصر إلى الظهر «2»، و لم أجد فيها ما يدلّ على العدول من العشاء إلى المغرب، إلّا رواية زرارة «3».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 279/ 1075، وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 4: 292 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 3 و 4 و 6.

(3) وسائل الشيعة 4: 290 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 151

و قال في «الوسائل»: «هذا محمول علىٰ تضيّق وقت العشاء دون العصر؛ لما تقدّم، لأنّ ذلك أوضح دلالة، و أوثق و أكثر، و هو الموافق لعمل الأصحاب» «1»، انتهىٰ.

و فيه: أنّ الرواية بذيلها تأبىٰ عنه، و مقتضى التعليل عموميّة الحكم، و ممنوعيّة العدول مطلقاً.

و المقصود من الجملة المذكورة، هو أنّ إتمام العصر، و الإتيان بعدها بالظهر، خلاف المشروع؛ لأنّ بعد العصر ليست صلاة، فعليه يعدل منها إلى الظهر، بخلاف العشاء، فإنّ بعدها صلاة الغداة، أو صلاة الليل، فالإتيان بالمغرب بعدها ليس ممنوعاً.

و لعلّ الوجه، هو أنّ الصلوات الخمس، مبدأها المغرب، و آخرها العصر، كما أنّ ذلك يساعده اعتبار تقديم اللّيل على النهار.

فبالجملة: تعارضت الروايتان، و لا تقبلان الجمع العرفيّ.

و توهّم الشبهة في سندها؛ للإشكال في الحسن بن زياد «2»، في محلّه «3»، إلّا أنّ ابن مُسْكان من أصحاب الإجماع «4»، و إن كان في حجّية إجماع الكشّي علىٰ تصحيح ما صحّ عنهم «5»، شبهة بل منع.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 293، ذيل الحديث 5.

(2) لاحظ مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 89 و 90، التنقيح في شرح العروة الوثقى، الصلاة 1: 291.

(3) لعدم توثيقه، لاحظ معجم رجال الحديث

4: 331/ 2826.

(4) لاحظ اختيار معرفة الرجال 2: 673/ 705، تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

(5) لاحظ اختيار معرفة الرجال 2: 507/ 431 و ص 673/ 705 وص 830/ 1050.

الواجبات في الصلاة، ص: 152

و على التقديرين، تكون الرواية معرضاً عنها، غير مفتى بها، فلا تقاوم رواية زرارة «1»، حتّى تكون المسألة من صغريات تعارض الحجّتين، بل المسألة من صغريات معارضة الحجّة بلا حجّة، كما لا يخفى.

الجهة الثانية: في عدم وجوب العدول من اللّاحقة إلى السابقة

اشارة

هل يجب العدول من اللّاحقة إلى السابقة، أو لا؟ فيه وجهان:

ظاهر الأصحاب هو الأوّل «2»، و هو صريح الفقيه اليزديّ «3»، و تبعه الآخرون «4».

و اختلفوا في مواضع الوجوب، بعد الاتفاق عليه في مسألتنا «5»؛ و هي المترتبان بالأصالة: أدائيّة كانت، أو قضائيّة.

و وجه اختلافهم في سائر مواقف العدول، اختلاف مبناهم في مسائل

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 290 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

(2) شرائع الإسلام 1: 64 و 79 و 121، لاحظ مفتاح الكرامة 2: 47/ السطر 23، جواهر الكلام 13: 106.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 623، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 20، الثالث من موارد العدول.

(4) العروة الوثقىٰ 1: 623، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 20، الثالث من موارد العدول، لاحظ أيضاً: تحرير الوسيلة 1: 159، المسألة 12، منهاج الصالحين، الخوئي (ره) 1: 156، المسألة 579.

(5) مدارك الأحكام 3: 317، جامع المقاصد 2: 33، مفتاح الكرامة 2: 47، جواهر الكلام 7: 314.

الواجبات في الصلاة، ص: 153

صلاة القضاء، و الترتيب بين الصلوات «1»، و وجه اختيارهم الوجوب هنا، ظهور الأوامر فيه.

و قد يشكل ذلك؛ لأجل منع الظهور، ضرورة أنّ الأوامر و النواهي في المركّبات و حدود الطبائع المركّبة، ناظرة إلى الإرشاد إلى

الصحّة، و طريقُ التصحيح؛ و ما هو الدخيل في صحّة الطبيعة، و ما هو الموجب لفسادها، و نفس الموضوع في هذه المسائل، تقصر عن قبول الإيجاب و التحريم التكليفيّين إلّا مع النصّ.

و لأجل تلك النكتة قلنا: إنّ العمل بأدلّة الشكوك أيضاً، ليس من الواجبات الشرعيّة، و هكذا تبعيّة المأموم للإمام في الجماعة؛ فإنّ الأوامر الباعثة نحو التبعيّة، مرشدة إلىٰ أنّ الجماعة مبنيّة عليها، و المخالفةَ معها تضادّ بناءها، و لذلك اخترنا هناك، بطلانَ جماعة المتخلّف العامد و لو بعمل واحد؛ فإنّ ترك التبعيّة عمداً، يضادّ بناء الجماعة، و أدلّة العدول و الشكوك، أيضاً ناظرة إلىٰ تصحيح العمل.

نعم، لو كان إبطال العمل محرّماً، فترك العمل بتلك الأدلّة نوع إبطال.

و بعبارة اخرىٰ: لا وجوب شرعيّ للعدول حتّى يلزم التخلّف عقابان؛ لترك العدول، و لإبطال العمل القابل للتصحيح، مع عدم التزامهم بذلك عادة، فلو ترك العمل باختيار العدول، و رفع اليد عن صلاته التي بيده، و شرع في الأُولىٰ، فقد تخلّف النهي عن إبطال العمل، دون الأمر بالعدول؛

______________________________

(1) مدارك الأحكام 4: 303، جامع المقاصد 2: 495، جواهر الكلام 13: 106، مصباح الفقيه، الصلاة: 615/ السطر 24.

الواجبات في الصلاة، ص: 154

فإنّه ربّما يكون من مترشّحات تلك المسألة.

و توهّم عدم التزام الأصحاب بحرمة إبطال العمل القابل للتصحيح، في غير محلّه، و قد مرّ «1» أنّهم أوجبوا العمل بالشكوك في أماكن التخيير؛ فيما لو شرع في القصر، ثمّ بعد إكمال السجدتين شكّ بين الثلاث و الأربع «2»، و ليس ذلك إلّا لتلك الجهة، فتدبّر.

تقديم العدول علىٰ تتميم العصر و العشاء

ثمّ إنّ الهيئة في الأخبار الآمرة بالعدول «3»، إذا لوحظت مع الروايات الظاهرة في النهي عنه «4»، لا تكون قابلة لإفادة الإيجاب التكليفيّ، و هكذا بعد ملاحظتها

مع المآثير المتعرّضة لمسائل النيّة؛ و أنّ

الأعمال بالنيّات «5»

و إمكانُ إتمام دلالتها، لا يكفي لصحّة الاستناد إليها.

فبالجملة: يدور الأمر بين العدول و الإتيان بالأُولىٰ، و إبطال العمل و الشروع فيها، فإن قلنا بحرمته يتعيّن الأوّل، و إلّا فهو بالخيار.

و أمّا توهّم جواز الإتمام بعنوان الثانية، و صحّتها عصراً؛ ظنّاً أنّ أوامر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 65 66.

(2) مفتاح الكرامة 3: 494 495، جواهر الكلام 12: 308، الخلل في الصلاة، الشيخ الأنصاري: 281، الصلاة، الحائري: 379، تحرير الوسيلة 1: 158 فصل في النيّة، المسألة 7.

(3) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(4) تقدّم في الصفحة 146.

(5) وسائل الشيعة 1: 46، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 155

العدول «1» مرخّصة له، و قولَه (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد .. «2»

مرخّص لجواز الإتمام، و بذلك يجمع بين المتعارضات من الروايات، فهو ممنوع؛ للزوم الإخلال بالترتيب.

و توهّم: أنّ الترتيب واجب بين الطبيعتين دون الأجزاء وجوباً شرطيّاً ذكريّاً، في غير محلّه؛ لأنّ أخبار العدول المرخّصة له، ناظرة إلىٰ كيفيّة تصحيح العمل من جهة الإخلال بالترتيب، و لذلك رخّص العدول من اللّاحقة إلى السابقة، دون العكس، و حينئذٍ يعلم منها لزوم الترتيب بين الطبيعتين و الأجزاء، فالإتمام عصراً غير جائز.

بل التحقيق: أنّ أخبار الترتيب «3»، تفيد وجوبه بين الطبيعتين المطلقتين، لا المهملتين؛ أي الطبيعة التي ليست إلّا الأجزاء، لا الطبيعة التي تقابل الأجزاء، حتّى يمكن اختلافهما في الحكم.

و المسألة بوجهها العلميّ، تطلب من محالّها، و قد أوضحناها في رسالة

لا تعاد «4»

و قلنا هناك: شبهة أنّ الصلاة الواجدة للخمسة إجمالًا، تكون صحيحة؛ لأنّ الشرائط تقاس إلى الطبائع، و الطبيعة الواجدة بجزءٍ منها للشرط، تكون واجدة له، كما

قيل به في شرط

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(2) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

(3) وسائل الشيعة 4: 125 131، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5 و 7 و 20 و 21.

(4) رسالة في «قاعدة لا تعاد»، للمؤلف (قدّس سرّه)، (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 156

الترتيب، فلا تغفل.

فتحصّل: أنّ الإتمام عصراً، خلاف أوامر العدول على التقديرين؛ التكليفيّ و الوضعيّ، و قد عرفت أنّ قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب ..

لا إطلاق له بالنسبة إلى الصلاة الواقعة في غير مقامها «1»، كما لا يخفى.

و ربّما يمكن دعوى: أنّه لو كان وجوب العدول تكليفاً صرفاً، يلزم صحّة الثانية لو أتمّها بعنوانها، و حيث اختار الأصحاب ذلك، فعليه اختيار صحّتها لو عصىٰ و أتمّها عشاءً أو عصراً، مع عدم التزامهم بذلك قطعاً.

و هي مدفوعة؛ لعدم الملازمة، لأنّ من الممكن وجوب العدول، و إذا عدل صحّت الاولىٰ؛ لحصول الشرط، و إذا عصىٰ لم تصحّ الثانية؛ لفقده، بل إذا أتمّها بعنوانها عصىٰ ثانياً، فعليه إبطالها، بل هي باطلة.

نعم، هذا يورث ظهور تلك الأوامر؛ في الإرشاد إلى أنّ بالعدول يحصل الشرط، و لو كانت تلك الأوامر ناشئة من حصول الشرط بذلك؛ و أنّ ما هو الشرط ليس أزيد من تلبّس الطبيعة ابتداءً أو اختتاماً بالنيّة، يلزم جواز العدول في غير مواقف النصوص أيضاً، فليتدبّر جيّداً.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 148.

الواجبات في الصلاة، ص: 157

الجهة الثالثة: في الفروع المتعلّقة بمسألة العدول

الأوّل: فيمن عدل بتخيّل عدم الإتيان بالأُولى ثم بان خلافه
اشارة

لو عدل بتخيّل أنّه لم يأتِ بالأُولىٰ فأتمّ، ثمّ تبيّن أنّه أتى بها، فهل يقع عصراً، أو تكون باطلة و عليه العصر؟ فيه وجوه:

بطلانها؛ للإخلال بالنيّة «1».

و الصحّة «2»؛ لأنّها

علىٰ ما افتتحت

و لا

دليل على اشتراط الزائد عليه.

و التفصيل بينما لو كان تخيّله بحيث إذا سئل لأجاب: «بأنّه يصلّي العصر» و بين الغفلة المحضة، فعلى الأوّل تصحّ، دون الثاني.

أو التفصيل بينما لو تذكّر في الأثناء و بعدها، فعلى الثاني تكون باطلة، و على الأوّل يفصّل بينما إذا لم يأتِ بشي ء بعنوان الظهر، و ما لو أتى به بعنوانه، فيبطل على الثاني، دون الأوّل «3».

و قد يفصّل في هذه الصورة؛ بينما لو تذكّر بعد الدخول في الركن، و قبله، فعلى الأوّل تبطل، دون الثاني؛ لأنّه يتمكّن من تدارك ما أتى به-

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 48.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 199، العروة الوثقىٰ 1: 624، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 25.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 625، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، التعليقة 1 و 2، للسيّد الميلاني و الشاهرودي و الگلبايگاني.

الواجبات في الصلاة، ص: 158

بعنوان الظهر ثانياً بعنوان العصر «1».

قال الفقيه اليزديّ: «لو عدل بزعم تحقّق موضع العدول، فبان الخلاف بعد الفراغ، أو في الأثناء، لا يبعد صحّتها على النيّة الأُولىٰ، كما إذا عدل بالعصر إلى الظهر، ثمّ بان أنّه صلّاها، فإنّها تصحّ عصراً» «2».

و هذا خلاف ما اختاره في المسائل السابقة، حيث قال: «يجب استدامة النيّة إلىٰ آخر الصلاة؛ بمعنى عدم حصول الغفلة بالمرّة» «3».

اللّهمّ إلّا أن يحمل كلامه علىٰ بعض الوجوه السابقة، أو علىٰ أنّه يفصّل بين الصلاة بلا نيّة، أو الصلاة مع النيّة المخالفة، و فيه ما لا يخفىٰ.

التفصيل بين ترك نيّة الظهريّة و نيّة الصلاتيّة

و ربّما يمكن أن يقال: بالتفصيل بين الإخلال بالنيّة التي تكون من قبيل العصريّة و الظهريّة، و التي تكون من قبيل عنوان الطبيعة؛ و هي الصلاة، فلو تذكّر بعد الفراغ أو في الأثناء؛ أنّه افتتح صلاته عصراً

و أتمّها ظهراً، فلا شي ء عليه؛ لقوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد .. «4».

و أمّا لو تذكّر أنّه أتمّها بعنوان غير الصلاة، بعد الشروع فيها عصراً، فهي باطلة؛ لعدم شمول عموم الحديث مثلَ ذلك، مع عدم شمول عموم قاعدة

______________________________

(1) تحرير الوسيلة 1: 160، المسألة 13.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 624، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 25.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 620، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 15.

(4) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 159

لا تعاد ..

ضرورة أنّ الحديث و القاعدة موضوعهما الصلاة. بل التحقيق أنّ موضوع القاعدة الأنواع، لا الجنس الصلاتيّ؛ لأنّه ليس مأموراً به.

احتمال وقوع الصلاة عصراً عند التذكّر في الأثناء

و من المحتمل صحّتها عصراً، لو تذكّر في الأثناء، و أتمّها بعنوانه؛ بمعنى الإتيان ببقيّة الأجزاء الفاقدة للنيّة، من غير فرق بين الإتيان بشي ء بعنوان الظهر، و النيّة المخالفة، أو بلا نيّة أصلًا، و بين عدم الإتيان بشي ء رأساً.

و علىٰ الأوّل أيضاً، لا فرق بين الإتيان بركعة أو أقلّ أو أكثر؛ لأنّها لا تزيد في صلاة العصر شيئاً، ضرورة أنّ ما يأتيه بعنوان «الظهر» غفلةً عن حاله لا يعدّ من الزيادة في صلاة العصر، بل هو من قبيل إقحام طبيعة في طبيعة، و الزيادة لا بدّ و أن تكون بعنوان تلك الطبيعة، حتّى تكون مبطلة، بل تعدّ «زيادة» عرفاً.

و لذلك لا نجد مسألة الاقتحام، من الزيادة الركنيّة في المقتحم فيه، و قوله (عليه السّلام) في المنع عن قراءة العزيمة: لأنّها تستلزم السجدة، و هي

زيادة في المكتوبة «1»

لا يضرّ بما احتملناه؛ لأنّ السجدة الواحدة، ليست ذات عنوان مقابل الطبيعة، كتقابل الطبيعتين، و التفصيل في محلّه «2».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام

2: 96/ 361، الكافي 3: 318/ 6، وسائل الشيعة 6: 105 كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.

(2) جواهر الكلام 13: 463، العروة الوثقى 1: 729، كتاب الصلاة، فصل في صلاة الآيات، المسألة 12، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 33، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 2: 170، الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 115 116، تحريرات في الأُصول 8: 125 127.

الواجبات في الصلاة، ص: 160

تصحيح الوالد المحقّق وقوعَها عصراً بشرط التدارك

و اختار الوالد مدّ ظلّه صحّةَ الصلاة عصراً؛ بشرط التذكّر و التدارك، إلّا إذا دخل في الركن «1».

و وجه ذلك: أنّ المقدار المأتيّ به ظهراً، لا يضرّ بصحّة العصر، بعد عدم كونه زيادة عمديّة في المكتوبة، و لا دليل على اشتراط الأزيد من كون جميع أجزاء العصر، لا بدّ و أن يؤتىٰ بها بعنوانه، و لذلك لو اعتقد بعد السجدة الثانية من الركعة الرابعة أنّه لم يأتِ بالظهر، فعدل إليه، و أتمّها ظهراً، ثمّ قبل أن يأتي بالمنافي تذكّر، فإنّه بلا شبهة يعيد و يتدارك؛ لأنّه ليس أسوأ حالًا من ترك التشهّد و السلام، فإنّه لو تذكّر قبل المنافي يأتي بهما، و تصحّ صلاته.

و توهّم الأسوئيّة؛ لأجل الزيادة، أو الإخلال بالشرط و هو دوام النيّة، و عدم انقطاعها ممنوع؛ لما أنّها ليست زيادة عمديّة، و لا دليل على الشرط المذكور، فلا تغفل.

و إن شئت قلت: المدار على اتصاف أركان الطبيعة ب «الظهريّة» و «العصريّة» و أمثالهما، فلو شرع في العصر، ثمّ ظنّ أنّه لم يأتِ بالظهر،

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 115 116، تحرير الوسيلة 1: 160، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 13.

الواجبات في الصلاة، ص: 161

فعدل إليها، و أتى بمقدار من الواجبات، ثمّ

تذكّر أنّه أتى بالظهر، و اعتقد جواز العدول إلى العصر؛ إمّا اجتهاداً أو خطأً، فعدل إلى العصر، و أتى بواجباته الركنيّة، ثمّ كذلك إلى أن أتمّ صلاته ظهراً بعد الإتيان بأركانها عصراً، ثمّ بعد المنافي تذكّر و علم أنّه كان قد أتى بالظهر، صحّت صلاته عصراً، لأنّ الإخلال بغير الأركان، و الإتيانَ به بعنوان آخر أو بلا عنوان، ليس أسوأ حالًا من الترك الكلّي، و توهّم الأسوئيّة، يعلم بجوابه من السابق.

و السرّ كلّ السرّ: أنّ «الظهريّة» ليست من الأركان بنفسها، حتّى يلزم من الإخلال بها، و الإتيانِ ببعض الأجزاء بعنوان مخالف، بطلانُ الصلاة، بل «الظهريّة» من قبيل المقوّمات، و معنى التقويم هو أنّ الأجزاء و الأركان، تضاف إليه، ففي الفرض السابق هو قد أتى بأركان صلاته، و أخلّ بواجبات صلاته، لا أنّه أتى بواجبات صلاته و أركانها؛ لأنّه إذا كان آتياً بها بعنوان مخالف، فليس ذلك المأتيّ به من أجزاء صلاته، فهو قد ترك في الحقيقة واجبات صلاته، دون أركانها، و أتى بزيادات سهويّة في الطبيعة، فليتدبّر.

فتحصّل: أنّ الإخلال بالنيّة المقوّمة، يورث ترك الطبيعة و أجزائها، لا الإتيانَ بها و الإخلالَ بشرطها، فعلى هذا لو ترك مقداراً من الطبيعة، لا تفسد به، بخلاف ما لو ترك ركنها، فلو أتى ببعض منها بعنوان مخالف، فقد ترك ركن الطبيعة.

نعم لو قلنا: بأنّ زيادة الركن بهذا النحو ليست مضرّة، فلتداركه أيضاً

الواجبات في الصلاة، ص: 162

وجه، إلّا أنّه خلاف المستفاد من الروايات «1»، و مسألةُ الاقتحام علىٰ خلاف القواعد، و لا يتعدّى منها إلى سائر المواقف الأُخر.

عدم تعرّض قوله (عليه السّلام): «إنّما يحسب ..» لترك الركن

و من هنا يعلم: أنّ قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد من صلاته، التي ابتدأ في أوّل صلاته «2»

لا يقاوم الأدلّة الدالّة علىٰ

ركنيّة الأركان؛ لأنّ معناه صحّة صلاة العصر مع ترك أركانها، لأنّ ما أتى به بعنوان «الظهر» ليس من أركانها.

و لأجل ذلك ينقدح: أنّ معناه ليس علىٰ ما يتوهّم بدواً، بل هو أنّ العدول من النيّة غير جائز، و أمّا لو غفل بالمرّة عن النيّة، و أتمّ صلاته بالنيّة المخالفة، فهو غير ناظر إليه قطعاً، فما ذكره السيّد الفقيه اليزدي (رحمه اللّٰه) «3» ناشئ من الغفلة. و ممّا يؤيّد ذلك صدر الرواية، فليراجع «4».

______________________________

(1) وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 19.

(2) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 624، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 25.

(4) عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قام في صلاة فريضة فصلّى ركعة و هو ينوي أنّها نافلة؟ فقال: هي الّتي قمت فيها و لها، و قال: إذا قمت و أنت تنوي الفريضة فدخلك الشكّ بعد فأنت في الفريضة على الّذي قمت له و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة ثمّ إنّك تنويها بعد فريضة فأنت في النافلة و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته.

تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 163

و بعبارة اخرىٰ: إنّها تنفي اختياريّة النيّة؛ و أنّها ليست بيد المكلّف، فإنّ الصلاة

علىٰ ما افتتحت

فلا يجوز العدول منها إلىٰ غيرها

و إنّما يحسب للعبد من صلاته، التي ابتدأ في أوّل صلاته

فلا يجوز له الرجوع إلى الأُخرىٰ، فلو أتمّ صلاة العصر ظهراً؛ بحيث كانت

نيّة الإتمام ظهراً، و لم يكن من الغفلة الآنيّة، و لا الخطأ في التطبيق، فعليه إعادة صلاته؛ للإخلال بأركانها علىٰ ما مضى سبيله، فافهم و اغتنم.

ثمّ إنّه لو قرأ من القرآن كثيراً، بعد العدول إلى الظهر بعنوان الظهر، فربّما يشكل صحّة العصر؛ لأجل الإخلال بالموالاة، فلو تذكّر و عدل إلى العصر، فالأحوط الإتمام و الإعادة.

هذا تمام الكلام بناءً علىٰ جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة؛ في مثل هذه الصورة.

بطلان الصلاة بناءً على منع العدول من السابقة إلى اللّاحقة

و أمّا بناءً علىٰ ممنوعيّة العدول بعدُ، فتكون صلاته باطلة؛ لعدم إمكان تصحيحها في جميع الصور.

و توهّم: أنّه بلا وجه، مدفوع بأنّ الوجه للجواز ليس إلّا قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد ..

، و هو محتمل لوجوه «1»، و منها: النهي عن العدول، و أمّا لو عدل فهل يجوز له العدول إلى المعدول عنه ثانياً؟ فهو ساكت عنه.

و توهّم دلالة متون الأخبار السابقة ممنوع؛ لأنّها متعرّضة لحال

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 127.

الواجبات في الصلاة، ص: 164

العدول من الفريضة إلى النافلة و بالعكس، و استفادة هذه المسألة منها بإلغاء الخصوصيّة مشكلة جدّاً.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ مقتضىٰ متون الأخبار السابقة، أنّ الإخلال بنيّة الفرض، و الإتيانَ نفلًا بعد ما افتتحت الصلاة، ممّا لا يضرّ بصحّة الصلاة المعدول عنها، و حينئذٍ يعلم أنّ الافتتاح بنيّة الظهر و العصر، كافٍ و مجزٍ.

و فيه: أنّ هذه النصوص، ليست ظاهرة في أنّ المصلّي نوى النافلة بعد نيّة الفريضة و بالعكس، بل هي ظاهرة في المنع عن ذلك، فلا دلالة لها علىٰ بقاء الصلاة صحيحة؛ لو أخلّ بالنيّة في الأثناء، و لا علىٰ جواز العدول إلى المعدول عنه ثانياً؛ لو عدل في غير موضعه.

فتحصّل على التقرير الأخير: أنّ مَن عدل إلى الظهر بظنّ عدم

الإتيان، تبطل صلاته مطلقاً؛ سواء تذكّر في الأثناء، أو تذكّر بعد الفراغ.

و على الأوّل أيضاً، لا فرق بين الصور و الوجوه الماضية؛ لأنّه لا يجوز العدول من السابقة إلى اللّاحقة، من غير فرق بين الصور: صورة صحّتها، و بطلانها، و صورة العدول من اللّاحقة إليها خطأً، و غير هذه الصور.

و توهّم دلالة قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد من صلاته، التي ابتدأ في أوّل صلاته «1»

علىٰ صحّة المعدول عنه لو عدل غلطاً و نسياناً، بل و عمداً، ممنوع لأنّه في مقام نفي العدول، و لا تعرّض له لفرض العدول غلطاً.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 165

صحّة الصلاة إذا كانت مفتتحة على وجهها

هذا، و الإنصاف يحكم بعد التدبّر في أخبار المسألة علىٰ ما مضى متونها أنّ الإخلال بنيّة الصلاة من قبيل الظهريّة و العصريّة و النافلة لا يضرّ إذا كانت الصلاة مفتتحة علىٰ وجهها، فلو شرع في نافلة الفجر، و أتمّ فجراً، يحسب نافلة و بالعكس.

و المراد من

الفريضة

في تلك الروايات، هي الصلوات الواجبة، لا عنوان «الفرض» حتّى يكون الواجب معنوناً بعنوان «الفريضة» و مجرّد المقابلة مع النافلة، لا يورث كونها من العناوين الذاتيّة، مع أنّ «النافلة» أيضاً من العناوين العرضيّة، و ما هو من العناوين الذاتيّة، هو عنوان «النافلة» المضافة إلى الفريضة، ك «نافلة الفجر و المغرب و الظهرين و العشاء» و أمثالها.

و دعوى الاختصاص بمورد النصوص مشكلة، بعد اقتضاء عموم القاعدة صحّةَ المأتيّ به، و لا سيّما على المسلك: و هو جريانها في الأثناء أيضاً، فلو أتمّ العصر بنيّة الظهر، أو أتى بأجزاء منها بعنوانه، ثمّ تذكّر، فلا شي ء عليه.

و لعلّ قوله (عليه السّلام)

إنّما يحسب للعبد

من

القواعد المصحّحة لصورة الخطأ و الإخلال بالنيّة عن غير عمد، فلو عدل عمداً في غير مورده، فقد أبطل صلاته. و هذا هو المعنى المساعد لمورد المتون؛ من فرض الشكّ أو

الواجبات في الصلاة، ص: 166

النيّة المخالفة، جهلًا بسيطاً أو مركّباً، و اللّٰه العالم.

هذا كلّه لو أتمّ العصر ظهراً في الوقت المشترك.

حكم إتمام العصر ظهراً في الوقت المختص بالظهر

و أمّا لو أتمّها في الوقت المختصّ بالظهر، فصحّتها مبنيّة علىٰ صحّة الشريكة في الوقت المختصّ، فلو صلّى الظهر قبل الزوال، و أدرك بعض الوقت، ثمّ شرع في العصر و أتمّها بالعدول إلى الظهر؛ توهّماً جوازَه حينئذٍ ظهراً، فعلى القول المذكور تبطل العصر، و يستأنف.

الفرع الثاني: في الإخلال بنيّة المجموع

لو أخلّ بالنيّة؛ بمعنى أنّه كان يعتقد أنّ الصلاة ليست إلّا تلك الأقوال و الأفعال، فأتىٰ بها بالنيّات المستقلّة بالعناوين الخاصّة بها، و نوى التكبير و القراءة و الركوع من غير نيّة المجموع، فهل تكون باطلة و يعيد، أو تصحّ و لا شي ء عليه؟

فيه وجهان، بل وجوه:

ظاهر السيّد الفقيه اليزديّ هو البطلان «1».

و قيل: «لو كان ناوياً من أوّل الأمر الجميع على الوجه المشروع، فالظاهر الصحّة و إن نوى الاستقلال» «2».

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 4.

(2) لاحظ ما علّقه السيّد الحكيم (رحمه اللّٰه) على العروة الوثقى: 209 (طبعة دار الكتب الإسلاميّة، الطبعة الثانية في سنة 1397)، كتاب الصلاة، فصل في النيّة المسألة 4، التعليقة 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 167

و قال الوالد المحقّق: «في إمكانه إشكال مع قصد امتثال أمر الصلاة» «1». انتهىٰ.

و التفصيل: هو أنّ قصد الصلاة واجب؛ لأنّها المأمور بها، و تكون من الأُمور القصديّة، و لمّا كانت الصلاة نحو حقيقتها، عين وجود الأجزاء المتدرّجة في الوجود، فلا بدّ أن توجد تدريجاً، و لا يلزم القصد الآخر بعنوان قصد الأجزاء و الجزئيّة؛ لأنّ الجزء الملحوظ جزءً فانٍ في الطبيعة، و لا نفسيّة له حتّى يخصّ بالنيّة المستقلّة، فما اشتهر: من نيّة الجزئيّة، غلط قطعاً.

نعم، ما يوجد في الخارج لا بدّ و أن يكون صلاة، فلو أتى بالقراءة بعنوان «أداء النذور» أو لأهل القبور،

فهي لا تكفي؛ لأنّها ليست صلاة.

فالاستقلال إن يرجع إلى عدم نيّة الصلاة، فهو يورث البطلان، و إن يجتمع معها فهو لا يضرّ و لا ينفع.

و لو أُريد من «الاستقلال» الجمع بين الصلاة أداءً و المنذورة؛ بأن ينوي بالقراءة الصلاة و أداء النذر، فهو لا يوجب الفساد؛ ضرورة جواز نذر الواجبات و العبادات المفروضة، و لزوم قصد الأمر النذريّ في السقوط؛ لأنّ المأمور به من العناوين القصديّة، فإذا صحّ ذلك في الكلّ، فيصحّ في الجزء أيضاً.

و قد يمكن دعوى: أنّ الصلاة ليست إلّا عدّة أقوال و أفعال متعاقبة، فلو

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 4، التعليقة 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 168

قصد تلك المتفرّقات، غير قاصد للهيئة الاتصاليّة و للعنوان البسيط المنحلّ إليه، و أتى بها بعنوان المطلوب الفعليّ، فقد تمّت صلاته ظهراً.

الفرع الثالث: في حكم الصلاة عند إيجاب العدول للبطلان
اشارة

لا شبهة في جواز العدول من اللّاحقة إلى السابقة؛ بحيث يكون ذلك موجباً لتصحيح العمل.

و أمّا لو كان العدول مورثاً بطلانَ الصلاة، فهو غير جائز، كما لو دخل في الركوع الرابع من صلاة العشاء، فحينئذٍ هل تصحّ عشاء، أو تبطل؟

فيه وجهان: ظاهر جماعة هو الأوّل «1»، و اختار جمع الثاني «2».

و في المسألة مواضع أبحاث:

الأوّل: في عدم صحّة العدول حال التسليم

جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة مع الشرط المذكور، غير مبرهن، و من المحتمل لزوم كون العدول إليها في وقت، يأتي من السابقة بعنوانها مقداراً من العمل، و ربّما كان أقلّه ركعة، و أمّا لو تذكّر ترك السابقة حال التسليم، فربّما هو لا يكفي، و يلزم حينئذٍ العمل بالقواعد.

______________________________

(1) كشف اللثام 1: 165/ السطر 18، جواهر الكلام 13: 108، العروة الوثقىٰ 1: 520، فصل في أوقات اليوميّة و نوافلها، المسألة 3، التعليقة 4، تحرير الوسيلة 1: 159، المسألة 12.

(2) شرائع الإسلام 1: 54، قواعد الأحكام: 25/ السطر 9، جامع المقاصد 2: 34، مفتاح الكرامة 2: 48، العروة الوثقىٰ 1: 520، فصل في أوقات اليومية و نوافلها، المسألة 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 169

بل القائل: «بأنّ التسليم ليس من أجزاء الصلاة» «1» ربّما يتعيّن عليه العمل بها، دون أخبار العدول كما لا يخفى؛ و ذلك لأنّ أخبار العدول لا إطلاق لها من تلك الجهة. و توهم الإطلاق من جهة ترك التفصيل بعد ظهور مورد السؤال في بقاء مقدار من الصلاة السابقة مدفوع.

هذا مع أنّ في معتبرة زرارة ما يشهد علىٰ تلك الجهة؛ و هو قوله (عليه السّلام)

و إن كنت ذكرتها و قد صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين، أو قمت في الثالثة، فانوها المغرب، ثمّ سلّم «2».

فإنّ فيه ظهوراً فيما احتملناه، و إلّا

كان أن يقول: «صلّيت من العشاء الآخرة ركعتين أو ثلاث ركعات» فالعدول منه إلى التعبير بقوله (عليه السّلام)

قمت في الثالثة

ربّما يكون ظاهراً فيما أبدعناه.

و هكذا قوله (عليه السّلام) علىٰ ما في رواية ابن مُسْكان، عن الحسن بن زياد، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل نسي الأُولىٰ حتّى صلّىٰ ركعتين من العصر.

قال

فليجعلها الاولىٰ «3».

و لا إطلاق و لا عموم علىٰ جواز العدول من السابقة إلى اللّاحقة، و لا من العصر إلى الظهر، و من العشاء إلى المغرب، حتّى يستكشف

______________________________

(1) المقنعة: 139، النهاية: 89، قواعد الأحكام: 35/ السطر 10، جامع المقاصد 2: 323.

(2) الكافي 3: 291/ 1، تهذيب الأحكام 3: 158/ 340، وسائل الشيعة 4: 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 270/ 1057، وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 170

جوازه في جميع الأحيان. مع مساعدة الاعتبار؛ لأنّ في ذلك تحصيلًا لشرط السابقة و عنوانها، فتدبّر.

الثاني: في جواز العدول و إن أوجب بطلان الصلاة

ممنوعيّة العدول في فرض إيراثه البطلان، محلّ إشكال؛ لأنّ قاعدة العدول كسائر القواعد و إن سيقت لتصحيح الصلاة، إلّا أنّه لو اقتضىٰ إطلاقها العمل بها، و اقتضىٰ ذلك بطلانها، فلا بأس به؛ لأنّ اللغويّة في إطلاق الدليل إلىٰ ما شاء اللّٰه تعالىٰ، و قد أفتىٰ كثير من الأصحاب- فيما لو علم إجمالًا حال القيام في الثانية: أنّه أتى بركوعين، و لا يعلم أنّ كلّ واحد منهما لركعة، أو هما وقعا في الركعة الأُولىٰ بلزوم الركوع، و البطلان بعده «1»؛ عملًا بقاعدة الشكّ في المحلّ، كما لا يخفى.

و ممّا يدلّ على القاعدة، رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّٰه، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه

السّلام) عن رجل نسي صلاة حتّى دخل وقت صلاة أُخرى.

فقال

إذا نسي الصلاة أو نام عنها، صلّىٰ حين يذكرها، فإذا ذكرها و هو في صلاة، بدأ بالتي نسي، و إن ذكرها مع إمام في صلاة المغرب، أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب، ثمّ صلّى العتمة بعدها، و إن كان صلّى العُتمة وحده، فصلّى منها ركعتين، ثمّ ذكر أنّه نسي المغرب، أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 67، ختام الخلل، المسألة الثالثة عشر، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 612.

الواجبات في الصلاة، ص: 171

ثلاث ركعات، ثمّ يصلّي العُتمة بعد ذلك «1».

فإنّها بمقتضىٰ قوله (عليه السّلام) فيها

فإذا ذكر و هو في صلاة، بدأ بالتي نسي

تدلّ علىٰ جواز العدول على الإطلاق، فلو كان في رابعة العشاء، يعود إلى المغرب، و تكون باطلة، ثمّ يصلّيهما، و هذا له نظائر في الأُصول و الفقه.

إن قلت: مقتضى البحث الأوّل إنكار الإطلاق، بخلافه هنا.

قلت: نعم، إلّا أنّ هذه الرواية مع ضعف سندها «2» على إشكال «3»، و عدم معلوميّة انجباره بعملهم؛ لاحتمال استنادهم في إطلاق فتواهم بغيرها؛ لعدم فهم الخصوصيّة منها ربّما لا تدلّ على المقصود؛ و تكون ناظرة إلى الصلاة المنسيّ وقتها، دون الأدائيّتين.

مع أنّ مقتضىٰ ذيلها و هو قوله

أتمّها بركعة، فتكون صلاته للمغرب ثلاث ركعات

و هكذا قوله

أتمّها بركعة، ثمّ صلّى المغرب

أنّ الإتيان بركعة من السابقة بعنوانها، ممّا لا بدّ منه حتّى تكون السابقة ظهراً و مغرباً.

و ربّما يحتمل التفصيل بين الظهرين و العشاءين «4»؛ عملًا باقتضاء

______________________________

(1) الكافي 3: 293/ 5، وسائل الشيعة 4: 292، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 2.

(2) لأنّ في طريقها معلّى بن محمّد و قال النجاشي في حقّه: معلّى بن محمّد البصري أبو الحسن، مضطرب الحديث و

المذهب و كتبه قريبة، رجال النجاشي: 418.

(3) لاحظ تنقيح المقال 3: 233، معجم رجال الحديث 18: 258.

(4) انظر نهاية التقرير 1: 317.

الواجبات في الصلاة، ص: 172

بعض الظواهر «1» ذلك، و لكنّه بعيد إنصافاً. و لكن دفع الاحتمال المذكور بهذه الروايات، في غاية الإشكال.

الثالث: في أنّ اشتراط الترتيب منافٍ للاكتفاء بالعشاء المعدول إليها

جواز الاكتفاء بتلك العشاء، موقوف علىٰ سقوط شرط الترتيب، و هو غير معلوم، بل الظاهر من أدلّة العدول «2»، أنّه شرط الطبيعة المطلقة؛ أي مجموع الأجزاء بأسرها، و لو كان الشرط مقصوراً على الطبيعتين، لما كان وجه للعدول؛ لأنّه شرط ذكريّ، و قد مضى محلّه، فيعلم أنّه شرط الأجزاء و الطبيعة.

و بعبارة اخرىٰ: يستفاد من أدلّة العدول، أنّه ليس شرطاً ركنيّاً، و لكنّه شرط معتبر بين الطبيعتين المطلقتين، فلو أخلّ به في بعض أجزائها، فلا بدّ من تحصيله في بقيّة الأجزاء.

و إن شئت قلت: مقتضىٰ قوله (عليه السّلام)

إلّا أنّ هذه قبل هذه «3»

اعتبار الترتيب بين الطبيعتين المطلقتين، و مقتضى أدلّة العدول أنّ الإخلال

______________________________

(1) وسائل الشيعة 4: 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 5.

(2) وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63.

(3) الفقيه 1: 139/ 647، تهذيب الأحكام 2: 24/ 68 و 19/ 51 و 26/ 73، الاستبصار 1: 246/ 881 و 260/ 934، وسائل الشيعة 4: 126، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 4، الحديث 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 173

بالترتيب في بعض الطبيعة، لا يضرّ بعد إحرازه في بعضها الآخر، فلو دخل في الركوع الرابع فقد أخلّ به، و لا يتمكّن من إحرازه.

و توهّم إهمال دليل الترتيب، ممنوع جدّاً كما سيأتي «1»، بل الروايات الآمرة بجعل الثانية أولى بعد الفراغ منها «2» تشهد على اعتبار الترتيب بهذا المقدار، و

عدم عمل المشهور بها «3» معارض بعمل السيّد (رحمه اللّٰه) بها «4»، مع أنّ إعراض المشهور غير معلوم، و مع الشكّ تكون الرواية غير موهونة. و تفصيل المسألة من جهة كبرىٰ اعتبار الترتيب، يطلب من مقامه «5».

و قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّ مقتضىٰ عموم

لا تعاد .. «6»

عدم وجوب الإعادة لأجل شرط أو جزء غير الخمسة، فصلاة العشاء في مفروض المسألة صحيحة. و توهّم اختصاص جريانها ببعد الفراغ، كتوهّم انصرافها عن شرط الترتيب، فلا تخلط.

______________________________

(1) ممّا يؤسف له أنّ الأجل لم يمهله لإنجاز وعده و لم يصل إلى مباحث الترتيب.

(2) وسائل الشيعة 4: 290 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1 و 4 و 5 و 6.

(3) انظر الصلاة، الحائري: 29، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 71/ السطر 21، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 91.

(4) الظاهر أنّ المراد من السيّد هو صاحب العروة الوثقىٰ (قدّس سرّه)، حيث أفتى بمضمون صحيحة زرارة المروية في: وسائل الشيعة 4: 290 و 291، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1، لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 519، كتاب الصلاة، فصل في أوقات الصلوات اليومية و نوافلها، المسألة 3.

(5) جواهر الكلام 7: 315 319، مستمسك العروة الوثقىٰ 5: 88 90.

(6) وسائل الشيعة 5: 471، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.

الواجبات في الصلاة، ص: 174

و إن شئت قلت: ينحصر وجه البطلان بأن يقال: بإطلاق دليل اعتبار الترتيب بين الطبيعتين و الأجزاء، و عدم جريان قاعدة

لا تعاد ..

في الأثناء، أو بالنسبة إلى الشكّ في ركنيّة الترتيب؛ لظهورها في الأجزاء و الشرائط، مثل الستر و الطهارة.

و أنت خبير بما فيه، و قد تحرّر منّا في رسالتنا المعمولة لمسائل القاعدة،

عمومُها من الجهتين المذكورتين «1»، و لأجل ذلك ذهب المشهور إلىٰ صحّة الثانية قبل الاولىٰ؛ لو تذكّر بعد الفراغ «2»، و أعرضوا على المنقول «3» عن الروايات الآمِرة بجعلها الاولىٰ «4»، فلتدبّر جدّاً.

______________________________

(1) رسالة في «قاعدة لا تعاد» للمؤلف (قدّس سرّه)، (مفقودة).

(2) شرائع الإسلام 1: 55، مدارك الأحكام 3: 116، جواهر الكلام 7: 319، العروة الوثقىٰ 1: 520، كتاب الصلاة، فصل في أوقات اليومية و نوافلها، المسألة 3.

(3) كما في العروة الوثقى 1: 520، كتاب الصلاة، فصل في أوقات اليوميّة و نوافلها، المسألة 3، الصلاة، الحائري: 29، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1: 71/ السطر 21.

(4) وسائل الشيعة 4: 290 293، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1 و 4 و 5 و 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 175

المقام العاشر في اختلاف الأعمال القربية من حيث لحوق أنحاء الضمائم في صحّة الوضوء و الخمس مثلًا مع الرياء

اشارة

قد مضى: أنّ الموضوعات التي يتقرّب بها العباد منه تعالىٰ، مختلفات و علىٰ أنحاء «1»:

فمنها: ما هي موضوعة لها، كالصلاة و نحوها، من غير الحاجة إلى الأمر و الانبعاث منه، و من غير كون الرياء مضرّاً بها، علىٰ ما مضى سبيلها «2».

و منها: ما ليست موضوعة لها، بل الدليل الشرعيّ تكفّل لاعتبار قصد القربة فيها، و الإتيانِ بها بالدواعي الإلهيّة، كالطهارات الثلاث، و الأخماس، و الزكوات، و الكفّارات و نحوها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 78 و 118.

(2) تقدّم في الصفحة 83.

الواجبات في الصلاة، ص: 176

و منها: ما ليست كذلك، و يسقط أمرها مع الإتيان بها بالدواعي الشيطانيّة، إلّا أنّ التقرّب يمكن أن يحصل بها؛ بأن ينوي الخير و الأُمور الإلهيّة و الشؤون الربّانية، فإنّ لكلّ حركة وجهتين: نورانيّة، و ظلمانيّة، و التفصيل في مقام آخر.

فبالجملة: النحو الأوّل قد مضى الكلام فيه «1»، و بقي البحث في النحو

الثاني؛ فإنّ الرياء فيه إن كان يرجع إلى الإضرار بالجهات المتقوّمة بها القربة و العبادة، فهو يورث البطلان، و إلّا فالكلام فيه ما قد مضى في أوّل المسألة.

مثلًا: لو قام و توضّأ؛ للإراءة بالناس بأنّه يتوضّأ، فهو باطل، بخلاف ما لو قام للتوضّي، و ليري الناسَ أنّه يتوضّأ للّٰه تعالىٰ.

و بعبارة أُخرى: تارة: يكون الداعي غير اللّٰه، فهو يرجع إلىٰ خلوّ الطهارة من القربة المعتبرة شرطاً في صحّتها.

و أُخرى: يكون الداعي التقرّب، إلّا أنّ له داعياً آخر، كالداعي على الداعي في الحلقة الثانية، و يتحرّك نحو الإتيان للّٰه تعالىٰ بتحريك دنيويّ شيطانيّ، فإنّه يضرّ بالإخلاص الذي قد مضى عدم كفاية أدلّة المسألة لاشتراطها به صحّةً «2».

نعم، هو شرط القبول، مع أنّه بنفسه من المحرّمات لو كان رياءً.

فما أفاده القوم: «من بطلان العبادات المتّحدة مع المحرّم، أو

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 77 و 83.

(2) تقدّم في الصفحة 83.

الواجبات في الصلاة، ص: 177

المنضمّة بالمباحات؛ بحيث تكون داعية إلى العمل مستقلا، أو جزء العلّة» «1» في غير محلّه، و لا ينبغي الخلط بين الأجر و مسائله، و كثرة الأجر و أنحائه، و بين المسائل الفقهيّة؛ فإنّ الدليل لا يوجب إلّا شرطيّة الوضوء المأتيّ به للّٰه؛ بمعنى أنّه لا يكون في وضوئه قاصداً غير التقرّب منه تعالىٰ، و أمّا لو قصد من تقرّبه منه تعالى الفخر و الإراءة، و العجب و أمثاله، فهو لا ربط له بالصحّة و الفساد.

و قد عرفت في الأمثلة السابقة: أنّ الرياء قد يكون من الراجحات؛ لما فيه من إحياء الشريعة، و هداية الناس، و تقوية الاعتقادات، فهو مع كونه رياءً، يكون فيه وجه اللّٰه و شؤونه تعالىٰ «2».

فالضمائم إن لم تضرّ بالوضوء من جهة القربة

و الإرادة الجدّية إليها، فهي لا تورث الفساد و إن كانت من المحرّمات.

و إن كانت تضرّ؛ بأن لا يكون قاصداً جدّاً إلى الوضوء و الطهارة، و غيرها ممّا يعتبر فيه قصد القربة، فهي توجب البطلان و إن كانت من الواجبات.

و أمّا المحرّمات المتّحدة كوناً و وجوداً مع القربيّات، ففي سراية المبغوضيّة منها إليها، بحث تقرّر تفصيله في اجتماع الأمر و النهي «3»،

______________________________

(1) نهاية الأحكام 1: 33، إيضاح الفوائد 1: 36، البيان: 44، روض الجنان: 30/ السطر 9، مجمع الفائدة و البرهان 1: 99، العروة الوثقىٰ 1: 618، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 11.

(2) تقدّم في الصفحة 120.

(3) لاحظ تحريرات في الأُصول 4: 208 211.

الواجبات في الصلاة، ص: 178

فلاحظ و تدبّر.

منع دلالة بعض الآيات على مبطليّة الرياء

ثمّ اعلم: أنّه من الآيات الدالّة علىٰ مبغوضيّة الرياء، و موجبيّته البطلان، قولُه تعالىٰ يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا تُبْطِلُوا صَدَقٰاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَ الْأَذىٰ كَالَّذِي يُنْفِقُ مٰالَهُ رِئٰاءَ النّٰاسِ «1» فإنّها بظاهرها تدلّ علىٰ بطلان العمل الريائيّ.

و فيه: أنّها تدلّ علىٰ بطلان الصدقة بالمنّ و الأذىٰ، و المقصود من بطلانها سقوط أجرها، دون فسادها حتّى تلزم إعادة الصدقة الواجبة؛ فإنّ المنّ بعد العمل لا يورث البطلان، مع أنّ الآية ناظرة إلىٰ إبطال الصدقة بهما، فيكون المفروض فيها أنّه قد أتى بها، ثمّ يريد المنّة و الأذىٰ، فنهي الناس عنه.

و توهّم: أنّها في مقام بيان اشتراط الصدقة بعدم المنّة حين الإعطاء، فاسد جدّاً؛ لظهور قوله لٰا تُبْطِلُوا في أنّ الصدقة المفروضة الوجود صحيحة جامعةً للشرائط، تكون منهيّاً إبطالها كما لا يخفى.

و علىٰ هذا، لا دلالة لها علىٰ فساد العمل المأتيّ به للّٰه تعالىٰ رياءً، بل تدلّ علىٰ هبوط العمل الريائيّ، الذي لا يريد جدّاً فيه

شؤونَه تعالىٰ، بل المقصود إراءة الناس لا الغير.

و أمّا لو أراده تعالىٰ، و يرى الناس عمله المأتيّ به للّٰه تعالىٰ،

______________________________

(1) البقرة (2): 264.

الواجبات في الصلاة، ص: 179

و ترشّح الإرادة الجدّيَّة للتقرّب به منه تعالىٰ، فهو صحيح، و ربّما كان الرياء في هذه المواقف لمصالح مترتّبة عليه حسناً. إلّا أنّ مقتضىٰ مطلقات المسألة، حرمته في هذه الفروض أيضاً.

و ممّا يشهد علىٰ ذلك الآية السابقة عليها؛ و هي قوله تعالىٰ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوٰالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ ثُمَّ لٰا يُتْبِعُونَ مٰا أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لٰا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لٰا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لٰا هُمْ يَحْزَنُونَ «1».

و ذيلُ تلك الآية وَ لٰا يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوٰانٍ .. «2» إلىٰ آخرها.

فإنّ الآيات في المقام، لا نظارة لها إلى المسألة الفرعيّة، بل هي ناظرة إلىٰ هبوط الأعمال المتعقّبة بالمنّ و الأذىٰ؛ و أنّ الإنفاق الريائيّ لا الإنفاق في سبيل اللّٰه رياءً يكون مثاله كَمَثَلِ صَفْوٰانٍ عَلَيْهِ تُرٰابٌ فَأَصٰابَهُ وٰابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لٰا يَقْدِرُونَ عَلىٰ شَيْ ءٍ مِمّٰا كَسَبُوا وَ اللّٰهُ لٰا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكٰافِرِينَ «3».

بل ربّما يمكن دعوى: أنّ المقصود إنفاق الكفّار، لا المؤمن المرائي كما لا يخفى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الرياء متقوّم بأن يكون صورة العمل أوجدها للّٰه تعالىٰ؛ بمعنى أنّه لا يكون العمل المحرّم المعلوم عند الكلّ حرمته قابلًا للرياء فيه، فهو يتقوّم بالعمل الذي يمكن أن يؤتىٰ به للّٰه تعالىٰ،

______________________________

(1) البقرة (2): 262.

(2) البقرة (2): 264.

(3) البقرة (2): 264.

الواجبات في الصلاة، ص: 180

و ذلك بلا فرق بين حصول الإرادة الجدّيّة المستلزمة لصحّة العمل الريائيّ، و بين ما لا يقصد به إلّا رئاء الناس، فافهم و تأمّل جيّداً.

خاتمة: في كفاية النيّة الارتكازيّة

المشهور أنّ الإخطار بالبال

تفصيلًا لازم «1»، و المعروف بين المتأخّرين كفاية وجودها في خزانة الخيال «2».

و منشأ الاختلاف ليس مسألة كبرويّة، بل هم كانوا لا يرون اتصاف الطبيعة النوعيّة إلّا به، بخلافهم، فإنّهم يقولون باتّصافها به.

و الذي مضى منّا في مسألة الجزم بالنيّة «3» بمعنى الجزم بالعناوين المأمور بها، لا العلم بالأمر، فإنّه ليس شرطاً قطعاً حتّى لا يجوز الاحتياط هو أنّ النيّة من الوجودات الذهنيّة، و الوجودات الذهنيّة تحتاج في تحقّقها الذهنيّ إلى المبادئ، كالوجودات الخارجيّة، و كما أنّ التردّد لا يكون منشأً للوجود في العين، كذلك لا يكون منشأً للوجود في الذهن.

فإذا كان المأمور به ذا جزءين: خارجيّ و ذهنيّ، فلا بدّ من وجودهما

______________________________

(1) المبسوط 1: 101، شرائع الإسلام 1: 68، قواعد الأحكام: 31/ السطر 22.

(2) الحدائق الناضرة 2: 174 و 175 و 176، جواهر الكلام 9: 167 173، الصلاة، الشيخ الأنصاري 1: 271 274، العروة الوثقىٰ 1: 237، كتاب الطهارة، فصل في شرائط الوضوء، الشرط الثاني عشر، العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة.

(3) تقدّم في الصفحة 60 61.

الواجبات في الصلاة، ص: 181

و إيجادهما؛ حتّى يسقط الأمر المتعلّق بتلك الطبيعة الموصوفة ب «الظهريّة و العصريّة» التي لا يوجد عنوانها إلّا في الذهن، فمع الشكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر، فهو لا يكفي؛ لأجل لزوم إيجاد الطبيعة بوصفها المنوّع لها.

و هكذا لو قصد ما في ذمّته و أمثال ذلك؛ لأنّ به لا يحصل الوجود الذهنيّ؛ و هو عنوان «الظهريّة» لعدم الواقعيّة للمأمور به حتّى يشار إليه، بل المأمور به من العناوين المحتاجة في تحقّقها إلىٰ حصول جزء منها في الذهن، و جزئه الآخر في الخارج، و الجزءُ الذهنيّ لا يوجد بالإشارة و

أمثالها، فلا بدّ من تحصيله في النفس حتّى تتّصف الطبيعة به.

فما اشتهر بينهم: «من كفاية النيّة الإجماليّة؛ بأن يكون قاصداً للمطلوب الفعليّ، و ما أمر به مولاه و أمثاله» «1» في غير محلّه.

و أمّا لزوم الإخطار بالبال تفصيلًا، و التوجّه التفصيليّ إليها، فهو ممنوع؛ لعدم الحاجة في الاتصاف إلى الأزيد من وجودها في خزانة النفس.

و توهّم لزوم إيجادها حين إيجاد الجزء الخارجيّ ممنوع؛ لعدم الدليل عليه، مع أنّ الوجودات الذهنيّة الحاصلة قهراً، لا توجد ثانياً، و الإحضارَ و التوجّه التفصيليّ، ربّما يكون غير الإيجاد، فلا ينبغي الخلط.

فعلى ما تقرّر، لا يجوز الإتيان بالصلوات مع الشكّ في عناوينها، و مجرّد كون نيّته جعلَها عصراً إن أتى بالظهر، و ظهراً إن أتى بالعصر، غير كافٍ، كما لو

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 1، وسيلة النجاة 1: 143 القول في النيّة، المسألة 5، تحرير الوسيلة 1: 157 القول في النيّة، المسألة 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 182

علم بأنّه صلّىٰ إحداهما، و لا يعلم أنّها الظهر أو العصر، فإنّه يجب عليه الإتيان بالظهرين بعنوانهما و إن لم يعلم الأمر، بل و إن يعلم الأمر الواحد؛ لأنّ الأمر وجوده و عدمه سيّان، علىٰ ما تقرّر منّا في مقامه «1».

كلام حول العناوين المشيرة إلى المأمور به

ثمّ إنّ فيما توهّموه من العناوين المشيرة إلى المأمور به «2»، شبهة صغرويّة؛ لأنّ ما يشار به إليه، لا بدّ و أن يكون كلّياً منحصراً في الفرد، و هذا قلّما يتّفق لأحد تمكّنه منه، بل لا يمكن؛ ضرورة أنّ نيّة ما وجب أوّلًا لا تكفي، لأنّ الثاني واجب حين وجوب الأوّل، و نيّة المطلوب الفعليّ أيضاً غير كافية لمطلوبات كثيرة، و ما هو غير المنجّز أيضاً فعليّ،

و نيّة المطلوب المنجّز أيضاً غير كافية؛ لما أنّ الصلوات القضائيّة أيضاً منجّزات فعليّة، و هكذا فإنّه و إن أمكن أحياناً بالقيود الكثيرة تعيين المتعلّق، إلّا أنّ ذلك غير ميسور لكلّ أحد، بل ربّما تكون العناوين المشيرة مضرّة بالمأمور به، كما لا يخفى.

فرع: في جواز التلفّظ بالنيّة إلّا في موارد العدول و الاقتحام

لا شبهة في جواز التكلّم بالنيّة و التلفّظ بها و لو أذّن و أقام؛ لعدم الدليل علىٰ عدم مشروعيّته، و لا دليل علىٰ بطلان الإقامة به، علىٰ إشكال

______________________________

(1) لاحظ الصفحة 74، الهامش 2.

(2) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 614، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 1، وسيلة النجاة 1: 143، القول في النيّة، المسألة 5، تحرير الوسيلة 1: 157، القول في النيّة، المسألة 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 183

يأتي في محلّه «1».

و لا يجوز التكلّم بعنوان التشريع، كما ربّما ابتلي به الوسواسيّ.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الواجبات في الصلاة، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الواجبات في الصلاة؛ ص: 183

و في جوازه للصلوات الاحتياطيّة قولان، مبنيّان على استقلالها، و تبعيّتها و أنّها جزء الصلاة الأصليّة، و لذلك اختار الفقيه اليزديّ جوازه «2»، و استشكل الآخرون «3».

و قد تقرّر منّا استقلالها أمراً و خطاباً، لا ملاكاً «4»، فيجوز التكلّم بها و التعبير عنها ما دام لم يضرّ بالفوريّة العرفيّة، و لكنّ الأحوط تركه جدّاً.

و لا يجوز في مواقف العدول، فلو صلّى العصر، فلا يجوز التكلّم العدول إلى الظهر بنيّتها، و هكذا في موضع الاقتحام، كما لا يخفى.

ثمّ إنّ الفقيه اليزديّ قال: «الأحوط ترك التلفّظ بالنيّة في الصلاة، خصوصاً في صلاة الاحتياط للشكوك، و إن كان الأقوىٰ الصحّة معه» «5».

و ظاهر عبارته يفيد: أنّ مرامه الاحتياط المطلق بالنسبة

إلى الحكم التكليفيّ، و الصحّة بالنسبة إلى الحكم الوضعيّ، و هو خلاف مرامه في مسائل الأذان و الإقامة؛ من اختيار كراهة التكلّم في أثنائهما و بعدهما «6»، و الأمر سهل.

______________________________

(1) مباحث الأذان و الإقامة من كتاب الصلاة، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

(2) العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 6.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، التعليقة في ذيل المسألة 6.

(4) مباحث صلاة الاحتياط له (قدّس سرّه) (مفقودة).

(5) العروة الوثقىٰ 1: 616، كتاب الصلاة، فصل في النيّة، المسألة 6.

(6) انظر العروة الوثقىٰ 1: 610، كتاب الصلاة، فصل في مستحبّات الأذان و الإقامة، الأمر الرابع.

الواجبات في الصلاة، ص: 185

المطلب الثاني حول تكبيرة الإحرام و أحكامها

اشارة

الواجبات في الصلاة، ص: 187

في وجوب التكبيرة و لا شبهة في وجوبها، و أنّها من الصلاة، و التعبير في بعض المآثير بما ينافيه ظاهراً «1»، ممّا لا يمكن المساعدة عليه؛ حسب الأخبار و الروايات الأُخر «2»، و النزاع المعروف في التسليم «3» يأتي هنا أيضاً، و سيوافيك بعض الكلام فيه «4».

و يتمّ البحث حولها في ضمن جهات

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 193.

(2) وسائل الشيعة 6: 9 16، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1 و 2 و 3.

(3) و هو أنّ التسليم هل هو جزء وجوبي للصلاة أم لا بل خارج عن الصلاة، لاحظ مفتاح الكرامة 2: 467، جواهر الكلام 10: 278، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 451.

(4) يأتي في الصفحة 193.

الواجبات في الصلاة، ص: 189

الجهة الاولىٰ في صورتها

و هي على المشهور المعروف، و هو القدر المتيقّن ممّا يحصل به الإحرام «اللّٰه أكبر» من غير إضافة شي ء إلى المبتدأ، كقوله: «تعالىٰ» أو إلى الخبر كقوله: «من أن يوصف» و من غير إضافة شي ء إليها، حتّى يستلزم وصل الهمزة و حذفها، و لا وصلها بشي ء آخر، حتّى يلزم إظهار إعرابها، و لا توصيفه تعالىٰ بصفاته، و لا تبديل اسمه باسمه الآخر ك «الرحمن» بناءً علىٰ بعض الأقوال، حيث هو اسمه الثاني «1»، و لا تبديل أفعل التفضيل بالوصف، كقوله: «اللّٰه كبير» أو «مكبّر» و غير ذلك من إشباع فتحة «الباء» حتّى تتولّد «الألف» و من تشديد «الراء» و إن اقتضاه آداب القراءة في بعض ما يتعقّبه ما يقتضيه.

و مقتضى الصناعة جواز كثير مما أُشير إليه؛ لعمومات البراءة و عدم

______________________________

(1) تفسير القرآن الكريم، للمؤلّف (قدّس سرّه) (الحمد، الناحية الثانية، مباحث اللغة و الفقه).

الواجبات في الصلاة، ص: 190

الدليل علىٰ ممنوعيّته بعد الإتيان

بتلك الجملة، و تلك الإضافات لا تضرّ؛ لعدم الشاهد عليه.

نعم، الإشباع بأن يقول: «اللّٰه أكبار» غير جائز؛ لأنّ الآداب المعروفة في القراءات، غير صحيحة عندي، مع أنّ مقتضى النصوص «1» خلافه. كما لا يجوز لأجلها تبديل الاسم.

و أمّا التوصيف و زيادة كلمة «من كلّ شي ء» أو «من أن يوصف» فهو ممّا لا دليل عليه.

و لو ادّعي: أنّ العبادات توقيفيّة، و الروايات قد بيّنت الصيغة، و فسّرت صورتها، و لا يجوز التجاوز عن حدودها «2»، فهو صحيح، إلّا أنّه يقتضي الأخذ بالقدر المتيقّن المذكور، دون التفصيل بين الفروض، كما صنعه عدّة من الأعلام؛ فجوّزوا الوصل المؤدّي إلىٰ حذف «الهمزة» من كلمة «اللّٰه» و وصل كلمة «أكبر» بما بعده، و لم يجوّزوا إضافة كلمة «تعالىٰ» في أثناء الجملة، و احتاطوا في إضافة كلمة «من أن يوصف» بعدها «3»، و إن جوّز الفقيه اليزديّ ذلك، و منع ذاك «4».

بل مقتضىٰ إطلاق بعض النصوص الدالّة على الاجتزاء بالتكبيرة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 11 و 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11 و 12.

(2) لاحظ جامع المقاصد 2: 235، مدارك الأحكام 3: 319، الحدائق الناضرة 8: 31، الصلاة، الشيخ الأنصاري 1: 286.

(3) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام.

(4) وسائل الشيعة 1: 626 627، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام.

الواجبات في الصلاة، ص: 191

الواحدة «1» و غيره «2»، صحّة الاكتفاء بأيّة صورة انطبق عليها التكبير؛ فإنّ

لكلّ شي ء أنف، و أنف الصلاة التكبير «3»

و ما ورد من الصيغة الخاصّة «4»، لا يورث حصر المطلق بها، بل هو من مصاديقها كما لا يخفى هذا كلّه مقتضى الصناعات.

و لكنّ الوجدان بعد مراجعة الروايات، يطمئنّ بعدم صحّة غير

الصورة المذكورة، و الأحوط ترك الإضافات إليها، و ترك الوصل الموجب لحذف «الهمزة» و ترك إظهار إعرابه بالوصل إلى الجملة المتأخّرة، و إن كان الأقوىٰ جوازه، خصوصاً في الفرض الثاني، إذا كان الموجب لحذفها التكبيرة السابقة عليها، و لا سيّما في الفرض الثالث.

و أمّا إضافة كلمة بين الكلمتين، أو بعدهما، فهي غير ممنوعة حسب الصناعة.

اللهمّ إلّا أن يقال: بأنّ الصورة الأُولىٰ، خلاف مقتضى الأخبار المعيّنة لصورة التكبيرة «5»، و الصورة الثانية خلاف مقتضىٰ رواية الصدوق، عن

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 9 11 كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 8.

(2) وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 7، 10.

(3) تهذيب الأحكام 2: 237/ 940، وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 6.

(4) وسائل الشيعة 6: 11 و 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11 و 12.

(5) كرواية الصدوق في «المجالس» بإسناده ..، و أمّا قوله: اللّٰه أكبر إلى أن قال لا تفتتح الصلاة إلّا بها، أمالي الصدوق: 158/ 1، المجلس 35، وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 12.

الواجبات في الصلاة، ص: 192

رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) مرسلًا، قال: كان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أتمّ الناس صلاة و أوجزهم، كان إذا دخل في صلاته قال

اللّٰه أكبر بسم اللّٰه الرحمن الرحيم «1»

فليتدبّر.

______________________________

(1) الفقيه 1: 200/ 921، وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 11.

الواجبات في الصلاة، ص: 193

الجهة الثانية في جزئيّتها من الصلاة

اشارة

هل التكبيرة من أجزاء الصلاة، أو

تكون من الواجبات الخارجة عنها؟ و ربّما تظهر الثمرة في مسألة جواز قطعها في أثنائها؛ فإنّها لو كانت من الصلاة فبعد قوله: «اللّٰه» لا يجوز القطع؛ لأنّه من قطع الصلاة، و هو محرّم، و إن كانت خارجة عنها فيجوز، و هكذا بعد الفراغ من التكبيرة، فإنّه يجوز القطع على الثاني، و لا يجوز على الأوّل.

و المسألة مفروغ عنها عند المتأخّرين «1»؛ لاقتضاء الاعتبار و الاغتراس و النصوص ذلك، و كونها من الواجبات الخارجة عنها، ممّا لا يناسبه الذوق، و لا الأدلّة.

و توهّم دلالة بعض المآثير مثل قوله (عليه السّلام) علىٰ ما في رواية

______________________________

(1) انظر ذكرى الشيعة: 178/ السطر 22، مدارك الأحكام 3: 318، جامع المقاصد 2: 234، مستند الشيعة 5: 17، جواهر الكلام 9: 201، مصباح الفقيه، الصلاة: 241/ السطر 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 194

إسماعيل بن مسلم، عن جعفر، عن أبيه، عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في حديث قال

لكلّ شي ء أنف، و أنف الصلاة التكبير «1»

و قوله (عليه السّلام) علىٰ ما في رواية «المجازات النبويّة»

لكلّ شي ء وجه، و وجه دينكم الصلاة، و لكلّ شي ء أنف، و أنف الصلاة التكبير «2»

علىٰ أنّها خارجة، ممنوع؛ لدلالتها علىٰ أنّها داخلة، كما يكون أنف الشي ء من الشي ء.

نعم، ما رواه ناصح المؤذّن، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث قال

فإنّ مفتاح الصلاة التكبير «3»

ربّما يدلّ علىٰ خروجها منها؛ لأنّ مفتاح الشي ء ليس من الشي ء. و لكنّه معارض بما مرّ: من أنّها أنف الصلاة.

مع أنّ في رواية ابن القدّاح، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم «4».

فإنّه

لو كان كلمة «الافتتاح» دليلًا علىٰ خروج التكبيرة من الصلاة كخروج الوضوء يلزم جواز جميع المنافيات بعدها؛ لأنّ معنى «المفتاح» لا يلازم الدخول القهريّ فيها، كما لا يخفى.

فبالجملة: المستفاد من مجموع الروايات بعد مساعدة الاعتبار

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 237/ 940، وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 6.

(2) المجازات النبويّة: 208/ 167، وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 13.

(3) تهذيب الأحكام 3: 270/ 775، وسائل الشيعة 6: 10، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 7.

(4) الكافي 3: 69/ 2، وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 10.

الواجبات في الصلاة، ص: 195

و الاغتراس أنّها جزء الصلاة، و ما قيل في التسليم «1» فهو لأجل أنّه كلام آدميّ.

و قد يمكن دعوى: أنّ الأدلّة الدالّة علىٰ إعادتها عند نسيانها و تركها «2»، تدلّ علىٰ أنّها منها، و لا معنىٰ لاستلزام الواجب الخارجيّ ذلك، بل قوله (عليه السّلام)

لا صلاة بغير افتتاح «3»

يشهد علىٰ تقوّمها بها اسماً.

عدم ترتّب ثمرة على النزاع في المقام

و ربّما يخطر بالبال عدم ثمرة مترتّبة عليها؛ لأنّ القائلين بأنّها جزؤها، يجوّزون المنافيات قبل إتمامها، و القائلين بأنّها خارجة عنها، يمنعون المنافيات بعد إتمامها؛ لأنّها المفتاح الموجب للدخول فيها قهراً.

و الحقّ: أنّ ما اختاروه علىٰ مبناهم، غير صحيح.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ التكبيرة جزؤها، و الشروع فيها شروع في الصلاة؛ لأنّ كلّ حرف و كلمة من القراءة كما يكون من الصلاة، كذلك كلّ حرف و حركة منها و من أذكار الركوع و السجود؛ فإنّ الصلاة كالخطّ، فإنّ الخطّ بأوّل وجوده خطّ، كذلك الصلاة، فإنّها بأوّل وجودها صلاة، و مقتضى أنّها حقيقة تدريجيّة الوجود، صدقها

علىٰ جميع مراتبها، على ما تقرّر في

______________________________

(1) في استحبابه و عدم كونه جزءاً للصلاة، لاحظ المقنعة: 139، النهاية: 89، مفتاح الكرامة 2: 470.

(2) المرويّة في وسائل الشيعة 6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2.

(3) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 196

محالّها، و لذلك لو أخلّ بها بإتيان المنافيات، تكون باطلة، و لا يجوز الاكتفاء بها، و ليس ذلك لأجل الدليل المخصوص بها، بل الأدلّة المانعة عنها حين الصلاة «1»، تشمل ذلك.

و لكنّك تعلم: أنّ دليل حرمة قطع الصلاة «2»، قاصر عن شموله هذه الصورة، و لأجله أفتى الأصحاب بجوازه «3». و فيه شبهة كما لا يخفى.

بل ربّما يدلّ علىٰ جواز قطعها قبل إتمامها، السيرة العمليّة.

و دعوىٰ: أنّ مقتضى الصناعة و إن كان بالشروع فيها، يشرع في الصلاة، إلّا أنّ الصدق العرفيّ غير معلوم؛ ما دام لم يأتِ بها بكمالها؛ فإنّ الشروع في كلّ شي ء عقلًا، التلبّس بأوّل وجوده، و لكنّ العرف ربّما لا يرى ذلك ما دام لم يتحقّق منه شي ء؛ على اختلاف الموضوعات، مسموعة فتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 7: 233، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة.

(2) لاحظ جواهر الكلام 11: 123 129، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 609، مستند العروة الوثقىٰ 4: 552.

(3) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، مهذّب الأحكام 6: 173، الصلاة (تقريرات المحقّق الداماد) الآملي 3: 388.

الواجبات في الصلاة، ص: 197

الجهة الثالثة في أنّها ركن أم لا

اشارة

هل أنّها من الأركان، أو ليست منها؟

أو هي ركن في الجملة؛ بأن تكون الصلاة باطلة بالنقيصة، و صحيحةً بالزيادة؟

أو أنّها تبطل بزيادتها و نقيصتها، و لكنّه لو أخلّ ببعض الجهات المرتبطة

بها، لا تبطل الصلاة؟

مثلًا: لو قال نسياناً: «اللّٰه تعالىٰ أكبر» ثمّ تذكّر بعد الصلاة ذلك، فإنّه لا يعيد؛ لعدم بطلان التكبيرة به، و لا أقلّ من الشبهة في بطلانها به. بل و لو كبّر غلطاً جهلًا، ثمّ تذكّر لا يعيد؛ لعدم كونه ركناً إلّا بنحو الأعمّ.

فيه وجوه و أقوال:

المشهور المعروف قديماً و حديثاً، ركنيّتها على الإطلاق «1»، فلو تركها

______________________________

(1) لاحظ شرائع الإسلام 1: 69، تذكرة الفقهاء 3: 111، المسألة 208، ذكرى الشيعة: 178/ السطر 16، مستند الشيعة 5: 17، جواهر الكلام 9: 201، العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام.

الواجبات في الصلاة، ص: 198

أو زادها تبطل الصلاة، عمداً كان، أو سهواً و جهلًا، كسائر الأركان. بل ظاهر المتأخّرين بطلانها بالإخلال بالجهات الطارئة، كقوله: «اللّٰه تعالىٰ أكبر» «1».

و اختار بعض سادة العصر ركنيّتَها في الجملة، و قال بصحّتها عند زيادتها السهويّة، دون العمديّة «2».

و هذا هو الظاهر من عنوان «الوسائل» حيث قال: «الباب الثاني: بطلان الصلاة بترك تكبيرة الإحرام و لو نسياناً، و وجوب الإعادة مع تيقّن الترك، لا مع الشكّ» «3» انتهىٰ، مع أنّه (قدّس سرّه)، لم يعنون باباً لبطلانها بزيادتها، بخلاف الركوع، فإنّه قد عنون هناك باباً لبطلانها بزيادته «4»، فليراجع.

مقتضى القواعد العامّة

هذا، و مقتضى عموم

لا تعاد .. «5»

صحّتها بدونها و بنقيصتها، إلّا مع

______________________________

(1) انظر قواعد الأحكام: 32/ السطر 15، ذكرى الشيعة: 178/ السطر 26، جامع المقاصد 2: 237، العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 1.

(2) هو السيّد الشاهرودي، العروة الوثقىٰ 1: 613، كتاب الصلاة، فصل في واجبات الصلاة، التعليقة 4 و 5. العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، التعليقة 4.

(3) وسائل الشيعة

6: 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2.

(4) وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14.

(5) وسائل الشيعة 5: 471، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.

الواجبات في الصلاة، ص: 199

العمد، علىٰ ما تقرّر في مباحث الخلل «1».

و مقتضى عموم

من زاد في صلاته فعليه الإعادة «2»

بطلانها بالزيادة العمديّة و السهويّة.

و مقتضى عموم قوله (عليه السّلام)

تسجد سجدتي السهو؛ في كلّ زيادة تدخل عليك أو نقصان «3»

صحّتها بالزيادة السهويّة. هذا حسب القواعد العامّة المحرّرة في مواضعها.

مفاد المآثير الواردة في المقام

و أمّا قضيّة النصوص، فلا يبعد أن تكون هي كذلك؛ لعدم الدليل عليه، و خلوِّ أخبار المسألة عن بطلانها بزيادتها، و لأنّ مفهوم «الركن» ليس من العناوين في أخبارها. مع أنّ زيادته لا تضرّ بها؛ لعدم فساد المبنىٰ بتكثير الأركان.

و الذي يخطر بالبال: هو أنّ أخبار المسألة من جهة بطلانها بالنقيصة مضطربة، و لعلّ النظر فيها يؤدّي إلى استحباب الإعادة عند تركها، و عليه لا بأس بنقلها، و هي كثيرة:

فمنها: معتبرة زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن الرجل ينسىٰ

______________________________

(1) الخلل في الصلاة، للمؤلف (قدّس سرّه): المسألة الثالثة، الجهة الثالثة.

(2) تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، الإستبصار 1: 376/ 1429، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 19، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 2: 155/ 608، الإستبصار 1: 361/ 1367، وسائل الشيعة 8: 251، كتاب الصلاة، أبواب الخلل في الصلاة، الباب 32، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 200

تكبيرة الافتتاح.

قال

يعيد «1».

و منها: معتبرة محمّد، عن أحدهما (عليهما السّلام): في الذي يذكر أنّه لم يكبّر في أوّل صلاته.

فقال

إذا استيقن أنّه لم يكبّر فليعد، و لكن كيف يستيقن؟! «2».

و منها: معتبرة عبيد بن زرارة قال: سألت

أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل أقام الصلاة، فنسي أن يكبّر حتّى افتتح الصلاة.

قال

يعيد الصلاة «3».

فإنّها و غيرها تدلّ علىٰ ركنيّتهما.

و يعارضها الأخبار الأُخر:

فمنها: معتبرة عبيد اللّٰه بن عليّ الحلبيّ، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل نسي أن يكبّر حتّى دخل في الصلاة.

فقال

أ ليس كان من نيّته أن يكبّر؟.

قلت: نعم.

قال

فليمضِ في صلاته «4».

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 143/ 557، الإستبصار 1: 351/ 1326، وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1.

(2) تهذيب الأحكام 2: 143/ 558، الإستبصار 1: 351/ 1327، وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 2.

(3) تهذيب الأحكام 2: 142/ 556، وسائل الشيعة 6: 13، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 3.

(4) تهذيب الأحكام 2: 144/ 565، الإستبصار 1: 352/ 1330، وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 9.

الواجبات في الصلاة، ص: 201

و منها: معتبرة أبي بصير قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة، فنسي أن يكبّر، فبدأ بالقراءة.

فقال

إن ذكرها و هو قائم قبل أن يركع فليكبّر، و إن ركع فليمضِ في صلاته «1».

و منها: معتبرة زرارة (رحمه اللّٰه) عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: قلت له: الرجل ينسىٰ أوّل تكبيرة من الافتتاح.

فقال

إن ذكرها قبل الركوع كبّر، ثمّ قرأ، ثمّ ركع، و إن ذكرها في الصلاة كبّرها في قيامه في موضع التكبير؛ قبل القراءة، و بعد القراءة.

قلت: فإن ذكرها بعد الصلاة؟

قال

فليقضها، و لا شي ء عليه «2».

و هذه الرواية و الثالثة من الطائفة الأُولىٰ، ناظرتان إلىٰ تكبيرة الافتتاح، و أمّا غيرها فهي تدلّ علىٰ عدم ركنيّتها مطلقاً.

اللّهمّ إلّا

أن يقال: بأنّ الرواية الأُولىٰ، ناظرة إلىٰ فتوى بعض العامّة القائل: بكفاية النيّة عن تكبيرة الإحرام «3»، أو محمولة علىٰ أنّه (عليه السّلام) أوقع ببيانه الشكّ في الإتيان بها «4»، و يومئ إليه قوله (عليه السّلام) في الرواية

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 145/ 568، الإستبصار 1: 352/ 1332، وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 10.

(2) تهذيب الأحكام 2: 145/ 567، الإستبصار 1: 352/ 1331، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 8.

(3) الانتصار: 40، المجموع 3: 290.

(4) كما حمله الشيخ الطوسي في تهذيب الأحكام 2: 144 في ذيل الحديث 566، و في الإستبصار 1: 352 في ذيل الحديث 1332.

الواجبات في الصلاة، ص: 202

السابقة

كيف يستيقن؟!

فتدبّر.

رجوع إلى مقتضى القواعد العامّة في المقام

و لكن مع ذلك، مقتضى الصناعة صحّة الصلاة لو تركها عن غير عمد؛ لعموم

لا تعاد ..

و لمعارضة الأخبار الآمرة بالإعادة «1» بمعتبرة أبي بصير «2».

بل مفهوم الحصر المستفاد من

لا تعاد ..

يعارض تلك الأخبار، و عند الدوران بين حمل الهيئة على الاستحباب، و طرح ظهور

لا تعاد ..

يقدم الأوّل، من غير الحاجة إلى الرواية، فلو أشكل الأمر في صحّة رواية أبي بصير ذاتاً «3»، أو لإعراض المشهور عنها «4» فالقاعدة تكفي لتصحيحها بدونها.

بل مقتضىٰ ما تحرّر منّا في محلّه: أنّ تقييد عموم

لا تعاد ..

يورث سقوط اعتبار عمومها «5»، و لذلك تكون ألسنة المقيّدات على نعت الحكومة،

______________________________

(1) المرويّة في وسائل الشيعة 6: 12 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 1 و 2 و 3 و 4 و 5 و 7.

(2) تهذيب الأحكام 2: 145/ 568، الإستبصار 1: 352/ 1332، وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث

10.

(3) لأجل اشتراكه بين الثقة و غيره، انظر هداية المحدّثين: 272، معجم رجال الحديث 21: 44/ 13959.

(4) تقدّم في الصفحة 197.

(5) رسالة في قاعدة «لا تعاد»، للمؤلف (قدّس سرّه) (مفقودة).

الواجبات في الصلاة، ص: 203

مثل قوله (عليه السّلام)

لا صلاة لمن لم يقم صلبه «1»

و

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب «2»

و غير ذلك «3».

فعلى هذا، يمكن دعوى بطلان الصلاة بدون التكبيرة؛ لقوله (عليه السّلام) في معتبرة عمّار قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل سها خلف الإمام؛ فلم يفتتح الصلاة.

قال

يعيد الصلاة، و لا صلاة بغير افتتاح «4».

فإنّه حاكم على القاعدة، و لذلك لو أخلّ بها عمداً أو سهواً أو جهلًا و غير ذلك، تكون باطلة، و لو لا هذه الرواية، لكانت مقتضى الصناعة ما ذكرناه بلا شبهة و إشكال، خصوصاً في صورة الجهل، فتأمّل جيّداً.

و أمّا بطلانها بالزيادة، فهو غير مبرهن.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بالاتفاق و الشهرة عند القدماء «5»، الكاشف عن مفروغيّة ذلك بينهم. و ممّا يؤيّد ذلك خلوّ أخبار المسألة من تلك الجهة،

______________________________

(1) معاني الأخبار: 280، وسائل الشيعة 6: 324، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 18، الحديث 6.

(2) غوالي اللّئالي 1: 196/ 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 5.

(3) كقوله (عليه السّلام) «فلا صلاة له إذا ترك الصلاة علىٰ النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)» وسائل الشيعة 6: 407، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 10، الحديث 1. و يأتي في الصفحة قوله (عليه السّلام): لا صلاة بغير افتتاح.

(4) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

(5) المبسوط 1: 105، شرائع الإسلام 1: 69، الجامع

للشرائع: 80، نهاية الأحكام 1: 458، ذكرى الشيعة: 179/ السطر 7.

الواجبات في الصلاة، ص: 204

فيعلم منه أنّ المسألة ممّا تلقّاها اللّاحقون من السابقين يداً بيد، فافهم و تدبّر.

و المسألة من تلك الجهة، تحتاج إلى المراجعة إلى متون السابقين؛ حتّى يعلم اشتهارها و عدمه «1»، و حيث أنّ الموجود عندي من الكتب الفقهيّة، ليس إلّا متن الفقيه اليزديّ و الأصفهانيّ، مع عدّة حواشٍ و تعليقات للأعلام، فيحال إلىٰ موقف آخر.

دعاء و شكوىٰ و فراسة

و نرجو اللّٰه تعالىٰ أن يوفّقني للخدمة، و لا سيّما خدمة الوالد المحقّق- مدّ ظلّه الغريب في بورسا، البعيد من وطنه قريباً من سنة؛ فإنّه قد أخذ من قم ليلة الأربعاء الثامن و العشرين من جُمادى الثانية، و أُقصي منه، و جي ء به إلىٰ بلدة بورسا من بلاد تركية، و اليوم يوم الخامس و العشرين من جُمادى الأُولىٰ، سنة خمس و ثمانين و ثلاثمائة بعد الألف من الهجرة النبويّة، علىٰ هاجرها آلاف السلام و التحيّة.

و الذي القي إليه في الأمس من قبل الشاه خذله اللّٰه تعالىٰ و قتله؛ لأنّه عدوّه و عدوّ اللّٰه تعالىٰ من حيث لا يعلم هو أنّه مدّ ظلّه لو اشتهىٰ أن يذهب إلى العراق، فلا بأس، و هو اختاره؛ لما فيه المنافع الكثيرة ممّا لا تعدّ و لا تحصى، إن شاء اللّٰه تعالىٰ.

و لكن مع الأسف، أنّ أعمالهم و نيّاتهم ليست على المباني الصحيحة،

______________________________

(1) لاحظ مفاتيح الشرائع 1: 125، جواهر الكلام 9: 220.

الواجبات في الصلاة، ص: 205

حتّى يعملوا بما يقولون، أُفٍّ عليهم و علىٰ ما يصنعون، و العن اللّهمّ الطاغين الظالمين، و أطل اللّهمّ عمره مدّ ظلّه حتّى يرجع إلىٰ وطنه الشريف؛ ليكون سيفاً علىٰ أعداء الدين، آمين ربّ العالمين.

فرع: هل أنّ تكبيرة الإحرام تفسد بالإضافات؟

مقتضىٰ ما تقرّر: أنّ تكبيرة الإحرام الباطلة تورث الإعادة؛ لأنّه

لا صلاة بغير افتتاح.

نعم في بطلانها بزيادة مثل قوله: «تعالىٰ» بعد قوله: «اللّٰه» أو بزيادة كلمة «من أن يوصف» بعد قوله: «اللّٰه أكبر» محلّ الشبهة، فلو زاد عمداً فليستأنف، و لو زاد سهواً فمقتضى الصناعة الإعادة؛ للشك في أنّ ما أتى به صلاة أم لا؛ لتقوّمها بالتكبيرة، و هي مشكوكة الوجود.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّه المسبّب من بطلانها بها، و هو المنفيّ

بالأصل.

بل يمكن دعوى صحّة التمسّك في خصوص مسألة تكبيرة الإحرام عند الشكّ في بطلانها بمبطل كذائيّ بعموم

لا تعاد ..

ضرورة أنّ معنىٰ بطلانها به إعادة الصلاة، بخلاف بطلان سائر الأجزاء بما يشكّ بمبطليّتها لها، فإنّها لا تكون مصبّ القاعدة على المشهور المعروف؛ لأنّ القاعدة لا تجري بالنسبة إلى الأجزاء، و لا توجب نفي إعادتها؛ لأنّها ليست من إعادة الصلاة، بخلاف الاستئناف فإنّه إعادة للصلاة.

فلو شكّ في بطلان القراءة؛ لأجل الإخلال بالاستقرار، لا يصحّ التمسّك بها، بخلاف ما لو شكّ في بطلان التكبيرة؛ لأجل الإخلال

الواجبات في الصلاة، ص: 206

بالاستقرار، فإنّه يصحّ التمسّك بها؛ لأنّه لو كان الاستقرار ركناً، يوجب الإعادةَ، و الخروجَ من الصلاة، و الدخولَ فيها ثانياً، و لذلك ينفى بعموم القاعدة ركنيّته، و هكذا لو كان قوله: «من أن يوصف» مبطلًا تلزم الإعادة من قبله، مع أنّها منفيّة بالقاعدة.

فتحصّل: أنّ مقتضى الصناعة العمليّة لو شكّ في بطلان التكبيرة بتلك الإضافات، عدم وجوب الاستئناف.

هذا كلّه لو تذكّر بعدها أو في الأثناء، و أمّا لو تذكّر بعد الفراغ، فلا شبهة في المسألة.

و قد يخطر بالبال أن يقال: بأنّ تلك الإضافات ليست من الموانع و المبطلات، و لا من المشروطة عدمها، حتّى تستقلّ بها القاعدة في جريانها، بل هي الجهات المورثة للإخلال بحصول الافتتاح الصحيح، و مع الشكّ في تقوّم صحّتها بها، فالمرجع هو عموم حديث الرفع «1».

اللّهمّ إلّا أن يقال: المرجع قاعدة الاحتياط؛ للزوم إتيان التكبيرة الافتتاحيّة قطعاً، و مع الشكّ المذكور يشكّ في الامتثال، فتأمّل.

فرع آخر: في حكم من يكبّر غلطاً

لو كان يكبّر غلطاً، فهل عليه الإعادة، أم لا؟ فيه وجهان:

من أنّ الأدلّة الملزمة للإعادة، قاصرة عن شمول الفرض.

______________________________

(1) التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد،

أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 207

و من أنّ قوله (عليه السّلام)

لا صلاة بغير افتتاح «1»

ظاهر في الافتتاح الصحيح.

و لو أشكل الأمر من جهة إجمال الوجه الثاني، فالمرجع عموم

لا تعاد .. «2»

لأنّ الخارج منه تركها، لا الإتيان بها غلطاً كما لا يخفى.

و لو قيل

لا صلاة بغير افتتاح

فيه احتمال آخر؛ و هو إرادة الوضوء؛ لما ورد في الأخبار: أنّ

افتتاح الصلاة الوضوء، و تحريمها التكبير، و تحليلها التسليم «3».

هذا مع أنّ استفادة التقويم من ذلك، غير متعارفة؛ لما أنّ الهيئة المذكورة قد تستعمل في نفي الكمال، كقوله

لا صلاة لجار المسجد إلّا في مسجده «4»

و لو كان ذلك مفيد التقويم ادعاءً، لما كان يصحّ تخصيصه، كما خصّص قوله

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب «5».

هذا مع أنّه لو كان يورث التقويم في عالم الادعاء، فهو دليل علىٰ بطلانها بزيادة التكبيرة؛ لأنّ الشي ء الواحد، لا يعقل أن يكون ذا مقوّمين.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

(2) وسائل الشيعة 5: 471 كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 14.

(3) الكافي 3: 69/ 2، الفقيه 1: 23/ 68، وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 10.

(4) تهذيب الأحكام 1: 92/ 244، وسائل الشيعة 5: 194، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد، الباب 2، الحديث 1.

(5) غوالي اللّئالي 1: 196/ 2، مستدرك الوسائل 4: 158، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 8، الحديث 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 208

قلنا: الاحتمال المذكور قريب في حدّ نفسه، و بعيد بل مقطوع العدم بعد ملاحظة صدر الرواية، و اشتراك الهيئة المذكورة لا يورث طرح الظهور الذاتيّ،

بعد احتياج خلافه إلى القرينة، و توهّم ورود مثل قوله

لا صلاة إلّا بفاتحة الكتاب

من قلّة الاطلاع، بل الوارد في أخبارها ما يقبل التخصيص، و هو قوله (عليه السّلام)

لا صلاة له إلّا أن يقرأ بها في جهر أو إخفات «1»

و بين التعبيرين ما بين الجرباء و الترباء.

و الاستفادة المشار إليها مضافاً إلىٰ أنّها خارجة عن أُفق الأفهام الفقهيّة غير تامّة ذاتاً؛ لأنّ الثاني ليس افتتاحاً، كما لا يخفى.

و توهّم: أنّ معتبرة أبي بصير «2» في حكم القرينة علىٰ إرادة نفي الكمال، أو إفادة الشرطيّة إجمالًا، في غير محلّه؛ لإعراض المشهور عنها «3»، بل لا عامل بها.

فرع: في حكم الزيادة علىٰ تكبيرة الإحرام

لو زاد تكبيرة الإحرام، فإن كان عن عمدٍ، فهو يرجع إلى الإعراض عمّا بيده، و افتتاحِ الصلاة ثانياً، فإن قلنا: بأنّ الإعراض القلبيّ مبطل، فلا شبهة

______________________________

(1) الكافي 3: 317/ 28، تهذيب الأحكام 2: 147/ 576، الإستبصار 1: 310/ 1152، وسائل الشيعة 6: 37، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

(2) وسائل الشيعة 6: 15، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 10، تقدّم أيضاً في الصفحة 201.

(3) تقدّم في الصفحة 197 و 202.

الواجبات في الصلاة، ص: 209

في صحّة التكبيرة الثانية، و يتمّها لما افتتح لها، و المفروض افتتاح الصلاة التي بيده ثانياً.

و إن قلنا: ببطلانها بنفس هذه التكبيرة الافتتاحيّة الثانية، فهي مبطلة لما بيده، و افتتاح للأُخرىٰ، و لا وجه لبطلانها إلّا توهّم النهي عنها بعنوانها، و هو ممنوع، بل المنهيّ منطبق عليها.

و أمّا زيادتها ثانياً من غير حصول الإعراض القلبيّ عن الأُولىٰ، فهي ليست مبطلة؛ لأنّ ما هو المبطل الافتتاحيّة، و هي الركن، دون التكبيرة.

و إن شئت قلت: لا يعقل تكرار الافتتاحيّة بعنوانها، و تكرارُ

التحريم بعنوانه، إلّا مع الغفلة عن حاله، أو الإعراضِ عمّا بيده، و على التقديرين تصحّ الثانية، فلو كبّر للظهر، ثمّ غفل عن حاله و كبّر لها ثانياً، فقد تمّت صلاته الثانية، و بطلت الاولىٰ، و لا منع عقلًا عن صحّة المبطل، كما لو كبّر عمداً في صلاة لصلاة أُخرى، و قلنا: بعدم صحّة الاقتحام.

و بعبارة اخرىٰ: لا يعقل زيادة تكبيرة الإحرام في الصلاة، لا بمعنى عدم معقوليّة زيادة الركوع و غيره؛ لانعدامها بها، بل بمعنى أنّ ما هو الركن، ليس مطلق التكبيرة حتّى تزداد فيها، بل هو التكبيرة الخاصّة المأتيّ بها بعنوان الافتتاحيّة و الشروع فيها، و هذا المعنىٰ لا يعقل ترشّحه في النفس إلّا في أحد الوجهين؛ الغفلة، أو الأعراض:

فإن كان إعراضاً عن الاولىٰ كما هو دأب الوسواسيّين فلا شبهة في صحّتها و إن قلنا: بعدم بطلان الاولىٰ بنفس الإعراض.

و إن كان غفلة عن الحال، فإن استلزم ذلك إخلالًا بالوظيفة، تبطل لأجله، و إلّا فلا.

الواجبات في الصلاة، ص: 210

مثلًا: لو كبّر و صلّى ركعة، ثمّ غفل و كبّر للافتتاح ثانياً، و أتى بالوظيفة، ثمّ بعد ذلك تذكّر أنّه أتى بالإحرامين، فإنّه تتمّ صلاته، و لا شي ء عليه، و لا وجه لبطلانها بدعوىٰ زيادة الركن أو الركعة.

و ممّا ذكرناه يظهر النظر في مختار المتأخّرين، حيث قالوا: «فلو كبّر بقصد الافتتاح، و أتى بها على الوجه الصحيح، ثمّ كبّر بهذا القصد ثانياً، بطلت، و احتاج إلى ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة، احتاج إلىٰ خامسة، و هكذا تبطل بالشفع، و تصحّ بالوتر» «1» انتهىٰ.

نعم، لو أمكن قصد الافتتاح في أثناء الصلاة، مع حفظ الصلاة السابقة، فللقول بالحاجة إلى الوتر بعد الشفع وجه.

ثمّ إنّ الأظهر كما مرّ «2»،

أنّ الإعراض القلبيّ المتعقّب بالأعمال بعنوان آخر صلاة كانت، أو غير صلاة يكفي في بطلان ما بيده، و لا حاجة إلى المنافيات المصطلحة في الخروج عنها، فما قد يتراءىٰ من الأصحاب في بعض المقامات؛ من الاحتياط بإيجاد المنافي، ثمّ الاستئناف «3»، ناشئ عن الغفلة عن حقيقة النيّة، و الصلاةِ المتقوّمة بها، و أثرِ الإعراض عنها، كما لا يخفى.

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، لاحظ أيضاً: وسيلة النجاة 1: 146، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، تحرير الوسيلة 1: 161.

(2) تقدّم في الصفحة

(3) العروة الوثقىٰ 1: 631، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 16، تحرير الوسيلة 1: 161، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام.

الواجبات في الصلاة، ص: 211

الجهة الرابعة في واجباتها

اشارة

و هي مختلفة حسب الركنيّة و عدمها:

فمنها: النيّة

اشارة

بمعنى أنّ مطلق التكبيرة الصلاتيّة، ربّما لا تكون كافية، و لا التكبيرة الافتتاحية، بل لا بدّ من نيّة تكبيرة الإحرام، لا بالحمل الأوّلي، بل يكفي الحمل الشائع؛ و هو قصد التكبيرة التي يدخل بها في الصلاة، و يكون قاصداً بها الدخول فيها؛ بحيث يحرم عليه المنافيات، و لا يشترط التفصيل في ذلك؛ و ذلك لأنّ من المآثير ما يكون ظاهراً؛ في أنّ التكبيرات الستّ الافتتاحيّة، من الأجزاء المستحبّة للصلاة المتقدّمة على الجزء الواجبيّ «1»، فبالدخول فيها يدخل في الصلاة، إلّا أنّه لا يحرم عليه بعدُ

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 18، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 5، الحديث 2 و 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 212

المنافيات.

نعم، بعد تكبيرة الإحرام و هي السابعة مثلًا، يحرم عليه أُمور، فعلى هذا لا بدّ من القصد الخاصّ، و لا يكفي مجرّد التكبير بعنوان الافتتاح، كما لا يخفىٰ.

هل يتحقّق الدخول في الصلاة بالتكبيرة الأخيرة أم لا؟

و حيث أنّ المسألة موقوفة علىٰ ذكر الحقّ في بحث التكبيرات الافتتاحيّة، فلا بأس بصرف عنان الكلام إلىٰ أخبارها، و الأقوال فيها، و هي كثيرة، و منشأ اختلافهم تشتّت النصوص، و لا جهة أُخرى فيها حتّى تكون هي المرجع بعدها:

فمنها: معتبرة معاوية بن عمّار، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

التكبير في الصلاة الفرض الخمس الصلوات، خمس و تسعون تكبيرة، منها تكبيرة القنوت خمسة «1».

و هي تدلّ على أنّها خارجة منها، و أنّ ما به يدخل فيها هي الأخيرة، و إلّا لو صحّ الدخول بغيرها، يلزم زيادتها عليه.

و مثلها رواية الصباح المزنيّ، عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) «2».

و على ما في رواية عبد اللّٰه بن المغيرة من زيادة قوله: و فسرهنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 310/ 5، تهذيب الأحكام 2: 87/ 323، وسائل الشيعة 6: 18،

كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 5، الحديث 1.

(2) الخصال: 593/ 3، تهذيب الأحكام 2: 87/ 325، وسائل الشيعة 6: 18، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 5، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 213

في الظهر إحدىٰ و عشرين تكبيرة، و في العصر إحدىٰ و عشرين تكبيرة، و في المغرب ستّ عشرة تكبيرة، و في العشاء الآخرة إحدىٰ و عشرين تكبيرة، و في الفجر إحدى عشرة تكبيرة، و خمس تكبيرات القنوت في خمس صلوات .. «1»

تكون دلالتها على أنّها خارجة عنها، و لا يصحّ الدخول فيها بغير الأخيرة؛ للزوم ازديادها عليها، و هذا هو الأحوط، و عليه البناء العمليّ، و هو المغروس.

و الدخول فيها بالأُولىٰ من غير كونها تكبيرة الإحرام ينافي ذلك؛ لاشتمالها على التكبيرة الواجبة و المندوبة.

نعم، هذا غير منافٍ لمقالة والد المجلسيّ التقيّ النقيّ (رحمه اللّٰه)، حيث اختار أنّها بمجموعها يحصل الدخول، و تكون أجزاؤها بمنزلة حروف التكبيرة الواحدة «2»، و قد كنّا في سالف الزمان نقوّي ذلك.

و منها: معتبرة حفص بن البختري، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) كان في الصلاة، و إلى جانبه الحسين بن عليّ، فكبّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فلم يُحِر الحسين بالتكبير، ثمّ كبّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فلم يُحِر الحسين بالتكبير، فلم يزل رسول اللّٰه يكبّر و يعالج الحسين (عليه السّلام) التكبير فلم يُحِر، حتّى أكمل سبع تكبيرات، فأحار الحسين (عليه السّلام) التكبيرَ في السابعة.

فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

فصارت سُنّة «3».

______________________________

(1) الكافي 3: 310/ 6، تهذيب الأحكام 2: 87/ 324، وسائل الشيعة 6: 18، كتاب الصلاة، أبواب

تكبيرة الإحرام، الباب 5، الحديث 2.

(2) روضة المتّقين 2: 284، بحار الأنوار 81: 357.

(3) تهذيب الأحكام 2: 67/ 243، وسائل الشيعة 6: 20، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 214

و قريب منها معتبرة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) «1» و ما فيهما من التهافت إجمالًا في نقل القضيّة، ربّما يمكن جمعهما كما لا يخفى.

و هي تدلّ علىٰ أنّ الاولىٰ تكبيرة الإحرام، و الستَّ الباقية بعد الدخول فيها؛ لما أنّ الظاهر من عمل الرسول، تكبيره للصلاة؛ لأنّه كان أوجزهم صلاة، و لمّا اتّفق ذلك كرّرها؛ ليعالج الحسين (عليه السّلام) فالاخريات وقعت فيها، فيعلم منها جواز الإتيان بالستّ بعد الدخول فيها، و هي خلاف مقالة المجلسي (رحمه اللّٰه) أيضاً؛ لما ترى من ظهورها في عوده (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم).

بل في رواية زرارة قال

فلمّا سمع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تكبيره عاد فكبّر، فكبّر الحسين (عليه السّلام) حتّى كبّر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سبعَ تكبيرات، و كبّر الحسين (عليه السّلام) فجرت السنّة بذلك «2».

فإنّها صريحة في أنّ الإحرام، يحصل بالأُولىٰ.

و لعمري، دعوى ظهورها في أنّ الإحرام يحصل بالوتر، و يبطل بالشفع، غير ممنوعة.

و ربّما كان المستحبّ، الافتتاح بالأُولىٰ، ثمّ إبطالها بالثانية، و الدخول بالثالثة و هكذا.

و إليه يومىٰ ما في «الخصال» بسنده المعتبر، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

أدنىٰ ما يجزي من التكبير في التوجّه إلى الصلاة، تكبيرة

______________________________

(1) الفقيه 1: 199/ 918، علل الشرائع: 332/ 2، الباب 30، وسائل الشيعة 6: 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 4.

(2) المصدر السابق.

الواجبات في الصلاة، ص: 215

واحدة،

و ثلاث تكبيرات، و خمس و سبع أفضل «1».

فإنّه لا وجه للإتيان بالأوتار دون الأشفاع، إلّا أنّ بالشفع يخرج منها، و بالوتر يدخل فيها. و هذا الخروج و الدخول لأجل التهيّؤ للتشرّف بالتوجّه التامّ.

و هذا الاحتمال و إن لم يقل به أحد، إلّا أنّه غير بعيد، و إن لم يساعده سائر النصوص و الأخبار.

و منها: رواية أبي بصير، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا افتتحت الصلاة فكبّر؛ إن شئت واحدة، و إن شئت ثلاثاً، و إن شئت خمساً، و إن شئت سبعاً، و كلّ ذلك مجزٍ عنك، غير أنّك إذا كنت إماماً، لم تجهر إلّا بتكبيرة «2».

و هذه الرواية ظاهرة في مقالة المجلسي الأوّل (رحمه اللّٰه) «3» و أن بها يحصل الافتتاح، و لا شي ءٌ زائداً علىٰ قصد الافتتاح شرطاً.

بل قوله (عليه السّلام) علىٰ ما فيها-

لم تجهر إلّا بتكبيرة

يقتضي بإطلاقه عدم الفرق بين الإجهار بالأُولىٰ، أو الوسطىٰ، أو الآخرة، و هذا يشهد على استواء التكبيرات، و لا ينوي بالستّ منها أمراً، و بالأُخرى الدخولَ فيها كما لا يخفى.

و يؤيّده رواية ابن شاذان، عن الرضا (عليه السّلام) حيث قال

إنّما صارت

______________________________

(1) الخصال: 347/ 19، وسائل الشيعة 6: 23، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 9.

(2) تهذيب الأحكام 2: 66/ 239، وسائل الشيعة 6: 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 3.

(3) تقدّم تخريجه في الصفحة 90، الهامش 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 216

التكبيرات في أوّل الصلاة سبعاً؛ لأنّ أصل الصلاة ركعتان، و استفتاحهما بسبع تكبيرات «1».

بل قوله (عليه السّلام)

في أوّل الصلاة

كالنصّ في أنّها منها؛ لأنّ أوّل الشي ء داخل فيه.

و لا يحضرني مرامه (رحمه اللّٰه) من أنّه هل اختار التخيير، و إمكانَ الإحرام بالمجموع،

أو اختار أنّه يتبع الواقع؛ إن كبّر لها مرّة فهو يحصل بها، و إن كبّر أكثر فيه يدخل فيها، من غير دخالة القصد؟ و هذا هو الذي كنّا نعتقده في سالف الزمان.

و إن شئت قلت: يجب قصد الصلاة و الإتيان بالأجزاء بعنوانها، لا بالعناوين الخاصّة الأُخر، و لا يلزم قصد الجزئيّة أو قصد الجزء الواجب.

بل مقتضىٰ ما تحرّر منّا «2»: أنّ قصد الجزئيّة يضرّ؛ لأنّها تباين الكلّ الذي هو المقصود ذاتاً و عنواناً، فلا يجب حين الشروع إلّا قصد الصلاة الخاصّة، فإذا كبّر لها و قرأ بعدها، فقد دخل في الصلاة بها، و لو كبّر مرّات و قرأ دخل فيها بها أيضاً؛ لأنّ ما هو الجزء ليس خصوصيّة الوحدة و الكثرة، بل هو التكبير ليس إلّا، أما ترى من نفسك أنّك لست فيها إلّا بعد الأخيرة، فهو لأجل اعتقادك الخلاف، و إلّا بعد مراجعة الأخبار، ربّما كانت هي ظاهرة في الدخول فيها بالشروع في التكبيرات، التي يأتي بها بعنوان الصلاة.

و توهّم اشتراط النيّة الأُخرىٰ بعنوان نيّة الإحرام- زائداً على الافتتاح

______________________________

(1) الفقيه 1: 200/ 920، وسائل الشيعة 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 6.

(2) تقدّم في الصفحة 167.

الواجبات في الصلاة، ص: 217

كتوهّم اشتراط نيّة الافتتاح، فإنّهما غير لازمين، بل اللّازم اتصاف التكبيرة ب «أنّها للصلاة الكذائيّة» و إن كان غافلًا عن عناوين «الافتتاح و الإحرام».

و السرّ في ذلك: أنّ «الاستفتاح» من العناوين القهريّة الحاصلة من الدخول في الصلاة، و أنّ الإحرام ليس شرطاً للزوم العلم الإجماليّ بالمنافيات، و أنّه لو أتى بها بدونها واقعاً، ليست صحيحة؛ لأنّ قصد الإحرام، لا يحصل إلّا بالعلم بأنّ بالصلاة تحرّم أشياء و أُموراً، و الالتزام به

مشكل جدّاً.

و منها: الأخبار الكثيرة المشتملة على استفتاح الصلاة بالتكبيرات، و افتتاحِها بها، و تلك النصوص متفرّقة في الأبواب المختلفة «1». و لعلّ النظر فيها يؤدّي إلىٰ إجمالها من تلك الجهة؛ و أنّ تلك التكبيرات من الأجزاء أو لا.

و على الأوّل: من الأجزاء الواجبة بوجودها، أو لا من المستحبّات بإتيانها، كالتسليم الثاني، فإنّه عند وجوده يعدّ من الجزء المستحبّي.

و توهّم دلالتها علىٰ أنّ الكلّ داخل فيها، في غير محلّه، بل مفاد الافتتاح و الاستفتاح أنسب إلى الاشتغال بالأُمور الخارجة عن المفتوح كما لا يخفى من الاشتغال بالأُمور الداخلة فيه.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 465، كتاب الصلاة، أبواب أفعال الصلاة، الباب 1، الحديث 10، وسائل الشيعة 6: 21 23، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 2 و 6 و 7، وسائل الشيعة 6: 24، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 8، الحديث 1.

الواجبات في الصلاة، ص: 218

الأقوال و المحتملات في التكبيرات الافتتاحية

فبالجملة: إنّ في المسألة احتمالات و أقوالًا:

قال الفقيه اليزديّ: «يستحبّ الإتيان بستّ تكبيرات، مضافاً إلى تكبيرة الإحرام، فيكون المجموع سبعاً، و تسمّىٰ: التكبيرات الافتتاحيّة، و يجوز الاقتصار على الخمس، و على الثلاث، و لا يبعد التخيير في تعيين تكبيرة الإحرام في أيّتها شاء، بل نيّة الإحرام بالجميع أيضاً، لكنّ الأحوط اختيار الأخيرة. و لا يكفي قصد الافتتاح بأحدها المبهم من غير تعيين» «1».

ثمّ قال: «لمّا كان في مسألة تعيين تكبيرة الإحرام إذا أتى بالسبع أو الخمس أو الثلاث احتمالات، بل و أقوال: تعيين الأوّل، و تعيين الأخير، و التخيير، و الجميع، فالأولىٰ لمن أراد إحراز جميع الاحتمالات، و مراعاةَ الاحتياط من جميع الجهات، أن يأتي بها بقصد أنّه إن كان الحكم هو التخيير، فالافتتاح هو كذا، و يعيّن

في قلبه ما شاء، و إلّا فهو ما عند اللّٰه من الأوّل، أو الأخير، أو الجميع» «2» انتهىٰ.

و أنت خبير بما فيه من جهات شتّىٰ:

أوّلًا: أنّ نيّة تكبيرة الإحرام بعنوانها، ممّا لا دليل عليها، كما مضى سبيله «3»، بل نيّة الصلاة و الإتيان بها بعنوانها، يكفي و إن كان جاهلًا

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 629، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 10 و 11.

(2) نفس المصدر.

(3) تقدّم في الصفحة 216.

الواجبات في الصلاة، ص: 219

بمحرّمية شي ءٍ فيها؛ حتّى لا يتمشّى منه قصدها.

و ثانياً: اختصاص جواز الاقتصار بالأوتار، ممّا لا دليل عليه، و لا يكفي ما في الروايات من ذكر الأوتار لحصر المشروعيّة به؛ بعد ظهورها في الفضيلة، و احتمالِ كونها من باب

إنّ اللّٰه وتر يحبّ الوتر «1»

و لأجله لا يقصر الجواز في التسبيحات الثلاثة المتعارفة في الصلاة، فالإتيان بعنوانها أشفاعاً، ممّا لا بأس به على الأظهر.

و ثالثاً: التخيير في تعيين أيّها شاء تكبيرةَ الإحرام مع استلزام وقوع بعضها خارج الصلاة، و بعضها في الصلاة ممّا لا شاهد له في أخبار المسألة؛ لما عرفت أنّ الطوائف المختلفة منها، لا تشتمل علىٰ ما يكون ظاهراً في التخيير «2».

و توهّم دلالة رواية أبي بصير «3» عليه، في غير محلّه؛ فإنّها تدلّ علىٰ حصول الورود فيها قهراً بها، و لا تدلّ علىٰ أنّه بالخيار في اختيار ما يدخل بها في الصلاة، بل هي تدلّ علىٰ مقالة المجلسيّ (رحمه اللّٰه) و أنّه بما كبّر به افتتحت الصلاة عليه، فلا ينبغي توهّم دلالتها على التخيير بالمعنى المذكور.

و توهّم: أنّ التخيير مقتضى الجمع بين الأخبار ممنوع؛ لأنّ الطائفة الأُولىٰ تدلّ علىٰ أنّ تكبيرات الصلوات خمس و تسعون، و عليه يلزم ازديادها عليها. مع

أنّ ظاهر عمل النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) هو العود إلى التكبيرة الأُولىٰ

______________________________

(1) الكافي 3: 25/ 4، وسائل الشيعة 1: 387، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 15، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 212 216.

(3) تقدّم تخريجها في الصفحة 215.

الواجبات في الصلاة، ص: 220

و الاستئناف، و هذا أيضاً غير مناسب لاختيار التخيير.

و رابعاً: الاحتياط غير ممكن.

الأظهر هو الدخول بخصوص الأخيرة

و الّذي يظهر لي: أنّ الطائفة الأُولىٰ، أقوى دلالة على المسألة من الاخريات، و قضيّة الجمع بين الروايات، هو اختيار أنّ الستّ السابقة خارجة عن الصلاة، و ما يفتتح به الصلاة أي يقصد به عنوان «الصلاة» هي الأخيرة، و لا شي ء زائداً عليه شرطاً حال الإتيان بتكبيرة الإحرام.

و ما نسب «1» إلى المجلسيّ الأوّل «2» و هو المختار سابقاً مع الاختلاف في جهة كما عرفت «3» ربّما لا يمكن الالتزام به؛ لأنّ الأجزاء الداخلة في الطبيعة، لا بدّ من تقديرها فيها حين اختراعها، ثمّ بعد ذلك يتوجّه الأمر إليه، و يوجدها المأمور في الخارج، و ما اشتهر من تبعات الوجود دون الطبيعة في المسائل الاعتباريّة «4»، ممّا لا أساس له، و يكون من الخلط بين التكوين و التشريع.

فعلى هذا، التي هي جزء الطبيعة؛ إمّا نفس طبيعة التكبيرة، أو هي مع الخصوصيّة، لا سبيل إلى الأوّل.

فتلك الخصوصيّة إمّا خصوصيّة الوحدة، أو الكثرة، فإن كانت

______________________________

(1) مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 74.

(2) روضة المتّقين 2: 284. و لاحظ أيضاً بحار الأنوار 81: 357.

(3) تقدّم في الصفحة 215 216.

(4) لاحظ مصباح الفقيه، الصلاة: 245/ السطر 8، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 75.

الواجبات في الصلاة، ص: 221

الأُولىٰ فالثانية خارجة، و إلّا فهي داخلة.

و على الفرض الثاني، إمّا اعتبرت علىٰ نعت الجزئيّة الوجوبيّة، أو الندبيّة،

فلا يعقل كون الجزء تابعاً لإيجاد المكلّف؛ إن أتى به فهو جزء، و إلّا فلا، كما في الأبنية، فإنّ المأمور به فيها ليس مضيّقاً، بخلافه هنا.

و لو أمكن فرضاً ذلك، فهو في الأجزاء الندبيّة، دون الوجوبيّة. فتوهّم اتصاف السبع بالتكبيرة الواجبة و بالجزء الوجوبيّ، في غير محلّه، فتأمّل.

و بالجملة: رواية أبي بصير «1» لا تنافي ظهور الطائفة الأُولىٰ؛ لأنّه إن شاء كبّر واحدة، و إن شاء كبّر ثلاثاً، و هكذا ليس فيها: «أنّها من الصلاة».

و قوله (عليه السّلام) في جميع الرواية

إذا افتتحت الصلاة

أو

افتتاح الصلاة «2»

ليس معناه إلّا إرادة الصلاة، و الاشتغال بها و إتيانها، و إلّا يلزم علىٰ حسب رواية أبي بصير أن تكون التكبيرات ثمانياً؛ لما فيها أنّه (عليه السّلام) قال

إذا افتتحت الصلاة فكبّر إن شئت فواحدة ..

إلى آخره.

فالمراد من

الافتتاح

أمر أعمّ من الدخول في الصلاة، و لذلك عدّ الوضوء افتتاح الصلاة «3». و لعمري، إنّ منشأ اختلاف الأقوال، ربّما كان ذلك.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 66/ 239، وسائل الشيعة 6: 23، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 9.

(2) تقدّم في الصفحة 215 217.

(3) الكافي 3: 69/ 2، وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1، الحديث 10.

الواجبات في الصلاة، ص: 222

حول ما ورد في تكبير رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

و لو فرغنا عن هذه الطائفة، و روايةِ أبي بصير، تبقى الطائفة الثانية الحاكية لصنع رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1» و هي لا تدلّ علىٰ ما في قلبه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بل هي تدلّ علىٰ عمله الخارجيّ؛ و أنّه كبّر سبع مرّات، و أمّا أنّه كبّر للصلاة سبعاً، أو لأمر آخر، فهو غير مدلول عليه.

بل رواية حفص «2» تدلّ علىٰ

أنّه كان يكبّر و يعالج الحسين (عليه السّلام) فيعلم منه أنّها ليست للصلاة، و إلّا يلزم ما لا يلتزم به كما لا يخفى. و الوجه لتوهّم دخوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الصلاة، هو كلمة

الافتتاح

و قد مضى «3» أنّها لا دلالة لها على الدخول فيها، بعد كثرة استعمالها في الوضوء.

و قوله (عليه السّلام) في رواية ابن شاذان

إنّما صارت التكبيرات في أوّل الصلاة سبعاً «4»

لا شهادة له علىٰ أنّها منها؛ لأنّ أوّل الصلاة و إن كان داخلًا فيها، إلّا أنّ استعماله في مقدّماتها، ليس من الاستعمال البعيد، بعد ظهور الطائفة الاولىٰ في أنّها تشتمل علىٰ تكبيرات معلومة و معدودة فيها، فليراجعها.

فالإنصاف: أنّ الأخبار الأُخر، لا ظهور قويّ لها في المعنى الآخر المخالف لمفاد الطائفة الأُولىٰ، و مقتضى الصناعة و هو الأحوط أنّها

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 213 214.

(2) نفس المصدر.

(3) نفس المصدر.

(4) تقدّم تخريجها في الصفحة 216.

الواجبات في الصلاة، ص: 223

خارجة عنها، و مثل الأذان و الإقامة من المستحبّات اللّاحقة بها، و لا يجوز الدخول بغير الأخيرة فيها.

نعم، الإتيان بألف تكبيرة في الصلاة حسن، و لكنّها ليست الافتتاحيّة المصطلحة.

و في توصيف التكبيرات ب «الافتتاحيّات» شهادة علىٰ ما قوّيناه؛ فإنّ الحجب السبعة افتتحت بها، ثمّ صلّى رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1» و لا يعقل فتح الباب الواحد مرّات، فما به يحصل الدخول في الصلاة هو الباب الأخير، و الستّ افتتاحيّة خارجة عنها.

و ممّا يشهد عليه قول الرضا عليه آلاف التحيّة و الثناء علىٰ ما في رواية ابن شاذان-

و استفتاحهما بسبع تكبيرات: تكبيرة الافتتاح، و تكبيرة الركوع .. «2»

فإنّ بعد الاستفتاح قال (عليه السّلام)

تكبيرة الافتتاح

فإنّه يعلم منه أنّ الستّ استفتاح،

و الأخيرةَ افتتاح، فالستّ خارجة، و الأخيرة هي الافتتاحيّة واقعاً الداخلة فيها و المدخول بها، دون غيرها.

توهّم دلالة بعض الروايات على التخيير بين التكبيرات

و ربّما يخطر بالبال أن يقال: بأنّ في المسألة بعض روايات، يكون ظاهراً في التخيير بأيّهما شاء افتتح الصلاة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 22 و 23، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 5 و 7.

(2) الفقيه 1: 200/ 920، وسائل الشيعة 6: 22، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 224

منها: ذيل رواية أبي بصير السابقة «1»، حيث قال

غير أنّك إذا كنت إماماً، لم تجهر إلّا بتكبيرة.

و منها: معتبرة الحلبي (رحمه اللّٰه)، قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن أخفّ ما يكون من التكبير في الصلاة.

قال

ثلاث تكبيرات ..

إلىٰ أن قال

و إن كنت إماماً، فإنّه يجزيك أن تكبّر واحدة تجهر فيها، و تسرّ ستّاً «2».

و منها: غيرها ممّا يوافقها في المضمون «3».

و تقريب الاستدلال بها: هو أنّ التخيير في الجهر، يستلزم عادة التخيير في تكبيرة الإحرام؛ لتعارف الإتيان بها جهراً، مع استلزامه دخول المأموم في الجماعة لو اختار الجهر بغير تكبيرة الإحرام.

و فيه: أنّ هذه الروايات لا نظر لها إلىٰ تلك الجهة، و لعلّ رجحان اختيار الجهر بواحدة؛ لأجل الإتيان بتكبيرة الإحرام جهراً، و إلّا لو أجهر بالمجموع يلزم الإشكال المذكور، فافهم و تدبّر.

______________________________

(1) تقدّم تخريجها في الصفحة 215.

(2) تهذيب الأحكام 2: 287/ 1151، وسائل الشيعة 6: 33، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 1.

(3) وسائل الشيعة 6: 33 و 34، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 12، الحديث 2 و 3 و 4.

الواجبات في الصلاة، ص: 225

الاستشكال في دلالة الطائفة الأُولىٰ على خروج التكبيرات الست

و ربّما يشكل دلالة الطائفة الأُولىٰ علىٰ خروج الستّ من الصلاة؛ لأنّها في مقام تعداد التكبيرات التي تكون من الصلاة من غير دخالة اختيار المكلّف؛ فإنّ للركوع تكبيرة سواء

كبّر أو لم يكبّر، فهي لها بحسب التقدير، بخلاف الافتتاحيّة، فإنّها حسب الروايات الأُخر «1» باختيار المكلّف؛ إن شاء كبّر ثلاثاً، و إن شاء كبّر سبعاً، و عليه لا وجه لعدّها منها؛ لأنّه لو أتى بواحدة، تكون التكبيرات خمساً و تسعين، و لو أتى بسبع تزداد ثلاثين عليها، و حيث هو باختياره لا يعدّ منها.

نعم، هي تدلّ علىٰ أنّ الستّ الأُولىٰ، إذا أتى بها بعنوان الافتتاحيّة، ليست من الصلاة.

و بعبارة اخرىٰ: يعلم منها أنّ الافتتاحيّة، ليست من أجزاء الصلاة علىٰ جميع التقادير، و الرواية تعدّ ما هو منها علىٰ أيّ تقدير.

و فيه: أنّها و إن لا دلالة لها بحسب الفهم البدويّ إلّا على ما ذكر، و لكن بعد النظر في أخبارها، يعلم أنّها بصدد تعداد التكبيرات في الصلوات؛ و أنّها ليست أكثر من ذلك في حال من الحالات، و لذلك عدّ الصلاة التامّة من جميع الجهات؛ حتّى فرض التمام و الأربع ركعات، فلو كان من تقديره التعليقيّ ازديادها عليها؛ و أنّها ربّما تزداد عليها، لما كان أن يبيّن المسألة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 3.

الواجبات في الصلاة، ص: 226

بهذه الطريقة.

و بعبارة أُخرى: هي بإطلاقها تنفي إمكان ازديادها عليها، و تنفي التقدير التعليقيّ المستلزم لزيادتها عليها.

و ممّا يشهد على المختار، معتبرة زرارة قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

إذا كنت كبّرت في أوّل صلاتك بعد الاستفتاح بإحدى و عشرين تكبيرة، ثمّ نسيت التكبير كلّه و لم تكبّر، أجزأك التكبير الأوّل عن تكبير الصلاة كلّها «1».

فإنّها ظاهرة في الإتيان بها قبل الشروع في الصلاة، و الدخولِ فيها، فإنّ كلمة «الاستفتاح» هنا هو الوضوء، و ليس لك أن تقول: إنّها هي تكبيرة

الإحرام؛ لقوله

أوّل صلاتك

كما لا يخفى.

فبالجملة: المفروغ عنه في الأخبار، أنّها يؤتىٰ بها قبل التي يدخل بها بعنوان الصلاة، و هذا هو المغروس في زماننا بين المتشرّعة، و هو المعمول به عند العاملين.

و منها: القيام

و هو على المشهور من أركانها «2»، فلو توجّه بعد الصلاة إلى أنّه كبّر جالساً، ثمّ قام و قرأ و ركع و أتى بجميع الأجزاء و الشرائط، يعيدها، و لم يحضرني المخالف فيه. و المسألة بتفصيلها تأتي في مسائل القيام إن شاء

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 144/ 564، وسائل الشيعة 6: 19، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 6، الحديث 1.

(2) لاحظ جواهر الكلام 9: 224، مصباح الفقيه، الصلاة: 250/ السطر 26، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 63.

الواجبات في الصلاة، ص: 227

اللّٰه تعالىٰ.

و الذي يظهر لي الآن: أنّ القيام ليس من الواجبات المستقلّة كالركوع و القراءة، بل هو من واجبات الصلاة، كالتكبيرة و القراءة و الركوع، و لذلك لو أخلّ به، و أهوى إلى الأرض ليأخذ منها شيئاً، ثمّ رجع و أتى بالأجزاء حال القيام، صحّت صلاته. اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ ذلك لأجل إهمال دليله، فليتدبّر.

فعدّ القيام من واجبات الصلاة، مع ترك الاستقرار في تعدادها، غير مبرهن؛ فإنّ الاستقرار لو كان من واجبات الأجزاء، فالقيام مثله، و مجرّد إمكان التفكيك لا يكفي، و التفصيل يأتي في محلّه.

و منها: الاستقرار

اشارة

و قد ذهب الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه) إلىٰ ركنيّته؛ و أنّ الإخلال به سهواً يورث الإعادة «1»، و استشكل الآخرون «2».

و غاية ما يمكن أن يقال لركنيّته: تقوّمها به، أو دعوى وجوبه حينها، و عدم جريان قاعدة

لا تعاد ..

بالنسبة إلىٰ مثلها، و عليه تبطل للإخلال. و الوجه لعدم جريانها، أنّ القاعدة ناظرة إلىٰ شرائط الصلاة و أجزائها، دون شرائط الأجزاء، و الاستقرار من شرائط التكبيرة، دون الصلاة، و إذا كان

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 628، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 4.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 628، كتاب الصلاة، فصل

في تكبيرة الإحرام، المسألة 4، لاحظ ما علّقه الأعلام على هذه المسألة، الصلاة (تقريرات المحقّق الداماد) الآملي 3: 403، مستمسك العروة الوثقىٰ 6: 62 و 63، مستند العروة الوثقىٰ 3: 130.

الواجبات في الصلاة، ص: 228

شرطاً واجباً على الإطلاق، تجب الإعادة.

و ربّما يخطر بالبال، دعوى التفصيل بينما لو تذكّر بعد التكبيرة الإخلال باستقرارها، و ما لو تذكّر بعد الفراغ أو في الأثناء؛ و ذلك لأنّه في الفرض الأوّل، ليس عوده إليها من إعادة الصلاة حتّى يُنفىٰ بها، بخلاف الصورتين الأخيرتين.

و الذي يظهر من الفقيه الأصفهانيّ، هو الشبهة في بطلانها بترك الاستقرار و لو عمداً «1»، فالمسألة علىٰ هذا، ذات أقوال و احتمالات.

و قد مرّ منّا تفصيل المحتملات في الاستقرار في مسائل الخلل «2»، و استظهرنا هناك بعد ذكر المحتملات الكثيرة البالغة إلىٰ سبعة أو ثمانية أنّه من شرائط الطبيعة دون الأجزاء، و مع الإخلال به في بعضها، فقد أخلّ بما لا يتمكّن من تداركه، فلو كان ركناً فعليه الإعادة، و إلّا فلا، و حيث لا دليل شرعاً علىٰ ركنيّته، و ما مرّ غير كافٍ، فلا تبطل الصلاة بإخلاله السهويّ.

نعم، الظاهر من مجموع الروايات في المسائل المربوطة بالصلاة في السفينة و غيرها «3»، أنّه شرط، لا بمعنى المقابل للمشي، حتّى يجوز عمداً حال الاضطراب، بل بالمعنى المقابل لهما. و التفصيل من جهة بحث الخلل، في محلّه.

______________________________

(1) وسيلة النجاة 1: 146، القول في تكبيرة الإحرام.

(2) الظاهر أنّ التفصيل مذكور في كتاب «الخلل في الصلاة» المكتوب بقم المشرّفة، و هو مفقود، و الذي يطبع في التراث هو الذي كتبه المصنف (رحمه اللّٰه) في النجف الأشرف.

(3) المرويّة في وسائل الشيعة 5: 504، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14.

الواجبات في الصلاة،

ص: 229

عدم ركنية الاستقرار و إن أوجب تركه بطلان الصلاة أحياناً

و ربّما يمكن دعوى: أنّ الاضطراب الكثير، يخرج المصلّي عن صورة الصلاة، و اليسير منه غير مضرّ و لو عمداً، خصوصاً في مثل السفينة و نحوها الذي يكون لجهة طبيعيّة. و أمّا لو تعمّد إليه حال التكبيرة، فربّما لا تصحّ منها؛ لأنّه يعدّ لعباً بالصلاة.

و ربّما كان لأجل ذلك، وردت الروايات بجواز القعود في السفينة عند عدم استطاعة القيام «1»، مع أنّه فرض غير صحيح؛ لما ترى من الاستطاعة على القيام، فيعلم منه أنّ القيام المشوب بالاضطراب مضرّ؛ لما أنّه يلزم منه خروجه من صورة المصلّي.

و في رواية هارون بن حمزة الغنويّ: أنّه سأل أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الصلاة في السفينة.

فقال

إن كانت محمّلة ثقيلة إذا قمت فيها لم تتحرّك، فصلّ قائماً، و إن كانت خفيفة تكفّأ فصلّ قاعداً «2».

و هي صريحة في أنّ الاستقرار من شرائط الصلاة، و أنّ الاضطراب مضرّ، و هو شرط وجوبيّ لا وجه للاحتياط فيه. و أمّا ركنيّته فهي علىٰ ما سمعت واضحة، فليتدبّر.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 504 و 505، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 1 و 2 و 10.

(2) الكافي 3: 442/ 4، الفقيه 1: 292/ 1329، وسائل الشيعة 5: 504، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 230

و توهّم ضعف الرواية سنداً بيزيد بن إسحاق شعر «1»، في غير محلّه؛ لتوثيق الشهيد الثاني «2»، و تصحيح العلّامة «3» الطريق الذي هو فيه. مع أنّ الكشّي نقل دعاء الرضا (عليه السّلام) له، فانتقل من الوقف إلى الحقّ.

و توهّم: أنّها من أيّام وقفه احتمالًا، في محلّه، إلّا أنّه لا يضرّ؛ لأنّ دعاءه له يكشف عن حبّه (عليه السّلام) له، و هو

يعلن عدالته، فضلًا عن وثاقته كما لا يخفى. فالشبهة في وجوب الاستقرار إجمالًا، في غير محلّها.

و أمّا كونه ركناً، فهو ممّا لا دليل عليه إلّا علىٰ رجوع تركه إلى الإخلال بصورتها اسماً عرفاً، و ما مرّ من الأقوال و المحتملات ممّا لا ترجع إلى المحصّل.

و توهّم: أنّ الاستقرار لو كان شرط الطبيعة دون الأجزاء، يلزم عدم جواز الإخلال به في الأكوان المتخلّلة، في غير مقامه؛ ضرورة أنّ الاستقرار شرطها، إلّا أنّه ربّما لا يكون إطلاق لدليله.

هذا مع أنّ الاضطراب العمديّ في تلك الأكوان، مبطل قطعاً، و ما ليس مبطلًا هو التقدّم بقدم و التأخّر، و هو ليس مضرّاً بالاستقرار؛ فإنّه مفهومه مقابل حركة المرتعش، دون أصل الحركة كما لا يخفى.

فتحصّل: أنّه بنفسه ليس ركناً، إلّا أنّه بالإخلال به، ربّما تبطل الصلاة و لو كان سهواً؛ لانسلاب اسمها به، و هكذا مع العمد اليسير منه

______________________________

(1) انظر جامع الرواة 2: 542، مستند العروة الوثقىٰ 3: 129.

(2) الرعاية في علم الدراية: 377.

(3) رجال الحلّي: 279 فإنّه صحّح طريق الصدوق إلى هارون بن حمزة الغنوي و فيه يزيد بن إسحاق.

الواجبات في الصلاة، ص: 231

ربّما تبطل، و ربّما لا تبطل إذا كان لجهة عقلائيّة، لا طبيعيّة.

توهّم دلالة روايات الصلاة في السفينة علىٰ عدم وجوب الاستقرار

و دعوىٰ دلالة المآثير المشتملة علىٰ صحّة الصلاة في السفينة، و التحرّي للقبلة بجهده «1»، علىٰ عدم وجوب الاستقرار، غير مسموعة؛ لأنّها في مقام المزاحمة رجّحت جانب القبلة عليه.

مع أنّ الدور نحوها، ليس في الأماكن البعيدة بحيث يضرّ بالاستقرار؛ فإنّ السفينة الدائرة، تكون بوجه يتمكّن من الإتيان ببعض الصلاة نحو القبلة مستقرّاً غير دائر، ثمّ إذا دارت يدور، و هو أيضاً دفعيّ لا تدريجيّ، و ما هو المنافي للاستقرار هو التزلزل و الاضطراب و

الدور التدريجيّ، دون الدفعيّ كما لا يخفى.

و منها: إظهارها و إيجادها من مخارج حروفها

أي على الوجه الصادق عليه قول: «اللّٰه أكبر» و أمّا سماع الغير و النفس- و لا سيّما استماعه من الاذن لا الحلق فهو غير مبرهن، و إن قال به الفقيه اليزديّ (رحمه اللّٰه)، و قال: «لو تكلّم بدون ذلك بأن لا يسمع نفسه تحقيقاً أو تقديراً لم يصحّ» «2».

نعم، من باب المقدّمة العلميّة، ربّما يجب ذلك.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 5: 506، كتاب الصلاة، أبواب القيام، الباب 14، الحديث 9 و 10.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 628، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 5.

الواجبات في الصلاة، ص: 232

و إن شئت قلت: لا يشترط صدق مفهوم «التكلّم و التلفّظ و النطق» بل اللّازم وجودها و إن لم يصدق العناوين المزبورة.

اللّهمّ إلّا أن يقال: بأنّ بعضاً من الروايات الحاكية لصنع الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) تشتمل علىٰ حكايته بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)

اللّٰه أكبر «1»

فربّما يعلم منه لزوم صدق النطق، فليتأمّل.

ثمّ إنّ ظاهره بطلانها مع الإخلال بالشرط المذكور، و هذا يستلزم ركنيّته؛ و أنّه لو تبيّن له بعد الصلاة، إتيانه بالتكبيرة فاقداً للشرط يعيد.

و فيه منع ظاهر؛ لأنّه إن أخلّ به بحيث ينكر وجودها فهو، و إلّا فلزوم الإعادة ممنوع؛ لأنّ عدم صدق «التلفّظ بها» لا يوجب فسادها ذاتاً، بل غايته يقتضي الإخلال بالوصف المذكور الواجب فرضاً فيها شرعاً. مع أنّك عرفت ما فيه.

فلو أتى بها فاقداً له، و تذكّر قبل الركوع، فالأحوط الأولى الإتيان ثانياً، و الإعراض عمّا أتى بها، و لا حاجة إلىٰ إحداث المنافي، كما مضى «2». هذا كلّه الشرائط الوجوبيّة المخصوصة بها.

و للصلاة شرائط أُخر تستند إليها، و قد خلط من قال

باشتراط الاستقرار فيها «3»؛ فإنّها من شرائط الطبيعة. و أمّا الشرائط المستحبّة فلتطلب من الكتب المطوّلة، و يأتي بعض الشرائط الأُخر في الفروع الآتية.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 20 و 21، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 7، الحديث 1 و 4.

(2) تقدّم في الصفحة 210.

(3) لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 628، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 4.

الواجبات في الصلاة، ص: 233

الجهة الخامسة في الفروع المتعلّقة بها

الأوّل: في صحّة التكبيرة الثانية أحياناً

اشارة

قد مضى أنّه لو كبّر للإحرام مثلًا، ثمّ زاد ثانياً للافتتاح، أنّ الثانية تصحّ، و لا يحتاج إلى الثالثة «1»؛ و ذلك لأنّ الإتيان بها بعنوانها الركنيّ، لا يعقل إلّا بالإعراض عن السابقة، أو الغفلة عن حاله، و على الأوّل يخرج من الصلاة بالإعراض القلبيّ.

و لو لم يكفِ ذلك، تكون الثانية مبطلة و صحيحة، و لا وجه لتوهّم عدم إمكان تعقّل الجمع بينهما؛ ضرورة أنّ الشي ء الواحد لا يكون صحيحاً و باطلًا، و لكنّه يمكن أن يكون مبطلًا و صحيحاً، و ليست التكبيرة الثانية مخرجة حتّى يتوهّم امتناعها؛ للزوم اتّحاد المُخرج و المُدخل، بل هي- كالقهقهة مبطلة، فكما أنّ الصلاة بالقهقهة تبطل، مع أنّ القهقهة ليست

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 208.

الواجبات في الصلاة، ص: 234

في الصلاة، بل هي تنعدم بوجودها، كذلك التكبيرة الثانية ليست في الصلاة، بل هي تنعدم بوجودها، فبها استفتح الصلاة ثانياً.

مع أنّ اتحاد الباطل و الصحيح مع اختلاف الجهة، و اتحاد المُخرج و المُدخل ممّا ليس بممنوع عند العقل.

المختار في التكبير لصلاة أُخرى حال الاشتغال بالصلاة

و لو كبّر لصلاة أُخرى في الصلاة التي بيده، فإن كانت الصلاة الثانية صحيحة في ذاتها، و لم تكن مشروطة بما كانت في يده كالعصر بالنسبة إلى الظهر، و العشاء بالنسبة إلى المغرب فهي أي الثانية، تصحّ فيما إذا أعرض عن الاولىٰ فكبّر لها؛ لما عرفت منّا أنّ الإعراض عن الصلاة يضرّ بها «1»، و لا يمكن مع طول المدّة و الاشتغال بالأمر الآخر بعنوان آخر، إتمامها صحيحاً.

و إن كبّر لها غافلًا عن حالها، فعلى القول ببطلان الاولىٰ بها لأنّها من زيادة الركن فربّما يصحّ له إتمامها، و لا وجه لبطلان التكبيرة الثانية و إن كانت مبطلة كما عرفت.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الواجبات

في الصلاة، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

الواجبات في الصلاة؛ ص: 234

و أمّا على القول بعدم بطلان الصلاة بزيادتها، أو مثل هذه الزيادة كما قيل «2»، فربّما يتعيّن عليه إتمام الأُولىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 138 140 و 209.

(2) هو السيّد الشاهرودي، لاحظ العروة الوثقىٰ 1: 613، كتاب الصلاة، فصل في واجبات الصلاة، التعليقة 4 و 5. العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، التعليقة 4.

الواجبات في الصلاة، ص: 235

و الظاهر هو التخيير؛ لأنّ وجه تعيّن الإتمام، بطلان التكبيرة الثانية، و حيث قد عرفت منعه «1»، فهو بالخيار بين إتمام الأُولىٰ و الثانية؛ لأنّه قد أتى بتكبيرتي الإحرام للصلاتين على الوجه الصحيح، فلا بدّ من الإتمام، فإن قلنا: بصحّة الاقتحام «2» فيتمّ إحداهما، ثمّ الأُخرىٰ، من غير الحاجة إلى التكبيرة الثانية، و إلّا فيتمّها، ثمّ يكبّر ثانياً للصلاة الأُخرىٰ.

هذا كلّه لو كانت الصلاة الثانية، صحيحة في نفسها، بدون الاولىٰ.

و أمّا لو كان في أثناء الظهر، فأعرض عنها، و شرع في العصر، ثمّ توجّه إلى الترتيب، فإنّه يعدل منها إلى الظهر، و يتمّها ظهراً.

و أمّا لو غفل فدخل في العصر، ثمّ تذكّر، فعلى القول ببطلانها بالزيادة مطلقاً، فيتمّ ما بيده ظهراً، من غير الحاجة إلى التكبيرة الثانية؛ لما أنّها وقعت صحيحة، ضرورة أنّ الشروع في العصر حال نسيان الترتيب، لا يورث بطلانها، و إلّا لم يصحّ العدول منها إليها مطلقاً، كما لا يخفى.

و على القول بصحّة الاولىٰ، فعليه إتمامها متعيّناً؛ لحفظ الترتيب.

نعم، على القول بعدم اعتبار الترتيب بين الأجزاء و أنّ أخبار العدول، لا إطلاق لها، فلا تعيّن لإتمام الأُولىٰ؛ لأنّ شرط الترتيب و هو

تقدّم طبيعة الظهر على العصر حاصل، و شرطَ العدول من العصر إلى الظهر غير حاصل، فهو بالخيار بين إتمام الصلاة ظهراً ثمّ الإتيان بالعصر، و بالعكس. هذا كلّه ما عندي من القواعد و فهمها.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 208 209 و 234.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 159، الهامش 2.

الواجبات في الصلاة، ص: 236

مختار الأصحاب في المقام

و لكنّ الأصحاب (قدّس سرّهم)، قالوا فيما لو كبّر لصلاة ثانية: «إنّ الأحوط إتمام الاولىٰ، ثمّ الإعادة» «1».

و قال جماعة منهم بصحّة الاولىٰ «2»؛ إمّا لأجل أنّ تكبيرة الإحرام ليست ركناً من جانب الزيادة، أو لأجل أنّ ما هو المبطل، منها زيادةً، هو ما لو كانت للصلاة التي بيده، دون الأُخرىٰ؛ لعدم الدليل على الأزيد منه، أو لأجل أنّ تلك الزيادة ليست من زيادة الركن.

و قالوا: «لو كبّر بقصد الافتتاح، و أتى بها على الوجه الصحيح، ثمّ كبّر بهذا القصد ثانياً بطلت، و احتاج إلىٰ ثالثة، فإن أبطلها بزيادة رابعة احتاج إلىٰ خامسة، و هكذا تبطل بالشفع، و تصحّ بالوتر» «3» انتهىٰ.

و أنت خبير بما في فتاويهم من الشبهات، فتأمّل جيّداً.

الثاني: من الشرائط العربيّة

اشارة

و هذا من شرائط مطلق الذكر و الدعاء في الصلوات، و لا يجوز

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 627، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام.

(2) كالإمام الخميني و السيّد الميلاني و السيّد الخوئي (قدّس سرّهم) في حواشيهم على العروة الوثقىٰ 1: 627.

(3) العروة الوثقىٰ 1: 626، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام. لاحظ أيضاً: وسيلة النجاة 1: 146، كتاب الصلاة، القول في تكبيرة الإحرام، تحرير الوسيلة 1: 161 القول في تكبيرة الإحرام.

الواجبات في الصلاة، ص: 237

ترجمتها بأيّ لسانٍ كان، كما لا يجوز ترجمة الأذكار الواجبة باللّغة العربيّة، و إن جاز إنشاء الدعاء بها فيها؛ و ذلك لأنّ عدم الدليل في المسألة، كافٍ لعدم الجواز.

جواز قراءة الأذكار الواجبة بغير العربية دون القراءة

و ربّما يمكن دعوى التفصيل بين القراءة و غيرها؛ لأنّ المعتبر هي قراءة الفاتحة، و هي غير صادقة علىٰ تراجمها، بخلاف تكبيرة الإحرام و سائر الأذكار، فإنّها حسب إطلاق بعض الأخبار لا تجب بخصوصيّاتها، بل الواجب هو التكبير و التسبيح و التحميد «1»، و ذكر الأمثلة العربيّة و الأذكار العربيّة في هذه المسألة، كذكرها في العقود و الإيقاعات، فإنّهم (عليهم السّلام) كانوا يؤدّون بمثلها؛ لاقتضاء حالهم، و هكذا الناس في عصرهم، و سهولة التعلّم اقتضت أن لا يُسألوا عن جواز الترجمة و صحّتها، فلا يخفى.

بل قد سمعت عن بعض سادة العصر، جواز القراءة أيضاً بها اختياراً، و لكنّه غير مساعد لظواهر الروايات، مع أنّ العرف لا يرى ترجمة القرآن قرآناً، و لذلك يجوز مسّها من غير طهور.

و ربّما كان لأجله، عدم افتائهم بقراءة الترجمة عند العجز عن الإتيان بالفاتحة، حتّى قال الفقيه اليزديّ: «و إذا لم يعلم منه شيئاً، قرأ من

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 9 34، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 1

12، وسائل الشيعة 6: 107 و 121، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 42 و 51 و كذا في سائر أبواب الصلاة.

الواجبات في الصلاة، ص: 238

سائر القرآن بعدد آيات الفاتحة بمقدار حروفها، و إن لم يعلم شيئاً من القرآن، سبّح و كبّر و ذكر بقدرها» «1» انتهىٰ.

و لم يتذكّر للمسألة سائر أرباب التعليق، مع تصريحهم في التكبيرة بها، فقال: «و إن لم يقدر فترجمتها من غير العربيّة، و لا يلزم أن يكون بلغته و إن كان أحوط، و لا يجزي من الترجمة غيرها من الأذكار و الأدعية و إن كانت بالعربيّة» «2».

فبالجملة: يظهر منه (رحمه اللّٰه) أنّ بين التكبيرة و القراءة فرقاً، و ظاهره أنّ الأذكار في الركوع و السجود كالتكبيرة، و إن لم يتعرّض للمسألة في البابين، فليراجع.

فعلى هذا تحصّل: أنّ القراءة متقوّمة بالعربيّة عنواناً، و مع العجز عنها لا وجه لوجوب ترجمتها، بخلاف غيرها، فإنّها غير متقوّمة.

حكم الإخلال بالعربيّة عمداً أو جهلًا أو عجزاً

فإذا كان الأمر كما حقّق، فيلزم أن تكون العربيّة من الواجبات في التكبيرة، و غايتها أن تكون غير صحيحة مع الإخلال العمديّ، و أمّا لو أتى بها جهلًا بالمسألة فارسيّة، أو روميّة فهي صحيحة، و لا يعيد الصلاة لأجلها؛ لأنّ المعنى الواجب غير متقوّم به، و إذا لم يكن متقوّماً بها ذاتاً، لا يلزم من الإخلال بأوصافها الواجبة، بطلانُ الصلاة؛ لحصول الركن فاقداً

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 1: 652، كتاب الصلاة، فصل في القراءة، المسألة 34.

(2) العروة الوثقىٰ 1: 628، كتاب الصلاة، فصل في تكبيرة الإحرام، المسألة 6.

الواجبات في الصلاة، ص: 239

للوصف، كما لا يخفى.

و توهّم جوازها بدواً بالترجمة ممنوع؛ للضرورة علىٰ خلافه، فإنّ مسألة تعليم الصلاة بالحمد و السورة و الأذكار، كانت دارجة بين الأقوام و

الملل في جميع الأعصار و الأمصار، و هذا يكشف عن مفروغيّة اعتبار العربيّة فيها بين المسلمين و المتشرّعة.

و أمّا توهّم عدم صحّة ترجمة الفاتحة عند العجز عن التعلّم ذاتاً، أو عرضاً، و لزومِ الإتيان بغيرها احتياطاً أو وجوباً، فينافيه الأذهان العرفيّة و العقلائيّة الحاكمة بأنّها عينها؛ و لا فرق بينهما، و أنّها سورها، و لأجله يحتاط بتكرار الصلاة تارة: بالترجمة، و أُخرى: بدونها؛ لاحتمال كونها من زيادة الكلام الآدميّ عمداً فيها.

و أمّا وجوب الإتيان بترجمة التكبيرة عند العجز الذاتيّ، أو العرضيّ؛ لضيق الوقت و نحوه، فهو لأجل ما ذكرناه آنفاً. مع اقتضاء الأخبار في المسألة التكبير بدواً، و الافتتاحَ و العربيّة و الصيغة الخاصّة ثانياً، فعند العجز يتعيّن الإتيان بأصل التكبير الأعمّ من كونه عربيّاً و عجميّاً.

فقوله (عليه السّلام)

لا صلاة بغير افتتاح «1»

يورث وجوب الافتتاح بعنوانه، و لا دخل للّغة فيه لو خلّي و طبعه، و إذا تعيّن الوصف الخاصّ فهو لا يورث التقويم، كما في القراءة.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 353/ 1466، وسائل الشيعة 6: 14، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام، الباب 2، الحديث 7.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، الواجبات في الصلاة، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.