الرسائل العشره

اشارة

سرشناسه : خميني، روح الله، رهبر انقلاب و بنيانگذار جمهوري اسلامي ايران، 1279 - 1368.

عنوان و نام پديدآور : الرسائل العشره/ تاليف الخميني.

مشخصات نشر : تهران : موسسه تنظيم و نشر تراث الامام الخميني(س) ، 1420ق. = 1378.

مشخصات ظاهري : و، 260 ص.

شابك : 8000ريال ؛ 24000ريال (چاپ دوم)

يادداشت : عربي.

يادداشت : چاپ دوم: 1427ق. = 1385.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس.

موضوع : اصول فقه شيعه

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني (س)

رده بندي كنگره : BP159/8 /خ78ر47 1378

رده بندي ديويي : 297/312

شماره كتابشناسي ملي : م 79-25780

مقدّمة التحقيق

اشارة

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ الحمد للّٰه رب العالمين و الصلاة على رسوله الأمين و آله الطاهرين

و بعد. فقد كان دأب المدرّسين تدريس المباحث المختصرة أيام العطل و ما يقرب منها حتّى يستفيد الطالب و يشغل أوقاته بالدرس و التحصيل، و على هذا المنوال نهج الإمام الراحل الأُستاذ الكبير خلال تدريس الفقه و الأُصول طوال فترة تدريسه بقم المشرّفة بعض المباحث المفيدة و المشكلة. و قد كتب بعض المباحث في رسالات وجيزة قيّمة، و من هذه المباحث:

التقيّة

فقد كتبها بعد تدريسها سنة 1373 ه عند ما بقي من أيام التحصيل غير أيام قليلة، و هو بعد البحث عن التقية في الوضوء و المسح على الخفّين. و الظاهر أنّ المؤلف العلامة قد علّق على الرسالة عند ما كتب «المكاسب المحرّمة» و قد تداخلت الحواشي و المتن عند الطبع الأوّل للكتاب. و من المؤسف أنّ النسخة الخطية للكتاب قد ضاعت و لا أثر لها، فاعتمدنا في تحقيقنا على النسخة المطبوعة.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 2

فروع العلم الإجمالي

و هي رسالة في سبعة من الفروع بحسب ترتيب السيّد اليزدي (قدّس سرّه) في العروة الوثقىٰ كتبها المؤلف عند تدريسه سنة 1375 ه، و هذه الفروع على ما في تقريرات تلامذته ألقاها على الطلاب قبل انتهاء الفترة الدراسيّة بشهر تقريباً عند ما أتمّ مباحث الألفاظ في الأُصول، و لم يشرع بالجزء الثاني من الأُصول و أحاله إلى السنة الآتية، و في الرسالة أبحاث قيّمة، و هذه الرسالة لم تطبع بعدُ، بل الظاهر أنّ الإمام (قدّس سرّه) لم يُسعفه الوقت للنظر فيها مرة أُخرى و بقيت كما هي مسودّة و ناقصة.

تنبيه

للإمام الخميني (قدّس سرّه) ثلاث رسائل لم يكتبها بل قد أفاضها على هذا المنوال و هي:

1 المسائل المستحدثة.

2 حكم من شغله السفر و من شغله في السفر.

3 حكم قضاء الصلوات عن الميت.

و بأيدينا من هذه الأبحاث ثلاث رسائل بقلم بعض مقرّري بحثه الشريف و تلامذته الكرام و نرجو من اللّٰه سبحانه التوفيق لتنظيمها و نشرها.

الفوائد الخمسة

و هذه الفوائد هي المكتوبة قبل سنين حين كان الإمام شابّاً و لعلّها أوّل ما

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 3

صنّف في الفقه و الأُصول على ما نقله بعض تلامذته لكنها مشتملة على نكات هامّة و رسالات مفيدة و هي:

1 قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به، و هذه الرسالة و كأنّها سجال علمي ينتقد فيها بموضوعية رسالة الشيخ الأعظم الأنصاري في هذه القاعدة.

2 في تداخل الأسباب، و هي قاعدة أُصولية.

3 في نقد قياس الأوامر التشريعية بالعلل التكوينية، الذي كثيراً ما وقع في كلام علماء الأُصول، و يكون من موارد الخلط بين التشريع و التكوين و الاعتباريات و الحقائق. و هذا القياس من مهمّات ما بنىٰ آرائه عليه الأُستاذ العلّامة الحائري اليزدي، فتكون هذه الرسالة بمثابة نقد علمي رصين على آراء هؤلاء العلماء.

4 في موضوع علم الأُصول، و هو من المباحث التي طالما وقع التشاجر فيه بين علماء الأُصول، حتّى استقرّ رأي محقّقي المتأخرين على مبهميّته، و قد ألجأتهم إلى الالتزام به بعض الشبهات.

و المؤلف (قدّس سرّه) لمّا كان الحقّ في نظره الشريف أنّ الموضوع هو الحجّة بعنوانها أراد أن يدفع الشبهة المهمّة الداعية إلى ذلك؛ فأفرد لها هذه الرسالة المستقلّة.

5 في تبيّن الفجر فعلًا في الليالي المقمرة، و هي من الفتاوىٰ التي انفرد بها الإمام الخميني (قدّس سرّه) بين أقرانه.

و قد طبعت هذه الرسالة سابقاً بصورة منفردة. لكنّنا الآن و بعد تحقيقها ننشرها مع هذه الفوائد مجتمعة و مرتبة كما هي كذلك في النسخة الخطية.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 4

ثلاث فوائد

و هناك ثلاث فوائد، توجد بخط الإمام الخميني (قدّس سرّه):

1 الفائدة الاولىٰ: في شرح حال العقود و الإيقاعات.

2 الفائدة الثانية: في حال الشروط المخالفة للكتاب و المباحث المتعلّقة بها.

3 الفائدة الثالثة: في التكلّم في بعض جهات ما نقل عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من قوله: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي».

إلّا أنّنا لا نجزم بأنّها من إفاضاته هو (قدّس سرّه) حيث تختلف بعض مطالبها مع سائر تأليفاته و توافق بعض تقريرات بحوث السيّد آية اللّٰه العظمى البروجردي (قدّس سرّه)، و لعله استنسخها منها و لذلك وضعناها في الضميمة.

منهجنا في التحقيق

1 تقويم النص و تقطيعه و جعل العناوين المناسبة له، و وضع علامات الترقيم.

2 استخراج مصادر الكتاب من الآيات و الروايات و الأقوال و الإشارات، بضميمة ترجمة العلماء الذين ذكروا في المتن.

3 وضع الفهارس الفنية تسهيلًا للمطالب.

و أخيراً نرجو من اللّٰه التوفيق و السداد.

مؤسسة نشر آثار الإمام الخميني (قدّس سرّه)

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 5

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين و بعد. فلمّا بلغ بحثنا في الدورة الفقهيّة إلىٰ بعض فروع التقيّة، أحببت أن أُفرد فيها رسالة كافلة لمهمّات مباحثها، فيقع الكلام في مباحث

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 7

1- التقيّة

المبحث الأوّل في أقسام التقيّة

منها: التقسيم بحسب ذاتها

فتارةً: تكون التقيّة خوفاً.

و أُخرى: تكون مداراةً.

و الخوف قد يكون لأجل توقّع الضرر علىٰ نفس المتقي، أو عرضه، أو ماله، أو ما يتعلّق به. و قد يكون لأجل توقّعه علىٰ غيره من إخوانه المؤمنين. و ثالثةً لأجل توقّعه علىٰ حوزة الإسلام؛ بأن يخاف شتات كلمة المسلمين بتركها؛ و خاف وقوع ضرر علىٰ حوزة الإسلام لأجل تفريق كلمتهم .. إلىٰ غير ذلك.

و المراد بالتقيّة مُداراةً: أن يكون المطلوب فيها نفس شمل الكلمة و وحدتها؛ بتحبيب المخالفين و جرّ مودّتهم، من غير خوف ضرر كما في التقيّة

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 8

خوفاً، و سيأتي التعرّض لها «1».

و أيضاً: قد تكون التقيّة مطلوبة لغيرها، كما تقدّم، و قد تكون مطلوبة لذاتها؛ و هي التي بمعنى الكتمان في مقابل الإذاعة، علىٰ تأمّل فيه «2».

و بالجملة: يظهر من مجموع ما ورد فيها أنّها علىٰ أقسام:

منها: كونها كسائر الأعذار و الضرورات، فرخّصت للضرورة و الاضطرار. و يدخل فيها التقيّة الإكراهيّة التي لم نتعرّض لها هاهنا، و فصّلنا حولها في الرسالة

المعمولة في «المكاسب المحرّمة» «3».

و منها: ما شرعت لأجل مداراة الناس و جلب محبّتهم و جرّ مودّتهم.

و منها: ما تكون مطلوبة بذاتها في دولة الباطل إلىٰ ظهور دولة الحقّ؛ و هي التي في مقابل الإذاعة، و مساوقة للكتمان.

و منها: التقسيم بحسب المتقي

فقد يكون المتقي من الأشخاص المتعارفة، كالسوقي و غيره.

و قد يكون من رؤساء المذهب ممّن له شأن دينيّ أو غيره بين الناس علىٰ حسب مراتبهم، كالنبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بناءً علىٰ جواز التقيّة له و الأئمّة (عليهم السّلام) و الفقهاء و رؤساء المذهب و سلاطين الشيعة و الأُمراء. و سنشير إلىٰ إمكان اختلاف حكم التقيّة بحسب المتقي «4».

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 56 و 70.

(2) يأتي وجهه في الصفحة 34 36.

(3) المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 223 226.

(4) يأتي في الصفحة 13 و 19.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 9

و منها: التقسيم بحسب المتقىٰ منه

فتارةً: تكون التقيّة من الكفّار و غير المعتقدين بالإسلام؛ سواء كانوا من قبيل السلاطين أو الرعيّة.

و أُخرى: تكون من سلاطين العامّة و أُمرائهم.

و ثالثةً: من فقهائهم و قضاتهم.

و رابعةً: من عوامّهم.

و خامسةً: من سلاطين الشيعة أو عوامّهم .. إلىٰ غير ذلك.

ثمّ إنّ التقيّة من الكفّار و غيرهم قد تكون في إتيان عمل موافقاً للعامّة، كما لو فرض أنّ السلطان ألزم المسلمين بالعمل بفتوىٰ أبي حنيفة «1» و قد تكون في غيره.

و منها: التقسيم بحسب المتقىٰ فيه

فتارةً: تكون التقيّة في فعل محرّم.

و أُخرى: في ترك واجب.

و ثالثةً: في ترك شرط أو جزء أو فعل مانع أو قاطع.

و رابعةً: في العمل علىٰ طبق الموضوع الخارجي الذي اعتقد المتقىٰ منه تحقّقه؛ إمّا بسبب الثبوت عنده بحكم القضاة و السلاطين، أو بسبب قيام البيّنة

______________________________

(1) هو إمام المذهب الحنفي السنّي النعمان بن ثابت بن زوطى التميمي، ولد سنة 80 ه و توفّي سنة 150 ه.

تهذيب الكمال 29: 417 445، تنقيح المقال 2: 272.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 10

المعتبرة عنده ممّا لم تكن معتبرة عندنا، كالإفطار في يوم عيّد المخالف فيه، و الوقوف بعرفات و سائر المواقف موافقاً للعامّة. فحينئذٍ قد يكون الموضوع الخارجي معلوم الخلاف عند المتقي، كما لو علم أنّ يوم عيدهم من شهر رمضان، و قد يكون مشكوك التحقّق، كما لو كان يوم عيدهم يوم الشكّ عنده.

عموم أخبار التقيّة و إطلاقها

ثمّ إنّه لا ريب في عموم أخبار التقيّة و إطلاقها كصحيحة الفضلاء «1» قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له «2»

و رواية الأعجمي «3» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في حديث أنّه قال

لا دين لمن لا تقيّة له، و التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين «4»

و غيرهما «5» بالنسبة إلىٰ أشخاص المتّقي و أقسام التقيّة الخوفيّة،

______________________________

(1) هم: إسماعيل الجعفيّ و معمّر بن يحيىٰ بن سام و محمّد بن مسلم و زرارة بن أعين، كما صرّح بهم في نفس الرواية.

(2) الكافي 2: 220/ 18، وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 2.

(3) من أصحاب الصادق (عليه السّلام) كما عن البرقي، و يكنّى بأبي عمر، روىٰ عنه

(عليه السّلام) و روى عنه هشام بن سالم و لم يذكره سائر الرجاليين بمدح أو قدح.

تنقيح المقال 3: 29، معجم رجال الحديث 21: 257.

(4) المحاسن: 259/ 309، الكافي 2: 217/ 2، الخصال: 22/ 79، وسائل الشيعة 16: 215، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 3.

(5) نحو قول الباقر و الصادق (عليهما السّلام): «لا إيمان لمن لا تقيّة له»، و نحو قول الباقر (عليه السّلام): «التقيّة في كلّ ضرورة» و أمثالهما كثير.

راجع وسائل الشيعة 16: 203، كتاب الأمر و النهي، الباب 24 و 25.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 11

علىٰ إشكال في بعض الصور، كالخوف علىٰ إخوانه المؤمنين؛ فإنّ صدق الاضطرار فيه محلّ إشكال، بل منع.

بل صدقه في غير الخوف علىٰ نفسه و أتباعه و عشيرته القريبة [منه] لا يخلو من تأمّل. لكن مقتضىٰ بعض الروايات أنّها أعمّ «1». لكن هنا كلام يطلب من الرسالة المشار إليها «2».

و الظاهر أنّ غالب تقيّة الأئمّة (عليهم السّلام) في الفتوىٰ لأجل حفظ شيعتهم.

و كذا لا إشكال في شمولها بالنسبة إلى المتقىٰ منه؛ كافراً كان أو مسلماً، مخالفاً أو غيرهما. و كون كثير من أخبارها ناظراً إلى المخالفين، لا يوجب اختصاصها بهم «3» لعدم إشعار فيها علىٰ كثرتها بذلك؛ و إن كان بعض أقسامها مختصّاً بهم، كما سيأتي التعرّض له «4» لكنّ الظاهر من كثير منها التعميم في الجملة.

______________________________

(1) كرواية أمير المؤمنين (عليه السّلام): التقيّة من أفضل أعمال المؤمن، يصون بها نفسه و إخوانه عن الفاجرين، و قضاء حقوق الإخوان أشرف أعمال المتّقين، يستجلب مودّة الملائكة المقرّبين، و شوق الحور العين.

وسائل الشيعة 16: 222، كتاب الأمر و النهي، الباب 28، الحديث 3، و راجع: 228، الباب 29، الحديث 11، مستدرك

الوسائل 12: 259، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 6، و: 262، الباب 27، الحديث 3.

(2) المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 243 245.

(3) المكاسب: 321/ السطر 11.

(4) يأتي في الصفحة 70.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 12

و هل تعمّ بالنسبة إلى المتقىٰ فيه؟ الظاهر منها و من أدلّة نفي الحرج «1» و الرفع «2» و إن كان ذلك؛ و تكون تلك الأدلّة حاكمة علىٰ أدلّة المحرّمات و الواجبات، لكن يقع الكلام في موارد يمكن أن يقال باستثنائها منها، أو دلّ دليل عليه.

حول الموارد التي لا يجوز التقيّة فيها

منها: بعض المحرّمات و الواجبات التي في نظر الشارع و المتشرّعة في غاية الأهمية

اشارة

مثل هدم الكعبة و المشاهد المشرّفة بنحو يمحى الأثر و لا يرجىٰ عوده، و مثل الردّ على الإسلام و القرآن، و التفسير بما يفسد المذهب و يطابق الإلحاد، و غيرها من عظائم المحرّمات، فإنّ القول بحكومة نفي الحرج أو الضرر و غيرهما علىٰ أدلّتها- بمجرّد تحقّق عنوان الحرج و الاضطرار و الإكراه و الضرر و التقيّة بعيدٌ عن مذاق الشرع غايته.

فهل ترى من نفسك إن عُرض علىٰ مسلم تخريب بيت اللّٰه الحرام و قبر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أو الحبس شهراً أو شهرين، أو أخذ مائة أو مائتين منه، يجوز له ذلك تمسّكاً بدليل الحرج و الضرر؟! و الظاهر هو الرجوع في أمثال تلك العظائم إلىٰ تزاحم المقتضيات من غير توجّه إلىٰ حكومة تلك الأدلّة علىٰ أدلّتها. و يشهد له مضافاً إلىٰ وضوحه-

______________________________

(1) المائدة (5): 6، الحجّ (22): 78.

(2) وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1 و 3، و 23: 237، كتاب الأيمان، الباب 16، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 13

موثّقة مَسْعَدة بن صَدَقة «1» عن أبي عبد اللّٰه

(عليه السّلام) في حديث

و تفسير ما يتقىٰ: مثل أن يكون قوم سوءٍ ظاهر حكمهم و فعلهم علىٰ غير حكم الحقّ و فعله، فكلّ شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز «2».

هذا مع أنّ في دليل الضرر كلاماً تعرّضنا له في رسالة «لا ضرر» و ذكرنا أنّه أجنبيّ عن الحكومة علىٰ أدلّة الأحكام «3».

و من هذا الباب ما إذا كان المتقي ممّن له شأن و أهمّية في نظر الخلق؛ بحيث يكون ارتكابه لبعض المحرّمات تقيّة أو تركه لبعض الواجبات، ممّا يعدّ موهناً للمذهب و هاتكاً لحرمته، كما لو اكره علىٰ شرب المسكر و الزنا مثلًا، فإنّ جواز التقيّة في مثله تشبّثاً بحكومة دليل الرفع و أدلّة التقيّة مشكل، بل ممنوع. و لعلّه عليه محمول قوله في صحيحة زرارة «4»

______________________________

(1) هو أبو محمّد مسعدة بن صدقة العبدي البصري، صحب الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) و روى عنهم، و روى عنه جعفر بن عبد اللّٰه و هارون بن مسلم، له كتاب خطب أمير المؤمنين (عليه السّلام) و قد وصفه الشيخ الطوسي في رجاله بالعامّي، و نسبه الكشّي إلى البتريّة إلّا أنّه معتمد عليه في النقل موثوق به، لأنّ ما يرويه في غاية المتانة، و موافق لما يرويه الثقات من الأصحاب، و لذا عملت الطائفة بأخباره.

رجال النجاشي: 415، اختيار معرفة الرجال 2: 687، رجال الطوسي: 40 و 314، تنقيح المقال 3: 212، معجم رجال الحديث 18: 137.

(2) الكافي 2: 168/ 1، وسائل الشيعة 16: 216، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 6.

(3) بدائع الدرر في قاعدة نفي الضرر، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 105 و 129.

(4) هو شيخ أصحابنا

في زمانه و متقدّمهم القارئ الفقيه المتكلّم الشاعر الأديب الثقة أبو الحسن عبد ربّه بن أعين بن سنسن الملقّب بزرارة، اجتمعت فيه خلال الفضل و الدين، فأجمعت الطائفة على تصديقه و انقادوا له بالفقه، صحب الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) و روى عن الصادقين و عن حمران بن أعين و محمّد بن مسلم و عبد الكريم الهاشمي .. و روى عنه جماعة، منهم أبان بن عثمان، و أبان بن تغلب و جميل بن درّاج ..

رجال النجاشي: 175، اختيار معرفة الرجال 2: 507، رجال الطوسي: 123 و 201 و 350، معجم رجال الحديث 7: 247 248.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 14

الآتية «1» بعدم اتقائه من شرب المسكر .. إلىٰ آخره.

و أولى من ذلك كلّه في عدم جواز التقيّة فيه: ما لو كان أصل من أُصول الإسلام أو المذهب أو ضروريّ من ضروريّات الدين، في مَعرض الزوال و الهدم و التغيير، كما لو أراد المنحرفون الطغاة تغيير أحكام الإرث و الطلاق و الصلاة و الحجّ و غيرها من أُصول الأحكام، فضلًا عن أُصول الدين أو المذهب، فإنّ التقيّة في مثلها غير جائزة؛ ضرورة أنّ تشريعها لبقاء المذهب و حفظ الأُصول و جمع شتات المسلمين لإقامة الدين و أُصوله، فإذا بلغ الأمر إلىٰ هدمها فلا تجوز التقيّة. و هو- مع وضوحه يظهر من الموثّقة المتقدّمة «2».

و منها: المسح على الخفّين و متعة الحجّ و شرب المسكر و النبيذ و الجهر ب «بسم اللّٰه»

فإنّ مقتضىٰ بعض الأخبار استثناؤها عن التقيّة، كصحيحة زرارة قال: قلت له: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال

ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ

قال زرارة: و لم يقل: الواجب عليكم أن

______________________________

(1) يأتي في نفس الصفحة

(2) تقدّمت في الصفحة 13.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 15

لا تتقوا

فيهنّ أحداً «1».

و رواية أبي عمر الأعجمي، عن أبي عبد اللّٰه في حديث

و التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخُفّين «2»

و غيرهما «3».

و في مقابلها بعض آخر، كرواية أبي الورد «4» قال: قلت لأبي جعفر: إنّ

______________________________

(1) الكافي 3: 32/ 2، وسائل الشيعة 16: 215، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 5.

(2) تقدّم تخريجه في الصفحة 10.

(3) نحو ما عن دعائم الإسلام: قال جعفر بن محمّد (صلوات اللّٰه عليهما): «التقيّةُ ديني، و دين آبائي، إلّا في ثلاث: في شرب المسكر، و المسح على الخفّين، و ترك الجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم».

مستدرك الوسائل 1: 334، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، اللباب 33، الحديث 7، و راجع وسائل الشيعة 1: 461، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 38، الحديث 18، و 11: 241، كتاب الحجّ، أبواب أقسام الحجّ، الباب 3، الحديث 5، و 25: 351، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 2، مستدرك الوسائل 1: 331، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 33، الحديث 1.

(4) عدّه الشيخ و البرقي من أصحاب الإمام الباقر (عليه السّلام) روىٰ عنه (عليه السّلام) و عنه روىٰ عليّ بن رئاب و مالك بن عطيّة و هشام بن سالم.

و المهمّ هو أنّ الرجل مجهول الاسم و الحال، فلم يقم دليل علىٰ وثاقته، و مجرّد إجماع الأصحاب على العمل بروايته كما في المسح على الخفّ للضرورة إنّما يوجب الوثوق بما رواه لا بشخصه، كما أنّ أبا الورد هذا مغاير لأبي الورد الذي هو من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) لاختلاف الطبقة، و لذكر الشيخ أبا الورد مجرّداً في أصحاب الباقر (عليه السّلام) بينما ذكر في أصحاب الأمير (عليه السّلام)

أبا الورد بن قيس بن فهد، هذا مع أنّ الراوي عن الباقر (عليه السّلام) دفع في إسناد عشرين رواية تقريباً و لم يذكر في مورد منها اسم أبيه و جدّه، فراجع.

رجال الطوسي: 64 و 141، تنقيح المقال 3: 37، معجم رجال الحديث 22: 66 67.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 16

أبا ظبيان «1» حدّثني أنّه رأى عليّاً (عليه السّلام) أراق الماء، ثمّ مسح على الخفّين، فقال

كذب أبو ظبيان؛ أما بلغك قول عليّ (عليه السّلام) فيكم: سبق الكتاب الخفّين؟!.

فقلت: هل فيهما رخصة؟ فقال

لا، إلّا من عدوّ تتقيه، أو ثلج تخاف علىٰ رجليك «2».

و رواية درست بن أبي منصور «3» قال: كنتُ عند أبي الحسن موسى (عليه السّلام) و عنده الكميت بن زيد «4»، فقال للكميت

أنت الذي تقول

______________________________

(1) هو الحصين بن جندب الجنبي الكوفي، عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب أمير المؤمنين (عليه السّلام) و جعله ابن مندة و أبو نعيم صحابيّاً، و علىٰ أيّ حال فالرجل غير موثّق عند أصحابنا و إن وثّقه ابن حجر في التقريب، مات سنة 90 ه.

رجال الطوسي: 383، تنقيح المقال 1: 349، قاموس الرجال 3: 560 561.

(2) تهذيب الأحكام 1: 362/ 1092، الإستبصار 1: 76/ 236، وسائل الشيعة 1: 458، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 38، الحديث 5.

(3) هو درست بن أبي منصور محمّد الواسطي من أصحاب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) روىٰ عنهما و عن أبي بصير و عبد اللّٰه بن سنان و عمر بن أُذينة .. و روى عنه محمّد بن أبي عمير و عليّ بن معبد و النضر بن سويد .. و قد تعرّض لذكره الشيخ و النجاشي من غير إشارة إلى وثاقته، بل صرّح الشيخ في رجاله بوقفه.

رجال

النجاشي: 162، رجال الطوسي: 191 و 349، معجم رجال الحديث 7: 142.

(4) هو الكميت بن زيد الأسدي الكوفي الشاعر المعروف بولاية لأهل البيت (عليهم السّلام) ولد سنة 60 للهجرة، و صحب الإمامين الصادقين (عليهما السّلام) فكان يمدحهم و يعرّض ببني أُميّة إلىٰ أن طلبه هشام بن عبد الملك، فهرب منه عشرين سنة، ثمّ خرج متخفّياً في الظلام حتّى انتهىٰ إلى الشام، فطلب ابنا مسلمة بن عبد الملك من هشام أن يعفو عن الكميت، فاستنشده في مدحه، فقال أبياتاً منها قوله:

فالآن صرت إلىٰ أُميّ- ة فالأُمور لها مصاير و علىٰ أيّ حال فقد كان مؤيّداً بروح القدس مرضيّاً عندهم (عليهم السّلام) كما أنّه كان ترجمان اللغة و لسان بيانها، توفّي (قيس رحمه اللّٰه) في حياة الإمام الصادق (عليه السّلام) و ذلك سنة 126 للهجرة.

الأغاني 15: 117، اختيار معرفة الرجال 2: 466، رجال الطوسي: 134 و 278، تنقيح المقال 3: 41، العقد الفريد 2: 153، شرح شواهد المغني، السيوطي 1: 37.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 17

فالآن صِرتُ إلى أُميّةَ فالأُمور لها مصاير

قال: قلت ذاك، و اللّٰهِ ما رجعتُ عن إيماني، و إنّي لكم لموالٍ، و لعدوّكم لقالٍ، و لكنّي قلته على التقيّة، قال: أما لئن قلتَ ذلك إنّ التقيّة تجوز في شرب الخمر «1».

و رواية عمرو بن مروان «2» التي كالصحيحة «3» قال: قلت لأبي عبد اللّٰه: إنّ

______________________________

(1) اختيار معرفة الرجال 2: 465/ 364، وسائل الشيعة 16: 216، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 7.

(2) هو عمرو بن مروان اليشكري الكوفيّ الخزّاز من أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) و روى عن عمرو، أبو داود المسترق و يونس بن يعقوب، و قد وثّقه النجاشي عند تعرّضه

لترجمة أخيه عمّار بن مروان، فلا إشكال في وثاقته.

رجال النجاشي: 291، رجال الطوسي: 247، معجم رجال الحديث 13: 126.

(3) الوجه في قوله (قدّس سرّه): كالصحيحة هو وقوع سهل بن زياد في سندها، و قد أفاد طاب ثراه في كتاب الطهارة: «أن سهل بن زياد و إن ضعّف، لكنّ المتتبّع في رواياته يطمئن بوثاقته- من كثرة رواياته و إتقانها و اعتناء المشايخ بها فوق ما يطمئنّ من توثيق أصحاب الرجال، كما رجّحنا بذلك وثاقة إبراهيم بن هاشم القمّي و محمّد بن إسماعيل النيشابوري راوية الفضل بن شاذان و غيرهما. و لا أستبعد كون الزبيري أيضاً من هذا القبيل.

انظر رجال النجاشي: 185/ 490، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 147.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 18

هؤلاء ربّما حضرتُ معهم العشاء، فيجيئون بالنبيذ بعد ذلك، فإن لم أشربه خفتُ أن يقولوا: فلانيّ، فكيف أصنع؟ فقال

اكسره بالماء.

قلت: فإن أنا كسرته بالماء أشربه؟ قال

لا «1».

و غيرها «2».

و الظاهر تعيّن العمل بها؛ لعمل المشهور بل إعراضهم عمّا تقدّمت «3» فلا تصلح للحجّية. بل ضرورة العقل تحكم بأنّ ترك الصلاة أهمّ من المسح على الخفّين، و تركَ الحجّ من ترك متعته، مع أنّهما داخلان في المستثنىٰ منه.

مع أنّا نقطع بأنّ الشارع لا يرضىٰ بضرب الأعناق إذا دار الأمر بينه و بين المسح على الخفّين، بل و شرب الخمر و النبيذ و ترك متعة الحجّ، فلا بدّ من طرح تلك الروايات، أو الحمل علىٰ بعض المحامل؛ كأن يقال: في مثلها لا حاجة إلى التقيّة:

أمّا في المسح على الخفّين، فلإمكان مسح القدم بقدر الواجب بعنوان الغسل؛ بأن يسبق يده إلىٰ قدميه، و يمسحهما عند غسلهما. و يمكن أن يقال: إنّ

______________________________

(1) الكافي 6: 410/ 13، وسائل

الشيعة 25: 351، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأشربة المحرّمة، الباب 22، الحديث 4.

(2) نحو رواية زكريا بن إدريس القمي، قال: سألت أبا الحسن الأوّل (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي بقوم يكرهون أن يجهر ببسم اللّٰه الرحمن الرحيم، فقال: لا يجهر.

انظر وسائل الشيعة 6: 60، كتاب الصلاة، أبواب القراءة، الباب 12، الحديث 1.

(3) الحدائق الناضرة 2: 310 311، رياض المسائل 1: 243، جواهر الكلام 2: 236 237، الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم (قدّس سرّه) 2: 279 281، مصباح الفقيه، الطهارة: 164/ السطر 4 و 34.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 19

الغسل مقدّم على المسح على الخفّين، فلا يجوز المسح عند الدوران بينه و بين الغسل «1».

و أمّا في متعة الحجّ، فلأنّهم يأتون بالطواف و السعي الاستحبابي عند القدوم على المحكيّ «2» فيمكن الإتيان بهما بعنوان متعة الحجّ، فالنيّة أمر قلبي. و إخفاء التقصير في غاية السهولة «3».

و أمّا شرب الخمر و النبيذ، فيمكن التخلّص عنه بأعذار غير الحرمة «4»، و لهذا ورد في الرواية المتقدّمة «5» جواز شربه و كسره بالماء عند عدم إمكان التخلّص.

و ربّما يقال: إنّ ترك التقيّة فيها مختصّ بالإمام (عليه السّلام) كما فهم زرارة «6»؛ إمّا لأنّهم كسائر فقهائهم في الفتوىٰ، و سلاطين الوقت لا يأبون عن فتواهم، بل عن الاجتماع حولهم خوفاً من مزاحمتهم في رئاساتهم، و لهذا كانوا يستفتون «7» منهم

______________________________

(1) راجع مصباح الفقيه، الطهارة: 164/ السطر 30 و 165/ السطر 2.

(2) راجع الفقه على المذاهب الأربعة 1: 651 و 658.

(3) راجع مرآة العقول 9: 167.

(4) نفس المصدر.

(5) تقدّمت في الصفحة 17 18.

(6) تقدّم في الصفحة 14.

(7) كما في تفسير العياشي، عن زرقان صاحب ابن أبي داود، عن ابن أبي

داود أنّه رجع من عند المعتصم و هو مغتم، فقلت له في ذلك إلىٰ أن قال: فقال: إنّ سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة و سأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه و قد أحضر محمّد بن عليّ (عليه السّلام) فسألنا عن القطع في أيّ موضع يجب أن يقطع؟ فقلت: من الكرسوع لقول اللّٰه في التيمّم فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ و اتّفق معي علىٰ ذلك قوم، و قال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: و ما الدليل على ذلك؟ قال: لأنّ اللّٰه قال وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرٰافِقِ، قال: فالتفت إلىٰ محمّد بن عليّ (عليه السّلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر؟ قال: قد تكلّم القوم فيه يا أمير المؤمنين، قال: دعني ممّا تكلّموا به، أيّ شي ء عندك؟ قال: اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين، قال: أقسمت عليك باللّٰه لما أخبرت بما عندك فيه، فقال: أمّا إذ أقسمت عليّ باللّٰه إنّي أقول: إنّهم أخطأوا فيه السنّة، فإنّ القطع يجب أن يكون من مفصل أُصول الأصابع فيترك الكفّ، قال: لِمَ؟ قال: لقول رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): السجود على سبعة أعضاء: الوجه، و اليدين، و الركبتين، و الرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها، و قال اللّٰه تبارك و تعالى وَ أَنَّ الْمَسٰاجِدَ لِلّٰهِ يعني به: هذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها فَلٰا تَدْعُوا مَعَ اللّٰهِ أَحَداً و ما كان للّٰه لم يقطع، قال: فأعجب المعتصم ذلك فأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ .. الحديث.

تفسير العيّاشي 1: 319/ 109، تحف العقول: 335، وسائل الشيعة 28: 252، كتاب

الحدود و التعزيرات، أبواب حدّ السرقة، الباب 4، الحديث 5.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 20

في قبال سائر الفقهاء «1» و إمّا لمعروفية فتواهم فيها بحيث لا تنفع فيها التقيّة «2» كما لا يبعد.

أو على غير ذلك من المحامل، كالحمل علىٰ عدم جواز التقيّة المداراتية لا الخوفية، و الأمر سهل.

و منها: الدماء

فلا شبهة في عدم التقيّة فيها نصّاً و فتوى «3»، ففي صحيحة محمّد بن

______________________________

(1) انظر مصباح الفقيه، الطهارة: 164/ السطر 17.

(2) مرآة العقول 9: 166، مصباح الفقيه، الطهارة: 164/ السطر 17.

(3) السرائر 2: 25، مجمع الفائدة و البرهان 7: 550، رياض المسائل 1: 510، مستند الشيعة 14: 194، جواهر الكلام 22: 169.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 21

مسلم «1» عن أبي جعفر قال

إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة «2»

و مثلها موثّقة «3» أبي حمزة الثُّمالي «4».

______________________________

(1) هو العالم الفقيه الورع الثقة أبو جعفر محمّد بن مسلم بن رياح الأوقص الطحان الثقفي، كان وجه أصحابنا بالكوفة و من أوثق الناس، صحب الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) فكان من حواريّ الصادقين (عليهما السّلام) و ممّن أجمعت الطائفة علىٰ تصديقهم و الانقياد لهم في الفقه، روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي حمزة الثمالي و حمران و زرارة ابني أعين .. و روى عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر و الحسن بن راشد و حمّاد بن عثمان .. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 150 ه.

رجال النجاشي: 323 324، اختيار معرفة الرجال 1: 43 و 507، رجال الطوسي: 35 و 300 و 358، معجم رجال الحديث 17: 233 234.

(2) المحاسن: 259/ 310، الكافي 2: 220/ 16، وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر و النهي،

الباب 31، الحديث 1.

(3) رواها الشيخ الطوسي في التهذيب بإسناده عن يعقوب، عن الحسن بن عليّ بن فضّال، عن شعيب العقرقوفي، عن أبي حمزة الثمالي، و هي موثّقة بالحسن بن فضّال، فقد قضى عمره كلّه قائلًا بإمامة عبد اللّٰه بن الإمام الصادق (عليه السّلام) و رجوعه و إن كان ثابتاً، إلّا أنّه لا يوجب صيرورة رواياته السابقة صحيحة.

رجال النجاشي: 34 36، الفهرست: 47 48.

(4) عن أبي حمزة الثمالي قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): لم تبق الأرض إلّا و فيها منّا عالم، يعرف الحقّ من الباطل، قال: إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم، فإذا بلغت التقيّة الدم فلا تقيّة، و أيم اللّٰه لو دعيتم لتنصرونا لقلتم: لا نفعل إنّما نتّقي، و لكانت التقيّة أحبّ إليكم من آبائكم و أُمّهاتكم، و لو قد قام القائم ما احتاج إلى مساءلتكم عن ذلك، و لأقام في كثير منكم من أهل النفاق حدّ اللّٰه.

تهذيب الأحكام 6: 172/ 335، وسائل الشيعة 16: 234، كتاب الأمر و النهي، الباب 31، الحديث 2.

و أبو حمزة الثمالي هو الشيخ الفاضل الجليل الثقة ثابت بن دينار الأزدي الكوفي، أو ثابت بن أبي صفيّة، لأنّ كنية دينار أبو صفيّة، صحب الإمام زين العابدين و الإمام الباقر و الإمام الصادق و الإمام الكاظم (عليهم السّلام) و كان من خيار أصحابنا و ثقاتهم و معتمديهم في الرواية و الحديث و من خواصّ أصحاب الصادق، فقد روي عنه (عليه السّلام) أنّه قال: «أبو حمزة في زمانه مثل سلمان في زمانه» روىٰ عن زين العابدين و الباقر و الصادق (عليهم السّلام) و عن جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري و أبي رزين الأسدي و عبد اللّٰه بن الحسن، و

روى عنه أبان بن عثمان و الحسن بن محبوب و محمّد بن مسلم، مات (رحمه اللّٰه) سنة 150 ه.

رجال النجاشي: 115 116، اختيار معرفة الرجال 2: 455 458، الفهرست: 41 42، معجم رجال الحديث 21: 135 136.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 22

و قد فصّلنا في «المكاسب المحرّمة» عند البحث عن الولاية من قبل الجائر ما يناسب المقام و ما يرجع إلىٰ فقه الحديث، فراجع «1».

و منها: البراءة من أمير المؤمنين و سائر الأئمّة (عليهم السّلام)

و الأخبار فيها مختلفة:

فمنها: ما يظهر منه عدم الجواز:

كرواية محمّد بن ميمون «2» عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه قال

______________________________

(1) المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 222 240.

(2) محمّد بن ميمون مشترك بين جماعة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) كلّهم مجاهيل، منهم: أبو عبد اللّٰه محمّد بن ميمون البصري موسى بني شيبان، و منهم: أبو النصر محمّد بن ميمون الزعفراني التميمي العامي الذي روىٰ عن الصادق (عليه السّلام) نسخة، و قد ذكر النجاشي طريقه إليها، و منهم: محمّد بن ميمون بن عطاء الأسدي، و منهم: محمّد بن ميمون الحضرمي التبعي، و منهم: محمّد بن ميمون الخثعمي، و منهم: محمّد بن ميمون الكندي. و المظنون أنّ المراد به هنا الزعفراني، لذكر النجاشي النسخة في ترجمة الزعفراني.

رجال النجاشي: 355، رجال الطوسي: 301، معجم رجال الحديث 17: 293 294.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 23

قال أمير المؤمنين: ستدعون إلىٰ سبّي فسبّوني، و تُدعون إلى البراءة منّي فمدّوا الرقاب؛ فإنّي على الفطرة «1».

و رواية عليّ بن عليّ الخزاعي «2» عن عليّ بن موسى، عن أبيه، عن آبائه، عن عليّ بن أبي طالب أنّه قال

إنّكم ستعرضون علىٰ سبّي، فإن خفتم علىٰ أنفسكم فسبّوني، ألا و إنّكم ستُعرضون على البراءة منّي فلا تفعلوا؛

فإنّي على الفطرة «3».

و قريب منها ما عن «نهج البلاغة» «4» و ما عن

______________________________

(1) أمالي الطوسي: 210/ 362، وسائل الشيعة 16: 227، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 8.

(2) هو أبو الحسن عليّ بن عليّ بن زربي الخزاعي أخو دعبل الشاعر المعروف، ولد سنة 172 ه. و كان من أصحاب الإمام الرضا (عليه السّلام) روىٰ عنه (عليه السّلام) و روى عنه ابنه إسماعيل، و مات سنة 283 ه. فكان عمره مائة و إحدى عشرة سنة، و قد تعرّض الشيخ و النجاشي لذكره من غير أن يوثّقوه، كما أنّه لم يقم دليل على وثاقته.

رجال النجاشي: 276 277، رجال الطوسي: 381.

(3) أمالي الطوسي: 364/ 765، وسائل الشيعة 16: 228، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 8.

(4) و هي ما عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) أنّه قال: أما إنّه سيظهر عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، منذ حقّ البطن، يأكل ما يجد، و يطلب ما لا يجد، فاقتلوه و لن تقتلوه، ألا و إنّه سيأمركم بسبّي، و البراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني فإنّه لي زكاة، و لكم نجاة، و أمّا البراءة فلا تتبرّؤوا منّي، فإنّي ولدت على الفطرة، و سبقت إلى الإيمان و الهجرة.

نهج البلاغة، صبحي الصالح: 92، الخطبة 57، وسائل الشيعة 16: 228، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 10.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 24

الكشّي «1» في حال حجر بن عديّ «2».

______________________________

(1) و هي ما عن حجر بن عدي، قال، قال لي عليّ (عليه السّلام): كيف تصنع أنت إذا ضربت و أمرت بلعنتي؟ قلت له: كيف أصنع؟ قال العني و لا تبرأ منّي فإنّي على دين اللّٰه.

اختيار معرفة الرجال 1: 319/ 161.

الكشّي: هو الخبير و

الناقد البصير أبو عمرو محمّد بن عمر بن عبد العزيز م) الكشّي، كان ثقة عيناً حسن الاعتقاد، مستقيم المذهب، بصيراً بالأخبار و الرجال إلّا أنّه روىٰ عن الضعفاء كثيراً، و كان قد صحب العيّاشي و أخذ عنه و تخرّج به و في داره التي كانت مرتعاً للشيعة و أهل العلم. و كان كتابه في الرجال كثير الأغلاط رغم ما حواه من العلم الكثير، كما أنّه كان جامعاً لرواة الخاصّة و العامّة خالطاً بعضهم ببعض، فعمد الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) فلخّصه و سمّاه باختيار معرفة الرجال، و هو موجود بأيدينا اليوم، و أمّا الأصل فمفقود منذ زمان العلّامة و من قاربه، روى الكشّي عن جماعة، منهم حمدويه و إبراهيم ابنا نصير الكشّيين و محمّد بن مسعود و جبرئيل بن أحمد .. و روى عنه التلعكبري و جعفر بن محمّد بن قولويه.

رجال النجاشي: 372، الفهرست: 141، رجال الطوسي: 497، تنقيح المقال 3: 165.

(2) هو حجر بن عدي الكندي، و يقال له أيضاً: حجر بن الأدبر، و حجر الخير في مقابل حجر الشرّ الذي هو من أصحاب معاوية، كان حجر الخير من التابعين الكبار و رؤسائهم و زهّادهم و من الأبدال، بل عن ابن قتيبة و ابن عبد البرّ و أبي موسى و الجزري عدّه من أصحاب رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمّره أمير المؤمنين (عليه السّلام) في صفّين على كندة و حضرموت و قضاعة، و بعد صفّين عقد له علىٰ أربعة آلاف، و سرّحه لردّ غارة الضحّاك بن قيس الفهري. أمره رسول معاوية بالبراءة من أمير المؤمنين (عليه السّلام) فأبىٰ، فقتله الأعور هدبة بن فياض سنة 51 أو 53 ه. فكان ابن سيرين

إذا سئل عن الشهيد يغسّل؟ حدّثهم حديث حجر، ذلك لأنّ حجراً قال لمن حضره من أهله: لا تطلقوا عنّي حديداً، و لا تغسلوا عنّي دماً، فإنّي الاقي معاوية غداً على الجادّة.

تنقيح المقال 1: 256 257، قاموس الرجال 3: 122 131.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 25

و عن المفيد «1» في «الإرشاد» قال: استفاض عن أمير المؤمنين أنّه قال

ستُعرضون من بعدي علىٰ سبّي فسبّوني، فمن عرض عليه البراءة منّي فليمدد عنقه، فإن برِئَ منّي فلا دنيا له و لا آخرة «2».

و منها: ما يظهر منه الترخيص فيها و في مدّ الرقاب:

فعن العيّاشي «3» عن أبي بكر الحضرمي «4» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)- في حديث

______________________________

(1) هو رئيس الإماميّة في وقته الفقيه المتكلّم البارع الخبير أبو عبد اللّٰه محمّد بن محمّد بن النعمان المعروف بابن المعلّم و الملقّب بالمفيد، ولد سنة 338 ه. و كان مقدّماً في العلم و صناعة الكلام، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، له أكثر من مائتي مصنّف، منها المقنعة و الاختصاص و الإرشاد، و له مناظرات مع علماء العامّة كثيرة و لطيفة و حكايات ظريفة أفرد لها السيّد المرتضى (رحمه اللّٰه) كتاباً. روىٰ عن الصدوق و جعفر بن قولويه و الحسن بن حمزة العلوي و ابن الجنيد و أحمد بن محمّد بن الحسن بن الوليد، و روى عنه الشيخ الطوسي و النجاشي و علم الهدىٰ و أخوه الرضي و سلّار بن عبد العزيز .. توفّي؛ سنة 413 ه و كان يوم وفاته مشهوراً شيّعه ثمانون ألفاً، و لم ير أعظم من يومه في كثرة الناس للصلاة عليه و كثرة الخاصّة و العامّة.

تنقيح المقال 3: 180 181، معجم رجال الحديث 17: 202 210.

(2)

الإرشاد، الجزء الأوّل، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 322، وسائل الشيعة 16: 232، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 21.

(3) هو أكثر أهل المشرق علماً و أدباً و فضلًا و فهماً أبو النضر محمّد بن مسعود بن محمّد بن عيّاش السلمي السمرقندي العيّاشي، كان جليل القدر، واسع الأخبار، بصيراً بالرواية مطّلعاً عليها ثقة صدوقاً رغم روايته عن الضعفاء كثيراً، صنّف ما يزيد على المائتي كتاب، و كان أوّل أمره عامّي المذهب و سمع حديثهم، ثمّ تبصّر و هو حدث السنّ، أنفق على العلم و الحديث تركة أبيه البالغة ثلاثمائة ألف دينار، و كانت داره مملوءة بطالبي العلوم، و له مجلس للخاصّي و آخر للعامّي، روىٰ عن عليّ بن فضّال و عبد اللّٰه بن محمّد بن خالد الطيالسي و إبراهيم بن محمّد بن فارس، و روى عنه ابنه جعفر بن محمّد بن مسعود و حيدر بن محمّد بن نعيم السمرقندي.

رجال النجاشي: 350 353، الفهرست: 136 139، رجال الطوسي: 497، تنقيح المقال 3: 183، معجم رجال الحديث 17: 229.

(4) هو عبد اللّٰه بن محمّد الحضرمي الكوفي، كان تابعيّاً روىٰ عن الصادقين (عليهما السّلام) بل كان من خواصّ أصحاب الصادق (عليه السّلام) و مع هذا فلم يوثّقه الشيخ و لا النجاشي، روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبيه محمّد الحضرمي و عبد الملك بن أعين، و روى عنه عبد اللّٰه بن مسكان و سيف بن عميرة و عثمان بن عيسىٰ.

رجال الطوسي: 224، معجم رجال الحديث 10: 296 299، و 21: 68.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 26

أنّه قيل له: مدّ الرقاب أحبّ إليك، أم البراءة من عليّ (عليه السّلام)؟ فقال

الرخصة أحبّ إليّ؛ أما سمعتَ قول اللّٰه عزّ و

جلّ في عمّار «1»

______________________________

(1) هو أحد الأركان الأربعة التي قام عليها الإسلام الطيّب ابن الطيّب أبو اليقظان عمّار بن ياسر العنسي كان هو و أبواه من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم عمّار بعد بضعة و ثلاثين يوماً من نزول الوحي، و لحقه أبواه، و أُمّه أوّل من استشهدت في سبيل اللّٰه تعالىٰ. ثمّ هاجر إلى المدينة، و شهد بدراً و أُحداً و الخندق و بيعة الرضوان مع الرسول الأكرم (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و بعدها صحب علياً (عليه السّلام) و شهد معه الجمل و صفّين، فأبلى فيهما بلاءً حسناً، حتّى استشهد في صفّين و هو ابن ثلاث و تسعين سنة.

و روى أن خزيمة بن ثابت شهد الجمل و هو لا يسلّ سيفاً، و شهد صفّين و لم يقاتل و قال: لا أُقاتل حتّى يقتل عمّار فأنظر من يقتله، فإنّي سمعت رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) يقول: «تقتله الفئة الباغية» فلمّا قتل عمّار قال خزيمة ظهرت لي الضلالة، ثمّ تقدّم فقاتل حتّى استشهد.

الكامل في التاريخ 2: 67، و 3: 325، تنقيح المقال 2: 320 312، قاموس الرجال 8: 32 50.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 27

إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ «1»! «2»

و قريب منها روايته «3» الأُخرىٰ، عن عبد اللّٰه بن عَجْلان «4» عن أبي عبد اللّٰه «5».

______________________________

(1) النحل (16): 106.

(2) تفسير العيّاشي 2: 272/ 74، وسائل الشيعة 16: 230، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 12.

(3) هذه الرواية و سابقتها ضعيفتان بالإرسال، لعدم إدراك العيّاشي للحضرمي، و لا لابن عجلان.

(4) هو عبد اللّٰه بن عجلان الكندي الأحمر، صحب الصادقين (عليهما السّلام) و كان من خواصّ الصادق،

و قد وردت فيه بعض الروايات الدالّة على رسوخ عقيدته و ثباتها، روىٰ عن أبي جعفر (عليه السّلام) و روى عنه زرارة و المثنّى الحنّاط و الحسن الوشّاء.

اختيار معرفة الرجال 2: 512 513، رجال الطوسي: 127 و 265، معجم رجال الحديث 10: 251 253.

(5) كرواية عبد اللّٰه بن عجلان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته فقلت له: إنّ الضحّاك قد ظهر بالكوفة و يوشك أن ندعي إلى البراءة من عليّ (عليه السّلام) فكيف نصنع؟ قال: فابرأ منه، قلت: أيّهما أحبّ إليك؟ قال: إن تمضوا على ما مضى عليه عمّار بن ياسر، أخذ بمكّة فقالوا له: ابرأ من رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فبرأ منه فأنزل اللّٰه عزّ و جلّ عذره إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ.

تفسير العيّاشي 2: 272/ 76، وسائل الشيعة 16: 230، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 13.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 28

و يظهر ذلك من رواية يوسف بن عمران «1» في قضيّة ميثم بن يحيى التمّار «2»، «3».

و منها: ما يدلّ علىٰ وجوب البراءة:

كموثّقة مَسْعَدة بن صَدَقة قال: قيل لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّ الناس يروون أنّ عليّاً (عليه السّلام) قال علىٰ منبر الكوفة: أيّها الناس، إنّكم ستدعون إلىٰ سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي فلا تبرأوا منّي، فقال

ما أكثر ما يكذب الناس علىٰ عليٍّ (عليه السّلام)!

ثمّ قال

إنّما قال: إنّكم ستدعون إلىٰ سبّي فسبّوني، ثمّ تدعون إلى البراءة منّي، و إنّي لعلى دين محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و لم يقل: و لا تبرأوا منّي.

______________________________

(1) لم يرد ذكر يوسف بن عمران الميثمي في كتب الرجال، و لا قام

دليل على وثاقته، فالرجل مجهول.

(2) هو صاحب أمير المؤمنين (عليه السّلام) و صفيّة الشهيد ميثم بن يحيى التمّار النهرواني، كان عبداً لامرأة فاشتراه عليّ (عليه السّلام) فأعتقه و أقرأه تنزيل القرآن، و علّمه تأويله، فكان لا يسأل عن شي ء إلّا أجاب عنه، كما أطلعه على بعض المغيّبات، فكان يخبر عن شهادته، و أنّ ابن زياد سيأمره بالبراءة من أمير المؤمنين (عليه السّلام) فيأبىٰ، فيأمر الطاغية بقطع يديه و رجليه و لسانه و صلبه، فكان الأمر كما أخبر به رضوان اللّٰه تعالىٰ عليه.

اختيار معرفة الرجال 1: 293 298، تنقيح المقال 3: 262 263.

(3) كرواية يوسف بن عمران الميثمي قال: سمعت ميثم النهرواني يقول: دعاني أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام) و قال: كيف أنت يا ميثم إذا دعاك دعي بني أُميّة عبيد اللّٰه بن زياد إلى البراءة منّي؟ فقلت: يا أمير المؤمنين أنا و اللّٰه لا أبرأ منك؟ قال: إذاً و اللّٰه يقتلك و يصلبك، قلت: اصبر، فذلك في اللّٰه قليل، فقال: يا ميثم إذاً تكون معي في درجتي .. الحديث.

اختيار معرفة الرجال 1: 295/ 139، وسائل الشيعة 16: 227، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 7.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 29

فقال له السائل: أ رأيت إن اختار القتل دون البراءة؟ فقال

و اللّٰه ما ذلك عليه، و ما له إلّا ما مضى عليه عمّار بن ياسر حيث أكرهه أهل مكّة .. «1»

الحديث.

و رواية «2» «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) و فيها

و قد أذنتُ لكم في تفضيل أعدائنا إن ألجأك الخوف إليه، و في إظهار البراءة إن حملك الوجل عليه ..

إلىٰ أن قال

و إنّ إظهارك براءتك منّا عند تقيّتك لا يقدح فينا و

لا ينقصنا ..

إلىٰ أن قال

و إيّاك ثمّ إيّاك أن تترك التقيّة التي أمرتك بها ..

إلىٰ أن قال

فإنّك إن خالفت وصيّتي كان ضررك علىٰ إخوانك و نفسك، أشدَّ من ضرر الناصب لنا الكافر بنا «3».

و ما روى المحدّث المجلسي «4» عن صاحب كتاب «الغارات» «5» عن الباقر

______________________________

(1) الكافي 2: 219/ 10، وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 2.

(2) نقل هذه الرواية الطبرسي في الاحتجاج عن التفسير المنسوب للإمام العسكري (عليه السّلام) و سنده ضعيف، كما صرّح به المؤلّف (قدّس سرّه) في: الاجتهاد و التقليد: 96 و 97.

(3) تفسير الإمام العسكري (عليه السّلام): 176/ 84، الاحتجاج 1: 556/ 134، وسائل الشيعة 16: 228، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 11.

(4) هو شيخ الإسلام و المسلمين الإمام العلّامة محمّد باقر بن محمّد تقي بن المقصود عليّ المجلسي، ولد بأصفهان عام 1027 ه. و قرأ العقليّات على المولى الأُستاذ آقا حسين، و النقليّات على والده العلّامة، و كان عالماً فاضلًا محقّقاً كثير التصانيف كثير الأيادي، حتّى قال البعض: إنّه لم يوفّق أحد في الإسلام مثل ما وفّق هذا الشيخ المعظّم من ترويج المذهب بطرق عديدة، أجلّها و أبقاها التصانيف الكثيرة، و كان شيخ الإسلام من قبل السلاطين في أصفهان، و كان يباشر جميع المرافعات بنفسه، و لا تفوته صلاة الأموات و الجماعات و الضيافات و العبادات، و قد بلغ عدد من تخرّج من مجلس درسه ما يبلغ الألف عالماً. توفّي (رحمه اللّٰه) بأصفهان عام 1110 ه. و يعدّ قبره من المواضع المعروفة لاستجابة الدعاء.

جامع الرواة 2: 78 79، رياض العلماء 5: 39 40، أعيان الشيعة 9: 182 184.

(5) هو أبو إسحاق إبراهيم بن

محمّد بن سعيد الثقفي، كان في أوّل أمره زيديّاً ثمّ تبصّر، و كان من العلماء الثقات المصنّفين، و له مدائح كثيرة، سكن الكوفة و عمل فيها كتاب المعرفة المشتمل على المناقب المشهورة و المثالب، فاستعظمه الكوفيّون و أشاروا عليه بأن يتركه و لا يخرجه، فغادر الكوفة و استقرّ بأصفهان، حيث حلف أن لا يروي كتابه إلّا فيها ثقة منه بصحّة ما رواه في كتابه المذكور، و يقال: إنّ جماعة من القمّيين كأحمد بن محمّد بن خالد و غيره وفدوا عليه إلىٰ أصفهان و سألوه الانتقال إلى قم فأبىٰ. روىٰ عن عليّ بن معلّىٰ، و روى عنه عليّ بن عبد اللّٰه بن كوشيد الأصبهاني و أحمد بن علويّة توفّي أبو إسحاق (رحمه اللّٰه) سنة 283 ه.

الفهرست، ابن النديم: 279، رجال النجاشي: 16، الفهرست: 4 6، معجم رجال الحديث 1: 278 283.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 30

و الصادق (عليهما السّلام) «1».

______________________________

(1) و هي ما: عن يوسف بن كليب المسعودي، عن يحيى بن سليمان العدويّ، عن أبي مريم الأنصاري عن محمّد بن عليّ الباقر (عليهما السّلام): قال: خطب عليّ (عليه السّلام) علىٰ منبر الكوفة فقال: «سيعرض عليكم سبّي و ستذبحون عليه، فإن عرض عليكم سبّي فسبّوني و إن عرض عليكم البراءة منّي فإنّي علىٰ دين محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم)» و لم يقل «فلا تبرَّؤوا منّي».

فقال أيضاً: حدّثني أحمد بن المفضّل، عن الحسن بن صالح، عن جعفر بن محمّد (عليهما السّلام) قال: قال عليّ (عليه السّلام): ليذبحنّ على سبّي و أشار بيده إلى حلقه ثمّ قال-: فإن أمروكم بسبّي فسبّوني و إن أمروكم أن تتبرّءوا منّي فإنّي علىٰ دين محمّد (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم). و لم ينههم عن إظهار البراءة. ثمّ قال: إنّه أباح لهم سبّه عند الإكراه لأنّ اللّٰه تعالىٰ قد أباح عند الإكراه التلفّظ بكلمة الكفر فقال «إِلّٰا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمٰانِ».

بحار الأنوار 39: 325 326/ 27.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 31

و لا يخفىٰ: أنّ رفع اليد عن تلك الروايات المشتملة علىٰ تكذيب ما نسب إلىٰ عليّ (عليه السّلام) و عن أخبار التقيّة، و عن قوله تعالىٰ لٰا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ «1» و حكمِ العقل بلزوم حفظ النفس و اهتمام الشارع به، لا يمكن بمثل تلك الروايات التي لا تفيد علماً و لا عملًا، و لم نجد فيها ما يسلم سنداً.

و دعوى المفيد «2» لا تفيدنا علماً؛ فإنّا لم نعثر علىٰ رواية واحدة بمضمون ما ذكره. نعم بعض مضمونه موافق للروايات الضعاف المتقدّمة «3» المقابلة للروايات التي بعضها أسدّ منها سنداً.

مضافاً إلى استشمام رائحة الكذب و الاختلاق منها؛ ضرورة أنّ السبّ و الشتم و اللعن، أشدّ التلفّظ بالبراءة ممّا لا يقدح فيهم و لا ينقصهم، و من المقطوع عدم رضا الشارع بمدّ الأعناق في مقابله، كما في رواية «الاحتجاج» «4».

و أمّا قضيّة ميثم «5» و إن كانت معروفة، و لا يبعد ثبوتها إجمالًا، و لكنّها قضيّة في واقعة، و لعلّه كان عالماً بأنّ الدعيّ عبيد اللّٰه بن زياد «6» يقتله؛ برِئَ من

______________________________

(1) البقرة (2): 195.

(2) الإرشاد، الجزء الأوّل، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 322.

(3) تقدّم في الصفحة 22 23.

(4) تقدّم في الصفحة 29.

(5) تقدّم في الصفحة 28، الهامش 3.

(6) هو عبيد اللّٰه بن زياد ابن أبيه المعروف بابن مرجانة، ولد سنة 28 ه. و ولّاه معاوية خراسان سنة 53 ه. و أقام

فيها سنتين، ثمّ أمّره معاوية على البصرة سنة 55 ه، و بعد هلاك معاوية أقرّه يزيد عليها سنة 60، فكان من أمره ما كان من قتل سبط الرسول و ريحانته الإمام الحسين (عليه السّلام) و أصحابه (رضوان اللّٰه تعالىٰ عليهم)، و لمّا هلك يزيد سنة 65 بايع أهل البصرة عبيد اللّٰه اللعين، ثمّ لم يلبثوا أن وثبوا عليه يريدون قتله، فهرب إلى الشام ثمّ عاد إلى العراق، فلحقه إبراهيم بن الأشتر في جيش يطلب ثأر الإمام الحسين (عليه السّلام) فاقتتلا و تفرّق أصحاب ابن مرجانة، فقتله إبراهيم، و ذلك عام 67 ه.

عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 1: 229، رغبة الآمل 5: 134 و 210، و 6: 111.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 32

عليّ (عليه السّلام) أو لا، و كانت براءته منه غير مفيدة بحاله، بل مضرّة و موجبة لفضاحته مضافاً إلىٰ قتله، فلا يجوز معه البراءة و لا السبّ و لا غيرهما.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 33

المبحث الثاني في أنّ ترك التقيّة هل يفسد العمل أم لا؟

اشارة

قد تقدّم «1» أنّ التقيّة علىٰ ما يظهر من الأخبار علىٰ أقسام:

منها: ما يستعمل لأجل الخوف على النفس و العِرْض و المال، فهذه ليست واجبة لنفسها، بل الواجب حفظ النفس عن الوقوع في الهلكة، و تكون التقيّة مقدّمة له.

نعم، يظهر من بعض الروايات أنّ اللّٰه رخّص التقيّة في كلّ اضطرار «2» أو ضرورة عرفيّة «3». بل الظاهر أوسعية دائرتها منه أيضاً، فتجوز لحفظ مال غيره

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 8.

(2) كرواية محمّد بن مسلم و زرارة قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السّلام): يقول: التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه له.

الكافي 2: 220/ 18، وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 2.

(3)

كرواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: التقيّة في كلّ ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين تنزل به.

الكافي 2: 219/ 13، وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 34

من إخوانه المؤمنين. بل الظاهر كما يظهر من بعض الروايات «1» وجوبها لأجل حفظ النفوس و الأموال و الأعراض؛ و إن كانت استفادة الوجوب النفسي في هذا القسم من التقيّة، محلَّ تأمّل.

و منها: ما تكون واجبة لنفسها، و هي ما تكون مقابلة للإذاعة، فتكون بمعنى التحفّظ عن إفشاء المذهب و عن إفشاء سرّ أهل البيت، فيظهر من كثير من الروايات «2» أنّ التقيّة التي بالغ الأئمّة (عليهم السّلام) في شأنها، هي هذه التقيّة فنفس إخفاء الحقّ في دولة الباطل واجب، و تكون المصلحة فيه جهات سياسية دينية، و لو لا التقيّة لصار المذهب في معرض الزوال و الانقراض.

و يدلّ علىٰ هذا القسم ما ورد في تفسير قوله تعالىٰ وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ «3» قال الصادق (عليه السّلام) في صحيحة هشام بن سالم «4»

الحَسَنَة

______________________________

(1) تقدّمت بعضها في الصفحة 11، الهامش 1 و: 29، الهامش 3.

(2) راجع وسائل الشيعة 16: 235 و 247، كتاب الأمر و النهي، أحاديث الباب 32 و 34.

(3) القصص (28): 54.

(4) هو الثقة الثقة أبو محمّد هشام بن سالم الجواليقي، صحب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و روى عنهما و عن سليمان بن خالد .. و كان من الرؤساء و الأعلام المأخوذ منهم الحلال و الحرام و الفتيا و الأحكام الذين لا يطعن عليهم بشي ء روىٰ عنه الحسن بن محبوب و صفوان بن يحيىٰ و محمّد بن أبي عمير ..

رسالة العددية، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد

9: 45، رجال النجاشي: 434، الفهرست: 174، معجم رجال الحديث 19: 301 302.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 35

التقيّة، و السيِّئَة: الإذاعة «1».

و في تفسير قوله تعالىٰ وَ لٰا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لَا السَّيِّئَةُ «2» عن أبي عبد اللّٰه قال

الْحَسَنَةُ: التقيّة، و السَّيِّئَةُ: الإذاعة «3»

فمقتضىٰ مقابلتها للإذاعة أنّها هي الاستتار و الكتمان.

و يؤكّده ما دلّت علىٰ تقابل الكتمان و الإذاعة، كرواية «4» سليمان بن خالد «5» قال: قال أبو عبد اللّٰه

يا سليمان، إنّكم علىٰ دِينٍ من كتمه أعزّه اللّٰه، و من أذاعه أذلّه اللّٰه «6» ..

إلىٰ غير ذلك من الروايات التي يظهر منها أنّ التقيّة هي

______________________________

(1) الكافي 2: 217/ 1، وسائل الشيعة 16: 203، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 1.

(2) فصّلت (41): 34.

(3) المحاسن: 257/ 297، الكافي 2: 218/ 6، وسائل الشيعة 16: 206، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 10.

(4) رواها الكليني (رحمه اللّٰه) عن عليّ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن يونس بن عمّار، عن سليمان بن خالد، و السند ضعيف، لجهالة يونس بن عمّار التغلبي الكوفي البجلي و إن كان من بيت كبير من الشيعة.

رجال النجاشي: 71، رجال الطوسي: 337، مجمع الرجال 6: 300.

(5) هو الشيخ القارئ الفقيه الثقة أبو الربيع سليمان بن خالد النخعي الهلالي البجلي الأقطع. كان وجهاً من وجوه أصحابنا، خرج مع زيد (رضى اللّٰه عنه) فقطعت يده. روىٰ عن الصادقين (عليهما السّلام) و عن أبي بصير، و روى عنه أبو أيّوب الخزّاز و إسحاق بن عمّار و هشام بن سالم .. توفّي سليمان في حياة الصادق (عليه السّلام) فتوجّع لفقده و أوصى بهم أصحابه.

رجال النجاشي: 183، اختيار معرفة الرجال 2: 645، معجم رجال الحديث 8:

252.

(6) الكافي 2: 222/ 3، وسائل الشيعة 16: 235، كتاب الأمر و النهي، الباب 32، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 36

الكتمان «1» و الإسرار «2» و الخباء «3».

ثمّ إنّه من المحتمل أن يكون الواجب علينا التقيّة و الكتمان، و تكون الإذاعة منهيّاً عنها للغير.

و أن تكون الإذاعة محرّمة، و تعلّق الأمر بالتقيّة لأجل عدم الإذاعة.

و أن يكون كلّ من العنوانين متعلّقاً للتكليف برأسه. و الجمود على الظواهر يقتضي الأخير و إن كان بعيداً.

و كيف كان: لو ترك التقيّة و أتى بالعمل علىٰ خلافها، فمقتضى القواعد صحّته؛ سواء قلنا: بأنّها واجبة، أو الإذاعة محرّمة، أو هي محرّمة و تلك واجبة؛ و ذلك لأنّ الأمر بالتقيّة لا يوجب النهي عن العمل، و كذا النهي عن

______________________________

(1) كرواية معلّى بن خنيس قال: قال لي أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): يا معلّى، اكتم أمرنا و لا تذعه فإنّه من كتم أمرنا و لا يذيعه أعزّه اللّٰه في الدنيا، و جعله نوراً بين عينيه يقوده إلى الجنّة، يا معلّى، إنّ التقيّة ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقيّة له، يا معلّى، إنّ اللّٰه يحبّ أن يعبد في السرّ كما يحبّ أن يعبد في العلانية، و المذيع لأمرنا كالجاحد له.

وسائل الشيعة 16: 210، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 24.

(2) نحو ما قيل لعليّ بن محمّد (عليه السّلام): من أكمل الناس؟ قال: أعملهم بالتقيّة و أقضاهم لحقوق إخوانه إلىٰ أن قال: في قوله تعالىٰ وَ إِلٰهُكُمْ إِلٰهٌ وٰاحِدٌ لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ الرَّحْمٰنُ الرَّحِيمُ قال: الرحيم بعباده المؤمنين من شيعة آل محمّد، وسع لهم في التقيّة، يجاهرون بإظهار موالاة أولياء اللّٰه، و معاداة أعدائه إذا قدروا و

يسرون بها إذا عجزوا.

وسائل الشيعة 16: 224، كتاب الأمر و النهي، الباب 28، الحديث 12.

(3) كرواية هشام بن سالم قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: ما عبد اللّٰه بشي ء أحبّ إليه من الخب ء، قلت: و ما الخب ء؟ قال: التقيّة.

وسائل الشيعة 16: 207، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 15.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 37

الإذاعة لا يوجب سرايته إلىٰ عنوان العمل؛ لما حُقّق في محلّه من أنّ الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه «1» و النهي عن عنوان لا يمكن سرايته إلىٰ عنوان آخر «2». و حديث أنّ المبعِّد لا يمكن أن يصير مُقرِّباً «3» قد فرغنا عن تهجينه في الأُصول «4».

تفصيل الشيخ الأعظم في المقام و بيان وجه الخدشة فيه

لكن الشيخ الأعظم «5» فصّل بين الموارد بعد الاعتراف بأنّ نفس ترك

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 9 20، تهذيب الأُصول 1: 288 299.

(2) مناهج الوصول 2: 131 132، تهذيب الأُصول 1: 394 395.

(3) نهاية الدراية 2: 304، نهاية الأُصول: 260.

(4) مناهج الوصول 2: 132 135، تهذيب الأُصول 1: 395 398.

(5) هو شيخ مشايخ الإماميّة المحقّق البارع و الإمام المؤسّس مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري التستري الدزفولي النجفي، ولد عام 1214 ه. في مدينة دزفول، و ينتهي نسبه إلى الصحابي جابر بن عبد اللّٰه الأنصاري (رحمه اللّٰه) درس عند عمّه الشيخ الأنصاري و السيّد المجاهد و شريف العلماء المازندراني و الشيخين موسى و عليّ كاشف الغطاء و المولىٰ أحمد النراقي، و انتهت إليه رئاسة الإماميّة على الإطلاق، و تابعته جميع الشيعة في فتياه، لما تمتّع به من مقام شامخ في الفقه و أُصوله، و لما تحلّى به من زهد و قداسة و ورع و عبادة. و يعدّ الشيخ الأعظم الواضع لعلم الأُصول

الحديث و المجدّد له، و لذا عرف بالمؤسّس. أشهر تلاميذه السيّد المجدّد الشيرازي و السيّد حسين الكوهكمري و الميرزا حبيب اللّٰه الرشتي و الآخوند الخراساني، توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 1281 ه.

ريحانة الأدب 1: 189، أعيان الشيعة 10: 117 119، معارف الرجال 2: 399 404.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 38

التقيّة، لا يوجب إلّا استحقاق العقاب؛ ففي مثل السجدة على التربة الحسينية مع اقتضاء التقيّة تركَه حكم بالبطلان؛ لكونه منهيّاً عنه و موجباً لفساد الصلاة، و في مثل ترك التكفير و غسل الرجلين في الوضوء حكم بالصحّة؛ لعدم اعتباره في المأمور به، بل يكون كواجب خارجي.

ثمّ قال: «إن قلت: إذا كان إيجاب الشي ء تقيّةً لا يجعله معتبراً في الصلاة، لزم الحكم بصحّة وضوء من ترك المسح على الخفّين؛ لأنّ المفروض أنّ الأمر بالمسح لا يجعله جزءً.

قلت: ليس الحكم بالبطلان من جهة ترك ما وجب بالتقيّة، بل لأنّ المسح على الخفّين، متضمّن لأصل المسح الواجب مع إلغاء قيد مماسّة الماسح للممسوح، فالتقيّة إنّما أوجبت إلغاء قيد المباشرة، و أمّا صورة المسح و لو مع الحائل فواجبة واقعاً، لا من حيث التقيّة، فالإخلال بها يوجب بطلان الوضوء بنقص جزء منه».

ثمّ استشهد علىٰ هذا التحليل برواية عبد الأعلى آل سام «1»، «2».

______________________________

(1) و هي ما عن عبد الأعلى مولى آل سام قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): عثرت فانقطع ظفري، فجعلت علىٰ إصبعي مرارة، فكيف أصنع بالوضوء؟ قال: يعرف هذا و أشباهه من كتاب اللّٰه عزّ و جلّ، قال اللّٰه تعالىٰ مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ امسح عليه.

وسائل الشيعة 1: 464، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 39، الحديث 5.

عبد الأعلى: هو عبد الأعلى مولى آل (أو أولاد)

سام الكوفي، من أصحاب الصادق (عليه السّلام)، و قد روي أنّه (عليه السّلام) أجاز له المناظرة إلّا أنّه لم يقم دليل على وثاقته. روىٰ عنه (عليه السّلام) و عن المعلّى بن خنيس، و روى عنه أبان بن عثمان و إسحاق بن عمّار و داود بن فرقد.

اختيار معرفة الرجال 2: 610، رجال الطوسي: 238، معجم رجال الحديث 9: 259.

(2) رسالة في قاعدة لا ضرر، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 96.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 39

و أنت خبير بما فيه:

أمّا أوّلًا: فلما عرفت أنّ الأمر بالتقيّة، لا يقتضي النهي عن الأفعال الصادرة علىٰ خلافها؛ سواء في ذلك ما إذا وجبت التقيّة بعنوانها أي التحفّظ عن إفشاء المذهب و كتمان الحقّ لأنّ هذا العنوان ضدّ الأفعال الموجبة للإفشاء و الإذاعة، و الأمر بالشي ء لا يقتضي النهي عن ضدّه، أو كان الواجب هو التحفّظ عن ضرر الغير، و وجبت التقيّة مقدّمة له عقلًا أو شرعاً؛ بناءً علىٰ وجوبها كذلك:

أمّا بناءً على الوجوب العقلي فواضح.

و أمّا بناءً على الوجوب الشرعي فلأنّ وجوب الفعل الموافق للتقيّة، لا يقتضي حرمة مقابلاته. مع أنّ الحرمة الغيرية لا توجب الفساد. هذا مضافاً إلىٰ منع وجوب المقدّمة، كما حقّق في محلّه «1».

و لو قلنا بحرمة الإذاعة، فلا توجب حرمتها بطلان العمل المنطبق عليه عنوانها؛ بناءً علىٰ جواز اجتماع الأمر و النهي، كما هو التحقيق «2».

و أمّا ثانياً: فلأنّ ما وجّه البطلان به من ترك المأمور به الواقعي؛ بدعوىٰ تحليل المسح إلىٰ أصل الإمرار و لو على الحائل ممّا لا يساعد عليه العرف؛ ضرورة أنّ المسح على الرجل و الرأس لا ينحلّ إلى المسح و لو علىٰ غيرهما، فالمسح على الخفّ أجنبي عن المأمور به، كما

ورد عن أمير المؤمنين (عليه السّلام)

فلئن أمسح علىٰ ظهر حماري أحبّ إليّ من أن أمسح على الخفّين «3».

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 410 415، تهذيب الأُصول 1: 278 282.

(2) مناهج الوصول 2: 128 136، تهذيب الأُصول 1: 391 398.

(3) الجعفريّات، ضمن قرب الإسناد: 24، مستدرك الوسائل 1: 335، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 33، الحديث 13.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 40

و لو بنينا علىٰ هذا النحو من التحليل لاتسع الخرق على الراقع؛ لإمكان أن يقال: إنّ المسح ينحلّ إلىٰ أصل الإمرار و لو بغير اليد و علىٰ غير الرجل، فإذا تعذّر المسح باليد و على الرجل يجب مسح شي ء آخر، و هو كما ترى.

و أمّا رواية عبد الأعلى فلم يظهر منها أنّ المسح على المرارة يُعلم من كتاب اللّٰه، بل يحتمل أن يكون المراد أنّه يفهم من كتاب اللّٰه رفع المسح على الرجل، لا الإمرار على المرارة، أو أنّه (عليه السّلام) يعرف هذا الحكم من كتاب اللّٰه لا سائر الناس؛ ضرورة أنّ العُرف لا يعرف من كتاب اللّٰه ذلك.

فوجه بطلان الوضوء مع ترك المسح على الخفّين ليس ما أفاده (رحمه اللّٰه) بل لأجل ترك الفرد الاضطراري و الاختياري، و إنّما قام الاضطراري مقام الاختياري في الإجزاء، و مع ترك البدل و المبدل منه لا وجه لصحّته.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 41

المبحث الثالث في ذكر ما دلّ علىٰ أنّ إتيان المأمور به علىٰ وجه التقيّة يوجب الإجزاء، و لا تجب بعد رفعها الإعادة و القضاء

اشارة

و هي كثيرة و علىٰ طوائف:

منها: ما دلّت على الإجزاء في التقيّة الاضطرارية من أيّ سبب حصل الاضطرار.

و منها: ما دلّت عليه فيما يقتضي عنوان التقيّة إتيان المأمور به علىٰ خلاف الحقّ.

و منها: ما دلّت عليه في التقيّة المداراتية.

و ليعلم: أنّ محطّ البحث في الإجزاء ما إذا أتى المكلّف بمصداق المأمور به بكيفيّة خاصّة تقتضيها

التقيّة، كترك جزء أو شرط أو إيجاد مانع، كما لو اقتضت إتيان الصلاة بلا سورة، أو مع نجاسة الثوب، أو إتيان الصوم إلىٰ سقوط الشمس، أو وقوف عَرَفة يوم التروية و المشعر ليلة عرفة، لا ما إذا اقتضت ترك المأمور به رأساً، كترك الصوم في يوم تعييد الناس، و ترك الصلاة و الحجّ؛ فإنّ

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 42

الإجزاء في مثله ممّا لا معنىٰ له، و لا يكون ذلك محطّ البحث.

ففرقٌ بين إتيانِ الصوم إلىٰ سقوط الشمس تقيّةً، و تركِ الصوم رأساً؛ لأجل ثبوت الهلال عندهم و لزوم التقيّة في تركه؛ ففي الأوّل يقع البحث في إجزائه، دون الثاني، فما في بعض الكلمات من التسوية بينهما «1» في غير محلّه. و حينئذٍ تكون ما وردت في إفطار يوم شهر رمضان و قضائه «2» غير مخالفة لما سيأتي من الإجزاء.

حول الأدلّة الدالّة على الإجزاء في التقيّة الاضطراريّة

إذا عرفت ذلك فمن الطائفة الأُولىٰ:- أي ما كان العنوان هو «الضرورة و الاضطرار» حديث الرفع «3» و قد تعرّضنا لفقه الحديث و حدود دلالته و دفع

______________________________

(1) انظر جواهر الكلام 16: 258 260، رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 78 80، مستمسك العروة الوثقىٰ 8: 320 324.

(2) كرواية رفاعة، عن رجل، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: دخلت علىٰ أبي العبّاس بالحيرة فقال: يا أبا عبد اللّٰه، ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت: ذاك إلى الإمام، إن صمت صمنا و إن أفطرت أفطرنا، فقال: يا غلام، عليّ بالمائدة، فأكلت معه و أنا أعلم و اللّٰه أنّه يوم من شهر رمضان، فكان إفطاري يوماً و قضاؤه أيسر عليّ من أن يضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه.

الكافي 4: 83/ 7، وسائل الشيعة 10: 132، كتاب

الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 5.

(3) و هو ما رواه حريز بن عبد اللّٰه، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة أشياء: الخطأ و النسيان و ما اكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطروا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكّر في الوسوسة في الخلوة ما لم ينطقوا بشفة.

التوحيد: 353/ 24، الخصال: 417/ 9، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس، الباب 56، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 43

بعض الإشكالات عنه في محلّه «1» نشير إلىٰ لمحة منها:

فمن ذلك: أنّه لا إشكال في أنّ إسناد الرفع إلى المذكورات في الحديث، يحتاج إلى ادعاء، و المصحِّح للدعوىٰ إمّا رفع جميع الآثار، بمعنى أنّ الموضوع الذي لم يكن له أثر في عالم التشريع مطلقاً، يصحّ أن يدعىٰ أنّه مرفوع، فيقال: «رفع ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه».

و إمّا رفع المؤاخذة، فيدعىٰ أنّ ما لا مؤاخذة عليه مرفوعٌ و ليس بمحقّق، فلا بدّ حينئذٍ من دعوى أنّ سائر الآثار غير المؤاخذة ليس بشي ء، أو أنّ المؤاخذة تمام الآثار؛ حتّى تصحّ دعوى أنّه برفعها رفع الموضوع، فلا محيص عن دعويين: دعوى عدم شيئية سائر الآثار، أو كون المؤاخذة جميعها، و إلّا فمع تحقّق سائرها و النظر إليها، لا تصحّ دعوى رفع الموضوع، و دعوىٰ أنّ ما لا أثر له مرفوع ذاتاً، بخلاف رفع جميع الآثار، فإنّه معه لا يحتاج إلّا إلى ادعاء واحد، فالحمل علىٰ جميع الآثار أسلم و أظهر.

و أمّا احتمال أن يكون في كلٍّ من العناوين أثر خاصّ به؛

هو أظهر آثاره «2» فبعيد عن الصواب؛ لعدمِ مساعدة العرف، و عدم أثر خاصّ لكلّ منها هو أظهر الآثار، فلا محيص عن الحمل علىٰ جميعها. كما أنّ العرف أيضاً يساعده عليه.

______________________________

(1) أنوار الهداية 2: 33 69، تهذيب الأُصول 2: 146 172.

(2) فرائد الأُصول 1: 320، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 443.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 44

و استشهاد الإمام (عليه السّلام) به في صحيحة صفوان «1» و البَزَنطي «2» «3» أقوى شاهد علىٰ عدم الاختصاص بالمؤاخذة.

و منه: أنّه قد يقال: إنّ حديث الرفع يختصّ بالوجوديات، مثل التكتّف، و قول: «آمين» دون العدميات، فلا يشمل مثل ترك القراءة؛ فإنّ شأن الرفع تنزيل الموجود منزلة المعدوم لا العكس، فإنّه يكون وضعاً لا رفعاً، فلا يجعل عدم القراءة بمنزلة وجودها حتّى يقال: إنّ الصلاة تامّة؛ لأجل اشتمالها على

______________________________

(1) هو أبو محمّد صفوان يحيى البجلي بيّاع السابري، كان ثقة عيناً زاهداً ورعاً، و كانت له منزلة شريفة عند الرضا (عليه السّلام). روىٰ عن الرضا و الجواد (عليهما السّلام) و عن ابن مسكان و إسحاق بن عمّار و عبد الرحمن بن الحجّاج، و روى عنه إبراهيم بن هاشم و أيّوب بن نوح و يعقوب بن يزيد، توفّى صفوان عام 210 ه.

رجال النجاشي: 197 198، الفهرست: 83 84، معجم رجال الحديث 9: 130 133.

(2) هو أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عمرو بن أبي نصر زيد البزنطي، كان ثقة صحب الكاظم و الرضا و الجواد (عليهم السّلام) و كان عظيم المنزلة عندهم و من أصحاب الإجماع، روىٰ عنهم (عليهم السّلام) و عن أبي بصير و أبان بن عثمان .. و روى عنه إبراهيم بن هاشم و أحمد بن محمّد بن عيسىٰ و يعقوب

بن يزيد، مات (رحمه اللّٰه) سنة 221 ه.

رجال النجاشي: 75، اختيار معرفة الرجال 2: 830، الفهرست: 19 20، معجم رجال الحديث 2: 236 238.

(3) و هي ما رواها صفوان بن يحيىٰ، و أحمد بن محمّد بن أبي نصر جميعاً، عن أبي الحسن عليه السلام في الرجل يستكره على اليمين، فيحلف بالطلاق و العتاق و صدقة ما يملك، أ يلزمه ذلك؟ فقال: لا، قال رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم: وضع عن أُمّتي ما اكرهوا عليه، و ما لم يطيقوا، و ما أخطأوا.

المحاسن: 339/ 124، وسائل الشيعة 23: 226، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 12.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 45

القراءة «1».

و فيه: أنّ الرفع متوجّه إلى العناوين المأخوذة فيه؛ أي

ما لا يطيقون، و ما استكرهوا عليه ..

إلىٰ آخره، و هذه العناوين لها نحو ثبوت قابل للرفع، فالموصول فيها و إن كان إشارة إلىٰ ما ينطبق عليه العناوين، و هي قد تكون عدمية، لكنّ الرفع غير متوجّه إلى العدم، بل إلىٰ عنوان

ما اضطرّوا إليه

و هو قابل للرفع عرفاً، و الرفع لمّا كان بلحاظ الآثار و ترك السورة موجباً للبطلان، فهو مرفوع بلحاظه، و لا يحتاج إلىٰ إثبات تحقّق السورة في صحّة الصلاة. مع أنّ استلزامَ رفع الترك لوضع الوجود عرفاً علىٰ فرضه غيرُ متضح الفساد.

و بالجملة: لا قصور للحديث عن شمول كلّ ما يضطرّ إليه. بل لا ينقدح في ذهن العرف من قوله

رفع ما اضطرّوا إليه

و غيرِه غيرُ تلك العناوين؛ من غير انتسابها إلى الوجوديات و العدميات.

فاتّضح ممّا ذكر: أنّ ما يضطرّ إليه المكلّف من إتيان المانع و ترك الشرط أو الجزء مرفوع بلحاظ جميع الآثار. و بعضها و إن كان عقليّاً، إلّا أنّ

شمول الحديث له لا مانع منه بعد كون منشئه بيد الشارع إثباتاً و نفياً، كما أنّ الأمر كذلك في مثل قاعدة التجاوز «2».

لكن التحقيق التفصيل بين الاضطرار إلىٰ إيجاد المانع، فيرفع المانعية بلسان رفع المانع، و نحكم بصحّة المأتي به، و بين الاضطرار إلىٰ ترك الجزء و الشرط؛ لأنّ الاضطرار إليه لا إليهما، فلا يمكن رفع الجزئية و الشرطية

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 352 354.

(2) راجع الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 315 316.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 46

بالحديث. و لا أثر لتركهما شرعاً؛ لأنّ وجوب الإعادة عقلي لا شرعي، و بقاء أمر الشارع ليس أثراً لترك الجزء أو الشرط، بل لازم عقلي لعدم الإطاعة، أو موجب آخر للسقوط، فالترك المضطرّ إليه لا أثر شرعي له حتّى يرفع بلحاظه. و القياس بقاعدة التجاوز في غير محلّه؛ لاختلاف لسانهما و مفادهما.

و منها: صحيحة الفضلاء قالوا: سمعنا أبا جعفر (عليه السّلام) يقول

إنّ التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه «1».

و لا تكون الحلّية قرينة علىٰ تخصيص

كلّ شي ء

بالتكليفيات «2» ضرورة أنّ الحلّية أعمّ من التكليفية و الوضعية، أ لا ترى أنّ قوله تعالىٰ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «3» ظاهرٌ في الوضع، و موردُ تمسّكهم خلفاً عن سلف لنفوذ البيع و مضيّه من غير شبهة تأوّل و تجوّز؟! «4».

ف «الحلال» ليس- في العرف و اللغة و الكتاب و الحديث مختصّاً بالتكليف، ف «المحرّم» و «المحلّل» عبارة عن الممنوع و المرخّص فيه، فشرب الخمر لدى الاضطرار حلال مرخّص فيه غير ممنوع، و التكتّف في الصلاة، و ترك السورة، و لبس الحرير فيها، و الإفطار عند سقوط الشمس، و الوقوف بعرفات و المشعر قبل وقته، كلّ

ذلك إذا اضطرّ إليه ابن آدم أحلّه اللّٰه و أمضاه، و الصلاة بالكيفية الكذائية و الصوم و الحجّ كذلك، مرخّص فيها و ممضاة من قبل اللّٰه تعالىٰ.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 2: 402.

(3) البقرة (2): 275.

(4) الخلاف 3: 7، السرائر 2: 419، مختلف الشيعة 5: 38.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 47

و الحاصل: أنّه يستفاد من الصحيحة رفع المنع تكليفاً و وضعاً عن كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم. و نحن الآن لسنا بصدد بيان موضوع الاضطرار، بل بصدد حكمه لدى تحقّقه، و لا ريب في استفادة الوضع منها، خصوصاً مع ندرة موارد ابتلاء الشيعة في دار التقيّة- في تلك الأعصار التي انحصرت التقيّة فيها من العامّة بالنسبة إلى التكليفيات، كشرب النبيذ مثلًا، و كثرة ابتلائهم بالوضعيات ليلًا و نهاراً، فحمل الحديث على التكليف ممّا لا مجال فيه.

و مثلها ما عن «نوادر أحمد بن محمّد بن عيسىٰ» «1» عن سَماعة «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

إذا حلف الرجل تقيّةً لم يضرّه إذا هو اكره و اضطرّ إليه

و قال

ليس شي ء ممّا حرّم اللّٰه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ إليه «3».

______________________________

(1) هو شيخ قم و وجيهها و فقيهها الأوحد في زمانه أبو جعفر أحمد بن محمّد بن عيسىٰ بن عبد اللّٰه الأشعري القمّي، كان ثقة صحب الرضا و الجواد و الهادي و العسكري (عليهم السّلام)، روىٰ عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي و الحسن بن محبوب و عليّ بن الحكم، و روى عنه أحمد بن إدريس و سعد بن عبد اللّٰه الأشعري و عبد اللّٰه بن جعفر الحميري.

رجال النجاشي: 81 83، رجال الطوسي: 366 و 397 و 409، معجم

رجال الحديث 2: 301 304.

(2) هو أبو ناشرة سماعة بن مهران الحضرمي، روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و كان ثقة في حديثه إلّا أنّه وقف على الكاظم (عليه السّلام). روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي بصير و محمّد بن عمران و الكلبي النسّابة، و روى عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر و إسحاق بن عمّار و يونس بن عبد الرحمن.

الفقيه 2: 75 و 88، رجال النجاشي: 193 194، رجال الطوسي: 214 و 351، معجم رجال الحديث 8: 301.

(3) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسىٰ: 75/ 161، وسائل الشيعة 23: 228، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 18.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 48

و لعلّها أظهر في شمول الوضع؛ لأنّ عدمَ إضرار الحلف عدمُ ترتّب الأثر و الكفّارة عليه، و قوله بعده بمنزلة الكبرى الكلّية.

و لا يبعد استفادة الصحّة من مثل قول أبي جعفر (عليه السّلام) في صحيحة زرارة

التقيّة في كلّ ضرورة، و صاحبها أعلم بها حين تنزل به «1».

حيث يظهر منها مشروعية التقيّة في إتيان العمل، كالصلاة متكتّفاً إذا اقتضت الضرورة، أو مشروعية التكتّف فيها، فدلّت علىٰ صحّة الصلاة المأتي بها كذلك، تأمّل.

ثمّ اعلم: أنّ «الضرورة» أعمّ من «الاضطرار» من حيث المورد، فربّما لا يضطرّ الإنسان إلىٰ شي ء، لكنّ الضرورة تقتضي الإتيان به، كما إذا كان في تركه ضرر علىٰ حوزة المسلمين أو رئيس الإسلام، أو كان مورثاً لهتك حرمة مقام محترم.

حول ما دلّت على الإجزاء فيما تقتضي التقيّةُ إتيانَ المأمور به علىٰ خلاف الحقّ

و من الطائفة الثانية موثّقة مَسْعَدة بن صَدَقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

و تفسير ما يتقىٰ: مثل أن يكون قوم سوء ظاهرٌ حكمهم و فعلهم علىٰ غير حكم الحقّ و فعله، فكلّ شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة-

ممّا لا يؤدّي إلى

______________________________

(1) الكافي 2: 219/ 13، وسائل الشيعة 16: 214، كتاب الأمر و النهي، الباب 25، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 49

الفساد في الدين فإنّه جائز «1».

و لا ريب في أنّ «الجواز» هو المضي و كون الشي ء مرخّصاً فيه تكليفاً و وضعاً «2»، فيستفاد منه صحّة العمل و مضيّه. و هذا نظير قوله

الصلح جائز بين المسلمين «3»

، فلا يختصّ بالتكليفي «4»، بل يعمّ الوضعي.

فتكفيرُ المؤمن في صلاته، و إفطارُه لدى السقوط، و وقوفُه بعرفات قبل وقته، و إيقاعُه الطلاق مع فقدْ العدلين، و وضوؤه بالنبيذ .. و هكذا، يكون جائزاً نافذاً ماضياً لدى الشرع حال التقيّة، فتسقط الأوامر المتعلّقة بالطبائع بالفرد المأتي به تقيّةً، فإذا اقتضىٰ عنوانُ «التقيّة و كتمان السرّ و الخوف من إذاعة المذهب» إتيانَ عمل علىٰ خلاف الواقع، يكون جائزاً و مصداقاً في هذا الحال للمأمور به.

و هذه الموثّقة أعمّ مورداً من الطائفة الأُولىٰ؛ لشمولها للتقيّة الاضطرارية و المداراتية.

و منها: صحيحة أبي الصباح إبراهيم بن نعيم «5» المرويّة في كتاب

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 13.

(2) المصباح المنير: 114، مجمع البحرين 4: 11 و 12.

(3) الفقيه 3: 20/ 52، وسائل الشيعة 18: 443، كتاب الصلح، الباب 3، الحديث 2.

(4) القواعد الفقهيّة 5: 51.

(5) هو إبراهيم بن نعيم العبدي المعروف بأبي الصباح الكناني، لأنّه سكن مع بني كنانة، صحب الصادقين (عليهما السّلام) و كان من الفقهاء الأعلام و الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام الذين لا مطعن عليه، كيف! و قد سمّاه الصادق (عليه السّلام) بالميزان لوثاقته العالية. روىٰ عن الصادقين (عليهما السّلام) و عن أبي بصير، و روى عنه أبان بن عثمان و الحسن بن محبوب و ..

رسالة جوابات أهل الموصل،

ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 9: 31 32، رجال النجاشي: 19 20، رجال الطوسي: 102 103 و 144، معجم رجال الحديث 21: 191 192.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 50

الأيمان، قال: و اللّٰه لقد قال لي جعفر بن محمّد (عليهما السّلام)

إنّ اللّٰه علّم نبيّه التنزيل و التأويل، فعلّمه رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) عليّاً (عليه السّلام)

قال

و علّمنا و اللّٰه

ثمّ قال

ما صنعتم من شي ء أو حلفتم عليه من يمين في تقيّة، فأنتم منه في سعة «1».

تدلّ علىٰ أنّ كلّ ما صنع المكلّف من زيادة في المأمور به أو نقيصة فيه، فهو في سعة منه، فلا يترتّب عليه الإعادة و القضاء. فهو كقوله

الناس في سعة ما لا يعلمون «2»

و الاختصاص بالحكم التكليفي «3» ممّا لا يساعد عليه العرف.

و منها: موثّقة سماعة «4» قال: سألته عن رجل كان يصلّي، فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعةً من صلاة فريضة، قال

إن كان إماماً عدْلًا فليصلّ اخرىٰ و ينصرف و يجعلهما تطوّعاً، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن

______________________________

(1) الكافي 7: 442/ 15، تهذيب الأحكام 8: 286/ 1052، وسائل الشيعة 23: 224، كتاب الأيمان، الباب 12، الحديث 2.

(2) لم يوجد في المجامع الروائية رواية بهذا النصّ إلّا ما يقرب منها نحو: «إنّ الناس في سعة ما لم يعلموا»، كما في عوالي اللآلي 1: 424/ 109، و نحو: «هم في سعة حتّى يعلموا» كما في الكافي 6: 297/ 2.

(3) راجع التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 4: 278 281.

(4) كونها موثّقة من جهة سماعه، فإنّه و إن كان ثقة في حديثه، إلّا أنّه كان من الواقفة، كما صرّح بذلك الشيخان الجليلان الصدوق و الطوسي (رحمهما

اللّٰه).

الفقيه 2: 75 و 88، رجال الطوسي: 351.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 51

إمام عدْل فليبن علىٰ صلاته كما هو، و يصلّي ركعة أُخرى، و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إله إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه علىٰ ما استطاع؛ فإنّ التقيّة واسعة، و ليس شي ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّٰه «1».

و لا يخفىٰ: أنّ هذه الموثّقة أوضح دلالة على المطلوب من غيرها؛ ضرورة أنّها كالنصّ علىٰ صحّة صلاته بمحضر منهم مع ترك ما لم يستطع فعله أو إتيان ما لم يستطع تركه من الأجزاء و الشرائط و الموانع، و بعد التعليل: بأنّ ذلك من أجل أنّ التقيّة واسعة و مأجور عليها، تتعدّىٰ إلىٰ كلّ عمل.

و منها: رواية أبي عمر الأعجمي قال: قال لي أبو عبد اللّٰه

يا أبا عمر، إنّ تسعة أعشار الدين في التقيّة، و لا دين لمن لا تقيّة له، و التقيّة في كلّ شي ء إلّا في النبيذ و المسح على الخفّين «2».

و في صحيحة زرارة قال: قلت له: في مسح الخفّين تقيّة؟ فقال

ثلاثة لا أتّقي فيهنّ أحداً: شرب المسكر، و مسح الخفّين، و متعة الحجّ «3».

و الظاهر منها اتقاؤه في غيرها، و لا ريب في أنّ استثناء مسح الخفّين و متعة الحجّ، دليل علىٰ شمولهما للوضع؛ فإنّ المسح عليهما ممنوع غيري لأجل عدم تحقّق الوضوء به، و لا حرمة ذاتية فيه، فيظهر منهما صحّة الأعمال المأتي بها تقيّةً.

______________________________

(1) الكافي 3: 380/ 7، تهذيب الأحكام 3: 51/ 177، وسائل الشيعة 8: 405، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 56، الحديث 2.

(2) تقدّم في الصفحة 10.

(3) تقدّم

في الصفحة 14.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 52

و منها: ما عن علم الهدى «1» في رسالة «المحكم و المتشابه» نقلًا عن «تفسير النعماني» «2» عن عليّ (عليه السّلام) في حديث قال

و أمّا الرخصة التي صاحبها فيها بالخيار، فإنّ اللّٰه نهى المؤمن أن يتّخذ الكافر وليّاً، ثمّ منّ عليه بإطلاق الرخصة له- عند التقيّة في الظاهر أن يصوم بصيامه، و أن يفطر بإفطاره، و يصلّي بصلاته، و يعمل بعمله، و يظهر له استعمال ذلك موسّعاً عليه فيه، و عليه أن يدين اللّٰه تعالىٰ في الباطن بخلاف ما يظهر لمن يخافه من المخالفين المستولين على الأُمّة؛ قال اللّٰه تعالىٰ

______________________________

(1) هو الفقيه الأُصولي و المتكلّم الأديب سيّد الطائفة و فخرها أبو القاسم عليّ بن الحسين بن موسى الموسوي الملقّب بالمرتضى و علم الهدى. انتهت إليه الرئاسة في المجد و الشرف و العلم و الأدب و الفضل و الكرم و لمّا يبلغ العشرين من عمره الشريف، و كان عظيم المنزلة، حاز من العلوم ما لم يدانه فيها أحد من زمانه، و سمع من الحديث فأكثر، و قد عدّه ابن الأثير المجدّد لمذهب الإماميّة علىٰ رأس المائة الرابعة و ليس ذلك إلّا لأنّه أوّل من توسّع في البحث الفقهي الإمامي، و لجهوده الجبارة في سبيل إعلاء كلمة المذهب الحقّ، فقد جعل بيته داراً للعلم، و أجرى الرزق علىٰ تلامذته، و من شديد اهتمامه أنّه وقف الحاصل من قرية له على ورق الفقهاء، مؤلّفاته تبلغ الثمانين كتاباً، توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 436 ه.

رجال النجاشي: 270 271، جامع الأُصول 11: 323، تنقيح المقال 2: 284.

(2) هو أبو عبد اللّٰه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الكاتب النعماني المعروف بابن زينب، صاحب كتاب الغيبة

المشهور، كان شيخاً من أصحابنا من تلامذة الشيخ الكليني، ثقة عظيم القدر شريف المنزلة صحيح العقيدة كثير الحديث، نزل ببغداد، ثمّ غادرها إلى الشام و مات بها.

رجال النجاشي: 383، أمل الآمل 2: 232، تنقيح المقال 3: 55 56.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 53

لٰا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكٰافِرِينَ أَوْلِيٰاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّٰهِ فِي شَيْ ءٍ إِلّٰا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقٰاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّٰهُ نَفْسَهُ «1» فهذه رحمة تفضّل اللّٰه بها على المؤمنين رحمةً لهم؛ ليستعملوها عند التقيّة في الظاهر. و قال رسول اللّٰه: إنّ اللّٰه يحبّ أن يؤخذ برخصه كما يحبّ أن يؤخذ بعزائمه «2».

فإنّ الظاهر من العمل بعمله و الصلاة بصلاته و توسعة استعمال التقيّة- خصوصاً مع قوله

إنّ اللّٰه يحبّ ..

هو صحّة العمل و إجزاؤه، و أنّ ما يؤتىٰ به تقيّةً صحيح محبوب له تعالىٰ. و ظاهر قوله

و عليه أن يدين اللّٰه في الباطن بخلاف ما يظهر

أنّ لماهية العبادات مصداقين مختلفين في حال التقيّة و غيرها، و ليس المراد منه إعادة ما يأتي به تقيّةً بلا إشكال.

و منها: ما عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في رسالته إلىٰ أصحابه، و فيها

و عليكم بمجاملة أهل الباطل؛ تحمّلوا الضيم منهم، و إيّاكم و مماظّتهم، دينوا فيما بينكم و بينهم- إذا أنتم جالستموهم و خالطتموهم و نازعتموهم الكلام؛ فإنّه لا بدّ لكم من مجالستهم و مخالطتهم و منازعتهم الكلام بالتقيّة التي أمركم اللّٰه أن تأخذوا بها فيما بينكم و بينهم «3».

فقوله: «بالتقيّة» متعلّق بقوله: «دينوا» و الظاهر منه أنّه اعملوا بالديانة علىٰ نحو التقيّة، و اعبدوا اللّٰه فيما بينكم و بينهم عبادة علىٰ صفة التقيّة، فيدلّ علىٰ أنّ الأعمال التي تعمل تقيّةً عبادةُ

اللّٰه و ديانته تعالىٰ، و لا تكون صورةَ العبادة، فيدلّ علىٰ صحّتها و كون المأتيّ به مصداقاً للمأمور به حال التقيّة.

______________________________

(1) آل عمران (3): 28.

(2) بحار الأنوار 72: 390/ 10، و 90: 29، وسائل الشيعة 16: 232، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 20.

(3) الكافي 8: 2/ 1، وسائل الشيعة 16: 207، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 14. لكن قوله (عليه السّلام): «فإنّه لا بدّ .. الكلام» غير موجود في الوسائل.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 54

و منها: ما عن «بصائر الدرجات» «1» لسعد بن عبد اللّٰه «2» بسنده الصحيح «3» عن معلّىٰ بن خنيس «4» قال: قال لي أبو عبد اللّٰه

يا معلّىٰ، اكتم أمرنا ..

إلىٰ أن

______________________________

(1) الموجود في زماننا كتاب بصائر الدرجات لمحمّد بن الحسن الصفّار شيخ سعد بن عبد اللّٰه، و أمّا بصائر الدرجات لسعد فأصله مفقود، و الموجود ما اختصره الشيخ حسن بن سليمان تلميذ الشهيد من بصائر سعد.

(2) هو شيخ الطائفة و فقيهها و وجهها أبو القاسم سعد بن عبد اللّٰه بن أبي خلف الأشعري القمّي، عاصر الإمام العسكري (عليه السّلام) و لم يرو عنه و كان ثقة جليل القدر كثير التصانيف واسع الأخبار، حتّى أنّه سافر في طلب حديث العامّة، فسمع شيئاً كثيراً من علمائهم المعروفين آن ذاك، روىٰ عن إبراهيم بن هاشم و أحمد بن محمّد بن عيسىٰ و محمّد بن الحسن الصفّار، و روى عنه عليّ بن بابويه و محمّد بن الحسن بن الوليد و محمّد بن قولويه، توفّي سعد (رحمه اللّٰه) سنة 301 ه.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، قم

- ايران، اول، 1420 ه ق

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)؛ ص: 54

رجال النجاشي: 177 178، رجال الطوسي: 475، معجم رجال الحديث 8: 79 81.

(3) فقد رواه سعد عن أحمد بن محمّد بن عيسى و محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن حمّاد بن عيسىٰ، عن حريز بن عبد اللّٰه، و هم ثقات معروفون.

(4) هو أبو عبد اللّٰه المعلّى بن خنيس مولى الصادق (عليه السّلام) و من قبله كان مولى بني أسد قال الشيخ الطوسي: بأنّه كان السفراء الممدوحين، و كان من قوّام أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و إنّما قتله داود بن عليّ بسبب ولائه له (عليه السّلام) و كان محموداً عنده، و مضىٰ على منهاجه.

و ذهب النجاشي و ابن الغضائري إلىٰ ضعفه، و أمّا الكشّي فقد أورد في ترجمته روايات مادحة، كما أورد روايات ذامّة، أمّا عند المصنّف (قدّس سرّه) فهو ثقة كما أشار بل صرّح في سائر كتبه.

روى المعلّى عن الصادق (عليه السّلام) و عن أبي الصامت و المفضّل بن عمر و يونس بن ظبيان، و روى عنه إسحاق بن عمّار و جميل بن درّاج و هشام بن سالم.

رجال النجاشي: 417، اختيار معرفة الرجال 2: 674 679، الغيبة، الطوسي: 210، معجم رجال الحديث 18: 235 427، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 3: 23 24.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 55

قال

يا معلّىٰ، إنّ التقيّة ديني و دين آبائي، و لا دين لمن لا تقيّة له، يا معلّىٰ، إنّ اللّٰه يحبّ أن يعبد في السرّ كما يحبّ أن يعبد في العلانية، و المذيع لأمرنا كالجاحد له «1».

و الظاهر أنّ العبادة سرّاً هي العبادة تقيّة؛ حيث يعبد اللّٰه المتّقي مع إسرار الحقّ، و قد قال (عليه السّلام)

إنّ

اللّٰه يحبّ أن يعبد في السرّ

، فالعبادة الواقعة علىٰ وجه التقيّة عبادة و محبوبة، فوقعت صحيحة.

و الظاهر أنّ المراد من قوله في موثّقة «2» هشام بن سالم

ما عُبد اللّٰه بشي ءٍ أحبّ إليه من الخب ء

قلت: و ما الخب ء؟ قال

التقيّة «3»

هو العبادة علىٰ نعت التقيّة، و يكون مضمونها كمضمون رواية مُعلّىٰ.

و منها: رواية سفيان بن سعيد «4» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) و فيها

يا سُفيان، من

______________________________

(1) مختصر بصائر الدرجات: 101، وسائل الشيعة 16: 210، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 24.

(2) رواها الصدوق، عن أبيه، عن عليّ بن إبراهيم، عن محمّد بن عيسىٰ، عن يونس بن عبد الرحمن، عن هشام بن سالم، و لا كلام في رجال السند، إلّا في محمّد بن عيسى العبيدي، و قد استثناه ابن وليد من رجال يونس و تبعه الصدوق، و ضعّفه جمع، لكن هو ثقة عند المصنّف (قدّس سرّه)، كما يظهر من تعبيره بالموثقة، و إن كان الصحيح أن يعبر عنها بالصحيحة كما عبر بها في سائر كتبه و صرّح فيها: بأنّه ثقة على الأصح.

انظر تنقيح المقال 3: 167/ 11211، المكاسب المحرّمة 1: 402، البيع 5: 49، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 1: 196، و 3: 170.

(3) معاني الأخبار: 162/ 1، وسائل الشيعة 16: 207، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 15.

(4) سفيان بن سعيد مشترك بين سفيان بن سعيد العبدي الذي عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و هو مجهول الحال، و بين سفيان الثوري أحد أئمّة أصحاب الحديث السنّي، و لم يرد بحقّه توثيق في كتب أصحابنا الإماميّة.

رجال الطوسي: 212 و 213.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 56

استعمل التقيّة في دين اللّٰه فقد تسنّم

الذروة العليا من القرآن «1».

و الظاهر من «استعمالها في دين اللّٰه» أن يأتي بالعبادة تقيّة، فتكون العبادة المأتي بها كذلك دينَ اللّٰه، و لا تكون من دين اللّٰه ما لا تكون صحيحة مصداقاً للمأمور به.

و نظيرها رواية «الاحتجاج» عن أمير المؤمنين، و فيها

و آمرك أن تستعمل التقيّة في دينك «2»

و يظهر من ذيلها أنّها من الطائفة الأُولىٰ.

و لا يخفىٰ: أنّ هذه الطائفة أعمّ مورداً من الطائفة الاولىٰ. بل يستفاد من بعضها الإجزاء في التقيّة المداراتية.

حول الأدلّة الدالّة على الإجزاء في التقيّة المداراتيّة

و من الطائفة الثالثة صحيحة هشام بن الحكم «3» قال: سمعت أبا

______________________________

(1) معاني الأخبار: 385/ 20، وسائل الشيعة 16: 208، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 17.

(2) تقدّم تخريجها في الصفحة 29، الهامش 3.

(3) هو ناصر أهل البيت (عليهم السّلام) بقلبه و لسانه و يده المتكلّم الفقيه هشام بن الحكم الشيباني البغدادي، كان ثقة حسن التحقيق بمذهب أهل البيت (عليهم السّلام) كثر التصانيف، صحب الصادق (عليه السّلام) ثمّ صار من خواصّ أصحاب الكاظم (عليه السّلام) روي في حقّه مدائح جليلة، فقد رفعه الصادق (عليه السّلام) في الشيوخ و هو غلام فقال: «هذا ناصرنا بقلبه و لسانه» و كان ممّن فتق الكلام في الإمامة و هذّب المذهب بالنظر، لحذاقته و اتقاد ذكائه، و كانت له مباحثات كثيرة مع المخالفين، تجد بعضها في الكافي و كتب الشيخ الصدوق و غيره، و للأسف فإنّ الحسد دفع بعض أصحابه إلىٰ أن يضع بعض الروايات الذامّة له، روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي عبيدة الحذّاء و زرارة و عمر بن يزيد، و روى عنه ابن أبي عمير و أحمد بن العبّاس و يونس بن عبد الرحمن، توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 179 ه.

اختيار معرفة

الرجال 2: 526 552، الفهرست: 174 176، معجم رجال الحديث 19: 271 5 29.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 57

عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول

إيّاكم أن تعملوا عملًا نعيّر به؛ فإنّ ولد السوء يعيّر والده بعمله، كونوا لمن انقطعتم إليه زَيناً، و لا تكونوا علينا شَيناً، صلّوا في عشائرهم، و عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم، و لا يسبقونكم إلىٰ شي ء من الخير؛ فأنتم أولىٰ به منهم، و اللّٰهِ ما عُبد اللّٰه بشي ءٍ أحبّ إليه من الخباء

قلت: و ما الخباء؟ قال

التقيّة «1».

فإنّ الظاهر منها الترغيب في العمل طبق آرائهم و أهوائهم و إتيان الصلاة في عشائرهم، و كذا سائر الخيرات. مع أنّ الإتيان في عشائرهم و بمحضر منهم، مستلزم لترك بعض الأجزاء و الشرائط و فعل بعض الموانع و تذييلها بقوله

و اللّٰهِ ما عُبد اللّٰهُ بشي ء ..

، لدفع استبعاد الشيعة صحّةَ العمل المخالف للواقع، فقال: إنّ ذلك أحبّ العبادات و أحسنها.

و منها: رواية «2» أبي بصير «3» قال: قال أبو جعفر

خالطوهم بالبرّانية

______________________________

(1) الكافي 2: 219/ 11، وسائل الشيعة 16: 219، كتاب الأمر و النهي، الباب 26، الحديث 2، مع اختلاف يسير.

(2) الرواية ضعيفة بالمعلّى بن محمّد الذي كان مضطرب الحديث و المذهب بشهادة النجاشي، و بمحمّد بن جمهور، فإنّه قد ضعّفه النجاشي قائلًا: محمّد بن جمهور أبو عبد اللّٰه العمي، ضعيف في الحديث فاسد المذهب، و قيل فيه أشياء اللّٰه أعلم بها من عظمها، و قال الشيخ الطوسي في أصحاب الرضا (عليه السّلام): محمّد بن جمهور العمي عربي بصري غال، و قال ابن الغضائري: محمّد بن الحسن بن جمهور أبو عبد اللّٰه العمي غال فاسد الحديث لا يكتب حديثه، رأيت له شعراً يحلّل فيه محرّمات اللّٰه عزّ و

جلّ.

رجال النجاشي: 418 و 900، رجال الطوسي: 387، مجمع الرجال 5: 184.

(3) المراد بأبي بصير عند الإطلاق يحيى بن أبي القاسم، فقد سأل محمّد بن مسعود العيّاشي عليّ بن الحسن بن فضّال عن أبي بصير، فقال: كان اسمه يحيىٰ بن أبي القاسم، و كان ثقة وجيهاً، ولد مكفوفاً، و كان قائده عليّ بن أبي حمزة البطائني، و رأى الدنيا مرّتين، فقد مسح الصادق (عليه السّلام) على عينيه و قال: «انظر ما ترى؟» قال: أرى كوة في البيت و قد أرانيها أبوك من قبلك، صحب الصادقين (عليهما السّلام) و روى عنهما و روى عنه عليّ بن أبي حمزة و الحسين بن أبي العلاء، مات أبو بصير سنة 150 ه.

رجال النجاشي: 441، اختيار معرفة الرجال 1: 404، الفهرست: 178، معجم رجال الحديث 20: 75 76.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 58

و خالفوهم بالجوّانية «1» إذا كانت الإمرة صبيانية «2».

فإنّ الظاهر أنّ المراد من «المخالطة في الظاهر» إتيان الأعمال علىٰ طبق التقيّة، و «المخالفة في الباطن» إتيانها علىٰ طبق الواقع، فيكون كلٌّ في مورده مصداق المأمور به .. إلىٰ غير ذلك «3».

______________________________

(1) البرّانية: الظاهر، و الجوّانية: الباطن.

انظر مجمع البحرين 3: 22، مرآة العقول 9: 184.

(2) الكافي 2: 220/ 20، وسائل الشيعة 16: 219، كتاب الأمر و النهي، الباب 26، الحديث 3.

(3) كرواية عبد اللّٰه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: أوصيكم بتقوى اللّٰه عزّ و جلّ، و لا تحملوا الناس علىٰ أكتافكم فتذلّوا، إنّ اللّٰه تبارك و تعالى يقول في كتابه وَ قُولُوا لِلنّٰاسِ حُسْناً ثمّ قال: عودوا مرضاهم، و اشهدوا جنائزهم، و اشهدوا لهم و عليهم، و صلّوا معهم في مساجدهم، الحديث.

راجع وسائل الشيعة

8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 8 و الباب 75، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 59

دلالة الأخبار علىٰ صحّة العمل و لو للاختلاف في الموضوعات

و ليعلم: أنّ المستفاد من تلك الروايات صحّة العمل الذي يؤتىٰ به تقيّةً؛ سواء كانت التقيّة لاختلاف بيننا و بينهم في الحكم، كما في المسح على الخفّين و الإفطار لدى السقوط، أو في ثبوت الموضوع الخارجي، كالوقوف بعرفات اليومَ الثامن لأجل ثبوت الهلال عندهم. و الظاهر عدم الفرق بين العلم بالخلاف و الشكّ.

و ممّا يشهد لترتّب أثر التقيّة في الموضوعات؛ و أنّ الوقوفين في غير وقتهما مجزيان: أنّه من بعد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) إلىٰ زمان خلافة أمير المؤمنين، و من بعده إلىٰ زمن الغيبة، كان الأئمّة و شيعتهم مبتلين بالتقيّة أكثر من مائتي سنة، و كانوا يحجّون مع أُمراء الحاجّ من قبل خلفاء الجور أو معهم، و كان أمر الحجّ وقوفاً و إفاضةً بأيديهم؛ لكونه من شؤون السلطنة و الإمارة، و لا ريب في كثرة تحقّق يوم الشكّ في تلك السنين المتمادية، و لم يرد من الأئمّة (عليهم السّلام) ما يدلّ علىٰ جواز التخلّف عنهم، أو لزوم إعادة الحجّ في سنة يكون هلال شهر ذي الحجّة، ثابتاً لدى الشيعة مع كثرة ابتلائهم.

و لا مجال لتوهّم عدم الخلاف في أوّل الشهر في نحو مائتين و أربعين سنة،

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 60

و لا في بنائهم علىٰ إدراك الوقوف خفاءً، كما يصنع جهّال الشيعة في هذه الأزمنة؛ ضرورة أنّه لو وقع ذلك منهم و لو مرّة أو أُمروا به و لو دفعة، لكان منقولًا إلينا؛ لتوفّر الدواعي إليه، فعدم أمرهم به و متابعتهم لهم، أدلّ دليل علىٰ إجزاء العمل تقيّة

و لو في الخلاف الموضوعي. و هذا ممّا لا إشكال فيه ظاهراً.

عدم ثبوت الموضوعات بحكم حاكم المخالفين

إنّما الإشكال في أنّه تثبت الموضوعات الخارجية بحكم حاكمهم مع الشكّ في الثبوت؛ فيكون حكمهم كحكم حكّام العدل.

أو يجب ترتّب آثارها عليها و لو مع العلم بالخلاف.

أو لا تترتّب و لا تثبت مطلقاً.

الظاهر هو الأخير؛ لأنّ عمومات التقيّة و إطلاقاتها لا تفي بذلك؛ لأنّ مثل قوله

التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم «1»

أو قوله

التقيّة في كلّ شي ء إلّا .. المسح على الخفّين «2»

ظاهرٌ في إجزاء العمل علىٰ وجه التقيّة، لا في ثبوت الموضوع تعبّداً، أو لزوم ترتيب آثار الواقع مطلقاً علىٰ ما ثبت عندهم. و هذا واضح.

نعم، روى الشيخ «3» بإسناده «4» عن أبي الجارود زياد بن منذر «5» قال

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) تقدّم في الصفحة 10.

(3) هو شيخ الطائفة المحقّة و رافع أعلام الشريعة الحقّة محقّق الأُصول و الفروع و مهذّب فنون المعقول و المسموع أبو جعفر محمّد بن الحسن بن عليّ الطوسي البغدادي، ولد بطوس سنة 385 ه، ثمّ هاجر إلى بغداد فحضر عند الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) خمسة أعوام إلىٰ أن وافت المفيد المنية، ثمّ حضر عند السيّد المرتضى، و لازمه لمدّة تزيد على العشرين عاما حتّى التحق السيّد بالرفيق الأعلى، فاستقلّ الشيخ بالتدريس و الرياسة، و تقاطر إليه العلماء و الأفاضل من كلّ صوب و حدب، و صار مجلس بحثه يضمّ أكثر من ثلاثمائة مجتهد من الخاصّة و العامّة، منهم ابنه أبو عليّ الحسن و أبو الصلاح الحلبي و سليمان الصهرشتي و ابن البرّاج و الكراجكي و الآبي .. و نظراً للمكانة العلميّة السامية للشيخ فقد منحه الخليفة العبّاسي يومئذ كرسيّ الكلام الذي ما كان يمنح إلّا

للأوحدي علماً و ذكاءً و عبقرية، ثمّ وقعت في بغداد فتنة عظيمة بين الشيعة و أهل السنّة، و وصل لهيب الفتنة إلى دار الشيخ، فاحترقت الدار و الكتب و كرسيّ الكلام، فلم يجد بدّاً من أن يلجأ إلىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) فسكن النجف الأشرف و هناك أرسىٰ دعائم الحوزة العلميّة، توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 460 ه.

مستدرك الوسائل، الخاتمة 3: 505، تنقيح المقال 2: 104 105.

(4) للشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) طريقان إلىٰ أبي الجارود، و كلاهما ضعيفان:

الأوّل: ما أخبره به الشيخ المفيد و الحسين الغضائري، عن الصدوق، عن أبيه، عن عليّ بن الحسين بن سعدك الهمداني، عن محمّد بن إبراهيم القطّان (العطّار خ ل) عن كثير بن عيّاش القطّان الضعيف، عن أبي الجارود.

الثاني: ما أخبره به أحمد بن عبدون، عن أبي بكر الدوري، عن ابن عقدة، عن أبي جعفر بن عبد اللّٰه بن جعفر المحمّدي، عن كثير بن عيّاش، عن أبي الجارود.

الفهرست: 72 73.

(5) و لقبه: الهمداني الخارفي الحوفي الكوفي الأعمىٰ، فقد ولد مكفوفاً و لم ير الدنيا قطّ، و كان تابعيّاً ضعيفاً، صحب الباقر و الصادق (عليهما السّلام) ثمّ تغيّر لمّا خرج زيد بن عليّ، فصار زيديّاً، و إليه نسبت الفرقة الجاروديّة الضالّة. و قد وردت فيه روايات ذامّة تصفه بأنّه كذّاب مكذّب كفّار عليه لعنة اللّٰه، و أنّه أعمى القلب مقلوب قلبه، و أنّه مات تائهاً. روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و روى عنه محمّد بن سنان و محمّد بن بكر الأرجني و منصور بن يونس ..

رجال النجاشي: 170، اختيار معرفة الرجال 2: 495 497، الفهرست: 72 73، معجم رجال الحديث 21: 77.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 62

سألت أبا جعفر: إنّا شككنا سنةً- في

عام من تلك الأعوام في الأضحىٰ، فلمّا دخلتُ علىٰ أبي جعفر و كان بعض أصحابنا يُضحّي، فقال

الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحىٰ يوم يضحّي الناس، و الصوم يوم يصوم الناس «1».

و الظاهر منه أنّ يومَ يضحّي الناس يكون أضحىٰ، و يترتّب عليه آثار الموضوع واقعاً، و بإلغاء الخصوصية عرفاً يفهم الحكم في سائر الموضوعات التي يترتّب عليها الآثار الشرعيّة، فحينئذٍ إن قلنا: بأنّ التعبّد لا يناسب و لا يكون مع العلم بالخلاف، يختصّ بمورد الشكّ، فيكون حكم حكّامهم كحكم الحاكم العدل.

و إن قلنا: بأنّه بملاحظة وروده في باب التقيّة يترتّب الأثر حتّى مع العلم بالخلاف، فحينئذٍ يقيّد إطلاقه بالروايات الواردة في قضيّة إفطار أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) تقيّة من أبي العبّاس «2» في يوم يعلم أنّه من شهر رمضان قائلًا

إفطاري يوماً

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 4: 317/ 966، وسائل الشيعة 10: 133، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 7.

(2) هو أبو العبّاس السفّاح أوّل خلفاء بني العبّاس، و اسمه عبد اللّٰه بن محمّد بن عليّ بن عبد اللّٰه بن العبّاس بن عبد المطّلب، ولد سنة 105 ه، و اغتصب الخلافة سنة 132 ه. و سمّي بالسفّاح لكثرة ما أراقه من دماء بني أميّة و غيرهم، من جرائمه أنّه أكره الإمام الصادق (عليه السّلام) على مغادرة المدينة نحو الكوفة، ثمّ حبسه في الحيرة زمناً طويلًا، ثمّ أطلقه من الحبس و أجبره على الإقامة في الحيرة علىٰ أن لا يقعد لأحد أبداً، ثمّ ردّه إلى المدينة مرصوداً حتّى هلك السفّاح سنة 136 ه.

تاريخ اليعقوبي 2: 349 و 362، الكامل في التاريخ 5: 459، تنقيح المقال 2: 213.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 63

و قضاؤه أيسر

عليّ من أن يُضرب عنقي و لا يعبد اللّٰه «1».

لكن إثبات الحكم بمثل رواية أبي الجارود الضعيف «2» غير ممكن، فترك الصوم يوم الشكّ تقيّةً لا يوجب سقوط القضاء على الظاهر، و هذا بخلاف إتيان أعمال الحجّ علىٰ وفق التقيّة؛ فإنّ مقتضىٰ إطلاق أدلّة التقيّة إجزاؤه حتّى مع العلم بالخلاف، كما يصحّ الوضوء و الصلاة مع العلم بكونهما خلاف الواقع الأوّلي.

الروايات الدالّة علىٰ صحّة الصلاة مع العامّة

ثمّ إنّه قد وردت روايات خاصّة تدلّ علىٰ صحّة الصلاة مع الناس و الترغيب في الحضور في مساجدهم و الاقتداء بهم و الاعتداد بها، كصحيحة حمّاد بن عثمان «3» عن أبي عبد اللّٰه أنّه قال

من صلّىٰ معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّىٰ خلف رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) في الصفّ الأوّل «4».

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 10: 131 132، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57، الحديث 4 و 5 و 6.

(2) تقدّم بيان ضعفه في الصفحة 61، الهامش 5.

(3) هو الشيخ الفاضل الثقة الجليل حمّاد بن عثمان ذو الناب الأزدي الملقّب بالناب أيضاً، صحب الصادق و الكاظم و الرضا (عليهم السّلام) و كان ممّن أجمع الأصحاب على تصحيح ما يصحّ عنه. روىٰ عنهم (عليهم السّلام) و عن أبي بصير و حريز السجستاني و هشام بن سالم .. و روى عنه أبان بن عثمان و صفوان بن يحيىٰ و فضالة بن أيّوب، مات سنة 190 ه.

اختيار معرفة الرجال 2: 670 و 673، الفهرست: 60 61، رجال الطوسي: 173 و 346 و 371.

(4) الفقيه 1: 250/ 1126، وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 64

و لا ريب أنّ الصلاة

معه صحيحة ذات فضيلة جمّة، فكذلك الصلاة معهم حال التقيّة.

و صحيحة حفص بن البَخْتَري «1» عنه قال

يُحسَب لك إذا دخلتَ معهم و إن كنتَ لا تقتدي بهم مثل ما يحسب لك إذا كنت مع مَن تقتدي به «2».

و صحيحة ابن سنان «3» عنه، و فيها

و صلّوا معهم في مساجدهم «4».

و صحيحة عليّ بن جعفر «5» عن أخيه قال

صلّىٰ حسن و حسين خلف

______________________________

(1) هو حفص بن البختري البغدادي، كان ثقة روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و عن أبي بصير و إسحاق بن عمّار، و روى عنه محمّد بن أبي عمير و عبد اللّٰه بن سنان و محمّد بن عيسىٰ و قد كانت بينه و بين آل أعين عداوة، فطعنوا عليه بلعب الشطرنج، و لم تثبت النسبة، لعدم ثبوت وثاقة آل أعين كلّهم، فلعلّ الطاعن جماعة من الضعفاء أو المجاهيل.

رجال النجاشي: 134، معجم رجال الحديث 6: 132 133.

(2) الكافي 3: 373/ 9، الفقيه 1: 251/ 1127، تهذيب الأحكام 3: 265/ 752، وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 3.

(3) هو الشيخ الجليل الثقة عبد اللّٰه بن سنان مولى قريش، صحب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و كان من ثقات رجال أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) لا يطعن عليه في شي ء، روي فيه أنّه يزداد خيراً كلّما ازداد سنّه تقدّماً. و كان على خزائن المنصور و المهدي و الهادي و الرشيد العبّاسيين. روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي حمزة الثمالي و حفص بن البختري و محمّد بن مسلم، و روى عنه محمّد بن أبي عمير و الحسن بن عليّ بن فضّال و يونس بن عبد الرحمن.

رجال النجاشي: 214، اختيار معرفة

الرجال 2: 710، رجال الطوسي: 225 354، معجم رجال الحديث 10: 203 204.

(4) المحاسن: 18/ 51، وسائل الشيعة 8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 8.

(5) هو الشيخ الجليل العالم الثقة أبو الحسن عليّ بن الإمام الصادق (عليه السّلام) المعروف بالعُرَيضي نسبة إلى ناحية من نواحي المدينة المنوّرة. صحب الصادق (عليه السّلام) و لازم الكاظم (عليه السّلام) و روى عنه شيئاً كثيراً، كما صحب الرضا و الجواد و الهادي (عليهم السّلام) و كان سديد الطريق، شديد الورع، كثير الفضل، روي فيه ما يشهد بصحّة عقيدته و تأدّبه مع أئمّته (عليهم السّلام). روىٰ عن أبيه و أخيه و الرضا (عليهم السّلام) و عن الحكم بن بهلول و محمّد بن مسلم، و روى عنه العمركي و موسى بن القاسم البجلي و عليّ بن أسباط .. هذا، و في مدينة قم المشرّفة قبر منسوب إليه، و المشهور أنّ قبره بالمدينة المنوّرة.

الإرشاد، الجزء الثاني، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد: 214، رجال النجاشي: 251 252، الفهرست: 87 88، تنقيح المقال 2: 272 273، معجم رجال الحديث 11: 284 285.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 65

مروان «1» و نحن نصلّي معهم «2».

و موثّقة «3» سَماعة قال: سألته عن مناكحتهم و الصلاة خلفهم، فقال

هذا أمر شديد لن تستطيعوا ذلك، قد أنكح رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و صلّى عليّ (عليه السّلام) وراءهم «4».

______________________________

(1) هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أُميّة، أحد خلفاء بني أُميّة المعروف بابن الطريد، لأنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) طرد أباه الحكم من المدينة بسبب ما كان يفعله من الغمز على الرسول (صلّى اللّٰه عليه و آله

و سلّم) و إفشاء إسراره. ولد مروان سنة 2 ه، و كان كاتباً لعثمان و من خاصّته، قاتل إلى جانب معاوية في الجمل و صفّين، و ولّاه معاوية على المدينة، و بعد هلاك يزيد دعا مروان إلىٰ نفسه بالسيف، فملك بلاد الشام و مصر، فلم يلبث أن هلك سنة 65 ه.

اسد الغابة 5: 144 146، تاريخ الخميس 2: 306.

(2) مسائل عليّ بن جعفر: 144/ 173، وسائل الشيعة 8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 9.

(3) تقدّم في الصفحة 50، الهامش 4.

(4) نوادر أحمد بن محمّد بن عيسىٰ: 129/ 329، وسائل الشيعة 8: 301، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، الحديث 10.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 66

و رواية إسحاق بن عمّار «1» في حديث قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أدخل المسجد، فأجد الإمام قد ركع و قد ركع القوم، فلا يمكنني أن أُؤذّن و أُقيم و أُكبّر، فقال لي

فإذا كان ذلك فادخل معهم في الركعة و اعتدّ بها؛ فإنّها من أفضل ركعاتك .. «2»

الحديث.

و رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال

لا بأس بأن تُصلّي خلف الناصب و لا تقرأ خلفه فيما يجهر فيه؛ فإنّ قراءته تجزيك .. «3».

إلىٰ غير ذلك ممّا هو صريح أو ظاهر في الصحّة و الاعتداد بالصلاة

______________________________

(1) هو أبو هاشم إسحاق بن عمّار الساباطي الصيرفي الكوفي، صحب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و كان من بيت كبير من الشيعة، و كان ثقة، جمع اللّٰه له الدنيا و الآخرة كما في رواية، إلّا أنّه صار فطحيّاً. روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي بصير و عبد الرحمن بن الحجّاج و عمر بن أُذينة، و روى عنه

أبان بن عثمان و الحسن بن محبوب و يونس بن عبدا لرحمان.

رجال النجاشي: 71، اختيار معرفة الرجال 2: 705، الفهرست: 15، رجال الطوسي: 149 و 342، معجم رجال الحديث 3: 54 56.

(2) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن الحصين، عن محمّد بن الفضيل، عن إسحاق بن عمّار. و هي ضعيفة سنداً لاشتراك محمّد بن الفضيل بين الثقة و غيره كما صرّح به الإمام (قدّس سرّه) في كتاب الطهارة 1: 171.

تهذيب الأحكام 3: 38/ 133، الإستبصار 1: 431/ 1666، وسائل الشيعة 8: 368، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 34، الحديث 4.

(3) رواها الشيخ بإسناده عن سعد، عن أحمد بن محمّد، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّٰه بن بكير، عن زرارة، و لا إشكال في السند إلّا من جهة عدم ثبوت وثاقة القاسم بن عروة.

تهذيب الأحكام 3: 278/ 814، وسائل الشيعة 8: 369، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 34، الحديث 5.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 67

تقيّةً «1».

و لا تنافيها ما دلّت علىٰ إيقاع الفريضة قبل المخالف أو بعده و حضورها معه «2» ممّا هي محمولة على الاستحباب حملًا للظاهر على النصّ. بل الظاهر من كثير منها صحّة الصلاة معه، كصحيحة عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه أنّه قال

ما من عبد يصلّي في الوقت و يفرغ، ثمّ يأتيهم و يصلّي معهم و هو علىٰ وضوء، إلّا كتب اللّٰه له خمساً و عشرين درجة «3»

و مثلها رواية «4» عمر بن يزيد «5» و هما دالّتان علىٰ صحّتها، و إلّا فلا وجه للوضوء، فتكون الصلاة معادة.

نعم، في رواية عمرو «6» بن ربيع: أنّه سأل عن الإمام

إن لم أكن أثق به،

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 8: 299 و 300، كتاب الصلاة، أبواب صلاة، الجماعة، الباب 5، الحديث 2، 4، 5، 6، 7.

(2) وسائل الشيعة 8: 302، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6.

(3) الفقيه 1: 265/ 1210، وسائل الشيعة 8: 302، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6، الحديث 2.

(4) الفقيه 1: 250/ 1125، وسائل الشيعة 8: 302، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6، الحديث 1.

(5) هو الشيخ الجليل الثقة أبو الأسود عمر بن محمّد بن يزيد بيّاع السابري مولى ثقيف. صحب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و كان واحداً ممّن كانوا يفدون إلى مكّة و المدينة كلّ عام للقاء الإمام (عليه السّلام) و سماع الحديث منه.

و في رواية أنّ الصادق (عليه السّلام) قال له: «يا ابن يزيد، أنت و اللّٰه منّا أهل البيت» روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن بريد العجلي و محمّد بن مسلم و معروف بن خربوذ و روى عنه ابن أبي عمير و جميل بن صالح و محمّد بن مسلم.

اختيار معرفة الرجال 2: 623، الفهرست: 113، معجم رجال الحديث 13: 61.

(6) في الوسائل الحديثة: عمر بدل عمرو، و هو الموافق لما عن النسخة الخطّية للتهذيب، و الظاهر أنّه الصحيح، لوقوع الحسن بن الحسين في طريق الشيخ و النجاشي إلى عمر بن الربيع. مع أنّه المذكور في الرجال و المعروف دون عمرو.

لا و عمر بن الربيع هو أبو أحمد البصري الثقة، روىٰ عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، و روى عنه الحسن بن الحسين.

رجال النجاشي: 284، الفهرست: 114 و 191، معجم رجال الحديث 13: 33، 97.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 68

أُصلّي خلفه و أقرأ؟ قال «1»

لا، صلّ قبله

أو بعده.

قيل له: أ فأُصلّي خلفه و أجعلها تطوّعاً؟ قال

لو قبل التطوّع لقبلت الفريضة، و لكن اجعلها سبحة «2».

و هي مع ضعفها «3» يكون ذيلها مشعراً بصحّة الصلاة معه. و كيف كان فهذه الضعيفة لا تصلح لمعارضة الصحاح المتقدّمة و غيرها «4».

كما لا تعارضها رواية ناصح المؤذّن «5» قال: قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): إنّي أُصلّي في البيت و أخرج إليهم؟ قال

اجعلها نافلة، و لا تكبّر معهم فتدخل معهم

______________________________

(1) الظاهر أنّه الإمام الصادق (عليه السّلام) فإنّ لعمر كتاباً عنه (عليه السّلام)، كما في رجال النجاشي: 284.

(2) تهذيب الأحكام 3: 33/ 120، وسائل الشيعة 8: 303، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6، الحديث 5.

(3) رواها الشيخ الطوسي (رحمه اللّٰه) بإسناده عن ابن عقدة، عن أحمد بن محمّد بن يحيى الخازني (الخازمي) عن الحسن بن الحسين، عن إبراهيم بن عليّ المرافقي، عن ابن الربيع، و إسناده إلى ابن عقدة و إن كان صحيحاً، إلّا أن أحمد بن محمّد بن يحيى الخازني مجهول، كما أنّ الحسن بن الحسين مشترك، فالرواية ساقطة سنداً.

(4) تقدّمت الإشارة إلىٰ بعضها في الصفحة 63 64.

(5) مجهول، و لم يرد في الكتب الأربعة إلّا في هذا الموضع.

تنقيح المقال 3: 266، معجم رجال الحديث 19: 121.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 69

في صلاتهم؛ فإنّ مفتاح الصلاة التكبير «1»

فإنّها مع جهالة راويها ظاهرة في صحّة صلاته لو كبّر معهم.

و لا رواية عبيد بن زرارة «2» عن أبي عبد اللّٰه قال قلت: إنّي أدخل المسجد و قد صلّيت، فأُصلّي معهم فلا أحتسب تلك الصلاة؟ قال

لا بأس، و أمّا أنا فأُصلّي معهم و أُريهم أنّي أسجد و ما أسجد «3»

لضعف سندها «4» و دلالتها؛ لأنّ عدم الاحتساب

بعد إتيان صلاة لا يدلّ علىٰ عدم الصحّة، كما أنّ إراءة السجدة مع عدم النيّة، لا تدلّ علىٰ عدمها لو اقتدىٰ. بل لعلّها مشعرة بها علىٰ فرض الاقتداء.

و أمّا ما ورد من عدم جواز الصلاة خلفهم و أنّهم

بمنزلة الجُدر «5»

و أنّه

لاتصلّ إلّا خلف من تثق بدينه «6»

فهي بحسب الحكم الأوّلي، فلا منافاة بينهما.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 3: 270/ 755، وسائل الشيعة 8: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6، الحديث 7.

(2) هو عبيد بن زرارة بن أعين الشيباني، كان ثقة عيناً لا لبس فيه و لا شكّ، صحب الصادق (عليه السّلام) و روى عنه و عن أبيه زرارة و عمّه عبد الملك و أبي بصير، و روى عنه إسحاق بن عمّار و عليّ بن أسباط و معاوية بن وهب ..

رجال النجاشي: 233 234، معجم رجال الحديث 13: 49.

(3) تهذيب الأحكام 3: 269/ 774، وسائل الشيعة 8: 304، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 6، الحديث 8.

(4) رواها الشيخ بإسناده عن محمّد بن عليّ بن محبوب، عن القاسم بن عروة، عن عبيد بن زرارة، و ضعف السند من جهة جهالة القاسم بن عروة و عدم قيام دليل على وثاقته.

(5) الكافي 3: 373/ 2، تهذيب الأحكام 3: 266/ 754، وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 1.

(6) الكافي 3: 374/ 5، تهذيب الأحكام 3: 266/ 755، وسائل الشيعة 8: 309، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 10، الحديث 2.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 70

و كيف كان: فلا ينبغي الشبهة في صحّة الصلاة و سائر العبادات المأتي بها علىٰ وجه التقيّة.

اختصاص المداراتية بالتقيّة من العامّة و لو مع عدم الخوف

بقي شي ء: و هو أنّه لا إشكال في أنّ التقيّة الاضطرارية تابعة

لتحقّق عنوان «الاضطرار و الضرورة» من غير نظر إلىٰ سببه، فلو فرض أنّ كافراً أو سلطاناً شيعياً أو غيرهما اضطرّه إلىٰ إتيان العبادة بوجه خاصّ، يكون مجزياً عن المأمور به، و سيأتي الكلام في ميزان تحقّقه «1».

و أمّا التقيّة المداراتية المرغّب فيها ممّا تكون العبادة معها أحبّ العبادات و أفضلها فالظاهر اختصاصها بالتقيّة من العامّة، كما هو مصبّ الروايات علىٰ كثرتها. و لعلّ السرّ فيها صلاحُ حال المسلمين بوحدة كلمتهم و عدم تفرّق جماعتهم؛ لكي لا يصيروا أذلّاء بين سائر الملل و تحت سلطة الكفّار و سيطرة الأجانب.

أو صلاحُ حال الشيعة؛ لضعفهم خصوصاً في تلك الأزمنة و قلّة عددهم، فلو خالفوا التقيّة لصاروا في معرض الزوال و الانقراض، ففي رواية عبد اللّٰه بن أبي يعفور «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال

اتّقوا علىٰ دينكم، و احجبوه

______________________________

(1) يأتي في الصفحة 74.

(2) هو الشيخ الجليل القارئ الثقة عبد اللّٰه بن أبي يعفور العبدي، كان يقرأ القرآن في مسجد الكوفة، و كان ثقة ورعاً، جليلًا في أصحابنا، كريماً علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام). روىٰ عنه (عليه السّلام) و عن إسحاق بن عمّار و المعلّى بن خنيس و أبي الصامت، و روى عنه الحسين بن المختار و العلاء بن رزين و هشام بن سالم، مات في حياة الصادق (عليه السّلام) و ذلك في سنة الطاعون.

رجال النجاشي: 213، اختيار معرفة الرجال 2: 514 519، معجم رجال الحديث 10: 102 103، و 22: 150 151.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 71

بالتقيّة؛ فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له، إنّما أنتم في الناس كالنحل في الطير، و لو أنّ الطير يعلم ما في أجواف النحل، ما بقي منها شي ء إلّا أكلته،

و لو أنّ الناس علموا ما في أجوافكم- أنّكم تحبّونا أهل البيت لأكلوكم بألسنتهم، و لنحلوكم في السرّ و العلانية. رحم اللّٰه عبداً منكم كان علىٰ ولايتنا «1».

ثمّ إنّه لا يتوقّف جواز هذه التقيّة بل وجوبها على الخوف علىٰ نفسه أو غيره، بل الظاهر أنّ المصالح النوعية صارت سبباً لإيجاب التقيّة من المخالفين، فتجب التقيّة و كتمان السرّ و لو كان مأموناً و غير خائف علىٰ نفسه و غيره.

______________________________

(1) المحاسن: 257/ 300، الكافي 2: 218/ 5، وسائل الشيعة 16: 205، كتاب الأمر و النهي، الباب 24، الحديث 8.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 73

المبحث الرابع حول اعتبار عدم المندوحة في التقيّة

اشارة

هل يعتبر في التقيّة عدم المندوحة مطلقاً «1» أم لا كذلك «2» أو يفصّل بين ما كان مأذوناً فيه بخصوصه فلا يعتبر، كغسل الرجلين في الوضوء و الوضوء منكوساً «3» و بين ما لم يرد فيه نصّ خاصّ «4» أو يفصّل بين التقيّة من المخالفين فلا يعتبر مطلقاً «5» أو في الجملة «6»، و بين غيرهم فيعتبر؟

و التحقيق: هو اعتبار عدم المندوحة فيما إذا كانت التقيّة من غير

______________________________

(1) مدارك الأحكام 1: 223.

(2) البيان: 48، جامع المقاصد 1: 222، روض الجنان: 37/ السطر 3.

(3) وسائل الشيعة 1: 444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 3.

(4) رسالة في التقيّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 2: 51، انظر رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 81 82.

(5) و هو مختار المصنّف (قدّس سرّه)، كما يأتي تحقيقه.

(6) الطهارة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 2: 286 287، مصباح الفقيه، الطهارة: 165 166، التنقيح في شرح العروة الوثقىٰ 4: 305 308.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 74

المخالفين ممّا كان دليلها مثل حديث الرفع «1». و قوله

التقيّة في كلّ شي ء

يضطرّ إليه ابن آدم «2»

و قوله

التقيّة في كلّ ضرورة «3»

و عدم الاعتبار إذا كانت من المخالفين مطلقاً:

اعتبار عدم المندوحة في التقيّة من غير المخالفين

أمّا اعتبار عدمها في الفرض الأوّل؛ فلعدم صدق الاضطرار و الضرورة مع المندوحة؛ فإنّ مَن كان في سعة من إتيان الصلاة لدلوك الشمس إلىٰ غسق الليل، لا يكون مضطرّاً إلىٰ إتيانها مع سعة الوقت؛ لعدم إمكان إلزام أحد بالصلاة التي كانت متقوّمة بالنيّة، فالإلزام إنّما يتعلّق بصورة الصلاة لا بالصلاة متكتّفاً، إلّا أن يكون المكلّف ملزَماً بإتيانها من قبل علّام الغيوب، كما في الواجب المضيّق أو الواجب الذي ضاق وقته، فيكون مضطرّاً في إتيانها وقت الضيق عقلًا، فحينئذٍ مع حضور من يتقي منه و يخاف علىٰ نفسه منه، يضطرّ إلىٰ إتيانها علىٰ وجه التقيّة.

و بالجملة: الاضطرار إلىٰ إتيان المأمور به الذي يكون من الأُمور القصدية بكيفية خاصّة، لا يتحقّق إلّا بالاضطرار إلىٰ إيجاد الطبيعة و إلى الكيفية الخاصّة، فمع عدم الاضطرار إلىٰ أحدهما لا يصدق أنّه مضطرّ إلىٰ إتيانها كذلك.

فما ادّعى الشيخ الأعظم: «من منع توقّف الاضطرار إلىٰ مثل التكتّف على

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42، الهامش 3.

(2) تقدّم في الصفحة 10.

(3) تقدّم في الصفحة 48.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 75

الاضطرار إلى الصلاة التي يقع فيها، بل الظاهر أنّه يكفي في صدق الاضطرار إليه، كونه لا بدّ من فعله مع وصف إرادة الصلاة في ذلك الوقت لا مطلقاً» «1» ممّا لا يمكن المساعدة عليه؛ ضرورة عدم الاضطرار إلى التكتّف في الصلاة مع الاختيار في تركها.

بل الأمر كذلك فيمن علم أنّ الحضور في مجلس الشرب مثلًا، ينجرّ إلى اضطراره إلىٰ شرب الخمر، فمع اختياره في ترك الحضور إذا حضر و شرب الخمر اضطراراً يعدّ هذا الشرب اختيارياً غير معذور فيه.

و إنّما يعاقب علىٰ شربه لا حضوره؛ لأنّ مقدّمة الحرام غير محرّمة «2».

لا يقال: إنّ شرب الخمر بعد حضوره واجب؛ لتوقّف حفظ النفس عليه، فكيف يعاقب عليه؟! فإنّه يقال: حفظ النفس واجب شرعاً، و الشرب واجب عقلًا مقدّمةً مع كونه محرّماً شرعاً، فالعقل يحكم بلزوم ارتكاب أقلّ المحذورين مع استحقاقه للعقوبة. مع أنّه لو التزم بالوجوب الشرعي أيضاً لا مانع من صحّة العقوبة، كالمتوسّط في الأرض المغصوبة؛ فإنّ حكم الشارع لم يتعلّق به لأجل مصلحة فيه، بل لأجل قلّة المفسدة و أقلّية المحذور، و في مثله لا مانع من العقوبة عقلًا.

صحّة عبادة من اضطرّ نفسه إلى الفرد الاضطراري و إن عصىٰ

و بالجملة: لا إشكال في أنّ العقل يحكم حكماً جزمياً بصحّة عقوبة من حضر في محلٍّ اختياراً مع علمه باضطراره إلى المحرّم، فحينئذٍ يقع البحث في

______________________________

(1) رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 90.

(2) مناهج الوصول 1: 415، تهذيب الأُصول 1: 282.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 76

أنّه لو اضطرّ المكلّف نفسَه إلىٰ إتيان الفرد الاضطراري بأن لا يأتي به إلّا آخر الوقت، و حضر عند من يتقي منه اختياراً هل يكون عاصياً أو لا؟ و على الأوّل هل تصحّ عبادته أو لا؟

مقتضى الجمود علىٰ ظاهر الأدلّة صحّتها مع العصيان:

أمّا العصيان: فلأنّ المتفاهم من عنوان التحليل عند الاضطرار: أنّ الفرد الاضطراري ناقص عن الاختياري، و أنّه تفوت به مصلحة ملزمة، لكنّ الاضطرار و اللابدّية لاستيفاء بقيّة المصلحة صارا سبباً للأمر بإتيانه. و بالجملة أنّ الضرورة أباحت المحظور.

و أمّا الصحّة: فلتحقّق عنوان «الاضطرار» و لو باختياره. اللهمّ إلّا أن يدعى انصراف أدلّة الاضطرار عن الاضطرار بالاختيار، خصوصاً إذا كان دليل الاضطرار- كحديث الرفع «1» مسوقاً للامتنان، فحينئذٍ لا تستفاد الصحّة من الأدلّة إلّا إذا دلّ

دليل بالخصوص علىٰ عدم جواز ترك المأمور به، كقوله

الصلاة لا تترك بحال «2»

فحينئذٍ يجب الإتيان و تصحّ.

هذا حال ما يستفاد حكمه من دليل الاضطرار، و قد عرفت اعتبار عدم المندوحة مطلقاً، فيجب إعمال الحيلة في التخلّص عن المتقىٰ منه، و في إتيان

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42، الهامش 3.

(2) هذه العبارة لا توجد في المجامع الروائية بعينها، و الظاهر أنّها مأخوذة من صحيحة زرارة الواردة في المستحاضة و فيها: «و لا تدع الصلاة علىٰ حال، فإنّ النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) قال: الصلاة عماد دينكم».

الكافي 3: 99/ 4، تهذيب الأحكام 1: 173/ 496، وسائل الشيعة 2: 373، كتاب الطهارة، أبواب الاستحاضة، الباب 1، الحديث 5.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 77

العمل موافقاً للحقّ بقدر المقدور؛ فإنّ الضرورات تتقدّر بقدرها. نعم، لو خاف من إعمال الحيلة إفشاء سرّه و ورود ضرر عليه يكون ذلك أيضاً من الاضطرار و الضرورة عرفاً.

عدم اعتبار عدم المندوحة في التقيّة من المخالفين

و أمّا ما يستفاد حكمه من سائر الأدلّة التي تختصّ ظاهراً بالمخالفين، فالظاهر أنّه لا يعتبر فيها عدم المندوحة مطلقاً، فمن تمكّن من إتيان الصلاة بغير وجه التقيّة، لا يجب عليه إتيانها كذلك، بل الراجح إتيانها بمحضر منهم علىٰ صفة التقيّة.

و كذا لا يجب عليه أعمال الحيلة في إزعاج من يتقي منه عن مكانه، أو تغيير مكانه من السوق أو المسجد إلىٰ مكان آمن؛ لظهور الأدلّة بل صراحة بعضها في رجحان الحضور في جماعاتهم، و أنّ الصلاة معهم كالصلاة مع رسول اللّٰه، و لا شكّ في أنّ هذه الترغيبات تنافي إعمال الحيلة و تعويق العمل.

فمن سمع قول أبي جعفر (عليه السّلام)

صلّوا في عشائرهم

مذيّلًا بقوله

و اللّٰه ما عُبد اللّٰه بشي ء أحبّ إليه من الخباء «1»

لا يشكّ

في أنّ المراودة معهم و جلب قلوبهم مطلوبة، و الصلاة معهم و في عشائرهم محبوبة و من أحسن العبادات، و هي تنافي إعمال الحيلة و الانعزال عنهم في عباداته.

و كذا من سمع قول أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) في صحيحة حمّاد بن عثمان

من

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 57.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 78

صلّىٰ معهم في الصفّ الأوّل كمن صلّىٰ خلف رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «1»

يشدّ الرحال إلى الصلاة معهم لنيل هذا الفوز العظيم، فهما كغيرهما من الأخبار الكثيرة المرغّبة «2» منافيان لإعمال الحيلة.

و لا يعارضها بعض الضعاف ممّا تقدّم ذكره «3» و غيره، كرواية إبراهيم بن شيبة «4» قال: كتبت إلىٰ أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) عن الصلاة خلف من يتولّىٰ أمير المؤمنين (عليه السّلام) و هو يرى المسح على الخفّين، أو خلف من يحرّم المسح و هو يمسح، فكتب

إن جامعك و إيّاهم موضع فلم تجد بُدّاً من الصلاة، فأذّن لنفسك و أقم، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح «5».

فإنّها مع ضعفها سنداً «6» يحتمل علىٰ بُعد أن يكون المراد ممّن يتولّىٰ أمير المؤمنين بعضَ الشيعة، في مقابل من يحرّمه منهم و هو يمسح، فيكون الموردان خارجين عن مصبّ أخبار التقيّة المداراتية.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 63.

(2) راجع وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5، و: 368، الباب 34، الحديث 4.

(3) تقدّم في الصفحة 67 68.

(4) هو إبراهيم بن شيبة الأصبهاني الكاشاني الأصل، صحب الجواد و الهادي (عليهما السّلام) و روى عن أحدهما مكاتبة، إلّا أنّه لم يرد في حقّه توثيق، روىٰ عن الجواد (عليه السّلام) و روى عنه أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي و موسى بن

جعفر بن وهب.

اختيار معرفة الرجال 2: 803، رجال الطوسي: 398 و 411، تنقيح المقال 1: 20.

(5) تهذيب الأحكام 3: 276/ 807، وسائل الشيعة 8: 363، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 33، الحديث 2.

(6) ضعيفة بإبراهيم بن شيبة نفسه، كما تقدّم في الهامش 4.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 79

و كرواية «دعائم الإسلام» «1» و «فقه الرضا» «2» ممّا لا تصلح لمعارضة تلك الصحاح.

و أمّا التأييد بالعمومات الدالّة علىٰ أنّ

التقيّة في كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم «3»

بدعوىٰ أنّ ظاهرها حصر التقيّة في حال الاضطرار كما صنع الشيخ الأعظم «4» فممنوع؛ لمنع الظهور المزبور، و عدم حجّية مفهوم اللقب «5».

عدم وجوب إعمال الحيلة

و كيف كان: فلا إشكال في أنّه لا يعتبر عدم المندوحة فيها على النحو المتقدّم، و إنّما الإشكال في اعتباره حين العمل؛ بأن يمكنه عند إرادة التكفير تقيّةً الفصلُ بين يديه، و عند إرادة غسل الرجلين سبقُ يده إلى الرجل و إتيان

______________________________

(1) و هي ما عن أبي جعفر محمّد بن عليّ (عليهما السّلام) أنّه قال: لا تصلّوا خلف ناصب و لا كرامة، إلّا أن تخافوا علىٰ أنفسكم أن تشهّروا و يشار إليكم، فصلّوا في بيوتكم ثمّ صلّوا معهم، و اجعلوا صلاتكم معهم تطوّعاً.

دعائم الإسلام 1: 151، بحار الأنوار 85: 110/ 82.

(2) و هي ما عن الرضا (عليه السّلام): «و لا تصلّ خلف أحد، إلّا خلف رجلين: أحدهما من تثق به و تدين بدينه و ورعه، و آخر من تتّقي سيفه و سوطه و شرّه و بوائقه و شنعته، فصلّ خلفه علىٰ سبيل التقيّة و المداراة، و أذن لنفسك و أقم، و اقرأ فيها، لأنّه غير مؤتمن».

الفقه المنسوب للإمام الرضا (عليه السّلام): 144 145، مستدرك الوسائل 6:

481، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 29، الحديث 1.

(3) تقدّم تخريجه في الصفحة 10.

(4) رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 87.

(5) راجع مناهج الوصول 2: 215 218، تهذيب الأُصول 1: 452 454.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 80

مسمّى المسح قبل الغسل .. و هكذا، فلو فعل معه ما يخالف الحقّ لكان عمله باطلًا.

صرّح الشيخ الأعظم باعتبار عدمها و أنّ التقيّة علىٰ هذا الوجه غير جائزة في العبادات و غيرها قال: «و كأنّه لا خلاف فيه» «1».

و تبعه المحقّق صاحب «مصباح الفقيه» «2» ناقلًا عن غير واحد نفي الريب عنه «3»، و عن بعضٍ: «أنّ اعتبار عدم المندوحة بهذا المعنىٰ ممّا لا خلاف فيه» «4». و أيّد كلامه: «بأنّ عدم المندوحة بهذا المعنىٰ بحسب الظاهر من مقوّمات موضوع التقيّة عرفاً. مع أنّه لا مقتضي لتقييد الأوامر الواقعية بغير الفرض؛ لأنّ المفروض أنّ التقيّة لا تنافيها .. إلىٰ أن قال: مع إمكان أن يقال: إنّه لا يكاد يستفاد جوازها في الفرض من مطلقات الأخبار، فضلًا عن غيرها؛

______________________________

(1) رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 85.

(2) هو العالم الفقيه الأُصولي المحقّق المدقّق رضا بن محمّد هادي الهمداني. ولد بهمدان سنة 1250 ه، و فيها قرأ مقدّماته العلميّة، ثمّ هاجر إلى النجف الأشرف فدرس عند المجدِّد الشيرازي و الشيخ محمّد تقي الشيرازي و الميرزا حسن خليل الطهراني، ثمّ استقلّ بالتدريس بعد ما هاجر السيّد المجدّد إلىٰ سامرّاء، فكان بحثه مثالًا عالياً للدقّة و المتانة و العمق و الرصانة. و كان زاهداً في الدنيا معرضاً عنها حتّى عن الكلام في امورها العادية، كما كان شديد التواضع فكان يقوم لكلّ داخل و يقوم للطلّاب جميعهم حتّى في أثناء

الدرس، و كان كارهاً للشهرة مؤثراً للعزلة إلّا فيما لا بدّ منه لدين أو دنيا. من مؤلّفاته: مصباح الفقيه و حواشيه على الرياض و المكاسب و الرسائل .. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 1322 ه.

أعيان الشيعة 7: 19 23، معارف الرجال 1: 323 324.

(3) لم نعثر عليه.

(4) راجع رسائل المحقّق الكركي 2: 51، رسالة في التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 85.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 81

لانصرافها عن مثل الفرض، بل لا يتوهّم المخاطب بهذه الأخبار إلّا جوازها في غير الفرض؛ لما ارتكز في الذهن من أنّ الواجب الواقعي و المطلوب النفس الأمري، إنّما هو مسح الرجلين، و أمّا ما عداه فإنّما سوّغه العجز، فلا يجوز مع التمكّن الفعلي من فعله» «1». انتهىٰ.

أقول: ما أفاده العلمان حقّ لا محيص عنه لو حاولنا استفادة اعتبار عدم المندوحة من عمومات أخبار التقيّة و مطلقاتها. بل قد عرفت «2» أنّه يعتبر عدمها مطلقاً لو تمسّكنا بأدلّة الاضطرار و الضرورة.

و أمّا بالنظر إلى الأخبار الخاصّة الواردة في باب الوضوء «3» و الصلاة معهم «4» و غيرهما «5» فالمسألة محلّ نظر؛ للسكوت عن لزوم إعمال الحيلة فيها مع كون المقام محلّ بيانه، فلو كان عدمها معتبراً في الصحّة لم يجز إهماله، ففي رواية «6» محمّد بن الفضل «7»: [أنّ عليّ بن يقطين] كتب إلىٰ أبي الحسن موسى

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 165/ السطر 34.

(2) تقدّم في الصفحة 73 75.

(3) وسائل الشيعة 1: 443، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32.

(4) وسائل الشيعة 8: 299، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 5.

(5) وسائل الشيعة 10: 131، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم، الباب 57.

(6) روى الشيخ المفيد (رحمه اللّٰه) هذه الرواية عن محمّد

بن إسماعيل عن محمّد هذا، فهي ضعيفة بالإرسال. و الظاهر أنّ محمّد بن إسماعيل هو ابن بزيع الثقة، فقد ورد مائة مرّة في الكتب الأربعة- فحسب راوياً عن محمّد بن الفضيل بن كثير الأزدي الصيرفي، فيكون «الفضل» مصحّف «الفضيل» كما صحّف في التهذيب 8: 101/ 341.

راجع معجم رجال الحديث 15: 85 و 87 88.

(7) هو أبو جعفر الأزرق محمّد بن الفضيل بن كثير الصيرفي الأزدي الكوفي، كان ضعيفاً يرمىٰ بالغلوّ. روىٰ عن الكاظم و الرضا (عليهما السّلام) و عن إسحاق بن عمّار و أبان بن عثمان و موسى بن بكر .. روىٰ عنه ابن بزيع و ابن محبوب و البزنطي.

رجال النجاشي: 367، رجال الطوسي: 360 و 389، معجم رجال الحديث 17: 140 141.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 82

يسأله عن الوضوء، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السّلام)

فهمت ما ذكرت من الاختلاف في الوضوء، و الذي آمرك به في ذلك أن تمضمض ثلاثاً، و تستنشق ثلاثاً، و تغسل وجهك ثلاثاً، و تخلّل شعر لحيتك، و تغسل يديك إلى المرفقين ثلاثاً، و تمسح رأسك كلّه، و تمسح ظاهر أُذنيك و باطنهما، و تغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً، و لا تخالف ذلك إلىٰ غيره .. «1»

إلىٰ آخره.

فلو كان إعمال الحيلة واجباً و لم يصحّ الوضوء مع تركه، كان عليه البيان، مع إمكان إعمالها بأيسر ما يكون، خصوصاً في غسل الوجه و اليدين بنيّة الوضوء في الغسلة الأخيرة، أو الثانية و الثالثة.

و توهّم التقيّة في المكاتبة يدفعه المكاتبة الثانية «2». بل نفس مكاتبة ابن يقطين «3» إليه مخالفة للتقيّة لولا الأمن من الإفشاء، و معه لا معنىٰ للتقيّة

______________________________

(1) الإرشاد، الجزء الثاني، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 227، وسائل الشيعة 1:

444، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 3.

(2) و هي مذكورة في ذيل رواية محمّد بن الفضيل و تبتدئ بقوله: و ورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السّلام): «ابتدئ من الآن يا عليّ بن يقطين و توضّأ كما أمرك اللّٰه تعالىٰ ..».

(3) هو الثقة الجليل الورع أبو الحسن عليّ بن يقطين بن موسى البغدادي، ولد سنة 124 ه، و كان جليل القدر ذا منزلة عظيمة عند الإمام الكاظم (عليه السّلام) و عند سائر الطائفة، روي أنّه (عليه السّلام) ضمن له الجنّة. روىٰ عن الإمام الصادق (عليه السّلام) قليلًا و عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) كثيراً، كما روىٰ عن عمرو بن إبراهيم و روى عنه محمّد بن أبي عمير و حمّاد بن عثمان و يعقوب بن يزيد. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 180 ه.

رجال النجاشي: 273، اختيار معرفة الرجال 2: 729 737، الفهرست: 90 91، معجم رجال الحديث 12: 237.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 83

في الفتوىٰ، و لا ريب أنّ ابن يقطين كان يعمل علىٰ طبق مكاتبته من غير أعمال الحيلة، كما صرّح به في الرواية.

و مثلها رواية داود الرقّي «1» و حسنة داود بن زربي «2» بل صحيحته على

______________________________

(1) رواها الكشّي عن حمدويه و إبراهيم، عن محمّد بن إسماعيل الرازي، عن أحمد بن سليمان، عن داود الرقّي قال: دخلت علىٰ أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) فقلت له: جعلت فداك، كم عدّة الطهارة؟ فقال: ما أوجبه اللّٰه فواحدة، و أضاف إليها رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) واحدة لضعف الناس، و من توضّأ ثلاثاً ثلاثاً فلا صلاة له، أنا معه في ذا حتّى جاءه داود بن زربي، فسأله عن عدّة الطهارة؟ فقال له:

ثلاثاً ثلاثاً، من نقص عنه فلا صلاة له، قال: فارتعدت فرائصي، و كاد أن يدخلني الشيطان، فأبصر أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) إليّ و قد تغيّر لوني فقال: أسكن يا داود، هذا هو الكفر أو ضرب الأعناق، قال: فخرجنا من عنده، و كان ابن زربي إلى جوار بستان أبي جعفر المنصور، و كان قد ألقي إلىٰ أبي جعفر أمر داود بن زربي، و أنّه رافضي يختلف إلى جعفر بن محمّد، فقال أبو جعفر المنصور: إنّي مطّلع إلى طهارته، فإن هو توضّأ وضوء جعفر بن محمّد- فإنّي لأعرف طهارته حقّقت عليه القول و قتلته، فاطّلع و داود يتهيّأ للصلاة من حيث لا يراه، فأسبغ داود بن زربي الوضوء ثلاثاً ثلاثاً كما أمره أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فما تمّ وضوؤه حتّى بعث إليه أبو جعفر المنصور فدعاه، قال: فقال داود: فلمّا أن دخلت عليه رحّب بي و قال: يا داود، قيل فيك شي ء باطل، و ما أنت كذلك [قال]، قد اطّلعت على طهارتك و ليس طهارتك طهارة الرافضة، فاجعلني في حلّ، و أمر له بمائة ألف درهم، قال: فقال داود الرقّي: التقيت أنا و داود بن زربي عند أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام)، فقال له داود بن زربي: جعلت فداك، حقنت دماءنا في دار الدنيا، و نرجو أن ندخل بيمينك و بركتك الجنّة، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام): فعل اللّٰه ذلك بك و بإخوانك من جميع المؤمنين، فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لداود بن زربي: حدّث داود الرقّي بما مرّ عليكم حتّى تسكن روعته، فقال: فحدّثته بالأمر كلّه، قال: فقال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) لهذا أفتيته، لأنّه كان أشرف على القتل من يد

هذا العدوّ، ثمّ قال: يا داود بن زربي، توضّأ مثنى مثنى، و لا تزدنّ عليه، فإنّك إن زدت عليه فلا صلاة لك.

و الرواية ضعيفة لجهالة أحمد بن سليمان.

اختيار معرفة الرجال 2: 600، وسائل الشيعة 1: 443، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 2.

داود الرقّي هو أبو سليمان داود بن كثير بن أبي خالد الرقّي، صحب الصادق و الكاظم و الرضا (عليهم السّلام) و وثّقه الشيخ الطوسي، و عدّه الشيخ المفيد من خاصّة الإمام الكاظم (عليه السّلام) و من أهل الورع و العلم و الفقه من شيعته، و قال الكشّي بعد أن ذكر بعض الروايات المادحة-: يذكر الغلاة أنّه من أركانهم، و ينسب إليه أقاويلهم، و لم أسمع أحداً من مشايخ العصابة يطعن فيه، و لا عثرت من الرواية على شي ء غير ما أثبتّه في هذا الباب. لكن ضعّفه النجاشي و قال: «ضعيف جدّاً و الغلاة تروي عنه».

أمّا عند المصنّف (قدّس سرّه) فالظاهر أنّه ثقة، حيث نفى البعد عن وثاقته في طهارته.

روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و عن أبي حمزة الثمالي و أبي عبيدة الحذّاء و عبد اللّٰه بن سنان، و روى عنه ابن أبي عمير و عليّ بن أسباط و عليّ بن الحكم ..

الإرشاد، الجزء الثاني، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 247 248، رجال النجاشي: 156، اختيار معرفة الرجال 2: 708، رجال الطوسي: 349، مجمع الرجال 2: 290، الطهارة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 32، معجم رجال الحديث 7: 127 و 135 136.

(2) رواها الشيخ بإسناده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن عليّ الوشاء، عن داود بن زربي قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن

الوضوء؟ فقال لي: توضّأ ثلاثاً (ثلاثاً، قال:) ثمّ قال لي: أ ليس تشهد بغداد و عساكرهم؟ قلت: بلىٰ. قال: فكنت يوماً أتوضّأ في دار المهدي، فرآني بعضهم و أنا لا أعلم به فقال: كذب من زعم أنّك فلاني و أنت تتوضّأ هذا الوضوء، قال: فقلت: لهذا و اللّٰه أمرني.

تهذيب الأحكام 1: 82/ 214، الإستبصار 1: 71/ 219، وسائل الشيعة 1: 443، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 32، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 85

الأصحّ «1».

و يؤيّده بل يدلّ عليه ما ورد في إظهار كلمة الكفر و سبّ النبيّ و أمير المؤمنين- و العياذ باللّٰه فلو وجبت الحيلة مع إمكانها لكان البيان لازماً. مع أنّ رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) أمر عمّاراً بأنّه

إن عادوا فعُد «2»

، و استفاض عن أمير المؤمنين الأمر بسبّه تقيّة «3».

و تشهد عليه الأخبار الكثيرة الواردة في الترغيب بالصلاة معهم و حضور

______________________________

(1) ترديده (قدّس سرّه) بين الحسنة و الصحيحة من جهة أبي سليمان داود بن زربيّ الخندقي البندار الكوفي، فإنّه قد عدّه بعضهم كالفاضل المجلسي من الممدوحين، إذ يفهم من رواية داود بن كثير المذكورة في المتن و من رواية أُخرى، سلامة عقيدته و كونه مورداً لعطف الإمام (عليه السّلام) و أمانته، لائتمانه (عليه السّلام) داود علىٰ مقدار من المال.

و بعضهم وثقوه اعتماداً علىٰ توثيق الشيخ المفيد إيّاه المؤيّد بنقل العلّامة و ابن داود التوثيق عن النجاشي.

روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و روى عنه محمّد بن أبي عمير و الضحّاك بن الأشعث و يونس بن عبد الرحمن.

الإرشاد، الجزء الثاني، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 11: 248، اختيار معرفة الرجال 2: 600 601، رجال ابن داود: 90، رجال

العلّامة الحلّي: 68 69، تنقيح المقال 1: 408 409.

(2) قرب الإسناد: 8، الكافي 2: 219/ 10، وسائل الشيعة 16: 225، كتاب الأمر و النهي، الباب 29، الحديث 2.

(3) تقدّم في الصفحة 25.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 86

جماعاتهم «1» من غير ذكر لإعمال الحيلة، مع أنّه ممّا يغفل عنه العامّة. بل وجوب إعمالها ممّا يؤدّي لا محالة إلىٰ إفشاء السرّ و إذاعة أمرهم، و يكون منافياً لشرع التقيّة؛ فإنّ نوع المكلّفين لا يقدرون علىٰ إعمالها بنحوٍ لا ينتهي إلى الإفشاء.

حمل الأخبار المخالفة على استحباب أعمال الحيلة

نعم، هنا أخبار في باب القراءة و الجماعة ظاهرة في لزوم إعمالها، كموثّقة سَماعة قال: سألته عن رجل كان يصلّي، فخرج الإمام و قد صلّى الرجل ركعةً من صلاة فريضة، قال

إن كان إماماً عدلًا فليصلّ اخرىٰ و ينصرف و يجعلهما تطوّعاً، و ليدخل مع الإمام في صلاته كما هو، و إن لم يكن إمام عدل فليبنِ علىٰ صلاته كما هو، و يصلّي ركعة أُخرى، و يجلس قدر ما يقول: أشهد أن لا إلٰه إلّا اللّٰه وحده لا شريك له، و أشهد أنّ محمّداً عبده و رسوله، ثمّ ليتمّ صلاته معه علىٰ ما استطاع؛ فإنّ التقيّة واسعة، و ليس شي ء من التقيّة إلّا و صاحبها مأجور عليها إن شاء اللّٰه «2».

فإنّ الظاهر من قوله

ثمّ ليتمّ صلاته معه علىٰ ما استطاع

هو تتميم الصلاة و إتيانها علىٰ مذهب الحقّ بمقدار الاستطاعة. و التعليل ب

«إنّ التقيّة واسعة

راجع إلىٰ ما لا يستطيع و يأتي به تقيّة. كما أنّ قوله

و يجلس قدر ما يقول ..

إلىٰ آخره، ظاهر في إعمال الحيلة؛ بأن يأتي بالتشهّد بنحوٍ يوهم أنّ تأخيره و جلوسه بهذا المقدار، يكون لبطء الحركة، لا إتيان التشهّد.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 63 و

ما بعدها.

(2) تقدّم في الصفحة 50.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 87

و صحيحة عليّ بن يقطين، قال: سألت أبا الحسن (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي خلف من لا يقتدى بصلاته، و الإمام يجهر بالقراءة، قال

اقرأ لنفسك، و إن لم تسمع نفسك فلا بأس «1».

فإنّ مقتضى الأمر بالقراءة لنفسه و إن لم يسمع، هو لزوم إتيان القراءة بقدر الاستطاعة.

و مثلها ما روي عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) مرسلًا «2» قال

يجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس «3»

و غيرها «4» ممّا تدلّ على الإتيان بالمقدار الممكن من قراءة الحمد فقط أو بعضها.

و الأرجح حمل هذه الطائفة على الاستحباب؛ لقوّة ظهور الطائفة الاولىٰ في عدم لزوم إعمال الحيلة، و المسألة محلّ إشكال تحتاج إلىٰ مزيد تأمّل.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 3: 36/ 129، الإستبصار 1: 430/ 1663، وسائل الشيعة 8: 363، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 33، الحديث 1.

(2) رواها الكليني عن أحمد بن إدريس، عن محمّد بن أحمد، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام) .. و رواها الشيخ بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيىٰ، عن يعقوب بن يزيد، عن محمّد بن أبي حمزة، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام).

(3) الكافي 3: 315/ 16، تهذيب الأحكام 2: 97/ 366، الإستبصار 1: 321/ 1197، وسائل الشيعة 6: 128، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 52، الحديث 3.

(4) وسائل الشيعة 8: 363، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة، الباب 33.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 89

المبحث الخامس حول ترتّب جميع آثار الصحّة على العمل الصادر تقيّةً

اشارة

هل يترتّب على العمل الصادر تقيّةً جميع آثار الصحّة؛ فيرفع الوضوء تقيّةً الحدث، و تؤثّر الأسباب في المسبّبات، و تترتّب عليها،

فيؤثّر الطلاق في غير محضر العدلين في انفصال الزوجة، فإذا زالت التقيّة بقي أثر الوضوء و آثار المعاملات، أم لا فتجب إعادتها بعد زوال السبب؟

أقول: يقع الكلام في مقامين:

أحدهما: في مقتضى الأدلّة العامّة.

و ثانيهما: في الأدلّة الخاصّة الواردة في الموارد المخصوصة:

المقام الأوّل: مقتضى الأدلّة العامّة

1 حال العقود و الإيقاعات

أمّا المقام الأوّل فالتحقيق عدم قصور الأدلّة، مثل قوله

التقيّة في كلّ

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 90

شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه «1»

و قوله

كلّ شي ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز «2»

بعد ما تقدّم من شمولها للوضع «3» فإذا فرض اضطرار شخص إلى طلاق زوجته بحسب مقاصده العادية، و لم يمكنه إلّا بمحضر منهم تقيّةً، فلا إشكال في صدق أنّه اضطرّ إلى الطلاق، فهذا الطلاق الاضطراري ممّا أحلّه اللّٰه، و هو جائز، فلو فرض ورود دليل خاصّ بأنّ الطلاق الكذائي جائز أو حلال، فهل يتوقّف فقيه في استفادة الصحّة و حصول الفراق منه؟! و كذا لو اضطرّ إلىٰ بيع داره بكيفية تقتضيها التقيّة.

و بالجملة: ما الفرق بين قوله تعالىٰ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ «4» و قوله

الصلح جائز بين المسلمين «5»

حيث يستفاد منهما النفوذ «6» دون ما ورد فيما نحن فيه؟! و العجب من الشيخ الأعظم حيث اعترف بعموم الحلّية و الجواز للوضعي، فقال في الردّ على المحقّق الثاني «7» حيث فصّل بين كون متعلّق التقيّة مأذوناً

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 10.

(2) تقدّم في الصفحة 13.

(3) تقدّم في الصفحة 46 49.

(4) البقرة (2): 275.

(5) تقدّم في الصفحة 49.

(6) الخلاف 3: 7 و 294، السرائر 2: 64 و 419، مختلف الشيعة 5: 38، و 6: 177.

(7) هو مروّج المذهب و الملّة و شيخ المشايخ الأجلّة عليّ بن الحسين بن

عبد العالي العاملي الكركي. ولد بلبنان، و أخذ عن علماء الشام و مصر و العراق، ثمّ قدم إلىٰ إيران، و قد سعىٰ في سبيل إعلاء أعلام المذهب الجعفري و ترويجه، كما منع الفجرة و الفسقة و زجرهم، و قام بإجراء الحدود و التعزيرات، و إقامة الجمعة و الجماعات، و حثّ عامّة الناس علىٰ تعلّم شرائع الدين و أحكامه. و كانت له تعليقات حسنة و تصانيف جيّدة منها جامع المقاصد و رسائل عديدة.

يروي عن الشيخ ضياء الدين عليّ ابن الشهيد و عن محمّد بن داود ابن عمّ الشهيد و عن شيخه و أُستاذه شمس الدين محمّد بن خاتون، و يروي عنه الشيخ عبد النبيّ الجزائري صاحب الرجال و الشيخ عليّ بن عبد العالي و غيرهم، توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 940 ه.

رياض العلماء 3: 441 455، روضات الجنات 4: 360 375.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 91

فيه بخصوصه و غيره «1»: «إنّ الفرق بين كون متعلّق التقيّة مأذوناً فيه بالخصوص أو بالعموم، لا نفهم له وجهاً» «2» و مع ذلك نسب استفادة صحّة المعاملات من الأدلّة العامّة في المقام إلىٰ توهّمٍ مدفوع، بما لا يخفىٰ على المتأمّل! «3».

فنقول: عدم استفادة صحّة البيع من قوله

كلّ شي ء يضطرّ إليه ابن آدم فقد أحلّه اللّٰه

إمّا لأجل عدم شموله للحلّية الوضعية، فقد اعترف بشموله لها نعم، كلماته في كيفية استفادة الحلّية الوضعية من مثل قوله أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ مختلفة؛ فمقتضىٰ بعضها استفادتها منه ابتداءً بحسب فهم العرف «4» و مقتضى الآخر أنّها مستفادة من الحكم التكليفي «5»، و إمّا لعدم ورود الحلّ بالخصوص بالنسبة إلىٰ كلّ معاملة، فقد اعترف بعدم الفرق.

______________________________

(1) رسالة في التقيّة، ضمن رسائل المحقّق الكركي 2: 51.

(2) رسالة في

التقيّة، ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 84.

(3) نفس المصدر: 100.

(4) المكاسب، ضمن تراث الشيخ الأعظم 16: 40.

(5) المكاسب: 215/ السطر 22.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 92

و الإنصاف: أنّه لا قصور في الأدلّة العامّة حتّى حديث الرفع «1» في استفادة الصحّة. هذا حال العقود و الإيقاعات.

2 حال التكاليف النفسيّة و الغيريّة

و أمّا غيرهما كالوضوء و غيره، فقد عرفت أنّ الظاهر من كثير من عمومات التقيّة و إطلاقاتها، أنّ المأتيّ به تقيّةً مصداق للماهية المأمور بها، و يسقط أمره بإتيانه «2»:

أمّا بالنسبة إلى التكاليف النفسية فظاهر.

و أمّا التكاليف الغيرية كالوضوء و الغسل، فقد يتوهّم عدم شمول الأدلّة لها و اختصاصها بالنفسيات، فإتيان الصلاة مع الوضوء الكذائي ممّا يضطرّ إليه المكلّف، فهو حلال جائز، و أمّا بعد رفع التقيّة فلا تحلّ الصلاة مع الوضوء أو الغسل تقيّةً، كما لا يكون تجفيف محلّ البول تقيّةً موجباً للتطهير، فكما لا يرفع ذاك الخبث لا يرفع ذلك الحدث، فالرخصة المستفادة من العمومات، لا تقتضي إلّا رفع المنع عن الدخول في الصلاة بالوضوء مع غسل الرجلين، أو الإتيان به مع النبيذ و مع نجاسة البدن، لا صحّة الوضوء و طهارة البدن «3».

و لكنّ الظاهر عدم قصور الأدلّة عن استفادة صحّة الوضوء تقيّةً مع غسل الرجلين أو الإتيان بالنبيذ؛ لأنّ الوضوء الكذائي شي ء يضطر إليه ابن آدم، فقد أحلّه اللّٰه، و الحلّية الوضعية بالنسبة إليه كونه ممضى، كما أنّ الجواز كذلك،

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 42، الهامش 3.

(2) تقدّم في الصفحة 50 و 55 و 59.

(3) مصباح الفقيه، الطهارة: 170/ السطر 5.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 93

فالحلّية و الجواز الوضعي في الوضوء بالنبيذ صحّته و تماميته، فإذا صحّ و تمّ يرفع به الحدث، فلو دلّ دليل بالخصوص علىٰ

جواز الوضوء بالنبيذ فلا يشكّ أحد في استفادة الصحّة منه. و الفرق بين الدليل العامّ و الخاصّ «1» غير واضح. و بعد صحّته و تماميته لا ريب في رفعه الحدث.

و النقضُ بلزوم القول بطهارة رأس الحشفة إذا مسحه بالجدار «2» غيرُ وارد؛ لإمكان الفرق بأنّ استفادة الطهارة من قوله

أحلّه اللّٰه

و

جائز

مشكلةٌ محتاجة إلى التكلّف، بخلاف استفادة صحّة الوضوء و الغسل التي يترتّب عليها رفع الحدث من غير لزوم انتساب الحلّية و الجواز إليه. و انتسابهما إلىٰ أسباب الطهارة- كالمسح و إن كان ممكناً، لكن بعيد عن الفهم العرفي، تأمّل. هذا حال الأدلّة العامّة.

المقام الثاني: مقتضى الأدلّة الخاصّة

و أمّا الأدلّة الخاصّة الواردة في باب الوضوء، فلا إشكال في استفادة الصحّة منها؛ و أنّ الوضوء تقيّةً مصداق المأمور به، ففي حسنة داود بن زربي- بل صحيحته قال: سألت أبا عبد اللّٰه عن الوضوء، فقال لي

توضّأ ثلاثاً ثلاثاً «3»

و لا ريب في دلالتها علىٰ أنّ الوضوء كذلك مصداق للماهية المسئول عنها، و لم يكن جوابه أجنبيّا عن السؤال.

و كذا ما أجاب به عن عدّة الطهارة بعد سؤال داود بن زربي في رواية داود

______________________________

(1) مصباح الفقيه، الطهارة: 170/ السطر 18.

(2) نفس المصدر: 170/ السطر 11.

(3) تقدّم في الصفحة 83، الهامش 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 94

الرقّي؛ حيث قال (عليه السّلام)

ثلاثاً ثلاثاً، من نقض عنه فلا صلاة له «1».

و مثلهما ما ورد من أمر أبي الحسن: عليَّ بن يقطين بالتوضّي تقيّةً «2»، فلا إشكال في صحّة الوضوء و رفع الحدث به و عدم نقضه إلّا بالحدث.

ثمّ إنّ ما ذكرنا في هذه الرسالة هو مقتضىٰ أخبار التقيّة عموماً و خصوصاً علىٰ نحو ضرب القاعدة؛ من غير نظر إلى الموارد الخاصّة، فلو فرض دلالة دليل في

مورد علىٰ خلاف مقتضاها فلا مضايقة فيها، فالمتبع في الموارد الخاصّة هو الدليل الوارد فيها بالخصوص.

و بالجملة: المقصود هاهنا تأسيس القاعدة الكلّية؛ لتكون مرجعاً عند فقدان الدليل الخاصّ.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً. و قد وقع الفراغ منها يوم السبت السابع و العشرين من شهر شعبان المعظّم: 1373.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 83، الهامش 1.

(2) تقدّم في الصفحة 81 82.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 95

2- فروع العلم الإجمالي «1»

اشارة

______________________________

(1) المذكور هنا سبع مسائل من مسائل فروع العلم الإجمالي علىٰ حسب ترتيب الفقيه اليزدي (قدّس سرّه) في العروة الوثقىٰ 2: 58 63.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 97

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين، و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 99

المسألة الأُولىٰ فيما إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر

اشارة

إذا شكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر، فلا يخلو إمّا أن يعلم أنّه صلّى الظهر، أو يعلم أنّه لم يصلِّ، أو يشكّ في ذلك.

و علىٰ أيّ حال: إمّا أن يعلم أنّه لم يصلِّ العصر، أو يعلم أنّه صلّىٰ، أو يشكّ فيه.

و علىٰ أيّ حال: إمّا أن يحدث الشكّ بأنّ ما بيده ظهر أو عصر في الوقت المختصّ بالظهر، أو العصر، أو في الوقت المشترك.

و علىٰ فرض الحدوث في المختصّ بالعصر، إمّا يكون في وقت إذا ترك ما في يده يدرك ركعة من الوقت أو لا.

فهذه ستّ و ثلاثون صورة نتعرّض لمهمّاتها؛ حتّى يظهر حال البقيّة:

منها: ما إذا علم بعدم إتيان العصر، مع إتيان الظهر، و كان في الوقت المشترك

فالظاهر عدم إمكان تصحيح صلاته بعد كون العدول إلى اللاحقة غير جائز، خصوصاً فيما إذا كان الدخول في السابقة موجباً للبطلان من الأوّل؛ فإنّ

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 100

الآتي بالظهر يكون إتيانه الثاني باطلًا. و ما قيل في وجه تصحيح الصلاة عصراً: من أصالة الصحّة «1» و استصحاب بقاء الداعي في بعض الصور «2» أو كون المقام من قبيل الخطأ في التطبيق «3» ليس بشي ء؛ لعدم الدليل على الاولىٰ، و مثبتية الاستصحاب، و كون الثالث خلاف مفروض المسألة.

نعم، قد يتمسّك بقاعدة التجاوز «4» فإنّ إطلاق أدلّتها بل عمومها يشمل الأجزاء و الشرائط من غير فرق بين شرط و جزء، و قصد العصرية إمّا جزء أو شرط، و محلّه قبل الصلاة، فإذا شكّ فيه و قد جاوز محلّه، فشكّه ليس بشي ء.

مضافاً إلىٰ إمكان استفادة الطريقية من مثل قوله

هو حين يتوضّأ أذكر منه حين يشكّ «5»

فإذا شكّ في أنّ صلاته هذه صحيحة أو باطلة و قامت الأمارة علىٰ صحّتها، يثبت كونها صلاة عصر، فإحراز العنوان ببركة طريقيتها لا مانع منه.

و

مع الغضّ عن الطريقية لا أقلّ من كونها من الأُصول المحرزة، و مع إحراز قصد العصر يتحقّق العنوان.

بل لو سلّم كونها أصلًا غير محرز يمكن تصحيحها عصراً بها؛ لأجل أنّه شكّ في أنّه قصد العصر أم لا، فشكّه ليس بشي ء، كما إذا شكّ في أنّه كبّر أو لا،

______________________________

(1) انظر روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 7.

(2) و هي صورة ما إذا كان قاصداً لإتيان العصر قبل الشروع، لاحظ الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي: 9.

(3) الصلاة، المحقّق الحائري: 421، رسالة عقد اللآلي في فروع العلم الإجمالي: 2.

(4) رسالة عقد اللآلي في فروع العلم الإجمالي: 2 3.

(5) تهذيب الأحكام 1: 101/ 265، وسائل الشيعة 1: 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 7.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 101

أو كبّر لصلاته أو لأمر آخر؛ بعد كونه داخلًا في الحمد، فإنّه لا إشكال في عدم الاعتناء، و هذا جارٍ بعينه في الشكّ في قصد العصريّة.

هذا غاية ما يقال في تطبيق القاعدة على المورد.

و فيه: أنّه قد فرغنا في محلّه من عدم كون القاعدة طريقاً، و لا أصلًا محرزاً مطلقاً، بل أصل محرز حيثي «1» و معه لا مجال للتشبّث بها فيما نحن فيه؛ للفرق الواضح بين سائر الأجزاء و الشرائط و بين مثل قصد العنوان، فإنّ سائر الأجزاء و الشرائط لمّا كانت غير دخيلة في قوام الموضوع و تحقّق صدق العنوان، فلا مانع من التمسّك بالقاعدة و المضيّ، أو البناء علىٰ تحقّق المشكوك فيه.

و هذا بخلاف قصد الظهرية و العصرية، فإنّ صلاة العصر و الظهر عنوانان لموضوعين يتقوّم تحقّق عنوانيهما بالقصد، فإذا قصد المصلّي صلاة الظهر و ترك التكبيرةَ أو الحمدَ أو قصْدَ التقرّب، فقد أتى بصلاة

الظهر باطلةً؛ فإنّ صلاة الظهر المتقوّمة بقصد العنوان قد تحقّقت، و مع عدم التكبيرة فصلاة الظهر باطلة، و أمّا لو لم يقصد صلاة الظهر سواء قصد الخلاف أو لا فلا ينطبق على الموجود عنوان صلاة الظهر الفاسدة، فلا يكون ما بيده صلاة ظهر.

فحينئذٍ فمع الشكّ في سائر الأجزاء و الشرائط، تكون صلاة الظهر محرزة بالوجدان، و يشكّ في بعض أجزائها أو شرائطها، فيصدق

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى فأمضه «2»

و أمّا مع عدم إحراز العنوان و الشكّ في أنّ ما بيده صلاة ظهر أو عصر، فلا تدلّ القاعدة على البناء علىٰ أنّه صلاة ظهر أو عصر؛ فإنّ المكلّف شاكّ في أنّه صلاة ظهر باطلة، أو عصر صحيحة، لا شاكّ في صحّة

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 337 342.

(2) تهذيب الأحكام 2: 344/ 1426، وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 102

صلاة العصر، و فرق بين الشكّ في صحّة صلاة العصر، و بين الشكّ في أنّه صلاة عصر صحيحة أو ظهر باطلة، و القاعدة ليست كفيلة إلّا بالشكّ الذي من قبيل الأوّل.

لا أقول: إنّها كفيلة بعنوان الصحّة؛ فإنّ التحقيق علىٰ ما هو المذكور في محلّه «1» أنّ الصحّة و الفساد غير قابلين للجعل و البناء عليهما، بل الشكّ في الصحّة و الفساد ناشئ دائماً عن الشكّ في إتيان ما يعتبر في الطبيعة المأمور بها شرطاً أو جزءً.

و بالجملة: ما لم يحرز عنوان العمل فلا معنىٰ لإلغاء الشكّ فيه، و إحرازه موقوف علىٰ إحراز قصد العنوان، فجريان القاعدة موقوف على الإحراز، فلا يمكن الإحراز بها إلّا علىٰ وجهٍ دائر. فالمكلّف أحرز دخوله في أربع

ركعات بلا إحراز عنوان، و مع عدم الإحراز لا يكون شاكّاً في صلاته حتّى ينطبق عليه «كلّما شككت في صلاتك و طهورك فشكّك ليس بشي ء» «2» فإنّ مطلق الصلاة ليس صلاته، بل صلاته هو عنوان العصر فيما نحن فيه، فلا يصدق الشكّ في صلاته إلّا مع إحراز العصريّة.

ثمّ إنّ لازم ما ذكرنا من عدم إحراز الصحّة، و الشكّ في كونه مصداقاً للصحيح العصري و الفاسد الظهري جواز رفع اليد عنه و الإتيان بصلاة العصر.

لا يقال: هذا لو لم يعلم إجمالًا بأنّه إمّا يحرم عليه القطع، أو يجب عليه

______________________________

(1) الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 315 316.

(2) هذا النصّ ملفّق من صحيحة ابن أبي يعفور و رواية محمّد بن مسلم المذكورتين في وسائل الشيعة 1: 469 471، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 2 و 6.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 103

الإعادة، و معه يجب الإتمام و الإعادة.

فإنّه يقال: إنّ الإعادة بعنوانها ليست واجبة، و أوامر الإعادة في مطلق ما ورد من الشرع، محمولة على الإرشاد إلىٰ فساد العمل أو نحوه، فإذا ورد «إذا صلّيت بلا طهور فتعيد» فلا إشكال في الإرشاد إلىٰ أنّ الصلاة المأمور بها، لم تتحقّق بلا طهور، و أمّا وجوب الإعادة فأمر عقلي لا شرعي، فحينئذٍ نقول: وجوب الصلاة قبل تحقّق مصداق صحيح منها باقٍ، و أمرها غير ساقط، و هذا معلوم تفصيلًا، و شكّ في أنّ ما بيده مصداق صحيح أو لا، فهو من المصداق المشتبه لدليل حرمة القطع؛ علىٰ فرض إطلاق أو عموم في البين. مع أنّ دليلها «1» لبّي يقتصر فيه على القدر المتيقّن؛ و هو الصلاة التي يمكن الاجتزاء بها.

و أمّا ما قيل في جواب العلم الإجمالي المتقدّم: «بأنّ

جريان قاعدة الاشتغال في طرف و البراءة في آخر، يوجب الانحلال، و هو قاعدة كلّية في جميع موارد العلم الإجمالي: من انحلالها بالأصل المثبت في طرف، و الأصل النافي في آخر» «2».

ففيه: أنّ مفاد قاعدة الاشتغال ليس تعيّن الإعادة، بل مقتضاها هو لزوم البراءة اليقينية، و هي كما تحصل بترك ما في يده و الإعادة تحصل بإتمامه و إعادته، و هو مطابق لمقتضى العلم الإجمالي، فلا منافاة بين مقتضيين حتّى يوجب الانحلال.

هذا فيما إذا كان في الوقت المشترك.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 3: 45، جواهر الكلام 11: 123.

(2) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 7.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 104

و أمّا إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر

فإن كان الوقت واسعاً بمقدار يمكن للمكلّف إدراك صلاة العصر و لو بركعة، يجب عقلًا ترك ما في يده و الإتيان بالصلاة لإدراك الصلاة الصحيحة؛ فإنّ من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت «1».

و أمّا لو لم يسع كذلك:

فهل يجوز رفع اليد عن هذا المصداق المشكوك فيه أو لا؟

مقتضى القاعدة جوازه؛ لعدم إحراز كونه مصداقاً للصلاة الصحيحة، فمقتضى البراءة جواز رفع اليد عنه؛ و أنّه في ترك الصلاة معذور.

لكن يمكن أن يقال: إنّ الأمر متعلّق بطبيعة صلاةٍ في الوقت، و قد اشتغلت ذمّة المكلّف بهذا العنوان، فلا بدّ من البراءة اليقينية، و مع عدم إمكانها يحكم العقل بلزوم البراءة الاحتمالية. و هذا نظير وجوب الصلاة مع الطهور؛ و انحصار ما في يد المكلّف بشي ء مشكوك الأرضية، فإنّ العقل لا يعذر العبد مع إمكان الموافقة الاحتماليّة للتكليف المنجّز، و لا يبعد أن يكون أمثاله من قبيل الشكّ في القدرة؛ ممّا يحكم العقل بلزوم الاحتياط.

و يمكن أن يقال: إنّ المكلّف في المفروض يعلم إجمالًا بأنّه إمّا يجب

عليه إتمام ما في يده، أو يجب القضاء عليه؛ فإنّ ما في يده إمّا عصر، فيجب إتمامه؛ من غير توقّف على القول بحرمة القطع؛ فإنّ المصداق الذي بعدمه يفوت الوقت لا يجوز رفع اليد عنه عقلًا؛ حرم القطع أو لا، و إمّا ظهر، ففات وقت العصر بواسطة ضيق الوقت بمقدار عدم إدراك ركعة منه، فيجب عليه القضاء.

______________________________

(1) راجع وسائل الشيعة 4: 217 218، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 30.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 105

اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ ذلك موجّه لو لم يمكن انحلاله بالأصل، و ذلك ممكن؛ لأنّ أصالة عدم الإتيان في جميع الوقت المضروب لصلاة العصر، محقّقة لموضوع وجوب القضاء، فإذا وجب القضاء ينحلّ العلم بالأصل المثبت و النافي في الطرف الآخر؛ و هو أصالة البراءة.

إلّا أن يدعىٰ: أنّ موضوع القضاء هو الفوت، و هو أمر بسيط لا يمكن إثباته بالأصل إلّا على القول بالأصل المثبت. لكن كون موضوع القضاء هو الفوت غير ظاهر؛ لعدم الدليل عليه بحيث يمكن الاعتماد عليه، و إن لم تخلُ الروايات من الإشعار بذلك «1» لكن لم تصل إلىٰ حدّ الدلالة و الاحتجاج.

بل لا يبعد دعوى ترتّب وجوب القضاء على ترك الصلاة في الوقت و عدم الإتيان بها فيه؛ لاستفادة ذلك من مجموع الروايات الواردة في باب القضاء باختلاف التعبيرات. بل ما يشعر بأنّ المناط هو الفوت، لا يستفاد منه إلّا عدم الإتيان في الوقت، لا أمر وجودي بسيط منتزع من الترك في الوقت، فراجع الأدلّة.

مضافاً إلىٰ ما قد يدعىٰ: من أنّ «الفوت» ليس إلّا ترك الإتيان بالعمل في الوقت المضروب له، لا أنّه أمر وجودي انتزاعي؛ فإنّ «الفوت» بحسب فهم العرف ليس إلّا عدم إدراك ما فيه

المصلحة، فإذا لم يصل إلىٰ مطلوب في وقته يقال: «فات منّي ذلك».

و بالجملة: لا يبعد انحلال العلم الإجمالي بما ذكر، فبقي حكم العقل بلزوم

______________________________

(1) كقوله (عليه السّلام): «و إذا كان جنباً أو علىٰ غير وضوء أعاد الصلوات المكتوبات اللواتي فاتته». و قوله (عليه السّلام): «و متىٰ ما ذكرت صلاة فاتتك صلّيتها».

راجع وسائل الشيعة 1: 370 371، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 3، الحديث 4، و 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 63، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 106

الموافقة الاحتمالية في أمثال المقام، فإن تمّ يجب عقلًا إتيان ما في يده و قضاؤه خارج الوقت؛ لما ذكرنا من إمكان إثبات موضوع القضاء بالأصل «1».

و من الصور: ما إذا علم بعدم إتيان الظهر، مع العلم بعدم إتيان العصر

ففي الوقت المشترك لا إشكال في لزوم العدول إلى الظهر و إتيان العصر بعده، و تصحّ الصلاتان.

و في الوقت المختصّ بالظهر، تبتني صحّة العدول علىٰ صحة وقوع الشريكة في الوقت المختصّ بالأُخرىٰ، أو أنّ حال الوقت المختصّ بالنسبة إلى الأُخرىٰ كقبل الوقت:

فإن قلنا بالثاني لا يمكن تصحيح الصلاة بالعدول إلى الظهر؛ لإمكان كون ما بيده عصراً و وقع باطلًا، و معه لا يجوز العدول؛ لأنّ موضوع أدلّته هو الصلاة الصحيحة من غير جهة الترتيب.

و إن قلنا بالأوّل كما هو التحقيق يصحّ العدول، و به تصحّ صلاة الظهر، و تبقىٰ عليه العصر.

و في الوقت المختصّ بالعصر لا يجوز العدول بلا إشكال؛ لتقدّم حقّ العصر على الظهر، فحينئذٍ إن أمكن إدراك ركعة من الوقت لو رفع اليد عمّا في يده يجب، و إلّا يأتي فيه ما تقدّم من النقض و الإبرام. و ممّا ذكرنا يعلم حال الشكّ في إتيان الظهر.

نعم، لو شكّ فيه في الوقت المختصّ بالعصر لا يبعد جريان قاعدة التجاوز،

أو الشكّ بعد الوقت؛ علىٰ إشكال. هذا كلّه فيما لو لم يصلّ العصر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 105.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 107

و يظهر منه حال الشكّ في إتيانه؛ فإنّه مع العلم بإتيان الظهر لا يمكن إحراز صحّة ما في يده، فيحكم ببطلانه في الوقت المشترك. و في الوقت المختصّ بالعصر فمع إمكان إدراك ركعة من العصر، يجب أن يرفع اليد عمّا في يده، و يأتي بصلاة العصر. و مع عدم الإدراك يأتي فيه ما تقدّم.

و مع العلم بعدم إتيان الظهر يعدل إليه؛ لأنّ استصحاب عدم إتيان العصر يحقّق موضوع العدول علىٰ فرض كون ما بيده عصراً لأنّ موضوع العدول هو الدخول في العصر مع عدم الإتيان بالظهر و العصر، فإذا كان ما بيده عصراً بحسب الواقع، و عدم الإتيان بالظهر وجدانياً، و عدم الإتيان بالعصر موافقاً للأصل، يحرز موضوع صحّة العدول على الفرض، و صحّة الظهر تصير محرزة بالوجدان و التعبّد. و كذا الكلام فيما إذا شكّ في إتيانهما. و يعلم حال الوقت المختصّ و المشترك بالتأمّل فيما تقدّم.

بقي فرض آخر و هو:

صورة العلم بإتيان العصر، و الشكِّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر باطل

ففي هذه الصورة بفروضها المتصوّرة لا يمكن إحراز الصحّة؛ لأنّ موضوع العدول هو الورود في صلاة العصر الصحيحة، و مع إتيان العصر لا يقع العصر صحيحاً، و لا يمكن إحراز صحّة الظهر بشي ء من القواعد، فيحكم بالبطلان في جميع الفروض. نعم لو لم يبق من الوقت حتّى الوقت الإدراكي، يأتي فيه ما تقدّم.

و ممّا تقدّم يظهر حال المسألة الثانية؛ أي الشكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء:

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 108

المسألة الثانية الشكّ في أنّ ما بيده مغرب أو عشاء

و الكلام فيها هو الكلام فيما إذا لم يدخل في ركوع الرابعة. و مع الدخول فيه يحكم بالبطلان؛ لعدم إمكان العدول و عدم إمكان إحراز صحّة ما في يده؛ لما تقدّم «1» من عدم صلاحية القواعد من الاستصحاب و أصالة الصحّة و قاعدة التجاوز لتصحيح العمل عشاءً.

و لو قلنا: بأنّ الترتيب بعد الدخول في الرابعة ساقط- لحديث

لا تعاد ..

كان له وجه؛ و ذلك لأنّ قوله في إفادة الترتيب: «أنّ هذه قبل هذه» «2» ظاهر في أنّ الترتيب لوحظ بين الماهيتين لا أجزائهما، و مع الدخول في المتأخّر سهواً يمضي زمان الإتيان بالترتيب، و مع الشكّ فيه يكون من الشكّ في الشي ء بعد خروج محلّه.

و أمّا أخبار العدول «3» فهي و إن يستفاد منها الترتيب، لكنّها ليست بصدد بيان الترتيب حتّى يقال: مفادها جعل الترتيب بين الماهيتين أو أجزائهما. مع أنّ ظاهرها أيضاً أنّ الترتيب بين الماهيتين و هي بصدد تحصيل ذلك؛ فإنّ معنى

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 100.

(2) وسائل الشيعة 4: 157، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 10، الحديث 4، و 181، الباب 16، الحديث 24، و 186، الباب 17، الحديث 11 و 14.

(3) راجع وسائل الشيعة 4: 290، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت،

أحاديث الباب 63.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 109

«العدول»: جعل ما في يده بتمامه ظهراً أو مغرباً، فجعل المعدول إليه بتمامه ظهراً أو مغرباً لتحصيل الترتيب و بلحاظه دليل علىٰ أنّ الترتيب بين الماهيتين، تأمّل.

و بالجملة: إنّ الحكم فيما نحن فيه رفع اليد عمّا في يده، و إتيان المغرب، ثمّ العشاء. و الكلام في الوقت الاختصاصي هو الكلام السابق.

المسألة الثالثة في حكم العلم بترك سجدتين من ركعتين

اشارة

إذا علم أنّه ترك سجدتين من ركعتين، فإمّا أن يكون حدوث العلم بعد الصلاة، و إمّا أن يكون في أثنائها.

فعلى الأوّل: فإمّا أن يعلم بأنّ إحداهما من الركعة الأخيرة، أو يعلم بكونهما من غيرها، أو يشكّ فيه.

و على التقادير: فإمّا أن يكون بعد حدوث المنافي العمدي و السهوي، أو قبله.

حكم العلم بترك سجدتين من غير الركعة الأخيرة بعد الصلاة

لا إشكال فيما إذا كان من غير الأخيرة لو لم يأتِ بالمنافي في صحّة صلاته و وجوب قضاء السجدتين و سجدتي السهو مرّتين.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، قم - ايران، اول، 1420 ه ق

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)؛ ص: 109

و كذا فيما إذا أتى بالمنافي. و احتمال كون المنافي في الصلاة؛ لأنّ قضاء

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 110

السجدة من تمامها، فلا يكون السلام تحليلًا مع ترك السجدة، بل يسقط الترتيب، و يأتي بالسجدة بعد السلام، و تكون السجدة محلّلة، في غاية الضعف يدفعه إطلاقُ أدلّة كون السلام تحليلًا، و ظهورُ الأدلّة في كون السجدة قضاءً يأتي بها بعد الصلاة؛ ففي صحيحة أبي بصير بطريق «1» الصدوق «2» قال

______________________________

(1) رواها الصدوق (رحمه اللّٰه) بإسناده عن ابن مسكان، عن أبي بصير، و قال في مشيخة الفقيه: «و ما كان فيه عن عبد اللّٰه بن مسكان فقد رويته عن أبي و محمّد بن الحسن رضي اللّٰه عنهما، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن صفوان بن يحيىٰ، عن عبد اللّٰه بن مسكان.

مشيخة الفقيه: 58.

و رواها الشيخ الطوسي (قدّس سرّه) بإسناده، عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، و السند ضعيف بمحمّد بن

سنان على المشهور، لكن عند المصنّف هو ثقة كما صرّح في سائر كتبه.

انظر الفهرست: 143، رجال النجاشي: 328/ 888، البيع الإمام الخميني (قدّس سرّه): 2: 335، و 3: 410.

(2) هو رئيس المحدّثين الشيخ الجليل الفقيه أبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي. ولد بدعاء صاحب الأمر و العصر، فنال بذلك عظيم الفضل و الفخر، و منَّ اللّٰه عليه بسرعة الحفظ و كثرة العلم منذ حداثته، حتّى أنّه ورد بغداد فسمع منه شيوخ الطائفة و هو حدث السنّ. عرف الصدوق بكثرة كتبه، و التي لا يزال بعضها إلىٰ يومنا هذا مورداً لانتفاع العوامّ و الفقهاء علىٰ حدٍّ سواء. كما روىٰ عن كثير من المشايخ الأجلة، كأبيه و ابن أبي الوليد و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، و روى عنه الشيخ المفيد و التلعكبري و عليّ بن أحمد والد النجاشي. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 381 ه.

انظر الفهرست: 156 157، رجال النجاشي: 389 392، تنقيح المقال 3: 154 155.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 111

سألته عمّن نسي أن يسجد سجدة واحدة، فذكرها و هو قائم، قال

يسجدها إذا ذكرها ما لم يركع، فإن كان قد ركع فليمضِ علىٰ صلاته، فإذا انصرف قضاها، و ليس عليه سهو «1».

و معنى «انصرف»: أي سلّم و تمّت صلاته.

و بالجملة: لا إشكال في المسألة نصّاً و فتوى «2».

حكم العلم بترك إحدى السجدتين من الركعة الأخيرة بعد الصلاة

و أمّا إذا علم أنّ إحداهما كانت من الأخيرة أو شكّ، فقد يفصّل بين الإتيان بالمنافي و عدمه: بأنّه على الثاني يرجع و يتدارك السجدة؛ فإنّ السلام وقع في غير محلّه، و ليس محلّلًا «3»، و على الأوّل بين قائل بالبطلان؛ و أنّ المنافي وقع في الصلاة «4» و قائلٍ بالصحّة

و وجوب قضاء السجدتين، كما هو الظاهر من شيخنا العلّامة (قدّس سرّه) في صلاته «5».

فالمسألة لمّا كانت مبنيّة علىٰ أنّ السلام هاهنا انصراف أو لا، فلا بدّ من تنقيحها.

______________________________

(1) الفقيه 1: 228/ 1008، تهذيب الأحكام 2: 152/ 98، وسائل الشيعة 6: 365، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 14، الحديث 4.

(2) راجع مفتاح الكرامة 2: 341 342، العروة الوثقىٰ 2: 59، كتاب الصلاة، ختام فيه مسائل متفرّقة، المسألة الثالثة.

(3) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 9.

(4) نفس المصدر.

(5) الصلاة، المحقّق الحائري: 262.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 112

بحث حول كون السلام انصرافاً

فنقول: ربّما يقال إنّه انصراف مطلقاً؛ لصحيح الحلبي «1» قال: قال أبو عبد اللّٰه (عليه السّلام)

كلّ ما ذكرت اللّٰه عزّ و جلّ به و النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) فهو من الصلاة، و إن قلت: السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين، فقد انصرفت «2».

فإطلاقه يقتضي أن يكون السلام أينما وقع، و بأيّ وجه وقع انصرافاً، خرج منه ما وقع عقيب الركعات ما عدا الاولىٰ سهواً بالأدلّة الدالّة على البناء على الصلاة و تتميمها «3»، و بقي الباقي.

و ربّما يجمع بين هذه الرواية و تلك الروايات: بأنّ السلام السهوي مطلقاً ليس انصرافاً، بخلاف العمدي «4».

و الذي يقوىٰ في النظر: أنّ صحيحة الحلبي ناظرة إلىٰ ما لدى العامّة من

______________________________

(1) يطلق لقب «الحلبي» علىٰ جماعة كلّهم ثقات، منهم محمّد بن عليّ بن أبي شعبة و إخوته عبيد اللّٰه و عمران و عبد الأعلىٰ. و أشهرهم أبو جعفر محمّد بن عليّ، فقد كان وجه أصحابنا و فقيههم و الثقة الذي لا يطعن عليه هو و إخوته، صحب الصادقين (عليهما السّلام) و روى عنهما، و روى عنه عبد اللّٰه بن

مسكان و المفضّل بن صالح و صفوان بن يحيى.

رجال الطوسي: 136 و 295، رجال النجاشي: 325/ 885، تنقيح المقال (فصل الألقاب) 3: 50، معجم رجال الحديث 23: 89.

(2) الكافي 3: 337/ 6، تهذيب الأحكام 2: 316/ 1293، وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 1.

(3) راجع وسائل الشيعة 8: 198، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3.

(4) الصلاة، المحقّق الحائري: 263.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 113

بنائهم علىٰ قول: «السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين» في التشهّد الأوّل «1»، فالرواية ناظرة إلىٰ أنّ كلّما ذكرت اللّٰه و نبيّه في التشهّد الأوّل، فهو من الصلاة، و أمّا إن قلت: «السلام علينا ..» إلىٰ آخره عمداً فهو انصراف. و الشاهد عليه الاقتصار علىٰ قوله

السلام علينا

مع أنّ «السلام عليكم» صيغة الانصراف بلا إشكال، فغضّ النظر عنه إلىٰ قوله: «السلام علينا» لا بدّ أنّه لنكتة؛ و هي ما ذكرنا.

و يؤيّده رواية أبي كهمس «2» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن الركعتين الأوّلتين إذا جلست فيهما للتشهّد؛ فقلت و أنا جالس: السلام عليك أيّها النبيّ و رحمة اللّٰه و بركاته، انصراف هو؟ قال

لا، و لكن إذا قلت: السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين، فهو الانصراف «3».

فتخصيص هذه الصيغة بالذكر؛ إنّما هو لأجل ما هو لدى العامّة.

و يؤيّده بل يدلّ عليه صحيحة ميسّر بن عبد العزيز «4» عن أبي جعفر

______________________________

(1) بداية المجتهد 1: 132 133، الفقه على المذاهب الأربعة 1: 236 237، المجموع 3: 455.

(2) المراد به الهيثم بن عبد اللّٰه (أو ابن عبيد) الشيباني الكوفي، من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و قد ذكره الشيخ و النجاشي (رحمهما اللّٰه) من غير

توثيق.

رجال النجاشي: 436، رجال الطوسي: 331، الفهرست: 191.

(3) الفقيه 1: 229/ 1014، تهذيب الأحكام 2: 316/ 1292، مستطرفات السرائر: 97/ 16، وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.

(4) هو ميسّر بن عبد العزيز النخعي المدائني بيّاع الزطي، كان ثقة صحب الصادقين (عليهما السّلام) و قد وردت بحقّه روايات دالّة علىٰ ثباته في عقيدته و حسن عمله، روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن جابر و محمّد بن عبد العزيز، و روى عنه ثعلبة بن ميمون و جميل بن درّاج و معاوية بن عمّار .. توفّي (رحمه اللّٰه) في حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

اختيار معرفة الرجال 2: 512 513، رجال الطوسي: 135 و 317، معجم رجال الحديث 19: 103.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 114

قال

شيئان يفسد الناس بهما صلاتهم: قول الرجل: تبارك اسمك، و تعالى جدّك، و لا إله غيرك، و إنّما شي ء قالته الجنّ بجهالة، فحكى اللّٰه عنهم، و قول الرجل: السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين «1».

و مرسل الصدوق قال: قال الصادق (عليه السّلام)

أفسد ابن مسعود «2» على الناس صلاتهم بشيئين ..

و ذكر ما في الصحيحة، ثمّ قال: يعني في التشهّد الأوّل «3».

و رواية «4» الفضل «5»، عن الرضا (عليه السّلام) في كتابه إلى المأمون «6» قال

______________________________

(1) الخصال: 50/ 59، تهذيب الأحكام 2: 316/ 1290، وسائل الشيعة 6: 409، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 12، الحديث 1.

(2) هو أبو عبد الرحمن عبد اللّٰه بن مسعود الهذلي الصحابي المعروف. توفّي سنة 32 ه.

راجع حلية الأولياء 1: 124 139، قاموس الرجال 6: 600 608.

(3) الفقيه 1: 261/ 1190، وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 12، الحديث 2.

(4) رواها الصدوق

في العيون عن عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس النيشابوري العطّار، عن عليّ بن محمّد بن قتيبة النيشابوري، عن الفضل بن شاذان. و السند ضعيف عند المصنّف (قدّس سرّه)، كما صرّح به و بحث عنه في المكاسب المحرّمة و إن حاول بعض إلىٰ تحسينه أو تصحيحه.

راجع المكاسب المحرّمة، الإمام الخميني (قدّس سرّه) 2: 83 84، تنقيح المقال 2: 233/ 7542.

(5) هو الشيخ الفقيه المتكلّم الجليل الثقة أبو محمّد الفضل بن شاذان النيشابوري. قدره في الطائفة أشهر من أن يوصف، و كتبه أكثر من أن تعرّف، فله كتب و مصنّفات كثيرة علىٰ مذهب أهل السنّة مضافاً إلىٰ كتبه الموافقة لمذهب أهل البيت (عليهم السّلام)، صحب الهادي و العسكري (عليهما السّلام) و روى عن محمّد بن أبي عمير و حمّاد بن عيسىٰ و صفوان بن يحيىٰ، و روى عنه عليّ بن محمّد بن قتيبة و محمّد بن إسماعيل.

رجال النجاشي: 306 307، رجال الطوسي: 420 و 434، الفهرست: 124 125، معجم رجال الحديث 13: 299.

(6) هو الخليفة العبّاسي السابع عبد اللّٰه بن هارون الرشيد. ولد سنة 170 ه و استولى علىٰ زمام الأُمور سنة 198 ه. و ذلك بعد احتلاله بغداد و قتله لأخيه الأمين. هلك سنة 218 ه.

مروج الذهب 3: 420 424 و 4: 4 45، تنقيح المقال 2: 51.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 115

و لا يجوز أن تقول في التشهّد الأوّل: السلام علينا و علىٰ عباد اللّٰه الصالحين؛ لأنّ تحليل الصلاة التسليم، فإذا قلت هذا فقد سلّمت «1».

فلا يبقىٰ مع ما ذكر وثوق بإطلاق صحيحة الحلبي.

نعم، لا يخلو تعليل رواية الفضل من دلالة علىٰ أنّ السلام مطلقاً تحليل، و لأجله إذا وقع في الأُوليين فهو انصراف

و مخرج. لكنّ الشأن في مخرجيته و لو سهواً، و إثبات ذلك بهذا المقدار مشكل.

لكنّ الأظهر مع ذلك كون السلام في الركعة الأخيرة مع نسيان التشهّد أو السجدة الواحدة انصرافاً، و يكون ترك التشهّد أو السجدة تركاً سهوياً، مع وقوع السلام انصرافاً و في محلّه. و يدلّ عليه مضافاً إلىٰ موافقته لارتكاز المتشرّعة جملة من الروايات:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم «2» عن أحدهما (عليهما السّلام): في الرجل يفرغ من

______________________________

(1) عيون أخبار الرضا (عليه السّلام) 2: 123، وسائل الشيعة 6: 410، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 12، الحديث 3.

(2) هو وجه أصحابنا الفقيه الورع الثقة أبو جعفر محمّد بن مسلم الأوقص الطحّان. صحب الصادقين (عليهما السّلام) و كان من أوثق الناس. روىٰ عنهما (عليهما السّلام) و عن أبي حمزة الثمالي و زرارة و حمران ابني أعين، و روى عنه بريد بن معاوية و ثعلبة بن ميمون و العلاء بن رزين .. مات (رحمه اللّٰه) سنة 150 ه.

رجال النجاشي: 323 324، رجال الطوسي: 135 و 300، معجم رجال الحديث 17: 233 234.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 116

صلاته و قد نسي التشهّد حتّى ينصرف، فقال

إن كان قريباً رجع إلىٰ مكانه فتشهّد، و إلّا طلب مكاناً نظيفاً فتشهّد فيه

و قال

إنّما التشهّد سنّة في الصلاة «1».

و الظاهر أنّ هذا التشهّد الذي أمر بإتيانه قضاء التشهّد؛ ضرورة أنّ التشهّد في الجملتين أي فيما إذا كان قريباً، و إذا لم يكن كذلك علىٰ نهج واحد، و لا إشكال في أنّ الثاني قضاء، فكذا الأوّل.

مع أنّ عدم ذكر تتميم الصلاة، يدلّ علىٰ أنّ التكليف ليس إلّا بالتشهّد، فإطلاق الكلام يقتضي قضاء التشهّد و لو لم يبرح من مكانه، أو برح و لم يأتِ

بالمنافي، كالاستدبار و الحدث، فظهر منه كون السلام انصرافاً مع نسيان التشهّد، و العرف يفهم بإلغاء الخصوصيّة عدم الفرق بين التشهّد و السجدة.

بل لا يبعد دلالة حديث

لا تعاد .. «2»

علىٰ ذلك؛ لأنّ من قوله

لا تعاد الصلاة إلّا من خمسة

مشفوعاً بقوله

القراءة سنّة، و التشهّد سنّة، و لا تنقض السنّة الفريضة

مع معهودية كون ابتداء الصلاة التكبير، و اختتامها

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 157/ 617، وسائل الشيعة 6: 401، كتاب الصلاة، أبواب التشهّد، الباب 7، الحديث 2.

(2) الفقيه 1: 225/ 991، تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 117

السلام يفهم العرف أنّ التشهّد إذا ترك سهواً في الصلاة لا يضرّ بها، و لا إشكال في أنّ التارك للتشهّد بعد السلام، يكون بنظر العرف مع هذه الدلالة غيرَ آتٍ بالتشهّد، لا به و بالسلام، كما أنّه لو أحدث بعد السلام و قيل له: «أعد صلاتك» يرىٰ منافاته لقوله

لا تعاد الصلاة ..

و لا ينقدح في ذهنه أنّه تارك للطهور، أو آتٍ بالمنافي، بل يرىٰ أنّ المنافي حصل بعد الصلاة، و يكون نقص الصلاة علىٰ فرضه من قِبل التشهّد، فتدبّر.

و منها: موثّقة «1» أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينسىٰ أن يتشهّد، قال

يسجد سجدتين يتشهّد فيهما «2».

تدلّ بإطلاقها علىٰ أنّ التارك للتشهّد الأخير، ليس عليه الرجوع إلى التشهّد و تتميم الصلاة، بل يكون عليه سجدتا السهو، فلا محالة يكون السلام انصرافاً؛ سواء بقي وقت التدارك أم لا، أتى بالمنافي أم لا.

و منها: صحيحة حكم بن حكيم «3» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل

______________________________

(1) رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن الحسين

بن عثمان، عن سماعة، عن أبي بصير. و هي موثّقة سماعة؛ حيث ذكر الشيخان الصدوق و الطوسي (رحمهما اللّٰه) أنّه كان واقفياً.

الفقيه 2: 75/ 328، رجال الطوسي: 351.

(2) تهذيب الأحكام 2: 158/ 621، وسائل الشيعة 6: 403، كتاب الصلاة، أبواب التشهد، الباب 7، الحديث 6.

(3) هو أبو خلّاد الصيرفي الحكم بن حكيم ابن أخي خلّاد. كان ثقة روىٰ عن الصادق (عليه السّلام) و روى عنه أبان بن عثمان و صفوان بن يحيى و حمّاد بن عثمان.

رجال النجاشي: 137/ 353، رجال الطوسي: 185، معجم رجال الحديث 6: 167 168.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 118

ينسىٰ من صلاته ركعة أو سجدة أو الشي ء منها، ثمّ يذكر بعد ذلك، فقال

يقضي ذلك بعينه «1»

فقال: أ يعيد الصلاة؟ فقال

لا «2».

تدلّ علىٰ قضاء ما ترك بعينه، و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين الركعة الأخيرة و غيرها. و اشتمالها على الركعة و فيها لا بدّ من رفع اليد عنها، أو تأويلها لا يضرّ بالمقصود، كما لا يخفىٰ.

بل يمكن الاستشهاد له بما دلّ علىٰ أنّه لا يعيد الصلاة لسجدة، مثل صحيحة منصور بن حازم «3» علىٰ طريق «4» الصدوق قال: سألته عن رجل صلّىٰ، فذكر أنّه زاد سجدة، قال

لا يعيد صلاة من سجدة، و يعيدها من ركعة «5».

______________________________

(1) في نسخة الوسائل التي عندنا بدل قوله: «بعينه» قوله: «يغنيه» و هو و إن كان صحيحاً، لكنّ الظاهر خطأ النسخة، و الصحيح: «بعينه» [منه (قدّس سرّه)].

(2) تهذيب الأحكام 2: 150/ 588، وسائل الشيعة 8: 200، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 3، الحديث 6.

(3) هو الشيخ الفقيه الثقة الصدوق أبو أيّوب البجلي منصور بن حازم. روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و عن

أبان بن تغلب و عبد اللّٰه بن أبي يعفور و هشام بن سالم .. و روى عنه أبان بن عثمان و عبد اللّٰه بن المغيرة و عثمان بن عيسىٰ ..

رجال النجاشي: 413/ 1101، معجم رجال الحديث 18: 342 343.

(4) رواها الصدوق بإسناده عن منصور، و طريقه إليه: محمّد بن عليّ ماجيلويه (رضى اللّٰه عنه)، عن محمّد بن يحيى العطّار، عن محمّد بن أحمد، عن محمّد بن عبد الحميد، عن سيف بن عميرة.

مشيخة الفقيه: 22.

(5) الفقيه 1: 228/ 1009، تهذيب الأحكام 2: 156/ 610، وسائل الشيعة 6: 319، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 14، الحديث 2.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 119

فإنّ السؤال و إن كان عن الزيادة، لكنّ الجواب بصدد بيان قاعدة كلّية: و هي أنّ الصلاة لا تعاد من قِبل سجدة واحدة؛ زادت أو نقصت، و هي تدلّ علىٰ أنّ الآتي بالمنافي بعد السلام لا يعيد الصلاة؛ فإنّ الإعادة بنظر العرف لو كانت إنّما هي لأجل السجدة، لا لفقد الطهور، و لا تعاد الصلاة لسجدة.

فتحصّل ممّا مرّ: أنّ السلام إذا وقع في الركعة الأخيرة و لو قبل التشهّد أو قبل سجدة فهو انصراف. هذا حال السجدة الواحدة أو التشهّد.

و أمّا لو وقع السلام قبل سجدتين، فمع فعل المنافي سهواً لا إشكال في وجوب الإعادة.

و أمّا مع عدم المنافي، فلا تخلو المسألة من غموض و إشكال. و إثبات كون السلام انصرافاً أو كونه في غير محلّه و يجب التدارك، من تلك الأدلّة «1» مشكل.

نعم، لو قلنا بإطلاق صحيحة الحلبي المتقدّمة في صدر البحث «2»، يكون معه انصرافاً، لكن قد عرفت الكلام فيها. و استفادة ذلك من صحيحة حكم بن حكيم «3» مشكلة، بل ممنوعة؛ لأنّ قوله

يقضي

و

قوله

لا يعيد

منافيان لذلك.

فالمسألة محلّ إشكال؛ و إن كان القول ببقاء محلّ تداركهما بعد عدم الدليل علىٰ كون السلام انصرافاً لا يخلو من قوّة.

ثمّ بعد ما عرفت من أنّ السلام في الركعة الأخيرة قبل سجدة انصراف، يظهر حال جميع الفروع في المسألة: من صحّة الصلاة، و قضاء السجدتين

______________________________

(1) تقدّمت في الصفحة 115 118.

(2) تقدّمت في الصفحة 112.

(3) تقدّمت في الصفحة 117.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 120

و سجدتي السهو مرّتين؛ سواء علم بترك السجدة الثانية من الأخيرة، أو من غيرها، أو لا يعلم.

تنبيه:

إنّ بعض المحقّقين (قدّس سرّه) «1» قد تشبّث بإطلاق موثّقة إسحاق بن عمّار «2» «3» و استكشف من إطلاقها أنّ السلام وقع في غير محلّه؛ و أنّ المصلّي بعد السلام في الصلاة، و أنّه بالمنافي يخرج منها، و لأجله حكم ببطلان الصلاة مع وقوع المنافي، و بالرجوع و التدارك مع عدمه «4».

______________________________

(1) هو آية اللّٰه العظمى المحقّق الكبير الشيخ ضياء الدين بن محمّد العراقي. ولد في مدينة أراك، و درس في أصفهان حتّى حاز علىٰ رتبة الاجتهاد، ثمّ توجّه نحو النجف الأشرف، فحضر حضور تحقيق عند السيّد الفشاركي و الآخند الخراساني، و بعدها استقلّ بالتدريس، و برع في علم الأُصول و تخصّص به و أبدع، و أصبح المدرِّس الوحيد بالنجف الأشرف في الأُصول فحسب، تحضر بحثه الأفاضل و المحقّقون. و قد أمضي في التدريس ما يقارب الستّين عاما تخرّج علىٰ يديه فيها عدد كبير من الفقهاء المجتهدين، منهم آية اللّٰه السيّد الحكيم و آية اللّٰه السيّد الخوئي، و آية اللّٰه الشيخ محمّد تقي البروجردي. من مؤلّفاته مقالات الأُصول و شرح تبصرة المتعلّمين. توفّي (قدّس سرّه) سنة 1361.

معارف الرجال 1: 386، و راجع أيضاً مقدّمة

نهاية الأفكار.

(2) هو إسحاق بن عمّار الساباطيّ، كان فطحيّاً إلّا أنّه ثقة، واصلة معتمد عليه. روىٰ عن الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) و روى عنه أبان بن عثمان و ثعلبة بن ميمون و يونس بن عبد الرحمن.

الفهرست: 15، معجم رجال الحديث 3: 54 56.

(3) تأتي موثّقة إسحاق بن عمّار في الصفحة التالية.

(4) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 9.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 121

ثمّ رجع عن ذلك في التعليقة علىٰ ما ذكره بتصحيح الصلاة مع تركه السجدة الواحدة لو أتى بالمنافي، قائلًا: «إنّ دليل

يستقبل

أي رواية إسحاق لمّا كان في مقام تصحيح الصلاة، فلا يكاد يجري في المقام؛ لأنّه يلزم من تطبيقه إفساد الصلاة، و معه يسقط الجزء عن الجزئيّة، و لازمه وقوع السلام في محلّه» «1» انتهىٰ.

و ها هي موثّقة إسحاق بن عمّار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السّلام) عن الرجل ينسىٰ أن يركع، قال

يستقبل حتّى يضع كلّ شي ء من ذلك موضعه «2».

فهل يستفاد منها أنّ السلام وقع في غير محلّه، أو يستفاد منها أنّها بصدد تصحيح الصلاة؟! أو الظاهر منها أنّ السؤال عن نسيان الركوع و التذكّر بعد الصلاة، أو بعد الدخول فيما يترتّب على الركوع، و قوله

يستقبل

أي يستقبل الصلاة لا الركوع؟

فهي بصدد إبطال الصلاة لا تصحيحها. و ليس لسانها إلّا كرواية أبي بصير قال: سألت أبا جعفر عن رجل نسي أن يركع، قال

عليه الإعادة «3».

نعم، يستفاد منها أنّ الترتيب معتبر في الأجزاء في الجملة، و أمّا أنّ السلام مخرج أو ليس بمخرج، فلا يستفاد منها، و لا إطلاق لها من هذه الجهة؛ لأنّها

______________________________

(1) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 10، الهامش.

(2) تهذيب الأحكام 2: 149/ 583، الإستبصار 1: 356/ 1347، وسائل

الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 2.

(3) رواها الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد، عن محمّد بن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.

تهذيب الأحكام 2: 149/ 584، الإستبصار 1: 356/ 1346، وسائل الشيعة 6: 313، كتاب الصلاة، أبواب الركوع، الباب 10، الحديث 4.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 122

بصدد بيان استقبال الصلاة، لا بيان الترتيب حتّى يؤخذ بإطلاقها، فلا ما أفاده أوّلًا ممكنُ التصديق، و لا ما ذكره ثانياً رجوعٌ عن الأوّل.

هذا كلّه ما إذا حدث العلم بعد الصلاة.

حكم حدوث العلم بترك سجدتين في أثناء الصلاة

و أمّا إذا حدث في أثنائها، فإمّا أن يعلم أنّ السجدة الثانية المنسيّة من أيّة الركعات أو لا.

فعلى الأوّل: فإن دخل في الركن، فلا إشكال في وجوب قضائهما و سجدتي السهو مرّتين، و إن لم يدخل رجع فأتىٰ بها، و قضى السجدة الأُولىٰ، و أتى بسجدتي السهو لنسيانها.

و على الثاني: إذا احتمل كونها من الركعة التي بيده، فإن كان في المحلّ الشكّي، فالظاهر انحلال العلم بواسطة الأدلّة الدالّة علىٰ لزوم إتيان ما شكّ فيه في المحلّ «1» و أدلّة التجاوز «2» فلا محالة يجب عليه إتيانها و قضاء سجدة واحدة متروكة مع سجدتي السهو. و لا إشكال في لزوم قضائهما و سجدتي السهو مرّتين فيما إذا دخل في الركن.

و إنّما الكلام فيما إذا كان في المحلّ الذكري و تجاوز عن المحلّ الشكّي

______________________________

(1) وسائل الشيعة 6: 368 و 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 1، 2، 3، 6.

(2) وسائل الشيعة 1: 469، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء، الباب 42، الحديث 2، و 6: 369، كتاب الصلاة، أبواب السجود، الباب 15، الحديث 4، 5، و 8: 237 كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في

الصلاة، الباب 23، الحديث 1، 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 123

فقد يقال: «بأنّ مقتضىٰ أصالة عدم الإتيان بالسجدة بعد سقوط قاعدة التجاوز بالمعارضة هو لزوم رجوعه لتدارك السجدة المحتملة الفوت، و عليه قضاء السجدتين؛ للعلمِ بفوت إحداهما، و أصالةِ عدم إتيان الأُخرىٰ في الركعة السابقة» «1».

و قد يفصّل «بين ما إذا كان الأثر مترتّباً على الترك في الصلاة الصحيحة، أو على الترك المقيّد بكونه «2» عمدياً، و بين ما إذا كان مترتّباً على الترك بكونه «3» سهويّاً: بجريان الأصل لتنقيح الموضوع في الأوّلين، و عدم جريانه في الأخير» «4».

أقول: لا إشكال في أنّ الأثر غير مترتّب على الترك المطلق، أو الترك في الصلاة الصحيحة: أمّا الأوّل فواضح، و أمّا الثاني فلمخالفته للأدلّة.

عدم إمكان إحراز الموضوع بالأصل و إشارة إلى اعتبارات القضايا

و ظاهر الأدلّة هو الترتّب على الترك السهوي، و غاية ما يمكن أن يدعىٰ هو ترتّبه علىٰ عنوان أعمّ منه؛ و هو الترك الغير العمدي بنحو الإيجاب العدولي، أو الترك الذي ليس بعمد بنحو الموجبة السالبة المحمول، و علىٰ أيّ تقدير لا يمكن إحراز الموضوع بالأصل:

أمّا إذا كان مترتّباً على الترك السهوي فواضح؛ لأنّ أصالة عدم الإتيان

______________________________

(1) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 11 12.

(2) في المصدر: المقيد بعدم كونه ..

(3) في المصدر: الترك المقيّد بكونه ..

(4) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 11، الهامش.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 124

- مع القطع بكون العدم علىٰ فرضه يكون سهويّاً لا يثبت كون الترك سهويّاً إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا الترك الغير العمدي أو الذي ليس بعمد؛ فلأنّ في كلّ منهما يكون الاعتبار بتوصيف الموضوع بالمعنى العدمي: أمّا المعدولة فواضح، و أمّا الموجبة السالبة المحمول؛ فلأنّ الفرق بينها و بين السالبة المحصّلة: أنّ الثانية مفادها سلب

الصفة عن الموضوع، و لهذا يصدق مع عدم الموضوع في ظرف السلب، و مفاد الاولىٰ إثبات قضيّة سلبية للموضوع، و يكون [هو] الفرق بينها و بين المعدولة؛ بعد اشتراكهما في توصيف الموضوع بمعنى سلبي بنحو من الاعتبار.

و بعد القطع بأنّ الموضوع في أدلّة السهو، ليس عدم كون الترك عمدياً بنحو السلب البسيط الصادق مع عدم السهو و عدم الصلاة، لا بدّ و أن يكون بنحو الإيجاب العدولي أو الموجبة السالبة المحمول الغير الصادقين إلّا مع وجود الموضوع، فالموضوع هو الترك المتصف، و لم تكن له حالة سابقة، فما كان له حالة سابقة هو عدم الترك المتصف بنحو السلب التحصيلي، لا الترك المتصف بالعدم؛ لعدم إمكان الاتصاف في الأزل و لو بمعنى عدمي؛ لأنّ الاتصاف نحو ثبوت شي ء لشي ء، و هو فرع نحو ثبوت للمثبت له.

و أمّا استصحاب العدم الأزلي بنحو السلب التحصيلي المنطبق على الإيجاب العدولي أو الموجبة السالبة المحمول في ظرف الوجود، فهو من الأُصول المثبتة؛ لأنّ استصحاب الأعمّ لإثبات الأخصّ بواسطة الملازمة مثبت.

و لعدم التفريق بين اعتبارات القضايا بما أشرنا إليه و فصّلناه في مقامات

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 125

من الأُصول «1» وقع الخلط و الاشتباه في كثير من الموارد:

منها: في باب أصالة عدم التذكية.

و منها: في اللباس المشكوك فيه.

و منها: في أصالة عدم القرشية .. إلىٰ غير ذلك.

فتحصّل ممّا ذكرنا: عدم جريان أصالة عدم السجدة لإثبات القضاء، و لا لوجوب الرجوع و التدارك، فلا بدّ من العمل على العلم الإجمالي بعد سقوط قاعدة التجاوز، و مقتضاه الرجوع و الإتيان بالسجدة و قضاؤها و سجدتي السهو لأجله؛ للعلم الإجمالي بأنّه إمّا يجب عليه الرجوع و التدارك، أو يجب عليه المضيّ و القضاء و

سجدتا السهو.

و هذا و إن كان من قبيل الدوران بين المحذورين؛ لأنّ وجوب المضيّ و وجوب الرجوع للتدارك لا يمكن الجمع بينهما، لكنّ الأدلّة الدالّة على الرجوع، يستفاد منها أنّ تلك الزيادة التي لأجل التدارك لا توجب بطلان الصلاة، بل ما يكون موجباً للبطلان هو الزيادة العمدية، و ما أتى به لأجل التدارك لا يوجب البطلان، فالرجوع إلى التدارك هاهنا لا يوجب البطلان؛ للشكّ في عروض المبطل لو سلّم كون تلك الزيادات الاحتياطية مبطلة، و إلّا فلا إشكال.

فتحصّل من ذلك: أنّ الاحتياط يحصل بالرجوع و التدارك و قضاء السجدة و سجدتي السهو، و لا تلزم إعادة الصلاة.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 259 265، أنوار الهداية 2: 101 105، الاستصحاب، الإمام الخميني (قدّس سرّه): 96 100.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 126

المسألة الرابعة في حكم الشكّ حال الركعة البنائية

اشارة

إذا كان في الركعة الرابعة البنائية مثلًا، و شكّ في أنّ شكّه السابق بين الاثنتين و الثلاث، كان قبل إكمال السجدتين أو بعدهما، فبمقتضى العلم الإجمالي بأنّه إمّا يجب عليه البناء و العمل بالشكّ إذا كان بعد الإكمال، أو يجب عليه الإعادة إذا كان قبل الإكمال، يجب عليه الجمع بين الوظيفتين.

و قد يقال بالبناء على الثاني؛ لعمومات

ابنِ على الأكثر «1»

المقتضية للبناء عليه في جميع الركعات، غاية الأمر خرج الشكّ في الأُوليين، فأصالة عدم كون شكّه هذا شكّاً حادثاً في الأُوليين، يثبت موضوع البناء «2».

و قد يقال: إنّ موضوع البناء هو الشكّ الفعلي مع حفظ الركعتين الأوّلتين، و هو حاصل «3».

و لمّا كانت المسألة مبتنية علىٰ تنقيح موضوع البناء، فلا بدّ من الإشارة الإجمالية إليه.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 349/ 1448، وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3، و مثلها

غيرها ممّا ذكر في الباب المذكور.

(2) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 19 20.

(3) انظر الصلاة، المحقّق الحائري: 370، العروة الوثقىٰ 2: 61، كتاب الصلاة، ختام فيه مسائل متفرّقة، المسألة الرابعة، تعليقة المحقّق الميلاني.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 127

حول موضوع البناء على الأكثر

فنقول: لا إشكال في أنّ عمومات البناء على الأكثر مثل موثّقة عمّار بن موسى «1» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): أنّه قال له

يا عمّار، أجمع لك السهو في كلمتين: متى شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت «2»

و غيرها ممّا هو قريب بهذا المضمون «3» محكومة بالنسبة إلىٰ ما دلّ علىٰ أنّ السهو ليس في الأُوليين، مثل صحيحة زرارة «4» قال: قال أبو جعفر (عليه السّلام)

كان الذي فرض اللّٰه تعالىٰ على العباد عشر ركعات، و فيهنّ القراءة، و ليس فيهنّ و هم

يعني سهواً

فزاد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) سبعاً، و فيهنّ الوهم، و ليس فيهنّ قراءة،

______________________________

(1) هو أبو الفضل عمّار بن موسى الساباطي. كان ثقة في حديثه فطحيّ المذهب. روىٰ عن الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و روى عنه حمّاد بن عثمان و محمّد بن سنان و مصدّق بن صدقة.

رجال النجاشي: 290، الفهرست: 117، معجم رجال الحديث 12: 260.

(2) الفقيه 1: 225/ 992، وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.

(3) كالرواية المشار إليها في الصفحة السابقة.

(4) هو شيخ أصحابنا في زمانه و متقدّمهم القارئ الفقيه المتكلّم الشاعر الأديب أبو الحسن زرارة بن أعين بن سنسن. كان ممّن اجتمعت فيه خلال الفضل و الدين، و أجمعت الطائفة علىٰ تصديقه. صحب الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) و روى عن

الصادقين (عليهما السّلام) و عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي و عمر بن حنظلة و محمّد بن مسلم، و روى عنه أبان بن عثمان و صفوان بن يحيىٰ و محمّد بن مسلم. مات (رحمه اللّٰه) سنة 150 ه.

اختيار معرفة الرجال 2: 507، رجال النجاشي: 175/ 463، معجم رجال الحديث 7: 247 248.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 128

فمن شكّ في الأُوليين أعاد حتّى يحفظ و يكون علىٰ يقين، و من شكّ في الأخيرتين عمل بالوهم «1».

فهي بلسانها تنقّح موضوع السهو؛ و أنّ موضوعه هو الأخيرتان، فالشكّ الحادث في الأخيرتين بعنوانه موضوع للبناء، لا عدم حدوث الشكّ في الأُوليين.

و مثلها غيرها، كرواية عبد اللّٰه بن سليمان العامري «2» عن أبي جعفر (عليه السّلام) و فيها

إنّما يجب السهو فيما زاد رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) «3».

و صحيحة الحسن بن عليّ الوشّاء «4» أو حسنته قال: قال لي أبو الحسن الرضا (عليه السّلام)

الإعادة في الركعتين الأوّلتين، و السهو في الركعتين الأخيرتين «5».

______________________________

(1) الفقيه 1: 128/ 605، وسائل الشيعة 8: 187، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

(2) عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق (عليه السّلام) من غير توثيق، فالرجل مجهول الحال.

رجال الطوسي: 265.

(3) الكافي 3: 487/ 2، وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 9.

(4) هو أبو محمّد و ابن بنت إلياس: الحسن بن عليّ بن زياد الوشّاء الخزّاز. صحب الرضا و الهادي (عليهما السّلام) و لم يرد بحقّه توثيق صريح، و إنّما مدحه النجاشي بكونه خيّراً من وجوه هذه الطائفة و عيونها، و الرواية صحيحة بناءً على استفادة الوثاقة، و من مثل

هذه التعابير و إلّا فحسنة. و روى عن الكاظم و الرضا (عليهما السّلام) و عن جميل بن درّاج و عبد اللّٰه بن سنان، و روى عنه أحمد بن محمّد بن عيسىٰ و الحسين بن سعيد و عبد اللّٰه بن الصلت.

رجال النجاشي: 39 40، رجال الطوسي: 371 و 412، معجم رجال الحديث 5: 27.

(5) الكافي 3: 350/ 4، تهذيب الأحكام 2: 177/ 709، الإستبصار 1: 364/ 1386، وسائل الشيعة 8: 190، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 10.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 129

فهذه الروايات بلسانها تفسّر تلك العمومات، فيكون مفادها بعد التفسير: أنّه متى شككت في الركعتين الأخيرتين ابنِ على الأكثر، و لا إشكال في أنّ المناط بحدوث الشكّ لا بقائه، فيكون المعنىٰ: متى كان الشكّ حين حدوثه في الركعتين الأخيرتين يبنىٰ على الأكثر.

و يؤيّد ذلك صحيحة زرارة، عن أحدهما (عليهما السّلام) في حديث قال: قلت له: رجل لم يدرِ أ ثنتين صلّىٰ أم ثلاثاً، قال

إن دخله الشكّ بعد دخوله في الثالثة مضى في الثالثة، ثمّ صلّى الأُخرىٰ، و لا شي ء عليه و يسلّم «1».

بناءً علىٰ أنّ المراد من

الثالثة

هي الركعة التي يشكّ في أنّه ثالثة أو رابعة، و المراد بالمضيّ فيها هو إتمامها بالبناء على الثالثة؛ أي فيما يشكّ فيه بقرينة

ثمّ صلّىٰ الأُخرىٰ

فإنّ التمام [المستفاد من] كلمة

ثمّ

و قولَه

صلّى الأُخرىٰ

يوجبان ظهورها في الصلاة المستقلّة المفصولة، فهي و إن لم يبعد أن يكون بناؤها على الإجمال و بيان الحكم بنحو الإبهام، لكن يفهم منها أنّ الميزان في البناء هو حدوث الشكّ بعد الدخول في الركعة التالية.

و كيف كان: فدعوى كون الموضوع للبناء هو الشكّ بين الاثنتين و الثلاث- مع عدم كونه شكّاً في الأوّلتين

«2»، أو مع عدم حدوثه قبل الإكمال «3»، أو مع

______________________________

(1) الكافي 3: 350/ 3، تهذيب الأحكام 2: 192/ 759، الإستبصار 1: 375/ 1423، وسائل الشيعة 8: 214، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 1.

(2) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 19 20.

(3) الصلاة، المحقّق الحائري: 421.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 130

حفظ الأُوليين مطلقاً «1»، أو مع صحّة الصلاة «2» تخرّص مخالف لظواهر النصوص، فيكون الموضوع هو الشكّ في الأخيرتين حين حدوثه مع تمامية الركعتين الأوّلتين، أو حدوث الشكّ في حال حفظ الأوّلتين، أو حدوثه حين دخل في الثالثة، و لا يمكن إثبات هذه العناوين بالأصل.

بل لو سلّم كون الموضوع هو كون الشكّ في الأخيرتين مع عدم حدوثه في الأوّلتين، فلا يمكن إثباته بالأصل و الوجدان؛ لأنّ الموضوع هو كون الشكّ الذي في الأخيرتين غيرَ حادث في الأوّلتين، أو لم يكن حادثاً فيهما، لا عدم حدوث شكّه في الأوّلتين علىٰ نعت السلب التحصيلي؛ لعدم كون هذا السلب الأعمّ من سلب الموضوع موضوعاً لحكم، فما يمكن إحرازه بالأصل هو هذا السلب المطلق، و هو ليس بموضوع، و ما هو الموضوع و هو الشكّ الذي لم يحدث في الأوّلتين، أو الشكّ الغير الحادث لا يمكن إثباته بالأصل؛ لعدم الحالة السابقة علىٰ فرض، و مثبتية الأصل على الآخر.

و توهّم كون الموضوع هو الشكّ في الأخيرتين مع حفظ الأوّلتين، و الشكّ الفعلي كذلك «3»، غير سديد؛ لأنّ المناط كما تقدّم «4» بحدوث الشكّ لا بقائه، فالشكّ الفعلي مع حفظ الركعتين لا أثر له، و لا يكون مشمولًا للأدلّة، بل لا بدّ من إثبات أنّ الركعتين محفوظة حين حدوث الشكّ، و أصالة عدم حدوث الشكّ إلىٰ زمان

الحفظ مع معارضتها بأصالة عدم حفظ الركعتين إلىٰ زمان حدوث الشكّ-

______________________________

(1) انظر الصلاة، المحقّق الحائري: 370، نهاية التقرير 2: 179.

(2) انظر نهاية التقرير 2: 176 177.

(3) انظر الصلاة، المحقّق الحائري: 370، العروة الوثقىٰ 2: 61، كتاب الصلاة، ختام فيه مسائل متفرقة، المسألة الرابعة، تعليقة المحقّق الميلاني.

(4) تقدّم في الصفحة 129.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 131

لا تثبت أنّ الشكّ حادث في زمان الحفظ.

مختار شيخنا العلّامة الحائري و نقده

و أمّا التمسّك بقاعدة التجاوز، أو أصالة عدم الخطأ أو السهو، و التفصيل بين ما علم حكم الشكّ و احتمل المضيّ و البناء على الثلاث قبل إكمال السجدتين سهواً، و ما لم يعلم، فحكم بعدم الاعتناء في الأوّل؛ سواء حدث الشكّ في الأثناء، أو بعد الصلاة «1»، فغير وجيه و إن قرّبه شيخنا العلّامة- أعلىٰ اللّٰه مقامه فإنّ قاعدة التجاوز- لو فرض التعبّد بالبناء علىٰ عدم كون الشكّ قبل الإكمال لا تثبت لوازمه: من كونه حادثاً بعده، أو كونه حادثاً في زمان حفظ الركعتين، أو حدوث الشكّ في الركعتين الأخيرتين .. إلىٰ غير ذلك من العناوين التي يمكن أن تكون موضوعة للحكم.

بل لو فرض أنّ الموضوع الشكّ في الأخيرتين مع عدم حدوث الشكّ قبل إكمال الركعتين فلا يفيد؛ لأنّ القاعدة لو كانت أصلًا محرزاً فلا تكون إلّا أصلًا محرزاً حيثيّاً لا محرزاً مطلقاً، و لهذا لا يفيد البناء علىٰ تحقّق الطهارة في صلاة بعد فراغها لإحرازها لصلاة أُخرى؛ لأنّ التعبّد بالوجود من حيث الصلاة التي فرغ منها لا مطلقاً، ففيما نحن [فيه] يكون التعبّد بعدم الشكّ قبل الإكمال من حيث الأصالة في صحّة الصلاة، لا من حيثيّات أُخر، ككونه موضوعاً للبناء على الأكثر، فتدبّر جيّداً.

و أمّا أصالة عدم السهو و النسيان، فلا دليل

علىٰ حجّيتها شرعاً أو ثبوتها عند لعقلاء؛ بحيث يمكن التمسّك بها لإثبات مثل ذلك؛ أي إثبات كون الشكّ

______________________________

(1) انظر الصلاة، المحقّق الحائري: 421.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 132

حادثاً في الركعتين الأخيرتين.

فتحصّل من جميع ما ذكرنا: أنّه لا محيص عن العمل بالعلم الإجمالي.

إشكال و دفع

إن قلت: إنّ الدليل علىٰ حرمة قطع الصلاة ليس إلّا الإجماع «1» و القدرُ المتيقّن منه هو الصلاة التي يجوز الاكتفاء بها؛ أي ما علم تفصيلًا أنّه صلاة، و معه يجوز رفع اليد عن صلاته و إتيان مصداق آخر.

قلت: أدلّة لزوم البناء على الشكوك الصحيحة، دالّة على انقلاب التكليف في زمان عروض الشكّ من الركعة المتّصلة إلى المنفصلة، و هذا عزيمة لا رخصة، فمع العلم التفصيلي بالشكوك الصحيحة لا يجوز نصّاً «2» و فتوى «3» رفع اليد عن الصلاة التي بيده و إتيان فرد آخر، و العلم الإجمالي كالتفصيلي في لزوم الخروج عن عهدة التكليف.

______________________________

(1) انظر مفتاح الكرامة 3: 45، جواهر الكلام 11: 123.

(2) و هي أدلّة وجوب البناء على الأكثر، راجع وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8.

(3) راجع العروة الوثقىٰ 2: 29، كتاب الصلاة، فصل في الشكّ في الركعات، المسألة 21.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 133

المسألة الخامسة في حكم دوران الركعة بين آخر الظهر و أوّل العصر

1 حكم ما إذا كان في الوقت المشترك

إذا شكّ في أنّ الركعة التي بيده آخر الظهر، أو أنّه أتمّها و هذه أوّل العصر، فإن كان في الوقت المشترك أتمّها ظهراً، و صحّت صلاته. هذا إذا لم يأتِ بعنوان العصر بشي ء.

و أمّا إذا أتى بعنوانه بذكر و قراءة، فلا إشكال في عدم الإبطال، إنّما الكلام في وجوب الرجوع و الإتيان بهما بعنوان الظهر، أو يكتفىٰ بهما؟

لا يبعد الاكتفاء؛ إمّا لأجل أنّ المأتي به بعنوان العصر من باب الخطأ في التطبيق؛ لأنّ المصلّي إذا دخل في صلاة الظهر، ففي ارتكازه إتمام المأمور به فعلًا، و توهّم كونه عصراً في البين من باب الخطأ لا يضرّ.

و إمّا من باب الأدلّة الخاصّة، كصحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة «1» قال: في

______________________________

(1) هو الشيخ

الورع الجليل الثقة أبو محمّد عبد اللّٰه بن المغيرة البجلي، كان لا يعدل به أحد من جلالته و دينه و ورعه، و كان أيضاً ممّن أجمع الأصحاب علىٰ تصديقه و الانقياد له. صحب الكاظم و الرضا (عليهما السّلام) و روى عنهما و عن إسحاق بن عمّار و عبد اللّٰه بن سنان و موسى بن بكر .. و روى عنه أيّوب بن نوح و الحسين بن سعيد و عبد اللّٰه بن الصلت ..

رجال النجاشي: 215، رجال الطوسي: 355 و 356 و 379، اختيار معرفة الرجال 2: 830، معجم رجال الحديث 10: 241 242.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 134

«كتاب حريز» «1» أنّه قال: إنّي نسيت أنّي في صلاة فريضة؛ حتّى ركعت و أنا أنويها تطوّعاً، قال فقال (عليه السّلام)

هي التي قمت فيها: إذا كنت قمت و أنت تنوي فريضة ثمّ دخلك الشكّ، فأنت في الفريضة، و إن كنت دخلت في نافلة فنويتها فريضة، فأنت في النافلة «2».

و في رواية «3» معاوية «4» قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن رجل قام في الصلاة المكتوبة، فسها فظنّ أنّها نافلة، أو في النافلة فظنّ أنّها مكتوبة، قال:

______________________________

(1) هو أبو محمّد حريز بن عبد اللّٰه السجستاني الأزدي. كان ثقة غير أنّه شهر السيف في قتال الخوارج بسجستان في زمان الصادق (عليه السّلام) و قد روي أنّه (عليه السّلام) جفاه و حجبه. روىٰ عن أبي بصير و زرارة و محمّد بن مسلم، و روى عنه ابن أبي عمير و عبد اللّٰه بن المغيرة و يونس بن عبد الرحمن.

رجال النجاشي: 144 145، معجم رجال الحديث 4: 253 255.

(2) الكافي 3: 363/ 5، تهذيب الأحكام 2: 342/ 1418، وسائل الشيعة 6: 6،

كتاب الصلاة، أبواب النية، الباب 2، الحديث 1.

(3) رواها الشيخ بإسناده عن محمّد بن مسعود العيّاشي، و إسناده كما يلي: جماعة، عن أبي المفضّل محمّد بن عبد اللّٰه بن محمّد الشيباني، عن جعفر بن محمّد بن مسعود، عن أبيه. و هو ضعيف بأبي المفضّل المخلط الضعيف، و بولد العيّاشي، فقد ذكره الشيخ الطوسي في رجاله مقتصراً علىٰ قوله: «فاضل ..».

رجال النجاشي: 396، الفهرست: 139 و 140، رجال الطوسي: 459 و 511.

(4) معاوية هنا مشترك بين معاوية بن عمّار بن أبي معاوية الدهني، الذي كان ثقة وجهاً في أصحابنا، مقدّماً كثير الشأن عظيم المحلّ، و من أصحاب الصادق (عليه السّلام) و بين معاوية بن وهب البجلي، الذي كان أيضاً ثقة حسن الطريقة، و من أصحاب الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و قد روىٰ يونس عن كلّ منهما.

رجال النجاشي: 411 412، رجال الطوسي: 310، معجم رجال الحديث 20: 180.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 135

هي علىٰ ما افتتح الصلاة عليه «1».

و في رواية ابن أبي يعفور «2» قريب من الاولىٰ، و زاد في آخرها

و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «3».

و لا يبعد أن تكون تلك الروايات علىٰ طبق القاعدة المتقدّمة «4».

و كيف كان: يستفاد منها أنّ الصلاة علىٰ ما افتتح بها، و أنّ قصد الخلاف نسياناً غير مضرّ، و بإلغاء الخصوصيّة بل بإفادة القاعدة الكلّية يفهم حال ما نحن فيه. و منه يظهر حال ما إذا ورد المصلّي في الركوع و السجود، أو صلّىٰ ركعة أو ركعتين، فيحسب ما صلّىٰ علىٰ ما افتتح عليه.

2 حكم ما إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر

و أمّا إذا كان في الوقت المختصّ بالعصر فتارةً: يبقىٰ من الوقت بمقدارٍ لو أتمّ ما في يده ظهراً،

يدرك ركعة من العصر.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 197/ 776 و: 343/ 1419، وسائل الشيعة 6: 6، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 2.

(2) هو الشيخ المقرئ الثقة أبو محمّد عبد اللّٰه بن أبي يعفور (أو ابن واقد) العبديّ. كان جليلًا في أصحابنا كريماً على الإمام الصادق (عليه السّلام) روىٰ عنه (عليه السّلام) و عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور و أبي الصامت، و روى عنه إبراهيم بن عبد الحميد و إسحاق بن عمّار و الحسين بن المختار. مات (رحمه اللّٰه) في زمان الصادق (عليه السّلام).

رجال النجاشي: 213، معجم رجال الحديث 10: 102 103.

(3) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

(4) تقدّم في الصفحة 133.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 136

و أُخرى: يكون بمقدار لو رفع اليد عنها أدرك ركعة.

و ثالثة: لم يبقَ بمقدار ركعة.

و علىٰ أيّ حال: إن قلنا بأنّ الشكّ في إتيان الظهر في الوقت المختصّ بالعصر ممّا لا يعتنىٰ به و يكون كالشكّ بعد الوقت كما هو الأقوىٰ فيما إذا لم يصلِّ العصر فالواجب عليه رفعُ اليد عمّا في يده، و الشروعُ في العصر في الفرضين الأوّلين؛ لأنّ صلاة الظهر محكومة بالإتيان، و لا يجوز صرف الوقت المختصّ بالعصر فيها. و لا يمكن تصحيح ما بيده عصراً؛ لما تقدّم في بعض المسائل المتقدّمة «1».

و أمّا الفرض الأخير، فيأتي فيه ما تقدّم في بعض المسائل السابقة «2» من احتمال لزوم الموافقة الاحتمالية لصلاة العصر، فيجب عليه إتمامُها عصراً، و القضاءُ خارج الوقت.

لا يقال: إنّ أدلّة الشكّ بعد الوقت و الشكّ بعد تجاوز المحلّ، لا تشمل ما إذا علم إجمالًا أنّ ما بيده ظهر

أو عصر، و إنّما موردها ما إذا شكّ في إتيان الظهر و عدمه.

فإنّه يقال: إنّ الشكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر بعد وقت الظهر، شكٌّ في إتيان الظهر و عدمه، فيشمله قوله

كلّ ما شككت فيه ممّا قد مضى «3»

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 99، المسألة 1.

(2) تقدّم في الصفحة 104 106، المسألة 1.

(3) تهذيب الأحكام 2: 344/ 1426، وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 137

فشكّك ليس بشي ء «1».

و إن شئت قلت: إنّ الشاكّ في أنّ ما بيده ظهر أو عصر، شاكّ في إتيان الظهر و عدمه، و شاكّ في الشروع في العصر و عدمه، فلا مجال لإنكار شمول أدلّة الشكوك له.

و لو قلنا بعدم شمولها، فمع إمكان إتمام ما في يده ظهراً و إدراك ركعة من العصر، يجب عليه جعلها ظهراً و إتيان العصر؛ لأنّه في ذلك يقطع بإتيان الصلاتين و رفع اشتغال الذمّة.

و مع قصور الوقت عن ذلك، فإن كان الوقت بمقدار لو رفع اليد عمّا بيده يدرك ركعة من العصر، يجب ذلك، و لا يجوز جعله ظهراً؛ لأنّ الوقت مختصّ بالعصر، فمع العلم بعدم إتيان الظهر لا بدّ من الإتيان بالعصر، و مع قصوره عن ذلك أيضاً يأتي فيه ما سبق.

______________________________

(1) تهذيب الأحكام 2: 352/ 1459، وسائل الشيعة 8: 237، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 23، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 138

المسألة السادسة إذا شكّ في العشاء بين الثلاث و الأربع، فتذكّر أنّه سها عن المغرب

صحّت عشاءً في الوقت المختصّ بالعشاء، و يقضي المغرب خارج الوقت.

و أمّا في الوقت المشترك، فهل تصحّ مغرباً؛ أي يجب العدول إلى المغرب، و يبني على الثلاث، و تتمّ صلاته؟

أو تصحّ عشاءً مطلقاً،

و يبني على الأربع و يتمّها، و يأتي بالمغرب بعدها؟

أو يبطل ما في يده، و يأتي بهما؟

أو يفصّل بين عروض الشكّ بعد الدخول في الركوع، فتصحّ عشاءً، أو قبله، فيبطل علىٰ إشكال؟

وجوه:

أمّا احتمال صحّة العدول إلى المغرب؛ بأن يقال: إنّ الظاهر من أدلّة بطلان الشكّ في المغرب، هو عروض الشكّ على المغرب، و في المقام عرضت المغربية على المشكوك فيه، فلا دلالة لها علىٰ بطلانها «1». كما أنّ أدلّة البناء على الأكثر، غير شاملة لهذه الصلاة؛ لأنّها مختصّة بالرباعية، و مقتضى الأصل هو البناء على الأقلّ.

ففي غاية السقوط؛ لظهور أدلّة إبطال الشكّ للمغرب، في أنّ المعتبر في المغرب هو حفظ ركعاته؛ و أنّ المطلوب هو الاستيقان بالركعات، ففي صحيحة

______________________________

(1) احتمله المحقّق الإيرواني في رسالة عقد اللآلي في فروع العلم الإجمالي: 7.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 139

محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يصلّي؛ و لا يدري واحدة صلّىٰ أم ثنتين، قال

يستقبل حتّى يستيقن أنّه قد أتمّ، و في الجمعة، و في المغرب، و في الصلاة في السفر «1».

و في صحيحته الأُخرىٰ، عن أحدهما (عليهما السّلام) قال: سألته عن السهو في المغرب، قال

يعيد حتّى يحفظ؛ إنّها ليست مثل الشفع «2».

و مع الغضّ عنه لا مجال للأصل في إحراز الركعات؛ لأنّ أصالة عدم الإتيان بالركعة، أثرها العقلي أنّ مع ضمّ ركعة أُخرى مثلًا تتمّ الصلاة، و فيما نحن فيه أصالة عدم الرابعة لا تثبت كون المغرب ثلاث ركعات بلا زيادة و نقيصة إلّا بالأصل المثبت.

و أمّا صحّتها عشاءً، فتبتني علىٰ أمرين:

أحدهما: شمول حديث

لا تعاد .. «3»

لرفع الترتيب الغير العمدي في مثل المقام، و هو الأصحّ؛ لما عرفت سابقاً «4» من ظهور أدلّة

الترتيب في أنّه معتبر بين ماهيّة الصلاتين لا أجزائهما، و محلّ تحصيله أوّل الشروع فيها. و لو لا أدلّة العدول لقلنا بسقوط الترتيب بمجرّد الشروع.

______________________________

(1) الكافي 3: 351/ 2، تهذيب الأحكام 2: 179/ 715، الإستبصار 1: 365/ 1391، وسائل الشيعة 8: 189، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 1، الحديث 7.

(2) تهذيب الأحكام 2: 179/ 717، الإستبصار 1: 370/ 1406، وسائل الشيعة 8: 194، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 2، الحديث 4.

(3) تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.

(4) تقدّم في الصفحة 108، المسألة 2.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 140

و ثانيهما: عدم شمول أدلّة العدول إلى السابقة لمثل ما نحن فيه ممّا يكون العدول مفسداً بأن يقال: إنّ مصبّ أدلّة العدول إنّما هو تصحيح الصلاة و علاجها، فلا تشمل ما يلزم من العدول الإفساد «1».

و مع تمامية المقدّمتين تتمّ صحّة ما بيده عشاءً، فيبني على الأربع و يتمّ.

لكنّ المقدّمة الثانية لا تخلو من إشكال؛ لأنّ ظاهر أدلّة العدول أنّ موضوعه هو عدم الإتيان بالسابقة، مع الشروع في اللاحقة، و بقاء محلّ العدول بحسب الواقع؛ من غير لحاظ العوارض و الطوارئ الخارجية، أ لا ترى أنّه لو فرض بعد الشروع في العشاء علمه بأنّه سها عن المغرب، و كان يصلّي في ملك الغير بإذنه، و لم يأذن له في صلاة المغرب، لما أمكن أن يقال: إنّ أدلّة العدول لا تشمل ما يلزم منه الفساد بناءً علىٰ فساد الصلاة في الملك الغير المأذون فيه و ذلك لأنّ أدلّة العدول لا تنظر إلى الطوارئ، فمع عدم إمكان تصحيح الصلاة بالعدول، لا بدّ

من رفع اليد عن الصلاة، لا إتمام العشاء و رفع اليد عن أدلّة العدول.

و فيما نحن فيه أيضاً، لمّا كانت أدلّة العدول غير ناظرة إلى الطوارئ و لزوم الفساد في بعض الأحيان، فلا محالة مع لزوم ذلك لا بدّ من رفع اليد عن الصلاة، لا البناء على الأربع بدعوىٰ عدم شمول أدلّة العدول لما يلزم من تطبيقها الفساد.

و بالجملة: إنّ موضوع العدول أمر واقعي؛ تعلّق علم المكلّف به أو لا، صار موجباً للفساد أو لا، غاية الأمر مع لزوم الفساد لا يمكن العدول، و لا تصحيح الصلاة.

نعم، مع البناء علىٰ قصور أدلّة العدول عمّا نحن فيه، لا إشكال في جواز

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 421، العروة الوثقىٰ 2: 61، تعليقة المحقّق الشاهرودي.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 141

البناء على الأكثر و تتميمها عشاءً من جهة الترتيب؛ لما مرّ سابقاً «1».

و من هنا يعرف: أنّ التفصيل بين ما قبل الركوع و ما بعده «2» غير وجيه؛ لأنّه مع قصور أدلّة العدول عمّا يلزم منه الفساد، لا إشكال في صحّتها عشاءً؛ قبل الركوع أو بعده، و مع عدم قصورها لا يمكن تصحيحها.

لا يقال: إنّ أدلّة البناء على الأكثر تحرز موضوع عدم صحّة العدول؛ لأنّ موضوعه هو كون ما بيده الركعة الرابعة، فمع الشكّ في الثلاث و الأربع و البناء على الأربع، يحرز موضوعه، فمع عدم العدول تصحّ عشاءً.

لأنّا نقول: لسان أدلّة البناء على الأربع ليس إلّا البناء الحيثي، لا إحراز الأربع مطلقاً.

و بعبارة اخرىٰ: ليس مفاد أدلّتها هو جعل الطريق إلى الأربع، و لا التعبّد بتحقّق الأربع مطلقاً؛ بحيث يترتّب عليه جميع الآثار، بل مفادها هو البناء العملي على الأربع من حيث العلاج فقط، و هذا مرادنا من «البناء

الحيثي» ففي موثّقة عمّار، عن أبي عبد اللّٰه: أنّه قال له

يا عمّار، أجمع لك السهو كلّه في كلمتين: متى شككت فخذ بالأكثر، فإذا سلّمت فأتمّ ما ظننت أنّك قد نقصت «3».

و في روايته الأُخرىٰ

إلا أُعلّمك شيئاً إذا فعلته ثمّ ذكرت أنّك أتممت أو نقصت، لم يكن عليك شي ء؟

قلت: بلىٰ، قال

إذا سهوت فابنِ على الأكثر، فإذا فرغت و سلمت فقم فصلِّ ما ظننت أنّك نقصت ..

إلىٰ آخره «4».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 108 و 139.

(2) العروة الوثقىٰ (المطبعة الإسلامية): 305، تعليقة المحقّق البروجردي.

(3) الفقيه 1: 225/ 992، وسائل الشيعة 8: 212، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 1.

(4) تهذيب الأحكام 2: 349/ 1448، وسائل الشيعة 8: 213، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 8، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 142

و معلوم: أنّ مفادهما ليس إلّا البناء العملي علىٰ تصحيح الصلاة، و أمّا التعبّد بالأربع فلا، و معه لا يجوز ترتيب آثار عدم صحّة العدول المترتّبة علىٰ تجاوز المحلّ.

مضافاً إلىٰ أنّه لو فرض ثبوت جميع آثار الأربع بها، للزم جواز العدول إلى المغرب قبل الركوع؛ لأنّ موضوعه هو الدخول في صلاة العشاء، و عدم التجاوز عن محلّ العدول؛ أي عدم الدخول في ركوع الركعة الرابعة، و مع البناء على الأربع قبل إتيان الركوع وجداناً، يحرز موضوع العدول، فلا بدّ من التفصيل بينهما بصحّتها عشاءً بعد الركوع، و جواز العدول إلى المغرب و صحّتها مغرباً.

لا يقال: إنّ الشكّ إذا عرض قبل الدخول في الركوع، يكون موضوع العدول محرزاً، و لمّا كان العدول موجباً للفساد تصير المسألة محلّ الإشكال، فلا بدّ من الاحتياط، و أمّا بعد الركوع فتكون من الشبهة المصداقيّة لأدلّة العدول،

فلا يجوز التمسّك بها، فلا بأس بالرجوع إلىٰ أدلّة البناء على الأكثر.

فإنّه يقال: استصحاب عدم الدخول في ركوع الركعة الرابعة أو استصحاب بقاء الركعة الثالثة، يحرز موضوع جواز العدول، و يخرج عن الشبهة المصداقية بالتعبّد، فلو تمّ جواز البناء على الأكثر معه يتمّ فيما نحن فيه أيضاً.

لكن يشكل الأمر: بأنّ العلم الإجمالي بأنّه إمّا أن يكون في الركعة الثالثة، فيلزم العدول، أو الرابعة، فتكون الصلاة تامّة غير محتاجة إلىٰ صلاة الاحتياط يوجب العلم التفصيلي بعدم جواز البناء على الأربع و لَغوية صلاة الاحتياط، فلا يمكن إحراز صحّة الصلاة مغرباً و لا عشاءً، فلا بدّ من الحكم بالبطلان و رفع اليد عنها و استئناف الصلاة. و لو قيل بانحلاله بالأصل فلا يمكن أيضاً تصحيح الصلاة.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 143

المسألة السابعة فيما إذا تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك ركعة من الظهر

اشارة

إذا تذكّر في أثناء العصر أنّه ترك ركعة من الظهر، فالظاهر صحّة الصلاتين و جواز تتميم صلاة الظهر و رفع اليد عن العصر، و تتميم العصر و إتيان الظهر بعده: أمّا صحّتهما، فلعدم الدليل علىٰ إبطال ما اتي به بعنوان العصر للظهر:

أمّا أدلّة إبطال الزيادة في الصلاة مطلقاً «1» أو ركعة «2» فلأنّ الزيادة في الصلاة عرفاً: عبارة عن إتيان شي ء في الصلاة بعنوان جزئيته، و أمّا إتيان شي ء في خلال الصلاة لا بعنوانها فلا يعدّ زيادةً، فلا يعدّ السعال و تسوية العمامة و أمثالهما في خلالها زيادةً فيها. و عدّ التكتّف عملًا فيها «3» لأجل إتيانه فيها بعنوان آداب

______________________________

(1) كقوله (عليه السّلام): «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» الكافي 3: 355/ 5، تهذيب الأحكام 2: 194/ 764، الإستبصار 1: 376/ 1429، وسائل الشيعة 8: 231، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث

2.

(2) كرواية زيد الشحّام قال: سألته عن الرجل صلّى العصر ستّ ركعات أو خمس ركعات، قال: «إن استيقن أنّه صلّىٰ خمساً أو ستّاً فليعد ..».

تهذيب الأحكام 2: 352/ 1461، وسائل الشيعة 8: 232، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 19، الحديث 3.

(3) فعن زين العابدين (عليه السّلام) أنّه قال: «وضع الرجل إحدىٰ يديه على الأُخرىٰ عمل، و ليس في الصلاة عمل».

قرب الإسناد: 95، وسائل الشيعة 7: 266، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 16، الحديث 4.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 144

الصلاة و دخالته فيها، و لهذا لو وضع يده على يده بلا قصد كونه للصلاة، فلا يعدّ عملًا فيها، و لا يكون مبطلًا بلا إشكال، فالأفعال التي أتى بها بقصد صلاة العصر، لا تعدّ زيادةً في الظهر.

و أمّا رواية زرارة التي لا يبعد أن تكون حسنة بقاسم بن عروة «1» عن أحدهما (عليهما السّلام) قال

لا تقرأ في المكتوبة بشي ء من العزائم؛ فإنّ السجود زيادة في المكتوبة «2».

فبعدما عرفت: أنّ الإتيان بسجدة العزيمة لا يعدّ زيادة في المكتوبة، لا بدّ من توجيهها:

إمّا بالالتزام بأنّ التعليل تعبّدي؛ لإفهام أنّ كلّ ما اتي به في الصلاة و لو لا بقصدها يكون زيادة تعبّدية منهيّاً عنها، و هو بهذا العموم لا يمكن الالتزام به. و إيراد التخصيص عليه مستهجن؛ لكثرة الخارج.

______________________________

(1) هو أبو محمّد القاسم بن عروة من أصحاب الإمام الصادق (عليه السّلام) ذكره الكشّي و الشيخ و النجاشي من غير أن يوثّقوه. نعم ذكر ابن داود أنّه ممدوح، فبناءً علىٰ حجّية توثيقات المتأخّرين تصير روايته حسنة. بل وثّقه المفيد (رحمه اللّٰه) في المسائل الصاغانية. و علىٰ أيّ فيروي القاسم عن أبي بصير و أبان بن عثمان

و زرارة .. و يروي عنه ابن أبي عمير و الحسين بن سعيد و محمّد بن عيسىٰ ..

المسائل الصاغانية، ضمن مصنّفات الشيخ المفيد 3: 71 72، رجال ابن داود: 153، معجم رجال الحديث 14: 29 30.

(2) الكافي 3: 318/ 6، تهذيب الأحكام 2: 96/ 361، وسائل الشيعة 6: 105، كتاب الصلاة، أبواب القراءة في الصلاة، الباب 40، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 145

و إمّا بأن يقال: إنّ السجدة و أمثالها ممّا هي شبيهة بأجزاء الصلاة إذا أتى بها و لو بغير نيّتها عدّت زيادة.

أو إنّ السجود و الركوع لا الأذكار كانا كذلك.

أو إنّ لسجدة العزيمة خصوصيّة؛ لأجل أنّ الإتيان بالعزيمة في الصلاة لمّا كان بقصد الجزئيّة، تكون سجدتها التي هي تابعة لها أيضاً كالجزء، فلذا يقال: «إنّها زيادة في المكتوبة».

أو إنّ المكتوبة أُخذت بالنسبة إلىٰ سجود العزيمة أو مطلق السجدة أو مع الركوع و الركعة، بشرط لا، و لهذا يكون الإتيان بها زيادة فيها.

كلّ ذلك احتمالات و تخرّصات؛ لا يمكن أن يعوّل علىٰ واحد منها. مع أنّه على الاحتمال الأخير تكون السجدة من قبيل النقيصة لا الزيادة؛ و إن عوّل عليه شيخنا العلّامة- أعلى اللّٰه مقامه قائلًا: «إنّه لم يرَ احتماله في كلام أحد» «1» و لعلّ عدم الاحتمال لأجل ما ذكرنا: من أنّه لو أُخذت الصلاة بشرط لا بالنسبة إلىٰ شي ء، يكون الإتيان به من قبيل النقيصة لا الزيادة. و كيف كان لا يمكن الالتزام بإبطال صلاة الظهر مع إتيان العصر في خلالها تمسّكاً بهذه الرواية.

و أمّا قضيّة اعتبار الموالاة في الصلاة؛ و أنّ المعتبر فيها هيئة اتصالية وحدانية بحسب ارتكاز المتشرّعة «2».

أو أنّ إقحام الصلاة في الصلاة، موجب لمحو الصورة «3».

______________________________

(1) الصلاة،

المحقّق الحائري: 313 314.

(2) انظر رسالة عقد اللآلي في فروع العلم الإجمالي: 8، الصلاة (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 2: 168 و 170.

(3) انظر مصباح الفقيه، الصلاة: 250/ السطر 12 13، الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي: 22، مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 602.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 146

أو أنّ الصلاة الثانية إذا اتي منها بركعة أو أزيد، يصير من قبيل الفعل الكثير «1».

فشي ء منها ممّا لا يمكن الاعتماد عليه؛ فإنّ اعتبار الموالاة بمعنى لزوم عدم الفصل بين أجزاء الصلاة و لو بذكرٍ و فعلٍ صلاتي لا دليل عليه. و دعوى ارتكاز المتشرّعة غير ثابتة.

و كذا كون الصلاة ماحية لصورة الصلاة الاولىٰ، في محلّ الإشكال. بل ادعىٰ بعضهم الجزم بعدم المحو «2»، و لا أقلّ من الشكّ.

كما أنّ مبطليّة الفعل الكثير إذا كان بمثل الأذكار و الأفعال الصلاتية غير ثابتة؛ إذ لا دليل علىٰ شي ء من ذلك سوىٰ دعوى الإجماع «3» و بعض الإشعارات في الروايات «4» و شي ء منهما لا يمكن الاتكال عليه لإثبات الإبطال.

______________________________

(1) انظر مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 602.

(2) روائع الأمالي في فروع العلم الإجمالي: 24.

(3) مفتاح الكرامة 3: 27/ السطر 20، جواهر الكلام 11: 55.

(4) كموثّق عمّار بن موسى قال: سألت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) عن الرجل يكون في الصلاة، فيقرأ فيرىٰ حيّة بحياله، يجوز له أن يتناولها فيقتلها؟ فقال (عليه السّلام): «إن كان بينه و بينها خطوة واحدة فليخط و ليقتلها، و إلّا فلا».

تهذيب الأحكام 2 ن: 331/ 1364، وسائل الشيعة 7: 273، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 19، الحديث 4.

و كصحيح حريز، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «إذا كنت في صلاة الفريضة فرأيت غلاماً لك قد أبق

أو غريماً لك عليه مال أو حيّة تخافها علىٰ نفسك، فاقطع الصلاة، و اتبع غلامك أو غريمك، و اقتل الحيّة».

الفقيه 1: 242/ 1073، وسائل الشيعة 7: 276، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 21، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 147

نعم، الظاهر بطلان الصلاة بواسطة السلام العمدي و لو لصلاة أُخرى؛ بدعوىٰ إطلاق قوله

إذا قلت: السلام علينا ..

إلىٰ آخره

فهو الانصراف «1».

و مع الإشكال في ذلك بأنّ ظاهره الانصراف عمّا اتي بالسلام لأجله لا إشكال في أنّ السلام كلام آدميّ عرفاً و نصّاً «2»، و هو مع العمد مبطل بلا إشكال، و معه إن أتى بصلاة الظهر، ثمّ سها عن ركعة و شرع في العصر، لا يمكن تصحيح الصلاتين؛ لأنّ الإتيان بتتمّة كلّ منهما لو سلّم عدم إبطاله لفقد الدليل لكن إذا سلّم يكون ذلك انصرافاً ممّا سلّم لها، و مبطلًا للأُخرىٰ.

اللهمّ إلّا أن يأتي بكلٍّ منهما إلى السلام، ثمّ يسلّم سلاماً واحداً لهما.

أو يدعىٰ: أنّ السلام لا يبطل الصلاة التي وصلت إلىٰ حدّ السلام.

لكنّ الثاني محلّ منع، و الأوّل محلّ إشكال؛ لعدم الدليل على التداخل، بل ظاهر الأدلّة أنّ لكلّ صلاة ابتداءً و اختتاماً؛ و أنّ أوّلها التكبير، و آخرها التسليم «3»، و إلّا فلا بدّ من الالتزام بجواز تداخل الصلاتين بتمامهما، و هو كما ترى.

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ الآتي ببعض العصر سهواً مع نقصان الظهر:

له أن يأتي بالظهر، و يرفع اليد عن العصر، و يتمّ صلاته، ثمّ يأتي بالعصر رأساً؛ لبطلانه بإتيان الظهر في خلاله عمداً. و مع المنع عن مبطليته يكون سلامه مبطلًا له، فيجب إعادته.

و له أن يأتي ببقيّة العصر، فإن قلنا: بأنّ إقحامه عمداً مبطل عدل بعد

______________________________

(1) الفقيه 1: 229/ 1014،

تهذيب الأحكام 2: 316/ 1292، مستطرفات السرائر: 97/ 16، وسائل الشيعة 6: 426، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 4، الحديث 2.

(2) راجع وسائل الشيعة 6: 417، كتاب الصلاة، أبواب التسليم، الباب 1، الحديث 10.

(3) راجع وسائل الشيعة 6: 11، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام و الافتتاح، الباب 1، الحديث 10.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 148

بطلانه إلى الظهر، ثمّ يأتي بالعصر، و إلّا فبعد سلام العصر يبطل الظهر، فيأتي به.

و أمّا اعتبار الترتيب بينهما فقد عرفت سابقاً «1»: أنّ الترتيب بين الماهيتين، و محلّ تحصيله أوّل الصلاة، و مع الدخول في العصر سهواً يسقط بدليل

لا تعاد .. «2».

مختار صاحب العروة و ردّه

و أمّا ما يظهر من السيّد العلّامة «3» في «العروة» من لزوم تتميم الظهر

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 108 و 139.

(2) تهذيب الأحكام 2: 152/ 597، وسائل الشيعة 7: 234، كتاب الصلاة، أبواب قواطع الصلاة، الباب 1، الحديث 4.

(3) هو آية اللّٰه العظمى الفقيه الأُصولي البحر المتلاطم السيّد محمّد كاظم بن عبد العظيم الطباطبائي اليزدي. ولد في قرية كنسو من قرىٰ يزد عام 1247 ه. و نشأ على العمل في الزراعة مع أبيه، ثمّ عزم على طلب العلم في الكبر، فقرأ في يزد المبادئ العربيّة و سطوح الفقه و الأُصول، ثمّ خرج إلىٰ أصفهان فأخذ عن الشيخ محمّد باقر الأصفهاني ابن صاحب هداية المسترشدين و الشيخ محمّد جعفر الآبادي، و بعدها هاجر إلى النجف الأشرف؛ و ذلك في السنة التي توفّي فيها الشيخ الأعظم، فأخذ عن الشيخ مهديّ كاشف الغطاء و الشيخ راضي النجفي و السيّد المجدّد الشيرازي، ثمّ انصرف إلى التدريس و التأليف. و قد أطبقت الإمامية على تقليده، و جبيت إليه الأموال الكثيرة ممّا قلّ أن يتفق

نظيره. كما كان لغوياً متقناً فصيحاً قيّماً بالعربية و الفارسية ينظم و ينثر فيهما. من تلامذته الشيخ الشهيدي و الشيخ محمّد حسين السبحاني. و أشهر مؤلّفات السيّد (رحمه اللّٰه) العروة الوثقىٰ و حاشيته على المكاسب. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 1337 ه.

أعيان الشيعة 10: 43، معارف الرجال 2: 326.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 149

و إعادة الصلاتين «1» فإن كان مراده لزوم الإتيان بالوظيفتين للعلم الإجمالي بلزوم الإتمام أو الإعادة ففيه ما تقدّم «2» من أنّ الإعادة ليست واجبة، بل الواجب هو إقامة الصلاة لدلوك الشمس إلىٰ غسق الليل «3» و هو معلوم بالتفصيل، و لم يسقط أمر الظهر و لا يسقط إلّا بإتيان فرد من الطبيعة صحيحاً، و الفرد الذي بيده إن دلّ دليل علىٰ بطلانه، فلا بدّ من رفع اليد عنه و إتيان فرد آخر، و إلّا فيجب إتمامه، و لا تلزم الإعادة.

و بعبارة اخرىٰ: مع الشكّ في عروض البطلان يحكم بصحّته، و يُتمّ و تصحّ صلاته، فلا وجه للزوم الجمع بين الوظيفتين.

و إن كان مراده الاحتياط بالإعادة فليست واجبة؛ على ما تقدّم من عدم عروض البطلان و عدم الدليل عليه «4».

و أمّا ما احتمله ثانياً من العدول و جعل ما بيده رابعة الظهر «5»، فهو مخالف للقاعدة، و أدلّةُ العدول غير شاملة له. و لا يجوز الاتكال فيه علىٰ رواية «الاحتجاج» لقصورها سنداً «6» و دلالةً، فعن «الاحتجاج» عن الحميري «7» عن

______________________________

(1) العروة الوثقىٰ 2: 62.

(2) تقدّم في الصفحة 103.

(3) الإسراء (17): 78.

(4) تقدّم في الصفحة 143.

(5) العروة الوثقىٰ 2: 62 63.

(6) حيث أرسلها صاحب الاحتجاج عن الحميري، و لم يذكر طريقه إليه.

(7) هو الشيخ الثقة الوجيه أبو جعفر محمّد بن عبد اللّٰه بن

جعفر الحميري القمّي الذي كاتَب صاحبَ الأمر (عليه السّلام) و سأله مسائل في أبواب الشريعة. روىٰ عن أبيه عبد اللّٰه بن جعفر الحميري، و روى عنه أحمد بن داود و أحمد بن هارون الفامي و جعفر بن محمّد بن قولويه.

رجال النجاشي: 354 355، معجم رجال الحديث 16: 234.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 150

صاحب الزمان (عليه السّلام): أنّه كتب إليه يسأله عن رجل صلّى الظهر، و دخل في صلاة العصر، فلمّا صلّىٰ من صلاة العصر ركعتين استيقن أنّه صلّى الظهر ركعتين، كيف يصنع؟ فأجاب

إن كان أحدث بين الصلاتين حادثة يقطع بها الصلاة أعاد الصلاتين، و إن لم يكن أحدث حادثة جعل الركعتين الأخيرتين تتمّة لصلاة الظهر، و صلّى العصر بعد ذلك «1».

لقرب احتمال أن يكون المراد من

الأخيرتين

اللّتان لم يأتِ بهما؛ و يكون المقصود رفع اليد عن الركعتين المأتيتين للعصر؛ و ضمّ ركعتين أُخريين إلى الظهر، و يأتي بالعصر بعده، فتكون شاهدة علىٰ ما قوّينا من صحّة الظهر. و أمّا دلالتها علىٰ تعيّن إتمام الظهر و إتيان العصر بعد ذلك، فمع فرض التسليم لا يمكن الاعتماد عليها؛ للإرسال و عدم الجبر، بل الإعراض علىٰ ما قيل «2».

مختار الشهيدين (قدّس سرّهما) في المقام و ردّه

و أمّا ما عن «3» الشهيدين «4» من صيرورة ما أتى بعنوان العصر تتمّةً للظهر،

______________________________

(1) الاحتجاج 2: 580، وسائل الشيعة 8: 222، كتاب الصلاة، أبواب الخلل الواقع في الصلاة، الباب 12، الحديث 1.

(2) مستمسك العروة الوثقىٰ 7: 604.

(3) الحدائق الناضرة 9: 123.

(4) الشهيد الأوّل: هو الشيخ الإمام العلّامة المحقّق الفقيه محمّد بن مكّي المطلبي العاملي. ولد سنة 734 ه. و قرأ أوّلًا علىٰ علماء جبل عامل، ثمّ هاجر إلى العراق، فقرأ علىٰ فخر المحقّقين، و بعدها قصد دمشق، فقرأ علم

المعقول على القطب الشيرازي شارح الشمسيّة. كما روىٰ مصنّفات العامّة و مرويّاتهم عن نحو أربعين شيخاً من علمائهم بمكّة و المدينة و بغداد و دمشق و القدس و الخليل. و ربّما استفاد أُستاذ الشهيد منه أكثر من استفادة الشهيد نفسه.

هذا، و قد بلغ (رحمه اللّٰه) مقاماً علمياً سامياً قلّما اتفق لأحد من الفقهاء؛ حتّى عدّه جماعة أفقه الفقهاء على الإطلاق، تشهد بذلك مؤلّفاته الشهيرة، كالقواعد التي لم يؤلّف مثلها في موضوعها، و كالألفية و النقلية الوحيدتين في موضوعهما، و الدروس و الذكرى و اللمعة التي صنّفها في سبعة أيّام. من تلاميذه أولاده الثلاثة و المقداد السيوري و الشيخ حسن بن سليمان صاحب مختصر البصائر. قتل على التشيّع في دمشق، فمضىٰ إلىٰ ربّه شهيداً مظلوماً، و ذلك سنة 786 ه.

الكنىٰ و الألقاب 2: 377 381، أعيان الشيعة 10: 59 62.

الشهيد الثاني: هو الشيخ الإمام الفاضل و الحبر العالم العامل زين الدين بن عليّ العاملي النحاريري. ولد سنة 911 ه. و قرأ علىٰ والده علوم العربية، و على الشيخ عليّ بن عبد العالي الميسي بعض الفقه، و على السيّد حسن الكركي بعض الأُصول، ثمّ ارتحل إلى دمشق، فقرأ على الشيخ محمّد بن مكّي بعض كتب الطب، و على الشيخ أحمد بن جابر علم القراءات، و على الشيخ شمس الدين بن طولون جملة من الصحيحين، ثمّ قصد مصر و اشتغل علىٰ جماعة، منهم الشيخ أبو الحسن البكري، ثمّ عاد إلىٰ لبنان مستفرغاً وسعه في التصنيف و التأليف و تدريس المذاهب الخمسة، و اشتهر أمره و صار مرجع الأنام و مفتي كلّ فرقة بما يوافق مذهبها. و مع كلّ ما كان عليه من الاشتغالات الفكريّة و الاجتماعيّة فقد كان

ينقل الحطب في الليل لعياله و يقوم بجميع احتياجاته المنزليّة. من تلامذته والد صاحب المدارك و والد الشيخ البهائي و جدّ صاحب الوسائل. و من مؤلّفاته روض الجنان و الروضة البهيّة و مسالك الأفهام .. استشهد (رحمه اللّٰه) سنة 966 ه.

الكنى و الألقاب 2: 381 386، أعيان الشيعة 7: 143 157.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 152

و أنّ التحريم بالثانية لم يقع في محلّه، فيكون من الأذكار المطلقة الغير المخلّة بالأُولىٰ، و أنّه لا يجب نيّة العدول إلى الأُولىٰ؛ لعدم انعقاد الثانية، فهو بعدُ في الأُولىٰ، و يجب القصد إلىٰ أنّه في الاولىٰ من حين الذكر؛ تمسّكاً بالرواية المتقدّمة، و استظهاراً منها أنّ المراد ب

الركعتين

هما اللتان اتيتا بعنوان العصر «1».

ففيه ما لا يخفىٰ؛ لما تقدّم من عدم ظهورها في ذلك؛ لو لم نقل بظهورها في خلافه. مع أنّه علىٰ فرض التسليم لا يجوز الاتكال عليها.

و قد يؤيّد ذلك «2» ببعض الروايات الدالّة علىٰ أنّ الصلاة علىٰ ما افتُتحت عليه، كرواية ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سألته عن رجل قام في صلاة فريضة، فصلّى ركعة و هو ينوي أنّها نافلة، فقال

هي التي قمت فيها و لها

و قال

إذا قمت و أنت تنوي في الفريضة، فدخلك الشكّ بعدُ، فأنت في الفريضة على الذي قمت له، و إن كنت دخلت فيها و أنت تنوي نافلة، ثمّ إنّك تنويها بعد فريضة، فأنت في النافلة، و إنّما يحسب للعبد من صلاته التي ابتدأ في أوّل صلاته «3».

______________________________

(1) القواعد و الفوائد 1: 84 85، روض الجنان: 334/ السطر 29. و راجع الحدائق الناضرة 9: 122 124.

(2) انظر الدرر الغوالي في فروع العلم الإجمالي: 21، مستند العروة الوثقىٰ، الصلاة

7: 131.

(3) تهذيب الأحكام 2: 343/ 1420، وسائل الشيعة 6: 7، كتاب الصلاة، أبواب النيّة، الباب 2، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 153

تمسّكاً بالتعليل الذي في آخرها، فقصد الخلاف غير مضرّ، كزيادة التكبيرة سهواً.

و فيه: بعد الغضّ عن ضعف سندها «1» أنّ قوله

و إنّما يحسب ..

إلىٰ آخره، ليس تعليلًا يمكن لأجله التعدّي إلىٰ ما نحن فيه، و أنّ مفادها كمفاد غيرها ممّا وردت علىٰ هذا المنوال «2» أنّ المشتغل بالفريضة أو النافلة إذا سها في البين؛ و توهّم أنّه في غير ما اشتغل به، يكون علىٰ ما افتتح الصلاة عليه.

و لا يبعد أن يكون ذلك موافقاً للقاعدة، كما أشرنا إليه «3»: من أنّ المشتغل بعمل تكون إرادته الارتكازية باقية في النفس لتتميمه، و إذا غفل و نوى غيره تكون تلك الإرادة الارتكازية باقية، و يكون قصد الخلاف من باب الخطأ في التطبيق، و هذا بخلاف ما إذا توهّم تمام العمل، و سلم على الركعتين، و شرع في صلاة أُخرى، فإنّ استئناف عمل مستقلّ يمحو الإرادة المرتكزة من النفس، فلا يكون احتسابه لما قام له علىٰ وفق القاعدة، و لا يجوز الاتكال علىٰ تلك الروايات الواردة في موضوع آخر موافق للقاعدة لتسرية الحكم إلىٰ غير موردها.

______________________________

(1) رواها الشيخ الطوسي بإسناده، عن حمدويه، عن محمّد بن الحسين، عن الحسن بن محبوب، عن عبد العزيز بن المهتدي، عن عبد اللّٰه بن أبي يعفور. و الرواية ضعيفة لأجل ضعف طريق الشيخ إلى العياشي، كما تقدّم في الصفحة 134، الهامش 3.

(2) كصحيحة عبد اللّٰه بن المغيرة و رواية معاوية المتقدّمتين في الصفحة 133 و 134.

(3) تقدّم في الصفحة 133.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 155

[3- قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به]

اشارة

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم الحمد

للّٰه ربّ العالمين و صلّى اللّٰه علىٰ محمّد و آله الطاهرين و لعنة اللّٰه علىٰ أعدائهم أجمعين إلىٰ يوم الدين

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 157

الفوائد الخمسة الفائدة الأُولىٰ

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 159

قاعدة من ملك شيئاً ملك الإقرار به فائدة: قد أفرد شيخنا المرتضى العلّامة- أعلىٰ اللّٰه مقامه «1» رسالة في

______________________________

(1) هو رئيس الشيعة الإمامية في زمانه الفقيه الأُصولي المتبحّر مرتضى بن محمّد أمين الأنصاري التستري. ولد سنة 1214 ه، و قرأ المقدّمات في دزفول عند عمّه الشيخ حسين الذي كان عالماً فيها إلىٰ أن بلغ العشرين عاما، ثمّ عزم مع والده علىٰ زيارة أئمّة العراق (عليهم السّلام) حتّى وصلا كربلاء المقدّسة، فأُعجب السيّد المجاهد بذكاء الشيخ و نباهته، و طلب من والده أن يبقيه، فبقي الشيخ أربعة أعوام يحضر درس السيد المجاهد و شريف العلماء، و بعدها قصد دزفول فبقي فيها سنتين، ثمّ رجع إلى العراق فحضر عاما عند شريف العلماء، و عامين عند الشيخ موسى كاشف الغطاء، كما أقام بكاشان ثلاثة أعوام مشغولًا بالبحث و التصنيف؛ و ذلك في أيّام رئاسة المولى أحمد النراقي الذي قال بحقّه: «لقيت في أسفاري .. خمسين عالماً مجتهداً لم يكن أحدهم مثل الشيخ المرتضىٰ» ثمّ توفّي الشيخان عليّ نجل كاشف الغطاء و صاحب الجواهر (رحمهما اللّٰه) فلم يجد الشيعة الإمامية غيره مفزعاً، و لا سواه مرجعاً، فأطبقوا علىٰ تقليده في مشارق الأرض و مغاربها، و قام بأعباء الرئاسة أحسن قيام. أشهر تلامذته: السيّد المجدّد الشيرازي و الميرزا حبيب اللّٰه الرشتي و السيّد حسين الكوهكمري. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 1281 ه.

معارف الرجال 2: 399 404، أعيان الشيعة 10: 117 119.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 160

قاعدة «من ملك شيئاً

ملك الإقرار به» و بالغ في الفحص و التفتيش عن مفادها و ما يمكن أن يكون مدركاً لها، و لمّا كان في نظري القاصر بعض مواقع للنظر في كلامه- زيد في علوّ مقامه أحببت أن أُشير إليها بطريق الاختصار.

المراد بملك الشي ء

قال (قدّس سرّه): «إنّ المراد بملك الشي ء السلطنة عليه فعلًا، فلا يشمل ملك الصغير لأمواله؛ لعدم السلطنة» «1».

أقول: لا يخفىٰ أنّ «المالكية» علىٰ ما يستفاد من اللغة و العرف هي علقة و رابطة اعتبارية حاصلة بين الشخص و الشي ء، تستتبعها السلطنة و الاستبداد به، و هي غير «السلطنة» عرفاً و لغةً، و لهذا وقع التشاجر من الصدر الأوّل بين المفسّرين و المحقّقين في أرجحية مٰالِكِ يَوْمِ الدِّينِ أو مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ «2» و لو كان «المالك» بمعنى السلطان لما وقع النزاع و التشاجر بين أئمّة اللغة و التفسير و أساطين الأدب و العربية.

و بالجملة: «مَلَك الشي ءَ» علىٰ ما في «القاموس»: «أي احتواه قادراً

______________________________

(1) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 25، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 184.

(2) الحمد (1): 4، راجع التبيان في تفسير القرآن 1: 33، مجمع البيان 1: 97 98، الجامع لأحكام القرآن 1: 140 141، و فيه: «اختلف العلماء أيّما أبلغ: ملك أو مالك؟ و القراءتان مرويتان عن النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و أبي بكر و عمر، ذكرهما الترمذي»، و راجع أيضاً لسان العرب 13: 182، البحر المحيط 1: 20 21.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 161

على الاستبداد به» «1» و السلطنة لازم أعمّ للمالكية. و هذا واضح؛ فإنّ اولي الأمر من النبي و الوصي لهم السلطنة علىٰ أموال الناس و أنفسهم، و ليست لهم المالكية.

و الحاصل:

أنّ المتفاهم العرفي من «مَلَكَ الشي ءَ» هو كونه صاحباً له فعلًا، فيشمل ملك الصغير، فعدم نفوذ إقراره من مستثنيات هذه القاعدة، لا أنّ نفوذه في الموارد الخاصّة من الدواخل.

المراد من «الشي ء» في القاعدة

و علىٰ ما ذكرنا من معنى «الملك» يظهر النظر فيما أفاده (قدّس سرّه) من أنّ «الشي ء» أعمّ من الأعيان و الأفعال، مثل التصرّفات، بل خصّه بالأفعال- أي التصرّفات بقرينة أنّ الإقرار لا يتعلّق بنفس الأعيان، بل بثبوته و مثل ذلك «2».

و ذلك لأنّ «الشي ء» و إن كان من الأُمور العامّة، و لكنّه في المقام- بمناسبة الحكم و الموضوع منصرف و مختصّ بالأعيان، إن لم نقل: إنّه في نفسه منصرف إليها- كما أنّه ليس ببعيد ليكون قرينةً علىٰ تعيّن «المالك» فيما ذكرنا لو كان- فرضاً أعمّ من الصاحب و السلطان، و إلّا فقد عرفت أنّه ظاهر في الأوّل لغةً و عرفاً «3».

و الحاصل: أنّ ظهور الصدر أقوى من إطلاق «الشي ء» فيحكم عليه، لا

______________________________

(1) القاموس المحيط 3: 330.

(2) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 27 29، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 184.

(3) تقدّم في الصفحة 160.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 162

العكس كما فعله (قدّس سرّه).

و أمّا ما جعله قرينةً علىٰ صرف لفظ «الشي ء» إلى الأفعال، فخلاف متفاهم العرف؛ فإنّ نسبة «الإقرار» إلى «الشي ء» خصوصاً بملاحظة قوله: «ملك شيئاً» الظاهر فعلًا و مفعولًا في الأعيان نسبة متعارفة بملاحظة لوازمه و آثاره، فالصدر قرينة على الذيل، كما لا يخفىٰ بعد مراجعة الوجدان.

فإن قلت: إنّ الظاهر من «ملك الإقرار» هو السلطنة عليه لا المالكية، فيكون قرينة على الصدر.

قلت: بل الظاهر أنّ ذكر «ملك الإقرار» بعد «ملك الشي ء» من باب المشاكلة مثل قوله «1»:

قلت اطبخوا لي جبّةً و

قميصاً

اختصاص القاعدة بإقرار الأصيل

فتحصّل ممّا ذكرنا: أنّ مفاد القضية لو فرضنا أنّها صادرة من المعصوم (عليه السّلام) أنّ مالك الشي ء مالك إقراره، فتكون مساوية لقاعدة «إقرار العقلاء ..» «2» بل هي هي، فإن عثرنا علىٰ دليل معتبر من إجماع و غيره علىٰ نفوذ

______________________________

(1) أي قول أبي الرقمع و قد أرسل له أصحابه يدعونه إلى الصبوح في يوم بارد، و قالوا له: ماذا تريد أن نصنع لك طعاماً؟ و كان فقيراً ليس له كسوة تقيه البرد، فكتب إليهم يقول:

أصحابنا قصدوا الصبوح بسحرة و أتى رسولهم إليّ خصيصاً

قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه قلت اطبخوا لي جبّة و قميصاً

أي خيطوا لي جبّة و قميصاً، فذكر الخياطة بلفظ الطبخ لوقوعه في صحبة طبخ الطعام.

شروح التلخيص 4: 311.

(2) وسائل الشيعة 23: 184، كتاب الإقرار، الباب 3، الحديث 2، مستدرك الوسائل 16: 31، كتاب الإقرار، الباب 2، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 163

الإقرار في غير مؤدّى القاعدة «1» فهو دليل خاص متبع غير مربوط بها. اللهمّ إلّا أن يدعى الإجماع علىٰ معناها بما أفاده الشيخ (قدّس سرّه) و أنّى لنا بإثباته؟! فعلى ما ذكرنا تختصّ بإقرار الأصيل، و يخرج منها إقرار الوكيل و الولي و أمثالهما.

عدم استقلال هذه القاعدة و رجوعها إلىٰ قواعد اخرىٰ

و ما ذكرنا هو مفاد القضية مع قطع النظر عن تمسّكات القوم، و أمّا تمسّكهم بها في غير مورد قاعدة الإقرار «2» فلا اطمئنان بأن يكون بنفس هذه القاعدة، بل لا يبعد أن يكون حسب قواعد أُخر، مثل قاعدة الائتمان «3» و قاعدة قبول قول من لا يعلم إلّا من قبله كما سنشير إليه «4» فيمكن أن يكون التعبير بهذه القاعدة من قبيل الجمع في التعبير عن عدّة قواعد، مثل قاعدة الإقرار و الائتمان

و أمثالهما.

و ما أفاد الشيخ (قدّس سرّه): «من أنّ التمسك بأدلّة قولِ من ائتمنه المالك بالإذن أو الشارع بالأمر و عدمِ جواز اتهامه، غير صحيح؛ لأنّها لا تنفع في إقرار الصبي. و الرجوعُ فيه إلىٰ دليل آخر- لا يجري في الوكيل و الولي يُخرج القضية عن

______________________________

(1) راجع ما يأتي في الهامش الآتي.

(2) المبسوط 2: 15، و 3: 19، شرائع الإسلام 1: 286، و 2: 163، و 3: 119، قواعد الأحكام 1: 261/ السطر 9، و 278/ السطر 8، انظر رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 6، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 180.

(3) و هي عدم تضمين من ائتمنه المالك بالإذن أو الشارع بالأمر و قبول قوله و عدم جواز اتّهامه؛ لقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته» و نحوه.

راجع وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4.

(4) يأتي في الصفحة 169.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 164

كونها قاعدة واحدة؛ علىٰ ما يظهر من القضية: من أنّ العلّة في قبول الإقرار كونه مالكاً للتصرّف المقرّ به» «1» انتهىٰ.

لا محذور فيه أصلًا؛ لعدم الظهور المذكور، و عدم حجّيته لو كان. بل الظاهر أنّها قاعدة مستنبطة من القواعد الشرعية، و لو احتملنا ذلك لسقطت عن جواز التمسّك بها، و لا طريق لنا إلىٰ إثبات كونها إجماعيةً بنفسها أو لفظةً صادرة من المعصومين (عليهم السّلام) بعد هذا الاحتمال القريب الواقع نظيره من الفقهاء- رضوان اللّٰه عليهم.

اشتراط وقوع الإقرار بالشي ء في زمان مالكيته

ثمّ إنّ الظاهر أنّ ظرف وقوع الإقرار بالشي ء هو ظرف مالكيته، كما هو الشأن في كلّ القضايا مع تجرّدها عن القرائن. و الشيخ (قدّس سرّه) اعترف به في هذه القاعدة «2» و

صرّح في قضية الائتمان «3» و القضية الفخرية «4» بخلاف ذلك. و هذه التفرقة في قضية الائتمان لا تبعد من الأدلّة الخاصّة «5» و إن كان مثل

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، قم - ايران، اول، 1420 ه ق

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)؛ ص: 164

______________________________

(1) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 11، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 197.

(2) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 34، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 185.

(3) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 13، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 197.

(4) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 17، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 198.

(5) كقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «ليس لك أن تتّهم من قد ائتمنته، و لا تأتمن الخائن و قد جرّبته»، و قوله (عليه السّلام): «ليس لك أن تأتمن من خانك، و لا تتّهم من ائتمنت».

وسائل الشيعة 19: 81، كتاب الوديعة، الحديث 9 و 10، فإنّ ظاهرهما عدم جواز الاتّهام مطلقاً و لو بعد زوال الائتمان.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 165

قوله

صاحب الوديعة و البضاعة مؤتمنان «1»

أيضاً ظاهراً في الفعلية بحسب عقد الوضع.

و أمّا القضية الفخرية و هي «أنّ كلّ من يلزم فعله غيره، يمضي إقراره بذلك الفعل عليه» «2» لو كانت قاعدة شرعية فظاهرة في إمضاء إقراره في زمان الإلزام، لا الزمان المتأخّر، مثل الولي في زمان الولاية، و الوصي في زمان الوصاية، و ذلك واضح. و الفخر «3» في «الإيضاح» و إن تمسّك بها لما

بعد زوال ملك التصرّف، كما حكى الشيخ عنه «4» إلّا أنّه مطالب بدليله بعد ظهور هذه القاعدة في غير مورده. اللهمّ إلّا أن يحمل كلام الشيخ (قدّس سرّه) على المماشاة مع فخر

______________________________

(1) الكافي 5: 238/ 1، تهذيب الأحكام 7: 179/ 790 و 183/ 805، الاستبصار 3: 126/ 449، وسائل الشيعة 19: 79، كتاب الوديعة، الباب 4، الحديث 1.

(2) إيضاح الفوائد 2: 55.

(3) هو وحيد عصره و فريد دهره العالم الجليل البارع المحقّق محمّد ابن العلّامة الحلّي (قدّس سرّهما) ولد سنة 682 ه، و درس عند والده و غيره حتّى فاز بدرجة الاجتهاد في السنة العاشرة من عمره المبارك، فكان مورداً لعناية والده العلّامة و تعظيمه و الثناء عليه، و حسبه رفعةً و سموّاً أنّ والده أمره أن يتمّ ما بقي ناقصاً من كتبه. و يعدّ فخر المحقّقين من أجلّ مشايخ الشهيد الأوّل. له تصانيف جيّدة منها إيضاح الفوائد و شرح نهج المسترشدين و الكافية الوافية في علم الكلام. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 771 ه.

أمل الآمل 2: 260 261، مقابس الأنوار: 13/ السطر 21، الكنى و الألقاب 3: 16.

(4) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 369/ السطر 10 و: 371/ السطر 17، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 187 و 198.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 166

الدين، و هو بعيد.

المراد بملك الإقرار

ثمّ إنّه علىٰ ما ذكرنا من مساواة القاعدة لقاعدة الإقرار «1» يحمل «ملك الإقرار» علىٰ ما هو الظاهر منه، كما اعترف به الشيخ و هو نفوذه و مضيّه مطلقاً؛ بحيث لا يسمع منه بيّنة علىٰ خلافه، فضلًا عن الحلف «2». و هذا الظهور أيضاً من مؤيّدات ما احتملناه «3» لو لم يكن من قرائنه.

و أمّا على

الاحتمال الآخر الذي ذكرنا من كونها قاعدة مستنبطة من قواعد شرعية أُخر «4» فلا بدّ أن يرجع في كلّ مورد إلىٰ مقتضى القاعدة الأصلية التي هي الدليل عليها: من قاعدة الائتمان و الإقرار و غيرهما، فيعمل علىٰ مقتضاها.

ثمّ إنّ المراد ب «الملك» علىٰ ما ذكرنا ظاهر. و علىٰ ما ذكره الشيخ (قدّس سرّه) هل هو السلطنة المطلقة، أو في الجملة، فيشمل ملك الوكيل و الوصي و أمثالهما؟ احتمالان، لا يبعد أن يكون الظاهر هو الثاني، كما صرّح به الشيخ أيضاً «5».

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 162.

(2) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 369/ السطر 15، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 188، و فيه: «و هذا المعنى و إن كان بحسب الظاهر أنسب بلفظ «الإقرار» إلّا أنّه يكاد يقطع بعدم إرادته.

(3) تقدّم في الصفحة 162.

(4) تقدّم في الصفحة 163 164.

(5) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 369/ السطر 12، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 187.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 167

منع الشيخ الأعظم من الاستدلال على القاعدة بأدلّة الإقرار و ما فيه

ثمّ إنّه علىٰ ما بيّنا يكون دليل القاعدة هو قاعدة الإقرار، أو هي مع قواعد أُخر على الاحتمال الثاني. و قال الشيخ (رحمه اللّٰه): «لا يمكن أن تكون قاعدة الإقرار منشأً لهذه القاعدة ..» إلىٰ أن قال:

و أمّا ثانياً: فلأنّ جلّ الأصحاب قد ذكروا هذه القضية مستنداً لصحّة إقرار الصبي بما يصحّ منه، كالوصية بالمعروف و الصدقة «1» و لو كان المستند فيها حديث الإقرار «2» لم يجز ذلك؛ لبنائهم «3» على خروج الصبي من حديث الإقرار، لكونه مسلوب العبارة بحديث رفع القلم «4»» «5» انتهىٰ.

و أنت خبير؛ بأنّ حديث رفع القلم و مثله لو كان حاكماً على قاعدة الإقرار، لكان حاكماً علىٰ

هذه القاعدة أيضاً من دون استبانة تفرقه؛ فإنّ مفاد هذه القضية أنّ إقرار المالك نافذ، و حديث الرفع يجعل إقراره كَلا إقرار، فلو كانت هذه القاعدة أيضاً قاعدة شرعية لما أمكن أن تكون مستنداً لقول الفقهاء بالنسبة إلىٰ

______________________________

(1) الروضة البهيّة 6: 385، مسالك الأفهام 11: 89، رياض المسائل 2: 240/ السطر 7، و راجع مفتاح الكرامة 9: 226/ السطر 29، جواهر الكلام 35: 104.

(2) تقدّم في الصفحة 162.

(3) انظر جامع المقاصد 5: 213 و 9: 349، الروضة البهيّة 6: 385، رياض المسائل 2: 240/ السطر 5.

(4) الخصال: 93/ 40 و 175/ 233، وسائل الشيعة 1: 45، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات، الباب 4، الحديث 11.

(5) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 370/ السطر 5 و 10، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 191 و 192.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 168

إقرار الصبي، فلا بدّ من التماس دليل آخر غيرهما؛ و هو الإجماع «1» أو ادّعاء أولوية نفوذ الإقرار من نفوذ التصرّف و العهدة في ذلك على مدعية.

عدم قيام الإجماع علىٰ هذه القاعدة برأسها

ثمّ إنّ كلمات الفقهاء «2» التي نقلها الشيخ (قدّس سرّه) «3» لا تدلّ علىٰ إجماعيّة هذه القاعدة برأسها في مقابل سائر القواعد، كما لا يخفىٰ على المراجع؛ فإنّ كلّ مورد منها ينطبق عليه قاعدة شرعية و لو علىٰ بعض المباني:

مثلًا: أوضح شي ء ذكره الشيخ لكون مستند الفقهاء هذه القاعدة: دعوى العلّامة (رحمه اللّٰه) «4» الإجماعَ علىٰ قبول دعوى المسلم أمانَ الحربيّ في حال ملكه

______________________________

(1) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 26، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 184.

(2) تقدّمت الإشارة إلىٰ بعض مواردها في الصفحة 163، الهامش 2.

(3) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب:

368/ السطر 7، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 180.

(4) هو رئيس علماء الشيعة و مروّج المذهب و الشريعة آية اللّٰه الحسن بن يوسف بن المطهّر الحلّي. ولد سنة 648 ه، و كان أُعجوبة في حدّة ذكائه و توقّده. قرأ علىٰ خاله المحقّق الحلّي و على الخواجة نصير الدّين الطوسي في علم الكلام، كما و قرأ علىٰ جماعة كثيرين من علماء العامّة و الخاصّة. من مناقبه أنّه ناظر علماء أهل السنّة فأفحمهم، فصار ذلك سبباً لتشيّع السلطان خدا بنده. و من مناقبه أيضاً أنّه ملأ الآفاق بتصانيفه، و ملأ الأكوان بتآليفه، فقد وزّعت علىٰ أيّام عمره من ولادته إلىٰ وفاته فكان قسط كلّ يوم منها كرّاساً، هذا مع ما كان (رحمه اللّٰه) عليه من التدريس و التعليم و العبادات و الزيارات و رعاية الحقوق. من مؤلّفاته: منتهى المطلب، مختلف الشيعة، قواعد الأحكام .. و من تلامذته: ولده الفخر و قطب الدين الرازي شارح الشمسية و السيّد مهنا بن سنان المدني. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 726 ه.

أمل الآمل 2: 81، تنقيح المقال 1: 314 315، الكنى و الألقاب 2: 477 480، أعيان الشيعة 5: 396 408.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 169

لأمانه «1» قال الشيخ: «و ظاهر أن ليس مستند له إلّا القضية المذكورة» «2» مع أنّه لو كانت هذه الدعوىٰ من المسلم مسألة إجماعية لما بحثنا عن مستندها، و لا استكشفنا منها قضية أُخرى، كما هو الشأن في كلّ مسألة إجماعية، فكيف يمكن لنا استكشاف قضية كلّية نستدلّ بها في أبواب متفرّقة من الإجماع علىٰ فرع جزئي يمكن أن يكون حكماً تعبّديّاً؟! مع أنّه يمكن أن يكون المستند فيها هو قاعدة قبول قول من لا يعلم

إلّا من قبله «3» بدعوىٰ «4» استفادتها من بعض روايات تصديق المرأة في الحمل «5»

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 416/ السطر 8.

(2) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 4، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 196.

(3) ضبطها بعضهم: بأنّها كل ما كان بين العبد و بين اللّٰه، و لا يعلم إلّا من قبله، و لا ضرر فيه على الغير، أو ما تعلّق به الحدّ أو التعزير؛ ضرورة مطالبة كلّ ما كان منها نحو المقام بالدليل» جواهر الكلام 15: 322، و ادعى في بلغة الفقيه 3: 369: «أنّها قاعدة معتبرة بالنصّ و الإجماع».

(4) راجع بلغة الفقيه 3: 382. و قد منع عمومها السيّد المحقّق الخونساري (قدّس سرّه) في جامع المدارك 4: 380 فراجع.

(5) نحوها عن الصادق (عليه السّلام) في قوله وَ لٰا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مٰا خَلَقَ اللّٰهُ فِي أَرْحٰامِهِنَّ قال: قد فوّض اللّٰه إلى النساء ثلاثة أشياء: الحيض و الطهر و الحمل.

مجمع البيان 2: 326، وسائل الشيعة 22: 222، كتاب الطلاق، أبواب العدد، الباب 24، الحديث 2.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 170

و خروج العدّة «1» و الحيض «2» و إن كان فيه ما فيه. و بالجملة لا اطمئنان بكونها قاعدة إجماعية برأسها.

النسبة بين هذه القاعدة و قاعدة الائتمان

ثمّ إنّه علىٰ ما حقّقنا يكون بين هذه القاعدة و قاعدة الائتمان مباينة؛ لأنّها مختصّة بالمالك، و هي مختصّة بالأمين.

و بناءً على الاحتمال الثاني أي كونها أعمّ من قاعدة الإقرار، و تكون مستنبطة من عدّة قواعد شرعية تكون أعمّ مطلقاً منها.

و أمّا علىٰ ما ذكره الشيخ من كونها قاعدة برأسها «3» و جريان قاعدة الائتمان حتّى بعد قطع الأمانة «4» فيكون بينهما عموم من وجه، كما أفاد الشيخ أيضاً «5».

______________________________

(1)

فعن أبي جعفر (عليه السّلام) قال: «العدّة و الحيض للنساء؛ إذا ادعت صدّقت» الكافي 6: 101/ 1، تهذيب الأحكام 8: 165/ 575، الإستبصار 3: 356/ 1276، وسائل الشيعة 2: 358، كتاب الطهارة، أبواب الحيض، الباب 47، الحديث 1.

(2) نفس المصدر.

(3) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 12، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 197.

(4) نفس المصدر.

(5) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 16، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 198.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 171

النسبة بين قاعدة الفخريّة و قاعدتي «من ملك ..» و الائتمان

ثمّ إنّه (قدّس سرّه) ذكر قاعدة أُخرى أشار إليها فخر الدين في «الإيضاح» «1» و تعرّض لبيان النسبة بينها و بين القاعدتين أي الإقرار و «من ملك ..» بما لا يخلو من الغرابة، و لهذا نحن ننقل عبارته بعينها، و نذكر وجه النظر فيها:

قال (قدّس سرّه): «و هنا قاعدة أُخرى أشار إليها فخر الدين علىٰ ما تقدّم «2» من «الإيضاح»: «بأنّ كلّ من يلزم فعله غيره، يمضي إقراره بذلك الفعل علىٰ ذلك الغير» و ظاهره و لو بقرينة الاستناد إليها في قبول قول الوصي و أمين الحاكم إذا اختلفا مع المولّى عليه إرادة مضيّ الإقرار على الغير و لو بعد زوال الولاية.

فإن أُريد من لزوم فعل المقرّ على الغير مجرّد مضيّه و لو من جهة نصب المالك أو الشارع له كانت أعمّ مطلقاً من القاعدتين؛ لشمولها لوليّ النكاح الإجباري النافذ إقراره على المرأة.

و إن أُريد منه لزومه عليه ابتداء لسلطنة عليه- كأولياء القاصرين في المال و النكاح كانت أعمّ من وجه من كلّ من القاعدتين؛ لاجتماع الكلّ في إقرار ولي الصغير ببيع ماله، و افتراق قاعدة الائتمان عنها في إقرار الوكيل بعد العزل، و

افتراق قضية «من ملك ..» في إقرار الصبي بما له أن يفعل، و افتراق ما

______________________________

(1) إيضاح الفوائد 2: 55.

(2) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 14، و: 369/ السطر 10، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 181، 187.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 172

في «الإيضاح» بإقرار الولي الإجباري بعد زوال الولاية بالنكاح في حالها» «1» انتهىٰ كلامه رفع مقامه.

أقول: أمّا ما ذكره (قدّس سرّه) في الترديد الأوّل من أعمّية ما في «الإيضاح» مطلقاً من القاعدتين؛ لشمولها لولي النكاح الإجباري ففيه أوّلًا: أنّ قاعدة «من ملك ..» شاملة للأصيل، بخلاف القاعدة الفخرية، فحينئذٍ بناءً علىٰ ما ذكرنا من ظهورها في فعلية اللزوم «2» تكون قاعدة «من ملك ..» أعمّ مطلقاً منها؛ بناءً علىٰ تفسير قاعدة «من ملك ..» بما فسّرها الشيخ: من كون «الملك» بمعنى السلطنة «3» لشمولها للأصيل و غيره، و عدم شمول ما في «الإيضاح» له و اختصاصه بغيره.

و أمّا بناءً علىٰ ما أفاده (قدّس سرّه) من شمول ما في «الإيضاح» لما بعد اللزوم فيكون بينهما عموم من وجه؛ لشمول قضية «من ملك ..» للأصيل دونه، و شمول ما في «الإيضاح» لما بعد اللزوم دونها، و اجتماعهما في زمن اللزوم في غير الأصيل.

و ثانياً: أنّ قاعدة الائتمان علىٰ ما أفاده (قدّس سرّه) قبيل ذلك أعمّ من الائتمان الشرعي و المالكي، فلا يكون ما في «الإيضاح» أعمّ منها.

و أمّا ثاني شقّي الترديد، فلعلّ المقصود من «اللزوم الابتدائي و السلطنة» مقابل اللزوم الجعلي بجعل الشارع أو المالك؛ بدعوىٰ أنّ ولاية الأب و الجدّ مثلًا

______________________________

(1) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 371/ السطر 17، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 198.

(2) تقدّم في الصفحة

165.

(3) رسالة في قاعدة من ملك، ضمن المكاسب: 368/ السطر 24، و ضمن تراث الشيخ الأعظم 23: 183.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 173

ولاية عرفية إمضائية من الشارع، لا جعلية اختراعية، فبناءً عليه يكون بينها و بين قاعدة الائتمان مباينة؛ لاختصاصها بالجعلية، و اختصاص ما في «الإيضاح» بالإمضائية، أو تكون الائتمان أعمّ مطلقاً منها؛ لو لم نقل باختصاصها بالجعلية. و عليك بالتأمّل التامّ.

و له الحمد في البدء و الختام، و صلّى اللّٰه علىٰ خير الأنام.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 175

4- الفائدة الثانية في تداخل الأسباب

اشارة

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 177

فائدة: قد عدل شيخنا العلّامة الحائري- أعلى اللّٰه مقامه الشريف «1» في أواخر عمره عن تداخل الأسباب و اختار عدمه، و حيث يكون ما اختاره سابقاً هو المرضيّ المختار، نذكر شبهته التي عدل من أجلها، و نتصدّى للجواب عنها حسبما أدّى إليه نظري القاصر.

______________________________

(1) هو آية اللّٰه العظمى المحقّق الشيخ عبد الكريم بن جعفر اليزدي الحائري. ولد في حدود سنة 1276 ه في محافظة يزد، و كان فيها مبدأ تحصيله العلميّ، ثمّ هاجر إلى العراق، فتلمّذ في المتون على الميرزا إبراهيم الشيرواني و الشيخ فضل اللّٰه النوري، و في الأبحاث الخارجة على السيّد الفشاركي الأصفهاني و الآخوند الخراساني، ثمّ استقلّ بالتدريس، فكان يلقي أبحاثه علىٰ جماعة من الفضلاء في مدينة كربلاء إلىٰ أن وقعت الحرب العالميّة الاولىٰ، فغادر العراق و سكن أراك مدّة متصدّياً للتدريس و الإفادة، و اجتمع حوله جماعة كثيرة من الفضلاء. ثمّ سأله جماعة من أهل قم و غيرها أن يقيم فيها فأجابهم، فبقي بمدينة قم المقدّسة مشتغلًا بالتدريس و سائر الأُمور إلىٰ أن أدركته المنيّة سنة 1355 ه. أشهر تلامذته الإمام العلّامة الخميني و آية اللّٰه الأراكي

(رحمهما اللّٰه) له درر الفوائد و كتاب الصلاة. و قد قرّر آية اللّٰه الأراكي بعض أبحاثه الخارجة في الأُصول و البيع و الخيارات، و تمّ طبعها أخيراً.

نقباء البشر 3: 1158، أعيان الشيعة 8: 42.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 178

قال (قدّس سرّه): «إنّ الأسباب شرعيةً كانت أو غيرها إنّما تؤثّر في حقيقة وجود المسبّبات، و عنوان «الصرفية» و «الوحدة» و «التعدّد» عناوين منتزعة بعد تأثيرها؛ بمعنى أنّ السبب الواحد يقتضي مسبّباً واحداً، لا لأنّ الوحدة مأخوذة في المسبّب، بل لوحدة السبب، و كذا الحال في التعدّد، فعلى هذا فيزداد المسبّب بازدياد السبب؛ سواء كان السبب من جنس واحد، أو من أجناس متعدّدة؛ فإنّ إطلاق دليل السببية يقتضي ثبوتها لجميع الأفراد» «1».

و قال (قدّس سرّه) في صلاته: «إنّ السببين و إن كانا واردين على الطبيعة الواحدة، لكن مقتضىٰ تأثير كلّ منهما أن يوجد وجود خاصّ مستند إليه، كما أنّ مقتضىٰ سببية النار لإحراق ما تماسّها، تحقّق الاحتراق المخصوص المستند إلى النار، و إن تعدّدت النار المماسّة لجسم آخر مثلًا، يتحقّق احتراق آخر مستند إلى النار الأُخرىٰ؛ و إن كان هذان الوصفان أعني الاستناد إليها، و كون الاحتراق الثاني احتراقاً آخر غير مستندين إلى تأثير السبب» «2» انتهىٰ.

فمحصّل كلامه: أنّ العلل التشريعية كالعلل التكوينية، فكما أنّها مع وحدتها يكون المعلول واحداً، و مع كثرتها كثيراً، فكذلك إذا تعلّق أمر واحد بحقيقة الوجود يكون المعلول واحداً، و إذا تعلّقت أوامر متعدّدة يصير متعدّداً بحسبها.

و الجواب عنه: أنّ قياس العلل التشريعية بالعلل التكوينية قياس مع الفارق؛ فإنّ تشخّص المعلول في العلل التكوينية بتشخّص علّته، كما هو المقرّر في مقارّه و المحقّق في مظانّه «3» و أمّا العلل التشريعية فإمّا يراد

منها الأسباب

______________________________

(1) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 174.

(2) الصلاة، المحقّق الحائري: 573.

(3) الحكمة المتعالية 1: 409 410.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 179

التي جعلها الشارع علّةً لمسبّبات خاصّة مثل الجنابة و الحيض و مسّ الميّت التي كلّ منها علّة لوجوب الغسل عند حصولها، و إمّا الأوامر و النواهي التي هي علّة للوجوب و الحرمة، و لمّا كان كلّ منهما مربوطاً بتحقيق الإرادة و الكراهة القائمتين بنفس الآمر و الناهي في غير مبدأ المبادئ- جلّت عظمته فإنّ الأوامر و النواهي معلولات أو ظهورات للإرادة و الكراهة، و الأسباب الشرعية أسباب للأوامر و النواهي فلا بدّ من صرف الكلام إلىٰ متعلّق الإرادة و الكراهة و كيفية تعلّقهما به؛ حتّى يتضح ما هو الحقّ الصراح.

بيان متعلّق الإرادة و الكراهة و كيفيّة تعلّقهما به

فنقول: إنّ الإرادة و الكراهة و غيرهما من ذوات الإضافات لا تتشخّص بنفس ذاتها، بل يكون تشخّصها بمتعلّقاتها، فحينئذٍ تصير في الوحدة و الكثرة تابعة للمتعلّقات، فلا يمكن أن يتعلّق حبّ أو بغض أو إرادة أو كراهة بشي ء واحد مرّتين سواء كان صِرف الوجود، أو حقيقة الوجود، أو ما شئت فسمّه فيكون محبوباً أو مبغوضاً أو مكروهاً مرّتين، فإذا قيل: «إن بلتَ فتوضّأ» و «إن نمتَ فتوضّأ» فلا يمكن أن تكون حقيقة الوضوء مورداً لإرادتين؛ إلّا أن يكون الوضوء الثاني متقيّداً بقيد قبل تعلّق الإرادة به، فيصير متشخّصاً آخر تتعلّق به إرادة اخرىٰ.

و لا يمكن أن تكون نفس الإرادة مشخّصاً للمراد إلّا الإرادة التكوينية التي للمبادئ العالية؛ و ذلك لأنّ الإرادة في غيرها حالة إجماعية أو همّة نفسانية حاصلة عقيب الشوق التامّ الحاصل للنفس عقيب تصوّر الموضوع و التصديق بفائدته، و ما لم تتصوّر النفس الموضوع بحدوده و لم يصر في الشعبة القضائية للنفس موردَ

القبول و التصديق، لم يتعلّق الشوق به، و ما لم يتعلّق الشوق التامّ به

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 180

لم يصر مورداً للإرادة، و كذا الحال في الكراهة «1» التي هي حالة إجماعية بعد تنفّر تامّ حاصل عقيب التصديق بعدم وجود الشي ء المتصوّر، فوحدة الإرادة و الكراهة و كثرتهما تابعتان لوحدة المتعلّق و كثرته. و ذلك واضح.

و إن شئت فارجع إلى وجدانك تعلم صدق ما ذكرنا، فإنّ حقيقة الماء لا يمكن أن تكون محبوبة لك مرّتين، ثمّ بمحبوبيتك يصير المتعلّق متكرّراً. و الطبيعة و إن كانت قابلة للتكرار، لكن مكرّرها لا يمكن أن يكون نفس الإرادة و الكراهة.

و بما ذكرنا يعلم حال الأوامر و النواهي و الأسباب التشريعية التي لم تكن أسباباً لمتعلّقاتها، بل لا أمر بها و لا نهي عنها، فإنّ التحريك الغير التأكيدي لا يمكن أن يتعلّق بحقيقة واحدة، و لو تعلّق الأمر بشي ء ألف مرّة لا يفيد إلّا تأكيداً.

فحينئذٍ فأصالة الإطلاق في المتعلّق تجعله غير قابل للتكرار، فيقع التعارض بينها و بين ظهور الأمر في التأسيس أو ظهور أدوات الشرط في العلّية الاستقلالية، و ظهور الأوّل لا يكون ظهوراً معتدّاً به، و الثاني أيضاً كذلك أو ممنوع من رأس، فتقدّم أصالة الإطلاق، فتصير النتيجة التداخل، كما لا يخفىٰ.

فإن قلت: إنّ ما ذكرت مسلّم مع كون حقيقة الوجود واحدة، و أمّا مع كونها قابلة للوحدة و الكثرة كما هو المفروض المحقّق «2» فلا.

______________________________

(1) و اعلم: أنّ ما ذكرنا من مقابلة الإرادة للكراهة مسامحة و مسالمة مع القوم (أ) و إلّا فالتحقيق أنّ الكراهة و الحبّ متقابلان، و هما في مبادئ الإرادة التي هي الحالة الإجماعيّة الحاصلة عقيبهما، فالمحرِّك للفاعل في التكوين و الآمر في

التشريع لا يكون إلّا الإرادة؛ سواء في ذلك الأمر و النهي، و الفعل و الترك. نعم قد يكون الترك معلولًا لعدم الإرادة [منه (قدّس سرّه)].

أ نهاية الأفكار (القسم الأوّل) 4: 86، نهاية الأُصول: 265.

(2) الحكمة المتعالية 2: 299 301، شرح المنظومة، قسم الحكمة: 22 27.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 181

قلت: يكفي في عدم كثرة الإرادة و الكراهة و أمثالهما عدم كثرتها، فالكثرة فيها تابعة للكثرة في الحقيقة، فإذا لم تكن مقتضية للكثرة فتصير النتيجة التداخل.

و ليعلم: أنّ ما ذكرنا من أنّ حقيقة الوجود قابلة للكثرة و الوحدة، و هي بنفسها لا واحدة و لا كثيرة علىٰ سبيل المماشاة مع القوم في اصطلاحهم و اقتضاء علومهم، و إلّا فالتحقيق أنّ ما هو قابل للوحدة و الكثرة أي لا مقتضية لهما هي الطبيعة اللابشرط المقسمية؛ أي الماهية من حيث هي، و هي لا يمكن أن تكون مورداً لإرادة و لا كراهة و لا أمر و لا نهي، بل هي بهذا النعت اللابشرطي لا توجد إلّا بنعت الكثرة و الوحدة؛ حتّى الموجود في الذهن بعد التحليل و التجريد لا يكون إلّا قسماً منها يرى المقسم في ضمن أبسط الأقسام.

و هذا نظير حكمهم: بأنّ المصدر أصل الكلام «1» مع أنّ مبدأ المشتقّات يكون بلا اسم و لا رسم؛ و ذلك لأنّ المصدر أبسط المشتقّات علىٰ رأيهم «2» فيكون معرّفاً لما هو أصل المشتقّات، لا هو بنفسه أصلها.

فقد علم: أنّ ما هو الموصوف ب «أنّه لا واحد و لا كثير» لا يمكن أن يكون حقيقة وجود المسبّبات، كما أفاده شيخنا العلّامة، و ما هو متعلّق الإرادة و الكراهة لا يمكن أن يكون تلك الطبيعة اللااقتضائيّ بشرطية. و تحقيق هذا المقام

يحتاج إلى بسط الكلام؛ و بيان متعلّق الإرادة و الكراهة، و الأوامر و النواهي، و النقض و الإبرام فيه، و ليس هنا مقامه.

و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً.

______________________________

(1) الإنصاف في مسائل الخلاف: 235، شرح المفصّل 1: 110، شرح الكافية، الرضي 2: 191/ السطر 26، شذور الذهب: 382.

(2) الإنصاف في مسائل الخلاف: 237، مسائل خلافيّة: 75.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 185

5- الفائدة الثالثة في نقد قياس الأوامر التشريعيّة بالعلل التكوينيّة و ما يترتّب عليه

إبطال أصالة الفورية

فائدة: و نظير ما مضى في الفائدة السالفة ما وقع منه (قدّس سرّه) أيضاً في أواخر عمره الشريف من قياس الأوامر التشريعيّة بالعلل التكوينيّة؛ و أنّ الأوامر و إن لم تدلّ على الفور بنحو اللحاظ و القيديّة، إلّا أنّ الفور من لوازم الأوامر، فبنىٰ علىٰ أنّ الأصل في قضاء الصلوات المضايقة.

قال (قدّس سرّه) في «كتاب الصلاة»: «إنّ الأمر المتعلّق بموضوع خاصّ غير مقيّد بزمان و إن لم يكن مدلوله اللفظي ظاهراً في الفور و لا في التراخي، و لكن لا يمكن التمسّك به للتراخي بواسطة الإطلاق، و لا التمسّك بالبراءة العقلية لنفي الفورية؛ لأنّه يمكن أن يقال: بأنّ الفورية و إن كانت غير ملحوظة للآمر قيداً للعمل، إلّا أنّها من لوازم الأمر المتعلّق به؛ فإنّ الأمر تحريك إلى العمل و علّة تشريعيّة، و كما أنّ العلّة التكوينيّة لا تنفكّ عن معلولها في الخارج، كذلك العلّة التشريعيّة تقتضي عدم انفكاكها عن معلولها في الخارج؛ و إن لم يلاحظ الآمر ترتّبه على العلّة في الخارج قيداً» «1» انتهى كلامه- زيد مقامه.

______________________________

(1) الصلاة، المحقّق الحائري: 573.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 186

أقول: إنّ العلل التكوينية لا يمكن أن تؤثّر في الزمن المتأخّر؛ فإنّ تشخّص المعلول اللازم لها الغير المنفكّ عن الزمان في المعلولات التكوينية بنفس ذات العلّة، و أمّا

الأمر فكما يمكن أن يتعلّق بالطبيعة علىٰ نحو الفور أو التراخي، يمكن أن يتعلّق بها مجرّدةً عنهما، فعليه لا يمكن أن يدعو إلّا إلىٰ نفس الطبيعة. بل مقتضى الملازمة بين الإيجاب و الوجوب في أصل الحقيقة و حدودها، أنّ الإيجاب إذا تعلّق بموضوع ما تعلّق الوجوب به، و قامت الحجّة عليه لا علىٰ غيره، فلا يمكن أن تكون الحجّة على الطبيعة حجّة علىٰ تشخّصاتها.

و السرّ: أنّ الزمان من تشخّصات وجود الطبيعة، أو من أمارات التشخّص علىٰ ما هو التحقيق «1» فيكون غير منفكّ عنه في الخارج، و أمّا وجوب الطبيعة فغير ملازم للزمان أصلًا؛ لا الزمان الحاضر و لا غيره، فوِزان الزمان وِزان المكان و سائر الأعراض الشخصية، فكما لا يمكن أن تكون الحجّة على الطبيعة حجّة علىٰ إيجادها في مكان خاصّ أو مع لاحقٍ خاصّ أو عرض مخصوص، لا يمكن أن تكون حجّة علىٰ إيجادها في زمان خاصّ. و التفرقة بين الوجود و الوجوب كعدم التفرقة بين الزمان و سائر الأعراض ظاهرة.

إبطال أصالة التعبدية

و من التأمّل فيما تلونا عليك يمكن لك الجواب عمّا أفاده (قدّس سرّه) أيضاً: من أنّ الأصل في الأوامر التعبّدية؛ فإنّ الأوامر التي هي العلل التشريعية تحرّك نحو الطبيعة المقيّدة بتحريكها إيّاه لبّا؛ و إن لم يؤخذ ذاك القيد في المتعلّق، كما أنّ

______________________________

(1) الحكمة المتعالية 1: 357، و 5: 95 96، و 9: 185.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 187

العلل التكوينية تؤثّر في المعلولات المستندة إليها لبّا و إن لم تؤثّر فيها بعنوانها، فإذا أوجد المكلّف الطبيعة القابلة للتكرار بالدواعي النفسانيّة مثلًا، لم يكن آتياً بما هو المأمور به واقعاً؛ فإنّ الأمر لا يحرّك إلى الطبيعة المطلقة، فإنّ المطلقة لا تكون مطلوبة، و

لا يحرّك إلى المقيّدة بالقيد اللحاظي، بل إلى المقيّدة بالقيد اللبّي، فلا بدّ أن يكون العبد متحرّكاً بتحريك الأمر حتّى يكون آتياً للمأمور به الذي هو معلول علّة تشريعه. و هو المعنيّ ب «أنّ الأصل في الأوامر التعبّدية». هذا محصّل ما أفاده (قدّس سرّه) في مجلس بحثه.

و فيه: أنّ القيود المنتزعة عن الأوامر في الرتبة المتأخّرة عن تعلّق الأمر، لا يمكن أن يكون الأمر محرّكاً نحوها، و لا حجّة عليها إلّا أن يأخذها في المتعلّق؛ بناءً علىٰ جواز أخذها كما حقّق في محلّه «1». فلا يكون للمولىٰ حجّة على العبد إلّا علىٰ ما تعلّق الأمر به، فالأمر لا يدعو إلّا إلىٰ نفس الطبيعة، فلا تكون حجّة إلّا عليها.

و بالجملة: الحجّة على المطلق لا يمكن أن تكون حجّة على المقيّد، و استنادُ الطبيعة إلى الأمر أمرٌ متأخّر منتزع من تعلّقه بها، فالاستناد و إن كان أمراً عقليّاً، و لكن احتجاج المولى على العبد بالنسبة إلىٰ قصده بلا بيان، قبيح عقلًا، فتدبّر.

إبطال حمل صيغة الأمر على الوجوب عند الإطلاق

و بنحو ما ذكرنا يمكن الجواب عمّا أفاده (قدّس سرّه) في كتاب «درره» في باب «أنّ صيغة الأمر هل هي حقيقة في الوجوب، أو الندب، أو فيهما علىٰ سبيل

______________________________

(1) مناهج الوصول 1: 260، تهذيب الأُصول 1: 147.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 188

الاشتراك اللفظي، أو المعنوي؟» فإنّه (قدّس سرّه) اختار الأخير و قال:

«لكنّها تحمل على الأوّل عند الإطلاق. و لعلّ السرّ في ذلك أن الإرادة المتوجّهة إلى الفعل، تقتضي وجوده ليس إلّا، و الندب إنّما يأتي من قِبل الإذن في الترك منضمّاً إلى الإرادة المذكورة، فاحتاج الندب إلىٰ قيد زائد، بخلاف الوجوب فإنّه يكفي فيه تحقّق الإرادة و عدم انضمام الرخصة في الترك إليها» «1».

و فيه

أوّلًا: أنّ القدر المشترك تكون نسبته إلىٰ أقسامه على السواء، فلا يمكن أن يكون حجّة علىٰ أحدها إلّا بانصرافٍ لفظي، أو قرينة لفظية أو معنوية مفقودة في البين.

و ثانياً: أنّ الإرادة في الوجوب و الندب إرادتان مختلفتان بحسب المرتبة، تكون كلّ منهما بحسبها مختلفة مع الأُخرىٰ، لا أنّ الإرادة في الوجوب هي الإرادة في الندب بلا انضمام الرخصة، فالرخصة في الترك في الندب و عدمها في الوجوب، إنّما هي بيان لفظي و حكاية قوليّة لحدود الإرادة، فالإرادة الوجوبية مرتبة بسيطة إذا أردنا شرحها نعبّر عنها: بأنّها الإرادة مع عدم الرخصة في الترك؛ علىٰ أن يكون القيد أو الجزء قيداً أو جزءً للحدّ لا المحدود؛ و من قبيل زيادة الحدّ على المحدود. و كذلك الإرادة الندبية بالنسبة إلى الرخصة في الترك.

و بالجملة: لا تكون النسبة بين الإرادة الإيجابية و الندبية هي الإطلاق و التقييد؛ لتكون الرخصة قيداً زائداً، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 74.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 191

6- الفائدة الرابعة في موضوع علم الأُصول

اشارة

فائدة: طالما وقع التشاجر بين علماء فنّ الأُصول في موضوعه؛ فمن قائل: «إنّه الأدلّة بعنوانها» «1» و من قائل: «إنّه هي من حيث هي» «2».

و استقرّ رأي محقّقي المتأخّرين علىٰ مبهميّته «3» و هذا عار عظيم علىٰ مثل هذا العلم الذي أسهر الفحول أعينهم فيه، و قد ألجأتهم إلى الالتزام به بعض الشبهات الواردة علىٰ كلا الرأيين «4» و لمّا كان الحقّ «5» في نظري القاصر كون الموضوع هو الحجّة بعنوانها، أردت أن أدفع الشبهة المهمّة الداعية إلى ذلك، فنقول:

______________________________

(1) قوانين الأُصول 1: 8، حاشية نفس المحقّق القمّي (رحمه اللّٰه) المثبتة في أسفل الصفحة، قوله: «و المفروض أنّا نتكلّم بعد فرض كونها أدلّة ..».

(2) الفصول

الغرويّة: 11 12.

(3) كفاية الأُصول: 22، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 33، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 1: 27 29، نهاية الأفكار 1: 18.

(4) نفس المصدر.

(5) قد حقّقنا في [مناهج الوصول 1: 39 42] ما هو المرضيّ عندنا، فعليه يسقط ما في هذه الأوراق. [هكذا علّق الإمام العلّامة (قدّس سرّه) على نظير المقام في أنوار الهداية 1: 269 فراجع].

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 192

قال شيخنا العلّامة- أعلى اللّٰه مقامه: «ثمّ اعلم: أنّ موضوع هذا العلم عبارة عن أشياء متشتّتة تعرضها تلك المسائل، كخبر الواحد و الشهرة، و الشكّ في الشي ء مع العلم بالحالة السابقة، و الشكّ في التكليف مع عدم العلم بالحالة السابقة، و أمثال ذلك ممّا يبحث عن عوارضه في هذا العلم، و لا تجمعها الأدلّة لا بعنوانها و لا بذواتها:

أمّا الأوّل: فللزوم خروجِ مسائل حجّية الخبر و الشهرة و الظواهر و أمثال ذلك ممّا يبحث فيه عن الحجّية عن علم الأُصول و دخولِها في المبادئ. بل للزوم ذلك في مسألة التعادل و التراجيح؛ لأنّ البحث فيها راجع أيضاً إلى الحجّية في تلك الحالة، و الالتزام بذلك مع كونها معظم ما يبحث عنه في هذا العلم غير جائز» «1» انتهىٰ كلامه- رفع مقامه و قريب منه مع بسط ما أفاده العلّامة الخراساني (قدّس سرّه) «2».

و الجواب: أنّ موضوع العلم إذا كان الحجّة بما هي حجّة، يكون عقد البحث في تلك المسائل المنقوض بها: أنّ الحجّة هل هي خبر الواحد و الشهرة و الظاهر الكذائي؟ لا أنّها هل هي الحجّة؟ فإنّه علىٰ ذلك تكون الحجّة محمولًا لا موضوعاً، و الفرض أنّها موضوع، فيكون روح المسألة: أنّ الحجّة هل هي متعيّنة بتعيّن خبر الواحد أو الشهرة

أو مثلهما؟

و بعبارة اخرىٰ: أنّ الحجّة أمر جامع بين موضوعات المسائل الأُصولية، فالاصولي يبحث عن تعيّناتها التي هي العوارض التحليلية.

إن قيل: إنّ الضرورة قاضية بأنّ الحجّية من العوارض، و يكون لخبر

______________________________

(1) درر الفوائد، المحقّق الحائري: 33.

(2) كفاية الأُصول: 22 23.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 193

الواحد و أمثاله سمة الموضوعية لا العكس.

قلت [1] هذه الأُمور من الاعتباريات التي يمكن اعتبارها بأيّ نحو يراد. مع أنّه قد يكون في الخارج و الذهن العارضُ و المعروض متعاكسين، أ لا ترى أنّ

______________________________

[1] و إن شئت قلت: إنّ «العرض» له اصطلاحات:

أحدهما: في علم الطبيعي و المقولات العشر «1» و هو مقابل الجوهر.

و ثانيهما: ما هو مصطلح المنطقي في الكلّيات الخمسة «2» و هو مقابل الذاتي، و عبارة عن الخارج المحمول على الشي ء؛ أي المتّحد معه في الخارج، و المختلف في العقل، المأخوذ على نحو اللااقتضائيّ بشرطيّة.

و الذاتية و العرضية في هذا الباب تختلف باختلاف الاعتبار، مثلًا الحيوان و الناطق إذا لوحظ من حيث كونهما جزأين للماهية الإنسانية فهما جنس و فصل، و إذا لوحظا من حيث اختلافهما في العقل و اتحادهما في الخارج، فكلّ واحد منهما عرض للآخر، فالجنس عرض عامّ للفصل، و الفصل عرض خاصّ للجنس.

و الأعراض الذاتية فيما نحن فيه باصطلاح المنطقي لا الطبيعي، فجميع موضوعات المسائل من الأعراض الذاتية لموضوع العلم، فالاصولي ينظر و يتوجّه إلى الحجّة في الفقه و يتفحّص عن الأعراض الذاتية لها؛ و هي خبر الواحد و الاستصحاب و أمثالهما.

و علىٰ هذا لا يختلف موضوع علمه باختلاف المذاهب في مصاديق الحجّة، فعند الأُصولي الذي يرى الأدلّة أربعة «3» و الأخباري الذي لا يرى الدليل إلّا الأخبار «4» موضوع علم الأُصول هو الحجّة في الفقه.

[منه (قدّس سرّه)].

______________________________

(1) الشفاء، الإلهيات: 93 94، الحكمة المتعالية 4: 2 3.

(2) شرح المطالع: 69 70، شرح الشمسيّة: 43.

(3) قوانين الأُصول 1: 9/ السطر 22.

(4) الفوائد المدنيّة: 128، هداية الأبرار: 134 و 143 و 155.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 194

الوجود في الخارج متّحد مع الماهية «1» أو معروض لها كما عند جماعة «2». و عارض عليها في الذهن و أنّ الجنس و الفصل متّحدان في الخارج، و كلّ واحدٍ منهما لازم الآخر، أو عارضة بوجه في العقل، كما هو المقرّر عندهم «3»! و بالجملة: بعد ما يعلم الأُصولي أنّ للّٰه تعالىٰ حجّة علىٰ عباده في الفقه، يتفحّص عن تعيّناتها التي هي العوارض التحليلية لها، فالموضوع هو الحجّة بنعت اللّابشرطية، و المحمولات عبارة عن نفس تعيّناتها.

و أمّا انعقاد البحث في كتب الأُصول: بأنّ خبر الواحد حجّة أو الشهرة حجّة و مثل ذلك دون العكس فبحث صوري ظاهري، و روح البحث ما ذكرنا. مع أنّه لو كانت المسألة هي هذه الصورة و الظاهر فأوّل ما ورد عليهم: أنّ الحجّة هي المحمول لا الموضوع فلا يكون لأصل الإشكال وقْعٌ أصلًا. و نسبة الغفلة و الذهول إلى الأجلّة و الفحول غفلة و ذهول.

و نظير ذلك ما يقال: «من لزوم استطراد جلّ مسائل علم المعقول، حيث إنّ موضوعه الوجود أو الموجود بما أنّه موجود، مع أنّه يبحث فيه عن وجود الإلٰه و العقل و النفس و الجسم .. إلى غير ذلك» و الجواب هناك أيضاً: «أنّ المسائل المذكورة انعقدت كذلك صورةً من أجل سهولة البحث، و إلّا فالمسألة «الموجود هو العقل أو النفس أو الجسم» لا «أنّ العقل و أمثاله موجود».

______________________________

(1) الحكمة المتعالية 1: 56 و 245، شرح المنظومة، قسم

الحكمة: 18.

(2) لذا قال الشيخ الشبستري في گلشن راز: 234:

من و تو عارض ذات وجوديم مشبّك هاى مشكاة وجوديم

راجع أنوار الهداية 1: 270.

(3) راجع الحكمة المتعالية 2: 29 و 39، و 5: 298.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 195

حول تمايز العلوم

و ليعلم: أنّهم حيث تحيّروا في موضوع علمهم، استقرّ أيضاً رأيهم علىٰ أنّ اختلاف العلوم باختلاف الأغراض التي من أجلها دوّن العلم؛ فراراً من لزوم كون كلّ مسألة أو باب علماً علىٰ حدة «1» مع أن اختلاف الأغراض «2» لا يمكن إلّا باختلاف العلوم؛ فإنّ الأغراض مترتّبة عليها و من آثارها المتأخّرة عنها، و لا يمكن أن يكون علم واحد بجهة واحدة محصّلًا لغرضين مختلفين، فلا بدّ و أن تكون العلوم قبل تحقّق الأغراض متمايزةً بعضها عن بعض في حاقّ الأعيان؛ حتّى تترتّب الأغراض المختلفة عليها، فلو كان اختلاف العلوم و تمايزها بحسب الواقع باختلاف الأغراض للزم الدور، و للزم كون تمايز المؤثّرات بتمايز الآثار، و ذلك واضح البطلان.

و التحقيق: أنّ اختلاف العلوم باختلاف نفس المسائل، المتشتّتة بحسب التعيّنات و التشخّصات، و المشتركة بحسب الموضوع و المحمول الطبيعيين،

______________________________

(1) كفاية الأُصول: 22، انظر درر الفوائد، المحقّق الحائري: 34، نهاية الأفكار 1: 11.

(2) و ليعلم: أنّ الأغراض إمّا أن تكون أغراضاً أوّليّة، و إمّا أن تكون ثانويّة و ثالثيّة .. و هكذا:

أمّا الأغراض الأوّليّة فهي العلم بالمسائل، فإنّ كلّ مدوّن للعلم أو متعلّم له لا يكون غرضه الأوّلى إلّا العلم بها، و معلوم أنّ اختلاف العلم باختلاف متعلّقاته، و إلّا فالعلم من حيث هو علم لا يختلف في العلوم، فالاختلاف رجع بالآخرة إلى اختلاف نفس المسائل التي هي متعلّقات العلوم.

و أمّا الأغراض الثانويّة و الثالثيّة و أمثالهما، فلا يكون

لها ميزان حتّى يكون الاختلاف بها. [منه (قدّس سرّه)].

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 196

فكما أنّ موضوع كلّ علم كلّي مشترك بين موضوعات المسائل، كذلك محمولة أيضاً، فموضوع علم النحو هو الهيئات التي في أواخر الكلمات، و أعراضها بالمعنى الذي ذكرناه سابقاً «1» هو الكلمات؛ فإنّها هي الخارجات المحمولات؛ أي المتحدات مع الهيئات، فتدبّر.

و إن شئت الذبّ عن كون كلّ مسألة علماً علىٰ حدة فاعلم: أنّ موضوعات المسائل لا تكون من هذه الحيثية التي هي بها موضوع العلم مختلفة، و إنّما اختلافها من جهات اخرىٰ غير مربوطة بالعلم و مسائله.

و إن شئت قلت: إنّ اختلاف العلوم باختلاف نفس المسائل من حيث محصّليتها للغرض، فيكون الاختلاف باختلاف الجهة المحصّلة للغرض، لا باختلافه حتّى تلزم المفاسد، فتدبّر.

______________________________

(1) تقدّم في الصفحة 193، الهامش.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 199

7- الفائدة الخامسة في لزوم تبيّن الفجر فعلًا في اللّيالي المقمرة

اشارة

فائدة: كثيراً ما تقع الغفلة عن أمر تترتّب عليه فروع مهمّة: و هو أنّ الفجر في الليالي المقمرة من الليلة الثالثة عشرة إلىٰ أواخر الشهر يتأخّر عن غيرها قريب عشر دقيقات أو أقلّ أو أكثر؛ حسب اختلاف ضياء القمر و قربه من الأُفق المشرقي، و هذا الفرع مع كثرة الابتلاء به في صلاة الفجر و صلاة العشاءين و نافلة الليل و غير ذلك يكون مغفولًا عنه، و كثيراً ما يراعي المؤذّنون و المصلّون الوقت النجومي؛ و يكون تشخيصهم الفجر حسب الساعات قبل تبيّن الفجر حسّا.

و محصّل الكلام في هذا المقام: أنّه هل المعتبر في اعتراض الفجر و تبيّنه هو الاعتراض و التبيّن الفعلي، أو الأعمّ منه و من التقديري، نظير الاحتمالين في باب تغيّر الماء في باب المياه «1»؟

ظاهر الكتاب و السنّة و كذا ظاهر فتاوى الأصحاب علىٰ ما قاله المحقّق

صاحب «مصباح الفقيه» «2» هو الأوّل

______________________________

(1) جواهر الكلام 1: 77، مصباح الفقيه، الطهارة: 11/ السطر 6.

(2) مصباح الفقيه، الصلاة: 25/ السطر 18.

و صاحب مصباح الفقيه هو آية اللّٰه العلّامة المحقّق الشيخ محمّد رضا الهمداني المولود بهمدان سنة 1250 ه. درس عند الشيخ الأنصاري و السيّد المجدّد الشيرازي حتّى نال مرتبة عالية من العلم، و كان ذا نظر دقيق و فكر صائب، و قد غلب فنّه في الكتابة و التصنيف علىٰ فنّه في التدريس، فمن كتبه: مصباح الفقيه و حاشية على الرسائل. أشهر تلاميذه السيّدان محسن الأمين و حسن الصدر و الشيخ آقا بزرگ الطهراني. توفّي (رحمه اللّٰه) سنة 1322 ه.

معارف الرجال 1: 323، أعيان الشيعة 7: 19، نقباء البشر 2: 776.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 200

الاستدلال بالكتاب لاعتبار التبيّن الفعلي

أمّا الكتاب فهو قوله تعالىٰ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «1» أي: حتّى يتميّز الخيط الأبيض- الذي هو من النهار من الخيط الأسود الذي هو من الليل. ثمّ عقّبه بقوله مِنَ الْفَجْرِ الظاهر في التبيّن بأنّ ذاك التميّز هو الفجر، و ظاهر أنّ الظاهر من «التبيّن و التميّز» هو التميّز الفعلي التحقيقي، كما هو الشأن في كلّ العناوين المأخوذة في العقود و القضايا.

فإن قلت: إنّ التبيّن قد أُخذ علىٰ وجه الطريقية. أي حتّى يعلم الصبح، ف «العلم» و «التبيّن» حيثما أُخذا في القضايا يكونان ظاهرين في الطريقية، فالتبيّن طريق إلى الصبح الذي هو ساعة معيّنة؛ لا تختلف بحسب الأيّام ذاك الاختلاف بالضرورة، فلا بدّ من العمل بالتقدير، فكأنّه قال: «كل و اشرب حتّى تعلم الفجر الذي هو وصول شعاع الشمس إلى حدّ الأُفق؛ بحيث لو لم يكن مانع ترى آثاره».

______________________________

(1)

البقرة (2): 187.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 201

أو نقول: إنّ تبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود، أمارة على الفجر الذي هو وصول شعاع الشمس إلىٰ حدّ خاصّ من الأُفق، فالعلم به يكون متّبعاً و لو تخلّفت الأمارة «1».

قلت: كلّ ذلك خلاف ظاهر الآية الشريفة؛ فإنّ ظاهرها أنّ تبيّن الخيطين و امتيازهما واقعاً هو الفجر، لا أنّ الفجر شي ء، و التبيّنَ شي ء آخر. نعم يكون العلم أمارة علىٰ هذا التبيّن و الامتياز النفس الأمري.

و الحاصل: أنّ امتياز الخيطين و تبيّنهما، لا واقع له إلّا بتحقّق الخيطين حسّا؛ فإنّ نور القمر إذا كان قاهراً لا يظهر البياض، فلا يتميّز الخيطان حتّى يظهر ضياء الشمس و يقهر علىٰ نور القمر.

و بعبارة اخرىٰ: أنّ تقوّم هذا الامتياز و التبيّن الذي هو حقيقة الفجر بحسب ظاهر الآية الشريفة بظهور ضياء الشمس و غلبته علىٰ نور القمر، و لا واقع له إلّا ذلك. هذا لو كانت كلمة مِنْ للتبيّن، كما لعلّه الظاهر.

و يحتمل أن تكون للنشوء، فيصير المعنىٰ: أنّ ذاك التبيّن و الامتياز لا بدّ و أن يكون ناشئاً من بياض الفجر، و الفرض أنّ بياضه لا يظهر حتّى يقهر علىٰ نور القمر حسّا. و أمّا جعل كلمة مِنْ تبعيضية فبعيد، كما لا يخفىٰ.

و أمّا ما ذكرت أخيراً من جعل الامتياز الكذائي أمارة للفجر، و يكون الفجر وصول شعاع الشمس إلىٰ حدّ خاصّ من الأُفق، فهو أيضاً خلاف الظاهر من الآية الشريفة، كما لا يخفىٰ.

فإن قلت: بناءً علىٰ جعل مِنْ نشوئية يكون الفجر غير التبيّن و الامتياز الكذائي، فيكون الامتياز أمارة عليه، فيتمّ المطلوب.

______________________________

(1) راجع نهاية التقرير 1: 68، جامع المدارك 1: 242 243.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 202

قلت: مع أنّ

جعلها نشوئية خلاف الظاهر، بل هو احتمال أبديناه، و المفسّرون جعلوها للتبيين أو التبعيض «1» إنّا لو تكلّمنا في نفس الآية الشريفة يمكن لنا أن نقول: إنّ غاية الأكل و الشرب هي هذا الامتياز لا الفجر، فتدبّر تعرف الأمر.

الاستدلال بالسنّة لاعتبار التبيّن الفعلي

و أمّا السنّة فكثيرة ظاهرة في المطلوب، بل بعضها كالنصّ عليه:

فمنها: ما عن «الفقيه» عن أبي بصير ليث المرادي «2» قال: سألت أبا عبد اللّٰه فقلت: متى يحرم الطعام و الشراب على الصائم و تحلّ الصلاة صلاة الفجر؟ فقال

إذا اعترض الفجر فكان كالقبطية «3» البيضاء ..

الحديث «4».

______________________________

(1) التبيان في تفسير القرآن 2: 135، مجمع البيان 1: 505، الكشّاف 1: 231.

(2) هو أبو محمّد ليث بن البختري المرادي، روىٰ عن الباقر و الصادق و الكاظم (عليهم السّلام) و روى عنه أبو أيّوب و عبد اللّٰه بن سنان و عبد الكريم بن عمرو الخثعمي. و قد ذكره الشيخ و النجاشي من غير توثيق.

نعم نسب الكشّي إلىٰ بعضهم عدّه من أصحاب الإجماع، و عدّه ابن شهرآشوب من الثقات الذين رووا النصّ الصريح علىٰ إمامة الكاظم (عليه السّلام) بل وثّقه ابن الغضائري. و أمّا الكشّي فقد أورد بحقّه روايات مادحة و أُخرى ذامّة.

اختيار معرفة الرجال 1: 397 403، و 2: 507، معجم رجال الحديث 14: 140 151.

(3) القبطيّة: ثياب بيض رقاق من كتّان يتّخذ بمصر.

الصحاح 3: 1151.

(4) الكافي 4: 99/ 5، الفقيه 2: 81/ 361، تهذيب الأحكام 4: 185/ 514، وسائل الشيعة 4: 209، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 203

و منها: رواية هشام بن الهذيل «1» عن أبي الحسن الماضي قال: سألته عن وقت صلاة الفجر، فقال

حين يعترض الفجر فتراه مثل نهر سورىٰ

«2» «3».

و منها: ما عن الرضا (عليه السّلام)

صلّ صلاة الغداة إذا طلع الفجر و أضاء حسناً «4».

و ظاهر أنّ الكون كالقبطية و نهر سورىٰ و أمثال هذه التعبيرات، لا ينطبق إلّا على التميّز الحسّي و الإضاءة الحسّية.

و أظهر منها خبر عليّ بن مهزيار «5» قال: كتب أبو الحسن بن الحصين «6» إلىٰ

______________________________

(1) لم يذكر في كتب الرجال، و لم يقع في الكتب الأربعة إلّا في هذه الرواية من التهذيب و الاستبصار.

راجع معجم رجال الحديث 19: 309.

(2) سُورىٰ: موضع بالعراق من أرض بابل، و هو بلد السريانيّين.

لسان العرب 6: 429.

(3) تهذيب الأحكام 2: 37/ 117، الإستبصار 1: 275/ 996، وسائل الشيعة 4: 212، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 6.

(4) بحار الأنوار 83: 74/ 2، مستدرك الوسائل 3: 139، كتاب الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 21، الحديث 3.

(5) هو الشيخ الجليل الثقة أبو الحسن عليّ بن مهزيار الأهوازي. كان أبوه نصرانيّاً فأسلم. روىٰ عليّ عن الرضا (عليه السّلام) و اختصّ بالإمامين الجواد و الهادي (عليهما السّلام) و توكّل لهم في بعض النواحي، و خرجت إلى الشيعة فيه توقيعات بكلّ خير؛ فقد كان صحيحاً في اعتقاده جليل القدر واسع الرواية. روىٰ عنهم (عليهم السّلام) و عن محمّد بن أبي عمير و أحمد بن محمّد بن أبي نصر و الحسن بن محبوب، و روى عنه إبراهيم بن هاشم و سهيل بن زياد و محمّد بن عيسىٰ.

الفهرست: 88، رجال النجاشي: 235، معجم رجال الحديث 12: 199 200.

(6) في التهذيب و الاستبصار: عن الحصين بن أبي الحصين قال: كتبت .. و لم يرد ذكر للحصين في كتب الرجال. و أمّا أبو الحسن بن الحصين فعن نسخة من رجال الشيخ: أنّه

ثقة نزل الأهواز، من أصحاب الهادي (عليه السّلام) و الظاهر أنّ الصحيح أبو الحصين بن الحصين الحضيني الثقة الذي صحب الجواد و الهادي (عليهما السّلام).

رجال الطوسي: 408 و 426، معجم رجال الحديث 21: 111 112 و 129.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 204

أبي جعفر الثاني (عليه السّلام) معي: جُعلت فداك، قد اختلف موالوك في صلاة الفجر؛ فمنهم من يصلّي إذا طلع الفجر الأوّل المستطيل في السماء، و منهم من يصلّي إذا اعترض في أسفل الأُفق و استبان، و لست أعرف أفضل الوقتين فأُصلّي فيه، فإن رأيت أن تعلمني أفضل الوقتين و تحدّه لي و كيف أصنع مع القمر و الفجر لا يتبيّن معه حتّى يحمرّ و يصبح، و كيف أصنع مع الغيم، و ما حدّ ذلك في السفر و الحضر؟ فعلت إن شاء اللّٰه، فكتب بخطّه (عليه السّلام) و قرأته

الفجر يرحمك اللّٰه هو الخيط الأبيض المعترض، و ليس هو الأبيض صُعَداء «1» فلا تصلّ في سفر و لا حضر حتّى تبيّنه؛ فإنّ اللّٰه تبارك و تعالى لم يجعل خلقه في شبهة من هذا، فقال وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا حَتّٰى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ «2» فالْخَيْطُ الْأبْيَضُ هو المعترض الذي يحرم به الأكل و الشرب في الصوم، و كذلك هو الذي يوجب الصلاة «3».

و اشتماله على الغيم في سؤال السائل لا ينافي ما نحن بصدده «4»؛ فإنّ الفرق بين ضوء القمر الذي هو مانع عن تحقّق البياض رأساً مع الغيم الذي هو

______________________________

(1) أي صاعداً كالعمود، انظر الوافي 2: 51/ السطر 27.

(2) البقرة (2): 187.

(3) الكافي 3: 282/ 1، تهذيب الأحكام 2: 36/ 115، الإستبصار 1: 274/ 994، وسائل الشيعة 4: 210، كتاب

الصلاة، أبواب المواقيت، الباب 27، الحديث 4.

(4) راجع جامع المدارك 1: 243.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 205

كحجاب عارضي مانع عن الرؤية واضح.

هذا كلّه مضافاً إلىٰ أنّ مقتضى الأصل أو الأُصول ذلك، و لا مخرج عنها؛ فإنّ الأدلّة لو لم تكن ظاهرة فيما ذكرنا لما كانت ظاهرة في القول الآخر، فلا محيص عن التمسّك بالاستصحاب الموضوعي، أو الحكمي مع الخدشة في الأوّل.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 209

8- الفائدة الاولىٰ في شرح حال العقود و الإيقاعات

اشارة

و بيان الفرق بينهما، و أنّ الأصل في العقود هل اللزوم أم لا «1»؟ فهاهنا مقامان:

المقام الأوّل: في الفرق بين العقد و الإيقاع

اعلم: أنّ الفرق بين العقد و الإيقاع هو أنّ العقدَ لا يتمّ إلّا بالقبول، و الإيقاعَ لا يحتاج في تمامه إليه. و السرّ فيه أنّه ليس لكلّ أحد إلّا التصرّف في نفسه و ماله، و ليس له سلطان في التصرّف في نفس الغير و لا في ماله، فإن كان مفاد الإنشاء هو التصرّف في سلطانه من نفسه أو ماله، و ليس في تحقّق المنشأ توقّفٌ إلى التصرّف في سلطان الغير، يكون مفاده إيقاعاً لا عقداً، و لا يتوقّف علىٰ قبول الغير في تحقّقه.

مثلًا: العتق من قبيل الإيقاع؛ فإنّ التصرّف ليس في مال الغير، و ليس في

______________________________

(1) الظاهر أنّ هذه الفائدة تقرير لما أفاده السيّد البروجردي، راجع ما يأتي في الصفحة 214، الهامش 5.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 210

العتق إيجاد إضافة بين ماله أو نفسه، و مال الغير و نفسه، أو تصرّف فيهما، بل مفاده عبارة عن إيجادِ الحرّية، أو سلبِ حيثية العبدية و الرقّية، و هذا تصرّف في سلطانه ليس إلّا.

و كذا حال العهد و النذر و القسم، فإنّه تصرّف في سلطان نفسه.

و من ذلك الطلاق أيضاً، فإنّه و إن كان حلّ العلاقة التي بين الطرفين و في الحقيقة تصرّف في الغير و سلطانه لكن بعد الحكمِ الشرعي بأنّ

الطلاق بيد من أخذ بالساق «1»

و جعلِ السلطنة المطلقة للزوج، يصير حاله حال العتق في الاعتبار، فيكون إيقاعاً.

و من ذلك الوقف و الوصيّة للجهات العامّة، فإنّهما أيضاً ليسا في اعتبار العقل و الشرع تصرّفاً في سلطان الغير. بل حال الوقف الخاصّ و الوصيّة للأشخاص أيضاً كذلك؛ فإنّ الوقف في الاعتبار: عبارة

عن إيقاف العين علىٰ رؤوس الموقوف عليهم؛ حتّى تدرّ عليهم بالمنفعة، فكأنّه أوجد غيماً مدراراً علىٰ رؤوسهم، فلهذا يقال: «وقفت عليهم» أي جعلت العين واقفةً علىٰ رؤوسهم حتّى تدرّ عليهم بالمنافع، فهو أيضاً على الظاهر من قبيل الإيقاع، و لا يكون تصرّفاً في سلطان الغير.

و الوصيّة أيضاً لا يبعد أن تكون إيقاعاً؛ فإنّها عبارة عن إيصاء شي ء و جعله لشخص، و للموصىٰ له حقّ قبول هذا الإيصاء و صرفه إلىٰ نفسه، فلهذا إذا مات الموصى له ينتقل هذا الحقّ إلىٰ ورثته. و من ذلك يعلم وجه بقاء إنشاء الوصيّة إلىٰ ما بعد موت الموصي و الفصل الطويل بينه و بين القبول، فإنّها ليست

______________________________

(1) عوالي اللآلي 1: 234/ 137، درر اللآلي 2: 2، مستدرك الوسائل 15: 306، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 25، الحديث 3.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 211

من العقود حتّى ينافيها ذلك، بل هي إيقاع شبيه بالعقد.

و بالجملة: الضابط في الفرق بين العقد و الإيقاع: هو أنّ العقد يتقوّم حصول مضمونه بالتصرّف في سلطان الغير، فلا بدّ من قبول الغير حتّى يتحقّق، و الإيقاع بخلافه.

المقام الثاني: حول أصالة اللزوم

ضابط تشخيص العقود جوازاً و لزوماً

اعلم: أنّ العقود ليست علىٰ منوال واحد و تحت ضابط فأرد؛ يقتضي اللزوم فيها أو الجواز، فإنّها مطلقاً و إن تقوّمت بالإيجاب و القبول، و يعبّر عنها في لسان القوم ب «العقد» تشبيهاً بالعقدة الواقعة في حبل، فكأنّ المتعاقدين أخذا حبلًا أحد جانبيه بيد أحدهما، و الآخر بيد الآخر، فعقداه بحيث صار الطرفان متعاكسين، فانعطف كلّ طرف إلى الآخر، و معنى «اللزوم» استيثاق العقدة و استحكامها، و «الجواز» بخلافه، لكنّ العقود مختلفة في طريقة العقلاء و بنائهم، و ليست المعاملات التي بأيدينا إلّا معاملات عقلائية ثابتة قبل

الإسلام؛ من لدن تمدّن البشر و الوقوع تحت الحياة الاجتماعية، و الشارع الصادع تكون أحكامه غالباً إمضائيةً مطابقة لطريقة العقلاء، و ليس له أحكام تأسيسية غالباً، فلا بدّ لنا في تشخيص العقود- جوازاً و لزوماً من مراجعة بناء العقلاء؛ و نستكشف حالها من تسبير بنائهم.

فنقول: ما هو المسلّم من بنائهم علىٰ لزومه؛ هو العقود المعاوضية التي تنقطع أيدي المتعاقدين عن العوضين. مثلًا في عقدي البيع و الإجارة، لو خالف أحد الطرفين مقتضىٰ عقده و رجع عمّا عقد عليه، يقال عند العقلاء: «إنّه نقض

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 212

عهده، و ما وفىٰ به» و يذمّه العقلاء علىٰ ذلك؛ فإنّ بناءهم علىٰ رفع اليد من جانب المتعاقدين عن العوضين و قطع الطمع عنهما. و كذا بناء سائر العقود المعاوضية علىٰ ذلك و علىٰ كون عقدة المعاوضة بيدي الطرفين، و كأنّ العقد المعاوضي حبل مشدود معقود فيه يكون طرفاه بيدي المتعاقدين، و تكون الإقالة بمنزلة حلّ تلك العقدة، و أمّا مع بقاء العقد و عدم حلّه من الجانبين، فليس لأحد الطرفين مخالفة عهده عند العقلاء، و ليس ذلك إلّا من جهة بناء العقلاء حتّى قبل الإسلام علىٰ ذلك.

و قوله تعالىٰ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «1» منزّل علىٰ أمثال تلك العقود المعاوضية التي مبناها على الاستيثاق و الاستحكام، لا علىٰ مطلق العقود حتّى يكون خروج أكثر العقود من قبيل التخصيص فيه و من جهة قيام الإجماع فإنّ إجماع العلماء في سائر العقود ليس إلّا من جهة أنّ بناء العقلاء فيها على الجواز. فعليك بالعقود الغير المعاوضية و التفحّص عنها و عن بناء العقلاء بالنسبة إليها حتّى تعرف صدق ما ادعيناه.

مثلًا: اعتبار العقلاء في عقد الوديعة كأنّه علىٰ أخذ الغير مخزناً لماله

و محفظة له، و هذا الأمر لمّا كان تصرّفاً في حدود سلطان الغير، فلا يعتبر موجوداً محقّقاً إلّا بعد قبول الغير، لكن سلطان صاحب المال علىٰ ماله و الطرف علىٰ نفسه بعدُ باقٍ؛ لعدم تحقّق معاوضة في البين، فلصاحب المال التصرّف في ماله و أخذه من المستودَع، و للمستودَع ردّ مال الغير به، و إن أخذ المودع أو ردّ المستودع المال لا يقال عند العقلاء: «إنّهما نقضا عهدهما، و خالفا عقدهما» و لا يذمّهما العقلاء.

______________________________

(1) المائدة (5): 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 213

و كذا في عقد الوكالة، اعتباره كأنّه نيابة الغير عن نفسه، أو إقامته مقام نفسه، و لمّا كان هذا تصرّفاً في نفس الغير، فلا بدّ في تحقّقه من القبول، لكن لا يكون فيه معاوضة، و ما قطعا أيديهما عن نفسهما، بل لكلّ منهما حلّ هذا العقد، و لا يقال له: «نقض عهده» أو «ما وفىٰ به».

و هكذا الكلام في العارية، فإنّه ليس فيها معاوضة، بل مال الغير محفوظ علىٰ ماليته، فله الرجوع إليه.

و كذا عقد الشركة، فإنّ بناءها علىٰ وضع مال الشريكين في البين للاستفادة بالانتفاع لهما بلا معاوضة في البين، فليس فيه النقض للعهد لو رجع كلّ واحد منهما عن الشركة و استردّ ماله.

و اعتبار المضاربة و المزارعة و المساقاة هو اعتبار الشركة؛ مع الفرق فيما به الاشتراك؛ فإنّ المضاربة: هي الشركة بين العمل و المال، فصاحب المال يعطي ماله، و صاحب العمل يعطي عمله فيشتركان، و كذا في المزارعة و المساقاة، و ليس بناؤها على اللزوم؛ فإنّها ليست عقوداً معاوضيّة، كما هو واضح.

و يمكن أن يقال: إنّ عقد القرض في اعتبار العقلاء: هو إعطاء المال و جعله في ذمّة غيره، لا

المعاوضة بينه و بين ما في الذمّة، فهو أيضاً ليس من المعاوضات، و لهذا فليس تعيين الأجل متعيّناً، بل لكلّ من الطرفين الرجوع إلىٰ صاحبه: أمّا المقرض فبما في ذمة المقترض قبل حلول الأجل، و أمّا المقترض فبإعطاء دينه و أدائه قبله، و لا يكون الرجوع نقضاً للعهد و العقد.

نعم، لمّا كانت يد المقرض مقطوعةً عن عين المال بتمليكه المقترض فليس له الرجوع إليه؛ لأنّه تصرّف في سلطان الغير بلا وجه. و أمّا مطالبة ما في ذمّته، فلمّا كان ماله في ذمّته بجعله، له أخذ ماله منه، فكأنّ ذمّته

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 214

صارت مخزناً له، و له الرجوع إليه أيّ وقت شاء.

و أمّا الهبة، فهي و إن كانت تمليكاً للموهوب، لكنّ بناءها عند العقلاء علىٰ عدم قطع يد الواهب، و الرجوعُ إليه لم يكن نقضاً للعهد و عدم وفاء به؛ و إن كان الرجوع قبيحاً مذموماً عندهم. و قوله (عليه السّلام)

العائد في هبته كالعائد في قيئه «1»

تنبيه على المذمّة العقلائية.

هذا حال العقود الغير المعاوضية.

و أمّا العقود المعاوضية التي من جملتها البيع و الإجارة، ففيها الميثاق الغليظ و العهد المحكم؛ بحيث يكون الرجوع فيها نقضاً للعهد و مخالفة للعقد. و النكاح أيضاً عقد محكم و عقد غليظ؛ بحيث يكون حاله كالمعاوضة.

دلالة آية الميثاق علىٰ لزوم العقود المعاوضية

و يدلّ علىٰ لزوم العقود المعاوضية بعد البناء العقلائي كما عرفت «2» و بعد قوله تعالىٰ أَوْفُوا بِالْعُقُودِ «3» فإنّ المراد منها ليس مطلق العقود، بل ما يكون مبناه على المعاوضة و الاستيثاق قوله تعالىٰ وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً «4» فإنّه و إن كان راجعاً إلى المهر و عدم جواز أخذه، لكن يستفاد منه

أمران «5»

______________________________

(1) الفقيه 4: 272/ 828، وسائل الشيعة 19: 241، كتاب الهبات، الباب 7، الحديث 5.

(2) تقدّم في الصفحة 211 212.

(3) المائدة (5): 1.

(4) النساء (4): 21.

(5) قال الإمام الخميني (قدّس سرّه) في كتاب البيع 1: 77: «و ربما يستدلّ للمطلوب بقوله تعالىٰ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ .. وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً كما حكي عن بعض أجلّة العصر (قدّس سرّه)». و قال بعض مقرّري بحثه المراد منه آية اللّٰه العظمى السيّد البروجردي (قدّس سرّه). و هذا قرينة علىٰ أنّ الفائدة المذكورة هي تقرير لبحث السيّد البروجردي (قدّس سرّه).

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 215

أحدهما: أنّه تعالىٰ أرجعهم إلىٰ مرتكزاتهم؛ و أنّه بعد إفضاء البعض إلى البعض و أخذ الميثاق الغليظ، لا مصير إلىٰ أخذ المهر؛ و لا سبيل إليه عند العقلاء؛ فإنّ هذا التعبير آبٍ عن الأمر التعبّدي، بل مناسب للأمر الارتكازي، فيظهر منه أنّ الأمر- أي نقض الميثاق الغليظ كان قبيحاً عند العقلاء و مذموماً عندهم، و اللّٰه تعالىٰ نبّههم علىٰ هذا الأمر الارتكازي.

و ثانيهما: أنّ تمام الموضوع لهذا الأمر الارتكازي القبيح؛ هو نقض الميثاق الغليظ، و لا اختصاص له بباب النكاح و المهر، و النكاحُ لمّا كان في الحقيقة مصداقاً للميثاق الغليظ، صار مركباً لهذا الحكم.

و بالجملة: يستفاد من ذلك أنّ الكبرى الكلّية المرتكزة للعقلاء التي قرّرها الشارع؛ هي الميثاق الغليظ لا النكاح، و هذا واضح.

إن قلت: إنّ الموضوع هو الميثاق الغليظ، لا أصل الميثاق، فمن أين يعلم أنّ الغلظة بِمَ تتحقّق؟! قلت: بعد تطبيقِ الميثاق الغليظ على النكاح، و العلمِ بأنّه ليس في النكاح غلظة أشدّ من البيع و الإجارة و أشباههما، يعلم أنّ

الميزان هو العهد المبرم الذي في مثل تلك العقود، فتدبّر جيّداً.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 217

الأوّل: حول قوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «المؤمنون عند شروطهم»

اعلم: أنّ الأخبار العامّة و الخاصّة في هذا الباب، كثيرة مستفيضة من طرق العامّة و الخاصّة، و الكبرى المجعولة فيها هي قوله

المسلمون «1» أو المؤمنون عند شروطهم «2»

و هذه كناية عن لزوم الوفاء و الالتزام بالشرط، و جارية علىٰ سبيل الاستعارة، فكأنّ الشرط أمر مجسّم محسوس، و يكون المسلم و المؤمن من وظيفة إيمانه و إسلامه ملازمته و قيامه عنده.

و علىٰ كلّ حال: كناية عن أنّ من مقتضيات الإسلام و قواعده؛ هو كون الملتزمين بها ملتزمين بشروطهم، و لا يكونون غير معتنين بها و مفارقين لها.

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، 2، 5، صحيح البخاري 3: 195، مستدرك الحاكم 2: 49.

(2) وسائل الشيعة 21: 276، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 20، الحديث 4، الجامع لأحكام القرآن 5: 29 و 6: 33، فتح الباري 4: 452.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 218

9- الفائدة الثانية في حال الشروط المخالفة للكتاب و المباحث المتعلّقة بها

اشارة

و هي تذكر في ضمن مطالب:

الثاني: في المراد من الشرط المخالف

إنّ الاستثناء الوارد في الأخبار متّصلًا و منفصلًا و إن كان لسانه مختلفاً ففي بعضها: «الشرط المخالف للكتاب» «1» و في بعضها

فيما وافق كتاب اللّٰه «2»

و في بعضها

سوىٰ كتاب اللّٰه «3»

أو

ليست في كتاب اللّٰه «4» ..

إلىٰ غير ذلك «5» و لكنّ الظاهر رجوع كلّ العناوين إلىٰ عنوان واحد هو «الشرط المخالف» كما تشهد به صحيحة «6» عبد اللّٰه بن سنان «7» عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول

______________________________

(1) وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1، 2، 3، 4.

(2) كما في صحيحة ابن سنان المذكورة في المتن.

(3) وسائل الشيعة 21: 297، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 38، الحديث 2 و 22: 35، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 13، الحديث 1.

(4) دعائم الإسلام 2: 247/ 935.

(5) كقوله (عليه السّلام): «فإنّ المسلمين عند شروطهم، إلّا شرطاً حرّم حلالًا، أو أحلّ حراماً».

تهذيب الأحكام 7: 467/ 1872، وسائل الشيعة 18: 17، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 5.

و قوله: «إنّ شرط اللّٰه قبل شرطكم».

تهذيب الأحكام 8: 51/ 164، وسائل الشيعة 22: 35، كتاب الطلاق، أبواب مقدّماته و شرائطه، الباب 13، الحديث 2.

(6) رواها الشيخ بإسناده عن الحسن بن محبوب، و طريقه إليه صحيح، كما رواها الكليني عن العدّة، عن سهل بن زياد و أحمد بن محمّد جميعاً، عن ابن محبوب، عن عبد اللّٰه بن سنان، عنه (عليه السّلام).

(7) هو عبد اللّٰه بن سنان بن طريف، كان ثقة جليلًا عظيماً عند الطائفة لا يطعن عليه في شي ء، و كان خازناً لبعض خلفاء بني العبّاس. روىٰ عن الإمامين الهمامين الصادق و الكاظم (عليهما السّلام) و عن

أبي حمزة الثمالي و عبد اللّٰه بن أبي يعفور و عمر بن يزيد .. و روى عنه الحسن بن محبوب و الحسين بن سعيد و حمّاد بن عيسىٰ ..

رجال النجاشي: 214، معجم رجال الحديث 10: 203 204.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 219

من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّٰه عزّ و جلّ فلا يجوز له، و لا يجوز على الذي اشترط عليه، و المسلمون عند شروطهم فيما «1» وافق كتاب اللّٰه عزّ و جلّ «2».

فإنّ الظاهر منها: أنّ الصدر و الذيل بصدد بيان كبرىٰ واحدة هي «الشرط المخالف لكتاب اللّٰه» فالمراد ب «الموافقة» هو عدم المخالفة، لا أنّها عنوان برأسه في مقابل عدم المخالفة، كما لا يخفىٰ.

و يمكن أن يقال: إنّ الكبرى المجعولة هي «الشرط المخالف لمطلق حكم اللّٰه» سواء استفيد حكمه من الكتاب أو السنّة. لا أقول: إنّ المراد من «الكتاب» هو ما كتب اللّٰه على العباد «3» فإنّه خلاف الظاهر، بل «الكتاب» هو القرآن، لكنّ العرف- بعد إلغاء الخصوصية يفهم منه مطلق الحكم الشرعي؛ فإنّ الظاهر أنّ عدم نفوذ الشرط المخالف لكتاب اللّٰه، ليس من جهة مخالفته لهذا الكلام الصادر علىٰ نعت الإعجاز و التحدّي، بل لكونه مخالفاً لحكم اللّٰه و ما أنزل اللّٰه فيه، فبعد إلغاء هذه الخصوصية يصير الحكم كلّياً متعلّقاً بعنوان «مخالفة حكم اللّٰه» و هذا واضح جدّاً.

______________________________

(1) كذا في الكافي و تهذيب الأحكام، و الموجود في الوسائل الحديثة «ممّا» بدل «فيما».

(2) الكافي 5: 169/ 1، تهذيب الأحكام 7: 22/ 94، وسائل الشيعة 18: 16، كتاب التجارة، أبواب الخيار، الباب 6، الحديث 1.

(3) المكاسب: 277/ السطر 21.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 220

مضافاً إلىٰ شهادة رواية محمّد بن قيس «1» علىٰ ذلك، فإنّ

فيها قال

خالفت السنّة، و وُلِّيت حقّا ليست بأهله «2»

و إلى شهادة الرواية المرويّة من طرق العامّة «3» في حكاية بَرِيرَة «4» فإنّ فيها جُعل الولاء لغير من أعتق مخالفاً للكتاب، تأمّل.

و كيف كان: إذا كان الشرط الغير النافذ مطلق ما كان مخالفاً لحكم اللّٰه كان في الكتاب أو لا يصير عنوان «الموافقة» و «غير المخالفة» متساويين صدقاً، كما لا يخفىٰ.

______________________________

(1) المراد به هنا هو أبو عبد اللّٰه محمّد بن قيس البجلي الثقة العين الذي روىٰ عن الباقر و الصادق (عليهما السّلام) صاحب المسائل التي رواها عنه عاصم بن حميد الحنّاط و يوسف بن عقيل و عبيد ابنه، و الذي مات سنة 151 ه. و الدليل عليه قول الشيخ في رجاله: محمّد بن قيس البجلي كوفي أُسند عنه، صاحب المسائل التي يرويها عنه عاصم بن حميد. فمجرّد رواية عاصم عن محمّد بن قيس توجب تعيينه بالبجلي.

رجال النجاشي: 323، رجال الطوسي: 298.

(2) الفقيه 3: 269/ 1276، تهذيب الأحكام 7: 369/ 1497، وسائل الشيعة 21: 289، كتاب النكاح، أبواب المهور، الباب 29، الحديث 1.

(3) وردت هذه الحكاية في الكثير من كتبهم، راجع علىٰ سبيل المثال صحيح البخاري 1: 256، صحيح مسلم 3: 321/ 6 و 8، سنن النسائي 3: 194/ 1 و 2 و 4.

(4) بَرِيرَة جارية، و اسم زوجها مغيث، و كان عبداً أسود، و لم تكن تريده، فكان يتبعها في سلك المدينة ليستعطفها، و قد قضى فيها النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) علىٰ ما نقل بأربع قضيات.

راجع مسند أحمد بن حنبل 1: 281، مستدرك الوسائل 15: 471، كتاب العتق، أبوا ب العتق، الباب 30، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 221

10- الفائدة الثالثة في التكلّم في بعض جهات ما نقل عن رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) من قوله: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي»

اشارة

و فيه

جهات من البحث:

الاولىٰ: في سنده

روت العامّة في بعض صحاحهم ك «سنن أبي داود» «1» و الترمذي «2» و غيرهما «3» هذه الرواية مسندةً إلىٰ سَمُرة بن جُنْدَب «4» مع اختلاف ما في بعض

______________________________

(1) سنن أبي داود 2: 318/ 3561.

(2) سنن الترمذي 2: 368/ 1284.

(3) مسند أحمد بن حنبل 5: 12.

(4) هو سَمُرَة بن جُنْدَب بن هلال الفزاريّ الصحابيّ المعروف بخبث السيرة و سوء السريرة، فهو الذي أضرّ جاره حتّى أمر رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بقلع نخلته، و هو الذي قتل في سنة 50 للهجرة ثمانية آلاف من الناس، و سبعة و أربعين رجلًا ممّن قد جمع القرآن، و هو الذي أطاع معاوية حتّى قال: لعن اللّٰه معاوية، و اللّٰه لو أطعت اللّٰه كما أطعت معاوية ما عذّبني أبداً، و هو الذي كان يحرّض الناس على الخروج إلىٰ قتال الإمام الحسين (عليه السّلام) و هو آخر من مات من الصحابة، فكان مصداقاً لقول النبيّ (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «آخر أصحابي موتاً في النار».

تهذيب الأحكام 7: 146/ 36، تاريخ الطبري 5: 236 237 و 291، شرح نهج البلاغة 4: 78، أنساب الأشراف 1: 527.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 222

كلماتها؛ ففي بعضها: علىٰ ما هو المشهور و في بعضٍ

على اليد ما قبضت حتّى تؤدّي «1»

و في بعضٍ

حتّى تؤدّيه «2».

و أمّا الخاصّة، فاستنادهم إليه في كتب الفقهاء قديماً «3» و حديثاً «4» ممّا يغنينا عن البحث عن سنده. مع أنّ الروايات الخاصّة في كثير من أبواب الفقه الدالّة على الضمان «5» تكون بمقدارٍ يمكن للفقيه اصطياد قاعدة كلّية بإلغاء الخصوصيات، كما لا يخفى على المتدرّب المتفحّص في أبواب الإجارة «6» و العارية

«7» و الوديعة «8» و المضاربة «9» و غيرها «10».

______________________________

(1) لم نعثر علىٰ هذا اللفظ في كتب الفقه و الحديث السنّيين، و إنّما قال السيّد ابن زهرة (رحمه اللّٰه): و يحتجّ على المخالف بقوله (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «على اليد ما قبضت حتّى تؤدّي».

غنية النزوع: 280، 289.

(2) مسند أحمد بن حنبل 5: 8 و 5: 13، سنن ابن ماجة 2: 802/ 2400، السنن الكبرى، البيهقي 6: 90.

(3) الخلاف 3: 228، السرائر 2: 87 و 463.

(4) رياض المسائل 1: 611/ السطر 2، مستند الشيعة 2: 369/ السطر 16، جواهر الكلام 23: 181، المكاسب: 32/ السطر 9، و 101/ السطر 25.

(5) تأتي الإشارة إليه في الهوامش الآتية.

(6) راجع وسائل الشيعة 19: 118، كتاب الإجارة، الباب 16، و 119، الباب 17، و 141، الباب 29، و 148، الباب 30، و 155، الباب 32.

(7) راجع وسائل الشيعة 19: 91، كتاب العارية، الباب 1، و 96، الباب 3، و 97، الباب 4.

(8) راجع وسائل الشيعة 19: 81 و 85، كتاب الوديعة، الباب 5 و 7.

(9) راجع وسائل الشيعة 19: 15، كتاب المضاربة، الباب 1، و 21، الباب 3، الحديث 3، و 27، الباب 10.

(10) راجع وسائل الشيعة 9: 88 89، كتاب الزكاة، أبواب من تجب عليه، الباب 2، الحديث 5، 6، 7، 8.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 223

الثانية: في بيان مفاد «علىٰ» مع مجرورها

اشارة

إنّ لفظة «علىٰ» مع مجرورها تارةً: تجعل خبراً لفعل من الأفعال، كقوله: «علىٰ زيد أن يضرب عمراً» أو «أن يصلّي» و تارةً: تجعل خبراً لذات من الذوات، كقوله: «علىٰ زيد عشرة دراهم».

و على الثاني تارةً: يكون الخبر أمراً كلّياً، كالمثال المذكور، و قد يكون أمراً شخصياً خارجياً، كقوله

على اليد

ما أخذت.

و ما كان كلّياً قد يكون معتبراً في ذمّة شخص، كقوله: «عليّ دين زيد من عمرو» و قد لا يكون، كقوله: «عليّ عشرة دراهم».

فإن جعلت خبراً للأفعال، فالظاهر المتفاهم منها عرفاً هو الإلزام على الإيجاد، فلا يستفاد منها إلّا الوجوب. و يمكن أن يقال: إنّ المستفاد منها أيضاً هو العهدة، كما فيما سيأتي «1»، إلّا أنّ اللازم على العهدة في الأفعال هو الوجوب.

و إن جعلت خبراً لأمرٍ كلّي غير معتبر في ذمّة شخص كقوله: «عليّ عشرة دراهم» أو «علىٰ زيد عن عمروٍ كذا» فهو في مثل الأوّل إقرار، و في مثل الثاني شهادة على اشتغال الذمّة.

و إن جعلت خبراً لأمرٍ كلّي معتبر في ذمّة شخصٍ كقوله: «عليّ دَينك من

______________________________

(1) يأتي في هذه الصفحة الآتية.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 224

عمرو» فالمتفاهم العرفي منها هو العهدة، و هي إحدى الاعتبارات العقلائية المستتبعة لأحكام عقلائية، و هي غير الذمّة.

و محصّل المقال: أنّ من الاعتبارات العقلائية كون شي ء في ذمّة شخصٍ؛ فإنّ نفس الذمّة من الاعتبارات العقلائية، و كأنّها مخزن قابل لكون شي ء فيها. كما أنّ كون شي ء فيها أيضاً من الاعتبارات العقلائية، فاعتبار عشرة دراهم في ذمّة زيد اعتبار في اعتبار. و هذا غير اعتبار العهدة؛ فإنّ اعتبارَ شي ء في الذمّة اعتبارٌ، و أمّا اعتبار العهدة فاعتبار ضمّ الذمّة إلى الذمّة عند العقلاء، فالدين ثابت علىٰ ذمّة المضمون في الضمان العرفي، و الضامن متعهّد بالدين، و معنى تعهّده: أنّه لو لم يؤدِّ دينه يجب عليه الخروج عن العهدة؛ أمّا بالأخذ من المديون و الردّ إلى الدائن في صورة الإمكان، و إمّا بالإعطاء من كيسه مع عدمه.

و بالجملة: العهدة اعتبار عقلائي مستتبع لجواز مطالبة المتعهَّد له، فإذا طالب

يجب على المتعهِّد تكليفاً أداء ما تعهّد به؛ إمّا بالأخذ من المديون، أو الردّ من كيسه.

و هذا هو الحكم العقلائي في باب الضمانات، و العامّة قد جروا في فتاواهم علىٰ هذا البناء العقلائي «1». و أمّا حكم الخاصّة في باب الضمانات من نقل الذمّة إلى الذمّة «2» فهو أمر تعبّدي شرعي علىٰ خلاف بناء العرف و العقلاء.

______________________________

(1) انظر تذكرة الفقهاء 2: 93/ السطر 15، المغني، ابن قدامة، 5: 70، الفقه على المذاهب الأربعة 3: 221.

(2) الخلاف 3: 314 315، تذكرة الفقهاء 2: 93/ السطر 14، جواهر الكلام 26: 113.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 225

بيان الوجه الأوّل لدلالة الحديث على الضمان

و إن جعلت لفظة

علىٰ

خبراً لعين من الأعيان كقوله

على اليد ما أخذت حتّى تؤدّي

فالظاهر منها هو التعهّد للأداء؛ كانت العين موجودة أو لم تكن؛ فإنّ كلّ عين مشتملة علىٰ صورة شخصية، و صورة نوعية، و جهة مالية، فإذا تعهّد أحد بعين من الأعيان، يكون حكمه العقلائي هو الخروج عن العهدة؛ إمّا بردّها بجميع جهاتها: من الشخصية، و النوعية، و المالية، و إمّا ببعض مراتبها لو لم يمكن الجميع، فإذا كانت العين موجودة يجب ردّها، و يكون الخروج عن العهدة بردّها شخصاً، فإذا تلفت لم تنتقل إلى المثل أو القيمة، بل تكون العهدة متعلّقة بالعين، و الخروج عنها إنّما يكون بردّ الصورة النوعية إن أمكن، و المالية مع عدمه.

فتحصّل من جميع ذلك: أنّ قوله

على اليد

يدلّ علىٰ عهدة الآخذ لنفس العين، و هذا حكم وضعي عقلائي مستتبع لأحكام عقلائيّة: من جواز المطالبة، و وجوب الخروج عن العهدة بردّ العين، أو ردّها ببعض مراتبها.

الوجه الثاني لدلالة الحديث على الضمان

و هاهنا وجهٌ آخر و تقريبٌ لدلالة

على اليد

على الضمان: و هو أنّ كلّ مملوك لأحد له جهة نفع و لهيّة، و جهة ضرر و عليهيّة عند العقلاء، و تكون جهة لهيّته و نفعه في صورة وجوده، و جهة عليهيّته في صورة فقدانه، فكما أنّ اللهيّة للمالك تكون العليهيّة أيضاً على المالك إن تلفت تحت يده، ففي قوله

على اليد ما أخذت

جعل جهة العليهيّة على الآخذ، فكأنّه قال: «الأعيان

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 226

التي تكون جهة عليهيّتها علىٰ مالكها إذا وقعت تحت يد غاصب، تنتقل هذه الجهة إليه، و يتوجّه ضررها عند تلفها عليه» و بهذا التقريب تصير العهدة مختصّة بالعين التالفة.

و لكنّ الظاهر: أنّ العهدة متحقّقة عند العقلاء حتّى مع وجود العين. و يمكن أن يكون

منشأ اعتبار العقلاء العهدة بالمعنى الأوّل في أوّل الأمر هو هذه الجهة العليهية؛ بمعنى أنّ العقلاء لمّا لاحظوا جهة العليهية في الأموال، و استعملوا لفظة «علىٰ» في هذه الجهة، انتقلوا إلى العهدة بالمعنى الأوّل المتقدّم؛ أي العهدة بالمعنى الأوسع حتّى يشمل نطاقها وجود العين أيضاً، فتدبّر «1».

الثالثة: في وجه نسبة العهدة إلى اليد

إنّ نسبة العهدة إلى اليد نسبة مجازية، لعلّها بملاحظة أنّ اليد لمّا كانت آلة للأخذ نوعاً و موجبةً للعهدة غالباً كانت العهدة عليها، و إلّا فالعهدة على الشخص الآخذ.

و هاهنا نكتة أُخرى: هي أنّ اليد لمّا كانت آخذة للمال نوعاً نسبت إليها العهدة؛ لإفهام أنّ الآخذ هو الضامن، فلمّا كانت اليد آخذة فهي ضامنة أيضاً.

______________________________

(1) و هاهنا تقريب آخر لاستفادة الضمان من الحديث النبويّ: و هو أنّ معنىٰ «على اليد ما أخذت» في عالم الاعتبار: أنّ العين على اليد ثابتة، و لو تلفت لا يكون التلف موجباً لانعدام العين في عالم الاعتبار، بل هي ثابتة على يد الآخذ، و موجودة فيها، و قابلة للأداء و لو بصورتها النوعيّة، تدبّر تعرف [منه (قدّس سرّه)].

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 227

الرابعة: في اختصاص الحديث باليد العدوانية

هل «الأخذ» أعمّ من الأخذ علىٰ وجه العدوان، أو مخصوص به؟ فيه وجهان:

من جهة إطلاق قوله

على اليد ما أخذت.

و من جهة أنّ المالك إذا أعطى العين علىٰ وجه الأمانة، فهي في اعتبار العقلاء كأنّها تحت يده، و لم تخرج عنها، فكما أنّ الإنسان قد يجعل الأعيان المملوكة في مخازنه الجماديّة؛ من مثل الصندوق و الدكّة و غيرهما، و لا تكون العين خارجة عن يده في هذه الحال، كذلك إذا جعلها بنحو الأمانة في يد الغير كأنّه جعله كإحدىٰ مخازنه الجماديّة و لو كان الآخذ صاحب الإرادة، و بهذا الاعتبار يمكن أن يدّعىٰ أنّ العين لم تكن مأخوذة منه، بل تكون عنده.

و إن شئت قلت: إنّ ذاك الاعتبار صار منشأً للانصراف إلى اليد العادية، فلا تشمل غيرها. و هذا هو الأقوىٰ.

و يمكن التقريب بوجه آخر: و هو أنّ في نسبة «الأخذ» إلى «اليد» التي تستعمل غالباً في القدرة

إشارةً إلىٰ أنّ الأخذ إنّما يكون بإعمال القدرة على المأخوذ منه و السلطة عليه، فيختصّ باليد العادية.

الخامسة: في دلالة الحديث على ردّ المثل حتّى في القيميات

المشهور بين فقهاء الفريقين بحيث يكون المخالف «1» نادراً في حكم

______________________________

(1) المخالف هو ابن جنيد من الخاصّة علىٰ ما حكي عنه، و عبيد اللّٰه بن الحسن العنبري من العامّة. انظر مختلف الشيعة 6: 96، غاية المراد 2: 398، جواهر الكلام 37: 85، المجموع 14: 234، الشرح الكبير، ضمن المغني 5: 430.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 228

العدم أنّ المثلَ يُضمن بالمثليّ و القيمةَ بالقيميّ «1» و التعاريف التي ذكرت فيهما «2» متقاربات مشيرات إلىٰ حقيقة واحدة، فلا يمكن أن يقال: إنّ في المثلية و القيميّة خلافاً بينهم «3».

إنّما الكلام في أنّ المستفاد من قوله

على اليد ..

إنّما هو المثل في المثلي و القيمة في القيمي كما قيل «4» بحيث يفهم العرف من ظاهره كيفية الضمان بما ذكر.

أو أنّ المستفاد منه ليس إلّا أصل العهدة؛ من دون تعرّض لكيفية الخروج منها و كيفية اشتغال العهدة، و إنّما يكون الخروج عن العهدة بهذه الكيفية من الأحكام العقلائية؛ لأقربية المثل في المثليات و القيمة في القيميات في التالف.

أو أنّ المتفاهم منه أنّ العين بنفسها في العهدة، و الخروج عن عهدة العين لا يكون إلّا بردّها عند وجودها، و ردّ نوعيتها عند تلفها مع وجود المثل، و ردّ ماليتها عند فقدانه.

أو أنّ المستفاد منه و لو بواسطة أنّ سوقه إنّما يكون لإفادة حال تلف

______________________________

(1) الخلاف 3: 395 396، المبسوط 3: 59، السرائر 2: 480، شرائع الإسلام 3: 188 189، بداية المجتهد 2: 315، المجموع 14: 227 و 234.

(2) راجع المكاسب: 105 106.

(3) المكاسب: 106/ السطر 6.

(4) المكاسب و البيع (تقريرات المحقّق النائيني) الآملي 1:

337، منية الطالب 1: 135/ السطر 15.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 229

العين أنّ بعد تلفها تكون العين بصورتها النوعية في العهدة مطلقاً، فالخروج عن العهدة بردّ المثل حتّى في القيميات مع الإمكان، و أمّا حال التعذّر فليس مستفاداً منه، و إنّما هو بدليل آخر.

و لا يبعد أن يكون هذا الأخير هو الظاهر منه، فبناءً عليه نأخذ بإطلاقه في كافّة الموارد إلّا ما دلّ الدليل علىٰ خلافه.

و لكن في القيميات وردت بعض الروايات في موارد خاصّة حكم فيها بالقيمة، كصحيحة «1» أبي ولّاد «2» و رواية أُخرى في باب عتق شقص «3» من العبد المشترك، حيث ورد أنّه يقوّم على المعتق «4» و روايات أُخرى في موارد متشتّتة، مثل رواية السفرة المطروحة «5» فبإلغاء الخصوصية يفهم منها أنّ القيميّات تضمن بالقيمة، فيخصّص بها قوله

على اليد ...

السادسة: في أنّ المدار علىٰ أعلى القيم

اشارة

هل المناط في ضمان اليد في باب القيميات الذي نقدّمه لنكتة بقيمة

______________________________

(1) وسائل الشيعة 19: 119، كتاب الإجارة، الباب 17، الحديث 1.

(2) هو حفص بن سالم الحنّاط، كان ثقة لا بأس به. روىٰ عن الصادق (عليه السّلام) و روى عنه الحسن بن محبوب و حمّاد بن عثمان و محمّد بن أبي حمزة.

رجال النجاشي: 135، معجم رجال الحديث 6: 136 137.

(3) الشِّقْص: النصيب في العين المشتركة من كلّ شي ء، و قد تكرّر في الحديث، النهاية، ابن الأثير 2: 490.

(4) وسائل الشيعة 23: 36، كتاب العتق، الباب 18، الحديث 1، 5، 9، 10.

(5) وسائل الشيعة 25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23، الحديث 1.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 230

يوم الغصب «1» أو يوم التلف «2» أو يوم الأداء «3» أو أعلى القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف «4» أو من يوم الغصب

إلىٰ يوم الأداء «5»؟ وجوه، بل أقوال:

الوجه في ضمان قيمة يوم الغصب

أمّا الوجه في الأوّل مع قطع النظر عن الأدلّة الخاصّة، بل بالنظر إلىٰ مفاد

على اليد ..

فهو أن يقال: إنّ مفاد قوله

على اليد ما أخذت ..

أنّ علىٰ ذمّة الآخذ بدل ما أخذ، و هو في القيميات نفس القيمة، و الظاهر اتحاد ظرف الأخذ و الاستقرار في الذمّة.

الوجه في ضمان قيمة يوم التلف

و أمّا في الثاني فهو أن يقال: إنّ مفاده أنّ العين ما دامت موجودة فنفسها علىٰ عهدة الآخذ، و إذا صارت تالفة فيُنتقل قهراً من قِبل الشارع إلى البدل، و هو في

______________________________

(1) شرائع الإسلام 3: 189، انظر مفتاح الكرامة 4: 200/ السطر 6 7.

(2) المهذّب 1: 436 437، مختلف الشيعة 6: 81، التنقيح الرائع 4: 70، جامع المقاصد 6: 246 247.

(3) منية الطالب 1: 143/ السطر 11، البيع (تقريرات المحقّق الكوهكمري) التجليل: 203.

(4) الخلاف 3: 403 و 415، المبسوط 3: 72.

(5) نقله الشهيد عن المحقّق في أحد قوليه، انظر السرائر 2: 481، الدروس الشرعيّة 3: 113، مفتاح الكرامة 4: 200/ السطر 17، حاشية المكاسب، المحقّق الإيرواني 1: 101/ السطر 20.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 231

القيميات القيمة، فكان مفاده أمران: ردّ العين حين الوجود، و الانتقال إلى القيمة حين التلف، و الظاهر اتحاد ظرف التلف و الانتقال إلى القيمة، فيصير المعيار قيمته يوم التلف.

و هاهنا وجه آخر لعلّ قول المحقّقين ناظر إليه: و هو أنّ العين بنفسها في العهدة، و الآخذ مأمور بردّها، لكنّ ردّها في زمان وجودها بردّ نفسها، فإذا تلفت يكون ردّها في القيميات بردّ ماليتها. و هو غاية إمكان ردّ العين.

و أمّا قيمة يوم التلف؛ فلأنّ العين التالفة في زمان تلفها لا قيمة سوقية لها، و لا ينسب إليها القيمة إلّا بفرض وجودها، أو نسبة القيمة إلىٰ

أمثالها؛ بأن يقال: «إذا كانت موجودة فقيمتها كذا» أو «قيمة أمثالها و نظائرها كذا» و هما خلاف الظاهر؛ لأنّ الظاهر أنّ الآخذ لا بدّ من تأديتِه نفس العين؛ تأديتِها بالقيمة المنسوبة إلى العين تنجيزاً، و هو لا ينطبق إلّا علىٰ قيمة يوم التلف.

و إنّما قلنا: إنّ الوجه عند المحقّقين ذلك؛ لما يستفاد من التصفّح في «التذكرة» «1» و لأنّ المشهور في إعواز المثلي بقيمة يوم الأداء «2» و في القيميّات بقيمة يوم التلف «3» و هو أيضاً منطبق علىٰ ذلك؛ لأنّ المثليات يمكن تقييمها و الانتساب إليها، بخلاف العين الشخصية.

______________________________

(1) راجع تذكرة الفقهاء 2: 383 384.

(2) في مفتاح الكرامة 6: 343، «إنّي لم أجد مخالفاً منّا في ذلك، بل و لا متأمّلًا ..» و في جواهر الكلام 37: 95، «بلا خلاف أجده في شي ء من ذلك بيننا ..» و نسبه الشيخ الأعظم إلى المشهور. المكاسب: 107/ السطر 23.

(3) نسبه الشهيد في الدروس 3: 113 إلى الأكثر. و قد تقدّمت الإشارة إلىٰ بعض من اختار هذا القول في الصفحة 230، الهامش 2.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 232

الوجه في ضمان قيمة يوم الأداء

و أمّا في الثالث و هذا الذي استقرّ عليه رأي كثير من المشايخ الذين عاصرناهم «1» فبأن يقال: إنّ ظاهر قوله

على اليد ما أخذت

أنّ نفس ما أخذت علىٰ عهدة الآخذ؛ سواء كانت موجودة أو تالفة، و لا ينتقل بالتلف إلىٰ قيمتها، فهي ثابتة في العهدة إلىٰ زمان أدائها بمرتبة المالية.

الوجه في ضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف

و أمّا في الرابع فبأن يقال: إنّ العين كما تكون تحت اليد و تصير علىٰ عهدة الآخذ في الحدوث، تكون علىٰ عهدته في البقاء و في كلّ يوم، و تكون مراتب تفاوت القيمة مضمونة عليه، و للمالك في كلّ يوم مطالبة الضامن، و عليه أداء القيمة التي في ذلك اليوم، فإذا ردّ العين تسقط القيمة، و إذا تلفت يكون يوم التلف آخرَ أيّام نسبة القيمة إلى العين، كما عرفت آنفاً «2» فردّ مالية العين أعني بعد التلف إنّما يكون بردّ أعلىٰ قيمتها من يوم الغصب إلىٰ يوم التلف.

الوجه في ضمان أعلى القيم من حين الغصب إلى الأداء

و أمّا في الخامس فبأن يقال: إنّ العين بعد تلفها باقية على العهدة، و تعتبر لها قيمة سوقية، و تكون جميع مراتب القيم مضمونة.

______________________________

(1) تقدّمت الإشارة إلىٰ بعضهم في الصفحة 230، الهامش 3، حاشية المكاسب، المحقّق الخراساني: 40، حاشية المكاسب، المحقّق اليزدي 1: 104/ السطر 6.

(2) تقدّم في الصفحة 231.

الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، ص: 233

ترجيح أعلى القيم من حين الغصب إلى التلف

هذا، و لا يبعد أن يكون الوجه الرابع أقوى الوجوه لأنّ المالك في كلّ يوم له المطالبة .. «1».

______________________________

(1) هذا آخر ما عثرنا عليه من هذه الفائدة، و الحمد للّٰه أوّلًا و آخراً، و ظاهراً و باطناً، و هو حسبنا و نعم الوكيل.

________________________________________

خمينى، سيد روح اللّٰه موسوى، الرسائل العشرة (للإمام الخميني)، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، قم - ايران، اول، 1420 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.