ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها

اشارة

سرشناسه : خميني، مصطفي، 1356 - 1309

عنوان و نام پديدآور : ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها/ تاليف مصطفي الخميني؛ [گردآورنده محمد السجادي]؛ تحقيق موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني

مشخصات نشر : تهران: موسسه تنظيم و نشر آثار الامام الخميني(س)، 1418ق. = 1376.

مشخصات ظاهري : 84، 60، ص 154

شابك : 9000ريال

يادداشت : عربي

يادداشت : عنوان روي جلد: ثلاث رسائل: ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها.

يادداشت : كتابنامه به صورت زيرنويس

عنوان روي جلد : ثلاث رسائل: ولايه الفقيه، العوائد و الفوائد، دروس الاعلام و نقدها.

عنوان ديگر : ثلاث رسائل: ولايه الفقيه

موضوع : ولايت فقيه

موضوع : اصول فقه شيعه -- قرن 14

موضوع : اسلام -- علوم نقلي

موضوع : علوم اسلامي

شناسه افزوده : سجادي، محمد، گردآورنده

شناسه افزوده : موسسه تنظيم و نشر آثار امام خميني(س)

رده بندي كنگره : BP223/8 /خ 85و8 1376

رده بندي ديويي : 297/45

شماره كتابشناسي ملي : م 80-4778

فائدة (1) في إرجاع أقسام الاستصحاب الكلّي إلى قسم واحد

ما يصلح لأن يكون منشأً للشكّ في الكلّي بقاءً أُمور: منها: الشكّ في بقاء الفرد الأوّل المسمّى بالقسم الأوّل من الاستصحابات الكلّية.

و منها: الشكّ في أنّ الفرد الأوّل طويل العمر أو قصيرة المسمّى بالقسم الثاني منها.

و منها: احتمال دخول الفرد الثاني آنَ خروجِ الفرد الأوّل.

و منها: احتمال دخول الفرد الثاني قبل خروج الفرد الأوّل.

و منها: احتمال بقاء المرتبة الضعيفة من الفرد الأوّل.

و تلك الثلاثة تسمّى بالأقسام الثلاثة للقسم الثالث.

و هنا منشأ آخر: و هو التردّد من أوّل الأمر في أنّ الموجود في الدار قليل أو كثير أي مردّد بين الأقلّ و الأكثر فلو علمنا بخروج الأقل نشكّ في

العوائد و الفوائد، ص: 6

ارتفاع الكلّي.

و هذا منشأ آخر للشكّ في بقاء الكلّي غير ما سبق، فإنّ

الفرد المحتمل دخوله في الدّار، مسبوق باليقين علىٰ خلاف الأصل الجاري في الكلّي، بخلافه فإنّه من أوّل الأمر يحتمل الأكثر، و لا يقين سابق على خلافه؛ لانتقاضه بوجود الأقلّ قطعاً، و هذا الأخير كثير المثال في المسائل.

مثلًا: لو تردّد الدَّين بين الأقلّ و الأكثر، فإذا وفىٰ بالأقلّ يشكّ في سقوط الدَّين الكلّي المحتمل بقاؤه بالأكثر، و لا معنىٰ لاستصحاب عدم اشتغال الذِّمّة بالدَّين لانتقاضه بالأقلّ، و لا لاستصحاب عدم الاشتغال بالمقدار الأكثر إلّا بنحو العامّ المجموعي، فيعلم من ذلك أنّه غير الثلاثة من القسم الثالث بالضرورة.

و توهّم: أنّه من القسم الثالث للقسم الثالث؛ لأنّه الأقلّ و الأكثر، في غير محلّه؛ ضرورة أنّ الكمّ المنفصل و الكيف غير قابلين لأن يجمعهما جهة واحدة، و لأجله يجري الأصل هناك لو كان أثر شرعي، و لا أصل حاكم عليه، بخلافه هنا، فإنّ البراءة حاكمة علىٰ مثل ذلك الاستصحاب نحو حكومة دافعة لا رافعة؛ بمعنى أنّ الأصل الحاكم و المحكوم: تارة يكون الشكّ فيهما فعليّاً، و يقدّم أحدهما على الآخر، و أُخرى يكون أحدهما تقديريّاً، فلا يزول الشكّ في المحكوم بالحاكم تعبُّداً؛ لعدم وجوده فعلًا. نعم، بعد ما يوجد لا يكون معتبراً؛ لانتفاء منشأ الشكّ قَبْلًا بالحاكم، كما في الشكّ الاستصحابي في الأقلّ و الأكثر و الشكّ

العوائد و الفوائد، ص: 7

البراءتي فيه، فإنّ الأصل في المسألة الكلّية يرفع منشأ الشكّ الاستصحابي في المسألة الجزئية، فتدبّر.

فما اشتهر: من أنّ الاستصحاب الكلّي علىٰ أقسام «1»، غير تامّ، بل هو نوع واحد، و الاختلاف في الجهة الأُخرىٰ، و هي غير محصورة بما أفاده الشيخ الأعظم.

نعم، قد يمكن أن يُدّعىٰ: أنّ الاستصحاب الكلّي يكون متكثّراً؛ لأجل أنّ الكلّي: تارة يكون من الكلّيات الحقيقية،

فإنّه في هذه الصورة يجري الأصل في القسم الأوّل بلا إشكال.

و قد يكون من الكلّيات الانتزاعيّة، و هي الدائرة في الكتب ضمن المسائل المعنونة في الخلل و غيرها.

مثلًا: لو علم بوجوب قضاء الفوائت المردّد بين الأقلّ و الأكثر، فإنّه أحكام متعدّدة حسب تعدّد المقتضيات إلّا أنّ استصحابَ الكلّي المنتزع و هو وجوب القضاء عليه إلىٰ أن يعلم بسقوطه في حدّ نفسه جار؛ لما أنّه لا يعتبر في المستصحب زائداً علىٰ أن يكون في التعبّد ببقائه الأثر.

و ما قيل: لا بدّ من كونه إمّا موضوعاً ذا حكم أو حكماً شرعيّاً «2»، غير تامّ؛ لجريان استصحاب عدم الوجوب و عدم النسخ، فافهم جيّداً.

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 638 643، كفاية الأُصول: 461 463، التنبيه الثالث، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 412، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 533.

(2) كفاية الأُصول: 476، التنبيه العاشر، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 552 553.

العوائد و الفوائد، ص: 8

عائدة (1) حول دلالة «قبح العقاب بلا بيان» على البراءة العرفيّة

البراءة عن التكليف المشكوك: قد تكون شرعيّة، و دليلها حديث الرفع «1» و نحوه «2». و المخالف في المسألة

______________________________

(1) عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): رفع عن أُمّتي تسعة: «الخطأ و النسيان، و ما أكرهوا عليه، و ما لا يعلمون، و ما لا يطيقون، و ما اضطرّوا إليه، و الحسد، و الطيرة، و التفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق شفة».

الخصال 2: 417/ 9، التوحيد: 353/ 24، وسائل الشيعة 15: 369، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس و ما يناسبه، الباب 56، الحديث 1.

(2) عن أبي الحسن زكريّا بن يحيى، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: ما حجب اللّٰه علمه عن العباد، فهو

موضوع عنهم.

وسائل الشيعة 27: 163، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، و ما يجوز أن يقضي عنه، الباب 12، الحديث 33.

عن السكوني، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام): «.. فقال أي أمير المؤمنين (عليه السّلام): هم في سعة حتّى يعلموا».

وسائل الشيعة 25: 468، كتاب اللقطة، الباب 23، الحديث 1.

«كلّ شي ء لك حلال ..».

الكافي 5: 313/ 40، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

«كلّ شي ء مطلق ..».

وسائل الشيعة 27: 173، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي، الباب 12، الحديث 6.

«الناس في سعة ما لا يعلمون».

عوالي اللآلي 1: 424/ 109.

العوائد و الفوائد، ص: 9

الأخباريّون «1».

و قد تكون عقليّة، و دليلها امتناع الظلم علىٰ المولى، فإنّ العقابَ علىٰ ما لا بيان من قِبَل الربّ ظلمٌ، و هو ممتنع عليه و المخالف الأشعريّون المجوّزون الظلم عليه «2»، فعقولهم لا بدّ أن تحكم بالاحتياط؛ لعدم الفرار من العقاب منه تعالىٰ حينئذٍ.

و قد تكون عرفيّة، و دليلها قبح العقاب بلا بيان، فإنّه في حدّ نفسه ممّا يُعلم من قِبَل العرف الحاكم في المسائل العقلائيّة أنّه- تعالىٰ بري ء منه و إن لم يمتنع عليه فرضاً. و المخالف هم السابقون أيضاً؛ لتجويز القبيح عليه- تعالىٰ خذلهم اللّٰه الملك الجبّار.

______________________________

(1) الفوائد المدنية: 47/ السطر 13 و ما بعده، الحدائق الناضرة 1: 43 44.

(2) لاحظ شرح المواقف 8: 173 195، شرح المقاصد 4: 278 و 282 و 294، كشف المراد: 302 306.

العوائد و الفوائد، ص: 10

فما اشتهر: من التمسّك للبراءة العقليّة بالقاعدة الأخيرة «1»، غير تامّ.

كما أنّ توهّم عدم كفايتها للبراءة الأُخرىٰ المسمّاة بالعرفيّة، فاسد؛ ضرورة قضاء العقول العرفيّة بذلك.

فبالجملة: إذا عُلم من الخارج أنّ المولى بري ء من المقبّحات و

ليس دأبه ذلك فإنّه حينئذٍ تجري تلك البراءة أيضاً، فلاحظ.

______________________________

(1) فرائد الأُصول 1: 335، كفاية الأُصول: 390، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 3: 365.

العوائد و الفوائد، ص: 11

فائدة (2) حول قوله (عليه السّلام): «و لكن انقضه بيقين آخر»

في معنىٰ قوله (عليه السّلام)

و لكن انقضه بيقين آخر «1»

و هذا بظاهره يستلزم جعل الحجّية للقطع، الذي لا تناله يد الجعل و الحجّية، و فرغنا من ذلك في الأُصول، و أنّ القطع كسائر الأمارات يحتاج إلىٰ التنفيذ «2»، إلّا أنّ من المحتمل كونها إرشاداً إلىٰ غاية الحجّة السابقة؛ و أنّها تُنقض

______________________________

(1) عن زرارة قال قلت له: الرجل ينام و هو على وضوء أ توجب الخفقة و الخفقتان عليه الوضوء؟ فقال: «يا زرارة قد تنام العين و لا ينام القلب و الأُذن فإذا نامت العين و الأُذن و القلب فقد وجب الوضوء»، قلت: فإن حرّك إلى جنبه شي ء و لم يعلم به؟ قال: «لا، حتّى يستيقن أنّه قد نام حتى يجي ء من ذلك أمر بيّن و إلّا فإنّه على يقين من وضوئه، و لا ينقض اليقين أبداً بالشك و لكن ينقضه بيقين آخر».

تهذيب الأحكام 1: 8/ 11، الكافي 3: 352/ 3، وسائل الشيعة 1: 245، كتاب الطهارة، أبواب نواقض الوضوء، الباب 1، الحديث 1. في المصادر تنقض بدل انقضه.

(2) تحريرات في الأُصول 6: 22 25، الجهة الثانية.

العوائد و الفوائد، ص: 12

بالحجّة الأُخرىٰ.

و من المحتمل كونها في مقام إفادة شرطيّة اعتبار اتّصال الشكّ باليقين زماناً، و أنّ مجرّد الاتّحاد في القضيّتين المتيقّنة و المشكوكة غير كافٍ، و إلّا يلزم حجّية الاستصحاب مع تخلّل اليقين المخالف، فإنّه لو علمنا أنّ زيداً كان عادلًا، ثمّ علمنا بأنّه صار فاسقاً، ثمّ احتملنا ثانياً عدالته، فيلزم صدق القضيّتين مع وحدة الموضوع بالضرورة،

فيعلم الشرط الآخر، و هو عدم تخلّل اليقين المخالف؛ للزوم الإخلال بالشرط المزبور، كما لا يخفىٰ.

بل لو شكّ في حصول الشرط المذكور، فإنّه لا يجري الاستصحاب، فليتأمّل جدّاً.

العوائد و الفوائد، ص: 13

عائدة (2) في بيان قسم آخر من أقسام الاستصحاب الكلّي

لو علمنا أنّ أحد الإناءين خمر، ثمّ احتملنا تبدّلهما بالإناءين الآخرين المشابهين لهما، فإنّه في هذه الصورة لا تجري الاستصحابات الشخصيّة الموضوعيّة و الحكميّة؛ لعدم إمكان أن يقال: هذا كان كذا.

ثمّ هنا الاستصحاب الكلّي، و هو استصحاب المبغوض في الدار، فإنّي كنتُ عالماً في أنّ للمولىٰ مبغوضاً في الدار الذي يجب الاجتناب عنه، و لاحتمال التبدّل في الموضوع شككنا في بقاء المبغوض فيها و هذا منشأ آخر للشك في الكلّي غير المناشئ المعروفة في كلام الشيخ الأعظم (رحمه اللّٰه) «1»؛ ضرورة أنّ الاستصحاب الشخصي هنا ليس جارياً، فلا يكون من قبيل القسم الأوّل، و هكذا الاستصحاب الشخصي المخالف للكلّي

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 638.

العوائد و الفوائد، ص: 14

أيضاً ليس جارياً، فلا يكون من أقسام القسم الثالث، و ليس من القسم الثاني بالضرورة، و لا من القسم الثالث من ثالث الأقسام، فهو قسم آخر، فعلى هذا تكون الأقسام أكثر ممّا مرّ في الفائدة الأُولىٰ أيضاً. هذا حاله ثبوتاً.

و أمّا جواز الاتّكال عليه و وجوب الاجتناب عن المردّدين في الخارج، فهو غير بعيد، كما في القسم الأوّل، فتأمّل جدّاً.

العوائد و الفوائد، ص: 15

فائدة (3) حول آية وجوب الحجّ

الذي يظهر لي من قوله تعالىٰ وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا «1» بعد مراجعة السُّنّة و أنّ الصبيّ إذا حُجّ به فقد قضى حِجّة الإسلام حتّى يكبر، و العبد إذا حُجّ به فقد قضىٰ حِجّة الإسلام حتّى يُعتق «2»، و أنّ الحجّ أفضل من الصلاة لاشتماله عليها دونها «3»، و أنّ الحجّ

______________________________

(1) آل عمران (3): 97.

(2) الفقيه 2: 267/ 1298، وسائل الشيعة 11: 49، كتاب الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 16، الحديث 2.

(3) عبد اللّٰه بن يحيى الكاهلي قال:

سمعت أبا عبد اللّٰه (عليه السّلام) يقول: و يذكر الحج فقال: «قال رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) و هو أحد الجهادين، هو جهاد الضعفاء و نحن الضعفاء أما أنّه ليس شي ء أفضل من الحج إلّا الصلاة، و في الحج ههنا صلاة، و ليس في الصلاة قبلكم حج ..».

محمد بن علي بن الحسين قال: روى أنّ الحج أفضل من الصلاة و الصيام. الحديث.

قال الصدوق (في وجه أفضلية الحج عن الصلاة):

«و ذلك أن الحج فيه صلاة، و الصلاة ليس فيها حج، فالحج بهذا الوجه أفضل من الصلاة ..».

الكافي 4: 253/ 7، الفقيه 2: 143/ 626، علل الشرائع: 456 457/ 1 و 2 وسائل الشيعة 11: 110 112، كتاب الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 41، الحديث 2 و 5.

العوائد و الفوائد، ص: 16

كذا و كذا، و أنّ البيت لا يخلو من الزائر «1»، و على الوالي إلزام الناس بالحجّ «2»، و غير ذلك هو أنّ الآية الشريفة تفيد المطلوبين: أحدهما علىٰ

______________________________

(1) و عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحجّال، عن حمّاد، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «كان علي (صلوات اللّٰه عليه) يقول لولده: يا بني انظروا بيت ربكم فلا يخلونّ منكم فلا تناظروا».

الكافي 4: 270/ 3، وسائل الشيعة 11: 21، كتاب الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 4، الحديث 2.

محمد بن الحسين الرضي في (نهج البلاغة) عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيّته للحسن و الحسين (عليهما السّلام): «أوصيكما بتقوى اللّٰه إلى أن قال-: و اللّٰه اللّٰه في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم فإنّه إن ترك لم تناظروا».

نهج البلاغة 3: 86/ 47، وسائل الشيعة 11: 23، كتاب

الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 4، الحديث 10.

(2) محمد بن يعقوب، عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد، عن الحسين سعيد، عن النضر بن سويد، عن عبد اللّٰه بن سنان، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لو عطّل الناس الحج (لوجب على الإمام) أن يجبرهم على الحج إن شاؤوا و إن أبوا فإنّ هذا البيت إنّما وضع للحج».

الكافي 4: 272/ 2، علل الشرائع: 396/ 1، تهذيب الأحكام 5: 22/ 66، وسائل الشيعة 11: 23 24، كتاب الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 5، الحديث 1.

و عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده ..».

الكافي 4: 272/ 1، الفقيه 2: 259/ 1259، تهذيب الأحكام 5: 441/ 1532، وسائل الشيعة 11: 24، كتاب الحج، أبواب وجوبه و شرائطه، الباب 5، الحديث 2.

العوائد و الفوائد، ص: 17

العموم، و ثانيهما على المستطيع أى البالغ الحرّ مثلًا و تكون هكذا: «للّٰه على الناس حجّ البيت، و ليحجّ من استطاع إليه سبيلًا»، و الأوّل بنحو الجعل في الذمّة، و الثاني إيجاب تفريغها علىٰ طائفة.

و لعلّه لأجله أضاف المصدر إلى المفعول به مع وجود الفاعل في الكلام، مع أنّ أهل الأدب منعوا عن ذلك «1»، و أجابوا علىٰ ما ببالي بمثله، و لو كان الأمر كما ذكر فهو لإيراث تلك النكتة المؤيَّدة بالسُّنّة. و اللّٰه العالم بحقائق كلماته.

______________________________

(1) لاحظ البهجة المرضيّة 2: 3، شرح ابن عقيل 2: 102 103، شرح الكافية 2: 196.

العوائد و الفوائد، ص: 18

عائدة (3) حول كلمة التوحيد

الذي يظهر لي: هو أنّ كلمة التوحيد تورث الإقرار بالوحدانيّة في الذات، المستلزمة للوحدانيّة في الصفات و

الإقرار بالوحدانيّة في العبوديّة.

و ما اشتهر من: أنّه إن كان المحذوف، الموجودَ فلا يثبت وجوب الوجود، و إن كان المعبود فلا يثبت الوجوب أيضاً، و إن كان الوجوب فلا يثبت حصر المعبود «1»، في محلّه.

و ما قيل بتعيّن الأخير؛ لأنّ الكلمة [صدرت] في العصر الذي [كان] يُعبَد [فيه] غيره، و كان عبدة الأوثان يعتقدونه تعالىٰ، و يجعلونها للتقرّب إليه تعالىٰ-، فهو تعالىٰ كان مفروغاً عنه وجوده و وجوبه

______________________________

(1) لاحظ الروضة البهيّة 1: 7.

العوائد و الفوائد، ص: 19

و الإشراك في العبوديّة انتفىٰ بها، فلا شبهة عليها «1».

غير تامّ؛ لأنّها لا تختصّ بتلك الأزمنة، و كان المشرك في الذات يُقبل إسلامه بذلك، و بالإقرار بتلك الكلمة الربّانيّة من غير حاجة إلىٰ زائد عليها.

بل الحقّ: أنّ المستثنىٰ منه المفرّغ الكلام منه متعدّد، و لا منع من تعقّب الجمل الكثيرة الاستثناءُ الواحد، كما تحرّر في الأُصول «2»، و هو يرجع إلى الكلّ، فيكون هكذا: لا إلهَ واجبٌ و لا معبودَ إلّا اللّٰهُ تبارك و تعالى.

______________________________

(1) نهاية الدراية 2: 442، نهاية الأُصول: 313، مناهج الوصول 2: 226.

(2) تحريرات في الأُصول 5: 352 356، في بحث حكم الجمل المتعدّدة المتعقّبة بالاستثناء.

العوائد و الفوائد، ص: 20

فائدة (4) في المعاد الجسماني

الذي يظهر لي في المعاد: أنّ المعاد هو الجسماني لا المادّي، و بينهما فرق واضح، و ما تقتضيه الشرائع و العقول النظريّة هو ذلك، دون المادّية، بل الآثار البالغة عن الأئمّة الطاهرين تنفي المعاد المادّي، كما أنّ الآيات الكريمة و الروايات الشريفة تدلّ على أنّ المعاد جسماني، فإنّ نفي أثر المادّة يلازم نفيها و إثبات آثار الجسمانية يستلزم ذلك، و الذي نفى المعاد الجسماني أراد المادّي، و من أثبت الروحانيّ و المادّي لا يريد منه المادّة

السفلانيّة التي هي أرض الطبيعة، و مثل الشيخ المترئِّس الواقف عقلًا في المسألة «1»، كأنّه أراد إثبات المادّي منه، و هو غير تامّ بضرورة العقول و المنقول من اولَيات

______________________________

(1) الشفاء، قسم الإلهيّات: 423، النجاة: 291.

العوائد و الفوائد، ص: 21

العقول و أرباب أصحابها.

و علىٰ هذا لا إعضال في هذا الأمر، بعد ما نجد صدق الجسم بتعريفه و هو: ما يمكن أن يُفرض فيه خطوط ثلاثة علىٰ زوايا قوائم، على ما نشاهد في الخيال المتّصل؛ من الجبال الراسيات و الأرضين و السماوات و ما بينهما.

و أمّا قضيّة القيامة الصغرىٰ و الكبرىٰ أي البرزخ و الحشر فهو أنّ النفس بعد ما فارقت الطبيعة، تكون باقية في وعاء من الأوعية حتّى تجتمع سائر النفوس، ثمّ بعد ما قاربت في تلك المدّة للنقل إلى المحشر و القيامة تحشر يومها.

و الذي أجده قريباً أنّ الإنسان يدخل في الدار الآخرة، و يجد من نفسه في نفسه المُثُل المختلفة من الأشياء و ذوي العقول حسب استعدادات حصلت لها بارتياضات دينيّة في هذه النشأة الدنيّة، و لو لم يكن الأمر كذلك، لما تحتاج الجامعة البشريّة إلى الأنبياء و الرسل صلوات للّٰه عليهم لما نجد في زماننا تعيّشهم علىٰ نظام متين و قوانين عرفيّة، و ما كان من الممالك اليوميّة أبعد عن القوانين السماويّة، فيكون أقوى تعيّشاً في النشأة الظاهرة.

فبعثة الأنبياء لهداية الناس إلىٰ ما لا فرار منه، و يحصل قهراً من تبعات الأفعال و الصفات و الاعتقادات بالذات، و ترتيب النظم و منع الهرج بالفرض، ممّا يكفي القوانين العرفيّة لذلك، كما نشاهده بالعيان.

العوائد و الفوائد، ص: 22

و بعبارة اخرىٰ: لو كان الحقّ في تلك المسألة مع أبناء الظاهر، لكانت بعثة الأنبياء شرّاً؛ لأجل استلزام

العصيان، بعد ما علم الخلق بالأوامر و النواهي الإلهيّة، و مع فقدهم كانوا جاهلين، و ما كان اللّٰه يعذّبهم إلّا أن يبعث رسولًا، فبعث الرسول في هذه النشأة لا يستلزم خيراً كثيراً، بعد ما اقتضى الشرّ الكثير بالنسبة إلى الأكثر؛ لما نجد أنّ نسبة العاصين إلىٰ المطيعين أضعاف مضاعفة، فيعلم منه أنّ السرّ في البعثة أمر آخر وراء ما تخيّلناه.

و هذا الذي نذكره ليس ممّا أعتقده، بل ربّما نظنّ أن يكون الأمر كذلك. و اللّٰه العالم بحقائق الأُمور، فتدبّر فيما أسمعناك، فإنّه مزالّ أقدام الراسخين.

العوائد و الفوائد، ص: 23

عائدة (4) حول العلم الإجمالي بالقليل في الكثير

ربّما يمكن دعوى العلم الإجماليّ بنحو القليل في الكثير؛ بأنّ الأُصول المرخِّصة الظاهرة كأصالة الحلّ و الطهارة تكون في مواقف الحرمة و النجاسة، و هذه الدعوىٰ لكلّ أحد فيما يأكله و يشربه و يُصلّي فيه مدّة عمره، غير قابلة للإنكار؛ بناءً علىٰ حجّية العلم الإجمالي في العَرْضيّات الزمانيّة و الطولّيات، كما هو الحقّ على المعروف بينهم «1».

فلو كان الأمر كما قلنا يُشكل العمل، و يلزم الاحتياط إلىٰ أن ينحلّ العلم، فلا يجوز المبادرة إلى إعمال القاعدتين؛ للعلم الإجمالي

______________________________

(1) فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 108 112، تهذيب الأُصول 2: 271، مصباح الأُصول 2: 369 372، و لاحظ تحريرات في الأُصول 7: 406.

العوائد و الفوائد، ص: 24

بعدم جريانهما.

و بعبارة اخرىٰ: لا شبهة بدْوية أصلًا، بل الشبهات كلّها مقرونة بالعلم الإجمالي، فإنّه لو شككنا في طهارة ثوبنا، فإنّنا نعلم بأنّه إمّا [هو] نجس أو الثياب الأُخر التي نبتلي بها بعد ذلك، أو ابتليت بها قبل هذا، فالأُصول الجارية تتساقط، فعليه الاحتياط ما دام لم يستلزم العسر و الحرج.

و ما قيل في الشبهة غير المحصورة لا يجري في

القليل في الكثير، بل ربّما كان الفرض من الكثير في الكثير، و الناس مختلفون في ذلك.

هذا، و تنحلّ الشبهة بأدنى تأمّل.

يوم الخامس من ربيع الأوّل

العوائد و الفوائد، ص: 25

فائدة (5) في منجزيّة العلم الإجمالي بالنسبة إلى الخارج عن محلّ الابتلاء

المعروف عدم حجّية العلم الإجمالي بالنسبة إلى الطرف الخارج عن محلّ الابتلاء، و عدم تنجيزه الواقع في سائر الأطراف «1».

و خالفهم الوالد المحقّق مدّ ظلّه بلزوم الاحتياط عقلًا لتنجيزه؛ لأنّ الوجه توهّم قبح الخطاب، و حيث إنّ الخطابات قانونيّة و ليست شخصية، فلا قبح فيه، فليس عدم الخروج من شرائط التنجيز «2».

و يمكن دعوى ذلك و إن لم نقل بها؛ للعلم الإجمالي بالمبغوض، و هو

______________________________

(1) فرائد الأُصول 2: 420/ السطر 11، كفاية الأُصول: 410، فوائد الأُصول (تقريرات المحقّق النائيني) الكاظمي 4: 50 51، درر الفوائد، المحقّق الحائري: 464.

(2) تهذيب الأُصول 2: 280 284، أنوار الهداية 2: 213 219.

العوائد و الفوائد، ص: 26

يُورث تنجّز الواقع. و تقرّر منّا في مقام آخر: عدم الحاجة في تنجيز العلم إلى الخطاب و التكليف، بل المدار على العلم بالمبغوض للمولىٰ و الملاك و المناط «1».

و الذي يظهر لي الآن: هو أنّه مع فرض تنجّز الخارج من محلّ الابتلاء لا يجب الاحتياط؛ لأنّ قاعدة الحلّ الظاهرية لا تجري في الخارج، فلا معارض للجارية في الداخل، فإنّها إمّا منصرفة عن جعل الحلّية للخارج؛ لعدم الابتلاء به، أو لكونها لقوله (عليه السّلام)

كلّ شي ء لك حلال «2»

في حكم انحلال الخطاب؛ زائداً على انحلال الحكم؛ علىٰ تفصيل تحرّر في محلّه «3».

و بعبارة اخرىٰ: ما قيل في الخطابات القانونيّة لا يجري في تلك القاعدة. نعم لو كان المجعول بنحو الحكم على العنوان الكلّي فهي و غيرها سيّان، كما لو كان كذلك المشكوك حلال، و أمّا بعد ما

قال: «المشكوك لك حلال» فهو جعل للحلّية الظاهريّة في مورد الابتلاء، دون الخارج من أوّل الأمر، فإن قلنا بأنّ الأُصول في أطراف العلم الإجمالي

______________________________

(1) لعلّه في مختصره النافع في علم الأُصول و هو مفقود.

(2) عن مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: سمعته يقول: «كلّ شي ء هو لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك ..».

الكافي 5: 313/ 40، تهذيب الأحكام 7: 226/ 989، وسائل الشيعة 17: 89، كتاب التجارة، أبواب ما يكتسب به، الباب 4، الحديث 4.

(3) لاحظ تحريرات في الأُصول 3: 541.

العوائد و الفوائد، ص: 27

لا تجري لقصور لسانها فهو، و أمّا على القول بجريانها في الأطراف و تساقطها، فهي في الداخل جارية، دون الخارج، فلا معارض لها، و تكون النتيجة واحدة، فافهم و تدبّر.

كما أنّ الوالد المحقق في الدورة الأخيرة، لدعوى السيرة العمليّة، بنىٰ علىٰ عدم الحجّية بالنسبة إلىٰ ما لا يكون مورد الابتلاء الفعلي، فلْيتدبّر.

و كان في بورسا أيضاً بناؤه عليه لتلك الجهة، و يقول: إنّ العمل علىٰ خلاف ذلك.

العوائد و الفوائد، ص: 28

عائدة (5) في لزوم تعيين يوم المقضي في قضاء الصلوات

لا شبهة في وجوب قضاء الصلوات الفائتة المتّحدة في الكيف و الكمّ.

مثلًا: لو كان عليه صلوات الغداة فعليه الإتيان بها، و المشهور علىٰ عدم تعيين اليوم المقضي، فيكون اللازم الإتيان بها من غير قصد زائد علىٰ قضاء صلاة الغداة.

و قد يُشكل الأمر عقلًا؛ لأجل أنّ الطبيعة الواحدة بخصوصيّاتها، غير قابلة لتعلّق الأوامر المولويّة المتعدّدة بها، فإنّه قد تقرّر في مقامه تداخل المسبّبات عقلًا، و إن تعدّدت الأسباب «1»، فلا يعقل الأمر بقضاء صلاة الغداة على نعت المولويّة مكرّراً، بل التكرار يُورث التأكيد، كما كان

______________________________

(1) تحريرات في الأُصول 5: 112 117.

العوائد و

الفوائد، ص: 29

الأمر كذلك قبل أن تُقضىٰ، فلو ورد في عدّة روايات الأمرُ بالغداة فهي تأكيدات، و لا تقتضي أزيد من فرد واحد لسقوط الكلّ بإتيانه، و رجوعها إلى التأكيد في مقام الثبوت.

و قد أوضحنا المسألة و امتناعه في كثير من المقامات، بل لا يُعقل بين المطلق و المقيّد، و لأجله لا يجري موضوع البحث في اجتماع الأمر و النهي، إلّا في العامّين من وجه، أو ما هو بحكمه، و هكذا في مقدّمات الترتّب.

و السرّ كلّه: أنّ الشي ء الواحد المتعلَّق للأمر، لا يُعقل تعدّد الحبّ له مستقلا، إلّا باللواحق الموجبة لتكثّرها، و لا يدعو الأمر إلّا إلىٰ متعلَّقه، و إذا أتى به يسقط، فلا وجه لبقائه و إن أمكن تعدّده حدوثاً. فعلى هذا لا بدّ من اختيار اعتبار تعيين اليوم المقضيّ عنه، بعد لزوم التكرار بالضرورة. و الالتزام به أيضاً مشكل جدّاً.

و ممّا ذكرناه يظهر لك: أنّ الجهة المبحوث عنها في الأسباب و المسبّبات، ترجع في الحقيقة: إلىٰ أنّ تعدّد الأمر المولوي إنشاءً ممكن أم لا، مع وحدة المتعلّق، و إن كان الحقّ أيضاً سقوط الكلّ لو فرض إمكانه بإتيان الفرد؛ لتماميّة داعويّته بإتيانه حسب الموازين العقليّة في تلك المسألة، لا العرفية، فراجع كتابنا في الأُصول «1».

______________________________

(1) لعلّ مراده (قدّس سرّه) من كتابنا في الأُصول المختصر النافع في علم الأُصول الذي كتبه في قم المشرّفة و هذا الكتاب مفقود، لاحظ تحريرات في الأُصول 5: 86 و 116 117.

العوائد و الفوائد، ص: 30

و تنحلّ الشبهة: بأنّ الأمر علىٰ ما تقرّر منّا في صلاة القضاء «1» ليس في المسألة مولويّاً، و قد حقّقناه في بعض الرسائل الأُخر «2» أيضاً، بل الأمر لإفادة إمكان التدارك، و لذلك لا

يُعاقب تارة علىٰ ترك الصلاة في الوقت، و أُخرى علىٰ تركها خارج الوقت، بل مع عدم التدارك بالقضاء يُعاقب علىٰ تركها، و مع الإتيان بها لا يُعدّ تارك الصلاة، و يعاقب علىٰ ترك مصلحة الوقت، كمن يعاقب علىٰ ترك مصلحة الطهارة المائيّة لو أراق الماء و صلّى بتيمّم.

و بعبارة اخرىٰ: العقل يحكم بلزوم القضاء بعد كشف الشرع عن إمكان التدارك، و يحصل به تخفيف العقاب. و هذا من غير فرق بين العاصي في الوقت و المعذور، فإنّه بعد ما توجّه بالدليل إلىٰ إمكان تدارك ما فاته في الوقت و لم يتداركه، يصحّ عقابه على ترك الصلاة في الوقت.

و لَعَمْري إنّ ذلك هو مفاد أخبار القضاء الآمرة بالمماثلة، و ليست مُورِثة لوجوبه، فإنّ قوله (عليه السّلام): «من فاتته الفريضة فلْيقْضِها كما فاتت» «3»، أو قوله (عليه السّلام): «اقضِ ما فات كما فات» «4»، ليس ناظراً إلىٰ إيجاب القضاء، بل

______________________________

(1) لم نعثر على هذه الرسالة.

(2) تحريرات في الفقه، الواجبات في الصلاة: 23.

(3) و قال النبي (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم): «من فاتته فريضة، فليقضها كما فاتته».

عوالي اللآلي 2: 54/ 143، و 3: 107/ 150.

(4) زرارة قال: قلت له: رجل فاتته صلاة من صلاة السفر فذكرها في الحضر؟ قال: «يقضي ما فاته كما فاته» .. الحديث.

الكافي 3: 435/ 7، تهذيب الأحكام 3: 162/ 350، وسائل الشيعة 8: 268، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات، الباب 6، الحديث 1.

العوائد و الفوائد، ص: 31

النظر فيها إلىٰ إيجاب المماثلة، و حينئذٍ يدرك إمكان التدارك، و هو موضوع وجوب الإتيان بها؛ فراراً عن العقاب المتوجّه إلىٰ تارك الصلاة، فافهم و تدبّر.

و قد يُشكل ذلك: من حيث إنّ إمكان التدارك يكفي لوجوبه

لو تركها في الوقت عمداً، و أمّا لو تركه جهلًا و مع العذر فلا؛ لأنّه مصون من العقاب، فيعلم إيجاب الشرع عليه مستقلا، فتعود الشبهة في هذه الصورة.

و يمكن حلّها: بأن يقال بالأمر المولويّ في القضاء، إلّا أنّه لا يتعدّد بتعدّد المقضيّ، بل هو أمر بقضاء الفريضة، و التعدّد في المتعلّق بعد وجود الجامع، لا يورث تعدّد الأمر، فيكون الواجب قضاء الفائت؛ سواء كان واحداً أو كثيراً.

يوم الثالث و العشرين من ربيع المولود

العوائد و الفوائد، ص: 32

فائدة (6) حول الثواب و العقاب

لو كان حديث عقاب الأعمال و ثوابها ما حدّثت به الفلاسفة المشّاؤون ببراهينهم الظنّية «1»، و الإشراقيون بوارداتهم القلبيّة «2»، و أصحاب الحكمة المتعالية بهما «3»: من أنّهما تبعات الأعمال و الصفات و الذات، و تنقسم إلىٰ جحيم الأفعال و الصفات و الذات، و جنّة الذات .. و هكذا، علىٰ ما شرحه الراسخون فيها، و منهم الوالد المحقّق مُدّ ظلّه في بعض كتبه القيّمة «4» حفظه اللّٰه تعالىٰ و ردّه إلىٰ وطنه سريعاً عاجلًا

______________________________

(1) الشفاء: 427 432، شرح الإشارات 3: 328 333.

(2) حكمة الإشراق 2: 229 235، شرح حكمة الإشراق: 508 و ما بعدها، فصل في بيان أحوال النفوس الإنسانية بعد المفارقة.

(3) الحكمة المتعالية 9: 319 328، فصل 24.

(4) شرح چهل حديث: 13 و ما بعدها و 361 363، أنوار الهداية 1: 89 90.

العوائد و الفوائد، ص: 33

سالماً غانماً علىٰ مُلْك لا ينبغي لأحد من بعده حتّى يُحيي به الإسلامَ بعد موته و الروحانيّين بعد فنائهم و اضمحلالهم من غير فرق بين القول بانحصارهما فيها، أو القول بالجمع بينها و بين ما يقول أصحاب الأخبار و أرباب الفتوىٰ و الاجتهاد و متكلّمي الشيعة حديثاً و قديماً «1»؛ من

الجُعالة كما اقتضته الآيات الكثيرة و الروايات المتواترة، لما كان يبقىٰ الخفاء في ذلك؛ للزوم إعلام الشريعة بمثل تلك التبعات علىٰ وجه لا يخفىٰ على الأصاغر من العوامّ، فضلًا عن الأعلام من العلماء، فإنّ القيام بإعلان مثل ذلك من أهمّ الوظائف الإلهيّة؛ لأنّ نتيجة ذلك أنّ العقاب أمر قهريّ لا فرار منه، و الشفاعة لا تورث إلّا التعجيل، و هذا أمر لا يجوز على النبيّ و الهداة من بعده عقلًا، الاتّكال في إفهامه علىٰ بعض الظواهر من الآيات و بعض النصوص من الروايات، بل الواجب عقلًا عليهم القيام بإعلامه في كلّ ليل و نهار، و التصريح بذلك في النصوص القرآنيّة و السُّنّة النبويّة و العلويّة كراراً فوق التكرار، فالاتّكال على مثل قوله تعالىٰ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مٰا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً «2» أو قوله تعالىٰ فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ. وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقٰالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ «3»، و أمثال ذلك ممّا لا تتجاوز عدد الأصابع، غير تامّ، مع معارضتها بالآيات الكثيرة الظاهرة المنصوصة في الجُعالة، و أنّهما مجعولان على الأعمال الخيرة

______________________________

(1) بحار الأنوار 7: 229 230، و 71: 292، كشف المراد: 407 409.

(2) آل عمران (3): 30.

(3) الزلزلة (99): 7 8.

العوائد و الفوائد، ص: 34

و الشرّة، مع أنّ تلك الآيات لا تدلّ علىٰ أنّ العقاب و الثواب كذلك، فإنّ حضور المعمول خيراً و شرّاً بنفسهما لا يورثان الثواب و العقاب بحصولهما، بل ذلك في حكم الشاهد، و أنّه ممّا لا يخفىٰ على العباد يوم المعاد، و أمّا تأذّي العامل بتلك الصورة المؤذية التابعة للعمل السوء، و هي هو في تلك النشأة، و تنعّم العامل بتلك الصورة المُلِذّة التابعة للأعمال الحسنة، بل هي

هي في تلك الدار، فلا دلالة لها عليهما.

بل الغاية دلالتها علىٰ عدم خفاء شي ء حتّى يُنكر الناس ما صنعوا من الشرّ، و هذا من الآثار الحاصلة؛ لأنّ تلك الدار مقام جمع الأشياء، بخلاف هذه الدار، و لكن كون العقاب و الثواب من التبعات؛ حتّى نحتاج إلىٰ صرف الأدلّة الأُخرىٰ عن مصيرها علىٰ ما تقرّر في الكتب التفسيريّة «1» أحياناً، و بعض الكتب العقليّة، مثل «الأسفار» «2» و سائر كتب هذا النحرير «3» فهو في غاية البعد؛ لما مرّ و مضىٰ.

و إنّي كنت من القاطعين بتلك المقالة و من الخائضين فيها و في أدلّتها، و قد أقمنا بعض الشواهد بل البراهين الخاصّة، إلّا أنّه بعد ما تنبّهتُ على اختفاء ذلك علىٰ أبناء الشريعة و رواة الحديث و فقهاء الإسلام و الشيعة، عدلتُ عنها، و لو كان الأمر كما يقولون لما كان يخفىٰ، بل تصير كالنار علىٰ المنار، بل كالشمس في رابعة النهار، و يزداد في الوضوح

______________________________

(1) تفسير القرآن الكريم، صدر المتألهين 3: 322، و 5: 187 188.

(2) الحكمة المتعالية 9: 369 372.

(3) الشواهد الربوبيّة: 329 332.

العوائد و الفوائد، ص: 35

علىٰ عدد الصلوات و علىٰ وجوب الخمس و الزكاة؛ لأهمّيتها منها عند العقل و الشرع.

فتحصّل: أنّ الأظهر هو القول بالجعالة؛ حسب الآيات الباهرات و الشواهد الظاهرات و سائر القرائن و الدلالات، و ليس الأمر كما زعمه الناس، إلّا أنّه مع احتمال ذلك، يجب عقلًا المواظبة علىٰ ترك الأخلاق السيّئة، و المراقبة الشديدة علىٰ تزكية النفس عن الرذائل، و تحلّيها بالمكارم و المحاسن؛ حذراً من الوقوع في تلك المهالك، و لأجل ذلك قيل بالاحتياط في الشبهات؛ لأنّ تبعات الخمر المشكوك تظهر- كسكرها في اليوم الآخر.

و لَعَمْري هل يُعقل

أن يكتفي الشرع بما هو شأنه تنجيز العقل ذلك مع احتماله، علىٰ تلك الظواهر النادرة المذكورة في الهوامش و الحواشي، أو كان عليه أن ينادي كلّ صباح و مساء بأعلى صوته، مع النصوص المقرونة بالأيمان و البيّنات، و يأمر الناس بنشر ذلك الحديث و تلك العواقب، و الحكاية للآخرين و الكتابة؛ لأن يطّلع عليها من يأتي بعد ذلك؟! و كلّ ذلك لما نجد فيها من الأمر العظيم.

و لكنّه مع ذلك لم يُعهد منه شي ء، فيعلم عدمه جيّداً، بل الترخيص في الشبهات، و معذوريّة الجُهّال القاصرين، من الشواهد القطعيّة علىٰ أنّ الأمر ليس كما زعموا.

فتحصّل: أنّ مقالة هؤلاء الأعلام قدّس سرّهم و إن وافقتها بعض

العوائد و الفوائد، ص: 36

الآيات و الروايات، و تدلّ عليها البراهين غير التامّة، و لكنّه ينافيها كثير من الأدلّة الأُخرىٰ و الاعتبارات الأُخر، مثل ما أشرنا إليه، فعليك بالتأمّل في المسألة و فيما يرتبط بها، مثل حديث الشفاعة «1»، و غفران الذنوب كلّها إلّا الشرك باللّٰه العظيم «2»، و سعة الرحمة الإلهيّة «3»، و نجاة أبناء الشيعة، و أنّهم غير مسئولين في النشأة الآخرة، دون المتوسّطة و في

______________________________

(1) منها: حمران بن أعين: قال الصادق (عليه السّلام): «و اللّٰه لنشفعنّ لشيعتنا، و اللّٰه لنشفعنّ لشيعتنا، و اللّٰه لنشفعنّ لشيعتنا حتّى يقول الناس: فما لنا من شافعين و لا صديق حميم».

لاحظ بحار الأنوار 8: 29 63.

(2) النساء (4): 48 و 116.

قال أبو هاشم: سمعت أبا محمّد يقول: «إنّ اللّٰه ليعفو يوم القيامة عفواً يحيط على العباد، حتى يقول أهل الشرك: و اللّٰه ربنا ما كنّا مشركين» فذكرت في نفسي حديثاً حدّثني به رجل من أصحابنا من أهل مكة: ان رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه

و آله و سلّم) قرأ «إنّ اللّٰه لا يغفر الذنوب» فقال الرجل: و من أشرك؟ فأنكرت ذلك و تنمّرت للرجل فأنا أقول في نفسي إذ أقبل عليّ فقال: إِنَّ اللّٰهَ لٰا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ» بئسما قال هذا و بئسما روى.

بحار الأنوار 6: 6/ 2 يث 1.

(3) كما في قوله تعالىٰ وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ الأعراف (7): 156، و الأنعام (6): 147. فلما أفاق موسى ممّا تغشاه إلى أن قال، فقال تعالىٰ عَذٰابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشٰاءُ، وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ ءٍ ..

بحار الأنوار 90: 21.

«عبدي أنا اللّٰه الواسع الكريم، الذي لا ينفد خزائني و لا ينقص رحمتي شي ء بل وسعت رحمتي كل شي ء ..».

بحار الأنوار 90: 389، و 92: 459 و 466.

العوائد و الفوائد، ص: 37

البرزخ «1»، فإنّ هذه المسائل كلّها، شواهد قطعيّة علىٰ أنّ الأمر ليس كما تخيّلوه، و العمدة ما ذكرناه.

و إلّا فقد فرغنا في بعض كتبنا من معنى الغفران و الشفاعة «2» المناسب مع تلك المقالة أيضاً، إلّا أنّه خلاف ما يفهمه الناس منها، و ليس القرآن و السُّنّة مشتملين علىٰ إغراء الناس و تغريرهم؛ بإرادة خلاف ما يُفهم من ألفاظهما و إشاراتهما حسب ما يظنّه بعض السلف.

و ما أفاده الشيخ المترئِّس: بأنّ العقاب إمّا للتشفّي فهو جليل عنه، و إمّا لعدم حصول التكرار فتلك الدار دار الفراغ من التكاليف «3».

غير محصور، فإنّ العقاب لتشفّي المؤمنين العاملين، و أنّهم يرون ما يُصنع بالمخالفين حذاء ما صنعوا بهم في هذه الدار؛ من الاستهزاءات المختلفة في جميع شؤونهم الدينيّة و الدنيويّة. و هذا هو المستفاد من الكتاب الإلهيّ الصريح في اطّلاع أهل الجنّة علىٰ أهل

النار و أنّهم هناك

______________________________

(1) و روى عمر بن يزيد قال:

قلت لأبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) إنّي سمعتك و أنت تقول: كل شيعتنا في الجنّة على ما كان منهم. قال: «صدقتك كلّهم و اللّٰه في الجنّة» قال: قلت جعلت فداك إنّ الذنوب كثيرة كبار. فقال: «أمّا في القيامة فكلّكم في الجنّة بشفاعة النبي المطاع أو وصيّ النبي و لكنّي و اللّٰه أتخوّف عليكم في البرزخ». قلت: و ما البرزخ؟ قال: «القبر منذ حين موته إلىٰ يوم القيامة».

الكافي 3: 242/ 3، بحار الأنوار 6: 267/ 116.

(2) لعلّه قدس سره أراد من «بعض كتبنا» القواعد الحكمية و هي مفقودة.

(3) رسالة في سرّ القدر، المطبوع ضمن رسائل الشيخ أبي علي سينا: 240.

العوائد و الفوائد، ص: 38

يُجزَون بما كانوا يعملون «1».

و لعمري هو أهمّ الجهات المقتضية لعقاب العصاة و الكُفّار.

و من عجيب ما يُستدلّ علىٰ تلك المقالة قوله تعالىٰ وَ فِيهٰا مٰا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ «2»؛ حيث قال في «الأسفار» علىٰ ما ببالي من قديم الأيّام: إنّها تقول فيه ما تشتهي، لا أنّ المشتهى موجود بدون الاشتهاء «3».

و فيه: أنّه لم يقرأ بعده قوله تعالىٰ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ، و هذا النحو من الاستدلال كثير، مثل الاستدلال بقوله تعالىٰ وَ قَضىٰ رَبُّكَ أَلّٰا تَعْبُدُوا إِلّٰا إِيّٰاهُ «4» أنّه هو القضاء التكوينيّ، فتشهد الآية علىٰ أنّ العبادة لا تقع إلّا للّٰه تعالىٰ-، و هذا لعدم التوجّه إلىٰ ذيلها وَ بِالْوٰالِدَيْنِ إِحْسٰاناً.

و لو صحّت تلك المقالة كما هو الحقّ علىٰ ما تقرّر منّا في محلّه «5» لا تدلّ الكريمة عليها، دون بعض الكرائم الأُخر، و هذه المسائل العلميّة المخصوص إدراكها بالمتعمّقين من آخر الزمان كما

______________________________

(1) الصافات (37): 50 61، الأعراف (7): 44، المدّثر (74):

39 47، المطففين (83): 34.

(2) الزخرف (43): 71.

(3) الحكمة المتعالية 9: 378 379، لاحظ علم اليقين، الفيض الكاشاني 2: 1059 1062.

(4) الإسراء (17): 23.

(5) لاحظ تحريرات الأُصول 3: 166 168.

العوائد و الفوائد، ص: 39

في رواية الكافي لسورة التوحيد «1» غير هذه المسألة المبتلىٰ بها الناس في الآخرة، التي لا بدّ من اطّلاعهم عليها حتّى يحترزوا عن الشبهات، فضلًا عن الصغائر و الكبائر، فلا ينبغي الخلط بينهما، كما لا يخفىٰ.

فبالجملة: قلّما يتّفق الفرار من العصيان مع الجهل بكيفيّة العذاب، و بتلك الكيفيّة التي هي مقالتهم، فلو أُريد تركهم عصيانه تعالىٰ لكان عليهم إفهامهم بها. و اللّٰه العالم.

و لَعَمْري لو كانت المسألة ما حدّث به هؤلاء الأعلام، لكان عليه- تعالىٰ إرسال الرسل في كلّ عصر و في كلّ مصر بالمعجزات الباهرات و الآيات الظاهرات، و ما كان يصحّ طيّ هذه المرحلة من المُجازاة، مثل ما يصنعه الناس و الولاة و السلاطين في عقوباتهم [ببثّ] القوانين علىٰ النهج العاديّ و المتعارف.

______________________________

(1) سُئل علي بن الحسين (عليه السّلام) عن التوحيد فقال: «إنّ اللّٰه عزّ و جلّ علم أنّه يكون في آخر الزمان أقوام متعمّقون فأنزل اللّٰه تعالى قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ و الآيات من سورة الحديد إلى قوله وَ هُوَ عَلِيمٌ بِذٰاتِ الصُّدُورِ فمن رام وراء ذلك فقد هلك».

الكافي 1: 91/ 3، التوحيد: 283/ 2.

العوائد و الفوائد، ص: 40

عائدة (6) حول الحسن و القبح

كلّ عنوان من العناوين و حيثية من الحيثيّات إذا لاحظه العقل: فإمّا يُدرك حسنه لذاته أو لغيره الملحق به، أو يُدرك قبحه كذلك، و ليس شي ء خارجاً عنها بمعنى عدم إدراكه ذلك منه؛ لأنّه ليس عنوانٌ لا يكون كذلك؛ لما أنّه إمّا من الأُمور المستقلّة في الخيريّة و الشريّة و

الظلم و العدل، أو ممّا يرتبط بتلك الأُمور أحياناً.

نعم، عناوين الماهيّات تكون خارجة عن ذلك بالذات، و تلحق بها تلك العناوين بلحوق الجهات المقتضية لها من الخيرات و الشرور.

و المقصود هنا ليس بيان أنّ كلّ العناوين الخيريّة ترجع إلىٰ خيريّة الوجود، و الشريّة إلىٰ شريّة نقيضه، و لا المقصود ذكر أنّ العناوين المقبِّحة ترجع إلى قُبح الظلم، و المحسِّنة إلىٰ حُسن العدل

العوائد و الفوائد، ص: 41

و الإحسان، بل المرام بيان أنّ كلّ عنوان بذاته إما كذا أو كذا، و لا يُعقل أن يكون بذاته حسناً بالقياس إلىٰ جهة و حيثيّة، و قبيحاً بالقياس إلىٰ الأُخرىٰ.

مثلًا: الكِبْر و التكبّر: إمّا حسن بذاته و قبيح بالعرض، أو قبيح بذاته و حسن بالعرض، و لا معنىٰ لأن يكون بذاته حسناً للّٰه تعالىٰ و قبيحاً للخلق إلّا للمتكبّر. و قد أوضحنا ذلك في المكاسب المحرّمة «1».

و المختار هناك في المسألة: حسن الكبر بذاته، و قبحه [بالعرض] لدخول المتكبّر في حريم كبريائه تعالىٰ؛ بمعنى أنّ العقل المدرك لحيثيّة الممكن و مقدار حاجته، لا يليق له التكبّر.

نعم، عقل منكر المبدأ الأعلى ربّما يدرك قبحه لجهة أُخرى أخلاقيّة.

و الآن حان وقت إفادة المرام و هو: أنّ العبوديّة من المُقبِّحات العقلية، و پَرَسْتِشْ و أمثال ذلك بنفس ذاتها قبيحة جدّاً، إلّا أنّ العقل المدرك أنّ نيل الأهداف العالية الإنسانيّة و ما فوقها لا يتحقّق إلّا بها يُوافقها و يأمر بها، و لا معنىٰ للتفصيل بين عبوديّته تعالىٰ و غيره، فافهم و تدبّر.

و من ذلك الخضوع و الخشوع و السجدة و الركوع و الحمد

______________________________

(1) الظاهر أنّ كتاب المكاسب المحرّمة من «تحريرات في الفقه» كتبه (قدّس سرّه) في قم المشرّفة و ممّا يؤسف له فقدان

هذا الكتاب و عدّة اخرى من كتبه.

العوائد و الفوائد، ص: 42

و الشكر، فإنّ هذه العناوين كلّها من المقبّحات الواضحة، و لا سيّما شكر المنعم بالإنعام المادّي، فإنّه من أقبح المقبّحات، و لكنّها إذا أُضيفت إلى الربّ الودود و الواجب الفرد الوتر لجهات عرضيّة تجب عقلًا أحياناً؛ لتوقّف إدراك المصالح العالية عليها، و الوصول للغاية القصوى لا يتيسّر إلّا بها. «تو خود حديث مفصّل بخوان از اين مجمل»، و هو العليم.

العوائد و الفوائد، ص: 43

فائدة (7) في السؤال عن «اللّٰه»

سألته عن اللّٰه؟ قال: من نظر فيه هلك. قلت: زدني بياناً. قال: كيف يصل إليه من هو بذاته دونه. قلت: زدني بياناً. قال هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مٰا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً «1». قلت: زدني بياناً. قال هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحٰامِ كَيْفَ يَشٰاءُ «2». قلت: زدني بياناً. قال اللّٰهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمٰاوٰاتٍ وَ مِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ «3». قلت: زدني بياناً، قال هُوَ الْأَوَّلُ وَ الْآخِرُ وَ الظّٰاهِرُ وَ الْبٰاطِنُ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيمٌ «4» قلت: زدني بياناً، قال

______________________________

(1) البقرة (2): 29.

(2) آل عمران (3): 6.

(3) الطلاق (65): 12.

(4) الحديد (57): 3.

العوائد و الفوائد، ص: 44

وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ «1» مٰا يَكُونُ مِنْ نَجْوىٰ ثَلٰاثَةٍ إِلّٰا هُوَ رٰابِعُهُمْ وَ لٰا خَمْسَةٍ إِلّٰا هُوَ سٰادِسُهُمْ وَ لٰا أَدْنىٰ مِنْ ذٰلِكَ وَ لٰا أَكْثَرَ إِلّٰا هُوَ مَعَهُمْ «2». قلت: هو فَأَيْنَمٰا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّٰهِ «3» و هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ «4» قال: هما معاً، و الثاني مقام المقدّمين. قلت: كيف هو معنا و الناس في الاختلاف؟ قال: ما معكم غير محكوم، و ما هو المحكوم ليس معكم، أَ

لَمْ تَرَ إِلىٰ رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَ لَوْ شٰاءَ لَجَعَلَهُ سٰاكِناً «5». قلت: هل في الدار غيره ديّار؟ قال: كلّا. قلت: كيف؟ قال: أ فما قرأت القرآن؟ قلت: بلىٰ. قال الْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ «6»، و إلّا لو كان يشترك معه فيه أحد لكان كذباً. قلت: زدني بياناً. قال اللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ «7»، و ليست الأرض ذات نور، فإنّها من الأجسام المظلمة. قلت: تلك الأجسام على الدوام تغيّرت. قال نُورٌ عَلىٰ نُورٍ يَهْدِي اللّٰهُ لِنُورِهِ «8» فهو لا يهتدي إلّا للمضاف. قلت: هو علىٰ كلّ شي ء قدير. قال: لا يقبل الهداية إلى نفسه. قلت: بيده كلّ شي ء. قال: و اللّٰه العالم.

______________________________

(1) الحديد (57): 4.

(2) المجادلة (58): 7.

(3) البقرة (2): 115.

(4) الحديد (57): 4.

(5) الفرقان (25): 45.

(6) الفاتحة (1): 2.

(7) النور (24): 35.

(8) النور (24): 35.

العوائد و الفوائد، ص: 45

عائدة (7) حول الحديث المعروف «ما أُوذي نبيٌّ ..»

الذي يحتمل في معنى الحديث المعروف

ما أُوذي نبيٌّ مثل ما اوذيت «1»

بعد ما راجعت ما كنت فيه، و هو الإقصاء من بلدتي قم و إدامة الحياة في بورسا، فإنّي في جميع الأحيان كنت أرجو العود إليها، مع أنّ بلدة بورسا بالنسبة إلىٰ بلدتي من جهة المحاسن الطبيعيّة كالفردوس الأعلى، و تلك البلدة تقرب من بعض غُرف الجحيم، إلّا أنّ ذلك [كأنْ] لم يكن؛ لأنّ شدّة الانس بها، و العُلقة بالأصحاب و السِّنخيّة بيني و بين هؤلاء الكرام، يحرّضني علىٰ ذلك، فملاك الراحة في هذه النشأة، ليس اجتماع أسباب المعيشة بالنحو الأعلى و الأحسن، فكم من جماعة يعيشون في البوادي و هم لا يرجون الأمصار طرفة عين، و كم من أهل

______________________________

(1) بحار الأنوار 39: 56.

العوائد و الفوائد، ص: 46

البلاد و القرىٰ، لا يقدرون علىٰ

أن يبيتوا فيها ليلة بل و ساعة، و يتأذّون لبعدهم عن الوطن الأصليّ، و فراقهم الأحبّاء و المسانخين، مع التئامهم بالأضداد، و تلك المصيبة من أعظم المصيبات، و العذاب هذا من أشدّ ما يعذّب به اللّٰه تعالىٰ خلقه، كما نحن الآن واقعون فيه، فإنّ الوالد المأنوس بالأخيار و أصحاب الكمال و الأسرار، قد ابتُلي في بورسا ببعض رجال الدولة التُّرْك و الإيرانيين، و يعيشون معه في الليل و النهار، و يصبر علىٰ ذلك. جزاه اللّٰه تعالى خير الجزاء.

فبالجملة: بعد ما عرفت تلك المقدّمة نجد معنىً آخر له، فإنّه (صلّى اللّٰه عليه و آله و سلّم) بذاته و وجوده من عالم القُدْس و الأسماء و هو ابتلي بتلك النشأة، و لمّا كان أعظم خلق اللّٰه عُلقة به تعالىٰ-، و أشدّهم أُنساً به تبارك و تقدّس، فهو أعظمهم في المصيبة، و هو أبلاهم بالإيذاء، فيقول مثلًا

ما أُوذي نبيّ مثل ما اوذيتُ «1».

و يُحتمل أن يراد من الحديث المعروف: «مَن ترك أكْل اللحم أربعين يوماً فلْيؤذَّن في اذُنه» «2» أنّ ذلك لأجل صيرورته بعد تلك الرياضة كيوم ولدته أُمّه، فيُؤذّن في اذنه.

______________________________

(1) الجامع الصغير 2: 144.

(2) هشام بن سالم، عن أبي عبد اللّٰه (عليه السّلام) قال: «اللحم ينبت اللحم، و من تركه أربعين يوماً ساء خلقه، و من ساء خلقه فأذّنوا في اذنه».

الكافي 6: 309/ 1، المحاسن: 465/ 433، وسائل الشيعة 25: 40، كتاب الأطعمة و الأشربة، أبواب الأطعمة المباحة، الباب 12، الحديث 1، بحار الأنوار 63: 67/ 42.

العوائد و الفوائد، ص: 47

و من الحديث المعروف

من بلغ أربعين و لم يتعصَّ فقد عصىٰ «1»

؛ أي لم يأخذ عصا الاحتياط في المشي علىٰ أرض الديانة.

فبالجملة: ربّما كانت المعاني المتفاوتة

العالية و المتعالية، مرادة من تلك الأحاديث الشريفة علىٰ نعت جمع الجمع، و إليه تُشير أيضاً الأخبار الدالّة علىٰ أنّ للكتاب «2» و السُّنّة «3» بَطْناً و بُطوناً، و كثيراً ما يكون لكلّ حديث معنىً آخر وراء ما يفهمه العوامّ و العلماء، و لا بدّ من الدقّة فيها و بعضِ الأُمور الأُخر لنيلها. و اللّٰه العالم.

يوم السبت في بورسا الثالث و العشرين من ربيع الثاني سنة الخمس و الثمانين.

______________________________

(1) رسالة السير و السلوك، بحر العلوم: 33.

(2) جابر بن يزيد الجعفي، قال سألت أبا جعفر (عليه السّلام) عن شي ء من التفسير فأجابني، ثمّ سألته عنه ثانية، فأجابني بجواب آخر، فقلت: جعلت فداك كنت أجبتني في هذه المسألة بجواب غير هذا قبل اليوم، فقال: «يا جابر إنّ للقرآن بطناً و للبطن بطناً و له ظهر و للظهر ظهر».

المحاسن: 300/ 5، بحار الأنوار 89: 91/ 37، و: 94/ 45.

(3) إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) كان قاعداً في المسجد و عنده جماعة من أصحابه، فقالوا له: حدّثنا يا أمير المؤمنين، فقال لهم: «و يحكم أنّ كلامي صعب متصعب لا يعقله إلّا العالمون».

بحار الأنوار 42: 189.

العوائد و الفوائد، ص: 48

فائدة (8) في السؤال عن «الدعاء»

سألته عن الدعاء؟ قال: هو العبادة، لا الاستعجال و الإعداد. قلت: زدني بياناً لكيفيّة استجابتها. قال: هو تعالىٰ قريب يسمع، و سميع يقدر، فيستجيب. قلت: ليس الأمر كذلك، قال: كيف، و إذا دعاه أهلها يجيبهم؟! قلت: إن كان فيه الصلاح فيعطيه، و إلّا فلا حاجة إليها. قال: هو يريد التماسه و خضوعه و خشوعه. قلت: هو غنيّ عن ذلك. قال: فيه خير لنفسه كسائر عباداته. قلت: فكيف يُجيب دعوة الداعِ إذا دعاه؟ قال: قدّر دعاءه و قدّر مَدْعُوّه حسب الصلاح.

قلت: زدني بياناً. قال: لا تُستجاب الدعوة بمعنى الجهل ثمّ التنبيه، و بمعنى الغفلة ثمّ التذكّر، فإنّه استجابة الموالي للعبيد. قلت: زدني بياناً. قال أَ لٰا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ «1»؟

______________________________

(1) الملك (67): 14.

العوائد و الفوائد، ص: 49

قلت: بلىٰ. قال: فإذا يخلق يقدّر أسبابه، و منها دعاؤه. قلت: فهي الإعداد، قال: إعداد لكلّ متأخّر. قلت: إنّي أجد من الناس من تُستجاب دعوته إذا دعاه. قال: هو يعلم تقديره، فيدعوه فيجاب. قلت: قد لا يكون الأمر كذلك. قال: قدّر استجابة دعوة الداع من عباده وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي .. «1» دون عَبَدة الأوهام و الأصنام. قلت: الدعوة إلى الدعاء عامّة، و الاستجابة قليلة. قال: هي كثيرة. قلت: كيف؟ قال: ما من عبد يدعوه إلىٰ أمرٍ من الأُمور الدنيويّة، إلّا و يدعوه الآخر إلىٰ نقيضه، فهو أو أخوه مستجاب الدعوة، و اللّٰه المجيب دعوة الداع.

يوم الجُمُعة في بورسا.

______________________________

(1) البقرة (2): 186.

العوائد و الفوائد، ص: 50

عائدة (8) في شمولية حرمة الظلم لجميع المحرّمات

مقتضى الكتاب و السُّنّة حرمة الظلم، و أنّ الظالمين يُعاقَبون، و مقتضى إطلاقهما أنّه أعمّ من الظلم للنفس و الغير، و من الظلم للنفوس و الأموال المحترمة، و من الظلم بالنسبة إلى المناصب و المقامات، و بالنسبة إلى الجهات و العناوين، و عندئذٍ يلزم حرمة العناوين المحرّمة الشرعيّة مرّتين:

حرمة لعناوينها الذاتية، كعنوان غصب المال و المقام، و عنوان التصرّف في مال الغير من غير إذنٍ منه، و عنوان الزنا و السرقة و القمار و شرب الخمر و غيرها.

و حرمة لعنوان الظلم؛ لاتّصاف جميع المحرّمات الشرعيّة بذلك، و حيث لا يعقل ثبوتاً تعدّد الحرمة في المسألة؛ لأنّ العناوين الشرعيّة

العوائد و الفوائد، ص: 51

المحرّمة في الكتاب و السنّة، لا تخلو

من قابليّتها لأن تُعلَّل بأنّها الظلم بالنفس أو الغير، بالفرد، أو المجتمع، و قد تعلّل به من جهات متعدّدة، و تكون النسبة عموماً مطلقاً لا من وجه، و ليس في المحرّمات الشرعيّة ما هو خارج عن عنوانه، و تكون الجهة التعليليّة عرفاً ذلك و إن كانت الملاكات الأُخر أيضاً في البين، فحينئذٍ إمّا لا بدّ من حمل تلك النواهي على الإرشاد إلىٰ مصاديق الظلم؛ لأنّ مصاديقها ممّا تخفىٰ على عقولنا، و لا يصل إلىٰ إدراكها مدارك أبناء البشر، أو حمل نواهي الظلم على الإرشاد، أو حمل المادّة فيها علىٰ غصب المناصب الحقّة و أمثالها. المعروف بينهم هو الثاني و ربّما كانوا معتقدين بالثاني من الحمل الثاني. و اللّٰه العالم.

و الذي يناسب الحكم و الموضوع و تقتضيه الصناعة هو الأوّل؛ ضرورة أنّ الجهة التعليليّة إذا كانت محرّمة، فالعناوين العرضيّة تكون حرمتها لأجل تلك الجهة الذاتيّة، المجتمع عليها الشرع و العقل، فإنّ شرب الخمر بما هو شرب الخمر ليس عند العقل ممنوعاً، إلّا أنّه بما هو إخلال بالنظام الاجتماعيّ، و إضرار بالفرد في النشأة الظاهرة بالوجدان، و في النشأة الآخرة باكتشاف الشريعة، و ظلم للنفس روحاً و بدناً، مثلًا يكون ممنوعاً فيما أنّه ظلم ممنوع عقلًا، و الشرع لذلك نهىٰ عنه، و ليس يلزم من ذلك جواز شرب الخمر أحياناً؛ لأنّ إضراره بالنفس في النشأة الآخرة، من آثاره على الإطلاق بكشف الشرع و بمنعه، إلّا أنّه ليس

العوائد و الفوائد، ص: 52

منعاً مولويّاً عنه، بل هو منع مولويّ عن الظلم، و بيان شرعيّ لمصداقه و موضوعه.

و علىٰ هذا دعوى: أنّ المحرّم في الشريعة عنوان واحد، و كلّ ما يصدق عليه ذلك عقلًا و عرفاً فهو ممنوع بالعقل، و

كلّ ما لا يصدق عليه ذلك، و لكن اقتضىٰ إطلاق دليلٍ منعه، فهو في الحقيقة في حكم الكاشف الالتزاميّ عن الظلم للنفس، و في حكم تخطئة العرف في فهمه و تنبيهه على المصداق المجهول عنده. غير ممنوعة ثبوتاً، و لا تستلزم إشكالًا لا يلتزم به الفقيه.

و نتيجة ذلك: أنّ المؤاخذة في الدار الآخرة تدور مدار الظلم في مرتكب المحرّمات، فلاحظ و تأمّل جيّداً.

يوم الثالث من جُمادىٰ الأُولىٰ

العوائد و الفوائد، ص: 53

فائدة (9) حول عدم جواز الإفتاء متفرّداً

الأعذار و الحُجج العقلائيّة التي يحتجّ بها العباد و ربّ البلاد ربّما تختلف باختلاف الأعصار و الأمصار، و ما كان حجّة للعبد يوم الميعاد في السنوات الماضية، لا يُعدّ حجّة فيه في هذه الأيّام، و من ذلك أنّ بناء العقلاء و عادة الأقوام و الملل اليومَ، بعد عثورهم علىٰ أنّ التوحّد و التفرّد في العلوم و الفنون، يؤدّي إلىٰ خلاف الواقع، و يستلزم تبدّل الآراء يوماً فيوماً، قد بنوا بعد ذلك على المراجعة فيها بعضهم مع بعض؛ بإرسال المكاتيب و إيجاد الجلسات لتبادل الأفكار حتّى يظهر لهم الحقّ و الحقيقة، و يذمّون المتفرّدين في تحصيل الواقعيّات، و ربّما يعدّونهم من المجانين؛ لما رأوا فيه الأغلاط الكثيرة و الخطأ غير اليسير.

فعلى هذا لا يجوز لأحد من المجتهدين الكرام و المحقّقين العظام،

العوائد و الفوائد، ص: 54

إظهار رأيه و إعلام مرامه في المسائل النظريّة، خصوصاً المسائل العمليّة الفرعيّة، التي لا مستند لها إلّا المآثير المخلوطة بالأباطيل مع بعد العصر و المصر، و يجب عليهم تبادل أفكارهم و المباحثة حولها، و حول الجهات الموجبة لاختلاف أنظارهم في العصر الواحد؛ حتّى يصحّ لهم الاحتجاج عند ما ينكشف الخلاف، و إلّا تكون حجّة الربّ عليهم قاطعة، و لا عذر لهم؛

لعدم الدليل اللفظي على صحّة تلك الطريقة، و هي التفرّد في كشف الواقعيّات من الآيات و الروايات.

نعم، لو لم يحصل لهم الاتّفاق في الرأي، فعلى كلّ واحد منهم إعلان رأيه و إظهار مرامه، و إليك اليوم المسائل الفنّية و العلميّة من الفنون المستحدثة، أو من قبيل علم الطبّ و غيره.

و دعوىٰ: أنّها حرج و غير ميسور، خصوصاً في المسائل الجزئيّة.

مدفوعة: أوّلًا بممنوعيّته.

و ثانياً: كثير من الاختلافات في المسائل الفرعيّة نشأت من التشتّت في الكبريات الكلّية و القواعد العامّة، و لو كان حرج فهو مقصور على الفرض الأوّل دون الثاني، مع أنّ التمسّك بها في هذه المسألة مخدوش، كما لا يخفىٰ.

يوم السبت، الثاني و العشرين من جُمادىٰ الاولىٰ في بلدة بورسا حينما يكون أبي نائماً.

العوائد و الفوائد، ص: 55

عائدة (9) حول التفصيل بين أمثلة الشبهة المصداقية للتمسّك بالعامّ

في مسألة التمسّك بالعمومات في الشبهات المصداقيّة ربّما تختلف الأمثلة: فإنّ ما كان من المخصّص مخرِجاً عنها بعنوان غير حيثيّة العموم، كقوله: لا تكرم الفسّاق من العلماء، فإنّه يأتي البحث المعروف في محلّه من الجواز و عدمه.

و أمّا ما كان من المخصّص مخرِجاً عن العامّ بالحيثيّة التي عليها ورد العموم، فربّما لا يصحّ بلا اشكال، مثل قوله: «لا تكرم» النحاة، بعد قوله: «أكرم العلماء»؛ ضرورة أنّ حيثيّة العلم و الفسق مختلفتان، فيكون الموضوع للعامّ مُحرَزاً دون الخاصّ، بخلاف حيثيّة العلم و النحو، فإنّه لا معنىٰ لإحراز الموضوع في العموم دون الخصوص، بل الشكّ في أنّه نحوي أم لا، يرجع إلى الشكّ في أنّه موضوع العامّ أم لا.

العوائد و الفوائد، ص: 56

و بعبارة اخرىٰ: المخصِّص في المثال الأوّل لا يورث تنويع العامّ عرفاً، بخلافه في المثال الثاني، فإنّه يورث تنويعه؛ أي يرجع العموم عرفاً إلى إيجاب إكرام الفقهاء

و الأُصوليّين و الصرفيّين، و لو شكّ في أنّه نحويّ أم لا، يرجع إلى الشكّ في أنّه فقيه أو أُصوليّ أو صرفيّ أو نحويّ، و حينئذٍ لا يصحّ التمسّك بالعامّ بلا إشكال، فليتدبّر.

و أمّا المثال الثالث و هو ما لو كان الشبهة في شمول دليل الحاكم فإنّه ربّما يقال بصحّة جواز التمسّك بعموم المحكوم.

و يمكن دعوى أنّ المسألة صحّة و فساداً تدور مدار الوجه لعدم جواز التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة، فعلى التحقيق من أنّه يرجع إلىٰ تعنون العامّ بعنوان الخاصّ يجوز التمسّك؛ لعدم تعنون دليل المحكوم بعنوان الحاكم و لتناقضٍ في الاعتبار، كما لا يخفىٰ.

و علىٰ مختار الوالد مُدّ ظلّه من قصور أصالة التطابق بين الجدّ و الاستعمال في مورد الشكّ المذكور «1»، فلا يجوز لجريان التعليل، فتأمّل.

______________________________

(1) مناهج الوصول 2: 248 249، تهذيب الأُصول 1: 474 476.

العوائد و الفوائد، ص: 57

فائدة (10) حول الإجماع و الشهرة في كلمات السابقين (رحمهم اللّٰه)

المعروف بين المتأخّرين أنّ الإجماع يكون كاسراً و جابراً، فلو تخالف الحديث و الاتّفاق يُضرب الأوّل علىٰ الجدار، و لو حُكي الاتّفاق و كان محصّلًا خصوصاً بين القدماء يُفتى علىٰ طبقه و يؤخذ به.

و ألحقنا به الشهرة المعتنىٰ بها، خصوصاً في كسرها الرواية دون جبرها، و خالفنا بعض أفاضل العصر مطلقاً «1».

و الذي يظهر أحياناً عدم الثمرة في النزاع الكبرويّ؛ لعدم إمكان الاطّلاع علىٰ صُغرى المسألة، فإنّ دعوى أنّ الرجوع إلىٰ كتب القدماء و ما وصل منهم إلينا، يكفي لكشف حالهم و رأيهم و دعوىٰ اتّفاقهم، غير مسموعة فإنّه كثيراً ما يتّفق في عبارات القوم ما ينافيها و يكذّبها، فمنها ما

______________________________

(1) مصباح الأُصول 2: 201 203، 240 241.

العوائد و الفوائد، ص: 58

قاله العلّامة في «التذكرة»: إنّ الأشهر عندنا في صحّة البيع أنّه

لا بدّ من الصيغة «1»، و هكذا قوله في «المختلف» حيث نسبه إلىٰ الأكثر «2»، فإنّه يُعلم منه وجود المخالف المعتدّ به، و لو كان المخالف شاذّاً لعبّر بالمشهور و الكثير، مع أنّا إذا راجعنا الكتب الواصلة لا نجد فيها قولًا واحد، فضلًا عن الجماعة الكثيرين.

فهذا دليل علىٰ أنّ الأصحاب السابقين، ربّما كانوا أصحاب كُتُب و تأليف و إن لم يحفظ لنا وجودُها و لا ذكرُها في التراجم، فافهم.

______________________________

(1) تذكرة الفقهاء 1: 462/ السطر 6.

(2) مختلف الشيعة 1: 348/ السطر 1.

________________________________________

خمينى، شهيد، سيد مصطفى موسوى، العوائد و الفوائد، در يك جلد، مؤسسه تنظيم و نشر آثار امام خمينى قدس سره، ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.