مصابح الفقاهه المکاسب المحرمه

اشارة

شابک 964-91807-3-2
پدیدآورنده(شخص) خویی، ابوالقاسم، ۱۳۷۱ -۱۲۷۸
عنوان مصباح الفقاهه فی المعاملات
تکرار نام پدیدآور تقریرالابحاث ابوالقاسم الموسوی "المحقق الخوئی"
مشخصات نشر قم: نشر الفقاهه،۱۴۲۰ ق. = -۱۳۷۸ .
...عنوان... مصابح الفقاهه المکاسب المحرمه
بها ۷۰۰۰۰ریال(دوره)
یادداشت عنوان روی جلد: مصابح الفقاهه المکاسب المحرمه
یادداشت عربی
یادداشت کتاب حاضر در سالهای مختلف توسط ناشرین مختلف منتشر شده است
یادداشت کتابنامه به‌صورت زیرنویس
موضوع معاملات (فقه)
شناسه افزوده (شخص) توحیدی، محمدعلی، ۱۳۵۳ -۱۳۰۳ ، گردآورنده
رده کنگره BP،۱۹۰،/خ۹م۶،۱۳۷۸
رده دیوئی ۲۹۷/۳۷۲
شماره مدرک م۷۹-۳۳۰۶

الجزء الأول

[البحث فی مکاسب المحرمة]

کلمة المؤلف

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِیمِ
الحمد للّه الذی هدانا إلی حقائق الایمان، و أنار قلوبنا بأنوار العلم و العرفان، و الصلوات الزاکیات علی سیدنا و نبینا محمد الصادع بالدین الحنیف، و الشرع المنیف، و علی آله الأطهار الدعاة الی اللّه و الناشرین لأحکام اللّه، (و بعد) فلما کان کتاب المکاسب الذی هو من مصنفات الشیخ الأعظم الصناع الفذ و العلم الفرد المحقق المؤسس شیخ مشایخنا الأنصاری قدس اللّه روحه من أعظم الکتب الفقهیة شأنا و أکثرها مادة و أمتنها استدلالا و أجزلها عبارة کان هو المعول علیه فی الدراسة الخارجیة عند البحث عن المعاملات و قد جمع قدس اللّه روحه و أکرم مثواه بین دفتی کتابه زبدة أفکار العلماء المتقدمین و خلاصة أنظارهم الدقیقة و أضاف إلیها من فکرته الوقادة و قریحته النقادة تحقیقات أنیقة و تأملات رشیقة و بذلک کان الکتاب صحیفة ناصعة تمثل سداد الرأی و نتاج المجهود الفکری فی مراتبه الراقیة و علماؤنا الأعلام قدس اللّه أسرارهم قد أبدوا اهتماما خاصا بهذا الکتاب و عنوا به عنایة فائقة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 4
و تعرضوا الیه و أوسعوه دراسة و شرحا و تعلیقا حسب اختلاف أذواقهم فی الشرح و التعلیق و بذلک تکونت مجموعة نفیسة من الشروح لا یستغنی عنها الباحث و لا یتجاوزها المراجع المتأمل الی ان ألقت العلوم الدینیة زعامتها و أسندت رئاستها الی سیدنا و استاذنا علم الأعلام آیة اللّه الملک العلام فقیه العصر و فرید الدهر البحر اللجی واسطة قلادة الفضل و التحقیق محور دائرة الفهم و التدقیق إمام أئمة الأصول و زعیم أساتذة المعقول و المنقول المبین لاحکام الدین و المناضل عن شریعة جده سید المرسلین قدوة العلماء الراسخین أسوة الفقهاء العاملین المولی الأعظم و الحبر المعظم مولانا و ملاذنا الحاج السید أبو القاسم الموسوی الخویی النجفی أدام اللّه أیام إفاضاته و متع اللّه المسلمین بطول بقائه و هو أدامه اللّه قد تعرض الی الکتاب أثناء الدراسة الخارجیة فی الحوزة المقدسة العلویة و أوسعه تهذیبا و تنقیحا و کشف النقاب عن غوامضه و أبان الموارد المعضلة منه و أخذ بتلک المسائل و الآراء التی قیلت أو یمکن أن یقال فصهرها فی بوتقة خیاله الواسع و فکره الجامع و أفرغها فی قوالب رصینة و شیدها علی أسس متینة و کان النتاج درة لماعة علی مفرق التشریع الإسلامی و الفقه الجعفری و کنت ممن وفقه اللّه للاستفادة من محضره الشریف و الارتواء من منهلة العذب فجمعت فی هذا المختصر ما استفدته من تلک الأبحاث ثم عرضت ذلک علی السید الأستاذ دام ظله فراجعه مراجعة کاملة و کرر النظر فی أبحاثه و فصوله و ها أنا ذا أقدم کتابی هذا مصباح الفقاهة إلی أرباب العلم و الفضیلة آملا أن یقع ذلک منهم موقع القبول و جعلت عملی هذا خالصا لوجهه الکریم سائلا منه أن یجعل ذلک ذخرا الیوم لا ینفع مال و لا بنون. و قد کان المؤلفون القدماء کثیرا یقولون ان أسواق العلوم کاسدة و تجارتها غیر مربحة و ان الناس قد رغبت عنها الی ملاذ الدنیا و شهواتها و قصرت بأنظارها الی الخطام العاجل و العرض الزائل و انهم قد استأثروا الکسل علی الجد و النوم علی السهر و الراحة علی العمل و ان الدنیا قد أدبرت عن ورثة الرسالة و أصحاب الامانة و أمثال هذه الکلمات صارت عنوانا لفواتح الکتب و مستهلات الخطب و الرسائل و اما نحن فلنا أن نفتخر بحمد اللّه و إفضاله علی هذا العهد الزاهی الذی ازدهرت فیه أنوار العلوم و أشرقت فیه شموس المعارف و أصبحت الأمم من کل حدب و صوب یتجهون الی هذه المدینة المقدسة مدینة سید العلماء علی الإطلاق بعد النبی صلی الله علیه و آله و سلم و ازدحمت المدارس بطلابها و ضاقت بهم أرجاؤها نحمده تعالی علی هذه الموهبة الجلیلة و النعمة الجسیمة و نسأله أن یوفقنا لخدمات الدین و إحیاء شریعة سید المرسلین و أن یجعلنا من المشمولین لقوله عز من قائل (یَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِینَ آمَنُوا مِنْکُمْ وَ الَّذِینَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ)- وَ تَمَّتْ کَلِمَةُ رَبِّکَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لٰا مُبَدِّلَ لِکَلِمٰاتِهِ وَ هُوَ السَّمِیعُ الْعَلِیمُ.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 5

(فیما یرجع الی روایة تحف العقول)

اشارة

قوله ره: و روی فی ئل «1»
أقول المذکور فی تحف العقول «2» و البحار «3» یشتمل علی زیادات و قد أسقطها المصنف و ربما یخل بالمقصود و ما فی حاشیة العلامة الطباطبائی «ره» من انه لا یتغیر بها المعنی المراد فیظهر لک ما فیه مما سیأتی (بحث و تحقیق) اعلم ان هذه الروایة و ان کانت حاویة للضوابط الکلیة و القواعد الکبرویة الراجعة إلی اعاشة عالم البشریة من حیث تدینهم بالأحکام الشرعیة إلا انه لا یمکن تصدیر الکتاب بها لأجل أخذها مدرکا للابحاث الآنیة و دلیلا لأحکام التجارة جزئیها و کلیها بل لا بد فی کل مسألة من ملاحظة مدارکها بالخصوص فان کان فیها ما یدل علی المنع أخذ به و إلا فالعمومات الدالة علی صحة المعاملات محکمة (الوجوه الدالة علی عدم جواز التمسک بها) و إنما لم یجز التمسک بهذه الروایة لوجوه «الأول» قصورها من ناحیة السند و عدم استیفائها لشروط حجیة اخبار الآحاد فان راویها أبو محمد بن الحسن بن علی بن الحسین بن شعبة الحرانی أو الحلبی و إن کان رجلا وجیها فاضلا جلیل القدر رفیع الشأن و کان کتابه مشتملا علی الدرر و الیواقیت. من مواعظ أهل البیت «ع» و قد اعتمد علیه جملة من الأصحاب [4] إلا انه لم یذکرها مسندة بل
______________________________
[4] ج 3 ئل خاتمة الکتاب فی الفائدة الرابعة عد کتاب تحف العقول من جملة الکتب المعتبرة، و فی ج 1 رجال المامقانی ص 293 الحسن بن علی بن الحسین بن شعبة الحرانی أو الحلبی قال فی روضات الجنات انه فاضل فقیه و متبحر نبیه و مترفع وجیه له کتاب تحف العقول عن آل الرسول معتمد علیه عند الأصحاب.
و قال المحدث القمی فی الفوائد الرضویة ص 109 أبو محمد شیخ فاضل محدث عالم عامل فقیه جلیل ثم نقل عن صاحب التکملة عن الحسین بن علی بن الصادق البحرانی انه من قدماء الأصحاب حتی ان شیخنا المفید ینقل عنه و هو کتاب لم یسمح الدهر بمثله، و هکذا المحدث الطهرانی فی ج 3 ذریعة ص 400. و قال المجلسی فی البحار ج 1 ص 12: کتاب تحف العقول عثرنا منه علی کتاب عتیق ان نظمه یدل علی رفعة شأن مؤلفه و أکثره فی المواعظ و من الأصول المعلومة التی لا تحتاج الی سند. و قال السید حسن الصدر فی تأسیس الشیعة ص 413 شیخنا الأقدم و إمامنا الأعظم له کتاب تحف العقول فی الحکم و المواعظ عن آل الرسول کتاب جلیل لم یصنف مثله و کان هذا الشیخ جلیل القدر عظیم المنزلة. و فی حقه یقول الشیخ العالم الربانی الشیخ فی حسین بن علی بن الصادق البحرانی فی رسالته فی الأخلاق کتاب تحف العقول للفاضل النبیل إلخ الی غیر ذلک من کلمات الأعلام فی اعتبار تحف العقول و وثاقة مؤلفه.
______________________________
(1) راجع ج 2 ئل باب 2 جوار التکسب بالمباحات من أبواب ما یکتسب به
(2) ص 80
(3) ج 23 المکاسب المحرمة ص 14.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 6
أرسلها عن الصادق «ع» فلا تکون مشمولة لأدلة حجیة خبر الواحد لاختصاصها بالخبر الموثوق بصدوره و دعوی قیام القرینة علی اعتبار رواتها المحذوفین جزافیة لأن القرینة علی اعتبارهم ان کانت هی نقله عنهم فذلک ممنوع لکون النقل أعم من الاعتبار فالالتزام بالأعم لا یدل علی الالتزام بالأخص و ان کانت شیئا آخر غیر النقل فلم یصل إلینا ما یدل علی اعتبارهم و لو سامنا ذلک فإنه لا یفیدنا بوجه بل حتی مع تصریحه باعتبارهم عنده لأن ثبوت الاعتبار له لا یدل علی ثبوته لنا ما لم یذکر سببه من التوثیق لنلاحظه حتی یوجب ثبوته عندنا فلعله یعتمد علی غیر خبر الثقة أیضا.

وهم و دفع

و ربما یتوهم انجبار ضعفها بعمل المشهور إلا انه مدفوع لکونه فاسدا کبری و صغری اما الوجه فی منع الکبری فلعدم کون الشهرة فی نفسها حجة فکیف تکون موجبة لحجیة الخبر و جابرة لضعف سنده و إنما الشهرة بالنسبة الی الخبر کوضع الحجر فی جنب الإنسان فلا بد من ملاحظة نفس الخبر فان کان جامعا لشرائط الحجیة عمل به و إلا فإن ضم غیر حجة الی مثله لا ینتج الحجیة.
(لا یقال) إذا عمل المشهور بخبر کشف ذلک عن احتفافه بقرائن توجب الوثوق قد اطلعوا علیها و لم تصل إلینا فیکون الخبر موثوقا به کما ان إعراضهم عن الخبر الصحیح یوجب وهنه و سقوطه عن الاعتبار و من هنا اشتهر فی الألسن ان الخبر کلما ازداد صحة ازداد باعراض المشهور عنه و من هنا.
(فإنه یقال) مضافا الی کون ذلک دعوی بلا برهان و رجما بالغیب و عملا بالظن الذی لا یغنی من الحق شیئا ان المناط فی حجیة خبر الواحد هی وثاقة الراوی و یدل علی ذلک للموثقة [1] التی ارجع الامام «ع» السائل فیها إلی العمری و ابنه حیث علل هذا الحکم فیها
______________________________
[1] عن الحمیری عن أحمد بن إسحاق عن أبی الحسن «ع» قال سألته و قلت من أعامل و عمن آخذ و قول من أقبل فقال العمری ثقتی فما أدی إلیک عنی فعنی یؤدی و ما قال لک عنی فعنی یقول فاسمع له فإنه الثقة المأمون. و قال سألت أبا محمد «ع» عن مثل ذلک فقال العمری و ابنه ثقتان المأمونان- موثقتان، راجع ج 3 ئل باب 11 وجوب الرجوع فی القضاء الی الرواة من کتاب القضاء:
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 7
بأنهما ثقتان و یدل علیه أیضا الروایات المتواترة «1» التی أرجع فیها إلی أشخاص موثقین فان من المعلوم انه لا خصوصیة لهؤلاء الرواة إلا من حیث کونهم موثقین اذن فالمناط هی الوثاقة فی الراوی و علی هذا فان کان عمل المشهور راجعا الی توثیق رواة الخبر و شهادتهم بذلک فبها و إلا فلا یوجب انجبار عفة و من هنا یعلم انه بعد ثبوت صحة الخبر لا یضره إعراض المشهور عنه إلا أن یرجع الی تضعیف رواته، و بالجملة ان الملاک فی حجیة أخبار الآحاد هو وثاقة رواتها و المناط فی عدم حجیتها عدم وثاقتهم و لأجل ذلک نهی «2» عن الرجوع الی من لا وثاقة له و تفضیل الکلام فی الأصول، و اما الوجه فی منع الصغری فهو عدم ثبوت عمل المتقدمین بها و اما عمل المتأخرین فهو علی تقدیر ثبوته غیر جابر لضعفها مضافا الی ان استنادهم إلیها فی فتیاهم ممنوع جدا کما سیأتی فإن المظنون بل الموثوق به هو اعتمادهم فی الفتیا علی غیرها، و إنما ذکروها فی بعض الموارد تأییدا للمرام لا تأسیا للکلام.
(لا یقال) ان شرائط الحجیة و ان کانت غیر موجودة فیها إلا أن موافقتها فی المضمون مع الروایات الأخیر الصحیحة أو الموثقة توجب حجیتها علی ان آثار الصدق منها ظاهرة.
(فإنه یقال) إذا لم تستوف الروایة شرائط الحجیة فمجرد موافقتها مع الحجة فی المضمون لا تجعلها حجة، و اما قوله ان آثار الصدق منها ظاهرة فلا تدری ماذا یرید هذا القائل من هذه الآثار أ هی غموض الروایة و اضطرابها أم تکرار جملها و ألفاظها أم کثرة ضمائرها و تعقیدها أم اشتمالها علی أحکام لم یفت بها أحد من الأصحاب و من أهل السنة کحرمة بیع جلود السباع و الانتفاع بها و إمساکها و جمیع التقلب و التصرف فیها مع ان الروایات المعتبرة إنما تمنع عن الصلاة فیها فقط لا عن مطلق الانتفاع بها کموثقة سماعة [3] و غیرها و کحرمة الانتفاع بالمیتة و لو کانت طاهرة و سیأتی خلاف ذلک فی بیع المیتة و کحرمة التصرف و الإمساک فیما یکون فیه وجه من وجوه الفساد و سیظهر لک خلاف ذلک من المباحث الآتیة و مما ذکرنا ظهر عدم انجبارها بالإجماع المنقول علی تقدیر حجیته (الوجه الثانی) ان فتاوی أکثر الفقهاء ان لم یکن کلهم لا تطابق بعض جمل الروایة فکیف ینجبر
______________________________
[3] عن سماعة قال سألته عن لحوم السباع و جلودها فقال (ع) و اما الجلود فارکبوا علیها و لا تلبسوا منها شیئا تصلون فیه. موثقة. راجع ج 1 ئل باب 5 جواز لبس جلد ما لا یؤکل لحمه مع الذکاة من لباس المصلی و ج 5 الوافی باب 52 ص 67 و الفقیه ص 53 و ج 1 التهذیب باب ما یجوز الصلاة فیه ص 194 و لا یخفی علیک انه قد وقع الاشتباه فی رقم صحیفة التهذیب بین هذا الباب و باب فضل المساجد.
______________________________
(1) راجع الباب المذکور من ئل.
(2) راجع أبواب القضاء من ج 3 ئل
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 8
ضعفها بالشهرة الفتوائیة بینهم فان مقتضی بعض فقرانها حرمة بیع النجس مطلقا مع انه لم یلتزم به إلا النادر من الفقهاء بل فی بعض فقراتها حرمة إمساکه و التقلب فیه و لم یفت بهذا أحد فیما نعلم مضافا الی ان ظاهر الروایة هو حرمة بیع الأمور المذکورة تحریما تکلیفیا و یدل علی ذلک من الروایة قوله «ع» (فهو حرام بیعه و شرائه و إمساکه و ملکه و هبته و عاریته و التقلب فیه) فان الإمساک و التقلب یشمل جمیع أنواع التصرف حتی الخارجی منه و لا معنی لحرمته وضعا و الفقهاء رضوان اللّه علیهم لم یلتزموا فی أکثر المذکورات بذلک و إنما ذهبوا الی الحرمة الوضعیة و استفادوا ذلک من النهی فی أبواب المعاملات نظیر النهی عن البیع الغرری فإن معناه الإرشاد إلی بطلان ذلک البیع کما یأتی فی محله ان شاء اللّه، نعم لو توجه النهی بذات المعاملة مع ارادة ما یظهر منه من المولویة لتوجه الالتزام بالحرمة التکلیفیة کالنهی عن بیع الخمر و سیأتی (الوجه الثالث) ان التقسیم المذکور فیها لا یرجع الی أمر محصل و ذلک یکشف عن اضطرابها فان تربیع أقسام المعاملة المعاشیة بجعل کل واحد من الولایات و الصناعات قسما مستقلا من تلک الأقسام فی قبال التجارات و الإجارات لا یسلم عن التکرار، أما الولایة فهی علی قسمین لأنها اما عامة ثبتت من اللّه کالنبوة و الإمامة أو خاصة ثبتت من قبل الولاة العامة أما الولایة العامة فهی خارجة عن حدود الروایة فإن التقسیم فیها باعتبار المعاملة المعاشیة فالولایة العامة خارجة عنها تخصصا و إنما هی من المناصب الإلهیة التی جعلت للعصمة الطاهرة و اما الولایة الخاصة فمن حیث جواز ارتزاق الولاة من بیت المال تدخل تحت الإجارة المذکورة فی الروایة فلا تکون الولایة فی مقابل الإجارة قسما آخر فان المراد من الإجارة فیها لیس هی الإجارة المصطلحة بین الفقهاء و یدل علی ذلک إدخال الجعالة تحتها و عدم ذکرها فی الروایة استقلالا، و اما الصناعات فان کان المقصود منها الصناعات المصطلحة من البنایة و الخیاطة و التجارة و نحوها فمن الواضح انها لیست قسما من المعاملات المشرعة للاعاشة و إنما هی موضوع من الموضوعات و ان کان النظر فیها إلی الطواری و العوارض من حیث ان من یتصف بها اما أن یوجر نفسه للغیر لأجل ما عنده من الصناعة و اما أن یجعل ما یحصله منها ثمنا أو مثمنا فی البیع فعلی الأول تدخل تحت الإجارة و علی الثانی تحت التجارة فلا تکون وجها آخر فی قبالهما إلا أن یراد منها نفس الحرفة و الصنعة مع تعمیم المقسم الی کل ما یکون وسیلة إلی المعاش فحینئذ یشملها المقسم لکونها من أعظم الوسائل إلی التعیش، و فیه انه بناء علیه لا یکون التقسیم المذکور فی الروایة حاصرا لخروج کثیر من وسائل الاعاشة عن المقسم کالحیازات و النتاجات و الاصطیاد و احیاء الموات و اجراء القنوات و الضیافات و أخذ الخمس و الزکاة و الصدقات و قد رد هذا الإشکال بأن الحصر فی الروایة إضافی و لکن هذا الرد
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 9
فاسد فإنه ناشئ من الاغترار بما اشتهر فی ألسنة الأدباء من حسبان الحصر الإضافی قسما آخر یقابل الحصر الحقیقی مع ان الحصر لا یکون إلا حقیقیا بل الالتزام بالحصر فی مورد مع الالتزام بکونه إضافیا لا حقیقیا التزام بالمتناقضین کما هو واضح للناقد البصیر.
نعم قد یکون الحصر فی حصة خاصة کما یقال: زید أعلم من فی النجف، و قد یکون غیر مقید بحصة خاصة فیسمی الأول إضافیا و الثانی حقیقیا و هذا غیر ما توهم (و توهم بعضهم) ان التقسیم فیها باعتبار المعاملات و حینئذ فلا یوجب حصرها فی الأربع حصر کل طرق المعاش الیه و لکن هذا التوهم مما لا یصغی الیه بعد القطع بأن المعاملات المنقسمة إلی الأقسام المذکورة لیست هی المعاملات المصطلحة کما عرفت.
نعم لا یبعد أن یقال ان التقسیم فی الروایة بحسب المعاملات المعاشیة المعروفة کما یدل علی ذلک صدرها [1] و قد أسقطه المصنف تبعا لصاحب الوسائل و قد تحصل من مطاوی بعض ما ذکرنا عدم جواز الاستناد إلی شی‌ء من روایات تحف العقول فی شی‌ء من الأحکام الشرعیة و مع ذلک لا ینقضی تعجبی من الشیخ حسین البحرانی «ره» کیف رضی القول بأنه کتاب لم یسمح الدهر بمثله مع ان الکتب المعتمدة للشیعة نصب عینیه.

تذییل

لا یخفی علیک ان المناسب تقسیم المعایش العباد الی قسمین التجارة بالمعنی الأعم و العمل فان الاعاشة العقلائیة لا تخلو منهما، و اما مثل التسؤل و نحوه فلیس من الطرق العقلائیة للاعاشة (کشف حقیقة و لطف قریحة) لا یخفی علیک ان الإضافات الموجودة بین المال و مالکه المسماة بالاضافات المالکیة تکون علی أنحاء لأنها فی دار تقررها أما إضافة ذاتیة تکوینیة و اما إضافة عرضیة أی متکونة بواسطة الأمور الخارجیة.
أما الأولی فکالاضافات الموجودة بین الأشخاص و أعمالهم و أنفسهم و ذممهم فإن إعمال کل شخص و نفسه و ذمته مملوکة له ملکیة ذاتیة و له واجدیة لها فوق مرتبة الواجدیة الاعتباریة و دون مرتبة الواجدیة الحقیقة التی لمکون الموجودات ثم انه لیس المراد من الذاتی هنا الذاتی فی باب البرهان و هو المنتزع من مقام الذات المسمی بخارج المحمول و لا الذاتی فی باب الکلیات الخمس بل المقصود منه هنا ما لا یحتاج فی تقرره و ظهوره فی صفحة الوجود إلی شی‌ء آخر وراء نفسه من الاعتبارات الملکیة و لا إلی إعدام موجود و لا الی
______________________________
[1] فقال «ع»: قد یکون فی هؤلاء الأجناس الأربعة حلال من جهة حرام من جهة و هذه الأجناس مسمیات معروفات الجهات فأول هذه الجهات الأربعة، الخبر.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 10
إیجاد معدوم و لا الی ضم ضمیمة و إنما شأنها شأن الذاتیات التی لا تحتاج إلا الی علة فی الوجود ثم ان معنی الملکیة هنا لیس إلا القدرة و السلطنة بمعنی ان کل أحد مسلط علی عمله و نفسه و ما فی ذمته بأن یؤجر نفسه للغیر أو یبیع ما فی ذمته و یأتی لذلک زیادة توضیح فی أول البیع ان شاء اللّه، و من هنا یندفع ما ربما یتوهم من ان عمل الإنسان لا یعد من الأموال و وجه الاندفاع انه لیس من الأموال بالإضافة الاعتباریة لا بالإضافة التکوینیة.
و اما الإضافة العرضیة فهی اما أن تکون إضافة أولیة و اما أن تکون إضافة ثانویة و الأولیة إما أصلیة استقلالیة أو تبعیة غیریة فالأولیة الأصلیة کالإضافة المالیة الحاصلة بالعمل أو بالحیازة أو بهما معا فالأول کالأعمال التی یعملها الإنسان فیحصل منها المال و الثانی کحیازة المباحات و الثالث کمن یحوز أشجارا فیجعلها سریرا فإن الصورة السریریة توجب. تحقق إضافة مالیة أخری فی المادة الخشبیة وراء المالیة المتقومة بالخشبة فتلک المالیة القائمة فی السریر حاصلة من العمل و الحیازة معا فإطلاق الأولیة علیها باعتبار عدم سبق اضافة ذلک المال الی الغیر و الأصلیة باعتبار عدم تبعها للغیر.
و اما الإضافة الأولیة التبعیة فهی ما تکون بین المالک و بین نتاج أمواله کالنتاج التی تنتج الحیوانات المملوکة و البیوض التی تبیضها الطیور المملوکة و الثمار التی تثمرها الأشجار المملوکة الی غیر ذلک فإنها تضاف الی مالک الأصول اضافة أولیة تبعیة اما إطلاق التبعیة فلکونها تابعة لما تحصل منه و اما إطلاق الأولیة فلعدم سبق أضافه إلیها.
و اما الإضافة الثانویة فالمراد بها ما قابل الإضافة الأولیة و ان کانت طارئة علی الأموال مرارا عدیدة فهی نظیر المعقولات الثانویة فی مقابلتها للمعقولات الأولیة، و هی علی قسمین لأنها تارة تکون قهریة و اخری اختیاریة.
(أما الأولی) فکالاضافة التی تحصل بسبب الإرث أو الوقف بناء علی کونه من الإیقاعات کما اخترناه فی محله و وجه کونها قهریة هو حصول المالکیة فی هذه الموارد للوارث و الموقوف علیه و الموصی له بالقهر لا بالفعل الاختیاری.
(و اما الثانیة) فکالاضافة الحاصلة من المعاملات و منها ما یحصل من المکاسب التی نحن بصدد بحثها و تأسیس أصولها و مبانیها بعون اللّه و حسن توفیقه، و غیر خفی علی الناقد ان ما ذکرناه من تلک الإضافات علی أقسامها من البدیهیات التی لا تحتاج الی المقدمات النظریة الخفیة قوله علیه السلام: کذلک المشتری أقول هو اسم فاعل مقابل البائع و لیس باسم مفعول لیکون المراد منه المبیع کما توهم.
قوله علیه السلام: فیجعل ذلک الشی‌ء أقول یمکن أن یراد منه الحمل أی یحمل
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 11
أو الأخذ أی یأخذ أو الوصف أی یوصف فی مقام الإیجار و لیس بمعناه المعروف لیکون الشی‌ء مفعولا أولا و قوله «ع» (فی عمل) مفعولا ثانیا کما احتمله بعض الأعاظم.
قوله «ع»: حلالا أقول لیس منصوبا علی الحالیة و لا مجرورا لکونه وصفا لقوله ع (فی عمل) کما تخیل بل إنما هو مرفوع للخبریة فإن أصل النسخة هکذا (فهذه وجوه من وجوه الإجارات حلال).
قوله «ع»: أو سوقة أقول فی المجمع السوقة بالضم الرعیة و من دون الملک و منه الحدیث: ما من ملک و لا سوقة یصل الی الحج إلا بمشقة.
قوله «ع»: أو عمل التصاویر أقول فی تحف العقول (أو حمل التصاویر) و علی هذا فعطف الخنازیر و المیتة و الدم فی الروایة علی التصاویر لا یحتاج إلی عنایة.
قوله «ع»: اجارة نفسه فیه أو له أقول المراد من الأول هو الإیجار لنفس الشی‌ء بأن یؤجر نفسه لصنع الخمر کایجار نفسه فی هدم المساجد، و من الثانی الإیجار للمقدمات، و لیس المراد من الأول إیجار نفسه فی المصنوع کحمل الخمر و من الثانی إیجار نفسه لصنعه، و لا ان المراد من الأول المباشریة و من الثانی التسبیبیة، و لا ان المراد من الأول الإیجار للمقدمات و من الثانی الإیجار لنفس المحرم، فان کل ذلک خلاف الظاهر من الروایة و من هنا ظهر المقصود من قوله «ع» (أو شی‌ء منه أو له) غایة الأمر ان المراد منهما جزء العمل و جزء المقدمات و الضمائر الأربعة کلها ترجع الی الأمر المنهی عنه.
قوله «ع»: و ینحیها أقول فی المجمع نحی الشی‌ء أزاله و نح هذا عنی أی أزله و أبعده عنی
قوله «ره»: و حکاه غیر واحد
أقول لیس فی کتاب السید من روایة تحف العقول عین و لا اثر و لم تذکر حتی بمضمونها فیه.
(نعم) ذکرت [1] فیه معائش الخلق علی خمسة أوجه (وجه الامارة و وجه العمارة
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 2 وجوب الخمس فی غنائم دار الحرب، من أبواب ما یجب فیه الخمس، عن علی بن الحسین المرتضی فی رسالة المحکم و المتشابه نقلا عن تفسیر النعمانی عن علی «ع» قال: و اما ما جاء فی القرآن من ذکر معائش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلک من خمسة أوجه وجه الامارة و وجه العمارة و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات. و فی ج 19 بحار الأنوار ص 106 عن تفسیر النعمانی قال فاما ما جاء فی القرآن من ذکر معائش الخلق و أسبابها فقد أعلمنا سبحانه ذلک من خمسة أوجه وجه الإشارة، الی أن قال «ع»: و اما وجه الإشارة فقوله تعالی: وَ اعْلَمُوا أَنَّمٰا غَنِمْتُمْ مِنْ شَیْ‌ءٍ فَأَنَّ لِلّٰهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِی الْقُرْبیٰ وَ الْیَتٰامیٰ وَ الْمَسٰاکِینِ. الی أن قال «ع»: و اما وجه العمارة فقوله هُوَ أَنْشَأَکُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَکُمْ فِیهٰا فأعلمنا سبحانه قد أمرهم بالعمارة لیکون ذلک سببا لمعایشهم بما بخرج من الأرض من الحب و الثمرات و ما شاکل ذلک مما جعله اللّه تعالی معایش للخلق، و اما وجه التجارة فقوله تعالی: یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذٰا تَدٰایَنْتُمْ بِدَیْنٍ إِلیٰ أَجَلٍ مُسَمًّی فَاکْتُبُوهُ وَ لْیَکْتُبْ بَیْنَکُمْ کٰاتِبٌ بِالْعَدْلِ، الآیة. فعرفهم سبحانه کیف یشترون المتاع فی السفر و الحضر و کیف یتجرون إذ کان ذلک من أسباب المعایش. و اما وجه الإجارة فقوله عز و جل: نَحْنُ قَسَمْنٰا بَیْنَهُمْ مَعِیشَتَهُمْ فِی الْحَیٰاةِ الدُّنْیٰا وَ رَفَعْنٰا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجٰاتٍ لِیَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِیًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّکَ خَیْرٌ مِمّٰا یَجْمَعُونَ. فأخبر سبحانه ان الإجارة أحد معائش الخلق و جعل ذلک قواما لمعائش الخلق و هو الرجل یستأجر الرجل فی صنعته و أعماله و أحکامه و تصرفاته و أملاکه، الی أن قال: و اما وجه الصدقات إنما هی لأقوام لیس لهم فی الامارة نصیب و لا فی العمارة حظ و لا فی التجارة أما و لا فی الإجارة معرفة و قدرة ففرض اللّه تعالی فی أموال الأغنیاء، الخبر. و الظاهر من قوله «ع»: (إنما هی لأقوام لیس لهم فی الامارة نصیب) ان لفظ الإشارة فی مطلع التقسیم غلط من النساخ و ان الامارة هی النسخة الصحیحة کما فی ئل و فی سفینة البحار فی مادة حمد، محمد بن إبراهیم بن جعفر أبو عبد اللّه الکاتب النعمانی صاحب کتاب الغیبة یروی عن الشیخ الکلینی و غیره جش محمد بن إبراهیم بن جعفر أبو عبد اللّه الکاتب النعمانی المعروف بابن زینب شیخ من أصحابنا عظیم القدر شریف المنزلة صحیح العقیدة کثیر الحدیث قدم بغداد و خرج الی الشام و مات بها له کتب منها کتاب الغیبة إلخ، و هکذا فی رجال المامقانی، و فی ج 4 الذریعة ص 318 تلمیذ الکلینی و شریک الصفوانی، و فی ج 3 المستدرک فی الفائدة الثانیة ص 365 ان الکتاب فی غایة الاعتبار و صاحبه شیخ أصحابنا الأبرار، و مع ذلک کله لا یمکن الاعتماد علی ما اشتمل علیه تفسیر النعمانی لأن أحمد بن یوسف و حسن بن علی بن أبی حمزة و أباه الذین من جملة رواته من الضعفاء.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 12
و وجه الإجارة و وجه التجارة و وجه الصدقات) إلا ان ذلک غیر مربوط بما فی تحف العقول سنخا و حکما و لعل هذه الجملة صدرت من المصنف اما من سهو القلم أو من جهة الاعتماد علی ما فی ئل فإنه قال بعد نقل روایة تحف العقول (و رواه المرتضی فی کتاب المحکم و المتشابه) و لا یخفی ان کتاب المحکم و المتشابه هذا هو بعینه تفسیر النعمانی المعروف.

[فی الفقه الرضوی]

اشارة

قوله «ره»: و فی الفقه المنسوب الی مولانا الرضا «ع»
أقول تحقیق الکلام هنا یقع فی جهتین الاولی فی صحة نسبة هذا الکتاب الی الرضا «ع» و عدم صحتها و الثانیة فی دلالة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 13
هذه الروایة علی مقصد المصنف و عدم دلالتها

(اما الجهة الأولی) [فی صحة نسبة هذا الکتاب الی الرضا «ع»]

اشارة

فقد تمسک القائلون باعتباره بوجوه کثیرة و لکنها تؤل الی وجهین:

(الأول) و هو عمدة ما تمسک به المثبتون

ان ظهوره و ان کان فی زمن المجلسی الأول و لکن الذی أخبرنا بالکتاب و رواه المجلسی هو الثقة الفاضل و المحدث الکامل القاضی السید أمیر حسین طاب ثراه [1] فإنه أول من اطلع علیه و استنسخه و قد استنسخه المجلسی من نسخته و هو ثقة فیصدق فی قوله لشمول أدلة الخبر الواحد لخبره هذا.
(و فیه) ان اخباره هذا اما أن یکون مستندا إلی القرائن التی أوجبت حصول العلم العادی له من الخطوط الموجودة فیه للإمام «ع» و الإجازات المدونة فیه للاعلام علی ما نقله المحدث المتبحر النوری فی المستدرک «1» عن المجلسی الأول.
و اما ان یکون مستندا الی اخبار ثقتین عدلین من أهل قم للسید المذکور بکون الکتاب للرضا «ع» کما فی المستدرک «2» أیضا حیث قال: ان السید الثقة الفاضل القاضی أمیر حسین أخبر بأن هذا الکتاب له «ع» و أخبره بذلک أیضا ثقتان عدلان من أهل قم و هذا خبر صحیح داخل فی عموم ما دل علی حجیة خبر العدل.
اما الطریق الأول فضعفه بین لان حصول العلم للسید الأمجد و السند الأوحد من تلک القرائن علی صحة النسبة لدیه لا یوجب حصول العلم لنا باعتباره و عامه بذلک لا یفید غیره بوجه و من الغرائب أن یتمسک لحجیة خبره هذا بعموم أدلة أخبار الآحاد فان هذه العمومات لا تشمل الأخبار الحدسیة و لو کان المخبر بها من الثقات و أغرب منه أن یقال ان المتیقن من الاخبار الحدسیة الخارجة عن هذه العمومات هی ما لا تعتمد علی مبادئ محسوسة یلزم من العلم بها العلم بمضمون الخبر و اما لو اعتمد علی مبادئ محسوسة یلزم من العلم بها العلم بصدق الخبر کما فی الشجاعة و السخاوة و العدالة بناء علی تفسیرها بمعنی الملکة فلا یظن بأحد أن یتوقف فی عموم أدلة خبر العدل لها و اخبار السید باعتبار الفقه الرضوی من قبیل الثانی لا الأول و وجه الغرابة فی هذه القول ان الاخبار بالأمور الحدسیة بواسطة أسبابها الحسیة إنما یکون مشمولا لأدلة الحجیة إذا کان بین الأسباب و مسبباتها ملازمة عادیة بحیث یلزم من العلم بها العلم بالمسببات کما فی الأمثلة المذکورة و اما إذا انتفت الملازمة العادیة فأدلة حجیة الخبر لا تشمله کما حقق ذلک فی علم الأصول و هذا الشرط مفقود فی موضوع البحث فان
______________________________
[1] و هو غیر السید حسین ابن بنت المحقق الکرکی کما أشار إلیه فی ج 3 المستدرک ص 354 ناقلا عن الریاض الذی أستاذ هذه الصناعة و ما ذهب الیه صاحب الفصول و العلامة الطباطبائی من اتحادهما خطأ فاحش.
______________________________
(1) راجع ج 3 ص 337.
(2) راجع ج 3 ص 339
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 14
الأمور التی استند إلیها السید فی اخباره قابلة للمنع فإنه کیف یعلم احد ان الخطوط فی النسخة للإمام «ع» و ان الإجازات للاعلام إلا من طریق الحدس الشخصی إذن فإن الأمور المذکورة حدسیة لا حسیة، و أیضا فلا ملازمة بینها و بین العلم بالنتیجة.
(فإن قلت) کیف یصح إنکار ما یدل علی صدق نسبة الکتاب للإمام «ع» مع ان فیه عبارات تنطق بکونه له «ع» مثلما قال فی أول الکتاب یقول عبد اللّه علی بن موسی الرضا و فی بعض کلماته نحن معاشر أهل البیت و أمرنی أبی وجدنا أمیر المؤمنین «ع» و أروی عن أبی العالم، الی غیر ذلک من العبائر التی لا ینبغی صدورها إلا عن الحجج (ع) و قد ذکر المحدث النوری جملة منها فی المستدرک «1» هذا مضافا الی القرائن التی اعتمد علیها السید المذکور (قلت) أولا ان احتمال الکذب لا دافع له مع الجهل بمؤلفه و انفتاح باب الجعل و الفریة من المشمرین عن ساق الجد للکذب علی العترة الطاهرة.
أ فنسیت الأخبار المجعولة فی أمر الولایة کیف قامت و ان لکل واحد من الأئمة علیهم السلام من یدس علیه من الکذابین.
و من هذا ظهر فساد توهم الصدق فی نسبة الکتاب من جهة موافقة تاریخه لزمان الرضا علیه السلام، و ثانیا لنفرض ان الکتاب لیس من مجعولات الوضاعین فهل یصح أن نتمسک بقوله: نحن معاشر أهل البیت، أو جدنا أمیر المؤمنین، لتصحیح کون الکتاب للإمام علیه السلام أ لیس احتمال کون مؤلفه رجلا علویا بمکان من الإمکان (و اما الطریق الثانی) أعنی استناد اخبار السید بصدق الکتاب الی أخبار ثقتین بذلک من أهل قم.
(ففیه) أولا انه محض اشتباه من المحدث المتبحر النوری فإنه مع نقله کلام المجلسی الأول بطوله الذی هو الأصل فی السماع عن السید غفل عنه و سلک مسلکا آخر فقد قال المجلسی الأول کما فی المستدرک «2» ثم حکی- أی السید- عن شیخین فاضلین صالحین ثقتین انهما قالا: ان هذه النسخة قد أتی بها من قم إلی مکة المشرفة و علیها خطوط العلماء و إجازاتهم و خط الامام علیه السلام فی عدة مواضع قال: و القاضی أمیر حسین قد أخذ من تلک النسخة و أتی بها الی بلدنا و انی استنسخت نسخة من کتابه. و هذا الکلام کما تری یعلن بمخالفته لما أفاده النوری.
و ثانیا فننقل الکلام الی اخبار هذین العدلین فإن غایة ما یحصل لنا من أخبارهما کون الفقه الرضوی من جملة الأخبار المرسلة فیتوجه علیه ما قدمناه فی روایة تحف العقول.
و مما یوهن حجیة خبر أمیر حسین بصدق الکتاب مع کونه ثقة قول المجلسی الأول بعد
______________________________
(1) راجع ج 3 ص 343.
(2) راجع ج ص 337.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 15
کلامه المتقدم و العمدة فی الاعتماد علی هذا الکتاب مطابقة فتاوی علی بن بابویه فی رسالته و فتاوی ولده الصدوق لما فیه من دون تغییر أو تغییر یسیر فی بعض المواضع و من هذا الکتاب تبین عذر قدماء الأصحاب فیما أفتوا به.
و وجه الوهن انه لو کان اخبار السید بذلک جامعا لشرائط الحجیة فی الخبر الواحد فلا وجه لقول المجلسی الأول: ان العمدة فی إثباته هی مطابقته لفتوی الصدوقین، و بالجملة لم یتحصل لنا من الوجه المذکور ما یوجب اعتبار الکتاب.

(الأمر الثانی) مما تمسک به المثبتون

لنسبة الکتاب موافقته لرسالة علی بن بابویه الی ولده الصدوق و هی الکتاب المعروف بشرائع الصدوق و قد استند الی هذا الوجه بعض الأصحاب و عرفت ان المجلسی الأول من هؤلاء فقد جعل العمدة فی تصحیح الکتاب موافقته لفتوی الصدوقین فلا بد من ان یکون الکتاب موجودا فی زمان الصدوق و معتمدا علیه عنده و لذا نقل عنه و ان لم یسم به.
(و فیه) ان هذا لا یوجب اعتبار الکتاب لاحتمال أخذ مؤلفه ذلک من الرسالة المذکورة بل هذا هو الظاهر إذ من المستبعد جدا بل من المستحیل عادة ان یسند علی بن بابویه کتاب الرضا علیه السلام الی نفسه من دون ان یشیر هو أو ابنه الصدوق الذی کتب لأجله هذه الرسالة الی ان هذا الکتاب من تألیف الرضا و هل یرضی احد ان ینسب مثل هذه السرقة إلی الصدوقین فلا بد و ان یکون الأمر بالعکس بأن یکون هذا الکتاب مأخوذا من رسالة علی بن بابویه.
(و ربما قیل «1» ان فقه الرضا علیه السلام هذا هو الذی کتبه الرضا لأحمد بن السکین الذی کان مقربا عنده و هو بخطه «ع» موجود فی الطائف بمکة المعظمة فی جملة کتب السید علیخان و علیه إجازات العلماء و خطوطهم و هذه النسخة بالخط الکوفی و تاریخها عام مائتین من الهجرة و بعد ان نقل المحدث النوری هذا الوجه عن الریاض قال ما حاصله: و من هنا یتضح ان من عدم الاطلاع و من قلة الخبرة ان یقال ظهور الکتاب إنما کان فی زمن أمیر حسین اما قبل ذلک الزمان فلم یکن منه عین و لا أثر.
(أقول) نحن لا ندعی انه لم یکن للرضا «ع» کتاب و آثار حتی ینقض علینا بما کتبه لأحمد بن سکین بل نقول انه لا مدرک لنا لإثبات ان هذا الکتاب الذی عندنا کان له علیه السلام و انه هو الذی کان موجودا فی مکتبة السید علیخان خصوصا مع ملاحظة أن ظهوره کان من قم کما عرفت و من هنا یعلم ان نقد النوری للقول بظهوره فی زمن أمیر حسین
______________________________
(1) ملخص ما نقله النوری فی ج 3 المستدرک ص 340 عن کتاب ریاض العلماء.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 16
ناشئ من عدم التأمل.
ثم انه مع الغض عن جمیع ما ذکرناه فان فی الکتاب قرائن قطعیة تدل علی عدم کونه لمثل مولانا الرضا «ع» بل هو رسالة عملیة ذکرت فیها الفتاوی و الروایات بعنوان الإفتاء کما یظهر لمن یلاحظه کیف و أکثر روایاته اما بعنوان روی و راوی و نحوهما، و اما نقل عن الرواة خصوصا فی آخر الکتاب فإنه ینقل فیه کثیرا عن ابن ابی عمیر و زرارة و الحلبی و صفوان و محمد بن مسلم و منصور و غیرهم.
علی ان فیه عبارات یقبح صدورها عن الامام «ع» نظیر قوله جعلنی اللّه من السوء فداک و قوله فی باب القدر «1» صف لی منزلتین فان هذا القول ظاهر فی جهل القائل و هو مستحیل فی حق الامام «ع» الی غیر ذلک و قد نقل جملة منها فی المستدرک «2» مع انه ذکر فیه [1] من الاحکام المتناقضة و ما یخالف مذهب الشیعة بکثیر و حملها علی التقیة بدیهی الفساد لما ورد فی هذا الکتاب أیضا مما یخالفها بل تکذیبهم و الإزراء علیهم کما فی المتعة [2] و الالتزام بالتفصیل «3» بأن بعض الکتاب إملاء منه «ع» و بعضه الآخر لأحمد بن محمد بن عیسی الأشعری و ان موارد التقیة فی الکتاب إنما هی فیما سمع منه علیه السلام تکلف فی تکلف و قول بلا علم هذا کله ما یرجع الی نفس الکتاب، و قد أجاد صاحب الفصول فی بعض ما افاده [3] هنا فلیراجع إذن فقد حق القول انه لو أنیطت الأحکام الشرعیة بمثل هذه المدارک
______________________________
[1] فی باب اللباس و ما لا یجوز فیه الصلاة ص 17 قال: یجوز الصلاة فی سنجاب و سنور و فنک، و فی باب اللباس و ما یکره فیه الصلاة ص 42 قال: جلد المیتة دباغته طهارته و قد یجوز الصلاة فیما لم تنبته الأرض و لم یحل أکله مثل السنجاب و الفنک و السنور، و فی باب المواقیت ص 4 قال: و ان غسلت قدمیک و نسیت المسح علیها فان ذلک یجزیک لأنک قد أتیت بأکثر ما علیک و قد ذکر اللّه الجمیع فی القرآن.
[2] و فی باب المتعة ص 67 محمد بن أبی عمیر عن ابن أذینة عن زرارة قال: جاء عبد اللّه بن عمیر الی أبی جعفر «ع» فقال: ما تقول فی متعة النساء؟ فقال: أحلها اللّه فی کتابه و علی لسان نبیه فهی حلال الی یوم القیامة، فقال: یا أبا جعفر مثلک یقول هذا و قد حرمها أمیر المؤمنین عمر فقال و ان کان فعل فقال انی أعیذک ان تحل شیئا قد حرمه عمر فقال فأنت علی قول صاحبک و انا علی قول رسول اللّه (ص) فهلم الا عنک ان القول ما قال رسول اللّه فان الباطل ما قال صاحبک قال فأقبل علیه عبد اللّه بن عمیر فقال یسرک أن نساؤک و بناتک و أخواتک و بنات عمک یفعلن فأعرض عنه أبو جعفر «ع» و عن مقالته حین ذکر نسائه و بنات عمه.
[3] راجع الفصول فصل انه لا یکفی عندنا فی حجیة الروایة مجرد وجودها فی الکتب الأربعة من فصول حجیة اخبار الآحاد ص 312
______________________________
(1) ص 48.
(2) ج 3 ص 350.
(3) راجع ج 3 المستدرک ص 353.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 17
فبین أیدینا البخاری و مسند احمد و صحیح مسلم و علی هذا فعلی الفقه السلام.
و اما توهم انجبار روایاته بالشهرة إذا قامت علی وفقها فقد عرفت ما فیه فی روایة تحف العقول (و ربما یتخیل) اعتبار الکتاب لأجل عمل جملة من الأکابر علیه کالمجلسیین و غیرهما و لکنه فاسد لأنهم قد استندوا فی عملهم هذا بما ذکر من الوجوه التی عرفت جوابها بما لا مزید علیه.

(و اما الجهة الثانیة) [عدم إمکان الاستناد بهذه الروایة]

فمع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه و الالتزام باعتبار الکتاب لا یمکن الاستناد بهذه الروایة [1] التی نقلها العلامة الأنصاری «ره» فی شی‌ء من المباحث و ذلک لوجوه (الأول) عدم وجدان فتوی من فتاوی أعاظم الأصحاب علی طبقها فإن الروایة صریحة بحرمة استعمال ما نهی عنه مما فیه الفساد بجمیع الاستعمالات حتی الإمساک مع انه لم یفت به أحد فیما نعلم و کیف یفتوه فقیه أو متفقة بحرمة إمساک الدم و المیتة و لحوم السباع کما ان ذلک مقتضی الروایة إذن فلا یمکن الفتوی علی طبقها.
(الثانی) ان مقتضی قوله (فحرام ضار للجسم و فساد للنفس) أن الضابطة فی تحریم هذه الأمور المذکورة فی الروایة هو أضرارها للجسم کما ان المناط فی جوازها عدم اضرارها له مع ان جلها لیس بضار للجسم کالملابس و المناکح و أکثر المشارب و المآکل ان لم یکن کلها کذلک و علی فرض تسلیم ذلک فلا نسلم انضباط القاعدة فإنه لا شبهة ان کثیرا من هذه الاستعمالات للأشیاء المحرمة لا تکون مضرة قطعا کوضع الید علیها مثلا أو الأکل منها قلیلا أو شد الید بجلد المیتة و شعر الخنزیر و إنما المضر هی مرتبة خاصة من الاستعمالات بجمیع الأشخاص و الأزمان و الأمکنة و الکمیة فلو کان ذلک موجبا لحرمة جمیع الاستعمالات بجمیع
______________________________
[1] اعلم یرحمک اللّه ان کل مأمور به مما هو من (و فی البحار مما هن «أو» هون) علی العباد و قوام لهم فی أمورهم من وجوه الصلاح الذی لا یقیمهم غیره مما یأکلون و یشربون و یلبسون و ینکحون و یملکون و یستعملون فهذا کله حلال بیعه و شرائه و هبته و عاریته و کل أمر یکون فیه الفساد مما قد نهی عنه من جهة أکله و شربه و لبسه و نکاحه و إمساکه لوجه الفساد مثل المیتة و الدم و لحم الخنزیر و الربا و جمیع الفواحش و لحوم السباع و الخمر و ما أشبه ذلک فحرام ضار للجسم و فساد للنفس. ضعیفة کما عرفت. راجع فقه الرضا علیه السلام باب التجارة ص 34 و ج 23 البحار ص 16 و ج 2 المستدرک باب تحریم التکسب، مما یکتسب به ص 425.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 18
مراتبها فتکون نظیر قول النبی «ص» «1»: (فما أسکر کثیره فقلیله حرام) للزم من ذلک القول بحرمة جمیع ما خلق اللّه فی الأرض من المباحات فان کل واحد من هذه المباحات لا بد و أن یکون مضرا فی الجملة و لو باستعمال الشی‌ء الکثیر منه.
علی ان الأحکام الشرعیة بناء علی مسلک العدلیة تدور مدار ملاکاتها الواقعیة من المصالح و المفاسد و اما المنافع و المضار فهی خارجة عن حدودها، نعم ربما یکون الضرر أو النفع موضوعا للأحکام إلا ان ذلک غیر مربوط بباب ملاکات الأحکام.
(الثالث) ان ظاهر الروایة هو حرمة بیع الأمور المذکورة تحریما تکلیفیا کما تقدم نظیر ذلک فی روایة تحف العقول و کلامنا فی الحرمة الوضعیة.

[فی اعتبار کتاب دعائم الإسلام]

اشارة

قوله و عن دعائم الإسلام
أقول أقصی ما قیل أو یمکن أن یقال فی وجه اعتبار هذا الکتاب ان صاحبه أبا حنیفة النعمان حیث کان رجلا إمامیا اثنی عشریا جلیلا فاضلا فقیها و من جملة النوابغ فی عصره بل کان فریدا فی دهره کما یظهر من کتابه کانت روایاته مشمولة لأدلة حجیة خبر العدل الإمامی.
(و الذی) ینبغی أن یقال انه لا شبهة فی علو مکانة أبی حنیفة النعمان صاحب کتاب دعائم الإسلام و غیره من الکتب الکثیرة و نبوغه فی العلم و الفضل و الفقه و الحدیث علی ما نطقت به التواریخ و کتب الرجال و کتابه هذا کما لا شبهة فی کونه إمامیا فی الجملة فإنه کان مالکی الأصل فتبصر و صار شیعیا إمامیا کما اتفقت علیه کلمات أکثر المترجمین الذین تعرضوا لترجمته و تاریخه کالبحار [1] و تنقیح المقال للمامقانی «2» و سفینة البحار [2]
______________________________
[1] ج 1 ص 15 قال: قد کان أکثر أهل عصرنا یتوهمون أنه تألیف الصدوق و قد ظهر لنا انه تألیف أبی حنیفة النعمان بن محمد بن منصور قاضی مصر فی أیام الدولة الإسماعیلیة.
[2] مادة حنف: أبو حنیفة الشیعة هو القاضی نعمان بن محمد بن منصور قاضی مصر کان مالکیا أو لا ثم اهتدی و صار إمامیا و صنف علی طریق الشیعة کتبا منها کتاب دعائم الإسلام و فی کتاب دائرة المعانی: أبو حنیفة المغربی هو النعمان بن أبی عبد اللّه محمد بن منصور ابن أحمد بن حیوان أحد الأئمة الفضلاء المشار إلیهم ذکره الإمام المسیحی فی تاریخه فقال کان من أهل العلم و الفقه و الدین و النبل علی مالا مزید علیه.
و له عدة مصنفات منها کتاب اختلاف أصول المذهب و غیره و کان مالکی المذهب ثم انتقل الی مذهب الإمامیة.
و قال ابن زولاق: کان فی غایة الفضل من أهل القرآن و العلم بمعانیه عالما بوجوه الفقه و علم اختلاف الفقهاء و اللغة و الشعر و المعرفة بأیام الناس مع عقل و انصاف و ألف لأهل البیت من الکتب آلاف أوراق بأحسن تألیف و أفصح سجع و عمل فی المناقب و المثالب کتابا حسنا و له رد علی المخالفین له رد علی أبی حنیفة و مالک و الشافعی و علی بن سریج و کتاب اختلاف الفقهاء ینتصر فیه لأهل البیت «ع» و له القصیدة الفقهیة لقبها بالمنتخبة و کان ملازما صحبة المعز العلوی توفی سنة 363.
و کان أولاده من الأفاضل منهم أبو الحسن علی بن النعمان و أبو عبد اللّه محمد بن النعمان.
______________________________
(1) راجع ج 11 الوافی باب 156 ان کل مسکر حرام ص 82.
(2) ج 3 ص 273.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 19
و المستدرک «1» و تأسیس الشیعة للسید حسن الصدر «2» و غیرها و قد نقلوا عن أئمة التاریخ و الرجال کونه إمامیا و علی هذا فلا یصغی الی قول ابن شهرآشوب فی المعالم انه لم یکن إمامیا علی ما فی تنقیح المقال.
إلا أن الذی یقتضیه الإنصاف إنا لم نجد بعد الفحص و البحث من یصرح بکونه ثقة و لا اثنی عشریا و إن کان المحدث النوری قد أتعب نفسه فی إثباتهما و بالغ فی اعتبار الکتاب و مع هذا الجهد و المبالغة لم یأتی بشی‌ء ترکن الیه النفس و یطمئن به القلب و لعل کلام السید فی الروضات «3» ینظر الی ما ذکرناه حیث قال: و لکن الظاهر عندی انه لم یکن من الإمامیة الحقة و حینئذ فکیف یمکن إثبات حجیة روایاته بأدلة حجیة خبر العدل.
و علی تقدیر تسلیم وثاقته و کونه إمامیا اثنی عشریا فلا یخرج بذلک ما احتواه کتابه عن سلک الأخبار المرسلة فتسقط حجیته للإرسال.
و أما توهم انجباره بالشهرة أو بموافقة أکثر روایاته لروایات الکتب المعتبرة فقد تقدم جوابهما فی ذیل روایة تحف العقول.
(فان قلت) إذا سلمنا وثاقة أبی حنیفة النعمان فلا مناص عن الالتزام بحجیة کتابه لأنه قال فی أوله: نقتصر فیه علی الثابت الصحیح مما رویناه عن الأئمة من أهل بیت رسول اللّه (ص) فیکون کلامه هذا توثیقا إجمالیا لما أسقطه من الرواة.
(قلت) نعم و لکن ثبوت الصحة عنده لا یوجب ثبوتها عندنا لاحتمال اکتفائه فی تصحیح الروایة بما لا نکتفی به نحن و الحق فیه ما ذکره المجلسی فی البحار «4» ان روایاته إنما تصلح للتأکید و التأیید فقط.
(إزاحة شبهة) و قد التجأ المحدث النوری «5» فی تنزیه أبی حنیفة النعمان عن اتهامه
______________________________
(1) ج 3 خاتمة الکتاب فی الفائدة الثانیة ص 313.
(2) ص 382.
(3) ص 727.
(4) ج 1 ص 15.
(5) ج 3 المستدرک ص 215
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 20
بمذهب الإسماعیلیة و إثبات کونه ثقة اثنی عشریا الی بیان نبذة من عقائد الإسماعیلیة الفاسدة کقولهم بأن محمد بن إسماعیل حی لم یمت و یبعث برسالة و شرع جدید ینسخ به شریعة محمد و انه من اولی العزم و أولو العزم عندهم سبع لأن السماوات سبع و الأرضین سبع و بدن الإنسان سبع و الأئمة سبع و قلبهم محمد بن إسماعیل الی غیر ذلک من الخرافات التی تنزه عنها النعمان و کتابه ثم انه صرح فی کتابه بکفر الباطنیة و أثبت إمامة الأئمة الطاهرة و کونهم مفترضی الطاعة و لم یصرح بإسماعیل و لا بابنه محمد و مع ذلک کله فکیف یرضی المنصف بعدة من من الإسماعیلیة، انتهی ملخص کلامه.
(و فیه) ان تنزه النعمان من تلک الأقاویل الکاذبة و العقائدة الفاسدة و تصریحه بکفر الباطنیة لا یستلزم عدم کونه من الإسماعیلیة لأن الباطنیة قسم منهم و لیس کل اسماعیلی من الباطنیة و ان عدم ذکره إسماعیل و ابنه فی عداد الأئمة لا یکشف عن عدم عقیدته بإمامتهما مع ان عقائده الاسماعیلین لم تصل إلینا بحقیقتها حتی نلاحظها مع ما ذکره النعمان لیتضح لنا انه منهم أو لیس منهم و لقد صادفت زعیما من زعمائهم فی الحضرة الشریفة فسألته عن ولی الأمر و الحجة المنتظر «ع» هل هو حی أو میت فقال هو لا حی و لا میت بل یولد من امرأة قرشیة لا تحیض فیعلم من ذلک انهم لا یرون ما تذهب إلیه الباطنیة فی محمد بن إسماعیل.
(کشف حقیقة) لا ینقضی تعجبی من المحدث المتبحر النوری حیث قال فی المستدرک «1» ما ملخصه: ان الکتاب المذکور لم یخالف فی فرع غالبا إلا و معه موافق معروف من الشیعة إلا فی إنکار المتعة فلیس له موافق علیه، ثم حمل إنکاره هذا علی التقیة و جعل القرینة علی ذلک ما ذکره فی باب الطلاق من عدم وقوع التحلیل بالمتعة للمطلقة ثلاثا و ما ذکره فی باب الحد فی الزنا من ان الإحصان لا یتحقق بالمتعة فإن المتعة لو لم تکن جائزة عنده لکان ذکرها فی البابین بلا وجه و تکون من قبیل ذکر الزنا فیهما و لا معنی لأن یقول أحد ان الزنا لا یتحقق به التحلیل و الإحصان.
(و وجه العجب) أولا ان الکتاب یشتمل علی فروع کثیرة تخالف مذهب الشیعة الاثنی عشریة و لم یوافقه علیها أحد من علماء الشیعة و قد ذکرنا فی الحاشیة [1] أنموذجا من هذه المخالفات لتکون حجة علی منکرها.
______________________________
[1] منها ما ذکره فی المتعة و انها لیست بمشروعة، منها ما ذکره فی ضمن ما یسجد علیه المصلی قال: و عن جعفر بن محمد «ع» انه رخص فی الصلاة علی ثیاب الصوف و کلما یجوز لباسه و الصلاة فیه یجوز السجود علیه فإذا جاز لباس الثوب الصوف و الصلاة فیه فلذلک مما یسجد علیه و منها ما قال فی الوضوء انه من بدأ بالمیاسیر من أعضاء الوضوء جهلا أو نسیانا و صلی لم تفسد صلاته.
و منها ما فی نواقض الوضوء عن جعفر بن محمد «ع» ان الذی ینقض الوضوء الی أن قال المذی و قال بعد أسطر و رأوا ان کلما خرج من مخرج الغائط و من مخرج البول عما قدمنا ذکره أو من دود أو حبات أو حب القرع ذلک کله حدث یجب منه الوضوء و ینقض الوضوء و منها ما قال فی المسح من بدأ بما أخره اللّه من الأعضاء نسیانا أو جهلا و صلی لم تفسد صلاته. و منها ما قال فی صفات الوضوء ثم أمروا بمسح الرأس مقبلا و مدبرا یبدأ من وسط رأسه فیمر یدیه جمیعا علی ما أقبل من الشعر الی منطقة من الجبهة ثم یمار یدیه من وسط الرأس إلی آخر الشعر من القفا و یمسح من ذلک الأذنین ظاهرهما و باطنهما.
و منها ما قال فی هذا الباب و من غسل رجلیه تنظفا و مبالغة فی الوضوء و لابتغاء الفضل و خلل أصابعه فقد أحسن.
و منها ما قال فی الوضوء التجدیدی ما غسل من أعضاء الوضوء أو ترک لا شی‌ء علیه و قد روینا عن علی بن الحسین «ع» انه سئل عن المسح علی الخفین فسکت حتی مر بموضع فیه ماء و السائل معه فنزل و توضأ و مسح علی الخفین و علی عمامته و قال هذا وضوء من لم یحدث الی غیر ذلک مما یخالف مذهب الشیعة و لیس المقام مناسبا لذکره أجمع و من أراد الاطلاع علیه فلیراجع إلی دعائم الإسلام.
______________________________
(1) ج 3 ص 318.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 21
(و ثانیا) ان نقل روایتین فی الکتاب یظهر منهما جواز المتعة لا یدل علی التزامه بالجواز و نسبة ذلک إلیه محتاجة إلی علم الغیب بأنه کان حین ما نقلهما ملتفتا الی ما یستفاد منهما من مشروعیة المتعة فإن من المحتمل القریب أن یکون نظره فی الروایتین مقصورا علی نفی التحلیل و الإحصان بالمتعة کنفیهما بالشبهة مع عدم التفاته إلی جهة أخری لأنه لیس بمعصوم لا یمکن فی حقه مثل هذا الاحتمال.
(اما) ان المتعة بناء علی عدم جوازها کالزنا فیکون ذکرها فی البابین من قبیل ذکر الزنا و لا معنی له.
(فیدفعه) ان ذکر المتعة یکون من قبیل ذکر الشبهة فی البابین و لا خفاء فیه و لا معنی للتهویل به.

تذییل

لا یخفی علیک انا لو قطعنا النظر عن جمیع ما ذکرناه فی عدم اعتبار الکتاب فالروایة التی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 22
ذکرها المصنف [1] هنا لا یمکن الاستناد إلیها بالخصوص لأن قوله فیها (و ما کان محرما أصله منهی عنه لم یجز بیعه) یقتضی حرمة بیع الأشیاء التی تعلق بها التحریم من جهة ما مع انه لیس بحرام قطعا علی ان الظاهر منه هی الحرمة التکلیفیة مع أنها منتفیة جزما فی کثیر من الموارد التی نهی عن بیعها و شرائها و إنما المراد من الحرمة فی تلک الموارد هی الحرمة الوضعیة لیس إلا فلا تکون الروایة معمولة بها.

[القول فی صحة النبوی المشهور و سقمه]

اشارة

قوله و فی النبوی المشهور
أقول توضیح الکلام فی صحة الحدیث و سقمه یقع فی مقامین الأول فی سنده و الثانی فی دلالته،

أما الأول [فی سنده]

اشارة

فالکلام فیه من جهتین الاولی فی حجیته عند العامة و الثانیة فی حجیته عند الخاصة.

اما الکلام فی الجهة الأولی [حجیته عند العامة]

فإن هذا النبوی لم یذکر فی أصول حدیثهم إلا فی قضیة الشحوم المحرمة علی الیهود التی نقلت بطرق متعددة کلها عن ابن عباس إلا فی روایتین إحداهما عن جابر و الثانیة عن عمر و قد ذکر فی ذیل بعض الروایات [2] التی عن ابن عباس قوله «ص»: (ان اللّه إذا حرم علی قوم أکل شی‌ء حرم علیهم ثمنه) مع اضافة لفظ (أکل) و علی هذا فیکون غیر النبوی المشهور.
(نعم) ورد فی مسند أحمد [3] بإسناده عن ابن عباس فی بعض روایات تلک القضیة (ان اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه) بإسقاط لفظ (أکل) إلا ان أصول حدیثهم کلها مطبقة علی ذکره حتی ابن حنبل نفسه نقل ذلک فی موضع آخر من کتابه عن
______________________________
[1] عن دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه «ع» انه قال: الحلال من البیوع کلما هو حلال من المأکول و المشروب و غیر ذلک مما هو قوام للناس و صلاح و مباح لهم الانتفاع به و ما کان محرما أصله منهی عنه لم یجز بیعه و لا شراؤه. راجع ج 2 المستدرک باب 2 جواز التکسب بالمباحات مما یکتسب به ص 426.
[2] عن ابن عباس قال: رأیت رسول اللّه «ص» جالسا عند الرکن فرفع بصره الی السماء فضحک و قال: لعن اللّه الیهود- ثلاثا- ان اللّه حرم علیهم الشحوم فباعوها و أکلوا أثمانها ان اللّه إذا حرم علی قوم أکل شی‌ء حرم علیهم ثمنه، راجع ج 6 السنن الکبری لأبی بکر أحمد بن الحسین بن علی الشافعی البیهقی ص 13 و ج 1 مسند أحمد ص 247 و ص 293 و ج 2 المستدرک باب 6 جواز بیع الزیت النجس، مما یکتسب به ص 427، و ج 2 سنن أبی داود سلیمان بن الأشعث السجستانی باب فی ثمن الخمر و المیتة ص 103.
[3] عن ابن عباس ان النبی «ص» قال: لعن اللّه الیهود حرم علیهم الشحوم فباعوها فأکلوا أثمانها و ان اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه، راجع ج 1 ص 322.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 23
ابن عباس کما أشرنا إلی مصدره فی الحاشیة، نعم قد أورده الفقهاء من العامة [1] و الخاصة [2] فی کتبهم الاستدلالیة کثیرا مع إسقاط کلمة أکل تأییدا لمرامهم.
و حاصل ما ذکرناه ان اتحاد القضیة فی جمیع روایاتها و إطباق أصول حدیثهم علی ذکر لفظ الأکل و اتصال السند فیما یشتمل علیه و فیما لا یشتمل علیه الی ابن عباس و موافقة أحمد علی ذکر لفظ أکل فی مورد آخر کلها شواهد صدق علی اشتباه أحمد و ان النبوی مشتمل علی کلمة أکل.

(و اما الجهة الثانیة) [حجیته عند الخاصة]

فالنبوی و إن اشتهرت روایته فی ألسنة أصحابنا فی کتبهم قدیما و حدیثا متضمنة لکلمة أکل تارة و بدونها أخری إلا ان کلهم مشترکون فی نقله مرسلا و العذر فیه أنهم أخذوه من کتب العامة لعدم وجوده فی أصولهم.
و حیث أثبتنا فی الجهة الاولی ان الصحیح عندهم هو ما اشتمل علی کلمة أکل کان اللازم علینا ملاحظة ما ثبت عندهم و إذن فلم یبق لنا وثوق بکون النبوی المشهور روایة فکیف بانجبار ضعفه بعمل المشهور.

(و اما المقام الثانی) [فی دلالته]

فبعد ما عرفت ان الثابت عند العامة و الخاصة اشتمال الروایة علی کلمة أکل کان عمومه متروکا عند الفریقین فان کثیرا من الأمور یحرم أکله و لا یحرم بیعه و من هنا قال فی جوهر النقی حاشیة البیهقی فی ذیل الحدیث المشتمل علی کلمة «أکل»: قلت عموم هذا الحدیث متروک اتفاقا بجواز بیع الآدمی و الحمار و السنور و نحوها.
______________________________
[1] راجع حیاة الحیوان للدمیری مادة الحمام ذیل الحکم قال: و اما بیع ذرق الحمام و سرجین البهائم المأکولة و غیرها فباطل و ثمنه حرام هذا مذهبنا الی ان قال و احتج أصحابنا بحدث ابن عباس ان اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه و هو حدیث صحیح رواه أبو داود بإسناد صحیح و هو عام إلا ما خرج بدلیل کالحمار، أقول المذکور فی ج 2 سنن أبی داود السجستانی ص 103 مشتمل علی کلمة أکل فلاحظ، و ج 5 شرح فتح القدیر ص 187 استدل به علی حرمة بیع الخمر، و غیرهما من کتبهم الاستدلالیة.
[2] راجع ج 23 البحار ص 17 نسبه الی خط الشیخ محمد بن علی الجبعی، و ج 1 الخلاف للشیخ الطوسی بیع السرجین ص 225 استدل به علی حرمة بیع السرجین النجس، و ج 2 الخلاف الأطعمة ص 212 استدل به علی حرمة بیع الدهن المتنجس و ج 2 المستند ص 331 استدل به علی حرمة بیع الخمر، و الغنیة أول البیع، و غیرها من الکتب من غیر أصول الحدیث ثم ان هذه الروایات کلها ضعیفة السند اما ما فی کتب العامة فواضح، و اما ما فی کتب الخاصة فللارسال.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 24
(تبیین) لو فرضنا ثبوت النبوی علی النحو المعروف لم یجز العمل به أیضا للإرسال و عدم انجباره بالشهرة و غیرها و ذلک لأن تحریم الشی‌ء الذی یستلزم تحریم ثمنه اما أن یراد به تحریم جمیع منافع ذلک الشی‌ء و اما تحریم منافعه الظاهرة و اما تحریم منافعه النادرة و لو من بعض الجهات فعلی الاحتمالین الأولین فالمعنی و إن کان وجیها و موافقها لمذهب الشیعة لقولهم بأن ما یحرم جمیع منافعه أو منافعه الظاهرة یحرم بیعه إلا ان إثبات اعتمادهم فی فتیاهم بذلک علی النبوی مشکل و ذلک للوثوق بأن مستندهم فی تلک الفتیا لیس هو النبوی بل هو ما سیأتی فی البیع من اعتبار المالیة فی العوضین لأن مالیة الأشیاء إنما هی باعتبار المنافع الموجودة فیها الموجبة لرغبة العقلاء و تنافسهم فیها فما یکون عدیما لجمیع المنافع أو للمنافع الظاهرة لا تکون له مالیة و إذن فلیست هنا شهرة فتوائیة مستندة الی النبوی لتوجب انجباره لأنه بناء علی انجبار ضعف الخبر بعمل الأصحاب إنما یکون فیما انحصر الدلیل لفتیاهم بذلک الخبر الضعیف و لم یکن فی البین ما یصلح لاستنادهم الیه.
(و اما علی الثالث) فالحرمة لا توجب فساد البیع عند المشهور لیحتمل انجبار النبوی بفتیاهم «فتحمل» انه لا یکون شی‌ء من الروایات العامة التی ذکرها المصنف دلیلا فی المسائل الآتیة بل لا بد فی کل مسألة من ملاحظة مدارکها فان کان فیها ما یدل علی المنع أخذ به و إلا فالعمومات الدالة علی صحة العقود کقوله تعالی أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ و أَوْفُوا بِالْعُقُودِ و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ محکمة کما تقدمت الإشارة الی ذلک فی أول الکتاب.

بطلان المعاملة علی الأعمال المحرمة

«تمهید» لا یخفی علیک ان محل کلامنا فی المسائل الآتیة انما هو فی الأعیان المحرمة من الخمر و الخنزیر و المیتة و نحوها.
و اما الأعمال المحرمة کالزنا و النمیمة و الکذب و الغیبة فیکفی فی فساد المعاملة علیها الأدلة الدالة علی تحریمها لان مقتضی وجوب الوفاء بالعقود هو وجوب الوفاء بالعقد الواقع علی الأعمال المحرمة و مقتضی أدلة تحریم تلک الاعمال هو وجوب صرف النفس عنها و إیقاف الحرکة نحوها فاجتماعهما فی مراحلة الامتثال من المستحیلات العقلیة و علی أقل التقادیر فإن أدلة صحة العقود و وجوب الوفاء بها مختصة بحکم العرف بما إذا کان العمل سائغا فی نفسه فلا وجه لرفع الید بها عن دلیل حرمة العمل فی نفسه.
و بما ذکرنا یظهر ان الوجه فی فساد المعاملة علی الأعمال المحرمة هو استحالة الجمع بین وجوب الوفاء بهذه المعاملة و بین حرمة هذه الأعمال أو الحکومة العرفیة المذکورة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 25
و ربما یظهر من کلام شیخنا الأستاذ «1» فی حکم الأجرة علی الواجبات ان الوجه فی ذلک هو عدم کون الأعمال المحرمة من الأموال أو عدم إمکان تسلیمها شرعا حیث قال الأول ان یکون العمل الذی یأخذ الأجیر أو العامل بإزائه الأجرة و الجعل ملکا له بأن لا یکون مسلوب الاختیار بإیجاب أو تحریم شرعی علیه، و بملاحظة ما تقدم یظهر لک ما فیه فإنک قد عرفت ان صحة المعاملة علیها و وجوب الوفاء بها لا یجتمعان مع الحرمة النفسیة سواء اعتبرنا المالیة أو القدرة علی التسلیم فی صحة العقد أم لم نعتبر شیئا من ذلک.

تقسیم المکاسب إلی الثلاثة أو الخمسة

قوله قد جرت عادة غیر واحد علی تقسیم المکاسب
أقول المکاسب جمع مکسب و هو مفعل من الکسب اما مصدر میمی بمعنی الکسب أو التکسب أو اسم مکان من الکسب
قوله مما ندب الیه الشرع
أقول أی أمر به بالأمر الاستحبابی و قد أشار بذلک الی الأخبار الواردة فی استحباب الرعی [1] و الزرع [2].
قوله فتأمل
أقول لعله إشارة الی ان وجوب الصناعات لیس بعنوان التکسب بل
______________________________
[1] عن العیون. محمد بن عطیة قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» یقول: ان اللّه عز و جل أحب لأنبیائه من الاعمال الحرث و الرعی لئلا یکرهوا شیئا من قطر السماء. راجع ج 5 البحار ص 18 و ج 23 باب 10 استحباب الزرع ص 19. عن العیون. عقبة عن أبی عبد اللّه «ع» قال: ما بعث اللّه نبیا قط حتی یسترعیه الغنم و یعلمه بذلک رعیة الناس. راجع ج 5 البحار ص 18. و فی الحدیث انه (ص) قال: ما من نبی إلا و قد رعی الغنم قیل و أنت یا رسول اللّه؟ قال: و أنا. راجع ج 14 البحار ص 683.
[2] کا. محمد بن عطیة قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» یقول: ان اللّه عز و جل اختار لأنبیائه الحرث و الزرع کیلا یکرهوا شیئا من قطر السماء. مرسلة. کما و یب. سهل بن زیاد رفعه قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: ان اللّه جعل أرزاق أنبیائه فی الزرع و الضرع لئلا یکرهوا شیئا من قطر السماء. ضعیفة لسهل و مرفوعة.
کما. سیابة عن أبی عبد اللّه «ع» قال سأله رجل فقال له جعلت فداک اسمع قوما یقولون ان الزراعة مکروهة فقال له ازرعوا و اغرسوا فلا و اللّه ما عمل الناس عملا أحب و لا أطیب منه و اللّه لیزرعن الزرع و لیغرسن النخل بعد خروج الدجال. مجهولة لسیابة.
کما. یزید بن هارون الواسطی قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» یقول: الزارعون کنوز الأنام یزرعون طیبا أخرجه اللّه عز و جل و هم یوم القیامة أحسن الناس مقاما و أقربهم منزلة یدعون المبارکین. مجهولة لیزید بن هارون. راجع ج 1 کا باب 125 فضل الزراعة ص 403 و ج 2 ئل باب 3 استحباب الزرع. من المساقاة. و ج 10 الوافی باب 23 فضل الزراعة ص 22 و ج 2 التهذیب آخر التجارة ص 182.
یب. یزید بن هارون الواسطی قال: سألت جعفر بن محمد «ع» عن الفلاحین فقال:
هم الزارعون کنوز اللّه فی أرضه و ما فی الأعمال شی‌ء أحب الی اللّه من الزراعة و ما بعث اللّه نبیا إلا زراعا إلا إدریس «ع» فإنه کان خیاطا. مجهولة لیزید بن هارون. راجع ج 2 ئل باب 10 استحباب الغرس و الزرع. من مقدمات التجارة. و الباب 23 المتقدم من الوافی ثم ان الاخبار فی فضل الزرع و الغرس کثیرة من الخاصة کالروایات المذکورة و غیرها فی الأبواب المزبورة و غیرها، و من العامة و قد أخرجها البیهقی فی ج 6 من السنن الکبری ص 137، و البخاری فی ج 3 من صحیحة باب فضل الزرع ص 135.
______________________________
(1) ج 1 منیة الطالب ص 15.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 26
لکون ترکها یؤدی الی اختلال النظام کما سنبینه.
«أقول» ملخص کلامه ان الفقهاء رضوان اللّه علیهم کالمحقق فی الشرائع و غیره فی کتبهم قسموا المکاسب الی محرم کبیع الخمر و مکروه کبیع الأکفان و مباح کبیع الأشیاء المباحة و أهملوا ذکر الواجب و المستحب بناء علی عدم وجودهما فی المعاملات مع انه یمکن التمثیل للمستحب بمثل الزرع و الرعی و للواجب بالصناعات الواجبة کفایة إذا وجد أکثر من واحد ممن یقوم بها أو عینا إذا لم یوجد غیر واحد.
(و فیه) ان الأمثلة المذکورة لا تدل علی شی‌ء من مراده، إما الزراعة فاستحبابها إنما هو من جهة إیکال الأمر الی اللّه و انتظار الفرج منه کما فی روایة العیاشی [1].
و اما الرعایة فاستحبابها لما فیها من استکمال النفس و تحصیل الأخلاق الحسنة و تمرین الطبع علی ادارة شؤن الرعیة و ازالة الأوصاف الرذیلة من السبعیة و البهیمیة فان من مصرف برهة من الزمان فی تربیة الحیوان صار قابلا لإدارة الإنسان و من هنا کان الأنبیاء قبل بعثتهم رعاة للاغنام کما فی روایة عقبة المتقدمة (ما بعث اللّه نبیا قط حتی یسترعیه الغنم و یعلمه بذلک رعیة الناس) و فی النبوی المتقدم (ما من نبی إلا و قد رعی الغنم قیل و أنت یا رسول اللّه قال و أنا) و علی کل حال فالزراعة و الرعی مستحبان فی أنفسهما بما انهما فعلان صادران من
______________________________
[1] عن الحسین بن ظریف عن محمد عن أبی عبد اللّه «ع» فی قول اللّه و علی اللّه فلیتوکل المتوکلون قال الزارعون، مهملة لحسین بن ظریف، راجع ج 2 ئل باب 10 استحباب الزرع، من مقدمات التجارة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 27
المکلف لا بعنوان التکسب بهما کما هو محل الکلام فلا یصلحان مثلا لما نحن فیه.
(و اما) الصناعات بجمیع أقسامها فهی من الأمور المباحة و لا تتصف بحسب أنفسها بالاستحباب فضلا عن الوجوب فلا یکون التکسب بها إلا مباحا، نعم إنما یطرء علیها الوجوب إذا کان ترکها یوجب إخلالا بالنظام و حینئذ یکون التصدی لها واجبا کفائیا أو عینیا و هذا غیر کونها واجبة بعنوان التکسب.
(ازالة شبهة) قد یقال ان وجوب الصناعات من جهة أداء ترکها ان اختلال النظام یقتضی أن یکون التکسب بها مجانیا و لکن هذا یفضی الی الإخلال بالنظام أیضا و مقتضی الجمع بین الأمرین أن یلتزم بوجوبها مع الأجرة و علی ذلک فتکون مثالا لما نحن فیه.
(و لکن یرد علیه) أولا ان هذا لیس إلا التزاما بوجوبها لأجل حفظ النظام و علیه فلا یکون التکسب بعنوانه واجبا.
(و ثانیا) ان الواجب من الصناعات إنما هو الطبیعة المطلقة العاریة عن لحاظ المجانیة و غیرها و ما یخل بالنظام إنما هو إیجاب العمل مجانا لا ما هو الجامع بینه و بین غیره و لا ملازمة بین عدم وجوب الصناعات مجانا و بین وجوب الجامع غیر المقید بحصة خاصة من الطبیعة و من هنا نقول یجب الاقدام علیها عینا أو کفایة من حیث هی صناعة یختل بترکها النظام سواء کانت علیها أجرة أم لا.
(و التحقیق) ان التقسیم ان کان باعتبار نفس التکسب فلا محیص عن تثلیث الأقسام کما تقدم و إن کان بلحاظ فعل المکلف و العناوین الثانویة الطاریة علیه فلا مانع من التخمیس و لا یخفی علیک انه إذا کان التقسیم بحسب فعل المکلف لا یختص المثال بالصناعات بل یصح التمثیل بما وجب بالنذر أو الیمین أو العهد و بالکسب لقضاء الدین أو الإنفاق علی العیال و نحو ذلک.
(لا یقال) إذا ملک الکافر عبدا مسلما وجب بیعه علیه و یکون بیعه هذا من قبیل الاکتساب بالواجب.
(فإنه یقال) الواجب هنا فی الحقیقة هو إزالة ملکیة الکافر للمسلم و بیع العبد المسلم إنما وجب لذلک و یدلنا علی ذلک انه لو زال ملکه بغیر البیع کالعتق و الهبة أو بالقهر کموت الکافر لا یجب البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 28

معنی حرمة الاکتساب تکلیفا

اشارة

قوله: و معنی حرمة الاکتساب.
أقول الحرمة المتعلقة بالمعاملة اما أن تکون وضعیة و اما أن تکون تکلیفیة و بینهما عموم من وجه، فالبیع وقت الندی لصلاة الجمعة حرام تکلیفا و البیع الغرری حرام وضعا و بیع الخمر حرام وضعا و تکلیفا و کلام المصنف هنا مسوق لبیان خصوص الحرمة التکلیفیة فی البیع.
(إذا عرفت هذا)

فاعلم ان حرمة البیع تکلیفا تتصور علی وجوه.

الأول ما أفاده المحقق الایروانی فی حاشیته

و هو ان معنی حرمة الاکتساب هو إنشاء النقل و الانتقال بقصد ترتب أثر المعاملة أعنی التسلیم و التسلیم للمبیع و الثمن فلو خلا عن هذا القصد لم یتصف الإنشاء الساذج بالحرمة.
(و فیه) ان تقیید موضوع الحرمة بالتسلیم و التسلم إنما یتم فی الجملة لا فی جمیع البیوع المحرمة، و تحقیقه ان النواهی المتعلقة بالمعاملات علی ثلاثة أقسام: الأول أن یکون النهی عنها بلحاظ انطباق عنوان محرم علیها کالنهی عن بیع السلاح لأعداء الدین عند حربهم مع المسلمین فإن النهی عنه إنما هو لانطباق عنوان تقویة الکفر علیه و یدل علی ذلک جواز بیع السلاح علیهم إذا لم یفض ذلک الی تقویتهم علی المسلمین و لهذا حرم نقل السلاح إلیهم بغیر البیع أیضا کإجارته علیهم و هبته لهم و إعارته إیاهم إذا لزم منه المحذور المذکور.
و من هنا یتضح ان بین عنوان بیع السلاح منهم و بین عنوان تقویة الکفر و إعانته عموما من وجه إذ قد یباع السلاح علیهم و لا یلزم منه تقویتهم کبیعه منهم حال الصلح مثلا أو حال حربهم مع الکفار الآخرین أو مع المسلمین و لکن بشرط تأخیر التسلیم الی ما بعد الحرب أو بدون الشرط المذکور و لکن یؤخذ التسلیم قهرا علیهم فان هذه الموارد لا یلزم من البیع فیها اعانة کفر علی إسلام، و قد تحصل تقویة الکفر علی الإسلام بغیر البیع کالإجارة السلاح علیهم أو هبته منهم، و قد یجتمعان و إذن فتعلق النهی بتقویة الکفر علی الإسلام لا یستلزم حرمة بیع السلاح لأعداء الدین إلا فی مادة الاجتماع، نعم لو کان بین العنوانین تلازم خارجا لتوجه الالتزام بحرمة بیع السلاح منهم مطلقا و لکنک عرفت ان الأمر علی خلافه.
(و الثانی) أن یتوجه النهی إلی المعاملة من جهة تعلقها بشی‌ء مبغوض کالنهی عن بیع الخمر و الخنزیر و الصلیب و الصنم و آلات القمار و غیرها من الآلات المحرمة فإن النهی عن بیع تلک الأمور إنما هو لمبغوضیتها لا بلحاظ عنوان طارئ علی المعاملة کما فی القسم الأول.
(و الثالث) أن یکون النهی عن المعاملة باعتبار ذاتها کالنهی عن البیع وقت النداء
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 29
لصلاة الجمعة و النهی عن بیع المصحف و المسلم من الکافر بناء علی حرمة بیعهما منه فإن النهی عن البیع فی هذا القسم لیس بلحاظ العناوین الطاریة علیه و لا بلحاظ مبغوضیة متعلقة بل لأجل مبغوضیة نفسه.
إذا عرفت ما تلونا علیک ظهر لک ان تقیید موضوع حرمة البیع بالتسلیم و التسلم المستلزم لتقید أدلة تحریمه إنما یتم فی القسم الأول فقط دون الثانی و الثالث فلا بد فیهما من الأخذ بإطلاق أدلة التحریم لعدم ثبوت ما یصلح لتقییدها، نعم لو کان دلیلنا علی التحریم هو عموم ما دل علی حرمة الإعانة علی الإثم أو الملازمة بین حرمة الشی‌ء و حرمة مقدمته لجاز تقیید موضوع حرمة البیع بالتسلیم و التسلم فإن الإعانة علی الإثم و المقدمیة إلی الحرام لا یتحققان إلا بالتسلیم و التسلم.

(الوجه الثانی) أن یراد من حرمة البیع حرمة إیجاده بقصد ترتب إمضاء العرف و الشرع علیه

بحیث لا یکفی مجرد صدوره من البائع خالیا عن ذلک القصد.
(و فیه) انه لا وجه لتقیید موضوع حرمة البیع بذلک أیضا لما مر من إطلاق أدلة تحریم البیع مع عدم وجود ما یصلح لتقییدها و من هنا لو باع أحد شیئا من الأعیان المحرمة کالخمر مثلا مع علمه بکونه منهیا عنه فقد ارتکب فعلا محرما و إن کان غافلا عن قصد ترتب إمضاء الشرع و العرف علیه فإنه لا دلیل علی دخالة قصد امضائهما فی حرمة بیع الخمر.

(الوجه الثالث) ما أفاده العلامة الأنصاری

و حاصل کلامه ان المراد من حرمة البیع حرمة النقل و الانتقال مقیدة بقصد ترتب الأثر المحرم علیه کبیع الخمر للشرب و آلات القمار للعب و الصلیب و الصنم للتعبد بهما.
(و فیه) ان تقیید ما دل علی تحریم البیع بالقصد المذکور تقیید بلا موجب له إذا البیع کغیره من الأفعال إذا حکم الشارع بحرمته وجب التمسک بإطلاق دلیله حتی یثبت له المقید، نعم لو کان الدلیل علی حرمة البیع هو ما تقدمت الإشارة إلیه من الملازمة بین حرمة الشی‌ء و حرمة مقدمته أو عموم ما دل علی تحریم الإعانة علی الإثم لتم ما ذکره فی الجملة لکن الکلام أعم من ذلک.
(و اما) ما فی المتن من دعوی انصراف الأدلة إلی صورة قصد ترتب الآثار المحرمة فهی دعوی جزافیة، و نظیرها أن یدعی انصراف أدلة تحریم الزنا مثلا الی ذات البعل و الالتزام بمثل هذه الانصرافات یستدعی تأسیس فقه جدید، نعم لدخالة قصد ترتب الأثر المحرم أو المحلل فی حرمة البیع و حلیته فی مثل بیع الصلیب و الصنم وجه کما سیأتی فی النوع الثانی مما یحرم التکسب به.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 30
(لا یقال) انه لا مناص عن تقیید حرمة البیع بقصد ترتب الأثر المحرم علیه فان من الجائز قطعا إعطاء الدرهم للخمار و أخذ خمره للاهراق مثلا.
(فإنه یقال) ان ذلک و إن کان جائزا إلا انه لا یرتبط بأصل المعاملة بل هو من أنحاء النهی عن المنکر و قطع مادة الفساد.
و الذی یقتضیه النظر الدقیق ان ما یکون موضوعا لحلیة البیع بعینه یکون موضوعا لحرمته، بیان ذلک ان البیع لیس عبارة عن الإنشاء الساذج سواء کان الإنشاء بمعنی إیجاد المعنی باللفظ کما هو المعروف بین الأصولیین أم کان بمعنی إظهار ما فی النفس من الاعتبار کما هو المختار عندنا و إلا لزم تحقق البیع بلفظ بعت خالیا عن القصد، و لا ان البیع عبارة عن مجرد الاعتبار النفسانی من دون أن یکون له مظهر و إلا لزم صدق البائع علی من اعتبر ملکیة ماله لشخص آخر فی مقابل الثمن و ان لم یظهرها بمظهر کما یلزم حصول ملکیة ذلک المال للمشتری بذاک الاعتبار الساذج الحالی من المبرز، بل حقیقة البیع عبارة عن المجموع المرکب من ذلک الاعتبار النفسانی مع إظهاره بمبرز خارجی سواء تعلق به الإمضاء من الشرع و العرف أم لم یتعلق بل سواء کان فی العالم شرع و عرف أم لم یکن، و إذن فذلک المعنی هو الذی یکون موضوعا لحرمة البیع و هو الذی یکون موضوعا لحلیته و هکذا الکلام فی سائر المعاملات کما حققناه فی الأصول و سیأتی التعرض له فی أول البیع ان شاء اللّه.
قوله: فهو متفرع علی فساد البیع.
أقول بعد أن أثبتنا ان موضوع الحلیة و الحرمة فی المعاملات شی‌ء واحد و ان ترتب الأثر علی المعاملة من النقل و الانتقال أو غیر ذلک خارج عن حقیقتها، و بعد أن أوضحنا عند التکلم فی الروایات العامة المتقدمة ان الحرمة التکلیفیة لا تستلزم الحرمة الوضعیة ظهر لک بطلان ما ذهب الیه المشهور من ان حرمة المعاملة تستلزم فسادها، کما ظهر بطلان ما نسب الی أبی حنیفة من ان حرمة المعاملة تستلزم صحتها، و انه لا بد فی إثبات صحتها و فسادها من التماس دلیل آخر غیر ما دل علی الحرمة التکلیفیة و قد أوضحناه فی الأصول، و تترتب علی ذلک ثمرات مهمة فی المباحث الآتیة.
قوله: اما لو قصد الأثر المحلل.
أقول قد بینا ان البیع المحرم لا یخرج بقصد الأثر المحلل عن الحرمة المتعلقة به بعنوان البیع، و ان قصد الأثر المحرم لا یکون مأخوذا فی موضوع تحریم البیع فلا مجال لدعوی انه لو قصد الأثر المحلل فلا دلیل علی تحریم المعاملة، نعم لو قصد حلیته شرعا مع کونه محرما لتوجه علیه التحریم من جهة التشریع أیضا کما ان الأمر کذلک فی سائر المحرمات المعلومة إذا أتی بها بعنوان الإباحة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 31

معنی حرمة الاکتساب وضعا

لا یخفی علیک ان معنی الحرمة الوضعیة فی العقود عبارة عن فساد المعاملة و بطلانها بحیث لا یترتب علیها أثر من الآثار، و ان الفاسد و الباطل عندنا و عند غیر الحنفیة بمعنی واحد و هو ما اختل فی تلک المعاملة شی‌ء من الشروط التی اعتبرها الشارع رکنا لها بحیث یلزم من انتفائها انتفاء المشروط فی نظر الشارع.
و اما عند الحنفیة «1» فان الباطل و الفاسد فی البیع مختلفان فلکل واحد منهما معنی یغایر معنی الآخر، فالباطل هو ما اختل رکنه أو محله و رکن العقد هو الإیجاب و القبول کما تقدم، فإذا اختل ذلک الرکن کأن صدر من مجنون أو صبی لا یعقل کان البیع باطلا غیر منعقد، و کذلک إذا اختل المحل و هو المبیع کأن کان میتة أو دما أو خنزیرا فان البیع یکون باطلا.
و اما الفاسد فهو ما اختل فیه غیر الرکن و المحل کما إذا وقع خلل فی الثمن بأن کان خمرا، فإذا اشتری سلعة یصح بیعها و جعل ثمنها خمرا انعقد البیع فاسدا ینفذ بقبض المبیع، و لکن علی المشتری أن یدفع قیمته غیر الخمر، و کذلک إذا وقع الخلل فیه من جهة کونه غیر مقدور التسلیم کما إذا باع شیئا مغصوبا منه لا یقدر علی تسلیمه، أو وقع الخلل فیه من جهة اشتراط شرط لا یقتضیه العقد کما سیأتی، فإن البیع فی کل هذه الأحوال یکون فاسدا لا باطلا، و یعبرون عن الباطل بما لم یکن مشروعا بأصله و وصفه، و یریدون بأصله رکنه و محله کما عرفت، و یریدون بوصفه ما کان خارجا عن الرکن و المحل، و حکم البیع الفاسد انه یفید الملک بالقبض بخلاف البیع الباطل فإنه لا یفید الملک أصلا.
و قال ابن الهمام الحنفی فی شرح فتح القدیر «2»: و أیضا فإنه مأخوذ فی مفهومه- الفاسد- أو لازم له انه مشروع بأصله لا وصفه، و فی الباطل غیر مشروع بأصله فبینهما تباین فان المشروع بأصله و غیر المشروع بأصله متباینان فکیف یتصادقان. إلا ان أمثال تلک الأقاویل لا تبتنی علی أساس صحیح من العقل و الشرع و العرف و اللغة.
______________________________
(1) راجع ج 2 الفقه علی المذاهب الأربعة ص 224.
(2) راجع ج 5 ص 185.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 32

[الاکتساب المحرم أنواع]

[النوع الأول الاکتساب بالأعیان النجسة]

جواز المعاوضة علی أبوال ما لا یؤکل لحمه

اشارة

قوله: و یحرم المعاوضة علی أبوال [1] ما لا یؤکل لحمه.
أقول فی کلام العلامة الأنصاری هنا و فی المسائل الآتیة خلط بین الحرمة التکلیفیة و الحرمة الوضعیة فقد جعل هنا کلا من النجاسة و الحرمة و عدم جواز الانتفاع بها دلیلا علیهما مع ان الأولین دلیلان علی الحرمة التکلیفیة و الثالث دلیل علی الحرمة الوضعیة.
قوله: فیما عدا بعض أفراده کبول الإبل الجلالة.
أقول قال المحقق الایروانی:
لعل هذا استثناء من صدر الکلام أعنی قوله یحرم المعاوضة علی بول غیر مأکول اللحم بتوهم شمول الإجماع المنقول علی جواز بیع بول الإبل له.
(و فیه) أولا ان المصنف لم یستثن بول الإبل الجلالة فیما یأتی من أبوال مالا یؤکل لحمه لا فی حرمة شربه و لا فی نجاسته، و ثانیا ان الفارق بین بول الإبل الجلالة و بین أبوال ما لا یؤکل لحمه لیس إلا کون الأول نجسا بالعرض و کون الثانیة نجسة بالذات و مجرد هذا لا یکون فارقا بینهما حتی یصح الاستثناء، و الظاهر انه استثناء من قوله (و عدم الانتفاع به) أی لیس لأبوال ما لا یؤکل لحمه نفع ظاهر إلا بول الإبل الجلالة فإنه کبول الإبل غیر الجلالة لها منفعة ظاهرة.

تنقیح و تهذیب

قد انتقت کلمات الأصحاب علی حرمة بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه بل فی بعضها دعوی الإجماع بقسمیه علی ذلک، و فی المراسم «1» حکم بحرمة بیع الأبوال مطلقا إلا بول الإبل، و فی الغنیة «2» منع عن بیع کل نجس لا یمکن تطهیره، و فی نهایة الشیخ «3» و جمیع النجاسات محرم التصرف فیها و التکسب بها علی اختلاف أجناسها من سائر أنواع العذرة و الأبوال
______________________________
[1] و فی ج 7 تاج العروس مادة بول ص 237: البول معروف ج أبوال و قد بال یبول و الاسم البیلة بالکسر کالرکبة و الجلسة، و من المجاز الولد، قال المفضل: بال الرجل یبول بولا شریفا فاخرا إذا ولد له ولد یشبهه فی شکله و صورته و آسانه و آساله و أعسانه و أعساله و تجالیده، و البولة بهاء بنت الرجل و البوال کغراب داء یکثر منه البول یقال أخذه بوال إذا جعل البول یعتریه کثیرا و البولة کهمزة الکثیرة یقال رجل بولة.
______________________________
(1) أول المکاسب.
(2) أوائل البیع.
(3) باب المکاسب المحظورة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 33
و غیرهما، و فی المبسوط «1»: فاما نجس العین فلا یجوز بیعه کالبول، و فی التذکرة «2»:
الإجماع علی عدم صحة بیع نجس العین مطلقا، و فی المستند «3»: تحریم بیع الأبوال مما لا یؤکل لحمه شرعا موضع وفاق، و فی الجواهر «4»: ادعی قیام الإجماع المحصل علی الحرمة و ان نقل الإجماع بین الأصحاب مستفیض علیها، و علی هذا الضوء المذاهب الأربعة، و فی الفقه علی المذاهب الأربعة «5»: و من البیوع الباطلة بیع النجس، و فی شرح فتح القدیر «6» إذا کان أحد العوضین أو کلاهما محرما فالبیع فاسد.
ثم انه قد استدل المصنف علی حرمة بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه وضعا و تکلیفا بالإجماع و الحرمة و النجاسة و عدم جواز الانتفاع بها، و جمیعا لا یصلح لإثبات الحرمة التکلیفیة و لا الوضعیة.
أما الجماع و ان نقله غیر واحد و من أعاظم الأصحاب إلا أن إثبات الإجماع التعبدی هنا مشکل جدا للاطمئنان بل العلم بأن مستند المجمعین إنما هو الروایات العامة المتقدمة، و الروایات الخاصة المذکورة فی بیع الأعیان النجسة، و الحکم بحرمة الانتفاع بها، مضافا الی ان المحصل منه غیر حاصل و المنقول منه غیر حجة.
أما الحرمة فإن أراد منها حرمة الأکل و الشرب فالکبری ممنوعة لعدم الدلیل علی ان کلما یحرم أکله أو شربه یحرم بیعه، و لو فرضنا وجود دلیل علی ذلک فلا بد من تخصیص أکثر أفراده فإن کثیرا من الأشیاء یحرم أکلها و یجوز بیعها و ذلک مستهجن یوجب سقوط الدلیل عن الحجیة، و ان أراد منها حرمة الانتفاع بها بجمیع منافعها أو بالمنافع الظاهرة فهو و ان استلزم حرمة البیع کما تقدم فی النبوی المشهور و لکن الصغری ممنوعة لعدم الدلیل علی تحریم جمیع المنافع أو المنافع الظاهرة لتلک الأبوال و سیأتی تفصیلها.
و اما النجاسة فإن روایة تحف العقول و ان دلت علی حرمة بیع النجس لقوله «ع» فیها (أو شی‌ء من وجوه النجس فهذا کله حرام محرم لأن ذلک کله منهی عن اکله و شربه و لبسه و ملکه و إمساکه و التقلب فیه فجمیع تقلبه فی ذلک حرام) إلا ان ذلک فیما تکون منافعه کلها محرمة کما هو مقتضی التعلیل المذکور فیها، و اما إذا کان للنجس منفعة محللة فلا دلیل علی حرمة بیعه و أبوال ما لا یؤکل لحمه مما له منفعة محللة و مقتضی ذلک جواز بیعها، اللهم إلا ان یقال ان کل نجس یحرم الانتفاع به بجمیع منافعه فإذا کان کذلک حرم بیعه
______________________________
(1) فصل فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
(2) ج 1 شرائط العوضین.
(3) ج 2 ص 334.
(4) ج متاجر أوائل المکاسب المحرمة.
(5) ج 2 ص 231
(6) ج 5 ص 186.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 34
و شرائه و لکنه دعوی بلا دلیل، هذا مضافا الی ضعف سندها و عدم انجبارها بعمل الأصحاب کما عرفت.
علی انه لو سلمنا دلالة الحرمة و النجاسة علی حرمة البیع لدلتا علی الحرمة التکلیفیة دون الوضعیة کما تقدم فی أول المسألة.
و مما ذکرنا ظهر أن المشهور لم یستندوا فی فتیاهم بحرمة بیع النجس إلی روایة تحف العقول، و لا الی غیرها من الروایات العامة المتقدمة کروایة فقه الرضا «ع» الدالة علی أن کلما یکون محرما من جهة یحرم بیعه، و لو کان مستندهم ذلک لم یکن الحکم بحرمة البیع مختصا بالنجس بل کان یعم سائر المحرمات و لو کانت من الأعیان الطاهرة کأبوال ما لا یؤکل لحمه بناء علی حرمة شربها.
و أما عدم جواز الانتفاع بها فربما قیل بأنه یستلزم فساد البیع و إن لم یقم دلیل علی حرمة ذلک البیع تکلیفا لأن حرمة الانتفاع بها یستلزم نفی مالیتها التی لا بد منها فی تحقق البیع و فیه أولا انه لا دلیل علی اعتبار المالیة فی البیع و إنما المناط صدق عنوان المعاوضة علیه و أما ما عن المصباح من أنه مبادلة مال بمال فلا یکون دلیلا علی ذلک لعدم حجیة قوله.
و ثانیا إذا سلمنا اعتبار المالیة فی البیع فلا نسلم أن أبوال ما لا یؤکل لحمه لیست بمال فی جمیع الأزمنة و الأمکنة کیف و أن الانتفاع بها باستخراج الأدویة أو الغازات أو استعمالها فی العمارة عند قلة الماء ممکن جدا فتکون مالا باعتبار تلک المنافع الظاهرة، و مثلها أکثر المباحات التی تختلف مالیتها بحسب الأزمنة و الأمکنة کالماء و الحطب و نحوهما، و من هنا یعلم أن الشرب لیس من منافعها حتی یلزم من حرمته سقوط مالیتها، اللهم إلا أن یقال ان الشارع قد ألغی مالیتها بتحریم جمیع منافعها، و لکنه أول الکلام.
و ثالثا إذا سلمنا اعتبار المالیة فی البیع فیکفی أن یکون المبیع مالا بنظر المتبایعین إذا کان عقلائیا و لا یجب کونه مالا فی نظر العقلاء أجمع.
و رابعا لو سلمنا عدم کون الأبوال المذکورة مالا حتی فی نظر المتبایعین فإن غایة ما یلزم کون المعاملة علیها سفهیة و لا دلیل علی بطلانها بعد شمول أدلة صحة البیع لها، و الفاسد شرعا إنما هو معاملة السفیه لا المعاملة السفهائیة، و الدلیل علی الفساد فیها أن السفیه محجور شرعا عن المعاملات، هذا کله مضافا الی صحة المعاملة علیها بمقتضی آیة التجارة و إن لم یصدق علیها البیع، و قد اتضح مما قدمناه جواز بیع أبوال ما لا یؤکل لحمه وضعا و تکلیفا کما اتضح جواز بیع أبوال ما یؤکل لحمه مطلقا بل الجواز هنا بالأولویة إبلا کان أو غیرها جلالا کان أو غیره قلنا بجواز شربه اختیارا أو لم نقل لأن جواز الشرب لا یعد من منافع
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 35
البول لیکون مالا باعتباره و یدور الحکم بجواز البیع مداره.

وهم و دفع

قد استدل المحقق الایروانی «ره» علی فساد المعاملة علیها بقوله تعالی «1»: «یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لٰا تَأْکُلُوا أَمْوٰالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَکُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْکُمْ» علی أن یراد من الباطل ما یعم الباطل العرفی و الشرعی، و مراد المستدل أن أخذ المال عوضا عن أبوال مالا یؤکل لحمه أکل للمال بالباطل.
(و فیه) أن دخول باء السببیة علی الباطل و مقابلته فی الآیة للتجارة عن تراض- و لا ریب ان المراد بالتجارة هی الأسباب- قرینتان علی کون الآیة ناظرة إلی فصل الأسباب الصحیحة لا معاملة عن الأسباب الباطلة کما نبه علیه المستدل فی أول البیع و غیره، و علی ذلک فیکون الغرض من الباطل الأسباب الباطلة فلا یکون لها تعلق بما لا مالیة له من العوضین کما یرومه المستدل، کما أن المراد من الأکل فیها لیس هو الازدراد علی ما هو معناه الحقیقی بل هو کنایة عن تملک مال الغیر من غیر استحقاق و إن کان ذلک المال من غیر المأکولات کالدار و نحوها، و قد تعارف استعماله بذلک فی القرآن و فی کلمات الفصحاء بل و فی غیر العربیة أیضا.
و علی هذا فان کان الاستثناء متصلا کما هو الظاهر و الموافق للقواعد العربیة، فیکون مفاد الآیة نفی تملک أموال الغیر بالأسباب الباطلة من القمار و الغصب و الغزو و بیع المنابذة و الحصاة و التقسیم بالأزلام و الأقداح، إلا بسبب یکون تجارة عن تراض فتفید حصر الأسباب الصحیحة للمعاملات بالتجارة عن تراض، و إن کان الاستثناء منقطعا فظهور الآیة البدوی و إن کان هو بیان القاعدة الکلیة لکل واحد من أکل المال بالباطل و التجارة عن تراض و لا تعرض لها للحصر، و تظهر ثمرة ذلک فیما لا یعد فی العرف من الأسباب الباطلة و لا من التجارة عن تراض فیکون مهملا، إلا أنه تعالی حیث کان بصدد بیان. الأسباب المشروعیة للمعاملات و تمیز صحیحها عن فاسدها و کان الإهمال مما یخل بالمقصود فلا محالة یستفاد الحصر من الآیة بالقرینة المقامیة، و تکون النتیجة أن الآیة مسوقة لبیان حصر الأسباب الصحیحة بالتجارة عن تراض سواء کان الاستثناء متصلا أم منقطعا، و مما یدل علی کون الآیة راجعة إلی أسباب المعاملات تطبقها فی بعض الروایات [1] علی القمار.
______________________________
[1] أحمد بن محمد بن عیسی فی نوادره عن أبیه قال: قال أبو عبد اللّه «ع» فی قول
______________________________
(1) راجع سورة النساء آیة 33.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 36
قوله: کبول الإبل الجلالة.
أقول بعد ما عرفت جواز الانتفاع بالأبوال مطلقا و جواز بیعها کذلک فلا وجه لهذا الاستثناء.
قوله: إن قلنا بجواز شربها اختیارا کما علیه جماعة.
أقول قد ظهر مما تقدم ان جواز الشرب أو حرمته لیسا مناطین فی جواز بیعا و حرمته لعدم کون الشرب من المنافع
______________________________
اللّه عز و جل: «وَ لٰا تَأْکُلُوا أَمْوٰالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال ذلک القمار. موثقة.
العیاشی فی تفسیره عن أسباط بن سالم قال: کنت عند أبی عبد اللّه «ع» فجاء رجل فقال أخبرنی عن قول اللّه عز و جل «یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لٰا تَأْکُلُوا أَمْوٰالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبٰاطِلِ» قال: یعنی بذلک القمار، الحدیث.
و عن محمد بن علی عن أبی عبد اللّه «ع» (سأل عن الآیة) قال: نهی عن القمار و کانت قریش یقامر الرجل بأهله و ماله فنهاهم اللّه عن ذلک، راجع ج 2 ئل باب 63 تحریم کسب القمار، مما یکتسب به.
«فائدة» اعلم ان صاحب التفسیر أبو النضر محمد بن مسعود بن محمد بن عیاش السلمی السمرقندی المعروف بالعیاشی، و إن کان ثقة صدوقا عینا من عیون هذه الطائفة و کبیرها و لکن لم یثبت لنا اعتبار التفسیر للإرسال، و فی ج 3 ئل خاتمة الکتاب فی الفائدة الرابعة، کتاب تفسیر القرآن لمحمد بن مسعود العیاشی و قد وصل إلینا النصف الأول منه، غیر ان بعض النساخ حذف الأسانید و اقتصر علی راو واحد.
و فی ج 1 البحار ص 12 کتاب تفسیر العیاشی روی عنه الطبرسی و غیره، و رأینا منه نسختین قدیمتین و عدّ فی کتب الرجال من کتبه، لکن بعض الناسخین حذف أسانیده للاختصار و ذکر فی أوله عذرا هو أشنع من جرمه.
و فی ج 3 رجال المامقانی عد الشیخ «ره» الرجل فی رجاله ممن لم یرو عنهم «ع» بقوله:
محمد بن مسعود بن محمد بن عیاش السمرقندی یکنی أبا النضر أکثر أهل المشرق علما و أدبا و فضلا و فهما و نبلا فی زمانه، صنف أکثر من مائتی مصنف ذکرناها فی الفهرست، و کان له مجلس للخاصی و مجلس للعامی.
و قال النجاشی: أبو النضر المعروف بالعیاشی ثقة صدوق عین من عیون هذه الطائفة، و کان یروی عن الضعفاء کثیرا، و کان فی أول أمره عامی المذهب و سمع حدیث العامة فأکثر ثم تبصر و عاد إلینا، و أنفق علی العلم و الحدیث ترکة أبیه سائرها و کانت ثلاثمائة ألف دینار و کانت داره کالمسجد بین ناسخ أو مقابل أو قار أو معلق مملوة من الناس.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 37
الظاهرة لیدور الحکم علیه وجودا و عدما، إذن فلا فرق بین أبوال ما یؤکل لحمه و ما لا یؤکل لحمه.

استطراد [فی حرمة شرب أبوال ما یؤکل لحمه لغیر التداوی]

اشارة

قد وقع الخلاف بین أعاظم الأصحاب فی جواز شرب أبوال ما یؤکل لحمه حال الاختیار و عدم جوازه، و ذهب جمع کثیر الی الجواز، و جماعة أخری إلی الحرمة و هو الحق، لمفهوم موثقة عمار [1] فإنه یدل علی حرمة شربها لغیر التداوی، کما تدل علی ذلک أیضا عدة روایات اخری من الخاصة [2] و العامة [3].
______________________________
[1] یب. عمار بن موسی عن أبی عبد اللّه «ع» قال سئل عن بول البقر یشربه الرجل قال: إن کان محتاجا الیه یتداوی به یشربه و کذلک أبوال الإبل و الغنم، موثقة.
[2] کا. بعض أصحابنا عن موسی بن عبد اللّه قال: سمعت أشیاخنا یقولون ألبان اللقاح شفاء من کل داء و عاهة و لصاحب البطن أبوالها، مرسلة. و فی القاموس مادة لقح اللقاح ککتاب الإبل و اللقوح کصبور واحدته.
ئل. المفضل بن عمر عن أبی عبد اللّه «ع» انه شکی الیه الربو الشدید فقال اشرب له أبوال اللقاح فشربت ذلک فمسح اللّه دائی، موثقة. الربو التهیج و توارد النفس الذی یعرض للمسرع فی مشیه.
ئل. سماعة قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شرب الرجل أبوال الإبل و البقر و الغنم ینعت له من الوجع هل یجوز له أن یشرب قال نعم لا بأس به، ضعیفة لأحمد بن فضل.
راجع ج 3 ئل باب 59 جواز شرب أبوال الإبل من الأطعمة المباحة، و ج 2 کا باب 87 من الأطعمة ص 175، و ج 1 التهذیب ص 81، و ج 11 الوافی باب 169 ص 92 و باب 68 ص 49.
دعائم الإسلام. روینا عن أبی عبد اللّه عن أبیه عن آبائه عن أمیر المؤمنین «ع» قال:
قدم علی رسول اللّه (ص) قوم من بنی ضبة مرضی فأخرجهم إلی إبل الصدقة و أمرهم أن یشربوا من ألبانها و أبوالها یتداوون بذلک، الخبر. ضعیفة للإرسال. راجع ج 3 المستدرک باب 23 من الأشربة المباحة ص 133.
[3] فی ج 10 السنن الکبری للبیهقی ص 4 عن أنس ان النبی (ص) أمر العرنیین أن یشربوا ألبان الإبل و أبوالها، و عن أنس أن رهطا من عرینة أتوا النبی (ص) فقالوا انا اجتوینا المدینة و عظمت بطوننا و ارتهست اعضادنا فأمرهم النبی (ص) ان یلحقوا برا
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 38
نعم هناک روایتان [1] إحداهما روایة قرب الاسناد تدل علی جواز شرب أبوال مأکول اللحم علی وجه الإطلاق و الثانیة روایة الجعفری تدل علی جواز شرب بول الإبل مطلقا و انه خیر من لبنه.
(و فیه) مضافا الی ضعف سندیهما، انه لا بد من تقییدهما بمفهوم موثقة عمار المتقدمة، و حینئذ فیختص جواز شربها بالتداوی فقط، علی أن روایة الجعفری لیست بصدد بیان. الجواز التکلیفی بل هی مسوقة إلی بیان الوجهة الطیبة و ان أبوال الإبل مما یتداوی بها الناس و یدل علی ذلک قوله «ع» فی ذیل الروایة «و یجعل اللّه الشفاء فی ألبانها».

دفع توهم

قد استدل بعض الأعاظم «1» علی حرمة شربها بقوله تعالی «2»: «وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبٰائِثَ» حیث قال: و عندی ان هذا القول هو الأقوی و فی آیة تحریم الخبائث غنی و کفایة بعد القطع بکون البول مطلقا من الخبائث.
(و فیه) ان المقصود من الخبائث کل ما فیه مفسدة و ردائه و لو کان من الافعال المذمومة
______________________________
الإبل فیشربوا من ألبانها و أبوالها فلحقوا براعی الإبل فشربوا من أبوالها و ألبانها حتی صلحت بطونهم و أبدانهم ثم قتلوا الراعی و ساقوا الإبل، الحدیث، و رواه البخاری فی الصحیح ج 1 باب الأبوال ص 67 بأدنی تفاوت.
و فی القاموس مادة جوی اجتواه کرهه و أرض جویة غیر موافقة، و فیه ارتهس الوادی امتلأ.
و فی ج 1 مسند أحمد ص 293 عن ابن عباس قال رسول اللّه (ص): ان فی أبوال الإبل و ألبانها شفاء للذربة بطونهم، و فی القاموس الذربة محرکة فساد المعدة.
[1] قرب الاسناد. ان النبی (ص) قال: لا بأس ببول ما أکل لحمه. ضعیفة لأبی البختری وهب بن وهب.
کا و یب. الجعفری قال: سمعت أبا الحسن موسی «ع» یقول: أبوال الإبل خیر من ألبانها و یجعل اللّه الشفاء فی ألبانها. مجهولة لبکر بن صالح. راجع ج 3 ئل باب 59 جواز شرب بول الإبل من الأطعمة المباحة، و ج 2 کا باب 87، من الأطعمة ص 175، و ج 11 الوافی باب 68 ص 49 و باب 169 ص 92، و ج 2 التهذیب ص 307.
______________________________
(1) المامقانی فی حاشیته علی المتن.
(2) سورة الأعراف آیة 156.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 39
المعتبر عنه فی الفارسیة لفظ «پلید» و یدل علی ذلک إطلاق الخبیث علی العمل القبیح فی قوله تعالی «1»: وَ نَجَّیْنٰاهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِی کٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ» و یساعده العرف و اللغة [1] و إذن فالآیة ناظرة إلی تحریم کل ما فیه مفسدة و لو من الأعمال القبیحة فلا تعم شرب الأبوال الطاهرة و نحوها مما تتنفر عنها الطبائع.
قوله: لا یوجب قیاسه علی الأدویة.
أقول هذا الکلام بظاهره مما لا یترقب صدوره من المصنف، و ذلک لان التداوی بها لبعض الأوجاع یجعلها مصداقا لعنوان الأدویة، فکما
______________________________
[1] فی المجمع. الخبیث ضد الطیب، و قیل الخبیث خلاف طیب الفعل من فجور و نحوه، و الخبائث الأفعال المذمومة و الخصال الردیة، و فی الحدیث لا تعودوا الخبیث من أنفسکم و فی حدیث أهل البیت لا یبغضنا إلا من خبثت ولادته أی لم تطب، و خبث الرجل بالمرأة من باب قتل زنی بها، و فی ج 1 تفسیر التبیان ص 758 الخبائث یعنی القبائح، و فی ج 2 ص 291 و نجیناه من القریة التی کانت تعمل الخبائث، یعنی انهم کانوا یأتون الذکران فی أدبارهم، و یتضارطون فی أندیتهم «مجالسهم» و هی قریة سدوم علی ما روی.
و فی مفردات الراغب مادة خبث: المخبث و الخبیث ما یکره رداءة و خساسة محسوسا کان أو معقولا و أصله الردی و ذلک یتناول الباطل فی الاعتقاد و الکذب فی المقال و القبیح فی أفعال «و یطلق علی» مالا یوافق النفس من المحظورات، و إتیان الرجال، و الأعمال الفاسدة و النفوس الخبیثة، و الحرام، و الأفعال الردیة، و الکفر و الکذب و النمیمة.
و فی ج 1 تاج العروس مادة خبث ص 617 الخبیث ضد الطیب، الخابث و هو الردی من کل شی‌ء، و من المجاز الخبث بالضم الزنا و قد خبث بها ککرم أی فجر، و فی الحدیث إذا کثر الخبث کان کذا و کذا أراد الفسق و الفجور، و منه حدیث سعد بن عبادة انه أتی النبی (ص) برجل مخدج سقیم وجد مع امرأة یخبث بها أی یزنی، و فی حدیث أنس ان النبی (ص) کان إذا أراد الخلاء قال أعوذ باللّه من الخبث و الخبائث أراد بالخبث الشر و الخبائث الشیاطین.
و قال ابن الأثیر فی تفسیر الحدیث: الخبث بضم الباء جمع الخبیث و الخبائث جمع الخبیثة أی ذکور الشیاطین و انائها، و قیل هو الخبث بسکون الباء و هو خلاف طیب الفعل من فجور و غیره و الخبائث یرید بها الأفعال المذمومة و الخصال الردیة، و الخبیث نعت کل شی‌ء فاسد یقال هو خبیث الطعم خبیث اللون خبیث الفعل و الحرام السحت یسمی خبیثا مثل الزنا و المال الحرام و الدم و ما أشبهها مما حرم اللّه تعالی.
______________________________
(1) سورة الأنبیاء آیة 72.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 40
یجوز بیعها حتی إذا کانت نجسة، فکذلک یجوز بیع الأبوال مطلقا لکونها مصداقا للادویة و انطباق الکلی علی أفراده غیر مربوط بالقیاس، و توضیح ذلک ان مالیة الأشیاء تدور علی رغبات الناس بلحاظ حاجاتهم إلیها علی حسب الحالات و الأزمنة و الأمکنة، و لا شبهة ان المرض من الحالات التی لأجلها یحتاج الإنسان إلی الأدویة و العقاقیر طاهرة کانت أم نجسة و لأجل ذلک یجلبها الناس من أقاصی البلاد، فإذا کانت الأبوال عند العرف من الأدویة و یعد من الأموال فی غیر حال المرض کانت کسائر الأدویة التی یحتاج إلیها الناس فی حال المرض و لا مجال لتفریقها عنها.
اللهم إلا أن یکون مراد المصنف سقوط مالیة الأبوال لکثرتها.
(و فیه) مضافا الی کونه خلاف الظاهر من کلامه، و الی منع کثرتها فی جمیع البلاد ان الکثرة لا توجب سقوط مالیتها بعد إمکان الانتفاع بها فی بعض الأمکنة و إلا لزم سلب المالیة عن أکثر المباحات، نعم لا یبعد الالتزام بسقوط مالیتها إذا لم ینتفع بها فی محلها و لم یمکن نقلها الی محل ینتفع بها فیه.
و مما ذکرنا علم ان التداوی بالابوال من المنافع الظاهرة لها فلا وجه لعدها فیما لا نفع فیه کما لا وجه للنقض علی ذلک بأنه لو کان التداوی بها موجبا لصحة بیعها لجاز بیع کل شی‌ء من المحرمات لقوله «ع» [1]: «لیس شی‌ء مما حرمه اللّه إلا و قد أحله لمن اضطر الیه» و ذلک لما بینا من ان المرض من الأحوال المتعارفة للإنسان فلا یقاس بالاضطرار الذی لا یتفق فی العمر إلا نادرا.
و من هنا یتضح الفرق بین الأبوال و بین المیتة و لحوم السباع و غیرهما من المحرمات التی یحتاج إلیها الإنسان عند الاضطرار، و لذلک فلا یتجر أحد بلحوم السباع و نحوها لاحتمال الحاجة إلیها و هذا بخلاف الأدویة فإن بیعها و شرائها من التجارات المهمة.
قوله: و لو عند الضرورة المسوغة للشرب.
أقول لا تعرض فی شی‌ء من الروایات العامة و غیرها للتعلیق جواز بیع الأبوال الطاهرة غیر بول الإبل علی جواز شربها.
قوله: و لا ینتقص أیضا بالأدویة المحرمة.
أقول قوله: لأجل الإضرار تعلیل للحرمة، و حاصل النقض إن الأبوال الطاهرة تکون بحکم الأدویة، فکما أن الأدویة محرمة الاستعمال فی غیر حال المرض لاضرارها بالنفس و مع ذلک یجوز بیعها و استعمالها عند المرض
______________________________
[1] عن سماعة عن أبی عبد اللّه «ع» قال. مرسلة. راجع ج 3 ئل باب 12 جواز الحلف بالیمین الکاذبة من کتاب الیمین، و ج 2 المستدرک باب 24 وجوب التقیة فی کل ضرورة من الأمر بالمعروف ص 374، و ج 1 البحار ص 154.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 41
فی حال المرض لأجل تبدل عنوان الإضرار بعنوان النفع، و هذا بخلاف الأبوال فان حلیتها لیست إلا لأجل الضرورة فالنقض فی غیر محله.
و لکن الإنصاف أن ما أفاده المصنف نقضا و جوابا غیر تام، أما الجواب فلأنا لا نجد فرقا بین الأبوال و سائر الأدویة، و إذا کان الاحتیاج إلی الأدویة موجبة لتبدل عنوان الضرر الی النفع فلیکن الاحتیاج إلی الأبوال فی حال المرض کذلک، مع أن الأمر لیس کذلک فان من الواضح جدا ان الاحتیاج إلی الأدویة و العقاقیر حال المرض لیس من قبیل تبدل موضوع الضرر بموضوع النفع کانتقال موضوع التمام الی موضوع القصر، و إنما هو کالاحتیاج إلی سائر الأشیاء بحسب الطبع.
و أما النقض ففیه (أولا) انه لا یجوز أن تعلل حرمة الأدویة فی غیر حال المرض بالإضرار، لأنه من العناوین الثانویة فلا یمکن أن یکون علة لثبوت الحرمة للشی‌ء بعنوانه الأولی، و لو صح ذلک لم یوجد شی‌ء یکون حلالا بعنوانه الأولی إلا نادرا، و ذلک لانه لا بد من عروض عنوان الضرر علیه فی مرتبة من مراتب استعماله فیکون حراما.
و (ثانیا) ان عنوان الإضرار لیس مما تکون الحرمة ثابتة علیه بالذات، أو بعنوان غیر منفک عنه لانه لیس أمرا مضبوطا بل یختلف بالإضافة إلی الأشخاص و الأزمنة و الأمکنة و المقدار، و ربما یکون الشی‌ء مضرا بالإضافة إلی شخص جار المزاج دون غیره، و بالنسبة إلی منطقة دون منطقة، أو بمقدار خاص دون الأقل منه، بل لو کان عنوان الإضرار موجبا لحرمة البیع لما جاز بیع شی‌ء من المشروبات و المأکولات، إذ ما من شی‌ء إلا و هو مضر للمزاج أزید من حده، نعم لو دل دلیل علی أن ما أضر کثیره فقلیله حرام کما ورد «1» فی الخمر (فما أسکر کثیره فقلیله حرام) لتوجه ما ذکره من النقض، و قد تمسک بعض العامة بذلک عند بحثنا معه فی حرمة شرب التتن، و أجبنا عنه بأنه لو صح ما أضر کثیره فقلیله حرام للزم الالتزام بحرمة جمیع المباحات فان من الواضح أنه ما من شی‌ء فی العالم إلا و تکون مرتبة خاصة منه مضرة لامزاج.

(حرمة ببیع شحوم ما لا یؤکل لحمه)

قوله: و لا ینافیه النبوی [1] لعن اللّه الیهود.
أقول وجه التنافی هو توهم الملازمة
______________________________
[1] جابر بن عبد اللّه انه سمع رسول اللّه (ص) یقول عام الفتح و هو بمکة ان اللّه و رسوله حرم بیع الخمر و المیتة و الخنزیر و الأصنام فقیل یا رسول اللّه أ رأیت شحوم المیتة
______________________________
(1) قد تقدم فی ص 18.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 42
بین حرمة الأکل و حرمة البیع، و أجاب عنه المصنف بأن الظاهر أن الشحوم کانت محرمة الانتفاع علی الیهود بجمیع الانتفاعات لا کتحریم شحوم غیر مأکول اللحم علینا.
(و فیه) أنه لا منشأ لهذا الظهور لا من الروایة و لا من غیرها بل الظاهر منها حرمة أکلها فقط، کما هو المستفاد من الآیة [1] أیضا فإن الظاهر من تحریم الشحوم فیها تحریم أکلها لکونه منفعة ظاهرة لها، إلا انک عرفت «1» فی البحث عن النبوی المشهور أن حرمة الأکل لا یستلزم حرمة البیع وضعا و تکلیفا باتفاق من الشیعة و من العامة.
قوله: و الجواب عنه مع ضعفه.
أقول قال المحقق الایروانی ظاهر النبوی ما حرم أکله من المأکولات أعنی ما یقصد للأکل دون ما حرم أکله مطلقا لیخالف غرض المصنف و یلزم تخصیص الأکثر حتی یضطر الی تضعیفه سندا و دلالة.
(و فیه) مضافا الی کونه حملا تبرعیا انه یلزم تخصیص الأکثر أیضا لجواز بیع المأکولات و المشروبات المحرمة إذا کانت لها منافع محللة، ثم ان الظاهر من ذیل کلامه استظهار ضعف الروایة من عبارة المصنف من غیر جهة تخصیص الأکثر، إلا انه ناشئ من غلط النسخة و من زیادة کلمة مع قبل کلمة ضعفه.
(لا یقال) لو سلمنا حرمة الإعانة علی الإثم لکان الظاهر من الروایة هو بیع الیهود شحومهم من غیرهم، و لم یعلم حرمته علی غیر الیهود، بل الظاهر من الآیة المبارکة اختصاص التحریم بهم، مع انه لو قطع النظر عن هذا الظهور لکان تقیید الروایة بما إذا کان البیع للأکل بلا موجب.
______________________________
فإنها تطلی بها السفن و یدهن بها الجلود و یستصبح بها الناس فقال لا هو حرام ثم قال رسول اللّه (ص) قاتل اللّه الیهود ان اللّه لما حرم علیهم شحومها حملوه- أی إذ أبوه- ثم باعوه و أکلوا ثمنه. راجع ج 6 سنن البیهقی ص 12، و ج 2 سنبل السلام ص 316، و ج 3 البخاری باب لا یذاب شحم المیتة ص 107، و باب بیع المیتة ص 110، و تقدم أیضا بعض روایات الشحوم فی ص 22.
[1] فی سورة الانعام آیة 147 وَ عَلَی الَّذِینَ هٰادُوا حَرَّمْنٰا کُلَّ ذِی ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنٰا عَلَیْهِمْ شُحُومَهُمٰا.
______________________________
(1) ص 23.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 43

جواز بیع العذرة

قوله: یحرم بیع العذرة النجسة من کل حیوان علی المشهور.
أقول المعروف بین الفقهاء رضوان اللّه علیهم حرمة بیع العذرة النجسة من کل حیوان، بل فی التذکرة «1» لا یجوز بیع سرجین النجس إجماعا منا، و فی الجواهر ادعی الإجماع بقسمیه علی حرمة بیع أرواث مالا یؤکل لحمه، و فی النهایة «2» جعل بیع العذرة من المکاسب المحظورة، و فی الغنیة «3» منع عن بیع سرقین ما لا یؤکل لحمه، و فی المراسم «4» حکم بحرمة بیع العذرة، و فی المستندة «5» انه موضع وفاق، و علی هذا اتفاق المذاهب الأربعة [1] ثم ان تحقیق هذه المسألة فی ضمن مقامین الأول من حیث القواعد و الإجماعات و الروایات العامة، و الثانی من حیث الروایات الخاصة الواردة فی خصوص هذه المسألة.
أما المقام الأول من حیث القواعد و الإجماعات و الروایات العامة فقد ظهر من المسألة السابقة و ما قبلها انه لا یجوز الاستدلال بشی‌ء من تلک الأمور علی حرمة البیع و فساده.
و أما المقام الثانی من حیث الروایات الخاصة فالروایات الواردة هنا علی ثلث طوائف الأولی [2] ما یدل علی حرمة بیع العذرة و کون ثمنها سحتا، الثانیة [3] ما یدل علی جواز بیعها و هی روایة ابن مضارب
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب الأربعة ص 231 عن المالکیة لا یصح بیع زبل ما لا یؤکل لحمه سواء کان أکله محرما کالخیل و البغال و الحمیر أو مکروها کالسبع و الضبع و الثعلب و الذئب و الهرفان فضلات هذه الحیوانات و نحوها لا یصح بیعها.
و عن الحنابلة لا یصح بیع النجس، و کالزبل النجس، و کذلک عند الشافعیة، و فی ص 232 عن الحنیفة لا ینعقد بیع العذرة فإذا باعها کان البیع باطلا إلا إذا خلطها بالتراب فإنه یجوز بیعها إذا کانت لها مالیة، و یصح بیع الزبل یسمی سرجین و کذا بیع البعر.
[2] یعقوب بن شعیب عن أبی عبد اللّه «ع» قال: ثمن العذرة من السحت، مجهولة لعلی بن مسکین أو سکن. راجع ج 2 ئل باب 69 حکم بیع عذرة الإنسان مما یکتسب به، و ج 2 التهذیب ص 112، و ج 2 الاستبصار ص 33، و ج 10 الوافی باب 43 من المکاسب ص 42، دعائم الإسلام ان رسول اللّه (ص) نهی عن بیع العذرة و قال هی میتة، مرسلة راجع ج 2 المستدرک ص 427.
[3] محمد بن مضارب عن أبی عبد اللّه «ع» قال لا بأس ببیع العذرة، حسنة لابن
______________________________
(1) ج 1 ص 3 من البیع.
(2) باب المکاسب المحظورة.
(3) ص 2 من البیع.
(4) ص 1 من المکاسب.
(5) ج 2 ص 334.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 44
الثالثة [1] ما یدل علی جواز بیعها و حرمته معا و هی روایة سماعة.
و للجمع بینها وجوه للاعلام، الأول ما ذکره شیخ الطائفة (ره) من حمل روایة المنع علی عذرة الإنسان، و روایة الجواز علی عذرة البهائم مما یؤکل لحمه، و استشهد علی ذلک بروایة سماعة، قال فی التهذیب بعد ما نقل روایة الجواز انه و لا ینافی ذلک ما رواه یعقوب ابن شعیب، لان هذا الخبر محمول علی عذرة الإنسان، و الأول محمول علی عذرة البهائم من الإبل و البقر و الغنم، و لا تنافی بین الخبرین، و الذی یکشف عما ذکرناه روایة سماعة، و فی المبسوط «1» فلا یجوز بیع العذرة و السرجین مما لا یؤکل لحمه، و فی الخلاف «2» فالسرجین النجس محرم بالإجماع فوجب أن یکون بیعه محرما.
إذا عرفت مسلکه من کتبه الثلاثة فلا تغتر بإطلاق کلامه فی الاستبصار، حیث حمل روایة الجواز علی عذرة غیر الآدمیین، و روایة المنع علی عذرة الناس، ثم استشهد علیه بروایة سماعة فإن مراده من غیر الآدمیین إنما هو ما یؤکل لحمه فقط فلا یعم غیر المأکول.
(و فیه) أولا انه ثبت فی محله أن کون الدلیل نصا فی مدلوله غیر کون بعض أفراده متیقنا فی الإرادة من الخارج علی تقدیر صدور الحکم، فما هو الموجب لرفع الید عن الحکم هو الأول دون الثانی، ففی مثل الأمر [2] بغسل الثوب من بول الخفاش الصریح فی المحبوبیة و الظاهر فی الوجوب، و ما ورد [3] من ان بول الخفاش لا بأس به، الصریح فی جواز
______________________________
مضارب. راجع ج 1 کا باب 103 من المعیشة ص 393، و الأبواب المذکورة من التهذیب و ئل و الاستبصار و الوافی.
[1] سماعة قال سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» و أنا حاضر قال انی رجل أبیع العذرة فما تقول قال حرام بیعها و ثمنها و قال لا بأس ببیع العذرة. موثقة. راجع الأبواب المذکورة من التهذیب و ئل و الاستبصار و الوافی.
[2] داود الرقی قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن بول الخشاشیف یصیب ثوبی فأطلبه فلا أجده فقال اغسل ثوبک. مجهولة لیحیی بن عمر. راجع ج 1 ئل باب 10 حکم بول الخفاش من أبواب النجاسات، و ج 1 التهذیب باب تطهیر الثیاب ص 75.
[3] غیاث عن جعفر عن أبیه قال لا بأس بدم البراغیث و البق و بول الخشاشیف، موثقة راجع البابین المذکورین من یب و ئل.
فی ج 4 تاج العروس ص 308، الخفاش کرمان الوطواط الذی یطیر باللیل، سمی به لصغر عینیه خلقة، و ضعف بصره بالنهار، و من الخواص أن دماغه ان مسح بالاخمصین
______________________________
(1) فصل فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
(2) ج 1 ص 225.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 45
الترک، و الظاهر فی الإباحة الخاصة، برفع الید عن ظهور کل منهما بصریح الآخر فیثبت الاستحباب، و أما فی أمثال المقام حیث لا صراحة للدلیل فی شی‌ء، فلا موجب للجمع المذکور فإنه تبرعی محض و خارج عن صناعة الجمع الدلالی العرفی فلا یوجب رفع التعارض بوجه، إذن فلا بد إما من طرحهما و إما الرجوع الی المرجحات السندیة، أو الخارجیة من موافقة الکتاب أو مخالفة العامة.
و بعبارة اخری أن الجمع العرفی بین الدلیلین بطرح ظهور کل منهما بنص الآخر إنما یجری فیما کانت لکل منهما قرینیة لرفع الید عن ظهور الآخر، کالجمع بین الأمر و الترخیص، بحمل الأول علی الاستحباب و الثانی علی الکراهة، و هذا بخلاف ما إذا ورد النفی و الإثبات علی مورد واحد کما فیما نحن فیه، فإنه من أوضح موارد المتعارضین.
(و ثانیا) سلمنا ذلک إلا أن إطلاق العذرة علی مدفوعات ما یؤکل لحمه ممنوع جدا، و إنما یطلق علیها لفظ الأرواث أو السرقین و هذا واضح لمن کان له انس بالعرف و اللغة [1] (و ثالثا) سلمنا جواز الإطلاق و صحته إلا ان أخذ المتیقن من الدلیلین المتنافیین لا یعد
______________________________
هیج الباه ای شبق النکاح، و ان أحرق و اکتحل به قلع البیاض من العین و أحد البصر، و دمه ان طلی به علی عانات المراهقین منع نبات الشعر، و مرارته ان مسح بها فرج المنهکة و هی التی عسر ولادها ولدت فی ساعتها ج خفافیش، و الأخفش الذی یغمض إذا نظر و فی حیاة الحیوان للدمیری، الخفاش له أربعة أسماء خفاش و خشاف و خطاف و وطواط و لیس من الطیر فی شی‌ء، فإنه ذو أذنین و أسنان و خصیتین و منقار، و یحیض و یطهر، و یضحک کما یضحک الإنسان، و یبول کما تبول ذوات الأربع، و یرضع ولده، و من الخواص إن طبخ رأسه فی إناء نحاس أو حدید بدهن زنبق و یغمر فیه مرارا حتی یتهری و یصفی ذلک الدهن عنه و یدهن به صاحب النقرس و الفالج القدیم و الارتعاش و التورم فی الجسد و الربو فإنه ینفعه ذلک و یبرئه و هو عجیب مجرب، و ان ذبح فی بیت و أخذ قلبه و أحرق فیه لم یدخله حیات و لا عقارب، و من نتف إبطه و طلاه بدمه مع لبن أجزاء متساویة لم ینبت فیه شعر، و ان صب من مرق الخفاش و قعد فیه صاحب الفالج انحل ما به.
[1] فی المنجد العذرة الغائط، و فی المجمع العذرة و زان کلمة الخرؤ و لم یسمع التخفیف و قد تکرر ذکرها فی الحدیث، و سمعی فناء الدار عذرة لمکان إلقاء العذرة هناک. و کذلک فی نهایة ابن الأثیر، و فی ج 3 تاج العروس ص 388 و العاذر هو الغائط الذی هو السلح و الرجیع، و العذرة بکسر الذال المعجمة و منه حدیث ابن عمر أنه کره السلت الذی یزرع بالعذرة یرید غائط الإنسان الذی یلقیه، و فناء الدار.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 46
من الجموع العرفیة، لعدم ابتنائه علی أساس صحیح، بل لو جاز أحد المتیقن من الدلیل لانسد باب حجیة الظواهر و لم یجز التمسک بها، إذ ما من دلیل إلا و له متیقن فی إرادة المتکلم إلا ان یقال بتخصیص ذلک بصورة التعارض و هو کما تری.
(و رابعا) سلمنا ذلک أیضا إلا ان أخذ المتیقن من دلیلی الجواز و المنع لا ینحصر بما ذکر، بل یجوز أخذه منهما بوجه آخر أوجه منه، بأن تحمل روایة الجواز علی فرض کون العذرة المبیعة یسیرة، و روایة المنع علی فرض کونها کثیرة، أو تحمل روایة الجواز علی بلاد تعارف فیها بیع العذرة لأجل التسمید و نحوه، و روایة المنع علی بلاد لم یتعارف فیها بیعها أو غیر ذلک.
(الثانی) أن تحمل روایة الجواز علی بلاد ینتفع بها، و روایة المنع علی بلاد لا ینتفع بها، و قد حکمی المصنف هذا الوجه من المجلسی ثم استبعده. (و فیه) مضافا الی کونه جمعا تبرعیا ان إمکان الانتفاع بها فی مکان یکفی فی صحة بیعها علی وجه الإطلاق، علی أنک عرفت فی بیع الأبوال ان غایة ما یلزم هو کون المعاملة علی أمثال تلک الخبائث سفهیة، و لم یقم دلیل علی بطلانها و صرف العمومات عنها، مع ان الظاهر من قول السائل فی روایة سماعة (انی رجل أبیع العذرة) هو کونه بیاع العذرة و أخذه ذلک شغلا لنفسه، و إنما سئل عن حکمه الشرعی، و هذا کالصریح فی کون بیع العذرة متعارفا فی ذلک الزمان ثم ان هذا الوجه و ان نسبه المصنف إلی المجلسی و لکن لم نجده فی کتبه، بل الموجود فی مرآة العقول «1» نفی البعد عن حمل روایة الجواز علی الکراهة.
(الثالث) ما احتمله السبزواری «2» من حمل روایة المنع علی الکراهة، و روایة الجواز علی الترخیص المطلق، و قد استبعده المصنف أیضا: و لعل الوجه فیه هو أن استعمال لفظ السحت فی الکراهة غیر جار علی المنهج الصحیح، فان السحت فی اللغة [1] عبارة عن الحرام
______________________________
[1] فی المجمع السحت کل مال لا یحل کسبه، و فی القاموس السحت الحرام و ما خبث من المکاسب، و فی المصباح السحت مال حرام لا یحل أکله و لا کسبه، و فی ج 1 لسان العرب ص 346 السحت کل حرام قبیح الذکر، و قیل هو ما خبث من المکاسب و حرم فلزم عنه العار، و قبیح الذکر کثمن الکلب و الخمر و الخنزیر، و الجمع أسحات، و السحت الحرام الذی لا یحل کسبه لأنه یسحت البرکة أی یذهبها، و أسحتت تجارته خبثت و حرمت و أسحت اکتسب السحت.
______________________________
(1) ج 3 باب جامع ما یحل الشراء و البیع ص 411.
(2) راجع الکفایة المقصد الثانی من التجارة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 47
إذن فروایة المنع آبیة عن الحمل علیها.
(و فیه) أولا ان لفظ السحت قد استعمل فی الکراهة فی عدة من الروایات [1] فإنه أطلق فیها علی ثمن جلود السباع، و کسب الحجام، و اجرة المعلمین الذین یشارطون فی تعلیم القرآن، و قبول الهدیة مع قضاء الحاجة، و من الواضح جدا انه لیس شی‌ء منها بحرام قطعا، و إنما هی مکروهة فقط، و قد نص بصحة ذلک الاستعمال غیر واحد من أهل اللغة [2] بل الروایات [3] الکثیرة تصرح بجواز بیع جلود السباع و أخذ الأجرة للحجام
______________________________
[1] الجعفریات. عن علی «ع» من السحت ثمن جلود السباع. موثقة. راجع ج 2 المستدرک ص 426، دعائم الإسلام. من السحت ثمن جلود السباع. مرسلة. راجع ج 23 البحار ص 20، و ج 2 المستدرک ص 436.
کا. سماعة قال قال أبو عبد اللّه «ع» السحت أنواع کثیرة منها کسب الحجام إذا شارط ضعیفة لمحمد بن أحمد الجامورانی، و مثلها روایة أخری لسماعة إلا أنه لیست فیها جملة شرطیة و لکنها موثقة، راجع ج 1 کا ص 363، و ج 2 التهذیب ص 106، و ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به، و ج 10 الوافی ص 42.
الجعفریات. عن علی «ع» من السحت کسب الحجام. موثقة. راجع ج 2 المستدرک ص 427.
العیون. عن علی «ع» فی قوله تعالی أَکّٰالُونَ لِلسُّحْتِ قال هو الرجال یقضی لأخیه الحاجة ثم یقبل هدیته راجع ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به. و قد تعرض صاحب ئل لأسانید الروایة فی ج 1 ئل باب 54 إسباغ الوضوء من أبوابه و لکن أکثرها من المجاهیل.
فقه الرضا. عن ابن عباس فی قوله تعالی أَکّٰالُونَ لِلسُّحْتِ قال اجرة المعلمین الذین یشارطون فی تعلیم القرآن. راجع ج 2 المستدرک ص 435.
[2] فی نهایة ابن الأثیر السحت کما یطلق علی الحرام یطلق علی المکروه و فی ج 1 لسان العرب ص 346 السحت یرد فی الکلام علی المکروه مرة، و علی الحرام اخری، و یستدل علیه بالقرائن.
[3] منها الروایات المجوزة لبیع جلود النمر و السباع کما سیأتی التعرض لها فی بیع المسوخ و منها موثقة زرارة قال سألت أبا جعفر عن کسب الحجام فقال مکروه له أن یشارط و لا بأس علیک أن تشارطه و تماسکه و إنما یکره له و لا بأس علیک، راجع ج 2 کا ص 360، و ج 2 التهذیب ص 107، و ج 10 الوافی ص 31، و ج 2 ئل باب 36 کراهة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 48
و تعلیم القرآن حتی مع الاشتراط، و الجمع العرفی یقتضی حمل المانعة علی الکراهة، و علیها فتاوی الأصحاب و إجماعهم، بل فتاوی أکثر العامة [1] إذن فلا وجه للتهویل علی السبزواری بأن کلمة السحت غیر مستعملة فی الکراهة الاصطلاحیة.
(و ثانیا) لو سلمنا حجیة قول اللغوی فغایة ما یترتب علیه ان حمل لفظ السحت علی
______________________________
کسب الحجام مما یکتسب به، لا یخفی ان ظهور الروایة فی الکراهة الاصطلاحیة مما لا ینکر و ان کانت هی فی الأخبار أعم منها و من الحرمة.
و منها روایة حنان بن سدیر و فیها ان النبی (ص) قد احتجم و أعطی الأجر و لو کان حراما ما أعطاه. ضعیفة لسهل. و قریب منها روایة جابر عن أبی جعفر «ع». و هی أیضا ضعیفة لعمرو بن شمر. راجع الأبواب المذکورة من الکتب المزبورة.
و فی ج 3 البخاری باب خراج الحجام من الإجارات ص 122، و ج 9 سنن البیهقی ص 338 عن ابن عباس قال احتجم النبی (ص) و أعطی الحجام أجره و لو علم کراهیة لم یعطه.
و منها روایة قرب الاسناد ان رسول اللّه (ص) احتجم وسط رأسه حجمه أبو طیبة و أعطاه رسول اللّه (ص) صاعا من تمر. ضعیفة لحسین بن علوان. راجع ج 23 البحار ص 18 و ج 2 ئل الباب 36 المتقدم و ج 3 صحیح البخاری ص 122، و ج 9 سنن البیهقی ص 337.
و منها روایة الفضل بن أبی قرة قال قلت لأبی عبد اللّه «ع» إن هؤلاء یقولون ان کسب المعلم سحت فقال کذبوا أعداء اللّه إنما أرادوا أن لا یعلموا القرآن و لو أن المعلم أعطاه رجل دیة ولده کان للمعلم مباحا. ضعیفة للفضل. راجع ج 2 التهذیب ص 110، و ج 1 کا ص 362، و ج 10 الوافی ص 37، و ج 2 ئل باب 57 کراهة أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن مما یکتسب به، ثم انه أخرج البیهقی فی ج 6 السنن الکبری ص 124 أحادیث تدل علی جواز أخذ المعلم الأجرة للتعلیم، و أحادیث أخری تدل علی کراهة أخذها لتعلیم القرآن.
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنابلة یصح بیع سباع البهائم، و عند الحنیفة یصح بیع الأسد و الفیل و سائر الحیوانات سوی الخنزیر، و فی ج 3 فقه المذاهب ص 173 کره أجر الحجام إذا اشترط، و فی ص 195 عن الحنابلة کراهة اجرة الحجام، و فی ص 171 المتأخرین من الحنفیة أجازوا أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن، و فی ص 182 عن المالکیة یجوز أخذ الأجرة علی تعلیم القرآن إذا عرف المعلم المتعلم، و فی ص 188 عن الشافعیة تصح الإجارة علی تعلیم القرآن.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 49
المکروه خلاف الظاهر، و لا بأس به إذا اقتضاه الجمع بین الدلیلین.
(لا یقال) و ان صح إطلاق کلمه السحت علی الکراهة کصحة إطلاقها علی الحرام، إلا أن نسبته الی الثمن صریحة فی الحرمة، فإنه لا معنی لکراهة الثمن.
(فإنه یقال) ان عنایة تعلق الکراهة بالثمن لا تزید علی عنایة تعلق الحرمة به، فارادة الثانی من کلمة السحت دون الأول مع صحة استعمالها فیهما تحتاج إلی قرینة معینة، و من هنا ذکر فی لسان العرب السحت یرد فی الکلام علی المکروه مرة، و علی الحرام اخری، و یستدل علیه بالقرائن، غایة الأمر انه إذا تعلقت الحرمة بالثمن فیستفاد من ذلک الحرمة الوضعیة أعنی بها فساد البیع زائدا علی حرمة التصرف فی الثمن، بخلاف تعلق الکراهة به، فإنه متمحض فی الدلالة علی الحکم التکلیفی کما فی ثمن جلود السباع و نحوه.
(الرابع) أن تحمل روایة الجواز علی الجواز التکلیفی لظهور کلمة لا بأس فی ذلک، و روایة المنع علی الحرمة الوضعیة، فتصیر النتیجة ان بیع العدة فاسد و غیر حرام.
(و فیه) مضافا الی کونه جمعا تبرعیا ان استعمال لا بأس فی الجواز التکلیفی و مقابله فی البأس الوضعی من الغرابة بمکان کاد أن یلحق بالأغلاط و لم نسمع الی الآن نظیر ذلک الاستعمال، بل هما متمحضان لبیان الحکم الوضعی و ان کان یستفاد منهما الحکم التکلیفی أحیانا بالالتزام، و من هنا ترون ان الفقهاء رضوان اللّه علیهم یتمسکون بالأمر بشی‌ء و بالنهی عن شی‌ء فی الصلاة لإثبات الجزئیة و المانعیة فیها، علی أن قوله «ع» فی روایة سماعة (حرام بیعها و ثمنها) ظاهر فی الحرمة التکلیفیة لو لم یکن نصا فیها فلا وجه لرفع الید عنها و حملها علی الحرمة الوضعیة.
(الخامس) ما اختاره العلامة المامقانی «ره» و قال الأقرب عندی حمل قوله «ع» لا بأس ببیع العذرة علی الاستفهام الإنکاری. و لعل هذا مراد المحدث الکاشانی حیث قال و لا یبعد أن یکون اللفظتان مختلفتین فی هیئة التلفظ و المعنی و ان کانتا واحدة فی الصورة.
(و فیه) مضافا الی کونه محتاجا الی علم الغیب، انه خلاف الظاهر من الروایة فلا یجوز المصیر الیه بمجرد الاحتمال.
و التحقیق انه لا یجوز العمل بروایات المنع لوجهین، الأول عدم استیفائها شرائط الحجیة بنفسها، أما روایة ابن شعیب فلضعف سندها، لا للإرسال کما زعمه صاحب الجواهر، اغترارا بإرسال العلامة فی المنتهی، بل لجهالة علی بن مسکین أو سکن، و کذا روایة دعائم الإسلام، و توهم انجبارهما بعمل المشهور توهم فاسد، فإنه مضافا الی فساد الکبری، ان الحکم غیر مختص بالعذرة، بل شامل لغیرها من النجاسات، و أما روایة سماعة فهی و إن کانت
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 50
موثقة، إلا انه لا یجوز الاعتماد علیها، اما لإجمالها لمعارضة صدرها مع ذیلها إن کانت روایة واحدة، و إما للتعارض و التساقط لو کانت روایتین، و لکن یدل علی التعدد من الروایة أمور: الأول اقتران کلمة قال فیها بالواو، و الثانی وضع المظهر فیها موضع المضمر، فإنها لو کانت روایة واحدة لکان للإمام «ع» أن یقول و لا بأس ببیعها بدل قوله (لا بأس ببیع العذرة) الثالث انها لو کانت روایة واحدة لکانت مجملة کما عرفت، إذن فلزم للسائل أن یسأل عن بیع العذرة ثانیا فینکشف من تلک القرائن تعددها و ان سماعة لما نقل روایة المنع ألحقها بروایة الجواز تفهیما للمعارضة و علی هذا فیحکم بالتساقط.
(إن قلت) ان السائل لما فهم مقصوده من القرائن الحالیة أو المقالیة و إن لم تصل إلینا ترک التعرض للسؤال، فلا یلزم من ذلک تعدد الروایة.
(قلت) احتمال انه فهم المراد من القرائن و إن کان موجودا إلا أن أصالة عدم القرینة التی من الأصول المسلمة عند العقلاء تدفع ذلک الاحتمال، ثم لو صحت روایة ابن مضارب کما هی کذلک و ان رماها المجلسی «1» بضعف السند لوجب الأخذ بها، و إلا فالمرجع فی الجواز التکلیفی هی أصالة الإباحة، و فی الجواز الوضعی هی العمومات من أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أحل اللّه البیع، و تجارة عن تراض.
(الوجه الثانی) انک بعدها عرفت تعدد روایة سماعة و کونها روایتین فتنحصر الروایات هنا فی طائفتین، المانعة عن بیع العذرة، و المجوزة لبیعها، و علی هذا فإن أمکن الجمع بینهما بإحدی الوجوه المتقدمة فنأخذ بهما، و إلا فلا بد من الرجوع الی المرجحات الخارجیة لتساوی روایتی سماعة من حیث المرجحات السندیة، و لما کان القول بحرمة بیع العذرة مذهب العامة بأجمعهم فنأخذ بالطائفة المجوزة لبیعها، و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف حیث استبعد حمل الطائفة المانعة عن بیعها علی التقیة، و العجب من الفاضل المامقانی «ره» فإنه وجه کلام المصنف و قال ان مجرد کونه مذهب أکثر العامة لا یفید مع کون فتوی معاصر الإمام الذی صدر منه الحکم هو الجواز کما فیما نحن فیه حیث ان الجواز فتوی أبی حنیفة المعاصر لمن صدر منه أخبار المنع و هو الصادق «ع» فخبر الجواز أولی بالحمل علی التقیة، و وجه العجب ان أبا حنیفة قد أفتی بحرمة بیع العذرة کما عرفت.
و أعجب من ذلک ما نسبه إلیه العلامة فی التذکرة «2» من تجویز بیع السرجین النجس لأن أهل الأمصار یتبایعونه لزروعهم من غیر نکیر، فإنه «ره» مع اطلاعه علی مذهب العامة
______________________________
(1) ج 3 مرآة العقول باب 103 جامع فیما یحل الشراء من المکاسب ص 411.
(2) ص 3 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 51
و آرائهم کیف خفی علیه مذهب أبی حنیفة فی هذه المسألة، نعم لا ینکر تجویز أبی حنیفة «1» بیع العذرة إذا اختلطت بالتراب، و بیع الزبل الذی یسمی بالسرجین، و بیع البعر للانتفاع به و جعله وقودا.
قوله: فروایة الجواز لا یجوز الأخذ بها من وجوه لا تخفی.
أقول الوجوه المشار إلیها فی کلامه هی الإجماعات المنقولة، و الشهرة الفتوائیة، و الروایات العامة المتقدمة، و ضعف سند ما یدل علی الجواز، إلا أنها مخدوشة بأجمعها، و لا یصلح شی‌ء منها لترجیح ما یدل علی المنع أما الإجماعات المنقولة فلیست بتعبدیة، بل مدرکها هی الوجوه المتقدمة، و لو کانت تعبدیة لکانت حجة مستقلة، و ضمها إلی روایة المنع لا یزید اعتبارها بل هی بنفسها لو کانت حجة لوجب الأخذ بها، و إلا فضم الإجماعات إلیها لا یوجب حجیتها.
و أما الشهرة الفتوائیة فهی و إن کانت مسلمة، إلا أن ابتنائها علی روایة المنع ممنوع جدا، فان تلک الشهرة غیر مختصة ببیع العذرة، بل هی جاریة فی مطلق النجاسات، و لو سلمنا ابتنائها علیها لا توجب انجبار ضعف سند الروایة، علی أن ما یوجب ترجیح احدی الروایتین علی الأخری عند المعارضة هی الشهرة فی الروایة دون الشهرة الفتوائیة.
و أما الروایات العامة فقد تقدم الکلام فیها، علی أن النجاسة لم تذکر فی شی‌ء منها إلا فی روایة تحف العقول، و الذی یستفاد منها لیس إلا حرمة الانتفاع بالنجس مطلقا، و هی و إن کانت مانعة عن البیع، إلا انه لم یقل بها أحد، و أما مانعیة النجاسة من حیث هی نجاسة فلا یستفاد من تلک الروایات، و لا من غیرها، نعم لا شبهة فی حرمة الانتفاعات المتوقفة علی الطهارة، و من هنا یظهر الجواب عمن ذهب الی حرمة الانتفاع بالعذرة فی التسمید و نحوه، و تمسک فی ذلک بقوله «ع» فی روایة تحف العقول (أو شی‌ء یکون فیه وجه من وجوه الفساد) بدعوی ان التسمید و نحوه من التصرفات فیها من وجوه الفساد، بل قد ورد فی بعض الروایات [1] جواز طرح العذرة فی المزارع.
و اما تخیل ضعف روایة الجواز من ناحیة السند، ففیه أولا انه محض اشتباه قد نشأ من خلط ابن مضارب بابن مصادف و توهم ان الأول غیر موجود فی کتب الرجال فاسد فإنه مضافا الی کونه مذکورا فیها و منصوصا بحسنه، انه قد اتفقت أصول الحدیث علی نقل
______________________________
[1] قرب الإسناد. عن علی «ع» انه کان لا یری بأسا أن یطرح فی المزارع العذرة.
ضعیفة لأبی البختری وهب بن وهب. راجع ج 3 ئل باب 28 انه لا بأس بطرح العذرة فی المزارع من الأطعمة المحرمة.
______________________________
(1) ج 2 فقه المذاهب الأربعة ص 232.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 52
روایة الجواز عنه، و لم یحتمل فیها نقلها عن ابن مصادف.
و ثانیا ان اختصار الکلینی بنقل روایة الجواز فقط دون غیرها یشیر الی اعتبارها کما هی کذلک لکون رواتها بین ثقات و حسان.

جواز بیع الأرواث

قوله: الأقوی جواز بیع الأرواث الطاهرة.
أقول المشهور بین أصحابنا جواز بیع الأرواث الطاهرة، و فی المستند «1» یجوز الاکتساب بها مطلقا وفاقا للأکثر بل عن السید الإجماع علیه لطهارتها و عظم الانتفاع بها فیشملها الأصل و العمومات، و فی الخلاف «2» سرجین ما یؤکل لحمه یجوز بیعه دلیلنا علی جواز ذلک انه طاهر عندنا و من منع منه فإنما منع لنجاسته و یدل علی ذلک بیع أهل الأمصار فی جمیع الأعصار لزروعهم و ثمارهم و لم نجد أحدا أکره ذلک و لا خلاف فیه فوجب أن یکون جائزا، نعم حکم فی النهایة «3» بحرمة بیع العذرة و الأبوال إلا بول الإبل خاصة فإنه لا بأس بشربه و الاستشفاء به عند الضرورة و فی المراسم «4» حکم بحرمة التکسب بالعذرة و البول إلا بول الإبل خاصة، و کذلک ذهبت الشافعیة «5» إلی نجاسة فضلة مأکول اللحم بلا تفصیل بین الطیور و غیرها، مع ذهابهم «6» الی عدم صحة بیع کل نجس إلا إذا کان مخلوطا بشی‌ء طاهر لا یمکن فصله منه.
و الظاهر انه لا فرق بین العذرة و الأرواث فی جواز البیع و عدمه من جهة مدرک الحکم إلا نجاسة الاولی و طهارة الثانیة، فإن الأخبار الخاصة الواردة فی حرمة بیع العذرة لم تتم کما عرفت، و الاخبار العامة المتقدمة إنما تدل علی حرمة بیع ما یکون منهیا عن أکله فتکون شاملة للارواث و العذرة کلتیهما، و حیث عرفت انه لا یصلح شی‌ء من ذلک لإثبات حرمة بیع العذرة فتعرف عدم جریانه فی الأرواث أیضا، و أما ما فی روایة تحف العقول من قوله «ع»: (أو شی‌ء من وجوه النجس) فلا تدل علی مانعیة النجاسة عن البیع، لما عرفت فی بیع الأبوال أن مقتضی التعلیل المذکور فیها هو کون منافع النجس بأجمعها محرمة، و أما إذا کانت له منفعة محللة فلا تدل الروایة علی حرمة بیعه، إذن فلا وجه لما التزم به شیخنا الأنصاری من التفریق بین العذرة و الأرواث.
و أما دعوی الإجماع علی التفریق بینهما فهی دعوی جزافیة للاطمئنان بأن مدرک المجمعین
______________________________
(1) ج 2 ص 334.
(2) ج 1 ص 225.
(3) باب المکاسب المحظورة.
(4) باب المکاسب.
(5) ج 1 فقه المذاهب ص 12.
(6) ج 2 فقه المذاهب ص 232.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 53
تلک الوجوه المذکورة لمنع بیع العذرة دون الأرواث، و إلا فالإجماع التعبدی الکاشف عن رأی الحجة معلوم العدم، و قیام السیرة علی جواز الانتفاع و المعاوضة لا یختص بالارواث بل یعم العذرة أیضا، کشمول العمومات لهما، و ما فی الجواهر من الاستدلال علی جواز بیع الأرواث فقط بخبر ابن مضارب، و بذیل روایة سماعة، بعد ما حملهما علیها فاسد لما عرفت من انه لا یصح إطلاق العذرة علی الأرواث بوجه، و ان الأرواث فی اللغة [1] لا تطلق إلا علی رجیع ذی الحافر.
و قد یتوهم تحریم بیعها لآیة تحریم الخبائث بدعوی ان عموم التحریم المستفاد من الجمع المحلی باللام یشمل البیع أیضا.
(و فیه) أولا ما أجاب به المصنف من أن المراد من تحریم الخبائث هو تحریم أکلها، لا مطلق الانتفاعات بها.
و ثانیا انه قد تقدم فی بیع الأبوال ان الخبیث عبارة عن مطلق ما فیه نقص و دنائة و لو کان من قبیل الافعال و یرادف فی الفارسیة بلفظ (پلید) فمثل الزنا و الافتراء و الغیبة و النمیمة و غیرها من الأفعال المحرمة التی عبر عنها فی قوله تعالی «1» بالفواحش، من الخبائث أیضا، إذن فلیس المراد من تحریم الخبائث فی الآیة إلا بیان الکبری الکلیة من تحریم ما فیه مفسدة، و أما تشخیص الصغری و بیان ان فی هذا مفسدة أو فی ذاک فخارج عن حدود الآیة، و إلا فیلزم التمسک بالعام فی الشبهات المصداقیة و هو لا یجوز کما نقح فی الأصول، و ان أبیت إلا عن اختصاصها بما یکون الطبع متنفرا عنه، فندفعه بعدم الملازمة بین تحریم الأکل و حرمة البیع، کما سبق فی بیع الأبوال و غیره، إلا إذا کان الأکل من المنافع الظاهرة

جواز بیع الدم نجسا کان أم طاهرا

اشارة

قوله: یحرم المعاوضة علی الدم بلا خلاف.
أقول المشهور بین أصحابنا شهرة عظیمة حرمة بیع الدم النجس کما فی النهایة «2» و المراسم «3» و المبسوط «4» و فی التذکرة «5»
______________________________
[1] فی ج 1 تاج العروس مادة راث ص 626 الروثة واحدة الروث و الأرواث و قد راث الفرس و غیره، و فی المثل أحشک و تروثنی، قال ابن سیده الروث رجیع ذی الحافر و فی التهذیب یقال لکل ذی حافر قد راث یروث روثا. و فی المجمع راث الفرس یروث روثا من باب قال و الخارج روث، و منه الحدیث نهی عن الروث یعنی رجیع ذات الحافر.
______________________________
(1) سورة الأعراف آیة 31: قُلْ إِنَّمٰا حَرَّمَ رَبِّیَ الْفَوٰاحِشَ.
(2) المکاسب المحظورة.
(3) أول المکاسب.
(4) فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح
(5) ج 1 ص 3 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 54
یشترط فی المعقود علیه الطهارة الأصلیة و لو باع نجس العین لم یصح إجماعا.
و علی هذا المنهج ابن الهمام الحنفی فی شرح فتح القدیر «1» و عن المالکیة «2» لا یصح بیع النجس، و عن الحنابلة لا یصح بیع النجس کالدم، و عن الشافعیة لا یصح بیع کل نجس، و عن الحنفیة لا یصح بیع الدم، و فی أخبارهم [1] أیضا شهادة علی ذلک إذا عرفت ذلک فاعلم ان المصنف قد فصل بین الدم النجس فحکم بحرمة المعاوضة علیه للإجماع و الاخبار السابقة أی الروایات العامة، و بین الدم الطاهر فقد قوی جواز المعاوضة علیه إذا فرضت له منفعة محللة کالصبغ و نحوه، لکونه من الأعیان التی یجوز الانتفاع بها منفعة محللة.
(و فیه) انه بعد اشتراکهما فی حرمة الأکل، و جواز الانتفاع بهما منفعة محللة کالصبغ و التسمید و نحوهما، فلا وجه للتفکیک بینهما، و أما النجاسة فقد عرفت مرارا انه لا موضوعیة لها، فلا تکون فارقة بین الدم الطاهر و النجس، و أما الاخبار السابقة فمضافا الی ضعف سندها أنها شاملة لهما، فلو تمت لدلت علی حرمة بیعهما معا و إلا فلا، علی ان المستفاد من روایة تحف العقول هو تحریم مطلق منافع النجس، و حینئذ فإن وفقنا علی ظاهرها فلازمه الإفتاء بما لم یفت به أحد، و ان اقتصرنا علی خصوص تحریم البیع فلا دلیل علیه.
و أما الإجماع فهو لا یختص بالمقام، و إنما هو الذی ادعی قیامه علی حرمة مطلق بیع النجس، و مدرکه هی الوجوه المذکورة لحرمة بیعه من الروایات العامة و غیرها، و إلا فلیس هنا إجماع تعبدی لیکشف عن رأی المعصوم، إذن فلا دلیل علی حرمة بیع الدم سواء کان نجسا أم طاهرا لا وضعا و لا تکلیفا.

وهم و إزالة

و قد استدل علی حرمة بیع الدم مطلقا بمرفوعة أبی یحیی الواسطی [2] فإن فیها نهی
______________________________
[1] عون بن أبی جحیفة قال ان رسول اللّه «ص» نهی عن ثمن الدم. راجع ج 6 سنن البیهقی ص 6 و ج 3 صحیح البخاری باب موکل الربا ص 78.
[2] الواسطی رفعه قال مر أمیر المؤمنین «ع» بالقصابین فنهاهم عن بیع سبعة أشیاء من الشاة نهاهم عن بیع الدم و الغدد و آذان الفؤاد و الطحال و النخاع و الخصی و القضیب فقال له بعض القصابین یا أمیر المؤمنین ما الکبد و الطحال إلا سواء فقال له کذبت یا لکع أتونی بثورین من ماء أنبئک بخلاف ما بینهما فأتی بکبد و طحال و تورین من ماء-
______________________________
(1) ج 5 ص 186.
(2) راجع ج 2 فقه المذاهب ص 231 و ص 232.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 55
علی «ع» عن بیع سبعة منها الدم، فتدل علی ذلک وضعا و تکلیفا بعد ملاحظة انجبارها بالشهرة، بل بعدم الخلاف بین الأصحاب.
(و فیه) أولا انها ضعیفة السند، و غیر منجبرة بعمل المشهور صغری و کبری، و الوجه فی ذلک هو ما تقدم «1» و لا انها منجبرة بعدم الخلاف و إن ذکره المامقانی «ره» فإنه علی تقدیر عدم کونه حجة فضمها لغیر الحجة لا یفید اعتبارها فلا یجوز الاستدلال بها علی حرمة بیع الأمور المذکورة فیها. نعم إذا قلنا بشمول أدلة التسامح فی السنن للمکروهات لا بأس من الالتزام بکراهة بیعها.
(و ثانیا) ان الظاهر من الدم المذکور فی المرفوعة هو الدم النجس الذی تقذفه الذبیحة المسمی بالمسفوح لکثرته و مرسومیة أکله فی زمن الجاهلیة، دون الطاهر المتخلف فیها الذی یباع بتبع اللحوم کثیرا، فإنه من القلة بمکان لم یکن مورد الرغبة لأهل الجاهلیة لینجر ذلک الی أن یمر علی «ع» بالقصابین و ینهاهم عن بیعه، و لعله لذلک لم یذکر اللّه تعالی فی القرآن «2» إلا الدم المسفوح، إذن فالروایة لا تشمل الدم الطاهر فلا تدل علی حرمة بیعه مطلقا لکونها أخص من المدعی.
و لکن یمکن أن یقال ان تعارف أکل الدم النجس و غلبته فی الخارج لا یوجب اختصاص المنع المذکور فی الروایة، بل یعم الدم الطاهر أیضا، و یدل علی ذلک من الروایة ذکر الطحال فیها، فإن الإمام علیه السلام بین کونه من الدم، و فی روایة [1]
______________________________
فقال «ع» شقوا الطحال من وسطه و شقوا الکبد من وسطه ثم أمر «ع» فمر سافی الماء جمیعا فابیضت الکبد و لم ینقص شی‌ء منه و لم یبیض الطحال و خرج ما فیه کله و صار دما کله حتی بقی جلد الطحال و عرقه فقال له هذا خلاف ما بینهما هذا لحم و هذا دم. مرفوعة. راجع ج 2 کا باب 7 من الأطعمة ص 153، و ج 2 التهذیب باب الذبائح ص 300، و ج 11 الوافی باب 15 من المطاعم ص 20، و ج 3 ئل باب 30 ما یحرم من الذبیحة من الأطعمة المحرمة، أقول: النخاع مثلثة الخیط الأبیض فی جوف الفقار ینحدر من الدماغ و یتشعب منه شعب فی الجسم کما فی القاموس، و الخصی کمدی جمع خصیة کمدیة، الغدد کغرف جمع غدة کغرفة لحم أسود یستصحب الشحم، اللکع بضم اللام و فتح الکاف اللثیم و الأحمق، و التور إناء یشرب فیه، و مرس الشی‌ء فی الماء انقاعه فیه و تلیینه بالید.
[1] ابن مرار عنهم «ع» قال: لا یؤکل مما یکون فی الإبل الی أن قال الطحال لانه دم، مجهولة لإسماعیل بن مرار. راجع المصادر المذکورة عند ذکر روایة الواسطی
______________________________
(1) ص 6.
(2) سورة الانعام آیة 146 أَوْ دَماً مَسْفُوحاً.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 56
أخری لأنه دم إلا أنه مع ذلک لا نسلم دلالة المرفوعة علی أزید من حرمة بیعه للأکل فقط تکلیفا، أو وضعا أیضا، کما نبه علی ذلک العلامة الأنصاری «ره» و قال فالظاهر إرادة حرمة البیع للأکل و لا شک فی تحریمه لما سیجی‌ء من أن قصد المنفعة المحرمة فی المبیع موجب لحرمة البیع بل بطلانه، و اما حرمة بیعه لغیر الأکل فلا دلالة علیه من الروایة لا وضعا و لا تکلیفا، و الشاهد لذلک انه لا ریب فی جواز بیع الأمور المذکورة فیها لغیر الأکل کإطعام الحیوان و نحوه.

تذکرة

ربما یتوهم ان بیع الدم لما کان اعانة علی الإثم فیکون محرما لذلک، و فیه مضافا الی ما سیأتی من عدم الدلیل علی حرمتها، ان النسبة بینها و بین بیع الدم هو العموم من وجه، فإنه قد یشتریه الإنسان لغیر الأکل کالصبغ و التسمید و نحوهما، فلا یلزم منه إعانة علی الإثم بوجه، و علی تقدیر کونه اعانة علی الإثم فالنهی إنما تعلق بعنوان خارج عن البیع فلا یدل علی الفساد.

تذکرة اخری

قد استدل العلامة المامقانی علی حرمة بیعه بما دل من الکتاب «1» و السنة «2» علی تحریم الدم بضمیمة قوله «ع» ان اللّه إذا حرم شیئا حرم ثمنه.
(و فیه) مضافا الی ما تقدم فی النبوی، ان المراد من تحریم الدم فی الکتاب و السنة إنما هو تحریم أکله و قد عرفت مرارا انه لا ملازمة بینه و بین حرمة الثمن.

[فی حرمة بیع المنی]

قوله: الرابعة لا إشکال فی حرمة بیع المنی.
أقول قبل التعرض لبیان جهات المسألة و أحکامها لا بد و أن یعلم ان المنی إنما یطلق علی ما خرج من المخرج و أریق کما ذکره بعض
______________________________
(1) سورة البقرة آیة 169 إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةَ وَ الدَّمَ. و سورة المائدة آیة 5 حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ.
(2) راجع ج 11 الوافی ص 20، و ج 3 ئل باب 30 ما یحرم من الذبیحة من الأطعمة المحرمة، و ج 2 کا ص 153، و ج 2 التهذیب ص 300.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 57
أهل اللغة [1] فی وجه تسمیته، و هذا بخلاف عسیب الفحل فان له معان عدیدة، و الذی یناسب منها المقام أربعة، الطروقة، و ماء الفحل فی الأصلاب، و اجرة الضراب، و إعطاء الکراء علی الضراب، فإن أرید منه المعنیین الأخیرین فیکون ذلک بنفسه موردا للنهی فی الروایات الناهیة عنه، و ان أرید المعنیین الأولین فیکون الذی فی الحدیث بتقدیر المضاف، فالتقدیر فی نهی رسول اللّه، ص عن عسیب الفحل انه نهی عن بیعه أو عن کرائه، و قد نص علی ذلک کثیر من اللغویین [2] و لکن الغرض فی ما نحن فیه هو الکسب کما أشیر إلیه فی النبوی الآتی و لعل الوجه فی افراد المصنف و بعض آخر عسیب الفحل عن المنی هو الفرق المذکور بینهما.
______________________________
[1] و فی المصباح المنی معروف، و امنی الرجل أمناء أراق منیه. و فی المجمع قوله تعالی مِنْ نُطْفَةٍ إِذٰا تُمْنیٰ قیل أی تدفق فی الرحم یقال أمنی الرجل یمنی إذا أنزل المنی، و منی کإلی موضع بمکة فقیل سمی به لما یمنی من الدماء أی یراق. و فی ج 10 تاج العروس ص 348 استمنی طلب خروجه و استدعاء.
[2] فی ج 1 تاج العروس ص 380 العسب ضراب الفحل و طرقه، أو العسب ماؤه أی الفحل فرسا کان أو بعیرا، أو نسله یقال قطع اللّه عسبه أی ماؤه و نسله، و العسب الولد، و العسب إعطاء الکراء علی الضراب، و هو أیضا اسم للکراء الذی یؤخذ علی ضرب الفحل، و الفعل کضرب یقال عسب الفحل الناقة یعسبها عسبا إذا طرقها، و عسب الفحل یعسبه إذا أکراه، و هو منهی عنه فی الحدیث، أو ان الذی فی الحدیث بحذف المضاف تقدیره نهی عن کراء عسب الفحل، و إنما نهی عنه للجهالة.
و فی المجمع عسیب الفحل اجرة ضرابه، و منه نهی عن عسیب الفحل، و عسیب الفحل ماؤه فرسا کان أو بعیرا أو غیرهما، و لم ینه عنه و إنما أراد النهی عن الکراء الذی یؤخذ علیه للجهالة.
و عن الجمهرة نهی عن عسب الفحل أی لا یؤخذ لضرابه کراء. و عن نهایة ابن الأثیر نهی عن عسب الفحل عسب الفحل ماؤه، و عسبه أیضا ضرابه، و إنما أراد النهی عن الکراء. و عن فائق الزمخشری النبی ص نهی عن عسب الفحل أی عن کراء قرعه، و العسب القرع، و الفرق بینه و بین الملاقیح ان المراد بها النطفة بعد استقرارها فی الرحم، و العسب الماء قبل استقرارها. و عن المصباح عسب الفحل الناقة عسبا من باب ضرب طرقها، و عسبت الرجل عسبا أعطیته الکراء علی الضراب، و نهی عن عسب الفحل و هو علی حذف مضاف و الأصل عن کراء عسب الفحل.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 58
ثم ان تحقیق الکلام فی هذه المسألة یقع فی ثلاث جهات: الاولی فی بیع المنی إذا وقع فی خارج الرحم، و الثانیة فی بیعة بعد وقوعه فیه و یسمی بالملاقیح، و الثالثة فی بیع ماء الفحول فی أصلابها و یسمی بعسیب الفحل.
أما الجهة الأولی فحکم المصنف بحرمة بیعه لنجاسته، و عدم الانتفاع به إذا وقع فی خارج الرحم، و کذلک یحرم بیعه عند کل من یری النجاسة مانعة عن البیع، و منهم المالکیة و الحنابلة «1» غیر الشافعیة فإنهم و إن ذهبوا الی مانعیة النجاسة عن البیع إلا انهم یرون طهارة المنی فی بعض الصور [1] أما النجاسة فظهر ما فی مانعیتها عن البیع من المسائل المتقدمة، و اما عدم الانتفاع به فمانعیته عنه تتوقف علی أمرین: الأول إثبات حرمة الانتفاع به إذا وقع فی خارج الرحم، و الثانی اعتبار المالیة فی البیع، فبانتفاء أحدهما یثبت جواز بیعه، و حیث عرفت و ستعرف عدم اعتبار المالیة فیه فیحکم بجواز بیعه فی هذه الصورة، علی انه لو تم ذلک لمنع عن بیعه وضع فقط کما هو واضح.
و اما الجهة الثانیة ففی التذکرة «2» لا نعرف خلاف بین العلماء فی فساد بیع الملاقیح للجهالة و عدم القدرة علی التسلیم.
و لکن التحقیق أن یقال انه ان قلنا بتبعیة النماء للحیوان کما هو الحق فبمجرد وقوع المنی فی الرحم یصیر ملکا لمالک الحیوان بالتبعیة لکونه جزء منه، کما کان قبل ذلک جزء من الفحل و ملکا لمالکه بالتبع، و علی هذا فلا یجوز بیعه لا من صاحب الأنثی، و لا من غیره، و ان قلنا بعدم الجزئیة و التبعیة، بل بکونه کالبذر المغروس فی أرض الغیر، فالظاهر جواز بیعه مطلقا سواء کان من صاحب الأنثی أو من غیره حتی بناء علی اعتبار المالیة فی العوضین، لکونه ما لا فی هذه الصورة فتجوز المعاوضة علیه، و أما منع جواز بیعه حینئذ لنجاسته کما فی المتن فمن العجائب کیف فإنها منتفیة قطعا إذا خرج من الباطن الی الباطن، علی انها لو کانت مانعة لمنعت عن بیعه لأجل المنافع التی تتوقف علی عدمها لا مطلقا علی انک عرفت عدم مانعیتها عن البیع، و ستعرف اعتراف المصنف بذلک فی بیع المیتة فإنه قال
______________________________
[1] الشافعیة قالوا بطهارة منی الآدمی حیا و میتا إن خرج بعد استکمال السن تسع سنین و لو خرج علی صورة الدم إذا کان خروجه علی هذه الحالة من طریقة المعتاد و إلا فنجس و قیس علیه منی خرج من حی غیر آدمی لأنه أصل للحیوان الطاهر إلا منی الکلب راجع ج 1 فقه المذاهب ص 13.
______________________________
(1) ج 3 فقه المذاهب ص 331 و ص 232.
(2) ج 1 ص 7 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 59
فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البیع لو لا الإجماع علی حرمة بیع المیتة.
و اما الجهالة و عدم القدرة علی التسلیم فلا تکونان مانعتین عن بیع الملاقیح، لأنها لا تختلف قیمتها باختلاف الکم و الکیف، و أن تسلیم کل شی‌ء بحسب حاله و هو فی المنی وقوعه فی الرحم فهو حاصل علی الفرض، و بعبارة اخری ان الجهالة و عدم القدرة علی التسلیم إنما تمنعان عن البیع لأجل الغرر المنهی عنه فی البیع کما یأتی فی البیع الغرری، ففی بیع الملاقیح لیس غرر لا من ناحیة الجهالة و لا من ناحیة عدم القدرة علی التسلیم.
و لکن الذی یسهل الخطب ان السیرة القطعیة من العقلاء و المتشرعة قائمة علی تبعیة النتاج للأمهات فی الحیوانات، و قد أمضاها الشارع فلا یمکن التخطی عنها، کما ان الولد للفراش فی الإنسان بالنص و الإجماع القطعیین، و من هنا یعاملون مع نتاج الحیوانات معاملة الملک حتی مع العلم بأن اللقاح حصل من فحل شخص آخر، و إلا فکان اللازم علیهم اما رد النتاج الی صاحب الفحل ان کان معلوما أو المعاملة معه معاملة مجهول المالک ان کان المالک مجهولا و هذا شی‌ء لا یتفوه به ذو مسکة، و اما دعوی الإجماع التعبدی علی البطلان فدعوی جزافیة بعد العلم و لا أقل من الاحتمال بکونه مستندا الی الوجوه المذکورة لبطلان بیع الملاقیح و قیاس ذلک بالبذر المغروس فی أرض الغیر باطل بعد قیام الدلیل علی الفرق.
و أما الجهة الثالثة فقد وقع الخلاف بین الفقهاء فی حرمة بیع عسیب الفحل، قال فی التذکرة بعد کلامه المتقدم فی الجهة الثانیة یحرم بیع عسیب الفحل و هو نطفته لانه غیر متقوم و لا معلوم و لا مقدور علیه و لا نعلم فیه خلافا. و قال فی الخلاف «1» اجارة الفحل للضراب مکروه و لیس بمحظور و عقد الإجارة علیه غیر فاسد، ثم ادعی الإجماع علی الکراهة. و فی المستند «2» حکم بکراهة أجرة الضراب و حمل علیها الاخبار الناهیة عنها للإجماع و هکذا وقع الخلاف فی ذلک بین العامة [1].
______________________________
[1] فی ج 1 الخلاف ص 222 قال مالک یجوز و لم یکرهه، و قال أبو حنیفة و الشافعی ان الإجارة فاسدة، و الأجرة محظورة.
و فی ج 3 فقه المذاهب ص 169 عن الحنفیة و أما الأعیان التی لا یصح استئجارها باتفاق فمنها نزو الذکور من الحیوانات علی إناثها، فلا یحل لأحد أن یؤجر ثورة لیحبل بقرة غیره و لا یؤجر حماره لیحبل حمارة الغیر و هکذا، لأن إحبال الحیوان غیر مقدور علیه فلا یصح
______________________________
(1) ج 1 ص 222.
(2) ج 2 ص 330.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 60
ثم ان تحقیق هذه الجهة یقع فی مقامین: الأول من حیث القواعد و الثانی بحسب الروایات أما الأول فقد استدل علی بطلان المعاملة علی عسیب الفحل بالبیع أو بالإجارة بوجوه الأول بجهالته. و فیه انه لم یرد نص و لا انعقد إجماع علی اعتبار العلم بعوضی المعاملة لیلزم من جهالتهما بطلانها بل إنما نعتبر ذلک فیها من جهة الغرر المرتفع بالعلم بالطروقة و الاجتماع فان الغرض من المعاملة علی عسیب الفحل هو ذلک.
الثانی بعدم القدرة علی التسلیم بدعوی أن إحبال الحیوان غیر مقدور علیه فلا تصح الإجارة علیه لان ذلک لیس فی وسعه و الموجود فی أصلاب الفحول أیضا غیر مقدور علی تسلیمه فلا یصح بیعه. و فیه ان اعتبار ذلک فی المعاملة أیضا من جهة الغرر فحیث کان النظر فی ذلک الی الطروقة و الاجتماع فیرتفع الغرر عنها فان تسلیم کل شی‌ء بحسبه کما عرفت فی الجهة الثانیة و الثالث بعدم کون ما فی أصلاب الفحول مالا لکونه ماء مهینا لا قیمة له فیکون العقد علیه باطلا، و فیه مضافا الی عدم اعتبار المالیة فی عوضی المعاملة. أن قوامها إنما هو باعتبار العقلاء و رغبتهم، فلا شبهة فی ترتب الغرض المهم علی ما فی أصلاب الفحول، علی انه لو تم شی‌ء من تلک الوجوه لدل علی الحرمة الوضعیة دون التکلیفیة، و أما توهم مانعیة النجاسة عنها هنا لتکون دلیلا علی الحرمة التکلیفیة فما لا یصغی إلیه، فإنه مع تسلیم مانعیتها عن المعاملة فلا دلیل علی نجاسة ما فی الأصلاب.
و أما المقام الثانی فالروایات الواردة هنا علی طائفتین: الأولی [1] تدل علی حرمة بیع
______________________________
تاجیره. و فی ص 194 عن الحنابلة و من الأشیاء التی لا تصح إجارتها ذکور الحیوانات التی تستأجر لإحبال انثاها، فلا یحل استئجار ثور لیحبل بقرة، و لا جملا لیحبل ناقة و هکذا، لأن المقصود من ذلک إنما هو منیه و هو محرم لا قیمة له فلا یصح الاستئجار علیه.
و فی ج 2 سبل السلام للصنعانی ص 329 و عن ابن عمر قال نهی رسول اللّه ص عن عسب الفحل و فیه و فیما قبله دلیل علی تحریم استئجار الفحل للضراب و الأجرة حرام، و ذهبت جماعة من السلف إلی انه یجوز ذلک إلا انه یستأجره للضراب مدة معلومة أو تکون الضرابات معلومة، و حملوا النهی علی التنزیه و هو خلاف أصله.
و فی ج 15 المبسوط لمحمد الشیبانی ص 83 و المراد بعسب التیس أخذ المال علی الضراب و هو إنزاء الفحول علی الإناث و ذلک حرام. و فی ج 16 ص 41 و إذا استأجر فحلا لینزیه لم یجز.
[1] فی حدیث ان رسول اللّه ص نهی عن خصال تسعة عن عسیب الدابة یعنی کسب الفحل. و عن خاتم الذهب و عن لبوس ثیاب القسی و هی ثیاب ینسج بالشام. ضعیفة لأبی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 61
عسیب الدابة و إکرائها علی الضراب، و ان ثمن ذلک سحت، و یدل علیه بعض الروایات من طرق العامة أیضا [1].
________________________________________
خویی، سید ابو القاسم موسوی، مصباح الفقاهة (المکاسب)، 7 جلد، ه ق

مصباح الفقاهة (المکاسب)؛ ج‌1، ص: 61
الثانیة [2] تدل علی جواز إکراء التیوس و نفی البأس عن أخذ اجورها، فمقتضی الجمع بینهما هو حمل الطائفة الأولی المانعة علی الکراهة، و لا یمنع عن ذلک إطلاق السحت علی ثمن عسیب الفحل فی روایة الجعفریات، فإنک قد عرفت فی بیع العذرة إطلاقه علی الکراهة الاصطلاحیة فی مواضیع شتی.
لا یقال ان النبوی و روایة الجعفریات بنفسهما ظاهرتان فی الکراهة المصطلحة لاشتمالهما علی ما لیس بمحرم قطعا، فإنه ذکر المنع فی الجعفریات عن بیع جلود السباع و أجر القاری مع أنهما لیسا بمحرمین جزما، و فی النبوی نهی عن لبس ثیاب ینسج بالشام مع عدم ثبوت حرمته، علی أن النبوی کمرسلة الصدوق و دعائم الإسلام و المنقول من طرق العامة ضعیفة السند.
فإنه یقال إن ثبوت الترخیص فی بعض الأمور المذکورة فیهما بدلیل خارجی لا یوجب ثبوته فی غیره، کیف و قد ثبت فی الشرعیة المقدسة استحباب بعض الأغسال کغسل الجمعة
______________________________
الخطاب راشد المنقری و أبی عروبة. راجع ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به، و ج 23 البحار ص 14، الصدوق قال نهی رسول اللّه عن عسیب الفحل و هو أجر الضراب، مرسلة، راجع ج 2 ئل باب 39 کراهة اجرة فحل الضراب مما یکتسب به، و ج 10 الوافی باب 31 ص 31 و الفقیه ص 271، و فی ج 2 المستدرک ص 426 عن الجعفریات عن علی (ع) قال من السحت ثمن اللقاح و عسب الفحل و جلود السباع. موثقة.
و فی ج 2 المستدرک ص 427 دعائم الإسلام ان رسول اللّه ص نهی عن عسب الفحل.
[1] ابن عمر قال نهی النبی ص عن عسب الفحل، راجع ج 3 صحیح البخاری باب عسب الفحل من الإجارات ص 123، و فی ج 2 سبل السلام ص 328 عن جابر قال نهانا رسول اللّه ص عن بیع ضراب الجمل، و فی ج 15 المبسوط للشیبانی ص 83 عن أبی نعیم عن بعض أصحاب النبی ص ان رسول اللّه نهی عن عسب التیس. و فی ج 6 السنن الکبری للبیهقی ص 6 عن أبی هریرة نهی عن عسب الفحل
[2] حنان بن سدیر قال دخلنا علی أبی عبد اللّه (ع) و معنا فرقد الحجام فقال له ان لی تیسا أکریه فما تقول فی کسبه قال کل من کسبه فإنه لک حلال. ضعیفة لسهل بن زیاد.
معاویة بن عمار عن أبی عبد اللّه (ع) فی حدیث قال قلت له أجر التیوس قال ان کانت العرب لتعایر به و لا بأس. موثقة. راجع ج 2 ئل باب 39 کراهة اجرة فحل الضراب مما یکتسب به، و ج 10 الوافی ص 31، و ج 1 کا ص 360 و ج 2 التهذیب ص 107.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 62
و العیدین و غیرهما مع انها ذکرت فی جملة من الروایات [1] فی عداد الأغسال الواجبة کغسل الجنابة و المیت و مس المیت، نعم لم تثبت من تلک الروایات المانعة إلا وثاقة روایة الجعفریات علی ان النهی عن بیع عسیب الفحل فی النبوی لا یوجب حرمة المعاملة وضعا بل التکسب به حرام تکلیفا، و الشاهد علی ذلک ان فی الروایة نهی عما هو حرام بذاته مثل ثمن الکلب و ما هو حرام بالعرض مثل خاتم الذهب فإنه لیس بذاته من المحرمات بل لبسه و التختم به حرام ثم لا وجه لحمل الطائفة المانعة علی التقیة لما عرفت من کون المسألة محل الخلاف بین العامة أیضا
______________________________
[1] عبد اللّه بن سنان عن أبی عبد اللّه (ع) قال ان الغسل فی أربعة عشر موطنا غسل المیت و غسل الجنب و غسل من غسل المیت و غسل الجمعة و العیدین الخبر. راجع ج 1 ئل باب 1 حصر أنواع الأغسال من أبواب الأغسال المسنونة.

جواز الانتفاع بالمیتة و حرمة بیعها

اشارة

قوله: یحرم المعاوضة علی المیتة.
أقول

تحریر هذه المسألة فی مقامین

اشارة

و قد خلط المصنف بینهما، الأول فی جواز الانتفاع بالمیتة، و الثانی فی حرمة بیعها، و تقدیم الأول للبحث عنه أول من تقدیم الثانی و إن عکسه المصنف.

أما المقام الأول [فی جواز الانتفاع بالمیتة]

فإن مقتضی الأصل الأولی هو جواز الانتفاع بالمیتة إلا أن المشهور إنما هی حرمة الانتفاع بها ففی النهایة «1» بیع المیتة و التصرف فیها و التکسب بها حرام، و فی المراسم «2» التصرف فی المیتة ببیع و غیره حرام، و فی الجواهر لا یجوز الانتفاع بشی‌ء من المیتة مما تحله الحیاة فضلا عن التکسب، و علیه فتاوی أکثر العامة [1].
ثم ان المهم هنا صرف عنان الکلام الی الروایات الخاصة الواردة فی ذلک و هی علی طائفتین الأولی تدل علی حرمة الانتفاع بالمیتة، و الثانیة علی جواز الانتفاع بها.
أما الطائفة الأولی فهی متظافرة، منها مکاتبة قاسم الصیقل [2] فإنه سأل الإمام «ع»
[1] فی ج 5 شرح فتح القدیر ص 203 منع عن بیع جلود المیتة قبل أن تدبغ لأنها غیر منتفع بها و تمسک فی ذلک بقوله ص: لا تنتفعوا من المیتة بإهاب.
و فی ج 2 سبل السلام ص 317 نسب إلی الأکثر انه لا ینتفع من المیتة بشی‌ء إلا بجلدها إذا دبغ ثم حکم بحرمة بیعها لتحریمها.
[2] قال کتبت الی الرضا (ع) انی أعمل أغماد السیوف من جلود الحرم المیتة فیصیب
______________________________
(1) فی المکاسب المحظورة.
(2) فی أول المکاسب.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 63
عن جواز جعل أغماد السیوف من جلود الحمر المیتة. فکتب «ع» فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس، فإن مفهومها یدل علی حرمة الانتفاع بجلود غیر الذکی، و فیه مضافا إلی ضعف سندها، أن مناط المنع فیها عن عمل أغماد السیوف من جلود الحمر المیتة، لیس إلا من جهة إصابتها الثوب الذی یصلی فیه السائل، و من هنا أمره الرضا (ع) بأن یتخذ ثوبا لصلاته، و أما أصل الانتفاع بها بعمل الاغماد منها فهو مسکوت عنه فیبقی تحت أصالة الإباحة، بل یمکن أن یقال أن الروایة تدل علی جواز الانتفاع بالمیتة، و ذلک لأن السؤال فیها إنما وقع عن أمرین: أحدهما عمل الأغماد من جلود الحمر المیتة، و الثانی اصابتها الثوب فجوابه (ع) عن الثانی دون الأول لیس إلا تقریرا لجواز الانتفاع بالمیتة، و إلا فکان سکوته عنه مع کونه فی مقام البیان مخلا بالمقصود، و من هنا یعلم الوجه فی قول أبی جعفر الثانی (ع) (فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس) إذن فلا بد من جعلها من جملة ما یدل علی جواز الانتفاع بها دون العکس.
و منها روایة الوشاء [1] فإنه (ع) قد منع فیها عن استصباح الالیات المبانة من الغنم الحی فإنه یستلزم اصابتها الید و الثواب و هو حرام.
(و فیه) انه لما لم یکن اصابة الید و الثوب للمیتة، و سائر النجاسات، بل تلویث تمام البدن فهما، حراما قطعا، فلا بد إما من أخذ التحریم فی قوله ع (و هو حرام) إرشادا إلی النجاسة کما فی الحدائق، أو إلی المانعیة عن الصلاة، أو إلی صورة المعاملة معها معاملة المذکی بل عدم تعرضه ع لحکم الانتفاع بها بالاستصباح المسئول عنه، و تصدیه لبیان نجاستها أو مانعیتها عن الصلاة أدل دلیل علی جواز الانتفاع بها دون العکس، سلمنا ذلک و لکن
______________________________
ثیابی فأصلی فیها فکتب (ع) إلی اتخذ ثوبا لصلاتک فکتبت الی أبی جعفر الثانی (ع) إلخ فکتب (ع) فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس. ضعیفة لقاسم و معلی البصری.
راجع ج 1 ئل باب 49 انه لا یستعمل من الجلود و باب 34 نجاسة المیتة من أبواب النجاسات و ج 1 کا ص 113 و ج 4 الوافی ص 32.
[1] الحسن الوشاء قال سألت أبا الحسن (ع) فقلت جعلت فداک ان أهل الجبل تثقل عندهم ألیات الغنم فیقطعونها فقال حرام هی- فی الوافی هی میت- فقلت جعلت فداک فیستصبح بها فقال: أما علمت انه یصیب الید و الثوب و هو حرام. ضعیفة لمعلی البصری.
المراد بالحرام الأول هو الحرام الاصطلاحی. راجع ج 3 ئل باب 31 ان ما قطع من ألیات الغنم من الأطعمة المحرمة، و ج 2 کا ص 154، و ج 2 التهذیب ص 301، و ج 11 الوافی ص 20.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 64
لا بد من الاقتصار فیها علی موردها أعنی صورة اصابتها الید و الثوب، إلا أن یتمسک فی غیر موردها بعدم القول بالفصل. نعم و فی دلالة الروایات المرویة عن الکاهلی [1] و علی بن المغیرة [2] و الجرجانی [3] و سماعة [4] و غیرها [5] علی حرمة الانتفاع بالمیتة غنی و کفایة، و قد ذکر ذلک فی أحادیث أهل السنة [6] أیضا.
______________________________
[1] سأل رجل أبا عبد اللّه (ع) و کنت عنده یوما عن قطع ألیات الغنم الی أن قال (ع) إن فی کتاب علی (ع) أن ما قطع منها میت لا ینتفع به. ضعیفة سهل بن زیاد. راجع ج 3 ئل باب 30 ان ما قطع من الأعضاء من أبواب الذبائح، و الفقیه ص 302، و ج 2 یب ص 301، و ج 2 کا ص 153، و ج 11 الوافی ص 20.
[2] قال قلت. لأبی عبد اللّه (ع) جعلت فداک المیتة ینتفع منها بشی‌ء فقال لا. الخبر.
موثقة. راجع ج 1 کا باب 60 اللباس من الصلاة ص 111، و ج 1 ئل باب 61 عدم طهارة جلد المیتة من أبواب النجاسات، و ج 3 ئل باب 33 تحریم استعمال جلد المیتة من الأطعمة المحرمة، و ج 2 کا ص 155، و ج 11 الوافی ص 19.
[3] عن أبی الحسن (ع) قال کتبت إلیه أسأله عن جلود المیتة التی یؤکل لحمها ذکیا فکتب (ع) لا ینتفع من المیتة بإهاب و لا عصب. الخبر. ضعیفة لمختار بن محمد بن المختار، راجع ج 3 ئل باب 32 ما لا یحرم الانتفاع به من المیتة من الأطعمة المحرمة، و ج 11 الوافی ص 19، و ج 2 کا ص 155، و فی القاموس الإهاب ککتاب الجلد أو ما لم یدبغ ج آهبة، و فیه أیضا العصب محرکة أطناب المفاصل و عصب اللحم کفرح کثر عصبه.
[4] قال سألته عن جلود السباع أ ینتفع بها فقال إذا رمیت و سمیت فانتفع بجلده و أما المیتة فلا. موثقة. راجع ج 2 التهذیب ص 302، و ج 3 ئل الباب 33 المتقدم من الأطعمة المحرمة، و ج 1 ئل باب 49 انه لا یستعمل من الجلود، من النجاسات، و ج 11 الوافی ص 20
[5] فی ج 3 المستدرک ص 77 عوالی اللئالی صح عنه ص انه قال لا تنتفعوا من المیتة بإهاب و لا عصب. و مرسلة.
و فی دعائم الإسلام عن علی (ع) قال سمعت رسول اللّه ص یقول لا ینتفع من المیتة بإهاب و لا عظم و لا عصب.
[6] عن رسول اللّه ص أن لا تنتفعوا من المیتة بإهاب و لا عصب.
و فی روایة اخری، أن لا تستمتعوا، راجع ج 1 السنن الکبری للبیهقی ص 14 و ص 15 و أخرج أیضا أحادیث أخر تدل علی جواز الانتفاع بجلود المیتة بعد الدبغ و ذلک لذهابهم الی طهارتها به.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 65
و أما الطائفة الثانیة فهی أیضا کثیرة مستفیضة منها روایتی الصیقل و الوشاء المتقدمتین و منها روایة أبی القاسم الصیقل و ولده [1] و قد ظهر وجه الاستدلال بها من روایة الصیقل المتقدمة، علی أن إصرار السائل فی هذه الروایة علی الجواب بقوله (و نحن محتاجون الی جوابک فی هذه المسألة یا سیدنا لضرورتنا إلیها) أدل دلیل علی جواز الانتفاع بالمیتة، فإن سکوته (ع) عن حکم المسألة مع إصرار السائل علی الجواب تقریر علی ذلک بلا ارتیاب.
و منها روایة البزنطی [2] التی تدل علی جواز الاستصباح بما قطع من ألیات الغنم.
و منها [3] ما عن علی بن الحسین (ع) فإنه کان یلبس الفرو المجلوب من العراق و ینزعه وقت الصلاة، ففعله هذا یدل علی جواز الانتفاع بالمیتة إلا فیما یکون مشروطا بالطهارة، و الوجه فی کون ذلک الفرو العراقی من جلود المیتة هو نزعه فی الصلاة، إلا أن یقال ان
______________________________
[1] قال کتبوا الی الرجل «ع» جعلنا اللّه فداک انا قوم نعمل السیوف و لیست لنا معیشة و لا تجارة غیرها و نحن مضطرون إلیها و إنما علاجنا من جلود المیتة من البغال و الحمیر الأهلیة لا یجوز فی أعمالنا غیرها فیحل لنا عملها و شرائها و بیعها و مسها بأیدینا و ثیابنا و نحن نصلی فی ثیابنا و نحن محتاجون الی جوابک فی هذه المسألة یا سیدنا لضرورتنا إلیها فکتب «ع» اجعلوا ثوبا للصلاة. مجهولة لأبی القاسم الصیقل. راجع ج 2 التهذیب ص 113، و ج 10 الوافی ص 42.
[2] محمد بن إدریس فی آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطی صاحب الرضا «ع» قال سألته عن الرجل تکون له الغنم یقطع من ألیاتها و هی أحیاء أ یصلح له أن ینتفع بما قطع قال نعم یذیبها و یسرج بها و لا یأکلها و لا یبیعها. موثقة. راجع ج 2 ئل باب 33 جواز بیع الزیت مما یکتسب به.
[3] عن أبی بصیر قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الصلاة فی الفراء فقال کان علی بن الحسین «ع» رجلا صردا لا تدفئه فراء الحجاز لأن دباغتها بالقرظ فکان یبعث الی العراق فیؤتی مما قبلهم بالفرو فیلبسه فإذا حضرت الصلاة ألقاه و ألقی القمیص الذی تحته الذی یلیه فکان یسأل عن ذلک فقال ان أهل العراق یستحلون لباس الجلود المیتة و یزعمون ان دباغه ذکاته. ضعیفة لمحمد بن سلیمان الدیلمی. راجع ج 1 کا باب 60 اللباس من الصلاة ص 110 و ج 1 التهذیب ص 193، و ج 1 ئل باب 61 عدم طهارة جلد المیتة من أبواب النجاسات و ج 5 الوافی ص 67، و فی القاموس صرد کفرح وجد البرد سریعا، و فیه أیضا الدفؤ بالکسر و یحرک نقیض حدة البرد و أدفأه ألبسه الدفاء، و فیه أیضا القرظ محرکة ورق السلم و أدیم مقروظ دبغ به.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 66
لبسه سلام اللّه علیه إنما کان فی مورد الأخذ من ید المسلم و معه یحکم بالتذکیة و عدم کون الجلد من المیتة، إذن فلان مانع من الصلاة فیه فضلا عن لبسه فی غیرها، فلا مناص من حمل فعله علیه السلام علی الاحتیاط من جهة عدم اقتران صلاته التی هی معراج المؤمن بلبس المیتة الواقعیة، و علیه فلا تبقی للروایة دلالة علی جواز الانتفاع بالمیتة فی نفسها، إلا أن یقال ان الاحتیاط إنما یجری فی حق من کان جاهلا بالأحکام الواقعیة و الموضوعات الخارجیة و أما العالمین بالواقعیات بل بحقائق الأشیاء، و الأمور الکائنة و العوالم الکونیة، فلا یجری الاحتیاط فی حقهم کالأئمة المعصومین علیهم السلام.
علی ان العمل بالاحتیاط یقتضی أن لا یلبسه فی غیر حال الصلاة أیضا. فإن الانتفاع بالمیتة لو کان حراما فإنما هو حرام واقعی تکلیفی فلا یختص بحال الصلاة فقط، نعم ان ما یختص بالصلاة هی الحرمة الوضعیة و أنها تبطل إذا وقعت فی المیتة، إلا أن یتوهم أن عمدة غرضه «ع» من ذلک الاحتیاط هو انخفاظ صلاته عن احتمال البطلان، و اما الاحتیاط فی غیر حال الصلاة فلیس بمحط لنظره «ع» و لکنه مما لا یمکن التفوه به فی حق الملتزم بالشرع من غیر المعصومین فکیف ممن کان معدن العصمة، إلا أن الذی یسهل الخطب أن الروایة ضعیفة السند فلا تکون قابلة للبحث عن دلالتها علی المطلوب و عدمها.
و منها روایة سماعة [1] فإنها تدل علی جواز الانتفاع بالکیمخت و هو جلد المیتة إذا کان مملوحا.
إذا عرفت هاتین الطائفتین المانعة عن جواز الانتفاع بالمیتة و المجوزة له فتعرف وقوع المعارضة بینهما، و بما ان هذه الروایات المجوزة لذلک صریحة فی جواز الانتفاع بها فی غیر ما اشترطت فیه التذکیة، فنرفع الید بها عن ظهور تلک الروایات المانعة، فتقید بغیر ذلک و بصورة الانتفاع بها مثل المذکی، أو تحمل الطائفة المانعة علی الکراهة کما هو مقتضی الجمع العرفی بین الدلیلین المتنافیین، و یدل علی الوجه الأول من الطائفة المرخصة خبر أبی القاسم الصیقل، فان فیه قرر الامام «ع» جواز الانتفاع بجلود المیتة فی غیر الصلاة حیث أمر السائل باتخاذ الثوب لصلاته، و أما دعوی اختصاص موارد الطائفة المجوزة بالجلود و الالیات فهی دعوی جزافیة لعدم القول بالفصل فی أجزاء المیتة قطعا.
(تلویح) قد توهم بعضهم حملها علی التقیة لتخیل ذهاب العامة إلی جواز الانتفاع بها.
______________________________
[1] قال سألته عن جلد المیتة المملوح و هو الکیمخت فرخص فیه الخبر. موثقة.
راجع ج 3 ئل باب 33 تحریم استعمال جلد المیتة من الأطعمة المحرمة، و ج 11 الوافی ص 20. و ج 2 التهذیب ص 302.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 67
و فیه انک عرفت فی أول المسألة تصریح بعضهم بذهاب أکثرهم إلی حرمة الانتفاع بالمیتة.
حتی بجلودها قبل الدبغ، و قد ورد ذلک فی أخبارهم أیضا کما عرفت عند التعرض للطائفة المانعة، و من هنا منعوا عن بیع المیتة و جلودها قبل الدبغ و أیضا عللوا «1» حرمة بیع المیتة بانعدام رکن البیع فیه الذی هو مبادلة مال بمال بدعوی أنها لا تعد ما لا عند من له دین سماوی فلو کان الانتفاع بها جائزا عندهم لما تفوهوا بذلک التعلیل العلیل لدوران مالیة الأشیاء وجودا و عدما مدار جواز الانتفاع بها و حرمته.
(تلویح آخر) قال المحقق الایروانی «ره» و أحسن جمع بینها و بین الطائفة المانعة عن الانتفاع حمل المانعة علی صورة التلویث.
و فیه أنک قد عرفت عند التکلم فی روایة الوشاء أن تلویث الید بل تلویث جمیع البدن بالنجاسات لیس من المحرمات، إذن فلا وجه لحمل الطائفة المانعة علی صورة التلویث، و أما ما تخلیة بعضهم من تخصیص المجوزة بالأجزاء التی لا تحلها الحیاة کالصوف و القرن و الانفحة و الناب و الحافر و غیرها من کل شی‌ء یفصل من الشاة و الدابة فهو ذکی، و حمل المانعة علی غیرها، فهو تخیل فاسد و ذلک لأن صدق المیتة علیها ممنوع جدا، علی أن هذا الجمع منافع لصراحة ما یدل علی جواز الانتفاع بها کما عرفت.

حرمة بیع المیتة

اشارة

و أما المقام الثانی فالمشهور بل المجمع علیه بین الخاصة و العامة هی حرمة بیع المیتة وضعا و تکلیفا قال فی المستند «2» حرمة بیعها و شرائها و التکسب بها إجماعی و کذلک فی التذکرة «3» بل فی رهن الخلاف «4» أنها لا تملک، و قد تقدم فی المقام الأول تحریم بیعها، من النهایة، و المراسم، و الجواهر. و شرح فتح القدیر، و سبل السلام، و فی الفقه علی المذاهب «5» المالکیة قالوا: لا یصح بیع النجس کعظم المیتة و جلدها و لو دبغ لانه لا یطهر بالدبغ. و الحنابلة قالوا: لا یصح بیع المیتة و لا بیع شی‌ء منها، و کذلک عند الشافعیة، و الحنفیة.
و الذی استدل أو یمکن الاستدلال به علی هذا الرأی وجوه، الأول قیام الإجماع علی ذلک کما سمعته عن بعضهم، و فیه لو سلمنا قیام الإجماع المحصل فی المقام أو حجیة المنقول منه فلا نسلم کونه تعبدیا محضا و کاشفا عن رأی الحجة «ع» أو عن دلیل معتبر، للاحتمال بل الاطمئنان بأن مدرک المجمعین هو الوجوه المذکورة لعدم جواز بیعها و بیع کل نجس
______________________________
(1) راجع ج 5 شرح فتح القدیر ص 186.
(2) ج 2 ص 333.
(3) ج 1 ص 3 من البیع.
(4) ج 1 ص 233.
(5) ج 2 ص 231.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 68
کما عرفت فی المسائل المتقدمة.
الثانی دعوی حرمة الانتفاع بها فإنها تستلزم سلب المالیة عنها المعتبرة فی العوضین بالإجماع إذن فتدخل المعاملة علیها تحت عموم النهی عن أکل المال بالباطل، و فیه انه بعد ما أثبتنا فی المقام الأول جواز الانتفاع بها، و عرفت فی بیع الأبوال و ستعرف فی أول البیع عدم اعتبار المالیة فی العوضین، و کفایة الأغراض الشخصیة العقلائیة فی صدق المالیة علی تقدیر اعتبارها لکون تلک الأغراض موجبة لخروج المعاملة من السفهائیة، مع عدم الدلیل علی بطلانها، فلا وجه لهذا التوهم، و أما عموم آیة النهی عن أکل المال بالباطل فغیر شامل لشرائط العوضین لکونها ناظرة إلی بیان أسباب التجارة کما تقدم فی بیع الأبوال.
الثالث انه قامت الضرورة من المسلمین علی نجاسة میتة ماله نفس سائلة، و بیع النجس محظور، و فیه أنها و إن ذکرت فی روایة تحف العقول، و لکن مضافا الی ما تقدم فیها من الوهن، أنها لا تدل إلا علی حرمة بیع المیتة النجسة و المدعی أعم من ذلک، و قد اعترف المصنف هنا بعدم مانعیة النجاسة عن البیع علی خلاف ما تکرر منه سابقا من جعلها مانعة عنه و قال (فمجرد النجاسة لا تصلح علة لمنع البیع لو لا الإجماع علی حرمة بیع المیتة).
الرابع الروایات العامة المتقدمة، و فیه أنها و إن کانت تدل علی حرمة بیعها، و لکنها لمکان ضعف أسانیدها لا تفی بالمقصود کما عرفت.
الخامس الروایات الخاصة الواردة فی المسألة منها روایة البزنطی المذکورة فی المقام الأول فإن الإمام «ع» و ان رخص فیها الانتفاع بالمیتة، و لکنه «ع» منع فیها أیضا عن بیعها بقوله (و لا یبیعها).
و منها روایات السکونی [1] و الصدوق [2] و الجعفریات [3] فان جمیعها تدل علی أن ثمن المیتة من السحت فیکون بیعها فاسدا.
______________________________
[1] علی بن إبراهیم عن أبیه عن النوفلی عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال السحت ثمن المیتة الخبر. ضعیفة للنوفلی. راجع ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به و ج 23 البحار ص 14، و ج 1 کا باب 42 السحت ص 343، و ج 2 التهذیب ص 110
[2] قال «ع» ثمن المیتة سحت. مرسلة. و بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه «ع» فی وصیة النبی (ص) لعلی «ع» قال یا علی من السحت ثمن المیتة. قال المحدث النوری فی خاتمة ج 3 المستدرک ص 592 رجال سند هذه الوصیة مجاهیل لا طریق الی الحکم بصحتها و اعتبارها من جهته، راجع ج 2 ئل الباب 32 المذکور.
[3] عن علی «ع» قال من السحت ثمن المیتة الحدیث. موثقة. راجع ج 2 المستدرک
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 69
و منها روایة علی بن جعفر [1] حیث سأل أخاه «ع» عن بیع جلود میتة الماشیة و لبسها و (قال «ع» لا و لو لبسها فلا یصل فیها) فان الظاهر ان المنع فیها راجع الی البیع و اللبس، و لکنه «ع» بین المانعیة عن الصلاة زائدا علی المنع فی نفسه، و قد ورد النهی عن بیع المیتة فی بعض روایات العامة [2] أیضا.
و فیه ان هذه الروایات و إن کانت ظاهرة فی المنع عن بیعها، و لکنها معارضة مع ما هو صریح فی الجواز کمکاتبة الصیقل المتقدمة فإن فیها قرر الامام أسئلتهم عن جواز بیع المیتة من جلود الحمیر و البغال و شرائها و مسها فلو لا جوازها لکان تقریره «ع» لتلک الأسئلة و سکوته عن بیان حکمها إغراء بالجهل و تأخیرا للبیان عن وقت الحاجة، و بضمیمة عدم القول بالفصل بین مورد المکاتبة و غیره یتم المطلوب، و یؤید ذلک فعل علی بن الحسین «ع» حیث کان یبعث الی العراق و یجلب الفرو منهم فان الظاهر انه «ع» کان یأخذ ذلک منهم بالشراء، إلا أن یقال ان مقتضی السوق و ید المسلم هی التذکیة، و کیف کان فلا بد فی رفع المعارضة بینهما إما من طرح المانعة لموافقتها مع العامة لاتفاقهم علی بطلان بیع المیتة کما عرفت فی أول المسألة، و إما من حملها علی الکراهة برفع الید عن ظهورها بما هو صریح فی الجواز أو علی صورة البیع لیعامل معها معاملة المذکی إذا بیعت بغیر إعلام، و إن أبیت عن هذه المحامل کلها فلا بد من الحکم إما بالتخییر فنختار ما یدل علی الجواز، و اما بالتساقط فیرجع الی العمومات و الإطلاقات و یحکم بصحة بیعها.
(لا یقال) أن تقریر الامام «ع» أسئلتهم عن الأمور المذکورة و إن کان لا ینکر إلا أنه لأجل اضطرارهم الی جعل أغماد السیوف من جلود المیتة من الحمیر و البغال مع عدم وجود معیشة لهم من غیر ذلک العمل کما یصرح بذلک ما فی سؤالهم (لا یجوز فی أعمالنا غیرها) و لا ریب أن الضرورات تبیح المحظورات، إذن فلا دلالة فی المکاتبة علی جواز بیعها فی غیر حال الاضطرار.
______________________________
ص 426، ثم الظاهر ان هذه الروایات الأربع کلها روایات واحدة مرویة عن علی علیه السلام بطرق متعددة.
[1] قال سألته عن الماشیة تکون للرجل فیموت بعضها یصلح له بیع جلودها و دباغها و لبسها قال لا و لو لبسها فلا یصلح فیها. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن. راجع ج 2 ئل الباب 32 المتقدم.
[2] فی ج 6 سنن البیهقی ص 12 و ج 3 البخاری باب بیع المیتة عن جابر سمع رسول اللّه یقول عام الفتح و هو بمکة ان اللّه و رسوله حرم بیع الخمر و المیتة. الحدیث.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 70
(فإنه یقال) لا منشأ لهذا الکلام إلا توهم إرجاع ضمیر غیرها فی قول السائل (لا تجوز فی أعمالنا غیرها) الی جلود المیتة و لکنه فاسد، إذ لا خصوصیة لها حتی لا یمکن جعل الأغماد من غیرها، بل مرجع الضمیر إنما هی جلود الحمیر و البغال سواء کانت من المیتة أم من الذکی و یدل علی ذلک قوله «ع» فی روایة القاسم الصیقل (فان کان ما تعمل وحشیا ذکیا فلا بأس) إذ لو کانت لجلود الحمر المیتة خصوصیة فی جعل الأغماد منها لکان هذا الجواب لغوا.

نقد و دفع

قد أشکل المصنف علی الروایة بوجهین:
الأول أن الجواب لا ظهور فیه فی الجواز إلا من حیث التقریر الغیر الظاهر فی الرضا خصوصا فی المکاتبات المحتملة للتقیة. و فیه أولا أن التقیة فی المکاتبات و إن کانت کثیرة لکونها معرضا لها من جهة البقاء، و لکنها فی خصوص هذه الروایة غیر محتملة لورودها علی غیر جهة التقیة لذهاب أهل السنة بأجمعهم إلی بطلان البیع المیتة کما عرفت، و أعجب من ذلک تشکیکه فی کاشفیة التقریر عن الرضا و فی کونه من الحجج الشرعیة، مع أنه کسائر الامارات مشمول لأدلة الحجیة.
و ثانیا ان فعلیة التقیة إنما هی بفعلیة موضوعها، و أما مجرد الاحتمال فغیر قابل لأن یکون موضوعا لها و سببا لرفع الید عن الأدلة الشرعیة، نعم إذا صارت فعلیة وجب رفع الید عما یخالفها مکاتبة کان أم غیرها.
الثانی ان مورد السؤال فیها عمل السیوف و بیعها و شرائها لا خصوص الغلاف مستقلا و لا فی ضمن السیف علی أن یکون جزء من الثمن فی مقابل عین الجلد فغایة ما یدل علیه جواز الانتفاع بجلد المیتة بجعله غمدا للسیف و هو لا ینافی عدم جواز معاوضته بالمال، و قد تبعه بعض و قال لکن مع احتمال کون المبیع هو السیف و الغلاف تابع له بنحو الشرط.
و فیه ان هذا من الغرائب، فإن منشأ ذلک حسبان أن الضمائر فی قول السائل (فیحل لنا عملها و شرائها و بیعها و مسها بأیدینا) إلی السیوف. و لکنه فاسد فإنه لا وجه لأن یشتری السیاف سیوفا من غیره، کما لا وجه لسؤاله عن مسها و إصراره بالجواب عن کلما سأله، بل هذه الضمائر إنما ترجع الی جلود الحمر و البغال میتة کانت أم غیرها، کما یظهر ذلک لمن یلاحظ الروایة، مع أن من المستبعد جدا بل من المستحیل عادة أن یجدوا جلود المیتة من الحمیر و البغال بمقدار یکون وافیا بشغلهم بلا شرائها من الغیر، علی أن مقتضی ذلک هی حرمة بیع الغلاف مستقلا مع انه فاسد إذ ربما تکون قیمة الغلاف أکثر من السیف فکیف یحکم بالتبعیة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 71
دائما، نعم تبعیة مثل الجل و المسامیر للفرس و الجدران فی بیع الفرس و الدار من الوضوح بمکان و ربما ترمی الروایة بالتقیة لذهاب العامة إلی جواز بیع جلود المیتة بعد الدبغ لطهارتها به [1] و أما قبل الدبغ فلا تصلح للاغماد، و فیه أولا ان أمره «ع» بأن یجعلوا ثوبا لصلاتهم علی خلاف التقیة، و ثانیا لو کانت الروایة موردا للتقیة لکان الألیق أن یجاب بحرمة البیع و الشراء و یدفع محذور التقیة عند الابتلاء بها بإرادة حرمة بیعها قبل الدبغ، فان فیه بیان الحکم الواقعی مع ملاحظة التقیة، و ثالثا ان الروایة خالیة عن کون البیع أو الشراء بعد الدبغ لتحمل علیها، و مجرد عدم صلاحیة الجلود للغلاف قبل الدبغ لا یوجب تقییدها لإمکان دبغها عند جعلها غمدا، إذن فالروایة أیضا علی خلاف التقیة، و أما توهم أن الأخبار المانعة تشتمل علی کلمة السحت التی تأبی عن حملها علی الکراهة فهو توهم فاسد لما مر فی بیع العذرة من أن إطلاق السحت علی المکروه فی الروایات و اللغة کثیر جدا.
هذا کله مع قصر النظر علی المکاتبة، و لکنها ضعیفة السند فلا تقاوم الروایات المانعة لأن فیها روایة الجعفریات و هی موثقة، إذن فلا مناص من الحکم بحرمة بیع المیتة و أجزائها التی تحلها الحیاة، إلا أن یتمسک فی تجویز بیعها بحسنة الحلبی و صحیحة الواردتین فی بیع المیتة المختلطة بالمذکی ممن یستحلها، فإنهما بعد إلغاء خصوصیتی الاختلاط و المستحل تدلان علی جواز بیعها مطلقا، إلا أن الجزم بذلک مشکل جدا فلا مناص من اختصاص جواز البیع بالمستحل کما سیأتی.

[فرعان]

[الأول] حکم بیع المذکی المختلط بالمیتة

اشارة

قوله: انه کما لا یجوز بیع المیتة منفردة کذلک لا یجوز بیعها منضمة إلی المذکی.
أقول تارة تمتاز المیتة من المذکی و اخری لا تمتاز، أما الصورة الاولی فلا إشکال فی جواز البیع و صحته بالنسبة الی غیر المیتة، سواء کانت ممتازة عند المتبایعین أم عند المشتری فقط لعدم ترتب الأثر علی علم البائع و جهله، و أما بالنسبة إلی المیتة فیجری فیها جمیع ما تقدم فی بیعها منفردة لأن انضمام المیتة إلی المذکی لا بغیر حکمها، نعم بناء علی حرمة بیعها یکون المقام من مصادیق بیع ما یجوز و ما لا یجوز فیسقط الثمن بالنسبة إلیهما و یحکم بالصحة فیما یجوز و بالفساد
______________________________
[1] فی ج 1 سنن البیهقی ص 17 ابن عباس عن النبی «ص» فی جلد المیتة قال ان دباغه قد ذهب بخبثه أو رجسه أو نجسه، و فی روایة أخری دباغها طهورها، و فی ص 16 فی أحادیث کثیرة فدبغوه فانتفعوا به. أی بجلد المیتة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 72
فیما لا یجوز، و لا خیار للمشتری بالنسبة الی ما یجوز لأجل تبعض الصفقة لعلمه بالحال کما هو المفروض.
و أما الصورة الثانیة فهی محل الکلام و مورد النقض و الإبرام، و تحقیقها فی مقامین:
الأول من حیث القواعد العامة. و الثانی من حیث الروایات الخاصة الواردة فی خصوص ذلک.
أما المقام الأول فإن کان المدرک فی حرمة بیع المیتة منفردة هی النصوص و الإجماعات فلا شبهة فی أنهما لا تشملان صورة الاختلاط لانه لا یصدق بیع المیتة علی ذلک مع قصد المذکی حتی مع تسلیمها إلی المشتری لکونه مقدمة لا قباض المبیع، و علی هذا فلا وجه لما ذهب الیه المصنف من المنع علی الإطلاق بناء علی وجوب الاجتناب عن کلا المشتبهین، نعم لا یجوز أن ینتفع بهما فیما کان مشروطا بالطهارة و التذکیة و إن کان المدارک فی المنع هی حرمة الانتفاع بالمیتة لکونها فی نظر الشارع مسلوب المالیة نظیر الخمر و الخنزیر و قلنا بتنجیز العلم الإجمالی، فغایة ما یترتب علیه هو عدم جواز بیعهما من شخص واحد للعلم الإجمالی بوجود ما لا یجوز الانتفاع به فیهما فان العلم الإجمالی یوجب وجوب الاجتناب عن کلا المشتبهین، إذن فیجری هنا ما جری فی المیتة المعلومة تفصیلا من الأحکام التکلیفیة و الوضعیة، و أما بیعهما من شخصین فلا بأس فیه لأن حرمة الانتفاع لم تثبت إلا علی المیتة المعلومة أما إجمالا أو تفصیلا علی سبیل منع الخلو و إذا انتفی أحد العامین انتفت حرمة الانتفاع أیضا فلم یبق فی البین إلا الاحتمال فیندفع بالأصل، فإن هذا نظیر انعدام أحد المشتبهین أو خروجه عن محل الابتلاء الموجب لسقوط العلم الإجمالی عن التأثیر.
قوله: فأکل المال بإزائه أکل المال بالباطل.
أقول قد عرفت ما فیه فی بیع الأبوال
قوله: و جوز بعضهم البیع بقصد بیع المذکی.
أقول قد عرفت أن هذا هو الصحیح بناء علی أن المانع عن بیع المیتة هو الإجماع أو النص، فیبیعهما بقصد المذکی ثم یسلمهما إلی المشتری فینتفع بهما فی غیر ما یشترط فیه التذکیة، نعم لو کان المانع هی حرمة الانتفاع فیجری فیه ما ذکرناه.
قوله: و جواز ارتکاب أحدهما.
أقول لا دخل للقول بجواز ارتکاب أحدهما فی جواز البیع بقصد المذکی، فإنه بناء علی هذا المنهج یجوز بیع أحدهما معینا أیضا لو کان المانع عن البیع عدم جواز انتفاع المشتری إذ المفروض حینئذ جواز انتفاع کل شخص بما یشتریه، نعم بناء علی کون المانع من بیع المیتة هو النص أو الإجماع لا یصح البیع إلا بقصد المذکی کما عرفت.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 73
قوله: لکن لا ینبغی القول به فی المقام.
أقول قد منع المصنف عن جواز بیع أحد المختلطین حتی مع القول بأنه یجوز ارتکاب أحد المشتبهین و عدم تنجیز العلم الإجمالی، و ذلک لأصالة عدم التذکیة الجاریة فی اللحوم، فإنها أصل موضوعی حاکم علی سائر الأصول من أصالتی الحل و الطهارة، و فیه ان أصالة عدم التذکیة لا تثبت المیتة التی هی أمر وجودی إلا علی القول بالأصول المثبتة، لا یقال ان المیتة عبارة عما لم تلحقه الذکاة کما فی القاموس، إذن فلا شبهة فی ثبوتها بالأصل بلا أن یلزم منه المحذور و المذکور، فإنه یقال ان الأصل المذکور و إن کان متکفلا لإثبات ذلک العنوان إلا أنه أمر یغایر المیتة و یلازمها و لیس متحدا معها، لأنها فی عرف الشرع و اللغة [1] إما عبارة عما مات حتف أنفه، و إما عبارة عما فارقته الروح بغیر ذکاة شرعیة و علی هیئة غیر مشروعة إما فی الفاعل أو فی المفعول، فلا یثبت شی‌ء منهما بأصالة عدم التذکیة إلا علی القول بحجیة الأصل المثبت فالمحذور فی محله، و أما ما فی القاموس فأمر لم تثبت صحته، و کذلک ما عن أبی عمرو من أنها ما لم تدرک تذکیته.
و أما المقام الثانی فالروایات الواردة هنا علی طائفتین أما الطائفة الأولی [2] فتدل علی حرمة بیع المذکی المختلط بالمیتة، و حرمة الانتفاع بهما، بل یرمی بهما الی الکلاب. و فیه أولا ان الرمی بهما الی الکلاب کنایة عن حرمة الانتفاع بهما علی نحو الانتفاع بالمذکی، کما حملنا علی ذلک قوله «ع» فی روایة الوشاء المتقدمة (أما علمت أنه یصیب الید و الثوب و هو حرام) و إلا فلا مناص من الالتزام بالوجوب النفسی للرمی، و هو بدیهی البطلان، إذ عمدة ما یکون محط النظر و مورد الرغبة من المیتة هو جلدها و لیس هذا مما تأکله الکلاب، و هذا نظیر ما سیأتی فی بیع الدراهم المغشوشة من أمره «ع» بکسر درهم من طبقتین طبقة من نحاس و طبقة من فضة فإن المراد بذلک لیس إلا إعدام الهیئة الدرهمیة لئلا یعامل علیها معاملة الدراهم الرائجة و إلا فکسر الدرهم المغشوش لیس من الواجبات النفسیة کالصوم و الصلاة، و من هذا القبیل
______________________________
[1] فی ج 1 تاج العروس ص 587 عن أبی عمرو و المیتة ما لم تدرک تذکیته، و قال النووی فی تهذیب الأسماء و اللغات قال أهل اللغة و الفقهاء المیتة ما فارقته الروح بغیر ذکاة، و فی المصباح المراد بالمیتة فی عرف الشرع ما مات حتف أنفه أو قتل علی هیئة غیر مشروعة إما فی الفاعل أو فی المفعول.
و فی مفردات الراغب و المیتة من الحیوان ما زال روحه بغیر تذکیة.
[2] الجعفریات عن علی «ع» انه سئل عن شاة مسلوخة و اخری مذبوحة عن عمی علی الراعی أو علی صاحبها فلا یدری الذکیة من المیتة قال یرمی بهما جمیعا الی الکلاب. موثقة.
راجع ج 2 المستدرک ص 427.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 74
أیضا أمره «ع» بإراقة الإنائین المشتبهین، و بإراقة المرق المتنجس کما سیأتی فی الانتفاع بالمتنجس و ثانیا ان حرمة الانتفاع بهما بحسب أنفسهما لا ینافی جواز بیعهما ممن هو فی حکم الکلب أو أضل سبیلا، و یؤیده ما ورد فی بعض الروایات [1] من إطعام المرق المتنجس أهل الذمة أو الکلاب فإنه «ع» قد جعل سبیلهما واحدا، و أما غیر الذمی فهو مثله بل أولی.
و ثالثا لو أغمضنا عن جمیع ما ذکرناه فغایة ما یستفاد من الروایة لیس إلا حرمة الانتفاع بکلا المختلطین لوجود المیتة فیهما فتکون مما تدل علی حرمة الانتفاع بهما و قد تقدم الکلام فی ذلک و أما الطائفة الثانیة [2] فهی تدل علی جواز بیع المذکی المختلط بالمیتة ممن یستحلها، و بهما ترفع الید عن ظاهر روایة الجعفریات لو سلم لها ظهور فی حرمة البیع علی الإطلاق، بل یمکن أن یقال ان تخصیص الحکم بالمستحل لیس إلا لعدم رغبة غیره إلیهما فیکونان مسلوبی المالیة خصوصا إذا لم یکن المراد بالمستحل إلا مستحل الأکل فقط کما هو الظاهر دون مستحل البیع و ان کان یحرم أکله، و اما إذا وجد من یرغب إلیهما و ینتفع بهما فی غیر ما اعتبرت فیه التذکیة و الطهارة کمن یشتریهما لینتفع بهما فی مثل التسمید أو سد الساقیة، أو یصرفهما فی أکل السابع و الطیور، أو کان المشتری ممن لا یبالی بأکل المیتة کفساق المسلمین، فیجوز بیعهما من غیر المستحل أیضا، إلا أن الجزم بذلک مشکل جدا فلا مناص من تخصیص جواز البیع بالمستحل، نعم لا یبعد القول بجواز بیع المیتة منفردة و مع التمیز من المستحل أیضا، ضرورة أن الاختلاط و الاشتباه لا دخل له فی الجواز، و علیه فیخصص بهاتین الروایتین ما دل علی حرمة بیع المیتة علی الإطلاق.
______________________________
[1] زکریا بن آدم قال سألت أبا الحسن «ع» عن قطرة حمر أو نبیذ مسکر قطرت فی قدر فیه لحم کثیر و مرق کثیر قال یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الکلاب الحدیث مهملة للحسن المبارک. راجع ج 1 ئل باب 38 نجاسة الخمر من النجاسات، و ج 2 التهذیب ص 312، و ج 11 الوافی ص 92.
[2] الحلبی قال سمعت أبا عبد اللّه «ع» یقول إذا اختلط الذکی و المیتة باعه ممن یستحل المیتة و یأکل ثمنه. موثقة. و عنه عن أبی عبد اللّه «ع» انه سئل عن رجل کانت له غنم و بقر و کان یدرک الذکی منها فیعزله و یعزل المیتة ثم ان المیتة و الذکی اختلطا کیف یصنع قال یبیعه ممن یستحل المیتة و یأکل ثمنه فإنه لا بأس به. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع ج 2 ئل باب 34 حکم بیع المذکی المختلط بالمیت مما یکتسب به، و ج 11 الوافی ص 17، و ج 2 کا باب 12 من الأطعمة ص 155، و ج 2 التهذیب الذبائح ص 294.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 75
قوله: و عن العلامة «1» حمل الخبرین علی جواز استنقاذ مال المستحل للمیتة بذلک برضاه.
أقول یرد علیه أولا ان النسبة بین الکافر المستحل و بین ما یجوز استنقاذ ماله عموم من وجه، فإنه قد یکون المستحل ممن لا یجوز استنقاذ ماله إلا بالأسباب الشرعیة کالذمی، و قد یکون غیر المستحل ممن یجوز استنقاذ ماله.
و ثانیا انه لم یکن فی مکان صدور تلک الأخبار و زمانه کافر حربی یجوز استنقاذ ماله فإنها إنما صدرت من الصادق «ع» فی الکوفة فکانت هی و نواحیها فی ذلک الوقت خالیة عن الحربیین لدخول غیر المسلمین فیها بأجمعهم تحت الذمة و الأمان.
قوله: و یمکن حملهما علی صورة قصد البائع المسلم أجزائها التی لا تحلها الحیاة.
أقول الظاهر أن هذا الرأی إنما نشأ من عدم ملاحظة الروایتین، فإنه مضافا الی إطلاقهما و عدم وجود ما یصلح لتقییدهما، إن الحسنة إنما اشتملت علی اختلاط المذکی بالمیتة من الغنم و البقر فبدیهی انه لیس فی البقر من الأجزاء التی لا تحلها الحیاة شی‌ء لیمکن الانتفاع به حتی یتوهم حمل الروایتین علی ذلک.
قوله: و الروایة شاذة.
أقول لا یضر شذوذها بحجیتها بعد فرض صحتها و الإجماع المحصل علی حرمة التصرف فی المیتة غیر ثابت، و المنقول منه مع تصریح جماعة من الفقهاء بالجواز غیر حجة، و أما دعوی معارضتها بما دل علی المنع فقد عرفت الحال فیها.
قوله: یرجع الی عموم ما دل علی المنع عن الانتفاع بالمیتة.
أقول قد تقدم حمل الروایات المانعة علی صورة الانتفاع بها کالمذکی بقرینة الروایات المجوزة أو علی الکراهة.

إزاحة وهم

ربما یتخیل الغافل انه بناء علی تکلیف الکفار بالفروع کتکلیفهم بالأصول کما هو الحق و المشهور یکون بیع المذکی المختلط بالمیتة اعانة علی الإثم فهی محرمة، و فیه مضافا الی منع کون المقام من صغریات الإعانة علی الإثم، و منع قیام الدلیل علی حرمتها لو کان منها و إنما هو کبیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یعلم انه یجعلها خمرا الذی لا شبهة فی جوازه کما سیأتی انه لا ریب فی جواز مثل هذا النحو من الإعانة علی الإثم، و إلا فلم یجز سقی الکافر أیضا لتنجس الماء بمجرد مباشرته إیاه ببشرته فیحرم علیه شربه فیکون سقیه إعانة علیه، مع أنه لم یقل أحد بحرمته من جهة الإعانة علی الإثم، کیف و قد ورد «2» جواز إبراد الکبد
______________________________
(1) فی ج 4 المختلف ص 131.
(2) ضریس عن أبی جعفر «ع» قال ان اللّه یجب إبراد الکبد الحری، و من سقی کبدا حری من بهیمة أو غیرها أظله اللّه یوم لا ظل إلا ظله. موثقة. فی القاموس مادة حر الحران العطشان و الأنثی الحری مثل عطشی، مسمع عن أبی عبد اللّه «ع» أفضل الصدقة إبراد کبد حری. ضعیفة لعبد اللّه. و فی روایة أخری أمر «ع» بسقی نصرانی من قبیلة الفراسین عند ضعفه من العطش. راجع ج 1 کا باب 41 سقی الماء من الزکاة ص 178 إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه ان علیا «ع» کان یقول و لا تصدقوا بشی‌ء من نسککم إلا علی المسلمین و تصدقوا بما سواه غیر الزکاة علی أهل الذمة. موثقة. راجع ج 2 ئل باب 20 استحباب الصدقة من أبواب الصدقات.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 76
الحری، و جواز تصدق غیر النسک و الزکاة علی أهل الذمة، و جواز سقی النصرانی، و أیضا مقتضی ذلک التوهم تحریم بیع المأکولات و المشروبات من الکفار، و لا یلزم من تکلیف الکفار بالاجتناب عن المأکولات و المشروبات لتنجسها بالمباشرة تکلیف بما لا یطاق فان الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار. خلاف بداهة عن أول الشهیدین فی الدروس احتمال الرجوع فی المقام الی ما ورد [1] فی اللحم الغیر المعلوم کونه ذکیا أو میتا، من أنه یطرح علی النار فکلما انقبض فهو ذکی و کلما انبسط فهو میت.
و فیه مضافا الی ضعف السند فیه، ان ذلک علی خلاف البداهة من الوجدان، فان من المقطوع انه لا تأثیر لانقباض اللحم و لا لانبساطه إذا طرح علی النار فی وقوع الذکاة علیه و عدم وقوعها، إذن فرد علمه إلی أهله طریق الاحتیاط و سبیل النجاة، و ان ادعی الشهید (ره) قیام الشهرة القریبة من الإجماع علی العمل به فی مورده.
______________________________
[1] إسماعیل بن عمرو عن شعیب عن أبی عبد اللّه (ع) فی رجل دخل قریة فأصاب بها لحما لم یدر أ ذکی هو أم میت قال یطرحه علی الناس فکلما انقبض فهو ذکی و کلما انبسط فهو میت. ضعیفة لإسماعیل. راجع ج 11 الوافی باب 11 من المطاعم ص 17، و ج 2 کا باب 13 من الأطعمة ص 155، و ج 2 التهذیب الذبائح ص 294، و ج 3 ئل باب 36 ان اللحم إذا لم یعلم کونه میتة من الأطعمة المحرمة، و فی هذا الباب من ئل محمد بن علی بن الحسین قال قال الصادق (ع) و إذا وجدت لحما و لم تعلم أ ذکی هو أم میتة فألق قطعة منه علی النار فان انقبض فهو ذکی و إن استرخی علی النار فهو میتة. مرسلة.

[الثانی] جواز بیع میتة ما لیس له دم سائل

قوله: الثانی ان المیتة من غیر ذی النفس السائلة یجوز المعاوضة علیها.
أقول المشهور بین الأصحاب شهرة عظیمة بل الإجماع علی جواز المعاوضة علی میتة غیر ذی النفس السائلة
- سقی کبدا حری من بهیمة أو غیرها أظله اللّه یوم لا ظل إلا ظله. موثقة. فی القاموس مادة حر الحران العطشان و الأنثی الحری مثل عطشی، مسمع عن أبی عبد اللّه «ع» أفضل الصدقة إبراد کبد حری. ضعیفة لعبد اللّه. و فی روایة أخری أمر «ع» بسقی نصرانی من قبیلة الفراسین عند ضعفه من العطش. راجع ج 1 کا باب 41 سقی الماء من الزکاة ص 178 إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبیه ان علیا «ع» کان یقول و لا تصدقوا بشی‌ء من نسککم إلا علی المسلمین و تصدقوا بما سواه غیر الزکاة علی أهل الذمة. موثقة. راجع ج 2 ئل باب 20 استحباب الصدقة من أبواب الصدقات.
[1] إسماعیل بن عمرو عن شعیب عن أبی عبد اللّه (ع) فی رجل دخل قریة فأصاب بها لحما لم یدر أ ذکی هو أم میت قال یطرحه علی الناس فکلما انقبض فهو ذکی و کلما انبسط فهو میت. ضعیفة لإسماعیل. راجع ج 11 الوافی باب 11 من المطاعم ص 17، و ج 2 کا باب 13 من الأطعمة ص 155، و ج 2 التهذیب الذبائح ص 294، و ج 3 ئل باب 36 ان اللحم إذا لم یعلم کونه میتة من الأطعمة المحرمة، و فی هذا الباب من ئل محمد بن علی بن الحسین قال قال الصادق (ع) و إذا وجدت لحما و لم تعلم أ ذکی هو أم میتة فألق قطعة منه علی النار فان انقبض فهو ذکی و إن استرخی علی النار فهو میتة. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 77
و قد ذهب الی ذلک أکثر العامة و ان کان قد یظهر من بعضهم الآخر خلافه [1] و ما ذهب الیه المشهور هو الوجیه، فإن المقتضی لجواز بیعها أعنی الانتفاع بها بالمنافع المحللة موجود خصوصا فی بعض أقسامها کالسمک فان دهنه من المنافع المهمة المقصودة للعقلاء، و المانع عنه مفقود لعدم ما یصلح للمانعیة عن المعاوضة علی المیتة الطهارة وضعا و تکلیفا، إذن فلا مانع من التمسک بالعمومات لإثبات صحتها، بل یمکن التمسک بها حتی مع الشک فی وجود المنافع فیها لما عرفته مرارا و ستعرفه من عدم اعتبار المالیة فی المعاوضات، و توهم ان بیعها ممن یعلم البائع أنه یأکلها إعانة علی الإثم فیکون حراما، توهم فاسد فإنها کبیع التمر و العنب و العصیر ممن یجعلها خمرا و سیأتی جوازه و ورود الاخبار علیه و ان صدق علیه عنوان الإعانة علی الإثم، و أما الروایات الخاصة التی تدل علی حرمة بیع المیتة فلا ریب فی ظهورها بل صراحة بعضها فی المیتة النجسة، و أما الروایات العامة المتقدمة فمضافا الی ما تقدم فیها، أن الشهرة بل الإجماع علی خلافها هنا، فلا یکون ضعفها منجبرا بعمل الأصحاب.

حرمة التکسب بالکلب الهراش

اشارة

قوله: یحرم التکسب بالکلب الهراش و الخنزیر البریین إجماعا.
أقول وجه التقیید بالبریین هو أن المشهور و المختار عنده طهارة البحریین منهما، و استدل علی ذلک فی کتاب الطهارة فی مسألة نجاسة الکلب بصحیحة ابن الحجاج [2] بل الظاهر أنهما من أقسام السمک الغیر المأکول فیکونان خارجین عما نحن فیه تخصصا، ثم ان تحریر البحث هنا یقع فی جهتین: الجهة الاولی فی بیع الکلب الهراش [3] الظاهر بل المجمع علیه بین أصحابنا حرمة
______________________________
[1] فی ج 1 فقه المذاهب ص 10 الشافعیة قالوا بنجاسة میتة ما لا نفس له سائلة إلا میتة الجراد، و فی ج 2 ص 232 ان کل نجس لا یصح بیعه، فلا یصح بیعها عندهم، و أما غیر الشافعیة ففی ج 1 ص 10 ذهبوا الی طهارة میتة الحیوان الذی لیس له دم سائل یسیل عند جرحه، و قیدوا فی ج 2 ص 231 المیتة التی لا یصح بیعها بالنجاسة فیصح بیعها عندهم
[2] قال سأل أبا عبد اللّه ع رجل و أنا عنده عن جلود الخز فقال لیس بها بأس فقال الرجل جعلت فداک انها فی بلادی و إنما هی کلاب تخرج من الماء فقال أبو عبد اللّه «ع» إذا خرجت من الماء تعیش خارجة من الماء فقال الرجل لا قال لا بأس. موثقة. راجع ج 2 کا باب 11 لبس الخز من التجمل ص 205، و ج 11 الوافی باب 176 الملابس ص 98، و ج 1 ئل باب 10 جواز لبس جلد الخز من لباس المصلی.
[3] فی القاموس هرش کفرح ساء خلقه و التهریش التحریش بین الکلاب و الإفساد بین الناس
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 78
بیعه و کون ثمنه سحتا، قال فی التذکرة «1» الکلب ان کان عقورا حرم بیعه عند علمائنا، بل عند أکثر العامة [1] لا یصح بیع الکلب مطلقا و لو کان کلب صید.
و تدل علی حرمة بیعه الروایات المتظافرة [2] إلا أن أکثرها ضعیفة السند، و جملة منها و إن کانت مطلقة تشمل جمیع أقسام الکلاب و لکنها مقیدة بالأخبار الآتیة فی جواز بیع کلب الصید التی هی صریحة فی جواز بیع الصیود منها، و علی هذا المنوال روایات العامة [3] علی کثرتها، و علیه فدعوی الإجماع التعبدی علی حرمة بیعه فی غیر محله، لأنه إن کان المراد بالحرمة هی الحرمة الوضعیة فهی و إن کانت مسلمة و لکن المدارک لها لیس إلا تلک الأخبار المتکثرة فیحکم بفساد بیعها لأجلها لا للإجماع التعبدی و ان کان المراد بها هی الحرمة التکلیفیة، ففیه ان الظاهر هو انحصار معقد الإجماع بالحرمة الوضعیة، بل یکفینا الشک فی
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 عن المالکیة لا یصح بیع الکلب مع کونه طاهرا سواء کان کلب صید أو حراسة أو غیرهما، و عن الحنابلة لا یصح بیعه مطلقا، و کذلک عن الشافعیة، و اما عن الحنفیة و یصح بیع کلب الصید و الحراسة، و فی ص 4 عن بعض المالکیة یکره أکل الکلب.
[2] کا و یب. السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال السحت ثمن المیتة و ثمن الکلب ضعیفة للنوفلی کا و یب. الحسن الوشاء عن الرضا «ع» فی حدیث قال و ثمن الکلب سحت ضعیفة لسهل بن زیاد.
یب. جراح المداینی قال قال أبو عبد اللّه «ع» و نهی عن ثمن الکلب. ضعیفة لقاسم بن سلیمان. و فی وصیة النبی «ص» لعلی «ع» من السحت ثمن الکلب. مجهولة. الجعفریات. عن علی «ع» من السحت ثمن الکلب. موثقة.
دعائم الإسلام عن رسول اللّه «ص» انه نهی عن ثمن الکلب العقور. مرسلة. الی غیر ذلک من الروایات المذکورة فی الأبواب المتفرقة من الکتب العدیدة، راجع ج 1 کا باب 37 کسب المغنیة ص 361 و باب 42 السحت ص 363، و ج 2 التهذیب المکاسب ص 107 و ص 110 و باب الغرر و المجازفة ص 155، و ج 10 الوافی باب 43 ص 42، و ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة و باب 42 تحریم بیع الکلاب مما یکتسب به، و ج 2 المستدرک ص 430.
[3] و فی ج 3 البخاری آخر البیوع ص 110 ان رسول اللّه (ص) نهی عن ثمن الکلب و فی ج 6 سنن البیهقی ص 6 عن أبی هریرة نهی عن ثمن الکلب إلا کلب صید.
______________________________
(1) ج 1 ص 3 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 79
ذلک لکونه دلیلا لبیا لا یؤخذ من إلا المقدار المتیقن.

حرمة التکسب بالخنزیر

و الجهة الثانیة فی بیع الخنزیر المشهور بل المجمع علیه بین الخاصة و العامة [1] هو عدم جواز بیعه، قال فی التذکرة «1» لو باع نجس العین کالخنزیر لم یصح إجماعا. ثم ان الروایات الواردة فی هذه المسألة علی طائفتین: الأولی ما دل علی حرمة بیعه وضعا و تکلیفا، منها قوله «ع» فی روایة قرب الاسناد [2] فی نصرانیین باع أحدهما الخنزیر إلی أجل ثم أسلما (إنما له الثمن فلا بأس أن یأخذه) فإن مفهومه أن غیر أخذ الثمن لا یجوز له بعد الإسلام، و علیه فیستفاد من الروایة أمران: الأول حرمة بیع الخنزیر بعد الإسلام و إلا لکان الحصر فیها لغوا، و الثانی صحة المعاملة علیه قبل الإسلام و إلا لکان أخذ ثمنه بعد الإسلام حراما و أکلا للمال بالباطل.
و منها روایتی الجعفریات و دعائم الإسلام «2» حیث جعل الامام «ع» ثمن الخنزیر فیهما من السحت. و منها جملة من الروایات [3] الدالة علی حرمة بیعه بل فی بعضها نهی عن إمساکه.
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 حکی عن المذاهب الأربعة إجماعهم علی بطلان بیع الخنزیر. و فی ج 5 شرح فتح القدیر ص 186 بیع الخنزیر فاسد.
[2] علی بن جعفر عن أخیه قال سألته عن رجلین نصرانیین باع أحدهما خمرا أو خنزیرا إلی أجل فأسلما قبل أن یقبضا الثمن هل یحل له ثمنه بعد الإسلام قال إنما له الثمن فلا بأس أن یأخذه. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن. و رواه علی بن جعفر فی کتابه إذن فهی موثقة.
راجع ج 2 ئل باب 90 أن الذمی باع خمرا فأسلم مما یکتسب به، و ج 23 البحار ص 20.
[3] معاویة بن سعید عن الرضا «ع» قال سألته عن نصرانی أسلم و عنده خمر و خنازیر و علیه دین هل یبیع خمره و خنازیره فیقضی دینه فقال لا. ضعیفة لمعاویة. و مثلها روایة أبی عمیر عن الرضا «ع» إلا أنها مرسلة.
إسماعیل بن مرار عن یونس فی مجوسی باع خمرا أو خنازیر إلی أجل مسمی ثم أسلم قبل أن یحل المال قال له دراهمه و قال إن أسلم رجل و له خمر و خنازیر ثم مات و هی فی ملکة و علیه دین قال یبع دیانه أو ولی له غیر مسلم خمره و خنازیره و یقضی دینه و لیس له أن یبیعه و هو حی و لا یمسکه مجهولة لإسماعیل. راجع ج 2 ئل باب 86 تحریم بیع
______________________________
(1) ج 1 ص 3 من البیع.
(2) راجع ج 2 المستدرک باب 5 مما یکتسب به ص 426.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 80
و قد ذکر ذلک فی أحادیث أهل السنة أیضا [1].
و الثانیة [2] ما دل علی صحة بیع الخنزیر وضعا، بدعوی أنها صریحة فی جواز استیفاء الدین من ثمن الخنزیر، فلازم ذلک هو نفوذ بیعه وضعا و ان کان للبائع حراما تکلیفا و إلا فیلزم استیفاء الدین من مال الغیر فهو حرام لکونه أکلا للمال بالباطل.
و من هنا یظهر الوجه فی دلالة قوله ع فی روایة محمد بن مسلم (أما للمقتضی فحلال و أما للبائع فحرام) علی صحة بیع الخنزیر وضعا و حرمته تکلیفا.
و جمع بینهما فی الوسائل بحمل المجوزة علی فرض کون البائع ذمیا، و استشهد علیه بموثقة منصور [3] لدلالتها علی جواز خصوص بیع الذمی الخنزیر، فتکون مقیدة لما یدل علی جواز بیعه مطلقا
______________________________
- الخنزیر مما یکتسب به، و ج 1 کا باب 107 بیع العصیر من المعیشة ص 394 و ص 395 و ج 10 الوافی باب 39 بیع الخمر ص 38، و ج 2 التهذیب باب المجازفة ص 155.
[1] جابر عن رسول اللّه ص ان اللّه حرم بیع الخنزیر. و أبو هریرة عن رسول اللّه ص ان اللّه حرم الخنزیر و ثمنه. راجع ج 6 سنن البیهقی ص 12، و ج 3 البخاری باب بیع المیتة ص 110.
[2] کا. محمد بن مسلم عن أبی جعفر ع فی رجل کانت له علی رجل دراهم فباع خمرا أو خنازیر و هو ینظر فقضاه فقال لا بأس به أما للمقتضی فحلال و اما للبائع فحرام. حسنة لإبراهیم بن هاشم، و فی ج 2 یب فی القرض ص 62 عن داود بن سرحان عن أبی عبد اللّه علیه السلام مثله بطرق صحیحة.
کا. زرارة عن أبی عبد اللّه ع فی الرجل یکون لی علیه الدراهم فیبیع بها خمرا و خنزیرا ثم یقضی عنها قال لا بأس أو قال خذها. حسنة لإبراهیم.
یب. الخثعمی قال سألت أبا عبد اللّه ع فی الرجل یکون لنا علیه الدین فیبیع الخمر و الخنازیر فیقضینا فقال لا بأس به لیس علیک من ذلک شی‌ء. مجهولة لقاسم بن محمد.
یب. عن أبی بصیر قال سألت أبا عبد اللّه ع عن الرجل یکون له علی الرجل مال فیبیع بین یدیه خمرا و خنازیر یأخذ ثمنه قال لا بأس به. ضعیفة لعبد اللّه بن بحر. راجع ج 1 کا باب 107 بیع العصیر من المعیشة ص 394، و ج 2 ئل باب 89 أن الذمی إذا باع خمرا مما یکتسب به، و باب 28 استیفاء الدین من الذمی من أبواب الدین، و ج 2 التهذیب بیع الخمر ص 155، و ج 10 الوافی باب 39 بیع الخمر ص 38.
[3] قال قلت لأبی عبد اللّه ع لی علی رجل ذمی دراهم فیبیع الخمر و الخنزیر و أنا
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 81
و فیه ان حمل المطلق علی المقید و ان کان من المسلمات، إلا أنه فیما کان بینهما تناف و تعاند نظیر أعتق رقبة و لا تعتق رقبة کافرة، و لو لم یکن بینهما تناف کما فی المقام فلا وجه لذلک الحمل و الصحیح أن یقال ان الظاهر من خبر منصور، و من قوله «ع» فی روایة قرب الاسناد (إنما له الثمن فلا بأس أن یأخذه) و من روایة عمار بن موسی [1] هو جواز بیع الذمی الخنزیر قبل الإسلام، فیقید بها ما یدل علی حرمة بیعه مطلقا، إذن فتنقلب النسبة و تصیر المانعة أخص من المجوزة و مقیدة لها، و علیه فلا یجوز لغیر الذمی بیع الخنزیر، و قد اتضح مما ذکرناه حکم بیع الخمر أیضا لأنها مذکورة فی الأخبار المتقدمة مع الخنزیر. ثم انه استدل غیر واحد من الأعاظم علی حرمة بیعه بالأخبار العامة المذکورة فی أول الکتاب، و قد عرفت ما فیها من ضعف السند و الدلالة، ثم لا ینقضی العجب من المصنف حیث اقتصر فی الاستدلال علی حرمة بیع الخنزیر بالإجماع فقط و لم یتعرض للروایات و هو أعرف بالحال.
قوله: و کذلک أجزائهما.
أقول ظاهر النصوص و الإجماعات أنما تمنعان عن بیع الکلب و الخنزیر بوصفهما العنوانی و بصورتهما النوعیة التی بها شیئیة الأشیاء فی دار تحققها و صقع تکونها، و بما أن الأحکام الشرعیة إنما تترتب علی الموضوعات العرفیة فلا مانع من شمول المنع للمیتة منهما، لصدق عنوان الکلب و الخنزیر علیها و لو بالمسامحة العرفیة، إذن فتکون المعاملة علیها أیضا حراما، و أما أجزائهما فلا شبهة فی أنه لا یصدق علیها عنوان الکلب و الخنزیر لا بالدقة العقلیة و لا بالمسامحة العرفیة، و علیه فان کانت مما تحله الحیاة شملتها أدلة حرمة بیع المیتة لصدقها علیها و ان جاز الانتفاع بها فی غیر ما هو مشروط بالطهارة و التذکیة، و إن کانت مما لا تحله الحیاة کالشعر و نحوه فحرمة البیع و الانتفاع هنا متوقفة علی مانعیة النجاسة عنهما، إذ من الواضح جدا ان نجاسة الکلب و الخنزیر لا تختض بما تحله الحیاة فقط، و حیث علمت أنها لا تصلح للمانعیة عن البیع و لا عن الانتفاع، فلا مانع عن بیعها للعمومات و لا عن الانتفاع بها بالمنافع المحللة لأصالة الإباحة، و من هنا أفتی بعضهم بجواز بیع شعر الخنزیر و الانتفاع به فی غیر ما هو مشروط بالطهارة، و ان منع عن بیعه بعض
______________________________
حاضر فیحل لی أخذها فقال إنما لک علیه دراهم فقضاک دراهمک. موثقة. راجع الأبواب المتقدمة من ئل و کا و الوافی.
[1] عن أبی عبد اللّه «ع» انه سئل عن رجلین نصرانیین باع أحدهما من صاحبه خمرا أو خنازیر ثم أسلما قبل أن یقبض الدراهم قال لا بأس. موثقة. راجع ج 10 الوافی ص 39 و ج 2 التهذیب الأطعمة المحرمة ص 311.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 82
فقهاء العامة «1» لأنه نجس العین فلا یجوز بیعه إهانة له، نعم بناء علی طهارة الخنزیر کما ذهب الیه المالک [1] یجوز بیع شعره لعدم نجاسته المانعة عنه.
علی أنه ورد فی جملة من الأحادیث [2] جواز الانتفاع بشعر الخنزیر فی غیر ما هو مشروط بالطهارة، و علی هذا فهو من الأموال عند الشارع أیضا.

حرمة التکسب بالخمر و کل مسکر مائع

اشارة

قوله: یحرم التکسب بالخمر و کل مسکر مائع و الفقاع إجماعا نصا و فتوی.
أقول قد قامت الضرورة من المسلمین [3] و أطبقت الروایات من الفریقین علی حرمة بیع الخمر و کل
______________________________
[1] فی ج 1 فقه المذاهب ص 11 المالکیة قالوا کل حی طاهر العین و لو کلبا أو خنزیرا و معه نقل فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 عن المالکیة حرمة بیع النجس و مثله بالخمر و الخنزیر
[2] یب. زرارة عن أبی جعفر «ع» قال قلت له ان رجلا من موالیک یعمل الحمائل بشعر الخنزیر قال إذا فرغ فلیغسل یده موثقة.
یب. برد الإسکاف قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شعر الخنزیر یعمل به فقال خذ منه فاغسله (فأغله) بالماء حتی یذهب ثلث الماء و یبقی ثلثاه ثم اجعله فی فخارة جدیدة لیلة باردة فإن حمد فلا تعمل به و إن لم یحمد فلیس له دسم فاعمل به و اغسل یدک إذا مسسته عند کل صلاة. ضعیفة لبرد. فی القاموس الفخارة کجبانة الجرة ج الفخار.
برد الإسکاف قال قلت لأبی عبد اللّه «ع» إنی رجل خزاز و لا یستقیم علمنا إلا بشعر الخنزیر نخرز به قال خذ منه و بره فاجعلها فی فخارة ثم أوقد تحتها حتی یذهب دسمها ثم اعمل به ضعیفة لبرد. راجع ج 2 التهذیب المکاسب ص 114، و ج 2 ئل باب 87 العمل بشعر الخنزیر مما یکتسب به.
[3] أما عند الخاصة فواضح، و أما عند العامة ففی ج 2 فقه المذاهب ص 6 و ص 7 الخمر و ما خامر العقل أی خالطه فأسکره و غیبه، فکل ما غیب العقل من الخمر و النبیذ و غیرهما من أقسام المسکرات فهو حرام، سواء کان مأخوذا من العنب أو التمر أو العسل أو الحنطة أو الشعیر، بل و لو من اللبن و الطعام أو غیر ذلک.
و فی ج 1 ص 15 و من الأعیان النجسة المسکر المائع، سواء کان مأخوذا من عصیر العتب أو کان نقیع زبیب أو نقیع تمر أو غیر ذلک، لأن اللّه تعالی قد سمی الخمر رجسا و الرجس فی العرف النجس، أما کون کل مسکر مائع خمرا فلما رواه مسلم من قوله «ع»
______________________________
(1) ج 5 شرح فتح القدیر ص 202.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 83
مسکر مائع مما یصدق علیه عنوان الخمر من النبیذ و الفقاع و غیرهما، أما الخمر فشربها من أعظم الکبائر و أشد الجرائم فی نظر الشارع المقدس، لما فیه من المضار الدینیة و الخلقیة
______________________________
کل مسکر خمر و کل مسکر حرام، و فی ج 2 ص 231 نقل اتفاق المذاهب الأربعة علی حرمة بیع الخمر و ان کل نجس لا یصح بیعه. إذن فکل مسکر مائع و إن أخذ من اللبن لا یصح بیعه عند العامة کما لا یجوز شربه.
نعم فی ج 3 تاج العروس ص 187 و الخمر ما أسکر من عصیر العنب خاصة و هو مذهب أبی حنیفة. و فی ج 1 التذکرة ص 3 من البیع الفقاع عندنا نجس إجماعا فلا یجوز بیعه و لا شرائه لأنه کالخمر علی ما تقدم خلافا للجمهور کافة. و قد عامت ان ظاهر کلماتهم علی خلاف ما نسبه العلامة «ره» إلیهم.
(روایات الخاصة) کا. محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه «ع» فی رجل ترک غلاما له فی کرم له یبیعه عنبا أو عصیرا فانطلق الغلام فعصر خمرا ثم باعه قال لا یصلح ثمنه ثم قال ان رجلا من ثقیف أهدی الی رسول اللّه (ص) روایتین من خمر فأمر بهما رسول اللّه (ص) فأهریقتا و قال ان الذی حرم شربها حرم ثمنها. حسنة لإبراهیم بن هاشم.
کا. زید بن علی عن آبائه «ع» قال لعن رسول اللّه (ص) الخمر و عاصرها. الحدیث.
ضعیفة لحسین بن علوان.
یب. الجراح المداینی قال قال أبو عبد اللّه «ع» من أکل السحت ثمن الخمر. ضعیفة لقاسم بن سلیمان. الی غیر ذلک من الروایات الکثیرة. راجع ج 1 کا باب 107 بیع العصیر من المعیشة ص 394، و ج 2 کا باب شارب الخمر ص 190، و ج 2 التهذیب باب الغرر ص 155 و ج 10 الوافی فی باب 39 بیع الخمر ص 38، و ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة و باب 84 تحریم بیع الخمر مما یکتسب به، و ج 2 المستدرک ص 452، و ج 16 البحار باب 86 حرمة شرب الخمر و ج 23 ص 14.
(روایات العامة) فی ج 3 البخاری باب تحریم التجارة فی الخمر آخر البیوع ص 108 عن عائشة قال النبی (ص) حرمت التجارة فی الخمر، و فی ج 6 سنن البیهقی ص 12 عن أبی هریرة ان رسول اللّه (ص) قال ان اللّه حرم الخمر و ثمنها، و فی روایة أخری السحت ثمن الخمر، و فی ج 8 ص 286 عن ابن عباس قال بلغ عمر ان رجلا باع خمرا قال قاتل اللّه فلانا باع الخمر. الحدیث. و فی ص 287 عن ثابت بن یزید قال لقیت عبد اللّه بن عمر فسألته عن ثمن الخمر فقال ان رسول اللّه قال ان اللّه لعن الخمر و عاصرها. الحدیث. الی غیر ذلک من روایاتهم المتظافرة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 84
و البدنیة و الاجتماعیة، و یدل علی حرمة جمیع شؤنها الخیر المشهور بین الخاصة و العامة من أن رسول اللّه ص «لعن الخمر و عاصرها و معتصرها و بائعها و مشتریها و ساقیها آکل ثمنها و شاربها و حاملها و المحمولة إلیه». و أما النبیذ المسکر فیدل علی حرمة بیعه کلما دل علی حرمة بیع الخمر وضعا و تکلیفا لکونه خمرا واقعا، لقوله ع [1] «فما فعل فعل الخمر فهو خمر» و لقوله ع «فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر» فمن البدیهی أن النبیذ یفعل ما تفعله الخمر و یسکر کاسکار الخمر، إذن فیکون ذلک مثلها فی جمیع الأحکام، و من هنا ورد فی بعض الروایات [2] «شه شه تلک الحمرة المنتنة» أی النبیذ المسکر، علی أنه جعل الامام ع من أقسام السحت ثمن النبیذ المسکر فی روایة عمار الآتیة، و هذه الروایة و ان لم یکن فیها دلالة علی حرمة البیع تکلیفا لظهورها فی الحکم الوضعی فقط إلا ان فی غیرها کفایة، فإنه بعد ما صدقت الخمر علیه حقیقة فیترتب علیه جمیع أحکامها التی منها حرمة البیع، و هکذا الفقاع لکونه خمرا مجهولا استصغرها الناس و قد نزل ذلک منزلة الخمر فی عدة من الروایات [3] بل فی بعضها ما یدل علی
______________________________
[1] علی بن یقطین عن أبی إبراهیم قال ان اللّه لم یحرم الخمر لاسمها و لکن حرمها لعاقبتها فما کان عاقبته عاقبة الخمر فهو خمر. موثقة. راجع ج 2 کا باب حرمة الخمر لفعلها ص 194 و ج 2 التهذیب الأشربة ص 310، و ج 11 الوافی باب 157 حرمة الخمر لفعلها ص 84 و ج 3 ئل باب 19 ما فعل فعل الخمر من الأشربة المخرمة.
[2] الکلبی النسابة قال سألت أبا عبد اللّه ع عن النبیذ فقال حلال قلت إنا نبذه فنطرح فیه العکر و ما سوی ذلک فقال ع شه شه- کلمة تقبیح- تلک الخمرة المنتنة الحدیث ضعیفة لمعلی بن محمد البصری و سهل بن زیاد، راجع ج 2 کا باب النبیذ ص 195، و ج 11 الوافی باب 160 النبیذ ص 86، و ج 1 ئل باب 2 النبیذ من الماء المضاف، و ج 1 التهذیب باب المیاه ص 62.
[3] کا. الجعفری قال سألت أبا الحسن الرضا ع عن الفقاع فقال هو خمر مجهول فلا تشربه یا سلیمان لو کان الدار لی أو الحکم لقتلت بایعه و لجلدت شاربه. ضعیفة لسهل و محمد ابن إسماعیل الرازی.
کا. الحسین القلانسی قال کتبت الی أبی الحسن الماضی ع أسأله عن الفقاع فقال لا تقربه فإنه من الخمر. ضعیفة لمحمد بن سنان و القلانسی. کا. الوشاء قال کتبت إلیه-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 85
مبغوضیة بیعه کقوله ع: لو أن الدار داری لقتلت بایعه.

تذکرة

هل تختص حرمة البیع بالمائعات المسکرة کما یظهر من المصنف أم نعم جمیع المسکرات و لو کانت من الجوامد خلاف، ربما یقال بالثانی لوجوه:
الأول ان المستفاد من کلام بعض اللغویین [1] هو أن الخمر ما یخامر العقل و یخالطه فتشمل المسکرات الجامدة أیضا.
و فیه انه لا نسلم اعتبار قول اللغوی خصوصا فی مثل المقام من جهة العلم بعدم صحة صدق الخمر علی المجامد، علی أن الظاهر من کلام تاج العروس [2] هو ذلک أیضا فإنه ذکر الخلاف فی اختصاص الخمر بما أسکر من عصیر العنب خاصة و فی عمومه المسکر من عصیر کل شی‌ء، و أما المسکر الجامد فخارج عن محل الخلاف.
الثانی أن الظاهر من التنزیل فی قوله «ص» [3] «کل مسکر خمر» ترتب جمیع آثار الخمر أو آثارها الظاهرة علیه التی منها حرمة البیع.
______________________________
یعنی الرضا ع أسأله عن الفقاع قال فکتب حرام و هو خمر و من شربه کان بمنزلة شارب الخمر قال و قال أبو الحسن الأخیر ع لو أن الدار داری لقتلت بایعه و لجلدت شاربه و حدّه حد شارب الخمر و هی خمرة استصغرها الناس. موثقة. راجع ج 2 کا باب الفقاع ص 197، و ج 2 التهذیب الأشربة ص 313، و ج 11 الوافی باب 162 الفقاع ص 88، و ج 3 ئل باب 27 تحریم الفقاع من الأشربة المحرمة.
[1] فی ج 3 تاج العروس ص 187 و اختلف فی وجه تسمیة الخمر فقیل لأنها تخمر العقل و تستره، أو لأنها تخامر العقل أی تخالطه کما فی الحدیث، و فی المصباح الخمر اسم لکل مسکر خامر العقل. و فی مفردات الراغب و الخمر و سمیت لکونها خامرة لمقر العقل و هو عند بعض الناس اسم لکل مسکر و عند بعضهم اسم للمتخذ من العنب و التمر.
[2] فی ج 3 تاج العروس ص 187 و الخمر ما أسکر من عصیر العنب خاصة أو عام أی ما أسکر من عصیر کل شی‌ء و العموم أصح.
[3] ضعیفة لعبد الرحمن بن زید و أبیه و أحمد بن الحسن المیثمی و عطا بن یسار، راجع ج 2 کا باب تحریم کل مسکر من الأشربة ص 193، و ج 2 التهذیب الأشربة ص 310، و ج 11 الوافی باب 156 حرمة کل مسکر من المشارب ص 82، و ج 3 ئل باب 15 تحریم کل مسکر من الأشربة المحرمة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 86
و فیه أن الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بعمل المشهور و ان قلنا بالانجبار فی موارد عمل المشهور فان مقتضی العمل بعموم التنزیل الحکم بنجاسة المسکر الجامد، مع أنه لم یقل به أحد و أما التزام الفقهاء رضوان اللّه علیهم بإجراء جمیع أحکام الخمر علی کل مسکر مائع فهو لیس لأجل الأخذ بعموم التنزیل بل للروایات الخاصة کما عرفت.
الثالث روایة عمار بن مروان [1] فإنها تدل علی أن ثمن المسکر من السحت إلا أنها ظاهرة فی الحکم الوضعی.
و فیه أن الاستدلال بها متوقف علی أن تکون الروایة کما نقله التهذیب المطبوع و بعض نسخ الوسائل بأن یکون لفظ المسکر معطوفا علی النبیذ، و أما إذا کان وصفا له بإسقاط الواو بینهما کما فی غیر نسخة التهذیب و بعض نسخ الوسائل فهی لا محالة تسقط عن الدلالة، إذا عرفت ذلک فاعلم انه و إن کان لفظ المسکر معطوفا علی النبیذ فی روایة التهذیب إلا أنها مذکورة فی الوافی و الکافی بدون العطف بل بالتوصیف، فترجیحهما علی نسخة التهذیب من الوضوح بمکان و لو مع دوران الأمر بین الزیادة و النقیصة، و یؤید ذلک ما فی روایة الخصال علی ما فی الوسائل من جعل لفظ المسکر وصفا للنبیذ.

تبصرة

لا یخفی علیک أنه لا یبعد اختصاص الروایات بما کان المطلوب منه الشرب و الإسکار، و أما لو کان الغرض منه شی‌ء آخر و لم یکن معدا للإسکار عند العرف و لو کان من أعلی مراتب المسکرات کالمایع المتخذ من الخشب أو غیره المسمی بلفظ (أکل) لأجل المصالح النوعیة و الأغراض العقلائیة، فلا یحرم بیعه لانصراف أدلة حرمة بیع الخمر عنه وضعا و تکلیفا کانصراف أدلة عدم جواز الصلاة فیما لا یؤکل لحمه عن الإنسان.
قوله: و فی بعض الأخبار یکون لی علی الرجال دراهم.
أقول قد ورد فی جملة من
______________________________
[1] کا. قال سألت أبا جعفر «ع» عن الغلول قال کل شی‌ء غل من الامام فهو سحت و السحت أنواع کثیرة منها ثمن النبیذ المسکر. ضعیفة لسهل بن زیاد.
یب عنه «ع» و السحت أنواع کثیرة منها ثمن النبیذ و المسکر. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع ج 1 کا باب 42 السحت ص 363، و ج 2 التهذیب المکاسب ص 110، و ج 10 الوافی باب 43 السحت ص 32 و ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به
[2] فی ج 2 ئل الباب 32 المذکور و فی ج 23 البحار ص 14.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 87
الروایات جواز تخلیل الخمر بمعالجتها بالملح و نحوه، و علیه تحمل الروایة ابن أبی عمیر [1] الظاهرة فی جواز أخذ الخمر من الغریم لاستیفاء الدین منه و إفسادها بعد الأخذ، و یؤید ذلک الحمل تفسیر علی بن حدید الإفساد فیها بالتخلیل.
قوله: و المراد به إما أخذ الخمر مجانا.
أقول حمل الروایة بنحو المانعة الخلو إما علی أخذ الخمر مجانا ثم تخلیلها، أو أخذها و تخلیلها لصاحبها ثم أخذ الخل وفاء عن الدراهم، لا یستقیم، أما الوجه الأول فلأن أخذها مجانا ثم تخلیلها لا یوجب سقوط الدین عن الغریم و هی صریحة فی حصول الوفاء بمجرد الأخذ، و أما الوجه الثانی فهو خلاف ظاهر الروایة فإن الموجود فیها لیس إلا کون استیفاء الدین بالخمر نفسها، علی أن المالک لم یعط الخل وفاء عن الدراهم و إنما أعطی الخمر لذلک فقط، إذن فیحتاج أخذ الخل کذلک إلی إذن جدید من المالک، و الروایة صریحة فی خلافه.
لا یتوهم أن الروایة ظاهرة فی جواز اشتراء الخمر بقصد التخلیل فنرفع الید بها عن ظهور ما یدل علی حرمة بیعها مطلقا وضعا و تکلیفا، و علیه فتختص حرمة بیع الخمر بغیر هذه الصورة، فإن هذا التوهم فاسد لکونها أجنبیة عن قضیة البیع و الشراء و إنما هی راجعة إلی جواز أخذ الخمر من المدیون مسلما کان أو کافرا وفاء عن الدین إذا کان الأخذ بقصد التخلیل و الإفساد، نعم لو التزامنا بما التزم به المصنف فیما تقدم من أن (معنی حرمة الاکتساب حرمة النقل و الانتقال بقصد ترتب الأثر) و أن (ظاهر أدلة تحریم بیع مثل الخمر منصرف الی ما لو أراد ترتیب الآثار المحرمة أما لو قصد الأثر المحلل فلا دلیل علی تحریم المعاملة) لتوجه القول بجواز بیع الخمر و شرائها بقصد التخلیل و لکنک عرفت ما فیه من الوهن.

تنبیه

قد تقدم فی بیع الخنزیر ظهور روایة منصور و غیرها فی صحة بیع الذمی خمره و خنازیره
______________________________
[1] ابن أبی عمیر و علی بن حدید عن جمیل قال قلت لأبی عبد اللّه «ع» یکون لی علی الرجل الدراهم فیعطنی بها خمرا فقال خذها ثم أفسدها قال علی (ابن حدید) و اجعلها خلا موثقة. راجع ج 2 التهذیب الأشربة ص 311، و ج 11 الوافی باب 165 الخمر یجعل خلا ص 91، و ج 3 ئل باب 31 عدم تحریم الخل من الأشربة المحرمة، و فی الوافی بعد ما نقل الروایة قال زاد علی بن حدید فی حدیثه قوله و اجعلها خلا و ربما یوجد فی بعض النسخ «نسخة التهذیب» لفظة علیه السلام و کأنه من غلط الناسخ و ذهاب و همه الی أمیر المؤمنین «ع» ثم لا یخفی أن نسبة التفسیر الی ابن أبی عمیر کما فی المتن ناشئ من سهو القلم
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 88
من ذمی آخر، فیقید بها ما یدل علی حرمة بیع الخمر و کون ثمنها سحتا، و علیه فتنقلب النسبة و یکون ما یدل علی المنع أخص مما یدل علی الجواز مطلقا کروایتی محمد بن مسلم و زرارة المتقدمتین فی ذلک البحث، إذن فنحمل المطلق علی المقید فتصیر النتیجة أنه یجوز للذمی أن یبیع خمره من ذمی آخر.

جواز بیع المتنجس

اشارة

قوله: یحرم المعاوضة علی الأعیان المتنجسة الغیر القابلة للطهارة.
أقول المشهور بین الخاصة و العامة [1] حرمة المعاوضة علی الأعیان المتنجسة الغیر القابلة للتطهیر، قال فی التذکرة «1» ما عرضت له النجاسة ان قبل التطهیر صح بیعه و یجب إعلام المشتری بحاله، و ان لم یقبله کان کنجس العین.
و قال فی المبسوط «2» ما حاصله ان کان المتنجس جامدا و کان النجاسة العارضة رقیقة و غیر مانعة عن النظر الیه جاز بیعه و إلا فلا یجوز، و ان کان مائعا فإن قبل التطهیر صح بیعه و إلا فلا یصح. بل فی بعض الحواشی ان هذا الحکم مما لا خلاف فیه بل هو مما قام علیه الإجماع و الاشکال فی کونه مجمعا علیه.
ثم ان محصل کلام المصنف ان المتنجس إذا توقف الانتفاع به بالمنافع المحللة علی الطهارة نظیر المائعات المتنجسة المعدة للشرب و المأکولات المتنجسة المعدة للأکل، فإن بیعه لا یجوز للأخبار العامة المتقدمة، لظهورها فی أن حرمة الشی‌ء تستلزم حرمة بیعه و ثمنه و من هذا القبیل المتنجس، و ان لم یتوقف الانتفاع به علی الطهارة أو کان قابلا للتطهیر مع توقف الانتفاع به علیها فان بیعه یجوز، نعم لا یجوز الاستدلال بقوله «ع» فی روایة تحف العقول (أو شی‌ء یکون فیه وجه من وجوه النجس) علی حرمة بیعه، لان الظاهر من وجوه النجس العنوانات النجسة فإن وجه الشی‌ء إنما هو عنوانه فلا یشمل الأعیان المتنجسة فإن النجاسة فیها لیست إلا أمرا عرضیا فلا تکون وجها و عنوانا لها.
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 عن المالکیة لا یصح بیع المتنجس الذی لا یمکن تطهیره علی المشهور، أما الذی یمکن تطهیره فإنه یجوز بیعه مع الإعلام بالنجاسة و إلا فللمشتری حق الخیار. و عن الحنابلة لا یصح بیع الدهن المتنجس أما النجس الذی یمکن تطهیره فان بیعه یصح. و عن الحنفیة یصح بیع المتنجس و الانتفاع به فی غیر الأکل.
______________________________
(1) ج 1 ص 3 من البیع.
(2) فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 89
و فیه مضافا الی ما تقدم فی تلک الروایات من ضعف السند و الدلالة و عدم انجبارهما بشی‌ء انه إن کان المراد بالحرمة فیها هی الحرمة الذاتیة فلا تشمل المتنجس، بداهة أنها مختصة بالأعیان النجسة، إذن فیکون المتنجس خارجا عنها بالتخصص، و إن کان المراد بها ما یعم الحرمة الذاتیة و الحرمة العرضیة فیلزم علی المصنف أن لا یفرق حینئذ بینما یقبل التطهیر و ما لا یقبله، فان موضوع حرمة البیع علی هذا التقدیر ما یتصف بالنجاسة سواء کانت ذاتیة أم عرضیة، فإمکان التطهیر لا یؤثر فی زوال الحرمة الفعلیة عن موضوعها الفعلی، و مع الإغضاء غما ذکرناه لا دلالة فیها علی حرمة بیع المتنجس لأنه ان کان المراد بالحرمة فیها حرمة جمیع منافع الشی‌ء أو منافعه الظاهرة فلا نشمل المتنجس، ضرورة جواز الانتفاع به فی غیر ما یتوقف علی الطهارة کاطعامه الصبی لو قلنا بجوازه أو البهائم أو ینتفع به فی غیر ذلک من الانتفاعات المحللة، و إن کان المراد بها حرمة الأکل و الشرب فقط فإنها لا نستلزم حرمة البیع لما عرفت مرارا من أنه لا ملازمة بین حرمة الأکل و الشرب و بین حرمة البیع فان کثیرا من الأشیاء یحرم أکلها و شربها و مع ذلک یجوز بیعها، و أما دعوی الإجماع التعبدی علی ذلک فجزافیة فان مدرک المجمعین هی الوجوه المذکورة علی حرمة بیع المتنجس.

جواز بیع السباع و المسوخ الا القرد

قوله: قیل بعدم جواز بیع المسوخ من أجل نجاستها.
أقول أما المسوخ فالمشهور بین أصحابنا و بین العامة [1] حرمة بیعها، بل فی المبسوط «1» ادعی الإجماع علیها و علی حرمة الانتفاع بها، و فی الخلاف «2» دلیلنا علی حرمة بیعها إجماع الفرقة و قوله (ص): ان الله إذا حرم شیئا حرم ثمنه و هی محرمة الأکل فیحرم ثمنها، و عن بعض فقهائنا انه لا یجوز بیعها لنجاستها، فالمتحصل من کلماتهم انه لا یجوز بیع المسوخ، لحرمة لحمها، و عدم وجود النفع فیها، و نجاستها و قیام الإجماع علی حرمة التکسب بها، و الکل ضعیف، أما الحرمة فلا ملازمة بینها و بین حرمة البیع کما تقدم، و أما النجاسة فأیضا کذلک لو سلمنا نجاسة جمیع أفراد المسوخ، و أما عدم النفع فیها ففیه مضافا الی عدم اعتبار المالیة فی العوضین و کفایة
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنابلة یجوز بیع سباع البهائم کالفیل و السبع و نحوهما، و کک عن الحنفیة، و فی ج 1 الخلاف للشیخ ص 225 عن الشافعیة کلما ینتفع به یجوز بیعه مثل القرد و الفیل و غیر ذلک.
______________________________
(1) فی التجارة فی حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح.
(2) ج 1 ص 225.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 90
الأغراض الشخصیة فی خروجها عن السفهیة، أنه لا شبهة فی جواز الانتفاع بها منفعة محللة أما الإجماع فنمنع کونه تعبدیا و کاشفا عن رأی الحجة «ع» بل هو کسائر الإجماعات المنقولة فی المسائل المتقدمة فی استناده الی المدارک المعلومة، و یؤید ذلک ما ورد فی بعض الروایات [1] من جواز بیع عظام الفیل.
(نعم) ورد النهی [2] عن بیع القرد و کون ثمنه سحتا، فان ثبت عدم الفصل فهو و إلا فلا بد من الحکم بعدم الجواز فی خصوص القرد.
و أما السباع فلا شبهة فی جواز بیعها لجواز الانتفاع بها بالاصطیاد و نحوه و کذلک الانتفاع بجلودها علی ما ورد فی جملة من الروایات «1» بل فی حدیث [3] جواز بیع الفهود و فی آخر «2» جواز بیع الهر و فی الثالث [4] جواز بیع جلود النمر و فی روایة علی بن جعفر [5] جواز بیع جلود السباع و الانتفاع بها مطلقا.
______________________________
[1] عبد الحمید بن سعید قال سألت أبا إبراهیم «ع» عن عظام الفیل یحل بیعه أو شرائه الذی یجعل منه الأمشاط فقال لا بأس قد کان لأبی منه مشط أو أمشاط. مجهولة لعبد الحمید راجع ج 1 کا باب 103 من المعیشة ص 393، و ج 2 التهذیب ص 112، و ج 10 الوافی باب 43 من المکاسب ص 41، و ج 2 ئل باب 66 جواز بیع عظام الفیل مما یکتسب به.
[2] مسمع عن أبی عبد الله «ع» قال ان رسول الله (ص) نهی عن القرد أن تشتری أو تباع. ضعیفة لسهل و محمد بن الحسن بن شمون. راجع الأبواب المتقدمة من الکتب المذکورة، و فی ج 2 المستدرک ص 426 عن الجعفریات من السحت ثمن القرد. موثقة.
[3] عیص بن القاسم قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الفهود و سباع الطیر هل یلتمس التجارة فیها قال نعم. موثقة. راجع الأبواب المزبورة من کا و یب و الوافی و ئل.
[4] أبو مخلد السراج قال کنت عند أبی عبد اللّه «ع» (فدخله رجلان) فقال أحدهما انی رجل سراج أبیع جلود النمر فقال مدبوغة هی قال نعم قال لیس به بأس. ضعیفة لأبی مخلد راجع ج 2 ئل باب 47 مما یکتسب به، و الأبواب المذکورة من یب و کا و الوافی.
[5] علی بن جعفر فی کتابه عن أخیه قال سألته عن جلود السباع و بیعها و رکوبها أ یصلح ذلک قال لا بأس ما لم یسجد علیها. موثقة. راجع ج 2 ئل باب 67 جواز بیع جلد غیر مأکول اللحم مما یکتسب به.
______________________________
(1) منها موثقة سماعة المتقدمة فی ص 7.
(2) فی موثقة عبد الرحمن لا بأس بثمن الهر. و سنذکرها فی بیع کلاب الصید.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 91
و بهذا نحمل ما یدل [1] علی حرمة بیع جلود السباع علی الکراهة، نعم ذکر فی بعض روایات العامة [2] انه لا یجوز بیع السنور و من هنا وقع الخلاف بینهم فی ذلک.
______________________________
[1] فی ج 2 المستدرک ص 426 عن الجعفریات من السحت ثمن جلود السباع. موثقة.
و فی ص 436 عن دعائم الإسلام عن علی «ع» قال من السحت ثمن جلود السباع. مرسلة.
[2] راجع ج 6 سنن البیهقی ص 10 و فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنابلة و هل یصح بیع الهر خلاف و المختار انه لا یجوز.

[أما المستثنی من الأعیان المتقدمة]

جواز بیع العبد الکافر

قوله: یجوز بیع المملوک الکافر أصلیا کان أم مرتدا ملیا.
أقول إن الممالیک من الکفار علی أقسام ثلاث، فان کفرهم إما أصلی أو عرضی، و علی الثانی فاما أن یعرضهم الکفر بارتدادهم عن الملة و إما أن یعرضهم ذلک بارتدادهم عن الفطرة، أما الکافر الأصلی و المرتد الملی فیجوز بیعهما بلا اشکال بل فی المتن (بلا خلاف ظاهر بل ادعی علیه الإجماع و لیس ببعید) و لا یتوجه الاشکال علی هذا الرأی من ناحیة الأخبار العامة المتقدمة لما عرفت من وهنها، و لا من ناحیة النجاسة فإن الکافر و إن کان من الأعیان النجسة و یشمله قوله «ع» فی روایة تحف العقول (أو شی‌ء من وجوه النجس) إلا أن جمیع منافعه غیر متوقفة علی الطهارة بل یجوز الانتفاع به فی غیر ما اعتبرت فیه الطهارة، و الروایة لضعف سندها لا تصلح للمانعیة، و توهم قیام الإجماع علی عدم الجواز، إنما هو توهم فاسد، إذ مع کثرة المخالف و دعوی انعقاد الإجماع علی الجواز لا یبقی مجال لهذا التخیل، بل من القریب جدا أن یکون مدرک توهم الإجماع تلک الأخبار العامة، إذن فتکون المعاوضة علی المملوک الکافر الأصلی و المرتد الملی مشمولة للعمومات و هذا مضافا الی ما یظهر من جملة من الروایات [3] جواز بیع المملوک الکافر
[3] إبراهیم بن عبد الحمید عن أبی الحسن «ع» فی شراء الرومیات قال اشترهن و بعهن موثقة. إسماعیل بن الفضل قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن شراء مملوکی أهل الذمة إذا أقروا لهم بذلک فقال إذا أقروا لهم بذلک فاشتر و انکح. مرسلة.
رفاعة النحاس قال قلت لأبی الحسن الرضا «ع» إن الروم یغیرون علی الصقالبة فیسرقون أولادهم من الجواری و الغلمان فیعمدون الی الغلمان فیخصونهم ثم یبعثون بهم الی بغداد الی التجار فما تری فی شرائهم و نحن نعلم انهم قد سرقوا و إنما أغاروا علیهم من غیر حرب کانت بینهم فقال لا بأس إنما أخرجوهم من الشرک إلی الإسلام. ضعیفة لسهل بن زیاد. الصقالبة بالسین و الصاد جیل من الناس حمر الألوان کانوا بین بلغر و قسطنطنیة. زکریا بن آدم
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 92
و أما المرتد الفطری ففی التذکرة «1» المرتد إن کان عن فطرة ففی صحة بیعه نظر ینشأ من تضاد الحکمین و من بقاء الملک فان کسبه لمولاه. و مراده ان الحکم بالقتل و الحکم بوجوب الوفاء بالعقد متضادان. و التحقیق إن ما یظهر من مطاوی کلمات الأصحاب تصریحا أو تلویحا فی منشأ الاشکال هنا وجهان، الأول من جهة نجاسته، و الثانی من جهة عدم صدق المال علیه أما الوجه الأول فهو یظهر من بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد حیث بنی جواز بیع المرتد علی قبول توبته بل بنی جواز بیع مطلق الکافر علی قبوله للطهر بالإسلام.
و فیه مضافا الی منع مانعیة النجاسة عن البیع، انه لو کان جواز بیعه مبنیا علی زوال نجاسته بالتوبة لما کان فرق بین أقسام الکفار فی ذلک، سواء کان کفرهم أصلیا أم عرضیا و سواء کان عروضه بالارتداد عن الملة أم عن الفطرة، و سواء تقبل توبتهم أم لم تقبل، و ذلک لما عرفت فی بیع المتنجس ان فعلیة الحکم إنما هی بفعلیة موضوعه، فإذا قلنا بمانعیة النجاسة عن البیع کانت مانعة عنه بوجودها الفعلی سواء کانت قابلة للزوال أم لا کیف فإنه بعد صیرورة الموضوع فعلیا من جمیع الجهات فتلک القابلیة لا تؤثر فی انفکاک الحکم عنه علی أن إمکان طهره بالتوبة لا یستلزم تحقق الطهارة لاحتمال أن لا یتوب و لا یخرج الإمکان الاستقبالی من القابلیة إلی الفعلیة. إذن فلا تمنع النجاسة عن بیع العبد إذا ارتد عن الفطرة.
و أما الوجه الثانی فربما یقال بأن النجاسة و إن لم تکن مانعة عن البیع إلا أن العبد بارتداده عن الفطرة یخرج عن الملیة لوجوب قتله و إن تاب، إذن فیکون فی معرض التلف، و کذلک المرتد الملی إذا لم یتب، و من هنا استشکل غیر واحد من أعاظم الأصحاب فی رهن الفطری بدعوی أن الغرض من الرهانة هی الوثاقة فهی منتفیة فیه.
و فیه أن عدم سقوط القتل عنه لا یخرجه عن حدود المالیة، فإن الانتفاع به بالعتق بمکان من الإمکان، و لذا لو قتله غیر الحاکم بدون إذنه لضمنه، کیف فإنه من هذه الجهة لیس إلا کالمملوک المریض المشرف علی الموت، فهل یتوهم أحد سقوطه بذلک عن المالیة بحیث لا یوجب
______________________________
قال سألت الرضا «ع» عن قوم من العدو الی أن قال و سألته عن سبی الدیلم یسرق بعضهم من بعض و یغیرون المسلمون علیهم بلا إمام أ یحل شرائهم قال إذا أقروا بالعبودیة فلا بأس بشرائهم. مجهولة لمحمد بن سهل. راجع ج 1 کا باب 93 من المعیشة ص 388، و ج 2 التهذیب بیع الحیوان ص 137، و ج 10 الوافی باب 40 بیع الرقیق ص 39، و ج 2 ئل باب 1 جواز الشراء من رقیق أهل الذمة و باب 2 من بیع الحیوان.
______________________________
(1) ص 4 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 93
إتلافه الضمان، و مع الغمض عن جمیع المذکورات ان هذا الوجه إنما یصلح للمانعیة إذا حصل الجزم بالقتل لبسط ید الحاکم الشرعی علیه و علی إجراء الحدود لا مطلقا، إذن فیکون الدلیل أخص من المدعی.

جواز بیع کلب الصید

اشارة

قوله: یجوز المعاوضة علی غیر کلب الهراش فی الجملة بلا خلاف ظاهر.
أقول حیث لم یکن غیر کلب الهراش من أقسام الکلاب علی إطلاقه مما قام الإجماع علی جواز بیعه، فجعل المصنف الجواز المقید بالإجمال موردا لعدم الخلاف. فإنک ستعرف وقوع الخلاف فی بیع کلب الماشیة و الحائط و الزرع.
ثم ان تحقیق هذه المسألة فی ضمن جهات الجهة الأولی الظاهر أنه لا خلاف بین الإمامیة فی جواز بیع کلب الصید الذی اتصف بملکة الاصطیاد، و یطلق علیه الصیود بالحمل الشائع ففی الخلاف «1» دلیلنا إجماع الفرقة، بل دعوی الإجماع المحصل علیه فضلا عن الإجماع المنقول غیر جزافیة، إلا ما نسب الی ابن أبی عقیل من المنع عن بیع الکلب علی إطلاقه استنادا الی العمومات، و ما یظهر من النهایة «2» من قصر جواز التکسب به علی السلوقی و الماشیة و الزرع، إلا أنک قد عرفت فی بیع الکلب الهراش أن المطلقات و إن کانت متظافرة و لکنها قیدت بالروایات الخاصة التی تدل علی جواز بیع الصیود من الکلاب سلوقیا کان أم غیر سلوقی و سنذکرها فی الجهة الثانیة، نعم عن أکثر العامة انه لا یجوز بیع الکلب و لو کان کلب صید کما تقدم.
و قد ورد النص «3» من طرقهم عن النبی (ص) علی خلافه. و ربما یتوهم تخصیص روایات الجواز بالسلوقی بدعوی انه هو المنساق منها لانصراف کلب الصید إلیه لکثرة وقوع الاصطیاد به فی الخارج أو أنه لا یتبادر و لا ینساق غیره من تلک الروایات، فیبقی غیر السلوقی تحت مطلقات المنع عن التکسب بالکلاب.
و فیه مضافا الی کون الروایات خالیة عن ذکر السلوقی، و کثرة الاصطیاد بغیره و ان کان أقل بالنسبة الیه، و ان المراد بالسلوقی هو مطلق کلب الصید و ان کان من غیر جنسه کما صرح به غیر واحد من الأعاظم، أنه یرد علیه ما فی المتن من (عدم الغلبة المعتد بها علی فرض تسلیم
______________________________
(1) ج 1 ص 224.
(2) أول المکاسب.
(3) فی ج 6 سنن البیهقی ص 6 عن جابر نهی عن ثمن الکلب و السنور إلا کلب الصید.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 94
کون مجرد غلبة الوجود من دون غلبة الاستعمال منشأ للانصراف) و علیه فلا مجال لتخصیص جواز البیع بالسلوقی فقط.
ثم أجاب عنه المصنف ثانیا و قال (مع أنه لا یصح فی مثل قوله ثمن الکلب الذی لا یصید أو لیس بکلب الصید لأن مرجع التقیید إلی إرادة ما یصح عنه سلب صفة الاصطیاد) و حاصل کلامه ان الکلب و ان کان طبیعة واحدة نعم جمیع افراد الکلاب و تصدق علیها صدق الکلی علی جزئیاته و الطبیعی علی أفراده، إلا أن لحاظ تلک الطبیعة عند جعلها موردا للحکم مع وصف الاصطیاد تارة و بدونه اخری، یستلزم انقسامها الی قسمین متضادین، و علی هذا فیتقابل کلب الصید و کلب الهراش تقابل التضاد کما هو الشأن فی کل ماهیة ملحوظة مع الأوصاف الخارجیة المشخصة تارة و بدونها أخری، إذن فلا یصغی الی دعوی الانصراف بوجه لاستلزامه اتحاد المتضادین و وحدة المتقابلین فهو محال.
و فیه ان کلامه هذا إنما یصح فی أمثال قوله «ع» فی روایة محمد بن مسلم (ثمن الکلب الذی لا یصید سحت) فان ظاهر التوصیف ان وصف الاصطیاد قد أخذ قیدا للموضوع إلا انه لا یتم فی قوله «ع» فی مرسلة الفقیه (ثمن الکلب الذی لیس بکلب الصید سحت) فان من القریب جدا ان لا یصدق کلب الصید و لو بحسب نوعه علی غیر السلوقی، و لکن المرسلة ضعیفة السند، ثم ان السلوق قریة فی ناحیة الیمن نسبت إلیها کلاب الصید إما لأجل أخذ أصلها منها أو لکون کلابها صیودا.
الجهة الثانیة انک قد عرفت ان مورد الروایات و معقد الإجماعات إنما هو الکلب المتصف بملکة الاصطیاد و صار صیودا بالفعل، و حیث ان تلک الملکة التی هی مناط صحة بیع الکلاب و ملاکها لم تصر فعلیة فی الجر و القابل للتعلیم من السلوقی و الکبیر الغیر المعلم منه فیشکل الحکم بجواز بیعهما.
و ربما یقال فی وجه الصحة فیهما. بأن الأخبار الواردة فی بیع الکلاب علی ثلاث طوائف أما الطائفة الأولی فتدل علی حرمة بیع الکلاب علی وجه الإطلاق کالمطلقات و قد تقدمت جملة منها فی بیع الکلب الهراش و سمعت ان أکثرها ضعیفة السند.
و أما الطائفة الثانیة [1] فتدل علی جواز بیع ما کان صیودا بالفعل و متصفا بملکة
______________________________
[1] کا و یب. أبو عبد اللّه العامری قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن ثمن الکلب الذی لا یصید فقال سحت فأما الصیود فلا بأس. مجهولة لقاسم بن ولید.
یب. محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه «ع» قال ثمن الکلب الذی لا یصید سحت ثم قال و لا بأس بثمن الهر. موثقة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 95
الاصطیاد سواء کان سلوقیا أم غیر سلوقی.
و أما الطائفة الثالثة [1] فتدل علی جواز بیع کلب الصید کمرسلة الصدوق و غیرها، و المحتمل فی الطائفة الأخیرة منها ثلاثة: الأول ان یکون المراد بکلب الصید ما کان صیودا بالفعل و کلب صید بشخصه و واجدا للملکة الاصطیاد بنفسه، فیکون الغرض من المرکب هی اضافة الشخص الی وصفه، و حینئذ فترجع هذه الطائفة إلی الطائفة الثانیة و یجری فیها الاشکال المتقدم أیضا من دعوی انصرافها إلی السلوقی مع جوابها، و علیه فنقید بها و بالطائفة الثانیة الطائفة الأولی، فتصیر النتیجة ان غیر الصیود من الکلاب لا یجوز بیعه.
الثانی أن یراد به نوع کلب الصید و ان لم یتصف بعض أفراده بملکة الاصطیاد، و علیه فتختص هذه الطائفة الأخیرة بالسلوقی فقط، فتکون النسبة بینها و بین الطائفة الثانیة هو العموم من وجه، إذ قد یکون الکلب صیودا و لا یکون من أفراد الکلاب السلوقیة و قد یکون من أفرادها و لا یکون صیودا بالفعل کالغیر المعلم من السلوقی، و قد یجتمعان و حینئذ فیجوز تخصیص العمومات بکل من الطائفة الثانیة و الثالثة بناء علی ما نقحناه فی الأصول من جواز تخصیص العام بالخاصین بینهما عموم من وجه، کما إذا ورد أکرم العلماء ثم ورد لا تکرم الفساق منهم و لا تکرم النحویین منهم، فإنه جاز تخصیص أکرم
______________________________
یب. لیث قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الکلب الصیود یباع فقال نعم و یؤکل ثمنه موثقة. یب. عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» قال رسول اللّه (ص) و ثمن الکلب الذی لا یصطاد من السحت. ضعیفة لقاسم بن محمد. راجع ج 1 کا باب 42 السحت ص 363، و ج 2 التهذیب باب المکاسب ص 107 و بیع الخمر ص 155 و کتاب الصید ص 302، و ج 10 الوافی باب 39 بیع الخمر ص 39 و باب 43 أنواع السحت ص 41، و ج 2 ئل باب 42 تحریم بیع الکلاب مما یکتسب به.
[1] یب. أبو بصیر قال سألت أبا عبد اللّه «ع» عن ثمن کلب الصید قال لا بأس بثمنه و الآخر لا یحل ثمنه. ضعیفة لقاسم بن محمد.
الصدوق قال قال «ع» و ثمن الکلب الذی لیس بکلب الصید سحت. مرسلة. راجع ج 2 یب ص 107، و ج 10 الوافی ص 52، و ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة و باب 42 تحریم بیع الکلاب مما یکتسب به، و فی دعائم الإسلام عن علی «ع» انه قال لا بأس بثمن کلب الصید. و فی فقه الرضا و ثمن الکلب سحت إلا کلب الصید. راجع ج 2 المستدرک ص 430.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 96
العلماء بکلا الخاصین و ان کانت النسبة بینهما هو العموم من وجه، و علیه فیجوز بیع الصیود من غیر السلوقی و بیع غیر الصیود من السلوقی.
الثالث أن یراد به ما یکون بینه و بین الصید نسبة و علاقة، بدعوی کفایة أدنی الملابسة فی صحة الإضافة کما هو الظاهر و الموافق للاستعمالات الدائرة بین المحاورین، ضرورة ان جملة کلب الصید فی اللغة العربیة لم توضع لمعنی خاص بل أطلقت علی حصة من الکلاب بوجه من المناسبة و بعلاقة الملابسة، کیف فإنها ترادف فی اللغة الفارسیة بلفظ (سک شکاری) و لا یعتبرون فی صحة ذلک الإطلاق أزید من تلک المناسبة الإجمالیة، و علیه فالنسبة بینها و بین الطائفة الثانیة هو العموم المطلق فإنه علی هذا یصح إطلاق کلب الصید علی الصیود مطلقا سلوقیا کان أم غیره و علی السلوقی کذلک صیودا کان أم غیره، و علی ذلک أیضا فیجوز تخصیص العمومات بهما بناء علی جواز تخصیص العام بالخاصین بینهما عموم مطلق کما هو الظاهر علی ما حققناه فی محله.
و أظهر المحتملات الثلاث هو الاحتمال الأخیر لما عرفت من کفایة أدنی الملابسة فی صحة الإضافة ثم الثانی لکثرة إضافة الموصوف الی وصف نوعه و بهذا صح جعله موضوعا للأحکام الشرعیة، و أما الاحتمال الأول فغیر سدید جزما فان من المستبعد جدا اعتبار الانصاف الفعلی فی صحة إضافة الموصوف إلی الصفة و أن لا یکتفی فیها بأدنی المناسبة، هذا غایة ما یمکن أن یقال فی جواز بیع السلوقی علی الإطلاق.
و لکنه فاسد إذ العمل بما ذکرناه علی کلام الاحتمالین إنما یجوز فیما إذا لم یکن کل من الخاصین مقیدا بقید به، یوافق العام و یسانخه، و إلا فینفی ذلک القید بمفهومه أو منطوقه ما اختص به الخاص الآخر من مادة الافتراق، فیکونان من أفراد الدلیلین المتعارضین فیسقطان للتعارض.
و فی المقام ان الظاهر من قوله «ع» فی الطائفة الثانیة (ثمن الکلب الذی لا یصید سحت) (و أما الصیود فلا بأس) هو ان غیر الصیود من الکلاب یحرم بیعه و ان کان سلوقیا، فیشارک العام بمقتضی اشتماله القید العدمی، کما ان الظاهر من قولهم علیهم السلام فی الطائفة الثالثة (و لا بأس بثمن کلب الصید و الآخر لا یحل ثمنه) هو انه کلما کان کلب صید بنوعه جاز بیعه صیودا کان أم لم یکن، و أما غیر کلب الصید فلا یجوز بیعه و إن کان صیودا، فیتعارضان فی الصغیر و الکبیر غیر المعلمین من السلوقی علی الاحتمال الثالث من دعوی العموم المطلق بین الخاصین، و فی الصیود من غیر السلوقی أیضا علی الاحتمال الثانی من دعوی العموم من وجه بینهما، فصارت النتیجة علی الاحتمال الثالث ان غیر الصیود من
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 97
الکلاب لا یجوز بیعه و إن کان سلوقیا، و علی الثانی فالصیود من غیر السلوقی أیضا لا یجوز بیعه هذا کله مع الإغضاء عن سند الطائفة الثالثة، و إلا فهی لا تقاوم الطائفة الثانیة لضعف سندها، و عدم انجبارها بعمل المشهور، و حینئذ فینحصر المخصص لتلک العمومات فی الطائفة الثانیة، فترتفع الغائلة من أصلها.

حرمة بیع کلب الحراسة

قوله الثالث کلب الماشیة.
أقول: هذه هی الجهة الثالثة من الکلام، الظاهر انه لا شبهة فی حرمة بیع الکلاب الثلاثة: أی کلب الماشیة، و کلب الحائط، و کلب الزرع، و یسمی کل واحد منهما بالکلب الحارس، و هذا هو المشهور بین القدماء، و قد دلت علیه العمومات المتقدمة، کما ان المشهور بین الشیخ (ره) و من تأخر عنه الجواز.
و قد استدل علیه بوجوه: الوجه الأول، دعوی الإجماع علیه کما یظهر من العلامة فی التذکرة علی ما حکاه المصنف (ره) قال: (یجوز بیع هذه الکلاب عندنا) و لکنا لم نجد ذلک فی التذکرة. نعم ذکر الشیخ (ره) فی الخلاف «1»: ان (بیع هذه الکلاب یجوز عندنا و ما یصح بیعه یصح إجارته بلا خلاف). و المحکی عن حواشی الشهید: (ان أحدا لم یفرق بین الکلاب الأربعة). و ظاهر هذه العبارة عدم وجود القول بالفرق بین الکلاب الأربعة فی جواز البیع و عدمه.
و فیه ان ذلک معارض بدعوی الإجماع علی حرمة بیعها، علی ان دعواه فی مثل هذه المسألة المختلف فیها من الصعب المستصعب خصوصا مع عدم کونه إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی الحجة لاحتمال ان المجمعین قد استندوا الی المدارک المعلومة المذکورة فی المقام.
و لا ینقضی العجب من الشهید (ره) کیف یدعی: ان أحدا لم یفرق بین الکلاب الأربعة فی حرمة البیع و جوازه، مع کثرة الاختلاف فی المسألة!!.
إلا أن یکون نظره الشریف فی ذلک الی العامة، فقد عرفت فی بیع کلب الهراش: ان طائفة منهم کالحنابلة و الشافعیة و بعض فرق المالکیة ذهبوا الی ان بیع الکلاب مطلقا لا یصح حتی کلب الصید و طائفة أخری منهم کالحنفیة و بعض آخر من المالکیة ذهبوا الی صحة بیعها مطلقا حتی کلب الحراسة. أو یکون نظره الی جواز الانتفاع بها مطلقا و عدم جوازه کذلک، فان الفقهاء رضوان اللّه تعالی علیهم لم یفرقوا فی ذلک بین الکلاب الأربعة.
الوجه الثانی: ان ثبوت الدیة علی قاتلها فی الشریعة المقدسة یدل علی جواز المعاوضة علیها و الی هذا أشار العلامة فی المختلف «2» و قال: (و لأن لها دیات منصوصة، فتجوز المعاوضة
______________________________
(1) ج 1 کتاب الإجارة ص 276.
(2) ج 2 ص 163.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 98
علیها). و قدرت هذه الدیة فی کلب الماشیة بکبش، أو بعشرین درهما، و فی کلب الحائط بعشرین درهما، و فی کلب الزرع بقفیز من طعام.
و فیه ان ثبوت الدیة لها فی الشریعة لا یدل علی ملکیتها فضلا عن جواز المعاوضة علیها فقد ثبتت الدیة فی الحر مع انه غیر مملوک قطعا، بل لا یبعد ان یکون ثبوت الدیة کاشفا عن عدم الملک مع فرض کون الشی‌ء محترما، و إلا لکان الثابت نقص القیمة، أو تخییر المالک بینه و بین الدیة کما فی العبد و الأمة.
الوجه الثالث: انه لا شبهة فی جواز إجارتها لحفظ الماشیة و الحائط و الزرع اتفاقا کما فی المتن، فیجوز بیعها لوجود الملازمة بینهما، و الی هذا الدلیل أشار العلامة أیضا فی المختلف «1» و قال: (و لأنه یجوز إجارتها فیجوز بیعها) و فیه انه لا ملازمة شرعیة بین صحة الإجارة و صحة البیع، فإن إجارة الحر و أم الولد جائزة بالاتفاق و لا یجوز بیعهما، کما لا ملازمة بین صحة البیع و صحة الإجارة، فإن بیع الشعیر و الحنطة و عصیر الفواکه و سائر المأکولات و المشروبات جائز اتفاقا، و لا تصح إجارتها فإن من شرائط الإجارة ان العین المستأجرة مما یمکن الانتفاع بها مع بقاء عینها، و الأمور المذکورة لیست کذلک.
و بعبارة اخری ان جواز بیع الکلاب و عدمه من الأحکام الشرعیة و هی أمور توقیفیة فلا محیص عن اتباع أدلتها، فإن کان فیها ما یدل علی جواز بیعها أخذ به، و إلا فالعمومات الدالة علی المنع متبعة.
الوجه الرابع: ما ذکره العلامة أیضا فی المختلف «2» من انه (إذا جاز بیع کلب الصید جاز بیع باقی الکلاب الأربعة، و الأول ثابت إجماعا فکذا الثانی، بیان الشرطیة: ان المقتضی للجواز هناک کون المبیع مما ینتفع به، و ثبوت الحاجة الی المعاوضة، و هذان المعنیان ثابتان فی صورة النزاع فیثبت الحکم علماء بالمقتضی السالم عن المعارض إذا الأصل انتفائه). و زاد علیه بعض أصحابنا: ان ما یترتب علی الکلاب الثلاثة من المنافع أکثر مما یترتب علی کلب الصید، فإذا جاز بیعه کان بیع تلک الکلاب الثلاثة أولی بالجواز.
و فیه انه قیاس واضح، فقد نهینا عن العمل به فی الشریعة المقدسة، بالأدلة القاطعة، و علیه فلا وجه لرفع الید عن العمومات إلا فی الکلب الصیود.
الوجه الخامس: ان الحکم بجواز بیعها هو مقتضی الجمع بین الروایات، لأنا إذا لاحظنا للعمومات الدالة علی المنع، مع قوله (ع) فی روایة تحف القول: (و کل شی‌ء یکون لهم
______________________________
(1) الموضع المتقدم.
(2) الموضع المتقدم.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 99
فیه الصلاح من جهة من الجهات فهذا کله حلال بیعه و شراؤه و إمساکه و استعماله و هبته و عاریته) وجدنا ان النسبة بینهما هی العموم من وجه، فان العمومات تقتضی حرمة بیع الکلاب کلها، و إنما خرج منها بیع کلب الصیود فقط للروایات الخاصة، و هذه الفقرة من روایة تحف العقول تقتضی صحة بیع کلما کان فیه جهة صلاح، فتشمل بیع کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع أیضا، لجواز الانتفاع بها فی الحراسة، و بعد سقوطهما المعارضة یرجع فی إثبات الجواز التکلیفی إلی أصالة الإباحة، و فی إثبات الجواز الوضعی إلی عمومات صحة البیع و التجارة عن تراض.
و فیه أولا: انا لو أغمضنا عما تقدم فی روایة تحف العقول. فإنها لا تقاوم العمومات المذکورة فی خصوص المقام، لأن کثرة الخلاف هنا مانعة عن انجبار ضعفها بعمل المشهور.
و ثانیا: انه لا مناص من ترجیح العمومات علیها، إذ قد بینا فی علم الأصول: ان من جملة المرجحات عند معارضة الدلیلین بالعموم من وجه ان یلزم من العمل بأحدهما إلغاء الآخر من أصله، و إسقاط ما ذکر فیه من العنوان عن الموضوعیة، و حینئذ فلا بد من العمل بالآخر الذی لا یلزم منه المحذور المذکور، و فی المقام لو عملنا بروایة تحف العقول للزم من ذلک إلغاء العمومات علی کثرتها، و لسقط عنوان الکلب المذکور فیها عن الموضوعیة لخروج الکلب الصیود منها بالروایات الخاصة کما عرفت، و لو خرجت الکلاب الثلاثة منها بالروایة المذکورة لما بقی تحتها إلا الکلب الهراش فقط. و یکفی فی المنع عن بیعه عدم وجود النفع فیه، فلا یحتاج الی تلک العمومات المتظافرة، و یلزم المحذور المذکور، و اما إذا علمنا بالعمومات، و رفعنا الید عن الروایة فإن المحذور لا یتوجه أصلا، لأن ما فیه جهة صلاح من الأشیاء لا ینحصر فی الکلاب الثلاثة.
و نظیر ذلک المعارضة بین ما ورد [1] من الأمر بغسل الثوب من أبواب ما لا یؤکل لحمه و ما ورد [2] من نفی الیأس عن بول الطیر و خرئه، فإنا لو قدمنا الخبر. الأول، و حکمنا
______________________________
[1] عبد اللّه بن سنان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: اغسل ثوبک من أبوال ما لا یؤکل لحمه. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع ج 1 ئل باب 8 نجاسة البول من أبواب النجاسات و ج 1 التهذیب باب تطهیر الثیاب ص 75، و ج 1 کا باب 37 أبوال الدواب ص 18، و ج 4 الوافی باب التطهیر من فضلات الحیوانات ص 30.
[2] أبو بصیر عن ابی عبد اللّه «ع» قال: کل شی‌ء یطیر فلا بأس ببوله و خرئه. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع ج 1 ئل باب 10 حکم ذوق الدجاج من النجاسات، و الأبواب المذکورة من کا و یب و الوافی.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 100
بسببه بنجاسة خرء الطیور التی لا یؤکل لحمها لکان ذکر الطیر فی الخبر الثانی لغوا محضا، إذ لا یبقی تحته إلا ما یؤکل لحمه من الطیور، و یکفی فی طهارة ذرقها ما یدل [1] علی طهارة بول مأکول اللحم، و هذا بخلاف العکس، فانا إذا عملنا بالخبر الثانی لم یلزم المحذور لکثرة أفراد غیر المأکول من غیر جنس الطیور.
و من هذا القبیل أیضا معارضة ما یدل «1» علی انفعال الماء القلیل بملاقاته النجاسة لما یدل «2» علی عدم انفعال الجاری بذلک، فان العمل بالطائفة الاولی، و الحکم بانفعال الجاری بملاقاته النجاسة إذا کان قلیلا یوجب کون ذکر الجاری فی الطائفة الثانیة لغوا، إذ لا یبقی فیها إلا الکر، و یکفی فی عدم انفعاله بملاقاته النجاسة ما یدل [2] علی عدم انفعال الکر بذلک علی الإطلاق، و لو انعکس الأمر لم یلزم المحذور لکثرة أفراد القلیل من غیر الجاری.
الوجه السادس: ما فی المتن من حکایة روایة ذلک عن الشیخ فی المبسوط، قال: (إنه روی ذلک یعنی جواز البیع فی کلب الماشیة و الحائط المنجبر قصور سنده و دلالته- لکون المنقول مضمون الروایة، لا معناها، و لا ترجمتها- باشتهاره بین المتأخرین).
و فیه أن الشهرة بین المتأخرین لا تجبر ضعف الروایة، بل و لم یعلم استنادهم إلیها فی فتیاهم بالجواز، فلعلهم استندوا فی ذلک الی الوجوه المذکورة، کما یظهر ذلک ممن یلاحظ کلماتهم علی أنه لم یثبت لنا کون المحکی عن الشیخ روایة فضلا عن انجباره هنا بالاشتهار، و توضیح ذلک: أن ناقل الروایة تارة ینقلها بألفاظها الصادرة عن المنقول عنه، و اخری بترجمتها بلغة اخری غیر لغة المروی عنه، و ثالثة بمعناها، کما هو المتعارف بین الرواة، خصوصا فی الأحادیث الطوال التی یعسر حفظ ألفاظها عادة، و رابعة بمضمونها، کما هو المرسوم بین الفقهاء فی مرحلة الإفتاء.
______________________________
[1] حریز و زرارة انهما قالا: لا تغسل ثوبک من بول شی‌ء یؤکل لحمه. حسنة لإبراهیم ابن هاشم. راجع ج 1 کا باب 37 أبوال الدواب ص 28. و ج 4 الوافی باب التطهیر من فضلات الحیوانات ص 30 و ج 1 ئل باب 9 طهارة البول من کل ما یؤکل لحمه من أبواب النجاسات
[2] محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه «ع» و سئل عن الماء تبول فیه الدواب و تلغ فیه الکلاب و یغتسل فیه الجنب؟ قال: إذا کان الماء قدر کر لم ینجسه شی‌ء. مجهولة لمحمد بن إسماعیل النیسابوری. راجع ج 1 کا باب الماء الذی لا ینجسه شی‌ء ص 2، و ج 1 التهذیب باب المیاه ص 117، و باب الأحداث ص 12.
______________________________
(1) راجع ج 1 ئل باب 8 نجاسة ما نقص عن الکر من أبواب ماء المطلق.
(2) راجع ج 1 ئل باب 5 عدم نجاسة الماء الجاری من أبواب ماء المطلق.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 101
أما غیر القسم الأخیر فلا شبهة فی شمول أدلة اعتبار الخبر له، کما هو واضح، و أما القسم الأخیر فلا تشمله تلک الأدلة قطعا، لانحصارها فی الاخبار الحسیة، و رأی الفقیه من الأمور الحدسیة، فلا یکون حجة لغیره و لغیر مقلدیه، کما حقق فی علم الأصول.
و إذا عرفت ذلک اتضح لک أن المحکی عن الشیخ (ره) لا یکون مشمولا لأدلة اعتبار الخبر لأن ظاهره أنه (ره) فهم باجتهاده جواز البیع من الروایات، و أشار إلیه بلفظ الإشارة بداهة أن الامام «ع» لم یبین الحکم علی النحو المذکورة فی العبارة، و بلفظ الإشارة ابتداء من دون أن یکون مسبوقا أو ملحوقا بکلام آخر یدل علیه، و علیه فلم یثبت کون المحکی روایة حتی ینجبر ضعفها بعمل المشهور، و تکون حجة لنا فی مقام الفتوی، نعم لو کانت الروایة بأصلها و أصله إلینا، و قلنا بانجبار ضعف الخبر بشی‌ء لکان لهذه الدعوی مجال واسع هذا کله علی تقدیر أن یکون المنقول فی المتن هو عین عبارة الشیخ (ره).
و لکنها لیست کک، فإنه قال فی تجارة المبسوط «1»: (و روی ان کلب الماشیة و الحائط کذلک) و علی هذا فهی روایة مرسلة، و قابلة للانجبار.
و مع ذلک لا یجوز الاستناد إلیها أیضا، لما عرفت فی البحث عن روایة تحف العقول من منع انجبار ضعف الروایة بشی‌ء صغری و کبری. علی أن من البعید جدا بل من المستحیل عادة أن تکون هناک روایة، و لم یظفر علیها غیر الشیخ من علماء الحدیث، أو وصلوا إلیها و لکنهم لم یوردوها فی أصولهم المعدة للروایة، حتی هو (ره) فی تهذیبیه.
و المظنون أن الشیخ (ره) اطلع علیها فی کتب العامة، و أوردها فی کتابه للمناسبة إلا أن أحادیثهم عن النبی (ص) فی النهی عن بیع الکلاب خالیة أیضا عن استثناء کلب الماشیة و کلب الحائط.
لا یقال: إن عدم اشتهار المرسلة بین القدماء لا یمنع انجبار ضعفها بعمل المشهور من المتأخرین، فإن ظهورها إنما کان من زمان الشیخ (ره)، فیکون هذا عذرا لعدم عمل القدماء بها، و إنما یضر ذلک فیما إذا کانت الروایة بمرأی منهم و مسمع، ثم لم یعملوا بها لإعراضهم عنها.
فإنه یقال: إن ضعف الروایة إنما ینجبر بالشهرة إذا عمل بها المشهور مع نقلهم إیاها فی کتبهم من دون أن یستندوا فی ذلک الی نقل شخص واحد، و أما إذا انتهی سند الناقلین الی شخص واحد فنسبتها إلی النقلة و غیرهم سیان، فمثل هذه الشهرة لا توجب الانجبار.
______________________________
(1) راجع فصل حکم ما یصح بیعه و ما لا یصح. و ج 2 ئل باب 42 تحریم بیع الکلاب مما یکتسب به.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 102
ضرورة عدم اختصاص النقلة بقرینة زائدة لیمتازوا بها علی غیرهم. و إذن فنسبة المرسلة الی العاملین و الناقلین کنسبتها إلینا، لأن مستندهم أجمع هو نقل الشیخ (ره) فقط: فلا یکون عملهم هذا جابرا لوهنها.
و یضاف الی ذلک ما قد عرفته مرارا من فساد البناء و المبنی، و أن الشهرة لا تجبر ضعف الروایة صغری و کبری.

تذییل

المستفاد من أخبار الباب إنما هو حرمة بیع کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع و أما المعاملات الأخری غیر البیع فلا بأس فی إیقاعها علیها، کاجارتها، و هبتها، و الصلح علیه بناء علی عدم جریان أحکام البیع علیه إذا کانت نتیجته المبادلة بین المالین، فان المذکور فی تلک الأخبار هی حرمة ثمن غیر الصیود من الکلاب، و لا یطلق الثمن علی ما یؤخذ بدلا بغیر عنوان البیع من المعاملات.
ثم لا یخفی: أن اقتناء تلک الکلاب و لو فی غیر أو ان الاصطیاد و الحراسة مما لا إشکال فیه لأنها من الأموال و لو باعتبار الانتفاع بها فی وقت الاصطیاد و الحراسة، و حرمة بیع هذه الکلاب لا یضر بجواز اقتنائها، إذ لا ملازمة بین حرمة بیع شی‌ء و حرمة اقتنائه و الانتفاع به کیف و إن الانتفاع بها أکثر من الانتفاع بالکلب الصیود، خصوصا لأهل البادیة، و أصحاب الماشیة و البساطین و الزروع و نحوها، و لم یستشکل أحد فی جواز ذلک فیما نعلم، بل ورد فی أخبار الفریقین [1] جواز اقتناء الکلاب الأربعة، إلا أن تلحق بالکلب الهراش.
______________________________
[1] فی ج 2 المستدرک باب 35 کراهة اتخاذ الکلب من أبواب الدواب عن غوالی اللئالی عن النبی (ص) انه قال: من اقتنی کلبا إلا کلب ماشیة أو صید أو زرع فقد انتقص من أجره کل یوم قیراط. مرسلة.
أبو الفتوح فی تفسیر قوله تعالی: (وَ مٰا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوٰارِحِ) الآیة، رخص النبی (ص) فی اقتناء کلب الصید و کل کلب فیه منفعة مثل کلب الماشیة و کلب الحائط و الزرع رخصهم فی اقتنائه و نهی عن اقتناء ما لیس فیه نفع، الخبر. مرسلة.
و فی ج 6 سنن البیهقی ص 9 عبد اللّه بن عمر یقول: سمعت رسول اللّه (ص) یقول:
من اقتنی کلبا إلا کلب ضاری لصید أو ماشیة نقص من أجره کل یوم قیراطان.
و فی روایة أخری قیل لابن عمر: إن أبا هریرة یقول: أو کلب زرع، فقال: إن لأبی هریرة زرعا. أقول: فی هذا الحدیث إشارة إجمالیة إلی مکانة أبی هریرة فی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 103
و قد یقال: بجواز بیع کلب الماشیة لقول علی «ع» فی روایة قیس [1]: (لا خیر فی الکلاب إلا کلب صید أو کلب ماشیة). فإن جواز البیع من الخیر الثابت فیه.
و فیه أن غایة ما یستفاد من الروایة هو جواز اقتنائه للانتفاع به فی حراسة الماشیة و اتصافه بالمالیة بهذا الاعتبار، و أما جواز بیعه فلا یستفاد منها، لأنک قد عرفت عدم الملازمة بین کون الشی‌ء مالا، و بین جواز بیعه، و إذن فالروایة من جملة ما یدل علی جواز اقتناء کلب الماشیة. و من هنا اتضح: أنه لا وجه لقیاس ما یحرم بیعه من الکلاب الثلاثة بالخمر لإثبات عدم المالیة فیها، لا وجه لذلک لان الشارع قد ألغی مالیة الخمر، بخلاف الکلاب الثلاثة، فإن مالیتها محفوظة فی نظر الشارع و إن حرم بیعها.

جواز بیع العصیر العنبی إذا غلی و لم یذهب ثلثاه

قوله الأقوی جواز المعاوضة علی العصیر العنبی إذا غلی، و لم یذهب ثلثاه.
أقول:
الغلیان عبارة عن القلب، کما فی روایة الحماد [2]، قال: (قلت: أی شی‌ء الغلیان؟ قال:
القلب). و المراد به حصول النشیش فیه بحیث یصیر أعلاه أسفله، ثم ان العصیر إذا غلی بنفسه حکم بنجاسته بمجرد ظهور النشیش فیه عند بعض القدماء، و قد شید أرکان هذا القول البطل البحاثة شیخ الشریعة (ره) فی رسالته العصیریة، و تبعه جملة ممن تأخر عنه و علی هذا فلا تحصل الطهارة و الحلیة فیه إلا بصیرورته خلا.
و یمکن تأیید هذا القول بروایة الکلبی النسابة المتقدمة فی بیع النبیذ (قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن النبیذ؟ فقال: حلال، قلت: إنا ننبذه فنطرح فیه العکر و ما سوی ذلک فقال «ع»: شه شه تلک الخمرة المنتنة): و قد کنا نجزم بذلک القول فی سالف الأیام، ثم عدلنا عنه، و تحقیق الحق فی محله.
______________________________
وضع الأحادیث الکاذبة، حسب اقتضاء أغراضه الفاسدة و آرائه الکاسدة.
[1] محمد بن قیس عن أبی جعفر «ع» قال: قال: أمیر المؤمنین «ع»: لا خیر فی الکلاب إلا کلب صید أو کلب ماشیة. صحیحة. راجع ج 2 کا باب 12 الکلاب ص 233، و ج 11 الوافی باب 212 الکلب ص 117، و ج 2 ئل باب 43 کراهة اتخاذ الکلب من أحکام الدواب.
[2] عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سألت عن شرب العصیر؟ قال: تشرب ما لم یغل فإذا غلی فلا تشربه، قلت: أی شی‌ء الغلیان؟ قال: القلب. راجع ج 3 ئل باب 2 أن العصیر لا یحرم شربه من أبواب الأشربة المحرمة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 104
و ان کان غلیانه بالنار فهو محل الکلام فی المقام، و مورد النقض و الإبرام من جهة طهارته و عدمها، و جواز شربه و بیعه و عدمهما، و فصل بعضهم بین العصیر العنبی و التمری و حکم بنجاسة الأول و طهارة الثانی، و تحقیق ذلک و تفصیله فی کتاب الطهارة، و وجهة الکلام هنا فی خصوص البیع فقط، و الظاهر جوازه.
و لنمهد لبیان ذلک مقدمة، و هی أنه لا إشکال فی ان العصیر العنبی سواء غلی أم لم یغل من الأموال المهمة فی نظر الشارع و العرف، و علیه فلو أتلفه أحد ضمن قیمته لمالکه، کما لو أغلاه الغاصب، فإنه یضمنه بنقصان قیمته إذا کان الغلیان موجبا للنقص، کأن أخذ للتداوی فی غیر أو ان العنب، فإنه لا قصور فی شمول دلیل الید لذلک مع قیام السیرة القطعیة علیه و إن کان غلیانه لا یوجب نقصان قیمته، أو کان سببا لزیادتها فلا وجه للضمان، کأن أخذ للدبس و نحوه فغصبه الغاصب فأغلاه، و الوجه فی ذلک هو أن الغاصب و إن أحدث فی العصیر المغصوب وصفا جدیدا، إلا أن تصرفه هذا لم یحدث عیبا فی العصیر لیکون موجبا للضمان، بل صار وسیلة لازدیاد القیمة.
و من هنا ظهر لک ضعف قول المتن: (لو غصب عصیرا فأغلاه حتی حرم و نجس لم یکن فی حکم التالف، بل وجب علیه رده، و وجب علیه غرامة الثلثین، و اجرة العمل فیه حتی یذهب الثلثان) فقد عرفت عدم صحة ذلک علی إطلاقه.
إذا علمت ذلک وقع الکلام فی ناحیتین، الناحیة الاولی: فی جواز بیع العصیر العنبی و عدمه بحسب القواعد، و الناحیة الثانیة: فی جواز بیعه و عدم جوازه بحسب الروایات.
أما الناحیة الأولی: فقد یقال: بحرمة بیعه إذا غلی من جهة النجاسة، و الحرمة، و انتفاء المالیة، و لا یرجع شی‌ء من هذه التعلیلات الی معنی محصل، أما النجاسة فإنها لم تذکر إلا فی روایة تحف العقول، و المراد بها النجاسات الذاتیة، فلا تشمل المتنجسات، لأن نجاستها عرضیة، و لو سلمنا شمولها للمتنجسات فالنهی عن بیعها لیس إلا من جهة عرائها عن المنفعة المحللة، و لا شبهة فی أن العصیر العنبی المغلی لیس کذلک، لوجود المنافع المحللة فیه بعد ذهاب ثلثیه، علی أن مانعیة النجاسة عن البیع ممنوعة کما تقدم.
و أما الحرمة فقد یقال: إن الروایات العامة المتقدمة دلت علی وجود الملازمة بین حرمة الشی‌ء و حرمة بیعه، إلا أنه فاسد، فقد تقدم أنها ضعیفة السند، و أشرنا أیضا الی عدم الملازمة بین حرمة الشی‌ء و حرمة بیعه، علی أن المراد بالحرمة فیها ما یعرض علی الشی‌ء بعنوانه الذاتی الأولی، فلا تشمل الأشیاء المحرمة بواسطة عروض أمر خارجی، و إلا للزم القول بحرمة بیع الأشیاء المباحة إذا عرضتهم النجاسة أو غیرها مما یوجب حرمتها العرضیة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 105
و أما انتفاء المالیة ففیه أن العصیر العنبی المغلی من الأموال الخطیرة فی نظر الشارع و العرف و لذا لو أتلفه أحد لضمنه کما عرفته. علی أن الظاهر ان المالیة لا تعتبر فی صحة المعاوضة علی الشی‌ء و أما الناحیة الثانیة: فقد استدل علی حرمة بیعه بروایات: منها قوله «ع» فی روایة محمد ابن الهیثم [1]: إنه (إذا تغیر عن حاله و غلی فلا خیر فیه حتی یذهب ثلثاه). فان البیع من جملة الخبیر منفی فلا یجوز. و فیه أولا: انها روایة مرسلة، فلا تصلح للاستناد إلیها فی الأحکام الشرعیة. و ثانیا: إنها بعیدة عن حرمة البیع الظهور السؤال فی حرمة الشرب فقط، فلا تشمل البیع.
و منها قوله «ع» فی روایة أبی کهمس [2]: (و إن غلی فلا یحل بیعه) فان ظاهرها نفی الحلیة المطلقة تکلیفیة کانت أم وضعیة، فتدل علی حرمة بیع العصیر إذا غلی و لم یذهب ثلثاه و فیه أولا: انها ضعیفة السند. و ثانیا: ان ظهورها فی غلیان العصیر بنفسه لا بالنار، فتکون غریبة عما نحن فیه، و راجعة إلی القسم الأول من العصیر، و قد عرفت من بعض القدماء و من شیخ الشریعة أن الطهارة و الحلیة فیه لا تحصلان إلا بصیرورته خلا، علی أن الظاهر من الحلیة فیها بقرینة الصدر و الذیل هی التکلیفیة فقط دون الوضعیة وحدها، أو ما هو
______________________________
[1] عن رجل عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سألته عن العصیر یطبخ بالنار حتی یغلی من ساعته فیشربه صاحبه؟ فقال: إذا تغیر عن حاله و غلی فلا خیر فیه حتی یذهب ثلثاه و یبقی ثلثه. مرسلة. راجع ج 2 کا باب العصیر ص 197. و ج 2 التهذیب باب الأشربة ص 312 و ج 11 الوافی باب 161 العصیر ص 87. و ج 3 ئل باب 3 تحریم العصیر من الأشربة المحرمة
[2] قال: سأل رجل أبا عبد اللّه «ع» عن العصیر فقال: لی کرم أنا أعصره کل سنة و أجعله فی الدنان و أبیعه قبل ان یغلی؟ قال: لا بأس به و إن غلی فلا یحل بیعه ثم قال:
هو ذا نحن نبیع تمرنا ممن نعلم انه یصنعه خمرا. مجهولة لأبی کهمس. راجع ج 2 التهذیب بیع الخمر ص 155. و ج 1 کا باب 107 بیع العصیر ص 395. و ج 10 الوافی باب 39 بیع العصیر ص 39. و ج 2 ئل باب 88 جواز بیع العصیر ممن یعمل خمرا مما یکتسب به.
فی ج 3 رجال المامقانی فی فصل الکنی ص 32: کهمس بالکاف المفتوحة، و الهاء الساکنة و المیم المفتوحة و السین المهملة من أسماء الأسد قاله اللیث. و الرجل القبیح الوجه عن ابن خاویة. و الناقة الکوماء، و هی العظیمة السنام عن ابن عباد، نص علی ذلک کله فی التاج، و فی الصحاح ان الکهمس القصیر، و أبو حی من العرب، و أبو کهمس کنیة الهیثم بن عبد اللّه، و ظاهر النقد کونهما رجلین، و الظاهر الاتحاد، و هو کنیة قاسم بن عبید أیضا انتهی أقول: فی ج 3 التهذیب کتاب الطلاق ص 219 أبی کهمس اسمه هیثم بن عبید.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 106
أغم منها و من التکلیفیة، إذن فالروایة ناظرة إلی حرمة بیع العصیر للشرب، فان إشراب النجس أو المتنجس للمسلم حرام، و أما حرمة بیعه للدبس و نحوه فلا یستفاد منها.
ثم لا یخفی: ان قوله «ع» فی ذیل الروایة: (هو ذا نحن نبیع تمرنا ممن نعلم انه یصنعه خمرا). إنما هو لدفع وسوسة السائل من تجویز الامام «ع» بیع العصیر قبل الغلیان، و إن کان المشتری ممن یصنعه خمرا، و سیأتی فی مبحث بیع العنب ممن یجعله خمرا تعلیل الامام «ع» جواز البیع بقوله بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه) و قد تکرر ذلک فی جملة من الروایات و منها ما فی روایة أبی بصیر [1] من قوله «ع»: (إذا بعته قبل ان یکون خمرا و هو حلال فلا بأس). فإن منطوقها یدل علی جواز بیع العصیر قبل صیرورته خمرا، و مفهومها یدل علی عدم جواز البیع بعد حرمة العصیر بالغلیان.
و فیه أولا: انها ضعیفة السند. و ثانیا: ان روایها أبا بصیر مشترک بین اثنین، و کلاهما کوفی، و من أهل الثقة، و من المقطوع به ان بیع العصیر العنبی لم یتعارف فی الکوفة فی زماننا هذا مع نقل العنب إلیها من الخارج فضلا عن زمان الراوی الذی کان العنب فیه قلیلا جدا، و علیه فالمسؤول عنه هو حکم العصیر التمری الذی ذهب المشهور الی حلیته حتی بعد الغلیان ما لم یصر خمرا، فلا یستفاد من الروایة إلا حرمة بیع الخمر و جواز بیع العصیر التمری قبل کونه خمرا، فتکون غریبة عن محل الکلام، و إن أبیت عن ذلک فلا إشکال انها غیر مختصة بالعصیر العنبی، فغایة الأمر أن تکون الروایة شاملة لکلا العصیرین، إلا أنه لا بد من التخصیص بالتمری، لان ظاهر قوله «ع»: (و هو حلال) هو أن العصیر قبل کونه خمرا حلال و لو کان مغلیا، و من الواضح ان هذا یختص بالتمری دون العنبی.
قوله و الظاهر أنه أراد بیع العصیر للشرب من غیر التثلیث.
أقول: قد حکی المصنف عن المحقق الثانی فی حاشیة الإرشاد: انه (لو تنجس العصیر و نحوه فهل یجوز بیعه علی من یستحله فیه اشکال؟) ثم ذکر المحقق الثانی: (ان الأقوی العدم، لعموم و لا تعاونوا علی الإثم و العدوان).
و قد استظهر المصنف من کلامه هذا: أنه أراد بیع العصیر للشرب من غیر التثلیث، إلا أن الذی یظهر لنا منه: أنه أراد من العصیر مطلق المعتصرات کعصیر الفواکه و غیره، و یدل علی أن هذا هو المراد من کلامه وجهان: الوجه الأول: عطف کلمة (نحوه) علی
______________________________
[1] قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن ثمن العصیر قبل ان یغلی لمن یبتاعه لیطبخه أو یجعله خمرا؟ قال: إذا بعته قبل ان یکون خمرا و هو حلال فلا بأس. ضعیفة لقاسم بن محمد راجع المصادر المزبورة من الکتب المتقدمة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 107
العصیر، فان الظاهر أن المراد منها مطلق المائعات المضافة، فلا بد و أن یکون المراد من العصیر مطلق المعتصرات، إذ لا خصوصیة العصیر العنبی فی المقام. و الوجه الثانی: تقییده جواز البیع بمن یستحل، إذ لو کان مراده خصوص العصیر العنبی فقط لکان ذلک التقیید لغوا، لجواز بیعه من غیر المستحل أیضا، فقد عرفت حلیته و طهارته و جواز الانتفاع به علی وجه الإطلاق بعد ذهاب ثلثیه.
و یؤید ذلک ما استدل به المحقق الثانی علی حرمة البیع من حرمة الإعانة علی الإثم. فان العصیر العنبی و إن کان یتنجس و یحرم بمجرد الغلیان، إلا أنه یطهر و یحل بذهاب ثلثیه، فلا یکون بیعه من غیر المستحل إعانة علی الإثم، و یستکشف من ذلک أن غرضه من العصیر هو ما ذکرناه.

جواز المعاوضة علی الدهن المتنجس

اشارة

قوله یجوز المعاوضة علی الدهن المتنجس.
أقول: المعروف بین الأصحاب هو جواز المعاوضة علی الدهن المتنجس، لفائدة الاستصباح به تحت السماء خاصة، بل فی الخلاف «1» دعوی الإجماع علی ذلک، قال: (یجوز بیع الزیت النجس لمن یستصبح به تحت السماء، و قال أبو حنیفة [1]: یجوز بیعه مطلقا، و قال مالک و الشافعی: لا یجوز بیعه بحال، دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم). و عن الحنابلة أیضا لا یجوز، إلا ان الظاهر من أخبار العامة «2» جواز ذلک، لاطباقها علی جواز الانتفاع به. بل فی بعضها [2] ذکر
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنفیة یجوز ان یبیع دهنا متنجسا لیستعمله فی الدبغ و الاستضاءة به فی غیر المسجد، و فی ص 231 عن المالکیة لا یصح بیع المتنجس الذی لا یمکن تطهیره کسمن وقعت فیه نجاسة علی المشهور، و ذهب بعضهم الی الجواز.
و عن الحنابلة الدهن الذی سقطت فیه نجاسة فإنه لا یحل بیعه. و فی هامش ج 6 سنن البیهقی ص 13 فی قواعد ابن الرشد اختلفوا فی الزیت النجس و نحوه بعد اتفاقهم علی تحریم أکله فمنعه مالک و الشافعی، و جوزه أبو حنیفة و ابن وهب إذا بین، و فی نوادر الفقهاء اجمع الصحابة علی جواز بیع زیت و نحوه تنجس بموت شی‌ء فیه إذا بین ذلک.
[2] فی هامش ج 6 سنن البیهقی ص 13 عن ابن عمران قال: سألت القاسم و سالما عن الزیت تموت فیه الفارة أ فنبیعه؟ قال: نعم.
______________________________
(1) ج 1 کتاب البیوع ص 225.
(2) راجع ج 9 سنن البیهقی ص 354.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 108
جواز البیع صریحا.
قوله و جعل هذا من المستثنی عن بیع الأعیان النجسة.
أقول: حاصل کلامه أن مسألة المعاوضة علی الدهن للاستصباح إنما یمکن جعله من المستثنی من حرمة بیع الأعیان النجسة إذا قلنا بحرمة الانتفاع بالمتنجس إلا ما خرج بالدلیل، أو قلنا بحرمة بیع المتنجس و إن جاز الانتفاع به منفعة محللة مقصودة، و إلا فیکون الاستثناء منقطعا، لعدم دخول بیع الدهن المتنجس و لا غیره من المتنجسات القابلة للانتفاع بها فی المستثنی منه، و قد تقدم أن المنع عن بیع النجس فضلا عن المتنجس لیس إلا من حیث حرمة المنفعة المقصودة، فإذا فرض حلها فلا مانع من البیع.
و فیه أولا: أنه قد تقدم مرارا عدیدة أن النجاسة بما هی نجاسة لا تمنع عن البیع إلا إذا استلزمت حرمة الانتفاع بالنجس من جمیع الجهات و قد اعترف المصنف هنا و فی مسألة بیع المیتة الحکم الأول، و قد تقدم أیضا أن النجاسة لا تمنع عن الانتفاع بالنجس لو کان له نفع محلل، بل و ستعرف أن مقتضی الأصل إنما هو جواز الانتفاع بالأعیان النجسة فضلا عن المتنجسات، و إذن فلا مناص عن کون الاستثناء منقطعا لا متصلا.
و ثانیا: أنا لا نعرف وجها لابتناء کون الاستثناء متصلا علی حرمة الانتفاع بالمتنجس، إذا العنوان فی المستثنی منه إنما هو حرمة بیع النجس، أو المتنجس من حیث هما کذلک و لم یقید بحرمة الانتفاع بهما، نعم یجوز تعلیل جواز البیع، أو حرمته بجواز الانتفاع بهما أو حرمته، و علیه فتکون حرمة الانتفاع بهما من علل التشریع لحرمة بیعهما، و من قبیل الواسطة فی الثبوت لذلک، و قد ظهر مما ذکرناه: أن القاعدة الأولیة تقتضی جواز بیع الدهن المتنجس بلا احتیاج الی الروایات، کما أنها تقتضی حرمة بیعه، و عدم جواز الانتفاع به لو قلنا بمانعیة النجاسة عن البیع، و عدم جواز الانتفاع بالمتنجس.
و ثالثا: أن جعل المصنف المعاوضة علی الأعیان المتنجسة من جملة المسائل الثمانیة و ان کان یقتضی اتصال الاستثناء و شمول المستثنی منه للنجس و المتنجس کلیهما، إلا أن تخصیصه الکلام فی عنوان هذه المسائل الثمانیة بالاکتساب بالأعیان النجسة عدا ما استثنی یقتضی انقطاع الاستثناء، سواء قلنا بجواز الانتفاع بالمتنجس أم لم نقل، و علیه فذکر مسألة المعاوضة علی الأعیان المتنجسة فی عداد المعاوضة علی الأعیان النجسة من باب الاستطراد.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 109

تأسیس

لا یخفی أن الروایات الواردة فی بیع الدهن المتنجس علی طوائف، الأولی [1]: ما دل علی جواز بیعه مقیدا بإعلام المشتری. الثانیة [2]: ما دل علی جواز البیع من غیر تقیید بالإعلام کروایة الجعفریات الدالة علی جواز بیع الدهن المتنجس لجعله صابونا. الثالثة [3]: ما دل علی
______________________________
[1] ابن وهب عن أبی عبد اللّه «ع» فی جرذ مات فی زیت ما تقول فی بیع ذلک؟ فقال بعه و بینه لمن اشتراه لیستصبح به. موثقة للحسن بن محمد بن سماعة.
أبو بصیر قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الفارة تقع فی السمن أو فی الزیت فتموت فیه؟ فقال: إن کان جامدا فتطرحها و ما حولها و یؤکل ما بقی و إن کان ذائبا فأسرج به و أعلمهم إذا بعته. مجهولة للحسن بن رباط. راجع ج 2 ئل باب 33 جواز بیع زیت النجس مما یکتسب به. و ج 2 التهذیب باب الغرر ص 153. و ج 10 الوافی باب 43 جامع فیما یحل بیعه و شراؤه ص 42. قرب الاسناد بإسناده عن إسماعیل بن عبد الخالق عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سأله سعید الأعرج السمان و أنا حاضر عن الزیت و السمن و العسل تقع فیه الفارة فتموت کیف یصنع به قال أما الزیت فلا تبعه إلا لمن تبین له فیبتاع للسراج، الخبر. ضعیفة لمحمد بن خالد. راجع الباب 33 المتقدم من ج 2 ئل.
[2] الجعفریات بإسناده عن علی «ع» أنه سئل عن الزیت یقع فیه شی‌ء له دم فیموت؟
قال: الزیت خاصة یبیعه لمن یعلمه صابونا و عن الراوندی مثله. راجع ج 2 المستدرک ص 427 أقول: قد أشرنا مرارا عدیدة الی وثاقة کتاب الأشعثیات المسمی بالجعفریات، و لکن تبین أخیرا لسیدنا الأستاذ أدام اللّه أیام إفاضاته: أن الوجوه التی استند إلیها القائلون باعتبار الکتاب لا تخرجه عن الجهالة، فإن من جملة رواته موسی بن إسماعیل، و هو مجهول الحال فی کتب الرجال، و مهما بالغ المحدث النوری فی اعتباره و توثیق رواته، إلا أن ما أفاده لا یرجع الی معنی محصل ترکن الیه النفس، و یطمئن به القلب.
[3] قرب الاسناد عن علی بن جعفر عن أخیه قال: سألته عن حب دهن ماتت فیه فارة قال: لا تدهن به و لا تبعه من مسلم. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن. راجع ج 2 ئل باب 34 بیع الذکی المختلط بالمیت مما یکتسب به.
الجعفریات عن علی «ع» قال: و إن کان شیئا مات فی الإدام و فیه الدم فی العسل أو فی زیت أو فی السمن إن کان ذائبا فلا یؤکل یسرج به و لا یباع. مجهولة لموسی بن إسماعیل-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 110
عدم جواز بیعه مطلقا، و مقتضی القاعدة تخصیص الطائفة الثالثة الدالة علی عدم الجواز بما دل علی جواز البیع مع الإعلام، و بعد التخصیص تنقلب: نسبتها إلی الطائفة الثانیة الدالة علی جواز البیع مطلقا، فتکون مقیدة لها لا محالة، فیحکم بجواز بیعه مع الإعلام دون عدمه، و علی هذا فیجب الإعلام بالنجاسة مقدمة لذلک.
و لا یخفی أن وجوب الاعلام علی ما یظهر من دلیله إنما هو لأجل أن لا یقع المشتری فی محذور النجاسة، إذ قد یستعمل الدهن المتنجس فیما هو مشروط بالطهارة لجهله بالحال، و علیه فلو باع المتنجس الذی لیس من شأنه أن یستعمل فیما یشترط بالطهارة کاللحاف و الفرش فلا یجب الاعلام فیه.
قوله منها الصحیح عن معاویة بن وهب.
أقول: لا دلالة فی الروایة علی جواز البیع و لا علی عدمه، بل هی دالة علی جواز إسراج الزیت المتنجس.
قوله و منها الصحیح عن سعید الأعرج.
أقول: الروایة للحلبی، و هی أیضا دالة علی الإسراج، فلا إشعار فیها بحکم البیع بوجه.
قوله و زاد فی المحکی عن التهذیب.
أقول: بعد ما نقل الشیخ (ره) روایة ابن وهب المشار إلیها الدالة علی جواز إسراج الزیت المتنجس قال: (و قال: فی بیع ذلک الزیت تبیعه و تبینه لمن اشتراه لیستصبح به) فأشار به الی روایة أخری لابن وهب، و هی الروایة المتقدمة الدالة علی جواز بیع ذلک الزیت مع الإعلام، إذن فلا وجه لجعل هذه العبارة روایة کما صنعه المصنف، و إنما هی من کلام الشیخ (ره).

عدم اشتراط الاستصباح فی صحة بیع الدهن المتنجس

اشارة

قوله إذا عرفت هذا فالإشکال یقع فی مواضع: الأول)
أقول: ما قیل أو یمکن ان یقال فی حکم بیع الدهن المتنجس وجوه بل أقوال،

الأول: جواز بیعه علی أن یشترط علی المشتری الاستصباح،

کما استظهره المصنف من عبارة السرائر الثانی: جوازه مع قصد المتبایعین الاستصباح و إن لم یستصبح به بالفعل، کما استظهره المصنف من الخلاف. الثالث جواز بیعه بشرط أن لا یقصد المتبایعان فی جواز بیعه المنافع المحرمة و إن کانت نادرة سواء
______________________________
راجع ج 1 المستدرک ص 29، و ج 2 ص 427.
دعائم الإسلام عنهم «ع» إذا وقعت (الدابة) فیه (الإدام) فماتت لم یؤکل و لم یبع و لم یشتر. ضعیفة. راجع ج 3 المستدرک ص 427.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 111
قصدا مع ذلک المنافع المحللة أم لا. الرابع: صحة بیعه مع قصد المنفعة المحللة إلا إذا کانت شایعة، فلا یعتبر فی صحة البیع ذلک القصد. الخامس: جواز بیعه علی وجه الإطلاق من غیر اعتبار شی‌ء من القیود المذکورة. السادس: اشتراط تحقق الاستصباح به خارجا فی جواز بیعه، کما استظهره المحقق الایروانی من عبارتی الخلاف و السرائر، و جعلهما أجنبیتان عما ذکره المصنف (ره).
و قد اختار فی المتن الوجه الرابع فی مطلق کلامه، و قال: یمکن أن یقال باعتبار قصد الاستصباح، و اختار الوجه الثالث فی آخر کلامه، و قال نعم یشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة، و الذی تقتضیه القواعد مع الإغماض عن الروایات هو الوجه الخامس.
و لنبدأ بذکر ما اختاره المصنف، و ذکر ما یرد علیه من الاشکال، و سیظهر من ذلک وجه القول المختار، فنقول: ملخص کلامه: أن مالیة الأشیاء عند العرف و الشرع إنما هی باعتبار منافعها المحللة الظاهرة المقصودة منها لا باعتبار مطلق الفوائد و لو کانت غیر ملحوظة فی مالیتها، أو کانت نادرة الحصول، و لا باعتبار المنافع الملحوظة إذا کانت محرمة، و علیه فإذا فرض أن الشی‌ء لم تکن له فائدة محللة ملحوظة فی مالیته فلا یجوز بیعه، لا مطلقا لانصراف الإطلاق إلی کون الثمن بإزاء المنافع المقصودة منه، و المفروض حرمتها، فیکون أکلا للمال بالباطل. و لا مع قصد الفائدة المحللة النادرة، فإن قصدها لا یوجب المالیة مع حرمة منفعته الظاهرة، نعم لو دل نص خارجی علی جواز بیعه کما فیما نحن فیه لوجب حمله علی ما إذا قصد المتبایعان المنفعة النادرة، فإنها و إن لم توجب المالیة بحسب نفسها، و لکن توجبها بحکم الشارع، فلا یکون أکلا للمال بالباطل، کما أن حکمه قد یوجب سلب المالیة فی بعض الأحیان کما فی الخمر و الخنزیر، فیکون أکل المال فی مقابلهما أکلا له بالباطل، و هکذا لو لم تقصد المنفعة النادرة فی الصورة المتقدمة، فإن المال فی هذه الصورة یقع فی مقابل المنفعة الظاهرة المحرمة.
و فیه أن جمیع الأدهان و لو کانت من العطور مشترکة فی أن الإطلاء و الاستصباح بها أو جعلها صابونا من منافعها المحللة الظاهرة، و أنها دخیلة فی مالیة الدهن، غایة الأمر ان توفق بعض منافعها کالأکل فیما قصد منه أکله، و الشم فیما قصد منه شمه أوجب لها زیادة فی المالیة، و أوجب إلحاق المنافع الأخر المغفول عنها بالمنافع النادرة و إن کانت فی نفسها من المنافع الظاهرة، لأن اختلاف المرتبة فی المنفعة بمجرده لا یجعل المرتبة النازلة من المنافع نادرة فی حد ذاتها و إن خفیت فی نظر أهل العرف، و علیه فالمرتفع من منافع الدهن إذا تنجس إنما هو خصوص إباحة اکله، و اما ما سواها من المنافع فهو باق علی حاله.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 112
و علی الجملة انتفاء بعض المنافع الظاهرة المعروفة عن الأشیاء، کذهاب رائحة الأدهان العطریة، و عروض حرمة الأکل لما قصد منه اکله من الادهان لا یوجب انتفاء مالیتها بالکلیة، بل هی موجودة فیها باعتبار منافعها الأخر الظاهرة و إن کانت غیر معروفة.
و من هنا یتوجه الحکم بالضمان إذا غصبها غاصب أو أتلفها متلف، للسیرة القطعیة العقلائیة، و لدلیل الید، و إذن فلا وجه لجعل الاستصباح من المنافع النادرة للدهن، بل هو کغیره من المنافع الظاهرة، فإن اعتبر قصدها فی صحة البیع اعتبر مطلقا، و ان لم یعتبر ذلک لم یعتبر مطلقا.
و أما المنافع النادرة للشی‌ء فإنها لا توجب مالیته، فکیف یقال: باعتبار قصدها فی صحة بیعه، و لا نظن ان أحدا یلتزم بمالیة الکوز المصنوع من الطین المتنجس بلحاظ الانتفاع بخزفة فی البناء!! علی أنه لا دلیل علی اعتبار أصل القصد وجودا و عدما فی صحة البیع.
قوله نعم یشترط عدم اشتراط المنفعة المحرمة.
أقول: أشار به الی الوجه الثالث.
و یرد علیه: أن مالیة الأشیاء قائمة بها بما لها من المنافع حسب رغبات العقلاء، إذ الرغبة فیها لا تکون إلا لأجل منافعها، فالمنافع المترتبة علیها من قبیل الجهات التعلیلیة: بمعنی أن رغبة العقلاء فیها لیس إلا لأجل منافعها الموجودة فیها، و حینئذ فبذل المال إنما هو بإزاء نفس العین فقط، و علة ذلک البذل هی المنافع، و علیه فلو قصد البائع المنفعة المحرمة لم یلزم منه بطلان البیع، فقد عرفت أن مالیة الأشیاء قائمة بذواتها، و أن المنافع المترتبة علیها من قبیل العلل و الدواعی، فحرمة بعض المنافع لا توجب حرمة المعاملة علی الأشیاء إذا کانت حلالا بلحاظ المنافع الأخر، و مثال ذلک صحة بیع العنب ممن یجعله خمرا، و سیأتی البحث فیه و بعبارة واضحة الثمن إنما یقع بإزاء العین دون المنافع، غایة الأمر ان ترتب المنفعة علیها غایة للشراء وداع الیه، فحرمة المنفعة المشروطة علیه لا توجب بطلان البیع ما لم یکن الثمن بإزائها، و مما یدلنا علی ذلک أنه إذا استوفی المشتری منافع المال الأخری غیر هذه التی اشترطت علیه فی البیع، أو التی انصرف إلیها الإطلاق لم یبطل البیع، و لا یکون هذا التصرف منه بغیر استحقاق، و مما ذکرناه تجلی: ان أکل الثمن فی مقابله لیس أکلا للمال بالباطل کما فی المتن فإنه مضافا الی ما تقدم من کون الآیة أجنبیة عن شرائط العوضین، و إنما هی ناظرة إلی حصر المعاملات الصحیحة بالتجارة عن تراض، و ناهیة عن الأسباب الباطلة لها. ان اشتراط المنفعة المحرمة لا یوجب کون الثمن بإزائها، لکی یکون أکل المال فی مقابلها أکلا له بالباطل إذ الشروط لا تقابل بالثمن، و سیأتی ذلک فی مبحث الشروط ان شاء اللّه.
قوله و إلا فسد العقد بفساد الشرط.
أقول: یرد علیه أن العقد لا یفسد باشتراط
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 113
الشرط الفاسد فیه، و قد اختاره المصنف فی باب الشروط، و الوجه فیه أن الالتزام الشرطی أمر آخر وراء الالتزام العقدی، فلا یستلزم فساده فساد العقد، و علیه فلا وجه للالتزام ببطلان العقد فی المقام باشتراط المنفعة المحرمة فیه، لانه من صغریات الکبری المذکورة.
قوله بل یمکن القول بالبطلان بمجرد القصد و إن لم یشترط فی متن العقد.
أقول: یرد علیه ما ذکرناه سابقا من أن بذل المال إنما هو بإزاء نفس العین، و المنافع المترتبة علیها من قبیل الجهات التعلیلیة، ثم لتسلم أنا قد التزمنا ببطلان العقد باشتراط المنفعة المحرمة. فلا مجال للالتزام بالبطلان بمجرد القصد بعد ما لم یکن مذکورا فی العقد، إذ لا عبرة بالقصد الساذج إذا لم یکن شرطا فی ضمن العقد، و قد انجلی مما حققناه بطلان سائر الوجوه و الأقوال بأجمعها. هذا کله بحسب ما تقتضیه القواعد.
و أما بحسب الروایات فقد یقال: بلزوم قصد الاستصباح فی بیع ذلک الدهن. لقول الصادق «ع» فی روایة ابن وهب: (بعه و بینه لمن اشتراه لیستصبح به). و لقوله «ع» فی روایة إسماعیل بن عبد الخالق: (أما الزیت فلا تبعه إلا لمن تبین له فیبتاع للسراج).
فإنهما ظاهرتان فی تقیید جواز البیع بقصد الاستصباح، بل بالغ بعضهم و قال: إن الروایة الثانیة صریحة فی ذلک بدعوی حصر جواز البیع فیها بصورة الشراء للإسراج فقط.
و فیه أولا: أن الروایة الثانیة ضعیفة السند کما تقدم. و ثانیا: أن الظهور البدوی فی الروایتین و إن کان ذلک، و لکن الذی یظهر بعد التأمل فی مدلولهما هو أن الاستصباح و الإسراج من فوائد التبیین و متفرعاته، و قد أخذ غایة لذلک لکی لا یقع المشتری فی محذور النجاسة باستعماله الدهن المتنجس فیما هو مشروط بالطهارة کالأکل و نحوه، إذن فلا دلالة فی الروایتین علی أن اعتبار قصد الاستصباح من شرائط البیع.
و ثالثا: أن التوهم المذکور مبنی علی جعل الأمر بالبیان فی الروایتین للإرشاد إلی الاستصباح بالدهن، و لیس کذلک، لأن الأوامر و النواهی إنما تحمل علی الإرشاد إذا اکتنفت بالقرائن الصارفة عن ظهور الأمر فی الوجوب، و عن ظهور النهی فی التحریم، سواء أ کانت القرائن حالیة أم مقالیة، و سواء أ کانت عامة أم خاصة، کالأوامر و النواهی المتعلقة بأجزاء الصلاة و شرائطها، و کالأوامر و النواهی الواردة فی أبواب المعاملات، کقوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و کالنهی عن بیع ما لیس عندک، و النهی عن بیع الغرر، و سیأتی البحث عنها فی مواضعها، و أما فیما نحن فیه فلا قرینة توجب رفع الید عن ظهور الأمر بالبیان فی الوجوب النفسی، و حمله علی الإرشاد.
قوله کما یومئ إلی ذلک ما ورد فی تحریم شراء الجاریة المغنیة و بیعها.
أقول: وجه
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 114
الإیماء دلالتها علی بطلان بیع الجاریة المغنیة إذا کان لأجل الغناء، فتکون مؤیدة لما ذکره من کون قصد المنفعة المحرمة موجبا لبطلان البیع و إن لم یشترط فی ضمن العقد، و سیأتی الکلام فی تلک الروایات.
قوله فی روایة الأعرج المتقدمة.
أقول: لیست الروایة للأعرج، و لیس متنها هو الذی ذکره المصنف (ره)، و قد عرفت ذلک فی أول المسألة.

وجوب الإعلام بنجاسة الدهن عند البیع

اشارة

قوله الثانی: أن ظاهر بعض الاخبار وجوب الإعلام.
أقول: قد وقع الخلاف بین الفقهاء فی وجوب إعلام المشتری بنجاسة الدهن و عدم وجوبه، و علی الأول فهل یجب مطلقا، أو فیما إذا کان المشتری بصدد الاستعمال للدهن فیما هو مشروط بالطهارة؟ و علی التقدیرین فهل الوجوب المذکور نفسی، أم شرطی بمعنی اعتبار اشتراطه فی صحة البیع؟
وجوه: المصرح به فی کلامهم هو الوجوب مطلقا، و قد تقدم فی عنوان المسألة نقل صاحب الحاشیة علی سنن البیهقی عن بعض العامة دعوی الإجماع علی ذلک، و استشهد علی ذلک أیضا بما نقله من الروایة [1].
ثم لا یخفی أن موضوع البحث فی الاشکال السابق یرجع إلی اشتراط البیع بالاستصباح أو بقصده، و أما هنا فموضوع البحث متمحض فی بیان وجوب الإعلام و عدم وجوبه مطلقا أو فی الجملة نفسیا أو شرطیا، إذن فالنسبة بینهما هی العموم من وجه، لانه قد یکون البیع للاستصباح مع جهل المشتری بالنجاسة، و قد یبیعه لغرض آخر غیر الاستصباح مع الاعلام بها، و قد یجتمعان بأن یبیعه للاستصباح مع الاعلام بها، و علیه فدعوی اتحاد الشرطین مجازفة
قوله و الذی ینبغی أن یقال: إنه لا إشکال فی وجوب الإعلام)
أقول: ظاهر کلامه أنا إذا اعتبرنا الشرط السابق فی بیع الدهن المتنجس فلا مناص لنا عن القول بوجوب الاعلام بنجاسته، لتوقف قصد الاستصباح أو اشتراطه علی العلم بها، و عدم انفکاک أحدهما عن الآخر. و فیه أن کلا من الأمرین مستقل بنفسه لا یرتبط بالآخر، نعم قد یجتمعان، لما عرفته من النسبة المذکورة.
إذا عرفت ذلک فاعلم، أنه ربما یقال: بأن الاعلام بنجاسة الدهن واجب شرطی للبیع، لقوله «ع» فی روایة أبی بصیر: (و أعلمهم إذا بعته). و فیه أن ظهور الروایة فی ذلک
______________________________
[1] فی هامش ج 6 سنن البیهقی عن أبی عمران قال: سألت القاسم و سالما عن الزیت تموت فیه الفارة أ فنبیعه؟ قالا: نعم ثم کلوا ثمنه و بینوا لمن یشتریه.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 115
و إن کان لا ینکر، و لکن یجب رفع الید عنه، لقوله «ع» فی روایة إسماعیل: (أما الزیت فلا تبعه إلا لمن تبین له). و لقوله «ع» فی روایة ابن وهب: (بعه و بینه لمن اشتراه لیستصبح به). إذ الأمر بالبیان فیها ظاهر فی الوجوب النفسی، و لا یجوز المصیر إلی إرادة الوجوب الشرطی منه إلا بالقرینة، و هی هنا منتفیة. و هکذا الحال فی مطلق الأوامر.
علی انا و إن قلنا بظهور الأمر بالبیان فی الوجوب الشرطی ابتداء، فإن روایة ابن وهب ظاهرة فی الوجوب النفسی لوجهین: الأول ان الظاهر من قوله «ع» فیها: (بعه و بینه لمن اشتراه). ان الاعلام بالنجاسة إنما هو بعد وقوع البیع و تحققه کما یقتضیه التعبیر بالماضی بقوله «ع» (لمن اشتراه). و من الواضح جدا ان البیان بعد البیع لا یکون من شرائطه إلا بنحو الشرط المتأخر، و هو فی نفسه و إن کان جائزا کما حقق فی علم الأصول، و لکن لم یقل به أحد فی المقام، و علیه فلا محیص عن إرادة الوجوب النفسی من الأمر بالبیان فی الروایة، إذ لیس فیها احتمال ثالث.
الثانی: أن الاستصباح قد جعل فیها غایة للبیان و فائدة له، و لیس هذا إلا لبیان منفعة ذلک الدهن و مورد صرفه، لئلا یستعمل فیما هو مشروط بالطهارة، و إلا فلا ملازمة بینهما بوجه من الوجوه الشرعیة و العقلیة و العادیة، و هذا المعنی کما تری لا یناسب إلا الوجوب النفسی، و یختص وجوب الإعلام بصورة التسلیم، فلا یجب مع عدمه، أو مع العلم بأن المشتری لا ینتفع به فی غیر الاستصباح و نحوه مما هو غیر مشروط بالطهارة، فتحصل أن بیع الدهن المتنجس مشروط بالإعلام، فیکون من صغریات ما ورد فی الحدیث [1]: أن شرط اللّه قبل شرکم، فلا یجوز البیع بدون الإعلام.

حرمة تغریر الجاهل و إلقائه فی الحرام الواقعی

قوله و یشیر إلی هذه القاعدة کثیر من الأخبار.
أقول: لما کان بیع الدهن المتنجس من المسلم قد یوجب إلقاء له فی الحرام الواقعی حکم بحرمته فی الشریعة المقدسة، فإنه یستفاد من مذاق الشارع حرمة إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی.
و یدل علی صدق هذه الکبری الکلیة مضافا إلی ما ذکرناه من وجوب الإعلام ما ورد
______________________________
[1] فی ج 2 التهذیب باب الطلاق ص 208. محمد بن قیس عن أبی جعفر «ع» قال:
قضی علی «ع» فی رجل تزوج امرأة و شرط لها إن هو تزوج علیها امرأة أو هجرها أو اتخذ علیها سریة فهی طالق فقضی فی ذلک: أن شرط اللّه قبل شرطکم فان شاء و فی لها بالشرط و إن شاء أمسکها و اتخذ علیها و نکح علیها. موثقة لعلی بن الحسن الفضال.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 116
فی الأخبار الکثیرة فی مواضع شتی الدالة علی حرمة تغریر الجاهل بالحکم أو الموضوع فی المحرمات.
منها ما دل [1] علی حرمة الإفتاء بغیر علم، و لحوق وزر العامل به للمفتی، فإن ثبوت ذلک علیه، و استحقاق العقوبة الإلهیة و المهلکة الأبدیة إنما هو لوجهین: أحدهما: افتراؤه علی اللّه فهو بالضرورة من المحرمات الذاتیة و المبغوضات الإلهیة، و قد توافق العقل و النقل علی حرمته. و ثانیهما التغریر و التسبیب و إلقاء المسلم فی الحرام الواقعی، و هو أیضا حرام فی الشریعة المقدسة.
و منها ما دل [2] علی ثبوت أوزار المأمومین و إثمهم علی الإمام فی تقصیر نشأ من تقصیر الامام، فیدل علی حرمة تغریر الجاهل بالحکم و إلقائه فی الحرام الواقعی.
______________________________
[1] أبو عبیدة الحذاء عن أبی جعفر «ع» قال: من أفتی الناس بغیر علم و لا هدی لعنته ملائکة الرحمة و ملائکة العذاب و لحقه وزر من عمل فتیاه!! صحیحة. راجع ج 1 أصول الکافی بهامش مرآة العقول ص 18، و ج 3 ئل باب 4 عدم جواز القضاء و الإفتاء بغیر علم من کتاب القضاء. و ج 1 الوافی باب النهی عن القول بغیر علم ص 48 و ج 3 التهذیب فی أوائل القضاء ص 69.
و فی ج 10 سنن البیهقی ص 116 عن أبی هریرة عن رسول اللّه (ص): من قال علی ما لم أقل فلیتبوأ بیتا فی جهنم و من أفتی بغیر علم کان إثمه علی من أفتاه.
أقول: قد تواترت الروایات من الفریقین علی ذلک، و لکن خالفها أهل السنة فی أصولهم و فروعهم.
[2] کتاب الغارات بإسناده عن کتاب علی «ع»: کتب أمیر المؤمنین «ع» إلی محمد بن أبی بکر انظر یا محمد صلاتک تصلیها لوقتها فإنه لیس من إمام یصلی بقوم فیکون فی صلاته نقص إلا کانت علیه و لا ینقص ذلک من صلاتهم قال المجلسی (ره) فی روایة ابن أبی الحدید:
و انظر یا محمد صلاتک کیف تصلیها فإنما أنت إمام ینبغی لک أن تتمها و أن تخففها و أن تصلیها لوقتها فإنه لیس من إمام یصلی بقوم فیکون فی صلاته و صلاتهم نقص إلا کان إثم ذلک علیه و لا ینقص ذلک من صلاتهم شیئا. و زاد فی تحف العقول هکذا: ثم انظر صلاتک کیف هی فإنک إمام و لیس من إمام یصلی بقوم فیکون فی صلاتهم تقصیر إلا کان علیه أوزارهم و لا ینقص من صلاتهم شی‌ء و لا یتمها إلا کان له مثل أجورهم و لا ینقص من أجورهم شی‌ء. مجهولة لإبراهیم بن حسن و عبایة و غیرهما. راجع ج 18 البحار ص 63، و ج 2 شرح النهج لابن أبی الحدید ص 27، و تحف العقول ص 41 و یظهر ذلک من-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 117
و منها الروایات [1] المتضمنة لکراهة إطعام الأطعمة و الأشربة المحرمة للبهیمة، فقد استشعر منها المصنف حرمة ذلک بالنسبة إلی المکلف، فتکون مؤیدة للمدعی.
و فیه أنا إذا قلنا بالتعدی عن مورد الروایات لثبتت الکراهة أو الکراهة المغلظة فی ذلک بالنسبة إلی المکلف بالأولویة القطعیة، و أما الحرمة فلا.
و منها ما دل [2] علی ضمان الإمام صلاة المأمومین إذا صلی بهم جنبا أو علی غیر طهر، و معنی الضمان هنا هو الحکم بوجوب الإعادة علی الامام دون المأمومین، و تحمله کل وزر یحدث علی المأمومین من جهة النقص إذا کان عالما.
و منها ما دل [3] علی حرمة سقی الخمر للصبی و الکفار، و أن علی الساقی کوزر من شربها،
______________________________
- جملة من روایات العامة. منها ما عن رسول اللّه (ص) من أم الناس فأصاب الوقت و أتم الصلاة فله و لهم و من نقص من ذلک شیئا فعلیه و لا علیهم. راجع ج 3 سنن البیهقی ص 127
[1] کا و یب. غیاث عن أبی عبد اللّه «ع» قال: ان أمیر المؤمنین «ع» کره أن تسقی الدواب الخمر. موثقة لغیاث بن إبراهیم. یب أبو بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سألته عن البهیمة البقرة و غیرها تسقی أو تطعم ما لا یحل للمسلم أکله أو شربه أ یکره ذلک؟ قال:
نعم یکره ذلک ضعیفة للحسن بن علی بن أبی حمزة. و راجع ج 2 التهذیب الأشربة ص 310 و ج 3 ئل باب 10 أنه لا یجوز سقی الخمر الصبی من الأشربة المحرمة. و ج 2 کا باب نوادر ص 200. و ج 11 الوافی ص 93. و فی ج 3 المستدرک ص 138 دعائم الإسلام عن رسول اللّه (ص) أنه نهی ان تسقی الأطفال و البهائم و قال (ص): الإثم علی من سقاها. ضعیفة
[2] معاویة بن وهب قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: أ یضمن الإمام صلاة الفریضة فإن هؤلاء یزعمون أنه یضمن؟ فقال: لا یضمن أی شی‌ء یضمن إلا أن یصلی بهم جنبا أو علی غیر طهر!. صحیحة راجع ج 1 التهذیب أحکام الجماعة ص 200 و ج 1 ئل باب 35 أنه إذا تبین کون الامام علی غیر طهارة من أبواب صلاة الجماعة و ج 5 الوافی ص 187.
[3] فی عقاب الأعمال بإسناده عن النبی (ص) فی حدیث: و من سقاها- أی الخمر- یهودیا أو نصرانیا أو صابئا أو من کان من الناس فعلیه کوزر من شربها. مجهولة لجهالة کثیر من رواتها کموسی بن عمران و یزید بن عمر و غیرهما.
و فی الخصال بإسناده عن علی «ع» فی حدیث الأربعمائة قال: من سقی صبیا مسکرا و هو لا یعقل حبسه اللّه عز و جل فی طینة خبال ضعیفة لقاسم بن یحیی. و مثله فی ج 8 سنن البیهقی ص 288. و فیه قیل: و ما طینة الخبال یا رسول اللّه؟ قال: صدید أهل النار.
راجع ج 3 ئل باب 10 أنه لا یجوز سقی الخمر الصبی من الأشربة المحرمة. و فی ج 3 المستدرک-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 118
و إذا کان التسبیب و التغریر بالإضافة إلی الصبی و الکفار حراما فهو أولی بالحرمة فی غیر الصبی و الکفار.
و منها الأخبار الآمرة بإهراق المائعات المتنجسة، و سیأتی التعرض لها فی حکم الانتفاع بالمتنجس.
و منها الأخبار الدالة علی حرمة ارتکاب المحرمات، فإنه لا فرق فی إیجاد المحرم بین الإیجاد بالمباشرة أو بالتسبیب. و یؤید ما ذکرناه ما ورد [1] فی جواز بیع العجین المتنجس من مستحل المیتة دون غیره. و ما ورد من الاخبار الدالة علی حرمة بیع المذکی المختلط بالمیتة، و انه یرمی بهما إلی الکلاب، و قد تقدم ذکرها فی مبحث بیع المیتة، و ما یدل علی جواز إطعام المرق المتنجس لأهل الذمة أو الکلاب، و قد تقدم ذلک أیضا فی المبحث المذکور.
قوله و یؤیده ان أکل الحرام و شربه من القبیح و لو فی حق الجاهل.
أقول:
توضیح کلامه: ان الاحکام الواقعیة کما حقق فی محله لیست مقیدة بعلم المکلفین، و إلا لزم التصویب المستحیل أو الباطل، فالأحکام الواقعیة و ملاکاتها شاملة لحالتی العلم و الجهل، ثم إن غرض الشارع من بعث المکلفین نحوها و تکلیفهم بها لیس إلا امتثالها بالإتیان بالواجبات و ترک المحرمات، حتی لا یوجد ما هو مبغوض للشارع، و لا یترک ما هو مطلوب.
و نتیجة المقدمتین ان المکلف الملتفت کما یحرم علیه مخالفة التکالیف الإلزامیة من ارتکاب المحرمات و ترک الواجبات، فکذلک یحرم علیه التسبیب إلی مخالفتها بإلقاء الجاهل فی الحرام الواقعی، لأن مناط الحرمة فی ذلک إنما هو تفویت غرض المولی بإیجاد المفسدة و ترک المصلحة الملزمتین، و هذا المناط موجود فی کلتا الصورتین، فالأدلة الأولیة کما تقتضی حرمة
______________________________
- ص 138 جامع الاخبار عن رسول اللّه (ص) أنه قال فی حدیث فی الخمر: ألا و من سقاها غیره یهودیا أو نصرانیا أو امرأة أو صبیا أو من کان من الناس فعلیه کوزر من شربها
[1] فی ج 11 الوافی باب 16 اختلاط ما یؤکل بغیره. ابن محبوب عن محمد بن الحسین عن ابن أبی عمیر عن بعض أصحابنا قال: و ما أحسبه إلا حفص بن البختری قال: قیل لأبی عبد اللّه «ع» فی العجین یعجن من الماء النجس: کیف یصنع به؟ قال: یباع ممن یستحیل المیتة. صحیحة لو کان المراد ببعض أصحابنا هو حفص بن البختری کما هو الظاهر، و إلا فهی مرسلة. ثم إن صاحب الوسائل قد أخرجها فی ج 1 ئل باب 11 حکم العجین بالماء النجس من الأسئار. و ج 2 ئل باب 34 بیع الذکی المختلط بالمیت مما یکتسب به. و لکن المذکور فی الموضع الثانی علی ما هو الموجود فی نسخة عین الدولة لا یخلو عن الاشتباه من حیث المتن و السند.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 119
مخالفة التکالیف الإلزامیة بالمباشرة، فکذلک تقتضی حرمة مخالفتها بالتسبیب.
و بعبارة أخری قد ذکرنا فی علم الأصول فی الکلام علی حدیث الرفع: ان المرفوع عن المکلفین عند جهلهم بالتکالیف الواقعیة لیس إلا خصوص الإلزام الظاهری و العقاب الذی تستلزمه مخالفة الواقع، و أما الأحکام الواقعیة و ملاکاتها فهی باقیة علی حالها، و علیه فتغریر الجاهل بالأحکام الواقعیة و إن لم یوجب مخالفة المغرور التکالیف الإلزامیة، إلا انه یوجب تفویت غرض الشارع فهو حرام، و مثال ذلک فی العرف ان المولی إذا نهی عبیده عن الدخول علیه فی وقت خاص عینه لفراغه، فان نهیه هذا یشمل المباشرة و التسبیب، و لذلک لو سبب أحد العبید لدخول أحد علی مولاه فی ذلک الوقت لصح عقابه، کما یصح عقابه لو دخل هو بنفسه لاتحاد الملاک فی کلتا الصورتین بحکم الضرورة و البدیهة، و مما ذکرناه ظهر لک ان فی تعبیر المصنف تسامحا واضحا، فإنه أتی بلفظ القبیح بدل لفظ الحرمة، و من الضروری ان القبیح یرتفع عند الجهل بالتکلیف، و لا یلزمه ارتفاع الحرمة، اللهم إلا إذا أراد بالقبیح الحرمة، و لکنه لا یرفع التسامح.
ثم إن الوجوه المتقدمة إنما تقتضی حرمة تغریر الجاهل بالأحکام الواقعیة فیما إذا کان المغرور فی معرض الارتکاب للحرام، و إلا فلا موضوع للإغراء، و یترتب علی ذلک تقیید وجوب الإعلام فی بیع الدهن المتنجس بذلک أیضا، فإنه إنما یجب فیما إذا کان المشتری فی معرض الانتفاع به فیما هو مشروط بالطهارة، و إلا فلا دلیل علی وجوبه.
قوله بل قد یقال: بوجوب الاعلام و إن لم یکن منه تسبیب.
أقول: قد عرفت بما لا مزید علیه حرمة إلقاء الجاهل فی الحرام الواقعی، و أما لو ارتکبه الجاهل بنفسه من دون تغریر و لا تسبیب من الغیر، فهل یجب علی العالم بالواقع إعلامه بالحال؟ فیه وجهان:
فعن العلامة (ره) فی أجوبة المسائل المهنائیة التصریح بوجوب الاعلام، حیث سأله السید المهنا عمن رأی فی ثوب المصلی نجاسة؟ فأجاب بأنه یجب الاعلام لوجوب النهی عن المنکر.
و لکن یرد علیه أن أدلة وجوب النهی عن المنکر مختصة بما إذا کان صدور الفعل من الفاعل منکرا، و فی المقام لیس کذلک، لأنا قد فرضنا جهل الفاعل بالواقع.
________________________________________
خویی، سید ابو القاسم موسوی، مصباح الفقاهة (المکاسب)، 7 جلد، ه ق

مصباح الفقاهة (المکاسب)؛ ج‌1، ص: 119
و قد یقال: بعدم الوجوب فی غیر موارد التسبیب، لروایة ابن بکیر [1] فإنها صریحة
______________________________
[1] عن أبی عبد اللّه «ع» عن رجل أعار رجلا ثوبا فصلی فیه و هو لا یصلی فیه فقال:
لا یعلمه، قلت: فإن أعلمه؟ قال: یعید. موثقة لعبد اللّه بن بکیر الفطحی. راجع ج 1 ئل باب 47 انه لا یجب إعلام الغیر بالنجاسة من أبواب النجاسات. و لا یخفی ان ذیل الروایة محمول علی الاعلام قبل الصلاة جمعا بینها و بین ما دل علی عدم وجوب الإعادة فیما إذا کان بعد الصلاة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 120
فی عدم وجوب الإعلام بنجاسة ثوب المصلی. و فیه ان الروایة أجنبیة عما نحن فیه، لان عدم وجوب الإعلام بالنجاسة إنما هو لأن الطهارة الخبیثة لیست من الشرائط الواقعیة للصلاة، و إنما هی من الشرائط العلمیة، لأن تنبیه الجاهل و إعلامه لیس بواجب علی العالم، و یرشدک الی ذلک ان الروایة مختصة بصورة الجهل، و لا تشمل صورة النسیان.
نعم یمکن الاستدلال علیه علی وجه الإطلاق بخبرین آخرین، الأول: خبر محمد بن مسلم [1] فإن الإمام «ع» نهی فیه عن الاعلام بالدم فی ثوب المصلی، و (قال: لا یؤذنه حتی ینصرف) من صلاة. و لا یرد علیه الاشکال المتقدم فی روایة ابن بکیر، فقد عرفت أن مورد السؤال فیها مختص بصورة الجهل بالواقع فقط، و هذا بخلاف مورد السؤال فی هذه الروایة فإنه مطلق یشمل صورتی الجهل و النسیان، و من الواضح ان الطهارة الخبیثة فی صورة النسیان من الشرائط الواقعیة للصلاة.
الثانی: خبر عبد اللّه بن سنان [2] فإنه صریح فی عدم وجوب الاعلام فی صورة الجهل فی غیر الصلاة أیضا، و فی هذا الخبر کفایة و إن لم یسلم الخبر السابق من الاشکال المذکور و مع الإغضاء عما ذکرناه فالمرجع فی المقام هو أصالة البراءة، إذ لیس هنا ما یدل علی وجوب الاعلام، لنخرج به عن حکم الأصل.
ثم ان هذا کله إذا لم یکن ما یرتکبه الجاهل من الأمور التی اهتم الشارع بحفظها من کل احد کالدماء و الفروج و الأحکام الکلیة الإلهیة، کما إذا اعتقد الجاهل ان زیدا مهدور الدم شرعا، فتصدی لقتله و هو محترم الدم فی الواقع أو اعتقد ان امرأة یجوز له نکاحها فأراد التزویج بها، و کانت فی الواقع محرمة علیه، أو غیر ذلک من الموارد، فإنه یجب علی الملتفت إعلام الجاهل فی أمثال ذلک، لکی لا یقع فی المحذور، بل تجب مدافعته لو شرع فی العمل و ان کان فعله من غیر شعور و التفات، و اما فی غیر تلک الموارد فلا دلیل علیه، بل ربما لا یحسن لکونه إیذاء للمؤمن.
قوله و الحاصل: ان هنا أمورا أربعة).
أقول: ملخص کلامه: ان إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی علی أربعة أقسام، الأول: ان یکون فعل احد الشخصین علة تامة لصدور
______________________________
[1] عن أحدهما «ع» قال: سألته عن الرجل یری فی ثوب أخیه دما و هو یصلی؟ قال لا یؤذنه حتی ینصرف. صحیحة. راجع ج 1 کا ص 113. و ج 1 ئل الباب 47 المتقدم.
[2] عن ابی عبد اللّه «ع» قال: اغتسل ابی من الجنابة فقیل له: قد أبقیت لمعة فی ظهرک لم یصبها الماء فقال له: ما کان علیک لو سکت ثم مسح اللمعة بیده. صحیحة. راجع ج 1 کا ص 15 و الباب 47 المتقدم من ج 1 ئل.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 121
الحرام من الآخر، کإکراه الغیر علی الحرام، و هذا مما لا إشکال فی حرمته علی المکره بالکسر، و ثبوت وزر الحرام علیه، الثانی: أن یکون فعل أحدهما سببا لصدور الحرام من الآخر، کإطعام الشی‌ء المحرم للجاهل بحرمته و هذا أیضا مما لا إشکال فی حرمته، فان استناد الفعل إلی السبب أولی من استناده إلی المباشر، فتکون نسبة الحرام إلی السبب أولی، کما یستقر الضمان أیضا علی السبب دون المباشر فی موارد الإتلاف.
و من هذا القبیل ما نحن فیه أعنی بیع الدهن المتنجس ممن لا یعلم بنجاسته من دون بیان.
الثالث: أن یکون فعل أحدهما شرطا لصدور الحرام من الآخر، و هذا علی وجهین: لأن عمل الشخص الأول تارة یکون من قبیل إیجاد الداعی للثانی علی المعصیة، سواء کان باثارة الرغبة إلی الحرام فی نفس الفاعل بالتحریض و التوصیف و نحوهما، أو بإیجاد العناد فی قلبه، کسب آلهة الکفار الموجب لالقائهم فی سب الحق عنادا، و اخری یکون من قبیل إیجاد مقدمة من مقدمات الحرام غیر إیجاد الداعی کبیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمرا. الرابع:
أن یکون من قبیل رفع المانع، و هو أیضا علی وجهین: لأن حرمة العمل الصادر من الفاعل إما أن تکون فعلیة علی أی تقدیر، کسکوت الشخص عن المنع من المنکر، و لا إشکال فی حرمة السکوت إذا اجتمعت شرائط النهی عن المنکر، و إما أن تکون غیر فعلیة علی تقدیر وجود المانع، کسکوت الملتفت إلی الحرام عن منع الجاهل الذی یرید أن یرتکبه، فان الجاهل ما لم یلتفت إلی الحرام لا یکون ارتکابه محرما لیجتمع سکوت الملتفت عن المنع مع الحرمة الفعلیة، کما فیما نحن فیه، و هذا الأخیر إن کان من الأمور المهمة فی نظر الشارع حرم السکوت، و وجب رفع الحرام، و إلا ففیه إشکال.
أقول: هذا التقسیم الذی أفاده المصنف (ره) لا یرجع إلی محصل، مضافا إلی جریه فی إطلاق العلة و المعلول علی غیر ما هو المصطلح فیهما، و المناسب فی المقام تقسیم إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی علی نحو یمکن تطبیقه علی القواعد، و استفادة حکمه من الروایات.
فنقول: إن الکلام قد یقع فی بیان الأحکام الواقعیة، و قد یقع فی إضافة فعل أحد الشخصین إلی الشخص الآخر من حیث العلیة أو السببیة أو الداعویة، أما الأول فقد یکون الکلام فی الأحکام الکلیة الإلهیة، و قد یکون فی الأحکام الجزئیة المترتبة علی الموضوعات الشخصیة.
أما الأحکام الکلیة الإلهیة فلا ریب فی وجوب إعلام الجاهل بها، لوجوب تبلیغ الأحکام الشرعیة علی الناس جیلا بعد جیل إلی یوم القیامة، و قد دلت علیه آیة النفر [1]
______________________________
[1] سورة التوبة آیة 123 قوله تعالی: (وَ مٰا کٰانَ الْمُؤْمِنُونَ لِیَنْفِرُوا کَافَّةً فَلَوْ لٰا نَفَرَ مِنْ کُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طٰائِفَةٌ لِیَتَفَقَّهُوا فِی الدِّینِ وَ لِیُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذٰا رَجَعُوا إِلَیْهِمْ لَعَلَّهُمْ یَحْذَرُونَ)
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 122
و الروایات «1» الواردة فی بذل العلم و تعلیمه و تعلمه.
و أما الأحکام الجزئیة المترتبة علی الموضوعات الشخصیة فان لم نقل بوجود الدلیل علی نفی وجوب الإعلام- کالروایة المتقدمة الدالة علی صحة الصلاة فی الثوب النجس جهلا، و أنه لا یجب علی المعیر إعلام المستعیر بالنجاسة- فلا ریب فی عدم الدلیل علی وجوبه، و علی هذا فلو رأی أحد نجاسة فی طعام الغیر فإنه لا یجب علیه إعلامه، کما أنه لا یجب تنبیه المصلی إذا صلی بالطهارة الترابیة مع الغفلة عن وجود الماء عنده، إلا إذا کان ما ارتکبه الجاهل من الأمور المهمة، فإنه یجب إعلام الجاهل بها کما عرفت.
و أما الثانی: (أعنی إضافة فعل أحد الشخصین إلی الشخص الآخر) فقد یکون فعل أحد الشخصین سببا لوقوع الآخر فی الحرام، و اخری لا یکون کذلک، أما الأول: فلا شبهة فی حرمته، کإکراه الغیر علی الحرام، و قد جعله المصنف من قبیل العلة و المعلول، و الدلیل علی حرمة هی الأدلة الأولیة الدالة علی حرمة المحرمات، فان العرف لا یفرق فی إیجاد مبغوض المولی بین المباشرة و التسبیب.
و أما الثانی: فإن کان الفعل داعیا إلی إلی إیجاد الحرام کان حراما، فإنه نحو من إیقاع الغیر فی الحرام، و مثاله تقدیم الطعام المتنجس أو النجس أو المحرم من غیر جهة النجاسة إلی الجاهل لیأکله، أو توصیف الخمر بأوصاف مشقوقة لیشربها، و من هذا القبیل بیع الدهن المتنجس من دون إعلام بالنجاسة، و سب آلهة المشرکین الموجب للجرأة علی سب الإله الحق، و سب آباء الناس الموجب لسب أبیه، و قد جعل المصنف بعض هذه الأمثلة من قبیل السبب، و بعضها من قبیل الشرط، و بعضها من قبیل الداعی، و لکنه لم یجر فی جعله هذا علی المنهج الصحیح و قد أشیر إلی حرمة التسبیب إلی الحرام فی بعض الآیات [1] و الروایات [2]
______________________________
[1] سورة الانعام آیة 108 قوله تعالی: (وَ لٰا تَسُبُّوا الَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ فَیَسُبُّوا اللّٰهَ عَدْواً بِغَیْرِ عِلْمٍ). و فی ج 2 مجمع البیان طبع صیدا ص 347. قال قتادة: کان المسلمون یسبون أصنام الکفار فنهاهم اللّه عن ذلک لئلا یسبوا اللّه فإنهم قوم جهلة.
[2] فی ج 2 أصول الکافی بهامش مرآت العقول باب السباب ص 350. و باب السفه ص 310. و ج 3 الوافی باب السفه ص 159. و ج 2 ئل باب 158 تحریم سب المؤمن من أحکام العشرة. ابن حجاج البجلی عن أبی الحسن موسی «ع» فی رجلین یتسابان؟ فقال:
البادی منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یعتذر إلی المظلوم. صحیحة. و فی حسنة
______________________________
(1) راجع ج 1 أصول الکافی بهامش مرآت العقول. و ج 1 الوافی ص 47.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 123
و إن لم یکن الفعل داعیا إلی الحرام فاما أن یکون مقدمة له، و إما أن لا یکون کذلک أما الأول: فکاعطاء العصا لمن أراد ضرب الیتیم، فإن إعطاءه و إن کان مقدمة للحرام، إلا أنه لیس بداع الیه، و الحکم بحرمته یتوقف علی أمرین، الأول: کونه إعانة علی الإثم، و الثانی: ثبوت حرمة الإعانة علی الإثم فی الشریعة المقدسة، و سیأتی الکلام علی ذلک فی مبحث بیع العنب ممن یجعله خمرا.
و أما الثانی: فکمن ارتکب المحرمات و هو بمرأی من الناس، فإن رؤیتهم له عند الارتکاب لیست مقدمة لفعل الحرام، نعم لا بأس بإدخاله تحت عنوان النهی عن المنکر فیجب النهی عنه إذا اجتمعت شرائطه.
لا یخفی أن فی کلام المصنف تهافتا واضحا، حیث جعل ما نحن فیه تارة من القسم الثانی، و اخری من القسم الرابع، و یمکن توجیهه بوجهین، الأول: أن یراد بالفرض الذی أدخله فی القسم الثانی هو فرض الدهن المتنجس، فإن إعطائه للغیر لا یخلو عن التسبیب إلی الحرام الذی سیق هذا القسم لبیان حکمه، و أن یراد بالفرض الذی جعله من القسم الرابع هو فرض الثوب المتنجس، کما تقدم فی مسألة السید المهنا عن العلامة عمن رأی فی ثوب المصلی النجاسة، فإن القسم الرابع لم یفرض فیه کون فعل شخص سببا لصدور الحرام من الشخص الآخر، بل المفروض فیه کونه من قبیل عدم المانع کسکوت العالم عن إعلام الجاهل، و لا شبهة فی مناسبة الثوب المتنجس لذلک. الوجه الثانی: أن یراد من کلامه الدهن المتنجس فی کلا الموردین مع الالتزام فیهما باختلاف الجهتین، بأن یکون الملحوظ فی القسم الثانی کونه تسبیبا لإیقاع الجاهل فی الحرام، و الملحوظ فی إلحاقه بالقسم الرابع هو الحرمة النفسیة مع قطع النظر عن التسبیب.
قوله ثم إن بعضهم استدل علی وجوب الإعلام بأن النجاسة عیب خفی فیجب إظهارها.
أقول: أشکل علیه المصنف (ره) بوجهین، الأول: (أن وجوب الإعلام علی القول به لیس مختصا بالمعاوضات، بل یشمل مثل الإباحة و الهبة من المجانیات). و الثانی:
(أن کون النجاسة عیبا لیس إلا لکونه منکرا واقعیا و قبیحا، فان ثبت ذلک حرم الإلقاء فیه مع قطع النظر عن مسألة وجوب إظهار العیب، و إلا لم یکن عیبا فتأمل).
أقول: إن ما أفاده أولا و إن کان وجیها، إلا أن الثانی غیر وجیه، فإن النجاسة.
______________________________
- اخری باختلاف فی صدر السند. قال «ع»: ما لم یتعد المظلوم.
أبو بصیر عن أبی جعفر «ع» قال: إن رجلا من بنی تمیم أتی النبی (ص) فقال: أوصنی فکان مما أوصاه أن قال: لا تسبوا الناس فتکسبوا العداوة منهم- بینهم- لهم- صحیحة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 124
لا ینکر کونها عیبا فی الأعیان النجسة و المتنجسة. سواء کانت من القبائح الواقعیة أم لم تکن بل ربما یوجب جهل المشتری بها تضرره، کما إذا اشتری الدهن المتنجس مع جهله بنجاسته و مزجه بدهنه الطاهر، ثم اطلع علیها، و لعله لذلک أمر بالتأمل.
و الذی یسهل الخطب أنه لا دلیل علی وجوب إظهار العیب الخفی فی المعاملات، و إنما الحرام هو غش المؤمن فیها، کما سیأتی فی البحث عن حرمة الغش، و علیه فالعیب الخفی إن استلزم الغش فی المعاملات وجب رفع الغش، و إلا فلا دلیل علی وجوبه، و من المعلوم أن رفع الغش هنا لا ینحصر بإظهار العیب الخفی، بل یحصل بالتبری عن العیوب، أو باشتراط صرفه فیما هو مشروط بالطهارة، و من هنا یعلم أنه لا وجه لتوهم: أن النجاسة عیب خفی وجب إظهارها حتی لا یکون غشا للمسلم.
ثم إن وجوب الإعلام بالنجاسة فیما إذا کان المشتری مسلما مبالیا فی أمر الطهارة و النجاسة و أما إذا کان کافرا أو مسلما غیر مبال فی الدین فلا یجب الإعلام، لکونه لغوا، و إن کان الجمیع مکلفین بالفروع کتکلیفهم بالأصول.

جواز استصباح الدهن المتنجس تحت الظلال

قوله الثالث: المشهور بین الأصحاب وجوب کون الاستصباح تحت السماء.
أقول:
المشهور بین الأصحاب هو جواز الاستضاءة بالدهن المتنجس علی وجه الإطلاق، و ذهب بعضهم إلی جواز الإسراج به تحت السماء، و ذهب المشهور من العامة «1» إلی جواز الاستصباح به فی غیر المسجد ففی أطعمة السرائر: و قال شیخنا أبو جعفر فی مبسوط فی کتاب الأطعمة: روی أصحابنا أنه یستصبح به تحت السماء دون السقف، و هذا یدل علی أن دخانه نجس غیر أن عندی أن هذا مکروه، إلی أن قال: و أما ما یقطع بنجاسته فقال قوم: دخانه نجس، و هو الذی دل علیه الخیر الذی قدمناه من روایة أصحابنا. و قال آخرون- و هو الأقوی-: إنه لیس بنجس و قال ابن إدریس بعده: و لا یجوز الاستصباح به تحت الظلال لأجل التعبد. ثم قال: و لا یجوز الإدهان به و لا استعماله فی شی‌ء من الأشیاء سوی الاستصباح به تحت السماء، ثم قال: ما ذهب أحد من أصحابنا إلی أن الاستصباح به تحت الظلال مکروه، بل محظور بغیر خلاف بینهم، و قول شیخا أبی جعفر محجوج بقوله فی جمیع کتبه إلا ما ذکره هنا، فالأخذ بقوله و قول أصحابنا أولی من الأخذ بقوله المتفرد من أقوال أصحابنا.
______________________________
(1) فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 و ص 232.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 125
أقول: إن الروایات و إن استفاضت من الفریقین علی جواز إسراج الدهن المتنجس إلا أنها خالیة عن ذکر الاستصباح به تحت السماء فقط، و ستأتی الإشارة إلی هذه الروایات المستفیضة فی البحث عن جواز الانتفاع بالمتنجس. نعم استدل علی ذلک بوجوه: الأول دعوی غیر واحد من أعاظم الأصحاب الإجماع علیه. و فیه أن دعواه فی المقام مجازفة لمخالفة جملة من الأعاظم کالشیخ و العلامة و غیرهما، علی أن الإجماع التعبدی هنا ممنوع لاحتمال استناد المجمعین إلی الوجوه المذکورة فی المسألة.
الثانی: الشهرة الفتوائیة. و فیه أنها و إن کانت مسلمة إلا أنها لیست بحجة.
الثالث: مرسلة الشیخ المتقدمة، المنجبر ضعفها بعمل المشهور، و هی صریحة فی کون الإسراج به تحت السماء.
و فیه أن من المظنون أنها صدرت من سهو القلم، فإن أصحاب الحدیث لم ینقلوها فی أصولهم حتی الشیخ بنفسه فی تهذیبیه، و ظاهره قوله (ره): (روی أصحابنا: أنه یستصبح به تحت السماء) یقتضی کون الروایة مشهورة فی المقام، فلا وثوق بوجود الروایة المذکورة نعم لو کانت العبارة أنه (روی: أنه یستصبح به تحت السماء) کانت حینئذ روایة مرسلة.
و إذا سلمنا کون العبارة المذکورة روایة مرسلة، فإن العمل بها لا یجوز للإرسال، و توهم انجبارها بعمل المشهور بها ممنوع صغری و کبری، کما هو واضح، خصوصا مع مخالفة الشیخ (ره)، فإنه حملها علی الکراهة، و مخالفة العلامة (ره)، فإنه أعرض عنها، و جعل العلة فی تحریم الإسراج به تحت الظلال هی حرمة تنجیس السقف، قال فی المختلف «1»:
(نعم لو کان صعود بعض الأجزاء الدهنیة بواسطة الحرارة موجبا لتنجس السقف فلا یجوز الاستصباح به تحت الظلال، و إلا فیجوز مطلقا).
الرابع: ما نقلناه عن العلامة من أن الاستصباح به تحت الظلال یوجب تنجیس السقف لتصاعد بعض الأجزاء الدهنیة قبل إحالة النار إیاه إلی أن تلاقی السقف، فهو حرام.
و لکن یرد علیه أولا: أن دخان النجس کرماده لیس بنجس للاستحالة، و مجرد احتمال صعود الأجزاء الدهنیة إلی السقف قبل الاستحالة لا یمنع عن الإسراج به تحت الظلال لکونه مشکوکا.
و ثانیا: أن الدلیل أخص من المدعی، لأن الدخان قد لا یؤثر فی السقف، إما لعلوه، أو لقلة الزمان، أو لخروجه من الأطراف، أو لعدم وجود دخان فیه.
و ثالثا: إذا سلمنا جمیع ذلک فلا دلیل علی حرمة تنجیس السقف، نعم لا یجوز تنجیسه فی
______________________________
(1) ج 4 کتاب الأطعمة ص 133.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 126
المساجد و المشاهد، و علیه فلا وجه للمنع عن الاستصباح به تحت السقف من جهة حرمة تنجیسه
قوله لکن الأخبار المتقدمة علی کثرتها.
أقول: محصل کلامه: أن المطلقات حیث کانت متظافرة، و واردة فی مقام البیان فهی آبیة عن التقیید، و لو سلمنا جواز تقییدها إلا انه لیس فی المقام ما یوجب التقیید عدا مرسلة الشیخ، و هی غیر صالحة لذلک، لأن تقیید المطلقات بها یتوقف علی ورودها للتعبد، أو لحرمة تنجیس السقف، کما فهمها الشیخ، و کلا الوجهین بعید، فلا بد من حمل المرسلة علی الإرشاد إلی عدم تنجس السقف بالدخان.
و فیه أن غایة ما یترتب علی کون المطلقات متظافرة أن تکون مقطوعة الصدور لا مقطوعة الدلالة، و إذن فلا مانع عن التقیید، إذ هی لا تزید علی مطلقات الکتاب القابلة للتقیید حتی بالأخبار الآحاد، و أوهن من ذلک دعوی إبائها عن التقیید من جهة ورودها فی مقام البیان فان ورودها فی مقام البیان مقوم لحجیتها، و من الواضح أن مرتبة التقیید متأخرة عن مرتبة الحجیة فی المطلق، و نسبة حجیته إلی التقیید کنسبة الموضوع إلی الحکم، و لا یکون الموضوع مانعا عن ترتب الحکم علیه.
و أما ما ذکره من أن المرسلة غیر صالحة لتقیید المطلقات ففیه أنه بناء علی جواز العمل بها و انجبار ضعفها بعمل المشهور لا مانع من حملها علی التعبد المحض فتصلح حینئذ لتقیید المطلقات، و مجرد الاستبعاد لا یکون مانعا عن ذلک، و إنما الإشکال فی أصل وجود المرسلة کما تقدم.
و أما تقیید المطلقات بها من جهة أن المرسلة تدل علی حرمة تنجیس السقف فبعید غایته.
قوله لکن لو سلم الانجبار.
أقول: قد أشار به إلی أنها غیر منجبرة بشی‌ء، کما أشرنا إلیه، لأن الشهرة إنما تجبر الخبر الضعیف إذا علم استنادها الیه، و من المحتمل أن تکون فتوی المشهور بعدم جواز الإسراج به تحت السقف مستندة إلی ما ذهب إلیه العلامة من حرمة تنجیس السقف، لا إلی المرسلة المذکورة.
قوله و لو رجع إلی أصالة البراءة حینئذ لم یکن إلا بعیدا عن الاحتیاط و جرأة علی مخالفة المشهور.
أقول: لا یکون البعد عن الاحتیاط مانعا عن الرجوع إلی البراءة فی شی‌ء من الموارد، و أما الجرأة علی خلاف المشهور فلا محذور فیها لأن الشهرة لیست بحجة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 127

جواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح

اشارة

قوله هل یجوز الانتفاع بهذا الدهن فی غیر الاستصباح؟.
أقول: حاصل کلامه:
أنه حیث إن جواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح لم ترد فیه إلا روایة ضعیفة فی جعله صابونا، فلا بد من الرجوع فیه إلی القواعد. ثم قرب الجواز. و عن الحنفیة [1] التصریح بذلک.
و قد یتوهم عدم جواز استعماله فی غیر الاستصباح مطلقا استنادا إلی روایة قرب الاسناد [2] الدالة علی عدم جواز التدهن به. و لکن الروایة ضعیفة السند.
لا یقال: إن هذه الروایة لا یجوز العمل بها و إن کانت صحیحة، لأنها غیر معمول بها بین الأصحاب، لفتواهم بجواز الانتفاع بالدهن المتنجس فی غیر الاستصباح أیضا. فإنه یقال قد ذکرنا فی علم الأصول: أن إعراض المشهور عن الروایة الصحیحة لا یوجب الوهن فیها و قد أشرنا إلیه فی الکلام علی روایة تحف العقول.
لا یقال: إن هذه الروایة مجملة لا تفی بإثبات المقصود فإنه یحتمل أن یکون قوله «ع»:
(لا تدهن به) من باب الافتعال بالتشدید، فیکون دالا علی عدم جواز تنجیس البدن، أو من باب الإفعال، فلا یمکن الاستناد إلیها فی عدم جواز الاستعمال مطلقا. فإنه یقال:
إن ظاهر الروایة هو النهی عن طلبی البدن بالدهن المتنجس، و من الواضح أن الأدهان من الإفعال بمعنی الخدعة، و أن الذی بمعنی الطلی هو من باب الافتعال.
و الذی ینبغی أن یقال: إن جواز الانتفاع بهذا الدهن فی غیر الموارد المنصوصة و عدم جوازه مبنی علی تحقیق الأصل فی الانتفاع بالمتنجس، فهل الأصل یقتضی جواز ذلک أو حرمته حتی یخرج الخارج بالدلیل؟ فذهب جمع من الأصحاب إلی الثانی، و قال جمع من المتأخرین: بالأول، و هو الأقوی، و هو مقتضی أصالة البراءة الثابتة بالأدلة المستفیضة، و یدل هذا الأصل علی إباحة ما لم یرد فیه نهی و حلیته، و من البین أن الانتفاع بالمتنجس فی
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنفیة فیجوز أن یبیع دهنا متنجسا لیستعمله فی الدبغ و دهن عدد الآلات (الماکینات) و نحوها.
[2] فی ج 2 ئل باب 34 حکم بیع الذکی المختلط بالمیت مما یکتسب به. علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر «ع» قال: سألته عن حب دهن مات فیه تارة؟ قال: لا تدهن به و لا تبعه من مسلم. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 128
غیر ما هو مشروط بالطهارة من صغریات ذلک.
قوله و قاعدة حل الانتفاع بما فی الأرض.
أقول: لا وجه لهذه القاعدة إلا قوله تعالی [1] هُوَ الَّذِی خَلَقَ لَکُمْ مٰا فِی الْأَرْضِ جَمِیعاً.
و لکن الآیة لیست بدالة علی جواز الانتفاع بجمیع ما فی الأرض لیکون الانتفاع بالمتنجس من صغریاته، بل هی إما ناظرة إلی بیان أن الغایة القصوی من خلق الأجرام الأرضیة و ما فیها لیس إلا خلق البشر و تربیته و تکریمه، و أما غیر البشر فقد خلقه اللّه تعالی تبعا لخلق الإنسان و مقدمة له، و من البدیهی أن هذا المعنی لا ینافی تحلیل بعض المنافع علیه دون بعض.
و إما ناظرة إلی أن خلق تلک الأجرام و تکوینها علی الهیئات الخاصة و الاشکال المختلفة و الأنواع المتشتتة من الجبال و الأودیة و الأشجار و الحیوانات علی أنواعها، و أنحاء المخلوقات من النامی و غیره، لبیان طرق الاستدلال علی وجود الصانع و توحید ذاته و صفاته و فعاله و علی إتقان فعله و علو صنعه و کمال قدرته و سعة علمه، إذن فتکون اللام للانتفاع، فإنه أی منفعة أعظم من تکمیل البشر، و لعل هذا هو المقصود من قوله «ع» فی دعاء الصباح:
(یا من دل علی ذاته بذاته).

الأصل جواز الانتفاع بالمتنجس

قوله و لا حاکم علیها سوی ما یتخیل)
أقول: قد استدل علی حرمة الانتفاع بمطلق المتنجس بجملة من الآیات و الروایات.
اما الآیات فمنها قوله تعالی «1»: (یٰا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ). فان المتنجس رجس فیجب الاجتناب عنه.
و فیه ان الرجس و إن أطلق علی الأعیان النجسة کثیرا، کما أطلق علی الکلب فی صحیحة البقباق [2] إلا ان الآیة لا ترتبط بالمدعی لوجوه، الأول: ان الظاهر من الرجس
______________________________
[1] سورة البقرة آیة 19. و فی ج 1 مجمع البیان ط صیدا المعنی: أن الأرض و جمیع ما فیها نعم من اللّه تعالی مخلوقة لکم أما دینیة فتستدلون بها علی معرفته، و إما دنیاویة فتنتفون بها بضروب النفع عاجلا.
[2] الفضل بن عبد الملک قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن فضل الهرة و الشاة إلی ان قال: فلم اترک شیئا إلا سألت عنه؟ فقال: لا بأس به، حتی انتهیت إلی الکلب فقال:
______________________________
(1) سورة المائدة آیة 92.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 129
هی الأشیاء التی یحکم علیها بالنجاسة بعناوینها الأولیة، فیختص بالأعیان النجسة، و لا یشمل الأعیان المتنجسة، لأن النجاسة فیها من الأمور العرضیة.
الثانی: أن الرجس فی الآیة لإیراد منه القذارة الظاهریة لکی ینازع فی اختصاصه بالأعیان النجسة، أو شموله الأعیان المتنجسة أیضا. بل المراد منه القذارة المعنویة: أی الحسة الموجودة فی الأمور المذکورة فی الآیة، سواء کانت قدرة بالقذارة الحسیة أیضا أم لم تکن، و الذی یدل علی ذلک من الآیة إطلاق الرجس علی المیسر و الأنصاب و الأزلام، فان من البدیهی أن قذارة هذه الأشیاء لیست ظاهریة، و لا شبهة فی صحة إطلاق الرجس فی اللغة [1] علی ما یشمل القذارة الباطنیة أیضا، و علیه فالآیة إنما تدل علی وجوب الاجتناب عن کل قذر بالقذارة الباطنیة التی یعبر عنها فی لغة الفرس بلفظ (پلید) فتکون المتنجسات خارجة عنها جزما.
الثالث: أن جعل المذکورات فی الآیة من عمل الشیطان، إما من جهة کون الأفعال المتعلقة بالخمر و الأنصاب و الأزلام رجسا من عمل الشیطان، کما یشیر الیه قوله تعالی [2]:
(إِنَّمٰا یُرِیدُ الشَّیْطٰانُ أَنْ یُوقِعَ بَیْنَکُمُ الْعَدٰاوَةَ وَ الْبَغْضٰاءَ فِی الْخَمْرِ وَ الْمَیْسِرِ وَ یَصُدَّکُمْ عَنْ ذِکْرِ اللّٰهِ). فان الرجس قد یطلق علی مطلق القبائح و المعاصی، و قد عرفت ذلک فی الهامش من القاموس و غیره.
و إما من جهة کون تلک الأمور نفسها من عمل الشیطان، فعلی الأول تکون الآیة دالة
______________________________
- رجس نجس لا نتوضأ بفضله و اصبب ذلک الماء، الخبر. صحیحة. راجع ج 1 التهذیب باب المیاه ص 64. و ج 4 الوافی باب أسآر الحیوانات ص 13. و ج 1 ئل باب 1 سؤر الکلب من أبواب الأسئار.
[1] فی ج 2 مجمع البیان ط صیدا ص 239: رجس أی خبیث و فی مفردات الراغب:
الرجس الشی‌ء القذر. یقال: رجل رجس و رجال أرجاس، و الرجس علی أربعة أوجه:
إما من حیث الطبع، و إما من جهة العقل، و إما من جهة الشرع، و إما من کل ذلک.
و فی القاموس: الرجس بالکسر القذر، و المأثم، و کل ما استقذر من العمل، و العمل المؤدی إلی العذاب. و فی المنجد: رجس رجاسة عمل عملا قبیحا.
[2] سورة المائدة آیة 93. و فی ج 2 مجمع البیان ص 240: و المعنی یرید الشیطان إیقاع العداوة بینکم بالإغواء المزین لکم ذلک حتی إذا سکرتم زالت عقولکم، و أقدمتم علی القبائح علی ما یمنعه منه عقولکم. قال قتادة: إن الرجل کان یقامر فی ماله و أهله، فیقمر، و یبقی حزینا سلیبا، فیکسبه ذلک العداوة و البغضاء.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 130
علی وجوب الاجتناب عن کل عمل قبیح یصدق علیه أنه رجس، و أما ما لم یحرز قبحه فلا تشمله الآیة، و علی الثانی یکون موضوع الحکم فیها کل عین من الأعیان صدق علیها أنها من عمل الشیطان، و علیه فکل عین محرمة صدق هذا العنوان علیها تکون مشمولة للآیة و من الواضح أن الخمر من عمل الشیطان باعتبار صنعها، أو بلحاظ أن أصل تعلیمها کان من الشیطان، و کذلک النصب بلحاظ جعلها صلیبا، و الأزلام بلحاظ التقسیم، کالحظ و النصیب فی الزمن الحاضر المعبر عنه فی لغة الفارس بکلمة (بلیط آزمایش بخت) و أما ما لا یصدق علیه ذلک و إن کان من الأعیان النجسة کالکلب و الخنزیر فضلا عن المتنجسات فلا تشمله الآیة الرابع: إذا سلمنا شمول الآیة للنجاسات و المتنجسات فلا دلالة فیها علی حرمة الانتفاع بالمتنجس، فان الاجتناب عن الشی‌ء إنما یکون بالاجتناب ما یناسب ذلک الشی‌ء، فالاجتناب عن الخمر عبارة عن ترک شربه إذا لم یدل دلیل آخر علی حرمة الانتفاع بها مطلقا، و الاجتناب عن النجاسات و المتنجسات عبارة عن ترک استعمالها فیما یناسبها، و من القمار عن ترک اللعب، و من الأمهات و البنات و الأخوات و الحالات و بقیة المحارم عبارة عن ترک تزویجهن، کما أن الاجتناب عن المسجد هو ترک العبادة فیه، و الاجتناب عن العالم ترک السؤال عنه، و الاجتناب عن التاجر ترک المعاملة معه، و الاجتناب عن أهل الفسوق ترک معاشرتهم و هکذا و علی الجملة نسبة الاجتناب إلی ما یجب الاجتناب عنه تختلف باختلاف الموارد، و لیست فی جمیعها علی نسق واحد، و علیه فلا دلالة فی الآیة علی حرمة الانتفاع بالمتنجس مطلقا، بل الأمر فی ذلک موقوف علی ورود دلیل خاص یدل علی وجوب الاجتناب مطلقا.
قوله مع أنه لو عم التنجیس لزم أن یخرج عنه أکثر الأفراد.
أقول: لا یلزم من خروج المتنجسات کلها من الآیة تخصیص الأکثر فضلا عما إذا کان الخارج بعضها، فان الخارج منها عنوان واحد ینطبق علی جمیع أفراد المتنجس انطباق الکلی علی أفراده نعم لو کان الخارج من عموم الآیة کل فرد فرد من أفراده للزم المحذور المذکور.
و منها قوله تعالی «1»: (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ). بناء علی شمول الرجز للأعیان النجسة و المتنجسة، و قد ظهر الجواب عنها من کلامنا علی الآیة السابقة، ثم إن نسبة الهجر إلی الأعیان الخارجیة لا تصح إلا بالعنایة و المجاز، بخلاف نسبته إلی الأعمال، فإنها علی نحو الحقیقة، و علیه فالمراد من الآیة خصوص الهجر عن الأعمال القبیحة و الأفعال المحرمة، و لا تشمل الأعیان المحرمة.
و یحتمل أن یراد من الرجز العذاب، کما فی قوله تعالی «2»: (فَأَنْزَلْنٰا عَلَی الَّذِینَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّمٰاءِ)
______________________________
(1) سورة المدثر، آیة: 5.
(2) سورة البقرة، آیة: 56.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 131
و قد صرح بذلک بعض أهل اللغة، کصاحب القاموس و غیره، و علی هذا فالمراد من هجر العذاب هجر موجباته، کما أرید من المسارعة إلی المغفرة، و من الاستباق إلی الخیرات المسارعة و الاستباق إلی أسبابهما فی آیتهما «1».
و منها قوله تعالی «2»: (وَ یُحَرِّمُ عَلَیْهِمُ الْخَبٰائِثَ) بناء علی صدق الخبائث علی المتنجسات و حیث إن التحریم فی الآیة لم یقید بجهة خاصة فهی تدل علی عموم تحریم الانتفاع بالمتنجسات.
و أجاب عنها المصنف بأن المراد من التحریم خصوص حرمة الأکل بقرینة مقابلته بحلیة الطیبات. و فیه أن مقتضی الإطلاق هو حرمة الانتفاع بالخبائث مطلقا، فتدل علی حرمة الانتفاع بالمتنجس کذلک.
و الحق أن یقال: إن متعلق التحریم فی الآیة إنما هو العمل الخبیث و الفعل القبیح، فالمتنجس خارج عن مدلولها لانه من الأعیان.
لا یقال: إذا أرید من الخبیث العمل القبیح وجب الالتزام بالتقدیر، و هو خلاف الظاهر من الآیة.
فإنه یقال: إنما یلزم ذلک إذا لم یکن الخبیث بنفسه بمعنی العمل القبیح، و قد أثبتنا فی مبحث بیع الأبوال «3» صحة إطلاقه علیه بدون عنایة، و خصوصا بقرینة قوله تعالی:
(وَ نَجَّیْنٰاهُ مِنَ الْقَرْیَةِ الَّتِی کٰانَتْ تَعْمَلُ الْخَبٰائِثَ). فإن المراد من الخبائث فیها اللواط.
و أما الأخبار فهی کثیرة: منها ما تقدم من روایة تحف العقول، حیث علل النهی فیها عن بیع وجوه النجس بأن (ذلک کله محرم أکله و شربه و إمساکه و جمیع التقلب فی ذلک حرام و محرم). فان الظاهر منها أن جمیع الانتفاعات من المتنجس حرام، لکونه من وجوه النجس.
و فیه أولا: ما تقدم فی أول الکتاب من ضعف سند الروایة، و عدم انجباره بشی‌ء.
و ثانیا: أن الظاهر من وجوه النجس هی الأعیان النجسة، فإن وجه الشی‌ء هو عنوانه الاولی، فلا تشمل المتنجسات، لأنها لیست نجسة بعناوینها الاولی.
و منها روایة السکونی [1] الآمرة بإهراق المرق المتنجس بموت الفارة فیه فتدل علی حرمة
______________________________
[1] عن جعفر عن أبیه إن علیا «ع» سئل عن قدر طبخت و إذا فی القدر فارة؟ قال:
بهراق مرقها و یغسل اللحم و یؤکل. ضعیفة للنوفلی. راجع ج 2 کا باب 14 من الأطعمة
______________________________
(1) سورة آل عمران، آیة: 127 (وَ سٰارِعُوا إِلیٰ مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّکُمْ). سورة البقرة آیة: 143 (فَاسْتَبِقُوا الْخَیْرٰاتِ).
(2) سورة الأعراف، آیة: 156.
(3) ص 39.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 132
الانتفاع به، إذ لو لا ذلک لجاز الانتفاع به بإطعامه الصبی و نحوه و بضمیمة عدم القول بالفصل یتم المطلوب. و أجاب عنها المصنف بأن الأمر بالإهراق کنایة عن خصوص حرمة الأکل. و فیه أن الظاهر من الأمر بالإهراق هو عدم جواز الانتفاع بالمرق مطلقا، إلا أنها لا تدل علی المدعی لخصوصیة المورد، فان المرق غیر قابل للانتفاع به إلا فی إطعام الصبی و نحوه بناء علی ما هو الظاهر من جواز ذلک، و من الواضح أن ذلک إنما یکون عادة إذا کان المراق قلیلا، لا بمقدار القدر و نحوه.
و منها الأخبار [1] الدالة علی أن الفأرة إذا ماتت فی السمن الجامد و نحوه وجب أن تطرح الفارة و ما یلیها من السمن، لأنه لو جاز الانتفاع بالمتنجس لما أمر الإمام «ع» بطرحه، لإمکان الانتفاع به فی غیر ما هو مشروط بالطهارة، کتدهین السفن «1» و الأجرب «2» و نحوهما، فتدل علی المدعی بضمیمة عدم القول بالفصل بین أفراد المتنجسات و قد أجاب عنها المصنف بأن الطرح کنایة عن حرمة الأکل فقط، فان الانتفاع بالاستصباح به جائز إجماعا. و لکن یرد علیه ما تقدم من ظهور الأمر بالطرح فی حرمة الانتفاع به مطلقا، و أما الاستصباح به فإنما خرج بالنصوص الخاصة کما عرفت.
______________________________
- ص 155. و ج 2 التهذیب الأطعمة 304. و ج 11 الوافی ص 22. و ج 1 ئل باب 5 نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة من أبواب الماء المضاف.
[1] زرارة عن أبی جعفر «ع» قال: إذا وقعت الفأرة فی السمن فمات فیه فان کان جامدا فألقها و ما یلیها و کل ما بقی، الخبر. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع ج 2 کا باب 14 من الأطعمة ص 155. و ج 2 التهذیب الأطعمة ص 303. و ج 11 الوافی ص 22 و ج 1 ئل باب 5 نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة من أبواب الماء المضاف. و ج 3 ئل باب 43 أن الفأرة إلخ من الأطعمة المحرمة. و ج 2 ئل باب 33 جواز بیع الزیت النجس مما یکتسب به.
علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر قال: سألته عن الفارة و الکلب إذا أکلا من الجبن و شبهه أ یحل أکله؟ قال: یطرح منه ما أکل و یحل الباقی. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن.
راجع الباب 42 المذکور من ج 3 ئل.
إلی غیر ذلک من الاخبار المزبورة فی المواضع المتقدمة من ج 2 ئل. و الوافی.
و ج 2 التهذیب. و ج 3 المستدرک باب 31 ص 77. و ج 1 ص 29. و ج 2 ص 427.
و ج 9 سنن البیهقی ص 354.
______________________________
(1) السفن محرکة جلد خشن یجعل علی قوائم السیوف.
(2) فی المنجد: الجرب و هو داء یحدث فی الجلد بثورا صغارها لها حکة شدیدة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 133
و الصحیح فی الجواب ما أشرنا إلیه من أن الأمر بطرح ما تلی الفأرة من السمن للإرشاد إلی عدم إمکان الانتفاع به بالاستصباح و نحوه لقلته، فتکون الروایة غریبة عن المقام.
و من هنا ظهر ما فی روایة زکریا بن آدم [1] التی تدل علی إهراق المرق المتنجس، فإن الأمر بالهراقة فیها إرشاد إلی ما ذکرناه من قلة نفعه، مضافا إلی أنها ضعیفة السند.
و منها قوله «ع» فی روایتی سماعة و عمار [2] الواردتین فی الإنائین المشتبهین: (یهریقها جمیعا و یتیمم) فإن أمره «ع» بهراقة الإنائین مع إمکان الانتفاع بهما فی غیر ما هو مشروط بالطهارة ظاهر فی حرمة الانتفاع بالماء المتنجس، و بضمیمة عدم القول بالفصل بین أفراد المتنجسات یتم المطلوب.
و فیه أن خصوصیة المورد تقتضی کون الأمر بالإهراق إرشادا إلی مانعیة النجاسة عن الوضوء، ثم إذا سلمنا کون الأمر فیهما للمولویة التکلیفیة فمن المحتمل القریب أن یکون الغرض من الأمر هو تتمیم موضوع جواز التیمم، لأن جوازه فی الشریعة المقدسة مقید بفقدان الماء، و قبل إراقة الإنائین لا یتحقق عنوان الفقدان لوجود الماء الطاهر عنده و إن لم یعرفه بعینه، و لذلک أفتی بعض الفقهاء بعدم جواز التیمم قبل إهراق الإنائین.
و منها الأخبار الواردة [3] فی إهراق الماء المتنجس، فإنه لو لا حرمة الانتفاع به فی
______________________________
[1] قال: سألت أبا الحسن «ع» عن قطرة خمر أو نبیذ مسکر قطرات فی قدر فیه لحم کثیر و مرق کثیر؟ قال: یهراق المرق أو یطعمه أهل الذمة أو الکلب. مهملة للحسن المبارک و ضعیفة لمحمد بن موسی. راجع ج 2 کا باب المسکر یقطر منه فی الطعام من الأشربة ص 197. و ج 2 التهذیب الأطعمة ص 312. و ج 11 الوافی ص 92. و ج 1 ئل باب 38 نجاسة الخمر من أبواب النجاسات.
[2] قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن رجل معه إناء ان فیهما ماء وقع فی أحدهما قذر و لا یدری أیهما و لیس یقدر علی ماء غیرهما؟ قال: یهریقهما جمیعا و یتیمم. ضعیفة لعثمان بن عیسی و مثلها روایة عمار الساباطی عن أبی عبد اللّه «ع» و لکنها موثقة لأجله و لمصدق بن صدقة. راجع ج 1 کا ص 4. و ج 1 التهذیب باب المیاه ص 65 و باب تطهیر الثیاب ص 71. و ج 4 الوافی ص 11 و ج 1 ئل باب 8 نجاسة ما نقص عن الکر بملاقاة النجاسة من أبواب الماء المطلق.
[3] أبو بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سألته عن الجنب یجعل الرکوة أو التور فیدخل إصبعه فیه؟ قال: إن کانت یده قذرة فأهرقه، الحدیث. صحیحة. فی القاموس:
التور إناء یشرب فیه. راجع المصادر المتقدمة من ج 1 یب. و ج 1 ئل. و ج 4 الوافی-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 134
غیر ما هو مشروط بالطهارة لم یؤمر بذلک، و فیه أولا: ما عرفت من أن خصوصیة المورد تقتضی ذلک، لقلة نفعه فی العادة. و ثانیا: أن الأمر بالهراقة فی تلک الأخبار إرشاد إلی عدم جواز التوضی من ذلک الماء للنجاسة المشتبهة، و لا یجوز التعدی من موردها إلی غیره من الاستعمالات إلا إذا کان مشروطا بالطهارة، و إذن فلا دلالة فیها علی المطلوب أیضا.
و منها الأخبار المستفیضة عند الخاصة [1] و العامة [2] الواردة فی استصباح الدهن المتنجس، فإنها ظاهرة فی أن الانتفاع به منحصر فی الإسراج، فإنه لو جاز الانتفاع به فی غیره أیضا لتعرض له الامام «ع» فیها أو فی غیرها.
و فیه أن وجه التخصیص أن النفع الظاهر للدهن هو الا کل و الإسراج فقط، فإذا حرم أکله للتنجس اختص الانتفاع به بالإسراج، فلذا لم یتعرض الامام «ع» لغیر الاستصباح، و إذن فلا دلالة فیها أیضا علی المدعی.
علی أنه قد ورد فی بعض الروایات جواز الانتفاع به بغیر الاستصباح، کقوله «ع» فی روایة قرب الاسناد [3]: (و لکن ینتفع به کسراج و نحوه). و کقوله علی «ع» المروی
______________________________
- و فی موثقة سماعة: فإن أدخلت یدک فی الماء و فیها شی‌ء من ذلک فأهرق ذلک الماء.
و فی موثقة أخری له: و إن کان أصاب «المنی» یده فأدخل یده فی الماء قبل ان یفرغ علی کفیه فلیهرق الماء کله. راجع الباب 8 المتقدم من ج 1 ئل. و ج 1 کا باب 8 من المیاه ص 5. و ج 4 الوافی باب ما یستحب التنزه عنه فی رفع الحدث من المیاه ص 11 و 12 و فی صحیحة البقباق المتقدمة فی ص 128 عن سؤر الکلب قال «ع»: و اصبب ذلک الماء.
[1] راجع ج 2 کا باب 14 من الأطعمة ص 155، و ج 2 التهذیب کتاب الصید ص 303. و ج 2 ئل باب 33 جواز بیع الزیت مما یکتسب به. و ج 2 المستدرک ص 427. و ج 3 ئل باب 31 أن ما قطع من ألیات الغنم. و باب 42 أن الفأرة إذا ماتت فی السمن من الأطعمة المحرمة. و ج 3 المستدرک ص 77 و ج 1 ئل باب 5 نجاسة المضاف بملاقاة النجاسة من أبواب النجاسات. و ج 1 المستدرک ص 29. و ج 11 الوافی ص 22
[2] فی ج 9 سنن البیهقی ص 354 سئل رسول اللّه (ص) عن الفارة تقع فی السمن أو الزیت؟ قال: استصبحوا به و لا تأکلوه، و غیر ذلک من الأحادیث.
[3] بإسناده عن علی بن جعفر عن أخیه إلی أن قال: و سألت عن فأرة أو کلب شربا فی زیت أو سمن؟ قال: إن کان جرة أو نحوها فلا تأکله و لکن ینتفع به کسراج و نحوه مجهولة لعبد اللّه بن الحسن راجع ج 3 ئل باب 45 أن الفأرة إذا وقعت فی مائع من الأطعمة المحرمة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 135
عنه بطرق شتی [1]: (الزیت خاصة یبیعه لمن یعلمه صابونا). فان الظاهر أنه لا خصوصیة للمورد فیهما، و نتیجة التعدی عنه هو جواز الانتفاع بکل متنجس بجمیع الانتفاعات المحللة.
بل ورد فی أحادیث العامة [2] جواز الانتفاع به مطلقا من غیر تقیید بنوع خاص من المنافع و قد یخطر بالبال أن الأمر فی الروایات بخصوص الاستصباح دون غیره إنما هو فیما لا یتمکن الإنسان من الانتفاع به بغیر الاستصباح و لو فی الوجوه النادرة من المنافع، و إلا فلا خصوصیة للتقیید بالاستصباح، کما لا خصوصیة للتقیید بجعله صابونا، و لذا جوز الامام «ع» أن ینتفع به بغیرهما أیضا فی روایة قرب الاسناد کما عرفت، و لکنها ضعیفة السند و قد یقال: بانعقاد الإجماع علی حرمة الانتفاع بالمتنجس مطلقا، فیکون مقتضی الأصل هو حرمة الانتفاع به فی المقام. إلا أن ذلک ممنوع، فإن الإجماع المنقول ممنوع الحجیة، و قد حققناه فی علم الأصول. علی أن دعوی الإجماع فی المسألة موهونة بکثرة المخالفین فیهما
______________________________
[1] الجعفریات عن علی «ع» سئل عن الزیت یقع فیه شی‌ء له دم فیموت؟ قال: الزیت خاصة یبیعه لمن یعلمه صابونا. مجهولة لموسی بن إسماعیل. و مثلها فی دعائم الإسلام و نوادر الراوندی. راجع ج 2 المستدرک ص 427.
قال المحدث النوری نور اللّه مرقده فی ج 3 المستدرک فی الفائدة الثانیة من الخاتمة ص 324: کتاب النوادر هو تألیف السید الامام الکبیر ضیاء الدین أبی الرضا فضل اللّه بن علی الراوندی الکاشانی حفید الحسن المثنی بن الحسن المجتبی علیه السلام، و وصفه العلامة فی إجازة بنی زهرة: بالسید الامام، و فی فهرست الشیخ منتجب الدین: علامة زمانه جمع مع علو النسب کمال الفضل و الحسب و کان أستاذ أئمة عصره، قال أبو سعد السمعانی فی کتاب الأنساب: إنه من المشایخ و الیه تنتهی کثیرا أسانید الإجازات و هو تلمیذ الشیخ أبی علی بن شیخ الطائفة، و له تصانیف تشهد بفضله و أدبه و جمعه بین مورث المجد و مکتسبه و منه انتشرت الأدعیة الجلیلة المعروفة بأدعیة السر، انتهی ملخص کلامه.
أقول: لا شبهة فی علو شأنه و رفعة منزلته و مکانة عامه و ثبوت وثاقته، و قد صرح بذلک غیر واحد من المترجمین، و لکن لم یظهر لنا اعتبار کتابه هذا، لأن فی سنده من لم تثبت وثاقته کعبد الواحد بن إسماعیل، و من هو مجهول الحال کمحمد بن الحسن التمیمی البکری.
[2] فی ج 9 سنن البیهقی ص 354 فی جملة من الأحادیث سئل رسول اللّه (ص) عن الفارة تقع فی السمن؟ فقال: اطرحوها و ما حولها إن کان جامدا، فقالوا: یا رسول اللّه (ص) فان کان مائعا؟ قال: فانتفعوا به و لا تأکلوه.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 136
و أما الإجماع المحصل علی ذلک فهو ممنوع التحقق أیضا.
و یضاف إلی ما ذکرناه کله أنه لا ظهور لعبارات الفقهاء المحتویة لنقله فی ذلک المدعی، قال فی الغنیة «1» بعد أن اشتراط فی البیع أن یکون مما ینتفع به منفعة محللة: (و قیدنا بکونها «المنفعة» مباحة تحفظا من المنافع المحرمة، و یدخل فی ذلک کل نجس لا یمکن تطهیره إلا ما أخرجه الدلیل من بیع الکلب المعلم للصید، و الزیت النجس للاستصباح به تحت السماء، و هو إجماع الطائفة).
و هذه العبارة و إن کانت صریحة فی نقل الإجماع، إلا أن الظاهر رجوعه إلی مطلع کلامه: أعنی حرمة بیع النجس، فلا دلالة فیها علی حرمة الانتفاع بالمتنجس، و یحتمل قریبا أن یرجع إلی آخر کلامه: أعنی استثناء الکلب المعلم للصید، و الزیت المتنجس للاستصباح من حرمة البیع.
و قال الشیخ فی الخلاف «2»: (إذا مات الفأرة فی سمن أو زیت أو شیرج أو بزر نجس کله، و جاز الاستصباح به، و لا یجوز أکله، و لا الانتفاع به لغیر الاستصباح). ثم ذکر المخالفین فی المسألة من العامة و غیرهم إلی أن قال: (دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم).
و فیه أن محط کلامه إنما هو الدهن المتنجس فقط، فلو صح ما ادعاه من الإجماع لدل علی حرمة الانتفاع به خاصة، لکونه هو المتیقن من مورد الإجماع، فلا یشمل سائر المتنجسات و قد أجاب المصنف عما ادعاه الشیخ من الإجماع بأن (معقده ما وقع الخلاف فیه بینه و بین من ذکر من المخالفین، إذ فرق بین دعوی الإجماع علی محل النزاع بعد تحریره و بین دعواه ابتداء علی الاحکام المذکورات فی عنوان المسألة، فإن الثانی یشمل الاحکام کلها، و الأول لا یشمل إلا الحکم الواقع مورد الخلاف، لانه الظاهر من قوله دلیلنا إجماع الفرقة) و فیه أن ما أفاده و إن کان صحیحا بحسب الکبری، إلا أنه خلاف ما یظهر من کلام الشیخ (ره)، فان ظاهره دعوی الإجماع علی جمیع الأحکام المذکورة. فالصحیح فی الجواب هو ما ذکرناه.
علی أنا لو سلمنا قیام الإجماع علی ذلک فلا نسلم کونه إجماعا تعبدیا کاشفا عن رأی المعصوم «ع». إذ من المحتمل القریب جدا، بل المظنون عادة أن مدرکه هو الوجوه المذکورة فی المقام لحرمة الانتفاع بمطلق المتنجس.
قوله أن بل الصبغ و الحناء.
أقول: الصبغ و الحناء لیسا من محمل النزاع هنا فی شی‌ء، و لم یتقدم لهما ذکر سابق، فلا تری وجها صحیحا لذکرهما.
______________________________
(1) ص 2 من البیع.
(2) ج 2 ص 212.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 137
(قوله و مراده بالنص ما ورد من المنع عن الاستصباح بالدهن المتنجس تحت السقف).
أقول: قد عرفت عدم ورود النص بذلک.
قوله و الذی أظن و إن کان الظن لا یغنی لغیری شیئا.
أقول: بل لا یغنیه أیضا، لعدم کونه من الظنون المعتبرة، اللهم إلا أن یکون مراده من ذلک هو الظن الاطمئنانی، فیکون حجة له، لا لغیره.
قوله و الروایة إشارة إلی ما عن الراوندی فی کتاب النوادر.
أقول: قد عرفت:
أنها روایة واحدة نقلت بطرق ثلاثة، و لم یقع السؤال عن الشحم فی شی‌ء منها، فما نقل فی المتن ناشئ عن سهو القلم.
قوله ثم لو قلنا بجواز البیع فی الدهن)،
أقول: کما یصح الانتفاع بالمتنجس علی وجه الإطلاق، فکذلک یصح بیعه للعمومات المقتضیة لذلک من قوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ، و أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ، و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) و علیه فلا نحتاج فی ذلک إلی التمسک بقوله «ع» فی روایة تحف العقول: (و کل شی‌ء یکون لهم فیه الصلاح من جهة من الجهات فهذا کله حلال بیعه و شراؤه و إمساکه و استعماله) کما تمسک به المصنف هنا.
قوله و هذا هو الذی یقتضیه استصحاب الحکم قبل التنجیس)،
أقول: إذا سلمنا جریان الاستصحاب فی الأحکام الکلیة الإلهیة، و أغمضنا عن معارضته دائما بأصالة عدم الجعل کما نقحناه فی الأصول، فلا نسلم جریانه فی المقام، لأن نمحل الکلام هو الجواز الوضعی بمعنی نفوذ البیع علی تقدیر وجوده، و علیه فاستصحاب الجواز بعد التنجس یکون من الاستصحاب التعلیقی الذی لا نقول به.
قوله و أما قوله تعالی: فَاجْتَنِبُوهُ، و قوله تعالی: وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ.
أقول: قد یتوهم أن إیراد المصنف (ره) الآیات المذکورة هنا لا یخلو من الاشتباه و سهو القلم، لأنه قد استدل بها فیما مضی علی حرمة الانتفاع بالمتنجس، و کلامنا هنا مختص بجواز البیع فقط، و لکنه توهم فاسد، فان ذکر الآیات هنا لیس إلا لدفع توهم الاستدلال بها علی بطلان بیع المتنجس و القرینة علی ذلک قوله (ره) فی مقام الجواب عنه:
(فقد عرفت أنها لا تدل علی حرمة الانتفاع بالمتنجس فضلا عن حرمة البیع)
. قوله و أما مثل بیع الصابون المتنجس فلا یندفع الاشکال عنه.
أقول: وجه عدم الاندفاع هو أن الثوب المغسول بالصابون المتنجس و إن کان یقبل الطهارة بالغسل، إلا انه لیس معنی ذلک أن الصابون رجع إلی حالة یقبل معها الطهارة، فإن الأجزاء الصابونیة تنفصل عن الثوب بالغسل و إن کانت فی غایة النجاسة و الخباثة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 138

الأصل جواز الانتفاع بالأعیان النجسة

اشارة

قوله بقی الکلام فی حکم نجس العین.
أقول: الظاهر ان الأصل جواز الانتفاع بالأعیان النجسة أیضا إلا ما خرج بالدلیل کما اختاره بعض الأعاظم و إن ذهب المشهور إلی حرمة الانتفاع بها، بل ادعی علیه الإجماع.
قال فی أول المکاسب من المراسم: التصرف فی المیتة و لحم الخنزیر و شحمه و الدم و العذرة و الأبوال ببیع و غیره حرام. و فی المکاسب المحظورة من النهایة. جمیع النجاسات محرم التصرف فیها. و فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح من المبسوط، نجس العین لا یجوز بیعه و لا إجارته و لا الانتفاع به و لا اقتناؤه بحال إجماعا إلا الکلب فان فیه خلافا، و علی هذا النهج مذاهب فقهاء العامة [1].
و کیف کان فقد استدل علی عدم الجواز بوجوه، منها الآیات المتقدمة من قوله تعالی (فَاجْتَنِبُوهُ) و قوله تعالی: (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ)، و قد عرفت الجواب عن ذلک آنفا.
و منها قوله تعالی «1»: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ الْمَیْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِیرِ). فان عموم التحریم فیها یقتضی حرمة الانتفاع بما ذکر فیها، و بعدم القول بالفصل بین أفراد النجس یتم المطلوب و فیه ان تحریم أی شی‌ء إنما هو بحسب ما یناسبه من التصرفات، فما یناسب المیتة و الدم و لحم الخنزیر إنما هو تحریم الأکل، لا جمیع التصرفات، کما أن المناسب لتحریم الام و البنت
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 231 عن الحنابلة لا یصح الانتفاع بالدهن النجس فی أی شی‌ء من الأشیاء، و فی ص 232 عن الحنفیة لا یحل الانتفاع بدهن المیتة لأنه جزء منها و قد حرمها الشرع فلا تکون مالا، و فی ج 5 شرح فتح القدیر ص 203 حکم بحرمة الانتفاع بالمیتة ثم جعل بطلان البیع دائرا مدار حرمة الانتفاع و هی عدم المالیة، و فی ج 2 فقه المذاهب فی الموضع المتقدم نقل اتفاق المذاهب علی حرمة بیع النجس، فقد عرفت من شرح فتح القدیر الملازمة بین بطلان البیع و حرمة الانتفاع. و فی ج 5 شرح فتح القدیر نقل عن محمد انه لو وقع شعر الخنزیر فی ماء قلیل لا یفسده لأن حل الانتفاع به دلیل طهارته، و فی ج 2 فقه المذاهب ص 167 عن الحنفیة لا ینعقد بیع کل ما لا یباح الانتفاع به شرعا، و فی ج 8 شرح فتح القدیر ص 157 نقل عن بعضهم حرمة الانتفاع بالنجس، و نقضه بجواز الانتفاع بالسرقین، فإنه مع القول بنجاسته یجوز بیعه و الانتفاع به بخلاف العذرة.
______________________________
(1) سورة المائدة، آیة: 3.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 139
فی قوله تعالی «1»: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمْ أُمَّهٰاتُکُمْ وَ بَنٰاتُکُمْ) إنما هو تحریم النکاح فقط دون النظر و التکلم و منها ما أشار إلیه المصنف بقوله و یدل علیه أیضا کلما دل من الأخبار و الإجماع علی عدم جواز بیع نجس العین بناء علی أن المنع من بیعه لا یکون إلا مع حرمة الانتفاع به) و لکنا لم نجد فیما تقدم، و لا فیما یأتی ما دل من الاخبار علی عدم جواز بیع النجس بعنوانه فضلا عن کون المنع عن البیع من جهة عدم جواز الانتفاع به.
نعم تقدم فی مبحث بیع المیتة ما دل علی حرمة الانتفاع بالمیتة، إلا أنک عرفت هناک معارضتها بما دل علی جواز الانتفاع بها، و أن الترجیح للروایات المجوزة، علی أنا إذا أخذنا بالروایات المانعة فهی أخص من المدعی لأنها مختصة بالمیتة، و موضوع کلامنا أعم منها و من سائر النجاسات.
نعم روایة تحف العقول صریحة فی المدعی، فان دلالة قوله «ع» فیها: (أو شی‌ء من وجوه النجس فهذا کله حرام محرم لان ذلک کله منهی عن أکله و شربه و لبسه و ملکه و إمساکه و التقلب فیه فجمیع تقلبه فی ذلک حرام)، صریحة لا تکاد تنکر و لا وجه لحملها علی الإمساک و التقلب لأجل الأکل و الشرب کما فی المتن، إلا أن الروایة لا یجوز الاعتماد علیها لضعف سندها و عدم انجباره بعمل المشهور بها.
منها قوله «ع» «2» فی دعائم الإسلام: (و ما کان محرما أصله منهیا عنه لم یجز بیعه و لا شراؤه) بدعوی أن حرمة البیع فی الروایة قد علقت علی حرمة الشی‌ء من أصله، فلا بد و أن یکون الانتفاع به محرما مطلقا، إذ لو جاز الانتفاع به لجاز بیعه لا ملازمة بینهما.
و فیه مضافا إلی ضعف السند فیها، أن المراد بالحرمة فی الروایة حرمة التصرفات المناسبة لذلک الشی‌ء المحرم، لا حرمة جمیع التصرفات، و علیه فلا یستفاد منها حرمة جمیع الانتفاعات علی أنا لو سلمنا دلالتها علی حرمة جمیع التصرفات فغایة ما یستفاد منها: أن کلما لا یجوز الانتفاع به بوجه فلا یجوز بیعه، لا أن کل ما لا یجوز بیعه فلا یجوز الانتفاع به، کما هو المدعی و مما ذکرناه تجلی ما فی النبوی المشهور المجعول: (إن اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه) و بالجملة: أنا لم نجد آیة و لا روایة تدل علی حرمة الانتفاع بنجس العین مطلقا إلا فی موارد خاصة کالخمر.
و منها الإجماع المدعی علی حرمة الانتفاع بها، و تقریره بوجهین، الأول: دعوی الإجماع علی حرمة بیعها، و بما أن حرمة البیع تستلزم حرمة الانتفاع للملازمة بینهما (و قد عرفت
______________________________
(1) سورة النساء، آیة: 23.
(2) قد تقدم فی ص 22.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 140
ذلک فی الحاشیة عن بعض العامة) فیکون الثانی أیضا موردا للإجماع.
و فیه منع الملازمة بین الحرمتین، لجواز کون النهی عن بیعه تعبدا محضا، و علیه فإذا قام الإجماع علی حرمة البیع فلا یمکن أن یستدل به علی حرمة الانتفاع إلا بالحدس الظنی، و من الواضح أن الظن لا یغنی من الحق شیئا، بل اللازم أن یقتصر من الإجماع علی مورده المتیقن من دون أن یتعدی إلی غیر.
الثانی: دعوی الإجماع علی حرمة الانتفاع بها ابتداء کما هو الظاهر من فخر الدین و الفاضل المقداد. و فیه أن دعواه فی مثل هذه المسألة مع ذهاب الأکثر إلی جواز الانتفاع بها من الأمور الصعبة، و لو سلمت هذه الدعوی فلا یمکن إثبات کونه إجماعا تعبدیا، لإمکان استناد المجمعین فی ذلک إلی الوجوه المذکورة.
قوله الجابر لروایة تحف العقول.
أقول: قد تقدم فی أول الکتاب عدم انجبار ضعف الروایة بشی‌ء من الشهرة و الإجماع و غیرهما.
قوله مع احتمال أن یراد من جمیع التقلب جمیع أنواع التعاطی لا الاستعمالات)
. أقول: إذا فرضنا اعتبار الروایة فلا مناص من القول بحرمة التصرف فی الأعیان النجسة علی وجه الإطلاق و لو بالإمساک، و لا وجه لتقییدها بخصوص التعاطی، کما لا وجه لتقیید النهی عن الإمساک بالإمساک علی وجه محرم.
قوله نعم یمکن أن یقال: أن مثل هذه الاستعمالات.
أقول: توضیحه أن النهی عن الانتفاع بشی‌ء ینصرف إلی النهی عن الانتفاع به فی منافعه الظاهرة لأن المنفعة النادرة لا تعد من المنافع عرفا، فهی خارجة عن حدود النهی و إن کان الإطلاق فی نفسه شاملا لها، لا یقال: إن النهی عن الانتفاع بشی‌ء یدل علی تحریم جمیع منافعه، لأن النهی عن الطبیعة یقتضی الانزجار عن جمیع أفرادها، و لذلک کان دالا علی العموم.
فإنه یقال: إن الدلالة علی العموم إنما تسلم بمقدار ما ینصرف الیه اللفظ فقط، و نظیر ذلک العمومات الناهیة عن الصلاة فی أجزاء ما لا یؤکل لحمه، فإنه ینصرف إلی غیر الإنسان، فلا ینعقد للعموم ظهور إلا به.
و لا یخفی: أن القول بحرمة الانتفاع بالنجس مطلقا لا یقتضی حرمة اقتنائه و إن کان الاقتناء لغیر الغرض العقلائی، و من هنا ورد فی جملة من الأحادیث [1] جواز اقتناء الخمر،
______________________________
[1] راجع ج 2 کا باب الخمر یجعل خلا ص 199، و ج 2 التهذیب باب الأشربة ص 311، و ج 11 الوافی باب 165 ص 91، و ج 3 ئل باب 31 عدم تحریم الخل من الأشربة المحرمة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 141
بل أخذها للتخلیل، مع أنها من الخبائث الشدیدة، و ورد أیضا جواز اقتناء بعض الکلاب و قد تقدم ذلک فی البحث عن بیعها «1».
قوله و العذرة للتسمید.
أقول: التسمید فی اللغة [1] ما یصلح به الزرع.
قوله کما یدل علیه وقوع السؤال فی بعض الروایات [2] عن الجص.
أقول:
قال المحدث القاسانی فی کتاب الوافی: (لعل المراد بالماء الماء الممزوج بالجص، أو بالماء ماء المطر الذی یصیب أرض المسجد المجصص بذلک الجص، و کأنه کان بلا سقف، فإن السنة فیه ذلک. و المراد بالنار ما یحصل من الوقود التی یستحیل بها أجزاء العذرة و العظام المختلطة بالجص رمادا، فإنها تطهر بالاستحالة، و الغرض أنه قد ورد علی ذلک الجص أمران مطهران:
هما النار و الماء فلم یبق ریب فی طهارته، فلا یرد السؤال بأن النار إذا طهرته أولا فکیف یحکم بتطهیره الماء له ثانیا!! إذ لا یلزم من ورود المطهر الثانی تأثیره فی التطهیر).
و قال فی الوسائل: تطهیر النار للنجاسة بإحالتها رمادا أو دخانا، و تطهیر الماء: أعنی ما یجبل به الجص یراد به حصول النظافة و زوال النفرة.
أقول: یمکن أن یراد من الماء ماء المطر الذی یصیب الموضوع المجصص بذلک الجص المتنجس لکون المسجد مکشوفا و بلا سقف کما احتمله القاسانی، و أن یراد من النار الشمس فان الشمس إذا جففت شیئا طهرته.
و یمکن أن یراد من التطهیر التنظیف مجازا کما احتمله فی المستند «2» مطلقا، و صاحب الوسائل فی خصوص الماء، و مع الإغماض عما ذکرناه فالروایة مجملة یرد علمها إلی أهلها، فإن الثابت فی الشریعة أن النار إنما تطهر من النجاسات ما أحالته رمادا، و هذا الشرط غیر
______________________________
[1] عن المصباح: السماد وزان السلام ما یصلح به الزرع من تراب و سرجین، سمدت الأرض تسمیدا أصلحها بالسماد. و فی القاموس: و سمد الأرض تسمیدا جعل فیها السماد، أی السرجین برماد. و فی مجمع البحرین: و السماد کسلام ما یصلح به الزرع من تراب و سرجین و تسمید الأرض هو أن یجعل فیها السماد.
[2] الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن «ع» عن الجص یوقد علیه بالعذرة و عظام الموتی ثم یجصص به المسجد أ یسجد علیه؟ فکتب إلی بخطه: إن الماء و النار قد طهراه.
صحیحة. راجع ج 1 کا باب ما یسجد علیه ص 91، و ج 1 التهذیب باب ما یسجد علیه ص 232، و ج 4 الوافی ص 39، و ج 1 ئل باب 81 طهارة ما أحالته النار من أبواب النجاسات
______________________________
(1) ص 102.
(2) راجع ج 1 ص 57.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 142
حاصل فی الجص. و أن الماء القلیل إنما یطهر الموضع المغسول إذا ورد علیه ثم انفصلت غسالته عنه، و کلا الأمرین منتف هنا، إلا أن یقال: بعدم انفعال الماء القلیل بامتزاجه الجص، و عدم اشتراط انفصال الغسالة فی التطهیر به کما أشار إلیه المحدث القاسانی فی کلامه المتقدم، قال: (لعل المراد بالماء الممزوج بالجص) و کلا الأمرین مخدوش، و تفصیل الکلام فی محله.
و کیف کان فالمستفاد من الروایة أمران، أحدهما: اعتبار الطهارة فیما یسجد علیه و ثانیهما: جواز السجود علی الجص و لو کان مطبوخا.
قوله ثم إن منفعة النجس المحللة للأصل أو للنص قد جعلها ما لا عرفا إلا أنه منع الشرع عن بیعه کجلد المیتة.
أقول: قد ظهر مما ذکرناه أنه لا ملازمة بین حرمة بیع الأعیان النجسة و بین حرمة الانتفاع بها و سقوطها عن المالیة، بل لا بد من ملاحظة دلیل الحرمة، هل یوجد فیه ما یدل علی إلغاء المالیة من قبل الشارع کما فی الخمر و الخنزیر؟
فان کان فیه ما یدل علی ذلک أخذ به و حکم بعدم ترتب آثار المالیة علیها من الإرث و الضمان و غیرهما، و إلا فلا یصح أن یحکم بحرمة الانتفاع بها لمجرد حرمة بیعها، کیف و قد علمت جواز الانتفاع بالمیتة و العذرة و شعر الخنزیر و کلب الماشیة و کلب الحائط و کلب الزرع و غیرها من أنواع النجاسات مع ذهاب الأکثر إلی حرمة بیعها!! و علی ذلک یجب أن تترتب علیها جمیع آثار المالیة، فإذا أتلفها أحد ضمنها لمالکها، و إذا مات مالکها انتقلت إلی وراثه، و لا یجوز للغیر أن یزاحم الورثة فی تصرفاتهم، و کذلک تجوز إعارتها و إجارتها وهبتها و لو هبة معوضة، لأن حقیقة الهبة متقومة بالمجانیة، و اشتراط العوض فیها أمر زائد علی حقیقتها، و فائدته جواز فسخ الواجب إیاها إذا لم یف له المتهب بالشرط.
لا یقال: إن الشی‌ء إذا حرم بیعه حرمت سائر المعاملات علیه بطریق الأولویة القطعیة.
فإنه یقال: ان الاحکام الشرعیة توقیفیة محضة. فلا یجوز التعدی عن مورد ثبت فیه التعبد إلی غیره إلا بدلیل، و الموجود فی أدلة النهی عن بیع الأعیان النجسة فی غیر ما ألغی الشارع مالیته إنما هو حرمة ثمنها، فلا تشمل العوض فی سائر المعاملات، لعدم إطلاق الثمن علیه إلا فی الصلح بناء علی کونه بیعا و من قبیل المبادلة بین المالین.
قال المحقق الایروانی: (أن المالیة لا تدور مدار المنفعة، فإن الجواهر النفیسة و منها النقود أموال، و لا فائدة فیها، و فی الماء علی الشط أهم المنافع، و لا یعد مالا، و التراب ینتفع به أهم الانتفاع من اصطناع آجر أو خزف أو أناة و لیس بمال).
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 143
و فیه أنه لا شبهة فی دوران المالیة الشرعیة مدار المنفعة المحللة، و دوران المالیة العرفیة مدار مطلق المنافع و إن کانت محرمة، و لکن الانتفاع بالأشیاء لیس علی نسق واحد، بل یختلف باختلاف ذی النفع، فنفع الجواهر و النقود بیعها و شرائها، و جعلها أثمانا للأمتعة و العروض، و أما عدم کون الماء علی الشط و التراب فی البر من الأموال مع الانتفاع بها أهم الانتفاع فلکون الناس فی الانتفاع بهما شرعا سواء، و لذا لو اختصا بشخص واحد کبعض أقسام التراب فان الناس یبذلون بإزائهما المال المهم. و علی الإجمال مالیة الأشیاء إنما هی باعتبار منافعها فعدیم المنفعة لیس من الأموال.

حقیقة حق الاختصاص و منشأ ثبوته

قوله و الظاهر ثبوت حق الاختصاص فی هذه الأمور.
أقول: قد قامت السیرة القطعیة الشرعیة و العقلائیة علی ثبوت حق الاختصاص و الأولویة للمالک فی أموالهم التی سقطت عن المالیة للعوارض و الطواری کالماء علی الشط، و الحیوان المملوک إذا مات، و الأراضی المملوکة إذا جعلها الجائر بین الناس شرعا سواء کالطرق و الشوارع المغصوبة، بدیهة عدم جواز مزاحمة الأجانب عن تصرف الملاک فی أمثال تلک الموارد ما لم یثبت الإعراض و هذا مما لا ریب فیه.
و إنما الکلام فی منشأ ذلک الحق، و قد استدل علیه بوجوه، الأول: أن حق الاختصاص سلطنة ثابتة فی الأموال و هی غیر الملکیة، فإذا زالت الملکیة بقی الحق علی حاله، لأن کل واحد منهما ناشئ عن سبب خاص به.
و فیه أن ذلک و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت، إلا أنه ممنوع فی مقام الإثبات لعدم الدلیل علیه.
الثانی: أن حق الاختصاص مرتبة ضعیفة من الملکیة، فإذا زالت الملکیة بحدها الأقوی بقیت منها المرتبة الضعیفة التی نسمیها بحق الاختصاص لعدم الملازمة بینهما فی الارتفاع، و یتضح ذلک بملاحظة الألوان و الکیفیات الخارجیة.
و فیه ان الملکیة الحقیقة من أیة مقولة کانت، جدة أو إضافة لیست قابلة للشدة و الضعف حتی تعتبر بحدها الضعیف تارة، و بحدها القوی تارة أخری، بل هی أمر بسیط فإذا زالت زالت بأصلها.
و لو سلمنا کون الملکیة الحقیقة ذات مراتب لم یجر ذلک فی الاعتباریة فإن اعتبار کل مرتبة منها مغایر لاعتبار المرتبة الأخری، و إذا زال اعتبار المرتبة القویة لم یبق بعده اعتبار
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 144
آخر للمرتبة الضعیفة، و علیه فلا یبقی هناک شی‌ء آخر لکی یسمی بالحق.
و هذا لا ینافی ما هو المعروف من أن الحق فی نفسه مرتبة ضعیفة من الملک. فان معنی هذا الکلام: أن الملک و الحق کلیهما من مقولة السلطنة، و أن الملک سلطنة قویة، و الحق سلطنة ضعیفة، و هو أمر آخر غیر اختلاف حقیقة الملک بالشدة و الضعف، و الکمال و النقص نظیر الألوان کما توهم.
و نظیر ما نحن فیه تسمیة الرجحان الضعیف فی باب الأوامر بالاستحباب و الرجحان الشدید بالوجوب، و هو أمر وراء کون الاستحباب مرتبة ضعیفة من الوجوب.
الثالث: قد ثبت فی الشریعة المقدسة أنه لا یجوز لأحد أن یتصرف فی مال غیره إلا بطیب نفسه، و قد دلت علی ذلک السیرة القطعیة و جملة من الاخبار [1] فإذا زالت الملکیة، و شککنا فی زوال ذلک الحکم کان مقتضی الاستصحاب الحکم ببقائه.
و فیه مضافا إلی عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام، لمعارضته دائما بأصالة عدم الجعل کما نقحناه فی علم الأصول. أن موضوع الحکم محرمة التصرف هو مال الغیر فإذا سقط
______________________________
[1] فی الاحتجاج ص 267 عن أبی الحسین محمد بن جعفر الأسدی قال: کان فیما ورد علیّ من الشیخ أبی جعفر محمد بن عثمان العمری قدس اللّه روحه فی جواب مسائل إلی صاحب الزمان إلی أن قال «ع»: و أما ما سألت عنه عن أمر الضیاع التی لناحیتنا هل یجوز القیام بعمارتها و أداء الخراج منها و صرف ما یفضل من دخلها إلی الناحیة احتسابا للأجر و تقربا إلیکم؟ فلا یحل لأحد أن یتصرف فی مال غیره بغیر إذنه فکیف یحل ذلک فی ما لنا!! من فعل ذلک بغیر أمرنا فقد استحل منا ما حرم علیه و من أکل من أموالنا شیئا فإنما یأکل فی بطنه نارا و سیصلی سعیرا.
و فی ج 1 ئل باب 3 حکم ما لو طاب نفس المالک بالصلاة فی أرضه من مکان المصلی.
سماعة عن أبی عبد اللّه «ع» فی حدیث إن رسول اللّه (ص) قال: من کانت عنده أمانة فلیؤدها إلی من ائتمنه علیها فإنه لا یحل دم امرئ مسلم و لا ماله إلا بطیبة نفس منه، موثقة لزرعة و سماعة الواقفیین.
و عن تحف العقول عن رسول اللّه (ص) إنه قال فی خطبة حجة الوداع: أیها الناس إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ و لا یحل لمؤمن مال أخیه إلا عن طیب نفس منه، مرسلة.
و فی ج 1 المستدرک ص 222 عن عوالی اللئالی عن رسول اللّه (ص) قال: المسلم أخو المسلم لا یحل ماله إلا عن طیب نفسه، مرسلة. و عنه (ص) قال: لا یحلبن أحدکم ماشیة أخیه إلا بإذنه، مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 145
الشی‌ء عن المالیة سقطت عنه حرمة التصرف حتی إذا کان باقیا علی صفة المملوکیة. إذ لا دلیل علی حرمة التصرف فی ملک الغیر، فکیف إذا زالت عنه الملکیة أیضا!! الرابع: دعوی الإجماع علی ذلک. و فیه أن دعوی الإجماع التعبدی فی المسألة بعیدة جدا، فان من الممکن استناد المجمعین إلی الوجوه المذکورة.
الخامس: دلالة المرسلة المعروفة بین الفقهاء «من جاز ملک» و قوله «ص»: [1] (من سبق إلی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو أحق به). علی وجود ذلک الحق فی الأشیاء التی سقطت عنها المالیة.
و فیه أن حدیث الحیازة و إن اشتهر فی ألسنة الفقهاء و کتبهم الاستدلالیة، و لکنا لم نجده فی أصول الحدیث من الخاصة و العامة. و الظاهر انه قاعدة فقهیة متصیدة من الروایات الواردة فی الأبواب المختلفة، کإحیاء الموات و التحجیر و غیرهما کسائر القواعد الفقهیة المضروبة لبیان الأحکام الجزئیة.
و لو سلمنا کون ذلک روایة، أو کان بناء الفقهاء علی الاستدلال بالقاعدة فلا دلالة فیها علی ثبوت حق الاختصاص بعد زوال الملکیة، فإن الظاهر منها لیس إلا ثبوت مالکیة المحیز للمحاز، و أما الزائد عن ذلک فلا دلالة لها علیه.
علی انها ضعیفة السند، و غیر منجبرة بشی‌ء، فإن الشهرة إنما تکون جابرة لضعف سند الروایة إذا علم استناد المشهور إلی الروایة الضعیفة، و لا ریب ان استناد أکثرهم هنا أو کلهم الی غیرها، و إنما ذکروها للتأیید و التأکید. و یضاف الی ذلک: ان جبر الروایة الضعیفة بالشهرة ضعیف المبنی، و قد أشرنا إلیه فی أول الکتاب.
و أما حدیث السبق ففیه أولا: انه ضعیف السند، و غیر منجبر بشی‌ء صغری و کبری، و ثانیا: ان ما نحن فیه خارج عن حدود هذا الحدیث، فان مورده الموارد المشترکة بین المسلمین بأن یکون لکل واحد منهم حق الانتفاع بها، کالأوقات العامة من المساجد و المشاهد و المدارس و الرباط و غیرها، فإذا سبق إلیها أحد من الموقوف علیهم و اشغلها بالجهة التی انعقد علیها الوقف حرمت علی غیره مزاحمته و ممانعته فی ذلک. و لو عممناه الی موارد الحیازة فإنما یدل علی ثبوت الحق الجدید للمحیز فی المحاز، و لا یدل علی بقاء العلقة
______________________________
[1] فی ج 6 سنن البیهقی ص 142 أسمر بن مضرس قال: أتیت النبی (ص) فبایعته فقال: من سبق الی ما لم یسبقه الیه مسلم فهو له قال: فخرج الناس یتعادون یتخاطون.
و فی أول إحیاء الموات من المبسوط لشیخ الطائفة، و فی ج 3 المستدرک باب إحیاء الموات ص 149: روی عنه (ص) قال: من سبق الی ما لا یسبقه الیه مسلم فهو أحق به.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 146
بین المالک و ملکه بعد زوال الملکیة.
و من جمیع ما ذکرناه ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی من الوهن، حیث قال: (و الظاهر ثبوت حق الاختصاص: اما فی الحیازة فلعموم دلیل من سبق الی ما لم یسبقه احد «مسلم» فهو أولی به «أحق به» و اما فیما إذا کان أصله ملکا للشخص فلاستصحاب بقاء العلقة).
فقد علمت ان المورد لیس مما یجری فیه الاستصحاب. و ان الحدیث لا یدل علی المدعی.
قوله ثم انه یشترط فی الاختصاص بالحیازة قصد الحائز للانتفاع.
أقول: محصل کلامه انه یشترط فی الاختصاص قصد الحائز الانتفاع بالمحاز، فلو خلت حیازته عن ذلک القصد لم یثبت له حق الاختصاص فی المحاز، و جاز لغیره مع العلم بذلک ان یزاحمه فی التصرفات و لا فرق فی ذلک بین الأوقات العامة و المباحات الأصلیة، و علیه فیشکل الأمر فیما یتعارف فی أکثر البلاد من جمع العذرة و بیعها لتسمید البساطین و الزروع، فان الظاهر بل المقطوع به انه لیس للشخص قصد الانتفاع بفضلاته، و لم یحرزها للانتفاع بها، فیکون أخذ المال بإزائها أخذا محرما.
و لکن التحقیق ان یقال: ان المحاز قد یکون من الأمکنة المشترکة کالاوقات العامة، و قد یکون من المباحات الأصلیة، اما الأول فلا ریب فی ان اختصاص الحائز به مشروط بقصد الانتفاع علی حسب ما أوقفه أهله و إلا فلا یثبت له الاختصاص لکونه علی خلاف مقصود الواقف، و من هنا لم یجز بیعه، و لا هبته، و لا إجارته، و لا استملاکه.
علی انا لو قلنا: بعدم الاشتراط بذلک لجاز إشغال المساجد و معابد المسلمین بنحو من الحیازة و لو بإلقاء السجادة و وضع التربة ثم بیعها من المصلین، و من البدیهی ان هذا علی خلاف وجهة الوقف، نعم لو اکتفینا فی ثبوت الاختصاص بمجرد قصد الحیازة، و لم نشترط فیه قصد الانتفاع، و قلنا بأن حق الاختصاص بما تجوز المعاوضة علیه لارتفع الاشکال و أما الثانی: کالاحتطاب و الاصطیاد فالظاهر أن الاختصاص به غیر مشروط بشی‌ء، بل یکفی فیه مجرد الحیازة الخارجیة لعدم الدلیل علی التقیید، و من هنا ذهب جمع من الأصحاب و من العامة الی عدم الاشتراط. و یظهر ذلک لمن یلاحظ الموارد المناسبة لما نحن فیه قال الشیخ فی الخلاف «1»: (الأرضون الموات للإمام خاصة لا یملکها أحد بالإحیاء إلا أن یأذن له الإمام. و قال الشافعی: من أحیاها ملکها أذن له الإمام أو لم یأذن.
و قال أبو حنیفة: لا یملک إلا بإذن، و هو قول مالک. دلیلنا إجماع الفرقة و أخبارهم). و لو کان لتقیید الاختصاص بقصد الانتفاع وجه لکان ذلک موردا للخلاف کالتقیید بإذن الإمام
______________________________
(1) راجع ج 2 ص 2.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 147
و یؤیده عموم روایة: (من سبق إلی ما لا یسبقه الیه مسلم فهو أحق به) و قاعدة الحیازة المتقدمتین، بل یمکن استفادة الإطلاق من الإخبار المتظافرة الواردة فی إحیاء الموات من الأراضی، کصحیحة محمد بن مسلم: (أیما قوم أحیوا شیئا من الأرض و عمروها فهم أحق بها و هی لهم). و کحسنة زرارة لإبراهیم بن هاشم عن أبی جعفر «ع»: (قال: قال رسول اللّه (ص) من أحیا مواتا فهو له). و غیر ذلک من الروایات من طرق الشیعة «1» و من طرق العامة [1].

[النوع الثانی مما یحرم التکسب به ما یحرم لتحریم ما یقصد به]

[الأول: ما لا یقصد من وجوده علی نحوه الخاص إلا الحرام]

حرمة بیع میاکل العبادة المبتدعة

اشارة

قوله النوع الثانی مما یحرم التکسب به ما یحرم لتحریم ما یقصد به و هو علی أقسام:
الأول: ما لا یقصد من وجوده علی نحوه الخاص إلا الحرام و هی أمور، منها هیاکل العبادة المبتدعة.
أقول: المشهور بل المجمع علیه بین الشیعة و السنة [2] هو تحریم بیع هیاکل [3] العبادة المبتدعة، و فی المتن (بلا خلاف ظاهر بل الظاهر الإجماع علیه).
______________________________
[1] فی ج 6 سنن البیهقی ص 141، و ج 3 البخاری باب من أحیاء أرضا مواتا ص 140 عن عائشة إنه قال: من عمر أرض لیست لأحد فهو أحق بها. و غیرها من أحادیثهم.
[2] فی ج 2 سبل السلام ص 317 و أما علة تحریم بیع الأصنام فقیل: لأنها لا منفعة فیها مباحة، و قیل: إن کانت بحیث إذا کسرت انتفع بإکسارها جاز بیعها. و الأولی أن یقال: لا یجوز بیعها و هی أصنام للنهی، و یجوز بیع کسرها، إذ هی لیست بأصنام، و لا وجه لمنع بیع الأکسار أصلا.
أقول: قد أشار بالنهی إلی روایة جابر بن عبد اللّه حیث ذکر النهی فیها عن بیع الأصنام راجع ج 6 سنن البیهقی ص 12، و ج 3 البخاری ص 110.
[3] فی المسالک الأصل فی الهیکل أنه بیت للصنم کما نص علیه الجوهری و غیره، و أما إطلاقه علی نفسه الصنم فلعله من باب المجاز إطلاقا لاسم المحل علی الحال.
و فی ج 8 تاج العروس ص 170: الهیکل الضخم من کل شی‌ء، و الهیکل بیت للنصاری فیه صنم علی صورة مریم علیها السلام فیما یزعمون- مشی النصاری حول بیت الهیکل- زاد فی المحکم فیه صورة مریم و عیسی علیهما السلام، و ربما یسمی دیرهم هیکلا، و الهیکل البناء المشرف قیل: هذا هو الأصل ثم سمی به بیوت الأصنام مجازا.
______________________________
(1) راجع ج 1 کا ص 409، و ج 2 التهذیب ص 158، و ج 10 الوافی ص 131، و ج 3 ئل إحیاء الموات ص 149، و ج 3 المستدرک إحیاء الموات ص 149.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 148
و قد استدل علی ذلک أولا: بما فی روایة تحف العقول من قوله «ع»: (فکل أمر یکون فیه الفساد مما هو منهی عنه) و قوله «ع» فیها: (إنما حرم اللّه الصناعة التی هی حرام کلها التی یجی‌ء منها الفساد محضا نظیر البرابط و المزامیر و الشطرنج و کل ملهو به و الصلبان و الأصنام) و قوله «ع» أیضا فیها: (أو علی التصاویر و الأصنام).
و فیه أولا: ان روایة تحف العقول ضعیفة السند فلا یمکن الاستناد إلیها فی الأحکام الشرعیة، و قد تقدم ذلک فی أول الکتاب. و ثانیا: أن النهی فیها ظاهر فی الحرمة التکلیفیة فلا دلالة فیها علی الحرمة الوضعیة، و هذا أیضا تقدم فی أول الکتاب.
و ثانیا: بأن أکل المال بإزائها أکل له بالباطل، لآیة التجارة عن تراض، و فیه أنک عرفت مرارا عدیدة: أن الآیة لیست عن شرائط العوضین فی شی‌ء، و إنما هی راجعة إلی بیان أسباب المعاملات، و ستعرف ذلک أیضا فیما یأتی.
و ثالثا: بقوله تعالی «1»: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثٰانِ) و بقوله تعالی «2»:
(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّیْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ) و بقوله تعالی «3» (وَ الرُّجْزَ فَاهْجُرْ). بناء علی أن بیع هیاکل العبادة و الاکتساب بها مناف للاجتناب المطلق، کما أن المراد من الأنصاب هی الأوثان و الأصنام [1] و المراد من الرجز الرجس، و من الهجر الاجتناب.
و رابعا: بالنبوی المشهور المجعول (إن اللّه إذا حرم علی قوم شیئا حرم علیهم ثمنه).
و بقوله «ع» فی دعائم الإسلام «4»: (نهی عن بیع الأصنام).
______________________________
[1] فی ج 1 تاج العروس ص 486: الأنصاب و هی حجارة کانت حول الکعبة تنصب فیهل علیها، و یذبح لغیر اللّه تعالی، قاله ابن سیده. و أحدها نصب کعنق و أعناق، أو نصب بالضم کقفل و أقفال، قال تعالی: وَ الْأَنْصٰابُ، و قوله: و ما ذبح علی النصب. الأنصاب الأوثان، و قال القتیبی. النصب صنم أو حجر و کانت الجاهلیة تنصبه تذبح عنده فیحمر بالدم و فی مفردات الراغب: و النصیب الحجارة تنصب علی الشی‌ء، و جمعه نصائب و نصب، و کان للعرب حجارة تعبدها، و تذبح علیها.
و فی حدیث أبی الجارود فی تفسیر الآیة: و أما الأنصاب الأوثان التی یعبدها المشرکون و سیأتی التعرض لهذا الحدیث فی البحث عن بیع آلات القمار.
______________________________
(1) سورة الحج، آیة: 32.
(2) سورة المائدة، آیة 90.
(3) سورة المدثر، آیة: 5.
(4) راجع ج 2 المستدرک ص 427.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 149
و فیه مضافا إلی ضعف السند فیهما، و عدم ثبوت النبوی علی النحو المعروف أن الظاهر من النهی فی روایة الدعائم هی الحرمة التکلیفیة، و المراد إثبات ما هو أعم منها و من الحرمة الوضعیة.
و خامسا: بأنه قد ورد المنع [1] عن بیع الخشب ممن یجعله صلیبا أو صنما فإذا حرم بیع الخشب لذلک فان بیع الصلیب و الصنم أولی بالتحریم، و هذا هو الوجه الوجیه، و یؤیده قیام السیرة القطعیة المتصلة إلی زمان المعصوم «ع» علی حرمة بیع هیاکل العبادة، و یؤیده أیضا وجوب إتلافها حسما لمادة الفساد کما أتلف النبی (ص) و علی «ع» أصنام مکة [2] فإنه لو جاز بیعها لما جاز إتلافها.
______________________________
[1] ابن أذینة قال: کتبت إلی أبی عبد اللّه «ع» أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن یتخذه صلبانا؟ قال: لا، حسنة لإبراهیم بن هاشم.
و عن عمرو بن حریث قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن التوت أبیعه یصنع به الصلیب و الصنم؟ قال: لا. صحیحة. و فی بعض النسخ: عمرو بن حریز، و علیه فالروایة ضعیفة و لکن المشهور هو الأول. لا یخفی: أنه ذکر فی بعض نسخ ئل أبان بن عیسی فی سند الروایة بدل أبان عن عیسی فهو من سهو القلم. راجع ج 1 کا ص 393، و ج 2 التهذیب ص 112، و ج 10 الوافی ص 41، و ج 2 ئل باب 70 تحریم بیع الخشب لیعمل صلیبا مما یکتسب به.
[2] فی ج 6 سنن البیهقی ص 101 عن ابن مسعود قال: دخل النبی (ص) مکة یوم الفتح و حول البیت ثلاثمائة و ستون نصبا فجعل یطعنها بعود یده و یقول: جاء الحق و ما یبدئ الباطل (جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل کان زهوقا) و رواه البخاری و مسلم.
و فی ج 9 البحار ص 278، عن أبی هریرة قال: قال لی جابر بن عبد اللّه: دخلنا مع النبی مکة و فی البیت و حوله ثلاثمائة و ستون صنما فأمر بها رسول اللّه (ص) فألقیت کلها لوجوهها و کان علی البیت صنم طویل یقال له هبل فنظر النبی (ص) إلی علی و قال له: یا علی ترکب علی أو أرکب علیک لألقی هبل عن ظهر الکعبة؟ قلت: یا رسول اللّه بل ترکبنی، فلما جلس علی ظهری لم أستطع حمله لثقل الرسالة، قلت: یا رسول اللّه بل أرکبک، فضحک و نزل و طأطأ لی ظهره و استویت علیه فو الذی فلق الحبة و برأ النسمة لو أردت أن أمسک السماء لمسکتها بیدی فألقیت هبل عن ظهر الکعبة، فأنزل اللّه تعالی: (وَ قُلْ جٰاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْبٰاطِلُ).
و عن أحمد بن حنبل و أبی بکر الخطیب فی کتابیهما ما یقرب من ذلک. و عن أحمد بن حنبل و أبی یعلی الموصلی فی مسندیهما و أبی بکر الخطیب فی تاریخه. و محمد بن الصباح-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 150

بحث و تتمیم

إن کیفیات الأشیاء و أوصافها محسوسة کانت أم غیر محسوسة و إن کانت بحسب الدقة الفلسفیة من مقولة الأعراض، إلا أنها فی نظر العرف المبنی علی المسامحة و المساهلة منقسمة إلی قسمین، الأول: أن یکون النظر إلی الأشیاء أنفسها بالأصالة، و إلی أوصافها بالتبع، لفنائها فی المعروض و اندکاکها فیه، و مثال ذلک الأعراض التی هی من لوازم الوجود کالالوان، و من هذا القبیل أیضا اللیرات العثمانیة التی ألغیت عن الرواج، و الذهب و الفضة غیر المسکوکین.
الثانی: أن یکون النظر فیها إلی الهیئة و الصورة بالأصالة، و إلی المادة و الهیولی بالتبع، لکون الأوصاف معدودة من الصور النوعیة فی نظر العرف، و ذلک کالإشکال التی یکون علیها مدار التسمیة و العنوان فی الخارج، کما فی الکأس و الکوز و نحوهما مع أن موادها من جنس واحد، و من هذا القبیل الفرش و الثوب و نحوهما.
أما القسم الأول: فالمالیة فیها من ناحیة المواد، لان أوصافها خارجة عن حدود الرغبات التی هی من علل ثبوت المالیة فی المرغوب فیه.
و أما القسم الثانی: فالمالیة فیها لخصوص الهیئات، لخروج موادها عن حریم المالیة و حدودها، لکونها إما مرغوبا عنها کالنقود الرائجة المضروبة من القراطیس، أو مغفولا عنها فی قبال الهیئة للتبعیة و الاندکاک، و من هنا اتضح أن المالیة إنما تقوم بمواد الأشیاء، أما للرغبة فیها أنفسها، و إما للمیل إلی هیئاتها، و إما للاشتیاق إلیهما معا، و لا تضر بذلک استحالة عراء المادة عن هیئة ما کما لا یخفی.
و قد انضح: ان المراد بالصورة النوعیة هنا هی العرفیة دون العقلیة المبحوث عنها فی طبیعیات الفلسفة، و ان بینهما عموما من وجه، إذ قد یکون الوصف من الصور النوعیة العرفیة مع کونه فی نظر العقل من الاعراض، کالرجولة و الأنوثة، فإنهما و إن کانا عرضین للإنسان، إلا انهما فی نظر العرف من الصور النوعیة، فالعبد و الأمة نوعان فی نظر العرف و إن کانا بالنظر الدقیق صنفین من طبیعة واحدة. و قد ینعکس الأمر، فیکون ما هو من الصور النوعیة فی نظر العقل من الاعراض فی نظر العرف، و ذلک کالثوبین المنسوج أحدهما من الحریر و الآخر من الفنتاز، فإنهما عند العقل ماهیتان متباینتان، و فی نظر العرف
______________________________
- الزعفرانی فی الفضائل و الخطیب الخوارزمی فی أربعینه فی تفسیر قوله تعالی: (وَ رَفَعْنٰاهُ مَکٰاناً عَلِیًّا) أنه نزل فی صعود علی «ع» علی ظهر النبی (ص) لقلع الصنم.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 151
حقیقة واحدة لا تعدد فیها، و قد یجتمعان کالفراشین المنسوجین بنسج واحد و من جنس واحد، و الکأسین المصوغین بصیاغة واحدة، و من فلز واحد.
و إذا عرفت ما تلوناه علیک نقول: الملحوظ استقلالا فی بیع الصلیب و الصنم إن کانت هی الهیئات العاریة عن المواد- إما لعدم مالیة المواد کالمصنوع من الخزف، أو لکونها مغفولا عنها- فلا شبهة فی حرمة بیعها وضعا و تکلیفا، لوقوع البیع فی معرض الإضلال و لتمحض المبیع فی جهة الفساد، و انحطاطه عن المالیة لحرمة الانتفاع مهما بالهیئة الوثنیة، و لذا وجب إتلافها.
و ان کان الملحوظ فی بیعهما هی المواد مجردة عن الصورة الوثنیة إلا باللحاظ التبعی غیر المقصود فلا إشکال فی صحة بیعهما، لآیة التجارة و سائر العمومات، لان البیع و المبیع لم یتصفان بجهة من الجهات المبغوضة المنهی عنها.
و إن کان المقصود من البیع هی المواد و إلهیة معا- کما إذا کانا مصنوعین من الجواهر النفیسة أو الأشیاء الثمینة- فلا إشکال فی حرمة البیع وضعا و تکلیفا کالصورة الأولی، لعموم أدلة المنع عن البیع لهذا الغرض أیضا.
لا یقال: إذا کان کل من الهیئة و المادة ملحوظا فی البیع کان المورد من صغریات بیع ما یملک و ما لا یملک، کبیع الخل مع الخمر، و بیع الشاة مع الخنزیر فی صفقة واحدة، و حکم ذلک أن یقسط الثمن علیهما، و سیأتی، و یثبت للمشتری خیار تخلف الشرط لفوات الانضمام، و علی ذلک فلا وجه للحکم بالبطلان.
فإنه یقال: إن الانحلال و التقسیط و إن کلما بحسب الکبری موافقین للتحقیق، إلا ان الاشکال فی صحة الصغری، لأن الهیئة الوثنیة فی الصلیب و الصنم کالصورة النوعیة للمادة فی نظر العرف، فلا تکونان فی الخارج إلا شیئا واحدا، فلا موضع هنا للانحلال و التقسیط، کما لا موضع لهما فی المادة و الصورة العقلیتین عند التخلف بأن یحکم بالصحة فی المادة السیالة المسماة بالهیولی الأولی، لأنها محفوظة فی جمیع الأشیاء و إن تبادلت علیها الصور و بالبطلان فی الهیئة، لأن المقصود منها غیر واقع، و الواقع منها غیر مقصود، و یتبع ذلک تقسیط الثمن علیها بالنسبة.
و وجه الفساد ان المادة و الهیئة لیستا من الاجزاء الخارجیة لکی تنحل المعاملة الواحدة إلی معاملات متکثرة حسب تکثر أجزاء المبیع، فالمعاملة علیهما واحدة لاتحاد متعلقها خارجا و الکثرة إنما هی تحلیلیة عقلیة. و لازم ذلک ان المعاملة إذا بطلت فی جزء بطلت فی الجمیع فلا منشأ للانحلال و التقسیط، و لا فرق فی ذلک بین ان تکون الصورة عقلیة أو عرفیة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 152
لا یقال: ان بیع المادة مع قصد الصورة الوثنیة و ان کان موجبا للبطلان إلا أن اشتراط إعدام الهیئة و فنائها یوجب صحة البیع و ترتب الأثر علیه، لجواز الانتفاع بأجزائها بعد الکسر، لأنها لیست بأصنام.
فإنه یقال: إذا تحقق موضوع الحرمة و ترتب علیه الحکم لم یؤثر هذا الاشتراط فی الجواز، لأن الشی‌ء لا ینقلب عما هو علیه.
ثم لا یخفی: أنه لو اتصف شی‌ء من آلات الصنائع کالمکائن و نحوها بصورة الوثنیة لکان داخلا فی الأعیان ذات المنافع المحللة و المحرمة، و سیأتی الکلام علیها، و لو قلنا: بجواز بیعها باعتبار منافعها المحللة فإنما هو فیما إذا أوجبت هذه المنافع مالیتها مع قطع النظر عن المنافع الأخری المحرمة و عن لحاظ الجهة الوثنیة، و إلا فلا وجه لتوهم جواز البیع.
قوله لو أتلف الغاصب لهذه الأمور ضمن موادها.
أقول: قد عرفت أنه یجب إعدام الصورة الوثنیة، و علیه فان کانت لأبعاضها المکسورة قیمة کما إذا کانت مصوغة من الذهب أو الفضة فلا یجوز إتلافها بمواردها، بل یجب إتلافها بهیئتها فقط، و لو أتلفت بموادها ضمنها المتلف لمالکها، إلا أن یتوقف إتلاف الهیئة علی إتلاف المادة. و ان لم تکن لرضاضها قیمة فلا مانع من إتلاف المادة أیضا مع الهیئة.
لا یقال: إن توقف إتلاف الهیئة علی إتلاف المادة لا ینافی ضمان المادة إذا کانت لها قیمة، کما أن جواز أکل طعام الغیر بدون إذنه فی المجاعة و المخمصة لا ینافی ضمان ذلک الطعام.
فإنه یقال: الفرق واضح بین المقامین، إذ الباعث إلی أکل طعام الغیر فی المخمصة إنما هو الاضطرار الموجب لإذن الشارع فی ذلک، و أما هیاکل العبادة فإن الباعث الی إتلافها لیس إلا خصوص أمر الشارع بالإتلاف فلا یستتبع ضمانا.

حرمة بیع آلات القمار

قوله و منها آلات القمار.
أقول: قد اتفقت کلمات الأصحاب علی حرمة بیع آلات القمار، بل فی المستند «1» دعوی الإجماع علیها محققا بعد أن نفی عنها الخلاف أولا. ثم إن مورد البحث هنا- سواء کان من حیث حرمة البیع أم من حیث وجوب الإتلاف- ما یکون معدا للمقامرة و المراهنة کالنرد و الشطرنج. و نحوهما مما بعد آلة قمار بالحمل الشائع، و إلا فلا وجه لحرمة بیعه و إن أنفقت المقامرة به فی بعض الأحیان، کالجواز و البیض و نحوهما، کما لا یجوز إتلافه، لکونه تصرفا فی مال الغیر بغیر إذن منه، و لا من الشارع،
______________________________
(1) ج 2 ص 335.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 153
نعم یجب نهی المقامرین بذلک عن المقامرة إذا اجتمعت فیه شرائط النهی عن المنکر.
و یظهر حکم هذه المسألة مما أسسناه فی المسألة السابقة من الضابطة الکلیة فی حرمة بیع ما قصدت منه الجهة المحرمة، فلا یحتاج الی التکرار. علی أن حرمة البیع هنا قد دلت علیها جملة من الاخبار [1] منها روایة أبی الجارود الدالة علی حرمة بیع آلات القمار، و حرمة الانتفاع بها. و منها قوله «ع» فی روایة أبی بصیر: (بیع الشطرنج حرام و أکل ثمنه سحت) و منها ما فی حدیث المناهی: (نهی رسول اللّه (ص) عن بیع النرد). و مورد الخبرین الأخیرین و إن کان خصوص بعض الآلات، و لکن یتم المقصود بعدم القول بالفصل بین آلات القمار
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 130 تحریم اللعب بالشطرنج مما یکتسب به.
و فی ج 16 البحار باب حرمة بیع الشطرنج، و ج 23 کتاب السبق. عن علی بن إبراهیم فی تفسیره عن أبی الجارود عن أبی جعفر «ع» فی قول اللّه عز و جل: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَیْسِرُ) و أما الخمر فکل مسکر من الشراب، الی أن قال: و أما المیسر فالنرد و الشطرنج و کل قمار میسر و أما الأنصاب فالأوثان التی کانت تعبدها المشرکون و أما الأزلام فالأقداح التی کانت تستقسم بها المشرکون من العرب فی الجاهلیة کل هذا بیعه و شراؤه و الانتفاع بشی‌ء من هذا حرام من اللّه محرم و هو رجس من عمل الشیطان و قرن اللّه الخمر و المیسر مع الأوثان.
ضعیفة لأبی الجارود و هو زیاد بن منذر یکنی بأبی النجم أیضا.
و فی ج 1 رجال المامقانی ص 459 فی روایة أبی بصیر عن الصادق «ع» إنه من الکذابین و المکذبین و الکفار ثم لعن علیهم، و هو زیدی المذهب، و کان أعمی القلب و البصر، و یسمی سرحون و هو من أسماء الشیطان.
و فی ج 2 ئل باب 131 تحریم الحضور عند اللاعب بالشطرنج و تالییه من أبواب ما یکتسب به. محمد بن إدریس فی آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطی عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» قال: بیع الشطرنج حرام و أکل ثمنه سحت و اتخاذها کفر و اللعب بها شرک و السلام علی اللاهی بها معصیة و کبیرة موبقة. صحیحة.
و عن الصدوق بإسناده عن الحسین بن زید عن الصادق عن آبائه علیهم السلام فی المناهی قال: و نهی رسول اللّه (ص) عن بیع النرد.
و فی ج 16 البحار باب حرمة بیع الشطرنج. أضاف إلیه الشطرنج.
و فی ج 3 المستدرک فی الفائدة الخامسة من الخاتمة فی شرح مشیخة الفقیه ص 607 فالخبر ضعیف علی المشهور لجهالة بعض رواته و لکن تلوح من متنه آثار الصدق و لیس فیه من آثار الوضع علامة و اللّه العالم.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 154
المعدة لذلک. ثم انه قد ورد فی جملة من أحادیث العامة «1» الأمر بکسر النرد و إحراقها.
فتدل علی حرمة بیعها، لان ما لا یجوز الانتفاع به لا یجوز بیعه عندهم. و قد تقدم ذلک فی البحث عن جواز الانتفاع بالنجس، و سیأتی التعرض له فی المسألة الآتیة.
قوله و فی المسالک إنه لو کان لمکسورها قیمة.
أقول: قال فی التذکرة «2»:
(ما أسقط الشارع منفعته لا نفع له فیحرم بیعه، کآلات الملاهی و هیاکل العبادة المبتدعة، کالصلیب و الصنم، و آلات القمار، کالنرد و الشطرنج إن کان رضاضها لا یعد مالا، و به قال الشافعی، و إن عد مالا فالأقوی عندی الجواز مع زوال الصفة المحرمة). و ذکر المصنف: إن أراد بزوال الصفة زوال الهیئة فلا ینبغی الإشکال فی الجواز، و لا ینبغی جعله محلا للخلاف بین العلامة و الأکثر). و فی حاشیة السید: (لعله أراد بزوال الصفة عدم مقامرة الناس به و ترکهم له بحیث خرج عن کونه آلة القمار و ان کانت الهیئة باقیة).
و یرد علی التوجیهین: أن ظاهر عبارة العلامة أن الحرمة الفعلیة لبیع الأمور المذکورة تدور مدار عدم صدق المالیة علی اکسارها، و توجیهها بما ذکره المصنف أو بما ذکره السید رحمهما اللّه بعید عن مساق کلامه جدا، نعم یحتمل وقوع التحریف فی کلامه بالتقدیم و التأخیر: بأن تکون العبارة (و إن عد مالا مع زوال الصفة المحرمة فالأقوی عندی الجواز) فیکون ملخص کلامه جواز البیع إذا کانت المادة من الأموال. أو یوجه بتقدیر المضاف بین کلمة مع و کلمة زوال: بأن یکون التقدیر (فالأقوی عندی الجواز مع اشتراط زوال الصفة المحرمة). و کیف کان فهو أعرف بمرامه، و لا ندری ما الذی فهم منه المسالک حتی استحسنه.
قوله ثم إن المراد بالقمار مطلق المراهنة بعوض.
أقول: فی مجمع البحرین: أصل القمار الرهن علی اللعب بشی‌ء، و ربما أطلق علی اللعب بالخاتم و الجواز، و سیأتی التعرض لحقیقة القمار و المیسر و الأزلام، و التعرض لبیان أن المحرم هو مطلق المراهنة و المغالبة أو المغالبة مع العوض فی مسألة حرمة القمار.

حرمة بیع آلات الملاهی

قوله و منها آلات اللهو علی اختلاف أصنافها.
أقول: اتفق فقهائنا بل الفقهاء
______________________________
(1) راجع ج 10 سنن البیهقی ص 216.
(2) ج 1 ص 4 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 155
کافة ظاهرا [1] علی حرمة بیع آلات الملاهی وضعا و تکلیفا، بل فی المستند «1» دعوی الإجماع علی ذلک محققا.
و قد یستدل علی ذلک بالروایات العامة المتقدمة فی أول الکتاب و لکنه فاسد لما فیها من ضعف السند و الدلالة، و ظهورها فی الحرمة التکلیفیة کما عرفت.
و الذی ینبغی ان یقال: ان الروایات «2» قد تواترت من طرقنا و من طرق العامة علی حرمة الانتفاع بآلة اللهو فی الملاهی و المعازف، و أن الاشتغال بها و الاستماع إلیها من الکبائر الموبقة و الجرائم المهلکة، و أن ضربها ینبت النفاق فی القلب کما ینبت الماء الخضرة، و یتسلط علیه شیطان ینزع منه الحیاء، و أنه من عمل قوم لوط، و فی سنن البیهقی: یخسف اللّه بهم الأرض و یجعل منهم القردة و الخنازیر، بل من الوظائف اللازمة کسرها و إتلافها حسما لمادة الفساد، و لیس فی ذلک ضمان بالضرورة، و فی بعض أحادیث العامة «3» ان رجلا کسر طنبورا لرجل فرفعه الی شریح فلم یضمنه.
إذن فالمسألة من صغریات الضابطة الکلیة التی ذکرناها فی البحث عن حرمة بیع هیاکل العبادة المبتدعة، و علیه فالحق هو حرمة بیع آلات اللهو وضعا و تکلیفا، علی أنه ورد فی الحدیث [2] ما یدل علی حرمة بیع آلات الملاهی و شرائها و حرمة ثمنها و التجارة فیها.
______________________________
[1] فی ج 5 شرح فتح القدیر: إذا کان احد العوضین أو کلاهما محرما فالبیع فاسد.
و فی ج 2 فقه المذاهب ص 166 عن الشافعیة: أن من شرائط المعقود علیه إن یکون منتفعا به شرعا. و فی ص 167 عن الحنفیة: لا ینعقد بیع کل ما لا یباح الانتفاع به شرعا. و فی ص 168 عن المالکیة: من شرائط المعقود علیه ان یکون منتفعا به شرعا فلا یصح بیع آلة اللهو. و فی ج 3 فقه المذاهب ص 175: تحرم إجارة آلات الطرب و ثمنها.
أقول: لا شبهة فی ظهور کلمات هؤلاء، بل صراحة بعضها فی حرمة بیع آلات الملاهی فإن الانتفاع بها حرام فی الشرعیة المقدسة بالإنفاق، و لا ینافی ذلک لما سیأتی فی البحث عن حرمة الغناء من ذهاب العامة إلی جواز الغناء فی نفسه.
[2] فی ج 2 المستدرک ص 458 الشیخ أبو الفتوح فی تفسیره عن أبی أمامة عن رسول اللّه (ص) انه قال: ان اللّه بعثنی هدی و رحمة للعالمین، و أمرنی أن أمحو المزامیر و المعازف و الأوتار و الأوثان و أمور الجاهلیة، إلی أن قال: إن آلات المزامیر شراؤها و بیعها و ثمنها و التجارة بها حرام مرسلة.
______________________________
(1) راجع ج 2 ص 335.
(2) سنتعرض لهذه الأخبار المنقولة من الفریقین فی البحث عن حرمة الغناء.
(3) راجع ج 6 سنن البیهقی ص 101.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 156
و لکنه ضعیف السند.
لا یخفی: أن موضوع الحرمة هنا هی آلة اللهو، و قد حقق فی محله أن المضاف الیه خارج عن حدود المضاف، فلا یعد جزء له، إلا أنه داخل فیه بنحو الاشتراط و التقیید، و حیث إن معرفة الحکم فرع معرفة الموضوع بقیوده و شؤونه فلا بد هنا من العلم بحقیقة اللهو، و سیأتی التعرض له فی محله، و من أوضح مصادیقه ما هو مرسوم الیوم من تغنی أهل الفسوق و لهوهم بالرادیوات و غیرها من آلات الملاهی.

حکم بیع آنیة الذهب و الفضة

قوله و منها أوانی الذهب و الفضة.
أقول: مفهوم الإناء أمر معلوم لکونه من المفاهیم العرفیة، و هو ما یکون معدا للأکل و الشرب، جمعه آنیة و أوان، و الظرف أعم منه، و مجمل القول هنا أن النهی عن آنیة الذهب و الفضة إن کان مختصا بالأکل أو الشرب فیها، و کانت محرمة الاستعمال فی خصوصهما، کما أنفق علیه الفقهاء کافة [1] و استفاضت الروایات بینهم من الفریقین «1» فلا شبهة فی جواز بیعها لسائر الجهات المحللة، و منها اقتناؤها لأنحاء الاستعمالات و أقسام التزینات غیر الأکل و الشرب فیها، و هکذا الحکم لو کان المستفاد من الروایات هو حرمة استعمالها علی وجه الإطلاق، کما ادعی علیه الإجماع أیضا، و ذکر النهی عنه فی بعض الأحادیث [2] إذ لا یعم ذلک مثل التزین لعدم صدق الاستعمال علیه، فیجوز بیعها لذلک.
و إن کان المستفاد حرمة جمیع منافعها و جمیع أنحاء التقلب و التصرف فیها حتی التزین
______________________________
[1] قال صاحب الجواهر فی أواخر کتاب الطهارة: لا یجوز الأکل و الشرب فی آنیة من ذهب أو فضة إجماعا منا. و علی هذا النهج کثیر من الأصحاب و فی ج 2 فقه المذاهب ص 16: فیحرم اتخاذ الآنیة من الذهب و الفضة فلا یحل لرجل أو امرأة ان یأکل أو یشرب فیها، و کذلک لا یحل الطیب منها أو الأدهان أو غیر ذلک، و کما یحرم استعمالها یحرم اقتناؤها بدون استعمال. و غیر ذلک من کلمات العامة
[2] فی ج 1 المستدرک ص 166 عن رسول اللّه (ص) نهی عن استعمال أوانی الذهب و الفضة. مرسلة.
______________________________
(1) راجع ج 2 کا ص 187، و ج 2 التهذیب ص 305، و ج 11 الوافی ص 75 و ج 1 ئل باب 65 عدم جواز استعمال أوانی الذهب و الفضة و من أبواب النجاسات، و ج 1 المستدرک ص 166، و ج 14 البحار ص 923 الی ص 925، و ج 1 سنن البیهقی ص 27
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 157
بها فلا ریب فی حرمة المعاوضة علیها مطلقا، لکونها مما یجی‌ء منها الفساد محضا، و تکون من صغریات الکبری المتقدمة فی البحث عن حرمة بیع هیاکل العبادة المبتدعة.
و قد استدل علی هذا الاحتمال الأخیر بقوله «ع» [1]: (آنیة الذهب و الفضة متاع الذین لا یوقنون). و فیه مضافا الی ضعف السند فی الروایة، أنها ناظرة إلی الجهة الأخلاقیة فلا تکون مدرکا فی الأحکام الفرعیة، و تفصیل الکلام فی کتاب الطهارة.

حکم بیع الدراهم المغشوشة

قوله و منها الدراهم الخارجة المعمولة لأجل غش الناس.
أقول: لا شبهة فی حرمة غش المؤمن فی البیع و الشراء وضعا و تکلیفا، و سنذکر ذلک عند التعرض لحرمة الغش، و إنما الکلام هنا یقع فی ناحیتین: الاولی جواز الانتفاع بها فی التزین و فی دفعه الی العشار فی المکوس و الکمارک، و إلی الظالم، و عدم جوازه. الثانی جواز المعاوضة علیها و عدم جوازها أما الناحیة الأولی فقد استدل علی الحرمة بروایات، منها ما فی روایة الجعفی [2] من الأمر بکسر الدرهم المغشوش، فإنه لا یحل بیعه و لا إنفاقه.
و فیه أن الأمر فیها لیس تکلیفیا لیجب کسره، و یحرم ترکه، بل هو إرشاد الی عدم صحة المعاوضة علیها، و عدم جواز أداء الحقوق الواجبة منها، و یدل علی ذلک من الروایة تعلیل الامام «ع» الأمر بالکسر بأنه لا یحل بیعه و لا إنفاقه، إذ من البدیهی أن الصد عن
______________________________
[1] فی الباب 65 المذکور من ئل من طریقی الکافی و المحاسن عن موسی بن بکر عن أبی الحسن «ع» قال: آنیة الذهب و الفضة إلخ. و لکن ما فی الکافی ضعیف لسهل و ما فی المحاسن ضعیف لعبد اللّه بن المغیرة.
[2] فی ج 2 التهذیب باب بیع الواحد بالاثنین ص 148، و ج 10 الوافی باب 101 إنفاق الدراهم ص 88، و ج 2 ئل باب 10 جواز إنفاق الدراهم المغشوشة من أبواب الصرف عن الفضل بن عمر الجعفی قال: کنت عند أبی عبد اللّه «ع» فألقی بین یدیه دراهم فألقی إلی درهما منها فقال: أیش هذا؟ فقلت: ستوق، فقال: و ما الستوق؟ فقلت: طبقتین فضة و طبقة من نحاس و طبقة من فضة، فقال: اکسرها فإنه لا یحل بیع هذا و لا إنفاقه.
ضعیفة لعلی بن الحسن الصیرفی.
قال فی الوافی: الستوق بالضم و الفتح معا، و تشدید التاء، و تسوق بضم التاء الزیف البهرج الملبس بالفضة طبقتین فضة. الصواب طبقة من فضة، و کأنه مما صحفه النساخ، و حمل منع إنفاقه فی التهذیبین علی ما إذا لم یبین أنه کذلک، فیظن الآخذ أنه جید.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 158
عن بیعه و إنفاقه فی الخارج لا ینحصر فی الکسر بل یحصل بغیره أیضا.
و منها ما فی روایة موسی بن بکر [1] من أن الامام «ع» قطع الدینار المغشوش بنصفین و أمره بإلقائه فی البالوعة حتی لا یباع ما فیه غش، إذ لو جاز الانتفاع به فی وجه لما قطعه بنصفین.
و فیه أولا: أن الروایة ضعیفة السند، و غیر منجبرة بشی‌ء. و ثانیا: أن فعله «ع» و إن کان حجة کسائر الأمارات الشرعیة کما حقق فی محله، إلا أن ذلک فیما تکون وجهة الفعل معلومة، و علیه فلا یستفاد من الروایة أکثر من الجواز الشرعی، و یکون مؤداها الإرشاد الی عدم نفوذ المعاملة علیه، لوجود الغش فیه، و الشاهد علی ذلک من الروایة قوله «ع»:
(حتی لا یباع شی‌ء فیه غش). بل الظاهر أنه کان غشا محضا، و إلا لما أمر الإمام «ع» بإلقائه فی البالوعة، لکون هذا الفعل من أعلی مراتب الإسراف و التبذیر. و من هنا ظهر ما فی روایة دعائم الإسلام [2] من حکمه «ع» بقطع الدرهم المغشوش.
و أما الناحیة الثانیة فتوضیح الکلام فیها أن للدراهم المغشوشة حالتین، الاولی: أن تکون رائجة بین الناس حتی مع العلم بالغش، کالدراهم الرائجة فی زماننا. و الثانیة: أن لا تکون رائجة بینهم.
أما الصورة الاولی فلا شبهة فی جواز المعاوضة علی الدراهم المذکورة لأن الفرض الأصیل منها أعنی الرواج غیر تابع لخلوص المواد و نقائها من الغش، بل هو تابع لاعتبار سلطان الوقت لها، و جریان القانون الحکومی علیه من غیر فرق بین اغتشاش المادة و خلوصها نعم إذا سقطت عن الاعتبار فلا تجوز المعاوضة علیها من دون إعلام.
و أما الصورة الثانیة فإن المعاوضة قد تقع علی الدرهم الکلبی ثم یدفع البائع الدرهم المغشوش عند الإقباض، و قد تقع علی شخص الدرهم الخارجی المغشوش، فعلی الأول لا وجه للبطلان أیضا، و لا خیار للمشتری، بل یجبر البائع علی التبدیل، فان حصل التبدیل فیها،
______________________________
[1] فی ج 1 کا باب 61 الغش من المعیشة ص 374، و ج 2 التهذیب ص 122، و ج 10 الوافی ص 63، و ج 2 ئل باب 115 تحریم الغش بما یخفی مما یکتسب به، عن موسی ابن بکر قال: کنا عند أبی الحسن «ع» فإذا دنانیر مصبوبة بین یدیه فنظر الی دینار فأخذه بیده ثم قطعه بنصفین ثم قال لی: ألقه فی البالوعة حتی لا یباع شی‌ء فیه غش. ضعیفة للإرسال و للحسن بن علی بن أبی عثمان.
[2] فی ج 2 المستدرک ص 481، دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه «ع» قال فی الستوق و هو المطبق علیه الفضة و داخل نحاس: یقطع و لا یحل أن ینفق مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 159
و إلا کان للمشتری الخیار.
و علی الثانی فقد یکون المتعاملان کلاهما عالمین بالغش، و قد یکونان جاهلین به، و قد یکونان مختلفین، أما الصورة الاولی فلا ریب فی إباحة البیع تکلیفا و نفوذه وضعا للعمومات و دعوی أن الغش مانع عن صحة البیع للأخبار المتظافرة الآتیة فی البحث عن حرمة الغش دعوی جزافیة، ضرورة خروج هذه الصورة عن موردها خروجا تخصیصا، إذ الغش إنما یتقوم بعلم الغار و جهل المغرور، و قد فرضنا علم المتبایعین بالحال، و التمسک لذلک روایتی الجعفی و موسی بن بکر المتقدمتین بدعوی ظهورهما فی رحمة بیع الدراهم و الدنانیر المغشوشة توهم فاسد، فان الروایتین و إن کانا ظاهرتین فی ذلک، و لکن یجب حملها علی الکراهة لصراحة ما دل من الروایات [1] علی جواز البیع مع علم المتبایعین بالحال.
و أما للصورة الثانیة فالتحقیق فیها أن الکلام تارة یقع فی الحرمة التکلیفیة، و اخری فی الحرمة الوضعیة، أما الحرمة التکلیفیة فمنفیة جزما، لفقد موضوعا (و هو الغش) مع جهل المتبایعین.
و أما الحرمة الوضعیة بمعنی عدم نفوذ البیع فتوضیح الحال فیها یتوقف علی مقدمة قد أوضحناها فی البحث عن بیع هیاکل العبادة، و تعرض المصنف لها فی خیار تخلف الشرط، و لا بأس هنا بالإشارة إلیها إجمالا، و ملخصها: أن القیود فی المبیع- سواء کانت من قبیل الأوصاف أو الشروط- إما صور نوعیة عرفیة، أو جهات کمالیة.
فإن کانت من القبیل الأول فلا ریب فی بطلان البیع مع التخلف، کما إذا اشتری جاریة علی أنها شابة جمیلة فظهرت عبدا شائبا کریه الوجه، أو اشتری صندوقا فظهر أنه طبل.
و وجه البطلان أن ما جری علیه العقد غیر واقع، و ما هو واقع لم یجر علیه العقد، فان ما تعلقت به المعاملة و إن اتحد فی الحقیقة مع ما تسلمه المشتری، إلا انهما فی نظر العرف
______________________________
[1] فی ج 2 التهذیب ص 148، و ج 10 الوافی باب 101 إنفاق الدراهم المحمول علیها ص 87 و ص 88، و ج 2 ئل باب 10 جواز إنفاق الدراهم المغشوش مما یکتسب به عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: الرجل یعمل الدراهم یحمل علیها النحاس أو غیره ثم یبیعها؟ قال: إذا بین ذلک فلا بأس صحیحة.
التهذیب عن ابن ابی عمیر عن عبد الرحمن الحجاج قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: اشتری الشی‌ء بالدراهم فاعطی الناقص الحبة و الحبتین؟ قال: لا حتی تبینه، الحدیث. قال المحدث النوری فی خاتمة المستدرک ص 742 عند التعرض لمشیخة التهذیب: (و إلی محمد بن أبی عمیر ثلاث طرق حسنات فی المشیخة و ست) و علیه فالروایة المذکورة حسنة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 160
متباینان، و لا یتقسط الثمن علی المادة و الهیئة، لتبطل المعاملة فیما قابل الهیئة، و تنفذ فیما قابل المادة، کما یتجزأ فیما إذا باع ما یملک و ما لا یملک صفقة واحدة، کالشاة مع الخنزیر، و ذلک لما عرفت من فساد الانحلال و التقسیط فیما إذا کانت الکثرة تحلیلیة عقلیة.
و إن کانت من القبیل الثانی فلا وجه للبطلان، بل یثبت خیار تخلف الشرط، کما إذا باع عبدا علی أنه کاتب فان أنه غیر کاتب أو باع کبشا فظهر أنه نعجة. و الوجه فی ذلک هو أن الفائت لیس إلا من الأوصاف الکمالیة، فلا یوجب تخلفه إلا الخیار.
ففی المقام إذا باع درهما علی أنه مسکوک بسکة السلطان فبان أنه مسکوک بسکة التاجر بطل البیع، لکون الاختلاف بینهما من الاختلاف فی الصور النوعیة. و أما لو باع درهما علی أنه طازج فبان أنه عتیق فان البیع صحیح، و إنما یثبت المشتری خیار تخلف الشرط.
و من هنا ظهر ما فی کلام المصنف من الوهن حیث أثبت خیار التدلیس مع تفاوت السکة، و وجه الوهن هو أن الملحوظ إن کان هی المادة المجردة فلا بطلان و لا خیار، و إن کان هی مع الهیئة أو الهیئة المحضة فلا مناص عن البطلان، نعم لو کان الملحوظ هی المادة المجردة، و کان التفاوت بکثرة الخلیط و قلته لثبت خیار العیب، إلا أنه غیر مفروض المصنف. و أما الصورة الثالثة فتارة یفرض علم البائع بالغش دون المشتری و اخری بالعکس، أما الأولی فهو من أوضح مصادیق الغش فی المعاملة، و یجری فیه جمیع ما ذکرناه فی الصورة الثانیة، و أما الثانی فلا مانع من نفوذ البیع فیه وضعا و إباحته تکلیفا للعمومات و توهم أن الغش مانع عن النفوذ مندفع بما ذکرناه من تقومه بعلم البائع و جهل المشتری، و المفروض عکسه.
قوله و هذا بخلاف ما تقدم من الآلات.
أقول: أراد بذلک إبداء الفرق بین بیع آلات اللهو و القمار و بیع الدراهم المغشوشة، بدعوی استحالة صحته فی الآلات، لأن المادة و الهیئة اجزاء تحلیلیة عقلیة فلا تقابل المادة بجزء من الثمن و الهیئة بجزء آخر منه، لیحکم بصحة البیع فی المادة و بفساده فی الهیئة، بل إذا بطل فی جزء بطل فی الجمیع و إذا صح فی جزء صح فی الجمیع، و التقسیط إنما یکون فی الاجزاء الخارجیة کتقسیط الثمن علی الخل و الخمر إذا بیعا صفقة واحدة، و هذا بخلاف الدراهم المغشوشة لنفوذ المعاملة فیها مع الخیار إلا إذا وقع عنوان المعاوضة علی الدراهم المنصرف إطلاقه إلی المسکوک بسکة السلطان فان البیع حینئذ یبطل إذا بان الخلاف.
و فیه ان التزامه بالانحلال و التقسیط فی الاجزاء الخارجیة إذا ظهر الخلاف، و عدم التزامه بهما فی آلات اللهو و القمار و سائر ما کان التعدد فیه بالتحلیل العقلی متین و من الوضوح
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 161
بمکان، إلا أن الحال فی الدراهم أیضا کذلک، فإذا کان الاختلاف من جهة السکة لا یمکن التصحیح من جهة المادة و الابطال من جهة الهیئة، و أما الصورة الأخری التی یصح البیع فیها مع الخیار أو مع عدمه فلا جامع بینها و بین آلات القمار لیحتاج إلی إبداء الفارق بینهما، و من المحتمل أن هذه العبارة قد حررها النساخ فی غیر موضعها اشتباها و اللّه العالم.
قوله و هذا الکلام مطرد فی کل قید فاسد.
أقول: الشروط سواء کانت صحیحة أم فاسدة لا تقابل بجزء من الثمن کما سیأتی بیان ذلک فی بابها، و علیه فتخلفها لا یوجب إلا الخیار حتی علی مسلک المصنف، و دعوی الخصوصیة فی المورد جزافیة.

[القسم الثانی ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.]

حکم بیع العنب علی أن یعمل خمرا

اشارة

قوله القسم الثانی ما یقصد منه المتعاملان المنفعة المحرمة.
أقول: أراد به تقسیم ما یقصد من بیعه الحرام إلی ثلاثة أقسام، و بیان حکم کل منها علی حدة، و منشأ القسمة هو أن المنفعة المحرمة التی یقصدها المتعاملان إما أن تکون تمام الموضوع فی المعاوضة بحیث یرجع مفادها إلی بذل المال بإزاء تلک المنفعة المحرمة لا غیر، کالمعاوضة علی العنب بشرط التخمیر فقط، و علی الخشب بشرط صنعه صنما فحسب، و إما أن تکون بنحو الداعی إلی المعاوضة من دون اشتراط فیها کالمعاملة علی العنب لیجعله خمرا من غیر اشتراط لذلک فی المعاوضة، و إما أن تکون جزء الموضوع بحیث یرجع مفاد المعاوضة إلی ضم الغایة المحرمة للغایة المحللة، و بذل المال بإزائهما، کبیع الجاریة المغنیة إذا لو حظ بعض الثمن بإزاء صفة الغناء، فهنا مسائل ثلاث. ثم إن الوجوه المذکورة جاریة فی الإجارة أیضا، بل هی تزید علی البیع بوجه رابع، و هو أن یؤجر نفسه لفعل الحرام کالزنا و النمیمة و الغیبة و القتل و الافتراء، و من هذا القبیل إجارة الجاریة المغنیة للتغنی.
قوله الأولی بیع العنب علی أن یعمل خمرا و الخشب علی أن یعمل صنما.
أقول: ادعی فی المستند «1» و فی متاجر الجواهر و غیرهما عدم الخلاف بل الإجماع علی حرمة الإجارة و البیع، بل کل معاملة و تکسب للمحرم سواء اشترطاه فی العقد أم حصل اتفاق المتبایعین علیه، کإجارة المساکن و الحمولات للخمر و رکوب الظلمة و إسکانهم للظلم، و بیع العنب و التمر و غیرهما مما یتخذ منه المسکر لیعمل خمرا أو الخشب لیعمل صنما أو بربطا، و إلی هذا القول ذهب بعض أهل الخلاف [1] بل هو ظاهر جمیعهم، لنصهم علی حرمة الإجارة للأمور
______________________________
[1] فی ج 3 فقه المذاهب ص 176 المالکیة قالوا: بحرمة بیع الدکان لیباع فیه الخمر
______________________________
(1) راجع ج 2 ص 336.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 162
المحرمة، و سیأتی، و لا فرق فی ذلک بین الإجارة و سائر المعاملات.

و کیف کان فالکلام یقع فی ناحیتین:

الاولی فی جواز بیع المباح علی أن یجعل حراما و عدم جوازه. و الثانیة: فی بیان أقسام ما یقصد من إجارته الحرام و ذکر أحکامه.

أما الناحیة الاولی [فی جواز بیع المباح علی أن یجعل حراما و عدم جوازه]

فالذی یمکن الاستدلال به علی حرمة البیع وجوه، الوجه الأول:
أن بیع الأشیاء المباحة علی أن تصرف فی الحرام- کبیع العنب للتخمیر، و بیع الخشب لجعله صنما أو آلة لهو- إعانة علی الإثم، بل فی المستند «1» أنه معاونة علی الإثم المحرم کتابا و سنة و إجماعا.
و فیه أولا: أن الکبری ممنوعة إلا فی موارد خاصة، کما سیأتی. و ثانیا: أنک علمت فی بعض المباحث أن بین عنوان البیع و عنوان الإعانة علی الإثم عموما من وجه، لتقوم مفهوم الإعانة بالإقباض و التسلیط الخارجی علی العین و لو بغیر عنوان البیع، مع العلم بصرفها فی الحرام و إن کان ینطبق عنوان الإعانة علی البیع فی بعض الأحیان، و علیه فلا تستلزم حرمة الإعانة علی الإثم حرمة البیع فی جمیع الموارد.
و ثالثا: أن حرمة المعاوضة لو سلمت لا تدل علی فساد المعاملة وضعا، لأنها حرمة تکلیفیة محضة.
و رابعا: لو قلنا: بدلالة النهی التکلیفی علی فساد المعاملة فإن ذلک فیما إذا کانت المعاملة بعنوانها الاولی موردا للنهی، کبیع الخمر، لا بعنوانها العرضی کما فی المقام. و هذا لا ینافی ما سلکناه فی بعض المباحث، و أشرنا إلیه فیما سبق من کون النواهی فی باب المعاملات إرشادا إلی الفساد کالنهی عن البیع الغرری، کما أنها فی أبواب الصلاة إرشاد إلی المانعیة، فإن ذلک فیما لم تقصد المولویة التکلیفیة من النهی کالنهی عن بیع الخمر.
و خامسا: أن تخلف الشروط الصحیحة إنما یوجب الخیار للمشترط، لان الشروط لا تقابل بجزء من الثمن، و قد حققناه فی محله، و التزم به المصنف فی باب الشروط، و من الواضح أن الشروط الفاسدة لا تزید علی الصحیحة فی ذلک، فلا یسری فساد الشرط إلی العقد و دعوی امتیاز الموارد عن بقیة الشروط الفاسدة موهونة جدا.
و لو سلمنا أن للشروط حصة من الثمن فیقسط علیها و علی المشروط فإنما هو فی الشروط التی تجعل علی البائع: کأن یشترط المشتری علیه فی ضمن العقد خیاطة ثوبه أو بنائه داره أو نجارة بابه و نحوها مما یوجب زیادة الثمن. و أما الشروط التی تجعل علی المشتری: کأن
______________________________
و نحوها مما یفسد العقل أو یتخذ بیوتا للدعارة أو محلا للفسق أو نحو ذلک.
______________________________
(1) راجع ج 2 ص 336.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 163
یشترط البائع علیه صرف المبیع فی جهة خاصة سواء أ کانت محرمة أم محللة فلا تقابل بشی‌ء من الثمن. و إذن فاشتراط البائع علی المشتری صرف المبیع فی الحرام لا یوجب فساد البیع حتی علی القول بالتقسیط.
الوجه الثانی: أن ذلک أکل للمال بالباطل فهو حرام لآیة التجارة. و فیه أولا:
ما عرفته مرارا و ستعرفه من أن الآیة الشریفة مسوقة لبیان الضابطة الکلیة فی الأسباب الصحیحة و الأسباب الفاسدة للمعاملات، و أن شرائط العوضین خارجة عن حدودها.
و ثانیا: ما عرفته مرارا أیضا من أن الشروط لا تقابل بجزء من الثمن لیلزم من فسادها أکل المال بالباطل، و إنما هی مجرد التزامات لا یترتب علی مخالفتها إلا الخیار.
الوجه الثالث: دعوی الإجماع علی الحرمة. و فیه مضافا إلی عدم حجیة الإجماع المنقول. أن دعوی الإجماع التعبدی فی المقام موهونة جدا، لإمکان استناد المجمعین الی الوجوه المذکورة فی المسألة.
الوجه الرابع: ما ذکره فی المستند «1» من کونه بنفسه فعلا محرما لما بینا فی موضعه:
أن فعل المباح بقصد التوصل به إلی الحرام محرم. و فیه أنا لو قلنا: بحرمة مقدمة الحرام فإنما ذلک فی المقدمات التی لا یمکن التفکیک بینها و بین ذی المقدمة بحیث لا یتمکن المکلف بعد إیجاد المقدمة عن ترک ذی المقدمة، فیعاقب علی ذلک. و من الضروری أن بیع المباح بقصد التوصل به إلی الحرام أو بشرط صرفه فیه لیس علة لإیجاده، و إنما هو من الدواعی و التخلف فیها لیس بعزیز.
الرابع: ما توهم من شمول أدلة النهی علی المنکر للمقام، بدعوی أنه إذا وجب النهی عن المنکر لرفعه فإن النهی عنه لدفعه أولی بالوجوب.
و فیه أنا لو استفدنا من الأدلة وجوب النهی عن المنکر لدفعه فلامکن الالتزام و بوجوب النهی عنه لرفعه بالفحوی، و أما العکس فلا. و لو أغمضنا عن ذلک فهو إنما یتم إذا علم البائع بأن المشتری یصرف المبیع فی الحرام علی حسب الاشتراط، و إلا فلا مقتضی للوجوب، علی أن مقتضاه إنما هو مجرد التکلیف، و النهی التکلیفی فی المعاملات لا یقتضی الفساد.
قوله خبر جابر.
أقول: لا وجه لذکره فی المقام إلا من جهة اتحاد حکم البیع و الإجارة فیما نحن فیه، و إلا فهو أجنبی عن البیع، و صریح فی حرمة الإجارة للغایة المحرمة کما سیأتی.
______________________________
(1) راجع ج 2 ص 336.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 164

[و أما الناحیة الثانیة] حکم ما یقصد من إجارته الحرام

و أما الناحیة الثانیة فقد علمت أن ما یقصد من إجارته الحرام یکون علی أربعة أقسام الأول: ان یکون متعلق الإجارة من الأمور المحرمة، کأن یؤجر نفسه للعمل الحرام، و هذا لا شبهة فی حرمته من حیث الوضع و التکلیف، بل لا نعرف فیه خلافا من الشیعة و السنة [1] إلا ما یظهر مما نسب إلی ابی حنیفة فی بعض الفروع [2] و قد عرفت فی معنی حرمة البیع أن نفس أدلة المحرمات کافیة فی حرمة هذا القسم من الإجارة، إذ هی تقتضی الانزجار عنها، و مقتضی العمومات هو وجوب الوفاء بالعقد، و هما لا یجتمعان، و لعل المقصود من خبر جابر الآتی هو هذا القسم أیضا.
الثانی: أن یشترط المؤجر علی المستأجر أن ینتفع بالعین المستأجرة بالمنافع المحرمة من دون ان یکون أصل الإیجار للحرام، کاستئجار الثیاب و الحلی و الأمتعة و الخیام و السیارات و سائر المحمولة بشرط الانتفاع بها بالجهات المحرمة، المشهور بیننا و بین العامة [3] عدم جواز
______________________________
[1] فی ج 16 المبسوط للسرخسی ص 38: و لا تجوز الإجارة علی شی‌ء من الغناء و النوح و المزامیر و الطبل و شی‌ء من اللهو، لأنه معصیة و الاستئجار علی المعاصی باطل، فان بعقد الإجارة یستحق تسلیم المعقود علیه شرعا، و لا یجوز ان یستحق علی المرء فعل به یکون عاصیا شرعا.
و فی ج 3 فقه المذاهب ص 175 المالکیة قالوا: من جملة الإجارات الممتنعة الإجارة علی تعلیم الغناء فإنها لا تصح، و کلما لا یباح لا یصح تأجیره، و من ذلک اجرة آلات الطرب.
و فی ص 169: لا یصح الاستئجار علی المعاصی مثل الغناء و النوح و الملاهی کاستئجار بعض الفارغین من الشبان لیقوموا بأناشید سخیفة و یتبادلون فی مجلسهم الخمور و المحرمات، فإن استئجارها کبیرة لا یحل لمسلم أن یفعلها.
و فی ج 7 الهدایة ص 180: و لا یجوز الاستئجار علی الغناء و النوح و کذا سائر الملاهی لأنه استئجار علی المعصیة و المعصیة لا تستحق بالعقد.
[2] فی ج 2 أحکام القرآن للجصاص ص 178 فی تسمیة اللّه المهر أجرا دلیل علی صحة قول أبی حنیفة فیمن استأجر امرأة فزنا بها انه لا حد علیه لأن اللّه تعالی قد سمی المهر أجرا فهو کمن قال: أمهرک کذا، و قد روی نحوه عن عمر بن الخطاب و مثل هذا یکون نکاحا فاسدا لانه بغیر شهود.
[3] فی ج 16 المبسوط للسرخسی ص 38: إذا استأجر الذمی من المسلم بیتا لیبیع-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 165
ذلک، إلا ان الظاهر ان المسألة من صغریات الشرط الفاسد، و بما أنک علمت إجمالا و ستعلم تفصیلا ان فساد الشرط لا یستلزم فساد العقد و لا یسری إلیه، فلا موجب لفساد الإجارة من ناحیة الشرط المذکور.
و قد یستدل علی الفساد بروایة جابر [1] حیث حکم الامام «ع» فیها بحرمة الأجرة فی رجل آجر بیته فیباع فیه الخمر.
و فیه مضافا إلی ضعف السند فیها. أولا: أنها أجنبیة عن اشتراط الانتفاع بالعین المستأجرة فی الحرام، إذ لا داعی للمسلم ان یؤاجر بیته و یشترط علی المستأجر ان ینتفع منها بالمنافع المحرمة، بل موردها فرض العلم بالانتفاع المحرم من غیر شرط.
و ثانیا: انها محمولة علی الکراهة لمعارضتها بحسنة ابن أذینة [2] الدالة علی جواز إیجاز الحمولة لحمل الخمر و الخنازیر.
و جمع المصنف بینهما بأن روایة ابن أذینة محمولة علی ما إذا اتفق الحمل من غیر أن یؤخذ رکنا أو شرطا فی العقد، بتقریب ان خبر جابر نص فیما نحن فیه و ظاهر فی هذا، و أن حسنة ابن أذینة بالعکس، فیطرح ظاهر کل منهما بنص الآخر.
و فیه أنه قد تقدم فی البحث عن بیع العذرة ان المتیقن الخارج عن مقام التخاطب من
______________________________
- فیه الخمر لم یجز، لأنه معصیة فلا ینعقد العقد علیه و لا أجر له، و عند أبی حنیفة و الشافعی یجوز هذا العقد، لعدم ورود العقد علی بیع الخمر، بل علی منفعة البیت فله ان یبیع فیه شیئا آخر.
و فی ج 3 فقه المذاهب ص 176: إجارة الدکان لیباع فیه الخمر و نحوها مما یفسد العقل أو یضر بالبدن فإنها لا تصح، و کذلک إجارة المنازل للدعارة و الفسق.
و فی ج 8 شرح فتح القدیر ص 129 و قد صرح محمد فی الجامع الصغیر بأنه لا بأس عند أبی حنیفة ان تؤاجر بیتک لیتخذ فیه بیت نار أو کنیسة أو بیعه أو یباع الخمر فیه بالسواد
[1] عن جابر «و فی التهذیب صابر بدل جابر» قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل یؤاجر بیته فیباع فیه الخمر؟ قال: حرام أجره. مجهولة لجابر و علی نسخة التهذیب حسنة فإن صابر من الحسان. راجع ج 1 کا ص 393. و ج 2 التهذیب ص 111. و ج 10 الوافی ص 29. و ج 2 ئل باب 68 تحریم إجارة المساکن للمحرمات مما یکتسب به.
[2] ابن أذینة قال: کتبت إلی ابی عبد اللّه «ع» أسأله عن الرجل یؤاجر سفینته و دابته ممن یحمل علیها أو فیها الخمر و الخنازیر؟ قال: لا بأس. حسنة لإبراهیم بن هاشم. راجع المصادر المتقدمة فی روایة جابر.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 166
الدلیلین لا یصحح الجمع الدلالی بینهما ما لم یساعده شاهد من النقل و الاعتبار، و إنما هو تبرعی محض.
و من هنا اندفع ما فی التهذیب من انه (إنما حرّم إجارة البیت لمن یبیع الخمر لأن بیع الخمر حرام و أجاز إجارة السفینة یحمل فیها الخمر، لأن حملها لیس بحرام، لأنه یجوز ان یحمل لیجعل خلا، و علی هذا لا تنافی بین الخبرین). علی انه ذکر فی الحسنة جواز حمل الخمر و الخنازیر، و ما ذکره من التوجیه فی حمل الخمر لا یجری فی حمل الخنازیر.
و قد یتوهم عدم نفوذ الإجارة وضعا و حرمتها تکلیفا لروایة دعائم الإسلام [1] الظاهرة فیهما، و لکنه توهم فاسد لأن هذه الروایة ضعیفة السند و غیر منجبرة بشی‌ء فلا تفی لإثبات المقصود. علی انها معارضة بالحسنة المذکورة، فتحمل علی الکراهة.
ثم انه بفحوی ما ذکرناه ظهر حکم القسم الثالث و الرابع، أعنی صورة العلم بترتب الحرام علی الإجارة من غیر ان یجعل شرطا فی العقد أو داعیا إلیها، و صورة ان یکون ترتب الحرام داعیا لإنشاء المعاملة. و یتضح ذلک وضوحا من المسألة الثانیة و الرابعة.
(قوله بل الأظهر فساده و إن لم نقل بإفساد الشرط الفاسد).
أقول: قد سمعت کون المسألة من صغریات الشرط الفاسد، و دعوی الخصوصیة فیها و امتیازها عن سائر الشروط الفاسدة مجازفة.
قوله مع ان الجزء اقبل للتفکیک بینه و بین الجزء الآخر من الشرط و المشروط)
. أقول: جواز الانحلال و التقسیط فی الاجزاء الخارجیة و إن کان صحیحا کما أشرنا الیه، و سیأتی تفصیله فی بیع ما یملک و ما لا یملک، إلا انه غیر صحیح فی الاجزاء التحلیلیة العقلیة فإن الانحلال فی ذلک باطل جزما، و من ذلک یظهر ان بطلان بیع الآلات اللهویة لا یستلزم بطلان البیع فیما إذا کان الشرط؟؟؟؟ الشرط إنما جعل بإزاء نفس المال فقط، و لیس للشرط حصة من الثمن، لیقاس ببیع الآلات المحرمة.

حکم بیع الجاریة المغنیة

اشارة

قوله المسألة الثانیة یحرم المعاوضة علی الجاریة المغنیة.
أقول: محصل کلامه: ان الصفات سواء کانت محللة أم محرمة قد تکون داعیة الی المعاوضة، و لا دخل لها فی المعاوضة
______________________________
[1] فی ج 2 المستدرک ص 436 عن أبی عبد اللّه «ع» إنه قال: من اکتری دابته أو سفینته فحمل علیها المکتری خمرا أو خنازیر أو ما یحرم لم یکن علی صاحب الدابة شی‌ء و إن تعاقدا علی حمل ذلک فالعقد فاسد و الکری علی ذلک حرام. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 167
بأکثر من ذلک، و قد تکون دخیلة فی ازدیاد الثمن فیها، و قد تکون أجنبیة عنها أصلا، أما الأول و الثالث فلا ریب فی صحة المعاوضة فیهما، لأن المفروض أن الصفة المحرمة لم توجب زیادة فی الثمن، و کذا الثانی لو کانت الصفة الموجبة لازدیاد الثمن هی الصفة المحللة، و أما لو کان الموجب للزیادة هی الصفة المحرمة فلا شبهة فی فساد المعاوضة حینئذ، کملاحظة صفة التغنی فی بیع الجاریة المغنیة، و المهارة فی القمار و السرقة و اللهو فی بیع العبد، و وجه الفساد أن بذل شی‌ء من الثمن بملاحظة الصفة المحرمة أکل للمال بالباطل، و أما التفکیک بین القید و المقید فیحکم بصحة العقد فی المقید و بطلانه فی القید بما قابله من الثمن فتوهم فاسد، لأن القید أمر معنوی لا یوزع علیه شی‌ء من المال.
أقول: تحقیق المسألة فی جهتین، الاولی: من حیث القواعد، و الثانیة: من حیث الروایات. أما الجهة الأولی: فالقاعدة تقتضی صحة المعاوضة فی جمیع الوجوه المذکورة، لوجهین، الوجه الأول: أن بعض الأعمال کالخیاطة و نحوها و إن صح أن تقع علیه المعاوضة و أن یقابل بالمال إذا لو حظ علی نحو الاستقلال، إلا أنه إذا لوحظ وصفا فی ضمن المعاوضة فإنه لا یقابل بشی‌ء من الثمن، و إن کان بذل المال بملاحظة وجودها. و علیه فحرمة الصفة لا تستلزم حرمة المعاوضة فی الموصوف، و إنما هی کالشروط الفاسدة لا توجب إلا الخیار.
الوجه الثانی: لو سلمنا أن الأوصاف تقابل بجزء من الثمن فان ذلک لا یستلزم بطلان المعاملة، إذ الحرام إنما هی الأفعال الخارجیة من التغنی و القمار و الزنا دون القدرة علیها التی هی خارجة عن اختیار البشر.
علی أنه قد ورد فی الآیات و الأحادیث «1»: أن قدرة الإنسان علی المحرمات قد توجب کونه أعلی منزله من الملائکة، فإن الإنسان یحتوی علی القوة القدسیة التی تبعث إلی الطاعة، و القوة الشهویة التی تبعث إلی المعصیة، فإذا ترک مقتضی الثانیة و انبعث بمقتضی الاولی فقد حصل علی أرقی مراتب العبودیة. و هذا بخلاف الملک، فإنه لاختصاصه بالقوة الروحیة و الملکة القدسیة الباعثة إلی الطاعة و الرادعة عن المعصیة، و لعرائه عن القوة الأخری الشهویة لا یعصی اللّه، فیکون الإنسان الکامل أفضل من الملک، و تفصیل الکلام فی محله.
و أما الجهة الثانیة فقد استفاضت الروایات من الشیعة [1]
______________________________
[1] الوشاء قال: سئل أبو الحسن الرضا «ع» عن شراء المغنیة؟ فقال: قد تکون للرجال الجاریة تلهیه و ما ثمنها إلا ثمن کلب و ثمن الکلب سحت و السحت فی النار. ضعیفة لسهل ابن زیاد و غیره.
______________________________
(1) راجع ج 14 البحار ص 256- 366.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 168
و السنة [1] علی حرمة بیع الجواز المغنیات، و کون ثمنهن سحتا کثمن الکلب، و أکثر هذه الروایات و إن کان ضعیف السند، و لکن فی المعتبر منها غنی و کفایة.
و قد یتوهم وقوع المعاوضة بینها و بین ما دل علی جواز البیع و الشراء للتذکیر بالجنة
______________________________
- محمد الطاهری عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سأله رجل عن بیع الجواری المغنیات؟
فقال: شراؤهن و بیعهن حرام و تعلمهن کفر و استماعهن نفاق، ضعیفة للطاهری و سهل و غیرهما.
أبو البلاد قال: أوصی إسحاق بن عمر عند وفاته بجوار له مغنیات أن نبیعهن و نحمل ثمنهن الی أبی الحسن «ع»، قال إبراهیم: فبعت الجواری بثلاثمائة ألف درهم و حملت الثمن الیه فقلت: إن مولی لک یقال له: إسحاق بن عمر قد أوصی عند موته ببیع جواز له مغنیات و حمل الثمن إلیک و قد بعتهن و هذا الثمن ثلاثمائة ألف درهم فقال: لا حاجة لی فیه إن هذا سحت و تعلیمهن کفر و الاستماع منهن نفاق و ثمنهن سحت. مرسلة راجع ج 1 کا ص 361. و ج 2 التهذیب ص 117 و ص 118. و ج 10 الوافی ص 33. و ج 2 ئل باب 44 تحریم بیع المغنیة مما یکتسب به.
و فی الباب 44 المذکور من ج 2 ئل. و ج 16 البحار باب 99 الغناء عن قرب الاسناد عن أبی البلاد قال: قلت لأبی الحسن الأول «ع»: جعلت فداک إن رجلا من موالیک عنده جواز مغنیات قیمتهن أربعة عشر ألف دینار و قد جعل لک ثلثها فقال: لا حاجة لی فیها إن ثمن الکلب و المغنیة سحت. صحیحة. و فی هذا الباب 44 من ئل عن إسحاق بن یعقوب فی التوقیعات الی ان قال «ع»: و ثمن المغنیة حرام. مجهولة لمحمد بن عصام الکلینی.
و فی ج 2 المستدرک ص 431 عن قطب الراوندی عن النبی (ص) إنه قال: لا یحل بیع المغنیات و شراؤهن و ثمنهن حرام. مرسلة.
و عن عوالی اللئالی عن النبی (ص) نهی عن بیع المغنیات و شرائهن و التجارة فیهن و أکل ثمنهن. مرسلة.
[1] فی ج 6 سنن البیهقی ص 14 عن رسول اللّه (ص) قال: لا تبتاعوا المغنیات و لا تشتروهن و لا تعلموهن و لا خیر فی تجارة فیهن و ثمنهن حرام و فی مثل هذا الحدیث نزلت (وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ) الآیة.
و فی ج 10 ص 225 عن مجاهد فی تفسیر الآیة هو اشتراؤه المغنی و المغنیة بالمال الکثیر و الاستماع الیه و الی مثله من الباطل.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 169
و طلب الرزق کروایتی الدینوی و الصدوق [1].
و فیه أولا: أنهما ضعیفتا السند و غیر منجبرتین بشی‌ء. و ثانیا: أن روایة الصدوق خارجة عن محل الکلام أصلا، فإن المفروض فیها شراء الجاریة التی لها صوت، و مورد البحث هنا بیع الجاریة المغنیة و بینهما بون بعید، و أما روایة الدینوری فهی راجعة إلی البیع و الشراء لطلب الرزق و تحصیله فقط لا سوی ذلک، فلا یکون حراما علی أن المحرم إنما هو التغنی الخارجی، و أما مجرد القدرة علیه فلیس بحرام جزما.
ثم الظاهر من الأخبار المانعة هو أن الحرام إنما هو بیع الجواری المغنیة المعدة للتلهی و التغنی کالمطربات اللاتی یتخذن الرقص حرفة لهن، و یدخلن علی الرجال، إذ من الواضح جدا ان القدرة علی التغنی کالقدرة علی بقیة المحرمات لیست بمبغوضة ما لم یصدر الحرام فی الخارج کما عرفت. علی أن نفعها لا ینحصر بالتغنی لجواز الانتفاع بها بالخدمة و غیرها.
و مع الإغضاء عن جمیع ذلک أن بیعها بقصد الجهة المحرمة لا یکون سببا لوقوع الحرام، لبقاء المشتری بعد علی اختیاره فی أن ینتفع بها بالمنافع المحرمة إن شاء أو بالمنافع المحللة، و علیه فلا موجب لحرمة البیع إلا من جهة الإعانة علی الإثم، و هی بنفسها لا تصلح للمانعیة قال السید (ره) فی حاشیته علی المتن: (و یمکن الاستدلال بقوله «ع» فی حدیث تحف العقول أو شی‌ء یکون فیه وجه من وجوه الفساد خصوصا بقرینة تمثیله بالبیع بالربا، و ذلک لأن المبیع فی بیع الربا لیس مما لا یجوز بیعه، بل الوجه فی المنع هو خصوصیة قصد الربا، ففی المقام أیضا الجاریة من حیث هی لیست مما لا یجوز بیعها، لکن لو قصد بها الغناء یصدق أن فی بیعها وجه الفساد).
و فیه مضافا إلی وهن الحدیث من حیث السند، أنه لا مورد للقیاس، لأن البیع الربوی
______________________________
[1] فی ج 2 التهذیب ص 115. و ج 10 الوافی ص 35. و ج 2 ئل باب 44 تحریم بیع المغنیة مما یکتسب به. و عن عبد اللّه بن الحسن الدینوری قال: قلت لأبی الحسن «ع»:
جعلت فداک فأشتری المغنیة أو الجاریة تحسن أن تغنی أرید بها الرزق لا سوی ذلک قال:
________________________________________
خویی، سید ابو القاسم موسوی، مصباح الفقاهة (المکاسب)، 7 جلد، ه ق

مصباح الفقاهة (المکاسب)؛ ج‌1، ص: 169
اشتر و بع. مجهولة للدینوری.
أقول: فی رجال المامقانی إنه لم أقف فیه إلا علی روایة الشیخ فی باب المکاسب من التهذیب عن البرقی عن أبی الحسن «ع».
و فی الباب 44 المذکور من ئل عن الصدوق قال: سأل رجل علی بن الحسین «ع» عن شراء جاریة لها صوت فقال: ما علیک لو اشتریتها فذکرتک الجنة یعنی بقراءة القرآن و الزهد و الفضائل التی لیست بغناء فأما الغناء فمحظور. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 170
حرام لذاته، و بیع الجاریة لو کان حراما فإنما هو حرام لأجل قصد التغنی، فالحرمة عرضیة و القیاس مع الفارق.

حرمة کسب المغنیة

لا بأس بالإشارة إلی حکم کسب المغنیة و إن لم یتعرض له المصنف. فنقول: إنه ورد فی جملة من الروایات [1] عدم جواز کسب المغنیة، و أنها ملعونة، و ملعون من أکل من کسبها، فیدل ذلک علی حرمة کسبها وضعا و تکلیفا، علی أنه یکفی فی الحرمة جعلهن الأفعال المحرمة موردا للتکسب، کالتغنی و الدخول علی الرجال و غیرهما، لما علمت سابقا، من أن أدلة صحة العقود، و وجوب الوفاء بها مختصة بما إذا کان العمل سائغا فی نفسه، فلا وجه لرفع الید بها عن دلیل حرمة العمل فی نفسه، نعم لو دعین لزف العرائس، و لم یفعلن شیئا من الأفعال المحرمة فلا بأس بکسبهن، و قد ورد ذلک فی روایة أبی بصیر، و ذکرناها فی الهامش. و من جمیع ما ذکرناه ظهر حکم الرجل المغنی أیضا.

حکم بیع العنب ممن یجعله خمرا

اشارة

قوله المسألة الثالثة یحرم بیع العنب ممن یعمله خمرا بقصد أن یعمله إلخ.
أقول:
______________________________
[1] أبو بصیر قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن کسب المغنیات؟ فقال: التی یدخل علیها الرجال حرام و التی تدعی إلی الأعراس لیس به بأس و هو قول اللّه عز و جل:
(وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللّٰهِ). ضعیفة لعلی بن أبی حمزة بن سالم البطائنی.
و عنه عن أبی عبد اللّه «ع» قال: المغنیة التی تزف العرائس لا بأس بکسبها. مجهولة حکم الحناط.
و عنه قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: أجر المغنیة التی تزف العرائس لیس به بأس و لیست بالتی یدخل علیها الرجال. صحیحة.
النصر بن قابوس قال: سمعت أبا عبد «ع» یقول: المغنیة ملعونة ملعون من أکل کسبها حسنة لإسحاق بن إبراهیم. راجع ج 1 کا ص 361. و ج 2 التهذیب ص 108. و ج 10 الوافی ص 33. و ج 2 ئل باب 43 تحریم کسب المغنیة مما یکتسب به.
و فی ج 2 المستدرک ص 430 عن فقه الرضا: کسب المغنیة حرام. ضعیفة. و کک عن المقنع مرسلا.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 171
قد وقع الخلاف بین الفقهاء فی جواز بیع الأشیاء المباحة ممن یعلم البائع أنه یصرفه فی الحرام و عدم جوازه، ففی المختلف «1»: (إذا کان البائع یعلم ان المشتری یعمل الخشب صنما أو شیئا من الملاهی حرم بیعه و إن لم یشترط فی العقد ذلک، لنا أنه قد اشتمل علی نوع مفسدة، فیکون محرما، لأنه إعانة علی المنکر). و نقل عن ابن إدریس جواز ذلک، لأن الوزر علی من یجعله کذلک، لا علی البائع، و فصل المصنف (ره) بین ما لم یقصد منه الحرام فحکم بجواز بیعه، و بینما یقصد منه الحرام فحکم بحرمته، لکونه إعانة علی الإثم، فتکون محرمة بلا خلاف. و قد وقع الخلاف فی ذلک بین العامة أیضا [1].
أما ما ذکره المصنف (ره) من التفصیل فیرد علیه أولا: أن مفهوم الإعانة علی الإثم و العدوان کمفهوم الإعانة علی البر و التقوی أمر واقعی لا یتبدل بالقصد، و لا یختلف بالوجوه و الاعتبار.
و ثانیا: لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم ما لم یکن التسبیب و التسبب فی البین کما سیأتی.
و ثالثا: أنا إذا سلمنا حرمة البیع مع قصد الغایة المحرمة لصدق الإعانة علی الإثم علیه فلا بد من الالتزام بحرمة البیع مع العلم بترتب الحرام أیضا، لصدق الإعانة علی الإثم علیه أیضا. و إن قلنا بالجواز فی الثانی من جهة الأخبار المجوزة فلا بد من القول بالجواز فی الأول أیضا، لعدم اختصاص الجواز الذی دلت علیه الاخبار بفرض عدم القصد.
و رابعا: أنا لم نستوضح الفرق بین القسمین، فان القصد بمعنی الإرادة و الاختیار یستحیل ان یتعلق بالغایة المحرمة فی محل الکلام، لأنها من فعل المشتری، إذ هو الذی یجعل العنب خمرا و الخشب صنما، فلا معنی لفرض تعلق القصد بالغایة المحرمة، و أما القصد بمعنی
______________________________
[1] فی ج 5 سنن البیهقی ص 327 أفتی بکراهة بیع العصیر ممن یعصر الخمر و السیف ممن یعصی اللّه عز و جل، و فی ج 24 المبسوط للسرخسی ص 26 و لا بأس ببیع العصیر ممن یجعله خمرا، لان العصیر مشروب طاهر حلال فیجوز بیعه و أکل ثمنه، و لا فساد فی قصد البائع، إنما الفساد فی قصد المشتری، و لا تزر و وازرة وزر اخری، و کره ذلک أبو یوسف و محمد استحسانا، لکونه إعانة علی المعصیة، و ذلک حرام.
و فی ج 8 شرح فتح القدیر ص 127 و لا بأس ببیع العصیر ممن یعلم انه یتخذه خمرا، لأن المعصیة لا تقام بعینه بل بعد تغییره، و فی ج 2 فقه المذاهب ص 52 عن الحنابلة کلما أفضی إلی محرم فهو حرام.
______________________________
(1) ج 1 ص 165.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 172
العلم و الالتفات فهو مفروض الوجود فی القسمین فلا وجه للتفصیل بینهما، نعم یمکن ان یکون الداعی إلی بیع البائع هو ترتب الغایة المحرمة تارة، و غیر ذلک تارة أخری، مع العلم بترتبها فی الخارج، و لکن هذا لا یکون سببا فی اختلاف صدق الإعانة علیهما، لأن دعوة الحرام الی الفعل لیست شرطا فی صدق الإعانة علی الإثم، و هو واضح، إذن فلا وجه للتفصیل المذکور فی کلام المصنف.

ثم إن تحقیق هذه المسألة یقع تارة من حیث الروایات، و اخری من حیث القواعد،

أما الصورة الأولی

فالکلام فیها من جهتین، الاولی: فی الحرمة الوضعیة، و الثانیة: فی الحرمة التکلیفیة.
أما الجهة الأولی: فربما یقال بفساد المعاوضة مع العلم بصرف المبیع أو الانتفاع بالعین المستأجرة فی الجهة المحرمة. لخبر جابر المتقدم (عن الرجل یؤاجر بیته فیباع فیه الخمر؟ قال حرام أجرته). فإنه لا وجه لحرمة الأجرة إذا کانت المعاملة صحیحة، و بعدم القول بالفصل بین الإجارة و البیع یتم المقصود.
و فیه مضافا الی ضعف السند فیه، و اختصاصه بالإجارة، انه لا بد من حمله علی الکراهة لمعارضته بحسنة ابن أذینة المتقدمة التی دلت علی جواز إجارة الحمولة لحمل الخمر و الخنازیر.
و أما الجهة الثانیة فقد یقال: بحرمة البیع تکلیفا، لما دل من الاخبار علی حرمة بیع الخشب ممن یتخذه صلبانا، و قد تقدم ذکرها فی البحث عن بیع آلة اللهو، و بعدم القول بالفصل بین موردها و غیره یتم المطلوب.
و لکن یعارضها ما ورد من الاخبار المتظافرة [1] الدالة علی جواز بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یجعلها خمرا، بدعوی عدم الخصوصیة فی مواردها، لعدم القول بالفصل بین
______________________________
[1] أبو بصیر قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن ثمن العصیر قبل ان یغلی لمن یبتاعه لیطبخه أو یجعله خمرا؟ قال: إذا بعته قبل ان یکون خمرا فهو حلال فلا بأس. ضعیفة لقاسم بن محمد الجوهری.
محمد الحلبی قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن بیع عصیر العنب ممن یجعله حراما؟ فقال:
لا بأس به تبیعه حلالا فیجعله حراما أبعده اللّه و أسحقه. صحیحة.
ابن أذینة قال: کتبت الی أبی عبد اللّه أسأله عن رجل له کرم أ یبیع العنب و التمر ممن یعلم انه یجعله خمرا أو سکرا؟؟ فقال: إنما باعه حلالا فی الإبان الذی یحل شربه أو أکله فلا بأس ببیعه. حسنة لإبراهیم بن هاشم.
فی القاموس: السکر محرکة الخمر و نبیذ یتخذ من التمر، و فیه أیضا: إبان الشی‌ء-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 173
هذه الموارد و بین غیرها، إذ لو قیل: بالجواز قیل به مطلقا، و إلا فلا.
و قد یوجه ما ذکر فی روایتی رفاعة و أبی کهمس المذکورتین فی الحاشیة من بیعهم «ع» تمرهم ممن یجعله خمرا: بأن یراد من لفظ الخمر فیهما العصیر المغلی، و لم یذهب ثلثاه فان
______________________________
- بالکسر و التشدید: حینه أو أوله.
رفاعة قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» و انا حاضر عن بیع العصیر ممن یخمره؟ فقال: حلال أ لسنا نبیع تمرنا ممن یجعله شرابا خبیثا؟ صحیحة.
یزید بن خلیفة الحارثی عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سأله رجل و انا حاضر قال: إن لی الکرم؟ قال: تبیعه عنبا، قال: فإنه یشتریه من یجعله خمرا؟ قال: بعه إذن عصیرا، قال:
إنه یشتریه منی عصیرا فیجعله خمرا فی قربتی (و فی الوافی قریتی بدل قربتی) قال: بعته حلالا فجعله حراما فأبعده اللّه، ثم سکت هنیئة ثم قال: لا تذرن ثمنه علیه حتی یصیره خمرا فتکون تأخذ ثمن الخمر. ضعیفة لیزید المذکور.
کا بسند ضعیف لسهل، و التهذیب بسند صحیح عن ابی بصیر قال: سألت أبا الحسن «ع» عن بیع العصیر فیصیر خمرا قبل أن یقبض الثمن؟ قال: فقال: لو باع ثمرته ممن یعلم انه یجعله حراما لم یکن بذلک بأس فاما إذا کان عصیرا فلا یباع إلا بالنقد.
و فی روایة أبی کهمس المتقدمة فی البحث عن بیع العصیر عن أبی عبد اللّه «ع» هو ذا نحن نبیع تمرنا ممن نعلم أنه یصنعه خمرا. مجهولة لأبی کهمس.
أبو المعزی قال: سأل یعقوب الأحمر أبا عبد اللّه «ع» و أنا حاضر فقال: أصلحک اللّه إنه کان لی أخ و هلک و ترک فی حجری یتیما ولی أخ یلی ضعیفة لنا و هو یبیع العصیر ممن یصنعه خمرا، إلی أن قال «ع» و أما بیع العصیر ممن یصنعه خمرا فلیس به بأس خذ نصیب الیتیم منه. صحیحة.
أقول: أبو المعزی هو حمید بن المثنی العجلی الکوفی الثقة، و المعزی بکسر المیم و سکون العین و فتح الزاء المعجمة بمعنی المعز و هو خلاف الضأن، و قد وقع الخلاف فی کتابته أنه بالمد کحمراء، أو بالقصر کحبلی، فذهب الی کل فریق، و لکن الظاهر من کتب اللغة هو الثانی. و الی غیر ذلک من الروایات.
راجع ج 1 کا ص 394. و ج 2 التهذیب ص 155 و ص 178، و ج 10 الوافی ص 38، و ج 2 ئل باب 88 جواز بیع العصیر ممن یعمل خمرا مما یکتسب به.
و فی ج 2 للمستدرک ص 452 عن دعائم الإسلام عن أبی عبد اللّه «ع» جواز بیع العصیر و نحوه ممن یصنعه خمرا.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 174
ظاهر غیر واحدة من الروایات ان شربه کان متعارفا فی زمان الصادق «ع». إذن من المستبعد جدا انهم علیهم السلام یبیعون تمرهم فی کل سنة ممن یصنعه خمرا.
و فیه أن استعمال الخمر فی العصیر المغلی مجازا و ان صح إلا أنه لا یمکن الالتزام به مع عراء الکلام عن القرینة المجوزة علی أن هذا الحمل إنما یصح علی القول بنجاسة عصیر التمر أو بحرمته بعد غلیانه، و لم یثبت شی‌ء منهما، بل الظاهر طهارته و إباحته ما لم یکن مسکرا و علیه فلا مجوز لإطلاق لفظ الخمر أو الشراب الخبیث علیه.
قال المصنف:
(فالأولی حمل الأخبار المانعة علی الکراهة لشهادة غیر واحد من الأخبار علی الکراهة، کما أفتی به جماعة و یشهد له روایة رفاعة [1] عن بیع العصیر ممن یصنعه خمرا قال: بعه ممن یطبخه أو یصنعه خلا أحب إلی و لا أری به- بالأول- بأسا).
و فیه أولا: أنه معارض بما فی بعض الروایات من بیعهم علیهم السلام تمرهم ممن یجعله شرابا خبیثا علی ما أشرنا إلیه، لبعد صدور الفعل المکروه منهم «ع» دفعة واحدة فضلا عن الدفعات، و بما فی بعض روایات الباب من تعلیل جواز البیع بأنه قد وقع علی العنب الحلال و إنما المشتری جعله حراما أبعده اللّه و أسحقه، فلا تزر وازرة وزر اخری، و قد ذکرنا الروایات فی الحاشیة.
و ثانیا: أن کون بیع العصیر ممن یجعله خلا أحب الی الامام «ع» لا یدل علی کراهة بیعه ممن یجعله خمرا، خصوصا مع تصریحه «ع» فیها بالجواز ب
قوله و لا أری بالأول بأسا
نعم لو کان لفظ الروایة: إنی لا أحب بیعه ممن یجعله خمرا، لکان دالا علی کراهة البیع. ثم إنه لم نجد روایة تدل علی الکراهة غیر روایة الحلبی التی نسبها المصنف إلی رفاعة و قد عرفت عدم دلالتها علی ذلک و إذن فلا وجه لقول المصنف: (لشهادة غیر واحد من الأخبار علی الکراهة).
قال السید فی حاشیته ما ملخصه: أنه یمکن الجمع بحمل الأخبار المجوزة علی صورة العلم بأن ذلک عمل المشتری و إن لم یعلم بصرف هذا المبیع الخاص فی المحرم، و حمل الأخبار المانعة علی صورة العلم بصرفه فی الحرام. و یمکن الجمع أیضا بحمل المانعة علی العلم بقصد المشتری صرفه فی الحرام، و حمل المجوزة علی العلم بالتخمیر مع عدم العلم بأن قصده ذلک.
و یرد علی الوجهین: أنهما من الجموع التبرعیة، فلا شاهد لهما.
______________________________
[1] نسبه الروایة إلی رفاعة من سهو القلم، بل هی صحیحة الحلبی عن أبی عبد اللّه «ع» راجع ج 2 التهذیب ص 155، و ج 2 ئل باب 88 جواز بیع العصیر ممن یعمل خمرا مما یکتسب به. و ج 10 الوافی ص 39.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 175
و فی المتن (و قد یجمع بینها و بین الاخبار المجوزة بحمل المانعة علی صورة اشتراط جعل الخشب صلیبا أو صنما أو تواطئهما علیه).
و فیه مضافا الی إطلاق الروایات المانعة، و عدم تقیدها بصورة الاشتراط، و إطلاق الروایات المجوزة، و عدم تقیدها بصورة عدم الاشتراط. أنه یرد علیه أولا: ما فی المتن من أنه لا داعی للمسلم الی هذا النحو من البیع ثم سؤاله عن حکمه.
و ثانیا: أن ذکر جواز بیع الخشب ممن یجعله برابط، و عدم جواز بیعه ممن یجعله صلبانا فی روایتی ابن أذینة و المقنع [1] لا یلائم هذا الجمع ضرورة أن حمل روایة واحدة علی جهتین متنافیتین من غیر تقیید شبیه بالجمع بینهما، فإن السؤال إن کان عن جواز البیع مع اشتراط الصرف فی جهة الحرام فلا یلائمه الجواب بجواز البیع فیما جعله برابط، و إن کان السؤال عن الجواز مع عدم الاشتراط فلا یلائمه الجواب بعدم الجواز فیما جعله أصناما أو صلبانا و الذی ینبغی أن یقال: إنه إذا تم عدم الفصل بین موارد الروایات المجوزة و المانعة کان من قبیل تعارض الدلیلین، فیؤخذ بالطائفة المجوزة، لموافقتها لعمومات الکتاب، کقوله تعالی: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، (وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَیْعَ)، (و تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)، و إن لم یثبت عدم الفصل بین مواردها کما احتمله المصنف وجب أن یقتصر بکل طائفة علی موردها و لا تصل النوبة إلی التعارض بینهما، و العمل بقواعده، و هذا هو الظاهر من الروایات، و تشهد له أیضا روایة ابن أذینة المفصلة بین الأصنام و البرابط.
و یقربه: أن شرب الخمر و صنعها، أو صنع البرابط و ضربها و إن کانت من المعاصی الکبیرة و الجرائم الموبقة، إلا أنها لیست کالشرک باللّه العظیم، لان اللّه لا یغفر أن یشرک به و یغفر ما دون ذلک، و علیه فیمکن اختلاف مقدمة الحرام من حیث الجواز و عدمه باختلاف ذی المقدمة من حیث الشدة و الضعف. و دعوی الإجماع علی عدم الفصل دعوی جزافیة، لذهاب صاحبی الوسائل و المستدرک فی عناوین الأبواب من کتابیهما الی التفصیل مضافا الی عدم حجیة الإجماع المنقول فی نفسه.
هذا کله بحسب الروایات، و حاصل جمیع ما ذکرناه: أنه لیس فی الروایات ما یدل علی
______________________________
[1] ابن أذینة قال: کتبت الی أبی عبد اللّه «ع» أسأله عن رجل له خشب فباعه ممن یتخذ منه برابط؟ فقال «ع»: لا بأس به، و عن رجل له خشب فباعه ممن یتخذه صلبانا؟
فقال: لا، أقول قد ذکرنا مصدرها فی ص 149.
و فی ج 2 المستدرک ص 436 عن المقنع: و لا بأس ببیع الخشب ممن یتخذه برابط و لا یجوز بیعه لمن یتخذه صلبانا، مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 176
حرمة بیع المباح ممن یجعله حراما.

و أما الصورة الثانیة (أعنی التکلم فی حکم المسألة من حیث القواعد)

اشارة

فالکلام فیها من نواحی شتی، الاولی: فی تحقیق مفهوم الإعانة و بیان ما یعتبر فیه، الثانیة: فی حکم الإعانة علی الإثم، الثالثة: أنه علی القول بحرمة الإعانة علی الإثم فهل هی کحرمة الظلم لا تختلف بالوجوه و الاعتبار، و لا تقبل التخصیص و التقیید، أو هی کحرمة الکذب التی تختلف بذلک و علیه فتتصف بالأحکام الخمسة.

حقیقة الإعانة و مفهومها

ما حقیقة الإعانة و مفهومها؟ الظاهر أن مفهوم الإعانة کسائر المفاهیم التی لا یمکن تحدیدها إلا بنحو التقریب، فمفهوم الماء مثلا مع کونه من أوضح المفاهیم ربما یشک فی صدقه علی بعض المصادیق علی ما اعترف به المصنف فی أول کتاب الطهارة.
و قد وقع الخلاف فی بیان حقیقة الإعانة علی وجوه، الأول: ما استظهره المصنف من الأکثر، و هو أنه یکفی فی تحققها مجرد إیجاد مقدمة من مقدمات فعل الغیر و إن لم یکن عن قصد، و الثانی: ما أشار إلیه فی مطلع کلامه من أن الإعانة هی فعل بعض مقدمات فعل الغیر بقصد حصوله منه، لا مطلقا، ثم نسبه الی المحقق الثانی و صاحب الکفایة، و الثالث:
ما نسبه الی بعض معاصریه، من أنه یعتبر فی تحقق مفهومها وراء القصد المذکور وقوع الفعل المعان علیه فی الخارج، و الرابع: ما نسبه الی المحقق الأردبیلی من تعلیقه صدق الإعانة علی القصد أو الصدق العرفی، بداهة أن الإعانة قد تصدق عرفا فی موارد عدم وجود القصد مثل أن یطلب الظالم العصا من شخص لضرب مظلوم فیعطیه إیاها، أو یطلب القلم لکتابة ظلم فیعطیه أباه، و نحو ذلک مما یعد معونة عرفا، و الخامس: الفرق بین الإعانة فی المقدمات القریبة فتحرم و بین المقدمات البعیدة فلا تحرم، السادس: عدم اعتبار شی‌ء فی صدق الإعانة إلا وقوع المعان علیه فی الخارج.
و أوجهها هو الوجه الأخیر، و تحقیق ذلک ببیان أمرین: الأول فی بیان عدم اعتبار العلم و القصد فی مفهوم الإعانة، و الثانی فی بیان اعتبار وقوع المعان علیه فی صدقها.
أما الأمر الأول: فإن صحة استعمال کلمة الإعانة و ما اقتطع منها فی فعل غیر القاصد بل و غیر الشاعر بلا عنایة و علاقة تقتضی عدم اعتبار القصد و الإرادة فی صدقها لغة، کقوله «ع» فی دعاء أبی حمزة الثمالی: (و أعاننی علیها شقوتی) و قوله تعالی «1»:
______________________________
(1) سورة البقرة، آیة: 42.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 177
(وَ اسْتَعِینُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلٰاةِ). و فی بعض الروایات [1] أن المراد بالصبر هو الصوم.
و فی أحادیث الفریقین [2]: (من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه). و من البدیهی أن آکل الطین لم یقصد موته بذلک، بل یری أن حیاته فیه. و فی روایة أبی بصیر [3]:
(فأعینونا علی ذلک بورع و اجتهاد). و من المعلوم أن المعین علی ذلک بالورع و الاجتهاد لا یقصد الإعانة علیه فی جمیع الأحیان، و کذلک ما فی بعض الأحادیث [4] من قوله «ع»:
(من أعان علی قتل مؤمن و لو بشطر کلمة). و کذلک قوله (ص) «1»: (من تبسم علی وجه مبدع فقد أعان علی هدم الإسلام). و فی روایة أبی هاشم الجعفری «2»: (و رزقک
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 2 استحباب الصوم عند نزول الشدة من أبواب الصوم عن سلیمان عن أبی عبد اللّه «ع» فی قول اللّه: (و استعینوا بالصبر) قال: الصبر الصیام. و فی روایة أخری یعنی الصیام.
[2] فی ج 2 کا ص 156، و ج 2 التهذیب ص 304، و ج 11 الوافی ص 23، و ج 3 ئل باب 29 تحریم أکل الطین من الأطعمة المحرمة، عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): من أکل الطین فمات فقد أعان علی نفسه، ضعیفة للنوفلی و فی روایة أخری فإن أکلته و مت کنت قد أعنت علی نفسک، ضعیفة لسهل.
و فی ج 10 سنن البیهقی ص 11 عن ابن عباس إن رسول اللّه (ص) قال: من انهمک فی أکل الطین فقد أعان علی نفسه، و فی حدیث آخر: من أکل الطین فکأنما أعان علی قتل نفسه.
[3] فی ج 1 ئل باب 20 تأکد استحباب الجد فی العبادة من مقدمات العبادة، عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» إن أباه قال لجماعة من الشیعة: و اللّه انی لأحب ریحکم و أرواحکم فأعینوا علی ذلک بورع و اجتهاد، و فی روایة ابن یعفور عن أبی عبد اللّه «ع» فأعینوا علی ما أنتم علیه بالورع و الاجتهاد.
و فی ج 3 الوافی باب تذاکر الاخوان ص 116 فی روایة میسر عن أبی جعفر «ع» فأعینوا بورع و اجتهاد.
[4] فی ج 2 ئل باب 163 تحریم المعونة علی قتل المؤمن من العشرة، و ج 3 ئل باب 2 تحریم الاشتراک فی القتل المحرم من القصاص، و ج 8 سنن البیهقی ص 22: من أعان علی قتل مؤمن بشطر کلمة لقی اللّه و بین عینیه مکتوب: آیس من رحمة اللّه.
______________________________
(1) راجع ج 2 المستدرک ص 389.
(2) راجع ج 3 الوافی باب تذاکر الاخوان ص 116.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 178
العافیة فأعانتک علی الطاعة). و فی الصحیفة الکاملة السجادیة فی دعائه علیه السلام فی طلب الحوائج (و اجعل ذلک عونا لی) و أیضا یقال: الصوم عون للفقیر، و الثوب عون للإنسان، و سرت فی الماء و أعاننی الماء و الریح علی السیر، و أعانتنی العصا علی المشی، و کتبت باستعانة القلم، الی غیر ذلک من الاستعمالات الکثیرة الصحیحة، و دعوی کونها مجازات جزافیة لعدم القرینة علیها.
و نتیجة جمیع ذلک أنه لا یعتبر فی تحقق مفهوم الإعانة علم المعین بها. و لا اعتبار الداعی إلی تحققها، لبدیهة صدق الإعانة علی الإثم علی إعطاء العصا لمن یرید ضرب الیتیم و ان لم یعلم بذلک، أو علم و لم یکن إعطاؤه بداعی وقوع الحرام کما لا یخفی.
و یدل علی ما ذکرناه ما تقدمت الإشارة إلیه من أن القصد سواء کان بمعنی الإرادة و الاختیار أم بمعنی الالتفات لا یعتبر فی مفهوم الإعانة.
و علی الجملة لا نعرف وجها صحیحا لاعتبار القصد بأی معنی کان فی صدق الإعانة، و من هنا لا نظن أن أحدا ینکر تحقق الإعانة بإعطاء السیف أو العصا لمن یرید الظلم أو القتل و لو کان المعطی غیر ملتفت الی ضمیر مرید الظلم أو القتل، أو کان غافلا عنه. نعم لو نسب ذلک الی الفاعل المختار انصرف الی صورة العلم و الالتفات.
و أما الأمر الثانی فالذی یوافقه الاعتبار و یساعد علیه الاستعمال هو تقیید مفهوم الإعانة بحسب الوضع بوقوع المعان علیه فی الخارج، و منع صدقها بدونه. و من هنا لو أراد شخص قتل غیره بزعم أنه مصون الدم، و هیأ له ثالث جمیع مقدمات القتل، ثم أعرض عنه مرید القتل، أو قتله ثم بان أنه مهدور الدم فإنه لا یقال: إن الثالث أعان علی الإثم بتهیئة مقدمات القتل، کما لا تصدق الإعانة علی التقوی إذا لم یتحقق المعان علیه فی الخارج، کما إذا رأی شبحا یغرق فتوهم أنه شخص مؤمن فأنقذه إعانة منه له علی التقوی فبان أنه خشبة و قد یمنع من اعتبار وقوع المعان علیه فی الخارج فی مفهوم الإعانة و صدقها، بدعوی أنه لو أراد رجلا التهجم علی بیضة الإسلام أو علی قتل النفوس المحترمة فهیأ لهما آخران جمیع مقدمات القتال فمضی أحدهما و ندم الآخر، فإنه لا شبهة فی استحقاق کل من المهیئین الذم و اللوم من جهة الإعانة علی الإثم و إن تحقق الفعل المعان علیه فی أحدهما و لم یتحقق فی الآخر، فلو کان ذلک شرطا فی صدق الإعانة لم یتوجه الذم إلا علی الأول.
و فیه أن الصادر من النادم لیس إلا التجری، و هو علی تقدیر الالتزام بقبحه و استحقاق العقاب علیه لا یصدق علیه الإثم لتکون الإعانة علیه إعانة علی الإثم. و أما إذا قلنا بعدم استحقاق العقاب علیه فان الأمر أوضح، مع أنه لا مضایقة فی صحة ذم معینة، بل فی صحة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 179
عقابه أیضا بناء علی حرمة الإعانة علی الإثم و صحة العقاب علی التجری، فإن المعین حینئذ یری نفسه عاصیا لتخیله أنه معین علی الإثم فهو متجر فی فعله، و المفروض أن التجری یوجب استحقاب العقاب.
و قد تجلی من جمیع ما ذکرناه ما فی بقیة الوجوه و الأقوال المتقدمة من الوهن و الخلل.
کما اتضح ضعف ما أورده المصنف علی بعض معاصریه من أن (حقیقة الإعانة علی الشی‌ء هو الفعل بقصد حصول ذلک الشی‌ء سواء حصل فی الخارج أم لا، و من اشتغل ببعض مقدمات الحرام الصادر من الغیر بقصد التوصل الیه فهو داخل فی الإعانة علی الإثم.
ثم لا یخفی: أن عنوان الإعانة کما یتوقف علی تحقق الفعل المعان علیه فی الخارج فکذلک یتوقف علی تحقق المعین و المعان: بأن یکونا مفروضی الوجود مع قطع النظر عن تحقق الإعانة فی الخارج لیقع فعل المعین فی سلسلة مقدمات فعل المعان، فیکون عنوان الإعانة بهذا الاعتبار من الأمور الإضافیة، و علیه فإیجاد موضوع الإعانة کتولید المعین مثلا خارج عن حدودها. و إلا لحرم التناکح و التناسل. للعلم العادی بأن فی نسل الإنسان فی نظام الوجود من یرتکب المعاصی، و تصدر منه القبائح.
و أما مسیر الحاج و متاجرة التاجر مع العلم بأخذ المکوس و الکمارک، و هکذا عدم التحفظ علی المال مع العلم بحصول السرقة کلها داخل فی عنوان الإعانة، فإنه لا وجه لجعل أمثالها من قبیل الموضوع للإعانة و خروجها عن عنوانها، کما زعمه شیخنا الأستاذ و المحقق الایروانی، کما لا وجه لما ذهب الیه المصنف (ره) من إخراجها عن عنوان الإعانة من حیث إن التاجر و الحاج غیر قاصدین لتحقق المعان علیه، لما عرفت من عدم اعتبار القصد فی صدقها.
و قد ظهر من مطاوی جمیع ما ذکرناه: أن المدار فی عنوان الإعانة هو الصدق العرفی، و علیه فلا یفرق فی ذلک بین المقدمات القریبة و المقدمات البعیدة، و لذلک صح إطلاق المعین علی من تسبب فی قضاء حوائج الغیر و لو بوسائط بعیدة.

حکم الإعانة علی الإثم

اشارة

ما حکم الإعانة علی الإثم؟ الظاهر جواز ذلک لانه مقتضی الأصل الاولی، و لا دلیل یثبت حرمة الإعانة علی الإثم و إن ذهب المشهور و بعض العامة [1] إلی الحرمة، و علیه
______________________________
[1] فی ج 24 المبسوط للسرخسی ص 26 عن أبی یوسف و محمد إن بیع العصیر و العنب ممن یتخذه خمرا إعانة علی المعصیة و تمکین منها و ذلک حرام و إذا امتع البائع من البیع-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 180
فالحکم هو جواز الإعانة علیه إلا ما خرج بالدلیل، کإعانة الظالمین و إعانة أعوانهم و تهیئة مقدمات ظلمهم، لاستفاضة الروایات علی حرمة إعانتهم و تقویتهم و تعظیم شوکتهم و لو بمدة قلم أو بکتابة رقعة أو بجبایة خراج و نحوها، و سیأتی هذه الروایات فی البحث عن معونة الظالمین، بل الحرمة فی هذا النحو من الإعانة مما استقل به العقل، و قامت علیه ضرورة العقلاء، بل قال فی العروة فی مسألة 29 من صلاة المسافر: إنه لو کانت تبعیة التابع إعانة للجائر فی جوره وجب علیه التمام و إن کان سفر الجائر طاعة فإن التابع حینئذ یتم مع أن المتبوع یقصر.
قوله بعموم النهی عن التعاون علی الإثم و العدوان.
أقول: استدلوا علی حرمة الإعانة علی الإثم بوجوه، الوجه الأول: قوله تعالی «1»: (وَ تَعٰاوَنُوا عَلَی الْبِرِّ وَ التَّقْویٰ وَ لٰا تَعٰاوَنُوا عَلَی الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ). فان ظاهرها حرمة المعاونة علی الإثم و العدوان مطلقا.
و فیه أن التعاون عبارة عن اجتماع عدة من الأشخاص لإیجاد أمر من الخیر أو الشر لیکون صادرا من جمیعهم، کنهب الأموال و قتل النفوس و بناء المساجد و القناطر. و هذا بخلاف الإعانة فإنها من الافعال، و هی عبارة عن تهیئة مقدمات فعل الغیر مع استقلال ذلک الغیر فی فعله، و علیه فالنهی عن المعاونة علی الإثم لا یستلزم النهی عن الإعانة علی الإثم فلو عصی أحد فأعانه الآخر فإنه لا یصدق علیه التعاون بوجه، فان باب التفاعل یقتضی صدور المادة من کلا الشخصین، و من الظاهر عدم تحقق ذلک فی محل الکلام.
نعم قد عرفت فیما سبق حرمة التسبیب الی الحرام و جعل الداعی إلیه، لکن حرمة ذلک لا تستلزم الحرمة فی المقام.
الوجه الثانی: ادعاء الإجماع علی ذلک. و فیه أنها دعوی جزافیة، لاحتمال کون مدرک المجمعین هی الوجوه المذکورة فی المسألة، فلا یکون إجماعا تعبدیا. مضافا الی عدم حجیة الإجماع المنقول فی نفسه.
الوجه الثالث: أن ترک الإعانة علی الإثم دفع للمنکر، و دفع المنکر واجب کرفعه، و الیه أشار المحقق الأردبیلی فی محکی کلامه، حیث استدل علی حرمة بیع العنب فی المسألة
______________________________
- یتعذر علی المشتری اتخاذ الخمر فکان فی البیع منه تهیج الفتنة و فی الامتناع تسکینها.
و فی ج 2 فقه المذاهب ص 52 عن الحنابلة کلما أفضی إلی محرم فهو حرام.
و فی ج 8 الهدایة ص 127 و یکره بیع السلاح فی أیام الفتنة لأنه تسبیب إلی المعصیة
______________________________
(1) سورة المائدة، آیة: 3.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 181
بأدلة النهی عن المنکر، و استشهد له المصنف بروایة أبی حمزة [1] عن أبی عبد اللّه «ع» من أنه لو لا أن بنی أمیة وجدوا لهم من یکتب و یجبی لهم الفی‌ء و یقاتل عنهم و یشهد جماعتهم لما سلبوا حقنا).
و فیه أولا: أن الاستدلال بدفع المنکر هنا إنما یتجه إذا علم المعین بانحصار دفع الإثم بترکه الإعانة علیه، و أما مع الجهل بالحال، أو العلم بوقوع الإثم بإعانة الغیر علیه فلا یتحقق مفهوم الدفع.
و ثانیا: أن دفع المنکر إنما یجب إذا کان المنکر مما اهتم الشارع بعدم وقوعه، کقتل النفوس المحترمة، و هتک الاعراض المحترمة، و نهب الأموال المحترمة، و هدم أساس الدین و کسر شوکة المسلمین، و ترویج بدع المضلین و نحو ذلک، فان دفع المنکر فی هذه الأمثلة و نحوها واجب بضرورة العقل و اتفاق المسلمین، و قد ورد الاهتمام به فی بعض الأحادیث [2] و أما فی غیر ما یهتم الشارع بعدمه من الأمور فلا دلیل علی وجوب دفع المنکر، و علی کلا الوجهین فالدلیل أخص من المدعی.
و أما النهی عن المنکر فإنه و إن کان سبیل الأنبیاء و منهاج الصلحاء و فریضة عظیمة بها تقام الفرائض و تحل المکاسب و ترد المظالم، إلا أنه لا یدل علی وجوب دفع المنکر، فان معنی دفع المنکر هو تعجیز فاعله عن الإتیان به و إیجاده فی الخارج سواء ارتدع عنه باختیاره أم لم یرتد، و النهی عن المنکر لیس إلا ردع الفاعل و زجره عنه علی مراتبه المقررة فی الشریعة المقدسة. و علی الإجمال: إنه لا وجه لقیاس دفع المنکر علی رفعه. و أما روایة أبی حمزة فمضافا الی ضعف السند فیها أنها أجنبیة عن رفع المنکر فضلا عن دفعه، لاختصاصها بحرمة إعانة الظلمة.
قال المحقق الایروانی: (الرفع هنا لیس إلا الدفع فمن شرع بشرب الخمر فبالنسبة إلی جرعة شرب لا معنی للنهی عنه و بالنسبة الی ما لم یشرب کان النهی دفعا عنه).
______________________________
[1] هذه الروایة ضعیفة لإبراهیم بن إسحاق الأحمری. راجع ج 2 ئل باب 76 وجوب رد المظالم إلی أهلها مما یکتسب به.
[2] فی ج 2 التهذیب ص 451. و ج 3 ئل باب 17 حکم من أمسک رجلا فقتله آخر من أبواب القصاص. عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» إن ثلاثة نفر رفعوا الی أمیر المؤمنین «ع» واحد منهم أمسک رجلا و أقبل الآخر فقتله و الآخر یراهم فقضی فی الرؤیة «و فی بعض النسخ الربیئة» أن تسمل عیناه و فی الذی أمسک أن یسجن حتی یموت کما أمسکه و قضی فی الذی قتل أن یقتل. ضعیفة للنوفلی.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 182
و فیه أن مرجع الرفع و إن کان الی الدفع بالتحلیل و التدقیق إلا أن الاحکام الشرعیة و موضوعاتها لا تبتنی علی التدقیقات العقلیة، و لا شبهة فی صدق رفع المنکر فی العرف و الشرع علی منع العاصی عن إتمام المعصیة التی ارتکبها بخلاف الدفع.
قوله و توهم أن البیع حرام علی کل أحد فلا یسوغ لهذا الشخص فعله معتذرا بأنه لو ترکه لفعله غیره.
أقول: محصل الاشکال ما ذکره المحقق الایروانی: من أن النهی عن الطبیعة ینحل إلی نواهی متعددة حسب تعدد أفراد تلک الطبیعة علی سبیل العموم الاستغراقی فکان کل فرد تحت نهی مستقل، و علی هذا فترک بیع فرد من العنب دفع لتخمیر هذا الفرد و إن علم أن عنبا آخر یباع و یخمر لو لم یبع هو هذا، فإذا تراکمت التروک بترک هذا للبیع و ترک ذاک له و هکذا حصل ترک التخمیر رأسا، و کان کل ترک مقدمة لترک فرد من الحرام، لا أن مجموع التروک یکون مقدمة لترک حرام واحد.
و فیه أن النهی إنما ینحل إلی أفراد الطبیعة، لأن معنی النهی عن الشی‌ء عبارة عن الزجر عنه، لما فیه من المفسدة الإلزامیة، فإذا توجه النهی إلی طبیعة ما و کان کل واحد من أفرادها مشتملا علی المفسدة الإلزامیة فلا محالة ینحل ذلک النهی إلی نواهی عدیدة حسب تعدد الافراد، و أما فی مثل المقام فإن منشأ النهی فیه هو أن لا یتحقق الإثم فی الخارج، فالغرض منه إنما هو الوصول الی ذلک، فإذا علم صدور الإثم فی الخارج و لو مع ترک الإعانة من شخص خاص فلا موجب لحرمتها، و هذا کما إذا نهی المولی عبیده عن الدخول علیه فی ساعة عینها لفراغه، فان غرضه یفوت إذا دخل علیه واحد منهم، فترتفع المبغوضیة عن دخول غیره.
و یدلنا علی ذلک ما فی الروایات المتقدمة من تجویزهم علیهم السلام بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یصنعها خمرا، إذ لو لم تدل تلک الروایات علی عدم حرمة الإعانة علی الإثم مطلقا فلا أقل من دلالتها علی عدم الحرمة فیما إذا علم المعین تحقق الحرام فی الخارج علی کل حال.
إذن فما نحن فیه من قبیل رفع الحجر الثقیل الذی لا یرفعه إلا جماعة من الناس، فان الوجوب یرتفع عن الجماعة بمخالفة شخص واحد منهم، و هکذا ما نحن فیه، لان عدم تحقق المعصیة من مشتری العنب یتوقف علی ترک کل أرباب العنب للبیع، لان ترک المجموع سبب واحد لترک المعصیة، کما أن بیع أی واحد منهم علی البدل شرط لتحقق المعصیة من المشتری.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 183

تتمیم و فیه تأسیس

قد عرفت فیما تقدم: أن جواز الإعانة علی الإثم هو مقتضی الأصل لعدم الدلیل علی التحریم، و یمکن الاستدلال علیه مضافا الی ذلک بأمور:
الأول: انه لو لم تجز الإعانة علی الإثم لما جاز سقی الکافر، لکونه إعانة علی الإثم، لتنجس الماء بمباشرته إیاه، فیحرم علیه شربه، لکن السقی جائز، لقوله «ع»: (إن اللّه یحب إیراد الکبد الحرا). علی ما تقدم تفصیله فی البحث عن بیع المیتة المختلطة مع المذکی «1» فتجوز الإعانة علی الإثم. و الاعتذار عن ذلک بعدم قدرتهم علی شرب الماء الطاهرة فی حال الکفر اعتذار غیر موجه، إذ الامتناع بالاختیار لا ینافی الاختیار.
الثانی: أنک علمت سابقا استفاضة الروایات علی جواز بیع العنب و التمر و عصیرهما ممن یجعلها خمرا، و جواز بیع الخشب ممن یجعله برابط، و من الواضح جدا کون هذا البیع إعانة علی الإثم، و من أنکره فإنما أنکره بلسانه، أو هو مکابر لوجدانه، و بعدم القول بالفصل یثبت الجواز فی غیر موارد الروایات.
علی أن فی بعضها إشعارا إلی کلیة الحکم، و عدم اختصاصه بالأمور المذکورة فیها، کقول الصادق «ع» فی روایة أبی بصیر: (إذا بعته قبل أن یکون خمرا فهو حلال فلا بأس به). و فی روایة الحلبی عن بیع العصیر ممن یجعله حراما (فقال: لا بأس به تبیعه حلالا فیجعله حراما أبعده اللّه و أسحقه). و فی روایة ابن أذینة عن بیع العنب و التمر ممن یعلم أنه یجعله خمرا (فقال: إنما باعه حلالا فی الإناء الذی یحل شربه أو أکله فلا بأس ببیعه). فان الظاهر من هذه الروایات أن المناط فی صحة البیع هی حلیة المبیع للبائع حین البیع و إن کان بیعه هذه إعانة علی المحرم، و مثل هذه الروایات غیرها أیضا.
الثالث: قیام السیرة القطعیة علی الجواز، ضرورة جواز المعاملة مع الکفار و غیر المبالین فی أمر الدین من المسلمین ببیع الطعام منهم و لو کان متنجسا کاللحم و إعارة الأوانی إیاهم للطبخ و غیره، مع أنه إعانة علی أکل الطعام المتنجس بمباشرتهم إیاه، و وجوب تمکین الزوجة للزوج و إن علمت بعدم اغتساله عن الجنابة، فیکون التمکین إعانة علی الإثم، و أیضا قامت السیرة القطعیة علی جواز تجارة التاجر و مسیر الحاج و الزرار و إعطائهم الضربة المعینة للظلمة، مع أنه من أظهر مصادیق الإعانة علی الإثم.
و أیضا قضت الضرورة بجواز إجارة الدواب و السفن و السیارات و الطیارات من
______________________________
(1) ص 75.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 184
المسافرین، مع العلم إجمالا بأن فیهم من یقصد فی رکوبه معصیة. و أیضا قامت السیرة القطعیة علی جواز عقد الأندیة و المجالس لتبلیغ الاحکام، و إقامة شعائر الافراح و الأحزان بل علی وجوبها فی بعض الأحیان إذا توقف علیها إحیاء الدین و تعظیم الشعائر، مع العلم بوقوع بعض المعاصی فیها من الغیبة و الاستهزاء و الکذب و الافتراء و نظر کل من الرجال و النساء الی من لا یجوز النظر الیه و غیرها من المعاصی.
قوله ثم إنه یمکن التفصیل فی شروط الحرام المعان علیها بین ما ینحصر فائدته و منفعته عرفا فی المشروط المحرم.
أقول: قد ظهر مما ذکرناه أن المیزان فی حرمة المقدمة هو کونها سببا لوقوع ذی المقدمة، و إلا فلا وجه للتحریم و ان انحصرت فائدته فی الحرام.
قوله و إنما الثابت من العقلاء و العقل القاضی بوجوب اللطف وجوب رد من هم بها
أقول: إن کان المنکر مثل قتل النفس و نحوه مما یهتم الشارع بعدم تحققه فلا ریب فی وجوب رفعه، بل دفعه شرعا و عقلا کما تقدم، و أما فی غیر الموارد التی یهتم الشارع بعدم تحققها فلا وجه لدعوی الوجوب العقلی فیها و ان ادعاه المشهور مطلقا، لمنع استقلال العقل بذلک فی جمیع الموارد، و لذا ذهب جمع من المحققین [1] الی الوجوب الشرعی.

حرمة الإعانة علی الإثم کحرمة الکذب تقبل التخصیص

إن حرمة الإعانة علی الإثم علی فرض ثبوتها هل تقبل التخصیص و التقیید أم لا؟ قد ظهر من مطاوی ما ذکرناه أن حرمة ذلک علی فرض ثبوتها إنما هی کحرمة الکذب تقبل التخصیص و التقیید، و تختلف بالوجوه و الاعتبار، و لیست هی کحرمة الظلم التی لا تختلف بذلک قال شیخنا الأستاذ: (لا إشکال فی عدم إمکان تخصیصها بعد تحقق موضوعها. لان هذه من العناوین الغیر القابلة للتخصیص، فإنها کنفس المعصیة و کالظلم، فإنه کما لا یمکن أن یکون معصیة خاصة مباحة فکذلک لا یمکن أن تکون الإعانة علی المعصیة مباحة، فما عن الحدائق بعد ما حکی عن الأردبیلی (ره) من القول بالحرمة فی مسألتنا من جهة کونها إعانة علی الإثم من أنه جید فی حد ذاته لو سلم من المعارضة بأخبار الجواز لا وجه له لانه لو کان بیع العنب ممن یعلم بأنه یعمله خمرا داخلا فی عنوان الإعانة فلا یمکن أن یدل دلیل
______________________________
[1] قال الحکیم الطوسی (ره) فی آخر التجرید: الأمر بالمعروف واجب، و کذا النهی عن المنکر، و بالمندوب مندوب سمعا، و إلا لزم ما هو خلاف الواقع، و الإخلال بحکمته تعالی، و تبعه فی هذا الرأی شراح التجرید کالعلامة و القوشجی و غیرهما.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 185
علی جواز فمع ورود الدلیل علی الجواز نستکشف بأنه لیس داخلا فی هذا العنوان).
و لکن الوجوه المتقدمة الدالة علی الجواز حجة علیه، و من هنا لو أکره الجائر أحدا علی الإعانة علی الإثم أو اضطر إلیها فإنه لا شبهة حینئذ فی جوازها، و لو کانت حرمتها کحرمة الظلم لا تختلف بالوجوه و الاعتبار، و لا تقبل التخصیص و التقیید لما کانت جائزة فی صورتی الإکراه و الاضطرار أیضا.
قوله و قد تلخص مما ذکرنا أن فعل ما هو من قبیل الشرط لتحقق المعصیة من الغیر من دون قصد توصل الغیر به الی المعصیة غیر محرم
أقول: بعد ما علمت أنه لا دلیل علی حرمة الإعانة علی الإثم، و لا علی اعتبار القصد فی مفهوم الإعانة، و لا فی حکمها فلا وجه لما ذهب الیه المصنف و أتعب به نفسه من التطویل و التقسیم. ثم علی القول: بحرمة الإعانة علی الإثم فلا وجه للحکم بحرمة البیع فی شی‌ء من الشقوق التی ذکرها المصنف، إذا الإعانة علی الإثم إنما تتحقق بالتسلیم و التسلم فی الخارج، و من الواضح أن بینهما و بین البیع عموما من وجه.
قوله و إن علم أو ظن عدم قیام الغیر سقط عنه وجوب الترک.
أقول: إذا کان البیع علی تقدیر ترک الآخرین محرما فلا إشکال فی ارتفاع الحرمة عند العلم ببیع غیره، و أما مع الشک فیه فلا مانع من استصحاب ترکه. و الحکم بحرمة البیع، و أما الظن ببیع الغیر فما لم تثبت حجیته لا یغنی من الحق شیئا.
قوله ثم کل مورد حکم فیه بحرمة البیع من هذه الموارد الخمسة فالظاهر عدم فساد البیع.
أقول: توضیح کلامه: أنه لا ملازمة بین الحرمة التکلیفیة و الحرمة الوضعیة فی المعاملات، فالبیع وقت النداء لصلاة الجمعة مثلا صحیح و إن کان محرما بالاتفاق.
و لو سلمنا الملازمة بینهما فلا نسلمها فیما إذا تعلق النهی بعنوان عرضی ینطبق علی البیع، کتعلقه بعنوان الإعانة فی بیع العنب ممن یعلم أنه یجعله خمرا، إذ بین عنوان الإعانة علی الإثم و بین البیع عموم من وجه. و علی القول بالفساد مطلقا أو فی الجملة فلا یفرق فی ذلک بین علم المتبایعین بالحال و بین علم أحدهما مع جهل الآخر، فان حقیقة البیع عبارة عن المبادلة بین العوض و المعوض فی جهة الإضافة، فإذا بطل من أحد الطرفین بطل من الطرف الآخر أیضا، إذ لا یعقل التبعیض من حیث الصحة و الفساد فی بیع واحد، کما هو واضح.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 186

[القسم الثالث] حرمة بیع السلاح من أعداء الدین

اشارة

قوله القسم الثالث ما یحرم لتحریم ما یقصد منه شأنا بمعنی أن من شأنه أن یقصد منه الحرام.
أقول: هذا العنوان یعم جمیع الأشیاء و لو کانت مباحة، إذ ما من شی‌ء إلا و له شأنیة الانتفاع به بالمنافع المحرمة، فلا یصح أن یجعل عنوانا للبحث، و لا بد من تخصیصه بالموارد المنصوصة، و لذا خصه الفقهاء ببیع السلاح من أعداء الدین.
ثم إن تحقیق هذه المسألة یقع فی ناحیتین، الناحیة الاولی: فی حرمة بیعه و جوازه فی الجملة أو مطلقا، و الأقوال فی ذلک و إن کانت کثیرة قد أنهاها السید فی حاشیته الی ثمان إلا أن الأظهر منها هی حرمة بیعه من الکفار مطلقا و من المخالفین عند محاربتهم مع الشیعة الناجیة. و ذهب بعض العامة [1] إلی حرمة بیعه فی حال الفتنة.
و فصل المصنف (ره) بین حالتی الحرب و الصلح، فذهب إلی الحرمة فی الاولی، و الی الجواز فی الثانیة، و ملخص کلامه: أن الروایات الواردة فی المقام علی طوائف، الاولی [2]
______________________________
[1] فی ج 8 هدایة ص 127: و یکره بیع السلاح فی أیام الفتنة ممن یعرف أنه من أهل الفتنة لأنه تسبیب إلی المعصیة. و فی ج 4 هدایة و شرح فتح القدیر ص 297: و لا ینبغی أن یباع السلاح من أهل الحرب و لا یجهز إلیهم لأن النبی (ص) نهی عن بیع السلاح من أهل الحرب و حمله إلیهم، و لان فیه تقویتهم علی قتال المسلمین فیمنع من ذلک، و کذا الکراع لما بینا و کذلک الحدید لأنه أصل السلاح، و کذا بعد الموادعة.
و فی ج 5 سنن البیهقی ص 327 عن عمران بن حصین قال: نهی رسول اللّه (ص) عن بیع السلاح فی الفتنة.
[2] فی ج 1 کا ص 359. و ج 2 التهذیب ص 107. و ج 10 الوافی ص 29.
و ج 2 ئل باب 35 تحریم بیع السلاح لأعداء الدین مما یکتسب به. عن الحضرمی قال:
دخلنا علی أبی عبد اللّه «ع» فقال له حکم السراج: ما تری فیما یحمل الی الشام من السروج و أداتها؟ فقال: لا بأس أنتم الیوم بمنزلة أصحاب رسول اللّه إنکم فی هدنة فإذا کانت المبائنة حرم علیکم أن تحملوا إلیهم السروج و السلاح. ضعیفة للحضرمی.
و عن هند السراج قال: قلت لأبی جعفر «ع»: أصلحک اللّه انی کنت أحمل السلاح الی أهل الشام فأبیعه منهم فلما أن عرفنی اللّه هذا الأمر ضقت بذلک و قلت: لا أحمل إلی أعداء اللّه؟ فقال لی: احمل إلیهم فإن اللّه عز و جل یدفع بهم عدونا و عدوکم- یعنی الروم- و بعهم فإذا کانت الحرب بیننا فلا تحملوا فمن حمل الی عدونا سلاحا یستعینون به علینا-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 187
ما دل علی جواز بیعه من أعداء الدین فی حال الهدنة الثانیة [1] ما دل علی جواز بیعه منهم مطلقا، الثالثة [2] ما دل علی حرمة بیعه منهم کذلک.
و یمکن الجمع بینها بحمل الطائفة المانعة علی صورة قیام الحرب بینهم و بین المسلمین، و حمل الطائفة المجوزة علی صورة الهدنة فی مقابل المبائنة و المنازعة، و شاهد الجمع الطائفة الأولی المفصلة بین الحالتین «الهدنة و المنازعة».
و عن الشهید فی حواشیه انه لا یجوز مطلقا، لان فیه تقویة الکافر علی المسلم، فلا یجوز
______________________________
- فهو مشرک مجهولة لأبی سارة.
أقول: قد کثر من الرواة خطاب الأئمة علیهم السلام بکلمة أصلحک اللّه، و المراد بذلک هو مطالبة إصلاح الشؤون الدنیویة، لا الأمور الأخرویة، و تغییر حال الجور و الظلم الی حال العدل و الانصاف لکی یلزم منه جهل القائل بمقامهم، و إلا لم یقدر أحد علی خطاب سلاطین الجور بذلک مع أنه کان مرسوما فی الزمن السابق.
و عن السراد عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قلت له: انی أبیع السلاح، قال: لا تبعه فی فتنة. أقول: ان کان المراد بالسراد هو ابن محبوب المعروف هو لا یروی عن الصادق «ع» بلا واسطة، و ان کان المراد منه غیره فلا بد و أن یبحث فی حاله، هذا علی نسخة الکافی و التهذیب، و فی الاستبصار عن السراد عن رجل، و علیه فلا شبهة فی ضعف الروایة، و فی الوسائل «نسخة عین الدولة» عن السراج و هو غلط جزما لاتفاق جمیع النسخ علی خلافه
[1] فی ج 2 التهذیب ص 114. و ج 10 الوافی ص 29. و ج 2 ئل باب 35 تحریم بیع السلاح لأعداء الدین مما یکتسب به. عن أبی القاسم الصیقل قال: کتبت الیه انی رجل صیقل اشتری السیوف و أبیعها من السلطان أ جائز لی بیعها؟ فکتب «ع» لا بأس به مجهولة لأبی القاسم.
[2] فی ج 23 البحار ص 18. و الباب 35 المتقدم من ج 2 ئل. عن علی بن جعفر فی کتابه عن أخیه موسی بن جعفر «ع» قال: سألته عن حمل المسلمین الی المشرکین التجارة؟
قال: إذا لم یحملوا سلاحا فلا بأس. صحیحة.
و عن الصدوق فیما أوصی به النبی (ص) یا علی کفر باللّه العظیم من هذه الأمة عشرة:
(1) القتال (2) و الساحر، (3) و الدیوث، (4) و ناکح المرأة حراما فی دبرها، (5) و ناکح البهیمة، (6) و من نکح ذات محرم منه، (7) و الساعی فی الفتنة، (8) و بائع السلاح من أهل الحرب، (9) و مانع الزکاة، (10) و من وجد سعة فمات و لم یحج. مجهولة لحماد بن عمرو و أنس بن محمد و أبیه.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 188
علی کل حال، و یرد علیه أولا: أنه لا یمکن المساعدة علی دلیله، لان بیع السلاح علیهم قد لا یوجب تقویتهم علی المسلمین، لإمکان کونه فی حال الصلح، أو عند حربهم مع الکفار الآخرین، أو کان مشروطا بأن لا یسلمه إیاهم إلا بعد الحرب.
و ثانیا: أن رأیه هذا شبه اجتهاد فی مقابل النص، فإنه أخذ بظهور المطلقات الدالة علی المنع، و ترک للعمل بالمقید الذی هو نص فی مفهومه، و هو و إن لم یکن اجتهادا فی مقابل النص، و لکنه شبیه بذلک. انتهی حاصل کلام المصنف.
و لکن الظاهر أن ما ذهب الیه الشهید (ره) وجیه جدا، و لا یرد علیه شی‌ء مما ذکره المصنف لوجوه، الأول: أن ما جعله وجها للجمع بین المطلقات لا یصلح لذلک، فان مورده هم الجائرون من سلاطین الإسلام، کما دل علیه السؤال فی روایتی الحضرمی و هند السراج عن حمل السلاح الی أهل الشام، «و قد ذکرناهما فی الهامش» إذ لا شبهة فی إسلامهم فی ذلک الزمان و إن کانوا مخالفین، فتکون الطائفة الأولی المفصلة بین الهدنة و قیام الحرب مختصة بغیر الکفار من المخالفین فلا یجوز بیعه منهم عند قیام الحرب بینهم و بین الشیعة، و اما فی غیر تلک الحالة فلا شبهة فی جوازه خصوصا عند حربهم مع الکفار، لان اللّه یدفع بهم أعداءه، و أما المطلقات فأجنبیة عن الطائفة المفصلة لاختصاصها بالمحاربین من الکفار و المشرکین الثانی: أنه لا وجه لرد کلام الشهید تارة برمیه الی شبه الاجتهاد فی مقابل النص، و اخری بتضعیف دلیله، أما الأول فلانه لا مناص هنا من العمل بالمطلقات لما عرفت من عدم صلاحیة الطائفة المفصلة للتقیید، فلا یکون ترک العمل بها و الأخذ بالمطلقات شبه اجتهاد فی مقابل النص، و أما الثانی فلان تقویة شخص الکافر بالسقی و نحوه و إن کان جائزا، إلا أن تقویته لجهة کفره غیر جائزة قطعا، و من الواضح أن تمکین المشرکین و المحاربین من السلاح یوجب تقویتهم علی المسلمین، بل ربما یستقل العقل بقبح ذلک، لان تقویتهم تؤدی الی قتل النفوس المحترمة.
ثم إن هذا کله لو تقارن البیع مع التسلیم و التسلم الخارجی، و إلا فلا شبهة فی جوازه، لما عرفت من أن بین البیع و عنوان الإعانة عموما من وجه، فلا یلزم من البیع المجرد تقویة الکافر علی الإسلام.
الثالث: أنه قد أمر فی الآیة الشریفة «1» بجمع الأسلحة و غیرها، للاستعداد و التهیئة الی إرهاب الکفار و قتالهم، فبیعها منهم و لو فی حال الهدنة نقض للغرض، فلا یجوز.
______________________________
(1) سورة الأنفال، آیة 62، قوله تعالی: (وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِبٰاطِ الْخَیْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّٰهِ وَ عَدُوَّکُمْ وَ آخَرِینَ مِنْ دُونِهِمْ لٰا تَعْلَمُونَهُمُ اللّٰهُ یَعْلَمُهُمْ).
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 189
و أما ما دل علی الجواز فإنه لضعف سنده لا یقاوم الروایات المانعة، و یضاف إلیه أنه ظاهر فی سلاطین الجور من أهل الخلاف.
ثم إن السید (ره) فی حاشیته احتمل دخول هذا القسم الذی هو مورد بحثنا تحت الإعانة علی الإثم بناء علی عدم اعتبار القصد فیها، و کون المدار فیها هو الصدق العرفی، لحصول الصدق فی المقام، و حینئذ فیتعدی الی کل ما کان کذلک، و یؤیده قوله «ع»: یستعینون به علینا.
و فیه أن الإعانة علی الإثم و إن لم یعتبر فی مفهومها القصد، إلا انک قد عرفت أنها لیست محرمة فی نفسها و علی القول بحرمتها فبینها و بین ما نحن فیه عموم من وجه کما هو واضح، و أما قوله «ع» فی روایة هند السراج المتقدمة فی الهامش: (فمن حمل الی عدونا سلاحا یستعینون به علینا فهو مشرک). فخارج عن حدود الإعانة علی الإثم. و إنما یدل علی حرمة إعانة الظلمة، و لا سیما إذا کانت علی المعصومین علیهم السلام الموجبة لزوال حقوقهم.
قوله بل یکفی مظنة ذلک بحسب غلبة ذلک مع قیام الحرب.
أقول: قد علمت أن الروایات المانعة تقتضی حرمة بیع السلاح من أعداء الدین و لو مع العلم بعدم صرفه فی محاربة المسلمین، أو عدم حصول التقوی لهم بالبیع، و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف من تقیید حرمة البیع بوجود المظنة بصرف السلاح فی الحرب لغلبة ذلک عند قیامها بحیث یصدق حصول التقوی لهم بالبیع.
الناحیة الثانیة: الظاهر شمول التحریم لمطلق آلة الحرب و حدیدتها سواء کانت مما یدفع به فی الحرب أم مما یقاتل، و ذلک لوجوه:
الأول: أن السلاح فی اللغة [1] اسم لمطلق ما یکن. فیشمل مثل: المجن «1» و الدرع
______________________________
[1] فی ج 2 تاج العروس ص 165: السلاح بالکسر و السلح کعنب و السلحان بالضم آلة الحرب. و فی المصباح: ما یقاتل به فی الحرب و یدافع، أو حدیدتها، أی ما کان من الحدید، کذا خصه بعضهم، یذکر و یؤنث، و التذکیر أعلی، لأنه یجمع علی أسلحة، و هو جمع المذکر، مثل حمار و أحمرة، و رداء و أردیة، و السلاح القوس بلا وتر، و العصا تسمی سلاحا.
و فی مجمع البحرین قوله تعالی (خذوا أسلحتکم) هی جمع سلاح بالکسر و هو ما یقاتل به فی الحرب و یدافع، و التذکیر فیه أغلب من التأنیث، و یجمع فی التذکیر علی أسلحة، و علی التأنیث سلاحات.
______________________________
(1) فی القاموس: المجن و المجنة بکسرهما الترس، و الجنة بالضم کل ما وقی.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 190
و المغفر «1» و سائر ما یکن به «2» فی الحرب.
الثانی: أنه تعالی أمر فی الآیة المتقدمة بالتهیئة و الاستعداد الی قتال الکفار و إرهابهم، فبیع السلاح منهم و لو بمثل المغفر و الدرع نقض لغرضه تعالی.
الثالث: أن تمکین الکفار من مطلق ما یکن به فی الحرب تقویة لهم فهو محرمة عقلا و شرعا کما علمت.
الرابع: أنه یحرم حمل السروج و أداتها الی أهل الشام، و بیعها منهم و الإعانة لهم عند قیام الحرب بینهم و بین الشیعة، لروایتی الحضرمی و هند السراج، فبیعها من الکفار أولی بالتحریم و لکن هذا الوجه یختص بحال الحرب، علی أن کلتا الروایتین ضعیفة السند.

وهم و دفع

قد یتوهم أن المراد بالسروج المذکورة فی روایة الحضرمی هی السیوف السریجیة، فلا تکون لها دلالة و لو بالفحوی علی حرمة بیع ما یکن من أعداء الدین.
و لکن هذا التوهم فاسد، فإنه مضافا الی أن الظاهر من کون السائل سراجا أن سؤاله متصل بصنعته (و هی عمل السروج و نقلها) فلا ربط له بالسیوف و بیعها، أن حمل السروج بالواو علی السیوف السریجیة لا تساعده القواعد اللغویة، لان السریجی یجمع علی سرجیات، لا علی سروج، و إنما السروج جمع سرج. علی أنه لا یساعده صدر الروایة، لاشتماله علی کلمة الأداة و لیست للسیف أدوات بخلاف السرج، و حملها علی أدوات السیف من الغمد و نحوه بعید جدا.
قوله بمقتضی أن التفصیل قاطع للشرکة.
أقول: قد یقال: بجواز بیع ما یکن من الکفار لصحیحة محمد بن قیس [1] عن بیع السلاح من فئتین تلتقیان من أهل الباطل؟
فقال: بعهما ما یکنهما.
______________________________
[1] فی ج 1 کا ص 359، و ج 2 التهذیب ص 107. و ج 10 الوافی ص 29.
و ج 2 ئل باب 25 تحریم بیع السلاح لأعداء الدین مما یکتسب به. قال: سألت
______________________________
(1) فی القاموس: المغفر کمنبر زرد من الدرع یلبس تحت القلنسوة، أو حلق یتقنع بها المتسلح.
(2) فی ج 9 تاج العروس ص 323: الکن بالکسر وقاء کل شی‌ء و ستره، و کن أمره عنه أخفاه، و قال بعضهم: أکن الشی‌ء ستره، و فی التنزیل العزیز: (أو أکننتم فی أنفسکم) أی أخفیتم.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 191
و فیه ما ذکره المصنف من عدم دلالتها علی المطلوب، و توضیح ذلک: أن الامام «ع» فصل بین السلاح و بین ما یکن، فلا بد و أن یکون بیع السلاح حراما بعد ما جوز الامام بیع الثانی، لأن التفصیل قاطع للشرکة فی الحکم، و إلا لکان التفصیل لغوا، و علیه فترتفع الید عن ظهور الصحیحة، و تحمل علی فریقین محقونی الدماء من أهل الخلاف، إذ لو کان کلاهما أو أحدهما مهدور الدم لم یکن وجه لمنع بیع السلاح منهم، و حینئذ فیجب ان یباع منهما ما یکن لیتحفظ کل منهما عن صاحبه، و یتترس به عنه، بل لو لم یشتروا وجب إعطاؤهم إیاه مجانا، فان اضمحلالهم یوجب اضمحلال وجهة الإسلام فی الجملة، و لذا سکت علی «ع» عن مطالبة حقه من الطغاة خوفا من انهدام حوزة الإسلام، و من هنا أفتی بعض الأعاظم فی سالف الأیام بوجوب الجهاد مع الکفار حفظا للدولة العثمانیة.
قوله ثم إن مقتضی الاقتصار علی مورد النص عدم التعدی الی غیر أعداء الدین کقطاع الطریق.
أقول: بیع السلاح من السرقة و قطاع الطریق و نحوهم خارج عن حریم بحثنا، و إنما هی من صغریات المسألة المتقدمة، فإن قلنا بحرمة الإعانة علی الإثم فلا یجوز بیعه منهم، و إلا جاز کما هو الظاهر.
قوله إلا أن المستفاد من روایة تحف العقول إباطه الحکم بتقوی الباطل و وهن الحق.
أقول: لم یذکر ذلک فی روایة تحف العقول بل المذکور فیها هی حرمة و هن الحق و تقویة الکفر، و علیه فلا یمکن التمسک بها علی حرمة بیع السلاح من قطاع الطریق و نحوهم، نعم یجوز الاستدلال علی ذلک بقوله «ع» فیها: (أو شی‌ء فیه وجه من وجوه الفساد). إلا أنک علمت فی أول الکتاب ان الروایة ضعیفة السند.
قوله ثم النهی فی هذه الاخبار لا یدل علی الفساد.
أقول: لا شبهة فی ان الحرمة الوضعیة متقومة بکون النهی إرشادیا إلی الفساد، و لا نظر له إلی مبغوضیة المتعلق، کما ان قوام الحرمة التکلیفیة بکون النهی مولویا تکلیفیا ناظرا إلی مبغوضیة متعلقة، و لا نظر له الی فساده، و عدم تأثیره، فهما لا یجتمعان فی استعمال واحد.
و أیضا النهی من حیث هو تحریم بحت لا یقتضی الفساد لا شرعا. و لا عرفا، و لا عقلا، سواء تعلق بذات المعاملة، أو بوصفها، أو بأمر خارج منطبق علیها، إذن فلا ملازمة بین الحرمة الوضعیة و الحرمة التکلیفیة علی ما عرفت مرارا عدیدة.
______________________________
أبا عبد اللّه «ع» عن الفئتین تلتقیان من أهل الباطل أبیعهما السلاح؟ فقال: بعهما ما یکنهما الدرع و الخفین و نحوه هذا. صحیحة. فی القاموس: الفئة کجعة الطائفة أصلها فی‌ء کقیع ج فئون و فئان.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 192
و علیه فان کان المراد بالنهی المتوجه إلی المعاملة هو النهی التکلیفی المولوی کما هو الظاهر منه بحسب الوضع و اللغة لدل علی خصوص الحرمة التکلیفیة، کالنهی عن البیع وقت النداء لصلاة الجمعة، إذ لیس الغرض منه إلا بیان مبغوضیة البیع.
و ان لم ترد منه المولویة التکلیفیة کان إرشادا إلی الفساد، کالنهی المتوجه إلی سائر المعاملات، أو الی المانعیة، کالنهی المتوجه الی أجزاء الصلاة.
إذا عرفت ذلک فنقول: ان النهی عن بیع السلاح من أعداء الدین لیس إلا لأجل مبغوضیة ذات البیع فی نظر الشارع، فیحرم تکلیفا فقط، و لا یکون دالا علی الفساد، و یتضح ذلک جلیا لو کان النهی عنه لأجل حرمة تقویة الکفر، لعدم تعلق النهی به، بل بأمر خارج یتحد معه.

[النوع الثالث مما یحرم الاکتساب به ما لا منفعة فیه محللة معتدا بها عند العقلاء.]

اشارة

جواز بیع ما لا نفع فیه
قوله النوع الثالث مما یحرم الاکتساب به مالا منفعة فیه محللة معتدا بها عند العقلاء.
أقول: البحث فی هذا النوع لیس علی نسق البحث فی الأنواع السابقة لنمحضه هنا لبیان الحرمة الوضعیة بخلافه فی المسألة السابقة فإن البحث فیها کان ناظرا إلی الحرمة التکلیفیة و من ذلک یعلم انه لا وجه لهذا البحث هنا إلا استطرادا فان المناسب لهذا ذکره فی شرائط العوضین و العجب من المصنف (ره) حیث ذکر عدم جواز بیع المصحف من الکافر فی شروط الصحة، مع انه اولی بالذکر هنا، لإمکان دعوی کونه حراما تکلیفا!.
ثم ان مالا نفع فیه تارة یکون لقلته کحبة من الشعیر و الحنطة و غیرهما، فان هذه الأمور و ان کانت تعد عند العرف و الشرع من الأموال، بل من مهماتها، إلا ان قلتها أخرجتها عن حدودها، و حدود إمکان الانتفاع بها. و اخری یکون لخسته و ردائته، کحشرات الأرض من العقارب و الحیات و الخنافس و الجعلان و الضفادع و الدیدان، و کبعض اقساط الطیور من بغائها «1» و النسر و الغربان و الرخم «2» و نحوها.

تحقیق و تکمیل

قد تطابقت کلمات الأصحاب علی فساد المعاملة علی ما لا نفع فیه نفعا یعتد به. قال
______________________________
(1) فی القاموس: البغاث مثلثة طائر أغبر ج کغزلان و شرار الطیور.
(2) فی القاموس: الرخم طائر من الجوارح الکبیرة الجثة الوحشیة الطباع، الواحدة رخمة ج رخم.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 193
الشیخ فی المبسوط «1»: (و إن کان مما لا ینتفع به فلا یجوز بیعه بلا خلاف مثل الأسد و الذئب و سائر الحشرات).
و فی التذکرة «2» منع عن بیع تلک الأمور لحستها، و عدم التفات نظر الشرع الی مثلها فی التقویم، و لا یثبت لأحد الملکیة علیها، و لا اعتبار بما یورد فی الخواص من منافعها، فإنها مع ذلک لا تعد مالا، و کذا عند الشافعی.
و فی الجواهر ادعی الإجماع محصلا و منقولا علی حرمة بیع ما لا ینتفع به نفعا مجوزا للتکسب به علی وجه یرفع السفه عن ذلک. و علی هذا المنهج فقهاء العامة أیضا [1] و ان جوز بعضهم بیع الحشرات و الهوام إذا کانت مما ینتفع بها.
إذا عرفت ذلک فنقول: المتحصل من کلمات الفقهاء لفساد بیع ما لا نفع فیه وجوه:
الوجه الأول: أن حقیقة البیع کما عن المصباح عبارة عن مبادلة مال بمال، فلا یصح بیع ما لیس بمال.
و فیه أولا: انه لا یعتبر فی مفهوم البیع و صدقه لغة و عرفا عنوان المبادلة بین المالین، و من هنا ذکر فی القاموس: أن کل من ترک شیئا و تمسک بغیره فقد اشتراه، و من الواضح جدا عدم تحقق الاشتراء بدون البیع، للملازمة بینهما، و لذا قال الراغب الأصفهانی الشراء و البیع یتلازمان، بل کثر فی الکتاب [2] العزیز استعمال البیع و الشراء فی غیر المبادلة المالیة.
و أما ما عن المصباح فمضافا الی عدم حجیة قوله. أنه کسائر التعاریف لیس تعریفا حقیقیا، بل لمجرد شرح الاسم. فلا یبحث فیه طردا و عکسا نقضا و إبراما.
و ثانیا: أنه لو ثبت ذلک فغایة ما یلزم منه أنه لا یمکن تصحیح البیع بالعمومات الدالة
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232: یصح بیع الحشرات و الهوام کالحیات و العقارب إذا کان ینتفع بها. و عن الحنابلة لا یصح بیع الحشرات. و فی ص 237: فإذا لم یکن من شأنه الانتفاع به کحبة من الحنطة فلا یجوز بیعه.
[2] فی مفردات الراغب: شریت بمعنی بعت أکثر. و أتبعت بمعنی اشتریت أکثر.
قال اللّه تعالی: وَ شَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ، أی باعوه، و کذلک قوله: یَشْرُونَ الْحَیٰاةَ الدُّنْیٰا بِالْآخِرَةِ. و یجوز الشراء و الاشتراء فی کل ما یحصل به شی‌ء، نحو: إِنَّ الَّذِینَ یَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّٰهِ، لٰا یَشْتَرُونَ بِآیٰاتِ اللّٰهِ، اشْتَرَوُا الْحَیٰاةَ الدُّنْیٰا، اشْتَرَوُا الضَّلٰالَةَ- إِنَّ اللّٰهَ اشْتَریٰ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغٰاءَ مَرْضٰاتِ اللّٰهِ. فمعنی یشری یبیع.
______________________________
(1) فی فصل ما یصح بیعه و ما لا یصح من فصول البیع.
(2) ج 1 ص 4 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 194
علی صحة البیع، و هو لا یمنع عن التمسک بالعمومات الدالة علی صحة العقد و التجارة عن تراض، بداهة صدقها علی تبدیل مالا نفع فیه بمثله، أو بما هو مال.
الوجه الثانی: ما عن الإیضاح من أن المعاملة علی ما لیس له نفع محلل أکل المال بالباطل فتکون فاسدة.
و فیه ما سمعته مرارا من أن الآیة أجنبیة عن بیان شرائط العوضین، بل هی ناظرة إلی تمییز الأسباب الصحیحة للمعاملة عن الأسباب الفاسدة لها، و علیه فلا یکون الأکل فی محل الکلام من أکل المال بالباطل بعد کون سببه تجارة عن تراض.
الوجه الثالث: أن بیع مالا نفع فیه من المعاملات السفهیة فهی فاسدة. و فیه أنه ممنوع صغری و کبری، أما الوجه فی منع الصغری فهو أن المعاملة إنما تکون سفهیة إذا انتفت عنها الأغراض النوعیة و الشخصیة کلتیهما، و لیس المقام کذلک، إذ ربما تتعلق الأغراض الشخصیة باشتراء مالا نفع فیه من الحشرات و غیرها، و هی کافیة فی خروج المعاملة عن السفهیة، و أما الوجه فی منع الکبری فلانه لا دلیل علی فساد المعاملة السفهیة بعد أن شملتها العمومات کما أشرنا الی ذلک مرارا، نعم قام الدلیل علی فساد معاملة السفیه، لکونه محجورا عن التصرف، و المعاملة السفهیة غیر معاملة السفیه.
الوجه الرابع: ما استدل به المصنف (ره) من قوله «ع» فی روایة تحف العقول: (و کل شی‌ء یکون لهم فیه الصلاح من جهة من الجهات فذلک کله حلال بیعه و شراؤه). إذ لا یراد منه مجرد المنفعة و إلا لعم الأشیاء کلها. و قوله «ع» فی آخرها (إنما حرم اللّه الصناعة التی یجی‌ء منها الفساد محضا نظیر کذا و کذا). الی آخر ما ذکره، فان کثیرا من الأمثلة المذکورة هناک لها منافع محللة، فالاشربة المحرمة مثلا کثیرا ما ینتفع بها فی معالجة الدواب بل الأمراض، فجعلها مما یجی‌ء منه الفساد محضا باعتبار عدم الاعتناء بهذه المصالح لندرتها.
و فیه أن هاتین القطعتین من الروایة إنما سیقتا لبیان حکم الأشیاء التی تمحضت للصلاح أو للفساد، أو تساوت فیها الجهتان، أو غلبت إحداهما علی الأخری، فیحکم بصحة بیعها أو فساده حسب ما اقتضته تلک الجهة التعلیلیة المکنونة فیها، و أما الأشیاء التی لها نفع محلل نادر فخارجة عن حدود الروایة، إذ لیس فیها تعرض لذلک بوجه، لا من حیث صحة البیع و لا من حیث فساده، و علیه فلا مانع من صحة المعاملة علیها للعمومات.
علی أنها لو تمت فإنما تدل علی فساد بیع ما لا نفع فیه لخسته، لکونه مما یجی‌ء منه الفساد محضا، و لا تشمل ما لا نفع فیه لقلته کحبة من الحنطة، إذ لیست فیه جهة فساد أصلا.
و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه فهی مختصة بالحرمة التکلیفیة علی ما تقدم فی أول الکتاب
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 195
فلا تشمل الحرمة الوضعیة، و یضاف الی ما ذکرناه کله أنها ضعیفة السند فلا یصح الاستدلال بها.
الوجه الخامس: دعوی غیر واحد من الأعاظم الإجماع علی ذلک. و فیه أن المحصل منه غیر حاصل و المنقول منه لیس بحجة، علی أنا لا تطمئن بوجود الإجماع التعبدی الکاشف عن الحجة المعتبرة، لاحتمال استناد المجمعین الی الوجوه المذکورة فی المسألة.
و ربما یؤید القول بالجواز بصحیحة محمد بن مسلم [1] الصریحة فی جواز بیع الهر، مع أنه مما لا نفع فیه، بل کثیرا ما یضر الناس، و فی التذکرة «1»: لا بأس ببیع الهر عند علمائنا و به قال ابن عباس و الحسن و ابن سیرین و الحکم و حماد و الثوری و مالک و الشافعی [2] و إسحاق و أصحاب الرأی.
و العجب من المصنف حیث منع عن بیع القرد لکون المصلحة المقصودة منه: أعنی حفظ المتاع نادرة بخلاف الهرة، لورود غیر واحد من الروایات علی جواز بیعها، و وجه العجب أن منافع القرد المحللة لیست بنادرة، بل هی من مهمات المنافع!! و إنما الوجه فی المنع عن بیع القرد هو الروایات التی تقدمت فی بیع المسوخ.
قوله و لو فرض الشک فی صدق المال علی مثل هذه الأشیاء المستلزم للشک فی صدق البیع.
أقول: العلم بعدم صدق المال علی شی‌ء لا یمنع عن وقوع البیع علیه فضلا عن الشک فی صدقه علیه، و إذن فلا وجه لرفع الید عن عموم ما دل علی صحة البیع و التمسک بعمومات التجارة و الصلح و العقود و الهبة المعوضة و غیرها کما صنعه المصنف.
قوله لان ظاهر تحریمها علیهم تحریم أکلها أو سائر منافعها المتعارفة.
أقول:
______________________________
[1] قد تقدمت الروایة فی ص 94.
و فی ج 2 المستدرک ص 430 عن دعائم الإسلام عن علی «ع» إنه رأی رجلا یحمل هرة فقال: ما تصنع؟ قال: أبیعها فلا حاجة لی بها، قال: تصدق بثمنها. مرسلة.
[2] فی ج 2 فقه المذاهب ص 232 عن الحنفیة: یصح بیع الحیوانات بأجمعها سوی الخنزیر. و عن الحنابلة انه هل یصح بیع الهر خلاف و المختار انه لا یجوز.
أقول: الظاهر ان القائلین بحرمة بیع الهر قد استندوا إلی جملة من الأحادیث المرویة عن النبی (ص)، و قد أخرجها البیهقی فی ج 6 من سننه ص 11: منها ما عن جابر قال: نهی رسول اللّه (ص) عن ثمن الکلب و السنور. و منها ما عن عبد الرزاق بإسناده عن النبی (ص) نهی عن ثمن الهر. و منها ما عن جابر أیضا: نهی رسول اللّه عن أکل الهر و أکل ثمنه.
______________________________
(1) ج 1 ص 3 من البیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 196
هذا ینافی ما تقدم منه فی بیع الأبوال من حمل النبوی علی کون الشحوم محرمة الانتفاع علی الیهود بجمیع الانتفاعات.
قوله و منه یظهر أن الأقوی جواز بیع السباع بناء علی وقوع التذکیة علیهما
. أقول: یجوز بیع جلود السباع و الانتفاع بها علی وجه الإطلاق لجملة من الاخبار التی ذکرناها فی بیع المسوخ و السباع، و علیه فلا وجه لدعوی ان النص إنما ورد ببعضها فقط، فیجب تقیید جواز البیع به کما فی المتن.
ثم ان السباع مما یقبل التذکیة کما هو المشهور، بل عن السرائر الإجماع علیه. و تدل علیه موثقة سماعة التی تقدمت فی مبحث جواز الانتفاع بالمیتة، عن جلود السباع ینتفع بها؟
قال «ع»: (إذا رمیت و سمیت فانتفع بجلده). إلا أنه لا وجه لتعلیق جواز بیعها علی قبول التذکیة إلا علی القول بحرمة الانتفاع بالمیتة، و إلا فلا مانع من بیعها فی حال الحیاة للانتفاع بجلودها بعد الموت.
قوله و لو غصبه غاصب کان علیه مثله إن کان مثلیا.
أقول الدلیل علی الضمان إنما هو السیرة القطعیة من العقلاء و المتشرعة، و علیه فلا بد و أن یخرج من عهدة الضمان إما برد عینه أو مثله، و مع فقدهما لا یمکن الخروج منها بأداء القیمة، بل أصبح الغاصب مشغول الذمة لصاحب العین الی یوم القیامة مثل المفلس، إذ الانتفاع إلی القیمة إنما هو فیما إذا کان التالف من الأموال. فلا ینتقل إلیها إذا لم یکن التالف مالا.
و ربما یتمسک للقول بالضمان بقاعدة ضمان الید، لشمولها لمطلق المأخوذ بالغصب سواء کان من الأموال أو من غیرها.
و فیه ان القاعدة و إن ذکرت فی بعض الأحادیث [1] و استند إلیها المشهور فی موارد الضمان. و لکنها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشی‌ء کما سیأتی التعرض لها فی المقبوض بالعقد الفاسد.
______________________________
[1] فی ج 2 مستدرک الوسائل ص 504. و ج 5 کنز العمال للمتقی الهندی ص 252 و ج 5 مسند احمد ص 8. و ج 3 سنن أبی داود السجستانی ص 296. و ج 6 سنن البیهقی ص 90. و ج 5 نیل الأوتار للشوکانی ص 252. عن سمرة بن جندب قال:
قال رسول اللّه (ص): علی الید ما أخذت حتی تؤدی الحدیث. فی ج 1 شرح النهج لابن أبی الحدید ص 363: ان سمرة هو الذی کان یحرض الناس لحرب الحسین «ع»، و کان تائبا عن ابن زیاد فی البصرة عند مجیئه إلی الکوفة، و هو صاحب النخلة فی بستان الأنصاری و من المنحرفین عن أمیر المؤمنین «ع».
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 197
و قد یتمسک للضمان بقاعدة الإتلاف (من أتلف مال الغیر فهو له ضامن) و لکنه واضح الفساد لاختصاص موردها بالأموال، فلا تشمل غیرها. نعم لو انفصلت کلمة ألما عن اللام و أرید من الأول الموصول و من الثانی حرف الجر بحیث تکون العبارة هکذا: (من أتلف ما للغیر إلخ) لشملت هذه القاعدة صورة الإتلاف و غیره، إلا انه بعید جدا. علی ان القاعدة المذکورة متصیدة و لیست بمتن روایة. و کیف کان فموردها. خصوص الإتلاف، فلا تدل علی الضمان عند عدمه، فلا دلیل علی الضمان إلا السیرة کما عرفت.
قوله خلافا للتذکرة فلم یوجب شیئا کغیر المثلی
) أقول: ضعفه بعضهم بأن اللازم حینئذ عدم الغرامة فیما لو غصب صبرة تدریجا. و یرد علیه ان نظر العلامة (ره) لیس إلا عدم الضمان مطلقا، بل فیما إذا لم یکن المغصوب مقدارا یصدق علیه عنوان المال، و من البدیهی ان کل حبة من الصبرة و إن لم تکن مالا بشرط لا و مجردة عن الانضمام إلی حبة أخری، إلا انها إذا انضمت الی غیرها من الحبات صارت مالا، فتشملها أدلة الضمان.

فرع

لو حاز مالا نفع له کالحشرات لثبت له الاختصاص به، فیکون أولی به من غیره، فلیس لأحد ان یزاحمه فی تصرفاته فیه للسیرة القطعیة. علی ان أخذ المحاز من المحیز قهرا علیه ظلم، فهو حرام عقلا و شرعا. و أما حدیث (من سبق الی ما لم یسبق إلیه أحد من المسلمین فهو أحق به) فقد تقدم انه ضعیف السند، و غیر منجبر بشی‌ء.

[النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملا محرما فی نفسه]

حکم تدلیس الماشطة

قوله النوع الرابع ما یحرم الاکتساب به لکونه عملا محرما فی نفسه.
أقول:
قد جرت عادة الأصحاب بالبحث عن جملة من الأعمال المحرمة فی مقدمة أبحاث التجارة و تبعهم المصنف بذکر أکثرها فی مسائل شتی بترتیب حروف أوائل عنواناتها، و نحن أیضا نقتفی أثرهم.
ثم إنک قد علمت فی البحث عن معنی حرمة البیع تکلیفا انه یکفی فی عدم جواز المعاملة علی الأعمال المحرمة ما دل علی حرمتها من الأدلة الأولیة، إذ مقتضی أدلة صحة العقود لزوم الوفاء، بها و مقتضی أدلة المحرمات حرمة الإتیان بها، و هما لا یجتمعان. و علیه فلا موجب المبحث فی کل مسألة من المسائل الآتیة عن صحة المعاملة علیها و فسادها، بل فی جهات اخری، و أما ما فی حاشیة السید من عدم جواز أخذ الأجرة علی العمل المحرم لقوله «ع»:
إن اللّه إذا حرم شیئا حرم ثمنه، فان المراد من الثمن مطلق العوض، فهو فاسد، فإنه مضافا
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 198
الی ضعف سند هذا الحدیث، أنا نمنع صدق الثمن علی مطلق العوض.
قوله المسألة الأولی: تدلیس الماشطة المرأة التی یراد تزویجها أو الأمة التی یراد بیعها حرام.
أقول: الماشطة و المشاطة التی تحسن المشط. و تتخذ ذلک حرفة لنفسها.
و الظاهر انه لا خلاف فی حرمة تدلیسها إذا أظهرت فی المرأة التی یراد تزویجها، أو الأمة التی یراد بیعها ما لیس فیهما من المحاسن، بل ادعی علیه الإجماع کما فی الریاض و غیره، قال فی تجارة المقنع: (و لا بأس بکسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها). و فی المکاسب المحظورة من النهایة: (کسب المواشط حلال إذا لم یغششن و لا یدلسن فی عملهن فیصلن شعر النساء بشعر غیرهن من الناس و یوشمن الخدود و یستعملن ما لا یجوز فی شریعة الإسلام) و فی فتاوی العامة [1] انه لا یجوز وصل شعر الإنسان بشعر المرأة.
و تحقیق هذه المسألة فی ثلاث جهات، الجهة الاولی: فی تدلیس الماشطة. الظاهر انه لا دلیل علی حرمة التدلیس و الغش من حیث هما تدلیس و غش إلا فی بیع أو شراء أو تزویج للروایات الخاصة التی سنتعرض لها فی البحث عن حرمة الغش، بل ربما یکونان مطلوبین للعقلاء، کتزیین الدور و الألبسة و الأمتعة، لإظهار العظمة و الشوکة و حفظ الکیان و إراءة انها جدیدة، نعم لو قلنا بحرمة الإعانة علی الإثم لکان تزیین المرأة التی فی معرض التزویج أو الأمتعة التی فی معرض البیع حراما، لکونه مقدمة للغش المحرم.
و قد أجاد المحقق الایروانی حیث قال: (إن الماشطة لا ینطبق علی فعلها غش و لا تدلیس و إنما الغش یکون بفعل من یعرض المغشوش و المدلس فیه علی البیع، نعم الماشطة أعدت المرأة لأن یغش بها، و حالها کحال الحائک الذی بفعله تعد العامة لأن یدلس بلبسها، و کفعل صانع السبحة لان یدلس بالتسبیح بها ریاء. و اما نفس التمشیط فلا دلیل یدل علی المنع عنه بقول مطلق، بل الاخبار رخصت فیه).
الجهة الثانیة: فی تمشیط الماشطة. الظاهر انه لا دلیل علی المنع عنه بقول مطلق و إن
______________________________
[1] فی ج 5 شرح فتح القدیر ص 204 منع عن وصل شعر الإنسان بشعر المرأة لحدیث لعن اللّه الواصلة و المستوصلة، و فی ج 2 فقه المذاهب ص 240 عن الحنفیة: و من البیوع الباطلة بیع شعر الإنسان، لأنه لا یجوز لحدیث لعن اللّه إلخ، و قد رخص فی الشعر المأخوذ من الوبر لیزید فی ضفائر النساء.
و فی ج 2 سنن البیهقی ص 406 فی عدة من الأحادیث لعن رسول اللّه (ص) الواصلة و المستوصلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 199
ورد النهی عن خصوص وصل الشعر بالشعر، بل یتجلی من الاخبار [1] الکثیرة جوازه
______________________________
[1] فی ج 1 کا ص 361، و ج 2 التهذیب ص 108، و ج 10 الوافی ص 32، و ج 3 ئل باب 47: انه لا بأس بکسب الماشطة مما یکتسب به. عن محمد بن مسلم عن أبی عبد اللّه «ع» فی حدیث أم حبیب الخافضة قال: و کانت لام حبیب أخت یقال لها: أم عطیة، و کانت مقنیة- یعنی ماشطة- فلما انصرفت أم حبیب إلی أختها فأخبرتها بما قال لها رسول اللّه (ص) فأقبلت أم عطیة إلی النبی (ص) فأخبرته بما قالت لها أختها فقال لها ادنی منی یا أم عطیة إذا أنت قنیت الجاریة فلا تغسلی وجهها بالخرقة فإن الخرقة تذهیب بماء الوجه «و فی نسخة اخری: تشرب ماء الوجه» صحیحة.
أقول: تقیین الجواری تزیینها. و عن الصحاح: اقتان الرجل إذا حسن، و اقتان الروضة أخذت زخرفها، و منه قیل للماشطة: مقنیة، و قد قینت العروس تقیینا زینها.
و عن ابن أبی عمیر عن رجل عن أبی عبد اللّه «ع» قال: دخلت ماشطة علی رسول اللّه فقال لها: هل ترکت عملک أو أقمت علیه؟ فقالت: یا رسول اللّه (ص) أنا أعمله إلا ان تنهانی عنه فأنتهی عنه، فقال: افعلی فإذا مشطت فلا تجلی الوجه بالخرقة فإنه یذهب بماء الوجه و لا تصلی الشعر بالشعر. ضعیفة لابن أشیم و مرسلة. و زاد فی المتن: و اما شعر المعز فلا بأس بأن یوصل بشعر المرأة. و هو من سهو القلم.
و عن سعد الإسکاف قال: سئل أبو جعفر «ع» عن القرامل التی تضعها النساء فی رؤسهن تصلنه بشعورهن؟ فقال لا بأس علی المرأة بما تزینت به لزوجها قال: فقلت بلغنا ان رسول اللّه لعن الواصلة و الموصولة؟ فقال لیس هنالک إنما لعن رسول اللّه (ص) الواصلة التی تزنی فی شبابها فلما کبرت قادت النساء الی الرجال فتلک الواصلة و الموصولة. صعیفة لسعد المذکور أقول: القرمل کزبرج ما تشد المرأة فی شعرها من شعر أو صوف أو إبریسم، و یقال له فی لغة الفرس «گیسو بند» و فی لغة الترک «صاج باغی».
و عن القاسم بن محمد عن علی «ع» قال: سألته عن امرأة مسلمة تمشط العرائس لیس لها معیشة غیر ذلک و قد دخلها ضیق؟ قال: لا بأس و لکن لا تصل الشعر بالشعر. ضعیفة لقاسم المذکور.
و فی ج 3 ئل باب 101 جواز وصل شعر المرأة بصوف عن الاحتجاج عن عمار الساباطی قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: إن الناس یرون ان رسول اللّه (ص) لعن الواصلة الموصولة قال فقال: نعم، قلت: التی تتمشط و تجعل فی الشعر القرامل؟ قال: فقال لی: لیس بهذا بأس قلت: فما الواصلة و الموصولة؟ قال: الفاجرة و القوادة. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 200
مطلقا سواء اشترت فیه الأجرة أ لم تشترط، بل فی روایة قاسم بن محمد صرح بجواز تعیش الماشطة بالتمشیط إذا لم تصل الشعر بالشعر.
و قد یقال: بتقییدها بمفهوم مرسلة الفقیه و فقه الرضا [1] فإنهما تدلان علی جواز کسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطی، إذ مفهومهما یدل علی حرمة کسبها مع انتفاء القیدین أو أحدهما، فتقید به المطلقات، و علیه فالنتیجة انه لا بأس بکسب الماشطة إذا لم تشارط الأجرة و قبلت ما تعطی، و الا فیحرم کسبها.
و فیه أولا: انهما ضعیفتا السند، فلا یجوز الاستدلال بهما علی الحرمة. نعم لا بأس بالاستدلال بهما علی الکراهة بناء علی شمول اخبار من بلغ للمکروهات. و ما ذکره المصنف من ان (المراد بقوله «ع»: إذا قبلت ما تعطی البناء علی ذلک حین العمل و إلا فلا یلحق العمل بعد وقوعه ما یوجب کراهته). بین الخلل، فإنه لا موجب لهذا التوجیه بعد إمکان الشرط المتأخر و وقوعه. فلا غرو فی تأثیر عدم القبول بعد العمل فی کراهة ذلک العمل، کتأثیر الأغسال اللیلیة فی صحة الصوم علی القول به.
و ثانیا: ما ذکره المصنف (ره)، و ملخص کلامه: أن الوجه فی أولویة قبول ما تعطی و عدم مطالبتها بالزیادة إنما هو أحد أمرین علی سبیل منع الخلو:
الأول: ان ما یعطی للماشطة و الحجام و الختان و الحلاق و أمثالهم لا ینقص غالبا عن اجرة مثل عملهم، إلا أنهم لکثرة حرصهم و دناءة طباعهم یتوقعون الزیادة، خصوصا من أولی المروة و الثروة، بل لو منعوا عما یطلبونه بادروا الی السب و هتک العرض، و لذا أمروا فی الشریعة المقدسة بالقناعة بما یعطون و ترک المطالبة بالزائد عنه.
الثانی: ان المشارطة و المماکسة فی مثل تلک الأمور لا تناسب المحترمین من ذوی المجد و الفخامة، کما أن المسامحة فیها ربما توجب المطالبة بأضعاف أجرة المثل، فلذلک أمر الشارع أصحاب هذه الاعمال بترک المشارطة و الرضا بما یعطی لهم، و هذا کله لا ینافی جواز المطالبة بالزائد، و الامتناع عن قبول ما یعطی إذا اتفق کونه أقل من اجرة المثل، إذ لا یجوز الإعطاء أقل من ذلک لاحترام عملهم.
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 47 انه لا بأس بکسب الماشطة مما یکتسب به عن الصدوق قال:
قال «ع»: لا بأس بکسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها و اما شعر المعز فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة. مرسلة.
و فی ج 2 المستدرک ص 431 عن فقه الرضا «ع»: و لا بأس بکسب الماشطة إذا لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بغیر شعرها و اما شعر المعز فلا بأس. ضعیفة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 201
قوله و لأن الاولی فی حق العامل قصد التبرع.
أقول: المرسلة إنما دلت علی عدم المشارطة المستلزمة لعدم تحقق الإجارة المعتبر فیها تعیین الأجرة، و هذا لا یستلزم قصد التبرع، لجواز ان یکون إیجاد العمل بأمر الآمر، فیکون امره هذا موجبا للضمان بأجرة المثل، کما هو متعارف فی السوق کثیرا.
قوله: «فلا ینافی ذلک ما ورد».
أقول: إن تم ما ذکره المصنف من حمل المرسلة علی ان الاولی بالعامل ان یقصد التبرع کانت المرسلة خارجة عن حدود الإجارة موضوعا.
و إن لم یتم ذلک فلا بد و ان یلتزم بتخصیص ما دل [1] علی اعتبار تعیین الأجرة قبل العمل بواسطة المرسلة إذا کانت حجة، و إلا فیرد علمها إلی أهلها.
الجهة الثالثة: قد ورد فی بعض الاخبار [2] لعن الماشطة علی خصال أربع: الوصل،
______________________________
[1] فی صحیحة سلیمان بن جعفر الجعفری إن الرضا «ع» أقبل علی غلمانه یضربهم بالسوط لعدم مقاطعتهم علی أجرة الأجیر قبل العمل.
مسعدة بن صدقة عن أبی عبد اللّه «ع» قال: من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فلا یستعملن أجیرا حتی یعمله ما أجره. ضعیفة لمسعدة. راجع ج 1 کا باب 147 من المعیشة ص 412. و ج 2 التهذیب ص 175. و ج 10 الوافی ص 128. و ج 2 ئل باب 3 کراهة استعمال الأجیر قبل تعیین أجرته من الإجارات.
[2] فی ج 2 ئل باب 47 أنه لا بأس بکسب الماشطة مما یکتسب به عن معان الأخبار بإسناده عن علی بن غراب عن جعفر بن محمد عن آبائه «ع» قال: لعن رسول اللّه (ص) النامصة و المتنمصة و الواشرة و الموتشرة و الواصلة و المستوصلة و الواشمة و المستوشمة. ضعیفة لعلی بن غراب و غیره من رجال الحدیث.
قال الصدوق: قال علی بن غراب: النامصة التی تنتف الشعر، و المنتمصة التی یفعل ذلک بها، و الواشمة التی تشم و شما فی ید المرأة، و فی شی‌ء من بدنها: و هو أن تعزر بدنها، أو ظهر کفیها، أو شیئا من بدنها بإبرة حتی تؤثر فیه ثم تحشوه بالکحل أو بالنورة فتخضر، و المستوشمة التی یفعل ذلک بها. و الواشرة التی تشر أسنان المرأة و تفلجها و تحددها و الموتشرة التی یفعل ذلک بها، و الواصلة التی تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها، و المستوصلة التی یفعل ذلک بها.
و قد ورد اللعن أیضا من طرق العامة علی الواصلة و المستوصلة، و الواشمة و المستوشمة، و الواشرة و الموتشرة، و النامصة و المنتمصة. راجع ج 2 سنن البیهقی ص 426. و ج 7 ص 312.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 202
و النمص، و الوشم، و الوشر. أما الوصل فان کان المراد به ما هو المذکور فی روایتی سعد الإسکاف و الاحتجاج المتقدمتین فی الحاشیة من تفسیر الواصلة بالفاجرة و القوادة فحرمته من ضروریات الإسلام، و سیأتی التعرض لذلک فی البحث عن حرمة القیادة.
و إن کان المراد به ما فی تفسیر علی بن غراب من أن (الواصلة التی تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها). فقد یقال بحرمته أیضا لظهور اللعن فیها.
و لکن یرد علیه أولا: أنه لا حجیة فی تفسیر ابن غراب، لعدم کونه من المعصوم، مع ورود الرد علیه فی روایتی سعد الإسکاف و الاحتجاج، و تفسیر الواصلة و الموصولة فیها بمعنی آخر، و یحتمل قریبا أنه أخذ هذا التفسیر من العامة فإن مضمونه مذکور فی سنن البیهقی «1».
و ثانیا: لو سلمنا اعتباره فإنه لا بد و أن یحمل علی الکراهة، کما هو مقتضی الجمع بین الروایات، و توضیح ذلک أن الروایات الواردة فی وصل الشعر بشعر امرأة علی ثلاث طوائف الأولی: ما دل علی الجواز مطلقا کروایة سعد الإسکاف المتقدمة (عن القرامل التی تضعها النساء فی رؤوسهن یصلنه بشعورهن؟ فقال: لا بأس علی المرأة بما تزینت به لزوجها) و کروایة الاحتجاج [1].
الثانیة: ما دل علی التفصیل بین شعر المرأة و شعر غیرها، و جوّز الوصل فی الثانی دون الأول، کقوله «ع» فی مرسلة الفقیه المتقدمة: (لا بأس بکسب الماشطة ما لم تشارط و قبلت ما تعطی و لا تصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها و أما شعر المعر فلا بأس بأن توصله بشعر المرأة) الثالثة: ما تظهر منه الحرمة فی مطلق وصل الشعر بالشعر کجملة من الروایات المتقدمة من الفریقین، و کروایتی عبد اللّه بن الحسن [2]
______________________________
[1] فی ج 3 ئل باب 101 جواز وصل شعر المرأة بصوف من مقدمات النکاح، عن أبی بصیر قال: سألته عن قصة النواصی ترید المرأة الزینة لزوجها و عن الخف و القرامل و الصوف و ما أشبه ذلک؟؟ قال: لا بأس بذلک کله. مرسلة.
[2] قال: سألته عن القرامل؟ قال: و ما القرامل؟ قلت: صوف تجعله النساء فی رؤوسهن فقال: إن کان صوفا فلا بأس به و إن کان شعرا فلا خیر فیه من الواصلة و الموصولة. مجهولة لیحیی بن مهران و عبد اللّه بن الحسن. راجع ج 2 التهذیب ص 109 و ج 10 الوافی ص 32. و ج 12 ص 126. و ج 2 ئل باب 47 أنه لا بأس بکسب الماشطة مما یکتسب به.
______________________________
(1) ج 7 ص 312.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 203
و ثابت بن أبی سعید [1] و هاتان الروایتان تدلان أیضا علی جواز وصل الصوف بالشعر.
و مقتضی الجمع بینهما أن یلتزم بجواز وصل شعر المعز بشعر المرأة فلا کراهة، و بجواز وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری مع الکراهة، فإن ما دل علی المنع مطلقا یقید بما دل علی جواز الوصل بشعر المعز، و ما دل علی حرمة وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری یحمل علی الکراهة، لما دل علی جواز تزین المرأة لزوجها مطلقا، فإن روایة سعد الإسکاف و ان کانت بصراحتها تدفع توهم السائل من حیث الموضوع و هو إرادة وصل الشعر بالشعر من الواصلة و الموصولة، و لکنها ظاهرة أیضا فی جواز وصل الشعر بالشعر مطلقا، إذ لو لم یکن جائزا لکان علی الامام «ع» أن یدفع توهم السائل من حیث الحکم، فیقول له مثلا:
إن وصل شعر المرأة بشعر امرأة أخری حرام، علی أن روایتی عبد اللّه بن الحسن و ثابت غیر ظاهرتین فی الحرمة کما هو واضح لمن یلاحظهما.
بقی هنا أمران، الأول: أن روایة سعد مختصة بزینة المرأة لزوجها. فلا تدل علی جواز الوصل مطلقا.
و فیه أنها و إن کانت واردة فی ذلک إلا أن من المقطوع به أن جواز تزین المرأة لزوجها لا یسوغ التزیین بالمحرم کما تقدم، فیعلم من ذلک أن وصل الشعر بالشعر و لو بشعر امرأة کان من الأمور السائغة فی نفسها.
الثانی: أن روایة سعد مطلقة تدل علی جواز وصل الشعر بالشعر مطلقا و لو کان شعر امرأة أخری، فتقید بما اشتمل علی النهی عن وصل شعر المرأة بشعر امرأة غیرها.
و فیه أن روایة سعد و إن کانت مطلقة و لکن السؤال فیها کان عن خصوص وصل الشعر بالشعر، فلو کان فی بعض أفراده فرد محرم لوجب علی الامام «ع» أن یتعرض لبیان حرمته فی مقام الجواب، فیعلم من ذلک أنه لیس بحرام، هذا کله مع صحة الروایات، و لکنها جمیعا ضعیفة السند، و إذن فمقتضی الأصل هو الجواز مطلقا.
و ربما یقال: إن لعن الواصلة فی النبوی صریح فی الحرمة، فلا یجوز حمله علی الکراهة،
______________________________
[1] قال: سئل أبو عبد اللّه «ع» عن النساء یجعلن فی رؤوسهن القرامل؟ قال: یصلح الصوف و ما کان من شعر امرأة لنفسها و کره للمرأة أن تجعل القرامل من شعر غیرها فان وصلت شعرها بصوف أو بشعر نفسها فلا یضر. مجهولة لثابت. و عن الاحتجاج مثله مرسلا و مضمرا. راجع ج 2 کا ص 64. و ج 12 الوافی ص 126. و ج 3 ئل باب 101 جواز وصل شعر المرأة بصوف من مقدمات النکاح.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 204
و فیه مضافا الی ضعف سنده، و استعمال اللعن فی الأمور المکروهة فی بعض الأحادیث [1] أن اللعن لیس بصریح فی الحرمة حتی لا یجوز حمله الکراهة. و إنما هو دعاء بالابعاد المطلق الشامل للکراهة أیضا، نظیر الرجحان المطلق الشامل للوجوب و الاستحباب کلیهما، غایة الأمر أن یدعی کونه ظاهرا فی التحریم، لکنه لا بد من رفع الید عن ظهوره و حمله علی الکراهة إذا تعارض بما یدل علی الجواز کما عرفت.
و من هنا ظهر جواز بقیة الأمور المذکورة فی النبوی کالمص و الوشم و الوشر و إن کانت مکروهة، بل ربما یشکل الحکم بالکراهة أیضا، لضعف الروایة إلا أن یتمسک فی ذلک بقاعدة التسامح فی أدلة السنن بناء علی شمولها للمکروهات أیضا. بل ورد جواز المص: أعنی حف الشعر من الوجه فی الخبر [2] و من جمیع ما ذکرناه ظهر الجواب أیضا عن روایة عبد اللّه بن سنان [3] المشتملة علی اللعن علی الواشمة و الموتشمة.
______________________________
[1] عن الصدوق بإسناده عن جعفر بن محمد عن آبائه «ع» فی وصیة النبی (ص) لعلی «ع» قال: یا علی لعن اللّه ثلاثة: آکل زاده وحده، و راکب الفلاة وحده، و النائم فی بیت وحده. راجع ج 3 ئل باب 101 تأکد کراهة أکل الإنسان زاده وحده من أحکام المائدة. و ج 17 البحار ص 15.
و فی الاحتجاج ص 267. و ج 1 ئل باب 21 تأکد استحباب تأخیر العشاء من مواقیت الصلاة. عن الکلینی رفعه عن الزهری فی التوقیع: ملعون ملعون من أخر العشاء الی أن تشتبک النجوم ملعون ملعون من أخر الغداة إلی ان تنقضی النجوم.
و فی ج 2 ئل باب 41 تحریم التظاهر بالمنکرات من الأمر بالمعروف عن کنز الفوائد:
ملعون ملعون من وهب اللّه له مالا فلم یتصدق منه شی‌ء أما سمعت أن النبی (ص) قال صدقة درهم أفضل من صلاة عشر لیال.
[2] فی ج 2 ئل باب 47 أنه لا بأس بکسب الماشطة مما یکتسب به قرب الاسناد بإسناده عن علی بن جعفر إنه سأل أخاه موسی بن جعفر «ع» عن المرأة التی تحف الشعر من وجهها؟ قال: لا بأس. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن.
و فی ج 3 ئل باب 101 جواز وصل شعر المرأة بصوف من مقدمات النکاح عن علی بن جعفر مثلها، و لکنه صحیح.
[3] فی ج 2 کا ص 76. و ج 12 الوافی ص 126. و ج 3 ئل باب 136 حکم عمل الواشمة من مقدمات النکاح. عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): الواشمة و الموتشمة و الناجش و المنجوش ملعونون علی لسان محمد (ص). ضعیفة لمحمد بن سنان.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 205
و قد یتوهم أنه ثبت بالأخبار المستفیضة المذکورة فی أبواب النکاح، و بالسیرة القطعیة جواز تزین المرأة لزوجها، بل کونها من الأمور المستحبة. و مقتضی ما دل علی حرمة الوصل و النمص و الوشم و الوشر هو عدم جواز التزین بها سواء کان ذلک للزوج أو لغیره فیتعارضان فیما کان التزین بالأمور المذکورة للزوج، و یتساقطان، فیرجع الی الأصول العملیة و فیه أنه لو تم ما دل علی حرمة الأمور المزبورة فالنسبة بینه و بین ما دل علی جواز التزین هو العموم المطلق. فیحکم بجواز التزین مطلقا إلا بالأشیاء المذکورة. بیان ذلک:
أن المذکور فی الروایات و إن کان هو جواز تزین الزوجة لزوجها فقط، و لکنا نقطع بعدم مدخلیة الزوجیة فی الحکم بحیث لولاها لکان التزین للنساء حراما، بل هو أمر مشروع للنساء کلها، کما علیه السیرة القطعیة، إذن فلا بد من تخصیص الحکم بما دل علی حرمة الأمور المذکورة فی النبوی.
قوله خصوصا مع صرف الإمام للنبوی الوارد فی الواصلة عن ظاهره.
أقول:
صرف النبوی عن ظاهره بالتصرف فی معنی الواصلة و المستوصلة بإرادة القیادة من الواصلة یقتضی حرمة الوصل و النمص و الوشم و الوشر المذکورة فی النبوی، لاتحاد السیاق، دون الکراهة.
نعم لو کان معنی اللعن فی الروایة هو مطلق الابعاد الذی یجتمع مع الکراهة لصار مؤیدا لحمل ما عدا الوصل علی الکراهة.
قوله نعم یشکل الأمر فی وشم الأطفال من حیث إنه إیذاء لهم بغیر مصلحة)
. أقول: لا شبهة أن الوشم لا یلازم الإیذاء دائما، بل بینهما عموم من وجه، فإنه قد یتحقق الإیذاء حیث یتحقق الوشم کما هو الکثیر، و قد یتحقق الوشم حیث لا یتحقق الإیذاء، لأجل استعمال بعض المخدرات المعروفة فی الیوم، و قد یجتمعان. و علی تقدیر الملازمة بینهما فالسیرة القطعیة قائمة علی جواز الإیذاء إذا کان لمصلحة التزین، کما فی ثقب الآذان و الآناف
قوله ثم إن التدلیس بما ذکرنا إنما یحصل بمجرد رغبة الخاطب أو المشتری)
. أقول: التدلیس فی اللغة «1» عبارة عن تلبیس الأمر علی الغیر، أو کتمان عیب السلعة عن المشتری و إخفائه علیه بإظهار کما لیس فیها، و أما ما یوجب رغبة المشتری و الخاطب فلیس بتدلیس ما لم یستلزم کتمان عیب، أو إظهار ما لیس فیه من الکمال، و إلا لحرم تزیین السلعة، لکون ذلک سببا لرغبة المشتری، و لحرم أیضا لبس المرأة الثیاب الحمر
______________________________
(1) فی القاموس: التدلیس کتمان عیب السلعة عن المشتری. و فی المنجد دلس البائع کتم عیب ما یبیعه عن المشتری.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 206
و الحضر الموجبة لظهور بیاض البدن و صفائه، بداهة کونه سببا لرغبة الخاطبین، و لا نظن أن یلتزم بذلک فقیه أو متفقة.

تزیین الرجل بما یحرم علیه

اشارة

قوله المسألة الثانیة تزیین الرجل بما یحرم علیه من لبس الجریر و الذهب حرام).
أقول: اتفق فقهائنا و فقهاء العامعة [1] و استفاضت الاخبار و من طرقنا «1» و من طرق السنة «2» علی حرمة لیس الرجل الحریر و الذهب إلا فی موارد خاصة، و لکن الأخبار خالیة عن حرمة تزین الرجل بهما، فعقد المسألة بهذا العنوان کما صنعه المصنف (ره) فیه مسامحة واضحة، نعم ورد فی بعض الأحادیث «3»: (لا تختم بالذهب فإنه زینتک فی الآخرة) و فی بعضها الآخر «4»: (جعل اللّه الذهب فی الدنیا زینة النساء فحرم علی الرجال لبسه و الصلاة فیه). و لکن مضافا الی ضعف السند فیهما، أنهما لا تدلان علی حرمة تزین الرجل بالمذهب حتی یشمل النهی غیر صورة اللبس أیضا، بل تفریعه «ع» فی الروایة الثانیة حرمة لیس الذهب علی کونه زینة النساء فی الدنیا لا یخلو عن الاشعار بجواز تزین الرجل بالذهب ما لم یصدق علیه عنوان اللبس.
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 10 الشافعیة قالوا: یحرم علی الرجال لباس الحریر، فلا یجوز للرجال أن یجلسوا علی الحریر و لا أن یستندوا الیه من غیر حائل، و یحرم ستر الجدران به فی أیام الفرح و الزینة إلا لعذر، و الحنابلة قالوا: بحرمة استعمال الحریر مطلقا و لو کان بطانة لغیره، و مثل الرجل الخنثی و کذلک الصبی و المجنون فیحرم الباسهما الحریر.
و فی ص 12 الحنفیة قالوا: یحرم علی الرجال لبس الحریر إلا لضرورة. و فی ص 13 المالکیة قالوا: یحرم علی الذکور البالغین لبس الحریر و فی الصغار خلاف.
و فی ص 14 یحرم علی الرجل و المرأة استعمال الذهب و الفضة.
______________________________
(1) راجع ج 2 کا باب 13 لبس الحریر ص 206. و باب 23 الخواتیم من التجمل ص 210. و ج 11 الوافی باب 186 الخواتیم ص 103. و باب 176 أجناس اللباس من التجمل ص 98. و ج 1 ئل 11 عدم جواز صلاة الرجل فی الحریر. و باب 30 عدم جواز لبس الرجل الذهب من لباس المصلی.
(2) راجع ج 2 سنن البیهقی ص 422 و ص 424.
(3) ضعیفة لغالب بن عثمان. راجع أبواب الخواتیم المتقدمة من کا و الوافی و ئل.
(4) مرسلة. راجع ج 3 ئل باب 30 عدم جواز لیس الرجل المذهب من لباس المصلی.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 207
و قد یقال: إن عنوان التزین بالذهب و الفضة و إن لم یذکر فی الاخبار، إلا أن لیس الحریر و الذهب یلازم التزین بهما، فالنهی عن لبسهما یلازم النهی عن التزین بهما.
و فیه أنها دعوی جزافیة، لمنع الملازمة، بل بین العنوانین عموم من وجه. فان التزین قد یصدق حیث لا یصدق اللبس، کما إذا جعلت أزرار الثوب من الذهب، أو من الحریر، و کما إذا خیط بهما الثوب، کما تتعارف خیاطة الفراء بالحریر و الدیباج، و کما إذا صاغ الإنسان أسنانه من الذهب، و قد یصدق اللبس و لا یصدق التزین، کلبس الحریر و الذهب تحت سائر الألبسة، و تختم الرجل بالذهب للتجربة و الامتحان، و قد یجتمع العنوانان، و تفصیل الکلام فی البحث عن لباس المصلی فی کتاب الصلاة.
و من هنا ظهر أنه لا وجه لما ذهب إلیه فی العروة فی المسألة 22 من مسائل الباس المصلی قال: (نعم إذا کان زنجیر الساعة من الذهب و علقه علی رقبته أو وضعه فی جیبه لکن علق رأس الزنجیر یحرم لانه تزین بالذهب و لا تصلح الصلاة فیه أیضا).

تشبه الرجل بالمرأة و تشبه المرأة بالرجل

هل یجوز تشبه الرجل بالمرأة و بالعکس أولا: بأن یلبس الرجل ما یختص بالنساء من الألبسة، و تلبس المرأة ما یختص بالرجل منها، کالمنطقة و العمامة و نحوهما، و لا ریب ان ذلک یختلف باختلاف العادات؟.
فنقول: إنه ورد النهی عن التشبه فی الاخبار المتظافرة [1] و لعن اللّه و رسوله المتشبهین
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 115 تحریم تشبه الرجال بالنساء مما یکتذب به ص 561 عن جابر عن أبی جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه (ص) فی حدیث: لعن اللّه المتشبهین من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال، الحدیث. ضعیفة لعمرو بن شمر.
و فی ج 3 المستدرک ص 455 عن الطبرسی فی مجمع البیان عن أبی أمامة عن النبی (ص) قال: اربع لعنهم اللّه عن فوق عرشه و أمنت علیه الملائکة: الرجل و تشبه بالنساء و قد خلقه اللّه ذکرا، و المرأة تتشبه بالرجال و قد خلقها اللّه أنثی مرسلة.
و فی ج 1 المستدرک ص 208 عن الصدوق عن جابر بن یزید الجعفی قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علی الباقر «ع» یقول: لا یجوز للمرأة ان تتشبه بالرجال. ضعیفة لجعفر بن محمد بن عمارة و لأبیه.
و عن المفید عن عروة بن عبید اللّه بن بشیر الجعفی قال: دخلت علی فاطمة بنت علی بن أبی طالب و هی عجوزة کبیرة و فی عنقها خرز و فی یدها مسکتان فقالت: یکره للنساء-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 208
من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال، و لکن هذه الاخبار کلها ضعیفة السند، فلا تصلح دلیلا للقول بالحرمة.
و مع الإغضاء عن ذلک فلا دلالة فیها علی حرمة التشبه فی اللباس، لان التشبه فیها إما ان یراد به مطلق التشبه أو التشبه فی الطبیعة، کتأنث الرجل و تذکره المرأة، أو التشبه الجامع بین التشبه فی الطبیعة و التشبه فی اللباس.
أما الأول فبدیهی البطلان، فان لازمه حرمة اشتغال الرجل بأعمال المرأة، کالغزل و غسل الثوب و تنظیف البیت و الکنس و نحوها من الأمور التی تعملها المرأة فی العادة، و حرمة اشتغال المرأة بشغل الرجال، کالاحتطاب و الاصطیاد و السقی و الزرع و الحصد و نحوها، مع انه لم یلتزم به احد، بل و لا یمکن الالتزام به.
و اما الثالث فلا یمکن أخذه کذلک، إذ لا جامع بین التشبه فی اللباس و التشبه فی الطبیعة فلا یکون امرا مضبوطا، فیتعین الثانی، و یکون المراد من تشبه کل منهما بالآخر هو تأنث الرجل باللواط، و تذکر المرأة بالسحق، و هو الظاهر من لفظ التشبه فی المقام.
و یؤید ما ذکرناه تطبیق الامام «ع» النبوی علی المخنثین و المساحقات فی جملة روایات من الخاصة [1]
______________________________
أن یتشبهن بالرجال، الخبر. مجهول لعروة و لغیره.
عن دعائم الإسلام عن جعفر بن محمد «ع»: إن رسول اللّه (ص) نهی النساء ان یکن متعطلات من الحلی ان یتشبهن بالرجال و لعن من فعل ذلک منهن. مرسلة.
و عن فقه الرضا «ع»: قد لعن رسول اللّه (ص) سبعة: المتشبه من النساء بالرجل و الرجال بالنساء. ضعیفة.
[1] فی ج 2 ئل باب 115 تحریم تشبه الرجال بالنساء و النساء بالرجال مما یکتسب به ص 562. و ج 3 ئل باب 18 تحریم اللواط علی المفعول به من أبواب النکاح المحرم ص 42 عن الصدوق فی العلل عن زید بن علی عن آبائه عن علی «ع» إنه رأی رجلا به تأنث فی مسجد رسول اللّه «ص» فقال: اخرج من مسجد رسول اللّه یا لعنة رسول اللّه ثم قال علی «ع»: سمعت رسول اللّه یقول: لعن اللّه المتشبهین من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال. ضعیفة لحسین بن علوان.
و فی حدیث آخر: أخرجوهم من بیوتکم فإنهم أقذر شی‌ء. مرسلة. و فی ج 8 سنن البیهقی ص 224 عن ابن عباس: أخرجوهم من بیوتکم.
و بهذا الاسناد عن علی «ع» قال: کنت مع رسول اللّه (ص) جالسا فی المسجد حتی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 209
و طرق العامة [1] و لکنها ضعیفة السند.
و قد اتضح مما تلوناه بطلان ما ادعاه المحقق الایروانی من (أن إطلاق التشبه یشمل التشبه فی کل شی‌ء، و دعوی انصرافه الی التشبه فیما هو من مقتضیات طبع صاحبه، لا ما هو مختص به بالجعل کاللباس فی حیز المنع، بل کون المساحقة من تشبه الأنثی بالمذکر ممنوع، بل التخنث أیضا لیس تشبها بالأنثی). و کذلک ما فی حاشیة السید من: (عدم اختصاص النبوی بالتشبه فی التأنث و التذکر، لإمکان شموله للتشبه فی اللباس أیضا).
و العجب من المحقق الایروانی حیث قال فی توجیه روایة العامل: (لعل الرجل الذی أخرجه علی «ع» من المسجد کان متزینا بزینة النساء کما هو الشائع فی شبان عصرنا و کان هو المراد من التأنث، لا التخنث) و هو أعرف بمقاله.
______________________________
- أتاه رجل به تأنیث فسلم علیه فرد علیه ثم أکب رسول اللّه الی الأرض یسترجع ثم قال: مثل هؤلاء فی أمتی! انه لم یکن مثل هؤلاء فی أمة إلا عذبت قبل الساعة. ضعیفة للحسین بن علوان.
و فی ج 2 المستدرک ص 455 عن الجعفریات عن أبی هریرة قال: لعن رسول اللّه (ص) مخنثین الرجال المتشبهین بالنساء و المترجلات من النساء المتشبهات بالرجال، الحدیث. ضعیف لأبی هریرة و غیره.
و فی ج 2 کا باب 187 من أمکن من نفسه من أبواب النکاح ص 72. و ج 3 ئل باب 24 تحریم السحق من النکاح المحرم ص 43. و ج 9 الوافی باب من أمکن من نفسه من الحدود عن أبی خدیجة عن أبی عبد اللّه «ع» قال: لعن رسول اللّه (ص) المتشبهین من الرجال بالنساء و المتشبهات من النساء بالرجال، قال: و هم المخنثون و اللاتی ینکحن بعضهن بعضا. مجهولة لأبی خدیجة و غیره. و قال فی ئل بعد نقل الروایة: (و رواه البرقی فی المحاسن) و علیه فلا بأس بالعمل بها.
و فی ج 2 کا باب 189 السحق من النکاح ص 23. و ج 9 الوافی باب السحق من الحدود ص 38. و الباب 24 المذکور من ج 3 ئل ص 44. عن أبی عبد اللّه فی الراکبة و المرکوبة قال: و فیهن قال رسول اللّه (ص): لعن اللّه المتشبهات بالرجال من النساء و المتشبهین من الرجال بالنساء. مجهولة للحسین بن زیاد و یعقوب بن جعفر.
[1] فی ج 8 سنن البیهقی ص 224 عن أبی هریرة أتی بمخنث قد خشب یدیه و رجلیه بالحنا، فقال النبی (ص): ما بال هذا؟ فقیل: یا رسول اللّه یتشبه بالنساء، فأمر به فنفی إلی النقیع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 210
ثم إنه قد ورد فی بعض الأحادیث [1] النهی عن التشبه فی اللباس، کروایة سماعة فی الرجل یجر ثیابه (قال: إنی لأکره أن یتشبه بالنساء). و فی روایة اخری: کان رسول اللّه ینهی المرأة أن تتشبه بالرجال فی لباسها. فإنه یستفاد منهما تحریم التشبه فی اللباس.
و فیه أنه لیس المراد من التشبه فی الروایتین مجرد لبس کل من الرجل و المرأة لباس الآخر، و إلا لحرم لبس أحد الزوجین لباس الآخر لبعض الدواعی کبرد و نحوه، بل الظاهر من التشبه فی اللباس المذکور فی الروایتین هو أن یتزیی کل من الرجل و المرأة بزی الآخر، کالمطربات اللاتی أخذن زی الرجال، و المطربین الذین أخذوا زی النساء، و من البدیهی أنه من المحرمات فی الشریعة، بل من أخبث الخبائث و أشد الجرائم و أکبر الکبائر.
علی ان المراد فی الروایة الأولی هی الکراهة، إذ من المقطوع به أن جر الثوب لیس من المحرمات فی الشریعة المقدسة.
و قد تجلی مما ذکرناه أنه لا شک فی جواز لبس الرجل لباس المرأة لإظهار الحزن، و تجسم قضیة الطف، و إقامة التعزیة لسید شباب أهل الجنة علیه السلام، و توهم حرمته لاخبار النهی عن التشبه ناشئ من الوساوس الشیطانیة، فإنک قد عرفت عدم دلالتها علی حرمة التشبه.
و قد علم مما تقدم أیضا أنه لا وجه لاعتبار القصد فی مفهوم التشبه و صدقه، بل المناط فی صدقه وقوع وجه الشبه فی الخارج مع العلم و الالتفات، کاعتبار وقوع المعان علیه فی صدق الإعانة، علی أنه قد أطلق التشبه فی الاخبار، علی جر الثوب و التخنث و المساحقة مع أنه لا یصدر شی‌ء منها بقصد التشبه، و دعوی أن التشبه من التفعل الذی لا یتحقق إلا بالقصد دعوی جزافیة، لصدقه بدون القصد کثیرا.
قوله و فیها خصوصا الأولی بقرینة المورد ظهور فی الکراهة.
أقول: قد علم مما ذکرناه أنه لا وجه لحمل ما ورد فی التشبه فی اللباس علی الکراهة، بدعوی ظهوره فیها، إذ لا نعرف منشأ لهذه الدعوی إلا قوله «ع» فی روایة سماعة فی رجل یجر ثیابه: (إنی لأکره أن یتشبه بالنساء) و من الواضح جدا أن الکراهة المذکورة فی الروایات أعم من
______________________________
[1] فی ج 1 ئل باب 13 عدم جواز تشبه النساء بالرجال من أحکام الملابس ص 28 عن الحسن الطبرسی فی مکارم الأخلاق عن سماعة فی عن أبی عبد اللّه و أبی الحسن «ع» فی الرجل یجر ثیابه؟ قال: إنی لأکره أن یتشبه بالنساء. مرسلة.
و عن أبی عبد اللّه عن آبائه علیهم السلام قال: کان رسول اللّه (ص) یزجر الرجل أن یتشبه بالنساء و ینهی المرأة أن تتشبه بالرجال فی لباسها. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 211
الکراهة الاصطلاحیة.
علی أن روایة الصادق «ع» عن آبائه عن رسول اللّه (ص) إنه (کان یزجر الرجل أن یتشبه بالنساء و ینهی المرأة أن تتشبه بالرجال فی لباسها). کالصریحة فی الحرمة، لعدم إطلاق الزجر فی موارد الکراهة الاصطلاحیة.
قوله ثم الخنثی یجب علیها ترک الزینتین إلخ.
أقول: اختلفوا فی الخنثی هل هو من صنف الرجال، أو من صنف الإناث، أو هو طبیعة ثالثة تقابل کلا من الصنفین علی أقوال؟ قد ذکرت فی محلها، و ما ذکره المصنف (ره) من أنه (یجب علیها ترک الزینتین المختصتین بکل من الرجل و المرأة) مبنی علی کونه داخلا تحت أحد العنوانین «الذکر و الأنثی) و إلا فأصالة البراءة بالنسبة إلی التکالیف المختصة بهما محکمة.
قوله و یشکل بناء علی کون مدرک الحکم حرمة التشبه بأن الظاهر عن التشبه صورة علم المتشبه.
أقول: لا إشکال فی اعتبار العلم بصدور الفعل فی تحقق عنوان التشبه، إلا أنه لا یختص بالعلم التفصیلی، بل یکفی فی ذلک العلم الإجمالی أیضا، فهو موجود فی الخنثی

التشبیب بالمرأة الأجنبیة

اشارة

قوله المسألة الثالثة: التشبیب بالمرأة المعروفة المؤمنة المحترمة و هی کما فی جامع المقاصد ذکر محاسنها و إظهار حبها بالشعر حرام.
أقول: لا شبهة فی حرمة ذکر الأجنبیات و التشبیب بها، کحرمة ذکر الغلمان و التشبیب بهم بالشعر و غیره إذا کان التشبیب لتمنی الحرام و ترجی الوصول إلی المعاصی و الفواحش، کالزنا و اللواط و نحوهما، فان ذلک هتک لاحکام الشارع، و جرأة علی معصیته، و من هنا حرم طلب الحرام من اللّه بالدعاء، و لا یفرق فی ذلک بین کون المذکورة مؤمنة أو کافرة، و علی کل حال فحرمة ذلک لیس من جهة التشبیب.
و أما التشبیب بالمعنی الذی ذکره المحقق الثانی فی جامع المقاصد مع القیود التی اعتبرها المصنف ففی حرمته خلاف، فذهب جمع من الأکابر إلی الحرمة، و ذهب بعض آخر الی الجواز، و ذهب جمع من العامة إلی حرمة مطلق التشبیب [1].
______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 42. بعد أن حکم بإباحة الغناء قال: فلا یحل التغنی بالألفاظ التی تشمل علی وصف امرأة معینة باقیة علی قید الحیاة، لأن ذلک یهیج الشهوة إلیها و یبعث علی الافتتان بها. و مثلها فی ذلک الغلام الأمرد.
و فی ص 43 عن الغزالی: لا أعلم أحدا من علماء الحجاز کره السماع إلا ما کان فی-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 212
و قد استدل القائلون بالحرمة بوجوه، الوجه الأول: أن التشبیب هتک للمشبب بها و إهانة لها، فیکون حراما.
و فیه أولا: لو سلمنا کون التشبیب هتکا لها فان ذلک لا یختص بالشعر کما لا یختص بالمؤمنة المعروفة المحترمة، فإنه لا فرق فی حرمة الهتک بین أفراد الناس من المحرم و غیر المحرم، و الزوجة و غیر الزوجة، و المخطوبة و غیر المخطوبة، فإن هتک جمیعها حرام عقلا و شرعا و أیضا لا فرق فی الشعر بین الإنشاء و الإنشاد.
و ثانیا: أن النسبة بین عنوانی الإهانة و التشبیب هی العموم من وجه، فان الشاعر أو غیره قد یذکر محاسن امرأة أجنبیة فی حال الخلوة بحیث لا یطلع علیه أحد لیلزم منه الهتک، أو یکون التوصیف و إظهار محاسنها و ذکر جمالها مطلوبا، سواء کان ذلک بالنظم أم بغیره، کما إذا سأل سائل عن بنات أحد الأعاظم و الملوک لیخطب منهن واحدة، فهل یقوم أحد أن توصیفها بالجمال و الکمال و الأدب و الأخلاق حرام؟؟ و کثیرا ما یتحقق عنوان الهتک من دون تحقق التشبیب، و قد یجتمعان، و علیه فلا ملازمة بینهما دائما.
و ثالثا: أن کلامنا فی المقام فی حرمة التشبیب بعنوانه الأولی، فإثبات حرمته لعنوان آخر عرضی- کعنوان الهتک أو الإهانة أو غیرهما- خروج عن محل الکلام.
الوجه الثانی: أنه إیذاء للمشبب بها، و هو حرام.
و فیه أنه لا دلیل علی حرمة فعل یترتب علیه أذی الغیر قهرا إذا کان الفعل سائغا فی نفسه، و لم یقصد العامل أذیة الغیر من فعله. و إلا لزم القول بحرمة کل فعل یترتب علیه أذی الغیر و إن کان الفعل فی نفسه مباحا أو مستحبا أو واجبا، کتاذی بعض الناس من اشتغال بعض آخر بالتجارة و التعلیم و التعلم و العبادة و نحوها، و کثیرا ما یتأذی بعض التجار باستیراد البعض الآخر مال التجارة، و یتأذی الجار بعلو جدار جاره أو من کثرة أمواله، مع أن أحدا لا یتفوه بحرمة ذلک.
علی أن النسبة بین التشبیب و الإیذاء أیضا عموم من وجه، إذ قد یتحقق التشبیب و لا یتحقق الإیذاء کالتشبیب بالمتبرجات، و قد یتحقق الإیذاء حیث لا یتحقق التشبیب، و هو واضح، و قد یجتمعان.
______________________________
- الأوصاف. و عن الحنفیة: التغنی المحرم ما کان مشتملا علی ألفاظ لا تحل کوصف الغلمان. و المرأة المعینة التی علی قید الحیاة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 213

ما استدل به علی حرمة التشبیب و الجواب عنه

قوله و یمکن أن یستدل علیه بما سیجی‌ء.
أقول: بعد أن أشکل المصنف علی الوجوه المتقدمة، و اعترف بعدم نهوضها لإثبات حرمة التشبیب أخذ بالاستدلال علیه بوجوه أضعف من الوجوه الماضیة:
الوجه الأول: أن التشبیب من اللهو و الباطل، فیکون حراما، لما سیأتی من دلالة جملة من الآیات و الروایات علی حرمتها.
و فیه أن هذه الدعوی ممنوعة صغری و کبری: أما الوجه فی منع الصغری فلانه لا دلیل علی کون التشبیب من اللهو و الباطل، إذ قد یشتمل الکلام الذی یشبب به علی المطالب الراقیة و المدائح العالیة المطلوبة للعقلاء خصوصا إذا کان شعرا کما هو مورد البحث.
و أما الوجه فی منع الکبری فلعدم العمل بها مطلقا، لان اللهو و الباطل لو کان علی إطلاقهما من المحرمات لزم القول بحرمة کل ما فی العالم، فان کل ما أشغل عن ذکر اللّه- و ذکر الرسول و ذکر القیامة و ذکر النار و الجنة و الحور و القصور- لهو و باطل، و قد نطق بذلک القرآن الکریم أیضا فی آیات عدیدة [1] و سیأتی من المصنف الاعتراف بعدم حرمة اللهو إلا علی نحو الموجبة الجزئیة.
الوجه الثانی: أنه ورد النهی فی الکتاب العزیز [2] عن الفحشاء و المنکر، و منهما التشبیب فیکون حراما.
و فیه أنا نمنع کون التشبیب من الفحشاء و المنکر، علی ان هذا الوجه، مع الوجه السابق، و سائر الوجوه الآتیة لو دلت علی الحرمة لدلت علیها مطلقا، سواء أ کان بالشعر أم بغیره و سواء أ کان التشبیب بأنثی أم بذکر، و سواء أ کانت الأنثی مؤمنة أم غیر مؤمنة، فلا وجه لتخصیص الحرمة بالشعر.
______________________________
[1] کقوله تعالی فی سورة الانعام، آیة: 32 (وَ مَا الْحَیٰاةُ الدُّنْیٰا إِلّٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ).
و قوله تعالی فی سورة العنکبوت، آیة: 64 (وَ مٰا هٰذِهِ الْحَیٰاةُ الدُّنْیٰا إِلّٰا لَهْوٌ وَ لَعِبٌ).
و قوله فی سورة محمد، آیة: 38 (إِنَّمَا الْحَیٰاةُ الدُّنْیٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ). و فی سورة الحدید، آیة 19 (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَیٰاةُ الدُّنْیٰا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ).
[2] فی سورة النحل آیة: 92 قوله تعالی: (وَ یَنْهیٰ عَنِ الْفَحْشٰاءِ وَ الْمُنْکَرِ وَ الْبَغْیِ).
و غیرها من الآیات.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 214
و یضاف الی ذلک ان النسبة بین التشبیب و بین تلک العناوین المحرمة هی العموم من وجه فلا تدل حرمتها علی حرمة التشبیب دائما، مع ان الکلام فی التشبیب بعنوانه الاولی، فحرمته بعنوان اللهو أو الفحشاء أو غیرهما من العناوین المحرمة خارج عن حدود البحث و محل النزاع.
الوجه الثالث: انه مناف للعفاف الذی اعتبر فی العدالة بمقتضی بعض الروایات [1] و حیث إن العفاف واجب، فیحرم الإخلال به.
و فیه انا نمنع اعتبار أی عفاف فی العدالة، و إنما المعتبر فیها العفاف عن المحرمات، و کون التشبیب منها أول الکلام.
الوجه الرابع: الأخبار الدالة علی حرمة ما یثیر الشهوة الی غیر الحلیلة حتی بالأسباب البعیدة و هی کثیرة قد ذکرت فی مواضع شتی: منها ما دل [2] علی النهی عن النظر إلی الأجنبیة لأنه سهم مسموم من سهام إبلیس: و النکتة فی إطلاق لفظ السهم علی النظر هی تأثیره فی قلب الناظر و إیمانه، کتأثیر السهم الخارجی فی الغرض، و من هنا أطلق علیه زنا العین کما فی روایة أبی جمیلة و وجه دلالة هذه الاخبار علی حرمة التشبیب هو ان النظر الی
______________________________
[1] فی ج 3 ئل باب 41 ما یعتبر فی الشاهد من العدالة من الشهادات ص 416. عن أبی یعفور قال: قلت لأبی عبد اللّه: بم تعرف عدالة الرجل بین المسلمین حتی تقبل شهادته لهم و علیهم؟ فقال: أن تعرفوه بالستر و العفاف و کف البطن و الفرج و الید و اللسان، الخبر. صحیح.
[2] فی ج 2 کا باب 191 النوادر من النکاح ص 76. و ج 12 الوافی باب 135 العفة من النکاح ص 127. و ج 3 ئل باب 104 تحریم النظر الی النساء من مقدمات النکاح ص 24 عن عقبة بن خالد عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سمعته یقول: النظر سهم من سهام إبلیس مسموم و کم من نظرة أورثت حسرة طویلة. ضعیفة لعقبة.
و عن ابن أبی نجران عمن ذکره عن أبی عبد اللّه «ع». و یزید بن حماد و غیره عن أبی جمیلة عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه «ع» قالا: ما من أحد إلا و هو یصیب حظا من الزنا فزنا العین النظر، الخبر. السند الأول مرسل. و الثانی ضعیف لأبی جمیلة. راجع المصادر المزبورة فی خبر عقبة. و فی البابین المذکورین من الوافی و ئل عن الفقیه عن عقبة بن خالد قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: النظر سهم من سهام إبلیس مسموم من ترکها للّه لا لغیره أعقبه اللّه ایمانا یجد طعمه. ضعیفة لعقبة.
و عن الکاهلی قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: النظرة بعد النظرة تزرع فی القلب الشهوة-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 215
الأجنبیات إذا کان سهما مسموما مؤثرا فی هدم الایمان و قلعه عن قلوب الناظرین، فالتشبیب أولی بالتحریم، فإن تأثیر الکلام أشد من تأثیر النظر.
و فیه انک قد عرفت عدم الملازمة بین التشبیب و بین سائر العناوین المحرمة، و کذلک فی المقام، إذ قد یکون التشبیب مهیجا للقوة الشهویة. فلا یکون حراما کالتشبیب بالزوجة، و قد یکون التشبیب غیر مهیج للشهوة کما إذا شبب بإحدی محارمه، و قد یجتمعان فلا ملازمة بینهما.
و منها الأخبار الدالة علی المنع عن الخلوة بالأجنبیة، و هی کثیرة [1] منها قوله «ع» فی
______________________________
و کفی بها لصاحبها فتنة.
و فی الباب 135 المذکور من الوافی عن بعض أصحابنا قال: قال أبو عبد اللّه (ع) إیاکم و النظر فإنه سهم من سهام إبلیس. مرسلة.
و فی ج 2 المستدرک ص 554 عن مصباح الشریعة قال الصادق «ع»: إیاکم و النظر الی المحذورات فإنه بذر الشهوات. مرسلة.
و عن القطب الراوندی عن النبی (ص) النظر الی محاسن النساء سهم من سهام إبلیس.
مرسلة. الی غیر ذلک من الاخبار الکثیرة الدالة علی حرمة النظر إلی الأجنبیة. و علی هذا المنهج أحادیث العامة: راجع ج 7 سنن البیهقی ص 89.
[1] فی ج 2 کا باب 158 التستر من النکاح ص 64. و ج 12 الوافی باب 134 ما لا ینبغی للنساء من النکاح ص 126. و ج 3 ئل باب 99 عدم جواز خلوة الرجل مع المرأة الأجنبیة من مقدمات النکاح ص 23. عن مسمع عن أبی عبد اللّه «ع» قال: فیما أخذ رسول اللّه (ص) من البیعة علی النساء ان لا یحتبین و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء.
ضعیفة لسهل و محمد بن الحسن بن شمون.
قال فی الوافی: الاحباء الجمع بین الظهر و الساقین بعمامة و نحوها.
و فی الباب 99 المزبور من ج 3 ئل عن موسی بن إبراهیم عن موسی بن جعفر «ع» عن آبائه «ع» عن رسول اللّه (ص) قال: من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فلا یبیت فی موضع یسمع نفس امرأة لیست له بمحرم. ضعیفة لموسی بن إبراهیم.
و عن الحسن الطبرسی فی مکارم الأخلاق عن الصادق «ع» قال: أخذ رسول اللّه علی النساء ان لا ینحن و لا یخمشن و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء مرسلة.
خمش الوجه خدشه و لطمه و ضربه و قطع عضوا منه.
و فی ج 2 ئل باب 31 ان من استأجر بیتا له باب الی بیت آخر فیه أجنبیة من الإجارات
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 216
روایة مسمع فی قضیة أخذ الرسول ص البیعة علی النساء: و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء، و هکذا فی روایة مکارم الأخلاق، و منها ما فی روایة موسی بن إبراهیم من قوله ع:
من کان یؤمن باللّه و الیوم الآخر فلا یبیت فی موضع یسمع نفس امرأة لیست له بمحرم، و منها قوله (ع) فی روایة محمد بن الطیار: فان الرجل و المرأة إذا خلیا فی بیت کان ثالثهما
______________________________
- ص 650. و الفقیه ص 287. و ج 12 الوافی باب 137 النوادر من النکاح. عن محمد ابن الطیار حیث استأجر دارا و فیها باب الی بیت امرأة أجنبیة فسأل ذلک عن أبی عبد اللّه فقال: تحول منه فان الرجل و المرأة إذا خلیا فی بیت کان ثالثهما الشیطان. مرسلة.
و فی ج 2 المستدرک ص 553. عن الجعفریات عن علی «ع» قال: ثلاثة من حفظهن کان مصونا من الشیطان الرجیم و من کل بلیة من لم یخل بامرأة لا یملک منها شیئا إلخ.
مجهولة لموسی بن إسماعیل.
و عن دعائم الإسلام عن علی «ع» انه قال: لا یخلو بامرأة رجل فما من رجل خلا بامرأة إلا کان الشیطان ثالثهما. مرسلة.
و عنه «ع» انه قال: أخذ رسول اللّه (ص) البیعة علی النساء ان لا ینحن و لا یخمشن و لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء. مرسلة.
و عن الصدوق فی الخصال عن أبی جعفر «ع» قال: لما دعا نوح ربه علی قومه أتاه إبلیس فقال: یا نوح إن لک عندی یدا أرید أن اکافیک علیها، الی ان قال: اذکرنی إذا کنت مع امرأة خالیا و لیس معکما احد ضعیفة لعمرو بن شمر.
و عن القطب الراوندی روی ان إبلیس قال: لا أغیب عن العبد فی ثلاث مواضع: إذا هم بصدقة و إذا خلا بامرأة و عند الموت مرسلة و عنه مرسلا قال إبلیس لموسی: لا تخلون بامرأة غیر محرم.
و عن المفید فی أمالیه بإسناده عن رسول الله (ص) قال إبلیس لموسی بن عمران: أوصیک بثلاث خصال: یا موسی لا تخل بامرأة و لا تخل بک فإنه لا یخلو رجل بامرأة و لا تخلو به إلا کنت صاحبه من دون أصحابی. مجهولة لسعدان بن مسلم.
و عن الشیخ ابی المفتوح فی تفسیره عن رسول اللّه انه قال: لا یخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشیطان. مرسلة.
و فی ص 386 باب 36 تحریم مجالسة أهل المعاصی من الأمر بالمعروف عن الشیخ المفید عن رسول اللّه: أربعة مفسدة للقلوب: الخلوة بالنساء و الاستماع منهن و الأخذ برأیهن.
مجهولة لجهالة أکثر رواتها.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 217
الشیطان. الی غیر ذلک من الروایات التی دلت علی حرمة الخلوة مع الأجنبیة، ففی بعضها:
لا یخلون رجل بامرأة فإن ثالثهما الشیطان، و فی بعضها: إن الشیطان لا یغیب عن الإنسان فی موضع خلوّ الرجال مع امرأة أجنبیة. و علی هذا النهج أحادیث العامة «1» فیستفاد من جمیعها حرمة خلو الرجل مع امرأة أجنبیة، لأن الشیطان لا یغیب عنه فی هذه الحالة، فیهیج قوته الشهویة لیلقیه الی المهلکة و المضلة، و بما أن التشبیب بالمرأة الأجنبیة یهیج الشهوة أزید مما تهیجه الخلوة بها فیکون أولی بالتحریم.
و فیه أنه لا دلالة فی شی‌ء من تلک الأخبار علی حرمة الخلوة مع الأجنبیة فضلا عن دلالتها علی حرمة التشبیب، أما روایتا مسمع و مکارم الأخلاق فالمستفاد منهما حرمة قعود الرجل مع المرأة فی بیت الخلاء، فقد کان من المتعارف فی زمان الجاهلیة أنهم یهیئون مکانا لقضاء الحاجة، و یسمونه بیت الخلاء، و یقعد فیه الرجال و النساء و الصبیان، و لا یستتر بعضهم عن بعض، کبعض أهل البادیة فی الزمن الحاضر، و لما بعث نبی الرحمة نهی عن ذلک، و أخذ البیعة علی النساء أن لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء، علی أن الخلوة مع الأجنبیة إذا کانت محرمة فلا تختص بحالة القعود، بل هی محرمة مطلقة و إن کانت بغیر قعود.
و یؤید ما ذکرناه من المعنی أن النهی فی الروایتین قد تعلق بقعود الرجال مع النساء فی الخلاء مطلقا و إن کن من المحارم، و من الواضح أنه لا مانع من خلوة الرجل مع محارمه، و إن لم یکن للروایتین ظهور فیما ادعیناه، فلا ظهور لهما فی حرمة الخلوة أیضا، و لا أقل من الشک، فتسقطان عن الحجیة.
علی ان من جملة ما أخذ رسول اللّه (ص) البیعة به علی النساء أن لا یزنین، و لعل أخذ البیعة علیهن أن لا یقعدن مع الرجال فی الخلاء من جهة عدم تحقق الزنا، فان حالة الخلوة مظنة الوقوع علی الزنا، و علیه فلا موضوعیة لعنوان الخلوة بوجه، و الغرض المهم هو النهی عن الزنا، و إنما تعلق بالخلوة لکونها من المقدمات القریبة له.
و یدل علی ما ذکرناه أیضا ما ورد فی جملة من الروایات من تعلیل النهی عن الخلوة بأن الثالث هو الشیطان، فان الظاهر منها هو أنه لو خلا الرجل مع المرأة الأجنبیة فإن الشیطان یکاد أن یوقعهما فی البغی و الزنا، و من هنا ظهر أنه لا یجوز الاستدلال أیضا بهذه الروایات المشتملة علی التعلیل المذکور. و قد ذکرنا جمیع هذه الروایات فی الحاشیة.
و أما روایة موسی بن إبراهیم فهی خارجة عما نحن فیه، فإنها دلت علی حرمة نوم الرجل فی موضع یسمع نفس الامرأة الأجنبیة، و لا ملازمة بین سماع النفس و الخلوة دائما، بل
______________________________
(1) راجع ج 7 سنن البیهقی ص 90.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 218
بینهما عموم من وجه، کما أن النهی عن نوم الرجل مع المرأة تحت لحاف واحد کما فی بعض الأحادیث «1» لا یدل علی حرمة عنوان الخلوة.
و یمکن أن یکون نهی الرجل عن النوم فی مکان یسمع نفس المرأة الأجنبیة من جهة کون سماع نفس المرأة من المقدمات القریبة للزنا، کما أن النهی عن النوم تحت لحاف واحد کذلک، فان سماع النفس فی الأشخاص العادیة لا یکون إلا مع نومهم فی محل واحد، و من القریب جدا أن هذا یوجب الزنا کثیرا.
بل یمکن أن یقال: إنه لو ورد نص صریح فی النهی عن الخلوة مع الأجنبیة فلا موضوعیة لها أیضا، و إنما نهی عنها لکونها من المقدمات القریبة للزنا، فان أهمیة حفظ الاعراض فی نظر الشارع المقدس تقتضی النهی عن الزنا، و عن کل ما یؤدی إلیه عرفا.
و أما الروایات المشتملة علی أن إبلیس لا یغیب عن الإنسان فی مواضع منها موضع خلوة الرجل مع امرأة أجنبیة، فإن المستفاد منها أن الشیطان یقظان فی تلک المواضع یجر الناس الی الحرام، فلا دلالة فیها علی المدعی. و علی الجملة فلا دلیل علی حرمة الخلوة بما هی خلوة، و إنما النهی عنها للمقدمیة فقط.
و یضاف الی جمیع ما ذکرناه أن الروایات الواردة فی النهی عن الخلوة بالأجنبیة کلها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشی‌ء.
و لو سلمنا وجود الدلیل علی ذلک فإنه لا ملازمة بین حرمة الخلوة و حرمة التشبیب و لو بالفحوی، إذ لا طریق لنا الی العلم بأن ملاک الحرمة فی الخلوة هو إثارة القوة الشهویة حتی یقاس علیها کل ما یوجب تهیجها. و من هنا علی أنه لا وجه لقیاس التشبیب علی شی‌ء یوجب تهیج القوة الشهویة.
قوله و کراهة جلوس الرجل فی مکان المرأة حتی یبرد المکان.
أقول: استدل المصنف علی حرمة التشبیب بفحوی أمور مکروهة: منها ما ورد [1] فی کراهة الجلوس فی
______________________________
[1] فی ج 2 کا باب 191 النوادر من النکاح ص 78. و ج 12 الوافی باب 137 النوادر من النکاح ص 129. و الفقیه باب النوادر من النکاح ص 330. و ج 3 ئل باب 144 کراهة الجلوس فی مجلس المرأة من مقدمات النکاح ص 32. عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): إذا جلست المرأة مجلسا فقامت عنه فلا-
______________________________
(1) راجع ج 3 ئل باب 13 تحریم خلوة الرجال بالمرأة تحت لحاف واحد من أبواب النکاح المحرم ص 41. و ج 2 کا باب 5 ما یوجب الجلد من الحدود ص 287. و ج 9 الوافی باب المجردین وجدا فی لحاف واحد من الحدود ص 47.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 219
مجلس المرأة حتی یبرد المکان، و منها ما ورد [1] فی رجحان تستر المرأة عن نساء أهل الذمة و منها ما ورد [2] فی التستر عن الصبی الممیز الی غیر ذلک من الموارد التی نهی الشارع عنها تنزیها، لکونها موجبة لتهیج الشهوة. فتدل بالفحوی علی حرمة التشبیب، لکونه أقوی فی إثارة الشهوة.
و لکنها لا نعرف وجها صحیحا لهذا الاستدلال، إذ لا معنی لإثبات الحرمة لموضوع لثبوت الکراهة لموضوع آخر حتی بناء علی العمل بالقیاس. علی أنا لا نعلم أن مناط الکراهة فی تلک الأمور هو تهیج الشهوة حتی یلتزم بالحرمة فیما إذا کان التهیج أشد و أقوی، و قد تقدم نظیر ذلک من المصنف فی البحث عن حرمة إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی «1»، حیث استدل علی الحرمة بکراهة إطعام النجس للبهیمة.
علی أن رجحان التستر عن نساء أهل الذمة إنما هو لئلا یطلعن رجالهن علی محاسن نساء المسلمین، و رجحان التستر عن الصبی الممیز إنما هو لکونه ممیزا فی نفسه، کما یظهر من الروایة الدالة علی ذلک.
قوله و النهی فی الکتاب العزیز)
أقول: قد ورد النهی فی الکتاب الشریف «2» عن خضوع النساء بالقول لئلا یطمع الَّذِی فِی قَلْبِهِ مَرَضٌ. و عن أن یضربن بِأَرْجُلِهِنَّ لِیُعْلَمَ مٰا یُخْفِینَ مِنْ زِینَتِهِنَّ «3».
إلا أنه لا دلالة فی شی‌ء من ذلک علی حرمة التشبیب، کما لا دلالة علیها فی حرمة التعریض بالخطبة لذات البعل و لذات العدة الرجعیة، و التعریض هو الإتیان بلفظ یحتمل الرغبة فی النکاح مع کونه ظاهرا فی النکاح، کأن یقول: رب راغب فیک، و حریص علیک،
______________________________
یجلس فی مجلسها رجل حتی یبرد. ضعیفة للنوفلی.
[1] فی ج 2 کا باب 158 التستر من النکاح ص 64. و ج 12 الوافی باب 123 تسترهن ص 121. و ج 3 ئل باب 98 عدم جواز انکشاف المرأة بین یدی الیهودیة من مقدمات النکاح ص 23. عن حفص بن البختری عن أبی عبد اللّه «ع» قال: لا ینبغی للمرأة أن تنکشف بین یدی الیهودیة و النصرانیة فإنهن یصفن ذلک لأزواجهن. صحیحة.
________________________________________
خویی، سید ابو القاسم موسوی، مصباح الفقاهة (المکاسب)، 7 جلد، ه ق

مصباح الفقاهة (المکاسب)؛ ج‌1، ص: 219
[2] فی ج 3 ئل باب 129 أنه یجوز للرجل أن یعالج الأجنبیة من مقدمات النکاح ص 30. عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال: سئل أمیر المؤمنین «ع» عن الصبی یحجم المرأة؟ قال: إذا کان یحسن یصف فلا. ضعیفة للنوفلی.
______________________________
(1) ص 117.
(2) سورة الأحزاب، آیة 32.
(3) سورة النور، آیة: 31.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 220
أو انی راغب فیک، أو أنت علی کریمة، أو عزیزة، أو إن اللّه لسائق إلیک خیرا، أو رزقا، أو نحو ذلک.
قوله سواء علم السامع إجمالا بقصد معینة أم لا ففیه إشکال.
أقول: إذا ثبتت حرمة التشبیب و حرمة سماعه فلا یحرم سماعة إذا کان المشبب بها امرأة غیر معینة، لعدم علم السامع بها حتی یترتب علیه ما تقدم من الأمور.
قوله و فیه إشکال من جهة اختلاف الوجوه المتقدمة للتحریم.
أقول: قد عرفت عدم دلالة شی‌ء من الوجوه المتقدمة علی حرمة التشبیب. و لو سلم ذلک فلا دلالة فیها علی حرمة التشبیب بامرأة مبهمة أو خیالیة إلا إذا کان مرجعه إلی تمنی الحرام. و قد عرفت أنه خارج عما نحن فیه.
قوله أما التشبیب بالغلام فهو محرم علی کل حال.
أقول: التشبیب بالغلام إن کان داخلا فی عنوان تمنی الحرام فلا ریب فی حرمته، لکونه جرأة علی حرمات المولی کما تقدم و إلا فلا وجه لحرمته فضلا عن کونه حراما علی کل حال. بل ربما یکون التشبیب به مطلوبا. و لذا یجوز مداح الابطال و الشجعان، و مدح الشبان بتشبیههم بالقمر و النجوم، و لا شبهة فی صدق التشبیب علیه لغة [1] و عرفا.
قوله لأنه فحش محض.
أقول: لا شبهة فی حرمة الفحش و السب کما سیأتی، إلا أنه لا یرتبط ذلک بالتشبیب بعنوانه الأولی الذی هو محل الکلام فی المقام.

حرمة التصویر

اشارة

قوله المسألة الرابعة تصویر صور ذوات الأرواح حرام إذا کانت الصورة مجسمة بلا خلاف.
أقول: لا خلاف بین الشیعة و السنة [2] فی حرمة التصویر فی الجملة.
______________________________
[1] فی أقرب الموارد: تشبیب الشاعر بفلانة قال فیها: النسیب و وصف محاسنها.
[2] فی ج 2 فقه المذاهب ص 40 عن المالکیة: إنما یحرم التصویر بشروط أربعة:
أحدها: أن تکون الصورة لحیوان. ثانیها: أن تکون مجسدة و قیدها بعضهم بکونها من مادة تبقی و إلا فلا تحرم، و فی غیر السجدة خلاف، فذهب بعضهم إلی الإباحة مطلقا، و بعضهم یری إباحتها إذا کانت علی الثیاب و البسط. ثالثها: أن تکون کاملة الأعضاء رابعها: أن یکون لها ظل.
و عن الشافعیة: یجوز تصویر غیر الحیوان. و أما الحیوان فإنه لا یحل تصویره.
و بعد التصویر إن کانت الصورة مجسدة فلا یحل التفرج علیها إلا إذا کانت ناقصة-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 221
ففی المستند «1» ادعی الإجماع علی حرمة علی الصور لذوات الأرواح إذا کانت الصورة مجسمة، و ذکر الخلاف فی غیر هذا القسم.
و فی المختلف «2»: (مسألة: قال ابن براج: یحرم التماثیل المجسمة و غیر المجسمة، و قال ابن إدریس: و سائر التماثیل و الصور ذوات الأرواح مجسمة کانت أو غیرها. و أبو الصلاح قال: یحرم التماثیل و أطلق). و عن المحقق الثانی إنه قسم التصویر إلی أربعة أقسام، و قال: أحدها محرم إجماعا، و هو عمل الصور المجسمة لذوات الأرواح، و باقی الأقسام مختلف فیها.
فالمتحصل من کلمات الأصحاب أن الأقوال فی حرمة التصویر أربعة، الأول: أن التصویر حرام إذا کانت الصورة مجسمة لذی روح، و هذا مما لا خلاف فی حرمته بین الأصحاب، بل ادعی علیه الإجماع.
الثانی: أن تصویر ذوات الأرواح حرام سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة، و قد اختاره المصنف وفاقا لما ذهب إلیه الحلی و القاضی و غیرهما من الأصحاب.
الثالث: حرمة التصاویر مطلقا إذا کانت مجسمة. الرابع: القول بحرمتها علی وجه الإطلاق سواء کانت مجسمة أم غیرها، و سواء کانت لذوات الأرواح أم غیرها، و القولان الأخیران و إن کانا أیضا مورد الخلاف بین الفقهاء کما أشار إلیه النراقی و المحقق الثانی: إلا أنا لم نجد قائلا بهما عدا ما یستفاد من ظاهر بعض العبائر.
و کیف کان فالمهم فی المقام هو التکلم فی مدرک الأقوال، فنقول: الظاهر من بعض المطلقات المنقولة من طرق الشیعة [1]
______________________________
- و غیره المجسدة لا یحل التفرج علیها إذا کان مرفوعا علی الجدار. و یجوز التفرج علی خیال الظل «السینما» و یستثنی من المذکورات لعب البنات.
و عن الحنابلة یجوز تصویر غیر الحیوان، و أما تصویر الحیوان فإنه لا یحل إلا إذا کان موضوعا علی ثوب یفرش.
و عن الحنفیة: تصویر غیر الحیوان جائز، أما تصویر الحیوان فإنه لا یحل إلا إذا کان علی بساط مفروش أو کانت الصورة ناقصة.
[1] فی ج 2 المستدرک ص 457 عن محمد بن مسلم عن علی «ع» قال: إیاکم و عمل. الصور إلخ. ضعیفة لقاسم بن یحیی.
______________________________
(1) ج 1 ص 337.
(2) ج 2 ص 163.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 222
و من طرق العامة «1» حرمة التصاویر مطلقا و لو کانت لغیر ذوات الأرواح. و لم تکن مجسمة، کقول علی «ع»: (إیاکم و عمل الصور فإنکم تسألون عنها یوم القیامة) و کالنبوی
______________________________
و عن الحضرمی عن أبی عبد اللّه «ع» جعل من أکل السحت تصویر التماثیل، ضعیفة لعبد اللّه بن طلحة. و لأن کتاب الحضرمی لم یثبت اعتباره.
و عن القطب الراوندی: من صور التماثیل فقد ضاد اللّه. مرسلة.
و عن الشهید فی المنیة عن النبی (ص) إنه قال: أشد الناس عذابا یوم القیامة مصور یصور التماثیل. مرسلة.
و فی ج 2 کا ص 226. و ج 11 الوافی ص 107. و ج 1 ئل باب 3 عدم جواز نقش البیوت بالتماثیل من أحکام المساکن ص 317. عن أبی بصیر عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): أتانی جبرئیل و قال: یا محمد إن ربک یقرؤک السلام و ینهی عن تزویق البیوت، قال أبو بصیر: فقلت: و ما تزویق البیوت؟ فقال: تصاویر التماثیل.
ضعیفة لقاسم بن محمد الجوهری، و علی بن أبی حمزة. التزویق التزیین و التحسین.
و فی ج 1 التهذیب باب دفن المیت ص 130. و ج 13 الوافی باب 95 وظائف القبر ص 83. و ج 1 ئل الباب 3 المذکور عن الأصبغ بن نباتة قال: قال أمیر المؤمنین «ع»:
من جدد قبرا أو مثل مثالا فقد خرج عن الإسلام. ضعیفة لأبی جارود. الی غیر ذلک من المطلقات.
قال فی التهذیب و حاصله. انه اختلف أصحابنا فی روایة هذا الخبر و تأویله علی وجوه:
فقال محمد بن الحسن الصفار: من جد بالجیم، لا غیر، فمعناه: انه لا یجوز تجدید القبر بعد الاندراس و إن جاز تعمیره أولا. و قال سعد بن عبد اللّه: من حدد قبرا بالحاء غیر المعجمة یعنی به من سنم قبرا. و قال أحمد البرقی: إنما هو من جدث قبرا بالجیم و الثاء، و لم یفسر ما معناه. إلا انه یمکن ان یراد منه جعل القبر (الذی دفن فیه المیت) قبرا لإنسان آخر لأن الجدث هو القبر. و قال محمد بن علی بن الحسین: إن معنی التجدید هو ما اختاره سعد ابن عبد اللّه فی معنی التحدید، إلا ان جمیع المعانی المذکورة داخل فی معنی الحدیث. و قال شیخنا محمد بن محمد بن النعمان (ره) یقول: إن الخبر بالخاء و الدالین، و ذلک مأخوذ من الخد بمعنی الشق، یقال: خدت الأرض خدا: أی شققتها.
و فی الوافی عن الفقیه: (و الذی أقوله فی قوله «ع»: من مثل مثالا، إنه یعنی من أبدع بدعة و دعا إلیها، أو وضع دینا فقد خرج عن الإسلام).
______________________________
(1) راجع ج 7 سنن البیهقی ص 268.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 223
المذکور فی سنن البیهقی: (إن أشد الناس عذابا عند اللّه یوم القیامة المصورون).
و لکن لا بد من تقیید هذه المطلقات بما دل [1] علی جواز التصویر لغیرها ذوات الأرواح و علیه فتحمل المطلقات علی تصویر ذوات الأرواح. و یحکم بجواز التصویر لغیرها سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة، و هو الموافق للأصل و الإطلاقات و العمومات من الآیات و الروایات الواردة فی طلب الرزق و جواز الاکتساب بأی کیفیة کان إلا ما خرج بالدلیل.
و یضاف الی ما ذکرناه أن المطلقات المذکورة بأجمعها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشی‌ء.
علی ان مقتضی السیرة القطعیة المستمرة إلی زمان المعصوم «ع» جواز التصویر لغیر ذوات الأرواح، و لم نر و لم نسمع من أنکر جواز تصویر الأشجار و الفواکه و الجبال و البحار و الشطوط و الحدائق، بل السیرة المذکورة ثابتة فی تعلم بعض الأشیاء، خصوصا فی بعض العلوم الریاضیة حیث یعملون الصور لتسهیل التفهیم.
و یؤید ما ذکرناه ما ورد فی بعض الأحادیث [2] من ان رسول اللّه (ص) بعث علیا (ع)
______________________________
[1] فی ج 2 کا باب 67 تزویق البیوت من أبواب التجمل ص 226. و ج 11 الوافی باب 196 تزویق البیوت من التجمل ص 107. و ج 2 ئل باب 122. تحریم عمل الصور المجسمة مما یکتسب به ص 564. و ج 1 ئل باب 3 عدم جواز نقش البیوت بالتماثیل من أحکام المساکن ص 317. عن ابی العباس البقباق عن ابی عبد اللّه «ع» فی قول اللّه عز و جل: یَعْمَلُونَ لَهُ مٰا یَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِیبَ وَ تَمٰاثِیلَ؟ فقال: و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه. و موثقة لابان بن عثمان.
و فی الباب 122 المزبور من ج 2 ئل عن زرارة عن أبی جعفر «ع» قال: لا بأس بتماثیل الشجر. صحیحة.
و عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن تماثیل الشجر و الشمس و القمر؟
فقال: لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان. صحیحة. أقول: یحتمل قریبا ان یکون السؤال فی هذه الروایة عن اقتناء الصور و إبقائها. و سیأتی التعرض لذلک. و فی أحادیث العامة أیضا ما یدل علی جواز التصویر لغیر ذوات الأرواح. راجع ج 7 سنن البیهقی ص 270.
[2] فی ج 2 کا ص 226، و الباب 3 المتقدم من ج 1 ئل. و ج 11 الوافی ص 108 و ج 14 البحار ص 717: عن عبد اللّه بن میمون الأسود القداح عن ابی عبد اللّه (ع) قال:
قال أمیر المؤمنین (ع): بعثنی رسول اللّه فی هدم القبور و کسر الصور، ضعیفة لسهل.
و عن السکونی عن ابی عبد اللّه (ع) قال: قال أمیر المؤمنین (ع): بعثنی رسول اللّه الی المدینة فقال: لا تدع صورة إلا محوتها و لا قبرا إلا سویته و لا کلبا إلا قتلته، ضعیفة للنوفلی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 224
فی هدم القبور و کسر الصور، و أیضا قال له: لا تدع صورة إلا محوتها. فإنه لیس من المعهود ان علیا (ع) کسر الصور التی لغیر ذوات الأرواح، و ان رسول اللّه (ص) أمره أیضا علی ذلک.
و یضاف الی ما ذکرناه ان الصورة فی اللغة [1] و إن کانت مساوقة للشکل و شاملة لصور ذوات الأرواح و غیرها، إلا ان المراد بها فی المقام صور ذوات الأرواح فقط، لما ورد فی جملة من الروایات التی سنذکرها: ان من صور صورة کلفه اللّه تعالی یوم القیامة ان ینفخ فیها و لیس بنافخ.
و من الواضح ان الأمر بالنفخ و لو کان تعجیزا إنما یمکن إذا کان المورد قابلا لذلک، و لا شبهة ان نفس الأشجار و الأحجار و البحار و الشطوط و نحوها غیر قابلة للنفخ فضلا عن صورها، فان عدم القدرة علی النفخ فیها لیس من جهة عجز الفاعل فقط، بل لعدم قابلیة المورد.
و اما القول الثانی- أعنی حرمة تصویر الصور لذی الروح سواء کانت الصورة مجسمة أم غیر مجسمة- فتدل علیه الاخبار المستفیضة من الفریقین [2] التی تقدمت الإشارة إلیها،
______________________________
[1] فی أقرب الموارد: شکل الشی‌ء صورة. و فیه أیضا: صوّره تصویرا جعل له صورة و شکلا. و هکذا فی المنجد و غیره.
[2] فی ج 2 کا ص 226. و ج 11 الوافی ص 108 و الباب 3 المزبور من ج 1 ئل ص 317: عن ابن ابی عمیر عن رجل عن ابی عبد اللّه (ع) قال: من مثل تمثالا کلف یوم القیامة ان ینفخ فیه الروح. و مرسلة.
و عن الحسین بن المنذر قال: قال: أبو عبد اللّه (ع) قال: ثلاثة معذبون یوم القیامة، الی ان قال: و رجل صور تماثیل یکلف ان ینفخ فیها و لیس بنافخ. ضعیفة للحسین.
و فی الباب 3 المذکور من ج 1 ئل عن سعد عن ابی جعفر (ع): إِنَّ الَّذِینَ یُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ، هم المصورون و یکلفون یوم القیامة ان ینفخوا فیها الروح. ضعیفة لسعد و ابی جمیلة المفضل بن صالح الأسدی.
و فی ج 2 ئل باب 122 تحریم عمل الصور مما یکتسب به ص 564 فی حدیث المناهی قال: نهی رسول اللّه (ص) عن التصاویر و قال: من صور صورة کلفه الله تعالی یوم القیامة أن ینفخ فیها و لیس بنافخ الی أن قال: و نهی ان ینقش شی‌ء من الحیوان علی الخاتم. ضعیفة لشعیب بن واقد.
و عن الخصال عن ابن عباس قال: قال رسول الله (ص) من صور صورة عذب-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 225
فإنه قد ذکر فیها أن من صور صورة یعذب یوم القیامة، و یکلف أن ینفخ فیها و لیس بنافخ، و فی بعضها «1»: (أحیوا ما خلقتم). و لکنها مع کثرتها صعیفة السند. و غیر منجبرة بشی‌ء، فلا تکون صالحة للاستناد إلیها فی الحکم الشرعی.
و یضاف الی ما ذکرناه ما تقدم فی الحاشیة من الروایات الدالة علی حرمة خصوص التصویر لذوات الأرواح، کصحیحة البقباق عن أبی عبد اللّه (ع): (فی قول اللّه یَعْمَلُونَ لَهُ مٰا یَشٰاءُ من محاریب و تماثیل؟ فقال: و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه).
فان ذکر الرجال و النساء فیها من باب المثال، و یدل علی ذلک من الروایة قوله (ع) (و لکنها الشجر و شبهه). و غیرها من الروایات المعتبرة.

ما استدل به علی اختصاص الحرمة بالصور المجسمة

اشارة

و قد یقال: إن التحریم مختص بالصور المجسمة لوجوه قد أشار الی جملة منها فی متاجر الجواهر:

الوجه الأول: أن الأخبار المشتملة علی نفخ الروح ظاهرة فی ذلک،

فان الظاهر منها أن الصورة التی صنعها المصور جامعة لجمیع ما یحتاج الیه الحیوان سوی الروح، و هذا إنما یکون فی الصورة إذا کانت مجسمة، و واجدة للجثة و الهیکل، و مشتملة علی الأبعاد الثلاثة، إذ یستحیل الأمر بنفخ الروح فی النقوش الخالیة عن الجسم، فإن الأمر بالنفخ لا یکون إلا فی محل قابل له، و الصور المنقوشة علی الألواح و الأوراق و نحوهما غیر قابلة لذلک، لاستحالة انقلاب العرض الی الجوهر. و دعوی إرادة تجسیم النقش مقدمة للنفخ ثم النفع فیه خلاف الظاهر من الروایات.
و أجاب عنه المصنف بوجهین، الأول:
______________________________
و کلف ان ینفخ فیها و لیس بفاعل. مجهولة لعکرمة و غیره.
و فی روایة أخری عن أبی عبد اللّه (ع): من صور صورة من الحیوان یعذب حتی ینفخ فیها و لیس بنافخ فیها. مجهولة لمحمد بن مروان الکلبی. و علی هذا النهج أحادیث العامة. راجع ج 7 سنن البیهقی ص 269.
______________________________
(1) راجع ج 2 المستدرک ص 457. و ج 7 سنن البیهقی ص 168.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 226
(أن النفخ یمکن تصوره فی النقش بملاحظة محله، بل بدونها، کما فی أمر الإمام (ع) [1] الأسد المنقوش علی البساط بأخذ الساحر فی مجلس الخلیفة).
و فیه أن هذا خلاف ظواهر الأخبار، فإن الظاهر منها أن التکلیف إنما هو بإحیاء نفس الصور دون محلها، و أما أمر الإمام (ع) الأسد المنقوش علی البساط بأخذ الساحر فسیأتی الجواب عنه.
الثانی: أن النفخ إنما هو (بملاحظة لون النقش الذی هو فی الحقیقة أجزاء لطیفة من الصبغ، و الحاصل: أن مثل هذا لا یعد قرینة عرفا علی تخصیص الصورة بالمجسمة).
و هذا الجواب متین، و بیان ذلک: أنه إذا کان المقصود من النفخ هو النفخ فی النقوش الخالیة عن الجسم التی هی لیست إلا أعراضا صرفة، فإنه لا مناص عن الاشکال المذکور، و هو واضح. و إذا کان المقصود من النفخ فیها بملاحظة لون النقش، و أجزاء الصبغ اللطیفة فهو متین، إذ النفخ حینئذ إنما هو فی الأجزاء الصغار، و لا ریب فی قابلیتها للنفخ لتکون حیوانا، و لا یلزم منه انقلاب العرض الی الجوهر، بل هو من قبیل تبدل جوهر بجوهر آخر. و علیه فلا یتوجه الاشکال المذکور علی شمول الروایات المتقدمة (أعنی الأخبار المشتملة علی نفخ الروح) لصور ذی الروح مطلقا و إن کانت غیر مجسمة. و لکن قد عرفت أنها ضعیفة السند.
و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه ففی ما دل علی حرمة تصویر الصور لذوات الأرواح مطلقا غنی و کفایة کما عرفت.
و یضاف الی ذلک کله ما تقدم من المطلقات التی دلت علی حرمة التصویر، فان الخارج عنها لیس إلا تصویر الصور لغیر ذی الروح، فیبقی الباقی تحتها. و لکن قد عرفت أن تلک المطلقات ضعیفة السند.
و من هنا یعلم أنه لا استحالة فی صیرورة الصورة الأسدیة المنقوشة علی البساط أسدا
______________________________
[1] فی ج 11 البحار ص 243 عن علی بن یقطین قال: استدعی الرشید رجلا یبطل به أمر أبی الحسن موسی بن جعفر (ع) و یقطعه و یخجله فی المجلس فانتدب له رجل معزم فلما أحضرت المائدة عمل ناموسا علی الخبز فکان کلما رام خادم أبی الحسن (ع) تناول رغیفا من الخبز طار من بین یدیه و استقر هارون الفرح و الضحک لذلک فلم یلبث أبو الحسن أن رفع رأسه الی أسد مصور علی بعض الستور فقال: یا أسد اللّه خذ عدو اللّه فوثبت تلک الصورة کأعظم ما یکون من السباع فافترست ذلک المعزم فخر هارون و ندماؤه علی وجوههم مغشیا علیهم و طارت عقولهم خوفا من هول ما رأوه، الخبر.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 227
حقیقیا و حیوانا مفترسا بأمر الإمام (ع)، غایة الأمر أنه من الأمور الخارقة للعادة، لکونه إعجازا منه (ع)، و قد حققنا فی مبحث الاعجاز من مقدمة التفسیر أن الإعجاز لا بد و أن یکون خارجا عن النوامیس الطبیعیة، و خارقا للعادة.
و توضیح ذلک أن الخلق و الإیجاد علی قسمین، الأول: أن یکون بحسب المقدمات الإعدادیة و النوامیس الطبیعیة، فإنه تعالی و إن کان قادرا علی خلق العوالم بمجرد الإرادة التکوینیة، إلا أن حکمته قد جرت علی أن یخلقها بالسیر الطبیعی، و طی المراتب المختلفة بلبس الصور و خلعها حتی تصل الی المقصد الأقصی و الغایة القصوی.
مثلا إذا تعلقت المشیة الإلهیة بخلق الإنسان بحسب المقدمات الإعدادیة و السیر الطبیعی جعل اللّه موادة الأصلیة فی کمون الأغذیة فیأکلها البشر فتحللها القوی المکنونة فیه الی أن تصل الی حد المنویة، ثم یستقر المنی فی الرحم، فیکون دما ثم علقة ثم مضغة ثم لحما ثم عظما ثم إنسانا، و هذا هو الخلق بالنوامیس الطبیعیة. و کذلک الحال فی سائر المخلوقات.
الثانی: أن یکون الخلق غیر جار علی النوامیس الطبیعیة، بل أمرا دفعیا و خارقا للعادة، و تکون المقدمات الطبیعیة کلها مطویة فیه، کجعل الحبوب أشجارا و زروعا، و الأحجار لؤلؤا و یواقیتا دفعة واحدة، و یسمی ذلک بالاعجاز، و هذا من المواهب الإلهیة التی خص اللّه بها أنبیاءه و رسله (ص) و الأئمة الطاهرین (ع). و صیرورة الصورة الاسدیة حیوانا مفترسا بأمر الإمام (ع) من القبیل الثانی.

الوجه الثانی: ما ذکره فی متاجر الجواهر،

و هو أن (فی بعض النصوص التی تقدمت فی کتاب الصلاة من أنه لا بأس إذا غیر رؤوسها [1] و فی آخر [2] قطعت و فی ثالث [3]
______________________________
[1] فی ج 1 ئل باب 4 جواز إبقاء التماثیل التی تغیر من أحکام المساکن ص 318.
و ج 11 الوافی ص 108. و ج 2 کا ص 226. عن زرارة عن أبی جعفر (ع) قال:
لا بأس بأن یکون التماثیل فی البیوت إذا غیرت رؤوسها منها و ترک ما سوی ذلک. حسنة لإبراهیم بن هاشم.
[2] فی ج 1 ئل باب 32 کراهة استقبال المصلی التماثیل من مکان المصلی ص 300.
و ج 2 کا ص 226. و ج 5 الوافی ص 73 عن علی بن جعفر عن أبی الحسن (ع) قال: سألت عن الدار و الحجرة فیها التماثیل أ یصلی فیها؟؟ فقال: لا تصل و فیها شی‌ء یستقبلک إلا أن لا تجدیدا فتقطع رؤوسها و إلا فلا تصل فیها. صحیحة.
[3] فی الباب 32 المزبور من ج 1 ئل ص 300: عن علی بن جعفر عن أخیه موسی ابن جعفر (ع) قال: سألته عن مسجد یکون فیه تصاویر و تماثیل یصلی فیه؟ فقال:-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 228
کسرت نوع إشعار بالتجسم).
و فیه أولا: أنه لا إشعار فی شی‌ء من هذه الروایات بکون الصور المنهی عنها مجسمة إلا فی روایة قرب الاسناد (تکسر رؤوس التماثیل و تلطخ رؤوس التصاویر) و هی ضعیفة السند، و الوجه فی عدم إشعار غیرها بذلک هو أن قطع الرأس أو تغییره کما یصدق فی الصور المجسمة، فکذلک یصدق فی غیرها.
و ثانیا: أن الکلام فی المقام فی عمل الصور، و هو لا یرتبط بالصلاة فی بیت فیه تماثیل، بل الصلاة فیه کالصلاة فی الموارد المکروهة.

الوجه الثالث: ما فی الجواهر أیضا

من أنه (یظهر من مقابلة النقش للصورة فی خبر المناهی ذلک أیضا) أی کون الصور المحرمة مجسمة.
و فیه أولا: أن خبر المناهی ضعیف السند و مجهول الراوی، کما عرفت مرارا.
و ثانیا: ما ذکره السید فی حاشیته: و هو أن ما اشتمل علی کلمة النقش (خبر آخر عن النبی (ص) نقله الامام (ع): فلا مقابلة فی کلام النبی، و الامام أراد أن ینقل اللفظ الصادر عنه (ع)).

فروع مهمة

تصویر الملک و الجن

الأول: هل یلحق الجن و الملک بالحیوان فیحرم تصویرهما أولا؟ ففیه قولان، و قد یقال بالثانی، کما فی الجواهر، و حکاه عن بعض الأساطین فی شرحه علی القواعد.
و الوجه فیه أن المطلقات المتقدمة و ان اقتضت حرمة التصویر مطلقا إلا أنک قد عرفت أنها مقیدة بالروایات المعتبرة کصحیحة محمد بن مسلم: (لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان) و غیرها، و قد عرفت ذلک آنفا، و علیه فنفی البأس عن تصویر غیر الحیوان یقتضی اندراج الملک و الجن تحت الحکم بالجواز، فان من الواضح أنهما لیسا من جنس الحیوان.
و فیه أن المراد من الحیوان هنا ما هو المعروف فی مصطلح أهل المعقول من کونه جسما حساسا متحرکا بالإرادة، و من البدیهی أن هذا المفهوم یصدق علی کل مادة ذات روح سواء کانت من عالم العناصر أم من عالم آخر هو فوقه، و علیه فلا قصور فی شمول صحیحة محمد بن مسلم للملک و الجن و الشیطان، فیحکم بحرمة تصویرهم.
______________________________
- تکسر رؤوس التماثیل و تلطخ رؤوس التصاویر و یصلی فیه و لا بأس مجهولة لعبد اللّه ابن الحسن.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 229
و دعوی أن الملک من عالم المجردات فلیس له مادة، کما اشتهر فی ألسنة الفلاسفة، دعوی جزافیة. فإنه مع الخدشة فی أدلة القول بعالم المجردات ما سوی اللّه کما حقق فی محله. انه مخالف لظاهر الشرع. و من هنا حکم المجلسی (ره) فی اعتقاداته بکفر من أنکر جسمیة الملک. و تفصیل الکلام فی محله.
و إن أبیت إلا إرادة المفهوم العرفی من الحیوان فاللازم هو القول بانصرافه عن الإنسان أیضا، کانصرافه عن الملک و الجن، و لذا قلنا: إن العمومات الدالة علی حرمة الصلاة فی أجزاء ما لا یؤکل لحمه منصرفة عن الإنسان قطعا، مع أنه لم یقل أحد هنا بالانصراف، فتحصل أنه لا یجوز تصویر الملک و الجن.
و فی حاشیة السید (ره) ما ملخصه: أن کلا من صحیحة ابن مسلم، و ما فی خبر تحف العقول (و صنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثل الروحانی) مشتمل علی عقدین عقد ترخیصی و عقد تحریمی، فلا یکونان من الأعم و الأخص المطلقین، لوجود التعارض بین منطوق الصحیحة و بین مفهوم الخبر بالعموم من وجه فی الملک و الجن، فان مقتضی الصحیحة هو جواز تصویرهما، و مقتضی مفهوم روایة تحف العقول هو حرمة تصویرهما، و حیث إن الترجیح بحسب الدلالة غیر موجود، و المرجح السندی مع الصحیحة، فلا بد من ترجیح ما هو أقوی من حیث السند.
و فیه أولا: أن خبر تحف العقول ضعیف السند، و مضطرب الدلالة، فلا یجوز العمل به فی نفسه فلا عما إذا کان معارضا لخبر صحیح، و قد تقدم ذلک.
و ثانیا: أنا سلمنا جواز العمل به، و لکنا قد حققنا فی باب التعادل و الترجیح من الأصول أن أقوائیة السند لا تکون مرجحة فی التعارض بالعموم من وجه، بل لا بد من الرجوع الی المرجحات الأخر، و حیث لا ترجیح لکل منهما علی الآخر، فیحکم بالتساقط و یرجع الی المطلقات الدالة علی حرمة التصویر مطلقا، و علیه فیحرم تصویر الملک و الجن لهذه المطلقات، إلا أنک قد عرفت آنفا أن المطلقات بأجمعها ضعیفة السند، فلا تکون مرجعا فی المقام، فلا بد و أن یرجع الی البراءة.
و سیأتی ان صحیحة محمد بن مسلم غریبة عن حرمة التصویر.
اللهم إلا أن یقال: إن المتعارف من تصویر الملک و الجن ما یکون بشکل أحد الحیوانات فیحرم من هذه الجهة، و لکن یرد علیه أن من یصور صورة الملک و الجن إنما یقصد صورتهما لا صورة الحیوان، و لا بما هو أعم منهما و من الحیوان، إلا أن یکونا معدودین من أفراد الحیوان کما عرفت.
نعم یمکن استفادة الحرمة من صحیحة البقباق المتقدمة، بدعوی أن الظاهر من قوله (ع)
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 230
فیها: (و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه هو المقابلة بین ذی الروح و غیره من حیث جواز التصویر و عدمه، و ذکر الأمور المذکورة فیها إنما هو من باب المثال و اللّه العالم.

ان حرمة التصویر غیر مقیده بکون الصورة معجبة

الفرع الثانی: ما ذکره المصنف و حاصله: انا إذا عممنا الحکم لغیر الحیوان مطلقا أو مع التجسیم فالظاهر أن المراد به ما کان مخلوقا للّه سبحانه علی هیئة خاصة معجبة للناظر، و إلا فلا وجه للحرمة، و علی هذا فلا یحرم تصویر الصور لما هو من صنع البشر و إن کان علی هیئة معجبة کالسیوف و الابنیة و القصور و السیارات و الطیارات و الدبابات و غیرها.
و کذلک لا یحرم تصویر الصور لما هو مخلوق للّه و لکن لا بهیئة معجبة کالخشب و القصب و الشطوط و البحار و الأودیة و العرصات و نحوها. و من هنا ظهر الاشکال فیما حکاه المصنف عن کاشف اللثام فی مسألة کراهة الصلاة فی الثوب المشتمل علی التماثیل من أنه (لو عمت الکراهة لتماثیل ذی الروح و غیرها کرهت الثیاب ذوات الأعلام لشبه الأعلام بالأخشاب و القصبات و نحوها، و الثیاب المحشوة لشبه طرائقها المخیطة بها، بل الثیاب قاطبة أشبه خیوطها الأخشاب و نحوها).
و فیه أولا: أن ما دل علی حرمة التصویر لم یقید بکون الصورة أو ذی الصورة معجبة فلا وجه لجعل الإعجاب شرطا فی حرمة التصویر.
و ثانیا: ما ذکره المحقق الایروانی من أن (الإعجاب الحاصل عند مشاهدة الصورة إنما هو من نفس الصورة لکشفها عن کمال مهارة النقاش و لو کانت صورة نمل أو دود، و لذا لا یحصل ذلک الإعجاب من مشاهدة ذی الصورة).
و أما ما حکاه عن کاشف اللثام فیرد علیه أولا: أن مورد البحث هنا إنما هو الشبه الخاص بحیث یقال فی العرف: إن هذا صورة ذاک، و من البدیهی أن مجرد کون الاعلام و الطرائق و الخیوط فی الثیاب علی هیئة الأخشاب و القصب لا یحقق الشبه المذکورة، و إلا فلا محیص عن الاشکال حتی بناء علی اختصاص الحکم بذوات الأرواح لشبه أعلام الثیاب و طرائقها المخیط بالحیات و الدیدان و نحوهما.
و ثانیا: أنه یعتبر فی حرمة التصویر قصد الحکایة کما سیأتی فی الفرع الآتی، فصانع الثوب لم یقصد شباهته بشی‌ء من ذوات الأرواح و غیرها، بل غرضه نسج الثوب فقط،
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 231
و علیه فلا بأس بشباهته بشی‌ء من الحیوانات و غیرها شباهة اتفاقیة.
نعم إذا قلنا بتعمیم الحکم الغیر الحیوان مطلقا أو فی الجملة فلا مناص من الالتزام بانصرافه الأدلة عما هو مصنوع للعباد بدیهة أن إیجاد نفس ذی الصورة جائز فإیجاد صورته أولی بالجواز.

اعتبار قصد الحکایة فی حرمة التصویر

الفرع الثالث: ما ذکره المصنف ب
قوله هذا کله مع قصد الحکایة و التمثیل، فلو دعت الحاجة الی عمل شی‌ء یکون شبیها بشی‌ء من خلق اللّه و لو کان حیوانا من غیر قصد الحکایة فلا بأس قطعا).
و توضیح کلامه: أنه لا شبهة فی اعتبار قصد حکایة ذی الصورة فی حرمة التصویر، لأن المذکور فی الروایات النهی عن التصویر و التمثیل، و لا یصدق ذلک إذا حصل التشابه بالمصادفة و الاتفاق من غیر قصد للحکایة، و هذا نظیر اعتبار قصد الحکایة فی صحة استعمال الألفاظ فی معانیها، و بدون ذلک لیس هناک استعمال.
و علیه فإذا احتاج أحد إلی عمل شی‌ء من المکائن أو آلاتها أو غیرهما من الأشیاء اللازمة علی صورة حیوان فلا یکون ذلک حراما، لعدم صدق التصویر علیه بوجه. و المثال الواضح لذلک الطائرات المصنوعة فی زماننا، فإنها شبیهة بالطیور و مع ذلک لم یفعل صانعها فعلا محرما، و لا یتوهم أحد حتی الصبیان أن صانع الطائرة یصور صورة الطیر، بل إنما غرضه صنع شی‌ء آخر للمصلحة العامة، و لکونه علی هیئة الطیر إنما هو اتفاقی. و من هنا لا وجه لما توهمه کاشف اللثام علی ما عرفت من أنه (لو عمت الکراهة لتماثیل ذی الروح و غیره کرهت الثیاب ذوات الاعلام لشبه الأعلام بالأخشاب). فان النساج لم یقصد الحکایة فی فعله.
و توهم بعضهم أن مراد المصنف من کلامه فی هذا الفرع هو أن یکون الداعی إلی التصویر هو الاکتساب دون التمثیل بأن یکون غرض المصور نظر الناس الی الصور و التماثیل و إعطاء شی‌ء بإزاء ذلک.
و فیه أنه من العجائب، لکونه غریبا عن کلام المصنف، علی أنه من أوضح أفراد التصویر المحرم فکیف یحمل کلام المصنف علیه!!.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 232

اعتبار الصدق العرفی فی حرمة التصویر

الفرع الرابع: ما ذکره المصنف أیضا، و هو
(أن المرجع فی الصورة إلی العرف، فلا یقدح فی الحرمة نقص بعض الأعضاء).
و توضیح ذلک: أنه یعتبر فی تحقق الصورة فی الخارج الصدق العرفی، فإن الأدلة المتقدمة التی دلت علی حرمة التصویر إنما تقتضی حرمة الصورة العرفیة التامة الأعضاء و الجوارح بحیث یصدق علیها أنها مثال بالحمل الشائع و علیه فإذا صور أحد نصف حیوان من رأسه الی وسطه أو بعض أجزائه فإن قدر الباقی موجودا فهو حرام، کما إذا صور إنسانا جالسا لا یتبین نصد بدنه، أو کان بعض أجزائه ظاهرا و بعضه مقدرا بأن صور إنسانا وراء جدار أو فرس أو یسبح فی الماء و رأسه ظاهر و إن قصد النصف فقط فلا یکون حراما، فان الحیوان لا یصدق علی بعض أجزائه کرجله و یده و رأسه. نعم إذا صدق الحیوان علی هذا النصف کان تصویره حراما، و علی هذا فإذا صور صورة حیوان متفرق الأجزاء فلا یکون ذلک حراما، فإذا راکبها کان حراما لصدق التصویر علی الترکیب، و إذا کان الغرض تصویر بعض الأجزاء فقط ثم بدئ له الإکمال حرم الإتمام فقط، فإنه مع قطع النظر عن الإتمام لیس تصویرا لذی روح و مما ذکرناه ظهر بطلان قول المحقق الایروانی: (إن من المحتمل قریبا حرمة کل جزء جزء أو حرمة ما یعم الجزء و الکل، فنقش کل جزء حرام مستقل إذا لم ینضم الیه نقش بقیة الاجزاء، و إلا کان الکل مصداقا واحدا للحرام) الی أن قال: (و یحتمل أن یکون کل فاعلا للحرام، کما إذا اجتمع جمع علی قتل واحد. فإن الهیئة تحصل بفعل الجمیع، فلو لا نقش السابق للأجزاء السابقة لم تتحصل الهیئة بفعل اللاحق).
علی أن المقام لا یقاس باجتماع جمع علی قتل واحد، فإن الإعانة علی القتل حرام بالروایات المستفیضة بل المتواترة، بخلاف ما نحن فیه، فان التصویر المحرم إنما یتحقق بفعل اللاحق، و تحصل الهیئة المحرمة بذلک.
غایة الأمر أن نقش السابق للأجزاء السابقة یکون إعانة علی الإثم، و هی لیست بحرام کما عرفت فیما سبق.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 233

جواز أخذ العکس المتعارف

الفرع الخامس: الظاهر من الأدلة المتقدمة الناهیة عن التصویر و التمثیل هو النهی عن إیجاد الصورة، کما أن النهی عن سائر الأفعال المحرمة نهی عن إیجادها فی الخارج، و علیه فلا یفرق فی حرمة التصویر بین أن یکون بالید أو بالطبع أو بالصیاغة أو بالنسج، سواء أ کان ذلک أمرا دفعیا کما إذا کان بالآلة الطابعة أم تدریجیا.
و علی هذا المنهج فلا یحرم أخذ العکس المتعارف فی زماننا، لعدم کونه إیجادا للصورة المحرمة، و إنما هو أخذ للظل، و إبقاء له بواسطة الدواء، فإن الإنسان إذا وقت فی مقابل المکینة العکاسة کان حائلا بینها و بین النور، فیقع ظله علی المکینة، و یثبت فیها لأجل الدواء فیکون صورة لذی ظل، و این هذا من التصویر المحرم؟.
و هذا من قبیل وضع شی‌ء من الأدویة علی الجدران أو الأجسام الصیقلیة لتثبت فیها الاظلال و الصور المرتسمة، فهل یتوهم أحد حرمته من جهة حرمة التصویر، و إلا لزمه القول بحرمة النظر إلی المرآة، إذ لا یفرق فی حرمة التصویر بین بقاء الصورة مدة قلیلة أو مدة مدیدة!!.
و قد اشتهر انطباع صور الأشیاء فی شجرة الجوز فی بعض الأحیان، و لا نحتمل أن یتفوه أحد بحرمة الوقوف فی مقابلها فی ذلک الوقت، بدعوی کونه تصویرا محرما.
و علی الاجمال لا نتصور حرمة أخذ العکس المتعارف، لا من جهة الوقوف فی مقابل المکینة العکاسة، و لا من جهة إبقاء الظل فیها کما هو واضح.
الفرع السادس: قد عرفت آنفا أن المناط فی حرمة التصویر قصد الحکایة و الصدق العرفی، و علیه فیحرم تصویر الصورة للحیوانات مطلقا سواء ما کان منها فرد لنوع من الحیوانات الموجودة، و ما لم یکن کذلک کالعنقاء و نحوه من الحیوانات الخیالیة، و ذلک لإطلاق الأدلة.
الفرع السابع: إذا صور صورة مشترکة بین الحیوان و غیره لم یکن ذلک حراما إلا إذا قصد الحکایة عن الحیوان، ثم إذا اشترک أشخاص عدیدة فی صنعة صورة محرمة، فان قصد کل واحد منهم التصویر المحرم فهو حرام، و إلا فلا یحرم غیر ترکیب الاجزاء المتشتتة الفرع الثامن: قد عرفت فی البحث عن حرمة تغریر الجاهل: أن إلقاء الغیر فی الحرام الواقعی حرام، و علیه فلا فرق فی حرمة التصویر بین المباشرة و التسبیب. بل قد عرفت فی المبحث المذکور: أن نفس الأدلة الأولیة تقتضی عدم الفرق بین المباشرة و التسبیب فی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 234
إیجاد المحرمات، و علی هذا فلا نحتاج فی استفادة التعمیم إلی القرینة و ملاحظة المناط کما فی حاشیة السید (ره).

ما استدل به علی حرمة اقتناء الصور المحرمة و الجواب عنه

اشارة

قوله بقی الکلام فی جواز اقتناء ما حرم عمله من الصور.
أقول: هل یجوز اقتناء الصور المحرمة أو لا؟ ففیه قولان: فالمحکی عن شرح الإرشاد للمحقق الأردبیلی، و عن جامع المقاصد للمحقق الثانی هو الجواز، إلا أن المعروف بین القدماء حرمة بیع التماثیل و ابتیاعها و التکسب بها. بل حرمة اقتنائها.
و قد استدل علی حرمة اقتنائها بوجوه،

الوجه الأول: أن الوجود و الإیجاد فی الحقیقة شی‌ء واحد و إنما یختلفان بالاعتبار،

فان الصادر من الفاعل بالنسبة إلیه إیجاد، و بالنسبة إلی القابل وجود، فإذا حرم الإیجاد حرم الوجود.
و فیه أن حرمة الإیجاد و إن کان ملازما لحرمة الوجود إلا ان الکلام هنا لیس فی الوجود الاولی الذی هو عین الإیجاد أو لازمه، بل فی الوجود فی الآن الثانی الذی هو عبارة عن البقاء، و من البدیهی انه لا ملازمة بین الحدوث و البقاء، لا حکما، و لا موضوعا، و علیه فما یدل علی حرمه الإیجاد لا یدل علی حرمة الوجود بقاء، سواء کان صدوره من الفاعل عصیانا أو نسیانا أم غفلة إلا إذا قامت قرینة علی ذلک، کدلالة حرمة تنجیس المسجد علی وجوب إزالة النجاسة عنه.
بل ربما یجب إبقاء النتیجة و إن کان الفعل حراما، کما إذا کتب القرآن علی ورق مغصوب، أو بحبر مغصوب، أو کتبه العبد بدون إذن مولاه، أو بنی مسجدا بدون إذنه أو تولد احد من الزنا، فان فی ذلک کله یجب حفظ النتیجة و إن کانت المقدمة محرمة.
و علی الجملة ما هو متحد مع الإیجاد لیس موردا للبحث، و ما هو مورد للبحث لا دلیل علی اتحاده مع الإیجاد.
لا یقال: إن النهی عن الإیجاد کاشف عن مبغوضیة الوجود المستمر فی عمود الزمان، کما أن النهی عن بیع العبد المسلم من الکافر حدوثا یکشف عن حرمة ملکیته له بقاء.
فإنه یقال: إن النهی عن بیع العبد المسلم من الکافر إن تم فهو یدل علی وجوب إزالة علاقة الکافر عنه کما سیأتی بیان ذلک فی محله، و لا یفرق فی ذلک بین الحدوث و البقاء، بخلاف ما نحن فیه، إذ قد عرفت: أن مجرد وجود الدلیل علی حرمة الإیجاد لا یدل علی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 235
حرمة الإبقاء إلا إذا کان محفوفا بالقرائن المذکورة.
علی أنا إذا سلمنا الملازمة بین مبغوضیة الإیجاد و بین مبغوضیة الوجود فإنما یتم بالنسبة إلی الفاعل فقط فیجب علیه إتلافه دون غیره، مع أن المدعی وجوب إتلافه علی کل احد فالدلیل أخص منه.

الوجه الثانی: أن صنعة التصاویر لذوات الأرواح من المحرمات الشرعیة،

و قد دل علیه قوله «ع» فی روایة تحف العقول: (و صنعة صنوف التصاویر ما لم یکن مثال الروحانی) و کل صنعة یجی‌ء منها الفساد محضا من دون أن یکون فیها وجه من وجوه الصلح فهی محرمة، و قد دل علی ذلک ما فی روایة تحف العقول من الحصر: (إنما حرم اللّه الصناعة التی هی حرام کلها التی یجی‌ء منها الفساد محضا و لا یکون منه و فیه شی‌ء من وجوه الصلاح) و کل ما یجی‌ء منه الفساد محضا یحرم جمیع التقلب فیه، و منه الاقتناء و البیع، و قد دل علیه قوله «ع» فیها: (و جمیع التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلها). و قوله «ع» فیها أیضا: (فکل أمر یکون فیه الفساد مما هو منهی عنه، الی ان قال: فهو حرام محرم بیعه و شراؤه و إمساکه و ملکه و هبته و عاریته و جمیع التقلب فیه).
و فیه أولا: ان الروایة ضعیفة السند فلا یجوز الاستناد إلیها فی شی‌ء من المسائل الشرعیة کما عرفته فی أول الکتاب.
و ثانیا: قد عرفت انه لا ملازمة بین حرمة عمل شی‌ء و بین حرمة بیعه و اقتنائه و التصرف فیه و التکسب به، و من هنا نقول بحرمة الزنا، و لا نقول بحرمة تربیة أولاد الزنا، بل یجب حفظهم لکونهم محقونی الدماء.
و ثالثا: لا نسلم أن عمل التصاویر مما یجی‌ء منه الفساد محضا، فإنه کثیرا ما تترتب علیه المنافع المحللة من التعلیم و التعلم و حفظ صور بعض الأعاظم و نحوه ذلک من المنافع المباحة.

الوجه الثالث: قوله (ص) فی الخبر المتقدم: (لا تدع صورة إلا محوتها).

و فیه أولا: أنه ضعیفة السند. و ثانیا: ما ذکره المحقق الایروانی من انه (وارد فی موضوع شخصی فلعل تصاویر المدینة کانت أصناما و کلابها مؤذیات و قبورها مسنمات).

الوجه الرابع: ما دل [1] علی عدم صلاحیة اللعب بالتماثیل.

و فیه أولا: انه ضعیف السند. و ثانیا: ان عدم الصلاحیة أعم من الحرمة، فلا یدل
______________________________
[1] فی ج 1 ئل باب 3 عدم جواز نقش البیوت بالتماثیل من أحکام المساکن ص 318 عن مثنی رفعه قال: التماثیل لا یصلح ان یلعب بها. مرسلة. و مرفوعة. و مجهولة للمثنی.
و فی ج 2 ئل باب 122 تحریم عمل الصور المجسمة مما یکتسب به ص 565: عن-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 236
علیها. و ثالثا: لو سلمنا دلالته علی حرمة اللعب بها فلا ملازمة بین حرمته و حرمة اقتنائها، فإن حرمة اللعب أعم من حرمة الاقتناء.
و رابعا: انه غریب عما نحن فیه، إذ من المحتمل القریب ان یراد من التماثیل فی هذه الطائفة من الروایة الشطرنج و الوجه فی صحة إطلاق التماثیل علیه هو ان القطع التی یلعب بها فی الشطرنج علی ستة أصناف، و کل صنف علی صورة، کالشاة و الفرزان «1» و الفیل و الفرس و الرخ «2» و البیذق «3» و قد صور هذه القطع فی کتاب المنجد فراجع.
و یؤید ما ذکرناه من إرادة الشطرنج من التماثیل انا لا نتصور معنی لحرمة اللعب بالتصاویر المتعارفة کما هو واضح، و علیه فما دل علی حرمة اللعب بها إنما هو من أدلة حرمة اللعب بالشطرنج، و لا أقل من الاحتمال، فلا یبقی له ظهور فی إرادة الصور المتعارفة.

الوجه الخامس: صحیحة البقباق- المتقدمة عند الاستدلال علی حرمة التصویر

(عن أبی عبد اللّه «ع» فی قول اللّه تعالی «4»: یَعْمَلُونَ لَهُ مٰا یَشٰاءُ مِنْ مَحٰارِیبَ وَ تَمٰاثِیلَ؟ فقال:
و اللّه ما هی تماثیل الرجال و النساء و لکنها الشجر و شبهه). و بدعوی ان ظاهر الروایة ان الامام «ع» أنکر ان شاء سلیمان «ع» هذا الصنف من التماثیل، فتکون دالة علی مبغوضیة وجود التماثیل، و حرمة اقتنائها.
و فیه ان الظاهر من الروایة رجوع الإنکار إلی کون التصاویر المعمولة لسلیمان «ع» تصاویر الرجال و النساء، فلا تدل الروایة علی مبغوضیة العمل فضلا عن مبغوضیة المعمول و الوجه فیه هو ان عمل تصاویر الرجال و النساء و اقتنائها من الأمور اللاهیة غیر اللائقة بمنصب الأعاظم و المراجع من العلماء و الروحانیین فضلا عن مقام النبوة، فإن النبی (ص) لا بد و ان یکون راغبا عن الدنیا و زخرفها، و اما عمل الصور و جمعها فمن لعب الصبیان و شغل المجانین و السفهاء، فلا یلیق بمنصب النبوة، بخلاف تصاویر الشجر و شبهه، فإنها
______________________________
علی بن جعفر عن أخیه موسی بن جعفر «ع» قال: سألته عن التماثیل هل یصلح ان یلعب بها؟ قال: لا. مجهولة لعبد اللّه بن الحسن.
______________________________
(1) الفرزان بضم الفاء و سکران الراء المهملة الملکة فی لعب الشطرنج ج فرازین بفتح الفاء، و الکلمة من الدخیل.
(2) الرخ بضم الراء المهملة و الخاء المعجمة طائر و همی کبیر، الواحدة رخة قطعة من قطع الشطرنج ج رخاخ و رخخة بکسر الراء.
(3) البیذق بفتح الباء و سکون الیاء الماشی راجلا و منه بیذق الشطرنج ج بیاذق.
(4) سورة سبأ، آیة: 12.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 237
غیر منافیة لذلک.
و قد یقال: ان الصانعین للتماثیل هم الجن، و إنما یتم الاستدلال بالروایة علی حرمة اقتناء الصور إذا قلنا بحرمة التصویر علی الجن کحرمته علی الانس، و هو أول الکلام.
و فیه ان الکلام لیس فی عمل الصور، بل فی اقتنائها، و من الواضح انه یعود الی سلیمان.

الوجه السادس: حسنة زرارة المتقدمة فی الحاشیة (لا بأس بأن یکون التماثیل فی البیوت إذا غیرت رؤوسها منها و ترک ما سوی ذلک).

فإنها بمفهومها دالة علی ثبوت البأس إذا لم یغیر الرأس.
و فیه ما ذکره المصنف من حمل البأس فیها علی الکراهة للصلاة. و علیه فتدل الروایة علی جواز اقتناء الصور مع قطع النظر عن الصلاة.
و یؤیده ما فی روایة قرب الاسناد [1] من انه (لیس فیما لا یعلم شی‌ء فإذا علم فلینزع الستر و لیکسر رؤوس التماثیل). فان الظاهر ان الأمر بکسر رؤوس التصاویر لأجل کون البیت معدا للصلاة. و مع الإغضاء عما ذکرناه و تسلیم ان البأس ظاهر فی المنع فالروایة معارضة بما دل علی جواز الاقتناء کما سیأتی. و یضاف الی جمیع ذلک انها ضعیفة السند و مجهولة الراوی.

الوجه السابع: ما دل [2] علی کراهة علی «ع» وجود الصور فی البیوت،

فإنه بضمیمة ما دل [3] علی ان علیا «ع» لم یکن یکره الحلال یدل علی حرمة اقتناء الصور فی البیوت.
و فیه ان المراد من الحلال الذی کان علی «ع» لا یکرهه المباح المتساوی طرفاه، لا ما یقابل الحرمة، لأن علیا «ع» کان یکره المکروه أیضا. و من هنا یظهر ان الکراهة المذکورة فی الروایة الأولی أعم من الحرمة و الکراهة المصطلحة. و إذن فلا دلالة فیها أیضا علی حرمه اقتناء الصور.
______________________________
[1] مجهولة لعبد اللّه بن الحسن. راجع ج 1 ئل باب 44 کراهة الصلاة فی التماثیل من لباس المصلی ص 274.
[2] فی ج 1 ئل باب 3 عدم جواز نقش البیوت بالتماثیل من أحکام المساکن ص 318 عن حاتم بن إسماعیل عن جعفر عن أبیه ان علیا کان یکره الصورة فی البیوت. مجهولة لحاتم
[3] فی ج 1 کا ص 382 باب 80 المعاوضة فی الطعام من المعیشة. و ج 2 التهذیب باب بیع الواحد بالاثنین ص 144. و ج 10 الوافی باب 91 المعاوضة فی الطعام ص 79.
و ج 2 ئل باب 15 عدم جواز التفاضل فی الجنس الربوی من أحکام الربا ص 601 فی صحیحة أبی بصیر «و لم یکن علی یکره الحلال».
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 238

الوجه الثامن: روایة الحلبی [1] فقد أمر الإمام «ع» فیها بتغییر رأس الصورة و جعلها کهیئة الشجر،

فتدل علی حرمة إبقاء الصور من غیر تغییر فیها.
و فیه ان أمر الإمام «ع» بتغییر الصورة فی الطنفسة التی أهدیت إلیه لیس إلا کفعله بنفسه، و من الواضح ان فعل الامام «ع» لا یدل علی الوجوب، و لا یقاس ذلک بسائر الأوامر الصادرة منه «ع» الدالة علی الوجوب، و قد تقدم نظیر ذلک فی البحث عن بیع الدراهم المغشوشة من أمره «ع» بکسر الدرهم المغشوش، و إلقائه فی البالوعة، علی ان الروایة مرسلة، فلا یجوز الاستناد إلیها.

الوجه التاسع، صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة (عن تماثیل الشجر و الشمس و القمر؟ فقال: لا بأس ما لم یکن شیئا من الحیوان).

فإنها ظاهرة فی حرمة اقتناء الصور المحرمة، فإن التماثیل جمع تمثال بالفتح، و یجمع علی تمثالات. و علیه فالسؤال عن التماثیل إنما هو سؤال عن الصور الموجودة فی الخارج، فلا بد و أن یحمل علی الأمور المناسبة لها من البیع و الشراء و الاقتناء و التزین و نحوها، لا علی نفس عمل الصور، کما أن السؤال عن بقیة الأشیاء الخارجیة- من المأکولات و المشروبات و المرکوبات و المنکوحات و نحوها- سؤال عن الأفعال المناسبة لها، و الطارئة علیها بعد کونها موجودة فی الخارج. و إذن فالصحیحة دالة علی حرمة اقتناء الصور المحرمة و بیعها و شرائها و التزین بها، کما هو واضح.
قال المحقق الایروانی: (و الجواب أما عن الصحیحة فبعد تسلیم السؤال فیها عن حکم الاقتناء و کون اقتنائها من منافعها. أن غایة ما یستفاد منهما ثبوت البأس، و هو أعم من التحریم.
و فیه أن کلمة البأس ظاهرة فی المنع ما لم یثبت الترخیص من القرائن الحالیة أو المقالیة، کما أن مقابلها: أعنی کلمة لا بأس ظاهر فی الجواز المطلق.
فالإنصاف أنها ظاهرة فی التحریم، إلا أنها معارضة بما دل [2] علی جواز اقتناء الصور
______________________________
[1] فی 1 ئل باب 4 عدم جواز إبقاء التماثیل من أحکام المساکن ص 318: عن الطبرسی فی المکارم الأخلاق عن الحلبی عن أبی عبد اللّه «ع» قال: و قد أهدیت إلی طنفسة من الشام علیها تماثیل طائر فأمرت به فغیر رأسه فجعل کهیئة الشجر. مرسلة. الطنفسة بالمثلثة فی الطاء و الفاء البساط و الحصیر و الثوب ج طنافس، و الکلمة من الدخیل.
[2] عن الحلبی قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: ربما قمت فأصلی و بین یدی الوسادة و فیها تماثیل طیر فجعلت علیها ثوبا. صحیحة.
و عن محمد بن مسلم قال: قلت لأبی جعفر «ع»: أصلی و التماثیل قدامی و أنا أنظر إلیها؟-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 239
فلا بد من حملها علی الکراهة، کغیرها من الأخبار المتقدمة لو سلمت دلالتها علی الحرمة،
______________________________
- قال: لا اطرح علیها ثوبا لا بأس بها إذا کانت عن یمینک أو شمالک أو خلفک أو تحت رجلک أو فوق رأسک و إن کانت فی القبلة فألق علیها ثوبا و صل. صحیحة. و أخرجها فی ج 1 کا ص 109 بتفاوت یسیر.
راجع ج 1 التهذیب باب ما تجوز الصلاة فیه ص 200. و ج 5 الوافی باب 58 ما لا ینبغی الصلاة عنده ص 73. و ج 1 ئل باب 32 کراهة استقبال المصلی التماثیل من مکان المصلی ص 30.
و عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر «ع» قال: لا بأس أن تصلی علی کل التماثیل إذا جعلتها تحتک. صحیحة.
و عنه قال: سألت أبا جعفر «ع» عن الرجل یصلی و فی ثوبه دراهم فیها تماثیل؟ فقال لا بأس بذلک. صحیحة.
و عن حماد بن عثمان قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الدراهم السود فیها التماثیل أ یصلی الرجل و هی معه؟؟ فقال: لا بأس بذلک إذا کانت مواراة. صحیحة. و أخرجها فی ج 1 کا باب 60 اللباس الذی تکره فیه الصلاة ص 112. و لکن لم یذکر کلمة «بذلک» و تدل علی ذلک روایة لیث المرادی، و لکنها ضعیفة السند لمحمد بن سنان. راجع ج 1 التهذیب باب ما تجوز الصلاة فیه من اللباس و المکان ص 240. و ج 5 الوافی ص 23.
و ج 1 ئل باب 44 کراهة الصلاة فی التماثیل من لباس المصلی ص 274.
و فی هذه المصادر من یب و الوافی و ئل، و فی ج 1 کا ص 109 عن ابن أبی عمیر عن بعض أصحابه عن أبی عبد اللّه «ع» سألته عن التمثال تکون فی البساط فتقع عینک علیه و أنت تصلی؟ قال: إن کان بعین واحدة فلا بأس و إن کان له عینان فلا. مرسلة.
أقول: قد اشتهر بین الأصحاب قدیما و حدیثا أن مرسلات ابن أبی عمیر من الامارات المعتبرة التی یجب العمل بها کسائر الأمارات المعتبرة. و لکن یرد علیه أولا: أنا نری بالعیان و نشاهد بالوجدان أن فی مسندات ابن أبی عمیر رجال ضعفاء، کما یتضح ذلک جلیا لمن یلاحظ أصول الحدیث و کتب الرجال، فنستکشف من ذلک أن مرسلاته أیضا علی هذا النهج. و دعوی انه لم یرسل إلا عن الثقة دعوی جزافیة. إذ لم یثبت لنا ذلک من العقل و النقل.
و ثانیا: لو سلمنا أنه لم یرسل إلا عن الثقة، و لکن ثبوت الصحة عنده لا یوجب ثبوتها عندنا، لاحتمال اکتفائه فی تصحیح الروایة بما لا نکتفی به نحن، و لعلنا نعتبر شیئا فی-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 240
بل الظاهر من بعضها ان النهی عن اقتناء الصور فی البیوت إنما هو من جهة کراهة الصلاة إلیها، و علیه فلا یکره الاقتناء فی غیر بیوت الصلاة. و قد ذکر المصنف هنا جملة من الروایات [1] و لکنها ضعیفة السند.
ثم ان مقتضی العمومات الدالة علی حلیة البیع و نفوذه هو جواز بیع الصور و ان کان عملها حراما، لعدم الدلیل علی حرمة بیعها وضعا و تکلیفا، بل الظاهر من بعض الأحادیث الدالة علی جواز إبقاء الصور هو جواز بیعها، فان المذکور فیها جواز اقتناء الثیاب و البسط و الوسائد التی فیها الصور، و من الواضح جدا انها تبتاع من السوق غالبا، و قد ذکرنا جملة منها فی الحاشیة، و المتحصل من جمیع ما ذکرناه: أن المحرم هو خصوص تصویر الصور لذوات الأرواح فقط، و أما اقتناؤها و تزیین البیوت بها و بیعها و شراؤها فلا إشکال فی جوازها.
قوله و یؤید الکراهة الجمع بین اقتناء الصور و التماثیل فی البیت.
أقول: قد عرفت
______________________________
رواة الحدیث لم یعتبره ابن أبی عمیر فی هؤلاء. و لا یقاس ذلک بتوثیق النجاشی و أمثاله، و هو واضح.
و فی ج 1 ئل باب 4 جواز إبقاء التماثیل من أحکام المساکن ص 318: عن محمد بن مسلم عن أبی جعفر «ع» قال: قال له رجل: رحمک اللّه ما هذه التماثیل التی أراها فی بیوتکم؟
فقال: هذا للنساء أو بیوت النساء. صحیحة.
و فی روایة جعفر بن بشیر: کانت لعلی بن الحسین (ع) و ساء و أنماط فیها تماثیل یجلس علیها. مرسلة.
الی غیر ذلک من الروایات المذکورة فی الأبواب المزبورة و غیرها.
[1] قوله و روایة أبی بصیر قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الوسادة؟).
أقول: ضعیفة لعثمان بن عیسی. راجع ج 2 کا ص 226. و ج 11 الوافی باب 197 الفرش ص 108. و ج 1 ئل باب 4 جواز إبقاء التماثیل من أحکام المساکن ص 318 قوله و روایة أخری لأبی بصیر قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: إنا نبسط عندنا الوسائد. أقول: ضعیفة لعلی بن أبی حمزة البطائنی. راجع ج 11 الوافی ص 109.
قوله و روایة علی بن جعفر عن أخیه عن الخاتم إلخ. و قوله: و عنه عن أخیه «ع» عن البیت إلخ. و قوله: و عن قرب الاسناد عن علی بن جعفر إلخ. أقول: کلها مجهولة لعبد اللّه بن الحسن. راجع ج 1 ئل باب 44 کراهة الصلاة فی التماثیل من لباس المصلی ص 274.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 241
أنه لا دلیل علی حرمة اقتناء الصورة المحرمة، و أن مقتضی الجمع بین ما دل علی جواز الاقتناء و بین ما دل علی الحرمة هو حمل الثانی علی الکراهة.
و یؤید ذلک أیضا الأخبار المستفیضة [1] المصرحة بأن الملائکة لا تدخل بیتا فیه صورة أو کلب أو إناء یبال فیه، و فی بعض أحادیث العامة «1»: لا تدخل الملائکة بیتا فیه کلب و لا صورة تماثیل. و فی بعض أحادیثنا [2] إضافة الجنب إلی الأمور المذکورة.
و وجه التأیید أن وجود الجنب و الکلب و الإناء الذی یبال فیه فی البیوت لیس من الأمور المحرمة فی الشریعة المقدسة، بل هو مکروه، و اتحاد السیاق یقتضی کون اقتناء الصور فیها أیضا مکروها.
ثم إنه لا فرق فیما ذکرناه من جواز اقتناء الصور و بیعها و شرائها بین کونها مجسمة و غیر مجسمة، لاتحاد الأدلة نفیا و إثباتا کما عرفت.
______________________________
[1] فی ج 2 کا ص 226. و ج 1 التهذیب آخر باب اللباس و المکان من الصلاة ص 243. و ج 11 الوافی ص 107. و ج 1 ئل باب 33 کراهة الصلاة فی بیت فیه کلب من مکان المصلی ص 300 عن ابن مروان عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): إن جبرئیل أتانی فقال: إنا معاشر الملائکة لا تدخل بیتا فیه کلب و لا تمثال جسد و لا إناء یبال فیه. مجهولة لابن مروان.
و فی روایة عمرو بن خالد إنا لا ندخل بیتا فیه صورة إنسان. مرسلة. و رواها فی ج 1 کا ص 109 بطریق آخر ضعیف لمعلی بن محمد. و رواها فی الموضع المتقدمة من ئل عن المحاسن بطریق معتبر.
و فی ج 2 کا ص 227. و ج 11 الوافی ص 108. و ج 1 ئل باب 4 جواز إبقاء التماثیل التی توطأ من أحکام المساکن ص 318 عن رسول اللّه (ص) قال جبرئیل: إنا لا ندخل بیتا فیه تمثال لا یوطأ، الحدیث مختصر. ضعیف لعمرو بن شمر و عبد اللّه بن یحیی و أبیه. و غیر ذلک من الروایات الکثیرة.
[2] فی ج 1 ئل باب 33 کراهة الصلاة فی بیت فیه کلب من مکان المصلی ص 300 عن المحاسن عن رسول اللّه (ص) فی حدیث: إن جبرئیل «ع» قال: إنا لا ندخل بیتا فیه کلب و لا جنب و لا تمثال یوطأ. ضعیفة لعمرو بن شمر و عبد اللّه بن یحیی و أبیه.
الظاهر أن النسخة الصحیحة: و لا تمثال لا یوطأ.
______________________________
(1) راجع ج 7 ص 268.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 242

حرمة التطفیف و البخس

اشارة

قوله الخامسة التطفیف حرام):
أقول: التطفیف [1] مثل التقلیل و زنا و معنی، و المراد به هنا أن یجعل الإنسان نفسه کیالا أو وزانا، فیقلل نصیب المکیل له فی إیفائه و استیفائه علی وجه الخیانة. و البخس [2] نقص الشی‌ء عن الحد الذی یوجبه الحق علی سبیل الظلم. و کیف کان فلا إشکال فی حرمتهما عند المسلمین قاطبة. و تدل علی ذلک الأدلة الأربعة.
أما الکتاب فقوله تعالی [3]: (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ). و قوله تعالی: «1» (وَ لٰا تَبْخَسُوا النّٰاسَ أَشْیٰاءَهُمْ). و قوله تعالی «2»: (وَ لٰا تَنْقُصُوا الْمِکْیٰالَ وَ الْمِیزٰانَ). و أما السنة فقد ورد النهی عن البخس و التطفیف فی جملة من الروایات [4] و أما الإجماع فإنه و إن کان
______________________________
[1] فی ج 2 تفسیر التبیان للشیخ الطوسی ص 760: المطفف المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق فی کیل أو وزن، و التطفیف التنقیص علی وجه الخیانة فی الکیل أو الوزن و فی مفردات الراغب: طفف الکیل قلل نصیب المکیل له فی إیفائه و استیفائه. و عن المصباح: طففه فهو مطفف إذا کان أو وزن و لم یوف.
[2] فی مفردات الراغب: البخس نقص الشی‌ء علی سبیل الظلم. و فی القاموس:
البخس النقص و الظلم. و فی المنجد: بخسة بخسا نقصه و ظلمه.
[3] سورة المطففین، آیة: 2. فی ج 2 تفسیر التبیان ص 760. و ج 6 سنن البیهقی ص 32 عن ابن عباس: لما قدم النبی (ص) المدینة کانوا من أخبث الناس کیلا فأنزل اللّه (وَیْلٌ لِلْمُطَفِّفِینَ) فأحسنوا الکیل بعد ذلک.
[4] فی ج 1 کا ص 371. و ج 2 التهذیب ص 120. و ج 10 الوافی ص 59.
و ج 2 ئل باب 1 استحباب التفقه من آداب التجارة ص 574: عن الأصبغ بن نباتة قال:
سمعت أمیر المؤمنین «ع» یقول علی المنبر: یا معشر التجار الفقه ثم المتجر- ثلاثا- الی أن قال: التاجر فاجر و الفاجر فی النار إلا من أخذ الحق و أعطی الحق. ضعیفة لأبی جارود و عثمان بن عیسی. و غیر ذلک من الروایات المذکورة فی المصادر المزبورة. و ج 2 المستدرک باب 3 ما یستحب للتاجر من آداب التجارة ص 463.
______________________________
(1) راجع سورة الأعراف، آیة: 83. و سورة هود، آیة 86. و سورة الشعراء آیة: 180.
(2) سورة هود، آیة: 85.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 243
قائما علی حرمة التطفیف و البخس، إلا أنه لیس إجماعا تعبدیا، بل من المحتمل القریب أن یکون مدرکه الکتاب و السنة، و أما العقل فلأن تنقیص حق الناس و عدم الوفاء به ظلم.
و قد استقل العقل بحرمته.
و مما ذکرناه ظهر ما فی کلام المحقق الایروانی من الوهن حیث قال: الظاهر بل المقطوع به أن التطفیف بنفسه لیس عنوانا من العناوین المحرمة: أعنی الکیل بالمکیال الناقص و کذا البخس فی المیزان مع وفاء الحق کاملا). و وجه الوهن أن التطفیف قد أخذ فیه عدم الوفاء بالحق، و البخس هو نقص الشی‌ء علی سبیل الظلم، و هما بنفسهما من المحرمات الشرعیة و العقلیة.
علی أنه قد ثبت الذم فی الآیة الشریفة علی نفس عنوان التطفیف، فان الویل کلمة موضوعة للوعید و التهدید، و تقال لمن وقع فی هلاک و عقاب، و کذلک نهی فی الآیات المتعددة عن البخس کما عرفت آنفا. و ظاهر ذلک کون التطفیف و البخس بنفسهما من المحرمات الإلهیة
______________________________
و فی ج 2 ئل باب 45 تعیین الکبائر من جهاد النفس ص 464: عن عیون الأخبار عن الرضا «ع» فإنه «ع» جعل البخس فی المکیال و المیزان من الکبائر.
أقول: فی خاتمة الوسائل ص 519: و من ذلک طریقه الی الفضل بن شاذان عن الرضا علیه السلام فی کتابه إلی المأمون، و قد رواه فی عیون الأخبار بالسند الأول و الثانی جمیعا و رواه أیضا عن حمزة بن محمد العلوی.
أقول: أما الطریق الأول فهو مجهول لعبد الواحد بن محمد بن عبدوس النیشابوری و علی ابن قتیبة النیشابوری. و أما الثانی فهو مجهول للحاکم أبی محمد جعفر بن نعیم. و أما الثالث فهو مجهول لحمزة بن محمد العلوی.
و فی ج 2 المستدرک باب 39 تحریم التظاهر بالمنکرات من الأمر بالمعروف ص 392:
عن أبی القاسم الکوفی فی کتاب الأخلاق عن أبی جعفر «ع» محمد بن علی «ع» قال: إذا ظهر الزناء فی أمتی کثر موت الفجأة فیهم و إذا طففت المکیال أخذهم اللّه بالسنین و النقص. مرسلة و فی ج 2 ئل باب 41 تحریم التظاهر بالمنکرات من الأمر بالمعروف ص 511: کا بإسناده عن أبی جعفر «ع» قال: وجدنا فی کتاب رسول اللّه (ص): إذا ظهر الزناء من بعدی کثر موت الفجأة و إذا طفف المیزان و المکیال أخذهم اللّه بالسنین و النقص. حسنة لإبراهیم بن هاشم.
و فی روایة حمران عن أبی عبد اللّه «ع» فی حدیث طویل عدّ جملة من الأوصاف المحرمة الی ان قال: و رأیت الرجل معیشته من نجس المکیال و المیزان. حسنة لإبراهیم بن هاشم و حمران
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 244
قوله ثم إن البخس فی العدد و الذرع یلحق به حکما و إن خرج عن موضوعه)
. أقول: قد عرفت أن التطفیف و البخس مطلق التقلیل و النقص علی سبیل الخیانة و الظلم فی إیفاء الحق و استیفائه. و علیه فذکر الکیل و الوزن فی الآیة و غیرها إنما هو من جهة الغلبة، فلا وجه لإخراج النقص فی العدد و الذرع عن البخس و التطفیف موضوعا، و إلحاقهما بهما حکما.

صحة المعاملة المطفف فیها و فسادها

قوله و لو وازن الربوی بجنسه فطفف فی أحدهما فإن جرت المعاوضة إلخ.
أقول قد عرفت أنه لا إشکال فی حرمة التطفیف تکلیفا، فإجارة نفسه علیه- کإجارة نفسه علی سائر الأفعال المحرمة- محرمة وضعا و تکلیفا، کما عرفت مرارا.
و أما الکلام فی صحة المعاملة المطفف فیها و فسادها فنقول: إن المعاملة قد تقع علی الکلی فی الذمة، و قد تقع علی الکلبی فی المعین الخارجی، و قد تقع علی الشخص المعین الموجود فی الخارج المشار إلیه بالإشارة الحسیة.
أما علی الصورتین الأولتین فلا إشکال فی صحة المعاملة و عدم فسادها بالتطفیف الخارجی فإن المعاملة قد انعقدت صحیحة، و لکن البائع، أو من یباشر الإقباض و التسلیم طفف فی الکیل و الوزن، أو فی الذرع و العدد، و هو لا یوجب فسادها، بل یکون الدافع مشغول الذمة بما نقص عن الحق، و لا یفرق فی ذلک بین کون المعاملة ربویة أو غیر ربویة کما هو واضح.
و علی الجملة: إن هاتین الصورتین خارجتان غما نحن فیه.
و أما علی الصورة الثالثة فربما یقال: ببطلان المعاملة إذا وقعت علی المتاع الخارجی بما أنه مقدر بمقدار کذا فظهر عدم انطباق العنوان الملحوظ فی البیع علی المشار إلیه الخارجی و وجه البطلان أن ما هو معنون بعنوان کذا غیره موجود فی الخارج، و ما هو موجود فی الخارج غیر معنون بذلک العنوان، و توهم إلغاء الإشارة أو الوصف فاسد، فان اللازم هو الأخذ بکلیهما، لتعلق قصد المتبایعین بهما.
و فیه أنه لا وجه للبطلان إذا تخلف العنوان، فإنه لیس من العناوین المقومة، بل هو إما أن یکون مأخوذا علی نحو الشرطیة، أو علی نحو الجزئیة کما سیجی‌ء. و لا یقاس ذلک بتخلف العناوین التی تعد من الصور النوعیة عند العرف، کما إذا باع صندوقا فظهر أنه طبل، أو باع ذهبا فظهر أنه مذهب، أو باع بغلا فظهر أنه حمار فان البطلان فی أمثالها لیس
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 245
من انفکاک العنوان عن الإشارة، بل من جهة عدم وجود المبیع أصلا، و قد تقدم ذلک فی البحث عن بیع هیاکل العبادة و عن بیع الدراهم المغشوشة.
و ربما یقال: إن المورد من صغریات تعارض الإشارة و العنوان، و تقدیم أحدهما علی الآخر یختلف بحسب اختلاف الموارد.
و فیه أن الکبری و إن کانت مذکورة فی کتب الشیعة و السنة [1] إلا أنها لا تنطبق علی ما نحن فیه، فان البیع من الأمور القصدیة، فلا معنی لتردد المتبایعین فیما قصداه. نعم قد یقع التردد منهما فی مقام الإثبات من جهة اشتباه ما هو المقصود بالذات.
و الذی ینبغی أن یقال: إن الصور المتصورة فی المقام ثلاث، الاولی: أن یکون إنشاء البیع معلقا علی کون المبیع متصفا بصفة خاصة، بأن یقول: بعتک هذا المتاع الخارجی علی أن یکون منا فظهر الخلاف، و هذا لا إشکال فی بطلانه، لا من جهة التطفیف، و لا من جهة تخلف الوصف، بل لقیام الإجماع علی بطلان التعلیق فی الإنشاء.
الثانیة: أن ینشأ البیع منجزا علی المتاع الخارجی بشرط کونه کذا مقدار ثم ظهر الخلاف، و هذا لا إشکال فی صحته، فان تخلف الأوصاف غیر المقومة للصورة النوعیة لا یوجب بطلان المعاملة، غایة الأمر أنه یوجب الخیار للمشتری.
الثالثة: أن یکون مقصود البائع- من قوله: بعتک هذا المتاع الخارجی بدینارین علی أن یکون کذا مقدار- بیع الموجود الخارجی فقط، و کان غرضه من الاشتراط الإشارة إلی تعیین مقدار العوضین، و وقوع کل منهما فی مقابل الآخر بحیث یقسط الثمن علی أجزاء المثمن، و علیه فإذا ظهر الخلاف صح البیع فی المقدار الموجود و بطل فی غیره، نظیر بیع ما یملک و ما لا یملک، کالخنزیر مع الشاة و الخمر مع الخل.
و الظاهر هی الصورة الأخیرة، فإن مقصود البائع من الاشتراط المذکور لیس إلا بیان مقدار المبیع فقط، من غیر تعلیق فی الإنشاء، و لا اعتبار شرط فی المعاملة کما هو واضح، هذا کله إذا لم یکن البیع ربویا.
و أما إذا کان ربویا، فان کان من قبیل الصورة الأولی بطل البیع للتعلیق، مع قطع النظر
______________________________
[1] فی ج 2 شرح فتح القدیر فی المهر ص 464: إن الإشارة و التسمیة إذا اجتمعا و المشار الیه من خلاف جنس المسمی فالعبرة للتسمیة، لأنها تعرف الماهیة و الإشارة تعرف الصورة، فکان اعتبار التسمیة أولی، لأن المعانی أحق بالاعتبار، و إن کان المشار الیه من جنس المسمی إلا أنهما اختلفا وصفا فالعبرة للإشارة، لأن المسمی موجود فی المشار الیه ذاتا و الوصف یتبعه، إلی أن قال: و الشأن فی التخریج علی هذا الأصل.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 246
عن التخلف، و کون المعاملة ربویة، و إن کان من قبیل الصورة الثانیة بطل البیع، لکونه ربویا، مع قطع النظر عن تخلف الشرط. و إن کان من قبیل الصورة الثالثة قسط الثمن علی الاجزاء، و صح البیع فی المقدار الموجود، و بطل فی غیره.

التنجیم

اشارة

قوله السادسة: التنجیم «1» حرام، و هو کما فی جامع المقاصد الإخبار عن أحکام النجوم.
أقول:

تحقیق المرام یبتنی علی مقدمتین:

المقدمة الاولی فی بیان أمرین:

الأمر الأول: أن أصول الإسلام أربعة:

الأول: الایمان باللّه، و الإقرار بوجوده، و کونه صانعا للعالم،

و بجمیع ما یحدث فیه من غرائب الصنع، و آثار الرحمة، و عجائب الخلق، و اختلاف الموجودات من الشمس و القمر و النجوم و الریاح و السحاب و الجبال و البحار و الأشجار و الاثمار، و اختلاف اللیل و النهار، فمن أنکر ذلک کان کافرا، کالدهریة القائلین: بکون الأمور کلها تحت سلطان الدهر بلا احتیاج الی الصانع، و کفره ثابت بالضرورة من المسلمین، بل و من جمیع الملیین، و قد دلت الآیات الکثیرة علی أن من لم یؤمن باللّه و أنکره فهو کافر.

الثانی: الإقرار بتوحیده تعالی،

و یقابله الشرک، و القول: بأن للعالم أکثر من صانع واحد، کما یقوله الثنویة و غیرهم، و کفر منکر التوحید ثابت بکثیر من الآیات- کقوله تعالی «2»: (إِنَّمَا الْمُشْرِکُونَ نَجَسٌ)- و الروایات.

الثالث: الإیمان بنبوة محمد (ص) و الاعتراف بکونه نبیا مرسلا:

(لا ینطق عن الهوی إِنْ هُوَ إِلّٰا وَحْیٌ یُوحیٰ) و من أنکر ذلک- کالیهود و النصاری و أشباههم- کان کافرا یحکم الضرورة من المسلمین، و قد دلت علیه جملة من الآیات و الروایات. و أما الإقرار بالأنبیاء السابقین فهو داخل فی الإقرار بما جاء به النبی (ص)، فإنکاره یوجب الکفر من جهة التکذیب النبی (ص).

الرابع: الایمان بالمعاد الجسمانی، و الإقرار بیوم القیامة و الحشر و النشر،

و جمع العظام البالیة، و إرجاع الأرواح فیها، فمن أنکر المعاد أو أنکر کونه جسمانیا فهو کافر بالضرورة و لا بد و أن یعلم أن الإقرار بهذه الأمور الأربعة له موضوعیة فی التلبس بحلیة الإسلام، و إنکار أی واحد منها فی حد نفسه موجب للکفر، سواء کان مستندا الی العناد و اللجاج
______________________________
(1) نجم من التفعیل رعی النجوم و راقبها لیعلم منها أحوال العالم.
(2) سورة التوبة، آیة: 28.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 247
أم کان مستندا إلی الغفلة و عدم الالتفات الناشئ عن التقصیر أو القصور، و قد دلت الآیات الکثیرة أیضا علی کفر منکر المعاد.

الأمر الثانی: أنه یجب علی العباد الاعتراف بفرائض اللّه و سنن رسوله (ص)، و بما جاء به النبی (ص)،

فمن ترکها جاحدا و هو عالم بأن إنکاره هذا یستلزم تکذیب النبی (ص) فهو کافر، و إلا فلا ملازمة بین الإنکار و بین الکفر، و من هنا لا یحکم بکفر المخالفین فی الظاهر مع إنکارهم الولایة.
و قد دلت الآیات و روایات الفریقین علی اعتبار الأمور المذکورة فی الإسلام، و حقن الدماء، و حفظ الأموال، ففی موثقة سماعة «1»: (الإسلام شهادة أن لا إله إلا اللّه و التصدیق برسول اللّه به حقنت الدماء و علیه جرت المناکح و المواریث و علی ظاهره جماعة الناس). و فی روایة داود بن کثیر الرقی «2»: (إن اللّه تعالی فرض فرائض موجبات علی العباد فمن ترک فریضة من الموجبات و جحدها کان کافرا). و من طرق العامة «3» عن رسول اللّه (ص): (أقاتل الناس حتی یشهدوا أن لا إله إلا اللّه و یؤمنوا بی و ما جئت به فإذا فعلوا ذلک عصموا منی دماءهم و أموالهم).

المقدمة الثانیة: أنه لا إشکال فی اختلاف الأجرام العلویة

و الکیفیات الخاصة الحاصلة بین الفلکیات بعضها مع بعض، و تأثیرها فی الأوضاع الأرضیة و الأجسام العنصریة، کتأثیر قرب الشمس من خط الاستواء و بعدها عنه فی اختلاف الفصول، و کزیادة الرطوبة فی الأبدان بزیادة نور القمر و نقصانها بنقصانه، و زیادة أدمغة الحیوانات و ألبانها بزیادة نوره و نقصانها بنقصانه، و زیادة البقول و الثمار نموا و نضجا احمرارا و اخضرارا عند زیادة نور القمر، بل ذکر المحقق البهائی فی الحدیقة الحلالیة ان المزاولین لها یسمعون صوتا من القثّاء و القرع و البطیخ عند تمدده وقت زیادة النور، و کزیادة المیاه فی البحار و الشطوط و الینابیع فی کل یوم من النصف الأول من الشهر و نقصانها یوما فیوما فی النصف الأخیر منه، الی غیر ذلک من الآثار الواضحة التی یجوز الاعتقاد بها، و الإخبار عنها، من دون أن یترتب علیه محذور شرعا.
و أیضا لا إشکال فی جواز النظر إلی أوضاع الکواکب و سیرها، و ملاحظة اقتران بعضها مع بعض، و الإذعان بها و الإخبار عنها، کالإخبار عن سیر الکواکب حرکة سریعة من المشرق الی المغرب فی یوم و لیلة التی بها یتحقق طلوعها و غروبها، و یتحقق اللیل
______________________________
(1) راجع ج 3 الوافی ص 18.
(2) راجع ج 3 الوافی ص 40.
(3) راجع ج 8 سنن البیهقی ص 202.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 248
و النهار، کما حقق فی الهیئة القدیمة، و کالإخبار عن الخسوف و الکسوف، و عن ممازجات الکواکب و مقارناتها، و اختفائها و احتراقها، و نحوها من الأمور الواضحة المقرة فی علم معرفة التقویم و علم الهیئة، فإن الإخبار عنها- نظیر الإخبار عن طلوع الشمس فی أول الیوم و عن غروبها فی آخره- مبنی علی التجربة و الامتحان و الحساب الصحیح الذی لا یتخلف غالبا، و من الواضح جدا أنه لا یرتبط شی‌ء منها بما نحن فیه، بل هی خارجة عن علم النجوم.
نعم إذا استند المخبر عن تلک الأمور إلی الظنون غیر المعتبرة عقلا، و کان کلامه ظاهرا فی الإخبار الجزمی کان الإخبار حراما من جهة الکذب، و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف من تجویز الأخبار عن سیر الکواکب مع الاستناد إلی الأمارات الظنیة.
إذا عرفت هاتین المقدمتین فنقول: قد اختلفت الأقوال فی جواز تعلم النجوم و تعلیمها و النظر فیها مع عدم اعتقاد تأثیرها أصلا و عدم جوازه.

و تنقیح المسألة و تهذیبها یقع فی أمور:

الأول: قال جمع من الفلاسفة: إن للأفلاک نفوسا ترتسم فیها صور المقدرات،

و یقال لها: لوح المحو و الإثبات، و إن الأفلاک متحرکة علی الاستدارة و الدوام حرکة إرادیة اختیاریة للشبه بعالم العقول: و الوصول الی المقصد الأقصی، و إنما مؤثرة فی ما یحدث فی عالم العناصر من الموت و المرض و الصحة و الفقر و الغنی، و إن نظام الکل بشخصیته هو الإنسان الکبیر، و العقول و النفوس بمنزلة القوی العاقلة و العاملة التی هی مبادی الإدراکات و التحریکات و النفوس مفوضة إلی النفوس المنطبعة بمنزلة الروح الحیوانی. و علی الجملة التزموا بأن الموجودات الممکنة برمتها مفوضة إلی النفوس الفلکیة، و العقول الطولیة، و أن اللّه تعالی بعد خلقه العقل الأول منعزل عن التصرف فی مخلوقة.
و فیه أنه علی خلاف ضرورة الدین، و إجماع المسلمین، و الاعتقاد به کفر و زندقة، لکونه إنکارا للصانع، فإن الأدلة العقلیة و السمعیة من الآیات و الروایات مطبقة علی إثبات الصانع، و إثبات القدرة المطلقة له تعالی، و أن أزمة المخلوقات کلها فی قبضة قدرته، یفعل فیها ما یشاء، و لا یسئل عما یفعل و هم یسألون.
إلا أن یکون مراد الفلاسفة أن الفیاض علی الإطلاق فی جمیع الحالات هو الباری تعالی و لکن إفاضة الوجود بواسطة النفوس الفلکیة، و هی طرق لوصول الفیض، و لیست مؤثرة فی عالم العناصر لیلزم منه إنکار الصانع. و یظهر هذا من کلام جماعة منهم.
علی أن الظاهر من الآیات و الروایات أن حرکة الأفلاک إنما هی حرکة قسریة،
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 249
و بمباشرة الملائکة، فالاعتقاد علی خلافه مخالف للشرع، و تکذیب النبی الصادق (ص) فی إخباره، فیکون کفرا، و إرادة النفوس الفلکیة من الملائکة من تأویلات الملاحدة، کما صرح به المجلسی (ره) فی اعتقاداته.
ثم إن الاعتقاد بالأمور المذکورة إنما یوجب الکفر إذا علم المعتقد بالملازمة بینها و بین إنکار الصانع، أو تکذیب النبی (ص)، و إلا فلا محذور فیه، کما عرفت فی المقدمة الثانیة.

الأمر الثانی: أن یلتزم بتأثیر الأوضاع الفلکیة و الکیفیات الکوکبیة بنفسها فی حوادث العوالم السفلیة،

کتوسعة الرزق و أنوثة الولد و رجولته و صحة المزاج و سقمه و ازدیاد الأموال و نقصانها و غیرها من الخیرات و الشرور، سواء قلنا بالنفوس الفلکیة أم لم نقل.
و هو علی وجهین، الأول: أن یکون ذلک علة تامة لحدوث الحوادث. و الثانی: أن یکون شریکا للعلة فی الأمور المذکورة.
و کلا الوجهین باطل، لأنه إنکار للصانع، أو لتوحیده جل و علا، و الظاهر أنه لا خلاف فی ذلک بین الشیعة و السنة [1] بل قامت الضرورة بین المسلمین علی کفر من اعتقد بذلک.
قال العلامة المجلسی فی مرآة العقول: (إن القول باستقلال النجوم فی تأثیرها کفر و خلاف لضرورة الدین، و أن القول بالتأثیر الناقص إما کفر أو فسق). و قال المحقق البهائی فی الحدیقة الهلالیة: إن الالتزام بأن (تلک الأجرام هی العلة المؤثرة فی تلک الحوادث بالاستقلال أو أنها شریکة فی التأثیر فهذا لا یحل للمسلم اعتقاده و علم النجوم المبتنی علی هذا کفر. الی غیر ذلک من کلمات الأعاظم الصریحة فیما ذکرناه.
______________________________
[1] عن ابن أبی الحدید فی شرح نهج البلاغة: إن المعلوم ضرورة من الدین إبطال حکم النجوم، و تحریم الاعتقاد بها، و الزجر عن تصدیق المنجمین.
و فی ج 3 سنن البیهقی ص 358 فی حدیث زید الجهنی قال الشافعی: و أما من قال:
مطرنا بنوء کذا علی ما کان بعض أهل الشرک بعنوان من إضافة المطر الی أن أمطره نوء کذا فذلک کفره.
و فی الموضع المزبور عن الجهنی عن رسول اللّه (ص) قال اللّه: أصبح من عبادی مؤمن و کافر فأما من قال: مطرنا بفضل اللّه و رحمته فذلک مؤمن بی کافر بالکوکب و أما من قال مطرنا بنوء کذا و کذا فذلک کافر بی مؤمن بالکوکب. و رواه العلامة (ره) مرسلا فی ج 1 التذکرة فی صلاة الاستسقاء: و رواه صاحب الوسائل أیضا مرسلة فی ج 2 ئل باب 14 تحریم العمل یعلم النجوم من آداب السفر ص 181.
فی لسان العرب مادة نوأ، قال أبو عبید: الأنواء ثمانیة و عشرون نجما معروفة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 250

الأمر الثالث: أن یلتزم بکون أوضاع الکواکب [علامة علی حوادث عالم العناصر]

من التقارن و التباعد و الاتصال و التربیع و الاختفاء و غیرها من الحالات- علامة علی حوادث عالم العناصر التی تحدث بقدرة اللّه و إرادته: بأن یجعل الوضع الفلانی علامة رجولة الولد، و الوضع الفلانی علامة أنوثته و هکذا، کما أن سرعة حرکة النبض علامة علی الحمی، و اختلاج بعض الأعضاء علامة علی بعض الحوادث المستقبلة، و نصب العلم علامة علی التعزیة و الرثاء.
و هذا الوجه قد اختاره السید بن طاوس فی محکی کلامه فی رسالته النجومیة، و وافقه علیه جمع من الأعاظم، کالمحقق البهائی فی الحدیقة الهلالیة، و السید الجزائری فی شرح الصحیفة السجادیة «1». و المحدث النوری فی المستدرک «2» و غیرهم، و حملوا علیه ما روی من صحة علم النجوم و جواز تعلمه.

الأمر الرابع: أن یلتزم بأن اللّه تعالی قد أودع فی طبائع أوضاع الکواکب خصوصیات تقتضی حدوث بعض الحوادث

من غیر أن یکون لها استقلال فی التأثیر و لو بنحو الشرکة، و تلک الخصوصیات کالحرارة و البرودة المقتضیتین للإحراق و التبرید.
و هذان الوجهان و إن لم یکن الاعتقاد بهما موجبا للکفر بأنفسهما، إلا أنهما باطلان لوجوه الأول: أنه لا طریق لنا الی کشف هذا المعنی فی مقام الإثبات و إن کان ممکنا فی مقام الثبوت.
الثانی: أن ذلک مناف لإطلاق الروایات [1] الدالة علی حرمة العمل بعلم النجوم و جعلها
______________________________
المطالع فی أزمنة السنة، و کانت العرب فی الجاهلیة إذا سقط منها نجم و طلع آخر قالوا:
لا بد من ان یکون عند ذلک مطر أو ریاح، فینسبون کل غیث عند ذلک الی ذلک النجم فیقولون مطرنا بنوء الثریا إلخ و إنما سمی نوءا لأنه إذا سقط الساقط منها بالمغرب ناء الطالع بالمشرق: أی نهض و طلع.
[1] فی ج 2 ئل باب 14 تحریم العمل بعلم النجوم من آداب السفر ص 181. و ج 4 مرآة العقول ص 410 عن عبد اللّه بن عوف بن الأحمر قال: لما أراد أمیر المؤمنین «ع» المسیر الی النهر و ان أتاه منجم فقال له: یا أمیر المؤمنین لا تسر فی هذه الساعة و سر فی ثلاث ساعات یمضین من النهار فقال «ع»: و لم ذاک؟ قال: لأنک إن سرت فی هذه الساعة أصابک و أصاب أصحابک أذی و ضر شدید و إن سرت فی الساعة التی أمرتک ظفرت و ظهرت و أصبت کلما طلبت، فقال له أمیر المؤمنین «ع»: تدری ما فی بطن هذه الدابة أذکر أم أنثی؟ قال: ان حسبت علمت، قال له أمیر المؤمنین «ع»: من صدقک علی هذا القول
______________________________
(1) ص 181.
(2) ج 2 ص 433.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 251
علامة علی الحوادث، و ظاهر جملة من
______________________________
کذب بالقرآن إن اللّه عنده علم الساعة و ینزل الغیث و یعلم ما فی الأرحام و ما تدری نفس ماذا تکسب غدا و ما تدری بأی أرض تموت إن اللّه علیم خبیر ما کان محمد (ص) یدعی ما ادعیت أ تزعم أنک تهتدی إلی الساعة التی من سار فیها حاق به الضر؟؟ من صدق بهذا استغنی بقولک عن الاستعانة باللّه فی ذلک الوجه و أحوج إلی الرغبة إلیک فی دفع المکروه عنه و ینبغی له ان یولیک الحمد دون ربه فمن آمن لک بهذا فقد اتخذک من دون اللّه ندا و ضدا، ثم قال «ع»: اللهم لا طیر إلا طیرک و لا ضیر إلا ضیرک و لا خیر إلا خیرک و لا إله غیرک بل نکذب و مخالفک و نسیر و نسیر فی الساعة التی نهیت عنها. ضعیفة لعبد اللّه ابن عوف و عمر بن سعد و محمد بن علی القرشی و غیرهم، و لکن آثار الصدق منها ظاهرة.
و قریب منه ما نقله السید فی نهج البلاغة مرسلا: أعنی الخطبة 76 من خطبه «ع» قوله:
حاق به الضر، أی أحاط به.
و فی الباب المزبور من ج 2 ئل عن معان الاخبار عن الکابلی قال: سمعت زین العابدین الی ان قال: و الذنوب التی تظلم الهواء السحر و الکهانة و الایمان بالنجوم. ضعیفة لأحمد ابن یحیی بن زکریا و بکر بن عبد اللّه بن حبیب و غیرهما.
و فی ج 4 مرآة العقول ص 414. و ج 14 الوافی ص 132. و ج 2 ئل باب 14 تحریم العمل بعلم النجوم من آداب السفر ص 181: عن عبد الملک بن أعین قال: قلت لأبی عبد اللّه «ع»: انی قد ابتلیت بهذا العلم فأرید الحاجة فإذا نظرت الی الطالع و رأیت الطالع الشر جلست و لم أذهب فیها و إذا رأیت الطالع الخیر ذهبت فی الحاجة؟ فقال لی:
تقتضی؟ قلت: نعم، قال: أحرق کتبک. حسنة لعبد الملک.
و فی ج 2 ئل باب 52 عدم جواز تعلم النجوم مما یکتسب به ص 544. و ج 2 المستدرک باب 11 من آداب السفر ص 23. و ج 4 مرآة العقول ص 411. و الاحتجاج للطبرسی ص 191 فی حدیث احتجاج الصادق «ع» علی الزندیق، قال: فما تقول فی علم النجوم؟ قال «ع»: هو علم قلت منافعه و کثرت مضراته لانه لا یدفع به المقدور و لا یتقی و المحذور إن أخبر المنجم بالبلاء لم ینجه التحرز من القضاء و ان أخبر هو بخیر لم یستطع تعجیله و ان حدث به سوء لم یمکنه صرفه و المنجم یضاد اللّه فی علمه بزعمه أن یرد قضاء اللّه عن خلقه. مرسلة.
و فی الباب المذکور من ئل عن المحقق فی المعتبر و العلامة فی التذکرة و الشهیدان قالوا:
من صدق کاهنا أو منجما فهو کافر بما أنزل علی محمد (ص). مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 252
الروایات [1] ان لعلم النجوم حقیقة واقعیة، و لکن لا یحیط بها غیر علام الغیوب، و من
______________________________
[1] فی ج 4 مرآة العقول ص 410 عن قیس بن سعد قال: کنت کثیرا أسایر أمیر المؤمنین «ع» إذا سار الی وجه من الوجوه فلما قصد النهروان و صرنا بالمدائن و کنت یومئذ مسایرا له إذ خرج الیه قوم من أهل المدائن، الی ان قال: و کان فیمن تلقاه دهقان و کانت الفرس تحکم برأیه- فی النجوم فجری بینه و بین علی «ع» بعض الأسئلة فقال الدهقان لا أدری، ثم قال: علی «ع»:- لو علمت ذلک لعلمت انک تحصی عقود القصب فی هذه الأجمة و مضی أمیر المؤمنین فهزم أهل النهروان فقتلهم و عاد بالغنیمة و الظفر، فقال الدهقان: لیس هذا العلم بما فی أیدی أهل زماننا هذا علم مادته من السماء. ضعیفة لأبی جارود زیاد من المنذر و فی الاحتجاج ص 193. و الموضع المذکور من مرآة العقول عن أبان بن تغلب قال: کنت عند ابی عبد الله «ع» إذ دخل علیه رجل من أهل الیمن، الی أن قال «ع»:
ما صناعتک یا سعد؟ فقال: جعلت فداک أنا من أهل بیت تنظر بالنجوم لا یقال: إن بالیمن أحدا أعلم بالنجوم منا، الی أن ذکر أبو عبد الله «ع» أمورا فقال له الیمانی: ما ظننت أن أحدا یعلم هذا و ما یدری ما کنهه. مرسلة.
و فی ج 4 کا بهامش مرآة العقول. و ج 14 الوافی ص 131. و ج 2 ئل باب 52 عدم جواز تعلم النجوم مما یکتسب به ص 543 عن هشام الخفاف قال: قال لی أبو عبد الله کیف بصیرک بالنجوم؟ قال: قلت: ما خلقت بالعراق أبصر بالنجوم منی، الی أن قال «ع»:
إن أصل الحساب حق و لکن لا یعلم ذلک إلا من علم موالید الخلق کلهم. مجهولة لحماد الأزدی و فی ج 4 کا بهامش مرآة العقول ص 334. و ج 14 الوافی ص 130. و ج 2 ئل باب 52 عدم جواز تعلم النجوم مما یکتسب به ص 543: عن عبد الرحمن بن سیابة عن أبی عبد الله «ع» بعد أن جوز النظر الی النجوم قال: انکم تنظرون فی شی‌ء منها کثیرة لا یدرک و قلیلة لا ینتفع به. ضعیفة لعبد الرحمن بن سیابة. و مجهولة للحسن بن أسباط.
و فی ج 14 الوافی ص 132. و ج 4 کا بهامش مرآة العقول ص 396: عن سلیمان ابن خالد قال: سألت أبا عبد الله «ع» عن الحر و البرد مما یکونان؟ فأجاب الإمام «ع» بما حاصله: أن المریخ کوکب حار و زحل کوکب بارد فکلما ارتفع المریخ درجة انحط زحل درجة فلذلک یشتد الحر فی الصیف و إذا انعکس الأمر اشتد البرد کما فی الشتاء و شدة البرد فی الصیف أحیانا مستندة الی القمر و شدة الحر فی الشتاء أحیانا مستندة الی الشمس.
حسنة لإبراهیم بن هاشم. الی غیر ذلک من الروایات المذکورة فی الأبواب المتقدمة و غیرها و أکثرها مذکورة فی ج 4 مرآة العقول ص 408- 414.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 253
ارتضاه لغیبة، فلا یجوز لغیره أن یجعلها علامة علی الحوادث.
و من هنا قال الشهید فی محکی قواعده: (و أما ما یقال: من أن استناد الأفعال إلیها کاستناد الإحراق إلی النار، و غیرها من العادیات. الی أن قال: فهذا لا یکفر معتقده، و لکنه مخطئ أیضا).
الثالث: أن ذلک مناف للاخبار المتواترة الواردة فی الحث علی الدعاء و الصدقات و سائر وجوه البر، و الدلالة علی أنها ترد القضاء الذی نزل من السماء، و أبرم إبراما، و أنها ترد البلاء المبرم، و من الواضح جدا أن الالتزام بالوجهین المذکورین إنکار لذلک، و هو مستلزم للکفر من حیث إنه تکذیب النبی (ص)، و لا یفرق فی ذلک بین کون الالتزام بأن أوضاع الکواکب مجرد علامة علی الحوادث، أو مؤثرة فیها و لو بغیر شعور و اختیار نظیر الحرارة و البرودة.
لا یقال: قد ورد فی بعض الأحادیث [1] أنه یکره التزویج فی بعض الإیلام و الساعات لنحوستها کمحاق الشهر، و عند کون القمر فی برج العقرب، فیستفاد من ذلک أن سیر الکواکب و أوضاعها علامة علی بعض الحوادث.
فان ذلک لا ینافی ما قدمناه بعد أن کان المبین له هو الشارع علی ألسنة أمنائه، و قد عرفت دلالة بعض الأخبار علی أن لعلم النجوم حقیقة، و لکن لا یعلم بها غیر علام الغیوب، و من ارتضاه لغیبة.
علی أن ذلک أجنبی عما نحن فیه، فان کراهة التزویج فی تلک الأوقات ککراهة الصلاة فی المواضع المکروهة، و کراهة الجماع فی الأوقات المخصوصة، فلا دلالة فی ذلک علی المطلوب الأمر الخامس: هل یجوز تعلم علم النجوم فی حد ذاته من غیر إذعان بتأثیر الکواکب أم لا؟ نسب الشهید فی محکی الدروس القول بالحرمة الی بعض الأصحاب، و لکن الظاهر
______________________________
[1] فی ج 2 التهذیب باب من الزیادات فی فقه النکاح ص 242. و ج 3 ئل باب 54 کراهة التزویج و القمر فی العقرب من مقدمات النکاح ص 15: عن محمد بن حمران عن أبی عبد اللّه «ع»: من تزوج امرأة و القمر فی العقرب لم یر الحسنی. و عن الصدوق روی أنه یکره التزویج فی محاق الشهر.
و فی ج 2 ئل باب 11 کراهة السفر و القمر فی برج العقرب من آداب السفر ص 181 عن الکلینی و الصدوق و المحاسن عن أبی عبد اللّه «ع» قال: من سافر أو تزوج و القمر فی العقرب لم یر الحسنی.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 254
من بعض الأحادیث [1] هو الجواز إذا کان ذلک لمجرد معرفة سیر الکواکب و أوضاعها الخاصة وفاقا لجمع من الأعاظم رضوان اللّه علیهم. و أما ما یوهم حرمة تعلم النجوم من أحادیث الشیعة «1» و السنة «2» فمحمول علی غیر هذه الصورة و اللّه العالم.

حفظ کتب الضلال

اشارة

قوله السابعة حفظ کتب الضلال حرام فی الجملة بلا خلاف.
أقول: قال الشیخ فی غنائم المبسوط: إذا وجد فی المغنم کتب نظر فیها- الی أن قال-: و إن کانت کتبا لا یحل إمساکه کالکفر و الزندقة و ما أشبه ذلک لا یجوز بیعه. ثم حکم بوجوب تمزیقها و إتلافها، و حکم بکون التوراة و الإنجیل من هذا القبیل، لوقوع التحریف فیهما. و نحوه العلامة فی غنائم التذکرة.
ثم إن المراد بکتب الضلال کل ما وضع لغرض الإضلال و إغواء الناس، و أوجب الضلالة و الغوایة فی الاعتقادات أو الفروع. فیشمل کتب الفحش و الهجو و السخریة، و کتب القصص و الحکایات و الجرائد المشتملة علی الضلالة، و بعض کتب الحکمة و العرفان و السحر و الکهانة و نحوها مما یوجب الإضلال.

و قد استدل علی حرمة الحفظ بوجوه:

الأول: حکم العقل بوجوب قلع مادة الفساد.

و فیه أن مدرک حکمه إن کان هو حسن العدل و قبح الظلم- بدعوی أن قلع مادة الفساد حسن، و حفظها ظلم و هتک للشارع- فیرد علیه أنه لا دلیل علی وجوب دفع الظلم فی جمیع الموارد، و إلا لوجب علی اللّه و علی الأنبیاء و الأوصیاء الممانعة عن الظلم تکوینا، مع أنه تعالی هو الذی أقدر الإنسان علی فعل الخیر و الشر، و هداه السبیل إما شاکرا، و إما کفورا.
______________________________
[1] فی ج 4 مرآة العقول ص 414: عن ابن أبی عمیر إنه قال: کنت أنظر فی النجوم و أعرفها و أعرف الطالع فیدخلنی من ذلک شی‌ء فشکوت ذلک الی أبی الحسن موسی بن جعفر «ع» فقال: إذا وقع فی نفسک شی‌ء فتصدق علی أول مسکین ثم امض فإن اللّه یدفع عنک. حسنة لإبراهیم بن هاشم. و قد تقدم فی روایة عبد الملک بن أعین. و روایة عبد الرحمن بن سیابة ما یدل علی ذلک.
______________________________
(1) راجع المصادر المذکورة و ج 14 البحار ص 145- 156.
(2) راجع ج 8 سنن البیهقی ص 138.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 255
و إن کان مدرک حکمه وجوب الإطاعة و حرمة المعصیة، لأمره تعالی بقلع مادة الفساد فلا دلیل علی ذلک إلا فی موارد خاصة، کما فی کسر الأصنام و الصلبان و سائر هیاکل العبادة. و أما التمسک بروایة تحف العقول فی استفادة کلیة الحکم فسیأتی الکلام فیه.
نعم إذا کان الفساد موجب لوهن الحق و سد بابه، و إحیاء الباطل و تشیید کلمته وجب دفعه، لأهمیة حفظ الشریعة المقدسة، و لکنه أیضا وجوب شرعی فی مورد خاص، فلا یرتبط بحکم العقل بقلع مادة الفساد.

الوجه الثانی: قوله تعالی «1»: (وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ لِیُضِلَّ عَنْ سَبِیلِ اللّٰهِ).

فقد قیل «2» فی تفسیر الآیة: أن یشتری کتابا فیه لهو الحدیث، فتشمل حفظ کتب الضلال أیضا.
و فیه أولا: أن المذموم فی ظاهر الآیة هو اشتراء لهو الحدیث للإضلال، و من الواضح ان هذا المعنی أجنبی عن حفظ کتب الضلال، لعدم العلم بترتب الغایة المحرمة علیه، غایة الأمر احتمال ترتب الإضلال علی الحفظ.
و ثانیا: أنا إذا سلمنا ذلک فالمستفاد من الآیة حرمة اشتراء کتب الضلال، و لا دلالة فیها علی حرمة إبقائها و حفظها بعد الشراء، کما أن التصویر حرام، و أما اقتناؤه فلیس بحرام، و الزناء حرام و تربیة أولاد الزناء لیس بحرام. و قد تقدم ذلک فی البحث عن جواز اقتناء الصور المحرمة.
و ثالثا: أنه قیل «3»: إن الآیة قد نزلت فی النضر بن الحارث بن کلدة، فإنه کان یشتری کتبا فیها احادیث الفرس من حدیث رستم و إسفندیار، و کان یلهی الناس بذلک، و یظرف به لیصدهم عن سماع القرآن و تدبر ما فیه. نظیر الجرائد المعروفة فی هذا الزمان فإنها مشتملة علی الأمور اللاهیة التی تصد الناس عن الحق.
و رابعا: ما ذکره المحقق الایروانی من ان المراد من الاشتراء هو التعاطی، و هو کنایة عن التحدث به، و هذا داخل فی الإضلال عن سبیل اللّه بسبب التحدث بلهو الحدیث و لا إشکال فی حرمة الإضلال، و ذلک غیر ما نحن فیه من إعدام ما یوجب الإضلال.
______________________________
(1) سورة لقمان، آیة: 5.
(2) فی ج 2 تفسیر التبیان ص 429: (وَ مِنَ النّٰاسِ مَنْ یَشْتَرِی لَهْوَ الْحَدِیثِ): أی یستبدل لهو الحدیث، قیل فی معناه قولان: أحدهما: أن یشتری کتابا فیه لهو الحدیث.
الثانی: انه یشتری لهو الحدیث عن الحدیث.
(3) راجع الموضع المزبور من التبیان.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 256

الوجه الثالث: قوله تعالی «1»: (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ).

و فیه ان قول الزور قد فسر بالکذب [1]. و سیأتی فی مبحث حرمة الغناء تفسیر قول الزور بالغناء فی جملة من الروایات، و لا منافاة بین التفسیرین، فان کلا منهما لبیان المصداق، و قد ذکرنا فی مبحث التفسیر ان القرآن لا یختص بطائفة، و لا بمصداق و إلا لنفد بنفاد تلک الطائفة و انعدم ذلک المصداق، بل القرآن یجری مجری الشمس و القمر، کما فی عدة من الروایات، و قد ذکرنا جملة منها فی مقدمات التفسیر، و جمعها فی مشکاة الأنوار المعروف بمقدمة تفسیر البرهان، و کیف کان فالآیة غریبة عما نحن فیه.
لا یقال: إن الآیة تدل علی إعدام کتب الضلال، لکونها من أظهر مصادیق الکذب بل فی کذب علی اللّه و رسوله.
فإنه یقال: غایة ما یستفاد من الآیة وجوب الاجتناب عن التکلم بالکذب، و أما إعدامه فلا، و إلا لوجب إعدام جمیع ما فیه کذب کأکثر التواریخ و نحوها، و لم یلتزم به احد من المحصلین فضلا عن الفقهاء.

الوجه الرابع: ان جملة من فقرات روایة تحف العقول تدل علی حرمة حفظ کتب الضلال:

منها قوله «ع»: (إنما حرم اللّه الصناعة التی یجی‌ء منها الفساد محضا) بدعوی أن مفهوم الحصر یقتضی حرمة الصناعة المحرمة بجمیع منافعها، و منها الحفظ.
و فیه ان حرمة الصناعة لا تلازم حرمة إبقاء المصنوع کما تقدم فی مبحث إبقاء الصور المحرمة، فغایة ما تدل علیه الروایة ان تألیف کتب الضلال أو استنساخها من المحرمات، لصدق الصناعة علیهما، و لا تدل علی حرمة الإبقاء.
و منها قوله «ع»: (و ما یکون منه و فیه الفساد محضا- الی قوله «ع»- و جمیع التقلب فیه من جمیع وجوه الحرکات کلها). و فیه ان صدق التقلب علی الحفظ ممنوع خصوصا إذا کان غرض الحافظ عدم وقوع کتب الضلال فی أیدی الناس لتوجب إضلالهم.
و منها قوله «ع»: (أو یقوی به الکفر و الشرک فی جمیع وجوه المعاصی أو باب یوهن به الحق فهو حرام محرم بیعه و شراؤه و إمساکه).
و فیه ان الکبری و ان کانت مسلمة، و لکن للمناقشة فی الصغری مجالا واسعا، لمنع کون الحفظ تقویة للکفر و اهانة للحق، کما هو واضح، الا ان یکون بهذا الداعی.
______________________________
[1] فی ج 2 تفسیر التبیان ص 304: (و اجتنبوا قول الزور): یعنی الکذب، و روی أصحابنا انه یدخل فیه الغناء و سائر الأقوال الملهیة.
______________________________
(1) سورة الحج، آیة: 31.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 257
و یضاف الی جمیع ما ذکرناه من الأجوبة أنها ضعیفة السند و غیر منجبرة بشی‌ء کما تقدم، فلا تصلح أن تکون مستندا لشی‌ء من الأحکام الشرعیة.

الوجه الخامس: حسنة عبد الملک بن أعین التی تقدمت فی مبحث التنجیم،

حیث سأل عن ابتلائه بالنجوم (فقال لی: تقضی؟ قلت: نعم، قال: أحرق کتبت).
و فیه أن مقتضی التفصیل فیها القاطع للشرکة هو جواز الحفظ مع عدم الحکم.

الوجه السادس: الإجماع.

و فیه أولا: أنا لا نسلم تحققه علی المطلوب، و لذا قال فی الحدائق، ما حاصله: أنه لا دلیل علی حفظ کتب الضلال. و أما الوجوه التی أقاموها علی حرمته فهی تخمینیة اعتباریة لا یجوز الاعتماد علیها فی الأحکام الشرعیة.
و ثانیا: لو سلمنا تحققه علی المطلوب فلیس إجماعا تعبدیا، لاحتمال استناده الی الوجوه المذکورة فی المسألة. و لو سلمنا جمیع ذلک فالمتیقن من الإجماع ما یترتب علیه الإضلال خارجا، و لا ریب أن حرمة إضلال الناس عن الحق من الضروریات بین المسلمین، فلا یحتاج فی إثباتها إلی الإجماع.
ثم لو سلمنا حرمة حفظ کتب الضلال فإنه لا بأس بحفظها لردها، أو إظهار ما فیها من العقائد الخرافیة و القصص المضحکة و الأحکام الواهیة، و مما ذکرناه ظهر حکم المعاملة علیها وضعا و تکلیفا، و کذلک ظهر حکم کتب المخالفین المدونة فی الفقه و العقائد و الأخبار و غیرها.

حرمة حلق اللحیة

اشارة

و لا بأس بالتعرض لحرمة حلق اللحیة إجابة لالتماس بعض الأفاضل. فنقول: المشهور بل المجمع علیه بین الشیعة و السنة [1] هو حرمة حلق اللحیة،

و قد استدل علیها بوجوه:

اشارة

______________________________
[1] فی ج 2 فقه المذاهب ص 45: الحنفیة قالوا: یحرم حلق لحیة الرجل، و یسن ألا تزید فی طولها علی القبضة. المالکیة قالوا: یحرم حلق اللحیة. و فی ص 46 الحنابلة قالوا یحرم حلق اللحیة. و فی ص 44 الشافعیة قالوا: أما اللحیة. فإنه یکره حلقها و المبالغة فی قصها و فی ج 1 سنن البیهقی ص 52 باب سنة المضمضة عن عائشة قالت: قال رسول اللّه (ص) عشر من الفطرة قص الشوارب و إعفاء اللحیة، الحدیث.
و فی ص 149: عن ابن عمر عن النبی (ص) قال: أعفوا اللحی و أحفوا الشوارب و فی ص 150 عنه (ص): جزوا الشوارب و أرخوا اللحی و خالفوا المجوس.
و فی ج 7 سنن البیهقی ص 311 عن النبی (ص) نهی عن نتف الشیب و قال: إنه من نور الإسلام. و عنه (ص): لا ننزعوا الشیب، الحدیث.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 258

الوجه الأول: قوله تعالی «1» فی التحدث عن قول الشیطان: (وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ).

بدعوی أن حلق اللحیة من تغییر الخلقة، و کل ما یکون تغییرا لها فهو حرام.
و فیه أنه إن کان المراد بالتغییر فی الآیة المبارکة تغییرا خاصا فلا شبهة فی حرمته علی إجماله، و لکن لا دلیل علی کون المراد به ما یعم حلق اللحیة، و إن کان المراد به مطلق التغییر فالکبری ممنوعة، ضرورة عدم الدلیل علی حرمة تغییر الخلقة علی وجه الإطلاق، و إلا لزم القول بحرمة التصرف فی مصنوعاته تعالی حتی بمثل جری الأنهار و غرس الأشجار و حفر الآبار و قطع الأخشاب و قلم الأظفار و غیرها من التغییرات فی مخلوقاته سبحانه.
و الظاهر أن المراد به تغییر دین اللّه الذی فطر الناس علیها وفاقا للشیخ الطوسی (ره) فی تفسیره [1]. و یدل علیه قوله تعالی «2»: (فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِی فَطَرَ النّٰاسَ عَلَیْهٰا لٰا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ ذٰلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ). و قد نقل الشیخ (ره) فی تفسیر الآیة أقوالا شتی، و لیس منها ما یعم حلق اللحیة.

الوجه الثانی: ما فی جملة من الروایات [2] من الأمر بإعفاء اللحی و حف الشوارب، و النهی عن التشبه بالیهود و المجوس.

______________________________
[1] فی ج 1 تفسیر التبیان ص 471 و قوله تعالی: (وَ لَآمُرَنَّهُمْ فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ).
اختلفوا فی معناه، فعن ابن عباس فلیغیرن دین اللّه، و روی ذلک عن أبی جعفر و أبی عبد اللّه علیهما السلام. و قال مجاهد: کذب عکرمة فی قوله: إنه الإخصاء، و إنما هو تغییر دین اللّه الذی فطر الناس علیه فی قوله: فِطْرَتَ اللّٰهِ الَّتِی فَطَرَ النّٰاسَ عَلَیْهٰا لٰا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللّٰهِ ذٰلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ. و قال قوم: هو الوشم. و قال عبد اللّه: لعن اللّه الواشمات و الموتشمات و المتفلجات المتغیرات خلق اللّه.
و أقوی الأقوال قول من قال: فَلَیُغَیِّرُنَّ خَلْقَ اللّٰهِ، بمعنی دین اللّه، بدلالة قوله: فِطْرَتَ اللّٰهِ، الآیة. و یدخل فی ذلک جمیع ما قاله المفسرون، لأنه إذا کان ذلک خلاف الدین فالآیة تتناوله، انتهی کلامه بأدنی تفاوت.
[2] فی ج 1 ئل باب 67 عدم جواز حلق اللحیة من آداب الحمام ص 80. و ج 4 الوافی باب جز اللحیة ص 99: عن الصدوق قال: قال رسول اللّه (ص): حفوا الشوارب و أعفوا اللحی و لا تتشبهوا بالیهود. مرسلة.
قال: و قال رسول اللّه (ص): إن المجوس جزوا لحاهم و وفروا شواربهم و أما نحن نجز الشوارب و نعفی اللحی و هی الفطرة. مرسلة.
و فی الباب المزبور من ئل عن معانی الأخبار بإسناده عن علی بن غراب عن جعفر بن محمد عن أبیه عن جده قال: قال رسول اللّه (ص): حفوا الشوارب و أعفوا اللحی و لا تشبهوا بالمجوس. ضعیفة للحسین بن إبراهیم و موسی بن عمران النخعی و الحسین بن یزید و علی ابن غراب.
______________________________
(1) سورة النساء، آیة: 118.
(2) سورة الروم، آیة: 29.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 259
و فیه أولا: أنها ضعیفة السند. و ثانیا: أنها لا تدل علی الوجوب، فان من الواضح جدا أن إعفاء اللحی لیس واجبا، بل الزائد عن القبضة الواحدة مذموم. نعم غایة الأمر أنه یستفاد منها الاستحباب. أقول: الظاهر أن الأمر بالإعفاء عقیب الإحفاء ثم النهی عن التشبه بالیهود ما ذکره المحدث القاسانی «ره» بعد نقل الحدیث من أن (الیهود لا یأخذون من لحاهم، بل یطیلونها، فذکر الإعفاء عقیب الإحفاء ثم النهی عن التشبه بالیهود دلیل علی أن المراد بالاعفاء أن لا یستأصل و یؤخذ منها من دون استقصاء، بل مع توفیر و إبقاء بحیث لا یتجاوز القبضة فتستحق النار). و علی هذا فلا دلالة فی ذلک علی حرمة حلق اللحیة، لأن المأمور به حینئذ هو الاعفاء و إبقاء اللحیة بما لا یزید علی القبضة، و هو لیس بواجب قطعا.
و أما النهی عن التشبه بالمجوس عقیب الاعفاء و الإحفاء فالمراد به أن لا تحلق اللحیة، و تترک الشوارب، کما یصنعون (قال رسول اللّه: إن المجوس جزوا الحاهم و وفروا شواربهم و أما نحن نجز الشوارب و نعفی اللحی و هی الفطرة) و علیه فلا یدل هذا النهی علی حرمة حلق اللحیة و ترک الشوارب معا، فان نفی التشبه یحصل بفعل أی منهما.
و أما ما یقال: من أن الروایات لا تدل علی وجوب الاعفاء: لاشتمالها علی قص الشوارب، و هو مستحب اتفاقا.
ففیه أن ظهور الأمر فی الوجوب إنما ترفع الید عنه بمقدار ما ثبت فیه الترخیص، و قد حققنا ذلک فی موضعه.

الوجه الثالث: روایة الجعفریات [1] الدالة علی أن حلق اللحیة من المثلة، و من مثل فعلیه لعنة اللّه.

و فیه أولا: أنها مجهولة السند. و ثانیا: أن المثلة هو التنکیل بالغیر بقصد هتکه و إهانته
______________________________
[1] فی ج 1 المستدرک ص 59 عن علی «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): حلق اللحیة من المثلة و من مثل فعلیه لعنة اللّه. مجهولة لموسی بن إسماعیل.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 260
بحیث تظهر آثار فعل الفاعل بالمنکل به، و علیه فتکون الروایة دالة علی حرمة هتک الغیر بإزالة لحیته، لکون ذلک مثلة و المثلة محرمة، فلا ترتبط بحلق اللحیة بالاختیار، سواء أ کان ذلک بمباشرة نفسه أم بمباشرة غیره.
و ثالثا: أن اللعن کما یجتمع مع الحرمة فکذلک یجتمع مع الکراهة أیضا، فترجیح أحدهما علی الآخر یحتاج إلی القرینة المعینة. و یدل علی هذا ورود اللعن علی فعل المکروه فی موارد عدیدة، و قد تقدمت فی مسألة الوصل و النمص «1» و من تلک الموارد ما فی وصیة النبی «ص» لعلی «ع» (قال: یا علی لعن الله ثلاثة: آکل زاده وحده و راکب الفلاة وحده و النائم فی بیت وحده).
و من ذلک یظهر بطلان الفرق بین اللعن المطلق و بین کون اللعن من الله أو من رسوله بتوهم أن الأول یجتمع مع الکراهة، لکونه ظاهرا فی العبد المطلق، بخلاف الثانی، فإنه یختص بالحرمة، لکونه ظاهرا فی إنشاء الحرمة. اللهم إلا أن یقال: إن الروایة المذکورة ضعیفة السند، و لم نجد فی غیرها ورود اللعن من الله علی فعل المکروه، و علیه فلا بأس فی ظهور ذلک فی الحرمة.

الوجه الرابع: ما دل [1] علی عدم جواز السلوک مسلک أعداء الدین.

و من شعارهم حلق اللحیة.
و فیه أولا: أنه ضعیف السند. و ثانیا: أن السلوک مسلک أعداء الدین عبارة عن اتخاذ سیرتهم شعارا و زیا، و هذا لا یتحقق بمجرد الاتصاف بوصف من أوصافهم.

الوجه الخامس: قوله ص «2» لرسولی کسری (ویلکما من أمرکما بهذا؟

قالا: أمرنا بهذا ربنا یعنیان کسری فقال رسول الله (ص): (لکن ربی أمرنی بإعفاء لحیتی و قص شواربی).
و فیه أولا: أن الروایة ضعیفة السند. و ثانیا: ما تقدم من أن المأمور به إنما هو الإعفاء و هو لیس بواجب قطعا.
______________________________
[1] فی ج 1 ئل باب 19 کراهة لبس السواد من لباس المصلی ص 266: عن الفقیه بإسناده عن الصادق «ع» إنه قال: أوحی الله الی نبی من أنبیائه: قل للمؤمنین لا تلبسوا لباس أعدائی و لا تطعموا مطاعم أعدائی و لا تسلکوا مسالک أعدائی فتکونوا أعدائی کما کما هم أعدائی. ضعیفة للنوفلی.
______________________________
(1) ص 204.
(2) راجع ج 1 المستدرک ص 59.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 261

الوجه السادس: قوله «ع» [1]: (أقوام حلقوا اللحی و فتلوا الشوارب فمسخوا).

و فیه أن الروایة و إن کانت ظاهرة فی الحرمة، إلا أنها ضعیفة السند.
الوجه السابع: و هو العمدة صحیحة البزنطی [2] الدلالة علی حرمة حلق اللحیة و أخذها و لو بالنتف و نحوه. و تدل علی ذلک أیضا السیرة القطعیة بین المتدینین المتصلة إلی زمان النبی (ص)، فإنهم ملتزمون بحفظ اللحیة، و یذمون حالقها، بل یعاملونه معاملة الفساق فی الأمور التی تعتبر فیها العدالة. و یؤید ما ذکرناه دعوی الإجماع علیه، کما فی کلمات جملة من الأعلام، و عدم نقلهم الخلاف فی المقام من الشیعة و السنة، کما هو کذلک و اللّه العالم.
______________________________
[1] فی ج 1 کا بهامش مرآة العقول باب ما یفصل به بین دعوی المحق و المبطل فی أمر الإمامة ص 254. و ج 2 الوافی ص 33. و ج 1 ئل باب 56 عدم جواز حلق اللحیة من آداب الحمام ص 80 عن حبابة الوالبیة قالت: رأیت أمیر المؤمنین «ع» فی شرطة الخمیس و معه درة لها سبابتان یضرب بها بیاعی الجری و المارماهی و الزمار و یقول لهم: یا بیاعی مسوخ بنی إسرائیل و جند بنی مروان، فقام إلیه فرات بن أحنف فقال: یا أمیر المؤمنین و ما جند بنی مروان؟ قال فقال له: أقوام حلقوا اللحی و فتلوا الشوارب فمسخوا إلخ.
مجهولة لمحمد بن إسماعیل و عبد اللّه بن أیوب و عبد اللّه بن هاشم و غیرهم.
قال فی مرآة العقول: الوالبیة نسبة الی والبة موضع بالبادیة من الیمن. و فی النهایة:
الشرطة أول طائفة من الجیش تشهد الواقعة. و الخمیس و منهم من یشدد و لعله تصحیف الجیش سمی به لأنه مقسوم بخمسة أقسام: المقدمة و الساقة و المیمنة و المیسرة و القلب.
و قیل: لأنه تخمس فیه الغنائم، انتهی.
و الدرة بکسر الدال و تشدید الراء السوط. و السبابة بالتخفیف رأس السوط.
و الجری بکسر الجیم و تشدید الراء و الیاء نوع من السمک لا فلوس له، و کذا المارماهی بفتح الراء، و کذا الزمار بکسر الزاء و تشدید المیم.
و المسوخ بضم المیم و السین جمع المسخ بالفتح و إنما سموا بالمسوخ، لکونها علی خلقتها، و لیست من أولادها، لأنهم ماتوا بعد ثلاثة أیام کما ورد فی الخبر. و جند بنی مروان قوم کانوا فی الأمم السالفة. انتهی کلام المجلسی.
[2] فی ج 1 ئل باب 52 استحباب تخفیف اللحیة من آداب الحمام ص 80 عن محمد بن إدریس فی آخر السرائر نقلا عن جامع البزنطی صاحب الرضا «ع» قال: و سألته عن الرجل هل یصلح له أن یأخذ من لحیته؟ قال: أما من عارضیة فلا بأس و أما من مقدمها فلا.
صحیحة. و رواها علی بن جعفر فی کتابه، إلا أنه قال فی آخرها: فلا یأخذ.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 262
و موضوع حرمة حلق اللحیة هو إعدامها، و علیه فلا یفرق فی ذلک بین الحلق و النتف و غیرهما مما یوجب إزالة الشعر عن اللحیة. أما مقدار اللحیة فی جانب الفلة فلم یرد فی تحدیده نص خاص، فالمدار فی ذلک هو الصدق العرفی، و علی هذا فإذا أخذت بمثل المکینة و المقراض أو غیرهما- بحیث لم تصدق اللحیة علی الباقی- کان حراما.

موضوع الرشوة و حقیقتها

اشارة

قوله الثامنة الرشوة حرام.
أقول: لم نجد نصا من طرق الخاصة و من طرق العامة یحقق موضوع الرشوة، و یبیّن حقیقتها، غیر أنه ورد فی بعض الروایات أنها تکون فی الأحکام، و لکنها لم توضح أن الرشوة هل هی بذل المال علی مطلق الحکم، أو علی الحکم بالباطل؟ بل لا یفهم منها الاختصاص بالأحکام، و إلا لما صح إطلاقها فی غیرها.
و کیف کان فلا بد فی تحقیق مفهومها من الرجوع الی العرف و اللغة و کلمات الأصحاب.
ففی المستند «1» أن مقتضی کلام الأکثر و المتفاهم فی العرف أن الرشوة عامة لکل ما یدفع من المال للحاکم، سواء أ کان لحق أم کان لباطل، و حکی ذلک عن تصریح والده، ثم قال و هو الظاهر من القاموس و الکنز و مجمع البحرین.
و یدل علیه استعمالها فیما أعطی للحق فی الصحیح عن رجل یرشو الرجل علی أن یتحول عن منزله فیسکنه غیره؟ قال: لا بأس فإن الأصل فی الاستعمال إذا لم یعلم الاستعمال فی غیره الحقیقة، کما حقق فی موضعه. انتهی ملخص کلامه، و سنذکر الروایة فی البحث عن حکم الرشوة فی غیر الاحکام و عن حاشیة الإرشاد إن الرشوة ما یبذله المتحاکمان. و فی کلمات جماعة ان الرشوة ما یبذله المحقق لیحکم له بحق بحیث لو لم یبذله لأبطل حقه، و لحکم علیه بالباطل، الی غیر ذلک من کلمات الأصحاب بمضامین مختلفة.
و المتحصل من کلمات الفقهاء رضوان اللّه علیهم، و من أهل العرف و اللغة [1] مع ضم
______________________________
[1] فی مجمع البحرین: رشا، فی الحدیث لعن رسول اللّه (ص) الراشی و المرتشی و الرائش: یعنی المعطی للرشوة و الآخذ لها و الساعی بینهما یزید لهذا و ینقص لهذا و هو الرائش. و الرشوة بالکسر ما یعطیه الشخص الحاکم و غیره لیحکم له أو یحمله علی ما یرید و قل ما تستعمل إلا فیما یتوصل به الی إبطال حق أو تمشیة باطل.
و کذلک ما عن المصباح. و فی القاموس: الرشوة مثلثة الجعل ج رشی «بالفتح»
______________________________
(1) ج 2 ص 526.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 263
بعضها الی بعض أن الرشوة ما یعطیه أحد الشخصین للآخر لإحقاق حق أو تمشیة باطل أو للتملق، أو الوصلة إلی الحاجة بالمصانعة، أو فی عمل لا یقابل بالأجرة و الجعل عند العرف و العقلاء و إن کان محطا لغرضهم و موردا لنظرهم.
بل یفعلون ذلک العمل للتعاون و التعاضد فیما بینهم، کإحقاق الحق، و إبطال الباطل، و ترک الظلم و الإیذاء أو دفعهما، و تسلیم الأوقاف- من المدارس و المساجد و المعابد و نحوها- الی غیره، کأن یرشو الرجل علی ان یتحوله عن منزله فیسکنه غیره، أو یتحوله عن مکان فی المساجد فیجلس فیه غیره، الی غیر ذلک من الموارد التی لم یتعارف أخذ الأجرة علیها.
نعم ما ذکره فی القاموس من تفسیر الرشوة بمطلق الجعل محمول علی التفسیر بالأعم، کما هو شأن اللغوی أحیانا، و إلا لشمل الجعل فی مثل قول القائل: من رد عبدی فله ألف درهم، مع انه لا یقول به أحد.

حرمة الرشوة

ما حکم الرشوة؟ الظاهر بل الواقع لا خلاف بین الشیعة و السنة [1] فی الجملة للآخذ و المعطی، بل عن جامع المقاصد أجمع أهل الإسلام علی تحریم الرشا فی الحکم، سواء أ کان الحکم لحق أم لباطل، و سواء أ کان للباذل أم علیه. و فی تجارة المسالک علی تحریمه إجماع المسلمین.
و تدل علی حرمتها فی الجملة الروایات المتظافرة «و سنذکرها فی الحاشیة». و قوله تعالی «1»: (وَ لٰا تَأْکُلُوا أَمْوٰالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْبٰاطِلِ وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَی الْحُکّٰامِ لِتَأْکُلُوا فَرِیقاً مِنْ أَمْوٰالِ النّٰاسِ بِالْإِثْمِ).
______________________________
و رشی «بالکسر». و فی المنجد: الرشوة مثلثة ما یعطی لإبطال حق أو إحقاق باطل. و فی أقرب الموارد: رشاه مراشاة صانعه، و الرشوة مثلثة ما یعطی لإبطال حق أو إحقاق باطل، و ما یعطی للتملق.
و عن النهایة: الرشوة الوصلة إلی الحاجة بالمصانعة، فالراشی الذی یعطی ما یعینه، فاما ما یعطی توصلا إلی أخذ حق أو دفع ظلم فغیر داخل فیه.
[1] فی ج 10 سنن البیهقی ص 139: عن عبد اللّه بن عمر قال: لعن رسول اللّه (ص) الراشی و المرتشی. و فی حدیث آخر عن السحت فقال: الرشا.
و فی ج 5 شرح فتح القدیر ص 467: یحرم قبول الهدیة عند الخصوصیة.
______________________________
(1) سورة البقرة، آیة: 184.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 264
و وجه الدلالة انه تعالی نهی عن الأدلاء بالمال الی الحکام لإبطال الحق و إقامة الباطل حتی یأکلوا بذلک فریقا من أموال الناس بالإثم و العدوان. و هذا هو معنی الرشوة، و إذا حرم الإعطاء حرم الأخذ أیضا، للملازمة بینهما.
لا یقال: إن الآیة إنما نزلت فی خصوص أموال الیتامی و الودیعة و المال المتنازع فیه، و قد نهی اللّه تعالی فیها عن إعطاء مقدار من تلک الأموال للقضاء و الحکام لأکل البقیة بالإثم و العدوان، و علی هذا فهی أجنبیة عن الرشوة.
فإنه یقال: نعم قد فسرت الآیة الشریفة بکل واحد من الأمور المذکورة [1] إلا أن هذه التفاسیر من قبیل بیان المصداق، و القرآن لا یختص بطائفة، و لا بمصداق، بل یجری کجری الشمس و القمر، کما دلت علیه جملة من الروایات، و قد ذکرناها فی مقدمة التفسیر علی أن فی مجمع البحرین عن الصحاح إن قوله تعالی: (وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَی الْحُکّٰامِ) یعنی الرشوة و قد یتوهم ان الآیة لیست لها تعرض لحکم الرشوة، فإن قوله تعالی: (وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَی الْحُکّٰامِ) ظاهر فی ان المحرم هو الأدلاء بأموال الناس الی الحکام لیستعین بهؤلاء علی أکل فریق آخر من أموال الناس بالإثم، و من المعلوم ان الرشوة هی ما یعطیها الراشی من مال نفسه لإبطال حق أو إحقاق باطل.
و فیه أولا: ان الرشوة فی العرف و اللغة أعم من ذلک، کما تقدم، فلا وجه للتخصیص بقسم خاص.
و ثانیا: انه لا ظهور فی الآیة المبارکة فی کون المدفوع الی الحکام مال الغیر، بل هی أعم من ذلک، أو ظاهرة فی کون المدفوع مال المعطی. و مجمل القول ان حرمة الرشوة فی الجملة من ضروریات الدین، و مما قام علیه إجماع المسلمین، فلا حاجة الی الاستدلال علیها.
ثم ان تفصیل الکلام فی أحکام الرشوة ان القاضی قد یأخذ الرشوة من شخص لیحکم له بالباطل مع العلم ببطلان، الحکم، و قد یأخذها لیحکم للباذل مع جهله، سواء طابق حکمه الواقع أم لم یطابق، و قد یأخذها لیحکم له بالحق مع العلم و الهدی من اللّه تعالی.
اما الصورتان الأولیان فلا شبهة فی حرمتهما، فان الحکم بالباطل، و الإفتاء و القضاء مع الجهل بالمطابقة للواقع محرمان بضرورة الدین و إجماع المسلمین، بل هما من الجرائم
______________________________
[1] فی ج 1 تفسیر التبیان ص 208 قوله تعالی: (وَ تُدْلُوا بِهٰا إِلَی الْحُکّٰامِ). و قیل فی معناه قولان: أحدهما: قال ابن عباس و الحسن و قتادة: إنه الودیعة و ما تقوم به بینة.
الثانی: قال الجبائی فی مال الیتیم الذی فی ید الأوصیاء.
و فی مجمع البحرین عن الصحاح (و تدلوا بها الی الحکام): یعنی الرشوة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 265
الموبقة و الکبائر المهلکة.
و یدل علی حرمتها أیضا العقل و الکتاب [1] و السنة [2].
و علی هذا فمقتضی القاعدة حرمة الرشوة فی کلتا الصورتین لما عرفت فی أوائل الکتاب من حرمة المعاملة علی الأعمال المحرمة وضعا و تکلیفا، علی أن الروایات من الشیعة [3]
________________________________________
خویی، سید ابو القاسم موسوی، مصباح الفقاهة (المکاسب)، 7 جلد، ه ق

مصباح الفقاهة (المکاسب)؛ ج‌1، ص: 265
______________________________
[1] فی سورة المائدة، آیة: 48، قوله تعالی: (وَ مَنْ لَمْ یَحْکُمْ بِمٰا أَنْزَلَ اللّٰهُ فَأُولٰئِکَ هُمُ الْکٰافِرُونَ).
و فی سورة الانعام آیة: 116 قوله تعالی (إِنْ یَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَ إِنْ هُمْ إِلّٰا یَخْرُصُونَ) و فی سورة یونس، آیة: 37. و سورة النجم، آیة: 29 قوله تعالی (إِنَّ الظَّنَّ لٰا یُغْنِی مِنَ الْحَقِّ شَیْئاً).
و فی سورة یونس أیضا آیة: 60 قوله تعالی (قُلْ آللّٰهُ أَذِنَ لَکُمْ أَمْ عَلَی اللّٰهِ تَفْتَرُونَ).
و فی سورة بنی إسرائیل آیة: 38 قوله تعالی (وَ لٰا تَقْفُ مٰا لَیْسَ لَکَ بِهِ عِلْمٌ).
[2] راجع ج 3 ئل باب 6 عدم جواز القضاء بالرأی من أبواب صفات القاضی، و ج 2 کا ص 357. و ج 9 الوافی باب خطر الحکومة ص 132. و ج 1 الوافی باب النهی عن القول بغیر علم ص 48. و ج 3 المستدرک باب 6 عدم جواز القضاء بالرأی من صفات القاضی ص 175. و ج 10 سنن البیهقی ص 116.
[3] فی ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به ص 538: عن الصدوق فی وصیة النبی (ص) قال: یا علی من السحت ثمن المیتة و الرشوة فی الحکم. أقول: رجال سند هذه الوصیة مجاهیل لا طریق الی الحکم بصحتها و اعتبارها من جهته.
و عن الخصال بإسناده عن عمار بن مروان قال: قال أبو عبد اللّه «ع»: و أما الرشا یا عمار فی الاحکام فان ذلک الکفر باللّه العظیم و برسوله (ص). صحیحة.
و عن الطبرسی فی مجمع البیان عن النبی (ص): إن السحت هو الرشوة فی الحکم و عن أبی عبد اللّه- الی أن قال- فأما الرشا فی الحکم فهو الکفر باللّه. مرسلة.
و فی الباب 32 المذکور من ئل. و ج 1 کا باب 42 السحت من المعیشة ص 343.
و ج 10 الوافی ص 42 عن أبی عبد اللّه «ع»: فأما الرشا فی الحکم فهو الکفر باللّه العظیم جل اسمه و برسوله. ضعیفة لسهل. و رواها الشیخ فی ج 2 التهذیب ص 110 بسند صحیح و فی ج 2 التهذیب ص 69. و ج 2 کا باب 5 من القضاء ص 358. و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القضاء ص 396: عن سماعة عن أبی عبد اللّه «ع» قال: الرشا فی الحکم هو الکفر باللّه. موثقة لزوجة و سماعة.
الی غیر ذلک من الروایات المذکورة فی المصادر المتقدمة.
و ج 2 المستدرک باب 5 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به ص 426. و ج 23 البحار ص 17. و غیر ذلک من المواضع.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 266
و السنة [1] قد أطبقت علی حرمة الرشاء فی الحکم.
و أما الصورة الثالثة فمقتضی القاعدة فیها جواز أخذ المال علی القضاء و الإفتاء، فإن عمل المسلم محترم فلا یذهب هدرا، و أما الآیة المتقدمة فلا تشمل المقام، لاختصاصها بالحکم بالباطل کما عرفت. نعم الحرمة فیها هی مقتضی إطلاق الروایات المتقدمة الدالة علی ذلک، و هذا المعنی هو الذی تقتضیه مناسبة الحکم و الموضوع، فان القضاء من المناصب الإلهیة التی جعلها اللّه للرسول، فلا ینبغی لمن یتفضل علیه اللّه بهذا المنصب الرفیع أن یأخذ علیه الأجرة.
و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه ففی الروایات الدالة علی حرمة أخذ الأجرة علی القضاء غنی و کفایة «و سنتعرض لهذه الروایات فی البحث عن حکم أخذ الأجرة علی القضاء» إذ الظاهر من الأجرة فیها الجعل المأخوذ للقضاء دون الأجر المقرر من قبل السلطان و لو کان جائزا، فإنه لا شبهة فی جواز أخذه إذا کان الدخول فیه بوجه محلل کعلی بن یقطین و النجاشی و أمثالهما.
لا یقال: إن الرشوة فی اللغة ما یؤخذ لإبطال حق أو إحقاق باطل، فلا تصدق علی ما یؤخذ للقضاء بما یحق.
فإنه یقال: إن مفهوم الرشوة أعم من ذلک کما عرفت، فلا وجه للحصر، و تقیید المطلقات. علی أن الأمور التی یکون وضعها علی المجانیة فإن أخذ الأجرة علیها بعد رشوة فی نظر العرف، و من هذا القبیل القضاوة و الإفتاء. نعم لو فرضنا قصور الأدلة المتقدمة عن إثبات الحرمة کان مقتضی أصالة الحل هو الإباحة، بل و هو مقتضی عمومات صحة المعاملات، کأوفوا بالعقود، و تجارة عن تراض، و أحل اللّه البیع، و غیرها.
قوله و ظاهر روایة حمزة بن حمران.
أقول: ربما یقال بجواز أخذ الأجرة علی القضاوة الحقة، لقوله «ع» فی روایة حمزة بن حمران [2] عن المستأکلین بعلمهم: إنما
______________________________
[1] فی ج 10 سنن البیهقی ص 139 فی جملة من الأحادیث: إن الرشا فی الحکم هو الکفر.
[2] فی ج 3 ئل باب 11 وجوب الرجوع فی القضاء الی رواة الحدیث من أبواب صفات القاضی ص 385. و ج 1 الوافی باب المستأکل بعلمه ص 52: عن معانی
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 267
ذلک الذی یفتی الناس بغیر علم، و لا هدی من اللّه لیبطل به الحقوق طمعا فی حطام الدنیا، فان الظاهر منها حصر الاستیکال المذموم فیما کان لأجل الحکم بالباطل، أو مع عدم معرفة الحق، فیجوز الاستیکال مع العلم بالحق.
و قد یدعی کون الحصر إضافیا بالنسبة إلی الفرد الذی ذکره السائل، فلا یدل إلا علی عدم الذم علی هذا الفرد المخصوص دون سائر الأفراد التی لا تدخل فی الحصر إلا أن هذه الدعوی خلاف الظاهر.
و فیه أولا: أن الروایة ضعیفة السند. و ثانیا: أنها مسوقة لدفع توهم السائل أن من تحمل علوم الأئمة و بثها فی شیعتهم و وصل الیه منهم البر و الإحسان بغیر مطالبة کان من المستأکلین بعلمه. فأجاب الإمام «ع» بأن هذا لیس من الاستیکال المذموم، و إنما المستأکلون الذین یفتون بغیر علم لإبطال الحقوق. و علی هذا فمفهوم الحصر هو العقد السلبی المذکور فی الروایة صریحا و لیس فیها تعرض لأخذ الأجرة علی الحکم بالحق، لا مفهوما و لا منطوقا.
و أما ما ذکره أخیرا من کون الحصر لیس إضافیا فهو متین، و لکن لا من جهة کونه خلاف الظاهر، بل من جهة أنه لا معنی للحصر الإضافی فی قبال الحصر الحقیقی، غایة الأمر أن دائرة الحصر تختلف سعة و ضیقا، و قد تقدم ذلک فی أول الکتاب «1».
و قال العلامة فی المختلف «2»: (إن تعین القضاء علیه- إما بتعیین الامام «ع» أو بعقد غیره، أو بکونه الأفضل، و کان متمکنا- لم یجز الأجر علیه. و إن لم یتعین- أو کان محتاجا- فالأقرب الکراهة. لنا الأصل الإباحة علی التقدیر الثانی، و لأنه فعل لا یجب علیه فجاز أخذ الأجر علیه. أما مع التعیین فلأنه یؤدی واجبا، فلا یجوز أخذ الأجرة علیه کغیره من العبادات الواجبة).
و فیه أنه لا وجه لذکر هذا التفصیل فی المقام، فإن حرمة الأجرة علی القضاء لکونه واجبا عینیا أو کفائیا من صغریات البحث عن أخذ الأجرة علی الواجب الذی سیأتی الکلام فیه. و کلامنا هنا فی حکم أخذ الرشوة علی القضاء من حیث هی رشوة، لا عن جهات
______________________________
الاخبار عن ابن حمران قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» یقول: من استأکل بعلمه افتقر، قلت إن فی شیعتک قوما یتحملون علومکم و یبثونها فی شیعتکم فلا یعدمون منهم البر و الصلة و الإکرام؟ فقال: لیس أولئک بمستأکلین إنما ذلک الذی یفتی بغیر علم و لا هدی من اللّه لیبطل به الحقوق طمعا فی حطام الدنیا. ضعیفة لمحمد بن سنان و تمیم بن بهلول و أبیه.
______________________________
(1) ص 9.
(2) ج 2 ص 164.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 268
أخر، و علیه فمقتضی الإطلاقات الدالة علی حرمة أخذ الأجرة علی الحکم هو عدم الفرق بین صورتی الاحتیاج إلی أخذ الأجرة و الانحصار و بین عدمهما، کما هو واضح.
و من هنا ظهر أنه لا وجه لقول المصنف: (و أما اعتبار الحاجة فلظهور اختصاص أدلة المنع بصورة الاستغناء).
ثم الظاهر أنه لا یجوز أخذ الأجرة و الرشوة علی تبلیغ الأحکام الشرعیة و تعلیم المسائل الدینیة، فقد عرفت فیما تقدم: أن منصب القضاوة و الإفتاء و التبلیغ یقتضی المجانیة.
و یدل علی الحرمة أیضا ما فی روایة یوسف بن جابر [1] من أنه لعن رسول اللّه (ص) رجلا احتاج الناس الیه لفقهه فسألهم الرشوة. و لکن الروایة ضعیفة السند، و العمدة فی المقام التمسک بالإطلاقات المتقدمة الناهیة عن أخذ الرشوة علی الحکم.

جواز ارتزاق القاضی من بیت المال

قوله و أما الارتزاق من بیت المال فلا إشکال فی جوازه للقاضی.
أقول: الفرق بین الأجرة و الارتزاق ان الأجرة تفتقر الی تقدیر العمل و العوض و ضبط المدة. و أما الارتزاق من بیت المال فمنوط بنظر الحاکم من غیر ان بقدر بقدر خاص.
و لا إشکال فی جواز ارتزاق القاضی من بیت المال فی الجملة کما هو المشهور. لأن بیت المال معد لمصالح المسلمین و القضاء من مهماتها. و لما کتبه علی أمیر المؤمنین «ع» الی مالک الأشتر فی عهد طویل «1» فقد ذکر «ع» فیه صفات القاضی ثم قال: (و افسح له فی البذل ما یزیل علته و تقل معه حاجته الی الناس). و العهد و إن نقل مرسلا إلا ان آثار الصدق منه لائحة، کما لا یخفی للناظر الیه. و یدل علی ذلک أیضا بعض الفقرات من مرسلة الحماد [2] الطویلة.
______________________________
[1] قال: قال أبو جعفر «ع»: لعن رسول اللّه (ص) رجلا احتاج الناس الیه لفقهه فسألهم الرشوة. مجهولة لعبد الرحمن و یوسف بن جابر. راجع ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القضاء ص 396. و ج 2 التهذیب ص 70.
[2] فی ج 1 کا کتاب الخمس ص 424. و ج 6 الوافی باب 34 جملة الغنائم ص 39 و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشا فی الحکم من آداب القضاء ص 396: عن حماد عن بعض
______________________________
(1) راجع ج 3 نهج البلاغة فی العهد 53 الذی کتبه للأشتر النخعی. و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القاضی. و ج 2 المستدرک ص 447.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 269
ثم إن القاضی قد یکون جامعا لشرائط القضاوة علی النحو المقرر فی الشریعة، و منصوبا من قبل الامام «ع» خاصا أو عاما. و قد یکون جامعا لشرائط القضاء، و لکنه کان منصوبا من قبل سلطان الجور، و لم یکن له غرض فی قبولها إلا التوادد و التحبب الی فقراء الشیعة و قضاء حوائجهم و إنفاذ أمورهم و إنقاذهم من المهلکة و الشدة، و قد لا یکون جامعا للشرائط سواء کان منصوبا من قبل الجائر أم لا.
أما الأولان فلا شبهة فی جواز ارتزاقهم من بیت المال، لما عرفت من انه معد لمصالح المسلمین و القضاء من مهماتها، و لا مجال فی هاتین الصورتین للبحث عن خصوصیات المسألة من انه یجوز مطلقا أو مع الاحتیاج و عدم التعیین، لأن الفرض ان القاضی أعرف بموارد مصرف بیت المال، و عدالته المفروضة تمنعه عن الحیف.
و أما الثالث فیحرم ارتزاقه من بیت المال، لعدم قابلیته لمنصب القضاوة، کخلفاء الجور، فلا یکون من موارد المصرف لبیت المال.
و قد یستدل علی حرمة ارتزاق القاضی بحسنة عبد اللّه بن سنان «1»: (عن قاض بین قریتین یأخذ من السلطان علی القضاء الرزق؟ فقال: ذلک السحت).
و فیه ان الروایة محمولة علی الصورة الثالثة من عدم کونه قابلا للقضاوة، لأنه إذا کان جامعا للشرائط لا یحرم ارتزاقه من بیت المال أو من جوائز السلطان، و هو واضح، و یمکن حملها علی کون الرزق اجرة علی القضاء، فقد عرفت: ان أخذ الأجرة علی القضاء حرام.

جواز أخذ القاضی للهدیة

قوله و اما الهدیة فهی ما یبذله علی وجه الهبة.
أقول: قد عرفت حکم الرشوة و الأجرة علی الحکم و القضاء، و اما الهدیة ففی حرمتها خلاف: و هی کما عن المصباح
______________________________
- أصحابنا عن العبد الصالح- الی ان قال-: فیکون بعد ذلک أرزاق أعوانه علی دین اللّه و فی مصلحة ما ینوبه من تقویة الإسلام و تقویة الدین فی وجوه الجهاد و غیر ذلک مما فیه مصلحة العامة لیس لنفسه من ذلک قلیل و لا کثیر. مرسلة.
______________________________
(1) راجع ج 2 کا باب 5 أخذ الأجرة علی الحکم من القضاء ص 358. و ج 9 الوافی باب أخذ الرشوة من القضاء ص 135. و ج 3 ئل باب 8 تحریم الرشوة فی الحکم من آداب القضاء ص 396.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 270
العطیة علی سبیل الملاطفة.
ثم إنها قد تکون للملاطفة و التودد فقط بحیث لا مساس لها للدواعی الأخری. و قد تکون علی وجه الهبة لتورث المودة التی توجب الحکم له حقا کان أم باطلا، إذا علم المبذول له ان ذلک من قصد الباذل و إن لم یقصد هو إلا الحکم بالحق. و قد تکون لأجل الحکم للباذل و لو باطلا، و لکن المبذول له لم یکن ملتفتا الی ذلک و إلا لکان رشوة محرمة و قد تکون متأخرة عن الفعل المحرم و لکنها بداعی المجازاة و أداء الشکر.
و مقتضی القاعدة جواز أخذها للقاضی فی جمیع الصور و إن حرم الدفع علی المعطی إذا کان غرضه الحکم له. و قد استدل علی حرمة الأخذ بوجوه، الأول: قوله «ع» فی روایة الأصبغ [1]: (و ان أخذ هدیة کان غلولا).
و فیه أولا: ان الروایة ضعیفة السند. و ثانیا: أنها واردة فی هدایا الولاة دون القضاة، فتکون أجنبیة عن المقام، و بما أن الهدیة إلی الولاة جائزة فلا بد من حمل الروایة علی غیر ذلک من الوجوه الممکنة:
الأول: ان تحمل علی الکراهة، لأن إهداء الهدیة إلی الوالی قد یحبب إلیه أخذ الرشوة المحرمة.
الثانی: ان تحمل علی ظاهرها، و لکن یقید الإعطاء بکونه لدفع الظلم، أو إنقاذ الحق أو لأجل أن یظلم غیره، فإنها فی هذه الصور کلها محرمة علی الوالی، و فی الصورة الأخیرة محرمة علی المعطی أیضا.
الثالث: ان تحمل علی کون ولایتهم من قبل السلطان مشروطة بعدم أخذ شی‌ء من الرعیة، لأنهم یرتزقون منه. و علی الجملة لا یمکن الاستدلال بها علی المطلوب.
الوجه الثانی: ما ورد [2] من ان هدایا العمال أو الأمراء غلول أو سحت.
و فیه أولا: انه ضعیف السند. و ثانیا: انه أجنبی عما نحن فیه لوروده فی هدایا العمال
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 32 تحریم أجر الفاجرة مما یکتسب به ص 538 عن أمیر المؤمنین علیه السلام: أیما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب اللّه عنه یوم القیامة و عن حوائجه و إن أخذ هدیة کان غلولا و إن أخذ الأجرة فهو مشرک. ضعیفة لأبی الجارود و سعد الإسکاف.
[2] فی ج 10 سنن البیهقی ص 138 عن أبی حمید الساعدی قال: قال رسول الله (ص) هدایا الأمراء غلول. و فی آداب القاضی من المبسوط للطوسی عن النبی (ص) انه قال:
هدیة العمال غلول. و فی بعضها: هدیة العمال سحت. مرسلة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 271
و هم غیر القضاة، و وجه کونها محرمة قد علم من الوجوه المتقدمة. و ثالثا: انه یمکن ان یراد من إضافة الهدایا الی العمال إضافة المصدر الی الفاعل دون المفعول: بمعنی أن الهدایا التی تصل إلی الرعیة من عمال سلاطین الجور غلول، فتکون الروایة راجعة إلی جوائز السلطان و عماله، و سنتکلم علیها. و هذا الوجه الأخیر و إن کان فی نفسه جیدا، إلا أنه إنما یتم فیما إذا علم کون الهدیة من الأموال المحرمة، و إلا فلا وجه لکونها غلولا. علی أنه بعید عن ظاهر الروایة.
الوجه الثالث: ما استدل به فی المستند [1] علی حرمة أخذ القاضی للهدیة من أن النبی زجر عمال الصدقة عن أخذهم الهدایا.
و فیه أولا: أن الروایة ضعیفة السند، لکونها منقولة من طرق العامة. و ثانیا: أنها وردت فی عمال الصدقة فلا ترتبط بما نحن فیه، و لعل حرمتها علیهم من جهة الوجوه التی ذکرناها فی حرمتها علی الولاة.
الوجه الرابع: ما تقدم فیما سبق «1»: (عن الرضا عن آبائه عن علی «ع» فی قوله تعالی «2»: أَکّٰالُونَ لِلسُّحْتِ؟ قال: هو الرجل یقضی لأخیه الحاجة ثم یقبل هدیته).
و فیه أولا: أن الروایة مجهولة. و ثانیا: أنها وردت فی خصوص الهدیة بعد قضاء حاجة المؤمن، و لم یقل أحد بحرمتها هناک، لما دل علی جواز قبول الهدیة من المؤمن، بل من الکافر، و لما دل علی استحباب الاهداء علی المسلم، و إذن فلا بد من حمل الروایة علی الکراهة، و رجحان التجنب عن قبول الهدایا من أهل الحاجة إلیه لئلا یقع یوما فی الرشوة الوجه الخامس: أن المناط فی حرمة الرشوة للقاضی هو صرفه عن الحکم بالحق الی الحکم بالباطل، و هو موجود فی الهدیة أیضا، فتکون محرمة. و فیه أن غایة ما یحصل من تنقیح المناط هو الظن بذلک، و الظن لا یغنی من الحق شیئا.
______________________________
[1] عن أبی حمید الأنصاری ثم الساعدی أنه أخبره: أن رسول اللّه (ص) استعمل عاملا علی الصدقة فجاءه العامل حین فرغ من عمله فقال: یا رسول اللّه (ص) هذا الذی لکم و هذا الذی أهدی إلی- الی أن قام فصعد المنبر- ثم قال: أما بعد فما بال العامة نستعمله فیأتینا فیقول: هذا من عملکم و هذا الذی أهدی لی فهلا قعد فی بیت أبیه و امه فنظر هل یهدی له أم لا؟؟ و الذی نفسی بیده لا یقبل أحد منکم منها شیئا إلا جاء به یوم القیامة یحمله علی عنقه. نبوی ضعیف. راجع ج 2 المستند ص 526. و المبسوط للشیخ الطوسی آداب القاضی. و ج 10 سنن البیهقی لأبی بکر الشافعی ص 138.
______________________________
(1) ص 48.
(2) سورة المائدة، آیة: 46.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 272

الرشوة فی غیر الاحکام

قوله و هل یحرم الرشوة فی غیر الحکم.
أقول: الرشوة فی غیر الأحکام قد تکون لإتمام أمر محرم، و قد تکون لإصلاح أمر مباح، و قد تکون لإنهاء أمر مشترک الجهة بین المحلل و المحرم.
أما الأول فلا شبهة فی حرمته من غیر احتیاج إلی أدلة حرمة الرشوة، لما عرفت من حرمة أخذ المال علی عمل محرم.
و أما الثانی فلا شبهة فی جوازه، لعدم الدلیل علی الحرمة مع کون العمل سائغا فی نفسه و صالحا لأن یقابل بالمال و إن کان کثیرون یفعلونه للتعاضد و التعاون، و لا یأخذون علیه مالا و اما الثالث: فان قصدت به الجهة المحرمة فهو حرام، و إن قصدت به الجهة المحللة فهو حلال، و إن بذل المال علی إصلاح أمره حلالا أم حراما فقد استظهر المصنف حرمته، لوجهین، الوجه الأول: أنه أکل للمال بالباطل، فیکون حراما.
و فیه أن أخذ المال علی الجهة المشترکة بین المحلل و المحرم لیس من أکل المال بالباطل، فإن أکل المال إنما یکون باطلا إذا کان بالأسباب التی علم بطلانها فی الشریعة، کالقمار و الغزو و نحوهما، و لم یعلم بطلان أخذ المال علی العمل المشترک بین الحلال و الحرام، فلا یکون من مصادیق أکل المال بالباطل.
الوجه الثانی: إطلاق فحوی ما تقدم فی هدیة الولاة و العمال.
و فیه أولا: أن الروایات المتقدمة فی هدیة الولاة و العمال ضعیفة السند. و قد عرفت ذلک آنفا. و ثانیا: أن حرمة الهدیة لهما إنما تقتضی حرمة إعطاء الرشوة لهما، و لا دلالة لهما علی حرمة الرشوة علی غیرهما من الناس.
و قد یقال: بحرمة الرشوة مطلقا حتی فی غیر الأحکام، لإطلاق بعض الروایات المتقدمة فی الحاشیة من طرق الخاصة، و من طرق العامة.
و فیه أولا: أنها ضعیفة السند، و قد عرفت ذلک آنفا. و ثانیا: أنها منصرفة إلی الرشا فی الحکم کما فی المتن. و ثالثا: أنها مقیدة بما دل [1] علی جواز الرشوة لأمر مباح
______________________________
[1] عن حکم بن حکیم الصیرفی قال: سمعت أبا عبد اللّه «ع» و سأله حفص الأعور فقال: إن السلطان یشترون منا القرب و الأداوی فیوکلون الوکیل حتی یستوفیه منها و نرشوه حتی لا یظلمنا؟ فقال: لا بأس ما تصلح به مالک، ثم سکت ساعة ثم قال: أ رأیت
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 273
و للتحویل [1] عن المنزل المشترک، کالأوقاف العامة.
و قد یتوهم أن موضوع الرشوة مختص بالأحکام، لما ورد فی جملة من الروایات الماضیة من أن الرشا فی الحکم حرام، أو کفر، أو سحت.
و فیه أولا: أن المستفاد منها لیس إلا حرمة الرشوة فی الحکم، لاختصاص موضوعها به، و هو واضح. بل قد یدعی أنها مشعرة بعموم مفهوم الرشوة لغیر الأحکام، و إلا للزم إلغاء التقیید فی قوله «ع»: (و أما الرشا فی الحکم فهو الکفر باللّه العظیم).
و ثانیا: أن مفهوم الرشوة فی اللغة غیر مختص بما یؤخذ فی الحکم، بل هو أعم من ذلک

من الرشوة فی الحکم المعاملة المحاباتیة مع القاضی

اشارة

قوله و مما یعد من الرشوة أو یلحق بها المعاملة المشتملة علی المحاباة.
أقول:
الکلام فی المعاملة المشتملة علی المحاباة بعینه هو الکلام فیما تقدم من الرشوة، فإذا باع من القاضی ما یساوی عشرة دراهم بدرهم کان الناقص من الرشا المحرم، و إن کان غرضه من ذلک تعظیم القاضی- أو التودد المحض أو التقرب الی اللّه- فلا وجه للحرمة.
ثم إن فی حکم بذل العین له بذل المنافع کسکنی الدار و رکوب المراکب و نحوهما من المنافع کما لا یخفی. و أما ما یرجع الی الأقوال کمدح القاضی و الثناء علیه فلا یعد رشوة فضلا عن کونه محرما لذلک. نعم لو کان ذلک إعانة علی الظلم کان حراما من هذه الجهة.
قوله و فی فساد المعاملة المحابی فیها وجه قوی.
أقول: لا وجه لفساد المعاملة المشتملة
______________________________
إذا أنت رشوته یأخذ أقل من الشرط؟ قال: نعم، قال: فسدت رشوتک. ضعیفة لإسماعیل بن أبی سماک. راجع ج 10 الوافی باب 11 إصلاح المال ص 17. و ج 2 ئل باب 37 أنه یجوز للبائع أن یرشو وکیل المشتری من أحکام العقود ص 595.
أقول: القرب بکسر القاف جمع القربة و هی ما یستقی فیه الماء. الأداوی جمع الإداوة و هی إناء صغیر من جلد، و تسمی المطهرة. ثم إنه نقل المصنف الروایة عن أبی الحسن «ع» و ذکر الإداوة بدل الأداوی، و کلاهما من سهو القلم، و لعله تبع فی ذلک لصاحب الوسائل
[1] فی ج 2 ئل باب 114 جواز أخذ الجعل علی معالجة الدواء مما یکتسب به ص 562 و الموضع المزبور من الوافی عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه «ع» عن الرجل یرشو الرشوة علی أن یتحوله عن منزله فیسکنه؟ قال: لا بأس. صحیحة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 274
علی المحاباة المحرمة إلا إذا کان الحکم للمحابی شرطا فیها، و قلنا: بأن الشرط الفاسد مفسد للعقد، فیحکم بالبطلان.

فائدة

الظاهر من الأخبار المتقدمة أن منزلة الرشوة منزلة الربا، فکما أن الربا حرام علی کل من المعطی و الآخذ و الساعی بینهما، فکذلک الرشوة، فإنها محرمة علی الراشی و المرتشی و الرائش أی الساعی بینهما یستزید لهذا و یستنقص لذاک.
نعم لا بأس بإعطائها إذا کان الراشی محقا فی دعواه، و لا یمکن له الوصول الی حقه إلی بالرشوة، کما استحسنه فی المستند «1» (لمعارضة إطلاقات تحریمها مع أدلة نفی الضرر، فیرجع الی الأصل لو لم یرجح الثانی) بل یتعین ترجیحه لحکومة أدلة نفی الضرر علی أدلة الأحکام بعناوینها الأولیة کما هو واضح.

حکم الرشوة وضعا

قوله ثم إن کلما حکم بحرمة أخذه وجب علی الآخذ رده ورد بدله مع التلف).
أقول: قد ذکرنا أن الباذل قد یعطی الرشوة للقاضی أو غیره لیحکم له علی خصمه، و قد یحابیه فی معاملة لیحکم له فی الخصومات و الدعاوی، و قد یرسل الیه هدیة بداع الحکم له أما الأول فلا شبهة فی ضمان القابض المال الذی أخذه من الدافع بعنوان الرشوة، کما لا شبهة فی الحرمة علیهما تکلیفا، فیجب علی الآخذ رد المال أو رد بدله من المثل أو القیمة مع التلف.
قال فی الجواهر: (لا خلاف و لا إشکال فی بقاء الرشوة علی ملک المالک، کما هو مقتضی قوله «ع»: إنها سحت، و غیره من النصوص الدالة علی ذلک- الی أن قال-: فإذا أخذ ما لم ینتقل الیه من مال غیره کان ضامنا).
و وجه الضمان أن الرشوة فی هذه الصورة إنما وقعت فی مقابل الحکم، فتکون فی الحقیقة إجارة فاسدة، أو شبیهة بها، فیحکم بالضمان، لکونها من صغریات کل عقد یضمن بصحیحه یضمن بفاسده، و هذه القاعدة و إن لم یرد علیها نص بالخصوص، و لکنها متصیدة من الأخبار الواردة فی موارد الضمان، فتکون حجة، و سیأتی ذکرها فی محلها. و من هنا ظهر بطلان القول بعدم الضمان إذا علم الدافع بالحرمة، لکون التسلیط حینئذ مجانیا.
______________________________
(1) ج 2 ص 526.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 275
و أما الثانی فهو کالأول من حیث الحرمة التکلیفیة، و لکن لا وجه للضمان لما نقص من القیمة، فإن غایة الأمر أن المعاملة کانت المشروطة بالشرط الفاسد، و قد عرفت إجمالا، و ستعرف تفصیلا: أن الشروط مطلقا لا تقابل بجزء من الثمن، و أن الفاسد منها لا یوجب فساد المعاملة، و إنما یثبت الخیار فقط للمشروط له.
و أما الثالث فالظاهر أنه لا ضمان فیه أیضا، لأن الدافع لم یقصد المقابلة بین الحکم و المال المبذول للقاضی، و إنما إعطاء مجانا لیحکم له، فیکون مرجعه إلی هبة مجانیة فاسدة، لأن الداعی لیس قابلا للعوضیة، و لا مؤثرا فی الحکم الشرعی وضعا، و لا تکلیفا. و علیه فیکون المورد من صغریات الضابطة الکلیة (کل عقد لا یضمن بصحیحة لا یضمن بفاسده).
و قد یقال: بالضمان لقاعدة الضمان بالید. و فیه أن عموم علی الید مختص بغیر الید المتفرعة علی التسلیط المجانی، و لذا لا یضمن بالهبة الفاسدة فی غیر هذا المقام.
قوله و فی کلام بعض المعاصرین ان احتمال عدم الضمان فی الرشوة مطلقا غیر بعید)
أقول: علله القائل فی محکی کلامه بوجهین: الأول أن المالک قد سلطه علیها تسلیطا مجانیا فلا موجب للضمان. و الثانی: أنها تشبه المعاوضة، و ما لا یضمن بصحیحه لا یضمن بفاسده أما الأول فیرد علیه أن التسلیط فی المقام لیس بمجانی، بل هو فی مقابل الحکم للباذل کما عرفت.
و أما الثانی فیرد علیه أن عملهم هذا إما إجارة فاسدة أو شبیهة بها، و علی أی حال یکون موجبا للضمان، لقاعدة ما یضمن بصحیحه یضمن بفاسده.

اختلاف الدافع و القابض

قوله فروع فی اختلاف الدافع و القابض.
أقول: ذکر المصنف هنا فروعا ثلاثة و تعرض لحکمها. و تحقیق الکلام فی مسألة المترافعین فی الدفع و القبض، و بیان الضابطة الکلیة فیها أن الفروض المتصورة فیها أربع کلها تنطبق علی المقام غیر الصورة الرابعة.
و لعل المصنف لذلک أهملها.
الصورة الاولی أن یتوافق المترافعان علی فساد الأخذ و الإعطاء و لکن الدافع یدعی کون المدفوع رشوة علی سبیل الإجارة و الجعالة، فتکون موجبة للضمان، لأن الإجارة الصحیحة توجب الضمان، فکذلک الإجارة الفاسدة، و القابض یدعی أنه علی سبیل الهدیة إلا أنها فاسدة، فلا تکون موجبة للضمان، لأن الهبة الصحیحة لا ضمان فیها، فکذا الهبة الفاسدة
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 276
و قد رجح المصنف القول الأول (لأن عموم خبر علی الید یقضی بالضمان إلا مع تسلیط المالک مجانا و الأصل عد تحققه، و هذا حاکم علی أصالة عدم سبب الضمان فافهم).
و فیه أن موضوع قاعدة الضمان بالید إنما هو التسلیط غیر المجانی، و التسلیط هنا محرز بالوجدان، و عدم کونه مجانیا محرز بالأصل (فلیتم الموضوع بضم الوجدان الی الأصل، و یترتب علیه الحکم، و لا یلزمه المحذور المذکور. نعم یرد علیه أن خبر علی الید ضعیف السند، و غیر منجبر بشی‌ء، فلا یجوز الاستناد الیه، و قد عرفته فیما سبق «1» و یأتی التعرض له فی أحکام الضمان.
و التحقیق أنه ثبت فی الشریعة المقدسة عدم جواز التصرف فی مال امرئ مسلم إلا بطیب نفسه، و قد تقدمت الإشارة إلیه فیما سبق «2». و ثبت فیها أیضا أن وضع الید علی مال الغیر بدون رضی مالکه موجب للضمان، للسیرة القطعیة، و من الواضح جدا ان وضع الید علی مال الغیر فی المقام محرز بالوجدان، فإذا ضممنا إلیه أصالة عدم رضی المالک بالتصرف المجانی تألف الموضوع من الوجدان و الأصل، و حکم بالضمان، و لا یلزم شی‌ء من المحاذیر، و لیس المراد من الأصل المذکور استصحاب العدم الأزلی لیرد علیه ما أورده فی علم الأصول بل المراد به استصحاب العدم المحمولی، و هو واضح، و إن قلنا بحجیة الأول أیضا.
الصورة الثانیة: أن یتسالم المترافعان علی شی‌ء واحد، و لکن القابض یدعی صحته علی وجه لا یمکن معه الرجوع، و یدعی الباذل فساده، کما إذا ادعی الباذل کون المبذول هدیة علی سبیل الرشوة، و ادعی القابض کونها هبة صحیحة لازمة.
و هذا النزاع إنما یکون له أثر فیما إذا کانت الدعوی قبل تلف العین، مع عدم کون الهبة لذی رحم أو علی وجه قربی، فإنه یترتب علی النزاع ح استرجاع العین من الموهوب له و أما إذا کان النزاع بعد التلف فلا أثر له بوجه، فإنه لا ضمان للهبة بعد التلف، سواء أ کانت فاسدة أم صحیحة، و علیه فلا وجه لما ذکره المصنف (ره) من
قوله و لأصالة الضمان فی الید إذا کانت الدعوی بعد التلف).
و قد یقال هنا: بالضمان، لعموم قاعدة علی الید، لأن وضع القابض یده علی مال الدافع محرز بالوجدان، و عدم کونه بالهبة الصحیحة الناقلة محرز بالأصل فیلتئم الموضوع منهما، و یترتب علیه الحکم بالضمان، و لا یعارض ذلک الأصل بأصالة عدم الهبة الفاسدة. لأنها لا أثر لها.
و التحقیق هو القول بعدم الضمان، لأن أصالة الصحة فی العقود تتقدم علی جمیع الأصول
______________________________
(1) ص 196.
(2) ص 144.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 277
الموضوعیة، و علیه اتفاق کافة العلماء، و بناء العقلاء.
لا یقال: الدافع إنما یدعی ما لا یعلم إلا من قبله فیقدم قوله فی دعواه، لأنه أعرف بضمیره. فإنه یقال: لا دلیل علی ثبوت هذه القاعدة فی غیر الموارد الخاصة، کإخبار المرأة عن الحمل أو الحیض أو الطهر، فلا یجوز التعدی إلی غیرها.
الصورة الثالثة: أن یکون مصب الدعوی أمرا مختلفا، کما إذا ادعی الباذل أنها رشوة محرمة أو اجرة علی الحرام، و ادعی القابض کونها هبة صحیحة. و الظاهر هنا تقدیم قول الدافع، لأصالة عدم تحقق الهبة الصحیحة الناقلة، فإنها أمر وجودی و موضوع للأثر، فالأصل عدمها. و لا تعارضها أصالة عدم تحقق الرشوة المحرمة أو الإجارة الفاسدة لأنهما لا أثر لهما، و إنما الأثر مترتب علی عدم تحقق السبب الناقل، سواء تحقق معه شی‌ء من الأسباب الفاسدة أم لم یتحقق.
و ربما یقال: بتقدیم أصالة الصحة علی الأصول الموضوعیة، لحکومتها علیها فی باب المعاملات علی حذو ما تقدم.
و فیه أن مدرک أصالة الصحة هو الإجماع و بناء العقلاء کما عرفت، و هما من الأدلة اللبیة فلا بد من الأخذ بالقدر المتیقن، و هو ما کان مصب الدعوی أمرا واحدا معلوما للمترافعین و کان الاختلاف فی الخصوصیات، و قد فرضنا أن المقام لیس کذلک.
الصورة الرابعة: ان یدعی کل منهما عنوانا صحیحا غیر ما یدعیه الآخر، کأن یدعی الباذل کونه بیعا لیتحقق فیه الضمان، و یدعی القابض کونه هبة مجانیة لکی لا یتحقق فیه الضمان، فإن أقام أحدهما بینة أو حلف مع نکول الآخر حکم له، و إلا وجب التحالف، و ینفسخ العقد، و علیه فیجب علی القابض رد العین مع البقاء، أو بدلها مع التلف، و هذه الصورة لا تنطبق علی ما نحن فیه.

حرمة سب المؤمن

قوله التاسعة سب المؤمن حرام فی الجملة بالأدلة الأربعة.
أقول: قد استقل العقل بحرمة سب المؤمن فی الجملة، لکونه ظلما و إیذاء، و علی ذلک إجماع المسلمین من غیر نکیر و قد تعرض الغزالی لذلک فی إحیاء العلوم [1].
______________________________
[1] ج 3 ص 110- 111. و لا ینقضی العجب من الغزالی حیث جوز لعن الروافض کتجویزه لعن الیهود و المجوس و الخوارج و منع عن لعن یزید!!.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 278
و قد استفاضت الروایات من طرقنا [1] و من طرق العامة [2] علی حرمته.
______________________________
[1] فی ج 2 کا بهامش مرآة العقول باب السباب ص 350. و باب السفه ص 310 و ج 3 الوافی باب السفه ص 159. و ج 2 ئل باب 158 تحریم سب المؤمن من أحکام العشرة ص 240: عن ابن الحجاج البجلی عن ابی الحسن موسی «ع» فی رجلین یتسابان؟
فقال: البادی منهما أظلم و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یتعذر الی المظلوم. صحیحة.
و فی روایة أخری باختلاف فی صدر السند: ما لم یتعد المظلوم. حسنة لإبراهیم بن هاشم أبو بصیر عن ابی جعفر «ع» قال: إن رجل من بنی تمیم أتی النبی (ص) فقال: أوصنی فکان مما أوصاه ان قال: لا تسبوا الناس فتکسبوا العداوة منهم- بینهم- لهم- صحیحة.
و فی روایة جابر عن ابی جعفر «ع» فإیاکم و الطعن علی المؤمنین. ضعیفة لعمرو بن شمر السکونی عن ابی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): سباب المؤمن کالمشرف علی الهلکة. ضعیفة للنوفلی.
أبو بصیر عن ابی جعفر «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): سباب المؤمن فسوق و قتاله کفر و أکل لحمه معصیة و حرمة ماله کحرمة دمه. موثقة لعبد الله بن بکیر.
أبو حمزة الثمالی قال: سمعت أبا جعفر «ع» یقول: إن اللعنة إذا خرجت من فی صاحبها ترددت بینهما فان وجدت مساغا و إلا رجعت علی صاحبها. موثقة للحسن بن علی ابن فضال.
و غیر ذلک من الروایات المذکورة فی المصادر المذکورة. و فی ج 2 ئل باب 159 تحریم الطعن علی المؤمن و باب 160 تحریم لعن المؤمن من أحکام العشرة ص 240. و باب 70 تحریم الفحش. و باب 71 تحریم البذاء من جهاد النفس ص 476. و ج 2 المستدرک باب 138 تحریم سب المؤمن من العشرة ص 109، و باب 71 تحریم الفحش من جهاد النفس ص 339. و ج 3 الوافی باب البذاء ص 160. و ج 2 کا بهامش مرآة العقول باب البذاء ص 312. و غیر ذلک من الموارد.
[2] فی ج 10 سنن البیهقی باب شهادة أهل المعصیة ص 235: عن أبی هریرة عن رسول اللّه (ص): المستبان ما قالا فعلی البادی ما لم یتعد المظلوم.
و فی روایة عیاض بن حمار عن رسول اللّه (ص): المستبان شیطانان یتهاتران و یتکاذبان إلخ. و فی روایة أخری جعل الشتم من الکبائر.
و فی ص 209: سباب المسلم فسوق و قتاله کفر. و غیر ذلک من أحادیث العامة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 279
نعم المراد هنا من المؤمن فی روایاتنا غیر ما هو المراد فی روایات العامة، و من هنا منعوا عن سب أبی حنیفة [1] و أشباهه، و یدل علی الحرمة أیضا قوله تعالی «1»: (وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فان سبب المؤمن من أوضح مصادیق قول الزور، و لا ینافی ذلک ما ورد من تطبیق الآیة علی الکذب کما سیأتی.
قوله و روایة ابن الحجاج عن أبی الحسن فی الرجلین یتسابان قال: البادی منهما أظلم و وزره علی صاحبه ما لم یعتذر الی المظلوم. و فی مرجع الضمائر اغتشاش، و یمکن الخطأ من الراوی.
أقول: محصول کلامه: أن الظاهر وقوع الاغتشاش فی مرجع الضمائر فی روایة بحسب المعنی، فإنه إذا رجع الضمیر ان المجرور ان فی قوله «ع»: (و وزره علی صاحبه) الی الراد لزم کون الوزرین کلیهما علی البادی، و لیس علی الراد شی‌ء، و یمکن ان یکون لفظ الروایة (مثل وزره علی صاحبه) فتکون دالة علی ان البادی یستحق وزرین: أحدهما للمباشرة. و الثانی للتسبیب من غیر ان یخفف عن الراد شی‌ء، و لکن الراوی أخطأ فحذف کلمة مثل.
و علیه فشأن الروایة شأن ما عن ابی جعفر «ع» (قال أیما عبد من عباد اللّه سن سنة هدی کان له مثل أجر من عمل بذلک من غیر ان ینقص من أجورهم شی‌ء و أیما عبد من عباد اللّه سن سنة ضلال کان علیه مثل وزر من فعل ذلک من غیر ان ینقص من أوزارهم شی‌ء). و غیر ذلک من الروایات المستفیضة «2» الواردة بهذا المضمون.
و لکن ما أفاده المصنف علی خلاف الظاهر من الروایة، فإن الظاهر منها ان الضمیر المضاف إلیه فی کلمة (وزره) یرجع الی السب المستفاد من قوله «ع»: (یتسابان)، نظیر قوله تعالی «3»: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْویٰ) فالمعنی ان وزر کل سب علی فاعله، و لا یرتفع عنه إلا بالاعتذار من المسبوب، لهتک کل من المتسابین صاحبه و ظلمه إیاه، و علی هذا فلا اغتشاش فی الضمائر.
و لکن الذی یسهل الخطب انا لم نجد الروایة علی النحو الذی نقله المصنف، بل هی مرویة هکذا: (و وزره و وزر صاحبه علیه ما لم یعتذر الی المظلوم. و فی روایة أخری:
______________________________
[1] فی ج 6 شرح فتح القدیر ص 40 فی عداد من لا تقبل شهادته قال: و لا من یظهر سب السلف کالصحابة و التابعین و منهم أبو حنیفة و کذا العلماء.
______________________________
(1) سورة الحج آیة: 31.
(2) راجع ج 2 ئل باب 16 إقامة السنن الحسنة من الأمر بالمعروف ص 496.
(3) سورة المائدة آیة: 11.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 280
(ما لم یتعد المظلوم) أی ما لم یتجاوز عن الاعتداء بالمثل. و قد ذکرنا هما فی الحاشیة آنفا، أما الأولی فتدل علی ان البادی منهما یستحق وزرین: أحدهما بالأصالة و الآخر بالتسبیب.
و إلقاء غیره فی الحرام الواقعی، و قد عرفت فی البحث عن حرمة تغریر الجاهل ان التسبیب الی الحرام حرام بالأدلة الأولیة، مع قطع النظر عن الروایات الخاصة.
و اما الثانیة فتدل علی جواز الاعتداء بالمثل، و کون وزر الاعتداء علی البادی من دون ان یکون للمظلوم شی‌ء من الوزر ما لم یتجاوز و إذا تجاوز کان هو البادی فی القدر الزائد و قد ذهب الی ذلک جمع من الأکابر، قال العلامة المجلسی «1»: إن أثم سباب المتسابین علی البادی، اما إثم ابتدائه فلأن السب حرام و فسق، لحدیث: سباب المؤمن فسوق و قتاله کفر، و اما إثم سب الراد فلأن البادی هو الحامل له علی الرد- الی ان قال-:
لکن الصادر عنه هو سب یترتب علیه الإثم، إلا ان الشرع أسقط عنه المؤاخذة، و جعلها علی البادی، للعلة المتقدمة، و إنما أسقطها عنه ما لم یتعد، فان تعدی کان هو البادی فی القدر الزائد.
و عن المحقق الأردبیلی فی آیات الاحکام بعد ذکر جملة من الآیات الظاهرة فی الاعتداء بالمثل قال: فیها دلالة علی جواز القصاص فی النفس و الطرف و الجروح، بل جواز التعویض مطلقا حتی ضرب المضروب و شتم المشتوم بمثل فعلهما- الی أن قال- و تدل علی عدم التجاوز عما فعل به و تحریم الظلم و التعدی. و من هنا ظهر أن هذا الرأی لا بعد فیه خلافا لما استظهرناه فی الدورة السابقة. و قد وقع التصریح بذلک فی جملة من أحادیث العامة، و تقدم بعضها فی الهامش.
قوله ثم إن المرجع فی السب الی العرف.
أقول: الظاهر من العرف و اللغة [1] اعتبار الإهانة و التعبیر فی مفهوم السب، و کونه تنقیصا و إزرءا علی المسبوب، و أنه متحد مع الشتم، و علی هذا فیدخل فیه کلما یوجب إهانة المسبوب و هتکه کالقذف و التوصیف بالوضیع و اللاشی‌ء و الحمار و الکلب و الخنزیر و الکافر و المرتد و الأبرص و الأجذم و الأعور و غیر ذلک من الألفاظ الموجبة للنقص و الإهانة، و علیه فلا یتحقق مفهومه إلا بقصد الهتک
______________________________
[1] فی لسان العرب: سب أی عیر بالبخل، و السب الشتم، و السبة العار. و یقال:
صار هذا الأمر سبة علیهم بالضم أی عارا یسب به. و عن المصباح: السبعة العار. و فی مفردات الراغب: السب الشتم الوجیع، و السبابة سمیت للإشارة بها عند السب و تسمیتها بذلک کتسمیتها بالمسبحة لتحریکها بالتسبیح.
______________________________
(1) راجع ج 2 مرآة العقول ص 311.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 281
و اما مواجهة المسبوب فلا تعتبر فیه.
قوله فالنسبة بینه و بین الغیبة عموم من وجه.
أقول: ذکر المصنف فی البحث عن مستثنیات الغیبة ما هذا نص عبارته: (نعم لو تأذی من ذمه بذلک دون ظهوره لم یقدح فی الجواز و لذا جاز سبه بما لا یکون کذبا و هذا هو الفارق بین السب و الغیبة حیث إن مناط الأول المذمة و التنقیص فیجوز و مناط الثانی إظهار عیوبه فلا یجوز إلا بمقدار الرخصة) و التحقیق ان النسبة بینهما هی العموم من وجه، فإنه قد یتحقق السب و لا یتصف بعنوان الغیبة، کأن یخاطب المسبوب بصفة مشهورة مع قصد الإهانة و الإذلال، فإن ذلک لیس إظهارا لما ستره اللّه، و قد تتحقق الغیبة حیث لا یتحقق السب، کأن یتکلم بکلام یظهر به ما ستره اللّه من غیر قصد للتنقیص و الإهانة، و قد یجتمعان، و یتعدد العقاب فی مورد الاجتماع، لکون کل من العنوانین موضوعا للعقاب، فلا وجه للتداخل، و لعل هذا مراد المصنف هنا و فی مبحث الغیبة.
و قال المحقق الایروانی: ان النسبة بین السب و الغیبة (هو التباین فان السب هو ما کان بقصد الإنشاء و اما الغیبة فجملة خبریة).
و فیه انه لا دلیل علی هذه التفرقة فان کلا منهما یتحقق بکل من الإنشاء و الإخبار.
قوله ثم إنه یستثنی من المؤمن المتظاهر بالفسق.
أقول: یجوز سب المتجاهر بالفسق بالمعصیة التی تجاهر فیها، لزوال احترامه بالتظاهر بالمنکرات، کما فی بعض الأحادیث، و سیأتی ذکره فی البحث عن مستثنیات الغیبة، و اما المعاصی التی ارتکبها العاصی و لکن لم یتجاهر فیها فلا یجوز السب بها، و اما السب بما لیس فی المسبوب فافتراء علیه فیحرم من جهتین.
قوله و یستثنی منه المبدع أیضا.
أقول: قد دلت الروایات المتظافرة [1] علی جواز سب المبدع فی الدین و وجوب البراءة منه و اتهامه، و لکن الظاهر أنه لا وجه لجعله من
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 39 وجوب البراءة من أهل البدع من الأمر بالمعروف ص 510 و ج 1 الوافی باب البدع ص 56. و ج 2 کا بهامش مرآة العقول ص 366: عن داود ابن سرحان عن أبی عبد اللّه «ع» قال: قال رسول اللّه (ص): إذا رأیتم أهل الریب و البدع من بعدی فأظهروا البراءة منهم و أکثروا من سبهم و القول فیهم و الوقیعة و باهتوهم کی لا یطمعون فی الفساد فی الإسلام و یحذرهم الناس و لا یتعلمون من بدعهم یکتب اللّه لهم بذلک الحسنات و یرفع لکم به الدرجات فی الآخرة. صحیحة. و غیر ذلک من الروایات المذکورة فی الأبواب المزبورة. الوقیعة: الغیبة.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 282
المستثنیات باستقلاله، فإنه إن کان المراد به المبدع فی الأحکام الشرعیة فهو متجاهر بالفسق، و إن کان المراد به المبدع فی العقائد و الأصول الدینیة فهو کافر باللّه العظیم، فیکون خارجا عن المقام موضوعا، لعدم کونه متصفا بالایمان.
قوله و یمکن أن یستثنی من ذلک ما إذا لم یتأثر المسبوب عرفا.
أقول: مقتضی الإطلاقات المتقدمة أن سب المؤمن حرام مطلقا سواء تأثر أم لم یتأثر، نعم إذا لم یوجب إهانة المسبوب فی نظر العرف کان خارجا عن عنوان السب موضوعا، لما عرفت من اعتبار الإهانة و الاستنقاص فی مفهوم السب.
و علیه فلا وجه لاستثناء بعض الأمثلة عن مورد البحث کسب الوالد ولده، و سب المعلم متعلمه، و سب المولی عبده، لأنه إن کان موجبا لإهانتهم فلا یجوز للاستثناء و إن لم یکن موجبا لذلک فهو خارج عن السب موضوعا.
و قد ظهر أیضا فساد ما یقال: من أن السب فی الأمثلة المذکورة فخر للمسبوب و تأدیب له فلا یحرم. و وجه الفساد أن مفهوم السب ینافی مفهوم الفخر و التأدیب، فلا یجتمعان فی مورد واحد، و أضعف من جمیع ذلک دعوی السیرة علی الجواز فی الموارد المزبورة، فإنا لو سلمنا تحقق السیرة من المتدینین فإنما هی فی غیر موارد الهتک و الظلم، فلا تکون إلا علی جواز التأدیب دون السب.
قوله و أما الوالد فیمکن استفادة الجواز فی حقه مما ورد من مثل قولهم «ع» أنت و مالک لأبیک.
أقول: قد وردت هذه الجملة المبارکة فی الروایات المتظافرة «1» الصحیحة و غیرها، و لکنها راجعة إلی الجهات الأخلاقیة الناشئة من الجهات التکوینیة، فإن الولد بحسب التکوین من المواهب الإلهیة للوالد فلا یناسبه أن یعارض أباه فی تصرفاته.
و یؤید ذلک المعنی ما فی روایة محمد بن سنان الضعیف، من تعلیل حلیة مال الولد لأبیه بأن الولد موهب للوالد فی قوله تعالی «2»: (یَهَبُ لِمَنْ یَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ یَهَبُ لِمَنْ یَشٰاءُ الذُّکُورَ) و علیه فلیس لفظ اللام فی قوله «ع»: (أنت و مالک لأبیک) إلا للاختصاص فقط الناشئ من المحبة الجبلیة و المعطوفة الغریزیة المنافیة للإیذاء و الإذلال و لو بالسب و الشتم.
نعم لو دلت هذه الروایات علی الملکیة حقیقیة کانت أم تنزیلیة، أو علی الولایة المطلقة و السلطنة التامة کان لکلام المصنف وجه.
و لکن کلا الاحتمالین بدیهی البطلان. أما الأول فلأنه لو تم لجاز للأب أن یتصرف
______________________________
(1) راجع ج 2 ئل باب 107 حکم الأخذ من مال الولد و الأب مما یکتسب به ص 559
(2) سورة الشوری آیة: 49.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 283
فی ما یرجع الی أولاده، و یتصرف فی شؤونهم تصرف الموالی فی عبیدهم و أمورهم مع أنه لم یلتزم به أحد.
علی أنه مخالف للروایات «1» المعتبرة الصریحة فی أن للأب أن یستقرض من مال ابنه، و یقوم جاریته بقیمة عادلة، و یتصرف فیها بالملک، فان من الواضح أنه لو کان الابن و ماله للأب لما احتاج فی جواز التصرف فی ماله و جاریته الی الاستقراض و التقویم.
و أما الثانی فأیضا فاسد، لأن مورد بعضها الولد الکبیر، و من المقطوع به أنه لا ولایة للأب علیه، و مع الإغضاء عن جمیع ما ذکرناه فهی معارضة بما دل علی حرمة سب المؤمن بالعموم من وجه، ففی مورد التعارض یرجع الی عمومات ما دل علی حرمة الظلم، و هو واضح

حرمة السحر

اشارة

قوله العاشرة السحر حرام فی الجملة بلا خلاف.
أقول: لا خلاف فی حرمة السحر فی الجملة، بل هی من ضروریات الدین، و مما قام علیه إجماع المسلمین، و قد استفاضت بها الروایات من طرقنا [1].
______________________________
[1] فی ج 2 ئل باب 14 تحریم العمل بعلم النجوم من آداب السفر الی الحج ص 181 و ج 4 مرآة العقول ص 410 فی نهج البلاغة: المنجم کالکاهن و الکاهن کالساحر و الساحر کالکافر و الکافر فی النار. مرسلة.
و فی ج 2 ئل باب 52 عدم جواز تعلم النجوم مما یکتسب به ص 544. و ج 4 مرأة العقول ص 412 عن الصدوق فی روایة نضر: و الساحر ملعون. ضعیفة للحسن بن علی الکوفی و إسحاق بن إبراهیم.
و قال: قال «ع»: المنجم کالکاهن. الی آخر ما تقدم من النهج. مرسلة.
و فی ج 2 کا باب 62 حد الساحر ص 311. و ج 3 ئل باب 1 أن حد الساحر القتل من أبواب بقیة الحدود ص 460 و ج 9 الوافی باب حد الساحر ص 69. و ج 2 التهذیب باب من الزیادات فی الحدود ص 430: عن السکونی عن أبی عبد اللّه «ع» قال رسول اللّه (ص) ساحر المسلمین یقتل و ساحر الکافر لا یقتل، قیل یا رسول اللّه و لم لا یقتل ساحر الکفار؟ فقال: لأن الکفر أعظم من السحر و لأن السحر و الشرک مقرونان.
ضعیفة للنوفلی. (و فی ج 2 المستدرک ص 434، و ج 3 المستدرک ص 248 عن الجعفریات مثله بتفاوت یسیر. مجهول لموسی بن إسماعیل).
______________________________
(1) راجع ج 2 ئل باب 107 و باب 108 مما یکتسب به ص 160.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 284
و من طرق العامة [1] و هذا لا شبهة فیه، و إنما الکلام فی تحقیق موضوع السحر و بیان حقیقته.
و قد اختلفت کلمات أهل اللغة [2] فی ذلک، فذکر بعضهم أنه الخدعة و التمویه،
______________________________
- و عن زید الشحام عن أبی عبد اللّه «ع» قال: الساحر یضرب بالسیف ضربة واحدة علی رأسه. مجهولة لحبیب بن الحسن و بشار.
و فی روایة أخری قال: سئل رسول اللّه (ص) عن الساحر فقال: إذا جاء رجلان عدلان فشهدا علیه فقد حل دمه. ضعیفة للحسین بن علوان العامی.
و عن إسحاق بن عمار: إن علیا «ع» کان یقول: من تعلم من السحر شیئا کان آخر عهده بربه وحده القتل إلا أن یتوب. حسنة لإبراهیم بن هاشم. فی ج 2 ئل باب 53 تحریم تعلم السحر مما یکتسب به ص 544 عن قرب الاسناد مثله. ضعیفة لأبی البختری.
و عن الخصال: ثلاثة لا یدخلون الجنة، و عدّ منهم مدمن السحر. مجهولة لجهالة أکثر رواتها و فی قصة هارون و ماروت ما یدل علی حرمة السحر و کفر الساحر و لکنها ضعیفة السند و فی کا بهامش ج 2 مرآة العقول ص 262. و فی ج 3 الوافی باب الکبائر ص 175.
و ج 2 ئل باب 45 من جهاد النفس ص 463 فی صحیحة عبد العظیم الحسینی عدّ السحر من الکبائر.
و فی ج 2 المستدرک ص 434 عن الجعفریات عن علی «ع» إنه قال: من السحت ثمن المیتة- الی أن قال- و أجر الساحر. مجهولة لموسی بن إسماعیل.
و فی ج 3 ص 248 عن الجعفریات إن ابن أعصم سحر النبی (ص) فقتله. مجهولة لموسی بن إسماعیل.
و غیر ذلک من الروایات الکثیرة الصریحة فی حرمة السحر و قد ذکرت هذه الاخبار الکثیرة فی المصادر المزبورة و غیرها.
[1] فی ج 8 سنن البیهقی ص 135 عن رسول اللّه (ص): من أتی عرفا أو کاهنا فصدقه بما یقول فقد کفر بما أنزل علی محمد.
و فی روایة أخری کتب عمر: أن اقتلوا کل ساحر و ساحرة، و فی ثالثة: حد الساحر ضربة بالسیف. و غیرها من الأحادیث من طرق العامة.
[2] فی لسان العرب: و من السحر الأخذة التی تأخذ العین حتی یظن أن الأمر کما یری و لیس الأصل علی ما یری. و السحر الأخذة و کل ما لطف مأخذه و دق فهو سحر. قال الأزهری: و أصل السحر صرف الشی‌ء عن حقیقته الی غیرها، فکأن الساحر لما أری-
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 285
و قال بعضهم: إنه إظهار الباطل بصورة الحق. و قیل: هو الأخذة فی العین. و فی القاموس: إنه ما لطف مأخذه و دق. و قال بعضهم: إنه صرف الشی‌ء عن وجهه الی غیر حقیقته بالأسباب الخفیة علی سبیل الخدعة و التمویه، الی غیر ذلک من التعاریف.
و قد وقع الخلاف بین الأصحاب فی ذلک أیضا، فعن العلامة فی القواعد إنه کلام یتکلم به، أو یکتبه أو رقیة، أو یعمل شیئا یؤثر فی بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غیر مباشرة.
و عن المنتهی إنه زاد أو عقد، و فی المسالک إنه زاد أو أقسام و عزائم یحدث بسببها ضرر علی الغیر، و عن الدروس إنه زاد الدخنة و التصویر و النفث و تصفیة النفس الی غیر ذلک من کلماتهم.
و التحقیق أن المتبادر عند أهل العرف من کلمة السحر- و الظاهر من استقراء موارد استعمالها و ما اشتق منها عند أهل اللسان، و المتصید من مجموع کلمات اللغویین فی تحدید معناها- أن السحر هو صرف الشی‌ء عن وجهه علی سبیل الخدعة و التمویه، بحیث إن الساحر یلبس الباطل لباس الحق، و یظهره بصورة الواقع فیری الناس الهیاکل الغریبة و الاشکال المعجبة المخوفة.
______________________________
- الباطل فی صورة الحق خیل الشی‌ء علی غیر حقیقته، فقد سحر الشی‌ء عن وجهه أی صرفه. و قال الفراء فی قوله تعالی: (فَأَنّٰی تُسْحَرُونَ) معناه: فأنی تصرفون. و قال یونس: تقول العرب للرجل: ما سحرک عن وجه کذا و کذا؟ أی صرفک.
و فی أقرب الموارد: سحرة سحرا عمل له السحر و خدعه. و سحر فلانا عن الأمور صرفه. و یقال: سحرت الفضة إذا طلیتها بالذهب. و قیل: السحر و التمویه یجریان مجری واحدا.
و فی مجمع البحرین: فأنی تسحرون، أی فکیف تخدعون عن توحیده و یموه لکم.
و یسمی السحر سحرا لانه صرف جهته.
و فی مفردات الراغب: نحن قوم مسحورون، أی مصروفون عن معرفتنا بالسحر.
و فی المنجد: سحرة خدعه. و سحرة عن کذا صرفه و أبعده. و سحر الفضة طلاها بالذهب.
و عن الطبرسی عن صاحب العین: السحر عمل یقرب الی الشیاطین. و من السحر الأخذة التی تأخذ العین حتی تظن أن الأمر کما تری و لیس الأمر کما تری فالسحر عمل خفی لخفاء سببه یصور الشی‌ء بخلاف صورته و یقلبه عن جنسه فی الظاهر و لا یقلبه عن جنسه فی الحقیقة، ألا تری الی قول اللّه تعالی (یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعیٰ).
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 286
و الوجه فی ذلک أن السحر عمل خفی یحصل بالأسباب الخفیة، و یصور الشی‌ء علی خلاف صورته الواقعیة، و یصرفه عن وجهه بالخدعة و التمویه، و یقلبه من جنسه فی الظاهر، لا فی الحقیقة، بحیث إن الساحر یسحر الناظرین حتی یتخیلوا أنه یتصرف فی الأمور التکوینیة، و یغیرها عن حقیقتها إلی حقیقة أخری، فیریهم البر بحرا عجابا تجری فیه السفن و تتلاطم فیه الأمواج، من غیر أن یلتفتوا الی کونه خدعة و تمویها. و إظهارا للباطل بصورة الحق و قصة السحرة مع موسی «ع» مذکورة فی القرآن «1» حین ألقوا (فَإِذٰا حِبٰالُهُمْ وَ عِصِیُّهُمْ یُخَیَّلُ إِلَیْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهٰا تَسْعیٰ).
لا یقال: قد تکون للسحر حقیقة واقعیة کالتصرف فی عقل المسحور أو بدنه، أو ما یرجع الیه، و علیه فلا یتم تعریفه المذکور.
فإنه یقال: لیست للسحر حقیقة واقعیة، و لکن قد یترتب علیه أمر واقعی، فقد یظهر الساحر للمسحور شیئا مهولا، فیخاف هذا و یصبح مجنونا، أو یریه بحرا و فیه سفینة جاریة، فیحاول المسحور أن یرکبها فیقع من شاهق و یموت، فان الجنون و الموت و إن کانا من الأمور الواقعیة، إلا أنهما ترتبا علی الأمور التخیلی الذی هو السحر، و یقرب ما ذکرناه ما عن صاحب العین من أنه (یقلب الشی‌ء من جنسه فی الظاهر، و لا یقلبه عن جنسه فی الحقیقة). و قد أشیر الی ما ذکرناه فی خبر الاحتجاج [1] حیث سئل الإمام علیه السلام عن الساحر أ یقلب الواقع الی الواقع آخر؟؟ فقال «ع»: هو أضعف من ذلک.
و علی ما ذکرناه من المعنی قد استعملت کلمة السحر فی مواضع شتی من الکتاب العزیز [2] و أطلق المشرکون صفة الساحر علی النبی الصادق المصدق، فقد زعموا أن محمدا (ص) یظهر الباطل بصورة الحق بکلمات فصیحة و خطب بلیغة حتی یسحر بها أعین الناظرین و قلوبهم،
______________________________
[1] فی الاحتجاج ص 185 و ج 4 البحار ص 130 فی احتجاج الصادق «ع» علی الزندیق قال لعنه الله: أ فیقدر الساحر أن یجعل الإنسان بسحره فی صورة الکلب أو الحمار أو غیر ذلک؟ قال «ع»: هو أعجز من ذلک و أضعف من أن یغیر خلق اللّه إن من أبطل ما رکبه اللّه و صوره و غیره فهو شریک اللّه فی خلقه تعالی اللّه عن ذلک علوا کبیرا لو قدر الساحر علی ما وصفت لدفع عن نفسه الهرم و الآفة الحدیث. مرسل.
[2] فی مفردات الراغب نحن قوم مسحورون، أی مصروفون. و فی لسان العرب فأنی تسحرون أی تصرفون. و فی مجمع البحرین: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا، أی مصروفا عن الحق. و غیر ذلک من الموارد
______________________________
(1) سورة طه آیة: 69.
مصباح الفقاهة (المکاسب)، ج‌1، ص: 287
و من هنا أیضا أطلق السحر علی البیان الجید [1] بلحاظ المدح و الذم، فإنه یصرف حواس الحاضرین و آذان السامعین الی المتکلم.
و بهذا الاعتبار أیضا أطلق السحر علی تمویه الفضة بالذهب. و علی الجملة أن الناظر الی کلمات أهل اللغة و موارد الاستعمال یقطع بأن السحر لیست له حقیقة واقعیة، و إنما هو ما ذکرناه، و من جمیع ما تقدم ظهر ما هو المراد من الأخیار المتظافرة