فرسان الهيجاء في تراجم اصحاب سيد الشهداء المجلد 2

هوية الكتاب

سرشناسه :محلاتی ، ذبیح الله ، 1386-1428

عنوان و نام پدیدآور :فرسان الهیجاآ در شرح حالات اصحاب حضرت سیدالشهدا علیه السلام / تالیف ذبیح الله محلاتی

مشخصات نشر :تهران : مکتبة الحیدرية/ قم المقدسة

مشخصات ظاهری :2 ج در یک مجلد

شابک :2500ریال

وضعیت فهرست نویسی :فهرستنویسی قبلی

موضوع :حسین بن علی (عليهما السلام)، امام سوم ، 61 - 4ق . -- اصحاب

موضوع :شیعه -- سرگذشتنامه

موضوع :واقعه کربلا، ق 61

رده بندی کنگره :BP42/م 3ف 4

رده بندی دیویی :297/9537

شماره کتابشناسی ملی :م 51-3227

محرر الرقمي : محسن مرادي

ص: 1

اشارة

فرسان الهیجاء

في تَرَاجُم

اصحَابِ سَیِّد الشُهَدَاء علیه السلام

الجزءُ الثَّاني

تألیف

الشَيخ ذَبيحُ اللَّهُ المَحَلاتي

نزيل سامراء

1310 - 1405ه

تحقيق وتعريب

محمّد شعاع فاخر

ص: 2

ردمک الكتاب 4-146 - 503 - 964-978

ردمک مشترک 1440 - 503-964-978

ISBN: 978-964-503-146-4

للدورة 0-144-503-964-978

الكتاب ... فرسان الهيجاء في تراجم اصحاب سيد الشهداء علیه السلام / ج 2

المؤلف ... الشيخ ذبيح الله المحلاتي

الناشر ... المكتبة الحيدرية / قم المقدسة

عدد الصفحات ... (384) صفحة وزيري

الطبعة ... الأولى

سنة الطبع ... 1428 - 1386

عدد المطبوع ... 1200 جلد من الجزء الثاني

لیتوگرافی ... آل البيت علیه السلام

المطبعة ... شریعت

السعر ... 12000 تومان للدورة الواحدة 2/1 .

ص: 3

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اشترى من المؤمنين أنفسهم بأنّ لهم الجنّة، وصلّى الله على صاحب الكتاب والسنّة محمد المصطفى وعلى آله سيّما ابن عمه صاحب السيف والأسنة علي المرتضى وعلى الذين بذلوا مهجهم في سبيل إحياء الدين بغير ظنّة ومنّة(1).

أمّا بعد : فهذا هو المجلّد الثاني من كتاب فرسان الهيجاء في تراجم أصحاب سيّد الشهداء وفيه بقيّة حرف العين إلى آخر حروف الهجاء. ونسأل الله التوفيق

فإنّه خير رفيق .

(المؤلّف - ذبيح الله العسكري المحلّاتي)

رحمه الله تعالى

ص: 4


1- وردت هذه الفقر باللغة العربيّة في الكتاب .

بقيّة حرف العين

138 - عمارة بن أبي سلامة الهمداني

يقول السماوي في أبصار العين هو عمارة بن سلامة بن عبدالله ابن أبي سلامة المؤلّف) بن عمران بن رأس بن دالان أبو سلامة الهمداني الدالاني.

وبنو دالان بطن من همدان . كان أبو سلامة عمّار صحابيّاً له رؤية كما ذكره الكلبي وابن حجر في الإصابة (وآخرون - المؤلّف) [وقال أبو جعفر الطبري - إبصار العين ] وكان من أصحاب عليّ علیه السلام ومن المجاهدين بين يديه في حروبه الا الثلاث - الجمل وصفّين والنهروان - وهو الذي سأل أمير المؤمنين عندما سار من ذي قار إلى البصرة ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إذا قدمت عليهم فماذا تصنع ؟ فقال علیه السلام : أدعوهم إلى الله وطاعته فإن أبوا قاتلتهم . فقال أبو سلامة: إذ لن يغلبوا داعي الله ... (1).

وقال صاحب الحدائق الورديّة وابن شهر آشوب قُتل في الحملة الأُولى :

وذكره ابن حجر في الإصابة، وورد ذكره في زيارة الناحية: «السلام على عمارة ابن سلامة الهمداني ».

ص: 5


1- إبصار العين ، ص 79 .

139 - عمارة بن صلخب الأزدي

في رجال المامقاني وإبصار العين السماوي وذخيرة الدارين والحدائق الوردية أن أبا مخنف قال: حدّثني ابن جناب الكلبي قال : كان عمارة بن صلخب الأزدي من شيعة الكوفة وكان ممّن يريد أن يأتي مسلم بالنصرة وخرج محمّد بن الأشعث حتّى وقف عند دور بني عمارة، وجاءه عمارة بن صلخب الأزدي وهو يريد ابن عقيل عليه سلاحه فأخذه فبعث به إلى ابن زياد (ولمّا استشهد مسلم بن عقيل) أُتي به به أيضاً عبيدالله ، فقال له: ممّن أنت ؟ قال : من الأزد. قال: انطلقوا به إلى قومه فضربت عنقه فيهم (1).

140 - عمرو بن جنادة

في زيارة الناحية المقدّسة :« السلام على جنادة ابن كعب الأنصاري الخزرجي وابنه عمرو بن جنادة».

قال في منتهى الآمال : كان فتّى في معسكر الحسين وقد قُتل أبوه في معركة الكوفة، خاطبته أمّه قائلةً: أي بني قم من هنا واذهب إلى ابن رسول الله وقاتل بين يديه، فاستنهضته هذه الأمّ الرؤوم وقام كأنّما نشط من عقال، وقصد نحو ميدان القتال، فلما رآه الإمام الحسين قال : قتل هذا الفتى أبوه ولعلّ أُمّه لا تستطيع تحمل فقده، فقال الفتى : بأبي أنت وأمّي إن أُمّي هي التي أمرتني بالقتال معك، وأنشأ يرتجز:

ص: 6


1- مقتل أبي مخنف، ص 44 و 57 . ولم تسلم عبارة المقتل من مداخلات المؤلف لذلك جعلناها بين قوسين .

أميري حسينٌ ونعم الأمير *** سرور فؤاد البشير النذير

عليّ وفاطمة والداه *** فهل تعلمون له من نظير

له طلعةٌ مثل شمس الضحى *** له غُرَةٌ مثل بدر منير

وقاتل حتّى قُتل، فاحتزّ الكوفيّون رأسه ورموا به معسكر الحسين علیه السلام ، فأخذته أُمّه ووضعته على صدرها وقالت تخاطبه أحسنت يا ولدي ويا سرور قلبي ويا نور عيني، ثم رمت برأسه وهي غاضبة واحداً من الأعداء فأردته صريعاً(1) ثمّ انتزعت عمود الخيمة وحملت على عسكر العدوّ وهي تقول:

أنا عجوز سيّدي ضعيفه *** خاوية بالية نحيفه

أضربكم بضربة عنيفه *** دون بني فاطمة الشريفه

فقتلت رجلين منهم فجائها الإمام الحسين علیه السلام وهي بتلك الحالة وأمرها بالعودة إلى مخيم النساء ودعى لها ، انتهى بألفاظه (2).

وجاء في الحدائق الورديّه بهذا التفصيل عن وسيلة الدارين بلا زيادة أو نقصان بل أضاف أنّ عمر الفتى كان التاسعة وفي رواية أُخرى اثني عشر سنة واسم أمّه بحريّة بنت مسعود الخزرجيّ وقاتله مالك بن نسر، ونقل ما تقدّم في نفس المهموم أيضاً مع الرجز (3).

وجاء في مقتل الخوارزمي بالعبارة التالية:

ثمّ خرج شابّ قُتل أبوه في المعركة(4) ولم يذكر اسمه، وذكر مقتل عمرو بن

ص: 7


1- لست أدري كيف تقتل ضربة برأس شهيد رجلاً من جيش العدوّ إلا أن يكون انتقاماً من الله منهم .
2- منتهى الأمال ، ج 1 ص 565 ط مؤسسة انتشارات هجرت .
3- نفس المهموم، ص 265 و 266 .
4- مقتل الخوارزمي ، ج 2 ص 21 و 22 .

جنادة قبل ذكره مع أبيات ستّة من الرجز وأولها «أضق الخناق من ابن هند وارمه»(1) (وابنه - المؤلّف) .

وذكر العلّامة السماوي عمرو بن جنادة وقتال أُمّه(2) وكذلك فعل المامقاني في رجاله إلى أن يقول : من هنا يعرف أنّ قضيّة كربلاء لها ملابساتها الخاصّة ولا يمكن تطبيقها على المبادئ العامّة .

وفي قمقام فرهاد الميرزا والناسخ نسب ذا الرجل الآتي إلى عمرو بن جنادة:

أضق الخناق من ابن هند وارمه(3) *** من علمهم بفوارس الأنصار

ومهاجرين مخضّبين رماحهم *** تحت العجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبيّ محمّد *** فاليوم تخضب من يد الفجّار

واليوم تخضب من دماء أراذل *** رفضوا القران لنصرة الأشرار

طلبوا بثأرهم ببدر إذ أتوا *** بالمرهفات وبالقنا الخطّار

والله ربّي لا أزال مضارباً *** في الفاسقين بمرهف بتّار

هذا على ابن الأوس فرض واجب *** والخزرجيّة فتية النجّار (4)

ونسب هذا الرجز إلى يحيى بن كثير في ترجمته ولا يعلم أن كان من باب توارد الخاطر أو هو منحول . وكذلك لم يتحقّق لدينا عن الفتى هل هو عمرو بن خالد أو خلف سليل مسلم بن عوسجة الذي ترجمناه قبلاً، أو هو مسعود بن الحجّاج أو غيره، والله سبحانه العالم.

ص: 8


1- نفسه، ج 2 ص 21.
2- إبصار العين ، ص 94 .
3- في القمقام : أضق الخناق بابن سعد وارمه .. من عامه ، ج 1 ص 585 .
4- وجاء هذا البيت في القمقام على النحو التالي : هذا على الأزدي حقّ واجب *** في كلّ يوم تعانق وكرار ج 1 ص 585 .

141 - عمرو بن جندب

قال ابن الأثير الجزري في أسد الغابة عمرو بن كعب بن عبدالله بن جزء بن عامر بن مالك بن عامر بن مالك بن دهماء الحضرمي سكن الكوفة وكان من الشيعة وحضر مع عليّ بن أبي طالب الجمل وصفّين (1).

وقال الطبراني: من أصحاب حجر بن عدي وهرب عندما قبض على حجر واستخفى إلى أن هلك زياد فعاد إلى الكوفة ومات معاوية وعهد بالملك لولده يزيد .

قال أبو مخنف : كان عمرو بن جندب من الشيعة ومن الذين بايعوا مسلم بن عقيل وخرج معه ولمّا وقع مسلم علیه السلام لها بأيدي القوم فرّ عمرو بن جندب مستخفياً إلى أن لحق بالحسين علیه السلام في الطريق ولزم غرزه إلى أن حان يوم العاشر فقُتل في الحملة الأولى.

وقال في المناقب: ومن المقتولين يوم الطفّ في الحملة الأُولى جندب بن عمر و الحضرمي .

142 - عمرو بن خالد

في زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على عمرو بن خالد الصيداوي».

وقال العسقلاني في الإصابة: هو عمرو بن خالد بن حكيم بن حزام الأسدي الصيداوي بطن من أسد بن خزيمة من العدنانيّة.

ص: 9


1- لم أعثر عليه في الكتاب المذكور ولم يترجم إلا لعمر بن جندب الوادعي وقال : هو تابعي . راجع ج 4 ص 94 من أسد الغابة .

وقال المامقاني نقلاً عن أبي مخنف : كان عمرو شريفاً في الكوفة، يخلص الولاء لأهل البيت، قام مع مسلم حتّى إذا خانته أهل الكوفة لم يسعه إلا الاختفاء، فلمّا سمع بقتل قيس بن مسهر وأنّه أخبر أنّ الحسين صار بالحاجر (من بطن الرملة) خرج إليه ومعه مولاه سعد، ومجمع العائذي وابنه وجنادة بن الحرث السلماني، وأتبعهم غلام لنافع البجلي بفرسه المدعوّ الكامل، فجنبوه وأخذوا دليلاً لهم الطرماح بن عدي الطائي، وكان جاء إلى الكوفة يمتار لأهله طعاماً فخرج بهم على طريق متنكّبة وسار سيراً عنيفاً من الخوف لأنهم علموا أن الطريق مرصود حتّى إذا قاربوا الحسين علیه السلام احدا بهم الطرمّاح بن عدي (1) .

وقال أبو جعفر الطبري : فأما الصيداوي عمرو بن خالد وجابر بن الحارث السلماني وسعد ولى عمرو بن خالد ومجمع بن عبدالله العائذي فإنّم قاتلوا في أوّل القتال فشدّوا مقدمين بأسيافهم على الناس، فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزو بهم وقطعوهم من أصحابهم غير بعيد فحمل عليهم العباس بن عليّ فاستنقذهم فجاؤوا قد جرّحوا، فلما دنى منهم عدوّهم شدّوا بأسيافهم في أوّل الأمر حتّى قُتلوا في مكان واحد (2).

ولكن ابن شهر آشوب نسب إليه القتال مبارزةً فقال : ثمّ برز عمرو بن خالد الأزدي قائلاً (3):

اليوم(4) يا نفس إلى الرحمن *** تمضين (5)بالروح وبالريحان

ص: 10


1- هذه العبارة عثرت عليها في إبصار العين ص 66 وهي أقرب إلى العبارة المعزو إليها من الترجمة فآثرتها مع أنّها تقصر عن عبارة المؤلّف بجملة أو جملتين لا دخل لهما في المعنى .
2- تاريخ الطبري ، ج 5 ص 446 ونقلت النصّ بكامله .
3- المناقب ، ج 3 ص 251 .
4- إليك - المؤلّف .
5- فأبشري - المؤلّف .

اليوم تجزين على الإحسان *** قد كان منك غابر الزمان

ما خُطِّ في اللوح لدى الديّان *** لا تحزني فكلّ حيّ فان

والصبر أحضى لك بالأمان *** يا معشر الأزد بني قحطان(1)

ومثله في نفس المهموم وإبصار العين وذخيرة الدارين ومنتهى الآمال والناسخ(2).

143 - عمرو بن ضبيعة

يقول العسقلاني في الإصابة: هو عمرو بن ضبعة بن قيس بن ثعلبة الضبيعي التميمي، له ذكر في المغازي، وعدّه الشيخ في رجاله والأسترآبادي والمامقاني من أصحاب الإمام الحسين وهو رجل شجاع ،صنديد ، له في الحروب نجدة معروفة، ويوصف بالرجولة.

وفي زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على عمرو بن ضبيعة التميمي».

أدرك صحبة النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وجاء مع عسكر ابن سعد إلى كربلاء، ولمّا أبى الشروط التي عرضها الحسين علیه السلام عليه ومانعه أن يعود إلى المدينة من حيث أتى التحق بعسكر الحسين واستشهد في الحملة الأُولى.

وأمّا عمرو بن عبد الله الصائدي فقد مرت ترجمته تحت عنوان (أبو ثمامة) لأنّه

يعرف بكنيته .

ص: 11


1- اقتصر صاحب المناقب على أربعة أشطر من هذا الرجز وهي : اليوم يا نفس إلى الرحمن *** تمضين بالروح وبالريحان اليوم تجزين على الإحسان *** ما خُطّ في اللوح لدى الديان المناقب ، ج 3 ص 251 .
2- راجع نفس المهموم ، ص 260 ؛ منتهى الآمال ، ج 1 ص 547 ؛ إبصار العين ، ص 66 .

144 - عمر بن عبدالله الجندعي

في زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على الجريح المرتت عمرو بن عبدالله الجندعي(1)» .

نقل العلّامة السماوي والمامقاني من الحدائق الورديّة أن عمر بن عبدالله

الجندعي كان ممّن أتى الحسين علیه السلام أيام المهادنة في الطفّ وبقي معه.

قال في الحدائق الورديّة: إنّه قاتل مع الحسين علیه السلام فوقع صريعاً مرتثاً بالجُراحات قد وقعت ضربة على رأسه بلغت منه فاحتمله قومه وبقي مريضاً من الضربة صريع فراش سنة كاملة ثمّ توفّي على رأس السنة رضي الله عنه، ويشهد له ما ذكر في القائميّات - الناحية المقدّسة - من قوله علیه السلام : «السلام على الجريح المرتت عمرو الجندعي»(2) أنّه في عداد الشهداء .

145 - عمرو بن كعب الأنصاري

في الزيارة الرجبيّة :« السلام على عمرو بن أبي كعب» بإسقاط الواو - عمر - وإضافة أبي وإسقاط الأنصاري.

وفي رجال الشيخ عمر بن كعب وهو من أصحاب سيّدالشهداء.

وضبطه المامقاني بعمران بن كعب وقال : إن كان هو من شهداء الطفّ فإنّه في أعلى درجات الوثاقة وإلّا فهو مجهول لا نعرفه وكيف كان فهو مردّد بين عمرو وعمر وعمران، وأبوه بين كعب وأبي كعب، والعلم عند الله .

ص: 12


1- بالجيم المفتوحة والنون الساكنة والدال المفتوحة والعين المهملة والياء نسبة إلى جندع وهو واحد الجنادع وهي أخفاش الضياء (كذا) واسم لبطن من قبيلة همدان من القحطانية. وفي نفثة المصدور : جندع كقنفذ . (منه رحمه الله )
2- ابصار العين ، ص 8.

146 - عمرو بن قَرَظَة الأنصارى

في زيارة الناحية والرجبيّة: «السلام على عمرو بن قرظة - بحركات ثلاث - وذكر في الاستيعاب وأسد الغابة وطبقات ابن سعد وكتب الرجال الأخرى(1).

وأبوه قرظة من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وكان مع النبي في غزوة أحد وغيرها من الغزوات ثمّ سكن الكوفة بعد ذلك واتخذ فيها منزلاً، وكان في حرب الجمل وصفّين مع أمير المؤمنين علیه السلام .

وقال نصر بن مزاحم: كانت راية الأنصار بيده في حرب صفّين، واستعمله الإمام علیه السلام على فارس إلى أن توفّي سنة إحدى وخمسين.

وفي رواية أسد الغابة أنّ وفاته كانت في منتصف خلافة أمير المؤمنين علیه السلام أو في أوائل خلافة معاوية وهو أوّل من نيح عليه في الكوفة، وأشهر أولاده عمرو وعلي . وكان ابنه عمرو بن قرظة بن كعب بن عمرو بن عائذ بن زيد بن مناة بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الخزرجي الكوفي نزل كربلاء قبل نشوب الحرب ونال الشرف بلقاء الحسين علیه السلام وكان رسول الحسين إلى ابن سعد لعنه الله حتى جاء شمر كربلاء فانقطع اللقاء مع ابن سعد.

قال أبو مخنف : حدّثني أبو جناب عن هاني بن ثبيت الحضرمي وكان قد شهد قتال الحسين علیه السلام ، قال : بعث الحسين علیه السلام إلى عمر بن سعد عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري أن ألقني الليل بين عسكري وعسكرك . قال : فخرج عمر بن سعد في نحو من عشرين فارساً وأقبل حسين في مثل ذلك، فلمّا التقوا أمر حسين أصحابه أن يتنحوا عنه وأمر عمر بن سعد أصحابه بمثل ذلك ، قال : فانكشفنا

ص: 13


1- أسد الغابة ، ج 4 ص 304؛ الإصابة ، ج 3 ص 231 ؛ الاستيعاب ، ج 3 ص 356؛ الطبقات ، ج 3 ص 472 وج 6 ص 7 .

عنهما بحيث لا نسمع أصواتهما ولا كلامهما ، فتكلّما فأطالا حتّى ذهب من الليل هزيع ثمّ انصرف كلّ واحد منهما إلى عسكره بأصحابه، وتحدِّث الناس فيما بينهما ظنّاً يظنّونه أنّ حسيناً قال لعمر بن سعد : (أخرج معي إلى يزيد بن معاوية وندع العسكرين .... الخ) (1)....

أرسل الحسين علیه السلام عمرو بن قرظة بن كعب الأنصاري إلى ابن سعد وقال له: أُريد الليلة أن ألقاك، فأقبل ابن سعد وبصحبته عشرون فارساً من عسكره ومثله فعل الحسين علیه السلام والتقوا بين العسكرين ثمّ أمر الحسين أصحابه بالابتعاد وكذلك ابن سعد ولم يبق مع الحسين إلا أخاه العباس وابنه عليّاً الأكبر، ومع ابن سعد ولده حفص ومولاه ، فقال الحسين علیه السلام لابن سعد ويلك يا ابن سعد، أما تخشى الله ولا تخاف یوم المعاد في قتالك إيَّاي، وإنك لتعلم من أنا ، هلم معي واترك الظالمين فإنّ في ذلك رضى الله ورسوله. فقال ابن سعد : أخاف أن تهدم داري، فقال الحسين علیه السلام : أنا أبنيها لك، فقال ابن سعد : وتؤخذ ضيعتي، أنا أعطيك خيراً منها ضيعتي في الحجاز ، فقال ابن سعد : أخشى على أهلي في الكوفة ، فسكت عنه الحسين وأشاح بوجهه عنه وقال له: مالك سلّط الله عليك من يذبحك على فراشك ولا رحمك يوم القيامة، أقسم بالله إنّي لأرجو أن يحرمك الله من برّ العراق، فقال الخبيث مستهزءاً بالشعير كفاية (2).

وملخّص الكلام أنّ عمرو بن قرظة بدأ القتال يوم العاشر وألقى بنفسه في خضم العدوّ وجاهد جهاد الواله المستميت، وجعل أضلاعه ترساً للحسين يتلقّى

ص: 14


1- هذا ما وجدته في مقتل أبي مخنف ص 99 ، وأما ما نقله المؤلف فلم أعثر عليه فيه ولعلّ المؤلّف استقاه من مصدر آخر .
2- وهذا الذي ذكره المؤلّف يختلف تماماً عمّا جاء عند أبي مخنف وأنا نقلت من أبي مخنف ما اتفق مع ما رواه المؤلّف وأعرضت عن الباقي وسقت رواية المؤلّف .

دونه سهام العدوّ ويستقبل بصدره الحراب والأسنّة المسدّدة إليه علیه السلام وهنا داخله هم لجهاده وكان إلى جانب الحسين علیه السلام ، فقال : يا ابن رسول الله ، هل أحسنت الجهاد ووفيت بالعهد ، فقال : نعم لقد وفيت وأحسنت وأجملت فأبلغ جدّي عنّي السلام وقل له : إنّ حسيناً لبالأثر وسوف أصل إليه عن قريب، وحينئذ استبسل استبسال الأبطال الوالهين وألقى بنفسه في وسط جيش العدوّ حتّى فاق المتيّم المهجور السالك إلى دار الحبيب، وقاتل قتالاً شديداً وقتل جماعة من جيش العدوّ وهو يرتجز ويقول:

قد علمت كتيبة الأنصار *** أن سوف أحمي حوزة الذمار

ضرب غلام غير نكس شاري *** دون حسين مهجتي وداري

قال السيّد في اللهوف : فقاتل قتال المشتاقين إلى الجزاء، وبالغ في خدمة سلطان السماء حتّى قتل جمعاً كثيراً من حزب ابن زیاد وجمع بين سداد وجهاد، وكان لا يأتي إلى الحسين علیه السلام الاسهم إلّا اتّقاه بيده (ولا سيف إلّا اتّقاه بمهجته فلم يكن يصل إلى الحسين علیه السلام سوء حتّى أثخن بالجراح، فالتفت إلى الحسين علیه السلام وقال : يا ابن رسول الله ، أوفيت ؟ فقال : نعم أنت أمامي في الجنّة فاقرأ رسول الله عنّي السلام وأعلمه أنّي في الأثر) فقاتل حتّى قُتل (1).

قال ابن نما: قوله «وداري» أشار إلى عمر بن سعد لما التمس الحسين علیه السلام المهادنة قال: لهدم داري(2). يقول: بيتي فداء للحسين علیه السلام .

قال السماوي في إبصار العين: وأمّا علي (أخو عمرو) فخرج مع ابن سعد،

ص: 15


1- حذف المؤلّف من النصّ ما وضعناه بين قوسين لأنّه ذكره قبل ذكر النص في سياق كلامه عن عمرو بن قرظة فناسب ذلك ترك ذكره ، انظر اللهوف ، ص 64 .
2- ابن نما الحلّي، مثير الأحزان، ص 45 .

فلمّا قُتل أخوه عمرو برز من الصفّ ونادى يا حسين، يا كذاب، أغررت أخي وقتلته، فقال له الحسين علیه السلام : إنّي لم أغرّ أخاك ولكن هداه الله ،وأضلّك ، فقال عليّ : قتلني الله إن لم أقتلك أو أموت دونك ثم حمل على الحسين فاعترضه نافع ابن هلال فطعنه حتّى صرعه فحمل أصحابه عليه واستنقذوه فدووي فبرئ . ولعليّ هذا دون أخيه الشهيد ترجمة في كتب القوم ورواية عنه ومدح فيه ...(1).

147 - عمرو بن مطاع الجعفي

في نفس المهموم نقلاً عن المناقب : ثمّ برز عمرو بن المطاع الجعفي وقال :

اليوم قد طاب لنا القراع *** دون حسين الضرب والسطاع

نرجو بذاك الفوز والدفاع *** من حرّ نار حين لا امتناع ...(2)

وفي مقتل أبي مخنف سمّاه عميراً بدل عمرو بن المطاع وأورد له الرجز التالي :

أناعمير وأبي مطاع *** وفي يميني صارع قطاع

كأنه من لمعه شعاع *** إذاً فقد طاب لنا القراع

دون حسين الضرب والصراع *** صلّى عليه الملك المطاع ..(3)

وفي بعض النسخ: عمرو بن أبي المطاع، وجاء في الناسخ رجزه على الشكل

التالي :

أنا ابن جعف وأبي مطاع *** وفي يميني مرهف قطّاع

وأسمر في رأسه لمّاع *** بری له من ضوئه شعاع

ص: 16


1- إبصار العين ، ص 92 و 93 .
2- نفس المهموم، ص 263 ؛ والمناقب ، ج 4 ص 102 .
3- مقتل أبي مخنف، ص 71 .

اليوم قد طاب لنا القراع *** دون حسين الضرب والسطاع

يرجى بذاك الفوز والدفاع *** عن حر نار حين لا امتناع

صليّي عليه الملك المطاع

148 - عمرو بن الحسن بن علي

يقول المفيد في الإرشاد : وأمّا عمرو والقاسم وعبدالله بنو الحسن بن عليّ رضوان الله عليهم فإنّهم استشهدوا بين يدي عمّهم الحسين علیه السلام (1). وهؤلاء الأبناء الثلاثة أُمّهم واحدة وهي أُمّ ولد بناءاً على ما جاء في نفثة المصدور (2). ولا يخفى بأن صاحب الناسخ لم يذكر عمر بن الحسن في عداد الشهداء والجزء المختصّ بالإمام الحسن والجزء المختصّ بالإمام الحسين علیه السلام يروي حكاية في أولاد بن الحسن لم يقتل ولم ينل فضل الشهادة يومذاك ، والاحتمال القوي وارد بأنّ الحكاية جرت مع ولد عمر وهو محمّد بن عمر بن

الحسن، والحكاية التي ذكرها صاحب الناسخ في الجزئين هي كما يلي:

ص: 17


1- الإرشاد ، ج 2 ص 26 .
2- وفيه : اعلم أنّ ممّن كان مع الحسين علیه السلاممن أهل بيته ولم يقتل فيمن قتل محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان له فضل وجلالة. قال شيخنا الأقدم الثقة الفقيه الأجل أبو الصلاح تقي الدين بن نجم الدين الحلبي في محكي تقريب المعارف ورووا عن عبيدالله بن محمد بن عمر بن الحسن بن علي بن أبي طالب قال : شهد أبي محمد بن عمر بن الحسن بن عليّ وهذا الذي كان مع الحسين بكربلاء وكانت الشيعة تنزله بمنزلة أبي جعفر علیه السلاميعرفون حقه وفضله ، قال : فكلمه أبي في أبي فلان ، فقال محمد بن عمر بن الحسن بن عليّ لأبي : اسكت فإنك عاجز والله إنهما لشركاء في دم الحسين . قال صاحب نفتة المصدور : قلت : وكان أبوه عمر ابن الحسن بن عليّ من أُمّ القاسم وعبد الله ابني الحسن وأُمّهم كانت أُمّ ولد . (منه)

وممّن حضر معركة الطفّ من أولاد الحسن ولم يقتل عمر بن الحسن وكان صغيراً محتضناً مع العيال وسيق معهم إلى الشام، فقال له يزيد بن معاوية لعنهما الله ذات يوم: أتصارع ابني ؟ فقال عمر بن الحسن : ليس لي جلد على المصارعة ولكن أعطه سكّيناً وأعطني سكّيناً ثمّ انظر لمن تكون الغلبة فإذا قتلني صرت إلى جدّي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم هو أبي علي المرتضى وإذا قتلته صار إلى جدّه أبي سفيان وأبيه معاوية.

فلمّا سمع منه يزيد ذلك نظر إليه شزراً فقال:

شنشنة أعرفها من أخزم *** ما تلد الحيّة الّا حيّة

وهذا مثل عربيّ تمثّل به يزيد لأنّ أبا أخزم كنية والد حاتم الطائيّ وكان أخزم ابنه معروفاً بسوء الخلق وشراسة الطبع ومات في شبابه وترك من بعده أولاداً هجموا على جدّهم ذات يوم فأدموا وجهه ورأسه بأسنانهم وأظافرهم فتداعى إلى ذهن أبي أخزم طبع أبيهم الشرس وجرى هذا الشعر على لسانه أنّ بنيّ رمّلوني بالدم شنشنة أعرفها من أخزم ....(1).

وقال يزيد على أثر ذلك: ما تلد الحيّة إلّا حيّة ثمّ قال: انظروه هل أنبت وبلغ مبلغ الرجال أو ما يزال طفلاً، ففعلوا وقالوا ما يزال طفلاً بعد ، فقال : اذن دعوه لا تقتلوه حتّى أعاد أهل البيت إلى مدينة جدّهم ثمّ عدّ صاحب الناسخ الشهداء من أبناء الحسن فجعلهم خسمة وهم : أحمد والقاسم وعبد الله الأكبر وعبد الله الأصغر وأبوبكر ، وأضاف إليهم المجلسي يحيى بن الحسن أيضاً.

ص: 18


1- فرائد الآل ، ج 1 ص 308.

149 - عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام

دار خلاف بین العلماء عن شهادة عمر بن أمير المؤمنين علیه السلام في طف كربلاء والعلم عند الله تعالى فأثبتها له محمّد بن عليّ بن شهر آشوب في المناقب وأبو مخنف والمحدّث القمّي في نفس المهموم والمجلسي في البحار والمامقاني وصاحب الناسخ .

وقال في الناسخ والمقامقاني في رجاله : عمر بن عليّ بن أبي طالب، أُمّه ألصهباء التغلبيّة وأخته رقيّة ولدا توأمين، وروى أصحاب المقاتل من العامة والخاصّة أنهما خرجا مع إخوتهما من المدينة إلى العراق وكان مع رقية أُخته ولداها عبدالله ومحمد ابنا مسلم بن عقيل علیهم السلام ، ولمّا قتل أخوه أبو بكر يوم عاشوراء ركب فرسه وصال على الأعداء وهو يرتجز ويقول:

أضربكم ولا أرى فيكم زجر *** ذاك الشقي بالنبيّ قد كفر

یا زجر یا زجر تدان من عمر *** لعلك اليوم تبوء من سقر

شرّ مكان في حريق وسعر *** لأنك الجاحد يا شرّ البشر(1)

وبارز زجر بن بدر قاتل أخيه عبدالله الأصغر وقاتله ثمّ قتله بدم أخيه ووضع السيف في عسكر ابن سعد وجال فيهم يميناً وشمالاً حتّى أردى كثيرين منهم وأنشد هذا الرجز:

ص: 19


1- المناقب ، ج 3 ص 255 وجاء الرجز هكذا : خلّوا عداة الله خلّوا عن عمر *** خلّوا عن الليث الهصور المكفهر يضر بكم بسيفه ولا يفر *** یا زجر یا زجر تدان من عمر بحار الأنوار ، ج 45 ص 37 ؛ العوالم ، ص 280 ؛ معالم المدرستين لمرتضى العسكري ، ج 3 ص 128 .

خلّوا عداة الله خلوا عن عمر *** خلّوا عن الليث العبوس المكفهر

يضربكم بسيفه ولا يفر *** وليس فيها كالجبال المنحجر

ولم يزل يقاتل، وعدّه أصحاب المقاتل من الشهداء، منهم أخطب خوارزم الذي قال بعد ذكره لرجزه: فقاتل حتّى قُتل.

ولكن النسّابين لهم رأي آخر. يقول في عمدة الطالب في ذكر عقب عمر الأطرف بن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ويكنى أبا القاسم (قال الموضح النسّابة )وقال ابن خداع يكنّى أبا حفص وولد توأماً لأخته رقيّة وكان آخر من ولد من بني عليّ المذكور وأُمّه الصهباء التغلبيّة وهي أُم حبيب بنت عباد بن ربيعة ابن يحيى بن العبد بن علقمة من سبي اليمامة وقيل من سبي خالد بن الوليد من عين التمر اشتراها أمير المؤمنين عليّ علیه السلام وكان (عمر بن علي) ذا لسان وفصاحة وجود وعفّة ...(1) .

حكى (النسّابة) العمري قال: اجتاز عمر بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام في سفر كان له في بيوت من بني عدي فنزل عليهم وكانت سنة قحط، فجائه شيوخ الحي فحادثوه واعترض رجل مارّاً له شارة فقال : من هذا؟ فقالوا: سالم بن رقيّة وله انحراف عن بني هاشم، فاستدعاه وسأله عن أخيه سليمان بن رقيّة وكان سليمان من الشيعة ، فخبّره أنّه غائب فلم يزل عمر يلطف له في القول وشرح له في الأدلّة حتّى رجع عن انحرافه عن بني هاشم ، وفرّق عمر أكثر زاده ونفقته وكسوته عليهم فلم يرحل عنهم بعد يوم وليلة حتّى غيّثوا وأخصبوا ، فقال : هذا أبرك الناس حلّاً ومرتحلاً(2). وهو آخر من مات من أولاد أمير المؤمنين علیه السلام .

ص: 20


1- ابن عنبة ، عمدة الطالب ، ص 361.
2- عمدة الطالب ، ص 362 .

ذكر ابن خداع أنّه عمّر حتّى بلغ الخامسة والسبعين. وقال أبو نصر البخاري بل الخامسة والثمانين. ومجمل القول أنّ عطايا عمر تواصلت على سالم ما دام على قيد الحياة ولمّا توفّي عمر رثاه سالم بالبيتين التاليين :

صلّى الإله على قبر تضمّن من *** نسل الوصي علي خير من سئلا

قد كنت أكرمهم كفّاً وأكثرهم *** علماً وأبركهم حلّاً ومرتحلا

وذكر صاحب الناسخ في ترجمة عمر الأكبر من كتاب أمير المؤمين آثاراً له تفوق ما ذكروه وحاصلها عدم شهادته في كربلاء وربّما يرجع ذلك إلى اعتباره ولداً آخر للإمام باسم عمر الأصغر ولكن لا يوجد له اسم ولا رسم في التاريخ. والله أعلم بما ذكر.

وقال النسّابة العمري: وتخلّف عمر عن أخيه الحسين علیه السلام ولم يسر معه إلى الكوفة وكان قد دعاه إلى الخروج معه فلم يخرج ، ويقال : إنّه لمّا بلغه قتل أخيه الحسين علیه السلام خرج في معصفرات له وجلس بفناء داره وقال : أنا الغلام الحازم ولو أخرج معهم لذهبت في المعركة وقتلت (1). ولكنّه نسب هذه الحكاية إلى القيل إذ لا يعرف من الذي رواها أو قالها «وكان أوّل من بايع عبدالله بن الزبير ثم بايع بعده الحجّاج وأراد الحجّاج إدخاله مع الحسن بن الحسن في توليته صدقات أمير المؤمنين علیه السلام فلم يتيسّر له ذلك ومات عمر بينبع وهو ابن سبع وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين وولده جماعة كثيرة متفرّقون في عدّة بلادٍ (2).

أقول : مصدر هذه الأقوال جميعها التي ذكرت في كتاب «عمدة الطالب» وغيرها النسّابة العمري وأنا أثبتُ في الجزء الثاني من تاريخ سامرّاء في ترجمة

ص: 21


1- عمدة الطالب ، ص 362 .
2- نفسه، ص 362 وما بعدها .

محمّد بن عليّ الهادي كثرة أخطاء هذا النسّابة وكتابه ليس له قيمة علميّة وهو مطروح من اعتماد أهل العلم. وإذا انفرد بذكر مطلب من المطالب على فرض عدم خلطه فإنّما هو من أراجيف النواصب والمبغضين لآل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم والمعاندين الأهل بيت العصمة والطهارة، فقد أصغى إليهم سمعه وأورد ما سمعه في كتابه وحشاه من لفظ قيل ويقال وما أشبه ذلك، وهذا القول نظير تلك الأقوال التي تنسب الكفر لأبي طالب علیه السلام وآباء رسول الهدى، وتنسب ادّعاء الإمامة لمحمّد بن الحنفية وزيد بن عليّ بن الحسين علیهم السلام وكذلك نظير ما نسبوه إلى المختار من عليا الأقوال الباطلة التي تمجها العقول والأسماع.

وهيهات أن يرضخ العقل لما ادّعي من أنّ عمر بن عليّ مديد البيعة إلى عبد الله ابن الزبير أو بايع الحجّاج الكافر وارتدى ثياباً مصبغة وجلس على باب داره وأظهر الابتهاج بقتل أخيه وتباهى بعدم خروجه إلى كربلاء وعمد إلى تأنيب أبي عبدالله الحسين علیه السلام على خروجه مع أن أحداً من أصحاب المقاتل لم يشر من الله قريب أو بعيد إلى هذه الأمور ولم ينقل شيئاً منها فضلاً عن التصريح بها، ولم يذكر أحد منهم أن الإمام دعاه للخروج معه سبحان الله ، أترى أن أُمّ عمر وأخواته وإخوانه وأعمامه وبني عمومته يخرجون بأجمعهم فما الذي حمل عمر على التخلّف بعد رحيل هؤلاء؟ وما الذي يبغيه من البقاء وقد أقفرت المدينة من أهله ؟ إن هذا يدلّ على عدم صحة ما ذكر، ويحملنا على العلم بكونها أساطير أموية صنعت للحط من هيبة أهل البيت وبما أن أيديهم لا تطال مقام أهل البيت علیهم السلام الرفيع فقد عمدوا إلى أبنائهم والمقرّبين منهم فنسجوا أساطيرهم حولهم، ليخفضوا من شأنهم في أعين الخصوم والأولياء.

ص: 22

150 - عمير بن عبدالله المذحجي

قال ابن شهر آشوب في المناقب: ثمّ برز عمير بن عبدالله المذحجي فائلاً:

قد علمت سعد وحيّ مذحج *** إنّي لدى الهيجاء غير مخرج

أعلو بسيفي هامة المذحج *** وأترك القرن لدى التعرّج

فريسة الذئب الأذل الأعرج(1)

وبالغ في القتال حتّى أتته ضربة عبدالله البجلي ومسلم الضبابي فاستشهد رضوان الله عليه .

وذكر أخطب خوارزم في مقتله وصاحب نفس المهموم نحواً من ذلك (2).

151 - عمير بن كناد

في الزيارة الرجبية: «السلام على عمير بن كناد» ولم أعثر على أكثر من هذا(3).

152 - عون بن جعفر الطيّار

عدّه الشيخ الطوسى فى رجاله من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام(4) .

وفي عمدة الطالب قال : وأمّا عون ومحمّد الأصغر فقد قتلا مع ابن عمّهما

ص: 23


1- مناقب ابن شهر آشوب، ج 4 ص 110 .
2- مقتل الخوارزمي ، ج 2 ص 14 ، وفي الرجز زيادة على ما ذكره المؤلّف ؛ نفس المهموم، ص 261 . والأزل سبع بين الذئب والضبع . راجع العين ، ج 7 ص 349 .
3- مزار الشهيد الأوّل ، ص 153 ؛ إقبال الأعمال ، ج 3 ص 345 .
4- رجال الطوسي ، ص 75 .

الحسين علیه السلام الطف (1)، وأُمّهما أسماء بنت عميس الخثعمية. ولد في أرض الحبشة وكان ملازماً لأمير المؤمنين علیه السلام في جميع مشاهده كما صرّح بذلك نصر ابن مزاحم المنقري في كتاب «صفّين».

وقال في الإصابة : قيل : إنّه روي عن عبد الله بن جعفر أنّه قال : لمّا استشهد أبي في موتة جاء النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم إلى بيتنا وقال لأُمّي : ادعي لي أبناء جعفر، فلمّا حضرنا عنده أجلسنا بين يديه وقال لمحمّد : أنت شبيه عمّي أبي طالب، وقال لعون: أشبهت أباك خلقاً وخُلقاً ، ثمّ طلب الحلّاق وحلّق لنا رؤوسنا .

وفي عمدة الأنساب عن عبد الله بن جعفر أنّ النبيّ نعى لنا أبي جعفراً فارتفع بكاء أُمّي أسماء فاغرورقت عينا رسول الله بالدموع، إلى أن يقول : فلمّا انتقل النبيّ إلى الرفيق الأعلى اختصّ عون بأمير المؤمنين ولازمه لا يكاد يفارقه، فزوجه زينب الصغرى المكناة بأُمّ كلثوم الكبرى وأُمّها فاطمة الزهراء.

أقول : بيّنت في كتاب (رياحين الشريعة) بطلان زواج عمر من أُمّ كلثوم .

وذكر المامقاني في رجاله وصاحب ذخيرة الدارين دونما عزو إلى مصدر، قالا : كان عون ملازماً للحسين علیه السلام وخرج معه من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ومعه زوجه أمّ كلثوم وقاتل العدوّ بعد شهادة عبدالله بن مسلم في يوم عاشوراء، وينسب إليه رجز قاله وهو يقاتل، وقالوا: قتل ثلاثين فارساً وثمانية عشر ،راجلاً، وشرك في قتله زيد بن رقاد الجهني وعروة بن عبدالله الخثعمي واستشهد مع الحسين علیه السلام وكان عمره ساعة قتل ستّاً وخمسين أو سبعاً وخمسين سنة.

وذكر فرهاد ميرزا رحمه الله في القمقام عن كامل ابن الأثير أنّ عون بن جعفر بن

ص: 24


1- عمدة الطالب ، ص 371 .

أبي طالب أمّه جمانة أو جماعة بنت المسيب بن نجبة الفزاري واستشهد في كربلاء، قتله عبدالله بن قطنة الطائي، ثمّ يردف صاحب القمقام فيقول: وهذه الرواية تخالف ما رواه الفريقان، والله أعلم بحقائق الأمور(1) .

153 - عون بن عبد الله بن جعفر علیهم السلام

عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب سيّدالشهداء وقال: استشهد مع الحسين في أرض كربلاء.

وذكره العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة.

وفي زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على عون بن عبدالله بن جعفر الطيّار في الجنان، حليف الإيمان ومنازل الأقران الناصر للرحمان التالي للمثاني والقرآن لعن الله قاتله عبدالله بن قطنة(2) الطائي النبهاني(3) .

وقال أبو مخنف : قتله عبدالله بن قطنة الطائي .

وقال أبو الفرج: أُمّه زينب العقيلة بنت علي بن أبي طالب، أُمّها فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(4).

وقال الطبري وابن الأثير : ( عن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب : لمّا خرجنا من مكّة كتب عبد الله بن جعفر بن أبي طالب إلى الحسين بن عليّ مع ابنيه عون ومحمّد :

أمّا بعد، فإنّي أسألك بالله لمّا انصرفت حين تنظر في كتابي فإنّي مشفق عليك

ص: 25


1- راجع القمقام ، ج 2 ص 11 تعریف و تحقيق محمّد شعاع فاخر ، نشر الشريف الرضي .
2- بقاف مضمومة وطاء بعدها نون مفتوحة وهاء.
3- بتقديم النون على الباء الساكنة الموحدة اسم قبيلة . (منه)
4- مقاتل الطالبيين ، ص 91 .

من الوجه الذي توجه له أن يكون فيه هلاكك واستئصال أهل بيتك، إن هلكت اليوم أطفئ نور الأرض فإنّك علم المهتدين ورجاء المؤمنين فلا تعجل بالسير فإنّي في أثر الكتاب، والسلام.

قال : وقام عبدالله بن جعفر إلى عمرو بن سعيد بن العاص فكلّمه وقال اكتب إلى الحسين كتاباً تجعل له فيه الأمان وتُمنّيه فيه البرّ والصلة وتوثق له في كتابك وتسأله الرجوع لعلّه يطمئنّ إلى ذلك فيرجع.

فقال عمرو بن سعيد : اكتب ما شئت وأتني به حتّى أختمه، فكتب عبدالله بن جعفر الكتاب ثمّ أتى به عمرو بن سعید، فقال له اختمه وابعث به مع أخيك يحيى بن سعيد فإنّه أحرى أن تطمئن نفسه إليه ويعلم أنّه الجدّ منك ....

قال : فلحقه يحيى وعبدالله بن جعفر ثمّ انصرفا بعد أن أقرأه يحيى الكتاب، فقالا : أقرأناه الكتاب وجهدنا به وكان مما اعتذر به إلينا أن قال: إنّي رأيت رؤيا فيها رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لو أمرت فيها بأمر أنا ماض له ، فقالا له : فما تلك الرؤيا ؟ قال : ما حدّثت أحداً بها وما أنا محدّث بها حتّى ألقى ربِّي(1) .

ولمّا علم عبد الله بن جعفر أنّ الحسين لا يرجع أبداً أمر ولديه محمّد وعون بملازمته وقال : لا تفارقا مولاكما وجاهدا بين يديه. وعاد مع يحيى بن سعيد.

وقال أهل السير برز عون بن عبدالله إلى القتال بعد أخيه محمد وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن جعفر *** شهيد صدق في الجنان الأزهر

يطير فيها بجناح أخضر *** كفى بهذا شرفاً في المحشر

وقاتل حتّى قتل ثلاثة فوارس وثماني رجال ثمّ استشهد بيد جعفر بن قطنة النبهاني. وبعضهم أوصل المقتولين إلى ثانية عشر راجلاً وثلاثة فرسان .

ولمّا وصلت أنباء شهادتهما إلى المدينة جلس عبدالله بن جعفر للعزاء وأقبل

ص: 26


1- تاريخ الطبري ، ج 4 ص 291 ؛ الكامل ، ج 4 ص 41 .

عليه الناس يعزّونه، وكان له مولّى يُدعى (أبا السلاسل) قال: هذا ما لقيناه من الحسين فغضب عبدالله وخلع نعليه وضربه بهما على رأسه ووجهه وقال: يابن اللخناء، أللحسين تقول هذا والله لو شهدته لما فارقته حتى أقتل معه . هوّن عليّ قتلهما أنّهما أُصيبا مع الحسين وبذلا مهجتهما دونه . ثمّ أقبل على جلسائه وقال:

.. الحمد لله، عزّ علي مصرع الحسين ألا أكن آسيت حسيناً فقد آسيته بولدي(1).

وذكره سليمان بن قتيبة في مرثيته التي رثى بها الحسين علیه السلام :

عين جودي بعبرة وعويل *** واندبي إن بكيت آل الرسول

ستّة كلّهم لصلب عليّ *** قد علوه بصارم مصقول

وإذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كلّ مسيل

واندبي إن ندبت عوناً أخاهم *** ليس فيما ينوبهم بخذول

فلعمري لقد أُصيب ذووا القربي *** فبكي على المصاب الطويل

154 - عون بن عقيل

أبو المظفّر سبط ابن الجوزي في تذكرة خواص الأمّة عدّه من شهداء كربلاء(2) .

ص: 27


1- قارن بعبارة الإرشاد ودخل بعض موالي عبدالله بن جعفر بن أبي طالب علیه السلام فنعى إليه ابنيه فاسترجع ، فقال أبو السلاسل مولى عبدالله بن جعفر : هذا ما لقينا من الحسين ، فحذفه عبدالله بن جعفر بنعله ثم قال : يابن اللخناء ، اللحسين تقول هذا ؟ والله لو شهدته لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما سخي بنفسي عنهما ويعزّيني عن المصاب بهما أنهما أُصيبا مع أخي وابن عمّي مواسيين له صابرين معه ، ثم أقبل على جلسائه ... الخ . الإرشاد ، ج 2 ص 124 .
2- تذكرة خواص الأمة، ص 229 وذكر الشعر ونسبه إلى سراقة الباهلي وفيه : سبعة كلّهم لصلب عليّ *** قد أصيبوا وسبعة لعقيل

155 - عون بن علي بن أبي طالب علیه السلام

أُمّه أسماء بنت عميس قال المامقاني: يقول أهل السير : لمّا رأى كثرة القتلى من أصحاب الحسين علیه السلام تقدّم إلى أخيه الحسين طالباً إذن القتال منه ، فنظر إليه الحسين علیه السلام وأرخى عينيه بالدموع وقال له : يا أخي، استسلمت للموت ؟! فقال : كيف لا أستسلم للموت وأنا أراك وحيداً غريباً لا ناصر لك ولا معين ، فجزّاه الإمام خيراً، ثمّ حمل على القوم وهو يرتجز:

أُقاتل القوم بقلب مهتد *** أذبّ عن سبط النبيّ أحمد

أضربكم بالصارم المهنّد *** حتّى تحيدوا عن قتال سيّدي

وقاتل حتّى استشهد أمام الحسين علیه السلام .

وفي ناسخ التواريخ ذكر التفصيل التالي من كتاب «روضة الأحباب» لسيّد عطاء الله الشافعي ، قال : لم أعثر على خبر مقتل عون في كتب التاريخ ولمّا كان صاحب روضة الأحباب من علماء أهل السنّة والجماعة ذوي القدر والجلالة وهو ثقة فيما يروي لذلك اقتفيت أثره واكتفيت بروايته اعتماداً عليه، ومجمل قوله :

كان عون ذا وجه صبيح وجبين مليح ، ورث الشجاعة من أبيه حيدرة الكرّار ، فقد أقبل على أخيه مستأذناً لدخول معركة الطفّ فاغرورقت عينا الحسين بالدموع وقال : لا أراك قادراً على مقارعة هذا الجيش اللجب وحدك ولكن اطلب البراز منهم ليخرج إليك الواحد أثر الآخر وقاتل القرن وأورد القرين الحمام بهذه الطريقة ، فقال : وهذا ما يتمنّاه الشجاع ويهفوا إليه الصنديد.

قال : هذا وهمز جواده وإذا هو في وسط القوم فجال فيهم يميناً وشمالاً وقتل منهم مقتلة عظيمة وأحاطت به الصفوف وضرب حوله ألفان من الرجال نطاقاً كطوق الحديد، فقاتلهم حتّى فرّق جمعهم وشتّت شملهم وبدّد صفوفهم، وعاد

ص: 28

إلى الحسين مظفّراً، فقبل الحسين علیه السلام وجهه و باهى به الرجال، وأثنى عليه في القتال، وقال له : لقد أضناك القتال وآلمك كثرة الجراح فاخلع اللّامة واسترح قليلاً، فقال : أحببت أن أجدد بك عهداً وليس من اللّائق أن أُولي العدوّ ظهري وأضنّ ببذل نفسي إلّا أن شدّة العطش تؤذيني ، فأذن لي ثانية لأفديك بنفسي .

ورأى الإمام أنّ جواده أعيا من شدّة الركض وراء العدو فأمر بإعطائه جواداً جديداً فاعتلا صهوته وأقحمه ميدان الحرب وحمل على عسكر ابن سعد وكان في الجيش رجلٌ يُدعى صالحاً بن سيّار وكان قد حده الإمام في الخمر أيام خلافته وقد أمر عوناً بجلده، فلما رأى عوناً وقد أحاط به العدوّ من كل جانب وهو جريح ظمآن تنبهت فيه روح الثأر القديم فاستل حسامه وأجرى فرسه باتّجاهه وهو یشتمه فقطع عون عليه كلامه ووجره بالحربة حتّى ألقاه من ظهر فرسه ولمّا شاهد أخوه بدر بن سيّار ذلك نهض لطلب ثأثر أخيه فألحقه عون بأخيه، وهنا رأى خالد بن طلحة الفرصة قد لاحت فخرج من مكمنه وضرب عوناً بسيفه فقال عون: بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله ثمّ أسلم الروح إلى بارئها وتحوّل إلى العالم الباقي من عالم الفناء والزوال، رضوان الله تعالى عليه(1) .

ذكرت في كتاب «رياحين الشريعة» في ترجمة أسماء بنت عميس بأنّ الإمام علیه السلام لا تزوّجها وأولدها ولدين أحدهما يحيى وقد درج، والثاني عون هذا.

ص: 29


1- يظهر على هذه الرواية أثر التكلّف والصنعة ولا أستبعد أن تكون مصنوعة مع كونها مرسلة فأرجو من القارئ الكريم أن ينثبت في نقلها بعد أن يشير إلى وضعها من درجات الحديث فإنّ كذباً على أهل البيت ليس كالكذب على غيرهم.

حرف الغین

156 - غيلان بن عبد الرحمن

ورد ذكره في الزيارة الرجبيّة الموجودة في إقبال ابن طاووس: «السلام على غيلان بن عبدالرحمن» (1).

157 - غلام خرج من الخيمة

ذكر المجلسي في عاشر البحار وخرج غلام وبيده عمود من تلك الأبنية وفي أُذنيه درّتان وهو مذعور ، فجعل يلتفت يميناً وشمالاً وقرطاه يتذبذبان فحمل عليه هانئ بن ثبيت فقتله فصارت شهربانو تنظر إليه ولا تتكلّم كالمدهوشة(2) .

وفي نفس المهموم ص 174(3) روى عن أبي جعفر الطبري عن هشام الكلبي قال : حدّثني أبو الهذيل رجل من السكون عن هانئ بن ثبيت الحضرمي قال : رأيته جالساً في مجلس الحضرمييّن في زمان خالد بن عبدالله وهو شيخ كبير، قال: فسمعته وهو يقول: كنت ممّن شهد قتل الحسين علیه السلام ، قال : فوالله إني لواقف عاشر عشرة ليس منّا رجل إلا على فرس وقد جالت الخيل وتضعضعت إذ خرج

ص: 30


1- مزار الشهيد الأوّل، ص 152؛ بحار الأنوار ، ج 98 ص 340 ؛ أنصار الحسين لشمس الدين ، ص 157 ؛ مستدرکات علم الرجال، ص 189 .
2- بحار الأنوار ، ج 45 ص 46 .
3- نفس المهموم، ص 299 ط المكتبة الحيدريّة 1421ه.

غلام من آل الحسين علیه السلام وهو ممسك بعود من تلك الأبنية، عليه إزار وقميص

له وهو مذعور يلتفت يميناً وشمالاً، فكأنّي أنظر إلى درّتين في أُذنيه تذبذبان كلّما التفت إذ أقبل رجل ركض حتّى إذا دنى منه مال عن فرسه ثمّ اقتصد الغلام فقطعه بالسيف.

قال هشام الكلبي : هاني بن ثبيت الحضرمي هو صاحب الغلام فلمّا عتب عليه كنّى عن نفسه(1) .

فلم تر عيني كالصغار مصابهم *** يقلّب أكباد الكبار على الجمر

فلهفي لمولاي الحسين وقد غدا *** وحيداً فريداً في وطيس الملاحم

یری قومه صرعى وينظر نسوة *** تجلبين جلباب البكا والمآتم

158 - غلام الحرّ بن يزيد الرياحي

واسمه عروة

قال في الناسخ : كان هذا الغلام في معسكر عمر بن سعد ولمّا رأى مولاه الحرّ قتيلاً خرج من اختياره وحمل على عسكر ابن سعد وقتل جماعة ثمّ التحق بالحسين علیه السلام واستأذن الحسين للقتال وقاتل قتال الأبطال حتّى استشهد.

159 - غلام لنافع بن هلال

يأتي في ترجمة مجمع بن عبدالله العائذي.

وأمّا غلام عبدالرحمن بن عبدربه الأنصاري فقد جاء في ترجمة عبدالرحمن وسبق ذكره ولكنّه فرّ من كربلاء عندما احتدم القتال مِن ثَمّ لم نذكره هنا .

ص: 31


1- تاريخ الطبري ، ج 7 ص 360 و 361 وج 4 ص 343 .

حرف الفاء

160 - فيروزان

يقول الفاضل القزويني في «رياض الشهادة » ج 2 ص 162 : كان فيروزان مولى الإمام الحسن علیه السلام استشهد في كربلاء. وينقل له المؤلّف المذكور مشاهد غريبة وبلغ من قتل بيده من جيش العدوّ مائة وثلاثين شخصاً، ولما كنت غير واثق بما انفرد به المؤلّف لذلك حبست عنان القلم عن الجري في ميدانه .

ص: 32

حرف القاف

161 - قارب

ذكر ابن حجر في الإصابة وغيره أنّه قارب بن عبدالله بن أُريقط - بصيغة التصغير - الليثي ثمّ الدُئلي، وهذا عبد الله هو الذي صحب رسول الله من الغار عندما احتمى فيه من قريش ، وإنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم قال له : يابن أُريقط هل تصون رأسي إن وضعته بين يديك؟ وهل تتنكّب بنا الطريق بحيث لا يرانا أحد حتّى تصل بنا المدينة ؟ فقال عبد الله بن أريقط: عرفت أنّك نبيّ من نسج العنكبوت ومن الحمامتين فآمنت بك وسوف أحرسك ، فكان دليل النبيّ إلى المدينة.

وفي ذخيرة الدارين عن الحدائق الورديّة أنّ عبد الله بن أُريقط هذا تزوّج فكيهة جارية الإمام الحسين علیه السلام وكانت تخدم الرباب زوجته فأولدها ،قارب، ولمّا قصد الإمام العراق تحمّل بأمّه معه واستشهد قارب بكربلاء في الحملة الأولى.

وفي زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على قارب مولى الحسين علیه السلام» .

162 - قرّة بن أبي قرّة

يقول في عاشر البحار: ثمّ خرج من بعده قرّة بن أبي قرّة الغفاري وهو يرتجز ويقول:

ص: 33

قد علمت حقّاً بنو غفار و خندف بعد بني نزار

بأنني الليث لدى الغبار لأضربنّ معشر الفجّار

بكلّ عضب ذکر بتّار ضرباً وجيعاً عن بني الأخيار

رهط النبيّ السادة الأبرار

قال : ثمّ حمل فقاتل حتّى قُتل رحمه الله(1) .

وفي قمقام الميرزا فرهاد وناسخ التواريخ مثله (2).

وفي نفس المهموم ذكر بعد الرجز أنّ قرّة بن أبي قرّة الغفاري قتل منهم ثمانٍ وستّين رجلاً(3).

163 - قاسط

في زيارة الناحية والرجبيّة : «السلام على قاسط وكردوس ابني زهير التغلبييّن».

وفي رجال الأسترآبادي وأبي علي والمامقاني أنّهما من أصحاب عليّ علیه السلام.

وفي كتاب صفّين لنصر بن مزاحم المنقري الكوفي أنّ الإمام أمير المؤمنين علیه السلام قسّم الرايات على القبائل في يوم صفّين فأعطى راية كلّ قبيلة إلى رئيسها وأعطى عبدالله بن عبّاس راية قريش وأسد ،وكنانة وراية كندة إلى حجر بن عدي الكندي، ودفع راية أهل البصرة إلى الحصين بن المنذر ، وراية تميم للأحنف بن قيس وقاسط بن عبدالله بن زهير بن الحرث التغلبي، وكان أخوه مسقط حاضراً معهم في حرب صفّين وقاتلوا بين يدي أمير المؤمنين علیه السلام وصاروا إلى الإمام

ص: 34


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 25 .
2- القمقام الزخّار، ج 1 ص 573 وص 583 تعريب و تحقيق محمّد شعاع فاخر .
3- نفس المهموم ، ص 261 و 262 .

الحسن بعد شهادة أبيه وبعده لحقوا بالحسين في كربلا وفاز الثلاثة كلّهم بالشهادة معه في الحملة الأُولى .

جادوا بأنفسهم في حرب سيّدهم *** والجود بالنفس أقصى غاية الجود

164 - القاسم بن حبيب

عدّه الشيخ في رجاله وكذلك الأسترآبادي والمامقاني من شهداء كربلاء وقالوا: كان فارساً قرماً شجاعاً، وكان في عسكر ابن سعد لعنه الله ولمّا نزل العسكر بكربلاء لحق بالإمام الحسين علیه السلام حتّى استشهد.

وفي زيارة الناحية والرجبيّة : «السلام على قاسم بن حبيب الأزدي» (1).

وقال في إبصار العين: القسم بن حبيب ابن أبي بشر الأزدي، قُتل في الحملة الأُولى(2) .

165 - القاسم بن الحارث

لم يذكر إلّا في الزيارة الرجبية: «السلام على القاسم بن الحارث الكاهلي» (3).

166 - القاسم بن الحسن علیهما السلام

166 - القاسم بن الحسن علیهما السلام (4)

أُمّه رملة أمّ ولد، حضر كربلاء ولم يبلغ الحلم، خفره داعي الجهاد إلى ولوج

ص: 35


1- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 79.
2- إبصار العين ، ص 109 .
3- بحار الأنوار ، ج 98 ص 340؛ شمس الدين ، أنصار الحسين ، ص 157 .
4- سبق الاسم لفظ شاهزاده ولا تستعمل في العربيّة ومعناها سلالة الملك . وتتقدّم الأسماء في الفارسيّة للتفخيم .

ميدان الحرب فأفرغ عليه لامة حربوه وخرج على عمّه شاكي السلاح ، ولمّا وقعت علين الحسين على ذلك الصبي الذي يتقدّم بنفسه بين يدي عمّه ليقيه بها ويستأذن للقتال تقدّم إلى ابن أخيه وهو «خائر القوى» ووضع يده الكريمة على منكب ابن أخيه وجعلها مكان حمائله وبكى الاثنان معاً حتّى هويا إلى الأرض وغابا عن الوعي (1) ، ولمّا أفاقا بدأ القاسم القول وتضرّع إلى عمّه ليأذن له في البراز وامتنع الحسين عن الإذن وما زال الفتى يتضرّع ويبكي ويقبّل يدي الإمام ورجليه حتّى أذن له (2) .

ثمّ حمل ذلك الشبل من الأسد والأسد الهصور الذي سجيّته الجهاد ودموعه تجري على خدّيه كالسيل الجاري وكأنّه فلقة قمر طالع على الأعداء في ميدان الجلاد وهو يرتجز ويقول:

إن تنكروني فأنا ابن الحسن(3) *** سبط النبي المصطفى والمؤتمن

هذا حسين كالأسير المرتهن *** بين أُناس لا سُقُوا صَوبَ المُزن

وفي رواية المنتخب : قال : يابن سعد، أما تخاف الله ؟ أما تراقب الله ؟ لا جزاك الله خيراً، تدّعى الإسلام وآل رسول الله عطشى ظمايا قد اسودّت الدنيا بأعينهم، جزاك الله خيراً . ثمّ حمل على ذلك الجيش المخالف كالصرصر العاصف وجرّد سيفه الذي هو أمضى من أنياب الأسد الضرغام وتجلّى بغرّة كأنها البدر التمام، وأجرى فرسه ملأ فروجه واعترضهم بسيفه البتّار حتى قتل منهم على صغر سنّه

ص: 36


1- لا أرتاب بأن هذا أمر لم يقع منهما مطلقاً وإنّما هو مجرّد سرد لترقيق العواطف وجلب البكاء .
2- إن الحسين علیه السلام شقّ أزياق القاسم وقطع عمامته نصفين ثمّ أدلاها على وجهه ثمّ ألبسه ثيابه بصورة الكفن وشدّ سيفه بوسط القاسم وأرسله إلى المعركة فخرج ودموعه تسيل على خدّه.
3- في المناقب : فرع الحسن وهو أوفق بالوزن ، المناقب ، ج 3 ص 255 .

خمساً وثلاثين شخصاً(1) .

ص: 37


1- وفي المنتخب : لما آل أمر الحسين إلى القتال بكربلا وقتل جميع أصحابه ووقعت النوبة لأولاد أخيه وجعل ينادي : واغربتاه ، واعطشاه ، واقلّه ،ناصراه، أما من معين يعيننا ؟ أما من مجيرٍ يُجيرنا ؟ أما من ناصر ينصرنا ؟ فخرج من الخيمة غلامان كأنّهما قمران أحدهما أحمد والآخر اسمه القاسم ابنا الحسن بن عليّ وهما يقولان : لبّيك لبّيك يا سيّدنا ، ها نحن بين يديك مرنا بأمرك - إلى أن قال : - فبرز القاسم وله من العمر أربعة عشر سنة ، فقال له الحسين : يا ولدي أتمشي برجلك إلى الموت ؟ فقال : كيف لا يكون ذلك يا عم وأنت بين الأعداء صرت وحيداً فريداً لم تجد محامياً ولا صديقاً ، روحي لروحك الفداء ونفسي لنفسك الوقا . وفي البحار : وهو غلام صغير لم يبلغ الحلم ، فلما نظر الحسين إليه وقد برز اعتنقه وجعلا يبكيان حتّى غُشي عليهما ، فلم يزل الغلام يقبل يديه ورجليه حتّى أذن له . وروى أبو الفرج والشيخ المفيد والطبري عن أبي مخنف عن سليمان بن أبي راشد، عن حميد ابن مسلم قال : خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر وفي يده السيف وعليه قميص وإزار ونعلان و قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنسى أنّها اليسرى ، فقال عمر بن سعد بن نفيل الأزدي لعنه الله : والله لأشدّنَ ، فقلت له : سبحان الله ! وما تريد إلى ذلك، يكيفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب ، قال : والله لأشدّنّ عليه ، فما ولى وجهه حتى ضرب الغلام بوجهه ، فقال : يا عمّاه ، فجلى الحسين كالصقر المنقض وتخلل الصفوف ثمّ شدّ شدّة ليث أغضب وضرب عمراً بالسيف فاتّقاه بالساعد فأطنّها من لدن المرفق فصاح صيحة سمعها أهل العسكر ثم تنحى عنه الحسين علیه السلام و حملت خيل أهل الكوفة ليستنقذوه من الحسين ، فلمّا حملت الخيل استقبلته بصدورها وأجالت فوطأته الخيل حتّى مات. ولا يخفى أن أرباب المقاتل اختلفوا في مرجع الضمير في قوله «استقبلته» فقال صاحب القمقام ونفس المهموم أنّه عمر بن سعد الأزدي فيقولون بعده حتّى مات لعنه الله ، ولكن المجلسي أشار إلى هذه العبارة بقوله : ووطئته حتّى مات الغلام . ويقول في جلاء العيون وطحن ذلك الفتى المعصوم بسنابك الخيل، وردّد نفس العبارة في مهيج الأحزان والناسخ ومخزن البكاء ورياض الشهادة وغيرها وجعلوا مرجع ضمير الغائب القاسم علیه السلام . أقول : ليست المسألة مانعة الجمع فإنّ الضمير أينما رجع تكون الحكاية صادقة فلا بدع أن تطأ القاتل الخبيث بسنابكها لأنه في وسط القسطل وكذلك من غير المستحيل أن تطأ القاسم القتيل لأنّه صريع على الثرى وليس من أحد عنده يردّ عنه عادية الخيل بعد أن كان الإمام مستقبلاً العدوّ بسيفه يقاتله ... ( منه رحمه الله ) .

وجاء في شرح الشافية أنّ رجلاً من جيش العدوّ يعدّ بألف فارس اعترض طريق القاسم علیه السلام ولكن القاسم اختطفه كالصرصر العاصف والبرق الخاطف فأرداه بالسيف قتيلاً في ساحة الوغى.

ثمّ طلع عليهم كما تشرق الشمس في الضحى وتمحو ظلام الليل البهيم وقتل مع صغر سنّه خمساً وثلاثين شيطاناً منهم. وفي رواية: قتل سبعين شخصاً من

أولئك العتاة المردة الطغات. وفي رواية المناقب إنّه ارتجز بالرجز التالي:

إنّي أنا القاسم من نسل علي *** نحن وبيت الله أولى بالنبي

من شمر بن ذي الجوشن أو ابن الدعي (1)

وروى ملّا علي الخياباني في وقايع الأيّام المجلّد الخاصّ بمحرّم عن أمالي الصدوق والفتّال النيسابوري هذا الرجز للقاسم أنّه قال :

لا تجزعي نفسي فكلّ فاني *** اليوم تلقين ذرى الجنان(2)

وفي رواية المنتخب(3) : إنّ القاسم قتل الأزرق وأولاده الأربعة وقتل حامل لواء عسكر ابن سعد فأجهده العطش ونال من قوّته القتال فعاد إلى خيمة عمّه ينادي يا عمّاه العطش العطش، فهل إلى شربة ماء من سبيل، فصبّره الحسين علیه السلام .

وفي مدينة المعاجز : إنّ الحسين وضع خاتمه في فمه، فقال القاسم فشعرت

ص: 38


1- المناقب ، ج 3 ص 255 .
2- أمالي الصدوق، ص 226 ؛ روضة الواعظين ، ص188 .
3- المنتخب للطريحي ، راجع ص 560 وما بعدها .

كان نبعاً يجري في فمي ، ثمّ استقبل الحرب يقاتل ويقتل العدو.

وقال في مهيّج الأحزان : إنّهم أمطروه بالحجارة وهم يقولون: اقتلوا الخارجيّ ابن الخارجيّ.

قال حميد بن مسلم : (كنت في جيش ابن سعد) خرج إلينا غلام كأنّ وجهه شقّة قمر ، في يده السيف وعليه قميص وإزار ونعلان قد انقطع شسع أحدهما ، ما أنس أنّها اليُسرى ، فقال عمرو بن سعيد بن نفيل الأزدي : والله لأشدّنّ عليه، فقلت : سبحان الله ! وما تريد إلى ذلك (أقسم بالله لو أنّ هذا الفتى قصدني بالسيف لما رفعت إليه يدي) يكفيك قتله هؤلاء الذين تراهم قد احتوشوه من كل جانب. قال: والله لأشدّنّ عليه، فما ولّى وجهه حتى ضرب رأس الغلام بالسيف فوقع الغلام لوجهه وصاح يا عمّاه (وكان على جسمه الشريف خمس وثلاثون جرحاً من رمي السهام). قال: فوالله لتجلّى الحسين علیه السلام كما يتجلّى الصقر ثمّ شدّ شدّة الليث إذا غضب فضرب عمراً بالسيف فاتقاه بساعده فأطنّها من لدن المرفق ثمّ تنحى عنه وحملت خیل عمر بن سعد فاستنقذوه من الحسين، ولما حملت الخيل استقبلته بصدورها وجالت فتوطأته فلم ير حتى مات - لعنه الله وأخزاه- .

(ووطأت الخيل جسد القاسم كذلك بسنابكها) . قال حميد بن مسلم قلمّا تجلّت الغبرة إذا بالحسين علیه السلام على رأس الغلام وهو يفحص برجليه وحسين يقول: بُعداً لقوم قتلوك ، خصمهم فيك يوم القيامة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. ثمّ قال : عزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك ثمّ لا تنفعك إجابته ، يوم كثر واتره ، ثمّ احتمله على صدره، وكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام تخطان في الأرض حتّى ألقاه مع ابن عمّه عليّ بن الحسين علیه السلام ... الخ(1) .

ص: 39


1- مقاتل الطالبيين ، ص 59 وتخلّل النص كلام للمؤلّف حصرناه بين قوسين . والمؤلّف نقل نصّاً عربيّاً آخر في الهامش كان قد اعتمده في المتن ونحن نسوقه إتماماً للفائدة في متن الترجمة .

فقال الحسين : يعزّ على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، أو يجيبك فلا ينفعك، أو يعينك فلا يفيدك، بُعداً لقوم قتلوك ، يوم والله كثر واتره وقلّ ناصره، ثمّ احتمله على صدره فكأنّي أنظر إلى رجلي الغلام يخطّان في الأرض وقد وضع صدره على صدره فجاء به حتّى ألقاه مع ابنه عليّ بن الحسين علیهما السلام ، فبكى علیه السلام وقال : اللّهمّ أحصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً، ولا تغفر لهم أبداً، صبراً يا بني عمومتي، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد ذلك اليوم أبداً ..(1) .

ثمّ قال : اللّهمّ إن كنت حبست عنّا النصر في الدنيا فاجعل ذلك لما هو خير، وانتقم لنا من هؤلاء الظالمين (2).(3)

عرس القاسم لا صحّة له أبداً

أكثرنا من البحث في الكتب المعتبرة والروايات المعتمدة وقلّبناها ظهر لبطن فلم نعثر لهذا العرس على عين ولا أثر ، وصنعوا لها سنداً من السنّة وانفرد

ص: 40


1- راجع بحار الأنوار ، ج 45 ص 36 ؛ العوالم ، ص 279 ؛ محسن الأمين ، لواعج الأشجان ، ص 176 .
2- مثير الأحزان لابن نما الحلّي ، ص 53 ، وروى أنّ الإمام قال ذلك عندما ذبح طفله .
3- في الزيارة الرجبية والناحية المقدّسة: «السلام على القاسم بن الحسن بن علي المضروب هامته ، المسلوب لامته ، حين نادي الحسين عمّه عليه السلام فجلى عليه عمه كالصقر وهو يفحص برجله التراب والحسين يقول : بُعداً لقوم قتلوك ومن خصمهم يوم القيامة جدّك وأبوك . ثم قال : يعزّ والله على عمّك أن تدعوه فلا يجيبك، وأنت قتيل جديل فلا ينفعك . قال : هذا والله يوم كثر واتره وقل ناصره ، جعلني الله معكما يوم جمعكما ، بو أني مبوّأكما ، ولعن الله قاتلك عمر ابن سعد بن عروة بن نفيل الأزدي وأعد له عذاباً أليماً». وقال في نفس المهموم : وفي الزيارة الطويلة التي زار بها المرتضى علم الهدى رضي الله عنه: «السلام على القاسم بن الحسن بن عليّ ورحمة الله وبركاته . السلام عليك يابن حبيب الله ، السلام عليك يابن ريحانة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم السلام عليك من حبيب لم يقض من الدنيا وطراً ولم يشف من أعداء الله صدراً، حتى عاجله الأجل وفاته الأمل ، فهنيئاً لك يا حبيب حبيب رسو رسول الله ، ما أسعد جدّك وأفخر مجدك وأحسن منقلبك .. نفس المهموم، ص 294 .

الطريحي به في المنتخب ولكنّه قال بعد أن نقل هذه القضيّة من رواية الآخرين (إنّ هذه القضيّة لم نظفر بها في الكتب المعتبرة والروايات المعتمدة) وما من شكّ بدلالة هذه العبارة على أنّ الطريحي نفسه لا اعتماد له على هذه النقول، وتعبيره بصيغة التمريض «قيل» يوضح لنا بأن هذا المطلب لا وجود له في الآثار المثبتة والكتب المعتبرة ولا ريب بأنّ فاطمة بنت الحسين علیهما السلام زوجة الحسن المثنّى وكان زوجها حاضراً يوم الطفّ فكيف يصحّ حينئذٍ مثل هذا النقل ولم تكن للحسين بنت أُخرى اسمها فاطمة حضرت معه كربلاء.

شوق القاسم إلى الشهادة

وروى السيّد هاشم البحراني في مدينة المعاجز والقمّي في نفس المهموم نقلاً عن كتاب الحسين بن حمدان الحضيني عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت عليّ ابن الحسين زين العابدين علیهما السلام يقول : لمّا كان اليوم الذي استشهد أبي جمع أ وأصحابه في ليلة ذلك اليوم فقال لهم : يا أهلي وشيعتي، اتّخذوا هذا الليل جمالكم ( جملاً لكم - خ ل) وانجوا بأنفسكم فليس المطلوب غيري ولو قتلوني ما فكّروا فيكم فانجوا رحمكم الله وأنتم في حلّ وسعة من بيعتي وعهدي الذي

عاهد تموني .

فقال إخوته وأهله وأنصاره بلسان :واحد والله يا سيّدنا يا أبا عبدالله، لا خذلناك أبداً، والله لا قال الناس تركوا إمامهم وكبيرهم وسيّدهم وحده حتّى قتل ونبلوا بيننا وبين الله عذراً ولا نخلّيك أو نقتل دونك. فقال لهم: يا قوم إنّي غداً أقتل وتقتلون كلّكم معي ولا يبقى منكم واحد.

فقالوا: الحمد لله الذي أكرمنا بنصرك وشرّفنا بالقتل معك، أولا ترضى أن نكون معك في درجتك يابن رسول الله ، فقال : جزاكم الله خيراً ودعا لهم بخير، فأصبح وقتل وقتلوا معه أجمعون.

ص: 41

فقال له القاسم بن الحسن علیهما السلام : وأنا فيمن يُقتل ؟ فأشفق عليه فقال له: يا بنيّ، كيف الموت عندك ؟ قال : يا عمّ أحلى من العسل، فقال: اي والله فداك عمّك إنّك لأحد من يقتل من الرجال معي بعد أن تبلوا ببلاء عظيم وابني عبدالله .

فقال : يا عمّ، ويصلون إلى النساء حتّى يقتل عبدالله وهو رضيع ؟!

فقال : فداك عمّك يقتل عبدالله إذ جفّت روحي عطشاً وصرت إلى خيمنا فطلبت ماءاً أو لبناً فلا أجد قطّ ، فأقول : ناولوني ابني لأشرب من فيه، فيأتوني به فيضعونه على يدي فأحمله لأدينه من فيّ فيرميه فاسق بسهم فينحره وهو يناغي فيفيض دمه في كفّي فأرفعه إلى السماء وأقول : اللهم صبراً واحتساباً فيك فتعجلني الأسنّة فيهم والنار تسعر في الخندق الذي في ظهر الخيام فأكرّ عليهم في أمرٌ أوقات فى الدنيا فيكون ما يريد الله .

فبكى وبكينا وارتفع البكاء والصراخ من ذراري رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في الخيم. في الخيم ...(1) .

المراثي

رثا القاسم

الخانجي

قسم الإله الرزء بين أعاظم *** لا رزء أعظم من مصاب القاسم

حسنيُّ خلق من نجاد محمّد *** مضريّ عرق من سلالة هاشم

غصن نضير من أُصول فاخر *** ثمر جنيّ من فروع مكارم

قتّال أبطال مبيد كتائب *** فتّاك آساد هزبر ملاحم

هزم العداة بهمّة علويّة *** وأبادهم طُرّاً ببطش هاشم

ص: 42


1- نفس المهموم، ص 207 و 208؛ مدينة المعاجز ، ج 4 ص 216 و 228 .

لله يوم خرّ فيه على الثري *** مكسورة (1) الأضلاع تحت مناسم

نادی حسيناً عمّه متشكّياً *** بعد الوصال وقرب حجر دائم

فأتاه وهو إذاً يجود بنفسه *** ويفيض منه الجرح فيض غمائم

ويلوب كالحوت التريب لسانه *** لوباً ويفحص كالقطا بقوادم

شعر آتشکده التبريزي

قاسم آن نوباوه باغ حسن *** گوهر شاداب دریای محن

سیزده ساله جوان نونهال *** برده ماه چارده شب را بسال

در حیا فرزانه فرزند حسن *** در شجاعت حيدر لشکر شکن

با زبان لابه نزد شاه شد *** خواستار عزم قربانگاه شد

گفت کی شه رشک بستان ارم *** خون مکن از فرقت خود این دلم

بوی خون میآید از دامان دشت *** نیست کس را زان امید بازگشت

کی روا باشد که این رعنا نهال *** گردد از سم ستوران پایمال

کی روا باشد که این روی چه ورد *** غلطد اندر خون به میدان نبرد

گفت قاسم که ای خدیو مستطاب *** ای که ملک عشق را مالک رقاب

گرچه خود من کودک نورسته ام *** لیک دست از کامرانی شسته ام

من به مهد عاشقی پرورده ام *** خون بجای شیر مادر خورده ام

کرد در روز ولادت کام من *** باز با شهد شهادت مام من

ننگ باشد در طریق بندگی *** بر غلامان بی شهنشه زندگی

زندگی را بی تو بر سر خاک باد *** کامرانی را جگر صد چاک باد

ص: 43


1- أحسبها متهشّم الأضلاع .

مباراة الشعر بالعربيّة :

أطلع من ثماره روض الحسن *** ثمرة لم يبد مثلها الزمن

ودرّة يتيمة قد صانها *** خالقها تعوم في بحر المحن

لم يعد عمر البدر في شروقه *** ليل تمامه وبالشمس اقترن

حكمة الشيخ وفي عمر الفتى *** في بأس حيدر إذا الخطب ارجحن

أقبل نحو عمّه مستأذناً *** وقلبه ممتلأ من الشجن

يبغي الفداء دونه في معرك *** ليس سواهم عن الدين ثمن

فقال يا خير الورى ذا بدني *** هنا وعندك الفؤاد مرتهن

قد استمال القلب في صدري دماً *** فامنن فبعض من سجاياك المنن

يفوح عرف الدم من هذا الثرى *** هذا الثرى يصيح لا عودة سراً وعلن

فالغصن الرخص على حرّ الثرى *** هوى وفي سنابك الخيل انطحن

والخد كالورد نقابه دم *** هل طرّز القاني أو الورد الفنن

يقول يا من رفع الله به *** عماد دینه كما تعلو القنن

یا مالك الرقاب يا فاديها *** لذا الوجود الروح تجري في بدن

إن كنت ما أزال في عمر الفتى *** أبدو قريب العهد من سنّ اللبن

لكنّني ربّيت في المهد على *** حبّ الإله مقتف خير السنن

عن اللبان قد رضعت الدم من *** ثدي الجهاد في رحاب لم تهن

شهد الشهادة ارتضعت درّه *** في حجر أُمّي ضدّ عابد الوثن

عار على التابع في حياته *** إن لم يكن مولاه يرعاه فمن

ما أصعب العيش وأنت غائب *** تمضي وأهوى العمر؟ لا كنت إذن

معراج المحبّة

یکی درّ یتیم از رشته عشق *** برآمد تا که گردد کشته عشق

ص: 44

بچرخ دلبری بُد اوّلین ماه *** بملك عشق بابش دوّمین شاه

بعجز و لابه و نیکو بیانی *** يتيم آسا بصد شیرین زبانی

بخاک پای آنشه سود رخسار *** بگفت ای از تو پیدا عرش رادار

غم بی یاریت ای داور داد *** مرا درد یتیمی برده از یاد

مباراة الشعر بالعربيّة :

رعى في معهد اليتم *** دروس العشق في المعنى

لکي يستسهل القتل *** عن الدين عن المغنى

بدى في فلك الحبّ *** هلالاً من ذكاً أسنى

دنى في يتمه (البا *** كي دماً) من سیّد المبني

منادٍ يطلب الإذن *** فلم يصغ له إذنا

هوی تغسل رجليه *** بدمع عينه الوسنى

ینادي مظهر العرش *** نداءاً يطلب الإذنا

نسيت اليتم من بعدك *** ما عاد له معنى

فهبني شرف القتل *** لكي أنعم بالحسنى

وفائی شوشتری

زبرج خیمه برآمد چه کوکب رخشان *** سهیل سرزده گفتی مگر زسمت یمن

زخیمگاه بمیدان کین روان گردید *** رخی چه ماه تمام و قدی چه سرو چمن

گرفت تیغ عدو سوز را بکف چه هلال *** نمود در بر خود پیرهن بشكل كفن

میان معرکه جا کرد با رخی چون ماه *** شد از جمال دل آرای او جهان روشن

چنان بگشت شجاعان نامداران طفل *** که زال چرخ و را گفت صدهزار احسن

ندانم آه در آندم چگونه بود حسین *** که شاه زاده بخاف اوفتاد از توسن

بخاک ماریه آن آفتاب طلعت را *** بغیر سایه شمشیرها نبد مأمن

ص: 45

مباراة الشعر بالعربية :

أشرق كالبدر من المضارب *** مثل سهيل اليُمن(1) في الكواكب

وفارق الخيام نحو خطة *** الحقد فيها كعذاب واصب

كأنّه البدر لدى تمامه *** قد نوّر الأفق بدون حاجب

وقدّه السرو سمى بروضه *** أو ألف جادت بخط كاتب

والسيف في يمينه يا عجباً *** يبدو الهلال في يمين ضارب

ثيابه عليه قل في وصفها *** يا كفناً على الشهاب الثاقب

شق صفوف الكفر في حسامه *** كما يلوح البدر في الغياهب

وهربت شجعانها من الفتى *** يالصبي لهم محارب

أكبر شيخ الدهر فيه عزمه *** وقد غدا منه كقوس حاجب

ولست أدري حين صكّ صوته *** سمع الحسين هجمة المصائب

هوی على الترب كأنّ نوره *** وهو يخرّ نور بدر غائب

مرغ بالترب جبيناً مشمساً *** تحت ظلال البيض في الكتائب

ممّا جادت به قريحة ناصرالدين شاه القاجاري

چُه اعدا دید قاسم را که در گردن کفن دارد

بگفتند از ره تحسین عجب وجه حسن دارد

رخش چون پرتوافکن در آن وادی فلک گفتا

خوشا حال زمین را گو مهی دو پیرهن دارد

لبش افسرده همچو گل زسوز تشنگی امّا

تو گوئی چشمۀ کوثر در این شیرین دهن دارد

ص: 46


1- تقرء بضمّ الياء وسكون الميم بمعنى السعد.

چه بلبل شور انگیزد در آواز رجز خوانی

بشوق نوگلی گو در میان انجمن دارد

کشیده تیغ خون افشان زابرو در صف هیجا

تو گوئی ذوالفقار اندر کف خود بوالحسن دارد

چنان آشوب افکندی در آن صحرا زخون ریزی

پس از حیدر نه در خاطر دگر چرخ کهن دارد

چه بی انصاف بودی آن جفا جویان آهن دل

چه جای نیزه و خنجر در آن سیمین بدن دارد

زهر سو لشکر عدوان هجوم آورد چون ظلمت

بصید شاهبازی جمله گو زاغ زغن دارد

فکندند از سر بر زین سلیمان واران شه را

بلی اندر کمین دایم سلیمان اهریمن دارد

چه سرو قد او زینت گلستان بلا را شد

بگفتا تاب سم اسب کی همچون بدن دارد

مرا دریاب یا عمّاه زروی مرحمت اکنون

که مرغ روح شوق دیدن بابم حسن دارد

خموش ای ناصرالدین شه یقینم شد که هر زهری

بجام آل حيدر سازد آبی چرخ کهن دارد

مباراة الشعر بالعربيّة وفيها معان استوحاها المترجم من مجموع الشعر قد لا تستقيم بالمقارنة مع مفرداته :

ولمّا رأى الأعداء طلعة قاسم *** بدى مثل بدر التمّ من فلك الكفن

فقالوا تعالى الله خالق حسنه *** وسبحان مولّى خالق وجهه الحسن

ص: 47

وراحت به الأفلاك يزداد ضوئها *** فما أجمل الدنيا ببدرين تفتتن

وجفت شفاه الطهر من لهب الظما *** وفي شفتيه كوثر سال من عدن

بأرجازه يحكى الهزار مغرّداً *** أقام مع الأطيار حفلاً على فنن

وجرد هندياً يبيد صفوفهم *** كمثل حسام في يمين أبي الحسن

أقام لهم في كربلاء قيامة *** من الدم لم يعرف نظيراً لها الزمن

وكانوا قساة لا ترق قلوبهم *** وكيف يرق القلب من عابد الوثن

لقد صيّروه للرماح دريئة *** فأصمت جمال الله في ذلك البدن

وجائت إليه كالبغاث جموعهم *** تحاول صيد الصقر أخذاً من الوكن

فأردوا سليمان الحكيم إلى الثرى *** فكم مارد للشرّ في دربه كمن

وأصبح سرو القد في روض محنة *** على أنّه لم يخلُ يوماً من المحن

صاح أيا عماه إنّي رائح *** إلى والدي شوقاً للقياه في عدن

ويا ناصر الدين استفق ربّ شربة *** شربت بكأس الآل تخلو من الدرن

ويقول الجوهري في مبارزة القاسم علیه السلام

آیا لشکر کافر پر زکین *** برون رفته از راه دین مبین

بمحشر چه گوئید چون با شما *** خصومت کند سيّد انبیاء

مباشید در فکر خون ریختن *** بترسید زین فتنه انگیختن

که هر یک اصحاب و انصار ما *** عزیزند بر درگه کبریاء

چه ظلم است این ای سپاه شریر *** که آل پیمبر صغیر و کبیر

زخون گلو کرده تر لب یکی *** خراشیده پستان مادر یکی

روا نیست گر رحم بر حال ما *** چه تقصیر دارند اطفال ما

يكى العطش العطش میکند *** یکی هر دم از ضعف غش میکند

منم قاسم آن نوجوان دلیر *** که ترسد ز شمشير من شرزه شیر

ص: 48

منم سرو نوخیز باغ حسن *** که باشد وصىّ على بوالحسن

منم حامی دین پیغمبری *** منم وارث رتبه حیدری

اگر جان سپارم بپای حسین *** شوم کشته گر در وفای حسین

بمعراج اعزاز جای من است *** بهشت برین خون بهای منست

زهی سرخ روئی که در نشئتین *** شمار نمدم از یاوران حسین

کسی هست ای نطفههای حرام *** که گیرد بحشر از شما انتقام

مباراة الشعر بالعربية :

يا معشر الكفّار والطغام *** يا من مرقتم من الإسلام

ماذا تقولون بيوم الحشر *** للمصطفى يطلبكم بالوتر

أرقتم من أهل بيتي الدما *** ثم وريتم فتنة إلى السما

أعزّ ربّي الآل والأنصارا *** بدينه ليأمنوا العثارا

جار علينا الفيلق الشرير *** حتى قضى الصغير والكبير

هذا رواه من دم الوريد *** وذا لدى الرضاع ثاني الجيد

لئن غدا كبيرنا لا يرحم *** ما ذنب طفل في الرضاع يظلم

هذا وتلك تستغيث عطشى *** وذا من الضعف عليه يغشى

إنّي أنا القاسم رأس الوغد *** أربع بالحسام قلب الأسد

إنّي أنا دوحة روض الحسن *** شبل عليّ الطهر من يقربني

سوف أُحامي أبداً دين النبي *** وإنّني وارث حيدر أبي

إنِّي أذبّ في الوغى عن عمّي *** لمثل هذا ولدتني أُمّي

أعرج العزّة إرثي من أبي *** وأقصد السماء مأوى الشهب

وفي غدٍ تكون داري الجنّه *** أذبّ عن محمّد والسنّه

وأدخل الحشر جنيني في السنا *** أكتب للحسين ناصراً أنا

وجدّنا منتقم في الحشر *** لنا من أبناء الخنا والعهر

ص: 49

وله أيضاً

چنین محاربه با آن گروه بی دین کرد

که ماه مهربان دست و تیغ تحسین کرد

ولی زتشنه لبی چون ززندگی سر خورد

زبیست زخم فزون بر بجسم انور خورد

زنوك بران و خنجر کاری

ز چشمهای زره گشت چشمه ها جاری

تنش زکوشش بسیار بی تحمّل شد

کفن بگردنش از خون چهره گل گل شد

مباراة الشعر بالعربيّة :

وأهل الكفر قاتلهم قتالاً *** شديداً أعجب البدر المنیرا

فبالغ بالثناء على يمين *** بقضب تحمل الموت المبيرا

ولكنّ الظما وسيوف خصم *** عنيد أضعف الجسم الطهورا

وناء بجرحه جسد طریر *** فهل رحم العدى الجسد الطريرا

بكاه السهم ينحوه وأذرت *** عيون الدرع مدمعها الغزيرا

بدت أكفانه والجسم فيها *** كغصن أطلع الورد النضيرا

جودی خراسانی

آنچنان تاخت بر آن قوم که از دشمن و دوست

بنگ تحسین بفلک زان ستم آباد رسید

لیک گردید مشبّک تن چون برگ گلش

بسکه بر پیر او ناوک و بیداد رسید

ص: 50

آهن اندر دل سنگ آب شد از آتش غم

بسکه زخمش به تن از خنجر فولاد رسید

آه از آن دم که نگون شد از آتش غم

کای عمونه بسرم پای که جلّاد رسید

شاه آنگاه روان جانب میدان شد و گفت

غم مخور جان عمو بهر تو امداد رسید

تا که از زیر سم اسب مخالف شه را

ناله زاری از آن کشته بیداد رسید

کای عمو جنگ مکن کر سم اسب صف کین

وقت جان دادن این خسته ناشاد رسید

شه عنان بازکشید آمد و گفت اینهمه زخم

زکه ای سرو بدین قامت شمشاد رسید

مباراة الشعر بالعربيّة :

وقاتلهم حتى علا من قتالهم *** هتاف من الإعجاب للحِبّ والخصم

ولكن هوى شلواً على لاهب الثرى *** يمزقه الأعداء بالرمح والسهم

فذاب من الغم الحديد لحاله *** وما ناله في خنجر الخصم من كلم

ولمّا هوى نادى الحسين بصوته *** أيا عمّ أدركني فقد مزّقوا جسمي

وجاء لقتلي الرجس يسرع خطوه *** والا فإنّي لا أراك على رغمي

ولمّا أتى المولى لمصرعه دني *** منه الفاه بحر الثرى مرمي

فقال أيا ابن السبط من نجلت به *** كما نجلت بي في الورى فاطم أُمّي

أتاك أتاك الغوث فاصبر هنيئة *** لبأس عدوّ خائر النفس ذي غشم

وناداه من تحت السنابك قائلاً *** أغثني فقد أودت بي الخيل يا عمّي

ص: 51

وداعاً فها إنّي قضيت موزّعاً *** قتيلاً بلا ذنب جنيت ولا جرم

فلمّا رأى عظم الجراح بجسمه *** شكى أمره لله في ناظر يهمي

وله :

عمو فدای تو گردم بدار دست از جنگ

مكن مقاتله شاها دمی نمای درنگ

تو جنگ میکنی و جان برفت از اعضایم

شکست زیر سم اسب استخوانهایم

بیا بیا که اجل آمده مقابل من

بیا بیا که سر ایستاده قاتل من

بیا بیا که لب تشنه میبرند سرم

بیانگر گلوی خشک و دیدهای ترم

عمو زراه محبت دمی بیا ببرم

نهم زراه عنایت بزانوی تو سرم

خوشست آنکه ببینم جمال مه رویت

نظر کنم دم مردن بروی دلجویت

کجاست مادر افسرده تا نظاره کند

نظر بکشته صد چاک پاره پاره کند

مباراة القطعة بالعربيّة :

أفديك عمّي بروحي *** دع القتال المبيدا

هلمّ نحوي تراني *** أردّ خصماً عنيدا

دع القتال فإنّي *** لخيمتي لن أعودا

مقابل أنت وغداً *** عات وخصماً شديدا

ص: 52

وها أنا تحت وطأا *** لخيول صرت بديدا

هلمّ فالموت آتٍ *** وليس لي أن أحيدا

وها عدوّي يبغي *** من الضحايا المزيدا

يريد منّا جميعاً *** بالقتل يمحو الوجودا

هلمّ لم أنّي ظامٍ *** أريد عذباً برودا

نار الظما في فؤادي *** وتلك تأبى الخمودا

ألا بشربة ماء *** أعود غضاً جديدا

ضعني بحجرك حتى *** أموت موتاً سعيدا

هلم أنظر وجهاً *** بالنور أحيا الوجودا

وقل لأُمّي تأتي *** تودع ابناً وحيدا

فسوف تقضي همّاً *** وسوف أقضي شهيدا

ممّا جادت به قريحة الحاج عابد الإصفهاني

قاسم چه رو نهاد بسوی صف قتال

بر عرش از صفوف ملایک شد ابتهال

نخل قدش بضربتی از پا چنان فتاد

کز پایه تندباد خزانی فتد نهال

آن شاه باز اوج شرف سوی شاه دین

از دل کشید ناله چه مرغ شکسته بال

چون ناله اش رسید بگوش شه آنام

چون شیر شرزه تاخت فرس در صف جدال

دید از ستم بروی زمین همچه نقش پا

یک باره توسن فلکش کرده پایمال

ص: 53

گفتا بعمّ تو است گران حالتی چنین

کو بیندت فتاده بدین حال بر زمین

مباراة القطعة بالعربيّة :

ولمّا تجلّى سليل الهدى *** بأرض الطفوف يريد القتال

ملائكة الله مدّت يداً *** إلى الله تسأله بابتهال

ولكنّ لله في خلقه *** شئوناً أبت كلّ قيل وقال

وأهوى كنخل لحرّ الثرى *** أو الورد يعصف فيه الشمال

وأطلق آها دهت عمّه *** ونادى بصوت إليّ تعال

تقول هو الصقر في جنحه *** أُصيب وقد خرّ فوق الرمال

ومذ صكّ سمع الهدى صوته *** فهبّ كليث أتى للصيال

رآه على الترب قد قطعت *** أكفّ العدى جسمه بالنصال

ترامى على الأرض من حزنه *** فكان كطود عن الأرض مال

حجّة الإسلام النهاوندي

شد چه بی یاور و معین سبط رسول مدنی

عازم معرکه شد سرور ریاض حسنی

تیغ بگرفت زماه نو و آراست بخویش

سروسان گلبن حسرت کفن یاسمنی

با دو صد ناله زپور شه اورنگ دنی

اذن بگرفت و برآمد به بر قوم دنی

مادرش گرم فغان کردن و او گرم جدال

لشکر اندر پی او او پی لشکر شکنی

ص: 54

کشته شقّ القمر آندم که شد آن در یتیم

رخش از خون جبین رنگ عقیق یمنی

تیشه ظلم عدو کرد زبیداد سپهر

اندر آن عرصه از آن شاخه گل ریشه کنی

شد نگون سار چه از باد سیه لاله سرخ

خفت بر خاک چه از داس نهال چمنی

خواند عمّ خود و شه آمد و دید از ره کین

طوطی خوش سخنش مانده زشیرین سخنی

برکشید از دل پردرد چنین ناله که کرد

سوزش اندر دل نه چرخ بر این شعله زنی

صله شعر تو آنست تجلّی که بحشر

دست گیر تو شود رحمت دادار غنی

مباراة الشعر بالعربيّة :

وحين لم يبق له ناصر *** سبط رسول الله في كربلا

وجائه القاسم مستأذناً *** منه على قتل ذئاب الفلا

يا سروة من روضة المجتبى *** عزّ على عمّك أن تقتلا

سلّ هلال الأفق في كفه *** فكان فيهم فكان فيهم صاعقاً مرسلا

ألحّ كي يأذن لما رأى *** لم يأذن الطهر له أولا

وحين نال الإذن من عمّه *** صال على الأعداء مستقتلا

وأُمّه تندب من خلفه *** تخاف هذا البدر أن يأفلا

والجيش نال الخزي من سيفه *** والخزى يوم الروع لن يغسلا

فلم يجد من سيفه مهرباً *** فكان رجزاً فوقهم منزلا

ص: 55

حتّى إذا غبّر في وجههم *** وسدّه سيفهم الجندلا

وشقّ بدر التمّ إذ برجه *** جبينه من قبل أن يكملا

وقد جرى العقيق من جرحه *** فخلته من يمن مرسلا

من غصن في روضة المجتبى *** قطعت الشفرة ورداً غلا

زنبقة حمراء أودت بها *** ريح جرت سوداء في كربلا

ومذهوى للأرض من مهره *** نادى اغثني يابن أمّ العلا

وأقبل المولى إلى جسمه *** فقل به الحزن أتى مقبلا

وأقفر الروض فلا مسعدٌ *** مذ فقد الهزار والبلبلا

وأرسل اللوعة مولى الورى *** كالليث إذ يفتقد الأشبلا

کأنّما النار بآهاته *** مدّت رواقاً فوق هذا الملا

يا ناظم الشعر غداً شعره *** في الحشر من مولاه لن يهملا

ممّا جادت به قريحة ملك الشعراء مظفّر على خان

چه فرزندان گلرو لاله رخسار *** زخون گشتند پیش چشم گلنار

در دولت زجك وش گل چمن بود *** یکی زان قاسم ابن حسن بود

درخشان چهره اش برق تجلّی *** کز او روشن چراغ چشم موسی

سواد کاکل مشکین شب قدر *** رخ پرنور تابان صورت بدر

میان هر دو رخ بینی هویدا *** که شق شد چون قمر خورشید گویا

بهم از زلف دوری عالم افروز *** شب معراج و صبح روز نوروز

دو گیسو مایۀ صد زینت و زین *** دو ابرو معنی تفسیر قوسین

شد از نور جمال آن دلاور *** بميدان ذره ذره مهر انور

بیک حمله که کردن ماه رخسار *** صف اعدا درید از هم کتان وار

طيورآسا ز تن جانها پریدند *** بیک پرواز در دوزخ رسیدند

ص: 56

بیک حمله که کردن ماه رخسار *** صف اعدا درید از هم کتان وار

طيورآسا ز تن جانها پریدند *** بیک پرواز در دوزخ رسیدند

تن قاسم در آن هنگامه و شر *** بزیر پایه اسبان کوفت یکسر

به بالینش درآمد دید مولا *** که میساید بمیدان بر زمین پا

کشید آهی زدل افتاد خاک *** که لرزید آسمان زان آه غمناك

گرفت آن پیکر مجروح در بر *** بگفت ای وای فرزند برادر

طلب کردی مرا بهر امانت *** نشد از من اعانت وامصیبت

مباراة الشعر بالعربيّة :

تنائت عن الروض الورود وأصبحت *** جباه بني الهادي اكتست حمرة الدم

وقد نثرت أفنان دوحة هاشم *** خدوداً من الزُّهر الصبيغ بعندم

ويلحظهم مولى الورى وعيونه *** تسيل كواد سال بالماء مفعم

وقاسم قلب القرن بالخوف منهم *** يصول على العاتي برمح ومخذم

تجلّى بهاء الله فوق جبينه *** فخرّ كليم الله للأرض يرتمي

فقرت به عين الكليم غداة قد *** تجلّى له المعبود عند التكلّم

وجلّى سواد الأفق نور جبينه *** کبدر بليل بالغياهب مظلم

كما شقّ بدر شقّت الشمس من سنا *** جبین جلى الظلماء لم يتلثّم

ذوائبه من ليل معراج جدّه *** ولكن لها طبع الصباح المنغّم

بها تزدهي الدنيا ويسعد جدّها *** وتملأ آفاق الورى بالتنعّم

وفي حاجبيه قيل للمصطفى بها *** هما قاب قوسين هلمّ تقدّم

ومن نور ذاك الوجه زادت تلألأ *** ذكاً مثلما ازداد الورى فضل مغنم

يشقّ صفوف الخصم بالسيف حاملاً *** كما شقّ كتان بثوب منعّم

وطارت من الأجسام أرواح فيلق *** كمثل بغاث حلّقت خوف قشعم

ص: 57

وحطت بثار الله تسقي حميمها *** نصیت عدوّ الله نار جهنّم

وأوطأت الخيل الفتى بسنابك *** بها وطئت قلب النبي المعظم

وقد وقف المولى عليه بموقف *** أُصيب ب-ه ق-لب البتول بأسهم

غدا يفحص الأرض العراء برجله *** ظمئ فهل فاضت له بئر زمزم

وأرسل أهاً من فؤاد مقسم *** فزلزل كون للفؤاد المقسّم

وجاء به المولى يخطّ برجله *** وأودعه عند النسا في المخيّم

يعزّ على عمّ تناديه نادباً *** فيعجز حتّى أن يجيبك بالفم

جوهري : لسان حال أُمّ القاسم علیه السلام

چون دید جوان گلعذارش *** قاسم خلف بزرگوارش

قامت بلباس بزم آراست *** رخصت زعمو گرفت و برخاست

بر دامن او بزاری آویخت *** از دیده بجای اشک خون ریخت

گفت ای پسر عزیز مادر *** ای مونس شام تار مادر

ای یوسف تاجدار مادر *** ای قاسم گلعذار مادر

زان روز که شیرخواره بودی *** زینت ده گاهواره بودی

تا حال که اول جوانی است *** هنگام نشاط کامرانی است

شب تا بسحر نیار میدیم *** در پای تو رنجها کشیدیم

کامروز بدست گیری من *** گردی تو عصای پیری من

منهم بشب عروسی تو *** آیم پی دست بوسی تو

چشم تو بروز کدخدائی *** گردد مشغول سرمه سائی

گیسو برخت نقاب گردد *** پیرایه آفتاب گردد

بر گرد تو همسران و همدوش *** از بادر عشرت تو مدهوش

شمع از تف آه بر فروزند *** در مجمر دل سپند سوزند

ص: 58

عبّاس زلب گوهر فشاند *** در سورۀ تو ان یکاد خواند

در بزم تو عون پا گذارد *** اکبر به کفت حنا گذارد

زینب به تنت لباس پوشد *** کلثوم بشغل عيش كوشد

یش در حجله تو چون قرار گیری *** مام تو جوان شد زپیری

آندم من مستمند مهجور *** گویم بادا مبارک این سور

آخر بتنت بنامرادی *** گردید کفن قبای شادی

اکنون چه کنم سرود گویم *** یا گریم و رود رود گیرم

مباراة الشعر بالعربيّة :

وحين ليلى شاهدت فتاها *** كأنّه ذكاء في ضحاها

وقد بدى لها عذار خدّه *** كالغصن يزدان بحسن ورده

لامة حربه قد ارتداها *** لرخصة من عمّه يُعطاها

أجرت على قميصه الدمع دما *** لموقف أعجز حتّى الكلما

يا مؤنس الأُمّ بليل الوحده *** منقذها عند عروض الشدّه

یا یوسفاً بحسنه متوجا *** وفي عذار خدّه توهّجا

يا زينة البيت من المهد إلى *** أن صرت من بين الرجال البطلا

ما زلت في مبتدأ *** الشباب ملأت بالنشاط والرغاب

تنسى ولم أنس زماناً قد مضى *** أعطيت للعذاب من نفسي الرضا

ما نعمت عيني بأنس الغمض *** ولم أُفارق مهده بلحظي

أُعانق العذاب عند المهد *** أرعاك نائماً ببذل جهدي

أُريد يد أن تصبح عكازي إذا *** أحناني الدهر وقد صرت جذا

تأخذ في يدي إذا الشيب بدا *** يسلب منّي قوّتي والجلدا

وكنت أرجو ليلة الزفاف *** آتيك في الصباح بالألطاف

ص: 59

أكحل مقلتيك ليل العرس *** سعيدة قبل دخول رمسي

حين ترى منتقباً بالشعر *** تكون زينة النجوم الزُّهر

هلمّ فالكلّ على طريقك *** يميد بالنشوة من رحيقك

ويشعلون شمعة مزدهره *** قلوبهم مجامر معطّره

عمّك ذا يقرأ «إن يكاد» (1) *** كي لا يضرّ حسنك الحسّاد

أما ترى عوناً يزين الحفلا *** وأنت كالبدر عليه تجلی

والأكبر الفادي بدى مرتاحا *** يزين بالخضاب منك الراحا

وزينب تخيط ثوب العرس *** من فلق الصبح وضوء الشمس

وكلثم قائمة بالسعد *** ترعى زفافاً كجنان الخلد

ومذ تُرى في عرسك السعيد *** أعود للشباب من جديد

وأُمّك الفقيرة المهجوره *** تدعو لربّها أدم سروره

لكن ثياب العرس صارت كفنا *** والعرس مأتماً على رغمي أنا

لحجّة الإسلام شيرازي لسان حال أُمّ القاسم علیه السلام

نوگل باغ حسن ای ثمره گلشن

تار شدید دیده من تا شدی از دیده نهان

نخل امید من گم شده دل گشت خزان

قاسم ای تازه جوان قاسم ای تازه جوان

قدت ای سرو سهی چون نگرم خفته بخاک

پای تا سر شده چاک

ص: 60


1- (وَإِذْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ ) الآية، قبل تقرء لدفع ضرر العين .

سرت ای بدر جهان چون نگرم زیب سنان

قاسم ای تازه جوان

مهر تابان وصالت مگر ای صبح وصال

رفته در برج زوال

که چنین تار شد اندر نظرم کون و مکان

قاسم ای تازه جوان

شد ندانم هدف تیر بلا پیکر تو

يا دل مادر تو

یا بیک تیر جفا دست خطا زد دو نشان

قاسم ای تازه جوان

گل نشکفته رویت که هنوزش ندمید

برگی از شاخ امید

چاک شد چون گل صد پر زدم تیغ سنان

قاسم ای تازه جوان

لب خشکیده ات آغشته بخون چون نگرم

بکه این شکوه برم

که تو لب تشنه دهی جان بلب آب روان

قاسم ای تازه جوان

قامتم خم شده از بار غمت خیز ببین

که شدم نقش زمین

بکجا با کمر خم برم این بار گران

قاسم ای تازه جوان

ص: 61

بستن حجله سور توام ای نخل امید

بصف حشر کشید

حجله ات کور شد و عیش طرب آه فغان

قاسم ای تازه جوان

بودم امید که ما را برسانی به حجاز

بين بصد شور و گداز

میرم شام بود همسرم شمر و سنان

قاسم ای تازه جوان

تا به کی از الم ماتم تو بار کشم رنج و آزار کش

ای اجل زود که رفت از کف من تاب و توان

قاسم ای تازه جوان

مباراة الشعر بالعربيّة(1) :

أيّها الطالع في غصن الزكيّ المجتبى *** عميت عيني فلم تبصر وهاداً وربي

حين أغفيت على الربوة ترعى الكوكبا *** أملي الضائع منه القلب قد صار هبا

یا سليل المجتبى

حينما أبصر سرو القدّ ملقّى في الرمال

أجد العيش محال

ص: 62


1- ستجد في هذه القطعة الشعريّة وزناً غريباً على عروض الخليل وقد باريت به القطعة الفارسيّة وهي وإن جائت على شيء من الضعف إلّا أنّها لا تخلو من المعنى الذي يقربها من القطعة التي باريتها .

وغدا العالم من بعدك يكسى الغيهبا

یا سليل المجتبى

وصلك المشرق مثل الصبح يا صبح الوصال

غاب في برج الزوال

هكذا أصبحت لا أبصر كوناً ومكان

مدمعي بعدك هان

يا شباباً غبت عن أُمّك في عهد الصبا

یا سليل المجتبى

ليت أدري من رمى السهم أصاب البدنا

أم رمى قلبي أنا

أم ترى كان له في وفيك الهدفان

قاتل الله الزمان

سلّ سيف الغدر ماض الحدّ مصقول الشبا

يا سليل المجتبى

لم يزل وجهك كالبرعم يخفي زهره

غصن في شجره

أملي خاب كمن يفقد في الدنيا الأمان

أين يا عذب البيان

كيف من بعدك أرجو عمري أن يعذبا

یا سليل المجتبى

قطع الظالم أوصالك كالورد النثير

آه يا غصني النضير

فرسان الهيجاء / ج 2

ص: 63

عندما أبصر منك الثغر قد جفّ وقد جفّ اللسان

ظماً والماء دان

أتمنّى الموت أن يأخذني قبل السبا

يا سليل المجتبى

ولقد أحناني الدهر من الحزن الثقيل

أينما مال أميل

ثقل الحزن على ظهري فمن لي أن أعان

كل منّي القدمان

أنا كالتائه في دربك يا برقاً خبا

یا سليل المجتبى

جئت للحجلة أبنيها وقد خاب الرجاء

وإلى يوم الجزاء

كيف والحجة تبنى بين شدقي أفعوان

ليس للدنيا أمان

طمست والدمع من بعدك أمسى مشربا

یا سليل المجتبى

كنت أرجو عودتي معك إلى أرض الحجاز

وبكفيك الجواز

وغداً يصحبني للشام شمر وسنان

يا لقومي للهوان

كيف ترضى أن أُعاني القيد يدمي في السبا

يا سليل المجتبى

ص: 64

ولدي حتّى متى في الحزن أبقى والألم

أيّها البدر الأتم

وأنا الفولاذ واليوم بنار الحزن لان

ليس لي فيه يدان

يا حمام أسرع فلا عيش ونجمي غربا

یا سليل المجتبى

ختامه مسك

من قصيدة فاخرة للفقيه النبيه حجّة الإسلام

الشيخ محمّد حسين الأصفهاني

أضاء بالطفوف نجم المجتبى *** فأشرقت به السهول والرُبي

بل أشرق الكون بوجهه المضي *** والملأ الأعلى بنوره يضي

کيف وفي غرّته الغرّاء *** نور المحمّديّة البيضاء

بل شاطئ الفرات قد تجلّى *** في طوره نور العليّ الأعلى

فنوره مشكاة نور الباري *** به استنار عالم الأنوار

تمثّلت محاسن النبي *** في القاسم بن الحسن الزكي

والمكرمات الغرّ من أبيه *** علىّ القدر تجلّت فيه

يشبه عمّه الشهيد في الإبا *** وفي الحيا سرّ أبيه المجتبى

بدر الكمال في سماء المجد *** ووارث المجد أباً عن جدّ

أزكى فروع دوحة النبوّه *** في المجد والمنعة والفتوّه

بدر الدجى في أُفق الكرامه *** شمس الضحا في فلك الشهامه

هو الفتي بكلّ معنى الكلمه *** بل أسد الأسود يوم الملحمه

ص: 65

وكيف وهو ليث آل غالب *** وعنده الأسود كالثعالب

أكرم به من فارس یوم اللقا *** من لا يخاف الشرّ عند الملتقى

قطب محيط الحرب في ثباته *** تغنيك حرب الطف من إثباته

تهابه الكُماة والأبطال *** تفرّ من خيفته الرجال

كأنّما هم حُمُرٌ مستنفره *** فرّت إذا شدّت عليها قسوره

بارقة الرحمة في جبينه *** صاعقة العذاب في يمينه

بارقة كالرعد في رعيده *** كان يوم الحرب يوم عيده

يمثّل الكرّار في شجاعته *** وكيف والأرواح تحت طاعته

فإن هذا الشبل من ذاك الأسد *** فأمره في الروح ماض والجسد

يختطف الأرواح من أبدانها *** ويحصد الرؤوس من فرسانها

وغاص بالبتار في تيّارها *** حتّى أزال الخيل عن قرارها

جاهد في إحياء دين الباري *** وذبّ عن شريعة المختار

فدا ببذل روحه قلب الهدى *** على ظماً كاد يفتّ الكبدا

سطى على الألوف وهو واحد *** فيا بنفسي ذلك المجاهد

لفّ صفوف البغي بالصفوف *** ببارق يبرق بالحتوف

حتّى إذا مزّقهم جميعا *** بضربة الأزدي هوى صريعا

كأنّه من التجلّي صعقا *** مذ روحه القدسيّ حاول اللقا

لهفي عليه مذ أتاه عمّه *** فاشتبك الحرب وزاد غمّه

فكيف حال مهجة الرسول *** بين يدي حوافر الخيول

فسل عظام صدره يا ويلي *** هل سلمت بعد هجوم الخيل

بكاه عمه على بلائه *** كاد يذوب الصخر من بكائه

وقد بكى على فتى الفتيان *** فتيان فر وبني عدنان

ص: 66

بکی علی شبابه شبّانها ناح على فارسها فرسانها

وصرخة العقائل الزواكي لقد علت إلى ذُرى الأفلاك

بكي على مهجته الرسول ناحت على بهجتها البتول

بكاه جدّه الوصيّ المرتضى مذ فتّ في ساعده حكم القضا

وحقّ أن يبكي أبوه المجتبى دماً فانَّ نور عينه خبا

وكيف لا يبكي على خضابه من دمه وهو على شبابه

لم يتهنّا بشابه ولا بالعيش في أوانه ولا ولا

یکی علی عارضه السحاب حتّى شجى لخدّه التراب

والحور في قصورها صوائح صوائح تتبعها نوائح

خرّ لرزئه سماك رامح وكيف لا والخطب خطب فادح

والأرض زلزلت له زلزالها مذ فقدت بفقده جمالها

وانهملت لرزئه عين السما دماً فكاد أن يصيبها العمى

أظلمت الدنيا بعين عمّه واحزني لهمّه وغمّه

لمّا رأى قرّة عينه على وجه الثرى يفحص من عظم البلا

قد عجبت من صبره الملاك ولا يحيط وصفه الإدراك

167 - القاسم بن محمّد بن جعفر

قال المامقاني في رجاله القاسم بن جعفر بن أبي طالب، أُمّه أُمّ ولد ، وكان ملازماً للحسين علیه السلام لا يفارقه ، تزوّج أم كلثوم الصغرى وأُمّها عقيلة بني هاشم زينب بنت فاطمة الزهراء علیها السلام (1).

ص: 67


1- حينئذٍ تكون أُمّ كلثوم ابنة أخيه فكيف يتزوجها إلا أن يقال بأنّ لزينب علیه السلام زوجاً غير عبدالله لا نعرفه والمؤلّف أغفله ! وأعتقد أن ما في العنوان هو الصحيح وقد سقط اسم الأب وهو «محمّد» وما جاء باسم ابن جعفر خطأ نسخي .

وأبوها عبدالله بن جعفر وكان وزوجته أمّ كلثوم في كربلاء مع الحسين علیه السلام ، وقاتل بعد استشهاد عون بن جعفر فقتل ثمانين فارساً واثني عشر راجلاً ثمّ استشهد علیه السلام.

أقول : أُمّ كلثوم هذه هي التي طلب يدها معاوية ليزيد وأبي الحسين علیه السلام أن يزوّجه وزوّجها للقاسم، وقد ذكرت الحكاية بالتفصيل في كتابي : «رياحين الشريعة».

168 - قعنب بن عمرو

قال المامقاني في رجاله : كان قعنب هذا من شيعة البصرة فرافق الإمام علیه السلام حتّى إذا اشتعل أوار الحرب يوم عاشوراء قاتل بين يدي الإمام حتّى استشهاد رحمه الله .

وجاء في زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على قعنب بن عمرو النمري»(1).

وذكره في ذخيرة الدارين عن الحدائق الورديّة بهذا العنوان.

وقال العلّامة السماوي في إبصار العين كان قعنب رجلاً بصريّاً من الشيعة الذين بالبصرة جاء مع الحجّاج السعدي إلى الحسين علیه السلام وانضمّ إليه وقاتل في الطفّ بين يديه حتّى قُتل (ذكره صاحب الحدائق وله في القائميّات ذكر وسلام)(2).

169 - قيس بن عبد الله

في الزيارة الرجبيّة المرويّة في إقبال ابن طاووس : «السلام على قيس بن عبدالله الهمداني ».

ص: 68


1- مزار محمّد بن المشهدي ، ص 494 : إقبال الأعمال ، ج 3 ص 78 .
2- السماوي ، إبصار العين ، ص 125 والقائميّات أي المنسوبة إلى الإمام القائم عجّل الله فرجه .

170 - قيس بن مسهّر الصيداوي

قال ابن الأثير الجزري في أسد الغابة : هو قيس بن مسهّر بن خالد بن جندب ابن عمرو بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي الصيداوي (وصيدا طائفة من بني أسد)(1)(1) .

وذكره الشيخ الطوسي وأبو علي والمامقاني وغيرهم من أصحاب الحسين علیه السلام وكان ولائه ومحبته كالذهب الأبريز النقي وكان مشتهراً بالشجاعة والبطولة والرفعة .

قال أبو مخنف : (لمّا هلك معاوية بن أبي سفيان) فاجتمع من الشيعة جماعة إلى منزل سليمان بن صرد الخزاعي وقالوا نكتب إلى الحسين علیه السلام ، فحمل الكتاب من الكوفة إلى الحسين عبد الله بن وال وغيره من الناس(2) . وبعد يومين أرسلوا إليه كتباً عدّة وحاملها قيس بن مسهّر الصيداوي وعبدالرحمن بن عبدالله الأرحبي، وحين توجّه مسلم إلى الكوفة كان قيس بن مسهر الصيداوي في صحبته وهو الذي حمل كتاب مسلم إلى الحسين ولمّا وصل إلى المضيق من بطن الخبت وهلك الدليلان عطشاً كان قيس قد أبلغ مسلماً كتاب الحسين وحمل جوابه إلى الحسين علیه السلام فأعطاه الحسين جواب الكتاب ولحق بمسلم حتى ورد معه الكوفة (3) .

ص: 69


1- لم أعثر على ترجمته في أسد الغابة .
2- في مخنف أنّ الذي حمل الكتاب رجلان هما عمر بن نافذ التميمي وعبدالله بن سبيع الهمداني ، ص 18 . وفي نفس الصفحة أشار إلى الكتاب الثاني وحامله مسهّر الأنصاري ويحتمل أن يكون اسم قيس قد سقط من الناسخ .
3- ليس في أبي مخنف إلّا هذه العبارة : وسار (مسلم) حتّى وصل الكوفة فنزل دليلاً في دار سليمان ابن صرد، ص 20 .

ومن المؤكّد بأنّ حامل كتاب مسلم إلى الحسين علیه السلام هو قيس بن مسهّر أو أنّه حظي بلقاء الحسين علیه السلام مع من حمل الكتاب وكان قد صحبه. فلمّا بلغ الحسين علیه السلام الحاجر من بطن الرملة كتب كتاباً آخر إلى أهل الكوفة فأرسل قيس ابن مسهّر الصيداوي بالكتاب (1) .

فلمّا بلغ القادسيّة أخذه الحصين بن نمير لعنه الله وأوثقه كتافاً وبعث به إلى ابن زياد لعنهما الله ، فقال له ابن زياد أين الكتاب؟ قال: مزّقته، فقال ابن زياد ولم فعلت ذلك ؟ قال : لئلا تعلم ما فيه. فقال ابن زياد ممّن الكتاب وإلى من من أُرسل ؟ فقال : من الحسين إلى جماعة من شيعته فقال ابن زياد: إما أن تسمّيهم لي أو تصعد المنبر وتسبّ الكذّاب ابن الكذاب - يعني بذلك الإمام علیه السلام - . قال : أفعل الثانية، فلمّا صعد المنبر حمد الله وأثنى عليه وذكر النبيّ فصلّى عليه ثمّ قال :

أيّها الناس، أنا رسول الحسين إليكم وهو إمامكم وخير خلق الله وقد خلفته في الحاجر فأجيبوه فأجيبوه ، ثم بالغ في الثناء على أمير المؤمنين علیه السلام وعلى أولاده ولعن معاوية ويزيد وابن زياد لعناً متواتراً.

فأمر ابن زياد بإلقائه من أعلى القصر فتكسّرت عظامه واستشهد رضوان الله عليه . وقال فيه الشاعر الكميت :

* وشيخ بني الصيداء قد فاض قبلهم *

وفي الناسخ: ليكن معلوماً أنّ كتب الحسين من يوم خروجه من مكّة إلى حين وصوله أرض كربلاء بلغت كتابين : الأوّل أرسله مع عبد الله بن يقطر رحمه الله كما تقدّم ذكره ، والآخر مع قيس بن مسهّر ، إلّا أنّ المؤرّخين أغفلوا الكتاب الثاني فلم يرووا

ص: 70


1- راجع مقتل أبي مخنف، ص 41 و 42 .

الحكاية كما وقعت، وبعضهم ذكر الكتابين ولم يذكر الحامل هل هو عبد الله بن يقطر أو قيس بن مسهّر ؟

و مجمل القول أنّ الحسين علیه السلام حين علم بشهادة قيس ترقرقت عيناه بالدموع ثمّ قال : اللّهمّ اجعل لنا و لشيعتنا عندك منزلاً كريماً ، واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ رحمتك إنّك على كلّ شيء قديم، ثمّ تلا هذه الآية: (فَمِنْهُمْ مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً )(1).

ص: 71


1- بحار الأنوار ، ج 44 ص 382؛ العوالم ، ص 233 .

حرف الكاف

171 -کردوس

سبق ذكره في ترجمة أخيه عبدالله بن زهير الثعلبي.

172 - کامل مولى نافع بن هلال

ورد ذكره في ترجمة مجمع بن عبدالله العائذي ولم يذكر له اسم بل قال بعضهم: اسم فرس نافع الكامل ، وبعضهم سمّاها «كاهل» - بالهاء - وهذا الاسم أقرب إلى الذهن لأنّ الكاهل ما كان شديد الجانب(1) .

وكيف كان فإننا ذكرناه هنا لما يقال من أنّ مولى نافع بن هلال استشهد بالطفّ يوم عاشوراء.

173 - كنانة بن عتيق

قال ابن حجر العسقلاني في الإصابة : كنانة بن عتيق بن معاوية بن الصامت بن قيس التغلبي سكن الكوفة، وهو وأبوه من المجاهدين في يوم أحد مع النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم .

ص: 72


1- في تاج العروس : هو صفة من صفات الخيل ، قال : الكاهل من الفرس ما ارتفع من فروع كتفيه إلى مستوى ظهره .. الخ ، ج 15 ص 672 .

ونقل من تاريخ ابن مندة أنّه كان فارس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وقال الشيخ في رجاله والعلّامة في الخلاصة والمامقاني في رجاله والسماوي في إبصار العين كان كنانة بطلاً من أبطال الكوفة وعابداً من عبادها وقارثاً من ،قرائها، جاء إلى الحسين علیه السلام في الطف وقتل بين يديه(1)

عدّه ابن شهر آشوب في المناقب والقمّي في منتهى الآمال من شهداء الحملة الأولى.

ص: 73


1- إبصار العين ، ص 114 .

حرف الميم

174 - مالك بن أنس المالكي

في عاشر البحار ص 198 يقول : ثمّ برز من بعده مالك بن أنس الكاهلي وهو يقول :

قد علمت كاهلها(1)والدودان *** والخندفيون وقيس عيلان

بأن قومي قصم الأقران(2) *** (لدى الوغى وسادة الفرسان

نباشر الموت بطعن آن *** لسنا نرى العجز عن الطعان)

[ يا قوم كونوا كأُسود الجان] *** آل علي شيعة الرحمن

[وآل حرب](3) شيعة الشيطان

[فقتل منهم ثمانية عشر رجلاً ] ثمّ قتل رضي الله عنه(4).

وقال أخطب خوارزم في المقتل وابن نما : إنّه قيس بن أنس الكاهلي (5).

وقال في نفس المهموم : ( عن ابن نما) ثم خرج أنس بن الحارث الكاهلي وهو يقول (وذكر الرجز) وفيه :

ص: 74


1- مالك - المؤلّف .
2- آفة الأقران - المؤلّف . وقصم كصرد من يحطم كلّ من يلقاه / حاشية البحار .
3- آل زياد - المؤلّف .
4- بحار الأنوار ، ج 44 ص 320 وما بين القوسين للمؤلّف، والمركّنتين للبحار .
5- مقتل الخوارزمي ، ج 2 ص 18؛ نفس المهموم، ص 262 .

آل عليّ شيعة الرحمن *** وآل حرب شيعة الشيطان(1)

ثم قتل منهم ثمانية عشر رجلاً واستشهد رضي الله عنه.

175 - مالك بن أوس

وفي الناسخ ذكر شهادة مالك بن أوس ويقول بعد ورقتين : ثم خرج مالك بن أوس المالكي وفي رواية الأعثم الكوفي - وهو من كبار علماء الأخبار الموثقين ورواة الآثار - شاهراً سيفه وحمل على الأعداء وقتل منهم جماعة مبارزة ثمّ استشهد أمام الحسين علیه السلام.

176 - مالك بن دودان

في بعض الكتب نظير شرح قصيدة أبي فراس والناسخ ذكر باسم داوود وهو خطأ من الناسخ والصحيح دودان كما في نفس المهموم فإنّه قال : ثمّ برز مالك بن دودان وأنشأ يقول:

إليكم من مالك الضرغام *** ضرب فتى ضرب فتًى يحمي عن الكرام

يرجو ثواب الله ذي الإنعام (2) *** سبحانه من مالك علّام

وقال في شرح القصيدة فقتل منهم خمسة عشر رجلاً.

وقال أبو مخنف : ثم حمل على القوم ولم يزل يقاتل حتّى قتل ستّين فارساً وقُتل رحمه الله(3).

وقال في الناسخ بعد ذكر الرجز: ثمّ سلّ الصمصام وفعل فيهم فعل الضرغام

ص: 75


1- مثير الأحزان ، ص 32 هامش النفس وليس فيه العدد المذكور .
2- نفس المهموم، ص 266 و 267 وذكر في حاشية النفس المناقب ، ج 4 ص 104 .
3- مقتل أبي مخنف، ص 74.

والتحم بفيالق العدوّ وبعد أن قتل منهم ستّين رجلاً وطرحهم من مركب الحياة سافر إلى علّيّين وارتقى رفرف الرحمة .

177 - مالك بن عبد بن سريع

عدّه الشيخ وأبو علي والأسترآبادي والمامقاني والطبري وأبو مخنف وغيرهم من أصحاب سيّدالشهداء الذين استشهدوا معه في كربلاء.

وفي زيارة الناحية:« السلام على مالك بن عبد بن سريع».

قال الطبري : وجاء الفتيان الجابريان سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع وهما ابنا عمّ وأخوان لأُمّ (1). وكان قد قدما كربلاء مع مولاهما شبيب بن الحرث أيّام الهدنة ، وصارا إلى عسكر الحسين علیه السلام .

قال أبو مخنف : وجاء الفتيان الجابريّان سيف بن الحارث بن سريع ومالك بن عبد بن سريع وهما ابنا عمّ وأخوان لأمّ فأتيا حسيناً فدنوا منه وهما يبكيان ، فقال : أي ابني أخي، ما يبكيكما ؟ فوالله إنّي لأرجو أن تكونا عن ساعة قريري عين ، قالا : جعلنا الله فداك، لا والله ما على أنفسنا نبكي ولكنا نبكي عليك نراك قد أحيط بك ولا نقدر على أن نمنعك ، فقال : جزاكما الله يا ابني أخي بوجدكما من ذلك ومواساتكما إيّاي بأنفسكما أحسن جزاء المتقين(2)، ثمّ حملا على العدوّ يظاهر أحدهما أخاه ثمّ رجعا إلى الحسين وسلّما عليه وقالا : السلام عليك يابن

ص: 76


1- تاريخ الطبري ، ج 5 ص 442 .
2- مقتل أبي مخنف، ص 152 وترجم المؤلف قوله : بوجدكما بالجد وهي غفلة من سيادته ، والوجد هنا بمعنى الحزن ، رحم الله المحلاتي فإنّة حجّة في العربيّة والفارسيّة ولكنّها كبوة الجواد .

رسول الله، فأجابهما علیه السلام : وعليكما السلام ورحمة الله وبركاته ، ثمّ عادا إلى الحرب وقاتلا حتّى قُتلا .

ولا يخفى أنّ هذه الرواية ذكرها أخطب خوارزم في مقتله عن مبارزة عبدالله وعبدالرحمن الغفاريان كما مرّت آنفاً(1) .

بأبي عترة النبوّة أضحت *** في ربى كربلا تقاسي ظماها

لست أنسى الحسين إذ أحدقت *** فيه جنود تقودها أمراها

أقبلت نحو حربه مثل مجرى *** السيل عن بعضها بعض قضاها

فرماهم بأسد غاب يرون الحرب *** عيداً إذا استدار رحاها

ثبتوا للقراع والخسف يخطر(2) *** بین ن خطّيها وبين ظباها

178 - مالك بن عبد الله الجابري

في الزيارة الرجبيّة: «السلام على مالك بن عبدالله الجابري». ويحتمل اتحاده مع مالك بن عبد بن سريع المذكور آنفاً، والله العالم (3).

179 - مبارك

مولى الحجّاج بن مسروق الذي جاهد مع مولاه يوم عاشوراء كما أُشير إلى ذلك في ختام ترجمة الحجّاج بن مسروق.

ويقول في الناسخ : مولى الحجّاج بن مسروق استشهد ..

ص: 77


1- مقتل الخوارزمي ، ج 2 ص 23 و 24 .
2- كذا ذكرها المؤلّف أو الناسخ وأحسبها : والحتف يخطو .
3- في إقبال الأعمال ، ج 3 ص 345 : مالك بن عبدالله الحائري .

180 - مجمع بن زياد

يقول العسقلاني في الإصابة : هو مجمع بن زياد بن عمرو بن عدي بن عمرو ابن رفاعة بن كلب بن موزعة الجهني.

وابن عبدالبر ذكر بعد أن ساق نسبه أنّه شهد بدراً وأُحد(1).

وعدّه المامقاني وصاحب ذخيرة الدارين والحدائق الورديّة وإبصار العين من شهداء كربلاء وهو من جهينة الذين يسكنون أطراف المدينة، فلما مرّ الحسين علیه السلام بهم تبعه فيمن تبعه من الأعراب(2).

ولما وصل الإمام إلى زبالة وبلغه شهادة مسلم وهاني ارتد عنه أكثر الأعراب ولكن مجمع أقام معه وقتل بين يديه يوم عاشوراء بعد أن قتل من القوم جماعة، واستشهد أمام الحسين علیه السلام.

181 - مجمع بن عبد الله العائذي

قال العسقلاني في الإصابة : هو مجمع بن عبد الله بن مجمع بن مالك بن إياس ابن عبد مناة بن سعد العشيرة المذحجي العائذي، قتل مع الحسين بن عليّ علیهما السلام بكربلاء.

وقال المامقاني في رجاله: حضر حرب صفّين، جاء مع جماعة من عُذيب الهجانات ولحق بالإمام علیه السلام الليل واستشهد يوم عاشوراء .

وفي زيارة الناحية المقدّسة والرجبيّة: «السلام على مجمع بن عبدالله العائذي»(3).

ص: 78


1- لم أعثر على ترجمته في الكتابين مع الأسف الشديد.
2- ابصار العين ، ص 201 .
3- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 345 .

ونقل عن ابن الكلبي أنّ عبدالله والد مجمع صحابيّ وكان مجمع من التابعين ومن أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام والمجاهدين يوم صفّين.

يقول أبو مخنف ولمّا سمع مجمع بن عبدالله وابنه عائذ وهما في الكوفة أن قيس بن مسهر الصيداوي رسول الحسين علیه السلام أخبر عن الإمام بأنه في الحاجر من بطن الرملة، فخرج مجمع وابنه عائذ وعمرو بن خالد الصيداوي ومعه مولاه سعد وجنادة بن الحرث ومولى نافع بن هلال البجلي من الكوفة وأدركوا الإمام في عذيب الهجانات، فأراد الحرّ حبسهم أو إرجاعهم إلى الكوفة فمانعه الإمام وأدخلهم رحله وسألهم عن أهل الكوفة، فقال له مجمع بن عبد الله العائذي أمّا أشراف الكوفة فقد مُلئت غرائرهم بالمال فسكتوا وخادعوهم فمالوا إليهم وقرّبوهم وأدنوهم فكانوا من أخلص المقربين والناصحين واستعدوا لقتالك وأما سائر أهل الكوفة فقلوبهم معك وسيوفهم عليك، فسألهم عن رسوله قيس ابن مسهر فأخبروه : نعم قبض عليه الحصين بن نمير وساقه مكتوفاً إلى ابن زياد فأمره ابن زياد بسبّك وسبّ أبيك فصلّى عليك وأكثر الصلاة على أبيك ولعن معاوية وابنه يزيد وابن زياد لعناً متواتراً فأمر به ابن زياد أن يُلقى من أعلى القصر فتكسّرت عظامه وأسلم الروح إلى بارئها وأعلم الناس بأنّك في الحاجر من بطن

الرملة (1).

ص: 79


1- وأنا أسوق لك ما ورد عند أبي مخنف ، قال : وسار حتى وصل عذيب الهجانات وإذا هم بنافع بن هلال المرادي وعمرو الصيداوي وسعيد بن أبي ذر الغفاري وعبيد الله المذحجي ، فأقبلوا إلى الحسين فلما نظر الطرماح أخذ بزمام ناقة الحسين علیه السلام وأنشأ يقول: «يا ناقتي لا تجزعي من زجري الخ . قال : فأقبل عليهم الحرّ ، فقال له الحسين علیه السلام : الم تكن قد عاهدتني أن لا تتعرّض لأحد من أصحابي فإن كنت على ما بيني وبينك وإلا نازلتك في ميدان الحرب، فكفّ عنهم الحرّ ، ثمّ إن الحسين علیه السلام استقبلهم وقال : أخبروني ما ورائكم بالكوفة ؟ فقالوا : يابن رسول الله ، أما أشراف الناس فقد طمت رؤوسهم بالمال، وأما سائر الناس فقلوبهم معك وأسيافهم عليك ، فقال : هل لكم علم برسولي قيس بن مسهر ؟ قالوا : أخذه الحصين بن نمير وبعثه مكتوفاً إلى ابن زياد فقتله ، فلمّا سمع الحسين علیه السلام لذلك تغرغرت عيناه بالدموع ثم تلا قوله : (فَمِنْهُمْ مِّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً). ثمّ قال : اللهم اجعل الجنّة لنا ولهم ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر رحمتك يا أرحم الراحمين ( ص 46 و 47) . هذا كل ما ورد في الموضوع عند أبي مخنف، وأما سياق المؤلف فيختلف عنه في بعض التفاصيل وبعض الأسماء أيضاً. والظاهر أن المؤلف اعتمد على كتاب إبصار العين ص 115 ولم يرجع فيما قال إلى مقتل أبي مخنف وفي النسخة التي استند إليها المرحوم السماوي تغيير بين عمّا في أيدينا .

قال أبو مخنف أيضاً : ولما التحم القتال بين الحسين علیه السلام وأهل الكوفة شدّ هؤلاء مقدمين بأسيافهم في أوّل القتال على الناس فلمّا وغلوا عطف عليهم الناس فأخذوا يحوزونهم وقطعوهم من أصحابهم، فلما نظر الحسين إلى ذلك ندب إليهم أخاه العبّاس فنهد إليهم وحمل على القوم وحده يضرب فيهم بسيفه قدماً حتى خلص إليهم واستنقذهم فجاؤوا وقد جُرحوا ، فلمّا كانوا في أثناء الطريق والعبّاس يسوقهم رأى القوم تدانوا إليهم ليقطعوا عليهم الطريق فانسلّوا من العبّاس وشدّوا على القوم بأسيافهم شدّة واحدة على ما بهم من الجراحات وقاتلوا حتّى قتلوا في مكان واحد، فتركهم العبّاس ورجع إلى الحسين عله السلام فأخبره بذلك، فترحّم عليهم الحسين، وجعل يكرّر ذلك(1).

182 - محسن بن الحسين علیهما السلام

قال ياقوت الحموى في معجم البلدان في مادّة «جوشن»: جوشن جبل في

ص: 80


1- إبصار العين ، ص 116 وفي هامشه : تاريخ الطبري ، ج 3 ص 330 .

غربي حلب ومنه كان يحمل النحاس الأحمر وهو معدنه ، ويقال : إنّه بطل منذ عبر علیه سبي الحسين بن عليّ رضي الله عنه ونسائه ، وكانت زوجة الحسين حاملاً فأسقطت هناك فطلبت من الصنّاع في ذلك الجبل خبزاً وماءاً فشتموها ومنعوها فدعت عليهم فمن الآن من عمل فيه لا يربح ، وفي قبلي الجبل مشهد يعرف بمشهد السقط ويسمّى مشهد الدكة، والسقط يسمّى محسن بن الحسين رضي الله عنه (1) ، انتهى بمضمونه.

وقال المحدّث القمي في نفئة المصدور وبالقرب من حلب مشهد السقط ومشهد الدكة، وهو في جبل يُسمّى «جوشن» مطلّ على حلب وفيه عدّة قبور العلماء الشيعة منهم السيّد أبو المكارم بن زهرة الحسيني الحلبي، والآخر أحمد بن منير العاملي وله ترجمة في أمل الآمل، ومحمّد بن عليّ بن شهر آشوب الساروي المازندراني صاحب المناقب .

إلى أن يقول : ومحسن بن الحسين السقط وفيه مشهده وأنا زرت المكان في سنة 1342 بعد عودتي من بيت الله الحرام وشاهدت عمارته، وهي من الحجارة الكبيرة وقد وضعت في غاية الدقّة والإحكام ولكنّ بنائه مع الأسف تداعى على أثر الفتن والحروب التي جرت هناك . ثمّ نقل ما نقلناه من المعجم، ويسمّيه أهل حلب «الشيخ محسن» بفتح الحاء وتشديد السين المكسورة.

وأوّل من عمّر المرقد سيف الدولة الديلمي.

وفي الكتاب نفسه ينقل عن نسمة السحر لضياء الدين يوسف بن بحر الصنعاني المتوفّى 1111 إنّه يقول: وذكر ابن أبي طي في تاريخ حلب: إنّ سيف الدولة هو الذي عمّر مشهد الدكّة بظاهر حلب بسبب أنّه رأى نوراً على

ص: 81


1- الحموي، معجم البلدان ، ج 2 ص 186 .

مكانه وهو بأحد مناظره في حلب، فلمّا أصبح ركب إلى هناك وأمر بالحفر فوجد حجراً مكتوباً عليه : هذا المحسن بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فجمع العلويين وسألهم ، فقال بعضهم : أنّهم لمّا مرّوا بالسبي أيّام يزيد من حلب فطرحت نساء الحسين علیه السلام بهذا الولد ، فعمره سيف الدولة وقال : إنّ الله أذن لي في عمارته على اسم بنت نبيّه ويعرف الموضع بالجوشن (1).

183 - محمّد بن أبي سعيد

قال الشيخ في رجاله : إنّه من أصحاب الحسين علیه السلام.

وقال المامقاني : أخطأ ابن داود في ذكر محمّد بن سعيد بالاسم دون الكنية لأنّ كتب الرجال والسير والمقاتل وزيارتي الناحية المقدّسة والرجبية ذكرت والده بالكنية «أبي سعيد»: «السلام على محمّد أبي سعيد».

وروى الكنجي في كفاية الطالب عن أبي مخنف قال : حدّثني حميد بن مسلم قال : لمّا صرع الحسين خرج غلام مذعوراً يلتفت يميناً وشمالاً فشدّ عليه فارس فضربه، فسألت عن الغلام، فقيل : محمّد بن أبي سعيد، وعن الفارس، فقيل: لقيط بن إياس الجهني(2) . وكان الغلام ابن السابعة .

وقال ابن شهر آشوب : رماه لقيط بن إياس لعنه الله بسهم في جنبه وقتله .

وقال ابن الأثير في الكامل : قتله هاني بن ثبيت الحضرمي(3).

ص: 82


1- نسمة السحر ، ج 2 ص 420 .
2- إبصار العين ، ص 91 .
3- قال ابن الأثير : وقتل محمّد بن أبي سعيد بن عقيل وأُمّه أمّ ولد ، قتله لقيط بن ياسر الجهني (ج 4 ص 93) بخلاف ما قاله المؤلّف عنه .

أقول : ذكرنا في حرف الغين قبل هذا وخرج من الخيمة، الخ. والله أعلم بالتعدد.

وأمّا أبوه أبو سعيد فهو من الرجال المرموقين، ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة والمقامقاني في باب الكنى عن رجاله والمحدّث القمّي في نفس المهموم وكتاب الكنى والألقاب : دخل الإمام الحسن بن عليّ علیهما السلام على معاوية وعنده عبدالله بن الزبير وكان معاوية يحبّ أن يغري بين قريش، فقال: يا أبا محمّد ، أيهما كان أكبر سنّاً : علىّ أم الزبير ؟ فقال الحسن علیه السلام : ما أقرب ما بينهما وعليّ أسنّ من الزبير ، رحم الله عليّاً. فقال ابن الزبير : رحم الله الزبير . وهناك أبو سعيد بن عقيل بن أبي طالب فقال : يا عبدالله، وما يهيجك من أن يترحم الرجل على أبيه ؟ قال : وأنا أيضاً ترحمت على أبي . قال : أتظنه نداً له وكفوا ؟ قال : وما يقعد به عن ذلك، كلاهما من قريش وكلاهما دعا إلى نفسه ولم يتمّ؟

قال : دع ذلك عنك يا أبا عبدالله ، إنّ عليّاً من قريش ومن الرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حيث تعلم ولمّا دعا إلى نفسه اتبع فيه وكان رأساً، ودعا الزبير إلى أمر كان الرأس فيه امرأة ولمّا ترائت الفئتان نكص على عقبيه وولّى مدبراً قبل أن يظهر الحق فيأخذه أو يدحض الباطل فيتركه فأدركه رجل لو قيس ببعض أعضائه لكان أصغر فضرب عنقه وأخذ سلبه وجاء برأسه ومضى عليّ علیه السلام قدماً كعادته مع ابن عمّه رحم الله عليّاً .

فقال ابن الزبير : لو غيرك تكلّم بهذا يا أبا سعيد لعلم.

فقال : إنّ الذي تعرض به يرغب عنك وكفّه معاوية فسكتوا، وأخبرت عائشة بمقالتهم ، ومرّ أبو سعيد بفنائها، فنادته : يا أبا سعيد ، أنت القائل لابن أختي كذا ؟

ص: 83

فالتفت فلم ير شيئاً ، فقال : إنّ الشيطان يراك ولا تراه ، فضحكت عائشة وقالت : لله أبوك ما أذلق لسانك(1).

184 - محمّد بن أمير المؤمنين علیهما السلام

في زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على محمّد بن أمير المؤمنين قتيل الأيادي (والأباني - المؤلّف) لعنه الله وضاعف عليه العذاب الأليم، وصلّى الله عليك يا محمّد وعلى أهل بيتك الصابرين» (2).

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين وأُمّه أُمّ ولد(3).

وفي كتاب الدرّ النظيم ليوسف بن الفقيه الحاتم الشامي : أُمّه ليلى بنت مسعود الدارميّة ، أخوه عبيد الله المكنّى ،أبابکر، حضرت كربلاء مع ولديها(4) .

والتحقيق في المسألة أنّ للإمام ثلاثة أولاد اسمهم محمّد: محمّد الأكبر وهو ابن الحنفية، ومحمد الأصغر وهو أبو بكر وأُمّه ليلى بنت مسعود الدارميّة كما سبقت ترجمته في مادّة «أبو بكر» ، والثالث محمّد الأوسط وأُمّه أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وأُمّ أمامة زينب بنت رسول الله أو ربيبته (5).

وكان أمير المؤمنين علیه السلام قد تزوّجها بعد وفاة الصدّيقة الطاهرة بوصيّة منها،

فرسان الهيجاء / ج 2

ص: 84


1- الكنى والألقاب ، ج 1 ص 84 .
2- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 75.
3- مقاتل الطالبيين ، ص 85.
4- الدرّ النظيم ، ص 430 . وعبارته كالتالي : وكان له من ليلى بنت مسعود الدارميّة: محمّد الأصغر المكنّى أبابكر وعبدالله ، ولم يزد على هذه العبارة شيئاً .
5- كتبنا حول ذلك كتاباً في الردّ على جعفر مرتضى فيه شفاء الصدور إن شاء الله ، واسم الكتاب (بنات النبيّ لا ربانبه) .

وكان محمّد هذا لا يكاد يفارق خدمة الإمام الحسن ولازم الحسين من بعده فخرج معه من المدينة إلى مكّة ومنها إلى كربلاء واستشهد فيها.

خذلان قاتله :

قال أصحاب المقاتل والسير : كان اسم قاتله الدارمي زرعة بن شريك، وقد سلّط الله عليه العطش فكان يسقى الماء ويصيح : العطش أحرق جوفي والبرد الشديد آلم ظهري لذلك كانوا يروحون عنه من أمامه في المذبّات، ومن ورائه يوقدون النار ويسقى قدحاً من ماء وقدحاً من حليب تابعاً وهو يصيح: العطش العطش إلى أن شقّ جوفه وذهب إلى جهنّم وبئس المصير.

185 - محمّد بن بشير الحضرمي

قال السيّد بن طاووس والمحدّث القمي في نفس المهموم وقيل لمحمّد بن بشير الحضرمي في تلك الحال - ليلة عاشوراء - : قد أسر إبنك بثغر الري ، فقال : عند الله أحتسبه ونفسي ما كنت أحبّ أن يؤسر وأنا أبقى بعده، فسمع علیه السلام قوله فقال : رحمك الله أنت في حلّ من بيعتي فاعمل في فكاك ابنك ، فقال : أكلتني السباع حيّاً إن فارقتك . قال : فاعط ابنك هذه الأثواب والبرود يستعين بها في فكاك أخيه، فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار (1) .

وكان لسان حاله :

شاها من ار بعرش رسانم سریر فضل *** مملوک این جنابم و محتاج این درم

گر بر کنم دل از تو بردارم از تو مهر *** این مهر بر که افکنم این دل کجا برم

مباراة الشعر بالعربيّة :

ص: 85


1- اللهوف ، ص 57 ؛ نفس المهموم، ص 207.

لو كان فوق العرش لي منزل *** لم أكُ إلا عبدك القنّا

لو حوّل القلب إلى غيركم *** أو غيركم كان له أدنى

لمن يكون القلب من بعدكم *** والحبّ لا كان ولا كنّا

وفي زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على بشر بن عمر و الحضرمي ..» الخ .

هذا ما كان من ترجمة بشر بن عمرو، وما ذكر في ترجمة محمّد بن بشر فقد ذكره أصحاب المقاتل في ترجمة بشر بن عمرو وقد ذكرت ذلك بالتفصيل آنفاً، ولمّا كان ابن طاووس قد أفرد له ذكراً فقد اقتفيت أثره ونقلت ما ذكره . أمّا وجود محمّد بن بشر بكربلاء فأمر مسلّم ولكن كونه من الشهداء أمراً مظنوناً حيث لم يذكر لنا أحد من المؤرّخين أنّه خرج من أرض كربلاء بالثياب ليعمل على فكاك أخيه ، وإذا كان ليلة العاشر مع الحسين فهل من المعقول أن يترك الإمام ووالده أمام العدوّ ثمّ يخرج بنفسه يوم العاشر، والله أعلم بحقيقة الحال .

186 - محمّد بن العبّاس ابن أمير المؤمنين علیهم السلام

أورد السيّد عبدالرزّاق المقرّم النجفي في كتابه العبّاس(1) أنّ قمر بني هاشم أبا الفضل العبّاس علیه السلام خمسة أولاد عبيد الله والفضل والحسن والقاسم، وله ابنة واحدة. ولكن ابن شهرآشوب سمّى أحد أولاده محمّداً وعده من شهداء الطف بن ثمّ أنشأ الحاج الشّيخ عبّاس في مشكاة جنانه القصيدة التالية في مدح محمّد ابن أبي الفضل :

طبع من دلخسته فرو ریخت مجدّد

لعل و گوهر و لؤلؤ و یاقوت و زبرجد

ص: 86


1- ص 195 - المؤلّف رحمه الله .

خواهد که کند شرح زفرزند ابوالفضل

گردید بروح القدس اين لحظه مؤيَّد

چون شد زجفای پسر سعد ستمگر

در دشت بلا نائرة حرب مشدّد

هر یک زمعینان شه تشنه بییار

از خویش گذشتند و رسیدند به مقصد

مستانه کشیدند بسر جام شهادت

سرمست می عشق زهر قید مجرّد

سردار سپاه شهدین حضرت عبّاس

رعنا پسری داشت و را نام محمّد

خورشید و قمر منفعل از نور رخ وی

طوبی شده در رشک ززیبائی آن قد

چون سنبل و چون عنبر چو مشک عطائی

بر دوش وی افتاد دو گیسوی محمّد

نورسته نهالی بگلستان فضائل

در عین صغارت زبزرگان شده ارشد

در حوزه اطفال دبستان معارف

در خدمت وی خضر چه خواننده ابجد

رخشان شده تا کوکبش از برج شرافت

از نیّر اعظم بسعادت شده اسعد

چون دید ابوالفضل غریب است برادر

از چهار طرف خصم برو گشته مجنّد

ص: 87

بنمود طلب نور دو چشمان و به وی گفت

جان کن بفدای عموی اکرم و امجد

کن سعی که از همسفران باز نمانی

کایشان همه در جنّت خلدند مخلّد

آراست بر او اسلحة حرب سراپا

در آهن فولاد تنش شد متغمّد

شمشیر حمايل بكفش نیزۀ خطّی

چون اژ در خونخوار و چون افعی اسود

شد جلوه گر از برج حرم با رخ زیبا

چون ماه که طالع شود از چرخ مشیّد

بوسید رکاب عمو و باب روان شد

بگرفت سر راه بر آن فرقه مرتد

و آنگه سخن آغاز پی اصل نسب کرد

از حقّه بیاقوت فرو ریخت طبرزد

کای قوم منم زاده عباس دلاور

یارم بحسین بن علی زاده احمد

بر عالم اگر فخر کنم هست سزاوار

در اصل و نسب از طرف عمّ و اب وجد

با چشم حقارت منمائید تماشا

ما طائفه در رزم به مهدیم ممهّد

پس حمله بر آن فرقه بی شرم و حیا کرد

افکند ز مرکب بزمین ده ده و صد صد

ص: 88

بر سینه هرکس که سنانش برسیدی

از پشت سرش نوک سنان گشت ممدّد

مرد دلیری که به او گشت مقابل

بر خاک سیه فرش تنش گشت موسّد

آخر تن پاکش هدف تیر بلا شد

افتاد بخاک از اثر سهم محدّد

چون خواست خجالت نکشد خسرو بی یار

عبّاس نیاید سر نعشش متعمّد

از گفته شیخ هروی فاضل مشهور

كز جمله وعاض بود ساکن مشهد

مشكاة موفق شد و آورد بنظمش

العهده على الراوی اگر خوب اگر بد

مباراة الشعر بالعربيّة :

وعاد طبع الشعر في خاطري *** كالروض غبّ المطر الناضر

تلالات للعين أحجاره *** تلألا النجوم للناظر

من بين ياقوت إلى لؤلؤ *** فيه إلى زبرجد فاخر

أُريد أن أصنع تاج العُلى *** لنجل عباس الهدى الطاهر

مذ أوقد النار ابن سعد على *** آل الرسول الشافع الحاشر

في كربلا بأمر أسياده *** يا شقوة المأمور والآمر

ودار حول السبط أنصاره *** كالنجم حول القمر الزاهر

فدوه بالنفس وما دونها *** ما أسهل الموت على الثائر

وهانت الدنيا بأبصارهم *** مذ بلغوا إلى المدى الآخر

ص: 89

أرواهم الكأس سلاف الهوى *** فاستعذبوا سكر الردى الساحر

محمّد شبل أبي فاضل *** والشبل من ذا الأسد الخادر

والقمران اکتسیا نوره *** طوبی ذوت من قدّه العامر

ذؤابة من فوق أكتافه *** غار الشذى من طيبها العاطر

نبت بروض الفضل لكنّه *** أكمل من دوح به ناضر

في منظر الصغير لكنّه *** للخضر كالكامل للقاصر

من مطلع الفضل بدى نيّراً *** أهدى السنا للفلك الدائر

ومذ رأى العبّاس مولى الورى *** بين أعاديه بلا ناصر

نادى ابنه أنت وكل الورى *** فداء مولّى طيّب طاهر

کن سائراً في الركب نحو العُلا *** شهادة الأوّل والآخر

قد خسر الواني على أثرهم *** والفوز كلّ الفوز للسائر

في جنّة الخلد غداً نلتقي *** عند إله راحم غافر

وأفرغ الدرع على صدره ***كما تجلّى الطود للناظر

حمائل السيف على عاتق *** مجرّة في الأق السافر

السيف والخطي في كفّه *** والقوس مثل الأسد الهادر

أشرق من برج العُلا نوره کالبدر *** حسناً بالسنا الزاخر

مقبلاً من عمّه لائماً ***أقدامه بالمدمع الهامر

وصاح بالأعداء يا ويلكم *** أنا عذاب الله للغادر

أنا ابن خير الخلق من هاشم *** كالكنز في جوهره عامر

أبي أبو الفضل سليل القضا *** أنزله الله على الكافر

عمّي حسين السبط من حبّه *** حبّ النبيّ المصطفى الطاهر

فخري على العالم في والد *** وفي أبٍ ملأ فم الفاخر

ص: 90

لا تعجبوا من صغري إنّني *** من ملأ ترب العلا ظافر

بطولة ليس لها مشبه *** أورثها الكابر للصاغر

و انهزم الأعداء من سيفه *** مثل قطيع البقر النافر

جزرهم ثان على ثالث *** وألحق التاسع بالعاشر

يخفي سنان الرمح في صدره *** حتى ترى في الجانب الآخر

إن قابل الفارس في وجهه *** من مهره يهوي إلى الحافر

حتى إذا غبّر في وجههم *** ألقاه سهم الظالم الخاسر

خرّ على الأرض صريعاً وقد *** وافاه حكم القدر العاثر

لم يأته العبّاس كي لا يرى *** عند حسين ليس بالصابر

وما رویناه هنا حزته *** من هرويّ فاضل شاعر

مسكنه المشهد من وعظه *** سری كمثل المثل السائر

قد صاغه المشكاة شعراً زهى *** في نظمه أخذاً من الناثر

وعهدة النقل يقيناً على *** الراوي بلا شك لنا زاجر

وهو أمين ثقة فاضل *** عن الهدى ما كان بالجائر

ما جاء في هذا الشعر لا دليل عليه وليس له واقع تاريخيّ ولم يثبت التاريخ للعبّاس ولداً اسمه محمّد ولكن لمّا ذكره ابن شهر آشوب كما قال المقرّم النجفي نقلاً عن كتاب «حدائق الأنس» وأنا اقتفيت أثره ، والله العالم.

187 - محمّد بن عبد الله بن جعفر علیهم السلام

عدّه الشيخ الطوسي رحمه الله من أصحاب الحسين علیه السلام وقال عنه: قُتل مع الحسين علیه السلام.

ص: 91

وقال في عمدة الطالب : أمّا عون ومحمّد الأصغر فقد قُتلا مع ابن عمّهما في كربلاء.

وفي الزيارة الرجبيّة: «السلام على محمّد بن عبدالله بن جعفر الشاهد مكان أبيه، والتالي لأخيه وواقيه ببدنه ، لعن الله قاتله عامر بن نهشل التميمي»(1)

وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين : أُمّه الخوصاء بنت حفص بن ثقيف بن ربيعة بن بكر بن وائل ، وأُمّها هند بنت سالم بن عبدالله بن مخزوم التغلبي، وأُمّها ميمونة بنت بشر بن عمرو بن الحرث من آل بكر بن وائل(2) .

وقال ابن شهر آشوب : ثمّ برز محمّد بن عبدالله وهو ينشد:

أشكو إلى الله من العدوان *** فعال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآن(3) *** ومحكم التنزيل والبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان

فقتل عشرة أنفس، قتله عامر بن نهشل التميمي(4) .

وجاء بهذا السياق في شرح قصيدة أبي فراس.

ونقل في نفس المهموم عبارة المناقب ثمّ قال : وإيّاه عنى سليمان بن قتة الأزدي بقوله :

وسميّ النبيّ غودر فيهم *** قد علوه بصارم مصقول

فإذا ما بكيت عيني فجودي *** بدموع تسيل كلّ مسيل(5)

ص: 92


1- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 76.
2- مقاتل الطالبيّين، ص 61 ولم يزد على قوله : أُمّه الخوصاء بنت حفصة (كذا) وسمّاه عبيدالله بن عبدالله بن جعفر .
3- المؤلف : قد بدّلوا .. الخ .
4- المناقب ، ج 3 ص 254 .
5- نفس المهموم ، ص 288 .

188 - محمد بن مسلم بن عقيل

ذكره المامقاني والعلّامة السماوي في إبصار العين والقمي في نفس المهموم و منتهی الآمال، وابن الجوزي في تذكرة خواص الأمة، وأبو الفرج في مقاتل الطالبيين(1) .

وقال المامقاني : محمّد بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب بلغ من العمر اثني عشر سنة أو ثلاثة عشر سنة ، وورد السلام عليه من الناحية المقدّسة وقد اجتمعت فيه خصال الخير من شرف النسب وشرف الشهادة وشرف التسليم. أُمّه أُمّ ولد وبناءاً على ما روي عن أبي جعفر الإمام الباقر علیه السلام أنّ قاتله أبو مرهم - وفي بعض النسخ أبو رهم - الأزدي ، ولقيط بن إياس الجهني.

وقال الطبري: حمل بنو أبي طالب بعد قتل عبدالله حملة واحدة فصاح بهم الحسين علیه السلام : صبراً على الموت يا بني عمومتي ، فوقع فيهم محمّد بن مسلم قتله أبو هرم الأزدي ولقيط بن إياس الجهني (2) .

189 - محمّد بن مسلم أيضاً

مرّ ذكره في إبراهيم بن مسلم بن عقيل بناءاً على ما رواه الصدوق في الأمالي والمجلسي في عاشر البحار (3) . ولكن التاريخ لم يورد المسلم علیه السلام ولدين اسمهما

ص: 93


1- إبصار العين ، ص 50 ؛ نفس المهموم، ص 290 ؛ منتهى الأمال ، ج 1 ص 574 ؛ تذكرة الخواص ، ص 229 ؛ مقاتل الطالبييّن ، ص 94 .
2- لم أعثر عليها في الطبري وأحسب المؤلّف التبس عليه الأثر في أبي جعفر الباقر علیه السلام.
3- يقول الشيخ علي النمازي الشاهرودي في مستدركات علم الرجال : إبراهيم بن مسلم بن عقيل: وأخوه محمّد من الشهداء بالكوفة على ما هو المشهور وقبرهما معروف قريب من كربلاء و تشرّفت بحمد الله تعالى بزيارتهما ، ص210.

محمّد غير أنّه ليس من المستبعد أن يكون استشهد أحدهما بالكوفة مع أخيه إبراهيم .

وأمّا محمّد بن عمر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام فقد كان في كربلاء ولكنّه لم ينل الشهادة وقد ذكرنا حكايته في ترجمة أبيه عمر بن الحسن .

190 - محمّد بن أنس بن أبي دجانة

عدّه في رياض الشهادة ص 161 من شهداء الطفّ ونقل له مشاهد عجيبة وقيل : إنّ موليي الحسن علیه السلام الأسد وفيروزان استشهدا معه .

ولمّا كان فقد ذكرهم في التاريخ ولم نعثر على دليل يدلّ عليه أعرضنا عن ذكرهم وربّما كان أسد هذا هو أسد الكلبي الذي تعرّضنا لذكره آنفاً.

191 - محمّد بن مطاع

في الناسخ عن شرح الشافية أنّ محمّداً بن مطاع تجهّز للقتال واستأذن من الإمام فأذن له وهجم على القوم وقتل منهم ثلاثين رجلاً ثمّ استشهد بأيدي أهل الكوفة. وفي ترجمة أخيه عمرو بن الجعفي يستبان لنا أنّهما من الجعفيين ولكن لم يرد لهما ذكر في رجال المامقاني.

192 - و 193 - محمّد بن كثير وابنه

يظهر لنا خلال ترجمة مسلم بن عقيل قريباً بالتفصيل أنّ الأب والابن هذين شأنهما شأن هاني في فداء نفسيهما لمسلم علیه السلام.

ص: 94

194 - مسعود بن الحجّاج

في زيارة الناحية المقدّسة : «السلام على مسعود بن الحجّاج وابنه» وكذلك في الزيارة الرجبيّة ولكن بإسقاط الإبن(1) .

وفي رجال الشيخ والأسترآبادي وأبي علي وإبصار العين والحدائق الوردية أنّه من أصحاب سيّدالشهداء وممّن استشهد معه بالطفّ.

وبيّنّا في ترجمة عبدالرحمن بن مسعود أنّهما من الشيعة المعروفين(2) وقدما كربلاء مع ابن سعد ولكنّهما في اليوم السابع من المحرّم لحقا بالحسين علیه السلام.

واستشهد يوم العاشر في العاشر في الحملة الأُولى.

195 - السيّد الجليل مسلم بن عقيل علیه السلام

سبقت ترجمة أبيه عقيل في ترجمة أخيه جعفر بن عقيل بالتفصيل.

وأمّا أُمّه فقد قال عنها أبو الفرج في مقاتل الطالبيّين : أُمّه أُمّ ولد يقال لها : حليه (عليه - المؤلّف) وكان عقيل اشتراها من الشام فولدت له مسلماً ولا عقب له(3) هذا ما قاله أبو الفرج.

أمّا أبو محمّد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وهو أكثر ضبطاً من أبي الفرج فقد نقل خلاف ذلك في كتابه «المعارف» ، قال : وقال بعضهم : كانت أُمّ مسلم بن عقيل نبطيّة من آل فرزندا. قال: وخرج ولد عقيل مع الحسين بن عليّ فقتل منهم تسعة نفر وكان مسلم بن عقيل أشجعهم(4) .

ص: 95


1- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 79 و 346؛ مزار الشهيد الأوّل ، ص 153 .
2- ابصار العين ، ص 193 .
3- مقاتل الطالبيين ، ص 80 .
4- ابن قتيبة ، المعارف ، ص 88 .

وقال الفاضل المعاصر الحاج ميرزا خليل الكمرئي في كتابه (مسلم) ص 64 ظاهر هذه الترجمة يدلّ على أنّ أُمّه من الحرائر حيث لم تجر العادة بنسبة الجواري إلى آل فلان وآل فلان بل المعروف في النسب إذا ذكر لفظ آل فلان لقوم دلّ على رفعة أقدارهم لأنّ الأُسر الخاملة لا نسب لهم إلى آل فلان ولا يُشار إلى

بيوتها.

وفي لفظ «آل فرزندان» دلالة على أن هذا الاصطلاح اصطلاح فارسّ ... وشاهد آخر في الجملة وهو أنّ النبط جيل من العجم يسكنون المنطقة الواقعة بين الكوفة والبصرة ثم استعملت الكلمة في عامّة الناس وأجمعت كلمة اللغويين على معنى لفظ النبط ولا ريب بأنّهم الإيرانيون الذين يعبّر عنهم بالعجم أحياناً ويتمركزون بين الكوفة والبصرة وتمتدّ منطقة سكناهم إلى الخليج لأنّه المنطقة الحدودية للأرض الإيرانية فتبيّن لنا بهذه القرينة أن أُمّ مسلم امرأة إيرانيّة مِن ثَمّ قيل آل فرزندان (فرزندا) الواردة في هذه الترجمة فتكون الفاصلة بين قول أبي الفرج وابن قتيبة بقدر ما بين المشرق والمغرب، وتكون النتيجة بناءً على رأي ابن قتيبة أن أُمّ مسلم فارسيّة وإيرانيّة من القوم الذين يقطنون الأرض الواقعة بين البصرة والكوفة التي بنيت عليها فيما بعد مدينة واسط وتتآخم الحدود الشرقية من جزيرة العرب ..(1) فهي إذن من الأحرار ومن طبقة الأعيان ولكن أبا الفرج

ص: 96


1- يقول المرحوم العلّامة دهخدا في موسوعته اللغوية : النبط : جيل من الناس يسكنون البطائح بين العراقين منتهى الإرب النسبة إليه نبطي ونباطي ونباط مثل يمني ويماني ويمان (منتهى الإرب) قوم يسكنون في سواد العراق (السامي) (مهذّب الأسماء). من كان يسكن البطائح بين عراق العرب وعراق العجم المعروف بسواد العراق . وهم من غير العرب ولكنّهم تعرّبوا وكانوا يعرفون بحسن استنباطهم للمياه الجوفية واشتهروا بكثرة الزراعة (مذكّرات المؤلّف) . أمّا عن انتمائهم العرقي ومنطقة انطلاقهم الأولى فقد وقع اختلاف بين العلماء ، فقال بعضهم : موطنهم الأوّل جزيرة العرب ثمّ هاجروا إلى ما بين النهرين . وقد جازهم الآشوريون إلى البادية . وقال بعضهم : موطنهم الأوّل ما بين النهرين ومن هناك انتشروا في أطراف البلاد. ويعتقد «كوسن دروير سوال» أنّ الأنباط حملهم بخت نصّر معه من موطنهم الأوّل في ما بين النهرين وأدخلهم في عسكره وأسكنهم حيث يقطنون الآن . وعلى كل حال فالاحتمال قائم بأنّهم بمثابة العرب البائدة من قبائل الآراميين وكانت منطقة سكناهم الأولى تتوزّع ما بين شمال الجزيرة العربية إلى سواحل الفرات والخليج الفارسي والبحر الأبيض المتوسّط والبحر الأحمر (تاريخ الإسلام تأليف فيّاض ص16). و قال پیرنیا نقلاً عن «دیور دور»: الأنباط الذين يسكنون المناطق الصحراويّة لا يطلقون لفظ الوطن إلا على الأرض التي تخلو من إقامة البيوت ووجود الأنهار الينابيع التي تسقي عساكر الأعداء وبناءاً على القانون النبطي يحتم على كل عربي من الأنباط أن يمتنع عن بناء البيوت والزراعة وزراعة الأشجار المثمرة وشرب الخمر ومن فعل غير ذلك حلت به عقوبة القتل (الإعدام) وهم يجرون هذه القوانين بصرامة تامة لاعتقادهم بأن من فعل ذلك فقد حكم على نفسه بالعبودية للآخرين الذين يؤمنون له مثل هذه الحاجات وتنحصر أعمال في تربية الإبل والأغنام والماشية ويحيون في المناطق القاحلة الأنباط يعشقون الحرّية والاستقلال عمّن عداهم وإذا ما حدث فاقترب عدوّ من بلادهم فروا منه إلى أعماق الفلاة كما يلتجأ المرئ إلى حصن حصين والفلاة هذه تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة ، ولا يستطيع غيرهم مدّ اليد إليها . وفي هذه الفلاة يعمد الأنباط إلى خزن المياه في مخازن خاصة لا يهتدي إليها سواهم من الناس ، وهم يستطيعون بلوغها بناءاً على نصب وعلامات يضعونها لأنفسهم فيردون منها عند الحاجة ويوردون ماشيتهم . طعامهم المفضّل لحوم الإبل وألبانها وثمار الأرض التي تخرجها بنحو تلقائي . والجمع أنباط ونبيط . قال في الهامش : 1 - سمّوا نبطاً لاستنباطهم ما يخرج من الأراضي (المنجد) . 2 - من کتاب «ایران باستان» ص 2039 . 3- قوم من الساميين وفرع من العرب الإسماعيليين عاصمتهم باليونانية (بترا) «البتراء» تقع شمال العقبة على بعد ستة عشر فرسخاً واسمها القديم «سلع» [وادي موسى الآن ] كانت عاصمة نهم قبل الميلاد بثلاثة قرون واحتلها الروم سنة 105م واندثر حكمهم . أقدم كتابة لهم وتسمى بالخط النبطي عثر عليها في شبه جزيرة سينا في الجنوب الشرقي من فلسطين وتعود إلى القرن الأول الميلادي والخط النبطي يحتوي على اثنين وعشرين حرفاً وهو في حساب الجمل هكذا : أبجد هوز حطي كلمن سعفص ،قرشت ، فأضاف العرب إليها حروفاً ستة وسموها الروادف وهي تخذ وضظغ (عن كتاب «تمدن هخامنشی» تأليف على سامي ص 111) انتهى ما قاله دهخدا (المترجم).

ص: 97

يقول بشكل واضح كانت من المغرب واشتريت من الشام ولا بدّ أن تكون من غير بلاد الشام ثمّ حملت إلى الشام كما يحمل الرقيق فابتيعت من هناك ولمّا كان ابن قتيبة أكثر ضبطاً من أبي الفرج فإنّ قوله معتمد . وكان أبو الفرج ملوّثاً جدّاً فقد ذكر في كتاب الأغاني مناقب كثيرة نسبها إلى آل أبي سفيان ، كما أنّ مطالب كثيرة يبت في وضعها وعدم صحّتها وكذبها منتشرة في كتابه الأغاني وغيرها من كتبه بخلاف كتب ابن قتيبة مع ذلك فالله العالم بحقيقة الحال.

وأمّا مدّة عمره : فقد وقع فيه اختلاف : قال المامقاني في رجاله(1) : وكان عمره الشريف حين استشهد ثمانية وعشرين سنة يوم الثامن أو التاسع من ذي الحجّة سنة تسع وخمسين أو سنة ستّين في مدينة الكوفة.

ص: 98


1- قال : مسلم بن عقيل هو سيّد السعداء وأوّل الشهداء وسفير سيّد الشهداء إلى أهل الكوفة وجلالته مما لا يفي بها قلم ولا يحيط بها رقم ، وقد روى الصدوة في المجلس السابع والعشرين من أماليه بإسناده عن ابن عبّاس قال : قال عليّ : يا رسول الله ، إنك لتحبّ عقيلاً ؟ قال : اي والله إني لأحبه حبين : حبّاً له وحباً لحبّ أبي طالب له ، وإن ولده لمقتول في محبة ولدك فتدمع عليه عيون المؤمنين وتصلّي عليه الملائكة المقرّبون، ثمّ بكى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم حتّى جرت دموعه على خده ثمّ قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي. ثمّ قال : وكان عمره الشريف حين استشهد ثمانية وعشرين سنة ، قتل يوم الثامن أو التاسع من ذي الحجة سنة 59 .

أقول: يدور هذا الأمر مدار ما قاله المدائنيّ من أنّ عقيلاً ذهب إلى الشام في حياة أميرالمؤمنين أو بعد وفاته فاشترى جارية وهي أُمّ مسلم. وقد مرّ آنفاً بيان ضعف هذه الرواية.

وهذا ما ذكره المدائني وقد روى عنه أبو الفرج قال : قال معاوية يوماً لعقيل بن أبي طالب - أيّام كان معه في الشام - هل من حاجة فأقضيها لك ؟ قال : نعم جارية عرضت عليّ وأبى أصحابها أن يبيعوها إلا بأربعين ألفاً فأحبّ معاوية أن يمازحه فقال : وما تصنع بجارية قيمتها أربعون ألفاً وأنت أعمى تجتزئ بجارية قيمتها خمسون درهماً؟ قال : أرجو أن أطأها فتلد لي غلاماً إذا أغضبته يضرب عنقك : بالسيف، فضحك معاوية وقال مازحناك يا أبا يزيد وأمر فابتيعت له الجارية التى أولد منها مسلماً ، فلما أتت على مسلم ثماني عشرة سنة وقدمات عقيل أبوه قال لمعاوية : يا أمير المؤمنين ، إنّ لي أرضاً بمكان كذا من المدينة وإنّي أُعطيت بها مائة ألف وقد أحببت أن أبيعك إيَّاها فادفع إلي ثمنها ، فأمر معاوية بقبض الأرض ودفع الثمن إليه ، فبلغ ذلك الحسين علیه السلام فكتب إلى معاوية : أمّا بعد، فإنّك غررت غلاماً من بني هاشم فابتعت منه أرضاً لا يملكها فاقبض من الغلام ما دفعته إليه واردد إلينا أرضنا، فبعث معاوية إلى مسلم فأخبره ذلك وأقرأه كتاب الحسين علیه السلام وقال : أردد علينا مالنا وخذ أرضك فإنّك بعت ما لا تملك ، فقال مسلم علیه السلام : أما دون أن أضرب رأسك بالسيف فلا فاستلقى معاوية ضاحكاً يضرب برجليه فقال : يا بني ، هذا والله كلام قاله لي أبوك حين ابتعت له أُمّك ، ثم كتب إلى الحسين فقال : إنّي قد رددت عليكم الأرض وسوّغت مسلماً ما أخذ، فقال الحسين علیه السلام (أبيتم يا آل أبي سفيان إلا كرماً) (1) .

ص: 99


1- شرح ابن أبي الحديد ، ج 11 ص 252 ؛ بحار الأنوار ، ج 42 ص 117 ؛ إحقاق الحقّ للسيّد المرعشي رحمه الله ، ج 27 ص 165 .

أقول : هذه أسطورة صيغت للتسلية ولاحظّ لها من الصحّة . ثمّ نقول مضافاً إلى ما تقدّم من ترجيح قول ابن أبي قتيبة من أنّ أُمّ مسلم ما كانت جارية بل هي امرأة حرّة من آل فرزندان: لو أنّنا اتّبعنا المدائني فيما قال وصحّحنا له قوله هذا يلزم منه أن يكون مسلم في حرب صفّين ابن سنتين أو أنّه لم يولد بعد، وهذا مخالف للتاريخ المعتبر من أنّ مسلماً كان في صفّين من الأبطال المرموقين، وأسندت له بعض القيادات الفرق من الجيش .

في مناقب ابن شهر آشوب(1) : فلمّا استهلّ صفر سنةسبع وثلاثين أمر عليّ فنودي بالشام والأعذار والإنذار ثمّ عبّى عسكره فجعل على ميمنته الحسن والحسين وعبدالله بن جعفر ومسلم بن عقيل، وعلى ميسرته محمد بن الحنفية ومحمد بن أبي بكر وهاشم بن عتبة المرقال، وعلى القلب عبدالله بن العبّاس والعبّاس بن ربيعة بن الحارث والأشتر والأشعث، وعلى الجناح سعد بن قيس الهمداني وعبدالله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ورفاعة بن شدّاد البجلي وعدي بن حاتم، وعلى الكمين عمّار بن ياسر وعمرو بن الحمق الخزاعي وعامر بن واثلة الكناني وقبيصة بن جابر الأسدي .. الخ (2).

تتحدّث هذه العبارة بكل صراحة عن تقدّم مسلم بالسنّ حتّى كانت له تلك الأهليّة في قبول الأدوار المهمّة والقياديّة في الحرب، لأنّ القيادة في الحرب لا تعطى إلّا لمن أحرز الرجولة التامة مع التجربة في الحرب والقيادة لاسيّما إذا كان ذلك من جانب أمير المؤمنين وفي حرب مثل حرب صفّين التاريخيّة المهيبة.

وذكر العلّامة المجلسى ج 8 ص 511 قيادة مسلم على الوتيرة المتقدّمة ممّا يدلّ على أنّ مسلماً كان أكبر أولاد عقيل يومئذ.

ص: 100


1- ص 620 ط طهران (منه) .
2- مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب، ج 2 ص 352.

ويقول أبو علي في رجاله : إن مسلماً كان من أصحاب الحسن بن عليّ السبط الأكبر وفي رجال أبي داود مسلم بن عقيل من أصحاب الحسن والحسين علیهما السلام.

وجعله ابن شهر آشوب في كتاب المناقب في الفصل المختصّ بالإمام الحسن من رجاله الخاصّين.

وكانت المدة بین شهادة أمير المؤمنين وبيعة معاوية بعده إلى شهادة الإمام الحسن تقدّر بعشر سنوات وبالطبع ينبغي أن يكون ابن عقيل في سنّ تؤهّله لهذه الرتبة كما أنّه ينبغى أن تكون له الرتبة العليا ليكون من حواري الإمام الحسن علیه السلام وهذه قرائن تدلّ على كذب ما قاله معاوية بل إنّ الحكاية موضوعة من رأس من أنّ أُمّه أشتريت من الشام، لأنّ لازم ذلك أن لا يكون قد تخطّى العام العشرين من عمره.

ومثل ذلك يقال في ابنته وهي ابنة التاسعة حين استدعاها الحسين علیه السلام بعد علمه بشهادة أبيها في زبالة فمسح على رأسها فانتبهت لما جرى وقالت : خالي الكريم ، هل أصيب والدي ؟ وهذا الفهم لا يتأتّى إلا لابنة العاشرة .

ثمّ لو كان مسلم في سنّ العشرين لعبّر عنه الحسين: «بقرّة العين» ولم يكتب لأهل الكوفة أخي وابن عمّي وثقتي، وهذا التعبير معمول به يومذاك في المخاطبات والمكاتبات.

مضافاً إلى ذلك لو صحت هذه الحكاية لسارع ابن زياد إلى نبزه بها وقال له : أنت امرئ ولدت في بيت بني أمية، مع أن ابن زياد لم يتورع عن قبيح السباب لمسلم بن عقيل .

وشاهد آخر على كذب الحكاية إقدام مسلم مع ورعه العظيم على بيع ملك ليس له، وكيف يعطيه معاوية هذا المبلغ الكبير مأة ألف درهم من غير تحقيق في المسألة.

ص: 101

أضف إلى هذا وذاك أنّنا لو كنّا نثق بما يرويه الواقدي في فتوح الشام لكان مسلم في واقعة الطفّ قد بلغ الستّين من عمره لأنّ العلّامة المعاصر الحاجي ميرزا خليل الكمرئي في كتاب (مسلم) ص 98 نقل عن فتوح الشام للواقدي أنه ذكر فصلاً مهمّاً من حياة مسلم في ذلك الكتاب وفي حوادث فتح مصر وأفريقيّة ذكر لمسلم مشاهد بطوليّة في فتح مدينة (بهنسا) بلغت أربعة عشر موقفاً حتّى أنّه ذكر أسره يومئذ، وتجد تلك المواقف مذكورة في الكتاب المذكور بالتفصيل .

زوج مسلم وأولاده

زوجه رقيّة بنت الإمام أمير المؤمنين وأمّها أُمّ حبيبة التغلبية ، وولد لمسلم ابنه الشهيد عبدالله الذي استشهد في كربلاء .

وقال المرحوم فرهاد ميرزا في كتابه القمقام الزخّار: فولدت لمسلم ذكرين عليّ بن مسلم وعبد الله بن مسلم (1).

ورقيّة هي توأم عمر بن علي وقد شاركت في مصائب الطفّ وكان لها السهم الأوفر والنصيب الأكبر ، واستشهد أيضاً محمّد بن مسلم بن عقيل في كربلاء وأُمّه أمّ ولد كما عرفت في ترجمة إبراهيم ومحمد اللَّذَين استشهدا في الكوفة وقد مرّت آنفاً، وكانت له بنت واحدة ولها حضور في مصائب كربلاء وبناءاً على هذا يكون أولاد مسلم بأجمعهم استشهدوا في كربلاء ولم يعرف له عقب. وعلى ما قاله صاحب القمقام له ولد اسمه علي وليس له في التاريخ ذكر .

إرسال مسلم إلى الكوفة

ولمّا تواترت كتب أهل الكوفة على الإمام الحسين علیه السلام حتّى بلغت اثني عشر ألف كتاب وثلاثمائة رسول الواحد يأتي تلو الآخر، عند ذلك أجاب

ص: 102


1- القمقام الزخّار، ج 1 ص 389 ترجمة محمّد شعاع فاخر .

الإمام الحسين علیه السلام دعوتهم وكتب إليهم كتاباً وفيه :

بسم الله الرحمن الرحيم .

من الحسين بن عليّ إلى الملأ المؤمنين والمسلمين.

أمّا بعد ؛ فإنّ هانياً وسعيد قدما عليّ بكتبكم وكانا آخر من قدم عليّ من رسلكم وقد فهمت كلّ الذي اقتصصتم وذكرتم ومقالة جلّكم أنّه ليس لنا إمام فاقبل إلينا لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمّي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل فإن كتب إلي أنه قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإنّي أقدم إليكم وشيكاً إن شاء الله فلعمري ما الإمام إلّا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحقّ الحابس نفسه على ذات الله ، والسلام.

ودعى الحسين مسلماً بن عقيل وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف فإن رأی الناس مجتمعين مستوسقين عجّل إليه بذلك، وسرّحه مع قيس بن مسهر الصيداوي وعمارة بن عبدالله السلولي وعبدالرحمن بن عبدالله الأزدي وجماعة من صناديد أهل الكوفة وكانوا يومذاك في مكّة وأمرهم بطاعته وملازمته فودّعهم الحسين وتوجّه نحو الكوفة في النصف من شهر رمضان.

وفي مقتل أخطب خوارزم فخرج مسلم من مكّة نحو المدينة مستخفياً ليلاً لئلّا يعلم أحد من بني أُميّة، فلمّا دخل المدينة بدأ بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم فصلّى ركعتين ثمّ خرج في جوف الليل وودّع أهل بيته واستأجر دليلين من قيس غيلان يدلانه على الطريق ويمضيان به إلى الكوفة على غير الجادة، فخرج به الدليلان من المدينة ليلاً فسارا فأضلا الطريق وجارا عن القصد، فاشتدّ بهما العطش فماتا جميعاً عطشاً (بعد أن أشارا إلى الطريق) ... ثمّ سار من موضعه يريد الكوفة فإذا هو

ص: 103

برجل يرمي الصيد فنظر إليه مسلم فإذا هو رمی ظبياً فصرعه ، فقال : نصرع أعدائنا إن شاء الله ... (1).

وبينما مسلم على هذه الحال إذ بصر بقنّاص يعدو وراء ظبي فقبض عليها وذبحها فأثار المشهد في خاطره صورة مريبة وتأوّلها متطيّراً منها فسارع للعودة إلى الحسين علیه السلام وقال : يا ابن العمّ إنّي أرى خاتمة هذا السفر ليست بخير ولعلّ الأمر الذي وجّهتني إليه لا يتمّ.

فأجابه الحسين : يابن العم، إن كنت متطيّراً أو خائفاً فهلمّ إليّ لأبعث غيرك، فقال مسلم بأبي أنت وأُمّي، إنّي أرى لزاماً عليّ إخبارك بما يعن لي وإلّا فكيف : أنقل خطوي بدون أمر منك ولو أمرت بخوض بحر من الماء أو النار لفعلت يابن رسول الله وخلت أنّى لا أكحل طرفي بنور وجهك بعد اليوم لذلك عدت لرؤيتك مرّة أخرى، وتقدّم إليه ولثم يديه ورجليه وودعه وبكى بكاءاً شديداً وقال : نفسي لنفسك الفداء، إنّي على علم بأن لا أراك بعد اليوم أبداً، وبكى الإمام أيضاً ثمّ ضمه إلى صدره وبالغ في وداعه فخرج مسلم باكياً فقيل له : ما بالك تبكي ؟ فقال : أبكي الفراق الإمام ، لأنّي لا أقدر على فراقه ...(2) .

ص: 104


1- هذا ما ذكره الخوارزمي في مقتله ، ج 1 ص 196 و 197 ولكن المؤلّف خالف في حكاية صيد الغزال وجعل كتاب مسلم إلى الحسين بعد هذه المشاهدة.
2- لا بدّ من تعقيب على ما ذكره المؤلّف مع أنّه لم يعزه إلى مصدر ، للتأكد منه ولكنّه يبدو عليه الوضع والصنعة . وحكاية الدليلين والظبي كما يلي: بعد موت الدليلين عطشاً كتب مسلم بن عقيل رحمه الله من الموضع المعروف بالمضيق مع قيس بن مسهّر - وكان المؤلف قد ذكر ذلك في ترجمة قيس بن مسهر - : أمّا بعد، فإنّي أقبلت من المدينة مع دليلين لي فجارا عن الطريق فضلاً واشتدّ علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتّى انتهينا إلى الماء فلم ننج إلّا بحشاشة أنفسنا وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت وقد تطيّرت من وجهي هذا فإن رأيت أعفيتني وبعثت غيري والسلام . فكتب إليه الحسين علیه السلام : أما بعد فقد حسبت أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن فامضي لوجهك الذي وجهتك فيه ، والسلام . فلمّا قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوّفه على نفسي ، فأقبل حتّى مرّ بماء لطيء فنزل به ثم ارتحل عنه فإذا برجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبياً حين أشرفت له فصرعه ، فقال مسلم : نقتل عدونا إن شاء الله الخ . بحار الأنوار ، ج 44 ص 334 . هذا ما رواه المؤرخون عن الدليلين والظبي، أما عودة مسلم إلى الحسين ثانية فلم يروها أحد ولست أدري عن المصدر الذي اعتمده المؤلّف شيئاً مع أنّه نيقد بصير ولعله رمى ما يقصه ناسخ التواريخ وفيما يرويه صاحبه الغثّ والسمين والصحيح والضعيف بل الموضوع أيضاً.

مجمل القول ؛ يقول في الناسخ وقطع مسلم المنازل والمراحل والحزن والغم يقطعان أحشائه حتّى ورد المدينة بل وصلها - المترجم فدخلها تحت جنح الليل واتجه من دربه إلى قبر النبي صلی الله علیه وآله وسلم وصلّى هناك ركعات ثمّ ذهب إلى بيته وودّع أهله وعشيرته وتذكر أحبائه وأمر أولاده بملازمة ركابه ثم أخذ دليلين من بني قيس عيلان بأجر حتى يأخذوا به طريق البادية إلى الكوفة فعمد الدليلان إلى اختيار طريق أقرب من غيره فجارا عن القصد واتّجها صوب البادية، فاشتدّ بهما وبمن معهما العطش، فماتا عطشاً وخاف مسلم على نفسه من العطش، ولكن الله لطف به فخلص بآخرة بذماء نفسه حتى بلغ ومن معه إلى المضيق ووصلا إلى الماء فشربا واستراحا قليلاً وقد تطير مسلم من موت الدليلين فكتب إلى الإمام كتاباً أخبره فيه عمّا لقوا في طريقهم، فأجابه الإمام قائلاً: امض في طريقك راشداً ولا تتأخر عن قصدك طرفة عين يابن العمّ فإنّي سمعت جدّي رسول الله يقول: نحن قوم لا نتطير ولا يتطير بنا . فلمّا قرأ كتاب الحسين قال : ما خشيت على نفسي ثمّ تابع سفره إلى الكوفة.

ص: 105

وصول مسلم إلى الكوفة

وصل مسلم الكوفة عند منتصف الليل في الخامس من شهر شوّال ونزل بدار المختار بن أبي عبيدة الثقفي ولمّا علم به الناس وأنّه موفد من قبل الحسين علیه السلام فاقبلوا ينثالون عليه أفواجاً أفواجاً ويسلمون عليه ويهنئونه بدخول الكوفة ، ولمّا رأى مسلم علیه السلام اجتماع الناس عليه وإقبال وجوه الناس إليه ، قرأ عليهم كتاب الحسين علیه السلام فصاح الناس من شدّة فرحهم واشوقاه وكانوا يبكون ومدّوا أيديهم إلى مسلم بالبيعة وأعطوه العهود والمواثيق وكلّما مرّ عليهم يوم ازدادوا كثرة وإقبالاً عليه حتّى بلغوا ثمانية عشر ألف مبايع كلّهم بايعهم وأخذوا على أنفسهم المواثيق المغلظة وعقدوا بيعة الإمام في اعناقهم .

فقام عابس بن شبيب فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم ، والله أُحدّثك عمّا أنا موطِّنٌ نفسي عليه ، والله لأجيبنّكم إذا دعوتم، ولأقاتلنّ معكم عدوّكم، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله لا أريد بذلك إلّا ما عند الله ، فقام حبيب بن مظاهر الفقعسي فقال :

رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك ، ثمّ قال : وأنا والله الذي لا إله إلّا هو على مثل ما هذا عليه(1).

وأقبل عليه الناس يبايعونه العشرة والعشرون حتّى بلغوا ثمانين ألفاً - برواية أبي مخنف - ولمّا رأى مسلم كثرة المبايعين له وكثرة القوم الذين تقلّدوا بيعة الحسين علیه السلام في أعناقهم كتب إلى الحسين وهو مستبشر واصفاً له ما عليه الناس من قبول الطاعة والأنس بالبيعة.

أبي

انقلبت الكوفة رأساً على عقب بعد برهة من الزمان قصيرة، وما عادوا يهتمّون

ص: 106


1- الطبري . ج 4 ص 262 .

بأمر النعمان بن بشير الأنصاري المولّى عليهم من قبل يزيد، ولم تعد له هيئة الوالي، غير أنّهم لم يحملوه على التنازل أو يأسروه، وهان عليهم عمّال يزيد وأقبلوا ينقلبون إلى مسلم زرافات ووحداناً، وأقاموا عند مسلم يعدونه بالنصرة ويبايعونه للحسين علیه السلام ؛ على قتال عدوّه والجهاد معه، وجاء الخبر إلى النعمان من شيعة يزيد يقولون له: ما يقعدك والبلد يكاد يخرج من يدك وينقلب عليك ويتحوّل بياض نهارك إلى ظلمة ليل دامس.

خطبة النعمان بن بشير في مسجد الكوفة

ولمّا بلغ النعمان الخبر اضطرب له غاية الاضطراب فنادى في الناس وأمر بجمعهم في المسجد الجامع، ثمّ صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أمّا ،بعد، فاتّقوا الله عباد الله ولا تسارعوا إلى الفتنة والفرقة فإنّ فيها يهلك الرجال وتسفك الدماء وتغصب الأموال (وكان حليماً ناسكاً يحبّ العافية).

قال : إنّي لم أقاتل من يقاتلني ولا أثب على من لا يثب عليّ، ولا أُشاتمكم، ولا أتحرّش بكم، ولا آخذ بالقرف ولا الظنّة ولا التهمة ولكنّكم إن أبديتم صفحتكم لي ونكثتم بيعتكم وخالفتم إمامكم فوالله الذي لا إله غيره لأضربنّكم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ولو لم يكن لي منكم ،ناصر ، أما إنّي أرجو أن يكون من يعرف الحقّ منكم أكثر ممّن يرديه الباطل.

قال: فقام عبد الله بن مسلم (ابن ربيعة - المؤلّف) ابن سعيد الحضرمي حليف بني أُميّة فقال : إنّه لا يصلح ما ترى إلّا الغشم، إنّ هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوّك رأي المستضعفين ، فقال : أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحبّ إليّ من أن أكون من الأعزّين في معصية الله . ثمّ نزل وخرج عبدالله بن مسلم وكتب إلى يزيد بن معاوية :

ص: 107

أمّا بعد، فإنّ مسلماً بن عقيل قد قدم الكوفة فبايعته الشيعة للحسين بن عليّ فإن كان لك بالكوفة حاجة فابعث إليها رجلاً قويّاً ينفذ أمرك ويعمل مثل عملك فى عدوّك فإنّ النعمان بن بشير رجل ضعيف وهو يتضعّف .. (1) .

كتب أهل الكوفة إلى يزيد

فكان أوّل من كتب إليه ( عبدالله الحضرمي) وحرّضه على قتل الحسين، ثمّ كتب إليه عمارة بن عقبة بنحو من كتابه ، ثمّ كتب إليه عمر بن سعد بن أبي وقاص بمثل ذلك .. وتواترت الكتب على يزيد من شيعة بني أُميّة، فلما اجتمعت الكتب عند يزيد ليس بين كتبهم إلا يومان دعا يزيد بن معاوية «سرجون مولى معاوية فقال : ما رأيك فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة (وكان معاوية يقدّمه ويبالغ بالإحسان إليه وجعله وزيراً له يستعين برأيه وفعل يزيد من بعده فعله .. وأسند إليه ،وزارته ، فلمّا حضر عنده أراه كتب أهل الكوفة إليه وقال : ما رأيك فإنّ حسيناً قد توجّه نحو الكوفة ومسلم بن عقيل بالكوفة يبايع للحسين وقد بلغني عن

النعمان ضعف وقول سيّئ وأقرأه كتبهم، فما ترى من استعمل على الكوفة؟

فعلم سرجون ليس لها إلّا ابن زياد وكان يزيد عاتباً على عبيدالله بن زياد وكان سرجون يدرك أنّ ضبط الكوفة لا يتم إلا على يديه لفظاظته وقسوته وشراسة طبعه وعلم ما بينه وبين يزيد من الجفوة، لذلك لم يبدأ بذكر اسمه ولكن قال ليزيد: أرأيت معاوية لو نشر لك أكنت آخذاً برأيه ؟ قال : نعم، فأخرج عهد عبيد الله على الكوفة فقال : هذا رأي معاوية ومات وقد أمر بهذا الكتاب، فأخذ برأيه وضم المصرين إلى عبيد الله وبعث إليه بعهده على الكوفة(2) .

ص: 108


1- مقتل أبي مخنف، ص17 .
2- رأيت المؤلّف رحمه الله يأخذ من عدّة كتب ويتصرّف بالعبارة بما يقتضيه السياق المختار غير أنّي استندت في الجملة غير المترجمة إلى مقتل أبي مخنف وتاريخ الطبري ج 4 ص 262 وما بعدهما .

كتاب يزيد إلى ابن زياد

وكتب يزيد إلى ابن زياد [من يزيد بن معاوية إلى عبيد الله بن زياد، أمّا بعد ، فقد بلغني أنّ أهل الكوفة قد اجتمعوا على البيعة للحسين علیه السلام وقد كتبت إليك كتاباً فاعلم عليه فإنّي لا أجد سهماً أرمي به عدوّي أجرأ منك فإذا قرأت كتابي هذا فارتحل من وقتك وساعتك وإيّاك والإبطاء والتواني واجهد ولا تبق من نسل عليّ ابن أبي طالب أحداً واطلب مسلم بن عقيل طلب الخرزة واقتله وابعث إليّ برأسه (1)].

أمّا بعد، فإنّه كتب إليّ شيعتي من أهل الكوفة يخبرونني أنّ ابن عقيل بالكوفة يجمع الجموع لشقّ عصا المسلمين فسر حين تقرأ كتابي هذا حتّى تأتي أهل الكوفة فتطلب ابن عقيل كطلب الخرزة حتّى تثقّفه فتوثقه أو تقتله أو تنفيه والسلام ..(2). ثمّ طوى الكتاب ودفعه إلى مسلم بن عمرو الباهليّ ليوصله إلى ابن زياد ثمّ ألحقه بكتاب آخر(3).

ولمّا وصل الكتاب إلى ابن زياد سرّ به سروراً زائداً لجمع المصرين تحت إمارته ، ثمّ أمر باجتماع أهل البصرة كافّة؛ رئيسهم ومرؤوسهم، وشريفهم ووضيعهم في المسجد الجامع ثمّ صعد المنبر وخطبهم :

ص: 109


1- هذا الكتاب وضعه المؤلّف في الهامش وآثرنا إدراجه في المتن مع وضعه بين مركّنتين ، لأنّه الأصحّ عندي ممّا ذكره المؤرّخون لانسجامه مع سياسة الغشم الأمويّة وكذلك أدرجنا إلى جانبه الكتاب الذي ذكره المؤلّف في المتن .
2- تاريخ الطبري ، ج 4 ص 262 .
3- تقدم الكتاب أعلاه وكان من حقّه أن يوضع هنا ولكن قدّمناه خطأّ فأرجو من القارئ الكريم أن يجعل ذلك في اعتباره .

فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : (أمّا بعد ، فوالله ما تقرن بي الصعبة ولا يقعقع لي بالشنان وإنّي لنكل لمن عاداني ، وسلم لمن حاربني أنصف القارة من راماها .. يا أهل البصرة إنّ أمير المؤمنين ولانّي الكوفة وأنا عاد إليها الغداة وقد استخلفت عليكم عثمان بن زياد بن أبي سفيان وإيّاكم والخلاف والإرجاف فوالذي لا إله غيره لئن بلغني عن رجل منكم خلاف لأقتلنّه وعريفه ووليّه، ولأخذنّ الأدنى بالأقصى حتّى تسمعوا لي ولا يكون فيكم مخالف ولا مشاق، أنا ابن زياد أشبهته من بين من وطئ الحصى ولم ينتزعن شبه خال ولا ابن عمّ(1)) ولّاني يزيد بن معاوية الكوفة وأنا الآن متّجه إليها وقد استخلفت عليكم أخي عثمان بن زياد فاسمعوا له وأطيعوا وإيّاكم والخلاف والإرجاف والإصغاء إلى السخف وإنّي أقسم بالله لئن بلغني عن أحد منكم مخالفة له لأقتلنّه وأولاده ولآخذنّ الشاهد بالغائب والقريب بالبعيد ثمّ لا أرفع السيف عنكم حتّى تستقيم لي قناتكم(2) .

ثمّ نزل من المنبر واستعدّ للسفر إلى الكوفة وفي اليوم الآخر ضرب أطنابه خارج البصرة ونقل إليها ثقله وأمر جماعة من أهل البصرة بصحبته، منهم مسلم ابن عمرو الباهليّ والمنذر بن الجارود وشريك بن الأعور الحارثي وكان يرتدي قميصاً أبيض ويعتمّ عمامة سوداء وهو ملثَّم يتشبّه بالحسين بن عليّ علیهما السلام وعليه طيلسان وسيفه حمائل في عاتقه وقد تنكّب قوساً وشدّ على وسطه كنانته وهو راكب على بغلة شهباء وبيده قضيب وسار قاصداً الكوفة وأسرع في السير حتّى

ص: 110


1- هذه خطبته المذكورة في تاريخ الطبري ، ج 4 ص 266 والمؤلّف ذكر زيادة على هذه الخطبة نذكرها للأمانة .
2- أوردنا سياقي الخطبتين للفائدة وقد وضعنا الأولى بين قوسين لأنّ المؤلف لم يذكرها ولك أن تستغني بأحدهما عن الأخرى وكلاهما من نفس خبيث واحد .

بلغ الكوفة عصر الجمعة عند صلاة العصر وأراح هو وأصحابه في ظاهر الكوفة قليلاً.

نزول ابن زياد في الكوفة خطبته فيها

حتّى إذا مضى من الليل ساعتان طرق الكوفة الخبر بأنّ قوماً حلوا خارج الكوفة وهؤلاء ليسوا سوى الحسين بن عليّ وأصحابه، فهرع أهل الكوفة رجالاً ونساءاً في الشوارع والطرقات والأسواق وعلى ظهور المنازل وهم يترقّبون قدوم الحسين علیه السلام.

و مجمل القول فقد أمر عبيدالله بن زياد أن يحفّ به مرافقوه عن اليمين والشمال ويتقدّمه منهم قوم ويسيرون على هذه الشاكلة فدخل الكوفة متنكّراً فصاحت امرأة من فوق أحد السطوح الله أكبر ، أُقسم بالله إنّه ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلم فانهال عليه الناس من كلّ جانب وهم يقولون : يابن رسول الله ، أربعون ألف اعتقدوا بإمامتك وهم الآن بحضرتك يفدونك بنفوسهم وأرواحهم، فاقشعرّ جلد ابن زياد من هذا القول فلم يجبهم بغير السلام وهو يتقدّم في طريقه، فلما دنى من قصر الإمارة أنبأ ابن زياد بقدومه بحسبان أنه الحسين بن عليّ علیهما السلام(1) . وقال له

ص: 111


1- النعمان - بضم النون - ابن بشير بن نضر بن ثعلبة الخزرجي الأنصاري وأُمّه عمرة بنت رواحة أخت عبدالله بن رواحة الأنصاري الذي قتل في غزوة مؤتة مع جعفر بن أبي طالب علیه السلام . قيل : إنّ النعمان بن بشير أوّل مولود ولد من الأنصار بعد قدوم رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم نظير عبدالله بن الزبير من المهاجرين ، وأبوه بشير بن سعد أوّل من قام يوم السقيفة من الأنصار إلى أبي بكر فبايعه ثمّ توالت الأنصار فبايعته وقتل بشير يوم عين التمر وكان في جيش خالد بن الوليد وكان النعمان من المعروفين في الشعر سلفاً وخلفاً - أحسبها في الشرّ .. المترجم - وكان عثمانيّاً ويبغض أهل الكوفة لرأيهم في عليّ علیه السلام وشهد مع معاوية بصفّين ولم يكن معه من الأنصار وكان كريماً على معاوية رفيعاً عنده وعند يزيد ابنه بعده ، وعمّر إلى خلافة مروان بن الحكم وكان يتولّى حمص فلمّا بويع لمروان دعا إلى ابن الزبير وخالف على مروان وذلك بعد قتل الضحّاك بن قيس بمرج راهط فلم يجبه أهل حمص ذلك فهرب منهم فتبعوه فأدركوه وقتلوه وذلك في سنة خمس وستّين. وله قصّة مع أعشى همدان ذكرها القمّي في تحفة الأحباب وقتل أبوه يوم عين التمر في سنة اثنتي عشرة من الهجرة والعجب من العلّامة رحمه الله حيث ذكره في الخلاصة في القسم الأوّل مع أنّه أوّل من بايع أبابكر فالرجل من الضعفاء بلا شكّ اللّهمّ إلّا أن يقال أنّ بيعته مع أبي بكر لم تثبت عند العلّامة وهو بعيد في الغاية . (منه رحمه الله )

القائل : أنت ساكت والحسين وصل الكوفة ، فنظر النعمان إلى القادمين وأمر بغلق أبواب القصر وإحكامها وجلس عند أحدها ينتظر ، وفي هذه الأثناء وصل عبيدالله ابن زياد ومن معه إلى القصر وقد أحاط به الناس وهم يصيحون للنعمان: افتح لابن رسول الله وأقبلوا عليه يسبّونه فصعد على سطح القصر وخاطب القادم قائلاً: يابن رسول الله ، أقسم عليك بالله إلّا ما انصرفت إلى غير هذا المكان وأُقسم بالله إنِّي لا أعطي أمانتي مختاراً، ولا أُحبّ أن أقاتلك.

عند ذلك أماط ابن زياد اللثام عن وجهه وصاح به افتح يا نعمان لقد طال سباتك، فسمعه كوفيّ قريب منه فعرفه فعدى نحو الناس وهو يقول: أُقسم بالله الذي لا إله غيره إنّه ابن مرجانة، فأطرق الناس برؤوسهم إلى الأرض وهم يشتمون ابن زياد ،ويلعنونه ، ولمّا أصغى إليه النعمان أمر أن يفتح له، فدخل دار الإمارة وأحيا الليلة كلّها وفي الصباح أمر أن ينادى في الناس الصلاة جامعة، فاجتمعوا في المسجد وخرج ابن زياد من القصر وصار إليه وصعد المنبر وخطب الناس وقال :

أمّا بعد، فإنّ أمير المؤمنين أصلحه الله ولّاني مصركم وثغركم وأمرني بإنصاف مظلومكم وإعطاء محرومكم وبالإحسان إلى سامعكم ومطيعكم وبالشدّة على

ص: 112

مريبكم وعاصيكم وأنا متّبع فيكم أمره ومنفذ فيكم عهده فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البرّ، وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي . فليتّق امرىٌ على نفسه الصدق ينبئ عنك لا الوعيد.

ثمّ نزل فأخذ العرفاء والناس أخذاً شديداً فقال : اكتبوا إليّ الغرباء ومن فيكم من طلبة أمير المؤمنين ومن فيكم من الحروريّة وأهل الريب الذين رأيهم الخلاف والشقاق فمن كتبهم لنا فبرئ ومن لم يكتب لنا أحداً فيضمن لنا ما في عرافته ألّا يخالفنا منهم مخالف ولا يبغي علينا منهم باغ ؛ فمن لم يفعل برئت منه الذمة وحلال لنا ماله وسفك دمه وأيما عريف وجد في عرافته من بغية أمير المؤمنين أحد لم يرفعه إلينا صلب على باب داره وألغيت تلك العرافة من العطاء وسيّر إلى موضع بعمان الزارة(1) .

ثمّ أمر منادياً ينادي في الناس بالثبات على بيعة يزيد بن معاوية ويفرض طاعته ، فمن لم يفعل فإنّ جيش أهل الشام قادم عليكم اليوم أو غداً وسوف يهدر دمائكم وينهب أموالكم ويأسر نساءكم.

ولمّا سمع الناس هذا الوعيد علتهم وحشة شديدة وقالوا لبعضهم البعض: ما بالنا نخالف القوم ونلقي بأنفسنا بأيدينا إلى الهلكة فنقضوا بيعة الحسين وذهب كلُّ إلى حال سبيله، فلمّا بلغت الأخبار .مسلماً...

انتقال مسلم بن عقيل من بيت المختار إلى بيت هاني

وعرف أنّه ليس من المصلحة البقاء في دار المختار ، فتنكّر وخرج من بيت

ص: 113


1- تاريخ الطبري ، ج 4 ص 267 والمؤلّف أجمل الموضوع ولم يختلف مع الطبري إلّا في الإجمال والتفصيل .

المختار وأقبل إلى بيت هاني فأقام فيه وأقبلت الشيعة تختلف إليه سرّاً فرحّب به هانئ وأكرم وفادته عليه، وكلّما وفد عليه قوم من الشيعة أخذ عليهم العهود والمواثيق أن لا يفشوا السرّ وأخذ منهم البيعة مع اليمين الغموس أن يبقوا الأمر سرّاً لاسيّما عن المنافقين، واختلى مسلم ذات ليلة بهاني فتحدّثا عن شقاوة ابن زياد وشديد عدائه لأهل البيت وأخذا يجيلان وجوه الرأي في أنفسهما، فقال هاني لمسلم : يا سيّدي ويا مولاي إنّ المرض ألزمني البيت وصيّرني اسير الفراش ولو أخبر ابن زياد بمرضي فإنّه صائر إليّ حتماً، فأقم أنت مختبئاً في زاوية من البيت فإذا رفعت عمامتي من على رأسي فاخرج إليه مسرعاً واقتله، فقال مسلم: إن شاء الله تعالى.

وعلم ابن زياد بمرض هاني وقال له محبّوه: لو عاده الأمير، وأرسل هاني إلى ابن زياد معتذراً ،بمرضه، وعاتباً عليه لعدم زيارته إيّاه في مرضه، اعتذر ابن زياد بعدم العلم ووعده بالعيادة بعد صلاة العشائين، وجاء إلى بيت هاني ومعه مولاه فجلس إلى جانبه مسائلاً له عن مرضه وعافيته ، فكان هاني يبالغ في شدّة مرضه، ثم نزع عمامته فلم يخرج مسلم من مخبأه ، فراح ينشد شعراً يحرّض مسلماً على الخروج ، فسأله ابن زياد عمّا جرى فقيل له : غلبته الحمّى فهو يهذي، فقام ابن زياد مسرعاً وعاد من حيث أتى ، ودخل من بعده مسلم ، فقيل له : مالك قعدت عنه ؟ فقال : كرهت امرأة من نساء هاني أن أقتله في بيتها، فقال له هاني قتلتني وقتلت نفسك ووقعت فيما فررت منه .

أقول : هذه الحكاية ذكرها صاحب الناسخ ونسبها إلى هاني إلّا أنّها وقعت مع شريك بن الأعور الحارثي وهو الأصحّ لأنّه كان من خواصّ أمير المؤمنين علیه السلام.

وفي رجال المامقاني قال : كان شريك مع أمير المؤمنين في حرب الجمل وصفّين لا يكاد يفارق ركابه .

ص: 114

قصّة شريك

قال أبو الفرج في مقاتل الطالبييّن : وكان شريك شديد التشيّع .

وقال ابن شهر آشوب: جرى له مع ابن زياد كلام ثمّ ذكره (1) .

ومجمل القول أنّ ابن زياد حمل شريكاً بن الأعور معه فيمن حملهم من الأشراف يوم خرج من البصرة وكان يحبّ شريكاً حبّاً شديداً مع علمه بولائه لأمير المؤمنين علیه السلام ، وفى الطريق تساقط شريك رجاء أن يلوي عليه ابن زياد فيدخل الحسين قبله الكوفة ويحتلّها فلم يلتفت ابن زياد إلى من سقط، ولمّا دخل شريك الكوفة نزل في دار هاني بن عروة ولمّا علم بوجود مسلم معه في الدار رغب هاني في معاضدته لعلمه أنّ الذين بايعوه خمسة وعشرون ألفاً وأراد مسلم الخروج فمنعه شريك وقال : لا تعجل يا مولاي واعلم أنّ هذا الفاجر عائدي العشيّة فإذا جلس فاقتله ، ثمّ اقعد في القصر وليس أحد يحول بينك وبينه ،

ص: 115


1- عن أبان بن الأحمر قال : إنّ شريك بن الأعور دخل على معاوية فقال له : والله إنّك لشريك وليس لله شريك، وإنك لابن الأعور والبصير خير من الأعور ، وإنك لدميم والجيد خير من الدميم فكيف سِدْتَ في قومك ؟ قال شريك في جوابه : إنّك لمعاوية وما معاوية الاكلبة عوت واستعوت، وإنك لا بن صخر والسهل خير من الصخر ، وإنك لابن حرب والسلم خير من الحرب ، وإنك لا بن أمية وما أُميّة إلا أمة فصُغَرت فاستصغرت فكيف صرت أمير المؤمنين ؟! فغضب معاوية ، فخرج شريك وهو يقول: (أيشتمني معاوية بن حرب *** وسيفي صارمٌ ومعي لساني وحولي من ذوي يمن ليوث *** ضراغمة تهشَ إلى الطعان) فلا تبسط علينا يابن هندٍ *** لسانك إن بلغت ذُرى الأماني وإن تك للشقاء لنا أميراً *** فإنّا لا نقر على الهوان وإن تك من أُمية في ذراها *** فإنّا في ذُرى عبد المدان (منه رحمه الله ) الغارات ، ج 2 ص 794 ، والبيتان الأوّلان لم يذكرهما المؤلّف، وراجع : أعيان الشيعة ، ج 7 ص 344 ، مختصر أخبار الشيعة ، للمرزباني ، ص 60.

وإنّي سوف أشاغله بالحديث وأنت فاكمن له في الدار فإذا طلبت ماءاً وناديت أسقوني فإنّها العلامة بيني وبينك فاخرج إلى واقتله، فإذا برأت من وجعي من أيّامي هذه سرت إلى البصرة وكفيتك أمرها، ورضي مسلم بذلك.

فلمّا أقبل ابن زياد إلى عيادة شريك دخل البيت ومعه مولاه مهران وكان يحبّ ابن زياد، وجلس ابن زياد إلى جانب شريك يسأله عمّا آل إليه أمره، فبينما كذلك إذا استسقى شريك فلم يخرج مسلم فأقلقه فراح يتمثّل بالأبيات التالية:

ما الانتظار بسلمى لا تحيّيها *** حيّوا سليمي وحيّوا من يحيّيها

كأس المنيّة بالتعجيل أسقوها *** ولو تلفت وكانت منبتي فيها

فإن أحسّت سليمى منك داهية *** فلست تأمن يوماً من دواهيها

كأس المنيّة بالتعجيل أسقوها

وردّد هذا الشعر ثلاث مرّات، فسأل ابن زياد عنه : ما بال الرجل ؟ فقال هاني : لزمته هذه الحالة من مغرب الشمس فهو ما يزال يهذي بها، ولكن مولى ابن زياد فطن للأمر فنخسه بإبهام قدمه من خلفه، فقام ابن زياد عجلاً وخرج من الدار.

فقال له شريك : أقم أيّها الأمير فإنّي أريد أن أوصي إليك ، فقال : أجل سوف أعود إليك، فخرج ومولاه ،مسرعين فقال له :مولاه أيّها الأمير، أما علمت أنّ شريكاً أراد اغتيالك ؟ فقال : وكيف يفعل ذلك مع أياديّ عنده ؟ فقال مهران : هو ما قلت لك .

فلمّا ولّى عبيد الله بن زياد خرج مسلم من مخبأه ، فقال له شريك : ما الذي حال بينك وبين قتل هذا الملعون ؟ فقال : خصلتان : أمّا الأولى فإنّ امرأة من دار هاني ناشدتني أن لا أقتله في بيتها وأخذت تبكي في وجهي وترجوني بالكفّ عنه ، فألقيت السيف من يدي، وأمّا الأُخرى فحديث رسول الله صلّى الله عليه وآله و سلم : الإيمان قيد

ص: 116

الفتك ..(1) . ثمّ إنّ قتلاً مثل هذا تأنف منه العرب لأنّ الغيلة جبن عندها فهو عار.

فقال له شريك : لو قتلته لقتلت فاجراً غدّاراً ، فقال هاني ويل للمرأه لقد قتلتك وقتلتني ، ومات شريك بعد ذلك بثلاثة أيّام وصلّى عليه ابن زياد ، ثمّ أخبر عن رأي شريك وإنّه كان يدعو الناس لنصرة مسلم وأنّ مهران كان صادقاً فيما أخبره عن اغتياله فقال: أما والله لا صلّيت بعدها على عراقيّ أبداً، ولو لم يكن قبر زياد فيهم لأخرجت شريكاً من قبره (2).

إرسال معقل عيناً على مسلم

ولمّا عاد ابن زياد إلى القصر أخذ على نفسه البحث عن مقرّ مسلم بن عقيل للقبض عليه، وكان له غلام خبيث نسيج وحده بالمكر والحيلة والدهاء، يُدعى معقل، فاستدعاه ودفع إليه ثلاثة آلاف درهم وقال له: خذها وابحث عن وكيل المسلم ثمّ ادفع المال إليه وقل لهم: إنّي من شيعته وأُريد بهذا المال أن أمدّه ليتقوّى به على عدوّه الضالّ، فإذا عرفت مكانه فأخبرني ، فأخذ معقل المال وامتثل أمر ابن زياد، فكان ينشد ضالته على كلّ باب وقف عليه ويسأل كلّ أحد قدر عليه إلى أن دخل المسجد الجامع فأبصر رجلاً يصلّي وعليه الثياب البيض ، فقال معقل في نفسه : لا يعدو هذا المصلّي أن يكون من شيعة علي ، فسأل عنه ، فقيل : هذا مسلم ابن عوسجة آخذ البيعة للحسين، فتعقّبه معقل جذلاً وصار إليه حتّى فرغ من فرضه، فحيّاه وصافحه وعانقه ، واحتفى به وأظهر المحبّة له ، وقال : يا عبد الله ، أنا

ص: 117


1- أبو الفرج: إنّ الإيمان قيد الفتك ، مقاتل ، ص 65 .
2- لم يعتمد المؤلّف على مصدر واحد وإنّما تناول مطالبه من هنا وهناك ولكنه أشار في أوّل الموضوع إلى أبي الفرج وابن شهر آشوب ولكنه لم يقتصر عليهما فارجع إلى إلى مقاتل الطالبيين ، ص 65 .

رجل من أهل الشام منّ الله عليّ بمحبّة أهل هذا البيت وعلمت أنّ رجلاً في هذا البلد من آل بيت النبيّ اسمه مسلم بن عقيل يأخذ البيعة من أهل الكوفة لمولاي الحسين وها أنا أحمل معي ثلاثة آلاف درم وآليت على نفسي أن أضع هذا المال بين يديه لينفقه في شراء السلاح لقتال أعداء الدين، وأخبرني الناس أنّ لك صلة وأنت من شيعته فأسألك أن لا تتوان في قضاء حاجتي.

فقال له مسلم انصرف أيّها الرجل لشأنك وابتعد عنّي ، وإيّاك أن تتفوّه بمثل هذا القول فلست عارفاً بهم ولا وليّاً لهم، ولست أُحبّهم، ومن أرشدك إلىّ فقد أخطأ السبيل ودلّك على المجهول وسخر منك، قم والحق بأهلك ، فأخذ معقل يبكي ويتضرّع إليه ، ويقول : مالك يا شيخ تضنّ عليّ بهذه النعمة وتدفعني عنك، فإنّ الذي أرشدني إليك من أهل الدين والتقوى، لا يكذبون أبداً، وقالوا بأنك بايعت الحسين علیه السلام وألقيت إليه زمام الطاعة فإن كنت شاكّاً في أمري ولا تراني أهلاً لذلك فخذ منّي البيعة وتوثق منّي بالعهود المغلّظة وخذ منّي الدراهم ثمّ أرشدني إلى مكان مسلم بن عقیل، فصدققه مسلم بن عوسجة بعد أن رأى منه ما رأى، وقال له: أحمد الله على لقاءك إيَّاي فقد سرني ذلك لتنال الذي تحبّ ولينصرنّ الله بك أهل بيت نبيه عليه وعليهم السلام، ولقد ساءني معرفة الناس إيَّاي بهذا الأمر قبل أن يتمّ مخافة هذا الطاغية وسطوته ، فقال له معقل : لا يكون إلّا خيراً، فخذ البيعة علي ! فأخذ بيعته وأخذ عليه المواثيق المغلظة ليناصحنّ وليكتمنّ ، فأعطاه من ذلك ما أرضاه ، ثمّ قال له : اختلف إلي أيّاماً في منزلي فإنّي طالب لك الإذن على صاحبك ، وأخذ يختلف مع الناس، فطلب له الإذن فأذن له، وأخذ مسلم بن عقيل ببعته (في بيت هاني) وكان يباكرهم في المجيء صباحاً ولا يخرج إلّا بعد أن يضرب الليل أطنابه، حتّى فهم ما احتاج إليه ابن زياد من أمرهم فكان يخبر به وقتاً فوقتاً .

ص: 118

أخذ ابن زياد لهاني بن عروة

ولمّا وقف ابن زياد على أمرهم استدعى محمّد بن الأشعث الكندي وأسماء ابن خارجة وعمرواً بن الحجاج الزبيدي وكانت رويحة ابنة هاني تحته وله منها ولد اسمه يحيى، ولمّا مثلوا بين يديه قال لهم: ما بال هاني لا يأتينا؟ فهل أسأت إليه ؟ فقالوا : إنّه مريض أصحك الله لا يقدر على حضور مجلسك فهو معذور فقال ابن زیاد علمت أنّه يجلس على باب داره كلّ عشيّة ويحدّث أصحابه ولو علمت بعلته لعُدته مرّة ثانية إلّا أنّ الأمر بخلاف ذلك وإنّي لا أُحبّ أن يفسد عندي رجل شريف مثله، فأسرعوا إليه وانظروا في أمره وعجّلوا به إليّ .

فأقبلوا عليه العشيّة وإذا هو على باب داره ، فقالوا له: ما الذي أخّرك عن الأمير يا هاني ؟ فقال : إنّي مريض ولا أقدر على إتيانه، فقالوا له : علم الأمير بشفاءك وجلوسك كلّ عشيّة على باب دارك والسلطان لا يحتمل الجفوة والعاقل لا يجفو الأمير ولا يضرب بقبضته الحديد بالله عليك هلم واركب معنا إليه . فأمر هاني بثيابه، فأقبلوا بها إليه ، فارتداها وركب معهم ، فلمّا دنوا من القصر كأنّ نفس هاني أحسّت بالشرّ (وكأنّ ستر الغيب انفرجت له ولامست قلب هاني، وخاف من لقيا ابن زياد) فأقبل على أسماء بن خارجة فقال : يابن أخي، إنّي أخاف هذا الرجل والصواب في أن أعود ولا ألقاه ، فقال له أسماء - وكان لا يدري عن أمر معقل شيئاً ولا عن مكايدة ابن زياد - : لا والله يا عمّ لا ضير عليك، فلا تسلّك الخوف على نفسك فإنّك نفي من العيب طاهر الذيل من الذنب ، وأخيراً دخل هاني معهم على

ص: 119

ابن زياد، فلما وقعت عينه عليه قال : أتتك بحائن رجلاه(1) أي إنّ الخائن جاء برجله وهو من أمثال العرب.

دخول هاني على ابن زياد

ولمّا دنى من ابن زياد أقبل على شريح وكان يجالسه مع القوم وخاطبه بشعر عمرو بن معد يكرب الزبيدي :

أُريد حبائه ويريد قتلي *** عذيرك من خليلك من مرادي

كان قول ابن زیاد شديداً على هاني لكنّه لا حيلة له فسلّم عليه بالإمارة فلم يردّ ابن زياد عليه فقال له هاني أصلح الله الأمير أيّ ذنب جنيته لأستحقّ هذا الجفاء ؟ فقال له ابن زیاد اسكت ويلك عمدت إلى مسلم بن عقيل فأدخلته دارك لتلقح الفتنة وتشقّ عصى المسلمين وتكيد لأمير المؤمنين وعامّة المسلمين، ورحت تأخذ له البيعة من أهل الكوفة وتجمع له السلاح في البيوت وتدعو الرجال المقاتلين لنصرته وتحرّضهم على القتال معه ، أتظنّ أنّ ذلك يخفى عليّ ! فقال هاني : لا تقل ذلك أيها الأمير ، فإنّي لا علم لي بمسلم ولا أفعل شيئاً مما ذكرت فصاح ابن زياد أين معقل ؟ فقام بين يديه وقال لهاني: مرحباً بك، أو تعرفني يا هاني ؟ فعلم هاني أنّه عين لابن زياد عليهم، فأجابه : أعرفك منافقاً كافراً كذاباً ، ثمّ خاطب ابن زياد فقال : أيّها الأمير ، أقسم بالله بأنّي لم أستدعه ولكنّه قدم علي واستجار بي فاستحييت أن أردّه ولا أجيره فأدخلته بيتي كما يدخل الضيف، فإذا رأيت ذلك يشينني فأذن لي بالعودة إلى بيتي لأصرفه من بيتي وأخرج من ،ذمامه وليذهب حيث شاء.

ص: 120


1- صحّف المؤلّف الكلمة إلى خائن وهو وهمّ منه لأنّ الحائن هو الذي يمشي برجله إلى الحين أي الموت ، وأوّل من قاله عبيد بن الأبرص الشاعر ، قاله للمنذر صاحب الحيرة . (فرحة الغري ، ص 13).

فقال ابن زياد أما والله لا تخرج من هنا حتّى تأتيني بمسلم فقال هاني لا والله لا أعطيك ضيفي تقتله لأكون سبة بين العرب. فقال ابن زیاد هیهات هيهات لا تفلت من يدي حتّى تدفع مسلماً إليّ موثّقاً، فطال بينهما الأخذ والردّ وعندئذ قام مسلم بن عمرو الباهلي وقال : أصلح الله الأمير ، دعني أُكلّمه وأخلو به لعل الأمر ينتهي بسلام، ثمّ أخذ هاني واختلى به ناحية من القصر بحيث يراهما ابن زياد، فقال الباهلي لهاني : أقسمت عليك بالله لا تقتل نفسك ولا تلق فيها إلى التهلكة ولا تعرض قومك لسخط الأمير ، واعلم أنّ ابن عقيل ابن عمّ القوم وهو قريب يزيد ورحمه ولم يفرطوا فيه طرفة عين فادفع للقوم ابن عمّهم واسلم بنفسك من هذا الشرّ المستطير فليس في الأمر سبة عليك كما تظنّ لأنّ السلطان لا يمكن أن يقاوم.

فقال هاني : والله لا عار أعظم من هذا ولا ذنب أكبر منه ، أأعمد إلى جاري وهو رسول ابن رسول الله فأُسلّمه إلى عدوّه ليفتك به وأنا حيٌّ معافى في كثرة من الأنصار والأعوان ، قسماً بالله لو كنت وحدي لا ينصرني أحد لدفعت عنه القتل أو الأسر وإن كان بذهاب نفسي، ولو كانت قدمي على طفل من آل محمّد ما رفعتها عنه أو تقطع ، وهنا علت أصواتهما لشدّة الغضب وابن زياد يسمعهما ، ولما أدرك أنّ هاني غير مسلم مسلماً نادى جلاوزته أن يدنوه منه، وقال: يا هاني، ادفع لنا مسلم والّا ضربت عنقك ، فقال هاني: لست هناك وإلا فسوف تحيط بك جموع مذحج ويوردونك حياض الردى جزاءاً لجريمتك، وكان يظنّ أنّ جموع مذحج تنصت إليه وراء أسوار القصر، فقال ابن زياد والهفاه عليك، أبالسيف تخوّفني، ثمّ راح يقنّعه بسوطه ويضربه على رأسه وعينه وأنفه حتّى كسّر أنفه وشتر عينه وأدمى وجهه فجرت دماه على ثيابه و صبغت شعره فمدّ يده إلى سيف شرطيّ إلى جانبه لينتزعه منه فأحاطوا به وأمر ابن زياد عند ذلك يسحبه في القصر.

ص: 121

سجن هاني في القصر بأمر ابن زياد

قال صاحب الناسخ : إلى هنا وافق حديث هاني جميع الروايات الواردة في كتب التاريخ إلّا أنّ أبا مخنف لوط بن يحيى الأزدي في كتابه المقتل يقول:

فغضب ابن زياد لعنه الله فضربه بقضيب فجذب هاني سيفه وأهوى به إلى ابن زياد وكان على رأسه قلنسوة ومطرف خزّ فقطعهما وجرحه جرحاً منكراً، فاعترضه معقل فقطعه وجهه نصفين فقال ابن زياد لعنه الله : دونكم الرجل فجعل هاني رحمه الله يضرب فيهم يميناً وشمالاً وهو يقول: ويلكم لو كانت رجلي على طفل من آل الرسول صلی الله علیه وآله وسلم لا أرفعها حتّى تقطع ، وقتل منهم خمسة وعشرين ملعوناً فتكاثرت عليه الرجال وأخذوه أسيراً وأوقفوه بين يدي ابن زياد لعنه الله وكان بيده عمود من حديد فضربه على أُمّ رأسه ورماه في الطامورة ...(1).

قال صاحب الناسخ : يحيى من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وولده أبو مخنف (لوط) من أصحاب الإمامين الحسنين علیهما السلام وكان ينزل الكوفة وقد رأى هذه الحوادث بعينيه من ثمّ كانت روايته قياساً إلى رواية غيره أقرب إلى الصدق وإن كانت الشجاعة من هاني في ذلك المجلس تدعو إلى العجب.

ومجمل القول أنّ هاني حملوه جريحاً إلى محبسه فصاح صائح في جموع مذحج أنتم نيام وابن زياد قتل هاني في دار الإمارة، فما أن سمع عمرو بن الحجّاج الصياح حتّى هبّ يدعو الناس إلى تخليص هاني من ابن زياد، وكانت ابنة هاني رويحة تحته ، فأقبل في أربعة آلاف إلى دار الإمارة ونادوا بأعلى أصواتهم يابن زياد، قتلت سيّدنا ولم نفارق جماعة ولم نخلع يداً من طاعة وصاح جماعة منهم : إن كان هاني حيّاً فليخرج إلينا يكلّمنا فقد حضر قومه وبنو

ص: 122


1- مقتل أبي مخنف، ص 30 و 31.

عمومته ليقاتلوا عدوّه، ولمّا سمعهم ابن زياد أقبل على شريح القاضي وقال له : اذهب إلى هاني وانظر إليه إن كان حيّاً وأخبر القوم عنه أنّ صاحبهم حيّ لم يُقتل وإنما استبقاه الأمير ليحادثه وسيخلّي سراحه.

فذهب شريح إلى هاني ورآه في تلك الحال، فقال هاني: أين ذهبت قبائل مذحج وفرسانها؟ والله لو دخل عليّ عشرة لخلّصوني، يا شريح، قل لهم لا تنفضّ جموعهم فإنّ ابن زياد قاتلي لا محالة ، فخان الله شريح ولم يخبرهم بما قال هانى وإنّما قال لهم ما أمره ابن زياد به وقال : أيّها الناس لا تسارعوا إلى الفتنة ولا تدخلوا أنفسكم في الباطل فإنّ صاحبكم عند الأمير يحادثه في الأمور المهمّة وسيخلّي سراحه ويأتيكم، وكان كاذباً فيما قال مداجياً، يخادع الناس، وما زال بهم حتّى فرّقهم.

أقول: كان عمرو بن الحجّاج من الخوارج ولم تربطه بهاني رابطة ولم يكن على صلة حسنة وإنّما حضر ليفرّق الناس بعد أن اجتمعوا وإلّا فقد كان عليه أن يرابط عند باب دار الإمارة حتى يخرج هاني إليهم ويذهب معهم، وعمر و هذا هو الذي خرج لحرب الحسين وكان على شريعة الفرات يحول بينهم وبين ورد الماء وهو الصائح في جموع أهل الكوفة يا أهل الكوفة، الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا بقتل من مرق من الدين.

عند ذلك قام أسماء بن خارجة من مجلسه وقال : أيّها الأمير ، إنّك أرسلتنا إلى هاني فجئناك به وقد اطمأنّ إلينا وآمنّاه فلمّا حضر عندك عمدت إلى شتمه وسبّه وضربته بقضيبك حتّى هشمت دماغه ومزّقت وجهه والآن تريد قتله ؟! فغضب ابن زیاد من قوله وصاح به وأنت من الذين حقّ عليهم القتل، وأمر به فضرب على وجهه وتعتع حتّى أخرج من المجلس.

أمّا ابن الأشعث فقد قال : رضاً بما فعله الأمير ، إنّما الأمير مؤدّب وليس علينا إلّا

ص: 123

الطاعة ، ثمّ خرج ابن زياد إلى المجلس ودعا الناس وراح يرعد ويزبد ويعد ويتوعّد بما قدر عليه... .

خروج مسلم بن عقیل علیه السلام

ثمّ نزل من منبره وعاد إلى قصر الإمارة فبينما هو كذلك إذ بصر بالغوغاء وهم يصيحون : جاء مسلم بجموعه، ولمّا رأى ابن زياد ذلك أسرع الخُطى إلى دار الإمارة فدخلها وأحكم إغلاق الأبواب ، وكان عبد الله بن حازم وهو شيعة للحسين قد بعثه مسلم إلى دار الإمارة ليستطلع له حال هاني وابن زياد، ومذ علم بحبس هاني أسرع بالخبر إلى مسلم فصاح النسوة في وجهه والكلاه ، واعبرتاه ، فخرج مسلم على أثر ذلك وأمر عبدالله بن حازم بالنداء في الناس معلناً خروج مسلم، فلم يمض طويل وقت حتّى اجتمع عند مسلم أربعة آلاف جاؤوا من كلّ حدب وصوب أفواجاً وداروا به عند ذلك عقد مسلم لرؤساء مذحج وتميم وأسد ومضر وهمدان راية وأمر مناديه فنادى بشعار يا منصور أمت، وحين سمع المبايعون النداء خرج من كلّ قبيلة أتباعها فامتلأت الجواد والشوارع والطرقات بالرجّالة والفرسان ثمّ ساروا نحو دار الإمارة وأحاطوا بالقصر وحصروا ابن زياد فيه، وتتابع الناس حتّى ملأوا المسجد والمحلّة وأسواقها ولم يكن مع ابن زياد أكثر من ثلاثين فرداً من رؤوس عسكره وعشرون رجلاً من أشراف الناس، فكبر عليه الأمر ولم تكن له حيلة إلّا إحكام الأبواب ولم يبق إلّا باب الروم ولكن انقطعت المارّة منه إلّا بعض الأعيان من أهل الكوفة يأتون ابن زياد ليطمئنّ، وبعض الأشراف ممّن كان معه في القصر صعدوا على سطحه وأشرفوا على الناس يخذّلونهم وكان أصحاب مسلم يشتمونهم بأقذع الشتم ويقذفونهم بالطوب والآجر، ويرمون أمّ ابن زياد وأباه بالفاحشة ويشيرون إلى دِعوته وأنّه وآله جميعاً أولاد زنا، ويسبّونه سباباً مقذعاً.

ص: 124

فاستدعى ابن زیاد كثير بن شهاب وقال له : إنّ لك في مذحج لأهلاً فاخرج إليهم وخوّفهم من جيش الشام وخذّلهم من نصرة مسلم، وقال لابن الأشعث: وأنت فاخرج إلى كندة وافعل فعله مع من أطاعك منهم ومن أهل حضرموت وخوّفهم وارفع لهم راية أمان لنكون أهيب في عيونهم وليجتمعوا إليها ويأمنوا على أموالهم وأهليهم ودعى كذلك القعقاع الذهلي وشبث بن ربعي التميمي وحجّار بن أبجر وشمر بن ذي الجوشن وأوصاهم بنحو ما أوصى أولئك وأخرجهم من دار الإمارة ومنع غيرهم من الخروج لشدّة فرقه وهلعه .

أمّا كثير بن شهاب فقد فعل ما أمره به وفرّق قومه عن مسلم بالوعد والوعيد، ومثله فعل محمّد بن الأشعث بن قيس الكندي وتأخّر الناس عن مسلم إلى بيوت بني عمارة، فلمّا علم مسلم بذلك أرسل عبدالرحمن بن شريح الشيباني ومعه جماعة ليحول بين ابن الأشعث وبين مبتغاه، وعلم ابن الأشعث أن لا طاقة له بهم فعاد ومعه كثير بن شهاب وقالا : أيّها الأمير ، ليس إلّا الحرب مع هؤلاء ولا مكان للسكون وقد مُلئت دار الإمارة بالرجال فلم يلتفت إليهما وعقد لشبث بن ربعي راية وارسله مع من عنده إلى المجتمعين وأمر رؤوس العسكر وأُمراء الجيش ورؤساء القبائل بالذهاب إلى الكوفة بين الناس يخوّفونهم من وصول جيش الشام ومن غضب يزيد عليهم ، فطارت قلوب الناس رعباً خشية على النفس والولد والمال من قسوة أهل الشام ، وما زال بعض من حضر مع مسلم يصاحبونه حتى إذا جنّ عليهم الليل صرخ بهم كثير بن شهاب أيها الناس ، انصرفوا إلى أهليكم لا توقدوا الفتنة فإنّ جيش يزيد على الأبواب فمن لم يذهب إلى بيته فقد أباح دمه لأهل الشام والأمير يمحو اسمه من العطاء، وصاح سائر القوم مثل صيحته وأكثروا من إرعابهم بأهل الشام فوقع في أهل الكوفة الرعب والفزع وأقبل بعضهم على بعض يتلاومون ويقول قائلهم : لا طاقة لنا بأهل الشام فلا تسفكوا دمائكم واذهبوا

ص: 125

مسرعين إلى بيوتكم فأخذ أهل الكوفة بالتفرّق عن مسلم العشرة والعشرون حتّى حلّ وقت الصلاة ولم يبق مع مسلم ممّن اجتمعوا معه وهم خمسة وعشرون ألف نفر إلّا ثلاثون رجلاً، فأتى المسجد وصلّى فيه صلاة المغرب ثمّ خرج وأمّ بيوت كندة ولما بلغها كان الثابت معه عشرة أنفس، وما أن خرج من أبواب كندة حتّى وجد نفسه وحده في بلد عدوّ وليل مظلم وخطب مدلهمّ، فلم يكن معه من يدلّه على الطريق في الأزقّة والدروب.

لجوء مسلم إلى بيت محمد بن كثير

روى ذلك صاحب الناسخ من تاريخ «أعثم الكوفي» وقال : كان أعثم الكوفي من علماء أهل السنّة والجماعة وكان ملمّاً بالسير جامعاً لها محيطاً بها على شيء من البلاغة، وأكثر ما يروي عن ابن إسحاق وابن هشام، فقد روى حكاية امتحان محمّد بن كثير في حادثة مسلم على النحو التالي: لمّا انفرد مسلم عن أصحابه ورأى نفسه وحده اعتلا صهوة جواده وأراد الخروج من الكوفة فاستقبله سعيد بن الأحنف فعرفه سعيد فأقبل عليه وقال يا مولاي إلى أين أنت ذاهب في هذا الليل البهيم ؟ فقال مسلم : أريد الخروج من بلدكم إلى مأمني لعلّ من بايعني يلحق بي . فقال سعيد : كلّا يا مولاي فإنّك لن تستطيع الخروج وقد أخذوا عليك المنافذ ووضعوا عليها المراصد لئلّا يجتازها أحد من الناس . فقال مسلم : فما الذي أصنعه إذن ؟! فقال : هلمّ معي إلى المأمن فاصطحبه مسلم حتى بلغ به بیت محمّد بن كثير ، فقال : يابن كثير - رافعاً بها عقيرته - عجّل بالخروج إلينا فإنّ مسلماً على الباب، فأقبل ابن كثير مسرعاً وأدخل مسلماً إلى بيته وقبل يديه ورجليه وحمد الله على أن كان هذا الشرف نصيبه ثمّ خبّاً مسلماً عنده في مكان لا يراه فيه أحد من الناس وأحضر الطعام والشراب بين يديه.

ص: 126

ومن جانب آخر : فقد كان الرجال الذين أرسلهم ابن زیاد لاستعلام حال الناس له يدورون في الطرقات بحثاً عن المشاغبين فرأوا مسلماً يدخل بيت محمّد بن كثير ، فسارعوا بإعلام ابن زياد بذلك، فسرّ سروراً عظيماً وأمر ولده خالد بأخذ فرقة من الجيش للقبض على مسلم وفُجئة وإذا ببيت محمّد بن كثير قد حوصر ، ولما عدم العون والناصر سرعان ما أسروه وولده ولكن لم يعثروا على مسلم في بيته واقبلوا بمحمّد بن كثير وولده إلى قصر الإمارة.

من جهة أخرى فقد اتّعد سليمان بن صرد الخزاعي والمختار بن أبي عبيدة الثقفي وغيرهما من أشراف أهل الكوفة على أن يجمعوا جيشاً ويهجموا به على ابن زيا دوينقذوا محمّداً ابن كثير وولده ثمّ يبنون المضارب خارج الكوفة ويلحقون بالحسين علیه السلام ، على مثل هذا اتفقوا واجتمعت كلمتهم وبعثوا إلى عشائرهم يعلمونهم بواقع الحال وطلبوا منهم المدد بالمحاربين والمجرّبين المحاربة ابن زياد .

إلّا أنّ القضاء لعب دوراً مهمّاً في هذا التدبير فقد حدث أن قدم عامر بن الطفيل ومعه عشرة آلاف مقاتل من أهل الشام والتحق بابن زياد فقوي جانبه وأمن وسرّ سروراً عظيماً .

محنة محمّد بن كثير وولده وشهادتهما

وما أن أشرقت شمس الصباح حتّى أحضر ابن زياد محمّداً بن كثير وولده وأوسعه شتماً ، فقال له محمّد بن كثير : ويلك يابن زياد ألا تعف عن قول الخنا فليس الموقف موقف سب وشتم وإنّي أعرفك حقّ المعرفة وأعلم ما هو نسبك وحسبك ؛ أبوك دعيّ ألصق بأبي سفيان وأنت ابن زناً وأُمّك زانية، فما هذه الفتنة التي افتعلتها، وبينما هو يخاطبه إذ ارتفع صياح الحرب وزاد لغط الناس وقائل يقول: أيّها الناس، لقد أحاط بالقصر أربعون ألف رجل يريدون الحرب وهم

ص: 127

يتدافعون فوجاً بعد الآخر، وهنا ازداد ابن زياد عتوّاً وقال لمحمّد بن كثير : وعيش عاش فيه يزيد لا أنقص ولا أزيد سلّمني مسلماً بن عقيل وإلّا ضربت عنقك. فقال محمّد بن كثير : لست هناك لكي تقدر على هذا العمل، فغضب ابن زياد ولكن كتم غضبه إلى حين فأطرق برأسه قليلاً وغاص في فكر عميق وضاق ذرعاً بمقال ابن كثير ولكن أقبل عليه وخاطبه قائلاً: قل لي يابن كثير ، أتحبّ ابن عقيل أكثر أم تحبّ نفسك ؟ فقال : يابن زياد ، الله تعالى يحمي مسلماً ويعينه وناصري ثلاثون ألفاً يحيطون بقصرك الآن بأيديهم السيوف لضرب الرؤوس .

فلم يحتملها له ابن زياد وكان إلى جانبه دواة فأخذها ورجم بها محمّداً بن كثير فأصابته في جبينه وكسرته فسال الدم على وجهه ولحيته، فاستلّ محمّد بن كثير سيفه وقصد به ابن زیاد فدار به الأعوان والشُّرَط لحمايته ، وكان معقل قد جرحه هاني جرحاً منكراً فاعترض ابن كثير فضربه ضربة قدّته نصفين، ولمّا شاهد ابن زياد شجاعته تنحّى عنه وصرخ في شرطته ويلكم اقتلوه ولا تبقوا عليه،

: فأحاطوا به وعندئذ جالدهم بسيفه فقتل اثنين منهم، وحكم القضاء حكمه فوقعت قدمه بحبال ستّارة من ستائر القصر فوقع لوجهه فانهال عليه الجلاوزة وأسروه .

أمّا ولده فسلّ سيفه واتّجه نحو الباب يريد الخروج من قصر الإمارة وقتل منهم وهو يقصد الباب عشرين رجلاً، فرماه مملوك من القصر بسهم فوقع في ظهره وأرداه قتيلاً، عند ذلك علقت الحرب بين أهل الكوفة وجنود الشام فكان الفريقان يتقاتلان بالسهام والحسام ، فقال ابن زياد إنّما يقاتل أهل الكوفة من أجل محمّد بن كثير وولده فاقطعوا رؤوسهما وارموا بهما إلى أهل الكوفة ليكفّوا عن القتال، ففعلوا ذلك ورموا بالرأسين من أعلى السطح إلا أن أهل الكوفة لم يقلعوا عن القتال حتّى غربت الشمس ولما أجنّهم الليل انسحبوا إلى منازلهم والتحق البدو بقبائلهم ولم يبق منهم أحد ، فرأى ابن زياد أنّ الصيحة هدأت فجئة فأمر رجاله

ص: 128

باستجلاء الحال وظنّ أنّ مسلماً وجماعته كمنوا له ويريدون الانقضاض عليه فلم یخرج الصلاة المغرب، فقام رجاله بالتفحّص والاستجلاء فلم يعثروا على أحد فعمدوا إلى إشعال النيران ودلّوها من أعلى السطح وفتّشوا الزوايا والخبايا جميعها ثمّ علقوا أطنان القصب بالحبال وفيها النار تضطرم وأرسلوها إلى الحفر والمواقع المعتمّة فما وجدوا من أحد وعندئذ أعلموا ابن زياد بذلك فاستراح باله وهدأ روعه فأمر بفتح باب القصر المفضى إلى المسجد وطلب النجدة من حماته فحقوا به وخرج إلى المسجد وأمر مناديه فنادى الناس لحضور صلاة العشاء هناك، وقال : برأت ذمّة الأمير ممّن تغيّب عن الحضور ، فامتلأ بهم المسجد فصعد المنبر بعد الصلاة فقال : أيّها الناس، أرأيتم هذا السفيه الجاهل ... كيف أوقد الفتنة، فمن كان مسلم في بيته ولم يخبرنا فإنّ دمه هدر وماله ،نهب، ومن جاء فله ديته ، ثمّ أمر برصد المنافذ والأبواب وإحكامها ووضع العيون والمراصد على كلّ درب ومنعطف، وقال للحصين بن نمير : ثكلتك أمّك - يا حصين - إن فاتك مسلم بن عقيل ، فقد سلّطتك على بيوت الكوفة، وعقد راية لعمرو بن حريث وأعطاه قيادة الجيش ، ثمّ أخذ في تلك الليلة بتنظيم الجيش ونظم البلد (1).

خروج مسلم من بيت محمّد بن كثير

ولمّا بلغت مسلماً أنباء شهادة ابن كثير وابنه خرج من بيته ليلاً وركب فرسه ولم يدر إلى أن يتجه وكان ابن زياد حذراً من أهل الكوفة أن يشغبوا عليه مرّة

ص: 129


1- كم كنت أودّ أن لا ينقل المؤلّف هذا الخبر الموضوع أو المتناهي الضعف على أقلّ تقدير وهو العالم الجهبذ فما الفائدة من نقل خبر لا أصل له وقد زعم الناسخ بأنّه في «الأعثم الكوفي» ولم يسمّ كتابه ونحن لا نعرف إلّا صاحب كتاب «الفتوح» وهو ابن الأعثم وليس الأعثم، وقد فتّشت الكتاب فلم أعثر على هذا الخبر ، ولا أرى للمؤلّف عذراً في سكوته عن نقده ، والناظر فيه لأوّل وهلة يحكم بوصعه لما عليه من أثر الصنعة ... .

ثانية، وجدّ في البحث عن مسلم مِن ثَمّ عمد إلى الجيش فرتّبه إلى فرق وعهد بكلّ محلّة من الكوفة إلى فرقة منه لاسيّما في الليل، فاتّفق أن كان اجتياز مسلم ساعتئذٍ من منطقة قصر الإمارة وكان يحرسه اثنا عشر ألف رجل شاكّ بالسلاح وقد افترقوا على المعابر والمنافذ يحرسونها، فتفادى المرور بهم وقطع إلى محلّة أخرى تُدعى دار السبيع، وكان يحرسها خالد بن عبيدالله بن زياد في ألفين من رجال الشرطة، فعدل من هناك إلى الكناسة وكان عليها شاميّ في ألفي شرطي فاجتاز هم مسلم بشجاعة خارقة حتّى وصل إلى سوق الصفّارين وكان مسرعاً في سیره ، فأثار ريبة أحدهم فقال في نفسه : لا يبعد أن يكون الراكب المجدّ مسلماً، وقد أوشك الليل على الزوال، وما عتم الرجل أن أبلغ ابن زياد بهواجسه، وقال: أحسب أنّي رأيت ابن عقيل يجتاز من سوق الصفّارين إلى بوّابة البصرة، فأرسل خلفه خمسين فارساً فأقبلوا تخبّ بهم الخيل فسمعها مسلم علیه السلام فعلم أنّها جادّة في طلبه فترجّل من فرسه وأرسلها في الطريق واختفى في منعطف آخر وبلغ الفرسان المكان وتعقبوا الفرس واقتصّوا أثره فلمّا بلغ محلّة الندّافين شاهدوا .فرساً بلا فارس فقبضوا عليها وعادوا وأخبروا ابن زياد بما شاهدوا.

وسار مسلم في طريقه على غير هدى وكان سغباً وغاية فى الظماً، بينما هو يسير إذ طالعه زقاق فدخله وإذا به غیر نافذ فعسر عليه العودة إلى مبدأه ورأى إلى جانبه مسجداً قد تداعى فهو أشبه بالخربة لا يمرّ به أحد، فدخله مسلم وأوى إلى ركن منه جائعاً عطشاناً وقضى سحابة يومه هناك حتّى إذا جنّه الليل وقف حائراً إلى أين يتّجه ومن ذا يجيره ، فسار قليلاً حتّى عبر إلى بيوت بني جبلّة من آل كندة.

لجوء مسلم علیه السلام إلى بيت طوعة

وحينئذٍ بلغ بيتاً عالي البناء وله موقع يدلّ على اليسر والرفاهية، فأخلد إلى أعتابه إذ أبصر امرأة تجلس على بابه ترمق الدرب بعينيها، فكان لأمّ ولد للأشعث

ص: 130

ابن قيس وقد أعتقها فتزوّجها من بعده أسيد الحضرمي فأولدها ولداً دعاه بلالاً وكانت طوعة تقلق إذا طال غياب ابنها لوجود الفتنة في البلد، فتقف على الباب بانتظار عودته.

ومجمل القول أنّ مسلماً علیه السلام سلّم عليها فردت عليه وقال: يا أمة الله اسقيني ماءاً فقد أضرّ بي العطش، فدخلت طوعة إلى بيتها وخرجت بالقدح ، فلمّا شرب مسلم استراح إلى الجدار، فلما عادت طوعة وجدته ما يزال على بابها فقالت: ألم تشرب الماء يا عبدالله ؟ قال : بلى لقد ارتويت ، فقالت : إذن رح إلى مثواك ، فلم يجبها مسلم ، فأعادت القول عليه وقالت : لا يحقّ لك الجلوس على باب داري فرفع في وجهها عينين نديّتين وقال لها : يا أمة الله ، ليس لي في هذا البلد أهل ولا عشيرة، هل لك في أجر وثواب ؟! تتركيني أقضي هذه الليلة في بيتك لعلّي أُجازيك على حسنتك جزاءاً حسناً . فقالت طوعة: من أنت؟ ومن أي البلاد أنت ؟ ولماذا أنت تائه في هذا البلد ؟ فقال : أنا مسلم بن عقيل، خدعني الناس وبايعوني ثمّ غدروا بي وأفردوني وذهبوا إلى أعمالهم، فقالت طوعة : أنت مسلم ابن عقيل ؟ فداك أبي وأمّي ، ادخل البيت سالماً، فأدخلته بيتها وعزلته في جانب منه وجائته بالطعام والماء، وأحضرت له فراشاً ينام فيه فرقد مسلم ولكنّه لم يصب طعاماً، وبينما هي تغدو وتروح على مسلم إذ أقبل ولدها فرأى أُمّه تدخل البيت المعزول وتخرج منه، فسأل أُمّه عن السبب فقالت يا ولدي اعرض عن هذا واذهب إلى سبيلك، فألح عليها وقال : أُقسم بالله إن دخولك إلى البيت وخروجك منه لأمر طارئ، فأخبريني ما الأمر ؟ فقالت : أخبرك على أن تكتم الخبر ، فقاسمها أن لا يخبر أحداً، وأخذت عليه العهود الموثّقة والأيمان المغلّظة ثمّ أخبرته بدخول مسلم إلى دارها، فسكت بلال وآوى إلى فراشه .

أمّا مسلم فقد وضع رأسه على الوساد قليلاً ثمّ أفاق من نومه وراح يبكي

ص: 131

وينشج مستحضراً الحسين وأهله وعشيرته وارتفع صوته بالبكاء، فانتبهت طوعة وقلقت على مسلم وهي تقول : لم تبكي يا مولاي ؟ وما هذه الدموع المدرارة ؟! فقال : يا أمة الله ، رأيت عمّي عليّاً بن أبي طالب في النوم وهو يقول لي : الوحا الوحا العجل العجل وما أظنّ إلّا آخر حياتى من الدنيا وأوّلها من الآخرة.

و من جهة أُخرى فقد نهض ابنها بلال من نومه عجلاً وذهب إلى دار الإمارة وصاح بأعلى صوته : النصيحة النصيحة ، فأجابه أبوه أسيد الحضرمي.

إخبار بلال عن مسلم

أيّها الشيعي، قل ما عندك من النصيحة ؟ فقال : إنّ أُمّي أجارت مسلماً فهو الآن في بيتنا، فأخبر أسيد الحضرمي عبدالرحمن بن محمّد بن الأشعث فحمل البشارة إلى ابن زياد عند ذلك حمل ابن زياد بلالاً على سابق من الخيل وطوّقه بطوق من ذهب ووضع على رأسه أكليلاً من الذهب وأمر ابن الأشعث أن يأخذ خمسمائة فارس ليأتيه بمسلم بن عقيل، فأقبل الفرسان شاكي السلاح إلى باب طوعة وطوّقوها من كلّ جهاتها وجاؤوها من فوقها ومن أسفل منها، فسمع مسلم همهمة الرجال وقعقعة السلاح فعلم أنّ القوم جاؤوا يطلبونه فعجّل في دعائه لئلّا يحرق القوم عليه البيت وقال: يا أمة الله ، ناوليني سلاحي، فأتته بسلاحه وهي باكية، عند ذلك قام من مكانه وأفرغ عليه لامة حربه .

محاربة مسلم عسكر ابن زياد

وخرج عليهم شاهراً سيفه فحمل عليهم كالأسد الجائع على قطيع النقد، وقال لطوعة جزاك الله عنّي أفضل الجزاء لقد أدّيت ما عليك ونلت شفاعة محمّد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال هذا ثمّ وضع السيف فيهم.

روى عمرو بن دينار وغيره أنّ مسلماً كان أيداً، فقد كان يقبض على الفارس من مراق بطنه ثمّ يرميه على السطح، وجائته طوعة حينئذٍ وهي تقول: يا مولاي

ص: 132

إنّك تعرض نفسك للموت، فقال : أقسم بالله لا حيلة لي من الموت ثمّ هجم عليهم كالصاعقة التي تمطر ضرماً وهزّ حسامه وتعرّض لهم بالموت الأحمر وحمل حملات حيدر الكرّار فضرب الرؤوس والأرجل والأيدي، وعفّر الأبطال بالتراب ، وقذف الأقوياء بعد أن اقتلعهم من صهوات خيولهم على سطوح البيوت فلم يثبت له عسكر ابن زياد، وكان الأسد المتعب المطارد كسير القلب يحمل عليهم ذات اليمين وذات الشمال حتّى قتل منهم مائة وثمانين رجلاً.

ولمّا رأى اهل الكوفة هذه الشجاعة علموا أن لا طاقة لهم به فلاذوا بالفرار ولمّا رأى محمّد بن الأشعث هذه الشجاعة أوفد إلى ابن زياد رجلاً أن يمدّه بالخيل والرجال فأرسل إليه فرقة أُخرى، فكان مسلم يشدّ عليهم كالليث الغاضب أو الأفعى الزاحف فقتل منهم جماعة وفرّ الباقون وسلكوا السبل متفرّقين ، فأرسل إلى ابن زياد محمد بن الأشعث وهو يقول: مدّني بالخيل والرجال فإنّ سيف مسلم لا ينجو منه أحد فقد قتل منّا قوماً وجرح آخرين.

فغضب ابن زياد من قوله وأرسل إليه قائلاً: ثكلتك أُمّك وعدمك قومك ، هذا رجل واحد يفعل بكم هذا الفعل فكيف لو أرسلتكم إلى من هو أشدّ بأساً وأعظم مراساً - وهو يقصد الحسين علیه السلام بذلك - فأرسل محمّد بن الأشعث في جوابه : أيّها الأمير، أتظن أنّك بعثتني إلى بقّال من بقّالي الكوفة أو إلى جرمقانيّ من جرامقة الحيرة ، أيها الأمير إنّك بعثتني إلى أسد ضرغام وسيف حسام في كفّ بطل همام من آل خير الأنام ، فأمدّه ابن زياد بالخيل والرجال «خمسمائة فارس» وأمره أن يعطيه الأمان وقال : بدون هذا الست قادراً عليه ، فلمّا جاء القوم المدد أعادوا الكرّة عليه وانحدروا عليه كالسيل النازل من الجبل أو كالوحش المهيب من الغابة فقابلهم مسلم بقلب أقوى من الحجر رابط الجأش كأنّه الجبل الأشمّ وقال هذا الشعر:

ص: 133

هو الموت فاصنع ويك ما أنت صانع *** فأنت بكأس الموت لا شكَّ جارع

فصبراً لأمر الله جلّ جلاله *** فحكم قضاء الله في الخلع ذائع

ووضع فيهم السيف فلاذ أحدهم بالآخر فرقاً من سيف مسلم ووطأ بعضهم بعضاً ومسلم يضرب أعقابهم بالسيف فيقتلهم ويبدّد جماعتهم، فلمّا رأى ابن الأشعث ذلك ناداه لك الأمان يا مسلم فلا تقتل نفسك فإنّ الأمير آمنك فلا تقاتل عبثاً ، فقال : لا أمان لكم يا أعداء الله وأعداء رسوله ، وأنشد أبيات حمران بن مالك متمثّلاً بها :

أقسمت لا أُقتل إلّا حرّا *** وإن رأيت الموت شيئاً مُرًا

أكره أن أُخدع أو أُغرّا *** ردّ شعاع النفس فاستقرّا

أو يخلط البارد سخناً مُرّا *** كل امرئ يوماً ملاقٍ شرّا

أضربكم ولا أخاف ضرّا *** فعل غلام قط لن يفرّا

وكلّ ذي غدر سيلقى عذرا *** أيضاً ويصلى في المعاد حرًا

وتابع عليهم الحملات وفتكت بجسمه الجراحات حتى قتل جماعة منهم ورجع ليستريح فأسند ظهره إلى حائط بيت بكر بن حمران وكان اللعين قد كمن المسلم فحمل عليه وضربه على ثناياه وقطع شفته العليا، فوثب عليه مسلم كما تثب الشعاعة من الوقد وقضى عليه بضربة واحدة وبعث روحه إلى جهنّم كما يقول ابن شهرآشوب.

وقال قوم: إنّ مسلماً جرحه فهرب من بين يديه واشتدّت الحرب على أهل الكوفة فصعدوا على السطوح يحصّبونه بالحجارة ويوقدون النار بأطنان القصب ویرمونه بها، فانحاز مسلم ناحية عنها وأسند نفسه إلى جدار ليحميها من انهمار النار عليها، وصاح بهم : لماذا ترموننا بالنار حتّى كأنّنا من الكفّار، ألسنا من آل محمّد المختار ؟ ألا ترعون حرمته في آله ؟! فمرّ كلامه على آذان أولئك الجهال

ص: 134

كما تمرّ الريح بالغربال فانبرى عندئذٍ رجل من أهل الكوفة وقال : إنّي أقمت له فخّاً في هذه الجادّة وغشيتها بالدغل والشوك والرمال فاحملوا عليه ثمّ انكشفوا بين يديه وليكن بينكم وبينه الكرّ والفرّ ، فإذا حمل عليكم فاهربوا منه فسوف يقع فى الحفرة، ثمّ حملوا عليه بأجمعهم واستقبلهم مسلم بسيفه وقتل منهم جماعة وأوردهم الحمام وسقاهم كأس الردى، فبينما هو يشتدّ في قتالهم ويصول عليهم ويحول إذ هوى فيم الحفرة وهو لا يعلم بها عند ذلك داروا به وأخذوا يضربونه بسيوفهم وضربه لعين منهم على مفرق رأسه واصابت الضربة ثناياه فنثرت أضراسه، وطعنه كافر آخر بالرمح في قفاه ، فلما ضعف عن القتال أسره العدو وأركبوه على بغل مكتوفاً وساقوه إلى دار الإمارة وسلبوا درعه وحسامه. وقال عبدالله بن زبير الأسدي في الحادثة :

أتركت مسلم لا تقاتل دونه *** حذر المنيّة أن يكون صريعا

وقتلت وافد آل بيت محمّد *** وسلبت أسيافاً له ودروعا

لو كنت من أسد عرفت مكانه *** ورجوت أحمد في المعاد شفيعا

وتركت عمّك لا تقاتل دونه *** فشلاً ولولا أنت كان منيعا

ويقصد بعمّه حجر بن عدي الكندي، فإنّ ابن الأشعث سعى في قتله مع أنّه من أهله وعشيرته ، وأعطى مسلماً الأمان بناءاً على ما تقدّم ثم غدر به، وجرّده من سيفه ودرعه مع أنّ الأعراف قاضية على من أعطى الأمان أن لا يُجرَّد منهما .

وأخيراً حملوا مسلم بالحالة التي هو عليها إلى قصر الإمارة عند ذلك أيس من الحياة وجرت دموعه على خدّيه، فناداه عبيدالله بن العبّاس الأسملي شامتاً : إنّ من يطلب مثل ما تطلب - يا مسلم - لا يبكي إذا نزل به ما نزل بك ! فقال : والله ما على نفسي بكائي وإن كنت لا أُحبّ لها هلكاً طرفة عين، ولكنّي أبكي للحسين وأهل بيته القاصدين إلى الكوفة ، أخشى أن ينال ما نلته منكم ، وكان مسلم ساعتها

ص: 135

في أشدّ العطش فرأى جرّة مليئة بالماء الزلال، فقال لهم: اسقوني ماءاً، فقال له مسلم بن عمرو الباهلي : انظر إليها ما أبردها ! والله لن تذوق منها قطرة حتّى تذوق الحميم، فقال له مسلم ويلك ما أفظعك وأغلظك ، فمن أنت؟ قال: أنا الذي عرف الحقّ إذ جهلته، ونصح لإمامه إذ غششته، وأطاعه إذ عصيته، أنا مسلم بن عمرو الباهلي . فقال له :مسلم : ثكلتك أمّك، أنت أولى منّي بالحميم صليّاً وبالخلود في نار جهنّم ، عند ذلك أمر عمرو بن حريث مولاه أن يأتيه بجرّة ماء من بيته ثمّ صبّ لمسلم وسقاه فلمّا أراد أن يشرب امتلأ القدح دماً فأراقه وملأ له آخر فامتلأ دماً فأراقه ، فملأ له قدحاً ثالثاً فلمّا همّ أن يشرب سقطت ثناياه فيه البرد الماء ، فقال مسلم : الحمد لله لو كان من الرزق المقسوم لشربته .

دخوله على ابن زياد ووصيّته

وحينئذٍ خرج رجل من دار الإمارة وهو يقول: يأمركم الأمير بإدخال مسلم عليه، فأدخل على ابن زياد فسلّم على القوم وصاح به الحرس : سلّم على الأمير فقال له مسلم : ويلك إنّه ليس لي بأمير ، فقال الأمير : سلّمت أو لم تسلّم فإنّك مقتول ، فقال مسلم : أمهلني حتّى أوصي ، فقال ابن زیاد : افعل، فألقی مسلم نظره على المجلس فوقعت عينه على عمر بن سعد فقال : يابن سعد، إنّ بيني وبينك لرحماً، ويجب عليك أن تلبي طلبي، فاستمع إلى وصيتي، فامتنع من ذلك ليرضي ابن زياد لعنه الله ، إلى أن قال له ابن زياد : ما يمنعك أن تنظر في وصيّة ابن عمّك، فقام ابن سعد وجلس مع مسلم في ناحية بحيث يراهما ابن زياد، فقال: أوّل وصيّتي شهادة أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله وأنّ عليّاً ولي الله ، والثانية تبيعون درعي هذا وتوفون عنّي ألف درهم اقترضتها في بلدكم، والثالثة أن تكتبوا إلى سيّدي الحسين أن يرجع عنكم فقد بلغني إنّه خرج بنسائه وأولاده فيصيبه ما أصابني ...

ص: 136

فقال ابن سعد لابن زياد : أتدري ما وصيّته ؟ إنه قال کیت وکیت ، فقال ابن زیاد : لا يخونك الأمين ولكن قد يؤتمن الخائن، قبّحك الله ! إنك خنت الوديعة وأفشيت سره، والله لو ائتمنني على سره لما أفشيته ولسعيت في تنفيذ حاجته ولكن يابن سعد لا يخرج لحرب الحسين غيرك لأنك أجرمت وخنت ابن عمّك في أمانته، فأنت أوّل من يخرج لحرب الحسين .

وفي بعض المقاتل أنّ ابن زياد قال له : أمّا ماله فهو له ولا حاجة لنا به، فاصنع به ما شئت ، وأمّا جسده فإنّنا إذا قتلناه لا نبالي ما نصنعه به مع أنّنا لا نقبل شفاعتك فيه لأنّه أهل لذلك فقد قاتلنا وسعى في هلاكنا، وأمّا الحسين فإن لم يردنا لم نرده فإذا قصدنا فلن ندعه حتّى نذيقه الموت.

وفي إبصار العين : إنّ محمّداً بن الأشعث أعطى مسلماً الأمان أثناء القتال وقال له :مسلم يا عبدالله إنّي أراك ستعجز عن أماني فهل عندك خير أتستطيع أن تبعث من عندك رجلاً على لساني يبلغ حسيناً فإنّي لأراه قد خرج إليكم اليوم مقبلاً أو هو خارج غداً وأهل بيته بيته معه وإن ما ترى من جزعي لذلك، فيقول: إنّ مسلماً بعثني إليك وهو في أيدي القوم أسير ، لا يرى أن يمسي حتّى يُقتل وهو يقول: ارجع بأهل بيتك ولا يغرك أهل الكوفة فإنّهم أصحاب أبيك الذي كان يتمنّى فراقهم بالموت أو القتل إن أهل الكوفة قد كذّبوك وكذّبوني ، وليس لمكذوب رأي . فقال محمّد : والله لأفعلنّ ولأعلمنّ ابن زياد أنّي قد آمنتك.

قال جعفر بن حذيفة الطائي : فبعث محمّد إياس بن العتل الطائي من بني مالك ابن عمرو بن ثمامة وزوّده وجهّزه ومنع عياله وأرسله للحسين فاستقبله بزبالة لأربع ليال بقين من الشهر وكان عبيد الله بن زياد بعث رئيس الشرطة الحصين بن مير التميميّ ... الخ (1) .

ص: 137


1- إبصار العين ، ص 45 .

قال أبو مخنف وغيره : إنّ ابن زياد لعنهما الله استقبل مسلماً وقال: يابن عقيل خرجت على إمامك وشققت عصى المسلمين وآثرت الفتنة وأرقت الدماء فقال مسلم: كذبت یابن زياد، بل معاوية هو الذي فرّق الأمّة وابنه يزيد سار على دربه وأنت الذي ابتعثت أسباب الفساد والفتنة وأبوك زياد بن عبيد عبد بني علاج بن ثقيف وأنا أرجو اليوم أن أنال الشهادة على يد شرّ خلق الله .

فقال ابن زياد: أتُمنّيك نفسك أنّ لك بالأمر شيء وأنّ الله صرفه عنك إلى غيرك ممّن هو أولى به وأهل له ؟ فقال : فمن أهله يابن مرجانة - يابن زياد - ؟ فقال يزيد فقال :مسلم: رضينا بالله حكماً بيننا وبينكم ونحن له حامدون شاكرون على كلّ حال .

فقال ابن زياد أتظنّ يا مسلم أنّ لك في الخلافة نصيباً؟ فقال: ما هو الظنّ ولكنّه اليقين بأن الخلافة لأهل بيت النبيّ . فقال ابن زياد : قل لي الآن لماذا قدمت هذا البلد وأمرهم واحد ففرّقتهم وفرّقت كلمتهم ؟ فقال مسلم : ما جئت لهذا بل للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأنّك وأباك أمتُّم المعروف وأشعتم المنكر وتأمّرتم على الأُمّة بغير رضاً منها وركبتم أكتاف الناس وحكمتم فيهم بحكمكم وتجنّبتم حكم الله، وعملت فيهم بعمل كسرى وقيصر لذلك جئناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهي عن المنكر ونعمل بكتاب الله وسنّة النبيّ المصطفى صلی الله علیه وآله وسلم ونحن أهل لذلك.

فاشتدّ غضب ابن زياد من كلامه وقال لمسلم : يا فاسق ، أولم نعمل فيهم بذلك وأنت في المدينة تشرب الخمر! فقال مسلم : أنا أشرب الخمر ؟!! والله يعلم إنّك غیر صادق وإنّك قلت بغير علم ، وإنّها ما لامست شعري ولا بشري، وإنّك تعلم بأنّك تقول كذباً وافتراءاً عليّ، وإنّ أولى بشرب الخمر من يلغ في دماء المسلمين

ص: 138

ويسفك الدماء التي حرّمها الله على الظنّ والتهمة والعداوة وهو يلهو ويلعب كأنّه لم يفعل شيئاً.

فازداد غضب ابن زياد عليه وراح يشتمه ويسبّه وعليّاً والحسن والحسين علیهم السلام .

شهادة مسلم علیه السلام

فقال مسلم : يا عدوّ الله ، أنت وأبوك أولى بالشتيمة فاقض ما أنت قاض يا عدوّ الله ، فقال ابن زياد أين بكر بن حمران الذي فلق ابن عقيل هامته، فلمّا أُحضر :قال : أتقتل مسلماً ؟ قال : كيف لا أقتله ؟ قال : اصعد به أعلى السطح واضرب عنقه، فصعد بكر بن حمران لعنه الله بمسلم وكان يسبّح الله ويهلّله ويستغفره وقال : احكم بيننا وبين قوم غرّونا وكذّبونا ثم خذلونا وقتلونا.

ولمّا صعد به أعلى السطح قال لهم: أمهلوني حتّى أُصلّى ركعتين، فقال ذلك اللعين: لا أمهلك، فبكى مسلم وأنشد:

جزى الله عنّا قومنا شرّ ما جزى *** شرار الموالي بل أعقّ واظلما

هم منعونا حقّنا وتظاهروا *** علينا وراموا أن نذلّ ونرغما

أغاروا علينا يسفكون دمائنا *** ولم يرقبوا فينا ذماماً ولا دما

فنحن بنو المختار لا خلق مثلنا *** بنا أيت اركانه أن تهدما(1)

وقال بكر بن حمران المسلم : الحمد لله الذي سلّطني عليك ، قال هذا وأهوى على مسلم بسيفه فنبی فقال له : أليس في خدش تخدشنيه عوض عن نفسك أيّها العبد ، ولمّا بلغ ابن زياد لعنه الله قول مسلم قال : أفخراً عند الموت ، ثمّ ضربه ثانية

ص: 139


1- ينابيع المودّة ، ج 3 ص 59 باختلاف في شطري البيتين الأخيرين : فحسبهم الله العظيم المعظّما *** وفينا نبيّ مكرّم ومكرّما وفي هذا الشطر إقواء كما ترى .

فقضى عليه ونزل من القصر خائفاً مذعوراً، فقال له ابن زياد : ماذا دهاك ؟ قال : لمّا قتلت مسلماً رأيت عبداً أسود كبير الجنّة عاضّاً على شفته باسنانه ويعضّ سبّابته فخفت من منظره خوفاً لم أخف مثله في خطب أو داهية، فقال ابن زياد: دهشت من ذلك فصوّر لك خيالك هذا المنظر .

وفي كتاب عبدالله بن محمّد رضا الحسيني : أنّ بكراً لمّا أراد انتضاء السيف ليضرب مسلماً كَلّ ساعده وما أعانته يده فنزل من أعلى السطح وأخبر ابن زياد بذلك فأمر كوفيّاً غيره بقتله فلمّا همّ بذلك رأى رسول الله أمامه فوقع على وجهه فرقاً وفارقته الروح فأمر عند ذلك رجلاً من أهل الشام وألحق رأسه بجسده من أعلى القصر ثمّ عمد إلى قتل هاني كما يأتي ذلك في ترجمته، ثمّ أمر ابن زياد بعزل الرأسين وأن تسحب الجثّتان في طرق الكوفة وأسواقها ومحلاتها وصلبهما بعد ذلك في المكان الذي تباع فيه الماشية فثارت قبيلة مذحج عند ذلك واستخلصت الجسدين فصلّي عليهما ودفنا ، وأرسل ابن زياد بالرأسين إلى يزيد في الشام، قُتل يوم التاسع من ذي الحجة سنة 60.

فصلٌ في الأشعار التي قيلت في رثاء

مسلم علیه السلام

وممّن رثاهما عبدالله بن زبير الأسدي وقيل الفرزدق بالشعر التالي .. قال :

فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري *** إلى هانئ فى السوق وابن عقيل

إلى بطل قد هشّم السيف وجهه *** وآخر يهوي من جدار قتيل

أصابهما فرخ البغىّ فأصبحا *** أحاديث من يسري بكلّ سبيل

ترى جسداً قد غيّر الموت لونه *** ونضح دم قد سال کلّ مسیل

ص: 140

فتى كان أحيا من فتاة حييّة *** وأقطع من ذي شفرتين صقيل

أيركب أسماء الهماليج آمناً *** وقد طالبته مذحج بذحول

تطيف حفافيه(1) مراد وكلّهم *** على رقبة من سائل ومسول

فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم *** فكونوا بغايا أُرضيت بقليل(2)

شعر

عيني جودي بعبرة وعويل *** واندبي إن ندبت آل الرسول

وابن عمّ النبيّ عوناً أخاهم *** ليس فيما ينوبهم بالخذول

سبعة منهم لصلب عليّ *** قد أُبيدوا وتسعة لعقيل

واندبي كلّهم فليس إذا ما *** عُدّ في الخير كلّهم كالكهول

لعن الله حيث حلّ زياداً *** وابنه والعجوز ذات البعول(3)

من قصيدة للخطيب البارع الشيخ محمّد على اليعقوبي

ومالك في الإسلام حظّ وفي الهدى *** نصيب إذا لم تبك عيناك مسلما

قتيل بكوفان بكى السبط رزئه *** فأيّة عين لم يسل دمعها دما

ولو لم يكن خير الأقارب عنده *** لما اختاره منهم سفيراً مقدّما

لحى الله قوماً بايعوه على الهدى *** وسرعان ما مالوا إلى الغيّ والعمى

فأمسى وحيداً لم يجد من يدلّه سبيلاً ولا حام يذود ولا حمى

وبات يمنّى القتل نفساً شريفة لها الله يأبى أن تذلّ وترغما

بحيث منايا السود ألقت جرانها لديه وباتت أنسر الموت حوّما

ص: 141


1- حواليه .
2- مقاتل الطالبيّين ، ص 72؛ الإرشاد ، ج 2 ص 64 ؛ بحار الأنوار ، ج 44 ص 358 وفيه : «أصابهما أمر اللعين» وفي جميعها : «أصابهما أمر الأمير»، وفيها اختلاف مع المؤلّف بالألفاظ وبزيادة أبيات .
3- نسبها في لواعج الأشجان لسراقة الباهلي ، ص 169 وفيها زيادة .

ولمّا سعى الواشون فيه إلى العدى *** أتوه يجرّون الخميس العرمرما

فقام بوجه باسم الثغر أبلج *** يحيي المواضي والوشيج المقوّما

فردّ لهام الجيش نذراً عديده *** وطبّق كوفاناً نعيّاً ومأتما

بنفسي الذي فادى الحسين بنفسه *** فأوردها بحر المنيّة مفعما

وأقسم أن يغشي الوغى غير ناكل *** ويقتل حراً رابط الجأش مقدما

على حين ما غير الحسام مرافد *** فلم ير ذاك اليوم أثبت منهما

ولمّا أبى إلا الشهادة صابراً *** وقد نال منه الطعن والضرب والظما

فسالمهم لا رغبة بأمانهم *** ولكن أمر الله كان محتّما

فمن مبلغنّ السبط أنّ ابن عمّه *** أسير الأعادي ليس يفدي تكرّما

ولم يبك خوف القتل لكن بكائه *** عليه لما يلقى من القوم مثلما

وقد أخذوا منه المهنّد بعد ما *** نبا حده من قرعهم وتثلّما

وممّا دهى البطحاء أنّ ابن شيخها *** دعيّ بني صخر عليه تحكّما

وأعظم خطب يوم أوقف مسلم *** لديه وسبّ المرتضى كان أعظما

فیاهل دری قصر الإمارة من رقى *** عليه وهل يدري ابن حمران من رمی

رمی منه نحو الأرض كوكب هاشم *** فتحسب بدر التمّ خرّ من السما

وأصبح في الأسواق يسحب جسمه *** ومن عجب بالحبل جرّوا يلملما

فيا ابن عقيل لا عداك ولا عدا *** ضريحك رجّاف العشيّات مرزما ..

وله أيضاً قالها حين كشفوا عن قواعد قصر الإمارة غربيّ مسجد الكوفة

ومنها القطعة التالية

أقصر الإمارة ذكّرتني *** قوادح منها الحشا تشعّب

فلا نفحت جاريات الصبا *** رُباك ولا رشّها صيّب

بنوك على الظُّلم من أسسوك *** وذاك البنا للبلى أقرب

ص: 142

فليت طلولك لي لم تلح *** فقدهاج فيها الجوى المكرب

ومنك رموا مسلماً موثقاً *** كما خرّ نحو الثرى كوكب

وشدوا برجليه فيك الحبال *** وأضحى بأسواقهم يُسحَب

وفيك بعود ابن مرجانة *** ثنايا الشهيد غدت تضرب

وقد أوقفوا فيك زين العباد *** أسيراً وأدمعه تسكب

ويسمع شتم أبيه الوصي *** به فوق أعوادهم تخطب

وينظر أرؤس آل الهدى *** كئوس الطلا عندها تشرب

يرى حرم الوحي في حالة *** لها الله في عرشه يغضب

سوافر ليس لها حاجب *** ونسوة آل الخنا تحجب

ممّا جادت به قريحة الأنصاري

بر پیکرش طراز شهادت چو شد طراز

تا آب رفته را مگر آرد بجوی باز

با خون خویش شد پی اصلاح چاره ساز

القصّه چون بکوفه رسید از صف حجاز

جادوی چرخ شعبده ای تازه کرد ساز

هر یک زاهل کوفه بپرسش که حال چیست

با مژده آن زمقدم مسلم همی گریست

کردند بیعتش زده چار و پنج و بیست

هر چند کار بدرقه در کوفه نیک نیست

اما نخست خوب شدش بپیش باز

در بزم کوفه شمع ولایت گرفت جا

پروانه سان بگرش آن جمع بی وفا

ص: 143

جمع آمدند جمله به اهلاً ومرحبا

آن یک پدیده خاک رهش کرد توتیا

برد آن دگر ببوسه بپایش دهان فراز

چون زره گان شدند از آن مهر مستنیر

گشتند پیش شمس حقیقت همه حقیر

در خنده آن که همه عبدیم و تو امیر

گفت آن یکی بدر خویش بنده گیر

گفت آن دگر مرا به عطاهای خود نواز

پس زرق و مکر و حیله اشان بیکرانه گشت

گیسوی گرگ گشته رفتار شانه گشت

شمع وثائق شه تف آه شبانه گشت

يعنى که غروب بمسجد روانه گشت

بهر ادای طاعت دادار بی نیاز

آمد درون مسجد و افزود محتش

خم گشت پشت چرخ زبار مصیبتش

یا رب چگونه شرح دهم درد غربتش

کز سی هزار تن که نمودند بیعتش

یک تن نمانده بود چه فارغ شد از نماز

دید آن گروه مرتد به عها ست بست

دیروز گشته از می باریش جمله است

ص: 144

اکنون بنقض بیعت و عهدند در شکست

و آنان که دامنش بگرفتند با دو دست

دارند دست کین بگریبان او دراز

سدى بامر زاده مرجانه پلید

گردش کشیده زآهن و پولاد و بس سدید

بشکست سد بتیغ زد و کشت و بردرید

شد خسته و غریب و فغان از جگر کشید

چون نی بناله آمد و چون شمع در گداز

افتاد طشت زندگیش چون زطرف بام

پوشیده خون جبهه رخ آن مه تمام

آن نائب امام زمان داد پس پیام

گفت ای صبا زجانب مسلم رسان سلام

هرجا رسی بکوی حسین از ره حجاز

کی شه بدرد خویش برو چارساز گرد

زین مردمان و یاریشان بی نیاز گرد

باری میا بکوفه و سوی حجاز گرد

بر کودکان من زوفا دل نواز گرد

من آمدم فدای تو گشتم تو باز گرد

مباراة الشعر بالعربيّة(1) :

ولما استوى ثوب الشهادة كاملاً *** على هيكل من رحمة الله مجبول

ص: 145


1- في هذه القطعة تجد بوناً بينها وبين القصيدة الفارسيّة ولكن الذي يجعلها مقبولة أنّها قريبة جدّاً من روح النصّ الفارسي وليست ترجمة حرفية له ولا غير حرفيّة .

أراد يعيد العذب للنهر جارياً *** وقد جفّ حتّى النزر ليس بمأمول

وقد ظلّلتهم ديمة من دمائه *** فيالدم زاك على الترب مطلول

أتى يطلب الإصلاح منهم فلم يجد *** علاجاً سوى فيض من الدم مرسول

فلم ير إلّا خاذلاً فلّ عزمه *** فيالك من عزم من الرعب مفلول

أحاط به جمع الشياطين خذّلاً *** غداة يلاقي خاذل سيف مخذول

وقد أظهروا البشرى لمقدم مسلم *** فمقدمه بشرى أسير ومغلول

وبايعه منهم ألوف وما وفت *** وكيف ينال النصر من يد مشلول

كأن فراشاً قد أحاط بشمعة *** تبايعه أو قل كطير أبابيل

يقولون تفدى النفس منّا لسادة *** كرام على الباري أُباة بهاليل

فأهلاً بأهل الحق جاؤوا لحقّهم *** يظلّهم الرحمن في جنح جبريل

أضاء لنا الحق المبين فأشرقت *** سمانا فلم نحتج لشرح وتأويل

شك في ضوء النهار فشمسه *** إذا طلعت أغنت عن القال والقيل

فأهلاً بعضب سلّه السبط إنّنا *** عبيد لعضب في يد السبط مسلول

وأهو وا على أيديه في قبلاتهم *** كما يلثم العباد أوراق تنزيل

وأخفوا وراء الطيب نفساً خبيثةً *** كذي الداء يخفى جسمه نفس معلول

ومقولهم يزجي كلاماً مزوّقاً *** فأهون بلفظ من فم المكر معسول

وباطنهم بالغدر والمكر مكتس *** وهل يختفي المكر اكتسى بالأباطيل

ولكنّه في الذلّ عند دعيّهم *** بمنزلة العصفور في قبضة الفيل

تناهوا بفعل الغدر حتّى كأنّهم *** أبالس لا تحيا بغير الأضاليل

فليت بلاداً لم تضف في ربوعها *** رسول الهدى ترمى بأحجار سجيل

أتى المسجد المحزون ينشد عنده *** دليلاً ولم يحتج لشرب ومأكول

فلم ير من أهل الضلال سوى الذي *** أبى أخذ هذا الدين إلّا بتضليل

ص: 146

وآوته كي تحميه منهم لبوئة *** وصانته في بيت عن الناس معزول

وجاء ابنها كالصلّ ينفث ريقه *** فما رحبت في شارب الصرف مشمول

دعي سقاه الوعد صرفاً وما درى *** وفاء دعيّ في الورى غير معقول

وأصبح ينحو القصر يطلب عنده *** على الغدر أجراً مرضياً يا لمهبول

ولما بدى ضوء من الصبح طالع *** أتته ذئاب رُغّبت بالأعاليل

وشار لهم بالسيف شهم أبادهم *** فكانوا كعصف في الميادين مأكول

ولكنّها الأقدار لا ترحم الفتى *** فتأتي بمرضيّ من الفعل مقبول

أتته الرماح الرقش تنهش لحمه *** كظفر عقاب ناشب بالزغاليل

ولما اعتلا قصر الإمارة أرسل *** الدموع لمغدور به غير مخذول

وأوصى النسيم الرخو يحمل حبّه *** إلى سيّد سهل الخلائق مأمول

وأردى ابن حمران من القصر مسلماً *** فيا لأمير من ذُرى القصر مقتول

للجوهري

چون تمام شد حجّت كوفي بر آن جناب

گفتا بمسلم ای ره اسلام را دلیل

اى ابن عم نامي من چون تو بعد من

هم افصح الكلامي وهم اصبح الجميل

از نزد من برو بنیابت در آن دیار

در بیعت ار شوند تو را کوفیان دخیل

بنویس بهر من که شوم عازم عراق

با عترتی که خدمتشان کرده جبرئیل

مسلم که بود جان و تن مکّه از حرم

چون شد لباس تن مکة زد به نیل

ص: 147

جسم حزین بروح نواخوان به این طریق

روح غمین بجسم سرایان ازین قبیل

کی روح پاک وقت رحیل است الوداع

کی جسم زار وقت وداع است الرحيل

تا مژدۀ ورود شهیدان برد بخلد

شد قاصد ریاض جنان مسلم بن عقيل

مباراة الشعر بالعربيّة :

ولمّا تناهت حجّة القوم عنده *** دعى سيّد الأحرار بابن عقيل

وقال له : أنت المؤمّل في الورى *** إذاما دني نحو الجنان رحيلي

لقد حزت دون الآل كلّ فضيلة *** بأجمل خلق أو بأفصح قيل

ترحّل إلى تلك الديار فأهلها *** قطيع غدا يرعى بكلّ جهول

فإن بايعوك اكتب إليّ بعزمهم *** وإيّاك أن تصغي لقول دخيل

وإنّي وأهل البيت بعدك قادم *** فإن سبيل المصطفين سبيلي

ألم تخدم الأملاك بيتاً نحلّه *** رعيل يزور البيت إثر رعيل

و قال له سمعاً وأزمع راحلاً *** إلى بلد صعب القياد مهول

وفارقهم بالنار في قلبه وفي *** فرات جرى من مقلتيه ونيل

وأودعهم روحاً وسار بجسمه *** بصحبه مشحوذ الغرار صقيل

وقال أيا نفس الوداع فودّعى *** ويا روح قدح الفراق فزولي

إلى الخلد (ثمّ اسم السلام عليكم) *** وفي جنّة الفردوس كان نزولي

وله أيضاً

در خانه طوعه مسلم زار *** بنشست بحال خود گرفتار

از غصّه بی کسی و دل ریش *** وزجور معاندين بتشويش

ص: 148

گه بهر دو طفل نازنینش *** میریخت سرشک از جبینش

گه شکوه زدست کوفیان داشت *** گه نام حسین بر زبان داشت

میگفت که ای پسر عم من *** خود را ببلا چه من میفکن

زنهار زکوفیان حذر کن *** رو جانب کشور دگر کن

آن خسر و نامراد دلتنگ *** بنشسته به بخت خویش در جنگ

ناگاه لوای ظلم شد راست *** شورش زبرو خانه برخاست

چون مسلم مستمند افکار *** از شورش خصم شد خبردار

مردانه بکف گرفت شمشیر *** از خانه برون دوید چون شیر

از خشم بلب فشرد دندان *** چون گرگ بقصد گوسفندان

شد حمله ور از کمین دمادم *** زان سان که بخیل گور شیغم

آورد بسوی دشمنان رو *** آن لحظه پی اطاعت او

شمشیر چه طاعت آرزو کرد *** از خون منافقان وضو کرد

زد بر سر هر که از غضب تیغ *** خور همچو ذنب نهشت در میغ

از خون منافقان بی درد *** سیلاب بکوچه ها روان کرد

در همچو محلّ خوف و بیمی *** در همچو مصیبت عظیمی

یک تن نشنیده زاری او *** یک مرد نکرد یاری او

مباراة الشعر بالعربيّة :

في بيت طوعة أقام مسلم *** فرداً وقد حلّ القضاء المبرم

يعوم في بحر من الهموم *** مذ خانه الصحب مع الخصوم

وتارة يذكر طفليه وقد *** جرت دموعه كما الجمر اتّقد

وتارة يشكو إلى السبط الأسى *** يعيد ذكراه صباحاً ومسا

يقول يابن العمّ كن على حذر *** لا تقرب الكوفة إنّها سقر

ص: 149

أخشى بأن يجري عليك ما جرى *** عليّ منهم إنّهم شرّ الورى

دع عصبة الغدر وسر في الأرض *** ليس لأهل الغدر غير الرفض

و هکذا ظلّ بهَمّ دائب *** وخافق يخفق بالمصائب

إذ رفع الكفر لواء الغدر *** وجاء كالسيل إليه يجري

ومذ رآهم مسلم قام إلى *** حسامه كالليث يحمي الأشبلا

فذادهم طرداً عن المكان *** کجبل في قوّة الجنان

وصال في جموعهم كالأسد *** إن جال قصفاً في قطيع النقد

ما شعروا إلا بحرّ السيف *** يحصد فيهم بيمين الضيف

صيرهم كالحمر المستنفره *** فرّت إلى مرتعها من قسوره

مذ خرج الليث إلى لقائهم *** توضّأ الحسام في دمائهم

وقد بدی حسامه في الضرب *** كالبرق إذ يبرق بين السحب

مارت الدروب كالأنهار *** بالدم من قتلى العدوّ الجاري

في تلكم المواقف الرهيبه *** مصيبة أعظم بها مصيبه

ما سمعت أذن له استغاثه *** وليس منهم واحدٌ أغاثه

وله أيضاً في مصيبة مسلم

دیگر وصیّتم آن کز جفای ابن زیاد *** چه زهر مرگ بنوشم زخنجر جلّاد

اگر بشام فرستند کوفیان سر من *** زروی مهر بکوشی بدفن پیکر من

ولی وصیّت سوم بگردنت دین است *** قبول او سبب اعتبار دارین است

برند چون سرم از تن بحیله و تزویر *** بنزد ابن عمّ من عریضه ای بنویس

که مادر و پدر فدای حضرت تو *** کسی نکرد زکوفی وفا ببیعت تو

تمام عهد شکستند داد کین دادند *** مرا بزاده مرجانه لعین دادند

میا بکوفه که در این دیار یاری نیست *** بقول کوفی سنگین دل اعتباری نیست

ص: 150

میا بکوفه که آبت کسی نخواهد داد *** بغیر تیغ جوابت کسی نخواهد داد

میا بکوفه که خوار و ذلیل خواهی شد *** چه من بهر کس و ناکس دخیل خواهی شد

میا بکوفه که این مردم از وفا دورند *** بکبر و کینه و کفر و نفاق مشهورند

مباراة الشعر بالعربيّة :

أُوصيك بعد شهادتي بوصيّة *** إن كنت حافظها بأذن واعيه

من بعد قتلي كن لجسمي دافناً *** والرأس صار هديّة للطاغيه

و وصیّتي الأخرى عليّ لمؤمن *** في الحيّ دين عنه يقصر ماليه

بع هذه الدرع التي خلفتها *** وهي التي كانت لجسمي واقيه

لا تنس من سهرت عليّ مضيفة *** وجزائها ذات القطوف الدانيه

هذي الوصيّة أدها إن شئتها *** ذخراً لفقرك في الحياة الثانيه

وإذا مضوا بالرأس لابن دعيّها *** فاكتب إلى السبط الشهيد علانيه

يابن الذي أحيا الوفاء بدينه *** عصفت بكوفان الرياح العاتيه

فتنكرت من بعد ما أعطت يداً *** والغدر من صفة الذائب الطاويه

بأبي وأمي أنت يا ابن محمّد *** لم تبق بينهم يمين وافيه

نقضوا العهود وبايعوا ابن سميّة *** وأخذت مكتوفاً لنسل الزانيه

لا تدخلن كوفان إن ربوعها *** لم تبق صاغية بها أو راغيه

سيان بين الوعد من أبنائها *** والريح تصفر في الديار الخاليه

ما فيهم حي به ثمر الوفا *** فكأنهم أعجاز نخل خاويه

إن جئتها لم تسق عذب فراتها *** وتظن حتى بالمياه الجاريه

هيهات إن تجد المعين بأرضها *** فهم بنقضهم العهود سواسيه

أخشى بأن تلقى مصيري عندهم *** وتحيط فيك من الطغام زبانيه

لا تأتهم فالغدر فيهم خلّة *** والمكر فيهم والطباع الباليه

في صورة الإنسان إلّا أنّهم *** يحكون في خلق ذئاب الباديه

ص: 151

وله أيضاً

مسلم چه بزیر تیغ بنشست *** از رنج و نفاق کوفیان رست

خساره بخاک عجز مالید *** رو کرد سوی حجاز و نالید

کای ابن عمّ بزرگوارم *** وی گوهر تاج افتخارم

مگذار زمکه یک قد پیش *** از بیعت کوفیان بیندیش

چون من نشوی خلان کرده *** کوفی به کسی وفا نکرده

آنگه بزبان حال فریاد *** برداشت بزیر تیغ جلّاد

کی مونس روزگار مسلم *** وی مایه اعتبار مسلم

تا مسلمت از تو ماند مهجور *** هجران تو ساخت کار مسلم

شد دیده و دل زدوریت تار *** ای شمع دل فکار مسلم

ای مونس بیکسان کجائی *** بگذر بگذر بسر مزار مسلم

جلّاد کشیده تیغ بیداد *** بر تارک اقتدار مسلم

افسوس که نیست ابن عمّم *** آگاه زحال زار مسلم

بادی که وزد چه لاله دارد *** داغ از اثر مزار مسلم

مباراة الشعر بالعربيّة :

وصلّى الإله على مسلم *** فقد فاز من كيدهم مسلم

وسلّ الحسام على رأسه *** وقام على قتله مجرم

ولمّا رأى العجز عن ردعه *** ومن ضربة الوغد لا يسلم

توجّه نحو بلاد الحجاز *** وخافقه بالأسى مفعم

ونادى ابن عمّ وأحشائه *** على هجره بالقضا تضرم

فيا سيّدي يابن عمّي إليك *** حديثي إن كنت لا تعلم

فأنت على الرأس أكليله *** وأنت المقدّم والأكرم

ص: 152

أقم يابن عمّى في مكّة *** فليس بكوفان إلّا الدم

أخاف عليك مصيري الذي *** قضاه عليّ القضا المبرم

وكوفان تجهل معنى الوفا *** فكيف على غادر تقدم

ونادى وسيف العدى مصلت *** بما نطقت حاله لا الفم

فيا مونس القلب في وحشتي *** وبيتاً من العزّلا يهدم

ویا ها جراً طال هجرانه *** أهجرك هذا أم العلقم

قد اسود يومي في مقلتي *** وغلّفني أُفق مظلم

وأنت الذي تؤنس الخائفين *** ويثري بمعروفك المعدم

تعال إلى القبر كي نلتقي *** فإنّي للقياك مسترحم

فإنّ العدوّ انتضى سيفه *** وهجرك من سيفه آلم

ويا لهف نفسي على سيّد *** بما قد جرى لي لا يعلم

إذا هبت الريح من أرضه *** ومرّ بنا عاصف مرزم

تذكّرني طيب أيّامه *** وفي القلب نار الأسى تضرم

ختامه مسك

من قصيدة فاخرة للفقيه العلّامة حجّة الإسلام

الشيخ محمّد حسين رحمه الله في رثاء مسلم علیه السلام

يا ربّي المحمود في فعاله *** صلّ على محمّد وآله

وصلّ بالإشراق والأصيل *** على الإمام من بني عقيل

أوّل قد فاز بالشهاده *** وحاز أقصى رتبة السعاده

أوّل رافع لواءاً للهدى *** خصّ بفضل السبق بين الشهدا

غرّة وجه الدهر في السعاده *** فإنّه فاتحة الشهاده

كفاه فخراً منصب السفارهر *** وهو دليل القدس والطهاره

ص: 153

كفاه فضلاً شرف الرساله *** عن معدن العزّة والجلاله

وهو أخ ابن عمّه المظلوم *** نائبه الخاص على العموم

وعينه كانت به قریره *** حيث رآه نافذ البصيره

لسانه الداعي إلى الصواب *** بمحكم السنّة والكتاب

منطقه الناطق بالحقائق *** فهو ممثّل الكتاب الناطق

وليّه المنصوب للهدايه *** فهو ولي صاحب الولايه

له من العلوم ما يليق به *** بمقتضى رتبته ومنصبه

يمينه في القبض والبسط معا *** فما أجل شأنه وأرفعا

فارس عدنان وليث غابها *** وسيفها الصيقل في حرابها

بل هو سيف السبط سيف الباري *** وليث غاب عترة المختار

أشرق كوفان بنور ربّها *** مذحلّ فيها ربِّ أرباب النُّهى

بایعه من أهلها أُلوف *** والغدر فيها شايع معروف

ثباته من بعد غدر الغدره *** ثبات عمّه أمير البرر

بل هو في وحدته وغربته *** كعمّه في بأسه وسطوته

له من الشهامة الشمّاء *** ما جاز حدّ المدح والثناء

أيّامه مشهورة معروفه *** يعرفها أبطال أهل الكوفه

كم فارس فيها فريسة الأسد *** أو بطل فارق روحه الجسد

وکم كَميّ حدّ سيفيه قضى *** على حياته كمحتوم القضا

وكم شجاع ذهبت قواه *** وذاب قلبه إذا رآه

شدّ عليهم شدّة الليث الحرب *** قرّت عيون آل عبدالمطلب

بل عين عمّه العليّ قدرا *** إذ هو بالبارق أحيا بدرا

وذكر يوم خيبر وخندق *** بصولة تبيد كلّ فيلق

ص: 154

تكاثروا عليه وهو واحد *** لا ناصر له ولا مساعد

رموه بالنار من السطوح *** الروحه الفداء كلّ روح

حتّى إذا أُثخن بالجراح *** واشتدّ ضعفه عن الكفاح

لم يظفروا عليه بالقتال *** فاتخذوا طريق الاحتيال

فساقه القضا إلى الحفيره *** أو ذروة القدس من الحظيره

صبح مسلم أسير الكفره *** تعساً وبؤساً للثام الغدره

كان أميراً فغدا أسيرا *** كذاك شأن الدهر أن يجورا

أُدخل مكتوفاً على ابن العاهره *** عذبه الله بار الآخره

أسمعه سبّاً وشتماً فاحشاً *** رماه باطلاً بما يدمي الحشى

وما اشتفى بمسلم بما لقي *** حتى اشتفى منه بضرب العنق

وبعده رماه من أعلى البنا *** فانكسرت عظامه واحزنا

وشدّ رجليه ورجلي هاني *** بالحيل ياللذلّ والهوان

فأصبحا ملعبة الأطفال *** بالسحب في الأسواق بالحبال

فلتبكه عين السما دماً فما *** أجلّ رزء مسلم وأعظما

وقد بكاه السبط حينما نُعي *** إليه مسلم بقلب موجع

فارتجّت الأرجاء بالبكاء *** على عميد الملّة البيضاء

واهتز عرش الملك الجليل *** على فقيد الشرف الأصيل

وناحت العقول والأرواح *** لما استجلوا منه واستباحوا

صبّت دموع خاتم النبوّه *** على فقيد المجد والفتوّه

بكاه عمّه على مصابه *** وحقّ أن يبكي دماً لما به

بكى على غربته آل العبا *** فكيف لا وهو غريب الغربا

ناحت عليه أهل بيت العصمه *** فياله من ثلمة ملمّه

ص: 155

196 - مسلم بن عوسجة

اتفقت كتب التراجم كالاستيعاب والإصابة وأسد الغابة، طبقات ابن سعد وغير هذه الكتب من كتب الرجال سواء منها السنيّة والشيعيّة أنّه من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم÷(1) وهو مسلم بن عوسجة بن سعد بن ثعلبة بن دودان بن أسد بن خزيمة ابو الحجل الأسدي السعدي وكان رجلاً شريفاً عابداً، يحيي الليل بالعبادة تالياً لكتاب الله تعالى، وبطلاً صنديداً، وقد ذكره المؤرّخون في كتبهم في صدر المقاتلين في الفتوحات الإسلاميّة .

وكان من خواصّ الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وممّن لم يفارقه في حروبه الثلاثة : الجمل والنهروان وصفّين. وفي رواية كتاب «مهيّج الأحزان» إنّه عرض القرآن مرّات على الإمام علیه السلام.

وحين نزل مسلم الكوفة كان ابن عوسجة وكيله في قبض الأموال وشراء الأسلحة وأخذ البيعة، وكان من العبّاد المعروفين، لم يبرح أُسطوانة في مسجد الكوفة يصلّي عندها ليله ونهاره وأقواله في ليلة عاشوراء تدلّ على مقامه الرفيع، وفي الزيارة الرجبية والناحية المقدّسة سلّم عليه الإمام(2) .

ص: 156


1- ترجم في أسد الغابة لمن اسمه مسلم وقال عنه : والده عوسجة ولم يذكر عنه شيئاً يدل على أنه الشهيد في الطف ، ج 3 ص 417 ولم يترجم له في الاستيعاب .. إبصار العین، ص 61 قال : قال ابن سعد في طبقاته : وكان صحابيّاً ممن رأى رسول الله الخ ، وفتّشت ابن سعد فلم أعثر على ترجمة المسلم .
2- السلام على مسلم بن عوسجة الأسدي القائل للحسين وأذن له في الانصراف : أنحن نخلي عنك وبم نعتذر عند الله من أداء حقك ، لا والله حتى أكسر في صدورهم رمحي هذا ، وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمه في يدي ، ولا أفارقك ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك حتى أموت معك، وكتب أوّل من شرى نفسه وأول شهيد شهد الله وقضى نحبه ففزت برب الكعبة ، شكر الله استقدامك ومواساتك إمامك إذ مشى إليك وأنت صريع فقال : رحمك الله يا مسلم بن عوسجة ، وقرأ عليه السلام : فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً ، لعن الله المشتركين في قتلك عبدالله الضبابي وعبدالرحمن بن خشكارة البجلي و مسلم بن عبد الله الضبابي إقبال ابن طاووس، ج 6 ص 76 ، وذكره الشيخ في أصحاب الحسين وقال : استشهد بين يديه، ص 4 .

وقال المامقاني في رجاله في ترجمة مسلم :هذا لجلالة قدره وعدالته وقوّة إيمانه وشدّة تقواه يعجز القلم عن التحرير واللسان عن التقرير.

وفي نفس المهموم وغيره من الكتب : إنّ الإمام علیه السلام أذن لهم بالانصراف ليلة

عاشوراء ... ثمّ قام مسلم بن عوسجة وقال : نحن نخلّيك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذا العدوّ ؟ لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتّى أُكسّر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك أو أموت معك (1) (يا سيّدي ومولاي، أنحن نخلّي عنك فما عذرنا عند الله يوم القيامة وما جوابنا لجدّك رسول الله وما عذرنا عنده ؟ لا فارقتك أبداً - المؤلّف) والله لا نفارقك حتّى يعلم الله أنّنا حفظنا ذرِّيَّة نبيّه ما دمنا على قيد الحياة، والله لو قتلت ثمّ أُحييت ثمّ قتلت ثمّ أُحرقت وذُرّيت يفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتى أموت معك كيف وإنّما هي موتة واحدة وبعدها النعمة الإلهيّة والكرامة الأبديّة التي لا زوال لها.

ولمّا كان يوم العاشر ونشبت الحرب وحمي وطيسها وشبّ أوارها حمل عمرو بن الحجّاج الزبيدي على ميمنة أصحاب الحسين علیه السلام و حمل شمر بن ذي الجوشن على الميسرة فاستقبلهم مسلم بن عوسجة كالأسد الهصور وهو يرتجز:

ص: 157


1- اللهوف ، ص 56 .

إن تسألوا عنّي فإنّي ذو لبد *** من فرع قوم من ذُرى بني أسد

فمن بغانا حائد عن الرشد *** وكافر بدين جبّار صمد

وهجم عليهم كالبرق الخاطف والصرصر العاصف وحمي بضرباته أتون الحرب ونازله رجل من عسكر ابن سعد فاقتتلا ساعة ثمّ طعنه مسلم في جنبه بالرمح فأخرج السنان من جنبه الآخر ، ثمّ حمل على آخر فقتله وهكذا قتل منهم مقتلة عظيمة حتّى بلغوا خمسين فارساً معلماً، ولمّا عجز عن القتال وأُثخن بالجراح وقع على الأرض وفيه رمق وجائه الحسين علیه السلام كالصقر المنقض ووقف عند رأسه ومعه حبيب بن مظاهر ، فقال الحسين علیه السلام : يرحمك الله يا مسلم (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (1) وعند ذلك تقدّم تبيب نحو جثمانه وقال : عزّ عليّ مصرعك يا مسلم ابشر بالجنّة ، فقال له مسلم بصوت ضعيف بشّرك الله بخير، فقال له حبيب : اعلم يا مسلم لولا أنّي بالأثر لأحببت أن توصيني ولكنّي اعلم بأنّي صائر إليك عن ساعة ، فقال مسلم : أوصيك بهذا - وأشار إلى الحسين علیه السلام - انصره ما دمت حيّاً، فقال حبيب: أفعل وربّ الكعبة، ثمّ قال مسلم : يابن رسول الله ، سأغدو على جدّك وأبيك وأُبشّرهم بقدومك ، ثمّ قضى نحبه رضوان الله عليه.

وكانت جارية لمسلم صاحت عندما علمت بمصرعه : واسيداه وامسلماه وابن عوسجتاه ، فاستبشر الكوفيّون وصاحوا بأجمعهم قتلنا مسلم، قتلنا مسلم، فقال لهم شبث بن ربعي ثكلتكم أُمّهاتكم ، أتقتلون سراتكم بأيديكم وتفرحون، أيقتل مثل مسلم وتسرّون بقتله ، أقسم بالله إنّ لمسلم في الإسلام موقفاً لا يُضاهى ، وموقفاً لا يساوى، وربّ يوم له مع المشركين عظيم ولقد رأيته يوم غزاة

ص: 158


1- الأحزاب: 23 .

أذربيجان وقد قتل ستّة من المشركين قبل أن تلتئم خيول المسلمين، ويحكم أتفرحون بقتل هذا.

وجاء في ترجمة مسلم بن عقيل أن معقل رأى شخصاً في مسجد الكوفة كثير الصلاة، فقال في نفسه : ينبغي أن يكون من أولياء أهل البيت لكثرة صلاته، ومن هذه العبارة ندرك أنّ مسلماً كان كثير العبادة كما نقل ذلك صاحب نفس المهموم عن الأخبار الطوال، وقال في حقّه الكميت :

* وإن أبا حجل قتيل محجّل *

بجيم وحاء مشدّدة يعني : قتيل مترّب.

وقاتل مسلم بن عوسجة عبدالرحمن بن أبي خشكارة البجلي ومسلم بن عبدالله الضبابي ولمّا ظهر المختار عليه الرحمة قبض عليهما وقتلهما شرّ قتلة .

وفي كتاب «التحفة السنيّة» للفاضل البسطامي : لمّا وصل خبر نزول الإمام الحسين علیه السلام في كربلاء إلى أهل الكوفة أخذوا بالاستعداد لقتاله فخرج ذات يوم حبيب بن مظاهر من بيته فاجتاز بطريقه على حانوت عطّار فرأى مسلماً بن عوسجة عنده فسأله عما جاء به فقال: جئت أشتري حناءاً وأذهب إلى الحمام، فقال له : ألا تدري أنّ مولانا الحسين في كربلاء فهلمّ نسرع للوصول إليه ولنصرته ، فخرجا إلى كربلاء ونالا السعادة.

وفي فتح أذربيجان كان مسلم بن عوسجة وشبث بن ربعي تحت راية حذيفة بن اليماني في عام عشرين من الهجرة النبوية في خلافة عمر بن الخطّاب وقد خلافة عمر بن حشّد العرب قوّاتهم هناك حتّى بلغوا أربعين ألفاً في أرض أذربيجان وتدعى (سلق) أي الأرض الصفصف المستوية وكان فتحها بعد فتح نهاوند.

وقال صاحب الأخبار الطوال : كان في الكوفة من المقاتلين العرب أربعون ألفاً، وكان عشرة آلاف مقاتل منهم يقاتلون في جبهتين ؛ ستّة آلاف منهم في أذربيجان

ص: 159

وأربعة آلاف في الري، وفي كلّ عام يتناوب القتال معهم عشرة آلاف بحيث لا تحصل النوبة للرجل إلّا في كلّ أربع سنين مرّة ، وقد اختلف المؤرّخون في كيفيّة فتح أذربيجان.

وقال الدينوري وأبو جعفر الطبري: أنّ الخليفة الثاني بعث المغيرة بن شعبة -وكان والي الكوفة - بكتاب وفيه تولية حذيفة بن اليمان بلاد أذربيجان وكان حذيفة يومها في نهاوند ، عند ذلك ساق حذيفة جيشاً كثيفاً نحو أذربيجان واحتلّ أردبيل وكانت في ذلك العهد مركز القطر كلّه فقاتل الأذربيجانيّون المسلمين أيّاماً عن أنفسهم قتالاً عنيفاً ولكنه لم يثبت لهم فانهزم ثمّ صالح حذيفة على ثمانمائة ألف درهم تدفع إليهم وأن يؤمن البلد كلّه فلا يقتل أحد ولا يؤسر وأن تبقى بيوت النار قائمة، ولا يتعرّض للأكراد القاطنين في الأطراف والنواحي وتبقى العادات والتقاليد المجوسيّة كما هي ولا يمنع المجوس من اللهو في أعيادهم وأفراحهم فرضي حذيفة بذلك وانسحب من تلك الولاية وقصد ناحية «گيلان».

ويقول الواقدي: وفي السنة العشرين من الهجرة فتحت أذربيجان عنوة بالتفصيل المذكور في التاريخ .

197 - مسلم بن كثير الأزدي

مرّ ذكره في مادة «مسلم بن الأزدي». يقول ابن شهر آشوب: استشهد في الحملة الأولى.

«أمّا المسيّب بن نجبة فهو من التوّابين وقد وثّقه علماء الرجال، وقد استشهد سليمان بن صرد الخزاعي بعد شهادة سيّد الشهداء علیه السلام في العام الخامس بعد الستّين للهجرة عندما خرجوا يطلبون بثأر الحسين في حرب عوان، والمسيّب من

ص: 160

أصحاب أمير المؤمنين والإمام الحسن علیهما السلام وهو من كبار التابعين والزهّاد والأبطال المشهود لهم بالشجاعة ؛ ذكره المامقاني في رجاله(1).

198 - مسلم بن كتاد

ورد ذكره في الزيارة الرجبية والإقبال بالعبارة التالية: «السلام على مسلم بن كتاد».

199 - مصعب بن يزيد

أخو الحر بن يزيد الرياحي ، كان في عسكر ابن سعد.

يقول في الناسخ ولما بلغ أسماعه رجز أخيه الحر همز جواده فقال أهل الكوفة إنّه يريد مبارزة أخيه، فلما دنى من أخيه حياه وناداه يا أخي، نجني من حفرة الضلالة ودلّني على أمير الهداية والولاية فقد جئت تائباً منيباً ، فأقبل به الحرّ إلى الإمام الحسين علیه السلام حتّى تاب على يديه وانتظم في صفوف الصحب والآل حتّى إذا استشهد أخوه طلب الأمن من الحسين علیه السلام و حمل على أهل الكوفة وقتل منهم جماعة ثمّ استشهد بين يدي الحسين علیه السلام .

200 - المعلّى العلي

ذكره في شرح الشافية وروى في الناسخ عن أبي مخنف أنّ المعلى بن العلي عرف بالشجاعة والشهامة وقد حمل على العدوّ وهو يرتجز:

أنا المعلّى حافظاً لأجلي *** ديني على دين محمّد وعلي(2)

ص: 161


1- لا أرى سبباً يدعو لذكر المسيب بن نجبة هنا ، اللهمّ إلّا الغفلة ، والغفلات تعرض للأريب.
2- لو أنّه قال : ديني على دين النبيّ وعلي لما احتاج إلى الوقف .

أذبّ حتّى يتقضّى أجلي *** ضرب غلام لا يخاف الوجل

أرجو ثواب الخالق الأزلي *** ليختم الله بخير أجلي(1)

وقاتل قتال الأبطال حتّى قتل منهم أربعاً وستين شخصاً ثمّ وقع في هوّة فحمل عليه يطعنونه برماحهم ويضربونه بسيوفهم حتّى أثخنوه وأخذوه أسيراً لابن سعد، فقال له : لله درّك ما أشدّ نصرتك لصاحبك الحسين ، ثمّ أمر اللعين بقتله رضوان الله عليه .

201 - مقسط بن عبدالله

بضمّ الميم وسكون القاف وكسر السين المهملة بعدها طاء مهملة أخو قاسط الذي مرّ ذكره في حرف القاف .

ذكره الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام وعدّه من شهداء الطفّ رضي الله عنه وأرضاه .

202 - منجح مولى الحسين علیه السلام

جاء في زيارة الناحية المقدّسة والزيارة الرجبية : «السلام على منجح بن سهم مولى الحسين بن عليّ عليه السلام»(2) .

والأسترآباديّ وأبو علي والمامقاني وغيرهم أجمعوا على أنّه من شهداء الطفّ.

وجاء في ربيع الأبرار للزمخشري أنّ جارة تدعى (حسينة) اشتراها الإمام الحسين من نوفل بن الحارث بن عبدالمطلّب ووهبها لسهم فأولدها منجح فكان من موالي الحسين علیه السلام وكانت أُمّه (حسينة) تخدم في بيت الإمام زين العابدين

ص: 162


1- لم يرد هذا الرجز عند أحد وفيه إقواء واختلال في الوزن.
2- إقبال ابن طاووس، ج 3 ص 76 و 346.

ولمّا أقبل الإمام الحسين إلى العراق أقبلت بولدها منجح معه واستشهد منجح في الحملة الأولى.

قال ابن الأثير : قتله حسان بن بكر الحنظلي.

وجاء في الحدائق الورديّة نقلاً عن ذخيرة الدارين مثله(1).

203 - منذر بن سليمان

عدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام .

وقال المامقاني : الظاهر إنّه إماميّ المذهب إلّا أنّه مجهول الحال، فإن كان من شهداء كربلاء فلا جدال في فضله وشرفه وجلالة قدره وإلّا فهو من المجاهيل.

أقول : في الزيارة الرجبيّة : «السلام على منذر بن المفضّل الجعفي» وفي بعض النسخ: «منذر بن المفضّل الجعفري»، والله أعلم بالتعدّد والاتحاد(2).

204 - منيع بن زياد

في الزيارة الرجبيّة: «السلام على منيع بن زياد»(3).

وعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام ولكنّه سمّى أباه «رقاد» بالراء المهملة والقاف والألف والدال المهملة.

قال المامقاني : أستبعد أن يكونا اثنين، وأمّا منير بن عمر و الأحدب فإنّ الشيخ وإن عدّه من أصحاب الحسين علیه السلام إلّا أنّه مجهول الحال.

ص: 163


1- راجع إبصار العين ، ص 96 و في هامشه الحديقة الورديّة ، ص 121 .
2- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 345 ؛ بحار الأنوار ، ج 98 ص 340؛ شمس الدين ، أنصار الحسين ، ص 156 ويلاحظ بين اسم الوالدين هنا المفضّل وهناك سليمان .
3- الإقبال ، ج 3 ص 346 .

205 - موسى بن عقيل

وروى الطبري عن أبي مخنف أنّ جعفراً بن عقيل لمّا استشهد خرج أخوه موسى بن عقيل كالأسد الهصور أو الثعبان الجسور إلى الميدان وهو يرتجز ويقول:

يا معشر الكهول والشبّان *** أضربكم بالسيف والسنان

أحمي عن الفتية والنسوان *** وعن إمام الإنس ثمّ الجان

أرضي بذاك خالقي الرحمن(1) *** ثم رسول الملك الديّان

وقاتلهم أشدّ القتال حتّى قتل منهم ثلاثين رجلاً وأرسل الكفّار إلى دار البوار وجرح منهم آخرين ثمّ قتله عمرو بن صبيح الصائدي أو الصيداوي؛ كمن له ثمّ طعنه بالرمح فألقاه عن ظهر جواده فدار به جیش الضلالة من جهاته الأربع حتّى قتلوه واجتزوا رأسه (2).

قال بعض الشعراء :

نفرحوت جمل الثنا وتسنّمت *** قلل المعالى والداً ووليدا

من يلق منهم يلق كهلاً أو فتى *** علم الهدى بحر الندى المورودا

وكأنّما قصد القنا بنحورهم *** درّ يفصّلها الفناء (3) عقودا

واستنزلوا حلل العلى فأحلّهم *** غرفاته فغدى النزول صعودا

فتظنّ عينك أنّهم صرعى وهم *** في خير دار فارهين رقودا(4)

ص: 164


1- خالق الإنسان - أبو مخنف .
2- لم يرد ذلك في الطبري ط دار المعارف بمصر وقال عن عمرو بن صبيح الصائدي إنّه قتل عبد الله ابن مسلم، راجع ج 5 ص 469. وسماه الصدائي مقتل أبي مخنف، ص 74 .
3- الطعان .
4- من قصيدة طويلة للشيخ هاشم الكعبي ، راجع الدرّ النضيد ، ص 102 .

206 - موقع بن ثمامة

قال أبو مخنف : ولما اشتعلت الحرب بين الحسين وبين العدوّ تقدّم موقع بن ثمامة أمام الحسين ورمى بالسهام حتّى أفناها وقد أُثخن بالجراح فجثى على ركبتيه وأخذ يضرب فيهم بالسيف يدفع عن نفسه حتّى وقع على الأرض صريعاً فاستنقذه قومه من بني أسد وأتوا به الكوفة وأخفوه ولمّا رجع عمر بن سعد إلى ابن زياد أخبره عنه فطلبه لقتله فاستوهبه قومه من ابن زياد فوهبه لهم ولم يقتل ولكنه قيده ونفاه إلى زارة في البحرين، فبقي سنة أسيراً بقيوده ثمّ توفّي متأثّراً بجراحاته ولحق بركب الشهداء، وفيه يقول الكميت :

*وإن أبا موسى أسيرٌ مكبّل *

مراده هذا الشهيد.

وقال المامقاني: في الحقيقة إنّ موقع من الشهداء ومعنى موقع المبتلي وبه سمّي هذا الشهيد(1).

ص: 165


1- قال العسقلاني في الإصابة : موقع بن ثمامة بن أثال بن النعمان بن مسلمة بن عتيبة بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن ثمامة الأسدي الصيداوي من التابعين ؛ قاله ابن الكلبي . وموقع على وزان مظفر قال أبو جعفر الطبري كان الموقّع ممّن جاء إلى الحسين علیه السلام في الطف بعد ما ردوا الشروط عليه ولحق بالحسين علیه السلام وقاتل حتّى أثخن بالجراح فاستنقذه قومه من بني أسد فقالوا له : أنت أمن أخرج إلينا وأتوا به إلى الكوفة فأخفوه فلمّا قدم عمر بن سعد على ابن زياد أخبره بخبره فأرسله إليه ليقتله فشفّع فيه جماعة من بني أسد فلم يقتله ولكن كتله بالحديد ونفاه إلى الزارة ، وكان مريضاً من الجراحات التي به فبقي في الزارة مريضاً مكبلاً حتى مات بعد سنته والزارة قرية كبيرة في البحرين . قال أبو منصور : عين الزارة بالبحرين معروفة وكانت فتحت سنة 12 في خلافة أبي بكر صلحاً وكان ينفي زياد بن أبيه وابنه عبيد الله بن زياد من شاء من أهل البصرة والكوفة إليها .. راجع لبعض ما تقدّم تاريخ الطبري ، ج 5 ص 454 .

حرف نون

207 - نافع بن هلال الجملي

أبو مخنف(1) عن محمّد بن قيس كان نافع بن هلال الجملي قد ربّاه أمير المؤمنين علیه السلام(2).

وعده الشيخ الطوسى من أصحاب الحسين علیه السلام.

وقال المامقاني : نافع بن هلال كان سيّداً شريفاً سرياً شجاعاً قارئاً كاتباً، من حملة الحديث ومن أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام وحضر معه الحروب الثلاثة، وألحق بالحسين في عذيب الهجانات ولزمه حتّى قتل بين يديه.

(وقال أبو مخنف وكان رامياً بالنبل ، وكان يكتب اسمه على النبلة ويرمي بها، فجعل في كبد قوسه نبلة وبرز وهو يرتجز ويقول:

ص: 166


1- مقتل الحسين ، ص 69 .
2- قال ابن الأثير الجزري في أسد الغابة : هو نافع بن هلال بن جمل بن سعد العشيرة بن مذحج الجملي المرادي ، وذكره أبو علي هكذا أيضاً وقال : قتل مع الحسين بن عليّ في كربلاء . و قال ابن قتيبة في كتاب «المعارف» : جملي منسوب إلى بطن من عشيرة مذحج . وفي زيارة الناحية المقدّسة والرجبيّة : «السلام على نافع الجملي المرادي». فعلم من الناحية وكلمات أرباب الرجال الصحيح : نافع بن هلال، فما وقع في بعض الكتب هلال بن نافع غلط قطعاً كما أنّ البجلي بالباء ثمّ الجيم غلط أيضاً والصحيح بالجيم ثمّ الميم . (منه رحمه الله )

أرمي بها معلمة أفواقها *** ملمومة تجري بها أخفاقها

لأملأنّ الأرض من إطلاقها *** فالنفس لا ينفعها إشفاقها

إذا المنايا حسرت عن ساقها *** لم يثنها إلّا الذي قد ساقها

فجعل يرميهم حتّى فنيت فضرب يده على قائم سيفه ](1) .

ولمّا التقى الإمام الحسين علیه السلام بالحرّ بن يزيد الرياحي واعترض طريقه فخطبهم الإمام خطبته المعروفة وقد مرّت في ترجمة زهير علیه السلام وقام زهير بن القين فخطبهم ، وقام من بعده هلال بن نافع الجملي فقال : يابن رسول الله ، إنّك لتعلم أنّ جدّك النبيّ لم يجد القوة التي يحمل الناس كلها على موالاته وكذلك لم يجد القوة التي يحمل بها الأمة على الطاعة لأن كثيراً من الناس يعدونه النصرة ولكنّهم يضمرون النفاق ويسرون الكيد والأحقاد في قلوبهم ويلاقونه بأحسن ما يكون اللقاء ويكلّمونه بأعذب ما يكون الكلام ويخالفونه بعمل أشدّ مرارة من الحنظل إلى أن ختم الله له بالرفيق الأعلى، واليوم أنت سائر على منهاجه؛ فمن نكث بيعتك وغدر بك فحظه أخطأه وقدره أضاعه وخسرت صفقته ولم يضرّ إلا نفسه والله غني عنهم ، ومرنا اليوم بأمرك إن شئت سر بنا إلى المشرق وإن شئت إلى المغرب، والله لا يسيئنا قضاء الله تعالى ولا نفرّق مما كتبه علينا، ولا نكره لقاء ربّنا ونحن على ما كنّا عليه ،مقيمون، نوالي من والاك ونعادي من عاداك(2).

مجيء نافع بن هلال بالماء

في ذخيرة الدارين عن تاريخ الطبري : ولمّا اشتدّ على الحسين وأصحابه

ص: 167


1- أبو مخنف، مقتل الحسين ، ص 69 والمؤلّف ساق الرواية في الحاشية ولكنّا وضعناها في المتن لأنّ السياق لا يتمّ إلّا بها ، أما ما كان بين المركنتين فلم يرد في المقتل.
2- كلام هلال مترجم لأنّ المؤلّف لم يشر إلى مصدره وبحثنا عنه فلم نعثر عليه .

العطش دعا العبّاس بن عليّ بن أبي طالب أخاه فبعثه في ثلاثين فارساً وعشرين راجلاً وبعث معهم بعشرين قربة فجاؤوا حتّى دنوا من الماء ليلاً واستقدم أمامهم باللواء نافع بن هلال الجملي، فقال عمرو بن الحجّاج الزبيدي من الرجل؟ فجيء، فقال: ما جاء بك ؟ قال : جئنا نشرب من هذا الماء الذي حلاتمونا عنه ، قال : فاشرب هنيئاً ، قال : لا والله لا أشرب منه قطرة وحسين عطشان ومن ترى من أصحابه، فطلعوا عليه فقال : لا سبيل إلى سقي هؤلاء إنّما وضعنا بهذا المكان لنمنعهم الماء، فلمّا دنى منه أصحابه قال لرجاله املأوا ،قربكم، فشدّ الرجالة فملأوا قربهم وثار إليهم عمرو بن الحجّاج وأصحابه فحمل عليهم العباس بن علي ونافع بن هلال فكفّوهم ثم انصرفوا إلى رحالهم، فقالوا امضوا ووقفوا دونهم فعطف عمرو بن الحجّاج وأصحابه فاطّردوا قليلاً ثمّ إنّ رجلاً من صداء طعن من أصحاب عمرو بن الحجاج طعنه نافع بن هلال فظنّ أنّها ليست بشيء ثمّ إنّها انتفضت بعد ذلك فمات منها، وجاء أصحاب الحسين بالقرب فأدخلوها عليه (1).

نافع بن هلال لا يستيقل من البيعة

روى صاحب الدمعة الساكبة رواية ملخص مضمونها ما يلي(2): عن المفيد عليه الرحمة أنّه قال : لمّا نزل الحسين علیه السلام في كربلاء كان أخصّ أصحابه به وأكثرهم ملازمة له هلال بن نافع سيّما في مظان الاغتيال، لأنّه كان حازماً بصيراً بالسياسة، فخرج الحسين علیه السلام ذات ليلة إلى خارج المخيّم حتّى أبعد فتقلّد هلال

ص: 168


1- تاريخ الطبري ، ج 5 ص 412 و 413 .
2- رأينا نقل السياق كلّه لأنّ الملخص لا يتمّ إلّا بالترجمة وهي مع وجود الأصل غير مستساغة عندي لذلك نقلتها كلّها من الدمعة الساكبة ، ج 4 ص 273 .

سيفه وأسرع في مشيه حتّى لحقه فرآه يختبر الثنايا والعقبات والأكمات المشرفة على المنزل ، ثمّ التفت إلى خلفه فرآني فقال: من الرجل هلال؟ قلت نعم جعلني الله فداك، أزعجني خروجك ليلاً إلى جهة معسكر هذا الطاغية ، فقال : يا هلال، خرجت أتفقد هذه التلاع مخافة أن تكون كنّاً لهجوم الخيل على مخيّمنا يوم تحملون ويحملون ، ثمّ رجع وهو قابض على يساري ويقول : هي هي والله وعد لا خلف فيه .

ثمّ قال : يا هلال ألا تسلك ما بين هذين الجبلين من وقتك هذا وانج بنفسك، فوقع على قدميه وقال : إذاً ثكلت هلالاً أُمّه ، سيّدي إنّ سيفي بألف وفرسي مثله فوالله الذي منّ عليّ بك لا أفارقك حتّى يكلا عن فري وحري ثمّ فارقني ودخل خيمة أُخته فوقفت إلى جنبها(1) رجاء أن يسرع في خروجه منها ، فاستقبلته ووضعت له متّكئاً وجلس يحدّثها سرّاً، فما لبثت أن اختنقت بعبرتها وقالت وا أخاه، أشاهد مصرعك وأبتلي برعاية هذه المذاعير من النساء والقوم كما تعلم ما هم عليه من الحقد القديم القديم، ذلك خطب جسيم يعزّ عليّ مصرع هؤلاء الفتية الصفوة واقمار بني هاشم، ثمّ قالت: أخي ، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإنّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة.

فبكى علیه السلام وقال : أما والله لقد نهرتهم وبلوتهم وليس فيهم (إلّا) الأشوس الأقعس، يستأنسون بالمنيّة دونى استئناس الطفل بلبن أُمّه .

فلمّا سمع هلال ذلك بكى رقّة ورجع وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر فرآه جالساً وبيده سيف ،مصلت فسلّم عليه وجلس على باب الخيمة، ثمّ قال له ما أخرجك يا هلال؟ فحكيت له ما كان فقال : اي والله لولا انتظار أمره

ص: 169


1- أي جنب الخيمة .

لعاجلتهم عالجتهم هذه الليلة بسيفي . ثمّ قال هلال يا حبيب، فارقت الحسين عند أخته وهي في حال وجل ورعب ، وأظنّ أنّ النساء أفقن وشاركتها في الحسرة والزفرة، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجههنّ بكلام يسكن قلوبهنّ ويذهب رعبهنّ فلقد شاهدت منها ما لا قرار لي مع بقائه ، فقال له : طوع إرادتك .

فبرز حبيب ناحية وهلال إلى جانبه وانتدب أصحابه، فتطالعوا من منازلهم، فلمّا اجتمعوا قال لبني هاشم: ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم، ثمّ خطب أصحابه :وقال يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة هذا هلال يخبرني السلاعة بكيت وكيت وقد خلّف أخت سيّدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين أخبروني عمّا أنتم عليه ، فجردوا صوارمهم ورموا عمائمهم وقالوا: يا حبيب، أما والله الذي منّ علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم لنحصدنّ رؤوسهم ولنلحقنّهم بأشياخهم أذلاء صاغرين ولنحفظنّ وصيّة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أبنائه وبناته .

فقال: هلمّوا معي ، فقام يخبط الأرض وهم يعدون خلفه حتّى وقف بين أطناب الخيم ونادى يا أهلنا وسادتنا ويا معاشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلّا في رقاب من يبتغي السوء فيكم، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا أن لا يركضوها إلا فى صدور من يفرّق ناديكم.

فقال الحسين علیه السلام : أخرجن عليهم يا آل الله، فخرجن وهنّ ينتدبن وهنّ يقلن : حاموا أيّها الطيّبون عن الفاطميّات، ما عذركم إذا لقينا جدّنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وشكونا إليه ما نزل بنا وقال : أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين ، ويسمعون وينظرون؟ فوالله الذي لا إله إلا هو لقد ضجّوا ضجّة ماجت منها الأرض واجتمعت لها خيولهم وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتّى كأنّ كلّاً

ص: 170

ينادي صاحبه وفارسه(1) ، إلى آخر ما تقدّم في ترجمة حبيب بن مظاهر .

وفي روضة الأحباب روى السيّد عطاء الله الشافعي ولكنّه سمّاه هلال بن نافع وضبطه هكذا ، وقد ذكرنا آنفاً بأنّ الصحيح نافع بن هلال الجملي ومجمل القول: كان نافع بن هلال شابّاً بديع الجمال معتدل القوام وقد تقدّم إلى خطبة فتاة وعقد عليها ولم يدخل بها، ولمّا شاهدت نافعاً بن هلال ينوي قصد الحرب والقتال أرخت دموع عينيها ورمت بنفسها عليه وقالت: إلى أين أنت ذاهب ؟ ولمن تكل بي، وراحت تبكي بكاء متّصلاً وتنشج ، فلمّا رآهما الإمام قال: يا هلال، إنّ أهلك لا تصبر على فراقك ولا ترض أن تحرم منك، وأنت في حلّ من بيعتي فاترك القتال والزم أهلك ولا تفجعها بك. فقال : يابن رسول الله ، ما عذري عند جدّك رسول الله إن قصرت في نصرتك، ثمّ ودّع أهله وتوجه تلقاء القوم وكان رجلاً شجاعاً ورامياً ماهراً ولا يخطأ أبداً، وكان الموت مع كلّ سهم يرميه، و يرميه، وكان في كنانته ثمانون سهماً وفي كلّ سهم يقتل منهم فارساً يصميه ويرميه على الأرض، ولمّا نفدت سهامه جرّد حسامه وحمل عليهم كالبرق الخاطف وجال فيهم يميناً ويساراً وهو يرتجز:

إن تنكروني فأنا ابن الجملي *** ديني على دين حسين وعلي

ثمّ حمل عليه رجل من عسكر ابن سعد يُدعى مزاحم بن حريث فصاح بنافع عثمان ، فقال له نافع : أنت على دين الشيطان، ثمّ حمل عليه وأرداه أنا على دين قتيلاً وأدخله ناراً حاميه وحمل على الأعداء كالشعاعة المتطايرة من اللهب وهو يرتجز ويقول :

ص: 171


1- الدمعة الساكبة ، ج 4 ص 272 و 273 و 274 .

أنا الغلام اليمنيّ البجلي *** ديني على دين حسين وعلي

أضر بكم ضرب غلام بطل *** ويختم الله بخير عملي

إن أُقتل اليوم فهذا أملى *** فذاك رأيي وأُلاقي عملي

قال الطبري والجزري: قتل من أصحاب ابن سعد اثني عشر رجلاً غير الذين جرحهم(1) .

وقال أبو مخنف : قتل سبعين رجلاً وغيره ثمانين، ويمكن الجمع بين هذه الأقوال وذلك أنّ من قال : اثني عشر فإنّه ناظر إلى من قتلهم بالسيف، ومن قال سبعين أو ثمانين فإنّه ناظر إلى من قتلهم برمي السهام.

ومجمل القول: إنّهم كسروا ساعديه وأخذوه أسيراً إلى ابن سعد تباً لك، ما الذي حملك على ما صنعت بنفسك ؟! قال نافع : ربّي أعلم بذلك ، وكان يكلمهم والدماء تسيل على وجهه ولحيته وهو يقول : لولا ما فعلتم بي من كسر ساعدي لما استطعتم أن تأسروني، فقال الشمر لابن سعد: اقتله، فقال: اقتله أنت فأنت الذي جئت به، فاستل الشمر سيفه، فقال له نافع والله لو كنت مسلماً لكبر عليك أن تلقى الله بدمائنا فالحمد لله الذي جعل منايانا على يد شرار خلقه .

ولقد أجاد الكعبي:

فشمّرت للوغا فرسانها طرباً *** وامتاز بالسبك عمّا دونه الذهب

فوارس اتخذوا سمر القنا سمراً *** فكلّما سجعت ورق القنا طربوا

يستنجعون الردى شوقاً لغايته *** كأنّما الضرب في أفواهها ضرب

واستأثروا بالردى من دون سيّدهم *** قصداً وما كلّ إيثار به الأدب

حتى إذا سئموا دار البلى وبدت *** لهم عياناً هناك الخُرَّد العرب

فغودروا بالعرى صرعى تلفّهم *** مطارف من أنابيب القنا قشب

ص: 172


1- الطبري ، ج 5 ص 441 ؛ مقتل أبي مخنف ص 69.

208 - نصر بن أبي نيزر

قال المامقاني في رجاله والسماوي في إبصار العين والمحدّث القمّي في الكنى والألقاب : نصر بن أبي نيزر مولى عليّ بن أبي طالب علیه السلام ، كان أبو نيزر من ولد بعض ملوك العجم أو من ولد النجاشي(1) وهو فارس شجاع صار إلى الإمام الحسن بعد شهادة أمير المؤمنين ثمّ انضم إلى الحسين علیه السلام حتّى إذا خرج من المدينة إلى كربلاء خرج معه واستشهد في الحملة الأولى يوم عاشوراء .

وقال المبرّد في كتاب الكامل (إنّه من أولاد العجم) وصحّ عندي أنّه من ولد النجاشي(2).

وقال العلّامة النوري في المستدرك: (كان أبو نيزر من أبناء بعض ملوك العجم، قال :) وصحّ عندي بعد أنّه من ولد النجاشي.

فرغب في الإسلام صغيراً فأتى رسول الله فأسلم وكان معه في بيوته، فلمّا توفّى رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم صار مع فاطمة وولدها (3).

«فلمّا هلك النجاشي أقبل إليه أهل الحبشة ليقيموه ملكاً عليهم مكان أبيه فقال: ساعة أخدم بها رسول الله خير لي من أن أكون ملكاً عمري كله عليكم ، وصار بعد النبي إلى سيّدة النساء فاطمة وأولادها يخدمهم، فأقامه الإمام في مزرعتيه البغيبغة وأبي نيزر يصلحهما».

قال أبو نيزر: جائني عليّ بن أبي طالب علیه السلام وأنا أقوم بالضيعتين عين أبي نيزر والبغيبغة فقال : هل عندك من طعام ؟ فقلت : طعام لا أرضاه لأمير المؤمنين علیه السلام ،

ص: 173


1- إبصار العين ، ص 97 .
2- نفسه ، ص 97؛ الكنى والألقاب، ج 1 ص 171 .
3- مستدرك الوسائل، ج 14 ص 62 .

قرع من قرع الضيعة صنعته بأهالة سنخه ، فقال عليّ علیه السلام: عليّ به ، فقام إلى الربيع - وهو جدول - غسل يده ثمّ أصاب من ذلك شيئاً ثمّ رجع إلى الربيع فغسل يده بالرمل حتّى أنقاهما ثم ضمّ يديه كلّ واحدة منهما إلى أختها وشرب بهما حساً من ماء الربيع ثمّ قال: يا أبا نيزر إن الأكفّ أنظف الآنية ، ثمّ مسح نديّ ذلك المال على بطنه وقال: من أدخله بطنه في النار فأبعده الله .

ثمّ أخذ المعول وانحدر في العين فجعل يضرب وأبطأه عليه الماء، فخرج وقد تنضّح جبينه عرقاً ، فانتكف العرق عن جبينه ثمّ أخذ المعول وعاد إلى العين فأقبل يضرب فيها وجعل يهمهم فانثالت كأنّها عنق جزور فخرج مسرعاً وقال: أشهد الله أنّها صدقة، عليّ بدواة وصحيفة ، قال : فعجّلت بهما إليه ، فكتب:

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما تصدّق به عليّ أمير المؤمنين، تصدّق بالضيعتين المعروفتين بعين أبي نيزر والبغيبغة على فقراء أهل المدينة وابن السبيل ليقي الله بهما وجهه حرّ النار يوم القيامة ، لا تباعا ولا توهبا حتّى يرثهما الله وهو خير الوارثين إلا أن يحتاج إليهما الحسن والحسين علیهما السلام فهما طلق لهما وليس لأحد غيرهما .

قال محمّد بن هشام فركب الحسين علیه السلام دين فحمل إليه معاوية بعين أبي نيزر مأتي ألف دينار فأبى أن يبيع ، وقال : إنّما تصدّق بها أبي ليقي الله وجهه حرّ النار ولست بايعهما بشيء (1).

209 - نعيم بن عجلان

في زيارة الناحية المقدّسة والرجبيّة:« السلام على نعيم بن العجلان الأنصاري».

ص: 174


1- الكنى والألقاب ، ج 3 ص 138 واللفظ له ؛ مستدرك الوسائل، ج 14 ص 62 .

وعدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام(1) .

يقول العلّامة السماوي في إبصار العين: كان النضر والنعمان والنعيم إخوة من أصحاب أمير المؤمنين علیه السلام ولهم في صفّين مواقف فيها ذكر وسمعة، وكانوا شجعان شعراء، مات النضر والنعمان وبقي نعيم في الكوفة، فلمّا ورد الحسين إلى العراق خرج إليه وصار معه، فلمّا كان يوم العاشر تقدّم إلى القتال فقتل في الحملة الأولى (2).

وذكره العسقلاني في الإصابة وابن الأثير الجزري في أسد الغابة ونصر بن مزاحم المنقري في كتاب صفّين وفي ذخيرة الدالرين ذكر له عدّة أبيات من الشعر.

210 - نعمان بن عمرو

مرّ ذكره في ترجمة أخيه حلاس بن عمرو الأزدي الراسبي.

ص: 175


1- إقبال الأعمال ، ج 3 ص 345 ؛ رجال الطوسي ، ص 106 .
2- إبصار العين ، ص 94 .

حرف الواو

211 - واضح التركي مولى الحرث المذحجي

قال في إبصار العين : كان واضح غلاماً تركيّاً شجاعاً قارئاً وكان للحرث السلماني (المذحجى) فجاء مع جنادة بن الحرث للحسين علیه السلام كما ذكره صاحب الهلال الحدائق الورديّة ، ثمّ نقل ما ورد في أحوال أسلم بن عمرو الذي مرّ ذكره في موضعه في أحوال واضح هذا (1).

قال: «والذي» أظنّ أنّ واضحاً هذا هو الذي ذكر أهل المقاتل أنّه برز يوم العاشر إلى الأعداء فجعل يقاتلهم راجلاً بسيفه وهو يقول :

البحر من ضربي وطعني يصطلي *** والجو من عثير نقعي يمتلي

إذا حسامي في يميني ينجلي *** ينشقّ قلب الحاسد المبجّل

قالوا: ولمّا قتل استغاث، فانقضّ عليه الحسين علیه السلام واعتنقه وهو يجود بنفسه، فقال : من مثلي وابن رسول الله واضع خدّه على خدّي ، ثمّ فاضت نفسه رضي الله عنه والله أعلم بالتعدّد والاتّحاد(2).

ص: 176


1- ليس في إبصار العين من هذا شيء ولعلّه يشير إلى الحدائق الورديّة.
2- إبصار العين ، ص 85.

212 - وهب بن عبد الله الكلبي

لا يخفى أنّ المؤرّخين نسبوا إلى وهب بن عمير الكلبي كثيراً من الأخبار الواردة بحقّ وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي حتّى ليحسبهما المرئ واحداً. من جهة أخرى فقد ذكر الطريحي اثنين اسمهما وهب وذكر لكلّ واحد منهما أخبار الآخر، والعلم عند الله .

وقال صاحب الناسخ: لم يثبت عندي إلا وهب واحد على كثرة تتّبعي .

وقال المحدّث القمّي في نفس المهموم وهب بن عبدالله بن جناب الكلبي (بالجيم المعجمة) وقد كان معه أُمه ، فقالت : قم يا بني فانصر ابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : أفعل يا أُمّاه ولا أُقصّر ، فبرز وهو يقول:

إن تنكروني فأنا ابن الكلب *** سوف تروني وترون ضربي

وحملتي وصولتي في الحرب *** أدرك ثأري بعد ثأر صحبي

وأدفع الكرب أمام الكرب *** ليس جهادي في الوغى باللعب

ثمّ حمل فلم يزل يقاتل حتى قتل منهم جماعة فرجع إلى أمه وامرأته فوقف عليهما فقال يا أماه أرضيت ؟ فقالت ما رضيت إلا وتقتل بين يدي الحسين علیه السلام ، فقالت امرأته : بالله لا تفجعني في نفسك ، فقالت أُمّه : يا بني ، لا تقبل قولها وارجع فقاتل بين يدي ابن بنت رسول الله فيكون غداً في القيامة شفيعاً لك بين يدي الله ، فرجع قائلاً:

إنّي زعيم لك أُمّ وهب *** بالطعن فيهم تارة والضرب

ضرب غلام مؤمن بالربّ *** حتّى يذيق القوم مرّ الحرب

إنّي امرئ ذو مرّة وعضب *** ولست بالخوّار عند النكب

حسبي إلهي من عليم حسبي

ص: 177

فلم يزل يقاتل حتّى قتل تسعة عشر فارساً واثني عشر راجلاً ثمّ قطعت يداه وأخذت أمّه عموداً وأقبلت نحوه وهى تقول: فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين حُرَم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأقبل كي يردّها إلى النساء فأخذت بجانب ثوبه فقالت : لن أعود أو أموت معك ، فقال الحسين علیه السلام : جزيتم من أهل بيت خيراً، ارجعي إلى النساء رحمك الله ، فانصرفت وجعل يقاتل حتّى قتل رضوان الله عليه . قال : فذهبت امرأته تمسح الدم عن وجهه فبصر بها شمر فأمر غلاماً له فضربها بعمود كان معه فشدخها وقتلها وهي أول امرأه قتلت في عسكر الحسين علیه السلام (1).

213- وهب بن وهب

ذكره الشيخ الطريحي في المنتخب وفي نفس المهموم عن روضة الواعظين وأمالي الصدوق: وبرز وهب بن وهب وكان نصرانياً فأسلم على يدي الحسين علیه السلام هو وأُمّه (2) .. ثمّ ذكر بعد ذلك جانباً من سيرته ، وقال : لم يمض على زفافه أكثر من سبعة عشر يوماً ، كان فراقه صعباً على زوجته ، قالت له : يا وهب أنا أعلم أنك صائر إلى الجنّة لأنّك تقتل بين يدي ابن بنت نبيّك، وسوف تعانق الحور العين وتنساني، والآن أريد منك أن تعاهدني بين يدي الإمام أن لا تفارقني يوم القيامة في جنّة الله، وعند ذلك ذهب كلاهما إلى الإمام علیه السلام ، فقالت زوجة وهب : يابن رسول الله ، لي حاجتان الأولى أنّ بعلي هذا سيستشهد بين يديك ويرملني فأبقى

ص: 178


1- نفس المهموم، ص 258 و 259 وفي ترجمة المؤلف للنصّ عبارات إنشائيّة أدبيّة من قلم المؤلّف لم أقدر على الجمع بينها وبين الأصل العربي اللهمّ إلّا إذا ترجمت الترجمة الفارسية للمؤلّف إلى العربية ، وهذه خطّة عزفت عنها في كلّ ما ترجمته لأنّي لا أترجم النصّ الفارسي مع وجود الأصل العربي إلّا إذا تعذّر علىّ ذلك.
2- نفس المهموم، ص 259 .

بلا عائل ولا كفيف فأُريد أن تضمّنى إلى أهل بيتك ليكون حالي كحالهم. والثاني : أُريد من وهب أن يعاهدني ويعطيني من نفسه عهداً وميثاقاً أن لا ينساني يوم القيامة .

فبكى الحسين علیه السلام عل عند سماعه قولها وأجابها إلى ما أرادت، واطمأنّ قلبها - إلى أن يقول : - فقطعت يدا وهب في القتال فأخذت زوجته عموداً من الخيمة وذهبت إلى ميدان القتال وقالت : يا وهب ، فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيبين حُرَم رسول الله ، فقال لها وهب الآن كنت تنهيني عن القتال والساعة جئت تقاتلين معي وتحرّضيني على الجهاد، قالت لا تلمني يا وهب فقد سمعت الحسين ينادي: واغربتاه، واقلة ناصراه واوحدتاه ، أما من ذاب يذبّ عنا، أما من مجير يجيرنا، فنفضت يدي من الحياة، وعزمت على تركها وقلت في نفسي لا خير في الحياة بعد آل الرسول، وجئت أُقاتل القوم حتّى أموت معك ، فقال وهب: ارجعي أيّتها المرأة فإنّ الجهاد لم يكتب على النساء، فقالت: لا أرجع حتى يختلط دمي بدمك ، ولمّا لم تكن لوهب يدان قبض على ثوبها بأسنانه فتخلّصت منه، فنادى وهب بأعلى صوته واستغاث بالحسين علیه السلام ، فأقبل عليها الإمام وقال: جزاكم الله من أهل بيت خيراً، ارجعي إلى مخيم النساء فليس على النساء قتال، فقالت: يا مولاي، دعني أقاتل فإنّ القتل أهون علي من الأسر بأيدي بني أُميّة ، فقال لها : أنت مع أهلي وعيالي ، وما زال بها حتّى ردّها إلى المخيّم.

من جهة أُخرى فقد أخذ وهب أسيراً إلى ابن سعد، فقال: ما أشدّ صولتك، وأمر به فضربت عنقه ورموه إلى معسكر الحسين علیه السلام ، فأخذت أُمّه رأسه وقبلته وقالت : الحمد لله الذي بيض وجهي بشهادتك بين يدي أبي عبدالله الحسين، ثمّ أقبلت بوجهها على أهل الكوفة وقالت : يا أُمّة السوء، أشهد بأنّ النصارى في كنائسها واليهود في بيعها خير منكم ، ثمّ رمت قاتل ولدها بالرأس فقضت عليه

ص: 179

ثمّ حملت عليهم قتلت منهم ،رجلين، فردّها الحسين إلى رحلها وقال : لم يكتب على النساء جهاد، وقال لها : أنت وابنك وهب عند جدّي في الجنّة، ففرحت أُمّ وهب وقالت : إلهي لا تقطع رجائي ، فقال الحسين علیه السلام : لا يقطع الله رجاءك .

لية أقول: أخبار وهب مرّ تفصيلها في خبر أُمّ عمرو بن جنادة في موضعه ما عدا بيتين من الرجز لم نذكرهما هنا (1) .

ص: 180


1- أقول : نسبها المصنف إلى البحار دونما إشارة إلى الجزء والصفحة مما يدل أنه أخذها من كتاب غير البحار معزوّة إليه وقد بحثت في البحار فلم أعثر عليها وأرجو من الخطباء أن يتثبتوا في قرائتها على الملأ لأن أثر الصنعة ظاهر عليها اللهم إلا فقرات منها . ورواية الصحيح وما أكثر خیر ثواباً عند عند الله ونفعاً عند الناس من رواية الموضوع . والرواية مترجمة .

حرف الهاء

214 - هاني بن عروة المرادي المذحجي

مرّت أخبار هاني وأسره بيد ابن زياد وما جرى بينهما حتّى رميه في السجن في ترجمة مسلم بن عقيل علیه السلام ، وكان هاني حين شهادته في الثامنة والتسعين من عمره كما ذكر المسعودي ذلك في مروج الذهب(1) وكان من أشراف الكوفة وأعيانها، وهو رئيس قبيلة بني مراد وكبيرهم، أدرك النبي وتشرّف بصحبته وكان إذا ركب ركب معه أربعة آلاف دارع وثمانية آلاف راجل يصحبونه ، فإذا انضم إليه حلفائه من كندة بلغوا ثلاثين ألفاً ما بين فارس وراجل ودارع وغير ذلك.

وقال في الإصابة: هاني بن عروة المرادي مخضرم سكن الكوفة وكان من خواصّ علىّ علیه السلام (قتل مع مسلم)(2).

وقال ابن عساكر في تاريخ الشام: هاني بن عروة أبو يحيى المذحجي المرادي، الغطيفي، كان من الصحابة كأبيه عروة(3) وكان معمّراً كبير السنّ وكان أبوه من كبار الشيعة وقاتل مع الإمام في حروبه الثلاثة لم يفارقه هو وأبوه ، وكان

ص: 181


1- ذكر المسعودي في ج 3 فقرات قليلة عن هاني ولم يذكر مقدار عمره يوم استشهد .
2- الإصابة ، ج 3 ص 616 وقال : وهو ابن بضع وتسعين سنة الخ .
3- راجع ترجمته في تاريخ دمشق ، ج 73 ص 346 وقارن مع المؤلّف .

يرتجز في حرب الجمل كما ذكر ذلك المبرّد في الكامل ويقول:

يالك حرباً حثّها جمالها *** يقودها لنقصها ضلالها

هذا عليّ حوله أقيالها (1)

وكان لكبر سنّه يحمل بيده عصى على رأسها حديدة يتوكّأ عليها، وبهذه العصى ضربه ابن زیاد حتّی نثر دماغه(2) .

وفي كتاب الكامل لأبي العبّاس محمد بن يزيد المعروف بالمبرّد النحوي قال : ونمي إلىّ أنّ معاوية ولّى كثير بن شهاب المذحجي خراسان فاختان مالاً كثيراً ثمّ هرب فاستتر عند هاني بن عروة المرادي فبلغ ذلك معاوية، فنذر دم هاني فخرج هاني فكان في جوار معاوية ثمّ حضر مجلسه ومعاوية لا يعرفه، فلمّا نهض الناس ثبت مكانه فسأله معاوية عن أمره ، فقال : أنا هاني بن عروة، فقال: إنّ هذا اليوم ليس بيوم يقول فيه أبوك : أرجّل جمّتي ، الشعر.

أرجّل جمّتي وأجرٌ ذيلي *** وتحمل شكّتي أُفق كميت

وأمشي في سراة بني غطيف *** إذا ما سامني ضيم أبيت

فقال هاني : أنا اليوم أعزّ منّي ذلك اليوم، فقال له : بم ذلك ؟ فقال : بالإسلام يا أمير المؤمنين فقال له أين كثير بن شهاب؟ قال: عندي في عسكرك ، فقال له معاوية : انظر إلى ما اختانه فخذ منه بعضاً وسوّغه بعضاً (3).

ص: 182


1- راجع بحار الأنوار ، ج 32 ص 181؛ ابن شهر آشوب، ج 2 ص 345؛ إبصار العين ، ص 139.
2- ورد الخبر في تاريخ دمشق كما يلي : فوتب عبيد الله وفي يده عنزة - رميح بين العصا والرمح فيه زج - فضرب بها رأس هاني حتّى خرج الزج واغترز في الحائط ونثر دماغ الشيخ فقتله مكانه ، ج 73 ص 346 فالعصا إذن بيد ابن زياد وليست بيد هاني، وما كانوا ليتركونها بيده وهو يدخل علی ابن زیاد .
3- رغبة الأمل من كتاب الكامل ، ج 2 ص 86.

وقال المبرّد أيضاً: لمّا حصّب حجر بن عدي زياداً ابن أبيه في المسجد وهو على المنبر ، كان عروة أبو هاني معه، ولمّا قتل معاوية حجراً وأصحابه أراد قتله فتشفّع فيه زياد وعفى عنه معاوية.

أقول : من أجل هذا قال هاني لعبيد الله : إنّ لأبيك يداً عند أبي وأريد اليوم أجزيك عليها، فقال ابن زياد وما هي ؟ قال هاني قد جاء الحقّ أهله فأخرج بنفسك وأهل بيتك وما عندك سالماً إلى الشام فقد جاء من هو أحقّ منك بهذا الأمر وأحقّ من يزيد بالخلافة.

وفي رواية ابن الأثير الجزري في الكامل : (قال هاني : أيّها الأمير، قد كان الذي بلغك ولن أُضيّع يدك عندي وأنت آمن وأهلك فسر حيث شئت) فأطرق عبيدالله عند ذلك ومهران قائم على رأسه وفي يده معكزة فقال : واذلّاه ، هذا الحائك يؤمنك في سلطانك، فقال: خذه، فأخذ مهران ضفيرتي هاني وأخذ عبيد الله القضيب ولم يزل يضرب أنفه وجبينه وخدّه حتّى كسر أنفسه وسالت الدماء على ثيابه ونثر لحم خديه وجبينه على لحيته حتّى كسر القضيب ... ثمّ أمر به فأُلقي في بيت واغلق عليه(1).

وفي رواية أبي مخنف أنّ ابن زياد لمّا قتل مسلماً قام محمّد بن الأشعث إلى عبیدالله بن زياد فكلّمه في هاني بن عروة فقال : إنّك قد عرفت موضع هاني من المصر وبيته في العشيرة وقد علم قومه أنّي وصاحبي سقناه إليك وأُنشدك الله لمّا وهبته لي فإنّي أكره عداوة المصر وأهله ، فوعده أن يفعل ثمّ بدا له ...(2) وندم على وعده بل كذب في ما وعده، وأمر بهاني في الحال فقال : أخرجوه إلى السوق

ص: 183


1- الكامل في التاريخ ، ج 3 ص 271 .
2- بحار الأنوار ، ج 44 ص 358 .

فاضربوا عنقه، ا عنقه، فأخرج هاني حتّى أتي به إلى مكان من السوق كان يباع فيه الغنم وهو مكتوف ، فجعل يقول : وامذحجاه ولا مذحج لي اليوم، يا مذحجاه أين مذحج ، فلمّا رأى أنّ أحداً لا ينصره جذب يده فنزعها من الكتاف ثمّ قال : أما من عصا أو سكّين أو حجارة أو عظم يحاجز به رجل عن نفسه ؟ ووثبوا إليه وشدّوه وثاقاً ثمّ قيل له : امدد عنقك ، فقال : ما أنا بها بسخي وما أنا بمعينكم على نفسي فضر به مولّى لعبيد الله بن زياد تركيّ يقال له «رشيد» فلم يصنع شيئاً فقال له هاني: إلى الله المعاد ، اللهمّ إلى رحمتك ورضوانك ، ثمّ ضربه أخرى فقتله(1) ، ثمّ سحبوا جثّته إلى سوق تباع فيه الأغنام ثمّ صلبوا جسده وجسد مسلم هناك، وبعثوا بالرأسين إلى عبيد الله بن زياد فخرجت مذحج وأنزلت الجسدين ودفنوهما بعد أن صلّوا عليهما .

مدح العلّامة بحر العلوم هاني بن عروة

يدّعي بعضهم ادّعاء باطلاً أنّ ثورة هاني على ابن زياد مردها إلى العصبيّة القبيليّة وليست ولاءاً لأهل البيت علیهم السلام ، ولعلّ سبب ذلك ما رواه ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة وهو كذب صراح من أنّ هاني وفد على معاوية فقضى جميع حوائجه وقال: هل بقيت لك حاجة ؟ قال : نعم، أتولّى أخذ البيعة ليزيد في الكوفة ... ولا يبعد تأثّرهم بهذه الرواية الموضوعة .

وللعلّامة بحر العلوم فيه قصيدة فاخرة قالها في مدحه وذكر مناقبه وأطال الکلام عنه في رجاله وردّ الشبهات عن ساحته، والحقير - المؤلّف - أنقل لكم مضمون ما قاله السيّد فإنّه قال : وهذه الأخبار على اختلافها في أُمور كثيرة قد اتفقت وتطابقت على أنّ هانئاً بن عروة قد أجار مسلماً وحماه في داره وقام بأمره

ص: 184


1- بحار الأنوار ، ج 44 ص 359 .

وبذل النصرة له، وجمع له الرجال والسلاح في الدور حوله وامتنع من تسليمه لابن زياد لعنه الله ، وأبى عليه كلّ الإباء، واختار القتل على التسليم حتّى أُهين وضُرب وعُذَّب وحُبس وقُتل صبراً على يد الفاجر اللعين، وهذه جملة كافية في حسن حاله وجميل عاقبته ودخوله في أنصار الحسين علیه السلام وشيعته المستشهدين في سبيله، وناهيك بقوله لابن زياد في بعضها : فإنّه قد جاء من هو أحقّ من حقّك وحقّ صاحبك (كما عرفت آنفاً) وقوله : لو كانت رجلي على طفل من أطفال آل محمد ما رفعتها حتّى تقطع ونحو ذلك ممّا مضى من كلامه ممّا يدلّ على أنّ ما فعله قد كان عن بصيرة دينيّة لا عن مجرّد الحميّة وحفظ الذمام ورعاية حقّ الضيف والجار.

(منها قول الإمام علیه السلام ) بعد ما أخبر بقتل مسلم وهاني - استعبر باكياً ثمّ قال : اللهمّ اجعل لنا ولشيعتنا منزلاً كريماً واجمع بيننا وبينهم في مستقرّ من رحمتك إنّك على كلّ شيء قدير (ثمّ أقبل على أصحابه وقال : أتانا خبر فظيع ؛ قتل مسلم وهاني وعبدالله بن يقطر ... الخ.

وقد ذكر أصحابنا رضوان الله عليهم لهاني بن عروة زيارة يُزار بها إلى الآن صريحة في أنّه من الشهداء السعداء الذين نصحوا لله ولرسوله ومضوا في سبيل الله برحمة منه ورضوانه ( والزيادة هذه ذكرها السيد ابن طاووس والشهيد الأوّل ومحمّد المشهدي والعلّامة المجلسي والشيخ المفيد في مزاراتهم ..(1) والزيارة هي:

السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْعَبْدُ النَّاصِحُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْحَسَن وَالْحُسَيْنِ ، أَشْهَدُ أَنَّكَ قُتِلْتَ مَظْلُوماً ، فَلَعَنَ اللهُ مَنْ قَتَلَكَ،

ص: 185


1- محمّد المشهدي ، المزار ، ص 180 ؛ بحار الأنوار ، ج 97 ص 429 ؛ مزار الشهيد الأوّل، ص 283.

وَاسْتَحَلَّ دَمَكَ، وَحَشَىٰ قُبُورَهُمْ نَاراً . أَشْهَدُ أَنَّكَ لَقِيتَ اللهَ وَهُوَ رَاضِ عَنْكَ بِمَا فَعَلْتَ وَنَصَحْتَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ مُجْتَهِداً، وَبَذَلْتَ نَفْسَكَ فِي ذاتِ اللهِ وَمَرْضاتِهِ، فَرَحِمَكَ اللهُ وَرَضِيَ عَنْكَ وَحَشَرَكَ مَعَ مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَّاهِرِينَ وَجَمَعَنا وَإِيَّاكَ مَعَهُمْ فِي دَارِ النَّعِيمِ، وَالسَّلَامٌ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ» (1).

ثمّ ذكر صلاة بعد الزيارة فقال : وذكروا له صلاة بعد الزيارة ووداعاً بما يودع به مسلم بن عقيل ويبعد أن يكون مثل هذا غير نصّ وارد فلو لم يكن منصوصاً ففيما ذكروه رحمه الله شهادة منهم بشهادته وسعادته ونيله وجلالته وحسن خاتمه وقد وجدنا شيوخ أصحابنا كالمفيد رحمه الله وغيره يعظّمونه في كتبهم ويعقّبون ذكره بالترضية والترحّم ، ولم أجد أحداً من علمائنا طعن عليه أو غمز فيه.

(وأمّا ما ذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة من وفود هاني على معاوية ... ف) إنّ هذه مجرّد قصّة قد سمّاها حاكيها ولم يعدّها رواية، وقد أوردها في غير إسناد ولا إضافة إلى كتاب ، ولا موافق لها في كتب التواريخ والسير المعدّة لذكر مثل ذلك، فقد ذكر أصحاب الأخبار ما جرى للناس في أخذ معاوية لهم بولاية العهد لابنه يزيد وما وقع فيه من الكلام ممّن رضى بذلك وأبي ، ولم ينقل أحد منهم هذه القصّة ولو صحّت لكانت أولى بالنقل من غيرها لما فيها من الغرابة على أنّ ما ختم لهاني رحمه الله من ردّه بيعة يزيد وقيامه بنصر الحسين علیه السلام حتّى قتل يأتي على كلّ ما فرط منه قبل ذلك لو كان .

وما أشبه حاله حينئذ بحال الحرّ رحمه الله إذ تاب فقبلت توبته بعد ما وقع منه ما وقع

ص: 186


1- الفوائد الرجاليّة ، ج 4 ص 43 .

وصدر ما صدر وقد كان الأمر فيه أشدّ وفى هانى أهون ، فهو إلى القبول أقرب (1). وخلاصة القول : لا ترديد بين العلماء في جلالته وعظمته ونبالته وفوزه بفيض السعادة والشهادة.

ص: 187


1- راجع الفوائد الرجاليّة ، ج 4 ص 42 إلى ص 49 ، والقصيدة التي ذكرها المؤلّف في رثاء هاني هي مطلعها: عيني جودي المسلم بن عقيل *** الرسول الحسين سبط الرسول لشهيد بين الأعادي وحيد *** وقتيل لنصر خير قتيل إلى أن يقول في رثاء هاني بن عروة رحمه الله: ثمّ ثنّي بشيخ مذحج هاني *** سيّد يد المصر كلّه والقبيل ماجد وجه شيعة الآل برّ *** مخلص في ولائه مقبول أدرك المصطفى ووالى عليّاً *** وبنيه الهداة ولد البتول وحمى مسلماً بأمنع جيل *** و جوار ومنزل ومقيل كان في ذاك حافظاً لذمار *** وذمام وحرمة للنزيل و لقربي الرسول إذ كان فرضاً *** حسبهم في كرائم التنزيل فدعاه اللعين باللطف مكراً *** ثمّ أبدى له ضمير محيل طالباً مسلماً فلمّا أباه *** دع للسجين بعد خطب طويل وأُذيق الحتوف من بعد صبرٍ *** مثلما ذاق مسلم بن عقيل فعلی مسلم وهاني سلام *** يتتالى من السلام الجليل نضر طيب يفوح شذاه *** كل يوم ببكرة وأصيل رضي الله عنهما برضاه *** الرضاء الرسول وابن الرسول وبنصر الحسين وهو بعيد *** وبجهد على الوفا مبذول وبما حلّ من جميل بلاء *** وبصبر على البلاء جميل سعد الفائزون بالنصر يوماً *** عزّ فيه النصير لابن البتول أحسنوا صحبة الحسين وفازوا *** أحسن الفوز بالحباء الجزيل توجد هذه القصيدة أو القسم الخاصّ بها في هامش السيّد حسين بحر العلوم على الفوائد الرجالية ، ج 4 ص 49 و 50 .

215 - الهفهاف بن المهنّد الراسبي

بالفاء بين الهائين المفتوحين بعد الثاني ألف وفاء، والمهنّد كمحمّد اسم للسيف سمّي به الرجل والراسبي بكسر السين منسوب إلى راسب بن جذعان بن مالك الأزدي قبيلة من الأزد ؛ قال ذلك المقامقاني، في رجاله وهو رجل عملاق وشجاع ضرغام وقويّ يزيل الرواسي من مكانها.

ذكر مؤلّفوا السير وأرباب التواريخ قالوا كان من شجعان البصرة ومن مخلصي طائفة الشيعة وله قصب السبق في الولاء والحبّ لصاحب الولاية العظمى ، ولم يفارقه مشاهده كلّها وبعد شهادته صحب الإمام الحسن علیه السلام وبعد وفاته سكن البصرة إلى أن علم بخروج الإمام الحسين علیه السلام إلى العراق فخرج من البصرة وقصد أرض كربلاء والتحق بالحسين علیه السلام ، فدخل عصر عاشوراء عسكر عمر بن سعد ، فقال : أين مولاي الحسين ؟ فقيل له : من أنت؟ ومن أين أقبلت؟

فقال : أنا الهفهاف بن مهنّد الأنصاري فقالوا لقد قتلنا الحسين وأصحابه وأهل بيته وأولاده ولم نبق منهم إلّا عليلاً واحداً وجماعة النساء والصبيّات، والآن هجم العسكر على خيام الحسين للسلب والنهب .

فاظلمّت الدنيا بعين الهفهاف وتنفّس الصعداء ثمّ حمل عليهم كأنّه القسورة يهجم على الحمر المستنفرة فكان يحصد الرؤوس يميناً وشمالاً وهو يرتجز ويقول: يا أيّها الجند ، إنّي أنا الهفهاف ابن مهنّد أحمي عيالات محمد صلی الله علیه وآله وسلم،وتحدّر عليهم كالسيل من الجبل أو الأفعى القاتلة من غير أن يفترّ عنهم ساعة واحدة حتّى قتل منهم مقتلة عظيمة ، أرسلهم إلى النار الموصدة وجرح منهم الكثيرين وكان العسكر يفرّ من وقع سيفه على رقابهم ورؤوسهم.

فنادى ابن سعد : تبّاً لكم، احملوا عليه بأجمعكم من جميع الجهات، فحملوا عليه وعقروا فرسه فقاتلهم الهفهاف راجلاً حتى أثخن بالجراح واستشهد ولحق بإخوانه الشهداء.

ص: 188

حرف الياء

216 - يحيى بن الحسن بن علیه السلام

عدّ الشيخ المجلسي في عاشر البحار يحيى بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب علیه السلام من شهداء كربلاء ولكن صاحب الناسخ في ص 284 في الجزء الخاصّ سيّدالشهداء قال : والفاضل المجلسي عليه الرحمة ذكر يحيى بن الحسن ابن عليّ في عداد الشهداء يوم عاشوراء ولكنّي لم أعثر عليه في كتب الأنساب ولم يثبت عندي أنّ للحسن ولداً اسمه يحيى، ويعتقد صاحب الناسخ بأنّه لم يستشهد من أولاد الحسن علیه السلام غير خمسة وهم : القاسم بن الحسن، وأحمد بن الحسن، وعبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر، وأبوبكر بن الحسن، والله العالم (1).

217 - يحيى بن سليم

ذكره العلّامة المجلسي في عاشر البحار ص 198 والمرحوم فرهاد ميرزا في القمقام الزخّار والصمصام البتّار، وقال المحدّث القمّي في نفس المهموم :

ص: 189


1- قال في بحار الأنوار ، ج 45 ص 34 : ذكر يحيى بن الحسن فيما أخبرني به أحمد بن سعيد عنه أنّه قتل مع الحسين علیه السلام بالطفّ ، والمجلسي أحال على أبي الفرج الإصفهاني ، وفي الهامش: مقاتل الطالبيّين ، ص 58 .

ثمّ برز يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول(1):

لأضربنّ القوم ضرباً معضلا *** ضرباً شديداً في العدى معجّلا

لا عاجزاً فيها ولا مولولا *** ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا

لكنّني كالليث أحمي الأشبلا

فقاتل حتّى قتل .

218 - يحيى بن كثير الأنصاري

وفي شرح قصيدة أبي فراس ص 131 قال: وقتل يحيى بن كثير الأنصاري أربعين رجلاً ثمّ استشهد رضي الله عنه .

وفي ناسخ التواريخ عن أبي مخنف أنّ يحيى بن كثير الأنصاري برز وهو يقول:

ضاق الخناق بابن سعد وابنه *** بلقاهما لفوارس الأنصار

و مهاجرين مخضبّين رماحهم *** تحت العجاجة من دم الكفّار

خضبت على عهد النبيّ محمّد *** واليوم تخضب من دم الفجّار

خانوا حسيناً والحوادث جمّة *** ورضوا يزيداً والرضا في النار

واليوم نشعلها بحدّ سيوفنا *** بالمشرفيّة والقنا الخطّار

ص: 190


1- في البحار، ج 45 ص 24 : وقال صاحب المناقب : فخرج يحيى بن سليم المازني وهو يرتجز ويقول : الأضربنّ القوم ضرباً فيصلا *** ولا أخاف اليوم موتاً مقبلا لكنّني كالليث أحمي أشبلا ثم قاتل حتى قتل الله . القمقام الزخار المعرب ، ج 1 ص 582 وفيه : ضرباً شديداً في العدى معجّلا *** لاعاجزاً فيها ولا مولولا المناقب ، ج 4 ص 111 ؛ نفس المهوم ، ص 261 .

(هذا على ابن الأوس فرض واجب *** والخزرجيّة فتية النجّار)

فأبدى من البسالة والشجاعة والشهامة ما حيّر العقول.

وفي رواية أبي مخنف : ولم يزل يقاتل حتّى قتل خمسين فارساً(1) .

وفي شرح الشافية : قتل أربعين شخصاً ثمّ استشهد رضوان الله عليه .

219 - يحيى بن هاني بن عروة

ذكره العسقلاني في الإصابة (2) .

وقال أبو مخنف وصاحب ذخيرة الدارين : أُمّه ابنة عمرو بن الحجّاج الزبيدي لعنه الله ، فرّ يحيى من ابن زياد بعد قتله مسلماً وهانئاً واستخفى عند قومه، ولمّا علم بنزول الحسين علیه السلام في كربلاء توجّه إليه وأوصل نفسه إلى كربلاء بشقّ الأنفس واستشهد في الحملة الأولى ولكن نقل عن محمّد بن أبي طالب الحسيني أنّه قال في مقتله عن يحي بن هاني بأنّه قتل مبارزة ، ولمّا دخل ميدان القتال ارتجز وقال:

أغشاكم ضرباً بجدّ السيف *** لأجل من حلّ بأرض الخيف

بقدرة الرحمن ربّ الكيف *** أضربكم ضرباً بغير حيف

ثمّ قاتل قتالاً شديداً وقتل منهم جمعاً كثيراً وبذل جهده حتّى استشهد رحمه الله.

220 - يزيد بن ثبيط على وزن زبير

عدة الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام.

ص: 191


1- مقتل أبي مخنف، ص 69 ، والشطران اللذان وضعناهما بين القوسين ليسا عند أبي مخنف وضعفهما يدلّ على أنهما منحوّلان.
2- الإصابة ، ج 6 ص 55. ذكره في صغار التابعين ولم يذكر عن شهادته شيئاً.

وقال أبو عليّ في رجاله : يزيد بن ثبيط القيسي العبدي البصري من قبيلة عبد القيس، استشهد وولداه عبدالله وعبيد الله في كربلاء.

وقال المامقاني : هو من المستشهدين بين يديه.

وقال العسقلاني في الإصابة كان يزيد من الشيعة ومن أصحاب أبي الأسود وكان شريفاً في قومه (1).

قال الطبري: قال أبو مخنف وذكر أبو مخارق الراسبي قال : اجتمع ناس من الشيعة بالبصرة في منزل امرأة من عبد القيس يقال لها مارية ابنة سعد أو منقذ أيّاماً وكانت تشيّع ، وكان منزلها لهم مألفاً يتحدّثون فيه ، وقد بلغ ابن زياد إقبال الحسين فكتب إلى عامله بالبصرة أن يضع المناظر ويأخذ بالطريق، قال: فأجمع يزيد بن نبيط (ثبيط - المؤلّف) الخروج - وهو من عبد القيس - إلى الحسين وكان له بنون عشرة ، فقال : أيّكم يخرج معي ؟ فانتدب معه ابنان له : عبدالله وعبيد الله ، فقال لأصحابه في بيت تلك المرأة: إنّي قد أز معت على الخروج وأنا خارج فقالوا له : إنّا نخاف عليك أصحاب ابن زياد، فقال: إنّي والله لو قد استوت أخفافها بالجدد لهان عليّ طلب من طلبني(2) .

«ولحق بالحسين بالأبطح من أرض مكّة عامر بن مسلم العبدي وأدهم بن أُميّة العبدي وقد مرّت ترجمة كلّ منهما آنفاً ».

(ثمّ إنّ يزيد بن ثبيط) خرج فتقدّى في الطريق (أي أسرع) حتّى انتهى إلى الحسين علیه السلام فدخل في رحله بالأبطح وبلغ الحسين علیه السلما مجيأه فجعل يطلبه، وجاء رجل إلى رحل ،الحسين، فقيل له : قد خرج إلى منزلك، فأقبل في أثره ولمّا

ص: 192


1- إيصار العين ، ص 189 .
2- تاريخ الرسل والملوك ، ج 5 ص 353 و 354 .

لم يجده الحسين علیه السلام يجلس في رحله ينتظره، وجاء البصري فوجده في رحله

جالساً، فقال: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا، فدعا له بخير، ثمّ أقبل معه حتّى أتى فقاتل معه فقُتل معه هو وابناه (1) .

وفي زيارة الناحية المقدّسة : السلام على يزيد بن ثبيط العبدي البصري».

وفي حقّه هو وابنيه يقول أبو العبّاس الحميري الأبيات التالية :

یا فرو قومي واندبي *** خير البريّة في القبور

وابكي الشهيد بعبرة *** من فيض دمع ذي درور

وارثي الحسين مع التفجّع *** والتأوّه والزفير

قتلوا الإمام من الأئمّة *** في الحرام من الشهور

وابكي يزيد مجدّلاً *** وابنيه في حرّ الهجير

تزمّلین دمائهم *** تجري على لبب النحور

يالهف نفسي لم نفز *** معهم بجنّات وحور

221 - يزيد بن الحصين المشرفي

والمشرفي بطن من همدان عدّة الشيخ في رجاله من أصحاب الحسين علیه السلام .

وفي نفس المهموم عن «مطالب السؤول» لمحمّد بن طلحة الشافعي، وعن عليّ بن عيسى الأربلي قالا : واشتدّ بهم العطش، فقال إنسان من أصحاب الحسين علیه السلام - يقال له يزيد بن الحصين الهمداني وكان زاهداً - للحسين علیه السلام : ائذن لي يابن رسول الله لآتي ابن سعد فأكلّمه في أمر الماء عساه أن يرتدع ، فقال له :

ص: 193


1- تاريخ الرسل والملوك ، ج 5 ص 354 .

ذلك إليك، فجاء الهمداني إلى عمر بن سعد فدخل عليه ولم يسلّم، قال: يا أخا همدان، ما منعك من السلام ؟ ألست مسلماً ؟! فقال له الهمداني : لو كنت مسلماً كما تقول لما خرجت إلى عترة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم تريد قتلهم، وبعد فهذا ماء الفرات يشرب منه كلاب السواد وخنازيرها وهذا الحسين بن عليّ وإخوته ونساؤه وأهل بيته يموتون عطشاً قد حلت بينهم وبين ماء الفرات أن يشربوه وتزعم أنّك تعرف الله ورسوله ؟! فأطرق عمر بن سعد ثمّ قال: والله يا أخا همدان، إنّي أعلم حرمة أذاهم(1) وأجابه بما أجاب به أنس بن الحرث الكاهلي الذي سبقت ترجمته وأنشأ شعراً يجيب به يزيد بن الحصين:

دعاني عبيد الله من دون قومه *** على خطر لا أرتضيه ومين

أأترك ملك الرّي والريّ منيتي *** أم ارجع مأثوماً بقتل حسين

وفي قتله النار التي ليس دونها *** حجاب وملك الريّ قرّة عين

ونسبت إليه أبيات من نفس الوزن والقافية قالها في الكوفة حين أمره ابن زياد يقتل الحسين علیه السلام على أن يوليه «ملك الري» والشعر كما يلي:

حسين ابن عمّي والحوادث جمّة *** لعمري ولي في الري قرّة عين

لعلّ إله العرش يغفر زلّتي *** ولو كنت فيها أذنب الثقلين

ألا إنّما الدنيا لخير معجّل *** وما عاقل باع الوجود بدين

يقولون إنّ الله خالق جنّة *** ونار وتعذيب وغلّ يدين

فإن صدقوا فيما يقولون إنّني *** أتوب إلى الرحمن من سنتين

فإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة *** وملك عقيم دائم الحجلين

ص: 194


1- نفس المهموم، ص 196 و 197 .

وأخيراً قال ابن سعد للهمداني : يا أخا همدان، ما أجد نفسي تجيبني إلى ترك الري لغيري، فرجع يزيد بن حصين الهمداني فقال للحسين : يابن رسول الله ، إنّ عمر بن سعد قد رضي أن يقتلك بولاية الري(1) .

وفي الزيارة الرجبيّة والناحية المقدّسة: «السلام على يزيد بن الحصين الهمداني المشرقي القاري المجدّل بالمشرفي»(2).

والمامقاني في رجاله ترجمه بنحوٍ ممّا قلناه إلى أن يقول : واستشهد قبل الظهر يوم عاشوراء ...

وأمّا يزيد بن زياد

كان يعرف بكنيته «أبو الشعثاء» لذلك سبقت ترجمته في بابها .

وأمّا يزيد بن مسعود النهشلي البصري فقد تحمّل مع جماعة من أهل البصرة وقصدوا نصرة الحسين فجائهم الخبر بشهادته فعادوا وأقاموا شعائر الحزن عليه كما مرّ مفصّلاً في ترجمة سليمان المكنّى بأبي رزين.

وأيضاً : خرج خمسة أشخاص من أهل الكوفة يطلبون اللحوق بالحسين لينصروه وضربوا أطنابهم خارج الكوفة فلما وصلوا إلى قرية تدعى بشاهي» رأوا في الطريق شيخاً وشاباً فسلّموا عليهما ، فقال لهم الشيخ : أنا رجل من بني الجان أتيت وهذا الفتى وهو ابن أخي إلى الحسين لننصر هذا المظلوم والآن رأيت أن ألحق إليه حتّى آتيكم بالخبر اليقين لكي أتقدّم وأنا على بصيرة من أمري فطار هذا الجنّي ولمّا كان اليوم الآخر سمعت الجماعة هاتفاً يهتف بهم ويقول:

ص: 195


1- وفي هامش نفس المهموم : كشف الغمّة، ج 2 ص 226 والفصول المهمّة لابن صباغ، ص 202 و مطالب السؤول ، ص 76 .
2- الإقبال ، ج 3 ص 77 .

والله ما جئتكم حتّى بصرت به *** بالطفّ منعفر الخدّين منحورا

وحوله فتية تدمي نحورهم *** مثل المصابيح يغشون الدجى نورا

وقد حثثت قلوصي كي أُصادفهم *** من قبل أن تتلاقى الخرّد الحورا

عاقني قدر والله بالغه *** وكان أمراً قضاء الله مقدورا

كان الحسين سراجاً يُستضاء به *** الله يعلم أنّي لم أقل زورا

مجاوراً لرسول الله في غرف *** وللوصي وللطيّار مسرورا(1)

وفي نفس المهموم عن تذكرة سبط ابن الجوزي عن المدائني عن رجل من أهل المدينة :قال خرجت أريد اللحاق بالحسين علیه السلام لمّا توجّه إلى العراق ، فلمّا وصلت الربذة إذا الرجل جالس فقال لي: يا عبدالله ، لعلّك تريد أن تمدّ الحسين علیه السلام ؟ قلت : نعم، قال: وأنا كذلك ولكن اقعد فقد بعثت صاحباً لي والساعة يقدم بالخبر ، قال : فما مضت إلّا ساعة وصاحبه قد أقبل ، فقال له الرجل: ما الخبر ؟ فقال : والله ما جئتكم حتّى بصرت به .. الخ(2) .

ص: 196


1- تجد قريباً ممّا ذكره المؤلف في تذكرة خواصّ الأمّة، ص 153 و 154 .
2- الشعر يختلف عند ابن الجوزي عنه عند المؤلّف وإليكه : والله ما جئتكم حتّى بصرت به *** في الأرض منعفر الخدّين منحورا وحوله فتية تدمى نحورهم *** مثل المصابيح يغشون الدجى نورا وقد حثثت قلوصي كي أصادفهم *** من قبل ما ينكحون الخُرد الحورا يا لهف نفسي لو أنّي قد لحقتهم *** إذاً لحليت إذ حلوا أساويرا فقال الرجل الجالس : اذهب فلا زال قبر أنت ساكنه *** حتى القيامة يسقى الغيث ممطورا في فتية بذلوا لله أنفسهم *** قد فارقوا المال والأهلين والدورا تذكرة خواصّ الأمّة ، ص 153 و 154 .

222 - يزيد بن مغفل

قال العلّامة السماوي في إبصار العين : كان يزيد بن المغفل أحد الشجعان من الشيعة والشعراء المجيدين. وكان من أصحاب عليّ علیه السلام حارب معه في صفّين وبعثه في حرب الحريث (بن رشاد بن ناجي من بني ناجية الأهواز) من الخوارج فكان على ميمنة معقل بن قيس ، عندما قتل الخريت ...(1) وكان أمير الجيش يومئذ معقل بن قيس فجعل معقل على ميمنته يزيد بن المغفل كما يقول الطبري(2) ، وقتل ذلك اليوم من أصحاب الخريت ثلاثمائة نفر(3). ومعقل بن قيس الرياحي من أولاد رياح بن يربوع بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهو من الأعلام المعروفين ومن خواصّ الشيعة وله ذكر مستفيض في كتب الرجال والتاريخ، واستشهد على يد مستورد الخارجي.

وقال المرزباني في معجم الشعراء: يزيد بن المغفل من التابعين، وأبو مغفل من الصحابة.

وذكرنا في ترجمة الحجّاج بن مسروق أن يزيد بن مغفل(4) قدم مع الحسين

ص: 197


1- إبصار العين ، ص 91 .
2- تاريخ الطبري ، ج 5 ص 123 .
3- الطبري : وشدخنا منهم سبعين عربيّاً ، و من بعض من اتّبعهم من العرب، وقتلنا نحواً من ثلاثمائة من العلوج والأكراد / نفسه ، ج 5 ص 124 .
4- مغفل كمحبس وفي بعض النسخ معقل بالعين المهملة والقاف ، والظاهر الصحيح الأوّل (وفي الناحية المقدّسة : السلام على يزيد بن مغفل الجعفي» بضمّ الجيم وسكون العين المهملة ثمّ الفاء ، بطن من سعد العشيرة المذحجي الجعفي . (وابن حجر العسقلاني في الإصابة ذكر نسبه فقال : يزيد بن مغفل بن عوف بن عمير بن كليب بن ذهل بن سيّار بن نبتة بن الدئل بن سعد بن عامر بن جعف بن سعد العشيرة المذحجي الجعفي، له إدراك للنبي صلى الله عليه وسلم ( وشهد القادسيّة هو وأخوه زهير بن مغفل في عهد عمر بن الخطاب . (منه) أقول : في مزار محمّد بن المشهدي ص 494 صحف إلى بدر بن معقل الجعفي . (المترجم)

إلى كربلاء من مكّة وبعثه الإمام علیه السلام مع الحجاج بن مسروق إلى عبيد الله بن الحرّ الجعفيّ.

وقال ابن شهر آشوب في المناقب: ولمّا نشب الحرب يوم العاشر استأذن يزيد ابن مغفل لدخول ميدان القتال فحمل عليهم كالصرصر العاصف على العدوّ المخالف وهو يرتجز ويقول:

أنا يزيد وأنا ابن مغفل *** وفي يميني نصل سيف مصقل

أعلو به الهامات وسط القسطل *** عن الحسين الماجد المفضّل ابن رسول الله خير مرسل

فقتل أكثر من عشرين شخصاً من الجيش الكافر وأدخلهم جهنّم وبئس المصير(1) .

وقال ابن حجر العسقلاني في الإصابة : يزيد بن مغفل الكوفي تقدّم بين يدي الحسين وهو يرتجز ويقول:

إن تنكروني فأنا ابن مغفل *** شاك لدى الهيجاء غير أعزل

وفي يميني فصل سيف مصقل *** أعلو به الفارس وسط القسطل

فقاتل قتالاً لم يُر مثله قطّ حتّى قتل جماعة من القوم ثمّ قُتل رضي الله عنه(2).

ص: 198


1- وأنا أنقل لك ما ذكره ابن شهر آشوب في المناقب لتكون على بصيرة من أمرك ، قال : ثمّ برز أنيس بن معقل الأصبحي وهو يقول: أنا أنيس وأنا ابن معقل *** وفي يميني نصل سيف مصقل أعلو به الهامات وسط القسطل *** عن الحسين الماجد المفضّل ابن رسول الله خير مرسل فقتل نيفاً وعشرين رجلاً. المناقب ، ج 4 ص 111 و 112 .
2- الإصابة ، ج 3 ص 677 باختلاف يسير .

223 - يزيد بن مهاجر

في شرح قصيدة أبي فراس المعروف بشرح الشافية ، قال : يزيد بن مهاجر قتل نيّفاً وأربعين رجلاً ثمّ استشهد.

وفي مقتل أبي مخنف ضبطه هكذا بظاء معجمة بعدها هاء ثمّ الهاء وقال: يزيد ابن مظاهر الأسدي هجم على الأعداء وهو يقول:

أنا يزيد وأبي مظاهر *** أشجع من ليث الشرى مبادر

والطعن عندي للطغاة حاضر *** للطغاة حاضر يا ربّ إنّي للحسين ناصر

و لابن سعد تارك وهاجر *** وفي يميني صارم هو باتر (كذا)(1)

ص: 199


1- حديث هذا الشهيد عند أبي مخنف يختلف عنه عند المؤلف وأنا أورد لك ما ذكره أبو مخنف لتطّلع عليه : قال أبو مخنف : حدّثني فضيل بن خديج الكندي من بني بهدلة جثى على ركبتيه بين يدي الحسين فرمى بمأة سهم ما سقط منها خمسة أسهم وكان رامياً وكان كلّما رمى قال : أنا ابن بهدلة فرسان العجلة ، ويقول الحسين : اللهمّ سدّد رميته واجعل ثوابه الجنّة ، فلمّا رمى بها قام فقال : ما سقط منها إلّا خمسة أسهم ولقد تبين لي أني قد قتلت خمسة ! وكان في أوّل من قتل وكان رجزه يومئذ: أنا يزيد وأبي مهاصر *** أشجع من ليث بغيل خادر يا ربّ إنّي للحسين ناصر *** ولابن سعد تارك وهاجر وكان يزيد بن زياد بن المهاجر ممّن خرج مع عمر بن سعد إلى الحسين علیه السلام فلمّا ردوا الشروط على الحسين علیه السلام المال إليه فقاتل معه حتّى قتل . (مقتل أبي مخنف، ص 159 ، وإبصار العين ص 172 ، وتاريخ الطبري ، ج 4 ص 340 وكلّهم رووا عن أبي مخنف )

تكملةٌ فيها فضائل أصحاب الحسين علیه السلام

فى هذه الأوراق ذكر ترجمة ثمان وعشرين بعد المأتين شهيداً من أصحاب الحسين علیه السلام سيّد الشهداء ، استشهد منهم واحد في البصرة واثنا عشر منهم استشهدوا في الكوفة وهم مسلم بن عقيل وولداه، ومحمد بن كثير وابنه، وهاني ابن عروة، وعبد الأعلى والعبّاس بن جعدة وعبدالله بن الحارث هؤلاء الستّة استشهدوا في نصرة مسلم عليه وعليهم السلام، وعبدالله بن عفيف استشهد بعد حادثة الطفّ في الكوفة، وعبد الله بن يقطر وقيس بن مسهّر الصيداوي اللذين استشهدا قبل وقوع الواقعة، فهؤلاء عشرة نالوا شرف الشهادة في أرض الكوفة. واستشهد سليمان بن رزين في البصرة والباقون سبعة عشر رجلاً بعد المأتين استشهدوا في طفّ كربلاء وبلغوا رتبة تعجز العقول عن إدراكها .

قال المحدّث القمّي في نفئة المصدور : إنّ أصحاب الحسين رضوان الله عليهم سادات الشهداء يوم القيامة، والراضون عن الله وهو راض عنهم، وأخبر النبي في أخبار شهادة الحسين علیه السلام : وهو يومئذ في عصبة كأنّهم نجوم السماء يتهادون إلى القتل، وكأنّي أنظر إلى معسكرهم وإلى موضع رحالهم.

أي يتسابقون على الموت، يريد كلّ واحد منهم الموت قبل صاحبه.

وقال ابن عبّاس: رأيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم في النوم - أشعث أغبر ومعه قارورة فيها

ص: 200

دم قال لي: لم أزل منذ الليل ألتقط دم الحسين وأصحابه، وكان ذلك يوم قتل الحسين علیه السلام (1).

وأيضاً رأت أمّ سلمة رسول الله صلى الله عليه وسلم شاحباً كثيباً، قالت: فقلت : مالي أراك يا رسول الله شاحباً كثيباً ؟ قال : ما زلت الليلة أحفر قبوراً للحسين وأصحابه علیهم السلام(2) .

وأيضاً قال ميثم التمار لجبلّة المكيّة: يا جبلّة ، اعلمي أنّ الحسين بن علي سيّد الشهداء علیهم السلام يوم القيامة ولأصحابه على سائر الشهداء درجة (3).

وفي أمالي الصدوق بإسناده عن سالم بن أبي الجعل قال : سمعت كعب الأحبار يقول : إنّ في كتابنا أنّ رجلاً من ولد محمّد رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم يُقتل ولا يجفّ عرق دوابّ أصحابه حتّى يدخلوا الجنّة فيعانقوا الحور العين، فمرّ بنا الحسن علیه السلام فقلنا : هو هذا ؟ فقال : لا ، فمرّ بنا الحسين علیه السلام فقلنا: هو هذا؟ فقال: نعم (4).

وعن الإمام الصادق علیه السلام : لمّا فخرت الأراضي والمياه، قالت كربلاء : أنا أرض مقدّسة ومباركة ومائي أعذب مياه الدنيا وأفضلها ولكنّي أتطامن بالخضوع والخشوع، وأذلّ لله الذي وهبني هذا الفضل العظيم ؛ فأعزها الله بالحسين

ص: 201


1- أمالي المفيد ، ص 319؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 230 ؛ العوالم ، ص 509 .
2- أمالي المفيد ، ص320؛ مشارق الشموس (ط ق) للخونساري ، ص 458 ؛ الحدائق الناضرة للمحقّق البحراني ، ج 13 ص 274 ؛ أمالي الصدوق، ص 189 ؛ علل الشرائع ، ج 1 ص 228؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 202 ؛ العوالم للشيخ عبدالله البحراني ، ص 456.
3- شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ، ج 3 ص 168 ؛ الملاحم والفتن لابن طاووس، ص 335 ؛ ذخائر العقبی ، ص 149 ؛ مسند ابن حنبل ، ج 1 ص 243 و 283 ؛ مستدرك الحاكم ، ج 4 ص 398 ؛ مجمع الزوائد للهيثمي ، ج 9 ص 194 ؛ المعجم الكبير للطبراني ، ج 3 ص 110 وغيرها كثير.
4- أمالي الشيخ الصدوق، ص 203 ؛ بحار الأنوار ، ج 44 ص 224 ؛ العوالم ، ص 110 .

وأصحاب الحسين لتواضعها ولشكرها النعمة (1).

وفي ذيل الآية ( ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ ) (2) خروج الحسين علیه السلام في سبعين من أصحابه عليهم البيض المذهَّب، لكلّ بيضة وجهان : المؤدون إلى الناس أنّ هذا

الحسين قد خرج حتّى لا يشكّ المؤمنون فيه وإنّه ليس بدجّال ... الحديث(3).

وقال الشيخ الكشي في ترجمة حبيب بن مظاهر علیه السلام : (وكان حبيب من السبعين) الرجال الذين نصروا الحسين علیه السلام ولقوا جبال الحديد واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم، وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيأبون ويقولون : لا عذر لنا عند رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إن قتل الحسين ومنّا عينٌ تُطْرَف(4) .

وذووا المروّة والوفا أنصاره *** لهم على الجيش اللهام(5) زئير

طهرت نفوسهم بطيب أصولها *** فعناصر طابت لهم وحجور

فتمثّلت لهم القصور وما بهم *** لولا تمثّلت القصور قصور

ما شاقهم للموت إلّا دعوة *** الرحمن لا ولدانها والحور

***

السابقون إلى المكارم والعُلى *** والحائزون غداً حياض الكوثر

لولا صوار مهم ووقع نبالهم *** لم تسمع الآذان صوت مكبّر

***

لله قوم إذا ما الليل جنّهم *** قاموا من الفرش للرحمن عبّادا

ص: 202


1- الرواية مترجمة .
2- الإسراء : 6 .
3- الكافي ، ج 8 ص 206 ؛ مختصر بصائر الدرجات، ص 48 .
4- اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 292 .
5- اللهام كغراب الجيش الضارب .

ويركبون مطايا لا تملّهم *** آذانهم بمنادي الصبح قد نادى

هم إذا ما بياض الصبح لاح لهم *** قالوا من الشوق ليت الليل قد مادا

هم المطيعون في الدنيا السيّدهم *** وفي القيامة سادوا كلّ من سادا

الأرض تبكي عليهم حين تفقدهم *** لأنّهم جعلوا للأرض أوتادا

لا يخفى أنّ ما ذكرناه من الشعر العربي كلّه في فضائل أصحاب سيّدالشهداء وقد تخلّل تراجمهم من هذا الشعر قواف كثيرة وقد وضعنا بإزاء كلّ مناسبة شعراً يخصّها(1) .

وفي ترجمة ابن أخ حذيفة بن أسيد الغفاري تقدمت الرواية المتضمّنة لديوان أسماء الشيعة.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قيل لرجل شهد يوم الطفّ مع عمر ابن سعد ويحك أقتلتم ذرّيّة رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال : عضضت بالجندل، إنك لو شهدت ما شهدنا لفعلت ما فعلنا ثارت علينا عصابة أيديهم في مقابض سيوفها كالأسود الضاربة تحطّم الفرسان يميناً وشمالاً، وتلقي أنفسها على الموت،

ص: 203


1- وكان مثل أصحاب الحسين في الأرض مثل المسك الذي يسطع ريحه فلا يتغيّر أبداً، ومثلهم في السماء مثل القمر المنير الذي لا يخفى نوره أبداً ، كأنّ قلوبهم زُبر الحديد لا يشوبها شكّ في ذات الله ، يقون إمامهم بأنفسهم ، ويتسابقون إلى الميدان ، ويستقبلون الرماح بصدورهم، ما ناموا ليلة عاشوراء ، كان دويّهم كدويّ النحل ، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبان بالليل ليوث بالنهار ، هم أطوع لإمامهم من الأمّة لسيّدها، غاية آمالهم الشهادة بين يدي الحسين علیه السلام. وفي نفس المهموم عن ابن عباس حين عنّف على تركه الحسين علیه السلام فقال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً واحداً ولم يزيدوا رجلاً، نعرفهم بأسمائهم من قبل . وقال محمّد بن الحنفيّة : إنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم ، بأبي هم وأُمّي، فياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً (منه) .

لا تقبل الأمان ولا ترغب في المال، ولا يحول حائل بينها وبين الورود على حياض المنيّة أو الاستيلاء على الملك ، فلو كففنا عنها رويداً لأتت على نفوس العسكر بحذافيرها ، فما كنا فاعلين لا أُمّ لك(1) .

وروى الراوندي في كتابه الخرائج والجرائح حديثاً عن الإمام الباقر علیه السلام وفي ختامه : لا يجدون ألم مسّ الحديد، وتلا عقيب ذلك رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: ( قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (2) تكون الحرب برداً وسلاماً عليك وعليهم (3).

وروي عن الإمام السجّاد علیه السلام أنّ الإمام الحسين علیه السلام لجمع أصحابه بعد ما رجع عمر بن سعد وذلك عند قرب المساء (ليلة العاشر من المحرّم): أنتم في حلّ من بيعتي، ليست لي في أعناقكم بيعة ولا لي عليكم ذمّة، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وتفرّقوا في سواده فإنّ القوم إنّما يطلبوني ولو ظفروا بي لذهلوا عن طلب غيري، وأنتم في حلّ وسعة ، فقالوا : لا والله لا يكون هذا أبداً. قال: إنكم تقتلون غداً كذلك ، لا يفلت منكم أحد ، قالوا : الحمد لله الذي شرفنا بالقتل معك، ثم دعى وقال لهم ارفعوا رؤوسكم، فجعلوا ينظرون إلى مواضعهم ومنازلهم من الجنّة وهو يقول لهم : هذا منزلك يا فلان ، وهذا قصرك يا فلان، وهذه درجتك يا فلان، فكان الرجل يستقبل الرماح والسيوف بصدره ووجهه ليصل إلى منزله من الجنّة(4) .

وفيه : سُئل الإمام الصادق عن أصحاب الحسين وتسارعهم إلى الموت، فقال:

ص: 204


1- شرح نهج البلاغة ، ج 3 ص 263 .
2- الأنبياء : 69 .
3- بحار الأنوار ، ج 45 ص 80 .
4- موسوعة كلمات الإمام الحسين علیه السلام ، ص 479 عن الأمالي للصدوق، ص 133 والخرائج والجرائح، ج 2 ص 847 .

أولئك قوم كشف الله الحجاب عن أبصارهم فرأوا منازلهم في الجنّة وفيها الحور

والقصور فتهافتوا على الموت عجلين.

وبهذا المعنى وردت الإشارة في آخر زيارة الناحية المقدّسة : «أشهد لقد كشف

الله لكم الغطاء، ومهد لكم الوطاء، وأجزل لكم العطاء»(1).

وفي معاني الأخبار في حديث عن أبي جعفر عن أبيه عليّ بن الحسين علیهما السلام وبعض من معه أنّه كان من خصائصهم أنّه تشرق ألوانهم وتهدأ جوارحهم وتسكن نفوسهم - قلوبهم - المؤلّف - فقال بعضهم لبعض : انظروا لا يبالي بالموت، فقال لهم الحسين علیه السلام : صبراً يا بني الكرام، فما الموت إلّا قنطرة تعبر بكم عن البؤس والضرّاء إلى الجنان الواسعة والنعم الدائمة فأيّكم يكره أن ينقل من سجن إلى قصر وما هو لأعدائكم إلا كمن ينقل من قصر إلى سجن وعذاب، إن أبي حدثني عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر، والموت جسر هؤلاء إلى جنّاتهم وجسر هؤلاء إلى جهنّمهم، ما كذبت ولا كُذِّبت (2).

وفي زيارة وارث: «بأبي أنتم وأُمّي طبتم وطابت الأرض التي أنتم فيها دفنتم وفوزتم فوزاً عظيماً».

ولقد أجاد من قال :

لهم نفوس على الرمضاء مهملة *** وأنفس في جوار الله يقريها

كأنّ قاصدها بالضرّ نافعها *** وإنّ قاتلها بالسيف يحييها

ص: 205


1- إقبال ابن طاووس، ج 3 ص 80؛ مزار المشهدي ، ص 495 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 73 وج 98 ص 374 .
2- معاني الأخبار للشيخ الصدوق رضوان الله عليه ، ص 288 باختلاف يسير ونحن تابعنا المؤلّف.

هي الطفوف فطف سبعاً لمعناها *** فما لمكّة معنّى مثل معناها

أرض ولكنّها سبع الشداد لها *** دانت وطأطأ أعلاها لأدناها

وكيف لا وهي أرض ضمّنت جثثاً *** ما كان ذلك لا والله لولاها

فيها الحسين وفتيان له بذلوا *** في الله أيّ نفوس كان زكّاها

وفي المفاتيح في خلال بعض الزيارات: «أشهد أنكم أحياء عند ربّكم تُرزقون، وأشهد أنّكم الشهداء والسعداء وأنّكم الفائزون في الدرجات العلى».

ممّا جادت به قريحة إمام جمعة كاشمر

جندا قومی که نام نیک ایشان تا قیامت

ثابت اندر صفحه آفاق همچو سکه بر زر

بر دم سیل حوادث جمله چون کوه ایستاده

در مقام حق نشسته بر اقران مصدر

سرخوش از صهبای وحدت شیشه بت را شکسته

از می ماء الحياة سرمدی نوشیده ساغر

روحشان بودی مقدّس نفسشان بودی مذکّی

جسمشان بودی مطهّر قلبشان بودی منوّر

هم مصفّی تر دل ایشان از اصحاب صفّه

هم بیدریون مقدّم گرچه در ظاهر مؤخّر

مژده بدریّون بفتح از مخبر صادق شنيده

لیک هفتاد و دو تن مأیوس از خود بوده یکسر

سیصد و سیزده تن با هزاری شد مقابل

لیک هفتاد و دو تن با صد هزار شد برابر

ص: 206

سبط پیغمبر حسین فرمود اندر حقّ ایشان

هیچ اصحابی زاصحابم ندیدم باوفاتر

آن جوانمردان که شد بر نامشان ختم نبوّت

جان نثاران حسین کشتگان راه داور

صف زده مانند مژگان کرد نور چشم زهرا

از برای دفع دشمن هریکی سدّ سکندر

تا که باقی بود یک تن زان جماعت در صف کین

کس بنزدیک خیام شه نمیآمد زلشکر

آه از آن ساعت که در دشت بلا از جور عدوان

کشته گردیدند جندالله شد سردار بی سر

بیشه شد خالی زشیران روبهان دیدند فرصت

در خیام آتش فکندند فرقه شوم ستمگر

مشتعل شد تا که آتش تیره شد از جور گردون

دود آه از کودکان و آن زنان شد بر فلک سر

جمله مستوران عصمت در کف اعدای ملّت

دستگیر ظلم گردیدند همچون مرغ بی پر.. الخ

مباراة الشعر بالعربيّة :

تحيّة حبّ إلى معشر *** إلى الحشر حبّهم قد وجب

لقد ثبت الطيب في عهدهم *** كما ثبت النقش فوق الذهب

وقد ثبتوا في وجوه الصعاب *** وجائت کسیل غذى وانسكب

كما وقف الجبل المشمخرّ *** بوجه الأعاصير لمّا تهب

سموا في البريّة حتّى غذى *** لهم فوق كلّ مقام رتب

ص: 207

تنائت رؤوسهم عن هوى *** يلاعب فيه نسيم النصب

وقد كسروا الكفر في دنّه *** مقيتاً كما أوردوه اللهب

وقد شربوا عذب ماء الحياة *** فبقياً لمن منه كاساً شرب

وقد قدّست فيه أرواحهم *** وطاب لهم نفس مستحب

كما طهرت فيه أجسامهم *** وأشرق في القلب نور عجب

لقد سبقوا كلّ ذي رفعة *** ونالوا من الفضل أعلى النسب

وقد فضلوا أهل بدر وإن *** تأخّر عصرهم المرتقب

فأصحاب بدر على فضلهم *** وكلّ له الأجر فيما طلب

لقد وعدوا النصر من صادق *** وساداتهم في الأسى والنصب

وشتان بين امرئ آمل *** يرى النصر آتيه من عن كثب

وبين امرئ غارق في الحتوف *** قليلاً يحارب جيشاً لجب

وأصحاب بدر ترشّ الوعود *** عليهم بما يشتهي أو يحب

وأولاء ترجز في ساحة *** وليس سوى القتل فيها انكتب

وأصحاب بدر بألف العدى *** أُنيطت وقد وعدوا بالغلب

و سبعین ألفاً وقد أُنزلوا *** بسبعين حقدهم والغضب

وكم فئة قلّ أفرادها *** وقد أُنزلت بالكثير الهرب

وقال لهم كبد المصطفى *** سلام لأهل الوفا والأدب

فوالله لم يحو هذا الزمان *** أفضل منكم من ابن وأب

وفتيان صدق سمت فيهم *** نفوسهم فوق هذي الشهب

تهاووا فداءاً لسبط الرسول *** كمهوى المجرّات فوق الترب

وصاروا لإنسان عين الهدى *** وقاءاً كعين وقتها الهدب

ولم يدنّ من سيّدات الهدى *** عدو وفي القوم قلب يجب

ص: 208

فيا أسفاً حين لاقوا الحمام *** سراعاً بأرض البلا والكرب

وفرقّ من بدن رأسه *** وراح كنور تشقّ الحجب

وعات الثعالب لمّا هوت *** أسود الشرى مثل نجم غرب

فأشعلت النار في خيمة *** وثقل النبوّة فيها حطب

وثار الدخان بعرض الفضاء *** وملأ القلوب كهذا اللهب

فكم شاكل أرسلت آهة *** وكم من عليل بكى وانتحب

وكم من صبيّ يخاف العدى *** وتحرقه النار أن يقترب

وثقل النبوّة أسرى العدى *** زغاليل طير عليها الزعب

من شعر خزائن المراثي

لیک از آن سوی هفتاد و دو تن *** مردمان جنگ جوی رزم زن

دامن جان بر میان بالا زده *** پشت بر دنیا و ما فیها زده

بهر یاری حسین بن علی *** آخته از آستین دست یلی

قلبها پوشیده بر روی زره *** از توکّل بر کمانها بسته زه

بر نهاده مغفر از ایمان بفرق *** در سلاح زهد و تقوی گشته غرق

گشته بر اسب شکیبائی سوار *** همچنان بنیان مرصوص استوار

از رضا اندر میان خنجر زده *** مهجه پرچم بکیوان بر زده

کشته گشتن در ره حق دینشان *** پاری آل نبی آئینشان

گرد شمع قدّ شه گردیده جمع *** همچنان پروانگان بر دور شمع

خسرو ناطق خداوند سخن *** گفت با اصحاب که ای یاران من

هر که فردا باشد اندر نزد من *** افتدش دست از تن و سر از بدن

بیعت خویش از شما برداشتم *** جملگی نادیده تان انگاشتم

دشت پهناور زپیش و شب زپس *** هرکسی خواهد برون تازد فرس

ص: 209

از شماها هریکی زین اهل بیت *** گیرد و راند برون زینجا کمیت

زین خطاب آتش بدلها برفروخت *** رشته صبر عزیزان را بسوخت

خون غیرت شد بشریانها بجوش *** جمله چون شیران زدند از دل خروش

ابتدا عباس آن رشک قمر *** ریخت از لعل گهربار این شکر

که مبادا بی تو ما را زندگی *** با تو مردن بهتر از پایندگی

گر گذاریمت میان دشمنان *** عذر چون آریم پیش دوستان

از تو این سان گر که آسان بگذریم *** با چه چشمی ما بمردم بنگریم

گر کسی پرسد چه شد سالارتان *** شاه و مولا سرور و غمخوارتان

پاسخش گوئیم کاندر کربلا *** غرق شد تنها بدریای بلا

حق نیارد بهر ما آن روز را *** که بنی هاشم زتو مانده جدا

بنده گر مولی جدا شد بنت نیست *** بندگان را این عمل زیبنده نیست

آل هاشم جملگی قربان توست *** جان بكف بگرفته و فرمان توست

گر اجازت میدهی عبّاس را *** برکشد شمشیر چون الماس را

دشمنانت را نماید تار و مار *** هم برادرشان دمار از روزگار

از پسر پس عبّاس ياران دگر *** نطق شور انگیز هریک کرده سر

مسلم بن عوسجه گفتا که من *** دوست دارم از تو ای شاه زمن

خسر واگر مسلمت گردیده پیر *** هست شیر پیر بر روبه دلیر

تا بدستم قبضه شمشیر هست *** در صف کین خواهم آوردن شکست

بعد از آن با سنگ خواهم جنگ کرد *** تا زدل سنگان برآرم دو کرد

بعد مسلم پور عبدالله سعید *** چون پلنگ از دل خروشی برکشید

دامن اقبال را گفتا شها *** از کفم هرگز نمی سازم رها

تا سفارشها که در حقّت رسول *** کرده حق فرماید امضاء قبول

ص: 210

گر بنابد في المثل هفتاد بار *** بعد کشتن تن بسوزندم بنار

باز روحم را بقالب در کشتند *** تا بسختی خارتر بازم کشند

بر من اینها این قدر دشوار نیست *** که توانم کرد یکدم بی تو زیست

از پس او در سخن آمد زهير *** همچنان شیر که آید در زئیر

گفت کی فرزند ختم المرسلین *** با تو شادان خاطر اندوهگین

دوست دارم من بدشت کار و زار *** کشته گردم در رهت هر دم هزار

نوبت دیگر شوم من زنده تر *** کافکنم بر خاک راهت باز سر

تا مگر زین لشکر بی چون چند *** یک سرمو بر سرت ناید گزند

از پس او سيد القرّا برير *** آنکه خیرش و خوی و بابش بد خضیر

همچو یاران دگر زینسان سخن *** خاطر شه کرد خرّم چنون چمن

شاه دین چون دیدگان عشّاق مست *** دمنش را بر نمیدارند مست

در قضای ایزدی آماده اند *** پای هر پیشامدی استاده اند

پرده را با دست حق آن پرده دار *** زد ز پیش چشم سرها بر کنار

جمله را بنمود قصر و جایگاه خلد *** و حورالعین چون خورشید و ماه

مباراة الشعر بالعربيّة :

واشتعلت نار الوغى مستعره وأقبل الأصحاب كلّ قسوره

سبعون ألفاً كلّهم أسد الشرى في الحرب مالهم نظير في الورى

قد نضّوا الروح سيوفاً ماضيه واستدبروا طيب الحياة الفانيه

سلوا لنصره النفوس الزاكيه صوارم البرق کنار حاميه

قد لبسوا القلوب فوق الدرع وأرسلوا السهام مثل اللمع

وعقدوا الإيمان في المفارق أكليل نور ساطع من شارق

وعدة الحرب سلاح التقوى فتلك من بأس العدوّ أقوى

ص: 211

وركبوا فوق خيول الصبر *** وأقبلت للحرب فيهم تجري

كأنّها القواعد المرصوصه *** أو أي ذكر رتّبت منصوصه

ورفعوا الأعلام فوق النجم *** والنصر كالغيث عليهم يهمي

دينهم القتل لنصر الحقّ *** ونصرة الآل هداة الخلق

ودار بالإمام ذاك الجمع *** قل للفراشات أضاء الشمع

قام الحسين فيهم خطيبا *** دعى زهيراً ودعى حبيبا

فمن يساويه بحسن النطق *** أندى من الروض بعيد الودق

قال لهم من كان يرضى بالفنا *** فإنّنا نُقتَل أهلى وأنا

غداً بكربلاء نار الحرب *** تشبّ من طعن بها وضرب

من كان يرضى أن يموت قتلا *** معي بأرض كربلا فاهلا

ومن أبى جعلته في حلّ *** من بيعتي صحبي معاً وأهلي

ها فاركبوا الليل البهيم جملا *** أنتم وإخوتي وسيروا في الفلا

لا يطلب القوم لقتل غيري *** فيمّموا الأهل بألف خير

مذ سمعوا شبّت بهم نيران *** الأهل والأصحاب والإخوان

وكاد أن يفلت منها الصبر *** ما هو قول قاله بل جمر

واستعرت فيهم دماء الغيره *** وصعق الأصحاب والعشيره

وابتدأ العبّاس محسود القمر *** مخاطباً بل راح ينثر الدرر

أترككم بقياً على وجودي *** موتي هنا أشهى من الخلود

ماعذرنا في تركنا سيّدنا *** محاصر الدار : أولاد الزنا

ما عذرنا للناس يا للعار *** هذا ودعك من عذاب النار

ساعذرنا لهاشم إن عدنا *** ياليتنا في الخلق ما وجدنا

بأي عين ننظر الأناما *** حين ترى لم ننصر الإماما

لو سئل العبّاس عن أخيه *** أقول قد ظلّ بأرض التيه

ص: 212

خلّفته فرداً وحيداً في الفلا *** دار به العدى بأرض كربلا

أهذه شرائط الأخوّه *** ما أبعد الفعل عن الفتوّه

نادته هاشم بلفظ واحد *** إخوان عبّاس وكلّ ماجد

لا جاء هذا اليوم يا مولانا حين نخلّي في الفلا أخانا

إن خان في الحرب أخ أخاه *** أو ترك العبد لها مولاه

فإنّ هذا منتهى الجفاء *** يذمّ للصدّيق والأعداء

فرسان هاشم لك اليوم فدى *** قد أقبلت تقيك بالروح الردى

تنتظر الإذن لتحصد العدى *** وتترك الطفوف حقلاً أجردا

لو حصل الإذن من المولى لنا *** لحلّ في جيش ابن سعد الفنا

وقام باقي الصحب في الخطابه *** وكلّهم أبدى له جوابه

ا فقال مسلم أمولاي أنا *** أصبح لي القتل هنا هو المنى

إن كنت شيخاً فالأسود الضاريه *** ثعالب الصحراء منها فانيه

ما دمت أحمل الحسام في يدي *** فإنّني أمحق جيش المعتدي

لو وقع الحسام قهراً من يدي *** أذبّ بالصخر أنا عن سيّدي

أفلق بالصخر القلوب القاسيه *** حتى تحسّ وقع ناري الحاميه

وقام بعد مسلم سعيد *** و أنصتت للأسد الأسود

وقال لا أترك هذي المنّه *** فوزي بقرب المصطفى في الجنّه

حتى أُأدي حق سيّد الورى *** في آله جرى عليّ ما جرى

ويقبل الإله هذا منّي *** مباعداً سوء الحساب عنّى

لو أنّني ال ثمّ أُقتل *** سبعين مرّة فمالي معدل

عنكم ولو أُحرقت بعد القتل *** حتّى أنال الوصل بعد الفصل

ولو أعاد ثانياً للدار *** من بعد أن أُشوى بحرّ النار

أسهل عندي ذاك من تركي لكا *** وهل أطيق العيش إلّا معكا

ص: 213

وقام يدعو بعده زهير *** سیّده بل قام يدعو الخير

يملأ مسمع الدنى هديره *** أو قل به الليث علا زئيره

فقال يا مولاي يابن المصطفى *** من بعد نوركم على الدنيا العفا

أريد أن أقتل فى الهيجاء *** ألفاً وأسقى الأرض من دمائي

ثمّ أعود للوجود حيّا *** ما أهون الدنيا بذا عليّا

لن يصلوا بجمعهم وإن علا *** إليك أو أسقي تراب كربلا

من دم نحري إنّه لك الفدا *** لو كنت أسطيع وقيتك الردى

ثمّ ترائى سيّد القرّاء *** كأنه الملاك في السماء

وسرّ مولاه بما يقول *** كذاك قد سرّ به الرسول

وقد أبى أصحابه كلّ الايا *** من أن يسا خامس أصحاب العبا

صاروا كسدّ حوله قد أحكما *** يصدّ إلّا ما أتى من السما

وشاهدوا مكانهم في الخلد *** فصار للحمام طعم الشهد

صاروا على أعدائهم كالأسد *** وأنزلوا الويل بذاك الجند

هانت عليهم الحياة الفانيه *** عيشة عند الإله راضيه

الحمد لله ربّ العالمين حيث وفّق هذا العبد العاصي - المؤلّف - حتّى جمع من شتّى الكتب تراجم ثمان وعشرين بعد المأتين من أصحاب الإمام الحسين سيّد الشهداء عليه وعليهم السلام على ترتيب حروف الهجاء وهو مؤلّف لم أعثر على نظير له في كتب الأصحاب ، وإنّ العلماء وأهل التأليف والتتبّع على علم يقين بأنّ معجماً كهذا بعد إمعان نظرهم فيه لا يتم جمعه بيسر وسهولة من هنا ومن حيث إنّ السهو والنسيان يلازمان الإنسان فعليهم أن ينظروا إلى هذه الأوراق نظر اللطف والعفو فيصلحون ما بدر منه من أخطاء غير مقصودة ولهم علينا جزيل الشكر ومن الله واسع الأجر ، وذيّلنا هذا الكتاب بخاتمة في حياة محمّد بن الحنفية .

ص: 214

خاتمة في حياة محمّد بن الحنفية

لا يخفى على أهل العلم والمعرفة أنّ المؤلّف لمّا كان يقيم في مدينة «سرّ من رأى» كتبت رسالة في حياة محمّد بن الحنفيّة باللغة العربيّة، ولمّا هاجرت أنا المؤلّف إلى طهران عثرت على رسالة باللغة العربيّة لأحد علماء النجف الأشرف وهو السيّد علي الهاشمي في نفس الموضوع وقد كتبت كتاب «الحق المبين» في أحكام أمير المؤمنين القضائيّة وهو بالعربيّة أيضاً ورأيت نقله إلى اللغة الفارسيّة. ومجمل القول أنّي رأيت أن أجعل حياة محمّد بن الحنفيّة هذه الرسالة خاتمة كتاب فرسان الهيجاء فذلك أدعى إلى الاحتفاظ بها والعناية بشأنها.

محمّد بن الحنفيّة

أمّه :

أُمّه خولة بنت إياس بن جعفر(1) وقد ترجمت لها في كتاب «رياحين الشريعة» المختصّ بتراجم أعيان نساء الشيعة، فلا أرى ضرورة قاضية بإعادة هذه الترجمة . رآها النبي صلی الله علیه وآله وسلم في منزله فضحك ثمّ قال: يا علي، أما إنّك تتزوّجها من بعدي وستلد لك غلاماً فسمّه باسمي، وكنّه بكنيتي ...(2) فولدت بعد موت فاطمة

ص: 215


1- بحار الأنوار ، ج 42 ص 90: وأمّا محمّد فأُمّه خولة بنت إياس بن جعفر ؛ ذخائر العقبي ، ص 117.
2- الإصابة ، ج 8 ص 113 ؛ المرعشي ، شرح إحقاق الحق ، ج 7 ص 27 .

محمّداً فكنّاه أبا القاسم (1). ولا يجتمع الاسم واللقب لأحد إلّا للحجّة بن الحسن عليهما السلام لأنّ كنيته كنية رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.

وقع بين عليّ وطلحة كلام، فقال له طلحة : لا لجرأتك على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم سميت باسمه وكنّيت بكنيته وقد نهى الله أن يجمعهما أحد من أُمّته بعده، فقال عليّ : إنّ الجريء من اجترأ على الله وعلى رسوله، اذهب يا فلان فادع لي فلاناً وفلاناً لنفر من قريش ، قال : فجاؤوا ، فقال : بم تشهدون؟ قالوا: نشهد أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : سيولد لك بعدي غلام فقد نحلته اسمي وكنيتي، ولا تحلّ لأحد من أُمّتي بعده (2).

ابن الجوزي في صفة الصفوة عن محمّد بن الحنفيّة قال : قال عليّ علیه السلام : يا رسول الله ، أرأيت إن ولد لي ولد (بعدك) أسمّيه باسمك وأُكنّيه بكنيتك ؟ قال: نعم، فكانت رخصة من رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(3).

وأشار السيّد الحميري رحمه الله في قصيدته الداليّة وهى ستّ وعشرون بيتاً إلى هذا المطلب كما قال :

ألم يبلغك والأبناء تنمي *** مقال محمّد فيما يؤدّي

إلى ذي علمه الهادي علي *** وخولة خادم في البيت تردي

ألم تر أنّ خولة سوف تأتي *** بواري الزند صافي الخيم نجد

يفوز بكنيتي واسمي لأنّي *** نحلتهماه والمهديّ بعدي

ص: 216


1- بحار الأنوار ، ج 42 ص 99؛ قاموس الرجال ، ج 9 ص 246 .
2- منقول عن كتاب سيّد علي الهاشمي ، نقله عن الطبقات ج 5 ص 16 طبع ليدن ، وج 2 ص 42 (منه) وج 5 ص 91 و 92 (المترجم).
3- الطبقات ، ج 2 ص 43 ط دار الفکر بيروت 1413 .

ولادته ومدّة عمره ووفاته

قال بعضهم : ولد محمّد بن الحنفيّة وقد بقي من خلافة عمر سنتان ؛ كما صرّح بذلك ابن خلّكان (1).

وقال بعضهم : ولد في خلافة أبي بكر .

وقال بعضهم : ولد سنة واحد وعشرين بعد الهجرة أو السنة الخامسة عشرة بعدها والظاهر أنّ الصحيح هو هذه السنة، والله العالم.

واتفقوا على أنّ وفاته حدثت في عام واحد وثمانين في أيّام عبدالملك بن مروان في المدينة ودفن في البقيع وهو قول مشهور مرويّ عن أهل البيت ، وأمّا ما قيل من دفنه في جبل رضوى أو الطائف أو أيلة فإنّه قول شاذّ، وكان يومئذٍ ابن السادسة والستّين كما هو المشهور بين العلماء.

وأمّا عقبه : فقد بلغ بهم صاحب عمدة الطالب أربعة عشر ذكراً وعشر أناث وأكبر أولاده أبو هاشم واسمه عبدالله ، ثمّ جعفر الأكبر وعلي وحمزة والحسن وإبراهيم والقاسم وعبدالرحمن وجعفر الأصغر وعون وعبد الله الأصغر؛ هذه الأسماء ذكرت في كتاب محمّد بن الحنفيّة للهاشمي، ولا ذكر للإناث ولا لبقيّة البنين، وذكر عدداً من أحفاده وقد انتشروا في الأفاق (2).

ص: 217


1- فيات الأعيان ، ج 4 ص 172 ط دار الثقافة بيروت ، تحقيق الدكتور إحسان .
2- ذكر ابن قتيبة في المعارف ص 95 أولاده فقال : فولد محمّد بن عليّ بن أبي طالب، الحسن وعبد الله وأبا هاشم وجعفراً الأكبر وحمزة وعليّاً لأمّ ولد ، وجعفراً الأصغر وعوناً أُمّهما أُمّ جعفر، والقاسم وإبراهيم ؛ فهم على هذا عشرة أنفس بخلاف ما ذكره المؤلّف عن الهاشمي . و قال ابن عنبة : فولد أبو القاسم أربعة وعشرين ولداً منهم أربعة عشر ذكراً، قال الشيخ تاج الدين محمّد بن معية : بنو محمّد بن الحنفيّه قليلون جداً ليس بالعراق ولا بالحجاز منهم أحد ، وبقيّته إن كانت فبمصر وبلاد العجم وبالكوفة منهم بيت واحد ؛ هذا كلامه . فالعقب المتّصل الآن من محمّد من رجلين : علي وجعفر قتيل الحرّة ، فأمّا ابنه أبو هاشم ، عبد الله الأكبر إمام الكيسانيّة وعنه انتقلت البيعة إلى بني العبّاس فمنقرض / عمدة الطالب ، ص 353 فلا معنى حينئذ لقول المؤلّف : انتشروا في الآفاق .

شجاعة محمّد بن الحنفيّة وأيده

في الجزء التاسع من كتاب البداية والنهاية ص 38 ذكر ابن كثير أنّ محمّد بن الحنفيّة كان من سادات قريش وشجعانهم .

ونقل الأبشيهي في المستظرف أنّ أباه علیه السلام اشترى درعاً فاستطالها فقبض محمّد بيده اليمنى على ذيلها وبالأخرى على فضلتها ثمّ جذبها فقطعها من الموضع الذي حدّه له علیه السلام ، وكان عبد الله بن الزبير إذا حدّث بذلك اعتراه إفكل (1) .

في كامل المبرّد أنّ ملك الروح في أيّام معاوية وجّه إليه أنّ الملوك قبلك كانت تراسل الملوك منّا ويجهد بعضهم أن يغرب على بعض ، أفتأذن لي في ذلك؟ فأذن له فوجّه إليه برجلين أحدهما طويل الجسم والآخر أيد، فقال معاوية لعمرو ابن العاص : أمّا الطويل فقد أصبنا كفوه وهو قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ، وأمّا الآخر الأيد فقد احتجنا إلى رأيك فيه، فقال عمرو هاهنا رجلان كلاهما إليك بغيض : محمّد بن الحنفيّة وعبد الله بن الزبير، فقال معاوية : من هو أقرب إلينا على

كلّ حال .

فلمّا دخل الرجلان وجّه إلى قيس بن سعد بن عبادة يعلمه، فدخل قيس فلمّا مثل بين يدي معاوية نزع سراويله فرمى بها إلى العلج فلبسها فبلغت تندوته فأطرق مطلوباً، فقيل : إنّ قيساً لاموه في ذلك ... ثمّ وجّه معاوية إلى محمّد بن الحنفيّة فحضر فخبر بما دعي له فقال : قولوا له إن شاء فليجلس وليعطني يده حتّى أقيمه، أو يقعدني إن شاء فليكن القائم وأنا القاعد، فاختار الرومي الجلوس،

ص: 218


1- الدر المنظيم لابن حاتم العاملي ، ص 429 .

فأقامه محمّد وعجز الرومي عن إقعاده ، ثمّ اختار أن يكون محمّد هو القاعد فجذبه محمّد فأقعده وعجز الرومي عن إقامته فانصرفا مغلوبين(1).

مبارزة محمّد بن الحنفيّة يوم الجمل

وهنا نذكر مجمل ما ذكره ابن أبي الحديد وصاحب النظيم والبحار وغيرها من الكتب أنّ الإمام أمير المؤمنين علیه السلام استدعى محمّد بن الحنفيّة ودفع إليه الراية وأمره بالهجوم على العدوّ والتقدّم نحو جمل عائشة حتّى يعقره، فأخذ محمّد العلم وحمل كأنّه الشهاب الثاقب وشدّ رجل من الأزد على محمّد بن الحنفيّه وهو يقول: يا معشر الأزد كرّوا، فضربه ابن الحنفيّة فقطع يده، وقال: يا معشر الأزد فرّوا (2). (ورمى الفارس والفرس إلى حرّ الثرى) فخرج عوف بن قطن الضبي وهو ينادي: (ليس لعثمان ثأر إلّا علىّ بن أبي طالب وولده فأخذ خطام الجمل وقال :

يا أُمّ يا أُمّ خلا منّي الوطن *** لا أبتغي القبر ولا أبغي الكفن

فقتله محمّد بن الحنفيّة(3)، وبعدئذ انحدر عليهم محمّد كأنّه السيل الغامر والأسد الخادر وجال في ميمنتهم وميسرتهم، ولكنّ بني ضبة احتوشوا الجمل من أطرافه كأنّهم قلاع الحديد، وأمطر عسكر الإمام بشأبيب من النبال فتأخّر محمّد قليلاً حتّى يخفّ الرمي منهم أو ينفد سهامهم ثمّ يعيد الكرّة، فجائه أمير المؤمنين يستحثّه وهو يقول: أنت منّي لكن أدركك عرق من أُمّك، وحينئذ أخذ الرمح الإمام الحسن من يد محمّد - بناءاً على ما رواه ابن شهر آشوب في المناقب -

ص: 219


1- وفيات الأعيان ، ج 4 ص 171 نقلاً عن كامل المبرّد.
2- مناقب آل أبي طالب ، ج 2 ص 344؛ بحار الأنوار ، ج 32 ص 179 ؛ أنساب الأشراف، ص 245 ؛ الأنوار العلوية ، ص 217.
3- مناقب ابن شهر آشوب، ج 2 ص 344 و شرح ابن أبي الحديد ولم يذكر القاتل ، وذكر زيادة في الرجز ، ج 1 ص 256 .

وحمل على جيش عائشة حتّى عرقب الجمل ووقع هودج عائشة على الأرض وعاد الحسن والرمح بيده مخضوباً، فلمّا رأى محمّد شجاعته ظهر على محمّد الحياء فقال له أبوه علیه السلام : لا تخجل يا محمّد فأنت ابني والحسن ابن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم(1) .

وقال المسعودي في مروج الذهب : (وكانت راية عليّ علیه السلام بيد محمّد ولده وهي راية رسول الله العقاب (2)) ثمّ بعث إلى ولده محمّد بن الحنفيّة وكان صاحب رايته : احمل على القوم، فأبطأ محمّد بحملته وكان بأزاء قوم من الرماة ينتظر نفاد سهامهم، فأتاه عليّ فقال : هلا حملت ؟ فقال : لا أجد متقدّماً إلّا على سهم أو سنان وإنّي منتظر نفاد سهامهم وأحمل ، فقال له : احمل بين الأسنة فإنّ الموت عليك جنّة ...(3) أي إنّك مصون من الموت ما دام أجلك لم يدن بعد، وأنشد الأشعار التالية :

لا تحذرنّ فما يقيك حذار *** إن كان حتفك ساقه المقدار

وأرى الظنين على الحمام بنفسه *** لابدّ أن يفنى ويبقى العار

للضيم في حسب الأبيّ جراحة *** هيهات يبلغ قعرها المسبار

فاقذف بنفسك في المهالك إنّما *** خوف المنيّة ذلّة وصغار

والموت حيث تقصفت سمر القنا *** فوق المطهم عزّة وفخار(4)

ص: 220


1- لم أعثر عليها في المناقب ومسألة عقر الجمل معلومة راجعها في ص 346 ج 2 ط الحيدرية النجف 1376 .
2- شرح ابن أبي الحديد ، ج 9 ص 111 .
3- مروج الذهب ، ج 2 ص 383 و 384 وليس فيه الشعر الذي أورده المؤلّف .
4- الذي يظهر من المؤلّف أنّ الأبيات أنشدها الإمام ولده حين استحثّه: «و این اشعار انشا کرد وهي من قصيدة مشهورة للسيّد حيدر الحلّي وتوجد في ديوانه ج 1 ص 35 تحقيق علي الخاقاني.

وقال ابن أبي الحديد : وزحف عليّ علیه السلام نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار وحوله بنوه الحسن والحسين ومحمّد علیهم السلام ودفع الراية إلى محمّد وقال: أقدم بها حتّى تركّزها في عين الجمل ولا تقفنّ دونه فتقدّم محمّد فرشقته السهام، فقال لأصحابه : رويداً حتّى تنفد سهامهم فلم يبق لهم إلّا رشقة أو رشقتان فأنفد إليه على يستحثّه ويأمره بالمناجزة فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن وقال له : أقدم لا أُمّ لك.

فكان محمّد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي ويقول : لكأنّي أجد ريح نفسه في الله قفاي والله لا أنسى ذلك أبداً.

ثمّ أدركت عليّاً رقّة على ولده فتناول الراية بيده اليسرى، وذوالفقار مشهور في يمنى يديه ثمّ حمل فغاص في عسكر الجمل ثمّ رجع وقد انحنى سیفه فاقامه بركبته فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار: نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحداً منهم ولا ردّ إليهم بصره وظلّ ينحطّ ويزار زيئر الأسد حتّى فرق من حوله وتبادروه وإنّه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله ولا يرد حواراً ثمّ دفع الراية إلى ابنه محمّد (1).. ثمّ قال:

أطعن بها طعن أبيك تحمد *** لا خير في الحرب إذا لم توقد

بالمشرفيّ والقنا المسدّد(2)

فكان محمّد يقول : أقسم بالله لم يكن تأخّري فرقاً من القوم ولكن قلت في نفسي : لا تعتم سهامهم حتّى تنفذ وإنّما هي رشقة أو رشقتان ثمّ أحمل عليهم

ص: 221


1- شرح ابن أبي الحديد ، ج 1 ص 257 .
2- شرح ابن أبي الحديد ، ج 1 ص 243 .

وقال الإمام علیه السلام : امح الأولى بالأخرى وهذه الأنصار معك ...»(1).

وذكر المسعودي في مروج الذهب : إن خزيمة ذا الشهادتين جاء أمير المؤمنين علیه السلام وقال له : اعط الراية محمّد بن الحنفيّة لئلّا نهزم ففعل الإمام علیه السلام وحمل محمّد حملة حيدريّة ونزل على القوم نزول القضاء المبرم وصبغ الأرض بدمائهم وحمل الأنصار ورائه(2) فأبلى بلاءاً حسناً حتّى قال خزيمة ذو الشهادتين الأمير المؤمنين : «أما إنّه لو كان غير محمّد اليوم لافتضح ... وقالت الأنصار يا أمير المؤمنين ، لولا ما جعل الله تعالى للحسن والحسين علیهما السلام لما قدّمنا على محمّد أحداً من العرب. فقال عليّ علیه السلام : أين النجم من الشمس والقمر! أما إنّه قد أغنى وأبلى وله فضله، ولا ينتقص فضل صاحبيه عليه وحسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه . فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّا والله لا نجعله كالحسن والحسين ولا نظلمهما له - لفضلهما عليه - حقّة ، فقال عليّ علیه السلام : أين يقع ابني من ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ! فقال خزيمة بن ثابت فيه :

محمّد مافي عودك اليوم وصمة

ولا كنت في الحرب الضروس معرّدا(3)

أبوك الذي لم يركب الخيل مثله

عليّ وسمّاك النبيّ محمّدا

ولو كان حقّاً من أبيك خليفة

لكنت ولكن ذاك ما لا يرى بدا

ص: 222


1- نفسه ، ج 1 ص 245 .
2- لم أجد هذه الرواية في مروج الذهب وكأنّي بالمؤلّف يروي من ذاكرته وقد تخونه الذاكرة أحياناً.
3- معرّد أي منهزم .

وأنت بحمد الله أطول غالب (1)

لساناً وأنداها بما ملكت يدا

وأقربها من كلّ خير تريده

قريش وأوفاها بما قال موعدا

وأطعنهم صدر الكميّ برمحه

وأكساهم للهام عضباً مهندا

سوى أخويك السيّدين كلاهما

إماما الورى والداعيان إلى الهدى

أبى الله أن يعطي عدوّك مقعداً

من الأرض أو في (اللوح) مرقى ومصعد(2)

وبعد أن ذكر ابن أبى الحديد هذه الأبيات في الجزء الأوّل من شرحه ذكر أبياتاً أُخرى لعمر بن حارثة الأنصاري في نعت محمّد وذكر فضله وشجاعته(3).

ص: 223


1- غالب يقصد به ذرّيّة غالب بن فهر بن مالك على عادة العرب في تسمية الذرية باسم الجد الأعلى.
2- شرح ابن أبي الحديد ، ج 1 ص 245 (أو في الأوج مرقى ومصعدا) ؛ بحار الأنوار ، ج 42 ص 100 ؛ قاموس الرجال ، ج 9 ص 245 .
3- وقال عمر بن حارثة الأنصاري وكان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل وقد لامه أبوه علیه السلام لمّا أمره بالحملة فتقاعس : أبا حسن أنت فصل الأمور *** يبين بك الحلّ والمحرم جمعت الرجال على راية *** بها ابنك يوم الوغى مفحم ولم ينكص المرء من خيفة *** ولكن توالت له أسهم فقال رويداً ولا تعجلوا *** فإنّي إذا رشقوا مقدم فأعجلته والفتى مجمع *** بما يكره الوجل المحجم سمّي النبيّ وشبل الوصي *** و رايته لونها العندم شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 1 ص 144 .

ومن كلماته علیه السلام التي قالها لمحمّد بن الحنفيّة يوم الجمل لمّا أعطاه الراية : تزول الجبال ولاتزل، عضّ على ناجذك، أعر الله جمجمتك، تد في الأرض قدمك ارم ببصرك أقصى القوم ، وغضّ بصرك واعلم أنّ النصر عند الله سبحانه(1).

مبارزته في حرب صفّين

اتّفق المؤرّخون ورواة الأخبار والسير وحملة الآثار على وقوع حرب صفّين في العام السابع والثلاثين من الهجرة النبويّة وكان قوام عسكر معاويه مأة ألف وعشرون ألف جندي، ويتألّف جيش الإمام من تسعين ألفاً من المقاتلين وقد قتل من الفريقين تسعون ألف إنسان؛ خمس وعشرون ألفاً من عسكر الإمام علي علیه السلام وخمس وأربعون ألفاً من جيش معاوية.

وكانت راية الإمام في حرب صفّين أيضاً بيد ولده محمّد بن الحنفيّة، فأظهر من الشجاعة والبسالة ما حيّر الألباب وأدهش العقول .

ذكر ابن سعد في طبقاته قال : وكان على رجّالة عليّ علیه السلام اليوم صفّين عمّار بن ياسر ، وكان محمّد بن الحنفيّة يحمل رايته وقد ظهر في تلك الواقعة لمحمّد بن الحنفيّة ما أبهر العقول من البطولة والشجاعة والنجدة والشهامة ممّا جعله غرّة في صفحات الكتب التاريخيّة(2).

روى نصر بن مزاحم في كتاب صفّين عن ابن عبّاس(3) قال : لمّا كنّا في حرب صفّين دعا عليّ علیه السلام ابنه محمّد بن الحنفيّة وقال له: يا بنيّ، شدّ على عسكر

ص: 224


1- نهج البلاغة ، ج 1 ص 43 تحقيق محمّد عبده .
2- الطبقات ، ج 5 ص 68 ط ليدن (منه رحمه الله ) .
3- هو نصر بن مزاحم بن سيّار المنقري ، نسبة إلى منقر بن عبيدة ، جدّه من بني تميم، مؤرّخ شهير كان من الموالين للإمام علیه السلام وكانت ولادته بالكوفة سنة 170 هجري، ونشأ في بغداد وله عدّة تصانيف منها وقعة صفّين ومقتل الحسين علیه السلام وكانت وفاته في حدود سنة 220 هجريّة (منه) .

معاوية، فحمل على الميمنة حتّى كشفهم ، ثمّ رجع إلى أبيه مجروحاً فقال : يا أبتاه العطش العطش، فسقاه جرعة من الماء ثمّ صبّ الباقي بين درعه وجلده فوالله لقد رأيت علق الدم يخرج من حلق درعه، فأمهله ساعة ثمّ قال : يا بني ، شدّ على الميسرة ، فحمل على ميسرة عسكر معاوية فكشفهم ثمّ رجع و به جراحات وهو يقول : الماء الماء يا أبتاه، فسقاه جرعة من الماء وصبّ باقيه بين درعه وجلده ، ثمّ قال : يا بنيّ، شدّ على القلب، فحمل عليهم وقتل منهم فرساناً ثمّ رجع إلى أبيه وهو يبكي وقد أثقلته الجراح، فقام إليه أبوه وقبل ما بين عينيه وقال له : فداك أبوك ، فقد سررتني والله يا بني بجهادك هذا بين يديّ، فما يبكيك ؛ أفرحاً أم جزعاً؟ فقال : يا أبت ، كيف لا أبكي وقد عرضتني للموت ثلاث مرات فسلّمني الله وها أنا مجروح كما ترى وكلّما رجعت إليك لتمهلني عن الحرب ساعة ما أمهلتني ، وهذان أخواي الحسن والحسين ما تأمرهما بشيء من الحرب، فقام إليه أمير المؤمنين وقبّل وجهه وقال له : يا بني ، أنت ابني وهذان ابنا رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أفلا أصونهما عن القتل ؟ فقال : بلى يا أبتاه، جعلني الله فداك وفداهما من كلّ سوء(1) .

وفي مناقب الخوارزمي(2):

خرج من عسكر معاوية كريب بن أبرهة من آل ذي يزن وكان مهيباً «قويّاً» يأخذ الدرهم فيغمزه بإبهامه فيذهب بكتابته، فقاله له معاوية : إنّ عليّاً يبرز بنفسه وكلّ أحد لا يتجاسر على مبارزته ،وقتاله قال كريب: أنا أبرز إليه، فخرج إلى صفّ أهل العراق ونادى ليبرز إليّ عليّ، فبرز إليه مرتفع بن وضّاح الزبيدي

ص: 225


1- بحار الأنوار ، ج 42 ص 105 واللفظ له . قال العلّامة المجلسي : أقول : روي في بعض مؤلّفات أصحابنا عن ابن عبّاس ، الخ . وأحسبه «كتاب صفّين» الذي رجع إليه المؤلّف .
2- أجمل المؤلّف الواقعة فساقها غير مستوفاة وأنا أسوقها كما جائت في مناقب الخوارزمي مستميحا العذر من المؤلّف أوّلاً رحمه الله ومن القارئ الكريم ثانياً ، راجع المناقب ص227 .

فسأله من أنت ؟ فعرفه نفسه ، فقال : كفو كريم وتكافحا فسبقه كريب فقتله ونادى ليبرز إليّ أشجعكم أو عليّ ، فبرز إليه شرحبيل بن بكر ، وقال لكريب : يا شقي، ألا تتفكّر في لقاء الله ورسوله يوم الحساب عن سفك الدم الحرام، فقال كريب : إنّ صاحب الباطل من أوى قتلة عثمان ثم تكافحا فقتله كريب ، ثمّ برز إليه الحرث بن الجراح الشيباني وكان زاهداً صوّاماً قواماً وهو يقول :

هذا عليّ والهدى حقّاً معه *** نحن نصرناه على من نازعه

ثمّ تكافحا فقتله كريب ، فدعا علي علیه السلام ابنه العبّاس وكان تامّاً كاملاً من الرجال فأمره بأن ينزل عن فرسه وينزع ثيابه ففعل، فلبس عليّ علیه السلام ثيابه وركب فرسه وألبس ابنه العبّاس ثيابه وأركبه فرسه لئلّا يجبن عن مبارزته، فلمّا همّ عليّ علیه السلام بذلك جائه عبدالله بن عدي الحارثي وقال : يا أمير المؤمنين ، بحقّ إمامتك فأذن لي أبارزه فإن قتلته وإلا قتلت شهيداً بين يديك، فأذن له عليّ فتقدّم إلى كريب وهو يقول :

هذا عليّ والهدى يقوده *** من خير عيدان قریش عوده

لا يسأم الدهر ولا يؤوده *** وعلمه معاجز وجوده

فتصارعا ساعة ثمّ صرعه كريب ، ثمّ برز إليه علىّ علیه السلام متنكرا وحذره بأس الله وسخطه، فقال له كريب: أترى سيفي هذا؟ لقد قتلت به كثيراً مثلك، ثم حمل على عليّ علیه السلام بسيفه فاتقاه بحجفته ، ثمّ ضربه عليّ علیه السلام على رأسه فشقه حتّى سقط نصفين ، قال :

النفس بالنفس والجروح قصاص *** ليس للقرن بالضراب خلاص

بيدي عند ملتقى الحرب سيف *** هاشميِّ يزينه الإخلاص

مرهف الشفرتين أبيض كالملح *** ودرعي من الحديد دلاص

ثمّ انصرف أمير المؤمين علیه السلام وقال لابنه :محمّد قف مكاني فإنّ طالب وتره

ص: 226

يأتيك، فوقف محمّد عند مصرع كريب فأتاه أحد بني عمّه، وقال: أين الفارس الذي قتل ابن عمّي ؟ قال محمّد : وما سؤالك عنه فأنا أنوب عنه، فغضب الشاميّ وحمل على محمّد وحمل عليه محمّد فصرعه ، فبرز إليه آخر فقتله حتّى قتل من الشاميّين سبعة ... الخ .

ومجمل القول : إنّ الجلد والشجاعة اللَّذَين ظهرا من محمّد في صفّين لا يمكن تجاهلهما وكيف لا يكون كذلك وهو نسل حيدر الأسد القسور (1).

خطبه محمّد بن الحنفيّة

خطبها أيّام صفّين وقد أوردها الخوارزمي في مناقبه وسبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص وهي دالّة على علوّ منزلته وغزارة علمه ومعرفته وحكمته وغاية فصاحته وبلاغته بحيث قال عنها أحد كبار العلماء من أجل هذا مال إليه الكيسانيّة وقالوا بإمامته، لأنّ هذه الخطبة كاشفة كثيرة. ومجمل القول أنّ سبط ابن الجوزي قال : قال الأشتر لمحمّد بن الحنفيّة :

تقدّم واخطب بين الصفّين، صفّ العراق وصف الشام، وامدح عليّاً أمير المؤمنين علیه السلام ، فتقدّم محمّد وقال لأهل الشام :

اخسئوا (يا) ذرّيّة النفاق وحشو النار وحصب جهنّم عن البدر الزاهر (والقمر الباهر) والنجم الثاقب والسنان النافذ والشهاب النيّر (المنير ) ( والحسام المبير) والصراط المستقيم (والبحر الخضمّ العليم من) قبل أن نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنّا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) أوما ترون أيّ عقبة تقتحمون وأىّ منيّة تتسلّمون؟ وأنّى تؤفكون؟ بل ينظرون إليك وهم لا يبصرون، أصنو رسول الله تستهدفون ويعسوب الدين تلمزون (ويعسوب دين

ص: 227


1- عزاه المؤلّف إلى مناقب الخوارزمي ، ج 1 ص 147 وقد مرّ عليك في حاشيتنا أنّه ص 227 .

الله تلمزون - المؤلّف) فأيّ سبيل رشاد بعد ذلك تسلكون ؟ وأيّ خرق بعد ذلك ترقعون، هيهات (هيات - المؤلّف) برزوا لله في السبق(1) وفاز بالخصل ، واستولى على الغاية، وأحرز فصل الخطاب(2) فانحسرت عنه الأبصار وانقطعت دونه الرقاب ، وفرع الذروة العليا، وبلغ الغاية القصوى، فعجز من رام سعيه وأعياه الطلب فإنّه المأمول والإرب، ووقف عند شجاعته الشجاع الهمام والبطل الضرغام(3) وأنّى لهم التناوش من مكان بعيد، فخفضاً خفضاً (ومهلاً مهلاً أفلصديق رسول الله تثلبون أم لأخيه تسبّون(4) وهو شقيق نسبه إذ نسبوا، ونديد هارون إذ مثّلوا(5) ، والمصلّي إلى القبلتين (6) إذا انحرفوا، والمشهود له بالأعيان إذ كفروا ، والمدعوّ بخيبر إذ نكلوا، والمندوب لنبذ عهد المشركين إذ نكثوا، والمخلوف ليلة الهجرة إذ جبنوا ، والثابت يوم أحذ إذ هربوا، والمستودع الأسرار ساعة الوداع إذ حجبوا(7) .

تلك المكارم لا تعبان من لبن *** شيبا بماء فعادا بعد أبوالا(8)

وكيف يكون بعيداً من سناء وسموّ وسماء وعلق وقد نحله ورسول الله أب

ص: 228


1- والله برز ... الخ - مناقب .
2- وأحرز الخطار - مناقب .
3- فكرت من رام رتبته السعي وعناه الطلب - مناقب .
4- أقلّوا عليكم لا أباً لأبيكم *** من اللوم أو سدّوا المكان الذي سدّوا وأنّى تسدّون، وأم أيّ أخ لرسول الله تثلبون، وأيّ ذي قويّ أمرها تسبون - مناقب.
5- إذ حصلوا - مناقب .
6- وذي قربى منه إذ امتحنوا - مناقب .
7- والخليفة على المهاد ليلة الخطار ، والمستودع للأسرار ساعة الوداع إذ حجبوا - مناقب.
8- هذي المكارم .. الخ - مناقب .

وأنجبت بينهما جدود ورضعا بلبن ودرجا في سنن(1) وتفيئا بشجرة وتفرّعا من أكرم أصل ؛ فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للرسالة وأمير المؤمنين علیه السلام للخلافة، رتق الله به فتق الإسلام حتّى انجابت طخية الريب، وقمع نخوة النفاق حتّى ارمأنّ جيشانه، وطمك (كذا) رسم الجاهليّة، وخلع ربقة الصغار والذلّة وكفأملة العوجاء، ورنق شربها، وحلاها عن وردها، ووطأ كواهلها آخذاً بكظمها، يقرع هاماتها ويرحضها عن مثال الله حتّى كلمها الخشاش وعظها الثقاف ونالها فرض الكتاب فجرجرت جرجرة العود الموقع فزادها ، وقرأ فلفظته بأفواهها وزلقته بأبصارها، ونبت عن ذكره أسماعها فكان لها كالسمّ المنفر والذعاف المرعف لا تأخذه ه في الله لومة لائم(2) ولا يزيله عن الحقّ تهيّب متهدّد، ولا يحيله عن الصدق ترهّب متوعّد فلم يزل كذلك حتّى انقشعت غيابة الشرك، وخنع طيخ الإفك، وزالت قحم الإشراك ، حتّى تنسّم روح النصفة، وقطعتم قسم السوء بعد أن كنتم لوكة الآكل، ومذقة الشارب، وقبسة العجلان بسياسة مأمون الحرفة مكتهل الحنكة

ص: 229


1- هذا وأنّى يبعد من كلّ سناء وعلوّ وثناء وسموّ وقد نحلته ورسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أبوه وأنجبت بينهما جدود، ورضعا بلبان ، ودرجا في سكن ومهّدا حجراً، وتفيئا بظل فهما وشيجان نماهما فنن تفرّعا من أكرم حذم ؛ فرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم للرسالة وأمير المؤمنين علیه السلام الخلافة ، فتق الله به رتق الإسلام (هذا معنى مقلوب والصحيح ما ذكره المؤلف وهو غير مقصود طبعاً ولو كان مقصوداً لكان هجاءاً - المترجم)
2- حتّى ارفأنّ جيشه وطمس رسم العلّة، وخلع ربقة الصغار والذلّة، وكفت أيدي الخيانة ورفّق شربها (العلّة رنّق شربها - المترجم) وحلاها عن وردها واطئاً كواهلها ، آخذاً بأكظامها ، يرقع هاماتها ، وينكث نقيها ، ويحمل شحومها ، ويرحضها عن مال الله حتّى كلمها الخشاش وعزّته الشفاف ، ونالها فرض الكتاب ، فجر جرت جرجة العود الموقع فزادها وقراً فلفظته أفواهها وأزلفته بأبصارها ، وبنت عن ذكره أسماعها ، فكان لها كالسم الممقر والذعاف المرعف لا تأخذه في الله لومة لائم .

طبّاً أدوائكم، فمناً بدوائكم مثقّفاً لأودكم(1) ، كالثاً لحوزتكم، حامياً لقاصيكم ودانيكم، يقتات الجبنة ويرد الخميس ويلبس الأدم، ثمّ إذا سيّرت الرجال وطاح الوشيط واستلم المشيح ، وغمغمت الأصوات، وقلصت الشفاه، وقامت الحرب على ساق وخطر فنيقها، وهدرت شقاشقها وجمعت تطير بها، وشالت بإيراق ، ألفى أمير المؤمنين هنالك، مثبتاً لقطبها ، مديراً لرحالها ، قادحاً زندها، مورياً لهبها مذكّياً جمرها(2) ، دلافاً للبهم ، ضرّاباً للقلل ، غصّاباً للمهج، ترّاكاً للسلب ، خوّاضاً الغمرات الموت مؤتم أطفال، مشتّت آلاف قطّاع أقران ، طافياً عن الحولة راكداً في الغمرة، يهتف بأولادها فنكشف أخراها، فتارة يطويها كطيّ الصحيفة، وآونة يفرقها كتفرّق الوفرة فبأيّ آلاء أمير المؤمنين علیه السلام تمترون، وعلى أيّ أمر مثل حديثه تؤثرون (وربّ الرحمن المستعان على ما تصفون).

قال الراوي: فلم يبق في الفريقين أحد إلا واعترف بفضل محمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه...(3).

ص: 230


1- ولا يزيله عن الحق نهيب متهدّد، ولا يحيله عن الصدق ترهّب متوعّد ، فلم يزل كذلك حتّى انقشعت غيابة الشرك ، وخنع طيخ الإفك ، وزالت قحم الإشراك حتّى تنسّمتم روح النصفة، و تطعمتم قسم السواء بعد أن كنتم لوكة الأكل ومذقة الشارب وقبسة العجلان بسياسة مأمون الخرقة ، مكتهل الحنكة ، طبّ بأدوائكم، قمن بدوائكم يبيت بالربوة ، كالثاً لحوزتكم ، حامياً لقاصيكم ودانيكم ، مثقفاً لأودكم.
2- يقتات الجنبة ويرد الخمس ويلبس الهدم ثمّ إذا سبرت الرجال فطاح الوشيط واستلم المشيح وغمغمت الأصوات وقلصت الشفاه وقامت الحرب على ساق ، وصرفت بأنياب وخطر فينقها و هدرت شقاشقها و جمعت قطريها، فشالت بإبراق ، ألفيت أمير المؤمنين علیه السلام هناك مثبتاً لقطبها ، مديراً لرحاها ، قادحاً بزندها ، مورياً لقعدتها ، مذكّياً بجمرتها ، دلافاً إلى البهم ضراباً للقلل غضاباً للمهج ، شراكاً للسلب ، خواصاً الغمرات الموت مشكل أمّهات ، مؤتم الأبطال ، مشتّت آلاف .
3- مناقب الخوارزمي ، تحقيق المحمودي ، ط مؤسسة النشر الإسلامي 1411 ص 210 وص 211 وص 212 .

نقل الفاضل المعاصر السيّد علي الهاشمي النجفي هذه الخطبة في كتابه محمّد ابن الحنفيّة وشرح المشكل من ألفاظها كما ذكر له عدداً من الخطب وردت في حلية الأولياء لأبي نعيم وطبقات ابن سعد والدرّ النظيم ليوسف بن الفقيه الحاتم الشامي، ونضطرّ لصرف عنان القلم عن ذكرها هنا .

محبة أمير المؤمنين علیه السلام

ذكر العلّامة المامقاني في رجاله في ترجمة محمّد بن أبي بكر عن الإمام الرضا علیه السلام اروع عن أمير المؤمنين أنّه قال : إنّ المحامد تأبى أن يعصى الله عزّوجلّ، قيل : يا أمير المؤمنين من هؤلاء المحامد ؟ فقال : محمّد بن جعفر ومحمّد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حذيفة ومحمد بن الحنفية بن أمير المؤمنين علیه السلام(1).

وروى في كتاب محمّد بن الحنفيّة عن الإمام أمير المؤمنين علیه السلام أنّه قال : من أراد أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ ولدي محمّداً وليحبّه وليحسن إليه (2).

وفي كتاب الإتحاف بحبّ الأشراف أنّ الإمام أمير المؤمنين علیه السلام أوصى ولديه الحسنين ليلة وفاته بولده محمّد بن الحنفيّة فقال : أوصيكما به فإنّه أخوكما وابن أبيكما، وقد علمتما أنّ أباكما كان يحبّه(3) .

ثمّ نظر إلى ابنه محمّد بن الحنفيّة ، فقال : يا بنيّ أفهمت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : نعم يا أبة، قال: أوصيك يا بنيّ بمثله وأوصيك بتوقير أخويك وتعظيم حقّهما، وتزيين أمرهما ولا تقطع أمراً دونهما وأعرف لهما فضلهما عليك .

ص: 231


1- شرح أصول الكافي ، ج 6 ص 290 ؛ الغارات ، ج 2 ص 752 ؛ بحار الأنوار ، ج 33 ص 242 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 286 .
2- الحديث مترجم.
3- بحار الأنوار ، ج 42 ص 245 باختلاف يسير، حيدر الشيرواني ، مناقب أهل البيت ، ص 245 ؛ المحمودي ، نهج السعادة ، ج 2 ص 734 ؛ الإتحاف ، ص 187 (منه) .

وفي كامل المبرّد(1) أن الإمام استدعى ولده محمّداً عند وفاته وقال: أما سمعت ما أوصيت به أخويك ؟ قال : بلى، قال: فإنّي أوصيك وعليك ببرّ أخويك وتوقيرهما ومعرفة فضلهما ولا تقطع أمراً ،دونهما، ثم أقبل عليهما وقال : أوصيكما به خيراً فإنّه شقيقكما وابن أبيكما وأنتما تعلمان أنّ أباكما كان يحبّه .

ومرويّ عن صاحب بلوغ الإرب بأنّ رجلاً من عمّال أمير المؤمنين أهدى إلى الإمام الحسن والإمام الحسين هديّة ولم يهد إلى محمّد بن الحنفيّة، فضرب الإمام بیده على كتف محمّد واستشهد بشعر عمرو بن كلثوم(2) ففهم العامل أنّ الإمام يعاتبه بما ترك من أمر ابنه محمّد وكأنّه يقول له : ألا تعلم بأنّي أُحبّه ، فلمّا كان اليوم الثاني حباه بهديّة مثلهما .

علمه رضي اللع عنه

وفي عاشر البحار وغيره من الكتب عن الإمام أبي جعفر علیه السلام قال : بينا أمير المؤمنين علیه السلام في الرحبة والناس عليه متراكمون فمن بين مستفت ومن بين مستعدّ إذ قام إليه رجل فقال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فنظر إليه أمير المؤمنين علیه السلام بعينيه هاتيك العظيمتين ثمّ قال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته من أنت ؟ فقال : أنا رجل من رعيّتك وأهل بلادك ، قال : ما أنت من رعيتي ولا من أهل بلادي ولو سلمت على يوماً واحداً ما خفيت عليّ، فقال: الأمان يا أمير المؤمنين، فقال أمير المؤمنين علیه السلام : هل أحدثت في مصري هذا حدثاً منذ دخلته ؟ قال : لا ، قال : فلعلك من رجال الحرب ؟ قال : نعم ، قال : إذا وضعت الحرب أوزارها فلا بأس، قال: أنا رجل بعثني إليك معاوية متغفّلاً لك، أسألك

ص: 232


1- الكامل ، ج 2 ص 152 ( منه رحمه الله) .
2- ... يا أُمّ عمرو *** بصاحبك الذي لا تصبحينا

عن شيء بعث فيه ابن الأصفر وقال له : إن كنت أحقّ بهذا الأمر والخليفة بعد محمّد صلی الله علیه وآله وسلم فأجبني عمّا أسألك فإنّك إذا فعلت ذلك اتّبعتك وبعثت إليك بالجائزة، فلم يكن عنده جواب وقد أقلقه ذلك فبعثني إليك لأسألك عنها .

فقال أمير المؤمنين علیه السلام : قاتل الله ابن آكلة الأكباد ما أضلّه وأعماه ومن معه والله لقد أعتق جارية فما أحسن أن يتزوّج بها، حكم الله بيني وبين هذه الأُمّة ؛ قطعوا رحمي وأضاعوا أيّامي ودفعوا حقّي وصغّروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي ، عليّ بالحسن والحسين ومحمّد، فأحضروا، فقال: يا شامي هذان ابنا رسول الله وهذا ابني، فاسأل أيّهم أحببت، فقال: أسأل ذا الوفرة يعني الحسن علیه السلاموكان صبّياً ، فقال له الحسن : سلني عمّا بدا لك .. إلى آخر الحديث (1).

في بصائر الدرجات مسنداً عن أبي حمزة الثمالي عن عليّ بن الحسين علیه السلام أنّ محمّد بن الحنفيّة جاء إلى الحسين علیهما السلام وقال : أعطني من ميراث أبي ، فقال علیه السلام : لم يبق لأبيك ميراث إلّا سبعمائة درهم اقتطعها من عطائه، فقال ابن الحنفيّة : يا أخي، إنّ الناس يعرفون بأنّي ابن أميرالمؤمنين فيأتون إليّ يسألونني فلا أجد ما أجيبهم عليه ، والآن مُنّ عليّ بشيء من علم أبي، عند ذلك أخرج له الحسين علیه السلام صحيفة لا تبلغ شبراً وفيها رسم شجرة مملوءة علماً (2).

(أقول : ظاهر هذا الحديث أنّ الإمام علیه السلام للقّنه علم الحروف التي تستخرج منها علوم جمّة) والله العالم.

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد سألت النقيب أبا جعفر يحيى بن محمّد بن أبي زيد رحمه الله تعالى، فقلت له : من أيّ طريق عرف بنو أُميّة أنّ

ص: 233


1- بحار الأنوار ، ج 10 ص 129 ؛ الاحتجاج الطبرسي ، ج 1 ص 399.
2- الحديث مترجم.

الأمر سينتقل عنهم وإنّه سيليه بنو هاشم وأوّل من يلي منهم يكون اسمه عبدالله ؟ ولم منعوهم عن مناكحة بني الحارث بن كعب لعلمهم أنّ أوّل من يلي الأمر من بني هاشم تكون أُمّه حارثيّة ؟ وبأيّ طريق عرف بنو هاشم أنّ الأمر سيصير إليهم وتملكه عبيد أولادهم حتّى عرفوا صاحب الأمر بعينه كما قد جاء في الخبر!

فقال : أصل هذا كلّه محمّد بن الحنفيّة ، ثمّ ابنه عبدالله المكنّى أبا هاشم.

قلت له : أفكان محمّد بن الحنفيّة مخصوصاً من أمير المؤمنين علیه السلام بعلم يستأثر به على أخويه حسن وحسين علیهما السلام ؟

قال : لا ولكنّهما كتما وأذاع ، ثمّ قال : قد صحّت الرواية عندنا عن أسلافنا وعن غيرهم من أرباب الحديث أنّ عليّاً علیه السلام لمّا قبض أتى محمّد ابنه أخويه حسناً وحسيناً علیهما السلام فقال لهما : أعطياني ميراثي من أبي، فقالا :له قد علمت أنّ أباك لم يترك صفراء ولا بيضاء ، فقال : قد علمت ذلك وليس ميراث المال أطلب، إنّما أطلب ميراث العلم، قال أبو جعفر رحمه الله ... فدفعا إليه صحيفة لو اطلعاه على أكثره منها لهلك، وكان في تلك الصحيفة ذكر دولة بني العبّاس.

قال أبو جعفر رحمه الله تعالى : وقد روى أبو الحسن عليّ بن محمّد النوفلي قال : حدّثني عيسى بن عليّ بن عبدالله بن العبّاس قال : لما أردنا الهرب من مروان ابن محمّد ، لمّا قبض إبراهيم الإمام جعلنا نسخة الصحيفة التي دفعها أبو هاشم بن محمّد الحنفيّة إلى محمّد بن عليّ بن عبدالله بن العبّاس وهي التي كان آباءنا يسمّونها صحيفة الدولة في صندوق من نحاس صغير ، ثمّ دفناه تحت زيتونات بالشراة، لم يكن بالشراة من الزيتون غيرهنّ ، فلما أفضى السلطان إلينا وملكنا الأمر أرسلنا إلى ذلك الموضع فبحث وحفر فلم يوجد فيه شيء، فأمرنا بحفر جريب من الأرض في ذلك الموضع حتّى بلغ الحفر الماء ولم نجد شيئاً.

قال أبو جعفر : وكان محمّد بن الحنفية صرّح بالأمر لعبد الله بن العبّاس وعرّفه

ص: 234

تفصيله، ولم يكن أميرالمؤمنين علیه السلام قد فصّل لعبد الله بن العبّاس الأمر وإنّما أخبره به مجملاً كقوله فى هذا الخبر : خذ إليك أبا الأملاك ، وغير ذلك ممّا كان يعرض له به، ولكن الذي كشف القناع وأبرز المستور عليه هو محمّد بن الحنفيّة وكذلك أيضاً ما وصل إلى بني أُميّة من علم هذا الأمر فإنّه وصل من جهة محمّد بن الحنفية وأطلعهم على السرّ الذي علمه ...(1) .

كلام الحسن علیه السلام لمحمّد بن الحنفيّة

ذكر في العوالم وعاشر البحار وإعلام الورى عن أبي عبد الله علیه السلام قال : لمّا حضرت الحسن الوفاة قال يا قنبر، انظر هل ترى وراء بابك مؤمناً من غير آل محمّد، فقال: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، قال: امض فادع لي محمّد بن علي ، قال : فأتيته فلما دخلت عليه قال: هل حدث إلّا خير ؟ قلت : أجب أبا محمّد فعجل عن شسع نعله فلم يسوّه فخرج معي يعدو ، فلمّا قام بين يديه سلّم ، فقال له الحسن : اجلس ، فليس يغيب مثلك عن سماع كلام يحيى به الأموات ويموت به الأحياء، كونوا أوعيه العلم ومصابيح الدجى، فإنّ ضوء النهار بعضه أضوء من بعض، أما علمت أنّ الله عزّ وجلّ جعل ولد إبراهيم أئمّة وفضّل بعضهم على بعض، وآتى داود زبوراً ، وقد علمت بما استأثره الله محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم . يا محمّد بن علي ، إنّي لا أخاف عليك الحسد وإنّما وصف الله تعالى به الكافرين فقال : (كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِندِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ )(2) ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً. يا محمّد بن علي ، ألا أخبرك بما سمعت من أبيك علیه السلام فيك؟ قال: بلى، قال : سمعت أباك يقول يوم البصرة من أحبّ أن يبرّنى فى الدنيا والآخرة

ص: 235


1- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج 7 ص 149 .
2- البقرة : 109 .

فليبرّ محمّداً . يا محمّد بن علي، لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك . يا محمّد بن علي ، أما علمت أنّ الحسين بن علي بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي ، إمام من بعدي وعند الله في الكتاب الماضي وراثة النبي أصابها في وراثة أبيه علم الله أنكم خير خلقه، فاصطفى منكم محمّداً واختار محمّد عليّاً، واختارني للإمامة، واخترت أنا الحسين.

فقال له محمّد بن علي أنت إمامي وسيّدي وأنت وسيلتي إلى محمّد والله لوددت أنّ نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، الا وإنّ في رأسي كلاماً لا تنزفه الدلاء ولا تغيّره بعد الرياح كالكتاب المعجم في الرقّ المنمنم أهمّ بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل وما جائت به الرسل، وإنّه كلام يكلّ به لسان الناطق ويد الكاتب ولا يبلغ فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين، ولا قوّة إلّا بالله الحسين أعلمنا علماً وأثقلنا حلماً وأقربنا من رسول الله رحماً، كان إماماً قبل أن يخلق، وقرأ الوحي قبل أن ينطق، ولو علم أنّ أحداً خير منا ما اصطفى محمّداً صلی الله علیه وآله وسلم ، فلمّا اختار محمّداً واختار محمّد عليّاً إماماً واختارك على بعده واخترت الحسين بعدك سلّمنا ورضينا بمن هو الرضا، وبمن نسلّم به من المشكلات (1).

أقوال العلماء في محمّد بن الحنفيّة

ضمّني وجماعة من أهل الفضل والعلم مجلس فقال أحدهم وكانت الجماعة تشهد له بالعلم والاجتهاد : إنّي لا أعتقد عقيدة سليمة بمحمّد بن الحنفيّة، فلم يردّ عليه أحد ورأيت نفسي أصغر شأناً من أن أسبق القوم بالجواب فأُحاور عالماً

ص: 236


1- العوالم ، ص 78 طقم مدرسة الإمام المهدي 1407 مطبعة أمير ؛ إعلام الورى ، ج 1 ص 422 ط قم مؤسسة آل البيت 1417 ؛ بحار الأنوار ، ج 44 ص 175 ط بيروت مؤسسة الوفاء 1403 .

مجتهداً مثله بمسمع ومشهد من أهل العلم والفضيلة، فكان ذلك المجلس سبباً في جمع هذه الأوراق لعلّها تقع ذات يوم بقضاء من الله وقدر بيد ذلك العالم فأقول مستعيناً بالله :

كان محمّد بن الحنفية من بعد الحسن والحسين وقمر بني هاشم سلام الله عليهم الأفضل والأعلم والأشجع والأعبد والأعرف بمقام الإمامة من سائر أولاد الإمام أمير المؤمنين علیه السلام وربّما كان وحيد عصره وهذا المطلب يمكن إيضاحه ضمن مسائل تحتاج إلى إيضاح .

الأوّل: مرّ علينا حديث طيّ الموضوع المتقدّم عن أمير المؤمنين أنّه قال: المحامدة تأبى أن يعصى الله .. الحديث. فلا يعقل أن يحدث يوم يعصي محمّد فيه الله ، ولو صح ذلك لما فاه الإمام بتلك الكلمة(1).

الثاني: الحديث الوارد عن لسان أمير المؤمنين من أحبّ أن يبرّني في الدنيا والآخرة فليبرّ محمّداً كما مرّ حديث العامل الذي أهدى للحسنين ولم يهد لمحمّد ، وقول الإمام فيه وإعراب الإمام عن محبّته ووصيته للحسنين علیهما السلام به وقد تقدّم ذلك كلّه، وهذا دالّ على حسن عاقبته مضافاً إلى جهاده وشجاعته التي أظهرها في حروب أبيه الثلاثة.

الثالث : نصّ كلام الإمام الحسن المجتبى حيث قال لمحمّد بن الحنفيّة: ولم يجعل الله للشيطان عليك سلطاناً ، وكذلك قوله : لا أخاف عليك الحسد. ولو جاز على محمّد أن يضلّه الشيطان في يوم من الأيّام فيدّعي الإمامة لما قال الإمام الحسن فيه هذه المقالة ، ولو جاز عليه الحسد فيدّعي كذباً مقام الإمامة لما قال فيه

ص: 237


1- أقول : لو جوّزنا ذلك لمحمّد فهل يجوز لغيره من شركائه في الحديث وحينئذ أيقول المؤلّف بعصمة هؤلاء الأربعة ، لست أدري !؟!

الإمام الحسن : لا أخاف عليك الحسد لأنّ الإمام عالم بالغيب ويعرف ما يئول إليه أمر الناس.

من

الرابع : وفي هذه الرواية يظهر الانقياد لإمامة الحسين بعد إعرابه عن مجموعة من فضائله واعترافه بها.

الخامس : جواب العلّامة الحلّي لمهنّا بن سنان الذي ذكره المجلسي في التاسع من بحار الأنوار ص 625 قال : ثمّ اعلم أنّه سأل السيّد مهنّا بن سنان من العلّامة الحلّي قدّس الله روحهما فيما كتب إليه من المسائل : ما يقول سيّدنا في محمّد بن الحنفيّة هل كان يقول بإمامة زين العابدين علیه السلام ؟ وكيف تخلّف عن الحسين علیه السلام ؟ وهل ذكر له أصحابنا عذراً صحيحاً في تخلّفه عن الحسين علیه السلام ؟

فأجاب العلّامة رحمه الله : قد ثبت في أصل الإمامة أنّ أركان الإيمان التوحيد والعدل والنبوّة والإمامة، والسيد محمّد بن الحنفيّة وعبد الله بن جعفر وأمثالهم أجلّ قدراً وأعظم شأناً من اعتقادهم خلاف الحق وخروجهم عن الإيمان الذي يحصل به اكتساب الثواب الدائم والخلاص من العقاب، وأمّا تخلّفه عن الحسين فقد نقل إنّة كان مريضاً ويحتمل في غيره عدم العلم بما وقع على مولانا الحسين علیه السلام من القتل وغيره وبنوا على ما وصل من كتب الغدرة إليه وتوهمّوا نصرهم له ...(1)

ص: 238


1- هذا العذر لا يكون حجّة للقائلين ببرائة ساحتهم أي الذين تخلّفوا عن الحسين كمحمّد أخيه وأضرابه . أوّلاً : لم يكن محمّد مريضاً حين خرج الحسين من المدينة وقد علم يومها محمّد أين هو ذاهب ولذلك حذره من العراق وأمره بقصد اليمن أو ثغر من الثغور حذاراً من المستحدات وكان عليه أن يصحب الحسين لأنّ هذا واجب كلّ مأموم يومئذ . وأمّا في خروجه من مكّة فقد كان محمّد حاجاً ولم يحدّثنا التاريخ أنّه ترك الحجّ لمرضه ولو صحّ مرضه لترك الوقفة بعرفات لأنّ الحسين علیه السلام خرج قبلها بيوم فمرضه المدّعى لا أصل له على وجه الإطلاق وكلّ من احتجّ به إنّما فعل ذلك اضطراراً إذا عوزته الحجّة فبماذا يحتجّ المعتذر عنه إلّا بافتعال المرض وغيره ، حتّى العلّامة نفسه لم يسند المرض إلى راو معتد به ولم يخرجه كما ينبغي عليه أن يفعل ذلك وإنّما بناه للمجهول بقوله «نقل» فمن هو الناقل وعمّن نقله وما هو المرض الذي قعد به عن نصرة إمامه ؟ كل هذا مسكوت عنه ومِن ثَمّ أوقفنا على شاطئ الحيرة ، فأخرجونا منها يا معاشر العلماء . وأمّا عذره عن غير محمّد وهو شامل له أيضاً فأنا أسأل سادتنا العلماء : من من هؤلاء الخارجين مع الحسين كان يقطع بقتله ويعلم علم اليقين بشهادته ولذلك خرج معه ؟ فعدم العلم بما وقع للحسين شامل لمن خرج ولمن تأخّر ، فما بال هؤلاء خرجوا وهؤلاء تأخّروا، ولنقل مع القائلين بعدم العلم أيضاً فمن الواجب نصرة الحسين حتّى في هذه الحالة لأنّ سبب النصرة ليس حمايته ممّا وقع له بل هو على كل حال حتّى في حال بلوغ الحسين سدة الحكم وكان خروجه داعياً إلى خروج كل من يقول بإمامته وملزماً لهم جميعاً كان الحسين في معرض الخطر أو معرض السلامة ، والذين تأخّروا إنّما فعلوا ذلك لأنّهم خطأوا الحسين في خروجه ولاسوه ووقفوا في وجهه دلّت على ذلك أقوالهم وأفعالهم ، ومن رجع إليها وتحقّق منها كقول ابن عباس وأخيه محمّد والأمان الذي أخذه عبد الله بن جعفر للحسين من سعيد بن عمر و كلّ هذا يدلّ على ما قلناه والمسألة يا سادتي جديّة فينبغي أن يجاب عنها بجد وتحقيق .

وهذه شهادة العلّامة بحسن حال محمّد بن الحنفيّة وفيه غنّى وكفاية . أمّا مرض محمّد بن الحنفيّة الوارد في كتاب زينب الكبرى وكتاب محمّد بن الحنفيّة فقد قال: إنّه أصابته عين في قضيّة الدرع الذي قصّره من دون حاجة إلى حدّاد فعطّلت يده عن العمل فلم يقدر على حمل السلام، وقال بعضهم : كان مصاباً بمرض الصرع فلم يقدر على السفر وكان يتمنّى حضور كربلاء ونيله ذلك الفوز العظيم(1) .

ص: 239


1- لو كان مريضاً كما يزعمون لجرى ذلك على لسانه واعتذر إلى الحسين به فما بالنا لانسمع شيئاً من هذا دار بينهما ساعة الوداع ، ولو كان ::.اً بالصرع لما خرج إلى زيارة يزيد بعد شهادة الحسين بأشهر فكيف قدر على تحمّل أعباء السفر مع ما فيه من الصرع إلى الشام ولم يستطع السفر إلى كربلاء ، لست أدري ؟!

وروی المحدّث القمّي في نفس المهموم ص 159 أنّ محمّد بن الحنفيّة قال : أصحاب سيّد الشهداء عندنا أسمائهم وعددهم وصحيفتهم عندنا . قال محمّد بن الحنفيّة : إنّ أصحابه عندنا لمكتوبون بأسمائهم وأسماء آبائهم(1) بأبي هم وأُمّي فياليتني كنت معهم فأفوز فوزاً عظيماً .

وقال أيضاً : إنّ ابن عبّاس لمّا عنّف على تركه الحسين علیه السلام قال : إنّ أصحاب الحسين لم ينقصوا رجلاً ولم يزيدوا رجلاً نعرفهم بأسمائهم من قبل شهودهم(2).

ولندع كلّ هذا ولكن محمّداً بناءاً على رواية عاشر البحار بقي عيناً للحسين في المدينة بأمره حيث قال له : وأما أنت يا أخى فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً لا تخفي عنّي شيئاً من أمورهم (3) ، ثمّ دعا الحسين علیه السلام بدواة وبياض وكتب له وصيّة وسلّمه إيّاها .

ص: 240


1- بحار الأنوار ، ج 44 ص 185 .
2- إبصار العين في أنصار الحسين علیه السلام ، ص 13؛ مناقب آل أبي طالب، ج 4 ص 53 / هامش إبصار العين .
3- بحار الأنوار ، ج 44 ص 329 ، الذي يهمنّا من أمر محمّد بن الحنفيّة هو كونه معذوراً في تخلّفه عن الحسين لذلك نحن باحثون عن الحجّة الصحيحة ، أمّا هذه الحجّة فهي أوهى من بيت العنكبوت ، لأنّ الحسين لو كان أوصاه لما حلّ له مغادرة المدينة أبداً فكيف جاز له الخروج وراء الحسين إلى الحج وهناك لما غادر الحسين مكّة وعلم به محمّد وكان يتوضأ أخذ يبكي حتّى سمع صوت دموعه في الطشت ثمّ دعا بثيابه وخرج ورائه يودعه، فأين ذهب حكم الوصية بالبقاء في المدينة ؟ ثمّ قل لي بربك : ما حاجة الحسين إلى عين له بالمدينة وقد أخذ ثقله كله فلم يبق في المدينة أحد ممن يتخذهم بنو أُميّة أداة ضغط على الحسين ؟ نريد من علمائنا أن يقدموا لنا الوجه الصحيح في تخلف محمّد لأنّ الأمر يدور بين حالتين : إحداهما أنّ نصر الحسين لا يجب على كل أحد وحينئذ لا ضير على محمّد في تخلفه كما لا ضير على زيد بن الحسن . الثانية : إن نصره واجب على كلّ أحد لأنّه إمام مفترض الطاعة وإنّه قائم للجهاد وللإصلاح فالواجب على كلّ مأموم اتباعه ومن تخلف عنه لا عذر له . فانظروا يا سادتي بين هاتين الحالتين وأجيبونا .

السادس : إجماع أصحاب كتب الرجال والمحدّثين على عظمة محمّد وجلالة قدره ووثاقته وعدالته . قال المحدّث القمّي في نفس المهموم ص:182 : محمّد بن الحنفيّة كان من أعقل الناس وأشجعهم كما قال الزهري، وعن الجاحظ أنّه قال : وأمّا محمّد بن الحنفيّة فقد أقرّ الصادر والوارد والحاضر والبادي أنّه كان واحد دهره ورجل عصره وكان أتمّ الناس تماماً وكمالاً .

وفي شرح نهج البلاغة للعلّامة الخوئي ، قال : كان عليّ علیه السلام يقذف بمحمّد ولده في مهالك الحرب ويكفّ حسناً وحسيناً عنها وقيل لمحمّد : لم يغرر بك أبوك في الحرب ولا يغرر بالحسن الحسين علیهما السلام ؟ فقال : إنّهما عيناه وأنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينه .

أقول : هذا الجواب منه رحمه الله يكفي في جلالة قدره وسمّو مكانه وخلوص باطنه(1) .. هذا ما قاله العلّامة الكبير ميرزا حبيب الله الموسوي الخوئي في شرحه على نهج البلاغة وهو دليل واضح على المدّعى لأنّه يقول عما كان الإمام يعرض محمّداً إلى الهلاك في زجّه إلى أتون الحرب المتقدة ويصون عنها الحسنين علیهما السلام فلمّا سُئل محمّد عن السبب قال : هما بمنزلة عينيه وأنا بمنزلة يديه والمرئ يدفع عن عينيه بيديه، ثمّ يصل إلى النتيجة من نقله هذا الحديث بأنّه دال قطعاً على خلوص باطنه وصفاء نيّته . ثمّ يذكر نبذة ممّا سبق ذكرنا له ثمّ يقول : وهذا قليل من كثير من مناقب محمّدٍ وفضاله في عهد أبيه، أمّا بعده فقد كان خالصاً في التشيّع ومخلصاً للولاية لأخويه وبعدهما لابن أخيه السجّاد سلام الله عليه .

وفي توحيد الصدوق بسنده عن الحسين بن أبي حمزة قال: سمعت الإمام الصادق علیه السلام يقول : قال أبي علیه السلام : إنّ محمّد بن عليّ بن الحنفيّة كان رجلاً رابط

ص: 241


1- ج 1 ص 335 ( منه رحمه الله ) .

الجأش - وأشار بيده - وكان يطوف بالبيت فاستقبله الحجّاج فقال : قد هممت أن أضرب الذي فيه عيناك ، قال له :محمّد : كلا إنّ الله تبارك اسمه في خلقه كلّ يوم ثلثمائة لحظة أو لمحة فلعلّ إحداهنّ تكفّك عنّي (1) .

وفي رجال المامقاني بعد ذكر الرواية التي سلفت يقول : إنّه تعديل من أمير المؤمنين علیه السلام فإنّ الإباء من أن يعصي الله مرتبة فوق مرتبة العدالة ولا يعقل العصيان ممّن لا يرضى بعصيان غيره ثمّ يسوق حكاية نزّاعة في الإمامة ومحاكمته إلى الحجر الأسود ويذكره بكلّ تجليل .

وفي كتاب «الرجال» الكبير وكتب الرجال كلّها تجد الثناء عليه أينما وجدت اسمه مذكوراً.

وقال أبو نعيم في الحلية : محمّد بن الحنفيّة أحد أبطال صدر الإسلام وكان ورعاً واسع العلم .

ويقول أيضاً في الجزء الثاني من حلية الأولياء ص 174 : ومنهم الإمام اللبيب ذو اللسان الخطيب الشهاب الثاقب والنصاب العاقب صاحب الإشارات الخفية والعبارات الجليّة، أبو القاسم، محمّد بن الحنفية(2)، ثمّ يملأ صحائف سبعاً في مناقبه .

ويقول في عمدة الطالب أحد رجال الدهر في العلم والزهد والعبادة والشجاعة

وهو أفضل ولد عليّ بن أبي طالب علیه السلام بعد الحسن والحسين علیهما السلام ...(3) .

ص: 242


1- التوحيد للصدوق، ص 128 .
2- حلية الأولياء ، ج 3 ص 174 عن محمّد بن الحنفيّة مركز المصطفى .
3- راجع عمدة الطالب هامش ص 353 .

و في كتاب السيّد علي الهاشمي النجفي المعاصر عن العجلي والعسقلاني وابن حيّان أنّ هؤلاء جميعاً نصّوا على أن محمّداً تابعيّ ثقة وكان رجلاً صالحاً يكنّى أبا القاسم لا نعلم أحداً أسند عن عليّ عن النبي ولا أصح مما أسند محمّد بن الحنفيّة.

وقال الأبشيهي في المستظرف : أبو هاشم محمّد بن عليّ بن أبي طالب كان أبوه يلقيه في الوقائع ويتّقي العظائم وهو شديد البأس ثابت الجنان وهو من الطبقة الثانية من الشجعان(1).

وذكر صاحب تقريب التهذيب وصاحب البداية والنهاية والزركلي في الأعلام وغيرهم عبارات تجلّ قدره وتعلي شأنه متقاربة ويمكن استخلاص الجملات التالية من مجموع ما قالوه :

محمّد بن عليّ بن أبي طالب الهاشمي أبو القاسم ابن الحنفيّة المدني ثقة عالم من الطبقة الثانية مات بعد الثمانين وكان من سادات قريش ومن الشجعان المشهورين ومن الأقوياء المذكورين، أحد أبطال الإسلام الأشدّاء في صدر الإسلام وكان واسع العلم ورعاً وأخبار قوّته وشجاعته كثيرة، مولده ووفاته بالمدينة.

وفي كتاب منن الرحمن للشيخ جعفر النقدي ذكره بالعبارات الآتية:

كان محمّد بن الحنفيّة من أورع الناس وأتقاهم بعد أئمّة الدين وكان عالماً عابداً متكلّماً فقيهاً زاهداً شجاعاً كريماً ، خدم والده الكرّار وأخويه السبطين خدمة صادقة، شهد حروب والده وأبلى مع أخيه الحسن علیه السلام بلاءاً حسناً وكانت الكيسانية تقول بإمامته، ولكنّه تبرّأ منهم ومن دعواهم وكان يرى تقديم

ص: 243


1- المستطرف ، ج 1 ص 223 و 477 عن محمد بن الحنفيّة، مركز المصطفى .

زين العابدين فرضاً وديناً وكان لا يتحرّك بحركة لا يرضى بها ، أمّا قضيّة التحاكم إلى الحجر الأسود المشهورة فإنّما كانت منه لإزاحة شكوك الناس في ذلك لما كان يبلغه من ادّعاء الكيسانيّة الإمامة له (1).

وفي هذه العبارات اعتبر محمّداً في الورع والتقوى يأتي بعد الأئمّة وقد جمع خصال الخير من العلم والعبادة والفقه والفصاحة والزهد والشجاعة والكرم وكان دائماً طوع قياد والده علیه السلام وأخويه وكان يطيع الإمام زين العابدين ولا يبرم أمراً

ص: 244


1- أقول : أنا لا أرضى بأهدار عقلي في سبيل أحد وإن كان محمّداً بن الحنفية مع احترامي الشديد له و حبّي واعتزازي به ، إنّ المحاكمة إلى الحجر الأسود لا تدلّ على ما ذهب إليه الشيخ النقدي لأنّه لكي تكون كما وصف ينبغي أن تسبقها مقدّمة وهي أن يتنصّل من الإمامة بلسانه ويعترف بإمامة السجاد بلسانه أيضاً ولكن أتباعه يأبون قبول ذلك منه فعند ذلك يضطرّ للاحتكام إلى الحجر ، أما ولا شيء من ذلك حدث منه فهنا تنشأ مشكلة وهي ما باله لم يصرّح بلسانه ولو مرة واحدة بإمامة زين العابدين ليعلم الناس بما يضمر ، هذا ولو افترضنا جدلاً بأنّ معجزة الحجر وقعت فالذين شاهدوها فئة قليلة في مكّة فمن لكيسانيّة المدينة وكيسانيّة الكوفة وكيسانيّبة البصرة ؟ أفتونا مأجورين. سيقول قائل عنّي أنّي لا أحترم محمّداً بن الحنفيّة، أعوذ بالله من ذلك فأنا أحترمه إلى حد التقديس ولكنّي أحترم معتقدي أيضاً فليقل في حقّي من شاء بما شاء . إنّي أُريد دليلاً مقنعاً، يؤلّف عذراً شرعيّاً لمحمد بن الحنفيّة في الأمور التالية : 1 - تخلّفه عن الحسين ، وقد عرفت موضوع مرضه. 1 - عدم خروج أحد أولاده العشرة معه وقد ظنّ بهم على أخيه حتّى حصدت بعضهم حرب الحرّة راجع عمدة الطالب عن جعفر ولده قتيل الحرّة. 3 - خروجه مع أولاده إلى قاتل أخيه وأسر أخواته يزيد بن معاوية بعد قتل الحسين بأشهر قليلة إن لم يكن بأيّام وأكله على مائدته وقبول جائزته وسماع نقده للحسين واعتذاره عنه ، كل هذا حدث من سيّدنا علیه السلام فهو إن لم يغضب لقتل الحسين فليغضب لأسر زينب على أقل تقدير وقد خطب يزيد لعنه الله ودابن عبّاس كما خطب ودّ محمّد فقارن إن شئت لمعرفة الحقّ بين ما أجاب به ابن عبّاس یزید و بين ما فعله سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام.

دون مشورته، ومحاكمة الحجر الأسود كانت لدفع الشبهة عن أذهان الكيسانيّة (1).

وهذا غيض من فيض ما قاله العلماء من عبارات المدح والثناء على محمّد بن الحنفيّة وقريب من هذا قاله ابن نما في أوّل رسالته عن أخذ الثار.

السابع : قصّة الحجر الأسود

قال القاضي نور الله في مجالس المؤمنين كانت المحاكمة (محاكمة الحجر الأسود) صوريّة وكانت من أجل دفع الشبهة عن مذهب الكيسانيّة، وقضيّة الحجر وشهادته الواردة في كتب كثيرة عن الإمام الباقر كما يلي(2) : عن أبي جعفر علیه السلام قال : لمّا قتل الحسين علیه السلام أرسل محمّد بن الحنفيّة إلى عليّ بن الحسين علیهما السلام فخلا به فقال له : يابن أخي، قد علمت أنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم دفع الوصيّة والإمامة من بعده

ص: 245


1- فهل دفعت هذه الشبهة يرشدنا إلى الحقِّ من أمرها السيد إسماعيل الحميري رحمه الله إنه حضر يوماً وقد ناظره محمّد بن عليّ بن النعمان المعروف بشيطان الطاق (بل مؤمن الطاق) في الإمامة فغلبه محمّد في دفع ابن الحنفيّة عن الإمامة ، فقال السيّد : ألا يا أيها الجدل المعنّي *** لنا ما نحن ويحك والعناء أتبصر ما تقول وأنت كهل *** تراك عليك من ورع رداء ألا إنّ الأئمّة من قريش *** ولاة الحقّ أربعة سواء عليّ والثلاثة من بنيه*** هم أسباطه والأوصياء فأنّى في وصيّته إليهم *** يكون الشك منّا والمراء بهم أوصاهم ودعا إليه *** جميع الخلق لو سمع الدعاء فسبط سبط إيمان وحلم *** وسبط غيّبته كربلاء وسبط لا يذوق الموت حتّى *** يقود الخيل يقدمها اللواء إلى آخر الأبيات / أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني ج 7 ص 178 و 179 .
2- مثل مدينة المعاجز في معاجز زين العابدين ، وذكرها أبو جعفر الطبري الشيعي في إثبات الإمامة ، والراوندي في الخرائج .

إلى أمير المؤمنين علیه السلام ثمّ إلى الحسن علیه السلام ثمّ إلى الحسين علیه السلام ، وقد قتل أبوك رضى الله عنه وصلّى على روحه ولم يوص وأنا عمّك وصنو أبيك وولادتي من عليّ علیه السلام وفي سنّي وقديمي وأنا أحقّ بها منك في حداثتك، فلا تنازعني في الوصيّة والإمامة ولا تحاججني.

فقال له عليّ بن الحسين علیهما السلام : يا عمّ اتّق الله ولا تدع ما ليس لك بحقّ إنّي ، أعظك أن تكون من الجاهلين، إنّ أبي أوصى إليّ قبل أن يتوجّه إلىّ العراق وعهد إليّ في ذلك قبل أن يستشهد بساعة وهذا سلاح رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم عندي فلا تتعرّض لهذا فإنّي أخاف عليك نقص العمر وتشتت الحال ، إن الله عزّ وجلّ جعل الوصيّة والإمامة في عقب الحسين علیه السلام فإذا أردت أن تعلم ذلك فانطلق بنا إلى الحجر الأسود حتّى نتحاكم إليه و ونسأله عن ذلك.

قال أبو جعفر علیه السلام : وكان الكلام بينهما بمكّة فانطلقا حتّى أتيا الحجر الأسود، فقال عليّ بن الحسين علیه السلام محمّد بن الحنفيّة ابدأ أنت فابتهل إلى الله عزّ وجلّ وسله أن ينطق لك الحجر ثمّ سل، فابتهل محمّد بن الحنفيّة في الدعاء وسأل الله ثم دعا الحجر فلم يجبه ، فقال عليّ بن الحسين علیهما السلام : يا عمّ ، لو كنت وصيّاً وإماماً لأجابك (ف) قال له محمّد : فادع الله أنت يابن أخي وسله، فدعا الله عليّ بن الحسين علیهما السلام بما أراد ثم قال : أسألك بالله الذي جعل فيك ميثاق الأنبياء وميثاق الأوصياء وميثاق الناس أجمعين لمّا أخبرتنا من الوصى والإمام بعد الحسين بن عليّ علیهما السلام ؟ قال : فتحرّك الحجر حتّى كاد أن يزول عن موضعه، ثمّ أنطقه الله عزوجل بلسان عربي مبين فقال : اللهمّ إنّ الوصيّة والإمامة بعد الحسين بن عليّ إلى عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب وابن فاطمة بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم. قال :

ص: 246

فانصرف محمّد بن علي وهو يتولّى عليّ بن الحسين علیهما السلام(1).(2)

الثامن : نقل المجلسي في ج 9 ص 617 عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : لم يخرج محمّد بن الحنفيّة من الدنيا حتّى أقرّ بإمامة عليّ بن الحسين علیهما السلام.

التاسع : حكاية أبي خالد الكابلي .. عن أبي بصير قال : سمعت أبا جعفر علیه السلام يقول : كان أبو خالد الكابلي يخدم محمّد بن الحنفيّة دهراً وما كان يشكّ في أنّه إمام حتّى أتاه ذات يوم فقال له: جعلت فداك، إنّ لي حرمة ومودة وانقطاعاً فأسألك بحرمة رسول الله وأمير المؤمنين إلّا أخبرتني أنت الإمام الذي فرض الله طاعته على خلقه، قال: فقال : يا أبا خالد، حلّفتني بالعظيم، الإمام عليّ بن الحسين علیه السلام عليّ وعليك وعلى كلّ مسلم (3).

وفي رواية أخرى التي جاءت في البحار وغيره عن أبي خالد أنّه قدم من كابل شاه إلى المدينة فسمع محمّداً يخاطب عليّ بن الحسين فيقول: يا سيّدي، فقال أبو خالد: أتخاطب ابن أخيك بما لا يخاطبك بمثله ؟! فقال : إنّه حاكمني إلى الحجر الأسود وزعم أنّه ينطقه فصرت معه إليه فسمعت الحجر يقول : يا محمّد ،

ص: 247


1- مدينة المعاجز ، ج 4 ص 279 واللفظ له . الطبري، دلائل الإمامة، ص 207 ؛ إعلام الورى ، ج 1 ص 485 ؛ الكافي ج 1 ص 348؛ مناقب ابن شهر آشوب ، ج 3 ص 288
2- أقول : منطق الحوار بين الإمام علیه السلام وعمه رحمه الله يدل على أنّ الأمر جد وليس من قبيل التمثيل كما يقال ، بل ادّعاء الإمامة صدر من محمّد قطعاً ورده الإمام السجاد إلى الصواب وليس في الرواية ما يدل على أنّ محمّداً قصد أمراً آخر لتفهيم الناس أنّ الإمام غيره ولو كان شيء من هذا وارداً لحكاه الإمام الباقر عن عمه ونقله إلى الناس ، وتبقى المسألة الأهم وهي هل ثنّت شهادة الحجر محمّداً عن هذه الدعوى ؟ لابدّ أن يكون الأمر كذلك .
3- اختيار معرفة الرجال، ج 1 ص 336 عنه مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 288 ؛ مدينة المعاجز ، ج 4 ص 288؛ بحار الأنوار ، ج 42 ص 94 وج 46 ص 46؛ التستري ، قاموس الرجال، ج 10 ص 430 .

سلّم الأمر إلى ابن أخيك فإنّه أحقّ منك (فلمّا سمع أبو خالد ذلك عدل عنه إلى زین العابدين علیه السلام )(1) .

العاشر : رواية أبي بجير عالم الأهواز التي ذكرها ابن نما في أوّل رسالة أخذ الثار من أنّ محمّداً أكبر من زين العابدين سنّاً ويرى تقديمه عليه فرضاً وديناً ولا يتحرّك بحركة إلا بما يهواه ولا ينطق إلّا عن رضاه، ويتأمّر له تأمّر الرعيّة للوالي، ويفضّله تفضيل السيّد على الخادم والمولى ولم يتقلد محمّد أخذ الثأر إلّا إراحة لخاطره الشريف من تحمّل الأثقال والترحال ويدلّ على ذلك ما رويته عن أبي بجير عالم الأهواز وكان يقول بإمامة محمّد ، قال :

حججت فلقيت إمامي وكنت يوماً عنده فمرّ به غلام شابّ فسلّم عليه ، فقام فتلقّاه وقبّل ما بين عينيه وخاطبه بالسيادة ومضى الغلام وعاد محمّد إلى مكانه، فقلت له : عند الله أحتسب عنائي ، فقال : وكيف ذاك ؟ قلت : لأنّا نعتقد أنك الإمام المفترض الطاعة تقوم تتلقى هذا الغلام وتقول له يا سيّدي ؟! فقال : نعم هو والله إمامي ، فقلت : ومن هذا ؟ قال : عليّ بن الحسين علیهما السلام ، اعلم إنّي نازعته الإمامة ونازعني ، فقال لي: أترضى بالحجر الأسود حكماً بيني وبينك؟ فقلت: وكيف نحتكم إلى حجر جماد ؟! فقال : إن إماماً لا يكلّمه الجماد فليس بإمام ، فاستحييت من ذلك وقلت بيني وبينك الحجر الأسود، فقصدنا الحجر وصلّى وصلّيت وتقدّم إليه وقال : أسألك بالذي أودعك مواثيق العباد لنشهد لهم بالموافاة إلّا أخبرتنا من الإمام منّا ؟ فنطق والله الحجر وقال: يا محمّد ، سلّم الأمر إلى ابن أخيك فهو أحق بك وهو إمامك (فلمّا سمع أبو خالد ذلك قال :) فانصرفت من عنده وقد دنت

ص: 248


1- أخبار السيّد الحميري ، ص 168 وبهامشه رجال الكشي ، ص 111 و 113 .

بإمامة عليّ بن الحسين علیهما السلام وتركت القول بالكيسانيّة ..(1) .

وهذا القول المتين من ابن نما يقطع مادّة الشكوك والشبهات عن القاصرين لأنّه يقول قولاً صريحاً ليس فيه لبس بأنّ محمّد بن الحنفيّة كان يقدّم الإمام زين العابدين على نفسه ويرى ذلك واجباً عليه وكان يدور في فلكه ولا ينطق بأمر حتّى يستأذنه وكان يرى نفسه من عمّاله ورعيّته وأتباعه، وكان العبد بين يدي سیّده طاعة وانقياداً ، وكان متصدّراً لأخذ الثأر، وإنّ المختار ثار بأمره وتحرّك لأخذ الثّار بناءً على طلبه، وكان يودّ إرضاء الإمام السجّاد بذلك ويتوخّى له الاستقرار والراحة ما استطاع لذلك سبيلاً(2) .

هذه عشرة أمور اختصرناها وهي كافية وشافية لمن ألقى السمع وهو شهيد، بل جاء في بعض الروايات بأنّ محمّداً بن الحنفيّة كان يقبّل قدمي الإمام السجّاد، ذكر ذلك المامقاني في رجاله في ترجمة محمّد بن الحنفيّة ..(3) .

وفي روضة الصفا و ج 4 شرح ابن أبي الحديد وغيرهما من الكتب أنّ جنازة الإمام الحسن لمّا أُخرجت من داره وركبت عائشة البغلة وقالت : لا أدعكم تدفنون الحسن عند قبر رسول الله ، أقبل عليها محمّد بن الحنفيّة وقال :

ص: 249


1- بحار الأنوار ، ج 46 ص 22 .
2- ثمّ ساق المؤلّف ترجمة حرفيّة للرواية التي سلفت توّاً و أوّلها : حججت ... الخ .
3- نحن يا سيّدي المؤلّف نحبّ ابن الحنفيّه ونواليه بل لا يمكن التصوّر بحقّنا أنّنا ندفعه عن مقامه الكريم ولكننا نريد الحقيقة لأننّا نتعبد في محرابها بل لم يأمرنا الله سبحانه بتطلب غيرها، وهذه الروايات المتناهية الضعف لا يمكن أن تقف في وجه التواتر فقد تواتر ادّعاء ابن الحنفيّة الإمامة بعد شهادة الإمام الحسين علیه السلام وستجد في ديوان كثير عزّة أبياتاً يمدحه بها وقد أنشدها بين يديه وهو راكب وفيها يخاطبه كثير بالإمامة ويبالغ في نعته بها ومحمّد ساكت لا يردّ عليه ولا ينهاه عن ذلك بل لا يقول له كلّا أنا لست الإمام بل الإمام ابن أخي زين العابدين . راجع الديوان تحقيق إحسان عبّاس ، ونسال الله أن يكون الخبر كاذباً لأن محمّداً أعزّ علينا من أرواحنا .

تبغّلت تجمّلت *** وإن عشت تفيّلت

لك التسع من الثمن *** وبالكلّ تصرّفت

ولمّا عجزت عائشة عن الجواب :قالت يابن الحنفيّة، ما بال أبناء فاطمة لا ينطقون وأنت تجيئني بفظاظة ؟ فقال لها الحسين علیه السلام : أتدفعين محمّداً عن فاطمة والله لقد ولده من الفواطم ثلاث : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم، وفاطمة بنت أسد بن هاشم وفاطمة بنت زائدة، إلى آخر ما ورد في الجزء الرابع من (الكلمة التامّة) وفيه ذكر حياة عائشة ما جرى منها من الفوادح على أهل البيت وقوادح الأفعال بالتفصيل (1).

تأبين ابن الحنفيّة للإمام الحسن علیه السلام

روى اليعقوبي الكاتب العبّاسي و «سپهر» في المجلّد الخاصّ بأحوال الإمام الحسن من الناسخ أن الإمام الحسن علیه السلام لمّا أدرج في كفنه تحادرت دموع محمّد ابن الحنفيّة من عينيه وقال : رحمك الله يا أبا محمّد لئن عزّت حياتك فقد هدّت وفاتك ، ونعم الروح روح عمر به بدنك، ولنعم البدن بدن تضمّنه كفنك، ولنعم الكفن كفن تضمّنه لحدك، وكيف لا تكون كذلك وأنت سليل الهدى وحليف أهل التقى وخامس أصحاب الكسا، وجدّك المصطفى وأبوك المرتضى وأُمّك فاطمة

ص: 250


1- الكلام المنسوب لمحمّد بن الحنفيّة هو لابن عبّاس ونسبت أيضاً إلى ابن الحنفيّة والمشهور أنّها لابن عبّاس وإليك الكتب التي أخرجت ذلك : الخرائج و الجرائح، ج 1 ص 243؛ مناقب ابن شهر آشوب ، ج 3 ص 205 ؛ محمد بن الحسن القمّي ، العقد النضيد ، ص 166 و 206 ؛ الشهيد الثالث ، الصوارم المهرقة ، ص 159 ؛ بحار الأنوار ، ج 44 ص 154 وج 109 ص 82؛ قاموس الرجال ، ج 12 ص 300؛ وفي جواهر التاريخ للشيخ علي الكوراني العاملي ، ج 2 ص 246: تهرت قصّة ركوب عائشة البغلة في مصادر الطرفين، يقول محمّد بن الحنفيّة : يا عائشة ، يوماً على بغل ويوماً على جمل، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه فقالت : يابن الحنفيّة، هؤلاء الفواطم يتكلّمون ، فما كلامك (الكافي ، ج 1 ص 302).

الزهراء وعمّك جعفر الطيّار في جنّة المأوى، غذّتك أكفّ الحقِّ، وربّيت في حجر الإسلام، وأرضعتك ثديّ الإيمان، ولك السوابق العظمى والغايات القصوى، فطبت حيّاً وميّتاً ، وإن كانت أنفسنا غير قالية لحياتك ولا شاكة في الخيار لك وأنك وأخاك لسيّدا شباب أهل الجنّة، فعليك يا أبا محمّد منّا السلام(1).

محمّد بن الحنفيّة وابن الزبير

ذكر ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة واليعقوبي في تاريخه عن سعيد بن جبیر قال : خطب عبدالله بن الزبير فنال من عليّ فبلغ ذلك محمّد بن الحنفيّة فجاء إليه وهو يخطب فوضع له كرسي فقطع عليه خطبته وقال: يا معشر العرب شاهت الوجوه، أينتقص علي وأنتم حضور، إنّ عليّاً كان يد الله على أعداء الله وصاعقة من أمره أرسله على الكافرين والجاحدين لحقه، فقتلهم بكفرهم، ألا إنّ عليّاً كان سهماً صائباً على أعداء الله يضرب وجوههم ويأخذ بحناجرهم فثقل عليهم بصرفه الأباطيل ، فشنئوه وأبغضوه وأضمر وا له السيف والحسد وابن عمّه رسول الله حيّ بعد لم يمت فلمّا نقله الله إلى جواره وأحبّ له ما عنده أظهرت له رجال أحقادها وشنفت أضغانها ؛ فمنهم من ابتزّه حقّه ، ومنهم من ائتمر به ليقتله ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل ، فإن يكن لذرّيّته وناصري دعوته دولة ينشر عظامهم ويحفر على أجسادهم والأبدان يومئذٍ بالية بعد أن يقتل الأحياء منهم ويذل رقابهم ويكون الله تعالى قد عذّبهم بأيدينا وأخزاهم ونصرنا عليهم وشفا صدورنا منهم ، والله ما يشتم عليّاً إلّا كافر يستر شتم رسول الله ويخاف أن يبوح به فيكنّي بشتم عليّ عنه، أما قد تخطّت المنية منكم من امتدّ عمره وسمع قول

ص: 251


1- نظم درر السطمين للزرندي الحنفي ، ص 205؛ تاريخ مدينة دمشق ، ج 13 ص 296؛ تاریخ اليعقوبي ، ج 2 ص 325 .

رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فيه : لا يحبّك إلّا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون .

فعاد ابن الزبير إلى خطبته وقال : عذرت بني الفواطم يتكلّمون فما بال ابن أُمّ حنيفة ؟! فقال محمّد بن الحنفيّة يابن أُمّ قتيلة (يابن أُمّ رومان) ومالي لا أتكلّم ؟! وهل فاتني من الفواطم إلّا واحدة ولم يفتني فخرها لأنّها أُمّ أخوي وأنا ابن فاطمة بنت عمران بن عائذ بن مخزوم جدّة رسول الله ، وأنا ابن فاطمة بنت أسد بن هاشم كافلة رسول الله والقائمة مقام أُمّه (آمنة)، والله لولا خديجة بنت خويلد ما تركت في أسد بن عبدالعزى عظماً إلّا هشمته ثمّ قام وانصرف ...(1) .

ومجمل القول أنّ الاحتجاج بين ابن الزبير ومحمّد بن الحنفيّة كثير وظلم ابن الزبير له أكثر فقد حبسه إلّا أن يبايع له أو يحرقه بالنار حتّى سلّمه الله (ومن معه من بني هاشم) بواسطة جنود المختار بن أبي عبيدة وبطون التواريخ متخمة من هذه الأخبار وكذلك ما دار بين محمّد بن الحنفيّة والمختار بن أبي عبيدة من مخاطبات ومكاتبات ووفود محمّد على يزيد وعبدالملك من الشهرة بمكان وقد ذكرها السيّد علي الهاشمي في كتابه «محمّد بن الحنفيّة» ولكنّي صرفت عنان القلم عن الخوض فيها .

رأي محمّد بن الحنفيّة في خروج الإمام الحسين علیه السلام

لمّا عزم الحسين علیه السلام على مغادرة حرم جدّه إلى مكّة أقبل عليه محمّد بن الحنفيّة وقال: يا أخي أنت أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ولست والله أدّخر النصيحة لأحد من الخلق وليس أحد أحقّ بها منك، لأنّك مزاج مائي وروحي

ص: 252


1- شرح ابن أبي الحديد ، ج 4 ص 62 ؛ تاريخ اليعقوبي ، ج 2 ص 262 مع اختلاف يسير بين ما نقله المؤلّف وبينهما .

وبصري وكبير أهل بيتي ومن وجبت طاعته في عنقي لأنّ الله قد شرّفك عليّ وجعلك من سادات أهل الجنّة، تنحّ ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت ثمّ ابعث رسلك إلى الناس ثمّ ادعهم إلى نفسك فإن بايعك الناس حمدت الله على ذلك، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ولا يذهب به مروثتك ولا فضلك فإنّي أخاف عليك أن تدخل مصراً من هذه الأمصار فيختلف الناس بينهم؛ فمنهم طائفة معك، وطائفة عليك فيقتتلون فتكون لأوّل الأسنة غرضاً فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً وأباً وأُمّاً أضيعها دماً وأذلّها أهلاً.

فقال له الحسين فأين أذهب يا أخى (أنزل يا أخى) ؟ قال : انزل مكّة فإن اطمأنّت بك الدار فهو المطلوب، وإن تكن الأخرى خرجت إلى بلاد اليمن فإنّهم أنصار جدّك وأبيك وهم أرأف الناس وأرقّهم قلباً وأوسع الناس بلاداً، فإن اطمأنّت بك الدار وإلّا لحقت بالرمال وشعف الجبال وجزت (خرجت) من بلد إلى بلدٍ حتّى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس فإنّك أصوب رأياً (أصوب ما تكون رأياً - خ ل) حين تستقبل الأمر استقبالاً ويحكم الله بيننا وبين الفاسقين ...(1).

فقال الحسين : يا أخي ، والله لو لم يكن في الدنيا ملجأ ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية فقطع محمّد بن الحنفية عليه الكلام وبكى فبكى الحسين علیه السلام معه ساعة ثمّ قال : جزاك الله خيراً نصحت وأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديداً موفّقاً، وأنا عازم على الخروج إلى مكّة وقد تهيّأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي ، أمرهم أمري ورأيهم رأيي ، وأما أنت يا أخي فلا عليك أن تقيم بالمدينة فتكون لي عيناً عليهم لا تخفي عني شيئاً من أمورهم، ثمّ دعى الحسين علیه السلام بدواة وبياض وكتب هذه الوصيّة :

ص: 253


1- بحار الأنوار ، ج 44 ص 327؛ العوالم ، ص 176 .

وصيّة الحسين علیه السلام لمحمّد بن الحنفيّة

بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أوصى به الحسين بن عليّ بن أبي طالب إلى أخيه محمّد المعروف بابن الحنفيّة أنّ الحسين يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله، جاء بالحقِّ من عند الحقّ ، وأنّ الجنّة حقّ له، والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور وأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أُمّة جدّي أُريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدّي وأبي عليّ بن أبي طالب ؛ فمن قبلني بقول الحقّ فالله أولى بالحقّ ، ومن ردّ عليّ هذا أصبر حتّى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين ، وهذه وصيتي يا أخي إليك وما توفيقي إلّا بالله عليه توكّلت وإليه أنيب، ثمّ طوى الكتاب وختمه بخاتمه ثمّ دفعه إلى أخيه محمّد ثمّ ودّعه وخرج من المدينة (1).

وداع محمّد بن الحنفية للحسين علیه السلام

وفي مكّة حين عزم الإمام الحسين على مغادرتها إلى العراق، خرج محمّد

ص: 254


1- لواعج الأشجان للأمين ، ص 29 . وأمر هذه الوصية مشكل وينبغي علينا التوقف في قبولها لأنّها إن صحّت فستكون مقالة الكيسانية صحيحة أو لها وجه على أقلّ تقدير ، ولو كان الحسين أوصى له فهو إذن الإمام من بعده ولذا لا تجد لها ذكراً عند الأوائل لاسيّما الشيخ المفيد فلم يذكرها في الإرشاد بل لم يشر إليها مطلقاً وليس من المعقول تركه روايتها مع أهميتها القصوى ، اللهم إلا أن يقال بأن الوصيّة خاصة بمحمّد لتكون بمنزلة العذر للحسين عنده عن خروجه ، لأنّ محمداً تداعى إلى ذهنه أنّ الحسين علیه السلام علي خارج لطلب الخلافة دلّ على ذلك فحوى كلامه فأراد الحسين علیه السلام أن يقتلع جذور الشك من ذهنه ويرشده بأنّ المسألة لا تعدو طلب الإصلاح ولا أرب للحسين علیه السلام بالملك ، وفي هذه الحالة حتّى إذا قتل فلا مانع من ذلك ولا تبعة عليه لأنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يستدعي ثمناً باهضاً وربما جر إلى إزهاق الأرواح.

مسرعاً لوداعه وقال له : أنت يا أخي على علم بغدر أهل الكوفة ومكرهم وتعلم حقّ العلم ما عملوه مع أبيك وأخيك وإنّي أخشى اليوم منهم أشدّ الخشية أن يستقبلوك بما استقبلوا به أباك وأخاك من المكيدة والخدعة، فلو أقمت في مكّة لكنت أعزّ من بها، وكانت أحفظ لدمك وحرمتك .

فقال له : يا أخي، أخشى على نفسي الغلبة من يزيد بن معاوية فتنتهك بذلك حرمة البيت .

فقال له محمّد : إن كنت مرتاباً من البقاء في مكّة فسر إلى اليمن أو إلى ثغر من الثغور فإنّه حصن حسين ومعقل أمين، فلا تستطيع يد تمتدّ إليك.

فقال : سأنظر في الأمر الليلة وأُجيل الرأي فيه، فعاد محمّد إلى رحله ولمّا تجلّى الصبح جائه الخبر بأنّ أخاك عازم على السفر إلى العراق وقد تحمّل إليه بأثقاله فأقبل راكضاً حتّى أخذ بزمام فرسه وقال له يا أخي، لقد وعدتني بالنظر فيما عرضته عليك البارحة فما الذي طرأ حتى أزمعت السفر بهذه العجلة ؟

فقال: رأيت جدّي رسول الله بعد ما فارقتني في المنام وقال لي يا حسين، عجّل بالسفر، شاء الله أن يراك قتيلاً، فقال محمّد: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإن كنت عازماً على الموت فما معنى حملك لهؤلاء الأطفال والنسوة ؟! فقال : أمرني جدّي بذلك وقال : شاء الله أن يراهنّ سبايا ، وهنا لم يطق محمّد جواباً .

يقول سبط ابن الجوزي: ولمّا بلغ محمّد بن الحنفيّة مسيره وكان يتوضّأ وبين يديه طشت فبكى حتّى ملأه من دموعه (1).

ص: 255


1- تذكرة خواص الأمة، ص 217 .

ورود أهل البيت المدينة ولقاءهم مع

محمّد بن الحنفيّة

وجاء في الناسخ عن مفتاح البكاء وكذلك في الدمعة الساكبة : ولمّا علم محمّد ابن الحنفيّة بنبأ وصول أهل البيت إلى المدينة قام مسرعاً وخرج من بيته .

وفي رواية الدمعة : ولم يكن محمّد بن الحنفيّة علم بذلك الخبر الشنيع ، فسمع أصواتاً عالية ورجّة عظيمة ، فقال : والله ما رأيت مثل هذه الزلزلة إلّا يوم مات فيه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ما هذه الصيحة ؟ فلم يقدر أحد أن يخبره بسوء لخوفهم عليه من الموت ، لأنّه قد أنحله المرض، فلج في السؤال ، فتقدّم إليه رجل من غلمانه وقال : جعلت فداك يا بن أمير المؤمنين ، إنّ أخاك الحسين قد أتى أهل الكوفة وغدروا به وقتلوا ابن عمّه مسلم بن عقيل فرجع عنهم وأتى بأهله وأصحابه سالمين، فقال له: لم لا يدخل عليّ أخي ؟ قالوا : ينتظر قدومك إليه، ثمّ نهض فوقع تارة يقوم وتارة يسقط ، ثمّ يقول : لا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم، فحسّ قلبه بالشر ، فقال : إنّ فيها والله مصائب آل يعقوب علیه السلام (ولمّا خرج خارج المدينة ووقعت عينه على الأعلام السود، عرف الحكاية فوقع على الأرض مغشيّاً عليه فهرع الموالى إلى الإمام زين العابدين وأعلموه بما جرى لعمّه محمّد فأقبل عليه الإمام وحمل رأسه من الأرض ووضعه في حجره فلمّا افاق ووقعت عينه على الإمام السجاد علیه السلام تنفّس الصعداء وقال :) أين أخى ؟ أين ثمرة فؤادي ؟ أين الحسين علیه السلام ؟ أين قرّة عيني ؟ أين نور بصري ؟ أين أبوك؟ أين خليفة أبي ؟ أين خليفة أخي الحسن علیه السلام؟

فقال علي علیه السلام: يا عمّاه ، أتيتك يتيماً ليس معي إلّا نساء حاسرات في الذيول،

ص: 256

عاثرات باكيات نادبات وللمحامي فاقدات يا عمّاه لو تنظر إلى أخيك وهو يستغيث فلا يغاث، ويستجير فلا يجار، مات وهو عطشان والماء يشربه كلّ حيوان.

فصرخ محمّد بن الحنفيّة حتّى غشي عليه (ثمّ قام من مكانه ودخل داره وبقي ثلاثة أيّام لم يخرج إلى الناس ..)(1).

ص: 257


1- الدمعة الساكبة ، ج 5 ص 163 و 164 و 165 . وكان الجمع بين ما ذكره المؤلّف وبين نصّ المصدر صعباً للغاية لأنّ المؤلّف تصرّف بالنصّ بالزيادة والنقصان ولم يمكنا الجمع بأكثر مما تراه وقد وضعنا زيادات المؤلّف بين قوسين. وقال المؤلّف في الهامش: وأما ما ذكره أبو مخنف من أنّ محمّداً لبس سلاحه بعد ثلاثة أيّام من وصول الخبر وركب جواده وذهب إلى جبل رضوى فاستخفى فيه ولم يظهر إلّا أيَّام المختار ، فإن هذا القول لا أصل له و تعارضه أخبار كثيرة تدل على كذبه من قبيل حواره مع الإمام السجّاد ووفوده على يزيد وعبدالملك ونزاعه مع ابن الزبير وغير ذلك من الأخبار .

تتمة نافعةٌ في ذكر نُتَف مفيدة من حياة المختار بن أبي عبيدة الثقفي

تتمّة نافعة في ذكر نُتَف مفيدة من حياة

المختار بن أبي عبيدة الثقفي عليه الرحمة

ولد المختار في الطائف في العالم الأوّل من الهجرة النبويّة، وفي السنة السابعة بعد الستّين استشهد على يد مصعب بن الزبير وكان يومئذ ابن السابعة والستين ويكنى أبا إسحاق، ويلقب بكيسان ، وقتل أبوه أيام عمر بن الخطّاب في حربه مع الفرس، وأُمّه تدعى : دومة بنت وهب بن عمر بن معتب. وقد كتب العلماء والأخباريّون كتباً عدة تتناول حياته وأيّامه منها كتاب «المختار الثقفي» تأليف العلّامة أحمد الدجيلي، وكتاب «أصدق الأخبار في قصّة المختار» تأليف العلّامة الخبير السيّد محسن العاملي، وكتاب «تنزيه المختار» للعلّامة المتتبع سيّدنا الأجل السيّد عبدالرزاق المقرّم النجفي، وكتاب «ذوب النضار في أخذ الثار» لابن نما، وکتاب «مختار نامه» و جلد «مشكاة الأدب» من ناسخ التواريخ الخاص بالإمام زين العابدين وغيرها، وأنا استخرجت خلاصة هذه الكتب وزبدة مضامينها في هذه الأوراق إتماماً للفائدة.

قبية ثقيف

المختار من قبيلة بني ثقيف(1) وأصلهم عرب من أهل الطائف، والطائف بلدة

ص: 258


1- قال ياقوت الحموي : اسم ،ثقيف قسي بن منبه ، فغرس قسي «تلك القضبان بوادي وج فنبتت فلمّا أثمرت قالوا : قاتله الله كيف ثقف عامراً ... فسمّي ثقيفاً من يومئذٍ ، فلم يزل تقيف مع عدوان حتّى كثر ولده وربوا وقوي جأشهم. راجع معجم البلدان ، ج 4 ص 10 بتصرّف.

تقع على متن وادٍ يدعى «وج» الواقع في الجنوب الشرقي من مكّة، وبينهما خمس وسبعون ميلاً، ويرتفع عن سطح البحر بخمسة آلاف قدم، وتنبت الفواكه المختلفة ذات الوفرة، ومائها عذب جدّاً، وهوائها معتدل عليل، وفتحت الطائف بأيدي المسلمين في السنة التاسعة للهجرة.

جدّ المختار لأبيه هو مسعود بن عمرو ذو السيادة واليسار، ونزلت هذه الآية في حقه عن لسان المشركين : (لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُل مِنَ الْقَرْيَتَين )(1) وهما مكّة والطائف، والرجلان هما مسعود بن عمرو وكان من أهل الطائف والوليد بن المغيرة وهو من أهل مكّة، وهو القائل: إن كان ما يقوله محمّد حقّاً فإنّ القرآن ينبغي أن ينزل عليّ أو على مسعود بن عمرو لغنانا وكثرة أموالنا .

أبو المختار

كان أبو عبيدة من كبار الصحابة، وكان قائد المسلمين في حروب القادسيّة، وقد ظهرت منه البسالة والشجاعة الفائقة، وأخيراً استشهد في العام الثالث عشر من الهجرة في سلخ شهر رمضان وكان عمر المختار يومئذ ثلاثة عشر عاماً. وأراد الاشتراك في الحرب للأخذ بثأر أبيه ولكن عمه سعداً حال بينه وبين ذلك ولكن أخويه حكماً وجبراً قاتلاً قتالاً شديداً فقتلا من العدوّ جمعاً ثمّ قُتلا. وكان عمّه سعد على المدائن في خلافة أمير المؤمنين علیه السلام وبقي عليها حتّى خلافة الحسن علیه السلام ، ونزل عليه الإمام الحسن علیه السلام عندما جرحه اللعين جرّاح بن سنان ا بمغولة وكان مطيعاً للإمام علیه السلام يكاد يفارقه طرفة عين، ويظهر من كتاب «الأخبار

ص: 259


1- الزخرف: 31.

الطوال»(1) أنّ سعداً كان حاضراً في حرب الجمل وصفّين ، وقد عقد له الإمام راية في حرب الجمل وأمّره على قيس وعبس وذبيان وسائر رجالهم. وكان سعد يستخلف المختار على المدائن إذا عنّ له أمر ، فكان يدير أمور الولاية على الوجه الأتمّ ويرتق الفتوق السياسيّة وغيرها بكفّه الصنّاع المقتدرة كما نصّ على ذلك في الإصابة(2).

أُم المختار

أُمّه دومة بنت وهب بن معتب سيّدة جليلة من قبيلة ثقيف رأى أبو عبيدة زوجها في المنام هاتفاً يهتف به (تزوّج دومة فما تسمع فيها للائم لومة)(3) فتزوجها على أثر هذه الرؤيا فأولدها أولاداً أشهرهم ذكراً المختار ، وكانت والدته قد رأيت في منامها وهي حاملة به من بشّرها بقوله: ابشري بالولد أشبه شيء بالأسد، ولم يقتل مع أبيه في حرب القادسيّة إلّا أخواه الحكم وجبر كما سلفت الإشارة إلى ذلك، ولم يعلم عن باقي إخوته كأسيد أبو أُميّة شيء، وله أخت واحدة اسمها صفيّة وقد تزوّجها عبدالله بن عمر بن الخطاب وقد أدركت صحبة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وكان نافع مولى ابن عمر يروي عنها كما ذكر ذلك ابن عبدالبر في الاستيعاب وهي تروي عن عائشة .

وكيفما كان فإنّ هذه المرأة كانت تحبّ المختار حبّاً شديداً من ثَمّ ما برحت تحثَ زوجها عبدالله بن عمر في الليل والنهار على خلاصه من السجن، ولمّا أُطلق المختار من السجن زار أخته في المدينة وحين رأت الأثر الذي تركه سوط

ص: 260


1- ص 148 (منه) .
2- ج 3 ص 78 ( منه ) .
3- ذوب النضار لابن نما الحلي ، ص 59 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 350 ؛ العوالم ، ص 629 .

ابن زياد في عينه شهقت شهقت عاليه وهوت إلى الأرض مغمّى عليها وعلى أثر ذلك فارقت الحياة كما روى ذلك الأسفراييني في قرّة العين وأبو مخنف.

أولاده وأزواجه

تزوّج المختار عدداً من الزوجات ذكر المؤرّخون ثلاثاً منهنّ ، إحداهنّ : أُمّ زيد الصغرى بنت سعد بن عمرو بن نفيل (ذكرها في المختار الثقفي ص 15) . والثانية : أُمّ ثابت بنت سمرة بن جندب، والثالثة عمرة بنت النعمان بن بشير الأنصاري وقد ترجمنا لهما في كتاب «رياحين الشريعة».

وكانت عمرة سيّدة جليلة ،وفيّة، وكانت متفانية في ولاء أمير المؤمنين علیه السلام وقتلها مصعب بن الزبير(1) وله ولد يكنّى أبا محمّد ويدعى الحكم بن المختار من أصحاب الإمام الباقر، وسوف يأتي في محلّه .

ومجمل القول : أسرة المختار كلّهم من شيعة الإمام حيدر الكرّار علیه السلام.

سبب تلقيبه بكيسان ونشأته الطيّبة

جاء في كتاب «المختار الثقفي» أنّ أباه أبا عبيدة أقبل به - وهو طفل - إلى الإمام أمير المؤمنين فأجلسه الإمام علیه السلام على ركبتيه وراح يمسح رأسه وهو يقول: يا كيس يا كيس ومعناه الذكي النابه ، إلّا أنّ عدوّ المختار كساه بزّة أخرى ونسب إليه مذهب الكيسانيّة وقالوا: هو مخترعه، وتحقيق المسألة كالتالي :

كانت الكيسانيّة تقول بإمامة محمّد بن الحنفيّة بل غالى بعضهم فزعم أنّ إمامته كانت من قبل أبيه وقد ورثها منه وبناءاً على هذا فإنّ صلح الحسن وثورة

ص: 261


1- قالت :عمرة : هذه شهادة أرزقها ثمّ الجنّة والقدوم على رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بيته ثم قالت : والله لا يكون آتي ( مع ) ابن هند فأتبعه وأترك ابن أبي طالب وشيعته ، اللهمّ اشهد أنّي متّبعة نبيّك و ابن نبيّه وأهل بيته وشيعته ، فأمر بها مصعب فأخرجت ما بين الحيرة والكوفة وقتلت صبراً .

الحسين علیهما السلام كان بإيعاز منه ، ولو لم يكن الأمر بإذنه لأوشكا - نعوذ بالله - أن يضلّا ومن هذا القول الساقط نشأ القول بالحلول والتناسخ.

وقال بعضهم : كانت إمامة محمّد كانت إمامة محمّد بن الحنفيّة قد انعقدت له بعد شهادة أخيه الحسين وهو حيّ وقد غاب في جبل رضوى وسوف يخرج في آخر الزمان وهو المهدي الموعود ويظهر من الأخبار التي نوردها بعد هذا الفصل أنّ ظهوره بمنزلة ظهور الشمس في رائعة النهار والحقيقة أنّ ساحة المختار مبرّأة من هذه الدعاوي مضافاً إلى أنّ هذا المذهب منسوب إلى كيسان بن أبي عمرة مولى أمير المؤمنين علیه السلام كما صرّح بذلك الطبري في تاريخه والشهرستاني في الملل والنحل وغيرهما، وتردّد بعضهم بنسبة المذهب بين المختار وأبي عمرة.

وصفوة القول : إنّ المختار بريء ممّا ينسب إليه وأنّه من تهم ذوي الشنئان الذين اتّهموه بها والذي يظهر من روايات المؤرّخين أنّ المختار نشأ في الطائف حيث يقيم الثقفيّون أعمامه وقضى طفولته هناك في ذلك المناخ الطلق المعتدل و تنسّم تلك النسائم العليلة حتّى ناهز الثالثة عشر من العمر، وعرف بالفروسية وشديد الرماية وقوة المصارعة حتى فاق أقرانه ، وكان من حيث الذكاء ونقاء الفطرة والفصاحة والاستعداد من الطراز الأوّل، ولمّا استشهد والده في حروب القادسية أقام هو بالمدينة المنوّرة وكان يحضر مجالس الصحابة ويقيم معهم ويراود محافل التابعين ويكتسب من فيوضاتهم العلميّة لاسيمّا أمير المؤمنين وسائر بني هاشم.

وفي عهد عمر وعثمان كان يؤسيه ما ينزل بأهل البيت من الظلم والغمط ويؤلمه غصب حقّهم حتّى قتل عثمان ومال الناس إلى أمير المؤمنين فبايعوه. وممّا لا ريب فيه أنّ المختار كان ممّن بايعه يومئذ، واصطحب عمّه سعد بن مسعود إلّا أنّنا لا نعثر له على ذكر في حرب الجمل وصفّين ، والاحتمال قائم على

ص: 262

أنّة منضو تحت قيادة عمّه وكان عمّه يستخلفه إمّا على المدينة أو على المدائن عندما يغيب عنها لإصلاح بعض الأمور.

وقال ابن نما في «رسالة أخذ الثار»: فلمّا ولي المغيرة بن شعبة الكوفة من قبل معاوية - لعنه الله - رحل المختار إلى المدينة وكان يجالس محمّد بن الحنفيّة ويأخذ عنه الأحاديث (1).

وأقام في الكوفة أيّام معاوية بن أبي سفيان بالقرب من المسجد وكانت له ضيعة يأكل منها .

وقال ابن نما في ذوب النضار «رسالة أخذ الثار»: ففي بعض الأيّام لقيه معبد بن خالد الجدلي - جديلة قيس - فقال له : يا معبد ، إنّ أهل الكتاب ذكروا أنّهم يجدون رجلاً من ثقيف يقتل الجبّارين وينصر المظلومين ويأخذ بثار المستضعفين ووصفوا صفته فلم يذكروا صفة للرجل إلّا وهي فيّ غير خصلتين أنّه شابّ وأنا قد جاوزت الستّين، وإنّه رديء البصر وأنا أبصر من عقاب . فقال معبد: أمّا السنّ فإنّ ابن الستّين والسبعين عند أهل ذلك الزمان شابّ، وأمّا بصرك فما تدري ما يحدث الله فيه لعلّه يكلّ. قال: عسى ، فلم يزل على ذلك حتّى مات معاوية وولي يزيد (2).

القول في سبب حبسه

بعد هلاك معاوية أقبلت الكتب من أهل الكوفة إلى الحسين علیه السلام حتّى أرسل إليهم مسلماً بن عقيل، فنزل مسلم بدار المختار بن أبي عبيدة ولو علم بصلاح غيره لنشر الدعوة لما فاته .. وليس نزوله على المختار بالأمر السهل أو الهيّن.

ومجمل القول أنّ المختار أخذ يدعو الناس إلى بيعة مسلم ويحرّضهم على

ص: 263


1- ذوب النضار ، ص 68 .
2- ذوب النضار لابن نما الحلّي، ص 68 .

ذلك حتّى بايعه ثمانية عشر ألفاً بذلوا له الطاعة وألقوا إليه زمام القيادة، وانتظروا بالقيام خروج النعمان بن بشير من الكوفة ، ولكن قدوم ابن زياد إليه أرجأ الأمر وخرج مسلم من بيت المختار لئلّا يعلم به أحد ونزل بدار هاني بن عروة.

وفي كتاب «المختار الثقفي» يقول : ما كان المختار يظنّ أنّ أهل الكوفة ينكثون بيعة مسلم ويلجأون إلى ابن زياد فذهب إلى ضيعته وتدعى «لقفاً» وتقع خارج الكوفة، وجائه الخبر عن غدر الكوفة بمسلم ، فحمي غضبه وعقد راية خضراء وأعطاها عبد الله بن الحارث وأقبل ومعه الموالى وناس من ثقيف من الضيعة حتّى باب الفيل في مسجد الكوفة، فرأى الجيش قد طوّق الكوفة والناس يقبلون زرافات ووحداناً على ابن زياد لأخذ البيعة، فعلم أنّه بهذا العدد القليل لا طاقة له على مناجزة جيش بأسره، فقال له :أصحابه هلم ندخل تحت راية الأمان التي رفعها عمرو بن حريث حتّى نرى لمن عاقبة الأمر ؟ وطمأنه عمرو على إنقاذه من القتل والعمل على فكاكه فرضي بذلك مكرهاً وانضمّ إلى عمرو بن حريث وهو في غاية الحزن والكتابة حتّى أمر ابن زياد بإحضاره ولمّا وقعت عينه عليه ناداه وهو غاضب : أنت المقبل في الجموع لتنصر ابن عقيل وتتولى أبا تراب وولده ؟

فقال : أمّا علىّ وأولاده فأنّا أتولاهم لأنّ الله ورسوله يحبّهم ولكنّي لم أنصر مسلم وجئت من ضيعتي إلى بيتي وشهد له عمرو بن حريث بذلك ولكن ابن زياد عتى وتجبّر ولم يقنّع بقول ابن حريث وراح يقنّع المختار بكل قوّة بسوطه حتّى شتر عينه وجرت دمائه، وأمر ابن زياد عندئذ بسجنه، وسجنه في الطامورة وهو أخبث سجونه، وبقي في السجن حتّى سجن معه ميثم التمّار فبشّره ميثم وهو في السجن قائلاً: يا أبا إسحاق، ستخرج قريباً من هذا السجن وتقتل عبيدالله بن زياد، فقوي فؤاد المختار من هذه البشارة وكان واثقاً أنّ ما قاله له ميثم هو من غيبيّات أمير المؤمنين وعلمه الصحيح فوثق بالسلامة من السجن والنجاة ...

ص: 264

أقوال فى نجاته من السجن وقصّة عمير بن عامر

جاء في الجزء الأوّل المختصّ بأحوال الإمام السجاد علیه السلام زين العابدين من ناسخ التواريخ ، وكتاب قرّة العين للإسفراييني وأبي مخنف أنّ رجلاً من شيعة أميرالمؤمنين ويدعى عمير بن عامر المعلّم الكوفي كان يعلّم الصبيان في الكوفة ويتعيّش من هذه المهنة فاتّفق يوماً أنّ أعرابيّاً دخل الدار التي يتعلّم فيها الصبيان وكان طمئآناً فرأى جرّة ماء فشرب منها وترحّم على الحسين علیه السلام ولعن قاتله، فقام طفل من المتعلّمين وهو ابن سنان بن أنس فلطم الأعرابيّ لطمة قويّة وقال : يا بدويّ، ألا تعلم أنّ قاتل الحسين هو أبي، وسأخبر ابن زياد بأمرك حتّى يقطع عنقك ويفري أوداجك، فرأى عمير أن فتنة أوشكت أن تقع فقام واحتضن الطفل وقبّل وجهه وأشار إلى الرجل بالهرب وأقبل على الطفل يكلّمه بالكلام الرقيق ويطلب منه أن لا يفشي هذا السرّ، فسكت الطفل وهو لعين ابن لعين حتّى عاد إلى البيت، فدخل خربة وأخذ ينطح رأسه بجدارها حتّى أدماه وأدمى وجهه ودخل بيته على هذه الصورة المدماة فسألته أُمّه عمّا جرى له ، فقال : إنّ المعلّم عمير بالغ في سبّ الأمير عبيد الله وسبّ أبي فلمّا نهيته عن ذلك ضربني ضرباً مبرحاً حتى أدماني ، ولمّا علم أبوه بالحادث أسرع الخُطى إلى ابن زياد لعنهما الله وأخبره بما جرى فغضب ابن زياد غضباً شديداً وأمر بإحضار عمير فوراً وبعد أن علاه بالسوط ضرباً أمر برميه في الطامورة، فسمع عمير أنيناً يصكّ سمعه من أحد جوانبها ولما وقف على الصوت علم أنّه المختار بن أبي عبيدة الثقفي، فلمّا رآه المختار عرفه فسأله: لماذا سجنوك ؟ فحكى له ما جرى عليه من ابن سنان، فقال له المختار: لاضير عليك سوف يطلق سراحك عن قريب ولو مننت عليّ بقرطاس والقلم والدواة لكي أكتب رسالة إلى صهري عبدالله بن عمر لعلّه يستطيع تخليصنا

ص: 265

من هذا السجن فقال له عمير : اطمئنّ سأنجز لك هذا العمل وسوف أعمل جهدي في ذلك .

من ناحيةٍ أُخرى: لمّا بلغ ابنة أُخت عمير حادثة سجنه وكانت حاضنة الحصينة زوج ابن زياد ومرضعة لأولادها غضبت غضباً شديداً فحملت ولداً لابن زياد إلى أُمّه حصينة ودخلت عليها وهي تقول: أهذا جزائي منكم على عنائي في حضانة ابنكم ، فقد عمد زوجك ابن زياد إلى خالي فأوسعه ضرباً بالسياط بشهادة فتى غرّ كاذب ورماه في قعر سجن مظلم، فهذا ولدك خذيه فلا طاقة لي بعد اليوم على رضاعه و حضانته ، فاضطربت حصينة من قولها وطمأنتها قائلة : لا يأتي المساء حتّى يكون خالك اليوم طليقاً، ولما عاد ابن زياد إلى بيته عتبت عليه حصينة ولامته وعنّفته فلمّا استوضحها عن السبب، حكت له حصينة الذي جرى وقالت: أريد منك إطلاقه الساعة ... وأن تعتذر إليه وتخلع عليه، وكانت الحصينة عند ابن زياد منزلة رفيعة، فوعدها ابن زياد بتلبية رغبتها فأطلق لها عميراً واعتذر إليه بعد أن خلع عليه خلعة فاخرة.

فلمّا رجع عمير إلى بيته عمل بالمال الذي أعطاه ابن زياد إيّاه مأدبة فاخرة وحملها إلى حارس السجن فلم يكن في بيته فسلّم الهدية إلى أهله، ولمّا عاد السجّان إلى منزله ورأى الهديّة النفيسة في البيت حدّثته نفسه بأن عميراً لابد وأن يريده على عمل يؤدّيه له وعمل عمير في اليوم الثاني نظير تلك الهدية وحملها إلى بيت السجّان، فقال له السجّان حينئذ ما حاجتك يا عمير ؟ فقال : ليس لي حاجة ولكنّي نذرت نذراً لئن أنجاني الله من السجن لأهدينّ لك هذه الهديّة، فقال السجّان: أصدقني بحق مولانا الحسين علیه السلام وقل لي بحاجتك فسأقضيها لك إن شاء الله .

وحين سمع عمير باسم الحسين بكى بكاءاً عالياً ثمّ أخبره بحاجته وقال:

ص: 266

احمل إلى المختار بياضاً ودواة وقلماً في السجن، فقال له السجّان : لا تخش شيئاً فسوف يبلغه ذلك غداً، ولكن أحضر خبزاً غداً وضع الأدوات بين الأرغفة وجئني بهذا إلى السجن وقل: إنّي نذرت نذراً إن خلّصني الله أن أهدي هذا الخبز إلى أهل السجن فأطعمهم إيَّاه والآن جئت لأفي بنذري، وسوف أشتمك وأدفعك عنّى، فألحف عليّ بالسؤال وقل لى: احمله أنت بنفسك، فإذا قلت لي ذلك فسآخذ منك الطبق وأوصل حاجة المختار إليه، ثمّ أأخذ منه الكتاب وآتيك به، فعمل عمیر بما أوصاه السجّان وعاد بالكتاب إلى بيته وأعدّ العُدّة للسفر إلى الحجاز وجاء ابن زياد وقال : إنّي عزمت على السفر إلى مكّة فأعطاه ابن زياد راحلتين و دراهم كثيرة فخرج عمير ينحو المدينة وكان ابن زياد قد اشترط عليه أن لا يلقى في سفره عبدالله بن عمر، ولكن عمير ما إنّ بلغ المدينة وطاف بقبر النبي صلی الله علیه وآله وسلم حتّى أسرع إلى ملاقات عبد الله بن عمر، وحين دخل عليه وجد زوجه صفيّة وهي أُخت المختار تعاتبه وهي دامعة الطرف وتقول له : مالك تغضي عمّا حدث لأخي فلا تكتب كتاباً لأعلم ما الذي جرى له من عدوّه وقد مرّ زمان وأنا لا أعلم ما الذي صنع به هذا الجائر.

وعندئذٍ كشف عمير عن شخصه وقال : أنا رسول المختار إليكم وهذا كتابه ، فلمّا قرأ عبدالله الكتاب بشّر زوجه بسلامته وقال : دعيني أسأل عميراً عن شأن المختار وضرب بينهما ستراً وجلست صفيّة ورائه وراحت تسأله أخيها وما عن أن أخبرها بضرب ابن زياد له وشتر عينه وجريان الدماء منها حتّى جزعت صفية وقامت من مجلسها وجزّت شعرها وربطته في منديل وقذفت به عبدالله وقالت : لا يضمني وإياك سقف واحد حتّى يخلص أخي. وقال لها عبد الله : ما الذي أصنعه ولا أجد رسولاً يحمل كتابي إلى يزيد بن معاوية ؟ فقال عمير: سأكون أنا الرسول فقام عبد الله وكتب الكتاب إلى يزيد ، فتناول عمير الكتاب بيده وخرج ناحية الشام

ص: 267

وبقي أربعة عشر يوماً في حيره لا يجد منفذاً ينفذ به إلى يزيد وكان يحضر في المسجد ولا يجد الجرأة التي تمكّنه من لقائه .

وبما أنّ أهل الشام تغيّرت قلوبهم على يزيد بعد قتل سيّدالشهداء فقد منعوا أحداً من الوصول إليه حتّى تفرّس ذات يوم بعمير إمام جماعة المسجد فعلم أنّه رجل من أهل العراق فاصطحبه إلى بيته وراح يسأله عن حاله، وما كان عمير ليجرأ بالبوح بمقصده إلى أن خاطبه إمام جماعة المسجد ذات يوم قائلاً: أيّها الضيف العزيز، ناشدتك بمولانا الإمام الحسين علیه السلام إلّا ما أخبرتني بما تضمر لعلّي أعينك ، فلمّا سمع عمير اسم الحسين علیه السلام انهمرت الدموع من عينيه وأخذ يبكي من دون اختياره ثمّ شرع يقصّ عليه الحكاية من الأوّل إلى الآخر ، فقال الرجل: الله أكبر ، فلو أنّك يُحتَ بغرضك لغيري لما قضيت لك حاجة، والآن ستكون ذريعتك إلى غرضك ذهابك غداً إلى الحمّام وسوف أرسل لك ثياب جندي فالبسها وتطيّب واقصد قصر يزيد فسوف تجد هناك قوماً من الجند فلا تحيهم ولا تلطف بهم وادخل مسرعاً فستجد مكاناً رحباً مفروشاً بالفراش الملوكي وعلى اليمين مصطبّتان وعلى اليسار مثلهما وعليهما جماعة من الحرس فلا تلقى بالاً لهما ، واجتز المكان مسرعاً فستصل إلى الحاجز الثاني وهناك تجد الأرض قد كسيت بالديباج وعلى الجانبين مصطبتان ؛ لكلّ جانب منهما اثنتان وعليها الدروع والسيوف معلّقة فاجتز من هناك وستصل إلى الحاجز الثالث وهناك تجد الرياش أوفر والتزيّن أكثر، والأرض مفروشة بالديباج الأحمر فاجتز المكان مسرعاً إلى الحجاز الرابع وستجد قوماً هناك يقال لهم «الطشتية» لأنّهم حملوا رأس مولانا إلى يزيد لعنه الله في طشت، فلا تلقي لهم بالاً واجتزهم إلى الحجاز الخامس وفيه قد فرشت أرضه بالديباج الأصفر وعلى اليمين واليسار مصطبّتان عليهما الغلمان الصقالبة يروحون عنهم بالمراوح وهؤلاء مستشاروا يزيد

ص: 268

فاجتزهم إلى الحجاز السادس فستجد الأرض قد فرش بالحشايا من ريش النعام ولا تجد هناك أحداً من الناس ومنه تنفذ إلى الحجاز السابع وسوف تلاقيك عمارة شاهقة وعليها غلام جميل الشكل مليح الصورة، يرتدي الثياب السود لأنّه لم يخلع السواد عنه منذ استشهد الإمام الحسين علیه السلام ويزيد مشغول به قد ملك عليه لبه ، وخوّله كلّ ما يملك وأسند إليه أُمور القصر كلّها، وأمر أهل القصر بطاعته وهو لا يأكل إلّا من كلّ يمينه ولم يذق طعام يزيد، فأعطه الكتاب وسوف تحصل على ما تريد.

قال عمير فعملت بما أوصاني به حتّى وصلت إلى ذلك الفتى، فلمّا وقعت عينه عليّ قال لي : أنت عمير بن عامر الهمداني ؟! قلت له: أجل ولكن أخبرني كيف عرفتني وأنت لم ترني؟ ومن أين علمت حاجتي ؟ فقال لي : جائني مولاي الحسين في المنام قبل حضورك بأربعة عشرة ليلة وقال لي: سيأتيك من رجل يدعى عمير بن عامر الكوفي ومعه كتاب من المختار فاقض حاجته وها أنا قائم على جمر انتظارك فأقم هنا حتى يخرج يزيد اللعين من الحمام فإذا ما خرج قضيت لك حاجتك .

قال عمير : فبينما أنا على هذه الحال وإذا بي أبصر غلامين كأحسن ما خلق الله من الغلمان وعليهما أقبية الديباج والدمقس والزنانير المطعمة بالذهب وفي يد أحدهما جام قد أُذيب فيه فتيت المسك ، وفي الأخرى جام مليء بماء الورد وهما يخطوان باتجاه الحمام الواقع في منتهى الدهليز ، فلمّا خرج يزيد من الحمام سكبا عليه الجامين وحينئذ ملئت عيني من يزيد لعنه الله فلم أشاهد عليه سيماء الملوك، فقد كان حالك الجبين وعلى خرطومه أثر ضربة واضحة وله شفتان غليظتان وفي يده عصى ، وقد حفروا على خشبة العصى قوله : لا إله إلّا الله محمّد رسول الله ، يزيد أمير المؤمنين، وفي رجليه نعلان مطرّزان بالذهب، فتقدّم نحوه

ص: 269

الغلام وقال له: من يوم قتلت سيّدي الحسين وأنت تعدني قضاء حاجة في كلّ يوم، وإلى اليوم لم أسألك حاجة واحدة والآن أريد منك أن تجيب على هذا الكتاب.

فلمّا قرأ يزيد الكتاب قال للفتى : لو طلبت منّي مأة ألف دينار لكان أسهل عليّ من ذلك، ولكن لابدّ من الوفاء لك ، ثمّ عمد إلى كتابة الجواب فيه إطلاق المختار والاعتذار منه والخلع عليه، وإعطائه راحلة يسافر عليها وتهيئة وسيلة ذلك ليلحق بعبدالله بن عمر، وتناول عمير الكتاب مسرعاً وجد بالسير حتّى وصل الكوفة ودفع الكتاب إلى ابن زياد، فلمّا اطّلع عليه قال له: ويحك يا عمير، فعلت فعلتك ، ثمّ أطلق سراح المختار من السجن وأمر له بحمام وخلعة فاخرة، وقال له اخرج من الكوفة وقد أمهلتك ثلاثة أيّام، فسأضرب عنقك إن وجدتك فيها بعد ذلك. فجاء المختار مع عمير بن عامر إلى بيته واستعد من يومئذ للسفر إلى المدينة وفي الطريق رآه أحد أصحابه فسأله عمّا آل إليه أمره وعمّا جرى لعينه ، قال : شترها ابن الزانية عبيد الله بن زياد وبناءاً على ما رواه الطبري أنّ لقائه بالرجل كان في واقصة ، والرجل يدعى ابن عرق مولّى لثقيف، وقال للمختار حين رآه : مالي أراى عينك على هذه الحال ، قال : فعل بي ذلك ابن الزانية - ويعني به ابن زياد - قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأعضائه إربا إرباً ، ولأقتلنّ بالحسين عدد الذين قتلوا بيحيى بن زكريّا وهم سبعون ألفاً) (1).

ص: 270


1- تاريخ الطبري ، ج 7 ص 59 (منه رحمه الله) . وسياق الطبري كما يلي : ما بال عينك صرف الله عنك السوء؟ قال : خبط عيني ابن الزانية بالقضيب خبطة صارت إلى ما تری، فقلت له : ماله شلت أنامله ، فقال المختار : قتلني الله إن لم أقطع أنامله وأباجله وأعضاءه إربا إرباً، فعجبت لمقالته فقلت له : ما علمك بذلك رحمك الله ، فقال لي : ما أقول لك فاحفظه ... الخ . تاريخ الطبري ، ج 4 ص 442 .

ومجمل القول : إنّ المختار وصل إلى المدينة ودخل على عبدالله بن عمر فأخبر عبدالله صفيّة أُخت المختار وزوج عبدالله فاقبلت نحوه واعتنقته وتباكيا حتّى وقعا مغمّى عليهما، فلمّا أفاق المختار كانت أُخته لم تفق بعد فلمّا حرّكوها وجدوها قد أسلمت الروح ، فجهّزها المختار بعد أن بكى عليها بكاءاً شديداً ولمّا ألحدها خرج قاصداً مكّة .

تمّ مضمون خبر عمير بن عامر، والحقير - المؤلّف - بذل جهده بقدر الاستطاعة لتلخيصه إلى الحدّ الذي يراه القارئ عليه ، ونقلته هنا مع ضعف سنده، والعلم عند الله(1).

و مجمل القول أنّ المختار دخل مكّة وفيها عبد الله بن الزبير يدعو إلى نفسه ويثير الغوغاء على يزيد ويأخذ البيعة لنفسه ويزعم المطالبة بدم الحسين ....

ما جرى بين المختار وعبد الله بن الزبير

ولمّا التقى بابن الزبير شارطه على البيعة له على أن لا يقطع أمراً دونه وأن يكون أوّل داخل إلى مجلسه وآخر خارج منه . ثمّ إذا استقرّت الأمور لابن الزبير ونودي به خليفة على بلاد الإسلام كلّها أسند للمختار أعزّ المناصب وأرفعها، فرفض ابن الزبير هذه الشروط .

إن قلت : ابن الزبير ادّعى الخلافة بالباطل فكيف بايعه المختار ورضي به وأعطاه القبول من نفسه ؟

قلنا : إنّ المختار يعلم علم اليقين بعداوة ابن الزبير لبني هاشم وهو يعلم أيضاً

ص: 271


1- والواقع أنّ المؤلّف لم يذكر له سنداً لنعرف ضعفه من قوّته ولكنّه عزاه إلى الإسفراييني وناسخ التواريخ وسكت عن سنده، والحكاية موضوعة ما في ذلك ريب، دلّ على وضعها السياق الغريب المشعر باعتماد الفنّ القصصي في تلك الحقبة من الزمن ولا أرى حاجة تدعو إلى نقلها .

بعثمانيّته ولكنّه أراد أن يستغلّ عداوته لبني أُميّة كذلك فبايعه بيعة صوريّة يتقوّى به لينتقم من بني أُميّة لأن ابن الزبير في حرب معهم ، مِن ثَمّ كانت شروطه عبارة عن تعاهد مجلسه في الدخول والخروج ليكون وزيره وعن اختيار أحسن الأعمال له ليستعمله على الكوفة كي يثأر بالحسين علیه السلام من قتلته وابن الزبير لم يخضع له لعلمه بدلالة هذه الشروط فتركه المختار وغادر إلى الطائف وأقام سنة هناك بين قومه ثم عاد ثانية إلى مكّة وعقد البيعة لابن الزبير بالشروط المبرمة سابقاً ورضي بها ابن الزبير ولكن يزيد حشد قواته وزجّ بها ناحية المدينة بقيادة مسرف بن عقبة المرّي، وأباح المدينة ثلاثة أيّام وقتل أهلها قتلاً عاماً ذريعاً وعرفت هذه الوقعة بوقعة الحرّة ، ثمّ غادر مسرف بن عقبة إلى مكة بفيالقة لحرب ابن الزبير ولكنّه في الطريق هلك وذهب إلى جهنّم وبئس المصير، واستخلف على الجيش الحصين بن نمير واتّقد أوار الحرب بين ابن الزبير وعسكر يزيد.

فحمل المختار من عسكر ابن الزبير وهو يقول : إليّ إليّ أنا ابن عبيدة بن مسعود، أنا كرّار لا فرّار(1) وتحدّر عليهم كأنّه السيل من علّ يقتل فيهم ويقطع الأيدي والأرجل والرؤوس وصنع تلالاً من القتلى حتّى هلك يزيد والحرب قائمة فقوي ابن الزبير يومئذٍ ورجحت كفّته وبايعه أهل الحجاز كلّهم فاستعمل عبدالله بن يزيد والياً على الكوفة فأخذ البيعة لابن الزبير من جماعة كثيرة وعندئذ غيّر ابن الزبير رأيه في الأخذ بثار الحسين علیه السلام(2) وبقي المختار مع ابن الزبير مدّة خمسة

ص: 272


1- في كتاب أصدق الأخبار للسيّد محسن الأمين ص 27 يقول : وبايع المختار ابن الزبير على شروط شرطها وأقام عنده وحارب معه أهل الشام وقاتل قتالاً شديداً وكان أشدّ الناس على أهل الشام ، ص 34 ط العرفان صيدا 1331 ، نشر بصيرتي - قم .
2- كان ابن الزبير منذ البداية لا يقصد الجدّ في المطالبة بالثأر بل كان دجّالاً يريد جمع الناس حوله . (المترجم)

أشهر فلم يف له وعرف أنّ غرض ابن الزبير الأكبر هو تأسيس الملك و تشیید دعائم السلطان . وفي تلك الأيّام جاء هاني بن أبي حيّة الوادعي معتمراً من الكوفة فالتقى به المختار وسأله عن الكوفة وأهلها ، فقال له هاني بن أبي حيّة : بايع الناس ابن الزبير ولكنّهم يعوزهم القائد فلو كان عليهم رئيس لأمكنه فتح العراق كلّه ولضمّ إليه الحجاز مع الشام، فقال له المختار أنا ذلك الرجل الذي يجمعهم تحت راية واحدة ومن يومئذ فارق ابن الزبير وقصد كوفان حتى بلغ نهر الحيرة في يوم الجمعة فاغتسل ولبس أحسن ثيابه واعتمّ بعمامة له وتقلّد سيفه واعتلى غارب جواده ودخل الكوفة على تلك الهيئة وهو يقول: فوالذي أنزل القرآن وشرع الأديان، لأقتلنّ من أزد وعمان ونهد وخولان غضباً لابن بنت نبيّ الرحمن ...(1) وكلّما مرّ على ملأ من الناس قال لهم : أبشروا بالنصر والفرج ، أتاكم ما تحبّون .

وكان سليمان بن صرد الخزاعي والمسيّب بن نجبة الفزاري وعبدالله بن وال التميمي في ذلك الوقت يعدّون للخروج لأخذ الثأر وقتل قتلة سيّدالشهداء وكانت نيّة القوم على هذا من يوم قتل سيّدالشهداء ويدعون الناس لذلك سراً وقد أرسلوا دعاتهم إلى الأطراف والأكناف حتّى هلك يزيد لعنه الله فقال لسليمان آن أن نخرج الآن ، فقال لهم : إنّ قتلة سيّدالشهداء علیه السلام هم وجوه أهل الكوفة ولا طاقة الام لكم بهم وأنتم على هذه الحالة فتريّثو اودعوا العجلة وادعوا الناس لهذا الأمر وهكذا فعلوا حتى دخلت سنة أربع وستّين للهجرة أجمع رأيهم على الخروج إلى

ص: 273


1- كلّ من ذكر هذا السجع ذكره للمختار وهو يغادر الكوفة على عكس ما ورد عند المؤلّف وله سياق أطول ممّا ذكره المؤلّف، راجع لذلك : بحار الأنوار ، ج 45 ص 353 ؛ العوالم ، ص 672 ؛ الفتوح ، ج 5 ص 146 ؛ مستدرك سفينة البحار ، ص 208 . وقال : ومن الفصحاء البلغاء المختار بن أبي عبيدة الثقفيّ له كلمات فصيحة ومنها قوله عند خروجه وذكر الكلمات .

الشام، فلمّا دخلت السنة الخامسة والستّين خرجوا من الكوفة في ربيع الأوّل وعسكروا خارجها وذهبوا إلى كربلاء حيث قبر الإمام سيّد الشهداء علیه السلام وهناك أكثروا من البكاء حتّى خشوا مفارقة الحياة وتابوا وأنابوا وودعوا القبر ورحلوا تلقاء هيت ومنها إلى قرقيسيا ومنها إلى عين الوردة فعسكروا هناك.

ولمّا هلك يزيد بايع الناس ولده معاوية ولكنّه طلب الإقالة بعد أربعين يوماً فتنحّى عن الخلافة فبايع عبيد الله بن زياد مروان بن الحكم وبايعه أهل الشام فحشد مروان بن الحكم قوّات أهل الشام فكانت عسكراً جرّاراً وأعطى القيادة لعبيد الله بن زياد وسيّرهم إلى عين الوردة لحرب سليمان بن صرد الخزاعي ، ولما اشتعلت الحرب قتل فيها سليمان بن صرد والمسيّب بن نجبة وعبدالله بن وال وجماعة كثيرة منهم وانتظر الباقون منهم الليل فلمّا أظلّهم انسحبوا من ميدان القتال تحت ستاره البهيم.

المختار يعود للسجن مرّة ثانية

ولمّا خرج سليمان بن صرد الخزاعي بجموعه من الكوفة ودخلها المختار أوجس الحزب الأموي خيفة على نفسه وعرفوا ما ينوي المختار فعله وإنّ شيعة عليّ معه، فاجتمع عمر بن سعد وشبث بن ربعي ويزيد بن الحارث وهم قتل الحسين علیه السلام ومعهم جماعة من أنصار بني أميّة عند عبدالله بن يزيد وهو والٍ من قبل ابن الزبير على الكوفة فأخبروه بقصد المختار وقالوا: إنّه دخل الكوفة مستخفياً وأخذ البيعة سرّاً من أهلها وهو أشدّ عليك من سليمان بن صرد ونحن على وجل من أن يباغتنا ليلاً أو نهاراً فلا يبقى منّا ديّاراً، والصلاح في القبض عليه وسجنه، فوافق عبدالله بن يزيد على الأمر وسيّر إليه الجنود بغتة فأسروه ووضعوا القيود في معصميه والغلّ في عنقه واراد أخذه حافياً حتّى باب السجن ولكن عبدالله بن يزيد عارضهم فجيء له بمركب وحملوه عليه وأودعه السجن فكان

ص: 274

يقول وهو في السجن مقيّد : أما وربّ البحار والنخيل والأشجار والمهامه والقفار والملائكة الأبرار والمصطفين الأخيار لأقتلنّ كلّ جبّار بكلّ لدن خطّار ومهنّد بتّار بجموع الأنصار ليسوا بميل أغمار ولا بعزل أشرار ، حتّى إذا أقمت عمود الدين ورأبت صدع شعب المسلمين وشفيت غليل صدور المسلمين وأدركت ثأر النبيّين لم يكبر علي زوال الدنيا ولم أحفل بالموت إذا أتى .

ولمّا قدم أصحاب سليمان بن صرد من الشام كتب إليهم المختار من الحبس: أمّا بعد، فإنّ الله أعظم لكم الأجر وحطّ عنكم الوزر بمفارقة القاسطين وجهاد المحلّين، إنّكم لن تنفقوا نفقة ولم تقطعوا عقبة ولم تخطو خطوة إلّا رفع الله لكم بها درجة ، وكتب لكم بها حسنة، فابشروا فإنّي لو خرجت إليكم جردت فيما بين المشرق والمغرب من عدوّكم بالسيف بإذن الله، فجعلتهم ركاماً وقتلتهم فذاً وتواماً، فرحّب الله لمن قارب واهتدى، ولا يبعد الله إلا من عصى وأبى، والسلام عليكم يا أهل الهدى.

فلمّا جاء كتابه وقف عليه جماعة من رؤساء القبائل وأعادوا الجواب قرأنا كتابك ونحن حيث يسرّك فإن شئت أن نأتيك حتّى نخرجك من الحبس فعلنا، فأخبره الرسول فسرّ باجتماع الشيعة له وقال : لا تفعلوا هذا فإنّي أخرج في أيّامي هذه، وكان المختار قد بعث إلى عبدالله بن عمر (غلامه): أمّا بعد فإنّي حبست مظلوماً وظنّ بي الولاة ظنوناً كاذبة فاكتب في يرحمك الله إلى هذين الظالمين عبدالله بن يزيد وإبراهيم بن محمّد كتاباً عسى الله أن يخلّصني من أيديهما بلطفك ومنك ، والسلام عليك.

فكتب إليهما عبد الله بن عمر :

أمّا بعد ، فقد علمتما الذي بيني وبين المختار من المصاهرة، والذي بيني

ص: 275

وبينكما من الودّ فأقسمت عليكما لمّا خلّيتما سبيله حين تنظران لي كتابي هذا، والسلام عليكما ورحمة الله وبركاته .

فلمّا قرءا الكتاب طلبا من المختار كفيلاً (1) .

(فلمّا وصل الكتاب إلى عبدالله بن يزيد والي الكوفة وإبراهيم بن طلحة وكان أمير الخراج أطلقا سراح المختار من السجن وطلبا منه كفيلاً أن لا يخرج عليهما ولا ينهض ضدّهما «فأتاهما بجماعة من أشراف الكوفة فاختارا منهم عشرة ضمنوه وحلّفاه أن لا يخرج عليهما فإن هو خرج فعليه ألف بدنة ينحرها لدى رتاج الكعبة ومماليكه كلّهم أحرار ...)(2) فلمّا علم عبدالله بن الزبير بذلك عزل عبدالله بن يزيد من ولاية الكوفة وأقام مكانه عبدالله بن مطيع ، ولمّا استقرّ المختار في داره اختلفت الشيعة إليه واجتمعت عليه وكان أكثر شيعة الكوفة من الكيسانيّة القائلين بإمامة محمّد بن الحنفيّة ولكن القائلين بإمامة الإمام السجّاد لا يقلّون عنهم ولكن الكوفة في حكم آل الزبير ويحكمون السيطرة عليها ويجبون خراجها، ومعهم بنو أُميّة والخوارج.

ومجمل القول : إنّ الهمدانيّين والعجم المقيمين في الكوفة وعددهم ينيف على العشرين ألفاً تطلّعوا إلى المختار وأجابوا دعوته وسمّوا الحمراء لحمرة جلودهم، ولم تغب هذه الأخبار عن عبد الله بن مطيع ، فأرسل في طلب المختار، فلما جاءه الرسل استعدّ للخروج معهم إلى ابن مطيع فدعا بثيابه ليرتديها فتلا زائدة بن قدامة هذه الآية : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ

ص: 276


1- ذوب اننضار ، ص 92 .
2- ذوب اننضار ، ص 92 .

يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ )(1) فأدرك المختار ما يرمي إليه فارتدّ على أعقابه وقال : أنا اليوم وقيد زمّلوني، فقد أخذتني النافضة وأحسبها حمِّى شديدة سوف تحول بيني وبين لقاء الأمير ، فعاد الرسل وحكوا لعبدالله ما شاهدوه فصدّقهم بما قالوا .

من جهة أخرى فقد صعب على الكيسانيّة أن يتحرّك المختار مستقلّاً عن إمامهم ابن الحنفيّة وأن يطيعوه قبل أن يأذن لهم من ثَمّ أوفدوا إليه وفداً مسرعاً إلى المدينة فوصلها ولاقى محمّداً وقص عليه واقع الحال.

وفي رواية ابن نما:( قال جعفر بن نما مصنّف هذا الكتاب : فقد رويت عن والدي رحمه الله أنّه قال لهم : قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم عليّ بن الحسين، فلمّا دخل ودخلوا عليه خبّره بخبرهم الذي جاؤوا لأجله، قال: يا عم، لو أنّ عبداً زنجيّاً تعصّب لنا أهل البيت لوجب على الناس مؤازرته وقد وليتك هذا الأمر فاصنع ما شئت، فخرجوا وقد سمعوا كلامه وهم يقولون : أذن لنا زين العابدين علیه السلام ومحمّد ابن الحنفيّة(2) .

ظهور المختار وقتله قتلة سيّد الشهداء علیه السلام

ولمّا رجع أولئك النفر من المدينة إلى الكوفة أعلموا الناس بأنّ الإمام زين العابدين علیه السلام ومحمّد بن الحنفيّة رضي الله عنه قد أذنا في اتّباع المختار ونصرته . وانضمّ إليهم إبراهيم بن مالك الأشتر بعد علمه بالأمر فقوي عزم المختار لذلك واشتدّ أمره، وكان إبراهيم يشبه أباه فى البسالة والشجاعة، أسد يقتل الأسود، وفارس يزيل الرواسي من مكانها، مع كونه متفانياً في ولاء أهل البيت وحبّهم.

ص: 277


1- الأنفال: 30 .
2- ذوب النضار لابن نما الحلّي، ص92.

ومجمل القول أنّ خروج المختار كان في السنة السادسة بعد الستّين ليلة الأربعاء في النصف من شهر ربيع الأوّل أو الأوّل أو ربيع الآخر، وتوجّه إبراهيم مع من انضوى إليه بعد صلاة المغرب إلى المختار فاستقبله إياس بن مضارب صاحب شرطة عبدالله بن الربيع واعترض طريقه، وقال له: ما هذه الجماعة التي أحاطت بك، أنا على علم بما تخبئ من إيقاد الفتنة ، ولم يكن مع إبراهيم سلاح ، فقال له : دعني وشأني، قال إياس : هيهات لن أدعك تذهب حتّى أمضي بك إلى الأمير، فغضب إبراهيم ومدّ يده إلى رمح كان يحمله أحد الشرطة فالتقطه من يده وحمل على إياس فطعنه حتّى قطّره، فلمّا ألقاه أرضاً أمرهم فاجتزوا رأسه وحمله إلى المختار بعد أن فرّ أصحاب إياس ، فسرّ المختار بذلك واعتبره بادرة خير، وقال: هذا أوّل الفتح إن شاء الله ، ثمّ أمر سعيد بن منقذ أن يوقد النار بأطنان القصب لإشعار أتباعه بدنوّ ساعة الخروج وانطلق نداء الناس عالياً: «يا لثارات الحسين» فارتجّت الكوفة برمتها فلم يمض طويل وقت حتى خرج أنصار المختار من الدور والمخابئ وكان على مداخل الطرق جماعة من القادة كزجر بن قيس وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجّاج وحجّار بن أبجر قد أحكموها لئلّا ينفذ أحد إلى المختار ولكن الحصار باء بالفشل فارتعدت قلوب أصحاب عبدالله بن مطيع من الصيحة التي أخذتهم: «يا منصور أمت»، «يا لثارات الحسين» فكانوا يتركون واقفعهم مضطرّين لينفذ منها أصحاب المختار حتّى اجتمع عنده من أوّل الليل إلى مطلع الصبح ثلاثة آلاف وثمانمائة رجل من أنصاره وأعوانه، عند ذلك أفرغ المختار عليه لامة حربه وراح يرتجز ويقول:

قد علمت بيضاء حسناء الطلل *** واضحة الخدّين عجزاء الكفل

إنّي غداة الروع مقدام بطل *** لا عاجز فيها ولا وغد فشل

من ناحية أخرى: عمد عبد الله بن مطيع إلى رجاله ففرّقهم في الجبانات وكانوا

ص: 278

عشرين ألفاً من المقاتلة فجعل معهم جماعة في جبّانة السبيع وجبّانة بشير وجبّانة كندة وجبّانة سالم وجبّانة الصدائيّين وجبّانة مراد وجبّانة السبخة فحموا المسالك ومنعوا المارّة وصاروا كدّ الحديد منها ولكنّ إبراهيم كان كالشهاب الثاقب كلّما انقضّ على جبّانة مع قلّة من معه فرّق من عليها كأنّها الماشية إذا أبصرت الذئب وربّما فرّقوم دون حرب من موقفهم وهاموا في البيداء واستولى عليهم الذعر والهلع إلى حدّ لا يكاد ،توصف، وكان المختار يقاتل بنفسه وهزم العدوّ هزائم منكرة فكان النصر لأصحاب المختار أينما اتجهوا حتّى بلغوا قصر الإمارة فحاصروه فأسقط ما بيد عبد الله بن مطيع وعلم أن كفّة المختار هي الراجحة ولكنه أخذ يقاوم مكرهاً لعلمه أن ذلك لا يجدي نفعاً، وتمهّل حتّى جنّ عليه الليل فتسلّل من القصر ليلاً والتجأ إلى مأمن له واستخفى في أحد البيوت واحتلّ المختار القصر وقضى ليلته فيه، وأمّن كلّ من كان في القصر.

فلمّا أصبح الصباح صلّى صلاة العتمة في المسجد ثمّ صعد المنبر وراح يخطب الناس فانهال عليه الأشراف والعامّة من كلّ حدب وصوب وبايعوه برضاً منهم ، وفتح بيوت الأموال فوجد فيها تسعة آلاف درهم فقسّمها بين رجاله وعلم أن عبدالله بن مطيع مستخف في بيت أبي موسى الأشعري، فبعث إليه بمأة ألف درهم وقال: اجعلها في نفقتك، فأخذها عبدالله وخرج متوجّهاً إلى البصرة، وفرّق المختار عمّاله على الولايات إلى أذربيجان والموصل والمداين وحلوان والري و همدان و اصفهان وغيرها ما عدا الشام والحجاز ومصر والجزيرة والبصرة وأسند ا إلى عبد الله بن كامل الشاكري قيادة الشرطة وسوّى الأمور كما ينبغي أن يسوّيها، وأقبل عليه الشعراء بقصائدهم يمدحونه بها.

وفي الشام بايع الناس مروان بن الحكم فلمّا تمّت له البيعة بعث عبيد الله بن زياد إلى الكوفة وأمره باستباحة الكوفة وقتل أهلها إن ظفر بها ثلاثة أيّام وبدأ

ص: 279

بالتوّابين فقاتلهم وما إن فرغ من قتالهم حتّى ابتلي بزفر بن الحارث الكلابي وكان والياً على الجزيرة من قبل ابن الزبير ودام القتال بينهما عاماً بأكمله، وفي هذه الأثناء هلك مروان بن الحكم فاستخلف ابنه عبدالملك من بعده فأقرّ ابن زياد على قيادته الجيش وأمره بالمسير إلى العراق والقضاء على حركة المختار . فأقبل ابن زياد إلى الموصل وكان داخلاً في ملك المختار، فلمّا رأى عامل المختار على الموصل أن لا طاقة له بابن زياد تنحّى عنه إلى تكريت، وعلم المختار بذلك فوجّه إليه بثلاثة آلاف مقاتل مدداً بقيادة يزيد بن أنس الأسدي فاستقبله ابن زياد بستّة آلاف من الرجال فهزمهم أصحاب المختار هزيمة منكرة وقتلوا أميرهم، وأسروا منهم ثلاثمائة رجل فأمر يزيد بن أنس بضرب أعناقهم فلمّا علم ابن زياد بذلك غضب غضباً شديداً وأقبل نحو القوم ومعه ثمانون ألفاً من المقاتلة وعلم المختار بذلك فاستدعى إبراهيم بن مالك وأمّره على العسكر وأمره بأن ينهد إلى ابن زياد لعنهما الله ولا يبقي أحداً من المقاتلة إلّا أربعة آلاف رجل .

وأمن قتلة المختار بعد وصول هذه الأخبار إليهم فخرجوا من دورهم وحجورهم ، واجتمع إليهم أصحابهم وأهل ملّتهم، وكان همهم قتل المختار فأدرك المختار مرماهم فأرسل إلى إبراهيم بالقدوم عليه على جناح السرعة، وأراد أهل الكوفة الخروج على المختار فقال لهم شبث بن ربعي: تريّثوا بذلك حتى ألقاه ، فأقبل عليه وبلّغه ما يريده أهل الكوفة وما نقموه عليه، فوعدهم وعداً كريماً استراحوا إليه، وغرضه تعطيلهم عن الفتنة حتّى يقدم عليه إبراهيم، وقال له شبث : دعني أرجع وأخبر أهل الكوفة بما قلته، فذهب ولم يعد.

وقال عبدالرحمن الأسدي لأهل الكوفة : إنّي لا أرى صلاحاً في خروجكم اليوم على المختار لأنّ فرسانكم ومواليكم قد اجتمعوا عليه وداروا به والذي أخشاه أن تختلفوا، والخير أن تصبروا حتّى يكفيكم أهل الشام أو البصرة أمر

ص: 280

المختار، فما استكانوا لما قاله وبدأوا يشغّبون على المختار، وخرج كلّ من يشارك في قتل الحسين بعد أن أمنوا .. وتجمّعوا كُتلاً كُتلاً وأقبلوا يريدون قصر الإمارة وبينما هم ينهبون ويسلبون ويشغّبون وإذا بإبراهيم قد هجم عليهم كأنّه القضاء من السماء وصاح صائحهم «يا لثارات الحسين» وحمي الوطيس، وفقتلوا جماعة كثيرة وأسروا خمسمائة شخص وفرّ الباقون وأخذوا الأسرى إلى المختار

فقال : انظروا من حضر منهم كربلاء فاقتلوه ، فقتلوا مأتي رجل منهم وثمان وأربعين رجلاً وأطلقوا سراح من تبقّى منهم.

هدم المختار بيوت قتلة الإمام الحسين علیه السلام

ثمّ أمر المختار أبا عمرة وقال له: خذ معك ألفاً الفعلة وبأيديهم المعاول فليهدموا كلّ دار شارك صاحبها في قتل الحسين علیه السلام إلى الأرض وكان أبو عمرة يعرف هذه البيوت بيتاً بيتاً، ويعرف أصحابها ، فهدم بيوتاً كثيرة ونهب أموالها وأعطاها أبناء العجم الذين كانوا مع المختار، وكانوا يضربون عنق كلّ من اشترك في واقعة كربلاء من دون إمهال ، وقال المختار ليس من ديني ترك خبيث واحد من قتلة الحسين علیه السلام .

قتل الخبثاء الذين داسوا جثمان الإمام علیه السلام

وبدأ المختار بقتل أولئك الخبثاء العشرة الذين أجروا الخيل على جسم الحسين علیه السلام وهم الذين جاؤوا ابن زياد وقال : أعطنا الجائزة، فقال لهم: ما الذي فعلتموه لأعطيكم إيّاها ؟ فقالوا :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر *** بكلّ يعبوب شديد الأثر

قتل عمرو بن الحجّاج

واختلفوا في كيفيّة هلاكه، فقال بعضهم: إنّه ركب راحلته وقصد واقصة ولم يعلم أحد بما جرى له بعد ذلك. وقال بعضهم : عثر عليه ميّتاً من شدّه العطش

ص: 281

فعزلوا عندئذ راسه عن جسمه وحملوه إلى المختار

وقال بعضهم : هرب إلى البصرة وكان خائفاً على نفسه لأنّه من قتلة الإمام علیه السلام فذهب إلى شراف، فقال له أهلها : ابتعد عنّا لأنّنا نخاف سطوة المختار، فذهب منهم إلى البيضة الواقعة بين بلاد طي وبلاد كلب فعطش هناك عطشاً شديداً ثمّ هلك وعجّل الله بروحه إلى النار.

وهذا هو ابن الزنا المأمور بحماية الفرات وهو القائل : يا أهل الكوفة ، الزموا طاعتكم وجماعتكم ولا ترتابوا بقتل من مرق من الدين، فكانت عاقبته أن قتله الله عطشاً.

قتل خولّى ابن يزيد الأصبحي

وأرسل المختار أبا عمرو ومعه جماعة فأحاطوا ببيت خولّی واقتحموه، فهرب منهم واستخفى في الكنيف عنهم وقبّع في قوصرّة ففتّش أصحاب المختار بيته فقالت زوجته النوار : لا علم لنا به أين ذهب ؟ وأشارت بيدها إلى بيت الخلاء ، لأنّ المرأة كانت من أهل الولاء، وكرهت زوجها وحاربته يوم رأته قد جاء برأس الحسين علیه السلام ووضعته في «التنور» وقد ترجمت لها في كتاب (رياحين الشريعة) في تراجم نساء الشيعة ص 292 بالتفصيل.

ومجمل القول أنّهم أخرجوه من تحت القوصرّة وذهبوا به إلى المختار، فتلقّاهم في الطريق فقال لهم : ردّوه إلى بيته واقتلوه على باب داره وأحرقوا جيفته بعد القتل، وهذا اللعين هو الذي حمل رأس سيّدالشهداء إلى الكوفة.

قتل حكيم بن الطفيل

وهو الذي سلب أبا الفضل العبّاس وكان يقول : رميت الحسين بسهم تعلّق بسر باله ولم يجرحه، فأرسل المختار ورائه عبدالله بن كامل ومعه جماعة من أعوانه فقبضوا عليه فتشفّع أهله بعدي بن حاتم إلى المختار، فلمّا بلغ الخبر

ص: 282

عبدالله بن كامل خاف أن يقبل شفاعته لأنّ عدي بن حاتم كبير الجاه عندهم من ثمّ وقعت الشفاعة عند المختار موقع الرضا لذلك عمد عبدالله بن كامل فأوثق يديه من الخلف وقالوا له : سلبت قمر بني هاشم ابن أمير المؤمنين ثيابه والآن نحن نجرّدك من ثيابك ورميت الحسين بسهم فسنجعلك للسهام غرضاً، ثمّ رموه بالسهام حتّى ذهبت نفسه إلى جهنّم وبئس المصير.

قتل مالك بن النسر ومعه آخران

جاء جماعة إلى المختار فأخبروه بأنّ مالكاً بن النسر الجهني في القادسيّة وهو الذي ضرب الحسين علیه السلام وأخذ برنسه، ومعه عبدالله بن أسيد الجهني، وحمل بن مالك المحاربي وكلاهما من قتلة الحسين علیه السلام ، فأمر المختار مالك بن عمرو النهدي وهو من رؤساء أصحابه مع جماعة منهم فباغتوهم وأسروهم وساقوهم إلى المختار فبلغوه عند العشاء، فخاطبهم قائلاً: يا أعداء الله ويا منكري كتاب الله ، ويا أعداء رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وأهل بيته قتلتم ابن رسول الله ومن أُمرتم بالصلاة عليه ؟ فقال اللعناء أجبرونا على ذلك فاعفو عنا ومن علينا، فقال المختار فهلا منتتم على الحسين علیه السلام عرفتم عن قتله ؟! ثمّ وجّه خطابه إلى مالك بن النسر وقال : أنت الذي ضربت فرق الحسين وأخذت ،برنسه ، قال بعض الشيعة : إنّ فاعل ذلك هو هذا اللعين ، ثمّ أمر المختار بقطع أصابعه ثمّ قتله مع رفيقيه وأرسلهم جميعاً إلى سقر .

أقول : ضبطه بعضهم بالباء التحتانيّة فقال : مالك بن بسر وهو من قبيلة كندة، وهو الذي ضرب الحسين علیه السلام على رأسه يوم عاشوراء عند ما وقع على الأرض بعد أن دنى منه وشتمه ، فقال له الحسين علیه السلام : لا أكلت بها ولا شربت وحشرك الله مع الظالمين وكان على رأس الإمام برنس خز فامتلأ دماً فرماه من على رأسه فأخذه مالك بن بسر وجاء به إلى بيته وأخذ يغسل عنه الدماء فرأته زوجته فبكت

ص: 283

وقالت تبّاً لك، قتلت ابن رسول الله وسلبت سلاحه، أبعد عنّي حشى الله قبرك ناراً فلست لي حليلاً ولا أنالك زوجة ، ولا عشت معك تحت سقف واحد.

وفي رواية أبي مخنف : إنّه رفع يده ليضربها على وجهها فوقعت الضربة على مسمار فدخل في يده فجهدوا أن يخرجوه منها فما استطاعوا حتّى قطعت يده من المرفق، وعاش عمره ذليلاً إلى أن قتل.

قتل شمر لعنه الله

فرّ شمر بن ذي الجوشن من الكوفة بعد ظهور المختار مع جماعة ممّن شرك بقتل الحسين علیه السلام فقال بعضهم : فرّ إلى البصرة لينضمّ إلى جيش مصعب بن الزبير فأرسل المختار مائة من الفرسان للبحث عنه وبغتةً وجدوه في قرية تدعى «الكلسانيّة» فهاجموه وهو لا يشعر بهم فقاتلوهم ولكن تغلبوا عليه وأسروه ثمّ قتلوه بعد ذلك وأجروا الخيل على جيفته وقذفوها إلى الكلاب الجائعة وبعثوا برأسه إلى المختار فبعث المختار الرأس إلى محمّد بن الحنفيّة.

وفي البحار عن أمالي الشيخ أنّ الشمر فرّ إلى الصحراء فبعث المختار في طلبه أبا عمرو ومعه جماعة من الأعوان حتّى أوثقوه كتافاً بعد أن قاتلهم وقاتلوه وجرحوه جراحات منكرة، وأقبلوا به إلى المختار فأمر المختار بقدر ملئ بالدهن المغلّي وقذف الشمر في داخله حتّى استحال إلى شيء آخر وباء في الدنيا قبل الآخرة بالذل وسوء العذاب وقتلوا أصحابه بأجمعهم وقطعوا رؤوسهم ونصبوها في رحبة الحذائين وقال الشاعر فيه :

أبرصاً كان ثعلبيّ الصفات *** أصفر الوجه أحمر الشعرات

ص: 284

ناتئ الصدغ أعقف الأنف مسود *** الثنايا مشوّه القسمات(1)

وكان للشمر ذقن كذقن الكلاب وهو أعور وبه برص وشعره كشعر الخنزير ولمّا اعتلى صدر الإمام يوم العاشر فتح الإمام عينيه وقال: من أنت لقد ارتقيت ويلك مرتقاً صعباً، كان مقبل رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فقال : أنا الشمر الضبابي، فقال له الإمام علیه السلام: فهل تعرفني ؟ فقال : نعم أعرفك جيّداً، أنت الحسين بن عليّ المرتضى، أُمّك فاطمة الزهراء، جدّك محمد المصطفى، جدتك خديجة الكبرى فقال له الحسين علیه السلام : تبّاً لك أتعرفني هذه المعرفة وتقتلني، قال: نعم لأحظى بجائزة يزيد بن معاوية ، فقال : أتطمع بشفاعة جدّي أم بجائزة يزيد ؟ فقال : دائق من جائزة يزيد أحبّ إليّ من شفاعة جدّك وأبيك ، فقال الحسين علیه السلام : إن كنت قاتلي فاسقني شربة من الماء، فقال الشمر هيهات هيهات، والله لن تذوق الماء حتّى تذوق الموت يابن أبي تراب ألست القائل إنّ حوض الكوثر ملك أبيك ويسقي منه من كان يحبّه فاصبر إذن حتّى ترتوي من يد أبيك ، فقال الإمام علیه السلام :احیر عن لثامك حتّى أراك ، فأزال شمر لعنه الله اللثام عن وجهه ، فقال الإمام علیه السلام : صدق جدّي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فقال له الشمر لعنه الله : ما الذي قاله جدّك ؟ فقال : قال جدّي لأبي : يقتل ولدك هذا رجل أبرص وأعور وله «بوز» كبوز الكلب وشعر

ص: 285


1- الشعر لبولس سلامة في ملحمته عيد الغير ، وبعد البيت : صیغ من جبهة القرود *** وألوان الحرابي وأعين الحيات منتن الريح لو تنفّس في الأسحار *** عاد الصباح للظلمات یستر الفجر أنفه ويولي *** إن يصعد أنفاسه المنتنات ذلك المسخ لو تصدّى لمرآة *** لشاهت صحيفة المرآة رعب الأمّ حين مولده المشئوم *** والأمّ سحنة السعلاة ودعاه ذو الجوشن النذل شمراً *** لم يشمّر إلّا عن الموبقات لم يحرّك يداً لإتيان خير *** فإذا همّ همّ بالسيّئات

كشعر الخنزير، فغضب الشمر وقال : شبّهني جدّك بالكلب، أقسم بالله لأذبحنّك من القفا جزاء ما شبّهني به جدّك ثمّ قلبه على وجهه وضربه اثني عشر ضربة من القفا وحمل رأسه على زجّ الرمح.

قتل حرمة بن كاهل لعنه الله

عن المنهال بن عمرو قال: دخلت على عليّ بن الحسين علیهما السلام منصر في من مكّة، فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ وكان معي بشر بن غالب الأسدي، فقلت: هو حيّ بالكوفة، فرفع يديه وقال : اللهمّ أذقه حرّ الحديد، اللهمّ أذقه حرّ الحديد ، اللهمّ أذقه حرّ النار ، اللهمّ أذقه حرّ النار . قال المنهال والمختار بها، فركبت إليه فلقيته خارجاً من داره ، فقال : يا منهال ، ألم تشركنا في ولايتنا هذه ؟ فعرّفته أنّي كنت بمكّة فمشى حتّى أتى الكناس ووقف كأنّه ينتظر شيئاً، فلم يلبث أن جاء قوم فقالوا : أبشر أيّها الأمير فقد أخذ حرملة بن كاهل فجيء به ، فقال : لعنك الله ، الحمد لله الذي أمكنني منك ، الجزّار الجزّار ، فأُتي بجزار فأمره بقطع يديه ورجليه، ثمّ قال النار النار، فأتى بنار وقصب فأحرق، فقلت: سبحان الله ، سبحان الله ، فقال : إنّ التسبيح لحسن ، لم سبّحت ؟ فأخبرته بدعاء زين العابدين علیه السلام ، فنزل عن دابّته وصلّى ركعتين ثمّ ركب وسار فحاذى داري، فعزمت عليه بالنزول والتحرّم بطعامي ، فقال : إنّ عليّ بن الحسين علیهما السلام دعا بدعوات فأجابها الله على يدي ثمّ تدعوني إلى الطعام، هذا يوم صوم شكراً لله تعالى ، فقلت : أدام الله توفيقك(1).

ص: 286


1- ذوب النضار ، ص 121 واللفظ له ؛ الصحيفة السجّاديّة، ص 141 ؛ أمالي الطوسي ، ص 229 ؛ مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 276 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 322.

وحرملة هذا هو الذي رمى عليّ الأصغر وعمره ستّة أشهر وترك فؤاد أُمّه من الناس جريحاً إلى يوم القيامة.

قتله جماعة آخرين من قتلة الإمام الحسين علیه السلام

منهم أبو الحتوف الذي رمى الإمام بحجر فوقع في جبهته، ومنهم أبو قدامة العامري الذي رمى الإمام بسهم فوقع في قلبه واستخرجه من ظهره، وصالح بن وهب المزني الذي طعن الإمام بالرمح في جنبه، وأبجر بن كعب الذي ضرب عبدالله بن الحسن، وأبو أيّوب الغنوي الذي طعن الحسين علیه السلام في ترقوّته بالرمح، ونصر بن خرشة وعمرو بن خليفة الجعفيّ اللّذَين جرحا الإمام علیه السلام ، وعبد الله وعبد الرحمن ابنا «صلحت (كذا)»، وعثمان بن خالد، وبشر بن سوط الذي قتل عبدالرحمن بن عقيل ؛ قبض على هؤلاء كلّهم وأوردهم حياض الردى ، وصيّرهم جذاذاً بذلة ومهانة ، ثمّ أحرق جثثهم واستجيب للإمام الحسين علیه السلام فيهم، حين رفع رأسه يوم عاشوراء وقال: اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم فإنّهم دعونا لينصرونا ثمّ عدوا علينا يقاتلوننا، اللهمّ أمنعهم بركات الأرض وفرّقهم تفريقاً ومزّقهم تمزيقاً واجعلهم طرائق قدداً، ولا ترض الولاة عنهم أبداً، واقتلهم بدداً ولا تغادر منهم أحداً (1).

قتل قوم منهم نهبوا الحليّ والحلل والورس

أرسل المختار ورائهم منهم زياد بن مالك الضبعي وعمر بن خالد الغنوي وعبد الرحمن بن أبي خشكارة البجلي وعبد الله بن قيس الخولاني ، فلمّا أقبلوا بهم خاطبهم المختار فقال : يا قاتلي العباد الصالحين وقاتلي سيّد شباب أهل الجنّة ، ما كفاكم قتل الحسين حتّى نهبتم رحله ولم تبقوا من الحلي والحلل والورس شيئاً ؟!

ص: 287


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 43 .

ثمّ أمر بسوقهم إلى السوق وضربوا أعناقهم .

وأمّا أُولئك الذين نهبوا ثياب الإمام الحسين علیه السلام فقد أصاب كلّ واحد منهم بنوع من البلاء كالبرص والجنون والزمن والجذام والفقر والذلّ حتّى هلكوا وذهبوا إلى الهاوية .

قتل عمر بن سعد لعنه الله

لمّا ظهر المختار خبّأ عمر بن سعد نفسه وكان عبد الله بن جعدة بن هبيرة وهو ابن أخت أمير المؤمنين علیه السلام المقرّباً عند المختار، فرجاه ابن سعد أن يأخذ له أماناً من المختار ، فرضي عبدالله بالشفاعة وقبلها المختار وكتب لابن سعد عهداً وفيه : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا أمان (1) المختار بن أبي عبيدة الثقفي لعمر بن سعد ابن أبي وقّاص ، إنّك آمن بأمان الله على نفسك وأهلك ومالك وولدك لا تؤاخذ بحدث كان منك قديماً ما سمعت وأطعت ولزمت منزلك إلا أن يحدث حدثاً فمن لقي عمر من شرطة الله وشيعة آل محمّد فلا يتعرّض له إلا بسبيل خير .. وقوله: «ما لم يحدث حدثاً» قال الطبري عن الباقر علیه السلام ، قال : كان غرض المختار من الحدث دخوله بيت الخلاء فإذا دخله انتقض ، فلمّا كتب المختار له الأمان أظهر نفسه وكان يراود مجلس المختار بين الحين والحين.

إلى أن قال المختار ذات يوم لأصحابه : لأقتلنّ غداً رجلاً عظيم القدمين، غائر العينين مشرف ،الحاجبين يهمز الأرض برجله ، يسرّ قتله المؤمنين والملائكة المقرّبين .. فعلم أحد الحاضرين أنّه يعني ابن سعد، فأرسل إليه ابنه وأخبره بما قال المختار ، فلمّا تناصف الليل هرب ابن سعد من الكوفة ، فلمّا أوغل في الطريق

ص: 288


1- الأمان نبات شبيه بالسمسم ينبت في اليمن كالزعفران يتعطّر به ويتّخذ منه الحمرة للوجه (منه رحمه الله ) .

غلب عليه النعاس فوضع رأسه على قربوس السرج فعاد به الفرس من حيث أتى، فلما أفاق ابن سعد من غفوته رأى نفسه في الكوفة حيث تركها، فدخل بيته مسرعاً فأسرع أنصار المختار إليه فأخبروه برجوع ابن سعد لعنه الله ، فقال : أنّى له الفرار وفي عنقه سلسلة دم الحسين علیه السلام ، عندئذ بعث ابن سعد ولده حفص إلى المختار لتجديد الأمان، ولمّا سمع ابن سعد - بناءاً على ما قاله المرزباني - قول المختار من قتله رجلاً بصفات کیت وکیت استدعى رجلاً من بني تيم ويدعى مالكاً وكان شجاعاً بطلاً وأعطاه أربعمائة دينار وأمره بحمله إلى حمّام أعين ونهر عبدالرحمن ، ثمّ أقبل على مالك وقال: أتدري لم خرجت من الكوفة ؟ فقال : لا ، قال : أخاف المختار ، فقال مالك : بئسما فعلت إن المختار لا يجرأ على قتلك لأنّك اليوم أعزّ أهل الكوفة فإذا ما هربت فسوف يهدم دارك وينهب مالك ويتلف ضياعك، فاغترّ ابن سعد بقوله وعاد إلى بيته وأرسل ابنه إلى بيت المختار، فلمّا دخل عليه قال له المختار أين خلّفت أباك ؟ قال : تركته في البيت، ثمّ قال حفص إنّ أبي يقول لك: هل أنت على العهد الذي عاهدتني عليه، فقال له المختار اجلس ، واستدعى أبا عمرة كيسان وأسرّ إليه قائلاً: اذهب إلى بيت ابن سعد واقتله على أيّة حال كان ، واحمل إلي رأسه وإذا سمعته ينادي غلامه : علي بالطيلسان فاعلم بأنّه يطلب الحسام فلا تمهله.

فأقبل أبو عمرة إلى بيت عمر بن سعد فرآه في ثياب نومه، فقال له: أجب الأمير ، فقام ابن سعد لينهض فعثر بأذياله ووقع على وجهه فسل أبو عمرة سيفه واحتزّ رأسه وأقبل به إلى المختار ، فقال لولده حفص: رأس من هذا ؟ فقال حفص: رأس أبي، ولا خير في العيش بعده، فقال المختار: صدقت ، ألحقوه بأبيه ، ثمّ قال : رأس ابن سعد برأس الحسين ورأس ابنه حفص برأس عليّ الأكبر ؛ لا والله ولو قتلت ربع قريش لا يعدلون أنملة واحدة من أنامل الحسين علیه السلام ، ثمّ

ص: 289

بعث برأس ابن سعد وابنه إلى محمّد بن الحنفيّة ردّاً على ما عاتبه عليه ابن الحنفيّة من تركه عمر بن سعد حيّاً لحدّ الآن، ولمّا بلغته الرؤوس خرّ ساجداً شكراً لله تعالى ورفع يديه إلى السماء وقال : اللهمّ لا تنس هذا اليوم للمختار وأجزه عن أهل بيت نبيّك محمّد الله صلی الله علیه وآله وسلم خير الجزاء، فوالله ما على المختار بعد هذا عتب.

يقول المؤلّف : لقد شرحت حال ابن سعد و خسران مثآله في المجلّد الرابع من الكلمة التامّة في عشرة أوراق.

قتل زيد بن ررقاء قاتل عبدالله بن مسلم

وأرسل المختار عبدالله بن كامل وراء زيد بن ورقاء فأحاطوا به فخرج زيد بن ورقاء يعدو وبيده سيفه عارياً فحملوا عليه وأمسكوه، فقال ابن كامل : لا تقتلوه بالسيف وارضخوه بالحجاره وارموه بالسهام حتى يهلك، ففعلوا حتى خرجت روحه وكان به رمق حين ألقوه في النار حتى احترق، وهذا الخبيث هو الذي رمى عبدالله بن مسلم في ميدان القتل، فاتّقى عبد الله الرمية بيده فأثبتها بالسهم إلى جبهته ثمّ انتزع له سهماً آخر من كنانته ورماه حتّى قتله، ثم أقبل اللعين إلى السهم فنضنضه حتّى انتزعه من جبهته وترك الحديدة فيها ولم يعف حتّى عن العصى وما قدر على انتزاع النصل .

وأمّا منقذ قاتل عليّ الأكبر فقد أحاط عبدالله بن كامل وأصحابه في بيته وكان اللعين شجاعاً بطلاً فخرج من بيته فارساً والرمح بيده فهجم على أصحاب عبدالله بن كامل فقتل رجلاً واحداً فضربه ابن كامل بالسيف فاتقاه الخبيث بيده فأصابها السيف فشلّها وجال بفرسه ثمّ فرّ إلى مصعب في البصرة والتحق به.

قتل بجدل بن سليم

ولمّا أقبلوا به على المختار وعرفه وكان اللعين قد قطع اصبع الحسين علیه السلام طمعاً في خاتمه فبكى المختار حتّى جرت دموعه على خدّيه، وكثر عجبه من دنائة هذا

ص: 290

الخبيث ولؤمه وقساوة قلبه ، ثمّ أمر به حتى قطعوا أنامه وبعد ذلك أمر بقطع يديه ورجليه واستنزف دمه وذهب إلى جهنّم وبئس المصير.

قتل الذين نحر و جزر الحسين وأكلوا لحمها

جاء في شرح الشافية أنّ عسكر ابن سعد أغاروا على جمال الحسين علیه السلام ونهبوها ثمّ نحروها ولما ذاقوها وجدوها أشدّ مرارة من طعم العلقم المرّ.

وفي رواية : إنّ لحمها تحوّل إلى جمر.

ونهبوا أيضاً زعفراناً من الخيام فلمّا وصلوا الكوفة وأرادوا استعماله اشتعل ناراً، وكلّ جمل طبخوه خرج من القدر ناراً تلتهب .

وأمّا الورس الذي نهبوه فقد برصت كلّ امرأة تطيِّبت به.

وكان الشمر لعنه الله قد حمل معه إلى الكوفة مقداراً من الذهب وأعطاه إلى الصائغ ليصنع منه حلية له، ولمّا وضعه الصائغ على النار تحوّل الى هباء فحكى الصائغ ما حدث إلى الشمر فلم يصدّقه وقال : أرني ذلك بعيني حتّى أصدّقك، فأراه الصانع كيف تحوّل الذهب إلى غبار في النار.

ومجمل القول : أنّ المختار أمر بالتحقيق في لحم الجمال التي نحروها واقتسموها فأيّ بيت أصاب من لحمها أمر بهدمه وقتل جميع أفراده فكانت الموالي تشي بسادتها أو تقتلهم لأنّهم من قتلة الحسين علیه السلام.

قتل عمرو بن صبيح

كان هذا الملعون يقول : كنت أقاتلهم بالرمح ولم أقتل أحداً فقبض عليه أصحاب المختار وأقبلوا به إليه، فقال لهم :المختار وأين وجدتموه؟ قالوا: وجدناه ليلاً عندما هدأت العيون نائماً على سطح داره وقد وضع سيفه تحت وسادته فأمسكناه فأمر القرآن بطعنه بالرمح حتّى مزّقوه.

ص: 291

قتل قيس بن الأشعث بن قيس

قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب الأخبار الطوال: إنّ قيساً بن الأشعث هو الذي أخذ قطيفة الحسين حين قتل فكان يسمّى قيس قطيفة، وإنّه أنف من أن يأتي البصرة فيشمت به أهلها فانصرف إلى الكوفة مستجيراً عبدالله بن كامل وكان من أخص الناس عند المختار ، فأقبل عبد الله إلى المختار فقال : أيّها الأمير، إنّ قيس بن الأشعث قد استجار بي وأجرته فانفذ جواري إيَّاه، فسكت عنه المختار مليّاً وشغله بالحديث ثمّ قال : أرني خاتمك فناوله فدفع إليه الخاتم وقال له سرّاً: انطلق إلى امرأة عبدالله بن كامل فقل لها هذا خاتم بعلك علامة لتدخليني إلى قيس بن الأشعث فإنّي أُريد مناظرته في بعض الأمور التي فيها خلاصه من المختار، فأدخلته إليه فانتضى سيفه فضرب عنقه وأخذ برأسه، فأتى به المختار فألقاه بين يديه فقال :المختار هذا بقطيفة الحسين، وذلك أن قيس بن الأشعث أخذ قطيفة كانت للحسين علیه السلام حين قتل فكان يسمّى قيس قطيفة. فاسترجع عبدالله بن كامل وقال للمختار: قتلت جاري وضيفي وصديقي في الدهر ؟! فقال له المختار: لله أبوك اسكت أتستحلّ أن تجير قتلة ابن بنت نبيّك ؟ (فسكت ابن كامل ولم يحر جواباً) (1).

يقول المؤلّف: من هذا وأمثاله يجب أن ندرك بأنّ المختار ليس له غرض من الملك إلّا القضاء على قتلة الإمام الحسين علیه السلام ولا تأخذه في ذلك لومة لائم، وإلّا فكان على المختار أن يجير من أجاره رجل كابن كامل في شدّة لصوقه به وكان كعبد الله بن الزبير الذي كان يوهم الناس أنّه طالب بدم الحسين علیه السلام فلمّا استوى له

ص: 292


1- الأخبار الطوال، ص 301 و 302 .

الأمر واستفخلت دعوته اتّخذ من قتلة الإمام الحسين علیه السلام بطانة وقرّبهم وأدناهم البطانة فكانوا خاصّته وأعوانه .

قتل سنان بن أنس النخعي

كان المختار قد بعث جماعة في طلب سنان بن أنس فوجدوه قد لاذ بالفرار إلى البصرة والتحق بمصعب بن الزبير، فشعر المختار بالحسرة على ما قاته من أمر سنان فبثّ عيونه في أطراف البصرة وأكنافها للكشف عن موضعه وهدم المختار داره ، فاتفق للموكلين برصده أن أخبروا المختار بأنّ سناناً بن أنس شوهد يتّجه من البصرة إلى القادسيّة فسرّ المختار بهذا النبأ وأسرع بإرسال كوكبة من الأعوان لمطاردته، فقبضوا عليه بين العذيب والقادسيّة وأقبلوا به إلى المختار فأمرهم

بقطع أصابعه وأحداً إثر الآخر ثمّ أغلوا له قدراً مليئاً بالزيت وألقوا فيه سناناً.

وكان هذا الملعون قد ارتكب عدداً من الجنايات في أرض كربلاء فقد طعن الحسين علیه السلام في ترقوّته وهو ملقى على الأرض، وطعنه في صدره وأنفد فيه السنان ورماه بسهم في نحره ، اللهمّ ضاعف عذابه في جهنّم(1) .

ص: 293


1- أصدق الأخبار، ص 79؛ ابن نما ، ذوب النضار ، ص 120 ؛ البحراني ، مدينة المعاجز ، ج 4 ص 91 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 375 ؛ العوالم ، ص 695 ولكن بعض الروايات ذكرت أن أنساً بقي إلى زمن الحجاج فقد ذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق ، ج 14 ص 231 عن شيخ من النخع قال : الحجاج : من كان له بلاء فليقم ، فقال قوم يذكروا وقام سنان فقال : أنا قاتل حسين ، فقال : بلاء حسن ورجع إلى منزله واعتقل لسانه وذهب عقله فكان يأكل ويحدث في مكانه . وراجع المنتخب من ذيل المذيل للطبري ، ص 25 ، وذكر الطبري في تاريخ ج 4 ص 535 أنّه هدم داره بعد هر به فحسب . ومثله فعل ابن الأثير في الكامل ، ج 4 ص 343، وذكر ابن كثير هدم داره فقط في البداية والنهاية ، ج 8 ص 300 ، وهكذا ذكر أبو مخنف في مقتله، ص 379 .

هدم بيوت الفارّين

هرب من الكوفة كلّ من شارك في قتال الحسين علیه السلام فذهب بعضهم إلى مكّة والتحق بعبدالله بن الزبير، ولاذ آخرون بالبصرة بمصعب بن الزبير، وهام جماعة منهم في البيداء وكان المختار يهدم دار كلّ من لم تنله يده منهم محمّد بن الأشعث الكندي وكان بيته في القادسيّة، فبعث المختار مأة فارس للقبض عليه وداروا بقصره واقتحموه فلم يكن بداخله فعلموا أنّه هرب ، وأعلم المختار بذلك فأمرهم بهدم قصره .

ومنهم عبدالله بن عمروة النخعي فقد هرب من وجه المختار وكان يقول: رميت أصحاب الحسين باثني عشر سهماً.

ومنهم عبدالله بن عقبة الغنوي الذي هرب إلى الجزيرة وهو قاتل أبي بكر بن الحسن بن عليّ بن أبي طالب، فأمر المختار بهدم داره.

ومنهم شيث بن ربعي مع جماعة من أشراف الكوفة فقد فرّوا إلى البصرة فالتحقوا بمصعب بن الزبير فأمر المختار بهدم دورهم ودور بني عمومتهم.

قتل عبيد الله بن زياد لعنهما الله والحصين بن نمير وشرحبيل بن ذي الكلاع وآخرين غيرهم

ولمّا طهر المختار الكوفة من قتلة الإمام الحسين علیه السلام سيّد الشهداء بعث إبراهيم ابن مالك الأشتر ومعه اثنا عشر ألفاً في رواية جماعة من المؤرّخين، وفي رواية الشيخ في الأمالي بأنّهم تسعة آلاف مقاتل، وأما ابن نما فقد قال: إنّهم أقلّ من عشرين ألفاً، لقتال ابن زياد وعسكر خارج الكوفة في اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجّة وخرج المختار لتوديعه وهو يقول :

ص: 294

أما وربّ المرسلات عرفا *** لنقتلنّ بعد صفٍّ صفا(1)

وأوصى إبراهيم بوصاياه وهو يردّد الرجز أدناه:

أما وحقّ المرسلات عرفا *** حقّاً وحقّ العاصفات عصفا

لنعسفنّ من بغانا عسفا *** حتّى يسوم القوم منّا خسفا

زحفاً إليهم لا نملّ الزحفا *** حتّى نلاقي بعد صفّ صفّا

وبعد ألف قاسطين ألفا *** نكشفهم لدى الهياج كشفا

وعاد المختار إلى الكوفة وأقبل إبراهيم بعسكره مسرعاً حتّى وصل نهر الخازر ويبعد عن الموصل بخمسة فراسخ وعسكر على ضفّة النهر، وأقبل عبيد الله بن زياد إلى الموصل واحتلّها ثلاثين ألفاً بناءاً على ما رواه سبط ابن الجوزي. وفي رواية ابن ما ثمانين ألفاً، حتّى دنوا من معسكر إبراهيم وبدأت الحرب بينهما، وكان عمير بن سلمى وهو من رؤساء القادة في عسكر ابن زیاد ولكن سائت علاقته بآل مروان لأسباب خاصّة فأرسل إلى إبراهيم: إنّي أريد الليلة ملاقاتك فلمّا جنّ عليه الليل أقبل ومعه فرات بن إبراهيم إلى معسكر إبراهيم وكان يقول لمن يسألهم : نحن طلايع الحصين بن نمير حتّى دخلوا المعسكر واستقبلهم إبراهيم فبايعوه، وقال عمير : إنّ عشيرتي كلّها تعادي بني مروان، وأنا غداً على

پص: 294


1- نسب الرجز ابن نما لإبراهيم وهو : أما وحقّ المرسلات عرفا *** حقّاً وحقّ العاصفات عصفا لنعسفنّ من بغانا عسفا *** حتّى يسوم القوم منّا خسفا زحفاً إليهم لا نملّ الزحفا *** حتّى نلاقي بعد صفّ صفّا وبعد ألف قاسطين ألفا *** نکشفهم لدى الهياج كشفا ذوب النضار ، ص 131 وراجع الكتب التالية : بحار الأنوار ، ج 45 ص 379؛ العوالم ، ص 700 ؛ أصدق الأخبار للعاملي ، ص 81؛ تاريخ الطبري ، ج 4 ص 549 ؛ الكامل ، ج 4 ص 258 ؛ الفتوح لابن أعثم الكوفي ، ج 6 269 .

ميسرة ابن زياد فابدؤوا هجومكم علينا لكي ننهزم فنفتّ في عضدهم ويكون النصر حليفكم ، فعلم إبراهيم أنّ عميراً صادق فيما يقول ، ولم يغمض لا براهيم جفن في تلك الليلة وخطب في جنده فقال : أيّها الناس، أنتم أنصار الدين وشيعة أمير المؤمنين علیه السلام وهذا عبيد الله بن مرجانة قاتل الحسين بن علي ابن فاطمة ظمئان منعه من شرب الماء وعياله وأطفاله وهم ينادون العطش العطش، وسدّ عليه المسالك وحضر عليه التوجّه إلى بلاد الله العريضة، وأحاط به من كلّ جانب حتّى قتله عطشاناً لم تبل له شفة بماء الفرات، وأجرى الخيل على جسده وسبى كما تسبى الإماء من الكوفة إلى الشام وأقسم بالله إنّ فرعون لم يفعل ببني إسرائيل ما فعله ابن زياد بآل الرسول، وأنا واثق بنصر الله عليهم وسيقتل ابن زیاد بأيديكم، ويشفي صدور قوم مؤمنين، لأنّ الله يعلم بأنّنا غضبنا لأهل بيت نبيّه، وكان يخطب بهذا ونحوه عند كلّ راية يصلها، ويحثّ الناس على القتال ويرغّبهم فيه ويشجّعهم عليه ، ولمّا صلّى صلاة العتمة سوّى صفوفه وتقدّم ابن ضبعان الكلبي من عسكر ابن زياد وهو ينادي يا شيعة المختار الكذّاب ويا شيعة ابن الأشتر المرتاب وارتجز بهذا الرجز :

أنا ابن ضبعان الكريم المفضل *** من عصبة يبرون من دين علي

كذاك كانوا في الزمان الأوّل

عند ذلك خرج من عسكر إبراهيم بن مالك رجل يدعى الأحوص بن شداد الهمداني كأنه الأسد الهصور وهو يرتجز ويقول:

أنا ابن شداد على دين علي *** لست لعثمان بن أروى بولي

لأصلين اليوم فيمن يصطلي *** بحرّ نار الحرب حتّى تنجلي

وقال للشامي: من أنت ؟ فقال : منازل الأبطال، فقال الأحوص وأنا مقرِّب الآجال، وحمل عليه فضربه ضربة واحدة بالسيف حتّى قضى عليه، وخرج إليه

ص: 295

رجل آخر يُدعى داود الدمشقي من عسكر ابن زياد وهو يرتجز ويقول:

أنا ابن من قاتل في صفّينا ***قتال قرن لم يكن غنينا

بل كان فيها بطلاً حرونا ***مجرّباً لدى الوغى مكينا

فحمل عليه الأحوص كما تحمل الأفعى على العصفور وهو يقول:

يابن الذي قاتل في صفّينا *** ولم يكن في دينه غبينا

كذبت قد كنت بها مغبونا *** مذبذباً في أمره مفتونا

لا يعرف الحقّ ولا اليقينا *** بؤساً له لقد قضى ملعونا

وضربه ضربة ذهبت بروحه إلى هاوية مالك ، فلمّا رأى الحصين بن نمير ذلك حمي غضبه وكان على ميمنة أهل الشام فنادى بأصحابه وحمل بهم على ميسرة إبراهيم وقتل من الطرفين خلق كثير ، وحمل الحصين بن نمير بنفسه وهو يرتجز:

يا قادة الكوفة أهل المنكر *** وشيعة المختار وابن الأشتر

هل فيكم قرن كريم العنصر *** مهذّب في قومه بمفخر

يبرز نحوي قاصداً لا يمتري

فخرج شريك التغلبي من عسكر إبراهيم كالشهاب الثاقب وهجم عليه وهو يقول :

يا قاتل الشيخ الكريم الأزهر *** بكربلا يوم التقاء العسكر

أعني حسيناً ذا الثنا والمفخر *** وابن النبيّ الطاهر المطهّر

وابن عليّ البطل المظفّر *** هذا فخذها من هزبر قسور

ضربة قرن ربعيّ مضري

فتضاربا بينهما فضربه التغلبي على عاتقه حتّى قتله وذهبت روحه إلى النار. وقد ترجمت حصين بن نمير هذا في الجزء الرابع من في الجزء الرابع من الكلمة التامّة فكانت جرائمه تجلّ عن الإحصاء ؛ في الكوفة شارك في قتل مسلم بن عقيل، وفي كربلاء

ص: 296

قتل سيّدالشهداء، وفي المدينة قاد وقعة الحرّة أو كان أحد قادتها، وفي مکّة نصب المنجنيق على أسوار الكعبة في حربه مع ابن الزبير، وكان المقدّم في كلّ هذه الجرائم، وقتل التغلبي شرحبيل بن ذي الكلاع الحميري وهو من رؤساء أهل الشام.

وعند ذلك اشتدّ أوار الحرب وحمي الوطيس وكان وقع الحديد على الحديد تخاله سوق الحدّادين، وكذلك وقع العصى على المفارق والهام، وانعقد العثير من سنابك الخيل وأقدام الرجال فكان كالسحاب غطت زرقة السماء، وجرت الدماء أنهاراً من كلّ أنحاء المعسكر وهجم إبراهيم من جهته ونادى برفيع صوته: إليّ يا شرطة الله ، هلمّوا إليّ، واشتعلت الضغائن من العسكرين وصلّوا صلاة الظهر إيماءاً وتكبيراً، وقد طوّق جيش إبراهيم عسكر الشام وارتفعت تلال القتلى في ساحة المعركة وبينما هم في أشدّ القتل وأحرّ الجلاد إذ ابتدأت الهزيمة تدبّ في أوصال الشام، وأخذوا يفرّون باتّجاه الموصل وكان إبراهيم كالأسد الهصور والشجاع الجسور إذا حمل على جهة من أهل الشام طاروا بين يديه كالجراد المنتشر من حرّ سيفه وطعن سنانه ، وإبراهيم يرتجز ويقول:

قد علمت مذحج علماً لا خطل *** إنّي إذا القرن لقاني لا وكل

ولا جزوع عندها ولا نكل *** أروع مقداماً إذا النكس فشل

أضرب في القوم إذا جاء أجل *** بالذكر البتّار حتّى ينجدل

وهو يتبع عسكر الشام من خلفه فيضرب على أعقابهم بسيفه ويوردهم موارد الهلاك والردى، فكان الشاميون يلقون بأنفسهم في نحر الخازر من شدّة الخوف والهلع والغرق والجزع فكان من غرق منهم في النهر كمن قتل بالسيف أو يزيدون ، وغنم جيش إبراهيم معسكر أهل الشام وكانت الغنايم من الكثرة بحيث لا تعد ولا تحصى، وكانت تحتوي على نفائس جمة، ولما هدأت نار الحرب قال

ص: 297

إبراهيم : إنّي قتلت رجلاً تحت راية وحده وقد شممت منه رائحة المسك ساطعة من المكان وقد رميت به على شاطئ نهر الخازر وأحسبه ابن زياد فلمّا ذهبوا يتحسّسون عن أمره وجدوه ابن زياد نفسه فسجد إبراهيم لله شكراً وأمر بقطع رأسه وصلبه منكوساً ثمّ أحرق جثّته بالنار وأرسل رأسه ورأس الحصين بن نمير مع رؤوس قادة الشام وكتاب الفتح إلى المختار وكاد المختار يطير من شده الفرح ، وكان قتل ابن زياد في يوم عاشوراء سنة ستّ وستّين للهجرة.

ولمّا قدموا بالرؤوس على المختار قام من مكانه والنعل بيده وضرب وجه ابن زياد بها ثمّ رمى النعل إلى مولاه ليطهّرها وقال له : اغسلها بالماء فقد مسّت وجه کافر نجس خبيث، ثمّ نصب رأس ابن زياد حيث نصب رأس الحسين علیه السلام ، وبينما هم كذلك وإذا بحيّة خرجت من حجرها ودخلت فم ابن زياد وخرجت من ثقب أنفسه فعلت ذلك ثلاث مرّات.

وفي اليوم الآخر نصبوا الرؤوس كلّها في رحبة الكوفة فجائت تلك الحيّة مرّة أخرى وتخطت الرؤوس حتّى جاءت رأس عبيدالله بن زياد وفعلت فعلها أوّل مرّة تعيد ذلك مراراً، ثمّ أرسل المختار الرؤوس إلى محمد بن الحنفية وأرسل إليه كتاباً وأرفقه بثلاثين ألف دينار وفيه:

إنّي بعثت أنصاركم وشيعتكم إلى عدوّكم فخرجوا محتبين آسفين فقتلوهم فالحمد لله الذي أدرك لكم الثأر وأهلكهم في كلّ فجّ عميق وشفى الله صدور قوم مؤمنين .

ولمّا وصل كتاب المختار إلى محمّد بن الحنفيّة سجد لله شكراً وقال : جزى الله المختار خير الجزاء فقد أدرك لنا ثأراً ووجب حقّه على كلّ من ولده عبدالمطلب بن هاشم ، ودعا لإبراهيم بن مالك الأشتر ثمّ أرسل الرؤوس إلى الإمام زين العابدين وكان الإمام يومذاك في مكّة، وأدخلت الرؤوس عليه وهو

ص: 298

على طعامه، فسجد لله شكراً وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من عدوّي و جزی الله المختار خيراً، ثمّ قال : أدخلوني على ابن زياد وهو يأكل ورأس أبي بين يديه فسألت الله أن لا يخرجني من الدنيا حتّى يريني رأس ابن زياد ...

وروى العلّامة الخبير حجّة الإسلام السيّد محسن العاملي في كتاب (أصدق الأخبار) ص 71 عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : ما اكتحلت هاشميّة ولا اختضبت ولا رؤي في دارها شميّ دخان خمس سنين حتّى قتل عبيدالله بن زياد لعنه الله .

وعن فاطمة بنت عليّ أمير المؤمنين علیه السلام أنّها قالت: ما تحنّأت امرأة منّا ولا أجالت في عينها مروداً ولا امتشطت حتّى بعث المختار برأس عبيدالله بن زياد(1).

شهادة المختار الثقفى

ولمّا انصرم من حكم المختار ثمانية عشر شهراً وفي هذه المدّة قتل ثمانية عشر ألفاً من قتلة الإمام الحسين وأدخلهم جهنّم وبئس المصير وبلغ من قتلهم إبراهيم بن مالك الأشتر وأصحابه على نهر الخازر سبعين ألفاً أو ينيفون على ذلك ، وكان ابن الزبير في مكّة وأخوه مصعب في البصرة راضين بفعل المختار لما بينهم وبين الأمويّين من العداوة، فهم في الظاهر يطغى عليهم الصمت، فلا تأييد ولا تفنيد لما يأتي به المختار ، وفي الباطن يطغى عليهم الرضا بفعله ولكنّهم استعدوا لمناجزة المختار بعد وقعة نهر الخازر، فأقبل مصعب بن الزبير ومعه سبعة آلاف مقاتل جلّهم من أهل الكوفة الفارين من المختار والخائفين سطوته، ولما بلغ المختار خبرهم خطب الناس فقال :

يا أهل الكوفة، إنّ أهل مصركم قد بغوا عليكم كما قتلوا ابن بنت نبيّكم وقد لجأوا إلى أمثالهم من الفاسقين الملحدين فاستعانوا عليكم الخ.

ص: 299


1- أصدق الأخبار، ص 91.

ومجمل القول أنّ أربعة آلاف أجابوه بعد خطبته فعسكر بالقرب من حمّام أعين وجاء جيش مصعب فعسكر بإزائهم، وأرسلوا إلى المختار أن بايع لعبدالله ابن الزبير، فلم يرض بذلك وقال : هلمّ نتّفق على الأخذ بثأر أهل البيت والطلب بدمهم ثمّ نجعل الأمر شورى بين المسلمين للرضا من آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم الله ، فلم يرض مصعب بذلك ، وأخيراً نشبت الحرب بينهما ولم يثبت أصحاب المختار حتّى تفرّقوا عنه أيدي سبا ودخل مصعب الكوفة وتحصّن المختار مع فلّ من أصحابه في قصر الإمارة وأيس من الحياة فاستدعى زوجه أمّ ثابت وودّعها مع أهله وعياله، وتطيّب وتحنّط بعد أن اغتسل وخرج من القصر ومعه فئة قليلة جدّاً من أهل النجدة، فقاتلوا حتّى قُتلوا وقُتل المختار رحمه الله . فعمد الخبيث مصعب إلى رأسه فجزّه و شهر به وكانت الواقعة في العام السابع والستّين من الهجرة.

أقوال العلماء في حقّ المختار

هذا جانب من حياة المختار جرى به القلم على الاختصار، وظاهر الأمر أنّ المختار كان متفانياً في حبّ أهل البيت وكان منذ عهد الصغر قد صحبهم، وتعلّم العلم عندهم ، وضمّته مدرسة محمّد بن الحنفيّة وعبدالله بن عبّاس حتّى نضج ولم يزل على جانب الرفض للأمويّين والمحاربة لهم، وصفوة القول : إنّه كان شيعياً «اثنى عشريّاً»(1) صحيح الاعتقاد، والله أعلم بحقائق الأُمور .

وأكثر العلماء الأعلام يرون بأنّ المختار كان يقول بإمامة السجّاد علیه السلام مثل المحقّق الأردبيلي في حديقة الشيعة، وابن داود في رجاله، والعلّامة الحلّي في الخلاصة ذكره في القسم الأوّل منها، وأبو علي في رجاله، وابن نما في ذوب

ص: 300


1- لم يكن هذا الاسم معروفاً في تلك الفترة، والمؤلّف لا يقصد به الاصطلاح المعروف وإنّما يريد به صحّة الاعتقاد التامّ بالأئمّة من أهل البيت علیهم السلام .

النضار، والكشي في رجاله، والقاضي نور الله في مجالس المؤمنين، والشيخ عبدالرزّاق الرازي في نقض الفضائح والسيّد عبدالرزّاق المقرّم في «تنزيه المختار» والعلّامة الأورد بادي في رسالته، والعلّامة المامقاني في رجاله، والسيد العلّامة الخوئي في شرح نهج البلاغة في المجلّد الثاني ص 74، والعلّامة السيّد محسن الأمين العاملي في كتاب «أصدق «الأخبار»، والدجيلي في كتاب «المختار الثقفي»، والحائري في كتاب منتهى المقال في معرفة الرجال، حتّى أنّه قال: إنّ صاحب هذا المذهب الساقط لا يترحّم الإمام عليه . ويقول : من ترحّم عليه عالم من العلماء يعتبر ذلك توثيقاً له، فلماذا تلحف في السؤال عنه مراراً وتكراراً.

ومجمل القول أنّ العلماء قديماً وحديثاً بين مدحه والثناء عليه أو التوقّف في أمره لوجود بعض الأخبار التي تنتقصه.

نقل الأخبار الواردة في مدحه

الخبر الأوّل: في رجال الكشي عن الإمام الباقر علیه السلام أنّه قال: لا تسبّوا المختار فإنّه قتل قتلتنا وطلب بثأرنا وزوّج أراملنا وقسّم فينا المال على العسرة(1) .

وهذه الرواية تدلّ بصراحة على حرمة سب المختار لأنّ النهي يدلّ على الحرمة كما قرّر في محلّه . ومنها يظهر رضا الإمام وسروره بفعله من قتله قتلة سيّدالشهداء وكذلك في إعلانه عما فعله معهم من الرعاية والخدمة وتعاهدهم في ساعة العسرة بالمال وما شابهه .

الخبر الثاني : في رجال الكشي بإسناده عن عبد الله بن شريك ، قال : دخلنا على أبي جعفر علیه السلام يوم النحر وهو متّكئ وقد أرسل إلى الحلّاق فقعدت بين يديه إذ دخل عليه شيخ من أهل الكوفة فتناول يده ليقبّلها فمنعه ، ثمّ قال : من أنت ؟ قال :

ص: 301


1- ذوب النضار ، ص 62 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 343 ؛ اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 340 .

أنا أبو الحكم بن المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان متباعداً من أبي جعفر علیه السلام فمدّ يده إليه حتّى كاد يقعده في حجره بعد منعه يده، ثمّ قال: أصلحك الله ، إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا والقول والله قولك ، قال : وأيّ شيء يقولون ؟ قال : يقولون كذّاب ، ولا تأمرني بشيء إلّا قبلته ، فقال : سبحان الله ، أخبرني أبي والله إنّ أُمّي كان ممّا بعث به المختار ، أولم يَبْن دورنا ؟ وقتل قاتلنا، (سبحان الله ، أخبرني أبي والله إنّ مهر أُمّي كان ممّا بعث به المختار رحم الله أباك يكرّرها، ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلّا طلبه ، قتل قتلتنا وطلب بدمائنا (رحم الله أباك، يكرّرها ثلاثاً)(1).

يدلّنا هذا الحديث على أنّ الإمام ينظر إلى المختار بعين ملأها اللطف والعطف والمحبّة ، من ثمّ قرّب ولده إلى مجلسه ورفعه بين الحاضرين إلى درجة أوشكت أن تحلّه في حجر الإمام علیه السلام ، ولمّا سمع كلمة «كذّاب» التي ينبز الناس بها المختار أظهر التعجّب منها بقوله : سبحان الله ، ثمّ راح يعدّد آثاره الجميلة التي أجراها إبان حكمه لأهل البيت ثانياً أظهر الترحم عليه ثلاث مرّات بقوله : رحم الله أباك، فلو كان منحرفاً في مذهبه أو لم يكن على الطريقة المستقيمة لما ترحّم عليه الإمام، وهذه الرواية وحدها يكفي في تعديله وتقديره وهذا الحديث ذكره حبيب الله الخوئي في الجزء الثاني من شرح نهج البلاغة ، ص 75 واعتبره صحيحاً ثابتاً لا نقاش فيه ، وقال : وهذه الرواية تكفي في فضل المختار.

ولو كان المختار كاذباً فيما يدعيه في واقعة لما صحّ من الإمام أن يغري الناس بالجهل في الإشادة بكذّاب والتنويه به ورفع منزلته .

ص: 302


1- اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 340؛ رجال ابن داود، ص 277 والسياق الذي اخترناه يختلف قليلاً مع سياق المؤلّف لفظاً ويتّحد معنًى .

الثالث : ما صحّ مما ذكرناه آنفاً من أن رأس ابن زياد لعنهما الله حين أرسله إلى الإمام زين العابدين علیه السلام قال : جزى الله المختار خيراً، كما روى ذلك الكشّيّ وقال : فخرّ الإمام ساجداً وقال : الحمد لله الذي أدرك لي ثأري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً.

وأيضاً نقل الخوئي في شرحه المذكور آنفاً أنّ السيّد ابن طاووس بعد أن نقل الأخبار الذامّة له قال : لنفترض أن هذه التُّهم جارية على المختار فإنّ الرجحان في جانب المدح والشكر أيضاً لأنّ ابن داود اعتمد على أخبار المدح وكذلك العلّامة ذكره في القسم الأوّل من الخلاصة الذي أعدّه لمن يوثق بهم.

الرابع : جاء في رجال المامقاني عن الإمام الباقر علیه السلام لأنّه قال: وأخبرني والله أبي أنّه كان ليسمر عند فاطمة بنت عليّ يمهدّ لها الفراش ويثني لها الوسائد ... ما ترك لنا حقّاً عند أحد إلّا طلبه ...(1)

الخامس: روى الكشي بإسناده عن الأصبغ أنّه قال: رأيت المختار على فخذ أمير المؤمنين وهو يمسح على رأسه ويقول: يا كيس يا كيس ..(2) .

وهذه الرواية تدلّ على عناية أهل البيت بالمختار منذ طفولته . ورأيت في ترجمة المختار في كتاب «روضة الصفا» أنّ أعرابيّاً جاء إلى المختار وأخبره أنّ عنده كتاباً مختوماً من أمير المؤمنين إليه، فلمّا فتح المختار الكتاب وجد فيه بعد البمسلة البشارة بالفتح والظفر ، وإن كان الكتاب مصدّراً بكلمات رأيت حذفها

أولى.

ص: 303


1- اختيار معرفة الرجال، ج 1 ص 340 ؛ جامع الرواة ، ج 2 ص 321 والمستفاد من الحديث عند المؤلّف أنّها هي التي كانت تضع له الوسائد وتمهّد له الفراش .... الخ .
2- اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 341 .

السادس: روى الكشّي بإسناده عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : ما امتشطت (فينا) منّا هاشميّة ولا اختضبت حتّى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين علیه السلام ) وقد مرّت ترجمة هذه الرواية (1).

والحديث نفسه روي عن فاطمة بنت أميرالمؤمنين وقد أشرنا إليه سلفاً ومنه يظهر عظم المأثرة التي فعلها المختار لأهل البيت علیهم السلام وشفى صدور آل محمّد صلی الله علیه وآله وسلم وذكرنا قبلاً قول محمّد بن الحنفيّة : إنّ للمختار حقّاً فى رقاب آل عبدالمطّلب كلّهم جزى الله المختار خيراً فقد طلب بحقّنا.

السابع : قال العلّامة المامقاني في رجاله في ترجمة المختار في الأخبار الواردة في مدحه ويقول : (ومنها الخبر الطويل المتضمّن لبيان قصة الكاشف عن حسن عقيدته، وقوّة إيمانه بالرسول وتصديقه لما أخبر به ...) ثمّ ينقل الخبر كلّه وحاصل مضمونه أنّ أمير المؤمنين علیه السلام قال لأصحابه : إنّ من بني إسرائيل من أطاع الله فرفع منزلته ومنهم من عصاه فعذّبه وما أشبهكم بهم ، فقال له بعضهم: وما هي المعصية التي تصدر منّا ؟ قال : قتلكم ولدي الحسن والحسين علیهما السلام ثم ما أسرع ما ينتقم الله منهم بسيف فتًى يسلّطه الله عليهم، ويثأر لنا منهم كما فعل ببني إسرائيل، قالوا: من هذا الفتى المسلّط عليهم ؟ فقال علیه السلام : غلام ثيف ويسمّى المختار بن أبي عبيدة الثقفي ، ثمّ ساق حكاية المختار مع الحجّاج وابن زياد حيث أراد قتله مراراً وتكراراً، فقال لهما المختار: لن تقدرا على قتلي حتّى أقتل منكم ثمانين ألفاً، وهذه الرواية التي ذكرها المامقاني (وذكرناها مترجمة - المترجم) تدلّ على قوّة إيمانه .

ص: 304


1- اختيار معرفة الرجال ، ج 1 ص 341؛ رجال ابن داود، ص277؛ جامع الرواية ، ج 2 ص 221؛ قاموس الرجال، ج 10 ص 71.

الثامن : روى الطبرسي في إعلام الورى : إنّ ميثم التمار لمّا حبسه ابن زياد كان معه في الحبس المختار الثقفي، فكان ميثم يقول له: أمّا أنت فتنجو من الحبس وتخرج في الطلب بدم الحسين علیه السلام وتقتل ابن زياد فكان كما قال، فقد كتب يزيد إلى ابن زياد بإطلاق سراح المختار وجرى على يديه ما أخبره به ميثم وكان المختار يعلم أنّ الظفر معه والنصر له لعلمه بأنّ ميثم تلقى العلم من أمير المؤمنين علیه السلام فكان واثقاً بالنصر والغلبة.

التاسع : روى العلّامة في البحار عن زيد بن المنذر قال : اشترى المختار بن أبي عبيد جارية بثلاثين ألفاً فقال لها : أدبري، فأدبرت، ثمّ قال لها : أقبلي، فأقبلت ، ثمّ قال : ما أرى أحداً أحق بها من علىّ بن الحسين علیه السلام ، فبعث بها إليه وهي أُمّ زيد بن عليّ علیه السلام(1) واسمها حوراء. وفي بعض الروايات: إنّه اشترها بستمائة ألف دينار وبعث بها إلى الإمام زين العابدين علیه السلام ، وقد ترجمت لها في حرف الحاء من كتاب «رياحين الشريعة» وبالطبع لو كان المختار قائلاً بإمامة محمّد بن الحنفيّة لما وجّه الجارية إلى الإمام زين العابدين بل أرسلها إليه لأنّه أولى بها لاعتقاده بإمامته ولم يكن كذلك.

الأخبار التي تذمّ المختار والجواب عنها بصورة كافية بعون الملك الغفّار

منها: ما جاء في الجزء السادس من تاريخ الطبري ص 91 عن عثمان بن عبدالرحمن أو عبدالرحمن وهو عن إسماعيل بن راشد أنّ الحسن علیه السلام نزل المقصورة بالمدائن وكان عمّ المختار بن أبي عبيد عاملاً على المدائن وكان اسمه سعد بن مسعود فقال له المختار وهو غلام شاب : هل لك في الغنى والشرف؟ قال : وما ذاك ؟ قال : توثق الحسن وتستأمن به إلى معاوية، فقال سعد: عليك لعنة

ص: 305


1- بحار الأنوار ، ج 46 ص 208.

الله ، أثب على ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأوثقه، بئس الرجل أنت(1) (فأراد الشيعة

قتل المختار فنهاهم عنه سعد عمّه وطلب منهم العفو عنه فعفوا عنه من أجله)..

الجواب : أوّلاً تاريخ الطبري معتبر عند أهل السنّة لكنّه لا اعتبار له عند علماء الإماميّة أصلاً وفيه إخبار مقطوع بوضعها وهذا الخبر منها .

ثانياً : وهذه ليست رواية بل حكاية نقلها رجلان مجهولان ليس لهما اسم ولا سمة في كتب الرجال الشيعة ومع هذا كيف يعتمد على حكاية من هذا القبيل.

ثالثاً : يقول في الحكاية عن المختار أنّه غلام شاب ولم يكن سنّه يوم ذاك بأقلّ من الرابعة والأربعين لأنّ ولادته كانت في أوّل الهجرة ولا يعبّر عن الرجل وهو في تلك السنّ بالغلام الشاب، وهذه قرينة على كذب الخبر .

رابعاً : هذه الحكاية معارضة بما جاء في كامل البهائي عن قنبر مولى أمير المؤمنين أنّه قدم إلى المدائن ومعه زجاجة فيها سمّ وكتاب، فقال: إنّي وجدتهما في الطريق مع قتيل وإلى جانبه بعير هارب، وقشور بطّيخ فأقبلت بها وكان الكتاب باسم إسماعيل و هو علام الإمام الحسن علیه السلام فلمّا قرأها الإمام الحسن خبّأها تحت وسادته ولم يكشفها لأحد فأقبل ابن عبّاس واستخرج الكتاب، وفيه : أمر معاوية إسماعيل أن يسمّه ويقول له : أرسلت إليك سمّاً ناقعاً لتقضي : على الحسن ، فأخرج المختار إسماعيل خارج البيت وضرب عنقه ..(2).

ص: 306


1- تجد الخبر في تاريخ الطبري ، ج 4 ص 122 ط الأعلمي ، لبنان ، وما بين القوسين من المؤلّف .
2- منّ الله عليّ فأعانني على ترجمة كامل البهائي إلى العربية .. وقد قلت في المقدّمة أنّ الكتاب لم يسلم من يد عابثة أو مغرضة امتدّت إليه بالنقص والزيادة والتغيير والتبديل ، وإليك الحكاية منقولة من النسخة المترجمة : وكان سعد مولى أمير المؤمنين في الشام ولمّا عاد رأى في موضع من الطريق شخصاً قتيلاً وجملاً نافقاً وأمام القتيل آثار البطّيخ مطروحاً، فترجّل إلى الأرض ورأى في تلك الرسالة ما كتب معاوية إلى إسماعيل ومعها زجاجة السمّ التي أرسلها معها ، ولمّا وصل سعد إلى المدينة رأى الإمام الحسن عليلاً فبكى وأعطى الكتاب إلى الإمام الحسن علیه السلام فقرأه وخبّأه تحت جنحه . ولم توات الفرصة مسعوداً الثقفي ولا المختار ليتحدّثوا مع الإمام الحسن فأشاروا إلى عبدالله بن عباس فتعجّل عبدالله وأخذ الكتاب ودفعه إلى مسعود فقال : نحن مع العدوّ ليلنا ونهارنا ولا نعلم بخبره ، فرام المختار قتل إسماعيل ، فقال له الإمام الحسن علیه السلام : فأنت رجل ثائر ، وقتله يهيج العامّة ولكن ليذهب عون وليحضر لنا إسماعيل ، فذهب عون وأقبل بإسماعيل ، فقال الحسن علیه السلام : يا إسماعيل ، من هم آل ياسين في هذه الأمّة ؟ فقال : عليّ وفاطمة وأنت وأخوك الحسين ، فأعطاه الحسن كتاب معاوية ، فنهض المختار وضرب عنق ذلك اللعين ونهب متاعه و قتل ولده عند ذلك غادر الإمام الحسن ذلك المكان إلى الكوفة وزار قبر والده وعاد إلى المدينة . ( كامل البهائي ، ترجمة محمّد شعاع فاخر ، ج 2 ص 333 ط الشريف الرضي سنة 1426 و أنت عزيزي القارئ لابدّ واجد الفرق بين النقلين) .

وهذا الفعل دليل على غاية ولاء المختار ومحبّته.

خامساً : لو صحّت هذه الحكاية فإنّها دليل على كفر المختار حيث عزم على قتل إمام مفترض الطاعة وقد ثبت بالتواتر أنّ المختار شيعي إماميّ المذهب.

يقول المامقاني في رجاله في ترجمة المختار : لا إشكال في إسلامه بل كونه إمامي المذهب بل الظاهر اتفاق الخاصّة والعامّة عليه بل الحق إنّه كان يقول بإمامة السجاد وإرسال الهدايا الخطيرة تدلّ عليه) وبناءاً على هذا لا يبقى لدينا شكّ مطلقاً في كذب هذه الحكاية ووضعها.

سادساً : على فرض صحّة هذه الحكاية فإنّ دلالتها على فضل المختار أولى وأجدر وهي مبنية على منتهى محبّة المختار وإخلاصه للإمام الحسن علیه السلام بالسبب الموضح أدناه:

قال الشيخ الصدوق في علل الشرايع دسّ معاوية إلى عمرو بن حريث والأشعث بن قيس وحجر بن الحرث وشبث بن ربعي دسيساً أفرد كلّ واحد منهم

ص: 307

بعين من عيونه أنّك إن قتلت الحسن بن علي علیه السلام فلك مأنا ألف درهم وجند من أجناد الشام وبنت من بناتي، فبلغ الحسن علیه السلام لذلك فاستلام ولبس درعاً وكفّرها وكان يحترز ولا يتقدّم للصلاة بهم إلّا كذلك(1) فعلم المختار بذلك بناءاً على رواية الفاضل الدجيلي في كتابه «المختار الثقفي» فطار فؤاده رعباً وخشي أن لا يكون عمه مشاركاً لتلكم الجماعة في هذه المؤامرة فكان دائباً في البحث عن مخرج من هذا المأزق حتّى لقي شريكاً الأعور وهو من أعلام الشيعة، فأخبره بمجريات الأحداث وأعلمه بما عقد معاوية العزم عليه، مع فكرة الانقلاب على الإمام بين جماعة من جنده وقال : إنّي خائف من عمّي أن يكون في ذلك الجانب ممالناً على الإمام الحسن علیه السلام فأرشده شريك إلى اختباره حتّى إذا لمس عنده انحرافاً نحوه عن الإمام أو أفردوا الإمام في محل آمن من أهل الخيانة لئلا يصيبه سوء، من ثمّ عمد المختار إلى اختبار عمّه بالطريقة المتحدّث عنها حتّى هدأ روعه واطمأن جأشه وسكن باله لذلك تعتبر هذه القضيّة من فضائل المختار وحملها على ذلك أجدر وأولى.

ومن ذلك : الرواية التي رواها الكشّي عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه قال : كان المختار يكذب على عليّ بن الحسين علیهما السلام(2).

الجواب : أوّلاً : هذه الرواية عن محمّد بن الحسن بدون تعيين وأصحاب هذا الاسم كثيرون بعضهم موثوق به والبعض الآخر مجهول، وصاحبنا لا تعلم حاله من أيّ الطائفتين هو ، ومثله يقال في عثمان بن حامد الوارد في طريق هذه الرواية

ص: 308


1- علل الشرايع ، ج 1 ص 221 .
2- بحار الأنوار ، ج 45 ص 343 ، اختيار معرفة الرجال، ج 1 ص 340 وج 2 ص 493 ؛ جامع الرواة ، ج 2 ص 221 .

وهو مشترك بين راويين أحدهما ثقة والآخر مجهول، ومثله حبيب الخثعمي وهو من رجال سند هذه الرواية وقد صرّح في رجال المامقاني بجهالته وقال: حبيب الخثعمي مجهول مِن ثمّ يكون الاستدلال بهذا الخبر على تجريح المختار ساقط أصلاً ولا يجوز من رأس.

ثانياً : ما هذا الكذب - نعوذ بالله - الذي كان المختار يعزوه إلى عليّ بن الحسين علیه السلام.

ثالثاً : هذا الخبر معارض بالأخبار المتواترة التي تؤكّد اعتقاد المختار بإمامة السجّاد علیه السلام لذلك يجب اطّراح هذه الرواية وهي من التهم المنسوبة إلى الإمام الصادق علیه السلام، وقد مرّ في الحديث السادس ما قاله الإمام الصادق علیه السلام عن المختار .

ومن المتيقّن به أنّ أعداء المختار من أهل الكوفة بذلوا أقصى الجهد لإسقاط المختار من أعين الناس بغضاً وحسداً وعداوة.

منها الرواية التالية : روى الكشّيّ عن محمّد بن مسعود قال حدّثني أبو علي الخزاعي قال : حدّثني خالد بن زيد العمري عن الحسن بن زيد عن عمر بن علي أن المختار أرسل إلى عليّ بن الحسين علیهما السلام بعشرين ألف دينار فقبلها وبني بها دار بني عقيل بن أبي طالب ودورهم التي هدمت ، قال : ثمّ إنّه بعث إليه بأربعين ألف دينار بعد ما أظهر الكلام الذي أظهره فردّها ولم يقبلها .

ثمّ قال : والمختار هو الذي دعا الناس إلى محمّد بن الحنفيّة وسمّوا الكيسانيّة وهم المختاريّة وكان لقبه ، ولقّب بكيسان لصاحب شرطته المكنّى أبا عمرة وكان اسمه كيسان ، وإنّه سمّي كيسان بكيسان مولى عليّ بن أبي طالب وهو الذي حمله على الطلب بدم الحسين ودلّه على قتلته وكان صاحب سرّه والغالب على أمره وكان لا يبلغه شيء عن رجل من أعداء الحسين علیه السلام إنّه في دار أو موضع إلّا قصدها وهدمها بأسرها وقتل كلّ من فيه من ذي روح، وكلّ دار بالكوفة خراب

ص: 309

فهي ممّا هدمها أبو عمرة وأهل الكوفة يضربون به المثل(1).

الجواب عن هذه المفتريات: أوّلاً ليس هذا من قسم الحديث ولا ينتهي بمعصوم بل بعمر بن عليّ علیه السلام ولا يعرف عليّ الخزاعيّ من هو ؟ ومثله خالد بن زيد العمريّ فلا يوجد له اسم أو عنوان في رجال المامقاني مع أنّه أبسط كتب الرجال، وأمّا الحسن بن زيد بن الحسن فإنّ المامقاني يقول في حقّه: من أضعف الضعفاء وكان والياً على المدينة من قبل أبي جعفر المنصور، وما فتئ يخاصم بني عمومته من أولاد الحسن المثنّى وكان أوّل المسوّدة من بني هاشم اتّخاذاً لشعار بني العباس. وحينئذ كيف تقبل رواية إنسان هذا شأنه. وأمّا عمر بن علي فإنّ المامقاني يقول في ترجمته : قال أبو مخنف وابن شهر آشوب والعلّامة المجلسي وغيرهم من أصحاب المقاتل من الخاصّة والعامّة أنّه من شهداء كربلاء وقد حضر الطفّ مع أمّه وأخته رقيّة وابنيها عبدالله ومحمّد ابني مسلم علیهما السلام ونالوا الشهادة وحينئذ أين كان عمر يومذاك ليقصّ على زيد هذه القصّة ؟ فتبيّن كذب الحديث البتّة.

ثانياً : إرسال عشرين ألف دينار إلى الإمام السجّاد علیه السلام من المختار لا يكون إلّا زمن إمارته لأنّه قبل ذلك لم يكن ذا مال، فقبلها الإمام علیه السلام وبنى بها البيوت المهدَّمة فلو كان يقول بإمامة ابن الحنفيّة لأرسل المال إليه لا إلى غريمه في الإمامة.

وأمّا ردّ الأربعين ألف دينار فعلى فرض صحّتها فإنّ وجهها واضح ومعلوم، لأنّ المدينة غير داخلة في إمارة المختار فكان الإمام يتّقي من جواسيس عبد الملك أن يبلغه الخبر فيؤذي الإمام علیه السلام.

ص: 310


1- جامع الرواية للأردبيلي ، ج 2 ص 221 باختلاف يسير .

وأمّا قوله بعد ما أظهر الكلام، فليته أبان لنا عن وجه هذا الكلام ما هو ؟ وما المراد منه ؟ فإذا كان المقصود به القول بإمامة محمّد بن الحنفيّة فقد علمت بطلانه، ولو صحّ اتّهامه بهذا الأمر فإنّه لا يكون إلّا قبل إمارته وبناءاً على هذا فإنّ المختار كان في أوّل إمارته على هذا القول وعليه فلا يصحّ للإمام قبول الهديّة الأُولى. منه ، وردّ الهديّة الثانية . وإذا أراد القول بادّعائه النبوّة فبطلان ذلك أظهر من الشمس في رائعة النهار ولا يحتاج ردّه إلى حجّة وبرهان، فظهر من هذا أنّ العبارة مدسوسة ولا صحّة لها.

وأمّا ما يقال: من أنّ المختار كان يدعو الناس إلى إمامة محمّد بن الحنفيّة فهو كذب محض لا أساس له. وممّا تقدّم يعلم جزماً بأنّ المختار كان مؤمناً بإمامة الإمام السجّاد علیه السلام وكان يراسله ويهدي إليه العطايا الجزيلة وأهدى إليه جارية اشتراها بستّمائة دينار، وكان الإمام الباقر علیه السلام يقول : إنّ مهر أُمي من المال الذي أهداه المختار إلى أبي ، وبما أنّ عسكر المختار يحتوي على عناصر كبيرة من الكيسانيّة فليس من الغريب أن تنطلق ألسنتهم بمثل هذا الافتراء تأييداً لسياستهم وبلوغاً لأهدافهم، وقد قيل : الحرب خدعة .

قال المقامقاني : إنّ نسبة الكيسانية إلى المختار ليست بصحيحة، وما يقال من أنّ تسميته بالكيساني لأنّه يدين بهذا المذهب أمر مردود، أوّلاً : لأنّ الكشّيّ روى ذلك مرسلاً ولا دليل على صحّة ذلك . ثانياً : لا تكون مجرّد التسمية حجّة على التمذهب بالمذهب الكيساني بل الوجه ما فعله أمير المؤمنين علیه السلام مع المختار من المسح على رأسه وقوله : ياكيس ياكيس، كما مرّت الإشارة إليه أو سبب ذلك تسمية أبي عمرة بكيسان وهو صاحب شرطته وقد سمّي باسم مولى أمير المؤمنين علیه السلام وكان يدعى كيسان.

ومجمل ما قاله المقامقاني بأنّ نبز المختار بالمذهب الكيسانى ما هو إلّا البهتان

ص: 311

الصرف. والحقّ ما قاله المامقاني وممّا يدلّ على أنّ هذه النسبة باطلة كثرة الاختلاف فيها .

قال الشهرستاني في الملل والنحل، والبغدادي في الفرق بين الفرق، والطبري في تاريخه أنّ مبدأ ذلك من اختراع كيسان مولى أمير المؤمنين علیه السلام .

ويرى المسعودي أنّ نسبة الكيسانيّة دائرة بين المختار ومن عداه .

ويذكر بعضهم مذهب الكيسانية ولكنّه يجهل واضعه الأوّل أو لا يسمّيه.

وعلى كلّ حال فالمختار منزّه ممّا نسب إليه ونبز به ، مع ما هو عليه من العلم والفضل، وكان على علم بأنّ محمّداً نفسه ممّن يدين بالإمامة لابن أخيه زين العابدين علیه السلام كما مرّ ذلك في ترجمته مكرّراً .

ويمكن أن تكون الشبهة ناشئة من مجيء وفد الكوفة إلى ابن الحنفيّة ليستطلعوا رأيه هل يأذن باتّباع المختار أو لا، فلمّا كانوا بحضرته قال لهم: قوموا بنا إلى إمامي وإمامكم عليّ بن الحسين علیهما السلام ولمّا كان الإمام قد أذن لهم بالتفصيل ل الذي ذكرنا سابقاً فلمّا خرجوا من عنده قالوا للناس : أذن لنا محمّد بن الحنفیّة وزين العابدين بطاعة المختار .

وأمّا ما يقال: من أنّ كيسان مولى عليّ بن أبي طالب علیه السلام هو الذي حمله على الطلب بدم الحسين علیه السلام هو كذب محض ولم يرشدنا التاريخ على أنّ المختار كان يستشير الرجل في هذا الشأن أو يستعين برأيه، ومع ذلك فكيسان غير معروف في الرجال وليست له مواقف لامعة أو آثار واضحة في التاريخ، وهذا دليل آخر على كذب الرواية.

وكان المختار عالماً بما يجري على يديه من الانتقام من قتلة سيّدالشهداء من إخبار أمير المؤمنين فما هو بحاجة إلى تذكرة كيسان أو أخذ الضوابط منه .

وأمّا ما قيل: من أنّه قتل كلّ من فيها من ذي روح فهو كذب محض وافتراء

ص: 312

وبهتان، القصد منه تشوية سمعة المختار وإظهاره بمظهر الرجل الدموي السفّاح الذي لا تحتلّ الرحمة قلبه كالحجّاج بينما كان المختار دقيقاً في تقصّي قتلة الحسين علیه السلام فما لم يثبت عنده أنّ المتّهم شريكاً في دم الحسين علیه السلام لا يلطّخ يده بدمه، وظاهر هذه العبارة الكاذبة بأنّه كان يقتل حتّى الأطفال لأنّهم يدخلون في سياق ذي روح، والتاريخ على الإطلاق لم يحص على المختار قتل امرأة واحدة فضلاً عن الصبي غير البالغ، وإذا كانت المرأة ممّن شارك في قتل الحسين فلا حرج من قتلها ولكن لم يثبت ذلك عليه أبداً. وهذه الروايات كلّها موضوعة.

منها رواية سماعة المنقولة في التهذيب عن محمّد بن عليّ بن محبوب عن محمّد بن أحمد عن أبي قتادة عن أحمد بن أبي هلال عن بعض من رواه عن أبي عبدالله الصادق علیه السلام قال : يجوز النبي على الصراط يتلوه علي ويتلو عليّاً الحسن، ويتلو الحسن الحسين ، فإذا توسّطوه نادى المختار الحسين علیه السلام: يا أبا عبد الله ، إنّي طلبت بثأرك ، فيقول النبي صلی الله علیه وآله وسلم للحسين : أجبه ، فينقض الحسين في النار كأنّه عقاب کاسر فيخرج المختار .. الخ(1).

ورواية سماعة في البحار على النحو التالي: عن سماعة قال سمعت أبا عبد الله علیه السلام يقول : إذا كان يوم القيامة مرّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بشفير النار وأمير المؤمنين والحسن والحسين علیهم السلام فيصيح :صائح يا رسول الله أغثني (يا رسول الله) ثلاثاً ، فلا يجيبه فينادي يا حسين (يا حسين يا حسين) ثلاثاً ، أغثني ، أنا قاتل أعداءك، قال: فيقول له رسول الله : قد احتجّ عليك، قال: فينقض عليه كأنه عقاب كاسر فيخرجه من النار (قال) فقلت لأبي عبد الله علیه السلام : ومَن هذا جعلت فداك ؟ قال : المختار . قلت له : ولم عذّب بالنار وقد فعل ما فعل ؟ قال : إنّه كان في

ص: 313


1- تهذيب الأحكام، ج 1 ص 466 .

قلبه منهما شيء، والذي بعث محمّداً بالحقّ لو أنّ جبرئيل وميكائيل كان في قلبهما شيء لأكبّهما الله في النار على وجوههما (1).

وذكر الرواية في المنتخب على هذا النحو ولكنّه أضاف إليها : إنّ المختار كان يحبّ السلطنة وكان يحبّ الدنيا وزينتها وزخرفها ، وإنّ حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة لأنّ رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم قال : والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لو أن جبرئيل وميكائيل كان في قلبهما ذرّة من حبّ الدنيا لأكبّهما الله على وجههما في النار .

الجواب عن خبر التهذيب : أوّلاً رواية التهذيب مخدوشة السند لأنّه قال: أحمد بن هلال عن بعض من رواه، ونحن نجهل هذا البعض ما هي حاله ؟ ومن يكون ؟ وهذا كاف في عدم اعتبار الرواية مضافاً إلى كون أحمد بن هلال ضعيفاً في نفسه غاية الضعف بقول الشيخ في رجاله : أحمد بن هلال البغدادي غال وذكره في أصحاب الإمام الهادي علیه السلام وقال : كان غالياً متّهماً .

وقال في التهذيب في باب الوصيّة لأهل الضلال: أحمد بن هلال مشهور باللعنة ،والغلوّ، وما يختصّ برواية لا نعمل عليه، وقد ورد ذمّ في حقّه شديد من الإمام العسكري والناحية المقدّسة، وقد نقل الكشّيّ في رجاله كثيراً من ذلك، وجاء في حقّه (لا غفر الله له) و (لا رحمه الله) و (لا أقال عثرته) .

وقال المامقاني في رجاله : عدم قبول روايته هو الحقّ المبين.

وقال في التحرير الطاووسي: روي في شأنه أُمور هائلة وطعن شديد) وقد ترجمت له في الجزء الرابع من تاريخ سامّراء في أصحاب الإمام الحسن العسكري علیه السلام ، وحينئذ كيف يصحّ الاستدلال برواية على هذا المستوى، مضافاً

ص: 314


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 329.

إلى وجود ما يعارضها بكثرة منها دعاء الإمام السجّاد علیه السلام بقوله: جزى الله المختار خيراً .

يقول المحدّث القمّي في منتهى الآمال في فصل ورود أهل البيت إلى المدينة بعد أن ذكر الخبر المذكور : من هنا يعلم أنّ المختار إلى أيّة درجة أدخل السرور على قلب الإمام علیه السلام بل أدخل المسرّة والفرحة على القلوب الكسيرة وعلى المظلومين والمصابين من أرامل آل النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم وأيتامهم الذي أقاموا المناحة والعزاء والبكاء خمس سنوات متواليات، بل أخرجهم من دائرة الحزن والغمّ وعمّر ديارهم وبنى بيوتهم ومنحهم العطايا الجليلة.

وروي في الكتب المعتبرة أنّ كافراً كان يجاور مسلماً ويحسن إليه غاية الإحسان ويداريه، فلمّا هلك الكافر ذهب بمقتضى العادة إلى جهنّم بيته الطبيعي في الآخرة، فبنى الله سبحانه له في جهنّم بيتاً لا تحرقه حرارة النار ويأتيه رزقه بكرة وعشيّاً، وقيل له: هذا جزاء إحسانك لجارك المسلم، فكيف يكون حال المختار مع عظيم إحسانه لأهل البيت النبوي ، الخ، انتهى .

وأمّا رواية سماعة فإن كان هو الحنّاط فإنّه مجهول، أو عبدالرحمن المزني فهو مجهول أيضاً، وإذا كان سماعة بن مهران ففيه قال وقيل كثير ؛ فقد عدّه بعضهم فطحيّاً، والبعض الآخر واقفيّاً، وبعضهم نسبه إلى الاثني عشريّة، ومع هذه الحالة لا يصحّ الاستدلال بروايته . وثانياً لو صحّت الرواية فإنّها دالّة على حسن معتقده لأنّه لو كان فاسد العقيدة كان مخلّداً في جهنّم فدلّ إخراجه من النار على أنّه موحّد إمامي صحيح المعتقد، وربّما كان دخوله النار على أثر ذنوب اقترفها و آثام ارتكبها من قبيل حبّه الدنيا وحبّه للرئاسة شأنه شأن الكثيرين من مذنبي الإماميّة.

ثمّ أن هذه الرواية على فرض صحّتها مكذّبة لأولئك الذين اتهموه بالكيسانيّة لأنّه لو كان كذلك لكان مخلّداً في النار كما ذكر .

ص: 315

وحاصل القول : إنّ هذه الرواية معلولة سنداً ومتناً وهي غير أهل للعناية ولا يعتمد عليها أصلاً.

ومن هذه الأخبار رواية مختصر الدرجات، روى الشيخ حسن بن سليمان الحلّيّ في كتابه «مختصر الدرجات»(1) أنّ المختار بن أبي عبيدة الثقفي بعث إلى عليّ بن الحسين علیهما السلام بمأة ألف درهم فكره أن يقبلها منه وخاف أن يردّها فتركها في بيت، فلمّا قتل المختار كتب إلى عبدالملك يخبره بها ، فكتب إليه : خذها طيّبة هنيئة، فكان علىٌّ يلعن المختار ويقول : كذب على الله وعلينا لأنّ المختار كان يزعم أنّه يوحى إليه.

الجواب عنه : ذكر العلّامة المامقاني سند هذه الرواية لكي يعمل فيها الباحثون رأيهم ولكن الرواية غير متناسقة متناً ممّا لا يحتاج معه إلى إعمال فكر في سندها ، أوّلاً: يقول بعث إليه بمأة ألف درهم وهذا شاهد حيّ على حسن اعتقاده بإمامة زين العابدين علیه السلام ومبلغ إخلاصه لذاته الكريمة بحيث بعث إليه بمثل هذا المال الطائل، وحينئذ يكون حملها على المدح أولى من حملها على الذمّ.

وأمّا قوله: (فكره أن يقبلها فخاف أن يردّها) ونحن نتسائل ما وجه كرهه لها وممّن كان خوفه ؟! بحيث حبسها فلم يردّها ، فإن كان خوفه من المختار فهذا أمر غير معقول، مضافاً إلى أنّ سلطة المختار لا تطال المدينة، ولم تدخل في نطاق ولاياته، مع أنّ هذه الرواية مخالفة للروايات والأخبار الدالة على قبول الإمام هدايا المختار حتّى أنّه بنى بالمال بيوت آل عقيل، وأمهر منه أُمّ الباقر علیه السلام وقبل ستّمائة دينار مع الجارية المشتراة بستّمائة دينار وهي أمّ زيد بن عليّ بن

ص: 316


1- نسبها في بحار الأنوار ، ج 45 ص 346 إلى المحتضر ، والظاهر أنّ المؤلّف خلط بين الكتابين لاتحاد لفظي مختصر و محتضر .

الحسين علیهما السلام وحينئذ تستلزم هذه الروايه التناقض، والتحقيق في المطلب كما يلي:

كان الإمام علیه السلام قبل استيلاء عبدالملك على المدينة يقبل هدايا المختار علناً، ولمّا استوى الأمر لعبد الملك ونودي به خليفة على المسلمين واحتلّ جنوده المدينة أخذ الإمام في التقيّة من قبول الهدايا التي تأتيه خوفاً من عبدالملك وخشية من عيونه أن تبلغه الخبر فيقع الإمام علیه السلام تحت طائلة محاسبته، وكان يعلم بعلم الإمامة بأنّ المختار مقتول لا محالة وأنّ الأمر يئول إلى عبدالملك، ولو أنه قبل المال وعلم به عبدالملك لقال : إنّه يصحح أعمال المختار وهذا يجعل السبيل العبد الملك عليه ، من ثمّ ترك المال على حاله خوفاً وتقيّة من عبدالملك .

ومن البديهيّ بأنّ المال لو كان حراماً في أصله فإنّه لا يحلّ بإذن من عبدالملك، لأنّه سلطان جائر وزنديق ، وإذا كان حلالاً فلا معنى لحبسه مع أنّ العلماء اتّفقت كلمتهم على أنّ جوائز الظالم حلال لاسيما على الإمام زين العابدين علیه السلام ، لأنّ الدنيا بأجمعها له وعلى هذا لا يكون لما قيل وجه مقبول إلّا على نحو الخوف والتقية ، ولعلّ استئذان الإمام من عبد الملك إشعار منه له بأنّه قبل المال خوفاً من فتك المختار به ولم يكن راضياً به ولا مسالماً للمختار .

وممّا ذكرناه يعلم السبب من عدم قرائة الإمام السجّاد كتاب المختار ومن لعنه له ، فإنّ ذلك قطعاً وحتماً وجزماً كان تقيّة، ولو كان على الحقيقة لما نهى الإمام الباقر علیه السلام عن لعنه كما مرّ سابقاً، وكثير من أصحاب أئمّة الهدى كانوا يلعنون أصحابهم حقناً لدمائهم، مثل زرارة الذي قال في حقّه الإمام الصادق علیه السلام ثلاث مرّات لعن الله ،زرارة، كما جاء ذلك في رجال الكشّيّ على حين أنّ عظمة زرارة و جلالته وعلوّ شأنه أظهر من أن يحتاج إلى بيان ونظير هشام بن الحكم الذي رويت روايات في ذمه ومثله هشام بن سالم ومحمّد بن سالم الثقفي، بينما جلالة شأن هؤلاء محلّ اتفاق الرجاليّين جميعاً وعلوّ شأنهم أظهر من الشمس.

ص: 317

وأمّا ما قيل (لأنّ المختار يزعم أنّه يوحى إليه) هذه العبارة حاكية عمّا بلغه أعداء المختار الذي شمّروا عن ساعد الجدّ ليسيئوا إلى سمعة المختار ويطرحونه من أعين الناس، وبالغوا في إلصاق التُّهم به حتّى زعموا بأنّه ادّعى النبوّة.

ويقولون من جهة أخرى: بأنّه يدعو الناس إلى محمّدبن الحنفيّة .

وهم يقعون في مفارقة عجيبة لا يفكّرون بها لأنّه إن كان يدّعي النبوّة كما يقولون فكيف يدعو الناس إلى إمامة غيره ؟! وهذا هو التناقض والتهافت بعينه الذي حشروه في عقول الناس البسطاء لعداوتهم للمختار وبغضهم إيّاه .

وكان للمختار غلام اسمه جبرئيل ، فإذا ما قال أخبرني جبرئيل ، ظنّ الناس أنّه يعني بجبرئيل «ملاك الوحي» الذي يهبط عليه من السماء ويخبره بما يشاء. وكلّما فاه بنظائر هذه الكلمات تسلّمها الأعداء وأضافوا لها قروناً وأذناباً ونسبوها إليه .

ومجمل القول: إنّ المامقاني قال : من جملة أسباب التهمة أنّه لأخذه بثار أهل البيت مبغوض عند العامّة، فيمكن منهم دسّ أخبار في ذمّه في أخبارنا .

فتلخّص من جميع ما ذكرنا أنّ المختار إماميّ المذهب وأنّ سلطنته برخصة من الإمام، وأنّ وثاقته غير ثابتة نعم هو ممدوح مدحاً مدرجاً له في الإحسان.

أقول : وثاقته أيضاً ثابتة :

أولاً: ذكره العلّامة في القسم الأوّل من الخلاصة الذي أعدّه للموثّقين، ولو لم يكن ثقة لذكره في القسم الثاني منها .

وثانياً : نصّ ابن طاووس على العمل بروايته باعتراف المامقاني نفسه.

ثالثاً: أنّه قال : لقد أجاد الحائري حيث قال : إنّ ترحّم عالم من علمائنا على الراوي يقتضي حسنه وقبول خبره فكيف بترحّم الباقر علیه السلام ؟!

رابعاً : تعاضد الأخبار على مدحه في الكتب المعتبرة السالمة من معارض مقبول.

ص: 318

وخلاصة الكلام بأنّ المختار رجل موحّد صحيح الاعتقاد شيعيّ إماميّ موثّق شهيد رحمة الله عليه ، والله أعلم بحقائق الأمور.

الحمد لله العطوف الغفور وصلّى الله على محمّد وآله الطيبّين بعدد الأيّام والليالي والدهور ، ولعنة الله على أعدائهم من الآن إلى يوم النشور .

والعبد الغريق بنعم الله العظمى التي وفّقني لها الحقّ سبحانه وجعلها من نصيبي بأن ترجمت لثمان وعشرين شخصاً بعد المأتين من أصحاب سيّدالشهداء في هذه الأوراق على حروف المعجم وجمعتها من هنا وهناك؛ من هؤلاء سبعة عشر شخصاً بعد المأتين استشهدوا في أرض كربلاء ، واستشهد منهم رجل واحد في البصرة قبل وقوع الحادثة وهو سليمان بن أبي رزين، واستشهد ثلاثة عشر رجلاً منهم في الكوفة وهم مسلم وهاني ومحمّد وإبراهيم ابنا مسلم ومحمّد بن كثير وابنه وعمارة بن صلخب الأزدي وعبد الله بن يقبطر وقيس ابن مسهّر الصيداوي وعبد الأعلى والعبّاس بن جعدة وعبد الله بن الحارث الذين استشهدوا في نصرة مسلم، وعبدالله بن عفيف الذي نال الشهادة بعد وقوع المصيبة رضوان الله عليهم أجمعين، وفي الخاتمة ذيّلنا الكتاب بترجمة محمّد بن الحنفيّة والمختار بن أبي عبيدة الثقفي.

تمّ الجلد الثاني من فرسان الهيجاء

ويليه رسالة شمس الضحى في مصائب رأس سيّدالشهداء علیه السلام

ص: 319

شمس الضحى في ذكر ما ورد على رأس سيد الشهداء علیه السلام

في ذكر ما ورد على رأس سيّد الشهداء علیه السلام

وقع اختلاف كبير في انتقال الرأس المنوّر وتحوّله ومحلّ دفن شمسه المنوّرة بين المؤرّخين وأصحّ الأقوال دفن ذلك الرأس الشريف بكربلاء.

والقول آخر من أنّة دفن علیه السلام في مصر وله اليوم مشهد معروف ومزار يقصده الناس من شتّى بقاع المعمورة.

والقول الثالث أنّه مدفون في الشام وعليه أيضاً مشهد يزار ويعرف بباب الفراديس .

والقول رابع على أنه مدفون بعسقلان وسيأتي الخبر عنه مفصّلاً.

والقول خامس من أنّه مدفون في النجف الأشرف و تروى له زيارة في حرم أمير المؤمنين علیه السلام .

والقول سادس وهو دفنه في المدينة عند قبر أُمّه فاطمة الزهراء سلام الله عليها.

والقول السابع أنّه في الحنّانة أو أنّ بعضه على قول فيها وهي موضع خارج النجف بني فيها مسجد يقال أنّ الرأس الشريف فيه.

ومستند هؤلاء جميعاً إمّا الأخبار أو أقوال المؤرّخين وبالطبع يمكن أن تتقوّم من هذا الاختلاف فلسفة بحيث يبقى الرأس مستور الحقيقة لكي تأسّس باسمه

ص: 320

هذه المشاهد المشرّفة كلّها في الأماكن المختلفة وتقام على صاحبه المناحات فيها ويبقى اسمه حيّاً يتردّد على ألسن الشعوب والأمم مصداقاً لقوله تعالى : ( وَمَن يُعَظُّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )(1) وهذا شعار كبير لا يتمّ ترويجه إلا على هذا النحو.

تفصيل تنقّل رأس الحسين علیه السلام وتحوّله

لمّا وقع الإمام الحسين علیه السلام من ظهر جواده على وجه الثرى نادى عمر بن سعد : يا أهل الكوفة ثكلتكم أُمّهاتكم عجّلوا بقطع رأس الحسين، فبادر إليه شبث ابن ربعي لعنه الله والسيف بيده ، فلمّا نظر إلى الحسين أخذته رعدة وراح يرتجف بشدّة، وسقط السيف من يده وهرب وهو يقول : معاذ الله أن ألقاه بدم الحسين، فاستقبله سنان بن أنس وهو رجل أبرص وكوسج وقصير الوجه وقال له : ثكلتك أُمّك وعدمك قومك، لماذا عزفت عن قتله ؟ قال : لمّا فتح عينيه في وجهي شاهدت عيني رسول الله فتهاوت ،قوّتي واستولى علي مثل الأفكل ، فقال : أعطني هذا السيف فأنا أولى بقتله منك ، ثمّ تناول السيف من يده وتوجه به إلى الحسين علیه السلام فلمّا دنى منه ارتعد وارتهب رهبة شديدة حتّى سقط السيف من يده وهرب من المعركة، فأخذ الشمر بتقريعه وقال: مالك جبنت لا أُمّ لك ، فقال : لمّا فتح عينه في وجهي تذكرت شجاعة أبيه فهربت عند ذلك تقدّم خولى بن يزيد ، الأصبحي نحو الحسين ليميز رأسه عن جثة فلما تقدم خطوة أو خطوتين فأخذته الرعدة وعاد خائباً مدحوراً، فقال الشمر لعنه الله تعساً لقوم أنتم منهم، لا أحد أولى بقتله منّي ، وأخذ السيف وقصد الحسين علیه السلام وتربّع على صدره ففتح المولى عينه ونظر إلى الشمر فلم يخف ولم يتنح وقال : لست من أولئك الذين يصدّون

ص: 321


1- الحج : 32 .

عن قتلك ، فقال الإمام علیه السلام : فمن أنت ويلك لقد ارتقيت مرتقّى صعباً، إنّه مقبل الله رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم؟ فقال : أنا شمر بن ذي الجوشن الضبابي ، فقال علیه السلام : ألا تعرفني ؟ قال : بلى أعرفك حقّ المعرفة ، أنت الحسين بن عليّ المرتضى وأُمّك فاطمة الزهراء وجدّك محمّد المصطفى وجدّتك خديجة الكبرى ، فقال : الويل لك تعرفني هذه المعرفة وتقتلني ؟ قال : نعم لأحظى بجائزة أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ، فقال : أتحبّ شفاعة جدّي رسول الله أكثر أم جائزة يزيد ؟ فقال : دانق من جائزة يزيد أحبّ إليّ من شفاعة جدّك وأبيك ، فقال الحسين علیه السلام : إن كنت مصرّاً على قتلي فاسقني شربة من الماء، فقال ذلك الملعون هيهات هيهات والله لن تذوق الماء حتّى تذوق الموت عطشاً جرعة بعد جرعة، ألست التي تزعم بأنّ أباك ساقي الكوثر، يسقي من كان يحبّه، فاصبر إذن حتى تسقى من يد أبيك، فقال الإمام علیه السلام : الق لثامك حتّى أنظر إليك، فألقى اللعين الثامه ، فقال الإمام علیه السلام الاول : صدق جدّي رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، فقال الشمر : بماذا صدق جدّك ؟ فقال الإمام علیه السلام : قال جدّي لأبي : إنّ ابنك هذا يقتله رجل أبرص أعور ، له بوز كبوز الكلب وشعر كشعر الخنزير، فغضب الشمر وقال : شبّهني جدّك بالكلب، أقسم بالله لأذبحنك من القفا جزاءاً لما شبّهني به جدّك ، ثمّ قلّبه على وجهه واحتزّ رأسه، وهو يرتجز:

أقتلك اليوم ونفسي تعلم *** علماً يقيناً ليس فيه مزعم

أنّ أباك خير من يكلّم *** بعد النبي المصطفى المعظّم

ولا مجال لا ولا تكتّم *** ولا لأولاد النبيّ أرحم(1)

وضربه اثني عشر ضربة قبل أن يفصل الرأس الشريف عن الجسد وحمله

ص: 322


1- بحار الأنوار ، ج 45 اقتصر على أربعة أشطر ؛ العوالم ، ص299؛ الفتوح، ج 5 ص 119 ؛ الدرّ النظيم ، ص 551 جعلها ألفاظاً قريبة الشبه بالرجز ونسبها إلى سنان .

على رأس الرمح وكبّر العسكر ثلاث تكبيرات عند ذلك ، اهتزّت الأرض وغشت المشرق والمغرب ظلمة عظيمة، وارتعدت فرائص الناس، وتهامت الصواعق متواترة، ومطرت السماء دماً عبيطاً، وكسفت الشمس وهبّت ريح صفراء وريح حمراء وثارت عاصفة هو جاء انتظر الناس فيها العذاب، وصاح هاتف بين السماء والأرض : قتل والله الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمّة الحسين بن علي .

وفي مقتل ابن طاووس أنّ الهاتف أخذ ينشد هذه الأشعار :

إنّ الرماح الواردات صدورها *** نحر الحسين بقاتل التنزيلا

ويهلّلون بأن قُتلت وإنّما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا

وكأنّما قتلوا أباك محمّداً *** صلّى عليه وآله جبريلا (1)

عند ذلك أقبل رجل إلى ابن سعد وقال : أبشر أيّها الأمير فهذا شمر قد قتل الحسين.

روزی که شد بنیزه سر آن بزرگوار

موجی بجنبش آمد و برخاست کوه کوه

خورشید سر برهنه درآمد زکوهسار

ابری به بارش آمد و بگریست زارزار

گفتی فتاد از حرکت چرخ بیقرار

عرش آنچنان بلرزه درآمد که چرخ پیر

گفتی تمام زلزله شد خاک مطمئن

افتاد درگمان که قیامت شد آشکار

ص: 323


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 129 ونسبها إلى بعض التابعين ، وفي المناقب ، ج 3 ص 363 نسبها إلى خالد بن معدان .

تقريب الشعر إلى العربيّة أو مباراته :

ویوم شالوا رأس مولى الورى *** أمام آل الله فوق السنان

أشرقت الشمس بأفلاكها *** كأنّها محجوبة لا تصان

حسرى هوى القناع من رأسها ***وزارت الأرض بوجه مهان

زلزلت الأرض بأجبالها *** والسحب أجرت دمعها كالجمان

كأنما الزلزال عمّ الورى *** وسكن الكون به والمكان

والعرش يهتزّ بأركانه *** والفلك الأعلى علاه الهوان

مواضع الرأس الشريف في الكوفة

لمّا فرغ عمر بن سعد من حرب كربلاء وتمّ القضاء على الإمام وأنصاره وأهل بيته ، استعدّ للخروج إلى الكوفة ، فأعطى الرأس بادئ ذي بدئ إلى خولّى بن يزيد الأصبحي وأشرك معه حميد بن مسلم الأزدي ليأخذاه إلى عبيد الله بن زياد، فأخذ خولّى الرأس وأقبل عجلاً يريد الكوفة فوصلها بعد تناصف الليل، فرأى أبواب القصر موصّدة، فمال بالرأس إلى داره وخبأ الرأس فيها تحت الأجانة المعدّة لغسل الثياب وكان لخولى زوجتان إحداهما أسدية وأُخرى حضرميّة أي من أرض حضرموت وتُدعى النوار ، وكان قدومه عليها ، فسألته النوار : ما الخبر ؟ فقال لها : جئتك بالذهب الأحمر، فهذا رأس الحسين معك في الدار، فصرخت المرأة وقالت: ويلي، جاء الناس بالذهب والفضّة وجئتني برأس ابن رسول الله ، أقسم بالله لا تجمع رأسي وأسك وسادة واحدة ثمّ قامت من بين يديه وذهبت إلى تلك «الأجانة» وتحتها الرأس الشريف، فرأت عموداً من النور يسطع من الرأس إلى عنان السماء وأصاخت السمع إلى الملائكة ورأت طيوراً بيضاً تطير حول الرأس وهو يتلو هذه الآية : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَى مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ) ودامت الحال على هذا المنوال حتّى الفجر .

ص: 324

ای زداغ تو روان خون دل از دیده حور

بی تو عالم همه ماتم کده با نفخه صور

تا جهان باشد و بود است که داده است نشان

میزبان خفته بکاخ اندر و مهمان بتنور

سر بی تن که شنیده است بلب آیه کهف

یا که دیده است بمشكاة تنور آیه نور

مباراة الشعر بالعربيّة :

يا فقيداً أجرى دموع الحور *** تتلالا كالجمر فوق النحور

ماتم الأرض سوف يبقى عليكم *** باقياً حامياً لنفخ الصور

سمة الدهر أن يظل مضيف *** في المنى والضيوف في التنور

هل تلا الرأس آية الكهف *** والتنّور مشكاته لأي النور

ما مرّ قبلاً من الحديث هو المشهور المروي عن الطبري والشيخ ابن نما و منتهی الآمال والناسخ وغيرهم، ولكن الشهيد الثالث في مجالس المتقين في المجلس السادس عشر يقول عن صاحب التبر المذاب عن الواقدي وهو من علماء أهل السنة فقد قال: إنّ شمراً وضع الرأس الشريف في ساق ثمرة البطّيخ وأقبل به يحمله إلى بيته ووضعه تحت القدر الكبير الذي تغسل فيه الثياب ، فلمّا جنّ عليه الليل وكانت للشمر امرأة مؤمنة من الشيعة، قامت إلى حاجتها فرأت عموداً من النور منبثقاً من ذلك الإناء، فاحتارت في أمرها، فلما دنت من النور رأته يسطع من موضع تحت القدر فأقبلت عجلى إلى الشمر وقالت: ويحك ما الذي وضعته تحت ذلك القدر فإنّ النور تجري من جهته إلى أعلى السماء ؟ فقال : رأس خارجي قتلته وسوف أرسل رأسه إلى يزيد وأحظى بالعطاء الجزل والمال الطائل. فقالت المرأة من هذا الخارجي ؟ فقال الشمر : الحسين بن عليّ ، فلمّا

ص: 325

سمعت المرأة ذلك صرخت وهوت مغمّى عليها، فلمّا أفاقت قالت يا شرّ المجوس، أما خفت الله ، ثمّ بكت وخرجت من عنده وأقبلت على الرأس وأخرجته من تحت الآنية وضمّته إلى صدرها وبكت بكاءاً شديداً وأخبرت النساء المؤمنات حواليها وجمعتهن وشرعت في إقامة العزاء والمأتم .

تقول زوجة الشمر : وحينئذ رأيت الحائط قد انفلق فوقعت على الأرض فاقدة الوعي فرأيت في عالم النوم نوراً عظيماً ظهر لي وقطعة من السحاب وهبطت منها امرأتان تتلألأ وجوههما بالنور وأخذتا الرأس وبكيتا بكاءاً شديداً، قالت زوجة الشمر : فسألت عن المرأتين من هما؟ فهتف بي هاتف : إحداهما فاطمة الزهراء سلام الله عليها والأخرى خديجة الكبرى، ورأيت رجالاً كثيرين نزلوا معهما، فسألت عنهم ، فقيل لي : جدّه المصطفى وعلي المرتضى وحمزة وجعفر، فبكوا بكاءاً عظيماً وأخذوا يقبلون ذلك الرأس ، ثمّ إنّ سيّدتنا خديجة والصدّيقة الطاهرة فاطمة أقبلتا على زوجة الشمر وقالتا : أيّتها المرأة لك المنّة علينا حيث أقمت مأتم ولدنا وبكيت عليه ، وسوف تكونين معنا في غرف الجنّة.

قالت زوجة الشمر: فلما أفقت رأيت الرأس الشريف في حجري، فأقبل الشمر عليها ليأخذه منها فقالت : يا عدو الله ، طلقني ، وإنّي لا أعطيك الرأس أبداً فضربها الشمر على رأسها فقضى عليها .

يقول المؤلّف : الجمع بين هاتين الروايتين ممكن وذلك أنّ خولّى حمل الرأس من كربلاء إلى الكوفة وكانت هذه القضايا واقعة في بيته ، وقال بعضهم: إنّه دفن الرأس في التنور في الرماد منه ، وأعطى عبيد الله الرأس الشريف إلى الشمر حين أراد حمله إلى الشام فأقبل به إلى البيت وجرت هذه الحوادث في بيته، والله أعلم بحقائق الأمور.

ص: 326

عن لسان الحال

سر دور از بدن منزل مبارک *** شهید بی کفن منزل مبارک

تو ای سر زینت عرش برینی *** چرا در کوفه خاکستر نشینی

سرتو معنی آیات نور است *** چرا مستور در کُنج تنور است

چرا افتاده دور از تن سر تو *** بگریم بر سرت یا پیکر تو

سرت خولی بخاکسرت نهاده *** تنت در کربلا بی سرفتاده

سرت لب تشنه از پیکر جدا شد *** تنت پامال سمّ اسبها شد

سرت امشب بکوفه میهمان است *** تنت در زیر تیغ ساربان است

از این غمها همه اندر فغانم *** ولی یک غم زده آتش بجانم

که چون بر حنجرت خنجر نهادند *** دم رفتن چرا آبت ندادند

مباراة الشعر بالعربيّة :

يا أيّها الرأس نأى عن البدن *** بورك بيت أنت فيه مرتهن

ويا شهيداً حلّ خیر منزل *** ملقی به من غير غسل أو كفن

رأسك معنى النور في آيته *** فكيف ظلّ في أُتون ممتحن

ما أبعد الرأس عن الجسم وهل *** أجري عليه الدمع أو على البدن

لم يجد الرأس خولى موضعاً *** لو لم يدسّ الرأس فيه لم يصن

و ما درى أن الرماد موضع *** يزوره الملاك سرّاً وعلن

رأسك يُرمى نائياً عن جسمه *** والجسم في سنابك الخيل انطحن

رأسك في الكوفة ضيف أُمّةٍ *** باعت سفاهاً دينها بلا ثمن

قد أغرق المأتم كلّ كائن *** لكنّ جمره بمهجتي كمن

هم ذبحوك بالشفار وأبوا *** سقيك من عذب جرى من المزن

ص: 327

مشاهدة مسلم الجصّاص الرأس المطهّر

في بحار الأنوار وغيره من الكتب عن مسلم الجصاص أنّه قال : دعاني ابن زياد لإصلاح دار الإمارة بالكوفة، فبينما أنا أجصّص الأبواب وإذا أنا بالزعقات قد ارتفعت من جنبات الكوفة تضجّ ، فأقبلت على خادم كان معنا فقلت : مالي أرى الكوفة تضجّ ؟ قال : الساعة أتوا برأس خارجيّ خرج على يزيد، فقلت: من هذا الخارجيّ ؟ فقال : الحسين بن عليّ، فتركت الخادم حتّى خرج ولطمت على وجهي حتى خشيت على عيني أن يذهبا وغسلت يدي من الجص وخرجت من ظهر القصر وأتيت الكناس فبينما أنا واقف والناس يتوقعون وصول السبايا والرؤوس إذ أقبلت نحو أربعين شقة محمل على أربعين جملاً فيها الحرم والنساء وأولاد فاطمة علیها السلام وإذا بعليّ بن الحسين علیهما السلام على بعير بغير وطاء وأوداجه تشخب الله دماً وهو مع ذلك يبكي ويقول:

يا أُمّة السوء لا سقياً لربعكم *** يا أُمّة لم تراع جدّنا فينا

لو أنّنا ورسول الله يجمعنا *** يوم القيامة ما كنتم تقولونا

تسيّرونا على الأقتاب عارية *** كأنّنا لم نشيّد فيكم دينا

بني أُميّة ما هذا الوقوف على *** تلك المصائب لا تلبون داعينا

تصفقون علينا كفكم فرحاً *** وأنتم في فجاج الأرض تسبونا

أليس جدّي رسول الله ويلكم *** أهدى البرية من سبل المضلّينا

يا وقعة الطف قد أورثتني حزناً *** والله يهتك أستار المسيئينا

قال مسلم الجصّاص : وإذا بضجّة قد ارتفعت فإذا هم أتوا بالرؤوس يقدمهم رأس الحسين علیه السلام وهو رأس زهري قمري أشبه الخلق برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، ولحيته

ص: 328

کسواد السبج(1) قد انتصل منها الخضاب ووجهه دارة قمر طالع والريح تلعب بها يميناً وشمالاً ، فالتفتت زينب فرأت رأس أخيها فنطحت جبينها بمقدم المحمل حتّى رأينا الدم يخرج من تحت قناعها، الخ، راجع ما ذكرته في كتاب رياحين الشريعة في ترجمة نساء الشيعة مفصّلاً(2) .

وفي منتهى الآمال عن كامل البهائي : إنّ ابن زياد أمر في اليوم الثاني أن يحمل رأس الحسين علیه السلام على رأس رمح ويطاف به في شوارع الكوفة وأزقّتها ، فاجتمع من الناس لمشاهدة الرأس (ما يزيد على المأة ألف ما بين ناظر وشامت).

روي عن زيد بن أرقم أنّه قال: رأيت رأس الحسين على سنان الرمح وكنت في سارية لى جالساً، فرأيت الرأس مقبلين به من بعيد، ولمّا دنى منّى رأيت شفتيه يتحرّكان وسمعته يقرأ هذه الآية : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً )(3) فقفّ شعري فصحت: ورأسك يابن رسول الله أعجب ...(4) .

رؤية الحارث بن وكيدة عن رأس الإمام الأنور

يقول في الناسخ : استدعى ابن زياد عمر بن جابر المخزومي وأمره أن يطوف برأس الإمام الحسين علیه السلام في سلك كل الكوفة .

وفي رواية ابن شهر آشوب (روى عن أبي مخنف عن الشعبي) أنّه صلب رأس الحسين علیه السلام بالصيارف في الكوفة فنحنح الرأس وقرأ سورة الكهف إلى

ص: 329


1- السبح - بفتحتين - الخرز الأسود.
2- ونحن رجعنا في الخبر إلى بحار الأنوار ، ج 45 ص 114 والمؤلف حذف منه جملاً كثيرة ، واللفظ لصاحب البحار ، وراجع : العوالم للبحراني ، ص 372 موسوعة شهادة المعصومين ، ص 336 ؛ وفيات الأئمّة ، ص 163 .
3- الكهف : 9 .
4- راجع ترجمة كامل البهائي إلى العربيّة بقلم محمّد شعاع فاخر ، ج 2 ص 359 .

قوله : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى) فلم يزدهم إلّا ضلالاً ) .

وفى أثر : إنّهم لمّا صلبوا رأسه على الشجرة سمع منه : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ... الخ)(1).

وفي شرح الشافية وكتاب تظلّم الزهراء وينتهي السند بالحارث بن وكيدة قال : لمّا سمعته يقرأ السورة المباركة تعجّبت كثيراً وقلت في نفسي: هل هذا صوت الحسين الذي يطرق مسامعي ؟ بينما أنا على هذه الحالة إذ سمعته يخاطبني قائلاً: یابن وكيدة أما علمت أنّا معشر الأئمّة أحياء عند ربّنا نرزق؟ قال: فقلت في نفسي : أسرق رأسه فعلم ما في نفسي فنادى يابن وكيدة، ليس لك إلى ذلك سبيل ، سفكهم دمي أعظم عند الله من تسييرهم رأسي ، فذرهم فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون (2).

مصائب الرأس المطهّر في مجلس ابن زياد الأبتر

ولمّا علم ابن زياد بدخول أهل البيت الكوفة أذن للناس إذناً عامّاً ، فامتلاً مجلسه من الطبقات كافّة ومن البدو والحضر ثمّ أمر بإحضار الرؤوس فبدأوا برأس ابن سيّد المرسلين موضوعاً على طبق من ذهب.

وذكر في كتاب «روضة الأحباب» أنّ الذي حمل الرأس إلى ابن زياد خولّى ابن زياد الأصبحي وبشير بن مالك والأخير يرتجز ويقول:

املأ ركابي فضّة وذهبا *** إنّي قتلت الملك المحجّبا

قتلت خير الناس أُمّاً وأبا *** وخيرهم إذ ينسبون النسبا

ومن يصلّي القبلتين في الصبا *** طعنته بالرمح حتّى انقلبا

ص: 330


1- مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 218 .
2- راجع لهذه الحكاية الكتب التالية : دلائل الإمامة للطبري ، ص 188 ؛ نوادر المعجزات له أيضاً، ص 110 ؛ مدينة المعجزات للبحراني ، ج 3 ص 462 .

فلمّا سمع ابن زياد الشعر قال : ويل لك ، إن كنت تعلم بأنّه خير الناس أُمّاً وأباً فلم قتلته ؟ أقسم بالله ليس لك عندي شيء إلّا أن ألحقك به ، ثمّ أمر بضرب عنقه ، وعجّل الله بروحه إلى النار .

ومجمل القول: لمّا وضع الرأس بين يديه فرح فرحاً شديداً وابتسم وكان بيده قضيب يراه بعضهم عصّى وآخرون شفرة رقيقة، وراح يضرب ثغر الإمام علیه السلام وهو يقول : يا حسين، كنت حسن المبسم، وكان زيد بن أرقم وهو من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان شيخاً طاعناً في السنّ حاضراً عنده، فلما رأى ذلك منه قال : ارفع قضيبك عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد رأيت رسول الله يقبل موضع قضيبك من فيه . ثمّ بكى بكاءاً شديداً، فقال ابن زياد أبكى الله عينيك يا عدوّ الله ، أتبكي لفتح الله ، لولا أنك شيخ قد كبرت وذهب عقلك لضربت عنقك.

فقال زيد بن أرقم : سوف أحدّثك حديثاً يكون أثقل عليك من وقع الجبال وأمضى من ألم النصال (لأحدّثنّك حديثاً هو أغلظ عليك من هذا، رأيت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم أقعد حسناً على فخذه اليمنى، وحسيناً على فخذه اليسرى، فوضع يده على يافوخ كلّ واحد منهما وقال : اللهمّ إنّي أستودعك إيّاهما وصالح المؤمنين فكيف كان وديعتك لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم... (1)) .

ثمّ بكى وقام من المجلس وهو يقول : معاشر العرب، قتلتم ابن رسول الله وأمّرتم ابن مرجالة ليقتل أخياركم ويستعبد أشراركم ورضيتم بالذلّ وقضيتم عمركم به بُعداً لمن رضى بالعار والشنار.

وفي منتهى الأمال نقلاً عن الطبري أنّ ابن زياد أخذ ساعة من الزمان يقرع الثغر الشريف بسوطه قرعاً متوالياً كهطول الغيث.

ص: 331


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 118 ؛ العوالم ، ص 385؛ لواعج الأشجان ، ص 209.

وروى المرحوم فرهاد ميرزا في القمقام أنّ الرباب ابنة امرئ القيس زوجة الحسين أخذت الرأس ووضعته في حجرها وقبّلته وقالت:

واحسيناً فلا نسيت حسيناً *** أقصدته أسنّة الأعداء

غادروه بكربلاء صريعاً *** لا سقى الغيث جانبي كربلاء(1)

وفي روضة الأحباب أن ابن زياد بعد أن ضرب الرأس الشريف بقضيبه مدّ يده وتناول بها الرأس وأخذ يحدق به ويريه للناس فارتعدت يده ووقع الرأس الشريف على فخذه وقطرت منه قطرة دم فنفذت من ثيابه واخترقت جلده حتّى قطرت من الموضع الثاني وجرحته جرحاً منكراً وبقي الجرح نديّاً في فخذه وعرضه على الأطبّاء فعالجوه فلم يبرء حتّى تعفّن فكانت رائحته تؤذيه ومن في مجلسه، وما زال يتضمّخ بالمسك ليستر رائحته الخبيثة فلم تنستر، وكان ما فتئ يحمل المسك معه لئلا يشم الناس منه العفن وبقي معه ستّ سنين متواليات حتّى هلك وذهب إلى جهنّم بسيف إبراهيم بن مالك الأشتر النخعي، ولما كان إبراهيم قد أرداه قتيلاً في الليل وما كان يعلم من هو ، قال : إنّي قتلت رجلاً سطعت منه رائحة المسك ، ولمّا تحققوا منه علموا أنّه ابن زياد.

هلاك خمسين شخصاً من الموكّلين بالرأس الشريف

عمد ابن زياد في الكوفة إلى التهاون بالرأس المطهّر وقد تركت نبذاً من ذلك لم أنقلها وفي رواية السيّد في اللهوف أنّ ابن زياد استدعى بمحفر بن ثعلبة العائذي(2) ، وفي رواية المفيد عليه الرحمة زجر بن قيس وأبا بردة بن عوف

ص: 332


1- القمقام الزخار، ج 2 ص 127 ترجمة محمّد شعاع فاخر .
2- اللهوف في قتلى الطفوف، ص99 .

الأزدي(1) وطارق بن أبي ظبيان (في جماعة من أهل الكوفة) مع خمسين رجلاً الحراسة الرأس المبارك وكذلك أرسل رؤوس بني هاشم وباقي الأصحاب مع جماعة من أهل العسكر يرأسهم زجر بن قيس، وأمر بغلّ السجّاد وتقييده وحمل أهل بيت النبيّ بلا مقانع على ظهور الجمال واختار لصحبتهم شمراً بن ذي الجوشن ومعه جماعة من أهل العسكر ، وقال : عجّلوا حتّى تلحقوا بزجر بن قيس لأنّه قطع مسافة من الطريق، فأخذ الشمر يحثّ الخطى حتّى التحق بزجر بن قيس ونزلوا أوّل منزل مع أهل البيت ونزل معهم أولئك الخمسون الموكّلون بحفظ الرأس في ناحية.

وروى السيّد ابن طاووس وصاحب المناقب عن ابن أبي لهيعة وغيره حديثاً أخذنا منه موضع الحاجة قال : كنت أطوف بالبيت فإذا أنا برجل يقول : اللهمّ اغفر لي وما أراك فاعلاً فقلت له : اتّق الله ولا تقل مثل هذا فإن ذنوبك لو كانت مثل قطر الأمطار وورق الأشجار فاستغفرت الله غفرها لك فإنّه غفور رحيم ، قال : فقال لي: تعال حتى أخبرك بقصتي ، فأتيته ، فقال : اعلم أنّنا كنّا خمسين نفراً ممّن سار مع رأس الحسين إلى الشام وكنّا إذا أمسينا وضعنا الرأس في تابوت وشربنا الخمر حول التابوت فشرب أصحابي ليلة حتّى سكروا ولم أشرب معهم ، فلمّا جنّ الليل سمعت رعداً ورأيت برقاً فإذا أبواب السماء قد فتحت ونزل آدم ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ونبينا محمد ومعه جبرئيل وخلق من الملائكة، فدنا جبرئيل من التابوت فأخرج الرأس وضمّه إلى نفسه وقبّله ثمّ كذلك فعل الأنبياء كلّهم وبكى النبيّ على رأس الحسين وعزّاه الأنبياء، فقال له جبرئيل : يا محمّد ، إنّ الله

ص: 333


1- راجع الإرشاد، ج 2 ص 119 ستجد الرسولين هما العائذي وشمر بن ذي الجوشن ، ولكن تجده في البحار ، ج 45 ص 125 .

أمرني أن أطيعك في أُمتك فإن أمرتني زلزلت بهم الأرض وجعلت عاليها سافلها كما فعلت بقوم لوط، فقال النبيّ : لا يا جبرئيل، فإنّ لهم معي موقفاً بين يدي الله يوم القيامة . قال : ثمّ صلّوا عليه ثمّ أتى قوم من الملائكة وقالوا: إن الله تبارك وتعالى أمرنا بقتل الخمسين، فقال لهم النبيّ شأنكم بهم، فجعلوا يضربون بالحربات ثمّ قصدني واحد بحربته ليضربني فقلت : الأمان الأمان يا رسول الله ، فقال : اذهب فلا غفر الله لك، فلما أصبحت رأيت أصحابي جاثمين رماداً(1).

وفي منتهى الآمال وغيره من سائر الكتب أنّ ابن زياد لمّا فرغ من القتل والأسر كتب إلى يزيد كتاباً يسرد فيه الحادثة ويطلب منه النظر في أمر الأسرى والرؤوس، فأجابه يزيد بإرسال أهل البيت ومعهم الرؤوس وثقلهم إلى الشام.

وفي كامل البهائي وحملوا أهل البيت والإمام السجّاد على رواحل منهم لأنّ القوم انتهبوا ثقلهم فلم يتركوا عندهم شيئاً(2) أمّا الرواحل فبقيت على حالها.

ومجمل القول : إنّ أولئك المنافقين حملوا رؤوس الشهداء على أسنّة الرماح أمام الأسرى من أهل البيت وداروا بهم في البلاد بلداً بلداً ومنزلاً منزلاً مع الشماتة والذل وكانوا يتعمّدون عرضهم على القرى والقبائل ليعتبر بهم شيعة عليّ ويدركهم اليأس من عودة الخلافة إلى بيت عليّ علیه السلام ويلقوا زمام القيادة إلى يزيد ويطيعوه.

ما جرى على الرأس المطهّر في الموصل وتكريت

كتب عطاء الله الشافعي وهو من كبار علماء أهل السنّة في كتابه روضة الأحباب

ص: 334


1- بحار الأنوار ، ج 45 ص 125 ؛ اللهوف في قتلى الطفوف، ص 100 ؛ مدينة المعاجز ، ج 4 ص 134 : العوالم ، ص 425 .
2- كامل البهائي ، تعريب وتحقيق محمّد شعاع فاخر ، ج 2 ص 359 .

أنّ أهل البيت لمّا دنوا من الموصل(1) كتب شمر بن ذي الجوشن لعنه الله إلى حاكم الموصل : يصل الآن إلى بلدك رؤوس أعداء الأمير يزيد ، فأمر بتزيين البلد واستقبلنا بالعلف لدوابنا والطعام لنا ، فقرأ حاكم الموصل كتاب الشمر على أشراف البلد وقال : إن رضيت أنا فأظهروا أنتم الامتعاض ، فصاح أهل الموصل حاشا وكلا أن نرضى بهذا الأمر الفظيع، فكتب إلى الشمر أن أهل هذا البلد جلهم موالون لعليّ وأهل العباء وليس بعيداً أن يكون اجتيازكم بهم مدعاة لحدوث فتنة عظيمة تسفك فيها الدماء ، فنزل الشمر بعيداً عن الموصل وحمل لهم حاكمهم متاعهم وعلفهم إلى هناك ونزعوا الرأس المبارك من على الزجّ ووضعوه على صخرة .

وفي الخبر أنّ قطرة دم قطرت منه على الصخرة فكانت في كلّ عام يوم عاشوراء يفور منها الدم ويجتمع حولها الناس ويقيمون العزاء على الحسين علیه السلام. وبقيت الحال على ما هي عليه حتّى عهد مروان الحمار وهو آخر ملوك بني أُميّة ويسمّى المكان «مشهد النقطة» فأمر مروان بتحويل الصخرة إلى مكان آخر وضيّعها.

ومجمل القول: قال أبو مخنف واجتازوا بأهل البيت ومعهم الرؤوس بحصّاصة(2) من جانبها الشرقي واتخذوا طريق تكريت(3) وكتبوا إلى عامل ذلك

ص: 335


1- الموصل بفتح الميم وسكون الواو وكسر الصاد مدينة عظيمة ، وسمّيت الموصل لأنّها وصلت بين الجزيرة والعراق، وفي وسطها قبر جرجيس علیه السلام وقيل : موصل اسم الملك الذي أحدثها ، بينها وبين بغداد أربعة وسبعون فرسخاً وهي مدينة عظيمة الآن (منه) .
2- حصّاصة بالفتح وتشديد ثانيه من قرى السواد من أعمال الكوفة قرب قصر ابن هبيرة (منه) .
3- تكريت بالفتح بلد مشهور ، بينها وبين بغداد ثلاثون فرسخاً ، وإنّ بعض ملوك الفرس أوّل من بنى قطعة تكريت على حجر عظيم من جص وحصى، وسمّيت تكريت باسم امرأة عشقها مرزبان الفرس وتزوجها على تفصيل ذكرته في المجلد الأوّل من تاريخ سامراء ص 207 ، ومنازل الرأس المطهر من تكريت إلى دير «عزة» ومنه إلى أراضي صليا ووادي النخلة ومرزليا وكحيل وتل أعفر وسنجار ودعوات وقنسرين ومعرة النعمان وشيزر وكفر طاب وسيبور وحِمْص وبعلبك ودير راهب وحرّان فقد اجتاز أهل البيت على هذه القرى والمدن ومعهم الرؤوس المنوّرة والذلّ ظاهر عليهم حتّى دخلوا الشام : لهفي لرأسك وهو يرفع مشرقاً *** کالبدر فوق الذابل المياد يتلو الكتاب وما سمعت بواعظ *** تخذ القنا بدلاً من الأعواد ( منه رحمه الله )

البلد : أحضر لنا الطعام وعلف الماشية وأسرع لاستقبالنا فإنّ رأس الخارجي معنا، فأمر الوالي بتزيين البلد ونشر الأعلام وأقبل ومعه الجموع الغفيرة تستقبل القوم ويتلقى رؤوس الجند، وعن كل رأس يسألهم يجيبونه أنّه رأس خارجيّ خرج على يزيد وقتله عبيد الله بن زياد وها نحن نحمل الرأس ومعه رؤوس أصحابه إيل يزيد عند ذلك أخرج رجل من النصارى رأسه من صومعته وقال: يا قوم، أنا كنت في الكوفة عند وقوع الحادثة وجاؤوا بالرأس المبارك إليها وهو ليس لخارجي إنّه رأس الحسين بن علي بن أبي طالب، فلمّا سمع الناس ذلك منه انتبهوا لمّا قال فلطموا وجوههم وعمدوا إلى منع القوم وطردهم من بلدهم وعاضدهم النصارى فضربوا الناقوس الأعظم وقالوا: إنّ قوماً قتلوا ابن بنت رسول الله لا نتركهم يدخلون بلدنا أو يضعوا أقدامهم فيه، وتنادى للحرب أربعة آلاف من الأوس والخزرج واتّفقوا جميعاً على قتال جند ابن زياد وأخذ الرأس المبارك منه ودفنه في أرضهم ليبقى لهم ولأولادهم هذا الفخر إلى يوم القيامة ، فلمّا علم جند ابن زياد بذلك هربوا من البلد إلى تلّ أعفر وهو اسم قلعة واقعة بين الموصل وسنجار ، وعبروا من هناك إلى موضع يدعى عين الوردة ووصلوا إلى

ص: 336

هناك، وعين وردة بلدة معمورة ولم ينزلوا بلد الجزيرة ربّما كان لشدّة خوفهم .

ما جرى على الرأس الشريف في دعوات وقنسّرين(1)

ولمّا قربوا من دعوات كتبوا إلى واليها بإحضار علف لماشيتهم وطعام لجندهم وأمروه وجنده ورعيّته باستقبالهم، فأمر الحاكم بالضرب بالبوقات وخرج بأشراف البلد لتلقّيهم ، وأمروا الجند بإدخال الرؤوس مع الأسرى من باب الأربعين، ونصبوا الرأس الشريف في الرحبة وكان المنادي ينادي عليه إلى اليوم الآخر : هذا رأس الخارجي الذي خرج على يزيد بن معاوية ، وكان الناس في البلد قد انقسموا شطرين : شطر يبكي على ما وقع والشطر الآخر جذلان مسرور.

وفي الخبر: إنّ الرحبة التي نصب فيها الرأس أصبحت موضع الدعاء ومحلّ الإجابة ؛ فمن كانت له حاجة قصدها فقضيت له حاجته .

ومجمل القول إنّهم تحمّلوا من دعوات إلى قنسّرين وكان أهل هذا البلد جميعهم من الشيعة ولمّا علموا بقرب وصول القوم أغلقوا أبواب البلد وطلعوا على أسواره يشتمونهم ويبرؤون منهم ومن أعمالهم وحصّبوهم بالصخر ومنعوهم من الدنوّ من الأسوار وقالوا لهم يا قتلة أولاد رسول الله ، لو فنينا

: بأجمعنا هيهات أن نخلّي بينكم وبين دخول البلد، فاضطر الجند أن يحوّل وجهه إلى معرة النعمان ..(2) ففتح الناس لهم أبواب البلد فدخلها الجند وأعطوهم ما يحتاجون إليه من طعامهم وعلف الماشية وأقبلوا زرافات ووحداناً لمشاهدة الرأس الشريف وقضى الجند في ذلك البلد ليلة مطمئنّة ، فلمّا انفلق عمود الصبح

ص: 337


1- بكسر القاف وفتح النون وتشديد السين المهملة وكسر الراء اسم بلد واقع على مرحلة من حلب (منه).
2- معرة النعمان : بميم مفتوحة وعين مهملة مفتوحة وتشديد الراء المهملة اسم بلد كبير بن حمص وحماة اشتهر بالتين والزيتون (منه) .

رحلوا إلى شيزر فما تركهم أهل البلد يدخلون بلدهم واستعدّوا للجلاد معهم فالتجئوا إلى كفر طاب مضطرّين، ووقف أهل هذا البلد أيضاً في وجوههم وأوصدوا الأبواب في وجوههم وطلعوا على الأسوار وشرعوا في شتمهم ولعنهم وكانت قلعة حصينة فما استطاع الجند اقتحامها فاضطرّوا للرحيل منها إلى سيبور على وزن فعول بفتح الواو.

ما جرى للرأس الشريف في سيبور وباقي البلاد

ولمّا وصلوا أرض سيبور أأتمر الشيب والشبّان الأكراد وتقدّم شيخ طاعن في السنّ أدرك عهد عثمان فوقف بينهم خطيباً وقال : إنّ عدوّ الله من يوقظ الفتنة فلا توقظوها، وهذا الرأس طاف الأمصار والأقطار فلم يعترضهم أحد فلا تتعرّضوا لهم أنتم ودعوهم يجتازون بلدكم أيضاً، فقالوا: لا والله لا نترك أبداً هؤلاء الأوغاد يطئون بلدنا فيلوّثونه وهرعوا في نفس الوقت وقطعوا قنطرة البلد واستلأموا وتهيّأوا للقتال، فاستعدّ خولّى مع جند ابن زياد للحرب ونشبت معركة شديدة هلك فيها ستّمائة شخص من جنود ابن زياد وقتل من أهل سيبور جماعة أيضاً، فدعت لهم أُمّ كلثوم بالتفصيل الذي ذكرته في ترجمتها في كتاب «رياحين الشريعة».

وصفوة القول : إنّ الجند تحمّلوا من هناك إلى أرض حماة وهو بلد بينه وبين دمشق خمسة أيّام فلم يأذن لهم أهل حماة بدخول بلدهم وشرعوا بشتمهم ولعنهم حتّى انقلبوا منها إلى حِمْص(1) وكان الوالي على حمص يُدعى خالد بن نشيط ، فكتبوا إليه بطلب الطعام وعلف الماشية، فعمد خالد إلى البلد فزيّنها

ص: 338


1- بكسر الحاء المهملة وسكون الميم والصاد المهملة من البلاد الكبيرة ذات القدم وهي واقعة في نصف الطريق بين حلب ودمشق (منه) .

واستقبلهم ومعه ما طلبوه منه ، وتلقّاهم على ثلاثة أميال من البلد ولمّا عاد و جنده إلى حمص ثار عليه الأهلون من صغير وكبير وأوصدوا أبواب البلد في وجهه ورجموا جند ابن زياد حتّى هلك منهم ستة وعشرون شخصاً، ومالوا إلى بيت خالد وأقسموا بينهم على المقاتلة مع جند ابن زياد وتخليص الرأس الأنور منهم فلمّا علم الجند بما أعد لهم الأهلون عجزوا عن الصمود فهربوا مذعورين إلى بعلبك (1)وأرسلوا إلى والي البلد أنّ راس الخارجي معنا الآن ومعه رؤوس أصحابه وأهل بيته نحمله إلى أمير المؤمنين يزيد بن معاوية، فاستقبلنا وقدّم لنا علف الماشية والطعام لأكلنا ، فأمر الوالي بإعداد مكان يستريحون فيه وهيّأ لهم السويق والسكّر وغيرهما من الأطعمة والأشربة وأمر بضرب الدفوف والنفخ في البوقات واستقبلهم ذلك الكافر استقبالاً حافلاً وأحيا ليلته معهم بالشرب والغناء فدعت عليهم أمّ كلثوم علیها السلام بالتفصيل المذكور في الجزء الثالث من رياحين الشريعة في ترجمتها .

ما جرى للرأس المطهّر في دير الراهب

قال صاحب الناسخ : ذكر إسلام الراهب والمعجزة التي جرت من الرأس المبارك المؤرّخون والمحدّثون من الشيعة وأهل السنّة في الكتب المعتبرة باختلاف يسير كما ذكره الفاضل المجلسي وكتاب الخرائج ومنتخب الطريحي وروضة الأحباب وغيرها من الكتب بأسانيد معتبرة وأنا أسردها بعد نقدها .. ولمّا

انفصل جند ابن زياد من بعلبك نزلوا على دير للنصارى يستعذب الماء للمارّة وكان الرأس معهم في صندوق فجلسوا يستريحون حتّى إذا مضى هزيع من الليل

ص: 339


1- بعلبك بفتح الباء الموحّدة وسكون العين المهملة واللام المفتوحة وباء موحّدة مفتوحة اسم بلد بينه وبين دمشق ثلاثة أيّام.

عمدوا إلى معاقرة الخمر ونقر الدفوف والاستماع إلى العزف والموسيقى، ثمّ شرعوا في الأكل وإذا بكفّ في حائط الدير تكتب بقلم من فولاذ:

أترجوا أُمّة قتلت حسيناً *** شفاعة جدّه يوم الحساب

فجزع القوم من ذلك جزعاً شديداً وأهوى بعضهم إلى الكفّ ليأخذها فغابت ثمّ عادوا إلى الطعام فإذا الكفّ قد عادت تكتب مثل الأوّل:

وقد قتلوا الحسين بحكم جورٍ *** وخالف حكمهم حكم الكتاب

فنهضوا ليمسكوا باليد والقلم وإذا بها تغيّب عن أنظارهم، وعادوا إلى الشرب فعادت اليد تكتب:

فلا والله ليس لهم شفيع *** وهم يوم وهم يوم القيامة في العذاب

وأوصل أبو مخنف سند الحكاية إلى سهل وفيها أنّهم سمعوا هاتفاً يهتف بهم بهذه الأشعار وهي مختلفة اختلافاً يسيراً مع ما تقدّمها من الشعر :

أترجوا أُمّة قتلت حسيناً *** شفاعة أحمد يوم الحساب

وقد غضبوا(1) الإله وخالفوه *** ولم يخشوه في يوم المآب

ألا لعن الإله بني زياد *** وأسكنهم جهنّم في العذاب

فلم يستمرئوا طعامهم تلك الليلة وصارت مشومة على حرّاس الرأس الشريف فباتوا خائفين مذعورين، فلمّا تناصف الليل سمع الراهب صوتاً يصمّ السمع كأنه قصف الرعود وفيه تقديس وتسبيح، فقام من مكانه وأخرج رأسه من كوّة الصومعة فرأى نوراً غامراً عظيماً ساطعاً يخرج من فرج الصندوق الذي فيه الرأس وهو يصعد نحو السماء ولاحت منه نظرة فأى أبواب السماء قد فتحت والملائك تنزل إلى الأرض أفواجاً أفواجاً وهم يقولون: السلام عليك

ص: 340


1- كذا.

يابن رسول الله ، السلام عليك يا أبا عبدالله ، صلوات الله وسلامه عليك، ففزع الراهب وتملّكه العجب، واحتار في هذا الأمر الغريب، وبقي منذعراً حتّى انفلح عمود الصبح فخرج من صومعته وأقبل على القوم ورفع عقيرته منادياً «زعيم القوم من ؟» فقالوا: خولى بن يزيد الأصبحي، فدنى منه الراهب وسأله : ماذا في هذا الصندوق الذي تحملونه معكم ؟؟ فقال: رأس رجل من الخوارج خرج على يزيد في أرض العراق فقتله عبیدالله بن زیاد فقال: ما اسمه؟ قال: الحسين بن علي بن أبي طالب، فقال: ومن أُمّه ؟ قال : فاطمة الزهراء بنت محمّد المصطفى، فقال الراهب : هلكتم بما فعلتم ولقد أخبرنا أحبارنا وصدقوا : (إنّه إذا قتل هذا الرجل تمطر السماء دماً عبيطاً ...) وهذا لا يكون إلّا لقتل نبيّ أو وصيّ نبيّ وإلّا أطلب منكم أن تبقوا الرأس معى ساعة من النهار ثمّ أردّة إليكم ، فقال :خولى : نحن لا نظهر الرأس لأحد إلا ليزيد بن معاوية لنأخذ منه الجائزة، فقال الراهب : وما هي جائزتكم ؟ فقال : بدرة فيها عشرة آلاف درهم فقال الراهب : لكم علي مثل هذا المبلغ ، فقال خولّى : قم واحضرها ، فأقبل عليهم بهميان وفيه عشرة آلاف درهم ودفعها إلى خولى، فقسّم خولّى في بدرتين وختمها بخاتمه ودفعها إلى مرافقه، وأعطى الراهب الرأس فأخذه وضمّخه بالمسك والكافور ولفّه في قطعة حرير ووضعه بين يديه وبكى عليه بكاءاً شديداً وطلب منه الشفاعة .

وفي رواية شرح الشافية وبحر اللئالى: إنّ الرأس الشريف تكلّم مع الراهب فقال : إنّ شفاعتنا لا تتناول غير المسلم فإن كنت راغباً فيها أسلم، فقال الراهب والله يعزّ عليّ يا أبا عبدالله أن لا أواسيك بنفسي ولكن يا أبا عبدالله إذا لقيت جدّك محمّد المصطفى صلی الله علیه وآله وسلم فاشهد أنّى أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له وأشهد أنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ عليّاً وليّ الله ، أسلمت على يديك وأنا مولاك، وأجرى الراهب كلمة التوحيد على لسانه وأسلم ثمّ أعاد الرأس إليهم ورحل

ص: 341

الجند من عنده إلى منزل آخر وأرادوا اقتسام المبلغ بينهم، فلمّا فضّوا ختام الهميان رأوا الدراهم قد تحوّلت إلى خزف، وقد كتب على جانب منها:( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ، وعلى الجانب الآخر : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ ) ، فقال :خولّى : إنا لله وإنا إليه راجعون، خسر الدنيا والآخرة، وقال لأصحابه : اكتبوا ما رأيتم وألقوا الدراهم في النهر.

وفي خبر آخر : إنّ ذلك الراهب خرج من صومعته وساح في الجبال يعبد الله وقد زهد في الدنيا إلى أن وافاه الأجل (1).

ما جرى للرأس المطهّر في حرّان(2)

قال صاحب روضة الأحباب وهو من علماء السنّة والجماعة الموثّقين : كان رجل من اليهود ويدعى يحيى الحرّاني من علمائهم وكان يسكن على تلّ قريب من حرّان تنائى إلى سمعه بعد أن رحل القوم من دير راهب بحرّان أنّ جماعة من الأسرى وفيهم المرأة والطفل الصغير والرضيع والمرأة العاجز وأمامهم رؤوس قطيعة مرفوعة على الرماح وسوف يدخلون اليوم مدينة حرّان ، فخرج يحيى من بيته وهبط من تلك الهضبة وقعد على الطريق ينتظر مرور الركب حتى رأى يحيى جند ابن زياد قد بان للناظر ، فرأى الرؤوس على الرماح أمام الركب وأهل البيت يُساقون كما تساق أسرى الكفّار، فوقعت عين يحيى على رأس سليل المصطفى وتجلّى جماله الشعشعاني أمام عينيه، فدقّق النظر فرأى شفتيه يتحرّكان ، فتقدّم

ص: 342


1- تجد هذا الخبر مسطوراً بسياق آخر في الخرائج والجرائح، ج 2 ص 578 ، ومدينة المعاجز ، ج 4 ص 139 ؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 125 و 185 ؛ العوالم ، ص399. والخبر .مترجم.
2- حرّان بفتح المهملتين وتشديد الراء مدينة هاجر إليها الخليل بعد أن ألقاه النمرود في النار ، وبينها وبين الرها يوم واحد ، وبينها وبين الرقّة يومان للراكب، وهي أوّل مدينة أُقيمت بعد الطوفان وكانت داراً للصابئة (منه) .

قليلاً وأصاخ السمع فسمعه يتلو قوله تعالى: ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَب يَنْقَلِبُونَ ) فلمّا سمع التلاوة من الرأس القطيع ورأى بعينه هذا البرهان العظيم استولت عليه الدهشة والحيرة فتقدّم رأساً إلى أحد الجند وقال له: أخبرني عن هذا الرأس لمن ؟ فقال : هذا رأس رجل خارجي فقال : سمّه لي ، فقال : الحسين ابن علي بن أبي طالب، فقال: من أُمّه ؟ قال : فاطمة بنت محمّد المصطفى، فقال اليهوديّ: ومن هؤلاء الأسرى ؟ قال : أولاده وأهل بيته، فقال يحيى: هذا الحسين ابن بنت نبيّكم ؟ فقال : نعم، فاندفع يحيى يجهش بالبكاء، ويقول : الحمد لله الذي بان الحقّ بأنّ شريعة محمّد هي شريعة الحقّ والسائر على غير دربها ضالّ وجزائه الخلود في النار وبهذا القياس إنّ الجور والظلم والحزن والألم لا يحلّ بغير الأنبياء وأهليهم وهذه البلية العمياء والداهية الدهياء دليل على أحقية دعوتهم وبرهان على صدقهم ثم تشهد الشهادتين وأسلم ، ثمّ أراد أن يعين أهل البيت بما لديه من حبّ الخير فمنعه الجند وخوّفوه من غشم يزيد وسلطانه، ولما كان یحیی قد شغف بالحسين علیه السلام ولو كان كسائر أهل الولاء والشغف لا يريد نفعاً ولا يخشى ضرّاً عمد إلى قتال القوم فجرد سيفه وحمل عليهم وقتل منهم خمسة وألقاهم بنار الله الموقدة ثمّ داروا به فقتلوه ونال شرف الشهادة فدفنوه قريباً من بوّابة حرّان وعرف من ذلك اليوم بيحيى الشهيد .

وفي منتهى الأمال نقلاً عن ابن شهر آشوب ومن مناقبه علیه السلام ما ظهر من المشاهد التي يقال لها مشهد الرأس من كربلاء إلى عسقلان وما بينهما في الموصل ونصيبين وحماة وحمص ودمشق وغير ذلك(1) ، ويقول : ويظهر من هذه العبارة أن في كلّ منزل من هذه البلاد مشهداً للرأس وقد ظهرت منه الكرامات ... الخ.

ص: 343


1- مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 235 .

ما جرى للرأس المطهّر في مدينة عسقلان

أشار المرحوم القمّي في منتهى الآمال إلى قصّة زرير الخزاعي بعد نقله ليحيى

الحرّاني ولكنّه لم يتعرّض لذكر التفاصيل إلّا أنّني عثرت على الحكاية مفصّلة في كتاب «سرّ الأسرار» للشيخ يحيى الكرمانشاهي وهنا أنقل للقارئ حصيلة ماكتب، قال: جاء زرير الخزاعي إلى عسقلان لغرض التجارة فرأى البلد وقد زيّنها أهلها والناس في فرح واستبشار، فسأل : ما الخبر ؟ فقالوا له : إنّ رجلاً خرج بالعراق على يزيد فقتله واليه وها هو رأسه ورؤوس أهل بيته يمرّون بها على هذا البلد،

فسأل زرير وما اسم هذا الرجل الخارجي ؟ قالوا : اسمه الحسين بن عليّ بن أبي طالب، ولمّا كان زرير من شيعته تنفّس الصعداء وهرع إلى الإمام زين العابدين علیه السلام وعرض عليه نفسه وأحضر للإمام عدداً من الثياب فأراد الجند منعه فلم يرتدع وتجهّز لقتالهم فأصابوا بدنه بجراحات عدّة وطرحوه أرضاً حتّى أيقنوا بموته فتركوه ومرّوا من أمامه، فلما أفاق زرير ورأى شدّة جراحه جهد وتحامل على نفسه حتّى وصل مكاناً رأى فيه جماعة قد اجتمعوا يبكون فعلم أنّهم من الشيعة فأخبرهم زرير عمّا لقي من الجند وشرح لهم حال جراحه ، ثمّ باع جمیع ما عنده واشترى بها أسلحة ليبادر في الخروج مع أوّل طالب بدم الحسين علیه السلام.

ذكر صاحب ناسخ التواريخ عن كتاب زبدة الفكر «عبوس المنصوري» أنّ الرأس الشريف نقل من عسقلان في العصر العبّاسي وكان مدفوناً في مشهد هناك مده مديدة فلمّا خافوا من غلبة الفرنج على عسقلان عمدوا إلى نقل الرأس الشريف من عسقلان إلى القاهرة في مصر، وقد مرّت الإشارة إلى ذلك في كتاب العوالم وكتب المتقدّمين الأخرى من أنّ الرأس المبارك حوّلوه إلى مصر إلّا أنّهم

أهملوا تفاصيل الواقعة، وسوف نتحفكم بالتفصيل بعد ذلك ... .

ص: 344

مصائب الرأس المطهّر في سوق الشام

قال السيّد ابن طاووس وطافوا بأهل البيت في جميع البلدان والأمصار وجعلوا الرأس الشريف مطمحاً للأنظار حتّى دنوا من دمشق استدعت أُمّ كلثوم شمراً بن ذي الجوشن لعنه الله وقالت له : لي إليك حاجة ، قال : وما هي ؟ فقالت : هاهنا مدينة دمشق فادخل بنا من باب من أبوابها يقلّ فيها زحام الناس لئلّا يكثر نظر الناس إلينا وقدّم الرؤوس بين أيدينا وأبعدنا عنها لينشغل الناس بالنظر إليها ، فعمل الشمر لخباثة طبعه وردائة عنصره وشقاوته على خلاف ما طلبت وأمر بحشر الرؤوس في محامل النساء وادخلهم من باب الساعات لكثرة المجتمعين بها، وكانت أبعد الأبواب إلى دار الإمارة، عند ذلك أمر يزيد برفع مأة وعشرين راية وبتزيين الشام فتزيّن الناس جميعاً بالكحل والخضاب وارتدّوا حليّهم وحللهم واستقبلوا أهل البيت ومعهم المغنّيات والراقصان يضربن بالدفوف والصنوج وآلات العزف الأخرى، وأوصلوا أهل البيت على هذا الشكل إلى باب المسجد الجامع وفيه مواضع لاعتقال الأسرى، وكانت وقوع الحادثة هذه في أوّل يوم من صفر، كما قال الشيخ الكفعمي والشيخ البهائي وغيرهما:

كانت ماتم بالعراق تعدّها *** أمويّة في الشام من أعيادها

قال العلّامة المجلسي في كتاب جلاء العيون عن بعض الكتب المعتبرة: روي عن سهل بن سعد الساعدي أنّه قال : (خرجت إلى بيت المقدس حتّى توسّطت الشام) خرجت في سفر فدخلت الشام فإذا أنا بمدينة مطّردة الأنهار كثيرة الأشجار، وقد علّقوا الستور والحجب والديباج (على البيوت والأسواق) وهم فرحون مستبشرون وعندهم نساء يلعبن بالدفوف والطبول، فقلت في نفسي لا نرى لأهل الشام عيداً لا نعرفه نحن، فرأيت قوماً يتحدّثون، فقلت: يا قوم لكم بالشام عيد لا نعرفه نحن ؟ قالوا يا شيخ نراك أعرابيّاً، فقلت: أنا سهل بن سعد

ص: 345

قد رأيت محمّداً لله صلی الله علیه وآله وسلم، قالوا يا سهل، ما أعجبك السماء لا تمطر دماً، والأرض لا تنخسف بأهلها ، قلت : ولم ذاك؟ قالوا: هذا رأس الحسين علیه السلام العترة محمّد صلی الله علیه وآله وسلم يهدى من أرض العراق، فقلت واعجباه يهدى رأس الحسين والناس يفرحون ؟ قلت : من أيّ باب يدخل ؟ فأشاروا إلى باب يقال له : باب الساعات.

قال : فبينما أنا كذلك حتّى رأيت الرايات يتلو بعضها بعضاً فإذا نحن بفارس بيده لواء منزوع السنان عليه رأس أشبه الناس وجهاً برأس رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فإذا أنا من ورائه رأيت نسوة على جمال بغير وطاء فدنوت من أولاهم فقلت: يا جارية، من أنت ؟ فقالت: أنا سكينة بنت الحسين، فقلت: ألك حاجة إليّ ؟ فأنا سهل بن سعد ممّن رأى جدّك وسمعت حديثه قالت یا سهل ، قل لصاحب هذا الرأس أن يقدّم الرأس أمامنا حتّى يشتغل الناس بالنظر إليه ولا ينظروا إلى حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال سهل: فدنوت من صاحب الرأس فقلت له : هل لك أن تقضي حاجتي وتأخذ منّي أربعمائة دينار ؟ قال : ما هي ؟ قلت : تقدّم الرأس أمام الحرم، ففعل ذلك فدفعت إليه ما وعدته (1). وفي رواية ابن شهر آشوب فلمّا كان الغد أخرج الدراهم وقد جعلها الله حجارة سوداً مكتوب على أحد جانبيها : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ) ، وعلى الجانب الآخر : ( وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ )(2).

القطب الراوندي عن المنهال بن عمرو قال: أنا والله رأيت رأس الحسين علیه السلام

ص: 346


1- أخذت نصّ الحكاية من بحار الأنوار ، ج 45 ص 127 وليس فيها اختلاف مع ما قصّه المؤلّف إلّا في جملة أو جملتين وضعناهما بين قوسين .
2- مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 217 .

حين حمل وأنا بدمشق، وبين يديه رجل يقرأ الكهف حتّى بلغ قوله : ( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً) فأنطق الله الرأس بلسان ذرب ذلق فقال : أعجب من أصحاب الكهف قتلي وحملي(1).

قال بعضهم : وهذه إشارة من جنابه إلى رجعته والطلب بدمه.

وفي رواية الشيخ الجليل والعالم الخبير الحسن بن عليّ الطبري المعاصر للعلّامة والمحقّق الحلّي في كتاب «كامل البهائي» الذي ألّفه ممّا ينيف على الستّين عاماً بعد الستّمائة يقول في باب ورود أهل البيت إلى باب المدينة : وظلّوا على باب المدينة ثلاثة أيّام حتّى يزيّنوا البلد فزيّنوه بكلّ ما عندهم من حليّ ورياش وزينة إلى درجة لم يشابهها بهذه الزينة قبل اليوم بلد وخرج ما يقرب من خمسمائة ألف ما بين رجل وامرأة والدفوف بأيديهم، وأخرج أمراء القوم الطبول والكوسات والأبواق والدفوف وراحوا بالآلاف يرقصون نساءاً ورجالاً على أصوات الدفوف والربابات، وكان النساء قد اختضبن واكتحلن ولبسوا الحلي والحلل (وذلك يوم الأربعاء السادس عشر من ربيع الأول)(2).

وكأنّ القيامة قد قامت لكثرة من حضر الزينة ذلك اليوم ، ولمّا أشرقت الشمس أدخلوا الرؤوس إلى البلد ولم يصلوا إلى بيت يزيد إلّا وقت الزوال لكثرة الناس وكانت الرؤوس على أسنّة الرماح يقدمهم رأس قمر بني هاشم أبي الفضل علیه السلام.

وفي رواية سهل أنّه قال: رأيت رأس الإمام الحسين تحيط به هالة من العظمة ويشرق منه نور عظيم، وله لحية مدوّرة وقد اختلط بياض شعرها بسواده وكان قد نصل منها خضاب الوسمة، ورأيت عينيه شديدي السواد وحاجباه منعقدان وأنفيه

ص: 347


1- الخرائج و الجرائح ، ج 2 ص 577 .
2- كامل البهائي ، ج 2 ص 361 تعريب و تحقیق محمّد شعاع فاخر .

أقنى ، وقد رمق السماء بعينيه، والريح تلعب بكريمته يميناً وشمالاً .

وقال في منتهى الآمال عن عمرو بن المنذر الهمداني أنّه قال : رأيت أُمّ كلثوم كأنّها فاطمة الزهراء علیها السلام وقد تلفّقت بازار خلق وتنقّبت فحجبت وجهها الشريف وسلّمت على الإمام زين العابدين وعلى أهل البيت علیهم السلام فقالوا : أيّها الرجل المؤمن إن استطعت أن تدفع مبلغاً إلى حامل الرأس ليقدّمه أمامنا لأنّنا خُزينا من كثرة النظر إلينا ، قال : فأعطيت ذلك الخبيث مأة درهم فتقدّم بالرأس

فدنوت منهم و الشريف.

وفي الناسخ عن سهل بن سعد أنّه قال : لمّا كانوا يحملون الرأس المطهّر في مدينة دمشق رأيت خمساً من نسوة الشام يشرفن من علية لهنّ يتفرّجن على الرؤوس والأسرى وبينهنّ امرأة عجوز ضعيفة قفد حنى ظهرها الدهر، فلمّا رأت رأس الحسين علیه السلام وقد اجتاز على تلك العلية قامت تلك العجوز وظهرها متقوّس

وتناولت حجراً وقذفت به ذلك الرأس المبارك ووقعت الضربة في ثناياه، فلمّا رأيتها فعلت ذلك رفعت يدي إلى السماء أدعو الله عليها قائلاً: اللهمّ أهلكها وأهلكهنّ معها بحقّ محمّد وآله أجمعين ، فلم يتمّ كلامي حتّى انهارت تلك العلية بهنّ واختفين تحت الركام وأهلكهنّ الله تعالى .

أقول: في الجزء الثالث من (رياحين الشريعه) ص 158 نقلت هذه الرواية عن أبي مخنف وذلك الداعي عليهنّ هي عقيلة الهاشميّين سيّدتنا زينب علیها السلام وبعد انهيار الموضع شبّت في القصر نار موقدة وطهرته بعد أن أحرقت كلّ من كان فيه.

قال أبو مخنف : لمّا جاؤوا بالرأس الشريف يحملونه في سوق الشام كان هناك جماعة من جند العدوّ يكبّرون تحت راياتهم فبينما هم كذلك إذ هتف بهم هاتف وهو ينشد هذه الأبيات:

ص: 348

جاؤوا برأسك يابن بنت محمّد *** مترمّلاً بدمائه ترميلا(1)

لا يوم أعظم حسرة من يومه *** وأراه رهناً للمنون قتيلا

فكأنّما بك يابن بنت محمّد *** قتلوا جهاراً عامدين رسولا

قتلوك عطشاناً ولمّا يرقبوا *** في قتلك التأويل والتنزيلا

ويكبّرون إذا قتلت وإنّما *** قتلوا بك التكبير والتهليلا

ولقد سمع كثير من أهل الشام وأصاخوا السمع مراراً وتكراراً إلى الرأس الشريف وهو يردد: لا حول ولا قوّة إلا بالله ...).

وذكر جماعة من المؤرّخين أنّ أهل البيت لما دخلوا على يزيد صعد اللعين على قصر جيرون أو على هضبة بالقرب منه يتفرّج على الأسرى فلما وقعت عينه على الرؤوس تلوح من بعيد أنشد مبتهجاً :

لمّا بدت تلك الحمول وأشرقت *** تلك الشموس على رُبى جيرون

صاح الغراب فقلت صح أو لا تصح *** فلقد قضيت من النبيّ ديوني

وفيما هو ينشد شعره نعب غراب فتطيّر به لأنّه ينبئ عن زوال ملكه فخاطبه قائلاً:

یا غراب البيت ما شئت فقل *** إنّما تندب أمر قد فعل

کل ملك ونعيم زائل *** وبنات الدهر يلعبن بكل

ونقل في الناسخ أنّ شمراً بن ذي الجوشن لعنه الله قد رافع الرأس على الرمح مفتخراً وهو يقول: (أنا صاحب الرمح الطويل .. الخ) بتفصيل ما ذكرته في كتاب (رياحين الشريعة) المجلّد الثالث ص 253 في ترجمة أُمّ كلثوم.

ص: 349


1- الأبيت لخالد بن معدان وفيه : ويكبّرون بأن قتلت راجع مناقب آل أبي طالب ، ج 3 ص 263 .

مصائب الرئأس المطهّر في مجلس يزيد الوغد

وفي الخبر أنّ رجلاً من علماء التابعين لما شاهد رأس الحسين علیه السلام ذهب إلى بيته وجلس في داره وأغلق عليه وعلى من معه الباب حتّى انقضى على ذلك شهر بكامله، فقيل له : ما هذه العزلة ؟ بعد ظهوره للناس ، فقال : أما رأيتم كيف حاق بنا البلاء.

ونعود لأصل المطلب فنقول : أوقفوا أهل البيت ومعهم رؤوس الشهداء على باب دار الإمارة وتريّثوا حتّى يؤذن لهم ، فأذن لزجر بن قيس فدخل ومعه جماعة يحملون رأس الإمام على رأس رمح طويل فأنزلوه من على السنان ووضعوه في طست من الذهب، فناداه يزيد ويلك ما الخبر ؟ فقال : يا أمير المؤمنين البشارة فقد نصرك الله وفتح عليك، جاءنا الحسين بن عليّ ومعه ثمانية عشر رجلاً من أهل بيته وجماعة من أصحابه فعرضنا عليهم قبول الموادعة والرضا بأمر الأمير يزيد وأن ينزلوا على حكم الأمير عبيد الله بن زياد وإلّا فالقتال، فأبوا طاعة عبيد الله ورضوا بالحرب، فلما أصبح صباح يوم العاشر من المحرّم قابلناهم بجيش جرّار وأحطنا بهم من كل جانب، وناجزناهم القتال وحملنا عليهم بالسيوف الح-داد والمراهف الشداد وجعلنا محزّها رقابهم فأخذوا يلوذون بنا بالتلال والكثبان كما تلوذ الحمائم من الصقر ، ونقسم بالله يا أمير المؤمنين ما هي إلّا جزر جزور حتّى قتلناهم عن آخرهم وذبحناهم بسيوفنا فها هي أجسادهم في العراء تُسفى عليها الرمال قد مزقتها السيوف ولعبت بها وحوش الفلاة وزملتها الدماء وها هي خدودهم موسدة على الثرى تصبّ عليهم الشمس حممها، وتغطّيهم الرمال بسافيها لا تزورهم إلّا الكواسر والعقبان في ذلك القفر الموحش.

فلمّا فرغ ذلك الخبيث لعنه الله من حديثه الكاذب طأطأ يزيد برأسه إلى حجره ثمّ رفع رأسه وقال ليظهر للناس بأنّه غير آمر بقتل الحسين ولا هو بالراضي به :

ص: 350

إنّكم بذرتم العداوة لي في قلوب الناس جميعاً وكنت أرضى منكم بدون قتل الحسين، ولو كنت صاحبه لعفوت عنه، ولما عرّضته للفناء والهلاك، وطرد زجر من عنده ولم يعطه شيئاً، وهذه معجزة لسيّدالشهداء سلام الله عليه لأنّه أخبر زهيراً بن القين بذلك عندما وصلوا كربلاء ، فقال : إنّ زجر بن قيس يحمل رأسي إلى يزيد لينال الجائزة ويحظى بالعطاء الجزيل ولكن لا يعطى شيئاً من هذا ولا من ذاك ، كما ذكر ذلك محمّد بن جرير الطبري.

ومجمل القول : لمّا وضعوا الرأس الشريف بين يدي يزيد كان اللعين ثملاً سكراناً فظهر عليه النشاط والفرح لرؤيته رأس عدوّه فأنشأ عند ذلك يقول :

یا حسنه يلمع باليدين *** يلمع في طست من اللجين

كأنّما حفّ بوردتين *** كيف رأيت الضرب يا حسين

شفيت غلّي من دم الحسين *** يا ليت من شاهد في الحنين

یرون فعلي اليوم بالحسين(1)

ثمّ وضع يزيد على رأسه تاجاً مكلّلاً بالدرّ والياقوت بعد أن اكتمل نصاب مجلسه وجلس على سرير مرصّع بالحجارة الكريمة وحفّه بكراس من الفضّة عن اليمين وعن الشمال وجلس عليه علية القوم من قريش وغيرهم ثمّ أمر بالمائدة وفيها الفقاع ودعى الحاضرين لتناول الطعام، فلمّا فرغ من الأكل استدعى بطست الذهب وفيه رأس الحسين علیه السلام وكان قد وضعه تحت سريرة ووضع عليه لوحة الشطرنج وأخذ يقامر بعض الحاضرين فإذا كانت الغلبة له أظهر الجذل وشرب

ص: 351


1- ينسب رجز يقتصر على أشطر أربعة لمروان وهو : يا حبّذا بردك في اليدين *** ولونك الأحمر في الخدّين كأنّما حفّ بوردتين *** شفیت نفسي من دم الحسين راجع أعيان الشيعة ، ج 1 ص 626 ، الإمام الحسين علیه السلام في أحاديث الفريقين ، ص 260 وفي رجز يزيد إقواء وإيطاء .

ثلاث كاسات من الفقاع (وصبّ الفضلة في الطست) أو إلى جانبه على الأرض، وكان الإمام الرضاء علیه السلام يقول : فمن كان من شيعتنا فليتورّع من شرب الفقاع واللعب بالشطرنج ؛ فمن نظر إلى الفقاع أو إلى الشطرنج فليتذكّر الحسين وليلعن يزيد يمحو الله عزّ وجلّ ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم»(1) .

ومجمل القول أنّ يزيد لما ساوره السكر تناول عصاً من الخيزران وأخذ يقرع بها ثغر الحسين علیه السلام وثمل وينشد :

نفلّق هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعفٌ وأصبر(2)

ص: 352


1- عن الفضل بن شاذان رضي الله عنه ، سمعت الرضاء علیه السلام يقول : لما حمل رأس الحسين علیه السلام إلى الشام أمر يزيد لعنه الله بإحضاره ، فوضع في طشت تحت سريره وبسط رقعة الشطرنج وجلس يزيد عليه اللعنة يلعب بالشطرنج ويذكر الحسين صلوات الله عليه وأباه وجدّه صلی الله علیه وآله وسلم ويستهزئ بذكرهم ، فمتى قمر صاحبه تناول الفقاع فشر به ثلاث مرات ثمّ صبّ فضلته على ما يلي الطشت ؛ فمن كان من شيعتنا فليدع من شرب الفقاع واللعب بالشطرنج، ومن نظر إلى الفقاع والشطرنج فليذكر الحسين علیه السلام وليلعن يزيد وآل زياد يمح الله عزّ وجلّ ذنوبه ولو كانت كعدد النجوم . (راجع لانا الدعوات للقطب الراوندي ، ص 162 ؛ بحار الأنوار ، ج 44 ص 299 ، وج 45 ص 176 ؛ العوالم ص 416) .
2- قال صاحب مقاتل الطالبيّين ووضع الرأس بين يدي يزيد لعنه الله في طست فجعل ينكته على ثناياه بالقضيب وهو يقول : نفلّق هاماً من رجال أعزّة *** علينا وهم كانوا أعقّ وأظلما ص 80 وراجع شرح الأخبار ، ج 3 ص158؛ والإرشاد، ج 2 ص 119 وقال في الهامش : هذا شعر الحصين بن الحمام وهو شاعر جاهليّ وقصيدته اثنان وأربعون بيتاً ، الخ . مناقب ابن شهر آشوب، ج 3 ص 260 ؛ مثير الأحزان، ص 79؛ بحار الأنوار ، ج 45 ص 131 . وقال المحقّق: نسبه في الطبري ج 6 ص 267 إلى الحصين بن الحمام المرّي وقبله: صبرنا وكان الصبر منّا عزيمة *** وأسيافنا يقطعن هاماً ومعصما أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت *** قواضب في أيماننا تقطر الدما ولم أعثر في هذه المصادر ومثلها معها من ذكر الأبيات التي ذكرها المؤلّف ولم يشر إلى مصدره على أنّها مخالفة للقواعد في العجز من البيت الأوّل، لأنّ القافية في محلّ عطف على خبر كان فحكمه النصب والمؤلّف رفعه فهو إقواء .

وأكرم عند الله منّا محلّة *** وأفضل في كلّ الأمور وأفخر

عدونا وما العدوان إلّا ضلالة *** عليهم ومن يعدو عن الحقّ يخسر

فإن تعدلوا فالعدل ألفاه نافعاً *** إذا ضمّنا يوم القيامة محشر

ولكنّنا فزنا بملك معجّل *** وإن كان في العقبى ناراً تسعر

وهكذا راح يعاقر الخمرة مرّات حتّى ثمل ثملاً شديداً فزاد إقباله على السرور وأنشد متمثّلاً:

لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل

ليت أشياخي ببدر شهدوا *** ولقالوا يا يزيد لا تشل

قد أخذنا من عليّ ثارنا *** وقتلنا الفارس الليث البطل

لست من خندف إن لم أنتقم *** من بني أحمد من غير فشل

لو رأوه فاستهلّوا فرحاً *** ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل(1)

قالت سكينة بنت الحسين علیه السلام: أقسم بالله ما وقعت عيني قط على أجفى وأغلظ وأشدّ كفراً وأشرّ من يزيد لأنه وضع رأس أبي بين يديه والأسرى ينظرون إليه وقلوبهم كسيرة وأعينهم دامعة وهم يتأوّهون ويصعدون الزفرات

ص: 353


1- تجد الأبيات في الاحتجاج ، ج 2 ص 34 على النحو التالي : لعبت هاشم بالملك فلا *** خبر جاء ولا وحي نزل ليت أشياخي ببدر شهدوا *** جزع الخزرج من وقع الأسل لأهلوا واستهلّوا فرحاً *** ولقالوا يا يزيد لا تشل .. الخ مدينة المعاجز ، ج 4 ص 140 ؛ العوالم ، ص 403 ؛ لواعج الأشجان ، ص 226 ؛ الغدير ، ج 3 ص 261 و القطعة في هذه المصادر تختلف ببعض الألفاظ مع المؤلّف .

كأنّها شواظ النار حزناً على ما أصابهم وهو لا يبدي اكتراثاً بما يرى أو سمع ، وإنّما يضرب ثغر أبي أمام أنظارنا بعصّى من الخيزران وينشد تلك الأبيات، أي التي مرّت توّاً... .

وكان أبو برزة الأسلمي حاضراً المجلس فلمّا رأى يزيد يقرع ثغر الحسين علیه السلام بالعصى ناداه ويلك يا يزيد أتقرع ثغر الحسين وأنا رأيت رسول الله بعيني هاتين يقبّل ثغره ويترشّفه ويقول له وللحسن أخيه : أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة، قتل الله من يقتلكما ، ولعنه الله وأصلاه جهنّم ، فغضب يزيد ممّا سمع وأمر بإخراجه من المجلس، وكان أبو برزة هذا من أصحاب رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ومن أصفياء أمير المؤمنين علیه السلام ، وتوفّي في العام الخامس والستّين من الهجرة في خراسان ...

سمرة بن جنادة بن جندب

ولما رأى يزيد يقرع ثغر الحسين وأسنانه بالعصى قام من مكانه وكان رجلاً جليل القدر ، فقال : قطع الله يديك يا يزيد، أتضرب ثغر ابن رسول الله وأنا رأيت بعینی كرّة بعد كرّة رسول الله يقبل هذا الثغر، فغضب يزيد وقال : لولا أنك صحبت رسول الله لأمرت بضرب عنقك، فقال سمرة واعجباً، أترعى حبتي

من رسول الله وتقتل ولده فبكى الناس من قوله حتّى كادت الفتنة تقع.

حكاية رسول ملك الروم مع الرأس المبارك

في كثير من الكتب عن الإمام السجّاد علیه السلام أنّه قال : إنّ يزيد أحضرنا ذات يوم وهو يشرب الخمر وعينه ترمق رأس والدي، ثمّ أرسل رجلاً وراء رسول ملك الروم فمثل بين يديه، فلمّا أخذ مكانه من المجلس قال ليزيد : يا ملك العرب، رأس من هذا ؟ فقال له : وما يعنيك أنت من هذا الرأس ؟ قال : لأنّي إذا عدت إلى الملك سألني عن كلّ صغيرة وكبيرة فلا بدّ من معرفة صاحب هذا الرأس لأخبره بها ليسرّ بسرورك ، فقال يزيد : هذا رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب، فقال:

ص: 354

ومن هي أُمّه ؟ فقال : فاطمة بنت رسول الله ، فقال له النصراني: ويل لك وويل للدين الذي أنت عليه، إنّنا لسنا سواء في الدين ديني خير من دينك إنّ جذري ينتهي إلى النبي داود وبينه وبينه كثير من الآباء وإنّ النصارى ليأخذون التراب من تحت قدمي للبركة وأنتم تقتلون ابن نبيكم وما بينه وبين النبي إلا أُمّ واحدة، يا يزيد اصغ لي بسمعك لأقص عليك حديث «كنيسة الحافر»:

يوجد في بحر عمّان وفي ممرّ الصين جزيرة مساحتها ثمانون فرسخاً في ثمانين مثلها وفي هذه الجزيرة مدينة عظيمة وفيها الكافور والعنبر والياقوت الأحمر بكثرة، وفي أرضها ينبت أشجار العود وفيها كنائس عدّة منها كنيسة تدعى «كنيسة الحافر» يقال في محراب هذه الكنيسة «حقّة» من الذهب الأحمر قد علقت عليه وفي هذه الحقة حافر حمار قيل إنّ المسيح كان يمتطيه، وإن علماء النصارى في كلّ سنة يحجّون إلى زيارته ، ويطوفون حوله يطلبون حوائجهم، وأنتم تقتلون ابن نبيّكم لا بارك الله فيكم ولا في دينكم.

فقال يزيد اضربوا عنق هذا النصراني فإنّه سوف يطلق لسانه بديار قومه بثلبنا وشتمنا، فلمّا علم النصراني بذلك قال: رأيت النبيّ البارحة في المنام وبشّرني بالجنّة، فتعجّبت من ذلك والآن علمت سرّ ذلك ، ثمّ شهد الشهادتين وأسلم وتناول ذلك الرأس المبارك ووضعه على صدره وقبله حتّى انتزعوه منه واستشهد بأيديهم.

قصّة رأس الجالوت مع الرأس الأنور

روى ابن طاووس وابن نما أنّ رأس الجالوت وهو من أحبار اليهود ، قال : والله بيني وبين داود لسبعين أباً وإنّ اليهود تلقاني فتعطّمني وأنتم ليس بين ابن نبيكم

ص: 355

وبينه إلّا أب واحد قتلتم ولده(1) لكم الويل ممّا تصنعون وبُعداً لكم ولدينكم فغضب يزيد وقال لولا ما بلغنى عن رسول الله أنّه قال : من قتل ذمّيّاً فأنا خصمه یوم القيامة لقتلتك اليوم، فقال رأس الجالوت أو يخاصم رسول الله قاتل الذمّيّ والمعاهد ولا يخاصم من يقتل ولده ؟ قال هذا والتفت إلى الرأس وقال: يا أبا عبدالله ، اشهد لي عند جدّك بأنّي مسلم وتشهد الشهادتين، فقال يزيد : لقد

خرجت من شروط المعاهدة فإنّ قتلك مباح وأمر بضرب عنقه !!

قصّة الجائليق مع الرأس الأنور

وذكر في الناسخ بعد ذكره القصة مارّة الذكر أنّ جاثليق النصارى دخل من الباب وسأل يزيد : لمن هذا الرأس ؟ فقال : رأس الحسين بن علي وأُمّه فاطمة بنت رسول الله ، قال : لماذا قتلته وأيّ ذنب جناه ليحلّ به القتل ؟ فقال : يزيد : دعاه أهل العراق ليجلسوه على سرير الخلافة فقتله عاملي عبيد الله بن زياد وبعث إليّ برأسه ، فقال : ويل لك يا يزيد، إنّي نمت الآن في البيعة التي أعبد فيها فسمعت صيحة شديدة ورأيت شخصاً كأنّه الشمس الطالعة نزل من السماء ونزل معه الملائكة فسألت من هؤلاء ؟ فقيل لي : هذا رسول الله ومعه الملائكة تعزّيه بولده الحسين علیه السلام ويبكون معه . ويلك يا يزيد الحاك الله .

فغضب يزيد وقال: أتجعل أضغاث أحلامك حجّة عليّ ؟ وأمر مواليه بإخراجه من المجلس وبضربه ضرباً مبرحاً ، فنادى الجائليق برفيع صوته : يا أباعبدالله ، اشهد لي عند جدّك بأنّي مسلم وتشهد الشهادتين، فغضب يزيد وقال : احملوه على المشنقة ، فقال الجائليق : اقض ما أنت قاض يا عدوّ الله ، أنا الآن أرى رسول الله أمامي وبيده ثياب من نور وباليد الأخرى أكليل من نور وهو يقول: ليس

ص: 356


1- انتهت إلى هنا رواية اللهوف، ص 110 .

بيني وبينك أن أتوّجك بهذا التاج وألبسك بهذا القميص إلّا أن تخرج من الدنيا ثمّ أنت رفيقي في الجنّة، ثمّ قتلوه واستشهد.

قصة التاجر الرومي مع يزيد الدالّة على عظمة الحسين علیه السلام

في كتاب العوالم من مؤلّفات بعض الأصحاب مرسلاً أنّ نصرانيّاً أتى رسولاً من ملك الروم إلى يزيد لعنه الله وقد حضر في مجلسه الذي أُتي إليه فيه برأس الحسين علیه السلام ، فلمّا رأى النصراني رأس الحسين علیه السلام بكى وصاح وناح حتّى ابتلّت لحيته بالدموع، ثمّ قال : اعلم يا يزيد أنّي دخلت المدينة تاجراً في أيام حياة النبي صلی الله علیه وآله وسلم وقد أردت أن آتيه بهديّة، فسألت من أصحابه : أيّ شيء أحبّ إليه من الهدايا ؟ فقالوا : الطيب أحبّ إليه من كلّ شيء وإن له رغبة فيه ، قال : فحملت من المسك فارتين وقدراً من العنبر الأشهب وجئت بها إليه وهو يومئذ في بيت زوجته أُمّ سلمة رضي الله عنها ، فلمّا شاهدت جماله ازداد عيني من لقائه نوراً ساطعاً وزادني منه سرور وقد تعلّق قلبي بمحبّته، فسلمت عليه ووضعت العطر بين يديه، فقال: ما هذا؟ قلت : هديّة محقّرة أتيت بها إلى حضرتك ، فقال لي : ما اسمك ؟ فقلت : اسمي عبد شمس، فقال لي: بدّل اسمك فأنا أُسمّيك عبدالوهّاب، إن قبلت منّي الإسلام قبلت منك الهديّة.

قال : فنظرته وتأمّلته فعلمت أنّه نبيّ وهو النبي الذي أخبرنا عنه عيسى علیه السلام حيث قال: إنّي مبشّر لكم برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، فاعتقدت ذلك وأسلمت على يده في تلك الساعة، ورجعت إلى الروم وأنا أخفي الإسلام ولي مدة من السنين وأنا مسلم مع خمس من البنين وأربع من البنات، وأنا اليوم وزير ملك الروم وليس لأحد من النصارى اطّلاع على حالنا .

واعلم يا يزيد أنّي يوم كنت في حضرة النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت أمّ سلمة رأيت هذا العزيز الذي رأسه وضع بين يديك مهاناً قد دخل على جدّه من باب الحجرة

ص: 357

والنبي فاتح باعه ليتناوله وهو يقول : مرحباً بك يا حبيبي حتّى أنّه تناوله وأجلسه في حجره وجعل يقبّل شفتيه ويرشّف ثناياه وهو يقول: بعد عن رحمة الله منقتلك ، لعن الله من قتلك يا حسين وأعان على قتلك ، والنبيّ صلی الله علیه وآله وسلم مع ذلك يبكي، فلمّا كان اليوم الثاني كنت مع النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم في مسجده إذ أتاه الحسين علیه السلام مع أخيه الحسن علیه السلام وقال : يا جدّاه ، قد تصارعت مع أخي الحسن ولم يغلب أحدنا الآخر وإنّما نريد أن نعلم أيّنا أشدّ قوّة من الآخر، فقال لهما النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم : حبيبيّ يا مهجتيّ إنّ التصارع لا يليق بكما ولكن اذهبا فتكاتبا فمن كان خطّه أحسن كذلك يكون قوّته أكثر.

قال : فمضيا وكتب كلّ واحد منهما سطراً وأتيا إلى جدّهما النبي صلى الله عليه وسلم فأعطياه اللوح ليقضي بينهما ، فنظر النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم إليهما ساعة ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، فقال لهما : إنّي نبيّ أُمّي لا أعرف الخطّ ، اذهبا إلى أبيكما ليحكم بينكما وينظر أيّكما أحسن خطّاً ، قال : فمضيا إليه وقام النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم أيضاً معهما ودخلوا جميعاً إلى منزل فاطمة ، فما كان إلا ساعة وإذا النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم و سلمان الفارسي معه وكان بيني سلمان صداقة ومودّة، فسألته : كيف حكم أبوهما وخط أيّهما أحسن ؟ قال وبین سلمان رضوان الله عليه : إنّ النبيّ صلی الله علیه وآله وسلم لم يجبهما بشيء لأنّه تأمّل أمرهما وقال : لو

لم قلت خطّ الحسن أحسن كان يغتمّ الحسين علیه السلام ، ولو قلت خطّ الحسين علیه السلام أحسن كان يغتم الحسن علیه السلام فوجههما إلى أبيهما.

فقلت : يا سلمان بحقّ الصداقة والأخوّة التي بيني وبينك وبحقّ دين الإسلام إلّا ما أخبرتني كيف حكم أبوهما بينهما ؟ فقال : لمّا أتيا إلى أبيهما وتأمّل حالهما رقّ لهما ولم يرد أن يكسر قلب أحدهما ، قال لهما : أمضيا إلى أُمّكما فهي تحكم بينكما، فأتيا إلى أُمّهما وعرضا عليها ما كتبا في اللوح وقالا : يا أُمّاه ، إنّ جدّنا أمرنا أن نتكاتب فكل من كان خطّه أحسن تكون قوّته أكثر ، فتكاتبنا وجئنا إليه فوجّهنا

ص: 358

إلى أبينا فلم يحكم بيننا ووجّهنا إليك ، فتفكّرت فاطمة علیها السلام بأنّ جدّهما وأباهما ما أرادا كسر خاطرهما، أنا ماذا أصنع ؟ وكيف أحكم بينهما ؟ فقالت لهما يا قرّة عيني إنّي أقطع قلادتي على رأسكما فأيكما يلتقط من لؤلؤها أكثر كان خطّه أحسن وتكون قوّته أكثر . قال : وكان في قلادتها سبع لؤلؤات ، ثمّ إنّها قامت فقطعت قلادتها على رأسهما فالتقط الحسن ثلاث لؤلؤات والتقط الحسين علیه السلام ثلاث لؤلؤات فأراد كلّ منهما تناولها فأمر الله تعالى جبرئيل علیه السلام بنزوله إلى الأرض وأن يضرب بجناحيه تلك اللؤلؤة ويقدّها نصفين فأخذ كلّ منهما نصفاً، فانظر يا يزيد كيف رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لم يدخل على أحدهما ألم ترجيح الكتابة ولم يرد كسر لم قلبهما وكذلك أمير المؤمنين وفاطمة علیها السلام وكذلك ربّ العزّة لم يرد كسر قلبهما بل أمر من قسم اللؤلؤة بينهما لجبر قلبهما وأنت هكذا تفعل بابن بنت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم ، أن لك ولدينك يا يزيد.

ثمّ إنّ النصراني نهض إلى رأس الحسين علیه السلام واحتضنه وجعل يقبّله وهو يبكي ويقول يا حسين ، اشهد لي عند جدّك المصطفى وعند أبيك عليّ المرتضى وعند أُمّك فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم أجمعين(1) إنّي بريء من أعداءكم لعنهم الله إلى يوم الدين.

حكاية هند زوجة يزيد

ومجيئها إلى المجلس من غير حجاب وبكائها وعويلها حين رأت الرأس المطهّر لسيّدالشهداء ورؤياها في المنام الأنبياء يزورون ذلك الرأس الشريف وغسلها إيّاه بماء الورد وذكرت هذا الفصل في المجلّد الخامس من رياحين الشريعة في ترجمة هند ص 103 وكذلك ذكرت حكاية الرأس حين جاؤوا به إلى

ص: 359


1- العوالم ، الإمام الحسين للشيخ عبدالله البحراني ، ص 418 وما بعدها .

الخربة في الشام لتلك الصبية الصغيرة في ترجمة رقيّة الجلد الرابع ص 309.

ولمّا عزم يزيد على إعادة أهل البيت إلى المدينة استدعى الإمام زين العابدين وقال : سلني حاجاتك فإنّها مقضيّة كائنة ما كانت ، فقال له الإمام : أوّل مسألة لي أن تردّ عليّ رأس أبي ، فقال يزيد : أمّا رأس أبيك فلن تراه .

الرواية التي ذكرت فقدان رأس الإمام الحسين علیه السلام

قال بعضهم : وإنّما أجاب يزيد الإمام بذلك الجواب السالب حين فقد القدرة على وجدان الرأس وخرج من تحت سيطرته، وما كان يعلم الجهة التي أُخفي فيها ، من ثَمّ قال للإمام زين العابدين : إنّك لن تراه قطّ، ويؤيد هذا المذهب عدد من الروايات زعمت بأنّ أحد الشيعة سرق الرأس الشريف ودفنه في جوار أمير المؤمنين علیه السلام .

ويؤيّده أيضاً رواية فحواها أنّ الرأس الشريف عرج به إلى السماء وهذه الرواية رواها المجلسيّ في جلاء العيون والقطب الراوندي في الخرائج عن الأعمش ووردت في كتاب منتهى الأمال أيضاً وكتب أخرى روتها عن الأعمش(1) قال : التجأت إلى البيت الحرام فبينما أنا أطوف وإذا برجل في الطواف يقول : اللهمّ اغفر لي ولا تؤاخذني بفعلي لأنّي مقهور من يزيد ، فقلت له : يا عبدالله ، مالي أراك في مثل هذا المكان تقول هذا الكلام وأنت في محلّ يغفر الله لمن دخله ومن دخله كان آمناً ؟! قال : قصّتي عجيبة، فقلت: أخبرني بها، فقال: دعني ، فقلت : أقسم عليك بالله العظيم أن تخبرني ، فقال : أقسمت عليّ بقسم عظيم، فخذ بيدي فأخذت بيده فإذا هو أعمى ثمّ خرجنا إلى شعب من شعاب مكّه فجلسنا فيه ، فقال

ص: 360


1- وأنا - المترجم - أنقل الرواية كما جاءت في المصادر معرضاً عن بعض العبارات المخالفة لسياقها عند المؤلّف .

لي : أيّ شعب هذا ؟ فقلت : هذا شعب عليّ المرتضى . فقال : والله ما أجلس في شعب والد رجل كنت في قتل ولده فنهضت وأخذت بيده وخرجنا إلى الأبطح وجلسنا هناك فقال لي : من أنت ؟ فقلت: أنا سليمان بن مهران الأعمش.

فقال : اعلم أنّي كنت من أصحاب يزيد وكنت من جلسائه، فلمّا أتي برأس الحسين أمر بوضعها في طشت من اللجين فوضعت ثمّ وضعت الطشت بما فيه بين يديه فجعل ينكث ثناياه بقضيب كان بيده ويقول: اشتفيت فيك وفي أبيك غير أنّ أباك علا أبي بأهل العراق فظفر به ثمّ إنّ أهل العراق خدعوك وأخرجوك فظفرت بك فالحمد لله الذي مكنّني منك ولم يزل على هذه الحال مدّة من الأيام، فلمّا عظم ذلك على الناس خشي على نفسه فجمعهم وقال يا قوم ، أتظنّون أنّي قتلت الحسين، فوالله ما قتله إلّا عاملي ابن زياد، ثمّ دعى برأس الحسين فغسّلها وطيّبها وجعلها في صندوق وغلق عليها وقال(1) : دعوها في قصري واجعلوا حولها السرادق وقصد بذلك كفّ ألسنة الناس عنه ، ثمّ جعل خارج السرادق خمسين رجلاً ووكّلني بهم، وكان إذا أتى الليل يرسل لهم طعاماً وخمراً فيأكل أصحابي ويشربون وأنا لم أكل ولم أشرب ، ثم ينامون ولم أنم حزناً على الحسين علیه السلام . فبينما أنا ذات ليلة قد استلقيت على ظهري وأنا متفكّر في ذلك وإذا بسحابة عظيمة سمعت فيها دويّاً كدويّ النحل وإذا بخفقان أجنحة الملائكة حتّى نزلوا إلى الأرض ورأيت ملكاً عظيماً قد نزل وبيده بسط مكلّلة بالدرّ والياقوت

ص: 361


1- هذا شطر من السياق ذكره المؤلّف أثناء الرواية فدخل صاحب الرأس ودنا منه وقال : أوقر ركابي فضّه وذهبا *** فقد قتلت السيّد المحجّبا قتلت أزكى الناس أُمّاً وأبا *** و خيرهم إذ يذكرون النسيا فقال له يزيد : إذا علمت أنّه خير الناس لم قتلته ؟ قال : رجوت الجائزة ، فأمر بضرب عنقه ، فحزّ رأسه ، انظر موسوعة شهادة المعصومين ، ص 364 .

ففرشها ثمّ نزل خمسة ملائكة وبأيديهم كراسي من النور فوضعوها على البسط ثمّ نادی مناد انزل یا آدم يا أبا البشر، فإذا برجل من أبهج الرجال وجهاً وأكثرهم هيبة وعليه حلّة من حلل الجنّة وقد نزل من الهواء وأقبل على الرأس وسلّم عليها وقال : عشت سعيداً وقتلت شهيداً عطشان حتّى ألحقك الله بنا، غفر الله لك يا بني ولا غفر لقاتلك، والويل له غداً من النار، ثمّ جلس على كرسيّ من تلك الكراسي ثمّ جاءت سحابة أخرى أعظم من الأولى فسمعت فيها خفقان أجنحة الملائكة حتّى نزلت إلى الأرض ثمّ نادى مناد انزل يا نوح يا نبيّ الله ، فنزل وإذا هو رجل تعلوه سمرة وهو أحسن الناس هيبة وعليه حلّة من حلل الجنّة فأقبل حتّى وقف على الرأس وقال مقالة آدم وجلس على كرسي من تلك الكراسي، ثمّ جاءت سحابة عظيمة فسمعت فيها خفقان أجنحة الملائكة حتّى نزلوا إلى الأرض ثمّ نادی مناد انزل یا موسى يا كليم الله فنزل وأقبل على الرأس وقال مقالة نوح وجلس على كرسي من الكراسي ، ثمّ جاءت سحابة عظيمة سمعت فيها خفقان أجنحة الملائكة حتّى نزلوا إلى الأرض ثمّ نادى مناد : انزل يا عيسى، فنزل وإذا هو رجل حسن الوجه تعلوه شقرة وعليه حلّة من حلل الجنّة ، فأقبل على الرأس وقال مقالة موسى ثمّ جلس على كرسيّ من تلك الكراسيّ .

ثمّ جاءت سحابة أعظم من تلك السحائب ولها دويّ كدويّ الرعد القاصف وسمعت فيها خفقان أجنحة الملائكة حتّى نزلت إلى الأرض ثمّ نادى منادٍ : انزل يا أبا القاسم يا أوّل يا آخر ، یا ،ماحي، يا عاقب، یا حاشر، یا طاهر، یا مزّمّل، یا ،مدّثّر، يا طه يا ،أحمد ، انزل یا محمّد فنزل المصطفى عليه الصلاة والسلام وعليه حلّة من حلل الجنّة، وعن يمينه صفّ من الملائكة لا يحصيهم إلّا الله، وعن

ص: 362

يساره عليّ المرتضى وولده الحسن وفاطمة الزهراء(1)، «ودخل - رسول الله - القبّه التي فيها رأس الحسين والملائكة من حوله حافّين به، فلمّا وقع بصره على الرأس خارت قواه فجلس على الأرض عند ذلك رأيت الرمح قد مال بالرأس ووضعه في حجر النبي الله صلی الله علیه وآله وسلم فوضع النبي الرأس على صدره وأقبل به علی آدم علیه السلام وسائر الأنبياء وقال: انظروا ما فعلته أُمّتى بولدي، فاقشعرّ لقوله جلدي وأقبل جبرئيل على النبيّ وقال : يا رسول الله ، أنا موكّل بهلاك الأرض وزلزلتها فمُرني بذلك حتّى أجعل عاليها سافلها وأصيح فيهم صيحة تقضي عليهم عن بكرة أبيهم ، فلم يأذن له النبيّ فقال : ائذن لي إذن بهلاك الأربعين - ذكروا في صدر النصّ بأنّهم خمسون - المترجم - فأذن له فكان جبرئيل إذا أقبل على الرجل ونفح به احترق ذلك الرجل ، ولمّا بلغتني النوبة استغثت، فقال النبيّ : دعوه لا غفر الله له ، فتركوني ثمّ أخذوا الرأس وانصرفوا ولم ير أحد الرأس المقدّس من تلك الليلة.

رواية دفن الرأس الشريف في النجف

روى ابن قولويه في كامل الزيارة وساق السند إلى يزيد بن عمرو بن طلحة قال : قال أبو عبد الله علیه السلام - وهو بالحيرة - أما تريد ما وعدتك ؟ قال : قلت : بلى - يعني الذهاب إلى قبر أمير المؤمنين علیه السلام ، قال : فركب وركب إسماعيل ابنه معه وركبت معهم حتّى إذا جاز الثوية وكان بين الحيرة والنجف عند ذكوات بيض نزل ونزل إسماعيل ونزلت معهم فصلّى وصلّى إسماعيل وصلّيت، فقال لإسماعيل: قم فسلّم على جدّك الحسين بن عليّ علیهما السلام ، فقلت : جعلت فداك ، أليس

ص: 363


1- يمكن أن ترجع في هذا الفصل إلى نور العين في مشهد الحسين ص 77 إلى ص 79 ولمّا رأيت سياق المؤلّف يختلف مع هذا النصّ اختلافاً جوهريّاً لذلك أثرت متابعة المؤلّف وأعرضت عن السياق المتقدّم وفي كلّ منهما المعنى واحد ولا اختلاف إلّا بالإسهاب والاقتضاب .

الحسين علیه السلام بكربلاء ؟ فقال : نعم ولكن لمّا حمل رأسه إلى الشام سرقه مولّى لنا فدفنه بجنب أمير المؤمنين علیه السلام(1).

وأيضاً وينتهي السند إلى الإمام الصادق علیه السلام إنّه قال: إنّ عبيدالله بن زياد لمّا له بعث برأس الحسين بن عليّ إلى الشام ردّ إلى الكوفة فقال : أخرجوه عنها لا يفتتن به أهلها فصيّره الله عند أمير المؤمنين فالرأس مع الجسد والجسد مع الرأس(2) لأنّ الحسين وأباه نور واحد.

ولا يخفى تعارض الروايتين وكلاهما متعارضان مع الرواية السالفة الزاعمة فقدان الرأس والعلم عند الله تعالى.

رواية دفن الرأس المطهّر في مدينة طيبة

في الناسخ تحت عنوان (ذكر اختلاف أقوال المؤرّخين في دفن الرأس المطهّر) في الخبر المذكور في الكافي والتهذيب الدالّ على أنّ رأس الحسين علیه السلام دفن إلى جانب قبر أُمّه فاطمة سلام الله عليها .

ويؤيّده الخبر المذكور في المناقب بإسناده عن أبي العلاء الحافظ بإسناده عن مشايخه أنّ يزيد بن معاوية حين قدم عليه رأس الحسين علیه السلام البعث إلى المدينة فأقدم عليه عدّة من موالي بني هاشم وضمّ إليهم عدّة من موالي أبي سفيان ثم بعث بثقل الحسين ومن بقي من أهله معهم وجهّزهم بكلّ شيء ولم يدع لهم حاجة بالمدينة إلّا أمر لهم بها وبعث برأس الحسين علیه السلام إلى عمرو بن سعيد بن العاص الله وهو إذ ذاك عامله على المدينة فقال عمرو وددت أنه لم يبعث به إليّ، ثمّ أمر عمرو فدفن بالبقيع عند قبر أُمّه فاطمة علیها السلام(3).

ص: 364


1- كامل الزيارات، ص 83.
2- بحار الأنوار ، ج 45 ص 178 نقلاً عن كامل الزيارات، ص 36.
3- مناقب ابن شهر آشوب عنه بحار الأنوار ، ج 45 ص 145 .

ويقول ابن نما ذهب جماعة إلى الاتفاق على أنّ عمرو بن سعيد دفنه في المدينة.

أقول : لا يخفى أنّنا إذا افترضنا بأنّ يزيد دفع الرأس الشريف إلى الإمام السجّاد فإنّه يحمله معه إلى كربلاء حتماً ولا يأتي به إلى المدينة بل يدفنه لزوماً مع الجسد والعلم عند الله .

وأنا - المؤلّف - رأيت في شرح نهج البلاغة أنّ الرأس الشريف وصل إلى مروان في المدينة وهو يومئذ أميرها وقد حمل الرأس على يديه فقال:

يا حبّذا بردك في اليدين *** ولونك الأحمر والخدّين

أخذت ثأري وقضيت ديني *** شفيت منك القلب يا حسين

ثمّ رمى بالرأس نحو قبر النبي وقال : يا محمّد يوم بيوم بدر (1).

القول بدفن الرأس في الشام

وكذلك قال صاحب الناسخ في الخبر أنّ منصور بن جمهور لمّا دخل خزائن يزيد رأى فيها سفطاً أحمر فقال لغلامه سليم : دونك هذا السفط احتفظ به فإنّه كنز من كنوز بني أُميّة، فلمّا كشفوا غلائه رأوه رأس الإمام الحسين، ما يزال بخضاب لحيته عند ذلك أمر غلامه أن يأتيه بثوب ولفّ به الرأس المطهر ودفنه بدمشق في باب الفراديس بجنب البرج الثالث من جهة المشرق.

وقال أيضاً: روي أنّه رأى سليمان بن عبدالملك رسول الله يبش معه، معه، فسأل الحسن البصري عن ذلك ، فقال : لعلّك فعلت إلى أهل بيته معروفاً، فقال: رأيت رأس الحسين في خزانة يزيد فلمّا عرض عليّ لففته في خمسة دبابيج و دبابيج وعطّرته

ص: 365


1- شرح ابن أبي الحديد ، ج 4 ص 71 والرجز كالتالي : وحمرة تجري على الخدّين *** كأنّما بتّ بمسجدين

وصلّيت عليه (مع جماعة من أصحابي) ودفنته وبكيت كثيراً، فقال الحسن: قد رضي عنك رسول الله بهذا الفعل(1) فسر سلیمان تعبيره وأحسن إليه بالصلات

الكبيرة .

وقال أيضاً: ولمّا استخلف سليمان بن عبدالملك أخرج السفط الذي فيه الرأس الطاهر وكساه ثياباً مكلّلة بالجوهر وطيّبه ودفنه في مقابر المسلمين، ولمّا استخلف عمر بن عبدالعزيز أخذ يفتّش على موضع دفنه حتّى نبشه واستخرجه من موضعه ولم يعلم بذلك أحد ما الذي صنعه بذلك الرأس ولمّا كان الرجل على شيء من الدين فإنّ الاحتمال قائم بأنّه ألحقه بالجسد في كربلاء، والله العالم.

القول بدفنه في كربلاء

قال في العوالم : إنّ علماء الإماميّة متفقون على أن الرأس الشريف أُلحق بالجسد المطهّر جاء به عليّ بن الحسين إلى كربلاء ودفنه هناك .

وكذلك ذكر في روضة الشهداء أنّ رؤوس الشهداء بأجمعها ردّها عليّ بن الحسين معه إلى كربلاء ودفنها فيها.

أقول: الجمع بين هذه الروايات والأقوال الأخرى المتضاربة من المحالات والحكم بترجيح بعضها على بعض وبصحته متعذّر ، لكن ترجيح القول بأنّه مدفون بكربلاء أجدر

القول بأنّ الرأس المنوّر مدفون بمصر

في تاريخ مصر(2) قال : وفي شعبان سنة إحدى وتسعين وأربعمائة خرج الأفضل ابن أمير الجيوش - وهو من أمراء السلاطين الفاطميّين - بعساكر جمّة إلى

ص: 366


1- مناقب آل أبي طالب ، ج 3 ص 220 .
2- خطط المقريزي تأليف أحمد بن عبد القادر المقريزي المتوفّى سنة 845(منه) .

بيت المقدس و به سكّان وإيلغازي ابنا أُرْتُق(1) في جماعة من أقاربهما ورجالهما وعساكر كثيرة من الأتراك فراسلهما الأفضل يلتمس منهما تسليم القدس بغير حرب فلم يجيباه لذلك فقاتل البلد ونصب عليها المجانيق وهدم منها جانباً فلم يجدا بُدّاً من الإذعان له وسلّماء إليه فخلع عليهما (الملك الأفضل )(2) وأطلقهما وأولاد أرتُق وعاد في عساكره وقد ملك القدس فدخل عسقلان وكان بها مكان دارس فيه رأس الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما فأخرجه وعطّره وحمله في سفط إلى أجلّ دار بها ، وعمر المشهد فلمّا تكامل حمل الأفضل الرأس الشريف على صدره وسعى بها ماشياً إلى أن حلّه فى محلّه .

وقيل : إنّ المشهد بعسقلان بناه أمير الجيوش بدر الجمالي وكمله ابنه الأفضل

وكان حمل الرأس إلى القاهرة من عسقلان .

ص: 367


1- أرتق بضمّ الهمزة وسكون الراء وتاء مضمومة بعد قاف جد السلاطين الأرتقيّة، وأُرتق بن أكسب من التركمان ، وأكسب على وزن قفنفذ (منه).
2- وهذا الملك الأفضل في عداد وزراء المستنصر والمستعلي من خلفاء بني فاطمة الذين حكموا مصر وكانوا مطلقي الأمر فيها . قال ابن خلّكان : وخلّف الملك الأفضل من الأموال ما لم يسمع بمثله . قال صاحب الدول المنقطعة خلف ستمائة ألف الف دينار عيناً ومأتين وخمسين أردباً دراهم نقد مصر (والأردب مكيال كبير في مصر وكلّ أردب يزن أربعاً وعشرين صاعاً - وخمسة وسبعين ألف ثوب ديباج أطلس، وثلاثين راحلة أحقاق ذهب عراقي ودواة ذهب فيها جوهر قيمتها اثنا عشر ألف دينار، ومائة مسمار من ذهب وزن كلّ مسمار مائة مثقال في عشرة مجالس في كل مجلس عشرة مسامير على كل مسمار مندير مشدود مذهب بلون من الألوان أيما أحبّ منها لبسه ، وخمسمائة كسوة لخاصة من دق تنیس و دمياط (اسم جزيرتين من جزر الروم) وخلّف من الرقيق والخيل والبغال والمراكب والطيب والتجمّل والحلي ما لم يعلم قدره إلّا الله سبحانه وتعالى ، وخلّف خارجاً عن ذلك من البقر والجواميس والغنم ما يستحيا من ذكر عدده وبلغ ألبانها في سنة وفاته ثلاثين ألف دينار، ووجد في تركته صندوقان كبيران فيهما أبرذهب برسم النساء والجواري . ( وفيات الأعيان ، ج 2 ص 451)

(ومجمل القول) أنّ هذا الرأس الشريف لمّا أخرج من المشهد بعسقلان وجد

مه لم يجفّ وله ريح كريح المسك.

ووصوله إليها في يوم الأحد ثامن جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة ، فقدم به الأستاذ مكنون في عشّاري من عشّاريات الخدمة وأنزل به إلى «الكافوري» ثمّ حمل في السرداب إلى قصر الزمرّد ثمّ دفن عند قبّة الديلم بباب دهليز الخدمة فكان كلّ من يدخل الخدمة يقبّل الأرض أمام القبر .

( وحضر لزيارة هذا القبر الأمير سيف الممالك والقاضي المؤتمن وجماعة من الأكابر في يوم الثلاثاء العاشر من جمادى الآخرة) وكانوا ينحرون ف-ي ي-وم عاشوراء عند القبر الإبل والبقر والغنم ويكثرون النوح والبكاء، ويسبون من قتل الحسين، ولم يزالوا على ذلك حتى زالت دولتهم .

وقال ابن عبدالظاهر (في تاريخ مصر ) : مشهد الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا أنّ طلائع بن رزيك المنعوت بالصالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان لما خاف عليها من الفرنج ، وبنى جامعه خارج باب زويلة ليدفنه بها ويفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا لا يكون ذلك إلّا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافة الفائز على يد طلائع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة .

وسمعت من يحكي حكاية يستدلّ بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك وهى أنّ السلطان الملك الناصر رحمه الله لمّا أخذ هذا القصر وشى إليه بخادم له قدر في الدولة المصريّة، وكان زمام القصر، وقيل له : إنّه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن ، فأخذ وسئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوّابه بتعذيبه فأخذه متولّي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدّ عليها قرمزية وقيل: إنّ هذه أشدّ العقوبات وإنّ الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلّا تنقّب دماغه

ص: 368

وتقتله ففعل ذلك مراراً وهو لا يتأوّله وتوجد الخنافس ميتة، فعجب من ذلك وأحضره وقال له: هذا سرّ فيك ولا بدّ أن تعرّفني به ؟ فقال : والله ما سبب هذا إلّا أنّي لمّا وصلت إلى رأس الحسين حملتها قال: وأيّ سرّ أعظم من هذا في شأنه فعفا عنه .

قال ابن الطوير(1) : إذا كان اليوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس فإذا علا النهار ركب قاضي القضاة والشهود وقد غيّروا زيّهم فيكونون كما هم اليوم ثمّ صاروا إلى المشهد الحسيني وكان قبل ذلك يعمل في الجامع الأزهر فإذا جلسوا فيه ومن معهم من قرّاء الحضرة والمتصدرين في الجوامع جاء الوزير فجلس صدراً والقاضي والداعي من جانبيه والقرّاء يقرؤون نوبة بنوبة وينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة شعراً يرثون به أهل البيت علیهم السلام فإن كان الوزير فضيغاً (كذا) (رافضيّاً) ،تغالوا، وإن كان سنّيّاً اقتصدوا ، ولا يزالون كذلك إلى أن تمضي ثلاث ساعات فيستدعون إلى القصر بنقباء الرسائل فيركب الوزير، وهو بمنديل صغير إلى داره ويدخل قاضي القضاة والداعي ومن معهما إلى باب الذهب فيجدون الدهاليز قد فرشت مصاطبها بالحصر بدل البسط وينصب في الأماكن الخالية من المصاطب وكلك لتلحق بالمصاطب لتفرش، ويجدون صاحب الباب جالساً هناك فيجلس القاضي والداعي إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم، فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضاً ثمّ يفرش عليهم سماط الحزن مقدار ألف زبديّة من العدس والملوحات والمخللات والأجبان والألبان

ص: 369


1- رأيت المؤلّف رحمه الله لا يراعي سياق النص الذي ينقله لأنّه مترجم له ويريد منه موضع الحاجة والحق معه في مثل هذه الحالة ، أمّا أنا فرجوعي إلى النصّ الجأني إلى مراعاة السياق وإن خالف المؤلّف.

الساذجة والأعسال النحل والفطير والخبز المغيّر لونه ، فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب نيابة عن الوزير والمذكوران إلى جانبه وفي الناس من لا يدخل ولا يلزم أحد بذلك، فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى أماكنهم ركباناً بذلك الزي الذي ظهروا فيه وطاف النواح بالقاهرة ذلك اليوم وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى جواز العصر فيفتح الناس بعد ذلك أو ينصرفون(1).

وكان هذا الشعار من أوّل الدولة الفاطميّة قائماً على قدم وساق.

وفي كتاب (سيرة المعزّ لدين الله) أوّل من دخل مصر من الخلفاء الفاطميّين و خضعت له خارجاً من المهدية أبو تميم المعزّ لدين الله واسمه معدّ بن إسماعيل، وكان شهماً شجاعاً مهيباً ، اتسعت مملكته وكثرت عساكره ، حكم مصر والمغرب ثلاثاً وعشرين سنة وبضعاً، وفي عصره كان الشيعة يجتمعون بأعداد غفيرة وجموع كثيرة ويذهبون إلى قبر السيّدة كلثوم والسيّدة نفيسة وهما من السيّدات الفاطميّات ويختلطون برجال المغرب وفرسانهم ويكونون مع الشيعة

في مصر مصر صفاً واحداً وصوتاً واحداً فيبكون على الحسين علیه السلام ويلعنون قاتله ويذكرونهم بما يستحقّونه من السبّ والشتم وتغلق الدكاكين والحوانيت، ومن توسّع في ذلك اليوم أو أكثر من الإنفاق لعنوه، والمعزّ لدين الله يحمي الشيعة ويسندهم، وبقي العزاء على أشدّه في الدولة العباسيّة.

ومجمل القول أنّ المشهد الحسيني في مصر معروف إلى اليوم وهو مزار مهمّ والناس يجتمعون عنده ويزورونه ويبالغون في تعظيمه وإجلاله ويطلبون حوائجهم عند ذلك المشهد المقدّس من الله تعالى ويقيمون مجالس العزاء بحرّية

تامّة وإن كره الناصبون .

ص: 370


1- الخطط المقريزيّة ، ج 2 ص 228 إلى ص 230 .

فلنختم الكلام بالمسك الأذفر في مدح خاتم النبيّين سيّد البشر

في مدح خاتم النبيّين سيد البشر

دلم آش فته روی محمّد *** سراسر گشته کوی محمّد

شدم واقف زسرّ قاب قوسین *** چه دیدم طاق ابروی محمّد

گل رویش چه یادآرم بخاطر *** شوم سرمست از بوی محمّد

تمام انبیا از شوق دیدار *** نظر انداخته سوى محمّد

عزیز مصر با حسن و ملاحت *** غلام خال هندوی محمّد

هزاران لشکر از دلهای عشّاق *** اسیر تار گیسوی محمّد

معطّر گشت بزم هشت جنّت *** زعطر نفحه خوى محمّد

زلال سلسبیل و نهر تسنیم *** روان گردید از جوی محمّد

گسسته بت پرستان تار زنّار *** چه بشنیدند ياهوى محمّد

سر خود را بتان بر خاک سودند *** زسحر چشم جادوی محمّد

مباراة الشعر بالعربيّة :

قلبي مشوق لرؤيا المصطفى وغدا *** مقسّماً في بلاد حلّ واديها

عرفت لمّا رأت عيناي حاجبه *** عن قاب قوسين يبدو سرّه فيها

إذا تذكّرت ورد الوجنتين غدت *** ريح الصبا بشذى الأزهار تذكيها

أمّ النبيون في واديه قبلتهم *** فالحب رائدها والوجد داعيها

وحسن يوسف من خال بوجنته *** عبد لحسن تجلّى في معانيها

وقد رأى عسكر العشّاق لبّهم *** أسير خصلة شعر من أفاعيها

جنانها السبع قد صارت معطّرة *** من طيب أخلاقه والله باريها

ص: 371

وقد جرت عدن في تسنيمها غدقاً *** کسلسبیل تراثي في مجاريها

هوت على الأرض أصنام وعابدها *** لما تجلّا نداه في مغانيها

ودس أصنام أرض الكفر أوجهها *** بالترب حين تجلّى سرّ مرديها

سعدي

ماه فرو مانده از جمال محمّد *** سرو نروید باعتدال محمّد

قدر فلک را کمال و منزلتی نیست *** در نظر قدر با کمال محمّد

وعده دیدار هر کسی به قیامت *** ليلة الاسراى شب وصال محمّد

آدم ونوح و خلیل و موسی و عیسی *** آمده مجموع در ظلال محمّد

عرصۀ دنیا مجال همّت او نیست *** روز قیامت مگر مجال محمّد

وانهمه پیرایه جنّت فردوس *** کو که قبولش کند بلال محمّد

همچو زمین خواهد آسمان که بیفتد *** تا بدهد بوسه بر نعال محمّد

شاید اگر آفتاب و ماه نتابند *** پیش دو ابروی چون هلال محمّد

چشم مرا تا بخواب دید جمالش *** خواب نگیرد مگر خیال محمّد

مباراة الشعر بالعربيّة :

البدر يخجل من جماله *** والسرو يصغر لاعتداله

و تنازل الفلك العلي *** من الكمال إلى كماله

من ليلة الإسرا ينا *** ل الخلق وعداً في وصاله

والأنبياء جميعهم *** يمشون فخراً في ظلاله

ليست له الدنيا مجالاً *** فالقيامة من مجاله

وتزيّن الفردوس كي *** يبغي الرضاية من بلاله

تهوي السما والأرض *** يرتشفان شسعاً من نعاله

لم يشرق القمران مح *** تجبين من قوسي هلاله

ما نمت إلّا كي أرى *** في النوم لمحاً من خياله

ص: 372

و قال غیره

کلیمی که چرخ برین طور اوست *** همه نورها پرتو نور اوست

یتیمی که ناکرده قرآن دسوت *** کتب خانه چند ملّت بتست

بلا قامت لات بشکست خورد *** با غیر از دین آب غزابه برد

نه از لات و عزی برآورد کرد *** که تورات و انجیل منسوخ کرد

مباراة الشعر بالعربيّة :

يا لهذا الكليم في الفلك الأعلى *** له ساعة المناجاة طور

كل نور إليه يُعزى فهل في *** الكون نور إلّا إليه يصير

نوره نور ربه جل من سوّاه *** نوراً إليه يُعزى النور

تم قرآنه فمكتبة الدنيا إلى *** علمه الغزير سطور

محيت فيه للأنام ثقافات *** ويمحى بالشارق الديجور

ذهبت لا تهمّ ومن بعدها العزّى *** كموتي قد غيِبتها القبور

ليس هذا فحسب بل محیت *** توراة موسى فحكمها مستور

وكذاك الإنجيل ينسخه القر *** آن نسخاً حتّى يكون النّشور

ملأ الأرض نعمة وسلاماً *** وجمالاً به الحياة تمور

وقال غيره

شهسواری که بر درش قیصر *** بهر تعظیم افسر اندازد

قیصرش چاکریست کز اخلاص *** تاج بر خاک اندر اندازد

حاش لله نه وصف درگه اوست *** که بر او تاج قیصر اندازد

صد چه قیصر به پای قنبر او *** افسر از سر چه چاکر اندازد

مباراة الشعر بالعربيّة :

عجب من مسود عنده *** قيصر كالعبد في يدي مولاه

عبده قيصر لإخلاصه يعنو *** بتاج مزيّن تجلّاه

ص: 373

لست أعني مقامه يقف القي *** صر فيه وذلّه قد علاه

مأة مثله ترى قنبر أعلى *** من تاجها قدماه

وقال الشيخ الازري

ما عسى أن أقول في ذي المعالي *** علّة الكون كلّه إحداها

بشّرت أُمّه به الرسل طُرًا *** طرباً باسمه فيا بشراها

بشّرت باسمه السماوات و *** الأرض كما نوّهت بصبح ذکاها

طربت لاسمه الثرى فاستطالت *** فوق علوية السما سفلاها

لا تجل في صفات احمد فكراً *** فهي الصورة التي لن تراها

تلك نفس عزت على الله قدراً *** فارتضاها لنفسه واصطفاها

ما تناهت عوالم العلم إلّا *** وإلى كنه أحمد منتهاها

حاز قدسيّة العلوم وإن لم *** يؤتها أحمد فمن يؤتاها

وسمت باسمه سفينة نوح *** فاستقرّت به على مجراها

وقال الآخر

بدی بمولده المسعود طالعه *** بدر الهدى واختفت فيه الأضاليل

وزال عن رأس كسرى التاج حين علا *** من فوق بهرام للإيمان أكليل

بخاتم الرسل قد زالت أساوره *** فعرشه وكراسيّ الملك مشلول

سبحان من خص بالإسراء رتبته *** بقربه حيث لا كيف وتمثيل

بالجسم أسرى به والروح خادمه *** من الله تعظيم وتبجيل

له الجواد براق والسما طرق *** مسلوكة ودليل السير جبريل

له شريعة حق للهدى وله *** شريعة للندى من دونها النيل

وجائه الروح بالقرآن ينسخ من *** شريعة الروح ما يحويه إنجيل

وكلّ أسفار توراة الكليم لها *** من بعد أسفار صبح الذكر تعطيل

لولاه ما كان لا علم ولا عمل *** ولا كتاب ولا نصّ وتأويل

ص: 374

ولا وجود ولا إنس ولا ملك *** ولا حديث ولا وحي وتنزيل

له الخوارق والمرجون في يده *** مهنّد من سيوف الله مسلول

حروبه ومغازيه لها سير *** بها يحدّث جيل بعده جيل

وقيل في هذا المعنى

تجلّى بأفق الحق للهدي فرقد *** أنار جميع الكائنات محمّد

ولمّا بدى نور النبوّة ساطعاً *** تداعى لقوم الكفر صرح مشيّد

وأيقن كسرى أنّ ظلّ ضلاله *** يزول ونار القادسيّة تخمد

وقيصر قد بات الأسى ملأ قلبه *** وأيقن أنّ الملك منه مهدّد

رسول أتى بعد النبيّين كلّهم *** ولكن هو السبّاق والرسل تشهد

رسول له في الكون رأي مسدّد *** وذكر على مرّ السنين مجدّد

رسول تعالى في البريّة شأنه *** له الشمس في وقت الظهيرة تسجد

نبيّ وكلّ الأنبياء تحفّه *** يؤيّده بالنصر ربّ مؤيّد

نبيّ أتى من حضرة القدس هادياً *** وما زال يهدي العالمين ويرشد

وأرسله الرحمن للناس رحمة *** لكي يقتدي فيه الأنام ويهتدوا

له معجزات شاهدات بفضله *** وأعظمها أخلاقه والتعبّد

ومعجزة القرآن أخرست الألى *** له لغة الضاد الفصيحة تشهد

ولولاه لم ينطق فتى بشهادة *** وما قام للإسلام صرح مشيّد

ولولاه ثعبان الكليم لما سعت *** وما أخرجت بيضاء من جيبها يد

إذا انقطعت للأنبياء معاجز *** فمعجزة القرآن دوماً تجدّد

هو المصطفى الهادي تجلّت فعاله *** كما قد تجلى في السماوات فرقد

شريعته السمحاء عذب ورودها *** وإن طريق الحق فيها مشيّد

وأجاد من أفاد

ای قمر طلعت و مکّی مطلع *** مدنی مهد يمانی برقع

ص: 375

شقّة برقع تو برق افروز *** لمعة برق رخت برقع سوز

ليلة القدر زمویت تاری *** وحی منزلت زلبت گفتاری

با تو آنان که در جنگ زدند *** درج یاقوت تو را سنگ زدند

گوهر آن جام لبت را خسته اند *** ساغر دولت خو را شکسته اند

سلک دندانت بخون پنهان شد *** رشته لؤلؤ تو مرجان شد

گوئیا صیرفی ملک و ملک *** زد از آن سنگ زر تو را به محک

تا کند عرضه بهر ناسره کار *** زیور حلم تو را پاک عیار

حلم تو بود یکی کوه شکوه *** کی زیک سنگ فرو ریزد کوه

گر از این کوه صدائی برسد *** هر گدائی بنوائی برسد

گر برآرد بشفاعت نفسی *** بگشاید گره از کار بسی(1)

منتخب من قصيدة حجّة الإسلام الشيخ محمFد حسين الإصفهاني الفاخرة

أخذت هذه الأبيات من مجموع أوراق الشيخ المشار إليه وزينت بها الكتاب لعلّها تبقى لنا ذكرى مفيدة:

ای خاکِ دَرِ تو خطّه خاک *** پاکی زتو دیده عالم خاك

آشفته موی توست انجم *** سرگشته کوی توست افلاك

ای بر سر افسر لعمرك *** وی زیب برت قبای لولاك

ص: 376


1- بعد إجراء العمليّة الصعبة لي في القلب أمرني الطبيب بأوّل إجراء اتخذه أن أتجنّب الإثارة والانفعال ولمّا كان نظم الشعر أشدّ مواقع الإثارة لذلك أثرت ترك هذه القطعة والشعر الذي تلاها بدون مباراة واستشرت سيّدي الأستاذ المعلّم بحذفها فرأى من الأصلح إبقائها رعاية للأمانة ولعلّ في القرّاء من يُتقن الفارسيّة فيستفيد منها ، والقصيدة ذات المقاطع المتعدّدة التي قذف بها يم صاحب الأنوار القدسيّة من عقائل البحر التي لا يجوز التفريط بها ، وأسأل الله أن يفتح عليّ في الصحة والقريحة لأوفّيها حقّها في الترجمة .

ای رهبر رهنمای گمراه *** وی هادى وادى خطرناك

عالم ز معارف تو واله *** نونغمه سرای ما عرفناك

ما أعظم صورة تجلّى *** فيها الله ما أدق معناك

دامان جلالتای شهنشاه *** هرگز نفتد بدست ادراك

ای بنده و مدح چو تو شاهی *** حاشاك از این مدیحه حاشاك

فرمود بشأنت ايزد پاك *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند دوم

ای مظهر اسم اعظم حق *** مسجلای اتم نور مطلق

ای نور تو صادر نخستین *** وی مصدر هر چه هست مشتق

هرچه ای عقل عقول روح ارواح *** وی اصل اصول هر تحقق

ای شمس شموس و نور الانوار *** وی اعظم نيّرات اشرق

اى فاتحه كتاب هستی *** هستی زتو یافته رونق

در سیر تو ای نبیّ ختمی *** ذوالغايه بغایه گشت ملحق

یک آیه ای از محامد توست *** قرآن مقدس مصدِّق

وصف تو بشعر در نگنجد *** دریا نرود میان زورق

فرمود بشأنت ايزد پاك *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند سوم

ای اصل قدیم و عقل اقدم *** وی حادث با قدیم توأم

در رتبه توئی حجاب اقرب *** بودی تو نبی و در گل آدم

طغرای صحیفه وجودی *** هرچند توئی کتاب محکم

ملک و ملکوت در کف توست *** چون خاتمی ای نبیّ خاتم

از لطف تو شمه است فردوس *** وز قهر تو شعله جهنّم

قدّ ملک است در برت راست *** پشت فلک است بر درت خم

ص: 377

فهم خرد و زبان گویا *** در صف تو عاجزند و ابكم

فرموده بشأنت ایزد پاک *** لولاک لما خلقت الأفلاك

بند چهارم

ای صاحب وحی قلب آگاه *** دارای مقام لى مع الله

ای محرم بارگاه لاهوت *** وی در ملکوت حق شهنشاه

ای پر شده از حضیض ناسوت *** بر رفرف عزّ و شوکت و جاه

وانگه ز سرادقات عزّت *** بگذشتی و ماند امین درگاه

ای پایه قدر چاکرانت *** بالاتر از این بلند خرگاه

از شرم تو زرد چهره مهر *** وز بیم تو دل دو نیم شد ماه

این بوی بهشت عنبرین است *** یا ذکر جمیل تو در افواه

از نیل تو پای و هم لنگ است *** وز ذیل تو دست و هم کوتاه

فرموده بشأنت ایزد پاک *** لولاک لما خلقت الأفلاك

بند پنجم

ملک و ملکوت از تو پر نور *** ای در تو عیان تجلّی طور

باروی تو چیست بدر انور *** با موی تو چیست لیل دیجور

روی تو ظهور غيب مكنون *** موی تو حجاب سرّ مستور

در خطّه ملک استقامت *** قدّ تو باعتدال مشهور

اوّل رقم تولوح محفوظ *** رشح قلمت كتاب مسطور

خرگاه تو فوق سقف مرفوع *** درگاه تو رشک بیت معمور

مداحى من تو را چنان است *** کز چشمه خور ثنا کند کور

فرمود بشأنت ایزد پاک *** لولاک لما خلقت الأفلاك

بند ششم

ای گوهر قدس و فیض اقدس *** وی صبح ازل اذا تنفّس

ص: 378

ذات تو زهر بدی منزّه *** زالایش نیستی مقدّس

خاک در توست عرصه خاک *** فرمان بر توست چرخ اطلس

دست من و دامن تو هیهات *** عنقا نشود شکار کرکس

طبع من وصف صورت تو *** معنای دقیق و طفل نورس

مدح تو چنانکه لایق تواست *** در عهده خالق تو و بس

در نعت تو هر بلیغ ابكم *** در وصف تو هر بلیغ اخرس

نعت من و شأن تو تعالى *** وصف من و قدر تو تقدّس

فرمود بشأنت ایزد پاک *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند هفتم

اى نقطة التقاء قوسين *** وی خارج از احاطه و اَین

اى واسطه وجوب امکان *** اى مبدأ منتهای کونین

ای رابطه قدیم و حادث *** وى ذات تو جامع الكمالين

ای واحد بنظير و مانند *** کز بهر تو نیست ثانی اثنین

جز تو که نهاده پای رفعت *** بر عرش فکان قاب قوسين

غیر از که فیض صحبت دوست *** دریافت و لا حجاب في البين

دیدی و شنیدی آنچه را لا *** أذن سمعت ولا رأت عين

با قدر تو وصف من بود نقص *** با شأن تو مدح من بود شین

فرمود بشأنت ایزد پاك *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند هشتم

ای بدر تمام نیّر تام *** بانور تو نیّرات اجرام

در جنب تو مبدعات لا شيء *** با بود تو کائنات اعدام

ای نقش نخست عقل اوّل *** وى أمّ كتاب أمّ اقلام

ای مرکز جمله دوائر *** آغاز تو است وز تو انجام

ص: 379

عالم همه یک تجلّی توست *** از صبح ازل گرفته تا شام

ای محرم خاص و محفل قدس *** وی بر همه خلق رحمتت عام

مدح تو چنان که در خور توست *** از ما طمعی بود بسی خام

فرمود بشأنت ایزد پاک *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند نهم

ای آینه تجلّى ذات *** مصباح وجود را تو مشكاة

ای ماه جمال نازنینت *** نور الارضين والسماوات

چون شمس حقیقت تو سر زد *** اعیان همه شد عیان تو زرّات

ذات تو حقيقت الحقائق *** نفس تو هوية الهويّات

ای نسخه عالیات احرف *** وی دفتر محکمات آیات

ای پایه رتبت منیعت *** برتر زمدارج خیالات

وی قامت معنی رفیعت *** بیرون زملابس عبارات

در نعت تو ای عزیز کونین *** ای جمله بضاعتی است مزجات

فرمود بشأنت ایزد پاك *** لولاك لما خلقت الأفلاك

بند دهم

يانيّر كلّ مظلم داج *** يا هادي كلّ راشد ناج

دین تو چه سمع عالم افروز *** آئین تو چون سراج وهّاج

ای صدر سریر قاب قوسین *** وی بدر منیر اوج معراج

ای گشته جواهر حقایق *** در درج حقیقت تو ادراج

در حلقه بندگان کویت *** عقل است کمین غلام محتاج

منطقة بروج قدرت *** برجی است سماء ذات ابراج

بر فرق سپهر فرقدانش *** خاک در توست درّة التاج

با قدر تو کیست هر دو گیتی *** یک قطره کم زبحر موّاج

فرمود بشأنت ایزد پاك *** لولاک لما خلقت الأفلاك

ص: 380

الخاتمة

تمّ هذا الكتاب المستطاب في اليوم الثالث من شهر جمادى الأخرى 1374 بيد المؤلّف ذبيح الله بن محمّد علي المحلّاتي العسكري، عفى الله عن متاثمهما، والحمد لله ربّ العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيّبين، وكيف أستطيع شكر هذه النعمة على ما وفّقني الله لتلفيق هذا الكتاب وتنميق هذه الأبواب، ومع قلّة البضاعة مكنّني برحمته سبحانه أن أصل إلى الخاتمة بدءاً من فاتحته ، ورجائي الوثيق من القرّاء الكرام أن يستروا عيوبه لأن الإنسان يلازم النسيان، وأن يذكروني بصالح دعائهم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

المترجم: فرغت من ترجمة الكتاب سلخ جمادى الأخرى من عام 1428 في داري بمدينة الأهواز بعد صلاة الظهرين وأنا أعاني من العلميّة الكبرى التي أُجريت لقلبي بإبدال الشرايين المتصلّبة وما زلت أتماثل إلى الشفاء بفضل التوسّل بأهل البيت ودعاء الإخوان الصالحين وما ذكرت هذا إلّا ليذكرني القارئ بالدعاء كما ذكر المؤلّف ، والحمد لله ربّ العالمين.

محمّد شعاع فاخر

ص: 381

فهرس العناوين

مقدّمة المؤلّف ... 3

بقية حرف العين

4 - 28

عمارة بن أبي سلامة الهمداني ... 4

عمارة بن صلحب الأزدي ... 5

عمرو بن جنادة ... 5

عمرو بن جندب ... 8

عمرو بن خالد ... 8

عمرو بن ضبيعة ... 10

عمر بن عبد الله الجندعي ... 11

عمرو بن كعب الأنصاري ... 11

عمرو بن قرظة الأنصاري ... 12

عمرو بن مطاع الجعفي ... 15

عمرو بن الحسن بن علي ... 16

عمر بن علي بن أبي طالب علیه السلام ... 18

عمير بن عبد الله المذحجي ... 22

عمير بن كناد ... 22

عون بن جعفر الطيّار ... 22

عون بن عبد الله بن جعفر ... 24

عون بن عقيل ... 26

عون بن علي بن أبي طالب علیه السلام ... 27

حرف الغين

29- 30

غيلان بن عبد الرحمن ... 29

غلام خرج من الخيمة ... 29

غلام الحرّ بن يزيد الرياحي واسمه عروة ... 30

غلام لنافع بن هلال ... 30

حرف الفاء

31 - 31

فیروزان ... 31

حرف القاف

32- 70

قارب ... 32

ص: 382

قرّة بن أبي قرّة ... 32

قاسط ... 33

القاسم بن حبيب ... 34

القاسم بن الحارث ... 34

القاسم بن الحسن علیهما السلام ... 34

القاسم بن محمّد بن جعفر ... 66

قعنب بن عمرو ... 67

قيس بن عبدالله ... 67

قيس بن مسهر الصيداوي ... 68

حرف الكاف

71-71

كردوس ... 71

كامل مولى نافع بن هلال ... 71

كنانة بن عتيق ... 71

حرف الميم

73 - 164

مالك بن أنس المالكي ... 73

مالك بن أوس ... 74

مالك بن دودان ... 74

مالك بن عبد بن سريع ... 75

مالك بن عبدالله الجابري ... 76

مبارك ... 76

مجمع بن زياد ... 77

مجمع بن عبدالله العائذي ... 77

محسن بن الحسين علیهما السلام ... 79

محمّد بن أبي سعيد ... 81

محمّد بن أمير المؤمنين علیهما السلام ... 83

محمّد بن بشير الحضرمي ... 84

محمّد بن العباس ابن أمير المؤمنين ... 85

محمّد بن عبدالله بن جعفر ... 90

محمّد بن مسلم بن عقيل ... 92

محمّد بن مسلم أيضاً ... 92

محمّد بن أنس بن أبي دجانة ... 93

محمّد بن مطاع ... 93

محمّد بن كثير وابنه ... 93

مسعود بن الحجّاج ... 94

السيّد الجليل مسلم بن عقيل علیه السلام ... 94

مسلم بن عوسجة ... 155

مسلم بن كثير الأزدى ... 159

مسلم بن كتاد ... 160

مصعب بن يزيد ... 160

المعلّى العلي ... 160

مقسط بن عبدالله ... 161

منجح مولى الحسين علیه السلام ... 161

منذر بن سليمان ... 162

ص: 383

منيع بن زياد ... 162

موسى بن عقيل ... 163

موقع بن ثمامة ..... 164

حرف النون

165 - 174

نافع بن هلال الجملي ... 165

نصر بن أبي نيزر ... 172

نعيم بن عجلان ... 173

نعمان بن عمرو ... 174

حرف الواو

179 - 175

واضح التركي مولى الحرث المذحجي ... 175

وهب بن عبدالله الكلبي ... 176

وهب بن وهب ... 177

حرف الهاء

187 - 180

هاني بن عروة المرادي المذحجي ... 180

الهفهاف بن المهنّد الراسبي ... 187

حرف الياء

198 - 188

يحيى بن الحسن بن علي ... 188

يحيى بن سليم ... 188

يحيى بن كثير الأنصاري ... 189

يحيى بن هاني بن عروة ... 190

يزيد بن ثبيط على وزن زبير ... 190

يزيد بن الحصين المشرفي ... 192

يزيد بن مغفل ... 196

يزيد بن مهاجر ... 198

تكملة فيها فضائل أصحاب الحسين علیه السلام ... 199

خاتمة في حياة محمّد بن الحنفيّة ... 214

تتمةٌ نافعةٌ في ذكر نُتَف مفيدة من حياة المختار بن أبي عبيدة الثقفي ... 257

شمس الضحى في ذكر ما ورد على رأس سيد الشهداء علیه السلام ... 320

فلنختم الكلام بالمسك الأذفر في مدح خاتم النبيّين سيّد البشر ... 371

الخاتمة ... 382

ص: 384

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.