عنوان المؤلف واسمه: الصلوة [کتاب]/عبدالکریم الحائري الیزدي
تفاصيل النشر: [بی جا]: چاپخانه بهمن، 1346
مواصفات المظهر: ج3.
حالة الإدراج: في انتظار الإدراج (معلومات التسجيل)
رقم الببليوغرافيا الوطنية: 3372185
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعين
الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة على اعدائهم وغاصبى حقوقهم اجمعين الى يوم الدين .
في الجماعة والتكلم فيها يتم برسم فصول :
الاول- لاشبهة فى ان الجماعة من المستحبات المؤكدة فى الفرائض خصوصا في الحواضر من اليومية منها، فان استحبابها فيها مما قام عليه اجماع المسلمين ، بل هو من ضروريات الدين ، مضافا الى الاخبار المتواترة الواردة في الحث على الجماعة في خصوص كل واحدة منها او جميعها ، ففى خبرانس عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم :
من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله عز و جل حتى تطلع الشمس ، كان له فى الفردوس سبعون درجة ، بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد المضمر سبعين سنة ، ومن صلى الظهر فى جماعة ، كان له في جنات عدن خمسون درجة بعد ما بين كل درجتين كحضر الفرس الجواد خمسين سنة ، ومن صلى العصر فى جماعة كان له كاجر ثمانية من ولد اسمعیل كلهم رب بيت يعتقهم، ومن صلى المغرب فى جماعة كان له كحجة مبرورة وعمرة مقبولة، ومن صلى العشاء في جماعة كان له كقيام ليلة القدر
ص: 1
وفى ما رواه الصدوق مرسلا عن الصادق علیه السّلام:
من صلى الغداة والعشاء الاخرة فى جماعة فهو في ذمة الله عزوجل، ومن ظلمه فانما يظلم الله ومن حقره فانما يحقر الله عز وجل.
و في خبرا بی بصير عن الصادق علیه السّلام، عن ابائه عليهم السلام، قال قال رسول الله
صلی الله علیه و آله و سلّم.
من صلى المغرب والعشاء الاخرة وصلوة الغداة في المسجد، في جماعة، فكانما احيى الليل.
و فيما رواه الصدوق مرسلا قال قال :
من صلى الصلوات الخمس جماعة فظنوا به كل خير . الى غير ذلك من الروايات الدالة عليه.
و مقتضى اطلاق هذه الاخبار هو استحبابها فى الفوائت من اليومية ايضا ، ولو قيل بانصرافها الى خصوص الحواضر كما ليس ببعيد ، فيمكن استفادة شرعيتها في الفوائت ايضا من هذه الاخبار، بضميمة ما اشرنا اليه فيمامر من ان المستفاد من ادلة قضاء الفوائت من مثل قوله علیه السّلام، اقض مافات كمافات، هوان الصلوة المامور بها فى الوقت بعينها مطلوبة في خارجه عند فوتها فيه، فيلحق الفائتة جميع الاحكام الثابتة للحاضرة التى منها جوازاتيانها جماعة ، ولو تنزلنا عن ذلك ايضا، فيكفي في شرعيتها في الفوائت ايضا، مضافا الى عدم الخلاف فيها ، الاخبار المستفيضة الحاكية لفعل النبي صلی الله علیه و آله و سلّم في قضاء صلوة الصبح، ورواية اسحق بن عمار عن ابيعبد الله علیه السلام، قال :
قلت له تقام الصلوة و قد صليت ؟
فقال علیه السلام:
صل واجعلها لمافات.
كما يشهد لذلك ايضا ما في بعض الروايات الواردة في مسئلة العدول من الحاضرة الى الفائتة ، من قوله علیه السلام :
ص: 2
وان ذكرها مع امام فى صلوة المغرب اتمها بركعة ثم صلى المغرب ، فلا اشكال في استحباب الجماعة فى الفرائض اليومية مطلقا، حاضرة كانت ام فائتة ، فعليه لونذران يصلى واحدة من الفرائض اليومية او جميعها جماعة ، فلا شبهة في انعقاد نذره بعد كون متعلقه ،راجحا، وحينئذ فلوتخلف وصلى فرادى، فهل تكون صلوته باطلة او لا وجهان ، اقواهما الثانى، اذ لاوجه للبطلان بعد كون الوفاء به واجبا نفسيا، وعدم امكان كونه موجبا للتقييد فى متعلقه بجعل الوظيفة خصوص الصلوة جماعة، الا توهم اقتضاء الامر بالشئ النهي عن الضد ، وقد بينا فى محله فساد هذا التوهم، واذا كانت صلوته صحيحة، فهل يحصل بها الحنث لنذره ،اولاوجهان اقواهما الثاني، وذلك لما سيجيئ، انشاء الله تعالى من استحباب اعادة الصلوة جماعة ، فاذاكان اعادة الصلوة جماعة مستحبة فيجب عليه اعادتها جماعة وفاء بنذره ، لكن هذا انما يتم فيما اذا نذر ان يصلى صلوة الظهر مثلا جماعة ، حيث يصدق فيما لو اعادها جماعة انه صلى صلوة ظهره جماعة ، بخلاف مالو نذران يصلى جماعة الصلوة التي يجب عليه اتيانها ولا يفرغ ذمته الا باتيانها ، فانه لا يكون متعلق نذره الاصرف الوجود الذى لا ينطبق الأعلى الصلوة الاولى ، فبمجرد اتيان الصلوة فرادى يحصل الحنث ،النذره فتبين ان استحباب الجماعة فى الفرائض اليومية مطلقا ولو كانت فائتة مما لا اشكال فيه.
و اما الفرائض الغير اليومية، فقد يقال باستحباب الجماعة فيها مطلقا و لو كانت واجبة بالعرض لنذر و شبهه، و فيه ان استحبابها بالنسبة الى صلوة الايات والاموات مما لا ريب فيه ، لورود الاخبار الخاصة الدالة على استحبابها فيهما ، و اما بالنسبة الى ما عداهما من الصلوات الواجبة التي لم يرد فيها نص بالخصوص، كصلوة الطواف و ركعات الاختياط والواجبة بالعرض لنذر وشبهه، فان ثبت اجماع على شرعية الجماعة في شئ منها فهو والاكان للمنع فيه مجال بعد كون مقتضى الاصل
عدم المشروعية .
ص: 3
و توهم ان هذا الاصل محكوم بالاطلاقات الواردة في باب الجماعة، من مثل قوله علیه السلام، في صحيحة ابن سنان :
الصلوة جماعة تفضل على صلوة الفذ باربع وعشرين درجة .
وقوله صلی الله علیه و آله و سلّم في حديث المناهي :
ومن مشى الى مسجد يطلب فيه الجماعة، كان له بكل خطوة سبعون الفحسنة، الحديث، الى غير ذلك من المطلقات خرج عنها خصوص النافلة بادلة خاصة وبقى الباقى تحتها.
مدفوع بان المطلقات الواردة فى باب الجماعة ، اما واردة في مقام بيان اصل تشريع الجماعة ، او فى مقام بيان فضلها كالخبرين، وليست مسوقة لبيان حقيقة الجماعة وموردها ، كي يصح التمسك لاثبات المشروعية في مورد الشك ، باطلاقها الحاكم على اصالة عدم المشروعية، بل مقتضى اطلاق الروايات النافيه للجماعة في النافله، هو عدم مشروعيتها فيها مطلقا ولو صارت واجبة بالعرض ، و ذلك لان المتبادر منها ارادة ما كانت نافلة من حيث هى ، و من المعلوم ان عروض وصف الوجوب لها بنذر و شبهه لا يخرجها عن كونها كك ، ضرورة ان النذر لا يمكن ان يكون مقيدا لمتعلقه.
و توهم ان الجماعة والفرادى ليستا حقيقتين مختلفتين، وانما هما من كيفيات حقيقة واحدة ، وح فيصح التمسك لمشروعية الجماعة في الصلوات الواجبة مطلقا، باطلاق ادلة نفس تلك الصلوات.
مدفوع بان الجماعة والفرادى وانكانتا من كيفيات حقيقة واحدة، الا ان الجماعة حيث تكون مستلزمة لاحكام تكون على خلاف الاصل، كبدلية قرائة الامام عن قرائة الماموم، و جواز زيادة الركوع والسجود بقصد التبعية للامام، و اعتماد كل منهما عند الشك في عدد الركعات على فعل الآخر، فلابد فى اثبات مشروعيتها في كل مورد من دليل خاص يدل عليها، ولا يكفى فيها مجرد اطلاق ادلة الصلوات هذا.
ص: 4
وقد يستدل لاستحباب الجماعة فى مطلق الفرائض الاصلية ، بصحيحة زرارة والفضيل قالا، قلناله علیه السّلام.
الصلوة فى جماعة فريضة هي؟
فقال علیه السّلام:
الصلوات فريضة وليس الاجتماع بمفروض فى الصلوات كلها، ولكنه سنة من تركها رغبة عنها و عن جماعة المؤمنين من غير علة، فلا صلوة له بتقريب ان قوله علیه السّلام، و لكنه سنة ، استدراك عن قوله علیه السّلام، وليس الاجتماع بمفروض فى الصلوات كلها، فيدل على استحباب الجماعة في كل ما نفى وجوبها فيه و هو الصلوات كلها، والظاهران السلب في قوله علیه السّلام و ليس الاجتماع بمفروض في الصلوات كلها راجع الى العموم ، فهو عليه السلام فى مقام سلب العموم ، لاعموم السلب کی ینافى ماسيجيئ انشاء الله تعالى في محله من وجوب الجماعة في الجمعة والعيدين
عند اجتماع شرائطهما.
وفيه اولا ان المستفاد من هذه الصحيحة ليس الا ان الجماعة في موارد تشريعها ليست بواجبة فى جميع تلك الموارد بل سنة، فهذه الصحيحة واردة مورد حكم اخر و لیست مسوقة لبيان هذا الحكم كى يصح التمسك باطلاقها لاثبات المشروعية في موارد الشك، وثانيا ان المراد بالصلوات في قوله علیه السّلام الصلوات فريضة، ليس مطلق الصلوات اذليس مطلقها فريضة ، بل المراد بها الفرائض اليومية لانها المنصرف اليها عند الاطلاق ، وح فيكون قوله علیه السّلام ولكنه سنة ، دليلا على ان الجماعة مسنونة في خصوصها لافي كل فريضة.
وقد يستدل لاستحبابها فى مطلق الفرائض، بمفهوم الاخبار النافية لها في النافلة، بدعوى انه يفهم من تعليق المنع فيها على النافلة، دورانه مدار صفة النفلية، وفيه اولا ما قررناه في الاصول من انه لامفهوم للوصف سيما الغير المعتمد منه على الموصوف كما في المقام و ثانيا قد على المنع عن الجماعة في النافلة في تلك الاخبار، بعدم مشروعيتها فيها وكونها بدعة ، و مع هذا التعليل كيف يمكن استفادة دوران
ص: 5
المنع مدار وصف النفلية وكونه العله كما هو المناط فى استفادة المفهوم من الوصف.
ثم بناء على ماذكرنا من انه ليس فى الادلة ما يدل على شرعية الجماعة مطلقا، لان المطلقات الواردة فى هذا الباب اما فى مقام اصل تشريع الجماعة او بيان فضلها، ففى كل مورد شككنا في اصل شرعيتها فيه اوفى كيفيتها بعد الفراغ عن اصلها ولم يكن دليل عليه ،بالخصوص نرجع فيه الى اصالة عدم شرعيتها او اصالة عدم شرعيتها بهذه الكيفية ، فلوشك فى جواز الجماعة و مشروعيتها في صلوة الطواف التي لم يرد فيها نص بالخصوص، اوفى جواز الاقتداء بامامين فى صلوة واحدة، فمقتضى الاصل عدم شرعيتها فى الاولى، وعدم جواز الاقتداء فى الثانى، ومنه يظهر الحال فى الاقتداء في صلوة الاحتياط التي اوجبها الشارع على الشاك في عدد الركعات لتكون متممة لها على تقدير نقصها ، فان جواز الاقتداء فيها سواء كان بمثلها او باحدى الفرائض في غاية الاشكال، اذ مضافا الى عدم دليل على جوازه فيها بالخصوص، يحتمل ان تكون نافلة لما دل عليه الاخبار من انها تكون متممة للركعات على تقدير نقصها و نافلة على تقدير عدم نقصها، ومع هذا الاحتمال لامجال للحكم بجواز الاقتداء فيها، ولو على تقدير وجود ما يدل على شرعية الجماعة فى الفرائض مطلقا، الا على القول بجواز التمسك بالعام مع الشك فى المصداق، وهذا بخلاف الاقتداء في الصلوة المعادة احتياطا بمن يصلى الفريضة اليومية، فانه يكفى في جوازه مادل على استحبابه في الفرائض اليومية ، لانه كما يحتمل بقاء الأمر باصل الصلوة يحتمل بقاء الامر بالاقتداء فيها ، فياتى بها جماعة بداعى امتثال الأمرين المحتملين ، هذا فيما اذا اقتدى فى المعادة احتياطا بمن يصلى الفريضة اليومية.
و اما اذا اقتدى فيها او فى الفريضة اليومية بمن يعيد صلوته احتياطا ، ففى صحة اقتدائه به اشکال، لانه و ان صح للامام ان يصلى جماعة فيما يعيده احتياطا بداعی احتمال بقاء الامر به و بالجماعة فيه ، لكن لا يجدى مجرد جواز ذلك للامام بداعى احتمال بقاء الأمر و مشروعية الجماعة له فيهذه الصلوة ، في جواز اقتداء الغير به فى الصلوة المعادة احتياطا او الفريضة اليومية ، بعد ما عرفت من ان مقتضى
ص: 6
الاصل عدم جواز الاقتداء فى الصلوة الامع احراز مشروعية الجماعة فيها، والمفروض فى المقام عدم احراز نفس الامام لمشروعيتها فى صلوته ، فكيف بمن يريد الاقتداء به !
ثم لوصلى جماعة فيما لم تثبت شرعيتها فيه، فان قلنا بان الفرادى والجماعة حقيقتان مختلفتان، فلاشبهة في بطلان صلوته، و ذلك لان ماقصده لم يقع و ما وقع لم يقصده، و اما ان قلنا بكونهما من كيفيات حقيقة واحدة، كما هو الظاهر ضرورة ان الفرادى والجماعة ليستا من قبيل صلوتى الظهر والجمعة في كونهما حقيقتين مختلفتين كي يكون التخيير بينهما شرعيا، بل هما من قبيل الصلوة في البيت والمسجد في كونهما فردين لطبيعة واحدة، غاية الامر ان الثانية لما كانت متخصصة بخصوصية فردية راحجة، اقتضت الامر بها ثانيا بعد ما كانت مامورا بها ذاتا اولا بنفس الامر بتلك الطبيعة، ولذا صارت افضل افراد الطبيعة المامور بها، فالامر باتيان الظهر مثلا جماعة، يكون فى طول الامر باتيان طبيعة الظهر من حيث هي، ويكون الأمر بنفس الطبيعة بمنزلة الموضوع للأمر بها جماعة ، فكان الشارع قال ات بالطبيعة التى امرتك بها في ضمن الفرد المتخصص بالخصوصية الجماعتية.
فح نقول ان هذا المصلى انكان قد اخلّ بشئ من وظيفة المنفرد ، بان ترك القرائة اوزاد ركوعا اوسجودا بقصد المتابعة للامام ، فلا شبهة ايضا في بطلان صلوته لانها لم تقع جماعة ولافرادى.
و توهم ان الاخلال بوظيفة المنفرد بالنسبة الى زيادة الركوع والسجود ، و ان كان موجبا لبطلان الصلوة لكونهما من الاركان التى تبطل الصلوة بزيادتها و نقيصتها مطلقا ولوسهواً، لكن ايجابه بطلان صلوته بالنسبة الى ترك القرائة ممنوع جدا ، بعد كون تركها الناشى عن الخطاء في الموضوع داخلا في الترك سهوا الذى دل عموم حديث لاتعاد الصلوة الامن خمسة على العفو عنه في غير الخمسة التي ليست القرائة منها.
مدفوع بان المتيقن ممادل الحديث على العفو عنه ، هوما اذا ترك غير الخمسة غافلا عن كونه عليه ، فلا يشمل مثل ما نحن فيه الذى يعلم المكلف بان عليه القرائة
ص: 7
ولكن تركها بزعم كفاية قرائة الامام عنها، فانه داخل فى التارك لها عمدا الذى هو خارج عن الحديث موضوعا لاختصاصه بالاخلال السهوى كما بيناه فيما مر، فاذا لم يكن الحديث بعمومه شاملا لما نحن فيه، فيعمه عموم قوله علیه السّلام لاصلوة الابفاتحة الكتاب، ومقتضى ذلك هو بطلان صلوة كل من تركها بزعم كونه داخلا في الجماعة، الا ما خرج بالدليل وهو ما اذا تحقق الامامية والمامومية بحسب الصورة ، الذي دل النص على صحة صلوة المامومين فيه ، ففي صحيحه زرارة قال:
قلت لا بيجعفر علیه السّلام:
رجل دخل مع قوم فى صلوتهم وهو لا ينويها صلوة واحدث امامهم ، فاخد بيد ذلك الرجل فقدمه فصلی بهم . اتجزیهم صلوتهم بصلوته و هو لا ينويها صلوة ؟
فقال علیه السّلام :
لا ينبغى للرجل ان يدخل مع قوم فى صلوتهم و هو لا ينويها صلوة ، بل ينبغى له ان ينويها صلوة و انکان قدصلى فان له صلوة اخرى ، والا فلا يدخل معهم وقد تجزى عن القوم صلوتهم .
و فى مرسلة ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابيعبد الله علیه السّلام، فی قوم خرجوا من خراسان او بعض الجبال وكان يؤمهم رجل ، فلما صاروا الى الكوفة علموا انه يهودى.
قال علیه السّلام:
لا يعيدون.
فان مقتضى هاتين الرواتين صحة صلوة المامومين فيما اذا تحقق الامامية و المامومية صورة ، وان لم تكونا متحققتين حقيقة لعدم قصد الامام لاصل الصلوة فضلا عن الامامة فيها. هذا تمام الكلام فيما اخل بوظيفة المنفرد.
و اما اذا لم يخل بوظيفته، بان اتى بالقرائة باعتقاد وجوبها على المؤتم ايضا، اولاجل عدم سماع صوت الامام ولوهمهمة، الذي هو شرط لسقوط القرائة عن الماموم، او ادرك الامام في الركعتين الاخيرتين حيث يجب على المدرك له فيهما اتيان القرائة،
ص: 8
ففى بطلان صلوته اشكال بل منع حتى فيما لوقصد في اتيانها جماعة التشريع فضلا عمالو كان اتيابها كك رجاء، اما على القول بكون التشريع امرا قصديا قائما بالنفس غیر موجب الا لحرمة ما ارتكبه فى النفس من البناء على جعل شئى واجبا او حراما الذي هو من افعال القلب فواضح اذ لا وجه حلبطلان صلوته ، بعد ما عرفت من كون الجماعة والفرادى حقيقة واحدة ، وما سيجيئ من عدم احتياج تحقق الفرادي الى قصد الانفراد ، لانه ح يكون اتيا بالصلوة المامور بها بجميع ما يعتبر فيها من الاجزاء والشرائط قاصدا للقربة ، و لازمه عقلا هو الاجزاء ، لكن هذا فيما اذا لم يكن داعيه الى الصلوة جماعة قصد التشريع ، والا لكانت صلوته باطلة لخلوها عن
، قصد القربة، و اما على القول بسراية الحرمة الى الفعل المشرع به في الخارج، فلان النهى لم يتعلق بالصلوة جماعة كي تكون نفس الصلوة بهذه الكيفية منهيا عنها و باطلة ، بل النهى تعلق بخصوصية وقوعها جماعة ، و بعبارة اخرى بجعل الجماعتية وصفا لها ، ومن المعلوم ان خصوصية وقوعها جماعة ليست متحدة مع طبيعة الصلوة وجودا كي تكون نظير وقوعها في المكان المغصوب موجبة لبطلانها بناء على كونه من اجتماع الأمر والنهي فتدبر !
ثم انا قد أشرنا الى ان الجماعة و الفرادى ليستا نوعين متغائرين كالقصر والاتمام والظهر والعصر، بلهما من قبيل الصلوة في المسجد والبيت في كون احديهما مشتملة على خصوصية راجحة لا تكون الاخرى مشتملة عليها ، و مجرد اشتمال احد فردى الطبيعة على خصوصية دون الآخر ، لا يجعلهما حقيقتين مختلفتين ، كى يلزم
کی فيما لو بطل ماقصده منهما بطلان الصلوة راسا لان ما قصده لم يقع وما وقع لم يقصده ، بل المناط فى التنويع وكون الشيئين نوعين متبائنين ، هو كون كل منهما مشتملا على خصوصية وجودية لها دخل في ملاك مطلوبيته لم يكن الاخر مشتملا عليها ، ولو كانت تلك الخصوصية من قبيل بشرط اللائية وبشرط الشيئية ، كما فى القصر والاتمام حيث ان التنويع فيهما انما هو يكون الأول بشرط لا عن انضمام الركعتين الاخيرتين اليه وكون الثاني بشرط انضمامهما اليه ، او كانت من العناوين القصدية التي لا تتحقق
ص: 9
كتاب الصلوة
الا بالقصد كعنوانى الظهرية والعصرية ، و من المعلوم ان الجماعة والفرادى ليس كل واحدة منهما مشتملة على خصوصية وجودية كك ، بل الخصوصية انما هي في الجماعة ، دون الفرادى فانها ليست الا المعراة عن الخصوصية ، و لذا لاتحتاج في انعقادها فرادى الى قصد هذا العنوان، فالتقابل بين الفرادى والجماعة هو تقابل العدم والملكة لاتقابل التضاد ، و عليه فمقتضى القاعدة فيما لو بطلت الجماعة لفقد شرط من شرائطها هو وقوعها فرادى قهرا لا بطلانها راسا ، وذلك لما عرفت من ان الفرادي ليست متخصصة بخصوصية وجودية كى يعتبر قصدها من اول الصلوة . اذا عرفت هذا فنقول : يتفرع على كون الفرادى والجماعة حقيقة واحدة فروع، منها ما اذا شك فى اثناء الصلوة انه نوى عند تكبيرة الاحرام الايتمام ام لا ، فمقتضى اصالة عدم نية الايتمام هو الحكم بعدم وقوع صلوته جماعة ، فتقع فرادى قهرا فيجب عليه اتمامها منفردا، وتوهم ان اصالة عدم نية الايتمام محكومة بقاعدة التجاوز حيث ان محل نية الايتمام هو اول الصلوة فيكون الشك فيها فى اثنائها شكا بعد التجاوز عن المحل، مدفوع بان قاعدة التجاوز انما تجرى فيما اذا شك في وجود جزء او شرط او فى صحته بعد التجاوز عن محله ، ومن المعلوم ان نية الايتمام ليست جزء للصلوة ولاشرطا لصحتها وانما هي شرط لانعقادها جماعة سلمنا جريانها بالنسبة الى مثل هذا الشرط ايضا ، لكنها لا تجدى فى اثبات انعقاد الصلوة جماعة الاعلى القول بالاصل المثبت فتدبر! هذا مضافا الى ان القاعدة انما تكون حاكمة على الاستصحاب فيما كان مقتضاه وجوب الاتيان بالمشكوك، وفي المقام حيث يكون الاتيان بالمشكوك وهى نية الايتمام مستلزما لقطع الصلوة الذى محرم على من دخل فيها على الوجه الصحيح، كما في المقام حيث ان المفروض انه دخل في الصلوة ناويا لاصلها وانما يشك فى انه نوى خصوصية الايتمام فيها ام لا، فلايكون استصحاب عدم نية الايتمام مقتضيا للزوم العود الى نيته لانه مستلزم لقطع الصلوة المحرم واستينافها بنية الايتمام ، فاذا لم يكن استصحاب عدم نية الايتمام مقتضيا للعود الى نيته ، ، فلا يبقى مجال لجريان قاعدة التجاوز كي تكون حاكمة على هذا الاستصحاب، نعم لو حصل
ص: 10
له من اشتغاله بافعال الجماعة مثل التسبيح في الاخفائية والانصات في الجهرية ومتابعة الامام فى القنوت وسائر افعاله، الاطمينان بانه نوى الايتمام من اول دخوله في الصلوة فلا يلتفت الى احتمال عدم نية الايتمام ، بناء على ماهو الظاهر من حجية الظن الاطميناني مطلقا، ولافرق فيما ذكرنا بين ما لو علم انه كان من عزمه قبل الدخول فى الصلوة الايتمام واحتمل انفساخ عزمه السابق حين الدخول فيها ومالم يعلم ذلك، ان توهم الفرق بينهما بامكان احراز انه دخل في الصلوة بقصد الايتمام على الاول بالاستصحاب ، واضح الفساد، ضرورة ان اصالة بقاء قصده الايتمام الى زمان صدور تكبيرة الاحرام عنه، لا تجدى فى اثبات وقوع التكبيرة عن هذا القصد الاعلى القول بالاصل المثبت، كما لافرق فيما ذكرنا بين ما لو كان شكه فى نية الايتمام قبل فوت محل تدارك القرائة، او بعده كما اذا شك فيها وهو فى الركوع او فى الركعة الثانية او الثالثة، اذ توهم الفرق بينهما بامكان اتمام الصلوة منفردا على الاول بخلاف الثاني حيث اخل بقرائته عمدا، مدفوع بان اخلاله بالقرائة في الفرض الثاني حيث يكون مستندا الى توهم ان صلوته جماعة، فيكون نظير ما اذا أخل بها في الركعة الثانية بتوهم كونها الثالثة، فكما لا يضر الاخلال بها بصحة الصلوة هناك لكونه مستندا الى السهو في الركعة ونسيان عددها، كذلك لا يضر الاخلال بها بصحة الصلوة في المقام لكونه مستندا الى السهو فى الجماعة. فتامل (1)جيدا !
و توهم ان مقتضى صحة الصلوة ووجوب اتمامها منفردا فى الفرض الثانى ايضا هو الحكم بصحة الصلوة و وجوب اتمامها منفردا فيما لو كبر وركع بتخيل ادراك الامام في الركوع ولم يدركه، حيث ان تركه للقرائة فى الفرض مستند الى توهم
ص: 11
انه يدرك الامام في الركوع فيصير مدركا لركعة من الجماعة، مع انهم حكموا ببطلان صلوته رأسا.
مدفوع بان لنا ان نختار صحة الصلوة فيهذا الفرض ايضا ، اذ ليس بطلانها فيه اجماعيا، بل المسئلة ذات قولين كما يظهر بالمراجعة الى الكتب الفقهية ، و لنا ان نختار بطلانها ، فيه ونقول فى الفرق بينه وبين الفرض السابق، بانصراف مادل على عدم اعادة الصلوة بالاخلال بالقرائة سهوا عن مثل هذا الفرض، توضيح ذلك هو انه لاشبهة فى ان الجماعة والايتمام لا يتحقق بمجرد القصد، بل لابد فيه مضافا الى ذلك من التبعية للامام فى افعال الصلوة ، كما ان اكبر مع الامام في اول الصلوة او ادركه فى حال القرائة فكبر وانصت، او ادركه في حال الركوع فكبر وركع، فان فى جميع هذه الصور يتحقق الايتمام، لتحقق التبعية للامام في الصورة الاولى بنفس التكبير، وفى الثانية بالانصات، و في الثالثة بالركوع، فبمجرد تكبيره في الثانية والثالثة لا تنعقد صلوته جماعة ولايصير تكبيره جزء لصلوة الجماعة، بل صيرورتها جزء لها تكون مراعى بتبعيته للامام فى القرائة او الركوع، لا بمعنى ان تبعيته للامام فيهما كاشفة عن وقوع التكبيرة من الاول جزء لصلوة الجماعة كي تكون نظير الشرط المتاخر، بل بمعنى ان هذا التكبير حين صدوره لا يكون جزء للجماعة ولا للفرادى، بل يكون قابلا لان يصير جزء للجماعة بلحوق تبعية الامام في القرائة او الركوع به، ولان يصير جزء للمفرادى بعدم لحوق التبعية للامام فيهما به، وعليهذا لوكبر وركع بتخيل ادراك الامام فى الركوع ولم يدركه لايكون اخلاله بالقرائة مستندا الى توهم سقوطها فعلا، لعدم تحقق الجماعة بمجرد التكبير كي تكون القرائة ساقطة عنه بمجرده، بل يكون تحققها مراعى بلحوق تبعية الامام في الركوع به، فيكون سقوط القرائة عنه ايضا مراعى بلحوقها به، وعليه فيكون اخلاله بالقرائة مستندا الى توهم انها تصير ساقطة فيما بعد بادراكه الامام في الركوع، و ادلة عدم اعادة الصلوة بالاخلال بالقرائة سهوا ، لولم تكن ظاهرة في خصوص ما اذا اخل بها
ص: 12
سهوا باعتقاد سقوطها فعلا، فلا اقل من انصرافها عما اذا اخل بها سهوا باعتقاد صيرورتها ساقطة فيما بعد، وان شئت قلت ان ادلة عدم اعادة الصلوة بالاخلال بالقرائة سهوا ، منصرفة الى ما كانت القرائة ثابتة لولا تلك الادلة، فلاتعم ما اذا كانت ثابتة شانا لولاها كما في المقام، حيث ان الفرادى لا تتحقق بمجرد هذا التكبير الغير المتعقب واقعا بادراك الامام في الركوع، كي يكون القرائة ثابتة فعلا لولا تلك الادلة، هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله فى امكان الفرق بين هذا الفرض الذى حكم المشهور ببطلان الصلوة فيه راسا والفرض السابق الذي اختار الاستاد فيه صحة الصلوة فرادى، لكن لا يخفى ان بناء على ما افاده من ان التكبير في الصورة الثانية والثالثة لا يكون جزء للجماعة ولا الفرادى، بل يكون قابلا لان يصير جزء لواحدة منهما بلحوق تبعية الامام فى القرائة او الركوع به و عدم لحوقها به، يلزم ان لايكون التكبير في الصورتين قبل لحوق تبعية الامام به جزء للصلوة اصلا، اذلاواسطة الفرادى والجماعة بناء على ما مر من كون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة وهذا كماترى، وتوهم ان المراد من عدم كون التكبير فى الصورتين من حين صدوره جزء للفرادى، هو عدم كونه جزء للفرادى فعلا المستلزم لسقوطه عن قابلية الجزئية للجماعة، لا عدم كونه جزء للفرادى مطلقا كى يلزم ماذكر من المحذور، مدفوع بانه يكفى فى ثبوت القرائة فعلا كون التكبير جزء للفرادى مطلقا ولو كان قابلا لان يصير جزء للجماعة، لان القدر الثابت من سقوطها هو ما كانت الصلوة جماعة فعلا، ومعه ينتفى ما ذكر من الفارق بين هذا الفرض الذى حكموا فيه ببطلان الصلوة راسا والفرض السابق الذى حكم دام ظله فيه بصحتها فرادى، هذا مضافا الى امكان المنع عن عدم صيرورة التكبير فى الصورتين جزء للجماعة من حين صدوره، اذ لا يعتبر في تحقق الجماعة الا التبعية للامام فى اصل الصلوة، و هذا المعنى متحقق في المقام بمجرد التكبير بقصد الايتمام، فتدبر !
ثم انه قد يقال بصحة الصلوة فيهذا الفرض و امكان اتمامها جماعة وفرادى، بتقريب ان هذا الركوع حيث وقع بقصد التبعية للامام ، فلاتكون زيادته موجبة
ص: 13
لبطلان الصلوة، ولذا حكموا بالصحة فيما لو رفع الماموم راسه من الركوع بتخيل ان الامام رفع راسه منه، ثم بان له ان الامام بعد راكع، فركع بقصد المتابعة للامام فلم يلحقه، فاذا لم تكن زيادة هذا الركوع موجبة للبطلان، فلامانع من ان يقوم هذا المصلى و ينفرد وياتى بالقرائة و يتم صلوته او ينتظر الامام الى الركعة
اللاحقة.
وفيه ما لا يخفى من الخلط والاشتباه، حيث ان عدم مضرية زيادة الركوع احيانا في الجماعة بصحة الصلوة، انما هو فيما اذا كانت زيادته بعنوان المتابعة، و من المعلوم ان الركوع في المقام هو الركوع الصلوتى فلاتكون زيادته مغتفرة.
ومنها ما اذا شك و هو فى الركعة الثانية فى انه هل دخل فى الصلوة بنية الايتمام ام لا، وكان من عادته اتيان القرائة فى الاولتين في الجماعة ايضا بتوهم وجوبها فيها ايضا ، لكن علم بانه نسيها في خصوص هذه الصلوة ، فانه لاشبهة في ان مقتضى اصالة عدم نية الايتمام، و انكان هو الحكم بعدم انعقاد صلوته جماعة ، لكن حيث كان اخلاله بالقرائة حسب الفرض نسيانا، فتقع صلوته فرادى قهرا فيجب عليه اتمامها منفردا.
ومنها ما اذا اقتدى بزيد و تخيل انه هذا الشخص الحاضر، او اقتدى بهذا الشخص الحاضر على انه زيد فبان كونه عمروا العادل، او اقتدى بهذا الشخص الحاضر باعتقاد انه زید، فبان انه عمر والفاسق، فانه لاشبهة فى بطلان صلوته جماعة في جميع هذه الصور، وصحتها فرادى بناء على ما هو الحق من اتحاد الجماعة والفرادي حقيقة، اما بطلانها جماعة فى الصورتين الاولتين، فلان ما قصده من الاقتداء بزيد او بهذا الحاضر مقيدا بكونه زيدا لم يقع، لانتفاء الموضوع راسا في الاول وانتفاء قيده في الثاني، و ما وقع من الاقتداء بعمر ولم يقصده فلم تنعقد الجماعة، نعم لو اقتدى بهذا الشخص الحاضر لاعلى انه زيد بل متخيلا كونه زيدا فبان انه عمرو، فالظاهر صحة صلوته جماعة لانه لم يقيد اقتدائه بزيد، بل اقتدى بهذا الشخص الحاضر معتقدا انه زيد، و تخلف اعتقاده عن الواقع لا يضر بصحة اقتدائه بهذا
ص: 14
الشخص، بعد كونه من قبيل الخطاء في التطبيق لا التقييد في الموضوع، لان الخطاء فى التطبيق لا يوجب الا تخلف الداعى الغير المؤثر فى البطلان، لعدم تاثيره في تغير ما وقع بذاك الداعى من الاقتداء بهذا الحاضر عما وقع عليه، و اما صحتها فرادى في الصورتين الاولتين، فلانها بعد عدم انعقادها جماعة تقع فرادى قهرا، بناء على كونهما حقيقة واحدة وكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، اذ الفرادى ح ليست الا عبارة عن الصلوة التى لم تنعقد جماعة، فهي لا تكون متخصصة الابخصوصية عدمية يكفى فى تحققها عدم قصد التبعية فيها للغير، ولا يتوقف على قصد عدم التبعية فيها للغير ، و هذا بخلاف ما لو كانتا مختلفتين بالحقيقة ، بانكانت الفرادى والجماعة کعنوانی الظهرية والعصرية من الاوصاف الوجودية الماخوذة عنوانا للمهية المامور بها ، فانه لابدح فى الصلوة فرادى او جماعة من قصد خصوص احد العنوانين من اول الصلوة ، ولا يكفى قصده في الاثناء الا بدليل، ولم يدل دليل على صحة الصلوة ووقوعها جماعة او فرادى بلحوق قصد احد العنوانين في الاثناء هذا.
ان قلت بطلان الصلوة جماعة فى الصورة الاولى وانكان مسلما، لان ما قصده الاقتداء بزيد لم يقع وما وقع من الاقتداء بعمر ولم يقصده، لكن بطلانها جماعة فى الصورة الثانية ممنوع جدا، و ذلك لما حققناه فى محله من ان التقييد في الافعال الخارجية غير معقول، ضرورة انه لا يعقل ان يقيد الانسان شربه لهذا المايع بكونه خلا ، بحيث لوشر به و كان خمرا لم يكن شار با لهذا المايع، او يقيد ضربه زیدا بكونه عدواله بحيث لو ضربه و كان صديقا له لم يقع ضربه عليه، فاذا كان التقييد في الافعال الخارجية مستحيلا عقلا، فلابدان يكون القيد فيها داعيا، ونقول في المقام ان الاقتداء حيث يكون فعلا خارجيا، فلا يمكن ان يقيد اقتدائه بشخص بكونه زيدا، بحيث لولم يكن ذلك الشخص زيدا لا يقع الاقتداء به، فكون هذا الشخص زيدا لابدان يكون داعيا للاقتداء به لافيدا له، فاذا لم يكن كونه زيدا قيدا بل داعيا، فلايضر تخلفه بصحة صلوته جماعة ، ضرورة ان تخلف الداعى لا يغير اقتدائه بهذا الشخص ، لاستحالة تغير الشئ عما وقع عليه سلمنا امكان ان يكون
ص: 15
کونه زيدا قيدا، لكن نمنع عن استلزام تخلفه كون الاقتداء الواقع على هذا الشخص غير مقصود له، وذلك لما ذكرناه في مبحث التجرى ، في رد من توهم ان الفعل المتجرى به لايكون اختياريا اصلا حتى بملاحظة القدر الجامع بين الفرد المقصود والغير المقصود، فان من شرب الماء باعتقاد انه خمر ماقصده من شرب الخمر لم يصدر عنه وما صدر عنه من شرب الماء لم يقصده ، لا بعنوان انه شرب الماء ، ولا بعنوان انه شرب المايع القدر الجامع بين شربه وشرب الخمر، اما عدم قصده بعنوان انه شرب الماء، فواضح بعد عدم خطوره بباله فضلا عن ان يكون مقصوداله واما عدم قصده بعنوان انه شرب المايع ، فلان عنوان شرب المایع و انكان متحققا في ضمن عنوان شرب الخمر فيكون مقصودا بتبع قصده ، لكن كونه مقصودا في ضمن قصد شرب الخمر ، لا يوجب كونه كك فى ضمن شرب الماء الذي لم يقصده.
من ان صيرورة عنوان اختياريا لا تتوقف على كونه مقصودا بالاصالة، بل يكفي في صيرورته كك مجرد كونه ملتفتا اليه حال ايجاده مع القدرة على تركه وان لم يكن مورد اللغرض الاصلى ، ولذا لوشرب الخمر المعلوم خمريته لا لانه خمر بل لانه مايع بارد، يصح ان يعاقب عليه لانه شرب الخمر اختيار او انكان الداعى الى شربه هو ما يعيته لاخمريته، وليس ذلك الا لما ذكرنا من ان مجرد كون عنوان ملتفتا اليه حال ايجاده مع القدرة على تركه يكفي في صيرورته اختياريا، و هذا بعينه متحقق فى الفعل المتجرى به بالنسبة إلى الجامع بينه وبين الفرد المقصود، فان من يشرب مايعا باعتقادانه خمر، يكون ملتفتا الى انه مايع ويكون قادرا على ترك شربه، ومعه كيف لا يكون شربه بعنوان انه مايع اختياريا له.
فنقول في المقام ايضا ان من يقتدى بشخص على انه زید ملتفت الى انه انسان ويكون قادرا على ترك الاقتداء به ، فيكون اقتدائه به بعنوان انه انسان اختياريا، وان لم يكن بعنوان انه عمرو ركك لعدم خطوره بهذا العنوان في ذهنه.
قلت اما كون الاقتداء من الافعال الخارجية الغير القابلة للتقييد وانكان مسلما، ولذا لواقتدى بشخص على انه زيد فبان كونه عمروا ، يكون الاقتداء بهذ الشخص
ص: 16
متحققا وجدانا، الا ان صحة الاقتداء بشخص حيث تكون منوطة بقصد الايتمام به، فلا يكون هذا الاقتداء الواقع بهذا الشخص صحيحا، لعدم كونه واقعا عن قصد الايتمام به ومنه يظهر اندفاع الاشكال الثاني، فان الاقتداء الواقع بهذا الشخص بعنوان انه انسان وانكان اختياريا، لكن الاقتداء به بهذا العنوان لم يكن مقصودا بل بعنوان انه زيد ، فما قصد لم يقع وما وقع لم يقصد.
و اما بطلانها جماعة فى الصورة الثالثه ، وهى ما اذا اقتدى بهذا الشخص الحاضر باعتقاد انه زيد العادل فبان كونه عمر و الفاسق، فلانه وان لم يقيد اقتدائه بزيدكي تكون جماعته باطلة من جهة ان ماقصده من الاقتداء المقيد بكونه بزيد لم يقع وما وقع من الاقتداء بعمرو لم يقصده ، بل اقتدى بهذا الحاضر، غاية الامركان داعيه الى الاقتداء به اعتقادانه زید ، وقد مرانها ان تخلف الداعى لا يؤثر فى البطلان ، اذ تخلفه لا يغير ماقصده من الاقتداء بالحاضر لان الشئ لا يتغير عما وقع عليه، لكنه لا تصح صلوته جماعة من جهة عدم احرازه عدالة هذا الحاضر الذى اقتدى به ، وذلك لان العدالة وان لم تكن شرطا واقعيا ، الا انه يعتبر احرازها في صحة الاقتداء ، وفي المقام من احرز عدالته وهوزيد بما هوزيد لم يكن بامام ومن كان اماما وهو هذا الحاضر مجرد عن كونه زيدا لم يحرز عدالته.
و توهم ان من احرز عدالته وان لم يكن بامام، الا ان احراز عدالته ملازم لاحراز عدالة من كان اماما بعد الخطاء فى التطبيق و اعتقاد أن الأمام هو الذي احرز عدالته، اذح يترتب قياس بالشكل الاول، فيقال هذا الامام زيد وكل من كان زيدا فهو عادل، فهذا الامام عادل.
مدفوع بان هذا صحيح لوكان الموضوع فى الصغرى في الشكل الاول بعينه موضوعا في النتيجة، وليس كك، ضرورة ان الموضوع في قولنا العالم متغير الذى
هو الصغرى ، هو العالم بلحاظ تجرده عن وصف التغير لئلا يلزم حمل الشئ على نفسه، والموضوع فى قولنا فالعالم حادث ، ليس هو العالم بلحاظ التجريد عن وصف التغير، ضرورة ان العالم بهذا اللحاظ ليس حادثا، بل حدوثه انما هو بلحاظ اتصافه بوصف التغير،
ص: 17
ولذا جعل هذا الوصف الحد الوسط الذى هو واسطة فى عروض ما هو محمول عليه فى الكبرى للموضوع فى النتيجة، فيكون الموضوع فى النتيجة هو العالم المتصف بوصف التغير الذي جعل محمولا فى الصغرى على العالم المجرد لحاظا عن هذا الوصف، فاذا كان الموضوع فى النتيجة هو الذات المتصف بالوصف الذى جعل محمولا في الصغرى على تلك الذات بلحاظ تجريدها عن ذاك الوصف، فتكون النتيجة في القياس الذي رتب فيما نحن فيه، فهذا الامام المتصف بكونه زيدا عادل ، ومن المعلوم ان هذه النتيجة لاموضوع لها في المقام كي يترتب عليه محموله، وذلك لان المفروض ان هذا الامام ليس متصفا بكونه زيداكى يقال انه عادل. هذا محصل ما افاده الاستاد دام ظله وفيه اولا ان حدوث العالم وانكان بلحاظ اتصافه بوصف التغير، لكن لا يستلزم ذلك جعل هذا الوصف قيدا له في النتيجة ، كى يلزم اختلاف الموضوع في الصغرى مع الموضوع في النتيجة اهمالا وتقييداً، وذلك لامكان جعله علة لثبوت الحكم له في النتيجة، بان يقال فالعالم حادث لانه متغير، و توهم ان العلة لا بدان تكون لباقيد اللموضوع بل هي تمام الموضوع حقيقة ، مدفوع بان هذا مسلم فيما اذا كانت من قبيل الواسطة فى العروض التى يكون المحمول عارضا عليها اولا وبالذات وعلى الموضوع ثانيا وبالعرض، كما اذا قلنا هذا الحيوان انسان وكل انسان ضاحك فهذا الحيوان ضاحك ، فان الضحك الذى يكون محمولا فى النتيجة، يكون اولا و بالذات عارضا على الحد الوسط وهو الانسان، و يكون عروضه على الموضوع في النتيجة و هو هذا الحيوان ثانيا و بالعرض، لان الحيوان مالم يصر انسانا لا يكون ضاحكا ، وهذا بخلاف ما اذا كانت العلة من قبيل الواسطة فى الثبوت التى تكون علة لعروض المحمول على ذات الموضوع، كما اذا قيل هذا الحديد اصابته النار، وكل حديد اصابته النار يذوب فهذا الحديد يذوب، فان الذوبان الذي جعل محمولا في النتيجة يكون عارضا على ذات الموضوع فيها وهو هذا الحديد ، و انما كان الحد الوسط وهو اصابة النار علة لعروض الذوبان على ذات الحديد بما هو حديد فتدبر!
وثانيا سلمنا انه لابدان يكون الموضوع فى النتيجة مطلقا هو الذات المتصف
ص: 18
بالوصف الذى جعل محمولا فى الصغرى على تلك الذات بلحاظ تجريدها عن ذاك الوصف، و ان النتيجة فى القياس الذى رتب فيما نحن فيه هى قولنا فهذا الامام المتصف بكونه زيدا عادل .
لكن قولكم ان هذه النتيجة كاذبة، لانه لا موضوع لها في المقام كي يترتب عليه محموله، اذ الفرض ان هذا الامام ليس متصفا بكونه زيدا كي يقال انه عادل، ممنوع جدا ضرورة ان المطلوب فى النتيجة ليس اثبات العدالة الواقعية لهذا الامام المترتبة على كونه متصفا بالزيدية واقعا، كي يقال ان هذا الامام ليس متصفا بهاكي يقال انه عادل ، بل المطلوب في النتيجة هو اثبات العدالة المحرزة لهذا الامام المترتبة على كونه متصفا بالزيدية في اعتقاد المصلى ، و من المعلوم ان هذا الامام كان حال الاقتداء به متصفا بالزيدية فى اعتقاده فكان عادلا باعتقاده ايضا ، فالاشتباه نشاء من الخلط بين العدالة الواقعية والعدالة المحرزة. فتبين مما ذكرنا ان الاقوى فيهذه الصورة هو صحة الصلوة جماعة ، اللهم الا ان يقال ان عدالة الامام فيهذه الصورة و انكانت محرزة من جهة انطباق عنوان الزيدية عليه في اعتقاد المصلى، لكن ليس لنا دليل يدل باطلاقه اوعمومه على ان احراز عدالة الامام باى نحو حصل كاف في صحة الاقتداء به وانما استفدنا ذلك من موارد خاصة ورد الدليل فيها على صحة الصلوة جماعة فيها مع تبين ان الامام لم يكن عادلا ، ولا يخفى على من راجع تلك الموارد ، ان احراز عدالة الامام فيها لم يكن من جهة انطباق عنوان ملازم للعدالة على الامام في اعتقاد المصلى كما نحن فيه، بل كان عدالته محرزة للمصلى من جهة عنوان ذاته، وحيث قد عرفت ان مقتضى الاصل الاولى هو عدم صحة الجماعة فيمورد الشك، اذ ادلتها المطلقة اما واردة في مقام بيان اصل التشريع او بيان فضيلتها، فليس فيها ما يدل بعمومه او اطلاقه على كفاية الاقتداء باى نحو حصل، فلابد في الخروج عن مقتضى ذلك الاصل الاولى الاقتصار على القدر المتيقن ، وقد عرفت ان المتيقن من تلك الموارد الخاصة، من هو كفاية احراز عدالة الامام فى صحة الجماعة ، اذا كانت عدالته محرزة بعنوان
ص: 19
ذاته لامطلقا ولو كانت محرزة من جهة انطباق عنوان ملازم للعدالة عليه باعتقاد المصلى، فتدبر جيدا !
كما ان الاقوى صحة الصلوة جماعة فيما اذا اقتدى بهذا الشخص الحاضر باعتقاد انه زيد العادل فبان كونه عمرو العادل ، وذلك لان اقتدائه بهذا الحاضر لم يكن مقيدا بكونه زيدا ، كي تكون جماعته باطلة من جهة ان ماقصده الاقتداء المقيد بكونه بزيد لم يقع و ما وقع من الاقتداء بعمرو لم يقصده، بل اقتدى بهذا الحاضر غاية الأمر كان داعيه الى الاقتداء به اعتقاد أنه زيد، وقد عرفت ان تخلف الداعى لا يؤثر فى البطلان، نعم بناء على عدم اجداء اعتقاد كون هذا الشخص زيدافى احراز عدالته كما هو مقتضى ما افاده الاستاد دام ظله في الصورة السابقة ، او عدم اجدائه فى صحة الصلوة جماعة و انكان مجديا في احراز عدالته كمامر ، يكون المتعين فساد الصلوة جماعة فيهذه الصورة ايضا ، وذلك لان المفروض فيهذه الصورة وانكان هو تبين كون هذا الشخص عمر و العادل، لكن الشرط في صحة الاقتداء الواقعي هو العدالة المحرزة لا الواقعية ولا الاعم منهما ، والمفروض ان هذا الشخص بعنوانه الذاتي و هو كونه عمر و العادل ، لم يكن ملتفتا اليه اصلا كي يحرز عدالته بهذا العنوان والعنوان الذي اعتقد الماموم انطباقه عليه ، لم يكن مجديا في احراز عدالته او فى صحة الاقتداء به ، فما يظهر من العروة من الفرق بين هذه الصورة والصورة السابقة والحكم بعدم صحة الصلوة جماعة في السابقة وصحتها كك فيهذه مما لاوجه له، نعم بناء كون الشرط فى صحة الاقتداء هو الاعم من العدالة الواقعية والمحرزة ، يكون الفرق بين الصورتين وجيها ، لكن المبنى ممنوع هذا.
واولى من هذه الصورة بالصحة جماعة ، ما اذا قصد الاقتداء بهذا الحاضر كل من كان، ولكن اعتقد مقانا لهذا القصد انه زيد فبان كونه عمروا، ضرورة ان خطائه فى التطبيق واعتقاد ان الحاضر زيد لا يضر بجماعته، بعد ما كان مقصوده الاقتداء بهذا الحاضر كان زيدا او عمروا.
ومنها مالوصلى اثنان وعلم في الاثناء أو بعد الصلوة ان كلا منهما نوى الامامة
ص: 20
للاخر، فانه لا شبهة في بطلان صلوتهما جماعة، وصحتها فرادى ان لم يعمل واحد منهما بالوظيفة الخاصة بالجماعة كرجوع كل من الامام والماموم الى الآخر في الشك في الركعات، اما بطلانها جماعة فلعدم قصد واحد منهما الايتمام بالاخر، و اما صحتها فرادی فلعدم اخلال واحد منهما بوظيفة المنفرد كما هو واضح .
و اما لوصلى اثنان وعلم في الاثناء او بعد الصلوة ان كلا منهما نوى الاقتداء بالاخر، فمقتضى القاعدة و انكان بطلان صلوتهما جماعة وصحتها فرادى مطلقا ولومع فوت محل تدارك القرائة، اما بطلانها جماعة فلان من شرائط الامام ان لا يكون مقتديا، والمفروض ان كلا منهما مقتد بالاخر فليس لواحد منهما امام في الواقع، و اما صحتها فرادى فيما اذا كان محل تدارك القرائة باقيا فواضحة ، و اما فيما اذا كان محل قدار کہا فائتا، فلانهما و ان اخلا بما هو وظيفة المنفرد حيث تركا القرائة، لكن حيث كان اخلالهما بالقرائة مستندا الى توهم كون الصلوة جماعة، فيكون كالاخلال بها سهوا الّذي دل حديث لاتعاد على عدم اضراره بصحة الصلوة .فتامل جيدا !
و هذا فيما اذا لم يتعدّد منهما الركن من جهة المتابعة ، والافلا اشكال في بطلان صلوة من تعدّد منهما الركن راسا كما هو واضح ، لكن مقتضى بعض النصوص هو بطلان الصلوة راسا فيما اذا كان محل تدارك القرائة فائنا ، ففى خبر السكوني عن ابيعبد الله علیه السّلام، عن ابيه علیه السّلام قال :
قال امير المؤمنين صلوات الله و سلامه عليه فى رجلين اختلفا ، فقال احدهما كنت امامك. وقال الاخر انا كنت امامك.
فقال علیه السّلام :
صلوتهما تامة.
قلت :
فان قال كل واحد منهما كنت انتم بك؟
قال علیه السّلام:
ص: 21
صلوتهما فاسدة وليستانها. فان قوله علیه السّلام وليستانفا يدل على بطلان الصلوة راسا كما هو واضح.
ولا يخفى ان هذا الخبر و ان لم يكن مجال للخدشة فيه سندا بالسكونى بعد كونه معمولا به بين الاصحاب، لكنه معارض بصحيحة زرارة قال :
قلت لا بيجعفر علیه السّلام:
رجل دخل مع قوم فى صلوتهم وهو لا ينويها صلوة ، فاحدث امامهم، فاخذ بيد ذلك الرجل ذلك الرجل ، فقدمه ، ، فقدمه ، فصلی بهم ، اتجزیهم صلوتهم بصلوته و هو لا ينويها صلوة؟
فقال علیه السّلام :
لا ينبغى للرجل ان يدخل مع قوم فى صلوتهم وهو لا ينويها صلوة ... الى ان قال علیه السّلام، وقد تجزى عن القوم صلوتهم وان لم ينوها.
فان الظاهر أن السوال عن اجزاء صلوة القوم بعد ما تبين لهم ان الرجل الذى قدمه الامام للامامة لم يكن ناويا للصلوة، فتدل الصحيحة من جهة تركه علیه السّلام الاستفصال فيها، بين صورة اخلال القوم بوظيفة المنفرد كما اذا كان تقديم ذلك الرجل للامامة في الركعتين الاولتين فتركوا القوم القرائة باعتقادكون الرجل ناويا للصلوة، و بين صورة عدم اخلالهم بوظيفته، على ان ترك القرائة اذا كان مستندا الى اعتقاد كون الصلوة جماعة لايضر بصحتها فرادى، فتكون معارضة مع خبر السكونى المتقدم الدال على بطلان الصلوة راسا مع الاخلال بوظيفة المنفرد بتوهم كون الصلوة جماعة.
و قال شيخ مشايخنا الانصارى قده في مقام الجمع بينهما ، بما حاصله ان الحكم بالصحة مطلقا في الصحيحة حيث يكون على خلاف مقتضى القواعد، فلابد من الاقتصار فيه على موردها، و هو ما اذا تحقق صورة الامامية والمامومية ، وح فيرتفع المعارضة بينها و بين خبر السکونی، لان مورده انكشاف عدم تحقق الامامية والمامومية ولو بحسب الصورة .
ص: 22
ولا يخفى ان ما افاده قده من كون الصحيحة على خلاف مقتضى القاعدة، انما يتم بناء على ما اشرنا اليه فيما مر من عدم شمول حديث لاتعاد لمثل ما نحن فيه الذي يكون الاخلال بالقرائة فيه ناشئاً عن حسبان كون قرائة الامام مسقطا لما عليه من القرائة، اذ بناء على القول بعموم الحديث لمثل ما نحن فيه الذي يكون الاخلال فيه مستندا الى الخطاء فى الموضوع والجهل به مرکبا بدعوى كونه داخلا في الاخلال سهوا، تكون الصحيحة على طبق القاعدة وخبر السكونى على خلافها ، و ح لابد في مقام الجمع بينهما من تخصيص خبر السكونى بمورده و هو ما اذا اقتدى بمن تبين انه ماموم ، فلا يصح التعدى منه بالحكم بفساد الصلوة راسا فيما اذا اقتدى بغائب بزعم انه حاضر او بحاضر غير مشغول بالصلوة بتخيل انه مصل ، ونحو ذلك مما كان تبين
فساد الصلوة جماعة فيها من غير جهة كون الامام ماموما.
والحاصل ان بعد كون الجماعة و الفرادى حقيقة واحدة ، وعدم الفرق بينهما الا فى ان الاولى يعتبر فيها قصد الايتمام ، دون الثانية ولذا تتحقق قهرا بمجرد قصد الايتمام فى الصلوة ، وبعد عموم حديث لاتعاد للاخلال المستند إلى الخطاء في الموضوع، يكون مقتضى القاعدة فيما ظهر بطلان الصلوة جماعة من جهة الاخلال بشرط من شروطها، هو صحتها فرادى مطلقا ولو مع الاخلال فيها بالقرائة، و عليه فلودل دليل فيمورد على بطلانها راسا مع الاخلال بالقرائة، يجب الاقتصار على مورده لكونه على خلاف القاعدة، لكن هذا بناء على القول بعموم حديث لا تعاد للاخلال بالقرائة بزعم تحقق الجماعة، بدعوى انه من قبيل الاخلال المنفرد بها سهوا، لكنك عرفت فساد هذا المبنى و ان الاخلال بها بزعم تحقق الجماعة وكفاية قرائة الامام عنها داخل في الاخلال العمدى ، فلا يكون مشمولا لحديث لا تعاد ، كي يكون الدليل الدال على بطلان الصلوة راسا بالاخلال بالقرائة بزعم تحقق الجماعة ، على خلاف القاعدة المستفادة من حديث لا تعاد ، كى يلزم الاقتصار في الحكم بالبطلان راسا مع الاخلال بها على مورد ذاك الدليل .
فتبين مما ذكرنا ان ما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قده في الجمع بين خبر
ص: 23
السكونى والصحيحة في غاية الصحة والوجاهة .
ثم ان الحكم ببطلان الصلوة راسا فيما قصد كل منهما الا يتمام بالاخر كما هو مقتضى خبر السكوني، انما هو فيما اذا علم كل منهما بصدق الاخر في دعواه الايتمام به، و اما لولم يعلم احدهما او كل منهما بصدق الاخر في دعواه، فيمكن ان يقال بصحة صلوة الشاك منهما في صدق دعوى الاخر بمقتضى قاعدة الشك بعد الفراغ، و توهم ان القاعدة انما تكون متعرضة للحكم بصحة العمل فيما اذا شك المكلف في صحة عمله بعد الفراغ عنه من جهة احتمال اخلاله ببعض ما اعتبر فيه من الامور التي تكون راجعة الى المصلى، ومن المعلوم ان الشك فى صحة الصلوة في المقام ليس من هذه الجهة ، بل من جهة احتمال قصد صاحبه الایتمام به، فلا يصح التمسك بالقاعدة للحكم بالصحة من هذه الجهة. مدفوع بان فساد الصلوة وصحتها في المقام، وانكانا منوطين بقصد الاخر للايتمام وعدم قصده له، و هما ليسا من الأمور الراجعة الى المصلى وتحت اختياره ، لكن احراز ماهو شرط لصحة الاقتداء من عدم كون الامام مؤتما من وظيفته و تحت قدرته واختياره، وهذا نظير القبلة والوقت فانهما ليسا مما يكون وجوده تحت اختيار المصلى، لكن احراز هما من جهة ان استقبال الاول ودخول الثانى شرط فى صحة الصلوة من وظيفته هذا.
ولكن يمكن ان يقال ان المستفاد من التعليل فى بعض اخبار القاعدة بقوله علیه السّلام هو حين العمل اذكر من حين يشك، هو اختصاص القاعدة بما اذا احتمل المكلف بعد الفراغ عن عمله اخلاله ببعض ما هو معتبر فيه شطرا او شرطا سهوا او نسيانا بحيث لو كان ملتفتا اليه حين العمل لما اخل به، و من المعلوم ان الاخلال بشرط صحة الاقتداء فى المقام ليس مستندا الى السهو والنسيان، بل الى الاعتقاد بتحقق الشرط و ان صاحبه ليس مؤتما به، فلاتدل القاعدة على الصحة مع احتمال الاخلال جهلا مركبا، لانه مع هذا الجهل لو كان ملتفتا حين الصلوة الى ان من شرط صحة الاقتداء عدم كون الأمام مؤتما لكان مخلا به ايضا، لانه حين الصلوة كان قاطعا بصحة اقتدائه، و ان صاحبه ليس مؤتما به كي يكون اقتدائه باطلا، ولم يكن حين
ص: 24
الصلوة شاكاكي يصير بصدد احراز شرطه .
هذا مضافا الى ان الخبر لا اختصاص له بما اذا كل منهما بصدق الاخر فى دعواه الايتمام، و مقتضی اطلاقه بطلان صلوتهما بمجرد دعواهما الايتمام سواء علم كل منهما بصدق الاخرام لا، ومع شمول اطلاق الدليل الاجتهادي لمورد الشك لامجال للرجوع فيه الى الاصل العملي كما هو واضح.
و مضافا الى امكان ان يقال بحجية قولها تعبدا وان لم يحصل الوثوق بصدقهما، بناء على ما هو الاقوى من حجبة خبر العادل سيما فيما لا يعرف الا من قبله كما في المقام، وعليه فلامجال للرجوع الى قاعدة الفراغ في المقام ولو مع المنع عن شمول الخبر لما اذا لم يحصل لكل منهما الاطمينان بصدق الاخر.
ثم ان مقتضى توقيفية الجماعة وكون مقتضى الاصل عدم صحتها في مورد الشك و عدم سقوط القرائة بالاقتداء على النحو الغير المتعارف، لعدم مايدل بعمومه او اطلاقه على كفاية الاقتداء باى نحو حصل، هو عدم جواز انتقال الماموم فى اثناء الصلوة من امام الى امام اخر، وكذا عدم جواز استنابة الامام احدا من المامومين ليتم الباقون منهم صلوتهم معه جماعة، لكن هذا فيما لم يعرض للامام ما يمنعه عن اتمام الصلوة من موت او اغماء اوحدث او جنون ، و الالجاز للمامومين ان يقدموا احدا منهم و يتموا الصلوة معه جماعة، وكذا جاز للامام استنابة احد منهم ليتم الباقون صلوتهم معه جماعة ، و يدل على ذلك مضافا الى عدم الخلاف فيه الاخبار المستفيضة ، منها : صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسی علیه السّلام.
عن امام احدث فانصرف ولم يقدم احدا ، ماحال القوم ؟ قال علیه السّلام:
لاصلوة لهم الا بامام فليتقدم بعضهم فليتم بهم مابقى منها و قد تمت صلوتهم ، وفى الوسائل فليقدم بدل فليتقدم.
ومنها خبر زرارة قال :
سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن امام ام قوما ، فذكر انه لم يكن على وضوء
ص: 25
فانصرف واخذ بيد رجل و ادخله و قدمه ولم يعلم الذى قدم ما صلى القوم.
قال علیه السّلام:
يصلى بهم فان اخطاء سبح القوم به و بنی علی صلوة الذى كان قبله. ومنها صحيحة جميل بن دراج عن الصادق علیه السّلام.
فى رجل ام قوما على غير وضوء فانصرف وقدم رجلا ولم يدر المقدم ما صلى الامام قبله. قال علیه السّلام: يذكره من خلفه.
و منها صحيحة معوية بن عمار قال :
سألت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل ياتى المسجد وهم في الصلوة، وقد سبقه الامام بركعة او اكثر، فيعتل الامام فياخذ بيده و يكون ادنى القوم اليه فيقدمه.
فقال علیه السّلام:
يتم صلوة القوم ثم يجلس حتى اذا فرغوا من التشهد يومى اليهم بيده التسليم وانقضاء صلوتهم واتم هو ما كان فاته او بقى عليه.
ولا يخفى على من لاحظ مجموع الاخبار انه يجوز للامام ان يستنيب الاجنبي ايضا، بان يجعله في مكانه ليربط المأمومون ما بقى من صلوتهم بصلوته بعد دخوله فى الصلوة، لابان يقيمه مقامه فى الاتيان بما بقى من صلوته كما توهمه بعض ضرورة ان لازم ذلك صحة الايتمام بماليست بصلوة صحيحة، وهذا على الظاهر بل المقطوع ممالم يلتزم به احد من الخاصة والعامة، و كذا يجوزان يتقدم بعض المأمومين او الاجنبي بنفسه، فما يظهر من بعض العبائر من اعتبار كون الامام المنقول اليه او النائب من المأمومين لاوجه له .
ثم ان المشهور جواز العدول من الجماعة الى الفرادى مطلقا ولو لغير عذر بل حكى بعض الاساطين عن غير واحد دعوى الاجماع عليه، و استدلوا على ذلك بوجوه غير خالية عن ضعف، و توضيح ذلك هو انك قد عرفت ان الجماعة وظيفة توقيفية، و ان ادلتها المطلقة ليست الافى مقام بيان فضيلتها او فى مقام بيان اصل تشريعها، فليس لها اطلاق يدل على صحة الاقتداء باى نحو حصل، فاذا شك في صحة
ص: 26
الاقتداء بنحو خاص خارج عما هو المتعارف عند المتشرعة، كالاقتداء بامام مع وجود الحائل او البعد الفاحش بينه و بين الامام، او الاقتداء بامامين بوصف الاجتماع او بكل منهما مستقلا فى صلوة واحدة ونحوها، كان المرجع الاصل القاضي بعدم صحته، و ذلك لان الشك في المقام انما هو فى مرحلة السقوط التى لا شبهة فى ان المرجع فيها قاعدة الاشتغال، لان الشك فى صحة الاقتداء بهذا النحو الغير المتعارف مرجعه الى الشك في تأثيره فى كفاية قرائة الامام عن قرائة المأموم ، و اغتفار زيادة الركوع والسجود عن المأموم بقصد تبعية الامام فيهما ، و جواز رجوعه في الشك في عدد الركعات الى الامام ام لا، ومقتضى الاصل عدم ترتب تلك الاثار على هذا الاقتداء،
بعد ما هو المفروض من عدم ما يدل على صحة الجماعة مطلقا و باى نحو حصلت.
سلمنا ان فى ادلتها ما يدل على صحة الجماعة مطلقا ، كما ادعى ذلك بالنسبة الى قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة والفضيل وليس الاجتماع بمفروض في الصلوات کلها ولكنه سنة، بدعوى انه فى مقام بيان ان كلما صدق عليه الاجتماع فهو سنة في الصلوات، لكن الاجتماع حيث يكون من العناوين العرفية فينصرف اطلاقه الى ما صدق عليه الاجتماع عرفا، وح لوشك فى اعتبار امر زائد على ما يراه العرف اجتماعا شرعا فهذا الاطلاق يدفعه، واما لوشك فى اصل صدق عنوان الاجتماع فليس هناك اطلاق يرجع اليه لرفع هذا الشك كما هو واضح .
اذا عرفت هذا فنقول: لاشبهة في ان الاجتماع الذي دلت النصوص على استحبابه فى الصلوات المفروضة من العناوين العرفيه، فلابد في مقام تشخيص ماله دخل وجودا او عدما في تحقق هذا العنوان عرفا وماليس له دخل في تحققه كك من الرجوع الى العرف، و من المعلوم ان مما يعتبر في تحقق هذا العنوان هو عدم التباعد بين المجتمعين تباعدا فاحشا فانه يضر بصدق الاجتماع عرفا، سيما اذا كان الامر الذي اجتمعوا له من الاعمال المحتاجة في ايجادها إلى الحركات البدنية، وكان المجتمعون بعضهم تابعا لبعض في ايجاد تلك الاعمال بحيث يكون التابع منهم يوجدها عند ما يوجدها المبتوع ، كما في الاجتماع في المحل الذي يسمى في الفارسية بزورخانه
ص: 27
للرياضة البدنية والاجتماع في المساجد لاتيان الصلوة جماعة ونحوهما، فان التباعد بين المجتمعين فيها زائدا على ما يرتفع به التزاحم بينهم في مقام اتيان تلك الاعمال، يكون مضرا بصدق الاجتماع عرفا .
فح لوشك في جواز التباعد بين الامام والمأموم او بين صفوف الجماعة بازيد مما يرتفع به المزاحمة بينهم فى مقام اتيان الركوع والسجود، فالاصل عدم جواز تلك الزيادة الا ان يدل عليه دليل، لان مع هذا الشك يشك في ترتب اثار الجماعة من كفاية قرائة الامام عن قرائة المأمومين و اغتفار زيادتهم في الركن بقصد تبعية الامام ورجوعهم اليه في الشك في عدد الركعات ، ومقتضى الاصل عدم ترتب تلك الاثار و اشتغال الذمة بماهو وظيفة المنفرد من القرائة وغيرها.
ومما يعتبر ايضا في صدق عنوان الاجتماع عرفا اتحاد المكان والموضع الذى اجتمعوا فيه، لكن اتحاده يختلف عرفا حسب اختلاف المجتمعين ، ففيما كانوا متحدين صنفا بانكان كلهم رجالا اونساء، يكون الفصل بينهم بحائل، كستر او جدار، بحيث يمنع عن رؤية بعضهم بعضا في جميع الحالات، مضرا باتحاد المحل المعتبر في صدق الاجتماع عرفا، وهذا بخلاف ما اذا كانوا مختلفين بالصنف بانكان بعضهم رجالا وبعضهم نساء، فانه لا يضر الستر بين الصنفين باتحاد مكان الاجتماع عرفا ولو كان الستر مانعا عن الرؤية فى جميع الحالات، اذ المتعارف فيما كان المجتمعون لامر كالصلوة جماعة او استماع الوعظ ونحوهما مختلفين بالذكورة والانوثة ان يضرب الستر بين الرجال والنساء، او كانوا متحدين صنفاولكن كان الحائل بينهم ما يمنع عن الرؤية فى بعض الحالات كما اذا كان مانعا عنها في حال الجلوس دون حال القيام فان الظاهر انه لا يكون مضرا بصدق اتحاد المحل عرفا، الا فيما كان الامر الذي اجتمعوا له مما يؤتى به نوعا في حال الجلوس كما في الاجتماع لاستماع الوعظ والخطابة ونحوهما ، وعليه فلو حال بين المصلين جماعة ما يمنع عن رؤية بعضهم بعضا فى حال الجلوس فقط، فمقتضى القاعدة عدم اضراره بصدق اتحاد المحل المعتبر
ص: 28
في صدق الاجتماع كي يكون مضرا بصحة صلوتهم جماعة، الا ان يدل دليل على اعتبار عدم وجود حائل بينهم يمنع عن الرؤية ولو في حال الجلوس.
و مما يعتبر في صدق عنوان الاجتماع عرفا في الاجتماعات التي تبتني على تبعية المجتمعين لبعض منهم واقتدائهم به فى اتيان ما اجتمعوا له في زمان اتيانه به و على نحو اتيانه، هو البقاء حتى الامكان على الاجتماع والتبعية لمن اتخذوه متبوعا الى الفراغ عما اجتمعوا له، فيكون الانفراديه في الاثناء وكذا التبعية لغير من اتخذوه متبوعا ومقتدى من غير عذر، على خلاف ما هو المتعارف فيهذا النحو من الاجتماعات، و عليه فيكون قصد الانفراد فى اثناء الجماعة او العدول في اثنائها عن امام الى امام اخر اختیار او من غير عذر ، على خلاف القاعدة و غير مشمول لادلة الجماعة، فلايجوز الا فيما دل الدليل على جوازه فيه مطلقا، ومن هنا يظهر الوجه فيما أشرنا اليه من الاشكال فيما افتى به المشهور من جوازان يقصد المأموم الانفراد فى اثناء الصلوة ولومن غير عذر مطلقا اى سواء عرض له قصد الانفراد في اثناء الصلوة او كان من اول الصلوة قاصدا للانفراد في الاثناء، من غير فرق فى الاشكال فيه بين كون الجماعة والفرادى حقيقتين مختلفتين، و بين كونهما حقيقة واحدة مختلفة في الكيفية، اما على الاول فواضح بعد ماهو المعلوم من كون العدول من احدى الحقيقتين المتبائنتين الى الاخرى اختيارا محتاجا الى الدليل المفقود في المقام، اذ لم يدل دليل على جواز الانفراد فى اثناء الجماعة مطلقا ولو من غير عذر كما هو ظاهر المشهور، و اما على الثانى فلما عرفت من ان مطلقات ادلة الجماعة ليست الا فى مقام بيان فضيلتها او بيان اصل تشريعها، فليس لها اطلاق يدل على صحة الاقتداء باى نحو حصل، وان مادل منها على استحباب الاجتماع في كل صلوة على تقدير تسليم كونه في مقام بيان ان كل ماصدق عليه الاجتماع فهوسنة في الصلوات مطلقا، يكون منصرفا الى ما يصدق عليه الاجتماع عرفا، وقد عرفت ان المتعارف في الاجتماعات التي تبتنى على تبعية بعض المجتمعين لبعض في اتيان العمل الذي اجتمعوا له ، هو البقاء حتى الامكان على المتابعة لمن اتخذوه متبوعا الى اخر العمل
ص: 29
فليس الانفراد فى اثناء العمل اختيار او من دون عذر بمتعارف عند العرف في مثل هذه الاجتماعات ، كى يقال بشمول ادلة الجماعة لما اذا قصد الانفراد في الاثناء بهذا اللحاظ.
واشكل من ذلك ما افتى به جماعة من جواز ان يقصد الماموم من اول الصلوة الانفراد فى اثنائها، وجه الاشكلية هو امكان تصحيح الفرض السابق بحسب القواعد، و ذلك لان من قصد تبعية الامام الى اخر الصلوة ثم بداله في الاثناء ان ينفرد عنه، يكون قبل حصول البداء له مشمولا لادلة الجماعة قطعا، فيترتب عليه احكام الجماعة من سقوط القرائة و اغتفار تعدد الركن تبعا وغيرهما، فيكون ما اتى به من صلوته جماعة محكوما بالصحة، اذلادليل على اشتراط صحة وقوع الاجزاء السابقة جماعة بوقوع الاجزاء اللاحقة كك، و احتمال اشتراطها بذلك مدفوع بالاصل، بل بمادل على صحة اقتداء الحاضر بالمسافر وصحة اقتداء الماموم المسبوق المستلزمين لوقوع الاجزاء اللاحقة فرادى، فاذا كان ما مضى من صلوته مشمولا لادلة الجماعة و كان ما اتى به من الركعات صحيحا جماعة ، فيكون ما صدر عنه من ترك القرائة وزيادة الركن بقصد التبعية للامام مغتفرا غير مضر بصحة ما اتى به، والمفروض ان مايأتي به من بقية الصلوة منفردا يكون واجد الجميع ما يعتبر فيه من الاجزاء والشرائط، فلامحة يتحقق امتثال امر صل الظهر مثلا بالمجموع قهراً عقلا ، ومعه لامجال لاحتمال، البطلان، فتدبر جيدا! و هذا بخلاف هذا الفرض فان شمول ادلة الجماعة له ممنوع، لان الماموم الذى يقصد من الاول الانفراد فى اثناء الصلوة، لا يكون قاصدا لما هو المعتبر في هذا النحو من الاجتماع عرفا من البقاء على التبعية الى اخر العمل، فلايكون مشمولا لادلة الجماعة اصلا ، بعد ما عرفت من ان ادلتها ليس لها اطلاق يدل على كفاية الاقتداء باى نحو حصل، و ان الانفراد فى اثناء العمل من دون عذر ليس بمتعارف فى مثل هذه الاجتماعات التي تبتنى على تبعية بعض المجتمعين لبعض في ايجاد ما اجتمعوا له، فاذا لم يكن مشمولا لادلة الجماعة، فلا يكون ما اتى به من الركعات قبل العدول الى الانفراد صحيحا اصلا ، لاجماعة وهو واضح، ولافرادي
ص: 30
لفرض اخلاله بوظيفة المنفرد عمدا، وكون منشائه الجهل بالحكم لا يوجب اغتفار ما اخل به، بعد ما عرفت من عدم شمول حديث لا تعاد لمثل المقام.
و اما ما استدل به على الصحة فيهذا الفرض ، من انه لا شبهة في استحباب اتيان الصلوة جماعة ، والأصل في المستحب ان لا يجب بالشروع ، فاتيان الصلوة جماعة لا يجب بالشروع، فلا يجب اتمامها جماعة فيجوز اتمامها فرادى وهو المطلوب.
ففيه مالا يخفى من الضعف اما اولا فلما عرفت من ان الماموم فى هذا الفرض لا يكون مشمولا لادلة الجماعة اصلا ، حتى يكون اتيان الصلوة جماعة مستحبا، كى يقال ان المستحب لا يجب بالشروع فلا يجب عليه اتمامها جماعة، واما ثانيا فلانا لوسلمنا كون اتيان الصلوة جماعة مستحبا، وان المستحب لا يجب بالشروع فلا يجب علیه اتمامها جماعة، لكن نقول لا ملازمة بين عدم وجوب اتمامها جماعة وجواز اتمامها فرادی، لامكان ان يرفع اليد عنها راسا، وتوهم ان رفع اليد عنهار اسا وانكان ممكنا عقلا، لكنه ممنوع شرعا بادلة حرمة ابطال العمل، فيدور الامر بين اتمامها جماعة او فرادی و مقتضى عدم وجوب اتمامها جماعة هو جواز اتمامها فرادی، مدفوع بان حرمة الابطال انما تستلزم دوران الأمر بين الاتمام جماعة او فرادى ، فيما اذا احرز جواز كلا الامرين وجواز الاتمام فرادى فى المقام اول الكلام ، ولا يمكن احراز جوازه بحرمة الابطال الاعلى وجه دائر، وح فمقتضى دليل حرمة الابطال في المقام هو وجوب الاتمام جماعة، وهذا الدليل حاكم على اصالة عدم وجوب المستحب
بالشروع فيه.
واضعف من هذا الاستدلال الاستدلال بما ورد في بعض الاخبار من ان تكبيرة مع الامام تعدل كذا و ركعة معه تعدل كذا وسجدة معه تعدل كذا، تقريب الاستدلال هو ان المستفاد من هذه الاخبار هو كون الجماعة مطلوبة في كل جزء جزء بالخصوص، ولا تكون مطلوبيتها في كل جزء موقوفة على اتصاف الباقي بها .
اذفيه اولا ما عرفت من ان المأموم فى هذا الفرض لا يكون مشمولا لادلة الجماعة، كى تكون الجماعة فيما اتى به من الاجزاء مطلوبة، حتى يقال ان
ص: 31
مطلوبيتها فيما اتى به من الاجزاء لا تكون مراعاة باتصاف باقي الاجزاء بها، وثانيا سلمنا كونه مشمولا فى هذا الفرض ايضا لادلة الجماعة وان الجماعة فيما اتى به من الاجزاء كانت مطلوبة، لكن نمنع عن دلالة تلك الاخبار على كون الجماعة مطلوبة في كل جزء جزء مستقلا، ان قدورد الثواب على اجزاء الفعل مع العلم بعدم جواز تجزيته، بل قدورد كثيرا النواب على المقدمة بل على اجزائها مع العلم بعدم كونها مطلوبة مستقلا كما ورد من ان من مشى الى زيارة الحسين صلوة الله وسلامه عليه فله بكل خطوة كذا، فالمذكور في تلك الاخبار يحتمل ان يكون من هذا القبيل، ومعه لادلالة لها على استحباب الجماعة كل جزء مستقلا هذا.
و توهم ان لازم ما ذكرنا هو عدم صحة الاقتداء في صلوة المغرب بعشاء الامام الا من الركعة الثانية ، و عدم صحة اقتداء المسافر بالحاضر في الرباعية الا من الركعة الثالثة ، ضرورة انه لواقتدى فى المثالين بالامام من اول السلوة . فلامحة يكون قاصدا للانفراد عنه بعد رفع راسه من سجود الركعة الثالثة في المثال الاول وعند قيامه الى الركعة الثالثة في المثال الثاني.
واضح الفساد، لا لاجل ماقيل من ان قصد الانفراد عن الامام في الاثناء في المثالين انما هو بامر الشارع فلا يكون اختياريا له، حتى يرد النقض به على ما ذكرنا، كي يقال ان قصد الانفراد في الاثناء في المثالين انما يكون بامر الشارع على فرض صحة الاقتداء مع قصد الانفراد من الاول، والكلام الان في اصل صحته، بل لاجل الفرق بين المثالين و ما نحن فيه، فان موضوع التبعية للامام ينتفى قهرا، عند رفع الامام راسه من سجود الركعة الثالثة فى المثال الاول، وعند قيامه للركعة الثالثة فى المثال الثاني، وهذا بخلاف ما نحن فيه فان موضوع التبعية للامام باق الى اخر الصلوة، والانفراد فى اثناء العمل انما لا يكون متعارفا فى الاجتماعات المبتنية على التبعية، فيما اذا كانت التبعية الى اخر العمل ممكنة بانكان العمل بتمامه مشتركا بين المجتمعين كما فيما نحن فيه، دون ما اذا لم تكن التبعية كك ممكنة كما في المثالين، وحاصل الفرق بين ما نحن فيه والمثالين هو تعارف الانفراد فيهما
ص: 32
وعدم تعارفه فيما نحن فيه، ويظهر صدق المدعى بالمراجعة الى العرف، فانا اذا راجعنا هم نرى ان المتعارف عندهم فيما اذا بنوا على الذهاب الى زيارة الحسين علیه السّلام مجتمعا تابعين لمن يسمى في الفارسية بچاووش ، هو البقاء على الاجتماع و التبعية لذاك الشخص الى الوصول بكربلاء ومدة بقائهم فيها، وهذا بخلاف ما اذا بنوا على المراجعة الى اوطانهم مجتمعا وكانت اوطانهم متفاوتة فى القرب والبعد ، فان المتعارف عندهم هو انفراد من وصل منهم الى وطنه عن الباقين.
ومما ذكرنا يظهر ما في الاستدلال لما ذهب اليه المشهور من جواز الانفراد فى اثناء الجماعة مطلقا ولو بغير عذر ، بمادل على صحة اقتداء الحاضر بالمسافر واقتداء المأموم المسبوق ، بتقريب انه لولم يكن الانفراد في اثناء الجماعة جائزا مطلقا لماصح الاقتداء في هذين الموردين المستلزم لوقوع الاجزاء اللاحقة من صلوة المأموم فرادى.
توضيح الظهور هو انك قد عرفت ان الانفراد فى اثناء العمل انما لا يكون متعارفا في الاجتماعات المبتنية على التبعية، فيما اذا امكن التبعية الى اخر العمل بانكان العمل بتمامه مشتركا بين المجتمعين، و من المعلوم عدم اشتراك تمام العمل بينهم فى الموردين المزبورين، مضافا الى ان الانفراد فيهما يكون قهريا لحصوله قهرا بفراغ الامام عن صلوته، فلا يصح الاستدلال بصحة الاقتداء فيهما للحكم بصحته
في المقام مطلقا ولوفيما كان العدول عنه الى الانفراد اختياريا كما هو واضح.
وقد يستدل لما ذهب اليه المشهور من جواز نية الانفراد ولولغير عذر، بما دل على جواز التسليم قبل الامام مطلقا، مثل ما رواه الشيخ في الصحيح عن ابيعبد الله علیه السّلام في الرجل يصلى خلف امام فيسلم قبل الامام .
فقال علیه السّلام :
ليس عليه بذلك باس .
وفيه مضافا الى امكان حمل الرواية على ماهو الغالب من عدم تسليم المأموم قبل الامام الالعذر او تخيل ان الامام قد سلم، ان جواز قصد الانفراد فى خصوص
ص: 33
مورد لقيام الدليل عليه فيه، لا يوجب التعدى عنه الى غيره من الموارد، بعد عرفت من توقيفية الجماعة وعدم ما يدل على جوازه مطلقا و باى نحو حصلت، وكون الشك في المقام في مرحلة السقوط التي يكون المرجع فيها قاعدة الاشتغال، هذا تمام الكلام في جواز العدول عن الجماعة الى الانفراد.
و اما العكس، وهو العدول عن الانفراد الى الجماعة بان ينوى المنفرد في اثناء صلوته العدول الى الجماعة فيما بقى من صلوته ، فقد مال الى جوازه بل افتی به جمع من الاساطين، قياساله بمامر من انه اذا عرض للامام في اثناء صلوته ما يمنعه عن اتمامها من حدث او اغماء او جنون او موت، جاز للمأمومين تقديم امام اخر منهم او من غيرهم و اتمام صلوتهم معه جماعة، فان المأمومين مع انهم ينفردون قهرا ببطلان صلوة الامام، دل الدليل على جواز تقديمهم اماماً آخر ليقتدوا به فيما بقى من صلوتهم.
وفيه ما عرفت من ان الشك في المقام حيث يكون في مرحلة السقوط التي يكون المرجع فيها قاعدة الاشتغال، ولا يكون لادلة الجماعة اطلاق يدل على صحة الاقتداء باى نحو حصل، فلو دل دليل على جواز الايتمام فى خصوص مورد، فلابد في الخروج عن مقتضى تلك القاعدة من الاقتصار على خصوص ذاك المورد، ولا يجوز التعدى منه الى غيره الابدليل.
ثم انا وان تكلمنا في مبحث النية فى الضمائم مطلقا مفصلا، الا انه لا باس بالتكلم فيها هنا على نحو الاختصار، ليظهر ما فى كلمات بعض الاساطين في المقام من النظر، فنقول : لاشبهة فى ان الصلوة من العبادات بل من اهمها، وان العبادة يعتبر في صحتها و وقوعها عبادة قصد القربة، ولا شبهة ايضا فى ان قصد التقرب لابدان يكون بما تعلق به الامر، ففيما يكون متعلق الامر صرف الوجود من الطبيعة وتكون الخصوصيات الفردية خارجة عنه كما في مثل صل و توضأ، يكون ما يقصد به التقرب ويؤتى به بداعى الامر هو نفس الطبيعة دون الخصوصيات الفردية، فالخصوصيات الفردية فيما كان المأمور به صرف الوجود من الطبيعة، لابدان تكون مستندة دائما
ص: 34
الى الدواعى النفسانية للمكلف، كيف والا لزم ان لا تتحقق عبادة في الخارج أصلا، ضرورة ان الامر لا يدعو الا الى ما تعلق به من صرف الوجود القابل للانطباق على كل فرد على البدل، ومن المعلوم ان صرف الوجود لا يمكن تحققه في الخارج معرى عن الخصوصيات ولامع جميعها، فلابد من ايجاده في ضمن بعض منها، وحيث ان نسبته الى جميع الخصوصيات نسبة واحدة، فيكون ايجاده فيضمن بعضها دون بعض ترجيحا بلامرجح وهو محال، فتحقق العبادة فى الخارج محال، مع انا نرى بالوجدان تحققها في الخارج بايجاد المكلف صرف الوجود في ضمن اية خصوصية شاء واراد، فلابد ان يكون لا يجاده في ضمن خصوص بعض منها دون اخر من مرجح، ولا مرجح فى البين الا الدواعى النفسانية، وذلك لما عرفت من ان الداعى الالهى وهو الامر لا يدعو الا الى ما تعلق به من صرف وجود الطبيعة، و ان الخصوصيات خارجة عما تعلق به ،الامر فلابد ان تكون مستندة الى الدواعى النفسانية للمكلف، فتحقق العبادة فى الخارج يتوقف دائما على وجود داعيين، الهى يكون باعثا للمكلف الى ايجاد نفس الطبيعة المأمور بها، ونفسانى يكون باعثا له الى ايجادها فى ضمن فرد خاص فتبين مما ذكرنا ان العبادات تكون طرا مستندة الى داع الهی و نفسانی.
و حينئذ يتوجه اشكال، و هو انه كيف يمكن تحقق العبادة خارجا بايجاد الطبيعة المأمور بها في ضمن فرد خاص، مع ان الطبيعة والفرد موجودان بوجود واحد، فيلزم على ما ذكرت من استناد الخصوصيات الفردية دائما الى الدواعى النفسانية، ان يكون هذا الوجود الواحد مستندا الى المجموع المركب من داع الهى وداع نفسانی، ضرورة ان استفاده الى كل منهما مستقلا مستلزم لاجتماع علتين مستقلتين على معلول واحد شخصى، واستناده الى احدهما مستلزم للمترجيح بلامرجح و كلاهما محالان فلابد ان يكون مستندا الى المجموع، مع انه يعتبر في وقوع العمل عبادة الخلوص ، بان يكون الموجب لانبعاث المكلف نحوه هو الداعى الالهي ليس الا ، ولازم ذلك هوانه لوانضم الى الداعى الالهي دواع اخر نفسانية ، ان يكون العمل باطلا لعدم وقوعه عبادة.
ص: 35
وحل هذا الاشكال هوان الضمائم المباحة التي كلامنا الان فيها، تارة تكون باعثة على الخصوصية الفردية من دون ان يكون لها دخل في اتيان الطبيعة المأمور بها اصلا واخرى يكون لها دخل فى اتيان الطبيعة المأمور بها، والقسم الأول على قسمين، الاول ان يكون باعثيته على الخصوصية الفردية في طول باعثية الداعي الالهي على ايجاد نفس الطبيعة المأمور بها وتابعة لها، وهذا كما اذا لم يكن للمكلف داع لاستعمال الماء اصلا، لكن توجه اليه الامر بالوضوء وصار داعيا له الى استعماله، ثم صار تنفره و انزجاره طبعا عن استعمال الماء الحار في الصيف، داعيا له الى الوضوء بخصوص الماء البارد. الثانى ان تكون باعثيته على الخصوصية الفردية في عرض باعثية الداعى الالهى على ايجاد نفس الطبيعة المأمور بها، وهذا كما اذا كان من قصده غسل وجهه بالماء البارد للتبرد، ثم توجه اليه امرتوضأ فتوضأ بخصوص الماء البارد، لا ينبغي الاشكال في صحة العمل و وقوعه عبادة في القسم الاول، لان الباعث فيه على ايجاد الطبيعة المأمور بها ليس الا امتثال امره تعالى بايجادها، بحيث لولم يكن امره به لم يكن له داع على ايجادها اصلا، وانما دعاه انزجار طبعه عن استعمال الماء الحار الى اختيار الوضوء بخصوص الماء البارد، و مجرد كون الخصوصية الفردية بداع نفساني لا يضر بصحة العبادة، بل مقتضى التخيير عقلا في (بين) افراد الطبيعة المأمور بها فيما كان المطلوب صرف الوجود منها ، هو تفويض الخصوصيات الفردية الى الدواعى النفسانية للمكلف ، بعد عدم اقتضاء الامر بالطبيعة ایجاد فرد خاص منها ، كيف والالم تتحقق عبادة في العالم اصلا كما مر بيانه انفا وهو خلاف الوجدان.
و اما ما ذكر فى الاشكال من انه اذا كانت الخصوصيات الفردية دائما مستندة الى الدواعى النفسانية، يلزم ان يكون هذا العمل الخاص مستندا الى المجموع المركب من داع الهى وداع نفساني، مع انه يعتبر في صحة العمل و وقوعه عبادة الاخلاص وكون الداعى الالهى هو الموجب لانبعاث العبد على ارادة اتيان العمل.
ففيه ان هذا العمل الخاص لو سلمنا كونه خارجا شيئا واحدا له وجود واحد
ص: 36
لكنه لا شبهة فى انه ينحل عقلا الى الطبيعة والعوارض المشخصة ، ويكون ايجاد اصل الطبيعة بداعى امر الشارع، و خصوصية كونها في ضمن هذا الفرد بداع نفساني، فالموجب لانبعاث المكلف على اتيان المأمور به الذي هو صرف الوجود ليس الا الداعى الالهى، وقد مر فى مبحث النية وسيجئ انشاء الله تعالى انه لا يستفاد مما استدلوا به على اعتبار الاخلاص في العبادة ، ازيد من اعتبار كون انيان نفس ما امر به الله تعالى بداعی امره.
واما القسم الثانى اعنى ما يكون باعثيته على الخصوصية الفردية في عرض باعثية الداعى الالهى على ايجاد نفس الطبيعة، فهو على قسمين، و ذلك لان الخصوصية الفردية التي تكون متعلقا للغرض النفساني، قد تكون اعم من وجه من متعلق الامر، كما اذا كان متعلق غرضه النفساني هو الكون في المسجد لما يترتب عليه من فائدة دنيوية، وكان متعلق الأمر هو الصلوة، فمادة الافتراق من جانب متعلق الغرض هو الجلوس فى المسجد، و مادة الافتراق من جانب متعلق الامر هو الصلوة في الحمام مثلا، ومادة الاجتماع هو الصلوة فى المسجد، وقد تكون اخص من متعلق الامر، كما اذا كان متعلق غرضه النفساني هو خصوصية كون صلوته في المسجد وبعبارة اخرى الصلوة على هذا الوجه الخاص وكان متعلق الامر هو الصلوة مطلقا.
فالقسم الاول الظاهر عدم الاشكال فى صحة العبادة فيه فيمورد الاجتماع ايضا لان الصلوة في المسجد تنحل الى طبيعة الصلوة وخصوصية كونها في المسجد، ويكون ایجاد اصل الصلوة بداعى امرصل وخصوصية كونها فى المسجد بداع نفسانی و توهم ان الكون الصلوتي فيمورد الاجتماع وهو الصلوة في المسجد يكون متحدا مع الكون فى المسجد، فيلزم ان يكون الكون الصلوتى مستندا الى داع الهى وداع نفساني فلا يصح عبادة. مدفوع بان الكون الصلوتى ليس الاعبارة عن افعالها من الركوع والسجود وغيرهما، ولا شبهة فى ان كون هذه الافعال فى المسجد يكون ككونها فى الحمام من العوارض المشخصة لها.
وأما القسم الثاني فقد يشكل في صحة العبادة فيه فيمورد الاجتماع اعنى
ص: 37
الصلوة فى المسجد، و ذلك لان الصلوة في المسجد و انكانت منحلة الى طبيعة السلوة و خصوصية كونها في المسجد، لكن حيث يكون متعلق غرضه النفساني الصلوة المتخصصة بهذه الخصوصية، فيكون غرضه النفسانى داعيا الى ايجاد طبيعة الصلوة على هذا الوجه الخاص، فيكون نفس ما اتى به من الصلوة مستندا الى مجموع الداعيين، وهذا بخلاف القسم الاول فان خصوصية كون الصلوة في المسجد لم تكن بخصوصها متعلقا للغرض النفسانى، بل كان المتعلق له هو الكون في المسجد الذي عرفت انفكاكه عن الصلوة، فلا تكون باعثية الداعى النفساني عليه ملازمة لباعثيته على طبيعة الصلوة، لامكان تحققه بمجرد الجلوس فى المسجد، فصلوته في المسجد فيهذا الفرض وانكانت متحققة بواسطة مجموع الداعيين، لكنها بعد انحلالها يستند كل من الصلوة وخصوصية كونها في المسجد الى داع يخصه ولا يشترك معه داع اخر فيه هذا.
ولكن لا يخفى ان هذا الاشكال مبنى على تسليم اعتبار الخلوص بالمعنى المذكور فى العمل العبادي، وللمنع فيه مجال، و ذلك لمنع توقف تحقق الاطاعة المعتبر قصدها في صحة العبادة على كون الداعى الالهى مؤثرا فى البعث على ارادة العمل بنحو الاستقلال ومن دون ضم داع اخراليه، بل يكفي في تحققها كون الداعي الالهى تاما في الداعوية والبعث على ارادته، بحيث لولم يكن هناك داع اخر لاثر فى البعث عليه، كيف ولوكان استقلاله فى التاثير فى البعث نحو العمل معتبرا في تحقق الاطاعة ، للزم فيما اذا كان لعبد سیدان و امره كلاهما بعمل واحد فاتى العبد بذلك العمل بداعى امتثال امرهما ، ان لا يكون ممتثلا لواحد منهما وهو كماترى.
و اما ما استدل به على اعتبار استقلال الداعى الالهى في البعث على العمل في العبادات عقلا وشرعا، من قاعدة الاشتغال والايات والاخبار الدالة على اعتبار الاخلاص فى العبادة، فمخدوش جدا ، اما قاعدة الاشتغال، فلما حققناه في الاصول في مقام تاسيس الاصل في دوران الواجب بين كونه تعبديا او توصليا، من ان مقتضى الاصل هو التوصلية ، و أن تطبيق المامور به على الغرض الداعي الى الامر من وظيفة المولى
ص: 38
لا العبد، فعلى المولى الأمر ان يبين ما هو محصل لغرضه ولو ببيان مستقل ويامر به وعلى العبد تحصيل ما بينه المولى و امربه، فمالم يبينه المولى مما كان بيانه وظيفة له، فالاصل البرائة عنه و ان احتمل كونه دخيلا في حصول غرضه. و اما الايات التي استدل بها على لزوم الاخلاص في العبادة، كقوله تعالى : وما امروا الاليعبدوا الله مخلصين له الدي، و قوله تعالى: انی امرتان اعبدالله مخلصا له الدين، وقوله تعالى: فاعبدالله مخلصا له الدين، فلانها لادلالة لها الا على وجوب تلخيص الدين له تعالى كما قال تعالى: الا ان الله الدين الخالص، لا على وجوب تلخيص العبادة و على تقدير دلالتها على وجوب الاخلاص في العبادة، فالمراد منه هو عدم جعل الشريك له تعالى فيها، فهذه الايات في مقام المنع عن جعل الشريك له تعالى فى العبادة كما يفعله عبدة الأوثان، لا فى مقام اعتبار استقلال الداعى الالهي في البعث على العمل فى العبادات. واما الاخبار التي استدل بها على ذلك، كالاخبار الدالة على حصر العباد فيمن يعمل طمعا في الجنة ومن يعمل خوفا من النار ومن يعمل حبالله او لكونه اهلا للعبادة، فهى فى مقام بيان بطلان العمل المستند الى غير هذه الامور بدلا عنها، فلا دلالة لها على بطلان العمل المستند الى احد هذه الامور والى داع اخر كي تكون دليلا على اعتبار استقلال الداعى الالهى فى البعث على العمل في العبادات ، بل يمكن الاستدلال على عدم اعتبار استقلاله فى ذلك ببعض الاخبار ، ففى حسنة زرارة قال :
سألت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل، يعمل العمل من الخير، فيراه انسان فيسره ذلك.
فقال علیه السّلام :
لاباس ما من احد الا وهو يجب ان يظهر له في الناس الخير.
وظاهر اطلاقها هو نفى الباس حتى فيما اذا كان الداعى النفساني مؤثراتاما بحيث لولم يكن له داع الهى لاثر فى البعث على العمل ايضا هذا وتأمل جيدا !
و اما قد يتوهم من ان مقتضى الاصل هو اعتبار الاخلاص ولزوم كون الداعى
ص: 39
الالهی مستقلا في البعث على العمل، بتقريب ان اتيان العمل بداعي الامر و انكان من الخصوصيات المتوقفة على الامر فلا يمكن اخذه قيدا في متعلقه لحاظا ، الا ان الامر الذي هو بعث تشريعي للمكلف نحو العمل ، يكون كالبعث التكويني في عدم تاثيره الا في الانبعاث المستند الى نفسه، كما ان النار مثلا لاتكون مؤثرة الا في الاحتراق المستند الى نفسها، وخصوصية استناد الانبعاث الى البعث، و انكانت من الخصوصيات المتاخرة رتبة عن البعث المتاخركك عن العمل المبعوث عليه، ضرورة انه مالم يحصل عن البعث انبعاث فى الخارج لا يتصف بكونه مستندا الى البعث، فلا يمكن اخذ هذه الخصوصية قيدا في العمل المبعوث عليه المتقدم رتبة عليها بمرتبتين الاعلى وجه دائر ، لكن يمكن ان يكون لها دخل فى مطلوبية العمل لبا ، بتقريب أن الأمر لما لاحظ ان الامر لا يكون مؤثرا فى المكلف المطيع الا الانبعاث المستند الى نفس ذاك الامر ، دعاه هذا اللحاظ الى الأمر بذات العمل من جهة عدم انفكاك الامر به عما هو المطلوب الاصلى من انبعاث المكلف على اتيان العمل بالانبعاث المستند الى الامر به، و بعبارة اخرى امر بذات العمل فى لحاظ استناده الى الامر لا مفيدا به ، بحيث لولاحظ انفكاك امره به عن هذا النحو من التاثير ، لوجود داع نفسانى للمكلف يبعثه نحو العمل ولولم يكن هناك امر به من قبل الشارع ، لما امر بذات الفعل و لم يكن مطلوبا له اصلا ، فاذا امكن ان يكون لخصوصية الانبعاث عن الامر دخل في مطلوبية العمل المأمور به ، فاللازم بحكم العقل اتيانه بداعى امتثال خصوص الامر، بحيث لا يكون المؤثر فى اتيانه الاداعى امتثال امره ، للشك في سقوط الامر مع اتيان العمل لابداعى خصوصه.
ففيه اولا ان الامر انما يكون ملحوظا بلحاظ الى للتوصل به الى تحصيل المأمور به ، ولحاظه بماهو مؤثر فى الانبعاث المستند اليه لحاظ استقلالي، ولا يمكن الجمع بينهما في لحاظ واحد و ثانيا سلمنا امكان الجمع بين اللحاظين المزبورين فى لحاظ واحد ، لكن مجرد امكان كون الامر ملحوظا للامر بماهو موثر فى الانبعاث المستند اليه ، انما يجدى فى تصحيح مدخلية ما يجيئ من قبل الأمر في المامور به
ص: 40
من دون استلزامه للدور، و اماكونه ملحوظا للامر كذلك كى يلزم بحكم العقل اتيان العمل المامور به بداعی خصوص امره بحيث يكون انيانه مستندا الى الامر مستقلا، فيحتاج الى دليل يدل عليه، ادمع عدمه يكون مقتضى الاصل البرائة عنه، لمامر من ان بيان ما يكون له دخل في المامور به او فى حصول الغرض منه من وظيفة الأمر الحكيم، فمع عدم بيانه ماله دخل فيهما يكون العقاب على الاخلال به عقابا بلابيان ومؤاخذه بلا برهان وهو قبيح عقلا ومنفى شرعا. فتبين مما ذكرنا انه ليس فيما بايدينا من الادلة ما يدل على اعتبار كون العمل العبادى مستندا الى الداعي الالهي مستقلا ، نعم يعتبر في العبودية ان يكون العبد بحيث يكون تأثير امر المولى في بعثه على العمل المامور به كتاثير العلة التامة التكوينية فى معلولها، ومن المعلوم ان العلة التامة التكوينية انما تؤثر فى وجود المعلول بالاستقلال مع انحصار العلة بها، والا فيكون وجوده مستندا الى مجموع العلتين، لامن جهة حدوث نقص لهما بسبب الاجتماع يمنع من تأثيرهما فيه بالاستقلال، بل من جهة عدم قابلية معلول واحد للاستناد الى علتين مستقلتين فى التأثير وكون استناده الى احديهما دون الاخرى ترجيحا بلا مرجح، فكما ان فى العلل التامة التكوينية لا يكون استناد المعلول الى مجموع العلتين مضرا بتمامية كلواحدة منهما في العلية، كذلك استناد العمل العبادي الى الداعى الالهى والنفساني، لا يضر بتمامية الداعي الالهي في التأثير وكونه بحيث يؤثر في تحريك المكلف و بعثه نحو المأمور به ولولم يكن له داع و غرض نفسانى فى اتيانه اصلا نعم لوتم ما ادعى من الاجماع على اعتبار الاخلاص في العبادة وكون المؤثر فى إيجاد العمل هو الامر الالهى مستقلا ، للزم الاشكال في صحة العبادة في القسم الثالث، لما عرفت من استناد نفس المأمور به فيه الى مجموع الداعيين، وطريق التخلص عنه منحصر بما افاده الاستاد دام ظله، من ان الداعى النفساني على ايجاد عمل، لا يكون علة تامة لارادة ذاك العمل ولو اشتاق اليه الانسان نهاية الاشتياق، كيلا يمكن احداث المانع عن تأثيره فيها، كيف والالزم عدم صحة نهى الانسان عما يشتاق اليه وهو كما ترى، سلمنا كونه علة تامة لارادته بحيث تحصل
ص: 41
ارادته قهرا عقيب اشتياقه اليه، لكن نمنع عن كون الارادة علة تامة، لايجاد العمل بحيث يترتب عليها ايجاده قهرا، والالزم عدم صحة نهى الانسان عما الانسان عما يريده ولا امره به لانهما انما يصح توجيههما الى امر مقدور، بل المسلم هو كونها من قبيل المقتضى لا يجاد الفعل، ولذا لا تكون مؤثرة في إيجاده فيما اذا كان هنا مانع عن ايجاده ولم يعلم به المريد لايجاده، فانه يريده مع انه لا يترتب على ارادته ، كثيرا للانسان ان يعرضه شوق اكيد وارادة جزمية محركة له الى اتيان عمل لما يترتب عليه من الفوائد والاغراض النفسانية ، لكن يحدث حين الشروع فى ذاك العمل او في اثنائه مانع يصرفه عن عن اتيانه او اتمامه، كما اذا صادف انسان عدوه في مكان و حصل له الشوق الأكيد الى قتله لما يترتب عليه من تشفى القلب او دفع الشر، وحصلت له عقیب اشتياقه الى قتله الارادة المحركة الى سل السيف ليقتله، فلماسل السيف ورفعه ليضرب به عدوه التفت الى ان جمعا من اقرباء العدو مقبلين اليه ، فانه ينصرف فورا خوفا منهم عن قتله ويفر من ذاك المكان ، وكذا اذا صادف مالا خطيرا في محل واشتاق الى سرقته لما يترتب عليه من الفوائد الكثيرة ، فلما مديده لاخذ ذاك المال التفت الى ان صاحب المال مقبل اليه شاهرا سيفه ، فانه يدع المال و يفر عن ذاك المحل خوفا من صاحبه ، وكذا اذا اشتاق اشتياقا اكيدا الى اكل غذاء لذيد فصار بصدد تحصیله ، فلما حصله و مديده ليتناوله اخبره طبيب بكونه مضرابه ، فانه يدع ذاك الغذاء و ينصرف عن تناوله خوفا عن ضرره ، و كذا اذا اشتاق اشتياقا شديدا الى وطى امرأة فلمادنى منها التفت الى انها ذات علة مسرية فانه يفرعنها في ساعته ، الى غير ذلك من الموارد التي يحصل للانسان شوق اكيد الى عمل و ينبعث له منه الارادة الى اتيان ذاك العمل لكن يصرفه مانع عن اتيانه ، فاذا امكن للانسان رفع اليد والاغماض عما اشتاق اليه واراده من الاغراض الدنيوية مع كمال اشتياقه اليها امكن له فيما دعاه غرضه النفسانى الدنيوى الى اتيان عمل عبادي، رفع اليد عن ذاك الغرض والاغماض عنه والاتيان بذاك العمل خالص الله تعالى ، و اما حسنة زرارة المتقدمة فلا دلالة لها على عدم افساد الداعى النفساني للعبادة فيما كان له دخل في
ص: 42
اصل العمل، بل صريح قوله علیه السّلام في ذيلها اذا لم يكن يصنع ذلك لذلك اى ذلك العمل لرؤية الغير ، هو البطلان كما لا يخفى ، فهذه الرواية فى مقام بيان ان حب رؤية الغير لعمله و سروره بذلك من دون ان يكون ذلك محركا له على ارادة ايجاد العمل اوذا دخل فى ارادته لا يكون موجبا لفساد عمله ، و بعبارة اخرى في مقام بيان ان السرور برؤية الناس لا يضر بصحة العمل بعد كون اتيانه مستندا الى الداعي الالهي مستقلا.
ومما ذكرنا ظهران الأقوى هو بطلان العبادة فيما كان للضمائم المباحة دخل فى ايجاد اصل الطبيعة المأمور بها ، من غير فرق فى ذلك بين ما اذا كان كل واحد من الداعى الالهى والنفساني جزء للداعى على ايجاد العمل العبادي ، بحيت يحتاج كل واحد منهما في الباعثية على ايجاده الى ضم الاخر اليه ، او كان كل واحد منهما تاما في الباعثية بحيث لولم يكن الاخر لاثر فى البعث على ايجاده ، اوكانا مختلفين بانكان احدهما تاما في التاثير والاخر محتاجا فيه الى الضميمة ، و ذلك لعدم تحقق الاخلاص المعتبر في العبادة في شئ من الصور كما هو واضح ، هذا تمام الكلام في الضمائم المباحة.
و اما الضمائم المحرمة ، فتارة تكون منهيا عنها في خصوص العبادات، كالرياء بناء على اختصاص حرمته بها وعدم حرمته فى التوصليات، و اخرى لاتكون كك ويجرى في كلا القسمين ماذكرناه من الاقسام فى الضمائم المباحة، من انها تارة تكون باعثة على الخصوصيات الفردية ودخيلة في ترجيح بعض افراد الطبيعة المأمور بها على بعض ، واخرى يكون لها دخل في ايجاد اصل الطبيعة المأمور بها، والمقصود بالبحث هنا هو القسم الاول اعنى ما يكون منهيا عنه في خصوص العبادات . فنقول : لا اشكال في حرمة الرياء وكونه موجبا لفساد العمل المرائي فيه في الجملة على المشهور ذلك للاخبار الدالة على ان عمل المرائى مردود مكتوب في صحايف السيئات و موجب للدخول فى النار، والدالة على عدم قبول العمل المرائى فيه ، و ظاهر عدم القبول عرفا هو الفساد وعدم الاجزاء ، واستعماله احيانا في قلة النواب والفضل لا يوجب
ص: 43
رفع اليد عن ظهوره العرفى، مضافا الى ان الخدعة مع الله تعالى باتيان العمل صورة له تعالى و باطنا لغيره تكون من اقبح القبائح عقلا ، فيكون محرما شرعا و مبطلا للعمل قطعا مطلقا كان عنوان الرياء منحصرا بالعبادات اولا ، اما على الأول ، فلان النهى عنه حيكون من قبيل النهى فى العبادة الذى لا شبهة فى اقتضائه للفساد ، لعدم امكان حصول القرب الى الله بالعمل الذي نهى عنه تعالى وجعله مورد السخطه ومبعدا عن ساحته رحمته ، ومعه لا يتمشى قصد التقرب الذى هو معتبر في العبادة بذلك العمل ضرورة انه لا معنى لقصد التقرب اليه تعالى بما يكون مبغوضا له ومبعدا عنه و اما على الثانی ، فلان النهى عنه ح و انكان مستلزما لاجتماع الامر والنهي في العبادة ، لكن لا ينفع القول بجواز اجتماعهما في المقام ، اذ لا اختلاف في متعلقهما في المقام الا بحسب الداعى حيث ان المنهى عنه في المقام ليس الا الصلوة لداعى الرياء، فتدبر جيدا ! فلاوجه لما قيل من ان الرياء هو القصد الى ايجاد العمل للخلق ، فهو نظير التجرى في عدم كونه موجبا الا للقبح الفاعلى اوهو مع حرمة العمل الجانحي اعنى القصد ، دون العمل الخارجي المقصود به الخلق كي يوجب فساده من جهة عدم امكان حصول القرب بالمنهى .
وانما وقع الاشكال و الخلاف في ان الرياء، هل يكون مبطلا للعبادة مطلقا ولو فيما كان له دخل فى ترجيح بعض خصوصيات العمل على بعض ، او يكون مبطلا في خصوص ما اذاكان له دخل فى اتيان اصل العمل، ومنشاء الخلاف الاختلاف فيما هو المستفاد من الاخبار الناهية عن الرياء فى العمل، فلابد اولا من ذكر جملة من الاخبار الواردة فى الباب، ثم التكلم فيما يمكن استفادته منها . فنقول:
منها رواية ابى بصير عن ابيعبد الله علیه السّلام.
يجاء بالعبد يوم القيمة قد صلى ، فقال :
يارب ، قد صليت ابتغاء وجربك.
فيقال له :
بل صليت ليقال ما احسن صلوة ، فلان اذهبوا به الى النار.
ومنها ما رواه على بن سالم عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال علیه السّلام : يقول الله عز وجل:
ص: 44
انا اغنى الاغنياء عن م-ن اشرك معى غيرى فى عمل لم اقبله ، الا ما كان لي خالصا.
ومنها رواية السكونى عنها علیه السّلام ايضا، قال علیه السّلام، قال النبى صلی الله علیه و آله و سلّم:
ان الملك ليصعد بعمل العبد مبتهجابه فاذا صعد بحسناته يقول الله عزوجل اجعلوها فى سجين فانه لیسایای اراد.
و منها صحيحة زرارة وحمران عن ابيجعفر علیه السّلام قال :
لوان عبدا عمل عملا يطلب به وجه الله والدار الآخرة وادخل فيه رضا احد من الناس كان مشركا.
ومنها رواية محمد بن يعقوب باسناده عن ابيعبد الله علیه السّلام.
ما يصنع احدكم ان يظهر حسنا ويسر سيئا اليس يرجع الى نفسه فيعلم ان ذلك ليس كك، والله عز وجل يقول : بل الانسان على نفسه بصيرة .
ومنها رواية داود عن ابی عبدالله علیه السّلام :
من اظهر للناس ما يحب الله عزوجل و بارز الله بماكرهه لقى الله وهو ماقت له ، الى غير ذلك من الاخبار التى تكون بهذه المضامين.
ولا يخفى عدم دلالة شئ منها على بطلان العمل بادخال الرياء فيه مطلقا ولو كان ادخاله فى الخصوصيات الخارجة المنضمة الى العمل وكان في طول الداعى القربى المتعلق باصل العمل، اما عدم دلالة رواية ابى بصير ، فلان الظاهر من قوله تعالى فيها بل صليت ليقال ما أحسن صلوة فلان؛ انه اضراب عن قول العبد يارب قد صليت ابتغاء وجهك، فيكون معناه انك ماصليت ابتغاء لوجهى بل صليت لطلب المنزلة عند الناس، ومن المعلوم ان نفى كون الصلوة لوجهه تعالى، انما يصح فيما اذا كان طلب المنزلة عند الناس داعيا الى ايجاد اصل طبيعة الصلوة، ضرورة انه لوكان داعياً البعض خصوصياتها الخارجة عنها، وكان الداعى الى ايجاد اصلها هو امتثال امره تعالى فقط، يصدق قطعا انه صلى لوجه الله تعالى، وح كان لذلك العبدان يقول يارب انت تعلم انى ماصليت الا ابتغاء لوجهك، وانما اخترت مكانا مخصوصا لاتيان الصلوة التي أمرتني بها واتيت بها امتثالا لامرك، ليرى بعض الناس هذا العمل المانى لامتثال امرك و يمدحوني عليها. و اما عدم دلالة رواية على بن سالم و رواية السكوني ،
ص: 45
فلان المستفاد من الاولى هوان المناط فى النهى عن ادخال الرياء في العمل استلزامه جعل الشريك له تعالى فيه ، والمستفاد من الثانية هو ان المناط في النهى عنه استلزامه للحذعة معه تعالى باتيان العمل صورة له تعالى و باطنا لغيره ، و من المعلوم عدم استلزام الرياء جعل الشريك له تعالى ولا الحذعة مع، فيما اذا كان له دخل في ترجيح بعض خصوصيات العمل على بعض، وذلك لان معنى جعل الشريك له تعالى فى العمل او الخدعة معه تعالى فيه، هواتیان ما امر به تعالی بداعی امره و بداعی ارائته للغير، اواتیانه ظاهر ابداعی امره تعالی و باطنا بداعی ارائته للغير، و من البديهى ان ما امر الله تعالى به وهو اصل الطبيعة المامور بها، لم يات بها الابداعی امره تعالی ظاهراً وباطناً فلم يجعل له تعالى شريكا فيما طلبه و امر به من اصل الطبيعة ولاخادعه فيه، بلانما جعل الرياء غاية لبعض خصوصياته الخارجة عن المطلوب وعن دائرة الطلب، فلانتكون الخصوصية الفردية المقصود بها الرياء منهيا عنها ومحرمة، كي يوجب بطلان العمل المتخصص بها لمكان اتحاده معها الموجب لسراية النهى منها اليه، نعم لو كانت الخصوصية المقصود بها الرياء من الخصوصيات المستحبة ككون الصلوة فى المسجد، لكانت محرمة وموجبة لبطلان اصل العمل واما عدم دلالة صحيحة زرارة وحمران، فلان غاية ما يمكن ان يقال في تقريب استفادة بطلان العمل بادخال الرياء فيه مطلقا منها، هوانه لاشبهة فى ان الظاهر من العمل في قوله علیه السّلام، لوان عبدا عمل عملا هو العمل الخارجى، وح فيكون مقتضى اطلاق قوله علیه السّلام وادخل فيه رضا احد الناس كان مشركا ، هو بطلان العمل بادخال رضا الغير فيه مطلقا ولو كان ادخال رضاه فى خصوصية العمل و فى طول الداعى الالهى المتعلق باصل العمل، ضرورة انه يصدق عليهذا العمل الخاص الخارجى انه عمل ادخل فيه رضا غيره تعالى، وفيه ان ظاهر قوله للعمل عملا و انکان هو العمل الخارجى، لكن عرفت ان العمل الخارجى ينحل الى خصوصية فردية و الى المتخصص بها ، و ما يكون مطلوبا به
وجه الله والدار الآخرة الذى دلت هذه الصحيحة على ان ادخال رضا الغير فيه شرك، ليس هى الخصوصية الفردية بل أصل العمل المتخصص بها ، فالشرك انما يلزم لو ادخل
ص: 46
رضا الغير فى اصل العمل الذي يطلب به وجه الله، لا فى خصوصيته التي تكون خارجة عن مطلوبه تعالى وغير مطلوب بها وجهه، اللهم الا ان يقال ان الخطابات الشرعية منزلة على ماهو المتفاهم منها عرفا، والعرف لا يرى هذا العمل الخارجى الاشيئا واحدا، فكما اذا اتاه المكلف طلبا لوجه الله تعالى يصدق عليه انه مطلوب به وجهه تعالى من غير تفكيك بين اصل العمل وخصوصيته الفردية، كذلك لو ادخل فيه رضا غيره تعالى يصدق عليه انه المدخول فيه رضا غيره تعالى من غير تفكيك بين اصل العمل و خصوصيته الفردية، فادخال رضا الغير في الخصوصية الفردية وان لم يكن شركا بحسب الدقة العقلية، لكنه شرك بحسب نظر العرف فيكون محرما موجبا لبطلان اصل العمل المتخصص بتلك الخصوصية فتدبر! هذا مضافا الى امكان المنع عن تحقق الرياء خارجا الا فى نفس العمل دون خصوصيانه الوجودية، ضرورة انه فيما اذا جهر بصلوته اواتى بها في المراى ليرى الناس عمله فيمدحونه وتعظم رتبته و منزلته عندهم، ليس المرائى فيه نفس الجهر بالصوت ولا الحضور في المراى ، اذ المدح والتعظيم لا يترتبان عليهما قطعا ، بل على المتخصص بهما و هو نفس الصلوة و انما يكون الجهر بالصوت فيها والاتيان بها في مراى الناس توصلا بهما الى اطلاعهم على صلوته، فنفس الصلوة تكون المرائى فيها لاخصوصية كونها جهرية اوماتيابها في مراى الناس، ولعل ما ذكرنا هو الوجه في تعميم شيخ مشايخنا الانصارى اعلى الله مقامه، بطلان العمل بضم الرياء، لما اذا كان دخيلا في ترجيح بعض خصوصياته علی بعض، حيث قال قده في كتاب الطهارة: ما هذا لفظه الثالث لافرق في بطلان العمل بضم الرياء بين دخله في اصل العمل او في ترجيح بعض افراده على بعض، فليس الرياء كالضميمة المباحة التي تقدم انها لا تقدح في ترجيح بعض الافراد على بعض، والوجه فيه واضح فان الامر بالكلى انما يلزم منه التخيير في الافراد المباحة دون مطلق الافراد حتى المحرمة. انتهى موضع الحاجة من كلامه. فلايرد عليه قده ما اورده الاستاد دام ظله ، من ان الامر بالكلى و ان لم يلزم منه التخيير بين مطلق الافراد حتى المحرمة منها، لكن ليس فى الاخبار الواردة فى الباب ما يدل على حرمة
ص: 47
الرياء في خصوصيات العمل ايضا، كي يكون الفرد المتخصص بالخصوصية المرائى فيها محرما لا يسرى اليه الأمر بالكلى هذا وتبصر!
ثم انك بعد ما عرفت من عدم انفكاك الرياء فى الخصوصيات الفردية عن الرياء فى نفس الطبيعة المأمور بها، بل عدم تحققه الا في نفس الطبيعة دون خصوصياتها الفردية، لا يهمنا التعرض لعدم دلالة باقى الروايات على بطلان العمل بادخال الرياء فيه مطلقا كما لا يخفى.
بقى الكلام فى الضمائم الراجحة، فنقول: قال شيخ مشايخنا المرتضى قده في المقام ما هذا لفظه، المقام الثالث في الضميمة الراجحة والظاهر انها لاتخل بالعبادة وفى المدارك عدم الخلاف فى الصحة هنا، وعن شرح الدروس الاتفاق عليه، وهوغير بعيد لانها تؤكد القربة المقصودة بهالتاكد الطلب المتعلق بها من حيث تحصيل الراجحين بها، لكنها انما توجب التأكيد اذا كان المقصود الاصلي هو الوضوء والضميمة من قبيل المشوق والمرغب اليه، اما لو انعكس الامر وكان ذلك الراجح هو المقصود الاصلي، ففى تحقق الاطاعة بالوضوء نظر. انتهى كلامه رفع في الخلد مقامه.
اقول : لا ينبغي الاشكال في صحة العبادة فيما اذا كانت الضميمة الراجحة دخيلة في ترجيح بعض خصوصيات العمل على بعض، ضرورة ان الضميمة الراجحة لولم تكن احسن حالا من الضميمة المباحة التى قد عرفت عدم اخلالها بصحة العبادة فيما كانت دخيلة في ترجيح الخصوصيات لا تكون اسوء حالا منها، و اما اذا كانت الضميمة الراجحة دخيلة في اتيان اصل العمل، فقد يشكل فيما افاده قده بانه انکان اتیان العمل بداعى القربة مطلقا و باى عنوان حصل كافيا في صحته و وقوعه عبادة، فاللازم هو الحكم بالصحة حتى فيما كان المقصود الاصلى تلك الضميمة الراجحة، و كان عنوان الوضوء من قبيل المشوق والمؤكد، بل اللازم هو الحكم بالصحة فيما كانت الضميمة الراجحة تمام المقصود و مستقلا في الباعثية ، فلاوجه لتقييده قده الصحة يكون المقصود الاصلى خصوص عنوان المأمور به والضميمة من قبيل المشوق
ص: 48
والمرغب اليه، وانكان لابد فى صحة العمل و وقوعه عبادة من اتيانه بداعي التقرب بخصوص عنوان ذاته، فيكون اتيانه بداعى التقرب بعنوان ذاته وبعنوان اخر راجح منطبق عليه مضرا بصحته و وقوعه عبادة، ولو فيما كان ذاك العنوان الاخر الراجح من قبيل المؤكد والمشوق، وكان المقصود الاصلي هو عنوان ذات العمل المأمور به، فح ينتفى الفرق بين الضمائم المباحة والراجحة، لاشتراكهما في عدم الاخلال بصحة العمل فيما اذا كان لهما دخل في ترجيح الخصوصيات، والاخلال بصحته فيما كان لهما مدخلية في اصل العمل ، اللهم الا ان يكون هناك اجماع على عدم كون الضمائم الراجحة مخلة بصحة العبادة مطلقا، هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله في الاشكال على الشيخ الانصارى قده، و يمكن التفصى عن هذا الاشكال بان هنا شقا، وهو ان يكون المعتبر في صحة العبادة هو اتيانها بداعي التقرب بعنوان ذاتها، لكن لا بشرط عن التقرب بها بعنوان راجح منطبق عليها ايضا هذا مع ان ما افاده دام ظله من ان اللازم على فرض كفاية اتيان العمل العبادى بداعى القربة مطلقا وباى عنوان حصل فى صحته، هو الحكم بالصحة فيما كانت الضميمة الراجحة تمام المقصود و مستقلة في البعث عليه، انما يتم فيما لم يكن العمل العبادي من الامور القصدية المتوقف تحققها على القصد، ضرورة انه اذا كان العمل العبادي من الامور القصدية كالوضوء والصلوة، لايصير بالاتيان به لابداعى التقرب به بعنوانه بل بعنوان اخر راجح منطبق عليه، متحققا في الخارج كي يكون امتثالا لامره اولا يكون، بداهة ان من يغسل وجهه ويديه بداعى كونه تنظيفا راجحا شرعا، لا يصدق عليه انه توضاً کي يكون ممتثلا لامر توضأ، وكذا من يكبر بداعى كونه ذكرا مستحبا و يقرء الفاتحة والسورة بداعى كونهما من القرآن ويركع ويسجد بداعى كونهما تعظيما له تعالى اوكونهما حركة محللة للغذاء وموجبة لحفظ صحة المزاج وهو حسن عقلا وشرعا ، لا يصدق عليه انه صلى كي يكون ممتثلا لا مرصل كما هو اوضح من ان يخفى.
ص: 49
فيما تنعقد به الجماعة، والمحل الذى يدرك فيه فضلها، والموضع الذى تدرك فيه الركعة وجملة من احكامها ، وتوضيح الكلام فيه يتم برسم مسائل ومقتضى الترتيب الذي ذكرناه وانكان التعرض اولالما تنعقد به الجماعة، ثم للمحل الذى يدرك فيه فضلها وهكذا ، الا ان الاستاد دام ظله حيث تعرض فى البحث اولا للموضع الذى تدرك فيه الركعة ، فالاولى ان نتعرض له اولا ايضا ، اقتفاء له دامت ایام افاداته ، فنقول مستعينا بالله تعالى :
المسئلة الاولى : ذهب المشهور الى انه تدرك الركعة بادراك الامام راكعا و ان لم يدرك ذكره فضلا عن تكبيره، خلافا للمحكى عن الشيخين من اعتبارهما ادراك الامام حال تكبير الركوع، وللمحكى عن العلامه من اعتباره ادراك الامام حال ذكر الركوع اى التسبيحة ، و مستند المشهور اخبار صحاح كثيرة: منها صحيحة سليمان بن خالد التي رواها الشيخ وثقة الاسلام قدس سرهما عن ابيعبد الله علیه السّلام، انه قال :
في الرجل اذا ادرك الامام و هو راكع و كبر الرجل وهو مقيم صلبه، ثم ركع قبل ان يرفع الامام رأسه، فقد ادرك الركعة .
ومنها صحيحة الحلبى عنه علیه السّلام، ايضا قال :
اذا ادركت الامام وقد ركع فكبرت و رکعت قبل ان يرفع الامام رأسه، فقد ادركت الركعة.
ومنها الاخبار الصحيحة الواردة فيمن دخل المسجد والامام راكع، فخاف
ص: 50
ان يرفع رأسه ان اخر الاقتداء به الى ان يلحق بالصف ، ففي صحيحة عبدالرحمن بن ابيعبد الله قال سمعت ابا عبد الله علیه السّلام يقول :
اذادخلت المسجد والامام راكع، وظننت انك ان مشيت اليه رفع رأسه فكبر و اركع ، فاذا رفع رأسه فاسجد مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف ، فاذا جلس فاجلس مكانك ، فاذا قام فالحق بالصف.
ومنها الاخبار الصحيحة الواردة في انتظار الامام في الركوع حتى يلحق به المأموم ، ففى رواية جابر الجعفي :
قال رجل لا بيجعفر علیه السّلام: انى امام مسجد الحي فاركع بهم واسمع خفقان نعالهم وانا راكع.
قال علیه السّلام:
اطل ركوعك فان انقطعوا والا فانصب قائما.
ومنها ما رواه الطبرسى فى الاحتجاج عن الحميري ، انه كتب الى الحجة عجل الله تعالی فرجه الشریف و ارواحنا له الفداء ، يسئله عن الرجل يلحق الامام وهو راكع فيركع معه ويحتسب بتلك الركعة ، فان بعض اصحابنا قال: ان لم يسمع تكبيرة الركوع فليس له ان يعتد بتلك الركعة
فاجاب علیه السّلام :
اذ الحق مع الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة ، اعتد بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع.
بناء على كون اشتراط ادراك تسبيحة واحدة من الركوع ، لاجل ما هو الغالب من ملازمة ادراك الامام فى الركوع مع ادراك تسبيحة واحدة منه فيكون اشتراط ادراكها كناية عن ادراك الركوع ، فيكون هذا الخبر متحدا بحسب المضمون مع الاخبار المتقدمة الدالة على كفاية ادراك اصل الركوع في ادراك الركعة ، الى غير ذلك من الاخبار الصريحة او كالصريح في كفاية ادراك الامام راكعا في ادراك الركعة و عدم اشتراطه بادراك تكبيرة الركوع معه ، والظاهرة باطلاقها في عدم اشتراطه با درا که حال ذکر الرکوع.
ص: 51
و مستند الشيخين جملة من الروايات: منها الصحاح المروية عن محمد بن مسلم عن البيجعفر علیه السّلام، ففي بعضها علیه السّلام :
لى ان لم تدرك القوم قبل ان يكبر الامام للمركعة فلا تدخل معهم .
وفي اخر . قال علیه السّلام:
لاتعتد بالركعة التى لم تشهد تكبيرها مع الامام .
وفي ثالث قال علیه السّلام:
اذا ادركت التكبيرة قبل ان يركع الامام فقد ادركت الصلوة.
ومنها الصحيحة المروية عنه أيضا، عن ابيعد علیه السّلام قال ، قال علیه السّلام: اذا لم تدرك التكبيرة الركوع فلا تدخل فى تلك الركعة.
ومنها الخبر المروى عن يونس الشيباني عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
اذا دخلت من باب المسجد فكبرت و انت مع امام عادل ثم مشيت الى الصلوة اجزاك ذلك ، فاذا الامام كبر للركوع كنت معه في الركعة، لانه اذا ادركته وهو راكع لم تدرك التكبير، لم تكن معه فى الركوع .
ومنها رواية الحلبى الواردة في الجمعة ، بناء على عدم الفرق بينها و بين سائر الصلوات فيهذا الحكم ، قال ، قال علیه السّلام.
اذا ادركت الامام قبل ان يركع الركعة الاخيرة فقد ادركت الصلوة، وان ادركته بعد ماركع فهى الظهر اربع ركعات .
ولا يخفى عدم صلاحية هذه الاخبار لمقاومة الاخبار الصحاح المتقدمة التي ادعى تواترها معنی، لا لمجرد اكثرية تلك الاخبار عددا من هذه، لان اكثرية العدد ليست من المرجحات المنصوصة، ولا تكون موجبة للظن الفعلى بصدورها، كى يستلزم الوهن في صدور هذه الموجب لعدم استجماعها لشرائط الحجية، بعد كون اكثر هذه هى الصحاح المستندة الى محمد بن مسلم بواسطة الثقات المعتمد عليهم عند الاصحاب، اذ معه لا يحصل الوهن في صدورها بمجرد اكثرية ما يدل من الروايات على خلافها كما لا يخفى . ولا لما قيل من ان مقتضى اقواثية الاخبار المتقدمة دلالة من الصحاح
ص: 52
المروية عن محمد بن مسلم، هو حمل النهى فيها عن الدخول في الصلوة اذا لم يدرك تكبيرة الركوع، على الكراهة بمعنى اقلية الثواب، وذلك لصراحة جملة من تلك الاخبار كصحيحة عبدالرحمن وغيرها في كفاية ادراك الامام راكعا في ادراك الركعة، وظهور النهي في الصحاح عن الدخول في الصلوة اذا لم يدرك التكبيرة، في الحرمة الوضعية اى عدم الكفاية ، و مقتضى الجمع العرفي بينها و بين الاخبار المتقدمة هو حمل النهى في الصحاح على الكراهة.
اذفيه انه ان كان المراد من اقلية الثواب اقليته بالنسبة الى الجماعة التي ادرك فيها الامام حال التكبيرة، كما هو الظاهر بل المتعين، بعد كون ارادة اقلية الثواب بالنسبة الى الفرادي، مرجعها الى عدم استحباب الجماعة بهذه الكيفية رأسا المنافي للأمر بإدراكها في الاخبار المتقدمة. ففيه ان مجرد كون هذه الجماعة اقل ثوابا بالنسبة الى الجماعة المدرك فيها الامام حال التكبير ، لا يوجب النهي عن الدخول فيها المستلزم لتفويتها عن المكلف ، وحملها على ما اذا تمكن من ادراك الامام حال التكبير فى الركعات اللاحقة ، لا يجدى فى جبران مافات منه من الجماعة
فيهذه الركعة، وحملها على ما اذا كان هناك جماعة اخرى يتمكن معها من ادراك الامام حال التكبير ، بعيد جد الاستلزامه حمل هذه الاخبار الكثيرة على صورة نادرة وهو كما ترى . و ابعد من هذا الجمع ، الجمع بينهما بتقييد الاخبار السابقة بهذه ، و حمل مادلت عليه من كفاية ادراك الامام راكعا على ما اذا ادرك التكبيرة معه ايضا ، وذلك لعدم امكان حمل تلك الاخبار عليهذه الصورة ، اما عدم امكان حمل ما كان منها صريحا في عدم ادراك التكبيرة كصحيحة عبد فواضح واما عدم امکان حمل ما كان منها ظاهرا باطلاقه فى عدم ادراك التكبيرة على هذه الصورة ، فلانها في مقام التحديد ، فلا يصح حملها على ما اذا ادرك التكبيرة ايضا ، كما هو الشأن في تعارض المطلق والمقيد من حمل المطلق على المقيد ، وذلك لان حمل تلك المطلقات الدالة على ان اقل حد يدرك به الركعة هو ادراك الامام راكعا، على مادل على اعتبار الازيد من ذلك من التكبير وذكر الركوع، موجب لالغاء المطلقات راسا بل لا بد من حمل
ص: 53
مادل على اعتبار الازيد على الفضل ونحوه لا المعاملة معهما معاملة الاطلاق والتقييد كما هو واضح ، بل الوجه فى عدم مقاومة هذه الاخبار للسحاح المتقدمة الدالة على كفاية ادراك الامام راكعا ، هو اعراض المشهور عن العمل بمضمون هذه الاخبار الكاشف عن خدشة في جهة صدورها وكونها في مقام بيان حكم الله الواقعي ، كما يؤيد ذلك ظهور كلمة القوم في قوله علیه السّلام، في الصحيحة الأولى، لمحمد بن مسلم ان لم تدرك القوم .... الخ، فى العامة، وح يكون علیه السّلام عن الدخول معهم اذالم يدركهم قبل ان يكبر الامام ، للارشاد الى ان الاقتداء معهم في الركوع موجب لفوت القرائة التي يجب الاتيان بها سرا او يستحب على الخلاف فيما اذا كان الامام من المخالفين. هذا كله مضافا الى اشتمال الاخبار المتقدمة على ما يكون حاكما عليهذه الاخبار، وهو ما رواه في الاحتجاج عن الحميري، فان جوابه علیه السّلام فيها عن السؤال عن اختلاف الاصحاب في المسئلة و ان بعضهم يقول بعدم الاعتداد بالركعة التي لم يسمع فيها تكبيرة الركوع، بقوله علیه السّلام، انا الحق الامام من تسبيح الركوع تسبيحة واحدة اعتد بتلك الركعة وان لم يسمع تكبيرة الركوع ، يكون دليلا على تعين الاخذ بما دل على كفاية ادراك الامام حال الركوع ، وطرد مادل على اعتبار ادراك التكبيرة لانه ليس بصدد بيان الحكم الواقعي، فهو نظير الاخبار العلاجية الواردة في حكم الخبرين المتعارضين الامرة بالاخذ بما وافق منهما الكتاب او خالف العامة، في انها لا تعد في عرض المتعارضين لكونها ناظرة اليهما ومبنية لحكمهما. ومما ذكرنا ظهر عدم صلاحية خبر يونس و خبر الحلبى المتقدمين للمعارضة مع الاخبار الدالة على كفاية ادراك الامام راكعا ، ولو على تقدير تسليم ظهورهما في اعتبار ادراك التكبيرة مع الامام ، اذ للمنع عن ظهورهما فى ذلك مجال واسع، اما المنع عن ظهور خبر يونس، فلان الظاهر من قوله علیه السّلام في الصدر، اذا دخلت من باب المسجد فكبرت ثم مشيت الى الصلوة، هو ان المشى بعد التكبيرة لللحوق بالصف، وح فيكون المراد من قوله علیه السّلام في الذيل لانه اذا ادركته وهو راكع لم تدرك التكبير لم تكن معه في الركوع بقرينة كونه تعليلا للصدر ، هو انه لولم تكبر عند باب المسجد بلاخرته
ص: 54
الى ان لحقت بالصف والحال ان الامام راكع لم تدرك التكبير حال ركوعه، فلم تكن معه في الركوع فتدبر ! فهذا الخبر في مقام بيان ان من دخل المسجد والامام في حال القرائة فخاف عدم اللحوق به في الركوع لواخر الاقتداء به الى ان يلحق بالصف ، فحكمه ان يكبر اولا عند باب المسجد ثم يمشى الى ان يلحق بالصف ، وح ان ركع الامام يركع في مكانه وان لم يكن بعد ملحقا بالصف ، وهذا بخلاف ما اذا لم يكبر عند باب المسجد بل اخره الى ان يلحق بالصف ، فانه اذا لحق بالصف والامام راكع فربما لا يدرك التكبير في حال ركوعه فكيف بان يدرك الركوع في حال ركوعه ، فلا دلالة لهذا الخبر على عدم ادراك الركعة فيما اذا كبر الماموم و ادرك الامام راكعا.
واما المنع عن ظهور خبر الحلبي ، فلان قوله علیه السّلام في الشرطية الاولى قبل ان يركع ، وانكان فيحد نفسه ظاهرا في قبل تلبسه بالركوع لظهور فعل المضارع في النسبة التلبسية، فيكون مفهومها انه لولم يدرك الامام قبل ركوعه لم يدرك الصلوة سواءادر که حال رکوعه او بعد رفع الرأس منه ، و توهم ان هذه الشرطية قدذكر مفهومها بالشرطية الثانية وهي قوله علیه السّلام وان ادركته بعد ماركم فهى الظهر ... الخ، فليس لهذه الشرطية مفهوم كي يعم ما اذا ادرك الامام حال رکوعه ، مدفوع بان الشرطية الثانية ليست متكفلة الا لذكر احد فردى مفهوم الشرطية الاولى ، وذكر احد فردى المفهوم لا يوجب رفع ظهور الشرطية في المفهوم الا بالنسبة الى الفرد المذكور، فيبقى ظهورها في المفهوم بالنسبة الى الفرد الغير المذكور بحاله.
لكن يمكن حمله في المقام على تحقق الركوع المساوق للفراغ عنه ، بقرينة مقابلته لقوله علیه السّلام في الشرطية الثانية وان ادركته بعد ما ركع الظاهر فى الفراغ عن الركوع ، فان الماضى ظاهر فى التحقق فتدبر وح فيصير معنى الشرطية الاولى اذا ادركت الامام قبل ان يتحقق منه الركوع ويفرغ عنه فقد ادركت الصلوة، ولا شبهة فى شمولها ح لما اذا ادركه بعد تكبيرة الركوع بل في اثناء الركوع بل قبل ان يرفع رأسه منه، وان ابيت عن ذلك كله ، فيمكن الجمع بين الاخبار المتقدمة
ص: 55
و هذه الروايات بوجه آخر، و هوانه لاريب فى ان المراد من ادراك الامام و هو راكع في الاخبار المتقدمة ، ليس ادراك امامته بالايتمام به في حال رکوعه ، بل المراد منه ادراك ذاته فيهذا الحال بان ورد المسجد في حال ركوع الامام ، كما يدل عليه قوله علیه السّلام: اذا ادركت الامام وقد ركع فكبرت وركعت قبل ان يرفع الامام رأسه فقد ادركت الركعة ، ان لا معنى للتكبير والركوع بعد الايتمام في الركوع كما هو واضح، فهذه الاخبار تكون مختصة بمن دخل المسجد و راى الامام راكعا كما لاريب ايضا فى ان المراد من ادراك الامام في تكبيرة الركوع فيهذه الروايات ، هو ادراك امامته والايتمام به فى التكبيرة، و هذا كما ترى اعم من ان يكون ادراكه لذات الامام فى حال التكبير بان دخل المسجد وراى الامام يكبر للركوع فكبر معه، او يكون ادراكه لذاته قبل هذا الحال بان دخل المسجد و رأى الامام يكبر لافتتاح الصلوة او مشغولا بالقرائة فاخر الايتمام به الى ان راه يكبر للركوع فاتم به فيهذه التكبيرة. فهذه الروايات تدل بمفهومها على ان من ادرك الامام حال الركوع لم يدرك الركعة مطلقا كان ادراكه للامام في الركوع لعدم كونه مدركا لذاته الا فيهذا الحال او لعدم ایتمامه به قبله مع كونه مدركا له كك ، والاخبار المتقدمة تدل على ان من ادرك الامام في حال الركوع لعدم كونه مدركا لذاته ايضا الا فيهذا الحال فقد ادرك الركعة . ومقتضى الجمع العرفي في تعارض المطلق والمقيد هو حمل المطلق على غير مورد المقيد ، فيصير المتحصل من هذا الجمع ، أن من لم يدرك ذات الامام الا في حال الركوع فكبر وركع قبل أن يرفع الامام رأسه فقد ادرك الركعة، و من ادرك ذات الامام قبل الركوع ولم ياتم به حتى دخل في الركوع فلا يدخل فى تلك الركعة ولا يعتد بها، وح يحتمل ان يكون النهى عن الدخول في تلك الركعة والاعتداد بها ، للتحريم الوضعى اى عدم احتسابها ركعة من الصلوة ، او للتنزيه والكراهة بمعنى اقلية الثواب فتأمل!
بقى الكلام فى مستند العلامة ره، والظاهر انه ليس له مستند الا ما تقدم من رواية الطبرسى الحاكية للتوقيع الشريف الصادر عن الحجة عجل الله تعالى فرجه
ص: 56
فى جواب سوال الحميرى، ولا يخفى عدم صلاحية هذه الرواية لمقاومة مستند المشهور من جهات منها كونها مرسلة، ومنها مامر من احتمال كون التقييد فيها بادراك الامام حال ذكر الركوع واردا مورد الغالب ، حيث ان الغالب هو کون الامام مشغولا بالذكر مادام في الركوع و رافعا رأسه عنه بمجرد تمامية ذكره فادراكه قبل رفع رأسه من الركوع ملازم غالبا لادراکه حال ذکره، فالتقييد به للارشاد الى ان الغالب حيث يكون رفع الامام رأسه عن الركوع بمجرد الفراغ عن ذكره ، فادراكه بعد الفراغ عن ذكر الركوع غالبا يكون في حال رفع رأسه منه فلايكون في حال ركوعه، فلابد في مقام احراز ادراكه في حال ركوعه من اللحوق به حال الذكر ، ومع هذا الاحتمال يسقط التقييد به عن الظهور في القيدية كي يرفع به اليد عن اطلاق مستند المشهور ، و لهذا ذكرنا هذه الرواية في عداد الروايات التي استند بها المشهور.
و توهم انه كما يحتمل كون التقييد فى الرواية واردا مورد الغالب، كذلك يحتمل كون الاطلاق في مستند المشهور واردا مورد ما هو الغالب من لحوق المأمومين المدركين للامام فى الركوع به فى حال الذكر، مدفوع بما ذكرناه مرارا من ان الغلبة الوجودية لبعض الافراد، انكانت بحيث توجب انصراف الاطلاق، فتكون كالتقييد بالقيد المتصل فى كونه مانعا عن انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق، واما ان لم تكن بهذه المثابة فلا تكون مانعة عن انعقاد الظهور للمطلق في الاطلاق، وحينئذ فلا يصح رفع اليد عن اطلاقه بمجرد العثور على مقيد يحتمل وروده مورد الغالب، وذلك لما حقق فى محله . ان المقيد المنفصل اذا كان مجملا لا يسرى اجماله الى المطلق.
ومنها انا لوسلمنا ظهور التقييد فى الرواية فى القيدية ، لكن ليس الوجه في معارضتها مع مستند المشهور ذلك، اذلامعارضة بين المطلق والمقيد المتوافقين في النفى والاثبات، الافيما اذا احرز وحدة التكليف كما حقق في محله ، ولم يحرز وحدته فى المقام، بل الوجه هو ظهور الشرطية المذكورة فيها وهو قوله علیه السّلام: اذا
ص: 57
لحق مع الامام من تسبيح الركوع .... الخ، في المفهوم، وقد قرر في محله انه لوتعدد الشرط فيسقط ظهورها في الانحصار المستتبع للمفهوم، فاذا لم يكن للشرطية المذكورة فيها مفهوم ، فيصير المتحصل من مجموع هذه الرواية ومستند المشهور، هوكفاية كلواحد من ادراك ذكر الركوع وادراك اصله في ادراك الركعة.
و توهم ان هذه الرواية و ان لم يكن للشرطية المذكورة فيها مفهوم كي تعارض مع مستند المشهور من هذه الجهة ، لكنها حيث تكون كالاخبار المطلقة التي استند بها المشهور في مقام التحديد ، فتقع المعارضة بينهما من هذه الجهة ، حيث ان الاخبار المطلقة تثبت كفاية ادراك اصل الركوع و تنفى اعتبار الازيد منه ، و هذه الرواية تثبت اعتبار ادراك ذكر الركوع و تنفى كفاية ادراك اصله، فلابد من الجمع بينهما بحمل الاخبار المطلقة الدالة على ادراك الركعة بادراك الركوع على ادراكها بادراك ذكره ايضا ، كما هو الشأن في الجمع بين المطلقات و المقيدات
المتعارضة .
مدفوع بما مرمن ان مورد حمل المطلق على المقيد انما هو غير باب التحديدات ، لان حمل المطلق على المقيد فيهذا الباب مستلزم لالقاء المطلق رأسا كما لا يخفى ، فلا بد من حمل المقيد على بيان افضل الافراد ونحوه ، بل قد عرفت فيما مران المتعين هو حمل المقيد على الاستحباب مطلقا ، فيما كان المطلق واردا في مقام البيان و حضور وقت الحاجة والعمل، فتبين مما ذكرنا ان الاقوى ما ذهب اليه
المشهور .
ثم الظاهر انه يعتبر في ادراك الركعة ادراك الامام في حد الركوع الشرعي، بان يستقر الماموم في الركوع فى حال استقرار الامام فيه ، فلو استقر الماموم في الركوع وكان الامام مشتغلا بالنهوض فلا يكفى ، وذلك لان الظاهر من قوله علیه السّلام: و اذا ادرك الامام وهو راكع ، وقوله علیه السّلام: ثم ركع قبل ان يرفع الامام رأسه، هو ادراك الماموم الركوع مستقرا حال تلبس الامام بالركوع وعدم شروعه بالرفع وذلك لعدم صدق الراكع لا على الماموم ولا على الامام ، فيما كان الماموم غير مستقر ومشغولا
ص: 58
بالهوى وكان الامام مشتغلا بالنهوض ، ويؤيد ذلك رواية الاحتجاج المتقدمة ، بناء على ما ذكرنا من حمل التقييد فيها بادراك الامام حال ذكر الركوع، على الارشاد الى ان الغالب حيث يكون رفع الامام رأسه عن الركوع بمجرد الفراغ، فادراكه بعد الفراغ عن ذكر الركوع يكون غالبا في حال اشتغاله بالنهوض والرفع فلا يكون في حال رکوعه ، فلابد في مقام احراز ادراکه فی حال رکوعه من اللحوق به حال الذكر .
ثم لواعتقد اللحوق بالامام في حال الركوع فكبر و ركع ثم شك في ان حال ركوعه كان الامام راكعا أو مشتغلا بالرفع، فهل يحكم باللحوق مطلقا ام لا كك، او يفصل بين ماكان كل من زمان ركوع الماموم وزمان رفع الامام مجهولا، اوكان زمان ركوع الماموم مجهولا وزمان رفع الامام معلوما فيحكم بعدم اللحوق، وبين ما كان زمان ركوع الماموم معلوما و زمان رفع الامام مجهولا فيحكم باللحوق، احتمالات اقويها اوسطها و هو عدم اللحوق مطلقا. اما على القول بان الشرط هو ادراك الامام قبل رفع رأسه فواضح ، لان مقتضى الاصل عدم حصول هذا الشرط، و توهم ان هذا الاصل محكوم باصالة عدم رفع الامام رأسه قبل ركوع الماموم ، مدفوع بان اصالة عدم الرفع مضافا الى اختصاص جريانها بما اذا كان تاريخ ركوع الماموم معلوما و تاریخ رفع الامام مجهولا على ما سنشير اليه ، لاتجدى في اثبات كون ركوع الماموم قبل الرفع كى تكون حاكمة على هذا الاصل الاعلى القول بالاصل المثبت . و اما على القول بان الشرط هو كون الماموم راكعا والامام لم يرفع رأسه ، فلان غاية ما يمكن ان يقال في امكان احراز اللحوق ، هوان موضوع الحكم على هذا القول مركب من جزئين، احدهما و هو ركوع الماموم محرز بالوجدان، والاخر وهو بقاء الامام راكعا الى زمان ركوع الماموم محرز بالاصل، فبضم الوجدان بالاصل يحرز الموضوع المركب وهو ركوع الماموم في زمان عدم رفع الامام رأسه ، و يترتب عليه حكمه و هو ادراك الركعة ، و فيه اولا منع كون موضوع الحكم في المقام مركبا من ركوع الماموم في زمان عدم رفع الامام رأسه،
ص: 59
حتى يمكن احراز احد جزئيه بالوجدان والاخر بالاصل، وذلك لان الظاهر من قوله علیه السّلام في رواية سليمان ورواية الحلبي المتقدمتين: ثم ركع اور کعت قبل ان يرفع الامام رأسه ، هو ان الموضوع هو العنوان البسيط المتولد عن اجتماع ركوعهما في الزمان و هو كون ركوعه قبل رفع الامام رأسه ، وقد مرانفا ان هذا العنوان البسيط لا يمكن احرازه باستصحاب بقاء الامام راكعا الى زمان ركوع الماموم الا على القول بالاصل المثبت. وتوهم ان عنوان القبلية ليس له موضوعية بل هو كناية عن اجتماع ركوعهما في زمان واحد ، فالموضوع حقيقة هو نفس ركوعه في زمان ركوع الامام لا العنوان البسيط المتولد منهما، مدفوع بان اخذ عنوان في دليل الحكم ظاهر فى الموضوعية فرفع اليد عن هذا الظهور يحتاج الى الدليل، نعم لوقلنا بحجية الاستصحاب التعليقى فى الموضوعات ايضا امكن احراز لحوقه بالامام في الركوع بالاستصحاب من غير ابتنائه على الاصول المثبتة اصلا ، و ذلك بان يقال انه لوركع قبل هذا الزمان لكان ركوعه قبل رفع الامام رأسه والان كماكان ، لكن استشكلنا سابقا فى شمول ادلة الاستصحاب للاستحصاب التعليقي في الموضوعات . و اما ثانيا فلان عليهذا القول انما يجدى استصحاب عدم رفع الامام رأسه الى زمان ركوع الماموم في احراز لحوقه به في الركوع في بعض الصور ، و هو ما اذا كان زمان رکوع الماموم معلوما و زمان رفع الامام رأسه مجهولا ، دون ما اذا كان بالعكس بانكان زمان رفع رأس الامام معلوما و زمان ركوع الماموم مجهولا ، و دون ما اذا كان زمان كليهما مجهولا ، اما الاول فلا نحصار مجرى الاصل فيه بما جهل زمانه و هو ركوع الماموم ، و من المعلوم ان استصحاب عدم ركوعه الى زمان رفع الامام رأسه ينتج عدم لحوقه به فى الركوع ، واما الثاني فلعدم جريان الاصل في مجهولى التاريخ على مذاق اولتساقطهما بالمعارضة على مذاق اخر ، فعلى ای حال ليس هناك اصل يحرز به لحوق الماموم بالامام في الركوع ، هذا فيما اذا كان شكه في اثناء الركوع.
واما اذا كان شكه بعد الفراغ عن الركوع ، فقد يقال بصحة صلوته جماعة
ص: 60
من جهة قاعدة التجاوز، و فيه ان قاعدة التجاوز لا تجدى فى احراز ذلك الا على القول بالاصل المثبت، ضرورة ان صحة صلوته جماعة من اللوازم العقلية لصحة ركوعه و عدم صحة صلوته فرادى ، فيكون اصالة الصحة في ركوعه لاثبات صحة صلوته جماعة من الاصول المثبتة هذا . ولكن يمكن ان يقال ان قاعدة التجاوز الجارية بالنسبة الى اجزاء العمل ليست متكفلة لاثبات مجرد ترتيب اثر الصحة على الجزء المشكوك ، بل تكون متكفلة مضافا الى ذلك لاثبات كونه واجد الجميع ماله دخل في ترتب الاثر عليه ، ومن المعلوم ان مماله دخل في ترتب الاثر على هذا الركوع فى المقام هو كونه قبل رفع الامام رأسه ، فاذا ثبت باصالة الصحة كونه قبل رفع الامام ، فيترتب عليه حكمه من ادراكه الركعة وصحة صلوته جماعة . سلمنا ان القاعدة ليست متكفلة الا لاثبات مجرد ترتيب اثر الصحة على الجزء المشكوك ، لكن نقول ان الملازمة بين صحة هذا الركوع وصحة الصلوة جماعة ، حيث تكون جلية بحيث يكون تنزيل احديهما ملازما عرفا لتنزيل الاخرى ، فلايكون اجراء الاصل بالنسبة الى احديهما لترتيب اثار الصحة على الاخرى من الاصل المثبت، فتدبر جيدا !
ثم ان شرطية لحوق الامام فى الركوع في ادراك الركعة ، يحتمل تصورا ان يكون من قبيل الشرط المتاخر بمعناه المصطلح اى المؤثر فيما قبله، بان يكون اللحوق بالامام في الركوع مؤثرا في كون صلوته جماعة من قبل، و يحتمل ان يكون من قبيل الشرط المتأخر بمعناه الاخر الذى يعبر عنه في كلمات شيخ مشايخنا المرتضى قده بالكشف الحكمي بان يكون اللحوق به في الركوع مؤثرا في صيرورة صلوته جماعة من حين، لكن الشارع المقدس حكم بترتيب اثار الجماعة التي منها سقوط القرائة عليها من قبل، و يحتمل ان يكون الشرط هو الأمر المنتزع اعنى تعقب التكبير باللحوق بالامام في الركوع في علم الله تعالى، فيكون اللحوق بالامام عليهذا كاشفا حقيقيا عن انعقاد صلوته جماعة من حين التكبير ، ضرورة ان الشرط
ص: 61
وهو تعقب التكبير باللحوق بالامام في الركوع كان موجودا في علم الله تعالى حين التكبير بل قبله.
ولا يخفى استلزام الاحتمال الاول للمحال، ضرورة ان تأثير المتأخر وجودا فى وجود المتقدم كك مستلزم لتأثير المعدوم فى الموجود و هو محال، فيدور الامر بين الاحتمالين الاخيرين، و الاول منهما و انكان في حد نفسه اقرب، لعدم تحقق القدوة عرفا بمجرد القصد كما هو لازم الاحتمال الثانى منهما، بل لابد في تحققها كك من تبعية الامام فى الافعال كلاام بعضا، لكن حيث يكون الاحتمال الاول مستلزما للامر بالركوع لاعن قرائة اصلا لاحقيقية ولا تنزيلية، اما حقيقية فواضح، و اما تنزيلية فلان قرائة الامام انما تكون بدلا عن قرائة المأموم مع تحقق الجماعة، والمفروض عليهذا الاحتمال هو عدم تحقق الجماعة الا باللحوق بالامام في الركوع ، فقبل اللحوق به لاتكون صلوته جماعة كي يكون قرائة الامام بدلا عن قرائته حتى يكون ركوعه عن قرائة تنزيلية ، فيتعين الاحتمال الثاني.
وكيفكان لوادرك الامام راكعا و شك فى انه هل يلحق به في ركوعه اولا ، فهل يجوز له الاقتداء بان يكبر و يهوى للركوع بقصد الايتمام به ام لا ؟ قيل نعم تمسكا باستصحاب بقاء الامام في حال الركوع الى ان يلحقه ، ولا يخفى ما فيهذا الاستصحاب مضافا الى كونه استقباليا من الاشكال جهات : الاولى : كونه مثبتا بناء على مامر من ان موضوع الحكم في المقام هو العنوان البسيط المتولد اعنى كون ركوعه قبل رفع الامام رأسه ، ضرورة ان استصحاب بقاء الامام في حال الركوع لا يجدى في اثبات هذا العنوان البسيط الا على القول بالاصل المثبت كما لا يخفى الثانية : انه مع هذا الشك يكون شاكا في القدرة على ادراك الامام في الركوع ، و استصحاب بقاء الامام في الركوع لا يجدى فى اثبات قدرته على ادراکه ، اما اولا فلان القدرة على ادراكه من اللوازم العقلية لبقائه في الركوع، فلا يجدى استصحابها فى اثباتها الا على القول بالاصل المثبت ، واما ثانيا فلما ذكرناه في محله من ان الاستصحاب عند الشك في القدرة لا اثر له اصلا ضرورة ان القدرة من الشرائط العامة
ص: 62
للاعم من التكليف الواقعى والظاهرى ، فاستصحابها مع الشك فيها بالنسبة الى الحكم الواقعي ، لا يجدي في احرازها بالنسبة الى الحكم الظاهرى المتولد من هذا الاستصحاب ، فيحتاج الى استصحاب اخر وهكذا الى ان يدور ويتسلسل. الثالثة : ان الاستصحاب انما يجرى فيما كان الاثر مترتبا على الواقع ، دون ماكان مترتبا على الامر الوجداني كما في المقام ، حيث ان تحقق الاقتداء مترتب على الجزم والاطمينان باللحوق ، والا فيكون شاكا في الاقتداء بالركوع فلا يكون جازما بالنية ، و من المعلوم ان استصحاب بقاء الامام فى الركوع لا يورث الجزم ولا الاطمينان المعتبر فى تحقق الاقتداء لاحقيقة كما هو واضح ولا تعبدا الاعلى القول بالاصل المثبت .
وتوهم ان الجزم بالنية انما يعتبر فيما هو فعل للمكلف ويكون تحت قدرته واختياره، ومن المعلوم ان ما يكون فعلا للماموم هو قصد الاقتداء والبناء على متابعة الامام وعدم التخلف عنه، واماكون الامام حيا او طاهرا او عادلا او نحو ذلك ، فلاشبهة في انه لا يعتبران يحصل الجزم او الاطمينان ببقائه على تلك الامور ، ضرورة انها من الامور الغير الاختيارية التي لا يعتبر الجزم بها للاقتداء مدفوع بالفرق بين ما نحن فيه و بين تلك الامور ، ضرورة ان البناء على الاقتداء يتمشى مع احراز تلك الامور بالاستصحاب ، وهذا بخلافه مع الشك في اصل اللحوق ، ضرورة ان مرجعه الى البناء على الاقتداء مع الشك في امكان تحققه، ولا ينتقض ماذكرنا بما اذا قامت امارة على اللحوق ، اذ الامارة سواء كانت مفيدة للظن الفعلى اولم تكن كك تكون طريقا عقلائيا الى احراز اللحوق ، فيكون احتمال عدمه ملقى عندهم ، فلا يبقى معه الترديد المانع عن صحة العبادة، فتدبر جيدا الرابعة : ان هذا الاستصحاب من الاحكام الظاهرية التي لا يمكن امتثالها اصلا ضرورة انه يظهر في الاثناء اما لحوقه بالامام او عدم لحوقه به، وعلى اى تقدير يرتفع الشك الذى هو موضوع الاستصحاب، اللهم الاان يقال ان الغالب فيمن يدخل المسجد ويرى الامام راكعا ، هو الفصل بينه وبين الامام بصف اوصفوف، ومعه يكون شكه غالبا باقيا الى اخر الصلوة بل الى الابد، ولا يرتفع في الاثناء كى يلزم عدم امکان امتثال الحكم الظاهرى المستفاد من هذا الاستصحاب
ص: 63
اصلا فتدبر جيدا ! فتبين مما ذكرنا فساد القول بجواز الاقتداء لهذا الشاك استنادا الى اصالة بقاء الامام في الركوع الى ان يلحقه، نعم لا يبعد القول بجواز الاقتداء له رجاء ، فان ادرك الامام راكعا صح صلوته جماعة ، و ان لم يدركه بان رفع الامام رأسه قبل انحنائه للركوع ، كان مخيرا بين اتمام صلوته منفردا او الصبر الى ان يقوم الامام الى الركعة اللاحقة ، وان ركع حين رفع الامام رأسه بطلت صلوته رأسا ، اما جماعة فلاستلزامه زيادة الركن ، وعدم الدليل على اغتفارها في المقام ، لاختصاص مادل على اغتفارها بما اذازاد عمدا على ما اتى به من الركن بقصد التبعية للامام، كما اذا رفع رأسه من الركوع قبل الامام فراى الامام باقيا على الركوع ، فانه يجوز له الركوع ثانيا بقصد التبعية للامام ، وفى المقام مازاد الركن عمدا بقصد التبعية ، بل اتى باصل الركن بقصد الايتمام واتصف بالزيادة قهرا ، فلا يكون مشمولا لادلة اغتفارها فى الجماعة بقصد التبعية ، واما بطلانها فرادى فلاخلاله بتركه للقرائة بوظيفة المنفرد فلا تصح صلوته فرادی کمامر بیانه سابقا.
بقى هنا فرع وهو انه لو اعتقد ادراكه للامام في الركوع فنوى و كبر ولم يدركه ، فهل يتعين عليه الانفراد او يكون مخيرا بينه و بين الصبر والانتظار الى ان يلحقه الامام فى الركعة الأخرى، و جهان لا يخلو ثانيهما عن الاشكال و انكان ظاهر كلماتهم اختياره، لالماقيل من ان صيرورة هذا التكبير بقاء جزء للصلوة جماعة بعد مالم يقع حدوثا جزء لها تحتاج الى دليل اذلادليل على عدم وقوع هذا التكبير حدوثا جزء للصلوة جماعة ، اذ لم يدل دليل على بطلان الصلوة جماعة بعدم درك الامام في الركوع ، بل ظاهر قوله علیه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة وان رفع الامام رأسه قبل ان تركع فقد فاتتك الركعة ، هو فوت الركعة لافوت اصل الصلوة ، بل لان البقاء على القدوة الى الركعة الأخرى لا دليل عليه ، ودعوى صدق الجماعة عليه عرفا فيعمه اطلاقات ادلة الجماعة ، مدفوعة بمامر من ان ادلة الجماعة لا اطلاق لها كي يدل على صحة كلما صدق عليه الجماعة عرفا. و اما الاستدلال عليه بما في موثقة عمار الواردة فيمن ادرك الامام وهو في التشهد الأول ، من انه يفتتح الصلوة ولا يقعد مع
ص: 64
الامام حتى يقوم، ففيه ان الجماعة حيث تكون مشتملة على احكام مخالفة للقاعدة كمامر بیانه، وليس لادلتها اطلاق يدل على كفاية الاقتداء باى نحو حصل، فلودل دليل على صحة الاقتداء بنحو خاص فيمورد، لا يصح التعدى منه الى غيره من الموارد، وذلك للزوم الاقتصار في الخروج عن مقتضى القواعد على مورد النص .
فولاولى الاستدلال عليه بالروايات التي استدل بها المشهور على استحباب الدخول فى صلوة الجماعة لمن ادرك الامام بعد رفع رأسه من الركوع مطلقا كان من الركعة الاخيرة او من غيرها ، او ادر که بعد رفع رأسه من السجدة الاخيرة ، وعدم احتياجه الى تجديد النية والتكبير بعد تسليم الامام، ففى رواية معلى بن خنيس عن ابيعبد الله علیه السّلام:
اذا سبقك الامام بركعة فادركته و قد رفع رأسه، فاسجد معه ولا تعتد برها.
وفي رواية معوية بن شريح عنه علیه السّلام:
و من ادرك الامام وهو ساجد كبرو سجد معه ولم يعتد بها ومن ادرکه وقد رفع رأسه من السجدة الاخيرة وهو في التشهد فقد ادرك الجماعة .
وفي صحيحة محمد بن مسلم :
قلت له علیه السّلام:
متى يكون يدرك الصلوة مع الامام ؟
قال علیه السّلام:
اذا ادرك الامام وهو في السجدة الاخيرة .
و فى موثقة عمار الساباطي عن ابيعبد الله علیه السّلام:
الرجل يدرك الامام وهو قاعد للتشهد وليس خلفه الأرجل واحد عن يمينه .
قال علیه السّلام:
لا يتقدم الامام ولا يتأخر الرجل ولكن يقعد الذى يدخل معه خلف الامام، فاذا سلم الامام قام الرجل فاتم صلوته .
و دلالة هذه الروايات على ما ذهب اليه المشهور واضحة ، لظهورها فى ارادة
ص: 65
الدخول فى الصلوة مع الامام ومتابعته في الافعال لا مجرد متابعته في الفعل الذي يجده متلبسا به ، اما ظهور الرواية الاولى فى ذلك، فلان الظاهر من قوله علیه السّلام فيها فادركته و قد رفع رأسه هو ادراكه للايتمام به فيهذا الحال ، كما ان الظاهران مرجع الضمير في قوله علیه السّلام ولا تعتد بها هي السجدة او الركعة لااصل الصلوة ، و اما ظهور الرواية الثانية فمن جهات : الاولى : الامر بالتكبير في صدرها الظاهر في كونه لافتتاح الصلوة ، واحتمال كون المراد تكبير الركوع بعيد في الغاية، ضرورة انه لولم يكن الأمر بالتكبير للافتتاح لادراك اصل الجماعة بل كان لمجرد ادراك فضيلتها كان الامر به لغوا ، ضرورة ان ادراك فضيلة الجماعة انما يكون بمتابعة الامام في الفعل الذى يكون متلبسا به ، ومن المعلوم ان الامام في مفروض الرواية لم يكن متلبسا بتكبير الركوع ، كما ان ظاهرها عدم كون زيادة الركن تبعا للامام مضرة بصحة الصلوة جماعة مطلقا ، كيف والالزم من تبعيته له في السجدة فساد التكبير معه كان الامر به قبل السجدة لغوا، كما ان المستفاد من قوله علیه السّلام في هاتين الروايتين ولا يعتد بها ، هوانه لو ادرك الامام فى السجدة فكبر و سجد يكون تحقق الجماعة بنفس التكبير ولا مدخلية للسجدة التي اتى بها تبعا للامام ولم تكن جزء الصلوته في صحة اقتدائه. الثانية : ظهور قوله علیه السّلام في الذيل، ومن ادر که...الخ، في ادراكه للايتمام به كمامر الثالثة : ظهور قوله علیه السّلام فقد ادرك الجماعة في ادراك اصلها لا ادراك مجرد فضيلتها.
ولا يعارضها رواية عبد الرحمن البصرى عن ابيعبد علیه السّلام ، قال :
اذا وجدت الامام ساجدا فاثبت مكانك حتى يرفع رأسه، وذلك لا مكان حمل الامر فيها بالثبات وترك متابعة الامام فى السجدة على الرخصة في ترك متابعته فيها، بل لعل هذا هو المتبادر منه فيحد ذاته ، و ذلك لوروده فى مقام توهم لزوم المتابعة فيها وضعا، او على الارشاد الى ان متابعة الامام فى السجدة قد تؤدى الى عدم ادراكه فيها فتكون زائدة و لغوا او مبطلة للصلوة لكونها زيادة عمدية غير مغتفرة لعدم وقوعها تبعا للامام.
ص: 66
و اما ظهور الرواية الثالثة فى ذلك، فلان الظاهر من قول السائل متى يكون يدرك الصلوة مع الامام هو ادراك اصل صلوة الجماعة لا ادراك مجرد فضيلتها ، ولاينافى هذه الرواية من جهة ظهورها في حصر اقصى حد يدرك به الجماعة بادراك الامام في السجدة الاخيرة ، لرواية معوية بن شريح وموثقة عمار المتقدمتين الدالتين على ادراك الجماعة بادراك الامام في التشهد الاخير ، وذلك لمنع ظهور هذه الرواية في الحصر غايتها الاشعار بذلك، سلمنا ظهورها في ذلك ، لكن حيث تكون الروايتان صريحتين في ادراك الجماعة بادراك الامام في التشهد، فلابد من حمل هذه الرواية على ان السجدة الاخيرة اقصى حد لادراك المرتبة الكاملة من فضيلة الجماعة، حملا للظاهر على غير مورد النص الصريح في خلافه هذا.
و اما ظهور الرواية الرابعة فى ذلك فمن جهات : الاولى : ظهور قول السائل الرجل يدرك الامام في ادراكه للايتمام به الثانية : ظهور قوله علیه السّلام في الجواب ولكن يقعد الذى يدخل معه فى الدخول مع الامام في اصل الجماعة لافي ادراك مجرد فضيلتها الثالثة : ظهور قوله علیه السّلام بعد ذلك فاذا سلم الامام قام الرجل فاتم صلوته فى اتمام صلوته التي افتتحها جماعة ، از حمله على استيناف الصلوة بتكبير مستانف بعيد فى الغاية وسخيف الى النهاية .
والمحصل من مجموع هذه الروايات هو ان من ادرك الامام بعد رفع رأسه من الركوع كان من الركعة الاولى او من غيرها ، فله ان ينوى الاقتداء به و يكبر تكبيرة الافتتاح ويسجد مع الامام، ولا يعتد بهذه السجدة بان يحتسب هذه الركعة التي ادرك سجودها مع الامام من صلوته، كما كان يحتسب الركعة التي ادرك مع الامام ركوعها من صلوته، فانكانت السجدة التي ادركها مع الامام من الركعة الاخيرة، قام واتم صلوته فرادى من غير استيناف تكبيرة اخرى للافتتاح، وانكانت تلك السجدة من غير الركعة الاخيرة صلى مع الامام جماعة، وان ادرك الامام في التشهد الأولى فله ان ينوى الاقتداء به ويكبر تكبيرة الافتتاح، ولا يقعد مع الامام بل يصبر حتى يقوم فيتم صلوته معه جماعة، وان ادركه في التشهد الاخيرة فله ان
ص: 67
ينوى الاقتداء به ويكبر و يقعد معه و يصبر حتى يسلم فيقوم و يتم صلوته من غير استيناف التكبير.
و توهم منافاة ما استظهر ناه من هذه الروايات لما فى الروايتين الاولتين من قوله علیه السّلام ولا يعتد بها، بدعوى ظهوره في عدم ، بدعوى ظهوره فى عدم الاعتداد بما فعله من النية والتكبير والسجود ، مدفوع بمامر من ان الظاهر من قوله علیه السّلام ولا يعتد بها، هو عدم الاعتداد بما ادرك الامام فيه من تتمة الركعة بان يحتسبه كاد راكه في الركوع ركعة من صلوته ، لاعدم الاعتداد باصل ادراكه للامام فى الايتمام به کی ینافي ما استظهرناه، وعليه فالضمير في قوله لا يعتد بها، اما راجع الى الركعة كما هو الظاهر من الرواية الأولى، او الى السجدة التى لحق فيها بالامام كما هو الظاهر من الرواية الثانية، لا الى الصلوة كي يدل على عدم الاعتداد بما فعله من النیة والتكبير.
و اما الاستدلال بهذه الروايات على ما نحن فيه ، فتقريبه هو ان الامر فيها بالتكبير والدخول في الصلوة مع الامام ومتابعته فى السجدتين الاخيرتين ايضا والتشهد الاخير ، والنهي عن الاعتداد بما فعله من السجدتين والتشهد بجعله جزء من صلوته واحتسابه ركعة ، يكشف عن تحقق القدوة بمجرد التكبير للافتتاح من غير توقف على اتيان فعل من افعال صلوته تبعا للامام.
ان قلت ان النهى عن الاعتداد بما فعله من تتمة الركعة انما ورد في الروايتين الاولتين، ولا يخفى اختصاص الرواية الأولى بمن ادرك الامام بعد رفع رأسه من ركوع الركعة الأولى، و عموم الرواية الثانية لمن ادرك الامام في السجدتين من غير الركعة الاخيرة ايضا، وح فلا دلالة للنهى فيهما عن الاعتداد بما فعله من تتمة الركعة تبعا للامام على تحقق القدوة بمجرد التكبير، وذلك لامكان ان يكون الامر فيها بمتابعة الامام فى السجدة لتوقف ادراكه الجماعة على متابعة الامام فيها، ولاتنافي بين توقف ادراك الجماعة على المتابعة للامام فى السجدة ، و بين عدم صحة الاعتداد بها باحتسابها جزء للصلوة كما لا يخفى.
ص: 68
قلت الرواية الثانية وانكانت اعم من ادراك الامام في السجدتين من الركعة الاخيرة، لشمولها باطلاقها لما ادركه فى السجدتين من غيرها ايضا، فلا يكون لها فيحد نفسها دلالة على تحقق القدوة بمجرد التكبير، لكنها بضمها الى الرواية الثالثة الدالة على جواز الدخول في الصلوة مع الامام لمن ادركه في السجدة الاخيرة، يتم دلالتها على تحقق القدوة بمجرد التكبير، اذ لا شبهة فى ان الامر فى الرواية الثالثة بمتابعة الامام في السجدة الاخيرة، لا يصح ان يكون لتوقف تحقق القدوة على متابعته فيها ضرورة انه لا معنى لتوقف تحقق القدوة على متابعة الامام فيما ليس وظيفة للماموم ولا يكون له دخل فى صلوته اصلا لاشطر اولاشرطا ، وذلك لان معنى الاقتداء بالامام في الصلوة هو الاتيان بافعالها واقوالها متابعة للامام ، ومن المعلوم ان السجدتين الاخيرتين اللتين ادرك الامام فيهما ، ليستا من افعال صلوة هذا المأموم كي يتحقق بتبعيته فيهما للامام القدوة والايتمام به، وذلك لما مضى من ان اخر حد يدرك به الركعة هو ادراك الامام راكعا ، فليس ادراکه ساجدا موجبا لادراك الركعة ، كي تكون السجدتين اللتين ادرك الامام فيهما من افعال صلوته ، فإذا لم يمكن ان يكون الامر بمتابعة الامام فى السجدة فيهذه الرواية ، من اجل توقف تحقق القدوة على متابعته فيها ، فبقرينة وحدة السياق نستكشف ان الامر فى الرواية الثانية بمتابعة المأموم للامام في السجدة فيما ادركه فيها مطلقا ولو كانت من غير الركعة الاخيرة، ليس لتوقف تحقق القدوة على متابعته فيها، بل القدوة حصلت بمجرد التكبير، والامر بمتابعة الامام في السجدة انما هو لمجرد ادراك مرتبة كاملة من الفضيلة.
و اما الاستدلال على ما نحن فيه اعنى جواز الانتظار الى ان يلحقه الامام، بما في بعض الاخبار المتقدمة الواردة في ادراك الركعة بادراك الامام راكعا من قوله علیه السّلام و ان رفع رأسه قبل ان تركع فقد فاتتك الركعة، بدعوى ظهور قوله علیه السّلام : فقد فاتتك الركعة فى ان عدم ادراك الامام في الركوع مستلزم لفوت الركعة لا اصل الجماعة، ففيه ان الظاهران تلك الاخبار ليست الافى مقام بيان اناطة ادراك الركعة و عدم ادراكها بادراك الامام في الركوع وعدم ادراكه فيه ، و اما ان الجماعة بما
ص: 69
يتحقق فليست بصدد بیانه اصلا فتدبر !
ثم ان مقتضى ما استفدناه من الروايات الامرة بمتابعة الامام في السجدة لمن ادر كه فيها من تحقق القدوة بمجرد التكبير، هو جواز الاقتداء لمن علم قبل الدخول فى الصلوة بعدم ادراكه الامام فى الركوع فضلا عما اذا كان شاكا فيذلك ، فانه يكبر بقصد الاقتداء، فان أدرك الامام في الركوع يحتسب له ركعة، و ان لم يدركه فيكون مخيرا بين الانفراد او الانتظار الى ان يلحقه الامام فى الركعة الأخرى، كما ان مقتضى ما استظهر ناه منها من جواز الدخول فى صلوة الجماعة لمن ادرك الامام في السجدتين الاخيرتين واتمام صلوته بعد تسليم الامام من دون تجديد النية والتكبير هو اغتفار زيادة السجدة مطلقا. فما يظهر من بعض من التفصيل ، بين مالحق الامام بين السجدتين فيكون زيادة السجدة مغتفرة ، لان السجدة الواحدة ليست بركن حتى تكون زيادتها مضرة بصحة الصلوة، وبين ما لحقه قبل السجدتين فلا تكون زيادتهما مغتفرة فلابدله من تجديد النية والتكبير بعد تسليم الامام ؛ لاوجه له اصلا كما لا وجه لما توهم من ورود هذه الروايات على ادلة مبطلية الزيادة العمدية ، بدعوى دلالتها على ضرورة الزائد جزء تبعيا للصلوة زائدا على اجزائها الاصلية فيخرج حينئذ موضوعا عن ادلة الزيادة، اذفيه انه لا دلالة لهذه الروايات على كون الزائد جزء للصلوة اصلا، بل مقتضى قوله علیه السّلام في بعضها ولا يعتد بها، كونه امر ازائدا على الصلوة خارجا عنها امر به لادراك المرتبة الاكمل من الفضيلة، وعليه فتكون هذه الروايات مخصصة لادلة مبطلية الزيادة ومخرجة لهذا الزائد عنها حكما لا موضوعا فتدبر!
ثم ان طريقة الاحتياط في المسئلة واضحة، ولا يحتاج فيه الى اتمام هذه الصلوة ثم اعادتها من راس ، بل يكفى فيه ان يكبر بعد تسليم الامام بقصد القربة المطلقة احتياطا ، فانه ح انكان التكبير الأول هو تكبيرة الاحرام وقع هذا التكبير مستحباء و ان لم يكن التكبير الأول تكبيرة الاحرام وقع هذا تكبيرة الاحرام من غير لزوم محذور اصلا كما لا يخفى.
ثم ان الاستاد دام ظله قد تعرض هنا لمسئلة من دخل المسجد وادرك الامام
ص: 70
فى الركوع وخاف فوت الركوع ان اخره الى ان يلحق بالصف، ولاباس بالتعرض لها اقتفاء له دام ایام افاداته، و انکان الانسب التعرض لها في البحث عن اشتراط اجتماع الامام والماموم فى الموقف و عدم التباعد بينهما فيه فى صحة الجماعة كما لا يخفى.
فنقول لودخل المسجد وراى الامام راكعا و خاف عدم ادراكه في الركوع لو اخر الاقتداء الى ان يلحق بالصف، جازله ان ينوى و يكبر و يركع في مكانه و يمشي حال الركوع او حال القيام من السجود حتى يلحق بالصف، و يدل على ذلك مضافا الى عدم الخلاف فيه بل دعوى الاجماع عليه عن غير واحد عدة من الاخبار ففي صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام :
عن الرجل يدخل المسجد فيخاف ان تفوته الركعة .
فقال علیه السّلام:
يركع قبل ان يبلغ القوم و يمشى وهو راكع حتى يبلغهم .
و في صحيحة عبدالرحمن بن ابيعبد الله عن ابيعبد الله علیه السّلام.
اذا دخلت المسجد والامام راكع فظننت انك ان مشيت اليه رفع راسه قبل ان تدركه فكبر واركع، فاذا رفع راسه واسجد مكانك فاذا قام فالتحق بالصف و ان جلس فاجلس مكانك ، فاذا قام فالتحق بالصف.
و فى خبر اسحق بن عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام.
قلت له : ادخل المسجد وقد ركع الامام فاركع بركوعه و انا وحدى واسجد، فاذا رفعت راسی ای شیء اصنع؟
قال علیه السّلام:
قم فاذهب اليهم وانكانوا جلوسا فاجلس معهم ، فهذا الحكم في الجملة مما لاريب فيه، وانما الاشكال في امور : منها ان هذا الحكم قد علق في صحيحة محمد بن مسلم على خوف فوت الركعة وفي صحيحة عبد الرحمن على الظن بالفوت، وح يقع المعارضة بين مفهوم الصحيحة الثانية مع منطوق الصحيحة الأولى، والنسبة بينهما عموم مطلق، حيث ان الاولى تدل على اغتفار البعد في مورد خوف فوت
ص: 71
الركعة، والخوف يصدق مع الظن والشك، ومفهوم الثانية يدل على عدم اغتفار البعد مع الشك، ومقتضى الجمع بين المطلق والمقيد وانكان هو حمل المطلق على المقيد لكن قد مر مرارا ان الاقوى في الجمع بين المطلق الوارد في مقام البيان و وقت حضور العمل وبين المقيد هو حمل المقيد على الفضل ونحوه ، هذا مضافا الى احتمال كون القيد في الثانية واردا مورد الغالب، حيث ان الغالب فيما اذا ادرك الامام راكعا وكان البعد بينه و بين الامام كثيرا ، هو وجود الامارة المفيدة للظن بعدم اللحوق به في الركوع ، او كون الظن اظهر افراد الخوف لالخصوصية في عنوان کونه ظنا ، و مع هذين الاحتمالين يسقط القيد عن الظهور في القيدية، هذا فيما اذا قلنا بان للصحيحة الثانية مفهوما، و اما ان منعنا عن ذلك فيرتفع المعارضة من البين، اذلا معارضة بين المطلق والمقيد اذا كانا متوافقين في الاثبات والنفي ، الا فيما اذا احرز وحدة الحكم ولم يمكن حمل المقيد على بيان اظهر الافراد ونحوه، و احراز وحدة الحكم في المقام ممنوع جدا ، و ذلك لاحتمال اختصاص الحكم في الصحيحة الأولى بمن يريد ان يلحق بالصف في حال الركوع ، و اختصاص الحكم في الصحيحة الثانية بمن يريد ان يلحق بالصف بعد ان ركع وسجد في مكانه، سلمنا ظهورهما في وحدة التكليف ، لكن قد عرفت امكان ورود القيد فى الثانية مورد الغالب كما يمكن وروده في مقام بيان اظهر ما يتحقق به الخوف ، سلمنا ظهوره في القيدية لكن لابد من حمله على الفضل ونحوه جمعا بينه وبين اطلاق الصحيحة الاولى الوارد. في مقام البيان وحضور وقت العمل كما مر فتدبر!
الامر الثانى ان هذا الحكم هل يختص بما اذا لم يكن غير البعد مانع اخر من موانع صحة الاقتداء كالحائل واسفلية مكان المأموم عن مكان الامام وتقدمه عليه ونحو ذلك، او لا يختص بذلك بل يعم ما اذا كان هناك مانع اخر غير البعد ايضا و جهان اقويهما الأول ، و ذلك لان المتبادر من سياق هذه الاخبار ، هو كونها مسوقة لمجرد بيان عدم مانعية البعد في المقام عن الدخول في صلوة الجماعة والايتمام ثم اللحوق بالصف ، فهي بصدد تصحيح الاقتداء في المقام من هذه الجهة بعد الفراغ
ص: 72
عن صحته من سائر الجهات ، فليس لهذه الاخبار اطلاق يعم صورة وجود سائر الموانع نعم لو سلمنا ظهورها فى الاطلاق لكان المتعين تقديمها على اطلاقات ادلة سائر الموانع ايضا وذلك لان النسبة بينها وبين تلك الادلة وانكانت عموما من وجه، لكن هذه الاخبار حيث تكون فى مقام التنزيل الحكمى وان هذه الجماعة بمنزلة الجماعة الواجدة لجميع ما يعتبر فيها وجودا او عدما ، فتكون حاكمة على تلك الادلة ، وقد حقق فى محله ان الدليل الحاكم يقدم على الدليل المحكوم من دون لحاظ النسبة بينهما.
و من هنا ظهر فساد ما ربما يتوهم من ان الاقوى هو الوجه الثاني(ظ، الاول) ولو سلمنا ظهور هذه الاخبار في الاطلاق والشمول لصورة وجود سائر الموانع، و ذلك المعارضتها ح مع ادلة سائر الموانع ، وحيث ان النسبة بينها وبين تلك الادلة عموم من وجه، فتتساقطان فى مورد الاجتماع ، والمرجع ح هو اطلاق ادلة القرائة من مثل قوله علیه السّلام : لا صلوة الا بفاتحة الكتاب ، وذلك لما حققناه في محله من انه اذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا بين الاقل والاكثر يرجع فيما عدا القدر المتيقن و هو الاقل الى عموم العام، و من المعلوم ان عموم ادلة القرائة قد خصص بادلة الجماعة الدالة على ضمان الامام لقرائة الماموم ، وحيث ان ادلة الجماعة لا اطلاق لها حتى يرجع اليه عند الشك في اعتبار شئ في صحتها كما في المقام حيث نشك تعارض الاخبار المتقدمة مع ادلة سائر الموانع وتساقطهما في مورد الاجتماع في اعتبار عدم سائر الموانع فى صحة الجماعة ، فالمرجع هو عموم ادلة القرائة القاضى بعدم سقوط القرائة بهذه الجماعة الملازم لعدم صحتها .
و توهم ان ادلة الجماعة و ان لم يكن لها اطلاق يرجع اليه عند الشك في اعتبار شئ فى صحتها ، لكن . رفع اعتبار المشكوك باصالة البرائة الشرعية المستفادة من مثل حديث الرفع ، بناء على ما قويناه من شموله لرفع الاحكام الوضعية ايضا ولو برفع منشاء انتزاعها ، و هذا الاصل حيث يكون محرزا لعنوان موضوع الدليل المخصص اعنى الجماعة ، فلا يبقى معه مجال للرجوع الى عموم ادلة القرائة
ص: 73
لحكومته على ادلتها.
مدفوع بان ادلة الجماعة حيث لا يكون لها اطلاق ، فلابد من الاخذ بالقدر المتيقن منها، وهو ماكان واجد الجميع الشرائط المحتملة وفاقد الجميع الموانع المحتملة ومن المعلوم ان اصالة البرائة عن المشكوك لا تجدى فى احراز هذا العنوان
فتدبر (1)جيدا !
وجه الفساد هو ما عرفت انفا من ان الاخبار المتقدمة حيث تكون في مقام التنزيل الحكمى ، فتكون حاكمة على ادلة سائر الموانع ايضا ، لامعارضة بها كي يكون المرجع بعد عدم الاطلاق لادلة الجماعة هو عموم ادلة القرائة ، هذا مضافا الى ما اشرنا اليه من انه على فرض تسليم كون الاخبار المتقدمة معارضه بادلة سائر الموانع ، نمنع عن كون المرجع بعد تساقطهما الموجب للشك في اعتبار عدمها في صحة الاقتداء ، هو عموم ادلة القرائة القاضى باعتبار عدمها ، وذلك لامكان رفع اعتبار عدمها في صحة الاقتداء باصالة البرائة ، بل بالاطلاق العرضى الحاصل الادلة الجماعة من جهة انصرافها الى ماهو المرتكز في اذهان العرف من معنى الاجتماع فتدبر! فالعمدة فى ما اخترناه وقويناه من اختصاص هذا الحكم بما اذا لم يكن غير البعد مانع اخر عن صحة الجماعة ، هي ما ذكرناه من عدم الاطلاق لاخبار الباب كي يعم
ص: 74
صورة وجود سائر الموانع وبقاء ادلة تلك الموانع على اطلاقها.
الامر الثالث هل المشى فى الصلوة للالتحاق الى الصف ، لابد ان يكون القيام الى الركعة الأخرى، ام لابل يجوز حال الركوع ايضا ، مقتضى صحيحة عبدالرحمن المتقدمة هو الاول ، ومقتضى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة هو الثاني ويمكن حمل الأولى على ما اذا كان البعد كثيرا بحيث لا يمكن طيه في زمان الركوع والمحكى عن الشيخ في التهذيب وعن غيره الحكم بالتخيير بين الأمرين ، ولاباس به بعد ورود الدليل على كليهما وعدم المعارضة بين دليليهما لكونهما متوافقين في الاثبات و عدم العلم بوحدة التكليف.
وهل يجوز المشى الى الصف حال الذكر في الركوع ام لا ، و جهان من اطلاق الصحيحة الثانية ، و ممادل على اعتبار الطمأنينة والسكون في حال الذكر والقرائة ، والاقوى هو الاول ، لا لماقيل من ان الدليل على اعتبار الطمأنينة هو الاجماع ، والقدر المتيقن منه غير مريد اللحوق بالصف ، وذلك لعدم انحصار الدليل على اعتبار الطمأنينة بالاجماع، بل يدل عليه خبر السكوني عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال في الرجل يصلى في موضع ثم يريدان يتقدم . قال علیه السّلام: يكف عن القرائة في مشيه حتى يتقدم الى الموضع الذى يريد ، بل لان النسبة بين هذا الخبر والصحيحة ، وانكانت عموما من وجه ، لشمول هذا الخبر لمريد اللحوق بالصف وغيره ، وشمول الصحيحة لحال الذكر و غيره، فيتعارضان في المريد للحوق بالصف حال الذكر، لكن المتعين تقديم الصحيحة على الخبر فيمورد التعارض، وذلك لان الخبر لا يصلح للمعارضة مع الصحيحة فى مورد الاجتماع لاسندا ولا دلالة ، اما سندا فواضح ، و اما دلالة فلظهور قوله علیه السّلام في الخبر يكف عن القرائة في مشيه في الوجوب ، وصراحة الصحيحة فى الجواز ، ومقتضى حمل الظاهر على النص هو حمل الخبر على الاستحباب هذا مضافا الى اختلافهما موضوعا، لاختصاص الخبر بالمشى حال القرائة، واختصاص الصحيحة بالمشى حال ذكر الركوع ، اللهم الا ان يدعى القول بعدم الفصل بين
ص: 75
الحالين في الحكم فتدبر جيدا! وكيفكان فالاحوط ان يمشى في الركوع بعد الذكر الواجب، فان بقى شئ من البعد فيمشيه بعد القيام عن الركوع .
الامر الرابع ان مقتضى اطلاق النصوص المتقدمة ، هوجواز المشى ولو على وجه التخطى الذى هو المتعارف فى المشى ، ولكن المحكى عن الصدوق في الفقيه مرسلا انه قال وروى انه يمشى فى الصلوة يجر قدميه على الارض ولا يتخطى، ولا يخفى ان ذلك و انكان احوط خروجا عن شبهة كون التخطى ماحيا لصورة الصلوة، لكن في تعينه نظر بل منع ، و ذلك لعدم صلاحية هذه الرواية لضعفها سندا بالارسال لتقييد اطلاقات تلك النصوص الواردة في مقام البيان وحضور وقت العمل، فالاولى حمل الرواية على الاستحباب ، ولعلها المستند لما حكى عن جملة من الاصحاب من التصريح بانه يستحب له ان يجر رجليه.
ص: 76
في شرائط الجماعة مضافا الى مامر ، و قبل البحث عنها لابد من تأسيس الاصل كي يكون هو المرجع عند الشك في اعتبار شئ في صحة الاقتداء ولم يكن هناك دليل على اعتباره فيه . فنقول : قد عرفت فيما مر ان ادلة الجماعة وان لم يكن لها اطلاق يعم جميع انحائها ، لانها اما واردة في مقام اصل تشريعها او في مقام بيان فضلها ، فليس فيها مايدل بعمومه او اطلاقه على كفاية الاقتداء باى نحو حصل، لكن الاجتماع حيث يكون من العناوين العرفية المركوزة في اذهان اهل العرف ، فينصرف ادلتها الى ماهو المرتكز في اذهانهم من معنى الاجتماع ، وح يحصل لها الاطلاق بهذا اللحاظ و ان لم يكن لها اطلاق فيحد ذاتها ، فعليهذا لوشك في مورد في اعتبار شئ في صحة الاقتداء ، فانكان الاجتماع صادقا عرفا بدونه نحكم بعدم اعتباره بهذا الاطلاق ، وان لم يكن الاجتماع صادقا بدونه نحكم باعتباره ، اذلا اطلاق يدل على عدم اعتباره ، و مقتضى الاصل العملى بل اللفظى هو اعتباره ، اما الاصل العملى فلان مقتضاه في المقام هو الاشتغال لا البرائة و ان قلنا بها في الشك بين الاقل والاكثر الارتباطيين ، وذلك لان الشك في المقام ليس في ثبوت التكليف بل فى سقوطه ، اذالشك هنا في سقوط القرائة عن المأموم بقرائة الامام ، وسقوط احكام الشك في عدد الركعات مع حفظ الامام ، و اغتفار زيادة الركن وغيره بقصد تبعية الامام ، فمقتضى الاصل العملى هو عدم صحة الاقتداء في مورد هذا الشك . و اما الاصل اللفظى فلما حقق في محله من انه اذا كان المخصص المنفصل مجملا مرددا
اذاكان بين الاول والاكثر، يرجع فيما عدى القدر المتيقن وهو الاقل الى عموم العام، ومن المعلوم ان عمومات ادلة القرائة من مثل قوله علیه السّلام : لا صلوة الا بفاتحة الكتاب،
ص: 77
وادلة الشك في عدد الركعات من مثل قوله علیه السّلام : كلما شككت فابن على الاكثر، و ادلة الزيادة من مثل قوله علیه السّلام : من زاد في صلوته فعليه الاعادة ، قد خصصت
تعلم بادلة الجماعة الدالة على ضمان الامام لقرائة المأموم ، و رجوع المأموم الى الامام في حفظ عدد الركعات ، وتبعيته له في الركوع والسجود ونحوهما من الافعال ، وحيث ان المفروض ان ادلة الجماعة لا اطلاق لها، فلابد فى تخصيص تلك العمومات بادلتها من الاقتصار على القدر المتيقن من ادلتها وهو ما كان واجد الجميع ما يحتمل دخله في صحتها وجودا او عدما ، والرجوع فى غيره الى تلك العمومات ، لكن هذا فيما اذا كان الشك ناشئاً عن اجمال الدليل، كما اذا دل الدليل على ان الحائل بين الامام والمأموم مانع عن صحة الاقتداء ، وتردد الحائل بين خصوص ماكان مثبتا مانعا عن المشاهدة كالجدار ، وبين الاعم منه وما كان مثبتا غير مانع عنها كالشبابيك والزجاج الموضوع في الباب ، اوكان منقولا مانعا عن المشاهدة كالستر اوغير مانع عنها كغيره ، او دل الدليل على ان التباعد بين الامام والمأموم بقدر مالا يتخطى مانع ، و تردد بين ماكان التباعد بهذا المقدار بين موقف الامام والمأموم ، اوكان بين موقف الامام ومحل سجود المأموم.
و اما الشكوك البدوية فيمكن رفعها بالاطلاق المقامى الذي ذكرناه في رفع احتمال اعتبار قصد الوجه والتميز ، وذلك لان ما يحتمل دخله في صحة الجماعة التي تكون محلا لابتلاء عامة المكلفين في كل يوم خمس اوثلث مرات، اذاكان مما يغفل عنه عامة المكلفين غالبا ، لكان على الشارع بيانه و نصب دلالة على دخله في صحتها، ولوبينه لنقل لنا لتفور الدواعى الى نقله ، فحيث لاعين ولا اثر منه فيما بايدينا من الاخبار ، فيكشف ذلك عن عدم بيان الشارع اعتباره في صحة الجماعة و هو يكشف كشفا قطعيا عن عدم اعتباره في صحتها هذا. ولكن المحكى عن شيخ مشايخنا الانصارى قده في مقام تأسيس الاصل فى الباب ، عدم الفرق بينه وبين الشك بين الاقل والاكثر الارتباطيين ، في كون الاصل فيه هو البرائة لا الاشتغال، بتقريب ان مقتضى عموم حديث الرفع بناء على ما هو الحق من شموله لرفع الاحكام الوضعية
ص: 78
ايضا ، عدم اعتبار القيود المشكوكة التى لا دليل عليها فى الجماعة ، ومقتضى ذلك كون الجماعة الفاقدة لتلك القيود جماعة صحيحة شرعية بحسب الظاهر ، و من المعلوم ان من آثار صحتها جماعة ولو بحسب الظاهر كفاية قرائة الامام عن قرائة المأموم ، وحيث ان هذا التقريب كان بحسب الظاهر مخدوشا ، وذلك لما اشرنا اليه عند تأسيس الاصل فيهذا الباب ، من ان بعد كون ادلة الجماعة مجملة ، فلابد في رفع اليد بها عن عموم دليل القرائة ، من الاقتصار على القدر المتيقن من ادلتها والرجوع في غيره الى عموم دليل القرائة ، و من المعلوم ان مع شمول عموم دليل القرائة الذى هو دليل اجتهادی ، لمورد الشك في صحة الجماعة الفاقدة للقيد المشكوك ، لا يبقى مجال للرجوع الى الاصل العملى المستفاد من حديث الرفع و نحوه ، بعدما حقق فى محله من حكومة الادلة الاجتهادية على الاصول العملية. تصدى الاستاد دام ظله لتوجيه كلامه قده ، بما حاصله ان القرائة ليست ساقطة عن المأموم فى الجماعة كي يكون الشك في صحة جماعة مستلزما للشك في السقوط الذي يكون المرجع فيه قاعدة الاشتغال ، بل الامام يكون كالنائب عنه في اتيان ما ثبت عليه من القرائة ، فصلوته كصلوة المنفرد تكون مشتملة على القرائة ، غاية الامر ان الدليل دل على كفاية قرائة الامام عن قرائته ، فعليهذا لو اقتضى اصل عملی شرعی كون الجماعة المفروضة من افراد الجماعة المشروعة ، فليس هناك دليل اجتهادى يكون حاكما عليه ، هذه خلاصة ما افاده دام ظله في توجيه كلام الشيخ الانصارى قده، وانت خبير بانا لو سلمنا عدم معارضة اصالة البرائة فى المقام بعموم قوله علیه السّلام: لاصلوة الا بفاتحة الكتاب بالتقريب المذكور ، لكن هناك أدلة اجتهادية اخرى تكون حاكمة عليهذا الاصل ، وهى اطلاق مادل على بطلان الصلوة بزيادة الركن وما دل على وجوب البناء على الاكثر عند الشك في عدد الركعات ، فان مقتضاهما بطلان كل صلوة زاد فيها الركن او بنى في الشك في عدد ر ر كعاتها على غير الاكثر (الاقل)، خرج عنهما الجماعة الواقعية ، حيث دل الدليل على جواز زيادة الركن فيها بقصد التبعية للامام ، والبناء فى الشك في عدد الركعات على ما حفظه الامام
ص: 79
منها، فاذا شك في اعتبار قيد في الجماعة ولم يكن لادلتها اطلاق يدل على عدم اعتبار ذاك القيد فيها، يكون مقتضى اطلاقهما بطلان تلك الجماعة الفاقدة لذاك القيد لوزاد فيها ركنا بقصد التبعية للامام او بنى فيها عند الشك في ركعاتها على ماحفظه الامام، و مع اطلاق هذين الدليلين الاجتهاديين ، لامجال للرجوع الى الاصل العملى فى رفع اعتبار القيد المشكوك اعتباره فى الجماعة هذا . و يمكن ان يوجه كلامه قده بما يندفع عنه هذا الاشكال ايضا ، وهو بان يقال ان الاصول العملية انما تكون محكومة بالادلة الاجتهادية فيما كانتا في عرض واحد ، ومن المعلوم ان الادلة الاجتهادية في المقام المتكفلة لاحكام الجماعة ، تكون في طول الاصل العملي القاضى بعدم اعتبار القيد المشكوك فى الجماعة و كون الجماعة الفاقدة له جماعة شرعية بحسب الظاهر ، اذ كما ان الحكم يكون فى طول موضوعه ومترتبا عليه ترتب المعلول على علته ، كذلك الدليل او الاصل الذى يكون متكفلا للحكم ، يكون في طول الدليل او الاصل الذى متكفلا لبيان قيود الموضوع ، و لذا فيما لوقال اكرم العلماء العدول و شك في فسق عالم كان عادلا سابقا ، يكون استصحاب العدالة هو المرجع مع كونه من الأصول العملية ، وليس ذلك الا لكونه متكفلا لادخال المشكوك فى موضوع دليل العام ، و بعد دخوله بالاصل العملي في موضوع دليل العام ، يترتب عليه حكمه الذى تكفل له الدليل الاجتهادي من وجوب الاكرام ، هذا وتدبر فان المسئلة بعد غير نقية عن الاشكال ، فالاحتياط باتيان الجماعة مراعيا للقيد المشكوك اعتباره فيها لا ينبغي تركه هذا.
واذا عرفت هذا فنقول : توضيح الكلام فى شرائط الجماعة يتم برسم مسائل: الاولى : يشترط في الجماعة ان لا يكون بين الامام والمأموم اذا كان رجلا ولا بين المأمومين بعضهم مع بعض اذا كانوا رجالا حائل ، بلاخلاف منا ظاهرا بل عن جملة من الاصحاب دعوى الاجماع عليه ، و يدل عليه صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال :
ان صلى قوم وبينهم وبين الامام ما لا يتخطى فليس ذلك الامام لهم
ص: 80
بامام، وای صف كان اهله يصلون بصلوة امام و بينهم وبين الصف الذى يتقدهم قدر مالا يتخطى فليس لهم تلك بصلوة ، فانكان بينهم سترة او جدار فليس تلك لهم بصلوة الامن كان بحيال الباب. قال علیه السّلام: وهذه المقاصير لم تكن في زمن احد من الناس وانما احدثها الجبارون، وليس لمن صلى خلفها مقتد يا بصلوة من فيها صلوة .
قال و قال ابو جعفر علیه السّلام:
ينبغى ان تكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين مالايخطى يكون قدر ذلك مقط جسد الانسان اذا سجد.
قال وقال :
ايما امرأة صلت خلف امام و بینها و بينه مالا يتخطى فليس لها تلك بصلوة .
قال قلت:
فان جاء انسان يريد ان يصلى كيف يصنع ، وهى الى جانب الرجل؟
قال علیه السّلام:
يدخل بينها وبين الرجل و تنحدر هى شيئا.
تقريب الاستدلال بها، هو ان لفظة مالا يتخطى الواقعة فى الفقرة الاولى ، و انكانت فيحد نفسها ظاهرة في خصوص مالا يمكن طيه بخطوة وقدم لمكان بعد المسافة ، او في الاعم منه ومما لا يمكن المرور عليه ماشيا لمكان علوه من جدار ونحوه ، لكن لا بد من حملها بقرينة تفريع السترة والجدار عليها في الفقرة الثالثة الظاهرة في بطلان الصلوة معهما ، و بقرينة ظهور ذيل الرواية المتضمن للتحديد بما لا يتخطى لاشتماله على كلمة لا ينبغي، في كراهة كون البعد بين الامام والمأموم وبعض المأمومين مع بعض بهذا المقدار، على خصوص مالا يمكن المرور عليه ماشيا لمكان علوه سواء كان مثبتا كالجدار او منقولا كالستر، فالمراد من السترة والجدار فى الرواية هو ذكر افراد الحائل، لا ان يكون كلواحد منهما مانعا مستقلا . ثم لوسلمنا ظهور لفظة ما لا يتخطى فى الفقرة الاولى في خصوص مالا يمكن قطعه بخطوة لمكان بعد المسافة بحيث لا يمكن حملها على ارادة الاعم منه فضلا عن الحمل على ارادة خصوص ما لا يمكن
ص: 81
المرور عليه ماشيا لمكان علوه كالحائل ، بقرينة ماوقع في الفقرة الثانية من التعبير بقوله علیه السّلام: قدر ما لا يتخطى ، فانه كالصريح في ارادة خصوص مالايمكن قطعه بخطوة واحدة لمكان بعد المسافة وطولها كى يتعين حملها على الاستحباب ، لكنه لا يضر بصحة الاستدلال بالفقرة الثالثة على مانعية الحائل ، ضرورة ان الفاء ليست دائما التفريع لدخولها كثيرا على جملة مستقلة ، مع انه حكى عن بعض نسخ الوافي وانكان بينهم سترة او جدار بدل قوله علیه السّلام : فانكان .... الخ . وعلى كل حال ظهور الصحيحة في مانعية الحائل ليس قابلا للانكار ، فلا اشكال في ما نعيته في الجملة.
و انما الكلام فيها فى مقامات : الاول : ان الثمرة بين الاحتمالين اللذين ذكر ناهما فى تقريب الاستدلال بها، هي انه على الاحتمال الاول اعنى كون المراد من لفظة مالا يتخطى فى الرواية هو (خصوص مالا يمكن المرور عليه ماشيا لمكان وجود الحائل وعلومقداره) مقدار علو الحائل وكون قوله علیه السّلام: فانكان بينهم سترة اوجدار تفريعا عليه ، لا يكون فرق فى ما نعية الجدار بين كونه ساترا اوغير ساتر كالجدار المشبك والمصنوع من الزجاج ، ولا يكون الجدار والسترة القصيران الممكن طيهما بخطوة مستقيمة مانعين عن صحة الجماعة ، و ذلك لان المناط فى مانعية الحائل عليهذا الاحتمال هو كون علوه بمقدار لا يمكن طيه بخطوة ، ومن المعلوم عدم الفرق فيهذا المناط بين كون الحائل ساترا ام لا ، وعلى الاحتمال الثاني وهو كون المراد من لفظة مالا يتخطى المسافة التي لا يمكن طيها بخطوة لبعدها، وكون قوله علیه السّلام: في فانكان بينهم سترة ... الخ، مانعا مستقلالا نفر يعا على سابقه، لا يكون غير الساتر من الجدار مانعا عن صحة الجماعة ، لان المناط فى المانعية عليهذا الاحتمال هو كون الحائل ساترا ما نعا عن المشاهدة ، فما لم يكن سائر ا كالشبابيك والجدار المصنوع من الزجاج ليس مشمولا للرواية عليهذا الاحتمال، و توهم كون الجدار مانعا مستقلا و ان لم يكن بساتر كما هو مقتضى عطفه على السترة ، مدفوع بان المتبادر من عطفه على السترة عرفا ، هو كونهما مشتركين في جهة جامعة وهى كونهما مما يحصل به الستر، وانكان بينهما فرق من حيث كون السترة موضوعة للستر ، بخلاف الجدار فانه وانكان
ص: 82
مما يحصل به الستر لكنه ليس موضوعا لذلك هذا. ولكن يمكن ان يقال ان ظاهر السترة فى قوله علیه السّلام: فانكان بينهم سترة ، وانكان الحاجب عن الرؤية والمشاهدة ، فلا يعم ما كان من قبيل الزجاجة والشباك ، الا ان من المعلوم عدم كون المناطذلك، كيف والالزم ان يكون العمى والظلمة مانعين ايضا و هو كماترى ، بل المناط هو الحائل المانع عن صدق الاجتماع عرفا: ومن المعلوم عدم صدقه كك مع حيلولة مثل الزجاجة والشباك سيما اذا كانت ثقبه ضيقة ، فلا فرق بين الاحتمالين فيهذه الثمرة اعنى مانعية الجدار مطلقا ولو كان غير مانع عن الرؤية والمشاهدة.
الثاني: انه بناء على التقريب الثانى للاستدلال بالصحيحة على مانعية الحائل يحتمل ثبوتا ان يكون المراد من قوله علیه السّلام فيها : فان كان بينهم سترة اوجدار، هي البينونة في جميع حالات الصلوة فى قيامها وجلوسها وركوعها وسجودها ، ولازمه عدم كونها مضرة بصحتها فيما كانت في حال دون حال، ويحتمل ان يكون هي البينونة مطلقا ولو في حال دون حال، ويحتمل ان يكون هي البينونة فى اغلب حالات الصلوة، ولازمه عدم کو نها مضرة بصحتها فيما كانت في بعض من الحالات، وهذا الاحتمال الثالث وانكان اقرب الى متفاهم اهل العرف، حيث يصدق عندهم البينونة فيما اذاحال بين الامام والمأموم اوبين المأمومين بعضهم مع بعض ساتر في اغلب حالات الصلوة ، دون ما اذا حال بينهم في بعض حالاتها ، لكن ليس بحيث يوجب ظهور قوله علیه السّلام: وانكان بينهم سترة اوجدار، في خصوص هذا الاحتمال ، وح يشكل الحكم بالصحة فيما كان شئ حائلا بين الامام والمأمومين او بينهم في حال السجود فقط، كالعتبة و نحوها التي تكون بمقدار شبر او اقل بحيث يمنع عن المشاهدة حال السجود ، لان المفروض انه ليس لادلة الجماعة اطلاق يقضى بصحتها مطلقا كى يقتصر في تقييده على ما تيقن ما نعيته ، ولا الاصل يقتضى البرائة فى مثل المقام الذى يكون الشك فيه في مرحلة السقوط دون الثبوت، فمقتضى قاعدة الاشتغال ب-ل عمومات ادلة القرائة و ادلة الشكوك في الركعات و ادلة مبطلية الزيادة العمدية هو عدم الصحة ، لكن يمكن ان يقال ان اشتراط عدم الحائل بين الامام والمأموم كاشتراط عدم التباعد بينهما
ص: 83
ليس تعبديا محضا صرفا بل يكون تحديد الما يعتبر في صدق الاجتماع عرفا ، فاذا كان اشتراط عدم الحائل لكونه مانعا عن صدق الاجتماع عرفا (حائل لا يمنع عن صدقه عرفا) فكل مالا يصدق عليه الحائل عرفا كالشبر بل اكثر منه الى ان يصل الى حد الترقوة حال الجلوس فتأمل(1)! فلا يضر فصله ولو كان حائلا في بعض الاحوال، بل يستفاد من تحديد الحائل بقوله علیه السّلام : مالا يتخطى، ان الحائل القصير الذي يمكن طيه بخطوة والمرور عليه ماشيا ، لا يمنع عن صحة الجماعة وانكان حائلا في بعض الاحوال ، لكن هذا مبنى على التقريب الاول للاستدلال بالصحيحة على ما نعية الحائل ، دون التقريب الثاني كما لا يخفى.
الثالث : انه قد يتوهم ان الظاهر من قوله علیه السّلام في الصحيحة : فانكان بينهم سترة او جدار فليس تلك لهم بصلوة الا من كان بحيال الباب ، هوان الصف الذي ينعقد خلف المقصورة التي احدثها معوية لعنة الله عليه بعد ما سمع قتل مولانا وسيدنا امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه ، خوفا من ان يقتله احد حال الصلوة ثم تبعه على ذلك سائر خلفاء بني امية و خلفاء بني عباس ، يكون صلوة غير من كان من ذلك الصف بحذاء باب المقصورة باطلة ، فيدل على اعتبار رؤية نفس الامام في حال الصلوة وعدم كفاية رؤية من يراه فيها ، و مقتضى ذلك عدم صحة صلوة من يصلى جانبي المأمومين المشاهدين للامام ان لم يمكن هو مشاهدا له ، وهذا على الظاهر ممالم يفت به احد عدا المحقق البهبهاني قده في شرح المفاتيح على ما حكى عنه .
وفيه ان كلمة من الموصولة في قوله علیه السّلام : الامن كان بحيال الباب ، وانكانت ظاهرة فى الاشخاص الذين يصلون بحذاء الباب ، لكنه ظهور بدوى يرتفع بادنی تأمل والتفات الى ما اشتملت عليه الصحيحة من القرائن الدالة على ان المقصود من المستثنى هو مجموع الصف الذي كان منعقدا بحيال الباب ، منها ظهور ضمير بينهم في قوله علیه السّلام
ص: 84
فانكان بينهم فى الرجوع الى الصفوف، بقرينة قوله علیه السّلام قبل ذلك : واى صف كان اهله يصلون بصلوة امام و بينهم و بين الصف الذى يتقدمهم ... الخ ، فاذا كان المراد من الضمير هو الصفوف ، فيكون المراد من كلمة من الموصولة المستثناة من الصفوف هو الصف الذي كان بحذاء الباب لا الشخص الذى كان بحذائه ، وتوهم ان الصف كيف
يمكن ان يصير محاذيا للباب مع ان من يقابل منهم له ليس الا بعضا قليلا منهم مدفوع بان المحاذات مما يختلف صدقه عرفا حسب اختلاف المحاذى شخصا او جماعة ، ضرورة انه لو قيل لشخص قف بحذاء السلطان ، لا يصدق انه وقف محاذيا له الا فيما اذا وقف قدامه، دون ما اذا وقف بجنبه من اليمين او اليسار ، و هذا بخلاف ما اذا قيل للعسكر: اقيموا صفكم بحذاء السلطان ، فانه يصدق على ذلك الصف و ان استطال يمينا ويسارا انه محاذله بمجرد وقوع بعض منهم قدامه ، والسر في ذلك هو هو ان الصف يعد عرفا شيئا واحداذا امتداد نظير الحبل ، فكما اذا امتد حبل قدام شخص يصدق عليه انه بحذاء ذلك الشخص مع ان ما يكون منه في قدامه ليس الا جزء منه ، كذلك اذا امتد صف قدام شخص يصدق عليه انه بحذاء ذلك الشخص مع ان ما يكون منهم قدامه ليس الا بعضهم، ومنها وحدة السياق ، فانه لاشبهة فيان المتفاهم من فقرات الصحيحة صدرا و ذيلا ، هو كون اعتبار كل من عدم البعد بما لا يتخطى وعدم السترة والجدار بين الامام والمأمومين و بين صفوفهم على نهج واحد، ومن المعلوم ان اعتبار عدم البعد بما لا يتخطى ، انما هو بين الامام وبين مجموع الصف لا بينه وبين جميع ابعاضه و اشخاصه ، كيف والالزم بطلان صلوة من كان من اهل الصف الاول بعيدا عن الامام بما لا يتخطى و هذا مما لا يمكن الالتزام به ، فاذا كان البعد بما لا يتخطى بالنسبة الى مجموع الصف لا الى ابعاضه ، فلابد ان يكون اعتبار عدم الحائل ايضا بالنسبة إلى مجموع الصف ، بعد كون اعتباره على طبق اعتبار عدم اعتبار عدم البعد بمقتضى وحدة السياق.
الرابع : انه قد يستشكل فى الاستدلال بالصحيحة على مانعية البعد، بان الظاهر من صدرها بملاحظة اشتماله على نفى الصلوة عن المأموم الذي يكون بينه
ص: 85
وبين الامام ما لا يتخطى لمكان بعد المسافة الظاهر فى نفى الحقيقة ، هو ما نعية البعد بمقدار مالا يتخطى عن صحة صلوة المأموم و وجوب مراعاة عدمه عليه ، والظاهر من ذيلها وهو قوله اعتبار عدم : ينبغي ان يكون الصفوف تامة متواصلة بعضها الى بعض لا يكون بين الصفين مالا يتخطى يكون قدر مسقط جسد الانسان اذا سجد... الخ، بلحاظ اشتماله مضافا الى كلمة ينبغى الظاهرة فى نفسها في الاستحباب، على ذكر هذا الشرط في عداد بعض المستحبات كاتصال الصفوف وتماميتها ، هو استحباب مراعاة عدم البعد بهذا المقدار، فيقع من هذه الجهة التهافت في الصحيحة صدر اوذيلا المانع عن صحة الاستدلال بها على مانعية البعد بهذا المقدار عن صحة الصلوة، و اما ماقيل في رفع التهافت المزبور من امكان حمل نفى الصلوة في الصدر على نفى الكمال بقرينة الذيل، ففيه مضافا الى ان الصحيحة بناء على هذا الحمل تكون على خلاف المطلوب ادل، ان هذا الحمل مخالف لوحدة السياق التي بين هذه الفقرة والفقرة الثانية المتكفلة لحكم الحائل التي لا شبهة فى ارادة البطلان من نفى الصلوة فيها بقرينة قوله علیه السّلام متصلا بهذه الفقرة : و هذه المقاصير لم تكن في زمان احد من الناس و انما احدثها
الجبارون، فانه لوكان المراد من نفى الصلوة مع الحائل نفى الكمال ، لم يكن وجه. الشدة تشنيعه علیه السّلام وتعييره علیه السّلام على خلفاء الجور المحدثين للمقاصير بقوله علیه السّلام : وانما احدثها الجبارون كما لا يخفى. كما ان ماقيل في رفع التهافت المزبور من امکان حمل كلمة ينبغى في الذيل على مطلق الرجحان الغير المنافي لارادة الوجوب من بعض ما وقع بعدها وارادة الاستحباب من بعض اخر ، فيه ايضا مالا يخفى ، ضرورة ان حمل هذه الكلمة على مطلق الرجحان انما يكون ممكنا لو كانت هذه الفقرة المصدرة بها مذكورة في خبر مستقل ، دون ما اذا كانت مذكورة بعد ذكر الواجب اولا في خبر واحد كما في الصحيحة ، فان ذكر ذلك الواجب ثانيا بعد هذه الكلمة في عداد المستحبات المذكورة بعدها ، بلحاظ اشتراك هذه الكلمة في مطلق الرجحان، بعيد فى الغاية ، بداهة ان ذكره ثانيا في عداد المستحبات لولم يكن مخلا بوجوبه لا يكون مؤكدا له كما لا يخفى.
ص: 86
فالاولى ان يقال في دفع هذا الاشكال بما افاده الاستاد دام ظله ، من امکان حمل الذيل على بيان حكم مورد مبائن لما هو مورد للحكم المذكور في الصدر ، و هو بان يحمل مافي الذيل من تحديد البعد المنافي للاستحباب بما لا يتخطى ، على البعد بين محل اقدام اهل الصف السابق ومحل اقدام اهل الصف اللاحق ، كما هو مقتضى تفسيره علیه السّلام البينونة بين الصفين التي حكم باستحباب عدم كونها مالا يتخطى بقوله علیه السّلام : يكون قدر ذلك مسقط جسد الانسان اذا سجد ، ويحمل ما في الصدر من تحديد البعد المانع عن صحة الصلوة بما لا يتخطى ، على البعد بين مسجد المأموم و موقف الامام ، وعلى البعد بين مسجد الصف اللاحق وموقف الصف السابق ، اذلادليل على اتحاد الصدر والذيل موردا كى يحصل التهافت بينهما ، بل هناك شواهد تدل على اختلاف موردهما، منها ما في الصحيحة من الاستثناء بقوله علیه السّلام: الامن كان بحيال الباب ، فان المأموم الواقف بحيال باب المقصورة يكون البعد بين محل قدميه ومحل اقدام المأمومين الداخلين فيها بما لا يتخطى غالباً ، مع ان الامام علیه السّلام حكم بصحة صلوته ، وهذا يكشف قطعا عن ان المراد من البعد المانع عن صحة الصلوة ليس هو بين الموقفين، ومنها ما فى موثقة عمار عن ابيعبد علیه السّلام، من قوله علیه السّلام: لا باس في جواب السؤال عن ايتمام النساء بالرجل وبينهن وبينه حائط او طريق، فان نفیه علیه السّلام البأس عن ايتمامهن فى الفرض ، من دون استفصال بين ما كان الحائط او الطريق الفاصل بينهن و بين الامام موجبا لبعد موقفهن عن موقفه بمالا يتخطى وما لم يكن كك ، كاشف عن عدم مانعية البعد بما لا يتخطى الافيماكان بين مسجد المأموم وموقف الامام ، بل الفصل بالطريق لا ينفك عن البعد بين الموقفين بما لا يتخطى كما لا يخفى ، ومعه كيف يمكن ان يكون البعد بينهما مانعا عن صحة الصلوة ، مع نفى الامام علیه السّلام البأس عن الايتمام مع الفصل به، وتوهم ان ترك الاستفصال في الموثقة لعله من جهة اختصاص ما نعية البعد كالحائل بالرجال، مدفوع بما سيجيئ انشاء الله تعالى من ان الحق اشتراك النساء مع الرجال في ما نعية البعد، ومنها قوله علیه السّلام في الصحيحة ، فانكان بينهم وبين الأمام مالا يتخطى، فانه ظاهر في اعتبار عدم البعد بهذا
ص: 87
المقدار في جميع حالات الصلوة التي منها حال السجود هذا. فتبين مما ذكرنا ان المتحصل من الصحيحة صدرا وذيلا ، هوانه يشترط في صحة الجماعة عدم كون البعد بين مسجد المأموم وموقف الامام و بين مسجد الصف اللاحق وموقف الصف السابق بمقدار مالا يتخطى ، ويستحب عدم كون البعد بين موقف المأموم وموقف الامام وبين موقف الصف اللاحق وموقف الصف السابق قدر مالا يتخطى .
الخامس : انه لا اشكال بل لاخلاف فى ان اعتبار عدم البعد بمالا يتخطى تشترك فيه النساء مع الرجال ، ويدل على ذلك قوله علیه السّلام في ذيل صحيحة زرارة المتقدمة: ايما امرئة صلت خلف امام وبينها وبينه مالا يتخطى فليس لها تلك بصلوة، و اما اعتبار عدم الحائل فالمشهور اختصاصه بالرجال، ويدل عليه موثقة عمار قال : سئلت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل يصلى بالقوم وخلفه دار فيها نساء هل يجوزان يصلين خلفه ؟ قال علیه السّلام نعم، انکان الامام اسفل منهن . قلت: فان بينه و بينهن حائطا او طريقاً . قال علیه السّلام لا بأس.
و توهم معارضتها بالصحيحة، لان قوله علیه السّلام فيها مشيرا الى المقاصير ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلوة ، يعم باطلاقه النساء ايضا، والنسبة بينهما عموم من وجه ، لاختصاص الموثقة بالنساء، وعموم قول السائل فيها وخلفه دارفيها نساء، لما اذا كانت حيلولة الدار مستوعبة وما اذا لم تكن كك، كما اذا كان لمدار المفروضة باب تشاهد منه احدى النساء الواقفة بحياله للصفوف المتقدمة من
الرجال و اختصاص الصحيحة بما اذا كان الحائل مستوعبا بحيث لا يشاهد احد من الصفوف اللاحقة للسابقة ، وعموم قوله علیه السّلام فيها: ليس لمن صلى خلفها مقتديا بصلوة من فيها صلوة للرجال والنساء ، وبعد تساقطهما بالمعارضة في مادة الاجتماع ، و هى ما اذا كان بين النساء وبين الامام او بينهن و بين من تقدم عليهن من صفوف الرجال حائل مستوعب ، يكون المرجع فيها قاعدة الاشتغال التي عرفت انها المرجع فيهذا الباب عند الشك في الاشتراط، مضافا الى عموم ادلة القرائة و ادلة مبطلية زيادة الركن وادلة وجوب البناء على الاكثر عند الشك في عدد الركعات. مدفوع اولا بمنع عموم الصحيحة للنساء ، لاختصاصها مصباً وموردا بالرجال
ص: 88
كما هو ظاهر قوله علیه السّلام فيها: فانكان بينهم سترة او جدار، وحمله على التغليب خلاف الظاهر، و استفادة عموم الحكم في بعض الموارد للنساء، مع كون الخطاب فيها متوجها إلى الرجال كقوله تعالى: ولا يغتب بعضكم بعضا ونحو ذلك ، انماهى بقرينة خارجية مقالية او مقامية، وثانيا بمنع عموم الموثقة لما اذا كانت الدار بحيث امكن ان تشاهد احدى النساء من بابها من تقدم عليهن من صفوف الرجال ، و ذلك لان الظاهر من السؤال ، هوانه لما كان ما نعية الحائل المستوعب في الجملة معلومة عند السائل ، كان نظره فى سئواله الى ان مانعية هذا الحائل هل تعم النساء ايضا ام لا ؟ فعليهذا تكون الموثقة اخص من الصحيحة ومقتضى الجمع بينهما هو تقسید اطلاق الصحيحة انكان لها اطلاق بالموثقة ، سلمنا شمول قوله علیه السّلام : فانكان بينهم سترة ... الخ باطلاقه النساء ، لكن تعرضه علیه السّلام في الذيل الخصوص ما نعية البعد في حق المرئة بقوله علیه السّلام: ايما امرئة صلت خلف امام وبينها وبينه مالا يتخطى فليس لها تلك بصلوة، قرينة على اختصاص مانعية الحائل بالرجال، لااقل من كونه موجبا لاجمال الصدر فيجب الاقتصار فى تقييد اطلاق ادلة الجماعة الحاصل لها بسبب الانصراف الى ما يكون جماعة عرفا على القدر المتيقن من الصدر ، وهو ما اذا كان المأمومون رجالا ، وذلك لما عرفت فيما مر من صدق الاجتماع بين الرجل والمرئة عرفا مع ضرب الستر بينهما . فتبين مما ذكرنا ان ما ذهب اليه المشهور من اختصاص مانعية الحائل بالرجال هو الاقوى ، فلوصلت امرئة مؤتمة بالرجل مع وجود الحائل بينهما كانت صلوتها صحيحة ، واما لو كانت مؤتمة بالمرئة ، فالظاهر اشتراط عدم الحائل بينهما، العموم قوله علیه السّلام في الصحيحة ليس لمن صلى خلف المقاصير مقتديا بصلوة من فيها صلوة للنساء، خرجت عنه المؤتمة بالرجل بموثقة عمار و بقيت المؤتمة بالمرئة تحته ، و ان ابيت عن عموم الصحيحة للنساء بدعوى اختصاصها بالرجال كمامر ، فيكفى فى الحكم باشتراطه مضافا الى منافاة الحائل لصدق الاجتماع ولو فيما كان المجتمعون نساء الاصل الذي اسناه فيهذا الباب ، مضافا الى عموم ادلة القرائة وغيرها كما نقدم ، فاضرار وجود الحائل بين الامام والمأموم بصحة الصلوة جماعة فيما
ص: 89
كان كلاهما امرئة ايضا مما لاشبهة فيه.
السادس : لوشك فى اثناء الصلوة فى حائلية شئ، كما اذا توسط في الاثناء بينه وبين الامام او الصف المتقدم ما يشك في حائليته، كما اذا كان المتوسط بمقدار شبر او اقل بحيث يمنع عن المشاهدة حال السجود، فلاشبهة في انه ليس هناك اصل موضوعى يرفع به هذا الشك، اما الاستصحاب فلعدم الحالة السابقة للمشكوك اولا، و عدم جريانه مع كون الشبهة مفهومية ثانيا ، و اما البرائة فلما مر من انه لا مجال لها في المقام الذي يكون الشك فيه فى السقوط ، واما الاصول الحكمية فاستصحاب عدم وجوب السورة لا مجال له مع عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب للمقام الذي تكون الشبهة فيه في مفهوم المخصص المنفصل ، واستصحاب صحة الصلوة جماعة قبل طر وهذا المشكوك ، لا يجدى فى اثبات صحتها كك بعد طروه ، فالحكم بالصحة في الفرض مشكل، اللهم الا ان يتمسك له باستصحاب نفس الجماعة ، فتدبر جيدا !
واما لوشك فى وجود الحائل ، فلاشبهة فى ان مقتضى الاصل هو البناء على عدمه مطلقا كان الشك في حدوثه في الاثناء او في الابتدأ، وتوهم ان الظاهر من قوله علیه السّلام في الصحيحة: ان صلى قوم وبينهم وبين الأمام مالا يتخطى، هوان الموضوع للحكم امر بسيط وهو الحال المنتزع من صلوة القوم وعدم الحائل بينهم وبين الامام، و هذا العنوان البسيط الانتزاعى لا يمكن اثباته باستصحاب عدم وجود الحائل الاعلى القول بالاصل المثبت . مدفوع اولا بان قوله علیه السّلام : وبينهم وبين الامام مالا يتخطى، ليس الا فى مقام بيان اعتبار عدم وجود الحائل وكونه بنفسه مانعا ، لاانه مع صلوة القوم كلاهما منشان لانتزاع عنوان بسيط يكون هو المانع، انما عبر عن مانعية الحائل بهذه العبارة، لعدم امكان التعبير عن هذا المانع بغيرها، وثانيا ان هذا التوهم مبنى على كون المراد من لفظة مالا يتخطى الواقعة فى الفقرتين الاولتين من الصحيحة مالا يمكن المرور عليه لعلوه ، وهذا خلاف ماهو ظاهر هذه اللفظة من ارادة مالا يمكن طيه بخطوة لمكان بعد المسافة ، فتدبر !
السابع : قد ورد التصريح في بعض الاخبار بصحة الصلوة من يصلى خلف
ص: 90
الاسطوانة، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق علیه السّلام: لا ارى بالصفوف بين الاساطين باسا ، وهو كماترى يشمل باطلاقه ما اذا صلى احد خلف اسطوانة عريضة تكون مانعة عن مشاهدته لمن يكون فى قدامه من الصف، وحينئذ لو قلنا بظهور الاستثناء في صحيحة زرارة المتقدمة بقوله علیه السّلام : الامن كان بحيال الباب ، في كون المستثنى هو
الشخص المحاذى للباب، كي يدل على ما حكى عن الفريد البهبهاني قده من اعتبار مشاهدة نفس الامام و عدم كفاية مشاهدة من يشاهده ، فاللازم جعل هذه الصحيحة مخصصة لتلك الصحيحة ، واخراج من يصلى خلف الاسطوانة عن عموم تلك الصحيحة. وان قلنا باجمال الاستثناء فى تلك الصحيحة و عدم ظهوره لا فى كون المستثنى هو الشخص ولا في كونه هو الصف ، فح يمكن ان يجعل هذه الصحيحة كاشفة عن كون المراد من المستثنى فى تلك الصحيحة هو الصف ، و ذلك لانه لو كان المراد منه هو الشخص لزم ان يكون خروج من يصلى خلف الاسطوانة عن تلك الصحيحة من باب التخصيص ، ولو كان المراد منه هو الصف لزم ان يكون خروجه عن تلك الصحيحة من باب التخصص ، و مقتضى اصالة عدم التخصيص هو الحكم بكون المراد منه هو الصف، فتأمل !
الثامن : قد عرفت ان الموانع المعتبرة عدمها فى الجماعة شرعا ، اذا كانت تحديدا لما يكون مانعا عن صدق الاجتماع عرفا كالبعد والحائل، اذا كان وجودها في مورد مانعا عن صدق الاجتماع عرفا، يكون مضرا بصحة الجماعة، ولولم يكن لدليل ما نعيتها اطلاق يعم ذلك المورد ايضا، و عليه فلولم يكن بين الصف الاول و الامام حائل يمنع عن مشاهدتهم اياه، ولكن كان بين اجزاء ذلك الصف حائل يمنع عن مشاهدة بعضهم لبعض، كانت صلوة غير من يتصل بالامام باطلة ، وذلك لان منشاء صدق اجتماع المأموم المتأخر مع الامام عرفا، هو اتصاله بمن يتصل بالامام بلاواسطة اومعها، فوجود الحائل بينه وبين من يتصل به بالامام يكون مضرا بصدق الاجتماع مع الامام فلا تصح صلوته جماعة ، فتبين مما ذكرنا أن بطلان صلوة المأموم الذى
ص: 91
يشاهد الامام ولكن لا يشاهد المأموم الذي بسببه يتصل بالامام ، يكون على مقتضى القاعدة الأولية.
مضافا الى امكان الاستدلال عليه بقولهعلیه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة : فانكان بينهم سترة اوجدار فليس تلك لهم بصلوة الامن كان بحيال الباب، تقريب الاستدلال هو انا ان حملنا لفظة ما لا يتخطى الواقعة فى الفقرتين الاولتين من الصحيحة ، على خصوص مالا يمكن المرور عليه ماشيا لمكان وجود الحائل، فتكون حينئذ الفقرة الاولى وهى قوله علیه السّلام: ان صلى قوم و بينهم وبين الأمام مالا يتخطى فليس ذلك الامام لهم بامام ، دالة بالمطابقة على مانعية الحائل بين الامام و جملة المأمومين ، وتكون الفقرة الثانية وهى قوله علیه السّلام: واى صف كان اهله يصلون بصلوة امام بينهم و بين الصف الذى يتقدمهم قدر مالا يتخطى فليس تلك لهم بصلوة ، دالة ايضا بالمطابقة على مانعية الحائل بين الصف الاول والصفوف اللاحقة ، ويستفاد من المدلول الالتزامى لتينك الفقرتين ما نعية الحائل بين اجزاء الصف الاول ، بل اجزاء مطلق الصف فيما اذا لم يكن قدامهم من يتصلون به بالامام ، و ذلك لانه اذا كان الحائل بين الامام و مجموع المأمومين وكذا الحائل بين الصف الأول وغيره من الصفوف موجبا للبطلان ، يكشف ذلك عن اعتبار كون المأموم متصلا بالامام او بمن يتصل به ولو بوسائط.
و ان ابقينا لفظة ما لا يتخطى الواقعة فى الفقرتين على ظاهرها من خصوص ما لا يمكن طيه بخطوة لمكان بعد المسافة ، فيكون المستفاد بالمطابقة من الفقرة الاولى مانعية البعد بين الامام والمأمومين اذا كان بمقدار مالا يتخطى ، ومن الفقرة الثانية ما نعيته بين الصف الاول والصفوف اللاحقة اذا كان بهذا المقدار، ويكون المستفاد من مدلولهما الالتزامى مانعية البعد بين اجزاء صف واحد اذا لم يكن قدامهم من يتصلون به بالامام فاذا كان البعد بجميع انحائه الثلث ما نعا فيكون الحائل ايضا كك ، وذلك لان المستفاد من تفريع ما نعية الحائل على ما نعيه البعد، بقوله علیه السّلام : فانكان بينهم سترة او جدار فليس تلك لهم بصلوة، الظاهر فى كونه اجمالا للتفصيل
ص: 92
المتقدم، هو ان مانعية الحائل كما نعية البعد في الكيفية ، فلابد ان لايكون بين الامام وجملة المأمومين ولا بين الصف الاول وباقى الصفوف ولا بين اجزاء صف واحد حائل، فقوله علیه السّلام : الامن كان بحيال الباب استثناء عن امر مفروض في جميع الصور الثلث، اعنى ما اذا كان الحائل بين الامام وجملة المأمومين وما اذا كان بين الصفوف وما اذا كان بين اجزاء صف واحد ، وحاصل هذا الاستثناء هو ان عدم الحائل موجب الصحة فيما اذا فرض بين الامام وجملة المأمومين او بين الصفوف اوبين اجزاء صف واحد.
و توهم ان قوله علیه السّلام : فليس تلك لهم بصلوة الامن كان بحيال الباب ، انما هو توطئة لقوله علیه السّلام: وهذه المقاصير لم تكن في زمن احد من الناس وانما احدثها الجبارون ، لانه لم يكن قبل هذا الكلام اسم لما يفرض له الباب ، فاستثناء من كان بحيال الباب انما يناسب ما ذكره من المقاصير ، وعليه فيكون حاصل مجموع هذين الكلامين ان من يصلى وراء المقاصير فصلوته باطلة الا اذا كان بحيال الباب ، وحينئذ فيكون الصحيحة دليلا على ما ذهب اليه الوحيد البهبهاني قده من اعتبار مشاهدة الامام او مشاهدة من يشاهده من القدام دون الجانبين ، فليس قوله علیه السّلام: فانكان بينهم سترة او جدار اجمالا للتفصيل المتقدم ومتفرعا عليه كي يستفاد منه حكم الصور الثلث.
مدفوع بان المراد من الباب هو باب ماكان معمولا من جعل المحراب في داخل جدار المسجد لاباب المقاصير ، فان المقاصير على ما نقل كان بابها من خارج المسجد وكان الامام يدخل فيها ويسد بابها و ما راه احد حال الصلوة ، و اما ماقيل من انها كان لها بابان ، بابا من الخارج وبابا من داخل المسجد يراه الماموم الذى خلفه ، فغير معلوم بل يبعده ان جعل الباب لها من الداخل خلاف ما كان مقصود الخلفاء فى وضع المقاصير من حفظ نفسهم او جبروتهم ، فذكر المقاصير في الصحيحة انما هو لدفع توهم انه لو كان الحائل مانعا عن صحة الصلوة جماعة فكيف كان الناس
ص: 93
يصلون خلف المقاصير مع وجود الحائل بينهم و بين الامام بحيث لا يراه احد منهم هذا و تدبر !
التاسع : ظاهر الصحيحة ان هذا الشرط اعنى عدم الحائل بين الماموم والامام و بين المامومين بعضهم مع بعض شرط واقعی و لازمه انه لودخل في الصلوة مع وجود الحائل جاهلا لعمى و نحوه ثم انكشف ذلك بعد الصلوة ، بطلت صلوته راسا مع الاخلال بوظيفة المنفرد والا صحت فرادى ، و ان انکشف ذلك في الاثناء فانكان قبل الاخلال بوظيفة المنفرد اتمها منفردا و انكان بعد الاخلال بها بطلت صلوته واما لو دخل فى الصلوة مع وجود الحائل ناسيا، فقد يقال بصحة صلوته جماعة، و ذلك لحكومة حديث لاتعاد على ادلة شروط الجماعة كحكومته على ادلة شروط اصل الصلوة ، ضرورة ان مفاد الحديث هو ان كل صلوة كانت واجدة للاجزاء والشرائط الركنية الخمسة وهى الركوع والسجود والطهور والقبلة والوقت ، لاتعاد من جهة الاخلال سهوا بسائر اجزائها و شرائطها ، ومن المعلوم ان هذه الصلوة يصدق عليها انها واجدة لتلك الاجزاء والشرائط الركنية ، فيشملها الحديث ومقتضى شموله لها اختصاص اعتبار هذا الشرط اعنى عدم الحائل بحال الذكر فاذا كان اعتباره مختصا بحال الذكر ، فتكون هذه الصلوة التي وقعت مع وجود الحائل صحيحة جماعة . وفيه ان ظاهر الحديث نفى الاعادة بالاخلال بغير الخمس من سائر الاجزاء والشرائط المعتبرة فى اصل الصلوة ، فالشرائط المعتبرة فى صحتها جماعة خارجة عن مدلول هذا الحديث الشريف ، هذا مع ان الحديث مختص بما اذا كان الجزء والشرط مما يوجب الاخلال به بطلان الصلوة و اعادتها لولا الحديث ، و من المعلوم ان الاخلال بشرائط الجماعة انما يوجب بطلان الجماعة لا بطلان الصلوة كي يوجب الاعادة، فاذا لم يكن شرائط الجماعة مشمولة للحديث فيكون الاخلال بها سهوا ايضا موجبا لبطلانها جماعة ، وحينئذ ان التفت الى ذلك في الاثناء أو بعد الفراغ عن الصلوة مع عدم الاخلال بوظيفة المنفرد ، اتمها منفردا على الاول و صحت فرادى على الثانى ، وان التفت مع الاخلال بوظيفة المنفرد كما ترك القرائة اوزاد الركوع بقصد التبعية ،
ص: 94
بطلت صلوته راسا ، اما بطلانها فيما اذا زاد ركوعا فواضح ، و اما بطلانها فيما اذا ترك القرائة فلان تر که لها و انکان مستندا الى نسيانه لوجود الحائل واعتقاد كون صلوته جماعة ، لكن قد ذكرنا في بعض المباحث السابقة ان الاخلال بالقرائة اذا كان مستندا الى اعتقاد كون الصلوة جماعة لا يكون مشمولا لحديث لا تعاد ، و ذلك لانصرافه الى ما اذا كان الاخلال بها ناشئا من توهم عدم كونها في عهدته و ذمته ، اما لاعتقاد انه اتى بها او اعتقاد انه في الركعتين الاخيرتين اللتين لا تجب فيهما القرائة تعيينا ، فلايعم ما اذا اخل بها مع علمه بكونها في عهدته باعتقاد سقوطها عنه بقرائة الامام التى تكون بدلا عن قرائة الماموم ، كما يستفاد ذلك مما دل على ان الامام. ضامن لقرائة الماموم ، فانه يدل على ان القرائة جزء لصلوة الماموم و تكون عهدته مشغولة بها الا ان قرائة الامام بدل عن قرائته و مجزية عنها ، لا ان صلوة الماموم خالية عن القرائة وليست القرائة جزء لها ، و من هذا ذكرنا ان مقتضى القاعدة في باب الجماعة هو بطلان الصلوة بالاخلال بالقرائة بتوهم كونها جماعة ، وانما خرجنا هذه القاعدة فيما اذا كان بطلان الجماعة مستندا الى فقد الامام بعض الشروط واقعا ، كما اذا تبين كونه فاسقا اوغير ناو للصلوة ونحوهما ، لماورد من الحكم باجزاء صلوة المامومين فيما اذا تبين كون الامام يهوديا و فيما اذا دخل رجل فى صلوة قوم و هو غير ناولها ثم احدث اما فاخذ بيد ذلك الرجل فقدمه عليهم ، ولا يعارضه ما ورد من الحكم ببطلان صلوة رجلين ادعى كل منهما المامومية للاخر حيث ان كلا منهما قدنوى الاقتداء بمن تبين انه غير امام ، و ذلك لاختصاص الاول موردا بما اذا تحقق صورة الامامية والمامومية ، فلا يدل على الصحة فيما اذا انكشف عدم الامامية والمامومية اصلا ولو صورة ، كما اذا اقتدى بمن تبين انه ماموم اوغائب عن محل الصلوة او حاضر في محلها لكنه غير مشتغل بها ، كي يعارضه الثاني هذا.
المسئلة الثانية - المشهورانه يشترط فى الجماعة ان لا يكون موقف الامام اعلی و ارفع من موقف المامومين دون العكس، واستدلوا على الاصل مضافا الى دعوى الاجماع عليه بعدة روايات منها موثقة عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام المتقدمة في
ص: 95
المسئلة الاولى فى حكم الحائل بين النساء والامام ، فان قوله علیه السّلام فيها : نعم انکان الامام اسفل منهن ، يدل بمفهومد بعد معلومية اشتراك الرجال مع النساء فى هذا الحكم على عدم جواز الاقتداء للمامومين اذا لم يكن الامام اسفل ، وهذا كما ترى یعم باطلاقه صورة التساوى ايضا ، اذ يصدق معه ان الامام ليس باسفل ، وبعد تقييده بما دل على الجواز مع التساوى ايضا بل استحبابه، كرواية محمد بن عبد الله عن الرضا علیه السّلام قال :
سئلته عن الامام يصلى في موضع والذين خلفه يصلون في موضع اسفل منه، او يصلى في موضع والذين خلفه يصلون في موضع ارفع منه .
فقال علیه السّلام:
يكون مكانهم مستويا. بصير الكلام بمنزلة ان يقال : نعم انكان الامام اسفل منهن او مساويا ، وذلك لما حقق فى محله من ان دلالة القضية الشرطية على المفهوم انماهى من جهة ظهور اداة الشرط في كون مدخولها علة منحصرة للحكم ، فاذا دل دليل اخر على علية شئ اخر له ايضا ، فيستكشف منه ان المتكلم بالقضية الشرطية لم يكن بصدد بيان الانتفاء عند الانتفاء، بل كان في مقام بيان مجرد الثبوت عند الثبوت ، و حينئذ فينتج الدليلان نتيجة العطف باو المقتضى لثبوت الحكم عند ثبوت احدى العلتين ، ومنها موثقة الاخرى عنه علیه السّلام، ايضا قال :
سئلته عن الرجل يصلى بقوم وهم فى موضع اسفل من موضعه الذى يصلى فيه.
فقال علیه السّلام:
انكان الامام على شبه الدكان او على موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلوتهم، و انکان ارفع منهم بقدر اصبع او اكثر او اقل فلابأس اذا كان الارتفاع ببطن مسیل، فانکان ارضا مبسوطة و كان فى موضع منها ارتفاع فقام الامام فى الموضع المرتفع وقام من خلفه اسفل منه والارض مبسوطة الا انهم فى موضع منحدر فلا بأس. الخبر
ولا يخفى ان هذه الموثقة مختلفة بحسب النسخ بل متهافتة متنا بحسب بعضها،
ص: 96
وذلك لان قوله علیه السّلام : فيها اذا كان الارتفاع ببطن مسيل مروى فى الوسائل عن الشيوخ الثلثة الكلينى والصدوق والطوسی رضوان الله تعالى عليهم ، والمحكى عن بعض نسخ التهذيب للطوسى قده بقطع مسيل، و عن بعض اخرى بقدر يسير و عن ثالثة بقدر شبر، والمحكى عن كتاب من لا يحضره الفقيه للصدوق ره بقطع سبيل ، فهذه الفقرة مع ما فيها من الاختلاف لا تخلو عن تشابه واجمال ، وكذا الشرطية التى ذكرها علیه السّلام قبل هذه الفقرة بقوله علیه السّلام : وانكان ارفع منهم بقدر اصبع ، وذلك لاحتمال ان تكون كلمة ان وصلية ، فتكون الرواية دالة على ان الارتفاع الدفعى مضر مطلقا ولوكان اقل من مقدار عرض اصبع ، و احتمال ان تكون شرطية مستقلة قد حذف جزائها و هو فلا بأس ! ، فتكون الرواية دالة على ان الارتفاع الدفعى مالم يبلغ الى حد ارتفاع الدكان لا يكون مضرا ، لكن الاحتمال الاول يبعده عدم امكان الالتزام به ، أن لازمه بطلان صلوة المأموم إذا كان الامام واقفا على سجادة ضخيمة مع انه مما لا يمكن الالتزام به، هذا مضافا الى عدم ملائمة عطف او اكثر على قدر اصبع ، بعد فرض كونان وصلية مسوقة لبيان الفرد الخفى كما لا يخفى ، مع ان هذه الشرطية على مارواها في الوسائل تكون بالفاء ، فاحتمال كونها شرطية مستقلة محذوفة الجزاء اقوى، كما ان الاقوى كون قوله علیه السّلام: اذا كان الارتفاع ببطن مسیل مربوطا بسابقه ، والمرادح ان تحديد الارتفاع الغير المضر بما اذا كان بمقدار اصبع او اكثر اواقل ، انما هو اذا كان الارتفاع ببطن مسيل، حيث ان الارتفاع الواقع ببطنه يكون غالبا دفعيا، واما اذا كان الارتفاع تدريجيا كما اذا كانت الارض منحدرة ، فلا يضر اصلا ولو كان اكثر من هذا المقدار اذا احتمال كونه شرطية مستقلة جزائها ما بعدها ، يبعده انه لو كان كك لكان المناسب ذكره مع العاطف بان يقول علیه السّلام: واذا كان الارتفاع كما لا يخفى، هذا مضافا الى عدم استقامته ح من حيث المعنى الاعلى بعض النسخ المحكية عن التهذيب كقدر
ص: 97
يسير و قدر شبر كما لا يخفى، و يظهر من صاحب الجواهر قده ان التنقيح روی الشرطية الثانية هكذا، ولوكان ارفع منهم بقدر اصبع الى شبر او كان ارضا مبسوطة اوفى موضع فيه ارتفاع وكان الامام في المرتفع الا انهم في موضع منحدر فلا بأس، ولا يخفى انه بناء على كون الرواية هكذا لاتهافت فيها اصلا ، اذح يكون قوله علیه السّلام فلا بأس، جوابا عن جميع ما وقع بعد كلمة لو الشرطية، ولا اشكالح في دلالتها على ان الارتفاع الدفعي والتسنيمى اذا كان بمقدار الشبر فلا يكون مضرا ، و انکان ازيد هذا المقدار فلم تجز صلوتهم ، واما الارتفاع التدريجي الانحداري فلا يكون مضرا ولو كان ازيد من هذا المقدار، لكن لم نجد فى سائر النسخ المتكفلة لنقل الموثقة روايتها بهذا المتن، و يحتمل قويا انه قده نقلها بالمعنى بمقتضى ما فهمه منها، وح فيشكل الاعتماد على النسخة المنقولة عنه، واما بناء على النسخة التي رواها في الوسائل عن الشيوخ الثلثة ، فان قلنا بظهورها ولو بمعونة ما ذكرناه من القرائن في الاحتمال الثاني، اعنى كون كلمة ان فى قوله علیه السّلام : وانكان ارفع منهم بقدر اصبع ... الخ ، شرطية مستقلة حذف جزائها وهو فلابأس ، فلا اشكال في ان مقتضاها ايضا هوان الارتفاع الدفع الى مقدار الشبر غير مضر ، وذلك لان المنساق من قوله علیه السّلام : و انكان ارفع منهم بقدر اصبع او اكثر او اتل ، ارادة التقدير بما يقرب من اصبع غايته الى الشبر لا ازيد ، والا لكان المتعين عادة التقدير بشبر وما يقرب منه ، واما ان قلنا باجمال الموثقة وعدم ظهورها في الاحتمال الثاني ، فلا يستفاد منها الامانعية العلو فى الجملة ، وذلك لان من اول الموثقة الى قوله علیه السّلام : لم تجز صلوتهم، لا اختلاف فيه لانه مروى كك في جميع النسخ ، واما ان اى مقدار منه يكون مغتفرا فلادلالة لها عليه اصلا و توهم انه كما يستفاد من قوله علیه السّلام في اول الموثقة : انكان الامام على شبه دكان او على موضع ارفع من موضعهم لم تجز صلوتهم ، مانعية العلواذا كان بمقدار علو الدكان ، كذلك يستفاد من مفهومه اغتفار ما كان من العلو اقل من ذلك المقدار، مدفوع اولا بانه لم يعلم كون المراد من شبه الدكان هى الشباهة من حيث المقدار، لاحتمال كونه الشباهة من حيث كون
ص: 98
العلو دفعيا، وثانيا ان هذا الكلام حيث يكون محفوفا بما يصلح للقرينية فلا ينعقد له ظهور في المفهوم، ضرورة ان الشرطية التي بعد هذا الكلام وهي قوله علیه السّلام : و انكان ارفع منهم بقدر اصبع ، لو كانت وصلية دالة على ان الارتفاع الدفعي مضر مطلقا، لكانت مانعة عن انعقاد الظهور لهذا الكلام في المفهوم قطعا كما لا يخفى فمع ترددها بين كونها وصلية او شرطية ، يتردد هذا الكلام بين كونه مسوقا لاجل المفهوم اولا ، و معه لادلالة له على ان اى مقدار من البعد يكون مغتفرا اصلا ، و حينئذ فبناء على ماذكرنا من عدم تمامية اطلاقات ادلة الجماعة ، يكون مقتضى قاعدة الاشتغال هو الحكم بمانعية اقل ما يتصور من العلو فتدبر جيدا! وتوهم انه يكفى ح فى الحكم بما نعيته قوله علیه السّلام فى موثقة عمار المتقدمة : نعم انكان الامام اسفل منهن، حيث انه يدل بمفهومه على عدم جواز الاقتداء اذا لم يكن الامام اسفل سواء كان مساويا ،او اعلی خرج منه صورة ما كان مساويا بمادل على الجواز مع التساوي ، وبقى صورة علوه مطلقا تحته ، و معه لانحتاج الى قاعدة الاشتغال بل لامجال لها مدفوع بان مفهوم تلك الموثقة انما يدل على ما نعية ما يعد في العرف علوا ، و اما دونه فهی قاصرة عن شموله ، فلابد فيه من الرجوع الى قاعدة الاشتغال ، اللهم الا ان يتمسك لاغتفار غير المتيقن ارادته فى الموثقتين من الارتفاع ، باطلاق قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة والفضيل المتقدمة وليس الاجتماع بمفروض فى الصلوات كلها ولكنه سنة ، بتقريب انه علیه السّلام بصدد بيان ان كلما صدق عليه الاجتماع فهوسنة ، وعليه فكلما شككنا في اعتبار شئ في الجماعة زائدا على القدر المتيقن الذى دل الدليل على اعتباره منه فيها لاجمال ذاك الدليل مع صدق الاجتماع عرفا بدون تلك الزيادة ، ندفعه باطلاق هذه الصحيحة فتدبر! هذا تمام الكلام في حكم الاصل.
واما حكم العكس اعنى جواز كون موقف المأموم ارفع من موقف الامام ، فيدل عليه مضافا الى عدم الخلاف فيه بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه جملة من الاخبار : منها قوله علیه السّلام في ذيل موثقة عمار المتقدمة :
انکان رجل فوق بيت او غير ذلك، دكانا كان او غيره، وكان الامام يصلى على الارض اسفل منه، جاز للرجل ان يصلى خلفه ويقتدى بصلوته و انكان
ص: 99
ارفع منه بشيء كثير، وظاهره وانكان اغتفار العلو مطلقا ولو كان مفرطا بانكان المأموم على المنارة و نحوها ، لكن يجب تقييده بما اذا لم يؤد الى العلو المفرط المضر بصدق الاجتماع المعتبر في مفهوم الجماعة قطعا، ولعل هذا مرجع ما حكى عن السرائر من التقييد بان لا ينتهى الى حد لا يمكنه الاقتداء، ومنها قوله علیه السّلام في موثقته الاخرى المتقدمة في حكم الحائل بين النساء والامام: نعم انكان الامام اسفل منهن، ومنها خبر على بن جعفر علیه السّلام في كتابه عن اخيه موسى علیه السّلام قال :
سئلته عن الرجل هل يحل له ان يصلى خلف الامام فوق دکان؟
قال علیه السّلام:
اذا كان مع القوم في الصف فلا بأس، و لعل التقييد بقوله علیه السّلام : اذا كان مع القوم للتحرز عن كراهة الانفراد بالصف ، او للاحتراز عما اذا كان بعيدا عنهم ، ولا يعارض هذه الروايات ما تقدم من رواية محمد بن عبد الله عن الرضا صلوات الله و سلامه عليه، قال:
سئلته عن الامام يصلى فى موضع والذين خلفه يصلون في موضع اسفل منه، او يصلى في موضع والذين خلفة يصلون في موضع ارفع منه.
فقال علیه السّلام:
يكون مكانهم مستويا، و ذلك المزوم حمل هذه الرواية على استحباب التساوى وافضليته جمعا كمامر.
بقى هنا فروع اولال: هل يتوقف تحقق الارتباط المعتبر بين الامام والمأمومين وبين الصفوف وبين اجزاء صف واحد ، على ان يدخل في الصلوة اولامن يتصل بالامام ثم يدخل فيها من يتصل بمن يتصل به وهكذا ، فلا يجوز للبعيد عن الامام ان يحرم للصلوة الابعد تحريم من يرتفع بواسطته البعد عن الامام اوعمن يتصل به، ام لابل يكفى فى ذلك مجرد كون المأموم الذي يعتبر الاتصال به مستعدا و متهيئا للدخول فى الصلوة ، وجهان: قد يقال بالاول لان من يعتبر الاتصال به لا يكون قبل دخوله فى الصلوة مأموما بل اجنبيا ، فيكون فصله مضرا بصحة صلوة من يتصل به ، اما من جهة وجود الحائل والبعد انكانت الوسائط بينه وبين الامام كثيرة، و اما
ص: 100
من جهة الحائل فقط ان كانت الواسطة بينه و بين الامام واحدة، ولكن الأقوى هو الثاني، و يدل على ذلك مضافا الى المنع عن صدق الحائل والبعد بين اللاحق والسابق وان لم يكن السابق بعد متلبسا بالصلوة ، ومضافا الى السيرة القطعية في الجماعات المطولة المنعقدة فى عصر النبي صلی الله علیه و آله و سلّم، التي كانت بالغة الى ستين الف من المأمومين بلازيد ، فانه لو كان الترتيب بين دخول المأموم القريب بالامام ودخول المأموم البعيد عنه معتبرا في تحقق الارتباط ، لكان من المستحيل عادة ادراك كلهم الامام في الركعة الأولى بل فى الثانية والثالثة والرابعة ايضا ، سيما بعد ماجرت عليه عادة الناس من التصور التفصيلى فى مقام النية وافتتاح الصلوة كما لا يخفى، ما حكاه فى الوسائل عن مجالس الصدوق باسناده عن ابي سعيد الخدري قال :
قال رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم :
الا ادلكم على شىء يكفر الله به الخطايا ويزيد في الحسنات ؟
قيل: بلى يا رسول الله .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم:
اسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطا الى هذه المساجد وانتظار الصلوة بعد الصلوة الى ان قال صلی الله علیه و آله و سلّم: ان خير الصفوف صف الرجال المقدم و شرها المؤخر. الى ان قال صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به ، فاذا كبر فكبروا و اذا قرء فانصتوا فاذا ركع فاركعوا و اذا سجد فاسجدوا، فان قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا كبر فكبروا ، و انكان بقرينة ذكره في عداد المستحبات ، ظاهرا في استحباب المسارعة في متابعة الامام في التكبير على كل من المأمومين مطلقا كبر غيره ام لا ، فلا دلالة له على اعتبار تاخر تكبيرة الماموم عن تكبيرة الامام ، الا ان دلالته على كون تكبيرة الماموم البعيد عقيب تكبيرة الامام من غير انتظاره التكبيرة من يتحقق بواسطته الارتباط له بالامام مجزية واضحة ، و هذا يكشف عن ان الرابط المعتبر بين الامام والماموم البعيدا عم ممن كان داخلا في الصلوة او مستعدا متهيأ للدخول فيها ، و ان ابيت عن دلالة النبوى على ذلك ، بدعوى عدم كونه الا في مقام بيان عدم جواز التقدم على الامام فى التكبير و الافتتاح ، واما لزوم متابعته او
ص: 101
استحبابها في التكبير مطلقا ومن دون انتظار، فليس النبوى بصدد بيانه كي يستكشف منه ان مجرد تهيوء الماموم القريب للتحريم يكفي في تحقق الارتباط بين الامام والماموم البعيد، فنقول : يكفي في الاستدلال على كفاية مجرد ذلك في تحقق الارتباط ما اشرنا اليه من السيرة القطعية ، مضافا الى ماذكرناه فى مقام تاسيس الاصل ، من انه اذا كان الشك في اعتبار قيد فى الجماعة شكابدويا غير ناش عن اجمال الدليل فيمكن رفعه بالاطلاق المقامى ، و ذلك لان ما يحتمل دخله في صحة الجماعة التي تكون محلا لابتلاء جميع المكلفين في كل يوم خمس او ثلثة مرات، اذاكان مما يغفل عنه عامة المكلفين غالبا ، لكان على الشارع بيانه و نصب دلالة على دخله فيها ، ولو بينه لنقل لنا لتفور الدواعى الى نقله ، فحيث لاعين ولا اثر من اعتبار صدور التكبير من المامومين مرتبا في صحة الجماعة فيما بايدينا من الاخبار ، يكشف كشفا قطعيا عن عدم اعتباره في صحتها .
الفرع الثانى : ظاهر صحيحة زرارة المتقدمة مانعية البعد والحائل ابتداء و استدامة ، و مقتضى ذلك بطلان القدوة بمجرد حدوث احدهما في اثناء الصلوة ، كما اذا انتهت و تمت صلوة الصف المتقدم لكونهم مسافرين و جلسوا مكانهم او تفرقوا ، فانه يحدث الحائل بجلوسهم والبعد بتفرقهم ، من غير فرق فى ذلك اى البطلان بين مالوزال المانع بعد ذلك اولا ، لانه اذا صار الماموم منفردا فرجوعه إلى المامومية يحتاج الى دليل . و يمكن ان يقال بالتفصيل بين ما اذا زال المانع بسرعة ، كما اذا قام اهل الصف المتقدم بعد اتمام صلوتهم بلافصل و دخلوا مع الامام فى صلوتهم الأخرى ، اوصاروا متفرقين بعد الاتمام بلافصل و انتقل اهل الصف المتاخر كك الى مكانهم، وبين ما اذا لم يزل بسرعة فيحكم ببقاء قدوتهم على الاول و ببطلانها على الثانى ، لا لاستكشاف ذلك مما دل على جواز الاقتداء بالامام من البعيد عند خوف عدم ادراكه في الركوع والالتحاق بالصف تدريجا، او مما دل على جواز تقديم المامومين واحدا منهم والاقتداء به عند بطلان صلوة الامام او انتهائها كما لو كان مسافرا کی یورد بالفرق بین ما نحن فيه و بين الموردين بورود النص فيهما دون ما
ص: 102
نحن فيه، و استكشاف ذلك من النص الوارد فيهما انكان لاجل اتحاد المناط فدعواه قطعا ممنوعة جدا وظنا قياس لا نقول به. بل لمنع صدق التباعد والحيلولة عرفا مع الزوال بسرعة فتدبر! مضافا الى امكان المنع عن شمول ادلة مانعية البعد لما اذا تفرق الصف المتقدم بعد الاتمام فورا و انتقل الصف المتاخر كك الى مكانهم، و ذلك لان ادلة مانعية البعد انما تدل على ما نعيته فيما اذا كان بين مسجد الصف المتاخر وموقف الصف المتقدم، ومن المعلوم ان قبل تفرق الصف المتقدم و انتقال المتاخر الى محلهم لم يكن هناك بعد مبطل بينهما ، وفي حال تفرق الصف المتقدم و انتقال المتاخر الى محلهم لا يكون للمتقدم موقف ولا للمتاخر مسجد كي يكون البعد بينهما مضرا بالقدوة ، فتدبر جيدا ! فان المسئلة بعد لاتخلو عن اشكال فلا ينبغي ترك الاحتياط باتمام الصلوة فرادى. ثم لوشككنا في صدق الحيلولة والتباعد مع الزوال كك ، فليس هناك اصل موضوعى يحرز به صحة القدوة ، ان لامج--ال لاستصحاب عدمهما الثابت فى ابتداء الصلوة بعد كون الشبهة فيهما مفهومية، كما لا مجال لاستصحاب بقاء القدوة ايضا بعد ما عرفت من اجمال ادلة الجماعة ، اذالشك في بقائها ح يكون من جهة الشبهة المفهومية كما لا يخفى ، و اما الاصل الحكمي اى البرائة فتكون مضافا الى عدم المجال لها في مثل المقام الذى يكون الشك فيه في مرحلة السقوط محكومة باطلاق ادلة القرائة كما مربيانه فتدبر جيدا!
الفرع الثالث: بناء على المختار من كراهة تقدم المرئة على الرجل ومحاذاتها له في حال الصلوة سواء كانت فرادى او جماعة ، وارتفاع الكراهة بوجود حائل بينهما اومسافة عشرة اذرع ، لوحال بين الصفين من الرجال صف من النساء، فهل يكون مضرا بصحة صلوة من خلفهن من صف الرجال ووقوعها جماعة ام لا وجهان، قد يقال بالثانى من جهة ان ادلة اعتبار عدم الحائل والبعد بين الامام والمامومين و بين المامومين بعضهم مع بعض كصحيحة زرارة المتقدمة وغيرها، لوسلمنا اختصاصها موردا بالرجال، لكن يستفاد منها انه يعتبر فى تحقق الجماعة نحو ارتباط بين المامومین و بین امامهم اما بلاواسطة او بواسطة من يرتبط به من المامومين، وح
ص: 103
فلا فرق فى ذلك بين كون الرابط رجلا او امرئة بعد ما ثبت من شرعية الجماعة في حق النساء ايضا، ولا ينافى ذلك ما فى ذيل صحيحة زرارة من قوله :
قلت : فان جاء انسان يريد ان يصلى كيف يصنع ، وهى الى جانب الرجل؟
قال علیه السّلام :
يدخل بينها و بين الرجل و تنحدر هي شيئا.
وذلك لاحتمال كون السئوال بقوله : فان جاء انسان... الخ، مبينا على ما ارتكز في ذهنه من كراهة تقدم المرئة على الرجل و محاذاتها له في حال الصلوة ، و ح فلا يكون لقوله علیه السّلام فى مقام الجواب: يدخل بينها و بين الرجل وينحدر هي شیئاً دلالة على مانعية تقدم المرئة على الرجل عن صحة صلوته جماعة اصلا ، مع انه لو سلمنا دلالته على ما نعية تقدمها على الرجل عن صحة صلوته جماعة، فيكون دليلا على ان تقدم المرئة مانع ايضا عن صحة الجماعة ، و هذا لاربط له بما هو محل البحث انه هل يكون حيلولة المرئة بين الرجال مضرا بالارتباط المعتبر بينهم وبين الامام ام لا، ضرورة ان تقدمها يجتمع مع عدم الحيلولة والتباعد بينهم و بين الامام، فيما اذا كانت واقفة عن يمين الامام او يساره ، فانه لو وقف الرجل ح خلف الامام لا يكون بينه و بين الامام حائل ولا بعد اصلا، فلو كان تقدمها مانعا فيكون مانعا اخر في قبال ما نعية الحائل والبعد، وقد يقال بالاول من جهة المنع عن استفادة عدم الفرق فى الرابط بين كونه رجلا اوامرئة من ادلة اعتبار عدم الحائل والبعد في صحة الجماعة، بعد ماعلم من الفرق بينهما في مضرية الحائل بالارتباط فيماكان الماموم رجلا و عدم مضريته به فيما كان امرئة فتدبر! و حفلا دافع لاحتمال كون حيلولة النساء بين الصفين من الرجال مانعا عن صحة صلوة الصف اللاحق جماعة، ومع هذا الاحتمال فمقتضى الاصل في المقام على ما اختاره الاستاد دام ظله هو الاشتغال لا البرائة وان قلنا بها فى الشك بين الاقل والاكثر الارتباطيين، و ذلك لما عرفت من ان الشك هنا فى مرحلة السقوط وكفاية قرائة الامام عن قرائة الماموم ، و سقوط اعادة الصلوة بزيادة الركن بقصد تبعية الامام ، و سقوط احكام الشكوك في الركعات مع حفظ الامام، لافى مرحلة ثبوت التكليف كى يرجع الى البرائة فتدبر جيدا !
ص: 104
الفرع الرابع: لاشبهة فى انه لا يجوز ان تؤم المرئة الرجال ، وانما وقع الاشكال والخلاف في جواز امامتها للنساء ، حيث ذهب المشهور الى الجواز خلافا لجماعة ، ومنشاء الخلاف اختلاف الاخبار الواردة فى المسئلة ، حيث دل بعضها على الجواز مطلقا كانت الصلوة مكتوبة او نافلة ، كموثقة سماعة قال:
سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن المرئة توم النساء؟
قال علیه السّلام : لا بأس .
و موثقة ابن بكير عن بعض اصحابنا عن ابيعبد الله علیه السّلام، انه سئله عن المرئة توم النساء ؟
قال علیه السّلام:
نعم، تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمين .
و دل بعضها على الجواز فى المكتوبة، كخبر الحسن بن زياد الصيقل قال: سئل ابو عبد الله علیه السّلام : كيف تصلى النساء على الجنائز ، اذا لم يكن معهن رجل؟
قال علیه السّلام:
يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امرئة.
قيل : ففى صلوة المكتوبة انوم بعضهن بعضا؟
قال علیه السّلام : نعم .
ودل بعضها على الجواز في النافلة والمنع فى المكتوبة كصحيحة هشام بن سالم عن ابيعبد الله علیه السّلام:
سئل عن المرئة هل تؤم النساء ؟
قال علیه السّلام:
تؤمهن فى النافلة واما فى المكتوبة فلا ، ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطهن .
وصحيحة سليمان بن خالد قال :
سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن المرئة تؤم النساء ؟
فقال علیه السّلام:
ص: 105
اذا كن جميعاً امتهن في النافلة، فاما المكتوبة فلا ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن.
و رواية الحلبي عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
تؤم المرئة النساء في الصلوة و تقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها و شمالها، تؤمهن فى النافلة ولا تؤمهن في المكتوبة.
ودل بعضها على الجواز في صلوة الميت و على المنع في غيرها، كصحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال :
قلت له : المرئة تؤم النساء ؟
قال علیه السّلام:
لا، الا على الميت اذا لم يكن احد اولی منها، تقوم وسطرن معهن في الصف فتكبر ويكبرن.
وقد جمع في الحدائق بين الاخبار المفصلة بين النافلة والمكتوبة وبين الاخبار الدالة على الجواز مطلقا اوفى خصوص المكتوبة، بجعل لفظى النافلة والمكتوبة في الاخبار المفصلة وصفا للجماعة لا للصلوة، حيث قال ره: ما حاصله ان المراد من النافلة والمكتوبة اللتين دلت هذه الاخبار على التفصيل بينهما فى الجواز والمنع، هو الجماعة المستحبة كما فى الصلوات اليومية لاستحباب الجماعة فيها والجماعة الواجبة كما في الجمعة والعيدين فانه لا يجوز امامة المرئة فيها اتفاقا نصا و فتوى، وهذا الحمل و انكان فيحد نفسه حسنا، لكنه كماترى بعيد عن ظاهر هذه الاخبار في الغاية ضرورة ظهور لفظى النافلة والمكتوبة الواقعين فيها في كونهما وصفا للصلوة بحيث لا يفهم منهما الا الصلوة النافلة والصلوة المكتوبة، فالاولى في مقام الجمع، ان يقال ان الاخبار المفصلة بين المكتوبة والنافلة معارضة بطائفتين من الاخبار ، الاولى ما دل على الجواز في خصوص المكتوبة، الثانية ما مر فى اول مبحث الجماعة من الاخبار المانعة عن الجماعة في النافلة مطلقا فى حق الرجال والنساء ، ومقتضى الجمع العرفى بين الفقرة الثانية من الاخبار المفصلة الدالة على المنع فى المكتوبة ، و بين ن الطائفة الاولى الدالة على الجواز في خصوصها ، هو حمل المنع عن المكتوبة في الاخبار
ص: 106
المفصلة على الكراهة بقرينة صراحة الطائفة الاولى فى الترخيص فيها، ومقتضى هذا الحمل كون هذه الفقرة من الاخبار المفصلة في مقام بيان كراهة امامة المرئة في المكتوبة، بعد الفراغ عن اصل شرعيتها، ضرورة انه لا معنى لكراهة الجماعة الافيما كان اصل الجماعة مشروعة، وح يتعين حمل الفقرة الاولى منها على بيان عدم كراهة امامتها في النوافل المفروغ عن شرعية الجماعة فيها، ولا يلزم من حملها ذلك الحمل على الفرد النادر مطلقا، سواء قلنا بان مقتضى الجمع بين الاخبار المتقدمة فى البحث عن شرعية الجماعية فى النوافل بالاصل، هو عدم شرعيتها الافى صلوة الاستسقاء، اوقلنا بان مقتضى الجمع بينها هو شرعيتها الافي خصوص نوافل شهر رمضان التي ابدع الثانى الجماعة فيها و قال بدعة ونعم بدعة، اما على الثانى فواضح، واما على الاول فلما عرفت من ان الفقرة الاولى بناء عليهذا الحمل، انما تكون بصدد بیان عدم كراهة الامامة للمرئة فى النافلة المفروغ عن اصل شرعية الجماعة فيها لا بصدد بيان اصل شرعية الجماعة للنساء في النوافل، كي يكون حملها على خصوص صلوة الاستسقاء حملالها على الفرد النادر كما لا يخفى، فتحصل مما ذكرنا ان مقتضى الجمع العرفي بين الاخبار المفصلة بين النافلة والمكتوبة و بين الاخبار الصريحة في الجواز فى المكتوبة ، هو حمل المفصلة على التفصيل بين المكتوبة والنافلة بالكراهة بمعنى اقلية الثواب في المكتوبة وبعدمها في النافلة المفروغ عن شرعية الجماعة فيها ، ولا محذور في هذا الجمع اصلا بعد ما عرفت من كونه مقتضى الجمع العرفى عند تعارض النص والظاهر حيث ان النهى فى المفصلة عن امامتها في المكتوبه نص فى مطلق المنع و ظاهر في خصوص المنع التحريمي ، و قوله نعم ، في الطائفة الاولى الدالة على جواز امامتها في المكتوبة ، نص فى نفى التحريم و ظاهر فى نفى مطلق المنع، و مقتضى الجمع بينهما برفع اليد عن ظاهر كل منهما بنص الاخر هو الحمل على الكراهة، وتوهم ان الحمل على الكراهة بمعنى اقلية الثواب في المقام يلازم عدم استحباب اصل الجماعة، اذ لا معنى لكون كل من فعل الجماعة و تركها مطلوباً، مدفوع اولا بما ذكرناه فى الاصول من انه يمكن ان
ص: 107
يكون فعل شئ مطلوبا ويكون تركه ايضا مطلوبا، لكن لا بذاته بل لانطباق امر وجودی مطلوب على تركه، كما في صوم يوم عاشورى، فان فعله مطلوب في ذاته وتر که ايضا مطلوب لكن لا بذاته، بل بملاحظة انطباق عنوان المخالفة مع بني امية عليهم اللعنة حيث صاموا فيهذا اليوم تبركا به عليه، وثانيا ان المراد من اقلية الثواب ليس اقلية ثواب الفعل من الترك كى يلزم كون كل من الفعل والترك مطلوبا، بل المراد اقلية ثواب فعل هذه الجماعة من الجماعة مع الرجال فتدبر ! واماحمل الفقرة الاولى من الاخبار المفصلة الدالة على الجواز فى النافلة على التقية، بقرينة ماذكرنا من ابداع الثاني لعنة الله عليه الجماعة في نوافل شهر رمضان ، فبعيد في الغاية كحملها على مجرد المتابعة من دون قصد الاقتداء كما لا يخفى.
الفرع الخامس : مقتضى ما مر من اعتبار عدم الحيلولة بين الامام والمامومين و بين المامومين بعضهم مع بعض ، هو انه اذا علم الصف اللاحق ببطلان صلوة الصف السابق لا يجوز لهم الاقتداء خلفهم، لان الصف السابق مع بطلان صلوتهم يكون حائلا بين اللاحق والامام فينقطع بهم الارتباط بالامام المعتبر في صحة الاقتداء من غير فرق في ذلك بين ما اذا قطع اللاحق بعدم معذورية السابق فيهذه الصلوة ، و بين ما اذا احتمل في حقهم المعذورية ، كما اذا كان الصف السابق لابسين للمشكوك انه من اجزاء الماكول معتقدا بصحة الصلوة فيه تقليدا او اجتهادا ، واعتقد اللاحق فسادها فيه كك ، اما عدم جواز الاقتداء في صورة القطع بعدم المعذورية ،فواضح و اما في صورة احتمال المعذورية في حقهم ، فلان صحة القدوة خلفهم حمبنية على اجزاء الامر الظاهرى، بمعنى كون العمل الماتى به على مقتضاه صحيحا لا يجب على الاتى به الاعادة والقضاء و ان انكشف مخالفته للامر الواقعي، وقد حقتنا في الاصول ان مقتضى اصول المخطئة عدم الاجزاء فى الاوامر الظاهرية ووجوب اعادة العمل الماتى به على طبقها عند انکشاف الخلاف، وهذا بخلاف مالوشك اللاحق في بطلان صلوة السابق، فان اصالة الصحة فى صلوتهم كافية فى صحة اقتداء اللاحق و ان انكشف كون صلوتهم فاسدة، لا لاجل كون الأمر الظاهرى مفيد اللاجزاء، بل لان
ص: 108
المدار في باب شرائط الجماعة مطلقا ولو كانت راجعة الى المامومين بعضهم مع بعض على الاحراز لاعلى الواقع ، و بعبارة اخرى للاحراز في هذا الباب موضوعية ، وليس
معتبرا من باب الطريقية المحضة كي يكون له كشف خلاف هذا و تبصر !
ومما ذكرنا يظهر حكم الفصل بالصبي المميز بناء على ماهو الظاهر من شرعية عبادته، فانه مع العلم ببطلان صلوته يضر فصله مطلقا، ومع الشك لا يضر كما مر تفصیله انفا، وتوهم ان مبنى حجية اصالة الصحة هو ظهور حال المسلم في عدم اقدامه على العمل الفاسد سيما في مقام تفريغ ذمته عما اشتغلت به ، و من المعلوم ان الصبى المميز مع علمه بانه مالم بانه مالم يبلغ يكون التكليف مرفوعا عنه ، لا يكون ظهور لحاله في عدم الاقدام على العمل الفاسد كما لا يخفى، مدفوع بانا لوسلمنا كون الصحة من مقتضيات ظهور حال المسلم ، لكن عمدة الدليل على اعتبارها هو الاجماع ، و لم يعلم ان اعتبارها عند المجمعين كان لاجل كشفها عن الصحة ، وقد حققنا في محله انه لا يكفى مجرد كون شئ واجد الجهة الكشف في كونه امارة مالم يعلم كون اعتباره من جهة كشفه.
الفرع السادس: ان المتعرضين لحكم الجماعة باستدارة صف المامومين حول الكعبة المعظمة اختلفوا فى جوازها، فتمسك المجوزون بتحقق السيرة عليها في جميع الاعصار و اورد عليهم المانعون بان حجية هذه السيرة ممنوعة، لعدم تحققها فى زمان النبى الله صلی الله علیه و آله و سلّم. ولا من اصحاب الائمة عليهم السلام، كي تكون كاشفة عن رضاهم علیهم السلام ، و مقتضى كون الجماعة وظيفة توقيفية وخلو ادلتها عما يدل على شرعيتها بای نحو حصلت ، وجوب الاقتصار فيها على القدر المتيقن منها ، و هو ما اذا كان المامومون متاخرين عن الامام اوغير متقدمين عليه ، و من المعلوم ان المامومين المصطفين حول الكعبة يصدق عليهم انهم متقدمون على الامام بالنسبة الى الجهة التي توجه اليها ، و ان صدق على الامام ايضا انه متقدم عليهم بالنسبة الى الجهة التي توجهوا اليها ، فاذا صدق تقدم المامومين على الامام كانت قدوتهم باطلة للاجماع على بطلانها بتقدم الماموم ، وفيه اولا ان الظاهر تحقق هذه السيرة واستقرارها في زمن
ص: 109
الائمة صلوات الله عليهم، وكشف عدم انكارهم عليهم السلام، اياها كما شددوا النكير على سائر البدع، عن صحة هذه الجماعة وكونها مرضية عندهم عليهم السلام ، وثانيا انه لا احتياج فى الحكم بالجواز الى الاستدلال بالاجماع والسيرة ، بعد كون جوازها مقتضى القاعدة ، لاستجماع هذا الصف المستدير جميع الشرائط الاربعة المعتبرة في الجماعة، اما استجماعه لعدم الحائل والبعد ، فواضح بعد ما عرفت من ان المختار كما ذهب اليه المشهور، هو انه يكفى فى الاتصال بالامام و مشاهدته المعتبرين في صحة الجماعة ، الاتصال بمن يتصل به ولوبوسائط ومشاهدة من يشاهده ولومن جانبه ، ولا يعتبر الاتصال به بلاواسطة ولا مشاهدة نفسه ولا مشاهدة من يشاهده من القدام ، و من المعلوم ان المامومين المصطفّين حول الكعبة بين متصل بالامام او بمن يتصل به و بین مشاهد للامام اولمن يشاهده ، و اما استجماعه لعدم علو مكان الامام فلاستواء ارض مسجد الحرام، واما استجماعه لعدم تقدم المأمومين على الامام ، فلان المراد من التقدم الذى يعتبر عدمه بالنسبة الى المامومين ، هو التقدم الى جهة الكعبة ، ومن المعلوم ان الصف المستدير حول الكعبة ، اذا كانت نسبتهم في القرب والبعد الى بناء الكعبة نسبة واحدة ، لا يكون احدهم متقدما على الاخر قتدبر وح لو تقدم الامام عليهم بحسب الدائره يكون متقدما عليهم لا قربيته منهم الى الكعبة، و توهم ان الظاهر من التقدم الذى دلت الادلة على اشتراط عدمه بالنسبة الى المامومين، هو التقدم العرفى الذى يكون ملحوظا الى جهة من الجهات المنتهية الى محدد الجهات وقد عرفت ان الامام والماموم المتقابلين يصدق على كلو احد منهما انه متقدم على صاحبه بالنسبة الى الجهة التى توجه صاحبه اليها ، مدفوع بان المراد من التقدم الذي يعتبر عدمه بالنسبة الى المامومين، هو التقدم الذى يكون منافيا لعنوان المامومية والتبعية ، ومن المعلوم ان مجرد كون الماموم قدام الامام، مع كونه مواجها له تابعا له فى الحركات والسكنات، لاينا فى ذلك العنوان بل لا يطلق عليه التقدم عرفا كمالا يخفى، وانما يطلق عليه التقدم و يكون منافيا لعنوان التبعية لو كان قدام الامام والامام خلفه، فتدبر جيدا !
ص: 110
في احكام الجماعة ، وتوضيح البحث عنها في طي امور :
الاول - لا اشكال فى سقوط القرائة عن الماموم فى الجملة، كما يدل عليه ما عن الصادق علیه السّلام في جواب السوال عن القرائة خلف الامام من قوله علیه السّلام : لا ان الامام ضامن ، و انما وقع الاشكال والخلاف في مقامين : الأول في محل سقوطها و انه هل هو خصوص اولتي الجهرية او الاعم منهما ومن اولتي الاخفاتية والاخيرتين مطلقا ، الثانى فى ان سقوطها هل هو على وجه العزيمة او الرخصة ، و منشأ الخلاف اختلاف الاخبار ، حيث ان منها ما دل على سقوطها مطلقا كانت الصلوة جهرية او اخفانية، كان الامام مرضيا او غير مرضى ، كخبر الحسين بن كثير عن ابيعبد الله علیه السّلام،انه سئله رجل عن القرائة خلف الامام.
فقال علیه السّلام :
لا ان الامام ضامن للقرائة و ليس يضمن الامام صلوة الذين هم من خلفه انما يضمن القرائة.
ومنها ما دل على سقوطها مطلقا فيما اذا كان الامام مرضيا كخبر زرارة و محمد بن مسلم عن ابيجعفر علیه السّلام، انه قال كان امير المؤمنين علیه السّلام يقول :
من قرأ خلف امام یاتم به فمات ، بعث على غير الفطرة.
و منها ما دل على سقوطها خلف الامام المرضى فى الصلوة الاخفاتية مطلقا وفي الجهرية فيما سمع قرائة الامام دون ما اذا لم يسمع كخبر الحلبي عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال :
ص: 111
اذا صليت خلف امام تاتم به، فلا تقرء خلفه سمعت قرائته اولم تسمع الا ان تكون صلوة يجهر فيها بالقرائة ولم تسمع فاقرء.
ومنها مادل على سقوطها خلف الامام المرضى فى الجهرية فيما سمع فرائة الامام ولو الهمهمة اى مجرد الصوت من غير تميز بين الكلمات، كخبر القتيبة عن اليعبد الله علیه السّلام، قال :
اذا كنت خلف امام ترضى به فى صلوة يجهر فيها بالقرائة فلم تسمع قرائته، فاقر، انت لنفسك و ان كنت تسمع الهمهمة فلا تقرء.
وخبر عبيد بن زرارة عنه علیه السّلام:
ان سمع الهمهمة فلا يقرء .
و خبر سماعه قال :
سئلته عن الرجل يؤم الناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول .
فقال :
اذا سمع صوته فهو يجزيه و اذا لم يسمع صوته قرء لنفسه. و يستفاد من هذه الطائفة ان المراد مما ورد في غير واحد من الاخبار من اعتبار سماع قرائة الامام ما يعم سماع همهمته.
ومنها ما دل على سقوطها مطلقا فيما كانت الصلوة جهرية ، كخبر زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام انه قال :
و ان كنت خلف امام فلاتقر أن شيئا فى الاولتين وانصت لقرائته ولا تقرأن شيئا في الاخيرتين، فان الله عز وجل يقول للمؤمنين و اذا قرء القرآن یعنی في الفريضة خلف الامام فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون، والاخيرتان تبعان للاولتين، فان المراد من الاولتين بقرينة امره علیه السّلام بالاستماع لقرائة الامام والانصات له، هو الاولتان من الجهرية لاختصاص الاستماع والانصات بها، كما ان المراد بقوله علیه السّلام : ولا نفر أن شيئا في الاخيرتين، بقرينة قوله علیه السّلام بعد ذلك : والاخيرتان تبعان للاولتين، هو عدم قرائة الحمد ولا السورة لاعدم قرائة الحمد ولا التسبيح، وظاهر هذه الطوائف الاربع او الخمس سيما المشتمل منها على قوله علیه السّلام بعث على غير الفطرة هو الحرمة.
ص: 112
واما الاشكال فى الكل بكونها واردة مورد توهم الوجوب فلادلالة لها على الحرمة، و في خصوص الاخيرة بان النهى فيها عن القرائة حيث علل بلزوم الانصات على المأموم اذا سمع قرائة الامام فلا يدل على الحرمة ، وذلك لان المراد من الانصات اللازم ، انكان هو الاصغاء وتوجيه الذهن الى قرائة الامام ، فاللازم هو حرمة التسبيح ايضا لمنافاته للاصغاء فان الله تعالى ماجعل لرجل في جوفه من قلبين ، مع ان النص قد دل على استحباب التسبيح عند الانصات، ففى خبر زرارة عن احدهما عليهما السلام، انه قال :
اذا كنت خلف امام تا تم به فانصت وسيح فى نفسك، و انكان المراد من الانصات اللازم معنى يجامع مع التسبيح وهو الاخفات فى القرائة وعدم الاجهار بها، كما يظهر ذلك مما حكى عن الثعلبى فى تفسيره من انه قال : و قد يسمى الرجل منصتا و هو قارا و مسبح اذا لم يكن جاهرا به، الاترى انه قيل للنبي صلی الله علیه و آله و سلّم :
او ما تقول فى انصاتك ؟
قال صلی الله علیه و آله و سلّم:
اقول : اللهم اغسلنى من الخطايا ... الخ ، فتكون هذه الطائفة على خلاف المطلوب ادل كما لا يخفى هذا مضافا الى ان وجوب الانصات بالمعنى الاول خلاف ظاهر الاصحاب ، حيث انهم لم يتعرضوا له فى واجبات الجماعة بل عن غير واحد دعوى الاجماع على استحبابه، كما يؤيده استبعاد كون الاصغاء واجبا مع عدم امکان التوجه الى قرائة الامام و استماعها لعامة الناس، وح فيشكل في دلالة النهى عن القرائة معللا بهذه العلة على الحرمه، فان النهى اذا علل بعلة غير واجبة يكشف عن عدم استعماله فى الحرمة .
ففيه ان اشكال ورود النهى مورد توهم الوجوب ، انما يرد على بعض من تلك الطوائف، وهو ، وهو ماكان واردا فى مقام جواب السؤال عن اتيان القرائة وعدم اتيانها، دون ما كان منها احكاما بدوية غير مسبوقة بالسؤال اذلاوجه ح لحملها على دفع
ص: 113
توهم الوجوب فتأمل! هذا مضافا الى عدم تمشى هذا الحمل في المشتمل منها على قوله علیه السّلام: بعث على غير فطرة ، كما لا يخفى فتدبر! و اما الاشكال على خصوص الطائفة الاخيرة ، فيمكن دفعه بان لنا ان نختار الشق الأول ، و هو كون المراد من الانصات المأمور به هو الاصغاء والتوجه الى قرائة الامام لاستماعها، كما يؤيده بل يدل عليه جعل الانصات فى صحيحة الحلبى الاتية مقابلا للقرائة، حيث قال علیه السّلام فيها : فان سمعت فانصت و ان لم تسمع فاقرء، فان المقابلة بين الانصات والقرائة ظاهرة فى ان المراد من الانصات هو السكوت والاضعاء، ولا ينافي ذلك ما في خبر زرارة المتقدمة من الامر بالتسبيح عند الانصات ، وذلك لامكان حمله على الصلوة الاخفاتية فتدبر (1)جيدا ! و دعوى ان وجوب الانصات بهذا المعنى خلاف ظاهر الاصحاب لعدم تعرضهم له فى الواجبات ، مدفوعة بان مجرد اله لواجبات ، مدفوعة بان مجرد عدم تعرضهم له لا يكشف عن عدم وجوبه .
و اما ماعن بعض كالتنقيح والنجيبية من دعوى الاجماع على استحبابه ، ففيه اولا ان دعوى الاجماع في المسئلة مما يكذبه الخلاف فيها ، و ثانيا يمكن حمل كلامهما على استحباب الانسات لاستماع القرآن مطلقاً ولو في غير حال الصلوة كما هو ظاهر الاية المباركة ايضا ، ولا منافاة بين كون المراد من الامر بالانصات في الاية هو استحبابه لاستماع القرآن مطلقاً ، و بين التعليل بها لحرمة القرائة في الصلوة ، وذلك لامكان ان يكون للانصات مصلحة ملزمة فى نفسه ، لكن حيث كان الالزام به مطلقاً ولو في غير حال الصلوة مستلزما للحرج الشديد بل لاختلال النظام في بعض الاحيان ، امر به على وجه الاستحباب دفعا لهذا المحذور ، و اما حال الصلوة فحيث لا يترتب على الالزام به محذور اصلا ، فيؤثر مافيه من المصلحة الملزمة للامر به على وجه الالزام والايجاب ، ويكشف عن كون الأمر به في حال الصلوة كك ، تعليل
ص: 114
النهى عن القرائة فيهذا الحال به. سلمنا كون الانصات مستحبا مطلقاً ولو في حال الصلوة ، لكن لا يكشف تعليل النهى عن القرائة به عن عدم استعماله في الحرمة ، و ذلك لامكان ان يكون التعليل به من قبيل بيان المناسبات والحكم المقتضية للجعل، لا العلة الحقيقية المنحصرة للمجعول ، كي يقال اذا لم يكن علة النهي واجبة يكشف عن عدم كونه مستعملا في الحرمة ، ولاضير فى كون استحباب شئ حكمة داعية الى النهى الالزامي عما ينافي و يضاد ذلك الشئ كي يترتب على تركه ذلك الشئ قهرا، و يؤيد ذلك اعنى كون هذا التعليل من قبيل بيان حكمة التشريع لاعلة المشروع، قوله علیه السّلام في صحيحة عبدالرحمن بن حجاج الاتية: فانما امر بالجهر لينصت من خلفه، فان حصر علة امر الامام بالجهر فى انصات من خلفة ، انما يتم فيما اذا كان الانصات حكمة للتشريع لاعلة للمشروع كي يدور الحكم مداره ، كيف والجهر بالقرائة في الصلوات الجهرية واجب على المكلف مطلقاً كان اماما او منفرا ، ومعه لا يصح لا يصح حصر علة وجوبه عليه بانصات من عليه بانصات من خلفه ، ان لازم هذا الحصر عدم وجوبه عليه فيما اذا لم يكن احد خلفه هذا وتدبر جيدا !
ومنها ما دل على التخيير بين اتيان القرائة وتركها فيما كان الامام مرضيا و كانت الصلوة جهرية ولم تسمع قرائته ، كخبر على بن يقطين قال :
سئلت ابا الحسن الاول عليه السلام عن الرجل ، يصلى خلف امام يقتدى به فى صلوة يجهر فيها بالقرائة ، فلا يسمع القرائة .
قال علیه السّلام :
لاباس ان صمت وان قرء .
ومنها مادل على سقوطها خلف الامام المرضى فى الجهرية والتخيير بين الاتيان والترك فى الاخفاتية، كخبر ابراهيم المرافقى عن جعفر بن محمد عليهما السلام انه سئل عن القرائة خلف الامام .
فقال علیه السّلام:
ان كنت خلف امام تتولاه و ترضى به فانه يجزيك قرائته، وان احببت ان
ص: 115
تقرء فاقرء فيما يخافت فيه، فاذا جهر فانصت، قال الله تعالى : وانصتوا لعلكم ترحمون
و خبر على بن يقطين قال :
سئلت ابا عبد الله عليه السّلام عن الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام القرائة ، ايقرء فيهما بالحمد وهوامام يقتدى به ؟
فقال علیه السّلام :
ان قرئت فلا باس، وان سکت فلاباس .
اذا عرفت هذا فنقول : توضيح الكلام فيهذا الامريتم برسم ثلث مسائل : الاولى : في حكم القرائة خلف الامام المرضى فى اولتي الاخفاتية، الثانية في حكمها في اولتي الجهرية ، الثالثة في حكمها في الاخيرتين مطلقا كانت الصلوة الاخفاتية اوجهرية. اما المسئلة الاولى وهى حكم القرائة خلف الامام المرضى في اولتي الاخفاتية، فاقوى فيها هو الجواز مع الكراهة واستحباب التسبيح، امّا الجواز مع الكراهة فلانه مقتضى الجمع ، بين مادل على المنع في خصوص الاخفاتية كصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال :
سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن الصلوة خلف الامام اقرء خلفه ؟
فقال علیه السّلام:
اما الصلوة التي لا يجهر فيها بالقرائة فان ذلك جعل اليه فلاتقرء خلفه، و اما الصلوة التي يجهر فيها فانما امر بالجهر لينصت من خلفه، فان سمعت فانصت و ان لم تسمع فاقرء، وبين مادل على التخيير في خصوصها ، كرواتي المرافقى و ابن يقطين المتقدمتين ، حيث قال علیه السّلام في الاولى : و ان احببت ان تقرء فاقرء فيما يخافت فيه ، و قال علیه السّلام في الثانية : ان قرئت فلاباس وانسكت فلا باس ، فان النهى عن القرائة في الصحيحة ظاهر فى الحرمة، وقوله علیه السّلام في رواية المرافقى : و ان احببت ان تقرء فاقرء فيما يخافت فيه صريح في الترخيص والجواز، ومقتضى الجمع بينهما عرفاهو حمل النهي في الصحيحة على الكراهة، بل هي مقتضی خبر سلیمان بن خالد قال :
ص: 116
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام :
ايقرء الرجل فى الاولى والعصر خلف الامام وهو لا يعلم انه يقرء ؟
فقال علیه السّلام :
لا ينبغي له ان يقرء يكله الى الامام فان كلمة لا ينبغى ظاهرة في الكراهة، وتوهم ان الظاهر من قول السائل: وهو لا يعلم هو الشك في اصل قرائة الامام اما لاحتمال انه يتركها عمدا او نسيانا او لاحتمالا انه يسبح لكونه في الاخيرتين ، وعلى كل حال لاربط لهذا الخبر بما نحن فيه مدفوع بان احتمال تعمد ترك الامام القرائة بعيد بعد كونه اما ما يقتدى به كما هو ظاهر ، و احتمال تركه لها نسيانا يبعده امره علیه السّلام بايكالها الى الامام فان الامام ضامن للقرائة اذا قرنها فتدبر ! كما يبعد امره علیه السّلام بالايكال احتمال كونه فى الاخيرتين ، فان الايكال الى الامام وضمانه القرائة انما هو في الاولتين كما سيجئ انشاء الله تعالى بيانه ، فتعين ان يكون المراد من قوله و هو لا يعلم الكناية عن عدم سماع قرائته فكانه قال و هو لا يسمع قرائته ، و توهم ان لا ينبغى ليس الاظاهر في الكراهة بمعناها المصطلح عندنا فيمكن حمله بقرينة الاخبار الناهية على الحرمة ، مدفوع بان هذا انما يصح لو كانت تلك الاخبار صريحة في الحرمة ولم يكن معارض لها ، و قد عرفت انها ليست الاظاهرة فى الحرمة ، فيمكن حملها على الكراهة بقرينة هذا الخبر ، كما هو مقتضى الجمع بينها وبين مادل على الترخيص والجواز من روايتي ابراهيم المرافقى وابن يقطين المتقدمتين.
و اما استحباب التسبيح فلعدة من الاخبار، ففى خبر بكير بن محمد الازدى عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال :
انی اکره للمرء ان يصلى خلف الامام صلوة لا يجهر فيها بالقرائة، فيقوم كانه حمار.
قلت : جعلت فداك فيصنع ماذا ؟
قال علیه السّلام : يسبح
وفى خبر على بن جعفر عن اخيه موسى علیه السّلام.
سئلته عن رجل صلى خلف امام يقتدى به فى الظهر والعصر يقرء ؟
ص: 117
قال علیه السّلام :
لا، ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلى على نبيه.
و اما المسئلة الثانية، و هى حكم القرائة خلف الامام المرضى في اولتي الجهرية، فالاقوى فيها هي الحرمة فيما سمع قرائة الامام ولوهمهمة، وذلك لظهور الاخبار الناهية عن القرائة سيما المشتمل منها على قوله علیه السّلام : من قرء خلف امام یاتم به فمات بعث على غير الفطرة فى الحرمة ، وانما خرجنا عن هذا الظهور فيما اذا كانت الصلوة جهرية ولا يسمع قرائة الامام اصلا ولو همهمة و فيما اذا كانت الصلوة اخفائية، لمادل من الاخبار على وجوب القرائة فى الجهرية مع عدم سماع صوت الامام، ولمادل منها على جواز القرائة فى الاخفائية ، ولم يقم دليل صريح على الجواز فيهذه الصورة اعنى ما اذا كانت الصلوة جهرية وسمع القرائة، فتبقى النواهي على ظاهرها بالنسبة اليها ، وتوهم عدم ظهور النواهى فيحد ذاتها في الحرمة لورودها مورد توهم الوجوب قد عرفت فساده، وكيف يمكن منع دلالة قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة : من قرء خلف امام یاتم به فمات بعث على غير الفطرة على الحرمة، مع ان دلالته عليها في الوضوح كالنار على المنار بل كالشمس في رابعة النهار ، ودعوى شيوع التعبير عن الكراهة بمثل هذه العبارة في الاخبار ، كما ترى بعد كونها دالة على اشد مراتب الحرمة ، و اما توهم ان هذه الاخبار وانكانت فيحد نفسها ظاهرة فى الحرمة ، الا ان تعليل النهى فى صحيحة زرارة بقوله علیه السّلام : فان الله عزّ وجل يقول : واذا قرء القرآن فاستمعوا له وانصتوا يدل على ان النهى عن القرائة انما هو لمنافاتها للانصات المامور به ، مع ان الانصات بمعنى السكوت عن كل قول والتوجه الى قرائة الامام مستحب و ليس بواجب ، كما يدل عليه مضافا الى دعوى الاجماع عن غير واحد على استحبابه ، رواية ابن المثنى قال :
كنت عند ابيعبد الله عليه السلام ، فسئله حفص الكلبى ، فقال :
اكون خلف الامام وهو يجهر بالقرائة فادعو واتعوذ ؟
قال علیه السّلام: نعم
ص: 118
و هذا يكشف عن عدم ارادة الحرمة من تلك النواهي ، فان النهى اذا علل بعلة مستحبة يكشف عن انه استعمل فى الكراهة، فان مقتضى المناسبة في تعليل النهى بعلة مستحبة، هو كون مطلوبية ترك المنهى على حسب مطلوبية العلة المستحبة غير مانعة عن النقيض وهذا معنى الكراهة، ولا يتوهم ان سقوط النهي في الصحيحة عن الظهور فى الحرمة بسبب ذاك التعليل لا يضر بظهور ذاك التعليل لا يضر بظهور النهى فى غيرها من الاخبار فيها ، و ذلك لان الصحيحة لمكان اشتمالها على بيان مناط النهى و ان علته توقف الانصات المستحب على ترك القرائة الغير المقتضى الا لكراهتها ، تكون بمنزلة المفسر والشارح للنهى الوارد في غيرها من الاخبار و ان المراد به هو الكراهة.
ففيه اولا منع استحباب الانصات، و ذلك لان دعوى الاجماع عليه يكذبها الخلاف، و اما رواية ابن المثنى فيمكن جعلها مخصصة لاطلاق الامر بالانصات، بان يكون المحصل منهما وجوب الانصات فيما اذا لم يشتغل بالدعاء والتعويذ، و ثانيا سلمنا استحباب الانصات، لكن نمنع عن كون تعليل النهى به كاشفا عن استعماله فى الكراهة ، وذلك لما مر من امكان كون التعليل به من قبيل بيان حكمة التشريع لاعلة المشروع.
و توهم ان استحباب شئ كيف يصير داعيا الى النهى الالزامي عما ينافي و يضاد ذلك الشئ. مدفوع بمامر من انه يمكن ان يكون مستحب واجد للمصلحة الملزمة، لكن حيث يكون الالزام به ملازما غالبا لمحذور كالحرج و نحوه ، كما في المقام حيث ان ايجاب الانصات على المكلفين مطلقا ولو فى غير حال الصلوة مستلزم للحرج الشديد، امر به على وجه الاستحباب دفعا للمحذور ، ففيما لا يترتب عليه محذور كما في حال الصلوة حيث لا يترتب على انصات المامومين لقرائة الامام محذور اصلا ، فلاضير فى النهى الالزامي عما ينافيه من القرائة لما يترتب على تركها غالبا من الانصات لقرائة الامام، وتوهم ان حمل هذا التعليل على كونه بيانا لحكمة التشريع لاعلة المشروع، خلاف الظاهر فلا يصار اليه بلادليل يدل عليه، مدفوع بما مر من ان قوله علیه السّلام في صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج المتقدمة فانما امر
ص: 119
بالجهر لينصت من خلفه دليل عليه ، فان حصر علة امر الامام بالجهر في انصات من خلفه، انما يصح فيما اذا كان الانصات حكمة لاعلة يدور الحكم مدارها ، كيف والجهر بالقرائة فى الجهرية واجب على المكلف مطلقا ولولم يكن اماما ، ومعه لا يصح حصر علة وجوبه عليه بانصات من خلفه ، اذلازم هذا الحصر عدم وجوبه عليه فيما اذا لم يكن خلفه احد ، و ان ابيت عن دلالة هذا الحصر على كون ذلك التعليل حكمة ، لاحتمال ان يكون المراد من الجهر الذي حكم بحصر عليه في الانصات ، هواجهار الامام على نحو يسمع صوته المامومون ، فالانصات علة منحصرة لكيفية الجهر لالاصله کی یلزم ماذكر ، فنقول : لا شبهة فى ان الانصات سواء كان واجبا او مستحبا، لاعلية ولا اقتضاء له لترك القرائة اصلا ، و ذلك لان النسبة بين الانصات والقرائة هو التضاد، وقد حقق في محله ان الحق هو انه لا توقف ولا مقدمية لترك احد الضدين لفعل الضد الاخر ولا لفعل احدهما لترك الاخر ، و لذا اخترنا في مبحث ان الامر بالشئ هل يقتضى النهى عن ضده الخاص عدم الاقتضاء، حيث ان اقتضائه له مبنى على كون ترك ضده مقدمة لوجوده كي يقتضى الأمر به الامر بمقدماته التي منها ترك ضده ، فإذا لم يكن للانصات اقتضاء و علية لترك الفرائة، فلابد من حمل تعليل النهى عن القرائة بالامر بالانصات، على كونه من قبيل بيان الحكمة للتشريع لا العلة للمشروع.
و توهم ان الانصات المامور به ليس هو مجرد الاصغاء و توجيه الذهن الى ما يقرئه الامام المضاد للقرائة، كى يكون ابقاء التعليل المذكور في الصحيحة على ظاهره ، مبتنيا على كون الامر بالشئ مقتضيا للنهى عن ضده، حتى يقال فحيث ان الامر بالشئ لا يكون مقتضيا لذلك فلابد من حمل التعليل على بيان حكمة الجعل والتشريع، بل الانصات على ماصرح به جماعة و يتبادر منه عرفا ايضا، هو السكوت مع الاصغاء، وتوجيه الذهن نحو كلام الغير، وح فيكون ترك القرائة الذى هو فرد من افراد السكوت، من مقومات مفهوم الانصات المامور به و من مقدماته
ص: 120
الداخلية، ومعه لا يصح رفع اليد عن ظاهر التعليل بحمله على بيان الحكمة للتشريع.
مدفوع اولا بمنع كون الانصات لغة وعرفا هو المركب من السكوت والاصغاء، كيف وقد ورد الامر بالانصات والتسبيح فى الاولتين من الاخفاتية ، فلو كان السكوت من مقومات الانصات، لكان الأمر بالانصات والتسبيح من قبيل الأمر بالضدين بل النقيضين، هذا مضافا الى مامر من المحكى عن الثعلبي في تفسيره، من انه قال وقد يسمى الرجل منصتا وهو قارا و مسبح اذا لم يكن جاهرا به ، الاترى انه قيل للنبي صلی الله علیه و آله و سلّم، ما تقول في انصاتك ؟ قال صلی الله علیه و آله و سلّم : اقول : اللهم اغسلنى من خطایای و ثانیا سلمنا كون ترك القرائة من المقدمات الداخلية للانصات ومقوماته ، لكن تبعية المقدمة لذيها في الالزام وعدمه ، انما هو فيما اذا كان تعلق الطلب بها من ناحية ذيها ، دون ما اذا كانت لها فى حد نفسها مطلوبية ذاتية ، فانه يمكن ان يكون الأمر بها الزاميا فيما كانت لها مصلحة ذاتية ملزمة ، والأمر بذيها غير الزامي فيما لم تكن له مصلحة كك ، فاذا امكن التفكيك بين المقدمة وذيها في الالزام وعدمه ، فلاوجه لرفع اليد عن ظاهر النهى عن القرائة بحمله على الكراهة من جهة كون الامر بالانصات استحبابيا، و توهم ان الوجه فى ذلك هو تعليل النهى عنها بالامر بالانصات ، الظاهر في ان النهى عنها لاجل المقدمية وتوقف الانصات على تركها، مدفوع بانه ليس في الاخبار الناهية ماعلل فيه النهى عن القرائة بالامر بالانصات ، اذا لمشتمل على التعليل من تلك الاخبار روايتان، احديهما صحيحة ابن الحجاج حيث قال علیه السّلام فيها : فانما امر بالجهر لينصت ... الخ، ثانيتهما صحيحة زرارة حيث انه علیه السّلام بعد ان نهى عن القرائة و امر بالانصات لقرائة الامام، قالعلیه السّلام : فان الله عزّوجل يقول للمؤمنين: و اذا قرء القرآن يعنى فى الفريضة خلف الامام فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون : وليس شئ من هذين التعليلين راجعا الى النهى عن القرائة اصلا ، اما الاول فواضح، و امّا الثاني فلدورانه بين كونه علة لكل من النهى عن القرائة والامر بالانصات ، او كونه علة الخصوص الامر بالانصات لاتصاله به ، والقدر المتيقن هو الثاني اعنى كونه
ص: 121
علة لخصوص الامر بالانصات فتدبر جيدا! هذا كله مضافا الى ظهور التهديد على نفس القرائة بقوله علیه السّلام: من قرء خلف امام يأتم به فمات بعث على غير الفطرة كون القرائة محرما نفسيا ، ضرورة انه لا معنى للتهديد والعقوبة على المقدمة بماهی هی ، لاستقلال العقل بعدم استحقاق العبد فيما اذا ارتكب محرما واتى به بماله من المقدمات ، الاعقابا واحدا على ارتكاب نفس ذلك المحرم.
ان قلت سلمنا عدم صلاحية التعليل في الصحيحة لرفع اليد به عن ظهور النهى في التحريم، لكن قوله علیه السّلام فيها بعد النهي عن القرائة في الاولتين ولا يقر أن شيئا في الاخيرتين ، يكون قرينة على ارادة الكراهة من النهي عنها في الاولتين ، وذلك لما سيجييء من ان النهى عنها في الاخيرتين للكراهة قطعا ، فاذا كان النهى عنها فيهذه الفقرة للكراهة ، فوحدة السياق تشهد بارادة الكراهة من النهى فى الفقرة الأولى ايضا ، هذا مضافا الى تعليله علیه السّلام النهى عنها في الاخيرتين بانهما تبعان للاولتين ، فان ظاهره كونهما تبعين للاولتين فى الحكم لا فى مجرد ترك القرائة.
قلت الاقوى كما سيجيئ بيانه هو كون النهى فى الاخيرتين ايضا للحرمة، غاية الامر ظهور النهى في الفقرة الأولى ايضا فى الكراهة، بشهادة وحدة السياق والتعليل بان الاخيرتين تبعان للاولتين ، بارادة معنى واحد من النهي في كلتا الفقرتين، لكن لا يصلح الصحيحة لمعارضة سائر الروايات الدالة بظاهرها على الحرمة، سيما الحاكى (الحاكية) منها لقول امير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه انه بعث على غير الفطرة، فانها كالصريح فى الحرمة بل في اشد مراتبها.
و توهم ان الصحيحة لمكان اشتمالها على بيان مناط الحكم و ان علته هو الامر بالانصات الغير المقتضى الالكراهة القرائة كما مربيانه تكون بمنزلة الشارح والمفسر للنهى الوارد في تلك الاخبار، فتكون حاكمة على تلك الاخبار، ومعه لاوجه الملاحظة اظهرية تلك الاخبار في الحرمة من الصحيحة في الكراهة .
مدفوع بما مر من منع كون التعليل في الصحيحة للمشروع اولا ، ومنع كونه
ص: 122
علة للمنهى عن القرائة ثانيا، ومعه لاوجه لتقديمها على تلك الاخبار، بل مقتضى اظهرية تلك الاخبار فى الحرمة من الصحيحة في الكراهة ، تقديم تلك الاخبار عليها،
هذا تمام الكلام فيما سمع قرائة الامام متميزة.
و اما فيما لم يسمع قرائته كك ولكن سمع همهمة اى مجرد صوته ، فالاقوى الاهر ايضا حرمة القرائة، ويدل عليه مضافا الى اطلاق قوله علیه السّلام في خبر ابن كثير المتقدم : لا ان الامام ضامن القرائة، في جواب السئوال عن القرائة خلف الامام، و قوله علیه السّلام في خبر محمد بن مسلم المتقدم، كان امير المؤمنين علیه السّلام يقول : من قرء خلف امام یاتم به فمات بعث على غير الفطرة، النهى عن القرائة عند سماع الهمهمة فى خبر القتيبة و خبر عبيدة المتقدمين.
و اما ما يقال من ان مقتضى الجمع بين هذين الخبرين، وبين مادل على الجواز كروايتي على بن يقطين والحلبي المتقدمتين، حيث نفى علیه السّلام في الاولى الباس عن القرائة ، وأمر بها فى الثانية عند عدم سماعها، والظاهر من عدم سماع القرائة هو عدم سماعها متميزة ، فتشملان ما اذا لم يسمع شيئا وما اذا سمع الهمهمة ، هو حمل النهي عن القرائة في الخبرين على الكراهة.
ففيه اولا ان عدم سماع القرائة اعم من عدم سماعها بالفاظها ومتميزة اوعدم سماعها واسا حتى الصوت والهمهمة، و دعوى ظهوره في خصوص عدم سماعها متميزة ممنوعة جدا ، و ثانيا سلمنا ظهوره في خصوص عدم سماعها متميزة ، لكن رفع اليد عن ظهور النهى في الخبرين في الحرمة بحمله على الكراهة، بقرينة ظهور عدم سماع القرائة فى الروايتين في خصوص عدم سماعها متميزة، ليس باولى من العكس اعنى رفع اليد عن ظهور عدم سماع القرائة في خصوص عدم سماعها متميزة ، بحمل سماعها على ما يعم الهمهمة بقرينة ظهور النهى عن القرائة عند سماع الهمهمة في الحرمة فتدبر !
و اما ما يستدل به على الجواز مع سماع مجرد الهمهمة، من قوله علیه السّلام في
ص: 123
موثقة سماعة المتقدمة : اذا سمع صوته فهو يجزيه، بدعوى ان لفظ يجزيه مشعر بالجواز وان السقوط ليس متعينا بلله ان يكتفى بقرائة الامام ، ففيه ان هذا الكلام انما وقع جوابا عن السوال عما اذا سمع الناس صوت الامام ولم يفهموا ما يقول اى لم يتميزوا الفاظه ، وحينئذ فالظاهران المراد بالجواب هو ان مجرد سماع الصوت يكفيه فى سقوط القرائة ، ولا يعتبر فى سقوطها خصوص سماعها متميزة . هذا تمام الكلام فيما اذا سمع القرائة متميزة اوسمع مجرد الصوت والهمهمة.
و اما اذا لم يسمع شيئا لا القرائة ولا الهمهمة، فالاقوى جواز القرائة له بل استحبابها ، امّا الجواز فلقوله علیه السّلام في رواية الحلبي الا ان تكون صلوة يجهر فيها بالقرائة ولم تسمع فاقرء، وفى رواية القتيبة : اذا كنت خلف امام ترضى به فيصلوة يجهر فيها بالقرائة فلم تسمع قرائته فاقرء انت لنفسك ، و في رواية سماعة : و اذا لم يسمع صوته قرء لنفسه ، فان اقل ما يستفاد من الأمر بالقرائة فيهذه الروايات هو دفع توهم الخطر الناشى من النواهى المطلقة فتدل على الجواز ، هذا مضافا الى قوله علیه السّلام فى رواية على بن يقطين : لاباس ان صمت وان قرء، في جواب السئوال عمن
يقتدى بامام فى صلوة جهرية ولا يسمع قرائته ، فانه صريح في التخيير والجواز، فاحتمال التحريم لاطلاق الاخبار الناهية مندفع بهذه الاخبار ، كما ان احتمال الوجوب للاخبار الامرة بالقرائة كرواية الحلبى والقتيبة والسماعة ، مندفع برواية
ابن يقطين فان مقتضى الجمع بينها و بين الاخبار الامرة هو حمل الأمر فيها على الاستحباب ، و دعوى كون جميع الاخبار الامرة فى مقام دفع توهم الخطر فلا يستفاد
منها ازيد من الاباحة ، ممنوعة جدا ومن هنا قوينا استحباب القرائة في المقام .
بقى هنا امور ينبغي التعرض لها الاول : لوسمع بعض القرائة دون بعض ، فهل حكمه حكم من سمع الكل في سقوط القرائة عنه ، او حكم من لم يسمع الكل فى عدم سقوطها عنه ، او يسقط عنه قرائة البعض المسموع دون البعض الغير المسموع وجوه ، قد يقال ان الاقوى بحسب الادلة هو الاخير ، لظهور قوله علیه السّلام في صحيحة
ص: 124
الحلبي انما امر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فانصت و ان لم تسمع فاقرء فى سببية السماع لمطلوبية الانصات على الاطلاق و سببية عدم السماع للقرائة كك، فيشمل كلا من ابعاض القرائة بكلتا شرطيتيه، لكن الالتزام بذلك كلية مشكل، لاستلزامه عدم التيام الفاتحة من ضم المقرو بالمسموع، فيما اذا كان الماموم بطيئا والامام سريعا، واراد الماموم قرائة الاية الأولى من الفاتحة لعدم سماعها، فلما فرغ من قرائة هذه الاية سمع قرائة الامام للاية الاخيرة ، فان من ضم ماقرئه من الاية الاولى الى ماسمعه من قرائة الامام للاية الاخيرة لا يلتئم الفاتحة ، فكيف يجزيه قرائة نفسه و قرائة الامام ، مع ان المجموع منهما لا يكون بفاتحة الكتاب هذا مضافا الى عدم امكان الالتزام بذلك بالنسبة الى الهمهمة التي قد عرفت ان سماعها في حكم سماع نفس القرائة ، بمقتضى حكومة ادلتها على ادلة اعتبار سماع نفس القرائة ، ضرورة انه اذا سمع الهمهمة فلم يقرء ثم لم يسمعها ، فلا يمكنه احراز ان الامام وصل الى اى موضع من القرائة حتى يقرء من هذا الموضع ، فمن عدم امكان الالتزام بذلك بالنسبة الى الهمهمة مع اتحادها مع نفس القرائة في الحكم، يستكشف ان ماهو ظاهر الشرطيتين من تحقق السببية المطلقة للسماع بالنسبة الى ترك القرائة لعدمه بالنسبة الى اتيانها ليس بمراد ، فيدور الامر بين الوجهين الأولين ، والالتزام بالاول منهما ايضا مشكل ، ضرورة انه لو كان سماع البعض موجبا لحرمة القرائة و عدم سماع الجميع موجبا لوجوبها كما هو مقتضى الوجه الاول ، لزم دوران امره فى اول شروع الامام بالقرائة بين الوجوب والحرمة ، فيما اذا لم يسمع قرائة الامام فى اول الفاتحة واحتمل سماعها في اخرها ، فان امره يدور بين وجوب القرائة عليه لاحتمال عدم سماع القرائة للتالي ، وحرمتها عليه لاحتمال سماعها في اخر الفاتحة ، هذا مع ان عدم سماع الجميع لو كان موضوعا لوجوب القرائة، فهذا الموضوع لا يتحقق فيما اذا لم يسمع قرائة الامام من اول الفاتحة الى اخرها الا بعد فراغ الامام عنها ، وحينئذ لا مجال لقرائة الماموم كمالا يخفى، و عليهذا فيتعين الوجه الثانى
ص: 125
وهو كون حكمه حكم من لم يسمع الكل في عدم سقوطها عنه ، و عليه فلولم يسمع القرائة فى اول شروع الامام وجب عليه اتيانها و ان سمعها بعد ذلك ، وان سمعها فى أول الشروع يتركها فإن استمر السماع الى اخر الفاتحة فيستمر تركها ، و ان لم يسمعها في الاثناء وجب عليه اتيانها وان سمعها بعد ذلك ، فعليهذا الوجه يكون وظيفة الماموم من اول شروع الامام بالقرائة معلومة ، فلا يلزم عليه مالزم على الوجه الاول من دوران امر المأموم فى اول شروع الامام بين الوجوب والحرمة على القول بوجوب القرائة عند عدم السماع، نعم يلزم عليهذا الوجه ايضا محذور عدم تحقق الموضوع لوجوب القرائة على الماموم الا بعد فراغ الامام عنها ، فيما اذا سمع قرائة الامام فى اول الفاتحة واحتمل عدم سماعها في اخرها ، ومحذور فوت القرائة عنه فيما سمع قرائة الامام الى ماقبل جزئها الاخير ولم يسمع هذا الجزء ، فانه يجب عليه ان ياتى بالقرائة مع انه لا مجال لها ، حينئذ لكن الخطب فيه سهل بعد ضعف القول بوجوب القرائة عند عدم السماع .
الامر الثانى: لوشك في السماع وعدمه اوان المسموع صوت الامام او غيره ، فان قلنا بعدم وجوب القرائة عند عدم السماع ، فلاشبهة في ان الأقوى جواز اتيان القرائة و انكان الاحوط الترك، و ذلك لدوران الأمر حينئذ بين حرمة القرائة ان كان المسموع صوت الامام ، و بین جوازها او استحبابها ان كان صوت غيره، فيكون الشك في اصل التكليف الالزامي والاصل البرائة عنه، و اما ان قلنا بوجوب القرائة عند عدم السماع، فقد يقال ان مقتضى القاعدة حينئذ هو الحكم بالتخيير بين الاتيان والترك، وذلك لدوران الامر بين الوجوب والحرمة ، وفيه ان حكم العقل بالتخيير في دوران الأمر بينهما ، انما هو فيما اذا لم يمكن امتثال جنس الحكم الالزامي المعلوم فى البين، كما اذا تردد الامر بين وجوب شئ واحد وحرمته ، وهذا بخلاف ما اذا امكن امتثال جنس الحكم الالزامي المعلوم بالاجمال، كما اذا تردد الامر بين وجوب احد الشيئين وحرمة الآخر، و في المقام يمكن امتثال جنس التكليف
ص: 126
الالزامي المعلوم بالاجمال بقصد الانفراد فتدبر ! فان قصد الانفراد ليس امتثالا للتكليف الالزامي المعلوم بالاجمال، بل اذهاب لموضوعه بتبديله بموضوع اخر فالاولى ان يقال ليس فى المقام دوران بين الوجوب والحرمة، بعد امكان تبديل موضوع الحكم الالزامي المردد بينهما بموضوع حكم اخر تردد فيه.
الامر الثالث: الظاهر ان المراد بالقرائة المنهى عنها في الاخبار المتقدمة هى القرائة التى قصد بها الجزئية، و ذلك لان النواهى الواردة في المقام مسوقة لحرمة ما كان واجبا في غير الجماعة و هو الماتى بها بقصد الجزئية، هذا مضافا الى منافاة حرمتها على نحو الاطلاق اى سواء اتى بها بقصد الجزئية اولا بهذا القصد بل بقصد القرانية أو الذكر والدعاء، مع ما فى المروى عن زرارة عن احدهما عليهما السلام من الامر بالانصات والتسبيح، وما في المروى عن ابى المعزا من تجويز مطلق الذكر فيما يجهر فيه الامام وحملهما على ارادة حديث النفس الغير المنافي لصدق السكوت خلاف الظاهر جدا ، وعليه فلواني بها لا بقصد الجزئية بل بقصد الفرآينه او الذكر والدعاء، فلا ينبغي الاشكال في جوازه.
نعم بناء على القول بوجوب الانصات وكونه متقوما مفهوما بالسكوت والاصغاء لكلام الغير، تكون القرائة محرمة مطلقا ولو بقصد القرانية او الذكر والدعاء ، ضرورة انه اذا كان السكوت وأجبا يكون كل ما هو نقيض له محرما ، فان
الامر بالشئ وان لم يقتض النهي عن ضده، لكنه يقتضى حتى قبل ان الامر بالشئ عين النهي عن نقيضه، و عليهذا لواتى بها بقصد القرانية تبطل صلوته لان الكلام المحرم ماح للصورة الصلوتية كما مربيانه سابقا ، كما ان هذا اى كون الكلام المحرم ماحيا للصورة، هو الوجه ايضا فى البطلان فيما لواتى بها بقصد الجزئية ، وذلك لما عرفت من ان الظاهر من التهديد على نفس القرائة كونها محرما نفسيا تكليفيا ، لامقدميا او وضعيا دالا على ما نعيتها و بطلان الصلوة باتيانها.
لكن المبنى بكلا مقدمتيه ممنوع جدا ، و ذلك لما مر من انه لم ينقل القول
ص: 127
بوجوب الانصات من غير ابن حمزة، بل المنقول عن غير واحد الاجماع على عدم وجوبه ، وقد عرفت انفا دلالة جملة من الاخبار على ان المراد من الانصات الماموم به شرعا ما يجتمع مع التسبيح والدعاء والتعويذ.
الامر الرابع: مقتضى اطلاق النصوص عدم الفرق في السماع بين ان تكون سامعة السامع خارقة للعادة بحيث يسمع مالا يسمعه غيره و بين غيره، و دعوى انصراف الاطلاق الى المتعارف ممنوعة جدا ، كما ان مقتضى اطلاقها عدم الفرق في عدم السماع بين ان يكون لعدم المقتضى كالصمم او لوجود المانع كالبعد و تزاحم الاصوات و نحوهما مما يمنع عن سماع صوت الامام ، و دعوى الانصراف الى ماكان لوجود المانع ممنوعة جدا ، نعم الاقوى الفرق في مورد السماع بين كون الصلوة جهرية او اخفاتية ، وذلك لاختصاص النصوص بما اذا كانت الصلوة جهرية كمالا يخفى على من راجعها وعليه فلوسمع قرائة الامام في الاخفاتية لشدة قربه منه فحكمها حكم الاخفانية، و أما لو سمع قرائة الامام في الاخيرتين من الجهرية ، فان قلنا بان
لوسمع الاخيرتين تابعتان للاولتين فحكمها حكم الجهرية ، و ان منعنا عن ذلك فلا اثر للسماع ، بل هو على ما هو وظيفته في سائر الصلوات فى سائر الحالات من التخيير بين
القرائة والتسبيح مع افضلية التسبيح ، هذا تمام الكلام فى المسئلة الثانية .
و اما المسئلة الثالثة وهى حكم القرائة خلف الامام المرضى في الاخيرتين مطلقا كانت الصلوة جهرية او اخفاتية ، فالاقوى فيها هو الحرمة فيما كانت الصلوة جهرية ، والجواز فيما كانت اخفاتية ، وذلك لقوله علیه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة : ولا تقران شيئا فى الاخيرتين ، معللا بقوله علیه السّلام في الذيل : والأخيرتان تابعتان للاولتين ، فان الظاهر من القرائة المنهى عنها هو الحمد والسورة لا التسبيح، واحتمال كون المراد سقوط القرائة والتسبيح كليهما بقرينة قوله علیه السّلام شيئا، مندفع مضافا الى ظهور القرائة مادة فى الحمد والسورة فتدبر! بما دل على اختصاص ضمان الامام لها بالاولتين ، فالمراد من قوله علیه السّلام : لا نقران شيئا، هو لا تقرء الحمد ولا السورة، لا
ص: 128
ان المراد لاتقرء الحمد ولا التسبيح، والظاهر ان قوله علیه السّلام: فان الله عزوجل يقول للمؤمنين ... الخ ، تعليل لقوله علیه السّلام : وانصت القرائة ، لا لقوله علیه السّلام: لاتقران شيئا فى الاخيرتين ، اذلاجهر في الاخيرتين كي يعلل ترك القرائة فيهما بالأمر بالانصات لقرائة الامام فيهما فى الاية الشريفة، وانما التعليل لقوله علیه السّلام: لاتقران شيئا في الاخيرتين، هو قوله علیه السّلام في الذيل : والاخيرنان تابعتان للاولتين، فتكون الرواية من قبيل اللف والنشر المرتب ، حيث نهى علیه السّلام فيها اولا عن القرائه في الاولتين من الجهرية ثم امر بالانصات ، ثم نهى عن القرائة فى الاخيرتين من الجهرية ، ثم علل الأمر بالانصات بقوله علیه السّلام : فان الله عز وجل يقول للمؤمنين واذا قرء القرآن ... الاية، فحاصل فقه الرواية ان الفرائة محرمة فى الاولتين من الجهرية والانصات لها واجب فيهما للامر به فى الاية المباركة، والقرائة محرمة في الاخيرتين من الجهرية ايضا لانهما تابعتان للاولتين ، فعلة وجوب الانصات للقرائة فى الاولتين هى الامر به في الاية ، وعلة حرمة القرائة في الاخير تين هي التبعية للاولتين، فاذا ضممنا هذه الصحيحة بصحيحة عبدالله بن سنان عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
اذا كنت خلف امام فیصلوة لا يجهر فيها بالقرائة حتى يفرغ ، و كان الرجل مامونا على القرائة ، فلا تقرء خلفه فى الاولتين. وقال علیه السّلام : يجزيك التسبيح فى الاخيرتين.
قلت : اى شئى تقول انت ؟
قال علیه السّلام : اقرء فاتحة الكتاب، يتحصل من المجموع ان المأموم يحرم عليه القرائة فى الاخيرتين من الجهرية لكون الاخيرتين تابعتين للاولتين، ويكون مخيرا بين
السلام القرائة والتسبيح فى الاخيرتين من الاخفاتية ، فان قوله علیه السّلام في صحيحة ابن سنان يجزيك التسبيح ظاهر فى عدم تعينه عليه وكونه مخيرا بينه وبين الفاتحة ، بل نفس علیه السّلام قوله: و الاخيرتان تابعتان للاولتين ، يدل على جواز القرائة في الاخيرتين من الاخفاتية بعد ماثبت جوازها فى الاولتين منها ، لظهوره فى ان النهى عن القرائة في
ص: 129
الاخيرتين من الجهرية انما هو لاجل التبعية، ومقتضى ذلك هو ان كل مورد حكمنا فيه بتحريم القرائة في الاولتين كما في الجهرية ان نحكم به في الاخيرتين منه، وكل مورد حكمنا بجوازها في الاولتين كما في الاخفانية ان نحكم به في الاخيرتين منه.
ثم ان قوله علیه السّلام في ذيل صحيحة ابن سنان اقرء فاتحة الكتاب، بعد قوله علیه السّلام : يجزيك التسبيح، يدل على افضلية القرائة انكان المراد من قول السائل : اى شئ تقول انت؟ هواى شئ تقرء انت اذا كنت مأموما ؟ اوكان المراد منه اى شئ ترى انت في حكمه بان يكون قوله علیه السّلام اقرء صيغة الأمر ، واما انكان المراد السوال عن حاله علیه السّلاماذا كان اماما فلادلالة له على افضلية القرائة كما هو واضح ، لكن يبعد الاحتمالين الاولين الاخبار الصحيحة الدالة على افضلية التسبيح ، ففى صحيحة معوية بن عمار عن
ا بيعبد الله علیه السّلام.
سئلته عن القرائة خلف الامام فى الركعتين الاخيرتين.
قال علیه السّلام:
الامام يقرء فاتحة الكتاب و من خلفه يسبح ، و ظاهرها و انکان تعین التسبيح مطلقا ولو في الجهرية، لكن لابد من حملها على الافضلية بقرينة الاخبار الدالة على جواز القرائة، وتخصيصها بالاخفاتية بقرينه صحيحة زرارة المتقدمة ، ويبعد خصوص الاحتمال الاول ان الامام علیه السّلام لم يكن يصلى مأموما الاصورة لاجل التقية ، وخصوص الاحتمال الثانى ظهور قول السائل اى شئ تقول انت فى السؤال عن قرائة الامام علیه السّلام لا رأيه، فتعين الاحتمال الثالث، كما يؤيده قوله علیه السّلام في صحيحة معوية بن عمار المتقدمة انفا : الامام يقرء فاتحة الكتاب ، نعم ينافيه قوله علیه السّلام في رواية ابي خديجة المتقدمة : وعلى الامام ان
يسبح ، فتدبر !
ثم انه قد يتوهم معارضة صحيحة زرارة المتقدمة الدالة على حرمة القرائة فى اخيرتى الجهرية معللا بانهما تابعتان للاولتين ، برواية ابي خديجة عن الصادق
ص: 130
علیه السّلام قال :
اذا كنت امام ،قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الاولتين و على الذين خلفك ان يقولوا: سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر، وهم قيام فاذا كان في الركعتين الاخيرتين، فعلى الذين خلفك ان يقرئوا فاتحة الكتاب، وعلى الامام ان يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الاخيرتين ، فان قوله علیه السّلام : فاذا كان في الركعتين الاخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرئوا فاتحة الكتاب ، يدل باطلاقه على وجوب القرائة او جوازها في الاخيرتين للمأمومين مطلقا وانكانت الصلوة جهرية ، فيعارض الصحيحة الدالة على حرمة القرائة على المأمومين في الاخيرتين من الجهرية تبعا للاولتين، وفيه اولا ان هذه الرواية باطلاقها نعم الركعتين الاخيرتين
من الاخفاتية ايضا ، والصحيحة مختصة بالجهرية بقرينة الامر بالانصات ، فلابد في مقام الجمع بينهما من تقييد الرواية بالصحيحة بتخصيص الرواية بالصلوة الاخفاتية و ثانيا سلمنا عموم الصحيحة للصلوة الاخفاتية ايضا ، بدعوى ان قوله فيها : و ان كنت خلف امام فلا تقران شيئا في الاولتين ، نهى عن القرائة فى الاولتين مطلقاً كانتا من الجهرية او الاخفاتية، وقوله علیه السّلام : وانصت القرائة، امر بالانصات في الجهرية ، فهما حكمان مستقلان لاربط لاحدهما بالآخر ، لكن نقول يمكن حمل قوله علیه السّلام فى الرواية: فاذا كان في الركعتين الاخيرتين فعلى الذين خلفك ... الخ، على بيان حكم المأموم المسبوق الذى ادرك الامام في الاخيرتين، وح فالمراد فاذا كان امامتك للقوم في الركعتين الاخيرتين فعليهم ح ان يقرئوا فاتحة الكتاب ، و يشهد لهذا الحمل قوله علیه السّلام : فعلى الذين خلفك ... الخ، فان كلمة على ظاهرة في الوجوب ، ووجوب القرائة على المأمومين في الركعتين الاخيرتين خلاف الاجماع والنص ، بل يمكن دعوى ظهور قوله علیه السّلام فاذا كان ... الخ، فيحد نفسه ومع قطع النظر عن کلمة على في بيان حكم المأموم المسبوق، وذلك لبداهة انه لا مرجع للضمير المستتر في كان الاكونك اماما المستفاد من قوله علیه السّلام في الصدر : اذا كنت امام قوم، وح فالمعنى
ص: 131
فاذا كان كونك اماما في الركعتين الاخيرتين ... الخ، و من المعلوم ان الامام لا يمكن ان يصير اماما في الركعتين الاخيرتين، الافيما اذا كان منفردا اولائم لحقه المأموم فى الركعتين الاخيرتين، ومما يدل على الجواز في اخيرني الاخفاتية ، قوله علیه السّلام في صحيحة على بن يقطين: ان قرأت فلا بأس وان سكت فلابأس، في جواب السؤال عن قرائة الحمد في الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام ، فان المراد من الركعتين اللتين يصمت فيهما الامام اما الاخيرتان و اما الاولتان من الاخفاتية، وعلى اى تقدير دلالة الجواب على جواز القرائة فى الاخيرتين ظاهرة ، اما على الاول فواضح ، واما على الثانى فلالحاق الاخيرتين من الاخفائية بالاولتين منها ، بمقتضى ما دل عليه صحيحة زرارة المتقدمة من تبعية الاخيرتين للاولتين في الجواز والمنع.
الامر الثانى - لا اشكال بل لا خلاف في وجوب متابعة الامام على المأموم في الجملة، و يدل على ذلك النبوى المحكى عن المجالس وغيره : انما جعل الامام اما ما ليؤتم به، فاذا كبر فكبر واو اذار كع فاركمواوان اسجد فاسجدوا، والتكلم فيه يقع من جهات : الاولى هل يعتبر في تحقق المتابعة تأخر المأموم عن الامام في الافعال او يكفى المقارنة ؟ الثانية هل وجوب المتابعة تكليفى فتكون واجبا مستقلا فى حال الجماعة لا يترتب على مخالفته الا الاثم ، او وضعي فتكون شرطا لها يترتب على عدمها البطلان؟ الثالثة هل وجوبها سواء كان تكليفيا نفسيا او وضعيا شرطيا يختص بحال الاختيار اولا يختص بحال دون حال ؟ وقبل التكلم فيها من هذه الجهات، ينبغى التكلم فى الثمرة المترتبة على كونها واجباتكليفيا او وضعياشرطيا. فنقول: لا اشكال في بطلان الجماعة بالاخلال بها بناء على كونها شرطا للجماعة ، وح لواخل بوظيفة المنفرد ايضا كانت صلوته باطلة راسا والافتصح فرادى ، و اما بناء على كونها واجبا نفسيا مستقلا ، فالظاهر انه لا يترتب على الاخلال بها عمدا الا الا ثم دون الابطال اصلا ، وقد يقال ان الاخلال بها عمدا موجب لبطلان الصلوة رأسا ولو بناء على وجوبها استقلالا ، فيما اذا تقدم على الامام بركن ، وذلك لان هذا الركن يكون منهيا عنه
ص: 132
لكونه مصداقا للتقدم المحرم فيكون باطلا، وحينئذ ان اكتفى به فتبطل صلوته راسا بفساد جزئها، وان اتى به ثانيا فتبطل كك لان الزيادة الركنية موجبة للبطلان، وفيه مالا يخفى من الضعف والفساد، لالما قدتوهم من ان النهي عن هذا الجزء حيث يكون لامر خارج فلا يوجب البطلان، و ذلك لأن عدم استلزام النهى لامر خارج للبطلان انما هو في المعاملات، و لذا قالوا ان النهي عن البيع يوم الجمعة يوجب فساده لكونه لامر خارج دون العبادات كما نحن فيه ، فان النهى المتعلق بهذا الجزء و انكان لامر خارج و هو التقدم ، لكن حيث يكون هذا العنوان منطبقا خارجا عليهذا الجزء متحصلا به ، فيسرى النهى منه اليه فيكون باطلا ، اللهم الا ان يكون مراد هذا المتوهم ان النهى في المقام غير متعلق بذات الجزء بل بوصفه و هو التقدم، نظير ما قلناه في النهى عن الصلوة فى الحمام ، من ان ذات الصلوة فى الحمام لاخرازة فيها اصلا بل هى على ماكانت عليه من الحسن الذاتي و انما تكون الخرازة فى وصفها وهو كونها واقعة في الحمام، بل لان النهي عن الجزء على ما يظهر من كلمات هذا المتوهم ، ليس الا من جهة اقتضاء الامر بالمتابعة النهى عن التقدم ، و قد حقق فى محله انه لا مقدمية لترك احد الضدين لفعل الاخر ولا لفعل احدهما لترك الاخركى يقتضى الأمر باحدهما النهى عن الاخر ، وتوهم ان المتابعة المعتبرة هنا امر عدمى وهو عدم تقدم الماموم على الامام في الافعال ، فيكون نقيضا للتقدم لاضداله ، وقدمران الامر بالشئ وان لم يقتض النهى عن ضده : لكنه مقتض للنهى عن نقيضه ، واضح الفساد ضرورة ان المتابعة هي اقتفاء الاثر الذي يعبر عنه فى الفارسية (بپیروی نمودن)، فهى كالتقدم امر وجودى فلا يكون التقابل بينهما الاتقابل التضاد ، ثم لا ينافى ماذكرنا من كون مقتضى القاعدة هو بطلان الصلوة جماعة لا مطلقا بالاخلال بالمتابعة بناء على كونها شرطا للجماعة، و عدم بطلانها مطلقا ولو جماعة، به بناء على كونها واجبا مستقلا، مارواه الصدوق في الجامع من ان من المامومين من لاصلوة له وهو من يركع ويرفع قبل الامام ، و منهم من له
ص: 133
صلوة واحدة و هو من يركع معه و يرفع معه ، ومنهم من له اربع و عشرون صلوة وهو من يركع بعده ويرفع بعده، بتقريب ان المراد من قوله علیه السّلام : ومنهم من له اربع و عشرون صلوة ليس هو اربع وعشرون صلوة جماعة، بل المراد هو اربع وعشرون صلوة فرادى ، وحينئذ فيكون المراد من قوله علیه السّلام : و منهم من له صلوة واحدة هو ان له صلوة واحدة فرادى ، والمراد من قوله علیه السّلام من المأمومين من لاصلوة له هو عدم الصلوة له اصلا كما هو ظاهر نفى الجنس ايضا ، فتدل على بطلان الصلوة راسا بالتقدم على الامام فى الافعال ، وذلك لان الرواية على فرض صحتها سند الفتوى الصدوق بمضمونها الكاشفة عن كونها ماخوذة عن الاصول المعتمدة ، لا دلالة لها على بطلان الصلوة راسا ، لانه لا شبهة فى انه لو كان المراد من قوله علیه السّلام فى الفقرة الاولى لا صلوة له نفى حقيقة الصلوة كى يدل على بطلانها ، فلابد ان يكون المراد من قوله علیه السّلام في الفقرة الثانية له صلوة واحدة ، انه لا يترتب على صلوته ما يترتب على صلوة الجماعة من الفضيلة والثواب ، لانفى صحتها جماعة فان صحتها كك مما لاريب فيه ، و من المعلوم ان نفى فضيلة الجماعة عن صلوته مع صحتها جماعة مما لا يجتمعان، فلابد ان يكون المراد من قوله علیه السّلام: له صلوة واحدة هوان له ثواب جماعة واحدة ، والمراد من قوله علیه السّلام في الفقرة الثالثة: له اربع وعشرون صلوة هوان له ثواب اربع وعشرين جماعة ، فاذا كان المراد من اثبات الصلوة فى الفقرتين الاخيرتين اثبات الاجر والثواب، فيكون المراد من نفى الصلوة فى الفقرة الاولى بقرينة وحدة السياق نفى ما للجماعة من الاجر والثواب الملازم لعدم وقوعها جماعة ، هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى القاعدة فيما اذا احرز ناكون وجوب المتابعة نفسيا اوشرطيا
واما اذاشككنا في ذلك، فتارة نقول بوجوب المتابعة نفسا او شرطا مطلقاً وفى جميع الافعال الصلوتية، او نقول بوجوبها كك في معظم افعالها ، اونشك في ذلك ايضا ، لا اشكال في ان مقتضى القاعدة هو الحكم ببطلان الصلوة جماعة ، فيما اذا قلنا بوجوب المتابعة فى جميع الافعال ، وذلك للعلم الاجمالي بوجوبها اما نفسا او
ص: 134
شرطا، وليس هناك اصل يحرز به آن وجوبها على اى النحوين، ولا مجال لاستصحاب بقاء الجماعة، و ذلك لان الشك في بقائها حيث يكون مسببا عن الشك فى كيفية وجوب المتابعة وانه نفسى او شرطى ، فيكون من الشبهة المفهومية ، وقد حقق في محله عدم جريان الاستصحاب فى الشبهات المفهومية ، لان الشك فيها ليس في امر خارجی، بل الشك فيها انما . فى انطباق المفهوم على هذا الموجود الخارجي المعلوم حاله سابقا ولاحقا وعدمه ، وقد مر ان مقتضى الاصل العملى فيهذا الباب بل الدليل الاجتهادى كعموم لاصلوة الا بفاتحة عدم الاكتفاء بقرائة الامام، كما لا اشكال في ان مقتضى القاعدة هو الحكم بالصحة جماعة، فيما اذا قلنا بوجوب المتابعة في معظم الافعال دون جميعها، وذلك لعدم وجوبها ح بالنسبة الى هذا الجزء اصلا لانفسا ولا شرطا ، و معه لاوجه لبطلان الصلوة جماعة بالتقدم على الامام فيه كما لا يخفى. و اما اذا شككنا فى انها واجبة فى الكل او فى المعظم مع تردد وجوبها بين النفسي والشرطي كما هو الفرض ، فمقتضى القاعدة هو الحكم بالبطلان جماعة ، وذلك لان الواجب اعنى المتابعة وانكان عليهذا الفرض مرددا بين الاقل والاكثر ، والمختار فی دوران الأمر بينهما هو البرائة عن الاكثر ، لكن حيث يحتمل وجوبها في الكل شرطا فيشك مع الاخلال بها في الجزء فى تحقق الجماعة ، فح يكون مقتضى الاصل الذي اسناه في باب الجماعة هو الاشتغال، و ذلك لان الشك ح فى السقوط، و ان قرائة الامام هل تكون كافية عن قرائة المأموم ام لا ؟ وان زيادة الركن تبعا للامام هل تكون مغتفرة ام لا ؟ وان احكام الشكوك في الركعات هل تكون ساقطة مع حفظ الامام ام لا ؟ ومقتضى عموم ادلة تلك الاحكام هو عدم سقوطها الافيما اذا احرز تحقق الجماعة، فعليهذا لوسبق وتقدم على الامام في ركوع الركعة الأولى، تكون القرائة لهذه الركعة ساقطة عنه لتحقق الجماعة وصحتها واقعا قبل الركوع، وتجب عليه القرائة فى الركعة الثانية، للشك في بقاء قدوته بعد تقدمه على الامام في ركوع الركعة الأولى، و مقتضى عموم لاصلوة الابفاتحة الكتاب، هو وجوب قرائتها عليه
ص: 135
فيهذه الركعة المشكوك كونها جماعة المستلزم لبطلان صلوته جماعة .
ثم ان ما ذكرنا من ان مقتضى القاعدة فيما شككنا في كون وجوب المتابعة نفسيا او شرطيا ، هو الحكم ببطلان الصلوة جماعة بالتقدم على الامام مطلقاً، سواء قلنا بوجوب المتابعة في جميع الافعال اوشككنا في ذلك ايضا ، انما هو مبنى على المختار من كون الجماعة والفرادى حقيقة واحدة ، و اما بناء على كونهما حقيقتين مختلفتين، فمقتضى القاعدة هو الحكم ببطلان الصلوة رأسا بالتقدم على الامام ، وذلك
ا لانه لو تقدم على الامام في الركوع من الاولتين، وانكان يعلم اجمالا اما بصحة صلوته جماعة لو كانت المتابعة واجبة نفسا او ببطلانها رأسا لو كان وجوبها شرطيا ، لكنه حيث يحتمل وجوبها شرطا فيكون شاكا في صحة صلوته جماعة ، ومعه تكون صلوته باطلة رأسا، اما بطلانها جماعة فواضح بعد ما عرفت من كفاية مجرد احتمال الشرطية في الحكم بالبطلان جماعة بمقتضى القاعدة المؤسسة فيهذا الباب ، وعموم قوله الله صلی الله علیه و آله و سلّم : لاصلوة الا بفاتحة الكتاب واما بطلانها فرادى فلان الفرادى عليهذا المبنى تحتاج الى القصد ، والمفروض ان الركوع الذي تقدم فيه على الامام لم يأت به بقصد الانفراد، فلم يقع جماعة لفقد شرطها ، ولافرادى لعدم قصد الانفراد به.
و توهم انه لامجال هنا لعموم : لاصلوة الابفاتحة الكتاب اصلا، اما على تقدير كون صلوته جماعة فواضح بعد كون قرائة الامام بدلا عن قرائته، و اما على تقدير كون صلوته باطلة رأسا ، فانه لامجال لوجوب فاتحة الكتاب مع بطلان الصلوة، و بعبارة اخرى يعلم في المقام بعدم وجوب الفاتحة عليه اما لسقوطها عنه بقرائة الامام و اما لبطلان صلوته رأسا ، ومع هذا العلم لامجال للتمسك بعموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب. مدفوع بانه وان علم اجمالا بعدم وجوب الفاتحة عليه اما لكون صلوته صحيحة جماعة او باطلة رأسا، لكن حيث يكون وقوع صلوته جماعة مع هذا العلم الاجمالي مشكوكة، فيكون عموم لاصلوة القاضي بعدم وقوع صلوته جماعة موجبا لانحلال ذلك العلم الاجمالى هذا.
ص: 136
و اما لو تقدم على الامام فى الركوع من الاخيرتين، فحيث لا يكون حاصل ولا عموم يحرز به بطلان صلوته جماعة، فيمكن له اتمام صلوته صحيحة بان يقصد الانفراد ، مالم يخل بوظيفة المنفرد، كما اذا شك في عدد الركعات و رجع الى الامام فى حفظها اوزاد ركنا بقصد المتابعة للامام، فان من اطلاق ادلة الشكوك في الركعات وادلة بطلان الصلوة بزيادة الركن يستكشف ح عدم وقوع صلوته جماعة، فتقع باطلة رأسا لاخلاله بوظيفة المنفرد كما هو الفرض.
اذا عرفت هذا فلنرجع الى التكلم في وجوب المتابعة من الجهات التي ذكرناها، فنقول: اما الجهة الاولى فلا اشكال في وجوب المتابعة في الافعال في الجملة، ويدل على ذلك مضافا الى الاجماعات المنقولة المستفيضة ، ما اشتهر بين الفريقين من النبوى انما جعل الامام اماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا واذا سجد فاسجدوا، و في المحكى عن مجالس الصدوق زيادة قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا كبر فكبروا و اذا قرء فانصتوا قبل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذار كع، وفى نبوى اخر اما يخشى الذي يرفع رأسه والامام ساجدان يحول الله رأسه رأس الحمار ، هذا كله مضافا الى ان التبعية مأخوذة عرفا في مفهوم الايتمام والاقتداء ، فوجوبها من مقتضيات حقيقة المأمومية ، لكن لا يخفى ان هذا لا يقتضى الاوجوب التبعية فى الجملة وبالنسبة الى معظم الاجزاء لا مطلقا وبالنسبة الى جميعها ، ضرورة ان المضر بصدق الاقتداء عرفا هو التقدم والتأخر الموجبان لذهاب هيئة الجماعة ، و من المعلوم ان التقدم او التأخر في جزء واحد لا يوجب ذهاب هيئتها عرفا كما لا يخفى، ويمكن الاستدلال على وجوبها بالاخبار الامرة بالعود الى الركوع والسجود لمن رفع رأسه عنهما قبل الامام ، وبالاخ-ب-ار الامرة بالتسبيح والدعاء وانتظار ركوع الامام لمن فرغ عن القرائة قبل الامام ، وفيه نظر، وكيف كان فاصل وجوبها مما لا ينبغى الارتياب فيه.
وانما الاشكال والكلام فيما يتحقق به المتابعة، وانه هل يعتبر في تحققها التأخر عن الامام، او يكفى عدم التقدم المجامع للمقارنة، فذهب غير واحد من
ص: 137
المتأخرين الى الاول والمشهور الى الثانى، ويمكن الاستدلال على الاول بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم فى النبوى المتقدم: فاذار كع فاركوا و اناسجد فاسجدوا ، لامن جهة ظهور الفاء في التعقيب والتأخر الزماني ، كي يقال ان الفاء الجزائية انما وضعت لافادة مجرد الترتب والتأخر بالمعلولية المجامع مع المقانة الزمانية لا التأخر الزمانية ، ولذا قد استعلمت بلاعناية في الجزاء المقارن مع الشرط في قوله تعالى ، واذا قرء القرآن فاستمعواله فتدبر ! بل فى الجزاء المقدم على الشرط في قوله تعالى : واذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا ، فتأمل! بل من جهة ظهور الفعل الماضى في النسبة التحققية، فمعنى قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذار كع فاركوا واذاسجد فاسجدوا، هوانه اذا تحقق الركوع من الامام
فاركعوا واذا تحقق السجود منه فاسجدوا، فيدل على لزوم اتيانهما بعد تحققهما من الامام ، ولا ينافي ذلك استعمال الفاء فى الجزاء المقارن مع الشرط والمقدم عليه في الايتين المتقدمتين مع كون الشرط فيهما بصيغة الماضي، بعد كونه بقرينة عقلية قائمة على خلاف ذلك كما لا يخفى، و توهم ان الماضى انما وضع للدلالة على النسبة التحققية فيما اذا استعمل في الاخبار ، و اما في باب الانشاءات فهو منسلخ عنه هذا المعنى، مدفوع بانه فى باب الانشاءات انما يكون منسلخا عنه هذا المعنى بالنسبة الى الزمان الماضى، دون زمان النسبة فان جاء فى قولنا اذاجاء زيد غدا فاكرمه ، وانكان منسلخا عنه الدلالة على النسبة التحققية فى الزمان الماضي كالامس ، لكن ليس منسلخا عنه هذا المعنى بالنسبة الى زمان النسبة وهو الغد ، ولذا يكون ظاهرا في ان اكرم ازيد يجب بعد تحقق المجيئ منه في الغد.
و توهم ان قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذار كع فاركعوا، وانكان فيحد نفسه ظاهرا في النسبة التحققية وان ركوع المأموم يلزم ان يكون بعد تحقق الركوع من الامام
ك لكنه حيث يكون متفرعا على سابقه ، وهو قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماماليؤتم به الظاهر في كونه مسوقا لبيان مطلوبية الايتمام ، فيكون من قبيل ذكر صغريات الايتمام ، وحيث ان الايتمام يحصل عرفا باتيان الفعل مقارنا لاتيان الامام به بقصد
ص: 138
متابعته ايضا، ضرورة ان الايتمام ليس عرفا الاعبارة عن ربط المأموم فعله بفعل الامام بان يلتزم ان لا يتقدم عليه فيه، وهذا المعنى لا يتوقف حصوله على تأخر فعله خارجا و زمانا عن فعل الامام ، بل يحصل عرفا باتيان الفعل مقارنا لاتيان الامام اياه بقصد المتابعة له، فلابد من رفع اليد عن ظهور قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: فاذار كع في النسبة التحققية ، بقرينة تفريعه على الايتمام الذي يحصل بالمقارنة ايضا ، وحمله على كونه في مقام بيان اعتبار عدم التقدم او التاخر الفاحش المضر بصدق الايتمام والاقتداء ، او حمله على ما هو الغالب من عدم احراز عدم التقدم المعتبر فى الايتمام الا بالتاخر عن الامام.
مدفوع بان قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا ركع فار كعوا ... الخ، لوكان من قبيل ذكر صغريات الايتمام و مصاديقه ، لم يستقم الاستدلال به حينئذ على وجوب المتابعة ، اذ لا معنى لوجوب مصاديق الايتمام بماهي مصاديق له مع استحباب اصله و توهم ان وجوبها شرطى وهو لا ينافي استحباب المشروط به، و لذا يجب الطهارة وجوبا شرطيا في الصلوات المستحبة مدفوع بانا نتكلم على قول من يراها واجبا نفسيا كما هو المشهور، فاستفادتهم وجوبها نفسا من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا ركع فاركعوا، مبنية على عدم كونه من قبيل ذكر صغريات الايتمام ، لان كونه من ذلك القبيل ، متفرع على كون قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: انما جعل الامام اماما ليؤتم به مسوقا لبيان مطلوبية الايتمام،کي يكون ما فرعه عليه بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذار كع فار كعوا ... الخ، من قبيل ذكر صغريات الايتمام، و هو ممنوع جدا بل الظاهر انه صلی الله علیه و آله و سلّم انما ذكر هذه القضية توطئة لما هو المقصود بالاصالة من ايجاب المتابعة على المأمومين فى الافعال المذكورة ، فحاصل معنى الحديث الشريف هو ان الايتمام فى الصلوة الذى هو المقصود من جعل الامام اماما ، اذا صار المكلف بصدد تحصيله و ائتم بامام ، يجب عليه اتيان افعال الصلوة عقيب اتيان الامام اياها. ثم لو سلمنا ظهور قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذار كع فار كعوا... الخ، في كونه من قبيل ذكر صغريات الايتمام ، لكن نمنع المنافاة بين استحباب التبعية
ص: 139
فى اصل الصلوة و وجوبها تعبدا في افعالها من الركوع والسجود و غيرهما ، و ذلك لامكان ان يكون التبعية فى اصل الصلوة ذات مصلحة ملزمة، و انما لم يؤمر بها المكلفون على وجه الالزام والوجوب لمكان استلزامه العسر عليهم لوامروا بها كك، و هذا بخلافها في حال افعال الصلوة فان الامر بها على وجه الالزام فيحالها لا يترتب عليه محذور اصلا ، فلاضيرح في الأمر بها على وجه التاخر بنحو الالزام والوجوب لما يترتب عليها على هذا الوجه من احراز التبعية للامام ، دونها على وجه المقانة فانه لا يمكن غالبا احراز وقوعها كك لاحتمال التقدّم على الامام . ومنه يظهر اندفاع ما قد يتوهم من انه بعد تسليم كون قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اما ماليؤنم به مسوقا البيان مطلوبية الايتمام وكون قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا ركع فاركعوا.. الخ، في مقام بيان صغريات الايتمام ، و تسليم عدم المنافاة بين كون الأمر بالتبعية على وجه التاخر فيهذه الافعال و جوبيا ، و بين كون الأمر بها في اصل الصلوة استحبابيا ، نقول بعد ما علمنا ان الايتمام الذى يكون هذا الحديث الشريف مسوقا لبيان مطلوبيته يحصل عرفا باتيان الفعل مقارنا لاتيان الامام اياها ايضا ، نستكشف ان الامر باتيان هذه الافعال عقيب اتيان الامام بها ، انما هو من جهة ما هو الغالب من عدم احراز التبعية للامام فيها الا باتيانها عقيب اتيان الامام اياها ، فيكون الامر باتيانها كك ارشادا الى وجوب التاخر عقلا من باب المقدمة العلمية ، و لازم ذلك هو انه لو فرضنا في مورد حصول القطع بان الاتيان بهذه الافعال يكون بدوا وختما مقارنا لاتيان الامام بها ، أن يحصل القطع بحصول ما هو المطلوب للشارع من
الايتمام فيها.
توضيح الاندفاع هو انا قد اشرنا انفا الى امكان صيرورة غلبة عدم احراز التبعية الامام في هذه الافعال الا باتيانها عقيب اتيان الامام اياها ، داعية للشارع الى ایجابه على المأموم اتيانها عقيب اتيان الامام اياها فتامل !
واحتمال كون المراد من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم :فاذا ركع فار كعوا، هو بيان مانعية
ص: 140
التاخر الفاحش المضر بصدق الايتمام عرفا، فلاربط له حينئذ بما نتكلم فيه من وجوب المتابعة اصلا، فلا يبقى لنا حينئذ مدرك لوجوبها الا الاجماعات المنقولة، والمتيقن منها هو عدم جواز التقدم على الامام في الافعال، فيكون اعتبار خصوص التاخر عنه فيها بلادليل يدل عليه.
مدفوع اولا بان هذا الاحتمال خلاف ماهو ظاهر الحديث من كونه في مقام بيان ما هو المعتبر في الايتمام شرعا، اذ عليهذا الاحتمال يكون قوله علیه السّلام: فاذا ركع فاركعوا... لخ، ارشادا الى ما يعتبر فى تحقق مفهوم الايتمام عرفا، وهذا خلاف ماهو ظاهر الامر بالركوع عقيب ركوع الامام من المولوية، و ثانيا انه مستلزم للتفكيك بين التفريعات المذكورة فى الحديث ، اذ من المعلوم ان المراد من قوله علیه السّلام في التفريع الاول: فاذا كبر فكبروا، ليس هو النهى عن التاخر الفاحش فابقائه على ماهو ظاهره من لزوم كون التكبير عقيب تكبير الامام ، وحمل باقى التفريعات على ارادة النهي عن التاخر الفاحش ، مستلزم للتفكيك بينها فى الحكم ، و هو خلاف ماهو ظاهر وحدة السياق من اشتراكها فيه، هذا تمام الكلام في الجهة الاولى .
واما الجهة الثانية فالظاهر كون وجوب المتابعة وضعيا فتكون شرطا لصحة الجماعة ، لا تكليفيا محضا كيلا يضر الاخلال بها بصحة الجماعة ، و ذلك لان الامر بالركوع والسجود عقيب اتيان الامام بهما و ان امكن ان يكون نفسيا ، لكنا قد اشو ناكرارا فيما سبق الى ان الاوامر المتعلقة باجزاء المركبات وقيودها تكون ظاهرة فى بيان الجزئية والشرطية ، كما ان النواهى الواردة في ذاك المقام تكون ظاهرة فى بيان المانعية ، ولذا لايفهم العرف من مثل قوله تعالى : اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم الاية، الاشرطية الوضوء للصلوة ، لا اقل من الشك في كون الامر بالافعال المذكورة نفسيا او وضعيا شرطيا ، فانه موجب المراعاة احتمال الشرطية بمقتضى الاصل الذي اسناه فيهذا الباب كما هو واضح، وتوهم ان ذاك الاصل محكوم باستصحاب بقاء الجماعة ، مدفوع بمامر من عدم جريان الاستصحاب
ص: 141
في مثل المقام الذى تكون الشبهة فيه مفهومية. و اما ما يظهر من الشهيد قده في محكى الذكرى ، من الاجماع على كون وجوب المتابعة نفسيا لاشرطيا ، حيث قال على ما حكى عنه ان التاخر برکن اور کنین لایبطل القدوة عندنا، ففيه اولا المنع عن ظهور كلمة عندنا في النسبة الى الامامية ، و ثانيا سلمنا ظهورها في ذلك ، لكنه لا يزيد على دعوى الاجماع صريحا التي لا تكون حجة عندنا اصلا ، فضلا عن مثل المقام الذى اختلف فيه الاراء .
واما الاستدلال على كونها واجبة نفسا لاشرطا ، بما دل على انه لو تقدم على الامام في الركوع عمدا فلا يعود ، كرواية غياث بن ابراهيم قال :
سئل ابو عبد الله علیه السلام، عن الرجل يرفع رأسه عن الركوع قبل الامام ايعود فيركع اذا ابطاء الامام ويرفع راسه معه ؟
قال علیه السّلام : لا يعود .
بتقريب انها تدل على ان التقدم على الامام عمد الا يوجب بطلان القدوة، وهو مناف لوجوب المتابعة شرطا، ضرورة انه لو توقف صحة الايتمام على المتابعة كما هو مقتضى الشرطية ، فاللازم بطلانها بانتفاء المتابعة.
فقيه اولا المنع عن ظهور الرواية في التقدم عمدا، وثانيا سلمنا ظهورها في العمد، لكن الاستدلال بها على وجوب المتابعة نفسا، مبنى على كونها شرطا في جميع الافعال على نحو العام الاصولى، و سيجئ انشاء الله تعالى ان الحق هو كونها شرطا فى المعظم دون الكل.
و اما توهم ان المتابعة لو كانت واجبة شرطا كان اللازم عدم الفرق في بطلان الجماعة بالاخلال بها بين الاختيار والاضطرار، ضرورة انه لوتوقف حقيقة الايتمام عل-ى المتابعة، فبانتفائها ولوسهوا ينتفى حقيقته ولم يكن وجه لصحة في مورد الاضطرار، مع انه قد دلت النصوص على انه لوسهى المأموم عن الركوع حتى رفع الامام رأسه فيركع ثم يلحق بالامام، ففي صحيحة عبدالرحمن: سئل ابو الحسن علیه السّلام عن الرجل
ص: 142
يصلى مع امام يقتدى به ، فركع الامام وسهى الرجل وهو خلفه لم يركع حتى رفع الامام رأسه وانحط للسجود، ايركع ثم يلحق بالامام والقوم في سجودهم او كيف يصنع؟
قال علیه السّلام : يركع ثم ينحط ويتم صلوته معهم.
ففيه انك قد عرفت ان التبعية المأخوذة فى مفهوم الايتمام و حقيقته عرفا ، هى التبعية بالمعنى المقابل للتقدم او التأخر الفاحش الموجب لذهاب هيئة الجماعة، واما التبعية بمعنى عدم التخلف عن الامام بالتقدم عليه وتأخر عنه في الافعال ولولم يبلغ الى حد يوجب ذهاب الهيئة التي كلامنا فيها ، فهى ليست من مقومات مفهوم الايتمام كي ينتفى بانتفائها حقيقة الايتمام ، بل هى على تقدير شرطيتها تكون معتبرة فى صحة الجماعة شرعا وتعبدا ، و معه لامانع من ان يجعل الشارع شرطيتها مخصوصة بحال دون حال، كما هو اوضح من ان يخفى.
ثم ان مقتضى كون وجوب المتابعة شرطيا، هو بطلان الصلوة جماعة بالتقدم على الامام فى الركوع مطلقا ولوسهوا، وذلك لانه لو توقف صحة الايتمام شرعا على المتابعة كما هو مقتضى الشرطية فبانتفائها ينتفى صحته ، ولا مجال هنا لحديث لا تعاد بعد كون الاخلال بها سهوا موجبا لبطلان اصل الصلوة كما لا يخفى، نعم يمكن الاستدلال بالحديث على القول بكون الجماعة والفرادى حقيقتين مختلفتين، وذلك لانه ح مع التقدم على الامام في الركوع ، يدور امر صلوته بين الصحة جماعة لولم تكن المتابعة شرطا مطلقا ولو في حال النسيان ، و بين البطلان رأسا لو كانت شرطا كك ، اما البطلان جماعة فلانتفاء شرطها، واما البطلان فرادى فلاحتياجها حالى القصد، والمفروض انه لم يقصد بركوعه قبل الامام الانفراد ، وليس هنا مجال لعموم لاصلوة الابفاتحة الكتاب لاحراز عدم صحة صلوته جماعة، وذلك لاختصاص لاصلوة عليهذا المبنى بالفرادى، والمفروض العلم بعدم وقوع صلوته فرادى، فاذا لم يكن هناك ما يحرز به فساد صلوته جماعة، فلامانع عن احراز صحتها كك بحديث لاتعاد
ص: 143
القاضى بعدم شرطية المتابعة فى حال النسيان، ولو ابيت عن صحة التمسك بالحديث في المقام، بدعوى اختصاصه بالاجزاء والشرائط المعتبرة في قوام اصل الصلوة فلا يعم شرائط الجماعة، فلامانع عن احراز صحتها جماعة بحديث الرفع، بعد ما عرفت من عدم شمول لاصلوة الابفاتحة الكتاب للمقام، كي يكون مانعا عن الرجوع الى الاصل، كماكان مانعا عن الرجوع اليه على المختار من كون الجماعة والفرادى حقيقة واحدة فتدبر(1)! هذا تمام الكلام بحسب مقتضى الاصل الاولى.
واما بحسب الادلة الخاصة، فمقتضى مادل على انه لونسى فتقدم على الامام فى الركوع يتم صلوته، عدم شرطية المتابعة فى حال النسيان، ففى خبر الحسن بن على بن فضال قال :
كتبت الى الرضا عليه السّلام في الرجل يكون خلف امام يأتم به، فركع قبل ان يركع الامام و هو يظن ان الامام قد ركع ، فلما راه لم يركع رفع رأسه ثم اعاد الركوع مع الامام ايفسد ذلك صلوته ام يجوز له الركعة؟
فكتب علیه السّلام:
يتم صلوته ولا يفسد ماصنع صلوته.
وظهوره في التقدم على الامام في الركوع نسيانا واضح فان مورده هو الظن بان الامام قد ركع، فهو وان ركع قبله اختيارا ، لكن منشاء ركوعه قبله لما كان الفان بركوع الامام فيكون ركوعه قبله سهو الامع التعمد، وهل يختص هذا الحكم بمورد الرواية وهو ما اذا كان التقدم في الركوع سهوا ناشئا عن الظن بركوع الامام ا ويعم ما اذا كان ناشئا عن العلم بركوعه ، الاقوى هو الثاني وذلك لان المراد منقول السائل : وهو يظن ان الامام قد ركع ، بيان ان ركوعه قبل الامام كان منشائه السهوولم يكن عن تعمد ، هذا مضافا الى انه كثيرا ما يعبر عن الاعتقاد المخالف للواقع بالظن،
ص: 144
فالمراد من قوله: و هو يظن ان الامام قدر كع هوانه يزعم انه قد ركع ، وحفان لم يكن ظاهرا في خصوص الجهل المركب فلا اقل من شموله له ايضا. ثم لوسلمنا ظهور الخبر في خصوص ما اذا كان التقدم سهوا ناشئا عن الظن ، لكن يمكن تعميم الحكم الى ما اذا كان ناشئا عن العلم والجهل المركب بالاولوية القطعية فتدبر !
وهل يختص هذا الحكم بالتقدم سهوا في خصوص الركوع، أو يعم ما اذا كان فى السجود ايضا، قد يقال بالاول لاختصاص الخبر موردا به، لكن يمكن ان يقال ان المستفاد من تفريعه علیه السّلام في النبوى السابق المتابعة في الركوع والسجود على الايتمام بقوله علیه السّلام: انما جعل الامام اماما ليؤتم به فاذا ركع فاركعوا واذا سجد و فاسجدوا، هوان اعتبار التبعية فى افعال السلوة من الركوع والسجود وغيرهما انما هو لاقتضاء الايتمام لها، فح اذا دل الدليل على ان الاخلال بها سهوا في الركوع لا يضر بصحة الجماعة، يستكشف منه ان اقتضاء الايتمام للتبعية فى الافعال مطلقاً سواء كان ركوعا او غيره، مخصوص بحال العلم والاختيار، فلا يكون الاخلال بها سهوا او نسيانا مضرابصحة الجماعة، هذا مضافا الى امكان دعوى العلم بان المدار على التقدم سهوا ، من غير فرق بين التقدم في الركوع او السجود، ومن غير فرق بين التقدم في الرفع عنهما والهوى اليهما ، كما يدل عليه الاخبار الدالة على ان من رفع رأسه عن الركوع او السجود قبل الامام سهوا يعود اليه للمتابعة ، ففي خبر محمد بن على بن فضال عن ابى الحسن علیه السّلام قال :
قلت له علیه السّلام:
اسجد مع الامام و ارفع رأسى قبله ، اعيد ؟
قال علیه السّلام اعد واسجد .
و فى خبر على بن يقطين قال :
سئلت ابا الحسن علیه السّلام عن الرجل يركع مع الامام يقتدى به، ثم يرفع رأسه قبل الامام.
ص: 145
قال علیه السّلام:
يعيد ركوعه معه.
ولا يعارضهما خبر غياث بن ابراهيم قال :
سئل ابو عبد الله علیه السّلام عن الرجل يرفع رأسه عن الركوع قبل الامام ايعود فيركع اذا ابطاء الامام ويرفع رأسه معه؟
قال علیه السّلام : لا.
و ذلك لامكان حمل خبر غياث على صورة العمد ، فان قول السائل فيه فيركع اذا ابطاء الامام ، لولم يكن ظاهرا فى انه تخيل ان الامام يرفع رأسه سريعا، فرفع رأسه عن الركوع قبل الامام عمدا بتوهم ان هذا المقدار من التقدم لا يضر بالمتابعة، فلما رأى ان الامام ابطاء ندم عن تقدمه، فسئل الامام علیه السّلام انه بعد ما رای انه ابطاء هل يعود ام لا، فلااقل من امكان حمله على ذلك جمعا بينه و بين خبر ابن يقطين، والحاصل ان دعوى امكان حمل هذا الخبر على العمد بل ظهوره فيه ليست ببعيدة وان ابيت عن ذلك كله ، فيمكن الاستدلال على تعميم الحكم الى السجود بوجه آخر ، وهو ان يقال ان الامر فى المقام دائر بين كون مادل على ان الاخلال بالمتابعة سهوا في الركوع غير مضر بصحة الجماعة مقيد الاطلاق ادلة اعتبار المتابعة مادة او مقيد الاطلاقها هيئة، وحيث ان تقييدها هيئة متيقن على كل حال ، ضرورة ان تقييد المادة مستلزم لتقييد الهيئة ايضا دون العكس، فاللازم في مقام تقييدها الاقتصار على القدر المتيقن، فيبقى اطلاقها مادة سليما عما يوجب تقييده بحال الذكر ، و مقتضى اطلاقها كك هو كون ركوع المأموم بعد ركوع الامام مطلوبا مطلقاً حتى في حال النسيان، ومقتضى الجمع بين مطلوبية كك ومادل على عدم كون الاخلال بالمتابعة سهوا في الركوع مضرا بصحة الجماعة، هو كون وجوب المتابعة تكليفا نفسيالايكون الاخلال بها مطلقاً ولوعمدا مضرا بصحة الجماعة، لا وضعيا كي يكون الاخلال بها مطلقاً ولو سهوا مضرا بصحة الجماعة ، فاذا كان
ص: 146
وجوبها نفسيا لاشرطيا، فلا فرق فى عدم بطلان الصلوة بالاخلال بها بين كونه في الركوع او في السجود وبين كونه عن سهو ونسيان او عن عمد، ولذا افتى المشهور بعدم بطلان الصلوة جماعة فيما تقدم على الامام في الركوع عمدا، ولا ينافي هذا الوجه ما ذكرناه سابقا من ان الاوامر المتعلقة بالمركبات والمقيدات ظاهرة في الوجوب الوضعى اعنى الجزئية والشرطية ، و ذلك لان ظهور تلك الاوامر في ذلك انما يكون حجة فيما اذا لم تكن هناك قرينة صارفة ، كما فيما نحن فيه حيث عرفت انه مقتضى الجمع فيه بين اطلاق دليل وجوب المتابعة مادة وبين مادل على عدم كون الاخلال بها سهوا في الركوع مضرا بصحة الصلوة جماعة، و اما ان بعد الاخلال بها فيه بالتقدم فيه على الامام ، فهل يجب أو يجوز المتابعة للامام فيه بالسجود (بالركوع) معه، ثانيا، فلا يجدى هذا الوجه في اثباته، بل لا بد فى اثباته من التماس دليل آخر و يمكن الاستدلال له بما تقدم من الاخبار الدالة على ان من رفع راسه من الركوع او السجود قبل الامام سهوا يعود اليه للمتابعة ، فانه يستفاد منها ان حفظ هيئة الجماعة بالتبعية للامام في الافعال الصلوتية مطلوب على كل حال ، و ليست الزيادة الناشئة عن التبعية له مضرة بصحة الصلوة مطلقا كانت تلك الزيادة في الركوع او السجود هذا. ولكن لا يخفى ما فيهذا الوجه من النظر ، اما اولافلان الاقتصار في تقييد اطلاق دليل وجوب المتابعة بحال الذكر ، بمادل على عدم كون الاخلال بها سهوا في الركوع مضرا بصحة الجماعة ، على المتيقن من تقييده هيئة ، انما يتم فيما كان وجوبها تكليفيا نفسيا مشروطا كغيره من التكاليف النفسية بالشرائط العقلية العامة من العقل والقدرة وغيرهما ، كي يدور تقييده بحال الذكر بين كونه تقييداله هيئة ارشادا الى عدم فعليته عقلا في حال النسيان ، او تقييداله مادة ارشادا الى مدخلية الذكر في اصل الملاك والمصلحة للحكم ، كي يقال ان تقييده هيئة قدر متيقن على كل حال فلابد من الاقتصار عليه و هذا بخلاف ما اذا كان وجوبها وضعيا غيريا ، اذليس حينئذ مشروطا بالشرائط العقلية العامة ، كي يدور تقييده بحال الذكر بين
ص: 147
كونه تقييداله هيئة للارشاد الى عدم فعليته في حال النسيان عقلا ، او تقييداله مادة للارشاد الى دخل الذكر في اصل ملاك الحكم، بل يتعين كونه تقييد اله مادة، فاذا كان لزوم الاقتصار فى تقييد اطلاق دليل وجوب المتابعة بحال الذكر ، على تقييده هيئة لكونه قدرا متيقنا ، مبنيا على كون وجوبها وجوبا تكليفيا نفسيا ، فلا يمكن استفادة وجوبها كك من ذلك ، اى من لزوم الاقتصار على تقييده هيئة كما هو مبنى هذا الوجه ، الاعلى وجه دائر كما هو واضح ، و ثانيا ليس هناك دليل دل على ان الاخلال بالمتابعة في الركوع سهوا ليس مضرا بصحة الجماعة ، كي يدور امره بين كونه مقيد الاطلاق دليل وجوب المتابعة مادة وهيئة او هيئة فقط ، و انما ورد الحكم بصحة صلوة من ظن ان الامام ركع فركع ثم تبين له ان الامام بعد لم يركع فرفع راسه من الركوع ثم ركع ثانيا مع الامام ، و من المعلوم ان الحكم بصحة الصلوة جماعة فيهذا الفرض ، كما يمكن ان يكون لاجل اختصاص وجوب المتابعة بحال الذكر كي يكون ركوعه الأول ركوع صلوته ويكون ركوعه الثاني للتبعية، كذلك يمكن ان يكون لاجل كون ركوعه الاول لغوا راسا في نظر الشارع ، وكون ركوعه الثاني ركوع صلوته ، و يكون صحة صلوته جماعة حينئذ لكون ركوعه واجد الشرط المتابعة ومع هذا الاحتمال لا يكون الحكم بصحة هذه الصلوة جماعة كاشفا عن اختصاص و جوب الامر فى المقام دائر بین ارتکاب خلاف ،احد الاصلين احدهما ان لكل ركعة ركوعا واحدا كما هو اللازم على الاحتمال الاول ، ثانيهما ان ما هو جزء لاصل الصلوة هو طبيعة الركوع و انما التبعية فيه للامام شرط لوقوعه جماعة كما هو اللازم على الاحتمال الثانى ، وحيث ان ارتكاب خلاف الاصل الاول مستلزم لارتكاب خلاف ظاهر ايضا ، وهو تقييد اطلاق دليل وجوب المتابعة بحال الذكر، بخلاف ارتکاب خلاف الاصل الثاني، فالمتعين ارتكابه بالالتزام بكون الركوع الاول لغوا راسا في نظر الشارع، حفظا لاطلاق دليل وجوب المتابعة عن التقييد بحال الذكر، وتوهم ان
ص: 148
ارتكاب خلاف الاصل الثانى ايضا مستلزم لارتكاب خلاف ظاهر وهو تقييد اطلاق دليل بطلان الصلوة بزيادة الركوع ، واضح الفساد ، لالما توهم من كون هذا الاشكال مشترك الورود ، حيث ان ارتكاب خلاف الاصل الاول ايضا مستلزم لتقييد اطلاق دليل بطلان الصلوة بزيادة الركوع ، و ذلك لان على ارتكاب خلاف الاصل الأول يكون الركوعان كلاهما جزء لهذه الصلوة و معه يرتفع موضوع الزيادة كما لا يخفى ، بل لاجل ان ما يتصف بالزيادة على ارتكاب خلاف الاصل الثانى هو الركوع الاول ، وقد عرفت فيما مر سابقا ان المنصرف من ادلة بطلان الصلوة بالزيادة ، هو بطلانها باحداث الزيادة لابطلانها مطلقا ولو باتصاف جزء بالزيادة بقاء بعد ما لم يكن كك حدوثا كما نحن فيه . ثم ان مقتضى القاعدة على الاحتمال الناني ، هو الحكم ببطلان الصلوة راسا فيما تقدم على الامام سهوا في الركوع ، واكتفى به ولم يركع : نيا مع الامام ، و ذلك لما عرفت من كون هذا الركوع لغوا راسا عليهذا الاحتمال ، فمع الاكتفاء به يكون صلوته بلا ركوع وباطلة، وهذا بخلاف ما اذا تقدم على الامام في الركوع عمدا ، اذلادليل هذا على لغوية ركوعه ، فاذا لم يكن ركوعه لغوا فتصح صلوته فرادى ، الافيما اذا اخل بوظيفة المنفرد ، كما اذا كان نقدمه على الامام في الركوع عمدا في اثناء القرائة ، فان الامام انما يكون ضامنا لقرائة الماموم فيما اذا ائتم به فيها او ادركه في الركوع ، وكلاهما مفقودان في المقام.
و توهم ان مقتضى خبر غياث بن ابراهيم المتقدم هو صحة صلوته جماعة تقدمه عمدا على الامام في الركوع واضح الفساد ، اما اولا فلما عرفت من عدم ظهور هذا الخبر فى العمد ، وانما حمله المشهور عليه جمعا بينه و بین خبر علی بن يقطين ، و اما ثانيا فلاختصاص هذا الخبر بما اذا رفع راسه عن الركوع قبل رفع الامام راسه عنه ، فلا ربط له بما اذا ركع عمدا قبل ان يركع الامام الذي هو محل الكلام .
ثم ان ما ذكرنا من الاحتمال اعنى احتمال كون الحكم بصحة الصلوة جماعة
ص: 149
فيهذا الفرض لاجل كون الركوع الاول لغوا راسا في نظر الشارع وكون الركوع الصلوتى هو الركوع الثانى، لا يتمشى فيمادل على ان من رفع راسه عن الركوع او السجود قبل الامام سهوا يعود اليه ، و ذلك لما في بعض الاخبار كخبر على بن يقطين المتقدم من تقييد اعادة الركوع بقوله علیه السّلام معه اى مع الامام، فانه لوكان الامر باعادة الركوع لاجل كون الركوع الاول لغوا ، كان المتعين اعادته ثانيا مطلقا سواء كان الامام باقيا في الركوع ام لا، وحينئذ يكون التقييد بقوله علیه السّلام معه لغوا، فهذا التقييد يكشف عن ان الامر باعادة الركوع انما هو لمجرد التبعية لا لكون الركوع الاول لغوا، اللهم الا ان يقال ان التقييد بهذا القيد انما ينافي لغوية الركوع الاول مطلقا ولو في حق من لايريد الرجوع الى متابعة الامام وهى ممنوعة جدا ، اما ثبوتا فلانه لا محذور عقلا في ان يكون الركوع الاول لغوا ، و اعادته ثانيا مع الامام واجبا في حق خصوص من يريد الرجوع الى متابعة الامام ، لا مطلقا حتى في حق من لا يريد الرجوع الى متابعته ، و اما اثباتا فلما عرفت من ان الالتزام بلغوية الركوع الاول ليس لدليل دل عليه، وانما التزمنا بها بمقتضى القواعد والجمع بين الادلة ، ولا يقتضى الجمع بينها أزيد من لغوية الركوع الاول بالنسبة من يريد المتابعة و اتمام الصلوة جماعة لا مطلقا، وتوهم ان اعادة الركوع ثانيا مع الامام ، انكانت واجبة فى حق خصوص من يريد متابعة الامام ، فهذا مستلزم لنقض الغرض وهو قبيح محال صدوره عن الشارع ، ضرورة ان تعليق الامر على ارادة المكلف مستلزم لنقض الغرض منه ، لان له حينئذ ان لا يريد ، و انكانت واجبة في حق من يتابع الامام واقعا وفي علم الله تعالى ، فهذا مستلزم لطلب الحاصل از مرجعه الى انه يجب عليك الركوع ثانيا ان تابعت الامام و ركعت ثانيا.
مدفوع بان نقض الغرض او طلب الحاصل، انما يلزم لو كان وجوب الركوع ثانيا وجوبا نفسيا، وليس كك بل وجوبه ثانيه على ما اخترنا من كون وجوب المتابعة شرطيا لا نفسيا يكون وجوبا غير يا جزئيا، فلا يلزم من تعليقه على ارادة متابعة الامام
ص: 150
او على نفس متابعته، نقض للغرض ولا تحصيل للحاصل، ضرورة ان مرجعه حينئذ الى انه يصح صلوتك جماعة لو اردت متابعة الامام و ركعت ثانيا معه ، ولا محذور فيه اصلا كما لا يخفى هذا.
و يمكن ان يقال ان الحكم بصحة الصلوة جماعة فيما رفع راسه عن الركوع او السجود قبل الامام والامر باعادتهما مع الامام ، ليس لالغاء الركوع الاوّل اصلا حتى بالنسبة الى من يريد المتابعة فضلا عن غيره، بل لالغاء رفع الراس قبل الامام و فرضه كالعدم و عد مجموع الركوعين ركوعا واحدا ، من جهة ان الماموم تابع في افعاله الصلوتية للامام فيكون الحافظ لوحدة كل فعل من الافعال الصادرة عنه ، هو وحدة ما يصدر عن الامام منها ، فاذا رفع راسه عن الركوع قبل الامام سهوا ثم ركع ثانيا بقصد المتابعة ، لا يكون ما تخلل فى البين من رفع الراس مضرا بوحدة ركوعه شرعا ، و انكان موجبا لتعدده عرفا و عقلا فتدبر ! وعليه فلا تكون صلوته باطلة راسا فيما رفع راسه قبل الامام عمدا ولم يعدكك فضلا عما رفع راسه قبله سهوا ، نعم تبطل صلوته جماعة في صورة العمد ، لاخلاله بشرط الركوع بناء على كون وجوب التبعية فى المقام(1) ايضا شرطيا لانفسيا ، وفى صورة السهو ايضا فيما لم يرجع الى المتابعة بناء على شرطيتها ، لاكونها مجرد تكليف نفسى والافلا يوجب مخالفتها الا الاثم من دون استلزام للفساد اصلا كما مربيانه ، هذا تمام الكلام فيما تقدم على الامام في اصل الركوع والسجود.
و اما لو تقدم عليه سهوا في رفع الرأس عنهما ، فقد عرفت ان مقتضى جملة من الاخبار الصحاح ، كخبر محمد بن علی بن فضال ، وخبر على بن يقطين المتقدمين، صحة الصلوة جماعة ووجوب اعادتهما اى الركوع والسجود مع الامام، ولا يعارضها مادل على النهي عن اعادة الركوع فيما رفع رأسه عنه قبل الامام ، كخبر غياث بن ابراهيم المتقدم ، لالضعفه سندا ، اذ ضعفه كك منجبر بعمل المشهور ، حيث افتوا
ص: 151
بصحة الصلوة جماعة فيما رفع رأسه عن الركوع قبل الامام عمدا مستندا الى هذا، بدعوى ظهوره في العمد ، من جهة ان قول السائل فيه: فيركع اذا ابطاء الامام ، ظاهر في انه تخيل ان الامام يرفع رأسه سريعا ، فرفع رأسه عن الركوع قبل الامام عمدا بتوهم ان هذا المقدار من التقدم لا يضر بالمتابعة ، فلما رأى ان الامام ابطاء ندم عن تقدمه ، فسئل المعصوم علیه السّلام عن انه بعد مارأى انه ابطاء هل يعود ام لا ، وهذه الدعوى وانكانت ممنوعة جدا، لا لاستبعاد الاخلال عمدا بالمتابعة مع العلم بوجوبها ، و ذلك لمنع الاستبعاد بعد ما عرفت من استظهار توهم السائل كون هذا المقدار من التقدم اليسير غير مضر بالمتابعة، بل لاحتمال ان يكون قول السائل: فيركع اذا ابطاء الامام، من جهة انه تخيل ان الامام فى شرف رفع الرأس من الركوع، فرفع رأسه بتوهم ان رفع راسه منه يقع مقارنا لرفع الامام رأسه منه ، فلما رأى ان الامام ابطاء انكشف له خطائه فيما توهم من كون الامام فى شرف رفع الرأس و وقوع رفع رأسه عن الركوع مقارنا لرفع الامام رأسه عنه، لكن الخدشة فيما استظهروه من الخبر من الاختصاص بالعمد، لا يضر بكونه معمولا به عندهم لا يخفى ، و توهم ان مستندهم فيهذه الفتوى ليس هذا الخبر كى يكون جابرا لضعفه ، بل مستندهم هو كون وجوب المتابعة نفسيا لا يترتب على مخالفته الا الاثم دون فساد الجماعة. مدفوع بان ذهابهم الى كون وجوب المتابعة نفسيا لاشرطيا ، لامستند له على الظاهر الاهذا الخبر، من جهة منافاة ما تضمنه من الحكم بصحة الصلوة جماعة في صورة الاخلال بالمتابعة عمدا مع كون المتابعة واجبا شرطيا ، فلابد من كونها واجبا نفسيا كيلا يترتب على الاخلال بها عمدا الا العصيان دون فساد الجماعة صح بل وجه عدم المعارضة ماعرفت من ان هذا الخبر وان لم يكن ظاهرا في العمد لكنه ليس ظاهرا في السهو ايضا لما ذكرنا من تطرق الاحتمالين فيه ، فيكون من هذه الجهة مجملا لا يصلح للمعارضة مع تلك الاخبار الظاهرة فى السهو، ثم لوسلمنا ظهور هذا الخبر فى السهو ايضا ، فمقتضى الجمع العرفي بينه وبين خبر على بن يقطين
ص: 152
وانكان هو حمل النهى فيه عن اعادة الركوع على مجرد الترخيص في ترك الاعادة لكونه واردا مورد توهم الوجوب، وحمل الامر باعادته في خبر على بن يقطين على الاستحباب، او حمل النهى فيه على كراهة الاعادة، وحمل الامر فى خبر على بن يقطين على مجرد الترخيص فيها، لكن كلا الحملين مخالف لما هو المشهور بل المدعى عليه الاجماع من كون الاعادة واجبة لامستحبة او مكروهة فتدبر جيدا ! فالاولى ما ذكرنا من كون هذا الخبر مجملا محتملا لكل من العمد والسهو فلا يصلح المعارضة مع خبر ابن يقطين الظاهر فى السهو.
فتحصل مما ذكرنا كله انه لو قلنا بما هو المشهور ، من ان وجوب متابعة الامام فى الافعال الصلوتية ابتداء وحدوثا، كما هو مدلول قوله صلی الله علیه و آله و سلّم في النبوى :
فاذار كع فاركعوا واذا سجد فاسجدوا ، واستدامة و بقاء كما هو مدلول قوله علیه السّلام فى خبر على بن يقطين : يعيد ركوعه معه، وجوب تكليفى نفسي، فلاشبهة في ان الاخلال بها عمدا في المقامين لا يوجب الامجرد الاثم من غير استلزام البطلان الصلوة اصلا، والا خلال بها سهوا فيهما لا يوجب شيئا اصلا، وان قلنا بما قويناه من ان وجوبها في المقامين وجوب وضعى شرطى ، وان الامر بالاعادة الركوع والسجود مع الامام فيما لو تقدم عليه في اصلهما او في رفع الرأس عنهما ، انما هو لالغاء الركوع او السجود الأول وفرضهما كالعدم بالنسبة الى الجامع لا مطلقا حتى بالنسبة الى المنفرد فلاشبهة فى ان الاخلال بها مطلقا فى المقامين (1) يوجب بطلان الصلوة جماعة لا مطلقا.
ثم ان هنا فروعا ينبغي التعرض لها: الاول لو عاد الى الركوع او السجود لمتابعة الامام فلم يدركه، فانكان العود في السجدة الثانية ، فلا اشكال لانه زاد سجدة واحدة سهوا، وهو غير مضرة بصحة الصلوة بمقتضى حديث لا تعاد الدال على عدم بطلان الصلوة بالاخلال سهوا بغير الاركان، لعدم كون السجدة الواحدة ركنا، نعم يشكل
ص: 153
الحكم بصحتها جماعة بناء على وجوب المتابعة شرطا في العود ايضا، في العود ايضا، ان المفروض عدم تحقق المتابعة منه فى العود وان قصدها. وانما الاشكال فيما كان العود في الركوع او السجدة الأولى، اما وجه الاشكال فى الاول فلزيادة الركن من غير ان تكون للمتابعة، وكفاية كونها بقصد المتابعة وان لم تحصل بها المتابعة، ممنوعة جدا اذ لادليل عليه، و اما وجه الاشكال في الثاني، فلانه بناء على كون السجدة المعادة للمتابعة هى السجدة الصلوتية وكون الاولى لغوا ، يكون لامحة اتيانه لهذه السجدة بقصد الجزئية للصلوة، وحيث انه لم يدرك الامام بهذه السجدة فلايكون سجدته الأولى لغوا بل جزء لصلوته، وحينئذ فيقع سجدته المعادة قهرا السجدة الثانية من صلوته، اذ لا يعتبر فى وقوعها السجدة الثانية قصد هذا العنوان قطعا كما لا يخفى وحينئذ فيشكل الحكم بجواز متابعته للامام في السجدة الثانية، لان مورد دليل المتابعة هو ما اذا تقدم على الامام سهوا في اصل السجدة او في رفع الرأس عنها، ومن المعلوم انه ماتقدم على الامام في المقام سهوا في اصل السجدة الثانية ولا في رفع الرأس عنها، وأنما اتى بسجدة بقصد المتابعة له فى السجدة الأولى ووقعت سجدة ثانية قهرا، هذا مضافا الى ان وجوب متابعة الامام على الماموم فى الافعال، انما هو في الافعال المشتركة بينهما، ومع وقوع سجدته المعادة السجدة الثانية من صلوته لاتكون السجدة الثانية للامام مشتركة بينهما كى يجب عليه متابعته فيها، و بناء على كون السجدة المعادة واجبة مستقلة لاجزء للصلوة فيقع هذه السجدة الماتى بها بقصد المتابعة لغوافيجب عليه سجدة اخرى بقصد السجدة الثانية فمع تردد الامر بين الامرين اعنى كون السجدة المعادة هى السجدة الصلوتية او كونها واجبة مستقلة يدور امره بين وجوب سجدة اخرى و حرمتها لكونها زيادة عمدية. الثاني لورفع رأسه عن السجود فراى الامام ساجد افتخيل انها الاولى فعاد اليها بقصد المتابعة فبان كون الامام في السجدة الثانية . الثالث عكس الثانى وهو ما رفع رأسه عن السجود فراى الامام ساجدا فتخيل انها الثانية فسجد اخرى بقصد الثانية فبان ان الامام كان
ص: 154
في السجدة الأولى.
اما الاصل فالاقوى فيه احتساب السجدة المعادة للمتابعة الثانية ، انكان ممن يرى المعادة للمتابعة هى السجدة الصلوتية وكون الاولى لغوا ، وذلك لانه قصد بالمعادة الجزئية فتقع الثانية قهرا ، لمامر من انه لا يعتبر في وقوع السجدة الثانية قصد هذا العنوان ، ولذا لوسجد بقصد الاولى فبان انه كان قد سجدها لم يستشكل احد في احتسابها الثانية ، واما لو كان ممن يرى المعادة للمتابعة واجبا مستقلا لاجزء ، فيشكل احتسابها الثانية لعدم قصد الجزئية بها ، و هو مما لابد منه في وقوعها جزء و سجدة صلوتية ، ولذا لوسجد فى اثناء الصلوة سجدة الشكر فبان انه لم يسجد الثانية ، لم يفت احد باحتسابها الثانية ، و اما لو كان مرددا في ذلك اعنى في كون المعادة جزء للصلوة او واجبا مستقلا ، فاتى بها بما هي عليه من العنوان في الواقع وعلم الله تعالى فبان كونها جزء ، فلا اشکال ايضا في احتسابها الثانية ، لكفاية قصد الجزئية ولو على نحو الاجمال في صيرورتها جزء للصلوة ، و اما لوبان كونها واجبا مستقلا ، فيشكل احتسابها الثانية ، لانها قصدها بعنوانها الواقعي، والمفروض انها لم تكن فى الواقع جزء، فلم يقصد بها الجزئية اصلا ولو على نحو الاجمال کی تقع قهرا الثانية، ولامجال لاحتسابها الثانية من باب الخطاء في التطبيق ، و ذلك لما حققناه في محله من ان الخطاء في التطبيق انما هو فيما اذا كان الانحلال في القصد، كما اذا اقتدى بهذا الشخص ايا من كان ولكن اخطاء فى التطبيق وتخيل انه زيد، فان قصد الاقتداء حينئذ ينحل الى قصدين، قصد الاقتداء بهذا الشخص مجردا عن خصوصیته کونه زيدا ، و قصد الاقتداء به بعنوان كونه زیدا ، فاذا انكشف خطائه في القصد الثاني، لايضر باقتدائه بعد كون الاقتداء بهذا الشخص مقصودا بعنوانه التجريدي ايضا، و من المعلوم ان المقام ليس كك، لانه قصد هذه السجدة بعنوان ما تكون عليه السجدة المعادة في علم الله تعالى، ومجرد كونه بحيث لو علم ان الواجب عليه السجدة الثانية لا المعادة لاتى بها بهذا العنوان، لا يجدى فى احتسابها الثانية
ص: 155
لانه من قبيل انحلال الداعى ولا ربط له بالخطاء فى التطبيق كما لا يخفى .
ومما ذكرنا في الاصل يظهر حكم العكس ايضا ، فانه لواتي بالمعادة بماهي عليه فى الواقع من الجزئية او الاستقلال فبان كونها جزء ، لم يبعد القول باحتسابها الثانية، وحينئذ فيشكل الحكم بجواز المتابعة للامام في سجدته الثانية، بتوهم ان المقام حينئذ من قبيل ما اذا تقدم على الامام سهوا في اصل السجدة فيجوز له اعادتها ثانيا بقصد المتابعة، وذلك لما عرفت من ان مورد دليل المتابعة هو ما اذا تقدم على الامام سهوا في اصل السجدة او في رفع الرأس عنها، ومن المعلوم انه فى المقام ما تقدم عليه فى اصل السجدة الثانية ولا فى رفع الرأس عنها انما اتى بسجدة بقصد المتابعة له فى السجدة الأولى فوقعت الثانية قهرا، وهذا خارج عن مورد ادلة المتابعة كما هو اوضح من ان يخفى، بل يشكل الحكم بصحة صلوته جماعة بناء على كون وجوب المتابعة في العود شرطيا ايضا لفرض عدم تحقق المتابعة منه فى العود واما ان بان كونها واجبا مستقلا ، فقد يقال باحتسابها متابعة ، وفيه ماعرفت منان كفاية كونها بقصد المتابعة و ان لم تحصل بها المتابعة في وقوعها متابعة ممنوعة جدا اذ لا دليل عليه ، فالاولى ان يقال بوقوعها لغواو وجوب سجدة اخرى عليه بقصد الثانية. الثالث لورفع رأسه من الركوع او السجدة قبل الامام سهوا مع تركه الذكر فيهما عمدا ، فلاشبهة في بطلان صلوته رأسا لتركه الواجب عامدا ، هذا تمام الكلام فى الجهة الثانية .
و اما الجهة الثالثة وهى انه هل مقتضى الاصل اللفظى او العملى وجوب المتابعة في تمام الاجزاء الواجبة من الصلوة من افعالها واذكارها كي نحتاج فى الخروج عنه في بعض الاذكار الى دليل، او مقتضاه وجوبها في خصوص الافعال كي نحتاج في الحكم بوجوبها في بعض الاذكار الى الدليل، الاقوى هو الثاني وذلك لما اشرنا اليه سابقا من ان حقيقة الايتمام عرفا ليست الاعبارة عن ربط المأموم صلوته بصلوة الامام ، و من المعلوم أن هذا يحصل بمجر دربط افعال صلوته بافعال صلوة الامام بمتابعته له فيها،
ص: 156
فاعتبار متابعته له في غيرها من الاذكار يحتاج الى دليل اخر غير دليل الايتمام، ومنه ظهر ما في الاستدلال لوجوب المتابعة مطلقا و في جميع الاجزاء، باطلاق قوله صلی الله علیه و آله و سلّم في النبوى المتقدم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به ، وتفريعه صلی الله علیه و آله و سلّم لزوم المتابعة في التكبير الذي هو من الاقوال على الايتمام بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم: فاذا كبر فكبروا، اذفيه ان بعد ما عرفت من كون الايتمام عنوانا عرفيا حاصلا عندهم بمجرد المتابعة في الهيات الملحوظة في العمل القائمة بالافعال ، فيكون اطلاق دليله منصرفا الى مصاديقه العرفية فتأمل(1)، وتفريعه صلی الله علیه و آله و سلّم المتابعة في التكبيرة على الايتمام ، لا يدل على ارادته صلی الله علیه و آله و سلّم من الايتمام المعنى الاعم من مفهومه العرفي ، بعد ما هو الظاهر كون تفريعها من جهة مافيها من خصوصية ليست فى غيرها من الأقوال ، و هى عدم تحقق الايتمام رأسا بالتقدم فيها على الامام ، ضرورة ان الامام قبل ان يتلبس بالتكبيرة ليس بامام له كى يصح له الايتمام به، هذا مضافا الى امكان المنع عن اطلاق النبوى وشموله للاقوال بوجوه : منها المنع عن كون قوله صلی الله علیه و آله و سلّم في النبوى : ليؤتم به ، الا في مقام بيان حكمة تشريع الايتمام، لافى مقام انشاء الحكم اصلا لا تكليفا ولا وضعا كي يكون له اطلاق ، اما تكليفا فلان عليه لابدان يكون المنشاء به هو استحباب الايتمام ضرورة عدم وجوبه نصا و فتوى ، وهو لا يناسب لتفريع المتابعة الواجبة في الركوع والسجود عليه، بقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا ركع الامام فاركعوا واذا سجد فاسجدوا ، كما لا يخفى فتدبر ! (2)واما وضعا فلانه لا معنى لكون الايتمام حكما وضعيا بمعنى كونه شرطا في صحة الجماعة بعد كونه مما يتحقق به اصل الجماعة و
ص: 157
موضوعها فتدبر(1)جيدا ! و منها انه لو كان لقوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به، اطلاق يعم الاقوال ايضا ، لزم ان يكون تسبيح المأموم بعد تحققه من الامام، وذلك لما عرفت من ظهور فعل الماضى في قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : فاذا ركع واذا سجد فى النسبة التحقيقة ، ولذا قلنا باعتبار التأخر شرعا في المتابعة في الركوع والسجود وعدم كفاية المقارنة ، وحينئذ لوقلنا بان ما يجب فيه المتابعة من الاقوال ، هو الاقوال المستقلة بالعنوان كالقرائة والتسبيحات الاربع في الركعتين الاخيرتين والتسبيحة الكبرى او الثلث صغريات في الركوع والسجود والتشهد فاللازم حينئذ هو ان يكون قرائة المأموم فيما يجوز له القرائة وكذا تسبيحه في الركعتين الاخيرتين وفي الركوع والسجود و تشهده بعد فراغ الامام عن القرائة والتسبيح والتشهد ، و هذا كما ترى يوجب التخلف الفاحش المخل باصل الجماعة ، لعدم امكان ادراكه ح للامام في الركوع والسجود اصلا كما لا يخفى ، و ان قلنا بان ما يجب فيه المتابعة هو مطلق الاقوال كي يشمل جزء الجزء ايضا ، فاللازم حينئذ هو ان يكون قرائة المأموم لكل آية من آيات الفاتحة بل كل كلمة من كلماتها بعد قرائة الامام لها ، وهذا غالبا غير ممكن الوقوع في الصلوات الاخفاتية ، بل الجهرية ايضا فيما اذا كان المأموم في الصفوف البعيدة بحيث لا يسمع صوت الامام اصلا ولوهمهمة، وتوهم ان اعتبار التأخر شرعا في المتابعة في الركوع والسجود ، انما هو لمكان ظهور قواله صلی الله علیه و آله و سلّم: فاذار كع واذا سجد في ذلك، و نحن لانريد الاستدلال على وجوب المتابعة في الاقوال بهذه الفقرة، كى يعتبر في المتابعة فيها ايضا ما يعتبر في المتابعة فيهما من
ص: 158
التأخر، و انما استفدنا اعتبار المتابعة فيها ايضا من اطلاق قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به، و هذا الاطلاق لا يستفاد منه اعتبار التأخر فى المتابعة مدفوع بان هذا الاطلاق و ان لم يكن له فيحد نفسه دلالة على اعتبار التاخر لكن يستفاد منه ذلك بمعونة ما فرع صلی الله علیه و آله و سلّم عليه من قوله: فاذا ركع ...الخ، فتامل جيدا ! فانا لوسلمنا استفادة اعتبار التاخر من ذاك الاطلاق ولو بمعونة هذا التفريع، لكن يمكن الفرق عرفا بين اعتبار التاخر التاخر في التبعية في الامور الدفعيه الحصول کالر كوع والسجود اللذين يحصلان بمجرد وصول الانحناء الى حد الراكع والساجد وبين اعتباره فى التبعية فى الامور التدريجية الحصول كالاقوال فانه لا يصدق فى الاولى التاخر عرفا الا بعد حصولها و تحققها في الخارج ، و هذا بخلاف الثانية فانه يصدق فيها التاخر عنها بمجرد تحقق جزء منها فى الخارج، ولذا نرى العرف فيما اذا قيل اذامشی فلان او كتب فامش و اكتب ، يفهمون منه وجوب المشى والكتابة بمجرّد شروع ذلك الشخص فيهما من دون انتظار لفراغه عنهما، بل لو مشى او كتب بعد فراغه عنهما لا يعدونه تابعا له فيهما كما لا يخفى، ومنها انه لا شبهة فى ان للماموم جواز تبديل الاذكار الواجبة، ضرورة كونه مخيرا بين الفاتحة والتسبيح في الركعتين الاخيرتين و بين التسبيحة الكبرى والثلث صغريات فى ذكر الركوع والسجود، و حينئذ لوقرء الامام في الاخيرتين وسبح الماموم فيهما، اوسبح الامام في الركوع والسجود بثلث تسبيحات صغريات وسبح الماموم فيهما بالتسبيحة الكبرى، فكيف يمكن له متابعة الامام فى اجزاء القرائة او التسبيح فتدبر! و منها انه لو كانت المتابعة للامام فى الاقوال معتبرة، لكان اللازم ايجاب الاسماع على الامام في الاقوال مطلقا، لما عرفت من عدم امكان المتابعة للامام فيها غالبا في الصلوات الاخفاتية، بل مطلقا فيما اذا كان الماموم فى الصفوف البعيدة عن الامام، فوجوب المتابعة فيها عدم وجوب الاسماع على الامام مستلزم لنقض الغرض غالبا ، فحيث لم يجب الاسماع على الامام
ص: 159
يكشف عن عدم وجوب المتابعة له فى الاقوال على المامومين فتدبر(1) جيدا ! و منها انه قدددل اخبار كثيرة على جواز التقدم على الامام فى التسليم ولو من غير عذر وضرورة، ففي صحيحة الحلبي عن الصادق علیه السّلام.
الرجل يكون خلف الامام فيطيل الامام التشهد.
فقال علیه السّلام:
يسلم من خلفه ويمضى لحاجته ان احب ، و ليس لقوله
علیه السّلام و يمضى لحاجته، دلالة على ان مورده الاضطرار ، والالم يصح تعليقه على اختياره بقوله علیه السّلام: ان احب ، كما لا يخفى، تدبر! وفي صحيحة ابي المعزا عنه علیه السّلام ايضا:
الرجل يصلى خلف امام فسلم قبل الامام.
قال علیه السّلام:
ليس بذلك باس.
و في صحيحته الاخرى عنه علیه السّلام ايضا.
الرجل يكون خلف الامام فيسهو ويسلم قبل ان يسلم الامام.
قال علیه السّلام:
لا باس، وموردها وانكان السهو ، الا انه لو كانت المتابعة واجبة لكان اللازم ان يامر علیه السّلام باعادة السلام مع الامام كما امر باعادة الافعال معه، واحتمال ان الامر بالتسليم قبل الامام ونفى الباس عنه في هذه الاخبار ، لعله من جهة جواز قصد الانفراد فى السلام ، فلا دلالة لها حينئذ على عدم اعتبار المتبابعة فى السلام، بعيد في الغاية
ص: 160
اذ من المستبعد جدا ان يكون السائل ممن توهم وجوب اتمام الصلوة جماعة بمجرد الشروع فيها كك وانه لا يجوز قصد الانفراد في الاثناء ، او ممن توهم ان قصد الانفراد في الجزء الاخير مضر بصحة صلوته جماعة من راس وان وقوع الاجزاء السابقة جماعة مراعى بوقوع الاجزاء اللاحقة كك كى يكون امره علیه السّلام بالتسليم قبل الامام ونفى الباس عنه لرفع هذين التوهمين، بل الظاهر ان السوال وقع عن وقوع السلام جماعة و درك فضيلة الجماعة فيه ايضا مع التقدم فيه على الامام فتامل(1) ! وحينئذ فيكون نفى الباس عن التقدم كاشفا عن عدم اعتبار المتابعة فيه ، فاذا لم تكن المتابعة معتبرة في التسليم ، فانكان النبوى اطلاق يشمل الاقوال ايضا، فاللازم كون خروج التسليم منه من باب التخصيص، و ان لم يكن له اطلاق كك يكون خروج التسليم منه من باب التخصص، وحيث ان المتعين في مقام دوران الأمر بينهما هو الثاني لان التخصيص خلاف الاصل، فيكشف ذلك عن عدم كون النبوى في مقام الاطلاق كي يعم الاقوال ايضا فتامل جيدا(2)!
ص: 161
ان قلت سلمنا ان النبوى ليس له اطلاق يعم الاقوال ايضا، لكن مجرد ذلك لا يجدى فى عدم اعتبار المتابعة فى الاقوال ، ضرورة ان عدم الدليل على الاعتبار لا يجدى فى مثل المقام الذي يكون مقتضى الاصل العملى بل اللفظى من عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب فيه هو اعتبار كل ماشك في اعتباره في صحة الجماعة ، بل لابد في المقام من قيام الدليل على عدم الاعتبار ، قلت بعد تسليم عدم كون النبوى فى مقام الاطلاق و عدم دليل اخر على اعتبار المتابعة فى الاقوال ، نستكشف قطعا عدم اعتبارها فيها ، و ذلك لما ذكرناه في مقام تاسيس الاصل في باب الجماعة ، من ان ما يحتمل دخله و اعتباره فى صحة الجماعة التى تكون محلا لابتلاء عامة المكلفين في كل يوم ،مرات اذا كان مما لا يلتفت اليه الا الاوحدى من المكلفين احيانا ويكون عامتهم عافلين عنه غالبا بل راسا ، فعلى الشارع بيان اعتباره في صحة الجماعة ونصب دلالة على دخله فيها ، ولو بينه لنقل لنا لتفور الدواعى الى نقله ، فحيث لاعين ولا اثر منه فيما بايدينا من الاخبار ، فيكشف ذلك عن عدم بيان الشارع اعتباره في صحة الجماعة ، و هو يكشف كشفا و هو يكشف كشفا قطعيا عن عدم اعتباره في صحتها ، و توهم انه يكفى فى بيان الشارع اعتباره فى صحة الجماعة كونه مقتضى اطلاق الادلة اللفظية من مثل لاصلوة الابفاتحة الكتاب، مدفوع بان مجرد كونه مقتضى اطلاق مثل لاصلوة الا بفاتحة الكتاب ، مع غفلة عامة المكلفين عن نفسه فضلا عن احتمال اعتباره وكونه مقتضى اطلاق لاصلوة الا بفاتحة الكتاب ، لا يجدى فى تمامية البيان من قبل الشارع، بل لابد فيه من نصب دلالة خاصة على دخله و اعتباره فى صحة الجماعة، فتبين مما
ص: 162
ذكرنا ان مقتضى الاصل اى الاطلاق المقامى، هو عدم اعتبار المتابعة في الاقوال والاذكار، و عليه نحتاج فى الحكم باعتبارها في بعض الاقوال الى الدليل، كما دل على اعتبارها في خصوص تكبيرة الاحرام قوله صلی الله علیه و آله و سلّم فى النبوى المتقدم على بعض طرقه: فاذا كبر فكبروا واذا قرء فانصتوا قبل قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: فاذار كع فاركعوا، وفى النبوى المروى عن مجالس الصدوق : اذا قال اما مكم الله اكبر ، فقولوا الله اكبر هذا مضافا الى ما اشرنا اليه من ان المتابعة للامام فيها معتبرة عرفا بل عقلا في تحقق الاقتداء و انعقاد الجماعة ، اذ قبل تلبس الامام بالتكبيرة لا يكون الامام اماما له بل لا يكون مصليا كي ينعقد بتكبيره قبل الامام بقصد الاقتداء به الجماعة كما هو
واضح(1).
و منها ان قوله صلی الله علیه و آله و سلّم فى النبوى ليؤتم به لوكان مسوقا لبيان اعتبار المتابعة للامام فى جميع اجزاء الصلوة من افعالها و اقوالها و اذكارها، للزم منه التخصيص المستهجن القبيح بل المحال صدوره عن الشارع الحكيم، وذلك لان الاقوال والاذكار الصلوتية، منها مادل الدليل على ان الامام ضامن ومحتمل له كالقرائة في الركعتين الاولتين، فليس على المأموم فيهما قرائة كى يجب عليه المتابعة فيها للامام ، ومنها ما دل الدليل على ان الراجح فيها مخالفة المأموم للامام فيه، كما في الركعتين الاخيرتين حيث دل النص على انه يستحب فيهما للامام اختيار التسبيح و لمن خلفه من المأمومين اختار القرائة، ومنها مادل الدليل على كون المأموم مخيرا في اختيار خصوص الفرد الذى اختياره الامام منها او غيره كما في اذكار الركوع والسجود ، ومنها دل الدليل على جواز التقدم فيه على الامام عمد او اختيارا كالتسليم فلو كانت المتابعة فيما ذكرنا من الاقوال والاذكار مرادة من عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به بالارادة الاستعمالية ، وكان خروجها عنه لمكان قيام دليل خارجی علی عدم كونها مرادة منه لبا وبالارادة الجدية ، كي يبقى مالم يقم من الأقوال دليل على خروجه عنه على لزوم المتابعة فيه ، للزم ماذكرنا من التخصيص المستهجن،
ص: 163
اذ لا يبقى تحت عمومه بعد خروج ماذكرنا من الاقوال والاذكار عن تحته، الا التكبيرة والتشهد، اما التكبيرة فقد عرفت ان اعتبار المتابعة فيها ليس لاجل كونها من
الاقوال، بل لاجل عدم انعقاد الجماعة رأسا باتيانها قبل الامام عرفا بل حقيقة فلم يبق من الاقوال ما يريد اعتبار المتابعة فيه بما هو منها بذلك العموم الا التشهد.
و من المعلوم ان من كان مقصوده اثبات حكم لفرد خاص من افراد طبيعة، وكان متمكنا من الوصول الى هذا المقصود بانشاء ذاك الحكم لخصوص ذلك الفرد، ومعذلك توسل في الوصول اليه بانشاء ذلك الحكم لجميع الافراد من تلك الطبيعة استثناء كلفرد فرد منها الى ان يبقى ذاك الفرد الخاص المقصود منها، يعد هذا العمل منه عند العرف مستهجنا بل لغو الانه تبعيد للمسافة بلاوجه يقتضيه فتدبر (1) جيدا ! فاذا كانت ارادة المتابعة في الاقوال عن عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : انما جعل الامام اماما ليؤتم به مستلزمة للتخصيص المستهجن، يستكشف منه ان النبوى ليس مسوقا لبيان اعتبار المتابعة فى جميع اجزاء الصلوة من افعالها و اقوالها، بل انما هو في مقام اعتبارها في خصوص الافعال و توهم ان غاية ما يقتضيه ذلك هو عدم تعرض النبوى لاعتبار المتابعة فى الاقوال، و مجرد ذلك لا يمنع عن الرجوع الى الاصل المؤسس فيهذا المقتضى للحكم باعتبار كل ماشك فى اعتباره في صحة الجماعة كما لا يخفى مدفوع بان مقتضى ما ذكرناه وان لم يكن الاعدم تعرض النبوى للمتابعة الاقوال، لكن المتابعة فى باب الجماعة حيث تكون بحسب ما هو المرتكز في الاذهان هى المتابعة فى الهيأت الصلوتية القائمة بالافعال، كما يكشف عن ذلك عدم اتفاق السؤال من احد عن الائمة المعصومين عليهم السّلام عن حكم الاقوال وعدم ورود حكم فيها منهم، فيكشف ذلك كشفا قطعيا عن عدم اعتبار المتابعة فيها، وهذه
ص: 164
الوجوه تشرف المنصف على القطع بان النبوى ليس له اطلاق يعم الاقوال والاذكار ايضا، وانكان جملة منها غير خالية عن النظر كما اشرنا اليه.
ثم انك قد عرفت ان اعتبار المتابعة فى التكبيرة مما لا اشكال فيه، و انما وقع الكلام فيه من جهات:
الاولى: هل يعتبر في المتابعة فيها التأخر عن الامام اولا بل يكفى المقارنه ايضا ، والاقوى هو اعتبار التأخر وعدم كفاية المقارنة، وذلك لظهور قوله صلی الله علیه و آله و سلّم في النبويين المتقدمين فاذا كبر فكبروا ، واذا قال اما مكم الله اكبر فقولوا الله اكبر امامكم فى اعتبار كون تكبيرة المأموم متأخرة عن تكبيرة الامام ، بل ظاهر النبوى الثاني اعتبار كون تكبيرة المأموم بعد فراغ الامام، عنها ، ولا يعارضهما ما عن قرب الاسناد في الرجل يصلى اله ان يكبر قبل الامام ، قال علیه السّلام: لا يكبر الامع الامام ، فان هذه الرواية بظاهرها غير معمول بها لكفاية التأخر اجماعا ، فلا تصلح للمعارضة مع النبويين ، سلمنا معارضتها لهما من جهة دلالتها الالتزامية و هى عدم لزوم التأخر فانها من هذه الجهة ليس إجماع على خلافها، لكن المرجع حينئذ هو اطلاق لا صلوة الابفاتحة الكتاب المقتضى لعدم تحقق الجماعة الامع التأخر عن الامام في التكبيرة کمامر مرارا بیانه.
و توهم ان الرجوع الى عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : لا صلوة الابفاتحة الكتاب، انما يصح بناء على لزوم التمسك بالعام فيما اذا كان المخصص المنفصل مجملا بحسب المفهوم دائرا بين الاقل والاكثر ، وهذا المبنى ليس مسلما عند الكل ، فلمانع ان يمنع عن ذلك و يقول بسراية اجمال المخصص المنفصل كالمتصل الى عموم العام، مدفوع بان الرجوع الى عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب، ليس لاجل كون ادلة الجماعة مجملة مرددة مفهوما بين الاقل والاكثر، اذ ليس مفهوم الجماعة من المفاهيم المجملة كي يكون الرجوع فى غير المتيقن ارادته منها إلى عموم الاصلوة، مبنيا على لزوم التمسك بالعام فيما كان المخصص المنفصل مجملا مرددا مفهوما بين الاقل
ص: 165
والاكثر، بل الرجوع اليه انما هو لاجل ان ادلة الجماعة ليس لها اطلاق يعم جميع اقسام الجماعة، والمتيقن منها هو القسم الواجد لجميع ما يعتبر في الجماعة او يحتمل اعتباره فيها، وغيره من الاقسام المشكوكة تبقى بلا دليل يدل على صحتها جماعة، فيعمها عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: لاصلوة الا بفاتحة الكتاب، اللازم منه بطلانها جماعة.
الثانية: هل كما يعتبر كون تكبيرة المأمومين بعد تكبيرة الامام، كذلك يعتبر كون تكبيرة المأموم البعيد عن الامام بعد تكبيرة القريب منه ام لا؟ والاقوى هو عدم اعتبار الترتيب بين تكبيرة المأمومين، وكفاية كون المأموم القريب من الامام متهيئا للتحريم و صحة تكبيرة البعيد عنه، وذلك لمامر فى مسئلة اشتراط الحائل والبعد بين الامام والمأموم، من استقرار السيرة القطعية من زمن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم الى الان على عدم مراعاة الترتيب بين تكبيرة المأمومين ، وانه لوكان الترتيب بين تكبير هم معتبرا ، لكان من المستحيل عادة فى الجماعات المستطيلة المنعقدة في عصر النبي صلی الله علیه و آله و سلّم التي كانت بالغة الى ستين الف من المأمومين بلازيد ادراك كلهم الامام في الركعة الأولى بل الثانية والثالثة ايضا ، سيما بعا ماجرت عادة الناس عليه من الاخطار والتصور التفصيلي في مقام النية وافتتاح الصلوة كما لا يخفى مضافا الى ظهور قوله صلی الله علیه و آله و سلّم فى النبوى المتقدم المحكى عن المجالس باسناده عن ابي سعيد الخدرى: فاذا كبر فكبروا ، فانه بقرينة ذكره في عداد المستحبات يدل على ان المسارعة فى متابعة الامام فى التكبير مستحبة على كل من المأمومين مطلقاً كبر غيره أم لا، وان ابيت عن دلالته على ذلك، بدعوى عدم كونه الا في مقام بيان ان محل تكبير المأمومين بعد تكبير الامام، و اما استحباب متابعته في التكبير مطلقا فليس بصدد بیانه، فنقول يكفى فى الاستدلال على عدم اعتبار الترتيب بين تكبير المأمومين ما اشرنا اليه من السيرة القطعية، مضافا الى ما ذكرناه في مقام تأسيس الاصل، من انه اذا كان ما يحتمل دخله في صحة الجماعة التي تكون محلا
ص: 166
لابتلاء عامة المكلفين وجميعهم، مما يغفل عنه عامة المكلفين غالبا، لكان على الشارع بيانه و نصب دلالة على دخله فى صحتها، وحيث لاعين ولا اثر فيما بايدينا من الاخبار من اعتبار الترتيب بين تكبير المأمومين فى صحة الجماعة، يكشف ذلك كشف قطعيا عن عدم اعتباره في صحتها.
الثالثة : هل وجوب المتابعة فى التكبيرة وجوب تکلیفی ، او وضعی شرطی تبطل القدوة بالاخلال بها؟ الاقوى هو الثانى و ان قيل بالاول فى غيرها من الركوع والسجود وغيرهما من افعال الصلوة، و ذلك لما مر مرارا من ان ظاهر الاوامر المتعلقة باجزاء المركبات او قيودها هو بيان الجزئية والشرطية، وانما رفع المشهور اليد عن هذا الظهور في المتابعة المعتبرة في الركوع والسجود وحملوا الامربها فيهما على الوجوب التكليفى، لما توهموه من دلالة رواية غياث بن ابراهيم المتقدمة على ان الاخلال بها فيهما عمدا غير مضر بصحة الجماعة، ولم يرد في التكبيرة مايدل على ان الاخلال بالمتابعة فيها عمدا غير مضر بصحة الصلوة جماعة، كي يرفع به اليد عن ظهور الامر بالمتابعة فيها فى بيان الشرطية و يحمل على الوجوب التكليفى، هذا مضافا الى ما عرفت من ان المتابعة للامام فى افتتاح الصلوة والشروع فيها معتبرة عرفافي صدق الايتمام، فما لم يتلبس بالتكبيرة لم يصدق عليه المؤتم كي يجب عليه المتابعة فيها نفسا، فكونها فى التكبيرة شرطا لصحة الجماعة مما لاريب فيه، و مقتضاه كماترى هو بطلان الصلوة جماعة بالتقدم فيها على الامام ولو سهوا و وقوعها فرادى قهرا بناء على المختار من كون الجماعة والفرادى حقيقة واحدة لاحقيقتين مختلفتين، الا انه ينافى ذلك اى وقوعها فرادى قهرا، ما في ذيل رواية قرب الاسناد المتقدمة من قوله علیه السلام: فان كبر قبله اعاداى التكبير، فانه لو وقعت الصلوة فرادى قهرا بالتقدم على الامام فى التكبيرة، كان اللازم الامر بابطال التكبير الأول ثم التكبير ثانيا بعد تكبير الامام بقصد الايتمام و توهم ان الامر باعادة التكبير من غير ابطال التكبير الاول ، لعله من جهة جواز العدول من الفرادى الى الجماعة،
ص: 167
واضح الفساد ضرورة انه لو كان عدم الأمر بابطال التكبير الأول من جهة جواز العدول لم يكن وجه للامر باعادته كما لا يخفى ، فالاولى ان يقال ان الامر باعادة التكبير من غير امر بابطال التكبير الاول، يمكن ان يكون لاجل كون التكبير الاول لغوا وكا لعدم فى نظر الشارع اما مطلقا، او بالنسبة الى خصوص من يريد الرجوع الى متابعة الامام، كما احتملنا ذلك فى الامر باعادة الركوع فيما تقدم على الامام في اصله اوفى رفع الراس عنه ، فتدبر جيدا!
ثم ان الاستاد دام ظله تعرض هنا لفرع لاباس بالتعرض له اقتفاء له دامت افاداته ، وانكان المحل المناسب لذكره هو الفصل المنعقد المبحث عما يعتبر في الامام من الشرائط، وهو انه لو كانت صلوة الامام صلوة لا تصح في حق الماموم ، فهل يصح اقتدائه به مطلقا اولا يصح مطلقا اولا يصح كك او تفصيل بين الموارد فيصح في بعضها دون بعض.
توضيح المقام بحيث يكشف القناع عن وجه المرام، هو ان عدم صحة صلوة الامام فى حق الماموم تارة يكون مع صحتها في حق الامام حتى في نظر الماموم، بان كانت مامورا بها فى حقه بالامر الواقعى الاولى، كما اذا كان الامام مقصر او الماموم متهما او بالعكس، او كانت مامورا بها في حقه بالامر الواقعى الثانوى، كما اذا كان الامام متيمما و الماموم متوضأ، او كان الامام جالسا لمرض او عراء والماموم قائما، فان الاوامر الاضطرارية احكام واقعية ثانوية في حال الاضطرار، ويكون امتثالها مجزيا عن الأوامر الواقعية الأولية واخرى يكون مع فسادها في حق الامام ايضا في نظر الماموم وانكان معذورا فى اتيانه بها، امّا شرعا كما اذا كان الامام تاركا للسورة لعدم وجوبها عنده اجتهادا او تقليدا والماموم اتيابها لوجوبها عنده كك، فان متعلقات الاحكام الظاهرية المجعولة فى حق الشاك فى الواقع، بناء على مذهب المخطئة لا تكون مشتملة على مصلحة اصلا و انما فائدة الأمر بها للشاك هو تنجيزها للواقع عند المصادفة وكونها عذرا عند المخالفة، و امّا عقلا كما اذا كان تاركا للسورة نسيانا
ص: 168
او معتقدا بعدم وجوبها والماموم اتيابها لوجوبها عنده اجتهادا او تقليدا، و فيهذه الصورة اى الصورة التى تكون صلوة الامام فاسدة فى حقه ايضا في نظر الماموم، تارة يكون الماموم قاطعا بفساد صلوة الامام ، و اخرى لا يكون قاطعا به بل يكون فساد صلوته مقتضی قیام دلیل ظنى معتبر على جزئية ماتركه الامام اوشرطيته.
لا شبهة فى انه لا محذور عقلا في مرحلة الثبوت فى ان تكون صلوة الماموم صحيحة جماعة فى جميع الصور المزبورة حتى فيما كان الماموم قاطعا بفساد صلوة الامام، اذلاملازمة عقلا بين فساد صلوة الامام و فساد صلوة الماموم ، ولا يلزم من صحة صلوة الماموم جماعة فى تلك الصور محال عقلا.
و انما الكلام فيما يقتضيه الدليل فى مرحلة الاثبات، ولا يخفي ان مقتضى اهمال ادلة الجماعة و عدم كونها فى مقام البيان وكون المرجع حينئذ هو عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : لاصلوة الابفاتحة الكتاب، بلاشبهة واشكال، فانه و ان استشكل بعض في الرجوع الى عموم العام فيما كان المخصص المنفصل مجملا مفهوما مرددا بين الاقل والاكثر كلا تكرم الفاسق المردد بين خصوص المرتكب الكبيرة و بين الاعم منه والمرتكب للصغيرة ، لكن لم يستشكل احد في الرجوع اليه فيما اذا كان المخصص المنفصل في المقام الاهمال و انكان مبينا لا اجمال فيه بحسب المفهوم، كما نحن فيه حيث ان الجماعة والاجتماع من المفاهيم العرفية التى لا اجمال فيها عندهم اصلا و انكان لزوم الاقتصار على القدر المتيقن، وهو ما اذا كانت صلوة الامام هى الصلوة الواقعية التامة الاختيارية الواجدة لجميع الاجزاء والشرائط و كانت صحيحة في حق المأموم ايضا، ومقتضاه عدم جواز الاقتداء له فى شئ من الصور المتقدمة، الا فيما دل على جوازه دليل بالخصوص، كما دل عليه في مورد القصر والاتمام ، و في مورد امامة المتيمم للمتوضى، وفى مورد جماعة العراة التي دل الدليل على جوازها ،قاعدا وتوهم ان غاية ماذكر من عدم الاطلاق لادلة الجماعة ، هي عدم دلالتها على صحة الاقتداء فى الصور المزبورة ، لادلالتها على فساده فيها كيلا يبقى معه مجال
ص: 169
للرجوع الى البرائة فيما شك في اعتبارشئ فى صحته، مدفوع بان الرجوع الى البرائة انما يصح فيما لوشك فى اعتبار قيد زايد بعد احراز كون الفاقدله مصداقا للاقتداء المشروع ، كيلا يبقى معه المجال للتمسك على اعتباره بعموم قول صلی الله علیه و آله و سلّم : لا صلوة الابفاتحة الكتاب ، و عموم مادل على بطلان الصلوة بزيادة الركن ، و عموم مادل على البناء على الأكثر في الشك في عدد الركعات ، اذ مع الشك في صدق الاقتداء المشروع على الفاقد للقيد المشكوك كما نحن فيه ، لا يكون هناك مانع عن التمسك بتلك العمومات التى لامجال معها للرجوع الى البرائة كما هو واضح ، هذا بحسب مقتضى القواعد، لكن يمكن الاستدلال على جواز الاقتداء ، فيما اذا كانت الصلوة تام الاجزاء والشرائط بالنسبة الى الامام و ان لم تكن كك بالنسبة الى المأموم، بمادل على جواز اقتداء المتوضى بالجنب المتيمم معللا بان التيمم طهور كصحيحة جميل قال :
سألت ابا عبدالله علیه السّلام عن امام قوم اصابته جنابة في السفر و ليس من الماء ما يكفيه للغسل، ايتوضاء بعضهم ويصلى بهم؟
فقال علیه السّلام: لا، ولكن يتمم الجنب ويصلى بهم ، فان الله عزوجل جعل الارض طهورا كما جعل الماء طهورا.
تقريب الاستدلال هوان السائل لما توهم ان صلوة الامام حيث تكون ناقصة فاقدة للشرط وهى الطهارة فلا يصح الاقتداء به فيها وانكانت صحيحة ومجزية بالنسبة الى الامام، فاجاب المعصوم علیه السّلام بان صلوته وانكانت فاقدة للشرط الاختيارى وهى الطهارة المائية، لكنها حيث تكون واجدة للشرط الاضطرارى وهى الطهارة الترابية التي هي بدل اضطرارى عن الطهارة المائية، فيصح الاقتداء به فيها لكونها تامة في حقه، فتدل الصحيحة بعموم ما اشتملت عليه من التعليل، على ان كل صلوة كانت تامة فى حق الامام يجوز الاقتداء فيها به وان لم تكن كك في حق المأموم، كما تدل بهذا التعليل على عدم جواز الاقتداء به فيما كانت صلوته ناقصة و انكانت صحيحة
ص: 170
مجزية في حقه، اذ لوكان الاقتداء به جائزا بمجرد كون صلوته صحيحة مجزية وانكانت ناقصة كما فى ناسى القرائة مثلا، لكان تعليل الجواز في الصحيحة بكون صلوته تامة لغوا كما لا يخفى . و عليه فيشكل اقتداء القائم بالقاعد لعدم كون القعود بدلا عن القيام للعاجز كي تكون صلوته تامة في حقه ، و اقتداء الراكع والساجد بالمومى لهما بناء على عدم كون الايماء بدلا عن الركوع والسجود، وتوهم ان الا وامر الاضطرارية تكون احكاما واقعية ثانوية فى حال الاضطرار، فتكون متعلقاتها فيهذا الحال تامة فى حق المضطر وان لم تكن كك فى حق المختار، وعليه فيكون مقتضى التعليل في الصحيحة هو صحة الاقتداء القائم بالقاعد والراكع والساجد بالمومى لهما وان لم يكن الايماء بدلا عنهما ، مدفوع بان الاوامر الاضطرارية، لا توجب تقييد الا وامر الواقعية الأولية بحسب المادة، كى يكون التكاليف الواقعية متنوعة بحسب الاختيار والاضطرار كما تكون كك بحسب الحضر والسفر، و انما توجب تقييدها بحسب الهيئة فقط ، وحينئذ يكون مقتضى اطلاقها مادة هو مطلوبيتها مطلقا حتى بالنسبة الى المضطر، وان لم تكن فعلية بالنسبة اليه في حال الاضطرار، ولذا افتوا بحرمة ادخال المكلف نفسه في موضوع عنوان المضطر اختيارا، كما يجوز له ادخال نفسه كك في موضوع المسافر، وليس ذلك الا لكون الا و امر الاضطرارية مجزية فيهذا الحال عن الا وامر الواقعية الأولية، مع بقاء الا و امر الواقعية على مطلوبيتها فيهذا الحال ايضا، و عليه فلا يكون متعلقات الا و امر الاضطرارية تامة في حق المضطر، كي يكون مقتضى التعليل في الصحيحة هو صحة الاقتداء به في المثالين ونحوهما مما لم يكن للجزء والشرط المضطر الى تركهما بدل اضطرارى فيهذا الحال فتأمل(1) جيدا ومما ذكرنا ظهر عدم شمول الصحيحة
ص: 171
ولو بمقتضى ما فيها من التعليل، لما اذا كانت الصلوة الناقصة الفاقدة لجزء او شرط مأمورا بها في حق الامام بالامر الظاهرى الطريقى وكان المأموم عالما بخطاء ذاك الطريق، من غير فرق فى ذلك، بين القول بان متعلقات الأوامر الظاهرية المجعولة في حق الشاك فى الواقع غير مشتملة على مصلحة اصلا، وانما فائدة الأمر بها للشاك هو مجرد تنجيزها للواقعيات عند المصادفة وكونه عذرا عند المخالفة، او القول بان متعلقاتها تكون في حال الشك مشتملة على مصالح جابرة للمصالح الموجبة للتكليف بالواقعيات الأولية، اما على الاول فواضح بعد ما هو المفروض من علم المأموم او اعتقاده اجتهادا او تقليدا ببطلان صلوة الامام، واما على الثاني فلان صلوة الامام وانكانت صحيحة مجزية فى حقه، لكنها حيث تكون فاقدة لما يعتبر في الصلوة المأمور بها بالامر الواقعى ، فلا تكون صلوة تامة كي يصح الاقتداء به فيها بمقتضى التعليل الوارد في الصحيحة، وتوهم انه يستفاد مما في الصحيحة من حكمه علیه السّلام بامامة المتيمم للمتطهر ، عدم اعتبار تساوى الامام والمأموم فيما يعتبر في الصلوة الواقعية الأولية على وجه الكمال ،مطلقا مدفوع بمامر في مقام تقريب الاستدلال بالصحيحة ، من انها كما تدل بعموم مافيها من ما فيها من التعليل على ان كل صلوة كانت تامة فى حق الامام يجوز الاقتداء به فيها ، كذلك تدل بدلالة الاقتضاء على عدم جواز الاقتداء به فيما كانت صلونه ناقصة وانكانت صحيحة مجزية في حقه فراجع.
و اولی من ذلك بعدم صحة الاقتداء، ما اذا كانت الصلوة الناقصة مامورا بها في حق الامام بالامر العقلى التخيلي، كما اذا ترك السورة نسياناً او اعتقاداً بعدم وجوبها وكان المأموم عالما بخطائه في اعتقاده، فانه لاريب في عدم جواز الاقتداء به فيهذه الصورة، وذلك لما حققناه فى محله من ان الا وامر التخيلية المصطلح عليها عندهم بالا وامر العقلية لا توجب الاجزاء رأسا، لان ما يفعله الغافل او الجاهل المركب ليس بمأمور به لاواقعا ولا ظاهرا هذا.
ولكن يشكل على ما ذكرنا من ان المتيقن من ادلة الجماعة هى صحة الاقتداء
ص: 172
فى الصلوة الواقعية الأولية الكاملة، و ان الصحيحة المتقدمة لا دلالتها لها بمقتضى ما فيها من التعليل على ازيد من ان المتيمم الفاقد للماء حيث جعل الله تعالى الارض في حقه طهورا كما جعل الماء طهورا فيصح الاقتداء به لكون صلوته تامة لانقصان فيها اصلا، بانه يلزم على ذلك عدم جواز الاقتداء لمن يترك السورة مثلا استنادالى البرائة العقلية او الشرعية بمن يتركها استناد اليها ايضا، ضرورة ان البرائة عقلية كانت ام شرعية لا تجدى فى احراز كون الصلوة الفاقدة للسورة هى الصلوة التامة الواقعية الاولية او الثانوية كي يصح الاقتداء فيها، وهذا اللازم مما لا يمكن الالتزام به ، اذا الصلوة مشتملة على ما يكون اعتباره فيها جزء او شرطا مشكوكا مورد اللبرائة عقلا و شرعا ، فيلزم عدم صحة اغلب الجماعات الافيما اذا احراز ان الامام يأتى بالجزء او الشرط المشكوك احتياطا وهذا كما ترى.
و توهم ان الصلوة فى المثال كما تكون مصداقيتها للجماعة المشروعة غير معلومة، كذلك مصداقيتها للفرادى، ومعه يكون التمسك بعموم لاصلوة الابفاتحة الكتاب للحكم بوجوبها على المأموم فيهذه الصلوة الملازم لعدم صحتها جماعة، من التمسك بالعام فى الشبهة المصداقية، فاذا لم يصح فى المثال التمسك بمثل عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب، فلمأموم القائل بالبرائة فى الاقل والاكثر الارتباطيين ان يرفع جزئية الفاتحة لصلوته بالبرائة ، اذ لا علم له بجزئيتها لصلوته بعد احتمال كون صلوته صحيحة جماعة، وليس هناك ما يدل على جزئيتها لها ايضا كي يستلزم بطلانها جماعة.
مدفوع اولا بما أشرنا اليه سابقا من ان سقوط القرائة عن المأموم فى الجماعة ، ليس لعدم جزئيتها للصلوة بالنسبة اليه راسا بل انما هو لقيام قرائة الامام مقامها بمقتضى قولهم علیه السّلام : الامام ضامن لقرائة الماموم ، فالساقط بالنسبة اليه ليس الامباشرته للقرائة لقيام قرائة الغير مقامها ، وعليه فلا يكون عموم لأصلوة الابفاتحة الكتاب مخصصا بالنسبة الى صلوة الماموم ، ليكون مؤداه حينئذ لاصلوة فرادى الا
ص: 173
بفاتحة الكتاب، حتى يكون التمسك به في المقام مع الشك فى مصداقية الصلوة للفرادى تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ، فإدا لم يكن عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب مخصصا بالنسبة الى الماموم، ولم يكن اقتدائه فيهذه الصلوة مشمولا لادلة الجماعة كي تكون قرائة الامام قائمة مقام قرائته، فيلزم عليه بمقتضى عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب اتيان القرائة فيها الملازم لعدم كون صلوته صحيحة جماعة، و ثانياً سلمنا عدم شمول عموم دليل اعتبار القرائة للمقام لاجل كون الشبهة فيه بالنسبة الى ذاك الدليل مصداقية ، لكن نقول ان مصداقية صلوته لكل من الجماعة والفرادى و انكانت مشكوكة، لكنه حيث يعلم اجمالا اما بوجوب القرائة عليه انكانت صلوته فرادى واما بوجوب المتابعة للامام عليه انكانت جماعة، فلامجال له العلم الاجمالى للرجوع الى اصالة البرائة لنفى وجوب القرائة عليه كما لا يخفى، وتوهم ان هذا الفرضوان لم يكن مشمولا لادلة الجماعة ولا لعموم التعليل في الصحيحة، لكن السيرة القطعية مستقرة على الاقتداء فيه، مدفوع بان السيرة و انكانت مستقرة فيهذا العصر على الاقتداء فيهذا الفرض، لكن مجرد ذلك لا يجدى مالم يحرز انتهائها الى عصر المعصومين عليهم السلام، ولا طريق لنا الى احرازه اصلا، سیما بعد لحاظ ان الاتكال على البرائة فى الشبهات الحكمية لم يكن في عصرهم عليهم السلام ان لامجال للاتكال عليها بعد امكان رفع الشبهة بالسؤال عنهم عليهم السلام كما لا يخفى، نعم يصح الاقتداء فيهذا الفرض فيما اذاكان الامام تاركا لجزء، او شرط استنادا الى البرائة الشرعية، بناء على ما احتمله بعض بل مال اليه من ان الحكم الظاهري في حق كل احد نافذ واقعا في حق غيره ، وان من كانت صلوته صحيحة بحسب الظاهر في حق نفسه ، فلغيره ان يترتب عليها آثار الصحة الواقعية، ولذا حكم جماعة بصحة ايتمام احد واجدى المنى فى الثبوت المشترك بينهما بالاخر، مع ان المأموم يعلم تفصيلا ببطلان صلوته اما من جهة حدثه او حدث امامه، وليس ذلك الا لان الامام وانكان شاكا في المثال فى طهارة نفسه، لكنه حيث يكون محرزا لها بالاستصحاب،
ص: 174
فلشريكه فى ذاك الثوب ان يترتب على طهارته الاستصحابية آثار الطهارة الواقعية التي منها جواز الاقتداء به ، لكن المبنى لخلوه عن الدليل ممنوع جدا، ثم لا يخفى ان محل البحث في المقام هو ما لوكان صلوة الامام فاسدة عند المأموم لفقدها لشرط واقعی، و اما لو كانت فاقدة لشرط علمى كالطهارة عن الخبث، فهو خارج عن محل البحث، فان الطهارة عنه انما تكون شرطا مع العلم بتنجس البدن او الثوب به ، و اما مع الجهل به رأسا فليست الطهارة عنه شرطا واقعا ، ومعه يصح الاقتداء به لان صلوته مع الجهل بنجاسة بدنه اوثوبه تكون صحيحة واقعا.
الامر الثالث: في حكم المأموم المسبوق، والبحث عنه يتم في طي مسائل:
الاولى: لاشبهة بل لاخلاف فى ان المأموم المسبوق اذا ادرك الامام في الركعتين الاخيرتين ، وجب عليه قرائة الحمد والسورة فيهما ، و انه لوضاق الوقت عن قرائتهما بانكان بحيث لو قرئهما لم يلحق الامام في الركوع ، اكتفى بالحمد و ترك السورة، ويدل على هذين الحكمين جملة من الاخبار ، ففي صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام.
ان ادرك من الظهر او من العصر او من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان، قرء في كل ركعة مما ادرك خلف الامام فى نفسه بام الكتاب و سوره، فان لم يدرك السورة تامة اجزأته أم الكتاب الخبر، وظهورها فى وجوب قرائة الحمد والسورة مع سعة الوقت غير قابل للانكار، فلاوجه لما حكى عن العلامة من القول باستحباب القرائة لمن ادرك الامام فى الركعتين الاخيرتين، كما ان دلالتها على سقوط السورة مع ضيقه فى الجملة مما لاريب فيه، وانما الاشكال في ان المرادمن ضيق الوقت الموجب لسقوطها، هل هو ضيقه عن ادراك الامام بالركوع بعد ركوعه بلافصل، بحيث لو تمكن من اتيان القرائة قبل ان يركع الامام لم تسقط، اوضيقه عن ادراكه را كما بحيث لو امكن له ان يأتى بها ويلحق بالامام قبل رفع رأسه من الركوع لم تسقط، أو ضيقه عن ادراكه فيما يكون التأخر فيه عن الامام مضرا
ص: 175
بصدق القدوة عرفا، بحيث لو امكن له قرائة السورة واللحوق بالامام فى السجود لم تسقط. قد يقال بابتناء تعيين المراد منه على تعيين ماهو المعتبر فى الجماعة من المتابعة للامام ، فان قلنا بان المعتبر فيها هو ركوع المأموم بعد ركوع الامام بلافصل، فيتعين ان يكون المراد من ضيق الوقت الموجب لسقوط السورة، هو ضيقه ادراك الامام بعد ركوعه بلافصل ، وان قلنا بان المعتبر هو ادراك الامام راكعا، فيتعين ان يكون المراد ضيقه عن ادراكه كك، و ان قلنا بان المعتبر هو عدم التأخر الفاحش المضر بصدق القدوة عرفا، فيتعين ان يكون المراد ضيقه عن ادراكه في حال السجود الذي يكون التأخر عن الامام الى ان يرفع رأسه عنه مضرا بصدق القدوة عرفا هذا، ولكن لا يخفى انه لا حاجة لنا الى النظر الى ادلة وجوب المتابعة وتعيين ماهو المستفاد منها من هذه الاقوال، بعد ماورد من الدليل على عدم وجوب السورة على المستعجل ، ولو كان لادراك بعض الاغراض العقلائية، كاللحوق بالرفقة الذي صرح في الرواية بجواز ترك السورة لاجله عند احتمال ذهابهم، ان مقتضى ذلك هو سقوط السورة ، فيما اذا لم يتمكن مع اتيانها مع متابعة الامام على النحو المتعارف فى الجماعة من اتيان المأمومين افعال الصلوة عقيب اتيان الامام بها بلا فصل، و ان لم تكن المتابعة له على هذا النحو من المتابعة المعتبرة في الجماعة شرعا، فان عدم الخروج عما هو المتعارف يكون من الاغراض العرفية العقلائية، وعليه فلوركع المصلون جماعة واراد المأموم المسبوق اللحوق بهم في الركوع لاجل عدم خروجه عما هو المتعارف فى الجماعة من كون المصلين على هيئة واحدة في جميع افعالها من القيام و الجلوس والركوع والسجود، يصدق عليه انه مستعجل يريد اللحوق بالرفقه، فيعمه مادل على جواز ترك السورة للمستعجل المتحمل ذهاب الرفقة وعدم لحوقه بهم لواتي بالسورة فتأمل(1) ! هذا اذا ضاق الوقت عن قرائة
ص: 176
السورة، و اما لوضاق عن قرائة الحمد ايضا، ففى وجوب قرائته واللحوق بالامام في السجود، او تركه لمتابعة الامام في الركوع، و جهان بل قولان ، وانكان الاقوى هو الثانی، لالمزاحمته مع المتابعة وكونها اهم منه، اذ لامزاحمة مع امكان التخلص عن احد المتزاحمين، كما في المقام حيث يمكن التخلص عن المتابعة بقصد الانفراد، هذا مع ان وجوب المتابعة من احكام الاقتداء فى الصلوة، فيكون واجبات الصلوة بمنزلة الموضوع لوجوب المتابعة، و معه معه كيف يمكن ان يكون وجوبها مزاحما لشئ من واجباتها، بل لدلالة جملة من الاخبار عليه، ففى صحيحة معوية بن وهب قال :
سألت اباعبدالله علیه السّلام عن الرجل يدرك اخر صلوة الامام وهو اول صلوة الرجل فلایمهله حتى يقرء فيقضى القرائه في اخر صلوته.
قال علیه السّلام : نعم.
والخدشه في الفقرة التى فى ذيلها وهي قوله فيقضى القرائة في اخر صلوته، بكونها غير معمول بها على تقدير ظهورها في لزوم تدارك مافاته من القرائة في اول صلوته فى اخرها، اذ لا قائل بتعيين القرائة اخر الصلوة بعنوان القضاء ، و بكونها مجملة على تقدير عدم ظهورها في ذلك لاحتمال كون المراد من القضاء مطلق الاتيان، وكون قوله علیه السّلام نعم، تقريرا له على ما اراده منه من اختيار القرائة على التسبيح في الاخيرتين لئلا تكون صلوته خالية عن القرائة رأسا ، لا تقدح في دلالة صدرها على المدعى، فانه ظاهر فى ان ترك القرائة عند عدم امهال الامام كان أمرا مفروغا عنه عند السائل، و انما كان سؤاله عن جواز اختيارها في الركعتين الاخيرتين على التسبيحات، فعدم ردعه الامام علیه السّلام عن ذلك واقتصاره في مقام الجواب على تقريره فيما سئل عنه من جواز اختيار القرائة فى آخر الصلوة، يكشف عن صحة ما اعتقده من سقوط القرائة عند عدم امهال الامام، وفى المرسلة المحكية عن دعائم الاسلام عن امير المؤمنين علیه السّلام انه قال : اذا سبق الامام احد كم بشيء من الصلوة فليجعل
ص: 177
ما يدركه مع الامام اول صلوته وليقرء فيما بينه وبين نفسه ان امهله الامام، و فی مرسلته الأخرى عن ابيجعفر علیه السّلام : فاقرء لنفسك بفاتحة الكتاب ان امهلك الامام او ما ادر کتان تقرء، فان مفهوم قولهما عليهما السلام ان امهله الامام وامهلك الامام يدل على عدم لزوم قرائة الفاتحة عند عدم امهال الامام ، وقوله علیه السّلام فى المرسلة الثانية: اوما ادركت ان تقرء ، يدل على جواز ترك بعض الحمد ايضا عند عدم ادراك كله لعدم الامهال ، ولا يعارض هذه الاخبار قوله علیه السّلام فى صحيحة زرارة المتقدمة : فان لم يدرك السورة تامة اجزاته ام الكتاب ، من جهة ظهوره في ان الفاتحة اقل المجزى ، و ذلك لان مورد الصحيحة هو ما اذا ضاق الوقت عن قرائة الحمد والسورة كليهما (معا) دون الحمد وحده ، فالمراد من قوله علیه السّلام : اجزانه ام الكتاب هو اجزائها عن السورة، فلادلالة له على انها اقل المجزى كى يعارض مع هذه الاخبار فالقول بجواز الاقتصار على ما ادرك من الحمد و تركه رأسا عند ضيق المجال عن ادراك شئ منه لا يخلو عن قوة، وانما الاشكال فى ان المراد من عدم الامهال فيهذه الاخبار ، هل هو عدم الامهال لادراك اول ركوع الامام، كي يجب عليه ترك القرائة فى اول آن حدوث الركوع من الامام، أو عدم الامهال لادراك الركوع رأسا، كى يجب عليه ان يقرء الى ماقبل اخر جزء منه.
وقد يقال ان وجوب ترك القرائة او جوازه ، انكان لوجوب متابعة الامام في الركوع، فاللازم تركها بمجرد حدوث الركوع من الامام، و ذلك لان الظاهر من دليل وجوبها و هو قوله علیه السّلام فى النبوى المتقدم: فاذا ركع فاركعوا، كون الشوط اعنى كلمة اذا قيداً لكل من الهيئة والمادة اعنى الوجوب والواجب لالخصوص الهيئة، ضرورة ان مفاد قول القائل اذا جائك زيد فاكرمه، ليس ان مجيئ زيد ظرف لتحقق وجوب الاكرام، دون نفس الاكرام كي يجوز تاخير اكرامه عن زمان مجيئه، ولا ينتقض ما ذكرنا بمثل اذا ظاهرت فكفر و اذا بلت فتوضاء، و نحوهما مما يكون الشرط فيه قيد الخصوص الوجوب لاله و للواجب، و ذلك لان
ص: 178
جواز تاخير الكفارة عن زمان الظهار والوضوء عن زمان البول ، انما هو لقرينة خارجية لالظهور نفس القضية فى ذلك كما لا يخفى، و اما انكان ترك القرائة لادراك الامام فى الركوع كما هو ظاهر هذه الاخبار، فاللازم وجوب اتيانها الى ماقبل اخرجزء منه، ضرورة ان ادراك ركوعه يتحقق بادراك اخر جزء منه ايضا هذا.
ويمكن الخدشه فيه بمنع الملازمة بين كون ترك القرائة لوجوب متابعة الامام في الركوع و بين لزوم تركها بمجرد حدوث الركوع منه، و ذلك لان المتابعة من الامور العرفية، ولا شبهة فى ان المتابعة للامام فى الركوع كما تصدق عرفا بالركوع بعد ركوعه بلافصل، كذلك تصدق بادراك اخر جزء من ركوعه، و توهم ان المتابعة للامام في الركوع و انكانت صادقة عرفا بادراك اخر جزء من ركوعه ايضا، لكن المستفاد من قوله علیه السّلام في النبوى: فاذا ركع فاركعوا، هو اعتبار اتصال ركوع الماموم بركوع الامام وعدم الفصل بينهما في المتابعة شرعا. مدفوع اولا بمنع كون النبوى الا بصدد بيان عدم جواز التقدم على الامام في الركوع ، لابيان اعتبار المتابعة كى يدل على اعتبار اتصال ركوع الماموم بركوع الامام، سلمنا كونه بصدد بيان اعتبار المتابعة، لكن الظاهر ان اعتبار ها بهذا النحواعني بحيث يقع ركوعه بعد ركوع الامام بلافصل مما لم يلتزم به احد، و لذا لم يفت احد ببطلان صلوته جماعة او كونه عاصيا، فيما لم يركع بعد ركوع الامام بلافصل بل صبر عمدا الى ان وصل الى اخر جزء من ركوعه فركع فتبين مما ذكرنا ان الأقوى هو عدم جواز ترك القرائة لادراك اول ركوع الامام، بل اللازم اتيانها الى ما قبل اخر جزء من ركوعه ، ولو بناء على كون تركها لوجوب متابعة الامام في الركوع لا لادراكه فيه هذا .
وقد يستدل لجواز ترك القرائة راسا حتى الحمد، بالاخبار الدالة على ان من ادرك الامام في حال تكبيره للركوع او في حال ركوعه فقد ادرك الركعة ، تقريب الاستدلال هو ان الامر فيها بالاقتداء لمن ادرك الامام في حال ركوعه
ص: 179
او نحوه من الاحوال التى لا يتمكن الماموم فيها من القرائة اصلا ، يكشف عن ان متابعة الامام فى الركوع اهم في نظر الشارع من القرائة مطلقا، وانه تسقط القرائة مطلقا عن الماموم عند دوران الامر بينها و بين المتابعة للامام في الركوع، ولا يخفى ما فيه من الضعف، ضرورة ان الامر في تلك الاخبار بالاقتداء لمن ادرك الامام في حال الركوع، انما هو لمكان ادراك اصل القدوة، فيكون الاستدلال بها لسقوط القرائة لمجرد متابعة الامام في الركوع مع تحقق القدرة قبله كما نحن فيه قياسا لا نقول به، هذا كله على تقدير كون المراد من عدم امهال الامام فى الروايات المتقدمة، هو كون قرائة الحمد والسورة موجبة للإخلال بمتابعة الامام فى الركوع واما لوكان المراد هو كون قرائتهما موجبة للاخلال باصل القدوة، كما اذا كانت موجبة للتاخر عن الامام تاخرا فاحشا يفوت به الاقتداء عرفا، فاللازم فيما اذا امكنه قرائتهما واللحوق بالامام فى السجدة الأولى، هو وجوب قرائتهما عليه، لعدم فوت الاقتداء عرفا بهذا المقدار من التاخر كما لا يخفى، ثم لو قلنا بسقوط الحمد ايضا عند عدم امهال الامام بمقتضى الاخبار المتقدمة فلا اشكال و اما لو منعنا عن ذلك للخدشة في الصحيحة دلالة و فى المرسلتين سندا بالارسال او بالمرسل، فلاشبهة في وجوب قرائته عليه، وحينئد لو تركه و ركع مع الامام تكون صلوته باطلة راسا لاخلاله بوظيفته عمدا، واما لواتی به وادرك الامام فى السجدة، فان قلنا بان المتابعة في الركوع شرط فى صحة الجماعة، فلاشبهة في بطلان صلوته جماعة لاخلاله بشرطها، وصيرورتها فرادى قهرا، بناء على المختار من كون الجماعة والفرادي حقيقة واحدة، وانما الاختلاف بينهما بحسب الخصوصيات الفردية و ان منعنا عن اشتراطها في صحة الجماعة، وقلنا بان النبوى المتقدم ليس الا فى مقام بيان لزوم عدم تقدم الماموم على الامام في الركوع والسجود دون لزوم المتابعة فيهما، اوقلنا بان وجوب المتابعة وجوب تكليفى محض لا يترتب على مخالفته الا الاثم ، فلاشبهة في صحة صلوته جماعة ايضا و اما لوشككنا في ذلك اى فى سقوط الحمد وعدمه عند عدم الامهال،
ص: 180
فطريق الاحتياط فيما اذا لم يمهله الامام لقرائته اصلا واضح، وهو قرائته واللحوق بالامام فى السجود او قصد الانفراد، والاحوط هو الثانى لاحتمال بطلان صلوته جماعة بالاخلال بمتابعة الامام في الركوع واما اذا لم يمهله لقرائة بعضه كما اذا قرء الى النصف فركع الامام وعلم بانه لواتم الحمد لم يلحق به في الركوع اصلا ، ففيما اذا كانت صلوته اخفاتية فلا اشكال ايضا فى ان مقتضى الاحتياط هو قصد الانفراد والاتيان بباقى الحمد و اما اذا كانت صلوته جهرية، فقد يشكل فى انه بعد قصده الانفراد او اتى بباقى الحمد جهرا، فلادليل على الاجتزاء بمثل هذا الحمد الذي يكون بعضه اخفانیا و بعضه جهريا، لعدم كونه مشمولا لا لمادل على وجوب الجهر به في حق المنفرد، ولا لمادل على وجوب الاخفات به فى حق الجامع، لظهور الاول في وجوب الجهر به بتمامه فى حق من يأتى به منفردا، و ظهور الثانى فى وجوب الاخفات به بتمامه في حق من يأتى به متقديا، فمن يأتي ببعضه مقتديا و ببعضه منفردا خارج عن كلا الدليلين، وان اعاده من رأس جهرا فيحتمل الزيادة العمدية، لكن يمكن ان يقال بصحة الاجتزاء به بمقتضى مجموع الدليلين نظير ما قلناه في الاناء المركب من الذهب والفضة، فانه لا شبهة في حرمة استعماله، مع عدم كونه مشمولا لواحد من دليلى حرمة استعمال انية الذهب وانية الفضة، ونظير ما قلناه في صحة الصلوة في آخر الوقت ولو لم يسمع لركعة منها، مع انها ليست مشمولة لواحد من دليلي الاداء والقضاء، ونظير ما قلناه فيما اذا كان المسافر فى البحر عائدا الى وطنه وشرع في الصلوة قبل وصوله الى حد الترخص بنية القصر ثم وصل الى حده قبل السلام، من انه يتمها وصحت صلوته ، مع انها ليست مشمولة لواحد من دليلي القصر والاتمام، و ليس ذلك كله الا لفهم العرف من مجموع الدليلين المتكفلين لحكم واحد في موضوعين حكم الملفق من الموضوعين، هذا مضافا الى انه لولم بجز الاجتزاء بهذا الحمد ، فلازمه ان يكون صحة اجزائه السابقة الماتى بها اخفانا جماعة مراعى با تيان اجزائه اللاحقة كك ، بان يكون اتيان الاجزاء اللاحقة كك شرطا متأخرا
ص: 181
فى صحة الاجزاء السابقة، او يكون الاخفات فيه وظيفة لمن يدرك ركوع الامام في علم الله، وكلا اللازمين باطلان لمخالفتهما لظاهر الدليل، فالملزوم وهو عدم الاجتزاء بهذا الحمدكك، و مضافا الى عموم ما دل على من اخل بالجهر والاخفات في موضعهما سهوا او نسيانا او جهلا بالحكم لاشئ عليه، فانه يشمل ما اذا اخل بهما في بعض موضعهما، كما في المقام حيث انه اخل بالجهر في الاجزاء السابقة من الحمد بتوهم امهال الامام فتدبر جيدا! ثم لو سلمنا عدم جواز الاجتزاء بهذا الحمد، لكن لا يستلزم اعادته من رأس لاحتمال الزيادة العمدية، وذلك لامكان اعادته بقصد القربة المطلقة ، لا بقصد الجزئية كي يستلزم احتمال الزيادة العمدية كما هو واضح، هذا فيما اذا لم يمهله الامام للقرائة رأسا.
و اما لولم يمهله لقرائة السورة، فقد عرفت فيما مران سقوطها في الجملة مما لا اشكال بل لا خلاف فيه، لدلالة جملة من النصوص المشتملة على الصحاح عليه، وانما الاشكال فيما هو المراد من عدم الامهال الموجب لسقوطها، وانه هل هو عدم الامهال لادراك الامام فى اول ركوعه اولادراكه راكعا ولو في اخره اولادراكه في السجدة، وقلنا هناك إنه لاحاجة فى تعيين المراد منه الى النظر في دليل اعتبار المتابعة، بتوهم ابتناء تعيين المراد منه على تعيين ماهو المستفاد من دليل اعتبارها بعد ماورد في الاخبار من جواز الاجتزاء بفاتحة الكتاب وحدها عند الاستعجال ولو لامر دنيوى كادراك الرفقة فى السفر، وذلك لامكان الاستدلال به على جواز ترك السورة لادراك ركوع الامام في اول حدوثه، وان لم يكن ادراكه كك واجبا شرعا ولامستحبا، بتقريب انه يمكن ان يصير تبعية الامام بالركوع بعد ركوعه بلافصل، حفظا لما عليه وضع الجماعة من كون المصلين على هيئة واحدة من هيأت الصلوة من الركوع والسجود والقيام والقعود، موجبة لاستعجال المأموم، فيعمه حينئذ مادل على جواز الاجتزاء بالفاتحة وحدها عند الاستعجال.
لكن نقول هنا ان الاستدلال على جواز ترك السورة لادراك ركوع الامام
ص: 182
في اول حدوثه، بمادل على جواز الاجتزاء بالحمد وحده عند الاستعجال، لا يخلو عن التأمل، اما اولا فلانصراف ذاك الدليل الى ما اذا كان الاستعجال لامر ديني او دنيوى خارج عن افعال الصلوة المشتغل بها، وثانيا سلمنا ظهوره في الاستعجال لامر كك مطلقا ولو كان من متعلقات نفس الصلوة، لكن لاشبهة فى انصرافه الى ما اذا كان ذاك الامر الموجب خوف فوته للاستعجال، مما يترتب على ادراكه فائدة عقلائية، كما في الاستعجال لادراك الرفقة في السفر الذى فى حقه الرفيق ثم الطريق، و من المعلوم ان المحافظة على الركوع بعد ركوع الامام بلافصل بعد عدم كونها واجبا شرعا ولامستحبا، مما لا يترتب عليه فائدة عقلائية، فان مجرد حفظ النظام في الهيات الصلوتية بعد عدم ترتب ثمرة عليه اصلا لا اخروية ولا دنيوية، لا يعد من الفوائد العقلائية كما هو اوضح ان يخفى، فبعد ماعرفت من ان المتابعة للامام في الركوع بمعنى وقوع ركوع المأموم عقيب ركوعه بلافصل غير معتبرة شرعا، فيدور الامر كون المراد من عدم امهال الامام لقرائة السورة، هوكون قرائتها موجبة للإخلال بمتابعة الامام في ركوعه بمعنی ادراکه راكعا كيلا يجوز له تركها، فيما اذا امكنه قرائتها واللحوق بالامام ولو فى اخر جزء من ركوعه، و بين كون المراد منه هو كون قرائتها موجبة للتأخر الفاحش المخل باصل القدوة عرفا، کیلا یجوز تركها فيما اذا امكنه قرائتها واللحوق بالامام في السجدة الأولى، وح لو تركها وركع مع الامام تكون صلوته باطلة رأسا لاخلاله بما هو وظيفته عمدا، و اما لواتى بها وادرك الامام في السجدة، فان قلنا بان المتابعة للامام في الركوع بمعنی ادراکه راكعا شرط في صحة الجماعة، فلاشبهة فى بطلان صلوته جماعة لاخلاله بشرطها وصيرورتها فرادی قهرا ، وان منعنا عن اشتراطها في صحة الجماعة او قلنا بوجوبها تكليفا، فلاشبهة فى صحتها جماعة ايضا، و اما لو شككنا في ذلك فمقتضى الاحتياط قصد الانفراد والاتيان بها على النحو الذى يقتضيه تكليفه من الجهر والاخفات.
ص: 183
المسئلة الثانية: لوادرك الامام فى الركعة الثانية، فلاشبهة فى سقوط القرائة عنه فيها، لمادل على ضمان الامام لها في الركعتين الاولتين، ووجوبها عليه فى ثالثة الامام التى هى ثانية له، لعموم دليل وجوبها، و اختصاص دليل ضمان الامام للقرائة بغيره، و على فرض عمومه له ايضا ، لابد من تخصيصه بالادلة الخاصة الدالة على وجوبها عليه ففى رواية عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال:
اذا سبقك الامام بركعة فادركت القرائة الاخيرة قرأت في الثالثة من صلوته وهى ثنتان لك ، وان لم تدرك معه الاركعة واحدة قرأت فيها والتي تليها، و ان سبقك بركعة جلست فى الثانية لك والثالثة له حتى تعتدل الصفوف قياما.
وفي صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام:
و ان ادرك ركعة قرء فيها خلف الامام، فاذا سلم الامام قام فقرء بام الكتاب وسورة، ثم قعد فتشهد ثم قام فصلى ركعتين ليس فيهما قرائة. الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة فى وجوب القرائة على المأموم المسبوق في الركعة الثانية من صلوته اذا ادرك الامام في الركعة الثانية، و وجوبها عليه في الاولتين من صلوته اذا ادركه فى الاخيرتين و توهم انها معارضة بصحيحة معوية بن وهب المتقدمة فى المسئلة الاولى عن الصادق علیه السّلام، بدعوى دلالتها على ان مافاته من القرائة في اول صلوته لعدم امهال الامام لاتيانها يقضيها في اخر صلوته، مدفوع بمامر من اجمال الصحيحة اولا وكونها غير معمول بها ثانيا.
و يستحب لمن اقتدى في الركعة الثانية للامام ان يتابعه في القنوت وفي التشهد، اما الاول فلما رواه عبد الرحمن بن ابی عبدالله عن ابيعبد الله علیه السّلام.
فى الرجل يدخل الركعة الاخيرة من الغداة فقنت الامام ايقنت معه؟ فقال علیه السّلام : نعم و يجزيه من القنوت لنفسه ، وظاهر قوله علیه السّلام : ويجزيه من القنوت لنفسه، هو عدم استحباب القنوت له في الركعة الثانية من صلوته، و به
ص: 184
يخصص اطلاق مادل على استحبابه فيها، نعم لاباس باتيانه بداعى القربة المطلقة ان امهله، الامام واما الثانى فلما رواه اسحق بن يريد قال:
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : جعلت فداك، يسبقنى الامام بالركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان افا تشهد كلما قعدت؟
قال علیه السّلام :
نعم، فانما التشهد بركة، وبهذا المضمون رواية داود بن الحصين بل هي اصرح من هذه فى استحبابه للمتابعة، الا انها واردة فى صلوة المغرب ، ويستفاد منهما استحباب المتابعة فى التلفظ بالشهادتين ايضا لا فى مجرد القعود، لظهور قول السائل: افاتشهد كلما قعدت، فى ان مشروعية المتابعة فى القعود كانت مفروغا عنها عنده، و انما كان سئواله عن التلفظ بالشهادتين حال قعوده، كما يدل على ذلك ايضا قوله علیه السّلام: فانما التشهد بركة ، فلا اشكال في استحباب اصل المتابعة في التشهد وانما الكلام في كيفيتها ، حيث ان المحكى عن ظاهر بعض كصاحب الجواهر قده وجوب التجافى عليه فلا يجوز القعود متمكنا ، خلافا للمحكى عن المشهور من ذهابهم الى استحبابه و كراهة القعود لاحرمته و مستند القول بوجوب التجافى وحرمة القعود متمكنا، الاخبار المشتملة على الامر بالتجافى والنهى عن القعود متمكنا، ففي صحيحة ابن الحجاج قال:
سئلت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل، يدرك الركعة الثانية من الصلوة مع الامام وهى له الاولى، كيف يصنع اذا جلس الامام؟
قال علیه السّلام:
يتجافى ولايتمكن من القعود ، فاذا كانت الثالثة للامام وهى له الثانية فيلبث قليلا اذا قام الامام بقدر ما يتشهد، ثم يلحق بالامام.
قال :
وسئلته عن الرجل يدرك الركعتين الاخيرتين من الصلوة، كيف يصنع بالقرائة؟
ص: 185
فقال علیه السّلام:
اقرء فيهما فانهما لك الاولتان، ولا تجعل اول صلوتك اخرها .
و في صحيحة الحلبى عن ابيعبد الله علیه السّلام في حديث، قال علیه السّلام:
ومن اجلسه الامام في موضع يجب ان يقوم فيه تجافی واقعی اقعاء ولم يجلس متمكنا.
و في المروى عن معانى الاخبار عنه علیه السّلام ايضا:
اذا جلس الامام فى موضع يجب ان تقوم فيه فتجافى.
و دلالة هذه الاخبار على ماذهب اليه صاحب الجواهر موافقا لجملة من القدماء من وجوب التجافى وحرمة القعود ظاهرة، ومقتضى الجمع بينهما وبين استند اليه المشهور من القول باستحباب التجافى وكراهة الجلوس، من الاخبار الظاهرة بل الصريحة في جواز الجلوس ، كرواية اسحق بن يزيد المتقدمة التي عرفت ظهور قوله فيها افاتشهد كلما قعدت فى مفروغية جواز القعود عنده فانه بضميمة عدم ردعه الامام علیه السّلام عما اعتقده من جوازه يدل على انه كان جائزا شرعا ، ورواية على بن جعفر عن اخيه موسى علیه السّلام قال :
سئلته عن الرجل يدرك الركعة الثانية من المغرب، كيف يصنع حين يقوم يقضى ايقعد فى الثانية والثالثة ؟
قال علیه السّلام:
يقعد فيهن جميعا. فان قوله علیه السّلام : يقعد فيهن جميعا، ظاهر في وجوب القعود في الركعة الأولى من صلوته ايضا التى هى الثانية للامام و صريح في جوازه، هو حمل الأمر بالتجافى والنهى عن القعود في الاخبار المتقدمة على استحباب التجافي وكراهة القعود حملا للظاهر على النص، هذا اذا قلنا بمبائنة التجافى للجلوس، واما ان قلنا بانه نوع من الجلوس فمقتضى الجمع بينهما حينئذ هو حمل القعود في تلك الاخبار على التجافي حملا للمطلق على المقيد، فالاحوط ان لم يكن اقوى ان
ص: 186
يتجافي او يقعى اقعاء كما ورد في صحيحة الحلبى المتقدمة انفا.
ثم لا يخفى انه يجب على من ادرك الامام في الركعة الثانية ان يتشهد في الثانية من صلوته التى هى ثالثة الامام، و يدل عليه مضافا الى كونه مقتضى اطلاق ادلة التشهد قوله علیه السّلام في روايتی اسحق بن یزید و داود بن الحصين المتقدمين: نعم، فانما التشهد بركة في جواب قول السائل: افا تشهد كلما قعدت، و ذلك لما عرفت من ظهور قوله: افا تشهد كلما قعدت فى ان اصل القعود كان مفروغا عنه عنده ، وهو باطلاقه یعم ما اذا ادرك الامام في الثانية من الرباعية التي يجلس الماموم في ثانيته التى هى ثالثة للامام وقوله علیه السّلام في رواية ابن ابی عبدالله المتقدمة جلست في الثانية لك لام والثالثة له، وقوله علیه السّلام فى صحيحة ابن الحجاج المتقدمة: فاذا كانت الثالثة للامام وهى له الثانية فيلبث قليلا اذا قام الامام بقدر ما يتشهد ثم يلحق بالامام، ومعه لامجال لما يتوهم من ان مقتضى وجوب المتابعة للامام عدم وجوب التشهد عليه، مع ان هذا المقدار من التخلف عن الامام لا يكون مضرا عرفا بالاقتداء، فتبين مما ذكرنا ان
وجوب التشهد على الماموم المسبوق فى محل تشهد نفسه هو الاقوى هذا.
المسئلة الثالثة : الاقوى ما ذهب اليه المشهور من ان ادرك الثانية للامام او الاخيرتين له يجب عليه القرائة اخفاتافى الثانية له الثالثة للامام فى الفرض الاول ، وفي الاولتين له الثانيتين للامام فى الفرض الثاني ، و ان كانت الصلوة جهرية، ويدل على ذلك في الفرض الاول، ما رواه في دعائم الاسلام مرسلا عن امير المؤمنين و عن جعفر بن محمد عليهما السلام، من انهما قالا :
اذا سبق الامام احدكم بشئى من الصلوة فليجعل ما يدرك مع الامام اول صلوته وليقرء فيما بينه و بين نفسه ان امهله الامام ، واذا دخل مع الامام في صلوة العشاء الآخرة وقد سبقه بركعة و ادرك القرائة فى الثانية فقام الامام فى الثالثة قرء المسبوق فى نفسه ، و ضعفهما بالارسال اوالمرسل منجبر بعمل المشهور ، هذا مضافا الى عموم قول ابيجعفر علیه السلام في صحيحة زرارة: قرء في كلّ
ص: 187
ركعة مما ادرك خلف الامام فى نفسه بام الكتاب، ويدل على ذلك فى الفرض الثاني، قوله علیه السّلام في الصحيحة ايضا: ان ادرك من الظهر او من العصر او من العشاء ركعتين وفاتته ركعتان قرء في كلّ ركعة مما ادرك خلف الامام فى نفسه بام الكتاب وسورة، اذا لظاهر ان المراد بالقرائة فى نفسه فيهذه الاخبار هي القرائة سرا بحيث يسمع نفسه ، لامجرد حديث النفس بمعنى الاخطار بالبال فقط ، فانه ليس قرائة وقد امر فيهذه الاخبار بها، ثم انه يظهر من بعض لزوم الاخفات في القرائة لمن اقتدى في الاولتين من الجهرية ولم يسمع قرائة الامام ولو همهمة، ولا يخلو ذلك عن النظر، لالاستبعاد كون الاخفات فيها واجبا مع كون نفسها مستحبة ، فان القرائة و انكانت مستحبة له بمقتضى الجمع بين الاخبار الامرة بها الظاهرة في وجوبها و بين ما دل على الترخيص فى تركها، لكن لا ينافى ذلك وجوب الاخفات على من اختار اتيانها، اما وضعا فواضع، و اما تكليفا فلالتزام المشهور بوجوب المتابعة للامام في افعال الجماعة تكليفا مع كون نفسها مستحبة، بل لعدم ما يدل على ذلك فيما بايدينا من الاخبار الاما توهم دلالته عليه من بعض الاخبار الامرة بالقرائة لنفسه اذا لم يسمع صوت الامام، و انت خبير بانه لاظهور للقرائة لنفسه فى الاخفات فيها، اذ يحتمل قريبا ان يكون المراد منها عدم الاجتزاء بقرائة الامام عن قرائة نفسه كما كان يجتزى بها عند السماع، كما يؤيد هذا الاحتمال ماورد في الاقتداء بالامام الغير المرضى، من قوله المقدار من في رواية على بن سعد البصري : واقرء لنفسك كانك وحدك فان ظهوره فى ان المراد منه عدم الاكتفاء بقرائة الامام ولزوم القرائة لنفسه كما كان يقرء عند الانفراد واضح ، ونظير هذا في الفارسية ان يقال «اگر نشنیدی الحمد پیشنماز را تو برای خودت حمدتر بخوان»، فهل ترى من نفسك ان تفهم من هذه العبارة لزوم قرائة الحمد اخفا تا حاشا و کلاو كيفكان فهل يجب الاخفات بالبسملة، ايضا فيما يجب الاخفات بالقرائة الماموم المسبوق ، او يستحب له الجهر بها كما يستحب الجهر بها للمنفرد في الصلوات التي يكون الاخفات بالقرائة فيها واجبا تعينيا كما في الاولتين من الظهر
ص: 188
والعصر او تخيير يا كما في الاخيرتين مطلقا، قولان اقويهما الأول، و ذلك لظهور مادل على وجوب الاخفات بالقرائة على الماموم المسبوق، في وجوب الاخفات بها في مجموع اجزائها التي منها البسملة، و انصراف مادل على استحباب الجهر بها في مواضع وجوب الاخفات بالقرائة فيها، الى ما كان الاخفات بالقرائة فيه واجبا لذاته، ما اذا كان واجبا لعارض كما في المقام الذي يكون وجوب الاخفات بالقرائة فيه بواسطة الجماعة، ولو سلمنا عموم دليل استحباب الجهر بها للمقام ايضا و ان النسبة بين الدليلين عموم من وجه، لكن يجب المعاملة معهما معاملة العام والخاص المطلقين و تخصيص مادل على استحباب الجهر بمادل على وجوب ذلك لان عموم دليل استحباب الجهرحيث يكون شموليا استيعابيا و عموم دليل وجوب الاخفات مجموعيا، فاللازم تقديم الثانى فى مورد الاجتماع، ضرورة ان تقديم الاول او طرح كليهما في مورد الاجتماع مستلزم لطرح الثاني والغائه رأسا ولو بالنسبة الى غير مورد الاجتماع، و ذلك لان العام المجموعي الذي يتكفل للحكم على المجموع المركب من حيث المجموع، اذا خرج عن عمومه بعض اجزاء المركب، فلا يبقى له عموم بالنسبة الى بقية الاجزاء، ضرورة ان المركب ينتفى بانتفاء جزئه، وحينئذ فلا يبقى لذلك العام المجموعى موضوع اصلا، ولا ينتقض ذلك بما اذا استثنى بعض الاجزاء منه بالاستثناء المتصل اذ (الذى) لاريب فى شموله ح الباقي، وذلك لان في مورد النقض لا ينعقد للعام ظهور في العموم بالنسبة الى الباقى، وهذا بخلاف ما نحن فيه الذى انقعد له الظهور فى العموم بالنسبة الى مجموع الاجزاء من حيث المجموع، فانه بعد رفع اليد عن هذا الظهور باخراج بعض الاجزاء لا يبقى له ظهور في العموم بالنسبة الى الباقى كما بينا وجهه، ثم لو عاملنا مع الدليلين معاملة العموم من وجه، فغاية ما يترتب عليه هو سقوطهما بالمعارضة عن الحجية فى مورد الاجتماع وهو البسملة ، وحينئذ فلادليل على استحباب الجهر فيها.
فتبين مما ذكرنا ان الاقوى هو وجوب الاخفات بالبسملة على المأموم المسبوق
ص: 189
مطلقاً، سواء قلنا بانصراف ادلة استحباب الاجهار بها الى ما كان الاخفات بالقرائة فيه واجبا لذاته، او قلنا بعمومها لما اذا كان الاخفات بالقرائة فيه واجب العارض ايضا، اما على الاول فلعموم ادلة وجوب الاخفات بالقرائة الشامل للبسملة ايضا من دون معارض، واما على الثانى فلما عرفت من لزوم تقديم ادلة وجوب الاخفات بالقرائة لكون عمومها مجموعيا على ادلة استحباب الاجهار بالبسملة، ولا يخفى الثمرة على تقدير تسليم عموم دليل استحباب الجهر لما اذا كان الاخفات بالقرائة واجبا لعارض ايضا، بین ما هو المختار من لزوم تقديم ادلة وجوب الاخفات بالقرائة على دليل استحباب الجهر بالبسملة في مورد الاجتماع والتعارض، وبين الحكم بسقوطهما فيه، اذ على الاول يكون الاخفات بالبسملة واجبا فيكون الجهر بها حراما ومبطلا للصلوة على تقدير تعلق النهى بالقرائة المتخصصة بالخصوصية الجهرية لاتعلقه بنفس تلك الخصوصية، وعلى الثانى يكون كل من الحكم باستحباب الجهر بالبسملة و وجوب الاخفات بها بلادليل، فيمكن الرجوع في وجوب الاخفات بها الى البرائة، وذلك لدوران المكلف به بين القرائة المطلقة والمقيدة بالاخفات، وقد حقق في محله ان الاصل هو البرائة عن القيد عند دوران الامر بين المطلق والمقيد، اللهم الا ان يقال بالفرق بين ما نحن فيه وسائر الموارد، حيث ان اثر البرائة عن القيد وهو بالبسملة هو جواز الاجهار بها و هو محل منع بعد احتمال كونه محر ما واقعا، فتأمل جيدا !
ثم لا يخفى ان الظاهران وجوب الاخفات على المأموم المسبوق وضعى شرطى كما في نظائره مما يكون الامرفيه متعلقا باجزاء المركب وقيوده، كما ان الظاهر ايضا كونه شرطا للجماعة لالاصل الصلوة، و عليه لوجهر بالقرائة جهلا بالحكم تبطل صلوته جماعة، لانصراف مادل على من اخل بالجهر والاخفات فى موضعهما نسيانا او سهوا او جهلا بالحكم فلا شئ عليه، عما وجب الاخفات فيه بالعرض كما نحن فيه، بل يمكن القول ببطلان صلوته رأسا لوكان شرطا لاصل الصلوة، بعد ما
ص: 190
عرفت من انصراف دليل الاجزاء الى ما كان الجهر موضع الاخفات في ما وجب الاخفات فيه اولا و ب لذات، فلا يعم ما وجب الاخفات فيه لعارض كما نحن ، و اما لوجهر بالقرائة ناسيا للموضوع اى الجماعة، فقد يقال بعدم اخلاله بصحة صلوته جماعة لعدم الدليل على شرطية الاخفات فى حال النسيان، وفيه ان الدليل على شرطيته فيهذا الحال هو اطلاق مادل على وجوبه هيئة ومادة، اذلايلزم محذور عقلا من اطلاقه هيئة بعد كون وجوبه وضعيا لا يترتب على مخالفته الا بطلان الصلوة، لا تكليفيا موجبا للعقاب على مخالفته، كى يلزم تقييدها بحال الذكر من جهة حكم العقل بقبح تكليف الغافل، وعلى فرض تسليم عدم الاطلاق لدليل اشتراطه هيئة بحيث يعم حال النسيان ايضا، یکفی اطلاقه مادة في الحكم ببطلان صلوته جماعة كما لا يخفى.
المسئلة الرابعة : لاشبهة بل لاخلاف فى انه يجب على المأموم المسبوق التشهد في موضع تشهد نفسه كالركعة الثانية له مطلقاً والرابعة له من الرباعيات والثالثة له من المغرب ، وذلك لاطلاق ادلته السليم عما يقيده بغير هذه الصورة، وتوهم ان مقتضى دليل وجوب المتابعة عدم وجوبه عليه في موضع تشهد نفسه. مدفوع اولا بما أشرنا اليه سابقا من ان وجوب المتابعة من احكام الاقتداء في الصلوة ، فلا يمكن ان يكون وجوبها مزاحما لشئ من واجبات الصلوة كى يقدم عليها لاهميتها ، وثانيا ان التأخر عن الامام بهذا المقدار لا يضر بصدق المتابعة له عرفا ، هذا مضافا اليمامر وسيجئ من ظهور بعض ادلة استحباب متابعة المأموم المسبوق في التشهد مع الامام فى ان القعود مطلقاً سواء كان لتشهد نفسه او لمتابعة الامام فى التشهد، كان من الامور المسلمة المفروغ عنها عند السائل وقد قرره الامام علیه السّلام على ذلك، والى ما في صحيحة ابن الحجاج الاتية من التصريح بوجوب الجلوس بقدر ما يتشهد في موضع تشهد نفسه ثم اللحوق بالامام ، فلا اشكال فى وجوب التشهد عليه في موضع تشهد نفسه.
وانما الاشكال بل الخلاف فى انه ، هل يستحب له المتابعة للامام في القول اى
ص: 191
التلفظ بالشهادتين، او لا يكون المتابعة له فيه مستحبة، فان المشهور ذهبوا الى الاستحباب، خلافا لابى الصلاح حيث حكى عنه انه قال يجلس مستوفزا اى غير مطمئن، ولا يتشهد، ومنشاء الخلاف الاختلاف فيما يستظهر من الاخبار الواردة في المسئلة ، فالاولى نقل جملة من تلك الاخبار اولا ، ثم التكلم فيما يمكن استظهاره منها من القولين فنقول مستعينا به تعالى منها موثقة داود الحصين قال :
سئل عن رجل فاتته ركعة من المغرب مع الامام و ادرك الثنتين ، فهی الاولى له والثانية للقوم يتشهد فیها؟
قال علیه السّلام : نعم .
قلت : والثانية ايضا ؟ قال: نعم. قلت :کلہن؟ قال : نعم ، فانما هو بركرة.
و منها رواية اسحق بن يزيد قال.
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : جعلت فداك، يبقنى الامام بركعة فتكون لي واحدة وله ثنتان، افا تشهد كلما قعدت؟
قال علیه السّلام : نعم وانما التشهد بركة.
ولا يخفى ظهور قوله علیه السّلام في هاتين الروايتين: فانما هو بركة، وانما التشهد بركة في استحباب المتابعة في التشهد.
ومنها صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال.
سئلت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلوة مع الامام وهى له الاولى، كيف يصنع اذا جلس الامام؟
قال علیه السّلام : يتجافى ولا يتمكن من القعود الخبر.
و منها صحيحة الحلبي عن ابيعبد الله علیه السّلام، انه قال :
ومن اجلسه الامام في موضع يجب ان يقوم فيه تجافی واقعی اقعاء ولا يجلس متمكنا، هذه جملة مما اردنا نقله من الاخبار ، وقد عرفت ان دلالة الاولين منها على استحباب المتابعة فى التشهد ظاهرة ، واما الخبران الاخيران فقد
ص: 192
يدعى ان المنساق منهما ارادة المنع عن المتابعة في التشهد، وحصر المتابعة له في مجرد الجلوس لا متمكنا بل كالاخذ فى النهوض الذي منعه عن القيام انتظار متابعة الامام فيه ، وفيه ان ظهور الروايتين فى المنع عن التشهد غير واضح بل ممنوع ، نعم اقتصاره علیه السّلام في جواب قول المسائل: كيف يصنع اذا جلس الامام الظاهر في السؤال عن جميع ماهو وظيفته في هذا الحال ، على قوله علیه السّلام : يتجافى ولا يتمكن من القعود، لا يخلو عن الاشعار بانحصار وظيفته في مجرد الجلوس مستوفزا، سيما على القول بعدم وجوب المتابعة فى الجلوس للتشهد الذى ليس فرضه من حيث هو ، لكنه لا يقام ظهور الخبرين المتقدمين فى استحباب المتابعة في التشهد ، فتبين مما ذكرنا ان ماذهب اليه المشهور من استحباب المتابعة في التشهد هو الاقوى.
وهل يجب عليه المتابعة فى الجلوس للتشهد الذى ليس فرضه من حيث هو، اولا بل اللازم عليه مجردان لا يسبق الامام فى القيام، فيجوز له ان يبقى ساجدا الى ان يقوم الامام ، وجهان بل قولان: استدل للاول منهما بعموم مادل على وجوب المتابعة فى الافعال التى منها الجلوس ، مؤيدا ذلك برواية اسحق بن يزيد المتقدمة ونحوها مما يكون مشعرا بان المتابعة فى الجلوس كان من الامور المسلمة المفروغ
عنها عندهم ، وبخصوص رواية على بن جعفر علیه السّلام، عن اخيه موسى علیه السّلام قال :
سئلته عن الرجل يدرك الركعة من المغرب ، كيف يصنع حين يقوم يقضى ايقعد فى الثانية والثالثة؟
قال علیه السّلام:
يقعد فيهن جميعا ، فان قوله علیه السّلام : يقعد فيهن جميعا ، ظاهر في وجوب القعود في الركعة الأولى ايضا التى هى الثالثة للامام .
و في الكل ما لا يخفى، اما عموم مادل على وجوب المتابعة في الافعال ، فلان القدر المسلم الذى يمكن استفادته معادل على وجوب المتابعة فيها من الاجماع و غيره، انما هو وجوب ان يربط المأموم صلوته بصلوة الامام، بان يجعل افعال صلوته تابعة لافعال صلوة الامام، و اما ان يتابعه في كل ما يفعله في صلوته و ان لم يكن
ص: 193
واجبا على المأموم، فلا يمكن استفادته من ادلة وجوب المتابعة كما مر بيانه، واما الاخبار المشعرة بكون المتابعة في الجلوس من الامور المسئلة المفروغ عنها عندهم، فلقصورها عن اثبات الوجوب كما لا يخفى، وأما قوله غيره في رواية على بن جعفر علیه السّلام : يقعد فيهن جميعا، فلانه مسوق لدفع تو هم سقوط الجلوس التشهد فى الركعتين الباقيتين، و اما ان اتى به من التشهد في الركعة الأولى تبعا للامام كان واحبا فلا يكاد يستفاد منه.
و علی ای حال هل يجوز له عند متابعته للامام في القعود للتشهد الذي ليس فرضه ان يقعد متمكنا اولا بل يجب عليه ان يقعد متجافيا قولان ، قوى ثانيهما صاحب الجواهر قده مستدلا بجملة من الاخبار، منها صحيح ابن الحجاج قال:
سئلت ابا عبدالله علیه السّلام عن الرجل يدرك الركعة الثانية من الصلوة مع الامام وهى له الاولى، كيف يصنع اذا جلس الامام؟
قال علیه السّلام :
يتجافى ولا يتمكن من القعود، فاذا كانت الثالثة للامام فيلبث قليلا اذا قام الامام بقدر ما يتشهد، ثم يلحق بالامام الخبر.
ومنها صحيح الحلبى عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال :
من اجلسه الامام في موضع يجب ان يقوم فيه تجافى واقعى اقعاء ولم يجلس متمكنا.
و منها المروى عن معانى الاخبار عنه علیه السّلام ايضا :
اذا جلس الامام في موضع يجب ان تقوم فيه فتجافى.
و اورد عليه بان الامر بالتجافى والنهي عن القعود ممكنا فيهذه الاخبار، و انكان ظاهرا في وجوب التجافى وحرمة القعود متمكنا، لكن مقتضى الجمع بينها وبين الاخبار الدالة على جواز القعود، كرواية اسحق بن يزيد المتقدمة التي عرفت ظهورها في مفروغية جواز القعود ، وقوله علیه السّلام في رواية على بن جعفر المتقدمة : يقعد فيهن جميعا ، هو حمل الأمر بالتجافى والنهي عن القعود متمكنا فيهذه الاخبار،
ص: 194
على استحباب التجافى وكراهة القعود كما هو المشهور، وفيه ان حمل الامر على الاستحباب فيما اذا عارضه ما يدل على الرخصة، وكذا حمل النهى على الكراهة فيما اذا عارضه ما يدل على الجواز، وانكان جمعا عرفيا، لكن ذلك فيما اذالم يكن المتعارضان من قبيل المطلق والمقيد، والافيتعين حمل المطلق على المقيد، ولا شبهة في ان المتعارضين فيما نحن فيه من هذا القبيل، ضرورة ان التجافى نوع خاص من القعود والقعود اعم منه ومن الجلوس متمكنا ، فيجب حينئذ حمل مادل على جواز القعود مطلقاً على القعود متجافيا حملا للمطلق على المقيد، ومما يدل على كون التجافي انواع القعود لامبائنا له، هو تقييد القعود في بعض الاخبار الناهية عنه بكونه متمكنا، فانه لو كان القعود امرا مبائنا للتجافى ومقابلا له لم يكن وجه لهذا التقييد اصلا كما لا يخفى.
المسئلة الخامسة : لوحضر المأموم الجماعة فى الصلوة الجهرية ولم يدران الامام فى الاولتين كي يحرم عليه القرائة اوفى الاخيرتين كي تجب عليه القرائة، فليس هناك اصل يحرز به حال الامام ، لان اصالة عدم فراغه عن الاولتين لا تجدى فى اثبات ادراكهما معه كى يترتب عليه سقوط القرائة عنه الاعلى الاصل المثبت ولا مجال لنفى وجوبها باصالة البرائة مع علمه بوجوبها ان كان الامام في الاخيرتين و بحرمتها انكان فى الاولتين ، فطريق الاحتياط ان يقرء الحمد والسورة بقصد القربة المطلقة، فان تبين ان الامام كان في الاخيرتين وقعت قرائتهما في محلها ، وان تبين انه كان فى الاولتين لا يضره ذلك ، لان المحرم عليه فى الاولتين هو قرائتهما بقصد الجزئية لا مطلقا ولو بقصد القربة المطلقة.
و توهم ان الجماعة انكانت فى الصلوة الجهرية فقد مر ان الاقوى حرمة القرائة فيها مطلقا في الاولتين والأخيرتين، بمقتضى مادل على ان الاخيرتين تبعان للاولتين، و ان كانت فى الاخفاتية، فقد مران الأقوى فيها جواز القرائة له مطلقا
بمقتضى ذلك الدليل، فليس هناك صلوة جماعة يدور امر قرائة المأموم فيها بين
ص: 195
الوجوب و الحرمة واضح الفساد، ضرورة ان مادل على كون الاخيرتين تبعا للاولتين، انما هو فى حق المأموم الذي كان مع الامام من اول صلوته، واما المأموم المسبوق الذى كلامنا فيه ، فقد عرفت انه يجب عليه فيما ادرك الامام في الاخيرتين الاولتين له القرائة فيهما ، وفيما ادركه فى الثانية يجب عليه القرائة فى ثالثة الامام الثانية له، وفى المقام حيث يحتمل كون الامام في الاخيرتين، فيحتمل ان يكون من المأموم المسبوق الذى يجب عليه القرائة فيهما لكونهما اولتين له، وحيث يحتمل كون الامام فى الاولتين، فيحتمل ان يكون ممن ادرك الامام من اول صلوته الذي يحرم عليه القرائة فيهما، وهذان الاحتمالان يصيران منشاء لعلمه الاجمالي بوجوب القرائة عليه فيهما اوحرمتها كما هو واضح.
المسئلة السادسة : اذا زعم ان الامام فى الاولتين فترك القرائة فبان له انه في الاخيرتين، فلا يخلوا ما يكون تبين ذلك قبل الركوع او يكون بعده، فعلى الاول لو امهله الامام للقرائة ولو للحمد وحده قرئه، و ان لم يمهله للقرائة اصلا سقط عنه الحمد و لزمه المتابعة للامام في الركوع، بناء على كون المراد بعدم امهال الامام المجوز لترك القرائة هو ركوعه قبل ان يأتى بالقرائة، و اما بناء على كون المراد بعدم الامهال عدم امكان بقائه على القدوة عرفا لوانى بالقرائة ، فيجب عليه القرائة لو امكنه اتيانها واللحوق بالامام في السجود ، وهذا الاحتمال وانكان اقرب لكن الاحوط مراعاة لاحتمال وجوب متابعة الامام فى الركوع، قصد الانفراد و القرائة جهرا انكانت الصلوة جهرية، وعلى الثانى اى ما اذا كان تبين ذلك الركوع، فقد يقال ان تركه لها حيث يكون ناشئا عن الخطاء في الموضوع و زعم ان الامام فى الاولتين، فيكون داخلا في الترك سهوا فيعمه حديث لا تعاد الحاكم على ادلة الاجزاء والشرائط الغير الركنية و تخصيص اعتبارها بغير حال السهو والنسيان، وفيه ما أشرنا اليه فى اوائل هذا المقصد، من انه لوسلمنا دخول ترك السورة في المقام في الترك السهوى، لكن نقول ان المنصرف من الحديث الشريف
ص: 196
هو ما اذا ترك القرائة غير ملتفت الى ان عليه القرائة، فلا يعم ما اذا كان عالما بان عليه القرائة و تركها بزعم كفاية قرائة الامام عن قرائته، فان تركها حينئذ لولم يكن عمديا فلا اقل من انصراف الحديث الشريف عن مثله، ومعه يكون مشمولا لعموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : لا صلوة الابفاتحة الكتاب ، المقتضى لبطلان صلوته رأسا.
المسئلة السابعة: لو كان مشتغلا بالنافلة فاقيمت الجماعة وخاف من اتمامها عدم ادراك الجماعة ولو بفوت الركعة الأولى منها، جاز له قطعها واتيان الفريضة مع الامام، بل المشهور استحباب قطعها عند خوف فوت الجماعة ولو ركعة منها اما جواز قطعها لادراك الجماعة، فلا اشكال فيه بعد كون قطع النافلة جائزا اجماعا مطلقا ولو لغير ادراك الجماعة ، فضلا عما اذا كان لادراكها الذي هو اهم في نظر الشارع من اتمام النافلة، هذا مضافا الى ما عن الفقه الرضوى وان كنت في صلوة نافلة واقيمت الصلوة فاقطعها وصل الفريضة، وانما الاشكال فيما حكى عن المشهور من الحكم باستحباب قطعها لادراك الجماعة، فان الحكم بالاستحباب انكان لمقدمية قطعها لادراك الجماعة ، ففيه اولا انه لا مقدمية لقطعها لادراك الجماعة، وذلك لما حقق فى محله من انه لا مقدمية لترك احد الضدين لفعل الاخر ولا لفعله لترك الآخر، كي يقتضى الأمر باحدهما امرا مقدميا بترك الاخر كي يكون فعله منهيا عنه، و ثانيا سلمنا مقدمية قطعها لادراك الجماعة، لكن مجرد ذلك لا يستلزم كون قطعها مستحبا، ضرورة ان مطلوبية المقدمة مطلوبية توصلية لانفسية، ولذا لا يترتب على فعلها وتركها ثواب وعقاب، ومن المعلوم ان الشئ لا يتصف بالاستحباب الا اذا كان مطلوبا نفسياً، وانكان الحكم باستحباب القطع للأمر به في الرضوى المتقدم، ففيه اولا ان الحكم باستحباب القطع بمجرد الأمر به فيهذا الخبر مع ضعفه سندا مشكل جدا، وادلة التسامح فى ادلة السنن لا تثبت الاستحباب كما حقق في محله، و ثانيا ان الأمر به فيهذا الخبر حيث يكون واردا مورد توهم الخطر، فلا دلالة له على الازيد من الترخيص، وانكان الحكم باستحباب القطع لاجل مزاحمة الاتمام لادراك الجماعة التى هى اهم في نظر الشارع من النافلة ، ففيه ان اهمية الجماعة من النافلة
ص: 197
و انكانت مسلمة لاشبهة فيها، لكن اهمية احد المستحبين لا توجب الاسقوط الامر بالمهم بالمزاحمة مع الاهم عن الفعلية ، ومجرد ذلك لا يوجب استحباب ترك المهم كمالا يخفى وانكان الحكم باستحباب القطع ، لاجل صحيحة عمر بن يزيد انه.
سئل ابا عبد الله علیه السّلام عن الرواية التي يروون انه لا يتطوع فى وقت الفريضه، ماحد هذا الوقت؟
قال علیه السّلام:
اذا اخذ المقيم في الاقامه.
فقال له :
ان الناس يختلفون في الاقامه.
فقال علیه السّلام :
المقيم الذى يصلى معه .
ففيه اولا ان الظاهر من النهى عن التطوع في وقت الفريضة، هو الابتداء بالتطوع فيهذا الوقت، فلا يشمل ما نحن فيه الذى يكون استدامة التطوع فيهذا الوقت، و ثانيا سلمنا ظهوره فى الاعم من الابتداء والاستدامة، بدعوى ان المنساق من الاخبار الناهية عن التطوع فى وقت الفريضة، هو ارادة بيان الوقت الذي ينبغى تخصيصه بالفريضة و ترك الاشتغال فيه بالتطوع ، فتكون ظاهرة في المنع عن مطلق التلبس بالتطوع فيهذا الوقت من غير فرق بين الابتداء والاستدامة، لكن مجرد النهي عن الشئ لا يستلزم استحباب تركه والا لكان كل مكروه مما يستحب ترکه، اللهم الا ان يراد من استحباب الترك مجرد رجحانه بالنسبة الى الفعل، فانه اصطلاح خاص فى الاستحباب وهو مما لا مشاحة فيه هذا.
ولكن يمكن الاستدلال لما ذهب اليه المشهور من استحباب القطع بالرضوى المتقدم، بتقريب ان امره علیه السّلام فيه بقطع النافلة بقوله علیه السّلام فاقطعها وانكان ظاهرا في وجوب القطع، لكن حيث نعلم من الخارج بجوازه فلابد من حمله على الاستحباب فتدبر والخدشه فيه سندا مندفعة بالانجبار بعمل المشهور، كما ان الخدشة فيه دلالة بان الامر فيه وارد مورد توهم الخطر فلا دلالة له على الازيد من الترخيص،
ص: 198
مندفعة بان دعوى وروده مورد توهم الخطر، انما تصح فيما اذا كان الامر مسبوقا بالسئوال عن الجواز، دون ما اذا كان ابتداء كما في هذا الخبر، كما لا يخفى فتدبر! هذا فيما اذا كان مستغلا بالنافلة فاقيمت الجماعة. و اما لو كان مشتغلا بفريضة منفردا فاقيمت الجماعة وخاف من اتمامها فوت الجماعة، فالمشهور انه يجوز بل يستحب له العدول بها الى النافلة و اتمامها ركعتين اذا لم يتجاوز محل العدول بان كان داخلا في ركوع الثالثة، و يدل على ذلك مضافا الى ما عن بعض من نفى الخلاف فيه جملة من الروايات، ففى صحيحة سليمان بن خالد قال: سئلت اباعبدالله عليه السلام عن رجل دخل المسجد فافتتح الصلوة، فبينما هو قائم يصلى اذ (اذا اذن المؤذن و اقام الصلوة .
قال علیه السّلام :
فلیصل ركعتين ثم ليستانف الصلوة مع الامام وليكن الركعتان تطوعا. و فى موثقة سماعة قال :
سئلته عن رجل كان يصلى ، فخرج الامام وقد صلى الرجل ركعة من صلوة فریضة.
قال علیه السّلام:
انکان اماما عدلا فليصل ركعة اخرى و ينصرف و يجعلهما تطوعا و يدخل مع الامام فى صلوته كما هو الخبر.
ولا وقع للاشكال فيها سندا بالاضمار وكون سماعة واقفيا، بعد كونه ثقة ولا يروى الا عن ابی ابرهيم موسى بن جعفر عليهما السلام، وانما لا يسنده اليه علیه السّلام الشدة التقية في عصره.
و في المروى عن الفقه الرضوى: و ان كنت في فريضتك واقيمت الصلوة فلا تقطعها واجعلها نافلة وسلم في الركعتين ثم صل مع الامام، الخبر، ودلالة هذه الروايات على جواز العدول واضحة، و اما دلالتها على استحبابه فقابلة للمناقشة لا لما قيل من ان الامرفيها بجعلها نافلة وارد في مقام توهم الخطر فلا يفهم منه الا الجواز، كى يقال انه لا تطرق لهذه المناقشة، الا في المروى عن الرضوى حيث وقع
ص: 199
الامر فيه بجعلها نافلة عقيب النهي عن قطعها، فلاوجه لرفع اليد عن ظاهر الامر فيما عداه من الاخبار بعد عدم كونه واقعا عقيب الخطر ولا مورد توهمه، الامن حيث مخالفة العدول للاصل، وهى غير موجبة لصرف الأمر عن ظاهره، والا للزم صرف كل امر مخالف للاصل عن ظاهره و هو كما ترى، بل لان الظاهر من هذه الاخبار كونها في مقام بيان العلاج لان يتوصل الى ادراك فضيلة اتيان الفريضة جماعة ، فيكون الامرفيها بجعل ما بيده نافلة ارشاديا محضا لامولو ياكى يدل على الاستحباب فتدبر جيدا ! وكيفكان لا اشكال في جواز العدول بها الى النافلة فيما امكن له اتمامها ركعتين واللحوق بالجماعة.
وانما الاشكال فيما افتوابه من جواز قطعها مطلقا او بعد العدول بها الى النافلة، فيما اذا لم يمكن اتمامها ركعتين اما لدخوله فى الركوع الثالثة او لعدم سعة الوقت للاتمام، مستدلا على ذلك بانه بعدا العدول بها الى النافلة بمقتضى هذه الاخبار، تصير كسائر النوافل التي دلت الاخبار المتقدمة في الفرع السابق على جواز قطعها لادراك الجماعة ، مضافا الى كون جواز قطعها حينئذ مقتضى الاصل بعد انتفاء ما يدل على حرمة قطعها كغيرها من النوافل. وجه الاشكال هوان جواز قطعها لادراك الجماعة فيما اذا لم يمكن اتمامها، فرع جواز العدول بها الى النافلة فيهذا الفرض، اذ لولم يجز العدول بها الى النافلة لم يجز قطعها لحرمة قطع الفريضة، و جواز العدول بها الى النافلة فيهذا الفرض مبنى على عموم هذه الاخبار لهذا الفرض، وعمومها له ممنوع جدا، توضيح ذلك هو ان ترخيص العدول بها الى النافلة، لايخ ثبوتا اما ان يكون مطلقا و لو مع عدم التمكن من اتمامها ركعتين، او يكون مخصوصا بحال التمكن من اتمامها كك، وعلى الثانى فاما ان يكون مخصوصا بمن يتمها ويستانف الصلوة مع الامام، او يعم من يتمها ولا يستانف الصلوة معه ،او يقطعها و يستانف الصلوة، او يقطعها ولا يستانف الصلوة هذا بحسب مرحلة الثبوت. و اما بحسب مرحلة الاثبات، فلا ينبغى الاشكال في اختصاص الاخبار المتقدمة الدالة على جواز العدول بها الى النافلة، بما اذا تمكن من اتمامهار كعتين ضرورة ان الامر فيها
ص: 200
با تمامها ركعتين وجعلهما تطوعا، لا يصح الامع التمكن من اتمامها كك كما هو اوضح من ان يخفى، كما ان المتيقن بل الظاهر منها هو جواز العدول بها الى النافلة وانمامها ركعتين لمن اراد اللحوق بالجماعة، فلاتعم ما اذا لم يتمكن من الاتمام، او تمكن منه ولم يتمها اواتمها ولم يستانف الصلوة، مع الامام، وكذا اذا لم يتمكن من الاتمام وقطعها واستانف الصلوة او قطعها ولم يستانف الصلوة، وان ابيت عن ظهورها في الاختصاص بمن اتمها لارادة اللحوق بالامام، فلا اقل من عدم اطلاق لها يعم جميع صور التمكن من اتمامها ركعتين، و مقتضى ذلك بعد كون جواز العدول بها الى النافلة على خلاف الاصل، هو الاقتصار على القدر المتيقن منها، وهو جواز العدول الى النافلة لمن يتمها ويستانف الصلوة مع الامام.
وتوهم ان الاقتصار في مخالفة الأصل على القدر المتيقن من الدليل المجمل، انما يصيح فيما اذا امكن ان يكون القدر المتيقن مرادا من ذلك الدليل، و من المعلوم ان الرخصة في العدول عن الفريضة الى النافلة لمن يتمها بعد العدول ويستانف الصلوة مع الامام، مما لا يمكن ارادته من هذه الاخبار ، اذ الترخيص في العدول لمن يتم بعد العدول و يستانف مساوق لطلب الحاصل بل هو هو بعينه.
مدفوع بان طلب الحاصل انما يلزم فيما اذا كان الترخيص في العدول مترتبا على الاتمام والاستيناف المتحققين في الخارج بعد العدول، دون ما اذا كان مترتباعلى الاتمام والاستيناف المفروض تحققهما بعد العدول، بمعنى ان الشارع فرض الاتمام والاستيناف محققى الوجود في الخارج بعد العدول و رخص في العدول مبنيا عليهذا الفرض، فانه لا يلزم منه طلب الحاصل، وانما يلزم طلب الحاصل لو رخص في العدول بعد وجود الاتمام والاستيناف خارجا بعد العدول، لاما اذا رخص فيه بعد فرض تحققهما خارجا، و هذا نظير شرط الوجوب فى الواجبات المشروطة كقولنا ان استطعت فحج ، فان مقتضى كون الاستطاعة شرطا لوجوب الحج عدم وجوبه الا بعد تحقق الاستطاعة خارجا، مع انه لا شبهة فى ان الامر بنشاء وجوبه فعلا بقوله فحج مع عدم تحقق الاستطاعة خارجا، وليس ذلك الا لان الامر يفرض في ذهنه وجود
ص: 201
الاستطاعة في الخارج وبعد فرض وجودها كك ينشاء الوجوب المشروط بها.
ان قلت سلمنا عدم استلزام ذلك طلب الحاصل ، لكنه مستلزم لكون وقوع الصلوة المعدول اليها تطوعا مراعى باتمامها و استيناف الصلوة جماعة مع الامام، اذ المفروض كون الترخيص فى العدول مبنيا على فرض الاتمام والاستيناف، فعدم اتمامها واستيناف الصلوة يكشف عن عدم كون العدول مرخصافيه من اول الامركي يقطع تطوعا، وكون وقوع الصلوة المعدول اليها تطوعا مراعى باتمامها واستيناف الصلوة جماعة، خلاف ظهور قولهم عليهم السلام فى هذه الاخبار: و اجعلهما تطوعا و اجعلهما نافلة، في وقوعها تطوعا و نافلة من حين العدول من دون حالة منتظرة لاتمامها واستيناف الصلوة جماعه.
قلت لاشبهة فى ان الظاهر من هذه الاخبار هو كونها بصدد بيان الحيلة و العلاج لادراك فضيلة اتيان الصلوة جماعة، على وجه لا يستلزم ارتكاب ماهو المحرم من قطع ما بيده من الفريضة، ومن المعلوم ان العقل لو كان ملتفتا الى امكان الجمع بين ادراك فضيلة الجماعة و عدم ارتكاب قطع الفريضة بهذا النحو، لكان حاكما به بالاستقلال، وعليه فلا يكون الامر بالعدول الى النافلة و اتمامها و استيناف الصلوة جماعة فيهذه الاخبار، الا للارشاد الى هذا الحكم العقلى المستقل، وحينئذ فلا يكون لهذه الاخبار اطلاق يعم لغير هذه الصورة اى صورة العدول الى النافلة اتمامها واستيناف الصلوة جماعة، ضرورة ان الامر الارشادى تابع سعة وضيقا للمرشد اليه.
وان ابيت عن ذلك، بدعوى ان كون الأمر بالعدول من الفريضة الى النافلة لادراك الجماعة فيهذه الاخبار ارشادا الى هذا الحكم العقلى، يتوقف على كون الحكم بادراك فضيلة الجماعة بهذا النحو من المستقلات العقلية، والحال ان العقل لا يمكنه الحكم بإدراكها كك الا بعد امر الشارع بالعدول عما بيده من الفريضة الى النافلة، فكون الامر بالمدول في هذه الاخبار ارشادا الى الحكم العقلى لا يمكن الاعلى وجه دائر ، كما لا يخفى فنقول لاشبهة فى ان الغرض والمقصود من الأمر
ص: 202
بالعدول فيهذه الاخبار، انما هو لادراك فضيلة الجماعة على وجه لا يستلزم قطع الفريضة ومع كون ذلك هو الغرض والمقصود من هذه الاخبار، فلاوجه للالتزام بجواز العدول الذي هو خلاف الاصل في غير هذه الصورة، مع عدم دلالة هذه الاخبار على الازيد من ذلك كما لا يخفى، فتدبر!
و توهم انه كيف يتصوران يكون الترخيص في العدول عن الفريضة الى النافلة مشروطا باتمامها ركعتين، مع ان العدول عن الفريضة الى النافلة لامعنى له الا الاتيان بها بقصد انها نافلة ، فاذا صارت الفريضة نافلة بمجرد قصد الاتيان بها نافلة ، فيجوز بمجرد العدول بها الى النافلة قطعها والاشتغال بالجماعة، ومعه لا يبقى وجه لاشتراط الترخيص في العدول باتمامها ركعتين بعد كون الغرض من الترخيص فيه هو عدم ارتكاب ماهو المحرم من قطع ما بيده من الفريضة.
واضح الفساد، لالما افيد من انه لادلالة لصحيحة سليمان بن خالد على ان المريد للجماعة بمجرد عدوله عما بيده من الفريضة الى النافلة تنقلب صلوته نافلة بل المستفاد منها انها تحسب نافلة بعد اتمامها ركعتين، وذلك اما اولا فلما اشرنا اليه انفا من انه لا معنى للترخيص فى العدول عن الفريضة الى النافلة الا الترخيص في الاتيان بها بقصد انها نافلة مع ان لازم احتسابها نافلة بعد اتمامها ركعتين، عدم كونها حين الاتيان بها فريضة للعدول عنها ، ولا نافلة لعدم اتمامها ركعتين، فيلزم ان لاتكون حين الاتيان بها صلوة اصلا كما لا يخفى وهذا كما ترى و ثانيا ان قوله الله في الصحيحة وليكن الركعتان تطوعا، ليس امرا تكوينيا بصيرورتهما تطوعا بعد الاتمام قهرا، بل المراد منه هو لزوم الاتيان بهما بقصد التطوع، كما يدل على ذلك قوله علیه السّلام في الرضوى المتقدم: واجعلها نافلة وسلم في الركعتين.
بل وجه الفساد هوان الأمر فى تلك الاخبار بجعل ما بيده من الفريضة نافلة، ليس لمجرد التخلص عن ارتكاب قطع الفريضة، اما اولا فلان عمدة الدليل على حرمة قطعها هو الاجماع، والقدر المتيقن منه غير المقام، بل الأمر بجعلها نافلة واتمامها ركعتين، انما هولان يدرك ثواب النافلة وفضيلة الجماعة كليهما، ولا يصير ما اتى
ص: 203
به بقصد الفريضة بلااثر و لغوا هذا مضافا الى ان من يعدل عن الفريضة الى النافلة لمجرد ان يجوز له قطعها، ليس حقيقة قاصدا لاتمامها نافلة، و معه يكون نفس العدول اليها قطعا للفريضة حقيقة كما لا يخفى.
المسئلة الثامنة : لوتبين بعد الصلوة كون الامام كافرا او فاسقا او فاقدا للطهارة، كانت صلوة المأموم صحيحة، وانكان اتيا بما هو وظيفة المقتدى من ترك القرائة وزيادة الركن بقصد المتابعة والرجوع الى الامام عند الشك في عدد الركعات، اما الصحة فى الاول فلما يدل عليها من الاخبار الكثيرة ، كمرسلة ابن ابى عمير عن بعض اصحابه عن ابيعبد الله علیه السّلام:
فی قوم خرجوا من خراسان او بعض الجبال و كان يؤمهم رجل، فلما صاروا الى الكوفة علموا انه يهودى.
قال علیه السّلام: لا يعيدون. وما رواه الصدوق مسندا عن زياد بن مروان القندى في كتابه :
ان الصادق علیه السّلام قال فى رجل صلى بقوم حين خرجوا من خراسان حتى قدموا مكة، فاذا هویهودی او نصرانی.
قال علیه السّلام : ليس عليهم اعادة.
و مقتضى اطلاقهما صحة صلوة المأموم و ان اني بماهو وظيفة المقتدى ولا يغتفر عن المنفرد، و اما الصحة فى الثانى فاستدلوا عليها بوجوه: منها الاجماع المركب، و منها فحوى مادل على الصحة فى الاول، فانه يدل على الصحة فيما تبين كون الامام فاسقا بالاولوية القطعية، ضرورة ان الصلوة خلف الفاسق لا يمكن ان تكون اسوء حالا من الصلوة خلف الكافر، هذا مضافا الى ان الكفر موجب لفساد صلوة الامام والايتمام به، وهذا بخلاف الفسق، فانه لا يوجب الافساد الايتمام بالفاسق، فهواولى بصحة الصلوة خلفه من الكافر، ومنها ان الشرط في صحة الاقتداء هو احراز العدالة لا العدالة الواقعية او المحرزة، وبعبارة اخرى الاحراز تمام الموضوع، لا ان يكون طريقا محضا ويكون الشرط هى العدالة الواقعية ، ولا يكون جزء للموضوع
ص: 204
کی يكون للعدالة الواقعية ايضا دخل في الموضوع، حتى يستلزم بطلان الصلوة عند انکشاف الفسق، ومنها ان الصلوة خلف من احرز عدالته مأموربها والامر يقتضى الاجزاء.
و في الكل مالا يخفى، اما الاول اى الاجماع فلان كشفه عن رأى المعصوم علیه السّلام او عن دليل معتبر مع احتمال استناد المجمعين الى ماذكر من الوجوه ممنوع جدا، واما الثانى فلان الاولوية القطعية منها ممنوعة و الظنية قياس لانقول به، واما الثالث فلان الظاهر من قوله علیه السّلام فى بعض اخبار العدالة: وان سركمان تزكوا صلوتكم فقدمواخياركم، هو أن الشرط نفس العدالة لا احرازها، واما قوله علیه السّلام في بعضها: صل خلف من تثق بدينه وامانته ، فالظاهر كونه في مقام اعتبار الوثوق من باب الطريقية لاثبات الدين والامانة، لا الموضوعية كي يدل على ان الشرط نفس الوثوق بهما، هذا مضافا الى انه لاخلاف ظاهرا في كفاية احراز العدالة بالامارة ولو لم تفد الوثوق بها، وكذا بالاستصحاب مع انه لو كان الشرط هو الوثوق بالعدالة على نحو الموضوعية، لم يكن وجه للاكتفاء في احرازها بالامارة فضلا عن الاستصحاب، الا فيما اذا افادت الامارة الوثوق والاطمينان الشخصى بها واما الرابع فلان الامر بالصلوة خلف من احرز عدالته بناء على كون الاحراز طريقيا يكون امرا ظاهريا، وقد حقق فى محله ان كون الامر الظاهرى مقتضيا للاجزاء خلاف الاصل، فلا بدفى الحكم به في كل مورد من قيام دليل خاص عليه.
فالاولى فى تقريب الاستدلال بفحوى مادل على الصحة في الأول اى ماتبين كون الامام كافرا، ان يقال لاشبهة فى ان العدالة شرط في صحة الاقتداء في عرض الايمان، لا فى طوله بان يكون شرطا فيما اذا كان الامام مؤمنا، فان العدالة و ان كان لا يمكن تحققها خارجا الا بعد تحقق الايمان، لكن اعتبارهما في صحة الاقتداء في عرض واحد في غاية الامكان، و معه لاوجه لرفع اليد عما هو ظاهر الادلة المعتبرة لهما من اعتبارهما فى صحة الاقتداء كسائر الشرائط المعتبرة فيها، فاذا كانت العدالة شرطا في عرض الايمان، فيكون الحكم بالصحة فيما تبين كون الامام كافرا مع ان
ص: 205
الكفر متضمن للفسق، دالا بالفحوى والاولوية القطعية على الصحة فيما تبين كونه فاسقا، ضرورة ان الصلوة خلف من يكون فاقدا لشرطين اذا كانت صحيحة، فتكون من يكون فاقدا لاحدهما صحيحة بطريق اولى، ومن الحكم بالصحة فيما نبين كون الامام كافرا فاقدا لشرطى الايمان والعدالة، يستكشف ان احراز هما يكفى في صحة الاقتداء واقعا، ولا ينافى ذلك ما ذكرنا من عدم الخلاف في كفاية احراز العدالة بالبيئة والاستصحاب، بدعوى ان موردهما انما هو فيما اذا كان المؤداهما اثر شرعى والمفروض ان مؤداهما في المقام وهو العدالة ليس له اثر شرعى وانما الاثر لاحرازها، توضیح عدم المنافاة هو ان مقتضى الحكم بالصحة فيهذه الاخبار و انكان كفاية احراز العدالة فى صحة الاقتداء واقعا ، لكن مقتضى الجمع بين هذه الاخبار و بين مامر من بعض الاخبار الظاهر في اشتراط نفس العدالة الواقعية، هو كفاية احد الامرين في صحة الاقتدء واقعا، لاعدم اعتبار العدالة الواقعية اصلا، كي ينا في ما ذكرنا من حكمهم بكفاية احراز العدالة بالبيئة والاستصحاب.
و اما الصحة فى الثالث و هو ما اذا تبين ان الامام كان فاقدا للطهارة، فقد استدلوا عليها ايضا بوجوه: منها فحوى مادل على الصحة فى الاول بالتقريب الاول، و فيه ما مر من منع الاولوية القطعية بذلك التقريب، نعم لا يبعد بل يصح استدلال بالفحوى المزبور بالتقريب الثانى الذي ذكرناه كما لا يخفى، و منها ان الصلوة خلف من احرز طهارته بالامارة او الاصل تكون مامورا بها والامر يقتضى الاجزاء، وفيه مامر من ان اجزاء الأمر الظاهرى على خلاف الاصل، و منها و هو العمدة الاخبار المستفيضة، منها صحيحة زرارة عن احدهما عليهما السلام قال:
سئلته عن رجل صلى بقوم ركعتين ثم اخبرهم انه على غير وضوء. قال علیه السّلام:
يتم القوم صلوتهم فانه ليس على الامام ضمان، ولا يضر بدلالة صدرها على صحة صلوة المامومين، اجمال ما فى ذيلها من التعليل و عدم فهم المراد منه، حيث ان الظاهر من التعليل هو ان الامام حيث لا يكون ضامنا لصلوة المامومين كي
ص: 206
تكون صلوته بدلا عن صلوتهم بل كل منهم يصلى صلوته، غاية الامرانه يجعل افعال صلوته تابعة لافعال صلوة الامام، و مجرد ذلك لا يوجب الارتباط والتلازم بين صلوتهم وصلوته صحة وفسادا، افلا يستلزم فساد صلوته لفساد صلوتهم، و مقتضى ذلك كمانرى هو ان كل ما يكون الامام ضامنا له اجزاء الصلوة فيكون فساده لفقد من شرط الصحة مستلزما لفساد صلوة الماموم، و لازم ذلك هو بطلان صلوة المامومين فيما نحن فيه، من جهة تركهم القرائة التي يضمنها الامام من دون ان تكون قرائة الامام لفساد صلوته بدلا عن قرائتهم ومسقطة لها، وتوهم ان التعليل بهذه العلة انما هو بضميمة مقدمة مطوية مرتكزة في ذهن السائل، وهى ان ترك القرائة سهو الشبهة موضوعية لا يوجب الفساد بمقتضى حديث لاتعاد، مدفوع بما اشرنا اليه سابقا من اختصاص الحديث بمااذا اخل سهوا بالجزء بتوهم عدم اشتغال ذمته به اما باعتقاداتیانه به او باعتقاد عدم كونه في محله كما اذا ترك القرائة باعتقاد كونه في الاخيرتين، وعدم شموله لما اذا علم باشتغال ذمته بالجزء ولم يات به بتوهم بدلية اتيان الغير له عن اتيانه كما في المقام، هذا مضافا الى ان مقتضى عدم التلازم بين صلوة الماموم و صلوة الامام صحة وفسادا كما هو ظاهر هذا التعليل، هو جواز الاقتداء ولومع العلم بفساد صلوة الامام وهو كما ترى، ومما ذكرنا من اجمال هذا التعليل وعدم فهم المراد منه، ظهر ما فى الاستدلال بعمومه لصحة صلوة الماموم مطلقا فيما اذا تبين فساد صلوة الامام لغيره هذه الجهة من الجهات هذا.
ولكن الحق عدم الاجمال فيهذا التعليل اصلا، و بيان ذلك على وجه يندفع به الاشكالات عنه بحذافيرها بعد تمهيد مقدمة، وهى انه لا شبهة في ان صحة صلوة الامام وكونها واجدة لجميع الاجزاء والشرائط ، ليست شرطا في صحة اصل صلوة المأموم، بحيث يكون بطلان صلوة الامام لفقد جزء او شرط موجبا لبطلان صلوة المأموم رأسا، بل صحة صلوة الامام شرط في صحة صلوة المأموم جماعة، و لذا لا يكون بطلان صلوة الامام موجبا الا لبطلان القدوة لا لبطلان صلوة المأموم رأساء هو ان المراد من هذا التعليل هو ان الامام حيث لا يكون ضامنا لصلوة المأموم بل
ص: 207
لكل منهما صلوة، و انما يجعل المأموم افعال صلوته تابعة لافعال صلوة الامام، ومجرد ذلك لا يوجب الا الملازمة بين صحة صلوة المأموم، جماعة وصحة صلوة الامام لا بين صحة اصل صلوة المأموم، وصحة صلوة الامام، فلا يكون فساد صلوة الامام مستلزما لفساد صلوة المأمومين رأسا .
و توهم ان الامام وان لم يكن ضامنا لصلوة المأموم، لكنه ضامن لقرائته ولذا تكون قرائته مجزية عن قرائة المأموم، وحينئذ اذا كانت قرائة الامام فاسدة لفقدها لشرط الطهارة، فيكون منشاء لفساد صلوة المأموم، لتركه القرائة اختيارا من دون بدل كما هو مقتضى هذا التعليل ايضا، مدفوع بان قرائة الامام و انكانت فاسدة لفقدها لشرط الطهارة، لكن الذى يكون شرطا لصحة الاقتداء وكون قرائة الامام مجزية عن قرائة المأموم، هو احراز كون الامام متطهر الا الطهارة الواقعية، وذلك لما عرفت من دلالة مادل على الصحة فيما لوتبين كفر الامام بالفحوى والاولوية القطعية، على الصحة فيما تبين كونه فاقد الشرط من الشروط، سواء كان من شروط القدوة كالعدالة، او شروط اصل الصلوة كالطهارة، فمن هذا الدليل نستكشف ان ما يكون شرطا لصحة الاقتداء و كون قرائة الامام مجزية عن قرائة المأموم، هو احراز كون الامام واجدا للشرائط لاكونه واجدا لها واقعا، وحينئذ فالقرائة التي اتى بها هذا الامام المحدث، و انكانت فاسدة بالنسبة الى نفسه لكونها فاقدة لشرط و هى الطهارة الواقعية، لكنها صحيحة بالنسبة الى المأمومين و مجزية عن قرائتهم، لكونها واجدة لشرط صحة القدوة وهو احراز كون الامام مة لهرا، فهذا التعليل و ان لم يكن تاما فيحد نفسه، لكنه تام بضميمة مقدمة مطوية محرزة من دليل اخر، وهي ان ما هو شرط لصحة القدوة وكون قرائة الامام مجزية عن قرائة المأموم، هو احراز كون الامام واجدا للشرائط لاكونه واجدا لها واقعا. ومما ذكرنا ظهر اندفاع ما اورد اخيرا عليهذا التعليل من ان مقتضاه صحة الاقتداء ولو مع العلم بفساد صلوة الامام. توضيح الاندفاع هوان مقتضى هذا التعليل على ما بيناه، هو عدم الارتباط بين صحة اصل صلوة المأموم وصحة صلوة الامام،
ص: 208
لاعدم الارتباط بين صحة صلوته جماعة وصحة صلوة الامام ، كي يصح له الاقتداء ولو مع العلم بفساد صلوة المأموم هذا وتدبرا و منها صحيحة محمد بن مسلم عن ابيجعفر علیه السّلام قال :
سئلته عن الرجل يؤم القوم وهو على غير طهر، فلا يعلم حتى تنقضى صلوتهم.
قال علیه السّلام :
يعيد، ولا يعيد من صلی خلفه وان اعلمهم انه كان على غير طهر.
و منها صحيحته الاخرى عن الصادق علیه السّلام :
عن الرجل ام قوما وهو على غير طهر، فاعلمهم بعد ما صلوا.
فقال علیه السّلام : يعيد هو ولا يعيدون.
و منها صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال :
سئلته عن قوم صلى بهم امامهم و هو غير طاهر، اتجوز صلوتهم ام يعيدونها؟
فقال علیه السّلام : لا اعادة عليهم، تمت صلوتهم وعليه الاعادة، وليس عليه ان يعلمهم هذا عنه موضوع.
ومنها صحيحة الحلبى عن ابيعبد الله علیه السّلام، في حديث قال علیه السّلام:
من صلى بقوم وهو جنب او على غير وضوء فعليه الاعادة و ليس عليهم ان يعيدوا وليس عليه ان يعلمهم و لو كان عليه ذلك لهلك.
قال قلت: كيف كان يصنع بمن خرج الى خراسان وكيف كان يصنع بمن لا يعرف؟
قال علیه السّلام : هذا عنه موضوع.
و منها موثقة عبدالله بن بكير قال :
سئل حمزة بن حمران ابا عبدالله علیه السّلام، عن رجل امنا في السفر و هو جنب وقد علم ونحن لا نعلم.
قال علیه السّلام : لا بأس.
و منها رواية ابن ابي يعفور قال:
ص: 209
سئل ابو عبدالله علیه السّلام عن الرجل، ام قوما وهو على غير وضوء.
فقال علیه السّلام : ليس عليهم اعادة وعليه هوان يعيد.
وهذه الاخبار كماترى تدل باطلاقها وترك الاستفصال فيها بين ما لو كان المأموم قداخل بوظيفة المنفرد وبين غيره، على صحة الصلوة جماعة كما هو واضح، ولا يعارضها ما ظاهره البطلان و وجوب الاعادة على المأمومين ايضا، كصحيحة معوية بن وهب قال :
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : ايضمن الامام صلوة الفريضة فان هؤلاء يزعمون انه يضمن؟
فقال علیه السّلام : لا يضمن، ای شیء یضمن الا ان یصلی بهم جنبا او علی غیر طهر، فان ظاهر الاستثناء بقوله علیه السّلام : الا ان يصلى بهم جنبا ... الخ، هو بطلان صلوة المأمومين و وجوب الاعادة عليهم ايضا اذا صلى بهم على غير طهر ، ضرورة انه لوكانت صلوتهم تامة صحيحة لمافات منهم شئ حتى يضمنه الامام ، وخبر عبدالله العزرمي عن ابيه عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
صلى على علیه السّلام بالناس على غير طهر وكانت الظهر، ثم دخل فخرج مناديه ان امير المؤمنين علیه السّلام صلى على غير طهر فاعيدوا فليبلغ الشاهد الغائب.
و ما عن دعائم الاسلام مرسلا عن على علیه السّلام قال علیه السّلام:
صلی عمر بالناس صلوة الفجر ، فلما قضى الصلوة اقبل عليهم، فقال: ايها الناس ان عمر صلى بكم الغداة وهو جنب.
فقال له الناس : فماذا ترى؟
فقال: على الاعادة ولا اعادة عليكم.
فقال له على علیه السّلام : بل عليك الاعادة وعليهم ان القوم بامامهم يركعون ويسجدون، فاذا فسد صلوة الامام فسد صلوة المأموم.
اما عدم معارضة صحيحة ابن وهب للاخبار المتقدمة، فلانها وانكانت صحيحة، لكن اعراض المشهور عنها الكاشف عن عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي، يسقطها عن صلاحية المعارضة مع الاخبار المستفيضة المتقدمة، هذا مضافا الى كون الاخبار
ص: 210
المتقدمة صريحة في الصحة، وهذ الصحيحة (1) لوسلم دلالتها على البطلان تكون ظاهرة فيه، فيمكن حملها على إقلية الفضل والثواب، و اما عدم معارضة خبر عبدالرحمن العزومى للاخبار المتقدمة، فلاعراض المشهور عنه وكونه مشتملا على ما ينافی العصمة، وكونه موافقا لمذهب جملة من العامة على ما حكى عنهم، فيكون ساقطا عن الاعتبار وصلاحية المعارضة مع تلك الاخبار، هذا مضافا الى كون الاخبار المتقدمة صريحة فى الصحة، والامر بالاعادة فيهذا الخبر ظاهر فى البطلان، ومقتضى الجمع العرفى هو حمل الأمر بالاعادة فيه على الاستحباب بقرينة تلك الاخبار، و اماء معارضة مرسلة الدعائم لتلك الاخبار، فلضعفها سندا بالارسال والمرسل، و جهةً بالاعراض و الموافقة لجملة من العامة ، ودلالة بامكان حملها على الفساد من جهات اقلها عدم عدالة الامام مع علم المأمومين به فتدبر ! فيكون الأمر فيها بالاعادة
ص: 211
الخصوصية المورد، هذا مضافا الى امكان حمل قوله علیه السّلام فيها: فإذا فسد صلوة الامام فسد صلوة المأمومين على قلة الفضيلة والثواب.
ثم ان مقتضى مادل عليه الاخبار المتقدمة من عدم كون فساد صلوة الامام من جهة كونه على غير طهارة او من جهة اخلاله بغيرها من اجزاء الصلوة او شرائطها مستلزما لفساد صلوة المأمومين، كما هو مقتضى عموم ما في صحيحة زرارة المتقدمة من التعليل بقوله علیه السّلام : فانه ليس على الامام ضمان ، هو عدم وجوب الاعلام بحاله عليه، اذ بعدكون صلوة المأمومين معه صحيحة واقعا، لا يكون اخفاء حاله عليهم موجبا لالقائهم في خلاف الواقع كي يجب عليه الاعلام به، و من هنا وقع التصريح بعدم وجوب الاعلام عليه في صحيحتى زرارة والحلبي المتقدمتين، من غير فرق في ذلك بينما لوتبين للامام بطلان صلوته بعد الفراغ عنها او تبين له بطلانها في الاثناء، و ذلك لاشتراك الفرضين فى عدم الموجب للاعلام، بعد عدم كون الاخفاء فيهما مستلزما للالقاء في خلاف الواقع ، نعم فيما لوتبين له في الاثناء انه محدث او احدث، يبعد القول بوجوب الاعلام عليه ، لانه لو اخفى حاله حينئذ حتى اتموا الصلوة يكون اثما ، لاخلاله بما تعهده بمقتضى صحيحة ابن وهب المتقدمة التي يكون مفادها بعد حملها على ما ذكرناه في الحاشية ، هو تعهد الامام بان لا يصلى بمن خلفه من المأمومين على غير طهر هذا.
الفصل الرابع: فيما يعتبر فى امام الجماعة من الشروط، وهي امور:
احدها ان يكون ممن وضع عليه قلم التكليف بان كان بالغا عاقلا اذا كان الاقتداء بالصبى والمجنون اللذين رفع عنهما قلم التكليف، المأموم بالغا، فلا يصح ا ما اعتبار البلوغ كما هو المشهور بل المحكى عن المنتهى نفى الخلاف فيه، فواضح على القول بعدم شرعية عبادات الصبى، اذعليه الاصلوة له كى يصح الاقتداء به فيها، واما على القول بشرعيتها كما هو المختار، فيدل على عدم صحة الاقتداء به، مضافا الى كونه مقتضى الاصل الذي اسناه في هذا الباب، ومضافا الى كونه مقتضى مادل
ص: 212
على عدم جواز اقتداء المفترض بالمتنفل، فانا و ان اخترنا شرعية عبادات الصبى لكن لاشبهة في عدم وجوبها عليه فتدبر ومضافا الى كونه مقتضى ما سيجيى من اعتبار
العدالة فى الامام المتوقف تحققها على التكليف، ومضافا الى عدم نقل الخلاف فيه الا عن الشيخ فى كتابيه المبسوط والخلاف، مع موافقته للاصحاب في كتاب النهاية والتهذيب العلوى المنجبر ضعفه بعمل الاصحاب، لاباس ان يؤذن الغلام قبل ان يحتلم، ولا يؤم فان ام جازت صلوته و فسدت صلوة من خلفه ولا يعارضه مادل على جواز امامة الصبى كخبر طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن على علیه السّلام قال : لا بأس أن يؤذن الغلام الذى لم يحتلم وان يؤم ، وخبر غياث بن ابراهيم عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
لا بأس بالغلام الذى لم يبلغ الحلم ان يؤم وان يؤذن ، و موثقة سماعة عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
يجوز صدقة الغلام و عتقه و يؤم الناس اذا كان له عشر سنين، اما عدم، معارضة الخبرين الاولين للعلوى، فلضعفهما في نفسهما و باعراض المشهور او الكل عنهما، و اما عدم معارضة الموثقة له، فلظهورها فى ان عشر سنين حد بلوغ الغلام ، فلا دلالة لها على ان الصبى الغير البالغ يجوز له ما ذكر فيها من الأمور، سلمنا دلالتها على ذلك، لكنها لمخالفتها فى جواز الامامة له لفتوى الكل حتى الشيخ القائل بجواز امامة المراهق، اذا المراهق عبارة عمن قارب الحلم وهو اعم ممن بلغ عشر سنين، فالتحديد فى الموثقة بخصوص عشر سنين مخالف لفتواه ايضا، ومخالفتها في جواز صدقته و عتقه لفتوى المعظم المطابقة للاصول والادلة ، لاتصلح في نفسها للاعتماد عليها فى اثبات هذا الحكم المخالف للأصل، فضلا عن صلاحيتها للمعارضة العلوى المتقدم المعمول به عند الاصحاب.
واما اعتبار العقل، فيدل عليه مضافا الى انه لاعبادة للمجنون كى يصح الاقتداء به في صلوته، ومضافا الى ما عن غير واحد من نفى الخلاف فيه وكونه موضع
ص: 213
وفاق، التصريح به في جملة من الروايات، ففى صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال علیه السّلام :
قال امیر المؤمنین علیه السلام: لا يصلين احد كم خلف المجنون وولدالزنا.
و فى صحيحة أبي بصير عن ابيعبد الله علیه السّلام قال:
خمسة لايؤمون الناس على كل حال وعد منهم المجنون و ولد الزنا، نعم لو كان جنونه ادوار ياصح الاقتداء به حال افاقته لانصراف النص عنه، لكن هذا فيما اذا علم او اطمئن بعدم طروه عليه فى اثناء الصلوة، و اما لو احتمل طروه كك فقد يقال بصحة الاقتداء به ايضا لعدم العبرة باحتمال طروه بعد كون مقتضى الاستصحاب عدم طروه، لكن يشكل ذلك بان مع احتمال طروه عليه في الاثناء يحتمل عدم قابلية المحل للحكم الظاهرى الاستصحابي، اذ معه يحتمل ارتفاع هذا الحكم قبل اتمام الصلوة بارتفاع الشك الذى هو الماخوذ في موضوع الاستصحاب، و من المعلوم عدم امكان تعلق الحكم بشئ مع ارتفاعه قبل الاتيان بذلك الشئ، ولعل ذلك هو الوجه لما عن العلامة قده في التذكرة في باب الجمعة من المنع عن صحة الاقتداء معللا باحتمال عروضه له في الاثناء، نعم يصح له مع هذا الاحتمال الاقتداء به رجاء، فلو انكشف بعد الصلوة طروالجنون عليه في الاثناء، يوجب ذلك انكشاف بطلان صلوته جماعة، بل بطلانها راسا لو كان اخل بوظيفة المنفرد بترك القرائة اوزاد ركنا
بواسطة المتابعة للامام، و ذلك لان مقتضى القاعدة فيما ثبت شرطية شئ في صحة الاقتداء وتبين فقده بعد الفراغ عن الصلوة، هو فساد صلوة الماموم راسا لوكان اخل بوظيفة المنفرد، خرجنا عن تلك القاعدة فيما تبين عدم ايمان الامام وعدالته وطهارته بل كل ما يعتبر في صحة صلوته، لعموم ما في صحيحة زرارة المتقدمة من التعليل بقوله علیه السّلام : فانه ليس على الامام ضمان، و بقى غير ذلك مما يعتبر في الامام تحت تلك القاعدة، فلوتبين كون الامام غير بالغ او مجنونا اوامرأة وكان المأموم قداخل بوظيفة المنفرد، فمقتضى القاعدة بطلان صلوته رأسا ولو فيما اذا كان احرز تلك
ص: 214
الشرائط باصل او امارة فضلا عما اذا اقتدى به رجاء، واشكل من ذلك ما اذا علم بانكشاف حال الامام في الاثناء، لاستلزام علمه هذا العلم بارتفاع هذا الحكم الظاهرى الاستصحابي قبل اتمام الصلوة، وقد عرفت عدم امكان تعلق الحكم بشئ مع ارتفاعه قبل الاتيان بذلك الشئ فتامل جيدا !
وثانيها العدالة، واعتبارها في الامام مما قام عليه الاجماع بل يكون مقطوعا به عند الاصحاب بحيث كادان يعد لديهم من الضروريات، وانما وقع الاختلاف بينهم في ماهيتها ومعناها اصطلاحا وفى عرف المتشرعة، بعد اتفاقهم على كونها لغة وعرفا بمعنى الاستقامة والاستواء فى مقابل الاعوجاج، فقيل انها عبارة عن ملكة نفسانية باعثة على ملازمة التقوى، او عليها وعلى ملازمة المروة بان لا يرتكب ما يعد قبيحا
عرفا و يتنفر عنه النفوس عادة، وقيل انها عبارة عن مجرد ترك المعاصى مطلقا او خصوص الكبائر والاصرار على الصغائر ولولا عن ملكة، وقيل انها عبارة عن الاستقامة الفعلية الناشئة عن الملكة، و بعبارة اخرى هى عبارة عن الملكة الباعثة فعلا على الاجتناب عن الكبائر التي منها الاصرار على الصغائر، فلا يصدق العادل على من ليس له ملكة الاجتناب عن الكبائر، لكنه لم يرتكبها من باب الاتفاق ولو لعدم تهيؤ اسبابه اوخوفا عن المذمة واللوم، ولا على من له ملكة الاجتناب و لكنه ارتكب كبيرة لغلبة قوتى الغضب والشهوة عليه المانعة عن تأثير ملكته فيما تقتضيه من البعث على الاجتناب عنها، و هذا المعنى وانكان اخص من المعنيين الأولين لكونه عبارة اخرى عن مجموعهما، لكن يمكن ان يكون مرجع المعنى الأول الى هذا المعنى، بان يكون المراد من الملكة الباعثة على ملازمة التقوى فى كلمات القائلين بالمعنى الاول المملكة الباعثة فعلا على ملازمة التقوى، لاما من شأنها ان تبعث ولو تخلف عنها
البعث احيانا لمانع كغلبة الهوى وتسويل الشيطان، كما يوضح ذلك توصيف الملكة في بعض كلماتهم بالمانعة عن ارتكاب الكبيرة، فان المتبادر منها هي المانعة فعلا لا شأنا واقتضاء، و على اى حال لا يهمنا البحث عن حقيقة العدالة و ماهيتها، وانها هل
ص: 215
هي مجرد عدم ارتكاب الكبيرة ولولا عن ملكة او الملكة الباعثة على عدم ارتكابها، او المجموع منهما اى عدم ارتكابها فعلا عن ملكة، وانما المهم التعرض لما يستفاد من الدليل من هذه المعاني، فلابد اولا من ذكر بعض الاخبار الشارحة للعدالة، ثم التعرض لبيان ما يستفاد منها من المعانى المزبورة، فنقول منها ما رواه الصدوق في الوسائل باسناده عن عبد الله بن ابي يعفور، قال :
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟
فقال علیه السّلام : ان تعرفوه بالستر والعفاف و كف البطن والفرج واليد واللسان ، وتعرف باجتناب الكبائر التي اوعد الله علیها النار من شرب الخمر والزنا والرباء و عقوق الوالدين والفرار عن الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كله ان يكون ساتر الجميع عيوبه ، حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ، و يجب عليهم تزکیته و اظهار عدالته في الناس ، و يكون منه التعاهد للصلوات الخمس اذا واظب عليهن و حفظ مواقيتهن بحضور جماعة من المسلمين و ان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الامن علة ، فاذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس، فاذا سئل عنه في قبيلته و محلته قالوا مارأينا منه الاخيرا، مواظبا على الصلوات متعاهد الاوقاتها في مصلاه، فان ذلك يجيز شهادته و عدالته بين المسلمين، وذلك ان الصلوة سترو كفارة للذنوب، وليس يمكن الشهادة على الرجل بانه يصلى اذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين، و انما جعل الجماعة و الاجتماع الى الصلوة لكى يعرف من يصلى ممن لا يصلى ومن يحفظ مواقيت الصلوة ممن يضيع، ولولا ذلك لم يمكن احدا ان يشهد على آخر بصلاح، لان من لا يصلى لاصلاح له بين المسلمین، فان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم هم بان يحرق قوما في منازلهم لتركهم الحضور في جماعة المسلمين، وقد كان فيهم من يصلى فى بيته فلم يقبل منه ذلك، و كيف يقبل شهادة او عدالة بين المسلمين، ممن جرى الحكم من الله عزوجل ومن رسوله الله صلی الله علیه و آله و سلّم فيه بالحرق في جوف بيته بالنار ، وقد كان يقول صلی الله علیه و آله و سلّم: لا صلوة لمن لايصلي في المسجد مع المسلمين الامن علة الخبر.
ص: 216
ولا یخفی ظهور قول السائل بم تعرف العدالة فى السؤال عن طريق معرفة العدالة و تشخيصها خارجا، و أن مفهومها كان مبينا معلوما عنده، فان العدالة لغة و عرفاهی الاستقامة والاستواء فى الافعال في مقابل الاعوجاج فيها، فاذا اطلقت في لسان الشارع او المتشرعة، يتبادر منها بحيث لا يشك فيه احد، ان المراد منها هي الاستقامة على جادة الشرع الناشئة عن. حالة وملكة نفسانية هى المبالاة بالدين بحيث يبعثه تدينه به على ملازمة فعل الواجبات و ترك المحرمات، ولما كانت هذه الحالة من الكيفيات النفسانية الغير القابلة للاحساس، وكان وجودها يستكشف من من اثارها الخارجية كغيرها من الملاكات النفسانية كالسخاوة والشجاعة، ولم تكن الملازمة على فعل الواجبات و ترك المحرمات، من الاثار الخاصة بهذه الحالة، كى تكون كاشفة قطعا عن وجودها، لامكان كون تلك الملازمة ناشئة عن ملكة وحالة اخرى كحب الجاه والمحبوبية عند الناس و تكريمهم له و مدحهم اياه و نحوها من الاغراض النفسانية ، الجاء السائل الى السوال عن طريق معرفة تحقق تلك الحالة النفسانية ، فاجابه الامام علیه السّلام، بقوله علیه السّلام: ان تعرفوه بالستر والعفات وكف البطن . . . الخ.
و توهم ان السؤال وانكان فيحد نفسه ظاهرا فى السوال عن طريق معرفة تحقق تلك الحالة النفسانية و احراز ثبوتها خارجا ، لكن لابد من صرفه عن هذا الظهور وحمله على السئوال عن حقيقة العدالة و ماهيتها ، بقرينة جوابه علیه السّلام عنه بقوله ان تعرفوه بالستر والعفاف ، الظاهر في كونه علیه السّلام في مقام بیان مفهوم العدالة وحقيقتها، لان كون الشخص ستيرا وعفيفا عبارة أخرى عن كونه عادلا، ضرورة ان معنى قولنا فلان ستير وعفيف هو ان له ملكة رادعة عن ارتكاب القبائح، فان العفة عبارة عن كف النفس عن القبائح، لا مجرد تركها ولو لعدم تهيؤ اسبابها او لمانع خارجى، فاذا كان الجواب ظاهرا فى بيان مفهوم العدالة وحقيقتها، فلابد من حمل لفظة ما في قول السائل بم تعرف العدالة على ما، الحقيقية وعلى السوال عن المعرف
ص: 217
المنطقى ، حفظا للزوم مطابقة الجواب للسوال والربط والمناسبة بينهما.
مدفوع بما اشرنا اليه من ان كف النفس عن القبائح وانكان ناشئا عن ملكة نفسانية رادعة عنها، لكن الملكة الرادعة عنها اعم من ان تكون هى المبالات بالدين والخوف من العقوبة اوغيرها من الدواعى النفسانية كحب الجاه والعظمة والمحبوبية عند الناس، فلاتدل اخذ الاوصاف المذكورة فى الجواب على الملكة الخاصة التي هى الاستقامة في الدين والالتزام به، كي يكون كاشفا عن كون السئوال كان عن حقيقة العدالة و ماهيتها، وحينئذ لا يكون الحكم بتحقق العدالة و ثبوتها مع وجود تلك الاوصاف الا من جهة التعبد وجعلها طريقا تعبديا لاحرازها.
ثم لما كانت معرفة الشخص بالستر والعفاف وكونه ممن يكف نفسه عن ارتكاب القبائح مطلقا، محتاجة الى معاشرة تامة معه فى جميع حالاته من الحضر والسفر والجلوة والخلوة، وكانت المعاشرة بهذه الدرجة مما لا يتفق لغالب الناس، فبين علیه السّلام ان لمعرفة اتصافه بتلك الاوصاف طريقا تعبديا آخر ، بقوله علیه السّلام : والدلالة على ذلك كله ان يكون ساتر الجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ، فجعل علیه السّلام ستر عيوبه بین اظهر الناس و ملأهم طريقا تعبديا الى كونه عفيفا غير مرتكب للقبائح مطلقا، ولما كان ذلك اى اتصاف الشخص بكونه ساتر الجميع عيوبه في الملاء، مما لا يمكن احرازه لمن ليس له معاشرة مع ذلك الشخص الا في اوقات حضور الصلوة مع الجماعة، جعل علیه السّلام حضوره
جماعة المسلمين طريقا ثالثا تعبديا الى كونه عفيفا لا يرتكب القبائح مطلقا عن ملكة رادعة، واشار علیه السّلام تفضلا منه الى بيان ما يترتب على الحضور في جماعة المسلمين من الفوائد بقوله علیه السّلام : فاذا كان كذلك ... الخ، فان قوله علیه السّلام فاذا سئل عنه في قبيلته الى قوله علیه السّلام و ذلك ان الصلوة ستر ، اشارة الى ان حضوره صلوة الجماعة دليل شرعا على كونه تاركا للقبائح كلها، لان الصلوة ستر و كفارة للذنوب وناهية عن الفحشاء والمنكر ، وقوله علیه السّلام و انما جعل الجماعة اشارة الى ان من لم يحضر الجماعة
ص: 218
لا طريق لنا الى انه ممّن يصلى ويحفظ مواقيت الصلوة ولا يضيعها ، وقوله علیه السّلام : ولولا ذلك ... الخ، اشارة الى ان من لا يحضر الجماعة من غير علة وعذر يعد معرضا عنها ، والاعراض عنها من اعظم العيوب ، فلا يكون من لا يحضرها من غير عذرساتراً لعيوبه كي يكون ستره لها طريقا شرعا الى عدالته فتبين مما ذكرنا ان الفقرات المذكورة فى الصحيحة كلها بصدد بيان الامارة والطريق المثبت شرعا للعدالة ، لا بيان المعرف المنطقى الشاك في مفهومها و ماهيتها.
وكيفكان لا اشكال فى دلالة الرواية على ان حقيقة العدالة هى الملكة الباعثة فعلا على الاجتناب عن الكبائر ، اما على القول بكونها واردة في مقام بيان حقيقة العدالة فواضح، حيث ان قوله علیه السّلام : ان تعرفوه بالستر والعفاف، ظاهر في اعتبار الملكة ، لماعرفت من انه لا يقال الشخص انه ستير وعفيف الا اذا كان الستر والعفاف ملكة له، وقوله علیه السّلام : وكف البطن والفرج واليد واللسان، ظاهر في اعتبار كون الملكة باعثة فعلا على ترك المعاصى، فان كف الجوارح عبارة عن ترك ما تشهيه من المعاصى فعلا كما يدل عليه قوله علیه السّلام في بيان تعريف كفها: ويعرف ذلك باجتناب الكبائر، و اما على ما استظهر ناه منها من كونها في مقام بيان الطريق المثبت لها تعبدا بعد العلم بماهيتها وحقيقتها ، فلان من اعتبار الملكة وكونها باعثة فعلا على ترك المعاصى فى الكاشف وهو الطريق ، يستفاد انا اعتبارها كذلك في المنكشف اى العدالة.
بقى هنا امور لابد من التعرض لها احدها هل المروة التي هي عبارة عن ملكة الاجتناب عما هو قبيح و رذيل عند العرف معتبرة في العدالة المستعملة في كلام الشارع ام لا فيه اقوال، احدها عدم اعتبارها مطلقا و هذا هو الاشهر بين القدماء، ثانيها اعتبارها مطلقا وهذا هو الاشهر بين المتأخرين، ثالثها التفصيل بين العدالة المعتبرة فى امام الجماعة والمعتبرة فى غيره، باعتبارها فى الاولى و عدم اعتبارها في الثانية
ص: 219
وما يمكن ان يستدل به على اعتبارها مطلقا فقرات من الصحيحة احديها قوله علیه السّلام : بان تعرفوه بالستر والعفاف ، فانه باطلاقه يدل على اعتبار الستر والعفاف من كل ما يعد عيبا وقبيحا شرعا وعرفا، ثانيتها قوله علیه السّلام : وكف البطن والفرج واليد واللسان، فان كف هذه الاعضاء والجوارح بناء على كون المراد منه كفها عن مشتهياتها التي يذم عليها كما هو الظاهر من اعتباره طريقا الى العدالة، يعم باطلاقه الكف عما تشهيه الجوارح سواء كان من القبايح والذمائم الشرعية والعرفية، ثالثتها قوله علیه السّلام : والدلالة على ذلك كله ان يكون ساتر الجميع عيوبه ، فانه ظاهر في انه علیه السّلام جعل ستر جميع عيوبه طريقا الى كونه غير مرتكب للقبائح مطلقا سواء كانت من القبائح الشرعية او العرفية هذا.
ولكن لا يخفى عدم دلالة شئ من هذه الفقرات على اعتبار المروة بالمعنى المبحوث عنه في المقام في العدالة ، بعد ما عرفت من ان اطلاق هذه العناوين في لسان الشارع منصرف الى ما يكون قبيحا وعيبا ونقصا في الدين ومحرما في الشرع .
ومما ذكرنا ظهر انه لا دلالة ايضا للاخبار الدالة على اعتبار المروة في الدين والعدالة، كقول ابى الحسن فى حديث : لادين لمن لا مروة له، وقوله علیه السّلام : من عامل
الله الناس فلم يظلمهم وحدثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم فهو ممن كملت مروته وظهر عدالته و وجبت اخوته و حرمت غيبته، على اعتبار المروة بالمعنى المبحوث عنه في العدالة، وذلك لان المروة بالمعنى المبحوث عنه عبارة عن عدم ارتكاب ما يعد قبيحا ومستنكرا عند العرف كالاكل فى الاسواق مثلا، ومن المعلوم انها اذا اطلقت في كلام الشارع تنصرف الى عدم ارتكاب ما يعد قبيحا عند الشارع من فعل المحرمات وترك الواجبات، هذا مضافا الى ظهور نفس هذه الاخبار فى ان المراد من كلمة المروة المذكورة فيها غير المعنى المبحوث عنه في المقام، ضرورة ان نفى الدين عمن لامروة له ظاهر فى ارادة نفيه عمن يرتكب ما يعد نقصا في الدين من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، وكذا تفريع المروة على عدم الظلم فى مقام المعاملة وعدم الكذب
ص: 220
في مقام التحديث وعدم التخلف فى مقام الوعد، ظاهر فى ان المراد من كمال المروة هو عدم ارتكاب ما يكون محرما في الشريعة، فتبين ان استفادة اعتبار المروة بالمعنى المبحوث عنه في العدالة مطلقا كما هو الاشهر بين المتأخرين من الادلة في غاية الاشكال، نعم لا يبعد القول باعتبارها في خصوص العدالة المعتبرة في الامام، بمقتضى الاصل المؤسس فيهذا الباب، ان لم نقل بكونه محكوما بالاطلاق المقامي الذي اشرنا اليه فيما مر.
الامر الثانى انه بناء على ما استظهر ناه من صحيحة ابن ابي يعفور المتقدمة، من كون العدالة عبارة عن الملكة النفسانية الباعثة فعلا على ملازمة التقوى باداء الواجبات وترك المحرمات، يشكل الالتزام بما اشتهر بينهم من ان ارتكاب الصغيرة لا ينافي العدالة وان كان محرما، وذلك لان ارتكاب الحرام سواء كان من الكبائر أو الصغائر يكشف عن ان غلبة القوى الحيوانية على مرتكبه صارت مانعة عن تأثير ملكة تدينه وخوفه من الله تعالى فى البعث فعلا على التقوى ، والحاصل ان منافاة ارتكاب الحرام مطلقا و لو كان من الصغائر للعدالة بالمعنى الذي استفدناه من الصحيحة بمكان من الوضوح ، والاستدلال على عدم المنافاة بينهما بقوله علیه السّلام فيها و تعرف باجتناب الكبائر التى اوعد الله عليها النار، انما يتم لوكان في مقام بيان المعرف المنطقى و للعدالة تحديد حقيقتها، اذ حينئذ يكون حقيقتها عبارة عن مجرد الاجتناب عن الكبائر، و اما بناء على ما استفدناه من كونه في مقام بيان المعرف الشرعى اى الطريق المثبت للدالة تعبدا ، فمفاده ان الاجتناب عن الكبائر امارة شرعية على انه عادل ذو ملكة باعثة فعلا على العمل بالواجبات وترك المحرمات ، و من المعلوم ان الامارة الشرعية مجعولة فى حق الشاك ، فلامجال للاخذ بها مع العلم بالخلاف كما فى المرتكب للصغيرة، و توهم ان الصغيرة وانكان ارتكابها محرما، لكنه دل الكتاب والسنة على ان من اجتنب الكبائر يكفر عنه الصغائر ولا يسئل عنها ، فلا يكون
ارتكابها منافيا للملكة الباعثة فعلا على التقوى ، لان التقوى عبارة عن التحذر عما
ص: 221
يكون ارتكابه موجبا لاستحقاق المؤاخذة والعقاب، ومع دلالة الكتاب والسنة على العفو عن الصغائر لا يكون ارتكابها منافيا للتقوى، مدفوع بان العفو عن الصغائر انما رتب في الكتاب والسنة على اجتناب الكبائر كلها، وكيف يمكن للانسان ان يطمئن من نفسه بعدم ارتكابه كبيرة في مدة عمره، كي يقطع بعدم استحقاقه للمؤاخذة على ارتكاب الصغيرة، فاذا احتمل مع ارتكابها عدم العفو عنها يكون ارتكابها منافيا للتقوى كما هو واضح.
و توهم ان ارتكاب الصغيرة لو كان منافيا للتقوى، لكان جعل الاجتناب عنها طريقا للعدالة اولى من جعل الاجتناب عن الكبيرة طريقا لها ، ضرورة ان المجتنب عن الصغيرة خوفا من الله تعالى مع كونها اقل محذورا من الكبيرة ، يكون مجتنبا عن الكبيرة التى اوجب الله تعالى عليها النار بطريق اولى ، فجعل خصوص الاجتناب عن الكبائر طريقا للعدالة كاشف عن عدم منافاة ارتكاب الصغيرة للعدالة.
مدفوع بان الوجه في جعل خصوص الاجتناب عن الكبائر طريقا، هو ان الكبائر حيث تكون غالبا موافقة لمشتهيات القوى الحيوانية من الشهوية والغضبية، فيكون الاجتناب عنها محتاجا الى ملكة قوية من الايمان والخوف من الله تعالى، تكون غالبة على تلك القوى الحيوانية بحيث تصرفها عما تشتهيها من الكبائر، وهذا بخلاف الصغائر فانها لضعف الدواعى النفسانية على ارتكابها يكفي في الاجتناب عنها اولى مرتبة من الملكية الايمانية، فمن تكون ملكة ايمانه في القوة بحيث تكون قاهرة لما فى نفسه من الدواعى على مشتهياته النفسانية القوية وصارفة له عما يشتهيه قواه الشهوانية من ارتكاب الكبائر، فتكون ملكة ايمانه صارفة له عن ارتكاب الصغائر بطریق اولی، فجعل خصوص الاجتناب عن الكبائر طريقا للعدالة، لكون الاجتناب عنها كاشفا عن كون المجتنب عنها ذا ملكة قوية ايمانية غالبة على قواه الشهوية والغضبية وصارفة له عن مشتهياته النفسانية القوية والله العالم .
الامر الثالث: انه قد ظهر مما ذكرنا من كون صحيحة ابن يعقوب المتقدمة
ص: 222
في مقام بيان الامارة على العدالة، اندفاع ما قد يورد على الاستدلال بها من انها اخص مما هو المدعى من كون العدالة هى الملكة الباعثة على ملازمة التقوى بفعل الواجبات وترك المحرمات مطلقا، وذلك لان مقتضاها كون العدالة عبارة عن كون الشخص متصفا بما ذكر فيها من الاوصاف ككونه ساتر العيوب فعلا و تاركا للكبائر، ومن المعلوم ان العيوب والكبائر التي لا يكون الشخص قادرا على ارتكابها، تكون مستورة ومتروكة قهرا من جهة عدم القدرة على ارتكابها، و معه لا يصح اطلاق ما تضمنته الصحيحة من عنوان ساتر العيوب فعلا و تارك الكبائر عليه، لظهورهما في الستر والترك الاختياريين، فلابدان يكون المراد من العيوب التي يكون سترها معتبراً في العدالة، هى العيوب التى تكون محلا للابتلاء ويكون الشخص قادرا على ارتكابها من جهة تهيؤ اسبابها، وكذا المراد من الكبائر هي الكبائر التي يتمكن الشخص من الوصول اليها لتهيؤ اسبابها، وعليه فتكون العدالة معتبرة بالنسبة الى خصوص ما يكون ما يكون من المحرمات محلا للابتلاء مقدورا على ارتكابها، لا بالنسبة الى الاعم منها الذي هو المدعى، هذا مضافا الى ان لازم ذلك اى اعتبار العدالة بالنسبة الى خصوص ما كان محلا للابتلاء، هو الحكم بعدالة من كان قادرا على ارتكاب بعض المحرمات، ولكن تركها تقوى من الله تعالى، مع القطع بانه لوكان قادرا على ارتكاب غيره من المحرمات لم يكن كافا نفسه عن ارتكابه، وكذا لازمه كون شخص عادلا واقعا في بلد لعدم كونه قادرا فيه على ارتكاب بعض المعاصى، مع كونه كافانفسه عن ارتكاب ما يكون قادرا عليه منها، وكونه غير عادل واقعا اذا ذهب الى بلد اخر كان فيه قادرا على ارتكاب ذلك البعض من المعاصى، ولا اظن التزام احد بهذين اللازمين .
توضيح الاندفاع هو ان هذه الاشكالات انما ترد على الاستدلال بالصحيحة لو كانت بصدد بيان حقيقة العدالة ، و قد عرفت انها ليست الا في مقام بيان الامارة
ص: 223
عليها، وح فلا يلزم شئ من المحاذير المزبورة، لان مقتضاها حكون الاتصاف بما ذكر فيها من الصفات امارة تعبدية على تحقق العدالة والاستقامة المطلقة، وعليه فمن يعلم من حاله ان تركه بعض المعاصى ليس الا من جهة عدم تهيؤ الاسباب لارتكابها، فلا يحكم بعدالته ولا يترتب عليه آثارها ، للعلم بعدم كونه واج--دا للمملكة رادعة عن ارتكاب المعاصى ، و معه يسقط تركه لها عن الطريقية الى العدالة الواقعية ، ان
لا معنى لجعل شئ طريقا إلى الواقع مع العلم بمخالفته للواقع كما هو واضح .
الامر الرابع: لاشبهة فى ان مقتضى اطلاق الصحيحة عدم كون اعتبار الامارات المذكورة مقيدا بافادتها الظن الفعلى بالعدالة وحسن الباطن ولا بعدم الظن بالخلاف كما هو الحال في غالب الامارات المجعولة تعبدا من باب كونها مفيدة للظن نوعا كخبر العادل ، كما يدل على ذلك ايضا ما فى مرسل يونس من قوله علیه السّلام: فاذا كان ظاهر الرجل ظاهرا مأمونا جازت شهادته ولا يسئل عن باطنه ، وما في مسند الصدوق من قول الكاظم علیه السّلام: من صلى خمس صلوة في اليوم والليل في جماعة، فظنوا به خيرا واجيزوا شهادته، و ما فى خبر سماعة من قول الصادق علیه السّلام : من عامل الناس فلم يظلمهم و حدثهم فلم يكذبهم و وعدهم فلم يخلفهم، كان ممن حرمت غیبته کملت مروته و ظهر عدله، فان المنساق من هذه الاخبار هو وجوب المعاملة مع الشخص المتصف بما ذكر فيها الشخص المتصف بما ذكر فيها من الصفات معاملة العادل، فلا يصغى الى دعوى انصرافها الى صورة افادة الصفات المذكورة فيها الظن الفعلى بحسن الباطن، ولا الى دعوى تقييد اطلاقها بما ورد من عدم جواز الاقتداء الايمن تثق بدینه و ورعه، اذليس مقتضاه الاكون الوثوق بذلك امارة في عرض الامارات المذكورة في الاخبار الآخر، لاانه مقيد لتلك الاخبارات كيف والالزم تقييد دليل امارية البيئة ايضا و عدم الاعتماد عليها مالم تفد الوثوق، وهذا على الظاهر مما لم يلتزم به احد، هذا مضافا الى ان الجمع بين الدليلين المثبتين اللذين يكون بينهما عموم من وجه، اذا اقتضى تقييد احدهما بالآخر، لاقتضى تقييد الآخر به ايضا، اذ
ص: 224
لا وجه لتقييد احدهما بالاخر دون العكس، وذلك لان الموضوع في كل من الدليلين اما ان يكون موجبا تاما او جزء من الموجب ، فعلى الأول يكون الموضوع في كل منهما امارة مستقلة على العدالة غير محتاجة الى ضميمة الآخر ، و على الثاني يكون كل منهما محتاجا في الامارية على العدالة الى ضميمة الآخر، فيكونان امارة عليها في صورة الاجتماع ، واما حمل الموضوع في احد الدليلين على الموجب التام المستقل وفى الاخر على جزء الموجب ، فلاوجه له بعد كون النسبة بينهما عموما من وجه.
الامر الخامس : مقتضى ما اخترناه من ان المعيار في العدالة هو الاجتناب عن المعاصى مطلقا ، هو الحكم بفسق من ارتكب محرما ولو كان من الصغائر، واما بناء على كون المعيار هو الاجتناب عن خصوص الكبائر كما هو المنسوب الى المشهور، فلا اشكال في ان مقتضاه هو الحكم بعدالة من ارتكب معصية صغيرة بعد فرض كونه مجتنبا عن الكبائر، وانما وقع الاشكال فيمن ارتكب كبيرة و هو يرى انها صغيرة اولا يعلم بكونها كبيرة، أو ارتكب صغيرة وهو يرى انها كبيرة او يحتمل ذلك، منشاء الاشكال هو ان المنافي للعدالة عليهذا المبنى، هل هو ارتكاب الكبيرة الواقعية، كى يحكم بفسق الاول و بعدالة الثاني بعد فرض كونه مجتنبا عن سائر الكبائر، اوان المنافي لها هو ارتكاب الكبيرة عند الفاعل، كي يحكم بعدالة الاول بعد فرض اجتنابه عن سائر الكبائر، و بفسق الثانى لفرض كونه مقدما على اتيان ما يراه كبيرة، والحق هو التفصيل فى الفرض الاول، بين كونه قاطعا بكون المعصية صغيرة فلا يحكم بفسقه لعدم كونه حينئذ مقدما على ارتكاب الكبيرة، اوكونه شاكا فيحكم بفسقه لكونه مع الشك مقدما على ارتكابها، اذ هو نظير من احتمل كون شئ مضرا و اقدم على اتيانه، فانه يصدق عليه انه مقدم على ضرره، وذلك لان الظاهر المستفاد من الادلة التى جعل فيها الاجتناب عن الكبائر معيار اللعدالة، هو كون المعيار لها هو الاجتناب عنها عن ملكة الديانة الباعثة على الالتزام بمادان به من الحدود الشرعية والغالبة على القوى الشهوية والصارفة عما تقتضيه القوى الحيوانية،
ص: 225
و من المعلوم انه مالم يعلم بان المعصية من الكبائر، لا يمكن ان يكون اهتمام الشارع بتركها موجبا لصرفه عما يقتضيه قواه الشهوية، لانها مع كونها مجهولة لا يمكن ان تكون داعية الى صرف دواعيه بعنوان انها كبيرة، كما هو واضح. و هذا بخلاف الفرض الثانى فان الحق فيه هو الحكم بعدم عدالته مطلقا ولو مع احتمال كونه المعصية كبيرة فضلا عما اذا قطع بكونها كبيرة، أما فيما اذا قطع بكونها كبيرة، فلان فيما كان ارتكاب الصغيرة باعتقاد كونها كبيرة، و ان لم يكن للشارع اهتمام بتركها كي يصرفه عن مشتهيات نفسه الا انه يكون متجريا بارتكابها، والتجرى الى مايراه معصية كبيرة و ان لم يكن معصية على ما حقق في محله، الا انه يكشف عن عدم كون المتجرى ذا الملكة المعتبرة في العدالة الصارفة عما يقتضيه القوى الشهوية، و اما فيما اذا احتمل كونه معصية كبيرة ، فلان ارتكابها يكشف عن ضعف الملكة المعتبرة في العدالة، بحيث لا يؤثر احتمال النهى الشديد من الشارع في صرفه عما تقتضيه قواه الشهوية، اذهو كما لو شرب مايعا مع احتمال كونه خمرا وكان يجب عليه الاحتياط لكونه من اطراف العلم الاجمالي، فانه يكشف عن عدم كونه معتنيا بنهى الشارع عن شرب الخمر الموجود في البين المحتمل كونه هذا المايع، فتدبر جيدا.
الامر السادس : قدمر انه لاكلام ولا شبهة فى اعتبار عدالة الامام فى صحة الايتمام والاقتداء به، و انه يكفي في صحته وترتب احكام الجماعة عليه احراز كونه عادلا وان انكشف بعد ذلك انه كان فاسقا بل كافرا، وانما الكلام هنا فى انه هل تعتبر العدالة في صحة الامامة ايضا كيلا يجوز للامام ان يؤم الناس مالم يحرز عدالة نفسه، ولا يصح له ترتيب ما للجماعة من الاحكام على جماعته، من الرجوع في شكه في الركعات الى حفظ الماموم، والبناء على صحة صلوته فيما كانت الجماعة شرطا لصحتها كصلوة الجمعة والمعادة جماعة ، ام لابل لا يعتبر في صحة جماعته و ترتب ما للجماعة من الاحكام عليها الاكونه عادلاً بنظر الماموم وجهان : اوجههما بمقتضى الادلة المتقدمة
ص: 226
هو الثانى، لانها لادلالة لها على ازيد من اعتبار احراز عدالة الامام فى صحة الايتمام به، فمتى احرز عدالته حصل الشرط ولو لم يكن عادلا واقعا، و اما اعتبار عدالته فى صحة امامته فمیفی بالاصل و اطلاق ادلة الجماعة، واما الاستدلال على اعتبارها فى صحة امامته ايضا بما حكى عن كتاب ابيعبد الله السياري، من قوله :
قلت لا بيجعفر الثانى عليه السلام: قوم من مواليك يجتمعون ، فتحضر الصلوة فيقدم بعضهم فيصلى بهم جماعة.
فقال عليه السّلام: انكان الذى يؤمهم ليس عليه و بين الله طلبة فليفعل.
قال وقلت له عليه السّلام مرة اخرى :
ان قوما من مواليك يجتمعون فتحضر الصلوة فيؤذن بعضهم و يتقدم احدهم فيصلى بهم جماعة.
فقال عليه السّلام: انکان قلو بهم كلها واحدة فلاباس.
قلت ومن لهم بمعرفة ذلك.
قال عليه السّلام فدعوا الامامة لاهلها.
ففيه مضافا الى ما في الخبر من ضعف السند ، المنع عن كون الامام عليه السّلام فى مقام بيان ان عدالة الامام شرط واقعي لصحة الجماعة، كي يعتبر في صحة الامامة عليه احراز عدالة نفسه، فان الظاهر من كلامه عليه السّلام انه في مقام تهذيب مواليه عن حب الجاه والرئاسة، ولا ربط له اصلا بما هو محل البحث من اعتبار العدالة الواقعية للامام فى صحة امامته ولزوم احرازها عليه و عدم اعتبارها والمحصل من كلامه عليه السّلام ان المتقدم من المجتمعين في وقت الصلوة والمصلى بهم، انكان صاحب نفس قدسية بحيث يكون داعيه على التقدم عليهم ممحضا في الاتيان بما هو من اعظم الشعائر الدينية ودرك ماله من الثواب والفضيلة من غير ان يشوبه حب مافيه من الرئاسة عليهم، فلاباس بتقدمه عليهم والصلوة بهم، والافليدع الامامة لمن كان اهلا لها منهم ، فان حب الرياسة و ان لم يكن محرما شرعا، الا انه قديجر الانسان في نيلها الى الوقوع فى المهالك و ارتكاب اعظم القبائح العقلية والمحرمات الشرعية
ص: 227
و مما يشهد لما استظهرناه قوله عليه السّلام في ذيل الخبر: ان كانت قلوبهم كلها واحدة فلاباس، بتقريب ان المامومين فى مقام اتيان الصلوة جماعة لا يتوجه قلوبهم الا الى اداء وظيفتهم الشرعية ، فلو كان من يتقدهم قلبه ايضا كقلبهم فلاباس بتقدمه عليهم ، هذا ما افاده الاستادام ظله فى المنع عن دلالة الخبر على اعتبار العدالة في صحة الامامة ايضا، وحمل بعض الاعاظم قوله عليه السّلام في الجواب عن السئوال الاول: انكان الذى يؤمهم ... الخ، على المنع عن اجتماع مواليه و عقدهم الجماعة المستقلة لئلا يعرفوا فيؤخذ برقابهم ، مستشهدا على ذلك بتعليقه عليه السّلام امامته لهم على شرط لا يمكن الالتزام به لاختصاصه باهل العصمة، وحمل قوله عليه السّلام في الجواب عن السؤال الثاني: انكانت قلوبهم كلها واحدة ... الخ، على ارادة خلوصهم من النفاق الموجب لعدم الامن من اذاعة سرهم، وكيفكان فالعمدة في رد الاستدلال بهذا الخبر ما ذكرن من ضعف السند و عدم انجباره بالعمل ، والا فظهوره فى شرطية العدالة بل فوقها للامام غير قابل للانكار، فتدبر !
الثالث من الامور المعتبرة في الامام الذكورة فيما اذا كان المامومون او بعضهم رجالا، و يدل عليه مضافا الى عدم الخلاف فيه على الظاهر، بل المحكى عن جملة من الاصحاب منهم شيخ مشايخنا الانصارى قده دعوى الاجماع عليه، جملة من الاخبار، منها ما روى عن النبى صلی الله علیه و آله و سلّم من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : لا تام امراة رجلا، ومنها ما عن كتاب الدعائم مرسلا عن الوصى علیه السّلام من قوله علیه السّلام : لا تام المراة الرجال، و منها ماعن موضع اخر من ذاك الكتاب ايضا قال علیه السّلام : لاتام المراة الرجال وتصلى بالنساء ولا تتقدمهن تقوم وسطا منهن فلیصلین بصلاتها، وضعفها سندا مجبور بما عرفت عن بعض من الخدشة في الاستدلال بها بعدم العثور عليها في اخبارنا فالظاهر كونها من طريق العامة ، ليست في محلها فان اشتهارها بين الاصحاب و اعتمادهم عليها في كتبهم الاستدلالية يكفي في جواز التعويل عليها، و اما الاستدلال عليه بالاخبار الناهية عن ان يصلي الرجل و بحذائه او بين يديه امراة تصلى ، ففيه ان الاستدلال
ص: 228
بها انما يتم على القول بحرمة المحاذاة وضعا بمعنى بطلان صلوة الرجل المحاذى للمراة والمتاخر عنها، إذ لا يعقل ان تكون الجماعة بحذاء المراة اوخلفها صحيحة و يكون اصل الصلوة باطلة فتدبر! و اما على القول بحرمتها تكليفا، فبطلانها جماعة مبنى على القول بسراية الامر المتعلق بالطبيعة الى الافراد كما هو المختار، اذ لا معنى لسريان الامر بطبيعة الجماعة الى خصوص الجماعة المستلزمة لوقوع المحرم، لان النهى اذا تعلق بنفس المقيد وهى الصلوة المخصوصة، فلازمه البطلان، لاستحالة كون الشئ الواحد خارجا وجهة محبوبا ومبغوضا، و اما على القول بعدم سراية الامر بالطبيعة الى الافراد كما هو المحكى عن المحقق القمي، بتقريب ان تعلق الامر بمتعلقه ليس من قبيل عروض الحرارة على النار التي لا تحقق لها الا بعد تحقق النار كي يكون تعلقه به فى الخارج ، كيف والالزم تعلقه على الفعل الحاصل المستلزم لطلب تحصيل الحاصل، وليس تعلقه به من قبيل عروض الابوة على الاب، كي يكون تعلقه به في الذهن واتصاف المتعلق به فى الخارج، لان متعلق الامر اذا وجد في الخارج يكون مسقطا للامر و معد ماله، و معه كيف يمكن ان يتصف بما ينعدم بسببه، فانحصر ان يكون تعلقه به من قبيل عروض الكلية للمهيات، و عليه فليس متعلق الامر الطبايع الموجودة في الخارج فى ضمن الافراد لما عرفت من استلزامه لتحصيل الحاصل، بل متعلقه هى الطبايع بوجوداتها الذهنية، ومن المعلوم ان طبيعة الصلوة في الذهن غير طبيعة المحاذاة للمراة فيه، فلا يلزم من الأمر بالصلوة والنهي عن المحاذاة، اجتماع الأمر والنهى في محل واحد، وليس المراد من تعلق الأمر بالطبايع الموجودة في الذهن هي المقيدة بكونها في ذهن الأمر أو المامور، کی یلزم على الاول عدم تمكن المامور عن الامتثال، و على الثاني حصول الامتثال بمجرد تصورها في ذهنه و عدم وجوب ايجادها فى الخارج عليه ، بل المراد كون المتعلق وجود المهية ذهنا، لكن لا بلحاظ كونها في الذهن، بل بلحاظ كونها حاكية عن الافراد الخارجية و لذا يحكم عليها بالكلية ، فمورد الكلية وان لم يكن
ص: 229
الانفس المهية الموجودة في الذهن، لكن لا بلحاظ كونها في الذهن، بل لحاظ كونها حاكية عن الخارجيات، فالطبيعة باللحاظ الذي صارت معروضة لوصف الكلية تكون متعلقة للامر، ولا يخفى ان هذا القول وان لم يكن مجديا في دفع محذور اجتماع الامر والنهي، لان متعلق الأمر والنهي، اما ان يكون هي المهية الذهنية بما انها ذهنية، واما ان يكون هي المهية الذهنية بما هي حاكية عما في الخارج من الافراد ومراة لها، فعلى الاول يلزم ما ذكر من المحاذير، وعلى الثاني يلزم المحذور الذي اراد التخلص عنه بهذا القول، لان المهية الموجودة في الذهن اذا كانت ملحوظة بما هي حاكية عما في الخارج ومراة له، فيكون الملحوظ بالذات هي الخارجيات لفناء المراة في المرثى فيهذا اللحاظ كما هو واضح، فاذا صارت مهية الصلوة متحدة مع مهية المحاذاة فى الخارج يلزم اجتماع الأمر والنهي، ولا يجدي في منعه دعوى تغائر متعلقهما من جهة كون متعلقات الاحكام هى المهيات الذهنية، بعد كونها ملحوظة مراة لما في الخارج وكون العبرة فيها بالمرئى، لكن بناء على هذا القول لامانع من صحة الصلوة جماعة، اذ عليه ليس الأمر بطبيعة الجماعة مستلزما لوقوع المحاذاة المحرمة و ان توصل المكلف فى مقام اطاعته باتيان خصوص الجماعة المستلزمة للمحرم فتدبر! هذا بناء على القول بحرمة المحاذاة للمراة في الصلوة، وا ما على القول بكراهتها كما هو المختار، فالظاهر صحة الجماعة المفروضة، اذلا منافاة بين كراهة المحاذاة في الجماعة وصحتها، غاية الامر كونها مع المحاذاة أقل ثوابا من غيرها، فتكون كالصلوة جماعة في الحمام التي لا شبهة في صحتها مع كونها مكروهة ، هذا كله في امامة النساء للرجال.
و اما امامة النساء للنساء ، فالمحكى عن المشهور جوازها بل المحكى عن جماعة دعوى الاجماع عليه، خلافا للمحكى عن جماعة منهم المرتضى والاسكافي اولعلامة والمحقق البهبهاني من ذهابهم الى عدم الجواز، ومنشاء الخلاف اختلاف الاخبار، فما يدل على الجواز مطلقا موثقة سماعة قال :
ص: 230
سئلت اباعبدالله علیه السّلام عن المراة توم النساء؟
قال علیه السّلام : لا باس به، وموثقة ابن بكير عن بعض اصحابنا عن ابيعبد الله علیه السّلام:
انه سئله علیه السّلام عن المراة توم النساء؟
قال علیه السّلام : نعم، تقوم وسطا بينهن ولا تتقدمهن.
و خبر علی بن جعفر علیه السّلام عن اخيه موسى علیه السّلام قال :
سئلته عن المراة تام النساء، ماحدرفع صوتها بالقرائة؟
قال علیه السلام: قدر ما تسمع .
وسئلته عن النساء هل عليهن الجهر بالقرائة في الفريضة والنافلة؟
قال علیه السّلام: لا، الا ان تكون امراة تام النساء فتجهر بقدر ما تسمع قرائتها.
و خبر على بن يقطين عن ابى الحسن الماضى علیه السّلام قال :
سئلته عن المراة تؤم النساء ، ماحد رفع صوتها بالقرائة والتكبير؟
فقال علیه السّلام : بقدر ما تسمع، و هذان الخبران و انکانا واردين فيمورد حكم اخر، لكنهما مشعران بان جواز امامتها لمثلها كان مفروغا عنه، والمنساق منها ارادة امامة المراة لمثلها فى الفريضة التي يعم بها الابتلاء، دون النوافل التي يجوز الاجتماع فيها كصلوة الاستسقاء ونحوها التي قد لا يتفق ابتلاء النساء بها ، و يدل عليه ايضا النبوى وهو انه علیه السّلام امر ام ورقة ان تؤم اهل دارها و جعل لها مؤذنا، وظهوره فى ارادتها في الفريضة كما يومى اليه ايضا جعل المؤذن لها ليس قابلا للانكار ومما يدل على الجواز في الفريضة ، خبر الحسن بن زياد الصيقل قال :
سئل ابو عبد الله علیه السلام، كيف تصلى النساء على الجنائز اذا لم يكن معين رجل؟
قال عليه السلام: يقمن جميعا في صف واحد ولا تتقدمهن امراة.
قيل : ففى صلوة المكتوبة ايوم بعضهن بعضا؟
قال عليه السلام: نعم.
ص: 231
ومما يدل عن المنع صحيحة هشام بن سالم عن ابيعبد الله عليه السلام، عن المراة هل تؤم النساء؟
قال عليه السلام: تؤمهن فى النافلة و اما فى المكتوبة فلا، ولا تتقدمهن ولكن تقوم وسطا منهن، وقريب منها صحيحة سليمان بن خالد عنها علیه السّلام ايضا، وصحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السلام قال :
قال، قلت له علیه السلام: المرأة تؤم النساء؟
قال عليه السلام: لا، الا على الميت اذا لم يكن احداولی منها تقوم وسطهن معهن في الصف فتكبر و يكبرن، ورواية الحلبي عن ابيعبد الله عليه السّلام قال علیه السّلام:
تؤم المرأة النساء في الصلوة وتقوم وسطا منهن ويقمن عن يمينها و شمالها تؤمهن فى النافلة ولاتؤمهن فى المكتوبة.
ولا يخفى ان المعارضة بين هاتين الطائفتين من الاخبار انما هي في خصوص امامة النساء في الفريضة، و اما في النافلة فلا معارضة بينهما فيها اصلا، سواء قلنا الطائفة الاولى للنافلة ايضا، اوقلنا باختصاصها بالفريضة، اذ على الاول تكونان
بعموم متفقتين على الجواز في النافلة، و على الثانى لا تعرض للطائفة الاولى لحكم النافلة و حيث ان مقتضى الجمع العرفى فى تعارض النص والظاهر هو تقديم النص على الظاهر، فاللازم هو تقديم الطائفة الأولى على الثانية بحمل الثانية على الكراهة. فان خبر الصيقل نص في الجواز في الفريضة، و مادل على المنع فيها ظاهر في عدم الجواز، واما ما تضمنته الطائفة الثانية من الجواز فى النافلة، فالمحكى عن العلامة فى المنتهى حملها على التقية، ولعله لما هو المتعارف عند العامة من الاجتماع في الرواتب ونوافل شهر رمضان، او على مجرد متابعة النساء لها في الصلوة من دون قصد الايتمام بها، أو على الفريضة التي عرضها وصف النفل كالمعادة جماعة، او النافلة التي يجوز فيها الجماعة كصلوة الاستسقاء ، مستدلا على ذلك بمخالفة الجواز في
ص: 232
النوافل مطلقا لمادل من الاخبار على النهى عن صلوة التطوع جماعة، ولا يخفى ان النهي عن الجماعة في النوافل مطلقا ليس مما لا يقبل التخصيص، كى يعارض هذه الاخبار و يرجح عليها بموافقتها للعامة، كيف وقد ثبت جواز الجماعة ، في صلوة الاستسقاء مع كونها نافلة، او يجمع بينه وبين هذه الاخبار بحملها على مجرد المتابعة، مخالفته لظاهر سياقها، لان ابقاء الجماعة منهى عنها فى الفرائض على معناها الحقيقى، وحمل الجماعة المرخص فيها في النوافل على مجرد المتابعة، خلاف وحدة سياق هذه الاخبار كما هو واضح، او بحمل النافلة فيهذه الاخبار الكثيرة على ارادة الفريضة التي عرضها وصف النفل كالمعادة جماعة، مع انصراف اسم النافلة عنها بحيث لا يخطر بذهن احد، او على ارادة النافلة التي ثبت شرعية الجماعة المنحصرة بصلوة الاستسقاء مع ندرة الابتلاء بها، فتبين مما ذكرنا انه لامانع من العمل بهذه الاخبار في النوافل المتداولة التى يعم الابتلاء بها كالرواتب و نوافل شهر رمضان والاشكال فى سند بعض هذه الروايات كروایتی سلیمان بن خالد والحلبي بندرتهما و عدم العمل بهما، مدفوع بما حكى عن المدارك من وجود القائل بمضمونهما و موافقتهما لصحيحة هشام بن سالم، وايرادهما الصدوق في كتابه الذي مقتضى كلامه في اول كتابه افتائه بمضمونهما.
الرابع من الشرائط المعتبرة فى الامام عدم كونه معذورا، فلايجوز للامام القاعدان يؤم القائمين، ولا للمضطجع للقاعدين، ولا للمستلقى للمضطجعين، ولا للمستند للمستقلين، ولا للملحن فى قرائته للمتقنين، بل عرفت في بعض المباحث السابقة ان فى الايتمام بالمعذور مطلقا سوى المتيمم وذى الجبيرة والقاعدة للقاعد اشكالا، لان المرجع في باب الجماعة هو عموم لاصلوة الا بفاتحة الكتاب، بعد عدم الاطلاق لادلة الجماعة كي يعم جميع حالات الامام.
بقى هنا مسائل :
الأولى - يجوز للخنثى ان يؤم النساء، لانه امارجل او امراة وكل منهما يجوز
ص: 233
امامته للنساء، لكن هذا فيما اذا جمع بين وظيفتى الرجال والنساء، واما لو اختار احدى الوظيفتين لجوازه له لمكان الجرح عليه في الجمع بينهما، فيشكل الحكم بصحة الاقتداء به بناء على ما مر انفا من الاشكال في جواز الايتمام بالمعذور مطلقا الاما خرج، ولا يجوز الايتمام به للرجل والخنثى، وذلک لعلمهما الاجمالى، اما بوجوب القرائة و سائر احكام المنفرد عليهما لوكان الامام امراة، واما بوجوب مراعات واجبات الجماعة عليهما لو كان الامام رجلا، فلا يجوز لهما الاكتفاء باحد طرفي العلم الاجمالي.
المسئلة الثانية - لو قلنا بما هو المختار من مشروعية عبادة الصبي المميز، فالظاهر صحة اقتداء مثله به، لانصراف مادل على المنع عن الاقتداء به الى ما كان المأمومون بالغين، الا ان يقال بان احتمال المنع يكفى فى الحكم بعدم الصحة، بعد مامر من عدم الاطلاق لادلة الجماعة، وكون مقتضى عموم لاصلوة الابفاتحة الكتاب، باطلاق الجماعة المشتملة على ما يحتمل مانعيته عنها او الفاقدة لما يحتمل شرطيته فيها.
المسئلة الثالثة - المحكى عن بعض الاعلام ذها به الى المنع من امامة الاجذم والابرص والمحدود بالحد الشرعي، مستندا الى بعض الاخبار الظاهرة في المنع عنها، لكن يعارضها ما ورد في الاجذم والابرص من الترخيص في امامتهما، ففى خبر عبدالله بن يزيد قال : سئلت ابا عبد الله عليه السّلام عن المجذوم والابرص يؤمان المسلمين؟ قال علیه السّلام : نعم، الخبر، و في خبر محمد بن زياد عنه عليه السلام ايضا قال :
سئلته علیه السّلام عن المجذوم والابرص منا ايؤمان المسلمين؟ قال علیه السّلام : نعم الخبر، وسند الاول وان كان ضعيفا بعبد الله بن يزيد، لكن الثاني لاباس به بناء على ما في الوسائل من ان محمد بن زیاد هو ابن ابی عمیر الذي هو ممن اجمع الاصحاب على تصحيح ما يصح عنه، ومقتضى الجمع العرفى بين الطائفتين و ان كان حمل النهي في الاولى على الكراهة جمعا بين النص والظاهر، ولكن الاحوط المنع لذكرهما في
ص: 234
الاخبار المانعة في عداد من لايجوز الايتمام به نصا وفتوى كولد الزنا فتدبر جيدا ! هذا مضافا الى عدم حصول الاطمينان بكون محمد بن زياد الواقع فيسند الخبر الثاني هو ابن ابی عمیر، كي يصلح للمعارضة مع الاخبار الصحيحة الدالة على المنع عن الاقتداء بهما المسئلة الرابعة - لا اشكال فى ثبوت العدالة بالاطمينان بای سبب حصل لانه من الطرق العقلائية التي يكفى فى حجيتها عدم ردع الشارع عنها ولا تحتاج الى قيام الدليل على حجيتها، كما لا اشكال فى ثبوتها بالبينة لعموم دليل حجيتها، وحيث ان حجيتها من باب الطريقية ففيما لو تعارضت البينتان تسقطان به عن الحجية، ولا يعارضها خبر عدل واحد على خلافها، لعدم الدليل على حجية خبر العدل الواحد فى الموضوعات، نعم يعارضها الاطمينان مطلقا سواء كانت قائمة على العدالة او الفسق، لما عرفت انفا من انه من الطرق العقلائية التي يكفي في حجيتها عدم الردع من الشارع الكاشف عن امضائه له.
هذا اخر ما استفدناه من بحث استادنا الاعظم آية الله الملك العليم الحاج الشيخ عبدالكريم اليزدى الحائرى متع الله تعالى المسلمين بافاضاته و برکاته فى صلوة الجماعة، وانا افقر العباد الى رحمة ربه الغنى محمود بن مرتضى بن محمد حسن الاشتياني اعلى الله مقامهما، والحمد لله اولا واخرا والصلوة والسلام على اشرف انبیائه محمد و آله المعصومين دائما ابدا سرمدا
**
ص: 235
ص: 236
بسم الله الرحمن الرحيم
و به نستعین
الحدلله رب العالمين والصلوة والسلام على اشرف انبيائه محمد وآله المعصومين
في الصلوة الآيات، وقد تضاف الى الكسوف، اما للتغليب كما في شمسين، اولكون الكسوف هو الاصل فى شرع هذه الفريضة ، كما يظهر ذلك من قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة الاتية :
كل اخاويف السماء من ظلمة اوريح او فزع، فصل لها صلوة الكسوف حتى يسكن .
و كيفكان فلا خلاف في وجوبها على جميع المكلفين من الرجال والنساء والخنائى ، ويدل على ذلك مضافا الى ما حقق في محله من اشتراك جميع اصناف المكلفين فى الاحكام الشرعية الاماثبت اختصاصه باحدها، مارواه على بن جعفر عن اخيه موسى علیه السّلام، قال :
سئلته عن النساء ، هل على من عرف منهن صلوة النافلة وصلوة الليل والزوال وصلوة الكسوف ما على الرجال؟
قال علیه السّلام : نعم. و هذه الرواية وانكانت دالة بالمطابقة على اشتراك النساء مع الرجال فيهذا الحكم ، الا انها دالة بالدلالة الالتزامية على اشتراك الخنثى معهما
ص: 237
فيه، بعد عدم كونها طبيعة ثالثة غيرهما، ولذا حكموا بحرمة نظر الخنثى المشكل الى غير محارمه مطلقا سواء كان ذلك الغير رجلا او امراة، للعلم الاجمالي بكونه اما رجلا فيحرم عليه النظر الى النساء واما امراة فيحرم عليه النظر الى الرجال و كيفكان فيقع الكلام فى سببها و کیفیتها و وقتها و احكامها، اما الاول اعنى سببها فهو امور، منها كسوف الشمس وخسوف القمر، فانه لا خلاف في وجوب الصلوة عند حدوثهما مطلقا و لولم يحصل بهما خوف، لاطلاق النصوص، والمراد منهما انطماس نور النيرين وذهاب ضوئهما كلا او بعضا باى سبب حصل، اذلا مدخلية للسبب فى مفهوم هذين اللفظين، ولم يدل دليل على تقييد اطلاقهما بما اذا كانا كليين و حاصلين من حيلولة خصوص القمر بين الارض والشمس فى الاول، وحيلولة خصوص الارض بين القمر والشمس في الثاني، فلو انكسف الشمس بغير القمر من الكواكب، او انخسف القمر بغير الارض منها، على وجه تحقق مسمى الكسوف والخسوف عرفا، و جبت الصلوة عنده ، نعم لوثبت احدهما بالقواعد النجومية، ولكن لم يكن له ظهور في الحس للمتعارف من الناس لضعف الانطماس، لم تجب الصلوة ولو كانت تلك القواعد مفيدة للعلم، للشك في اندراجه تحت مفهومهما عرفا، اولانصراف اطلاق اسمهما عن مثله؛ نعم لوكان العلم به مورثا للخوف لاواسط الناس على تقدير اطلاعهم عليه، لوجب الصلوة له، لالصدق عنوان الكسوف، بل لاندراج تحت عنوان اخاويف السماء، التي تكون من الموجبات للصلوة كما سيأتى انشاء الله تعالى ، وكذا الكلام يجرى فى انكساف بعض النجوم والكواكب ببعض وبالنيرين، فان المعيار في وجوب الصلوة فيه ايضا، هو كونه مورثا للخوف للاواسط من الناس على تقدير اطلاعهم عليه.
ومنها الزلزلة، فانها ايضا من موجبات وجوب الصلوة مطلقا ولولم تكن مورثا للخوف، بلاخلاف، بل عن غير واحد من الاساطين كالشهيد في الذكرى والعلامة فى التذكره وغيرهما في غيرهما دعوى الاجماع عليه، ويدل عليه خبر سليمان الديلمى عن الصادق علیه السّلام قال :
ص: 238
سئلته عن الزلزلة، ماهى؟
قال علیه السّلام: آية.
قلت :
وما سببها؟
قال علیه السّلام:
ان الله تبارك وتعالى وكل بعروق الارض ملكا، فاذا اراد الله ان يزلزل ارضا اوحى الى ذلك الملك ان حرك عروق كذا وكذا، قال : فيحرك ذلك الملك عروق تلك الارض التى امره الله فتحرك باهلها.
قلت : فاذا كان كك فما اصنع؟
قال : صل صلوة الكسوف، الحديث.
فانه باطلاقه يدل على وجوب الصلوة بها ولولم تكن مورثا للخوف ، و ضعفه سندا منجبر بعمل الاصحاب ، ويؤيده المرسل المروى عن دعائم الاسلام، عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال :
يصلى فى الرجفة والزلزلة والريح العظيمة والظلمة والاية تحدث وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلوة الكسوف، وما عن الفقه الرضوى من قولهم علیه السّلام: واذا هبت الريح خضراء اوسوداءً او حمراءً فصل لها صلوة الكسوف،
وكذلك اذا زلزلت الارض فصل صلوة الكسوف.
ومنها كل مخوف من مخفوات السماوية كالرياح الهائلة والظلمة الشديدة و نحوهما على المشهور ، بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه، ويدل عليه صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا:
قلنا لا بيجعفر عليه السلام : ارأيت هذه الرياح والظلم التي تكون، هل يصلى لها؟
فقال علیه السّلام : كل اخاويف السماء من ظلمة اوريح او فزع فصل له صلوة الكسوف حتى يسكن.
والخدشة في دلالتها على الوجوب ، بدعوى ان المنساق من قوله علیه السّلام: حتى
ص: 239
يسكن، كونه غاية لفعل الصلوة، فيدل على ان المكلف به اطالة الصلوة او تكريرها الى ان يتحقق السكون و هو غير واجب قطعا، فيكون الأمر بالصلوة لها محمولا على الاستحباب، مدفوعة بان المنساق من الجواب بقرينة السؤال بيان اصل مشروعية الصلوة، وحينئذ فالغاية المذكورة، اما تحديد لوقت مشروعيتها نظير قوله تعالى: اقم الصلوة لدلوك الشمس الى غسق الليل، او تنبيه على الفائدة المترتبة عليها، مثل قوله علیه السّلام : دم على الطهارة يوسع عليك، ولا اقل من تكافوء الاحتمالات، الموجب لعدم صلاحية الغاية المذكورة للقرينية لصرف الامر بالصلوة عن ظهوره فى الوجوب بحمله على الاستحباب.
ثم ان الظاهر من اخاويف السماء التي وقع التعبير بها في الصحيحة وكثير من العبائر كالشرايع وغيرها والامثلة المذكورة لها فيهما، هي المخوفات الحادثة فوق الارض، وعليه فما يحدث من المخوفات فى الارض كالخسف وخروج النار من الجبال ونحوهما خارجة عن ذلك، الا ماكان منها منصوصا بالخصوص كالزلزلة، فما يظهر من كلمات كثير من الاصحاب من عموم الحكم لكل آية ولوارضية، لا يخلو عن اشكال، الابناء على ما احتمله الاستاد دام ظله من كون المراد من اخاويف السماء هى الاخاويف المنسوبة الى رب السماء ، كما يقال الافة السماوية والقضاء السماوى والتلف السماوى ، فانه حينئذ تعم كل مخوف ولو كان ارضيا ، و استدل على ذلك بمرسلة الدعائم عن جعفر بن محمد عليهما السلام، قال علیه السّلام :
يصلى فى الرجفة والزلزلة والريح العظمية والاية تحدث، وما كان مثل ذلك كما يصلى في صلوة كسوف الشمس والقمر سواء، فان قوله علیه السّلام والاية تحدث، تشمل باطلاقها للايات الارضية.
و بخبر الفضل بن شاذان عن الرضا عليه السلام قال علیه السّلام:
انما جعل للكسوف صلوة لانه من آيات الله لايدرى، الرحمة ظهرت ام العذاب، فإن تعليله علیه السّلام وجوب الصلوة الكسوف بقوله علیه السّلام لانه من آيات الله، يدل على ان كل آية مخوفة من آيات الله سواء كانت سماوية او ارضية تجب لها الصلوة،
ص: 240
والاشكال فيهما دلالة باجمالهما، لاحتمال كون المراد من الاية فيهما هي الاية السماوية، مدفوع بمنع الاجمال بعد ما عرفت من ظهورهما في الاطلاق، و مجرد الاحتمال لا يمنع عن انعقاد الظهور في الاطلاق، كيف والالزم عدم انعقاد ظهور للمطلق فى الاطلاق اصلا، اذ لا يخلو مطلق عن احتمال ارادة المقيد منه، وتوهم ان الخبرين وانكان لهما اطلاق، الا انه يجب تقييد اطلاقهما بصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة عن ابيجعفر علیه السّلام: المصرح فيها بوجوب الصلوة لكل اخاويف السماء، مدفوع اولا بانه لامعارضة بين المطلق والمقيد المثبتين كي يقيد المطلق منهما بالمقيد الافيما اذا احرز وحدة التكليف كما في اعتق رقبة واعتق رقبة مؤمنة، و وحدته في المقام غير محرز، وثانيا ان ظهور الصحيحة فى اختصاص الحكم باخاويف السماء ممنوع، بعد ما عرفت من احتمال كون المراد منها الاخاويف المنسوبة الى رب السماء، فهى لاجمالها لا صلاحية لها لتقييد الخبرين بها، سلمنا ظهورها في ذلك، لكن غلبة كون المخوفات سماوية، مانعة عن تقييد اطلاق الخبرين بها، فما عن ظاهر كثير من الاصحاب بل صريح بعضهم كالسيد فى منظومته، من عموم الحكم لكل آية ولو ارضية هو الاشبه، لكن لابد من تقييدها بالمخوفة المصرحة بها في الاخبار وكلمات الاصحاب، هذا تمام الكلام في اسبابها.
واما الكلام فى كيفيتها، فنقول : انها احمالا ان يصلى ركعتين في كل ركعة خمس ركوعات وسجدتان والقرائة قبل كل ركوع، والتعبير عنها في النصوص وكلمات القدماء من الاصحاب بعشر ركعات، انما هو باعتبار اشتمالها على عشر رکوعات قبل كل منها القرائة، كما ان التعبير عنها في كلمات المتأخرين و بعض النصوص بالركعتين، انما هو بلحاظ دخول السجود في ماهية الركعة المصلحة (المصطلحة)، و اما تفصيلها فهو ان لها كيفيتين، احداهما وهى افضلهما و احوطهما، ان يكبر للاحرام ثم يقرء الحمد و يقرء بعد الحمد سورة تامة ثم يركع ثم يرفع ثم يقرء الحمد و سورة ثم يركع و هكذا يقرء الحمد و سورة ثم يركع حتّى يتم خمسا ثم
ص: 241
يسجد سجدتين، ثم يقوم ويصلى الركعة الثانية مثل ماصلي في الأولى ويتشهد ويسلم. ثانيتهما ان يوضع سورة واحدة على الخمس ركوعات ويكتفى بقرائة الحمد مرة في كل من الركعتين، وهاتان الكيفيتان مستفادتان من الاخبار، ففي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قالا :
سئلنا اباجعفر علیهما السلام عن صلوة الكسوف، كم هي ركعة وكيف نصلیها؟
فقال علیه السّلام:
عشر ركعات و اربع سجدات، تفتح الصلوة بتكبيرة و تركع بتكبيرة و ترفع رأسك بتكبيرة، الافى الخامسة التي تسجد فيها، وتقول سمع الله لمن حمده فيها وتقنت في كل ركعتين قبل الركوع و تطيل القنوت والركوع على قدر القرائة والركوع والسجود، فان فرغت قبل ان ينجلى فاقعد وادع الله حتى ینجلی، و ان انجلی قبل ان تفرغ من صلوتك فاتم مابقى وتجهر بالقرائة.
قال قلت : كيف القرائة فيها؟
فقال : ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرء فاتحة الكتاب، وان نقصت من السورة شيئا فاقرء من حيث نقصت ولاتقرء فاتحة الكتاب، قال و كان يستحب ان يقرء فيها الكهف والحجر، الا ان يكون اماما يشق على من خلفه وان استطعت ان تكون صلوتك بارز الايخبك بيت فافعل، و صلوة كسوف - الشمس اطول من صلوة كسوف القمر و هما سواء فى القرائة والركوع والسجود.
و في الصحيح عن الصدوق ره قال :
سئل الحلبی اباعبدالله علیه السلام عن صلوة الكسوف كسوف الشمس والقمر؟
قال علیه السّلام:
عشر ركعات و اربع سجدات، تركع خمسا ثم تسجد في الخامسة ثم تركع خمسا ثم تسجد فى العاشرة، وان شئت قرأت نصف سورة في كل ركعة،
ص: 242
فاذا قرأت سورة في كل ركعة فاقرء فاتحة الكتاب، و ان قرأت نصف اجزاك ان لاتقرء فاتحة الكتاب الا فى اول ركعة حتى تستانف اخرى، ولا تقل سمع الله لمن حمده فى رفع رأسك من الركوع، الافى الركعة التي تريد ان تسجد فيها.
و في صحيح رهط (1) عن كليهما عليهما السلام :
ان صلوة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات واربع سجدات ، صلاها رسول الله صلى الله عليه و آله والناس خلفه في كسوف الشمس ، الى ان قال علیه السّلام: تبدء فتكبر بافتتاح الصلوة ثم تقرء ام الكتاب و سورة ثم تركع ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء ام الكتاب وسورة ثم تركع الثانية ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء ام الكتاب وسورة ثم تركع الثالثة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء ام الكتاب وسورة ثم تركع الرابعة ثم ترفع رأسك من الركوع فتقرء ام الكتاب وسورة ثم تركع الخامسة ، فاذا رفعت رأسك قلت سمع الله لمن حمده ، ثم تخر ساجدا فتسجد سجدتين، ثم تقوم فتصنع مثل ماصنعت في الاولى.
قال قلت: وان قرء سورة واحدة فى الخمس ركعات ففرقها بينها.
قال علیه السّلام:
اجزأه ام القرآن فى اول مرة ، وان قرء خمس سور فمع كل سورة ام الكتاب والقنوت فى الركعة الثانية قبل الركوع الخبر الى غير ذلك من الاخبار الدالة على الكيفيتين.
ثم انك بعد ما عرفت من ان هذه الصلوة ركعتان و ان اطلاق عشر ركعات عليها فى الاخبار انما هو بلحاظ اشتمالها على عشر ركوعات وماقبلها من القرائة و ان المراد من الركعة فيها ليست هي الركعة المصطلحة، ظهر لك انه لوشك في عدد ركوعات هذه الصلوة، يكون المرجع فيه الى الاصل اعنى استصحاب العدم.
ص: 243
القاضى بلزوم الاتيان بماشك فى اتيانه منها، لا الى ماهو الوظيفة في الشك في عدد الركعات بالمعنى المصطلح و اما لوشك في ركعتي هذه الصلوة، فهل يعمه ادلة الشك في عدد الثنائية كي يحكم ببطلانها بالشك في ركعتيها ام لا وجهان من عوى انصراف تلك الادلة عن مثل هذه الصلوة، و من المنع عنها بعد ما علل البطلان في بعض تلك الادلة بانها ثنائية، فانه لولم يكن الشك فى كل ثنائية موجبا للبطلان. لم يصح تعليله بهذه العلة كما لا يخفى.
بقى هنا امران لابد من التعرض لهما:
الاول - انك قد عرفت ان جواز انيان هذه الصلوة بالكيفيتين اللتين ذکر ناهما مستفاد من النصوص، و اما انيانها بغيرهما من الكيفيات، كاتيان الركعة الأولى المشتملة على خمس ركوعات على الكيفية الاولى والركعة الثانية على الكيفية الثانية، او الاتيان بقرائة سورة كاملة فى بعض القيامات والاكتفاء فى غيره منها بتوزيعها عليها و غير ذلك من الكفيات، فلابد فى الحكم بجواز الاكتفاء بها، من النظر الى النصوص و انها هل يكون لها اطلاق كي يتمسك به فيما لوشك في اعتبار شئ فى صحتها ام لا. فنقول: ان المستفاد من بعض النصوص كصحيح رهط المتقدم، هو جواز الاكتفاء بسورة واحدة في خمس ركعات على نحو التوزيع، كما ان مقتضى اطلاقه جواز التفكيك بين الركعة الأولى و بين الثانية، بالاكتفاء بتوزيع سورة على الخمس فى احديهما وقرائة سورة كاملة في كل من الخمس، والمستفاد من قول ابيجعفر علیه السّلام في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة ان قرأت سورة في كل ركعة فاقرء فاتحة الكتاب، و ان نقصت من السورة شيئا فاقرء من حيث نقصت ولاتقرء فاتحة الكتاب ، ومن قول الرضا علیه السّلام فيما هو المنقول عن جامع البزنطى عنه علیه السّلام : اذ اختمت سورة و بدأت باخرى فاقرء بفاتحة الكتاب ، و ان قرأت سورة في ركعتين او ثلث ركعات فلاتقرء بفاتحة الكتاب حتى تختم السورة، هو جواز التفكيك بين القيامات ، بان يقرء في بعضها سورة كاملة و يوزعها في بعضها الاخر، و اما جواز الاكتفاء باى بعض من السورة ولو من وسطها اواخرها، وكذا
ص: 244
جواز العدول من سورة الى اخرى قبل اتمامها بان يقرء في بعض القيامات بعض سورة و فى بعضها اللاحق به بعض سورة اخرى فلا يستفاد ان من الروايتين، بل المستفاد من قوله في الاولى منهما و ان نقصت من السورة شيئا فاقرء من حيث نقصت، هو عدم جواز العدول من سورة قرء بعضها في قيام الى سورة اخرى في قيام اخر، بل يجب عليه قرائة ما نقصه منها فى القيام الأول فى القيام الثاني، وكيفكان فهل المرجع فيما اذا شك في صحة اتيان هذه الصلوة ببعض من الكفيات، ولم يكن هناك اطلاق يتمسك به لصحته، الى اصالة البرائة او الاشتغال، قديقال بالاول بدعوى ان المقام من جزئيات دوران المكلف به بین الاقل والاكثر الارتباطيين الذي يكون المرجع فيه البرائة على ما حقق في محله، اذ لا فرق في جريان البرائة فيما شك فى اعتبار شئ فى المكلف به شطرا او شرطا، بین کونه مامورا به بالامر التعيينى او كونه طرفا للتخيير في الواجب المخير ، وفيه ما حققناه في محله من ان البرائة عن التعيين، فيما دار امر المكلف به بين التعيين والتخيير، انما هى فيما اذا دار التكليف بين تعلقه بالمطلق كي يكون المكلف مخيرا بين افراده، و بين تعلقه بالمقيد كي يتعين عليه الفرد المقيد، اذ تعلقه بالمطلق واصل الطبيعة حينئذ معلوم، والخصوصية الزائدة عليها غير معلومة منفية بقوله علیه السّلام: رفع عن امتى مالا يعلمون، دون ما اذا كان تعلق التكليف بفردخاص معلوما ، وشك فى ان تعلق به، هل هو على نحو التعيين كيلا يسقط التكليف الاباتيان خصوصه، او على نحو التخيير كي يسقط باتيان غيره من الافراد فانه لامجال حينئذ الالاصالة الاشتغال لا البرائة، از مقتضى جعل المولی خصوص فرد مورد اللتكليف ، هو اشتغال الذمة به يقينا ولزوم الخروج عن عهدته كك، و ما نحن فيه من هذا القبيل، لما عرفت من ان تعلق التكليف بهذه الصلوة على بعض الكيفيات معلوم قد دلت عليه السنة المستفيضة، وتعلقه بها بغيره من الكيفيات غير معلوم، والاصل يقتضى التعيين فى المعلوم، وعدم سقوط التكليف به باتيان الصلوة بغيره من الكيفيات، اللهم الا ان يمنع عن انعقاد
ص: 245
ظهور للنصوص فى الامر التعيينى بالنسبة الى كيفية من الكيفيات، بعد اشتمالها جميعا على ذكر بعض المستحبات، المانع عن ظهورها في اصل وجوب ما ذكر فيها الكيفيات او شملته باطلاقها، فضلا عن ظهورها في وجوبه تعيينا، اذ حينئذ كلما شككنا في اعتبار شئ فى كيفية هذه الصلوة ، فهو من جزئيات الشك بين الاقل الاكثر الارتباطيين الذى يكون المرجع فيه هى البرائة على ما حقق في محله، نعم
انعقاد ظهور النصوص في كمية هذه الصلوة وعدد ركوعاتها ، من جهة كونها في مقام بيان حقيقتها غير قابل للابكار، فلا يجوز الاكتفاء بالاقل من عشر ركوعات التي دلت النصوص على اعتبارها في حقيقة هذه الصلوة، ولا يعارضها ماورد من بعض الاخبار الدالة على جواز الاكتفاء بالاقل من عشرة ، كالمروى عن ابى البخترى عن ابيعبد الله علیه السّلام، انه علیه السّلام قال :
ان عليا عليه السلام صلى فى كسوف الشمس ركعتين في اربع سجدات و اربع ركعات، والمروى عن يونس بن يعقوب عنه علیه السّلام ايضا انه علیه السّلام قال :
انکسف القمر فخرج ابى وخرجت معه الى المسجد الحرام، فصلى ثمان ركعات كما يصلى ركعة وسجدتين، وذلك لانهما بعد موافقتهما لمذهب العامة على مانقل، واعراض الاصحاب عنهما، ساقطان عن الاعتبار، فضلا عن الصلاحية للمعارضة مع النصوص الصحيحة المستفيضة الدالة على اعتبار عشر ركوعات.
الامر الثاني - هل ترك الحمد في القيامات التي يقتصر فيها بقرائة بعض السورة، رخصة كيلا يضر قرائته بصحة الصلوة، او عزيمة كى يكون قرائته موجبة لبطلانها؟ ذهب الاكثر الى الثانى تمسكا بظهور جملة من الاخبار المشتملة على النهى عن قرائته فيه، واستشكل الاستاد عليهم، بان المنع عن قرائة الحمد، انكان لاجل استفادة ما نعيته عن صحة الصلوة من النهى عن قرائتها من الاخبار، ففيه ان استفادة ذلك من النواهى الواردة فى المقام ممنوعة لورودها في مقابل الأمر بها مع اكمال السورة فى القيام السابق فلا يستفاد منها الا نفى وجوبه فيما اذا اقتصر في القيام
ص: 246
السابق على بعض السورة وانكان المنع عنها لاجل عدم الدليل على جزئيته فلا يكون قرائته بقصد انه جزء مشروعا، فهو مسلم لكن لا يقتضى ذلك المنع عن قرائته بقصد القرانية او مطلق الرجحان كما هو واضح، هذا تمام الكلام في كيفية هذه الصلوة.
و اما الكلام فى وقتها ، فلاخلاف فى ان وقتها في الكسوف من ابتدائه، ويدل عليه مضافا الى ما عن المنتهى و غيره من دعوى اجماع المسلمين عليه جملة من الاخبار منها صحيحة جميل المروية عن ابيعبد الله علیه السّلام قال : وقت صلوة الكسوف في الساعة التى تنكسف.
ومنها مرسلة المقنعة روى عن الصادقين عليهما السلام :
ان الله اذا اراد تخویف عباده و تجديد الزجر لخلقه كسف الشمس و خسف القمر، فاذار ايتم ذلك فافزعوا الى الله بالصلوة.
و منها مرسلة النهاية :
فاذا انكسف احدهما فبادروا الى مساجد كم، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك، و انما الخلاف فى آخر وقتها، فان المشهور بين المتقدمين من الاصحاب على ما في الحدائق هو الاخذ في الانجلاء اى الشروع فيه، والمختار عند جماعة كالمحقق في بع والعلامة فى المنتهى والشهيد والسيد في المدارك و غيرهم، هوانه يستمر الى تمام الانجلاء، وهذا هو الاقوى اذ يدل عليه مضافا الى كونه مقتضى الاصل اعنى الاستصحاب ، موثقة عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
ان صليت الكسوف الى ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر و تطول فى صلوتك فان ذلك افضل ، وان احببت ان تصلى فتفرغ عن صلوتك قبل ان يذهب الكسوف فهو جائز الخبر، فان مقتضى جعله علیه السّلام ذهاب الكسوف الذى هو عبارة عن الانجلاء التام غاية لاتيان الصلوة، هو كون ما قبله وقتا للصلوة، وصحيحة رهط عن احدهما عليهما السلام قال :
ص: 247
صلى رسول الله صلى الله عليه و آله، والناس خلفه في كسوف الشمس، ففرغ حين فرغ وقد انجلا كسوفها، فان اطالته صلى الله عليه و آله الصلوة الى الانجلاء، كاشفة عن استمرار الوقت و امتداده الى انتهاء الا نجلاء، اذلاحسن لاطالة الصلوة الا فى وقتها، وصحيحة معوية بن عمار قال :
قال ابو عبدالله علیه السلام : صلوة الكسوف اذا فرغت قبل ان ينجلي فاعد ، فان الامر باعادة الصلوة التى هى عبارة عن اتيانها ثانيا في الوقت قبل ان ينجلى الكسوف الظاهر فى تمام الانجلاء، يدل على بقاء وقتها الى الابخلاء التام، ويؤيد ذلك النصوص الدالة على استحباب اطالة هذه الصلوة وقرائة السور الطوال فيها، فانه لوتم الوقت بالشروع فى الانجلاء، لم يصح الامر باطالة الصلوة وقرائة السور الطوال فيها، اذ لاعلم ولاظن غالبا بالشروع فيه، كى يجوز الاطالة مع سعة الوقت ولاتجوز مع ضيقه، وتوهم انه يكفى في احراز سعته استصحاب بقائه، مدفوع بان الاستصحاب انما يجدى في جواز التطويل ولا يناسب استحبابه، وحمل النصوص المزبورة على ما اذاعلم بوقت الاخذ فى الانجلاء او ظن به بالظن المعتبر، موجب لحملها على الفرد النادر، لما عرفت من انه لا يحصل العلم بذلك ولا الظن به غالبا، الا للاوحدى من الناس كالعالم بالقواعد النجومية.
و استدل للقول الأول، بما في صحيحة حماد بن عثمان عن ابيعبد الله علیه السّلام، من قوله علیه السّلام : اذا انجلى منه شيء فقد انجلی ، بدعوى ان المنساق من تنزيله علیه السّلام انجلاء البعض منزلة انجلاء الكل، ارادته من حيث الاثر، ولا اثر لانجلاء الكل شرعا سوى كونه غاية لوقت الصلوة، وأورد عليه الاستاد دام ایام افاداته، بان ارادة هذا المعنى من قوله علیه السّلام : اذا انجلى الخ، مع عدم ارتباطه بما في صدر الصحيحة من قول حماد ذكر نا له علیه السّلام انكساف القمر وما يلقى الناس من شدته، بعيدة في الغاية، بل الظاهر المتبادر منه ارادة بيان، ان الخوف والشدة والرعب الحاصل فى قلوب الناس من الانخساف، كما يزول بانجلاء الكل يزول بانجلاء البعض ايضا
ص: 248
فهما متساويان في هذا الأثر الطبيعي، وعليه فلادلالة للصحيحة على ارادة بيان آخر وقت الصلوة وانه الشروع فى الانجلاء، كي تكون دليلا على هذا القول، فتبين مما ذكرنا ان ما اشتهر بين المتأخرين من امتداد وقت الصلوة الى تمام الانجلاء ، هو الظاهر المستفاد من الاخبار.
وكيفكان فهل الوقت الثابت لهذه الصلوة وقت لمجموعها، كيلا تجب اداء ولا قضاء، فيما اذا لم يتسع لها ولو مقتصرا فيها على اقل الواجب، اما اداء فلامتناع التكليف بفعل في وقت لا يسع لادائه، و اما قضاء فلان القضاء تابع للفوت المتوقف صدقه على وجود المقتضى للعمل وهو المصلحة التامة الموجبة لمطلوبيته للشارع وامره به، و ان لم يبلغ الى مرتبة التنجز لمكان غفلة المكلف او نومه، وقد عرفت امتناع الأمر والتكليف بعمل في وقت لا يسع لاتيانه، من غير فرق في ذلك بين كون الوقت بمقدار ركعة اواقل منه ، وذلك لانصراف مادل على من ادرك الى الفرائض اليومية ، سلمنا عدم انصرافه الى خصوصها ، لكن نقول ان مورده ما اذا كان الوقت متسعا للعمل ذاتا ، وانما لم يدرك المكلف عصيا او نسيا الاركعة من الصلوة فيه ، فلا يكون شاملا لمثل ما نحن فيه الذي لا يكون الوقت متسعا ذاتا الا لاتيان ركعة من الصلوة فيه.
اوهو وقت المتلبس بهذه الصلوة ، كي تجب حين حصول الانكساف ولولم يسع الوقت لاداء ركعة منها : فيه قولان ناشئان من اختلاف الاخبار، فما يدل على الاول هو الاخبار الدالة على ان وقت هذه الصلوة هو مدة الانكساف، كرواية عمار عن الصادق علیه السّلام:
ان صليت الكسوف الى ان يذهب الكسوف عن الشمس والقمر و تطول فى صلوتك فان ذلك افضل، فان جعل ذهاب الكسوف الذي هو عبارة عن الانجلاء التام غاية، يدل على ان ماقبله وقت للصلوة، و مقتضى كون وقتها ماقبل الانجلاء وجوب وقوع مجموعها فيما قبله
ص: 249
وصحيحة زرارة ومحمد بن مسلم المتقدمة قالا :
قلنا لا بيجعفر علیه السّلام:
ارأيت هذه الرياح والظلم التي تكون هل يصلى لها؟
فقال علیه السّلام:
كل الاخاويف السماء من ظلمة اوريح او فزع فصل له صلوة الكسوف حتى يسكن، بناء على كون حتى يسكن غاية لصل، كي يدل على تحديد مدة مشروعية هذه الصلوة كما هو الظاهر، لا كونه من الفوائد المترتبة عليها كما في قولنا: اسلم حتى تدخل الجنة ، لبعده غاية البعد بعد ما هو المعلوم من عدم كون سكون الريح و زوال الكسوف من الثمرات المرتبة على الصلوة .
وما يدل على الثاني وهو كون الوقت وقتا للتلبس بالصلوة والشروع فيها، هو صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن ابيجعفر عليهما السلام ، انه قال :
و ان فرغت قبل ان ينجلي فاقعد وادع الله حتى ينجلي، و آن انجلی قبل ان تفرغ من صلوتك فاتم ما بقي، فان اطلاقها يدل على جواز الشروع في الصلوة قبل الانجلاء واتمامها بعده، ولو كان ما وقع منها قبله اقل من ركعة، و يمكن الخدشه في دلالتها على ذلك، بما افاده الاستاد دامت افاداته من المنع عن كونها بصدد ذلك، وانما هى فى مقام بيان انه لو تطول في الصلوة بزعم بقاء الوقت واتفق الانجلاء فى اثنائها، لا يجب عليه رفع اليد عنها واستيفاف صلوة اخرى قضاء، بل له اتمامها والاكتفاء بها، لان العمل الماتى ببعضها في الوقت وببعضها في خارجه، ليس ادون من العمل الماتى بها بتمامه في خارجه قضاء، و يؤيد ذلك مافى جملة من الاخبار من اطلاق القضاء على الصلوة الماتى بها بعد الانجلاء ، فانه لوكان ثبوت التوقيت بالنسبة الى الشروع فى لصلوة، لم يكن اتيانها بعد الانجلاء قضاء، فاطلاق القضاء عليها يكشف عن ان وقت هذه الصلوة بتمامها قبل الانجلاء، لا ان وقت الشروع فيها ،قبله، ثم انه يتفرغ على ما اختاره الاستاد ، مضافا الى ماذكرناه من عدم وجوب هذه
ص: 250
الصلوة اداء ولا قضاء، عند ضيق وقت الانكساف عن اتيان تمام الصلوة و انكان قادرا علی انیان ركعة منها امران اخران ايضا احدهما انه لوكان الكسوف جزئيا و كان وقته متسعا، ولكن لم يعلم به المكلف الى ان بقى منه مقدار لايسع لاتيان تمام الصلوة فيه، لم يجب عليه اتيانها لااداء فى ذلك المقدار الباقى من الوقت ولا قضاء في خارجه، اما اداء فلعدم تمكنه من اتيانها تماما فى ذاك الوقت، مع قصوره وعدم اتساعه لاتيانها تماما فيه ، وكون الامر به امرا بغير المقدور ، و اتيان بعضها فيه واتمامها في خارجه وانكان مقدورا له، لكن لا دليل على وجوب اتيانها كك عليه، بعد ثبوت التوقيت بالنسبة الى مجموع الصلوة، وانصراف دليل من ادرك عن مثل هذه الصلوة، و اما قضاء فلمامر من كونه متفرعا على وجود المقتضى والمطلوبية من قبل الشارع لها في الوقت، كي يصدق على عدم اتيانها فيه الفوت ويعمها قوله علیه السّلام : اقض مات، والمفروض انه لامطلوبية من قبل الشارع لهذه الصلوة في الوقت الذى لا يسع لاتيانها فيه، فلافوت لها فلا قضاء لها هذا وتدبر(1)! وثانيهما انه لو كان وقت الكسوف الجزئى متسعا و كان المكلف مطلعا على وقوعه، لكنه لم يصل عمدا او نسيانا الى ان بقى من الوقت مقدار لايسع لاتيان الصلوة بتمامها فيه، وهذه الصورة وانكانت شريكة مع الصورة السابقة ، في عدم وجوب المبادرة فيها الى اتيان الصلوة
ص: 251
عليه ولوكان قادرا على اتيان ركعة منها فى الباقى من الوقت، لكن لما كان الامر باتيان الصلوة فى الوقت منجزا عليه ، فيصد على تركها في الوقت انها فاتت ، فيعمها قوله علیه السلام : اقض مافات، فاذا وجب عليه قضائها ، جاز له المبادرة فى ذلك المقدار الباقى من الوقت الى اتيانها، لمامر من ان الصلوة المانى ببعضها في الوقت و ببعضها فى خارجه ، لیست باقل من الصلوة الماتى بكلها وجميعها فى خارجه، هذا كله فيما اذا كان الكسوف جزئيا.
و اما اذا كان كليا فحكمه حكم هذه الصورة مطلقا ولولم يكن المكلف مطلعا على وقوع الكسوف من اول الامر، و ذلك لما سيجيئ انشاء الله تعالى من وجوب القضاء عند احتراق القرص كله سواء علم به ام لا، ثم ان ما ذكرنا من عدم وجوب الصلوة اداء ولاقضاء، فيما ضاق وقت الكسوف عن انيان تمام الصلوة فيه، او كان وقته متسعا ولكن ما علم المكلف بالكسوف الى ان بقى من وقته مقدار لايسع لاتيان تمامها فيه هو مقتضى الاصل ايضا، فلو فرضنا عدم وفاء الادلة المتقدمة باثبات التحديد لوقت الصلوة على النهج الذي ذكرنا، كفانا الاصل في الحكم بعدم وجوب الصلوة لا اداء ولا قضاء في الصورتين، اذليس فى الادلة الواردة في الباب، ما يدل ولو بالاطلاق على وجوب الصلوة وقت الكسوف مطلقا ولولم يتسع لاتيان تمامها فيه، كي يكون واردا او حاكما عليهذا الاصل .
ان قلت ان اصل البرائة انما يجرى فيما اذا لم يكن دليل او اصل حاكم عليه، وفى المقام وان لم يكن الدليل الحاكم عليه موجودا، ولكن الاصل الحاكم عليه وهو الاستصحاب القاضى ببقاء الوجوب موجود و توهم ان القدر المتيقن من الادلة هو وجوب الصلوة بتمامها فى زمان الانكساف، فائبات وجوبها في غير زمانه بالاستصحاب يكون من اجراء الحكم الى غير الموضوع المتيقن، و بعبارة اخرى هذا الاستصحاب فاقد لما يعتبر فيه من اتحاد الموضوع مدفوع بما حقق في محله من ان المناط في اتحاد الموضوع فى باب الاستصحاب هو الاتحاد بنظر العرف،
ص: 252
والموضوع للوجوب في المقام هو عر فا ذات الصلوة، لا الصلوة المقيدة بكونها في زمان الانكساف، كي يكون استصحاب وجوبها في غير ذلك الزمان من اجراء الحكم
الى غير موضوعه.
قلنا ماحقق في محله من كفاية اتحاد الموضوع عرفا في القضية المتيقنة والمشكوكة فى جريان الاستصحاب، انما هو فيما اذا سرى الحكم المتعلق بعنوان كلى الى مصداقه الخارجي، كما اذا قال الشارع الماء المتغير احد اوصافه بملاقاته النجاسة نجس، ولاقى ماء خارجي نجاسة و تغير بعض اوصافه بملاقاته لها ثم زال التغير عنه وشك في ارتفاع نجاسته، فانه استصحاب نجاسته، لان الماء المتغير بملاقاة النجاسة في الخارج اذا زال تغيره، لا يعد موضوعا اخر عند العرف، بل يقولون هذا الماء كان نجسا فى زمان تغيره يقينا ونشك الان في زوال نجاسته، فیلزم علينا الحكم بنجاسته لقوله علیه السلام: لا تنقض اليقين بالشك، وهذا بخلاف ما اذا كان الحكم متعلقا بعنوان و مفهوم كلي مقيد بقيد، كما اذا قال الشارع العصير العنبى المغلى نجس، فانه لا يصح لنا ان نجرى هذا الحكم الى العصير الغير المغلى بالاستصحاب، لانهما عنوانان ومفهومان متغايران بنظر العرف ايضا، وما نحن فيه من هذا القبيل، و توهم ان قياس ما نحن فيه على المثال مع الفارق، لان تعلق النجاسة بالعصير المغلى كان متيقنا معلوما، وتعلق الوجوب بالصلوة الواقعة بتمامها في زمان الانكساف غير معلوم حسب الفرض مدفوع بانه يكفى فى عدم جريان الاستصحاب مجرد احتمال تعلق الوجوب بها بهذه الكيفية، اذ مع هذا الاحتمال لاقطع باجراء الحكم السابق الى ماكان موضوعا له، ويعتبر في جريان الاستصحاب احراز الموضوع على نحو القطع، و توهم انه لولم يكن الاستصحاب جاريا في المقام، فبم حكمتم بجواز المبادرة إلى الصلوة فيما اذا اطلع على الكسوف الجزئى و لم يصل عصيانا او نسيانا إلى ان ضاق وقت الانكساف عن اتيان تمام الصلوة فيه، مدفوع بان الحكم بجواز
ص: 253
المبادرة الى الصلوة فى الصورة المزبورة، ليس لاجل استصحاب وجوبها، بل لاجل مامر من ان قضاء الصلوة لما كان واجبا عليه فيهذه الصورة فيجوز له المبادرة اليها وانكان يقع بعضها بعد الانجلاء، بل يمكن القول بوجوب المبادرة الى الصلوة في الصورة المزبورة و امثالها بمقتضى قاعدة الاشتغال، بيان ذلك هوانه لاشبهة في ان التكليف بهذه الصلوة قد يتنجز عند الاطلاع على الكسوف، فان لم يصل عصيانا الى ان زال الوقت بالانجلاء التام يكون مستحقا للعقوبة قطعا، وان بقى من الوقت ولو بمقدار ركعة او اقل منه واتى بالصلوة فيهذا الحال، لاقطع باستحقاقه للعقوبة، ان كما يحتمل كون الواجب هى الصلوة المقيدة بوقوع تمامها في وقت الكسوف، كك يحتمل كونه هى المقيدة بالشروع فيها في وقته، فاتيان الصلوة فيهذه الحال لازم. عقلا، لامكان ان لا يكون مع اتيانها مستحقا للعقوبة، ولكن هذا انما يتم فيما اذا كان تركه للصلوة الى ان ضاق الوقت مستندا الى العصيان، لا النسيان او عدم الاطلاع على الكسوف الى ان ضاق الوقت، لان في هاتين الصورتين لا يكون مستحقا للعقوبة قطعا فيما اذا اتى بالصلوة فيهذا الحال، لانه لو كان الواجب هى الصلوة المقيدة بوقوع تمامها في وقت الكسوف ، فهى لعدم تنجزها على الناسي وغير المطلع على الكسوف، لا يكون تركها موجبا لاستحقاق العقوبة قطعا، و انكان الواجب هي الصلوة المقيدة بالشروع فيها فقدانى بها، بل فيما كان ترك الصلوة مستندا الى عدم. الاطلاع على اصل الكسوف، لا يستحق العقوبة على عدم اتيان الصلوة فيهذا الحال ايضا، لان علمه الاجمالي بوجوب احدى الصلوتين، انما حصل بعد خروج احد طرفى المعلوم بالاجمال عن محل الابتلاء. هذه خلاصة ما استفدناه من الاستاد في بيان امكان القول بوجوب المبادرة الى اتيان الصلوة فيهذا الحال مطلقا، او في خصوص ما اذاكان تركها الى ان ضاق الوقت مستندا الى العصيان، بمقتضى الاشتغال العقلى وحكم العقل بلزوم المبادرة الى اتيانها، لامكان ان لا يكون بسبب اتيانها مستحقا للعقوبة، ولكن ما افاده من ان هذا الوجه انما يتم فيما لم يصل عصيانا الی
ص: 254
ان ضاق الوقت، لا يخلو عن النظر، وذلك لان مع احتمال التارك للصلوة عصياناكون الواجب عليه هى الصلوة المقيدة بوقوع تمامها في وقت الكسوف التي لولم يأت بها الى ان يضيق الوقت يرتفع التكليف بها، يكون تركه للصلوة كاشفا عن عدم كونه قاصدا لامتثال التكليف المعلوم بالاجمال، الاعلى تقدير لاعلى كل تقدير كل تقدير، وقد حقق فى محله ان الامتثال على تقدير لا يجدى فى حصول القرب المعتبر في صحة العبادة ، فيكون تاركا لاحد طرفي المعلوم بالاجمال واتيا بطرفه الاخر، فاقدا لما يعتبر في صحته من صلاحيته لحصول القرب به، ومعه يقطع باستحقاقه العقوبة ولو مع اتيانه بالصلوة فيهذا الحال ايضا، وحينئذ فلامجال لحكم العقل بالمبادرة الى اتيانها كما لا يخفى، نعم يحكم العقل بلزوم المبادرة الى اتيان الصلوة فيهذا الحال، فيما اذا كان تركها مستندا الى النسيان، لا لاجل امكان ان لايكون مع اتيانها مستحقا للعقوبة، بل لاجل انه بعد ما اطلع على الكسوف، علم اجمالا بوجوب صلوة عليه مرددة بين كونها هي المقيدة بوقوع تمامها في حال الكسوف وكونها المقيدة بالشروع فيها فى حاله، فاذانسی انیان تمامها في حال الكسوف الى ان ضاق الوقت، وجب عليه بحكم العقل اتيانها فيهذا الحال، للعلم بانه لو كانت الصلوة الواجبة المعلومة بالاجمال، واقعا هي الصلوة المقيدة بالشروع فيها في حال الكسوف يستحق العقوبة على تركها فيهذا الحال لتنجزها عليه بعمله الاجمالي السابق .
نعم يمكن ان يقال بجريان استصحاب وجوب الصلوة ، في مثل مانحن فيه الذي يكون وقت الكسوف فيه متسعا و لكن لم يصل عصيانا او نسيانا الى ان ضاق الوقت او خرج، بيان ذلك هو انه اذا تعلق التكليف بعمل مقيد، يكون لامحة متعلقا بالطبيعة المهملة المتحققة في ضمنه، لان المقيد ليس الا الطبيعة مع قيدزائد عليها، و من المعلوم ان وجوب المجموع المركب من اجزاء عين وجوب تلك الاجزاء، و لذا قلنا في مبحث البرائة اذاشك فى اعتبار قيد فى المكلف به، ان تعلق التكليف بالطبيعة المهملة معلوم و اعتبار ذاك القيد مشكوك مرفوع بالبرائة، و في المقام
ص: 255
نقول تعلق التكليف بهذه الصلوة سابقا اعنى قبل ضيق الوقت اوخروجه معلوم، و نشك في ارتفاعه من جهة احتمال تقيدها بالوقوع بتمامها في وقت الانكساف، او بقائه من جهة احتمال عدم تقيدها بذلك، و مقتضى الاستصحاب هو اللحكم ببقائه، و توهم ان مرجع الاستصحاب في الاحكام الى جعل حكم مماثل الحكم الاول و من المعلوم ان الحكم المجعول بالاستصحاب للطبيعة المهملة ليس مماثلا للحكم المجعول للطبيعة المقيدة ، هذا مضافا الى ان المهملة غير قابلة لجعل للحكم لها، مدفوع اولا بمنع كون الحكم المجعول للطبيعة المهملة غير مماثل للحكم المجعول المقيدة ، لان المراد من عدم المماثلة، انكان عدمها سنخا فهو واضح الفساد بعد كون المجعول لكليهما هو الوجوب المطلق التعيينى، و انكان المراد منه عدم المماثلة من حيث المتعلق ، ففيه ما مر من ان المماثلة من هذه الحيثية ملقاة في باب الاستصحاب بعد كون الوحدة الموضوع المعتبرة فى الاستصحاب هى الوحدة بنظر العرف، والعرف ترى الموضوع للوجوب ذات الصلوة، وخصوصية كونها في وقت كذا من الاحوال المتبدلة عليها، وثانيا بمنع كون مرجع الاستصحاب في الحكم الى جعل حكم ممائل للحكم الاول، اذا المستفاد من قوله علیه السّلام تنقض اليقين بالشك، ليس الا الجرى العملى على طبق الحالة السابقة المتيقنة، ومن المعلوم انه لوصلى هذه الصلوة على كيفيتها الواردة التي سبق ذكرها بعد زوال الانكساف، لكان اتيانه لها جريا عمليا على طبق الحالة السابقة، والمهملة و ان لم تكن قابلة لتعلق الطلب والتكليف بها، الا انها قابلة للحكم بالجرى على طبق حالتها السابقة في مقام العمل، ومما ذكرنا ظهر ان مقتضى الاستصحاب فى سائر الايات غير الكسوف هو وجوب القضاء الا ان يقوم دليل على عدم وجوبه، واما الكسوف فلا نحتاج فى اثبات وجوبه فيه الى الاستصحاب، بل لا مجال له فيه بعد مادل الدليل على عدم وجوبه فيه اذا لم يحترق القرص كله، و وجوبه فيه فيما اذا احترق كله كما سيجئ انشاء الله تعالى التعرض له، وتوضيح كون مقتضى الاستصحاب وجوب القضاء فى سائر الايات، مع كون القضاء بامر جديد
ص: 256
والاصل عدمه، هو انك قد عرفت انفا ان التكليف المتعلق بالمقيد متعلق بالطبيعة المهملة المتحققة في ضمنه، فنقول اذا تعلق التكليف بعمل في وقت خاص ولم يات به المكلف في وقته، و احتمل تعلق تكليف اخر به فى خارج ذاك الوقت، ينشاء من ذلك الاحتمال الشك في بقاء التكليف الذى كان متعلقا بالطبيعة المهملة تبعا لتعلقه بالمقيد ، و ذلك لانه و انكان الموضوع فى التكليف الثانى المحتمل غير الموضوع في التكليف الأول المتيقن، لكونه فاقد القيد التوقيت الماخوذ في موضوع التكليف الأول، لكن لو تعلق تكليف اخر بتلك الطبيعة بعد الوقت يصدق عرفا ان التكليف بها باق، و هذا نظير ما قلناه فى مبحث استصحاب الكلى، من انه لو كان شخص فيدار و خرج عنها و مقارنا لخروجه دخل شخص اخر فيها، يصدق بقاء الانسان فيها لان الطبيعة امر واحد و ان تعدد افرادها، فاذا شك في دخول شخص اخر في تلك الدار بعد عند خروج الأول عنها يشك فى بقاء الانسان فيها فيستصحب بقائه، و توهم انه كما ان استصحاب وجود طبيعة الانسان فى المثال محكوم باصالة عدم دخول شخص اخر فى الدار، لكون الشك في بقائها فيها مسببا عن الشك في دخول شخص اخر كذلك في المقام يكون الشك في بقاء وجوب الصلوة بعد الوقت مسببا عن الشك في حدوث تكليف جديد بها بعده، و استصحاب عدم حدوثد حاكم على استصحاب وجوبها السابق، لان الاصل الجارى فى الشك السببي حاكم على الجارى فى المسببي، مدفوع اولا بانه لا حكومة للاصل الجارى فى الشك السببي على الجاري في المسببي في المقيس عليه فضلا عن المقيس بعد كون الترتب بين عدم الفرد وعدم الطبيعة عقليا لا شرعيا و ثانيا بان ما يكون مجرى للاستصحاب و يكون له حالة سابقة، هو عدم التكليف بالقضاء بالعدم المحمولى الازلي الثابت قبل وجود المكلف والتكليف، ومن المعلوم ان استصحابه لا يجدى فى اثبات عدم وجوب قضاء هذه الصلوة بالعدم النعتى الا على القول بالاصل المثبت، و استصحاب عدم وجوبه بالعدم النعتى لامجال له، اذليس له حالة سابقة كي يستصحب، اذ لم يكن هناك زمان تيقن فيه بعدم وجوب
ص: 257
قضاء هذه الصلوة، كى يجرى فيه الاستصحاب و يكون حاكما على استصحاب بقاء وجوبها بعد خروج الوقت ، هذا كله فيما اذا ثبت التوقيت لغير صلوة الكسوف من صلوات الايات ايضا، و اما اذا قلنا بكونها من قبيل الاسباب لوجوب الصلوة، فمتى حصلت وجبت الصلوة سواء طال وقتها او قصر، كما صرح بذلك جملة من الاصحاب في الزلزلة، حيث قالوا بكونها سبباً لوجوب الصلوة، من غيران تكون موقتة بزمان الزلزلة، فلاريب في انه يكفى للحكم بلزوم الاتيان بالصلوة اداء على من لم يأت بها الى ان زال السبب، استصحاب وجوب الصلوة، بناء على كون الأمر باتيان المسبب عند تحقق السبب، ظاهرا في وجوب انيانه فورا، اذ على هذا المبنى لابد في الحكم بوجوب اتيانه ثانيا من استصحاب الطبيعة المهملة، اذ بناء على عدم اقتضاء السبب الا الأمر بالعمل، لانه الذي صار السبب علة له لا العمل، والالزم وجوب الكفارة فورا فی موارد تحقق اسبابها، ولم يلتزم به احد، يكفى فىلزوم الاتيان بالصلوة عليه بعد زوال السبب نفس الأمر بها عند حدوث السبب، لانه حينئذ يكون وقتها مدة العمر، اذليس الامر مقتضيا للفور كي نحتاج في الحكم بلزوم اتيانها بعد زوال السبب الى استصحاب الطبيعة المهملة وتوهم انه لا مجال لاجراء الاستصحاب في المهملة، بناء على كون الأمر بالمسبب عقيب تحقق السبب ظاهرا فى لزوم اتيان المسبب فورا اذ معه يكون الامر باتيانه دالا على عدم التكليف باتيان المسبب ثانيا لولم يأت به فورا، فيكون حاكما على استصحاب المهملة التي يكون الشك في بقائها مسببا عن الشك في تعلق تكليف اخر بالمسبب ثانيا، مدفوع بان وقوع الامر بالمسبب عقيب حدوث السبب موجب لظهوره في لزوم الاتيان بالعمل فورا، فالفورية من لوازم تأثير الامر فى متعلقه في خصوص المقام الذى وقع الامرفيه بالعمل عقيب حدوث السبب و من المعلوم ان ما يكون من آثار الأمر، لا يمكن يكون قيد المتعلقه الا على وجه دائر فاذا لم تكن الفورية قيدا للواجب، فيكون من آثار الامر المتعلق به، فلو تعلق به امر فى الزمان الثانى، لزم الاتيان به فورا، بعد كون الفورية مقتضى تعلق الامر به، هذا فيما اذا علم بكون الايات من قبيل الاسباب و اما لوشك في ذلك و كان
ص: 258
غيرات للصلوة الى ان زال السبب، فيستصحب الحكم المتعلّق بطبيعة الصلوة، لاحتمال كونها مقيدة بوقوع تمامها في الوقت او بشروعها فيه، ومعه يحتاج في الحكم بوجوبها فيهذا الحال الى الاستصحاب، هذا تمام الكلام فيما هو مقتضى الاصل في غير الكسوفين من الايات، و اما الكسوفان فقداغنانا عن البحث عما هو مقتضى الاصل فيهما ، تعيين الاخبار مورد وجوب القضاء و مورد عدمه، فان الاخبار و انكانت بين ما يدل على وجوب القضاء فيهما مطلقا، وما يدل على عدم وجوبه كك، لكن مقتضى الجمع بينهما وبين مادل منها على التفصيل، هو تقييد اطلاقهما به، والحكم بانه لو احترق القرص كله وجب عليه القضاء سواء اطلع على الكسوف ام لا، وان لم يحترق الا بعضه واطلع عليه ولم يصل فعليه القضاء، وان لم يطلع عليه الابعد الانجلاء فليس عليه القضاء، فمما يدل على وجوب القضاء مطلقا ما حكى عن الفقه الرضوى من قوله علیه السّلام :
واذا احترق القرص كله فاغتسل ، وان انكسف الشمس والقمر ولم تعلم به فعليك ان تصليها اذا علمت ، وان ترکتها متعمد احتى تصبح فاغتسل وصل وان لم يحترق القرص فاقضها ولا تغتسل .
ومما يدل على عدم وجوب القضاء مطلقا ماروى عن الحلبي من انه قال :
سئلت اباعبدالله عليه السلام عن صلوة الكسوف تقضى اذا فاتتنا ؟
قال علیه السّلام:
ليس فيها قضاء، الخبر.
وما رواه البزنطى عنه علیه السّلام ايضا قال :
سئلته عن صلوة الكسوف هل على من تركها قضاء ؟
قال علیه السّلام:
اذا فاتتك فليس عليك قضاء .
وما روى عن على بن جعفر عن اخيه موسى علیه السّلام قال:
ص: 259
سئلته عن صلوة الكسوف هل على من تركها قضاء؟
قال علیه السّلام:
اذا فاتتك فليس عليك قضاء.
ومما يدل على التفصيل ماروى عن زرارة ومحمد بن مسلم عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال:
اذا انكسف الشمس كلها و احترقت ولم تعلم و علمت بعد ذلك فعليك القضاء، وان لم يحترق كلها فليس عليك قضاء.
وما روى عن محمد بن مسلم والفضيل بن يسار في الصحيح انهما قالا لا بيجعفر علیه السّلام.
ايقضى صلوة الكسوف من اذا اصبح فعلم او اذا امسی فعلم؟
قال علیه السّلام :
اذا كان القرصان احترق كلهما قضيت، وان كان انما احترق بعضها فلیس عليك قضاء.
وما روى عن حريز قال :
قال ابو عبد الله علیه السلام: اذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى اصبحت ثم بلغك، فان كان احترق كله فعليك القضاء ، و ان لم يكن احترق كله فلا قضاء عليك.
و اما الكلام فى احكام الايات ، فيقع في طی مسائل :
الاولى - اذا حصل الكسوف اوغيره من الايات فى وقت فريضة يومية حاضرة، فلا اشكال بل لاخلاف في لزوم تقديم ما تضيق وقته منهما، و لزوم تقديم اليومية لو تضيق وقتهما معا، لاهمية اليومية في نظر الشارع، كما يدل عليها (عليه) ما في الاخبار الانية من الامر بقطع صلوة الايات والاشتغال بالفريضة و انكان يفوت به صلوة الايات، و اما لو اتسع وقتهما معا، فهل يجب تقديم اليومية كما حكى عن جماعة كالصدوقين والسيد وابنى حمزة والبراج، او يجب تقديم صلوة الكسوف كما
ص: 260
نسب الى بعض كابن عقيل والحلى او يكون مخيرا في الاتيان بايتهما شاء، من دون استحباب تقديم صلوة الكسوف او العكس كما ذهب اليه المشهور، اومع استحبابه وجوه اقويها الاخير، وقبل التعرض للاستدلال على المختار لابأس بالتنبيه على نكتة وهيان مراد القائلين بوجوب تقديم اليومية على صلوة الكسوف او العكس مع اتساع وقتهما ، لابدان يكون هو الوجوب الشرطى، بمعنى ان صحة صلوة الكسوف مثلا فى وقت اليومية مشروطة باتيان اليومية، اولا نظير اشتراط صحة صلوة العصير باتيان الظهر اولا مع كون الوقت مشتركا بينهما، لا الوجوب التكليفى اذ لا يتصور وجوب تقديم اليومية على صلوة الكسوف او العكس تكليفا ، مع فرض كون كل منهما واجبا موسعا، يجوز للمكلف الاتيان بالافعال المباحة فى وقتهما مالم يتضيق، فضلا عن الواجبة .
اذا عرفت هذا فنقول يدل على ما هو المختار من جواز الابتداء بايتهما شاء مع استحباب تقديم اليومية، مضافا الى كونه مقتضى القاعده كما اشرنا اليه انفا صحيحة محمد بن مسلم و بريد بن معوية، عن ابيجعفر وابيعبد الله عليهما السلام، قالا: اذا وقع الكسوف او بعض هذه الايات فصلها مالم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة، فان تخوفت فابدأ بالفريضة واقطع ما كنت بدأت به من صلوة الكسوف، فاذا فرغت من الفريضة فارجع الى حيث كنت قطعت واحتسب بما ،مضى فان قولهما عليهما السلام فصلها مالم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة، صريح فيما ذهب اليه المشهور من جواز البدئة بصلوة الكسوف مالم يتخوف ذهاب وقت الفريضة كما ان امر هما عليهما السلام بقطع الصلوة عند خوف فوت وقت الفريضة ، يدل باطلاقه على ما ذكرنا من اهمية الفريضة اليومية عند الشارع من صلوة الآيات، الا ان يقال ان دلالة ذلك على اهمية اليومية، انما هي اذا كان مورد امرهما عليهما السلام بقطع صلوة الآيات ما اذا ضاق وقت كلتا الصلوتين وهذا ممنوع جدا وذلك لظهور قولهما عليهما السلام اذا وقع الكسوف ... الخ في كونهما عليهما السلام بصدد بیان حكم حدوث هذه الايات فى اثناء الاشتغال باليومية، ومن المعلوم فيهذا الفرض بقاء الوقت غالبا لصلوة الايات
ص: 261
بعد الفراغ عن الفريضة التي كان مشغولا بها، فلاتكون الصحيحة متعرضة لما اذا ضاق وقت كلتا الصلوتين، كي يكون امرهما بالبدء بالفريضة وقطع صلوة الايات، من باب تقديم ما هو الاهم من المتزاحمين، فاذا كانت متعرضة لحال حدوث هذه الايات، ولم يكن الامر فيها بقطع صلوة الايات والبدئة بالفريضة، لضيق وقتهما معا و تقديم الفريضة لاهميتها، احتمل قوياكون المراد من قولهما عليهما السلام فان تخوف ، هو التخوف من فوت وقت الفضيلة للفريضة ، لشيوع ارادته بهذا المعنى من اطلاقه في الاخبار، كما يؤيد ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال :
قلت له: جعلت فداك، ربما ابتلينا بالكسوف بعد المغرب قبل العشاء الآخرة فان صلينا الكسوف خشينا ان تفوت الفريضة .
فقال علیه السّلام :
اذا خشيت ذلك فاقطع صلوتك واقض فريضتك ثم عد فيها الخبر، فان حمل هذه الصحيحة على ارادة خشية فوت وقت الاجزاء، مع امتداد وقت الاجزاء للعشاء الى نصف الليل ، بعيد فى الغاية، فإذا كان المراد من تخوف فوت وقت الفريضة في الصحيحة الاولى، هو تخوف فوت وقتها الفضلى، فيكون امرهما فيها ذيلا بالبدئة بالفريضة وقطع صلوة الايات، محمولا على الاستحباب، فاذا كان امر هما عليهما السلام ذيلا محمولا على الاستحباب، فيمنع عن ظهور امر هما عليهما السلام في صدر الصحيحة باتيان الصلوة الايات قبل الفريضة فيما لم يتخوف فوت وقتها فى الوجوب، لاتحادهما في السياق المقتضى لحمل الوقت المتخوف ذهابه الواقع فى الصدر ايضا على وقت الفضيلة، ولا يضر حمل الصحيحة على ارادة خوف فوت وقت الفضيلة، بالاستدلال بها لجواز الابتداء بصلوة الايات فى وقت الاجزاء، ضرورة ان الابتداء بصلوة الايات اذا كان جائزا في وقت الفضيلة للفريضة، فيكون جائزا في وقت الاجزاء بطريق اولى هذا، وقد يستدل للقول بوجوب تقديم الفريضة اليومية، بامره علیه السّلام في الصحيحة الثانية بقطع صلوة الايات والاتيان بالفريضة، بتقريب ان امره علیه السّلام بقطع صلوة الكسوف،
ص: 262
ظاهر في وجوب قطعها لادراك الفريضة العشاء فى اول وقتها، فاذا وجب قطع صلوة الكسوف لادراك العشاء فى اول وقتها، لم يجز الدخول فيها فى اول وقت العشاء بطريق اولى هذا، وفيه مالا يخفى من الفساد وذلك لدلالة الصحيحة مفهوما على جواز الاتيان بصلوة الكسوف مالم يخش فوت وقت الفريضة ، فان كان المراد من وقت الفريضة وقت اجزائها، فتدل على جواز تقديم صلوة الايات في سعة وقت الفريضة، وان كان المراد منه وقت فضيلتها، فتدل على جواز تقديم صلوة الآيات عليها في سعة وقتها، لامتداد وقت فضيلتها الى ثلث الليل اور بعها، كما مر تفصيله فى البحث عن المواقيت، و معه يمكن البدئة بصلوة الايات ثم الاتيان بالعشاء في وقت فضيلتها، هذا مضافا الى ان قول المستدل ان امره علیه السّلام بقطع صلوة الكسوف ظاهر في وجوب قطع صلوتها لادراك العشاء ، ظاهر الفساد ايضا، اذ بعد فرض كون اتيان الفرائض اليومية فى اول اوقاتها مستحبا، كيف يتصور ان يكون قطع صلوة واجبة واجب الادراك عمل مستحب، واما الاستدلال على وجوب تقديمها على صلوة الكسوف، بصحيحة محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السلام قال :
سئلته عن صلوة الكسوف في وقت الفريضة.
فقال علیه السلام : ابدأ بالفريضة .
و بما فى المحكى عن الفقه الرضوى من قوله علیه السّلام: ولا تصلها فى وقت الفريضة، ففيه اولا احتمال كون المراد من وقت الفريضة وقت فضيلها، و معه لادلالة لهما على وجوب تقديم الفريضة ، وثانيا انهما معارضان بصحيحة محمد بن مسلم و بريد بن معوية المتقدمة الصريحة في جواز الاتيان بصلوة الايات مالم يتخوف ذهاب وقت الفريضة، و مقتضى الجمع بين النص والظاهر هو تقديم الصحيحة عليهما مضافا الى كونها اخص منهما الموجب لتقييدهما بها، فتبين مما ذكرنا كله ان مقتضى الجمع بين الاخبار الواردة فى المسئلة، هو التخيير في الابتداء بايتهما شاء في سعة وقتهما.
ص: 263
و اما استحباب تقديم الفريضة او العكس فى وقت الفضيلة ففيه وجهان ناشئان من ان الأمر باتيان صلوة الايات قبل الفريضة مالم تخوف ذهاب وقتها، في صحيحة محمد بن مسلم و بريد بن معوية المتقدمة، هل يتعين حمله على مجرد الترخيص لوروده مورد توهم وجوب الابتداء بالفريضة، كيلا يكون له دلالة على استحباب تقديمها على الفريضة، او ان الامر بالبدئة بالفريضة فى صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة عن احدهما عليهما السّلام يتعين حمله على مجرد الترخيص لوروده مورد توهم كون وجوب الاتيان بصلوة الايات فوريا، كيلا يكون له دلالة على استحباب تقديمها على صلوة الايات و الظاهر ان الاول اولى، لدلالة قوله علیه السّلام في الصحيحة الثانية فابدأ بالفريضة، هيئة ومادة، على مطلوبية تقديمها، دفعا لتوهم السائل ارتفاع استحباب اتيان الفريضة فى وقتها الفضيلة بظهور الكسوف فيه، اما دلالته هيئة على ذلك، فلان بعد حمل وقت الفريضة فيها على وقت فضيلتها، فيكون المنساق من الامر بالابتداء بها فيهذا الوقت، ارادته لادراك الفريضة فى وقت الفضيلة الذى لا شبهة في استحبابه، فلايكون الامر به و طلبه الاند باحسب مطلوبية غايته و اما دلالته مادة على ذلك، فلان قوله علیه السّلام فابدأ بالفريضة يدل على مطلوبية البدئة بالفريضة و تقديمها على صلوة الكسوف عند ظهوره فى وقت الفريضة بخلاف قوله علیه السّلام في الصحيحة صلها مالم تتخوف ان يذهب وقت الفريضة، فانه بعد ما هو المفروض من عدم دلالة الأمر بها على الوجوب، لامجال للشك في عدم رجحان تقديم صلوة الايات على الفريضة ، فيكون حمل الأمر فيها بصلوة الايات قبل الفريضة على مجرد الترخيص هو المتعين والله العالم.
ثم ان صريح غير واحد من الاخبار الواردة في المسئلة، جواز قطع صلوة الكسوف في الاثناء فيما لو تخوف ذهاب وقت الفريضة، والاتيان بالفريضة ثم العود الى صلوته من حيث رفع اليد عنها، ففي صحيحة محمد بن مسلم و بريد بن معوية المتقدمة، فان تخوفت ذهاب وقت الفريضة، فابدأ بها واقطع ما كنت بدأت فيه من
ص: 264
صلوة الكسوف، فاذا فرغت من الفريضة فارجع الى حيث كنت قطعت واحتسب بما مضى، وفى المروى عن الفقه الرضوى: فاذا كنت فيها ودخل عليك وقت الفريضة فاقطعها وصل الفريضة ثم ابن على ماصليت من صلوة الكسوف، و يستفاد من جواز قطع صلوة الكسوف لادراك وقت الفضيلة للفريضة ، وجوب قطعها لادراك وقت الاجزاء لها بتنقيح المناط، بل يدل عليه صحيحة ابي ايوب عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
سئلته عن صلوة الكسوف قبل ان تغيب الشمس و تخشى فوت الفريضة .
فقال علیه السّلام :
اقطعوها وصلوا الفريضة وعودوا الى صلوتكم، فان الظاهر ان المراد من الفريضة التي يخاف فوتها فيهذا الوقت بفعل صلوة الكسوف هي صلوة العصر، فهذه الرواية بحسب الظاهر واردة فيمن اخر العصر الى اخر الوقت و ابتلى فيه بالكسوف، فاحتمال كون المراد بالفريضة فريضة المغرب والمراد بفوتها عدم ادراكها في وقتها الفضلى خلاف الظاهر جدا فتبصر! وكيفكان فجواز قطع صلوة الكسوف في الاثناء فيما تخوف ذهاب وقت الفضيلة للفريضة ثم العود اليها من حيث رفع اليد عنها، مما لا ينبغى الاشكال فيه، بعد ما عرفت من دلالة النصوص عليه، فلامجال لما حكى عن بعض الاعاظم من الاشكال فى ذلك، بعدم معهودية تجويز ذلك من الشارع فى غير هذا المورد كما لامجال ايضا لما حكى عن بعض الاساطين كالشيخ في المبسوط والشهيد في الذكرى، من ان من قطع صلوة الكسوف مخافة فوات الفريضة، وجب عليه استينافها ولا يصح له العود اليها والبناء على ما مضى معللا بان البناء عليه بعد تخلل الصلوة الاجنبية الماحية للصورة على خلاف مقتضى القاعدة، بعد دلالة النصوص المعتبرة المعمول بها عند الاصحاب على خلافه، فهذا الحكم اعنى جواز قطع الصلوة الكسوف عند خوف فوات وقت الفضيلة للفريضة و وجوبه قطعها عند خون فوات وقت الاجزاء لها ثم العود بالفريضة ثم العود الى صلوة الكسوف والبناء على ما مضى، مما لا ينبغى الارتياب فيه، وانما الاشكال في ان
ص: 265
هذا الحكم، هل يختص بمن دخل فى صلوة الكسوف بزعم سعة الوقت، ثم انكشف له في الاثناء خلافه ولوظنا بحيث حصل له خوف فوات الفريضة باتمامها، أو يعم من خاف قبل الشروع فى صلوة الكسوف فوات وقت الفريضة باتيانها ، كي يجوز له مع هذا الخوف التلبس بصلوة الكسوف وقطعها ثم العود اليها بعد الاتيان بالفريضة، و منشاء الاشكال ، هو ان هذا الحكم حيث يكون على خلاف مقتضى القاعدة ، لكون البناء على ما مضى من صلوة الكسوف، بعد تخلل صلوة الفريضة الماحية للصورة والمانعة عما يعتبر فى الصلوة من الموالاة، على خلاف القواعد، فلابد من الاقتصار فيه على مورد النص، فلوكان موردها خصوص ما اذا تلبس بصلوة الكسوف بزعم السعة ثم انكشف له خلافه، فيختص هذا الحكم بخصوص هذا الفرض، ولا يجوز تعميمه و تسريته الى ما اذا خاف فوت الفريضة قبل التلبس بصلوة الكسوف، ولكن لا يخفى على من راجع النصوص المتقدمة عمومها باطلاقها للفرض الثاني ايضا، اذليس في شئ منها دلالة على اعتبار هذا الشرط اعنى الدخول فيصلوة الكسوف بزعم سعة الوقت، و مورد بعضها خصوص هذا الفرض، لا يوجب اختصاص الحكم به بعد اطلاق الدليل، بل ظاهر بعضها كصحيحتى محمد بن مسلم و برید و ابي ايوب المتقدمتين، هو اختصاص هذا الحكم موردا بالفرض الثاني لظهور السؤال فيهما في الاستفهام عن جواز اصل التلبس بصلوة الكسوف عند خوف فوت الفريضة بانيانها كما لا يخفى على من راجعهما، ولاينا في ظهور السؤال فيهما في ذلك، قوله علیه السّلام في الجواب في الصحيحة الأولى اذا خشيت ذلك فاقطع صلوتك واقض فريضتك، وفى الثانية اقطعوها وصلوا الفريضة بتوهم انه لو كان السؤال فيهما عن اصل التلبس، لكان المتعين ان يقول علیه السّلام في الجواب تلبس بصلوة الكسوف وات منها ما لم تتخوف باتمامها فوت الفريضة فاذا تخوفت ذلك فاقطع صلوتك. توضيح عدم المنافاة، هوانه لما كان المرتكز في ذهن السائل حرمة ابطال الصلوة و بطلانها بتخلل الفعل الكثير في اثنائها، فتوهم ان ضيق وقت الفريضة بحيث يخاف فوتها
ص: 266
لواتى بصلوة الكسوف اولا، يكون مانعا عن التلبس بصلوته، اذلوكان التلبس بها حينئذ جائزا مشروعا، لوجب عليه اتمامها بمقتضى ادلة حرمة الابطال، و اتمامها مستلزم لفوت الفريضة عنه ، فاراد الامام علیه السّلام بقوله اذا خشيت ذلك فاقطع، بيان ان التلبس بصلوة الكسوف بمجرده ليس مستلزما لفوات الفريضة كيلا يكون مشروعا، و انما المستلزم لفواتها لزوم اتمام صلوته و حرمة رفع اليد عنها بعد التلبس بها و اتمامها غير لازم في المقام الجواز رفع اليد عنها والاتيان بالفريضة ثم العود اليها والبناء على ما مضى منها، فضيق وقت الفريضة ليس مانعا عن التلبس بصلوة الكسوف، بل متى حصل الكسوف تلبس بصلوته و اتى باجزائها مالم يتخوف فوت الفريضة، فاذا تخوف ذلك رفع اليد عنها واتى بالفريضة، ثم عاد اليها لعدم كون انيان الفريضة بينها موجب الابطالها، فتبين مما ذكرنا ان الاقوى عند تخوف فوت وقت الفريضة باداء صلوة الكسوف، هو جواز التلبس بها مالم يتخوف فوت الفريضة باتمام صلوته، فاذا تخوف ذلك رفع اليد عن صلوته واتى بالفريضة ثم عاد اليها من حيث رفع اليد عنها، وهل يجوز ذلك عند العلم بضيق الوقت عن اتيان مجموع الصلوتين، ام يختص بما اذا دخل في صلوة الكسوف بزعم السعة ثم انكشف خلافه وجهان من دعوی ظهور کلمتی خشيت وتخوفت الواقعتين شرطا في جوازه في الاحتمال والظن، فلاتعم ما اذا علم بضيق الوقت عن مجموع الصلوتين، و على فرض شمولهما لصورة العلم بضيق الوقت، فحيث ان الحكم ثبت تعبدا على خلاف مقتضى القواعد، فلابد فيه من الاقتصار على القدر المتيقن ارادته منهما ، و هو احتمال فوات الفريضة والظن به و من الاخبار الواردة فى المسئلة خالية من اشتراط ذلك بما اذا دخل في صلوة الكسوف ثم تخوف فى الاثناء فوات الفريضة ، فباطلاقها تعم هذا الفرض، بل عرفت ظهور صحيحة محمد بن مسلم و بريد و صحيحة ابي ايوب المتقدمتين، في جواز ذلك فيما اذا تخوف فوات الفريضة قبل التلبس بصلوة الكسوف، و من المعلوم ان التخوف الحاصل من العلم بضيق الوقت، اشد من الحاصل من احتمال ضيقه او الظن به،
ص: 267
فلامجال معه لدعوى ظهور التخوف في الاحتمال والظن.
المسئلة الثانية - لا اشكال بل لاخلاف ظاهرافى استحباب الجماعة فى صلوة الكسوف، مطلقا اى من غير فرق بين الانكساف التام والناقص، نعم يكون استحبابها عند احتراق تمام القرص اكد مما اذا احترق بعضه، ويدل على اصل الاستحباب، صحيحة الرهط عن الباقر والصادق عليهما السلام ان صلوة كسوف الشمس والقمر والرجفة والزلزلة عشر ركعات واربع سجدات، صلاها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم والناس خلفه، فان صلوته صلی الله علیه و آله و سلّم بهم جماعة و ان لم جماعة و ان لم تكن بنفسها دالة على الاستحباب، لاحتمال كونها من جهة وجوب الجماعة فيهذه الصلوة، لكن بضميمتها الى مادل على جواز الانفراد، كخبر روح بن عبدالرحيم عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
سئلته عن صلوة الكسوف تصلى جماعة؟
قال علیه السّلام : جماعة وغير جماعة .
و خبر محمد بن يحيى الساباطي عن الرضا علیه السّلام قال :
سئلته عن صلوة الكسوف تصلى جماعة او فرادی؟
قال علیه السّلام اى ذلك شئت، يستكشف ان صلوته صلی الله علیه و آله و سلّم هذه الصلوة باصحابه جماعة كانت لاستحباب الجماعة فيها لالوجوبها، ويدل على اطلاق الاستحباب اطلاق السؤال والجواب فى خبرى روح ومحمد بن يحيى المتقدمين انفا، ويدل على اكدية استحبابها عند احتراق تمام القرص، خبر ابن ابي يعفور عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال : اذا انكسف الشمس والقمر فانه ينبغى للناس ان يفزعوا الى امام يصلى بهم و ايهما كسف بعضه فانه يجزى الرجل ان يصلى وحده ، فلا اشكال في اصل استحباب الجماعة فى صلوة الكسوف مطلقا.
و اما كيفيتها اى كيفية الجماعة فيها، فقيل فيها بوجوه اقويها ما ذهب اليه المشهور، من انه ان ادرك الامام قبل الركوع الاول اوفيه من الركعة الأولى فقد ادرك الركعة، وان ادر که بعد رفع رأسه من الركوع ، فقد فاتته تلك الركعة،
ص: 268
فيلحق به في الثانية فيتم (فيأتم) ركعة معه جماعة وينفرد بعد تسليم الامام او قبله فيتم صلوته. اما صحة الايتمام فيما ادرك الامام قبل الركوع الاول، فغنية عن الاستدلال بعد معلومية كون الامام ضامنا للقرائة، و اما صحته فيما ادركه في الركوع الاول، فلما تقدم في مبحث الجماعة من الاخبار الكثيرة الدالة على ان من ادرك الامام وهو راكع فقد ادرك الركعة .
وتوهم ان القدر المسلم اعتباره فيهذه الصلوة، هو الشرائط والاحكام الثابتة فى الفرائض، من الطهارة والاستقبال والاستقرار والبطلان بزيادة الركن و نقيصته مطلقا، وغير ذلك من الشرائط والاحكام المعتبرة والثابتة لنفس الفرائض اليومية و اما الشرائط والاحكام الثابتة فى الجماعة فى الفرائض اليومية، فلادليل على ثبوتها فى الجماعة فيهذه الصلوة، اذ الاخبار الواردة فى شرعية الجماعة فيهذه الصلوة ليس فيها تعرض لاعتبار ما اعتبر من الشرائط و الأحكام فى الجماعة في الفرائض، في الجماعة فيهذه الصلوة، وليس لادلة اعتبار تلك الشرائط هناك اطلاق يعم الجماعة فيهذه الصلوة ايضا، نعم ما يكون من تلك الشرائط والاحكام تحديدا لما يعتبر في كيفية هيئة الاجتماع والايتمام عرفا، كعدم البعد بين الامام والمأموم و بين المأمومين وعدم وجود الحائل بينهم والمتابعة للامام في الافعال، لابد من الالتزام باعتبارها في الجماعة فيهذه الصلوة ايضا و اما ما يكون منها تعبديا صرفا، كعدم علو موقف الامام عن موقف المأموم، وادراك الركعة بادراك الامام في الركوع، وسقوط القرائة عن المأموم بقرائه الامام، وغير ذلك من الشرائط والاحكام التعبدية، فلايصح الالتزام بها في المقام، سيما المخالف منها للقواعد الموجب للاقتصار فيه على مورد دلیل اعتباره الذى هو الجماعة فى الفرائض اليومية لا مطلق الفريضة ، فما ذهب اليه المشهور منئصحة الايتمام فيما اذا ادرك الامام في الركوع الأول من الركعة الأولى أو الثانية: مستدلا عليه بمادل على ان من ادرك الامام وهو راكع فقد ادرك الركعة، خال عن السداد بعد كون هذا الحكم مخالفا لعموم لاصلوة الابفاتحة الكتاب وعدم إطلاق
ص: 269
الدليل من ادرك بحيث يعم المقام.
مدفوع بان الاخبار الواردة فى شرعية الجماعة فيهذه الصلوة، وانكانت خالية عن التعرض لاعتبار ما اعتبر فى الجماعة في الفرائض من الشرائط والاحكام في الجماعة فيهذه الصلوة، لكن الظاهر من الاخبار المرغبة فى الجماعة فيهذه الصلوة مع عدم تعرض فيها لبيان كيفيتها، هو ان الجماعة المشروعة فيهذه الصلوة هي الجماعة المشروعة في الفرائض اليومية بجميع شرائطها واحكامها، كيف، والا لزم كونها في مقام الاحالة على المجهول القبيحة على الحكيم، فتدبر!
و اما عدم صحة الايتمام اذا ادرك الامام بعد رفع رأسه من الركوع الاول، فلانه لو ادركه في الركوع الثانى او الثالث او الرابع او الخامس، فيكون الركوع الخامس للامام ركوعا رابعا او ثالثا اوثانيا او اولا بالنسبة اليه، وحينئذ فيدورا مره بين ترك مابقى عليه من القرائة و ركوع واحد او قرائات وركوعات متعددة ثلثة او اربعة، وبين ترك المتابعة في السجود، ولامجال المصير الى الأول، فيتعين الثانى و هو ترك المتابعة في السجود، فاذا تعين ترك المتابعة في السجود، فباصالة عدم التخصيص في عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: فإذا سجد فاسجدوا، نستكشف عدم كون صلوته جماعة، اذ لا يعقل انتفاء الحكم مع بقاء موضوعه فتدبر(1)جيدا!
توهم ان الاخلال بالمتابعة في الركوع والسجود في مورد الاضطرار من الزحام او النسيان ، قد ثبت العفو عنه وعدم اضراره بصحة القدوة فى الفرائض اليومية، فاذا كان الاخلال بالمتابعة غير مضر بصحة القدوة فى الفرائض ، فلا يكون مضرا
ص: 270
بصحتها في المقام ايضا، بعد ما عرفت من اتحاد الجماعة المشروعة في المقام مع المشروعة في الفرائض بحسب الشرائط والاحكام، مدفوع بان صحة القدوة مع الاخلال بالمتابعة حيث تكون على خلاف القاعده، فلابد من الاقتصار فيها على مورد الليل، و هو ما كان الاخلال بها عن اضطرار، فلا يصح الالتزام بها في المقام الذي يكون الاخلال بها عن عمد واختيار باختيارية مقدمته من الايتمام فيهذا الحال.
و توهم ان التبعية فى باب الجماعة ليست تبعية مختصة بحيث يجب على التابع ان يفعل كل ما يفعله المتبوع ولولم يكن ذلك الفعل واجبا عليه مستقلا، بل التبعية في المقام عبارة عن ربط المأموم فعله بفعل الامام ، بان يقصد الاقتداء به و ایجاده الفعل الواجب عليه مستقلا في وقت يوجده الامام وعلى كيفية يوجده، وعليه فيختص وجوب المتابعة بما اذا كان هناك فعل مشترك بينهما، دون ما اذا لم يكن هناك فعل كك، ولذا لا يضر بصحة القدوة انفراد المأموم المسبوق بركعة في التشهد فى ثالثة لامام، ومن المعلوم ان السجود فى محل البحث ليس واجبا على المأموم فعلا، كي يجب عليه المتابعة فيه للامام وانما يجب عليه بعد اتيانه بالركوعات الخمسة والمفروض انه لم يأت بها بعد.
مدفوع بان السجود كسائر افعال الصلوة واقوالها، انما يجب بمجرد دخول الوقت في عرض واحد، غاية الامر ان الترتيب حيث يكون معتبرا بين اجزاء الصلوة، لا يتمكن المكلف من امتثال الجزء اللاحق منها الا بعد الاتيان بالجزء السابق، كيف والالزم ان لا يجب على المكلف فعل اصلا، ضرورة ان كل فعل اختيارى لا يخلو عن مقدمة يتوقف عليها ولا يكون مقدورا بدونها، اذ لا اقل من توقفه على الارادة، فاذا كان السجود واجبا على المأموم كالامام، فيجب عليه ان يربط سجوده بسجوده بان يتابعه فيه، ولا يتخلف عنه بالتقدم عليه ولا بالتأخر عنه تأخرا يضر بصدق الاتصال المستفاد اعتباره من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: وان اسجد فاسجدوا، الظاهر في اعتبار كون سجود المأموم عقيب سجود الامام و متصلا به کمامر بيانه في مبحث الجماعة.
ص: 271
وقد يتوهم جواز الايتمام به فيهذا الحال اعنى فيما اذا ادرك الامام بعد رفع رأسه من الركوع بوجهين: الاول ان ينوى الايتمام به الى الركوع الخامس للامام والانفراد بعده، الثانى ان يتابع الامام الى ركوعه الخامس، فان اسجد الامام لم يسجد ولم يأت بما بقى عليه من الركوعات، بل ينتظر الى ان يقوم الامام للركعة الثانية، فان اركع الامام اول الثانية ركع معه عن ركوعات الركعة الأولى، فاذا انتهى الى الركوع الخامس بالنسبة اليه سجد ثم لحق الامام واتم ركوعات الركعة الثانية قبل ان يسجد الامام لها.
و في كلا الوجهين مالا يخفى، اما الوجه الأول فلما مر في مبحث الجماعة من انه لا اطلاق لادلة الجماعة يعم ما اذا نوى من اول الدخول في الصلوة الانفراد في اثنائها، و اما الوجه الثانى فلانه يلزم منه مضافا الى ماذكرنا من محذور التخلف عن الامام في سجود الركعة الأولى، المخالفة له فى افعال كثيرة منافية لمهية الاقتداء والايتمام عرفا، نعم يصح الاقتداء في الركعة الثانية قبل الركوع الاول او قبل رفع الامام رأسه عنه، فيئتم ركعة من ركعتى صلوته بالامام، و ينفرد بعد تسليم الامام اوقبله، ويأتى بالركعة الثانية منفردا، لمادل من النصوص على ان من ادرك الامام في ركوعه فقد ادرك الركعة، فقد تبين مما ذكر ناكله ان ما ذهب اليه المشهور من عدم جواز الدخول مع الامام واقتداء به بعد رفع رأسه من الركوع هو الاقوى كما هو الاحوط، كما تبين منه ان الوجه فى ذلك هو استلزام الدخول معه حينئذ للتخلف عنه فى السجود و اما ما يظهر من بعض فى وجهه من استلزام الدخول معه حينئذ للتخف عنه في الركوع ، ففيه ان المتابعة للامام انما تعتبر بعد تحقق الايتمام، والمفروض عدم تحققه قبل الرکوع كي يكون اقتدائه به بعده تخلفا عن الامام فيه، كيف والالزم عدم صحة الاقتداء بالامام في الركعة الثانية، لانه تخلف عنه في الركعة الاولى وهو كماترى.
المسئلة الثالثة _ لا اشكال في ان من لم يطلع على الكسوف الى ان خرج الوقت الذي هو عبارة عن حين الشروع فى الانكساف الى تمام الانجلاء او الى الاخذ فيه على
ص: 272
الخلاف، فعليه القضاء مع احترافى تمام القرص، ولا قضاء عليه مع احتراق بعضه، و يدل على ذلك الاخبار المستفيضة ، كصحيحة محمد بن مسلم وزرارة عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
اذا انكسف الشمس كلها و احترقت ولم تعلم ثم علمت بعد ذلك فعليك القضاء، و ان لم يحترق كلها فليس عليك القضاء.
وخبر حريز قال :
قال ابو عبد الله عليه السّلام :
اذا انكسف القمر ولم تعلم به حتى اصبحت ثم بلغك، فان كان قد احترق كله فعليك القضاء و ان لم يكن احترق كله فلاقضاء عليك ، وبمثل هذه الاخبار يقيد اطلاق مادل على نفى القضاء مطلقا و مادل على ثبوته كك ما دل على ثبوته كك و يجمع و يجمع بينهما ، فلا اشكال فيما ذكرنا من التفصيل بين الانكساف التام والناقص فى ثبوت القضاء فى الاول وعدمه فى الثانى.
كما لا اشكال في ثبوت القضاء مطلقا ولو مع الانكساف الناقص ، فيما اذا علم به فى الوقت وترك صلوته لعذر كالنسيان ان غلبة النوم او عمدا، ويدل على ذلك اطلاق مادل على ثبوت القضاء مع العلم بالكسوف من غير تقييد بكونه كليا، خرج عنه مالم يعلم به فيما كان جزئيا، وبقى الباقى الذى منه ما نحن فيه تحت اطلاقه ، ففى موثق عمار عن الصادق علیه السّلام: و ان اعلمك أحد وانت نائم فعلمت ثم غلبتك عيناك فلم تصل فعليك قضائها، وفى مرسل الكافى: اذا علم بالكسوف و نسى ان يصلى فعليه القضاء وان لم يعلم به فلاقضاء عليه، هذا اذا لم يحترق كله.
فان تخصيص الحكم بنفى القضاء في الذيل بما اذا لم يحترق القرص كله، يجعل الصدر كالنص في عموم الحكم بالقضاء لما اذا لم يحترق القرص كله كما لا يخفى ويدل على ثبوته عند الانكاف التام مضافا الى فحوى نصوص المتقدمة في الجاهل، قوله علیه السّلام في مرسلة حريز المتقدمة : اذا انكسف القمر فاستيقظ الرجل فكسل ان يصلى فليغتسل من غد وليقض الصلوة ، وفى خبر محمد بن مسلم اذا احترق القرص كله
ص: 273
فاستيقظت ولم تصل فعليك ان تغتسل وتقضى الصلوة، ثم ان من فحوى هذه الاخبار يستفاد حكم من ترك الصلوة عمدا حتى فات وقتها، بل يمكن استفادة حكمه من مرسلة حريز المتقدمة، فان قوله علیه السّلام فيها فكسل ان يصلى لاينا في كونه عن عمد كما لا يخفى.
وانما الكلام فى ثبوت القضاء فى مواضع الاول - مالو ترك الصلوة في الوقت لمزاحمتها باليومية ، فان وجوب القضاء بناء على ما هو الحق من كونه بامر جديد حيث يكون على خلاف الاصل ، فلابد من الاقتصار فيه على مورد النص ، وقد عرفت ان مورد النصوص هو ما اذا تركها فى الوقت لنسيان او غلبة نوم او كسلاو عصيان، و اما الاستدلال على ثبوته القضاء بعموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ففيه، اولا ان الفوت يتوقف صدقا على ثبوت التكليف ولو اقتضاء في الوقت، و ثبوته كك هيهنا ممنوع، وذلك للاخبار الناهية عن اداء صلوة الكسوف عند خوف فوات اليومية، الكاشفة عن تقييد وجوبها بما اذا لم يزاحمها اليومية، وثانيا سلنا ثبوت التكليف بها فى الوقت حينئذ ولو اقتضاء، بدعوى ان النهى عن الاتيان بها حينئذ لمكان المزاحمة بالاهم وهو اليومية، فيكون ارشادا الى حكم العقل بتقديم الاهم على المهم عند التزاحم، لامولويا كي يقيد وجوبها بما اذا لم يزاحم باليومية و من هنا نقول بصحتها فيما اتى بها مع ضيق الوقت عن ادائها واليومية معا، و ذلك اما لكفاية الاتيان بداعى المصلحة التامة الذاتية في حصول التقرب، و اما لوجود الامر بناء على ماهو المختار من صحة الامر بالمهم على نحو الترتب، لكن نمنع عن عموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم من فاتته فريضة للمقام، اما بدعوى انصرافه الى خصوص اليومية، او بدعوى وقوعه في الجواب عن كيفية قضاء الفوائت اليومية في السفر والحضر بعد مفروغية اصل وجوبه، فهو فى مقام اعتبار مطابقة القضاء لمافات في القصر والاتمام، وليس فى مقام بیان اصل وجوبه كي يكون له اطلاق و اما الاستدلال على ثبوت القضاء باستصحاب وجوب المهملة القدر المشترك بين الاداء والقضاء ففاسد، لا لكونه من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلى، كى يقال بان المختار جريان الاستصحاب
ص: 274
الكلى باقسامه على ما حققناه فى محله، بل لان الشك في بقاء الكلى مسبب بقاء الكلى مسبب عن الشك
في وجوب القضاء، فيكون استصحاب عدم وجوبه حاكما على استصحاب بقاء الكلى و توهم ان الاصل السببي انما يكون مقدما على الاصل المسببى فيما اذا كان الترتب بينهما شرعيا، ومن المعلوم ان ترتب عدم الكلى على عدم الفرد فيما نحن فيه عقلى لاشرعى، مدفوع بان اشتراط كون الترتب بين السبب والمسبب شرعيا، انما هو فيما اذا كان تقدم الاصل السببي على المسببى من باب الحكومة، لا من جهة التقدم الرتبى كما حققناه في محله فتدبر! فتبين مما ذكرنا انه لا دليل على ثبوت القضاء فيهذا الموضع ومقتضى الاصل عدمه، اللهم الا ان يحمل العناوين المأخوذة في النصوص من النسيان والكسالة وغلبة النوم على مجرد التمثيل، ويكون المراد الترك فى الوقت لعذر من الاعذار العقلية ولو كان المزاحمة بالاهم فتدبر!
الموضع الثانى - ما اذا ترك صلوة الكسوف فى الوقت لكونه فاقدا للطهورين بناء على ما هو المختار من سقوط الصلوة عن الفاقد لهما، لا لفقد شرط وجوبها کی يقال ان الطهارة من شرائط نفس الصلوة لا وجوبها، بل لعدم القدرة عليها مع فقد الطهور الذى هو من الشرائط الركنية التى لا يتحقق المشروط بدونها مطلقا، والحق فيهذا الموضع ايضا عدم وجوب القضاء، للاصل بعد عدم دليل يدل عليه، اما عدم دلالة النبوى المتقدم، فلانه و ان كان الفوت صادقا في المقام، بعد كون التكليف بالصلوة ثابتا في الوقت لتحقق شرائطه الشرعية من البلوغ ودخول الوقت، و ان لم يكن فعليا ومنجزا عقلا لعدم القدرة على امتثاله، لكن عرفت ان النبوى ليس الا فى مقام بیان مجرد اعتبار مطابقة القضاء لمافات كما وكيفا ، فليس له عموم كي يستدل به للمقام، و اما النصوص المتقدمة، فلما عرفت من ان موردها هو ما اذا كان الترك فى الوقت مستندا الى النسيان او الكسالة اوغلبة النوم ، فلا اطلاق لها یعم ما اذا كان الترك مستندا الى فقد الطهور.
الموضع الثالث - ما اذا كان ترك صلوة الكسوف في الوقت لمانع شرعى كالحيض، والتحقيق فيه ان الحيض انكان مستوعبا لتمام الوقت فليس عليها القضاء، وذلك لعدم
ص: 275
ثبوت التكليف بالصلوة فى الوقت ولو اقتضاء كي يعمها النبوى، و عدم كون الترك مستندا الى اعذار عقلية كى تعمها النصوص المتقدمة، فانا لو سلمنا ان اخذ عنوانى النسيان وغلبة النوم فى تلك النصوص ليس لموضوعية لهما بل لكونهما عذرا عقليا، لكن القدر المتيقن من مورد تلك النصوص هو ما كان الترك مستندا الى عذر عقلى، بعد كون التكليف واجد الجميع شرائطه الشرعية من البلوغ ودخول الوقت والخلوعن الحيض، و اما ان لم يكن الحيض مستوعبا للوقت، فتارة تكون في اول الوقت طاهرة ويعرضها الحيض في الاثناء، واخرى تكون في اول الوقت حائضا وتنقى في الاثناء، وعلى كل من التقديرين، فاما ان يكون المقدار الذى تكون طاهرة فيه من الوقت كافيا لاتيان الصلوة بشرائطها الاختيارية من الطهارة المائية وطهارة البدن والساتر او الاضطرارية من الطهارة الترابية والصلوة فى وهدة اوعاريا، اولا يكون كافيا كك.
فعلى الثانى لا اشكال ايضا فى انه ليس عليها القضاء، و ذلك لما عرفت من المنع عن كون النبوى فى مقام بيان اصل وجوب القضاء القضاء، و انما هو فى مقام بيان اعتبار مطابقة لمافات بعد الفراغ عن اصل وجوبه، ومن دعوى انصرافه الى الفرائض اليومية على تقدير تسليم كونه في ذلك المقام ايضا، و من دعوى اختصاص النصوص المتقدمة موردا بما اذا كان الترك مستندا الى ضيق الوقت، لا لاجل كون سعة الوقت من الشرائط الشرعية لوجوب الصلوة، كي يقال ان ما هو شرط شرعا لوجوبها هو دخول الوقت، واما سعته بمقدار يتمكن المكلف من اتيان المأمور به فيه فهو من الشرائط
فهومن الشرائط العقلية، بل لظهور تلك العناوين فى الموضوعية، فلا يصح حينئذ التعدى الى مطلق الاعذار العقلية فتدبر!
وعلى الأول وهو ما اذاكان المقدار الذى تكون طاهرة فيه من الوقت وافيا لاتيان الصلوة ولو بشرائطها الاضطرارية، فتارة تكون طهارتها بهذا المقدار في اول الوقت واخرى تكون فى اخره، فعلى الشق الثانى لا اشكال في وجوب القضاء عليها، فيما اذا لم تصل حتى فات ذلك المقدار من الوقت ايضا، وذلك لان المفروض انها علمت بالكسوف و لم تصل صلوته مع القدرة عليها عمدا، فيعمها فحوى مادل من
ص: 276
النصوص المتقدمة على وجوب القضاء على من علم بالكسوف ولم يصل لعذر عقلى، و اما على الشق الأول فالحق فيه هو التفصيل، بين ما اذا كانت عالمة بانها يعرضها الحيض بعد مضى ذلك المقدار من الوقت، و بين مالم تكن عالمة بذلك، والحكم القضاء عليها على الاول، وبعدم وجوبه عليها على الثانى اما وجوبه عليها على الاول فواضح مما مرانفا فى الشق الثانى، واما عدم وجوبه عليها على الثاني، فلان المفروض عدم كونها عامدة في ترك الصلوة فى الوقت كى يعمها فحوى النصوص المتقدمة، ولاكون تركها لها مستندا الى النسيان وغلبة النوم والكسل التى انيط الحكم بها في تلك النصوص، بناء على موضوعية تلك العناوين، وقد يتوهم وجوب القضاء عليها، فيما اذا نقت عن الحيض فى اثناء الوقت وقد بقى منه بمقدار يتمكن معه من انیان ركعة من الصلوة ولو بشرائطها الاضطرارية، مستدلا على ذلك بقاعدة من ادرك، وفيه ان المنساق من هذه القاعدة ومن النصوص التي استفيدت هذه منها، هو الفرائض اليومية فلا اطلاق لها يعم ما نحن فيه، وقد يستدل عليه باطلاق مادل من النصوص المتقدمة على ان من خاف ضيق الوقت عن مجموع الصلوتين تلبس بصلوة الكسوف مالم يتخوف فوت الفريضة فاذا تخوف ذلك قطعها واني بالفريضة ثم عاد اليها وبنى على ما مضى منها، بتقريب ان مقتضى اطلاقها هو وجوب العود اليها مطلقا ولومع انقضاء وقت الكسوف بعد اداء الفريضة، فيدل على ان زمان الكسوف وقت للتلبس بصلوته ولو بتكبيرة الاحرام لا لتمامها، وفيه ان الظاهر من تلك النصوص اختصاصها بما اذا تخوف فوت خصوص الفريضة لمكان ضيق وقتها ، فلا اطلاق لها يعم ما اذا ضاق كلتاهما ، فالاولى ان يستدل عليه بقوله في صحيحة زرارة ومحمد بن :مسلم: وان انجلى قبل ان تفرغ من صلوتك فاتم ما بقى فان اطلاقه يشمل ما لولم يدرك ركعة ، فيدل على الوجوب مطلقا ولو لم يسع الوقت لادراك ركعة فتامل!
الموضع الرابع - ما إذا ترك صلوة الكسوف فى وقتها، وكان وقتها ضيقا بحيث لا يسع لها ولومع الاقتصار فيها على اقل الواجب مع الشرائط الاضطرارية والحق هنا عدم وجوب القضاء مطلقا سواء كان وقتها بمقدار ركعة فمازاد اوكان او اقل من مقدار
ص: 277
ركعة، لا لعدم وجوبها عليها اداء حينئذ لامتناع التكليف بها في وقت يقصر عن ادائها، كى يقال ان الفضاء ليس مترتبا على فوت ما هو المكلف به فعلا في الوقت، بل يكفى في ثبوته وجود المقتضى له اعنى المطلوبية للشارع وان لم يكن منجزا عليه لعذر، بل لان الادلة الواردة فيهذه المسئلة يكون كلها واردة فيمن وجبت عليه الصلوة في الوقت وتركها نسيانا او عصيانا، فلا تعم من تركها لأجل عدم سعة الوقت لها، فالاصل هو البرائه.
هذا آخر ما استفدناه من بحث الاستاد في صلوة الآيات والحمد لله اولا وآخرا والصلوة على محمد وآله الطاهرين دائماً سرمدا.
***
ص: 278
بسم الله الرحمن الرحيم و به نستعین
الحمد لله الله رب العالمين والصلوة والسلام على سيد الانبياء والمرسلين محمد و آله الاوصياء المرضيين.
فى قضاء الصلوات، الذى هو عبارة عن تدارك مافات منها في وقتها باتيانها في خارجه، وقبل التكلم في حكمه ولو احقه ينبغى التنبيه على امور :
الاول - انه قد وقع بينهم النزاع فى ان وجوب القضاء هل هو بالامر الاول او بامر جديد، ومقتضى التحقيق انه بامر جديد، و ذلك لان مقتضى نفس التقييد بالوقت الخاص هو سقوط الموقت بعد مضى الوقت، لبداهة زوال المقيد بزوال فيده فاذا كان نفس التقييد بالوقت مقتضيا لكون المطلوب هو المقيد به، فاستفادة تعدد المطلوب من قول الشارع المقدس صل في الوقت، خلاف ما هو المستفاد من ظاهره من كون المطلوب هو المقيد دون المطلق، وحينئذ فيحتاج وجوب اتيان الصلوة في خارج الوقت ايضا الى امر جديد، ولا يكفى في وجوب انيانها في خارجه الامر باتيانها في الوقت.
وتوهم ان تعدد المطلوب و ان لم يمكن استفادته من نفس دليل المقيد، لكن يمكن استفادته بضميمة ادلة القضاء كقوله علیه السلام : اقض مافات، فانه يستكشف
ص: 279
منها ان اتيان اصل الصلوة كان مطلوبا ايضا، و كان اتيانها في الوقت مطلوبا في مطلوب، وحينئذ فيكون الأمر بالقضاء للارشاد الى بقاء نفس الامر، مدفوع بان الظاهر من ادلة القضاء كاقض مافات، هو ان الواجب الموقت قد فات بمضى وقته، و ان القضاء تدارك لذاك الفائت، فلو كان الاتيان بها فى الوقت مطلوبا في مطلوب، وكان اصل الصلوة مطلوبا مطلقاً، لماكان القضاء تداركا لمافاة، بل كان اتيانا لماهو باق ومامور به فى خارج الوقت من اصل الصلوة، مع انك قد عرفت ظهور ادلة القضاء في ان الصلوة خارج الوقت تدارك للفائت الذى هى الصلوة المقيدة بالوقت فيكشف ذلك عن انه لم يكن هناك الاطلب واحد متعلق بخصوص المقيد غاية الامر ان ملاك الامر بالصلوة المقيدة بالوقت، لما كان تحصيله بنحو ناقص ممكنا في خارج الوقت، امر بقضائها فيه تحصيلا للقدر الممكن تحصيله من الملاك، ومما ذكرنا ظهر فساد التمسك للقول بكون وجوب القضاء بالامر الاول، باستصحاب بقائه الى خارج الوقت وذلك لما عرفت من ان الأمر المتعلق بالمقيد مقطوع الزوال بزوال قيده والامر المتعلق بالمطلق مشكوك الحديث، فليس هناك متيقن الحدوث سابقا و مشكوك البقاء لاحقا كي يجرى فيه الاستصحاب، وتوهم ان الاستصحاب وان كان غير جار بالنسبة الى شخص وجوب المقيد للعلم بزواله، لكن لامانع من استصحاب الوجوب الكلى، واضح الفساد، لالان الشك في بقائه مسبب عن الشك فى حدوث امر متعلق بالمطلق فيكون استصحاب عدم حدوثه حاكما على استصحابه، كى يردان حكومة استصحاب عدم تعلق امر بالمطلق على استصحابه انما هى على القول بالاصول المثبتة لان عدم بقاء الكلى من الآثار العقلية لعدم حدوث امر بالمطلق، بل لانه لا معنى لاستصحاب الحكم الاجعله ظاهرا مطابقا لما كان عليه فى السابق، ومن المعلوم ان الوجوب المتعلق بالمقيد سابقا، لا يمكن جعله لاحقا متعلقا بالمقيد بالوقت كما هو واضح من ان يخفى، ولا يمكن ايضا جعله لاحقا متعلقا بالطبيعة المطلقة ، لان جعله متعلقا ها لاحقا لا يكون مطابقا لما كان عليه سابقا من التعلق بالمقيد بالوقت، و توهم ان جعل وجوب الطبيعة المطلقة لاحقا ، وان لم يكن مطابقا لما كان سابقا من وجوب
ص: 280
الصلوة المقيدة، الا انه حيث يكون متحدا مع السابق سنخا، فيصدق عليه حينئذ انه ابقاء لسنخ الحكم، وانكان متعلقا بموضوع مغائر لموضوع الحكم السابق، مدفوع بانه لوسلمنا كفاية صدق ابقاء سنخ الحكم فى شمول عموم دليل الاستصحاب له، لكن حيث يكون الشك في بقاء الوجوب الكلى مسببا عن الشك فى وجوب الطبيعة المطلقة، اذ لا طريق لابقاء سنخ الحكم الاكون الوجوب متعلقا بالطبيعة المطلقة ايضا كمامر، فيكون استصحاب عدم وجوبها حاكما على استصحابه فتدبر!
الامر الثانى - انه بعد ما عرفت مما حققناه ان نفس المقيد بالوقت يقتضى ان يكون المطلوب هو خصوص المقيد، و ان استفادة تعدد المطلوب لابد ان تكون من دليل اخر، ظهر لك ان العمدة في باب القضاء هی الادلة المثبتة له، وحيث ان المستفاد من اكثر ادلته هو كون وجوب القضاء معلقا على عنوان الفوت، جعل الاصحاب المعيار فى وجوبه صدق الفوت، ولا ينافي ذلك ظهور كثير منها في تعليقه على نفس الترك في الوقت، بعد كون الفوت امرا منتزعا عن الترك فيه، وعليه فالظاهر كفاية ترك الصلوة فى الوقت، مع تحقق ماهو ملاك وجوبها مما انيط به التكليف بها شرعا من البلوغ والعقل والطهر من الحيض والنفاس، و ان لم يتحقق ما يتوقف عليه فعلية التكليف و تنجزه عقلا كالقدرة على اتيان المكلف به، كما يدل على ذلك الاخبار الدالة على وجوب القضاء بترك الصلوة نسيانا او بنوم عنها، مع وضوح عدم تنجز التكليف على الناسى والنائم، و لكن قداشرنا في بعض المباحث السابقة، الى ان ادلة القضاء ليس لها عموم او اطلاق يدل على وجوب القضاء بالفوت او الترك مطلقا وباى سبب كان كما هو ظاهر الاصحاب لاختصاص بعضها بترك الصلوة نسيانا و بعضها بتركها بنوم عنها، و بعضها و انكان له اطلاق كالدال على وجوب قضاء الفائت كمافات، الا انه لا يفيد لما نحن بصدده، لانه وارد في مقام حكم اخر و هو لزوم موافقة القضاء للفائت كما وكيفا، وعليه فلابد في الحكم بوجوب القضاء في كل مورد ، من دليل خاص يدل عليه، ومع فقده يكون المرجع هي البرائة ، واما استصحاب الوجوب الكلى القدر المشترك بين الاداء والقضاء، فقد عرفت انه محكوم
ص: 281
باستصحاب عدم وجوب القضاء، حيث ان الشك فى وجوب الكلى مسبب عن الشك في وجوب القضاء، والاصل في السبب حاكم على الاصل فى المسبب فتدبر ! بل البرائة هي المرجع ايضا فيماشك في وجوبه من جهة الشبهة الموضوعية، كما اذا شك بعد الوقت في اتيان الموقت فى الوقت، وذلك لان استصحاب عدم الاتيان في الوقت، لا يثبت الفوت الذى هو الموضوع لوجوب القضاء، الا على القول بالاصل المثبت، ضرورة ان الفوت عنوان بسيط منتزع عن عدم اتيان الواجب في وقته، لا انه نفس عدم الانیان به كك، كى يمكن اثباته باستصحاب عدم الاتيان فتامل جيدا ! فانه لامجال هنا للرجوع الى البرائة ولا الى الاستصحاب المزبور، ولو سلمنا كون الفوت عبارة عن نفس الترك في الوقت، او منعنا عن كون وجوب القضاء معلقا في الادلة على خصوص عنوان الفوت، لما مر من ظهور كثير منها في تعليقه على نفس الترك في الوقت، وذلك لان البرائة والاستصحاب المزبور محکومان بما ورد من انه لوخرج الوقت دخل الحائل، نعم لوشك فى الوقت فى اتيان الصلوة، كان استصحاب عدم اتيانها مجديا في وجوب اتيانها عليه فى الوقت، وقضائها عليه في خارجه ان لم يات بها فيه، اما وجوب اتيانها عليه فى الوقت فواضح، و اما وجوب قضائها عليه فيما لم يات بها في الوقت فلدخوله تحت عموم قوله علیه السّلام : من فاتته فريضة فى الوقت فليقضها كما فاتته اذ الفريضة اعم من الفريضة الواقعية والظاهرية، وليس هنا مجال لقاعدة الشك بعد الوقت، بعد كون الشك فى الاتيان حاصلا فيه كما هو واضح.
ثم انه انه مامر بعد ما مر من ان ادلة القضاء ليس لها عموم او اطلاق يفيد لما نحن فيه، و انه لابد فى الحكم بوجوبه في كل مورد من دليل خاص يدل عليه ، فلابد لنا من التعرض للموارد التي ثبت فيها القضاء بمقتضى الدليل، والموارد التي ثبت عدمه فيها كي يتضح الحال ، فنقول من المواضع التي ثبت فيها القضاء ترك الصلوة عمدا في الوقت ، ويدل عليه مضافا الى الاجماع المدعى ، مادل على وجوب القضاء على الحائض التي طهرت في اخر الوقت ولم تات بالصلوة فيه مسامحة ، فانه يستفاد منه
ص: 282
بعد القاء خصوصية المورد من كونه مراة طهرت في اخر الوقت ، ان تضييع الصلوة بعدم اتيانها فى الوقت موجب لقضائها فتدبر ومنها ما اذا ترك الصلوة سهوا او نسيانا و منها ما ان اصلی بغیر طهور، ومنها ما اذا نام عن الصلوة حتى انقضى الوقت، فان وجوب القضاء فيهذه المواضع، مما دل عليه اخبار مستفيضة مذكورة في كتب الاخبار في باب قضاء الصلوة.
و من المواضع التي ثبت فيها عدم القضاء، الصلوة المتروكة فى حال الصغر وعدم البلوغ، ومنها الصلوة المتروكة في حال الجنون، فانه بعد ماثبت ان البلوغ والعقل من القيود الشرعية للتكليف، فمع عدمهما لا يصدق على ترك الصلوة الفوت، لانه فرع الثبوت، وقد دل الدليل على عدم ثبوت التكليف على الصبي والمجنون بل يمكن ان يقال ان خروجهما عن عموم من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، على تقدير تسلیم عمومه، خروج موضوعى ومن باب التخصص فلا يحتاج الى دليل مخرج، و ذلك لان صدق الفوت الذى هو موضوع للقضاء، و ان لم يكن متوقفا عرفا على ان يكون هناك واجب موقت تعلق به تكليف فعلى منجز قد ترك في وقته، بل يكفى في صدقه مجرد تعلق التكليف به انشاء و تشريعا، و ان لم يبلغ الى مرتبة الفعلية والتنجز بواسطة بعض الاعذار كالنسيان والنوم ونحوهما من الاعذار العقلية الاترى انه يصدق عرفا على الشخص انه فاته الشئ الفلانى، فيما اذا كان لذاك الشئ مصلحة وكان ذاك الشخص اهلا لتحصيلها، ولكن تركه عمدا او نسيانا، دون مالم يكن اهلا لتحصيلها، اذ مجرد كون الشئ ذا مصلحة من دون كون الشخص اهلا لتحصيلها، لا يجدى فى صدق الفوت عرفا على تركه اترى انه يصدق عرفا على من ليس له بضاعة يتجر بها انه فاتت عنه المنافع الكذائية حاشاك، فخروج الصبي والمجنون اللذين ليسا اهلا لتوجه التكليف اليهما عن عموم من فاتته فريضة، خروج موضوعى لا حكمي كي يحتاج الى دليل مخصص، وهذا بخلاف مثل الناسي والنائم والمغمى عليه والفاقد للطهورين والحائض ، فان خروجهم عن ذلك العموم على تقدير خروجهم عنه كما هو المفروض خروج حكمى محتاج الى دليل ، اما الناسي والنائم والمغمى
ص: 283
عليه والفاقد للطهورين، فواضح بعد صدق الفوت عرفا على تركهم الصلوة، واما الحائض فلان سقوط التكليف عنها في الوقت انما هو لمجرد عجزها عن الاتيان لفقدها للطهارة التى هى شرط لصحة الصلوة، كما يكشف عن ذلك ثبوت قضاء الصوم عليها وتعليل سقوط القضاء الصلوة عنها، بانها تمنعها عن القيام بامورها والاشتغال بخدمة نفسها وخدمة زوجها وصلاح بيتها، وبان الصلوة تكون في كل يوم وليلة مرارا فلا تقوى عليها، و بان الصلوة فيها عناء و تعسر و اشتغال الاركان، الى غير ذلك من التعليلات التي يستفاد منها ان سقوط قضاء الصلوة عنها انما هو لمكان الارفاق بحالها مع ثبوث المقتضى لثبوته عليها، وكيفكان فسقوط القضاء بالصغر والجنون ، مضافا الى كونه مقتضى الاصل بعد ماعرفت من خروجهما موضوعا عن عموم قوله من
علیه السّلام من فاتته فريضة ... الخ، مماقام عليه الاجماع المحقق، بل الاجماع على سقوطه بالصغر محقق من جميع المسلمين بحيث عد من ضروريات الدين، واستدل على سقوطه بالجنون مضافا الى ماذكر القاعدة الواردة في المغمى عليه التى قال الصادق علیه السّلام : انها من الابواب التى يفتح كل باب منها الف باب، وهى قولهم عليهم السلام: كل ما غلب الله فهو اولى بالعذر، و لا يخفى ان مقتضى الاستدلال بهذه القاعده الاجماع، هو تخصيص الحكم بالسقوط بما اذا كان الجنون باسباب خارجة عن اختيار المكلف كى يكون مما غلب الله عليه، وهذا بخلاف ما اذا كان الجنون حاصلا بفعله مع علمه اوظنه بترتبه عليه، فانه حينئذ يستند الى نفسه لا الى الله تعالى كى تعمه هذه القاعدة ، و اما الاستدلال على سقوط القضاء عن الصبى والمجنون مطلقا ولو كان الجنون حاصلا بفعله ومستندا اليه، باطلاق قوله علیه السّلام في الحديث الشريف: رفع القلم عن الصبى حتى يحتلم و عن المجنون حتى يفيق ، ففيه ان انتفاء التكليف بالاداء حال الصغر والجنون كما هو مدلول هذا الحديث ، لا ينافي ثبوت القضاء بعد البلوغ والافاقة ، كما في النائم الذى دل الحديث ايضا على رفع القلم عنه حتى يستيقظ فتدبر! واما الاستدلال لسقوطه عنهما مطلقا بالاصل، حيث ان القضاء على المختار بامر جديد والاصل عدمه فى المقام، ففيه مامر من ان مقتضى الاصل وانكان
ص: 284
سقوطه عنهما، لكن مجرد ذلك لا يكفى فى الحكم بسقوطه ، مالم يمنع عن شمول قوله علیه السّلام: من فاتته فريضة فليقضها لهما هذا و تدبر!
ومن المواضع التي دل الدليل على عدم ! فيها الصلوة المتروكة حال الكفر الاصلى، فانه لاخلاف ولا اشكال في انه لا يجب عليه القضاء لواسلم، لما دل على ان الاسلام يجب ويهدم ما قبله، و انما وقع الاشكال فى انه بناء على ماهو الحق من كون الكفار مكلفين بالفروع كالاصول، كيف يتصور سقوط القضاء عنهم بالاسلام، مع ان سقوطه به فرع ثبوته عليهم قبل الاسلام، و ثبوته قبله مستلزم للخلف، لان ثبوته عليهم قبله مستلزم لوجوب الاسلام عليهم من باب المقدمية، ضرورة اشتراط صحة الصلوة بالاسلام كاشتراطها بالطهارة، لعدم حصول ما هو المعتبر فيها من التقرب بها حال الكفر، والمفروض ان اسلامهم يوجب سقوط القضاء عنهم، فيلزم من وجوب القضاء عليهم عدم وجوبه عليهم، وما يلزم من وجوده عدمه باطل ومحال، فوجوب القضاء عليهم في حال الكفر كك، ولو رود هذا الاشكال ذهب في محكى المدارك الى عدم كون الكفار مكلفين بالقضاء حال الكفر، لان في حاله لا يصح منه القضاء لفقده المعتبر في صحته من التقرب به الى الله، وفى حال الاسلام يسقط عنه التكليف به، فهو غير متمكن من امتثال هذا التكليف راسا، ومعه لا يصح ان يكون مكلفا به.
و يمكن دفع الاشكال المزبور بتمهيد مقدمتين: الاولى ان من المحقق في محله ان المقدمات الوجودية للواجب المشروط ، محكومة بالوجوب فيما علم بتحقق شرط وجوبه في محله وان لم يتحقق بعد، ولذا حكموا بوجوب تحصيلها قبل تحقق شرط الوجوب، ومن هنا حكموا ايضا بوجوب حفظ الماء قبل دخول وقت الصلوة على من لا يقدر على تحصيله بعد دخوله، الثانية انه كما ان للاسلام وجوبا نفسيا و وجوبا شرطيا لصحة العبادات ، كذلك يمكن ان يكون له وجوب بدلى للكفار، بمعنى انهم مخيرون بين الاسلام والصلوة فى الوقت اوقضائها في خارجه و بين الاسلام في خارجه، اذا تمهدت المقدمتان، فنقول ان وجوب القضاء على الكفار و انكان مستلزما لوجوب الاسلام عليهم من باب المقدمة الوجودية ، لكن حيث لا يمكن
ص: 285
تحصيل هذه المقدمة بعد تحقق شرط وجوبه اعنى ترك الصلوة في الوقت، لكون الاسلام بعد الوقت موجبا لهدم القضاء، فلا يمكن ان يكون مقدمة لوجوده، فلابد من تحصيله في الوقت الذى هو قبل تحقق شرط وجوبه و بعبارة اخرى ان القضاء له شرط وجوب وهو ترك الصلوة في جميع الوقت، و شرط وجود وهو الاسلام، وحيث ان الاسلام بعد الوقت، لا يمكن ان يكون شرطا لوجوده، لان ما يكون معدما للشئ لا يمكن ان يكون شرطا لوجوده، فلا بد ان يكون شرط وجوده هو الاسلام في الوقت، وحينئذ لو اسلم في الوقت، واتى بالصلوة فيه او فى خارجه، فهو غير عاص اصلا على الاول، وعاص بالنسبة الى الأمر بالأداء، ومطيع بالنسبة الى الامر بالقضاء على الثاني، و ان لم يسلم فى الوقت فهو عاص بالنسبة الى كلا الامرين مالم يسلم في خارجه، و ليس بعاص اصلا ما اذا اسلم فى خارجه، لان الاسلام في خارجه، بدل عن الاسلام فى الوقت والصلوة فيه او في خارجه هذا و تدبر !
و من جملة الموارد التي دل الدليل على عدم القضاء فيها هي الصلوة المتروكة فى الوقت للاغماء المستوعب له على المشهور ، و يدل عليه مضافا الى دعوى الاجماع عليه اخبار كثيرة ، مشتملة جملة منها على التعليل بان : كل ما غلب الله عليه فالله اولى بالعذر، و في بعضها : كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شيء، وفى بعضها : كل ما غلب الله على العبد فهو اعذر له او لعبده، ولا يعارضها الاخبار الكثيرة المشتمل بعضها على الأمر بقضاء جميع الصلوات التي فاتت عنه فيهذه الحالة و بعضها على الأمر بقضاء صلوة ثلثة ايام وبعضها على الأمر بقضاء صلوة يوم وذلك لان مقتضى الجمع العرفى هو حمل هذه الاخبار على الاستحباب، و ذلك لصراحة الاخبار المتقدمة فى سقوط القضاء و ظهور هذه في وجوبه، ومقتضى الجمع العرفى بين النص والظاهر المتعارضين، هو طرح ظهور الظاهر منهما بنصوصية الآخر، هذا مضافا الى ما فى بعض هذه الاخبار من الشواهد على كون الامر فيها للاستحباب، منها قوله له في رواية ابي كهمش في جواب السؤال عن وجوب القضاء على المغمى علیه : اما انا و ولدی و اهلی فنفعل ذلك ، ومنها ما وقع فيها من الاختلاف، فانه
ص: 286
قرينة على ان الأمر فيها بالقضاء للاستحباب، و ان الاختلاف فيها انما هو لاختلاف مراتب الاستحباب شدة وضعفا كما لا يخفى، ومع ما ذكرنا من الجمع العرفى لا مجال لحمل هذه الاخبار على التقية، لان الترجيح بمخالفة العامة التي هي من مرجحات جهة الصدور فرع التعارض، ومن المعلوم انه لاتعارض مع الجمع الدلالي العرفي.
ثم انه قد يستشكل على ما فى جملة من الاخبار المتقدمة، من تعليل الحكم اعنى سقوط القضاء بقولهم عليهم السّلام : كل ما غلب الله عليه فهو اولى بالعذر، بان معذورية المغمى عليه حال الاغماء، لا ينافي ثبوت القضاء عليه بعد الافاقة، فكيف علل سقوطه بعدها بكونه معذورا حال الاغماء، ويمكن دفعه بان المراد من معذورية المغمى عليه ليس معذوريته في ترك الصلوة فى الوقت، بل المراد ان القضاء الذى يجب فى سائر الموارد اعتذار او جبرانا عما فات فى الوقت، لا يجب على المغمى عليه الذى غلب الله عليه لان كل ما غلب الله على العبد فهوا عذر له، هذا مضافا الى ان التعليل بهذه العلة، يمكن ان يكون بلحاظ كبرى مطوية، و هى ان كل ماكان الله اعذر لعبده فليس عليه شئ اصلا، كما يؤيده التعليل في بعض الاخبار بقوله علیه السّلام : كل ما غلب الله عليه فليس على صاحبه شئ، ثم ان مقتضى ما ذكرناه سابقا من ظهور هذا التعليل في اختصاص الحكم بما اذا كان ترك الصلوة فى الوقت مستندا الى الاسباب الخارجة عن اختيار المكلف، هو التفصيل فى المقام بين ماكان الاغماء بافة سماوية فلا يجب القضاء، أو بفعل المغمى عليه فيجب، و توهم ان مقتضى هذا التعليل و ان كان ذاك التفصيل، لكن مقتضى. جملة من الاخبار الخالية عن هذا التعليل هو عدم الفرق بين الصورتين ولاوجه لحمل المطلق على المقيد بعد كونهما متفقين فى الاثبات مع عدم احراز وحدة المطلوب فيهما، ان من المحتمل ان يكون مطلق الاغماء المستوعب موجبا لسقوط للقضاء كما لاغماء المستوعب المستند الى الافة السماوية. مدفوع اولا بانه لوكان مطلق الاغماء موجبا لسقوط القضاء، لكان تعليله بهذه العلة لغوا، ضرورة انه اذا كان ذات الشئ مقتضيا لاثر، يكون اسناد ذاك الاثر الى امر عرضی خارج عن ذاته لغوا ، وذلك لتقدم الذات رتبة على الامر العارض لها،
ص: 287
والشئ انما يستند الى اسبق علله فتدبر! و ثانيا بان الاغماء المستند الى فعل المكلف نادر غاية الندرة ، بحيث لو اريد من تلك المطلقات خصوص ما كان مستندا الى افة سماوية لم يلزم اخلال بالغرض ، و معه لايتم مقدمات الحكمة التي يتوقف عليها انعقاد ظهور المطلق فى الاطلاق على ماذهب اليه السلطان، فتدبر!
و من جملة الموارد التي دل الدليل على عدم القضاء فيها الصلوة المتروكة حال الحيض والنفاس المستوعبين للوقت، ويدل عليه مضافا الى الاجماع اخبار مستفيضة فهذا مما لا اشكال فيه، كما لا اشكال في وجوب القضاء على المرئة لولم يكونا مستوعبين، وكان المقدار الذى تكون طاهرة فيه من الوقت وافيا باداء الصلوة بما لها من الشرائط الاختيارية من الطهارة المائية وطهارة البدن والساتر و غيرها، وتهاونت ولم تصل الى ان حاضت فيما إذا كان طهرها في اول الوقت ، اوفات الوقت فيما اذا كان طهرها فى اخره، وذلك لعموم قوله علیه السّلام: من فاتته فريضة فليقضها، ولخصوص الاخبار التى تقدم ذكرها في المواقيت، وكما لا اشكال ايضا في القضاء عليها، فيما اذا ادركت الطهر فى اخر الوقت بمقدار تتمكن معه من اداء ركعة بشرائطها الاختيارية، وذلك لانه بعد توسعة الوقت بدليل من ادرك، يكون تركها للصلوة تركا للصلوة المأمور بها بامر فعلى منجز، فتكون من اوضح مصاديق من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته كما لا يخفى، واما لولم يكن ذلك المقدار من الوقت وافيا الا باداء الصلوة مع الشرائط الاضطرارية كالطهارة الترابية وغيرها، فمقتضى القاعدة و ان كان ثبوت القضاء عليها مطلقا سواء كان ذلك المقدار من اول الوقت اواخره وذلك لانها تركت الصلوة المأمور بها بالامر الفعلى المنجز فتكون من اوضح المصاديق لقوله علیه السّلام: من فاتته فريضة، لكن قددل الدليل في خصوص ما اذارات الطهر في آخر الوقت، على انه يعتبر في وجوب القضاء عليها ادراكها، الطهر في آخر الوقت بمقدار اداء الصلوة مع الطهارة المائية، ففي صحيحة عبيد بن زرارة عن ابيعبد الله علیه السّلام:
ایما امرأة رات الطهر وهي قادرة على ان تغتسل في وقت صلوة معينة،
ص: 288
كتاب الصلوة ففرطت فيها حتى يدخل وقت صلوة اخرى كان عليها قضاء تلك الصلوة التي فرط فيها، وان رات الطهر في وقت صلوة فقامت في تهية ذلك فجاز وقت الصلوة و دخل وقت صلوة اخرى فليس عليها قضاء، الخبر.
و فى صحيحة الحلبي :
في المرأة تقوم في وقت الصلوة فلاتقضى الطهور حتى تفوتها الصلوة ويخرج الوقت، اتقضى الصلوة التي فاتتها؟
فقال علیه السّلام:
انكانت توانت قضتها وانكانت دائبة في غسلها فلا تقضى.
فان قوله علیه السّلام فى الصحيحة الاولى: فقامت في تهية ذلك، وفي الثانية وانكانت دائبة (1) فى غسلها فلا تقضى، ان لم يكونا صريحين فى اعتبار ادراك مقدار الطهارة، فلا اقل من ظهورهما فيه، بل ظاهر الاولى اعتبار ادراك مقدار اداء الصلوة مع جميع الشرائط ، فان الظاهر من تهية الصلوة هو تهيتها بجميع ما يعتبر فيها هذا، ولكن الذي يظهر من شيخ مشايخنا الانصارى قده ، هو عدم وجوب القضاء عليها فيما كان طهرها في اول الوقت ايضا، و استدل عليه بما حاصله انه لاشك في ان الواجب فوت الصلوة الاضطرارية تدارك الصلوة الاختيارية التى فاتت من غير بدل، لاتدارك بدلها الاضطراري الذي امر به فعلا، ولذالوفاق الوقت عن استعمال الماء اولم يمكن استعماله لمانع شرعی، و انتقل تكليفه الى الصلوة مع التيمم، و تهاون في اتيانها حتى فات الوقت، وجب عليه قضاء الصلوة مع الطهارة المائية دون الترابية، وكذا لوضاق الوقت عن تطهير ثوبه النجس ولم يمكن له نزعه لمانع شرعى، و انتقل تكليفه الى الصلوة فى ذلك الثوب النجس، وتهاون في اتيانها حتى فات الوقت، وجب عليه قضاء الصلوة فى الثوب الطاهر، فاذا فرض استناد فوت الصلوة الاختيارية الى مانع يوجب سقوطها اداء وقضاء، كالحيض الذي دل الدليل على عدم وجوب تدارك مافات لاجله، كما في المقام حيث ان فوت الصلوة الاختيارية انما هو لاجل عروض الحيض، فلا موجب اخر لوجوب القضاء عليها ، وأورد عليه اولا بانه ليس هنا
ص: 289
صلوتان اختيارية و اضطرارية، كى يقال بان مع سقوط الاختيارية اداء و قضاء لا موجب لوجوب القضاء الذى هو تدارك للاختيارية، بل هنا صلوة واحدة مشروطة بالطهارة المائية مع التمكن من استعمال الماء، وبالطهارة الترابية مع عدم التمكن استعماله، والحيض اوجب العجز عن الطهارة المائية وسقوطها والانتقال الى الطهارة الترابية، لاسقوط اصل الصلوة كي يقال ان مافات لاجله لا يجب تداركه فلا موجب لقضاء الصلوة، وثانيا سلمنا انقسام الصلوة بحسب حالتى الاختيار والاضطرار الى صلوتين اختيارية و اضطرارية، وان الاختيارية سقطت اداء و قضاء لاجل طرو الحيض، لكن نمنع مع ذلك عن عدم الموجب لوجوب القضاء، بعد كون الصلوة الاضطرارية فريضة فاتت فى الوقت، و مشمولة لقوله علیه السّلام : من فاتته فريضة فليقضها كما فاتت، و اما ما ادعاه قده من ان الواجب مع فوت الصلوة الاضطرارية تدارك الصلوة الاختيارية التى فاتت من غير بدل، لاتدارك بدلها الاضطراري الذي امر به فعلا، فممنوع جدا اذهو دعوى بلادليل، و اما وجوب كون قضاء الصلوة مع الطهارة المائية وفى الثوب الطاهر، فيما اذا ضاق الوقت عن استعمال الماء للوضوء وتحصيل الثوب الطاهر وانتقل تكليفه فعلا الى الصلوة مع التيمم وفى الثوب النجس، فليس له شهادة على ما ادعاه قده اصلا، وذلك لان وجوب كون القضاء مع الشرائط الاختيارية انما هو لاجل اطلاق ادلة تلك الشرائط، فان قوله تعالى : اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و ایدیکم ، و قوله تعالى : وثيابك فطهر، يدلان باطلاقهما على ان الصلوة مطلقا ولو كانت قضاء مشروطة بالطهارة المائية وطهارة اللباس ، و اما قوله علیه السّلام: اقض مافات كمافات، فهو فی مقام بیان لزوم مطابقة القضاء للاداء في القصر والاتمام والثنائية والثلاثية والرباعية ، لا مطلقا كي يستكشف منه بضميمة وجوب كون القضاء مع الشرائط الاختيارية، ان الواجب مع فوت الصلوة الاضطرارية تدارك الصلوة الاختيارية التى فاتت من غير بدل، لاتدارك بدلها الاضطراري الذي امر به فعلا هذا.
و تصدى الاستاد دامت افاداته وبركاته لتوجيه كاته لتوجيه كلامه قده بحيث يندفع عنه
ص: 290
هذا الإيراد بحذافيره بوجهين:
الاول ما حصله انه قد حققفا في بعض المباحث السابقة، ان الاختيار والاضطرار ليسا بالنسبة الى شروط الصلوة و مواعها كالحضر والسفر، من القيود المنوعة بها التكليف الى نوعين اختيارى واضطرارى، بحيث تكون الشرطية والمانعية الواقعيتان مخصوصتين بالمختار دون المضطر و الا لزم ان يجوز للمكلف ان يدخل نفسه في موضوع المضطر اختيارا، كما يجوز له ان يدخل نفسه في موضوع المسافر والحاضر اختيارا، وهو مما لم يلتزم به احد، و لذا حكموا بوجوب حفظ الماء للوضوء على من يحتمل ان لا يتمكن منه فيما بعد، والسر في ذلك هو ان القيود الشرعية، تارة تكون من الامور التى لها دخل في حسن توجيه الخطاب او قبحه عقلا كالقدر والعجز، و اخرى لا نكون كك كالحضر والسفر، اما القسم الثانى فلامحة يكون التقييد به راجعا الى المادة والمطلوب، لكشف دليل القيد حينئذ عن دخله في الملاك ، و اما القسم الاول فيدور امره بين كونه راجعا الى تقييد المادة والمطلوب كالثانى او الهيئة والطلب، و ذلك لانه كما يمكن ان يكون للقدرة مثلا دخل في ملاك الحكم، كك يمكن ان لايكون لها دخل في ملاكه، وانما اعتبرها الشارع ارشادا الى حكم العقل وحينئذ انكان التقييد به بدليل متصل كما اذا قال: اذا قمت للصلوة فتوضاء ان قدرت، فالكلام يصير مجملا مادة وهيئة، وذلك لاحتفافه بما يصلح لان يكون قيدا له مادة اوهيئة، ومعه لا ينعقد له ظهور في الاطلاق لا مادة ولاهيئة وانكان التقييد به بدليل منفصل كما اذا قال اذا قمت الى الصلوة فتوضأ، ثم قال بدليل منفصل ان الوضوء تكليف للقادر، فح يدور بين كونه راجعا الى المادة والمطلوب كي يكون مستلزما لتقييد الهيئة والطلب ايضا، و بين كونه راجعا الى الهيئة والطلب فقط، فيكون تقييده للهيئة والطلب متيقنا على كل حال، و تقييده المادة والمطلوب مشكوكا، والمرجع حينئذ هو اطلاق المادة القاضي بعدم كونه قيدا شرعيا راجعا الى المادة، و مقتضاه كون الوضوء مطلوبا مطلقا حتى في حال العجز عنه، و انكان المكلف معذور اعقلا فى تركه فيهذا الحال، وحينئذ فلا يجوز
ص: 291
له سلب القدرة على الوضوء عن نفسه اختيارا باحراق الماء مثلا، لكونه موجبا لتفويت المطلوب المطلق للمولى، نعم فيما اذا حصل له العجز عن الوضوء اختيارا او بغير اختيار وانقطع يده عن المطلوب المطلق للمولى، لماراى المولى ان الصلوة الفاقدة للوضوء تكون لها مع التيمم ايضا مرتبة من المصلحة الملزمة جابرة لبعض ما للصلوة الواحدة له من المصلحة التامة، امر بالصلوة مع التيمم فيهذا الحال، لئلا يفوت من المكلف ما للصلوة مع الوضوء من المصلحة التامة الملزمة بالمرة و يبقى صرف اليد، فالامر بالصلوة مع التيمم في حال العجز عن الوضوء، امر بدلى في طول الأمر بالصلوة مع الوضوء، لا في عرضه كي يكون مقيدا له مادة بحال القدرة على الوضوء، فالصلوة مع الوضوء باقية على ملاكها ومطلوبيتها الذاتية في حال العجز عن الوضوء ايضا، غاية الامر انه لواتى فى الوقت بماجعله الشارع بدلا عنها فيهذا الحال، فقد ادرك بعض مالها من الملاك والمصلحة التامة، و ان لم يات يبدلها فقد فات عنه مالها من المصلحة التامة بالمرة، فيجب عليه تداركها في خارج الوقت، فالفائت دائما هى الصاوة الاختيارية الواجدة لجميع الاجراء والشرائط، فيكون القضاء تداركا لها، لا ليد لها اعنى الصلوة الاضطراريه الفاقدة لبعض الاجزاء او الشرائط، فاذا كان القضاء تداركا للصلوة الاختيارية، و دل الدليل على ان ترك
الصلوة الاختيارية في الوقت اذا كان مستندا الى الحيض فلاقضاء لها . فلا موجب لثبوت القضاء لبدلها هذا.
الوجه الثانى ما خلاصته انه لاشبهة فى ان جعل البدل الاضطرارى فى الوقت وكذا القضاء الذى هو تدارك في خارجه، انما يصح فيما اذا كان اطلاق الامر بالمبدل الاختياري محفوظا مادة في حال الاضطرار، ضرورة انه لو لم يكن اطلاقه مادة محفوظا فيهذا الحال، بل كان للقدرة دخل في ملاكه، لم يكن له فيهذا الحال مصلحة اصلا، كي يصح جعل البدل له في الوقت ليجبر به بعض ماله من المصلحة التامة، أو يجب قضائه فى خارجه ليتدارك به بعض مافات من مصلحته التامة، و من المعلوم ان خلو المكلف عن الحيض يكون كالبلوغ والعقل، من شروط وجوب الصلوة
ص: 292
لا من شرائط وجودها، فمع وجود الحيض لا يكون هناك امر بالصلوة، كي يكون له اطلاق مادة اولا يكون فاذا لم يكن مع وجود الحيض امر بالصلوة، فلا معنى لجعل البدل الاضطرارى لها فى الوقت، ولا لوجوب القضاء لها في خارجه كما بيناه انفا ما، هذه خلاصة ما افاده دام ظله من الوجهين في توجيه كلام الشيخ قده.
وفي كلا الوجهين مالا يخفى اما الوجه الاول، فلان الصلوة الاختيارية و انكانت باقية على ملاكها و مطلوبيتها الذاتية فى حال العجز عن بعض شرائطها لكن لا يوجب ذلك عدم صدق الفائت فيما اذا لم يأت ببدلها الاضطراري، الا عليها دون بدلها، بعد كونه ايضا كنفسها ذا مصلحة ملزمة و ان لم تكن تامة ، فاذا كان الفائت صادقا على بدلها الاضطرارى ايضا ، فلامانع عن شمول قوله علیه السّلام: من فاتته فريضة فليقضها كما فانت له فتدبر! والحاصل ان مجرد قيام الدليل على ان فوت الصلوة الاختيارية اذا كان مستندا الى الحيض فلا قضاء لها، لا يوجب نفى القضاء للصلوة الاضطرارية، بعد صدق الفائت عليها و شمول عموم ادلة القضاء لها، سلمنا عدم صدق الفائت فيما لم يأت ببدلها الاضطراري الاعليها، لكن مجرد ذلك لا يوجب سقوط قضائها بمادل عليه الدليل من عدم وجوب قضاء مافات لاجل الحيض، بعد عدم كون فوتها في المقام مستندا الى الحيض، ضرورة انه لوانى(انت) ببدلها الاضطراری لم يكن عليها قضائها ولومع قطع النظر عن هذا الدليل، وليس ذلك الا لاجل عدم صدق الفائت عليها مع اتيان بدلها، ففوتها في المقام مستند الى عدم اتيان بدلها لا الى الحيض واما الوجه الثاني، فلان دعوى كون الخلو من الحيض كالبلوغ والعقل من شرائط الوجوب لامن شرائط الوجود، ممنوعة جدا اذلادليل عليه، واما الاستدلال عليه بقوله علیه السّلام : دع الصلوة ايام اقرائك ، ففيه مامر من انه وانكان ظاهرا بدوا فى ان مع الحيض لا امر بالصلوة اصلا، لكن بعد ملاحظة ما ورد من تعليل سقوط قضاء الصلوة عنها، بانه يمنعها عن القيام بامورها وصلاح بيتها، و بان الصلوة تكون فى كل يوم وليلة مرارا فلاتقوى عليها، وبان الصلوة فيها عناء وتعسر، الى غير ذلك من التعليلات التي يستفاد منها ان سقوط قضاء الصلوة عنها انما هو
ص: 293
لمكان الارفاق بحالها مع ثبوت المقتضى لثبوته، لابد من رفع اليد عن ظهوره في ذلک، و حمله على مانعية الحيض عن صحة الصلوة كالجنابة كيف ولو كان سقوط القضاء عنها لمكان عدم المقتضى لكان المتعين حينئذ تعليل سقوطه بذلك، لا بوجود المانع من العسر والحرج و اختلال نظام البيت ونحو ذلك كما لا يخفى، ومما يؤيد ذلك اعنى كون الامر بترك الصلوة فى ايام الحيض لبيان المانعية عن صحة الصلوة ، تعليل نهيها عن الصلوة فى علل الفضل بن شاذان، بانها على حد نجاسة فاحب الله ان لا يعبد الا طاهرا، ومما يؤيده ايضا انها كما أمرت بترك الصلوت فى ايام اقرائها كك امرت بترك الصوم في تلك ايام، فلو كان الأمر بترك الصلوة فى مقام رفع الوجوب مع الحيض واشتراطه بالخلو عنه، لكان وحدة السياق مقتضية لكون الأمر بترك الصوم ايضا في ذاك المقام، وهو مناف لثبوت قضاء الصوم عليها كما لا يخفى وجهه، هذا كله مضافا الى ان مقتضى هذا الوجه الثاني، هو عدم وجوب الصلوة الاضطرارية عليها في الوقت ايضا، فيما اذا كانت وظيفتها بحسب حالها مع قطع النظر عن الحيض هي الصلوة الاضطرارية، اما لفقدها الماء او تضررها باستعماله، و ذلك لان الصلوة الاضطرارية وانكانت حينئذ وظيفة لها بحسب حالها ومع قطع النظر عن طر والحيض لكنها تدارك لمافات عنها من الصلوة الاختيارية بسبب عجزها عن استعمال الماء: فاذا كان طر و الحيض كاشفا عن عدم كونها مأمورة بالصلوة الاختيارية اصلا، فلا موجب لثبوت تداركها عليها باتيان بدلها الاضطراري كمالا يخفى، وتوهم ان فوت الصلوة الاختيارية فى الفرض ليس مستندا الى الحيض كيلا يجب تداركها باتيان بدلها بل مستند الى عجزها، مدفوع بان فوت الصلوة الاختيارية فى الفرض و انكان مستندا الى عجزها، لكن وجوب تداركها باتيان بدلها الاضطراری، انما كان لمكان انحفاظ الامر بالصلوة الاختيارية مادة فى حال الاضطرار، فاذا كان طرو الحيض كاشفا عن عدم الأمر بالصلوة الاختيارية رأسا، فيكون امرها بتدار كهاباتیان بدلها الاضطرارى بلا موجب يقتضيه كما لا يخفى، و هذا اعنى عدم وجوب الصلوة الاضطرارية عليها فيما اذا كانت وظيفتها بحسب حالها ذلك مما يبعد الالتزام به، اللهم الا ان يقال
295
ص: 294
لابأس بالالتزام به بعد كونه مقتضى القاعدة و عدم تحقق اجماع ولا قيام دليل لفظى على خلافه، فتدبر!
فالاولى الاستدلال لما ذهب اليه الشيخ قده من عدم وجوب القضاء عليها فيما اذا كان طهرها في أول الوقت ، بما رواه الكليني بسنده عن ابى الحسن ألاول علیه السّلام:
اذارات المرأة الدم بعد ما مضى من زوال الشمس اربعة اقدام فلتمسك عن الصلوة، فاذا طهرت من الدم فلتقض صلوة الظهر.
وبما رواه في الوسائل بسنده عن ابيعبد الله علیه السّلام في حديث، قال علیه السّلام :
واذا طهرت في وقت فاخرت الصلوة حتى يدخل وقت صلوة اخرى ثم رات ،دما كان عليها قضاء تلك الصلوة التي فرطت فيها.
فان المستفاد من قوله علیه السّلام فى الاولى: اذارات الدم بعد ما يمضى من زوال الشمس اربعة اقدام ، هو اعتبار مضى مقدار يسع جميع الشرائط، والظاهر من قوله علیه السّلام في الثانية : فاخرت الصلوة و فرطت فيها ، هو اعتبار جميع الشرائط، ضرورة عدم صدق التأخير والتفريط مع الاشتغال بغسل الثوب او البدن وغيره من المقدمات، ويمكن الاستدلال له ايضا بما رواه في الرسائل. هذا تمام الكلام فيما اذا لم يكن المقدار الذى تكون طاهرة فيه من الوقت وافيا باداء الصلوة الاختيارية، لكن كان وافيا باداء الصلوة الاضطرارية.
بقى الكلام فيما اذا لم يكن ذلك المقدار من الوقت وافيا الاباداء ركعة من الصلوة الاضطرارية، فنقول : مقتضى القاعدة بناء على كون الخلو من الحيض من شرائط صحة الصلوة لااصل وجوبها، وانكان ثبوت القضاء مطلقا سواء كان ادراكها الطهر بذلك المقدار فى آخر الوقت او اوله، وذلك لما عرفت من ان القضاء ليس مترتبا على الامر الفعلى، كى يقال لاامر بالصلوة كك مع عدم سعة الوقت لادائها بل القضاء مترتب على عنوان الفوت الصادق بمجرد كون المكلف اهلا ومعرضا لتعلق امرصل به ولو انشاء و تشريعا، و ان لم يبلغ مرتبة الفعلية والتنجز بواسطة بعض الاعذار العقلية، وتعلق امرصل بها ولو انشاء و انكان مشروطا بدخول الوقت، فلا
ص: 295
يكون متعلقا بها ولو كك مع عدم دخوله لعدم حصول الشرط، لكنه صار متعلقا بها بمجرد دخول الوقت لحصول الشرط، وعدم تمكنها من اداء الصلوة لضيق الوقت الحاصل بسبب الحيض، لا يوجب الاسقوط الأمر بها فعلا مع بقائها على ماهى عليه من المصلحة التامة ذاتية والمطلوبية الفعلية للشارع، فيصدق على تركها ولولضيق الوقت انه فات عنها مطلوب الشارع، و دعوى ان تعلق امر صل بها كما يكون مشروطا بدخول الوقت حدوثا يكون مشروطا به بقاء بمقدار اداء الصلوة، فلايكون امر صل متعلقا بها ولو انشاء فيما لم يكن طهرها بمقدار يسع لادائها ممنوعة جدا ضرورة ان المتيقن من اشتراط وجوب الصلوة بالوقت هو اشتراطه به حدوثا، و بقاء فهو شرط للصلوة لا لوجوبها، هذا مع ان الوقت المضروب للصلوة و هو من دلوك الشمس الى غسق الليل باق، فيما كان ادراكها الطهر بذلك المقدار في اول الوقت، و انما منع عن اتيانها في وقتها المضروب لها طرو الحيض عليها، ولكن مقتضى ما يستفاد من الادلة من عدم وجوب قضاء ما كان فوته لاجل الحيض، هو عدم وجوب القضاء عليها مطلقا سواء كان ادراكها للظهر بمقدار اداء ركعة في اول الوقت اوفی آخره و توهم ان فوات الصلوة فى المقام ليس مستندا الى الحيض كيلا يجب قضائها بل مستندالى ضيق الوقت مدفوع اولا بمامرانفا من ان ضيق الوقت انما هو فيما اذا كان ادراكها للظهر بذلك المقدار فى آخر الوقت لا مطلقا، وثانيا بان فوات الصلوة وانكان مستندا الى ضيق الوقت ولو في بعض الصور، لكن ضيقه حيث يكون مستندا الى الحيض كما هو واضح، فيكون فوات الصلوة بالاخرة مستندا اليه ايضا و احتمال اعتبار كون استناد الفوت الى الحيض بلا واسطة في سقوط القضاء، مدفوع باطلاق تلك الادلة، وتوهم ان هذه الادلة انما تجدى فى سقوط القضاء عنها، فيما اذا كان ادراكها للطهر بمقدار اداء ركعة فى اول الوقت لا مطلقا، ضرورة انه لوكان ادراكها للطهر بذلك المقدار في آخر الوقت، فتشملها قاعدة من أدرك، و توسع وقت صلوتها الى مقدار ثلث ركعات الى ما بعد الغروب، و معه تكون متمكنة من اداء الصلوة بتمامها في الوقت، فلوتها ونت ولم تات بها لم يكن فوتها مستندا الى
ص: 296
الحيض كما لا يخفى مدفوع بانه و ان لم يكن فوات صلوتها حينئذ مستندا الى الحيض كى يعمها تلك الادلة ، لكن مقتضى فحوى مادل على اعتبار ادراكها للوقت الاصلى بمقدار الصلوة مع الطهارة المائية فى وجوب القضاء عليها، عدم وجوبه عليها فى المقام بعد كون المفروض عدم تمكنها من اداء الصلوة مع الطهارة المائية، هذا بناء على كون الخلو من الحيض شرطا لصحة الصلوة لالاصل وجوبها. و اما بناء على كونه شرطا لاصل وجوبها، كما استظهره الاستاد دام ظله من الاخبار الناهية عن الصلوة فى ايام الحيض ، فان قلنا بما ادعاه دام ظله من ان المستظهر من الاخبار هو اشتراط وجوب الصلوة بالخلو عن الحيض حدوثا وبقاء ابتداء واستدامة، فلاشبهة فى ان مقتضى القاعدة الاولية ايضا، عدم وجوب القضاء عليها فيما اذا كان طهرها في اول الوقت كما هو واضح، و اما اذا كان طهرها في آخر الوقت ، فعدم وجوب القضاء عليها انما هو بمقتضى الادلة المتقدمة فقط، دون القاعدة الاولية كما لا يخفى. وان منعنا عن ذلك، وقلنا بان غاية ما يمكن استفادته من تلك الاخبار هو اشتراط وجوب الصلوة بالخلو عن الحيض ابتداء لا استدامة، فيكون عدم وجوب القضاء عليها مطلقا ولو فيما كان طهرها في اول الوقت، بمقتضى الادلة المتقدمة دون القاعدة الاولية كما لا يخفى وجهه .
ومن المواضع التي دل الدليل على سقوط القضاء فيها، مالو استبصر المخالف، فيما اذا كان اتيا بالصلوة موافقا لمذهبه، دون ما اذا لم يصل اصلا اوصلى مخالفا لمذهبه، ويدل عليه الاخبار المستفيضة ، منها خبر بريد بن معوية العجلى عن الصادق علیه السّلام، قال :
سئلته عن الرجل وهو فى بعض هذه الاصناف من اهل القبلة ، ناصب متدين، ثم من الله تعالى عليه فعرف هذا الامر يقضى حجة الاسلام .
قال علیه السّلام:
يقضى احب الى، وكل عمل عمله وهو في حال نصبه و ضلالته ثم من الله تعالى عليه وعرفه الولاية، فانه يوجر عليه ، الا الزكوة فانه يعيدها لانه وضعها في غير مواضعها لانها لاهل الولاية ، و اما الصلوة والحج والصيام
ص: 297
فليس عليه قضاء.
و منها ما في خير الفضلاء عن ابيجعفر وابيعبد الله عليهما السلام من جوابهما عن السؤال عن الرجل يكون فى بعض هذه الاهواء الحرورية والمرحبة والعثمانية والقدرية ثم يتوب و يعرف هذا الامر و يحسن رايه ايعيد كل صلوة صلاها اوصوم اوزكوة او حج اوليس عليه اعادة شئ من ذلك غير الزكوة؟ بقولهما عليهما السلام: ليس عليه اعادة شئ من ذلك غير الزكوة ولابد ان يؤديها لانه وضع الزكوة في غير موضعها وانما موضعها اهل الولاية. وظهورهما سؤالا وجوا بافی آن مورد هما من كان اتيا بتلك الاعمال على طبق مذهبه غير انه كان اتیا نه لها في حال كونه مخالفاناصبا، غير قابل للانكار، اذ لو كانت اعماله غير موافقة لمذهبه ، لم يكن مجال للسؤال عن وجوب اعادتها عليه، اذ لا شبهة في بطلان العمل الفاقد لما يعتبر فيه شطرا او شرطا وكونه غير مجزية اعادته، فسؤالهم عن وجوب القضاء على المخالف بعد استبصاره، انما هو لاجل عدم قبول العمل الصادر عن غير اهل الولاية، وعليه فلولم يصل المخالف اصلا او صلى لا على وفق مذهبه، لا يكون مشمولا للخبرين المزبورين، و معه يعمه قوله علیه السّلام :
من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته ، ان كان له عموم فتدبر و اماما ربما يستظهر من خبر عمار الساباطي، من سقوط القضاء عن المخالف المستبصر مطلقا ولولم يصل في حال ضلالته اصلا فضلا عما اذا صلى لاعلى وفق مذهبه ، حيث قال : قال سليمان بن خالد لا بيعبد الله علیه السّلام و انا جالس:
انى منذ عرفت هذا الامر اصلى فى كل يوم صلوتین، اقضی مافاتنی قبل معرفتی؟
قال علیه السّلام:
لا تفعل، فان الحالة التي كنت عليها اعظم من ترك ما تركته من الصلوة. بدعوى ظهور قول السائل اقضى ما فاتني و قول الامام علیه السّلام ما تركته، في فوت اصل الصلوة وتركه، ولكن يبعده ان ترك الصلوة من السائل راسا قبل المعرفة بعيد في الغاية ، فيحتمل قريبا ان يكون المراد من الموصول فى قوله ما فاتني و في قول
ص: 298
الامام علیه السّلام : ما تركته من الصلوة، هى الصلوة الصحيحة الواقعية، فيكون المراد من فوت الصلوة و تركها في حال النصب، هو فوت الصلوة الصحيحة الواقعية وتركها لافوت الصلوة و تركها راسا، و مع هذا الاحتمال يسقط الخبر عن قابليته للاستدلال هذا و تدبر!
بقى هنا فروع ينبغي التعرض لها :
الفرع الاول لوصار بالغا وقد بقى من الوقت مقدار اداء ركعة ، فهل يجب عليه اتيان الصلوة حينئذ كى يجب عليه قضائها لو تركها ام لا، وجهان اقويهما الثاني و توضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمتين الاولى ان المراد من اطلاق المادة هو الاطلاق الحيثى اى مع قطع النظر عن العناوين الطارية ، كيف ولو كان المراد اطلاقها ولو بلحاظ العناوين الطارية ، لكان اللازم من اطلاقها مع طرو العجز عن انيان المامور به التكليف بما لا يطاق فتدبر و هو قبيح قطعا محال جعله و انشائه من الحكيم تعالى، و هذا نظير اطلاق حلية اكل الغنم ، فان اطلاق حلية اكلها اطلاق حيثى، أى مع قطع النظر عن العناوين الطارية كالموطوئية والغصبية، و لذا لا يكون تعارض و تناف بين دليل حلية اكلها و ادلة حرمة اكل الموطوئة و حرمة التصرف فى العين المغصوبة، ويكون اطلاق دليل حلية اكلها محفوظا مع طر وهذه العناوين، و هذا بخلاف مالوكان لحلية اكلها اطلاق ولو بلحاظ طر وهذه العناوين : فانه يقع التعارض حينئذ بين دليل حلية اكلها وادلة حرمة اكل الموطوئة والمغصوبة، و حيئذ فلا يمكن انحفاظ اطلاق دليل حيلة اكلها كما لا يخفى. الثانية لاشبهة في ان الصلوة قد لوحظ واعتبر شرعا وقوعها بتمام اجزائها فى الوقت الذي هو عبارة عما بين الحدين ، اللذين هما هو الزوال والغروب بالنسبة الى الظهرين، والمغرب و انتصاف الليل بالنسبة الى العشائين، وطلوع الفجر وطلوع الشمس بالنسبة الى الصبح ، فلابد ان يكون الوقت الذي اعتبر وقوع الصلوة فيه بمقدار يسع لادائها فيه، اذلو كان الملحوظ هو الوقت مطلقا ولو لم يكن بذلك المقدار ، لكان الأمر بادائها فيه تكليفا بغير المقدور ، و قدمر استحالة صدوره عن الحكيم تعالى عقلا . اذا تمهدت
ص: 299
المقدمتان، فنقول ان من يصير بالغا، وقد بقى له من الوقت مقدار اداء ركعة، يستحيل ان تكون الصلوة مجعولة فى حقه بالنسبة الى هذا المقدار، بعد ما عرفت من استلزام الامر بالصلوة فى وقت لا يسع لادائها فيه التكليف بغير المقدور بل المحال، فاذا لم تكن الصلوة مجعولة في حقه، فلامعنى لوجوب القضاء عليه بعد الوقت كما هو واضح، و توهم ان الوقت الملحوظ شرعا وقوع الصلوة فيه هو ما بين الحدين، ولا شبهة فى ان التكليف باداء الصلوة فيهذا المقدار ليس تكليفا بغير المقدور وعدم ادراك هذا المكلف الا مقدار ركعة منه بواسطة فقده لشرط التكليف، لاربط له بالجعل الشرعي كي يكون امره بالصلوة فيهذا المقدار امر ابغير المقدور مدفوع بان نفس الأمر بالصلوة فى الوقت وان لم يكن تكليفا بغير المقدور، لكن حيث يكون الأمر بها كك مشروطا بالبلوغ، فلا يتحقق الامر بها كك الا بعد البلوغ، والمفروض ان الامر بها كك بعد البلوغ في المقام، مستلزم للامر بها في وقت لايسع ادائها بل فى وقت انقضى والحاصل ان الامر بالصلوة في الوقت و ان لم يكن فيحد نفسه تكليفا بغير المقدور، لكنه مستلزم له بلحاظ الجمع بين دليل اعتبار الوقت ودليل اعتبار البلوغ، وتوهم ان هذا المكلف و ان لم يكن متمكنا من اداء الصلوة فيهذا المقدار من الوقت، فلا يصح تشريع الصلوة فى حقه بالنسبة الى هذا المقدار لكونه تكليفا بغير المقدور، لكن بعد توسعة وقته بدليل من ادرك الى مقدار ثلاث ركعات بعد الوقت، يصير متمكنا من ادائها بتمامها في الوقت، مدفوع بما اشرنا اليه سابقا من ان دليل من ادرك اجنبى عن مثل هذا المقام، اذلا يقال ادرك من الوقت ركعة الا اذا كان هناك تكليف بالصلوة في وقت صالح فيحد ذاته لوقوعها فيه ولكن لم يدرك المكلف منه الا بمقدار ركعة، والمفروض فى المقام انه لا تكليف باصل الصلوة ولا يكون الوقت صالحا لوقوعها فيه ، و بالجملة شمول عموم من ادرك للمقام يتوقف على تحقق التكليف بالصلوة وكون الوقت صالحا لوقوعها فيه، فلو توقف تحقق التكليف بها وصلاحية الوقت لوقوعها فيه على شمول عموم من ادرك له، لزم الدور كما هو واضح. بقى هنا اشكال يحتاج توضيحه الى ذكر مقدمة ، وهى انه لماكان
ص: 300
مقتضى ما بنينا عليه من كون المقدمات الوجودية للواجب المشروط محكومة بالوجوب فيما اذا علم بتحقق شرطه في محله و ان لم يتحقق بعد ، هو وجوب حفظ الماء قبل الوقت لمن يعلم بعدم تمكنه منه فى الوقت ، و كان وجوب حفظه كك مخالفا للاجماع، التزمنا باشتراط الصلوة مع الطهارة المائية بالقدرة عليها في الوقت، اذا تمهدت هذه فنقول توضيح الاشكال، هو انه اذا كانت الصلوة مع الطهارة المائية مشروطة بالقدرة عليها فى الوقت، فلازم ماذكرنا من انه اذا كانت العناوين الطارية كالقدرة والعجز ملحوظة فى انشاء الحكم فلا يمكن ان يكون له اطلاق مادى بالنسبة اليها والا لزم التكليف بما لا يطاق، هوانه اذا عجز عن الطهارة المائية في الوقت ان لا يجب عليه الصلوة مع الطهارة الترابية ، وذلك لمامر من ان جعل البدل الاضطرارى فى الوقت والقضاء فى خارجه، انما يصح فيما اذا كان اطلاق الامر بالمبدل محفوظا مادة، ومن المعلوم انه اذا كانت الصلوة مع الطهارة المائية مشروطة بالقدرة عليها في الوقت ، فلا يمكن ان يكون اطلاق الامر بها مادة محفوظا مع العجز عن الطهارة المائية في الوقت ، فاذا لم يكن اطلاقه كك محفوظا مع العجز عن الطهارة المائية ، فلا يصح جعل البدل الاضطراري بايجاب الصلوة مع الطهارة الترابية عليه .
ويمكن دفعه بان وجوب الصلوة عليه مع الطهارة الترابية عند العجز عن الوضوء، ليس لاجل كونها بدلا عن الصلوة مع الطهارة المائية، بل انما هو لاجل ان من لا يتمكن من الطهارة المائية يكون وظيفته الصلوة مع الطهارة الترابية ولولم يكن عليه صلوة ،اصلا ، ولذا لو بالغ فى آخر الوقت ولم يتمكن من الطهارة المائية عليه الصلوة مع الطهارة الترابية ، وذلك لان مقتضى عموم دليل تنزيل التيمم
صلى اللهه منزلة الوضوة ، من مثل قوله علیه السّلام: جعل لى الارض مسجدا وطهورا، وقوله علیه السّلام : التراب احد الطهورین، هوتنزيله منزلته في جميع الاحكام والاثار من الاستحباب الذاتي والمطلوبية الغيرية للغايات المشروطة بالطهارة كمس كتابة القرآن والصلوات المستحبة، فاذا كان وظيفته الطهارة الترابية فيجب عليه اتيان الصلوة لتمكنه من
يجب
ص: 301
تحصيل شرطها و هو الطهور بالتيمم، فوجوب الصلوة عليه مع الطهارة الترابية هو بمقتضى الجمع بين دليل وجوب الصلوة و دليل اشتراطها بالطهارة، ودليل تنزيل التيمم منزلة الوضوء فى جميع الاحكام والآثار، لالاجل كون الصلوة مع الطهارة الترابية بدلا عن الصلوة مع الطهارة المائية، كى يقال ان الامر بالبدل انما يصح مع انحفاظ الامر بالمبدل مادة والمفروض عدم انحفاظ الامر به كك فى المقام هذا.
الفرع الثانى - اواتي بالاقل من لا يرى البرائة فى دوران الأمر بينه و بين الاكثر ، فهل عليه القضاء مطلقا اولاكك، او يفصل بين مالو كان متعمدا فى الاتيان بالاقل فعليه القضاء، وبين مالوكان ناسيا اوساهيا فليس عليه القضاء وجوه ، يستدل للاول منها بان مقتضى استصحاب عدم اتيان الصلوة المأمور بها في الوقت هو ثبوت القضاء فى خارجه، وفيه انه لا مجال لهذا الاستصحاب اصلا، سواء قلنا بان الفوت الذى هو موضوع لوجوب القضاء عنوان بسيط منتزع عن عدم اتيان الصلوة في الوقت او قلنا بانه امر مركب عبارة عن نفس عدم اتيان الصلوة فى الوقت ، اما على الاول فواضح، واما على الثانى فلان المفروض العلم باتيان بعض الاجزاء وعدم اتيان بعضها الاخر ، فلاشك في الخارج كي يجرى الاستصحاب ، فالاستصحاب الموضوعى لامجال له فى المقام فتدبر! و اما الاستصحاب الحكمى اعنى استصحاب وجوب الكلى القدر المشترك بين الاداء والقضاء، فقد عرفت انه محكوم باستصحاب عدم وجوب القضاء، و مما ذكرنا ظهر وجه القول بعدم وجوب القضاء مطلقا، اذ بعد عدم جریان اصل موضوعی او حكمى يقتضى وجوب القضاء، تكون اصالة البرائة سليمة عما يكون واردا او حاكما عليها هذا. و اما وجه التفصيل الذى هو المختار عند الاستاد دام ظله، فهوان مع الالتفات والعمد لا يمكن ان يتمشى منه قصد القربة والامتثال باتيان الاقل، اذ الاقل على تقدير كون المأمور به هو الاكثر لا يكون مأمورا به بامر نفسى كي يصح التقرب بقصد امتثال امره، والاتيان برجاء الامر انما يكون مقربا فيما اذا كان الاتيان برجاء الأمر راجحا عقلا وامتثالا على تقدير المصادفة كما في
ص: 302
الشبهات الوجوبية البدوية، دون ما اذا كان مرجوحا عقلا ولم يكن امتثالا ولو على تقدير المصادفة كما في المقام، ضرورة ان مع العلم بالتكليف المردد تعلقه بالاقل او الاكثر و عدم جريان البرائة بالنسبة الى الاكثر، يحكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة ذلك التكليف باتيان ما يحصل معه القطع بامتثاله و هو الاكثر، ولا يعد المقتصر على الاقل برجاء كونه متعلقا للتكليف عنده ممتثلا ولا منقادا اصلا، بل يعد متهاونا بامر المولى كما لا يخفى، فتبين مما ذكرنا انه فيما كان متعمدا في الاتيان بالاقل، يقطع ببطلان صلوته من جهة الاخلال بشرطها القربي اعنى به قصد الامتثال ومعه يكون عنوان الفوت محرزا بالقطع والوجدان وهذا بخلاف ما اذا كان اتيانه بالاقل عن سهو او نسيان، فانه يتمشى منه حينئذ قصد القربة، فاذا اتي بالاقل بقصد القربة واحتمل بعد الالتفات كونه هو المكلف به واقعا، فلا يكون عنوان الفوت محرز الا بالوجدان و هو واضح ولا بالاصل لمامر هذا، ثم انه قد عد من الاسباب الموجبة لسقوط القضاء، عدم التمكن من الطهارة اصلا لامائية ولا ترابية، وفيه ما لا يخفى بعد استجماع الفاقد للطهورين لجميع شرائط التكليف من العقل والبلوغ ودخول الوقت وسعته لاداء الصلوة فيه بناء على كونها ايضا من شرائط التكليف، و عجزه عن الامتثال لفقده الطهارة التى هى من شرائط صحة الصلوة، وانكان موجبا لعدم كون التكليف بالصلوة بالنسبة اليه فعليا، لكن عرفت ان صدق الفوت الذي هو موضوع للقضاء، لايدور مدار تعلق الأمر الفعلى المنجز بالصلوة في الوقت، بل يكفى فی صدقه مجرد تعلق الامر بها انشاء وتشريعا و ان لم يبلغ الى مرتبة الفعلية بواسطة بعض الاعذار العقلية، فالقول بوجوب القضاء عليه هو الاقوى لكونه مقتضى القواعد، وهل يجب عليه الصلوة اداء فى الوقت مع هذه الحالة اعنى كونه فاقد اللطهورين اولا تجب، وجهان اقويهما الثانى ، لعموم قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : لا صلوة الا بطهور، فانه يدل
على نفى حقيقة الصلوة بدون الطهور فتدبر ! (1)فاذا لم تكن الصلوة بدون الطهور
ص: 303
صلوة حقيقة، فلا موجب لاتيانها بعد كون المامور به ما هو صلوة حقيقة، وتوهم كون هذا الحديث معارضا بقوله علیه السّلام : الصلوة لا تترك بحال، حيث يدل على عدم جواز
على التلال ترك الصلوة فى حال من الحالات التى منها حال كون المصلى فاقد اللطهورين فيه اولا انه لم يثبت كون هذه الجملة اعنى جملة الصلوة لا تترك بحال متن رواية، بل الظاهر انها قاعدة مستنطبة من الموارد الخاصة، وثانيا ان الظاهر المتبادر من كلمة بحال هي الحالات العارضة على المكلف من الصحة والمرض والحضر والسفر ونحوها، لأكل حالة تحقق في العالم كي يعم حال فقد الماء والتراب، وثالثا ان هذه الرواية تدل على ان الصلوة لاتترك بحال، ومفاد قوله صلی الله علیه و آله و سلّم : الصلوة الا بطهور، هوان الصلوة بدون الطهور ليست بصلوة ، فيكون حاكما على الرواية ورافعا لموضوعها هذا، وقد يستدل لوجوب الصلوة عليه اداء بقاعدة الميسور ، و باستصحاب وجوب ما هو المقدور من ذات المقيد ، بدعوى المسامحة العرفية فى الموضوع ، وكون المقيد والفاقد المقيد شيئا واحدا عندهم ، و انما الاختلاف فى حالات ذلك الشئ الوحداني وفيه مالا يخفى اما قاعدة الميسور فلما حققناه في الاصول من ان الاخبار المستفادة منها هذه القاعدة، حيث يكون ابقائها على ظاهرها مستلزما لتخصيص الاكثر المستهجن، فلابد اما من استكشاف انه كان هناك تقييد متصل بالكلام مجهول عندنا فلا يصح التمسك بها في مورد الا بعد احراز كونه من مصاديق العنوان المذكور في تلك الاخبار، و اما من حملها على معنى اخر كالارشاد والموعظة ، وعلى أي حال تسقط هذه القاعدة عن صحة الاستدلال بها وحدها ويحتاج التمسك بها في كل موردالي عمل الاصحاب بها فيه الكاشف عن كونه من مصاديق العنوان المذكور في تلك الاخبار، و اما الاستصحاب فلان المسلم من مسامحة العرف في موضوع الحكم ، انما هو فيما اذا كان الحكم قدسرى من الطبيعة المقيدة الى الموضوع الخارجي ثم عرض فقدان القيد ، كما اذا دل الدليل على ان الماء المتغير بالنجاسة نجس، وصار ماء متغيرا بملاقات نجس كالدم مثلا وحكمنا بنجاسته ، ثم زال عنه التغير وشككنا في زوال نجاسته بزواله، نحكم ببقاء نجاسته بالاستصحاب، لان الموضوع للحكم اعنى النجاسة
ص: 304
عند العرف هوذات الماء ويكون التغير من حالاته، وهذا بخلاف ما اذالم يسر الحكم من الطبيعة المقيدة التي اخذت موضوعا للحكم في الدليل الى الموضوع الخارجى، كما فيما نحن فيه حيث لم تقع فى الخارج صلوة مقيدة بالطهارة ثم فقد عنها قيدها، والا لكان الامر بها تحصيلا للحاصل، فان العرف يرى الطبيعة المقيدة بقيد امراً مبائنا مع الطبيعة المطلقة او المقيدة بقيد غير ذلك القيد.
ثم انه لوصلى اداء فى الوقت مع هذه الحالة اعنى کونه فاقد اللطهورين، اما احتياطا، او اجتهادا تمسكا بعموم لا تترك الصلوة بحال او بقاعدة الميسور او الاستصحاب، ثم تبدل راية ، فلا يمكن له قضائها الا بعنوان الاحتياط ، و ذلك لاحتمال كون ما اتی به فی الوقت من الصلوة الفاقدة للطهارة هو المامور به واقعا في تلك الحالة، ومعه لا يكون موضوع القضاء و هو الفوت محرزا عنده ، وقد عرفت انه ليس هناك اصل موضوعی او حکمی، یحرز به عنوان الفوت او يحكم به بوجوب اعادة الصلوة خارج الوقت.
الفرع الثالث - لوفاتت عنه صلوة ، وكان في بعض الوقت حاضرا و في بعضه مسافرا، فهل العبرة فى القضاء بحال فوات الصلوة اعنى اخر الوقت لانه يتحقق عنده صدق اسم الفوت، او بحال الوجوب اعنى اول الوقت، او يكون مخيرا بين مراعاة كل من الحالتين وجوه :
قد يقال بابتناء المسئلة على الاقوال في الاداء، فان قلنا فيه بما ذهب اليه المشهور من ان المدار في وجوب القصر او الاتمام على وقت العمل والامتثال لا وقت الوجوب، فالعبرة هذا بحال فوات الصلوة اعنى اخر الوقت ، فانكان في اخره مسافرا يجب عليه القصر، وانكان فى اخره حاضرا يجب عليه التمام، لان بعد تبدل تكليفه الى القصر فى الأول، و الى الاتمام فى الثانى، ليس الفائت عنه في الاول الا القصر
و فى الثانى الا التمام، و ان قلنا بما ذهب اليه بعض من ان المدار في وجوب القصر او الاتمام على وقت الوجوب، فالعبرة هذا بحال الوجوب، و ذلك لان المستفاد من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم اقض مافات كمافات، هو اعتبار مطابقة القضاء للاداء فى الكمية.
ص: 305
وفيه ان القضاء تابع لصدق عنوان الفوت، ومن المعلوم ان الفوت كما يصح اسناده إلى ترك الصلوة فى اخر الوقت، كك يصح اسناده الى تركها في اوله فتامل! ضرورة انه لواتى بها في اوله لم يكن هناك فوت، كمالم يكن هناك فوت لواتى بها في اخره، فنسبته الفوت الى كل من ترك الصلوة فى اول الوقت و اخره على حد سواء، و مقتضاه التخيير بين القصر والاتمام .
و توهم ان الفائت حقيقة هى الصلوة التى تنجز الخطاب بها على المكلف في اخر الوقت وفاتت عنه بخروج وقتها، لا الصلوة فى أول الوقت التي ارتفع وجوبها بارتفاع موضوعها و تبدلت الى صلوة اخرى مبائنة معها نوعا، نعم لو كانت المكلف مخيرا بين القصر والاتمام فى الوقت كما فى مواضع التخيير، لكان للقول بالتخيير بينهما في خارجه وجه ، لكن عرفت ان كونه مكلفا في بعض الوقت بالقصر وفي بعضه بالاتمام ليس من جهة التخيير بينهما اصلا، بل من جهة تبدل الحكم بتبدل موضوعه، فما يجب عليه قضائه هو التكليف الذى فات عنه بخروج وقته، لا بالتبدل الى تكليف
اخر بتبدل موضوعه مع بقاء الوقت.
مدفوع بان الفوت وان لم يصدق الاعند ضيق الوقت عن اداء الصلوة ، وليس ذلك الا فى اخر الوقت، لكن ليس ذلك لكون الفوت عبارة عن ترك الصلوة في خصوص الجزء الاخر من الوقت، بل الفوت عبارة عن تركها في مجموع الوقت، لكن لما كان الترك كك لا يتحقق بمجرد الترك في اول الوقت، بلكان متوقفا على الترك في اخره ايضا، اسند الفوت الى الترك فى اخره اسناد الشئ الى الجزء الاخير من العلة، والا فالفائت حقيقة هى الصلوة فى الوقت المضروب لها الذى كان فى بعضه حاضرا وفى بعضه مسافرا ، وكان مخيرا فى اتيانها في بعضه مقصورة و فى بعضها تامة ، و مقتضى اعتبار مطابقة القضاء للاداء كونه مخيرا بينهما في خارج الوقت ايضا فتدبر جيدا! و بتقريب اخران ظاهر كل من دليل الاتمام ودليل القصر، وانكان وجوب كل منهما في موضعه على نحو التعيين، لكن لما كان المكلف مخيرا في ابقاء موضوع كل من هذين التكلفين واعدامه بالدخول في موضوع الاخر، فيستكشف من هذا التخيير عقلا التخيير في
ص: 306
نفس التكليفين تبعا للتخيير فى موضوعهما، فيكون المكلف عند دخول الوقت مخيرا بين الاتمام باختيار الحضر وبين القصر باختيار السفر، فاذا عرض عليه هاتان الحالتان اعنى الحضر والسفر في الوقت ولم يصل فيه الاقصرا ولا اتماما، فمقتضى اعتبار التطابق بين القضاء والاداء، ان يكون خارج الوقت ايضا مخيرا بين القصر والاتمام، فتحقق ان مقتضى القاعدة هو القول بكون المكلف مخيرا في القضاء بين مراعاة كل من الحالتين.
الا ان المستفاد من بعض الاخبار لزوم مراعاة السابق من الحالتين، ففى خبر موسى بن بكير عن زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام.
انه سئل عن رجل دخل وقت الصلوة وهو فى السفر، فاخر الصلوة حتى قدم وهو يريد يصليها اذا قدم الى اهله ، فنسی حین قدم الى اهله ان يصليها حتى ذهب وقتها.
قال علیه السّلام:
يصليها ركعتين صلوة المسافرلان الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغى ان يصلى عند ذلك، فانه يدل على ان اول الوقت حيث يكون وقت الفضيلة وينبغى ان يؤتى بالصلوة فيه، فالواجب فى مقام القضاء مراعاة الحالة التي كان المكلف عليها فى اول الوقت، لكن هذا الخبر من الاخبار الدالة على ان العبرة في القصر والاتمام بحال الوجوب، وسيجئ انشاء الله تعالى فى صلوة المسافر معارضة هذه الاخبار، بما هو اقوى منها سنداودلالة وكثرة وشهرة بين القدماء والمتأخرين عملا، من الاخبار الدالة على ان العبرة في القصر والاتمام بحال العمل، فلابد من تقديم تلك الاخبار وحمل هذه على التقية و نحوها، وذلك لان عمل المشهور من القدماء والمتأخرين بتلك الاخبار، مع كون هذه بمرائى ومسمع منهم ، يكشف كشفا قطعيا عن وجود وهن وخدشة فيهذه من جهة الصدور هذا.
الفرع الرابع - لوفاتته الصلوة فى اماكن التخيير وهى حرم الله تعالى وحرم الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم وحرم سيدنا الحسين علیه السّلام ومسجد الكوفة، فهل يكون مخيرا في قضائها ايضا بين القصر والاتمام مطلقا، او يجب عليه القضاء قصر اكك، او يفصل بين
ص: 307
قضائها في تلك الاماكن فيكون مخيرا وقضائها في غيرها فيجب عليه القضاء قصرا وجوه: استدل الاول بادلة اعتبار مطابقة القضاء لمافات، من مثل قوله علیه السلام: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، فاذا كان التخيير ثابتا فيما فات فاللازم ثبوته في قضائه ايضا، وفيه ان التخيير فى تلك الاماكن فيمافات ليس من مقتضيات ذاته كى يجب مراعاته في قضائه ايضا، بل المعلوم من ادلة التخيير فيها هو ان الواجب بالاصل والقصر، و انما ثبت التخيير فيهذه الاماكن لمكان شرافتها وفضيلتها الموجبة لمحبوبية اكثار الصلوة فيها كما يدل عليه ما فى بعض الاخبار من التعليل بان الله اكثار الصلوة فيها، فاذا كان الواجب بالاصل فيها هو القصر و كان التخيير بينه و بين التمام لخصوصية تلك الاماكن، فلايكون قضائها تماما في غير تلك الامكنة قضاء للتمام لان منها لهذه الاماكن المتبركة مدخلية فى التخيير بينه وبين القصر فلا يمكن الالتزام بثبوته فى غيرها من الاماكن التي ليس لها فضيلة وشرافة، لان حقيقة القضاء هى الاتيان بمافات بجمع ماله دخل فى مطلوبيته من القيود سوى الوقت وقضاء مافات فى تلك الامكنة تماما في غيرها، يكون فاقد الماله دخل فى مطلوبية مافات من خصوصية المكان ايضا، فلا يكون اتيانا بمافات بجميع ماله دخل في مطلوبيته كي يكون قضاء له، وقضية اعتبار مطابقة القضاء لمافات، وثبوت التخيير فيه فيما ثبت التخيير فيه لمافات، لاثبوته فيه مطلقا ولو في غير ماثبت التخيير فيه لمافات و من هنا لا يستبعد الالتزام بثبوته فيما اذا كان قضائها ايضا فى اماكن التخيير سيما اذا فاتته الصلوة فى تلك الاماكن وبقى فيها واراد قضائها فيها.
و ينبغى التعرض هنا لمسئلة مهمة قد اختلفت كلمات الاصحاب وتشتت ارائهم فيها، وهى انه هل يجب قضاء الفائتة فورا ام يجوز التراخى ، وهل يعتبر الترتيب قضاء الفوائت، وكذا بينها مطلقا ولو كانت من اليوم الفائت وبين الحاضرة ام لا يعتبر بينها ولا بينها مطلقا ولو كانت من اليوم الحاضر وبين الحاضرة، فهيهنا مسائل اربع : الاولى هل يجب اتيان القضاء فورا ام لا ؟ الثانيه هل يعتبر الترتيب بين قضاء الفوائت ام لا؟ الثالثه هل يعتبر الترتيب بين الفائتة من اليوم الفائت وبين الحاضرة
ص: 308
ام لا؟ الرابعه هل يعتبر الترتيب بين الفائتة من اليوم الحاضر و بين الحاضرة ام لا؟ اما المسئلة الاولى فالحق فيها و انكان بحسب القاعدة الأولية هو وجوب المبادرة الى فعل القضاء اى الانيان بها فوراً، لا لكونه مقتضى اصالة الاحتياط كما توهم ، بدعوى ان مع المبادرة يقطع بفراغ الذمة ويا من من العقوبة ولا يا من منها مع التأخير لاحتمال وجوبها فورا، كى يقال ان الشك فى وجوب القضاء فورا شك فى تكليف اصلى، و مقتضى الاصل عدمه و هذا الاصل وارد على اصالة الاحتياط، ولا لظهور اطلاق اوامر القضاء في الفور لغة اوعرفا، كي يقال ان الأمر بالطبيعة لادلالة له لغة ولا عرفا الاعلى مجرد مطلوبية الطبيعة، فالفور والتراخى خارجان عن مدلوله، و يحتاج اثباتهما الى الادلة الخاصة بل لانه كما ان الارادة الفاعلية تستتبع تحريك العضلات نحو الفعل فورا استتباع العلة لمعلولها، كك الارادة الأمرية تستتبع تحريك المأمور نحو المأمور به فورا ، وكما ان التحريك الخارجى التكويني لا ينفك عن التحرك عنه ، كك التحريك التشريعي لا ينفك عن التحرك عنه فتدبر ! (1) فالامر بالطبيعة من حيث هى هى، مالم يرد ترخيص من المولى فى التأخير الى زمان معين او الى آخر الازمنة، يقتضى ايجادها فورا من غير فصل وتراخ ، فالفور وان لم يكن كالتراخى مدلولا للامر لالغة ولا عرفا ولا مأخوذا قيدا في المأمور به، لكنه مما يقتضيه الامر عقلا عند الاطلاق وعدم ورود ترخيص من المولى فى التأخير.
لكن مقتضى مادل من الاخبار على جواز تأخير الفائتة عن الحاضرة، هو عدم وجوب المبادرة اليها واتيانها فورا، ففي رواية العيص بن القاسم:
سئلت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل نسى او نام عن الصلوة حتى دخل وقت صلوة اخرى.
فقال علیه السّلام:
ص: 309
انكانت الصلوة الاولى فليبدء بها، وانكانت صلوة العصر صلى العشاء ثم صلى العصر. فان ذيلها صريح في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة، والظاهر ان المراد من قول السائل حتى دخل وقت صلوة اخرى هو دخول وقت الفضيلة للاخرى وعليه فالمراد من قوله علیه السّلام : انكانت الصلوة الاولى فليبدء بها... الخ، هوان الصلوة التي نسيها اونام عنها حتى دخل وقت فضيلة صلوة اخرى انكانت هي صلوة الظهر فاليبدء بها، لانها وان فات وقت فضيلها، لكن وقت اجزائها باق الى مقدار اربع ركعات الى الغروب، فلابدان يصليها اولائم يصلى العصر، وان كانت الصلوة التي نسيها اونام عنها حتى دخل وقت فضيلة صلوة اخرى هى صلوة العصر ، فليؤخرها الى ما بعد صلوة العشاء، لانها فات وقتها بالمرة بدخول وقت العشائين، فليقضها بعد اداء العشائين لئلا ينموت وقت فضيلتهما بتقديمها عليهما، واحتمل بعض ان يكون المراد من قول السائل حتى دخل وقت صلوة اخرى هو دخول وقت الاضطرار للاخرى، و يبعده انه مخالف لما هو المختار والمشهور من انه لا وقت اضطرار للظهرين ولا للعشائين و علی ای حال صراحة هذه الرواية في جواز تأخير الفائنة ليست قابلة للانكار، فلابد من حمل ما ظاهره الفورية و وجوب المبادرة على الاستحباب هذا.
واما المسئلة الثانية، فمقتضى الاصل بناء على المختار من جريان البرائة في الاقل والاكثر الارتباطيين، وانكان هى البرائة عن شرطية الترتيب فى صحة قضاء الفوائت، لكن اعتباره فى الجملة لا مطلقا مما لا ينبغي الاشكال فيه لا لعموم ما دل على اعتبار مطابقة القضاء لمافات من مثل قوله علیه السّلام : من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، وذلك لما عرفت من منع دلالته الاعلى اعتبار التطابق بينهما في الكمية لا مطلقا ، وعلى تقدير التسليم فمقتضاه هو اعتبار الترتيب بين قضاء الفوات ، فيما كان الترتيب بين نفس الفوائت معتبرا كما اذا فات عنه فرائض يوم واحد ، فيقدم الصبح على الظهر والظهر على العصر والعصر على المغرب والمغرب على العشاء لو حصل الفوات بهذا الترتيب ، دون ما اذا لم يكن الترتيب معتبرا بين نفس الفوائت ، كما اذا كان الفائت صلوة الصبح والعصر او الظهر والمغرب او العصر والعشاء، اذليس الترتيب بين
ص: 310
نفس الصبح والعصر مثلا معتبرا كي يكون معتبرا في قضائهما بمقتضى ادلة اعتبار مطابقة القضاء لمافات، بل للاخبار الواردة فى كيفية قضاء الفوائت، ففي صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام، قال علیه السّلام:
اذا نسيت صلوة او صليتها بغیر وضوء وكان عليك قضاء صلوات، فابدء باولیهن فاذن لها واقم ثم صلها ثم صل ما بعدها باقامة اقامة لكل صلوة .
وفى مرسلة جميل عن الصادق علیه السّلام، قال :
قلت له : يفوت الرجل الاولى والعصر والمغرب و ذكرها عند العشاء الاخرة .
قال علیه السّلام:
يبدء بالوقت الذي هو فيه فانه لايامن الموت ، فيكون قد ترك صلوة فريضة في وقت قد دخلت، ثم يقضى مافاته الاولى فالاولى. ولا يقدح في دلالتها على المدعى ما فى ظاهرها من الاشكال ، و هو ان المتبادر من قوله علیه السّلام يبدء بالوقت الذى هو فيه بقرينة السؤال ارادة اداء العشاء ابتداء، والظاهر من تعليله بعدم الامن من الموت ارادة ادائه ابتداء فى سعة الوقت ، و هذا ينافي ما هو المشهور والمختار من مشاركة العشائين فى الوقت الى ان يبقى منه بمقدار اداء الاخيرة، اذ مقتضى ذلك تقديم المغرب على العشاء فى سعة الوقت لهما، مع امكان حمل قوله علیه السّلام: يبدء بالوقت الذي هو فيه، على ارادة الفريضة الحاضرة اى العشائين، و يكون الوجه في تعبيره علیه السّلام عن الفريضة الحاضرة بتلك العبارة هو التقية.
و الاشكال فيهذه الاخبار باشتمالها على ذكر المستحبات كالاذان والاقامة فلا دلالة لها على وجوب الترتيب واضح الفساد، اما اوّلا فلخلو بعضها كمرسلة جميل عن ذكر المستحبات، واما ثانيا فلان ذكر المستحبات انما يضر بالدلالة على الوجوب، فيما كان في جملة واحدة كما اذا قال اغتسل للجمعة والجنابة، اذ حينئذ لابد من حمل الأمر على الطلب القدر المشترك بين الوجوب والاستحباب، دون ما اذا كان في جمل متعددة، كما اذا قال اغتسل للجمعة واغتسل للجنابة ، وثالثا سلمنا ان ذكر المستحبات يضر بالدلالة على الوجوب مطلقا، لكن لا يوجب الظهور في الاستحبات ايضا، ومعه
ص: 311
يكون مراعاة الترتيب لازما عقلا، توضيح ذلك يتوقف على ذكر مقدمة، و هى انا قد حققنا في محله ان ظهور صيغة الأمر فى الوجوب ليس مستندا الى الوضع كى تكون حقيقة في الوجوب و مجازا في الاستحباب ، بل مستند الى الاطلاق، مع كونها مشتركة بينهما معنى، و ذلك لانه لا فرق بين الوجوب والاستحباب في مقام الطلب والبعث، فان المولى الأمر يبعث المامور نحو المطلوب فيهما بنحو واحد، و يقول اغتسل للجمعة كما يقول اغتسل للجنابة، الا ان البعث نحو المطلوب حيث يكون مقتضيا لايجاده ليس الا، فالعقل يحكم بلزوم الانبعاث عن بعثه بايجاد المطلوب، مالم يرد منه الترخيص فى الترك، ولا نعنى بالوجوب الا هذا الحكم العقلى، فليس الوجوب الاحكما عقليا من باب لزوم الانبعاث عن بعث المولى مالم يرد منه الرخصة في الترك، كما ان الاستحباب انما تياتى من قبل الترخيص في الترك متضمنا ال-ى البعث ، فالمحتاج الى قيد زائد على البعث هو الاستحباب ، بخلاف الوجوب فانه يكفي فيه مجرّد البعث و عدم ورود الرخصة في الترك ، ولعل هذا هو المعنى بقولهم اطلاق الصيغة يقتضى الوجوب، اذا تمهدت هذه ، نقول ان الامر برعاية الترتيب بين الفوائت فى تلك الاخبار ، يكون حجة عقلية على لزوم مراعاته بينها، والمفروض ان اشتمالها على ذكر المستحبات ، ليس موجبا لظهور الأمر به فيها في الاستحباب كي يكون قرينة على الترخيص فى الترك، هذا كله مضافا الى ان اشتمالها على ذكر المستحبات كالاذان والاقامة، انما يضر بدلالتها على الوجوب، فيما اذا كانت فى مقام بیان اصل استحبابهما، وليست كك بل انما هي في مقام بيان كفاية اذان واحد لاولى الفوائت عن الاذان البواقيها ، و عدم كفاية اقامة واحدة لبواقيها ، مع الفراغ عن اصل استحبابهما كما لا يخفى على من راجعها. فتبين مما ذكرنا ان ظهور الاخبار فى المدعى اعنى اعتبار الترتيب فى الفوائت فى الجملة غير قابل للانكار، نعم ليس لها اطلاق يعم حال الجهل بمقدار الفوائت والترتيب بينها، وذلك لاختصاص ماعدا صحيحة زرارة موردا، بصورة العلم بمقدار الفوائت والترتيب بينها، لان السؤال فيها وقع عن فوائت معلومة كالظهرين والعشائين، و اما صحيحته وان لم يكن الحكم
ص: 312
فيها مسبوقا بالسؤال، ويكون قوله علیه السّلام فيها وكان عليك قضاء صلوات فابدء باوليهن، باطلاقه شاملا لما اذا لم يعلم بالترتيب بينها ايضا ، لكن المستفاد من قوله علیه السّلام: فابدء باوليهن فاذن لها واقم ... الخ، هو ان الترتيب بينها انما يعتبر عند العلم بالترتيب بينها ضرورة ان من لا يعلم بالترتيب بين الفوائت ، لا يصح ان يقال له ابدء باوليهن ثم ما بعدها الى اخرها ، اذ الابتداء بالاولى والاتيان بما بعدها مرتبا الى الاخرى ، فرع العلم بالترتيب بينها ، بداهة ان من لا يعلم بالترتيب لا يتمكن من الاتيان بالأولى ثم بما بعدها مرتبا الى الاخرى كما هو واضح، ثم لوسلمنا عموم الادلة لصورة الجهل بمقدار الفوائت والترتيب بينها وعدم اختصاصها بصورة العلم بذلك، لكن نقول ان تحصيل الجزم بحصول الترتيب بينها مع الجهل به مستلزم للجرح ، ضرورة انه لا يمكن تحصيل العلم بحصول الترتيب عند الجهل به ، الا بالاحتياط و و تكرار العمل الى مقدار يحصل به الجزم بحصوله ، وهو مستلزم للحرج، و قياس ما نحن فيه بمن يعلم بالترتيب ولكن كان فوانه بذلك المقدار الذي يحصل به الجزم بالترتيب للجاهل به، حيث لا شبهة فى عدم سقوط القضاء عنه لمشقته ، مع الفارق ضرورة ان التكليف باتيان الف صلوة للخروج عن عهدة الف فائتة متيقنة لا يعد في العرف حرجيا ، و هذا بخلاف التكليف باتيان الف صلوة للخروج عن عهدة صلوة واحدة ، فان هذا مما يشق على النفوس تحمله عادة ، و توهم انه لوسلمنا ان تحصيل الجزم بحصول الترتيب عند الجهل به يكون حرجيا منفيا بادلة نفيه ، لكن لا يقتضى ذلك نفى الاحتياط راسا ، بل مقتضاه التبعيض فيه بتكرار العمل الى حد يكون التجاوز عنه موجبا للحرج ، كما ان مقتضاه التفصيل ، بين مالوتوقف تحصيل الجزم بحصول الترتيب على تكرار العمل بمقدار يشق تحمله عادة كما اذا كانت الفوائت كثيرة ، وبين ما لم يكن كك كما اذا كانت الفوائت قليلة كفائتتين او ثلث او اربع مع ان القائلين بالترتيب لم يلتزموا بهذا التفصيل مدفوع بان لزوم الحرج في المقام ليس لمجرد الجهل بترتيب الفوائت فقط ، بل الوجه في لزومه مضافا الى ذلك الجهل باوليهن ، فان تحصيل الجزم باتيان اولى الفوائت كي تترتب
ص: 313
عليها البواقى، يتوقف على انيان صلوات كثيرة يشق على النفوس تحمله عادة، فتحصيل العلم بوقوع الفوائت مرتبة يتوقف على مقدمة تكون بنفسها حرجية فتكون منفية بادلة نفى الحرج، و معه لاتصل التوبة الى الاحتياط و تكرار العمل
لاحراز الترتيب بين الفوائت ، كى يكون حرجيا موجبا للتبعيض فيه فتامل جيدا.
و اما ما ذكر من التفصيل بين موارد الحرج وغيرها، فهو مما لابد من الالتزام به ، بعد تسلیم شمول دليل الترتيب لحال الجهل وكونه حرجيا في بعض الموارد، و دعوى عدم التزام القائلين بالترتيب مطلقا بهذا التفصيل، مدفوعة بما حكى عن صريح كاشف الغطاء او ظاهره من الالتزام بد، وتوهم ان الحرج في المقام ليس في الحكم الشرعي كي ينفي بدليل نفيه، بل الموجب له هو حكم العقل بالاحتياط و تكرير العمل مقدمة للقطع بالامتنال، مدفوع بما حققناه في الاصول ، من ان الظاهر من ادلة نفى الحرج هو نفى الاحكام التي يلزم من التدين بها وقوع المكلف في الحرج، سواء كان وقوعه فيه لاجل كون الاحكام بنفسها حرجية، اولاجل كونها متوقفة على مقدمة وجودية اوعلمية حرجية هذا.
واما المسئلة الثالثة وهى اعتبار الترتيب بين الفائتة والحاضرة ، فالحق فيه عدم اعتبار الترتيب، اذ يدل عليه مضافا الى الاصل بناء على المختار من جريان البرائة فى الاقل والاكثر الارتباطيين عدة من الاخبار، ففي صحيحة عبدالله بن سنان
عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال :
ان نام رجل او نسى ان يصلى المغرب والعشاء الآخرة ، فان استيقظ قبل الفجر قدر ما یصلیہما کلیتہما فلیصلهما وان خاف فوت احدیهما فليبدء بالعشاء، و ان استيقظ بعد الفجر فليصل الصبح ثم المغرب ثم العشاء قبل طلوع الشمس.
و نحوها خبر ابي بصير والمرسل المروى عن الفقه الرضوى ، و ما فيها من الدلالة على امتداد وقت العشائين الى طلوع الفجر كما ذهب اليه الجمهور، محمول على التقية.
وفي صحيحة الحلبي قال :
ص: 314
سئل أبو عبد الله عليه السلام عن رجل فاتته صلوة النهار، متى يقضيها؟
قال علیه السّلام :
متى شاء ان شاء بعد المغرب و ان شاء بعد العشاء.
وفي صحته محمد بن مسلم قال : سئلته عن الرجل تفوته صلوة النهار .
قال علیه السّلام:
يقضيها ان شاء بعد المغرب وان شاء بعد العشاء. الى غير ذلك من الاخبار الصريحة في ذلك، ولا يعارض هذه الاخبار الاخبار التي استدل بها القائلون باعتبار الترتيب ، كصحيحة زرارة الطويلة عن ابيجعفر علیه السّلام، حيث قال فيها : قال ابو جعفر علیه السّلام.
و ان كنت قد ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب ولم تخف فوتها فصل العصر ثم صل المغرب ، فان كنت قد صليت المغرب فقم وصل العصر، وان كنت قد صليت من المغرب ركعتين ثم ذكرت العصر فانوها العصر ثم قم فاتمها ركعتين ثم تسلم ثم تصلى المغرب.
وصحيحته الاخرى عنه علیه السّلام ايضا، قال :
اذا فاتتك صلوة فذكرتها في وقت اخرى فان كنت تعلم انك اذا صليت التي فاتتك كنت من الاخرى في وقت فابدء بالتي فاتتك فان الله عزوجل يقول: اقم الصلوة لذكرى ، وان كنت تعلم انك اذا صليت التي فاتتك فاتتك التي بعدها فابدء بالتي انت فى وقتها و اقض الاخرى.
و رواية البصرى قال :
سئلت اباعبدالله علیه السلام عن رجل نسى صلوة حتى دخل وقت صلوة اخرى .
فقال علیه السّلام:
اذا نسى صلوة او نام عنها صلاها حين يذكرها ، فاذا ذكرها و هوفی صلوة بدء بالتي نسى، وان ذكرها مع امام فى صلوة المغرب اتمها بر ثم صلى المغرب ثم صلى العتمة بعدها.
و رواية صفو ان بن يحيى عن ابى الحسن علیه السّلام، قال :
سئلته عن رجل نسى الظهر حتى غربت الشمس وقد كان صلى العصر.
ص: 315
قال علیه السلام:
كان ابو جعفر او كان ابي يقول ان امكنه ان يصليها قبل ان يفوته المغرب بدء بها والاصلى المغرب ثم صلاها، الى غير ذلك من الاخبار، وجه عدم المعارضة، هوان الاخبار السابقة كما عرفت صريحة في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة، وهذه على تقدير تسليم دلالتها ظاهرة فى وجوب تقديم الفائتة، ومقتضى الجمع العرفى هو حمل هذه على الاستحباب، هذا مضافا الى مافى دلالة هذه الاخبار من المناقشة، اما الصحيحة الطويلة فلان ما نقلناه من فقراتها انما ذكرها علیه السلام تفريعا على ما في صدرها من الامر بالمبادرة الى فعل الفائتة متى ذكرها وفى آية ساعة ذكرها ، فيكون هذا قرينة على ان محط نظره علیه السلام في الترتيب المذكور فيهذه الفقرات، ليس بيان كون الترتيب بماهو هو شرطا تعبديا لصحة الحاضرة ، بل انما هو بلحاظ كونه من مقتضيات المضايقة و وجوب المبادرة الى فعل القضاء، وبعد ما عرفت من ان الامر بالمبادرة الى فعل القضاء في الاخبار التى استدل بها للقول بالمضايقة، محمول على الاستحباب بقرينة الاخبار الصريحة في جواز تقديم الحاضرة على الفائتة، فلابد من حمل ماذكر فيهذه الصحيحة من الترتيب متفرعا على الامر بالمبادرة الى فعل الفائتة، على الاستحباب بمقتضى التفريع كما هو واضح هذا، و اما المناقشة في الصحيحة بما افاده الاستاد دام ظله، من ان الظاهر من قوله علیه السلام فيها : فان كنت قد ذكرت انك لم تصل العصر حتى دخل وقت المغرب، هوكون تذكره من حين دخول وقت المغرب و حينئذ فلابد من حمل قوله علیه السلام : ولم تخف فوتها على خوف فوتها بفوات وقتها الفضلى، اذلامجال للتخوف عن فوتها بفوات وقتها رأسا، مع فرض التذكر للفائتة من حين دخول وقت المغرب كما هو واضح .انتهى. ففيها نظر ضرورة ان كلمة حتى فى قوله علیه السلام: حتى دخل وقت المغرب ، لم تجعل غاية لنسيان العصر، كي يكون ظاهرا في كون تذكره لها من حين دخول وقت المغرب ، بل جعلت غاية لترك العصر فلا ينافيه عدم تذكره لها الا فى آخر الوقت كما لا يخفى: نعم هذه المناقشة انما
ص: 316
تتجه بالنسبة الى رواية صفوان، حيث جعلت فيها جملة حتى غربت الشمس غاية لنسيان الظهر.
ثم ان مما ذكرنا من الخدشة فى دلالة الصحيحة، يظهر تطرق الخدشة في الصحيحة الثانية ايضا، وذلك لان الظاهر من تعليله علیه السّلام الامر بالابتداء بالفائتة، بقوله علیه السّلام فان الله عز وجل يقول: واقم الصلوة لذكرى ، هو كونه مبتنيا على مسئلة المضايقة التي التزمنا فيها بالاستحباب، لاكونه من حيث هو شرطا تعبديا لصحة الحاضرة، و اما رواية البصرى، فلان الظاهر من تفريعه علیه السّلام الامر بالابتداء بقضاء الصلوة المنسية على قوله علیه السّلام اذانسى صلوة او نام عنها صلاها حين يذكرها ، هو ابتناء الامر بالبدئة بالفائتة على مسئلة المضايقة ، لاكونه من حيث هو شرطا تعبديا لصحة الحاضرة كما لا يخفى .
ومما ذكرنا فيهذه المسئلة ، ظهر لك ان الحق فى المسئلة الرابعة ايضا هو عدم اعتبار الترتيب بين الفائتة من اليوم الحاضر وبين الحاضرة ، وذلك لعموم اطلاق ما استدل به من الاخبار لهذه المسئلة للمسئلة الرابعة ، و اختصاص بعضها بخصوصها كما لا يخفى على من راجعها.
بقى الكلام في مسائل مهمة :
الاولى - اختلفوا في جواز التطوع والتنفل فى وقت الفريضة وحرمته، فذهب جماعة كصاحب الرياض و غيره الى التحريم ، مستدلا عليه بعموم مادل على انه بعموم لا تطوع فى وقت الفريضة ، خرج منه النوافل المرتبة اليومية ، و بقى غيرها من النوافل تحت عمومه ، وظاهر النهى والنفى هو التحريم ، و هو مستلزم للفساد في العبادات .
ولكن الحق هو الجواز مطلقا، توضيح ذلك يتوقف على ذكر مقدمتين: الاولى انه لولا تعليل تأخير الظهرين من اول الزوال الى ان يبلغ الفئ ذراعا بالنسبة الى الظهر وذراعين بالنسبة الى العصر فى الاخبار الواردة في وقت الظهرين بقولهم عليهم السلام في بعضها انما جعل ذلك لمكان النافلة، وفي آخر لمكان الفريضة، وفى
ص: 317
ثالث لئلا يكون تطوع في وقت مكتوبة، لكان مقتضى صناعة الاطلاق والتقييد، هو الحكم بخروج الرواتب اليومية عن الادلة الناهية عن التطوع في وقت الفريضة مطلقا خروجا حكميا، بتقييد اطلاقها بدليل استحباب الرواتب، و بقاء غيرها من النوافل المبتدئة تحت تلك الادلة الناهية، لكن المستفاد من تلك التعليلات هو، ان خروج الرواتب اليومية عن تلك الادلة يكون خروجا موضوعيا ومن باب التخصص وذلك لان الظاهر من: التعليلات، هو ان المراد من وقت الفريضة في الاخبار الناهية عن التطوع فيه، ليس هو مطلق وقتها الذي يجوز ايقاعها فيه ، كي يكون خروج الرواتب عنها خروجا حكميا ومن باب التخصيص، بل المراد منه هو خصوص ما بعد بلوغ الفئ ذراعا او ذراعين، و عليه فيكون خروج الرواتب عنها خروجا موضوعيا و من باب التخصص ، ضرورة ان وقت الرواتب يكون قبل بلوغ الفئ ذراعا أو ذراعين ، والحاصل ان الروايات المعللة تأخير الظهرين الى بلوغ الفئ ذراعا و ذراعين بتلك التعليلات ، تكون حاكمة وشارحة للادلة الناهية عن التطوع فى وقت الفريضة ، ودالة على ان المراد من وقت الفريضة فيها هو خصوص ما بعد بلوغ الفئ ذراعا او ذراعين، لا مطلق وقتها كي يكون خروج الرواتب اليومية عن الادلة الناهية خروجا حكميا ومن باب التخصيص، بل يمكن القول بكون خروجها تلك الادلة خروجا موضوعيا ، ولو مع قطع النظر عن تلك التعليلات ، بتقريب ان من المحتمل قريبا ان يكون المراد من وقت الفريضة في الادلة الناهية ، هو خصوص وقت الفضيلة ، لامطلق وقت الفريضة ، وذلك لشيوع ارادة خصوصه من وقت الفريضة في الاخبار ، وحينئذ يدور خروج الرواتب اليومية عن تلك الادلة الناهية ، بين كونه من باب التخصيص بناء على كون المراد من وقت الفريضة فى تلك الادلة هو مطلق وقتها ، او من باب التخصص بناء على كون المراد من وقت الفريضة فيها هو خصوص وقت الفضيلة الذى هو بعد بلوغ الفئ ذراعا او ذراعين ، و مقتضى القاعدة عند دوران الامر بين التخصيص والتخصص هو ترجيج الثاني . المقدمة الثانية بعد ما عرفت من ان المراد من وقت الفريضة في الاخبار الناهية عن التطوع فيه ، هو
عن
ص: 318
خصوص ما بعد بلوغ الفئ ذراعا و ذراعين، يقع التكلم فى ان النهى في تلك الاخبار عن التطوع فيه، هل هو نهی مولوی تحریمی، او تنزيهي كاشف عن وجود مفسدة او خرازة فى التطوع فيهذا الوقت، او ارشادى للدلالة على كون التطوع فيه مزاحما بقاع الفريضة فى وقتها الذى هو افضل، او للدلالة على عدم مشروعيته فيهذا الوقت. فنقول لاسبيل الى الاخير، ضرورة ان النهى عن التطوع ليس باعتبار كونه معرفا والة للحاظ ما يقع فى الخارج من الصلوة ركعتين في ذلك الوقت، بل الظاهر من تعليق الحكم على عنوان التطوع هوان لهذا العنوان موضوعية ومدخلية فى الحكم، فلا بدان يكون متعلق النهى هو نفس هذا العنوان، ومعه لا يمكن ان يكون النهى عنه ارشادا الى عدم مشروعيته فيهذا الوقت، ضرورة أن عدم مشروعيته مناف لكونه تطوعا ونفلا فعلا، لاستحالة ان يكون ما هو نفل و مستحب فعلا غير مشروع كما هو واضح ماهو، نعم لو كان المراد من هذا العنوان ما هو تطوع و نافلة من حيث هو هو مع قطع النظر عن الخصوصيات العارضة، لامكن ان يصير بملاحظة عروضها محرما او مكروها، لكن بعد ملاحظة ما فى بعض الاخبار الواردة في المواقيت، من التصريح بانه انما جعل الذراع والذراعان لئلا يكون التطوع فى وقت الفريضة، يستكشف ان الغرض الاصلي هو اداء الفريضة فيهذا الوقت، وان النهى عنه فيهذا الوقت انما هو لاجل مزاحمته لايقاع الفريضة في افضل اوقاتها، من دون ان يكون في اتيانه فيهذا الوقت مفسدة او خرازة موجبة للنهى عنه تحريما او تنزيها.
اذا تمهدت هاتان المقدمتان ظهر ان ما نسبه فى الدروس الى الاشهر، من جواز النافلة مطلقا سواء كانت راتبة او غيرها فى وقت الفريضة مطلقا ولو كان وقت فضيلتها هو الحق، و يدل عليه مضافا الى ماذكرناه بعض الاخبار المصرح فيها بالجواز، ففى المروى فى الكافى عن سماعة عن الصادق علیه السّلام ، قال :
سئلته عن الرجل يأتى المسجد و قد صلى اهله، ايبتدى بالمكتوبة او يتطوع ؟ فقال علیه السّلام:
ص: 319
ان كان في وقت حسن فلا بأس بالتطوع قبل الفريضة، و ان كان خاف الفوت من اجل ما مضى من الوقت فليبدء بالفريضة وهو حق الله، ثم ليتطوع ماشاء، الامر موسع ان يصلى الانسان فى اول دخول وقت الفريضة النوافل الا ان يخاف فوت الفريضة، والفضل اذا صلى الانسان وحده ان يبدء بالفريضة اذا دخل وقتها ليكون فضل اول الوقت للفريضة، وليس بمحظور عليه ان يصلى النوافل من اول الوقت الى قريب من آخر الوقت، فان دلالتها صدر اوذیلا
على جواز التطوع في وقت الفريضة غير قابلة للانكار ، والظاهر من قوله علیه السّلام في الذيل : والفضل اذا صلى الانسان وحده ... الخ، هو انه لو اخر الفريضة انتظارا لدرك الجماعة يجوز له النافلة من غير كراهة، وان الفضل في تقديم الفريضة انما هو مع عدم انتظار درك فضيلة اخرى، ولامجال للمناقشة في سندها بان سماعة واقفى بعد كونه موثقاً، كما لا مجال لاحتمال كون قوله علیه السّلام : والفضل اذا صلى الانسان .... الخ، من الكلينى قده ضرورة انه اجل شأنا من ان يزيد في الرواية ما هو فتواه من دون ذكر قرينة عليه ، مع ان هذا الاحتمال لا يضر بالاستدلال ، بعد ظهور الرواية صدرا في المختار ، وبعد دلالة هذه الرواية على جواز التطوع في وقت الفريضة لا بد من رفع اليد عن ظهور النهى فى الاخبار المانعة في الحرمة، وذلك لان دليل الجواز نص فى الترخيص ودليل النهى ظاهر فى الحرمة، ومقتضى حمل الظاهر على النص هو حمل النهى على التنزيه والكراهة ، هذا مع قطع النظر عما ذكرنا من ظهور النهى في الارشاد الى كون النافلة فيهذا الوقت مزاحمة لايقاع الفريضة في افضل اوقاتها ، والا فلا كراهة في اتيانها فيهذا الوقت اصلا.
المسئلة الثانية - اختلف الاصحاب في جواز التطوع لمن عليه قضاء فريضة وعدمه الى قولين، فاختار جماعة كالعلامة وصاحب الرياض والحدائق وغيرهم المنع و ذهب آخرون الى الجواز، ومنشاء الخلاف اختلاف الاخبار، فما يدل منها على المنع اخبار كثيرة ، منها النبوى المرسل: لاصلوة لمن عليه صلوة ، و منها صحيحة زرارة :
قلت لا بيجعفر عليه السّلام :
اصلى نافلة و على فريضة او في وقت فريضة؟
ص: 320
قال علیه السّلام:
لا، انه لا يصلى نافلة في وقت فريصة ، أرأيت لو كان عليك من شهر رمضان اكان لك ان تتطوع حتى تقضيه ؟
قلت : لا.
قال علیه السّلام:
فكذلك الصلوة قال زرارة قايسني وماكان يقايسني.
ومنها صحيحته الأخرى عنه علیه السّلام ايضا :
انه سئل عن رجل صلى بغير طهورا و نسى صلوة لم يصلها او نام عنها.
فقال علیه السّلام :
يقضيها اذا ذكرها، الى ان قال علیه السّلام: ولا يتطوع بركعة حتى يقضى الفريضة كلها .
ومنها صحيحة يعقوب بن شعيب . عن ابيعبد الله عليه السّلام. سئلته عن الرجل ينام عن الغداة حتى تبزغ الشمس، ايصلى حين يستيقظ او ينتظر حتى تنبسط الشمس؟
فقال علیه السّلام : يصلى حين يستيقظ.
قلت : ایوتراویصلى الركعتين؟
قال علیه السّلام: بل يبدء بالفريضة.
وما يدل منها على الجواز ايضا اخبار كثيرة منها رواية ابی بصیر عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال :
سئلته عن رجل نام عن الغداة حتى طلعت الشمس .
قال علیه السّلام: يصلى ركعتين ثم يصلى الغداة.
ومنها رواية زرارة المحكية عن غياث الورى لابن طاووس :
پقلت له علیه السّلام : رجل عليه دين من صلوة قام يقضيه فخاف ان يدركه الصبح ولم يصل صلوة ليلته تلك.
ص: 321
قال علیه السّلام : يؤخر القضاء ويصلى صلوة ليلته تلك. ومنها الروايات المشتملة عن قصة نوم النبي صلی الله علیه و آله و سلّم عن صلوة الصبح، كصحيحة عبدالله بن سنان عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
سمعته يقول : ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم رقد فغلبته عيناه فلم يستيقظ حتى اذاه حر الشمس ثم استيقظ فعاد ناديه ساعته فركع ركعتين ثم صلى الصبح ، وقال صلی الله علیه و آله و سلّم : يا بلال ما ارقدك؟ فقال بلال: ارقدنى الذى ارقدك يا رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم : قال علیه السّلام وكره صلی الله علیه و آله و سلّم المقام وقال نمتم بوادى الشيطان.
ومنها صحيحة زرارة المشتملة على قصته مع الحكم بن عينية، فانه لما حدثه ابو جعفر علیه السّلام عن قول النبى صلی الله علیه و آله و سلّم : اذا حضر وقت صلوة مكتوبة فلا صلوة نافلة حتى يبدء بالمكتوبة، فقدم الكوفة واخبر الحكم بن عينية اصحابه عن ذلك فقبلوا منه وصدقوه، ثم لقى زرارة ابا جعفر علیه السّلام بعد عام، فحدثه علیه السّلام عن نوم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ثم انتباهه و قضائه النافلة اولا ثم الفريضة، فحمل الحديث الى الحكم واصحابه، فقالواله: نقضت حديثك الاول. فقدم زرارة على ابيجعفر علیه السّلام و اخبره بما قال القوم . فقال علیه السّلام يا زرارة الا اخبرتهم انه قدفات الوقتان جميعا ، و ان ذلك كان قضاء من رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم.
ويمكن الخدشة فيهذه الاخبار، بان اقصى ما تدل عليه هو جواز التطوع لمن عليه قضاء الفريضة فى الجملة لا مطلقا كما هو المدعى، اما صحيحة زرارة الاخيرة، فلان رفع ما توهمه القوم من المناقضة بين الحديثين بقوله علیه السّلام: الا اخبرتهم انه قدفات الوقتان جميعا، يحتمل ان يكون بوجوه: احدها ان اتيانه صلی الله علیه و آله و سلّم النافلة اولا في الحديث الثاني لم يكن فى وقت الفريضة بل في خارجه ، فلا يناقض نهيه صلی الله علیه و آله و سلّم في الحديث الأول عن النافلة فى وقت الفريضة، وعليهذا الاحتمال تكون دلالة الصحيحة على المدعى واضحة، اذ عليه يكون قوله علیه السّلام : الا اخبرتهم انه قدفات الوقتان.... الخ، بمنزلة ان يقول ان اتيانه صلی الله علیه و آله و سلّم بالنافلة اولا لما كان بعد فوت وقت الفريضة ، فلم يكن تطوعا فى وقت الفريضة ، بل كان تطوعا عند اشتغال الذمة بقضاء الفريضة ، وهذا لا محذور فيه ، ثانيها ان اتيانه صلی الله علیه و آله و سلّم بالنافلة اولا لما كان بعد فوت وقتها و وقت
ص: 322
الفريضة معا فلم يكن تطوعا في وقت الفريضة، بل كان قضاء نافلة عند اشتغال الذمة بقضاء فريضة ، و هذا مما لا محذورفيه، وعليهذا الاحتمال يكون مفاد الصحيحة هو جواز قضاء النافلة لمن عليه قضاء فريضة ، وعليه فلا دلالة لها على جواز النوافل الراتبة فى وقتها لمن عليه قضاء فريضة ، فضلا عن جواز النافلة مطلقا ولو كانت مبتدئة كما هو المدعى، ثالثها ان اتيانه صلی الله علیه و آله و سلّم بالنافاة اولا لما كان بعد فوت وقتها و وقت الفريضة معا، فلم يكن تطوعا في وقت الفريضة، بل كان قضاء نافلة عند اشتغال الذمة بقضاء فريضة مترتبة عليها وهذالا محذور فيه، وعليهذا الاحتمال يكون مفاد الصحيحة جواز قضاء النافلة لمن عليه قضاء فريضة مترتبة على تلك النافلة، ولولم تكن الصحيحة ظاهرة في خصوص الاحتمال الثانى، بقرينة قوله علیه السّلام قد فات الواجبان جميعا ، فلا اقل من عدم ظهورها في الاحتمال الأول، ومعه تكون الصحيحة مجملة ، فلابد حينئذ من الاخذ بالقدر المتيقن منها وهو الاحتمال الاخير ، وعليه فلا دلالة لها الاعلى جواز قضاء النافلة الراتبة لمن عليه قضاء فريضة مترتبة عليها، كمن فات عنه صلوة الظهر ونا فلتها مثلا، و اين هذا من جواز التطوع مطلقا لمن عليه قضاء فريضة كما هو المدعى ومنه يظهر وجه الخدشة في الروايات المشتملة على قصة نوم النبي صلی الله علیه و آله و سلّم كما هو واضح . و اما رواية زرارة المحكية عن كتاب غياث الورى ، فلان غاية ما تدل عليه هو جواز اتیان خصوص نافلة الليل لمن عليه قضاء فريضة فيما تخوف فوتها لواشتغل بقضاء الفريضة ، فكون مفادها اخص من المدعى وهو جواز التطوع مطلقا لمن عليه قضاء الفريضة اوضح من ان يخفى و اما رواية ابى بصير فلاختصاصها بقضاء نافلة الصبح لمن عليه قضائه.
فالاولى للمجوزين الاستدلال بصحيحة زرارة التي تمسك بها المانعون بضميمة ما تقدم فى المسئلة السابقة من الاخبار الدالة على جواز التطوع في وقت الفريضة، توضيح ذلك هو ان المستفاد من الترديد الواقع في الصحيحة، بقول السائل و على فريضة او فى وقت فريضة ، بناء على كونه من السائل كما هو الظاهر لا من الروات و من جواب الامام علیه السّلام عن كلاشقى الترديد بقوله علیه السّلام : لا انه لا يصلى نافلة في وقت
ص: 323
فريضة وتنظيره بقضاء شهر رمضان هو ان الملاك في المنع عن التطوع في كلتا المسئلتين اعنى مسئلة التطوع فى وقت الفريضة و مسئلة التطوع لمن عليه قضاء فريضة ، امر واحد و هو تنجز التكليف بالفريضة اداء كانت او قضاء ، وحينئذ اذا دل الدليل على جواز التطوع لمن تنجز في حقه التكليف بفريضة ادائية ، و استكشفنا من ذلك ان عن التطوع في وقت الفريضة يكون تنزيهيا ، نستكشف منه ايضا ان النهى عنه لمن كان عليه قضاء فريضة ايضا تنزيهي ، و اما المنع عن استفادة وحدة الملاك في المسئلتين من هذه الصحيحة ، بدعوى اختصاصها بخصوص التطوع في وقت الفريضة، بقرينة قوله علیه السّلام في وقت فريضة الظاهر فى وقت الاداء، وحمل الترديد الواقع في السؤال على كونه من الروات ، و حمل قوله علیه السّلام : لو كان عليك من شهر رمضان على ارادة وجوب الصوم في شهر رمضان لاقضائه ، وحمل قوله علیه السّلام: حتى تقضيه على ارادة فعل الصوم فى وقته لا القضاء بالمعنى المصطلح، ففيه ما لا يخفى من ارتكاب التاويلات البعيدة عن ظاهر الصحيحة سؤالا وجوابا ، ضرورة ان حمل الترديد الواقع فى السؤال على كونه من الروات لامن الغاية، و ابعد منه حمل قوله علیه السّلام فى الجواب : لو كان عليك من شهر رمضان على ارادة الصوم في رمضان ، اذ مع ارادة ذلك لا يستقيم تنظير المقام و قیاسه بصوم شهر رمضان، بقوله علیه السّلام : لو كان عليك من شهر رمضان... الخ، فان في شهر رمضان يتعين عليه الصوم الواجب فلايكون متمكنا من التطوع فيه ، ومعه كيف يصح ان يقاس عليه الصلوة فى سعة الوقت ، وكذا حمل قوله علیه السّلام : حتى تقضيه على ارادة اتيان الصوم فى وقته خلاف الظاهر جدا، و جعل قوله علیه السّلام : في وقت فريضة قرينة مصححة لارتكاب مثل هذه التاويلات ، ليس باولى من العكس، اى من جعل الترديد فى السؤال والتنظير والقياس في الجواب، قرينة على ارادة وقت تنجز التكليف بالفريضة اداء كانت او قضاء ، من قوله علیه السّلام : في وقت فريضة الظاهر في وقت الاداء ، بل العكس هو المتعين كما لا يخفى .
و يمكن الاستدلال للمجوزين ايضا ، برواية زرارة المتقدّمة الدالة على جواز اتيان نافلة الليل لمن عليه قضاء فريضة فيما خاف فوتها لو اشتغل بقضاء الفريضة. تقريب
ص: 324
الاستدلال، هو انه بعد خروج من يخاف فوت نافلة الليل لو اشتغل بقضاء الفريضة، عن عموم الادلة المانعة عن! لمن عليه قضاء فريضة، يدور الامر بين ابقاء الادلة المانعة على ظاهرها من الحرمة، كي يكون خروج هذا الفرد عن عمومها خروجا حكميا و من باب التخصيص ، و بين التصرف في هيئتها بحمل النهي فيها على التنزيه والكراهة كيلا يلزم تخصيص فيها، ولا شبهة في ان الثاني اولى سيما بعد شيوع استعمال النهى فى الاخبار في الكراهة بحد انكر بعض ظهوره في الحرمة راسافتدبر ثم لوسلمنا ظهور الاخبار المانعة فى الحرمة ومعارضتها مع الاخبار المجوزة ، ومنعنا عن كون الجمع بينهما بحمل المانعة على الكراهة جمعا عرفيا، نقول ان مقتضى القاعدة بعد سقوطهما بالمعارضة ، هو الرجوع الى الاصول العملية التي مقتضاها في المقام هو الجواز، كاصالة عدم الحرمة واستصحاب الجواز الثابت فى وقت الفريضة، بناء على المختار من حجية الاستصحاب التعليقى فتدبر و توهم ان هذه الاصول انما تجرى بناء على عدم وجوب الاتيان بالفائتة فورا، اذبناء على وجوب الاتيان بها كك يحرم الاتيان بما يضادها من النوافل مدفوع اولا بما مر من المنع عن وجوب الاتيان بالفائتة فورا ، وثانيا بما حقق فى محله من الامر بالشئ لا يقتضى النهي عن ضده ، كي يحرم الاتيان بما يضاد الفائتة المامور بها من النوافل، و توهم ان الامر بالشئ و ان لم يقتض النهى عن ضده ، لكنه يقتضى عدم الامر بضده، ضرورة امتناع الامر بايجاد الضدين في زمان واحد ، فاذا اقتضى الامر بالفائتة عدم الامر بالنافلة ، فلا يمكن الاتيان بها بداعى امتثال امرها ومعه لاتقع صحيحة. مندفع بان مع الامر باتيان الفائتة فورا ، و ان لم يصح الامر بما يضادها من النافلة و لو على نحو الترتب، لاستلزام الأمر بها على هذا النحو الأمر بتحصيل الحاصل لان مرجع الأمر بها كك الى انه اذا عصيت الامر بالفائتة باتيانك النافلة ات بالنافلة، لكن قد حقق في محله انه يكفى فى وقوع العمل قربيا و عبادة قصد اتيانه بداعى محبوبيته الذاتية التي يعبر عنها بجهة الامر ، ولا يحتاج في وقوعه كك الى قصد امتثال الامر.
ص: 325
المسئلة الثالثة - فى القضاء عن الميت استيجارا، ولا ينبغى الريب في جواز الاستيجار له بل لغيره من العبادات عنه ، بعد مادل عليه الاخبار الكثيرة المتواترة من ان العبادة عن الميت تقع عنه و يصل اليه نفعها، وقيام الاجماع على ان كل عمل مشروع يمكن ان يقع للغير و يرجع نفعه اليه يجوز الاستيجار له، لعموم دليل الاجارة وعموم اوفوا بالعقود و تجارة عن تراض، ونحو ذلك مما يستدل به على جواز اخذ الاجرة بازاء الافعال غير ممنوع شرعاً الراجع نفعها الى الغير ، فانه دلالة الاخبار المتواتره الواردة عن النبي صلی الله علیه و آله و سلّم و اوصيائه سلام الله عليهم اجمعين، على انتفاع الاموات بماياتي به الاحياء عنهم من الاعمال العبادية، يعمه العمومات المزبورة الدالة على صحة اخذ المال بازاء الاعمال المباحة الراجع نفعها الى الغير. ان قلت ان وقوع القضاء المستاجر له عن الميت بحيث يصل نفعه اليه بان يسقط ما فى ذمته من الفوائت، يتوقف على وقوعه من الاجير صحيحا اذلولم يقع عنه صحيحا لم يكن مسقطا لما في ذمة الميت، والمفروض في المقام عدم امكان وقوعه الاجير من صحيحا، بعد كون الداعى لاتيانه هو اخذ الاجرة المنافي لما يعتبر في صحة العبادات من كون الداعى الى اتيانها هو التقرب بها اليه تعالى و توهم انه يكفي في وقوعه صحيحا اتيانه بداعى التقرب ، وانكان الباعث على اتيانه بهذا الداعى اخذ الاجرة ، لان اخذها من قبيل الداعى والموجب لداعى الامتثال وداعى الداعى لا يعتبران يكون قربياً، مدفوع بما حققناه في مبحث النية من انه يعتبر في صحة العبادة كون الارادة المتعلّقة بها منبعثة عن الداعى القربى، اما ابتداء بان يكون نفس امتثال الأمر المتعلق بها هو الموجب لانبعاث العبد اليها، او بتوسط الغايات المترتبة على امتثاله، اما ذا تاكنيل الثواب والامن من العقاب، او بجعل الهى كسعة الرزق والشفاء عن المرض وطول العمر ونحوها ، فان الفوز بالثواب والامن من العقاب وكذا سعة الرزق وطول العمر ونحوهما، لاتكون مترتبة على ذات العمل بل على اتيانه بداعى امتثال الامر، فالقصد لهذه الغايات لامحة يتضمن قصد امتثال الامرايضا، وتوهم ان معنى العبادة هو ان يكون قصد امتثال الأمر محركا للعضلات
ص: 326
نحو العمل، فلا يكفى قصده ضمنا و تبعا في صحة العمل و وقوعه عبادة ، والاللزم صحته كك فيما كان الداعى على اتيانه اخذ الاجرة، لان المفروض ان الاجرة انما جعلت على اتيانه بداعى الامر، فيكون قصد اخذها متضمنا لقصد الامر لامحة ، مدفوع بان قصد اخذ الاجرة و انكان متضمنا لقصد الامر ايضا تبعا، لكن اخذها لما كان هو المقصود الاصلى من الاتيان بالعمل فيصير هو الداعى الاصلى بحيث اولاه لما اقدم على العمل، فلا يكون العمل ناشئا من داع قربى و هذا بخلاف تلك الغايات فانها و انكانت مقصودة بالاصالة ايضا ، لكن حيث يكون اتيان العمل بداعى الامر ليترتب عليه تلك الغايات، راجعا الى اتيانه له تعالى طلبا منه انجاز ما وعده عليه من تلك الغايات، فيكون العمل لامحة راجعا الى جهة مقربة، قلت المعتبر في المقام هو صيرورة العمل مقربا للميت، لا للاجير العامل کی ینافی قصده اخذ الاجرة، فاشكال منافاة اتيان العمل بداعى اخذ للأجرة للقربة والتفصى عنه بان اخذها من قبيل الداعى على الداعى ساقط من البين رأسا، نعم يشكل حينئذ انه كيف يمكن ان يكون عمل الغير مقربا لاخر مع انه لم يحصل منه اختيار في ايجاده ولم يكن منه تسبيب بالنسبة اليه اصلا، كما اذا لم يكن استيجار الاجير بايصاء من الميت ولامن ماله، بل استاجره الولى من مال نفسه، ولا يخفى ان هذا الاشكال مشترك الورود عليهذه المسئلة ومسئلة القضاء عن الميت تبرعا، وقيل فى دفع هذا الاشكال، بان النائب لمانزل نفسه منزلة الغير فى اتيان عمل خاص، والشارع ايضا امضى هذا التنزيل والنيابة، فلازمه ان يكون ذلك العمل موجبا لتقرب ذلك الغير ويعود نفعه اليه، وفيه انا لا نعقل ان يكون هذا العمل الذي لم يكن صدوره عن النائب الاعلى وجه غير قربى ولاخذ الفلوس، مقربا للمنوب عنه الذي لم يكن هذا العمل صادراعنه ولو بالتسبيب والحاصل ان كون العمل مقربا وموجبا للفوز بالثواب والامن من العقاب، يتوقف على كون التقرب والاخلاص داعيا الى اتيانه والمفروض فى المقام ان النائب الأتى بالعمل لم يكن داعيه اليه الا اخذ الاجرة،
والمنوب عنه لم يصدر عنه عمل، فلم يكن في البين شئ يوجب القرب للمنوب عنه
ص: 327
وما يترتب عليه من الفوز بالثواب والتخلص عن العقاب، و اما ما ورد في الاخبار الكثيرة البالغة حد التواتر من ان الميت ينتفع بما يفعله الاحياء عنه على طريق النيابة او الهدية ، فهوانما يتم فيما اذا كان اصل الفعل صادرا عن وجه قربي كما في القضاء عن الميت تبرعا و بقصد تقرب الميت، لافى مثل المقام الذى يكون صدور العمل فيه لدواع نفسانية كاخذ الاجرة و غيره، نعم لوقلنا بشمول عموم ادلة مشروعية النيابة عن الميت في العمل واستحبابها للمقام ايضا ، لم يكن بد من الالتزام بكون هذا العمل الصادر عن الاجير بداعي الاجرة، كالعمل الصادر عن نفس الميت بداع قربي، فيما يترتب عليه من الفوز بالثواب والامن من العقاب، ضرورة ان ذلك مقتضى امضاء الشارع هذه النيابة وقبول عمل الاجير مقام عمل الميت، اذلامعنى لقبول عمله مقام عمل الميت الأترتيب ما لعمل الميت من الاثار عليهذا العمل الماتى به نيابة عنه، ولكن لا يخفى ان هذا نوع تفضل منه تعالى لا ان يكون من آثار نفس هذا العمل، ضرورة ان كونه من آثار نفس هذا العمل ، يتوقف على كون هذا العمل مقربا، فلا يمكن ان يكون ترتيب هذا الاثر عليه موجبا لكونه مقربا الاعلى وجه دائر.
و توهم انه يكفى فى حصول القرب بهذا العمل وصيرورته عبادة يترتب عليها الفوز بالثواب والامن من العقاب، ان يحصل به للميت جهة امتياز بالنسبة الى غيره الذى لم يأت بالمأمور به بنفسه ولا احداتى به نيابة عنه، فانه لاشبهة فى انه لوفرض عبدان، احدهما لم يأت بالمأمور به بنفسه ولا احداتى به نيابة عنه، والاخر لم يأت به ولكن اتى به نائبه، لايكون حالهما عند المولى على حد سواء، بل للثاني عنده جهة مزية ليست الاول، مدفوع بان هذا انما يتم فى التوصليات التي يحصل بها الغرض بمجرد حصولها في الخارج ولو قهرا و من دون مدخلية لارادة المكلف واختياره فيه اصلا، دون التعبديات التى لا يحصل بها الغرض الا بايجادها عن اختيار وارادة منبعثة عن داعى امتثال الأمر المتعلق بها، والمفروض ان الاجير في المقام لم تكن ارادته لاتيان العمل منبعثة عن داعى امتثال الأمر المتعلق به، بل كانت منبعثة عن دواعيه النفسانية كاخذ الاجرة، فلم يقع العمل عنه عبادة ، فلا يكون ما انى به نيابة عن
ص: 328
الميت منطبقا على ما امر به الميت من العمل العبادي، وحينئذ فلايكون الميت اتيا بالمأمور به لا بنفسه ولا بمن ينوب عنه، هذا كله مضافا الى ما اشرنا اليه من المنع عن عموم الادلة الدالة على انتفاع الميت بما يفعله الاحياء نيابة عنه للمقام، وذلك لاختصاص تلك الادلة موردا بما اذا كان غرض النائب مجرد الاحسان الى الميت كالمتبرع والولى ومعه فلا اطلاق لها يعم ما نحن فيه الذي لا يكون غرض النائب الامجرد اخذ الاجرة فاذا لم تكن تلك الادلة شاملة لما نحن فيه ، فلا يصح اصل الاجارة، اذليس حينئذ للعمل المستأجر له نفع يعود الى المستاجر كى تصح الاجارة ويستحق الاجير الاجرة هذا.
و يمكن ان يستدل لصحة الاجارة فى المقام باطلاق ادلة الاجارة، بان يقال ان في المقام و ان لم يحرز كون عمل الاجير نافعا للميت، لكن لم يحرز ايضا عدم كونه نافعا له، ضرورة احتمال كون عمله ايضا مرادا واقعا معادل على انتفاع الميت بما يفعله الاحياء عنه نيابة، ومع هذا الاحتمال يصح الاستدلال لصحة الاجارة له باطلاقات ادلة الاجارة، اذ لا يعتبر في صحة الاجارة على عمل ان يكون انتفاع المستأجر به مقطوعا، بل يكفى فى صحتها احتمال كونه نافعا في حقه، الاترى ان العقلاء يستأجرون العملة للحفريات باحتمال ظفرهم على الاشياء العتيقة اوكنز و نحوه، و توهم انه لو سلمنا صحة هذه الاجارة، لكن لا تجدى صحتها في برائة ذمة ولى الميت فيما كان له ولي عما تعلق بها من قضاء ما على الميت من الفوائت، ضرورة ان صحة هذه الاجارة كانت مبتنية احتمال انتفاع الميت بالعمل الذي يأتي به الاجير و من المعلوم ان مجرد احتمال انتفاع الميت بهذا العمل لا يجدي في احراز سقوط امراقض مافات عن الميت المتوجه الى وليه عنه، والاشتغال اليقيني بالتكليف يقتضى البرائة اليقينية عنه، مدفوع بانه بعد مانري من اختلاف التعبديات في اعتبار، المباشرة فيها وعدم سقوطها بالاستنابة تارة ، وسقوطها بها وبالتبرع اخرى، كما في الحج بالنسبة الى العاجز عنه ، وكما في القضاء عن الميت تبرعا ، وكما في غسل الميت الذى لاشبهة في كونه عباديا مع جواز الاستنابة له ، وكذا اختلافها في اعتبار قصد تقرب المباشر فيها وعدم كفاية قصد تقرب السبب تارة ، وكفاية قصد تقرب السبب
ص: 329
اخرى، كما اذا استاجر احد غيره لغسل الميت، فانه لاشبهة في عدم اعتبار قصد المباشر التقرب به، بل يكفى فى صحته و وقوعه عبادة قصد السبب وهو المستاجر له، نشك في المقام في انه هل يعتبر في صحة ما على الولى من قضاء ما على الميت من الفوائت ووقوعه عبادة، اتيانه به مباشرة وقصده التقرب به او يكفى فى صحته كذلك استنابة الغير لاتيانه وقصد ذلك الغير التقرب به، فيكون من قبيل الشك بين الاقل والاكثر الذى يكون المرجع فيه على المختار هى البرائة و توهم ان توجيه الامر بالقضاء عن الميت الى الولى ظاهر فى اعتبار مباشرته اوحجة على اعتبارها عقلا مطلقا، خرج عنه خصوص ما اذا تبرع الغير عن الميت بادلة خاصة ، وبقى الباقى، و معه الامجال للرجوع الى البرائة، لارتفاع موضوعها وهو الشك او قبح العقاب بلابيان حكما او حقيقة، بعد قيام الدليل الشرعى او العقلي على اعتبار المباشرة، مدفوع بمنع ظهور توجيه الامر بالقضاء عن الميت نحو الولى فى اعتبار المباشرة، ضرورة ان معنى القضاء عن الميت هوان يقضى الغير ما على الميت من الفوائت، فلا يدل امر الولى بالقضاء عن الميت الاعلى طلب ايجاد هذا المعنى في الخارج منه، و من المعلوم تحققه مباشرة من الولى ، باستيجاره الغير للقضاء عن الميت والحاصل ان ظهور توجیه امراقض عن الميت الى الواى فى اعتبار مباشرته، لا ينافي استيجاره الغير للقضاء عنه، ضرورة انه يصدق حينئذ ان ايجاد قضاء الغير عن الميت صدر عن الولى مباشرة، و توهم انه لو سلمنا عدم اعتبار مباشرة الولى للقضاء عن الميت فى سقوط ما توجه اليه من امر اقض عن الميت، لكن ذلك انما لكن ذلك انما يصح فيما اذا امكن ان يصدر العمل عن ذلك الغير على وجه قربی كى يوجب سقوط ما على الميت من الفوائت، و من المعلوم عدم امكان صدور العمل عن الاجير على وجه قربى ، مع كون داعيه الى اتيانه اخذ الاجرة ، و معه لا يكون قضاء الاجير مجديا في سقوط ما توجه الى الولى من امر اقض عن الميت مدفوع بانه كما انه لا شبهة فى انه يكفى فى سقوط ما على الميت من القضاء اتيان الغير به عنه تبرعا او ولاية ، ولا يعتبر فى سقوطه عنه اتيان الميت به مباشرة ، كك يحتمل ان يكون المعتبر من قصد القربة في صحة القضاء عنه و وقوعه عبادة ، هو الاعم
ص: 330
من قصد المباشر للقضاء التقرب به للميت، او قصد السبب لصدوره عن المباشر الذى هو الولى التقرب به له.
ثم لا يخفى ان مقتضى القاعدة الاولية ، عدم جواز النيابة فى العمل المتعلق بالغير مطلقا، سواء كان ميتا اوحيا وسواء كان عاجزا او قادرا، و ذلك لظهور ادلة التكاليف مطلقا فى اعتبار مباشرة المكلف بها في اتيان متعلقاتها من الاعمال، وعليه فالقول بجواز النيابة وكفايتها في كل مورد يحتاج الى قيام دليل عليه، و قد دلت الاخبار الكثيرة المتواترة على جوازها عن الميت فى الواجبات العبادية التي تكون باقية في ذمته، من الصوم والصلوة والحج فلا يجوز النيابة عن الغير في غيرها من الواجبات مطلقا، سواء كان المنوب عنه ميتا اوحيا وسواء كان عاجزا او قادرا.
واما ماقد يستدل به على جواز النيابة فى جميع الواجبات عن الغير مطلقا سواء كان حيا او ميتا و سواء كان قادرا على الاداء او عاجزا عنه ، من الرواية الواردة في قضية الخثعمية التى اتت النبى صلى الله علیه و آله ، فقالت :
ان ابی ادر که الحج شیخا زمنا لا يستطيع ان يحج، ان حججت عنه اينفعه ذلك؟
فقال صلی الله علیه و آله و سلّم لها ارايت لو كان على ابيك دين فقضيته،ا كان ينفعه ذلك؟
قالت : نعم .
قال صلی الله علیه و آله و سلّم : فدین الله احق بالقضاء بتقريب ان قياسه صلی الله علیه و آله و سلّم الحج بالدين بلحاظ انه دین الله، يدل على ان كل واجب حاله حال الدين، في انه يقضى باعطاء الغير مطلقا من غير فرق بين كون المديون ميتا اوحيا قادرا على الاداء او عاجزا
عنه.
ففيه ان الاخذ بظاهر هذه الرواية حيث يكون مخالفا للاجماع ، فلابد من الاقتصار على خصوص مورده و هو الحج عن العاجز عن اتيانه.
و اما المستحبات فجواز النيابة فيها عن الغير فيما كان ميتا ممالا اشكال فيه لدلالة الاخبار الكثيرة المتواترة عليه، وانما الاشكال في جوازها فيها عن الغير فيما كان حيا ، ومنشاء الاشكال اختلاف الاخبار الواردة في المقام، ففى طائفة منها التصريح
ص: 331
بجواز النيابة فيها عن الغير مطلقا سواء كان حيا او ميتا، وفي طائفة اخرى التصريح بجوازها عن الميت دون الحى فمن الطائفة الأولى مارواه الكليني باسناده الى محمد بن مروان ، قال :
قال ابو عبدالله علیه السّلام : مايمنع الرجل منكم ان يبر والديه حيين و ميتين، يصلى عنهما ويتصدق عنهما ويحج ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فان ظاهر الصلوة والصوم و نحوهما عن الغير هو النيابة عنه فيها ، لافعلها و اهداء ثوابها اليه ، فيدل على جواز النيابة عن الحى ايضا فيها واطلاقه علیه السّلام البر على الصلوة والصوم والتصدق عنهما ، مشعر بعموم رجحان النيابة عنهما في كل فعل حسن ، و منها رواية على بن حمزة قال :
قلت لابی ابراهیم علیه السّلام:
احج واصلى واتصدق عن الاحياء والاموات من قرابتی و اصحابی ؟
قال علیه السّلام: نعم، صدق عنه وصل عنه ولك اجراخر بصلتك اياه.
ومن الطائفة الثانية ماروى عن عبد الله بن جندب، قال :
كتبت الى ابى الحسن علیه السّلام:
الرجل يريدان يجعل اعماله من الصلوة والبر والخير، اثلاثا ثلثا له و ثلثين لابویه ، اویفردهما بشئیمما يتطوع به و انكان احدهما حيا والاخر ميتا ؟
فكتب علیه السّلام : اما الميت فحسن جائز، واما الحى فلا الا البر والصلة . ومنها ما عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، انه كتب الى الكاظم علیه السّلام مثله و اجاب علیه السّلام بمثله والمعارضة بين الطائفتين بالنسبة الى الحى واضحة ، و يمكن حمل الطائفة الثانية على ارادة الصلوة الواجبة ، بعد ما هو الظاهر من جواز النيابة في الصلوات المندوبة عن الاحياء في الزيارات والحج وغيرهما والله العالم.
المسئلة الرابعة - في قضاء الولى الصلوة الفائتة عن الميت ، والكلام فيه تارة فى القاضى واخرى فى المقضى وثالثة فى المقضى عنه ، اما القاضى فلاخلاف ظاهرا في انه لوكان للميت اولاد ذكور يكون قضاء صلوته على اكبر هم ، وانما وقع الخلاف
ص: 332
فى انه هل يختص هذا الحكم باكبر اولاده الذكور ، بحيث لولم يكن له اولادكك لا يجب القضاء عنه على احد من اوليائه ، بل يستأجر الغير للقضاء عنه من ثلثه او من اصل تركته على الخلاف ، اولا يختص به بل يعم مع فقده اقرب اوليائه من الذكور فقط كما عن الاسكافي ، او يعم مع فقدهم ايضا اقرب اوليائه من الاناث كما عن المفيد ولا يخفى انه وان لم يكن فى الاخبار الواردة في المسئلة تصريح بتقدم اكبر الاولاد الذكور على سائر الورثة ، لكن يمكن استفادة ذلك ممادل على ان القضاء عن الميت يكون علی اولی الناس به و بميراثه ، بضميمة مادل على ان الاكثر نصيبا من الارث اولى بالميت من الاقل نصيبا توضيح الاستفادة هوانه لاشبهة فى ان الولد اكثر نصيبا من سائر الوراث حتى الاب ، واكبر الأولاد الذكور لمكان اختصاص الحبوة به مجانا يكون اكثر نصيبا من سائر الاولاد ، فيكون اكبر الاولاد الذكور اكثر نصيبا من جميع الورثة ، فاذا كان اكثر نصيبا من جميعهم ، فيكون قضاء الصلوة عن الميت عليه بمقتضى مادل على ان قضاء صلوته يكون على اولى الناس به وبميراثه ، هذا بناء على ما هو الحق من استحقاق اكبر الاولاد الذكور للحبوة مجانا وبلاعوض، و اما على القول باستحقاقه لها بعوض، فيمكن استفادة ذلك ممادل على ان القضاء عن الميت يكون على اولى الناس بمير راثه ، بضميمة مادل على انه لو كان للميت و ليان يكون قضاء صلوته على اكبرهما، فتبين مما ذكرنا ان تقدم اكبر الاولاد الذكور على غيره من الورثة فيهذا الحكم مما لا ينبغي الاشكال فيه و اما اختصاص هذا الحكم به بحيث لا
القضاء على غيره مع فقده كما هو المحكى عن الشيخ و اكثر من تأخر عنه ، فيشكل استفادته من الاخبار ، بل مقتضى اطلاق مادل على ان قضاء صلوة الميت وصومه يكون على اولى الناس به وبميراثه ، هو تعميم هذا الحكم لغيره مع فقده ، انمع فقده يكون غيره هو اولى الناس بالميت و بميراثه، ففى صحيحة حفص البخترى عن ابيعبد الله علیه السّلام:
فى الرجل يموت وعليه صلوة او صيام .
قال علیه السّلام: يقضى عنه اولی الناس بميراثه.
ص: 333
قلت : فانکان اولی الناس به امراة ؟
فقال علیه السّلام: لا ، الا الرجل .
و فى مرسلة حماد قال :
سئلت ابا عبد الله علیه السلام فى الرجل يموت وعليه دين من شهر رمضان، من يقضيه ؟
قال علیه السّلام : اولى الناس به .
و في رواية ابن سنان عن الصادق علیه السّلام قال :
الصلوة التي حصل وقتها قبل ان يموت الميت يقضيها اولی الناس به .
و في رواية ابي عمير عن رجاله عنه علیه السّلام ايضا :
فى الرجل يموت و عليه صلوة اوصوم .
قال علیه السّلام : يقضيه اولى الناس به، الى غير ذلك من الاخبار التي اطلق فيها الاولى المراد منه الاولى من غيره، فالمتحصل من هذه الروايات هو ان القضاء عن الميت واجب على اوليائه في كل طبقة الاقرب منهم اليه فالاقرب ماعدا النساء. وحيث اورد على هذه الروايات بمنافاة مضمونها الجماع، اذلوكان المراد من الاولى بالميت هو الاولى به من الموجودين حين الموت كما هو ظاهر اطلاق هذه الروايات كي يعم غير الولد من الذكور، لزم منه التفصيل بين من عدا الولد و بين النساء، انه لافائل بالتفصيل بينهما في الاصحاب، اذ كل من نفى هذا الحكم عن النساء نفاه عمن عدا الولد من الذكور، وكل من اثبته على من عدا الولد من الذكور اثبته على النساء ايضا، فاذا كان مضمون هذه الروايات مخالفا للاجماع فيتعين طرحها جعل شيخ مشايخنا الانصارى قده ذلك الايراد موجبا لحمل ما في الروايات من كلمة الاولى على اولى الناس بالميت على الاطلاق، ای الاولی به من كل احد يفرض وجوده من الناس ، لا اولى الموجودين فعلا حين موته، و من المعلوم ان الاولى على الاطلاق بهذا المعنى، ليس الا اكبر الاولاد الذكور، اذ غيره من الطبقات تكون اولويته اضافية وبالنسبة الى الموجودين، فينطبق الاخبار حينئذ على ما ذهب اليه الشيخ من اختصاص هذا الحكم بالولد الاكبر.
ص: 334
واورد عليه الاستاد دام ظله، بان ارادة الاولى على الاطلاق من الاولى بالميت لا شاهد عليها ، بل منافية لما وقع في ذيل بعضها من السؤال عما اذا كان اولى الناس به امراته والجواب عنه بقوله علیه السّلام لا الا الرجل، فانه لوكان المراد من اولى الناس بالميت اولاهم به على الاطلاق، لم يكن مجال لهذا السؤال والجواب كما هو واضح ، بل المناسبة بين الحكم والموضوع و ان جعل صلوة الميت وصومه على ورثته انما هو بازاء استفادتهم من تركته، تقتضى ان يكون المراد من الاولى بالميت، هو الاولى بالنسبته الى الموجودين حين موته الوارثين لتركته و توهم ان الشاهد على كون المراد من الاولى بالميت هو الاولى على الاطلاق، ما في ذيل صحيحة الحفص ومرسلة حماد المتقدمتين، من التصريح بنفى هذا الحكم عن النساء بتقريب ان المراد بالاولى بالميت فى صدرهما، لوكان هو اولى الموجودين كي يعم غير الولد من الذكور ، لزم منه التفصيل بين من عدا الولد من الذكور وبين النساء، وقد مرانه لا قائل بهذا التفصيل في الاصحاب، فلابد ان يكون المراد من الاولى فى صدرهما الأولوية على الاطلاق، اذا بقائه على ما هو ظاهر اطلاقه من الاولوية الاضافية، موجب لشذوذهما وترك العمل بظاهر هما بين الاصحاب، مدفوع اولابانه لم يثبت عدم القول بالتفصيل بين النساء و بين من عدا الولد من الرجال، وثانيا ان المصير الى القول الثالث انما يكون محظورا فيما اذا اتفق الفريقان على نفيه لافيما اذا كان عدم القول به من باب الاتفاق فتدبر (1) فتحصل مما ذكرنا انه لامانع من الاخذ بما هو ظاهر اطلاق هذه الروايات ، من وجوب قضاء صلوة الميت وصومه
ص: 335
على من يكون اولى بميراثه من ذكور اقاربه ، سواء كان في الطبقة الاولى كالولد الاكبر فانه كما مر اكثر نصيبا من اب الميت و من سائر اولاده ، او في الطبقات المتاخرة كالاخ للميت من الابوين فانه اكثر نصيبا من اخ له من الام ، فما عن الشيخ من اختصاص هذا الحكم بالاكبر من الاولاد الذكور لا وجه له ، و اما ما فى بعض الكلمات من ان الوجه في اختصاصه به هو كونه في مقابل الحبوة التي تختص به ، ففيه انا لم نعثر فيما بايدينا من الاخبار الواردة في المسئلة ما يدل على ذلك كي يدل على اختصاص هذا الحكم به.
بقى في المقام شيء لابد من التنبيه عليه ، وهوان المستفاد من اقتصار الامام علیه السّلام في صحيحة حفص المتقدمة في جواب السؤال عن حكم ما على الرجل الميت من الصلوة والصوم ، بقوله علیه السّلام يقضى عنه اولى الناس بميراثه، هوانه لولم يكن للميت اولى بميراثه من الرجال لا يجب على وارثه قضاء ما عليه من الصوم والصلوة من تركته، فانه لوكان الواجب مع فقد الأولى بميراث الميت من الرجال، هو قضاء ما عليه من الصلوة والصوم من تركته ، لكان اللازم على الامام علیه السّلام بعد ما قال السائل فانكان الاولی به امرأته، ان يقول علیه السّلام عقيب قوله علیه السّلام لا الا الرجل، لكن يجب قضاء ماعليه من أصل تركته كما يجب اداء ديونه منه، فاقتصاره علیه السّلام في الجواب على قوله علیه السّلام لا الا الرجل ، كاشف قطعا عن عدم وجوب قضاء ما على الميت من الصوم والصلوة من تركته ، فيما اذا لم يكن هناك الاولى به من الرجال ، والا لكان جوابه علیه السّلام شاملا لبعض ما سئل عنه من احكام ما على الميت من الصوم والصلوة وهو كما ترى، و توهم ان اقتصاره علیه السّلام في الجواب على قوله علیه السّلام لا الا الرجل، انما يكشف عن عدم وجوب قضاء ما على الميت من تركته عند فقد الاولى به من الرجال ، فيما كان السؤال عن فرض انحصار الولى بالمراة وليس كك، بل السؤال انما هو عن فرض ما اذا كان للميت ولى من الذكور ايضا ، فالمراد منه هو السؤال عن اشتراك المراة مع الرجل فيهذا الحكم، ولذا اجاب علیه السّلام عنه بقوله لا الا الرجل ، فان استثناء الرجل من نفى هذا الحكم مع فرض انحصار الولى بالمراة لا معنى له كما هو واضح. مدفوع
ص: 336
بان الظاهر من قول السائل في ذيل روايتي الحفص وحماد ، قلت وان كان اولى الناس به امرأته ، بقرينة وقوعه بعد قول الامام علیه السّلام يقضى منه اولى الناس بميرانه، هو انحصار الاولى بها، بل لا يبعد دعوى ظهوره في فرض الانحصار بها مع قطع النظر عن هذه القرينة، وذلك لانه لو كان السؤال عما اذا كان للميت ولى آخر من الرجال لكان المتعين ان يقول وان كان من اولى الناس به امرأته، بدل قوله و انکان اولی الناس كما لايخفى، والحاصل ان السؤال في الروايتين كالصريح في فرض انحصار الاولى بالميت فى الامرأة ، فيكون قوله علیه السّلام لا الا الرجل صريحاً فى نفى هذا التكليف عن النساء، و من هنا يعلم ان ماظاهر بعض الاخبار من ثبوت هذا التكليف لهن عند فقد الرجال، كالرضوى يقضى الولى فان لم يكن له ولى من الذكور قضى عنه وليه من النساء ، محمول على الاستحباب ، ولا ينافي ما استظهر ناه من السؤال في الروايتين من كونه عن فرض عدم الولى للميت من الرجال وانحصاره بالمرأة، قوله علیه السّلام في الجواب لا الا الرجل، وذلك لانه في مقام بيان اختصاص هذا التكليف بالاولى بالميت من الرجال، وان النساء ليس عليهن هذا التكليف مطلقا ولومع انحصار الأولى بهن ، وحينئذ لو كان الواجب على الوارث مع عدم الولى للميت من الرجال قضاء ماعليه من تركته، لكان على الامام علیه السّلام بيانه عقيب هذا الجواب، بقوله ولكن عليها قضاء ما على الميت من الصلوة والصوم من اصل تركته كما يؤدى ديونه منه ، فعدم بيانه لذلك كاشف عن عدم وج-وب القضاء عن الميت من تركته عند فقد الاولی به من الرجال و توهم ان سكوته علیه السّلام عن بيان ذلك انما يكشف عن عدم لزوم القضاء عنه من تركته ، لولا احتمال كون القضاء عنه من تركته مفروغا عنه عند السائل، لكونه مقتضى الاخبار الدالة بعضها على ان الصلوة دين ، وبعضها على ان دین الله احق بالقضاء من دين الناس كرواية الخثعمية المتقدمة التي حكم فيها النبي صلی الله علیه و آله و سلّم بصحة ما فعلته من الحج نيابة عن ابيها لمكان عجزه عن اتیانه ، مقايسا له بالدين الذى لاشبهة فى صحة قضائه نيابة عن المديون مطلقا سواء كان حيا او ميتا وسواء كان قادرا على ادائه او عاجزا عنه ، فانه اذا كان الناس يقضى من مالهم مطلقا سواء كانوا حيين اوميتين، فالصلوة التي هي دين الله على الميت
ص: 337
الذي ليس له الاولى به من الرجال كى يجب عليه قضائها عنه ، يجب ان تقضى من تركته ايضا لكونها احق بالقضاء من دين الناس ، هذا مضافا الى ما فى بعضها من تعليل لزوم استيجار الحج من تركة الميت بانه بمنزلة الدين ، فانه يدل بمقتضى اطلاق التنزيل ، على لزوم ترتيب جميع ماللدين من الاثار التى منها ماللدين من الاثار التى منها القضاء من تركة الميت على جميع من العبادات.
مدفوع بان مادل من هذه الاخبار على ان الصلوة دين، فلا يستفاد منه ازيد من كونها كالدين في لزوم الخروج عن عهدته، واما كونها كالدين في جميع ماله من الاثار التى منها قضائه من تركة المديون اذا كان ميتا، فلا يستفاد منه، كيف. والالزم صحة قضاء الصلوة نيابة عن الحى متبرعا كما يصح قضاء ديونه كك، وهذا مما قام الاجماع على خلافه فتدبر (1) جيدا، و اما مادل منها على ان الحج دين الله و ان دينه تعالى احق بالقضاء من ديون الناس، ففيه ما مر من ان قياسه صلی الله علیه و آله و سلّم الحج بالدين و انكان على نحو الاطلاق ، لكنه بهذا النحوحيث يكون مخالفا للاجماع ، فلابد من الاقتصار فيه على مورده و هو الحج عن الحى لمكان عجزه عن اتيانه، و توهم انکون بعض فروض النيابة في الحج مخالفا للاجماع كالنيابة فيه عن المستطيع القادر عليه لا يوجب رفع اليد عن الاطلاق الا في خصوص ذلك الفرض المخالف له ، لارفع اليد عنه مطلقا والاقتصار على مورده .
مدفوع بان الاطلاق الموجب لترتيب جميع ماللدين من الآثار على الحج انما يستفاد من السكوت في مقام البيان عن ذكر اثر خاص ، و من المعلوم ان قياسه صلی الله علیه و آله و سلّم الحج بالدين انما هو في خصوص لزوم الوفاء به، حيث قال صلی الله علیه و آله و سلّم فدين احق بالقضاء ، ومعه لا ينعقد لقياسه بالدين اطلاق كي يعم جميع ما للدين من الاثار التي منها تعلقه بتركة الميت فتدبر و اما مادل منها على لزوم استيجار الحج عن الميت من تركته معللا بانه بمنزلة الدين، ففيه انه و ان كان بمقتضى اطلاق التنزيل فيه
ص: 338
دالا على لزوم ترتيب جميع ما للدين من الآثار التى منها تعلقه بتركة الميت على ما عليه من الحج، لكن لا تصح التعدى منه الى غيره من العبادات، و توهم ان مورد التعليل وانكان خصوص الحج، الا ان عمومه يدل على ان كل ما كان بمنزلة الدين يتعلق بتركة الميت، و قد مران مقتضى بعض الاخبار هو ثبوت هذه المنزلة للصلوة ، فتتعلق بتركة الميت ببركة هذه الكبر كة هذه الكبرى الكلية المستفادة من عموم مدفوع بان هذه العلة ليست من قبيل العملة المنصوصة، كي يدور الحكم المعلل بها مدارها، لان العلة المنصوصة لابدان تكون صغرى لكبرى كلية لها مصاديق واقعية مع قطع النظر عن جعل الشارع، محكومة بالحكم المعلل بها، مثلا لوقال الشارع لا تشرب الخمر لانها مسكرة ، لابدان يكون قوله لانها مسكرة صغرى لكبرى كلية وهي ان كل مسكر يحرم شربه، اذلولم يكن كل مسكر محرم الشرب، لم يصح تعليل حرمة شرب الخمر بانه مسكر كما هو واضح، و من المعلوم ان العلة في المقام ليست کک، لانها ليست من المفاهيم الواقعية الكلية التى لها مصاديق واقعية مع قطع النظر عن جعل الشارع ، بل هى تنزيل شئ منزلة شئ آخر، ولا شبهة فى ان التنزيل المزبور ليس له مصداق مع قطع النظر عن جعل الشارع ، لان مرجعه الى جعل ما لشئ من الاثر، الشرعى لشئ آخر تعبدا ، فهى تدورمدار الجعل الشرعي، ومعه يحتاج في تسرية الحكم المعلل بها الى غير مورده، الى تنزيل الشارع له ايضا منزلة ذلك المنزل عليه في خصوص ذلك الاثر فلو نزل الحج بمنزلة الدين بلحاظ تعلقه بتركة المديون، فلا يصح تسرية هذا التنزيل عن الحج الى الصلوة، باعتبار كونها منزلة شرعا منزلة الدين بلحاظ لزوم ،ادائه لان مرجع تنزيل شيئين منزلة شئ ثالث، وانكان الى جعل ما للمنزل عليه من الاثر لهما، الا ان التنزيل فى احدهما اذا كان بلحاظ اثر غير الاثر الملحوظ في تنزيل الآخر، فكيف يصح تسرية مالكل منهما من الاثر الخاص المجعول لخصوصه الى الاخر هذا، ولكن المسئلة كما اشرنا اليه لا تخلو عن الاشكال ، فالاحتياط باتفاق البالغين من الورثة على افراغ ذمة مورثهم لا ينبغي ترکه.
بقى هناشي، ينبغي التنبيه عليه ، وهوان مرادهم من الولد الأكبر الذي دل
ص: 339
النص على انه الاولى بالميت، هو من لا اكبر منه، وعليه فيعم الولد المنحصر بالفرد كما هو صريح الفتاوى والمستفاد من اطلاق النص، فان الاولى بالميت يعم باطلاقه المنحصر ايضا، ثم لو تعدد الاولاد فلايخ عن صور ثلث، لانه اما ان يكون بينهم من هو اكبر مع استوائهم فى البلوغ، واما ان لا يكون بينهم اكبر لاستوائهم في السن وعلى الثانى اما ان يكونوا مختلفين في البلوغ ارمستوين فيه ايضا، اما الصورة الاولى فلا اشكال في تعلق التكليف فيها بالاكبر منهم، لانه اكثر نصيبا من جميع الورثة في الارث، و توهم ان مع تعدد الاولاد، قد لا يكون اكبرهم اكثر نصيبا من جميع الورثة ، لان الاب مع تعددهم قد يكون اكثر نصيبا منهم، لانه لو كانت تركة الميت ستة الاف مثلا و كان اولاده ايضا ستة، يكون نصيب الاب وهو السدس الفا ونصيب كل واحد من الاولاد ثمانية مائة وثلث وثلثين وكسرا، مدفوع بان الحكم تعلق في النصوص بالنوع، فالمراد من اكثرية النصيب هي اكثريته بحسب النوع لا الشخص ومن المعلوم ان نوع الولد اكثر سهما من الاب فهو الاولى بالميت، اما الصورة الثانية وهي ما اذا كانوا مستوين في السن دون البلوغ ، فالحكم فيها متعلق بالبالغ منهم، لان التكليف تعلق به عند بلوغه ، لصدق اولی الناس به عليه بحسب النوع، وهذا العنوان وانكان صادقا على غير البالغ منهم ايضا، الا انه لمكان صغره لا يكون مكلفا بهذا التكليف ، و اما الصورة الثالثة و هى ما اذا كانوا مستوين في السن والبلوغ ، فالاقوى فيها ما حكى عن المشهور من ثبوت التكليف عليهم على طريق التوزيع ، لما عرفت من تعلق الحكم بالاولى بحسب النوع الصادق على المنحصر والمتعدد ، فما حكى عن الحلى من الحكم بسقوط القضاء عنهم لعدم وجود الاكبر لاوجه له، كما لا وجه لما حكى عن العلامة من ثبوته عليهم على طريق الكفاية وتخييرهم وان اختلفوا اقرع بينهم، اذفيه ماعرفت من ان مقتضى تعلق التكليف بجنس الاولى ، هو وجوب القضاء عليهم على طريق التوزيع ، واما وجوبه عليهم على طريق الكفاية فلا دليل عليه، وذلك لان الوجوب على الجنس، وانكان اعم من الوجوب عليهم على طريق - التوزيع او الكفاية، لكن تكليف كل واحد منهم بقضاء حصته هو القدر المتيقن علی
ص: 340
كل تقدير، فالاصل عدم تكليف كل واحد منهم باذيد من قضائها ولو على طريق الكفاية، وبعبارة اخرى اذا ترك قضاء حصته ولم يأت بها غيره منهم ، يعلم باستحقاقه العقاب على اى تقدير، للعلم بتركه الواجب عليه وجوبا عينيا او كفائيا، و اما اذا قضى حصته وترك الباقى لا يعلم باستحقاقه العقاب على تركه، لعدم العلم بوجوب قضائه علیه اصلا، وبعبارة ثالثة المكلف به المعلوم بالاجماع هنا مردد بين الاقل والاكثر الاستقلاليتين، ولاخلاف فى ان الاصل فيه هى البرائة عن الاكثر، و ذلك لان مقتضى وجوب القضاء على نوع الاولى بالميت، ان كان وجوبه عليهم على نحو التوزيع ، فيكون الواجب على كل واحد منهم قضاء حصة مما على الميت من الفوائت وجوبا عينيا و ان كان مقتضاه وجوبه عليهم على نحو الكفاية، فيكون الواجب على كل واحد منهم تمام ما على الميت من الفوائت وجوبا كفائيا، فيكون وجوب الاقل وهى الحصة على كل واحد منهم متيقنا، و وجوب الاكثر و هو تمام ما على الميت على كل واحد منهم مشكوكا مرفوعا بحديث الرفع، ثم لوسلمنا ثبوت القضاء عليهم على طريق الكفاية، لكن ماذكره من الرجوع الى القرعة عند اختلافهم لا وجه له، لان الواجب الكفائي ليس واجبا على احد المكلفين على البدل، كى يقع الاختلاف في تعيينه ويرجع فيه الى القرعة، بل هو واجب على كلهم، غاية الأمران الغرض منه حيث يحصل بقيام احدهم به، يسقط بقيامه به التكليف به ان ينوى الوجوب
عن الباقين ، فلكل كما في صلوة الميت، هذا تمام الكلام في القاضي.
و اما المقضى ففى مقداره اقوال، فقيل والقائل على المحكى هو المشهور انه جميع مافات من الميت ولو عمدا، وقيل والقائل على المحكى هو الحلى وسبطه ابن سعيد انه خصوص مافاته في مرض موته، وقيل والقائل على المحكى هو العلامة والسيد عميد الدين، انه مافاته لعذر كالمرض والسفر والحيض بالنسبة الى الصوم لا ماتر که عمدا، و اقوى الاقوال هو الاول، لاطلاق ما تقدم من النصوص الدالة عليه، ودعوى انصرافها الى مافات لعذر غير مسلمة، وندرة الترك عمدا من المسلم، لو اوجبت الانصراف الى غيره، فهو انصراف ابتدائى، فلايوجب صيرورة العذر بمنزلة القيد
ص: 341
في الكلام كما هو واضح.
واما المقضى عنه ، فقد يقال ان بناء على ما هو المشهور من اختصاص القاضي بالولد الاكبر ، لكون القضاء فى مقابل الحبوة المختصة به ، هو اختصاص المقضى عنه بالاب، لان العوض لابدان يصل الى من يخرج منه المعوض و هو الاب ، وفيه ما مر من انه لا دليل على كون القضاء في مقابل الحبوة، و لعل ذهاب المشهور الى اختصاص القاضى بالولد الاكبر، لاجل حمل الأولى فى الروايات على الاولى من كل احد يفرض، و اختصاص القاضى بالولد الاكبر عليهذا الحمل، لا يقتضى اختصاص المقضى عنه بالوالد كما هو واضح، فالاولى الاستدلال على ذلك، باختصاص مورد السؤال في روايتي حفص وحماد المتقدمتين بالرجل، ولا وجه لتعميم ما اشتمل عليه الجواب من الحكم لغير الموضوع المسئول عن حكمه، الافيما اذا قطع بانه لاخصوصية للموضوع المذكور فى السوال وانما ذكره السائل على سبيل المثال، وكيف يمكن حصول القطع لنا بذلك في المقام و توهم ان مورد السؤال في الروايتين وانكان هو الرجل ، لكن في بعض الروايات حكم بوجوب القضاء عن الميت ، كالمروية عن كتاب السيد ابن طاوس عن ابن سنان عن الصادق علیه السّلام، قال قال علیه السّلام الصلوة التي حصل وقتها قبل ان يموت الميت يقضيها عنه اولى الناس به، ولا شبهة فى شمول الميت باطلاقه للنساء، فاسد جدا، لالما ادعى من انصرافه الى الرجل، بل لكون الرواية واردة في بيان حكم آخر، و هو تعیین مورد الميت، وانه فيما اذا حصل له الوقت بمقدار الصلوة قبل ان يموت ولم يصل ، في قبال من دخول الوقت ؛ وعليهذا لا يصح التمسك باطلاق لفظ الميت وانكان شاملا للمرأة ، بل لا ينعقد للفظه اطلاق كي يعم المرأة كما لا يخفى و اما الاستدلال على تعميم المقضى عنه الى الام ، بصحيحة ابي حمزة عن امرأة مرضت في شهر رمضان اوطمثت او سافرت فماتت قبل خروج شهر رمضان ، هل يقضى عنها؟
ص: 342
قال علیه السّلام : اما الطمث والمرض فلا واما السفر فنعم، بناء على عدم القول بالفصل بين الصوم والصلوة، ففيه ان السؤال فيها يحتمل قويا ان يكون عن اصل مشروعية القضاء عن المرأة المفروضة التى لم يكن الصوم مشروعا لها في تلك الاحوال، و أنه هل قضاء الصوم عنها يكون كصوم نفسها في تلك الاحوال غير مشروع ام لا ، فيكون معنى الجواب حينئذ ان قضاء الصوم عنها فيما كان فوته عنها لاجل الطمث و المرض غير مشروع، وفيما كان لاجل السفر مشروع، وعليه فلا ينعقد ظهور لها في وجوب القضاء على وليها بل ولا على استحبابه و دعوى الاتفاق على استحبابه فيهذه الصور كما هو المحكى عن المنتهى، لاتجدى فى اثباته بعد ماحقق في محله من عدم حجية الاجماع المنقول، بل عدم مشروعية قضاء الصوم عن امرأة مرضت في شهر رمضان وماتت فى شوال، مصرح به في رواية أبي بصير عن ابيعبد الله علیه السّلام، قال :
سئلته عن امرأة مرضت في شهر رمضان و ماتت في شوال، فاوصتنی ان اقضی عنها.
قال علیه السّلام : هل برئت من مرضها؟
قلت : لا ، ماتت فيه
قال علیه السّلام : لا يقضى عنها، فان الله عز وجل لم يجعله عليها.
قلت : فانی اشتہی ان اقضى عنها وقد اوصتني بذلك.
قال علیه السّلام : كيف تقضى عنها شيئا لم يجعل الله علیها ، فان اشتهیتان تصوم لنفسك فصم، فانها كما ترى صريحة فى عدم شرعية القضاء عنها وان اوصت به فتبين مما ذكرنا ان صحيحة ابي حمزة المتقدّمة، لولم تكن ظاهرة في عدم مشروعية القضاء لمافات عنها من الصوم لاجل الطمث والمرض، و مشروعيته لمافات عنها لاجل السفر، فلااقل من عدم ظهورها في وجوبه، وحينئذ فلا تصلح للاستدلال بها على الوجوب كما هو واضح، نعم حيث قوى بعض الاعاظم كشيخ مشايخنا الانصاری قده لحوق الام بالاب فيهذا الحكم ، وفاقا لصريح المحكى عن صوم المبسوط والنهاية
ص: 343
والغنية والمنتهى والتذكرة ، فلا ينبغى ترك الاحتياط بقضاء مافات عنها من صوم شهر رمضان والصلوة الفائتة عنها لغير الطمث.
هذا آخر ما استفدناه من شيخنا الحاج الشيخ عبدالكريم اليزدي الحائری دام ظله و ایام برکاته ،و افاداته فى صلوة القضاء، والحمد لله اولا و آخرا و صلى الله على خاتم انبیائه و اشر فهم محمد و آله الطاهرين ابدا سر مدا ، وانا العبد الفقير المحتاج الى ربه الغنى محمود الاشتياني عفى عنه
**
ص: 344
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلوة والسلام على اشرف انبيائه محمد وآله الطيبين الطاهرين المعصومين
فى صلوة المسافر وتنقيح الكلام فيه يتم برسم مباحث :
الاول لا اشكال بل لاخلاف عند اصحابنا رضوان الله عليهم في وجوب القصر على المسافر، فانه معادل عليه الكتاب والسنة، قال الله تعالى : و اذا ضربتم في الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة ان خفتم ان يفتنكم الذين
كفروا الاية، وهى و انكانت باعتبار اشتمالها على نفى الجناح ظاهرة فى الرخصة لكنه بعد ماورد من الاخبار في تفسيرها و بيان المراد منها، يعلم ان التعبير عن ايجاب القصر تعيينا بهذه العبارة، انما هو للاشارة الى حكمة الحكم وانه مبنى على التخفيف، ففي صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم عن ابيجعفر علیه السّلام، قالا :
قلنا له علیه السّلام:
ما تقول فى الصلوة في السفر كيف هي وكم هى؟
فقال علیه السّلام :
ان الله عزوجل يقول : واذا ضربتم فى الارض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة ، فصار القصر واجبا في السفر كوجوب التمام في الحضر، قالا قلنا.
انما قال الله عز وجل ليس عليكم جناح ولم يقل افعلوا فكيف اوجب
ص: 345
ذلك كما اوجب التمام في الحضر.
فقال علیه السّلام :
او ليس قد قال الله عز وجل ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما ، الاترون ان الطواف بہماواجب مفروض لان الله عز وجل ذكره في كتابه وصنعه نبيه صلى الله علیه و آله و كذلك التقصير في السفر شئى صنعه النبي صلی الله علیه و آله و سلّم وذكره الله تعالى في كتابه .
قالا قلنا :
فمن صلى فى السفر اربعا ايعيد ام لا؟
فقال علیه السّلام :
انكانت قد فرئت عليه آية التقصير وفسرت له فصلى اربعا اعاد وان لم تكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه، والصلوة في السفر كل فريضة ركعتان الا المغرب فانها ثلث ليس فيها تقصير تركها رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم في السفر والحضر ثلث ركعات ، وقد سافر رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم الى ذى خشب و هى مسيرة يوم من المدينة يكون اليها بريد ان اربعة وعشرون ميلا فقصر وافطر فصارت سنة ، وقد سمى رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم قوما صاموا حين افطر صلی الله علیه و آله و سلّم العصاة قال علیه السّلام فهم له العصاة الى يوم القيمة، وأنا لنعرف ابنائهم وابناء ابنائهم إلى يومنا هذا ، الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة بل الصريحة في كون القصر فى السفر عزيمة و واجبا على التعيين ، فلا ينبغى الاصغاء الى ما عن بعض العامة العمياء من كونه رخصة ، تمسكا بظهور قوله تعالى فليس عليكم جناح فيها هذا.
و توهم ان الاية الشريفة من جهة اشتمالها على القضية الشرطية وهى قوله تعالى ان خفتم ... الخ ، تدل على اختصاص الحكم بصورة وجود الخوف في الطريق كما ذهب اليه العامة ، وهذا مناف لماذهب اليه الخاصة من تعميم الحكم الى مورد عدم الخوف.
مدفوع بان دلالة الاية المباركة على الاختصاص بها، مبنية على ثبوت المفهوم لتلك القضية الشرطية وثبوته لها ممنوع ، اما لماذهب اليه الجل لولا الكل من عدم
ص: 346
ثبوت المفهوم للقيد الوارد مورد الغالب كما في الاية المباركة، حيث ان اسفار النبي صلی الله علیه و آله و سلّم كانت غالبا مع وجود الخوف، و اما لان المتفاهم عرفا من القيود التي تكون مناسبة للحكم وصالحة لكونها من حكمه ومصالحه، كما في المقام حيث أن خوف الطريق له كمال المناسبة للحكم بالقصر ونهاية الصلاحية لكونه حكمة له، هوان المقصود من ذكرها الاشارة والتنبيه على حكمة الحكم وما يؤكده، لا ارادة المفهوم منها كي يدل على عليتها للحكم و دورانه مدارها وجوداً و عدما، فالاية المباركة بلحاظ ما ذكرنا تكون من حيث الدلالة على التخصيص او التعميم مجملة فالمرجع حينئذ هى النصوص الدالة باطلاقها على ماذهب اليه الخاصة من التعميم ، هذا مضافا الى ان عموم الحكم لمورد الامن و عدم الخوف ، مما قام عليه الاجماع عندنا بل هو من ضروريات المذهب كما لا يخفى، فلا مجال للاشكال فيه اصلا.
ويعتبر فى القصر امور وهى ثمانية :
الاول : المسافة من حيث التحديد الشرعي ، و هي على ما ذهب اليه علمائنا الامامية رضوان الله تعالى عليهم ثمانية فراسخ ، و يدل عليه مضافا الى الاجماع الاخبار الكثيرة البالغة حد التواتر ، ففى خبر فضل بن شاذان عن الرضا صلوات الله عليه انما يجب التقصير فى ثمانية فراسخ لااقل من ذلك ولا اكثر.
و في خبر عبدالله بن يحيى الكاهلى عن ابی عبدالله علیه السّلام التقصير في الصلوة برید فی برید اربعة وعشرون ميلا.
و في مضمرة سماعة سألته عن المسافر في كم يقصر الصلوة؟
قال علیه السّلام في مسيرة يوم وذلك بريدان وهما ثمانية فراسخ.
و في رواية عيص بن القاسم عن ابيعبد الله علیه لسّلام والتقصير حده اربعة و عشرون ميلا.
و في الفقه الرضوى التقصير واجب اذا كان السفر ثمانية فراسخ.
و في رواية زرارة و محمد بن مسلم المتقدمة عن الباقر علیه السّلام و قد سافر رسول الله صلى الله علیه و آله الى ذى خشب وهى مسيرة يوم من المدينة يكون اليها بريدان اربعة وعشرون ميلا فقصر وافطر.
ص: 347
و في رواية ابي ايوب عن ابيعبد الله علیه السّلام سألته عن التقصير.
فقال علیه السّلام : فى بریدین او بياض يوم.
و في رواية أبي بصير.
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : في كم يقصر الرجل؟
قال علیه السّلام : فى بياض يوم او بريدين.
و في خبر عبدالرحمن بن الحجاج عن ابيعبد الله علیه السّلام: قلت له كم ادنی ما يقصر فيه الصلوة.
فقال : جرت السنة ببياض يوم.
فقلت له ان بياض يوم يختلف يسير الرجل خمسة عشر فرسخا في يوم و يسير الاخر اربعة فراسخ او خمسة فراسخ في يوم.
فقال علیه السّلام : انه ليس الى ذلك ينظر اما رأيت سير هذه الاثقال بين مکه والمدينة ثم او مى بيده اربعة وعشرين ميلا يكون ثمانية فراسخ، الى غير ذلك من الاخبار الصريحة في ذلك فلا يعباء بما حكى عن بعض العامة كداود الظاهري، من الاكتفاء بحصول مسمى السفر، تمسكا باطلاق قوله تعالى اذا ضربتم في الارض، ولا بما حكى عن بعضهم الآخر، من اعتبار ازيد من ثمانية فراسخ من يوم وليلة او يومين و من هنا يظهران ما ورد في بعض الاخبار الصحيحة من التحديد بمسيرة يوم وليلة وبمسيرة يومين و برد، محمول على التقية الزمانية، مع امكان ان تكون كلمة الواو في الاول بمعنى او كما ان ماورد في بعض الاخبار المتقدمة وغيرها من التحديد بمسيرة يوم او بياض يوم او شغل يوم ، محمول على ما هو الغالب المتعارف فى تلك الازمنة من تحقق الثمانية بقطع المسافة فى يوم واحد بالسير المتعارف ، فالتحديد به تحديد تقریبی والا فالعبرة بالثمانية.
و انما جعل مسيرة يوم موجبة للتقصير ، لكونها امارة نوعية على تحقق الثمانية نظير جعل خمسة عشر رضعة وارتضاع يوم وليلة امارة على انبات اللحم و شد العظم الذى هو السبب لنشر الحرمة ، لا لكونها ميزانا وحدا مستقلا في قبال الثمانية ، كيف والتحديد المحدد بمسير يوم لابد ان يكون المراد به مقدارا معينا
ص: 348
من المسافة والبعد عن الوطن عند الشارع ، اذ لا معنى لجعله ميزانا مع عدم تعينه فى الواقع لمنافاته لقضية التحديد والميزانية ومن المعلوم اختلاف مسير يوم اختلافا فاحشا حسب اختلاف الزمان صيفا وشتاء و اختلاف السير سرعة و بطوء، فلا بد في تحديد ذلك المقدار، من التحديد بما يكون مضبوطا عندنا كي ينفعنا عند الشك في تحقق ذلك المقدار، و ليس هناك شئ يصلح لذلك الا الفراسخ فيتعين ان تكون ثمانية فراسخ ميزاناً وحدّاً حقيقياً لذلك المقدار ومبينا لما اريد من التحديد بمسيرة يوم، و تكون مسيرة يوم بالسير المتعارف في ذاك الزمان امارة على تحقق ذلك الميزان، كما يشير الى ذلك قوله علیه السّلام في رواية ابن الحجاج المتقدمة ليس الى ذلك ينظر ... الخ، فانه كالصريح في ان المدار على الثمانية وان مسير يوم بالسير المتعارف انما جعل موجبا للتقصير لاستلزامه بحسب الغالب لقطع ثمانية فراسخ.
فتبين مما ذكرنا ان لزوم القصر بثمانية فراسخ امتدادية ذهابا او ايابا مما لا اشكال بل لا خلاف فيه بل الاجماع عليه محقق و انما وقع الاشكال والخلاف في اند هل يعتبر خصوص الثمانية الامتدادية، ام يكفى الثمانية الملفقة من الذهاب والاياب مطلقا اوفيما قصد الرجوع ليومه ومنشاء الخلاف اختلاف الاخبار الواردة فى الباب فانها على طوائف ثلث منها ما دل بظاهره على اعتبار الثمانية الامتدادية كالاخبار المتقدمة ومنها ما دل بظاهره على كفاية اربعة فراسخ مطلقا رجع ليومه اولم يرجع اصلا ، كرواية زرارة عن ابيجعفر الله قال : التقصير في بريد والبريد اربعة فراسخ. و رواية زيد الشحام عن ابيعبد الله علیه السّلام قال : سمعته علیه السّلام يقول يقصر الرجل الصلوة فى مسيرة اثنى عشر ميلا.
ومنها مادل بظاهره بل صريحه على كفاية الثمانية الملفقة، كرواية معوية بن وهب قال : قلت لا بيعبد الله علیه السّلام ادنى ما يقصر فيه الصلوة؟
قال علیه السّلام بريد ذاهبا و بريد جائيا ، ورواية المروزي قال قال الفقيه علیه السّلام
ص: 349
التقصير في الصلوة بريد ان او بريد ذاهبا و برید جائيا، و رواية محمد بن مسلم عن ابيجعفر علیه السّلام قال سألته عن التقصير قال علیه السّلام بريد قلت برید قال علیه السّلام انه اذاذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه ، ورواية تحف العقول عن الرضا علیه السّلام في كتابه الى المامون والتقصير فى اربعة فراسخ برید ذاهبا و برید جائياً.
ولا يخفى ان مقتضى الجمع بين هذه الاخبار، هو كفاية الثمانية الملفقة مطلقا قصد الرجوع ليومه ام لم يقصد، و ذلك لان اخبار الثمانية واخبار الاربعة و انكانتا متعارضتين، و مقتضى تكافؤهما سند الكونهما معمولا بهما بين الاصحاب، و عدم امكان الجمع بينهما دلالة ، هو الحكم بالتخيير الذي هو الاصل الثانوى في تعارض الاخبار.
لكن الاخبار الدالة على كفاية الثمانية الملفقة، تكون لصراحتها فى ان حكم الثمانية الملفقة حكم الثمانية الامتدادية، حاكمة على اخبار الثمانية وشارحة للمراد منها كما انها شارحة ايضا لاخبار الاربعة، ومبينة بان الحكم فيها بكفاية الاربعة انما هو بلحاظ ضم الرجوع اليها، حيث ان الاربعة الامتدادية ذهابا مستلزمة غالبا لاربعة اخرى ايابا كما يشهد لذلك اقتصار الامام في رواية محمد بن مسلم
علي المتقدمة فى مقام الجواب عن حد التقصير بقوله له بريد ، لمّا استبعد السائل ذلك لمخالفته لما كان معهودا عندهم من تحديد التقصير شرعا ببريدين وقال بريد، اجابه الامام علیه السّلام بان الذهاب بريدا مستلزم للاياب كك فيتم ثمانية فراسخ فانه لولا استبعاد السائل ذلك لقطع الامام علیه السّلام الكلام على ذلك، اى اقتصر في الجواب علیه السّلامعن حد التقصير بقوله علیه السّلام برید، مع ان مراده علیه السّلام من التحديد به انما هو بلحاظ ضم الرجوع اليه ، فهذا يكشف عن ان الاكتفاء في تلك الاخبار بالاربعة كان ايضا بهذا اللحاظ لا مطلقا فهذه الرواية شاهد جمع بين الطائفة الاولى الدالة بظاهرها على اعتبار الثمانية الامتدادية، والطائفة الثانية الدالة بظاهرها على كفاية الاربعة مطلقا، فيرتفع ببركتها التعارض من البين.
ثم ان مما ذكرنا من حكومة اخبار التلفيق على اخبار الثمانية الامتدادية،
ص: 350
و دلالتها على ان الثمانية الملفقة حكمها حكم العمانية الامتدادية ظهر انه لاوحه لاعتبار قصد الرجوع ليومه في كفاية التلفيق، بعد عدم اعتبار كون الثمانية الامتدادية في يوم واحد والا لم يكن حكمهما واحدا فحكم من لا يقصد الرجوع ليومه حكم من يسافر الثمانية الامتدادية فى يومين او ثلثة ايام اوازید.
و اما قوله علیه السّلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة فقد شغل يومه ، فلادلالة له على اعتبار قصد الرجوع ليومه فى كفاية التلفيق، وذلك لان المقصود من التعليل به، رفع استبعاد السائل و تعجبه من تحديد التقصير بالبريد ، ببيان ان الموجب او الحكمة للقصر هو كون المسافة غالبا بمقدار شغل اليوم، و هذا مشترك بين الثمانية الامتدادية والملفقة و اما اعتبار كون المسير فيها في يوم واحد، فلادلالة له عليه، والا للزم اعتباره ايضا فيما كانت المسافة ثمانية ممتدة ، و هو مما لم يقل به احد.
هذا مضافا الى ما فى اخبار العرفات واخبار تخلف الرفيق من التصريح بوجوب القصر فى اربعة فراسخ مع عدم الرجوع فى اليوم فمن الاولى رواية معوية بن عمار قال:
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام : ان اهل مكة يتمون الصلواة بعرفات.
فقال علیه السّلام: ويلهم او ويحهم وای سفر اشد منه لا تتم ، وباسايند متعددة مثله، وفى بعضها لاتتموا بدل لانتم ومنها روايته الاخرى عنه علیه السّلام ايضا:
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام: فيكم اقصر الصلوة؟
فقال علیه السّلام : في بريد الاترى ان اهل مكة اذا خرجوا الى عرفة كان عليهم التقصير.
ومنها رواية اسحق بن عمار قال.
قلت لا بيعبد الله علیه السّلام: في كم التقصير؟
فقال علیه السّلام : في بريد ويحهم كانهم لم يحجوا مع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم فيقصروا.
ص: 351
و منها رواية الحلبى عن ابيعبد الله علیه السّلام: قال علیه السّلام:
ان اهل مكة اذاخرجوا حجاجاقصروا واذار و اوجعوا الى منازلهم اتموا. و منها رواية محمد بن محمد المفيد في عد قال :
قال علیه السّلام: ویل لهؤلاء الذين يتمون الصلوة بعرفات اما يخافون الله.
فقيل له : فهو سفر.
فقال علیه السّلام : وای سفر اشد منه الى غير ذلك من الروايات الدالة على وجوب التقصير على من يخرج من مكة الى عرفات، مع انه لا يرجع منها الى مكة ليومه بل يفيض منها الى المشعر فيبيت فيه ثم يمضى بعد طلوع الشمس الى منى لرمى الجمرة والنحر والحلق او التقصير ثم يأتى الى مكة .
ومن الثانية رواية اسحق بن عمار قال :
سألت ابا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن قوم خرجوا في سفر فلما انتهوا الى الموضع الذى يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلوة، فلما صاروا على فرسخين او على ثلثة او على اربعة تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفرهم الابه، فاقاموا ينتظرون مجيئه اليهم و هم لا يستقيم لهم السفر الابمجيئه اليهم، فاقاموا على ذلك اياما لا يدرون هل يمضون في سفرهم او ينصرفون، هل ينبغى لهم ان يتموا الصلوة ام يقيموا على تقصيرهم؟
قال علیه السّلام:
انكانوا بلغوا مسيرة اربعة فراسخ فليقيموا على تقصیر هم اقاموا ام انصرفوا الخبر.
وروى الصدوق رحمه الله عنه فى العلل عن جماعة عن محمد بن مسلم نحوها، الا انه زاد فيه بقوله ثم قال علیه السّلام هل تدري كيف صار هذا قلت لا، قال علیه السّلام لان التقصير في بريدين ولا يكون التقصير فى اقل من ذلك ، فاذا كانوا قد ساروا بريداً او ارادوا ان ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير ، وانكانوا قد ساروا اقل من ذلك لم يكن لهم الا اتمام الصلوة ، قلت اليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه اذان مصر هم الذي خرجوا منه ، قال علیه السّلام بلى انما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم
ص: 352
يشكوا في مسيرهم و ان السير يحد بهم ، فلما جائت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا.
وهاتان الطائفتان من الروايات كما ترى صريحتان فى عدم اعتبار الرجوع فى اليوم ، فلا تصلح الاخبار الدالة بظاهرها على اعتباره للمعارضة معهما كما لا يخفى.
ثم هل يعتبر في الثمانية الملفقة ان يكون الذهاب اربعة فراسخ، ام لابل يكفى مطلق التلفيق وانكان الذهاب فرسخا والاياب سبعة و جهان بل قولان، ذهب السيد قده في العروة الى الثانى، وقواه شيخ مشايخنا الانصارى قده في كتاب الصلوة لولم يقم اجماع على خلافه، تمسكا باطلاق ما في بعض اخبار التلفيق من التعليل بقوله علیه السّلام لان ذهابك ومجيئك بريدان، الظاهر فى ان المدار على كون المجموع من الذهاب والإياب بريدين، وبقوله علیه السّلام في بعضها الآخر لانه ان ارجع كان سفره ثمانية فراسخ ، الظاهر فى اناطة الحكم بحصول الثمانية مع التلفيق مطلقا و بقوله علیه السّلام في رواية محمد بن مسلم المتقدمة انه اذا ذهب بريداً ورجع بريدا فقدشغل يومه ، الظاهر فى اناطة الحكم بكون المسافة بمقدار شغل اليوم سواء كان الذهاب اربعة فراسخ ام لاهذا .
ولكن الأقوى بحسب النظر الدقيق هو الأول الذى هو المشهور وتوضيح ذلك يتوقف على تمهيد مقدمة، وهى انه لا شبهة فى ان المسافرة ليست من الموضوعات المستنبطة الشرعية، بل انما هى من الامور العرفية، غاية الامر ان الشارع فى مقام جعل الحكم للمكلف فى حالها، اعتبر فيها قيودا و شروطا، مثل ان لاتكون سفر معصية، و ان تكون المسافة ثمانية فراسخ و غيرهما من الشروط الاتية انشاء الله تعالى.
ومن المعلوم أنه يعتبر في صدق عنوان المسافرة عرفا مقدار معتد به من البعد عن الوطن، ولذا لو خرج الشخص عن منزله الى خارج البلد ودار اطرافه بمقدار ثمانية فراسخ، او خرج عن بلده الى حد فرسخ وكرر المراجعة والذهاب الى ذاك
ص: 353
الحد الى ان صار بمقدار ثمانية فراسخ ، لا يصدق عليه عرفا عنوان المسافر .
اذا تمهدت هذه المقدمة ، فنقول ان التعليل بالعلل المذكورة في بعض اخبار التلفيق، و انكان ظاهرا في كون المدار عليها مطلقا ولو كان الذهاب اقل من فرسخ، الا ان التعليل بها حيث يكون واردا في حكم المسافر، فلابد من تخصيصه بما اذا كان هناك مقدار من البعد يصدق معه عنوان السفر عرفا و حينئذ فلا منافاة بين التعليلات المزبورة والاخذ بظاهر الاخبار الدالة على التحديد بالبريد و انه اقل بعد يقع فيه التقصير، بجعلها في مقام تحديد البعد الذى لابد منه في صدق السفر و تحقق موضوعه عرفا ووجه عدم المنافاة هو ما اشرنا اليه انفا من ان التعليل بها وارد في موضوع السفر، فلا يمكن ان تتحقق المنافاة بينه وبين ما يحدد البعد المعتبر في تحقق موضوعه كما هو اوضح من ان يخفى و ان ابيت عن ذلك، بدعوى ان هذه الاخبار حيث تكون مشتملة عليهذه التعليلات، فلا ينعقد معها لها ظهور في التحديد، لان ظهور الكلام انما ينعقد بعد تماميته فالمتبع حينئذ هو ظهور التعليلات في الاطلاق، لكونها من متممات الكلام، فتكون كالفرينة على المجاز التي تكون حاكمة على ظهور اللفظ في المعنى الحقيقى فحينئذ لابد في رفع اليد عن اطلاق تلك العلل، الاقتصار على القدر المتيقن مما يعتبر فى موضوع السفر من البعد، والرجوع في الزائد عليه من خصوص الاربعة الى اطلاق تلك العلل فنقول ان في اخبار الاربعة ما تكون خالية عن ذكر العلة ، وظاهرة فى التحديد بالبريد وانه اقل بعد يقع فيه التقصير ففى رواية فضل بن شاذان انما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا اكثر من ذلك، لان ما يقصر فيه الصلوة بريد ذاهبا و بريد جائيا والبريد اربعة فراسخ، فوجبت الجمعة على من هو على نصف البريد الذي يجب فيه فيه، و ذلك لانه يجئ فرسخين ويرجع فرسخين وذلك اربعة فراسخ وهو نصف طريق المسافر و في رواية محمد بن يحيى الجزار عن بعض اصحابه عن ابيعبد الله علیه السّلام :
أن رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم لما نزل عليه جبرئيل بالتقصير ، قال له النبي صلی الله علیه و آله و سلّم :
في كم ذلك ؟ فقال في بريد فقال صلی الله علیه و آله و سلّم: وكم البريد. قال : ما بين ظل عير الى
ص: 354
فيء وغير.
و في رواية ابن أبي عمير عن ابيعبد الله علیه السّلام قال :
سئل عليه السلام عن حد الاميال التي يجب فيها التقصير ؟ فقال ابو عبد الله عليه السّلام .
ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم جعل حدالاميال من ظل عير الى ظل وعير وهما جبلان بالمدينة الخبر و في رواية محمد بن مسلم المتقدمة عن ابى الحسن عليه السّلام،
و ان كانوا قد ساروا اقل من ذلك لم يكن لهم الا اتمام الصلوة و في رواية ابي ولاد عن ابيعبد الله عليه السّلام.
قال عليه السلام : ان كنت سرت في يومك الذى خرجت فيه بريدا فكان عليك حين رجعت ان تصلى بالقصر ، الى ان قال عليه السّلام و ان كنت لم تسر في يومك الذى خرجت فيه بريدا ، فان عليك ان تقضى كل صلوة صليتها في ذلك اليوم بالتقصير بتمام ذلك ، لانك لم تبلغ الموضع الذى يجوز فيه التقصير حتى رجعت فوجب عليك قضاء ماقصر.
فان تعليله عليه السّلام الحكم بقضاء الصلوة بقوله لانك لم تبلغ الموضع الذى يجوز فيه التقصير، من غير استفصال بين ما كان رجوعه الى الكوفة التي خرج منها من طريق الماء الى قصر ابى هبيرة اقل من اربعة ، او اكثر كما اذا رجع الى الكوفة من طريق البر ، ان لعل المراجعة اليها من طريقه كانت تبلغ مقداراً يتم بضميمته الى مقدار ذهابه ثمانية فراسخ يدل على ان الاقل من الاربعة لا يكفى فى التقصير ، الى غير ذلك من الاخبار الظاهرة في تحديد التقصير بالبريد و انه ادنى ما يقصر فيه المسافر مع خلوها عن تلك التعليلات.
و حينئذ فنقول بعد ما كان مقدار من البعد معتبرا فى موضوع السفر عرفا ، ولم يكن لذاك المقدار حدّ معين مضبوط عند العرف فما المانع عن كون هذه الاخبار واردة في مقام تحديد ذلك المقدار ، كما ورد تحديد الماء الكثير ببلوغه الى الكر.
و توهم ان هذه الاخبار و انكانت لخلوها عن ذكر العلة ظاهرة في التحديد
ص: 355
بالبريد ذهابا وايابا، لكن يعارضها ظهور التعليل بشغل اليوم المذكور فى غيرها من الاخبار في كفاية الاقل منه ذهابا اوايابا.
مدفوع اولا بماذكرنا من ان هذا التعليل حيث يكون وارداً في موضوع السفر فلا يمكن ان يعارض ماهو بصدد تحديد البعد المعتبر فى موضوعه و ثانياً بما اشرنا اليه من ان المقصود من التعليل به، رفع استبعاد السائل و تعجبه من التحديد بالبريد، ببيان ان الموجب للقصر هو كون المسافة بمقدار شغل اليوم، وهذا مشترك بين الثمانية الامتدادية والملفّقة ، فهو في مقام دفع ما توهمه السائل من المنافاة بين تحديده عليه السّلام التقصير بالاربعة وبين مادل من الاخبار على التحديد بالثمانية، ببيان ان المدار في التقصير ليس على خصوص الثمانية الامتدادية، بل على الاعم منها ومن الملفقة، لاشتراكهما في كونهما بمقدار شغل اليوم الذى هو العلة في جعل القصر على المسافر ، ولذا منعنا فيما مر عن دلالة هذا التعليل على اعتبار الرجوع ليومه فى الثمانية الملفّقة، لمنافاة دلالته على ذلك مع كونه علة مشتركة بينها وبين الثمانية الامتدادية التى لا يعتبر فيها وقوعها فى يوم واحد اجماعا ، فليس هذا التعليل في مقام البيان من الجهة التى نتكلم فيها ، كي يكون له اطلاق من هذه الجهة ، فيعارض مادل على التحديد بالاربعة ذهابا وايابا و حمل مافي اخبار التلفيق من البريد ذهابا والبريد ايابا على مجرد التمثيل، بعيد فى الغاية بعد وقوعه في اكثرها جواباً عن السئوال عن اقل بعد يقع فيه التقصير كما لا يخفى على من راجعها وعلى تقدير التسليم ، فغايته التعدى الى ما اذا كان الذهاب ازيد من الاياب ، كما اذا كان الذهاب خمسة والاياب ثلثة ، دون ما اذا كان الأمر بالعكس، لان الظاهر من المثال هو بيان اقل ما يكتفى به فى تحقق موجب القصر فتلخص مما ذكرنا ان القول بوجوب التقصير تعيينا الغير مريد الرجوع ليومه، اوفق بما يقتضيه الجمع بين الاخبار بحمل الظاهر منها على الأظهر والصريح منها و اما القول بالتخيير بين القصر والاتمام فيهذا الفرض فلاوجه له اصلا ، سواء استند فيه الى ماهو الاصل الثانوى فى تعارض الاخبار من التخيير، او الى ما عن الفقه الرضوى، من انه عليه السّلام قال فيه فانكان سفرك بريدا
ص: 356
واحدا واردت ان ترجع من ذلك قصرت لان ذهابك ومجيئك بريدان ، الى ان قال عليه السّلام فان لم ترد الرجوع ليومك فانت بالخياران شئت تممت و ان شئت قصرت اما على الاول، فلان التخيير فى تعارض الاخبار انما ورد فيما اذا كانت الأخبار المتعارضة متكافئة من جميع الجهات ، فلامجال له في مثل المقام الذي يكون من تعارض الظاهر مع النص الذى مقتضى القاعدة فيه تحكيم النص على الظاهر و اما على الثانى فلان المحكى عن الفقه الرضوى و انكان صريحا في التخيير، الا انه لمكان ضعفه سنداً لا يصلح للمعارضة مع الاخبار الكثيرة الواردة في العرفات المشتملة بعضها على النهى عن الاتمام والتوبيخ عليه، والاخبار الواردة في تخلف الرفقة الصريحة فى تعين القصر.
ثم ان الميزان فى الثمانية الملفقة الموجبة للقصر ، ان يكون المسافر قاصداً المرجوع من دون قصد الاقامة فلو كان من اول الخروج قاصداً للاقامة في المقصد عشرة ايام او كان مترددا في ذلك، لم يجزله التقصير، و ذلك لانه وان قصد الثمانية الملفقة، لكن مجرد ذلك لا يجدى فى ترتب حكم المسافر عليه بعد ما كان قاصداً للاقامة ، لما سيجيىء انشاء الله تعالى من ان قصدها قاطع للسفر موضوعا، و معه لا مجال لترتب حكم المسافر عليه كما هو واضح.
بقى هنا امور ينبغى التنبيه عليها الاول انك قد عرفت فيمامر ان ما في بعض الاخبار المتقدمة من تحديد مقدار المسافة بمسيرة يوم او بياض يوم تحديد تقريبي، وان الحد في الحقيقة هو البريدان وهما ثمانية فراسخ، كما وقع التصريح به في جملة من الاخبار المتقدمة ، مضافا الى عدم الخلاف فيه، كما لاخلاف ايضا في ان الفرسخ ثلثة اميال، كما وقع التصريح به ايضا في بعض الاخبار المتقدمة، والميل على المشهور بين الناس كما في الشرايع بل المقطوع به كما في صريح المدارك، اربعة الاف ذراع بذراع اليد الذى طوله اربعة وعشرون اصبعاكل اصبع عرض سبع شعيرات كل شعيرة عرض سبع شعرات من اوسط شعر البرذون الذي هو نوع من الخيل او مطلق دابة الحمل، فالمدار على الفراسخ، و انما جعل
ص: 357
مسيرة يوم على نحو الاعتدال امارة عليها، فلا بأس بالاكتفاء بها عند عدم العلم بالفراسخ، بعد كونها امارة شرعية عليها كما لا يخفى و هذا بخلاف ما لو قلنا بان كلا منهما سبب مستقل للتقصير، فان مقتضاه الاكتفاء بكل واحدة منهما ولو مع العلم بعدم تحقق الاخرى.
الثاني هل تحديد المسافة فى الاخبار بثمانية فراسخ تقریبی ، کی یکون المدار على ما يعد فرسخا عند العرف الذي لايضر بصدقه الزيادة والنقيصة يسيرا، اواند تحقیقى كسائر التحديدات الشرعية كالكر ونحوه ، وجهان اقواهما الاول، وذلك لان التحديد انما ان يكون تحقيقيا فيما امكن احرازه لعامة المكلفين، كما في تحديد الماء الكثير الذى لا ينفعل بملاقاة النجاسة، بالكر الذي يمكن احرازه لعامة المكلفين بالاشبار والارطال، دون مالا يمكن احرازه الابالات اورصد ونحوهما ممالا يمكن حصوله لنوع المكلفين كما في المقام و يدل على ما ذكرنا، مضافا الى امكان استفادته من بعض الاخبار، کرواية ابن ابی عمیر المتقدمة عن ابيعبد الله علیه السّلام قال مسئل ابو عبد الله علیه السّلام عن حد الاميال التي يجب فيها التقصير، فقال علیه السّلام ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم جعل حد الاميال من ظل عير الى ظل وعير ، وهو الميل الذي وضع رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عليه التقصير، وجه الاستفادة هو ان التحديد بما بين الجبلين من البعد المايتم لوكان التحديد تقريبيا، والا لم يتم التحديد به الابان يذرع ما بينهما ماعرفت من ان الاصحاب حدّدوا الفرسخ بثلثة اميال، كما ورد التحديد بها في الاخبار ايضا ، وحددوا الميل باربعة الاف ذراع، وحدّدوا الذراع باربعة و عشرين اصبعا، وحددوا الاصبع بسبع شعيرات بطن كل واحدة يلصق بظهر الاخرى، و من المعلوم اختلاف ما هو المتعارف من الذراع والاصبع والشعير زيادة ونقصاناً فضلا عن غير المتعارف منها، و معه كيف يمكن ان يكون المدار على الفرسخ الحقيقي و توهم ان بحمل الذراع والاصبع والشعير على ما هو المتوسط المتعارف منها يرتفع هذا الاختلاف، مندفع بما اشرنا اليه انفا من اختلاف ما هو المتعارف منها ايضا.
ص: 358
ثم انه ان قلنا بان المدار على الفرسخ الحقيقى، فحيث ان الفرسخ الحقيقي يختلف مصاديقه حسب اختلاف الذراع والاصابع والشعيرات التي حددوا الاميال بها، فيكفى في التقصير اقل ما يصدق عليه ثمانية فراسخ ممتدة او ملفقة ويلغوالزائد عليه، وذلك لان مع صدق ثمانية فراسخ على الاقل، يعمه اطلاق مادل على وجوب القصر على كل من قصد الثمانية كما هو واضح و توهم ان الاقل كما يصدق عليه الثمانية بلحاظه فى نفسه، كذلك يصدق عليه انه اقل من الثمانية بلحاظه مقيسا الى غيره من مصاديق الثمانية، فيعمه حينئذ اطلاق مادل على وجوب التمام على كل من قصد الاقل من الثمانية مدفوع بان الثمانية لم تؤخذ في الادلة مقيدة بخصوص ثمانية خاصة بل اعتبرت مطلقة، و مقتضى اطلاقها هو الاكتفاء باقل ما يصدق عليه الثمانية، و عدم صدقها على الاقل بلحاظ غيره من مصاديقها، لا يستلزم عدم صدقها عليه رأسا كيلا يعمه إطلاقها كما لا يخفى وهذا بخلاف مالوقلنا بان المدار على الفرسخ العرفى، فان التقصير عليه يتبع صدق مسير ثمانية فراسخ عرفا، وهذا بحسب الموضوع له معنى شامل لمقدار خاص لا يضره الزيادة والنقصان يسيراكما لا يخفى.
الثالث لاشبهة فى انه يعتبر في التقصير احراز المسافة بالعلم او البينة، فلو شك فيها ولم يكن هناك ما يصلح للاعتماد عليه في معرفتها من بينة و نحوها، فهل يجب عليه الجمع بين القصر والاتمام او يجب عليه الاتمام، وجهان اقويهما الثاني وذلك لان مقتضى ال الاجمالي بوجوب الصلوة عليه اما قصر الوكان المقصد مسافة و اما تماما لو كان اقل ، وانكان هو الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام ، لكن هذا العلم الاجمالي لا يؤثر فى ايجاب الاحتياط، بعد كون مقتضى الاصل العملى الموضوعى الحكمي هو وجوب هو وجوب التمام، فان مقتضى الاصل الموضوعى عدم تحقق السفر الموجب القصر، كما ان مقتضى الاصل الحكمى بقاء وجوب التمام، ومعهما ينحل ذلك العلم الاجمالي ولا يبقى لتأثيره في وجوب الاحتياط مجال والخدشة فى الاول بان ما يتفرع على اصالة عدم تحقق السفر الموجب للقصر انما هو عدم وجوب القصر، واما وجوب التمام فهو مبنى على ان لا تكون المسافة ثماني، وهو مما لا يمكن احرازه
ص: 359
بهذا الأصل الا على القول بالاصول المثبتة مدفوعة بان وجوب التمام ايضا متفرع عليهذا الاصل، ضرورة ان الموضوع لوجوبه هو المكلف الذي لم يسافر السفر الموجب للقصر، وهذا الموضوع بعضه وهو كونه مكلفا محرز بالوجدان، فاذا احرز بعضه الاخر وهو عدم كونه مسافرا سفرا يوجب القصر بالاصل يتم الموضوع ويترتب عليه حكمه وهو وجوب التمام كما ان الخدشة فى الثاني بان الموضوع لوجوب الاتمام هو الحاضر، ومع الشك في بقاء هذا العنوان لا يصح استصحاب وجوب التمام لانه من استصحاب الحكم مع الشك فى بقاء موضوعه مندفعة بان الموضوع لوجوب التمام عرفا هو ذات المكلف لا بعنوان كونه حاضرا، و معه يكون استصحابه جاريا بلا اشكال فتبين مما ذكرنا ان مقتضى الاصل العملى فى المقام هو الاتمام مطلقا سواء حصل الظن بالمسافة ام لا، لان الظن مالم يقم دليل على اعتباره لا يمنع عن جریان الاصل، الا ان يكون من الظنون الاطمينانية التي يطلق عليها العلم العادى، فان الظاهر بناء العقلاء على العمل بها في امورهم المهمة ايضا، ولم يثبت ردع من الشرع عن العمل بها لانصراف الادلة الناهية عن العمل بالظن عنها كما بيناه في محله.
و علی ای حال، فهل يكون الرجوع الى الاصل الموضوعي او الحكمي في المقام بل مطلقا مشروطا بالفحص مطلقا ام لا مطلقا، او يفصل بين مالوكان الفحص متوقفا على تمهید مقدمات غير حاصلة وبين مالم يكن كك، فيكون مشروطا به في الثاني دون الاول وجوه اقويها الاخير، لالما علله به بعض الاساتيد من ان القوة القريبة من الفعلية ملحقة بالفعلية عرفا، لان ذلك ممنوع جدا ، ولذا يعبرون عن استعمال اللفظ فيما يكون قريب الاستعداد من معناه الحقيقى بالمجاز بالمشارفة، هذا مضافا الى ان ما افاده من التعليل مما يلزم من الالتزام به فقه جدید، ان مقتضاه كما ترى كون المشرف على الموت بحكم الميت في ترتيب آثاره عليه من نجاسة بدنه وسببية مسه للغسل وتقسيم امواله بين الوراث الى غير ذلك من احكام الميت، وكذا كون من له القوة القريبة من الاجتهاد بحكم المجتهد الفعلى في حرمة التقليد عليه
ص: 360
ونفوذ حكمه الى غير ذلك من احكامه و هذه كماترى مما لا يمكن الالتزام به، و مضافا الى استلزام ما افاده لكون العلم المأخوذ غاية في ادلة الاصول، اعم من العلم الفعلى و من القريب بالفعلية لتحقق مقدمات حصوله، ولازم ذلك كما ترى عدم جريان الاصل رأسا فيما كانت تلك المقدمات حاصلة، لتحقق غايته بمجرد حصول تلك المقدمات، ومعه لا يبقى، ومعه لا يبقى للبحث عن اشتراط جريانه بالفحص او عدم اشتراطه به مجال اصلا كما لا يخفى.
بل الوجه فى اقوائية التفصيل المزبور، ما حققناه فى محله من ان الشك الذى اخذ موضوعا في ادلة الاصول، منصرف عرفا عما اذا كان هناك مقدمات حاصلة يمكن حصول العلم للمكلف بادنى توجه ونظر اليها، كما اذا كان هناك مايع مردد بين الخمر والخل وامكن تشخیصه بمجرد شمه او النظر الى لونه، فانه لوشر به من دون الفحص عنه بشمه او النظر اليه، متمسكا بقوله علیه السّلام كلشئ لك حلال حتى تعلم ثم تبين انه كان خمرا، يذمونه العقلاء على ذلك ويقولون لم ما شممته حتى تعرف ماهو، وليس ذلك الا لكون الشك المأخوذ موضوعا في ادلة الاصول، منصرفا عن مثل هذا الشك الذى يزول ويحصل العلم بالموضوع بادنى توجه ونظر الى تلك المقدمات، بل لا يبعد دعوى عدم صدق الفحص على مجرد النظر اليها، ضرورة ان الفحص انما يصدق فيما توقف حصول العلم على تمهید مقدمات غير حاصلة، دون ما اذا كان حصوله متوقفا على مجرد ادنى نظر الى مقدمات حاصلة، فان دعوى عدم صدق الفحص عرفا على مثله قريبة جدا، ومن هنا اعتبروا التروى فى شكوك الصلوة وعدم المبادرة الى البناء على الاكثر بمجرد الشك في عدد الركعات.
فان قلت على ما ذكرت من انصراف الشك المأخوذ في ادلة الاصول عن مثل هذا الشك، لا يكون دليل على حجية الاصل في مثل هذا الشك، ومعه لا يصح الرجوع اليه مطلقا فحص ام لم يفحص، فما الفائدة في اشتراط الرجوع اليه بالفحص، قلت تظهر الفائدة فيما لو تفحص ولم يحصل له منه علم باحد طرفي الشك، فانه يكشف له حينئذ ان شكه لم يكن من الشكوك المنصرف عنها ادلة الاصول، فيصح
ص: 361
له الرجوع الى الاصل حينئذ بلا اشكال هذا ما ادى اليه نظرى القاصر، خلافا لما اختاره شيخنا الاستاد دام ظله من لزوم الفحص في المقام مطلقا، مستدلا على ذلك بما ملخصه ان العلم الاجمالي بوجوب القصر او الاتمام، وان انحل ببركة الاصل الموضوعى او الحكمى الى العلم التفصيلى بوجوب الاتمام والشك البدوى بالنسبة الى وجوب القصر، لكن لا يصح رفع احتمال وجوبه بالاصل الا بعد الفحص، ضرورة ان الاصل النافي للتكليف المشكوك، اما عقلى كالبرائة التي ملاكها قبح العقاب بلابيان، واما نقلى كحديث الرفع و استصحاب العدم، ولا مجرى لشئ منهما الا بعد الفحص، اما الاصل العقلى فلما عرفت من ان ملاكه قبح العقاب بلابيان، ولا يتحقق هذا الملاك الا اذا لم يكن هناك بيان، و احراز عدمه لا يمكن الا بالفحص، واما الاصل النقلى فلان الشك الذى اخذ موضوعا في ادلة الاصول، منصرف عما اذا امكن تحصيل العلم بمقدار متعارف من الفحص، فاطلاق ادلة الاصول غير شامل للشك البدوى قبل الفحص، ومع عدم المؤمن لامن العقل ولا من طرف الشرع، واحتمال البيان على وجه يظفر به بالفحص يحكم العقل بوجوب الاحتياط او الفحص و دعوى ان المؤمن من طرف الشرع موجود في المقام، لقيام الاجماع على جواز الاخذ بالبرائة والعمل على طبقها من دون فحص فى الشبهات الموضوعية مدفوعة بان قيام الاجماع على ذلك فى الشبهات الموضوعية التحريمية وانكان مسلما، لكن قيامه على ذلك في الموضوعية الوجوبية ممنوع جدا، هذا ملخص ما افاده دام ظله فيهذا المقام ولكنك خبير بعدم خلوما افاده دام ظله بالنسبة الى كل من الاصلين العقلى والشرعى من النظر، اماما افاده بالنسبة الى الاصل العقلى، فلان المراد من البيان المأخوذ عدمه في قاعدة قبح العقاب بلابيان ليس هو مجرد انشاء الحكم على الموضوعات النفس الامرية وان جهل المكلف بتوجهه اليه، بل المراد منه هو البيان التام الواصل الى المكلف بحيث يعلم ولو اجمالا بتوجه الخطاب اليه فعلا و تنجزه في حقه، ومن المعلوم ان مجرد علم المكلف بالقضية الكلية الشرعية المتكفلة لانشاء الحكم على الموضوعات المقدرة وجوداتها كقوله اكرم العالم مثلا ، مع الشك في
وجود
ص: 362
وجود موضوعها وهو العالم خارجا اوفى موضوعية الموجود لها، لا يوجب العلم بتحقق خطاب فعلى متوجه اليه متنجز في حقه، ضرورة ان حصول العلم بالنتيجة يتوقف على العلم بالمقدمتين، ولا يكفى فى حصوله مجرد العلم بالكبرى، ففى المثال لولم يعلم المكلف بوجود العالم خارجا، لا يؤثر مجرد العلم بقضية اكرم العالم، في حصول العلم له بتوجه خطاب فعلى نحوه باکرام العالم، فاذا كان البيان المأخوذ عدمه في قاعدة القبح، هو البيان الموجب لعلم المكلف بتوجه الخطاب اليه فعلا، فمع عدم علمه بتوجهه اليه كك، من جهة الشك فى وجود موضوعه اوفى موضوعية الموجود له، المستلزم للشك فى فعلية اصل الخطاب فضلا عن توجهه اليه، يكون عدم البيان محرزا بالقطع والوجدان، لا مشكوكا كى يجب الفحص عن حال الموضوع المشتبه لاحراز عدمه المأخوذ في قاعدة قبح العقاب بلابیان و توهم ان مقتضى العلم بالخطاب الالزامي المتعلق بالموضوعات النفس الامرية الواقعية، هو وجوب الفحص عقلا عن حال المشكوك، من حيث لزوم تحصيل العلم بالبرائة عما اشتغلت الذمة به يقينا بقدر الامكان مدفوع بان الخطاب الالزامي المتعلق بالموضوعات الواقعية، وانكان معلوما في الشبهات الموضوعية، لكن نفس ذلك الخطاب الانشائي، لا يمكن ان يكون مقتضيا لوجوب الفحص عن حال المشكوك، وذلك لما حقق في محله من ان التكاليف الشرعية الكلية الانحلالية من قبيل القضايا الحقيقية التي بنشاء الحكم فيها على الموضوعات المقدرة وجوداتها، فالحكم فيها معلق على تحقق وجود الموضوع خارجا او تحقق وجوده تقدير(1)، فقبل وجود الموضوع خارجاليس هناك حكم فعلى وطلب حالى كي يقتضى وجوب الفحص عن موضوعه، وحكم العقل بالفحص عنه، انكان من جهة جریان قاعدة الاشتغال اليقيني في المقام كما توهم، فهو ممنوع جدالان الشك في وجود موضوع الخطاب، مستلزم للشك فى فعلية الخطاب و وجوده فعلا، ومعه كيف
ص: 363
يعقل العلم بالاشتغال الذى هو فرع العلم بفعلية الخطاب المتوقفة على وجود الموضوع خارجا و توهم ان الشك فى فعلية الخطاب حيث يكون ناشئا الشك في موضوعه، والشك في الموضوع ليس رفعه من وظيفة الشارع، وانما وظيفته بيان الحكم الكلى، وقد بينه ووصل الى المكلف لفرض علمه به، فرفعه يكون من وظيفة المكلف، فيجب عليه الفحص عن حال الموضوع المشتبه مدفوع بان الشك في الموضوع وان لم يكن رفعه من وظيفة الشارع، الا انه حيث علق حكمه على وجود الموضوع ، فقبل وجوده لا يكون هناك حكم حقيقة ولا طلب واقعا، كي يوجب على المكلف ایجاد موضوعه او احراز - موضوعية الموجود له وانكان حكم العقل بلزوم الفحص عن حال الموضوع المشتبه، من جهة اخرى مختصة بالشبهات الموضوعية الوجوبية، فعلى مدعيها بيانها حتى ننظر فيها.
و اما ما افاده بالنسبة الى الاصول الشرعية، فلانك قد عرفت ان غاية ما يمكن ان يدعى هو انصراف اطلاق ادلتها عن الشك الذي يرول بادنى التفاوت ونظر الى مقدمات حاصلة الذي لا يصدق عليه الفحص عرفا كما مرت الاشارة اليه، واما انصرافه عن الشك الذى يكون زواله محتاجا الى تمهيد مقدمات غير حاصلة فممنوع جدا، بل في جملة من ادلتها ماهو ظاهر فى نفي اشتراط الفحص في الشبهات الموضوعية مطلقا، كقوله علیه السّلام في ذيل رواية مسعد بن صدقة الاشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غيره او تقوم به البينة ، فان قوله علیه السّلام حتى يستبين لك غيره ظاهر في استبانة غيره بنفسه له لا بالفحص كما هو واضح فتبين انه لامانع عن التمسك باطلاق ادلة الاصول، للحكم بعدم اعتبار الفحص ولو بالمقدار المتعارف، في الاخذ بها والعمل على طبقها فى الشبهات الموضوعية مطلقا، الافيما اذا كانت مقدمات العلم بحال الموضوع حاصلة لانصراف اطلاقها عن مثله كمامر بیانه نعم يمكن ان يقال ان اطلاق ادلة الأصول، وان لم يكن منصر فاعن غير ما يكون مقدمات العلم بحال الموضوع و زوال الشبهة عنه حاصلة، الا انه للمنع عن شموله لمثل المقام الذي يتوقف احراز حال الموضوع فيه غالبا على الفحص مجال، اذ لولا الفحص يلزم الوقوع في مخالفة
ص: 364
التكليف كثيراً لنوع المكلفين، و من البعيد جدا تشريع حكم يلزم منه الوقوع فيها كك، فيمكن بهذا اللحاظ دعوى انصراف ادلة الاصول النافية للحكم عرفا عن مثل المقام هذا وتدبر جيدا !
الرابع قد عرفت ان مقتضى الاصل الموضوعى والحكمي فيما اذا شك في المسافة هو وجوب التمام عليه، فلو قصر يجب عليه الاعادة تماما، الافيما اذا علم بعد ذلك ان البعد كان بمقدار المسافة، فانه يجزى حينئذ ما اتى به من القصر بعد فرض حصول قصد القربة منه، لانه اتى بما كان مكلفا به واقعا نعم لو قلنا بعدم كفاية الامتثال الاحتمالي عقلامع التمكن من الامتثال التفصيلي كما ذهب اليه بعض الاساتيد لم يكن ما اتى به من القصر مجزيا ولزمته الاعادة، و لعل هذا هو الوجه لما حكى عن شيخ مشايخنا الانصارى قده من انه لو قصر اعادو ان انكشف كونه مسافة، و حمله على ارادة صورة عدم تمشى قصد القربة منه بعيد عن اطلاق كلامه، وامالواتى بماهو تكليفه الظاهرى وهو التمام، ثم انكشف كون البعد بمقدار المسافة، فمقتضى ما قرر فى الاصول من عدم اقتضاء امتثال الامر الظاهرى للاجزاء، هو وجوب الاعادة قصرا عليه، وكذا يجب عليه الاعادة فيما قصر باعتقاد كونه مسافة ثم انكشف عدمها، او اتم باعتقاد عدم كونه مسافة فانكشف كونه مسافة، لما تقرر في الاصول ايضا من عدم اقتضاء امتثال الأمر العقلى التخيلى للاجزاء عن الامر الواقعى.
الخامس لا اشكال بل لاخلاف فى انه يشترط في التقصير كون المسافر قاصدا للمسافة، و لذا افتوا بعدم جواز التقصير لمن سار مترددا الى ان بلغ في مسيره المسافة، او قصد مادون المسافة ثم تجدد له قصد مثله، ولوزاد المجموع على المسافة، فهذا الحكم مما لا اشكال فيه وانما الكلام في ان المدار على قصد العنوان اى ثمانية فراسخ او على المعنون اى ما يكون مصداقا للمسافة خارجا وان لم يعلم بانطباق العنوان عليه، و تظهر الثمرة فيما لو شك في كونه مسافة او اعتقد عدمها انكشف كونه مسافة، فإنه بناء على كون المدار على قصد العنوان اعنى الثمانية لا يجوز له التقصير ولو علم بعد ذلك كون البعد بمقدار المسافة ، و هذا بخلاف ما
ص: 365
لو كان المدار على قصد المعنون، كما هو المستفاد من الادلة بمناسبة الحكم والموضوع، مضافا الى ظهورها بنفسها فى ان المعيار في التقصير قصد مسافة تكون بالغة الى الثمانية، كما لا يخفى على من راجعها ، فانه يجب عليه حينئذ التقصير اذا انكشف انطباق العنوان عليه كما هو واضح.
السادس لوكان لمقصده طريقان يبلغ الا بعد منهما المسافة دون الأبعد فسلك الا بعد قصر وان كان الغرض من سلوكه التقصير لاطلاق الادلة او عمومها خلاف للمحكى عن القاضي ابن البراج من انه اوجب التمام على من كان سلوكه منه لاجل الميل الى التقصير، معللا بانه کاللاهى لسفره ، فيعمه الادلة الدالة على اشتراط وجوب القصر بعدم كون السفر لهو او باطلاً وفيه مالا يخفى، لا لما افاده بعض الاعاظم من ان سفره من الا بعد انما يكون لغوا لولم يكن له داع عقلائى الى السفر منه، ومن المعلوم ان الميل الى التقصير من الدواعى العقلائية، سيما بالنسبة الى من يشق عليه الصيام او يخاف من تضرره به، اذفيه ان السفر من خرج عن اللهوية بلحاظ كون المقصود منه قصر الصلوة و ترك الصيام، لكن هذا القصد حيث جاء من قبل الحكم بالتقصير في السفر، فلا يمكن ان يؤثر في تمامية موضوعه الذي اعتبر فيه عدم اللهوية، لان الحكم انما يتعلق بموضوعه بعد تمامية الموضوع، فلا يمكن تتميم الموضوع بما يجيئ من قبل الحكم الا بوجه دائر بل لما افاده الاستاد دام ظله من ان مادل على وجوب التمام فيما كان السفر لهوا و باطلا، لا يوجب اشتراط وجوب القصر بكون السفر عن داع عقلائي، كي يقال ان السلوك من الا بعد ليس له فى نفسه ومع قطع النظر عن الحكم داع من الدواعي العقلائية وبلحاظ الحكم وانكان له داع عقلائي، لكنه لا يجدى في تتميم موضوعه كما مر بيانه انفا، بل انما يوجب اشتراطه بعدم كون السفر لهوا و باطلا، و من المعلوم ان هذا السفر مع قطع النظر عن الحكم ايضا ليس لهوا و باطلا، لان اللهو والبطلان انما يصدق على الافعال التى تكون لها حزازة ومنقصة، كالصيد للنزه الذي دلت الاخبار على عدم التقصير في السفر لاجله، معللا بانه خرج في لهو، والمفروض
ص: 366
خلو هذا السفر عن تلك الافعال، ومعه لا يصدق عليه انه لهو و باطل كيلا تعمّه ادلة التقصير.
السابع لوقصد المسافة المستديرة بان سافر على نحو الدائرة، فتارة تكون الدائرة ناقصة كما اذا لم يقصد الرجوع الى نفس مبدء الحركة واخرى تكون تامة كما اذا قصد الرجوع الى ذلك المبدء، فعلى الاول لا اشكال في كون المسافة با جمعها ذهابية فتعد من الثمانية الامتدادية، و على الثاني فتارة لا يكون له مقصد في محيط الدائرة بل يريد مجرد طى الدائرة، و اخرى يكون له مقصد كك كما اذا كان على رأس قوس من الدائرة بلدة اوضيعة يقصد الذهاب اليها فعلى الاول لا ينبغى الاشكال في عدها من الثمانية الملفقة، لانه يصدق عرفا على سيره من بلده الى النقطة المقابلة لبلده انه ذهابی، و على سيره من تلك النقطة الى بلده انه ایابیّ (1) وهذا من غير فرق بين ما اذا كان ما بين النقطتين الذى هو قطر ا الدائرة اربعة فراسخ كما اذا كان مجموع الدائرة اثنى عشر فرسخا، و ما اذا كان ما بين النقطتين ثلثة فراسخ مثلا كما اذا كان مجموع الدائرة تسع فراسخ و ذلك لان الظاهر من قوله علیه السّلام في خبر اسحق بن عمار فلما كانوا قد ساروا بريدا و ارادوا ان ينصرفوا بريدا قدساروا سفر التقصير، وقوله علیه السّلام في صحيحة معوية بن وهب بريد ذاهبا و برید جائيا ، هو ان المدار في الثمانية الملفقة على كون مقدار السير بريدا، لاكون مقدار ما بين المبدء والمنتهى من البعد بالخط المستقيم بريدا، ولذا حكموا فيما اذا كان الى المقصد طريقان و كان الا بعد منهما بمقدار المسافة دون الاخر و اختار الا بعد بتعين القصر عليه، مع ان ابعدية احد الطريقين لايكون الا لاعوجاجه، والا فهما بحسب ما بين المبدء والمنتهى من البعد متساويان كما هو اوضح
ص: 367
من ان يخفى فما حكى عن شيخ مشايخنا الانصارى قده، من ان المحسوب من الثمانية انما هو ما بين النقطتين وهو قطر الدائرة لامقدار القوس منها ، لان المتبادر من ادلة التحديد هو كون المدار في الثمانية الملفقة على كون البعد بين مبدء حركة المسافر مقصده اربعة كما ترى لاوجه له بعد ماعرفت انها من ظهور الاخبار في ان المدار على كون مقدار السير بريدا، لا مقدار ما بين المبدء والمنتهى من البعد بالخط المستقيم هذا و تدبر وعلى الثانى لا اشكال ايضا في عدها من الثمانية الملفقة، فيما اذا كان مقصده واقعا فى النقطة المقابلة لبلده و اما اذا كان مقصده واقعا في نقطة اخرى غير تلك النقطة، وكان مسيره اليها اقل، اليها اقل من اربعة فراسخ فقد يقال بعدم عدها الثمانية الملفقة بناء على المختار من اعتبار كون الذهاب اربعة فراسخ، لان الحركة من المقصد الى المنزل يعد عرفا حركة ايابية فانهم يحكمون بالعود بمجرد الحركة المقصد ولكن الاقوى هو عدها ايضا من الثمانية الملفّقة، و ذلك لان النقطة المقابلة لبلده و ان لم تكن مقصودة له اولا وبالذات، لكن لاشبهة في ان الحركة على نحو الاستدارة، صورتها حركة ذهابية الى نصف الدائرة، والمفروض ان هذه الصورة كانت مقصودة له من اول الحركة، لكن لا اولا و بالذات بل ثانيا و بالتبع، فتكون النقطة المقابلة لبلده بهذا اللحاظ مقصدا ثانيا له، ويكفى في التقصير مجرد كون الذهاب اربعة فراسخ ولو كان مقصودا بالتبع لاطلاق الادلة ومنه يظهر حكم ما اذا كان له على اجزاء الدائرة مقاصد متعددة، فان المعيار فيه هو النقطة المقابلة لبلده، لأنها تكون مقصودة اما بالاصالة انكان بعض مقاصده واقعا فيها، واما بالتبع ان لم يكن شئ من مقاصده واقعا فيها و على اى حال يكفي في التقصير بعد كون سيره اليها اربعة فراسخ و يتفرع على ذلك ان من كان له في ذهابه مقاصد متعددة، يكون المعيار اخر المقاصد، لو كان واقعاً في النقطة المقابلة للبلد ، سواء كان البعد بینه و بين البلد بالخط المستقيم اربعة فراسخ ام لم يكن بهذا المقدار، و اما لو كان له على اجزاء الدائرة ذهابا وايابا مقاصد متعددة، فهل يكون منتهى الذهاب اخر المقاصد مطلقا ولو كان قريبا من مبدء الحركة، او فيما لم يتحقق قبل الوصول اليه صورة الرجوع
ص: 368
الى بلده، و جهان اقويهما الثاني، لان العرف فيما اذا تحقق قبل الوصول الى ذلك المقصد صورة الرجوع الى بلده كما اذا تجاوز قبله عن النقطة المقابلة، يرى المرور عليه مرورا في الرجوع لا في الذهاب كما لا يخفى.
الثاني من شروط التقصير ان يكون قاصدا لقطع المسافة من حين الخروج، فمجرد قطعها من دون قصد كك لا يوجب التقصير و يدل على ذلك مضافا الى الاجماعات المحكية الاخبار المستفيضة ففى مرسلة صفوان قال: سئلت الرضا علیه السّلام عن رجل خرج من بغداد يريدان يلحق رجلا على راس ميل فلم يزل يتبعه حتى بلغ النهروان و هى اربعة فراسخ من بغداد، ايفطر اذا اراد الرجوع و يقصر قال علیه السّلام : لا يقصر ولا يفطر لانه خرج من منزله وليس يريد السفر ثمانية فراسخ انما خرج يريدان يلحق صاحبه في بعض الطريق فتمادى به السير الى الموضع الذى بلغه، و لو انه خرج من منزله يريد النهروان ذاهبا و جائيا لكان عليه ان ينوى من الليل سفرا والافطار . وفي رواية عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام قال: سئلته عن الرجل يخرج فى حاجة فيسير خمسة فراسخ و ياتى قرية فينزل فيها ثم يخرج منها فيسير خمسة فراسخ اخرى اوستة فراسخ لا يجوز ذلك ثم ينزل فى ذلك الموضع ، قال (ع) لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله او قرتيه ثمانية فراسخ فليتم الصلوة. فان قوله (ع) لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله الخ ظاهر بقرنية السئوال فى ان المراد منه حتى يقصد سير ثمانية فراسخ من منزله، بل لو لم يكن المراد منه ذلك لماكان وقع لهذا الجواب، بعد فرض كونه سائرا من منزله ازيد من ثمانية فراسخ كمالا يخفى و يمكن الاستدلال عليه ايضا بانه لو لم يكن قصد المسافة معتبرا في التقصير بل كان المعتبر مجرد قطعها للزم ان يكون وجوب القصر موقوفا على قطع المسافة خارجاً و لم يجز التقصير بعد الخروج عن حد الترخص.
و توهم ان الملازمة بين عدم اعتبار القصد و توقف التقصير على قطع المسافة خارجا ممنوعة جدا لامكان ان يكون قطع المسافة من قبيل الشرط المتاخر بالمعنى، الصحيح المعقول، بان يكون الشرط هو العنوان الانتزاعى الحاصل حين الخروج عن البلد كعنوان من ينتهى سيره الى المسافة في علم الله، ان عليه يكون وجوب التقصير
ص: 369
متحققا واقعا من حين الخروج عن حد الترخص، ويكون تحقق قطع المسافة خارجا كاشفا عن تحقق وجوب القصر فى ذاك الحين، فلا يلزم من عدم اعتبار قصد المسافة
في وجوب القصر، توقف وجوبه على قطع المسافة خارجا كمالا يخفى.
مدفوع اولا بان ظاهر الا اخبار الباب هو ان من شروط وجوب القصر نفس قطع المسافة، فالالتزام بكون الشرط هو العنوان الانتزاعى خلاف ظاهر الاخبار وثانيا سلمنا استفادة ذلك من الاخبار و لو بدلالة الاقتضاء، لكن لا شبهة في انه لا بدح في الحكم بوجوب القصر من حين الخروج عن حد الترخص، من احراز هذالعنوان اذ لا يصح الالتزام بتحقق الحكم مع الشك فى تحقق شرطه كما هو واضح، و من المعلوم انه لا طريق لنا الى احرازه الا تحقق قطع المسافة خارجا، فنفس وجوب القصر و ان لم يكن على هذا التقرير متوقفا على تحقق قطع المسافة خارجا، الا ان احراز وجوبه متوقف على تحقق قطعها كك، فلا يصح الحكم بوجوب التقصير من حين الخروج عن حد الترخص، الا اذا كان الشرط فى وجوبه كك قصد المسافة ايضا هذا و تبصر.
و يتفرع عليهذا الشرط عدم جواز التقصير للهائم الذى لا مقصد له، ولطالب الغريم او الابق الذي يقصد الرجوع متى وجده، وان زاد سيرهما على اضعاف المسافة وكذا من قصد الاقل من المسافة و بعد الوصول الى مقصده بداله ان يسير منه الى محل اخر يبلغ مسيره مسيره اليه بانضمامه الى ما سبق المسافة، فانه لا يجوز له التقصير الا فى الرجوع الى منزله انكان البعد بينه و منزله يبلغ المسافة ثم لوطرء لغير
القاصد القصد في الاثناء ، فانكان مقصده بنفسه مسافة فلا إشكال في كونه موجبا للتقصير واما ان لم يكن مقصده بنفسه مسافة، فهل يكفي في التقصير بلوغ المسافة بضم الرجوع اليه مطلقا، او يفصل بينما لو كان كل من الذهاب والاياب اربعة فراسخ فيكفي في التقصير و بين غيره فلا يكفى، وجهان اقويهما الاخير، و ذلك لما نقدم من انه لا دليل على كفاية مطلق التلفيق، و انما يكفى فيما كان كل من الذهاب والإياب أربعة فراسخ، ولا خصوصيته لهذه الصورة بحيث يكفي فيها بلحاظها مطلق التلفيق، فعليهذا
ص: 370
لوسافرستة فراسخ بلا قصد ثم بداله قصد سير فرسخ مع قصد الرجوع فلا يجوز له التقصير، وذلك لانه وان قصد
سیر ثمانية فراسخ ملفقة من فرسخ ذهابا وسبعة ايابا، لكنه لا يجدى فى التقصير بعد عدم الدليل على كفاية مطلق التلفيق بل لا يجوز له التقصير فيما لو سافر سبعة فراسخ بلا قصد ثم بداله قصد فرسخ اخر مع قصد الرجوع و ذلك لان ايابه و انكان بنفسه مسافة ، لكن لا وجه لضم هذا الفرسخ الذهابي الى الاياب ، اذ لا اثر لقصد هذ الفرسخ فى تحقق المسافة ، اذ المفروض عدم صلاحية هذا الفرسخ للضم اليه ، والا لكان كافيا في لزوم التقصير و لوكان ايابه سبعة فراسخ ، والعزم على الرجوع بعد سير هذا الفرسخ لا يسوغ له التقصير الا عند الشروع في الرجوع اللهم الا ان يقال ان اعتبار كون كل من الذهاب والإياب بريدا ، انما هو فيما اذا لم يكن احد الطرفين ثمانية امتدادية، اذ لو كان احد الطرفين كذلك، يكون مشمولا المادل على وجوب التقصير فى الثمانية فراسخ ومعه لا مجال لمادل على تنزيل الثمانية الملفقة منزلة الثمانية الممتدة، كى يقال ان القدر المتقين منه ما اذا كان كل من الذهاب والإياب بريدا فتدبر جيدا و على اى حال لا اشكال في وجوب التقصير عند الشروع في الاياب اذا كان بنفسه مسافة.
و توهم ان مقتضى قوله (ع) في موثقة عمار المتقدمة لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله او قريته ثمانية فراسخ، هو عدم جواز التقصير عند الشروع في الاياب و لو كان بنفسه مسافة، لعدم كون سيره من منزله و قريته مدفوع بان تقييد السير فى الموثقة يكونه من منزله او قريته، حيث يكون واردا مورد الغالب، فلا يصلح لرفع الیدبه عمادل على وجوب التقصير فى ثمانية فراسخ مطلقا، و ذلك لما حقق في محله من انه اذا ورد دليل مطلق ثم ورد دليل مقيد بامر غالبى، لا يوجب الدليل الثانى تقييدا فى اطلاق الدليل الاول ، لان الدليل الاول انعقد ظهوره في الاطلاق، والدليل الثانى لاحتمال ورود القيد فيه مورد الغالب، لا ينعقد له ظهور في القيدية، کی بصلح لرفع الیدبه عن ظهور الدليل الاول في الاطلاق فتحقق مما ذكرنا انه لابد في وجوب التقصير من أمرين سير المسافة وقصدها ، فلو انتفى احد الامرين لا يجوز
ص: 371
التقصير، فلو سافر ثمانية فراسخ بلا قصد وقصد الرجوع، فلا يجوز له التقصير بمجرد قصده ذلك، بل لابد في جوازه من الشروع في الرجوع، ضرورة عدم صدق عنوان المسافر عليه بمجرد قصد الحركة ما لم يتحقق منه حركة خارجا.
و توهم انه لو لم يصدق عليه عنوان المسافر قبل الشروع في الرجوع، فلابدان يصدق عليه عنوان الحاضر، والالتزام بصدق عنوان الحاضر عليه واضح الفساد، فيلزم عدم وجوب الصلوة عليه قبل الشروع في الرجوع اصلا، لا قصرا لعدم صدق المسافر عليه ، ولا تماما لعدم صدق الحاضر عليه.
مدفوع بان الموضوع للتمام ليس هو عنوان الحاضر، كى يلزم من عدم صدق هذا العنوان عدم وجوب التمام، بل الموضوع للتمام هو المكلف الذي لم يكن مسافرا سواء صدق عليه عنوان الحاضر ام لا.
و توهم منافاة ما ذكرنا من عدم جواز التقصير له قبل الشروع في الرجوع الموثقة عمار قال سئلت ابا عبدالله (ع) عن الرجل يخرج في حاجة وهو لا يريد السفر فيمضي في ذلك يتمادى به المضى ثمانية فراسخ كيف يصنع فيصلونه قال (ع) يقصر ولا يتم الصلوة حتى يرجع الى منزله، بدعوى انها و انكانت ظاهرة سئوالا و جواباً فى حكم ما بعد البلوغ الى ثمانية فراسخ والقصد الى الرجوع، لكنها باطلاقها تدل على وجوب التقصير و لو لم يشرع بعد في الرجوع.
مدفوع اولا بمنع اطلاق للرواية كي يعم صورة عدم الشروع في الرجوع و ذلك لاحتمال كون النسخة في الاصل حين يرجع الى منزله بدل قوله (ع) حتى يرجع الى منزله، اذ عليهذا الاحتمال تختص الرواية بخصوص صورة الشروع في الرجوع كما هو واضح و ثانيا سلمنا ان لها اطلاقا، لكن لابد من تقييده بما اذا شرع في الرجوع بعد اعتبار الحركة والسير فى الارض عرفا وشرعا في صدق عنوان المسافر الذي هو الموضوع للتقصير، كما يدل عليه قوله علیه السّلام في موثقة عمار المتقدمة لا يكون الرجل مسافرا حتى يسير من منزله او قريته ثمانية فراسخ، هذا مضافا الى ان مقتضى اطلاق تلك الرواية وجوب التقصير عند البلوغ الى الثمانية مطلقا ولولم
ص: 372
يشرع في الرجوع بل كان باقيا في مكانه مدة كيومين او ثلثة اوازيد، وهذا ممالم يعثر علی قائل به بل المصرح به في كلام بعض الاجماع على خلافه .
وهنا مسائل لابد من التعرض لها الاولى انه لا يعتبر فى قصد المسافة ان يكون عن استقلال، بل يكفى ولو كان من جهة التبعية للغير كما في الزوجة والعبد والخادم ، فانهم. اذ علموا بان متبوعهم يسير بقدر المسافة وكانوا قاصدين لمتابعته في السير، يجب عليهم التقصير ولو لم يكن المتبوع قاصدا للمسافة لعدم علمه بكون مسيره بقدرها: ولا فرق فى ذلك بين ما كانت المتابعة لاجل وجوبها كما في الزوجة والعبد اولاجل الاكراه، اذ المكره ايضا قاصد غاية الامر ان قصده يكون بداعى التخلص والتحذر عما يعده المكره بالكسر على تركه المتابعة له في السير، ولذا استدلوا على بطلان بيع المكره بحديث الرفع، فإنه لو كان المكره غير قاصد للبيع كان بيعه باطلا لانتفاء القصد، ولم يحتج في الحكم ببطلانه الى التمسك بالحديث الشريف كما هو واضح وتوهم ان المكره وانكان قاصدا للسفر لكن مقتضى حديث الرفع عدم ترتب اثر السفر على سفره، مدفوع بان الحديث حيث يكون في مقام الامتنان، فلابد ان يكون المرفوع به مما فيه مشقة، فلايعم ما اذا كان اثر الفعل المكره عليه مما فيه التسهيل على المكلف، كما نحن فيه حيث ان اثر السفر وجوب تقصير الصلوة و ترك الصوم وهما موجبان للتسهيل على المسافر، فيكون رفعهما عنه المستلزم لوضع التمام والصوم عليه على خلاف الامتنان كما لا يخفى.
وهل يعتبر فى قصد المسافة ان يكون عن اختيار، او يكفى ولوكان مضطرا فى السفر عقلا بحيث لا يكون لارادته اثر فى السير اصلا، كمن شد يداه و رجلاه و وضع في السفينة اواركب على الدابة وحمل الى السفر، مع علمه بان مايسار اليه مسافة وجهان اقويهما الاول، و ذلك لان الحكم اعنى وجوب التقصير قدرتب في الادلة على نية المسافة وقصدها المؤثر فى السير المنتفى مع الاضطرار وتوهم انه يكفي في لزوم القصر مجرد العلم بتحقق السير منه بقدر المسافة وان لم يكن مختارا بدعوى دلالة قوله علیه السّلام له في ذيل رواية اسحق بن عمار المتقدمة بلى انما قصروا في
ص: 373
ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم، على كفاية عدم الشك في تحقق المسافة فى لزوم القصر مدفوع بان التعليل بقوله علیه السّلام لانهم لم يشكوا، انما هو لتوقف قصد المسافة على العلم بها لعدم تمشى قصدها مع الشك فيها، فهو بمنزلة ان يقول علیه السّلام لانهم حيث كانوا عالمين بالمسافة فكانوا قاصدين لها و لهذا قصروا فتدبر، هذا
خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله في المقام.
ولكن يمكن ان يقال ان وجوب التقصير وان رتب في الادلة على نية المسافة و قصدها، لكن اعتبار القصد يمكن ان يكون من حيث انه صفة خاصة من الصفات النفسايته و يمكن ان يكون من حيث انه توطين للنفس نحو المقصود، و حيث ان السفر نوعا لا يخلو عن التعب والمشقة، فمناسبة الحكم والموضوع تقتضى ان يكون وجه اعتبار القصد هو حيثية توطين النفس به نحو المقصود، الحاصل مع العلم بتحقق المسافة منه ولو اضطرارا هذا مضافا الى ما مر من ان لولا اعتبار القصد في التقصير، للزم محذور توقف اصل وجوبه بثوتا او الحكم به اثباتا على تحقق قطع المسافة خارجا ، فيمكن ان يكون اعتباره لدفع هذا المحذور المندفع ايضا مع العلم بتحقق قطع المسافه منه ولو اضطرارا فتدبر جيدا.
المسئلة الثانية لاشبهة فى وجوب القصر على التابع القاصد لتبعية المبتوع فى السير، فيما لو علم بان المبتوع يسير بقدر المسافة لانه قاصد للمسافة تبعا واما لو لم يعلم بان المبتوع يسير بقدرها، فهل نجب عليه الفحص بالاختبار والسؤال عنه قيل نعم، ولعل وجهه ما تقدم من ان الشبهة الموضوعية اذا كانت مما يرتفع بمجرد الالتفات الى مقدمات حاصلة كالسؤال والنظر والاستشمام والاستماع و نحوها، كان الفحص عنها بهذا المقدار واجبا، لانصراف الشك الماخوذ في ادلة الاصول عن مثل هذا الشك الذى لا يحتاج زواله الى ازيد من السؤال والنظر و نحوهما و توهم ان في المقام ليس المقصد معينا يشك في بلوغه المسافة كي يكون من الشبهة المصداقية للمسافة، و انما الشك فى ان المتبوع هل قاصد للمسافة ام لا مدفوع بان الشبهة المصداقية لا تنحصر بما اذا كان الشك فى مصداقية الموجود كما في ذلك
ص: 374
الفرض، بل الشبهة المصداقية اعم من ذلك و مما اذا كان الشك في وجود المصداق كما في المقام، فلوامكنه فى المقام رفع الشبهة بالسؤال عن المتبوع يجب عليه السؤال عنه، وان لم يجب على المبتوع رفعها بالاعلام والاخبار ولو بعد السؤال، لعدم الدليل عليه.
ولا يخفى مافيه فان التابع مع عدم علمه بالمسافة، لا يمكن تحقق قصد المسافة منه، ومعه لا يكون ما هو ملاك القصر موجودا فى حقه، فاللازم عليه حينئذ هو البقاء على التمام، لانه حينئذ يكون موضوعا واقعيا للتمام، لا موضوعا ظاهريا له بمقتضى الاستصحاب، كي يمنع عن جريانه في مثل المقام قبل الفحص كما هو واضح، وليس هناك ما يدل على وجوب اخراج نفسه عن هذا الموضوع و ادخالها في موضوع القصر كى يجب عليه الفحص من هذه الجهة.
المسئلة الثالثة لاشبهة فى وجوب التمام على التابع، لو علم بمفارقته عن المبتوع قبل البلوغ الى المسافة، لعدم تمشى قصد المسافة الذي هو ملاك القصر عنه حينئذ وكذا الحكم فيما لوشك فى المفارقة لعدم تحقق ملاك القصر معه ايضا و توهم ان المفارقة امر حادث مسبوق بالعدم، و مقتضى الاصل عدم تحققها قبل البلوغ الى المسافة، ومعه يتحقق قصد المسافة ويتم ملاك التقصير مدفوع بان قصد المسافة من اللوازم العادية لعدم المفارقة عن المتبوع، لا الشرعية كي يمكن اثباته بالاصل المزبور كما لا يخفى .
المسئلة الرابعة لو اعتقد التابع ان المتبوع لم يقصد المسافة أو شك في ذلك، فانكشف في الاثناء انه كان قاصدا للمسافة، فهل يجب عليه القصر قيل نعم وان لم يكن الباقى مسافة، لانه كان قاصداً لتبعية المتبوع ، فيكون قاصدا لما فصده فهو قاصد واقعا ، نظير من قصد بلدا معينا واعتقد عدم بلوغه المسافة، فبان في الاثناء انه مسافة وفيه انه وانكان لمكان قصده تبعية المتبوع وعدم مفارقته قاصداً لما قصده واقعا، الا انه حيث يعتقد بعدم قصد المتبوع المسافة، فيكون كمن قصد غريما له و اعتقدان محله بلد دون المسافة، ثم انكشف له في الاثناء ان محله في بلد آخر
ص: 375
يبلغ مسيره اليد بانضمامه الى ما قطعه المسافة، الذى لا شبهة في عدم وجوب القصر عليه، مع انه كان قاصدا اجمالا للسير الى ان يصل اليه و قياسه بمن قصد بلدا معينا و اعتقد عدم بلوغه مسافة فبان في الاثناء انه مسافة مع الفارق، ضرورة انه اذا كان المقصد معينا وكان بمقدار المسافة واقعا يكون قصده قصداً لمسافة تبلغ ثمانية فراسخ، وان لم يقصد لمكان اعتقاده بعدم بلوغه المسافة عنوان الثمانية، وقدمران الظاهر من الادلة هو اعتبار قصد المعنون وهو المسافة التي تبلغ ثمانية فراسخ واقعا و فى نفس الامر لا قصد العنوان وهو الثمانية و هذا بخلاف ما اذا كان مقصده دون المسافة باعتقاد انه منتهى سير المتبوع، فان قصده قصد لما دون المسافة واقعا، و مجرد كون مقصد المتبوع بمقدار المسافة واقعا، لا يجدي في صيرورة قصده قصدا للمسافة كما هو واضح، هذا فيما اذا اعتقدان المتبوع لم يقصد المسافة وكذا الكلام فيما اذا شك في ذلك، فانه و انكان قاصدا لما قصده المتبوع، الا انه حيث لا يعلم بمقصده و انه قاصد لاى مكان من الامكنة ، فيكون كمن قصد غريما له و لا يعلم بمحله فانه لا يتمشى منه قصد المسافة مع الجهل بالمقصد، ومجرد كون مقصد المتبوع معينا في الواقع لا يجدى فى تعين قصد التابع، فتبين ان وجوب القصر على التابع يتوقف على علمه بقصد المتبوع المسافة، ولا يكفى مجرد قصده لها واقعا و ان تبين في اثناء الطريق، الا اذا كان الباقى مسافة هذا و تبصر.
الشرط الثالث استمرار قصد المسافة في الاثناء، فلو عدل عن قصده او تردد فيه في الاثناء، يرجع الى حكم الحاضر و هو الانمام، و يدل على ذلك عموما قوله الله في موثقة عمار المتقدمة لا يكون الرجل مسافرا حتى يسرى من منزله او قريته ثمانية فراسخ، فانه قد تقدم ان المراد منه بقرنية وقوعه جوابا عن السوال عمن سار اكثر من ثمانية فراسخ بلاقصد، هو عدم كونه مسافرا حتى يسرى من منزله الى ثمانية فراخ مع القصد و يدل على خصوص الاول اعنى ما اذا عدل عن قصده في الاثناء ، صحيحة ابي ولاد المتقدمة،
قلت لا بيعبد الله :
انى خرجت من الكوفة في سفينة الى قصر ابن هبيرة و هو من الكوفة
ص: 376
على نحو عشرين فرسخا في الماء فسرت يومى ذلك اقصر الصلوة ثم بدالي في الليل الرجوع الى الكوفة فلم ادر اصلی فی رجوعى بتقصير او تمام فكيف كان ينبغي ان اصنع
فقال (ع):
ان كنت سرت في يومك الذى خرجت فيه يريدا فكان عليك حين رجعت ان تصلى بالتقصير لانك كنت مسافرا الى ان تصير الى منزلك، قال (ع) وان كنت لم تسر في يومك الذى خرجت فيه يريدا، فان عليك ان تقضى كل صلوة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام من قبل ان تريم من مكانك ذلك، لا نك لم تبلغ الموضع الذى يجوز فيه التقصير حتى رجعت فوجب عليك قضاء ما قصرت و عليك اذا رجعت ان تتم الصلوة حتى تسير الى منزلك.
فان قوله علیه السّلام فان عليك ان تقضى كل صلوة صليتها في يومك ذلك بالتقصير بتمام، يدل على اعتبار استمرار القصد في التقصير، و الا لم يكن وجه لوجوب قضاء ما صلى قصرا في حال الذهاب، مع كونه قاصدا للمسافة في تلك الحال ولا يضر بالاستدلال بها عدم عمل المشهور بما اشتملت عليه من وجوب قضاء ما صلاه قصرا قبل الرجوع، ولا اشتمالها على فورية القضاء التي لا يقول بها الاصحاب اما عدم اضرار الاول به، فلان عدم عمل المشهور بظاهر هذه الفقرة وحملها على الاستحباب اوغير ذلك، انما هو للجمع بينها و بين بعض الاخبار التي توهموا دلالتها على عدم وجوب قضاء ما صلاه قصرا قبل الرجوع، كرواية اسحق بن عمار الاتية الواردة فيمن تردد في الاثناء حيث قال صلی الله علیه و آله و سلّم في ذيلها في جواب قوك السائل اليس قد بلغوا الموضع الذي لا يسمعون فيه اذان مصرهم الذى خرجوا منه بلی انما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم و ان السير يجد بهم فلما جائت العلة في مقامهم دون البريد صاروا هكذا بدعوى ظهور قوله علیه السّلام بلى انما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم الخ، فى ان وجوب القصر عليهم قبل ترددهم انما هو لمكان علمهم بقطع المسافة المستلزم لقصدهم لها فيدل على ان القاصد للمسافة يكون تكليفه واقعا القصر ما لم يتردد في الاثناء، فاذا كان تكليفه واقعا قبل حصول التردد هو القصر، فلا موجب لقضاء ما صلاه قصرا قبل حصول التردد له، لان مناط وجوب القصر واقعاح هو عدم التردد في قطع المسافة، لا قطعها واقعاكي يجب
ص: 377
قضاء ما صلاه قصر العدم قطعه المسافة و كصحيحة زرارة قال :
سئلت اباعبدالله (ع) عن الرجل يخرج مع القوم في السفر يريده فدخل عليه الوقت و قد خرج من القرية على فرسخين فصلوا و انصرف بعضهم في حاجة فلم يقض له الخروج ما يصنع بالصلوة التي كان صلاها ركعتين؟
قال (ع) :
تمت صلوته ولا يعيد، بدعوى ظهور رجوع الضمير فى قول السائل فلم يقض له الخروج الى الرجل المسئول عن حكم صلوته، لا الى البعض الذي انصرف في حاجة والالزم ان يبقى السوال عن حكم الرجل خاليا عن الجواب، و ان المراد من عدم قضاء الخروج للرجل، هو عدم امكان مضيه في سفره بسبب انصراف بعض القوم هذا.
ولا يخفى امكان الخدشة فى دلالة الروايتين على ما ذهب اليه المشهور من عدم وجوب قضاء ما صلاه قصرا قبل الرجوع اما الرواية الاولى، فلان من المحتمل قريبا ان يكون المراد من قوله علیه السّلام فيها بلى انما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم آه، هو أنهم لما كانوا في ذلك الموضع عالمين بقطعهم المسافة بحسب انظارهم، فتخيلوا ان سفرهم سفر شرعى يجب عليهم التقصير فيه، فتقصيرهم في ذلك الموضع انما كان للامر العقلى التخيلى الناشى عن قطعهم بكونهم قاطعين و ان سفرهم سفر شرعى يجب فيه التقصير، لا الامر الشرعى الواقعى كيلا يجب عليهم قضاء ما صلوه قصرا في ذلك الموضع، فهو علیه السّلام في مقام بيان علة صدور التقصير في ذلك الموضع لا فى مقام بيان صحته واما الرواية الثانية فلان من المحتمل قريبا جدا ان يكون مرجع الضمير في قول السائل فلم يقض له هو البعص المنصرف في حاجة، والمراد من عدم قضاء الخروج له هو عدم خروجه من منزله و بلده لادامة السفر، وان يكون مرجع الضمير في قوله ما يصنع بالصلوة هو الرجل المسئول عن حكم صلوته، ووجه السئوال عن حكم صلوته حينئذ، هو انه لما صلى مع القوم جماعة فتوهم السائل ان فساد صلوة المنصرف منهم في حاجته موجب لفساد صلوة الباقين اما لكونه اما مالهم او كونه ممن يتصلون به بالامام، فاجاب الامام علیه السّلام بان الصلوة الله الرجل الذى هو من الباقين تامة صحيحة لا يحتاج الى اعادتها، لانه كان باقيا على
ص: 378
قصده المسافة ولم يبدله الانصراف والعود الى بلده، ولا يوجب بطلان صلوة الامام او من يتصل به بالامام بطلان صلوة الماموم كي يجب عليه اعادة ما صلاه جماعة معه كما مرفى باب الجماعة فلا دلالة لهذه الرواية ايضا على ما ذهب اليه المشهور اصلا فاذا كانت الروايتان ذات احتمالين فتكونا مجملتين غير صالحتين للمعارضة مع صحيحة ابي ولاد الظاهرة فى وجوب قضاء ما صلاه قصراً قبل الرجوع ثم لوسلمنا ظهور الروايتين في عدم وجوب قضاء ما صلاه قصرا قبل الرجوع، لكن عدم عمل المشهور بما اشتملت عليه الصحيحة من وجوب قضائها، لمكان معارضتها بالروايتين لا يضر بالاستدلال بها لما نحن بصدده من اعتبار استمرار القصد، و ذلك لان عدم عملهم ببعض فقراتها لا يضر بحجيتها في الباقي منها، سيما بعد معلومية وجه عدم عملهم بها و انه لمكان معارضتها بالروايتين كما لا يخفى هذا مضافا الى امكان حملها على الاستحباب جمعا بينها وبين الروايتين كما مرت الاشارة اليه فتدبر جيدا و اما عدم اضرار الثانى اعنى اشتمال الصحيحة على فورية القضاء بالاستدلال بها ، فلا مكان المنع عن دلالة قوله (ع) من قبل ان تريم من مكانك على فورية القضاء، و ذلك لاحتمال ان يكون التقييد بذلك لاجل الاهتمام به اولان ناخیره ربما يؤدى الى الترك نسيانا، و على تقدير تسليم دلالته على الفورية ، فلا يضر بالاستدلال بها لما نحن بصدده كما مر انفا، هذا مضافا الى امكان حمله على الاستحباب جمعاً بينها وبين ما تقدم من ادلة جواز تأخير القضاء هذا :
و يدل على خصوص الثاني اعنى ما اذا تردد في الاثناء ، رواية اسحق بن عمار قال :
سئلت ابالحسن موسى بن جعفر علیه السلام عن قوم خرجوا في سفر لهم فلما انتهوا الى الموضع الذى يجب عليهم فيه التقصير قصروا من الصلوة، فلما صادوا على رأس فرسخين او على ثلثة فراسخ او على اربعة ، تخلف عنهم رجل لا يستقيم لهم سفر هم الا به، فاقاموا ينتظرون مجيئه اليهم وهم لا يستقيم لهم السفر الابمجيئه اليهم ، فاقاموا على ذلك اياما لايدرون هل يمضون
ص: 379
في سفرهم او ينصرفون، هل ينبغى لهم ان يتموا الصلوة ام يقيموا على تقصيرهم؟
قال علیه السّلام:
ان كانوا بلغوا مسيرة اربعة فراسخ فليقيموا على تقصير هم اقامرا ام انصرفوا وان كانوا ساروا اقل من اربعة فراسخ فليتموا الصلوة اقاموا او انصرفوا فاذا مضوا فليقصر دا ثم قال علیه السّلام هل تددى كيف صار هكذا قلت لا قال علیه السّلام.
لان التقصير في بريدين ولا يكون التقصير فى اقل من ذلك ، فاذا كانوا قد ساروا برید او ارادوا ان ينصرفوا كانوا قد سافروا سفر التقصير ، وانكانوا قد ساروا اقل من ذلك لم يكن لهم الا اتمام الصلوة .
قلت : اليس قد بلغوا الموضع الذى لا يسمعون فيه اذان مصرهم الذى خرجوا منه .
قال علیه السّلام :
بلی انما قصروا في ذلك الموضع لانهم لم يشكوا في مسيرهم وان السير يجد بهم، فلما جائت العلة فى مقامهم دون البريد صاروا هكذا.
فان دلالة قوله علیه السّلام و انكانوا ساروا اقل من اربعة فراسخ فليتموا الصلوة اقاموا او انصرفوا الخ ... على اعتبار استمرار القصد واضحة ، اذ لوكان مجرد قصد المسافة ابتداء كافيا في التقصير ، لم يكن وجه لوجوب الاتمام عليهم، مع ترددهم فى المضى و عدم عزمهم على عدمه و توهم ان وجوب الاتمام عليهم لعله لمكان الاستصحاب، حيث انهم مع ترددهم في مضيهم او انصرافهم يشكون في تحقق موجب التقصير وهو المسير ثمانية فراسخ لهم، والاصل عدم تحققه ومقتضاه وجوب التمام عليهم مدفوع بان وجوب الاتمام عليهم لو كان لمكان الاستصحاب، لكان اللازم علیه السّلام ان يحكم باتمام الصلوة ما اقاموا مترددين، و قضائها قصرا ان مضوا في سفرهم، ان مضيهم يكشف عن ان الموجب للتقصير كان متحققا واقعا وكان تكليفهم الواقعى القصر دون التمام، فعدم تعرضه علیه السّلام للقضاء فى صورة المضى، يكشف عن ان وجوب التمام عليهم انما كان لاجل انتفاء ما هو المعتبر في التقصير من استمرار
ص: 380
القصد لالاجل الاستصحاب، كما يدل على ذلك ايضا تعليله علیه السّلام تقصيرهم قبل الترديد بقوله علیه السّلام لانهم لم يشكوا في مسيرهم ، الظاهر فى ان المناط في وجوب التقصير الشك والترديد فى المضى هذا و تبصر ثم انه يستفاد من حكمه علیه السّلام باتمام. الصلوة ما اقاموا ، ان المعتبر فى السفر الشرعى هو استمرار القصد بحيث لا يتخلل فى اثنائه تردد او عزم على العدم مطلقاً ولو في حال الاقامة وعدم الاشتغال بالسير، كما يستفاد ذلك ايضا من قوله علیه السّلام فى موثقة عمار المتقدمة لا يكون الرجل مسافرا حتى يسير من منزله او قريته ثمانية فراسخ، الظاهر بقرنية السؤال في ان المراد منه حتى يقصد السير من منزله الى ثمانية فراسخ، اذ لو كان استمرار القصد في حال السير فقط كافيا في تحقق السفر الموجب للتقصير شرعا ، لم يكن وجه لحكمه علیه السّلام بالاتمام فيما تردد في حال الاقامة، فحكمه علیه السّلام بذلك مع التردد في حال الاقامة ، يكشف عن ان المعتبر فى السفر شرعا هو استمرار القصد بحيث لا يتخلل فی اثنائه تردد او عزم على العدم اصلا ولو في حال الاقامة ولو شككنا في ان حكمه علیه السّلام بذلك في تلك الحال، هل هو من اجل انتفاء السفر الشرعي مع التردد في تلك الحال كي يكون حكمه علیه السّلام بذلك من باب التخصص، اولاجل مجرد حصول التردد في تلك الحال مع تحقق السفر الشرعي كي يكون حكمه علیه السّلام بذلك من باب التخصيص فمقتضى اصالة لا التخصيص هو كون حكمه علیه السّلام بذلك من اجل انتفاء السفر الشرعى مع التردد في تلك الحال و يتفرع على ذلك انه لو تردد او عزم على العدم في الاثناء ثم عاد الى قصده الاول ، فيعتبر في تقصيره الصلوة ان يكون الباقى بنفسه مسافة ، ولا يكفى فيه بلوغه اليها بضمه الى السابق مطلقاً ولولم يقع منه سير في حال التردد او العزم على العدم، و ذلك لانه بالتردد او العزم على العدم خرج عن كونه مسافرا ، فدخوله ثانيا في عنوان المسافر يحتاج الى انشاء سفر جديد وتوهم ان مقتضى اطلاق قوله علیه السّلام في ذيل الرواية فاذا مضوا فليقصروا ، هو وجوب التقصير ولو كان الباقي بعد قصد المضى اقل من المسافة مدفوع اولا بان الظاهر ان مورد السؤال في الرواية هو السفر الطويل الذى يكون الباقى بعد قصد المضى اضعاف
ص: 381
المسافة، وثانياً ان المراد من قوله علیه السّلام فاذا مضوا فليقصروا، هوان التقصير انما يشرع لهم ويجب عليهم اذ اعادوا الى قصدهم الاول و عزموا على المضى في السفر، فهو علیه السّلام في مقام بيان ان ما سبق من سير هم لا يصلح لان يضم بالباقي و يحسب من السفر، لان التقصير يتوقف على السفر عن قصد مستمر، و ما مضى من السير انقطع عن صلاحية الانضمام بالباقى بتخلل الترديد بينهما ، و ان ما يصلح لان يحسب من السفر الشرعي هو السير الواقع في زمان المضى و اما ان السفر الشرعى بم يتحقق بعد العود الى قصدهم الاول، فليس علیه السّلام بصدد بیانه کی یؤخذ باطلاقه و توهم انا لوسلمنا دلالة الرواية على اعتبار استمرار القصد فى السفر شرعاً بحيث لا يتخلل في اثنائه تردد او عزم على العدم اصلا ولو في حال الاقامة، لكن نقول ان المتردد او العازم على العدم في الاثناء اذا عاد الى قصده الأول، يعد قصده له اولا وقصده له ثانيا عرفا قصدا و احدا، ولذا يقال عاد الى قصده الاول، فاذا كان القصدان المتخلل بينهما التردد او العزم على العدم قصدا و احدا عرفا، فلا يوجب التردد او العزم على العدم المتخلل فى البين خروجه عن كونه مسافرا شرعا، كي يحتاج دخوله فيه ثانيا الى انشاء سفر جديد مدفوع بان القصدين وان عدا عرفا قصدا واحدا فتأمل ! لكن لا يعدان قصدا واحدا مستمرا، بل يعد ان قصدا واحدا زائلا عائدا، وقد عرفتان المستفاد من الادلة هو اعتبار كون القصد واحدا مستمرا .
ثم ان المراد من المسافة التي يعتبر استمرار قصدها ، هي المسافة النوعية لا الشخصية التي عزم عليها من الأول ، فلو عزم على السفر الى محل مخصوص، ثم بداله في الاثناء ان يسافر الى محل اخر يبلغ المسير اليه بانضمام ما سبق المسافة او قصد المسافة الذهابية ثم بداله بعد بلوغه اربعة فراسخ ان يرجع الى وطنه وجب عليه التقصير، وذلك لاطلاق الادلة الدالة على اناطة القصر بالبقاء على قصد الثمانية ، وفى الفرضين لم يرجع عن هذا القصد، بل انما رجع عن قصد مسافة مخصوصة ، وهذا لا يضر بما هو مناط الفصر من قصد ثمانية فراسخ فما حكى عن بعض من ان المدار على المسافة الشخصية خال عن الوجه بل مخالف لاطلاق الادلة هذا.
ص: 382
الشرط الرابع ان لا يكون قاصدا للاقامة عشرة ايام في اثناء السفر قبل وصوله الى الثمانية، وكذا لا يكون قاصدا للمرور على وطنه، فلو قصد الاقامة في الاثناء او المرور على وطنه، انقطع سفره موضوعا كما هو المختار عند الاستاد دام ظله، والمستفاد، من حكم المشهور من الأصحاب بوجوب اتمام الصلوة عليه في الطريق وفى محل الاقامة والاحتياج في لزوم التقصير عليه الى انشاء سفر جديد، ولافرق في انقطاع السفر بهما بين ما لو قصد هما فى ابتداء السفر وما لو قصدهما في اثنائه اما انقطاع السفر موضوعا بقصد المرور على الوطن مطلقاً فواضح، ضرورة ان السفر لغة و عرفا ضد الحضر، فلا يكون القاصد للمرور على الوطن قاصدا للسفر حقيقة، لانه حين المرور على وطنه لا يصدق عليه حقيقة انه على سفر و اما انقطاع السفر موضوعا بقصد الاقامة في الاثناء مطلقاً، اى سواء قصدها فى ابتداء السفر او بداله قصدها في الاثناء، فللاجماعات المحكية المعتضدة بالشهرة العظيمة، بل عدم ظهور الخلاف فيه على المحكى عن شيخ مشايخنا الانصاري قدس سره من التصريح به في كتاب الصلوة مضافا الى انه مقتضى عموم التنزيل الوارد في صحيحة زرارة عن ابيجعفر حیث قال علیه السّلام:
من قدم مكة قبل التروية بعشرة ايام وجب عليه اتمام الصلوة وهو بمنزلة اهل مكة ، فان مقتضى اطلاق تنزيل المقيم في مكة عشرة ايام منزلة اهلها ، هو کونه بمنزلتهم في جميع الاثار التي منها عدم شرعية القصر لهم الا بالخروج عنها بقصد المسافة وهى المسير ثمانية فراسخ ممتدة او ملفقة.
و توهم ان تنزيل المقيم في محل منزلة اهل ذاك المحل لا يصح ان يكون على نحو الاطلاق، كيف والالزم ان يجب عليه التمام فيما لومر فى اثناء سفر على ذلك المحل، و هذا مما لم يلتزم به احد، فلا لابد ان يكون المراد تنزيله منزلة اهل المحل مادام مقيما، كما هو مقتضى تعليق الحكم عليهذا العنوان الظاهر فيدوران الحكم مداره حدوثا و بقاء، و من المعلوم ان المقيم يخرج عن هذا العنوان بمجرد الخروج عن محل الاقامة، و معه لا يبقى مجال لارادة التنزيل مطلقا حتى
ص: 383
بالنسبة الى هذا الأثر المترتب على خروج اهل المحل عنه. مدفوع بان عدم التزام الاصحاب بوجوب التمام على من مر في اثناء سفره على محل اقام فيه فى زمان عشرة ايام ، انكان مستندا الى دليل من اجماع اوغيره ، فهو لا يضر باطلاق التنزيل بالنسبة الى غيره من الاثار ، ضرورة ان خروج مورد عن الاطلاق بالدليل لا يوجب رفع اليد عنه فى غيره من الموارد ، اذلایکون خروجه کاشفا عن عدم كونه في مقام البيان كي يضر باطلاقه كما حقق في محله وتوهم انخروج خصوص مورد عن الاطلاق و ان لم يكن مضرا باطلاقه بالنسبة الى غيره من الموارد لكنك قد عرفت انه لا مجال لارادة التنزيل مطلقا حتى بالنسبة الى الاثر الذي كلامنا فيه ايضا ، بعد كون المنزل هو المقيم الزائل عنه هذا العنوان بمجرد الحروج عن محل الاقامة مدفوع بان الظاهر من تعليق الحكم على عنوان خاص ، وانكان دورانه مدار ذلك العنوان حدوثا وبقاء ، لكن نقول هذا الحكم المترتب على اهل المحل، حيث يكون معلقا على خروجهم منه بقصد السفر ، فكما ان زوال عنوان الحاضر الذى هو الموضوع لهذا الحكم التعليقى عنهم بالخروج عن وطنهم، لاينا في فعلية هذا الحكم عليهم بعد الخروج بل يكون موجبا لها، كذلك زوال عنوان المقيم الذي هو المنزل منزلة الحاضر في وطنه فيهذا الحكم التعليقى بالخروج عن محل الاقامة، لاينافي فعلية هذا الحكم عليه بالخروج عن محلها بل يكون موجبا لها.
توضيح ذلك هو ان المكلف عند كونه في وطنه يترتب عليه امور منها عدم كونه مسافرا، فلا يصلح سيره السابق على مروره بوطنه للانضمام الى اللاحق و احتساب المجموع سفرا ومنها وجوب التمام عليه مادام حاضراً اى غير مسافر و منها توقف وجوب القصر عليه على الخروج عن وطنه قاصدا للسفر الشرعي لا شبهة فى ان الأمرين الأولين فعلیان مترتبان عليه فيحال كونه حاضرا ، فلا مانع عن تنزيل المقيم منزلته فيهما لكونهما مترتبين عليه ايضا فيحال كونه مقيما كما لاشبهة فى ان الامر الثالث ليس فعليا ، بل معلق على خروجه من وطنه و صيرورته، و هذا الحكم التعليقى مترتب عليه ايضا في حال كونه حاضرا، فلامانع
مسافرا
ص: 384
عن تنزيل المقيم منزلته فيه ايضا لكونه مترتبا عليه فيحال كونه مقيما وكما ان صيرورة هذا الحكم التعليقى فعليا بالنسبة الى اهل الوطن، تتوقف على خروجهم منه و صيروتهم مسافرين، ولا ينافي تربته عليهم، خروجهم عن كونهم حاضرين الذى كان هو الموضوع لهذا الحكم التعليقى، فكذلك صيرورته فعليا بالنسبة الى المقيم، يتوقف على خروجه عن محل الاقامة وصيرورته مسافرا، ولا ينا ترتبه عليه خروجه عن كونه مقيما الذي كان هو الموضوع للحكم التعليقى والسر في ذلك هو ان ما يكون موردا للتنزيل وهو الحكم التعليقى، يكون ترتبه على كل من المنزل والمنزل عليه فيحال انحفاظ عنوانهما، وما يكون ترتبه عليهما بعد زوال عنوانهما وهو الحكم الفعلى لايكون موردا للتنزيل لانه قهرى الحصول بحصول ما علق عليه، فهذا التوهم نشاء من الخلط بين ما هو مورد للتنزيل وماليس بمورد له و بتقريب اخر كما لاشبهة فى انه يصح ان يكلف المقيم ابتداء بالقصر معلقا على خروجه قاصد السير ثمانية فراسخ، كذلك لا ينبغى الشبهة فى صحة ان يكلف به بلسان تنزيله منزلة الحاضر الذي يكون مكلفا به معلقا على خروجه من وطنه قاصد المسير ثمانية فراسخ كما هو واضح هذا كله مضافا الى مافى نفس الصحيحة من القرينة الواضحة على ارادة الاطلاق من التنزيل حتى بالنسبة الى خصوص هذا الاثر، وهى ما فرعه علیه السّلام عليه بقوله فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، فان المراد من الخروج الى منى هو الخروج اليه لبعض الاعمال، ثم الذهاب منه الى العرفات التي دلت الاخبار على كون المسير اليها سفرا، يل فى بعضها واى سفراشد منه فلو كان المراد من تنزيل قادم مكة قبل التروية بعشرة ايام منزلة اهلها هو تنزيله منزلتهم في مجرد وجوب التمام عليه مادام مقيما فيها ومن دون كون اقامته فيها موجبة لانقطاع سفره ومانعة عن انضمام سيره السابق الى اللاحق واحتساب مجموعهما سفرا واحد الكان الواجب عليه القصر بمجرد الخروج عن مكة سواء كان قاصد السير ثمانية فراسخ ام لافتفريعه علیه السّلام و وجوب القصر عليه آه في خصوص ما اذا خرج الى منى للذهاب الى العرفات على التنزيل المزبور، يدل على ان اقامة عشرة ايام قاطعة للسفر موضوعا، وان
ص: 385
لزوم القصر عليه يتوقف على انشاء سفر جديد ، كما يشعر بذلك بل يدل عليه تعليل القصر في العرفات التي بينها و بين مكة المعظمة اربعة فراسخ بقوله علیه السّلام واى سفراشد منه، فان الناوى للاقامة لو كان مجرد خروجه عن محلها كافيا في لزوم القصر عليه لم يكن وجه لتعليل لزومه على المقيم بمكة الذى خرج عنها الى العرفات، بان الخروج اليها سفر، ضرورة استهجان تعليل الحكم بامر عرضى مع كون الحكم من مقتضيات ذات الموضوع كما هو واضح هذا وتبصر فتبين مما ذكرنا ان ارادة عموم التنزيل حتى بالنسبة الى هذا الأثر ايضا لامانع عنها ثبوثا فلاوجه لرفع اليد عما يدل عليه اثباتا ، كالصحيحة التى قد عرفت انفا ظهورها فى ارادة عموم النزيل ، وان المقيم بمنزلة اهل المحل بالنسبة الى هذا الاثر ايضا ، ولو منع من ظهورها فى ارادة عموم التنزيل حتى بالنسبة الى هذا الأثر فلامجال للمنع عن احتمال ارادة عمومه كك ، ومعه يكون المرجع استصحاب حكم الخاص ، وهو وجوب التمام الثابت في محل الاقامة ، المقتضى لوجوبه ايضا فيما خرج عنه بلا انشاء صفر جديد ، لا عموم ادلة القصر على من يسير من منزله ثمانية فراسخ ، اذليس لها عموم از مانی کی يكون هو المرجع فيما عدا القدر المتيقن من زمان خروج الخاص وتوهم ان الموضوع لحكم الخاص اعنى وجوب التمام هو عنوان المقيم، و هذا العنوان يزول بمجرد الخروج و معه الامجال لاستصحاب حكمه كما هو واضح مدفوع بان المجعول موضوعا للتمام فى صحيحة ابى ولاد، ليس عنوان المقيم حتى يزول بمجرد الخروج، بل الموضوع له هو عنوان القادم في مكة قبل التروية بعشرة ايام، و هذا العنوان صادق ولو بعد خروجه عنها فتدبر، و على تقدير تسليم كون الموضوع للتمام هو المقيم، نقول ان هذا الموضوع باق عرفا عند زوال وصف المقيمية عنه بعد عده عندهم من حالات الموضوع لامن مقوماته فتدبر، هذه عمدة ما استدل به على كون قصد الاقامة فى اثناء السفر قاطعا له مطلقا وموجبا للخروج عن عنوان المسافر.
ولا يخفى ما فى الكل من المناقشة اما الاجماعات المحكية فلما تقرر في محله من عدم حجية الاجماع المنقول ،اولا ، ولاحتمال استناد الجمعين الى عموم
وجوب
ص: 386
التنزيل المستفاد من صحيحة زرارة المتقدمة اوغيرها من الادلة الى اقاموها عليهذا الحكم ، المانع عن كشفها عن اجماع تعبدى انعقد في المسئلة ثانيا ، سلمنا كشفها عن انعقاد اجماع تعبدى فيها، لكن بعد ماظهر ان المستفاد من الادلة هو ان السفر الشرعى الموجب للقصر هو قطع المسافة عن قصد مستمر الى انتهائها، يظهر ان ما حكم به الاصحاب و اجمعوا عليه من وجوب التمام على من قصد من اول سفره الاقامة فى اثنائه، ليس لاجل عدم انعقاد السفر موضوعا مع هذا القصد، و ذلك لما عرفت من ان السفر الشرعى الذى هو تمام الموضوع للتقصير هو قطع المسافة عن قصد مستمر، و(1)هذا الموضوع متحقق قطعا و وجدانا، فيما اذا نوى من الابتداء الاقامة في الاثناء قبل طى المسافة، وعليه فلايكون وجوب التمام عليه حينئذ الاحكما تعبديا في موضوع السفر الشرعى، فيكون دليل وجوبه لامحة قاطعا لحكم السفر و مخصصا لادلة وجوب القصر فيه، لامانعا عن تحقق موضوعه نعم لوكان من معقد الاجماع مضافا الى وجوب التمام في الطريق و في محل الاقامة، احتياج لزوم التقصير عليه الى انشاء سفر جديد، لكان كاشفا عن ان مجرد قطع المسافة عن قصد مستمر ليس تمام الموضوع للتقصير ، بل يعتبر ايضا في تحقق موضوعه ان لا يقصد الاقامة فى اثناء الطريق لكن الكلام فى اصل صلاحية الاجماعات المحكية للتعويل عليها ، بعد ما هو المحتمل جدا من استناد المجمعين الى عموم التنزيل المستفاد من الصحيحة و غيره من الادلة القاصرة عن اثبات المدعى كما سيجيئ انشاء الله تعالى التنزيل الذى استفادوه من الصحيحة و ايدناه ايضا فيمامر، فلان الصحيحة انما تكون واردة في حكم من قصد الاقامة عشرة ايام بعد طي المسافة اسراء حكمه الى من قصدها في اثنائها يحتاج الى دليل اخر .
و توهم ان الصحيحة و انكانت واردة في خصوص من قصد الاقامة بعد طى المسافة ، لكنها تدل على ثبوت هذا الحكم لمن قصد الاقامة في الاثناء بالفحوى ،
ص: 387
ضرورة ان قصد الاقامة اذا كان رافعا وقاطعا لموضوع السفر ، فيكون دافعا و مانعا عن انعقاده بطریق اولی اذالدفع اسهل من الرفع مدفوع بان الاولوية المذكورة على تقدير تسليمها ظنية لا اعتداد بها فى الامور الشرعية، نعم يمكن الاستدلال بالصحيحة على حكم المقام بضميمة القول بعدم الفصل بين المقامين ان ثبت القول به.
و اما استصحاب وجوب التمام الثابت فى الوطن بالنسبة الى ماقبل الوصول الى محل الاقامة ، و استصحاب وجوبه الثابت فى محل الاقامة بالنسبة الى ما بعد الخروج عنه ، فلان فيه ان الرجوع الى استصحاب وجوب التمام انما يصح لو لم يكن لما دل على وجوب القصر على من يسير ثمانية فراسخ عموم ازمانی او اطلاق احوالى ، ومن المعلوم انه لولم يكن له العموم الازمانى ، فلاشبهة في ان له الاطلاق الاحوالى، ومعه يجب الاقتصار في رفع اليد عنه على مادل الدليل على وجوب التمام فيه وهو حال الاقامة ، والرجوع فى غيره و هو ما قبل الوصول الى محل الاقامة وما بعد الخروج عنه ، الى اطلاق ادلة وجوب القصر ، لا الى استصحاب وجوب التمام الثابت في الوطن وفى محل الاقامة ، سلمنا عدم العموم الازماني ولا الاطلاق الاحوالي لما دل على وجوب القصر على المسافر ، لكن الرجوع الى استصحاب حكم الخاص حينئذ ، انما هو فيما كان الخارج عن حكم العام بعض افراده بعنوانه الشخصي ؛ دون ما اذا كان الخارج عن حكمه عنوانا كليا كما في المقام هذا و توهم ان مادل على وجوب القصر فى المسافة انما يدل عليه فيما كانت المسافة سفرا واحدا ، و هى في الفرض لمكان تخلل الاقامة في اثنائها تكون سفرين عرفا مدفوع بمنع تعدد السفر عرفا بذلك ، كيف والألزم ان يتعدد ايضا بتخلل الاقامة فى اثنائها تسعة ايام ونصف ، اذلا وجه لكون المسافة المتخللة فى اثنائها اقامة تسعة ايام و نصف سفرا واحدا ، والمتخللة فى اثنائها اقامة عشرة ايام سفرین عرفا فتدبر جيدا فانه يمكن ان يقال ان العرف وان لم يفرق بينهما فى ذلك ، بل قد يطلق عندهم على المقيم تسعة ايام بل الأقل منها انه غير مسافر ، الا انه لماحدد الشارع ما يتحقق به الاقامة المخرجة
ص: 388
عرفا للمسافر عن كونه مسافرا بعشرة ايام، فصار المقيم بهذا المقدار هو الموضوع الحقيقى العرفي في مقابل المسافر، فهذا هو المنشأ لفرقهم بين الاقامة في الاثناء عشرة ايام والاقامة باقل منها ولو ساعة، بالحكم بانقطاع السفر بتخلل الاولى بينه و صیرورته سفرين ، و عدم حكمهم به بتخلل الثانية وبعبارة اوضح لما لم يكن للسفر ولا للاقامة المخرجة عن عنوان المسافرة، ميزان منضبط عند العرف بانكان لكل منهما عندهم في طرفي الصدق وعدمه قدر متيقن وكان بين المتيقن من الطرفين مصاديق مختلف فيها بنظرهم، فصار هذا الاختلاف منشاء و داعيا لتحديد الشارع، ما يتحقق به المسافرة عرفا بسير ثمانية فراسخ، و ما يتحقق به الاقامة المخرجة عرفا للمسافر عن كونه مسافرا باقامة عشرة ايام فبتحديد الشارع موضوع السفر العرفى بثمانية فراسخ، وموضوع الاقامة المخرجة عرفا عن عنوان المسافرة بعشرة ایام ، صار الاول موضوعا حقيقيا عرفيا للسفر، والثانى موضوعاكك للمخرج عن عنوان السفر، فاذا كانت الاقامة فى اثناء السفر عشرة ايام مخرجة له عن كونه سفرا ، فبتخللها في الاثناء ينقطع السفر موضوعا و يحتاج في لزوم القصر الى انشاء سفر جديد هذا و تبصر !
و اما مار بما يتوهم فى المنع عن الرجوع الى اطلاق ادلة القصر في المقام ان المتبادر عرفا من المسافة التي دل الدليل على وجوب القصر فيها، هي المسافة التي لم ينقطع وجوب القصر فيها بالتمام فى اثنائها، فليس لها اطلاق يشمل مثل هذه المسافة المنقطعة بالتمام، ويكون حاكما على استصحاب وجوب التمام فمدفوع بمنع تبادر ذلك منها عرفا هذا
و مما ذكرنا كله ظهر الوجه فى اختلافهم فى حكم المسافر الذي قصد بعد طى المسافة الشرعية الاقامة عشرا فى محل، ثم خرج عنه في اثناء تلك المدة الى مافوق حد الترخص و دون المسافة ناويا العود اليه، فانه بناء على كون الاقامة قاطعة للسفر موضوعا، لاشبهة فى وجوب التمام عليه ذهابا و ايابا و في المقصد و في محل الاقامة، و ذلك لان بعد انقطاع موضوع السفر بقصد الاقامة الموجب لخروج
ص: 389
المقيم عن عنوان المسافر، يحتاج في لزوم القصر عليه الى انشاء سفر جدید، کی يدخل به تحت عنوان المسافر ويترتب عليه حكمه و اما بناء على كون قصد الاقامة قاطعا للسفر حكما، فربما يقال ان مقتضى القاعدة هو وجوب التقصير عليه في الذهاب والمقصد والاياب، لان الاخبار الدالة على وجوب التمام فى محل الاقامة، لا تثبت الأوجوبه فى نفس المحل دون خارجه، ومعه لامانع عن انضمام سيره اللاحق بالاقامة السابق عليها، المقتضى لوجوب التقصير عليه فى اللاحق ولو كان دون المسافة، كما كان واجبا عليه في السابق هذا ولكنك قد عرفت أن مقتضى الادلة الواردة في تحديد السفر الشرعى و شرائطه و قواطعه، هو وجوب التمام على الخارج عن محل الاقامة الى مادون المسافة، و توقف لزوم القصر عليه على انشاء سفر جديد، هذا كله مضافا الى ما حكى عن سيد المحققين استاد الاساديد المرزا محمد حسن الشيرازي قدس سره، من ان المراد من الاقامة الموجبة للتمام ليس هو الوقوف والاستقرار في محل، بل المراد منها بقرنية المناسبة المقامية هو ما يقابل الارتحال والمضى فى السفر، فان الظاهر من ذكر هذه اللفظة فى باب.
المسافرة التى هى عبارة عن الرحيل من مكان الى مكان ، هو كون المراد منها ما يقابل هذا المعنى (1)فالمراد منها عدم الارتحال وترك المسافرة، و من المعلوم ان الامامة بهذا المعنى لا تنافى الخروج الى مادون المسافة بل متحققة معه ايضا، ومقتضاه وجوب التقصير عليه فى الذهاب والإياب وفى المقصد و فى محل الاقامة، عن غير فرق في ذلك بين كون الاقامة قاطعة للسفر موضوعا او حكما كما هو واضح.
و توهم ان من كان قصده الخروج عن محل الاقامة في اثنائها والعود اليه، لا يصدق عليه انه نا وللاقامة في محل واحد عشرة ايام، و معه كيف یصح الاستدلال فی وجوب التمام عليه مالم ينشاء سفرا جديدا بعموم التنزيل المستفاد من قوله علیه السّلام في الصحيحة المتقدمة وهو بمنزلة اهل مكة، وبما فى اخبار العرفات من تعليل لزوم القصر على المقيم بمكة اذا خرج عنها الى العرفات ، بان الخروج اليها سفر،
ص: 390
مع ورودهما فى من نوى الاقامة في محل واحد.
مدفوع بان محل الكلام هو مالونوى من الابتداء الخروج عن محل الاقامة في اثناء المدة الى مادون المسافة والعود اليه بلاتراخ، وهذا المقدار لا يكون مضرا بصدق قصد الاقامة في محل واحد عشرا عرفا ، و ذلك لان المتعارف فيما اذا اقام المسافر في بلد ، هوان يخرج الى اطرافه لمشاهدة مافيها من الآثار والابنية القديمة والبساطين والانهار ونحوها ، فليس صدق قصد الاقامة في محل واحد عشرا عرفا مع قصد الخروج عنه في الاثناء والعود اليه بلاتراخ ، لاجل المسامحة العرفية وعدم اعتنائهم بذلك المقدار من الزمان الذى يخرج فيه محل الاقامة و يعود اليه، بل لاجل ان المتعارف من الاقامة في بلد، لما كان هو الخروج عنه الى اطرافه و العود اليه وكان القاصد للاقامة فى محل عشرا قاصدا لها بالنحو المتعارف، فلامحة لا يكون قصده الخروج عن محلها والعود اليه بلاتراخ ، مضرا بصدق قصده الاقامة فيه عشرا عرفا حقيقة لا مسامحة وهذا نظير صدق بيع من من الخبطة مثلا عرفا مع امتزاجه بيسير من التراب، فانه ايضا ليس المسامحتهم في ذلك المقدار من التراب المختلط بالحنطة، بل لان المن من الحنطة حيث يكون بحسب الغالب المتعارف مختلطا بمقدار من التراب، ويكون قصد المتبايعين هو بيع من من الحنظة المتعارفة و شرائه، فلا يكون اختلاطه بذلك المقدار من التراب، مضراً بصدق بيع من من الحنطة عرفا حقيقة لامسامحة فتدبر، وهذا بخلاف مالونوى من الابتداء الخروج عن محل الاقامة في الاثناء والعود اليه بعد مدة كيوم أو يومين اوازید، فانه لا يصدق عليه حينئذ عرفا انه ناو للاقامة فى محل واحد عشرا كما هو واضح، هذا فيما اذا كان قاصدا للخروج عن محل الاقامة فى اثناء المدة من الابتداء .
واما لو بداله ذلك في الاثناء وقد صلى فيه تماما ، فهل يكون خروجه مضرا باقامته مطلقا ولو عاد اليه بلاتراخ، اولايكون مضرا بها مطلقاً و لولم يعد اليه الا بعد مدة ، الحق فيه التفصيل، بين ما اذا كان خروجه الى ما دون المسافة، بقصد الرحيل والاعراض عن محل الاقامة، وانما كان رجوعه إليه لشغل عرض له كاكتراء
ص: 391
المركوب وتحصيل الزاد ونحوهما، بحيث كان محل اقامته كاحد المنازل الواقعة فى طريق سفره، فلاشبهة في كونه مضرا باقامته مطلقا ولو عاد الى محلها فورا و بين ما اذا كان خروجه الى ما دون المسافة لحاجة لالقصد الرحيل والاعراض عن محل الاقامة، فالظاهر انه غير مضر باقامته ولولم يعد الى محلها فورا، سيما بناء على كون المراد بالاقامة هي بالمعنى المقابل للرحيل كما هو الظاهر، لا بالمعنى المقابل لعدم الاستقرار في محل واحد.
ويؤيد ما ذكرنا من التفصيل الروايات الدالة على ان الخروج الى عرفات التي بينها وبين مكة اربعة فراسخ لايضر بالاقامة في مكة ففى رواية على بن مهزیار عن ابيجعفر الثاني علیه السّلام قال اذا توجهت من منى فقصر الصلوة، فاذا انصرفت من عرفات الى منى وزرت البيت و رجعت الى منى فاتم الصلوة تلك الثلثة الايام وفي صحيحة زرارة عن الصادق علیه السّلام قال :
من قدم قبل التروية بعشرة ايام وجب عليه اتمام الصلوة وهو بمنزلة اهل مكة فاذا خرج الى منى وجب عليه التقصير ، فاذا زار البيت اتم الصلوة وعليه اتمام الصلوة اذارجع الى منى حتى ينفر.
فان هاتين الروايتين دالتان على ان الخروج الى عرفات مسافة التقصير ومع ذلك لا يبطل به قصد الاقامة في مكة ، ولذا يجب عليه الاتمام حين رجوعه لزيارة البيت وخروجه الى منى لبعض الاعمال الواردة فيه وفي رواية محمد بن ابراهيم الخصينى قال استأمرت ابا جعفر علیه السّلام في الاتمام والتقصير، قال علیه السّلام:
اذا دخلت الحرمين فانو عشرة ايام واتم الصلوة.
فقلت له :
انی اقدم مكة قبل التروية بيوم او يومين اوثلثة :
قال علیه السّلام:
انو مقام عشرة ايام واتم الصلوة فان امره علیه السّلام باتمام الصلوة مع كون الخروج الى عرفات في الاثناء مما لا بد منه ، يدل على ان قصد الخروج الى عرفات من الابتداء مع كونها مسافة التقصير لا يضر بقصد الاقامة في مكة وهذه الاخبار وانكانت من
ص: 392
حيث اشتمالها عليهذا الحكم معرضا عنها عند المشهور القائلين ببطلان الاقامة بالخروج عن محلها الى المسافة بدعوى الاجماع عليه، ولذا حملها بعض على اختصاصها بمكة حيث ان لها وللمدينة المنورة احكاما خاصة كما سيجيئ انشاء الله تعالى التعرض لها، لكنها لاتخلو عن التأييد لما ذكرناه من ان الخروج عن محلل الاقامة الى ما دون المسافة، اذا لم يكن بقصد الرحيل والاعراض عن محلها، لا يوجب بطلان الاقامة ولا يضر بالاتمام هذا مضافا الى كونه مقتضى عموم التنزيل المستفاد معادل على ان المقيم في مكة عشرة ايام بمنزلة اهلها، فانه يدل على ان الناوى للاقامة في محل عشرا يكون كاهل ذلك المحل، في وجوب الاتمام عليه و عدم جواز التقصير له بالخروج عنه مالم يبلغ المسافة فتدبر فتبين مما ذكرنا ان الحق فى المسئلة هو انه لوخرج عن محل الاقامة كالنجف الاشرف مثلا الى مادون المسافة كالكوفة، فتارة يكون خروجه عنه بقصد الرحيل والاعراض عنه، وانما كان رجوعه اليه لكونه احد المنازل الواقعة في طريق سفره الى الكربلاء، فالظاهر ان مبدء سفره يكون من حين حر كته من الكوفة لا من النجف الاشرف اليها، لامن لان هذا الفرسخ الذهابى الى الكوفة لا يحسب من المسافة ، بمقتضى ما ذكرناه فيما سبق من ان مقتضى الجمع بين ادلة تحديد المسافة ، هو اعتبار كونها ثمانية فراسخ ممتدة او ملفقة من اربعة ذهابا واربعة ايابا، وان الذهاب اذا لم يكن اربعة لا يضم الى الاياب كان بقدر المسافة اولم یکن وعليهذا يجب عليه التقصير من حين خروجه من الكوفة ، حتى عند مروره على النجف الاشرف لانه انما كان بمنزلة وطنه مادام مقيما فيه واخرى يكون خروجه عن محل الاقامة لا بقصد الرحيل والاعراض عنه بل لشغل ، فالظاهران خروجه لا يكون مضرا باقامته ولولم يعد اليه الابعد يوم اويومين، و ذلك لمامر انفا من ان ذلك مقتضى عموم التنزيل الوارد في صحيحة زرارة فتدبر، وعليهذا يجب عليه فى المثال التمام حتى عند ذهابه الى الكوفة وتوقفه فيها و ايابه منها بل يمكن ان يقال فيهذا الفرض بوجوب التمام عليه في محل الاقامة بعد عوده عوده اليه، و لوكان خروجه عن محلها بالغا الى المسافة، و ذلك لانه
ص: 393
كما ان الوطن الاصلى العرفى مالم يعرض عنه لا يخرج عن صدق الوطنية عرفا، فكذلك محل الاقامة الذى هو وطن تنزيلى مالم يعرض عنه لا يخرج عن صدق المحلية للاقامة ، فكما ان من سافر عن وطنه غير معرض عنه ثم رجع اليه يجب عليه التمام، كذلك من سافر عن محل الاقامة غير معرض عنه ثم رجع اليه يجب عليه التمام عند وصوله اليه، وقد عرفت ان ذلك مقتضى الاخبار الدالة على ان الخروج الى العرفات التي بينها و بين مكة اربعة فراسخ لا يضر بالاقامة في مكة، لكنك عرفت ان هذا مخالف لما ذهب اليه المشهور من بطلان الاقامة بالخروج عن محلها الى المسافة مدعين الاجماع عليه، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين الاتمام والقصر عند رجوعه الى محل الاقامة، بل الاحوط فيماكان خروجه عن محل الاقامة الى مادون المسافة هو الجمع بينهما ذاهبا وعائدا وفى المقصد، وذلك لما اشرنا اليه من منع بعض عن اطلاق مادل على تنزيل المقيم في محل منزلة اهل ذاك المحل بحيث يعم مثل هذا الحكم ايضا، بدعوى انصرافه الى ما هو مورده من وجوب التمام عليه مادام في محل الاقامة دون غيره من الانار.
وثالثة يكون خروجه عن محل الاقامة لا بقصد الرحيل والاعراض ولا بقصد العود والبقاء فيه الى انقضاء الشعرة بل مترددا، فالظاهر بناء على كون الاقامة قاطعة للسفر موضوعا كما هو المختار لشيخنا الاستاد دام ظله وجملة من الاساطين ، هو وجوب اتمام الصلوة عليه فى جميع الاحوال ذاهبا وعائدا وفى المقصد، وذلك لانقطاع سفره السابق بقصده الاقامة حسب الفرض، وعدم الفرض، وعدم قصده سفرا جديدا كي يجب عليه القصر، ضرورة منافاة التردد مع قصد تجديد السفر واما بناء على كون الاقامة قاطعة لحكم السفر كما ذهب اليه بعض، فيبتنى وجوب الاتمام عليه على استفادة عموم التنزيل من صحيحة زرارة المتقدمة ، او تحقق الاجماع على ان المقيم عشرا يجب عليه الاتمام مطلقا مالم ينشاء سفرا جديدا ، وكلاهما ممنوعان عند القائلين بهذا المبنى لانهدامه بتسليمهما كما لا يخفى ، هذا تمام الكلام فيما قصد الاقامة بعد طى المسافة وخرج عن محلها الى مادون المسافة وامالوققصد الاقامة في اثناء
ص: 394
المسافة و خرج عن محلها الى مادون المسافة. فالظاهر من عدم تفصيل الاستاد بینه و بين الفرض السابق، جريان جميع ما ذكر في شقوق الفرض السابق فيهذا الفرض لكنك عرفت ان الحكم بوجوب الاتمام على من قصد الاقامة في اثناء المسافة، وان لزوم القصر عليه يحتاح الى انشاء سفر جديد ، لامدرك له الا الاجماعات المنقولة و دعوى عدم الخلاف فيه ، لمامر من اختصاص مادل من النصوص على تنزيل المقيم في محل منزلة اهله وان لزوم القصر عليه يحتاج الى انشاء سفر جديد ، بمالو قصد الاقامة بعد طى المسافة ، فلاتنزيل فيهذا الفرض كى يؤخذ بإطلاقه بالنسبة الى هذا الحكم اعنى احتياج لزوم القصر عليه الى تجديد السفر و عليهذا لوثبت عليهذا الحكم الاجماع وعدم الخلاف فيه ، اوتم ما اشرنا اليه من ان ماورد من ان الاقامة عشرة ايام موجبة للتمام و ان القصر يحتاج الى تجديد السفر ، في مقام تحديد ما يتحقق به الاقامة المخرجة عرفا للمسافر عن كونه مسافرا فهو والا فالا حوط هو الجمع بين القصر والاتمام في جميع الاحوال والله اعلم بحقايق احكامه.
بقى هنا فروع، منها انه لو كان حين الشروع فى السفر غير قاصد للاقامة في اثناء المسافة، ولكن احتمل ان يعرضه قصدها في الاثناء ، فمقتضى القاعدة بناء على اعتبار عدم قصد الاقامة في اثناء المسافة في موضوع السفر شرعا اوعرفا وكون فصدها كك قاطعا له ، هو وجوب بقائه على التمام مع هذا الاحتمال، اذ معه لا يكون قاصد اللمسافة الغير المنقطعة بقصد الاقامة ، فلا يكون قاصد الماهو الموضوع شرعا للقصر ومنها انه لو كان ناويا حين الشروع في السفر للاقامة في الاثناء قبل طى المسافة ثم بداله و بنى على عدمها، فلا اشكال بناء على قاطعية قصدها لموضوع السفر، في عدم صلاحية ما سبق من سيره للانضمام الى اللاحق، بل لا بد له من ملاحظة ما بقى من سيره فانكان بقدر المسافة قصر وانكان اقل منها اتم ومنها انه لو كان بانيا على عدم الاقامة فى اثناء المسافة ، ولكن احتمل ان يعرضه في الاثناء ما يلجئه اليها، فانكان احتمال ذلك عقلائيا، فلاشبهة في كونه مضرا بقصده، لعدم امكان القصد الجدى
ص: 395
الى السفر الشرعى مع هذا الاحتمال كما هو واضح، و ان لم يكن احتمال ذلك عقلائيا بل و هميا فلايكون مضرا بقصده، اذ لا يخلو مسافر عن مثل هذا الاحتمال كما لا يخفى.
الشرط الخامس من شروط القصر ان يكون السفر سائغا بان لا يكون سفر معصيته، والمراد منه على ما يستفاد من النصوس والفتاوى، اعم من ان يكون السفر بنفسه ومن حيث عنوان ذاته محرما، كما اذا كان فرارا عن الرجف والجهاد او اباقا و فرارا عن السيدا و نشوزا عن اطاعة الزوج أو خروجا عن اطاعة (1)الوالدين، أو يكون بنفسه مباحا ولكن كان لغاية محرمة كالسرقة والسعاية على ضرر مسلم ونيل المظالم من جائر ونحوذلك و اما ما توهمه بعض من اختصاص الحكم بالاول، اعنى ما اذا كان نفس السفر بعنوانه الذاتى محرما، بدعوى انه لو كانت غايته محرمة فيكون السفر من مقدمة الحرام التي ليست محرمة بلا اشكال كما حقق في محله فلا يخفى فساده على من راجع النصوص الواردة فيهذا المقام، فان اكثرها صريح فى الاختصاص بالثاني، و لذا استدل شيخ مشايخنا الانصاري قده على التعميم للاول، بفحوى تلك النصوص ومفهومها الموافق لا بمنطوقها ففى رواية عمار بن مروان عن ابيعبد الله علیه السّلام قال سمعته يقول :
من سافر قصروا فطر الا ان يكون رجلا سفره الى صيدا وفى معصية الله او رسولا لمن يعصى الله او في طلب عدوا و شحناء اوسعاية او ضرر على قوم من المسلمين.
وفي رواية سماعة قال سألته عن المسافر الى ان قال قال علیه السّلام :
و من سافر قصر الصلوة وافطر الا ان يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر او خرج الى صيد.
و في الحديث .
سبعة لا يقصرون الصلوة الى ان قال الرجل يطلب الصيد يريد به لهو الدنيا والمحارب الذى يقطع السبيل.
ص: 396
وفي رواية ابي سعد الخراساني قال :
دخل رجلان على ابى الحسن الرضا عليه السلام بخراسان فسئلاه عن التقصير.
فقال عليه السلام لاحدهما : وجب عليك التقصير لانك قصدتنى ، وقال للاخر وجب عليك التمام لانك قصدت السلطان، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على وجوب التمام على الناوى للسفر الذى يكون لغاية محرمة ، فتوهم اختصاص هذا الحكم بما اذا كان نفس السفر محرما و عدم شموله لما اذا كانت غايته محرمة اجتهاد في مقابل النص و اوهن من ذلك ما حكى عن بعض كالروض من اختصاص هذا الحكم بالثانى اعنى ما اذا كان نفس السفر مباحا ولكن كان لغاية محرمة ، ان فيه ان وجه الاختصاص بالثاني ، انكان توهم اختصاص النصوص به ، ففيه اولا منع ذلك لان الظاهر من قوله علیه السّلام في رواية عمار المتقدمة اوفى معصية الله بقرينة ماعطف عليها من قوله علیه السّلام اور رسولا ... الخ، هوان المراد منها السفر الذي يكون بنفسه معصية الله تعالى ، وثانيا سلمنا اختصاص النصوص بالثاني، لكنها كما افاده شيخنا الانصارى قده تدل بالفحوى على عموم الحكم للاول هذا مضافا الى ما في ادلة عدم الترخص في سفر الصيد ، من التعليل بكونه سفرا باطلا و انه ليس بمسير حق ومسير باطل ، فانه يدل بعمومه على ان كل سفر يكون باطلا و ليس بمسير حق لا يكون فيه ترخص ، و مضافا الى عدم مضافا الى عدم الخلاف في المسئلة الا عن ظاهر المحكى عن الروض وانكان وجه الاختصاص بالثانى توهم وجود ما يمنع عقلا عن الشمول للاول ، كما يظهر مما استدل به في محكى الروض من انه لو شمل الحكم ما اذا كان نفس السفر معصية لم يتحقق الترخص الا للاوحدى من الناس لاستلزام السفر نوعا للمعصية ففيه ما اشرنا اليه من ان المراد من كون نفس السفر معصية، هو كونه من حيث عنوان ذاته محرما، كما فى مسافرة الزوجة بدون اذن زوجها و مسافرة العبد فرارا عن سيده، فان نفس مسافرة الزوجة نشوز و معصية و نفس مسافرة العبد اباق و حرام، و كم فرق بين ما اذا كان نفس السفر من حيث عنوان ذاته محرما ، و بين ما اذا كان نفس السفر مباحا ولكن كان متسلزما نوعا لمحرم،
ص: 397
وما يلزم من شمول الحكم له عدم تحقق الترخص الا للاوحدى من الناس هو الثاني دون الاول الذي كلامنا فيه اذ كون نفس السفر معصية و حراما في غاية القلة ، فلا يلزم من اشتراط عدمه فى الترخص عدم تحققه الا للاوحدى من الناس.
ثم ان مما ذكرنا من ان المستفاد من النصوص ان المراد من كون السفر معصية، هو ان يكون نفس السفر بعنوان انه سفر محرما او يكون لغاية محرمة ظهران السفر الذي يكون ملازما لمعصية او منطبقا عليه عنوان محرم يكون خارجا عن النصوص فتدبر وعليه فالسفر الذى يلازم ترك اداء الدين خارج موضوعا عن النصوص ، اذليس بنفسه محرما ولا يكون لغاية محرمة ، اما الثانى فواضح ، و اما الاول فلان كونه بنفسه محرما يتوقف على كون الامر باداء الدين مقتضيا للنهى اضداده الخاصة التي منها المسافرة ، وقد حقق فى محله ان الامر بالشئ لا يقتضى النهي عن ضده الخاص ، وانه لاتوقف لفعل احد الضدين على ترك الاخر ، والاازم الدور وتأثير العدم فى الوجود و كلاهما محالان، بل ترك احدهما مستند الى الصارف ایجاده، وحيث انه لا يمكن خلو المكلف عن ايجاد احد الضدين اللذين لا ثالث لهما، فاذا ترك احدهما فلامحة يوجد الآخر نعم لوكان السفر للفرار عن الدين بحيث لو كان في البلد لكان ملزما ومجبورا على ادائه ولو خوفا من عرضه، لكان داخلا فى موضوع النصوص لانه حينئذ يكون لغاية محرمة وكذا المسافرة في ارض مغصوبة او على دابة مغصوبة، تكون خارجة موضوعا عن النصوص ، وذلك لان هذه المسافرة وانكانت محرمة، لكنها لا بعنوان ذاتها و كونها مسافرة، بل لانطباق عنوان محرم عليها و هو الغصب ، وقد عرفت ان هذا خارج عن موضوع النصوص فتدبر ، فيعمه العمومات الموجبة للقصر على المسافر.
ثم انه لافرق في اشتراط اباحة السفر و عدم كونه معصية بين الابتداء والاثناء فلوكان فلو كان سفره فى الابتداء مباحا ولم يقصد به غاية محرمة ، ولكن قصد به المعصية في الاثناء، وجب عليه التمام، من غير فرق فى ذلك بين كونه قبل طى المسافة او بعده، وذلك لان مقتضى اشتراط موضوع السفر او حكمه بان لايكون سفر معصية،
ص: 398
هو انه لو انتفى هذا الشرط فى الابتداء او في الاثناء انتفى القصر بذاته او بانتفاء موضوعه فيجب عليه التمام، وهذا مما لا اشكال فيه.
وانما وقع الكلام فى ان هذا الشرط، هل يكون معتبرا بوجوده الاستمراري نظير العام المجموعى، بحيث لو انتفى فى قطعة من السفر انتفى القصر او موضوعه رأسا، كى يجب عليه التمام في غير تلك القطعة ايضا او انه معتبر في كل قطعة قطعة نظير العام الاصولى الافرادى، كي يكون الحكم اعنى وجوب النصر على المطيع والتمام على العاصى، دائرا مدار صدق هذين العنوانين، فيكون ماداميا فيقصر مادام مطيعا و يتم مادام عاصيا، من غير فرق بين كون القطعة التي تكون واجدة لهذا الشرط مسافة اولا.
والاقوى هو الثاني، وذلك اما اولا فلان الظاهر من تعليق الحكم على عنوان هو كونه دائرا مدار الوجود الفعلى لذاك العنوان ، فلو قال اكرم العالم اذا كان عادلا يكون ظاهرا في ان وجوب اكرام العالم يدور مدار عدالته الفعلية، فاحتمال كون وجوب اكرامه مشروطا بعدالته للتالى خلاف الظاهر و اما تانيا فلا مكان استفادته من مناسبة الحكم والموضوع، وان هذا الحكم اعنى وجوب القصر و الافطار في السفر، حيث يكون للتسهيل والارفاق بالمسافر، فاعتبر في موضوعه ان لا يكون سفر معصية، لان المسافر في معصية الله تعالى لا يليق لهذا الحكم التسهيلى الارفاقي وحينئذ فمناسبة الحكم والموضوع، تقتضى ان يكون وجوب القصر على المطيع والتمام على العاصى، دائرا مدار هذين العنوانين بوجودهما الفعلى و اما ثالثافلانه المستفاد مما ورد فيمن سافر سفرا مباحا ولكن اشتغل فى اثناء الطريق بالاصطياد، كمرسلة السياري عن ابى الحسن علیه السّلام ان صاحب الصيد يقصر مادام على الجادة فاذا عدل عن الجادة اتم فاذارجع اليها يقصر.
وتوهم ان الحكم لو كان ماداميا اى مادام مطيعا يقصر ومادام عاصيا يتم ، للزم فيما اذا كان المقصد ثمانية فراسخ وطوى قطعة منها في البين معصية ، ان يكون المجموع من القطعتين اللتين طواهما طاعة بانضمام تلك القطعة المتخللة بينهما
ص: 399
كافيا في تحقق المسافة، و هذا مما لا يمكن الالتزام به ، و ذلك لان هذه القطعة المتخيلة بعد كونها معصيه، يكون وجودها كالعدم فلا يصح احتسابها من المسافة، و مجرد كونه قاصد الثمانية فراسخ لا يجدى ، بعد استثناء هذه القطعة من السفر الموجب للتقصير، بقوله علیه السّلام في رواية عمار المتقدمة الا ان يكون رجلا سفره في معصية الله اه، وبقوله علیه السّلام في رواية سماعة المتقدمة الا ان يكون رجلا مشيعا لسلطان جائر اه.
مدفوع اولابان الظاهر من الاستثناء فيهذين الخبرين، تقييد المسافر بحال عدم كونه عاصيا بسفره واخراج حال عصيانه عن جواز القصر عليه، و مقتضى ذلك دوران وجوب القصر والتمام مدار هذين الحالين، لا اخراج السفر الواقع بقصد المعصية عن عموم السفر ، كى يدل على تقييد موضوع السفر بعدم كونه سفر معصية حتى تكون القطعة المتخللة كالعدم و ثانيا بمامر من ان المستفاد الادلة، هو ان السفر الشرعى الذى هو تمام الموضوع للتقصير، هو قطع المسافة عن قصد مستمر الى انتهائها ، ولذا قلنا بان ما حكموا به من وجوب التمام على الناوى للاقامة عشرا في الاثناء قبل طى المسافة و كذا وجوبه على المتردد في الاقامة والرحيل في الاثناء ثلثين يوما كك ، انما هو لاجل انقطاع حكم السفر بالاقامة في الاثناء او التردد فيها ثلثين يوماكك، لالاجل انقطاع موضوعه وهنا ايضا نقول ان استثناء من كان صفره معصية عن قوله علیه السّلام من سافر قصر و افطر، انما هو لاجل ان العاصى بسفره لا يليق لهذا الحكم التسهيلى الارفاقي، فيكون عصيانه مانعا عن ثبوت هذا الحكم له، مع كون سفره تمام الموضوع والمقتضى لهذا الحكم، كيف ولو كان الاستثناء لاجل عدم كون سفره السفر الشرعي، لكان استثنائه من الاستثناء المنقع وهو خلاف الظاهر فتدبر ، فاذا كان سفره السفر الشرعى ، فلا وجه لعدم احتساب القطعة المتخللة بينه من المسافة وعد وجودها كالعدم هذا مضافا الى ان احتسابها من المسافة مما يقضيه اطلاق مرسلة السيارى المتقدمة ، حيث ان قوله علیه السّلام فيها صاحب الصيد يقصر مادام على الجادة وقوله علیه السّلام فان ارجع اليها يقصر، يعمان باطلاقهما
ص: 400
ما اذا كانت الجادة التى يكون عليها او يرجع اليها اقل من المسافة ، فيكشف ذلك ان مجرد قصد الثمانية فراسخ يكفى فى تحقق المسافة ، ولوطوى قطعة منها في البين او من الطرفين معصية ثم لوشككنا فى ان اعتبار هذا الشرط باى من النحوين فالمرجع هو اطلاق ادلة وجوب التقصير على المسافر .
وتوهم ان الرجوع الى اطلاق المطلقات عند اجمال المقيد پ، انما هو فيما اذا كان للمقيد قدر متيقن، كما اذا كان مرددا بين الاقل والاكثر، فيؤخذ به في القدر المتيقن وهو الاقل ويرجع في غيره الى اطلاق المطلق، مثلا لو قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم فساق العلماء، و تردد الفاسق بين خصوص مرتكب الكبيرة او الاعم منه ومن مرتكب الصغيرة، فيؤخذ بالقدر المتيقن من لا تكرم فساق العلماء وهو المرتكب للكبيرة، و يرجع فى غيره وهو المرتكب للصغيرة الى عموم اكرم العلماء و اما اذا لم يكن لدليل المقيد قدر متيقن كما اذا كان مرددا بين المتبائنين كما في المقام، حيث ان اعتبار الشرط و هو كون السفر مباحا، مردد بین کونه على نحو الاستمرار والعام المجموعى او على نحو العام الاصولى، فلامجال للرجوع الى اطلاق المطلق، لسراية اجمال المقيد حينذ الى المطلق.
مدفوع بان اعتبار شرط اباحة السفر، و انكان مرددا بين كونه علی ای النحوين ، لكن النحوين يشتركان فى ان مقتضاهما اعتبار هذا الشرط في الابتداء والاثناء، ويزيد الاول على الثانى فى اعتبار كونه على نحو الاستمرار والاتصال من الابتداء الى الانتهاء فاذا تردد هذا الشرط بين كونه معتبرا على النحو الاول او الثانى فيكون مرددا بين الأقل والاكثر، فيؤخذ بالقدر المتيقن من دليل اعتباره و هو اعتباره في الابتداء والاثناء، ويرجع فى غيره و هو اعتبار كونه على نحو الاستمرار والاتصال ، الى اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر القاصد للمسافة.
و توهم ان الرجوع الى اطلاق المطلق فيما اذا كان دليل القيد مجملا مرددا بین الاقل والاكثر، انما يصح فيما اذا كان التقييد بدليل منفصل، اذ لو كان بدليل متصل كما نحن فيه ، حيث ان السفر قد قيد بكونه سائغا مباحا بدليل متصل،
ص: 401
كرواية ابى عمير عن بعض اصحابنا عن ابيعبد الله علیه السّلام قال لا يفطر الرجل في شهر رمضان الا فى سبيل حق ، فيمنع عن انعقاد الظهور للمطلق في الاطلاق.
مدفوع بان هذه الرواية مجملة من حيث الدلالة، وذلك لاحتمال ان يكون المراد من قوله علیه السّلام لا يفطر هو المنع عن المسافرة فى شهر رمضان ، فيكون من قبيل ذكر المسبب وارادة السبب، ويكون المراد من لفظة سبيل الحق هو السفر الراحج كسفر الزيارة والحج لا السفر المباح، ولذا استدل بها جماعة على كراهة السفر في شهر رمضان الا لاجل الحج او واجب اخر فتدبر جيدا هذا مضافا الى ان اجمال هذه الرواية وعدم انعقاد الظهور لها فى الاطلاق لاجل تقييده بقيد متصل، لا يمنع عن الرجوع الى اطلاق غيرها من ادلة وجوب التقصير على المسافر القاصد للمسافة الخالية عن هذا التقييد كما لا يخفى فتبين مما ذكرنا ان من سافر بقصد الطاعة ثم عدل في الاثناء الى قصد المعصية ثم عدل الى قصد الطاعة عليه القصر فى الطرفين والتمام فى الوسط، وان لم يكن مجموع القطعات الثلث ازيد من ثمانية فراسخ ولعل ذهاب المشهور الى خلاف هذا القول، من جهة التزامهم بكون هذا الشرط معتبرا في موضوع السفر، فيكون الاستثناء بقوله علیه السّلام فى الروايتين المتقدمتين الا ان يكون رجلا سفره في معصية الله والا ان يكون رجلا مشيمالسلطان جائر، لاخراج السفر الواقع بقصد المعصية عن عموم السفر ، اذ عليهذا التقدير يكون قصد المعصية في الاثناء قاطعا لموضوع السفر، ضرورة انتفاء المشروط والمقيد بانتفاء شرطه وقيده، ومعه لا يصح القول بوجوب القصر في الطرفين ، ولوفيما اذا بلغا بانضمام أحدهما الى الاخر المسافة، كما اذا سار اولا بقصد الطاعة ثلثة فراسخ مثلاً ثم عدل الى قصد المصية وسار ثلثة فراسخ ثم عدل الى قصد الطاعة وسار خمسة فراسخ.
واما ما افاده الاستاذ دام ظله من لزوم القصر عليه في الطرفين ولولم يكن مجموع القطعات الثلث ازيد من ثمانية فراسخ ، مع فرض تسليم كون الاستثناء في الروايتين لاخراج السفر الواقع بقصد المعصية عن عموم السفر، مستدلا على ذلك
ص: 402
بانه بعد العدول عن قصد المعصية الى قصد المباح، يصدق على سيره هذا انه سیر في السفر المباح، لان قصده المعصية فى القطعة السابقة لم يخرج اصل سيره عن صدق السفر.
ففيه ان قصده السابق و ان لم يخرج سيره عن صدق السفر عرفا ، لكنه اخرجه عما هو موضوع للحكم بالتقصير شرعا ، ضرورة ان الموضوع لهذا الحكم عليهذا الفرض ليس مطلق ما يصدق عليه السفر عرفا ، بل الموضوع له سفر خاص وهو السفر الذى لم يكن في معصية الله تعالى ، فاذا كان مقدار من سفره في المعصية يكون سفره خارجا عما هو موضوع شرعا للقصر كما هو واضح فتدبر!
ولعل ماهو المحكى عن شيخ مشايخنا الانصارى قده، من تقويته الفول بكفاية الضم فيما كانت القطعتان المباحتان باسقاط القطعة المحرمة المتخللة بينهما بقدر المسافة، معللا ذلك بقوله لصدق التلبس بالسفر المباح بمجرد العدول من قصد المصية، و قصد المعصية المتخلل بين المباحين لا يوجب سلب الصدق انتهى مبنى على كون هذا الشرط معتبرا في المسافر كما استظهرناه من الروايتين المتقدمتين، لاشرطا معتبرا في موضوع السفر كما يويد ذلك بل يدل عليه ما افاده قده بعد ذلك بقوله ومنه يظهر فساد التمسك بالاستصحاب، فان وجوب التمام عند قصد المصية، ليس لعدم دخوله في عنوان المتلبس بالسفر المباح، بل لدخوله في عنوان المتلبس بالسفر الباطل، وليس هذا العنوان مما يقبل ان يكون حدوثه كافيا في بقاء الحكم وان ارتفع، لانه عنوان الموضوع، فكما ان عنوان المسافر، وضوع للحكم يرتفع الحكم بارتفاعه، فكذلك هذه الخصوصية، وهي كونه مسافرا بسفر حق و متلبسا به، او مسافرا بسفر باطل ومتلبسا به، موضوعان للقصر والتمام يدوران مدارهما وحودا وارتفاعا انتهى فان ظهور قوله قده و هیکونه مسافرا بسفر حق و متلبسا به، الى قوله موضوعان للقصر والتمام الخ ، فى كون اباحة السفر من قيود المسافر و انه يشترط فيه ان يكون متلبسا بسفر حق، لا من قيود السفر، غير قابل للانكار، كيف ولو كان من قيود السفر لكان التمسك باستصحاب وجوب التمام الثابت
ص: 403
قبل المسافرة في كمال الصحة، بعد انقطاع السفر و انتفائه بانتفاء قيده و هو كونه سائغا مباحا.
و توهم ان مقتضى ماذكرنا من كون هذا الشرط من قيود المسافر لا السفر، هو انه لو كان تمام ما سبق من سيره معصية فعدل الى الطاعة، ان يجوز له القصر بعد العدول الى الطاعة ولو بعد اشتغاله بجزء من السير، لانه يصدق عليه حينئذ انه متلبس بالسفر المباح، مع ان ظاهم الاتفاق على توقف القصر فيهذا الفرض على انشاء سفر جدید.
مدفوع بانه لوتم فى المقام الاجماع المحقق الكاشف قطعا عن قول المعصوم او عن عثور المجمعين على دليل قطعى لو عثرنا عليه لعملنا به، فهو اذ ليس ماوراء عباد انة قرية، والا لالتزمنا بكفاية ضم ما سبق من المسير بقصد المعصية الى ما يسير بقصد الطاعة، في لزوم القصر عليه بعد العدول الى الطاعة، اذ لامانع عنه بعد صدق عنوان المتلبس بسفر الطاعة عليه حينئذ فتامل(1) جيدا و هذا بخلاف ما لو قلنا بكون هذا الشرط من قيود السفر، فان هذه القطعة التى هو متلبس بها وان كانت مباحة، الا انها ليست بنفسها مما يقتضى القصر، لما عرفت من ان القصر مترتب شرعا على سير خاص، و هو السير المقيد بكونه ثمانية فراسخ و بكونه في غير معصية الله عليهذا القول، ومن المعلوم ان هذه القطعة وانكانت في غير المعصية لكنها ليست بثمانية فراسخ، و باعبتار انضمامها الى ما مضى بقصد المعصية و انكانت ثمانية ، الا ان الموضوع للقصر هو الثمانية التي تكون في الطاعة حسب الفرض، و
ص: 404
معلوم ان هذه الثمانية الملفقة ليست كك فليست موضوعا للقصر ، فهذا السير الذي هو متلبس به فعلا، علی ای حال يكون فاقداً لقيد من قيود السفر الموضوع للقصر، اما قيد الثمانية فراسخ لولوخط في نفسه، و اما قيد كونه في غير المعصية، لولوخط منضما الى ماسبق بقصد المعصية، فلا يكون موضوعا للقصر هذا و تدبر.
ثم انه يتفرع على ما ذكرنا من ان مقتضى الادلة هو احتساب ما يقطعه من الطريق بقصد المعصية من المسافة، وعدم انقطاع سفره بتخلل تلك القطعة في البين فروع منها انه لو قصد فى ابتداء السفر المعصية فصام ثم عدل في الاثناء الى قصد الطاعة، وجب عليه الافطار بمجرد العدول، ولولم يكن ما بقى من الطريق بقدر المسافة، من غير فرق فى ذلك بين كون العدول قبل الزوال او بعده و توهم الفرق بينهما، بدعوى ان القاصد بسفره المعصية حيث يكون حكمه حكم الحاضر، فهو فيما اذا عدل الى قصد الطاعة بعد الزوال، يكون حكمه حكم الحاضر الصائم الذي سافر بعد الزوال، فى وجوب اتمام الصوم عليه مدفوع بان وجوب اتمام الصوم على من يسافر بعد الزوال، انما هو فيما اذا انشاء السفر بعده وليس الامر فى المقام كذلك، لان المفروض انه انشأ السفر قبل الزوال، و انما وجب عليه الصوم قبل العدول الى الطاعة ، لكونه قاصدا بسفره العصيان، فاذا زال عنه بالعدول اليها هذا العنوان، وجب عليه الافطار لاته داخل فيمن سافر قبل الزوال، ولا يصدق على سيره هذا انه في معصية الله.
اما لو انعكس الامر بان قصد فى الابتداء الطاعة ثم عدل الى قصد المعصية، فانكان افطر قبل الزوال فلا يمكن تحقق الصوم منه، وان لم يفطر قبله وكان العدول الى المعصية قبل الزوال ، فالظاهر ان حكمه حكم المسافر الذي حضر قبل الزوال ولم يكن اكل شيئا فى وجوب قصد الصوم عليه و دعوى انصراف الادلة الموجبة للصوم في سفر المعصية، عما اذا وقع بعضه فى ذاك السفر كما في الفرض، فيبقى تحت عمومات وجوب الافطار في السفر مدفوعة بالمنع، كيف والالزم عليه القصر في الصلوة ايضا بعد العدول الى المعصية، لما بينهما من التلازم الا فى موارد مخصوصة ليس
ص: 405
الفرض منها؛ وهذا مما لم يلتزم به احد و انكان العدول الى المعصية بعد الزوال فالظاهر ان حكمه حكم من حضر بعده فى عدم لزوم الامساك عليه ولولم يتناول شيئا قبله، والفرق بينه والمقام بانقطاع السفر موضوعا هناك بخلاف القمام، لولم يوجب اولوية الحكم في المقام لا يوجب المنع عن ثبوته فيه كما هو واضع وتوهم انه بناء على عدم كون قصد المعصية قاطعا للسفر يصدق عليه بعد العدول الى المعصية المسافر فى معصية الله ، و معه يجب عليه الامساك مدفوع بانه لا يجدي امساكه حينئذ في تحقق الصوم عنه ، بعد عدم كون ماسبق من امساكه عن النية المشروط بها الصوم
كماهو واضح هذا.
ومنها ما مر من انه لو كان فى ابتداء السفر قاصد اللطاعة ثم عدل فى الاثناء الى المعصية ثم عدل الى الطاعة، وجب عليه القصر فيما عدا القطعه المتخللة فى البين وأولم يكن الطرفان او احدهما بدون انضمام تلك القطعة اليهما مسافة، ومنها غير ذلك من الفروع.
و اما توهم ان احتساب ما يقطعه من الطريق بقصد المعصية من المسافة ، مخالف لماعلم من الاجماع والادلة الدالة على ان سفر المعصية لا يكون موجبا الترخص، من ان شيئا منه ولويسير الا يصلح لان يكون مؤثرا في الرخصة، اذمن المعلوم ان احتساب ما قطعه من الطريق بقصد المعصية من المسافة ، مستلزم لان يكون سفر المعصية مؤثرا في القصر.
ففيه اولا ان هذا الاجماع ، مع ما يحتمل جدا من ابتنائه على ما استفادوه من ادلة نفى الترخص في سفر المعصية ، لا يكشف عن رأى المعصوم علیه السّلام، وليس فى الادلة ما يكون مضمونه نفى كون سفر المعصيته مؤثرا فى القصر، وانمادلت النصوص على نفى الترخص في سفر المعصية، وهذا لا ينافى ما نحن بصدده من الترخص في سفر الطاعة و ثانيا سلمنا ابتناء هذا الاجماع على حجة قطعية، و ان في الادلة ما يكون مضمونه نفى تاثير سفر المعصية في الترخص، لكن القدر المتيقن من هذا الاجماع والمستفاد من تلك الادلة، ليس الانفى تأثيره في الترخص بالنسبة اليه، لانفى تاثيره
ص: 406
فيه مطلقا ولو بالنسبة الى سفر الطاعة هذا و تدبر!
ثم هل يعتبر في سفر المعصية بمعنى ما يكون لغاية محرمة ، ان يكون ممحضا فى المعصية، بان لا تكون غايته الداعية اليه ملفقة من المعصية والطاعة، بل تكون معصية محضة او لا يعتبر وجهان بل قولان اقواهما الثانى، و ذلك لان الاخبار کروایتی عمار وسماعة المتقدمتن، وانكانت ظاهرة فى ممحضية السفر للمعصية، لكنه ظهور بدوى يزول بادنى التفات الى ما يستفاد من مناسبة الحكم والموضوع، من ان الملاك والمناط فى وجوب التمام على العاصى بسفره، هو عدم كون المسافر بهذا السفر الموجب لسخط الله تعالى و غضبه، اهلا و مستوجبا للتسهيل والارفاق عليه، بايجاب القصر الذى هو من الاحكام التسهيلية الارفاقية عليه، و هذا الملاك والمناط كما يكون متحققا فيما اذا كانت غاية السفر ممحضة في المعصية، كذلك يكون متحققا فيما اذا كانت ملفقة من المعصية والطاعة توضيح ذلك هو ان من يشرب الخمر مثلا يكون شربه لها حراما وقبيحا مطلقا، كان شربه لها بداعى كونها محرمة، أو بغيره من الدواعي ككونها موجبة للاسكار والفرح اوكونها رافعة للعطش او مقوية للبدن، و ذلك لان ارتكاب ما نهى المولى عن ارتكابه حرام و قبیح مطلقا كان الداعي الى ارتكابه هو مجرد مخالفة المولى او غيرها من الدواعى او كلاهما فان من شرب الخمر ولو بداعى كونها رافعة للعطش، يكشف شربه لها عن عدم اعتنائه بنهى الشارع عن شربها، والالرفع عطشه بشرب غيرها من المايعات، فضم داع مباح الى ارتكاب الحرام، لا يخرجه عن كونه مخالفة لولى النعم و قبيحا و هذا في كمال الوضوح فقياس المقام بباب العبادات الذي قلنا فيه باعتبار كون الداعى ممحضا في قصد الطاعة مع الفارق .
نعم قد يتوهم كون المقام كباب العبادات فيما اذا كان داعى المعصية تبعيا، كما اذا كان داعيه الى السفر مجرد الطاعة كزيارة الرضا علیه السّلام، لكن كان من قصده انه اذا دخل المشهد المقدس يسرق فروا يقيه ويحفظه عن برد الطريق عند المراجعة قانه نظير ما اذا كان داعيه فى الوضوء مجرد امتثال امره، لكنه يختار التوضى بالماء
ص: 407
البارد تبردا، فكما ان قصده التبرد بالتوضى بالماء البارد لا يضر بصحة وضوئه لكونه تابعا لقصده الامتثال لاصل الوضوء، كذا قصده السرقة فى المثال حيث يكون تابعا لقصده السفر للزيارة، لا يضر بترخصه ووجوب القصر عليه ، و ذلك لان السفر يستند عرفا الى ما هو الداعى والمقصود بالاصالة، بل يمكن ان يقال ان السرقة في المثال ليست داعية للسفر اصلا ولوتبعا كما لا يخفى، فالاولى التمثيل للداعى النبعى بما اذا كان داعيه الى اصل السفر هو الزيارة، ولكن اختار الذهاب من طريق خاص لقصد معصية فى اثنائه، فان اصل السفر انما تحقق من جهة داع مستقل بحيث لا يحتاج في بعثه اليه الى ضميمة اصلا، و قصده المعصية انما اثر فى اختيار خصوص هذا الفرد لافي اصل السفر، كيف و قصدها انما نشاء من قبل الداعى المستقل إلى اصل السفر، فلا يمكن ان يكون شريكا معه في التأثير فى اصله الا بوجه دائر.
و لكن فيه ان قصد المعصية فى المثال و ان لم يكن مؤثرا في اصل السفر، بل في اختيار خصوصيته الفردية، الا انه لا شبهة فى ان مسيره من هذا الطريق الخاص، حيث يكون بقصد المعصية يكون مسيرا باطلا، فيعمه ما في بعض النصوص من تعليل لزوم التمام على العاصى بسفره بانه مسیر باطل، الدال على ان المناط فى لزوم التمام كون المسير مسيرا باطلا، وهذا المناط قد يتحقق مع عدم قصد غاية محرمة بالسير اصلا ولو تبعا، و ذلك كما اذا سافر الى محل لامر مباح، ولكن يعلم بانه يجبر في ذاك المحل على ارتكاب محرم، فهذا السير لاشبهة في كونه سيرا باطلا، مع انه ليس بنفسه ولا بداعيه معصية، وذلك لانا وان قلنا في محله ان مقدمات الحرام ليست بحرام، لكن ذلك فيما لم تكن المقدمة سببية اى علة تامة له، بحيث يكون المكلف مع ايجاد تلك المقدمة قادرا على الارتكاب والاجتناب دون ما اذا كانت علة تامة بحيث لو اوجدها المكلف يترتب عليها ذوها قهرا، فانه حينئذ تكون المقدمة حراما مقدميا فتبين مما ذكرنا ان الحق هو وجوب التمام ايضا فيما اذا كان السفر لغاية ملفقة من الطاعة والمعصية.
و اما اذا كان لغاية ملفقة من الحرام والواجب، ففى وجوب التمام عليه او
ص: 408
القصر وجهان، لانا ان قلنا بحرمة مقدمة الحرام اذا كانت بقصد التوصل اليه من باب التجرى، فيكون هذا السفر حراما وقبيحا، ومعه لا يمكن ان يعرضه الوجوب المقدمى لتلك الغاية الواجبة، كى يقال ان هذا السفر يزاحم فيه جهتا القبح والحسن باعتبار ما يترتب عليه من الغاية الملفقة من الحرام والواجب، فلابد من مراعاة ماهو الاهم من الجهتين، وذلك لما حقق فى محله من انه اذا كان للطبيعة المأمور بها فرد متحد مع محرم كالصوم في العيدين، و كالصلوة في المغصوب بناء على امتناع اجتماع الأمر والنهي، فاللازم بحكم العقل ان يقيد الآمر تلك الطبيعة المأمور بها بغير ذاك الفرد المتحد مع العنوان المحرم، وذلك لان عموم المأمور بها حيث يكون بدليا فيحصل الغرض منها في ضمن اي فرد وجدت، وهذا بخلاف عموم الطبيعة المنهى عنها فانه عموم استيعابي لا يحصل الغرض منها الابترك كل فرد فرد منها، فعليهذا لوكانت الطبيعة المأمور بها قد يتفق اجتماعها مع المنهى عنها في فرد، فمقتضى الجمع بين الغرضين ان يقيد الامر الطبيعة المأمور بها بغير ذلك الفرد والحاصل انه اذا اجتمع عنوانان احدهما فيه جهة الوجوب والاخرفيه جهة الحرمة، وجهة الوجوب تقتضى ایجاد فرد ماعلی البدل، وجهة الحرمة تقتضى ترك كل فرد على التعيين، ولم يكن تعدد الجهة كافيا في جواز اجتماع الوجوب والحرمة والامر والنهى، فاللازم بحكم العقل تقييد مورد الوجوب بغير مورد الحرمة جمعا بين الغرضين، وهذا من غير فرق بين كون مورد الوجوب واجبا نفسيا او مقدميا ضرورة انه لو كان لانقاذ الغريق طريقان احدهما مغصوب والاخر مباح، فلابد بمقتضى الجمع بين الغرضين وهما انقاذ الغريق وعدم التصرف فى الغصب، ان ينحصر الوجوب المقدمى بالطريق المباح و من هنا لما استدل القائل بوجوب المقدمة الموصلة ، بانه لو كان الواجب ذات المقدمة لامع قيد الايصال للزم فيما اذا توقف انقاذ الغريق على خصوص التصرف في الغصب، ان يجوز التصرف فيه ولو مع ترك الانقاذ، وهذا مما يضحك به الشكلاء اجابوا عنه بانا نلتزم في الفرض بوجوب التصرف الذي يكون بقصد الانقاذ لا مطلقا، لكن لا ينافى ذلك القول بان الواجب ذات المقدمة، و ذلك
ص: 409
لان التصرف فى الغصب في الفرض وان كان بذاته مقدمة للانقاذ، لكن لما كان للتصرف في الغصب نحوان، احدهما المقصود به الانقاذ، ثانيهما الغير المقصود به الانقاذ و كان الغرض الاهم وهو الانقاذ يحصل بالتصرف في الغصب على النحو الأول، فلا وجه لترخيص الشارع في التصرف فيه على النحو الثانى وبعبارة اخرى ترخيص الشارع في التصرف في الغصب مع كونه مبغوضا فيحد ذاته، انما هو لاجل اهمية الانقاذ و عدم قدرة المكلف على ترك الغصب وفعل الانقاذ ، ولاشك ان الترخيص في المبغوض لاجل المزاحمة بالمحبوب الاهم، انما هو لدفع الضرورة التي تتقدر بقدرها فاذا كانت الضرورة تدفع بالترخيص في الغصب المقصود به الانقاذ، فلا وجه للترخيص الغصب الغير المقصود به ذلك، هذا كله اذا قلنا بحرمة مقدمة الحرام اذا كانت بقصد التوصل اليه من باب التجرى.
و اما ان منعنا عن حرمتها مطلقاً ولو كانت بقصد التوصل الى ذيها لاجل المنع عن حرمة الفعل المتبحرى به فنقول ان هذا السفر وان لم يكن حينئذ محرما شرعا وقبيحا عقلا، لكنه مع ذلك لا يمكن يكون محكوما شرعا بالاباحة والترخيص الفعلى، ضرورة ان الفعل المتبحرى به و انکان باقيا على ما هو عليه من الاباحة الذاتية الاقتضائية، لكنه لا شبهة فى ان له دخلا في اتصاف فاعله بالقبح الفاعلى فان صفة التجرى مادامت كامنة فى العبد ولم يصر بصدد اظهارها وترتيب الاثر عليها لا يستحق عليها اللوم والذم، وانما يستحق عليها ذلك اذا صار بصدد الاظهار، فالفعل المتجرى به و ان لم يكن قبيحا ولا محرما، لكنه مما به يظهر اتصاف فاعله بصفة التجرى ، فله دخل في اتصافه بالقبح الفاعلى، و معه، و معه لا يصح ان يحكم الشارع بالاباحة والترخيص فعلا، وهذا نظير ما قلناه فى بحث مقدمة الواجب، من انا لو سلمنا عدم وجوب مقدمة الواجب بالوجوب الشرعى المولوى، لكن مع ذلك لا يجوز للشارع ان يحكم عليها بالاباحة و يرخص في تركها، بعد کون تركها مستلزما لترك ذيها، فاذا لم يصح ان يكون هذا السفر محكوما فعلا بالاباحة والترخيص شرعا، فلا يكون موجبا للتقصير بعد ما عرفت من اشتراط القصر بكون
ص: 410
السفر سائغا مباحا فتدبر ومن هنا يظهرانه لوشك في كون السفر معصية ام لا، وكان هناك اصل موضوعى يقتضى كونه معصية كاستصحاب منع المولى او الزوج او الوالدين فلا شبهة فى ان الحكم حينئذ هو وجوب التمام واقعا، بمعنى انه لوفات عنه الصلوة في الوقت وجب عليه قضائها تماما، ولو انكشف ان سفره لم يكن معصية، وذلك لان هذا السفر وانكان مباحا واقعا، لكنه حيث يكون محكوما بالحرمة ظاهرا بمقتضى الاصل الموضوعى ، فيكون متجريا بسفره و متصفا بالقبح الفاعلى، و معه لايكون سفره موجبا للتقصير واقعاكى يكون له كشف الخلاف ، وذلك لما عرفت من ان المستفاد من نفى القصر في سفر المعصية بمناسبة الحكم والموضوع، و من تعليل لزوم التمام فى بعض الاخبار بانه مسير باطل، هوان القصر حيث يكون حكما ارفاقيا تسهيليا ، فلا يكون من يقصد بسفره المعصية، و يكون مسيره الموجب لاتصافه بالتجرى والقبح الفاعلى مسيرا باطلا، قابلا لهذا الحكم الارفاقي التسهيلى، فالمناط لوجوب التمام على القاصد بسفره المعصية هو صيرورته متجريا بسفره، وهذا المناط متحقق واقعا فيما كان هناك اصل موضوعى يقضى بكون السفر معصية، او اعتقد كونه كك ولم يكن في الواقع كك، فالمدار في المقام على احراز الحلية والحرمة لا على الحلية والحرمة الواقعتين كي يكون لهما كشف الخلاف، فالمقام من صغريات ما اذا كان الاثر مترتبا على نظر المكلف لاعلى الواقع ، فيكون كباب الوكالة والولاية وما شابههما من تولى امر الاوقاف والنظارة على امر الميت ، و نحو ذلك مما اخذ الاعتقاد فيه على وجه الموضوعية لا الطريقية الصرفة.
ومما ذكرنا يعلم حكم عكس هذه المسئلة ، وهو ما لوشك في كون السفر معصية ام لا، وكان هناك اصل يقضى بالاباحة، فانه يجب عليه القصر واقعا، فلوقصر يكون مجزيا ولو انكشف ان سفره كان محرما واقعا، وذلك لما عرفت من ان المدار في المقام على احراز الحلية والحرمة لاعلى الحلية والحرمة الواقعتين، كما يدل عليه تعليق الحكم بالقصر والاتمام فى السفر في النصوص على عنواني الطاعة والمعصية المتوقفتين على احراز الحلية والحرمة، لا على عنوانى المباح والمحرم، هذا فيما
ص: 411
اذا كان السفر معصية ومخالفة للحكم الشرعى.
و اما لوكان مخالفة للحكم العقلى، كما اذا علم اجمالا بان احد الطريقين غصب، فان العقل يحكم بلزوم ترك السير فيهما حذرا عن الغصب المردد بينهما، فهل يكفى ذلك فى وجوب التمام لوسا فر من احد هما ام لاوجهان من ان المدار في وجوب التمام في السفر، هل هو على كونه معصية ومخالفة للحكم الشرعي، كما هو ظاهر قوله علیه السّلام الا ان يكون رجلا سفره في معصية الله، او على الاعم منه كما هو المستفاد من عموم تعليل لزوم التمام على من سافر للصيد بكونه سفرا باطلا وانه ليس بمسير حق، فعلى الاول يجب عليه القصر لعدم كون سفره في معصية الله، وعلى الثانى يجب عليه التمام لانه يصدق على سفره انه مسیر باطل وليس بحق واوجههما الثانى ان لا تنافى بين الدليلين بعد كونهما مثبتين، فلا موجب لتقييد الاعم منهما بالاخص كما
لا يخفى.
بقى هنا فروع ينبغى التعرض لها الاول اذا نذران يتم الصلوة اويصوم في يوم خاص معين، فلا اشكال فى انه يجب عليه الاقامة ليفى بنذره، فلو خالف و سافر : ففي كون سفره سفر المعصية وعدمه خلاف والتحقيق انه لو قلنا بما هو المختار من عدم اقتضاء الامر بالشيء النهى عن ضده الخاص مطلقا ولو كان الضدان متلازمين كما اذا لم يكن ثالث لهما كما في المقام، فلا اشكال في جواز سفره و عدم كونه معصية، لان حنث نذره حينئذ يكون مستندا الى الصارف لا الى السفر كي يكون محرما و اما ان قلنا بان الامر بالشيء يقتضى النهي عن ضده الخاص سيما اذا كانا متلازمين فقد يشكل في اقتضائه تحريم هذا السفر، من جهة ان تحريمه مما يلزم من وجوده عدمه، ضرورة انه متى حرم السفر وجب عليه التمام والصوم، و مع وجوبهما عليه لا وجه لتحريم السفر، لان تحريمه انما كان لاستلزامه لحنث النذر، ومع وجوبهما عليه لا حنث للنذر فلاوجه لتحريمه، فيلزم من تحريمه عدم تحريمه وهو خلف محال فالقائل بهذه المقالة لا يمكنه الالتزام بلازمها من حرمة هذا السفر، بل لا يمكنه الالتزام با باحته ايضا، ضرورة انه لو كان مباحا لاوجب القصر وترك الصوم، فيكون
ص: 412
مستلزما لحنث النذر فيكون محرما ، فيلزم من اباحته عدم اباحته و هو محال كما مر.
ويمكن ان يقال فى دفع هذا الاشكال، بان لنا ان نختار اباحة هذا السفر لعدم كونه بنفسه ضد اللتمام والصوم الواجبين بالنذر، وانما نشاء ضديته لهما من ناحية حكمه و هو وجوب القصر والافطار و هو وجوب القصر والافطار، فيستحيل ان ينقلب عما هو عليه من الاباحة الذاتية الى الحرمة بواسطة حكمه، والالزم ان يكون الحكم مفنيا ومعدما لموضوعه، وهذا محال ضرورة ان الحكم كما لا يمكن ان يكون محققا وموجدا الموضوعه لتاخره عنه رتبة، كذلك لا يمكن ان يكون معدما لموضوعه، والالزم ان يكون معدما لنفسه فيلزم من وجوده عدمه و هو خلف محال.
ولنا ان نختار حرمة هذا السفر، ولكن نمنع عن وجوب التمام والصوم عليه المستلزم لعدم حرمته، و ذلك لان حرمة هذا السفر انما هي لاجل كونه موضوعا للقصر والافطار كمامر، و من المعلوم ان السفر الذى يكون محرما لاجل كونه موضوعا لوجوب القصر و الافطار، لا يمكن ان يصير موضوعا لوجوب التمام والصوم والالزم اجتماع حكمين متضادين في موضوع واحد وهو محال. فهذا السفر وانكان محرما لاستلزامه بسبب حكمه حنث النذر، لكنه خارج بحكم العقل عن عموم ادلة نهى الترخص فى السفر المحرم فتامل جيدافان الالتزام بحرمة هذا السفر بسبب حكمه، مناف لما ذكرناه انفا من استحالة كون الحكم مؤثرا في موضوعه ايجادا واعداما او اطلاقا وتقييدا و لذا التزمنا فيما اذا وجبث النافلة بالنذر بان اعتبار القيام فيمها حينئذ مع عدم اعتباره فيها قبل النذر، ليس لاجل وجوبها العارض عليها بالنذر ، والالزم تاثير الحكم فى موضوعه وهو محال، بل لاجل ان النافلة لما كان لها فردان فرد عن قيام و فرد عن جلوس، و كانت النافلة عن جلوس غير قابلة لتعلق الوجوب بها، تعين تعلق الوجوب الجائى من قبل النذر بالنافلة عن قيام، و هذا نظير نذر صوم الدهر فان العيدين حيث كان الصوم فيهما محرما، فيتعين
ص: 413
تعلق النذر بصوم غيرهما من الايام هذا وتبصر(1).
الفرع الثانى لو كان السفر في الابتداء معصية فقصد الصوم ثم عدل في الاثناء الى الطاعة، او انعكس بانكان في الابتداء طاعة ثم عدل في الاثناء الى المعصية، فافتي جماعة منهم السيد قده في العروة فى الاصل بانه انكان العدول الى الطاعة قبل الزوال وجب عليه الافطار، و انكان بعده وجب عليه اتمام الصوم، قياسا على ما اذا كان حاضرا فخرج الى السفر، حيث دل النص والفتوى فيه على انه لو كان الخروج الى السفر قبل الزوال وجب عليه الافطار وانكان بعده وجب عليه البقاء على صومه، وفى العكس بانه انكان العدول الى المعصية قبل الزوال ولم يأت بالمفطر بعد وجب عليه الصوم ، و انكان بعد الزوال او قبله وبعد الاتيان بالمفطر لم وبعد الاتيان بالمفطر لم يجب، قياسا على ما اذا كان مسافرا فحضر، حيث دل النص والفتوى فيه على انه لو كان حضوره قبل الزوال ولم يتناول مفطرا وجب عليه الصوم وانكان بعد الزوال او قبله وبعد تناول المفطر فلا يجب.
واورد علیهم الاستاد دام ظله، بان حكمهم في الاصل بوجوب الافطار عليه لو كان عدوله الى الطاعة قبل الزوال، و فى العكس بعدم وجوب الصوم عليه لو كان عدوله الى المعصية بعد الزوال او قبله وبعد الاتيان بالمفطر، و انكان وجيها وعلى مقتضى القواعد، لكن حكمهم في الاصل بوجوب اتمام الصوم لو كان عدوله الى الطاعة بعد الزوال، لم يظهر له وجه صحيح، بعدكون الحكم فى المقيس عليه وهو وجوب البقاء على الصوم فيما اذا خرج الصائم الى السفر بعد الزوال، على خلاف مقتضى القاعدة ثبت بدلیل خاص به، فلا يصح التعدى منه الى غيره مما لم يرد فيه دليل خاص كما نحن فيه، سيما مع ما بين المقيس عليه والمقام من الفارق الذى اشرنا اليه فيمامر، وهو كون انشأ السفر فى المقيس عليه بعد الزوال وفي المقام قبله ا ماكون الحكم فى المقيس عليه على خلاف مقتضى القواعد فيظهر في طي مقدمات الاولى ان
ص: 414
حقيقة الصوم عبارة عن الامساك المستمر من اول طلوع الفجر الى غروب الشمس و زوال الحمرة المشرقية عن قصد ، و بعبارة اخرى هو الامساك المقيد بكونه من الطلوع الى الغروب عن قصد ، فالمكلف به في الصوم امر وحداني مستمر من الطلوع الى الغروب تعلق به تکلیف واحد، وليس امورا متعددة تعلق بها تكاليف كك، وعليه فلو افطر فى اثناء هذا الزمان انفسد و بطل صومه رأسا ضرورة انتفاء المقيد بانتفاء قيده، ويكون حرمة الافطار عليه بعده و تعدد الكفارة بتعدده، حكما تعبديا على خلاف القاعدة والدليل الدال على الحاق غير المكلف به فى الحكم الثانية لاشبهة في عدم صحة امر الامر مع العلم بانتفاء شرطه ، ضرورة انه لو كان الحكم معلقا على شرط، فلا يعقل ان يصير فعليا قبل تحقق شرطه، والالزم عدم تعليقه عليه و هذا تناقض محال، فلابد من احد أمرين اما عدم كون الشرط شرطا او عدم كون الحكم فعليا، والاول خلف محال فثبت الثانى وهو المطلوب، فبطلان القول بصحة امر الامر مع العلم بانتفاء الشرطه من القضايا التي قياساتها معها الثالثة كما ان وجوب الصوم مشروط بطهارة المكلف عن الحيض فيما كانت امراة ، كذلك مشروط بكونه حاضرا، وعليه فكما ان عروض الحيض فى اثناء الصوم يكشف عن فساده رأسا، و يكون حرمة الافطار قبل عروضه ولو مع العلم بعروضه حكما تعبديا على خلاف القاعدة، وللدليل الدال على الحاق بعض الواجب الفاقد لشرطه بالكل الواجد له في الحكم، لالاجل صحة الصوم قبل عروضه، كي يستكشف منه اناصحة امر الامر مع العلم بانتفاء شرطه، كذلك عروض المسافرة في الاثناء يكشف عن فساد الصوم رأسا، ويكون وجوب الامساك على من خرج الى السفر بعد الزوال او حضر قبله ولم يتناول شيئا، حكما تعبديا على خلاف القاعدة، وللدليل الدال على الحاق البعض الفاقد للشرط بالكل الواجد له في جميع الاحكام .
وتوهم ان بعد ورود الدليل على وجوب الامساك على من خرج الى السفر بعد الزوال ومن حضر قبله ولم يتناول المفطر ، نستكشف انه لا يعتبر في وجوب الصوم ان يكون المكلف حاضرا من أول الطلوع الى الغروب ، بل يكفى كونه حاضرا
ص: 415
من اول الطلوع الى ما بعد الزوال، بل يكفى لو حضر قبل الزوال مع عدم تناوله مفطرا، ونستكشف من ذلك بالملازمة، انه لا يكفى في جواز الافطار الخروج الى السفر مطلقا ولو بعد الزوال، بل لابد فيه من كون الخروج اليه قبله ، فعليه يكون الموضوع لجواز الافطار هو السفر المقيد بكونه قبل الزوال، لا مطلقا كي يكون حرمة الافطار على من سافر بعده حكما تعبديا على خلاف القاعدة فح يكون فتوى السيدره فى العروة بوجوب اتمام الصوم لوكان العدول الى الطاعة بعد الزوال، و بصحة الصوم لوكان العدول الى المعصية قبل الزوال ولم يتناول مفطرا على وفق القاعدة، وذلك لان العادل الى الطاعة بعد الزوال، حيث يكون قبل عدو له بحكم الحاضر، فيكون عدوله بعد الزوال بمنزلة الخروج الى السفر بعده في وجوب اتمام الصوم عليه، والعادل الى المعصية قبل الزوال، حيث يكون محكوما بحكم الحاضر حينئذ فيكون عدوله قبل الزوال بمنزلة قدوم المسافر الى اهله قبله فى صحة صومه لولم يتناول شيئاً.
مدفوع اولا بان الظاهر ممادل على وجوب الامساك على المسافر بعد الزوال وعلى من حضر قبله ولم يتناول شيئا، ليس الامجرد الحاقهما بالحاضر في الحكم، وليس فيه دلالة على تنزيلهما منزلة الحاضر موضوعا، كي نستكشف منه ان الموضوع لجواز الافطار هو السفر المقيد بكونه قبل الزوال و ثانيا سلمنا ظهور ذلك الدليل فى تنزيلهما منزلة الحاضر موضوعا، و استكشفنا منه ان الموضوع لجواز الافطار هو السفر المقيد بكونه قبل الزوال لا مطلقا، لكن نمنع عن كون العادل الى الطاعة بعد الزوال والعادل الى المعصية قبله، بمنزلة من سافر بعده او قدم الى اهله قبله فى الحكم، اذ لا دليل عليهذا التنزيل، و مجرد وجوب الامساك عليهما عند قصدهما المعصية بسفرهما، لادلالة له عليهذا التنزيل اصلا، فلادليل على وجوب اتمام الصوم على العادل الى الطاعة بعد الزوال(1) وعلى صحة العادل الى المعصية قبله، نعم
ص: 416
لا باس باستصحاب وجوب الامساك على العادل الى الطاعة بعد الزوال الثابت عليه قبله فتأمل هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله فى الاشكال على ما افتى به في العروة من وجوب اتمام الصوم على العادل الى الطاعة بعد الزوال، وصحة صوم العادل الى المعصية قبله فيمالم يتناول شيئا.
ولكن قد يتوهم ان يكون نظر السيد قده فيهذه الفتوى ، الى المنع عن كون الزمان قيد اللصوم ، كي يكون الواجب هو الامساك المستمر من الطلوع الى الغروب عن قصد ، و يكون حرمة الافطار على الحائض والمسافر قبل طر والحيض والخروج الى السفر والبلوغ الى حد الترخص ، و وجوب الكفارة عليهما لو افطرا قبلهما ، وكذا وجوب الامساك على من افطر في نهار رمضان ، وتعدد الكفارة بتعدده، على خلاف القاعدة وللدليل الدال على الحاق بعض الواجب الفاقد للشرط بالكل الواجد له ، بل الزمان ظرف للصوم كسائر الزمانيات ، فليس المكلف به فى الصوم امرا وحدانيا مستمرا، بل التكليف به مستمر مادام المكلف واجد الشرائطه، فلا يكون الواجب هذه القطعة من الزمان الواقع بين الحدين عن قصد ، بل الواجب هو امساك مجموع عن نية، غاية الامران وجوبه مستمر مادام المكلف باقيا على شرائط التكليف به ، ففى كل ان من انات هذه القطعة من الزمان، كان المكلف واجدا للشرط وجب عليه الامساك فيه وكل ان لم يكن فيه واجد اله لم يجب عليه الامساك فيه، فالحكم في كل ان تابع لتحقق شرطه فيه ولا ينافي ذلك اعنى تعدد التكليف بتعددانات الزمان كون التكليف بالصوم تكليفا واحدا ، و ذلك لان التكاليف الانحلالية على نحوين، لانها تارة لا تكون فيها جهة وحدة و تركيب اعتباري اصلا كما في متعلقات ،النواهى، وتارة تكون فيها جهة وحدة كما فى الواجبات المركبة من الاجزاء والشرائط كالصلوة ، فانها تنحل الى واجبات متعددة حسب تعدد الاجزاء والشرائط، لكن فيها جهة وحدة وتركيب اعتباری بلحاظ قیام غرض وحداني بمجموعها فالتكليف المتعلق بالصوم كالتكليف المتعلق بالصلوة في الانحلال ، و انما الفرق بينهما فى ان الانحلال في الأول بالنسبة الى. الانات وفى الثانى بالنسبة الى الاجزاء والحاصل ان المكلف به في الصوم، ليس
ص: 417
امساك مجموع هذه القطعة من الزمان الواقع بين الطوع والغروب ، كي يكون امرا وحدانيا مستمرا من الطلوع الى الغروب ، بل المكلف به فيه هو الامساك عن نية في جميع انات هذه القطعة من الزمان، غاية الامر ان التكليف به كك مستمر مادام المكلف باقيا على شرائط التكليف، فكل ان حكمه تابع لتحقق شرطه فيه نعم يعتبر في الصوم استمرار النية على نحو خاص ، وهو بان ينوى الامساك فى جميع على وجه يكون من نيته في كل ان الامساك المتعقب بالامساك عن نية في الانات اللاحقه ، بحيث لو قصد الافطار في ان من الانات اللاحقة ، لم يقع الامساك فيهذا الان على وجه المطلوبية فتحصل مما ذكرنا انه فرق بين القول بان الصوم امر واحد مستمر من أول الطلوع الى الغروب وان هذا المقدار من الزمان قيد له ومن مقوماته ، و بین ، و بين القول بان وجوب الصوم مستمر فيهذا المقدار من الزمان فانه على الاول لابدان تكون حرمة الافطار على الحائض والمسافر قبل طر و الحيض والخروج الى حد الترخص و وجوب القضاء والكفارة عليهما لو افطرا ، وكذا حرمة الافطار على من سافر بعد الزوال ووجوب الامساك على من حضر قبله ولم يتناول شيئا ، على خلاف القاعدة ولدليل خاص وعلى الثاني تكون هذه الاحكام كلها موافقة للقاعدة ، ولا نحتاج فيها الى دليل يدل عليها بالخصوص، وذلك لما عرفت من انه لو كان الواجب هو مجرد الامساك عن نية ، ولكن كان وجوبه مستمرا من اول الطلوع الى الغروب ما دام المكلف واجد اللشرائط، فيكون كل ان حكمه تابعا لتحقق شرطه فيه ، فلو كان المكلف فى أول الطلوع حاضرا و طاهرا من الحيض يجب عليه الصوم ، و يجب عليه القضاء والكفارة لو افطر و ان علم بانه يسافر بعد ذلك او يحيض و هذا واضح.
ولا يخفى عليك ما فيهذا التوهم من الفساد ، اما اولا فلان ماذكر من انحلال الواجات المركبة الى واجبات متعددة حسب تعدد مالها من الاجزاء ، فهو انما يصح فيما كان كل من الاجزاء بنفسه ممتازا عن غيره منها كما في الصلوة ، دون ما اذا كان امتيازها باعتبار نسبتها الى اجزاء الزمان، ضرورة ان الزمان كغيره من الامور الممتدة
ص: 418
قابل للانقسام والتجزى الى غير النهاية ، فيلزم من انحلال الواجب بالنسبة الى اجزائه الفرضية انحلاله الى واجبات خارجية غير متناهية، مع كونها محصورة بين الحاصرين، واللازم باطل بالضرورة فالملزوم و هو انحلال الواجب بالنسبة الى اجزاء الزمان مثله و ثانيا ان المراد من انحلال الواجبات المركبة الى واجبات متعددة ، انكان انحلالها الى واجبات نفسية ذاتية مستقلة، بحيث يكون كلواحد منها واجد المصلحة تامة مقتضية للامر به و لسقوطه عند الاتيان به ولولم يات بغيره منها اصلا ، فهذا مضافا الى وضوح فساده ، ينافى ما اعترف به من عتبار استمرار تلنية في الصوم ، بان ينوى في كل ان الامساك المتعقب بالامساك فى الانات اللاحقة، بحيث لوقصد الافطار بعد هذا الان لم يقع الامساك فيه على وجه المطلوبية و مجزيا و مسقطا للامر ب-ه وانكان المراد منه انحلالها الى واجبات نفسية تبعية ، فهو و انكان حقا حيث ان اجزاء الواجب واجبة بالوجوب النفسى بعين وجوبه لا بالوجوب الغيرى المقدمى، التكليف بالمركب الى التكليف بالاجزاء بالاسر ، لا الى التكليف بالهيئة التركيبية الحاصلة منها ، كي يكون وجوب الاجزاء مقدميا ، لكن من المعلوم ان التكليف التبعى بالجزء ، لا يترتب عليه ذاتا شئ من الاطاعة والثواب والعقاب ، و انكان له مدخلية وجود اوعد ما في ترتب تلك الامور على التكليف الاستقلالى بالكل، فما ذكره المتوهم من انحلالية التكليف فى باب الصوم ، و ان في كل ان من انات هذه القطعة من الزمان كان المكلف واجد الشرائط التكليف يتوجه اليه تكليف خاص بالنسبة الى الامساك فيه ، لا يستقيم على ما هو الحق الذي لا ريب فيه واعترف هو به ايضا ، من ارتباطية التكليف فى الصوم و عدم سقوطه عن جزء منه الا بتعقبه بالاجزاء اللاحقة ، اذمع ارتباطية التكليف بالصوم ووحدة الغرض منه، كيف يمكن توجيه التكليف بصوم هذا الان الى المكلف الواجد للشرائط فيه ، مع العلم بفقده لها بالنسبة الى غيره من الانات، مع استلزام توجيهه اليه بالنسبة الى هذا الان ، كون التكليف به لغو الا يترتب عليه ما هو الغرض من الأمر به في جميع انات تلك القطعة من الزمان، وكيف يتمكن المكلف العالم بفقده للشرائط في الانات اللاحقة،
ص: 419
من ان ينوى فيهذا الان الامساك المتعقب بالامساك عن نية فى الانات اللاحقة ، وقد اعترف المتوهم المزبور باعتبار استمرار النية فى الصوم عليهذا النحو ، و انه لوقصد الافطار في ان من الانات اللاحقة لم يقع الامساك فيهذا الان على وجه المطلوبية ، هذا مضافا الى استلزام ما ذكره المتوهم من الانحلال تكرر الكفارة بتكرر المفطرات مطلقا ، ولم يلتزم بذلك احد الا في الجماع خاصة فتبصر!
الفرع الثالث لو عاد عن سفر المعصية ، فهل يكون عوده في حكم الذهاب فيجب عنيه التمام ، اولا فيجب عليه القصر ، وجهان اقواهما الثاني ، لعدم شمول اخبار الباب له ، فيعمه اطلاق ادلة لزوم القصر فى السفر و ذلك لان من يسافر الى بلدة لغاية محرمة كالسرقة او السعاية على ضرر مسلم ، انما يكون ذهابه اليها ناشئا عن تلك الغاية واما بعد وصوله الى تلك البلدة ونيله الى مقصوده وقضاء وطره اویاسه مما قصده ، فليس رجوعه الى وطنه لغاية محرمة محرمة ، وكذا وكذا من يشيع سلطانا جائرا انما انما يكون مشيعا له مادام معه ، و اما اذا فارقه و رجع الى بلده فلا يكون داخلا تحت هذا العنوان ، ومعه لاوجه لوجوب التمام عليه الذى هو مترتب عليهذا العنوان ويؤيد ذلك مادل عليه النص والفتوى ، من ان الطالب للغريم او الابق الذي لا يقصد المسافة بل يقصد الرجوع متى وجده ، يجب عليه التقصير عند رجوعه إلى بلده أذا كان بقدر المسافة ، فانه يكشف عن انه لا ملازمة بين الذهاب والإياب في الحكم ، و انه يمكن ان يكون حكم الذهاب القصر او التمام ولا يكون حكم الاياب كك و توهم الفرق بين ما نحن فيه والمثال ، حيث ان وجوب التمام على طالب الغريم في الذهاب ، انما هو لعدم كونه قاصد اللمسافة ، و هذا انمانع مرتفع في الاياب الى بلده ، وهذا بخلاف ما نحن فيه ، فان المناط فى وجوب التمام ذهابا فيه انما هو كون السفر سفر المعصية ، و هذا المناط بعينه موجود في الاياب ايضا ، لان الاياب يعد عرفا جزء من سفر المعصية مدفوع اولا بمنع عد العرف الاياب جزء من سفر المعصية، وثانيا سلمنا عده العرف جزء منه ، لكن نظرهم انما يكون متبعا في تعيين المفاهيم، لا في تطبيقها على المصاديق فتدبر.
ص: 420
و دعوى ان العودا ماداخل في الذهاب مفهوما او من توابعه ولوازمه خارجا اوعرفا، و على اى حال يكون في حكمه ، اما على الاول فواضح، و اما على الثانى فلانه يستفاد حكمه من الاخبار من باب التبعية، كما يستفاد احكام التوابع في سائر الابواب من احكام متبوعاتها واضحة الفساد ضرورة عدم كون الرجوع داخلا في الذهاب مفهوما ولا هو من توابعه خارجا او عرفا بحيث لا يكون بينهما تفكيك حكما ، فالقول يكون العود من سفر المعصية في حكم نفس السفر في غاية الوهن والفساد نعم لا يكفى مجرد قصده العود فى الرجوع الى التقصير، بل لابد فيه من التلبس به، ضرورة ان القصر مترتب شرعا على الضرب فى الارض عن قصد، فمجرد القصد بلاضرب او الضرب بلاقصد، لا يكفى فى لزوم القصر كما هو واضح ، فهو بعد وصوله الى المقصد يجب عليه التمام مادام فى المقصد ولو بعد حصول الغرض، اما قبل حصول الغرض فلتلبسه بالعنوان الموجب للتمام، واما بعد حصوله فلاستصحاب بقاء وجوبه لكن هذا مبنى على كون قصد المعصية قاطعا للسفر موضوعا ، واما بناء على ما قويناه من كونه قاطعا له حكما، فالحق هو وجوب التمام عليه قبل حصول ،الغرض، و اما بعد حصوله فالظاهر لزوم القصر عليه ولولم يتلبس بعد بالعود الى بلده ، لانه بعد حصول الغرض يخرج عن العنوان الموجب للتمام، فيعمه حينئذ ادلة وجوب القصر في السفر كما هو واضح.
الفرع الرابع قد عدّ الاصحاب من سفر المعصية السفر للصيد لهو اوتنزها لا للقوت او التجارة ، واعترض عليهم بعض بان السفر للصيد وان دلت النصوص على لزوم التمام فيه ، لكن مجرد ذلك لا يوجب عده من سفر المعصية، ضرورة ان الصيد للتنزه لوكان حراما ، لزم ان يكون غيره من التنزهات ايضا كذلك لان هذا التنزه كسائر التنزهات والتفرجات فى الفياض والرياض والأودية العطرة والاندية الخضرة، انه لا شبهة في كونها مباحة ، فعد سفر الصيد لهواوتنزها من سفر المعصية مما لاوجه له، بل الحق ان عدم كون السفر للصيد لهو اوتنزها شرط من شروط القصر ، في عرض اشتراطه بعدم كون السفر معصية.
ص: 421
وفيه ان الوجه لمدهم سفر الصيد لهوا من سفر المعصية ، هو ظهور جملة من الاخبار الواردة في السفر بقصد الصيد في ذلك ففى خبر حماد عن ابيعبد الله علیه السّلام في تفسير قوله تعالى فمن اضطر غير باغ ولاعاد الآية ، قال علیه السّلام الباغي باغي الصيد والعادى السارق ، وليس لهما ان ياكلا الميتة اذا اضطرا اليها هي حرام عليهما ليس عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما ان يقصر افى الصلوة ، فانه صريح في ان الصيد لهوا بغى وظلم ويكون في عداد سرقة اموال الناس وفي خبر زرارة عن الباقر علیه السّلام سئلته عمن يخرج باهله بالصغور والبزاة والكلاب يتنزه الليل والليلتين والثلثة هل يقصر، قال علیه السّلام انما خرج في لهو لا يقصر ، قلت الرجل يشيع اخاه اليوم واليومين في شهر رمضان، قال علیه السّلام يفطر وبقصر فان ذلك حق عليه ، فان تعليله علیه السّلام الافطار والتقصير في السفر للتشييع بقوله علیه السّلام فان ذلك حق عليه ، مع كون التشييع من الحقوق الجائزه، يدل بقرنية المقابلة على ان النهى عن التقصير في سفر الصيد انما هو لكونه نه غیر حق و غیر جائز و في خبر ابن بكير عن الصادق علیه السّلام ان التصيد مسیر باطل لا يقصر الصلوة فيه و في خبر عبيد بن زرارة عنه علیه السّلام يتم لانه ليس بمسير حق ، فان الظاهر من كون المسير باطلا و ليس بحق هو كونه محرما، اذ الظاهر ان المراد من الحق المنفى هو الجائز المباح، لا اللازم الواجب، والا لدل الخبر على انحصار التقصير فى السفر الواجب او للواجب وهو كما ترى فظهر مما ذكرنا ان ما استدل به ذلك البعض في مقام الاعتراض على الاصحاب اجتهاد في مقابل النص (1) ضرورة ان من الممكن جدا ان يكون ازهاق روح الحيوان الغير الموذى لغير الجهة التي اذن الشارع ازهاقه لها كالارتزاق والتكسب ، ظلما قبيحا عقلا وحراما شرعا، كما يدل عليه تفسيره علیه السّلام في خير حماد المتقدمة الباغ في الاية المباركة بباغى
ص: 422
الصيد، فاذا كان حرمة التنزه بالصيد ممكنة ثبونا، فلاوجه لحمل الاخبار الصريحة في ذلك، على ضرب من التسامح كما لا يخفى فتبين مما ذكرنا ان الحق هو ان السفر للصيد تنزها محرم والتقصير فيه ممنوع كسائر الاسفار المحرمة.
و اما اذا كان التصيد للقوت، فلا اشكال في جوازه و وجوب القصر والافطار فیه، و يدل عليه مضافا الى كونه مقتضى اطلاقات ادلة القصر في السفر، خصوص رواية عمران عن بعض أصحابنا عن ابي عبد الله علیه السّلام، قال قلت له الرجل يخرج الى الصيد مسيرة يوم او يومين يقصر اويتم ، قال علیه السّلام ان خرج لقوته او قون عياله فليفطر و يقصر، و ان خرج لطلب الفضول فلا ولاكرامة، وهذه الرواية تكون مقيدة لاطلاق مادل على ان سفر الصيد مطلقا يجب فيه التمام ، كخبرى حماد وابن بكير المتقدمين ، كما انها تكون مبينة لاجمال مادل على وجوب التمام اذا كان التصيد حول البلد، كخبر العيص عن الصادق علیه السّلام فقال علیه السّلام انكان يدور حوله
فلا يقصر فانكان تجاوز الوقت فليقصر، فان المراد منه بقرينه رواية عمران المتقدمة المفصله بين الصيد للقوت و بين ماكان لطلب الفضول، هو ان التصيد الذى يكون للقوت ان كان حول البلد ولم يكن في محل يبعد عن البلد بقدر المسافة فليتم لعدم كونه مسافرا، و اما انكان قصیده بعد تجاوز الوقت اى التجاوز عن محل الترخص فليقصر لانه مسافر.
و اما اذا كان التصيد للتجارة، فان لم يكن السفر لها شغلا له فوجوب الافطار
عليه مما لا اشكال فيه، وما دل على وجوب اتمام الصلوة والصوم عليه كالرضوى الاتى محمول على ما اذا كان السفر للتجارة شغلاله الذى سيجيئ انشاء الله تعالى انه يجب عليه حينئذ الاتمام والصوم.
و انما وقع الاشكال والخلاف فى وجوب تقصير الصلوة عليه ، حيث ان المشهور بين القدماء وجوب اتمامها عليه ، وبين المتاخرين وجوب تقصيرها عليه و الاقوى ما ذهب اليه المتاخرون ، فانه مقتضى اطلاقات ادلة القصر في السفر ، بعد عدم كون هذا السفر، بعد عدم كون هذا السفر محرما، السليمة عما يصلح لتقييدها، اذلا مدرك
ص: 423
للقدماء على الظاهر، الا ما في الفقه الرضوى من قوله علیه السّلام و روی ان عليه الافطار في الصوم، حيث يظهر منه وجوب الاتمام عليه فى الصلوة و اما ما في محكى المبسوط من ان وجوب التمام عليه فى الصلوة منسوب الى رواية اصحابنا، و في محكى السرائر من ان اصحابنا اجمعوا على ذلك فتوى و رواية ، فالظاهر ان مقصودهما من هذه الرواية هي ما فى الفقه الرضوى، والافلم يظفر احد بهذه الرواية في كتب الاحاديث، نعم لا ينبغى ترك الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام خروجا عن شبهة الخلاف هذا .
الشرط السادس من شروط القصر على ما فى المتون ان لا يكون سفره اكثر من حضره، وليعلم اولا انه ليس لهذا التعبير فى الاخبار عين ولا اثر، و انما عبر به الفقهاء زعما منهم بانه القدر الجامع بين الطوائف التي دلت النصوص على وجوب التمام عليهم ولا يخفى على من راجع الاخبار أن المستفاد منها عنوانان ، احدهما من يكون بيته معه كالاعراب البدوى، و غرباء العجم الذين وليس لهم محل خاص ومسكن معين ، بل يدورون فى البرارى طلبا لموضع القطر والعشب والكلاء والماء و نحوها، ثانيهما من يكون السفر عملا له كالمكارى والجمال والملاح والراعى والتاجر الذي يدور في تجارته من سوق بلد الى سوق بلد اخر و من المعلوم عدم كون كثير السفر جامعا لهذين العنوانين، فان من كان بيته معه ولا يكون له موطن خاص، ليس داخلا في موضوع كثير السفر، بل ولا في موضوع من كان السفر عملا و شغلا له، بل هو عنوان مستقل، كيف و قد عرفت انه فى الحقيقة ليس بمسافر، اذليس له مسكن ومحل خاص ووطن کی يقال انه سافر عن وطنه، ولذا اى ولكونه خارجا حقيقة عن عنوان المسافر، لم يعدوه شرطا مستقلا، فتبين مما ذكرنا ان جعل كل واحد من العنوانين شرطا مستقلا، اولى من جعلهما شرطا واحدا كما في المتون كما تبين ايضا ان التعبير عن الشرط الثانى بان لايكون ممن اتخذ السفر عملا له، احسن من التعبير عنه بان لا يكون سفره اكثر من حضره كما في المتون وذلك لما عرفت من ان هذا التعبير مستفاد من الاخبار، حيث علل فيها وجوب التمام
ص: 424
على المكارى والراعى والملاح والجابي الذي يدور في جبايته والتاجر الذي يدور في تجارته ته، بان السفر عملهم، فانه يستفاد منه ان الملاك في وجوب التمام عليهذه الطوائف، هو كون السفر شغلا وعملا لهم لاكونهم كثير السفر، ولما ذكرنا عدل الاستاد دام ظله عما فى المتون من جعل العنوانين شرطا واحدا ، وجعل كلواحد منهما شرطا مستقلا، ونحن نقول اقتفاء لاثره دام ظله.
الشرط السادس من شرائط القصران لا يكون ممن بيته معه، و ذلك لان
القصر انما وجب على من خرج عن موطنه وبلده مسافرا ، وقد عرفت ان من كان بيته معه ليس له موطن و بلد ، كي يصدق عليه انه خرج عن بلده وموطنه مسافرا، فحينئذ يشمله عموم مادل على وجوب التمام على كل مكلف لم يكن مسافرا ، هذا مضافا الى خصوص النصوص الواردة فيه ، كخبر سليمان بن جعفر الجعفرى عن ابیعبد الله علیه السّلام قال علیه السّلام الاعراب لا يقصرون و ذلك لان بيوتهم معهم، و خبر بيعبد اسمعيل بن ابي زياد عن جعفر عن ابيه علیه السّلام قال سبعة لا يقصرون الصلوة الى ان قال علیه السّلام والبدوى الذى يطلب مواضع القطر ومنبت الشجر ، وخبر اسحق بن عمار قال سالته عن الملاحين والاعراب هل عليهم التقصير قال علیه السّلام لا بيوتهم معهم اشكال في اصل هذا الحكم ، كما لا اشكال في انه لو سافروا عن منازلهم لا لطلب مواضع الكلاء والماء ، بل لمقصد اخر من حج او زيارة او تجارة ، يجب عليهم التقصير لدخولهم حينئذ في عنوان المسافر وانما وقع الاشكال من بعض كالسيد قده في العروة في وجوب القصر او التمام، فيما لوسافر احدهم منفرداً لاختيار منزل او لطلب موضع القطر او العشب وكان مسافة و لعله من جهة انه وان خرج حينئذ عن عنوان من كان منزله وبيته معه، الا انه لا يبعد دخوله في توابع ذاك العنوان، لكن الاقوى بمقتضى ما ورد في بعض الاخبار من تعليل الاتمام بان منازلهم وبيوتهم معهم، الدال على دوران وجوب الاتمام مدار تحقق ذاك العنوان ، هو وجوب التقصير عليهم عند انتفاء ذاك العنوان، و معه الامجال للاستشكال في وجوب القصر عليه، باحتمال كون سفره معدودا من توابع ذاك العنوان، وانكان الاحوط له الجمع بين
ص: 425
القصر والاتمام ثم ان الاستاد دام ظله اورد في المقام اشكالا لم يتعرض له غيره، وهو انك قد عرفت ان مقتضى ما في بعض الاخبار من تعليل وجوب التمام على البدوى الذي يطلب القطر بان بيوتهم مهم، هو دوران وجوب الاتمام عليه مدار هذه العلة و لازم ذلك كما ترى هو وجوب التمام عليهم، فيما لوار تحلوا من منازلهم مع بيوتهم لابداعى طلب القطر، بل لدواع أخرى كالفرار عن ظلم ظالم او عن مرض مسر ونحوهما، وذلك لان هذا التعليل وان ورد في خصوص من يطلب القطر، لكن خصوصية المورد لا توجب تخصيصا في عموم العلة، مع ان الظاهر عدم التزامهم بذلك و اما ما يتوهم من المنع عن العموم لهذه العلة كى تعم ما اذا خرجوا مع بيوتهم لا لطلب القطر ، والالزم وجوب التمام على كل من سافر عن وطنه مع بيته كما هو مقتضی عموم هذه العلة، مع ان ذلك خلاف النص والاجماع بل الضرورة، فهذا يكشف عن اختصاص هذه العلة بخصوص المورد ففيه ان المراد من هذا التعليل، هو انهم حيث لا يكون لهم موطن و بلد خاص، ولذا يكون بيوتهم مهم حيثما داروا، فلا يصدق عليهم عنوان المسافر حقيقة، كى يجب عليهم القصر الذى هو حكم من خرج من وطنه و بلده مسافرا، فهذا التعليل من قبيل ذكر اللازم وارادة الملزوم فمرجعه حقيقة الى التعليل بعدم كون من ليس له وطن و بلد خاص مسافرا حقيقة کی يجب عليه القصر، و معه لامجال للنقض بمن سافر عن وطنه مع بيته كما هو اوضح من ان يخفى.
هذا و تأمل جيدا، فان لازم كون العلة هو مجرد عدم صدق المسافر حقيقة عليهم، هو لزوم التمام عليهم ولو فيما اذا ارتحلوا لامع بيوتهم او ارتحلوا مع بيوتهم، لكن لا لطلب القطر بل لمقصد اخر، و ذلك لتحقق هذه العلة فيهذين الفرضين ايضا، وهذا خلاف النص والفتوى، و عليه فلا يبعد دعوى اختصاص هذه العلة بخصوص موردها، و هو البدوى الذى يطلب بسيره القطر ويكون بيته معه، ومعه يصح الحكم بوجوب القصر في الفرضين، ولا يرد ما اورده الاستاد دام ظله على الفرض الثانى من الاشكال كما لا يخفى هذا وتدبر.
ص: 426
الشرط السابع من شروط القصر على ما في بعض المتون، ان لا يكون ممن اتخذ السفر عملا و شغلا له، والبحث فيهذا الشرط يقع من جهات الاولى انك قد عرفت ان الحكم فى الاخبار ليس مترتبا على عنوان من كان سفره اكثر من حضره، ولا على عنوان من اتخذ السفر عملا وشغلاله، بل الحكم فيها انما رتب على العناوين الخاصة كالمكارى والملاح والساعي والراعي والجابي و نحوهم ، الا ان بعضا من الاصحاب لما زعم بمناسبة الحكم والموضوع، ان القدر الجامع بين المعنونين بهذه العناوين الخاصة الذي هو المنشاء لاتحادهم فى الحكم هو كونهم كثير السفر، فجعل عنوان من كان سفره اكثر من حضره موضوعا لهذا الحكم، وبعضا منهم كالاستاد وغيره، لما استفادوا من تعليل هذا الحكم فى الاخبار بان السفر عملهم، ان المناط في اشتراك المعنونين بهذه العناوين الخاصة في الحكم ، هو اتخاذهم السفر عملا و شغلا لهم ، جعل عنوان من اتخذ السفر عملا و شغلا له موضوعا لهذا الحكم ، فاذا كان هذا الحكم مرتبا في الاخبار على العناوين الخاصة ، فلودل دليل على اعتبار قيد في ترتب هذا الحكم على بعض تلك العناوين ، فلاوجه لاعتباره في ترتبه على غير ذاك العنوان من العناوين ، فما في بعض المتون من العروة وغيرها ، من انه يعتبر في استمرار التمام على من شغله السفران لا يقيم في بلده عشرة ايام والا انقطع حكه و عاد الى القصر، مع اختصاص ما دل على اعتبار هذا القيد بخصوص المكارى والجمال، فى غاية الاشكال والضعف.
و توهم ان مورد دليل اعتبار هذا القيد في ترتب هذا الحكم، وانكان خصوص المكارى والجمال، حيث لكن حيث يكون ترتب هذا الحكم على المكارى معللابان السفر عمله، فاذا دل الدليل على انه يعتبر في ترتب هذا الحكم المعلل على المكارى، ان لا يقيم فى بلده عشرة ايام، فيكشف ذلك عن عدم كون عملية السفر علة تامة لترتب هذا الحكم، بل لعدم الاقامة عشرة ايام في محل ايضا دخل في ترتب هذا الحكم اينما ثبت وهذا نظير ما اذا قيل لا تشرب الفقاع لانه مسكر اذا كنت مسافرا فان القيد فى المثال اعنى اذا كنت مسافرا، و انکان مورده خصوص شرب الفقاع،
ص: 427
الا ان النهى عن شربه حيث علل بكونه مسكرا، فيكشف هذا القيد عن ان شرب المسكر مطلقا ولو كان خمرا لا يكون منهيا عنه الا فى السفر.
مدفوع بانه فرق واضح بين ما كان دليل اعتبار القيد فى ترتب الحكم المعلل متصلا كما في المثال، وبين ماكان دليل اعتباره منفصلا كما نحن فيه وذلك لانه فيما اذا كان دليل اعتباره متصلا يمنع عن انعقاد ظهور التعليل في العلية المنحصرة للحكم، بل يدل على ان تلقيد ايضا دخلا في ثبوت الحكم، و هذا بخلاف ما اذا كان دليل اعتبار القيد منفصلا، فانه لا يوجب الاسقوط ظهور التعليل فى العلمية التامة المنحصرة، عن الحجية بالنسبة الى خصوص مورد دليل اعتبار القيد لا مطلقا، مثلا لو قال المتكلم فى موضع لاتشرب الفقاع لانه مسكر و سكت، ينعقد للتعليل بقوله لانه مسكر الظهور في كون الاسكار علة تامة للحكم و انه يدور مداره حيثما دار، فيستفاد منه حرمة الخمر وغيرها من المسكرات ايضا، فلو قال ذلك المتكلم فى موضع آخر يحرم عليك شرب الفقاع اذا كنت في سفر، فهذا لا يكشف الا عن ان للسفر دخلا ايضا في حرمة شرب خصوص خصوص الفقاع، فلا يوجب سقوط ظهور قوله في كلامه الاول لانه مسكر فى العلية التامة عن الاعتبار والحجية، الا بالنسبة الى خصوص الفقاع دون غيره من المسكرات وهذا واضح فى الغاية.
الثانية بعد ما عرفت من ان المستفاد من الادلة هو ان المدار فيهذا الشرط على كون السفر عملا و شغلا، فلا ينبغي الاشكال فى انه يعتبر في صدق هذا المعنى و تحققه تعدد السفر، ضرورة اناوان قلنا في محله، بانه يكفي في صدق المشتقات التي يكون مبدئها حرفة كالبناء والبقال والمكارى والجمال ونحوها، مجرد التلبس به بقصد اتخاذه شغلا وحرفة، ولا يتوقف صدقها على تكرر صدور المبدء عمن تحمل عليه، لكن لاشبهة فى انه يعتبر عرفا في صدق ان فلانا عمله السفر، وبعبارة فارسية کارش بیابانگردی و سفر است، ان يتكرر و يتعدد منه السفر.
و توهم ان تعدد السفر لوكان معتبرا عرفا في صدق كونه عملا و شغلا ، لم يحتج الى التصريح باعتباره بالنسبة الى المكارى والجمال، بقوله علیه السّلام في صحيحة
ص: 428
هشام بن حكم المكارى والجمال الذي يختلف الخ، حيث ان الاختلاف على الظاهر عبارة عن تكرر الذهاب والاياب، ولم يكن وجه لتخصيص اعتباره بهما مدفوع بان تعدد السفر الذي يتوقف عليه صدق كونه شغلا و عملا علی نحوین ، احدهما ان يتكرر منه الرواح والرجوع، و هذا هو الظاهر من لفظ الاختلاف في الرواية، ثانيهما ان يتعدد منه السفر ولو من دون رجوع ، كمن اکری دانة من قم الى طهران ثم من إلى شاهرود ثم منه الى المشهد المقدس و هكذا ولما كان مقدار ما يكفي من تعدد السفر على النحو الثانى فى صدق كونه عملا محرزا عند العرف ، بخلافه على النحو الأول، حيث انهم كانوا متحيرين فى مقدار ما يكفى منه فى صدق كونه شغلا وعملا وكان هذا النحو الأول من التعدد هو الغالب المتعارف فى المكارى والجمال، بخلاف غيرهما من العناوين، كالجابي الذي يدور في جباية الخراج، والامير الذي يدور في امارته لتنظيم البلاد، والتاجر الذي يدور في امر تجارته من سوق الى سوق ، والراعي الذي يدور في المراتع، فان الغالب المتعارف فيهذه العناوين هو بالنحو الثاني حدد الامام علیه السّلام التعدد بالنحو الاول الذي هو الغالب بالنسبة الى المكارى والجمال، بقوله علیه السّلام الذي يختلف و ليس له مقام و من المعلوم ان هذا المعنى لا يتحقق فى السفرة الأولى، و ذلك لما عرفت من ان الاختلاف عبارة عن تكرر الذهاب والإياب، فلا بد فى تحقق مفهومه خارجا من اعتبار سفرتين، و عليه فيكون الحكم و هو وجوب التمام ، بعد تحقق الاختلاف، اعنى فى السفرة الثالثة لا السفرة الثانية التي يتحقق ويحصل بها الاختلاف، و هذا نظير ماذكروه في كثير الشک من ان الكثرة تتحقق بالمرة الثالثة، ونفى حكم الشك عنه انما هو فيما بعدها اى الرابعة ، والسر في ذلك هو ان الحكم مترتب على موضوع الاختلاف، فلامجال لثبوته الا بعد تحقق الاختلاف فتدبر جيدا، فهذه الرواية تكون ظاهرة في اعتبار الثلث في تحقق كون السفر عملا وفى ترتب حكمه وهو وجوب التمام عليه و يمكن استظهار اعتباره منها بتقريب اخر، وهو ان يقال الظاهر ان قوله علیه السّلام فيها وليس لها مقام قيد لقوله علیه السّلام يختلف، و عليه فالمعنى انه يتكرر منه السفر والحال انه
ص: 429
ليس له مقام عقيب المتكرر، و لازم ذلك تكرر عدم الاقامة ايضا، و لا يمكن تكرره الا بتحقق السفرة الثالثة كما لا يخفى.
ثم ان المراد من المقام انكان هو المقام العرفى المتمادي مدة، فلا يكون اعتبار عدمه الا لاجل دخله فى صدق كون السفر شغلا وعملا عرفا ، فان المقام العرفى رافع لموضوع عملية السفر، وحينئذ فلايكون اعتبار عدمه امر اوراء اعتبار عملية السفر وانكان المراد منه هو المقام الشرعى اعنى الاقامة عشرة ايام كماهو الظاهر بقرنية التصريح به في مرسلة يونس بن عبد الرحمن الاتية، فيكون اعتبار عدمه قيدا تعبديا، فلا يكون انتفائه موجبا الا لانتفاء حكم عملية السفر لا لموضوعها اللهم الا ان يقال ان المقام العرفي الذي يكون رافعا لموضوع عملية السفر، لما كان مقداره غير مضبوط عند العرف ، فحدده الامام بالمقام عشرة ايام فى منزله او ماهو بحكم منزله ، فح لا يكون اعتبار عدمه الا لاجل كونه منافيا لصدق عملية السفر هذا و تدبر.
الثالثة المشهور انه كما يعتبر فى ثبوت التمام على المكارى والجمال، ان لا يقيما في بلدهما او غيره عشرة ايام، كذلك يعتبر فى استمراره عليهما ان لا يقيما في بلدهما اوغيره عشرة ايام، و بعبارة اخرى كما ان اقامة العشرة قبل تكرر السفر تكون مانعة عن تحقق عملية السفر، كذلك تكون اقامة العشرة بعد تكرر السفر و تحقق عمليته قاطية لها، فلا يرجع الى التمام الا فى السفر الثالث الذي به يتحقق العلمية، دون السفر الاول والثانى كما هو واضح واستدلوا على ذلك بروايات، منها صحيحة هشام بن الحكم المتقدمة، ورواية السندي من ابي ربيع، حيث قيد فيهما وجوب التمام على المكارى والجمال بقيد وجودى وهو الاختلاف وقيد عدمی و هو عدم الاقامة فان مقتضى تقييد المكلف با اتمام و هو المکاری بهذين القيدين، هو دوران لزوم التمام عليه مدار اتصافه بهماثبوتا ونفيا وحدوثا وبقاء، ضرورة عدم تعقل بقاء الحكم مع ارتفاع موضوعه كما هو واضح و منها مرسلة يونس بن عبدالرحمن عن بعض رجاله عن ابيعبد الله علیه السّلام قال سالته عن حد المكارى الذى يصوم ويتم، قال علیه السّلام اى مكار اقام في
ص: 430
منزله او فى البلد الذي يدخله اقل من عشرة ايام وجب عليه الصيام والتمام ابدا وانكان مقامه في منزله او فى البلد الذى يدخله اكثر من عشرة ايام فعليه التقصير والافطار، فان دلالتها على ان الاقامة مطلقا اى سواء كانت في الوطن او فى خارجه تكون قاطعة لحكم التمام وموجبة للقصر والافطار، واضحة بحيث لا تكون قابلة للانكار ، ومقتضاه كون الاقامة قاطعة ورافعة لعنوان عملية السفر بعد تحققه بتكرر السفر، كما تكون مانعة عن تحققه لواقام قبل تكرر السفر، ولا مجال للخدشة فيها سندا بالارسال، بعد كون المرسل مثل يونس بن عبدالرحمن الذي هو على الظاهر من اصحاب الاجماع كما لامجال للخدشة فيها مضمونا من جهة مخالفة قوله علیه السّلام اكثر من عشرة ايام للاجماع والنص، حيث انه لا يعتبر في وجوب التقصير والافطار على المكاري الذي اقام في منزله ، اكثر من اقامة عشرة ايام اجماعا ونصا بعد ما هو المتعارف فيما اذا كان المفهوم القضية الشرطية فرد ان، من الاقتصار على ذكر احد فرديه لنكتة كاهميته او كونه الغالب المعارف كما في المقام ، حيث ان لمفهوم قوله علیه السّلام في الصدر اى مکار اقام اقل من مقام عشرة ايام وجب عليه الصيام الخ ، فردين احدهما المكارى الذي اقام عشرة ايام ، ثانيهما المكارى الذى اقام اكثر من عشرة ايام ، وانما اقتصر علیه السّلام بذكر الفرد الثانى، لكونه الغالب المتعارف، فان الغالب فيمن يقصد الاقامة في بلدا و في منزله تخاوزها عن العشرة، لا لكونه بالخصوص معتبرا في وجوب التقصير كي يكون منافيا للاجماع كما لا مجال ايضا للخدشة فيها، بان ظاهرها عدم الفرق بين الاقامة فى منزله او بلد اخر من حيث النية، وهو خلاف ما ذهب اليه المشهور من اعتبار كون الاقامة فى غير منزله منوية، بخلاف الاقامة في منزله فانه يكفى فيه الاقامة عشرة ايام مطلقا منوية كانت ام لا بعد ماهو المعلوم من ان المراد من الاقامة ، هي الاقامة الموجبة للصوم والصلوة تماما لكونها مخرجة للمقيم عن كونه مسافرا، ان مرجعه حينئذ الى ان المناط فى انقطاع حكم عملية السفر هو تخلل الصوم والصلوة تماما عشرة ايام بينه، ومن المعلوم ان الاقامة بلانية في غير الوطن، لا تكون موجبة للصوم والصلوة تماما ولوكانت اكثر من عشرة ما لم تبلغ
ص: 431
الثلثين وبعبارة اخرى ان قوله علیه السّلام اى مكار اقام فى منزله اه، حيث يكون فى مقام تحديد الاقامة التى تكون مانعة عن تحقق عنوان عملية السفر ، يفهم منه بمناسبة الحكم والموضوع، ان المراد من الاقامة في تلك المدة هى الاقامة التي تكون مخرجة للمقيم عن كونه مسافرا، لانها المناسب للمانعية عن تحقق عنوان عملية السفر، دون الاقامة الغير المخرجة له عن ذلك ، فانها لا يمكن ان تكون مانعة عن تحقق عملية السفر كما هو واضح.
ومن المعلوم ان الاقامة التي تكون مخرجة للمقيم عن كونه مسافرا، انما تتحقق بالنسبة الى المقيم فى غير وطنه فيما اذا كانت منوية، بخلافها بالنسبة الى المقيم فى بلده، فانها تتحقق مطلقا منوية كانت ام غير منوية هذا كله مضافا الى امکان استفادة ما ذكرنا من انه يعتبر في قاطعية الاقامة العلمية السفر ان تكون منويه فيما اذا كانت فى غير الوطن، من نفس الرواية، فان كلمة اقام في قوله علیه السّلام وای مکار اقام الخ، ظاهرة في اعتبار كون القيام عن نية، و ذلك لظهور هيئة باب الافعال فى صدور المادة عن الفاعل عن قصد، فاقام معناه صدر القيام عنه عن قصد توهم ان لازم ما ذكرنا هو اعتبار كون الاقامة منوية مطلقا ولوكانت في الوطن، وهذا مما لم يقل به احد مدفوع بان الوجه في كفاية مجرد الاقامة في الوطن في قاطعية العملية هو اتفاقهم عليها، ولولاه لالتزمنا باعتبار كونها عن نية في الوطن ايضا فالفارق هو الاجماع مضافا الى ماذكرنا من كونه مقتضى مناسبة الحكم والموضوع هذا ومنها ما رواه الصدوق في الصحيح عن عبدالله بن سنان عن ابيعبد الله علیه السّلام قال المكارى اذا لم يستقر في منزله الاخمسة ايام او اقل، قصر في سفره بالنهار و اتم صلوة الليل وعليه صوم شهر رمضان، فانكان له مقام فى البلد الذى يذهب اليه عشرة ایام او اكثر، وينصرف الى منزله ويكون له مقام عشرة ايام او اكثر، قصر في سفره وافطر وهذه الرواية و انكانت صدرا وذيلا منافية للمدعى كما لا يخفى لكن دلالتها على ان اقامة عشرة ايام في غير بلده موجبة لانقطاع حكم السفر ظاهرة، واشتمالها على ما لا يقول به احد من الاكتفاء بالاقل من الخمسة ولو يوما في التقصير نهارا
ص: 432
دون الليل و دون الصوم، لمخالفته لما تواتر عليه النصوص من عدم الاكتفاء في التقصير بالاقل من العشرة، ولما دل على التلازم بين القصر والافطار الا فى بعض الموارد التى ليس الفرض منها لا يخرج ظهورها في انقطاع حكم السفر بالاقامة عشرا في غير بلده عن الحجية كما حقق فى محله و اما المناقشة فيها بظهورها في اشتراط القصر والافطار، بالاقامة فى المكانين، اى البلد الذي يذهب اليه وبلده معا، الذى من المعلوم عدم اعتبارها فيه، اذ لا يعقل مدخلية الاقامة اللاحقة فى التقصير السابق، مضافا الى منافانه لما هو المدعى من ثبوت القصر بالاقامة في احد البلدين فيمكن دفعها باحتمال ان متن الرواية كان فى الاصل او ينصرف ، وكان تبديل كلمة او بالواو من اشتباه النساخ، اذ حينئذ ينطبق على ما في رواية يونس المتقدمه من قوله علیه السّلام ايما مكارا قام فى منزله او فى البلد الذي يدخله الخ و باحتمال ان تكون لفظة الواو مستعملة بمعنى او كما صرح به بعض النحويين كا بن مالك والزمخشري وغيرهما و باحتمال ان يكون اشتراط الاقامة في المكانين في التقصير والافطار باعتبار الذهاب والاياب، فالمعنى حينئذ ان كان مقامه في البلد الذي يذهب اليه و فى منزله عند رجوعه اليه عشرة ايام فعليه التقصير والافطار ذهابا و ايابا، ان عليه تندفع المناقشة المزبورة كما لا يخفى و توهم انها حينئذ تكون على خلاف ما هو المدعى من كون الاقامة مخرجة للمقيم عمن عمله السفر وان دخوله فيه يحتاج الى تكرر السفر ادل ، اذ حينئذ تدل على ان اقامة العشرة تخرجه عن حكم من يكون السفر عمله في السفرة الاولى خاصة، و يكون في غيرها باقيا على حكمه من وجوب التمام مدفوع بان غاية دلالتها حينئذ هو ثبوت القصر عليه فى السفرة الأولى ، واما عدم ثبوته فى غيرها فلادلالة لها عليه اصلا، لان اثبات الشئ لا يستلزم نفى ما عداه كما لا يخفى فتدبر جيدا(1) وعلى اى حال يكفي لاثبات المدعى
ص: 433
الروايات الثلث المتقدمة، سيما مرسلة يونس التي عمدة المستند فى المسئلة
مضافا الى ان ذلك مقتضى ما ذكرنا من كون الاقامة رافعة لموضوع عملية السفر التي هي الموضوع لوجوب التمام، اذ معه لامجال بعد الخروج عن محل الاقامة للرجوع الى التمام الا فى السفر الثالث الذى به يتحقق عملية السفر ، دون السفر الثانى فانه يجب عليه فيه ما وجب عليه فى السفر الأول من القصر والافطار ، لعموم ادلة وجوبهما على المسافر.
و اما الاشكال فى الروايتين الاولتين، بان غاية ماتدلان عليه هو ان الاقامة رافعة لحكم عملية السفر لا لموضوع العملية، و لازم ذلك هو وجوب القصر في السفرة الاولى خاصة والتمام فى غيرها، و ذلك لان المفروض ان التمام كان مترتبا على قيدين عملية السفر وعدم الاقامة، والاقامة لم توجب الارفع القيد الثاني و حينئذ اذا سافر بعدها و رجع ولم يقم، يتحقق كلا الفيدين اللذين رتب عليهما التمام، والحال ان المشهور لا يجوزون الرجوع الى التمام الا فى السفر الثالث او الرابع ففيه ما اشرنا اليه في وجه استظهار اعتبار اسفار ثلثة في ثبوت التمام على المكارى من رواية هشام بن الحكم ، من ان الظاهر ان يكون قوله الثانى فانه يجب فيها وليس له مقام قيد القوله علیه السّلام يختلف، اذ عليه ليس الموضوع للتمام هو المركب من عملية السفر و عدم الاقامة، کي يقال ان الاقامة لم توجب الا رفع الجزء الثانى، بل الموضوع للتمام هو العملية المقيدة بعدم الاقامة، وحينئذ فكما ان الاقامة توجب دفع القيد اعنى عدم الاقامة، كذلك توجب رفع العلمية المقيدة بعدمها، ضروره ان المقيد ينتفى بانتفاء قيده، و عليه فلابد في رجوعه الى التمام من ان يسافر اسفارا ثلثة او اربعة من دون تخلل اقامة بينها، كي يتحقق عنوان العملية المقيدة بعدم الاقامة الذى هو الموضوع للتمام هذا. ومنه يظهر اندفاع ما افاده بعض الاعاظم من المشايخ، من ان مادل على كون الاقامة رافعة لحكم كثير السفر، مجمل من حيث الدلالة على كونها رافعة للحكم مطلقا اوفي خصوص السفر الأول ، والمتيقن منه هو ثبوت التقصير فى السفرة الاولى و اما السفرة الثانية فالمرجع فيها عموم مادل على وجوب التمام على من كان السفر
ص: 434
عمله، لان المفروض ان الاقامة رافعة لحكم كثير السفر لالموضوعه، فاذا كان موضوعه باقيا فى السفرة الثانية، ولم يكن هناك ما يدل على وجوب القصر عليه فيها، يعمه ما دل على وجوب التمام على من كان السفر عمله، بل لوشككنا في ان الاقامة هل تكون رافعة لموضوع كثرة السفر، كي يحتاج في الرجوع الى التمام الى تكرر السفر بعد الاقامة المستلزم لوجوب القصر عليه فى السفرة الثانية بل الثالثة، اوتكون رافعة لحكمها مع بقاء موضوعها كيلا يحتاج فى الرجوع الى التمام إلى تكرر السفر بعدها يكون المرجع استصحاب وجوب التمام الذي كان عليه حال الاقامة .
توضيح الاندفاع هو ان مادل على كون الاقامة رافعة لحكم كثير السفر، و ان لم يكن له اطلاق يعم السفرة الثانية، الا ان مقتضى ما استظهرناه من رواية هشام من نقصد العملية بعدم الاقامة، هوكون الاتمام معلقا على العملية الغبير
المقرونة بالاقامة، فاذا تحققت الاقامة انتفت العملية ايضا بانتفاء قيدها، ومع انتفائها لا مجال للرجوع الى عموم مادل على وجوب التمام على من كان السفر عملا له كما لا يخفى، بل المتعين حينئذ هو الرجوع الى عموم ادلة وجوب القصر على المسافر، ومعه لايبقى هناك شك حتى یکون المرجع هو استصحاب وجوب التمام الثابث له حال الاقامة، بل لامجال للرجوع الى هذا الاستصحاب اصلا ولو مع قطع النظر عن عموم تلك الادلة، لالما افاده الاستاد دام ظله وفاقا لشيخ مشايخنا الانصارى قده، من كونه محكوما باستصحاب وجوب القصر الثابت عليه حال الاقامة معلقا على السفر بعدها، لحكومة استصحاب الحكم التعليقى على استصحاب الحكم الفعلى كما قرر فى محله، كي يستشكل فيه بمنع حجية الاستصحاب التعليقى، وانكان الحق حجيته سيما اذا كان المعلق عليه من قبيل الواسطة فى الثبوت كما حققناه في محله، خلافا لبعض الاعاظم من الاسانيد قده وللسيد قده في تعليقته على مكاسب المحقق الانصارى قده بل لكونه من قبيل استصحاب الحكم مع الشك في بقاء موضوعه وذلك لان وجوب التمام انما كان مترتبا سابقا على عنوان كثير السفر الذي اقام في وطنه اوفى غير وطنه ، فلا مجال لاستصحابه مع الشك في صدق هذا العنوان على من
ص: 435
سافر بعد الاقامة وانقطع وجوب التمام عليه كما هو واضح هذا وتبصر.
الرابعة لو بدل من شغله السفر عنوانه بعنوان اخر ، بان سافر في غير شغله المعتاد له، كما لو سافر من شغله المكارات قبل الاقامة عشرة ايام، للتجارة من سوق الى سوق ، فهل يجب عليه القصر او التمام و جهان ، مبينان على ان المستفاد مما فى الاخبار المشتملة على تعليل وجوب التمام على المكارى وامثاله بقوله علیه السّلام لأنه عملهم، هل هو كون السفر عملا لهم، او المستفاد منه كون العناوين المذكورة فيها عملا لهم فعلى الأول لا اشكال في وجوب التمام عليه، لان المدار حينئذ على عملية السفر، سواء كانت عمليته لاجل التجارة ووالسياحة او الرعى اولغيرها وعلى الثاني يجب عليه القصرلان صيرورة العنوان الاخر عملا تحتاج الى التكرار، فلا يجوز له الاتمام بمجرد اتخاذه حرفة ، نعم لو سافر بعد صيرورته عملا له، يجب عليه الاتمام بمجرد الشروع في السفر ولم يحتج الى التكرار، لانه يصدق حينئذ انه سافر فى عمله والمستظهر من تلك الاخبار عند الاستاد دام ظله هو الثاني، خلافا للاصحاب حيث ان المستفاد منها عندهم هو الاول.
ولابد اولا من ذكر بعض تلك الاخبار ، ثم التعرض لبيان ماهو المستظهر منها من الاحتمالين فنقول منها خبر ابن عمير عن ابيعبد الله علیه السّلام قال علیه السّلام خمسة يتمون في سفر كانوا او حضر المكارى والكرى والاشتقان وهو البريد والراعي والملاح لانه عملهم، ومنها مصححة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال علیه السّلام اربعة قد عليهم التمام في سفر كانوا او حضر المكارى والكرى والراعى والاشتقان لانه عملهم، اذا عرفت هذا فنقول يمكن ان يكون مرجع الضمير في قوله علیه السّلام لانه عملهم، هو السفر كما ذهب اليه اصحاب، فيكون تعليلا لمساواته مع الحضر وفي الحكم بالنسبة الى هؤلاء الطوائف و يمكن ان يكون مرجعه هي العناوين الخمسة أو الاربعة المذكورة في الروايتين كما استظهره الاستاد، بجعل المرجع كلواحد منها باعتبار مبدء اشتقاقها، اذلامعنى لكون نفس تلك العناوين عملا كما لا يخفى وايد دام ظله ما استظهره، بانه لوكان المرجع هو السفر، للزم حمل الروايات على افراد نادرة
ص: 436
غاية الندرة ، ضرورة ان الراعى والتاجر ليسا ممن عمله السفر، فان الراعي يدور غالبا في الامكنة القريبة من بلده، وقد يتفق احتياجه لرعى المواشى الى طى ما يبلغ مسافة السفر ، وكذا التاجر يدور غالبا فى الامكنة القريبة لانه اقل مؤنة و اكثر ربحا ، وقد يحتاج الى السفر الى البلاد البعيدة لتحصيل الامتعة وحملها الى بلده هذا.
ولكن الذي يظهر بالتدبر هو كون مرجع الضمير هو السفر كما ذهب اليه الاصحاب لا العناوين المذكورة اما اولا فلما اشرنا اليه من ان الظاهر المتبادر من قوله علیه السّلام لانه عملهم، كونه في مقام تعليل ما حكم علیه السّلام به من مساواة السفر مع الحضر في الحكم بالنسبة الى تلك الطوائف ، ومعه لابد ان يكون مرجع الضمير هو السفر لا العناوين المذكورة كما لا يخفى و اما ثانيا فلان المرجع لو كان هو العناوين لكان اللازم تانيث الضمير ، كما هو المتعارف فيما كان مرجع الضمير المفرد امورا متعدة، كما في الروايتين عليهذا الفرض، وارجاعه الى كلو احد محتاج الى التقدير وهو خلاف الاصل و اما ما افاده من استلزام ارجاعه الى السفر لحمل الاخبار على الفرد النادر ، ففيه ان حملها على الفرد النادر، انما يستبعدا، وكان تمام العناوين المذكورة فيها قليل المصداق خارجا ، دون مالوكان بعضها كذلك كما في مورد الروايتين ، فان الحمل على النادر بالنسبة الى خصوص ذلك البعض ليس فيه استبعاد مع ان الحمل على الفرد النادر أنما يكون مستبعدا ، فيمالم يكن في نفس الخبر قرنية على كونه في مقام بيان حكم الفرد النادر كما في المقام ، فان التعبير في صحيحة زرارة بقوله علیه السّلام قد يجب الخ ، يدل لمكان كلمة قد على ان وجوب التمام على هؤلاء الطوائف في السفر ؛ يكون في موارد نادرة لقلة احتياجهم في شغلهم الى طى مسافة السفر وثالثا بناء على ارجاع الضمير الى العناوين ، يلزم ان يكون التعليل بانه عملهم تعليلا بامر تعبدى ، لان محصل معنى التعليل حينئذ هو ان من يدور في تجارته انما وجب عليه التمام لكون التجارة عمله ، وكل من كان التجارة عمله يجب عليه التمام، وهذا كما ترى تعليل بامر تعبدی، و هذا بخلاف ارجاعه
ص: 437
الى السفر، فان محصل معناه حينئذهوان السفر حيث يكون عملا لهم ويكونون معتادین به فيجب عليهم التمام، لا نتفاء ما هو ملاك جعل القصر على المسافر، من كونه جابر المقدار من مشقة السفر الذي قيل في حقه انه قطعة من السقر، بواسطة اعتيادهم به فان الاعتياد بالامر الشاق يسهله على المعتاد ، بل ربما يكون تركه مشقة عليه و موجبا لضيق صدره كما لا يخفى وحينئذ يكون تعليل وجوب التمام على هؤلاء الطوائف بان السفر عملهم ، تعليلا بامر منطقی استدلالى ، لا بامر تعبدى البعيد عن مقام الاستدلال كما هو واضح هذا كله مضافا الى مامر من انه ينفرع على ما استظهره دام ظله ، وجوب التمام على من كان عمله التجارة او المكارات او الرعى فى اطراف بلده ، ثم اتفق احتياجه فى عمله الى طى مسافة السفر، لانه يصدق عليه انه يسافر في عمله و هذا مما يشكل الالتزام به هذا وتدبر.
ثم ان مما يتفرع على ما استظهرناه من الاخبار، من ان المراد من الاقامة التى تكون قاطعة للسفر موضوعا او حكما، هى التى تكون موجبة للتمام في محل الاقامة، وان مرجع ذلك الى ان المناط فى انقطاع عملية السفر، هو تخلل الصوم والصلوة تماما عشرة ايام بينه هو عدم الاكتفاء فى القاطعية بالبقاء في غير بلده ثلثين يوما مترددا، فان البقاء كذلك وانكان بحكم نية الاقامة في كونها موجبة للاتمام الا ان عملية السفر انما تنقطع باقامة عشرة عن نية في غير بلده، وعليه فلابد في وجوب القصر على من بقى في غير بلده متردد الى ثلثين، من اقامة عشرة ايام ولو بغير نية بعد الثلثين، لان البقاء في بلد مترددا الى ثلثين اذا كان بحكم نية الاقامة ولذا يجب عليه التمام بعده مادام باقيا فيه فيكفى اقامة عشرة ايام بعده ولو بغير نية في انقطاع عملية السفر ، وذلك لما عرفت انفا من ان المدار في انقطاع حكم عملية السفر على تخلل الصوم والصلوة تماما عشرة ايام بينه، و هذا المناط متحقق فيما لواقام بعد الثلثين عشرة ايام ولو بغيرنية، لما مر انفا من وجوب التمام والصيام عليه بعد انقضاء الثلثين مادام باقيا في محل التردد سواء نوى الاقامة بعده ام لم ينو ومما ذكرنا ظهر استقامة ما ذهب اليه جملة من الاساطين، من الاكتفاء في
ص: 438
انقطاع عملية السفر بمجرد اقامة عشرة ايام فى بلده، واعتبار اقامة عشرة ايام عن نية او البقاء اربعين يوما ولو مترددا في غير بلده صح فالقول بكفاية مجرد اقامة عشرة ايام مطلقا اى سواء كانت منوية اوغير منوية وسواء كانت في بلده اوفى غيره كما هو ظاهر العروة، لاوجه له هذا وتبصر.
الشرط الثامن من شرائط وجوب التقصير على المسافر، بلوغه الى حد الترخص الذي هو عبارة عن مقدار خاص من البعد عن البلد الذي يخرج منه ، سواء كان ذاك البلد وطنه او محل اقامته و اعتبار اصل هذا الشرط مما لا اشكال بل لاخلاف فيه، ويدل عليه مضافا الى ذلك اخبار كثيرة معمول بها بين الاصحاب، كصحيحة محمد بن مسلم قال قلت لا بيعبد الله علیه السّلام الرجل يريد السفر فيخرج متى يقصر قال علیه السّلام اذ اتوارى من البيوت، و هذه الصحيحة كما ترى ظاهرة الدلالة على اعتبار توارى المسافر و استتاره عن البيوت المتقوم به مفهوم المسافرة عنها، لاتوارى البيوت عن المسافر ، ولا ملازمة بين الأمرين، ضرورة ان البيوت ترى من مسافة فرسخ بل فرسخين ، ولا يرى الشخص من ربع هذه المسافة ، فما في كلمات الفقهاء من جعلهم المناط توارى جدران البلد ، لعله من جهة انهم لمارا ان الصحيحة واردة في مقام تحديد محل الترخص، والحال ان من يتوارى ويغيب عن البيوت، الا طريق له الى معرفة غيبوبته عنها كى يجعلها كاشفة عن وصوله الى محل الترخص فهموا ان المراد من تواريه من البيوت هو توارى البيوت عنه ، فهذا التعبير من القلب الذي يعد من محسنات الكلام عند اهل البديع فتدبر جيدا وصحيحة ابن سنان عن ابيعبدالله علیه السّلام قال سالته عن التقصير، قال علیه السّلام اذا كنت في الموضع الذي لا تسمع فيه الاذان فقصر ، واذا قدمت من سفرك فمثل ذلك وصحيحة حماد بن
عثمان عن ابيعبد علیه السّلام قال علیه السّلام اذا سمع الاذان اتم المسافر و موثقة اسحق بن عمار المتقدمة في تحديد مقدار المسافة، حيث قال فيها قلت اليس قد بلغوا الموضع الذى لا يسمعون فيه اذان مصر هم الذى خرجوامنه قال علیه السّلام بلى الحديث، فانه يظهر من قول السائل اليس اه ان هذا التحديد كان من المسلمات عندهم
ص: 439
والمروى من الفقه الرضوى انه قال علیه السّلام وانكان اكثر من بريد فالتقصير واجب اذا غاب عنك اذان مصرك.
و هذه الاخبار وانكانت متعارضة مفهوما، بمقتضى ما وقع في بعضها من التحديد بالتوارى عن البيوت وفى بعضها من التحديد نجفاء الاذان، لكنها متفقة الدلالة على توقف التقصير على مقدار خاص من البعد عن البلد، وانه لارخصة فيه ما لم يبلغ المسافر شيئا من الحدين ولا يعارضها بعض الروايات الدالة باطلاقها على ثبوت التقصير بمجرد الخروج من المنزل والبيوت، كمرسلة الصدوق عن الصادق علیه السّلام انه قال اذا خرجت من منزلك فقصر الى ان تعود ، ومرسلة حماد عن ابيعد الله علیه السّلام في الرجل يخرج مسافرا قال علیه السّلام يقصر اذا خرج من البيوت وذلك اما اولا فلضعف هذه الروايات سندا بالارسال ، وجهة باعراض المشهور عنها وموافقتها لبعض العامة اما ثانيا فللزوم تقييدها بالوصول الى محل الترخص بمقتضى تلك الاخبار ، او تأويلها بحمل المنزل على البلد الذي يسكن فيه فتدبر بل قد يقال لامعارضة بين هذه الاخبار والاخبار المتقدمة ، بدعوى ان تلك الاخبار فى مقام بیان ما يتحقق به الخروج من المنزل، فتكون شارحة لهذه الاخبار وحاكمة عليها فتدبر جيدا و على ای حال هذه الاخبار قاصرة عن المكافئة لتلك الاخبار فلا تصلح للمعارضة معها ، فما نسب الى والد الصدوق من وجوب القصر بمجرد الخروج من المنزل ، استنادا الى هذه الاخبار على فرض صدق النسبة ، ضعيف فى الغاية ، فلا اشكال في اعتبار اصل هذا الشرط فى ثبوت القصر.
وانما الاشكال فى رفع ما وقع من التنافى والتعارض بين الاخبار الدالة على اعتباره ، بمقتضى اشتمالها على التحديدین، فان مقتضى تحديد الترخص بالتوارى من البيوت كما في صحيحة ابن مسلم، هو انتفائه مالم يتوار منها سمع الاذان ام لم يسمع، ومقتضى تحديده نجفاء الاذان كما في سائر الاخبار ، هو انتفائه عند سماع الاذان توارى من البيوت اولم يتوار منها، فيقع التعارض بين مفهوم الصحيحة و منطوق غيرها من الاخبار ، فيما اذ لم يتوار من البيوت ولم يسمع الاذان، و بين
ص: 440
مفهوم صحيحة ابن سنان وغيرها ممادل على وجوب الاتمام عند سماع الاذان وبين منطوق صحيحة ابن مسلم، فيما اذا توارى من البيوت وسمع الاذان.
وقد قيل في الجمع بينهما بوجهين احدهما تقييد اطلاق كل منهما بالاخر،
فيتنج ثبوت الترخص عند اجتماع الحدين بان توارى عن البيوت ولم يسمع الاذان فيكون كل منهما بمنزلة الجزء للسبب فلا يكفى تحقق احدهما ثانيهما تقييد مفهوم كل منهما بمنطوق الاخر، فينتج ثبوت الترخص بكل واحد منهما ، فيكون كل منهما سببا ما لم يسبقه الاخر وفي كلا الوجهين ما لا يخفى، بعد ما نرى من الاختلاف البين بين الحدين، و كون أحدهما وهو خفاء الاذان اخص مطلقا من الاخر، بناء على كون المعيار خفاء البيوت عن المسافر كما فهمه المشهور، فان البيوت ترى من مسافة فرسخ بل فرسخين، ولا يسمع الاذان من ربع هذه المسافة، ومع هذا الاختلاف بين الحدين و كون احدهما اكثر بمراتب من الاخر، كيف يمكن ان يكون السبب هو المجموع المركب منهما، مع استلزام اعتبار الاكثر لغوية اعتبار الاقل، حيث ان الاكثر واجد للاقل مع شئ زائد و كيف يمكن ان يكون السبب كل منهما مالم يسبقه الاخر ، مع أن سببية الاقل مستلزمة للغوية سببية الاكثر ، حيث ان الاقل متحقق دائما قبل الاكثر كما هو واضح فتبين ان الجمع بهذين الوجهين، انما يستقيم فيما لو كان بين السببين عموم من وجه، فيما كان احدها اخص مطلقا من الاخر كما في المقام هذا كله مضافا الى ان المقام ليس من باب تعارض السببين كي يجمع بينهما باحد الوجهين المزبورين، بلهو باب تعارض الامارتين ، ضرورة ان الاخبار ليست فى مقام بيان السبب للترخص، بل هی كما اشرنا اليه فى مقام بيان الحد لما يعتبر في الترخص من البعد الخاص من البلد ، و من المعلوم عدم استقامة تحديد شئ واحد بحدين مختلفين كثرة وقلة، و معه لا يصح الجمع الدلالتي بين هذه الاخبار بما ذكر من الوجهين، ولوكان بين الحدين عموم من وجه كما هو واضح.
و اما ما افاده بعض الاساطين في اعتبار اجتماع الحدين في ثبوت الترخيص ،
ص: 441
من انه لا شبهة فى ان لكل من خفاء البيوت و خفاء البيوت و خفاء الاذان مراتب متفاوتة، فان خفاء البيوت، تارة يكون بعدم تميزها وان هذا بيت زيد و ذاك بيت عمرو، واخرى يكون بعدم تميز صورها و اشكالها المايزة بعضها عن بعض و ثالثه يكون بعدم تميز شبحها و كذا خفاد الاذان، تارة يكون بعدم تميز فصولها، واخرى بعدم تميز كون الصوت المسموع اذانا، وثالثة بعدم سماعها راسا، فالنسبة بين الحدين عموم من وجه، فان مورد الاجتماع هو موضع خفاء صور البيوت وخفاء صوت الاذان، ومورد الافتراق من جانب خفاء البيوت، هو خفائها بمعنى عدم تميزها وان هذا بيت زيدا و بيت عمرو ، ومورد الافتراق من جانب خفاء الاذان هو خفاء فصولها والقدر المتيقن اعتباره من البعد عن البلد فى ثبوت الترخيص في التقصير هو مورد الاجتماع يروجع فى غيره من موردى الافتراق الى اطلاق ادلة التقصير انكان لها اطلاق ، والا الى استصحاب التمام الثابت قبل الخروج من البلد.
ففيه ان الالتزام بذلك في غاية الاشكال، بعدكون الاخبار المشتملة على التحديد فى مقام البيان، وكون السائل فى المشتملة منها على احد الحدين، غير السائل في المشتملة منها على الحد الاخر كما لا يخفى اذلو كان المراد من كل الحدين مورد اجتماعه من الاخر، كان التحديد به على نحو الاطلاق مخالفا لما هو الفرض من كونه بصدد البيان كما هو واضح.
وقد يقال في وجه الجمع بين الاخبار، بان لكل من خفاء البيوت و خفاء الاذان و انكانت مراتب متفاوتة، لكن الظاهر من نسبة الخفاء الى الاذان عدم تميز كون الصوت اذانا، لاخفاء فصولها والالكان اللازم ان ينسب الخفاء اليها لا الى اصل الاذان، ولاخفائه بمعنى عدم سماعه راسا والا لم يكن وجه لاعتبار خفاء خصوصه من بين الاصوات، فاذا كان الظاهر من خفاء الاذان هو عدم تميزكون الصوت اذانا فيحمل خفاء البيوت على مرتبة من مراتب خفائها تكون مطابقة لخفاء الاذان، وهى خفا صورها واشكالها المائزة بعضها عن بعض، فان موضع خفاء صور البيوت واشكالها، هو موضع خفاء الاذان بمعنى عدم تميزكون الصوت المسموع اذانا وحينئذ فلا يتصور التفكيك بين الحدين ، كى يقال بالاكتفاء باحدهما او عدمه.
وفيه انه كما ان الظاهر من خفاء الاذان هو عدم تميز كون الصوت اذانا فتدبر
ص: 442
كذلك الظاهر من خفاء البيوت هو خفائها راسا بحيث لا يرى شبحها، فحمل خفائها على خفاء صورها و اشكالها خلاف الظاهر.
فالاولى في وجه الجمع بين الاخبار، عوما افاده الاستاد دام ظله بعد تمهيد مقدمتين الاولى ان المذكور فى الاخبار في تحديد حد الترخص امران، احدهما عدم سماع المسافر اذان مصره، ثانيهما تواريه عن بيوته الظاهر في غيبوبته عن البيوت لا غيبوبة اليبوت عنه كما فهمه المشهور من الاصحاب، وصحة الاسناد حينئذ، اما بتقدير الاهل كما في قوله تعالى واسئل القرية ، او بتنزيل البيوت منزلة من له العين و لعل وجه نسبة الغيبوبة اليه دون البيوت مع بثوت الملازمة بين غيبوبتهما بقدكون المراد من غيوبة البيوت غيبوبة اهلها ، هو كون المسافر هو السبب والعلة لحصول الغيبوبة، ولاوجه لرفع اليد عن ظاهره بحمله على ما فهمه المشهور من هذا المضمون، من كون المراد منه هو غيبوبة البيوت عنه، و عبروا عنه بخفاء جدر ان البلد عن المسافر المقدمة الثانية لاشبهة فى ان لكل من خفاء الاذان والتوارى عن البيوت اللذين اخذ احد اللبعد الخاص عن البلد، مراتب متفاوتة حسب تماوت السامع والمسموع و الرائى والمرئى، اذ قد يكون السامع لا يسمع الصوت من قريب لضعف في قوته السامعة اوفى الصوت، وقد يسمع الصوت من فرسخين لقوة حاسته اولكثرة علو الصوت، وكذا الرائي قد لا يرى البيوت من قريب لضعف في قوته الباصرة اولانحطاط فى البيوت، وقديراها من فرسخين لقوة في باصرته اولعلو و ارتفاع فى البيوت ومع هذا التفاوت لا يمكن ان يكون مطلق الخفاء والتوارى حد اللبعد الخاص الذي اعتبر في الترخص، فلابد ان ينزل كل من خفاء الاذان والتوارى عن البيوت، على المرتبة المتوسطة المتعارفة منهما ولا شبهة ايضا ان للمتوسطة منهما ايضا مراتب، كالمتعارف من سائر الاشياء التي تؤخذ في سائر التحديدات، كالشعيرات الماخوذة في حد الاصابع الماخوذة في حد الذراع الماخوذة فى حد الاميال الماخوذة فى حد الفرسخ و كالاشبار الماخوذة في حد الكر مساحة والبر الماخوذ فى حد الحمص الماخوذ في حد المثقال الماخوذ في حد الرطل الماخوذ في حد الكروزنا الى غير ذلك فلابد حينئذ ان يكون المدار في خفاء الاذان والتواري
ص: 443
عن البيوت على المرتبة الاولى من مراتب المتوسطة المتعارفة منهما وذلك لان كلا من تلك المراتب وانكانت من مصاديق المرتبة المتوسطة منهما التي هي مناط الحكمه الحكم، الا انه حيث لا يمكن التخيير بين الناقص والزائد، لحصول الغرض بالناقص، ومعه يكون اعتبار الزائد لغوا ، فلابد ان يكون المدار فيهذا المقام على أولى المراتب منهما وحينئذ يحصل التوافق بين الحدين ، انتوارى المسافر عن البيوت اى عن اهلها باولى المراتب من المرتبة المتوسطة منه ، يحصل بمقدار من البعد الذي يخفى به الاذان على المسافر باولى المراتب من المرتبة المتوسطة من الخفاء ، ولااقل من عدم العلم بالمخالفة الكافى فى رفع التعارض بين الاخبار المتضمنة لهما.
توضیح ذلك هو انا اذا ابقينا توارى المسافر عن البيوت على ظاهره من غيبوبته عن البلد بحيث لايراه اهله، وقلنا ان الظاهر من خفاء الاذان هو عدم تميزكون الصوت اذانا، وقلنا ان المدار فى الرؤية والسماع والمرئي والمسموع، على المرتبة الأولى من مراتب المتعارف منها، فح اما نقطع باتحاد الحدين واقعا و ان موضوع خفاء المسافر عن اهل بلده هو موضع خفاء صوت اذانهم عنه، و اما لا نعلم باختلافهما، و على اى تقدير يرتفع التعارض بين الاخبار المتضمنته لهما اما على الاول فواضح، واما على الثانى فلان التعارض فرع العلم بالاختلاف، فلا تعارض مع عدم العلم به و حينئذ فلو تحقق في مورد خفاء الاذان مع كون صوت الموذن وسمع المسافر من المرتبة الأولى من مراتب المتعارف من الصوت والسمع، ومع ذلك لم يتحقق خفاء المسافر عن اهل بلده ، نستكشف من ذلك ان بصر اهله من المرتبة الثانية من مراتب المتعارف من البصر ، التى ليس المدار في خفاء المسافر
عنهم وعدم خفائه عليها فتدبر.
نعم لو فرضنا القطع بتخلف الحدين في مورد، بان علمنا بوجود احدهما و عدم الاخر، مع كون كل من السمع والمسموع والبصر والمبصر، في المرتبة الاولى من مراتب المتعارف ، فبعدما عرفت من كون الحدين امارتين على ماهو الموجب للقصر من البعد الخاص عن البلد، يصير المقام من قبيل تعارض الامارتين،
ص: 444
فيكون المرجع بعد تساقط الحدين اطلاق ادلة القصر على المسافر انكان لها اطلاق والا فاستصحاب التمام لوتم، والا فالاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام، وهذا هو المتعين بناء على ما سيجيئ، من احتمال كون اعتبار الحدين فى ثبوت التقصير، لتحديد ما يعد من اطراف البلد جزء له عرفا، اذ عليهذا الاحتمال يشك في مورد الفرض فى كونه مسافرا او حاضرا، ومعه يكون الرجوع الى عموم ادلة القصر في السفر، من قبيل التمسك بالعام مع الشك في المصداق، والرجوع الى استصحاب التمام من قبيل استصحاب الحكم مع الشك في بقاء الموضوع، نعم لا باس باستصحاب موضوع التمام ، فانه قبل الخروج من البلد لم يكن مسافرا ، والان كما كان فيترتب عليه حكم من وجوب التمام.
لكن اصل هذا الفرض اعنى فرض حصول القطع بتخلف احد الحدين عن
الاخر في مورد، مما لا يتحقق خارجا ابدا ، فالبحث عن حكمه تطويل بلا طائل.
ثم انك بعد ما عرفت من ان المدار في ثبوت التقصير على البعد الخاص عن
البلد ، وان الحدين امارتان عليه ، ظهر لك انه لا فرق بين البلد المرتفع والمعتدل والمنخفض، وانخفاء البلد المنخفض كالخفاء من جهة وجود الحائل الذى لا شبهة فى عدم الاعتبار به، اذهو نظير الخفاء من جهة عمى المسافر، فان اطلاق الاخبار بعد ما عرفت من ان المدار على البعد الخاص، منزل على الخفاء من جهة البعد الخاص لا الخفاء المطلق، هذا مع ان الخفاء من جهة الحائل يزول بعد ذلك، فان البيوت ترى اذا بعد المسافر عن الحائل كما ظهر ايضا انه لافرق بين ما كان هناك بيت و اذان اولم يكن، وذلك لما عرفت من انه لا موضوعية لخفائهما، وانما جعل خفائهما حدا للترخص، لكونه امارة على ما هو المعتبر فى الترخيص من البعد الخاص، ففيما لا يكون للمسافر بيت ولا اذان كالساكن في الخيمة، يقدر البيت والاذان .
بقى هنا امور لابد من المتكلم فيها الاول المشهوران هذا الشرط كما يكون شرطا للقصر فى ابتداء السفر ، كك يكون شرطا في العود عنه ، فيجب عليه التمام لو وصل في الرجوع عن السفر الى محل الترخص ويدل عليهذا التعميم قوله علیه السّلام في
ص: 445
ذيل صحيحة ابن سنان المتقدمة واذا قدمت من سفرك فمثل ذلك، وقوله علیه السّلام في رواية حماد المتقدمة اذا سمع الاذان اتم المسافر، ولا يعارضهما الاخبار الكثيرة الدالة على ان المسافر يقصر حتى يرد منزله ، كرواية عمار عن ابي عبد الله علیه السّلام قال ان اهل مكة اذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم اتموا و اذا لم يدخلوا منازلهم قصروا ، ورواية عيص عن ابيعبد الله علیه السّلام قال علیه السّلام لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته، و خبر ابی اسحق عن ابي ابراهيم علیه السّلام قال سألته عن الرجل يكون مسافرا ثم يدخل و يقدم فيدخل بيوت الكوفة ايتم الصلوة ام يكون مقصرا حتى يدخل اهله قال علیه السّلام بل يكون مقصرا حتى يدخل اهله، الى غير ذلك من الاخبار الدالة على ذلك وجه عدم المعارضة، هو ان ما كانت من هذه الروايات مطلقة كرواية عمار، فتقيد بالخبرين المتقدمين، و ما ليست منها قابلة للتقييد كرواية عيص وخبر ابي اسحق، فلابد من طرحها او حملها على التقية، او تأويل المنزل والبيت فيها على محل رؤية البيوت وسماع الاذان، وذلك لاعراض المشهور عنها الكاشف عن اطلاعهم على قرينة دلتهم على عدم كون هذه الاخبار صادرة لبيان الحكم الواقعي.
الثاني هل المقيم في بلد عشرا حكمه حكم اهل ذلك البلد في اعتبار حد الترخص في وجوب القصر عليه اذا خرج عنه، اولا بل يختص اعتباره بخصوص الخارج عن بلده ووطنه، فلا يعم مطلق الخارج ولو عن بلد الاقامة و جهان بل قولان، اقواهما عند الاستاد دام ظله الثانى، ان اقصى ما يمكن ان يستدل به للاول هوانه لا يخلو اما ان نقول بان الاقامة قاطعة لحكم السفر، وان وجوب التمام على القاصد لها انما هو من باب التخصيص والخروج الحكمي و اما ان نقول بان الاقامة قاطعة لموضوع السفر تعبدا، وان وجوب التمام على القاصد لها، من باب الحكومة والتنزيل الموضوعى، كمادل عليه قوله علیه السّلام في رواية زرارة المتقدمة وهو بمنزلة اهل مكة فعلى الأول يكون مقتضى الاصل اعنى استصحاب وجوب التمام ، هو اعتبار حد الترخص فى وجوب القصر عليه وعلى الثانى يكون مقتضى عموم التنزيل
ص: 446
هو مساواته لاهل البلد في جميع احكامهم التي منها اعتبار حد الترخص في وجوب القصر عليهم اذا خرجوا منه بقصد المسافرة هذا كله مضافا الى شمول اطلاق نفس ادلة اعتبار هذا الشرط للمقيم ايضا، فان قوله علیه السّلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة اذا كنت في الموضع الذي تسمع الاذان فاتم، وقوله علیه السّلام في صحيحة حماد المتقدمة سمع الأذان اتم المسافر ، يشملان باطلاقهما المقيم ايضا و دعوى انصرافهما الى المسافر عن وطنه لاوجه لها، فان المقيم اذا خرج عن محل اقامته لا يترتب عليه حكم المسافر ، الا اذا انشاء سفرا جديدا ، فيكون سفره بعد اقامته سفرا
اخر ، وحينئذ لوقيل اذا سمع و المسافر الاذان اتم، فيشمل المسافر الذي أقام في محل ثم سافر منه سفرا اخر.
و في الكل ما لا يخفى اما الاستصحاب، فلان الرجوع الى استصحاب حكم الخاص، انما هو فيما اذا كان مفاد الخاص اخراج فرد في خصوص زمان مع السكوت عما بعده ولم يكن عموم از ماني للعام، دون ما اذا ازماني للعام، دون ما اذا رجع مفاده الى تقييد العام بعنوان كلى كما في المقام، فان اللازم حينئذ الاخذ باطلاق دليل العام بعد زوال ذلك العنوان، سواء كان للعام عموم از مانى أم لا، و ذلك لان دليل حكم الخاص حينئذ يقسم العام الى قسمين و يعنونه بعنوانين، احدهما المقيد بعنوان الخاص، ثانيهما المقيد بنقيض عنوان الخاص او ضده ، فیثیت حكم العالم للثاني، و نقيضه اوضده للاول، فاذا زال عنوان الخاص، فبزواله يتحقق المقيد بنقيض عنوانه اوضده فيترتب عليه حكم العام ففيما نحن فيه دليل حكم الخاص اعنى وجوب التمام على المقيم ، يقسم العام اعنى المسافر إلى قسمين احدهما المسافر المقيم ثانيهما المسافر الغير المقيم فيثبت حكم العام اعنى وجوب القصر للمسافر الغير المقيم، وضده وهو وجوب التمام للمسافر المقيم، فاذا خرج المقيم عن كونه مقيما بخروجه عن محل الاقامة بقصد السفر، فيدخل قهرا في عنوان ضده و هو المسافر الغير المقيم، فيثبت له حكم العام، ومعه لا يبقى مجال للرجوع الى استصحاب حكم الخاص كما لا يخفى.
ص: 447
و اما عموم التنزيل فلان المنساق من قوله علیه السّلام فى صحيحة زرارة و هو بمنزلة اهل مكة، ليس الا ان المقيم في بلد حيث يكون اقامته فيه قاطعة لسفره، فيكون كاهل ذلك البلد فى وجوب التمام عليه، وتوقف وجوب القصر عليه على انشاء سفر جديد، و اما كونه بمنزلتهم فى جميع احكامهم، فلا يكاد يستفاد منه اصلا، سيما بعد احتمال كون التنزيل بلحاظ اظهر الاثار الذي هو وجوب التمام الذى هو المصرح به في الصحيحة دون جميع الاثار كيف والا لزم وجوب التمام على من مرفى سفره على المحل الذي اقام فيه فى بعض اسفاره، وهذا ممالم يقل به احد اطلاق ادلة اعتبار هذا الشرط، فلانا لوسلمنا شمول اطلاق تلك الادلة للمسافر الذي اقام فى موضع ثم انشاء سفرا جديدا، لكن لا يوجب ذلك تخصيص عمومات ادلة وجوب القصر على المسافر بهذه الادلة مطلقا حتى بالنسبستة الى المقيم و ذلك لما حققنا في محله، من ان تقديم الخاص على العام، ليس نظير تقديم الحاكم على المحكوم، فى انه لا يلاحظ في تقديم الحاكم اظهريته من المحكوم، بل يقدم الحاكم ولو كان ظهور دليله من اضعف مراتب الظهور، على المحكوم ولو كان ظهور دليله من اقوى مراتب الظهور والسر فى ذلك هو ان العرف لا يرون بين دليل الحاكم والمحكوم معارضة، كي يحتاجون في الجمع بينهما الى ملاحظة الاظهر وحمل الظاهر عليه، وهذا بخلاف الخاص والعام، فانهم يرون بين دليلهما المعارضة، وانما يقدمون الخاص على العام لمكان اظهرية دليله من دليل العام، فاذا كان المناط في تقديم الخاص على العام اظهرية دليله من دليل العام، فلو كان هناك للخاص فردان، يكون ظهوره بالنسبة الى احدهما اقوى من ظهور العام بالنسبة اليه، وظهوره بالنسبة الى الاخر اضعف من ظهور العام بالنسبة اليه كما في المقام ، فاللازم تقديم الخاص في خصوص فرده الذي يكون ظهوره فيه اقوى من ظهور العام بالنسبة اليه ، لا تقديمه على العام مطلقا ولو بالنسبة الى الفرد الذى يكون ظهور العام فيه اقوى من ظهور الخاص بالنسبة اليه كما لا يخفى هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله فيهذا المقام.
ص: 448
ولا يخفى عليك ان تقديم العرف الخاص على العام، ليس لمكان اظهرية دليل الخاص من دليل العام كما افاده دام ظله، بل لمكان اضيقية دائرة الخاص و الزوم لغوية دليله لو قدم عليه دليل العام، ولذا يقدمون الخاص على العام، ولوكان دليل العام اظهر فى الشمول لافراده من دليل الحاص فى الشمول لافراده، كما اذا قال اكرم كل عالم ثم قال لا تكرم النحوى، فانه لا شبهة في ان ظهور كلمة كل في الشمول لافراد مدخولها اقوى من ظهور الالف واللام في الاستغراق لافراد مدخولهما، و مع ذلك يقدمون فى المثال دليل لا تكرم النحوى على دليل اكرم كل عالم، و يخصصون وجوب الاكرام بغير النحوى من العلماء مطلقا، ولو كان افراد النحوى متفاوتة فى الظهور والخفاء فى الفردية له سلمنا ان الملاك في تقديمهم الخاص على العام هو اظهرية دليله من دليل العام، لكن لا ينعقد لدليل الخاص اذاكان في مقام البيان ، الاظهور واحد في ارادة جميع الأفراد، ولوفيما كان افراده متفاوتة بحسب الظهور والخفاء فى الفردية، لا ظهورات متعددة متفاوتة قوة وضعفا حسب تفاوت الافراد ظهور او خفاء فى الفردية، نعم يكون اظهر الافراد قدرا متيقنا من بينها هذا كله مضافا الى ان تقديم هذه الآلة على ادلة وجوب القصر على المسافر ، ليس من باب التخصيص ، اذفيها ما يكون ناظرا الى ادلة وجوب القصر و حاكما عليها ، كصحيحتى محمد بن مسلم و ابن سنان المتقدمتين ، فان قول ابن مسلم في الاولى قلت له رجل يريد السفر متى يقصر، و قول ابن سنان في الثانية سالته عن التقصير ناظر ان الى ادلة وجوب التقصير على المسافر وان وجوبه متى يثبت و مضافا الى ما مر من صحة التمسك باطلاق التنزيل الواقع فى صحيحة زرارة المتقدمة ، لاثبات جميع مالاهل البلد اذا سافروا من الاحكام للمقيم فيه الاماخرج بالدليل، وان خصوصية المورد لايوجب انصرافه اليه فتامل ، وخروج بعض الاحكام عنه باجماع او بغيره، لايضر بحجبية بالنسبة الى غير ذاك الحكم من الاحكام فراجع فتبين مما ذكرنا ان الحاق محل الاقامة بالوطن في اعتبار حد الترخص خروجا هو الاقوى، لما عرفت من شمول اطلاق ادلة اعتباره للمقيم ايضا، مضافا الى شمول اطلاق
ص: 449
التنزيل المستفاد مما دل على ان المقيم فى مكة بمنزلة اهلها لاعتباره بالنسبة اليه ايضا.
وهل يلحق بالوطن فى اعتبار حد الترخص دخولا ايضا ام لا، وجهان بل قولان، استد للأول بعموم التنزيل الوارد فى المقيم فى مكة ، فان مقتضاه هو مساواة المقيم لاهل البلد في جميع احكامهم التي منها وجوب التقصير عليهم في عودهم من السفر الى بلدهم الى ان يبلغوا حد الترخص، و باطلاق قوله علیه السّلام في صحيحة ابن سنان المتقدمة و اذا قدمت من سفرك فمثل ذلك و اطلاق قوله علیه السّلام في رواية حماد المتقدمة اذا سمع الاذان اتم المسافر و فى الكل مالا يخفى، اما الاول فلاناوان سلمنا شمول التنزيل المستفاد من قوله علیه السّلام هو بمنزلة اهل مكة للمقيم في هذا الحكم ايضا خروجا لكن نمنع عن شموله لمن يريد الاقامة في هذا الحكم ورودا و ذلك لاختصاص التنزيل في الصحيحة بالمقيم المتلبس بهذا المبدء فعلا ، فلا يعم. لم يتلبس به بعد وان كان مشرفا على التلبس به كما هو واضح و اما الثاني فلظهور و اذا قدمت من سفرك، فى من ينزل الى منزله ووطنه، فلا يعم من يدخل محل اقامته و اما الثالث فلان قوله اذا سمع الاذان اتم المسافر وانكان مطلقا، لكن لا يمكن الاخذ باطلاقه ، لان شموله لكل مسافر يوجب الوهن في اطلاقه، حيث ان مقتضاه هو وجوب الاتمام على المسافر الذي يرد في كل موضع يسمع فيه الاذان، سواء كان ذلك الموضع وطنه او محل اقامته اولم يكن، و هذا مما لا يمكن الالتزام به.
و مما ذكرنا كله يظهر الاشكال فيما يظهر من جماعة من الاساطين قدس من الحاق محل الاقامة بالوطن فى اعتبار حد الترخص ورودا ايضا حيث اقتوا بوحوب التمام على من بلغ في سفره الى حد الترحض من مكان عزم ان يقيم فيه اذهذا كما ترى مما يشكل الالتزام به، و ذلك لما عرفت من عمدة ما استدلوا به على ذلك، هو عموم التنزيل المستفاد مما دل على ان المقيم في مكة بمنزلة اهلها، المقتضى لمساواة المقيم في بلد لاهله و اشتراكه معهم في جميع
ص: 450
الأحكام وفيه مامر من اختصاص دليل التنزيل بالمقيم المتلبس بالاقامة فعلا ، فلا يعم من لم يتلبس بها بعد وانكان مشرفا على التلبس بها ، و ذلك لان دليل التنزيل انما دل على ان من قدم مكة قبل التروية بعشرة ايام يتم لانه بمنزلة اهل مكة ، و من المعلوم ان قدم فعل ماض يدل على النسبة التحققية ، ولازمه هو تنزيله منزلة اهل مكة بعد قدومه و وروده فيها وتلبسه بالاقامة عشرة ايام ، لا بمجرد وصوله الى حد الترخص منها و توهم ان المراد من لفظ قدم هو الاشراف على القدوم لا القدوم الفعلى، و ذلك لورود هذه اللفظة فى صحيحة ابن سنان المتقدمة، وهو قوله علیه السّلام و اذا قدمت من سفرك فمثل ذلك، مع انه لاشبهة فى انه ليس المراد منه هو القدوم الفعلى، اذ لا معنى لاعتبار حد الترخص بعد تحقق القدوم كما هو واضح، فاذا كان المراد من القدوم فى الصحيحة التى هى دليل الاصل هو الاشراف على القدوم، فلابد ان يكون المراد منه فى دليل التنزيل ايضا هو الاشراف عليه لمن اراد الاقامة في مكة مدفوع بان ارادة الاشراف على القدوم من لفظة قدمت في الصحيحة بقرنية خصوصية المقام، لا توجب رفع اليد عن ظهور هذه اللفظة في القدوم الفعلي ، في غير الصحيحة مما ليست فيه هذه القرنية المقامية هذا.
ولكن مع ذلك اختار الاستاد دام ظله القول بهذا الالحاق و فاقا للاساطين واستدل على ذلك بتمهيد مقدمتين الاولى ان مبدء المسافة على ما يظهر من العرف والشرع، هو خطة بلد المسافر واخره لامنزله، اما عرفا فلان المعيار عندهم في مقام تعيين مقدار سير المسافر، هو البعد الواقع بين البلد الذى يخرج منه والبلد الذي يدخل فيه، لا الواقع بين المكان الذى يخرج منه والمكان الذي بدخل فيه ولذا لو كان مقدار البعد الواقع بين البلدين سبعة فراسخ و نصفا بل ثلثين بل ثلثة ارباع، يرون سير كل من يسافر من احد البلدين الى الاخر سبعة فراسخ وثلثة ارباع، من غير التفات الى منازل الاشخاص الواقعة في البلدين و ان منزل هذا واقع في اول البلد ومنزل ذاك في وسطه اواخره، وحينئذ اذا قيل لهم التقصير في ثمانية فراسخ، بلاخطون مقدار البعد الواقع بين البلدين، فانكان ثمانية فراسخ
ص: 451
او اكثر يقصرون، والافلا ولوكان البعد الواقع بين منازلهم الواقعة في احد البلد بن والواقعة في البلد الآخر ثمانية فراسخ بل اكثر و اما شرعا فلقوله في صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع في جواب السؤال عن معنى الاستيطان في الضيعة، ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر فاذا كان كذلك يتم متى يدخلها، حيث علق الاتمام على الدخول فى الضيعة لاعلى الدخول فى المنزل، فيكشف ذلك عن ان المناط فى المسافة هو البعد ما بين البلدين لا البعد الواقع بين مبدء السير ومنتهاه و لا ينافى ذلك ما فى موثقة عمار من قوله لا يكون مسافرا حتى يسير من منزله اوقريته ثمانية فراسخ، اذ الطاهر ان الترديد بملاحظة ان المنزل قد لا يكون في بلد او قرية كما يومى الى ذلك كلام السائل، هذا مضافا الى ان اطلاق المنزل عرفا على البلد الذي يسكن فيه شابع متعارف، فيقال منزل فلان بلد كذا فتدبر (1) ومن هنا يظهرانه لا منافاة بين ماذكرنا من كون مبدء المسافة هو اخر البلد، وبين ماهو ظاهر بعض الاخبار من ان المسافر يقصر حتى يرد منزله ، وجه عدم المنافاة هو امكان كون المراد من المنزل فى تلك الاخبار بلده فتدبر.
المقدمة الثانية انه لا شبهة فى ان مقدارا من اطراف البلد يعد عرفا جزء له، و لذا نريهم اذا وصلوا الى خان او قهوة اوبستان واقع في خارج البلد بقرب منه ، يقولون وصلنا الى البلد، وحينئذ فيحتمل ان يكون الوجه في اعتبار الوصول الى حد الترخص في ثبوت القصر شرعا، هوانه لما لم يكن ذلك المقدار من اطراف البلد الذي يعد عرفا جزء له مضبوطا عندهم، فحدد الشارع ذلك المقدار بمحل الترخص، نظير تحديده الماء الكثير الذي لا يستقذر عرفا بملاقاة القذارات بالكر فاذا احتمل ان يكون اعتبار حد الترخص فى ثبوت التقصير لتحديد ما يعد جزء للبلد من اطرافه فيدوران يكون وجوب التمام على المسافر قبل الوصول الى الترخص، من باب
ص: 452
الحكومة التي مرجعها لبا الى التخصيص والخروج حكما عن ادلة وجوب القصر على المسافر، او من باب التخصص والخروج موضوعا، وقد حققنا في محله انه اذا دار الامر بين التخصيص والتخصص، يكون مقتضى اصالة العموم في العام تعين الثاني فنقول في المقام ايضا ان مقتضى اصالة المموم فى ادلة وجوب القصر على المسافر هو كون وجوب التمام عليه قبل الوصول الى عليه قبل الوصول الى حد الترخص من باب التخصص، وكون ما قبل حدالترخص جزء للبلد ولو بتحديد الشارع، فيكون القاصد للاقامة في بلد بمجرد وصوله الى حد الترخص من ذلك البلد، واردا فى محل الاقامة فيجب عليه التمام حينئذ هذه خلاصة ما افاده الاستاد دام ظله في وجه ما افتى به جماعة من الأساطين قدس الله تعالى اسرارهم، من وجوب التمام على من وصل في سفره الى حد الترخص من محل عزم الاقامة فيه.
و فيه اولا المنع عن كون اطراف البلد وتوابعه داخلة عرفا في موضع الاقامة
موضوعا، ضرورة انها لو كانت داخلة فيه كك ، للزم فيما لوقصد الاقامة من اول الامر فيها ان يصح نسبتها الى المتبوع اعنى نفس البلد على سبيل الحقيقة والدقة ، وهذا کماترى فى حيز المنع جدا نعم يمكن ان يقال ان اطراف البلد مما يعد عرفا من توابعه ، وان لم تكن داخلة فيه موضوعاكى تكون داخلة في موضع الاقامة حقيقة لكنها تابعة لها حكما بحكم العرف وتنزيلهم الدخول فيها منزلة الدخول فيه ، نظیر توابع المبيع ، حيث انها و ان لم تكن جزء له ولذا لا يسقط عليها الثمن ، الا انها تتبعه فى الانتقال الى المشترى ، و انكان البايع غافلا عنها وغير ملتف اليها اصلا و ثانيا ان اصالة العموم او الحقيقة ، انما هى من الاصول العقلائية التي استقر بنائهم عليها في مقام تعيين اصل المراد لا فى مقام تعيين كيفيته و انها على نحو التخصيص او التخصص او الحقيقة او المجاز بعد تعين اصله ، كما في المقام حيث ان خروج ما قبل الوصول الى حد الترخص عن عموم ادلة وجوب القصر على المسافر معلوم لاشبهة فيه ، وانما الشك فى كيفية خروجه و انه من باب الحكومة والخروج الحكمي او من باب التخصص والخروج الموضوعى و ثالثا ان لازم كون الغرض من
ص: 453
اعتبار حدالترخص تحديد ما يعد عرفا جزء للبلد من اطرافه، ان يكون مبدء المسافة التى يعتبر قصدها في تحقق السفر شرعا هو من محل الترخص، والظاهر انهم لا يلتزمون بذلك، اللهم الا ان يقال لا منافاة بين كون اعتبار حد الترخص تحديد الما يعد عرفا جزء للبلد، و بين كون مبدء المسافة عندهم نفس خطة البلد فتدبر فتبين مما ذكرنا ان الحاق محل الاقامة بالوطن في اعتبار حد الترخص وروداً ايضا لا يخلو الاشكال (1)نعم لا يبعد الالتزام به فيما اذا كان حد الترخص من المكان الذى عزم على الاقامة فيه معدودا عرفا جزء من ذلك المكان ، وحينئذ يخرج كونه حد الترخص كما لا يخفى فتدبر جيدا.
فى قواطع السفر التي من شروط وجوب التقصير ان لا ينقطع السفر باحداها امور ثلثة الاول المرور على الوطن الثانى العزم على الاقامة عشرة ايام في مكان المرور الثالث التوقف ثلثين يوما مترددا في مكان واحد فلو قصد في ابتداء السفر واحدالى وطنه او الاقامة عشرافى الاثناء قبل طى المسافة، وجب عليه التمام من اول السفر و اما لو عرض له قصد احدهما في اثناء السفر، او بقى مترددا الى ثلثين، فيجب عليه التمام من حين عروض هذا القصد او التردد فقصد هذه القواطع، تارة يكون ما نعا عن تحقق اصل السفر الشرعى كما اذا كان قصدها فى الابتداء، واخرى يكون قاطعا لاستمراره كما اذا كان قصدها عارضا في الاثناء ولا يخفى ان ما يكون من هذه القواطع الثلث قصده مانعا عن تحقق اصل السفر هو الاولان منها، واما الثالث فلا يتصوران يكون قصده مانعا عن تحقق اصل السفر، ضرورة ان قصد التردد لا معنى له كي يكون مانعا عن تحقق اصل السفر ، نعم التردد يعرض في الاثناء فيكون مانعا عن استمرار السفر فالقاطع لاستمرار السفر يكون ثلثة ، لا المانع عن اصل تحققه.
ص: 454
فالبحث في المقام يقع فى مواضع الأول فى الوطن، فنقول انهم وان ذكروا للوطن معان كثيرة ، لكن الظاهر انه عبارة عن المحل الذى حصل بينه وبين الشخص علقة موجبة لكونه مقرا دائميا و دار اقامة له على الاطلاق ، بحيث لو خرج عنه العروض عارض لرجع اليه عند زوال ذلك العارض ، والوطن بهذا المعنى، تارة يكون اصليا قهريا كما اذا كانت تلك العلقة من جهة كون ذاك المحل مسقط رأسه و رأس ابائه ومحل نشوه، واخرى يكون اتخاذيا اراديا كما اذا بنى على كون محل مقرا دائميا له على الاطلاق بعد ان لم يكن كك، والى الاول ينصرف عرفا اطلاق وطن الانسان، كما ان الى الثانى ينصرف اطلاق استوطنه والظاهر انه لا يعتبر في صدق الوطن بكلا قسميه الاصلى والاتخاذى ، البقاء فيه ولو في الجملة فضلا عن التوقف فيه ستة اشهر، اما القسم الاول فواضح ، واما الثاني فلصدق الوطن عليه بمجرد الاتخاذ من غير توقف على البقاء فيه مدة كما لا يخفى ولا دليل على اعتباره فيه شرعا لاختصاص مادل على اشتراط الاقامة ستة اشهر بغيره كما سيجيئ انشاء الله تعالى بيانه كما ان الظاهر انقطاع حكمه بكلا قسميه لو اعرض عنه ، ان لا يصدق عليه الوطن ويصح سلبه عنه بعد الاعراض عنه ويظهر من المشهور من الطبقة الوسطى ان للوطن قسما ثالثا، وفسروه بالمكان الذى اقام فيه ستة اشهر متوالية او متفرقة مع وجود ملك له فيه ، سواء اتخذه مقرا له اولا وسموه بالوطن الشرعى وعمدة مدركهم في ذلك صحيحة محمد بن اسمعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا علیه السّلام قال سألته عن الرجل يقصر في ضيعته ، قال علیه السّلام لا باس مالم ينو مقام عشرة ايام ، الا ان يكون اله فيها منزل يستوطنه ، قلت و ما الاستيطان ، قال علیه السّلام ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر فاذا كان كك يتم متى يدخلها ويرفع اليد بهذه الصحيحة عن اطلاق الروايات التي اطلق فيها الاستيطان، او اقتصر فيها على مجرد وجود الملك ولو نخلة واحدة، وذلك لكونها حاكمة على الطائفة الاولى، و مفستره للاستيطان المأخوذ فيها، بالاقامة فى المنزل ستة اشهر ، ومقيدة للطائفة الثانية كما هو واضح ودلالة الصحيحة من حيث تفسيرها للاستيطان باقامة ستة اشهر ، على ماذهب اليه
ص: 455
المشهور من ثبوت الوطن الشرعى، مما لا اشكال فيه ، بعد ما عرفت من عدم اعتبار البقاء ولو في الجملة فضلا عن ستة اشهر فى صدق الوطن العرفي بقسميه، ولا اعتبار وجود منزل ملكي فيه وانما الاشكال في دلالتها على ما ذهبوا اليه من كفاية اقامة ستة اشهر فى سنة واحدة، و اعتبار ان يكون له منزل ملکی و احسن ماقيل في تقريب الاستدلال بها على ذلك، ما افاده شيخ مشايخنا الانصارى قده في كتاب الصلوة بما حاصله ان دلالتها على اعتبار وجود الملك له واضحة ، لا من جهة دلالة اللام في قوله علیه السّلام له منزل، كى يقال ان اللام لاتفيد الا الاختصاص، سيما بالنسبة الى
الله المنازل، فانها تفيد فيها الاختصاص من حيث النزول، بل من جهة انه لولم يكن المراد من اللام هو ملكية المنزل، بل مجرد الاختصاص من حيث النزول، لم يكن لاعتبار وجود المنزل فى الاستيطان فى الضيعة وجه، ضرورة ان الاستيطان فيها في تلك المدة لامحة يكون في منزل، فكان قوله علیه السّلام الا ان يستوطنها مغنيا عن اعتبار المنزل و اما دلالتها على ما استفاده المشهور منها من كفاية الاقامة ستة اشهر في سنة واحدة ، مع ان ظاهر قوله علیه السّلام فيها بستوطنه و قوله يقيم بصيغة المضارع ، الدال على التلبس الفعلى على نحو التجدد والدوام، هو ثبوت الاقامة ستة اشهر على الدوام والاستمرار اى التلبس بهذه المادة في تلك المدة على الدوام والاستمرار ، فيدل على ما استظهره منها جماعة من المتأخرين ، من اعتبار كونه مما بنى على الاقامة فيه فى كل سنة ستة اشهر ، فتكون الصحيحة حينئذ في مقام بيان حكم من كان ذاوطنين، ولم تكن ناظرة الى حكم من ورد في منزل كان مقيما فيه ستة اشهر كما هو مدعى المشهور فبيانها هو ان كلمة يستوطنه حيث تكون من باب الاستفعال ، فتدل على اتخاذ المنزل وطنا اى مقر الاعده وطنا ، ولا شبهة في ان هذا المعنى الحدثى اعنى اتخاذ وطنا، حيث يكون مما ينحصر في الماضي والاستقبال، اذ قبل الاتخاذ لا يصدق الا انه سيتخذ و بعده لا يصدق الا انه اتخذه فلا يمكن ارادة الحال اى التلبس الفعلى منه ، لان الاتخاذ آنی، وليس امرا تدريجيا حتى يمكن ان يتحقق التلبس الفعلى به بانقضاً جزء منه و استقبال جزء
ص: 456
اخر منه بالبناء عليه في المستقبل، فحينئذ يدور الامر بين ارادة الماضى منه او الاستقبال، وحيث ان الاستقبال ليس مرادا منه قطعا، لاقتضائه وجوب التمام على من ورد منزلاً يريد ان يتخذه فيما بعد مقرا ستة اشهر، وهذا ممالم يلزم به احد فتعين ان يراد منه الماضى بمعنى اتخذه وطنا ، فتدل الصحيحة حينئذ على ماذهب اليه المشهور، من ان كل مكان اقام فيه الشخص ستة اشهر وله فيه منزل ملكى، فهو في حكم الوطن الاصلي والاتخاذي الدائمي.
و توهم ان الاستيطان وانكان امرا انيا، فلا يمكن التلبس الفعلي به، کی
يكون قوله علیه السّلام يستوطنه ظاهرا في الحال، ويدل على الاستيطان الدائمي، لكن الاقامة بمكن التلبس الفعلى بها ، فيكون قوله علیه السّلام يقيم فيه ظاهرا في الحال، كما هو الاصل في المضارع، حيث انه على التحقيق موضوع للنسبة التلبسية المساوقة للحال، وانما يراد به الاستقبال فيما اذا ادخل عليه السين اوسوف ، فاذا كان يقيم ظاهرا في الحال ، فيدل على تجدد التلبس بالاقامة ، فينطبق مفاد الصحيحة حينئذ على ذى الوطنين.
واضح الدفع، لا لما افاده الاستاد دام ظله من ان الاقامة بما هى هى و ان امكن التلبس بها في الحال، لكن الاقامة التي فسر بها الاستيطان ليست هي مطلق الاقامة المقيدة بكونها فى ستة اشهر، و من المعلوم انها لا يمكن
الاقامة، بل هي ان تتحقق الا فى الماضى او الاستقبال، فلا يمكن ان تكون متلبسا بها في الحال وذلك لان الامور التدريجية اذا كانت لها وحدة اتصالية ، اذا اتى الانسان بجزء منها وكان بنائه على الاتيان بباقى اجزائها في المستقبل، يصدق انه متلبس بها فعلا الاترى ان من يقرء القرآن يصدق عليه انه متلبس فعلا بقرائته، مع انه ليس متلبسا فعلا الا بقرائة جزء منه، وكذا يصدق على الصائم في اول النهار أنه متلبس فعلا بالصوم، مع ان الصوم عبارة عن الامساك من طلوع الفجر الى الغروب الى غير ذلك بل لان الاقامة وان امكن فيها التلبس الفعلى كما بيناه انفا، الا ان قوله علیه السّلام يقيم اه حيث وقع تفسير اللاستيطان المصدرى المعرى عن الزمان ، لا لقوله علیه السّلام
ص: 457
يستوطنه، فكانه فسر الاستيطان بالاقامة، فالتلبس الفعلى بالاقامة انما يلاحظ في ستة اشهر، لا ان الاقامة يلاحظ التلبس بها متجددا قضية للفعل المضارع ، و ذلك لان الفعل اعنى قوله علیه السّلام يقيم حيث يكون ما ولا بالمصدر ، فلا يلاحظ فيه الا التلبس الفعلى فى الظرف المأخوذ قيدا للمادة وهوستة اشهر، لافى الظرف المستفاد من الهيئة الدالة على الدوام .
و اما ما يتوهم من ان المراد من قوله علیه السّلام يستوطنه، وانكان الاستيطان في الماضى، لمامر من عدم امكان ارادة الحال والقطع بعدم ارادة الاستقبال منه، لكن حيث ان المتبادر عرفا من الاستيطان و اتخاذ محل وطنا هو اتخاذه مقرا دائميا فيكون المراد بالاستيطان ستة اشهر ، هو اتخاذ المنزل فى ستة اشهر مقرا دائميا ولوهاجز عنه بعد ذلك ، وعليه فلادلالة الصحيحة على اتخاذ المنزل مقرا في ستة اشهر كما هو مدعى المشهور من الطبقة الوسطى، ولا على حكم ذى الوطنين كما ذهب اليه المتأخرون. فمندفع بان يستوطنه وانكان ظاهرا بدوا فى ذلك ، لكن بعدما فسر الامام علیه السّلام الاستيطان بالاقامة ستة اشهر، لا مجال لاستظهار اتخاذ المقر الدائمى منه كما لا يخفى وتوهم ان ظهور الاستيطان فى الاتخاذ الدائمى، قرنية على ان المراد من يقيم هي الاقامة ستة اشهر بنية الدوام، لا مجرد الاقامة في ستة اشهر مدفوع بان المفسريكون بمنزلة الشارح الحقيقة ما فسر به فكيف يمكن ان يكون ما فسر به قرنية على التصرف فيه والحاصل ان قضية التفسير المزبور، هو كون ستة اشهر قيدا للوطن المأخوذ في مادة الاستيطان ، لاقيد اللاتخاذ المأخوذ فى هيئته، فالمراد من الاستيطان بقرنية التفسير المزبور ، هو اتخاذ المنزل مقرا له فی ستة اشهر لا اتخاذه في ستة اشهر مقر اله دائما هذا مضافا الى ان الاتخاذ الدائمى، لا يصح ارادته في خصوص الصحيحة ، بعدكون المفروض فيها كون الرجل ذاهبا من اهله ووطنه الدائمي الى ضيعته ، اذ معه لا يصح ان يراد من قوله علیه السّلام الا ان يستوطنه الاستيطان الدائمي ، اذلامعنى لاستثناء هذا عن الفرض المستثنى منه كما لا يخفى، هذا
ص: 458
ملحض ما افاده قده في تقريب الاستدلال بالصحيحة على الوطن الشرعى. ولا يخفى عليك انه لا دلالة للصحيحة على كفاية مجرد اقامة ستة اشهر فى سنة واحدة فى مكان فى وجوب التمام عند المرور عليه ، ولا على اعتبار وجود الملك له فيه اما عدم دلالتها على الثانى فلان دلالتها عليه ، انكانت من جهة اللام في قوله علیه السّلام له فيها منزل، ففيه ما اعترف به المقرر من ان اللام لا تفيد الا الاختصاص سيما بالنسبة الى المنازل، وانكانت لاجل ما افاده من انه لولم يرد منه ملكية المنزل، لم يكن وجه لاعتبار المنزل في الاستيطان في الضيعة، لان الاستيطان فيها في تلك المدة لا يكون الا فى منزل، فكان قوله علیه السّلام الا ان يستوطنها مغنيا عن اعتباره، ففيه ان السكون فى الضيعة لا يلازم السكون في المنزل، كي يكون ذكر الاستيطان فيها كافيا عن اعتبار المنزل، و ذلك لامكان نصب خيمة فى الضيعة والسكون فيها، بل يمكن البقاء في الضيعة بلاخيمة و كوخ ايضا، فاعتبار المنزل في الاستيطان، لادلالة له على اعتبار المنزل الملكي اصلا هذا مضافا الى ان مورد الرواية هو الملك فان قول السائل الرجل يقصر فى ضيعته ظاهر فى كون الضيعة ملكا للرجل وعليه فلا يكون اعتبار المنزل الا من جهة عدم انفكاك استيطان الشخص في ضيعته غالبا عن اتخاذ منزل فيها ، لان الضيعة عبارة عن نفس الأرض التي يعبر عنها بالمزرعة ومن المعلوم عدم امكان الاقامة ستة اشهر فيها بدون المنزل عادة ، فهذا القيد وارد مورد الغالب كما قوله تعالى وربابئكه التي في حجوركم.
و اما عدم دلالة الصحيحة على كفاية اقامة ستة اشهر فى سنة واحدة، فلانه مخالف لما اعترف به من ظهور قوله علیه السّلام الا ان يكون له فيها منزل يستوطنه بصيغة المضارع الظاهر فى التلبس والتجدد، فى استيطانه الفعلى دائما ، بانكان متلبسا بهذه المادة وكان يتخذ هذا المكان وطنا ستة اشهر على الدوام و في كل سنة ولا يصلح ما ذكره قده من الوجهين لرفع اليد عن هذا الظهور، اما الوجه الاول و هو كون الاستيطان بمعنى الاتخاذ وطنا وهذا المعنى لكونه اينا لا يمكن ارادة الحال والتلبس الفعلى منه ، فلان التلبس الفعلى بالاتخاذ، و ان لم يمكن بالنسبة الى معناه
ص: 459
المصدرى لكونه بهذا المعنى انيا، لكنه بلحاظ معناه الاسم المصدري في غاية الامكان، لان المتخذ وطنا باعتبار وصفه العنوانى امر تدريجى و ان لم يكن كك باعتبار ذاته، وارادة المعنى الاسم المصدرى من الاستيطان، وانكانت خلاف الظاهر لكن لا بأس بها بعد عدم امكان ارادة المعنى المصدرى منه، فابقاء يستوطنه على ظاهره من ارادة الحال والتلبس الفعلى منه لا محذور فيه.
و اما عدم صلاحية الوجه الثانى و هو عدم صحة ارادة الاستيطان الفعلى الدائمى من جملة يستوطنه في خصوص الصحيحة، وان امكن ارادة هذا المعنى منها فيحد نفسها، اذ لا معنى لاستثناء الاستيطان بهذا المعنى، عما هو مفروض السائل من كون الرجل عابرا او ذاهبا من اهله ووطنه الى ضيعته كما لا يخفى.
فلان ارادة الاستيطان الفعلى الدائمى انما ينافي مفروض السؤال، لو اخذ مبدء الاشتقاق بمعنى الفعلية، دون ما اذا اخذ بمعنى الملكة والحرفة والعادة و نحوها ، فان من دأبه وعادته الاقامة فى محل ستة اشهر في كل سنة كمن له منزل شتوى وصيفى، يقال له انه من يقيم في محل كذا ستة اشهر في كل سنة ، مريدا به الحال والتلبس الفعلى، مع عدم كونه فى ذلك المحل فعلا، كما يقال لمن حرفته التجارة انه يتجر على نحو الفعلية ولولم يكن مشغولا فعلا بالتجارة، وارادة الملكة والحرفه والعادة من مبدء الاشتقاق، و انكانت خلاف الظاهر سيما اذاكان المشتق الفعل المضارع، لكن لا محذور فيها بعد عدم صحة ارادة الفعلية منه ثم لو سلمنا عدم امكان ارادة الحال والتلبس الفعلى من الاستيطان مطلقا، او عدم صحة ارادته منه في خصوص الصحيحة ، لكن ارادة الحال والتلبس الفعلى من قوله علیه السّلام يقيم فى غاية الامكان، ومعه لاوجه لرفع اليد عن ظهوره فى الحال وتجدد التلبس بالاقامة فى ستة اشهر المنطبق على من له وطنان شتوى وصیفی و اما ما افاده المستدل من ان الاقامة و ان امكن فيها التلبس الفعلى، فيكون قوله علیه السّلام يقيم بلحاظ هيئته دالاعلى تجدد التلبس بالاقامة، الا ان يقيم حيث يكون مسبوكا و مأولا بالمصدر، فلا يلاحظ فيه الا التلبس الفعلى فى الظرف المأخوذ قيدا للمادة، لا في الرمان
ص: 460
المستفاد من الهيئة كي يدل على تجدد التلبس بالاقامة ففيه ان انسباك يقيم بالمصدر انكان لاجل وقوعه بعد ان المصدرية، فهو واضح الفساد، ضرورة ان الواقع بعدها هو قوله علیه السّلام يكون له منزل لا قوله علیه السّلام يقيم، فيصير التعبير بمنزلة ان يقول هو كون محل نزول له يقيم فيه، فالماول بالمصدر هو جملة يكون له منزل لاكل فعل واقع بعدها و انکان انسباكه بالمصدر لاجل وقوعه تفسير اللاستيطان المصدري كما يظهر من كلام المستدل حيث قال فكانه فسر الاستيطان بالاقامة ففيه مامر من ان اقتضاء وقوعه تفسير اللاستيطان المصدرى، لان يكون المراد منه هو الاقامة ليكون التفسير مطابقا لما فسربه، ممنوع جدا ضرورة ان المفسر بمنزلة الشارح لحقيقة ما فسربه، فلا يمكن ان يكون ما فسر به قرنية على التصرف في المفسر هذا و تدبر والحاصل ان ظهور الصحيحة بلحاظ ما وقع فيها من التعبير بلفظى يستوطنه ويقيم فيه، بصيغة المضارع الظاهرة فى التلبس الفعلى والتجدد في الاستيطان والاقامة الفعلية وتجدد التلبس بها في كل سنة كما فى ذى الوطنين، غير قابل للانكار كما اعترف به المستدل وما جعله المستدل ما نعا عن الاخذ بهذا الظهور غير صالح للمانعية وقد صرح بعض الاعاظم من تلامذته قدس سرهما، بان هذا التقريب لم يكن مرضيا لاستاده قده، الا انه لما اشكل على جملة من الفحول تقريب الاستدلال بالصحيحة على ماذهب اليه المشهور ، اراد بیان امكان الاستدلال بها على مذهبهم بهذا التقريب ومما يؤيد ايضا كون المراد من الاستيطان والاقامة في الصحيحة هو الاستيطان الفعلى والاقامة الفعلية وتجدد التلبس بها في كل سنة، بل يدل عليه ، هو ظهور قوله علیه السّلام يكون له فيها منزل، فى ثبوت المنزل له فعلا وكونه معد الاقامته فيه ستة اشهر، ضرورة انه فرق بين بين قولنا زيد يقيم فى منزل ستة اشهر ، وقولنا له منزل في ضيعته يقيم فيه ستة اشهر، فانه لا يفهم من الأول الامجرد تلبسه بالاقامة في ذاك المنزل في تلك المدة ، وهذا بخلاف الثانى فان المتفاهم منه عرفا ان ذلك المنزل معد لاقامته فيه فى تلك المدة كلما دخل في ضيعته ، وحينئذ يكون توصيفه بكونه مستوطنا له ظاهرا في كونه مستوطنا له فعلا ايضا ، اذهو نظير قولنا ان لفلان دارا
ص: 461
يدرس فيها او يصلى فيها، فانه ظاهر في كون الدار مدرسا او مصلى له فعلا ، بل لا يصح اطلاقه على داره التي كانت كك سابقا و اما ماقيل في مقام تأييد استفادة الوطن الشرعى من الصحيحة ، من ان المراد منها لوكان هو الوطن العرفى ، لم يكن وجه لسوال الراوى عن معنى الاستيطان بقوله ما الاستيطان، فان الاستيطان العرفى لم يكن موضوعه مخفيا على مثل ابن بزيع ففيه ان سئوال الراوى لعله كان ، من جهة استبعاده عن ان يكون له وطن اخر غير وطنه الاصلى الذي سافر عنه، فان خفاء كون الانسان ذاوطنين على مثل ابن بزيع لاغرو فيه، او من جهة توصيفه علیه السّلام المنزل فى الضيعة بالاستيطان ، حيث قال علیه السّلام وله فيها منزل يستوطنه المعروف المتعارف توصيف البلدو القرية به لا المنزل ، بل يمكن ان يجعل سؤال الراوى قرنية على ارادة الامام علیه السّلام من الاستيطان معناه العرفى، وذلك لان الظاهر من سوق الرواية، انه لولا سؤاله ثانيا عن معنى الاستيطان ، لاكتفى الامام علیه السّلام في جوابه بما ذكره اولا من اطلاق الاستيطان ، و هذا انما يتجه فيما لوارید به معناه العرفي ، اذ لوارید به معنی محدثا غير ما هو معناه عرفا ، لكان على الامام علیه السّلام بيانه لئلا يلزم نقض غرضه ومما يؤيد ذلك ما في الروايات الكثيرة المتعرضته لهذا الحكم، من الاقتصار على ذكر لفظ الاستيطان، من غير اشارة فيها الى ارادة آخر منه غير معناه العرفي ، فانه لوكان المراد منه فيها معنى مستحدثا غير معناه العرفى، لم يصح الاكتفاء بذكر الاستيطان على نحو الاطلاق ، في مقام ارادة ذلك المعنى المستحدث كما لا يخفى ودعوى ان الاقتصار فيها على لفط الاستيطان بنحو الاطلاق، لعله لمعروفية ذلك المعنى لديهم بمثابة لم يكن محتاجا الى البيان او للاتكال على الروايات التى جعل وجوب التمام فيها مدار الوطن الذى توطن فيه ستة اشهر، كصحيحة ابن بزيع المتقدمة مما لا ينبغى الاصغاء اليه، ان معروفية ذلك المعنى لديهم بهذه المثابة فى غاية البعد ، وليس في روايات الباب ما يكون متعرضا لاعتبار التوطن ستة اشهر الا الصحيحة، ومعه كيف يصح ان يكون الاقتصار في الروايات المروية عن الصادقين عليهما السلام ، على لفظ الاستيطان على نحو الاطلاق، في مقام
ص: 462
ارادة ذلك المعنى المستحدث، للاتكال على الصحيحة المروية عن الرضا صلوات الله عليه، مع استلزامه تاخير البيان عن وقت الحاجة ومن هنا يتوجه اشكال على القائلين بالوطن الشرعى، حيث حملوا الروايات المقتصرة فيها على لفظ الاستيطان على نحو الاطلاق، على ما اذا كان له منزل اقام فيه ستة اشهر جمعا بينها و بين الصحيحة اذفيه انه كيف يمكن تقييد اطلاق تلك الروايات الواردة في مقام البيان و محل الحاجة بهذه الصحيحة المتاخرة عن تلك الروايات مدة مديدة، مع استلزامه لنقض الغرض و محذور تاخير البيان عن وقت الحاجة.
و اما ما يقال فى مقام تاييد استفادة الوطن الشرعى من الصحيحة ، من انه لوكان المراد منها هو الوطن العرفى الاتخاذى، لم يكن وجه لسؤال الراوى عن معناه بقوله ما الاستيطان ، ولا لتفسير الامام علیه السّلام بقوله ان يكون له منزل يستوطنه ستة اشهر بعد ما عرفت من عدم اعتبار وجود الملك ولا الاقامة فى الوطن الانخاذى، وان من اتخذ مكانا وطنا له وبنى على استيطانه مدة عمره، يصدق على ذلك المكان انه وطن له بمجرد الانخاذ، من غير توقف على وجود منزل له فيه، ولا على الاقامة فيه اصلا ستة اشهر، فيكشف هذا السؤال والجواب عن ان للاستيطان معنى اخر فضلا عن شرعيا هو المراد منه في الصحيحة .
ففيه انا لو حملنا الصحيحة على ذى الوطنين، لم يبق لما فيها من القيود ظهور فى القيدية، بعد امكان كونها جارية مجرى ما هو العادة، من ان من له منزلان شتوى وصيفى ، يقيم في كل منهما غالبا ستة اشتهر، و ان من يقيم في محل كل سنة ستة اشهر، يقتضى طبعه وعادته ان يكون له فيه منزل يستريح فيه ويقيه من الحر والبرد وهذا بخلاف ما اذا كان المراد منها هو الوطن الشرعي، فانه لابد حينئذ من اعتبار جميع القيود الماخوذة فيه تعبدا كما لا يخفى وجهه ومما ذكرنا ظهر انه لاوجه بناء على ما استظهرناه من كون الصحيحة في مقام بيان حكم ذى الوطنين، لتقييد الاخبار الدالة على كفاية مطلق الاستيطان فى وجوب التمام بالصحيحة، و ذلك لما حققنا في محله من ان القيود المتصلة بالكلام ، اذا احتمل
ص: 463
كونها واردة مورد ماهو الغالب المتعارف، وانكانت مانعة عن انعقاد الظهوله في الاطلاق، لاحتفافه بما يصلح لان يكون قيدا ، ولان يكون ذكرها لنكتة اخرى، لكن لا تمنع على انعقاد الظهور فيه لكلام اخر منفصل عنها، ولا توجب تقييد اطلاقهای فی اطلاق بها ايضا، هذا مضافا الى ما عرفت من ان تقييد تلك الاخبار بالصحيحة، مستلزم لمحذور تاخير البيان عن وقت الحاجة هذا.
و اما ماقد يستشكل على حمل الصحيحة على بيان حكم ذى الوطنين ، من
انه لا اشكال فى ظهور شوال السائل بقوله الرجل يقصر في ضيعته، وجوابه بقوله لاباس مالم ينو عشرة ايام، فيكون الرجل باقيا على عنوان المسافر عند دخوله في ضيعته عرفا، والا لم يكن معنى للسؤال عن التقصير فيها ولا للجواب عنه بعدم الباس، انمع فرض خروجه عن عنوان المسافر عرفا بمجرد خوله فيها، بان يكون له فيها وطن عرفى، يصير حاضرا بمجرد الوصول اليها عرفا فاذا كان مورد السؤال، فرض بقاء الرجل عند وصوله الى ضيعته على عنوان المسافر لم يكن لقوله الا ان يكون له فيها منزل يستوطنه، مناسبة لمورد السؤال ، لوكان المراد من يستوطنه الوطن العرفى لان هذا الفرض لم يكن شاملا لما اذا كان الوصول الى الضيعة مخرجا له عن عنوان المسافر عرفا ، كي يصح استثنائه بقوله علیه السّلام ان يكون له منزل الخ، لان الاستثناء انما يصح فيما لولاه لدخل المستثنى في المستثنى منه، و حمل الاستثناء على المنقطع، كالقول بان كلمة الابمعنى لكن الاستداراكية كما ترى ، و هذا بخلاف ما اذا كان المراد من يستوطعه الوطن الشرعي ، فان لاستثنائه حينئذ كمال المناسبة مع هذا الفرض كما هو واضح،
فمندع بان دعوی اختصاص مورد السئوال بما اذا لم يخرج المسافر عن عنوانه عرفا بالدخول فى ضيعته ممنوعة جدا، اذلامانع عن احتمال السائل لزوم القصر على من كان خارجا عن عنوان المسافر عرفا، كما هو لازم القول باعتبار اقامة ستة اشهر في كل سنة في لزوم التمام، فان مقتضى اعتبارها فى لزوم التمام، لزوم القصر على من اقام باقل منها، مع ان الوطن العرفى يحصل بالاقل قطعا ، فدعوى اختصاص مورد
ص: 464
السئوال بما اذا لم يخرج المسافر عن عنوانه، وعدم شموله لما خرج عنه ممنوعة جدا.
ومنه يظهر اندفاع ما ربما يقال، من ان مقتضى قوله علیه السّلام مالم ينو مقام عشرة ایام، وجوب التمام اذا نوى مقام عشرة ايام مطلقا، سواء تحقق الاستيطان أم لا، و هذا الاطلاق انما يصح لو اريد من الاستيطان الاستيطان الشرعى، اذ لو اريد منه الاستيطان العرفى، كان وجوب التمام مستندا الى عدم المقتضى لوجوب القصر، فلا معنى لاستناده الى قصد اقامة عشرة ايام الذى هو قاطع لحكم السفر.
توضيح الاندفاع هو انه لامانع من ان يكون الاستيطان على الوجه المزبور قاطعا للسفر عند الشارع، وان كان ينقطع السفر باقل منه عند العرف، فلايكون حينئذ وجوب التمام من جهة عدم المقتضى للقصر، بل لوجود المقتضى للتمام كما هو واضح كما انه يظهر منه ايضا اندفاع ماربما يتوهم، من انه لوكان المراد من الاستيطان في الصحيحة هو الاستيطان العرفى، لم يكن وجه لتقييده بستة اشهر، بعد ما عرفت من عدم اشتراط الوطن العرفى بالمدة المزبورة ، كما لا يكون مشروطا بوجود الملك توضيح الاندفاع هو انه لامانع من ان تكون المدة المزبورة معتبرة تعبدا، وانكان يتحقق الاستيطان بدونها عرفا هذا وتبصر.
و اما ما يقال بانا لو لم نقل بالوطن الشرعى ، لزم طرح الاخبار الكثيرة الدالة بعضها على كفاية مجرد وجود الملك فى الضيعة فى لزوم التمام، و بعضها على عدم كفاية مجرد ذلك بل يعتبر معه الاستيطان فيها ايضا، و بعضها على اعتبار كون الاستيطان فى منزل له فيها، وان المراد من الاستيطان فى المنزل هو الاقامة فيه ستة اشهر، وذلك لما عرفت من انه لا يعتبر فى تحقق الوطن العرفي بقسميه وجود الملك ولا الاقامة فيه اصلا فضلا عن ستة اشهر، فلابد من حمل تلك الاخبار بعد تقييد بعضها ببعض و تحكيم بعضها على بعض، على كونها بصدد بيان قسم ثالث للوطن
اعتبره الشارع في لزوم التمام عند المرور عليه، والالزم طرح تلك الاخبار الكثيرة
ص: 465
رأسا بلاملزم له وهو كما ترى.
ففيه ما عرفت من ان فى نفس صحيحة ابن بزيع التي يكون المستفاد منها هو المعيار فى الباب ، لكونها شارحة للاخبار الدالة على اعتبار الاستيطان المقيدة. لمادل على كفاية مجرد وجود الملك، قرنية على ان المراد من الاستيطان هو الاستيطان العرفى، اذ لو كان المراد منه الاستيطان التعبدى الغير المعروف عند العرف، لكان عليه علیه السّلام التعرض له ابتداء من دون سئوال سائل، واقتصاره علیه السّلام على اعتبار مجرد الاستيطان وسكوته عليه، كاشف عن ارادة الاستيطان العرفى منه و ان تفسيره بعد السئوال عن معناه، بقوله علیه السّلام ان يكون له منزل يقيم فيه ستة اشهر، لبيان حكم من له منزلان شتوى وصيفي يستوطن في كل منهما غالبا في كل سنة ستة اشهر، كما هو المتعارف فى اكثر بلدان الايران ويقال لهما بالفاسية قشلاق و ییلاق وتوهم ان المراد من الاستيطان لو كان هو الاستيطان العرفى، لم يكن السئوال عن معناه موقع اصلا ، مدفوع بمامر من احتمال كون الوجه في السئوال عن معناه، هو خفاء كون بعض الناس ذا وطنين على السائل، او كون استثنائها علیه السّلام بقوله الا ان يكون له فيها منزل يستوطنه، منافيا لما فرضه السائل من كون وطنه محلا آخر وان الضيعة ليست مقرا دائميا له، والالم يكن وجه للسئوال عن التقصير فيها والجواب عنه بقوله علیه السّلام لا بأس، اذ مع هذا الفرض لا يصح الاستثناء المزبور الابحمله على الاستثناء المنقطع ، او جعل كلمة الا بمعنى لكن، وكلاهما خلاف الظاهر و من المعلوم ان الاحتمالين المزبورين يندفعان، بتفسيره علیه السّلام الاستيطان بقوله علیه السّلام ان يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر، الظاهر في كونه بيانا لحكم ذى الوطنين، اما اندفاع الاحتمال الاول فظاهر، واما الثاني فلعدم المنافاة بين فرض عدم كون الضيعة مقرا دائميا، وفرض كونها مقرا في ستة اشهر في كل سنة كماهو واضح، وحينئذ يكون اعتبار المنزل والاقامة فيه ستة اشهر، محمولا على ما هو الغالب المتعارف فى من له وطنان، من اتخاذه في كل منهما منزلا واقامته فيه قريبا من ستة اشهر.
ص: 466
بقى هنا امور ينبغى التنبيه عليها، الاول ان الاخبار الواردة فى الباب بين طوائف ثلث الاولى ماجعل فيها وجوب التمام مدار وجود الملك له ولو نخلة ، سواء توطن وسكن فيما فيه الملك ام لا، وسواء قصد الاقامة فيه ام لا، كصحيحة محمد بن اسمعيل بن الفضل، قال سألت ابا عبد الله علیه السّلام عن رجل سافر من ارض الى ارض وانما ينزل قراه وضيعته ، قال علیه السّلام ان نزلت قراك وضيعتك فاتم الصلوة وان كنت في غير ارضك فقصر ، ورواية البزنطى عن الرضا علیه السّلام قال سألته عن الرجل يخرج الى ضيعته ويقيم اليوم واليومين والثلث ايقصرام يتم ، قال علیه السّلام يتم الصلوة كلما اتى ضيعة من ضياعه ، وموثقة عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام في الرجل يخرج في سفر فيمر بقرية له اودار قينزل فيها، قال علیه السّلام يتم الصلوة ولو لم يكن له الانخلة واحدة الى غير ذلك من الاخبار الدالة على كفاية وجود الملك له ولو نخلة في وجوب التمام عليه الثانيه ماجعل فيها وحوب التمام عليه مدار الاستيطان والسكون او اقامة عشرة ايام ، وصرح فيها بعدم كفاية مجرد وجود الملك سواء كان منزلا اوضيعة في وجوب التمام ، كصحيحة الحلبي في الرجل يسافر فيمر بالمنزل فى الطريق يتم الصلوة او يقصر، قال علیه السّلام يقصر انما هو المنزل الذى توطنه، وصحيحة على بن يقطين الرجل يتخذ المنزل فيمر به ايتم ام يقصر، قال علیه السّلام كل منزل لاتستوطنه فليس لك بمنزل و ليس لك ان تتم فيه ، وهكذا صحيحة سعد و فيها ان كان مما سكنه اتم الصلوة فيه وانكان مما لم يسكنه فليقصر ، وفي رواية عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله من اتى ضيعة له ثم لم يرد مقام عشرة ايام قصر الثالثة ما جعل فيها وجوب التمام مدار الاقامة عشرة ايام او الاستيطان والسكون ستة اشهر ، كصحيحة ابن بزيع المتقدمة.
ولا يخفى ان هذه الطوائف الثلث باجمعها متعارضة، و نحن و ان جمعنا بينها فيمامر بالجمع الدلالي وتقييد اطلاق الطائفة الاولى بالثانية وتحكيم الطائفة الثالثة على الثانية لكن مقتضى دقيق النظر عدم امكان الجمع بينها بهذا الجمع فان الجمع بين الطائفتين الاولتين بتقييد اطلاق الاولى بالثانية ، مما يابي عنه بعض
ص: 467
اخبار الطائفة الاولى، كما لا يخفى على من راجعها، و حمل الطائفة الثانية الدالة على كفاية مطلق الاستيطان على الصحيحة، مستلزم لتاخير البيان عن وقت الحاجة كمامر بيانه وبعد مالم يمكن الجمع الدلالي العرفى بين هذه الطوائف، فلابد من الرجوع الى مرحجات باب التعارض، ولا يخفى ان الترجيح للطائفين الاخيرتين، لاعراض المشهور عن الاولى و كونها موافقة للعامة، و اما الطائفتان الاخيرتان، فالظاهرانه بناء على ما استظهر ناه من كون الصحيحة في مقام بيان حكم ذى الوطنين لا تعارض بينهما، بعد ما عرفت من امکان حمل ما في الصحيحة من القيود على جريها مجرى العادة عليهذا المبنى، لكن هذا بناء على كون الطائفة الثانية ايضا فى مقام بيان حكم ذى الوطنين، حيث ان فرض السئوال فيها هو العبور من الوطن الى الوطن فتدبر جيدا، واما ان قلنا بانها فى مقام بيان حكم الوطن العرفى الاتخاذى فعدم التعارض بينها وبين الطائفة الثالثة ،واضح ان لاربط حينئذ لاحديهما بالاخرى.
الامر الثاني بناء على المختار من كون صحيحة ابن بزيع في مقام بيان حكم ذى الوطنين، فهل يكون ذو الاوطان حكمه حكم ذى الوطنين اولا قد يقال بالاول لظهور قوله علیه السّلام فى بعض اخبار الطائفة الثانية كل منزل لاتستوطنه فليس لك بمنزل فى ذلك وفيه ان ظهوره فى ذلك ليس ظهورا يقاوم ظهور الصحيحة في اعتبار اقامة ستة اشهر فى كل سنة، فان اعتبار ستة اشهر و انكان تقريبيا من باب المثال او واردا مورد الغالب فلا خصوصية فيها الا ان ظهورها فى اعتبار ماهو المتعارف من الاقامة في المنزل الشتوى والصيفى ليس قابلا للانكار ، فعليه من كان له في كل بلد او قرية زوجة يقيم عندها شهرين اوثلثة اشهر ، لا يكون مشمولا للصحيحة فلا يكون محكوما بحكم ذى الوطنين.
الامر الثالث لو قلنا باعتبار الاقامة ستة اشهر، فالظاهر اعتبار كونها متوالية
فلا يكفى اقامة ستة اشهر متفرقة ، و ذلك لان الظاهر من كل مدة تؤخذ قيدا في موضوعات الاحكام كشهر او شهرين ونحوهما هو التوالي، فكفايتها مع التفرق محتاجة الى دليل ، فما عن بعض من الحكم بكفاية اقامة ستة اشهر متفرقة، تمسكا بان الحكم
ص: 468
في الصحيحة قدعلق على مطلق استيطان المدة المذكورة، و هو اعم من ان يكون مع التوالى او التفرق لا وجه له بعد ما عرفت من ان ظاهر اخذ مدة في موضوع الحكم هو التوالى، مضافا الى عدم صدق الاستيطان والاقامة ستة اشهر فى محل عرفا، على الاقامة فيه فى كل سنة شهرا الى ستة سنين .
الامر الرابع هل وجوب التمام على من له وطنان صيفى وشتوى عند مروره بهما، يختص بما اذا كان مروره بهما في الوقت الذى اخذهما مقر النفسه فيه ، بحيث لو مر فى الشتاء على المحل الذى اخذه مقر النفسه فى اوقات الصيف والحر اومر في الصيف على المحل الذى أخذه مقر النفسه في اوقات التشاء والبرد ، لم يصلح له التمام بل يجب عليه القصر ، اولا يختص بذلك ، وجهان بل قولان استدل للاول بان ما اتخذه مقر النفسه فى اوقات الحر او البرد ، لا يكون وطنا له على الاطلاق كي يجب عليه التمام عند مروره به مطلقا ، بل يكون وطناله فى وقت دون وقت ، فاذا نزل به في غير الوقت الذى يكون وطنا له فيه ، لا يخرج عن مصداق المسافر لعدم كونه بوطنه هذا ولا يخفى مافيه، فان اتخاذ محل وطنا يقيم ويسكن فيه في اوقات خاصة ، لا يوجب اختصاص وطنيته بخصوص تلك الاوقات ، اترى ان من اتخذ لباسا ليلبسه في الصيف او الشتاء، تكون لباسيته له مخصوصة بالصيف او الشتاء حاشا ، هذا مضافا الى ما اشرنا اليه فيما مر ، من ان الاستيطان الفعلى فى محل ، لا ينا فى عدم الاقامة فيه فعلا ، فيما لو اخذ مبدء الاشتقان بمعنى الملكة والحرفة والعادة والبناء ونحوها، هذا كله مضافا إلى قوله علیه السّلام في صحيحة ابن بزيع فاذا كان كك يتم متى دخلها، فانه يدل على عدم اختصاص وجوب التمام بوقت دون وقت كما هو واضح فتدبر جيدا.
الثانى من قواطع السفر العزم على الاقامة عشرة ايام في محل واحدا والعلم بها ، والبحث عنه يتم في طي امور الاول لا اشكال فى ان الاقامة التي تكون قاطعة للسفر وموجبة للتمام ، هى اقامة عشرة ايام متواليات عن عزم و ارادة ، او العلم بها وان لم تكن مستندة الى عزمه وارادته ، كما في الاتباع مثل الزوجة والعبد ونحوهما،
ص: 469
فلا يكفى الاقل منها فى وجوب التمام و يدل على ذلك الاخبار المعتبرة المستفيضة لو لم تكن متواترة ، المصرح في بعضها بعدم كفاية الاقل من العشرة كصحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام قال قلت له ارأيت من قدم بلدة الى متى ينبغى له ان يتم، قال علیه السّلام اذا دخلت ارضا فا يقنت ان لك بها مقام عشرة ايام فاتم الصلوة ، وان لم تدرما مقامك بها تقول عذا اخرج ) بعد غد اخرج فقصر ما بينك وبين ان يمضى شهر، فاذاتم لك شهر فاتم الصلوة وان اردت ان تخرج من ساعتك وصحيحة منصور بن حازم عن ابيعبد الله علیه السّلام قال سمعته يقول يقول اذا اتيت بلدة فاز معت المقام عشرة ايام فاتم الصلوة فان تركه جاهلا فليس عليه شئ وصحيحة معوية بن وهب عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال اذا دخلت بلدا وانت تريد المقام عشرة ايام فاتم الصلوة حين تقدم وان اردت المقام دون عشرة ايام فقصر وان اقمت تقول عذا اخرج او بعد غدو لم تجمع على عشرة فقصر ما بينك و بین شهر فاذاتم الشهر فاتم الصلوة الخبر ، و هذه الصحيحة صريحة في عدم كفاية الاقل من العشرة فى وجوب التمام، ومثلها في الدلالة على عدم كفاية الاقل من العشرة صحيحة على بن جعفر علیه السّلام عن اخيه موسى علیه السّلام قال سئلته عن الرجل بدر که شهر رمضان في السفر فيقيم الايام فى المكان عليه صوم قال علیه السّلام لا حتى يجمع على مقام
الله عشرة ايام و اذا اجمع على مقام عشرة ايام صام واتم الصلوة الخبر ، الى غير ذلك من الاخبار الدالة عليه ولا يعارضها ماظاهره كفاية اقامة الخمسة مطلقا وفى جميع الاماكن، كرواية ابي ايوب الخراز قال سأل محمد بن مسلم ابا عبدالله علیه السّلام و انا اسمع عن المسافران حدث نفسه باقامة عشرة ايام قال علیه السّلام فليتم الصلوة و ان لم يدر ما يقيم يوما او اكثر فليعد ثلثين يوما ثم ليتم وانكان اقام يوما اوصلوة واحدة اى او اقام بمقدار صلوة واحدة فقال له محمد بلغنى عنك انك قلت خمسا قال علیه السّلام قد قلت ذلك قال الخراز فقلت انا جعلت فداك يكون اقل من خمسة قال علیه السّلام لا ولا ما يدل على كفاية الخمس في خصوص مكه والمدينة، كصحيحة محمد بن مسلم قال سألت عن مسافر يقدم الارض فقال علیه السّلام ان حدثته نفسه ان يقيم عشرا فليتم الى ان قال ولايتم في الاقل من عشرة ايام الا بمكة والمدينة و ان اقام بمكة والمدينة
ص: 470
خمسا فليتم وجه عدم معارضة الرواية الأولى للاخبار المتقدمة واضح، بعد صراحة تلك الاخبار فى عدم كفاية الاقل من العشرة ، وعدم عمل احد من الاصحاب بمضمون هذه الرواية الا ابن الجنيد على ما حكى عنه ، هذا مضافا الى عدم خلو قوله علیه السّلام قد قلت ذلك عن ! بان صدور هذا عنه علیه السّلام كان عن علة غير بيان الحكم الواقعي، و حمله الشيخ على خصوص الحرمين بقرنية صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، والاولى حمله على التقية الزمانية كما يقربه استشعار التورية والتقية من سوق العبارة، مضافا الى حكاية القول بكفاية الخمس مطلقا ولوفى غير الحرمين عن بعض العامة ، ولا يبعد ان يكون المراد بالمشار اليه بقوله علیه السّلام قد قلت ذلك ولو من باب التورية، هو مافي ذيل صحيحة محمد بن مسلم من قوله علیه السّلام و ان اقام بمكة والمدينة خمسا فليتم، و على اى حال كفاية الاقامة خمسا مطلقا ولو في غير الحرمين، مما لا يمكن القول بها بعد عدم عمل الاصحاب بمضمون مادل عليها.
و اما وجه عدم معارضة الرواية الثانية للاخبار المتقدمة ، فلما في الصحيح عن معوية بن وهب قال قلت لابيعبد الله علیه السّلام مكة والمدينة كسائر البلدان قال علیه السّلام نعم قلت روى عنك بعض اصحابنا انك قلت لهم اتموا بالمدينة لخمس فقال علیه السّلام اصحابكم هؤلاء كانوا يقدمون فيخرجون من المسجد عند الصلوة فكرهت ذلك لهم فلذا قلته فان هذه الصحيحة شاهدة على عدم ارادة الوجوب بل ولا الاستحباب ، من امره علیه السّلام في الصحيحة المتقدمة بالاتمام لمن اقام خمسا في مكة والمدينة ، و ذلك لوقوع التصريح فيها بان الوجه في امره علیه السّلام بالاتمام لمن اقام في الحرمين خمسا ، انما هو كراهته علیه السّلام خروجهم من المسجد قبل فراغ الناس عن الصلوة، خوفا عن اطلاعهم على مذهبهم الموجب لسفك دمائهم و اما توهم ان الوجه فى امره علیه السّلام بالاتمام لو كان ذلك ، لم يكن وجه للتخصيص بمن اقام خمسا مع كون الحرمين فيحد ذاتهما من مواضع التخيير، ولا محذور في الامر باحد فردى الواجب التخييرى على نحو التعيين ، فيما اذا اقتضية مصلحة كما هو واضح ففيه ان هذا اجتهاد في مقابل النص، لما عرفت من وقوع التصريح في الصحيحة بان الوجه في الأمر بالاتمام
ص: 471
بالا تمام هو كراهة خروجهم من المسجد عند اشتغال الناس بالصلوة ، و عدم فهمنا وجه التخصيص بمن اقام خمسا في الحرمين ، لايضر بصراحة الرواية في كون الامر بالاتمام لمن اقام خمسا في الحرمين في صحيحة ابن مسلم ، لعلة خارجية لا لبيان الحكم الواقعى ، مع امكان ان يكون وجه الاختصاص بمن اقام خمسا ، هو كون الغالب فيمن لا يقصد الاقامة عشرا فى الحرمين هو الاقامة فيهما خمسا ، اوكون من كره الامام علیه السّلام خروجه من المسجد عند اشتغال با الناس بالصلوة خوفا من اطلاعهم على مذهبه ، منحصرا في ذلك الوقت بمن اقام في الحرمين خمسا ، لما عرفت من حكاية القول بكفاية الخمس مطلقا عن بعض العامة ، وبالجملة صراحة هذه الصحيحة فى ان امره علیه السّلام بالاتمام فى صحيحة ابن مسلم انما كان لغرض حفظ دماء الشيعة، غير قابلة للانكار.
ثم ان الوجه في اشتراط وحدة محل الاقامة، هو ظهور الاخبار بحسب فهم العرف في ذلك، فان فى بعضها من ايقن ان له بارض مقاما عشرة ايام، و في بعضها من اتى الى بلدة فازمع المقام عشرة ايام، و في بعضها من دخل بلدا يريد المقام عشرة ايام و من المعلوم ان من قصد الاقامة عشرا في مجموع اراضي متعددة او بلاد متعددة، لا يصدق عليه عرفا انه قاصد للاقامة عشرا فى ارض او في بلدة، ولو جمع تلك الاراضى او البلاد اسم واحد ، فلو قصد الاقامة عشرة ايام في مجموع الكاظمية والكر بلا والنجف، لا ينقطع سفره بقصدها، ولو اطلق على تلك البلاد الشريفة اسم واحد كالعراق، اندخولها تحت اسم واحد لا يجدى بعد كونها بلادا متعددة ولا يضر بوحدة المحل سعة بلد الاقامة واشتماله على محلات متعددة، فما عن بعض من الفرق بين البلاد المتسعة وغيرها غيرها، و انه يعتبر فى المتسعة ان يكون محل الاقامة المحلة من البلد، لا وجه له، اذلاوجه للفرق بين المتسعة وغيرها، بعد صدق وحدة المحل عرفا على المتسعة، ولو كان بين محلاتها فاصل كالشط الواقع بين طرفي بغداد والكوفة ونحوهما وما ذكرنا من اعتبار وحدة محل الاقامة، لا ينافى ما ذكرناه سابقا من ان الخروج عن محل الاقامة الى بعض اطرافه الى حد الترخص بل الى مادون
ص: 472
المسافة ثم الرجوع قريبا لا يضر بقصد اقامته ، و ذلك للفرق بين ان يقصد الاقامة في الكاظمية وبغداد ، وان يقصد الاقامة في خصوص الكاظمية، لكنه كان قاصد اللخروج عنها الى بغداد لغرض ، فان فى الفرض الاول محل الاقامة متعدد ، بخلافه في الثاني كما لا يخفى هذا وتبصر.
الامر الثانى لا اشكال فى انه كما يكون العزم على الاقامة فى اثناء المسافة قاطعا للسفر . وضوعا او حكما على الخلاف ، كذلك العلم بها يكون قاطعا له و يدل عليه قوله علیه السّلام في بعض الاخبار من ايقن ان له بارض مقاما عشرة ايام يتم الصلوة، فاعتبار وقوع الاقامة الاقامة عن فبمجرد وقوعها من دون قصد ولا علم لا ينقطع السفر، والا لكان اللازم انقطاعه فيما اذا بقى فى محل عشرة ايام مترددا، ولم يحتج الى بقائه فيه مترددا الى انقضاء ثلثين يوما كما هو اضح.
وانما الاشكال فى انه هل يعتبر فى تحقق الاقامة القاطعة للسفر وقوعها عن قصد تفصيلي، ام لا بل يكفي في تحققها القصد الاجمالي، ايضا، كما اذا قصد العبد الاقامة في محل بقدر ما يقصدها سيده فيه، وكان ماقصده السيد فى الواقع هي العشرة اختار الاستاد دام ظله وفاقا لجمع من الاساطين الاول، خلافا للسيد ره حيث نفى في العروة البعد عن كفاية القصد الاجمالى فى تحقق الاقامة، والحق ما اختاره الاستاد، وذلك لظهور قوله علیه السّلام في بعض الاخبار فازمعت ای غرمت عليه المقام عشرة ايام، وفى بعضها حتى تجمع على عشرة، و فى بعضها فايقنت ان لك بها مقام عشرة ايام ، فى العزم واليقين التفصيلي، ضرورة انه لا يصدق على من قصد الاقامة في محل بقدر ما يقصده غيره، مع عدم علمه بمقدار ما يقصده ذلك الغير، انه اجمع وعزم اوايقن الاقامة عشرة ايام ، ولوكان ما قصده ذلك الغير العشرة واقعا، كيف والالزم وجوب الاتمام عن من قصد الاقامة في محل الى ان يأخذ حقه من غريمه ، واتفق انطباق المقدار الذي قصده اجمالا على عشرة ، والحال انه لم يلتزم احد بوجوب الاتمام على مثله ، بل هو مصداق من لم يدر ما يقيم ويقول غدا اخرج أو بعد غد ، الذي حكم
ص: 473
فى الاخبار الصحيحة بوجوب القصر عليه ومما ذكرنا ظهران الاقوى هو وجوب القصر على من نوى الاقامة الى اخر الشهر ، مع عدم علمه بمقدار الباقى منه ، وكان الباقي واقعا عشرة ايام وقياس المقام بياب قصد المسافة الذى حكموا بكفاية الاجمالي منه في تحقق السفر، كما اذا قصد السير الى بلد معين ، و شك في بلوغه المسافة او اعتقد عدم بلوغه، فبان له في الاثناء انه مسافة، فانهم حكموا بوجوب القصر عليه وان لم يكن الباقى مسافة مع الفارق فانه فى المقيس عليه يكون المسافر قاصدا في الحقيقة للمسافة المعنية الخارجية غاية الامر لا بعنوانها ، بخلاف ما نحن فيه فان الاقامة عشرا لا تكون معينة لا بذاتها ولا بعنوانها، والحاصل انه فرق بينان يكون المقصود معينا معلوما وبلوغه المسافة مجهولا، وبين ان يكون اصل المقصود مجهولا كما في المقام ، ومجرد كون ماقصده المتبوع معينا في الواقع ، لا يجدي في صدق تعين ماقصده التابع كما هو اوضح من ان يخفى.
الامر الثالث اختلف الاصحاب رضوان الله تعالى عليهم في ان نية الاقامة ، هل هی قاطعة للسفر موضوعاكي يحتاج في لزوم القصر عليه الى انشاء سفر جديد ، او قاطعة له حكما كى يجب عليه القصر بمجرد الرحيل عن محل الاقامة ولولم يكن سيره اللاحق بقدر المسافة والمختار عند الاستاد دام ظله وفاقا لجمع من الاساطين هو الأول ، لالما استدل به شيخ مشايخنا الانصارى قده ، مضافا الى دعوى الاجماع عليه ، والى دلالة عموم المنزلة المستفاد من قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة وهو بمنزلة اهل مكة عليه ، من صحيحة ابى ولاد الدالة على ان المسافر اذا نوى الاقامة وصلى صلوة فريضة واحدة بتمام فليس له ان يقصر حتى يخرج من المدينة بدعوى ان المراد من الخروج في المقام هو المسافرة لا مجرد الخروج عن البلد ، و ذلك لان دعوى الاجماع ، مع ما اشرنا اليه من اختلاف الاصحاب في المسئلة كما ترى ، سيما مع احتمال استناده الى استفادة عموم المنزلة من قوله علیه السّلام في الصحيحة وهو بمنزلة اهل مكة، مع ان استفادة عمومها منه بحيث يعم هذا الحكم ممنوعة جدا، و ذلك لما عرفت سابقا من انه لا اطلاق لهذا التنزيل بحيث يعم جميع الاثار
ص: 474
التي منها الاحتياج في لزوم القصر الى سفر جديد ، بل الظاهر منه بلحاظ وقوعه بعد الحكم بوجوب التمام على من قدم مكة قبل التروية بعشر ، هو تنزيله منزلة اهل مكة في خصوص (1)هذا الحكم ، سيما مع كونه من اظهر الاثار الموجب لانصراف اطلاق التنزيل اليه و لولم يكن مذكورا في الكلام، هذا مضافا الى ما عرفت يضا من استلزام اطلاقه من جميع الاثار، لوجوب التمام على من مرفى اثناء سفره على محل قد قام فيه في زمان عشرة ايام، وهذا ظاهرا خلاف الاجماع و اما صحيحة ابي ولاد فهي على خلاف ما ادعاه قده ادل، فانها تدل منطوقا على وجوب التمام مادام في بلد الاقامة، و مفهوما بمقتضى جعل وجوب التمام مغيى بالخروج ، على وجوب القصر عليه بعد الخروج، وهو باطلاقه يعم ما اذ كان الخروج الى مادون المسافة، ودعوى ظهوره فى ارادة خصوص المسافرة من الخروج ممنوعة، فان ظهوره في ذلك على تقدیر تسلیمه، ظهور بدوی ناش عن غلبة كون الخروج عن بلد الاقامة لارادة المسافرة والعود الى الوطن و دعوى انا لو سلمنا عدم دلالة الصحيحتين على ان لزوم القصر على من نوى الاقامة عشرا يحتاج الى انشاء سفر جديد، لكن يكفي في الحكم باحتياجه اليه، استصحاب وجوب التمام الثابت له مادام فى بلد الاقامة، اذليس لادلة لزوم القصر عموم ازمانی، كي يتكفل لحكم الخاص فى غير المتيقن من زمان خروجه عنه، والمفروض عدم تكفل دليل الخاص ايضا الا لحكمه في خصوص ذلك الزمان، فيكون المرجع حينئذ استصحاب حكم الخاص السالم عما يكون حاكما عليه مدفوعة بعد تسليم عدم العموم الازماني لادلة القصر، بما اشرنا اليه مرارا من ان الرجوع الى استصحاب حكم الخاص فيما اذا لم يكن لدليل العام عموم ازمانی ، انما هو فيما اذا كان مفاد دليل الخاص تخصيص العام بلحاظ الزمان ، بان دل على خروج فرد منه بعنوانه الشخصي في زمان بعد ان كان داخلا فيه سابقا، كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيدا العالم
ص: 475
في يوم السبت، دون ما اذا كان مفاد دليل الخاص تخصيص العام بعنوان كلى ، كما في المقام حيث ان الخارج عن حكم المسافر هو عنوان المقيم والقاصد للاقامة، فانه لاشبهة حينئذ في ان حكم الخاص يدور مدار صدن عنوانه ، ومع عدم صدقة يرجع الى عموم العام، وذلك لمامر ايضا من ان دليل حكم الخاص حينئذ يقسم العام ويعنونه بعنوانين، احدهما المقيد بعنوان الخاص ، ثانيهما المقيد بضد عنوان الخاص او نقيضه، فيثبت حكم العام للثاني ، وضده او نقيضه للاول ففيما نحن فيه دليل حكم الخاص اعنى وجوب التمام على القاصد للاقامة يقسم العام وهو المسافر الى قسمين احدهما المسافر القاصد للاقامة، ثانيهما المسافر الغير القاصد لها فيثبت حكم العام اعنى وجوب القصر للمسافر الغير القاصد للاقامة، وضده وهو وجوب التمام للمسافر القاصد لها ، فاذا خرج القاصد لها عن كونه قاصدا لها بخروجه عن محل الاقامة، فيدخل قهرافی عنوان ضده وهو المسافر الغير القاصد للاقامة اذلا ثالث لهما، فيثبت له حكم العام؛ ومعه لا يبقى مجال للرجوع الى استصحاب حكم الخاص كما هو واضح وتوهم ان الرجوع الى حكم العام في المقام يكون من الرجوع الى حكم العام مع الشك في المصداق، اذ مع الشك في ان قصد الاقامة قاطع للسفر موضوعا او حكما، يشك في صدق المسافر على القاصد للاقامة بعد خروجه عن محلها من دون انشاء سفر جديد كما هو واضح مدفوع بان المراد من قاطعية قصد الاقامة للسفر موضوعا ان كان قاطعيته له عرفافهى ممنوعة جدا، ضرورة ان المسافر بمجرد العزم على الاقامة لا يخرج عن صدق عنوان المسافر عرفا فتدبر ، وانكان المراد من القاطعية هى القاطعية شرعا فهى الان اول الكلام، فالقاطعية على تقدير مقطوعة العدم، و على تقدير وانكانت مشكوكة لكنها مدفوعة بالاصل هذا.
بل الوجه فى اختياره دام ظله للاول اعنى قاطعية عزم الاقامة للسفر موضوعا، هو ما فى الاخبار الدالة على وجوب القصر على الخارج من مكة الى العرفات، من التعليل فى بعضها بان الذهاب اليها سفر، و فى بعضها واي سقر اشد منه في جواب السوال عن كون الذهاب الى العرفات سفرا ، فانه لولم تكن الاقامة عشرة ايام من
ص: 476
قواطع السفر، ولم يكن التقصير على المقيم محتاجا الى انشاء سفر جديد، لم يكن وجه لتعليل وجوب القصر على الخارج من مكة الى العرفات، يكون الذهاب اليها سفرا كما لا يخفى و هذه الاخبار وانكان موردها من اقام بمكة عشرة ايام، فلادلالة لها على ان مجرد العزم على الاقامة قاطع للسفر موضوعا، لكنها من جهة دلالتها على كون الذهاب من مكة الى العرفات سفرا، تكون موجبة لظهور صحيحة زرارة المتقدمة عن ابيجعفر علیه السّلام الدالة على ان القادم الى مكة قبل التروية بعشرة ايام بمنزلة اهل مكة ، في عموم التنزيل وانه بمنزلة اهلها في جميع الاثار، التي منها احتياج لزوم القصر فى حقه الى انشاء سفر جديد، وذلك لان الامام علیه السّلام حكم فيها اولا بوجوب التمام على من قدم مكة قبل التروية بعشرة ايام ، معللا بصيرورته بواسطة قصده الاقامة عشرة ايام فيها بمنزلة اهلها، ثم وقوع علیه السّلام على ذلك التنزيل وجوب القصر عليه اذا خرج الى منى للذهاب منه الى العرفات ، و من المعلوم ان هذا التفريع انما لو كان مجرد قصد الاقامة عشرة ايام قاطعا للسفر ، اذ لولم يكن مجرد قصدها قاطعا له وكان التنزيل في خصوص وجوب التمام عليه مادام مقيما، لم يكن وجه لتفريع وجوب القصر عليه بالخروج الى منى ، على صيرورته بقصد الاقامة بمنزلة اهل مكة ، بل كان القصر عليه واجبا بالخروج الى مادون المسافة ايضا، فتفريع وجوب القصر عليه إذا خرج الى منى على تنزيله منزلة اهل مكة ، يوجب ظهوره في عموم الاثار التى منها توقف وجوب القصر عليه على انشاء سفر جديد و بتقريب اخر لولم يكن مجرد قصد الاقامة قاطعا للسفر ، بل كان قاطعيته مشروطة بتحقق الاقامة عشرة ايام خارجا ، لكان ذلك التفريع بلاوجه و لغوا ، اذنباء عليه لا يكون هنا الاامران، احدهما مجرد وجوب التمام على القادم العازم على الاقامة عشرا مادام مقيما ، وهذا مسبب عن عزمه على الاقامة ، وثانيهما انقطاع سفره، و هذا مسبب عن تحقق الاقامة منه خارجا ، و من المعلوم عدم صحة ذلك التفريع على شئ منهما اما على الاول فلان القصر يصير واجبا عليه بمجرد الخروج عن البلد سواء كان الى المسافة اوالى مادونها، اذ المفروض ان عزمه على الاقامة لم يكن
ص: 477
قاطعا لسفره، كي يمنع عن ضم اللاحق من سيره الى السابق ، فيكون تفريع وجوب القصر عليه على خصوص ما اذا خرج الىمنى بلاوجه واما على الثاني فلان بعد كون البقاء عشرا سببا لانقطاع السفر، يكون احتياج القصر الى سفر جديد واضحا غير محتاج الى هذا التفريع، وهذا بخلاف مالوكان مجرد قصد الاقامة قاطعا للسفر فانه حينئذ يكون كاهل مكة فى احتياج وجوب القصر عليه الى انشاء سفر جديد، و يكون تفريع وجوبه عليه اذا خرج الى منى، على صيرورته بقصدها بمنزلة اهل مكة في كمال الوجاهة هذه خلاصة ما افاده دام ظله في تقريب الاستدلال بالصحيحة على قاطعية نية الاقامة للسفر.
ولا يخفى عدم خلوما افاده عن النظر ، وذلك اما اولا فلانه ليس في الصحيحة ذكر عن قصد الاقامة، كي يدل عموم التنزيل على ان مجرد قصدها قاطع للسفر ، بل المذكور فيها هو القدوم الى مكة قبل التروية بعشرة ايام، وكما يحتمل ان يكون الوجه فى تنزيل القادم الى مكة قبل التروية بعشرة ايام منزلة اهلها، هو مجرد كونه قاصدا للاقامة فيها عشرا، كذلك يحتمل ان يكون الوجه فيه قطعه بالبقاء فيها عشرة ايام وكونه طريقا اليه و اما ثانيا فلانا لو سلمنا ظهور الصحيحة في ان القادم الى مكة قبل التروية بعشرة ايام ، لكونه قاصدا للاقامة فيها في تلك المدة ، يكون بمنزلة اهلها ، لكن نمنع عن كون قوله علیه السّلام فإذا خرج الى منى وجب عليه التقصير، متفرعا على تنزيل القادم منزلة الاهل ، كي يدل على عموم التنزيل وكون مجرد قصد الاقامة قاطعا للسفر ، اذ من المحتمل جدا ان يكون تفريعا على ما هو المعلوم من تحقق الاقامة عشره ايام خارجا عند خروجه يوم التروية الى منى ، وانما اكتفى عن ذكره بمعلوميته للمخاطب ، كما اكتفى عن ذكر قصد الاقامة بمعلوميته له ايضا، وحينئذ فيكون التفريع قرنية على كون تحقق الاقامة عشرة ايام عن قصد ونية قاطعة للسفر، اذ لولا هذا التفريع لاحتملنا ان يكون تحققها كك قاطعا لحكم السفر لالموضوعه فمعنى الصحيحة عليهذا الاحتمال، هو ان من قدم مكة قبل التروية بعشرة ايام ، وجب عليه اتمام الصلوه، لصيرورته بواسطة
ص: 478
عزمه على البقاء فيها الى يوم التروية، بمنزلة اهل مكة في وجوب التمام عليهم ، فاذا انقضت العشرة و خرج يوم التروية الى منى ، وجب عليه القصر ، لانه قاصد للذهاب من منى الى العرفات التي يكون البعد بينها و بين مكة اربعة فراسخ، فتكون حينئذ دليلا على ان الاقامة فى محل عشرة ايام عن نية من قواطع السفر وان لزوم التقصير على المقيم فيه كك يحتاج الى انشاء سفر جديد ، ولا دلالة لها على ان مجرد قصد الاقامة عشرا من قواطع السفر كما لا يخفى ويؤيد ما احتملناه من كون قوله علیه السّلام في الصحيحة فإذا خرج الى منى وجب عليه التقصير ، تفريعا على تحقق الاقامة خارجا ، لاعلى صيرورته بمنزلة اهل مكة بمجرد نيتها ، أن مجردنية الاقامة لوكان قاطعا للسفر موضوعا ، لم يكن وجه لتقييدها في صحيحة ابي ولاد المتقدمة بقوله علیه السّلام وصلى صلوة فريضة واحدة بتمام ، فانه يدل على ان نية الاقامة بمجردها لیست موجبة للتمام مادام فى محل الاقامة ، فضلا عن كونها قاطعة للسفر موضوعا، بل ايجابها لوجوب التمام الى ان يرتحل مشروط باتيان صلوة رباعية واجبة بتمام بعدها، ولم يكن وجه ايضا لرجوعه إلى التقصير لو عدل عن نبية الاقامة قبل ان يصلى رباعية واجبه بتمام ، فانه لو كانت النية بمجردها قاطعة المسفر، لاحتاج رجوعه الى التقصير الى انشاء سفر جديد فلا يمكن ان يكون عدوله عنها موجب الرجوع سفره السابق وقابليته للانضمام الى مسيره اللاحق فتدبر، و مجرد العدول عن نية الاقامه ليس سفرا جديدا كي يؤثر فى الرجوع الى التقصير، هذا كله مضافا الى امكان ان يكون تعليقه علیه السّلام وجوب القصر على القادم الى مكة قبل التروية بعشرة ايام على خروجه الى منى، لاجل ان القادم اليها لاتيان اعمال الحج، لا يخرج عنها بحسب الغالب المتعارف الا الى منى والذهاب منه الى العرفات لاتيان مالهما من الاعمال، وبعبارة اخرى لاجل انحصار خروجه عنها ولوغالبا بالخرو الى العرفات، لالانحصار وجوب القصر عليه بالخروج اليها، كي يدل على ان قصد الاقامة بمجرده قاطع للسفر ثم ان ممّا ذكرنا من احتمال كون قوله علیه السّلام فاذا خرج الى منى وجب
عليه التقصير، تفريعا على ما هو المعلوم من تحقق الاقامه عشرة ايام خارجا عند الخروج
ص: 479
الى منى، وكونه قرينه على كون الاقامه عشرا عن نيه قاطعه للسفر؛ ظهر اندفاع ما افاده دام ظله من انه لو كان تحقق الاقامه عشرة ايام خارجا موجبا لقطع السفر دون مجرد قصد الاقامه ، لم يكن وجه لهذا التفريع الى اخر ما افاد توضيح الاندفاع هو ما اشرنا اليه ، من ان استفادة ان البقاء عشرا عن قصد قاطع للسفر موضوعا من الصحيحه ، انما هي بلحاظ اشتمالها عليهذا التفريع ، اذ لولاه لاحتملنا ان يكون البقاء عشرا قاطعا لحكم السفر، و ان وجوب التمام بمجرد القصد انما هو لكونه ماخوذا على نحو الطريقيه اليه لاعلى نحو الموضوعيه ، كي يقال ان مجردالقصد لو كان قاطعا لحكم السفر، لم يكن مجال القاطعيه البقاء له ، لان الشئ انما يستند الى اسبق علله الذى في المقام هو القصد.
الامر الرابع لا اشكال بل لاخلاف فى انه لو قصد الاقامة عشرا في محل، ثم
بداله فعدل عن قصده قبل ان يصلى رباعية واجبة بتمام ، يجب عليه الرجوع الى التقصير، و اما لو بداله بعد ان صلى رباعية بتمام ، فليس له الرجوع الى التقصير، بل يجب عليه التمام مادام فى ذاك المحل ويدل على الحكمين صحيحة ابى ولاد الحناط قال قلت لا بيعبد الله علیه السّلام انى كنت نوبت حين دخلت المدينة ان اقيم فيها عشرة ايام و اتم الصلوة ثم بدالى بعد أن لا اقبم بها فماترى لى اتم ام اقصر، فقال علیه السّلام ان كنت دخلت المدينة وصليت بها صلوة واحدة فريضة بتمام فليس لك ان تقصر حتى تخرج منها ، و ان كنت حين دخلتها على نية المقام ولم تصل فيها صلوة واحدة بتمام حتى بدالك ان لا تقيم ، فانت فى تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا واتم و ان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك و ما بين شهر فاذا مضى لك شهر فاتم الصلوة ومقتضى ظهورها في اناطة عدم تاثير البداء فى الرجوع الى القصر بوقوع صلوة فريضة تامة صحيحة ادائية منه قبل البداء ، عدم مانعية وقوع غير تلك الصلوة قبل البداء عن تاثيره فى الرجوع الى القصر ، سواء كان غيرها فريضة رباعية ناقصة كما اذا شرع في الرباعية وفى اثنائها ولو في ركوع الركعة الرابعة بداله العدول عن قصد الاقامة ، او تامة غير ادائية لانصراف الفريضة فى الصحيحة الى لاادائية، اوكان
ص: 480
غير رباعية صحيحة كصلوة الصبح والمغرب، او غير صحيحة كالنوافل اليومية التي لا يجوز للمسافر الاتيان بها كما ان مقتضى اطلاقها كون وقوع صلوة فريضة تامة عنه مانعا عن تاثير البداء مطلقا، اى سواء كان وقوعها عنه مستندا الى الاقامة، او كان فى حال الغفلة عن اقامته ، الا ان يدعى انصرافه إلى ماكان وقوعها منه مستندا الى الاقامة، وليست هذه الدعوى ببعيدة، فلا ينبغي ترك الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام، فيما لو عدل عن الاقامة بعد ان صلى صلوة فريضة تامة غفلة عن الاقامة هذا ولكن يعارض الصحيحة بالنسبة الى هذا الحكم، اعنى مانعية وقوع الصلوة فريضة قامة قبل البداء عن تاثيره في الرجوع الى القصر، رواية حمزة بن عبدالله الجعفرى، قال لما نفرت من منى نويت المقام بمكة فاتممت الصلوة، ثم جائنى خبر من المنزل فلم اجد بدا من المصير الى المنزل، ولم ادراتم ام اقصر، و ابو الحسن علیه السّلام يومئذ بمكه، فانيته فقصصت عليه القصة، فقال علیه السّلام ارجع الى التقصير، و حملها على ان المراد من قوله علیه السّلام ارجع الى التقصير الرجوع اليه بعد الخروج والمسافرة، او على عدم قصده الاقامة عشرا، او على ان المراد من الصلوة في قول السائل فاتممت الصلوة هى النافلة لا الفريضة، بعيد فى الغاية و لولا اعراض الاصحاب عن ظاهرها بالصحيحة، لامكن الجمع بينهما بالحمل على التخيير بين الاتمام والقصر
و عملهم فيما عدل عن قصد الاقامة بعد ان صلى صلوة فريضة تامة، اذلايلزم من الامر باحد فردى الواجب التخييرى على نحو التعيين فيما اذا اقتضته مصلحة، تفويت المصلحة ولا الالقاء في المفسدة ، وهذا بخلاف الأمر على نحو الاستحباب بما هو واجب واقعا ، او الامر بالمطلق مع كون الواجب هو المقيد، فانه قديوجب تفويت المصلحة كما هو واضح، لكن الجمع بهذا النحو فرع الحجية ، ولاحجية للرواية مع اعراض الاصحاب وعدم عملهم بها ، الكاشف عن اطلاعهم على قرنية دلتهم على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعي وتوهم ان عدم عملهم بهذه الرواية ، لعله من جهة تقديمهم الصحيحة عليها ، فلا يكشف عن وجود خدشة في جهة صدورها مدفوع بان عدم عملهم بهذه الرواية، مع كونها موافقة للقاعدة وكون الصحيحة مخالفة لها، يكشف
ص: 481
عن ان عدم عملهم بهذه الرواية ليس الا لاجل اطلاعهم على قرنية قطعية دالة على عدم صدورها لبيان الحكم الواقعى اما وجه كون الرواية موافقة للقاعدة دون الصحيحة، فهو أن الخارج عن ادلة التقصير هو عنوان الناوى للاقامة، الظاهر في المتلبس بنيتها فعلا، فإذا خرج عن هذا العنوان بالعدول عن نيتها، فالمرجع هو اطلاقات ادلة التقصير ولا مجال هنا للرجوع إلى استصحاب حكم الخاص، من غير فرق بين كون الزمان في باب المسافر ظرفا للحكم اولمتعلقه، وذلك لان ماذكرنا في محله، من انه اذا كان الزمان ظرفا المتعلق الحكم، بحيث ورد الحكم على المتعلق في كل زمان، فح لوخرج عنه فرد فى زمان و شك فى مقدار التخصيص، فالمرجع هو عموم العام لانه شك في تخصيص زائد و اما اذا كان الزمان ظرفا لنفس الحكم، بان دل دليل خارجى من عموم الحكمة او مثل قوله علیه السّلام حلال محمد صلی الله علیه و آله و سلّم حلال الى يوم القيمة وحرامه حرام الى يوم القيمة على استمرار الحكم فح لو خرج عنه فرد في زمان وشك فى مقدار التخصيص، فالمرجع هو استصحاب حكم الخاص ، و ذلك لان الدليل الخارجي الدال على استمرار الحكم، انما يدل على ان الحكم لو كان وتحقق فهو مستمر ، ففى مورد الشك في اصل كونه و تحققه ، لا اثر لهذا الدليل الخارجي كما هو واضح انما هو فيما اذا كان الخارج عن عموم العام في زمان فردا بعنوانه الخاص ، كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم زيد العالم في يوم السبت ، دون ما اذا كان الخارج عن عمومه عنوانا عاما ، كما اذا قال اكرم العلماء ثم قال لا تكرم العالم الفاسق ، فانه لوشك حينئذ في مقدار التخصيص و ان اكرم العالم الفاسق حرام مطلقا او مادام فاسقا ، فلاشبهة فى ان المرجع هو عموم العام مطلقا ، و ذلك لما مرمر ارا من ان دليل الخاص حينئذ يقسم العام الى قسمين ويعنونه بعنوانين ، فيثبت حكم العام لاحد العنوانين و ضده او نقيضه للعنوان الاخر ، وحيث لا واسطة بين العنوانين ، فبمجرد خروج فرد عن احدهما يدخل في العنوان الاخر ويترتب عليه حكمه ، ففى المثال اذا خرج العالم الفاسق عن كونه فاسقا ، يدخل في عنوان العالم العادل ، و يترتب عليه حكمه وهو وجوب الاكرام ، ومعه لا يبقى مجال لاستصحاب
ص: 482
حرمة اكرامه الثابتة له فى زمان فسقه وتوهم ان هذا إنما يتم فيما اذا كان خروج عنوان عن العام من باب التخصيص كى يوجب تعنون العام بعنوانين دون ما اذاكان من باب الحكومة و تنزيل الفرد منزلة غير الفرد ، كما في المقام حيث نزل الشارع المقيم في بلدة منزلة اهلها ، و لذا قلنا ان نية الاقامة عشرا قاطعة لموضوع السفر لا لحكمه فاذا كانت نية الاقامة قاطعة لموضوع السفر ولو تعبدا ، فالمقيم بمجرد نية الاقامة يخرج عن كونه مسافر اموضوعا ، وحينئذ فالمرجع هی اصالة التمام من غير فرق بين ان يكون الزمان في باب المسافر ظر ف اللحكم اولمتعلقه، و ذلك لانه اذا خرج المسافر عن كونه مسافرا بمجرد نية الاقامة، فما لم نيشا سفرا جديدا لايصير مسافرا، ومعه لا يترتب على ابطال اقامته بالعدول عن قصدها الى قصد الرحيل اثر اصلا، لانه وان خرج بالعدول عن قصده عن كونه حاضرا ، لكن لا يعتبر في موضوع التمام الا عدم كونه مسافرا، و هذا العنوان مالم ينشاء سفرا جديدا حاصل له.
مدفوع بان المستفاد من مجموع الاخبار الواردة فى وجوب التمام على المقيم هوان مجرد الاقامة بلاقصد وكذا مجرد قصد الاقامة بلاتعقبه بها ليس قاطعا للسفر بل القاطع هو المجموع اى القصد المتعقب بالاقامة وعليه فالمسافر لا يخرج عن كونه مسافرا بمجرد نية الاقامة، كي يحتاج عند عدوله عن قصدها في شمول ادلة التقصير له، الى انشاء سفر جدید، نعم مجرد نية الاقامة يكون قاطعا لحكم السفر و لذا يجب عليه التمام بمجرد قصده الاقامة ولا يجب عليه اعادة ما صلاها تماما بعد العدول عن قصده فتبين مما ذكرنا ان ما تضمنته الصحيحة من وجوب التمام على من عدل عن قصد الاقامة الى قصد الرحيل بعد ان صلى صلوة تامة واحدة مادام لم يخرج، يكون على خلاف مقتضى القاعدة، و عليه فلابد من الاقتصار فيهذا الحكم على مقدار مدلول الصحيحة، والرجوع فى الموارد التي لا تكون مشمولة لها الى اطلاقات ادلة التقصير فالمهم بيان ما هو الظاهر المستفاد من الصحيحة، فنقول ظاهرها بل صريحها هو تعميم الحكم لما اذا كان قصده الخروج الى المسافة ايضا، وذلك لان السائل و هو ابو ولاد كان من اهل الكوفة،
ص: 483
وبدا له الخروج من المدينة اما الى مكة واما الى الكوفة ، وعلى اى تقدير بدا له المسافرة كما ان صريحها اختصاص الحكم بخصوص من صلى صلوة فريضة تامة ، فيكون من صلى نافلة تامة كصلوة الأعرابي بناء على شرعيتها، اوصلى نافلة الظهرين، خارجا عن مدلول هذه الصحيحة و توهم ان قوله علیه السّلام وصليت بها صلوة واحدة فريضة بتمام ، يكون من قبيل ذكر الخاص و ارادة العام، فيكون كناية عن كل عمل مشروط صحته بالاقامة، كنافلة الظهرين وصلوة الجمعة ونحوهما مدفوع بان كونه من قبيل ذكر الخاص و ارادة العام، حيث يكون على خلاف الظاهر، فيحتاج الى قرنية قطعية دالة على عدم خصوصية للخاص كما ان الظاهر المتبادر منها كون المراد من الصلوة الفريضة هى الفريضة الحاضرة، لا اقل من عدم اطلاق لها يعم الفائتة كما ان الظاهر المتبادر منها ايضا كون اتمام الصلوة مستندا الى قصد الاقامة ، فلونوى الاقامة وغفل عنها وصلى صلوة تامة لشرف البقعة كمواطن التخيير، لا يكون مشمولا للصحيحة نعم لو منعنا عن ظهورها في اعتبار كون الاتمام مستندا الى قصد الاقامة ، لكان الاقوى شمول الحكم له، اذ المفروض انه قصد ماهووظيفته، غاية الامر تخيل انه احد فردى الواجب التخييري، و هذا لايضر بقصده ، لانه من اوضح مصاديق الخطاء فى التطبيق، الذى لا شبهة فى عدم اضراره بقصد القربة و صحة
العبادة.
ثم انه يتفرع على ما استظهر ناه من الصحيحة من اعتبار كون الاتمام مستندا الى قصد الاقامة فروع منها مالوشرع في الصلوة بنية القصر ، ثم نوى الاقامة عشرا فى اثنائها و اتمها تماما ، فلا اشكال فى ان صلوته صحيحة ، بناء على ما هو الحق من وحدة القصر والتمام حقيقة و مهية ، فان العدول من احديهما الى الاخرى حينئذ ، يكون على مقتضى القاعدة ولا يحتاج الى دليل يدل عليه ، ولذا يجوز العدول من احذيهما الى الاخرى في مواضع التخيير بينهما ، وقلما بصحة صلوة الجالس في السفينة ، فيما اذا شرع في الصلوة بنية القصر فوصل الاثناء الى وطنه فاتمها تماما والسر فى ذلك هوانه بناء على كون القصر والتمام حقيقة واحدة لامهيتان
ص: 484
متبائنتان، لا يكون الشروع في الصلوة بنية احدهما، موجبا لسقوط ما اتى به من اجزائها عن قابلية وقوعه جزء للاخر، فاذا كان ما اتى به من الاجزاء بنية احدهما قابلا لان يقع جزء للآخر ، فيصح له فيما اذا تبدل التكليف به في الاثناء الى الاخر ان يكتفى بما اتى به من الاجزاء و يجعلها جزء للاخر و ياتي بباقى الاجزاء له، بل لا يمكن ان يكون التكليف بالاخر حينئذ الا متعلقا بباقى اجزائه، لان التكليف به بتمام اجزائه، مع قابلية ما اتى به من الاجزاء لاحدهما لوقوعه جزء للاخر، يكون التكليف به بتمام اجزائه تحصيلا للحاصل، بالنسبة الى ما اتى به من الاجزاء كما هو واضح ، فنبين مما ذكرنا ان الحكم بصحة صلوته في الفرض بحسب القاعدة مما لا اشكال فيه و انما الاشكال فى شمول حكم الصحيحة له، كي تكون صلوته هذه مانعة عن تاثير البداء بعدها في الرجوع الى التقصير، والحق هو انا لو قلنا بظهور الصحيحة فى اعتبار كون الصلوة التامة بتمامها مستندة الى قصد الاقامة، فلا يكون هذا الفرض مشمولا لحكم الصحيحة، و اما ان منعنا عن اصل ظهور الصحيحة في اعتبار كون الاتمام مستندا الى قصد الاقامة، اوقلنا بظهورها في اعتبار كون الاتمام مستندا الى قصد الاقامة، لاكون الصلوة التامة مستندة اليه، فيكون الفرض مشمولا لحكم الصحيحة، اما على الاول فواضح، و اما على الثاني فلان في الفرض يكون اتمام الصلوة تماما مستندا الى قصد الاقامة، و ان لم يكن تمامها مستندا اليه.
و منها لو نوى الاقامة ثم غفل فصلى بنية القصر واتمها أربعا نسيانا ، فلا اشكال ايضا في صحة صلوته لانه اتمها على طبق وظيفته ، و انما الاشكال فى شمول حكم الصحيحة له ، بناء على ظهورها فى اعتبار استناد الاتمام اليقصد الاقامة ، اذا لاتمام
فيهذا الفرض بحسب الفرض مستند الى النسيان لا الى قصد الاقامة.
و منها مالونوى الاقامة ولم يصل في مجموع الوقت نسيانا او عصيانا، ثم رجع قصده بعد خروج الوقت، فلا اشكال فى انه يجب عليه التمام بالنسبة الى القضاء، و ذلك لانه وجب عليه في الوقت الصلوة التامة بمجرد قصده الاقامة، أذلا معنى لكون وجوب الصلوه تامة مراعى باتيانها تامة ولو على نحو الشرط المتاخر، لعدم امكان
ص: 485
صيرورة هذا الامر داعيا للمكلف نحو العمل كما لا يخفى فاذا كان الواجب عليه في الوقت هى الصلوة التامه، فمقتضى استقرار التمام عليه لفرض بقاء نيته الاقامة الى اخر الوقت، ان يكون التمام واجبا عليه بالنسبة الى خارج الوقت ايضا، وحينئذ لوكان رجوعه عن نية الاقامة قبل اتيان القضاء فلا اشكال فى عدم كونه مشمولا لحكم الصيحة، وذلك لان اتيان القضاء تاما بعد الرجوع ، ليس مستندا الى قصد الاقافة، بل مستند الى امر الشارع بقضاء مافات كمافات، سلمنا كونه مستندا الى قصد الاقامة، لانه صار منشاء لثبوت التمام عليه فى الوقت، لكن ظاهر الصحيحة بل صريحها هو اعتبار اتيان فريضة تامة قبل الرجوع عن قصد الاقامة و اما لو كان رجوعه عن نية الاقامة بعد اتيان القضاء، ففى شمول حكم الصحيحة له و جهان اقويهما الثانى، لانا لوسلمنا كون اتمام القضاء مستندا الى قصد الاقامة السابق، لكن نمنع عن كفاية مطلق الاستناد الى قصد الاقامة، اذلااطلاق للصحيحة يشمل ما اذا كان الاتمام مستندا الى قصد الاقامة السابق كما في المقام حيث ان القضاء تماما على تقدير تسليم كونه مستندا إلى قصد الاقامة ، يكون مستندا الى قصد الاقامة المتحقق سابقا فى الوقت ، لا الى قصد الاقامة الثابت فعلا فى خارجه، نعم لومنعنا عن ظهور الصحيحة فى اعتبار الاستناد الى قصد الاقامة، كان الاقوى هو الوجه الاول، اذ يصدق انه صلى فريضة تامة قبل رجوعه عن قصد الاقامة ، لكن هذا يضا فيما لم ندع انصراف قوله علیه السّلام وصليت بها صلوة واحدة فريضة بتمام، عن القضاء كما لا يخفى، هذا تمام الكلام فى حكم اقسام الصلوة الواجبة.
بقى الكلام فى اقسام الصوم الواجب فنقول الكلام فى المقام يقع تارة من جهة اصل صحة الصوم ، و اخرى من جهة كفايته لبقاء اثار الاقامة ولو بعد العدول عنها اما اللام من الجهة الثانية ، والحق فيه عدم كفاية الشروع في الصوم لترتيب اثار الاقامة مطلقا، سواء كان العدول عنها قبل الروال اربعده او بعد الغروب، و ذلك لما عرفت من ظهور الصحيحة فى ان المدار فيهذا الحكم على خصوص الصلوة الفريضة التامة، و قدمران مجرد احتمال كونه من قبيل ذكر الخاص وارادة العام، لا يجدي في الحاق
ص: 486
كل ما يكون صحته مشروطة بالاقامة، بالصلوة الفريضة التامة، ما لم يدل دليل قطعى على عدم خصوصية لها.
و اما الكلام من الجهة الأولى، فنقول ان عدوله عن نية الاقامة، انكان قبل الزوال، فلا ينبغى الاشكال في كشفة عن فساد صومه راسا، بناء على ما عرفت من عدم كفاية الشروع في الصوم، لترتيب اثار الاقامة بعد العدول عنها، و ذلك لما عرفت سابقا، من ان المكلف به في الصوم امر وحدانی مستمر من طلوع الفجر الى غروب الشمس، و ان وجوب هذا الامر الوحداني، كما يكون مشروطا بطهارة المكلف عن الحيض فيما كانت امراة، كذلك يكون مشروطا بكون المكلف حاضرا، والظاهر من اعتبار شئ فى الأمر الوحدانى المستمر، هو اعتباره فيه من اوله الى اخره، و حينئذ فكما ان عروض الحيض فى اثناء الصوم يكشف عن فساده راسا، و يكون حرمة الافطار قبل عروضه حكما تعبديا على خلاف القاعدة، كك عروض العدول عن نية الاقامة فى اثناء الصوم يكشف عن فساده راسا، و يكون حرمة الافطار قبل عروضه لامر عقلى نشاء من تخيل استمرار نية الاقامة.
و اما انكان عدوله عن نية الاقامة بعد الغروب، فلا اشكال ظاهرا في صحة صومه، لان المفروض انه وقع بتمامه في حال الاقامة، والعدول عنها لايؤثر فيما تقدم، الابناء على القول بكون العدول عن الاقامة مبطلا لها رأسا وكاشفا عن عدم تحقق القاطع للسفر، وقد مران العدول عنها ناقل وليس بكاشف.
وانما وقع الاشكال في صحة صومه ، فيما اذا كان عدوله عن نية الاقامة بعد الزوال، وذلك لما عرفت من ان الصوم يعتبر فيه الحضور، اوما في حكمه من قصد الاقامة ابتداء واستدامة الى الغروب، ومن المعلوم انه فيما اذا عدل عن نية الاقامة بعد الزوال، لا يكون حاضرا ولا قاصدا للاقامة، فلا يكون شرط صحة صومه موجودا و قياسه على ما اذاكان حاضرا فخرج الى السفر، حيث دل النص والفتوى فيه على انه لو كان الخروج الى السفر بعد الزوال وجب عليه البقاء على صومه واضح الفساد بعد ما عرفت من ان الحكم فى المقيس عليه على خلاف مقتضى القاعدة لورود دليل
ص: 487
خاص فيه، فلا يصح التعدى عنه الى غيره مما لم يرد فيه نص خاص كما في المقام، هذا مضافا الى ان قياس ما نحن فيه بذلك المقام، انما يصح فيما اذا سافر عن محل الاقامة بعد العدول عنها ، دون ما اذا بقى فى محلها الى الغروب، فان القياس حينئذ يكون مع الفارق كما هو واضح فتدبر.
والتحقيق هوانا ان قلنا بان مجرد نية الاقامة عشرا بلا تعقبها بالاقامة ولا الصلوة تماما قاطع للسفر، وان ما يعتبر في صحة الصوم عدم السفر لا الحضور، فيكون مقتضى القاعدة هو صحة صومه فيهذا الفرض، وذلك لانه اذا كان القاطع اللسفر مجرد نية الاقامة، فبمجرد نيتها يخرج عن كونه مسافرا، ولا مجال حينئذ للقول بان النية قاطعة للسفر مالم يعدل عنها، ضرورة ان النية لوكانت بمجردها قاطعة للسفر، لاستحال ان يكون العدول عنها موجبا لرجوع سفره السابق، ان المعدوم لا يعاد، هذا مضافا الى ان السفرامر وجودى يحتاج تحققه الى سبب، ولا يكفى فيه مجرد عدم نية الاقامة، لاستحالة تأثير العدم في الامر الوجودي، والالزم ان يكون المعطى للشئ فاقدا له، و هو ضروري البطلان وهذا من وجه نظير، ما قلناه في كتاب الطهارة من ان التيمم لوكان رافعا للحدث، فلا معنى لكونه مراعى بعدم وجدان الماء، ان الحدث امر وجودى يحتاج تحققه الى اسباب خاصة، وليس وجدان الماء من تلك الاسباب نعم لو كان القاطع للسفر هى النية التي لم يتعقبها الرجوع لا مجرد النية، لكان الرجوع كاشفا عن عدم تحقق القاطع للسفر، لكن هذا خلاف الفرض، فاذا كان مجردا لنية قاطعا للسفر والمفروض ان عدوله عنها غير موجب از جوع سفره، فلاوجه لبطلان صومه بمجرد عدوله عن نية الاقامة ، فانه وان خرج بالعدول عنها عن كونه حاضرا، الكن لا يعتبر في صحة صومه حسب الفرض الاعدم كونه مسافرا، وهذا العنوان مالم ينشاء سفرا جديدا حاصل له.
وتوهم ان مقتضى القاعدة عليهذا المبنى وانكان صحة صومه، لكن الصوم. حيث لا يكون كافيا لترتيب آثار الاقامة كمامر، فيكون الواجب عليه بعد العدول عن نيته هو الصلوة قصرا، فاذا كان الواجب عليه بعد العدول هو الصلوة قصر افيكون.
ص: 488
الواجب عليه بعده ايضا الافطار، لما ثبت من التلازم شرعا بين القصر والافطار في الحكم مدفوع بان التلازم بينهما في الحكم، انكان بالاجماع، فالمتيقن منه ما اذا كان وجوب القصر بمقتضى القواعد من عموم ادلة القصر على المسافر، لا ما اذا كان وجوبه تعبدا على خلاف مقتضى القاعدة كما في المقام، و انكان التلازم بينهما في الحكم لاجل دلالة دليل لفظى عليه، فهو ايضا منصرف الى ذلك، وعلى اى حال التلازم بينهما في المقام ممنوع جدا .
و اما ان قلنا بما هو الاقوى من ان القاطع للسفر هي النية المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما لا مجرد النية ، فيكون مقتضى القاعدة حينئذ بطلان صومه فيهذا الفرض، لان عدوله عن النية كاشف حينئذ عن عدم تحقق القاطع لسفره، فيبقى على حكمه السابق وهو القصر و وجوب الافطار فتدبر حيدا و اما ما ذكرنا من ان الاقوى هو ان القاطع للسفرهى النية المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما لا مجرد النية فيدل عليه مضافا الى رواية ابن الحجاج قال قلت لا بيعبد الله علیه السّلام الرجل يكون له الضياع بعضها قريب من بعض يخرج فيقيم فيها يتم أو يقصر قال علیه السّلام يتم الظاهرة في ان الموجب لقطع السفر ووجوب التمام هو الاقامة عن قصد ، ما في صحيحة ابي ولاد من امره علیه السّلام بالتقصير فيما اذا عدل عن نية الاقامة ولم يصل فريضة بتمام ، وامره علیه السّلام بالاتمام فيما اذا عدل عن نية الاقامة وقد صلى فريضة بتمام ، فانه لوكان القاطع للسفر هو مجرد النية ، لم يكن وجه لامره علیه السّلام بالتقصير في الفرض الاول بعد ما عرفت من ان مجرد النية لو كان قاطعا للسفر، لامتنع ان يكون العدول عنها موجبا لرجوع السفر، ولم يكن وجه التعليق امره علیه السّلام بالاتمام في الفرض الثاني على الاتيان بفريضة تامة قبل العدول عن النية ، بل كان المتعين الامر به مطلقا عدل عن نيته ام لم يعدل صلى فريضة تامة قبل العدول عنها أو لم يصل ، كما يؤيد ذلك قوله علیه السّلام في ذيل الصحيحة فانت في تلك الحال بالخياران شئت فانو المقام عشر او اتم (اه) ، فانه لوكان مجرد النية قاطعا للسفر ، لم يكن وجه لاعتبار نية الاقامة ثانيا للاتمام كما هو واضح وتوهم انه لو كان القاطع للسفر هي النية المتعقبة بالاقامة
ص: 489
او الصلوة تماما، لزم فيما اذا عدل عن نيته وقد صلى فريضة بتمام، ان تكون الصلوة تماما قاطعة للسفر، وهو مستلزم للدور المحال، ضرورة ان اتيان الصلوة تماما فرع انقطاع السفر، فلوكان انقطاعه متوقفا على اتيانها تماما لزم الدور مدفوع بانه يمكن ان يكون اتيان الصلوة تماما مع عدم انقطاع السفر بعد، لحكم تعبدى بوجوب الاتمام على المسافر القاصد للاقامة و ان لم ينقطع بعد سفره وتوهم ان الالتزام بحكم تعبدى على خلاف القاعدة محتاج الى الدليل وليس، مدفوع بان الالتزام بذالك لابد منه ولو على القول بان مجرد النية قاطع للسفر، ضرورة انه لوكان مجردا لنية قاطعا السفر، فلابدان يكون الحكم بوجوب القصر فيما اذا عدل عنها ولم يصل فريضة بتمام، حكما تعبديا بوجوب القصر على من انقطع سفره، ولاريب ان الالتزام به على القول بان القاطع للسفرهى النية المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما، حيث يقتضيه حفظ ظهور رواية ابن الحجاج فيهذا القول، يكون اهون من الالتزام به على القول بان القاطع هو مجرد النية .
و توهم ان جملة من الاخبار الواردة فى قاطعية نية الاقامة للسفر ، ظاهرة فى كفاية مجرد قصد الاقامة ، ففي صحيحة معوية بن وهب عن ابي عبد الله علیه السّلام اذا دخلت بلدا وانت تريد المقام عشرة ايام فاتم الصلوة ، وفي صحيحة على بن جعفر عن اخيه موسى علیه السّلام واذا اجمع على مقام عشرة ايام صام وأتم الصلوة ، فان الحكم فيهما رتب على مجرد النية والاجماع والعزم مدفوع بان الظاهر منهما، هو انه حيث يكون قاطعا ببقائه عشرة ايام فينوى بقائه ، لاان نفس النية لها خصوصية فتكون الصحيحتان من قبيل الاخبار الظاهرة فى ان القاطع للسفر هو نفس الاقامة عشرة ايام مثل قوله علیه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة اذا دخلت ارضا فايقنت ان لك بها مقام عشرة ايام فاتم الصلوة ، فان الظاهر من ترتيب الحكم على اليقين هو اخذه طريقيا لا موضوعيا، لكن لما علمنا من الخارج ان نفس الاقامة عشرا بمجردها لاتكون قاطعة، والا لم يكن وجه لامر المتردد بالتقصير الى ثلثين يوما، فلابد اما من طرح هذه الروايات او حملها على اخذ العلم موضوعا على وجه الطريقية ، فتنطبق حينئذ
ص: 490
على رواية ابن الحجاج الظاهرة فى ان القاطع السفر هى الاقامة مع القضد، اذالعلم بالبقاء عشر الاينفك عن قصده كما هو واضح فتبين مما ذكرنا ان المستفاد من مجموع الاخبار الواردة فى الباب، هوان القاطع للسفر هو النية المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما دون النية المجردة وانكان المختار لشيخنا الاستاد دام ظله على ما صرح به في مجلس البحث هو ان القاطع هى مجرد النية مستدلا عليه ببعض الاخبار الظاهرة فى ذلك كصحيحة زرارة المتقدمة الواردة فيمن قدم مكة قبل التروية بعشرة ايام، ومؤيدا ذلك بوجوب التمام بمجرد نية الاقامة، و بانه لوكان القاطع هى النية المتعقبة بالاقامة، لكان اللازم فيما اذا عدل عن نيته، هو الحكم باعادة ما صلاها تماما قبل العدول قصرا بعده، و ذلك لان العدول يكشف حينئذ عن عدم تحقق القاطع لسفره وانت بعد الاحاطة بما ذكرناه في وجه ماقويناه، تعرف ما في هذه الوجوه فلا نعيد و علی ای حال سواء قلنا بان القاطع للسفر هو مجرد النية او المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما، لا ينبغى الاشكال فى ظهور صحيحة ابي ولاد في ان مجرد نية الاقامة سبب لوجوب التمام عليه مالم يعدل عن نيتها، وحينئذ ان صلى تماما بعد نية الاقامة وقبل العدول عنها، تصير صلوته هذه سببا لبقاء اثر الاقامة وعدم ارتفاعه بالعدول عنها، فيجب عليه حينئذ فى سائر الصلوات الواجبة عليه التمام مطلقا، ولو يعد العدول عن نية الاقامة، مالم يتلبس بسفر جديد، وان لم يصل تماما حتى عدل عن نية الاقامة، انقلب تكليفه بالتمام الى القصر بتبدل موضوعه، فاضبط هذا فانه ينفعك في بعض الفروع الاتية انشاء الله تعالى.
ثم انه لونوى الاقامة و عدل عنها ، وشك فى انه هل صلى صلوة تامة بعد نية الاقامة وقبل العدول عنها كى يجب عليه التمام فى سائر الفرائض، اولم يصل صلوة تامة كك كى يجب عليه القصر فيهذه الصلوة التى شك في اتيانها وفي سائر الصلوات الواجبة عليه، فتارة يكون شكه ذلك واقعا في الوقت واخرى في خارجه ، و على كلا التقديرين، تارة يكون شكه فى اصل اتيان الصلوة التامة واخرى فى صحتها مع العلم بامتانها كما اذا شك فى ان ما اتى به من الصلوة التامة كانت واقعة مع الطهارة
ص: 491
ام لا، فهنا اربع صور، ولا شبهة فى ان مقتضى العلم الاجمالي في جميعها هو الجمع بين القصر والاتمام و انما الكلام فى انه هل يكون في جميع هذه الصورا و بعضها اصل يقتضى خصوص وجوب التمام او القصر، كي ينحل ببركته ذلك العلم الاجمالي ام لا فنقول اما الصورة الاولى وهى ما اذا شك فى اصل اتيان صلوة تامة قبل العدول عن نية الاقامة وهو فى الوقت، فلا اشكال فى انه ليس هناك اصل يحرز به اتيانها، و مقتضی اصالة عدم اتيانها هو الرجوع الى القصر، ولا يعارضها استصحاب وجوب التمام الثابت قبل العدول، و ذلك لان وجوبه المسبب عن نية الاقامة مقطوع الارتفاع بارتفاع سببه بالعدول، و وجوبه المسبب عن اتيان فريضة تامة، مشكوك الحدوث للشك في تحقق سببه بالفرض، والجامع بين الوجوبين وانكان مشكوك الارتفاع ، لكن لا مجال لجريان الاستصحاب فيه لا لما قيل من أن مرجع استصحاب الحكم الى جعل الحكم الممائل للحكم المتيقن سابقا في اللاحق، ومن المعلوم عدم قابلية الجامع للجعل اذفيه بعد تسليم عدم قابلية الجامع للجعل، المنع عن كون مرجع استصحاب الحكم الى ذلك، بل التحقيق ان الاستصحاب مطلقا اى سواء كان مجراه الشك فى بقاء الحكم او الموضوع، يكون محصله الجرى العملى على طبق الحالة السابقة، أى العمل مع المشكوك وجوده لاحقا عمل وجوده المتيقن سابقا بل لان هذا الاستصحاب من قبيل القسم الثالث من استصحاب الكلى، الذى حققنا في محله ان الشك فيه شك في الحدوث لا البقاء كى يجرى فيه الاستصحاب، ضرورة ان الجامع وهو الكلى الطبيعي على ما حقق في محله، و ان كان وجوده بعين وجود افراده، لكن الموجود منه في ضمن كل فرد هو الطبيعي المقيد المعبر عنه في اصطلاح اهل المعقول بالحصة، ومن المعلوم ان الحصة التي كانت موجودة في ضمن الفرد المقطوع الارتفاع نقطع. بارتفاعها، والحصة الاخرى مشكوكة الحدوث من اول الامر والاصل عدم حدوثها، لا مشكوكة البقاء كي يكون الاصل بقائها و مما ذكر ظهر اندفاع ما افاده الاستاد دام ظله من ان وجود الكلى فيهذا القسم وانكان مشكوك الحدوث لا مشكوك البقاء لكن لا نسلم لزوم كون الشك الماخوذ فى الاستصحاب شكافى البقاء ، لان المعيار في صحته
ص: 492
صدق نقض اليقين بالشك ، و هذا المعيار لا يتوقف الاعلى تحقق اليقين بشئ سابقا و عروض الشك لاحقا في عين ذلك الشئ المتيقن سابقا ، و وجود الكلى فيهذا القسم هذا القبيل ، لان المتيقن سابقا فيه هو الكلى والمشكوك لاحقا هو الكلى ايضا توضيح الاندفاع هو ما عرفت من ان الموجود من الكلى الطبيعي في ضمن كلفرد ليس الاحصه منه ، و من المعلوم ان الحصة الموجودة منه فى ضمن فرد غير الحصة الموجودة منه في ضمن فرد اخر ، فلايكون الشك فى وجود حصة منه لاحقا، عارضا على عين الحصة التي كانت متيقنة الوجود سابقا كما هو واضح ، و انما يكون الشك في وجود الحصة لاحقا عارضا على عين ما كانت متيقنة سابقا ، فيما شك في بقاء تلك الحصة السابقة فتامل(1)ولا ينتقض ما ذكرنا بالامور المتدرجة في الوجود كالزمان والحركة
ص: 493
ونحوهما ، بانه لاشبهة فى جريان الاستصحاب فيها، مع انها ليس لها بقاء كى يكون الشك فى وجودها لاحقا شكافي بقائها وذلك لما حقق فى محله من ان الامور المتدرجة فى الوجود مالم تنقطع، يكون لها وجود واحد مندرج، لان وحدتها الاتصالية عين وحدتها الوجودية فالاستصحاب فيها من قبيل استصحاب وجود الفرد، ويكون الشك في وجودها لاحقا شكافي بقاء ذلك الوجود الوحدانى المتدرج وهذا نظير استصحاب جريان ماء النهر عند الشك فى انقطاعه، فانه لاشبهة فى ان الشك فيه شك في بقاء الجريان لافي حدوثه، مع ان المتيقن سابقا جريانه من اجزائه غير ما هو المشكوك لاحقا جريانه منها، وليس ذلك الا لكون المتيقن جريانه سابقا من الاجزاء، له
ص: 494
الوحدة الاتصالية مع المشكوك جريانه لاحقا منها، المساوقة مع وحدتهما الوجودية بل عينها هذا كله مضافا الى ان الجامع بين الوجوبين حيث يكون الشك في بقائه و ارتفاعه مسببا عن الشك في اتيان صلوة تامة، فيكون اصالة عدم اتيانها حاكمة على استصحابه فتامل(1)، ومقتضاها وجوب القصر عليه فيهذه الصلوة المشكوك اتيانها و في غيرها من الصلوات الواجبة عليه وتوهم ان الاثر وهو القصر ليس مترتبا على عدم اتيان صلوة تامة فقط، بل مترتب على العدول في حال عدم الانيان بها، واصالة عدم الاتيان بها لا تثبت ان العدول وقع في تلك الحال مدفوع بالمنع، لان عبارة الصحيحة هكذا و ان كنت حين دخلتها على نية المقام فلم تصل فيها صلوة واحدة فريضة بتمام حتى بدالك ان لا تقيم الخ ، فانها كما ترى ظاهرة فى ترتب القصر على عدم اتيان الفريضة التامة الى زمان العدول ، نعم لو كانت عبارة الرواية وان بدالك ان لا تقيم و ان لم تصل صلوة فريضة بتمام لكان لهذا التوهم مجال لكنها ليست هكذا كما لا يخفى على من راجعها.
و اما الصورة الثانية وهى ما اذا شك في صحة الصلوة الماتى بها تماما قبل العدول عن نية الاقامة و هو فى الوقت ، فلا اشكال فى ان مقتضى قاعدة الشك الفراغ ، هو الحكم بصحه الصلوة الماتى بها قبل العدول ، فيترتب عليها اثار الصلوة التامة الصحيحة ، التي منها عدم تاثير العدول الواقع بعدها في لزوم القصر ، فيجب عليه التمام فى ساير الصلوات الواجبة عليه مادام لم ينشاء سفرا جديدا ، وذلك لان وقوع الصلوة الماتى بها بعد نية الاقامة ومستندة اليها و قبل العدول عنها ، محرز بالقطع والوجدان فاذا احرز صحتها بحكم القاعدة المزبورة ، فيتحقق الموضوع بجميع قيوده ، فيترتب عليه اثاره التى منها وجوب التمام مادام باقيا في محل
الاقامة.
و توهم ان قاعدة الفراغ و انكانت مجدية فى احراز صحة هذه الصلوة المشكوك صحتها، لكنها غير مجدية فى اثبات وجوب التمام في الصلوات الاتية، ولذا قلنا فيما اذا شك فى صحة الصلوة بعد الفراغ عنها عن جهة الشك في الطهارة
ص: 495
ان قاعدة الفراغ و انكانت مجدية في احراز صحة هذه الصلوة وكونها واقعة مع الطهارة، لكنها لا تجدى فى اثبات كون المصلى واجد اللطهارة كى يجوز له الدخول فى صلوة اخرى بدون تحصيل الطهارة مدفوع بالفرق بين ما نحن فيه والمثال، و ذلك لان وجوب التمام في سائر الصلوات فيما نخن فيه، من الأثار الشرعية لنفس الصلوة التامة الصحيحة، فاذا احرز بالقاعدة صحة هذه الصلوة التامة المشكوكة صحتها، فيترتب عليها في جميع اثارها التى منها وجوب التمام في سائر الصلوات، وهذا بخلاف المثال فان جواز الدخول في صلوة اخرى بلا تحصيل طهارة، ليس من الاثار الشرعية لصحة هذه الصلوة و وقوعها مع الطهارة، بل من اثاركون المكلف واجدا للطهارة واقعا، و من المعلوم ان قاعدة الفراغ لاتجدى فى اثبات الطهارة اصلا ولو ظاهرا، حتى بالنسبة الى الصلوة التى تجاوز محل احراز طهارتها، و انما تجدى فى اثبات تقيدها بالطهارة و مقافتها بها، و اثبات التقيد لا يجدى في اثبات القيد الاعلى القول بالاصل المثبت، وعلى فرض تسليم كونها مجدية في اثبات الطهارة بالنسبة الى هذه الصلوة، يكون اجدائها فى اثبات كون المكلف واجد اللطهارة في غاية المنع، ضرورة ان كونه واجدا لها من اللوازم العقلية لكون صلوته واقعة مع الطهارة ، لا الشرعية كى يجدى فى اثباته القاعدة المثبتة لوقوع صلوته مع الطهارة، حتى يصح له الدخول فى صلوة اخرى بدون تحصيل الطهارة.
و اما الصورة الثالثة وهى ما اذا شك فى اصل اتيان الصلوة التامة قبل العدول عن نية الاقامة وهو فى خارج الوقت، فلا اشكال فى ان مقتضى قاعدة الشك الوقت، هو الحكم باتيانها فى الوقت وعدم وجوب قضائها وانما الاشكال في انه هل يترتب عليهذه الصلوة المحكوم باتيانها بمقتضى قاعدة الحائل، آثار الصلوة التامة الماتى بها قبل العدول عن نية الاقامة ام لا، وغاية ما يمكن ان يقال في ترتب تلك الاثار عليهذه الصلوة، هى ان هذه القاعدة و ان لم تكن من الامارات، كي تجدى فى اثبات جميع ما يترتب على مؤداها من الاثار الشرعية ولو بالف واسطة ، بل هى من الأصول على ما حققناه فى الاصول ، فلا تجدى الا فى اثبات ما يترتب على
497
ص: 496
نفس مؤداها من الاثر الشرعي بلا واسطة امر عادي او عقلى، لكن الأثر في المقام ليس مترتبا على الصلوة التامة الماتى بها بعد النية وقبل العدول عنها، كي يقال ان قاعدة الحائل لا تجدى فى اثبات عنوانى البعدية والقبلية الا على القول بالاصل المثبت، بل الأثر مترتب على نية الاقامة والصلوة تماما مستندا الى نيتها، وهذا الموضوع المركب بعضه وهى نية الاقامة محرز بالوجدان، فاذا احرز بعضه الآخر و هى الصلوة تماما بالقاعدة ، فيتحقق الموضوع بلا جزئيه و يترتب عليه حكمه، بلا ابتناء على القول بالاصول المثبتة ولا يخفى مافيه اما اولا فلانه ليس في ادلة قاعدة الحائل مايدل على البناء على اتيان الصلوة في الوقت اذا شك بعد خروج الوقت في اتيانها فيه، و انما دلت ادلتها على عدم وجوب اعادة الصلوة فى خارج الوقت اذا شك في اتيانها في الوقت، ففى رواية زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام وان شككت بعد ما خرج وقت الفوت فلا اعادة عليك، ومن المعلوم ان عدم وجوب القضاء فى خارج الوقت، لا يجدى في اثبات اتيان الصلوة فى الوقت، کی بحرز به احد جزئى الموضوع و اما ثانيا فلان دعوى ان الأثر في المقام مترتب على الموضوع المركب من نية الاقامة والصلوة تماما ممنوعة جدا، ضرورة ان الظاهر من قوله علیه السّلام في صحيحة ابي ولاد ان كنت دخلت المدينة وصليت بها صلوة واحدة فريضة بتمام فليس لك ان تقصر، هوان الموضوع للحكم هو الصلوة تماما في حال نية الاقامة بناء على ظهور الواو في علیه السّلام قوله وصليت بها في الحالية ، و من المعلوم ان القاعدة لاتجدى فى اثبات اتيان الصلوة في حال نية الاقامة، الا على القول بالاصل المثبت، ضرورة ان المراد من الحال في المقام ليس هو الزمان، كى يقال ان مرجع اعتبار كون الصلوة فى حال نية الاقامة الى اجتماعهما فى زمان واحد، و هذا لا يوجب تقييدا كيلا يمكن اثباته بالقاعدة الا على القول بالاصل المثبت ، بل المراد من الحال هو الحال النحوى الذى لا شبهة في كونه من القيود سلمنا عدم ظهور الواو في قوله علیه لسّلام وصليت الا في مجرد العطف دون الحالية ، لكن قد عرفت ان الظاهر المتبادر من الصحيحة، اعتبار كون اتيان الصلوة تماما مستندا الى نية الاقامة، ومن المعلوم ان
ص: 497
القاعدة لا تجدى فى اثبات كونها مستندة الى نية الاقامة، الاعلى القول بالاصل المثبت و حينئذ فمقتضى علمه الاجمالى اما بوجوب الاتمام عليه لو كان اتيا بالصلوة تمام في الوقت، او وجوب القصر عليه لولم يأت بها كك في الوقت، هو الجمع بين القصر والاتمام و توهم ان هذا العلم الاجمالي ينحل ببركة اصالة عدم تحقق سبب الاتمام القاضية بالرجوع الى القصر مدفوع بان اصالة عدم تحقق سبب الاتمام معارضة باصالة عدم تحقق القصر، و ذلك لما عرفت من انه بناء على ما اختاره شيخنا الاستاد من انقطاع السفر بمجرد نية الاقامة، يكون وجوب القصر عليه فيما عدل عن نيته ولم يصل فريضة بتمام، حكما تعبديا بوجوب القصر على من انقطع سفره، فيكون وجوبه حينئذ مستندا الى نفس العدول ، قبل اتيان الفريضة التامة من حيث هو هو لا من حيث كشفه عن بطلان نية الاقامة من اصلها وعود سفره السابق، و ذلك لما عرفت من انه لا معنى لكشف العدول عن بطلان النية رأسا ومن الاصل وعود السفر بناء على كون النية بمجردها قاطعة له، أن لا يكون العدول كاشفا عن بطلان النية كك، وعود السفر الا فيما كان القاطع للسفر هي النية الغير المتعقبة بالعدول، و هذا خلاف ماهو المفروض من كون النية بمجردها قاطعة كما هو واضح ، فاذا كان الموجب لوجوب القصر على من عدل عن نية الاقامة ولم يصل فريضة بتمام، هو نفس العدول من حيث هو هو، وكان الموجب لوجوب التمام على من صلى فريضة بتمام قبل العدول، هو نفس اتيانه بفريضة تامة كما استظهر ناه من الصحيحة ، ففيما اذا شك في انه صلى فريضة بتمام قبل العدول كي يجب عليه التمام، اولم يصل فريضة كك قبله كي يجب عليه القصر، فلامحة تكون اصالة عدم تحقق الموجب لوجوب التمام، معارضة باصالة عدم تحقق الموجب لوجوب القصر كما هو واضح، فتبين مما ذكرنا انه ليس فيهذه الصورة الثالثة اصل موضوعى ينحل به العلم الاجمالى بوجوب الاتمام او القصر.
و اما الاصل الحكمى، فيكن التمسك باستصحاب وجوب التمام ، بناء على ما اختاره شيخنا الاستاد دام ظله من جريان القسم الثالث من استصحاب الكلى، فان
ص: 498
خصوص وجوب التمام المسبب عن نية الاقامة، و انكان مقطوع الارتفاع بارتفاع سببه بالعدول، وخصوص وجوبه المسبب عن اتيان صلوة فريضة تامة وانكان مشكوك الحدوث للشك في تحقق سببه كما هو المفروض، لكن الجامع بين الوجوبين اعنى الطبيعة المهملة باعتبار صرف الوجود الذي لا يرتفع الا بانعدام تمام الافراد، يكون متيقن التحقق سابقا مشكوك الارتفاع لاحقا ، فمورد الاستصحاب في الجامع باعتبار صرف الوجود متحقق بكلا ركنيه هذا وتأمل جدا وليعلم ان ما ذكرنا من عدم اصل موضوعى فيهذه الصورة ينحل به العلم الاجمالی، مبنى على ما اختاره الاستاد كون القاطع للسفر هو مجرد نية الاقامة، اذ بناء على ما قويناه من كون القاطع هى النية المتعقبة بالاقامة او الصلوة تماما، يكون المرجع عندالشك في اتيان الصلوة تماما قبل العدول، هو استصحاب عدم تحقق القاطع للسفر القاضى بالرجوع الى القصر كما هو واضح .
و اما الصورة الرابعة، وهى ما اذا شك فى صحة الصلوة الماتى بها قبل العدول عن نية الاقامة وهو فى خارج الوقت، فلا اشكال فى انه يترتب على صلوته آثار الصلوة الصحيحة الماتى بها بعد النية وقبل العدول عنها، التي منها وجوب التمام عليه مالم يرتحل عن محل الاقامة، وذلك لان مقتضى قاعدتى الشك بعد الفراغ و بعد الوقت هو الحكم بصحة الصلوة الماتى بها قبل العدول فاذا احرز صحتها بحكم القاعدتين، والمفروض ان وقوعها قبل العدول عن نية الاقامة محرز بالوجدان فيتحقق الموضوع بجميع ماله دخل فى ترتب الحكم عليه فيترتب .
بقى هنا صورة اخرى لابد من التعرض لها ، وهى ما اذا صدرعنه العدول عن نية الاقامة وصلوة رباعية ، ولكن شك فى ان عدوله عن النية كان بعد الصلوة كي یجب عليه البقاء على التمام او قبلها حتى يجب عليه القصر والظاهر انه ليس فيهذه الصورة اصل موضوعى ينحل به العلم الاجمالي بوجوب احد من التمام والقصر عليه لالما افاده الاستاد من عدم جريان استصحاب العدم فيما علم اصل وجود الشئ و شك في مبدء وجوده و تاریخه ، اذلم يعلم له وجه بعد تحقق ركنى الاستصحاب و هما
ص: 499
اليقين السابق والشك اللاحق فيه، فان اصل وجوده و انكان معلوما، لكنه في الازمنة التي يشك في تحققه فيها مشكوك، فيكون رفع اليد عن اثار عدمه في تلك الازمنة، نقضا لليقين بعدمه قبل تلك الازمة بالشك فيه في تلك الازمنة، فاستصحاب عدم كل من العدول والصلوة الى زمان وجود الاخر في نفسه لامانع عنه، بل لكون الاستصحاب فى كل منهما معارضا بمثله فى الاخر، و لعل هذا هو المراد مما افاده من عدم جريان استصحاب العدم فى المجهولى التاريخ، لاعدم تحقق المورد له فيه فتامل نعم لواريد بالاستصحاب اثبات عدم م كل منهما في حال وجود الاخر على نحو الربط، لم يكن لجريانه فى شئ منهما مجال اذ لاحالة سابقة متيقنة لهذا العدم الخاص كي يجرى فيه الاستصحاب كما هو واضح لكنك عرفت ان الاثر ليس مترتبا فى المقام على عدم الصلوة فى حال العدول، ولا على العدول في حال عدم الصلوة، بل مترتب على عدم الصلوة الى زمان العدول.
و اما الاصل الحكمى فقوّى الاستاد دام ظله الحكم بوجوب التمام عليه الثابت قبل الصلوة والعدول عن النية باستصحاب بقائه و توهم ان وجوب التمام الذي ثبت سابقا بسبب نية الاقامة، نقطع بانقطاعه بالعدول عن النية، و وجوبه في اللاحق انكان، فهو مستند الى سبب اخر و هو الصلوة التامة قبل العدول، فهو على تقدير وجوده غير وجوبه السابق، فلا يكون الشك فيه شكافى عين ماكان متيقنا في السابق ومعه لا يكون رفع اليد عنه بعدم البناء على وجوبه في اللاحق نقضا لليقين بالشك، بل يكون البناء عليه نقضا لليقين بالشك، ومجرد اتحاد الوجوبين في السنخ والطبيعة لا يصحح جريان الاستصحاب، الابناء على جريان القسم الثالث من استصحاب الكلى وقد حقق في محله عدم جريانه لان الشك فيه شك في الحدوث لا البقاء كى يجرى فيه الاستصحاب، و ذلك لان وجود الكلى فى ضمن الفرد المتيقن الوجود سابقا مقطوع الارتفاع ، و وجوده فى ضمن فرد اخر مشكوك الحدوث والاصل عدمه، لا مشكوك البقاء كى يكون مقتضى الاصل بقائه .
مدفوع اولا بما مر من ان وجوب القصر على من عدل عن النية قبل ان يصلى صلوة
ص: 500
تامة، ليس حكما تعبديا بوجوبه على القاصد للاقامة الذي هو بحكم الحاضر ، بل تحقق العدول عن النية، حيث يكون موجبا لرفع ماهو اثر النية من قطع السفر و وجوب التمام من حين تحققه، فيكون موجبا لعود العادل عنها الى ماكان عليه قبل النية من عنوان المسافر ، ويترتب عليه حكمه من وجوب القصر، و عليهذا لو تحقق العدول قبل الصلوة تماما، يعود العادل مسافر او يترتب عليه حكمه وجوب القصر، وان لم يتحقق العدول قبل الصلوة، يبقى العادل على ماكان عليه قبل العدول من كونه بحكم الحاضر فى وجوب التمام عليه، فعليهذا لوشك في تحقق العدول قبل الصلوة الذى هو موجب لعوده مسافرا، يكون شكه هذا موجبا للشك في بقاء وجوب التمام الذى كان ثابتا عند قصده الاقامة ، فيستصحب بقائه ، ومعه لاحاجة الى استصحاب القدر الجامع كي يمنع عن كون الشك فيه شكا في البقاء .
و ثانيا ان الشك في وجود القدر الجامع بين الوجوبين وهي طبيعة الوجوب المتحققة فى ضمنهما وان لم يكن شكافى البقاء لكن نمنع عن اعتبار كون الشك الماخوذ في مورد الاستصحاب شكافي البقاء، و ذلك لان المعتبر في صحة جريانه ليس الا صدق نقض اليقين بالشك، وصدق ذلك لا يتوقف على ازيد من تحقق اليقين بشئ سابقا وعروض الشك لاحقا فى عين ذلك الشئ المتيقن سابقا، اذ معه يصدق على رفع اليد عن المتيقن السابق بالشك فيه فى اللاحق، انه نقض لليقين بالشك، وهذا المناط متحقق فى القسم الثالث من استصحاب الكلى، كما في المقام حيث ان المتيقن فيه سابقا طبعة الوجوب والمشكوك عين تلك الطبيعة، فيكون الشك فيه لاحقا متعلقا بعين ما كان اليقين متعلقا به سابقا، و بهذا المناط صححنا جريان الاستصحاب فى الامور المتدرجة فى الوجود كالحركة والزمان و نحوهما، مع عدم تصور البقاء لها الا بالمسامحة العرفية ، هذه خلاصة ما افاده دام ظله في وجه جریان استصحاب وجوب التمام الذى كان ثابتا سابقا بسبب نية الاقامة نية الاقامة، و انت بعد الاحاطة بما ذكرناه في بيان حكم الصورة الاولى، يظهر لك عدم خلو ما افاده في تقريب
ص: 501
جريان هذا الاستصحاب عن النظر فتدبر (1)جيدا، فالاولى في تقريب جريان هذا الاستصحاب، ان يقال ان قصد الاقامة يكون سببا لانقطاع السفر حكما، وصيرورة القاصد لها بمنزلة الحاضر في خصوص وجوب التمام عليه، ما لم يعدل عن قصده قبل الاتيان بصلوة تامة و من المعلوم ان مع الشك في تحقق العدول عنه قبل الاتيان بصلوة تامة، و عدم و عدم اصل يحرز به تحققه قبل الاتيان بها، لمعارضة اصالة عدم الاتيان بالصلوة قبل العدول باصالة عدم العدول قبل الاتيان بها، وسقوطهما بالمعارضة، يكون المرجع استصحاب وجوب التمام الثابت سابقا بسبب قصد الاقامة ، لخلوه عما يكون حاكما عليه وتوهم ان وجوب التمام الذي جاء بسبب نية الاقامة، مقطوع الارتفاع بارتفاع سببه وهى النية بالعدول عنها، النية بالعدول عنها ، ومعه لا مجال لاستصحابه كما هو واضح مدفوع بان نية الاقامة وانكانت ترتفع بالعدول عنها سواء تحقق العدول عنها قبل انيان صلوة تامة او بعده، و لازمه ارتفاع ماجاء بسببها من وجوب التمام، لكن يستكشف من حكم الشارع بان القاصد للاقامة اناصلى صلوة تامة يجب عليه التمام مادام في محل الاقامة ولو عدل عن قصده بعد صلوته، ان النية المتعقبة بالصلوة النامة تكون قاطعة للسفر موضوعا، بحيث لا يؤثر رجوعه عن قصده في عوده مسافرا و وجوب القصر عليه اصلا هذا وتبصر.
الثالث من القواطع التردد في البقاء في محل والرحيل عنه الى ثلثين يوما ، فانه موجب لاتمام الصلوة فى ذلك المحل بعد انقضاء الثلثين، ولو اقام فيه بعده بمقدار اتیان صلوة ، ولا يخفى ان التردد كما اشرنا اليه في اول المبحث، من قواطع استمرار السفر لامن قواطع اصله، و ذلك لمامر هناك من ان التردد ليس قابلا لتعلق القصد به، كي يكون قصده في ابتداء السفر مانعا عن قصد اصل السفر كما هو واضح، ولعل ما ذكرنا هو الوجه فى ذكره في اغلب المتون في احكام السفر لا في عداد قواطعه فتدبر ، وكيف كان فاصل الحكم اعنى وجوب الاتمام بعد انقضاء الثلثين مما لاريب فيه، اذ يدل عليه مضافا الى عدم الخلاف فيه بل ادعى عليه
ص: 502
الاجماع في محكى الخلاف والمنتهى والذخيرة النصوص المستفيضة، ففى صحيحة زرارة عن ابيجعفر علیه السّلام فان لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج او بعد ، غدا خرج فقصر ما بينك وبين ان يمضى شهر فان اتم لك شهر فاتم الصلوة و ان اردت ان تخرج ساعتك، وفي صحيحة معوية بن وهب عن ابي عبد الله علیه السّلام و ان اقمت تقول غدا اخرج او بعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وما بين شهر فان اتم الشهر فاتم الصلوة ، و في صحيحة محمد بن مسلم سألته عن مسافر يقدم الارض فقال علیه السّلام ان حدثته نفسه ان يقيم عشرا فليتم و ان قال اليوم اخرج او غدا اخرج ولا يدرى فليقصر ما بينه و بین شهر وان مضى شهر فليتم، وفى حسنته وان لم بدي ما يقيم يوما او اكثر فليعد ثلثين يوماثم ليتم، وفي رواية أبي بصير فاذا بلغ الشهر فاتم الصلوة و ان قلت ارتحل غدا، وفي رواية ابي ايوب عن ابيجعفر علیه السّلام فان لم يدر ما يقيم يوما او اكثر فليعد ثلثين يوما ثم ليتم وان اقام يوما او صلوة واحدة ، وفي رواية منصور بن حازم عن ابيعبد الله علیه السّلام وان اقمت تقول غدا اخرج او بعد غد ولم تجمع على عشرة فقصر ما بينك وبين شهر فاذاتم الشهر فاتم الصلوة ، الى غير ذلك من الاخبار الصريحة فى ذلك ولا يعارضها خبر حنان عن ابيه عن الباقر علیه السّلام قال اذا دخلت بلدة فقلت اليوم اخرج او غدا اخرج فاستتمت عشرا فاتم ، لقصوره عن المكافئة للاخبار المتقدمة بعد اعراض الاصحاب عنه وقوة احتمال وقوع التحريف فيه وكون الأصل فاستتمت شهرا ، كما يؤيد ذلك ما حكى من ان الشيخ ، قده بعد ان روى هذه الرواية عن حنان ، قال وفي رواية اخرى بهذا الاسناد فاستتمت شهرا فاتم، فانه يغلب على الظن حينئذ اتحاد الروايتين في الاصل ووقوع التحريف في الأولى منهما و هذه الاخبار و انكانت متعارضة حيث ان ظاهر بعضها كرواية ابي ايوب وحسنة محمد بن مسلم هو كون المدار على الثلثين، وظاهر بعضها الآخر كصحيحتى زرارة و محمد بن مسلم وغيرهما هو كون المدار على الشهر، لكن مقتضى الجمع بينهما هو حمل الشهر على ارادة الثلثين، وذلك لان الشهر عبارة لغة وعرفا عما بين الهلالين سواء كان ثلثين يوما او تسعة وعشرين ، فهو مشترك معنوى بينهما و مقتضى الجمع
ص: 503
العرفى بين المطلق والمقيد، هو حمل المطلق وهو الشهر على المقيد ولا ينافي هذا الحمل مافي ذيل رواية معوية بن وهب، حيث قال قلت دخلت و هو الثلثين بلدا اول يوم من شهر رمضان ولست اریدان اقيم عشرا، قال علیه السّلام قصرا وافطر، قلت فان
مكنت كذلك اقول غدا او بعد غد فافطر الشهر كله واقصر، قال نعم هما واحد اذا قصرت افطرت واذا افطرت قصرت وذلك لان الامام علیه السّلام ليس فى مقام بيان التلازم بين الافطار والتقصير ، كي يدل على ان المدار في التقصير على الشهر كما ان عليه المدار في الافطار بل لما استبعد السائل حكمه علیه السّلام بالبقاء على الافطار والتقصير مالم يجمع على عشرة ، وتعجب من انه كيف يمكن ان يفطر الانسان جميع الشهر اراد علیه السّلام رفع استبعاده ببيان انه كما يجوز ان يقصر الانسان صلوته في جميع الشهر كذلك يجوز ان يفطر صومه فى جميعه و اما الجمع بين هذه الاخبار، بحمل مادل منها على كفاية الشهر، على ما اذا حصل التردد في اول الشهر ، و حمل مادل على اعتبار الثلثين على ما اذا حصل التردد في وسط الشهر ، ففيه ان هذا الجمع حيث لا يكون جمعا عرفيا يحتاج الى شاهد وليس هذا كله مضافا الى امكان ان يقال ان حمل الشهر على ارادة الثلثين، مما يقتضيه المناسبة بين الحكم والموضوع، بحسب ماهو المرتكز في اذهان العرف من خروج المسافر عن كونه مسافرا بالبقاء في محل واحد الى مدة ولومترددا، فان هذا المرتكز الذهني بعد مالم يكن لتلك المدة عندهم حد منضبط، يوجب ظهور ما دل على اعتبار مضى الثلثين في لزوم التمام في كونه فى مقام تحديد تلك المدة التي يوجب البقاء فيها في محل خروج المسافر عرفا عن كونه مسافرا، فيكون حينئذ ظاهرا فى ان المناط فى وجوب الاتمام، هو طول الزمان وكثرة الايام التى بقى فيها في محل واحد ، من دون مدخلية لعنوان الشهرية فى ذلك، فلا اشكال فى اصل الحكم وفى ان المدار فيه على مضى الثلثين.
وانما الكلام فى أمرين الاول ان التردد هل هو كالاقامة عشرا في كونها قاطعة للسفر موضوعا، كي يحتاج في العود الى القصر الى انشاء سفر جدید، املابل هو قاطع لحكم السفر فلا يحتاج في الرجوع الى القصر الى انشاء سفر جديد قد بقال
ص: 504
بالثانى من جهة اختصاص عموم التنزيل الوارد في صحيحة زرارة المتقدمة بقوله و هو بمنزلة اهل مكة، بالمقيم بها عشرا عن نية فلاوجه لالحاق المتردد به فيهذا الحكم.
وفيه اولا ماقيل من ان عموم التنزيل الوارد فى صحيحة زرارة ، و مختصا بالمقيم عشرا عن قصد ، لكن عموم التنزيل الوارد في صحيحة اسحق بن عمار قال سئلت ابا الحسن علیه السّلام عن اهل مكة اذا زاروا عليهم اتمام الصلوة قال علیه السّلام نعم
العالم والمقيم بمكة الى شهر بمنزلتهم، لولم يكن مختصا بخصوص المتردد الى مضى شهر، فلا اقل من عمومه له، اذ المراد من قوله علیه السّلام المقيم بمكة الى شهر ، اما خصوص المتردد او الاعم منه ومن الناوي ، وعلى اى تقدير يعم المتردد .
و توهم ان عموم التنزيل فيه-ذه الصحيحة للمتردد لا يخلو عن بعد ، بل يكون على بعض الفروض مخالفا للاجماع ، اذ المراد به على الظاهر هو المقيم بمكة الى شهر فى حال اشتغاله باعمال الحج، لا مطلق اقامته الى شهر فيها في غير اوان الحج اوفى سائر البلاد، كيف والا لم تكن مناسبة حينئذ في تنزيله منزلة اهلها في اتمام الصلوة عند انصرافهم من عرفات لزيارة البيت كما هو واضح وحينئذ لا يخلوا اما ان يريد به من اقام بمكة مترددا الى شهر قبل الخروج الى عرفات ، فهو مضافا الى كون عدم حصول قصد الاقامة ممن حضر مكة قبل الحج فرضا نادرا ، ينصرف عنه اطلاق لفظ المقيم الى شهر ، لا يصحح تنزيله منزلة اهل مكة في اتمام الصلوة عند انصرافهم من عرفات لزيارة البيت، الا اذا قيل بان محل الاقامة عشرا ناويا او ثلثين نويوما مترددا يكون بمنزلة الوطن في كون المرور عليه قاطعا لموضوع السفر والظاهر انه لا قائل به و اما ان يريد به من اقام بها مترددا الى شهر بعد الرجوع من عرفات، فهو لا يجدى فى تنزيله منزلة اهل مكة فى اتمام الصلوة عند الانصراف من عرفات للزيارة كما هو واضح و اما ان يكون المراد به من اقام بمكة مترددا الى شهر في حال اشتغاله باعمال الحج، فيلزم منه وجوب التمام على المقيم مترددا الى شهر مع خروجه في اثناء المدة الى المسافة، وذلك لخروجه في الاثناء الى عرفات التي
ص: 505
دلت النصوص على ان الخروج اليها سفر، وهذا على الظاهر خلاف الاجماع فاذا لم يصح ارادة المتردد من المقيم بمكة الى شهر، فيتعين ان يكون المراد منه المقيم بها الى شهر ناويا في حال اشتغاله باعمال الحج، واعتبار الاقامة الى شهر في تنزيله منزلة اهل مكة فهذا الحكم، و عدم الاقتصار على قدومه قبل التروية بعشرة ايام كما فى صحيحة زرارة، لعله بلحاظ اشتراطه باقامة جديدة بعد الانصراف من عرفات الزيارة.
مدفوع بانه يمكن ان يكون المراد من الصحيحة بعد الغاء خصوصية المورد، هو مطلق الاقامة الى شهر ولو فى غير مكة من سائر البلدان، والمراد من التنزيل حينئذ ليس هو التنزيل فى وجوب اتمام الصلوة عند الانصراف من عرفات لزيارة البيت، كى يقال لامناسبة حينئذ فى تنزيله منزلتهم فيهذا الحكم ، بل المراد هو تنزيله منزلة اهل مكة فى وجوب الاتمام عليهم فيها لكونها وطنا لهم فتدبر جيدا .
و ثانيا سلمنا عدم شمول هذه الصحيحة للمتردد، لكن يمكن الاستدلال على الحاقه بالمقيم عشرا عن نية فيهذا الحكم، بالنصوص الدالة على ان ناوى الاقامة عشرة ايام والمتردد الى مضى شهر يجب عليهما الاتمام، كحسنة ابن ابى ايوب قال سأل محمد بن مسلم اباجعفر عليهما السّلام و انا اسمع عن المسافر ان حدث نفسه باقامة عشرة ايام قال علیه السّلام فليتم الصلوة فان لم يدر ما يقيم يوما او اكثر فليعد ثلثين يوما ثم ليتم و ان اقام يوما اوصلوة واحدة ، وغيرها من النصوص المتكفلة لحكم كليهما و انه التمام وتقريب الاستدلال بهذه النصوص من وجهين احدهما ان ذكر المتردد مع الناوى للاقامة التى علم كونها من القواطع السفر موضوعا ، فهذه النصوص على نسق واحد ، يكشف عن تساويهما في الجهة المقتضية للاتمام التى هى فى الاقامة قاطعيتها للسفر فتدبر ثانيهما ان الظاهر المنساق الى الذهن من الأمر فيهذه النصوص بالاتمام مع نية الاقامة عشرا او البقاء مترددا الى ثلثين يوما، بواسطة ما هو المرتكز في اذهان اهل العرف من خروج المسافر عن كونه مسافرا بالبقاء في محل واحد الى مدة مطلقا ولو كان بقائه فيه لا عن قصد و مترددا، و انكان بينه و بين البقاء عن
ص: 506
قصد في نظرهم فرق، حيث يعتبرون فى المتردد اقامة مدة زائدة على ما يعتبرون في الباني على الاقامة، و عدم كون تلك المدة لها حد منضبط عندهم، هو كون هذه النصوص في مقام تحديد المدة التي يتحقق بالبقاء فيها في محل واحد خروج المسافر عن عنوان كونه مسافرا عرفا، وانها بالنسبة الى القاصد تتحقق بعشرة ايام و بالنسبة الى المتردد بمضى ثلثين يوما هذا كله مضافا الى امكان استظهار ذلك من قوله علیه السّلام في صحيحة ابي ولاد المتقدمة، و ان كنت حين دخلتها على نية التمام فلم تصل فيها صلوة فريضة واحدة بتمام حتى بدا لك ان لا تقيم، فانت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا واتم، و ان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك و مابين شهر، فاذا مضى لك شهر فاتم الصلوة، فان من حكمه علیه السّلام لمن رجع عن قصد الاقامة قبل الصلوة، بكونه مخيرا بعد الرجوع بين قصد الاقامة عشر او الاتمام و بين عدم قصدها والتقصير الى شهر والاتمام بعد مضيه يستفاد ان نية الاقامة وانكانت بمجردها قاطعة للسفر، لكن الرجوع عنها قبل الصلوة يرفعها فيعود سفره، ولذا لايجوز له الاتمام الا بان ينقطع سفره العائد ثانيا اما بقصد الاقامة او بمضى شهر مترددا، و المراد من كون الرجوع رافعا للنية، هو كونه رافعا لها تعبدا من حين الرجوع، لا حقيقة و من الاصل، كي ينافى ما هو المفروض من قاطعية نفس النية، التي قد عرفت انه لا معنى معها لعود السفر بالرجوع عنها والحاصل ان المستفاد من الصحيحة، بلحاظ ما في ذيلها من ان حكم الراجع عن قصد الاقامة قبل الصلوة حكم الداخل ارضا، في كونه مخيرا بين قصد الاقامة عشرا والاتمام و بين عدم والتقصير الى شهر والاتمام بعد مضيه هو ان نية الاقامة و ان كانت بمجردها قاطعة للسفر و موجبة للاتمام مطلقا بمقتضى مادل على وجوب الاتمام بمجرد نية الاقامة، فلا يمكن ان يكون الرجوع عنها كاشفا عن بطلانها من الاصل حقيقة، ولا سببا لارتفاعها كك من حين حصوله ولكن الشارع جعل الرجوع رافعا لها تعبدا من حين حصوله، فيعود سفره السابق تعبدا من هذا الحين ولذا لا يجوز له الاتمام بعد الرجوع الا بان ينقطع سفره ثانيا اما بقصده الاقامة عشرا او مضى شهر عليه مترددا، الا ان
ص: 507
سببيته لارتفاعها تعبدا انما هي فيما اذا لم يصل قبله فريضة بتمام والافتكون صلوته مانعة عن تاثيره في ارتفاعها و توهم انه كما يمكن ان يكون الرجوع رافعا للنية تعبدا من حين حصوله، كذلك يمكن ان يكون كاشفا عن بطلانها تعبدا من الاصل، فلاوجه لاستفادة خصوص الاول من الصحيحه مع عدم ظهور لها في خصوصه مدفوع بان الوجه فى استفادة خصوص الاول منها، هو ان تقييد الصحيحة لما دل على ان نية الاقامة قاطعة للسفر مطلقا بما اذا لم يرجع عنها ، ليس من التقييد بالمتصل كي يقتضى ان يكون القاطع للسفر هى النية التي لم يتعقبها الرجوع، كي يكون الرجوع كاشفا عن عدم تحقق القاطع من الاصل، بل تقييدها لادلة قاطعية النية مطلقا بما اذا لم يرجع عنها من التقييد بالمنفصل، و هو لا يقتضى ازيد من كون الرجوع من حين حصوله رافعا للقاطع، واما تقييد القاطع بعدم الرجوع كي يكشف الرجوع عن عدم تحقق القاطع من الاصل، فهو مما لا يقتضيه هذه الصحيحة فتدبر و توهم ان النية لو كانت قاطعة للسفر و موجبة للتمام مطلقا من غير تقييد بعدم الرجوع عنها، فكيف يمكن ان يكون الرجوع عنها موجبا للقصر مع استلزامه للتناقض مدفوع بان التناقض انما يلزم لوكان الرجوع موجبا للقصر مع بقاء النية، و اما لو كان ايجابه للقصر برفعه للنية ولو تعبدا فلا يلزم تناقض اصلا، و هذا نظير الفسخ بالنسبة الى البيع، فان البيع مقتض للملكية والسلطنه المطلقة للمشترى على المبيع، والفسخ يكون موجبا لرفع هذه السلطنة برفع مقتضيها اعنى البيع، لامع حفظ مقتضيها كي يستلزم ان لا يكون البيع مقتضيا للسلطنة المطلقة كى يلزم التناقض .
ثم ان مما استظهرناه من الصحيحة، من ان النية بمجردها قاطعة للسفر وموجبة للتمام مطلقا اى من غير تقييد بعدم الرجوع عنها، وان الرجوع رفع لها تعبدا من حين حصوله، و ان الصلوة قبل الرجوع ليست الا مانعة عن تاثيره في ارتفاع النية، من دون ان يكون لها تاثير فى وجوب الاتمام بالنسبة الى سائر الصلوات، بل وجوبه في جميع الصلوات مستندالى نفس النية ظهران ما ذكرناه في
ص: 508
كتاب الصلوة الصورة الثالثة من صور الشك في اتيان صلوة تامة بعد النية وقبل العدول عنها، من امكان التمسك لاثبات وجوب التمام باستصحاب الكلى الكلى والقدر الجامع بين الوجوبين، انما كان مبنيا على ما استظهرناه سابقا من الصحيحة، من كون وجوب الاتمام فى سائر الصلوات على من صلى فريضة بتمام قبل الرجوع، مستندا الى الصلوة قبل الرجوع واما على ما استظهرناه منها في المقام، من كون وجوب الاتمام في جميع الصلوات، مستندا الى نفس نية الاقامة، وان الصلوة قبل الرجوع عنها لاتؤثر الا فى المنع عن تأثير الرجوع في ارتفاع النية، فيمكن التمسك لاثبات وجوب التمام بعد الرجوع في تلك الصورة و سابقتها، باستصحاب خصوص وجوبه الثابت بالنية الى ماقبل الرجوع و توهم ان الشك في بقاء وجوبه الثابت قبل الرجوع، مسبب عن الشك فى إنه هل صلى فريضة بتمام قبله كي تكون مانعة عن تأثيره في ارتفاع النية ام لا، فيكون استصحاب عدم تحقق المانع عن تأثير الرجوع، حاكما على استصحاب وجوب التمام الثابت قبله مدفوع بان الشك في بقاء وجوب التمام وانكان مسببا عن الشك في اتيان فريضة تامة، لكن استصحاب عدم تحقق المانع عن تأثير الرجوع، معارض باستصحاب عدم تحقق الرافع للنية، و بعد تساقطهما بالمعارضة، يبقى استصحاب وجوب التمام سليما عما يكون حاكما عليه. كما ظهر ايضا مما استظهر ناه من الصحيحة في المقام من ان الرجوع رافع للنية تعبدا من حين حصوله فيعود سفره السابق تعبدا من هذا الحين، اندفاع ما ذكرناه سابقا، من ان القول بان القاطع هو مجرد النية، مستلزم لكون الحكم بوجوب القصر على من رجع عنها قبل ان يصلى فريضة بتمام، حكما تعبديا بوجوب القصر على من انقطع سفره توضيح الاندفاع هوانه بعد كون الرجوع رافعا تعبديا للنية وموجبا لعود السفر السابق، لا يكون وجوب القصر على الراجع عنها، الا حكما بوجوبه على من عاد سفره فيكون حكما على مقتضى القاعدة لاتعبديا على خلاف مقتضاها، نعم التعبد إنما يكون بالنسبة الى موضوع هذا الحكم لا بالنسبة الى نفسه فتدبر جيدا هذا ملحض ما افاده الاستاد دام ظله في تقريب استفادة الحاق
ص: 509
التردد الى مضى شهر بنية الاقامة، فى انقطاع السفر موضوعا بها وتوقف لزوم القصر الى انشاء سفر جديد من الصحيحة ولا يخفى مافيه من النظر لابتنائه على مقدمات غير خالية عن المناقشة منها كون نية الاقامة بمجردها قاطعة للسفر، فانك قد عرفت فيمامران ما استدل به على ذلك من صحيحة زرارة المتقدمة المشتملة على تنزيل القادم بمكة قبل التروية بعشر، لا يخلو دلالته على ذلك عن المناقشة فتدبر (1)و منها عود السفر المنقطع بالنية بالرجوع عنها ، فانك قد عرفت ان السفر بعد انقطاعه، لا يمكن عوده لاستحالة عود المعدوم ومنها كون الرجوع عن النية رافعا لها تعبدا وذلك لان الرجوع عن النية رافع لها حقيقة و تكوينا بل هو عين رفعها، و معه لا معنى لجعله رافعا لها تعبدا وتشريعا كما هو واضح ومنها دعوى دلالة حكمه علیه السّلام لمن رجع عن نية الاقامة بكونه مخيرا بعد الرجوع عنها بين قصد الاقامة والاتمام و بين عدم قصدها والتقصير الى شهر والاتمام بعد مضيه، على ان الرجوع حيث يكون رافعا للنية القاطعة للسفر و برفعه لها يعود سفره ، فلذا لايجوز له الاتمام الا بان ينقطع سفره العائد ثانيا اما بقصد الاقامة او بمضى شهر مترددا اذفيه انه يمكن ان يكون حكمه علیه السّلام بالتخيير بين ذينك الامرين بعد الرجوع عن نية الاقائمة، من جهة عدم كون نيتها الا قاطعة لحكم السفر، فاذا ارتفعت بالرجوع عنها عاد ما هو حكمه من وجوب القصر، ويتوقف جواز الاتمام له حينئذ على ان يقصد الاقامة او يبقى مترددا الى ان يمضي شهر و توقف الاتمام على الأمرين، كما يحتمل ان يكون لكونهما قاطعين للسفر موضوعا، كذلك يحتمل ان يكون لكونهما قاطعين له حكما ومعه لاوجه لاستفادة خصوص الاول من الصحيحة كما لا يخفى فتدبر (2) جيدا
ص: 510
الامر الثانى لا اشكال فى ان التردد مشترك مع الاقامة فى اعتبار كونه متواليا وفي محل واحد، وذلك لانه مضافا الى كونه مقتضى ماهر من المناسبة بين الحكم والموضوع، بحسب ماهو المرتكز في اذهان العرف من سلب عنوان المسافر عمن قام و بقى مدة في محل واحد ولو مترددا، يدل على اعتباره ظهور نفس مادل على اعتبار مضى ثلثين يوما في الحكم بوجوب التمام على المتردد، فان الظاهر المتبادر منه، ان الحكم بوجوب التمام عند مضيها، انما هو لكون البقاء مترددا في محل بهذا المقدا موجبا لخروجه عن كونه مسافرا فتدبر لكن الظاهر كفاية صدق التوالى عرفا فى ترتب وجوب الاتمام عليه، فعليهذا لايضر الخروج في الاثناء الى مادون المسافة مع الرجوع في يومه، ان معه يصدق عرفا انه اقام ثلثين يوما متوالية وهذا بخلاف ما اذا لم يرجع الا بعد مبيت ليلة، فانه يضر بصدق بقائه مترددا ثلثين متوالية، فيتوقف حينئذ ثبوت التمام له بعد الرجوع، على ان يبقى ثانيا مترددا الى ثلثين، ولا يكفى فى ثبوته انضمام يوم او يومين الى الايام السابقة، بعد ما عرفت من اعتبار الثوالى فى الثلثين ولا ينافي هذا ما ذكرناه سابقا في الخارج عن محل الاقامة الى مادون المسافة، من وجوب التمام عليه في الذهاب والقصد والاياب وانكان رجوعه الى محلها بعد مبيت ليلة وذلك اما اولا فلما ذكرناه هناك ايضا، من ان المراد من الاقامة التي تكون نيتها عشرا قاطعة للسفر، هى الاقامة بالمعنى المقابل للرحيل، فلا يضر الخروج عن محلها الى مادون المسافة والعود اليه بعد مبيت ليلة بصدق الاقامة عشرافيه و اما ثانيا فلان نية الاقامة بمجردها او بوصف تعقبها بصلوة تامة او باقامة عشرة ، تكون قاطعة للسفر و موجبة للزوم التمام مالم
ص: 511
ينشاء سفر ا جديدا، وهذا بخلاف الاقامة ثلثين يوما مترددا، فانها بوجودها الخارجي قاطعة للسفر ، فمالم تحقق بتمامها خارجا لم يترتب عليها وجوب التمام.
بقى هنا فرع ينبغى التعرض له ، وهوانه لو نوى الاقامة من ليس مكلفا بالصلوة والصوم فعلا كالحائض وغير البالغ بناء على ماهو المسلم من صحة نية الاقامة منهما ثم صار مكلفا بهما و عدل عن نية الاقامة قبل ان يصلى فريضة بتمام فهل يكون عدوله له عنها موجباً لارتفاعها و عوده بارتفاعها مسافرا كي يجب عليه التقصير والافطار اولا يكون . وجبا لارتفاعها كي يجب عليه الاتمام والصوم مالم يتلبس بسفر جديد وجهان ينشان من اطلاق قوله علیه السّلام في صحيحة ابي ولاد و ان لم تنو المقام عشرا فقصر ما بينك وما بين شهر ، ومن ان الحكم بكون الرجوع رافعا للنية وموجبا لعود السفر السابق حيث يكون تعبديا على خلاف مقتضى القاعدة فتدبر فلابد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن من مورد الصحيحة وهو ما اذا كان الناوى للاقامة مكلفا بالصلوة والصوم فعلا فلاتعم ما اذا لم يكن مكلفا بهما كك فتأمل جيدا.
الفصل الثالث في احكام المسافر، والبحث عنها يتم في طى مسائل الاولى انك قد عرفت ان وجوب التمام على الحاضر والقصر على المسافر تعيينى، لكن استثنى من ذلك موارد منها ما اذا سار اربعة فراسخ فمازاد ولم يبلغ سيره ثمانية فراسخ، فان بعض الاصحاب حكم فيه بالتخيير بين القصر والاتمام؛ ونحن قد تكلمنا سابقا فيهذه المسلة وقلنا ان الحق فيها تعين القصر لا التخيير بينه والاتمام فراجع ومنها ما اذا سافر بعد دخول وقت الصلوة، فان المحكى عن الشيخ قده في الخلاف انه يكون مخيرا بين القصر والاتمام، وحيث ان هذه المسئلة وقع الخلاف و كثر فيها الاقوال، فلابد من بسط المقال فيها كى يظهر ما هو الحق من بين الاقوال فنقول مستعينا بالله اذا دخل الوقت وكان المكلف حاضرا ثم سافر اوكان مسافرا ثم حضر والوقت باق، فهل العبرة فى وجوب القصر او التمام بوقت الوجوب مطلقا، او بوقت الاداء كك، او يتخير بين القصر والاتمام فى كلا الفرضين ، او يفصل بين سعة الوقت وضيقه فيتم مع السعة مطلقا ويقصر مع الضيق كك، وجوه بل اقوال اقواها هو الثانى اعنى كون العبرة بوقت الاداء مطلقا ويدل عليه مضافا الى كونه
ص: 512
كتاب الصلوي مقتضى القاعدة، بناء على ما هو الحق من ان ما بين زوال الشمس الى غروبها وقت اختيارى للظهرين، وما بين غروبها الى انتصاف الليل وقت اختيارى للعشائين، اذ بناء عليه يكون مقتضی اطلاق دلیل وجوب الاتمام على الحاضر، هو وجوبه عليه مطلقا ولو كان مسافرا فحضر، وكذا يكون مقتضى اطلاق دليل وجوب القصر على المسافر، هو وجوبه عليه مطلقا و لوكان حاضرا فسافسر، نعم بناء على ما نسب الى اكثر العامة و جماعة من الخاصة ، من كون الوقت الاول وقت الاجزاء لا الفضيلة يكون مقتضى القاعدة كون العبرة بوقت الوجوب اذ عليهذا المبنى تكون الصلوة بعد وقت الوجوب قضاء، فتتبع الاداء قصرا و اتماما روايات كثيرة منها صحيحة اسمعيل بن جابر، قال قلت لا بيعبد الله علیه السّلام يدخل على وقت صلوة الظهر وانا فى السفر فلا اصلى حتى ادخل اهلی، فقال علیه السّلام صل و اتم الصلوة ، قلت فدخل على وقت الصلوة وانا فى اهل اريد السفر فلا اصلى حتى اخرج ، فقال علیه السّلام فصل وقصر فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم، ولا يخفى اشعار ذيلها بان المخالفين كانوا مخالفين لهذا الحكم ، ولعل وجه مخالفتهم ما ذكرناه من جعلهم حد وقت الاجزاء للظهر من اول الزوال الى صيرورة ظل الشاخص مثله ، ومنه يظهران ماورد في بعض الاخبار من طرق الخاصة من انقضاء وقت الاجزاء للظهر بدخول وقت العصر وان مضى أربعة اقدام من زوال الشمس موجب لخروج وقت الظهر ، لابدان يحمل على التقية بعد ما تظافرت الاخبار الصحيحة بسعة وقت الظهرين الى الغروب و مما يدل على ان العبرة بوقت الاداء، ما فى الفقه الرضوى من قوله علیه السّلام فان خرجت من منزلك وقد دخل عليك وقت الصلوة فى الحضر ولم تصل حتى خرجت فعليك التقصير ، وان دخل عليك وقت الصلوة فى السفر ولم تصل حتى تدخل اهلك فعليك التمام ومنها صحيحة عيص قال سألت اباعبد الله علیه السّلام عن الرجل يدخل عليه وقت الصلوة في السفر ثم يدخل بيته قبل ان يصليها قال علیه السّلام يصليها أربعا وقال علیه السّلام لا يزال يقصر حتى يدخل بيته ، ولا يخفى صراحتها كسابقيتها في المدعى، نعم لا بد من تخصيص (تقييد خ) ذيلها وهو قوله علیه السّلام لا يزال يقصر اه، بما قبل وصوله الى حد الترخص ومنها صحيحة محمد بن مسلم قال قلت لا بيعبد الله علیه السّلام الرجل يريد السفر فيخرج حين
ص: 513
تزول الشمس فقال علیه السّلام اذا خرجت فصل ركعتين، ولا يخفى ان هذه الصحيحة قد رواها المشايخ الثلثة الكليني والشيخ الطوسى والصدوق قدس الله اسرارهم في كتبهم الا ان الكليني رواها بطريق آخر غير طريق الشيخ و الصدوق، فلا ينبغي الاشكال فى صحة سندها والاطمينان بصدورها كما لا ينبغي الاشكال فى ظهورها بل صراحتها فى المدعى، سواء كان المراد من قول السائل فيخرج حين تزول الشمس هو خروجه حين دخل الوقت، اوكان المراد خروجه حين دخول الوقت، اما على الاول فواضح و اما على الثانى فلانه اذا خرج المسافر من منزله اول الزوال، فلا شبهة في ان. الزمان الواقع بين آن خروجه و آن وصوله الى حد الترخص، يسع للصلوة مع جميع شرائطها، ومعه لا يبقى مجال لحملها على ما اذا خرج قبل مضى زمان يسع فعل الصلوة بجميع ما تحتاج اليه من الشرائط، واما احتمال كون المراد خروجه من حد الترخص حين زوال الشمس، فبعيد فى الغاية وضعيف الى النهاية ومنها خبر الوشاء قال سمعت الرضا علیه السّلام يقول اذازالت الشمس وانت في المصر وانت تريد السفر فاتم فاذا خرجت بعد الزوال قصر العصر، ولا يخفى ظهوره ايضا في المدعى، اذ الظاهر ان المراد من قوله علیه السّلام فاتم هو اتمام الظهر في المصر بقرنية ذكره علیه السّلام العصر وحدها بعد الخروج بقوله علیه السّلام فاذا خرجت بعد الزوال قصر العصر، فحاصل مفاده انه اذا دخل عليك الوقت وانت فى المصر و اردت ان تصلى الظهر حينئذ لادراك وقت الفضيلة فصلها تماما لانك لم تسافر بعد بل تريد السفر، واما صلوة العصر فحيث اخرتها لمكان استحباب التفريق الى ان خرجت فقصرها لانك تصليها في السفر و اما حمل هذه الاخبار على ما اذا خرج قبل مضى زمان يسع فعل الصلوة تامة بجميع شرائطها، فقد عرفت ما فيه ، عرفت ما فيه ، مضافا الى ظهور صحيحة اسمعيل والرضوى في الخروج بعد مضى زمان الصلوة بجميع شرائطها ، فان قول السائل في الاولى فلا اصلى حتى اخرج. وقوله علیه السّلام فى الثانى ولم تصل حتى خرجت ، ظاهران في تمكنه من اداء الصلوة قبل خروجه كما لا يخفى .
ولا تصلح لمعارضة هذه الروايات الروايات الدالة على ان الاعتبار بوقت الوجوب مطلقا، كصحيحة محمد بن مسلم قال سألت ابا عبد الله علیه السّلام عن الرجل يدخل
ص: 514
من سفره وقد دخل وقت الصلوة وهو فى الطريق فقال علیه السّلام یصلى ركعتين وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلوة فليصل اربعا ، وصراحتها في كون المدار على وقت الوجوب مطلقا مما لا يخفى و رواية بشير البنال قال خرجت مع ابی عبدالله علیه السّلام حتى ايتنا الشجرة فقال لى ابو عبد الله علیه السّلام يا بنال قلت لبيك، قال علیه السّلام انه لم يجب على أحد من اهل هذا العسكر ان يصلى اربعا غيرى و غيرك، و ذلك لانه دخل وقت الصلوة قبل ان نحزج ولا يخفى ظهورها في كون المدار على وقت الوجوب، و اما حمل قوله علیه السّلام قبل ان نخرج على الخروج عن حد التزخص ، فمضافا الى ابتنائه على كون محل الشجرة مارون حد الترخص و هو غير معلوم ، بعيد جدا و موثقة ثقة عمار عن ابيعبد الله علیه السّلام قال سئل عن الرجل اذازالت الشمس و هو فى منزله ثم خرج في سفره ، قال علیه السّلام يبدء بالزوال (1) فيصليها ثم يصلى الاولى بتقصير ركعتين لانه خرج من منزله قبل ان تحضره الاولى ، وسئل فان خرج بعد ماحضرت الأولى، قال يصلى الاولى اربع ركعات ثم يصلى بعد النوافل ثمان ركعات لانه خرج من منزله بعد ماحضرت الاولى، فاذا حضرت العصر صلى العصر، بتقصير وهي ركعتان ، لانه خرج فى السفر قبل ان تحضر العصر لكن هذه الرواية لظهورها فيما لم يقل به أحد من كون العبرة بوقت الفضيلة، يشكل الاعتماد عليها وصحيحة زرارة عن احدهما علیه السّلام انه قال في رجل مسافر نسى الظهر والعصر في السفر حتى دخل اهله قال علیه السّلام يصلى اربع ركعات، وقال لمن نسى الظهر والعصر وهو مقيم حتى يخرج قال علیه السّلام يصلى اربع ركعات في سفره، وقال علیه السّلام اذا دخل على الرجل وقت صلوة وهو مقيم ثم سافر صلى تلك الصلوة التي دخل وقتها وهو مقيم اربعة ركعات و هذه الصحيحة لما فيها من الاجمال لا تصلح تلاستشهاد بها للمدعى، و ذلك لان من المحتمل ان يكون المقصود بالفقرتين الاولتين منها، السؤال عمن نسى الصلوة في السفر في تمام الوقت و تذكر لها في الحضر، اونسيها في الحضر كك و تذكر لها في السفر، ويكون المراد من قوله علیه السّلام في الفقرة الاولى يصلى اربع ركعات، انه يصلى اربع ركعات قضاء عن مجموع الظهرين، والمراد منه في الفقرة الثانية انه يصلى اربع ركعات قضاء عن كالو احده
ص: 515
منهما، و يكون المراد من الفقرة الثالثة، بيان ما تضمنته الفقرة الثانية على سبيل الكلية، و ان اية صلوة رباعية حضر وقتها ولم يصلها حتى فات وقتها و هو مقيم ثم سافر وجب عليه قضاء تلك الصلوة رباعية، وعليهذا الاحتمال تكون الصحيحة دليلا على ان الاعتبار فى القضاء بحال الاداء، ولا ربط لها بما نحن فيه نعم لو كان المراد بالفقرتين الاولتين السؤال عمن نسى الظهرين حتى حضر بلده والوقت باق او نسيهما والوقت باق، لكانت الفقرة الثانية شاهدة للمدعى وتوهم اجمالها عليهذا الاحتمال ايضا لان قوله علیه السّلام يصلى اربع ركعات قابل لان يراد به یصلی کلامنهما اربع ركعات كي تكون العبرة بحال الرجوب أو يصيلي كليهما اربع ركعات کي تكون العبرة بحال الاداء مدفوع بان هذا الاجمال مرتفع ببيان المراد منها في الفقرة الثالثة، التى هى كالنص فى ارادة اربع ركعات بالنسبة التي كل صلوة و رواية ذريح المحاربي قال قلت لا بيعيد علیه السّلام اذا خرج الرجل مسافرا وقد دخل وقت الصلوة كم يصلى قال علیه السّلام اربعا، قال قلت و ان دخل وقت الصلوة و هو فى السفر قال علیه السّلام يصلى ركعتين قبل ان يدخل اهله وان وصل العصر فليصل اربعا(1) هكذا رواها في الحدائق على ما حكى عنه لكن المحكى عن البحارانه رواها فان دخل المصر بدل قوله وان وصل العصر، فالظاهر ان الاول من تحريف النساخ، وعلى اى حال ظاهر هذه الرواية ، هو التفصيل بين ما كان اول الوقت حاضرا فسافروبین عكسه ، وان العبرة فى الأول بحال الوجوب وفي الثاني بحال الاداء.
وجه عدم صلاحية هذه الاخبار لمعارضة الاخبار المتقدمة، مع قوة جملة من هذه الاخبار ايضا سندا ودلالة، مضافا الى كون الاخبار المتقدمة مشهورة بين القدماء والمتاخرين عملا، وكونها اقوى من هذه الاخبار سندا ودلالة، إذ عمدة هذه الاخبار صحيحتا محمد بن مسلم و زرارة، وكلتاهما قابلتان للحمل والتاويل اما الاولى فلا مكان ان يكون المراد من قول السائل فيها الرجل يدخل من سفره الخ، هو كونه مشرفا بالدخول، وحينئذ يكون المراد من قوله علیه السّلام في الجواب
ص: 516
يصلي ركعتين هو انه يصلى فى الطريق ركعتين، وان يكون المراد من قوله على وان خرج الى سفره وقد دخل وقت الصلوة فليصل اربعا، هو انه اذا اراد الخروج الى السفر بعد دخول الوقت فليقدم الصلوة تامة على الخروج ، نظير قوله تعالى و اذا قمتم الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم فان المراد منه اذا اردتم القيام الى الصلوة فاغسلوا وجوهكم و اما الثانية فلما مر من امكان ان يكون المراد منها بيان حكم من فات عنه الظهران في السفر نسيانا و تذكر بر لهما في الحضر، وحكم من فاتنا عنه في الحضر نسيانا وتذكر لهما فى السفر .
هوان الاخبار المتقدمة يكون احتمال التقية فيها بعيدا، بخلاف هذه الاخبار، فانها بناء على صحة ما نسب الى اكثر العامة من كون الوقت الأول هو وقت الاجزاء لا الفضيلة، تكون موافقة للتقية ، اذ عليهذا المبنى تكون الصلوة بعد وقت الوجوب قضاء فتتبع الاداء قصرا و اتماما فالحكم بان المدار على وقت الاداء كما هو مدلول الاخبار المتقدمة، يكون على خلاف هذا المبنى المنسوب الى اكثر العامة، فيكون مخالفا للتقية، وقد مر اشعار قوله علیه السّلام في ذيل صحيحة ابن جابر فان لم تفعل فقد خالفت والله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم بذلك، بخلاف الحكم بان المدار على وقت الوجوب كما هو مدلول هذه الاخبار ، فانه مما يقتضيه هذا المبنى فيكون موافقا للتقية ولو الزمانية منها . بل يمكن ادراج هذه في الاخبار المخالفة للكتاب والسنة ، و ذلك لما عرفت من انه بناء على ماهو الحق والمشهور من كون ما بين الزوال إلى الغروب وقتا اختياريا للظهرين وما بين المغرب الى انتصاف الليل وقتا اختياريا للعشائين يكون مقتضى اطلاق ادلة وجوب القصر على المسافر من الكتاب والسنة، هو وجوبه عليه مطلقا ولو كان حاضرا فسافر، و كذا يكون مقتضى اطلاق ادلة وجوب التمام على الحاضر من الكتاب والسنة، وجوبه عليه مطلقا ولو كان مسافرا فحضر، فالحكم بوجوب التمام عليه لو كان حاضرا فسافر ووجوب القصر عليه لوكان مسافرا فحضر ، كما هو مقتضى كون الاعتبار بوقت الوجوب، مخالف لاطلاق الكتاب والسنة ، فتبين مما ذكرنا ان الاقوى هو القول باعتبار وقت الاداء ، وان القول باعتبار وقت
ص: 517
الوجوب استنادا الى الروايات المزبورة ضعيف جدا.
واضعف منه ماذهب اليه الشيخ قده في محكى الخلاف من القول بالتخيير بين القصر والاتمام فى كلى فرضى المسئلة اذفيه ان التخيير انكان من جهة كونه المرجع عند تعارض الاخبار وتكافؤئها، ففيه ما عرفت من ترجيح مادل على اعتبار وقت الاداء سندا وجهة ودلالة وعملا، وانكان من جهة الجمع الدلالتي، كما حكى عنه انه قال فى الجمع بين اخبار الباب، ما حاصله انه اذا اختلفت الاخبار حملنا الدالة منها على كون الاعتبار بحال الاداء على الاستحباب والدالة منها على كونه مجال الوجوب على الاجزاء ففيه مضافا الى تابي مافي ذيل صحيحة اسمعيل بن جابر
المتقدمة من قوله علیه السّلام فان لم تفعل خالفت والله رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم عن هذا الجمع، انه على تقدير امكانه جمع تبرعى يحتاج الى شاهد خارجي ، وهو مفقود في المقام و انكان من جهة توهم دلالة بعض الاخبار عليه ، كصحيحة منصور بن حازم قال سمعت ابا عبد الله علیه السّلام يقول اذا كان في سفر فدخل عليه وقت الصلوة قبل ان يدخل اهله فان شاء قصر و ان شاء اتم والاتمام احب الى ففيه اولا انه لاصراحة لهذه الصحيحة في التخيير ، اذ يحتمل قريبا ان يكون المراد انه ان شاء صلى في الطريق قصرا وان شاء اخرها حتى يدخل اهله فيصلى تماما وثانيا انها اخص من المدعى ، لاختصاصها بما اذا كان أول الوقت مسافرا فحضر ، فلا دلالة لها على التخيير في العكس و ثالثا ان هذا القول لم يعرف القائل به الا الشيخ في بعض كتبه.
ومثله فى الضعف القول بالتفصيل بين سعة الوقت فيتم وضيقه فيقصر ، مستدلا بموثقة اسحق بن عمار، قال سمعت ابا الحسن علیه السّلام يقول في الرجل يقدم من سفره في وقت الصلوة، فقال علیه السّلام انكان لا يخاف فوت الوقت فليتم و انكان يخاف خروج الوقت فليقصر اذفيه مضافا الى اختصاص الرواية بمن كان اول الوقت مسافرا فحضر والوقت باق، فيكون القول بالتفصيل فى العكس بلا دليل، انه لاصراحة لها فيهذا التفصيل، اذ من المحتمل قريبا ان يكون المراد من الاتمام هو الصلوة في
اذمن المنزل ومن القصر هو الصلوة فى الطريق ، فالمعنى انه انكان لايخاف فوت الوقت
ص: 518
يؤخر الصلوة حتى بدخل اهله فيصلى تماما ، وانكان يخاف فوت الوقت بالتأخير فيصليها في الطريق قصرا ويشهد لهذا الحمل صحيحة محمد بن مسلم عن احدهما علیه السّلام فى الرجل يقدم من الغيبة فيدخل عليه وقت الصلوة، فقال علیه السّلام انكان لا يخاف ان يخرج الوقت فليدخل وليتم، و انكان يخاف ان يخرج الوقت قبل ان يدخل فليصل و ليقصر.
ومثلهما في الضعف ما حكى عن العلامة في بعض كتبه والشهيدين، من القول بالتفصيل بين المسئلتين، وان المدار على حال الوجوب لو كان اول الوقت حاضرا فسافر، وعلى حال الاداء لو كان اول الوقت مسافرا فحضر، اذلا مدرك على الظاهر لهذا التفصيل الا ما تقدم من رواية ذريح المحاربي، وهذه الرواية لكونها مروية عن كتاب محمد بن مثنى الحضرمي عن جعفر بن محمد بن شريح عن ذريح و هذا الكتاب والراوى الذى ينقل عنه صاحبه، حيث لا يكون معتمدا عليه حتى عند القائلين بهذا التفصيل، فلا تصلح للاستناد اليها فى القول به هذا مضافا الى ان دلالة هذه الرواية عليهذا التفصيل، مبنية على اشتراك الوقت للمظهرين من اول الزوال، کي يكون امره علیه السّلام بصلوة العصر تماما عند الوصول الى الاهل مع انه دخل وقتها في السفر، دليلا على كون المدار فيهذا الفرض على حال الاداء اذ بناء على كون وقت العصر بعد اربة اقدام من زوال الشمس، يكون للخدشة فى دلالتها عليهدا التفصيل مجال، إذ من المحتمل حينئذ ان يكون امره علیه السّلام باتيان العصر تماما عند الوصول الى المصر لاجل ان الوصول اليه كان قبل دخول وقت العصر او مقادنا معه وحينئذ تكون الرواية من الروايات الدالة على ان المدار على ان المدار على حال الوجوب مطلقا، ولم يكن لها دلالة عليهذا التفصيل اصلا فتبين مما ذكرنا ان ما حكى عن هؤلاء الاساطين من التفصيل بين الفرضين وان العبرة فى الاول بحال الوجوب وفى الثانى بحال الاداء لا وجه له نعم بناء على القول بان القصر من التكاليف الاضطرارية و ان التكليف الاصلى الاولى هو التمام، لكان للقول بهذا التفصيل وجه لكن المبنى بمعزل عن التحقيق والصواب، فظهر مما ذكر كله ان الاقوى كون العبرة بالنسبة الى الاداء بوقت الفعل مطلقا.
ص: 519
و اما القضاء فهل العبرة فيه باخر الوقت مطلقا وفى كلا الفرضين ، او بحال الوجوب كك، او يخير بين القصر والاتمام فى كليهما ، وجوه بل اقوال ذهب شيخ مشايخنا الانصارى قده وفاقا للمشهور الى الاول، وشيخنا الاستاد دام ظله الى الثانى وصاحب العروة قده الى الثالث واستدل الاستاد على ما اختاره، بكونه مقتضى القاعدة الاولية، مضافا الى دلالة بعض النصوص عليه اما كونه مقتضى القاعدة، فلانه على القول بكون المدار على وقت الاداء، يكون مخيرا بين قضاء القصر او الاتمام، لان الفوت عليهذا القول يكون مستندا الى ترك كلتا الصلوتين في كلتا حالتي الحضر والسفر، وعلى القول بكون المدار على وقت الوجوب، يتعين عليه قضاء ما وجب عليه منهما اول الوقت، لانه الفائت عليهذا القول كما لا يخفى، فيدور الامر بالنسبة الى القضاء بين التخيير والتعيين، وقد حقق في محله ان مقتضى القاعدة في دوران الامر بينهما هو الاخذ بالتعيين لانه القدر المتيقن على كل تقدير و توهم ان القضاء تابع لصدق الفوت، ومن المعلوم انه لا يصدق الفوت على القول باعتبار وقت الاداء، الا بترك الصلوة فى الحالة الاخيرة، فمقضى الاحتياط بالنسبة الى القضاء هو الجمع بين القصر والاتمام لانه موافق للقولين مدفوع بان القضاء و انكان تابعا لصدق الفوت، الا ان دعوى عدم صدقه على القول باعتبار وقت الاداء الابترك الصلوة فى الحالة الاخيرة ممنوعة جدا، ضرورة ان الفوت انما يتحقق بترك الصلوة في كلتا الحالتين، ولذالواتى عليهذا القول بالقصر فى حال السفرا وبالتمام في حال الحضر لم تفت عنه الصلوة، فالفوت يتحقق بترك الصلوة في كلتا الحالتين، فلاوجه لاستناده الى خصوص تركها في الحالة الاخيرة، هذا كله بحسب مقتضى القاعدة و اما بحسب النص، فيدل عليه خبر موسى بن بكير عن زرارة عن أبي جعفر علیه السّلام انه سئل عن رجل دخل وقت الصلوة وهو في السفر فاخر الصلوة حتى قدم هو يريد يصليها اذا قدم الى اهله فنسى حين قدم الى اهله ان يصليها حتى ذهب وقتها ، قال علیه السّلام يصليها ركعتين صلوة المسافر لان الوقت دخل وهو مسافر كان ينبغي له ان يصلى عند ذلك فان دلالة هذا الخبر على كون العبرة فى القضاء على وقت الوجوب واضحة، هذه
ص: 520
خلاصة ما افاده دام ظله في الاستدلال على ما اختاره من كون المدار في القضاء على وقت الوجوب ولا يخفى عليك ما فيه من النظر، توضيح ذلك هوانه لاريب في ان الفوت انما يصدق على ترك العمل الموقت الى انقضاء الوقت المضروب له، مع بقاء المقتضى لاتيانه الى آخر الوقت، بانكان التارك مكلفا به الى آخره وكان تركه له فى حال اشتغال ذمته به، و من المعلوم ان الصلوة المكلف بها في الحالة الاولى و انكانت متروكة الى انقضاء الوقت، لكن تركها فى الحالة الثانية العارضة على المكلف في آخر الوقت، انما هو لخلوها عن المقتضى لاتيانها فيها، وسقوط التكليف بها عن ذمته، بتبدله الى تكليف آخر ادائى من سنخه فيهذه الحالة، فالفائتة منه هي الصلوة الثانية التى تركت الى انقضاء الوقت، مع وجود المقتضى لاتيانها و كونها مكلفا بها الى آخر الوقت، دون الصلوة الأولى التى سقط التكليف بها في اثناء الوقت بتبدله الى تكليف ادائى بالصلوة الثانية.
و اما ما افاده دام ظله في الاستدلال على استناد الفوت الى ترك كلتا الصلوتين، من انه لو كان اتيا بالتمام فى حال الحضرا واتيا بالقصر فى حال الحضر، لما فاتت منه الصلوة ففوتها مستند الى ترك كليتهما، ففيه ان المراد من عدم فوت الصلوة باتيان احدى الصلوتين، انكان عدم فوت طبيعة الصلوة كما ظاهر قوله ففوتها مستند الى ترك كليتهما، ففيه ان طبيعة الصلوة و ان لم تفت باتيان احديهما، لان الكلى الطبيعى يتحقق بوجود فرد منه، لكن الطبيعة من حيث هي ليست مامورا بها في المقام، والالزم ان يكون المكلف مخيرا عقلا بين القصر والاتمام في تمام الوقت و في كلتا الحالتين، بل المامور به هى الطبيعة المقيدة بالتمام فى الحضر والمقيدة بالقصر في السفر وانكان المراد عدم فوت شئ من الصلوتين ولو من باب السالبة بانتفاء الموضوع، ففيه ان عدم فوت شئ منهما باتيان احديهما، انما هو لوحدتهما في الملاك، وكون المقصورة فى حال السفر واجدة لتمام ماهو الملاك للتامة في الحضر، فيكون الاتيان بالاولى منهما مانعا عن تحقق الملاك للثانية المقتضى للامر بها، والاتيان بالعمانية عند ترك الأولى جابرا لمافات من الملاك للاولى، فترك الأولى فى
ص: 521
الحالة الثانية، يكون فى حال فقدانها للملاك وسقوط التكليف بها عن المكلف و تبدله الى تكليف ادائى بالثانية، بخلاف ترك الثانية فى تلك الحالة، فانه يكون في حال وجدانها للملاك و ثبوت التكليف بها على المكلف، فهي الفائتة عنه لانها التي تركت الى انقضاء الوقت مع تحقق الملاك لها وتوجه التكليف بها الى المكلف، فهى التى يجب قضائها عليه كما فاتت، لا الاولى التى لم تفت بل تبدل التكليف بها الى تكليف ادائى بالثانية هذا و تدبر و مما ذكرنا ظهر اندفاع، ماقيل من ان الفائت هو التكليف في مجموع الوقت، والمفروض كونه مكلفا في بعضه بالقصر وفي بعضه بالتمام، فلاوجه لاستناد الفوت الى خصوص ماترك فى اخر الوقت توضيح الاندفاع هو ما عرفت من ان الوجه فى استناد الفوت الى خصوص ماترك فى اخر الوقت ، هو صدق الفوت على خصوص ترکه، و عدم صدقه على ماترك في اوله، فنسبة الفوت الى التكليف فى مجموع الوقت انما هو باعتبار جزئه الاخير، فهو من قبيل الصفة بحال متعلق الموصوف سلمنا ان الفوت مستند عقلا الى ترك الصلوة في مجموع الوقت، لكن نقول ان الشئ يستند عرفا الى الجزء الاخير من علته التامة، فلا يستند الفوت عرفا الا الى ترك الصلوة فى اخر الوقت الذى تحقق الفوت عنده، ومن المعلوم ان القضايا الشرعية ليست مبتنية على التدقيقات العقلية، بل على ما هو المتفاهم منها بحسب المحاورات العرفية، فاذا قال الشارع من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته، و كان العرف يرى استناد الفوت الى تركها في الجزء الاخير من الوقت الذي تحقق الفوت عنده، يكون مقتضى شمول اطلاقه لما نحن فيه، هو تعين قضا مافات منه في اخر الوقت و اما ما تمسك به دام ظله علی مختاره من خبر موسى بن بكير، ففيه ان دلالته علی مختاره من لزوم مراعاة وقت الوجوب بالنسبة الى القضاء، ولو على القول يكون العبرة في الاداء بوقت الفعل، قابلة للمنع، لان قوله علیه السّلام فيه لان الوقت دخل و هو مسافر كان ينبغي ان يصلى عند ذلك، ظاهر فى ان العبرة في الاداء لما كان بوقت الوجوب، وكان الواجب عليه اول الوقت هو القصر، فيجب عليه قضائه قصرا، فهذا الخبر من الاخبار الدالة على ان العبرة فى الاداء بوقت الوجوب، وان حملنا
ص: 522
قوله علیه السّلام كان ينبغى على الاستحباب، لاشعار كلمة ينبغي على ارادة الافضلية، كان دليلا على ما ذهب اليه الشيخ من التخيير بين القصر والاتمام بالنسبة الى الاداء ومقتضاه وانكان التخيير بينهما بالنسبة الى القضاء ايضا، الا ان حكمه علیه السّلام بالقصر بالنسبة اليه فى مورد السؤال، لعله لمراعاة افضليته تبعا لافضليته فيحال الاداء، و على اى حال لا دلالة لهذا الخبر على ان من كان وظيفته التمام بالنسبة الى الاداء لانه كان وقت الفعل حاضرا، يجب عليه القصر بالنسبة الى القضاء لانه كان وقت الوجوب مسافرا، كي يكون دليلا على ما اختاره دام ظله، من ان المدار في الاداء على وقت الفعل، و فى القضاء على وقت الوجوب هذا مضا الى مخالفة هذا التفصيل لما في النبوى المشهور من قوله صلی الله علیه و آله و سلّم من فاتته فريضة فليقضها كما فانته، و لقوله علیه السّلام في صحيحة زرارة يقضى مافاته كمافاته، الظاهرين في تبعية القضاء للاداء كما وكيفا كما لا يخفى.
و من الموارد المستثناة عن وجوب القصر على المسافر تعيينا ما اذا كان المسافر في احد من المواطن الاربعة مكة والمدينه والمسجد الجامع بالكوفة والحائر ، فان المشهور بين الاصحاب قديما و حديثا، هو ان المسافر يكون مخيرا في هذه المواطن بين القصر والاتمام مع كون الاتمام افضل، خلافا للمحكى عن الصدوق و بعض من تبعه من القول بتعين القصر فيها، و ان الافضل ان ينوى المقام بها عشرة ايام ليوقع صلوته تماما، وللمحكى عن العلمين السيد المرتضى قده و ابن جنيد، من القول بتعين التمام فيها و منشاء الخلاف اختلاف الاخبار الواردة في المسئلة، فان منها ما يدل على وجوب التمام تعيينا فيها، كصحيحة ابن الحجاج قال سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن التمام بمكة والمدينة فقال علیه السّلام اتم و ان لم تصل فيهما الاصلوة واحدة و رواية حماد عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال من مخزون علم الله الاتمام فى اربعة مواطن حرم الله الله و حرم رسوله علیه السّلام و حرم امیر المؤمنين علیه السّلام و حرم الحسين بن على علیه السّلام ومنها ما يدل على ان تلك المواطن كغيرها من الاماكن في وجوب القصر تعيينا مالم ينو المقام عشرا فيها ، كرواية معوبة عمار قال سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن
ص: 523
رجل قدم مكة فاقام على احرامه قال علیه السّلام فليقصر الصلوة مادام محرما ، ورواية ابن بزيع قال سئلت الرضا عن الصلوة بمكة والمدينة تقصيرا وتمام فقال علیه السّلام قصر مالم تعزم على مقام عشرة ايام ، ورواية معوية بن وهب به قال سئلت اباعبدالله علیه السّلام عن التقصير في الحرمين والتمام فقال علیه السّلام لا تتم حتى تجمع على مقام عشرة ايام، فقلت ان اصحابنا رواعنك انك انك امرتهم بالتمام، فقال علیه السّلام اصحابك كانوا يدخلون المسجد فيصلون وياخذون نعالهم ويخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلوة فامرتهم بالتمام ومنها ما يدل على التخيير، كرواية على بن يقطين عن أبي الحسن علیه السّلام في الصلوة بمكة قال علیه السّلام من شاء اتم ومن شاء قصر، ورواية حسين بن المختار عن ابى ابراهيم علیه السّلام قال قلت له انا اذا دخلنا مكة والمدينة نتم او نقصر قال علیه السّلام ان قصرت فذلك وان اتممت فهو خبريزاد، ورواية على بن يقطين قال سئلت ابا ابراهیم علیه السّلام عن التقصير بمكة فقال علیه السّلام اتم و ليس بواجب الا اني احب لك ما احب لنفسى ولا يخفى ان هذه الطوائف الثلث متعارضة، وقد
يقال في وجه الجمع بينها على وجه ينطبق على ماذهب اليه المشهور من الخيير بان مقتضى التعارض بين الطائفتين الاولتين الدالة احديهما على وجوب التمام والاخرى على وجوب لقصر هو التخيير، مضافا الى شهادة الطائفة الثالثة الدالة على التخيير عليهذا الجمع، فلا اشكال فيما ذهب اليه المشهور هذا ولا يخفى عليك مافيه، و ذلك لان ما ذكره من كون التخيير مقتضى التعارض بين الطائفتين الاولتين، انكان من جهة كونه المرجع بعد تعارضمها و تكافونهما وعدم امكان الجمع العرفى بينهما، ففيه ان بعد وجود الشاهد على الجمع بينهما في نفس اخبار المسئلة كما اعترف به لاتعارض بينهما، ومعه لاوجه للرجوع الى التخيير الذي هو المرجع عند تعارض الخبرين وتكافوئهما وانكان من جهة الجمع الدلالتي العرفي، بدعوى ان اخبار التمام حيث تكون نصا فى كفايته و ظاهرة فى تعيينه، و اخبار القصر نصا في كفايته وظاهرة فى تعيينه، فمقتضى حمل ظاهر كل منهما على نص الأخرى، هو التخيير بينهما وجواز الاكتفاء بكل منهما ففيه اولا ان هذا الجمع في المقام ليس
ص: 524
جمعا عرفيا، كى يرتفع به التعارض عن البين بحيث لا يبقى العرف متحيرا في استكشاف المراد من الدليلين، بل هو جمع تبرعى ضرورة ان كل كلام انما يكون مشتملا على مفاد واحد، و اشتماله على نص من جهة و ظهور من جهة اخرى، ليس
الا تحليليا، فلا يرجع التصرف فيه بحمل ظاهره على الى محصل يساعد عليه العرف والعقلاء و ثانيا ان في اخبار القصر ما يابي عن الحمل على مجرد الاكتفاء به، و هل ترى من نفسك امكان حمل قول الرضا علیه السّلام في رواية على بن حديد في جواب سؤاله عن الصلوة فى الحرمين ، لا يكون الاتمام الا ان تجمع على اقامة عشرة ايام وقوله علیه السّلام في صحيحة محمد بن اسمعيل في جواب سؤاله عن الصلوة بمكة والمدينة ، قصر مالم تعزم على مقام عشرة ايام وقول ابيعبد الله علیه السّلام في صحيحة معوية بن وهب ، نعم في جواب سئوله بقوله مكة والمدينة كسائر البلدان ، على ارادة مجرد الاكتفاء بالقصر حاشاك ثم حاشاك من ذلك و اما ما ذكره من كون الجمع بين هاتين الطائفتين بالحمل على التخيير، مما يشهد به الطائفة الثالثة الصريحة فى التخيير، ففيه ان حمل الطائفة الاولى الامرة بالتمام علی بیان مجرد افضلیته من القصر في تلك المواطن، بقرينة الطائفة الثالثة الصريحة في التخيير مع افضلية التمام، و انكان ممكنا بل متعينا حملا للظاهر على النص، لكن الطائفة الثانية الامرة بالتقصير، قد عرفت ان جلها لولا الكل ابية عن الحمل على مجرد الجواز، فالاولى بل المتعين حمل هذه الطائفة على صدورها تقية لموافقتها لمذهب اليه ابي حنيفة ولا يتمشى هذا الحمل فى الطائفه الاولى الامرة بالتمام بعد مخالفتها لما ذهب اليه ابو حنيفة من لزوم القصر وما ذهب اليه الشافعى من التخيير ، هذا مضافا الى اباء جملة منها عن الحمل على التقية، وذلك للتصريح فيها بان الاتمام في تلك المواطن الاربع من مخزون علم الله تعالى و انه من الامر المذخور فيها، و مقتضى ذلك كونه من الاسرار التي استود عنها الله عند رسوله صلی الله علیه و آله و سلّم و اوصیائه الطاهرين ، وامرهم باخفائه وعدم اظهاره الا لاهله من خواص الشيعة ففي صحيحة حماد بن عيسى عن ابيعبد الله علیه السّلام انه قال من مخزون علم الله تعالى الاتمام فى اربعة
ص: 525
مواطن حرم الله و حرم رسوله صلی الله علیه و آله و سلّم و حرم امیر المؤمنين علیه السّلام وحرم الحسين بن على علیه السّلام و فى مرسلة الصدوق عن الصادن علیه السّلام انه علیه السّلام قال من الامر المذخور اتمام الصلوة فى اربعة مواطن مكة والمدينة و مسجد الكوفة و حائر الحسين علیه السّلام وكيف يمكن حمل الأمر به فى تلك المواطن على التقية، مع ما في تلك الاخبار من التصريح بانه من الامور المذرخة المحزونة فى علم الله، المقتضى لكونه من اسراره المودعة عند رسوله صلی الله علیه و آله و سلّم و اوصیائها علیه السّلام، المقتضى لعدم اظهارهم علیه السّلام له الا للاوحدى من خواص شيعتهم حذرا عن اشاعته، و کیف یمکن حمل الامر به في الحائر الحسيني علیه السّلام على التقية ، مع كونهم علیه السّلام كانوا يجهدون بخفاء حضور شيعتهم عند حرمه علیه السّلام او توهم ان تعليله علیه السّلام في ذيل صحيحة معوية بن وهب المتقدمة، بانى امرتهم بالتمام في المدينة لان اصحابكم كانوا يدخلون المسجد فيصلون فصرا و ياخذون نعالهم و يخرجون والناس يستقبلونهم يدخلون المسجد للصلوة فامرتهم بالتمام، يدل على ان امره بالتمام كان للتقة، ومعه كيف يمكن حمل نهيه علیه السّلام فى صدر الرواية عن التمام على التقية مدفوع اولا بان الامر بالاتمام كيف يمكن ان يكون للتقية ، مع ما عرفت من مخالفة الاتمام لمذهب العامة وانهم بين قائل بالقصر وقائل بالتخيير، فالامر بالاتمام يكون على خلاف التقية، بل لوامرهم بالبقاء في المسجد والصلوة مع الناس قصر ا كان موافقا لها، ولذا حملنا الطائفة الثانية الامرة بالقصر على التقية لموافقتها لمذهب ابي حنيفة و ثانيا ان حمل امره علیه السّلام بالتمام في الذيل على التقية ، لا ينافي حمل نهيه علیه السّلام عنه في الصدر مالم يعزم على المقام عليها بعد اختلافهما في جهة التقية، فان حهة التقية في النهي عن التمام في الصدر ماذكرنا من كون التمام مخالفا لمذهب العامة، وجهة التقية فى الامر بالتمام في الذيل، هي كون خروجهم عن المسجد حال انعقاد الجماعة من العامة، معرضا المظنة عدم اعتنائهم بصلوة هؤلاء ، و ذلك مستلزم لوقوع الفتنة والفساد، اذ لا يسمع منهم الاعتذار عنهم بانا مسافرون فلا يصح منا الاقتداء بالمقيم، بعد كون جواز اقتداء المسافر بالمقيم و اتمام الصلوة معه من المسلمات عندهم، ولذا جعلوا ذلك
ص: 526
من ادلة ما ذهبوا اليه من تخيير المسافر مطلقا بين القصر والاتمام ، من جهة استفادتهم مجرد الرخصة فى القصر من قوله تعالى فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلوة فتبين مما ذكرنا ان الأقوى فى المسئلة ماذهب اليه المشهور من التخيير بين القصر والاتمام ذلك لما عرفت من انه مقتضى الجمع بين الاخبار بترجيح مادل منها على التمام جهة على مادل على القصر ، و ترجيح مادل على التخيير دلالة على مادل على التمام.
ثم لا يخفى اختصاص الاخبار الدالة على التخيير بخصوص الحرمين اى مكة والمدينة و اما حائر الحسين صلوات الله وسلامه عليه ، فتكون الاخبار الواردة فيه على طائفتين، احديهما مادل على وجوب التمام فيه وهي كثيرة ، ثانيتهما مادل على وجوب القصر فيه ، و هي رواية عمار بن موسى قال سئلت ابا عبد الله علیه السّلام عن الصلوة في الحائر قال علیه السّلام ليس الصلوة الا الفرض بالتقصير ولا تصل النوافل و اما مسجد الكوفة فليس فى الاخبار الواردة فيه الا الامر بالاتمام و حينئذ فيشكل ما ذهب اليه المشهور من القول بالتخيير فيهما ايضا ، و يمكن الاستدلال له فيهما ايضا بذكرهما مع الحرمين في بعض الاخبار على نسق واحد ، ففي صحيحة حماد بن عيسى عن ابي عبد الله علیه السّلام ان من مخزون علم الله الاتمام فى اربعة مواطن حرم الله وحرم الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم وحرم امير المؤمنين علیه السّلام وحرم الحسين علیه السّلام بن على علیه السّلام، وفي
مرسل الصدوق عن الصادق علیه السّلام ان من الامر المذخور اتمام الصلوة في اربعة مواطن مكة والمدينة ومسجد الكوفة و حائر الحسين علیه السّلام، فان ذكرهما في الروايتين مع الحرمين على نسق واحد ، والاخبار بان الاتمام فى الجميع من مخزون علم الله تعالى و من الأمر المذخور ، مشعر بل دال على مساواتهما للحرمين في الجهة المقتضية للاتمام هذا مضافا الى مافى بعض الروايات من الدلالة الواضحة على افضلية الاتمام في جميع المواطن الاربعة ، ففى رواية زياد الفندى قال قال ابو الحسن علیه السّلام یا زیاد احب لك ما احب لنفسى واكره لك ما اكره لنفسى اتم الصلوة بالحرمين وبالكوفة وعند قبر الحسين علیه السّلام، هذا كله مضا الى ان الامر بالاتمام في تلك المواطن
ص: 527
حيث يكون واردا عقيب الحظر والمنع عن الاتمام فى مطلق السفر، فلادلالة له على ازيد من الترخيص والجواز.
بقى الكلام في امور الاول قد اختلف الاصحاب فى تحديد محل التخيير في المواطن الاربعة ، فذهب جماعة الى ان محله هو الحرم بالمعنى الذى يكون اوسع من البلاد ، فان حد الحرم في مكة بريد في بريد ، و في المدينة من عائر الى وعير على ما في بعض الاخبار من ان ما بين لابيتهما في كربلا خمس فراسخ من
اربع جوانب على مافى بعض الاخبار، نعم بناء على ما في رواية حسان بن مهران من فول امير المؤمنين علیه السّلام ان مكة حرم الله و المدينة حرم رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم والكوفة حرمى ، ينطبق الحرم على البلد وذهب جمع الى ان محله هو البلدان اى مكة والمدينة وكوفة وكربلا ، وآخر الى ان محله نفس المسجد الحرام ومسجد الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم و مسجد الكوفة وحرم الحسين علیه السّلام، بالمعنى الدائر في الستنا المقابل للرواق والصحن ومنشاء الاختلاف اختلاف النصوص الواردة في الباب ، اذفي بعض منها جعل محل التخيير حرم الله وحرم رسوله الله صلی الله علیه و آله و سلّم و حرم امير المؤمنين علیه السّلام الحسين علیه السّلام، و في بعض منها جعل محله مكة والمدينة و كوفة وكربلا ، وفى بعض منها جعل محله مسجد الحرام ومسجد الرسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم ومسجد الكوفة وعند قبر الحسين علیه السّلام و مقتضى الجمع بين هذه الطوائف الثلث ، هو الاخذ بالا وسط الاقوال بالنسبة الى مكة والمدينة ، وذلك لانه قد فسر الحرمان في بعض الاخبار بمكة والمدينة ، ففى صحيحة على بن مهزیار عن ابيجعفر الثاني علیه السّلام فقلت اي شئ تعنى بالحرمين فقال علیه السّلام مكة والمدينة ، فان صراحة هذه الصحيحة في ان المراد محل التمام هو البلدان لاخصوص المجدين مما لا يخفى على من راجعها ، فلا يصلح المعارضتها الاخبار الظاهرة فى اختصاص هذا الحكم بالمسجدين ولا مجال لدعوى صراحة تلك الاخبار ايضا في الاختصاص بالمسجدين ، بعد ماهو المحتمل من كون ذكر خصوصهما لاجل غلبة وقوع الصلوة سيما من المسافرين فيهما ، حيث ان المسافرين الى مكة والمدينة غالبا يصلون في المسجد ، بل لاتصلح تلك الاخبار
ص: 528
مع ذهاب هذا الاحتمال فيها، لمعارضة الصحيحة ولو على تقدير ظهورها في التوسعة وذلك لما مر كرارا من ان القيد اذا كان منفصلا و احتمل وروده مورد الغالب ، لا يصلح لتقييد المطلق الوارد في مقام البيان المنعقد ظهوره في الاطلاق فتدبر كما لامجال لدعوى معارضتها بالاخبار الدالة على اوسعية محل التخيير من البلدين كالاخبار المذكور فيها لفظ الحرم لا لما قيل من عدم التنافى بين المطلق والمقيد المثبتين ضرورة عدم منافاة ثبوت الحكم للمقيد لثبوته للمطلق ، كي يقع بينهما التعارض ، وذلك لان عدم التنافي بين المطلق والمقيد ، انما هو فيما اذا لم يكن دليل المقيد دالا على اختصاص الحكم، به كما في المقام حيث ان المنساق من مثل قوله علیه السّلام من الامر المذخور اتمام الصلوة فى اربعة مواطن مكة والمدينة ومسجد الكوفة و حائر الحسين علیه السّلام، اختصاص هذه المواطن بهذا الحكم من بين سائر الاماكن و عدم تعديه عنها الى غيرها من الامكنة بل الوجه لعدم المجال لتلك الدعوى ، هو كون هذه الصحيحة شارحة ومبينة للمراد من لفظ الحرم الواقع في تلك الاخبار ، فتكون حاكمة عليها لامعارضة بها و اما بالنسبة الى مسجد الكوفة ، فمقتضى ما ذكرناه في الحرمين ، وانكان هو الاخذ بالمتوسط من الاقوال والحكم بالتخيير في خارج المسجد ايضا ، لجريان عين ما ذكرناه في الحرمين فيه ايضا ، وذلك لتفسير حرم امير المؤمنين علیه السّلام بالكوفة فى بعض الروايات ، ففى رواية ابن مهرانالمتقدمة عن ابيعبد الله علیه السّلام عن أمير المؤمنين علیه السّلام و الكوفة حرمى ، وفي رواية عاصم بن عبدالواحد قال سمعت ابا عبد الله علیه السّلام يقول مكة حرم الله و المدینه حرم محمد صلی الله علیه و آله و سلّم والكوفة حرم على بن ابيطالب (ع) ، وفى رواية الفلانسى الكوفة حرم الله وحرم رسول الله (ص) وحرم امير المؤمنين (ع)، واحتمال كون اختصاص الحكم في بعض الاخبار بمسجد الكوفة ، لاجل غلبة وقوع صلوة المسافرين فيه، ومعه لا يصح رفع اليد به عن اطلاق لفظ الكوفة الوارد في مقام البيان في خبر زياد القندي لكن من المعلوم ان استفادة كون هذه الاخبار فى مقام شرح الحرم الذي جعل محلا لجواز الاتمام فيه للمسافر فى غاية الاشكال ، وذلك لما هو المحتمل جدا ان يكون
ص: 529
المراد من كون الكوفة حرما له (ع) هو مجرد كونه محترما لاجله (ع)، كما يشعر بذلك قوله (ع) في ذيل رواية ابن مهران المتقدمة لا يريدها جبار بحادثة الاقصمه الله ، هذا مضافا الى ان رفع اليد عن ظهور الروايات الكثيرة البالغة حد الاستفاضة المتضمنة لذكر المسجد، فى ارادته بالخصوص ، بظهور خبر زياد و نحوه في ارادة مجموع الكوفة، فى غاية الاشكال، بل لا يبعد القول بتعين رفع اليد عن ظهور خبر زياد فى ارادة مجموع البلد ، بظهور تلك الروايات فى ارادة المسجد بالخصوص، وذلك لان احتمال كون اختصاص الحكم به فى تلك الروايات على كثرتها لاجل غلبة وقوع الصلوة فيه ضعيف جدا، فالقول باختصاص الحكم بخصوص المسجد اقتصارا فى رفع اليد عن عموم ادلة التقصير فى السفر على القدر المتيقن، لا يخلو عن قوة كما انه احوط هذا.
و اما بالنسبة الى الحائر فلابد من الاخذ بالقدر المتيقن من جميع الاخبار، وذلك لان الاخبار الواردة في محل التخيير في هذا الموطن على طوائف ثلث ، فان منها مادل على انه عند قبر الحسين صلوات الله وسلامه عليه، و منها مادل على انه الحائر الذى لم يصرح به الا فى مرسلة الصدوق المتقدمة عن الصادق (ع)، و منها مادل على انه حرم الحسين (ع) ولا يخفى ان كلا من هذه الالفاظ لا يخلو عن اجمال اما لفظ عند فلان مفهومه من المفاهيم المقولة بالتشكيك، والقدر المتيقن منه ماحول القبر المطهر الشريف، اعنى الحضرة المقدسة فقط او مع المسجد الواقع عقیب الرأس وما يقال من ان ماحول القبر من الحضرة المقدسة والمسجد، انما يكون قدرا متيقنا من مفهوم عند القبر بالنسبة الى بعض الناس، فان هذه اللفظة مما يختلف اطلاقها بحسب الاشخاص، فان المجاورين لا يطلق عليهم انهم عند قبر الحسين (ع) الا فيما اذا تشرفوا الى الحضرة المقدسة، اعنى مادار سور المشهد المقدس والمسجد الواقع عقيب الرأس عليه ، وهذا بخلاف الزائرين فانهم يطلق عليهم انهم عند قبر الحسين (ع) بمجرد تشرفهم الى كربلا، ولذا لوسئل عنهم المراجعة كم توقفتم في كربلا، يقولون كنا عشرين يوما او شهرا عند قبر الحسين (ع)
ص: 530
مع انهم لم يتشرفوا الى الحضرة المقدسة في كل يوم وليلة ازيد من ساعة او ساعتين فيه ان اطلاق انهم عند قبر الحسين (ع) على الزائرين بمجرد تشرفهم الى كربلا اطلاق اضافي بالنسبة الى بلادهم لاحقيقى، ولذا لوسئلوا في نفس كربلا عندذها بهم الى الحضرة او ايابهم منها الى اين تذهبون او من این تجیون، يقولون نذهب عند الحسين (ع) اونرجع من عنده (ع) و اما لفظ الحائر فلاختلاف التفاسير فيه، ففى محكى السرائر انه ما دار سور المشهد والمسجد عليه دون ما دار سور البلد عليه، لان ذلك هو الحائر حقيقه، لان الحائر فى لسان العرب الموضع المطمئن اى المنخفض الذي يحارفيه الماء ، ولذا قال في محكى الارشاد عند ذكره من قتل معه علیه السّلام من اهله، الحائر محيط بهم الا العباس علیه السّلام فانه قتل على المسناة اى الموضع المرتفع المسناة ، وفى محكى البحاران بعضهم ذهب الى ان الحائر مجموع الصحن المقدس ، و بعضهم الى انه القبة السامية، وبعضهم الى انه الروضة المقدسة و ما احاط بها من العمارات القديمة من الرواق والمقتل والخزانة وغيرها، ثم قال والاظهر عندى انه مجموع الصحن القديم، لاما تجدد في الدولة الصفوية و اما لفظ الحرم فلاختلاف الاخبار في تحديد حرمه الشريف، ففي بعضها انه خمس فراسخ من اربع جوانبه، و فى بعضها انه فرسخ فى فرسخ مع أربع جوانب القبر وبعد اجمال هذه الالفاظ لاختلاف التفاسير والاخبار في معناها، و كون الحكم اعنى التخيير بين القصر والاتمام على خلاف القاعدة، لابد من الاقتصار على القدر المتيقن من جميعها ، وهو اطراف الضريح المقدس والله العالم بحقايق احكامه.
المسئلة الثانية لواتم المسافر صلوته فيما يتعين عليه التقصير، فلا يخلو اما ان يكون ذلك، لجهله بالحكم مركبا اوبسيطا، او بالموضوع كك، اما لشبهة مفهومية كما اذا كان جاهلا بحد المسافة، اولشبهة مصداقية كما اذا كان جاهلا ببلوغ مسيره الى حد المسافة، أو لنسيانه للحكم بعد العلم به، اوالموضوع مفهوما او مصداقا، فهيهنا صور الاولى ان يكون اتمامه للصلوة لجهله بالحكم مركبا، بان لم يلتفت اصلا الى ان للمسافر حكما غير ما هو المقرر للحاضر، لا اشكال فی
ص: 531
صحة صلوته واجزائها عن القصر، وان التفت بخلافه فى الوقت، على ماهو المشهور المدعى عليه الاجماع و يدل على ذلك صحيحة زرارة و محمد بن مسلم قالا قلنا لا بي جعفر (ع) رجل صلى فى السفر اربعاً ابعيدام لاقال (ع) انكان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له فصلى اربعا اعاد و ان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه، وظهورها فى نفى الاعادة مطلقا لا في الوقت ولا فى خارجه واضح، لا لمجرد اطلاق قوله (ع) لا اعادة عليه ، بل لان نظر السائل فى سئواله عن وجوب الاعادة على المتم فى السفر الى الاستعلام عن صحة ماصلاه تماما وفساده، فيكون تفصيله (ع) في الجواب بين العالم بالحكم والجاهل به، راجعا اليهما اى الى الصحة والفساد ايضا، فالتعبير عنهما بنفى الاعادة و اثباتها تعبير عن الملزوم باللازم، والتقيد بقوله (ع) وفسرت له، اما لكون المتم عجميا لا يعرف اللسان، واما الكون متخيلا ان المراد من قوله تعالى في آية التقصير فليس عليكم جناح الخ هو الرخصة لا العزيمة، فالمراد انه لو كان علم بوجوب القصر في السفر فصلوته فاسدة والافصحيحة ولا يعارضها مادل على وجوب الاعادة على المتم فى السفر مطلقا في الوقت وخارجه، كرواية الحلبي قال قلت لا بيعد الله (ع) صليت الظهر اربع ركعات و انا في السفر قال (ع) اعد، وخبر الاعمش المروى عن الخصال وان من لم يقصر فى السفر لم تجز صلوته اما عدم معارضة رواية الحلبى للصحيحة ، فلظهورها في خصوص النسيان ، بقرنية كون السائل مثل الحلبى الذى هو اجل شأنا من ان يصلى في السفر تماما عمدا أو جهلا ، وعلى تقدير تسلیم شمولها للجهل ايضا، بان يكون سئواله عن قضية فريضة لاعن قضية راجعة الى نفسه، يتعين تخصيصها بالصحيحة، لاختصاصها بالجاهل كما اشرنا و توهم ان النسبة بينها و بين الصحيحة عموم من وجه، عموم من وجه، لاختصاصها بصلوة الظهر وعمومها للجاهل والناسى، و اختصاص الصحيحة بالجاهل وعمومها لكل صلوة ، فيقع التعاض بينهما في مادة الاجتماع وهى ما اذا اتم الظهر جهلا مدفوع اولا بان الظاهر ان قوله فى الرواية صليت الظهر ليس لاجل خصوصية للظهر، بل انما ذكره من باب المثال انكان سئواله عن قضية فرضية، أو من اجل
ص: 532
ان خصوصه صارا محلا لابتلائه، انكان سئواله عن قضية راجعة الى نفسه و ثانيا سلمنا اختصاص الرواية بالظهر، لكن لاشبهة في اظهرية الصحيحة في مادة الاجتماع فيتعين اخراجها عن اطلاق الرواية هذا.
و اما عدم معارضة المروى عن الخصال للصحيحة، فلانه لاريب في كونه اعم من الصحيحة ومن رواية العيص الانية الدالة على التفصيل بين الوقت وخارجه فلابد من تخصيصه بهما، و اخراج الجاهل والناسى فى تمام الوقت عن اطلاق قوله (ع) فيه لم تجز صلوته، فيختص حينئذ بالعامد والناسى الذى تذكر في الوقت و توهم عدم شمول هذه الاخبار للعامد، لعدم المصداق له خارجا او ندرته غاية الندرة، ضرورة ان المكلف العاقل الذي يكون في مقام امتثال امر الشارع، يستحيل عادة ان يخل بشئ مما اعتبر فى المامور به شطرا اوشرطا وجودا او عدما عمدا الا ان يكون لاغيا او معاندا مدفوع بان الشرطية الاولى من الصحيحة، و هى قوله (ع) انكان قرئت عليه اية التقصير وفسرت له فصلى اربعا الخ، ان لم تكن ظاهرة في خصوص العامد فلا اقل من شمولها له ايضا و توهم انها و انكانت باطلاقها شاملة للعامد ايضا، الا انه لندرة مصداقه بل عدمه خارجا يكون الاطلاق منصرفا عنه مدفوع بامكان ان يكون المراد ممن قرئت عليه اية التقصير وفسرت له فصلى اربعا هو بعض من العامة ، حيث انهم قرئت عليهم اية التقصير، وفسرها لهم المتنا صلوات الله عليهم بان المراد من قوله تعالى فيها ليس عليكم جناح هو الوجوب والعزيمة لا الرخصة، و مع ذلك يتمون الصلوة في السفر عنادا و توهم ان التفسير ليس له موضوعية، بل هو طريق الى احراز المراد الواقعى من الاية، ولعلهم لم يحصل لهم العلم بما هو المراد واقعا منها من تفسير الامام (ع) مدفوع بان الامام(ع) فسر الاية بالاستدلال، حيث انه (ع) لما قال لزرارة ومحمد بن مسلم التقصير في السفر واجب كوجوب التمام في الحضر مستدلا باية التقصير، قالا انما قال الله عز وجل ليس عليكم جناح ان تقصروا، ولم يقل افعلوا كي يدل على وجوب القصر في السفر، فقال (ع) في جوابهما ماحاصله، ان كلمة لاجناح كما استعملت فيهذه الاية، كك
ص: 533
استعملت فى اية الحج حيث قال الله تعالى فيها لا جناح عليه ان يتطوف بهما ، فكما علمنا من عمل النبى صلی الله علیه و آله و سلّم ان المراد من هذه الكلمة في اية الحج هو الوجوب والعزيمة لا الرخصة ، كذلك نعلم من عمله صلی الله علیه و آله و سلّم ان المراد منها فيهذه الاية ايضا هو الوجوب والعزيمة فدعوى ان اتمامهم فى السفر لعله كان لعدم حصول العلم لهم بالمراد الواقعي من الاية من تفسير الامام (ع) مع استدلاله سلام الله عليه بما عرفت کماتری فتدبر جيدا و يشهد لما ذكرنا من كون المراد ممن قرأت عليه اية التقصير وفسرت له فصلى اربعا هو بعض العامة ، ما فى ذيل الصحيحة من قوله (ع) وقد سافر رسول الله الله صلی الله علیه و آله و سلّم الى ذى خشب وهى مسيرة يوم من المدينة يكون اليها بريدان اربعة و عشرون مبلا فقصر وافطر فصارت سنة ، وقد سمى رسول الله (ص) قوما صاموا حين افطر (ص) العصاة الى يوم القيمة و انا لنعرف ابنائهم وابناء ابنائهم الى يومنا هذا ولا يعارض الصحيحة ايضا مادل على التفصيل بين الوقت وخارجه ، كرواية العيص بن القسم قال سئلت اباعبدالله (ع) عن رجل صلى وهو مسافر فاتم الصلوة قال (ع) انكان فى وقت فليعد وانكان الوقت قدمضى ولا وذلك لامكان حملها على النسيان ، بقرينة رواية أبي بصير عن ابيعبد الله (ع) قال سئلته عن الرجل ينسى فيصلى في السفر اربع ركعات قال (ع) ان ذكر فى ذلك اليوم فليعد وان لم يذكر حتى يمضى ذلك اليوم فلا اعادة عليه ، وعلى تقدير تسلیم شمولها للجهل ايضا ، يتعين تخصيصها بالصحيحة لاختصاصها بالجاهل بالحكم كماسياتى انشاء الله تعالى بيانه وعلى تقدير تسليم كون النسبة بينهما عموما من وجه، لعموم رواية العيص للجهل والنسيان و اختصاصها بالاعادة في الوقت، وعموم الصحيحة للاعادة فى الوقت وخارجه واختصاصها بالجاهل نقول لاشبهة في لزوم تقديم الصحيحة ، لان اخراج مادة الاجتماع وهى اعادة الجاهل فى الوقت عن عموم الصحيحة مستلزم لطرحها راسا، و ذلك لما اشرنا اليه من ظهور الصحيحة فى ارادة الصحة، و من المعلوم ان الصحة ليست قابلة للتبعيض بحسب الاثار ، سلمنا عدم ظهورها فى ارادة الصحة و ان ظهورها فى نفى الاعادة مطلقا انما هو لمكان الاطلاق، لكن بعد اتفاق الاصحاب على عدم وجوب الاعادة على الجاهل
ص: 534
بالحكم مطلقا ولو فى الوقت، لابد من اخراج مادة التعارض من اطلاق رواية العيص.
الصورة الثانية ان يكون اتمامه للصلوة لجهله بالحكم بسيطا بانكان شاكا فيه، والاقوى فيها بطلان صلوته، و ذلك لاختصاص الصحيحة بالجاهل المركب الذي يعتقد باتحاد المسافر مع الحاضر فى الحكم لالما توهم من انه لوشملت الصحيحة للجاهل البسيط لزم سد باب تعلم هذا الحكم، لان الشاك اذا علم انه لوصلى تماما في السفر تكون صلوته صحيحة مجزية ، فلا داعى له الى الفحص والسؤال عن حكم المسافر، كي يدفع بانه لامنافاة بين ايجاب التعلم على الشاك والحكم بصصة صلوته لوترك التعلم وصلى تماما في السفر، اذ يكفي في دعوته الى التعلم نفس ايجابه عليه نفسا ولو لمصلحة فى الغير فتدبر بل لان الصحيحة تكون كحديث لاتعاد في كونها متعرضة لمرحلة الامتثال وسقوط التكليف، فتختص بما اذا شرع المكلف فى المعل باعتقاد صحته و مطابقته للمامور به ثم انكشف بعد الفراع عنه خلافه، ومن المعلوم ان الشاك المتردد فى الحكم لا يمكن له الشروع في العمل باعتقاد الصحة والا لم يكن شاكا، نعم له الشروع فيه رجاء او بحكم الاستصحاب لو كانت له حالة سابقة كما في المقام، بعد الفحص عن الدليل على خلافها وعدم العثور عليه، لكن قد حقق في محله ان الاتيان بالعمل رجاء او بداعى الامر الظاهرى، انما يكون مجزيا عند المطابقة للمامور به الواقعى لا مطلقا ولوعند المخالفة له.
الصورة الثالثة ان يكون اتمامه للصلوة لجهله بالموضوع بسيطا او مركبا، سواء كان لشبهة موضوعية أو مفهومية والظاهر فيها بطلان صلوته وعدم اجزائها عن تكليفه بالقصر، و ذلك لان الظاهر من قوله (ع) فى الصحيحة المتقدمة ان قرئت عليه آية التقصير وفسرت له، «الخ» هو اختصاص الحكم بمن اتم موضع القصر للجهل باصل الحكم، فلا ما اذا كان الاتمام للجهل بالموضوع، هذا مع ان الجاهل بالموضوع داخل فيمن قرئت عليه آية التقصير وفسرت له المحكوم بالاعادة في الصحيحة نعم فيما اذا كان جهله بالموضوع لشبهة مصداقية، كما اذا صلى تماما
ص: 535
باعتقاد ان مقدار سيره ليس مسافة، قد يتوهم صحة التمام واجزائه في حقه، بدعوى ان في باب القصر والاتمام يكون لنظر السائر و اعتقاده دخل في موضوع الحكم، لكنه فاسد لان دعوى مدخلية اعتقاد السائر في هذا الباب في موضوع الحكم، كباب الولاية والتولية دعوى بلادليل، بل الظاهر ان حكم القصر والاتمام مرتب على العناوين الواقعية كسائر موضوعات الاحكام نعم حيث ان موضوع الحكم فيهذا الباب يكون من العناوين العرفية ، فيكون الموضوع الشرعي في باب المسافة والتحديدات الواردة فيها من انها ثمانية فراسخ ممتدة او ملفقة وتحديد الفرسخ بانه ثلثة اميال ، كلها منزلا على ما يراه العرف ثمانية فراسخ اوثلثة اميال فالمدار فيهذا الباب على ما هو الموضوع عرفا لاعلى ما اعتقده المسافر.
الصورة الرابعة ان يكون اتمام المسافر لنسيانه حكمه بعد العلم به ، وفى فساد صلوته وعدمه وجهان، من انه وانكان جاهلا بالحكم فعلا، الا انه يصدق عليه انه ممن قرئت عليه آية التقصير وفسرت له، فيكون مشمولا للشرطية الاولى من الصحيحة الامرة بالاعادة ، ومن انه وانكان عالما بالحكم سابقا، ولكنه جاهل به فعلا و انکان جهله به مستندا الى نسيانه له، و ليس لقرائة آية التقصير و تفسيرها موضوعية، وانما هي طريق الى العلم بالحكم ، فالمناط في وجوب الاعادة وعدمه، هو الاتمام موضع القصر عالما بالحكم او جاهلا به، والمفروض ان الناسي انما اتم جاهلا بالحكم، ومجرد كون جهله به مستندا الى نسيانه له، لا يوجب الفرق بينه و بين الجاهل البدوى، بعد كونهما مشتركين فى مناط الحكم ، فتعمه الشرطية الثانية النافية للاعادة بمناطها، بل لا يبعد دعوى ظهورها فى ان الجاهل الذى اتم صلوته لجهله بالحكم فى حالها لا اعادة عليه، في قبال من اتمها عالما بالحكم متعمدا ولذا نفى الاستاد دام ظله البعد عن الوجه الثانى فتدبر جيدا فان دعون كون المناط في عدم الاعادة هو مطلق الجهل بالحكم من اى سبب حصل، مع احتمال ان يكون لخصوص الجهل الناشى عن عدم الاطلاع على الدليل الشرعى على الحكم او عدم ظهوره في التعيين ، مدخلية فى الحكم بعدم الاعادة ، كما ترى مما عهدتها على مدعيها ثم
ص: 536
على تقدير عدم عموم الصحيحة لناسى الحكم رأسا ، وعدم دخوله لا في شرطيتها الاولى ولا فى شرطيتها الثانية، يكون مقتضى اطلاق روايتي العيص وابي بصير المتقدمتين المفصلتين بين الوقت و خارجه ، وجوب الاعادة عليه لو تذكر في الوقت و عدمه لو تذكر في خارجه وكذا الحكم فى الصورة الرابعة، وهى ما اذا كان اتمامه الصلوة النسيان الموضوع، بان نسى مفهوم السفر و انه اعم من الثمانية الامتدادية اونسى كونه مسافرا، فانه يجب عليه الاعادة فى الوقت دون خارجه، لروایتی ابی بصیر والعيص المتقدمين الشاملتين باطلاقهما لناسى الموضوع ، هذا فيما اذا كان الاتمام لنسيان الحكم او الموضوع.
و اما اذا كان السهو في مقام العمل خاصة، بانكان عالما بالحكم والموضوع ولكنه غفل وصلى تماما سهو اجريا على عادته في الحضر فهل يجب عليه الاعادة مطلقا او فى الوقت خاصة دون خارجه فيه وجهان، ذهب شيخنا الاستاد دام ظله الى الثانى وفاقا لجمع من الاساطين، لاطلاق رواية العيص المقدمة الشامل للمقام ايضا ، خلافا للسيد ره في العروة، حيث حكم بوجوب الاعادة مطلقا ولو بعد مضى الوقت، و لعله لدعوى اختصاص الرواية بالناسى و هوغير الساهي، وفيه انه لا وحه لحملها على خصوص الناسى، ودلالة رواية ابى بصير المتقدمة عليهذا التفصيل في خصوصه، لاتصير قرنية على صرف هذه الرواية عن ظهورها في الاطلاق.
بقى الكلام في امور الاول هل الصحيحة تختص بالجاهل باصل الحكم، او تشمل الجاهل بخصوصياته ايضا، كالجاهل بانقطاع كثرة السفر بالاقامة عشرا عن قصد، وانقطاع سفر المعصية بالعود الى قصد الطاعة ونحوهما وجهان بل قولان اقواهما الأول، وذلك لما عرفت من ان الظاهر من قوله (ع) فى الصحيحة ان قرئت عليه آية التقصير و فسرت له الخ، هو اختصاص الحكم بمن اتم موضع القصر لجهله باصل الحكم هذا مع ان الجاهل بهذه الخصوصيات داخل فيمن قرئت عليه آية التقصير و فسرت له، و ذلك لان الاية المباركة ليست الا فى مقام تشريع اصل القصر على المسافر، واما سائر احكامه من وجوب القصر على المطيع في سفره، وعلى من انقطع
ص: 537
كثرة سفره، وعلى من قصد الاقامة ورجع عن قصده قبل ان يصلى فريضة رباعية بتمام و غير ذلك من الاحكام، فليست الاية الشريفة بصدد بيانها اصلا كما لا يخفى، فاذا كان الجاهل بهذه الخصوصيات داخلا فيمن قرئت عليه آية التقصير و فسرت له، فتعمه الشرطية الاولى القاضية بالاعادة مطلقا هذا ولكن مقتضى دقيق النظر عدم شمول الصحيحة بشرطيتها الاولى ايضا للمقام، وذلك لان هذه الشرطية ليست بصدد بيان ان كل من اتم في السفر عالما باصل الحكم يجب عليه الاعادة مطلقا، ولو كان اتمامه العارضة كالجهل بالموضوع او نسيانه او الجهل بخصوصيات الحكم او نسيانها، بل انما هي فى مقام التعريض على المخالفين الذين قرئت عليهم آية التقصير و فسرها لهم الائمة المعصومون سلام الله عليهم، ومع ذلك يتمون الصلوة في السفر لعدم الاعتناء بما ورد منهم (ع) في تفسيرها، فاذا لم تكن الصحيحة بكلا شقيها شاملة للمقام، فيعمه اطلاق رواية العيص المتقدمة الدالة على وجوب الاعادة فى الوقت دون خارجه.
الثانى لاشبهة فى ان مقتضى القاعدة الأولية فيهذه المسئلة، هو بطلاق الصلوة مطلقا كان الاتمام موضع القصر ناشئا عن الجهل بالحكم او الموضوع او نسيانهما، اولم يكن ناشئا عن ذلك بل كان سهوا في مقام العمل مع العلم بالحكم والموضوع والالتفات اليمها وذلك لاستلزامه لزيادة الركن التى تكون مبطلة مطلقا كانت عمدا او جهلا او نسيانا اوسهوا ، وعليه فلابد في الخروج عن مقتضى هذه القاعدة الاولية ، من الاقتصار على مقدار دلالة الدليل ، والرجوع فى غيره مما لم يكن مشمولا له الى القاعدة الاولية المقتضية للاعادة مطلقا اداء وقضاء.
فالمهم بيان ما يستفاد من مجموع الاخبار الواردة في المسئلة على خلاف القاعدة الاولية فنقول اما صحيحة زرارة و محمد بن مسلم، فقد عرفت اختصاصها بالجاهل بالحكم جهلا مركبا، وعدم شمولها الجاهل به بسيطا ولا الجاهل بالموضوع بسيطا ومركبا، ولا الناسى للحكم الاعلى احتمال ولا الناسى للموضوع، ولا الساهي في مقام العمل و اما رواية العيص الدالة على الاعادة فى الوقت و عدمها في خارجه،
ص: 538
فالظاهر شمولها لجميع هذه الاقسام، الا الجاهل بالحكم او الموضوع بسيطا اى الشاك المتردد، لما عرفت في وجه عدم شمول الصحيحة له، ولاوجه لحملها على خصوص الناسى مع عدم قرنية هناك تصرفها عن ظهورها في الاطلاق ، نعم لابد من تقييدها بالصحيحة بالنسبة الى الجاهل بالحكم جهلا مركبا وكذا الناسى للحكم بناء على احتمال شمول الصحيحة له و توهم ان الصحيحة بناء على شمولها لناسي الحكم، تكون معارضة برواية ابي بصير المتقدمة، و هى اخص من الصحيحة لاختصاصها بالناسي والاعادة فى الوقت فلابد من اخراج الناسى للحكم عن الصحيحة مدفوع بان رواية أبي بصير وانكانت مختصة بالناسي، الا انها تعم الناسى للحكم والموضوع كليهما، فتكون من هذه الجهة اعم من الصحيحة ، فتكون النسبة بينهما عموما من وجه و توهم ان النسبة بينهما وانكانت عموما من وجه، لكن الرواية اظهر فى الشمول لناسى الحكم من الصحية، و مقتضاه اخراجه عن اطلاق الصحيحة مدفوع بمنع اظهريتها من الصحيحة فى الشمول لناس الحكم، بل لا يبعد دعوى اختصاص الرواية بخصوص الناسي الموضوع فتدبر جيدا.
فتبين مما ذكرنا ان غير الشاك المتردد اما ان يكون محكوما بعدم الاعادة مطلقا لا في الوقت ولا في خارجه، كالجاهل بالحكم مركبا والناسى له بناء على شمول الصحيحة له و اما ان يكون محكوما بعدم الاعادة في خارج الوقت كالجاهل بالموضوع مركبا والناسى له وللحكم بناء على عدم شمول الصحيحة له، وكالساهي فى مقام العمل مع علمه بالموضوع والحكم و تذكره لهما، فما يظهر من بعض من الحكم بالاعادة مطلقا بالنسبة الى الساهي، لاوجه له بعد ماعرفت من شمول اطلاق رواية العيص له.
الثالث هل الصوم ملحق بالصلوة فيهذا الحكم ام لا وجهان بل قولان اقواهما الالحاق ، لالعموم قوله علیه السّلام في الصحيحة وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه، لمنع شمول قوله علیه السّلام فلا اعادة عليه للصوم، بعدكون المنفى هو اعادة خصوص الصلوة، بقرنية كون المثبت في الشرطية الاولى هو اعادة خصوصها
ص: 539
بل لما ورد من الاخبار الكثيرة فيه بالخصوص ففى صحيحة عبد الرحمن بن ابيعبد الله عن ابيعبد الله علیه السّلام سألته عن رجل صام شهر رمضان في السفر فقال علیه السّلام انكان لم يبلغه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء وقد اجزء عنه الصوم وفى صحيحة الحلبى قلت لابيعبد الله علیه السّلام رجل صام فى السفر فقال علیه السّلام انكان بلغه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهى عن ذلك فعليه القضاء وان لم يكن بلغه فلاشئ عليه و في خبر عيص عن ابيعبد الله علیه السّلام قال من صام فى السفر بجهالة لم يقضه وفي رواية ليث المرادى عن ابيعبد الله علیه السّلام اذا سافر الرجل في شهر رمضان افطروان صامه بجهالة لم يقضه وبهذه الاخبار يخصص العمومات الدالة على ان من صام شهر رمضان في السفر لم يجزه و عليه الاعادة ، ففى خبر معوية بن عمار اذا صام الرجل رمضان في السفر لم يجزه وعليه الاعادة الى غير ذلك من العمومات ، فاصل الحكم في الجملة مما لا اشكال فيه.
و انما الاشكال في انه، هل يختص بخصوص الجاهل مركبا باصل الحكم اى وجوب الافطار في السفر كما هو ظاهر صحيحتى عبدالرحمن والحلبي، فلا يعم الجاهل بخصوصياته، كمن صام بعد العدول عن نية الاقامة قبل ان يصلى تماما بزعم ان نية الاقامة قاطعة للسفر مطلقا، وكمن جهل ان كثرة السفر تنقطع بالاقامة عشرا فاقام ثم سافر وصام فيه، او جهل ان سفر المعصية ينقطع بالعدول الى قصد الطاعة فصام بعد عدوله الى قصدها او يعم الجاهل بالحكم مركبا مطلقا، سواء كان جاهلا باصله او ببعض خصوصياته، والجاهل بالموضوع وكك مطلقا سواء كان جاهلا به مفهوما او مصداقا، وكذا الناسي للحكم او الموضوع كما هو ظاهر خبری عیص و ليث، حيث اينط الحكم بعدم القضاء فيهما بمطلق الجهالة وجه الاشكال، هو ان مقتضی اطلاق منطوق قوله علیه السّلام في صحيحة الحلبي انكان بلغه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهی عن ذلك فعليه الاعادة ، و مفهوم قوله علیه السّلام في صحيحة عبدالرحمن انكان لم يبلغه ان رسول الله صلی الله علیه و آله و سلّم نهى عن ذلك فليس عليه القضاء ، هو ثبوت الاعادة لمن بلغه اصل الحكم و صار عالما به مطلقا ، اى سواء كان جاهلا ببعض خصوصياته ام لا، وسواء
ص: 540
كان جاهلا بموضوعه ام لا، وسواء كان ناسيا له او لموضوعه ام لا فيقع المعارضة بين الصحيحتين و بين الجزين، في غير الجاهل باصل الحكم مركبا ، فيكون المرجع هو العمومات الدالة على ان من صام شهر رمضان فى السفر لم يجزه وعليه الاعادة.
و يمكن ان يقال ان الصحيحتين تكونان منطوقا ومفهوما في مقام التعريض على بعض العامة الذين بلغهم نهى الرسول صلی الله علیه و آله و سلّم عن الصيام في السفر حيث قال صلی الله علیه و آله و سلّم ليس من البر الصيام في السفر، ومع ذلك يجوزون الصيام فيه ويصومون فيه، فليست الصحيحتان الا في مقام بيان بطلان الصوم في السفر عن عمد وعلم بالحكم كما يفعله هؤلاء الاعشاب، لا مطلقا كى يقع المعارضة بينهما وبين الخبرين هذا و تدبر حقه.
الرابع ان المشهور اختصاص هذا الحكم اعنى سقوط الاعادة مطلقا، بما اذا اتم موضع القصر جهلا بالحكم فلوانعكس بان قصر موضع الاتمام جهلا بالحكم كما اذا لم يعلم بان نية الاقامة او المرور بالوطن الاتخاذى او كثرة السفر او حرمته مانعة عن التقصير، فقصر جهلا بحكمه، فلا يجرى هذا الحكم فيه، اذلادليل
علیه، الارواية منصور بن حازم عن ابيعبد الله علیه السّلام قال اذا اتيت بلدة و از معت المقام بها عشرة ايام فاتم الصلوة فان تركه رجل جاهلا فليس عليه الاعادة، و هذه الرواية كما ترى لا تصلح للاعتماد عليها سيما فيهذه المسئلة المخالفة للقواعد، بعد اعراض المشهور عنها اذلم يعمل بها الاشرذمة من المتأخرين فالقول بالحاق القصر موضع التمام جهلا بالحكم او نسيانا بالتمام في موضع القصر فى الاجزاء وسقوط الاعادة، فى غاية الضعف ثم ان القائلين به انما يقولون به فيما لو قصر موضع التمام في الصلوات التي يمكن ان تكون مقصورة كالرباعيات واما لوقصر موضع التمام في الصلوات التي لا تقصير فيها فى السفر كالصبح والمغرب، فلا اشكال فى فساده ووجوب الاعادة مطلقا فى الوقت وخارجه، اما الصبح فلعدم الدليل عليه و عدم نقل القول به عن احد، و اما المغرب فلانه و ان دل عليه خبر محمد بن اسحق عن ابی الحسن علیه السّلام قال سئلته عن امراة كانت معنا في السفر وكانت تصلى المغرب ركعتين ذاهبة و جائية قال علیه السّلام ليس عليها قضاء، لكنه لندرة العامل به اذلم ينقل القول بمضمونه عن احد الا في
ص: 541
محكى الحدائق عن بعض مشايخه ، لا يصلح للاعتماد عليه ، سيما في هذه المسئلة المخالفة للقواعد وللاخبار الصريحة فى ان المغرب لا تقصير فيه، فلابد من طرحه، اذ تأويله بحمل قوله علیه السّلام ليس عليها قضاء على الاستفهام الانكارى ، اوحمل المرأة على غير البالغة او الحائض، بعيد في الغاية.
الخامس لا اشكال فى شمول هذا الحكم اى صحة التمام في موضع القصر جهلا بالحكم، للجاهل المقصر ايضا، وذلك لاطلاق قوله علیه السّلام في الصحيحة وان لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا اعادة عليه و اما الاشكال بانه كيف يجتمع الحكم بصحة صلوته مع اتفاقهم على استحقاقه للعقاب، مع ان الصحة فرع موافقة الأمر، واستحقاق العقاب فرع مخالفته فقد اجبنا عنه في مبحث الخلل بما لامزيد عليه و من اراد فليراجع الى هناك و اما الاشكال بانه كيف يمكن ان يكون التمام في موضع القصر جهلا بالحكم او نسيانا له صحيحا ، مع استلزامه لاختصاص وجوب القصر بالعالم بوجوبه والذاكر له المستلزم للدور المحال، ضرورة توقف العلم بالحكم والتذكر له على وجود الحكم توقف العارض على معروضه ، فلو توقف الحكم على العلم به والتذكر له لزم الدور فقد اجبنا عنه في ذاك المبحث ايضا ، ونزيد في المقام على ما ذكرناه هناك ، بان الدور انما يلزم لو كان المراد من الصحة هى الصحة الواقعية بمعنى موافقة الماتى به للمأمور به ، و اما لوكان المراد منها تقبل الشارع الماني به مكان المأمور به وعوضا عنه ، فلا يلزم دور اصلا كما لا يخفى ، ولم يظهر من نفى الاعادة في الصحيحة كون المراد هى الصحة بمعنى الموافقة للمأمور به هذا.
السادس لو قصر المسافر اتفاقا بانكان بانيا على ان يأتى بالتمام اما لجهله بالحكم او الموضوع او نسيانه لاحد منهما ، ولكن سهى فسلم عقيب الركعة الثانية بزعم انها رابعة فظاهر المتون بطلان صلوته ووجوب اعادتها قصرا مطلقا، ووجه حكمهم بالبطلان امر ان، احدهما ان ما اتى به اتفاقا من القصر لم يكن بداعى امره، فلم يقع الطاعة له كى يصح عبادة، ثانيهما ان ما اتى به اتفاقا لم يكن مقصودا له، ولابد فى وقوع الفعل عبادة من القصد اليه والتحقيق انا ان قلنا ان القصر
ص: 542
والاتمام مهيتان متبائنتان تبائن بشرط لا وبشرط شئ كما اخترناه فيما سبق ، فالاقوى هو البطلان و وجوب الاعادة قصرا، وذلك لان ماقصده بداعى امره لم يكن مأمورا به ولم يأت به، وما كان مأمورا به لم يقصده فضلا عن ان يكون بداعى امره فلم يصح
عبادة.
و توهم ان ما اتاه من الركعتين و ان لم يكن مقصودا له بعنوان القصر الا انه لا شبهة فى ان ذاته كان مقصودا له تبعا و في ضمن قصد التمام، و يكفي في اختيارية الفعل التي تكون معتبرة فى وقوعه امتثالا، كونه مقصودا ومتعلقا للارادة ولو تبعا، وحيث ان الداعي الى اتيان القصر الصادر منه سهوا، لما لم يكن الا امتثال ماهو المامور به الواقعى غاية الامر انه لما اعتقد انه التمام قصد اتيانه بهذا العنوان، فيكون داعيه الى اتيان ما صدر منه سهوا من القصر بعنوان انه التمام ، منحلا الى ،امرین احدهما امتثال الامر الواقعى المتعلق به، ثانيهما اعتقاد ان ما تعلق به الامر الواقعى هو التمام فيندرج فى الخطاء في التطبيق، لانه قصد نفس المامور به الواقعى واخطاء فى تطبيقه على غيره، فالمقام نظير ما اذا قصد الاقتداء بهذا الامام الحاضر، و اعتقد مقارنا لهذا القصد انه زيد، فتبين كونه عمروا ، الذى لا شبهة فى صحة اقتدائه.
مدفوع بان قصد ذات الفعل تبعا انما يكفى فى اختیاریته و وقوعه امتثالا فيما لم يكن الفعل بعنوانه الخاص متعلقا للامر والالم يكن قاصد الماتعلق به الامر فلم يكن ممتثلا له، ضرورة انه لوامر المولى عبده بالركوع للتعظيم او بالضرب للتاديب، فقصد العبد ذات الانحناء والضرب، لم يكن ممتثلا لامر مولاه، وليس ذا الا لعدم تعلق قصده بعين ما تعلق به امر مولاه، و من المعلوم أنه بناء على كون القصر والاتمام مهتين مختلفتين كما هو الحق، يكون لعنواني القصرية والتمامية دخل في المامور به و يكون من مقوماته ، فلابد فى مقام الامتثال من ان يكون القصرا والاتمام مقصودا بعنوانه.
و توهم انه لا يعتبر فى مقام الامتثال ، ان يكون العنوان مقصودا بالتفصيل
ص: 543
بل يكفى قصده اجمالا، ولذا لو كان فى ذمته الظهر ان ونوى الواجب الاول الذي تعلق به امر الشاع في وقهتما كان كافيا بلا اشكال، و في المقام نقول يكفى في كون ما صدر منه قصرا مقصودا بالاجمال، كون الداعى الى اتيانه امتثال الامر الواقعى المتعلق به مدفوع بان الاتیان بداعى امتثال الامر الواقعي، انما يكفي في القصد الاجمالي فيما كان المانى به متعلقا للامر الواقعي، ومن المعلوم فيما نحن فيه ان الماتى به قصر اسهوا بعنوان التمام ليس متعلقا للامر الواقعى، ضرورة انه اذا كان متعلق الامر من الامور المتقومة بالقصد كالضرب للتاديب والانحناء للتعظيم، فلوضرب او انحنى لا بقصد التاديب او التعظيم بل بقصد ما يضاده كالايذاء والتوهين، لم يكن اتيا بمتعلق الامر بل بما يضاده و يباينه ، و لذا لو قصد من فى ذمته صلوة الظهر العصر بداعى امتثال الامر الواقعى لم تصح صلوته، لان ما اتى به بداعي الامر لم يكن مامورا به واقعا و ماكان مامورا به لم يات به فتبين مما ذكرنا انه بناء على كون القصر والاتمام مهيتين متبائنتين، يكون الاقوى فيما اذا قصر المسافر اتفاقا بطلان صلوته و وجوب الاعادة عليه قصرا.
و اما بناء على المختار للاستاد دام ظله من اتحاد الفصر والاتمام مهية، وان عنوانى القصرية والتمامية ليسا من مقومات المامور به ، كيلا يتحقق امتثاله الا بقصدهما، بل المميز بين القصر والاتمام هو مجرد التسليم على الركعتين و عدم التسليم عليهما فالحق فيه التفصيل بين ما اذا كان داعيه الى فعل الصلوة الصادرة منه قصرا امتثال ما هو المامور به واقعا، غاية الامر انه تخيل ان ما هو المامور به كك هو التمام، فتصح صلوته ولا يجب عليه الاعادة ، و ذلك لان المفروض انه اتى بما هو المامور واقعا بداعی امتثال امره، غاية الامر انه اخطاء فى تطبيقه على غيره، و مجرد ذلك لا يوجب البطلان وبين ما اذا كان داعيه الى ذلك اتيان خصوص التمام فتبطل صلوته، لان ماقصده من التمام لم يكن مامورا به وما كان مامورا به لم يقصده والحاصل انه فرق بين ما كان قصده التمام من باب الخطاء فى التطبيق او من باب
ص: 544
فى التطبيق او من باب التقييد، فعلى الاول تصح صلوته، لان داعيه الى انيان الصلوة الصادره منه قصرا، ينحل الى امتثال الأمر الواقعى المتعلق به، و الى اعتقاد ان ما تعلق به الامر واقعا هو التمام، و خطائه فيهذا الاعتقاد لا يضر بصحة ماصدر منه قصرا بعد كونه بداعی امتثال امره، و على الثانى تبطل صلوته لان ما صدر منه قصرا لم يكن بداعى امره بل بداعى ماتخيله من الامر بالتمام نعم لو قلنا بانه يكفي في صحة وقوع الفعل عبادة مجرد حصول القرب به لفاعله، لكانت صلوته صحيحة على التقدير الثانى ايضا، و ذلك لان ماصدر منه قصرا، وان لم يكن بداعى امره كي يحصل له قرب الامتثال، الا انه لما كان بداعى الامر النخيلى بالتمام، فيحصل له به قرب الانقياد فيقع عبادة لامحة، اذ لا يعتبر في وقوع الفعل عبادة ازيد من كونه صادرا عن داع قربى الا ان يقال ان قرب الانقياد انما يكون كافيا في صحة وقوع الفعلعبادة، فيما اذا كان بذاته صادرا عن داعى الامر التخيلي ، ومن المعلوم ان ما صدر مند قصر ا لم يكن بذاته صادرا عن داعى الامر التخيلي، بل الامر انتخيلي انما دعاه الى التمام، و انما صدر ما صدر منه قصرا بتوهم كونه تماما فالمقام نظير ما اذا كان الواجب واقعا اکرام زید، و تخيل المكلف ان الواجب هو اكرام عمر وفاكرم زيدا بتوهم انه عمرو، فان اكرام زيد في المثال ليس بداعی امره الواقعي ولابداعى الامر التخيلي، لان الامر سواء كان واقعيا او تخيليا لا يدعوا الا الى ما تعلق به، فمنشاء اكرام زيد فى المثال ليس الا توهم كونه عمروا فتدبر جيدا ثم ان ماذكرنا من التفصيل بين ما كان قصده التمام من باب الخطاء فى التطبيق او من باب التقييد، انما هو فيما كان القصر واجبا على التعيين ، اذ فيما كان واجبا على التخيير بينه و بين التمام كما في المواطن الاربعة، فلامجال لهذا التفصيل ، وذلك لان متعلق الأمر في الواجبات التخييرية، اما هو الجامع الملاكي او الانتزاعی کاحدهما المفهومي او كلواحد على سبيل البدل اى احدهما المصداقي، فيكون ما صدر منه قصر الاميحة بداعى امتثال امره، اذانیانه بقصد انه التمام لا ينفك عن اتيانه بداعى امره، بعد وحدة الأمر المتعلق بالجامع او باحدهما مفهوما او مصداقا كما
ص: 545
هو واضح.
ثم ان الاستاد دام ظله تعرض هنا لمسئلة لاباس بالتعرض لها، وانكان المحل المناسب للتعرض لها باب القضاء عن الميت، وهى انه لاخلاف ظاهرا في انه لوكان للميت اولاد ذكور يكون قضاء صلواته على اكبرهم، و انما وقع الخلاف في انه هل يختص هذا الحكم باكبر الاولاد الذكور، بحيث لولم يكن له اولادكك لا يجب القضاء عنه على احد من اوليائه، بل يستاجر الغير للقضاء عنه من ثلثه اواصل تركته على الخلاف، اولا يختص به بل يعم مع فقده اقرب اوليائه من الذكور فقط كما عن بعض، أو يعم مع فقدهم ايضا اقرب أوليائه من الاناث كما عن ببعض اخر ولا يخفى انه و ان لم يكن في الاخبار الواردة في المسئلة تصريح بتقدم اكبر اولاد الذكور على سائر الورثة، لكن يمكن استفادة ذلك ممادل على ان القضاء عن الميت يكون على اولى الناس به و بميراثه، بضميمة مادل على ان الاكثر نصيبا من الارث اولى بالميت من الاقل نصيبا توضيح الاستفادة هو انه لاشبة فى ان الولد اكثر نصيبا من سائر الوراث حتى الاب، و اكبر الاولاد الذكور لمكان اختصاص الحيوة به مجانا يكون اكثر نصيبا من سائر الاولاد، فيكون اكبر الاولاد الذكور اكثر نصيبا من جميع الورثة، فاذا كان اكثر نصيبا من جميعهم، فيكون قضاء صلوة الميت عليه بمقتضى مادل على ان قضاء صلوته يكون علی اولی الناس به و بميراثه، و ما دل على ان الاكثر نصيبا من الارث اولى بالميت من الاقل نصيبا، هذا بناء على ما هو الحق من استحقاق اكبر الأولاد الذكور للحيوة مجانا و بلاعوض و اما على القول باستحقاقه لها بعوض بدعوى انه في مقابل الحيوة، فيمكن استفادة ذلك مما دل على ان القضاء عن الميت يكون على اولى الناس بميراثه، بضميمة مادل على انه لو كان للميت وليان يكون قضاء صلوته على اكبرهما، فتبين مما ذكرنا ان تقدم اكبر الاولاد الذكور على غيره من الورثة فيهذا الحكم مما لا اشكال فيه و انما الاشكال فيما حكى عن الشيخ و اكثر من تاخر عنه، من اختصاص هذا الحكم به بحيث لا يجب القضاء على غيره مع فقده، و ذلك لعدم ما يدل على ذلك في الاخبار الواردة فيهذه
ص: 546
المسئلة، بل مقتضى اطلاق مادل على أن قضاء صلوة الميت وصومه يكون على اولى الناس به و بميراثه، هو تعميم هذا الحكم لغيره مع فقده، اذ مع فقده يكون غيره اولى الناس بالميت وبميراثه ففى صحيحة حفص بن البخترى عن ابيعبد الله علیه السّلام فى الرجل يموت وعليه صلوة اوصيام قال علیه السّلام يقضى عنه اولى الناس بميراثه ، و فى مرسلة حماد قال سالت ابا عبد الله علیه السّلام في الرجل يموت و عليه دين من شهر له رمضان من يقضيه قال علیه السّلام اولى الناس به، و في رواية ابن سنان عن الصادق علیه السّلام قال الصلوة التى حصل وقتها قبل ان يموت الميت يقضيه اولى الناس به، وفى رواية ابي عمير عن رجاله عن الصادق علیه السّلام فى الرجل، يموت وعليه صلوة اوصوم قال علیه السّلام يقضيه اولى الناس به، الى غير ذلك من الروايات التي أطلق فيها الولى المراد منه الاولى من غيره و توهم ان المراد من الأولى بالميت هو الأولى بالميت هو اولى الناس به على الاطلاق، اى الاولى من كل احد يفرض وجوده من الناس، لا الاولى من الموجودين فعلا حين الموت، ومن المعلوم ان الأولى على الاطلاق بهذا المعنى ليس الا اكبر الاولاد الذكور، اذغيره من الطبقات يكون اولويته إضافية وبالنسبة الى الموجودين مدفوع بان ارادة من كان له الاولوية المطلقة من الاولى بالميت لا شاهد عليها، بل المناسبة بين الحكم والموضوع وان جعل قضاء صلوة الميت على ورثته انما هو بازاء ما يستفادونه من تر بازاء ما يستفادونه من تركته ، تقتضى ان يكون المراد من الأولى بالميت، هو الاولوية بالنسبة الى الموجودين حين مونه الوارثين لتركته.
و توهم ان الشاهد على كون المراد من الأولى بالميت هو الاولى به على الاطلاق، ما فى ذيل صحيحة حفص و مرسلة حماد المتقدمتين من التصريح بنفى هذا التكليف من النساء ، حيث قال علیه السّلام لا الا الرجال في جواب قول السائل فان كان اولى الناس به امرأة ، بتقريب ان المراد من الأولى بالميت في صدرهما، لو كان هو الاولى من الموجودين كي يعم غير الولد الاكبر ، لزم منه التفصيل بين من الولد من الذكور و الذكور و بين النساء، مع انه لاقائل بالتفصيل بينهما في الاصحاب، اذ كل من نفى هذا التكليف عن النساء نفاه عمن عدا الولد من الذكور ، وكل من
ص: 547
اثبته على من عدا الولد من الذكور اثبته على النساء ايضا، فلابد ان يكون المراد من الاولى فى صدرهما الاولوية على الاطلاق، از حمله على الاضافية يوجب شذوذهما و ترك العمل بمضمونهما بين الاصحاب.
مدفوع اولا بانه لم يثبت عدم القول بالفصيل بين النساء و بين من عدا الولد من الذكور، و ثانيا ان المصير الى القول الثالث انما يكون محظورا فيما اذا اتفق الفريقان على نفيه، لا فيما اذا كان عدم القول به من باب الاتفاق كما فى المقام فتامل اذ من عدم القول بالتفصيل بين الاصحاب مع كون الروايتين بمرئى ومسمع منهم، يحصل القطع بانهم اما ظفروا على قرينة قطعية دلتهم على ان المراد من الأولى فى الروايتين هو الاولوية على الاطلاق، او كان نفى القول الثالث متفقا عليه بينهم، وعلى اى حال يسقط ظهور الروايتين فى الشمول لمن عدا الولد من الذكور عن الاعتبار والحجية و توهم ان دفع هذا المحذور كما يمكن بحمل كلمة الاولى في الروايتين على الاولوية المطلقة، كذلك يمكن بحمل ما فى ذيلهما من نفى هذا التكليف عن النساء على ما اذا كان للميت ولى اخر من الذكور مدفوع بان الظاهر من قول السائل في ذيلهما قلت وانكان اولى الناس به امراة، بقرنية وقوعه بعد قوله علیه السّلام فى الصدر يقضى عنه اولى الناس بمير، هو هو انحصار الاولى بها، بل لا يبعد دعوى ظهوره فى الانحصار مع قطع النظر عن هذه القرنية و ذلك لانه لو كان السؤال عما اذا كانت للميت ولى اخر من الذكور، لكان المتعين ان يقول وانكان من اولى الناس به امرأة، بدل قوله و امکان اولى الناس كا لا يخفى، والحاصل ان السؤال في ذيل الروايتين كالصريح فى انحصار الاولى بالميت في امراة، و لذا قلنا بانهما صريحتان فى نفى هذا التكليف عن النساء، ولومع انحصار الاولى بهن ومن هنا يظهر ان ما ظاهره ثبوت هذا التكليف لهن عند فقد الرجال محمول على الاستحباب فالاولى بل المتعين ان يقال في دفع ما توهم من ان المراد بالاولوية هى الاولوية المطلقة المختصة بالاكبر من الاولاد الذكور ، مستشهدا على ذلك بما في ذيل الروايتين من فى هذا التكليف عن السناء بالتقريب المتقدم.
ص: 548
بما افاده الاستاد دام ظله من انه ان ثبت هناك اجماع على خلاف ما هو مضمون الروايتين صدرا وذيلا من ثبوت القضاء على الذكور من اولياء الميت في كل طبقة الاقرب فالاقرب اليه ونفيه عن الاناث منهم، فلابد من طرحهما، وان لم يثبت هناك اجماع كك فلا محيص عن الاخذ بمضمونهما، اذلامجال حينئذ لحمل ما فيهما كلمة اولى الناس على الاولى من كل احد يفرض وجوده، كي يختص بالاكبر من الاولاد الذكور الذى له الاولوية المطلقة، اذ لو كان المراد من الاولى هذا المعنى، لم يكن وجه لسوال الراوى بقوله فانكان الأولى امرأة، ولالجواب الامام علیه السّلام بقوله لا الا الرجال، اما عدم الوجه لسئوال الراوى، فلوضوح ان الامرأة ليست اولى بالميت من كل احد يفرض وجوده ولومع انحصار الوارث بها، كي يصح السئوال بقوله فانكان الاولى امرأة، و اما عدم الوجه لجواب الامام علیه السّلام بقوله لا الا الرجال، فلان الرجال ليس كلهم اولى بالميت بهذا المعنى ايضا، بل الاولى به هو خصوص اكبر اولاده الذكور ، فما في الذيل من السوال والجواب انما يصح على تقدير كون المراد من الأولى فى الصدر هو الأولى بالنسبة الى الموجودين، سواء كان فى الطبقة الاولى او فى غيرها من الطبقات المتأخرة ثم لا يخفى انه لا ينافي ما استفدناه من الاخبار من انه اذا كان للميت اولاد ذكور يكون قضاء صلوته وصومه على اكبرهم، اطلاق مكاتبة الصفار الى ابيمحمد العسكرى علیه السّلام رجل مات و عليه قضاء من شهر رمضان عشرة ايام وله وليان هل يجوز ان تقضيا عنه جميعا عشرة ايام خمسة ايام احدالوليين وخمسة ايام الآخر، فوقع علیه السّلام يقضى عنه أكبر وليه عشرة ايام ولاء انشاء الله تعالى، فان اطلاقها يشمل ما اذا كان احد الوليين اب الميت والاخر ابنه، ومقتضاه حينئذ تقديم الاب على الابن لكونه اكبر وجه عدم المنافاة هوان هذه الرواية واردة مورد حكم آخر ، لانها ليست الابصدد بيان انه اذا تعدد افراد الولى الذى يكون اولى بالميت من غيره يقدم الأكبر، واما ان الاولى به من هو فلیست بصدد بیانه کی يصح التمسك باطلاقها.
ثم ان المراد من الاكثر نصيبا الذى يكون اولى بالميت ، هو الاكثر نصيبا بحسب نوعه لانه الكاشف عرفا وشرعا عن اولوية ذلك النوع ، فلو عرض لشخص الولى
ص: 549
قلة النصيب لتعدد افراد نوعه كما لو اجتمع اب له مع عشرة اولاد، فلا يسقط اكبرهم عن الاولوية لكونه اقل سهما من الاب ، و ذلك لما عرفت من ان المدار على الاكثرية بحسب النوع، ولا شبهة ان نوع الولد اكثر سهما من الاب فهو أولى بالميت منه و مما ذكرنا ظهر انه لو تعدد الاولاد مع استوائهم في السن والبلوغ، فالاقوى ثبوت القضاء عليهم على وجه التوزيع كما عن المشهور، وذلك لما عرفت من ان الحكم متعلق بنوع الأولى بالميت الصادق على الواحد والمتعدد، فلاوجه لما عن الحلى من سقوط القضاء مع تعدد الاولاد و استوائهم فى السن والبلوغ لعدم وجود الاكبر، ولالما عن القاضى من ثبوته على الكل على طريق الكفاية اما الاول فلان اعتبار الاكبر مع وجوده انما هو لكونه الاولى، فاذا لم يكن بينهم اكبر لاستوائهم في السن، يكون الكل مصداقا للاولى فيثبت القضاء عليهم و اما الثاني فلان وجوبه على الكل كفاية لم يثبت، لان الوجوب على النوع اعم من كونه على طريق التوزيع او على طريق الكفاية، والعام لا يدل على الخاص باحدى من الدلالات الثلث، و مقتضى الاصل عدم تكليف كل منهم بازيد من حصته، للعلم بوجوبها عليه اما يالوجوب العينى او الكفائي والشك في وجولزائد عليها عليه رأساً ، والاصل البرائة عنه عقلا وشرعا كما هو واضح ، هذا ملحضر كلام فى القاضي.
و اما المقضى والمقضى عنه فقد بسطنا الكلام فيهما في مبحث القضاء عن الميت بما لامزيد عليه هذا آخر ما استفدناه من الاستاد دام ظله فيهذا المقصد و الحمد لله اولا وآخرا والصلوة والسلام علی اشرف انبیائه محمد و آله المعصومين ظاهرا وباطنا وقد كتبه بيمناه الدائرة مؤلفه الجاني محمود الاشتيانى و كان الفراغ عن تسويده في اواخر سنة الخمسين وثلثمائة الالف من
الهجرة.
ص: 550
الصفحه ... السطر ... الخطاء ... الصواب
3 ... 3 .... ثابتة لولا ... تابتة فعلا لولا
15 ... 10 ... في الصلوة ... في وقوع الصلوة
37 ... 9... متعلقا ... متعلقا
44 ... 6 ... ساحته ... ساحته
45 ... 1 ... عن من ... عن الشريك فمن
59 ... 3 ... الفراغ ... الفراغ عن الذكر
71 ... 7 ... عن السجود حتى ... عن السجود فيما لم يحصل له اللحوق حتى حال رفع الراس منه ايضاً فيمشى حينئذه حتی
84 ... 2 ... حائل ... فکل حائل
84 ... 16 ... لم یمکن ... لم یکن
84 ... 25 ... اوعلی ... اذ علی
104 ... 20 ... ماقما ... ما نعة
107 ... 5 ... حملها ذلک ... حملها علی ذلک
116 ... 11 ... او جهریة ... او الجهریة
116 ... 12 ... واقوی ... والالقوی
117 ... 13 ... ظاهر ... ظاهرا
126 ... 4 ... ترددفیه ... لا تردد فیه
136 ... 7 ... فانه ... فلانه
142... - ... لصحه ... لصحه
146 ... 20 ... مطلوبیه ... مطلوبیه
159 ... 6 ... التاخر التاخر فيه) ... التاخر في
159 ... 21 ... عدم وجوب ... مع عدم وجوب
160 ... 19 ... تتحقق ... تتحق
160 ... 22 ... عن التشهد والثالثة ... وعن التشهد للثالثة
163 ... 13 ... محتمل له ... متحمل له
164 ... 10 ... عن عموم ... من عموم
164 ... 15 ... المؤسس فهيدا ... المؤسس فيهذا الباب
176 ... 20 ... المتحمل ... المحتمل
185 ... 2 ... برید ... يريد
187 ... 4 ... المتقدمين ... المتقدمتين
191 ... 2 ... كما نحن ... كما نحن فيه
193 ... - ... یقام ... یقاوم
194 ... 2 ... المسئله ... المسلمة
194 ... 20 ... ممکنا ... متمکنا
202 ... 6 ... یقطع ... یقع
204 ... 24 ... ولایکون ... ولا ان یکون
207 ... 17 ... لغیره ... لغیر
208 ... 7 ... فیکون منشاء ... فیکون فسادها منشاء
209 ... 2 ... الماموم ... الامام
214 ... 16 ... بترک ... بان ترک
218 ... 6 ... کون السوال ... ان سوال
224 ... 4 ... للملكية ... لملكه
224 ... 18 ... بماورد ... بماورد
224 ... 20 ... الاخبارات ... الامارات
226 ... 5 ... كونه المعصيته ... كون المعصيته
234 ... 2 ... جرح ... حرج
234 ... 13 ... باطلاق ... بطلان
238 ... 21 ... مورثا ... مورثة
239 ... 11 ... مورثا ... مورثة
241 ... 20 ... المصالحة ... المصطلحة
244 ... 3 ... من عوى ... من دعوى
250 ... 32 ... ينفرغ ... يتفرع
252 ... 3 ... فیصدعلى ... فيصدق على
254 ... 5 ... يتنجر ... تنجز
254 ... 16 ... فیها نقد ... فها فی وقته فقد
256 ... 4 ... مماثل الحكم ... مماثل للحكم
256 ... 6 ... للحكم لها ... الحكم لها
256 ... 11 ... الوحدة الموضوع ... وحدة الموضوع
256 ... 12 ... ترى الموضوع ... يرى الموضوع
263 ... 10 ... صلوتها ... صلوته
263 ... 11 ... الفريضة ... فريضة
266 ... 13 ... ومورد ... و کون مورد
267 ... 6 ... الجواز ... لجواز
271 ... 6 ... مختصة ... محضة
273 ... 16 ... واقتدا به ... والاقتداء به
273 ... 19 ... للتخف ... للتخلف
ص: 551
الصفحه ... السطر ... الخطاء ... الصواب
283 ... 22 ... فحوی نصوص ... فحوی نصوص
274 ... 9 ... ثبوته القضاء ... ثبوت القضاء
274 ... 24 ... الاستصجاب ... الاستصجاب
276 ... 13 ... مطابقة ... مطابقة
277 ... 24 ... اواقل ... اقل
280 ... 21 ... واضح ... اوضح
287 ... 21 ... كما لاغماء ... كالاغماء
291 ... 2 ... ما حصله ... ما محصله
291 ... 9 ... کالقدر ... کالقدرة
305 ... 8 ... رایة ... رایة
307 ... 4 ... القصر واالاتمام ... الانعام و القصر
308 ... 10 ... لان منها ... فیها لان
308 ... 21 ... الیوم الفائت ... (الیوم السابق)
309 ... 24 ... عدم ... عدمه
312 ... 10 ... متضمنا ... متضما
315 ... 4 ... صحته ... صحیحه
326 ... 6 ... غیر ممنوع ... الغیر الممنوعه
327 ... 11 ... لاجرة ... الاجرة
328 ... 16 ... ولااحدابی ... (ولاانی به احد)
341 ... 1 ... باذید ... باذید
348 ... 19 ... ما هو الغالب ... ما كان هو الغالب
348 ... 25 ... المحدد ... (المحدد)
351 ... 1 ... الممانيه ... الثمانية
352 ... 2 ... اذا دو اوجعوا ... اذا رجعوا
352 ... 20 ... عنه في العلل ... في العلل
352 ... 23 ... او ارادوا ... وارادوا
363 ... 22 ... منظومه ... منظومته
363 ... 22 ... حاصله ... ماحاصله
363 ... 23 ... كاتب متحققه ... كانت محققة
363 ... 23 ... نیل ... مثل
363 ... 23 ... قولناس ... قولنا كل
363 ... 24 ... باترکیب ... بالتركيب
363 ... 24 ... مقصودا ... مقصورا
363 ... 24 ... متحققة ... محققة
363 ... 25 ... انه مركب ... انه جسم صدق علیه انه مركب
364 ... 12 ... التفاوت ... التفات
366 ... 5 ... الا بعد ... الاخر
366 ... 23 ... للنزه ... للتنزه
366 ... 33 ... خراذة ... خرازة
367 ... 4 ... مبذء ... مبدء
368 ... 19 ... این عبارت از ذیل این صفحه ساقط شده و باید نوشته شود ... علی ای حال يكفى في التقصير بعد کون مسیره اليها اربعة فراسخ، ويتفرع على ذلك ان من كان له في ذها به مقاصد متعددة، يكون المعيار اخر المقاصد
لو كان واقعا في النقطة المقابلة للبلد سواء كان البعد بينه و بين البلد بالحط المستقيم اربعة فراسخ ام لم يكن بهذا المقدار واما لو كان له على اجزاء الدائرة ذهابا و ایا با مقاصده مطلقا متعددة، فهل يكون منتهى الذهاب اخر المقاصد ولو كان قريبا من مبدء الحركة، أو فيما لم يتحقق قبل الوصول اليه صورة الرجوع الى بلده
370 ... 4 ... الاخبار ... اخبار
371 ... 6 ... هذ ... هذا
274 ... 8 ... النفسانيه ... النفسانية
374 ... 11 ... المسافة ... سير المسافة
374 ... 16 - 17 ... المتبوع ... المتبوع
378 ... 24 ... الصلوة ... صلوة
379 ... 22 ... صادوا ... صاروا
379 ... 23 ... ينتظرون ... ينتظرون
385 ... 5 ... لاينا ... لا ينافي
385 ... 18 ... یل ... بل-23 آه زائد
387 ... 1 ... الى ... التي
389 ... 18 ... المنقطعة بالتمام ... المنقطع وجوب القصر فيها بالتمام
394 ... 15 ... الشعرة ... الشعرة
394 ... 5 ... فقصد ... قصد
396 ... 24 ... معصیته ... معصیة
404 ... 10 ... المسیر ... السیر
407 ... 5 ... المتقدمين ... المتقدمتين
411 ... 23 ... الواقعتين ... الواقعيتين
413 ... 19 ... فيمها ... فيها
416 ... 13 ... المسافر ... من سافر
418 ... 12 ... الی حد ... عن حد
418 ... 22 ... الواجات ... الواجبات
419 ... 7 ... عتباد ... اعتباذ
420 ... 12 ... انما زائد است
ص: 552
الصفحه ... السطر ... الخطاء ... الصواب
423 ... 20 ... المتقدمة ... المتقدم
427 ... 19 ... حیت اول زائد است
431 ... 12 ... المعارف ... المتعارف
436 ... 8 ... ووالسياحة ... او السياحة
439 ... 2 ... صح زائد است
439 ... 19 ... از اخر خط نوزدهم الذى تسمع الاذان این جمله ساقط فاتم و اذا كنت شده في الموضع
440 ... 22 ... نخفاء ... نجفاء
442 ... 10 ... یروجع ... و یروجع
442 ... 15 ... من الاجر ... مع الاخر
443 ... 9 ... بقد ... بعد
444 ... 2 ... الحكمة زائد است
453 ... 17 ... لا بسقط ... لا بسقط
454 ... 8 ... کونه ... عن کونه
454 ... 11 ... فی مکان المرور ... فی مکان واحد
454 ... 12 ... واحد الی وطنه ... المرور الی وطنه
455 ... 22 ... نحله ... نخله
462 ... 3 ... عل ... عن
470 ... 4 ... ان یتم ... ان يكون مقصرا اومتى ينبعي له ان يتم
479 ... 15 ... لرجوء ... لرجوع
479 ... 21 ... بالخرو ... بالخروج
480 ... 1 ... قرینه ... قرینه
480 ... 1 ... نیه ... نیه
480 ... 1 ... قاطمه ... قاطمة
481 ... 23 ... جهه ... جهه
484 ... 22 ... قلما ... قلنا
484 ... 23 ... فوصل الاثناء ... فوصل فی الاثناء
485 ... 24 ... لشرط ... الشرط
486 ... 15 ... کان ... لکان
486 ... 22 ... الروال ... الزوال
486 ... 22 ... الربعده ... اوبعده
487 ... 4 ... کشفه ... کشفه
491 ... 24 ... بامتانها ... باتیانها
498 ... 23 ... فیکن ... فیمکن
506 ... 19 ... فهذه ... فیهذه
511 ... 5 ... از حاشیه بداله ... بمن بداله
511 ... 14 ... المقصد ... المقصد
512 ... 8 ... نیشان ... ینشئان
515 ... 3 ... البنان ... النبال
517 ... 6 ... برلهما ... لهما
518 ... 8 ... مجال ... بحال
519 ... 17 ... مقادنا ... مقارنا
520 ... 13 ... فمقضی ... فمقضی
521 ... 13 ... حال الحضر ... حال السفر
525 ... 17 ... اليه زائد است
525 ... 22 ... استودعتها ... استودعها
526 ... 2 ... الصادن ... الصادق
528 ... 9 ... وذهب ... ولذا ذهب
531 ... 15 ... مع ... من
532 ... 15 ... من ... ان
532 ... 20 ... اشرنا ... اشرنا اليه
546 ... 12 ... حيوة ... حبوة
546 ... 18 ... حيوة ... حبوة
550 ... 14 ... وجوب لزائد ... وجوب الزائد
ص: 553