السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) في الكتب والمصنِّفات المجلد 1

هوية الکتاب

اسم الكتاب:.... السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) في الكتب والمصنِّفات / ج 1

إعداد وتنظيم :... السيّد محمّد السيّد حسين الحكيم

اشراف وتقديم:...مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار :... 297

الطبعة :... الأولى 1445ه_

عدد النُّسَخ:...طبعة محدودة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

العراق - النجف الأشرف

السيّدة نَرجِس (عَلَيهَا السَّلَامُ) فِی الكتُب والمصنِّفاتِ المجلد 1

الجزء الأول

إعْدَادَ وَتَنظيم

السيّد محمّد السيّد حسين الحكيم

إشراف وتقديم

مرکز الدراسات التخصصيَّة فِي الأمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

محرّر الرقمي: مرتضی حاتمي فرد

ص: 1

اشارة

اسم الكتاب:.... السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) في الكتب والمصنِّفات / ج 1

إعداد وتنظيم :... السيّد محمّد السيّد حسين الحكيم

اشراف وتقديم:...مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار :... 297

الطبعة :... الأولى 1445ه_

عدد النُّسَخ:...طبعة محدودة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

العراق - النجف الأشرف

هاتف 07809744474

07816282226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 2

مقدمة المركز:

بسم اللّه الرحمن الرحيم

الحمد للّه رب العالمين وصلى اللّه على محمّد وآله الطيّبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم ومنكري فضائلهم إلى يوم الدين اللّهم عجل فرج إمامنا الموعود وانصر به الحق وأقم به العدل وأيّد به الدين وادفع به الظلم عن المؤمنين.

اللّهم أرنا ذلك اليوم قريباً واجعلنا من أعوانه وأنصاره وشيعته الثابتين على موالاته والمتشرفين ببيعته.

لا شك في أنّ قيمة العقيدة والإيمان تمثل للإنسان المؤمن فصله الحقيقي فيه يكون وجيهاً عند اللّه سبحانه وتعالى وعند أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) وينبغي ألّا يدّخر جهداً ولا يتوانى للحظة في بحثه عن عقيدته وضبطها والاستدلال عليها والدفاع عنها ودفع الشبهات المثارة حولها.

الحاجة الملحّة للقيام بهذه المهمة مع كثرة الكتب المنتشرة والبحوث والمقالات وضياع المصادر في بعض الأحيان وعسر الوصول إلى نسخها المطبوعة ورقياً مع ما يستلزم ذلك من ضياع الجهد الكبير والوقت الكثير وقد لا يوفّق بعض الباحثين في العثور على ما يهم بحثهم إلا بعد إنجازه والفراغ عنه، لأجل هذا، ولأجل غيره، قام مركزنا (مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)) بجمع ما وقع تحت يده من كتب مختصة بالإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أو فصول أو أبواب أو بحوث تحت عناوين محددَّة، فضلاً عما دوّنته المجلات العلميَّة والتخصصّية من بحوث ومقالات، وغيرها، وتبويبها وتسهيل الوصول إليها من

ص: 3

خلال منهجة وفهرسة تضمّنت الإشارة التفصيلية إلى جميع ما يرتبط بالفصل أو المسألة أو التفريعات التي يبحث عنها الكاتب أو الباحث.

وكانت طريقة الاستلال من الكتب التي استخرجت منها الفصول أو المسائل أو البحوث أو المقالات هي بأخذ صورة للكتاب والفصل الّذي تعرّض فيه المؤلِّف إلى البحث المعيّن، ثمّ بتصوير صفحات البحث كاملة وبنفس الترقيم الموجود في الكتاب دون إجراء أي تغيير لأجل تصحيح الاستشهاد من قبل الكتاب والمؤلِّفين وتسهيل عملية الإرجاع وضبط المصادر عند الاعتماد على هذه الموسوعة في كتاباتهم وتأليفاتهم.

ولتوضيح المسألة بمثال حي فإنّ البحوث المرتبطة بولادة الإمام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من كتاب الغيبة لشيخ الطائفة (قدّس سِرُّه) عندما قمنا باستلالها وإدراجها في هذه الموسوعة في الفصل المختص ببحوث الولادة فإنّنا قمنا بأخذ صورة لكتاب الغيبة لكي يتبيّن للمؤلف والباحث النسخة التي اعتمدنا عليها والجهة التي حققت الكتاب والطبعة، ثمّ نأخذ صوراً لبحث الولادة الّذي ذكره شيخ الطائفة (قدّس سِرُّه) بنفس الصفحات الموجودة في الكتاب من تلك الطبعة، وبذلك قد جعلنا نفس المصدر الّذي اعتمدناه تحت يد المؤلِّف والكاتب فله الحق في الإرجاع وكأنما يقرء من كتاب الغيبة مباشرة.

فيتجلى الهدف بوضوح من وراء هذا العمل الكبير والمهم في رفد الكتّاب والمؤلِّفين بجميع المصادر المتاحة فيما يرتبط ببحثهم، فيمكن لهم الرجوع إلى هذه الموسوعة وكأنّهم يقرؤون عدّة موسوعات وكتب ومقالات وبحوث في كتاب واحد، فهو ادّخار للجهد والوقت وغير ذلك.

ص: 4

وبين يديك عزيزي القارئ موسوعة (السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) في الكتب والمصنِّفات في ثلاث مجلدات ضخمة فعلاً قابلة للزيادة وهي من تنظيم وإعداد وبإشراف وتقديم مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

كما قد بلغ عدد الكتب التي بحث فيها عن شخصية (السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) وتفرعاتها أكثر من (850) كتاباً فعلاً.

فيما بلغ عدد الكتب التي استلت منها البحوث المرتبطة بالإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) (57) مصدراً قابلاً للزيادة بعد العثور على مصادر أخرى لم تذكر هنا.

ومن الجدير بنا التنبيه على أمر في غاية الأهمية وهو أنّ بعض الموسوعات المعدّة تشترك مع غيرها في بعض المحاور، كما في موسوعة (السفياني) وموسوعة (خسف البيداء)، وكذلك في موسوعة (السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) و (ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف))، فلابد للباحث إذا أراد أن يستوعب ويبحث في موسوعة ما لكتابة رسالة ماجستير أو أطروحة دكتوراه أن يقرأ المشتركات أيضاً ولا يكتفى بعنوان الرسالة فقط.

ومن اللّه نسأل أن يزيد في توفيق السيّد الجليل (محمّد الحكيم) حيث بذل جهداً كبيراً ومشكوراً لتنظيم هذه الموسوعة، وغيرها، كما نسأله تعالى أن يوفقنا جميعاً لخدمة المولى صاحب العصر والزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وأن نكون من أنصاره وأعوانه وشيعته والمستشهدين تحت لوائه.

مركز الدراسات التخصصية

في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

جمادى الآخرة / 1445ه_

ص: 5

ص: 6

مختصر اثباتِ الرّجعة – الفضل بن شاذان

إشارة:

لِلشَيخ

الفضل بن شاذان الأندى النيسابوري

من اعلام القرن الثالث الهجري

تحقيق شعبة التحقيق

قسم الشؤون الفكرية والثقافية

(183)

ص: 7

الطبعة الأولى

1437 ه_ - 2016م

جميع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسينية المقدسة

العراق: كربلاء المقدسة - العتبة الحسينية المقدسة

قسم الشؤون الفكرية والثقافية - هاتف: 326499

Web: www. imamhussain-lib, com

E-mail: info@imamhussain-lib. com

ص: 8

الحديث الحادي عشر : وسُئل الإمام محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أمّه، قال: «وأمّه مليكة...»

حدَّثنا محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه (1) بن العبّاس بن علي ابن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سمعت أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: «قد ولِدَ ولي اللّه وحجته على عباده، وخليفتي من بعدي، مختوناً ليلة النصف من

ص: 9


1- في المخطوطة كذا، وما أثبتناه من مصادر الرجال انظر: الفهرست للنجاشي : 347/ بالرقم 938. خلاصة الأقوال: 189/ بالرقم 62

شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين عند طلوع الفجر، وكان أول من غسله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل ثمّ غسلته عمتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عَلَيهِمُ السَّلَامُ).

وسُئِلَ الإمام محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أمه، قال: «وأمّه مليكة التي يقال لها في بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانه»، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها (1).

ص: 10


1- انظر النجم الثاقب لميرزا النوري،1 : 135، عن كتابنا هذا.

الغيبة - ابن أبي زينب النعماني

إشارة:

تأليف: الشیخ الجليل أبي عبداللّه محمّد بن إبراهيم بن جعفر الکاتب المعروف: (ابن أبي زينب النعماني)

تقديم وتحقيق: مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

ص: 11

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

اسم الكتاب:..الغيبة

تأليف... (الشيخ ابن أبي زينب النعماني)

تقديم وتحقيق... مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار...267

الطبعة:....الأولى 1442ه_

عدد النُّسَخ...طبعة محدودة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

العراق - النجف الأشرف

هاتف: 07809744474 - 07816787226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 12

[164 / 3]: «... ابن أمة سوداء...»

[164 / 3] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْن سَعِيدٍ، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ المُفَضَّل وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْن سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ (1) وَمحمّد بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِ جَمِيعاً، عَن الحَسَنِ بْنِ عَحَبُوبِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمِ الْجَوَالِيقِيِّ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ الْبَاقِرَ (عَلَيهِم السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ

ص: 13


1- یعنة يعني به أحمد بن الحسين بن سعيد بن عثمان أبا عبد اللّه القرشي، ذكره الطوسيّ (رَحمهُ اللّه) في الفهرست (ص 70 و 71 الرقم (18/80).

شَبَةٌ مِنْ يُوسُفَ (1)، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاء (2)، يُصْلِحُ اللّه لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ» (3).

ص: 14


1- في بعض الأحاديث: (سُنَّة من يوسف).
2- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 ص 219) : (قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): «ابن أمة اللّه سوداء» يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ظاهراً، إِلَّا أَنْ يُحمَل على الأمّ بالواسطة، أو المربيّة).
3- كمال الدِّين (ص 329 / باب 32 / ح (12).

تعليق الشيخ النعماني (رَحمهُ اللّه)

فاعتبروا يا أُولي الأبصار - الناظرة بنور الهدى، والقلوب السليمة من العمى، المشرقة بالإيمان والضياء - بهذا القول - قول الإمامين الباقر والصادق (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) - في الغيبة، وما في القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) من سُنَن (1) الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) من الاستتار، والخوف، وأنه ابن أمة سوداء يُصلح اللّه له أمره في ليلة، وتأملوه حسناً فإنَّه يسقط معه الأباطيل والأضاليل التي ابتدعها المبتدعون الّذين لم يذقهم اللّه حلاوة الإيمان والعلم وجعلهم بنجوة منه وبمعزل عنه، وليحمد هذه الطائفة القليلة النزرة (2) اللّه حقَّ حمده على ما منَّ به عليها من الثبات على نظام الإمامة وترك الشذوذ عنها كما شذَّ الأكثر ممن كان يعتقدها، وطار يميناً وشمالاً وأمكن الشيطان منه ومن قياده وزمامه، يُدخله في كلِّ لون، ويُخرجه من آخر حتّى يورده كلَّ غيّ، ويصدَّه عن كلَّ رشدٍ، ويُكره إليه الإيمان، ويُزيّن له الضلال، ويُجلِّي في صدره قول كلّ من قال بعقله، وعمل على قياسه، ويوحش عنده الحقِّ (3)، واعتقاد طاعة من فرض اللّه طاعته، كما قال (جلَّ وعزّ) في محكم كتابه حكايةً لقول إبليس (لعنه اللّه): «فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ المُخْلَصِينَ» [ ص: 82 و 83]، وقوله تعالى أيضاً: «وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمنينَّهُمْ» [النساء: 119] وقوله: «لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(4)» [الأعراف: 16].

ص: 15


1- في بعض النُّسَخ: (شبه).
2- في الصحاح للجوهري (ج 2 ص 826 مادَّة نزر): (النزر القليل التافه).
3- يعني أنَّ الشيطان يوحش عنده الحقِّ ويُخوِّفه منه.
4- أي لأجلسنَّ لهم ترصُّداً.بهم.

[5/265] هامش وما زاد في المطبوع الحجري وبحار الأنوار من زيادة: (ابن ستة وابن خيرة الإماء...)

[265/ 5] حدَّثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللّه، قَالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ رَبَاح الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلى الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حدَّثنا الحَسَنُ بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ عَمْرٍو الْخَتْعَمِيُّ، قَالَ: حدَّثني محمّد بْنُ عِصَامٍ، قَالَ: حدَّثني وُهَيْبُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ لا أَوْ أَبُو عَبْدِ اللّه اللا - الشَّكُ مِنِ ابْنِ عِصَامٍ -: «يَا أَبَا محمّد، بِالْقَائِمِ عَلَامَتَانِ: شَامَةٌ فِي رَأْسِهِ (1)، وَدَاءُ

ص: 16


1- كأنَّ الجملة زائدة أوردها النساخ سهواً، أو الصواب: (بالقائم علامات).

الْخَزَازِ بِرَأْسِهِ، وَشَامَةٌ بَيْنَ كَيْفَيْهِ مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَرِ، تَحْتَ كَتِفِهِ الْأَيْسَرِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآسِ (1)».

ص: 17


1- الحديث تمَّ إلى هنا، وما زاد في المطبوع الحجري وبحار الأنوار من زيادة: (ابن ستّة وابن خيرة الإماء)، فهي عنوان لما يأتي بعدها خُلِطَ بالحديث كما هو ظاهر النُّسخ المخطوطة.

كونه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن سبية، ابن خيرة الإماء / [8/268]: «... ابن أمة سوداء...»

[ كونه (عَلَيهِ السَّلَامُ)] (1) ابن سبية، ابن خيرة الإماء:

[268/ 8] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْن سَعِيدٍ ابْنُ عُقْدَةَ، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ قَيْسِ بْنِ رُمَّانَةَ الْأَشْعَرِيُّ وَسَعْدَانُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَأَحْمَدُ بْنُ الحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ المَلِكِ وَمحمّد بْنُ الْحَسَنِ الْقَطَوَانِيُّ، قَالُوا جَمِيعاً : حدَّثنا الْحَسَنُ بْنُ

ص: 18


1- ما بين المعقوفتين ليس في النسخ إنَّما أضفناه تسهيلاً للباحث.

مَحَبُوبِ الزَّرَّادُ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ يَزِيدَ الْكُنَاسِي (1)، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ محمّد بْنَ عَلَى الْبَاقِرَ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ شَبَهُ مِنْ يُوسُفَ (2)، ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللّه (عزّوجلّ) وَ لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ»(3).

يريد بالشَّبه من يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) غيبته (4).

[9/269]: «... بأبي ابن خيرة الإماء...»

[269/ 9] أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللّه بْنِ يُونُسَ، قَالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ رَبَاحِ الزُّهْرِيُّ، قَالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلى الحِمْيَرِيُّ، قَالَ: حدَّثنا الحكَمُ أَخُو مُشْمَعِلُ الْأَسَدِيُّ (5)، قَالَ: حدَّثني عَبْدُ الرَّحِيمِ الْقَصِيرُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرِ (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ (6) الْإِمَاءِ»، أَهِيَ فَاطِمَةُ (عَلَيهَا السَّلَامُ)؟

فَقَالَ: «إِنَّ فَاطِمَةَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) خِيَرَةُ الْخَرَائِرِ، ذَاكَ الْمُبْدَحُ بَطْنه، المُشْرَبُ حُمْرَةً، رَحِمَ اللّه فُلاناً».

[ 270/ 10]: «... خرج يزعم أنه ابن سبية...»

[ 27 / 10] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حدَّثنا الْقَاسِمُ بْنُ محمّد اِبْنِ الْحَسَنِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: حدَّثنا عُبَيْسُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي المُغِيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّبَاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ لِي: «مَا وَرَاءَكَ».

ص: 19


1- في بعض النُّسَخ: (زيد الكناسي)، وهو من تصحيف النُّساخ.
2- كذا، وفي نسخة: (سُنَّة من يوسف)، وقد تقدَّم.
3- تقدَّم تحت الرقم (3/164) فراجع.
4- في بعض النُّسَخ: (الغيبة).
5- قال النجاشيّ (رَحمهُ اللّه) في رجاله (ص (136 الرقم (352): (حَكَم بن سعد الأسدي الناشري، عربي، قليل الحديث، وهو أخو مشمعل، ومشمعل أكثر روايةً منه، وشارك الحكم أخاه مشمعلًا في كتاب الديات).
6- الخِيرة: المختارة، والأفضل. راجع لسان العرب (ج 4 / ص 264/ مادة خير).

فَقُلْتُ : سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدِ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سَبيَّة (1)، وَهُوَ (2) قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ.

فَقَالَ: «كَذَبَ (3) لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ» (4).

[11/271]: «بأبي ابن خيرة الإماء»

[11/271] حدَّثنا محمّد بْنُ هَمَّامٍ وَمحمّد بْنُ الحَسَنِ بْنِ جُهُورٍ جَميعاً، عَنِ الحَسَنِ بْنِ محمّد بْنِ جُمْهُورٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ سَمَاعَةَ، عَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْوَلِيدِ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ اهُمْدَانِيِّ، قَالَ: قَالَ أَمِيرُ المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): بأَبي ابْنُ خِيرَةِ الْإِمَاءِ - يَعْنِي الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصَبَّرَةٍ (5)، وَلَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ هَرْجاً (6)، فَعِنْدَ ذَلِكَ تَتَمَنَّى فَجَرَةُ قُرَيْشٍ لَوْ أَنَّ هَا مُفَادَاةً مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا لِيُغْفَرَ هَا، لَا نَكُتُ حتّى يَرْضَى اللّه» (7).

[ 12/272] : «... أو لم تعلموا أنه ابن سبية...»

[12/272] أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ محمّد بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ

ص: 20


1- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) بعد ما ضبطها في بحار الأنوار ج (51 / ص 42) : (ابن ستّة) : (لعلَّ زيداً أدخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عداد الآباء مجازاً فإنَّ العمَّ قد يُسمَّى أباً، فمع فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ستَّة من المعصومين).
2- في بعض النُّسَخ: (وأنَّه).
3- أي وهم، والكذب هنا بمعنى التمني والتوهم، وجلَّت ساحة زيد عن الكذب المفترى.
4- الثابت بالروايات الصحيحة مدح زيد الشهيد (رضوان اللّه عليه وعلوُّ مقامه ودعوته إلى مقاومة الظلم، وإلى تطبيق أحكام الإسلام، وإمامة الرضا من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ولا بد من رد مثل هذه الرواية التي تذمُّه أو تأويلها.
5- في لسان العرب (ج 4 / ص 442 مادة صبر): (الصَّبِرُ: عُصارة شجر مُرّ، واحدته صَبرَة وجمعه صُبور).
6- أي قتلاً، وفي نسخة هنا بياض.
7- نهج البلاغة (ص 138/ الخطبة 93) بتفاوت.

التَّيْمِلُي، قَالَ: حدَّثنا محمّد وَأَحْمَدُ ابْنَا الحَسَنِ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبي حَازِمٍ قَالَ: خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: «هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟».

فَقُلْتُ: نعم.

فَقَالَ: «أَكُنتُمْ تَتَكَلَّمُونَ؟».

قُلْتُ: نَعَمْ، صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ المُغيريَّة (1).

قَالَ: «فَمَا كَانَ يَقُولُ؟».

قُلْتُ: كَانَ يَزْعُمُ أَنَّ محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بن الحسن هُوَ الْقَائِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَاسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبي النَّبِيِّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فَقُلْتُ لَهُ فِي الْجَوَابِ: إِنْ كُنْتَ تَأْخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الحُسَيْنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه بْنِ عَلِيٍّ، فَقَالَ لِي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ - يَعْنِي محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بْنِ عَلِيٍّ، وَهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ (2) - يَعْنِي محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بْنِ الحَسَنِ بْنِ الحَسَنِ -.

فَقَالَ أَبو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَما رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟».

فَقُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ.

فَقَالَ: «أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ ابْنُ سَبيَّة (3) - يَعْنِي الْقَائِمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -؟».

ص: 21


1- المغيريَّة هم أصحاب المغيرة بن سعيد الكذَّاب الّذي كان يكذب على الإمام أبي جعفر محمّد بن على الباقر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وكان يدعو إلى محمّد بن عبد اللّه بن الحسن في أول أمره وما في بعض النَّسَخ من (المعتزلة) من تصحيف النَّسَاخ.
2- المهيرة: الحرّة البالغة المهر، وجمعها مهائر والمراد ب_(محمّد بن عبد اللّه بن الحسن) محمّد ابن عبد اللّه محض، راجع أحواله في مقاتل الطالبيّين (ص 157 فصاعداً).
3- النُّسَخ في ضبط كلمة (ابن سبيَّة) مختلفة، ففي بعضها: (ابن ستّة)، وفي بعضها: (ابن سبيَّة)، وفي بعضها: (ابن ستّه)، والظاهر أنَّ الصواب ما في المتن بقرية ابن خيرة الإماء. والسبيَّة المرأة تُسبى. وقال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) بعدما ضبطها في بحار الأنوار (ج 51 / ص 41) : (ابن ستّة) : (لعلَّ المعنى ابن ستَّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستَّة بحسب الأسماء، فإنَّ أسماء آبائه محمّد وعليّ وحسين وجعفر وموسى وحسن، ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمّة قبله مع أنَّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفية، ولا تُقبل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم). : أقول : ولا يبعد احتمال كونه (ابن ستّه)، والمراد ابن سيّدة، ولا ينافي كونها أمة، ويُؤيد ذلك أنَّ في كمال الدِّين (ص 315 و 316 / باب 29 / ح 2) في حديث مسند عن الحسن ابن عليّ المجتبى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): «ذلك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيَّدة الإماء». هذا، وقال البهبودي في هامش بحار الأنوار لعلَّ الصحيح أنَّه (ابن ستّه)، وهو عبارة أخرى عن كونه (عَلَيهِ السَّلَامُ) أزيل، يعني متباعداً ما بين الفخذين.

ص: 22

[345 / 39]: (... ويُستخلف ابن السبية...)

[39/345] حدَّثنا أَبُو سُلَيْمَانَ أَحْمَدُ بْنُ هَوْذَةَ الْبَاهِلِيُّ، قَالَ: حدَّثنا إِبْرَاهِيمُ اِبْنُ إِسْحَاقَ النَّهَاوَنَدِيُّ، قَالَ: حدَّثنا عَبْدُ اللّه بْنُ حَمَّادٍ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِي مَالِكِ الْخُضْرَمِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أَسْلَمَ المَكِّيِّ (1)، عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، قَالَ: يُقْتَلُ خَلِيفَةٌ مَا لَهُ فِي السَّمَاءِ عَاذِرُ، وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ، وَيُخْلَعُ خَلِيفَةٌ حتّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَرْضِ شَيْءٌ، وَيُسْتَخْلَفُ ابْنُ السَّبِيَّة.

قَالَ: فَقَالَ أَبو الطفيل: يَا ابْنَ أُخْتِي، لَيْتَنِي أَنَا وَأَنْتَ مِنْ كُورِهِ (2).

قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ تَتَمَنَّى - يَا خَالِ - ذَلِكَ؟

قَالَ: لِأَنَّ حُذَيْفَةَ حدَّثني أَنَّ المُلْكَ يَرْجِعُ فِي أَهْلِ النُّبُوَّةِ.

ص: 23


1- في بعض النُّسَخ: (حصين المكّي)، وفي بعضها: (حَكَم المكِّي)، وكلاهما تصحيف، والصواب كما يظهر من نسخة مخطوطة : (أسلم المكي)، وهو مولى محمّد بن الحنفيَّة.
2- كذا، وفي بعض النُّسَخ: (من كورة) بالتاء المنقوطة المدوّرة، والمراد من أهل زمانه. والكور - بفتح الكاف -: الجماعة الكثيرة من الإبل والقطيع من الغنم والكورة - بالضمِّ-: المدينة والصقع والبقعة التي يجتمع فيها قرى ومحال جمعها كُوَر كتحف. ولعلَّ المراد الكرَّة، ومعناه الرجعة.

ص: 24

كمال الدِّين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: الجزء الأول

إشارة:

الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)

الجزء الأول

تقديم وتحقيق

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

ص: 25

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

اسم الكتاب:... كمال الدِّين وتمام النعمة / الجزء الأول

تأليف:...الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)

تقديم وتحقيق:... مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار...257

الطبعة:... الأولى 1442ه_

عدد النُّسَخ...1000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

-العراق- النجف الأشرف

هاتف: 07809744474 - 07816787226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 26

فممّا رُوي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمد العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ)

فما روي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1):

مَا حدَّثنا بهِ أَبي وَمحمّد بْنُ الحَسَن بن أَحْمَدَ بْن الْوَلِيدِ، قَالا: حدَّثنا سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللّه، قَالَ: حدَّثنا مَنْ حَضَرَ مَوْتَ الحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَدَفْنَهُ مِمَّنْ لَا يُوقَفُ عَلَى إِحْصَاءِ عَدَدِهِمْ وَلَا يَجُوزُ عَلَى مِثْلِهِم التَّوَاطِقُ بِالْكَذِبِ. وَبَعْدُ فَقَدْ حَضَرْنَا فِي شَعْبَانَ سَنَةَ ثَمَانٍ وَسَبْعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَذَلِكَ بَعْدَ مُضِي أَبِي محمّد الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِثَمَانَ عَشْرَةَ سَنَةٌ أَوْ أَكْثَرَ تَجْلِسَ أَحْمَدَ بْنِ عُبَيْدِ اللّه بْنِ يَحْيَى بْنِ خَافَانَ (2) وَهُوَ عَامِلُ السُّلْطَانِ يومئذٍ عَلَى الخراج وَالضّيَاع بِكُورَةِ قُمَّ، وَكَانَ مِنْ أَنصَبٍ خَلْقِ اللّه وَأَشَدِّهِمْ عَدَاوَةٌ هُمْ، فَجَرَى ذِكْرُ المُقِيمِينَ مِنْ آلِ أَي طَالِبٍ بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَمَذَاهِبِهِمْ وَصَلَاحِهِمْ وَأَقْدَارِهِمْ عِنْدَ السُّلْطَانِ، فَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدِ اللّه: مَا رَأَيْتُ وَلَا عَرَفْتُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى رَجُلاً مِنَ الْعَلَوِيَّةِ مِثْلَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد بْنِ عَلى الرِّضَا اللّه، وَلَا سَمِعْتُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَسُكُونِهِ وَعَفَافِهِ وَنُبْلِهِ وَكَرَمِهِ عِنْدَ أَهْلَ بَيْتِهِ وَالسُّلْطَانِ بَنِي هَاشِمٍ، وَتَقْدِيمِهِمْ إِيَّاهُ عَلَى ذَوِي السِّنَّ مِنْهُمْ وَالخَطَرِ، وَكَذَلِكَ الْقُوَّاد وَالْوُزَرَاءُ وَالْكُتَّابُ وَعَوَامُ النَّاسِ، فَإِنِّي كُنْتُ قَائِاً ذَاتَ يَوْم عَلَى رَأْسٍ أَي وَهُوَ يَوْمُ تَجْلِسِهِ لِلنَّاسِ، إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ حُجَّابُهُ، فَقَالُوا لَهُ: إِنَّ ابْنُ الرِّضَا عَلَى الْبَابِ فَقَالَ بِصَوْتٍ عَالِ: ائذَنُوا لَهُ (3)، فَدَخَلَ رَجُلٌ أَسْمَرُ أَعْيَنُ حَسَنُ الْقَامَةِ، جَمِيلُ الْوَجْهِ، جَيّدُ الْبَدَنِ، حَدَثُ السِّنِّ، لَهُ جَلَالَةٌ وَهَيْبَةٌ، فَلَا نَظَرَ إِلَيْهِ أَبِي قَامَ، فَمَشَى

ص: 27


1- العنوان من المصنِّف (رَحمهُ اللّه).
2- في إعلام الورى: (أحمد بن عبد اللّه بن يحيى بن خاقان).
3- زاد في الكافي (ج 1 / ص 503): (فتعجبت مما سمعت منهم أنَّهم جسروا يُكَنُّون رجلاً على أبي بحضرته، ولم يُكَنَّ عنده إلّا خليفة أو ولي عهد أو من أمر السلطان أن يُكنّى).

إِلَيْهِ خُطّى، وَلَا أَعْلَمُهُ فَعَلَ هَذَا بِأَحَدٍ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَلَا بِالْقُوَّادِ وَلَا بِأَوْلِيَاءِ الْعَهْدِ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ عَانَقَهُ وَقَبْلَ وَجْهَهُ وَمَنْكِبَيْهِ وَأَخَذَ بِيَدِهِ فَأَجْلَسَهُ عَلَى مُصَلَّاهُ الّذي كَانَ عَلَيْهِ، وَجَلَسَ إِلَى جَنْبِهِ مُقْبلاً عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ، وَجَعَلَ يُكَلِّمُهُ وَيُكَنِّيهِ، وَيَهْدِيهِ بِنَفْسِهِ وَبِأَبَوَيْهِ، وَأَنَا مُتَعَجَبٌ مِمَّا أَرَى مِنْهُ إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ الحُجَّابُ، فَقَالُوا: المُوَفَّقُ قَدْ جَاء (1) ، وَكَانَ الْمُوَفَّقُ إِذَا جَاءَ وَدَخَلَ عَلَى أَبِي تَقَدَّمَ حُجَّابُهُ وَخَاصَّةُ قُوَّادِهِ، فَقَامُوا بَيْنَ مَجْلِسِ أَبِي وَبَيْنَ بَابِ الدَّارِ سِمَاطَيْنِ (2) إِلَى أَنْ يَدْخُلَ وَيَخْرُجَ، فَلَمْ يَزَلْ أَبِي مُقْبِلاً عَلَيْهِ (3) يُحَدِّثُهُ حتّى نَظَرَ إِلَى غِلْمَانِ الْخَاصَّةِ، فَقَالَ حِينَئِذٍ : إِذَا شِئْتَ فَقُمْ جَعَلَنِيَ اللّه فِدَاكَ يَا أَبَا محمّد ثمّ قَالَ لِغِلْمَانِهِ : خُذُوا بِهِ خَلْفَ السَّمَاطَيْنِ كَيْلَا يَرَاهُ الْأَمِيرُ - يَعْنِي الْمُوَفَّقَ -، فَقَامَ وَقَامَ أَبِي فَعَانَقَهُ وَقَبَّلَ وَجْهَهُ وَمَضَى، فَقُلْتُ حِجَابٍ أَبي وَغِلْمَانِهِ: وَيْلَكُمْ مَنْ هَذَا الّذي فَعَلَ بِهِ أَبي هَذَا الّذي فَعَلَ؟ فَقَالُوا: هَذَا رَجُلٌ مِنَ الْعَلَوِيَّةِ يُقَالُ لَهُ: الْحَسَنُ بْنُ عَليَّ يُعْرَفُ بِابْنِ الرِّضَا، فَازْدَدْتُ تَعَجُّباً، فَلَمْ أَزَلْ يَوْمِي ذَلِكَ قَلِقاً مُتَفَكِّراً فِي أَمْرِهِ وَأَمْرِ أَبِي وَمَا رَأَيْتُ مِنْهُ حتّى كَانَ اللَّيْلُ، وَكَانَتْ عَادَتْهُ أَنْ يُصَلِّى الْعَتَمَةَ، ثمّ يَجْلِسَ فَيَنْظُرَ فِيمَا يَحتاجُ إِلَيْهِ مِنَ المُوَامَرَاتِ وَمَا يَرْفَعُهُ إِلَى السُّلْطَانِ، فَلَمَّا صَلَّى وَجَلَسَ (4) جِنْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَحْمَدُ، أَلَكَ حَاجَةٌ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ يَا أَبَةِ إِنْ أَذِنْتَ سَأَلْتُكَ عَنْهَا، فَقَالَ: قَدْ أَذِنْتُ لَكَ يَا بُنَيَّ فَقُلْ مَا أَحْيَيْتَ، فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَةِ، مَنْ كَانَ الرَّجُلُ الّذي أَتَاكَ بِالْغَدَاةِ وَفَعَلْتَ بِهِ مَا فَعَلْتَ مِنَ الْإِجْلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالتَّبْجِيلِ وَفَدَيْتَهُ بِنَفْسِكَ وَبَأَبَوَيْكَ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ ذَاكَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، ذَاكَ ابْنُ الرِّضَاء فَسَكَتَ سَاعَةً،

ص: 28


1- الموفّق هو أخو الخليفة المعتمد على اللّه أحمد بن المتوكل، وكان صاحب جيشه.
2- السماط: الصفّ من الناس يعني رديفين منظَّمين. وفي الكافي: (فقاموا بين مجلس أبي وبين باب الدار سماطين إلى أن).
3- أي مقبلاً على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- في بعض النُّسَخ: (فلمَّا نظر وجلس).

فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، لَوْ زَالَتِ الْخِلَافَةُ عَنْ خُلَفَاءِ بَنِي العبّاس مَا اسْتَحَقَّهَا أَحَدٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ غَيْرُ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا يَسْتَحِقُهَا فِي فَضْلِهِ وَعَفَافِهِ وَهَدْيِهِ وَصِيَانَةِ نَفْسِهِ وَزُهْدِهِ وَعِبَادَتِهِ وَجَمِيلَ أَخْلَاقِهِ وَصَلَاحِهِ، وَلَوْ رَأَيْتَ أَبَاهُ لَرَأَيْتَ رَجُلاً جَلِيلاً نَبِيلاً خَيْراً فَاضِلاً، فَازْدَدْتُ قَلَقاً وَتَفَكَّراً وَغَيْظاً عَلَى أَبِي مِمَّا سَمِعْتُ مِنْهُ فِيهِ، وَلَمْ يَكُنْ لي هِمَّةٌ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَّا السُّوَالَ عَنْ خَبَرِهِ، وَالْبَحْثَ عَنْ أَمْرِهِ، فَمَا سَأَلْتُ عَنْهُ أَحَداً مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَمِنَ الْقُوَّادِ وَالْكُتَابِ وَالْقُضَاةِ وَالْفُقَهَاءِ وَسَائِرِ النَّاسِ إِلَّا وَجَدْتُهُ عِنْدَهُمْ فِي غَايَةِ الْإِجْلَالِ وَالْإِعْظَامِ وَالمَحَلَّ الرَّفِيعِ وَالْقَوْلِ الْجَمِيلِ وَالتَّقْدِيمِ لَهُ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ بَيْتِهِ وَمَشَايِخِهِ وَغَيْرِهِمْ، وَكُلُّ يَقُولُ: هُوَ إِمَامُ الرَّافِضَةِ، فَعَظْمَ قَدَّرُهُ عِنْدِي، إِذْ لَمْ أَرَ لَهُ وَلِيًّا وَلَا عَدُوّاً إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الْقَوْلَ فِيهِ وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْمَجْلِسِ مِنَ الْأَشْعَرِيِّينَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، فَمَا خَبَرُ أَخِيهِ جَعْفَرٍ ؟ فَقَالَ: وَمَنْ جَعْفَرٌ فَيُسْتَلَ عَنْ خَبَرِهِ (1) أَوْ يُقْرَنَ بِهِ؟ إِنَّ جَعْفَراً مُعْلِنُ بِالْفِسْقِ، مَاجِنٌ (2)، شرِّيبُ لِلْخُمُورِ، وَأَقَلُّ مَنْ رَأَيْتُهُ مِنَ الرِّجَالِ، وَأَهْتَكُهُمْ لِسَتْرِهِ، فَدْمٌ خَمَارٌ (3)، قَلِيلٌ فِي نَفْسِهِ خَفِيفٌ، وَاللّه لَقَدْ وَرَدَ عَلَى السُّلْطَانِ وَأَصْحَابِهِ فِي وَقْتِ وَفَاةِ الْحَسَنِ بْنِ عَلى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مَا تَعَجَبْتَ مِنْهُ، وَمَا ظَنَنْتُ أَنَّهُ يَكُونُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا اعْتَلَّ بَعَثَ إِلَى أَبِي أَنَّ ابْنَ الرِّضَا قَدِ اعْتَلَ، فَرَكِبَ مِنْ سَاعَتِهِ مُبَادِراً إِلَى دَارِ الْخِلَافَةِ، ثمّ رَجَعَ مُسْتَعْجِلاً وَمَعَهُ خَمْسَةُ نَفَرٍ مِنْ خُدَّام أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ، كُلُّهُمْ مِنْ ثِقَاتِهِ وَخَاصَّتِهِ، فَمِنْهُمْ نِحْرِيرُ (4)، وَأَمَرَهُمْ بِلْزُومِ دَارِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٌّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَتَعَرُّفِ خَبَرِه وَحَالِهِ، وَبَعَثَ إِلَى نَفَرٍ مِنَ المُتَطَبِينَ، فَأَمَرَهُمْ بِالاخْتِلَافِ إِلَيْهِ (5)، وَتَعَاهُدِهِ صَبَاحاً

ص: 29


1- المراد به جعفر الكذَّاب.
2- الماجن: من لم يبال بما قال وما صنع. والشريب - كسكِّين : المولع بالشراب.
3- القدم: العيى عن الكلام في رخاوة وقلة فهم، والأحمق، والمراد الثاني.
4- كان من خواصّ خدم الخليفة، وكان شقيَّا من الأشقياء. والتحرير: الحاذق الفطن.
5- يعنى بالاختلاف التردُّد للاطّلاع على أحواله (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وَمَسَاءً، فَلَما كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمَيْنِ جَاءَهُ مَنْ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ ضَعُفَ، فَرَكِبَ حتّى بَكَّرَ إِلَيْهِ، ثمّ أَمَرَ المُتَطَيِّبِينَ بِالْزُومِهِ، وَبَعَثَ إِلَى قَاضِي الْقُضَاةِ فَأَحْضَرَهُ مَجْلِسَهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَختَارَ مِنْ أَصْحَابِهِ عَشَرَةً مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَوَرَعِهِ، فَأَحْضَرَهُمْ، فَبَعَثَ بِهِمْ إِلَى دَارِ الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَأَمَرَهُمْ بِلْزُومِ دَارِهِ لَيْلاً وَنَهَاراً، فَلَمْ يَزَالُوا هُنَاكَ حتّى تُوُفِّي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِأَيَّامٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ مِنْ سَنَةِ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ، فَصَارَتْ سُرَّ مَنْ رَأَى ضَجِّةً وَاحِدَةً: مَاتَ ابْنُ الرّضَا.

فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل

وَبَعَثَ السُّلْطَانُ إِلَى دَارِهِ مَنْ يُفَتِّشُهَا وَيُفَتِّشُ حُجَرَهَا، وَخَتَمَ عَلَى جَمِيعِ مَا فِيهَا، وَطَلَبُوا أَثَرَ وَلَدِهِ، وَجَاءُوا بِنِسَاءٍ يَعْرِفْنَ بِالحَبْلِ، فَدَخَلْنَ عَلَى جَوَارِيهِ، فَنَظَرْنَ إِلَيْهِنَّ، فَذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَنَّ هُنَاكَ جَارِيَةً بِهَا حَمْلٌ (1)، فَأَمَرَ بِهَا، فَجُعِلَتْ فِي حُجْرَةِ، وَوُكُلَ بِهَا نِحْرِيرُ الخَادِمُ وَأَصْحَابُهُ وَنِسْوَةٌ مَعَهُمْ،

ص: 30


1- في بعض النُّسَخ: (لها حبل)، وفي بعضها: (بها حبل).

[1/204]: «... أمّه جارية اسمها نرجس...»

[1/204] حدَّثنا محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِي (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ: حدَّثنا الحَسَنُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَمْرٍو سَعِيدُ بْنُ محمّد بْنِ نَصْرِ الْقَطَانُ، قَالَ: حدَّثنا عَبْدُ اللّه بْنُ محمّد السُّلَمِيُّ، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ(1) قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ سَعِيدِ بْنِ محمّد، قَالَ: حدَّثنا العبّاس بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ صَدَقَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، قَالَ: لَمَّا احْتُضِرَ أَبو جَعْفَرٍ محمّد بْنُ عَلَى الْبَاقِرُ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عِنْدَ الْوَفَاةِ دَعَا بِابْنِهِ الصَّادِقِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَعَهِدَ إِلَيْهِ عَهْداً، فَقَالَ لَهُ أَخُوهُ زَيْدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ: لَوِ امْتَتَلْتَ فِي تِمْثَالَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لَرَجَوْتُ أَنْ لَا تَكُونَ أَتَيْتَ مُنْكَراً، فَقَالَ: «يَا أَبَا الْحَسَنِ، إِنَّ الْأَمَانَاتِ لَيْسَتْ بِالتِّمْثَالِ، وَلَا الْعُهُودَ بِالرُّسُوم، وَإِنَّمَا هِيَ أُمُورٌ سَابِقَةٌ عَنْ حُجَج اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى»، ثمّ دَعَا بِجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللّه (2)، فَقَالَ لَهُ: «يَا جَابِرُ، حدَّثنا بِمَا عَايَنْتَ فِي

ص: 31


1- في العيون (محمّد بن عبد الرحيم).
2- سند هذا الخبر ضعيف ومشتمل على مجاهيل، ومتنه لا يلائم ما جاء في غيره من الأخبار، ففي تفسير القمي (ج 2 / ص 147) بسند صحيح عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، سُئِلَ عن جابر فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «رحم اللّه جابراً بلغ من فقهه أنَّه كان يعرف تأويل هذه الآية: «إِنَّ الّذي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ...» الآية [القصص: 85]»، وهو ظاهر في موته في حياة أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ). وروى نحوه الكشَّي (اختيار معرفة الرجال : ج 1 / ص 224 و 225 / ح 90). وقد أجمعت أرباب السير ومعاجم التراجم على أنَّه مات قبل سنة (80ه_)، قال ابن قتيبة: (مات جابر بالمدينة سنة (78ه_).... وهو ممَّن تأخر موته من أصحاب النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالمدينة) (المعارف ص 307). وقال ابن سعد: مات سنة (73ه_). وفي المحكي عن عمرو بن عليّ ويحيى بن بكير وغيرهما أنَّه مات سنة (78ه_) كما في تهذيب التهذيب (ج 2 ص 37 / الرقم 67). وقال ابن عبد البرِّ في الاستيعاب (ج 1 ص 220) : إنَّه شهد العقبة الثانية مع أبيه، وكُفَّ بصره في آخر عمره، وتُوفّي سنة (74ه_)، وقيل: (78ه_)، وقيل: (77ه_) بالمدينة، وصلى عليه أميرها أبان بن عثمان، وقيل: تُوفّي وهو ابن أربع وتسعين. وعلى أي كان وفاته قبل ميلاد أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسنين، لأنَّه عليا ولد سنة (83ه_)، وكانت وفاة الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة (114ه_) وفي قول (116ه_)، فكيف يمكن حضور جابر عنده (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين حضرته الوفاة؟ مع أنَّ الظاهر من قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) له: «إِنَّكَ ستدرك رجلاً من أهل بيتي...» إلخ، أنَّه أدرك محمّد بن علي الباقر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فحسب، ولم يُدرك بعده من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) أحداً. والأخبار التي تتضمَّن حياته بعد علي بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كلُّها مخدوشة، لأنَّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) تُوفي سنة (94 ه_)، وأبو عبد اللّه حينذاك ابن أحد عشر سنة، وتُوفّي جابر قبل ذلك نحواً من عشرين سنة. وما قال المامقانيّ (رَحمهُ اللّه) (في تنقيح المقال: ج 14 / ص 73) من أنَّ الكتّي روى أنَّه يعنى (جابر) آخر من بقي من الصحابة مع أنَّ عامر بن وائلة مات سنة (110ه_)، فلازم ذلك بقاء جابر بعد سنة (110ه_) اشتباه محض، لأنَّ عامر لم يكن صحابيًا إنَّما ذكروه في جملة الصحابة لتولده قبل وفاة النبيّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). ولعل مراد الكنّي أنَّه آخر من بقي من الصحابة بالمدينة ممن شهد العقبة كما قال الجزري حيث قال: جابر آخر من مات تمن شهد العقبة. أسد (أسد الغابة : ج 1 / ص 257). ثمّ اعلم أني أظنُّ أنَّ العلاج بأن نقول: سقطت جملة من لفظ الرواة أو قلم النساخ، وصُحف (يا أبا جعفر)، والأصل: (ثمّ قال دعا أبي يوماً بجابر بن عبد اللّه... فقال له :جابر نعم يا أبا محمّد...) إلخ، فيرفع الإشكال، وأمثال هذا السقط والتحريف كثيرة في الأحاديث. ثمّ اعلم أيضاً أنَّ قولها: (لكنَّه نهى أن يمسها إِلَّا نبيٌّ أو وصيُّ نبي أو أهل بيت نبيِّ) يخالف ما سيأتي في حديث اللوح، لأنَّ فيه: (فأعطتنيه أُمُّك فاطمة فقرأته انتسخته).

الصَّحِيفَةِ»، فَقَالَ لَهُ جَابِرٌ: نَعَمْ يَا أَبَا جَعْفَرٍ، دَخَلْتُ عَلَى مَوْلَاتِي فَاطِمَةَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) لأُهَنتَهَا بِمَوْلُودِ الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1)، فَإِذَا هِيَ بصَحِيفَةٍ بِيَدِهَا مِنْ دُرَّةٍ بَيْضَاءَ، فَقُلْتُ: يَا سَيِّدَةَ النِّسْوَانِ، مَا هَذِهِ الصَّحِيفَةُ الَّتِى أَرَاهَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: فِيهَا أَسْمَاءُ الأئمّة مِنْ وُلْدِي، فَقُلْتُ لَهَا: نَاوِلِينِي لأَنظُرَ فِيهَا، قَالَتْ: «يَا جَابِرُ، لَوْ لَا النَّهْيُّ لَكُنْتُ أَفْعَلُ، لَكِنَّهُ نُهِيَ أَنْ يَمَسَّهَا إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ أَهْلُ بَيْتِ نَبِيٍّ، وَلَكِنَّهُ مَأْذُونٌ لَكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى بَاطِنِهَا مِنْ ظَاهِرِهَا».

ص: 32


1- كذا.

قَالَ جَابِرٌ: فَقَرَأْتُ فَإِذَا فِيهَا: أَبُو الْقَاسِم محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه المُصْطَفَى أمّه آمِنَةٌ بِنْتُ وَهْبٍ. أَبو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبِ الْمُرْتَضَى، أمّه فَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ ابْن عَبْدِ مَنَافٍ. أَبو محمّد الحَسَنُ بْنُ عَلَى الْبَرُّ أَبو عَبْدِ اللّه الحُسَيْنُ بْنُ عَلَى التَّقِيُّ، أُمُّهَا فَاطِمَةُ بِنْتُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). أَبو محمّد عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ الْعَدْلُ، أمّه شَهْرَبَانُويَهُ (1) بِنْتُ يَزْدَجَرْدَ بْنِ شَاهَنْشَاهَ. أَبو جَعْفَرٍ محمّد بْنُ عَلِيٍّ الْبَاقِرُ، أمّه أُمُّ عَبْدِ اللّه بنتُ الحَسَنِ بْنِ عَلَيَّ بنِ أَبِي طَالِبٍ. أَبو عَبْدِ اللّه جَعْفَرُ بْنُ محمّد الصَّادِقُ أمّه أُمُّ فَرْوَةً بِنْتُ الْقَاسِم بن محمّد بْنِ أَبِي بَكْرٍ. أَبُو إِبْرَاهِيمَ مُوسَى بْنُ جَعْفَرِ الثَّقَةُ، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا حَمِيدَةُ. أَبو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرّضَا، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا نَجْمَةُ. أَبو جَعْفَرٍ محمّد بْنُ عَلِيٍّ الزَّكِيُّ، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا خَيْزُرَانُ. أَبو الحَسَن عَلَى بْنُ محمّد الْأَمِينُ، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا سَوْسَنُ (2). أَبو محمّد الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّفِيقُ، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا سُمَانَةُ (3)، وَتُكَنَّى بِأُمِّ الْحَسَنِ. أَبُو الْقَاسِم محمّد بْنُ الْحَسَنِ، هُوَ حُجَّةُ اللّه تَعَالَى عَلَىٰ خَلْقِهِ الْقَائِمُ (4)، أمّه جَارِيَةٌ اسْمُهَا نَرْجِسُ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) (5).

قال مصنف هذا الكتاب (رَحمهُ اللّه) : جاء هذا الحديث هكذا بتسمية القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والّذي أذهب إليه ما روي في النهي من تسميته، وسيأتي ذكر ما روينا (6) في ذلك من الأخبار في باب أضعه في هذا الكتاب لذلك إن شاء اللّه [تعالى ذكره ].

ص: 33


1- في بعض النُّسَخ: (شاه بانويه).
2- المشهور كما في أخبار أخر اسمها (سمانة).
3- المشهور اسمها (حديث) مصغراً، أو (سليل).
4- في بعض النُّسَخ: (هو الحجّة القائم).
5- رواه المصنِّف (رَحمهُ اللّه) في عيون أخبار الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) (ج 1 ص 47 و 48 / ح 1)، والطبرسي (رَحمهُ اللّه) في الاحتجاج (ج 2 ص 136 و 137).
6- في بعض النُّسَخ: (رويت).

[ 2/210]: «... من ولد أخي الحسن ابن سيدة الإماء...»

[2/210] حدَّثنا الْمُظَفَرُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْمُطَفِّرِ الْعَلَوِيُّ السَّمَرْقَنْدِي (رَحمهُ اللّه)، قَالَ: حدَّثنا جَعْفَرُ بْنُ محمّد بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: حدَّثنا جَبْرَئِيلُ بْنُ أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ الْبَغْدَادِي، قَالَ: حدَّثني الحَسَنُ بْنُ محمّد الصَّيْرَفِيُّ، عَنْ حَنَانِ بْنِ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ سَدِيرِ بْنِ حُكَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَلَامَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «وَيُحكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتُ، وَاللّه الّذي عَمِلْتُ خَيْرٌ لِشِيعَتِي مِما طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ، أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّني إمَامُكُمْ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ وَأَحَدُ سيّدي شَبَاب أَهْلِ الجنَّةِ بِنَصْ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عَلَيَّ؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الخَضِرَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ وَأَقَامَ الْجِدَارَ وَقَتَلَ الْغُلَامَ كَانَ ذَلِكَ سَخَطَاً مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ، إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللّه تَعَالَى ذِكْرُهُ حِكْمَةً وَصَوَاباً، أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَّاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمُ الّذي يُصَلِّي رُوحُ اللّه عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) خَلْفَهُ، فَإِنَّ اللّه (عزَّوَجلَّ) يُخْفِي وِلَادَتَهُ، وَيُغَيِّبُ شَخْصَهُ، لِئَلَّا لا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ، ذَلِكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الحُسَيْنِ ابْنِ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يُطِيلُ اللّه عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ، ثمّ يُظْهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةٍ شَابٌ دُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةٌ، ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (1).

***

ص: 34


1- رواه الخزاز (رَحمهُ اللّه) في كفاية الأثر (ص 224 - 226)، والطبرسي اللّه في إعلام الورى (ج 2/ ص 229 و 230)، وأحمد بن علي الطبرسي (رَحمهُ اللّه) في الاحتجاج (ج 2 ص 9 و 10).

[12/236]: «... ابن أمة سوداء...»

[12/236] حدَّثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محمّد بْنِ عُبُدُوسِ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ: حدَّثنا أَبو عَمْرِو الْكَشَّيُّ، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ مَسْعُودٍ، قَالَ: حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ محمّد

ص: 35

الْقُمِّيُّ، عَنْ محمّد بْنِ أَحْمَدَ بْنِ يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْأَزْدِيِّ، عَنْ ضُرَيْسِ الْكُنَاسِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللّه (عزَّوجلَّ) أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَة» (1)،(2).

ص: 36


1- رواه النعماني (رَحمهُ اللّه) في الغيبة (ص /166 باب /10 فصل 3 ح 4) بسند آخر.
2- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51/ص 219): (بيان قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «ابن أمة سوداء» يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ظاهراً، إلَّا أنْ يُحمل على الأُمّ بالواسطة أو المربيَّة).

كمال الدِّين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: الجزء الثاني

إشارة:

الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)

الجزء الثاني

تقديم وتحقيق

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

ص: 37

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

اسم الكتاب:... كمال الدِّين وتمام النعمة / الجزء الثاني

تأليف:...الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)

تقديم وتحقيق:... مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار...258

الطبعة:... الأولى 1442ه_

عدد النُّسَخ...1000

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

-العراق- النجف الأشرف

هاتف: 07809744474 - 07816787226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 38

[31/272]: «... ذلك ابن سيدة الإماء...»

[31/272] حدَّثنا عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ بْن محمّد بْن عِمْرَانَ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ : حدَّثنا، محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه الْكُوفِيُّ، قَالَ: حدَّثنا مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَمِّهِ الحُسَيْنِ

ص: 39

ابْنِ يَزِيدَ النَّوْفَلِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) بما وَقَعَ بهم مِنَ الْغَيِّبَاتِ حَادِثَةٌ فِي الْقَائِمِ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ (1)».

قَالَ أَبو بَصِير : فَقُلْتُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه وَمَن الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَقَالَ: «يَا أَبَا بَصِير، هُوَ الْخَامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنِي مُوسَى، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يَغِيبُ غَيْبَةً يَرْتَابُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ، ثمّ يُظْهِرُهُ اللّه (عزَّوجلّ)، فَيَفْتَحُ اللّه عَلَى يَدِهِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَيَنْزِلُ رُوحُ اللّه عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا، وَلَا تَبْقَى فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ عُبِدَ فِيهَا غَيْرُ اللّه (عزَّوجلّ) إِلَّا عُبِدَ اللّه فِيهَا، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ للّه وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ».

ص: 40


1- القُذّة: ريش السهم.

[6/302] «... ذلك ابن سيدة الإماء...»

[6/302] حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْنِ جَعْفَرِ الهُمَدَانِيُّ، قَالَ: حدَّثنا عَلِيُّ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي أَحَدَ محمّد بْنِ زِيَادِ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سيّدي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عَنْ قَوْلِ اللّه (عزَّوجلّ): «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [لقمان: 20]، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ الْإِمَامُ الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنَةُ الْإِمَامُ الْغَائِبُ»، فَقُلْتُ لَهُ: وَيَكُونُ فِي الأئمّة مَنْ يَغِيبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَارِ النَّاسِ شَخْصُهُ، وَلَا يَغِيبُ عَنْ قَلوبِ المُؤْمِنِينَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا، يُسَهِّلُ اللّه لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَيُذَلَّلُ لَهُ كُلَّ صَعْب وَيُظْهِرُ لَهُ كُنُوزَ الْأَرْضِ، وَيُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبِيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدِ (1)، وَيُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ الّذي تَخْفَى عَلَى النَّاسِ وِلَادَتُهُ، وَلَا يَحِلُّ هُمْ تَسْمِيَتُهُ حتّى يُظْهِرَهُ اللّه (عزَّوجلّ) وَ فَيَمْلَاَ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلماً» (2)،(3)،(4).

ص: 41


1- أَباره اللّه: أهلكه. وفي بعض النُّسَخ: (يتبر)، والتبر: الكسر، والإهلاك كالتتبير. وفي بعض النُّسَخ: (یفنی به).
2- رواه الخزَّاز في كفاية الأثر (ص 270 و 271).
3- في هامش بعض النسخ المخطوطة هكذا: (الّذي ادعاه المصنِّف فيما تقدَّم من النهي عن ذكر اسمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يُقوِّيه ويُؤيّده هذا الحديث، وإلّا فالروايات التي ذكرها في هذه الأبواب عن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) في النهى عن ذكر اسمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمكن أن يُحمل النهي فيها على قبل الغيبة في زمان العبّاسية دون عصرنا هذا، لأنَّ التقيَّة كانت في ذلك الزمان أشدّ من هذا العصر. وإنّما قلنا: (يمكن أنْ يُحمّل النهى على قبل غيبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)) لأنَّ النهى لا يخلو من وجهين إما خوفاً على الإمام وهو مفقود في هذا العصر إذ لا يقدر أحد أن يظفر به، وإما خوفاً على القائل الذاكر باسمه، وهذا أيضاً منتف إذ لا يتصوّر الضرر من مخالفي هذا العصر ولا التعرُّض به لأنه لو كان أحد ينادي في الأسواق بأعلى صوته يا محمّد بن الحسن لا يرى أحد من المخالفين أنَّه سمع اسمه ويعرفه حتّى يُؤذى قائله، وإذا كان كذلك فلِمَ لا يجوز للمؤمنين أن يسموه ويتبرَّكوا ويتشرفوا بذكر اسمه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ وأما قبل غيبته الكبرى كان الضرر متصوَّراً، لكن هذه الرواية تأبى ذلك، واللّه أعلم).
4- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 / ص 32): (بيان: هذه التحديدات مصرِّحة في نفي قول من خصَّ ذلك بزمان الغيبة الصغرى تعويلاً على بعض العلل المستنبطة والاستبعادات الوهمية).

قال مصنِّف هذا الكتاب (رضیَ اللّهُ عنهُ): لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد ابن جعفر الهمداني (رضیَ اللّهُ عنهُ) بهمدان عند منصر في من حجّ بيت اللّه الحرام، وكان رجلاً ثقةً ديناً فاضلاً (رحمة اللّه عليه ورضوانه).

***

ص: 42

[ 307/ 5] «... ابن سيدة الإماء...»

[ 307/ 5] حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ زِيَادِ بْن جَعْفَرِ الْهمَدَانِيُّ (رضیَ اللّهُ عنهُ)(1)، قَالَ: حدَّثنا عَلِيُّ ابْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ هَاشِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرّضَا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): «لَا دِينَ مَنْ لَا وَرَعَ لَهُ، وَلَا إِيمَانَ مَنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّه أَعْمَلُكُمْ بِالتَّقِيَّةِ»، فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه، إِلَى مَتَى؟ قَالَ: «إِلَى يَوْم الْوَقْتِ المعلوم، وَهُوَ يَوْمُ خُرُوج قَائِمِنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، فَمَنْ تَرَكَ التَّقِيَّةَ قَبْلَ خُرُوج قَائِمِنَا فَلَيْسَ مِنَّا فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه، وَمَنِ الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: «الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يُطَهِّرَ اللّه بِهِ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرٍ، وَيُقَدِّسُهَا مِنْ كُلِّ ظُلم، [وَهُوَ] الّذي يَشْكُ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْغَيْبة قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِذَا خَرَجَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِهِ (2) وَوَضَعَ مِيزَانَ الْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَظْلِمُ أَحَدٌ أَحَداً، وَهُوَ الّذي تُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ وَلَا يَكُونُ لَهُ ظِلٌّ، وَهُوَ الّذي يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ يَسْمَعُهُ جَمِيعُ أَهْل الْأَرْضِ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، يَقُولُ: أَلَا إِنَّ حُجَّةَ اللّه قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ بَيْتِ اللّه فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّ الْحَقِّ مَعَهُ وَفِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّه (عزَّوجلَّ): «إِنْ نَشَأ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ» [الشعراء: 4]»(3).

ص: 43


1- في بعض النُّسخ: (محمّد بن حمدان).
2- في بعض النُّسَخ: (بنور ربِّها).
3- رواه الخزَّاز (رَحمهُ اللّه) في كفاية الأثر (ص 274 و 275)، والطبرسي (رَحمهُ اللّه) في إعلام الورى (ج 2 ص 241).

[ 4/338]:... أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ)

[ 338 / 4] حدَّثنا محمّد بْنُ محمّد بْنِ عِصام (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ، قَالَ : حدَّثني عَلَّانٌ الرَّازِيُّ، قَالَ : أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَمَّا حَمَلَتْ جَارِيَةُ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَالَ: «سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً، وَاسْمُهُ محمّدٌ، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(1).

ص: 44


1- رواه الخزَّاز (رَحمهُ اللّه) في كفاية الأثر (ص 293 و 294).

[ 1/369] [قصة السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)]

[1/369] حدَّثنا محمّد بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَاتِم النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو العبّاس أحمَدُ بنُ عِيسى الْوَشَّاءِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ طَاهِرِ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حدَّثنا أبو الحُسَيْنِ محمّد بْنُ بَحْرِ الشَّيْبَانِيُّ، قَالَ : وَرَدْتُ كَرْبَلَاءَ سَنَةَ سِتٌ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَ: وَزُرْتُ قَبْرَ غَرِيبٍ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ انْكَفَأْتُ إِلَى مَدِينَةِ السَّلَامِ مُتَوَجِّهَا إِلَى مَقَابِرٍ قُرَيْشٍ فِي وَقْتِ قَدْ تَضَرَّمَتِ الْهَوَاجِرُ وَتَوَفَّدَتِ السَّمَائِمُ، فَلَها وَصَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَشْهَدِ الْكَاظِم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَاسْتَنْشَقْتُ نَسِيمَ تُرْبَتِهِ المَغْمُورَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ، المَحْفُوفَةِ بِحَدَائِقِ الْغُفْرَانِ أَكْبَيْتَ عَلَيْهَا بِعَبَرَاتٍ مُتَقَاطِرَةٍ، وَزَفَرَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَقَدْ حَجَبَ الدَّمْعُ طَرْفِي عَنِ النَّظَرِ، فَلَمَّا رَقَأَتِ الْعَبْرَةُ وَانْقَطَعَ النَّحِيبُ فَتَحْتُ بَصَرِي فَإِذَا أَنَا بِشَيْخ قَدِ انْحَنَى صُلْبُهُ، وَتَقَوَّسَ مَنْكِبَاهُ، وَثَفِنَتْ جَبْهَتُهُ وَرَاحَتَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَةً عِنْدَ الْقَبْرِ: يَا ابْنَ أَخِي لَقَدْ نَالَ عَمُّكَ شَرَفاً بِمَا حَمَلَهُ السيّدانِ مِنْ غَوَامِضِ الْغُيُوبِ وَشَرَائِفِ الْعُلُوم الَّتِي لَمْ يَحْمِلْ مِثْلَهَا إِلَّا سَلْمَانُ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَمُّكَ عَلَى اسْتِكْمال المُدَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعُمُرِ، وَلَيْسَ يَجِدُ فِي أَهْلِ الْوَلَايَةِ رَجُلاً يُفْضِي إِلَيْهِ بِسِرِّهِ، قُلْتُ: يَا نَفْسُ لَا يَزَالُ الْعَنَاءِ وَالمَشَقَّةُ يَنَالَانِ مِنْكِ بِإِنْعَابِ الخُفَّ وَالْخَافِرَ (1) فِي طَلَبِ الْعِلْم، وَقَدْ قَرَعَ سَمْعِي مِنْ هَذَا الشَّيْخِ لَفْظُ يَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَسيم وَأَثَرِ عَظِيمٍ، فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ، وَمَنِ السيّدانِ؟ قَالَ: النَّجْمَانِ الْمُغَيِّبَانِ فِي الثَّرَى بِسُرَّ مَنْ رَأَى، فَقُلْتُ: إِنِّي أُقْسِمُ بِالمُوَالَاةِ وَشَرَفِ تَحَلَّ هَذَيْنِ السيّدينِ مِنَ الْإِمَامَةِ وَالْوِرَاثَةِ، أَنِّي خَاطِبٌ عِلْمَهُمَا، وَطَالِبُ آثَارَهُمَا، وَبَاذِلٌ مِنْ نَفْسِيَ الْأَيْمَانَ الْمُؤَكَّدَةَ عَلَى حِفْظِ أَسْرَارِهِمَا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأَحْضِرْ مَا صَحِبَكَ مِنَ الْآثَارِ عَنْ نَقَلَةِ أَخْبَارِهِمْ،

ص: 45


1- كناية عن البعير والفرس.

فَلَما فَتَشَ الْكُتُبَ وَتَصَفَّحَ الرِّوَايَاتِ مِنْهَا قَالَ: صَدَقْتَ، أَنَا بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّخَاسُ (1) مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ، أَحَدُ مَوَالِي أَبي الحَسَنِ وَأَبِي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى، قُلْتُ: فَأَكْرِمْ أَخَاكَ بِبَعْضِ مَا شَاهَدْتَ مِنْ آثَارِهِمَا، قَالَ: كَانَ مَوْلَانَا أَبو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فَقَّهَنِي فِي أَمْرِ الرَّقِيقِ، فَكُنْتُ لَا أَبْتَاعُ وَلَا أَبيعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَاجْتَنَبْتُ بِذَلِكَ مَوَارِدَ الشُّبُهَاتِ حتّى كَمَلَتْ مَعْرِفَتِي فِيهِ، فَأَحْسَنْتُ الْفَرْقَ [فِيمَا] بَيْنَ الحَلَالِ وَالحَرَام.

فَبَيْنَمَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَقَدْ مَضَى هَوَيٌّ (2) مِنَ اللَّيْلِ إِذْ قَرَعَ الْبَابَ قَارِعٌ، فَعَدَوْتُ مُسْرِعاً، فَإِذَا أَنَا بِكَافُورٍ الْخَادِم رَسُولِ مَوْلَانَا أَبِي الحَسَنِ عَلِيٍّ ابْنِ محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ ابْنَهُ أبا محمّد وَأُخْتَهُ حَكِيمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ، فَلَما جَلَسْتُ قَالَ: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، فَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا شَأْوُ الشَّيعَةِ (3) فِي المُوَالاةِ بِهَا، أَطَّلِعُكَ عَلَيْهِ وَأَنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاع أَمَةٍ» (4)، فَكَتَبَ كِتَاباً مُلْصَقاً (5) بِخَطِّ رُومِيٌّ وَلُغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ بِخَاتَمِهِ، وَأَخْرَجَ شَسْتَقَةٌ (6) صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهُ بهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضُرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةَ كَذَا، فَإِذَا

ص: 46


1- مهمل.
2- يعني زماناً غير قليل.
3- في بعض النُّسَخ: (سائر الشيعة). والشأو مصدر الأمد والغاية، يقال: فلان بعيد الشأو أي عالي الهمَّة.
4- في بعض النُّسَخ: (في تتّبع أمره) مكان (في ابتياع أمّة).
5- في بعض النُّسَخ (مطلقاً)، وفي بعضها.(ملفّقاً).
6- كذا في أكثر النُّسخ، وفي بعض النُّسَخ: (الشنسقة)، والظاهر الصواب (الشنتقة)، معرب (چنته)، و في بحار الأنوار (شقة)، وهي بالكسر والضمِّ - السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة. وعلى أي المراد الصُّرَّة التي يجعل فيه الدنانير.

وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِقُ السَّبَايَا وَبَرْزَنُ الْجَوَارِي مِنْهَا فَسَتَحْدِقُ بِهِمْ طَوَائِفُ المُبْتَاعِينَ مِنْ وَكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي العبّاس وَشَرَاذِمُ مِنْ فِتْيَانِ الْعِرَاقِ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ بْنَ يَزِيدَ النَّخَاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ يُبْرِزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، لَابِسَةً حَرِيرَتَيْنِ صَفِيقَتَيْنِ، تَمتَنِعُ مِنَ السُّفُورِ وَلَمَسِ الْمُعْتَرِضِ، وَالْإِنْقِيَادِ لَنْ يُحَاوِلُ لَسَهَا، وَيَشْغَلُ نَظَرَهُ بِتَأَقُل مَكَاشِفِهَا مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ الرَّقِيقِ، فَيَضْرِبُهَا النَّخَاسُ فَتَصْرَحُ صَرْخَةً رُومِيَّةٌ، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ : وَاهَتْكَ ستْرَاهُ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُبْتَاعِينَ: عَلَيَّ بِثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ بِالْعَرَبِيَّةِ: لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيِّ سُلَيْمَانَ وَعَلَى مِثْل سَرِيرِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَاشْفَقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ النَّخَاسُ : فَمَا الحِيلَةُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ الجَارِيَةُ: وَمَا الْعَجَلَةُ وَلَا بُدَّ مِنِ اخْتِيَارِ مُبْتَاعَ يَسْكُنُ قَلْبِي [إِلَيْهِ وَ] إِلَى أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَاسِ وَقُلْ لَهُ: إِنَّ مَعِي كِتَاباً مُلْصَقاً لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُومِيَّةٍ وَخَطَّ رُومِي، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، فَنَاوِهُهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ، فَأَنَا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ».

قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّخَاسُ : فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبو الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أَمْرِ الجَارِيَةِ، فَلَما نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَاسِ : بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالحَرّجَةِ المغَلَّظَةِ (1) إِنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتَ أُشَاحُهُ فِي ثَمَيْهَا حتّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارٍ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلايَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الدَّنَانِيرِ فِي الشَّسْتَقَةِ لصَّفْرَاءِ، فَاسْتَوْفَاهُ مِنِّى وَتَسَلَّمْتُ مِنْهُ الْجَارِيَةً ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةً، وَانْصَرَفْتُ بها إِلَى حُجْرَتِ الَّتِي كُنْتُ آوِي إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حتّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ

ص: 47


1- المحرِّجة : اليمين الّذي يُضيق المجال على الحالف ولا يبقى له مندوحة عن برّ قسمه والمغلَّظة: المؤكَّدة.

مَوْلَاهَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ جَيْبهَا وَهِيَ تَلْثِمُهُ (1) وَتَضَعُهُ عَلَى خَدَّهَا وَتُطْبقهُ عَلَى جَفْنِهَا وَتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا، فَقُلْتُ تَعَجَّباً مِنْهَا : أَتَلْثِمِينَ كِتَاباً وَلَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ؟

قَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ المَعْرِفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْنِي سَمْعَكَ وَفَرِّغْ فِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا (2) بنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ الْخَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ المَسِيحَ شَمْعُونَ، أُنَبِّئُكَ الْعَجَبَ الْعَجِيبَ، إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِنِ ابْنِ أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٌ، فَجَمَعَ فِي قَصْرِهِ مِنْ نَسْل الحَوَارِيِّينَ وَمِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُل وَمِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ الْعَسَاكِرِ وَنُقَبَاءِ الْجُيُوشِ وَمُلُوكِ الْعَشَائِرِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهْوِ مُلْكِهِ عَرْشَاً مَسُوغًا (3) مِنْ أَصْنَافِ الْجَوَاهِرِ إِلَى صَحْنِ الْقَصْرِ، فَرَفَعَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَمَّا صَعِدَ ابْنُ أَخِيهِ وَأَحْدَقَتْ الصُّلْبَانُ وَقَامَتِ الْأَسَاقِفَةُ عُكَفاً وَنُشِرَتْ أَسْفَارُ الْإِنْجِيلِ تَسَافَلَتِ الصُّلْبَانُ (4) مِنَ الْأَعَالِي فَلَصِقَتْ بِالْأَرْضِ، وَتَقَوَّضَتِ الْأَعْمِدَةُ (5) فَانْهَارَتْ إِلَى الْقَرَارِ، وَخَرَّ الصَّاعِدُ مِنَ الْعَرْشِ مَغْشِيَّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُ الْأَسَاقِفَةِ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ جُدِّي : أَيُّهَا المَلِكُ، أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ النُّحُوسِ الدَّالَّة عَلَى زَوَالِ هَذَا الدِّينِ المَسِيحِيٌّ وَالمَذْهَبِ المَلِكَانِيِّ (6)، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَيَّراً شَدِيداً، وَقَالَ

ص: 48


1- أي تُقبِّله.
2- في بعض النُّسَخ: (يوشعا).
3- في بعض النُّسَخ: (وأبرز هو من ملكه عرشاً مصنوعاً). والبهو البيت المقدَّم أمام البيوت. وفي بعض النُّسَخ: (مصنوعاً) مكان (مسوغاً).
4- في بعض النُّسَخ: (تساقطت الصلبان).
5- في بعض النُّسَخ: (تفرقت الأعمدة)، وفي بعضها: (تقرضت).
6- الملكانيَّة أصحاب ملكا الّذي ظهر بالروم واستولى عليها. ومعظم الروم ملكانية، قالوا: إنَّ الكلمة اتَّحدت بجسد المسيح (الملل والنحل للشهرستاني: (ج 1 / ص 222).

لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ الْأَعْمِدَةَ، وَارْفَعُوا الصُّلْبَانَ، وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا المُدْبَرِ الْعَاثِرِ (1) المَنْكُوسِ جَدُّهُ لِأُزَوِّجَ مِنْهُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ فَيُدْفَعَ نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بِسُعُودِهِ، فَلَما فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى الثَّانِي مَا حَدَثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُغْتَمَّا وَدَخَلَ قَصْرَهُ وَأَرْخِيَتِ السُّتُورُ.

فَأُريتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّ المَسِيحَ وَالشَّمْعُونَ وَعِدَّةٌ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي قَصْرِ جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً يُبَارِي السَّمَاءَ عُلُوًّا (2) وَارْتفاعاً في المَوْضِع الّذي كَانَ جَدِّي نَصَبَ فِيهِ عَرْشَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مَعَ فِتْيَةٍ وَعِدَّةٍ مِنْ بَنِيهِ، فَيَقُومُ إِلَيْهِ المَسِيحُ فَيَعْتَنِقُهُ فَيَقُولُ: يَا رُوحَ اللّه، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيِّكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مَلِيكَةَ لِابْنِي هَذَا - وَأَوْمَا بِيَدِهِ إِلَىٰ أَبِي محمّد صَاحِبِ هَذَا الْكِتَاب -، فَنَظَرَ المَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ، فَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ الشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ بِرَحِم رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ الْمِنْبَرَ وَخَطَبَ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَزَوَّجَنِي، وَشَهِدَ المَسَيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَشَهِدَ بَنُو محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَالحَوَارِيُّونَ.

فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ مِنْ نَوْمِي أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَىٰ أَبِي وَجَدِّي مَخَافَةَ الْقَتْلِ، فَكُنْتُ أُسِرُّهَا فِي نَفْسِي وَلَا أُبْدِيهَا فَهُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي محمّد حتّى امْتَنَعْتُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَضَعْفَتْ نَفْسِي وَدَقَّ شَخْصِي، وَمَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَمَا بَقِيَ مِنْ مَدَائِنِ الرُّومِ طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَمَّا بَرَّحَ بِهِ الْيَأْسُ (3) قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، فَهَلْ تَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْوَةً فَأَزَوِّدَكِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ فَقَلْتُ يَا جَدِّي أَرَى أَبْوَابَ الْفَرَجِ عَلَى مُغْلَقَةٌ، فَلَوْ كَشَفْتَ الْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أَسَارَى المُسْلِمِينَ، وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ الأَغْلَالَ، وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ وَمَنَتَهُمْ بالخلاص لَرَجَوْتُ أَنْ يَهَبَ المَسِيحُ وأمّه لِي عَافِيَةٌ وَشِفَاءٌ.

ص: 49


1- في بعض النُّسَخ: (العابر)، وفي بحار الأنوار نقلاً عن الغيبة للطوسي: (العاهر).
2- یبارى السماء: أي يعارضها.
3- برح به الأمر تبريحاً: (جهده وأضرَّ به).

فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَدِّي تَجَلَّدْتُ فِي إظْهَارِ الصَّحَةِ فِي بَدَنِي وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ الطَّعَامِ، فَسَرَّ بِذَلِكَ جَدِّي وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَامِ الْأَسَارَى [وَ]إِعْزَازِهِمْ.

فَرَأَيْتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعِ لَيَالٍ كَأَنَّ سَيْدَةَ النِّسَاءِ قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَأَلْفُ وَصِيفَةٍ مِنْ وَصَائِفِ الجِنَانِ، فَتَقُولُ لي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ أُمُّ زَوْجِكِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا امْتِنَاعَ أَبِي محمّد مِنْ زِيَارَتِي، فَقَالَتْ لي سَيِّدَةُ النِّسَاءِ (عَلَيهَا السَّلَامُ): إِنَّ ابْنِي أَبَا محمّد لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ بِاللّه وَعَلَى مَذْهَبِ النَّصَارَى (1)، وَهَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ تَبْرَةُ إِلَى اللّه تَعَالَى مِنْ دِينِكِ، فَإِنْ مِلَّتِ إِلَى رِضًا اللّه (عزَّوجلَّ) وَرِضَا المَسِيحَ وَمَرْيَمَ عَنْكِ وَزِيَارَةِ أَبِي محمّد إِيَّاكِ فَتَقُولي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَشْهَدُ أَنَّ - أَبي - محمّداً رَسُولُ اللّه، فَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي سَيِّدَةُ النِّسَاءِ إِلَى صَدْرِهَا، فَطَيِّبَتْ لِي نَفْسِي، وَقَالَتِ الْآنَ تَوَفَّعِي زِيَارَةَ أَي محمّد إِيَّاكِ، فَإِنِّي مُنْفِذُهُ إِلَيْكِ، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَقُولُ: وَاشَوْقَاهُ إِلَى لِقَاءِ أَبِي محمّد، فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الْقَابِلَةُ جَاءَنِي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في مَنَامِي، فَرَأَيْتُهُ كَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حبيبي بَعْدَ أَنْ شَغَلْتَ قَلْبِي بِجَوَامِع حُبِّكَ، قَالَ: مَا كَانَ تَأْخِيرِي عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ، وَإِذْ قَدْ أَسْلَمْتِ فَإِنِّي زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللّه شَمْلَنَا فِي الْعَيَانِ، فَما قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.

قَالَ بِشْرٌ: فَقُلْتُ هَا: وَكَيْفَ وَقَعْتِ فِي الْأَسْرِ (2)؟ فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَبُو محمّد لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَرِّبُ (3) جُيُوشاً إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا، ثمّ يَتْبَعُهُمْ فَعَلَيْكِ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ مُتَنكَرَةً فِي زِي الْخَدَم مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، فَفَعَلْتُ، فَوَقَعَتْ عَلَيْنَا طَلَائِعُ المُسْلِمِينَ حتّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا رَأَيْتَ وَمَا شَاهَدْتَ،

ص: 50


1- كذا، وفي بحار الأنوار وفي بعض النُّسَخ: (على دين مذهب النصارى).
2- في بعض النُّسَخ: (وكيف صرتِ في الأسارى).
3- أي سيُرسل. وفي بحار الأنوار عن الغيبة للطوسي (سيسرُّ).

وَمَا شَعَرَ أَحَدٌ [ بِي] بِأَنِّي ابْنَةُ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ سِوَاكَ، وَذَلِكَ بِاطَّلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَقَدْ سَأَلَنِي الشَّيْحُ الّذي وَفَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهْمِ الْغَنِيمَةِ عَنِ اسْمِي فَأَنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اسْمُ الجَوَارِي.

فَقُلْتُ: الْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَبِيٌّ، قَالَتْ: بَلَغَ مِنْ وُلُوعِ جَدِّي وَحَبْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلَّمُ الْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ (1) إِلَيَّ امْرَأَةَ تَرْجُمَانِ لَهُ فِي الْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، فَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحَاً وَمَسَاءَ وَتُفِيدُنِي الْعَرَبِيَّةَ حتّى اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا لِسَانِي وَاسْتَقَامَ.

قَالَ بِشْرُ : فَلَمَّا انْكَفَأْتُ بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى (2) دَخَلْتُ عَلَى مَوْلَانَا أَبِي الْحَسَنِ العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ لَهَا: «كَيْفَ أَرَاكِ اللّه عِزَّ الْإِسْلَامِ وَذُلَّ النَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ أَهْلِ بَيْتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟»، قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْي؟ قَالَ: «فَإِنِّي أُرِيدُ (3) أَنْ أُكْرِمَكِ، فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافٍ دِرْهَم أَمْ بُشْرَى لَكِ فِيهَا شَرَفُ الْأَبَدِ؟»، قَالَتْ: بَل الْبُشْرَى (4)، قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَأَبْشِرِي بِوَلَدِ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مَنْ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «مَنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَهُ مِنْ لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرٍ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ»، قَالَتْ: مِنَ المَسِيح وَوَصِيَّهِ؟ قَالَ: «فَمِمَّنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: مِنِ ابْنِكَ أَبِي محمّد، قَالَ: «فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَوْتُ لَيْلَةً مِنْ زِيَارَتِهِ إِيَّايَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ فِيهَا عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ أُمِّهِ؟

فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا كَافُورُ، ادْعُ لي أُخْتِي حَكِيمَةَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَهَا: «هَا هِيَهُ»، فَاعْتَنقَتْهَا طَوِيلاً وَسُرَّتْ بِهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا مَوْلَانَا: «يَا

ص: 51


1- أوعز إليه في كذا تقدَّمه.
2- انكفأت: أي رجعت.
3- في بعض النُّسَخ: (أُحِبُّ).
4- في بعض النُّسَخ: (قالت بل الشرف).

بِنْتَ رَسُولِ اللّه أَخْرِجِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وَعَلّمِيهَا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أبي محمّد وَأُمُّ الْقَائِمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)»(1)،(2).

***

ص: 52


1- رواه الطبري اللّه في دلائل الإمامة (ص 489 - 496 ح 92/488)، والطوسيّ اللّه في الغيبة (ص 208 - 214 / ح 178)، والعلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 / ص 6 - 10/ ح 12).
2- سيأتي في (ص 144) ما ينافيه في الجملة. ونقلنا هناك في عدم التنافي كلاماً.

[1/370] [رواية في ولادة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[ 370 / 1] حدَّثنا محمّد بْنُ الْحَسَن بن الْوَلِيدِ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ : حدَّثنا محمّد بْنُ يَحْيَى الْعَطَارُ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللّه الحُسَيْنُ بْنُ رِزْقِ اللّه (1)، قَالَ: حدَّثني مُوسَى ابْنُ محمّد بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ : حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْن محمّد بْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْن عَلَى بْن أَبي طَالِب، قَالَتْ: بَعَثَ إِلَى أَبو محمّد الحَسَنُ بْنُ عَلَيَّ هَا، فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اجْعَلِي إِفْطَارَكِ [ هَذِهِ] اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيُظهرُ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ الحجّة، وَهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لي: «نَرْجِسُ»، قُلْتُ لَهُ: جَعَلَنِي اللّه فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرُ، فَقَالَ: «هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ»، قَالَتْ: فَجِئْتُ، فَلَها سَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ جَاءَتْ تَنْزِعُ خُفِّي وَقَالَتْ لِي: يَا سَيِّدَتِي [وَسَيِّدَةَ أَهْلِي]، كَيْفَ أَمْسَيْتِ ؟ فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَسَيِّدَةُ أَهْلِي، قَالَتْ: فَأَنْكَرَتْ قَوْلِي وَقَالَتْ: مَا هَذَا يَا عَمَّةُ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا: يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ اللّه تَعَالَى سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيْلَتِكِ هَذِهِ غُلاماً سَيِّداً في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَتْ : فَخَجِلَتْ وَاسْتَحْيَتْ.

فَلَما أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ أَفْطَرْتُ وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وَهِيَ نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِثٌ، ثمّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً، ثمّ اضْطَجَعْتُ ثمّ انْتَبَهْتُ فَزِعَةً وَهِيَ رَاقِدَةٌ، ثمّ قَامَتْ فَصَلَّتْ وَنَامَتْ.

ص: 53


1- كذا في النُّسَخ المصححة، ولم أجده. وفي بعض النُّسَخ: (الحسين بن عبيد اللّه) وهو السعدي يُرمى بالغلوَّ، وقال النجاشيّ في رجاله (ص 42 / الرقم 86): (له كُتب صحيحة الحديث). وأمّا موسى بن محمّد فمهمل، ولم أجده إلَّا في عمدة الطالب (ص 125) في عقب القاسم بن حمزة بن موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قَالَتْ حَكِيمَةُ: وَخَرَجْتُ أَتَفَقَّدُ الْفَجْرَ، فَإِذَا أَنَا بِالْفَجْرِ الْأَوَّلِ كَذَنَبِ السِّرْحَانِ وَهِيَ نَائِمَةٌ، فَدَخَلَنِي الشُّكُوكُ، فَصَاحَ بي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ المَجْلِسِ فَقَالَ: «لَا تَعْجَلِي يَا عَمَّهُ، فَهَاكِ الْأَمْرُ قَدْ قَرُبَ»، قَالَتْ: فَجَلَسْتُ وَقَرَأْتُ الم السَّجْدَةَ وَيس، فَبَيْنَها أَنا كَذَلِكَ إِذِ انْتَبَهَتْ فَزِعَةً، فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: اسْمُ اللّه عَلَيْكِ، ثمّ قُلْتُ لَهَا: أَتَحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ، فَقُلْتُ لَهَا: اجمْعِي نَفْسَكَ وَاجْمَعِي قَلْبَكِ، فَهُوَ مَا قُلْتُ لَكِ، قَالَتْ: فَأَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وَأَخَذَتْهَا فَتْرَةٌ، فَانْتَبَهْتُ بحِسِّ سيّدي، فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ عَلي سَاجِداً يَتَلَقَّى الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ مُتَنَطِّفٌ، فَصَاحَ بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هَلُمَّي إِلَيَّ ابْنِي يَا عَمَّةٌ»، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وَظَهْرِهِ، وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ، ثمّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ، وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ، ثمّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمّداً رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )»، ثمّ صَلَّى عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلَى الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ، ثمّ أَحْجَمَ (1).

ثُمَّ قَالَ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي بِهِ إِلَى أمّه لِيُسَلَّمَ عَلَيْهَا وَأْتِينِي بِهِ»، فَذَهَبْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ فَوَضَعْتُهُ فِي المَجْلِسِ، ثمّ قَالَ: «يَا عَمَّةُ، إِذَا كَانَ يَوْمُ السابع فَأَتِينَا»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأَسَلَّمَ عَلَى أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَكَشَفْتُ السِّتْرَ لأَتَفَقَّدَ سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا فَعَلَ سيّدي ؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابع جئْتُ فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: «هَلُمَّي إِلَيَّ ابْنِي»، فَجِئْتُ بِسيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَهُوَ فِي الْخِرْقَةِ، فَفَعَلَ بِهِ كَفَعْلَتِهِ الْأُولَى، ثمّ أَدْلَ لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يُغَذِّيهِ لَبَناً أَوْ عَسَلاً، ثمّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ: «أَشْهَدُ

ص: 54


1- أي سكت أحجم عنه: أي كفَّ ونكص هيئةً.

أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى محمّد وَعَلَى أمير المؤمِنِينَ وَعَلَى الأئمّة الطَّاهِرِينَ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) حتّى وَقَفَ عَلَى أَبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ «بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص : 5 و 6]، قَالَ مُوسَى : فَسَأَلْتُ عُقْبَةَ الخَادِمَ عَنْ هَذِهِ، فَقَالَتْ: صَدَقَتْ حَكِيمَةُ (1).

[371 / 2] [رواية أخرى في ولادة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[2/371] حدَّثنا الْحُسَيْنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِدْرِيسَ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ: حدَّثنا أَبِي، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ : حدَّثني محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ، قَالَ: حدَّثنا محمّد ابْنُ عَبْدِ اللّه الطَّهَوِيُّ (2)، قَالَ: قَصَدْتُ حَكِيمَةَ بِنْتَ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ مُضِيٍّ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَسْأَلُهَا عَنِ الحجّة وَمَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الخَيْرَةِ الَّتِي هُمْ فِيهَا، فَقَالَتْ لِي: اجْلِسُ فَجَلَسْتُ، ثمّ قَالَتْ: يَا محمّد، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُخْلِي الْأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْنِ بَعْدَ الحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، تَفْضِيلاً لِلْحَسَن وَالحُسَيْنِ، وَتَنزيهاً لَهُما أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ لها عَدِيلُهُما، إِلَّا أَنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَصَّ وَلْدَ الْحُسَيْنِ بِالْفَضْلِ عَلَى وُلْدِ الحَسَنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، كَمَا خَصَّ وَلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَإِنْ كَانَ مُوسَى حُجَّةً عَلَى هَارُونَ، وَالْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَةِ، وَلَا بُدَّ لِلْأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةِ يَرْتَابُ فِيهَا الْمُبْطِلُونَ وَيَخْلُصُ فِيهَا الحِقُونَ، كَيْ لَا يَكُونَ لِلْخَلْقِ عَلَى اللّه حُجَّةٌ، وَإِنَّ الخَيْرَةَ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِي أَبِي محمّد الحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِي، هَلْ كَانَ لِلْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلَدٌ؟

ص: 55


1- رواه الفتّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 256 و 257)، والطبرسي (رَحمهُ اللّه) في إعلام الورى (ج 2 / ص 214 – 217).
2- في بعض النُّسَخ (الطهوي)، وفي بعضها (الظهري)، وفي بعضها: (الزهري)، وفي بعضها: (المطهَّري)، وفي بعضها: (الطهري)، ولم أجد بهذه العناوين في أصحاب الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أحداً، نعم ذُكِرَ الطهومي في جامع الرواة (ج 2 ص 142) من أصحاب الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لكن حاله مجهول.

فَتَبَسَّمَتْ ثمّ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَقِبٌ فَمَنِ الحجّة مِنْ بَعْدِهِ وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ لَا إِمَامَةَ لِأَخَوَيْنِ بَعْدَ الْحَسَنِ وَالحُسَيْنِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فَقُلْتُ: يَا سيّدي حَدِّثِينِي بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وَغَيْبَتِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ هَا: نَرْجِسُ، فَزَارَنِي ابْنُ أَخِي فَأَقْبَلَ يَحْدِقُ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سيّدي، لَعَلَّكَ هَوِيتَهَا فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ هَا: لَا يَا عَمَّهُ، وَلَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا، فَقُلْتُ: وَمَا أَعْجَبَكَ [مِنْهَا]؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلّ) الّذي يَمْلَأُ اللّه بهِ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلماً»، فَقُلْتُ: فَأُرْسِلْهَا إِلَيْكَ يَا سَيِّدِى؟ فَقَالَ: «اسْتَأْذِنِي في ذَلِكَ أَبي (عَلَيهِ السَّلَامُ)»، قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَأَتَيْتُ مَنْزِلَ أَبي الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَبَدَأَنِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: «يَا حَكِيمَةُ، ابْعَتِي نَرْجِسَ إِلَى ابْنِي أَبِي محمّد»، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا سيّدي (1)، عَلَى هَذَا قَصَدْتُكَ، عَلَى أَنْ أَسْتَأْذِنَكَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ لِي: «يَا مُبَارَكَةُ إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَكِ فِي الْأَجْرِ وَيَجْعَلَ لَكِ فِي الْخَيْرِ نَصِيباً»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَىٰ مَنْزِلِي وَزَيَّنْتُهَا وَوَهَبْتُهَا لِأَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَجَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنْزِلِي، فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً، ثمّ مَضَى إِلَى وَالِدِهِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وَوَجَّهْتُ بهَا مَعَهُ.

قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَمَضَى أَبُو الْحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَجَلَسَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَكَانَ وَالِدِهِ، وَكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْني نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفّي، فَقَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي نَاوِلِينِي خُفَّكِ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَنِي وَمَوْلَاتِي، وَاللّه لَا أَدْفَعُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ، وَلَا لِتَخْدُمِينِي، بَلْ أَنَا أَخْدُمُكِ عَلَى بَصَرِي، فَسَمِعَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذَلِكَ، فَقَالَ: «جَزَاكِ اللّه يَا عَمَّةٌ خَيْراً»، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ

ص: 56


1- قيل: لا منافاة بين هذا الحديث والّذي سبق، لأنَّ في الّذي سبق قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يا بنت رسول اللّه أخرجيها وعلِّميها الفرائض والسُّنَن فإنّها زوجة أبي محمّد وأُمُّ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)»، فكانت هي عند حكيمة في تلك الحالة حتّى اشتهرت بجارية حكيمة وجرى الأمر بعد كما في هذا الخبر.

الشَّمْسِ، فَصِحْتُ بالجَارِيَةِ وَقُلْتُ: نَاوِلِينِي ثِيَابي لِأَنْصَرِفَ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لَا يَا عَمَّتَا بيتي اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةَ المَوْلُودُ الْكَرِيمُ عَلَى اللّه (عَزَّوجلَّ) الّذي يُحْيِي اللّه (عَزَّوجلَّ) بهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها، فَقُلْتُ: لِمَنْ يَا سيّدي؟ وَلَسْتُ أَرَى بِنَرْجِسَ شَيْئاً مِنْ أَثَرِ الحَبَلِ، فَقَالَ: «مِنْ نَرْجِسَ لَا مِنْ غَيْرِهَا»، قَالَتْ: فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنٍ فَلَمْ أَرَ بِهَا أَثَرَ حَبَلِ، فَعُدْتُ إِلَيْهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، فَتَبَسَّمَ ثمّ قَالَ لِي: «إِذَا كَانَ وَقْتُ الْفَجْرِ يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الْحَبَلُ، لِأَنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ أُمِّ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَمْ يَظْهَرُ بها الحَبَلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا أَحَدٌ إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُّ بُطُونَ الحُبَالَي في طَلَب مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَهَذَا نَظِيرُ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَعُدْتُ إِلَيْهَا فَأَخْبَرْتُها بِمَا قَالَ، وَسَأَلْتُهَا عَنْ حَالِهَا، فَقَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي، مَا أَرَى بِي شَيْئاً مِنْ هَذَا، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَى وَقْتِ طلوع الْفَجْرِ وَهِيَ نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ لَا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَى جَنْبِ حتّى إِذَا كَانَ آخِرُ اللَّيْلِ وَقْتُ طلوع الْفَجْرِ وَثَبَتْ فَزِعَةً، فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي وَسَمَّيْتُ عَلَيْهَا (1)، فَصَاحَ [إِلَيَّ ] أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: «اقْرَئِي عَلَيْهَا «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»، فَأَقْبَلْتُ أَقْرأْ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ لهَا: مَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ [بِيَ ] الْأَمْرُ الّذي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ، فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأْ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَنِي، فَأَجَابَنِي الْجَنِينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ مِثْلَ مَا أَقْرَأُ، وَسَلَّمَ عَلَيَّ.

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَفَزِعْتُ مَا سَمِعْتُ، فَصَاحَ بِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللّه (عَزَّوجلَّ)، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالحِكْمَةِ صِغَاراً، وَيَجْعَلُنَا حُجَّةً فِي أَرْضِهِ كِبَاراً، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ حتّى غِيبَتْ عَنِّي نَرْجِسُ فَلَمْ أَرَهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَنَا صَارِخَةٌ، فَقَالَ ِلي: ارْجِعِي يَا عَمَّهُ فَإِنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا».

قَالَتْ: فَرَجَعْتُ، فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ كُشِفَ الْغِطَاءُ الّذي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا، وَإِذَا أَنَا

ص: 57


1- يعني: قلت: اسم اللّه عليك، كما مرَّ في الحديث السابق.

بِهَا وَعَلَيْهَا مِنْ أَثَرِ النُّورِ مَا غَشِيَ بَصَرِي، وَإِذَا أَنَا بِالصَّبِيِّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَاجِداً لِوَجْهِهِ (1) جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، [وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ جَدِّي محمّداً رَسُولُ اللّه، وَأَنَّ أَبي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ»، ثمّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَىٰ أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، ثمّ قَالَ (2): «اللّهمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، وَأَتْمِمْ لِي أَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطأَتِي، وَامْلَا الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً».

فَصَاحَ بي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: «يَا عَمَّهُ، تَنَاوَلِيهِ وَهَاتِيهِ»، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ، فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ وَهُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبِيهِ، فَتَنَاوَلَهُ الْحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنِّي، [وَالطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ]، وَنَاوَلَهُ لِسَانَهُ فَشَرِبَ مِنْهُ، ثمّ قَالَ: «امْضِي بِهِ إِلَى أمّه لِتُرْضِعَهُ وَرُدِّيهِ إِلَيَّ»، قَالَتْ : فَتَنَاوَلْتُهُ أمّه فَأَرْضَعَتْهُ، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَالطَّيْرُ تُرَفْرِفُ عَلَى رَأْسِهِ، فَصَاحَ بِطَيْرِ مِنْهَا فَقَالَ لَهُ: «احْمِلْهُ وَاحْفَظْهُ وَرُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلُّ أَرْبَعِينَ يَوْماً، فَتَنَاوَلَهُ الطَّيْرُ وَطَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَاتَّبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ، فَسَمِعْتُ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُكَ اللّه الّذي أَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى مُوسَى»، فَبَكَتْ نَرْجِسُ، فَقَالَ لَهَا: «اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِكِ، وَسَيْعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللّه (عَزَّوجلَّ): «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أمّه كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ» [القصص: 13].

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا الطَّيْرُ؟ قَالَ: «هَذَا رُوحُ الْقُدُسِ المُوَكَّلُ بالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يُوَفِّقُهُمْ وَيُسَدِّدُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْم»(3).

قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الْغُلَامُ، وَوُجِّهَ إِلَيَّ ابْنِ أَخِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَدَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِالصَّبِيِّ مُتَحَرِّكٌ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ : يَا سيّدي،

ص: 58


1- في بعض النُّسَخ: (على وجهه).
2- في بعض النُّسَخ: (فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ)).
3- في بعض النُّسَخ: (يُزيِّنهم بالعلم).

هَذَا ابْنُ سَنَتَيْنِ، فَتَبَسَّمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قَالَ: «إِنَّ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَؤُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَؤُ غَيْرُهُمْ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا كَانَ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ أَتَى عَلَيْهِ سَنَةٌ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا لَيَتَكَلَّمُ فِي بَطْنِ أمّه وَيَقْرَأُ القُرْآنَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ (عَزَّوجلَّ)، [وَ] عِنْدَ الرَّضَاعَ تُطِيعُهُ المَلَائِكَةُ وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ صَبَاحاً وَمَسَاءً».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرَى ذَلِكَ الصَّبِيَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَى أَنْ رَأَيْتُهُ رَجُلاً (1) قَبْلَ مُضِي أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ فَلَمْ أَعْرِفْهُ، فَقُلْتُ لِابْنِ أَخِي (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَنْ هَذَا الّذي تَأْمُرُنِي أَنْ أَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ؟ فَقَالَ لي: «هَذَا ابْنُ نَرْجِسَ، وَهَذَا خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَعَنْ قَلِيلِ تَفْقِدُونِي، فَاسْمَعِي لَهُ وَأَطِيعِي».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ ذَلِكَ بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ، وَافْتَرَقَ النَّاسُ كَمَا تَرَى، وَوَاللّه إِنِّي لَأَرَاهُ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَإِنَّهُ لَيُنْبِئُنِي عَمَّا تَسْأَلُونَ عَنْهُ فَأَخْبِرُكُمْ، وَوَاللّه إِنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنِ الشَّيْءِ فَيَبْدَأُنِي بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرُدُّ عَلَيَّ الْأَمْرَ فَيَخْرُجُ إِلَيَّ مِنْهُ جَوَابُةَ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَتِي، وَقَدْ أَخْبَرَنِي الْبَارِحَةَ بِمَجِيئِكَ إِلَيَّ وَأَمَرَنِي أَنْ أُخْبِرَكَ بِالْحَقِّ.

قَالَ محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه : فَوَاللّه لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَكِيمَةُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا اللّه (عَزَّوجلَّ)، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ صِدْقُ وَعَدْلٌ مِنَ اللّه (عَزَّوجلَّ)، لِأَنَّ اللّه (عَزَّوجلَّ) وَ قَدْ أَطْلَعَهُ عَلَى مَا لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ (2).

ص: 59


1- فيه غرابة، لأنَّ كلَّ من رأه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أيام أبيه رآه وهو صبيٌّ.
2- رواه الفتَّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 257 - 260).

[376/ 7] «... وأن اسم أم السيد صقيل...»

[376/ 7] حدَّثنا محمّد بْنُ عَلى مَا جِيلَوَيْهِ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ : حدَّثنا محمّد بْنُ يَحْيَى الْعَطَارُ، قَالَ: حدَّثني أَبُو عَلَيَّ الْخَيْزَرَانِيُّ، عَنْ جَارِيَةٍ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لِأَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَمَّا أَغَارَ جَعْفَرُ الْكَذَّابُ عَلَى الدَّارِ جَاءَتْهُ فَارَّةً مِنْ جَعْفَرٍ، فَتَزَوَّجَ بِهَا.

قَالَ أَبُو عَلِيٍّ : فَحَدَّثَتْنِي أَنَّهَا حَضَرَتْ وِلَادَةَ السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَأَنَّ اسْمَ أُمِّ السيّد: صَقِيلُ، وَأَنَّ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَدَّثَهَا بِمَا يَجْرِي عَلَى عِمَالِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ اللّه (عَزَّوجلَّ) لَهَا

ص: 60

[12/381]: «... وأمّه ريحانة، ويُقال لها نرجس...»

[12/381] حدَّثنا محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْحَاقَ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ : حدَّثنا الْحَسَنُ ابْنُ عَلِيّ بْن زكريّا بِمَدِينَةِ السَّلَام قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللّه محمّد بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حدَّثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ أَسِيدٍ، قَالَ: وُلِدَ الخَلَفُ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَوْمَ الجُمُعَةِ، وأمّه رَيْحَانَهُ، وَيُقَالُ لَهَا : نَرْجِسُ، وَيُقَالُ: صَغِيلُ، وَيُقَالُ: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ لِسَبَبِ الحَمْلِ : صَقِيلُ (1)، وَكَانَ مَوْلِدُهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِثَمَانِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةٌ سِتٍّ وَخَمْسِينَ وَمَانَتَيْنِ، وَوَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ محمّد بْنِ عُثْمَانَ، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رُوحٍ، وَأَوْصَى أبو الْقَاسِمِ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد السَّمُرِي (رضیَ اللّهُ عنهُم)، قَالَ : فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّمُرِيَ الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ فَقَالَ: لِلّه أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، فَالْغَيْبَةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِي السَّمري (رضیَ اللّهُ عنهُ) (2).

[13/383]: «... لم يُر بأمه دمّ في نفاسها...»

[13/382] حدَّثنا محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ الطَّالَقَانِيُّ (رضیَ اللّهُ عنهُ)، قَالَ: حدَّثنا الحَسَنُ بْنُ عَلِيّ بْن زكريّا بِمَدِينَةِ السَّلَام قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللّه محمّد بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حدَّثني أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ غِيَاثِ بْنِ أَسِيدٍ(3)، قَالَ: شَهِدْتُ

ص: 61


1- إِنَّا سُمّي صيقلاً أو صقيلاً لما اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر.
2- رواه الطويسي (رَحمهُ اللّه) في الغيبة (ص 393 و 394/ ح 362).
3- كذا في بعض النُّسخ المصحَّحة، وفي بعضها: (عن غياث بن أسد).

محمّد بْنَ عُثمانَ الْعَمْرِيَّ (قَدَّسَ اللّه رُوحَهُ) يَقُولُ: لَمَّا وُلِدَ الخَلَفُ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَطَعَ نُورٌ مِنْ فَوْقِ رَأْسِهِ إِلَى أَعْنَانِ السَّمَاءِ، ثمّ سَقَطَ لِوَجْهِهِ سَاجِداً لِرَبِّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ، ثمّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَهُوَ يَقُولُ: «شَهِدَ اللّه أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّه الْإِسْلَامُ [آل عمران: 18 و 19]، قَالَ : وَكَانَ مَوْلِدُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ.

[ 383 / 14] وَ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ محمّد بْنِ عُثْمَانَ الْعَمْرِي (قَدَّسَ اللّه رُوحَهُ) أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَخْتُونَا، وَسَمِعْتُ حَكِيمَةَ تَقُولُ: لَمْ يُرَ بِأُمِّهِ دَمٌ فِي نِفَاسِهَا، وَهَكَذَا سَبِيلُ أُمَّهَاتِ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ).

ص: 62

[24/410]: «... ولم يحضره في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية...»

[ 410 / 24] حدَّثنا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ [عَلِيِّ بْنِ ] محمّد بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الحُسَيْنِ بْن عَلِيّ بْن أبي طَالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا الحُسَيْنِ الْحَسَنَ بْنَ وَجْنَاءَ يَقُولُ: حدَّثنا أَبِي، عَنْ جَدِّهِ (1) أَنَّهُ كَانَ فِي دَارِ الحَسَن بن على، فَكَبَسَتْنَا الخَيْلُ وَفِيهِمْ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْكَذَّابُ، وَاشْتَغَلُوا بِالنَّهْبِ وَالْغَارَةِ، وَكَانَتْ هِمَّتِي فِي مَوْلَايَ

ص: 63


1- في بعض النُّسَخ: (عن جدِّي).

الْقَائِم (عَلَيهِ السَّلَامُ). قَالَ : فَإِذَا [أَنَا] بِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَدْ أَقْبَلَ وَخَرَجَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْبَابِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ، وَهُوَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابْنُ سِتّ سِنِينَ، فَلَمْ يَرَهُ أَحَدٌ حتّى غَابَ (1).

وَوَجَدْتُ مُثبتاً فِي بَعْضِ الْكُتُبِ المصنِّفةِ فِي التَّوَارِيحَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ إِلَّا عَنْ محمّد ابْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبَّادِ، أَنَّهُ قَالَ: مَاتَ أَبو محمّد الحَسَنُ بْنُ عَلىٍّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لم يَوْمَ جُمعَةٍ مَعَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، وَكَانَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قَدْ كَتَبَ بِيَدِهِ كُتباً كَثِيرَةً إِلَى المَدِينَةِ، وَذَلِكَ فِي شَهْرِ رَبِيعِ الْأَوَّلِ لِثَمَانِ خَلَوْنَ مِنْهُ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْهَجْرَةِ، وَلَمْ يَحْضُرْ[هُ] فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَّا صَقِيلُ الْجَارِيَةُ، وَعَقِيدٌ الخَادِمُ، وَمَنْ عَلِمَ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) غَيْرُهُمَا.

قَالَ عَقِيدٌ: فَدَعَا بِمَاءٍ قَدْ أُغْلِيَ بِالمَصْطَكِي (2)، فَجِئْنَا بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «أَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ، هَيِّئُونِي»، فَجِئْنَا بِهِ وَبَسَطْنَا فِي حَجْرِهِ الْمُنْدِيلَ، فَأَخَذَ مِنْ صَقِيلَ المَاءَ، فَغَسَلَ بِهِ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ مَرَّةً مَرَّةً، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ مَسْحاً، وَصَلَّى صَلَاةَ الصُّبْح عَلَى فِرَاشِهِ، وَأَخَذَ الْقَدَحَ لِيَشْرَبَ فَأَقْبَلَ الْقَدَحُ يَضْرِبُ ثَنَايَاهُ وَيَدُهُ تَرْتَعِدُ، فَأَخَذَتْ صَقِيلُ الْقَدَحَ مِنْ يَدِهِ.

وَمَضَى مِنْ سَاعَتِهِ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ)، وَدُفِنَ فِي دَارِهِ بسُرَّ مَنْ رَأَى إِلَى جَانِبِ أَبِيهِ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمَا)، فَصَارَ إِلَى كَرَامَةِ اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، وَقَدْ كَمَلَ عُمُرُهُ تِسْعاً وَعِشْرِينَ سَنَةٌ.

وقال لي عباد في هذا الحديث: (... فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل...»

قَالَ: وَقَالَ لِي عَبَّادٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ: قَدِمَتْ أُمُّ أَبي مُحمّدٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ المَدِينَةِ، وَاسْمُهَا: حَدِيثُ، حِينَ اتَّصَلَ بِهَا الْخَبَرُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَىٰ، فَكَانَتْ لَمَا أَقَاصِيصُ يَطُولُ شَرْحُهَا مَعَ أَخِيهِ جَعْفَرٍ وَمُطَالَبَتْهُ إِيَّاهَا بِمِيرَائِهِ وَسِعَايَتُهُ بِهَا إِلَى السُّلْطَانِ وَكَشْفُهُ مَا أَمَرَ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) بِسَتْرِهِ، فَادَّعَتْ عِنْدَ ذَلِكَ صَقِيلُ أَنَّهَا حَامِلٌ، فَحُمِلَتْ إِلَى دَارِ المُعْتَمِدِ، فَجَعَلَ نِسَاءُ الْمُعْتَمِدِ وَخَدَمُهُ وَنِسَاءُ الْمُوَفَّقِ وَخَدَمُهُ وَنِسَاءُ الْقَاضِي ابْنِ أَبِي

ص: 64


1- رواه الراوندي (رَحمهُ اللّه) في الخرائج و الجرائح (ج 2 / ص 960 و 961).
2- علك رومي. (العين للفراهيدي: ج 5 / ص 425).

الشَّوَارِبِ يَتَعَاهَدْنَ أَمْرَهَا فِي كُلِّ وَقْتِ، وَيُرَاعُونَ إِلَى أَنْ دَهَمَهُمْ أَمْرُ الصِّغَارِ وَمَوْتُ عُبَيْدِ اللّه بن يَحْيَى بن خَاقَانَ بَغْتَةً، وَخُرُوجُهُمْ مِنْ سُرَّ مَنْ رَأَى، وَأَمْرُ صَاحِب الزِّنْجِ بِالْبَصْرَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ، فَشَغَلَهُمْ ذَلِكَ عَنْهَا.

وَقَالَ أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ محمّد حَبَّابٌ (1): حدَّثني أَبُو الْأَدْيَانِ، قَالَ: قَالَ عَقِيدٌ الخَادِمُ. وَقَالَ أَبُو محمّد بْنُ خَيْرَوَيْهِ التُسْتَرِيُّ، وَقَالَ حَاجِزُ الْوَضَّاءُ (2)، كُلُّهُمْ حَكَوْا عَنْ عَقِيدِ الْخَادِم.

وقال أبو سهل بن نوبخت: قال عقيد الخادم: (...وأمّه صقيل الجارية...»

وَقَالَ أَبُو سَهْلِ بْنُ نَوْبَخْتَ قَالَ عَقِيدٌ الْحَادِمُ: وُلِدَ وَليُّ اللّه الحجّة بن الحَسَنِ ابْنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أبِي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ غُرَّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ (3) سَنَةَ أَرْبَعِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْقَاسِمِ، وَيُقَالُ: أَبو جَعْفَرٍ، وَلَقَبُهُ المهديّ، وَهُوَ حُجَّةُ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) فِي أَرْضِهِ عَلَى جَمِيعِ خَلْقِهِ، وأمّه صَقِيلُ الْجَارِيَةُ، وَمَوْلِدُهُ بِسُرَّ مَنْ رَأَى فِي دَرْبِ الرَّاضَةِ (4)، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي وِلَادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَظْهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْ ذِكْرِ خَبَرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْدَى ذِكْرَهُ، وَاللّه أَعْلَمُ بِهِ.

وحدّث أبو الأديان: (... فقبضوا على صقيل الجارية...)

وَحَدَّثَ أَبُو الْأَدْيَانِ، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ الحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وَأَحْمِلُ كُتُبَهُ إِلَى الْأَمْصَارِ، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فِي عِلَّتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ)، فَكَتَبَ مَعِي كُتُباً، وَقَالَ: «امْضِ بِهَا إِلَى المَدَائِنِ، فَإِنَّكَ سَتَغِيبُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَتَدْخُلُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَتَسْمَعُ الْوَاعِيَّةَ فِي دَارِي، وَتَجِدُنِي عَلَى

ص: 65


1- في بعض النُّسَخ: (قال أبو الحسن محمّد بن علي بن حباب)، وفي بعضها: (خشَّاب).
2- في بعض النَّسَخ (حاجب الوشَّاء) وكذا ما يأتي.
3- في بعض النَّسَخ: (ليلة الجمعة من شهر رمضان).
4- في بعض النُّسخ: (درب الرصافة)، وبعضها (دار الرصافة).

المُغْتَسَل»، قَالَ أَبُو الْأَدْيَانِ: فَقُلْتُ: يَا سيّدي، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَنْ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَبَكَ بِجَوَابَاتِ كُتُبِي فَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: زِدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: زِدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي الْهِمْيَانِ فَهُوَ الْقَائِمُ بعدي»، ثمّ مَنَعَتْنِي هَيْبَتُهُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَمَّا فِي الهِمْيَانِ.

وَخَرَجْتُ بِالْكُتُبِ إِلَى المَدَائِنِ، وَأَخَذْتُ جَوَابَاتِهَا، وَدَخَلْتُ سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ كَمَا ذَكَرَ لي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا أَنَا بِالْوَاعِيَةِ فِي دَارِهِ، وَإِذَا بِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ، وَإِذَا أَنَا بِجَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ أَخِيهِ بِبَابِ الدَّارِ وَالشَّيعَةُ مِنْ حَوْلِهِ يُعَزُّونَهُ وَيُهنُّونَهُ، فَقُلتُ في نَفْسِي إِنْ يَكُنْ هَذَا الْإِمَامُ فَقَدْ بَطَلَتِ الْإِمَامَةُ، لِأَنّي كُنْتُ أَعْرِفُهُ يَشْرَبُ النَّبِيذ، وَيُقَامِرُ فِي الْجَوْسَقِ، وَيَلْعَبُ بِالطُّنْبُورِ، فَتَقَدَّمْتُ فَعَزَّيْتُ وَهَنَّيْتُ، فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، ثمّ خَرَجَ عَقِيدٌ فَقَالَ : يَا سيّدي، قَدْ كُفِّنَ أَخُوكَ، فَقُمْ وَصَلِّ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ وَالشَّيعَةُ مِنْ حَوْلِهِ يَقْدُمُهُمُ السَّمانُ وَالحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ قَتِيلُ المُعْتَصِمِ المَعْرُوفُ بِسَلَمَةَ.

فَلَمَّا صِرْنَا فِي الدَّارِ إِذَا نَحْنُ بِالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٌّ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) عَلَى نَعْشِهِ مُكَفَّنَا، فَتَقَدَّمَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ لِيُصَلِّيَ عَلَى أَخِيهِ، فَلَمَّا هَمَّ بِالتَّكْبِيرِ خَرَجَ صَبِيٌّ بِوَجْهِهِ سُمْرَةٌ بِشَعْرِهِ قَطَطٌ بِأَسْنَانِهِ تَفْلِيجٌ، فَجَبَدَ بِرِدَاءِ جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَقَالَ: «تَأَخَّرْ يَا عَمِّ فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِي»، فَتَأَخَرَ جَعْفَرٌ، وَقَدِ ارْبَدَّ وَجْهُهُ وَاصْفَرَّ (1)، فَتَقَدَّمَ الصَّبِيُّ وَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْرِ أَبِيهِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ثمّ قَالَ: «يَا بَصْرِيُّ، هَاتِ جَوَابَاتِ الْكُتُبِ الَّتِي مَعَكَ»، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ بَيِّنَتَانِ (2)، بَقِيَ الْهِمْيَانُ.

ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى جَعْفَرِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَزْفِرُ، فَقَالَ لَهُ حَاجِزٌ الْوَشَاءُ: يَا سيّدي، مَنِ الصَّبِيُّ؟ لِنُقِيمَ الحجّة عَلَيْهِ، فَقَالَ: وَاللّه مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ، وَلَا أَعْرِفُهُ.

ص: 66


1- اربدَّ وجهه أي تغيّر إلى الغبرة.
2- في بعض النُّسَخ: (هذه اثنتان).

فَنَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ قُمَّ، فَسَأَلُوا عَنِ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فَعَرَفُوا مَوْتَهُ، فَقَالُوا: فَمَنْ [نُعَزِّي ]؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَى جَعْفَرِ بْن عَلَى، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَزَّوْهُ وَهَنَّوْهُ، وَقَالُوا: إِنَّ مَعَنَا كُتُباً وَمَالاً، فَتَقُولُ مِمَّنِ الْكُتُبُ، وَكَم المالُ، فَقَامَ يَنْفُضُ أَثْوَابَهُ وَيَقُولُ: تُرِيدُونَ مِنَّا أَنْ نَعْلَمَ الْغَيْبَ.

قَالَ: فَخَرَجَ الْخَادِمُ، فَقَالَ: مَعَكُمْ كُتُبُ فَلَانٍ وَفُلَانِ [وَفُلَانٍ]، وَهِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ وَعَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْهَا مَطْلِيَّةٌ، فَدَفَعُوا إِلَيْهِ الْكُتُبَ وَالمَالَ وَقَالُوا: الّذي وَجَهَ بِكَ لِأَخْذِ ذَلِكَ هُوَ الْإِمَامُ.

فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَلَى الْمُعْتَمِدِ وَكَشَفَ لَهُ ذَلِكَ، فَوَجَّهَ الْمُعْتَمِدُ بِخَدَمِهِ، فَقَبَضُوا عَلَى صَقِيلَ الجَارِيَةِ، فَطَالَبُوهَا بِالصَّبِيِّ، فَأَنْكَرَتْهُ وَادَّعَتْ حَبْلاً بِهَا لِتُغَطِّيَ حَالَ الصَّبِيِّ، فَسُلَّمَتْ إِلَى ابْنِ أَبِي الشَّوَارِبِ الْقَاضِي، وَبَغَتَهُمْ مَوْتُ عُبَيْدِ اللّه بْنِ يَحْيَى بْنِ خَاقَانَ فَجْأَةً، وَخُرُوجُ صَاحِبِ الزِّنْج بِالْبَصْرَةِ، فَشُغِلُوا بِذَلِكَ عَنِ الْجَارِيَةِ، فَخَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهِمْ، وَالْحَمْدُ للّه رَبِّ الْعَالَمِينَ (1).

ص: 67


1- رواه الراوندي (رَحمهُ اللّه) في الخرائج و الجرائح (ج 3 / ص 1101 - 1104 / ح 23).

ص: 68

كِتَابُ الغِيبة – الشيخ الطوسي

إشارة:

تأليف

العالِمِ الرَّيَّانِي شَحَ الطَّائِفَةِ

أَبِي جَعفَرٍ مُحَمَّد بن الحَسَن الطوسيّ (قدّس سِرُّه)

تقديم وتحقيق

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

ص: 69

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

اسم الكتاب: ...كتاب الغيبة

تأليف:... شيخ الطائفة أبي جعفر محمّد بن الحسن الطوسيّ (قدّس سِرُّه)

تقديم وتحقيق:... مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

رقم الإصدار:...275

الطبعة:... الأولى 1444ه_

عدد النُّسَخ... طبعة محدودة

جميع حقوق الطبع والنشر محفوظة للمركز

العراق- النجف الأشرف

هاتف: 07809744474 - 07816787226

www.m-mahdi.com

info@m-mahdi.com

ص: 70

178 - [ قصة السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)]

178 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي الْفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ أَبِي الحُسَيْنِ محمّد بْنِ بَحْرِ بْنِ سَهْلِ الشيبانيّ الرُّهْنِي (1)، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمانَ اَلنَّخَّاسُ - وَهُوَ مِنْ وُلْدِ أَي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَبِي اَلْحَسَنِ وَأَبِي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى -: أَتَانِي كَافُورٌ اَلْخَادِمُ (2)، فَقَالَ: مَوْلَانَا أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ الْمُوَالَاةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشَّيعَةَ فِي المُوَالَاةِ بِهَا بِسِرِّ

ص: 71


1- في بعض النُّسَخ: (الدهني).
2- عدَّه المؤلِّف (رَحمهُ اللّه) في رجاله (ص 390 / الرقم 1/5746) من أصحاب الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قائلاً: (كافور الخادم، ثقة).

أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأُنْفِذُكَ فِي ابْتِيَاع أَمَةٍ»، فَكَتَبَ كِتَاباً لَطِيفاً بِخَطٌ رُومِيٌّ وَلْغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمَهُ، وَأَخْرَجَ شَقِيقَةٌ (1) صَفْرَاءَ فِيهَا مِائَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهُ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضُرُ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةَ يَوْمٍ كَذَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا، وَتَرَى الْجَوَارِي فِيهَا، سَتَجِدُ طَوَائِفَ المُبْتَاعِينَ مِنْ وَكَلَاءِ فَوَّادِ بَنِي العبّاس وَشِرْذِمَةً مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَب، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَّاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تُبْرَزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْنِ (2)، تَمتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ وَلَسِ الْمُعْتَرِضِ وَالْاِنْقِيَادِ مَنْ يُحَاوِلُ لَمَسَهَا، وَتَسْمَعُ صَرْخَةٌ رُومِيَّةٌ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ رَقِيقِ، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ: وَا هَتْكَ سِتْرَاهُ، فَيَقُولُ بَعْضُ الْمُبْتَاعِينَ : عَلَيَّ ثَلَاثِمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ زَادَنِي اَلْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ : لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيّ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ وَعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَأَشْفِقُ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ النَّخَاسُ : فَمَا الحِيلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ الْجَارِيَةُ: وَمَا الْعَجَلَهُ؟ وَلَا بُدَّ مِن اِخْتِيَارِ مُبْتَاعَ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَإِلَىٰ وَفَائِهِ وَأَمَانَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّخَّاسِ (3)، وَقُلْ لَهُ: إِنَّ مَعَكَ كِتاباً مُلْصَقاً (4) لِبَعْضِ الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغةٍ رُومِيَّةٍ وَخَط رُومِيٌّ وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، فَنَاولِهَا لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ فَأَنا وَكِيلُهُ فِي ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ».

قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ : فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لي مَوْلَايَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أَمْرِ الْجَارِيَةِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ (5) بْنِ يَزِيدَ:

ص: 72


1- الشقيقة تصغير شقَّة، وهو بالكسر والضمِّ، وهو ما شُقَّ من ثوب ونحوه.
2- الصفيق من الثوب ما كثف نسجه.
3- في بعض النُّسَخ: (عمرو بن يزيد النخَّاس).
4- في بعض النُّسَخ: (ملطفة).
5- في بعض النُّسَخ: (عمرو بن يزيد).

بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالمُحَرَّجَةِ وَالْمُغَلَّظَةِ (1) أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَمَا زِلْتُ أَشَاحُهُ فِي ثَمَنِهَا حتّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الدَّنَانِيرِ، فَاسْتَوْفَاهُ مِنِّي، وَتَسَلَّمْتُ الجَارِيَةَ ضَاحِكَةً مُسْتَبْشِرَةً، وَانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الحَجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوِي إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَمَا أَخَذَهَا الْقَرَارُ حتّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ جَيْبِهَا وَهِيَ تَلْثِمُهُ وَتُطْبقه عَلَى جَفْنِهَا وَتَضَعُهُ عَلَى خَدَّهَا وَتَمْسَحُهُ عَلَى بَدَنها (2).

فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا: تَلْثِمِينَ كِتَاباً لَا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ.

فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ المَعْرِفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْنِي (3) سَمْعَكَ وَفَرِّغْ فِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلَيْكَةُ بِنْتُ يَشُوعًا بْنِ قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّومِ، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ الْخَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ المَسِيحَ شَمْعُونَ، أُنَبِّتُكَ بِالْعَجَبِ.

إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِن اِبْنِ أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٌ، فَجَمَعَ فِي قَصْرِهِ مِنْ نَسْلِ الْخَوَارِيِّينَ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ الْعَسْكَرِ وَنُقَبَاءِ الجُيُوشِ وَمُلُوكِ الْعَشَائِرِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهِي مُلْكِهِ عَرْشاً مَصْنُوعاً (4) مِنْ أَصْنَافِ اَلْجُوْهَرِ إِلَى صَحْنِ الْقَصْرِ، وَرَفَعَهُ (5) فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَما صَعِدَ اِبْنُ أَخِيهِ، وَأَحْدَقَتِ الصُّلُبُ (6)، وَقَامَتِ الْأَسَاقِفَةُ عُكَفَاً، وَنُشِرَتْ

ص: 73


1- في هامش بحار الأنوار (ج 51 / ص 7) (المغلَّظة: المؤكَّدة من اليمين، والمحرجة: اليمين التي تُضيق مجال الحالف بحيث لا يبقى له مندوحة عن برِّ قسمه).
2- في بعض النُّسَخ: (يديها).
3- من الإعارة، أي أعطيني سمعك عاريّة.
4- في بعض النُّسَخ: (مصاغاً).
5- في بعض النُّسَخ: (فرفعه).
6- في بعض النُّسَخ: (بالصُّلب).

أَسْفَارُ الْإِنْجِيل، تَسَافَلَتِ الصُّلُبُ مِنَ الْأَعْلَى فَلَصِقَتْ بِالْأَرْضِ، وَتَقَوَّضَتْ أَعْمِدَةُ الْعَرْشِ، فَانُهَارَتْ إِلَى الْقَرَارِ، وَخَرَّ الصَّاعِدُ مِنَ الْعَرْشِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتْ أَلْوَانُ الْأَسَاقِفَةِ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ جَدي: أَيُّهَا المَلِكُ أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ النُّحُوسِ الدَّالَّةِ عَلَى زَوَالِ دَوْلَةِ هَذَا الدِّينِ المَسِيحِي وَالمَذْهَبِ اَلمَلِكَانِيِّ، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَيْراً شَدِيداً، وَقَالَ لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ الْأَعْمِدَةَ وَارْفَعُوا الصُّلْبَانَ وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا المذبر الْعَاثِر (1) المنكوس جَدُّهُ لِأَزَوِّجَهُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ، فَيُدْفَعَ (2) نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بِسُعُودِهِ، فَلَها فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى الثَّانِي مِثْلُ مَا حَدَثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُنْتَها، فَدَخَلَ مَنْزِلَ النِّسَاءِ، وَأُرْخِيَتِ السُّتُورُ، وَأُرِيتُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّ المَسِيحَ وَشَمْعُونَ وَعِدَّةٌ مِنَ الْخَوَارِيِّينَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي قَصْرِ جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ يُبَارِي السَّمَاءَ عُلُوًّا وَارْتِفَاعاً فِي المَوْضِع الّذي كَانَ نَصَبَ جَدِّي فِيهِ عَرْشَهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَخَتَتْهُ وَوَصِيهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَعِدَّةٌ مِنْ أَبْنَائِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ).

فَتَقَدَّمَ المَسِيحُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : «يَا رُوحَ اللّه، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مُلَيْكَةَ لِابْنِى هَذَا - وَأَوْمَا بِيَدِهِ إِلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابْنِ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ-» ، فَنَظَرَ المَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ الشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ رَحِمَ آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَزَوَّجَنِي مِن ابْنِهِ، وَشَهِدَ المَسِيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَشَهِدَ أَبْنَاءُ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَالخَوَارِيُّونَ.

ص: 74


1- في بعض النُّسَخ (العاهر)، وقال ابن فارس في معجم مقاييس اللغة (ج 4 / ص 228): (العين والثاء والراء أصلان صحيحان يدلُّ أحدهما على الاطلاع على الشيء والآخر على الإثارة للغبار، فالأوَّل عثر يعثر عثوراً، وعثر الفرس يعثر عثاراً، وذلك إذا سقط لوجهه).
2- في بعض النُّسَخ: (فيرفع).

فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَى أَبي وَجَدِّي مَخَافَةَ الْقَتْل فَكُنْتُ أُسِرهَا وَلَا أُبْدِيها هُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى اِمْتَنَعْتُ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، فَضَعْفَتْ نَفْسِي، وَدَقَّ (1) شَخْصِي، وَمَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَمَا بَقِيَ فِي مَدَائِنِ الرُّومِ طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي، وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَما بَرِحَ بِهِ الْيَأْسُ قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، وَهَلْ يَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْوَةٌ فَأَزَوِّدَكِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ فَقُلْتُ: يَا جَدْيِ، أَرَى أَبْوَابَ الْفَرَج عَلَيَّ مُغْلَقَةٌ، فَلَوْ كَشَفْتَ الْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أَسَارَى المُسْلِمِينَ، وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ الْأَغْلَالَ، وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ، وَمَنيَّتَهُمُ الخَلاصَ، رَجَوْتُ أَنْ يَهبَ ليَ المَسِيحُ وأمّه عَافِيَةٌ.

فَلَما فَعَلَ ذَلِكَ تَجَلَّدْتُ فِي إِظْهَارِ الصَّحَّةِ مِنْ بَدَنِي قَلِيلاً، وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ الطَّعَامِ، فَسَّرَ بِذَلِكَ، وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَامِ الْأَسَارَى وَإِعْزَازِهِمْ، فَأُرِيتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كَأَنَّ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ ابْنَةُ عِمْرَانَ وَأَلْفٌ مِنْ وَصَائِفِ الْجِنَانِ، فَتَقُولُ لِي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ أُمُّ زَوْجِكِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا اِمْتِنَاعَ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ زِيَارَتِي.

فَقَالَتْ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ (عَلَيهَا السَّلَامُ): «إِنَّ ابْنِي أَبَا محمّد لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةً بِاللّه عَلَى مَذْهَبِ اَلنَّصَارَى، وَ هَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ تَبْرَأَ إِلَى اللّه تَعَالَى مِنَ دِينِكِ، فَإِنْ مِلْتِ إِلَى رِضَى اللّه وَرِضَى المَسِيحَ وَمَرْيَمَ ما وَزِيَارَةِ أَبِي محمّد إِيَّاكِ، فَقُولِي: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَنَّ أَبي محمّداً رَسُولُ اللّه»، فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وَطَيِّبَتْ نَفْسِي، وَقَالَتْ: «أَلْآنَ تَوَقَّعِي زِيَارَةَ أَي محمّد، فَإِنِّي مُنْفِذَتُهُ إِلَيْكِ»، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَنُولُ (2) وَأَتَوَفَّعُ لِقَاءَ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 75


1- في بعض النُّسَخ: (ورقّ).
2- في لسان العرب (ج /11 ص 684 / مادَّة نول): (نالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً: سمحت أو همَّت). وفي بعض النُّسَخ: (أقول)، وما أثبتناه من بحار الأنوار (ج 51 / ص 9).

فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ رَأَيْتُ أَبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَكَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حَبِيبِي بَعْدَ أَنْ أَتْلَفَتْ نَفْسِي مُعَالَجَةُ حُبِّكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ تَأْخُرِي عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ، فَقَدْ أَسْلَمْتِ، وَأَنَا زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللّه تَعَالَى شَمْلَنَا فِي الْعَيَانِ، فَما قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.

قَالَ بِشَرٌ: فَقُلْتُ هَا: وَكَيْفَ وَقَعَتِ فِي الْأُسَارَى؟

فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَرُ جَيْشاً إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، ثمّ يَتْبَعُهُمْ، فَعَلَيْكِ بِاللَّحَاقِ بِهِمْ مُتَنَكَّرَةٌ فِي زِيٍّ اَلْخَدَمِ مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَوَقَعَتْ عَلَيْنَا طَلَايعُ الْمُسْلِمِينَ حتّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ، وَمَا شَعَرَ بِأَنِّي ابْنَةُ مَلِكِ الرُّوم إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَحَدٌ سِوَاكَ، وَذَلِكَ بِإِطْلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي الشَّيْخُ الّذي وَقَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهْمِ الْغَنِيمَةِ عَنِ اسْمِي، فَأَنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اِسْمُ الْجَوَارِي.

قُلْتُ: الْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَفٌ.

قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ وُلُوعِ جَدِّي وَحَمْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلُّمِ الْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ (1) إِلَيَّ امْرَأَةً تَرْجُمَانَةٌ لِي (2) فِي الْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، وَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَتُفِيدُنِي الْعَرَبيَّة حتّى اسْتَمَرَّ لِسَانِي عَلَيْهَا وَاسْتَقَامَ.

قَالَ بِشْرٌ : فَلَمَّا انْكَفَأْتُ (3) بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ أَبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: «كَيْفَ أَرَاكِ اللّه عِزَّ الْإِسْلَام وَذُلُّ النَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ محمّد وَأَهْل بَيْتِهِ (عَلَيهِم السَّلَامُ)»، قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ

ص: 76


1- أوعز إليه في كذا، أي تقدَّم.
2- في بعض النُّسَخ: (له).
3- انكفأت: أي رجعت.

مِنِّي ؟ قَالَ: «فَإِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ أُكْرِمَكِ، فَما أَحَبُّ إِلَيْكِ، عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ؟»، قَالَتْ: بُشْرَى بِوَلَدِ ِلي، قَالَ لَهَا: «أَبْشِرِي بوَلَدِ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً، وَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مَنْ؟ قَالَ: «مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرٍ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ؟»، قَالَتْ: مِنَ المَسِيحَ وَوَصِيهِ، قَالَ لَهَا: «مَنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: ابْنِكَ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: «هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَرَنِي فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهَا)؟

قَالَ: فَقَالَ مَوْلَانَا: «يَا كَافُورُ، أَدْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ»، فَلَمَّا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: «هَا هِيَهُ»، فَاعْتَنقَتْهَا طَوِيلاً، وَسُرَتْ بِهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا أَبُو أَحْسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا بِنْتَ رَسُولِ اللّه، خُذِيهَا إِلَى مَنْزِلِكِ وَعَلْمِيهَا الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ، فَإِنَّهَا زَوْجَةُ أَي محمّد، وَأُمُّ الْقَائِم (عَلَيهِ السَّلَامُ)»(1).

ص: 77


1- رواه الصدوق (رَحمهُ اللّه) في كمال الدِّين (ص 417 - 423 / باب 41 / ح 1) بإسناده عن أبي الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ باختلاف والطبري الشيعي (رَحمهُ اللّه) في دلائل الإمامة (ص 489 - 496/ ح 488 / 92) عن أبي المفضَّل باختلاف والفتّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 252 - 255) عن بشر بن سليمان و ابن شهر آشوبه (رَحمهُ اللّه) في مناقب آل أبي طالب (ج 3 / ص 538 – 540) عن بشر بن سليمان النخاس مختصراً.

204 - [ رواية ولادة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

204 - وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي جِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ اَلحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ - اَلصَّفَّارِ محمّد بْنِ الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللّه المُطَهَّرِيِّ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ محمّد اِبْنِ عَلِيٍّ الرِّضَا قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي، فَإِنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) سَيَسُرُّكِ بِوَليّهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ، وَأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ وَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حتّى انْتَهَيْتُ إِلَى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْنٍ دَارِهِ، وَجَوَارِيهِ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سيّدي، اَلْخَلَفُ مِمَّنْ هُوَ ؟ قَالَ: «مِنْ سَوْسَنَ»، فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ، فَلَمْ أَرَ جَارِيَةً عَلَيْهَا أَثَرٌ غَيْرَ سَوْسَنَ.

ص: 78

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ المَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أُتِيتُ بِالمَائِدَةِ، فَأَفْطَرْتُ أَنَا وَسَوْسَنُ، وَبَايَتُهَا فِي بَيْتِ وَاحِدٍ، فَغَفَوْتُ غَفْوَة (1) ، ثمّ اسْتَيْقَظتُ، فَلَمْ أَزَلُ مُفَكَّرَةً فِيمَا وَعَدَنِ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ أَمْرِ ولي اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقُمْتُ قَبْلَ الْوَقْتِ الّذي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْلِ حتّى بَلَغْتُ إِلَى الْوَتْرِ، فَوَثَبَتْ سَوْسَنُ فَزِعَةً، وَخَرَجْتُ فَزِعَةً وَ[خَرَجَتْ ] (2) وَأَسْبَغَتِ الْوُضُوءَ، ثمّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ، وَبَلَغَتْ إِلَى الْوَتْرِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الْفَجْرَ (قَدْ) (3) قَرُبَ، فَقُمْتُ لِأَنْظُرَ، فَإِذَا بِالْفَجْرِ الْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِيَ الشَّكُ مِنْ وَعْدِ أبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: «لَا تَشُكّي، وَكَأَنَّكِ (4) بِالْأَمْرِ السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللّه تَعَالَى».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الْبَيْتِ وَأَنَا خَجِلَةٌ، فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ الصَّلَاةَ وَخَرَجَتْ فَزِعَةٌ، فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: بأَبِي أَنتِ (وَأُمِّي) (5)، هَلْ تُحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةِ، إِنِّي لَأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفٌ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللّه تَعَالَى، وَأَخَذْتُ وِسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ، وَأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا، وَجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ المَرْأَةُ مِنَ المَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ، فَقَبَضَتْ عَلَى كَفَّى، وَغَمَزَتْ غَمْزَةً شَدِيدَةً، ثمّ أَنَّتْ أَنَّةً، وَتَشَهَّدَتْ، وَنَظَرْتُ تَحْتَهَا، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيٍّ اللّه (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) مُتَلَقِّياً اَلْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ، فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي، فَإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوعٌ

ص: 79


1- في تهذيب اللغة (ج 8 / ص 178 مادَّة غفا): (غفا: يقال: أغفي الرجل وغيره، إذا نام نومة خفيفة).
2- ما بين المعقوفتين من بعض النُّسَخ، وكذا ما يأتي.
3- ليس في بعض النُّسَخ.
4- في بعض النُّسَخ: (فكأَنَّك).
5- ليس في بعض النُّسَخ.

مِنْهُ، فَنَادَانِي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّةِ، هَلُمَّي فَأْتِينِي بِابْنِي»، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ، فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ، فَفَتَحَهَا (1)، ثمّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ، فَحَنَكَهُ، ثمّ [أَدْخَلَهُ] فِي أُذُنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، فَاسْتَوَى وَلي اللّه جَالِساً، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقُ بِقُدْرَةِ أَلل»، فَاسْتَعَاذَ وَلِيُّ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ، وَاسْتَفْتَحَ «بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنَّ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص: 5 و 6]، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَعَلَى أمير المؤمِنِينَ وَالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَاحِداً وَاحِداً حتّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ، فَنَاوَلَنِيهِ (2) أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، رُدِّيهِ إلَى أمّه حتّى «تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ» [القصص: 13]، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أمّه وَقَدِ انْفَجَرَ الْفَجْرُ الثَّانِي، فَصَلَّيْتُ اَلْفَرِيضَةَ وَعَقَّبْتُ إِلَى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثمّ وَدَّعْتُ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنْزِلي، فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ثَلَاثِ اِشْتَقْتُ إِلَى وَلي اللّه، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَبَدَأتُ بالحُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ سَوْسَنُ فِيهَا، فَلَمْ أَرَ أَثَراً وَلَا سَمِعْتُ ذِكْراً، فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ، فَبَدَأَنِي، فَقَالَ: «هُوَ يَا عَمَّةٍ فِي كَتَفِ اللّه وَحِرْزِهِ وَسِتْرِهِ وَغَيْبِهِ حتّى يَأْذَنَ اللّه لَهُ، فَإِذَا غَيَّبَ اللّه شَخْصِي وَتَوَفَّانِي وَرَأَيْتِ شِيعَتِي قَدِ اِخْتَلَفُوا فَأَخْبِرِي الثَّقَاتَ مِنْهُمْ، وَليَكُنْ عِندَكِ وَعِنْدَهُمْ مَكْتُوماً، فَإِنَّ وَليَّ اللّه يُغَيِّبُهُ اللّه عَنْ خَلْقِهِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حتّى يُقَدِّمَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَرَسَهُ، «لِيَقْضِيَ اللّه أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً» [الأنفال: 42]».

ص: 80


1- في بعض النُّسَخ: (ففتحتها).
2- في بعض النُّسَخ: (وناولنيه).

205 - بمثل معنى الحديث الأول إلّا أنّه قال

205 - وَبِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ محمّد بْنِ الحَسَنِ بْنِ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد بْنِ يَحْيَى الْعَطَارِ، عَنْ محمّد بْن حَمَّوَيْهِ الرَّازِيِّ، عَن الحُسَيْنِ بْن رِزْقِ اللّه، عَنْ مُوسَى بْنِ محمّد بْنِ جَعْفَرٍ (1)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِمِثْلِ مَعْنَى الحَدِيثِ اَلْأَوَّلِ إِلَّا أَنها قَالَتْ: فَقَالَ لي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّةِ، إِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ فَأْتِينَا»، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلَّمَ عَلَى أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَكَشَفْتُ عَن السِّتْرَ لأَتَفَقَّدَ سيّدي، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا فَعَلَ سيّدي ؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى»، فَلَما كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: «هَلُمُّوا ابْنِي»، فَجِيءَ بِسيّدي وَهُوَ فِي خِرَقٍ صُفْرِ، فَفَعَلَ بِهِ كَفِعْلِهِ (2) اَلْأَوَّلِ، ثمّ أَدْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّما يُغَذِّيهِ لَبَناً وَعَسَلاً، ثمّ قَالَ: «تَكَلَّمْ، يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى محمّد وَعَلَى الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) حتّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ، ثمّ قَرَأَ: «بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ...» إِلَى قَوْلِهِ «مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص: 5 و 6]. (3)

206 - بمثل معنى الحديث الأول إلّا أّنه قال

206 - أَحْمَدُ بْنُ عَنْ الرَّازِيُّ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ سَمِيعِ بْنِ عَلِيِّ بُنَانِ، عَنْ محمّد بْن عَلَى بْن أَبي الدَّارِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْن محمّد، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللّه، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ رَوْح الْأَهْوَازِيِّ، عَنْ محمّد بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْل مَعْنَى الحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ: بَعَثَ إِلَى أَبو مُحَمّدٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرٍ

ص: 81


1- هو موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، كما في كمال الدِّين.
2- في بعض النُّسَخ: (كفعاله).
3- رواه الصدوق (رَحمهُ اللّه) في كمال الدِّين (ص 424 – 426 / باب 42 / ح 1) مفصلاً، والفتّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 256 و 257) مرسلاً، والشيخ الطبرسي (رَحمهُ اللّه) في إعلام الورى (ج 2 / ص 214 - 217)، وابن حمزة الطوسيّ (رَحمهُ اللّه) في الثاقب في المناقب (ص 203 / ح 179 /8) عن موسى بن محمّد بن القاسم مختصراً.

رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، قَالَتْ: وَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: «نَرْجِسُ»، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ اِشْتَدَّ شَوْفِي إِلَى وَلي اللّه، فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً، فَبَدَأَتُ بالحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا الجَارِيَةُ، فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةٌ فِي تَجْلِسِ اَلَمَرْأَةِ النُّفَسَاءِ، وَعَلَيْهَا أَنْوَابٌ صُفْرٌ، وَهِيَ مُعَصَّبَةُ الرَّأْسِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَالْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمَهْدِ عَلَيْهِ أَثْوَابٌ خُضْرٌ، فَعَدَلْتُ إِلَى المَهْدِ وَرَفَعْتُ عَنْهُ اَلْأَثْوَابَ، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيُّ اللّه نَائِمُ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحزُومٍ وَلَا مَقْمُوطٍ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَجَعَلَ يَضْحَكُ وَيُنَاجِينِي بِإِصْبَعِه (1)، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَدْنَيْتُهُ إِلَى فَمِي لأُقَبِّلَهُ، فَشَمِمْتُ مِنْهُ رَائِحَةً مَا شَمِمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا، وَنَادَانِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّتِي، هَلُمِّي فَتَايَ إِلَيَّ»، فَتَنَاوَلَهُ وَقَالَ (2): «يَا بُنَيَّ، اِنْطِقُ»، وَذَكَرَ الحَدِيثَ.

قَالَتْ: ثمّ تَنَاوَلْتُهُ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا بُنَيَّ، أَسْتَوْدِعُكَ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى، كُنْ فِي دَعَةِ اللّه وَسِتْرِهِ وَكَنَفِهِ وَجِوَارِهِ»، وَقَالَ:«رُدِّيهِ إِلَى أمّه يَا عَمَّةِ، وَاُكْتُمِي خَبَرَ هَذَا المَوْلُودِ عَلَيْنَا، وَلَا تُخْبِرِي بِهِ أَحَداً حتّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ»، فَأَتَيْتُ أُمَّهُ، وَوَدَّعْتُهُمْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ إِلَى آخِرِهِ.

أحمد بن عليٍّ الرازي عن محمّد بن عليٍّ، عن حنظلة بن زكريّا قال: حدَّثني الثقة، عن محمّد بن علي بن بلال (3)، عن حكيمة، بمثل ذلك.

207 - بهذا الحديث

207 - وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ أَنَّ حَكِيمَةَ حَدَّثَتْ بِهَذَا اَلحَدِيثِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ أمّه نَرْجِسُ، وَسَاقَتِ اَلحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِا: فَإِذَا أَنَا بِحِسّ سيّدي وَبِصَوْتِ أَبي مُحَمّدٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَهُوَ يَقُولُ: «يَا

ص: 82


1- في بعض النُّسَخ : (بإصبعيه).
2- في بعض النُّسَخ: (وقال له).
3- عدَّه المؤلِّف (رَحمهُ اللّه) في رجاله (ص 394 / الرقم 13/5812) في الكنى من أصحاب الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قائلاً: (أبو طاهر محمّد وأبو الحسن وأبو الطيب بنو علي بن بلال) وفي (ص 401 / الرقم 5886 / 4) من أصحاب العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قائلاً : (محمّد بن عليّ بن بلال ثقة).

عَمَّتِي، هَانِ اِبْني إِلَى»، فَكَشَفْتُ عَنْ سيّدي، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ مُتَلَقِّياً الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، وَعَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ : «جَاءَ الحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِل كانَ زَهُوقاً» [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِليَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، فَلَفَّفْتُهُ في ثَوْبِ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وَذَكَرُوا الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ : «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَنَّ محمّداً رَسُولُ اللّه، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا»، ثمّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ السَّادَةَ الْأَوْصِيَاءَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَىٰ نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَجِ عَلَى يَدَيْهِ، ثمّ أَحْجَمَ.

وَقَالَتْ: ثمّ رُفِعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سيّدي، فَقُلْتُ لِأَبِي محمّد : يَا سيّدي، أَيْنَ مَوْلَايَ ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكَ وَمِنَّا».

ثُمَّ ذَكَرُوا الحَدِيثَ بِتَمَامِهِ، وَزَادُوا فِيهِ: فَلَا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشِي فِي الدَّارِ، فَلَمْ أَرَ وَجْهَا أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ، وَلَا لُغَةٌ أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هَذَا المَوْلُودُ الْكَرِيمُ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ)»، فَقُلْتُ: سيّدي أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى وَلَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الأئمّة نَنْشَأُ فِي الْيَوْم مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي اَلسَّنَةِ»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأسَهُ وَانْصَرَفْتُ، ثمّ عُدْتُ وَتَفَقَدْتُهُ، فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةِ، اِسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسى»(1).

208 – (... فدخلت فإذا امرأة أخذها الطلق...)

208 - أَحْمَدُ بْنُ عَلى الرَّازِيُّ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ زكريّا، قَالَ: حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ بِلَالِ بْنِ دَاوُدَ الْكَاتِبُ، وَكَانَ عَامِّيَّا بِمَحَلِّ مِنَ النَّصْبِ لِأَهْل الْبَيْتِ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، يُظهِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْتُمُهُ، وَكَانَ صَدِيقاً لِي يُظهِرُ مَوَدَّةً بِمَا فِيهِ مِنْ

ص: 83


1- رواه الخصيبي (رَحمهُ اللّه) في الهداية الكبرى (ص 355 – 357)، والمسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 257 - 260)، وحسين بن عبد الوهاب (رَحمهُ اللّه) في عيون المعجزات (ص 127 - 130).

طَبْع أَهْلِ الْعِرَاقِ، فَيَقُولُ - كُلَّمَا لَقِيَنِي - : لَكَ عِنْدِي خَبَرٌ تَفْرَحُ بِهِ وَلَا أُخْبِرُك بِهِ، فَأَتَغَافَلُ عَنْهُ، إِلَى أَنْ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَوْضِعُ خَلْوَةِ، فَاسْتَقْصَيْتُ عَنْهُ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِهِ، فَقَالَ: كَانَتْ دُورُنَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى مُقَابِلَ دَارِ اِبْنِ الرِّضَا - يَعْنِي أَبَا محمّد الحَسَنَ بْنَ عَلِيٌّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، فَغِبْتُ عَنْهَا دَهْراً طَوِيلاً إِلَى قَزْوِينَ وَغَيْرِهَا، ثمّ قُضِيَ لي الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ فَقَدْتُ جَمِيعَ مَنْ خَلَّفْتُهُ مِنْ أَهْلِي وَقَرَابَاتِي إِلَّا عَجُوزاً كَانَتْ رَبَّتْنِي، وَلَهَا بِنْتُ مَعَهَا، وَكَانَتْ مِنْ طَبْع اَلْأَوَّلِ (1) مَسْتُورَةً صَائِنَةٌ لَا تُحْسِنُ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ مَوَالِيَاتٌ لَنَا بَقِينَ فِي الدَّارِ، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُنَّ أَيَّاماً ثمّ عَزَمْتُ الخُرُوجَ، فَقَالَتِ الْعَجُوزَةُ: كَيْفَ تَسْتَعْجِلُ الْإِنْصِرَافَ وَقَدْ غِبْتَ زَمَانَا؟ فَأَقِمْ عِنْدَنَا لِنَفْرَحَ بِمَكَانِكَ، فَقُلْتُ لَهَا عَلَى جِهَةِ الهُزءِ : أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ النَّاسُ لِلْخُرُوج فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لِيَوْمٍ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أُعِيدُكَ بِاللّه أَنْ تَسْتَهِينَ مَا ذَكَرْتَ أَوْ تَقُولَهُ عَلَى وَجْهِ الهُزءِ، فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ بعيني بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ عِنْدِنَا بِسَنَتَيْنِ.

كُنْتُ فِي هَذَا الْبَيْتِ نَائِمَةً بِالْقُرْبِ مِنَ الدَّهْلِيزِ، وَمَعِي اِبْتَتِي، وَأَنَا بَيْنَ اَلنَّائِمَةِ وَالْيَقْظَانَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ نَظِيفُ الشَّيَابِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فَقَالَ: يَا فَلَانَةُ، يَحِيتُكِ السَّاعَةَ مَنْ يَدْعُوكِ فِي الْجِيرَانِ فَلَا تَمتَنِعِي مِنَ الذَّهَابِ مَعَهُ، وَلَا تَخَافِي، فَفَزِعْتُ، فَنَادَيْتُ ابْتَتِي، وَقُلْتُ هَا: هَلْ شَعَرْتِ بِأَحَدٍ دَخَلَ الْبَيْتَ ؟ فَقَالَتْ: لا، فَذَكَرْتُ اللّه وَقَرَأْتُ وَنِمْتُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ، وَقَالَ لي مِثْلَ قَوْلِهِ، فَفَزِعْتُ وَصِحْتُ بِابْنَتِي، فَقَالَتْ: لَمْ يَدْخُلِ الْبَيْتَ، فَاذْكُرِي اللّه وَلَا تَفْزَعِي، فَقَرَأْتُ وَنِمْتُ.

فَلَمَّا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ جَاءَ الرَّجُلُ وَقَالَ: يَا فُلَانَةُ، قَدْ جَاءَكِ مَنْ يَدْعُوكِ وَيَقْرَعُ

ص: 84


1- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 / ص 22)» (قوله: (من طبع الأوَّل) أي كانت من طبع الخلق الأوَّل هكذا، أي كانت مطبوعة على تلك الخصال في أوّل عمرها).

الْبَابَ، فَاذْهَبِي مَعَهُ، وَسَمِعْتُ دَقَّ الْبَابِ، فَقُمْتُ وَرَاءَ الْبَابِ وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: افْتَحِي وَلَا تَخَافِي، فَعَرَفْتُ كَلَامَهُ وَفَتَحْتُ الْبَابَ، فَإِذَا خَادِمٌ مَعَهُ إِزَارٌ، فَقَالَ: يَحْتَاجُ إِلَيْكِ بَعْضُ الجِيرَانِ لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ، فَادْخُلِي، وَلَفَّ رَأْسِي بِالمَلاءَةِ وَأَدْخَلَنِي الدَّارَ وَأَنَا أَعْرِفُهَا، فَإِذَا بِشِقَاقٍ (1) مَشْدُودَةٍ وَسَطَ الدَّارِ وَرَجُلٌ قَاعِدٌ بِجَنْبِ الشَّقَاقِ، فَرَفَعَ الْحَادِمُ طَرَفَهُ، فَدَخَلْتُ وَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ أَخَذَهَا الطَّلَقُ وَامْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلْفَهَا كَأَنَّهَا تَقْبَلُهَا.

فَقَالَتِ المَرْأَةُ: تُعينينَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَالَجَتُهَا بِمَا يُعَالَجُ بِهِ مِثْلُهَا، فَما كَانَ إِلَّا قَلِيلاً حتّى سَقَطَ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ عَلَى كَفِّي وَصِحْتُ : غُلَامٌ غُلَامٌ، وَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ طَرَفِ الشَّقَاقِ أَبَشِّرُ الرَّجُلَ الْقَاعِدَ، فَقِيلَ لِي: لَا تَصِيحِي، فَلَمَّا رَدَدْتُ وَجْهِي إِلَى الْغُلَامِ قَدْ كُنْتُ فَقَدْتُهُ مِنْ كَفِّي، فَقَالَتْ لِيَ الْمَرْأَةُ الْقَاعِدَةُ: لَا تَصِيحِي، وَأَخَذَ الْخَادِمُ بِيَدِي وَلَفَّ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَخْرَجَنِي مِنَ الدَّارِ وَرَدَّنِي إِلَى دَارِي وَنَاوَلَنِي صُرَّةً، وَقَالَ: لَا تُخْبِرِي بِمَا رَأَيْتِ أَحَداً.

فَدَخَلْتُ الدَّارَ وَرَجَعْتُ إِلَى فِرَاشِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَابْنَتِي نَائِمَةٌ بَعْدُ، فَأَنْبَهْتُهَا وَسَأَلْتُهَا: هَلْ عَلِمْتِ بِخُرُوجِي وَرُجُوعِي؟ فَقَالَتْ: لَا، وَفَتَحْتُ الصُّرَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عَدَداً، وَمَا أَخْبَرْتُ بِهَذَا أَحَداً إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمَّا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا الْكَلَام عَلَى حَدٌ (2) الهُزءِ، فَحَدَّثْتُكَ إِشْفَافاً عَلَيْكَ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عِنْدَ اللّه وَل شَأْنَا وَمَنْزِلَةٌ، وَكُلُّ مَا يَدَّعُونَهُ حَقٌّ.

قَالَ: فَعَجِبْتُ (3) مِنْ قَوْلِهَا وَصَرَفْتُهُ إِلَى السُّخْرِيَّةِ وَالهُزءِ وَلَمْ أَسْأَها عَنِ

ص: 85


1- قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 / ص 22) (الشقاق جمع الشُقَّة بالكسر وهي من الثوب ما شُقَّ مستطيلاً). وفي بعض النُّسَخ: (فإذا شقاق).
2- في بعض النُّسَخ: (على جهة (حدّ خ ل)).
3- في بعض النُّسَخ: (فتعجَّبت).

الْوَقْتِ غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ يَقِيناً أَنِّي غِبْتُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ نَيْفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ وَرَجَعْتُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فِي وَقْتِ أَخْبَرَتْنِي الْعَجُوزَةُ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي وِزَارَةِ عُبَيْدِ اللّه بن سُلَيْمانَ (1) لَمَّا فَصَدْتُهُ.

قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَعَوْتُ بِأَبِي الْفَرَجِ الْمُظَفَرِ بْنِ أَحْمَدَ حتّى سَمِعَ مَعِي [مِنْهُ] هَذَا الخَبَر.

ص: 86


1- هو أبو القاسم عبيد اللّه بن سليمان بن وهب كان وزيراً للمعتضد استوزره في سنة (279ه_) بعد أن مات المعتمد وبويع له وهو قد خالف المعتضد في لعن معاوية (عليه لعنة اللّه) وأنَّه - بعد أن أمر المعتضد بإخراج الكتاب الّذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية وأن يُقرأ الكتاب بعد صلاة الجمعة على المنبر - أحضر يوسف بن يعقوب القاضي وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المعتضد، وبعد أن صار الكلام بين المعتضد ويوسف بن يعقوب أمسك المعتضد فلم يردّ عليه جواباً ولم يأمر في الكتاب بعده بشيء. راجع تاريخ الطبري (ج 8 / ص 182 - 190). وفي بعض النُّسَخ: (عبد اللّه).

210 - كانت لها جارية ربتها تُسمى: نرجس

210 - وَرُوِيَ أَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ رَبَّتْهَا تُسَمَّى نَرْجِسَ فَلَا كَبِرَتْ دَخَلَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَنَظَرَ إلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ : أَرَاكَ يَا سيّدي تَنْظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً، أَمَا إِنَّ المَوْلُودَ الْكَرِيمَ عَلَى اللّه تَعَالَى يَكُونُ مِنْهَا»، ثمّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَبَا اَحْسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ (1).

ص: 87


1- رواه المسعودي في إثبات الوصيَّة (ص 257) والصدوق اللّه في كمال الدِّين (ص 426 - 430 / باب 42 / ح 2) مفصَّلاً، وحسين بن عبد الوهَّاب في عيون المعجزات (ص 127 - 130) باختلاف، والفتّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 257 و258).

237 - (... أمّه صقيل، ويكنى أبا القاسم...)

237 - أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيُّ، عَنْ محمّد بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللّه بْنِ محمّد بْنِ خَافَانَ الدِّهْقَانِ، عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ دَادِ بْنِ غَسَّانَ (1) الْبَحْرَانِيُّ، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى أَبي سَهْلِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَلِيٍّ النَّوْبَخْتِي(2)، قَالَ: مَوْلِدُ محمّد بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد اِبْنِ عَلِيٍّ الرّضَا بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ الصَّادِقِ بْنِ محمّد الْبَاقِرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ اِبْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِب (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) : وُلِدَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِسَامِرَّاءَ سَنَةَ سِتّوَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، أُمّه صَقِيلُ، وَيُكَنِّي أَبَا الْقَاسِمِ، بِهَذِهِ الْكُنْيَةِ أَوْصَى النَّبيُّ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أَنَّهُ قَالَ: «اِسْمُهُ كَاسْمِي (3)، وَكُنْيَتُهُ كُنْيَتِي»، لَقَبُهُ المهديّ، وَهُوَ الحجّة، وَهُوَ المنتظَرُ، وَهُوَ صَاحِبُ الزَّمَانِ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 88


1- في بعض النُّسَخ: (عنان).
2- قال النجاشيّ (رَحمهُ اللّه) في رجاله (ص 31 / الرقم 68) : (إسماعيل بن علي بن إسحاق بن أبي سهل ابن نوبخت كان شيخ المتكلمين من أصحابنا وغيرهم له جلالة في الدنيا، يجري مجرى الوزراء في جلالة الكتاب). وعنونه المؤلِّف (رَحمهُ اللّه) في الفهرست (ص 49 / الرقم 7/36) وكنَّاه بأبي سهل.
3- في بعض النُّسَخ: (اسمه اسمي).

قال إسماعيل بن علي : (... ثم جاءت به صقيل الجارية...)

قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَلِيٍّ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي محمّد الحَسَنِ بْنِ عَليَّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فِي المَرْضَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ لِخَادِمِهِ عَقِيدٍ - وَكَانَ الْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبِيًّا قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ محمّد، وَهُوَ رَبَّى اَحْسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، فَقَالَ لَهُ: «يَا عَقِيدُ، أَغْلِ لي مَاءً بِمُصْطَكِيّ»، فَأَغْلَى لَهُ، ثمّ جَاءَتْ بِهِ صَقِيلُ الْجَارِيَةُ أُمُّ الْخَلَفِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَما صَارَ الْفَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَهَمَّ بِشُرْبِهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حتّى ضَرَبَ الْقَدَحَ ثَنَايَا الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِعَقِيد: «ادْخُل الْبَيْتَ، فَإِنَّكَ تَرَىٰ صَبِيًّا سَاجِداً، فَأْتِنِي بِهِ».

قَالَ أَبُو سَهْلِ: قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَحَرَّى، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٌّ سَاجِدٍ رَافِعِ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سيّدي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، إِذَا جَاءَتْ أمّه صَقِيلُ، فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ اَلْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قَالَ أَبُو سَهْلِ: فَلَمَّا مَثْلَ الصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيٌّ اللَّوْنِ، وَفِي شَعْرِ رَأْسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ الْأَسْنَانِ، فَلَمَّا رَآهُ اَلحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اِسْقِنِي ألَمَاءَ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي»، وَأَخَذَ الصَّبِيُّ الْقَدَحَ المغيَّ بِالمُصطكي بِيَدِهِ، ثمّ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ، ثمّ سَقَاهُ، فَلَا شَرِبَهُ قَالَ: «هَيْئُونِي لِلصَّلَاةِ»، فَطْرِحَ فِي حِجْرِهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ الصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً، وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «أَبْشِرُ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ الزَّمَانِ، وَأَنْتَ المهديّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اللّه عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتَ وَلَدِي وَوَصِي وَأَنَا وَلَدْتُكَ، وَأَنْتَ محمّد بْنُ اَلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ ابْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرِ بْنِ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيَّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وَلَدَكَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وأَنتَ خَاتَمُ [الْأَوْصِيَاءِ] الأئمّة الطَّاهِرِينَ، وَبَشَّرَ بِكَ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَسَمَّاكَ وَكَنَّاكَ، وَبِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَي عَنْ آبَائِكَ الطَّاهِرِينَ، صَلَّى اللّه عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَمَاتَ اَلْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ مِنْ وَقْتِهِ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) (1).

ص: 89


1- رواه النيلي (رَحمهُ اللّه) في منتخب الأنوار المضيئة (ص 258 - 260) عن أحمد بن محمّد الأيادي يرفعه إلى إسماعيل بن عليّ باختلاف يسير.

ذكر أمر أبي الحسن عليّ بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين ابن روح (رضیَ اللّهُ عنهُ)، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب

362 – (... وأمّه ريحانة...)

362 - أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبي جَعْفَرٍ محمّد بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ بَابَوَيْهِ، قَالَ: حدَّثنا محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ زكريّا بِمَدِينَةِ السَّلَامِ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللّه محمّد بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حدَّثني أَبِي، عَنْ جَدِّهِ عَتّاب - مِنْ وُلْدِ عَتّاب بن أَسِيدٍ -، قَالَ: وُلِدَ الخَلَفُ المهديّ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) يَوْمَ الجُمُعَةِ، وأمّه رَيْحَانَهُ، وَيُقَالُ هَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ لَهَا: صَقِيلُ، وَيُقَالُ لَهَا: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ بِسَبَبٍ اَلْحَمْلِ : صَقِيلُ (1).

وَكَانَ مَوْلِدُهُ لِثَمَانِ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتٌ وَخَمْسِينَ وَمائَتَيْنِ، وَوَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَوْصَى إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ محمّد بْنِ عثمان (رَحمهُ اللّه)، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرِ إِلَى أَبِي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بْنِ رَوْحِ اللّه (رضیَ اللّهُ عنهُ)، وَأَوْصَى أَبُو اَلْقَاسِم إِلَى أَبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بْنِ محمّد السَّمُرِي (رضیَ اللّهُ عنهُ)، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّمُرِي الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: للّه أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ.

فَالْغَيْبَةُ التّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِي السَّمري (رضیَ اللّهُ عنهُ)(2).

ص: 90


1- نُسَخ الكتاب، وكذلك نُسخ تلك الرواية عن غير هذا الكتاب، وكذلك غير تلك الرواية مختلفة في ذكر صيقل وصقيل بتقديم الياء على القاف وعكسه، وفي القاموس المحيط (ج 4 / ص 2) (صقله» جلاه، فهو مصقول وصقيل..... والصيقل: شحاذ السيوف وجلَّاؤها). قال العلّامة المجلسي (رَحمهُ اللّه) في بحار الأنوار (ج 51 / ص 15) : (إِنَّما سُمّي صقيلاً لما اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر).
2- كمال الدِّين (ص 432 و 433 / باب 42 ح 12).

487 – «... بأبي ابن خيرة الإماء»

487 - سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللّه، عَنْ محمّد بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبَانِ (1)، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ، عَنْ جَابِرٍ الجُعْفِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: سَأَلَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: أَخْبِرْنِي عَنِ المهديّ مَا اسمه؟

ص: 91


1- هو إسماعيل بن أبان الأزدي المتقدِّم ذكره في (ح 480).

فَقَالَ: «أَمَّا اِسْمُهُ فَإِنَّ حَبِيبِي شَهِدَ (1) إِلَيَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حتّى يَبْعَثَهُ اللّهُ».

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ صِفَتِهِ؟

قَالَ: «هُوَ شَابٌ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الشَّعْرِ، يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَنُورُ وَجْهِهِ يَعْلُو سَوَادَ حِيَتِهِ وَرَأْسِهِ، بِأَبِي إِبْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ» (2).

ص: 92


1- في بعض النُّسَخ: (عهد)، وكذا في الإرشاد.
2- رواه الصدوق (رَحمهُ اللّه) في كمال الدِّين (ص 648 / باب 56 / ح 3) عن أبيه وابن الوليد عن سعد بن عبد اللّه باختلاف، والمفيد (رَحمهُ اللّه) في الإرشاد (ج 2 / ص 382) عن عمرو بن شمر، والفتّال (رَحمهُ اللّه) في روضة الواعظين (ص 266) عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) كما في الإرشاد، والشيخ الطبرسي (رَحمهُ اللّه) في إعلام الورى (ج 2 / ص 294) عن عمرو بن شمر والمقدسي الشافعي في عقد الدُّرر (ص 41) ذيله.

المزار الكبير - ابو عبداللّه محمّد بن جعفر المشهدي

إشارة:

تأليف: الشيخ ابو عبداللّه محمّد بن جعفر المشهدي

تحقيق: جواد القيومي الاصفهاني

ص: 93

الباب (3) زيارة امّ القائم (عَلَيهَا السَّلَامُ)

املاها عليّ رجل من البحرين سمعته يزور بها

ثم عد الى العسكريّين صلوات اللّه عليهما، وقف على قبر ام الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) و قل :

السَّلامُ عَلى رَسُول اللّه الصّادِق الامين، السَّلامُ عَلى مَوْلانا أمير المؤمنين، السَّلامُ عَلَى الأئمّة الطَّاهِرينَ الْحُجَجِ الْمَيامِينِ، السَّلامُ على والِدة الامام والْمُودَعَة أَسْرارِ الْمَلِكِ الْعَلّامَ، وَ الْحامِلَة لاشْرَفِ الانام، السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الصِّدِّيقَةِ الْمَرْضِيَّة، السَّلامُ عَلَيكِ يا شَبيهَةَ أُمِّ مُوسى وابْنَةِ حواريّ عيسى، السَّلامُ عَلَيكِ أَيَّتُهَا التَّقِيَّة النَّقِيَّة، السَّلامُ عَلَيكِ أَيَّتُهَا الرَّضِيَّة المَرْضِيَّة.

السَّلامُ عَلَيْكِ أَيَّتُهَا الْمَنْعُونَة فِي الانْجِيلِ، الْمَخْطُوبَة مِنْ روح اللّه الامينِ، ومَن رَغِب في وُصْلَتها محمّد سَيّدِ الْمُرْسَلِين، والْمُسْتَوْدَعَة اسرار رَبِّ الْعالَمين، السَّلامُ عَلَيكِ و عَلى آبائِكِ الْحَوَارِيَين، السلامُ عَلَيكِ وعَلى بَعْلِكِ ووَلَدِكِ، اَلسَّلامُ عَلَيكِ وَ عَلى رُوحِكِ وبَدَنِكِ الطَّاهر.

اَشْهد أَنَّكِ أَحْسَنْتِ الْكفالَةَ واَدَّيْتِ الامانَةَ، واجْتَهَدْتِ في مَرْضاةِ اللّه، وصَبَرْتِ في ذاتِ اللّه، و حَفِظْتِ سِرَّ اللّه، و حَمَلْتِ وَلِيّ اللّه

ص: 94

و بالغتِ في حِفْظ حُجَّةِ اللّه، و رَغِبْتِ في وَصْلَةِ أَبْناءِ رَسُول اللّه، عارِفاً بِحَقِّهِمْ، مُؤْمِنَةٍ بِصِدْقِهِمْ، مُعْتَرِفَة بِمَنْزِلَتِهِمْ، مُسْتَبْصِرَة بِأَمْرِهِمْ، مُشْفِقَة عَلَيْهِم، مُؤثِرَة هَواهُ.

و أَشْهَد أَنَّكِ مَضَيْتِ عَلى بَصِيرَة مِنْ أَمْرِكِ، مُقْتَدِيَة بِالصَّالِحِينَ، راضِيَة مَرْضِية، تَقِيَّة نَفِيَّة زَكِيَّة، فَرَضِيَ اللّه عَنْكِ وأَرْضاكِ، و جَعَلِ الْجَنَّة منزلك ومَأْواكِ، فَلَقَدْ اَوْلاكِ مِنَ الْخَيْرَاتِ ما اَوْلاكِ، وأَعْطَاكِ مِنَ الشَّرَف ما بِه أَغْناكِ، فَهَنّاكِ اللّه بِما مَنَحَكِ مِنَ الْكَرَامَةِ واَمَرَاكِ.

ثم ترفع رأسك و تقول :

اللّهمْ إِيَّاكَ اعْتَمَدْتُ، و رضاكَ طَلبْتُ، و بِأَوْلِيَائِكَ إِلَيْكَ تَوَسَّلْتُ، و عَلى غُفْرانِكَ و حِلْمِكَ اتَّكَلْتُ، و بِكَ اعْتَصَمْتُ، وبِقَبْرِ أُمِّ وَلِيِّكَ لُذْتُ، فَصَلِّ عَلى محمّد و آلِ محمّد و انْفَعْنى بِزِيارَتِها، و ثَبَتْني عَلَى مَحَبَّتِها و لا تَحْرِمْني شَفَاعَتَها وشَفاعَة وَلَدِها عَجَّلَ اللّه فَرَجَهُ، وارْزُقْنى مُرافَقَتَها، واحْشُرْنِي مَعَها ومَعَ وَلَدِهَا، كَما وَفَّقْتَني لِزِيارَةِ وَلَدِها وزيارتها.

اللّهمَّ إِنِّي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِالأئمّة الطَّاهِرِينَ و اَتَوَسّلُ إِلَيْكَ بِالْحُجَج الْمَيامين، مِن آل طه ويس، أن تُصَلِّيَ عَلَى محمّد وَ آلِهِ الطَّيِّبين، و أَنَّ تَجْعَلَنِي مِنَ الْمُطْمَئِنَينِ الْفَائِزِينَ، الْفَرِحِينَ الْمُسْتَبْشِرين، الّذينَ لا خَوْف عَلَيْهِم ولا هُمْ يَحْزَنون، واجْعَلني مِمَّن قَبِلْتَ سَعْيَهُ، و يَسَّرْتَ أَمْرَه، و كَشَفْتَ ضُرَّهُ و آمَنْتَ خَوْفَهُ.

ص: 95

اللّهمَّ بِحَقِّ محمّد و آلِ محمّد صَلِّ عَلى محمّد و آل محمّد، و لا تَجْعَلْهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِن زِيارَتي إيَّاها، وارْزُقْنِي الْمَوْدَ إِلَيْهَا أَبَداً ما أَبْقَيْتَني، وإذا تَوَفَّيْتَني فَاحْشُرْني في زُمْرَتِها، وأَدْخِلْنِي فِي شَفاعَةِ وَلَدِها و شَفاعَتِها، واغْفِرْ لي ولوالدي و لِلْمُؤْمِنين والْمُؤْمِنات، واتِنا في الدُّنْيا حَسَنَة و في الآخِرَة حَسَنَة وقِنا عَذاب النّار، والسَّلامُ عَلَيكم يا سَاداتي ورَحمة اللّه وبَركاتُه (1).

ص: 96


1- رواه السيّد فى مصباح الزائر : 214، عنه البحار 102 : 71.

مطالب السؤول في مناقل آل الرّسُول - محمّد بن طلحة الشافعي

إشارة:

الكتاب الّذي يعطيك صورة صادقة عن سيرة الأئمّة الإثني عشر (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) باسلوب رصين ممتكم وضبط وتحقيق نسالم الفريقان على صحنه وتأييده فهو خير مصدر يرجع إليه ويعول عليه

تأليف

الشيخ الامام العلّامة ابي سالم كمال الدِّين محمّد بن طلحة ابن محمّد بن الحسن القرشي العدوي النصيبي الشافعي المتوفى - 652

طبع بإشراف

السيّد عبد العزيز الطباطبائي

ص: 97

حقوق الطبع محفوظة للناشر الطبعة الأولى

1419ه_ / 1999م

مؤسسة البلاغ

لبنان - بيروت بئر العبد - سنتر الانماء 1. ط 3 – ص ب : 117952 هاتف : 553119 - 1- 00961 - فاكس : 3279-6-1-00961 المستودع - طريق صيدا القديم - جانب فرن الاسراء - هاتف: 463258

ص: 98

الباب الثاني عشر: في أبي القاسم (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 99

(... وأمّه أمّ ولد تسمى صقيل...)

وأما نسبه أباً وأماً فأبوه محمّد الحسن الخالص بن علي المتوكل ابن محمّد القانع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين، وقد تقدم ذكر ذلك مفصلا، وأمّه أم ولد تسمى صقيل وقيل حكيمه وقيل غير ذلك.

ص: 100

منتخب الأنوار المضيئة - السيّد بهاء الدين على النيلي النجفي

إشارة:

[في ذكر القائم الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ)]

الأصل

العلّامة النسابة السيّد بها الدِّين

علي بن عبد الكريم بن عبد الحَميد النيلي النَجفي

كان حيا سنة 803 ه_

تحقیق

مُؤَسَّسَةِ الْإِمَامِ الهَادِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 101

بهاء الدين نيلي على بن عبد الكريم - 803 ق.

منتخب الانوار المضيئة [في ذكر القائم الحجّة ] / الاصل بهاءالدين علي بن عبدالكريم بن عبد الحميد النيلي النجفي: تحقيق مؤسسة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قم: مؤسسة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). 1420 ق. - 1378

65. 415 ص -: نمونه.

20000 ریال : 4 - 90069 - 964 ISBN

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیپا

عربي.

کتابنامه: ص 438 - 450.

1. محمّد بن حسن (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) امام دوازدهم 255 ق. - 2. مهدویت.3. بهاء الدين نيلي على بن عبد الكريم. - 803 ق. - سرگذشتنامه.

الف موسسه امام هادی (عَلَيهِ السَّلَامُ). ب: عنوان.

8 م9 ب / 51 BP 959 / 297

کتابخانه ملی ایران 26057 - 78م

با همکاری معاونت پژوهشی و آموزشی وزارت فرهنگ و ارشاد اسلامی

اسم الكتاب : منتخب الانوار المضيئة

المؤلِّف : الأصل للسيّد بهاء الدين علي بن عبدالكريم بن عبدالحميد النيلي النجفي

التحقيق :لجنة التحقيق التابعة لمؤسسة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

الناشر: مؤسسة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

الطبعة: الأولى - ذو القعدة 1420 اسفند 78

المطبعة : اعتماد - قم

الكمية : 3000

الصف والإخراج : مؤسسة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

السعر: تومان

شابك X - 4 – 90069 - 964

ISBN 964 - 90069- 4 - x

حقوق الطبع محفوظة للناشر

توزيع

مؤسسة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

قم شارع بهار - زقاق أية اللّه النجفي رقم 48

742574 - فاكس 741574 - م ب 514 - 37185

ص: 102

وأما ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

وأما ما ورد عن أمير المؤمنين عليّ (1) (عَلَيهِ السَّلَامُ):

ص: 103


1- ليس في «أ» و«ح».

قال: «... بأبي ابن خيرة الإماء»

وسأله (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمر عن صفة المهديّ.

فقال: هو شاب مربوع (1)، حسن الوجه حسن الشّعر، يسيل (2) شعره على منكبه (3)، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء (4).

ص: 104


1- المربوع المتوسّط، وهو ما بين الطويل والقصير. مجمع البحرين: 136/1 - ربع -».
2- يسبل» ب، ح.
3- «منكبيه» معظم المصادر.
4- الخرائج: 1152/3، والإرشاد: 382/2، والغيبة للطّوسي: 281، وإعلام الورى: 294/2 وروضة الواعظين: 266/2 وكشف الغمّة: 254/3 مثله. وفي عقد الدرر: 41، والصراط المستقيم: 253/2 باختلاف يسير. عن بعضها إثبات الهداة: 730/3 ح 71، وفي البحار 36/51 ح 6 عن غيبة الطوسيّ وغيبة النّعماني.

وأمّا والدته [قصة السيدة نرجس]

وأمّا والدته :

فمن ذلك ما جاز لي روايته عن الشيخ محمّد بن علي بن بابويه (رَحمهُ اللّه)، يرفعه إلى أبي الحسين (1) محمّد (بن بحر) (2) الشيبانيّ قال: وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين، وزرت قبر غریب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ)؛ ثمّ انكفأت (3) إلى مدينة السّلام متوجّهاً إلى مقابر قريش - على ساكنيها (4) السّلام - في وقت

ص: 105


1- «أبي الحسن» ب، ح. هو أبو الحسين محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيّ الرهني: ترجمه النجاشيّ في رجاله : 384 رقم 1044 قائلاً: «محمّد بن بحر الرُّهني، أبو الحسين الشيبانيّ ساكن نرماشير من أرض كرمان ؛ قال بعض أصحابنا أنه كان في مذهبه ارتفاع وحديثه قريب من السلامة. ولا أدري من أين قبل ذلك. له كتب منها كتاب البدع...». وقال الشيخ في الفهرست: 132 رقم 587: «محمّد بن بحر الرّهني، من أهل سجستان، كان متكلماً عالماً بالأخبار فقيهاً. إلّا أنّه متهم بالغلوّ، وله نحو من خمسمائة مصنف ورسالة». وذكره أيضاً في رجاله : 510 رقم 106 في من لم ير وعنهم (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقال: «يُرمى بالتفويض».
2- ليس في «أ».
3- انكَفَؤُوا: أي رجعوا. «لسان العرب: 143/1 - كفاً -».
4- ساكنها» أ.

تضرّم (1) الهواجر (2)، وتوقد السماء؛ فلما وصلت إلى مشهد الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنشقت روائح، تربته المغمورة (3) من الرّحمة المحفوفة بحدائق الغفران، بكيت (4) عليها بعبرات (5) متقاطرة وزفرات متتابعة، وقد حجب الدّمع طرفي عن النظر؛ فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب (6)، فتحت بصري وإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوّس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه: يا ابن أخ لقد نال عمّك شرفاً بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرفتُ على استكمال المدّة وانقضاء العمر، ولست أجد في أهل الولاية من يفضى إليه بسرّ.

قلت: يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرعت سمعي من الشيخ لفظة تدلّ على حال جسيم، وأمر عظيم.

فقلت: أيها الشيخ ومن السيّدان؟

قال: البحران (7) المغيبان في الثّرى بسر من رأى.

قلت: فإنّي أقسم بالموالاة وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة. أنّي خاطب علمها وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان المؤكّدة على حفظ أسرارهما.

ص: 106


1- «يضرم» أ. ضرمت النار وتضرّمت و اضطرمت اشتعلت والتهبت «لسان العرب: 354/12- ضرم -».
2- الهَجْر والهاجرة نصف النّهار عند اشتداد الحرّ. «الصحاح 851/2 - هجر -».
3- «المعمورة» أ.
4- «أكببت» كمال الدِّين.
5- «بعباير» أ.
6- النَّحْب والنَّحيب: رفع الصّوت بالبكاء. «لسان العرب: 749/1 - نحب -».
7- «النَّجمان» كمال الدِّين.

قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نَقَلة آثارهم. فأخرجت له ما حضرني من ذلك.

قال: صدقت أنا بشر بن سلمان (1) النخّاس (2)، من ولد أبي أيوب الأنصاريّ، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وجارهما بسرّ من رأى.

قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما.

قال: كان مولاي أبو الحسن علي بن محمّد العسكريّ فقّهني في أمر الرّقيق فكنت لا أشتري (3) ولا أبيع إلّا بإذنه. فاجتنبت بذلك موارد الشّبهات حتّى كملت (4) معرفتي فيه وحسنت (5) الفرق بين الحلال والحرام

فبينا أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى، وقد مضى هويّ (6) من اللّيل، إذ قرع

ص: 107


1- «سلمان» كمال الدِّين وسائر المصادر.
2- «النخاس» ب ح. ذكره صاحب تنقیح المقال: 172/1 رقم 1320 بعنوان «بشر بن سلمان النّخّاس» وبعد أن نقل عن صاحب التعليقة قوله «هو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، هو الّذي أمره أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بشراء أمّ القائم، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيه: أنتم ثقاتنا أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) وإنّي مزكّيك ومشرفّك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة» قال: فالرجل حينئذٍ من الثّقات، والعجب من إهمال الجماعة ذكره مع ما هو عليه من الرّتبة. وفي معجم رجال الحديث: 316/3 رقم 1744 بعد ذكره والإشارة إلى أنّ الصّدوق روى في كمال الدِّين روايته عن أبي الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما يرجع إلى نرجس أم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفيها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنتم ثقاتنا أهل البيت... قال: «لكن في سند الزواية عدّة مجاهيل، على أنّك قد عرفت فيما تقدم أنّه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه».
3- «لا أشري» أ. ب.
4- «تحملت» ب ح.
5- «أحسنت» كمال الدِّين.
6- هَوِيّ وهُويّ من اللّيل: ساعة. انظر «القاموس: 588/4 - الهوة -».

الباب قارع. فعدوت (1) مسرعاً، فإذا بكافور الخادم، رسول مولاي أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدعوني إليه فلبست ثيابي ودخلت عليه، وإنّه يحدّث ابنه أبا محمّد، وأخته حكيمة من وراء السّتر.

فلمّا جلست :قال يا بشر إنك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن (2) سلف؛ فأنتم ثقاتنا أهل البيت وإنّي مزكّيك ومشرفك بفضيلة تسبق (3) فيها سبّاق الّشيعة في الموالاة بها، بستر أطلعك عليه وأنفذك في تتبّعه وكتب كتاباً ملطفا (4) بخطّ رومي ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه، وأعطاني ششتقة (5) صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة (6) يوم كذا وكذا، فإذا وصلت سَتَرى إلى جانبك زواريق السّبايا، وسيبرزن منها الّسبايا، ويستحدق بهنّ طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس، وشراذم من فتيان العراق.

فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن [يزيد] (7) النخّاس عامّة (8)

ص: 108


1- «فغدوت» أ. ب.
2- «من» ب.
3- «لم ظ يسبق» أ، «يسبق» ح.
4- «تلطفاً» ب. «لطيفاً» دلائل الإمامة والغيبة، وفي كمال الدِّين: «ملصقاً».
5- كذا في النسخ؛ وفي كمال الدِّين: «شستقة»، وبهامشه عن بعض نسخه: «شنسقة»، وفي دلائل الإمامة: «سبيكة»، وفي البحار عن كمال الدِّين: «شقة». وفي الغيبة للطوسي: «شقيقة». والمراد ما يجعل فيه الدنانير وغيره.
6- ضَحْوَة النّهار: بعد طلوع الشمس «الصّحاح: 2406/6 - ضحا -».
7- «زيد» النّسخ؛ وفيها في الموضعين الآتيين «يزيد» كما أثبتناه.
8- «عامّ» أ.

نهارك، إلى أن يندر (1) المتبايعون جارية صفتها كذا (وكذا) (2)، لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعرّض(3) والإنقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرّقيق، فيضربها النّخّاس فتصرخ صرخة روميّة، فاعلم أنّها تقول: وا هتك ستراه. فيقول بعض المبتاعين: [عليّ بثلاثمائة دينار] (4) فقد زادني العفاف فيها رغبة فتقول بالعربية (5): لوبرزت في (6) زيّ سليمان بن داود على سرير ملكه، ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك (7). فيقول النّخّاس: فما الحيلة لا بدّ من بيعك. فتقول الجارية: وما العجلة ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته ووفائه.

فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النّخاس وقل له: إن معي كتاباً ملطفاً (8) لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخطّ روميّ، وُصف فيه كرمه ووفاؤه (9) ونبله وسخاؤه (10). فناولها لتتأمل منه (11) أخلاق صاحبه، فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكليه في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 109


1- «ينذر» ح. وفي بعض المصادر: «يبرز للمبتاعين بدل «يندر المتبايعون»، وفي البعض الآخر: «تبرز للمبتاعين».
2- ليس في «أ» و«ب».
3- «المعترض» كمال الدِّين. التعريض بيع المتاع بالعرض - «القاموس: 494/2».
4- ما بين المعقوفين أثبتناه من كمال الدِّين.
5- «بالعبرية» ح.
6- «على» أ.
7- «حالك» أ.
8- «مطلقا» أ. «ملصقاً» كمال الدِّين.
9- «ووفاه» ب ح.
10- «وسخاه» ح.
11- «فيه» أ.

في أمر الجارية. فلمّا نظرت في الكتاب بكت بكاءاً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمُحرّجة (1) العظيمة (2) أنَّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فمازلت أشاحّه (3) في ثمنها حتّى استقرّ الأمر على مقدار (ما كان أصحبنيه) (4) مولاي من الدّنانير في الشّشتقة، فاستوفى مني، وتسلمت الجارية ضاحكةً مستبشرةً، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أجدها (5) حتّى أخرجت كتابة مولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها وجعلت تلثمه (6) وتضعه على خدّها، وتطيفه (7) على جفنها، وتمسحه على بدنها.

فقلت متعجباً منها: أتلثمين (8) كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟

فقالت أيّها العاجز الضّعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أرعني (9) سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا (10) بن قيصر ملك الرّوم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى شمعون. أنبئك العجب أنّ جدّي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه – (وأنا بنت ثلاثة عشر) (11) سنة - فجمع في قصره من نسل الحواريين والقسيسين

ص: 110


1- المحرّج: المضيّق. وحلف بالمحرِّجة: أي باليمين التي تضيّق مجال الحالف.
2- «المغلظة» كمال الدِّين.
3- المشاحّة: المناقشة والمماكحة.
4- «ما أصحبتيه» أ.
5- «فما أخذها القرار» بدل «فما أجدها» كمال الدِّين ودلائل الإمامة.
6- لَثمها ولنتمها، يلثِمها ويلثَمُها لئثماً: قبلها. «لسان العرب: 534/12 - لثم -».
7- «وتطبقه» كمال الدِّين.
8- أثبتناه من نسخة من «ح». «أتلثمي» أ. ح: «تلثمي» ب.
9- «أعرني» كمال الدِّين والغيبة. أرعني سمعك وراعنى سمعك: أي استمع إلى «لسان العرب: 327/14 - رعي -».
10- «يشوغا» ب ح.
11- من «بنات ثلاث عشرة» كمال الدِّين.

والرّهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف رجل؛ وأبرز من بَهو (1) ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر، فرفعه فوق (2) أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه، وأحدقت به (3) الصّلبان، وقامت الأساقفة (4) عُكّفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تساقطت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت (5) الأعمدة وانهارت إلى القرار، وخرّ الصّاعد مغشياً عليه.

فتغيّرت ألوان الأساقفة وارتعدت فرائصهم، وقال كبيرهم لجدّي: أيّها الملك ! اعفنا من ملاقاة هذه النّحوس الدّالّة على زوال هذا الدين المسيحيّ والمذهب الملكاني.

فتطيّر جدّي تطيّراً شديداً وقال للأساقفة: أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا هذه الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدير المنكوس جدّه لأزوّج منه هذه الصّبيّة، فيدفع (6)نحوسه عنكم بسعوده

ص: 111


1- البهو: الواسع من الأرض ومن كلّ شيء والبيت المقدّم أمام البيوت. انظر «القاموس: 4 / 442».
2- ليس في «أ» و«ب».
3- ليس في «أ» و «ب». حدق به الشيء وأحدق: استدار وكلّ شيء استدار بشيء وأحاط به، فقد أحدق به. «لسان العرب: 38/10 - حدق -».
4- الأسقف: رئيس النّصارى في الدّين أعجمي تكلّمت به العرب والجمع: أساقف وأساقفة. انظر «لسان العرب: 156/9 - سقف -».
5- تقوّض البيت وتقوّز: إذا انهدم، سواء أكان بيت مدر أو شعر «لسان العرب: 224/7- قوض -».
6- «فتدفع» أ. «فيندفع» ب.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل، وتفرّق النّاس وقام جدّي قيصر مغتاً فدخل قصره، وأُرخيت الستور.

فرأيت في تلك اللّيلة كأنّ المسيح وشمعون وعدّة من الحواريين اجتمعوا في قصر جدّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السّماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الّذي كان فيه جدّي نصب عرشه فدخل عليهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع فتية وعدّة من بنيه فقام إليه المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) واعتنقه، فقال له: يا روح اللّه إنّي جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته: مليكة لابني هذا - وأو مى بيده إلى أبي محمّد، ابن (1) صاحب هذا الكتاب -.

فنظر المسيح إلى شمعون (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: قد أتاك الشّرف، فصل رحمك برحم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

قال: قد فعلت.

فصعدوا ذلك المنبر فخطب محمّد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحواريّون (2)، وزوّجني من ابنه، وشهد المسيح وشهد بنو محمّد والحواريّون.

فلمّا استيقظت من منامي أشفقت أن أقص هذه الرّؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل. فكنت (أسرّما في نفسي) (3) ولا أبديها (4) لهم، وضرب صدري بمحبّة أبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) حتّى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي ودقّ شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدّي، وسأله عن دوائي.

فلمّا برح به اليأس، قال: يا قرة عيني هل يخطر ببالك شهوة فأُوردكها في

ص: 112


1- ليس في كمال الدِّين
2- ليس في كمال الدِّين.
3- «استرها في نفسي» أ. «أسرّها في نفسي» كمال الدِّين.
4- «ولم أبديها» أ.

هذه الدّنيا ؟

فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدّقت عليهم ومنيتهم الخلاص، رجوت أن يهب المسيح وأمّه العافية والشفاء.

فلمّا فعل ذلك، تجلّدت في إظهار الصحة (1) في بدني وتناولت يسيراً من الطّعام فسرّ بذلك جدّي وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فرأيت - أيضاً - بعد أربع ليالٍ (2) كأنّ سيّدة النّساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف من وصائف (3) الجنان فقالت لي مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمّد، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي.

فقالت سيّدة النّساء (عَلَيهَا السَّلَامُ) إنّ ابنى أبا محمّد لن يزورك وأنت مشركة باللّه على دين مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه من دينك، فإن ملت إلى رضا اللّه عزّوجلّ ورضا المسيح بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فقُولي: أشهد أن لا إله إلّا اللّه وأنّ (4) محمّداً رسول اللّه.

فقلت.

فلمّا تكلّمت بهذه الكلمة (5) ضمّتني سيّدة النّساء إلى صدرها وطيبت نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد (فإنّي مُنفذته إليك.

ص: 113


1- «صحّة» ب.
2- «أربعة عشر ليلة» بدل «أربع ليال» دلائل الإمامة، وكذا الغيبة.
3- الوصائف جمع الوصيفة وهي: الخادمة انظر «القاموس: 295/3 - وصف -».
4- «وأشهد أنّ» ح.
5- «الكلمات» وفوقه: «الكلمة» أ.

فانتبهت وأنا أقول: وا شوقاه إلى لقاء أبي محمّد) (1).

فلمّا كان في اللّيلة القابلة، جاءني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامي : فرأيت كأني أقول له: لم جفوتني - يا حبيبي - بعد أن شغلت (2) قلبي بجوامع حبّك؟

فقال: ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فإذ قد أسلمت فإني زائرك كل ليلة إلى أن يجمع اللّه عزوجل شملنا في العيان. فما قطع زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر : فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى؟

قالت: أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي: أنّ جدّك سيُسرب (3) جيوشاً الى قتال المسلمين يوم كذا وكذا ثمّ يتبعهم (4). فعليك باللّحاق بهم متنكرة في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من (5) طريق كذا.

ففعلت فوقعت علينا طلائع (6) المسلمين حتّى كان من أمري ما كان وشاهدت وما شعر بأنّي ابنة ملك الرّوم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك بإطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشّيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي، فأنكرته وقلت: نرجس فقال: هذا اسم الجواري.

قال بشر : فقلت: العجب إنك روميّة، ولسانك لسان العرب؟

قالت: بلغ من ولوع جدّي بي وحثّه (7) إيّاي على تعلّم (8) الآداب، أن

ص: 114


1- ما بين القوسين ليس في «ب».
2- «أن شعلت» ح.
3- سرّب شيئاً: أي أرسله لسان العرب: 464/1 - سرب -».
4- «تتبعهم» أ.
5- «في» ب. ح.
6- الطَّليعة: القوم يبعثون أمام الجيش يتعرّقون طلع العدو بالكسر - أي خبره والجمع طلائع «المصباح المنير: 513 - طلع -».
7- «وحبه» أو «وحمله» كمال الدِّين ودلائل الإمامة.
8- «تعليم» أ.

أوعز (1) إلى امرأة ترجمان له في الإختلاف إلى، فكانت تقصدني صباحاً ومساءاً. وتفيدني العربية حتّى استمرّ عليها لساني واستقام.

قال بشر: فلما انكفأتُ بها الى سرّ من رأى، دخلت على مولانا أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): فقال لها: كيف أراك اللّه عزّوجلّ عزّ الإسلام وذل النصرانية وشرف آل محمّد نبيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ)(2) ؟؟

فقالت: كيف أصف لك ما أنت أعلم به منّي ؟

قال: فإني أحب أن أكرمك فأيهما أحب إليك: عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟

قالت: بل البشرى.

قال: أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً.

قالت: ثمن ؟

قال: تمن خطبك له رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرّومية؟

قالت: ممّن؟

قال: من المسيح ووصيه.

قالت من ابنك أبي محمّد.

قال: فهل تعرفينه ؟

قالت: وهل خلوت ليلةً من زيارته منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيّدة النساء أمه.

ص: 115


1- أوْعَزَ ووَعَز: تقدّم وأمَرَ. «القاموس: 282/2 - وعز -».
2- «عَلَيهِ السَّلَامُ» ب. ح.

فقال أبو الحسن: يا كافور ادع لي أختي حكيمة.

فلمّا دخلت عليه قال لها هاهيه فاعتنقتها طويلاً وسألت (1) بها كثيراً.

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم - صلوات اللّه عليهم أجمعين. (2)

وأما خبر ولادته [حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

بالطّريق المذكور يرفعه إلى موسى بن محمّد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ) قال: حدّثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قالت: بعث إلىّ أبو محمّد الحسن بن عليّ (عَلَيهِم السَّلَامُ) فقال: يا عمة اجعلي إفطارك الليلة عندنا فإنّها ليلة النصف من شعبان، وإن اللّه عزّوجلّ سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجّته (3) في أرضه.

قالت: فقلت: ومن أمّه ؟

قال: نرجس.

فقلت: واللّه - جعلني اللّه فداك - ما أرى بها أثراً.

ص: 116


1- كذا في النُّسَخ. وفي كمال الدِّين: «وسرت».
2- كمال الدِّين: 417 - 423 1، ودلائل الإمامة: 262 - 267 باختلاف يسير في بعض ألفاظه وكذا الغيبة للطّوسي: 124 - 128، وروضة الواعظين: 252 - 255 بإسقاط صدره والاقتصار على ما حُكي عن بشر. عن الغيبة وكمال الدِّين البحار: 6/51 ح 12، وص 10 ح 13. ورد في الكمال والغيبة عن محمّد بن بحر الشيباني، وفي الدّلائل عن «محمّد بن يحيى الذهبي» والظاهر أنه مصحف من «محمّد بن بحر الرهني»، وفي الروضة بحذف السند، ولعله منقول عن كمال الدِّين.
3- «حجة» أ.

قال: هو كما أقول لك.

فجئت فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفّي وقالت: ياسيدتي كيف أمسيت؟

قلت: بل أنت سيدتي وسيدة أهلي.

قالت: فأنكرت قولي وقالت: ما هذا يا عمّة؟

فقلت: يا بُنية؛ إن اللّه سيهب لك في هذه اللّيلة غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة.

قالت: فخجلت واستحيت.

فلمّا فرغتُ من صلاة العشاء الآخرة، أفطرتُ وأخذتُ مضجعى فرقدتُ (1)؛ فلمّا كان في جوف اللّيل قمت إلى الصّلاة، ففرغت من صلاتي - وهي نائمة ليس فيها حادث - ثمّ جلست معقبةً، ثمّ اضطجعتُ، ثمّ انتبهتُ فزعةً - وهي راقدة - ثمّ قامت فصلّت ونامت.

قالت حكيمة: وخرجت أتفقد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأوّل كذنَب السِّرحان (2). وهي نائمة.

قالت حكيمة: فدخلتني الشكّوك، فصاح أبو محمّد فقال: لا تعجلي يا عمّة! فإنّ الأمر قد قرب.

قالت: فجلست فقرأت حم (3) السجدة ويس، فبينا أنا كذلك إذ انتبهت فزِعةً فوثبتُ إليها فقلت: باسم اللّه عليك، تُحسّين شيئاً ؟

قالت: نعم يا عمّة.

ص: 117


1- ليس في «أ».
2- السّرحان - بالكسر - : الذنب كالسِّر حال «القاموس: 462/1 - السّرح -».
3- «الم» كمال الدِّين وإعلام الورى وروضة الواعظين.

فقلت لها: اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك.

قالت حكيمة: فأخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحسِّ سيّدي، فكشفت عنه التّوب فإذا به (عَلَيهِ السَّلَامُ) ساجداً يتلق الأرض بمساجده. فضممته (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلىَّ، فإذا به منظّف (1).

فصاح أبو محمّد: هلتي إليّ ابني. فجئت به إليه، فوضع يده تحت أليتيه وظهره (2) ووضع قدمه في صدره، ثمّ أولج (3) لسانه في فيه، وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله ثمّ قال: تكلّم يا بني.

فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ثمّ صلّى على أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة - صلوات اللّه عليهم أجمعين - إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم (4).

فقال أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا عمّة اذهبي به إلى أمّه ليسلّم عليها ثمّ ائتيني به.

فذهبت به إلى أمّه فسلم عليها ورددته إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المجلس وقال: يا عمّة إذا كان [اليوم] (5) السابع فأتينا.

قالت حكيمة - رضي اللّه عنها - : فلمّا أصبحت جئت لأسلم على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكشفت (6) السّتر لأتفّقد سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم أره.

فقلت له: جُعلت فداك ما فعل سيّدي؟

ص: 118


1- «أنا به نظيف متنظّف» بدل به «منظّف» كمال الدِّين.
2- و ظهره ليس في «ب».
3- «أدلى» كمال الدِّين.
4- أحجم عن الأمر: كفّ أو نكص هيبة «لسان العرب: 116/12 - حجم -».
5- «يوم» النّسخ.
6- «وكشف» أ.

فقال: استودعه (1) الّذي استودعت أمّ موسى.

قالت حكيمة: فلمّا كان [اليوم] (2)السابع جئت فسلّمت وجلست. فقال: هلمّي إلىّ ابني. فجنت بسيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في الخرقة؛ ففعل به كفعلته الأولى (3) ثمّ قال: تكلّم يا بنيّ.

فقال : أشهد أن لا إله إلا اللّه، والصلاة على رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعلى أمير المؤمنين، وعلى الأئمّة، «بِسْمِ اللّه الرَّحْمَنَ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ»(4).

قال موسى: ثمّ سألت عقيد الخادم عن هذا، فقال: صدقت حكيمة (رضي اللّه عنها) (5).

ص: 119


1- «استودعناه» كمال الدِّين.
2- «يوم» النسخ.
3- بزيادة «ثم أدلى لسانه في فيه كأنه يغذيه لبناً أو عسلاً» كمال الدِّين.
4- سورة القصص: 5 و 6. انظر ص 29 الهامش رقم 3.
5- كمال الدِّين: 424 - 426 ح 1. وإعلام الوري: 214/2 - 217 مثله، وكذا في روضة الواعظين: 256 - 257 مرسلاً. ورواه المسعودي في إثبات الوصية: 249 - 250 عن جماعة من الشيوخ العلماء بأسانيدهم عن حكيمة بتفاوت يسير وزيادة، ورواه أيضاً الشيخ في الغيبة: 140 - 144 بطرقه عن أبي عبداللّه المطهري، وموسى بن محمّد بن جعفر، ومحمّد بن إبراهيم. ومحمّد بن علي بن بلال، وجماعة من الشيوخ، عن حكيمة بتفاوت في بعضها: «سوسن» بدل «نرجس»، وفي بعضها: ليلة النّصف من شهر رمضان ورواه أيضاً المجلسي في البحار 25/51-27 عن بعض مؤلّفات الأصحاب عن الحسين بن حمدان، عمّن كان يثق إليه من المشايخ عن حكيمة؛ وفيه أنّ الليلة كانت ليلة الجمعة لثلاث خلون من شعبان سنة سبع وخمسين ومائتين. وفي البحار المذكور ص 17 - 20 ح 25 - 27 عن الغيبة.

وبالطريق المذكور : (... حكت لي الحكاية المذكورة بعينها وزادت عليها...)

وبالطريق المذكور، يرفعه إلى محمّد بن عبد اللّه الظّهري (1) قال: أتيت حكيمة أسألها عن الحجّة، وما اختلف النّاس فيه من الحيرة التي هم فيها.

فقالت لي: اجلس. ثمّ حكت لي الحكاية المذكورة بعينها وزادت عليها أنّه قالت: فتناوله الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) منّي - والطير ترفرف على رأسه - فناوله لسانه فشرب منه ثمّ قال:

امضي به إلى أمّه لترضعه ورديّه إليّ.

قالت: فناولته أمّه فأرضعته، ورددته إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)- والطّير ترفرف على رأسه - فصاح بطائر منها فقال:

احفظه وردّه إلينا في كل أربعين يوماً.

فتناوله وطار به في جوّ السّماء ومعه سائر الطّير. فسمعت أبا محمّد يقول: استودعك اللّه الّذي أودعته أمّ موسي (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2).

فبكت نرجس فقال: اسكتي فإنّ الرّضاع محرّم عليه إلّا من ثديك، وسيعاد إلينا كما ردّ موسى إلى أم موسى كما ذكر اللّه تعالى في كتابه: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أمّه كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ»(3).

قالت حكيمة: قلت: وما هذا الطّائر؟

ص: 120


1- «الطَّهوي» بدل «الظهري» كمال الدِّين وبهامشه عن نسخه المختلفة: «الظهري»، «الزهري». «المطهري» و«الطهري». وفي الغيبة للطّوسي: 141 «أبو عبداللّه المطهري»، وفي البحار: 17/51 ح 25 عن الغيبة: «محمّد بن عبداللّه المطهري». ولم تجد أحداً من هذه العناوين في كتب التراجم؛ نعم في رجال الطوسي: 387 رقم 12: «محمّد بن عبداللّه الطهوري» في عداد أصحاب الرّضا (عَلَيهِ السَّلَامُ).
2- بزيادة «موسى» كمال الدِّين.
3- سورة القصص: 13.

قال: هذا روح القدس الموكّل بالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يوفقهم ويسدّدهم ويربّيهم بالعلم.

قالت حكيمة: فلمّا (1) كان بعد أربعين يوماً ردّ الغلام ووجّه إلىّ ابن أخي، ودخلت فإذا أنا بصبي يتحرّك ويمشي بين يديّ (2). فقلت: سيّدي ابن (3)سنتين !

فتبسّم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال: إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشأون بخلاف ما ينشأ غيرهم، فإنّ الصبيّ منا إذا أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإنّ الصّبيّ منّا ليتكلّم في بطن أمه، ويقرأ (4) القرآن، ويعبد ربّه (5) عزّوجل عند الرّضاع، وتطيعه الملائكة، وتنزل عليه صباحاً ومساءاً.

قالت حكيمة: فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً (6) إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأيام قلائل، فلم أعرفه فقلت لابن أخي (عَلَيهِ السَّلَامُ): من هذا الّذي تأمرني أجلس (7) بين يديه؟

فقال: هذا ابن نرجس، وهذا خليفتي من بعدي وعن قليل تفقدوني فاسمعي (8)وأطيعي.

قالت حكيمة: فمضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ذلك بأيام قلائل وافترق النّاس كما ترى. واللّه إني لأراء صباحاً ومساءاً وإنه لينبئني عن كلّ ما يسألوني عنه فأخبرهم. و واللّه إني لأريد أن أسأله عن الشيء فيبدأني به، وإنَّه ليرد علىّ الأمر فيخرج إلّي جوابه من ساعته من غير مسألتي وقد أخبرني البارحة بمجيئك إليّ وأمرني أن

ص: 121


1- «ولمّا» أ.
2- «يديه» كمال الدِّين.
3- «هذا ابن» كمال الدِّين.
4- يقرأه ح.
5- «اللّه» ح.
6- ليس في «ب» و«ح».
7- «أن أجلس» كمال الدِّين.
8- «فاسمعي له» كمال الدِّين.

أخبرك بالحقّ.

قال محمّد بن عبداللّه: لقد أخبرتني بأشياء لم يطلع عليها إلّا اللّه تعالى، فعلمت أنّ ذلك صدق وعدل من اللّه عزّوجلّ وقد أطلعهم على ما لم يطلع عليه أحداً (1) من خلقه. (2)

ص: 122


1- «أحد» أ. ح.
2- كمال الدِّين: 426 ح 2 بإسناده عن محمّد بن عبداللّه الطهوي مثله، وفي روضة الواعظين: 257 - 260 بحذف السّند، وفي الصّراط المستقيم: 234/2 عن الصدوق باختصار عن كمال الدِّين البحار: 11/51 ح 14.

مختصر كفاية المهدوي - السيّد محمّد مير لوحي الإصفهاني

إشارة:

مختصر كفاية المهدوي

لمعرفة المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

تأليف

السيّد محمّد مير لوحي الإصفهاني

ترجمة وتحقيق

السيّد ياسين الموسوي

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

ص: 123

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

النجف الأشرف - شارع الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) - محلة الحويش رقم الزقاق 54 _ رقم الدار 2

هاتف: 332811 و 210309

www.n-nabdi.com

m-mahdi@m_mahdi.com

مختصر كفاية المهتدي لمعرفة المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني

ترجمة وتحقيق

السيّد ياسين الموسوي

تقديم

مركز الدراسات التخصصية في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّه تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الطبعة الأولى: جمادى الأولى 1437ه_

رقم الإصدار: 39

السعر: 1000 دينار

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للمركز

عدد النُّسَخ: 3000

ص: 124

الحديث الثامن والعشرون : المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد ابنة قيصر ملك الروم

قال أبو محمّد ابن شاذان عليه الرحمة والغفران: حدَّثنا محمّد بن عبد الجبار (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال: قلت لسيّدي الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك، أحب أن أعلم من الإمام، وحجة اللّه على عباده من بعدك؟

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن الإمام، والحجّة بعدي ابني سميّ رسول اللّه، وكنيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) الّذي هو خاتم حجج اللّه وآخر خلفائه.

فقلت: مِمَّنْ [ يتولد] هو يا ابن رسول اللّه ؟

قال: من ابنة ابن قيصر ملك الروم، ألا إنه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجال فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يحل لأحد أن يسميه أو يكتيه باسمه وكنيته قبل خروجه صلوات اللّه عليه.

يقول المترجم: (1) إني أتعجب من كلام صاحب كتاب كشف الغمّة للشيخ الفاضل العادل علي بن عيسى الأربلي عليه الرحمة حيث يقول: من العجيب أن الشيخ الطبرسي، والشيخ المفيد (رَحمهُما اللّه) قالا: أنَّه لا يجوز ذكر اسمه ولا كنيته ثمّ يقولان: اسمه اسم النبي، وكنيته كنيته عليهما الصلاة والسلام وهما يظنان أنهما لم يذكرا اسمه ولا كنيته، وهذا عجيب، انتهى. (2)

ص: 125


1- هذا الكلام لمؤلف أصل الكتاب (رَحمهُ اللّه) وليس لي أنا الأحقر مترجم هذا الكتاب ومختصره.
2- كشف الغمّة / الشيخ الأربلي: 519/2 و 520.

ومن العجيب جداً أن هذا الرجل العالم مع كمال وسع معرفته فإنه قد غفل أنَّ الإشارة إلى الاسم والكنية شيء، والتلفظ بالاسم والكنية شيء آخر.

والحال أن عدَّة من الأحاديث من تلك الأحاديث المشتملة على النهي عن التسمية والتكنية مثل الحديث السادس والعشرين من أحاديث هذه الأربعين، قد ذكر فيها أن خاتم الأوصياء يشترك مع رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بالاسم والكنية مثل الحديث المذكور.

والسلام على من اتبع الهدى.

وليعلم أنه وبسبب طولانية حديث والدة صاحب الأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ) على الماجدة فإننا نقتصر في هذا المقام على ترجمته رعايةً للاختصار (1).

روى الفضل بن شاذان (2) وابن بابويه (3) والشيخ الطوسيّ (4) والشيخ الطبرسي (5) والشيخ الطرابلسي (6) وغيرهم كثيراً جداً من علماء الإمامية (رضي اللّه عنهم) جميعاً في كتبهم بعبارات مختلفة ومعاني متفقة.

أما الشيخ الطوسيّ عليه الرحمة فقد نقل على النحو التالي بسنده عن

ص: 126


1- ونحن ننقل الرواية عن أصلها العربي.
2- من الأسف الشديد أننا فقدنا كتاب الشيخ الفضل بن شاذان، ولعله موجود في زوايا الإهمال من المكتبات الخاصة، أو أنه موجود في المكتبات الأوروبية التي سرقت كتبنا ولم تسمح للناس بالتعرف عليها وعلى ما فيها، وأنا على يقين أنه سوف يأتي الزمان الّذي تنكشف به تلك الموانع والحجب عن تلكم الأسفار النفيسة. ومن المهم أن السيّد المير لوحي ينقل قصة السيّدة نرجس (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) مباشرة عن كتاب الفضل، وربما لو حصلنا على هذا الكتاب لانحل به لغز الاشكال الّذي يقول به البعض في سنده.
3- كمال الدِّين الصدوق: 417 - 423/ الباب 41/ ح 1.
4- الغيبة / الطوسي: 208 – 214 / تحت الفقرة 178.
5- دلائل الإمامة / الطبرسي: 262/ الطبعة الأولى/ النجف.
6- نأسف شديداً فهو كان موجوداً عند المؤلِّف، ولكنه اليوم يعد من الكتب المفقودة.

بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن، وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وجارهما بسرّ من رأى

أتاني كافور الخادم، فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يدعوك إليه ؛ فأتيته، فلما جلست بين يديه قال لي:

يا بشر! إنَّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإني مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بسرّ أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة.

فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي، ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه، وأخرج شقيقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها، وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوة يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا، وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشرذمة من فتيان العرب، فإذا رأيت ذلك فاشرف من البُعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين تمتنع من العرض، ولمس المعترض، والانقياد لِمَن يحاول لمسها، وتسمع صرخة رومية من وراء ستر رقيق، فاعلم أنها تقول واهتك ستراه.

فيقول بعض المبتاعين علي ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة.

فتقول له بالعربية لو برزت في زي سليمان بن داود، وعلى شبه ملکه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك.

فيقول النخّاس: فما الحيلة ولا بدّ من بيعك.

فتقول الجارية: وما العجلة ولا بدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه، وإلى وفائه، وأمانته.

فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إن معك كتاباً ملصقاً لبعض الأشراف كتبه بلغة رومية، وخط رومي ووصف فيه كرمه، ووفاءه،

ص: 127

ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه، ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سلیمان: فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر الجارية، فلمّا نَظَرتْ في الكتاب بَكَتْ بكاءاً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد:

بعني من صاحب هذا الكتاب وحَلَفَتْ بالمحرّجة والمغلّظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها.

فما زلتُ أشاحه في ثمنها حتّى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدنانير، فاستوفاه (منّي) وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها وهي تلثمه وتطبقه على جفنها وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها.

فقلت تعجباً منها: تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه.

فقالت: أيها العاجز، الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك، أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك بالعجب

إنَّ جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه، وأنا من بنات ثلاثة عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين من القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد، وقواد العسكر، ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وأبرز من بهي ملكه عرشاً مصنوعاً من أصناف الجوهر (إلى صحن القصر)، ورفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه، وأحدَقَت الصلب وقامت الأساقفة عكّفاً، ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصلب من الأعلى فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش، فانهارت إلى القرار، وخّر الصاعد من العرش مغشياً عليه.

ص: 128

فَتَغَيَّرَتْ ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم (لجدّي):

أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس، الدالّة على زوال دولة هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني.

فتطيَّر جدّي من ذلك ذلك تطيُّراً شديداً، وقال للأساقفة:

أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان واحضروا أخا هذا المدير العاثر المنكوس جده لأزوجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني (مثل) ما حدث على الأول، وتفرق الناس.

وقام جدي قيصر مغتماً فدخل منزل النساء، وأرخيَتْ الستور، وأريتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء علواً وارتفاعاً في الموضع الّذي كان نصب جدي فيه عرشه، ودخل عليهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وختنه ووصيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعدة من أبنائه (عَلَيهِم السَّلَامُ).

فتقدم المسيح إليه، فاعتنقه، فيقول له محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): يا روح اللّه إني جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأوماً بيده إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن صاحب هذا الكتاب.

فنظر المسيح إلى شمعون وقال :(له) قد أتاك الشرف، فصل رحمك رحم آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ).

قال: قد فَعَلْتُ.

فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوجني من ابنه، وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وشهد أبناء محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)، والحواريون.

فلما استيقظت أشْفَقْتُ أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسُرُّها ولا أبديها لهم، وضرب صدري أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى امتنعت من الطعام والشراب، فَضَعْفَتْ نفسي، ودق شخصي، ومَرضتُ مرضاً شديداً، فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي، وسأله عن دوائي.

ص: 129

فلما برح به اليأس قال:

يا قرة عيني ! وهل يخطر ببالك شهوة فازودكها في هذه الدنيا؟

فقلت يا جدي أرى أبواباً علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدقت عليهم، ومَنَّيْتَهُم الخلاص رجوتُ أن يهب (لي) المسيح وأمّه عافية.

فلما فعل ذلك تجلدتُ في إظهار الصحة من بدني قليلاً، وتناولتُ يسيراً من الطعام فسّر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فأريت (أيضاً) بعد أربع عشرة ليلة كأن سيدة نساء العالمين فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران وألف من وصائف الجنان، فتقول لي مريم:

هذه سيدة نساء العالمين أم زوجك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتعلق بها، وأبكي، وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من زيارتي.

فقالت سيدة النساء (عَلَيهَا السَّلَامُ): إن ابني أبا محمّد لا يزورك، وأنت مشركة باللّه على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك فان ملت إلى رضى اللّه ورضى المسيح ومريم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وزيارة أبي محمّد إياك فقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأن أبي محمّداً رسول اللّه.

فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وطيبت نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبي محمّد، فإني منفذته إليك.

فانتبهت وأنا أنول، (1) أتوقع لقاء أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فلما كان في الليلة القابلة رأيت أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكأني أقول له:

جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفى أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.

ص: 130


1- أنول يعني أهم فنالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالاً بمعنى سمحت أو همّت. كما في لسان العرب لابن منظور. وتحتمل العبارة (أقول) كما هو ثبت في نسخ بدل أيضاً.

فقال: ما كان تأخري عنك إلا لشركك، فقد أسْلَمْت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه تعالى شملنا في العيان.

فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر فقلت لها وكيف وقعت في الأسارى؟

فقالت أخبرني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليلة من الليالي أن جدك سيُّسير جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرةً في زيّ الخدم مع عدّة من الوصائف من طريق كذا.

ففعلت ذلك، فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتّى كان من أمري ما رأيت، وشاهدت وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت: نرجس، فقال: اسم الجواري.

قلت: العجب انك رومية، ولسانك عربي؟

قالت نعم من ولوع جدي، وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمانة لي في الاختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءاً، وتفيدني العربية حتّى استمرَّ لساني عليها واستقام.

قال بشر: فلما انكفأتُ بها إلى سُرَّ مَنْ رأى دخلت على مولاي أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: كيف أراكِ اللّه عزَّ الإسلام، وذل النصرانية، وشرف محمّد وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)؟

قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي؟!

قال فانّي أحببت أن أكرمك؛ فما أحب إليك، عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك يشرف الأبد؟

قالت: بشرى بولد لي.

ص: 131

قال لها: أبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً.

قلت: مِمَّن؟

قال: مِمَّنْ خطبك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ليلة كذا في شهر كذا، من سنة كذا بالرومية.

قالت من المسيح ووصيه؟

قال لها مِمَّنْ زوجك المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) ووصيه ؟

قالت: من ابنك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقال: هل تعرفينه؟

قالت: وهل خلت ليلة لم يرني فيها منذ الليلة التي أسلمتُ على يد سيدة النساء صلوات اللّه عليها.

قال: فقال مولانا: يا كافور ادع أختي حكيمة.

فلمّا دَخَلَتْ قال لها: ها هيه فاعتنقتها طويلاً، وسرَّت بها كثيراً.

فقال لها أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك، وعلميها الفرائض والسنن؛ فإنها زوجة أبي محمّد، وأم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1).

والسلام على من اتبع الهدى.

***

ص: 132


1- الغيبة / الشيخ الطوسي: 208 - 214/ الفقرة رقم 178. ونقلها: ابن شهر آشوب المازندراني في مناقب آل أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ): 440/4 باختصار ؛ ونقلها الفتال النيشابوري في روضة الواعظين: 252؛ ونقلها السيّد النيلي في منتخب الأنوار المضيئة: 51 - 60 الطبعة الأولى مطبعة الخيام/ قم؛ ونقلها السيّد هاشم البحراني في حلية الأبرار: 2/ 515؛ ونقلها الحر العاملي في إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات 363/3/ ح 17؛ ونقلها: المجلسي في البحار: 6/51/ ح 12؛ وغيرهم كثير.

الامام المهدیّ في بجار الأنوار (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) – العلّامة المجلسي: الجزءُ الأَوَّلُ

إشارة:

الجامعة لدرر أخبار الائمّة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ)

الجزءُ الأَوَّلُ

العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدّس سِرُّه)

اعْدَاد

الشيخ ياسر الصَّالِحَي

ص: 133

الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في بحار الأنوار / ج (1)

تأليف: العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدّس سِرُّه)

إعداد: الشيخ ياسر الصالحي

الناشر : بيت الثقافة المهدويَّة

الطبعة الثانية: 1442ه_

عدد النُّسَخ: 1000

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للناشر

ص: 134

[2 / 2] كمال الدين: لمّا حملت جارية أبي محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ)

[2/2] كمال الدِّين: ابْنُ عِصَامٍ، عَن الْكُلَيْنيِّ، عَنْ عَلَّانِ الرَّازِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَمَّا حَمَلَتْ جَارِيَةُ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَالَ: «سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً، وَاسْمُهُ محمّد، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(1).

[3 / 3] كمال الدين: [حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[3/3] كمال الدِّين: ابْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ محمّد العَطَّارِ، عَن الحُسَيْن بْن رِزْقِ اللّه، عَنْ مُوسَى بْن محمّد بْن الْقَاسِمِ بْن حَمْزَةَ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرٍ (2)، قَالَ: حَدَّثَتْنِي حَكِيمَةُ بِنْتُ محمّد بْن عَلِيٍّ بن مُوسَى بْن جَعْفَرَ بْن محمّد بْن عَلِيٍّ بن الحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَالَتْ : بَعَثَ إِلَيَّ أَبو محمّد الحَسَنُ بْنُ عَليٍّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) قَالَ: «يَا عَمَّةُ اجْعَلِي إِفْطَارَكِ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا، فَإِنَّهَا لَيْلَةُ النُصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَإِنَّ اللّه تبَارَكَ وَتَعَالَى سَيُظْهِرُ في هَذِهِ اللَّيْلَةِ الحجّة، وَهُوَ حُجَّتُهُ فِي أَرْضِهِ»، قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: وَمَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ لِي: «نَرْجِسُ»، قُلْتُ لَهُ: وَاللّه جَعَلَنِيَ اللّه فِدَاكَ مَا بِهَا أَثَرُ، فَقَالَ: «هُوَ مَا أَقُولُ لَكِ»، قَالَتْ: فَجِئْتُ، فَلَما سَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ جَاءَتْ تَنْزِعُ خُفِّي وَقَالَتْ ِلي: يَا سَيِّدَنِي، كَيْفَ أَمْسَيْتِ ؟ فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيْدَنِ وَسَيْدَةُ أهْلِي، قَالَتْ: فَأَنْكَرَتْ قَوْلي وَقَالَتْ: مَا هَذَا يَا عَمَّةُ؟ قَالَتْ: فَقُلْتُ لَا يَا بُنَيَّةُ، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيْلَتِكِ هَذِهِ غُلَامًا سَيِّداً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، قَالَتْ: فَجَلَسَتْ

ص: 135


1- كمال الدِّين (ج 2 ص 408 / ح 4).
2- في المصدر إضافة (بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ)).

وَاسْتَحْيَتْ (1)، فَلَمَّا أَنْ فَرَغْتُ مِنْ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ وَأَفْطَرْتُ وَأَخَذْتُ مَضْجَعِي فَرَقَدْتُ، فَلمَّا أَنْ كَانَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ قُمْتُ إِلَى الصَّلَاةِ، فَفَرَغْتُ مِنْ صَلَاتِي وَهِيَ نَائِمَةٌ لَيْسَ بِهَا حَادِيٌّ، ثمّ جَلَسْتُ مُعَقِّبَةً، ثمّ اضْطَجَعْتُ، ثمّ انتبهتُ فَرَعَةً وَهِيَ رَاقِدَةٌ، ثمّ قَامَتْ فَصَلَّت (2).

قَالَتْ حَكِيمَةُ (3): فَدَخَلَتْنِي الشُّكُوكُ، فَصَاحَ بِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ المَجْلِس فَقَالَ: «لَا تَعْجَلِي يَا عَمَّةُ فَإِنَّ الْأَمْرَ قَدْ قَرُبَ»، قَالَتْ: فَقَرَأَتُ الم السَّجْدَةَ وَيس، فَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكِ إِذَا انْتَبَهَتْ فَرْعَةً، فَوَثَبْتُ إِلَيْهَا فَقُلْتُ: اسْمُ اللّه عَلَيْكَ، ثمّ قُلْتُ لَهَا: تَحِسِّينَ شَيْئاً؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةٌ، فَقُلْتُ هَا: أَجْمَعِي نَفْسَكِ وَاجْمَعِي قَلْبَكِ فَهُوَ ما قُلْتُ لك.

قَالَتْ حَكِيمَةُ: ثمّ أَخَذَتْنِي فَتْرَةٌ وَأَخَذَتْهَا فِطْرَةٌ (4)، فَانْتَبَهْتُ بِحِسٌ سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَكَشَفْتُ الثَّوْبَ عَنْهُ، فَإِذَا أَنَا بِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَاجِداً يَتَلَقَّى الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَإِذَا أَنَا بِهِ نَظِيفٌ [مُنَظَّفٌ]، فَصَاحَ بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هَلُمِّي إِلَيَّ ابْني يَا عَمَّةٌ، فَجِئْتُ بِهِ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ تَحْتَ أَلْيَتَيْهِ وَظَهْرِهِ وَوَضَعَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِهِ ثمّ أَهْلَى لِسَانَهُ فِي فِيهِ وَأَمَرَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ، ثمّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أنَّ محمّداً رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )...» ثمّ صَلَّى عَلَى أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَعَلَى الأئمّة إِلَى أَنْ وَقَفَ عَلَى أَبيهِ، ثمّ أَحْجَمَ.

ص: 136


1- استحت (خ ل)، وكلاهما وجيهان قرئ بهما قوله تعالى: (إنَّ اللّه لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ (البقرة: (26).
2- في المصدر إضافة: (ونامت).
3- في المصدر إضافة: (وخرجت أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأوَّل كذنب السرحان وهي نائمة).
4- في المصدر : (فترة) بدل (فطرة)؛ المراد بالفترة سكون المفاصل وهدوؤها قبل غلبة النوم، والمراد بالفطرة انشقاق البطن بالمولود وطلوعه منه.

قَالَ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي بِهِ إِلَى أمّه لِيُسَلَّمَ عَلَيْهَا وَائْتِني بِهِ»، فَذَهَبْتُ بِهِ فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ وَوَضَعْتُهُ فِي المَجْلِس، ثمّ قَالَ: «يَا عَمَّةُ، إِذَا كَانَ يَوْمُ السَّابِع فَأتِينَا».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ جِئْتُ لِأُسَلَّمَ عَلَى أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَكَشَفْتُ السِّتْرَ لِأَفْتَقِدَ (1) سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا فَعَلَ سيّدي؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى(عَلَيهِ السَّلَامُ) (2)».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابع جِئْتُ وَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَقَالَ: هَلُمِّي إِلَى ابْنِي، فَجِئْتُ بِسيّدي فِي الْخِرْقَةِ، فَفَعَلَ بِهِ كَفَعْلَتِهِ الْأُولَى، ثمّ أَدْلى لِسَانَهُ فِي فِيهِ كَأَنَّهُ يُغَذِّيهِ لَبَناً أَوْ عَسَلاً.

ثُمَّ قَالَ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه...»، وَثَنَّى بِالصَّلَاةِ عَلَى محمّد وَعَلَى أَمِير المُؤْمِنِينَ وَالأئمّة (3)(صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) حتّى وَقَفَ عَلَى أَبِيهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: «بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص: 5 و 6].

قَالَ مُوسَى : فَسَأَلْتُ عُقْبَةَ الْحَادِمَ عَنْ هَذَا، فَقَالَ: صَدَقَتْ حَكِيمَةُ. (4)

بيان: يقال: حجمته عن الشيء فأحجم، أي كففته فكفَّ.

ص: 137


1- في المصدر: (الأتفقَّد).
2- في المصدر إضافة: (موسى).
3- في المصدر إضافة: (الطاهرين).
4- كمال الدِّين (ج 2 / ص 424 / باب ما روي في ميلاد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح1).

[10/10] كمال الدين: (... و أنّ أمّ السيد صقيل...)

[10/10] كمال الدِّين: مَاجِيلَوَيْهِ عَنْ محمّد الْعَطَّارِ، عَنْ أَبي عَلى الخيزرَانِيُّ، عَنْ جَارِيَةِ لَهُ كَانَ أَهْدَاهَا لأَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَمَّا أَغَارَ جَعْفَرٌ الْكَذَّابُ عَلَى الدَّارِ جَاءَتْهُ فَارَّةٌ مِنْ جَعْفَرٍ فَتَزَوَّجَ بِهَا، قَالَ أَبو عَلى فَحَدَّثَتْنِي أَنها حَضَرَتْ

ص: 138

وِلَادَةَ السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَنَّ اسْمَ أُمِّ السيّد صَقِيلُ، وَأَنَّ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حَدَّثَهَا بِمَا جَرَى (1) عَلَى عِيَالِهِ، فَسَأَلَتْهُ أَنْ يَدْعُوَ لَهَا بأَنْ يَجْعَلَ مَنِيَّتَهَا قَبْلَهُ، فَمَاتَتْ قَبْلَهُ فِي حَيَاةِ محمّد يا، وَعَلَى قَبْرهَا لَوْحٌ عَلَيْهِ مَكْتُوبٌ : هَذَا أُمُّ محمّد.

قَالَ أَبُو عَلِيٌّ : وَسَمِعْتُ هَذِهِ الْجَارِيَةَ تَذْكُرُ أَنَّهُ لَمَّا وُلِدَ السيّد رَأتْ لَهُ نُوراً سَاطِعاً قَدْ ظَهَرَ مِنْهُ وَبَلَغَ أُفُقَ السَّمَاءِ، وَرَأتْ طُيُوراً بيضاً تَهْبِطُ مِنَ السَّمَاءِ وَتَمَسَحُ أَجْنِحَتَهَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَسَائِر جَسَدِهِ ثمّ تَطيرُ، فَأَخْبَرْنَا أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذَلِكَ، فَضَحِكَ، ثمّ قَالَ: تِلْكَ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ نَزَلَتْ لِتَتَبَرَّكَ بِهِ، وَهِيَ أَنْصَارُهُ إِذَا خَرَج»(2).

[12/12]: الغيبة للطوسي: [قصة السيدة نرجس]

[12/12] الغيبة للطوسي: جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي المُفَضَّل الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ محمّد بْن بَحْر بن سَهْل الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمانَ النَّخَاسُ، وَهُوَ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَي الحَسَن وَأَي محمّد وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى: أَتَانِي كَافُورٌ الْخَادِمُ فَقَالَ : مَوْلَانَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ محمّد العسكريّ يَدْعُوكَ إِلَيْهِ، فَأَتَيْتُهُ فَلَما جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ لِي: يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ المُوَالاَةٌ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرثُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ

ص: 139


1- في المصدر : (يجري) بدل (جرى).
2- كمال الدِّين (ج 2 / ص 431 / باب ما روي في ميلاد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح).

وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِهَا الشَّيعَةَ فِي المُوَالاَةِ بِسِر أُطْلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأُنْفِدُكَ فِي ابْتِيَاع أمَةٍ»، فَكَتَبَ كِتاباً لطيفاً بِخَطٌ رُومِيٌّ وَلُغَةٍ رُومِيَّةٍ، وَطَبَعَ عَلَيْهِ خَاتَمهُ، وَأَخْرَجَ شُقَةٌ (1) صَفْرَاءَ فِيهَا مِاتَتَانِ وَعِشْرُونَ دِينَاراً، فَقَالَ: «خُذْهَا وَتَوَجَّهُ بِهَا إِلَى بَغْدَادَ، وَاحْضَرْ مَعْبَرَ الْفُرَاتِ ضَحْوَةً يَوْمَ كَذَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلَى جَانِبِكَ زَوَارِيقُ السَّبَايَا وَتَرَى الْجَوَارِيَ فِيهَا سَتَجِدُ طَوَائِفَ الْمُتَاعِينَ مِنْ وُكَلَاءِ قُوَّادِ بَنِي العبّاس وَشِرْذِمَةٌ مِنْ فِتْيَانِ الْعَرَبِ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى المُسَمَّى عُمَرَ ابْنَ يَزِيدٍ النَّخَاسَ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلَى أَنْ تَبْرُزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيَةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا لَابِسَةٌ حَرِيرَيْنِ صَفِيقَيْن تَمتَنِعُ مِنَ الْعَرْضِ وَلَمَس المُعْتَرَض وَالْإِنْقِيَادِ لَنْ يُحَاوِلُ لَمَسَهَا، وَتَسْمَعُ صَرْخَةٌ رُومِيَّةً مِنْ وَرَاءِ سَتْرٍ رَقِيق، فَاعْلَمْ أَنَّهَا تَقُولُ : وَا هَتْكَ سَتْرَاهُ، فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ : عَلَيَّ ثَلَاثُمِائَةِ دِينَارٍ، فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ لَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ : لَوْ بَرَزْتَ فِي زِيّ سُلَيْمَانَ بْن دَاوُدَ وَعَلَى شِبْهِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لي فِيكَ رَغْبَةٌ، فَاشْفَقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ النَّنَّاسُ : فَمَا الحِيلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ، فَتَقُولُ الجَارِيَةُ: وَمَا الْعَجَلَةُ؟ وَلَا بُدَّ مِن اِخْتِيَارِ مُبْتَاعَ يَسْكُنُ قَلْبِي إِلَيْهِ وَإِلَى وَفَائِهِ وَأَمَانَتِهِ.

فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرَ بْن يَزِيدَ النَّخَّاسِ وَقُلْ لَهُ إِنَّ مَعَكَ كِتاباً مُلَطَّفَةٌ (2) لِبَعْض الْأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةِ رُومِيَّةٍ وَخَطٌ رُومِيٌّ، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفَاءَهُ وَنُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، تُنَاوِها لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أخْلَاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيَتْهُ فَأَنا وَكِيلُهُ في ابْتِيَاعِهَا مِنْكَ».

قَالَ بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ : فَامْتَثَلْتُ جَمِيعَ مَا حَدَّهُ لِي مَوْلَايَ أَبُو الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في

ص: 140


1- في المصدر: (شقيقة) بدل (شقَّة)، والشقة - بالكسر والضمّ -: السبيبة المقطوعة من الثياب المستطيلة، وقد يكون تصحيف (حقة) وهي وعاء تُسوَّى من خشب أو من العاج أو غير ذلك.
2- في المصدر: (ملصقاً) بدل (ملطَّفة).

أَمْرِ الْجَارِيَةِ، فَلَمَّا نَظَرَتْ فِي الْكِتَابِ بَكَتْ بُكَاءً شَدِيداً، وَقَالَتْ لِعُمَرَ بْن يَزِيدَ: بِعْنِي مِنْ صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، وَحَلَفَتْ بِالمُحَرِّجَةِ وَالمُغَلَّظَةِ (1) أَنَّهُ مَتَى امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهَا مِنْهُ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، فَا زِلْتُ أُشَاحُهُ فِي ثَمَنِهَا حتّى اسْتَقَرَّ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى مِقْدَارِ مَا كَانَ أَصْحَبَنِيهِ مَوْلَايَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الدَّنَانِير، فَاسْتَوْفَاهُ وَتَسَلَّمْتُ الْجَارِيَةَ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةً، وَانْصَرَفْتُ بِهَا إِلَى الحُجَيْرَةِ الَّتِي كُنْتُ آوَى إِلَيْهَا بِبَغْدَادَ، فَما أَخَذَهَا الْقَرَارُ حتّى أَخْرَجَتْ كِتَابَ مَوْلَانَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ جَيْبِهَا وَهِيَ تَلْيْمُهُ وَتُطْبِقُهُ عَلَى جَفْنِهَا وَتَضَعُهُ عَلَى خَدِّهَا وَتَمَسَحُهُ عَلَى بَدَنِهَا، فَقُلْتُ تَعَجُّباً مِنْهَا : تَلْثِمِينَ كِتاباً لا تَعْرِفِينَ صَاحِبَهُ؟!

فَقَالَتْ: أَيُّهَا الْعَاجِزُ الضَّعِيفُ المَعْرفَةِ بِمَحَلِّ أَوْلَادِ الْأَنْبِيَاءِ، أَعِرْني سَمْعَكَ (2)، وَفَرِّغْ لِي قَلْبَكَ، أَنَا مَلِيكَةُ بِنْتُ يَشُوعَا بْن قَيْصَرَ مَلِكِ الرُّوم، وَأُمِّي مِنْ وُلْدِ الحَوَارِيِّينَ تُنْسَبُ إِلَى وَصِيِّ المَسِيحَ شَمْعُونَ، أُنَبِّئُكَ بِالْعَجَبِ.

إِنَّ جَدِّي قَيْصَرَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَنِي مِن ابْن أَخِيهِ وَأَنَا مِنْ بَنَاتِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةٌ، فَجَمَعَ فِي قَصْرِهِ مِنْ نَسْلِ الْحَوَارِيِّينَ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ ثَلَاثَمِائَةِ رَجُلٍ، وَمِنْ ذَوِي الْأَخْطَارِ مِنْهُمْ سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، وَجَمَعَ مِنْ أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ وَقُوَّادِ الْعَسْكَر وَنُقَبَاءِ الجيوش وَمُلُوكِ الْعَشَائِر أَرْبَعَةَ آلافٍ، وَأَبْرَزَ مِنْ بَهِي مُلْكِهِ عَرْشاً مُسَاغَاً (3) مِنْ أَصْنَافِ الجُوْهَر (4)، وَرَفَعَهُ فَوْقَ أَرْبَعِينَ مِرْقَاةً، فَلَمَّا صَعِدَ ابْنُ أَخِيهِ وَأَحْدَقَتِ الصُّلُبُ وَقَامَتِ الْأَسَاقِفَةُ عُكَّفاً وَنُشِرَتْ أَسْفَارُ الْإِنْجِيلِ تَسَافَلَتِ الصُّلُبُ مِنَ الْأَعْلَى فَلَصِقَتِ الْأَرْضَ وَتَقَوَّضَتْ أَعْمِدَةُ الْعَرْشِ فَانْهَارَتْ إِلَى الْقَرَارِ وَخَرَّ

ص: 141


1- المغلَّظة: المؤكَّدة من اليمين والمحرجة: اليمين التي تُضيق مجال الحالف بحيث لا يبقى له مندوحة عن برِّ قسمه.
2- من الإعارة، أي أعطيني سمعك عارية.
3- في المصدر: (مصنوعاً).
4- في المصدر إضافة (إلى صحن القصر).

الصَّاعِدُ مِنَ الْعَرْشِ مَغْشِيَّا عَلَيْهِ، فَتَغَيَّرَتِ أَلْوَانُ الْأَسَاقِفَةِ وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُمْ، فَقَالَ كَبِيرُهُمْ لجِدِّي : أَيُّهَا المَلِكُ أَعْفِنَا مِنْ مُلَاقَاةِ هَذِهِ النُّحُوسِ الدَّالَّة عَلَى زَوَالِ هَذَا الدِّين المَسِيحِيّ وَالمَذْهَبِ المَلِكَاني، فَتَطَيَّرَ جَدِّي مِنْ ذَلِكَ تَطَرُّراً شَدِيداً، وَقَالَ لِلْأَسَاقِفَةِ: أَقِيمُوا هَذِهِ الْأَعْمِدَةَ، وَارْفَعُوا الصُّلْبَانَ، وَأَحْضِرُوا أَخَا هَذَا المُدْبَر الْعَاهِر (1) المنكوس جَدُّهُ لِأُزَوْجَهُ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ فَيُدْفَعُ نُحُوسُهُ عَنْكُمْ بِسُعُودِهِ، وَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ حَدَثَ عَلَى الثَّانِي مِثْلُ مَا حَدَثَ عَلَى الْأَوَّلِ، وَتَفَرَّقَ النَّاسُ، وَقَامَ جَدِّي قَيْصَرُ مُعْتَها، فَدَخَلَ مَنْزِلَ النِّسَاءِ، وَأَرْخِيَتِ السُّتُورُ، وَأُرِيتُ في تِلْكَ اللَّيْلَةِ كَأَنَّ المَسِيحَ وَشَمْعُونَ وَعِدَّةٌ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ قَدِ اجْتَمَعُوا فِي قَصْر جَدِّي، وَنَصَبُوا فِيهِ مِنْبَراً مِنْ نُورٍ يُبَارِي السَّمَاءَ عُلُوًّا وَارْتِفَاعاً فِي المَوْضِع الّذي كَانَ نَصَبَ جَدِّي وَ (2) فِيهِ عَرْشُهُ، وَدَخَلَ عَلَيْهِ محمّدٌ (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وَخَتَنْهُ وَوَصِيَّهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَعِدَّةٌ مِنْ أَبْنَائِهِ.

فَتَقَدَّمَ المَسِيحُ إِلَيْهِ فَاعْتَنَقَهُ، فَيَقُولُ لَهُ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «يَا رُوحَ اللّه، إِنِّي جِئْتُكَ خَاطِباً مِنْ وَصِيَّكَ شَمْعُونَ فَتَاتَهُ مَلِيكَةَ لإبني هَذَا»، وَأَوْمَا بِيَدِهِ إِلَى أَبِ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن صَاحِبِ هَذَا الْكِتَابِ، فَنَظَرَ المَسِيحُ إِلَى شَمْعُونَ وَقَالَ لَهُ: قَدْ أَتَاكَ الشَّرَفُ، فَصِلْ رَحِمَكَ بِرَحِم آلِ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)، قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ، فَصَعِدَ ذَلِكَ الْمِنْبَرَ، فَخَطَبَ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَزَوَّجَنِي مِن ابْنِهِ، وَشَهِدَ المَسِيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَشَهِدَ أَبْنَاءُ محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ)، وَالْحَوَارِيُّونَ.

فَلَمَّا اسْتَيْقَظْتُ أَشْفَقْتُ أَنْ أَقُصَّ هَذِهِ الرُّؤْيَا عَلَىٰ أَبِي وَجَدِّي مَخَافَةَ الْقَتْلِ، فَكُنْتُ أُمِرُهَا وَلَا أُبَدِيهَا لَهُمْ، وَضَرَبَ صَدْرِي بِمَحَبَّةِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى امْتَنَعْتُ مِنَ الطَّعَام وَالشَّرَابِ، فَضَعُفَتْ نَفْسِي وَدَقَّ شَخْصِي وَمَرِضْتُ مَرَضاً شَدِيداً، فَما بَقِيَ فِي مَدَائِنِ الرُّومِ طَبِيبٌ إِلَّا أَحْضَرَهُ جَدِّي وَسَأَلَهُ عَنْ دَوَائِي، فَلَما

ص: 142


1- في المصدر: (العاثر) بدل (العاهر).
2- الواو ليست في المصدر.

بَرَّحَ بِهِ الْيَاسُ قَالَ: يَا قُرَّةَ عَيْنِي، هَلْ يَخْطُرُ بِبَالِكِ شَهْرَةٌ فَأَزَوِّدُكِهَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا؟ فَقُلْتُ: يَا جَدّي، أَرَى أَبْوَابَ الْفَرَج عَلَى مُغْلَقَةٌ، فَلَوْ كَشَفْتَ الْعَذَابَ عَمَّنْ فِي سِجْنِكَ مِنْ أُسَارَى المُسْلِمِينَ وَفَكَكْتَ عَنْهُمُ الْأَغْلَال وَتَصَدَّقْتَ عَلَيْهِمْ وَمَنيتهم الخلاصَ رَجَوْتُ أَنْ يَهبَ (1) المَسِيحُ وأمّه عَافِيَةٌ، فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ تَجَلَّدْتُ فِي إِظْهَارِ الصَّحَّةِ مِنْ بَدَنِي قَلِيلاً، وَتَنَاوَلْتُ يَسِيراً مِنَ الطَّعَامِ، فَسَرَّ بِذَلِكَ وَأَقْبَلَ عَلَى إِكْرَام الْأَسَارَى وَإِعْزَازِهِمْ، فَأُرِيتُ أَيْضاً بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً كَأَنَّ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ فَاطِمَةَ (عَلَيهَا السَّلَامُ) قَدْ زَارَتْنِي وَمَعَهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَأَلْفُ مِنْ وَصَائِفِ الْجِنَانِ، فتَقُولُ لِي مَرْيَمُ: هَذِهِ سَيَّدَةُ النِّسَاءِ (عَلَيهَا السَّلَامُ) أُمُّ زَوْجِكِ أَي محمّد، فَأَتَعَلَّقُ بِهَا وَأَبْكِي وَأَشْكُو إِلَيْهَا امْتِنَاعَ أَبِي محمّد مِنْ زِيَارَتِي، فَقَالَتْ سَيِّدَةُ النِّسَاءِ (عَلَيهَا السَّلَامُ) : «إِنَّ ابْنِي أَبَا محمّد لَا يَزُورُكِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةٌ بِاللّه عَلَى مَذْهَبِ النَّصَارَى، وَهَذِهِ أُخْتِي مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ تَبْرَأَ إِلَى اللّه مِنْ دِينكِ، فَإِنْ مِلْتِ إِلَى رِضَى اللّه تَعَالَى وَرِضَى المَسِيح ومريم (عَلَيهَا السَّلَامُ) وَزِيَارَة أَبِي محمّد إِيَّاكِ فَقُولِي : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَنَّ أَي محمّداً رَسُولُ اللّه»، فَلَمَّا تَكَلَّمْتُ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ ضَمَّتْنِي إِلَى صَدْرِهَا سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَطِيبَ نَفْسِي، وَقَالَتِ: «الْآنَ تَوَفَّعِي زِيَارَةَ أَبِي محمّد، وَإِنِّي مُنْفِذَتُهُ إِلَيْكِ»، فَانْتَبَهْتُ وَأَنَا أَنُولُ (2) وَأَتَوَقَّعُ لِقَاءَ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَةِ الْقَابِلَةِ رَأَيْتُ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَكَأَنِّي أَقُولُ لَهُ: جَفَوْتَنِي يَا حَبِيبي بَعْدَ أَنْ أَتَلَفْتُ نَفْسِي مُعَالَجَةَ حُبِّكَ، فَقَالَ: «مَا كَانَ تَأْخُري عَنْكِ إِلَّا لِشِرْكِكِ فَقَدْ أَسْلَمْتِ، وَأَنَا زَائِرُكِ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ إِلَى أَنْ يَجْمَعَ اللّه شَمْلَنَا فِي الْعَيَانِ»، فَلَمَّا (3) قَطَعَ عَنِّي زِيَارَتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ.

ص: 143


1- في المصدر إضافة (لي).
2- في النسخة المطبوعة: (أقول)، وهو سهو والصحيح ما أثبتناه، يقال: نالت المرأة بالحديث أو الحاجة تنول، أي سمحت أو همَّت.
3- في المصدر: (فما).

قَالَ بِشَرٌ: فَقُلْتُ لهَا: وَكَيْفَ وَقَعَتِ فِي الْأَسَارَى؟ فَقَالَتْ: أَخْبَرَنِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَيْلَةً مِنَ اللَّيَالِي: «أَنَّ جَدَّكِ سَيُسَرُ جَيْشاً إِلَى قِتَالِ المُسْلِمِينَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا ثمّ يَتْبَعُهُمْ، فَعَلَيْكَ بِاللَّحَاقِ ِبهِمْ مُتَنكَّرَةً فِي زِيّ الخَدَم مَعَ عِدَّةٍ مِنَ الْوَصَائِفِ مِنْ طَرِيقِ كَذَا»، فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَوَقَفَتْ عَلَيْنَا طَلَائِعُ المُسْلِمِينَ حتّى كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا رَأَيْتَ وَشَاهَدْتَ، وَمَا شَعَرَ بِأَنِّي ابْنَةُ مَلِكِ الرُّومِ إِلَى هَذِهِ الْغَايَةِ أَحَدٌ سِوَاكَ وَذَلِكَ بِاطَّلَاعِي إِيَّاكَ عَلَيْهِ، وَلَقَدْ سَأَلَنِي الشَّيْخُ الّذي وَقَعْتُ إِلَيْهِ فِي سَهُم الْغَنِيمَةِ عَن اسْمِي، فَأَنْكَرْتُهُ وَقُلْتُ: نَرْجِسُ، فَقَالَ: اسْمُ الجَوَارِي.

قُلْتُ: الْعَجَبُ أَنَّكِ رُومِيَّةٌ وَلِسَانُكِ عَرَبيٌّ؟ قَالَتْ: نَعَمْ مِنْ وَلُوع جَدِّي وَحَمْلِهِ إِيَّايَ عَلَى تَعَلَّمَ الْآدَابِ أَنْ أَوْعَزَ إِلَيَّ امْرَأَةَ تَرْجُمَانَةٌ لَه (1) فِي الْاِخْتِلَافِ إِلَيَّ، وَكَانَتْ تَقْصُدُنِي صَبَاحاً وَمَسَاءً وَتُفِيدُنِي الْعَرَبِيَّةَ حتّى اسْتَمَرَّ لِسَانِي عَلَيْهَا وَاسْتَقَامَ.

قَالَ بِشْرُ : فَلَمَّا انْكَفَاتُ بِهَا إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى دَخَلَتْ عَلَى مَوْلَايَ أَبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: كَيْفَ أَرَاكِ اللّه عِزَّ الْإِسْلَام وَذُلَّ النَّصْرَانِيَّةِ وَشَرَفَ محمّد وَأَهْل بَيْتِه (عَلَيهِم السَّلَامُ)؟»

قَالَتْ: كَيْفَ أَصِفُ لَكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه مَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي؟ قَالَ: «فَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَكْرَمَكِ، فَأَيُّها أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلَافِ دِينَارٍ أَمْ بُشْرَى لَكِ بِشَرَفِ الْأَبَدِ؟». قَالَتْ: بُشْرَى بِوَلَدِ لي. قَالَ لَهَا: «أبشري بوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيَا شَرْقاً وَغَرْباً وَيَمْلأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً»، قَالَتْ: مَنْ؟ قَالَ: «مَنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لَهُ لَيْلَةَ كَذَا فِي شَهْرٍ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّة» (2)، قَالَ ها: «مَنْ زَوَّجَكِ المَسِيحُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَوَصِيُّهُ؟»، قَالَتْ: مِن ابْنكَ أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ:

ص: 144


1- في المصدر: (ترجمانه لي) بدل (ترجمانة له).
2- في المصدر إضافة: (قالت من المسيح ووصيه).

«هَلْ تَعْرِفِينَهُ؟»، قَالَتْ: وَهَلْ خَلَتْ لَيْلَةٌ لَمْ يَزُرْني فِيهَا مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ عَلَى يَدِ سَيِّدَةِ النِّسَاءِ (عَلَيهَا السَّلَامُ)؟ قَالَ : فَقَالَ مَوْلَانَا: «يَا كَافُورُ، ادْعُ أُخْتِي حَكِيمَةَ»، فَلا دَخَلَتْ قَالَ لَهَا: «هَا هِيَهُ»، فَاعْتَنقَتْهَا طَويلاً وَسَرَّتْ بهَا كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا أَبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا بنتَ رَسُولِ اللّه، خُذِيهَا إلَى مَنْزِلِكِ وَعَلْمِيهَا الفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ فَإِنَّهَا زَوْجَةً أَي محمّد وَأُمُّ الْقَائِم (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (1).

[13/13] كمال الدين: [قصة السيدة نرجس]

[13 / 13] كمال الدِّين (2): محمّد بْنُ عَلِيّ بْن محمّد بْن (3) حَاتِمٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عِيسَى الْوَشَّاءِ، عَنْ أَحْمَدَ بْن طَاهِرِ الْقُمِّيِّ، عَنْ أَبي الحُسَيْن محمّد بْن يَحْيَى (4) الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: وَرَدْتُ كَرْبَلَاءَ سَنَةَ سِتٌ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَ: وَزُرْتُ قَبْرَ غَريبٍ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ انْكَفَاتُ إِلَى مَدِينَةِ السَّلام مُتَوَجِّهاً إِلَى مَقَابِرٍ قُرَيْشٍ وَقَدْ تَضَرَّمَتِ الْهَوَاجِرُ وَتَوَفَّدَتِ السَّمَاءُ، وَلَمَّا وَصَلْتُ مِنْهَا إِلَى مَشْهَدِ الْكَاظِم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَاسْتَنْشَقْتُ نَسِيمَ تُرْبَتِهِ المَغْمُورَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ المَحْفُوفَةِ بِحَدَائِقِ الْغُفْرَانِ أَكْبَيْتُ عَلَيْهَا بِعَبَرَاتٍ مُتَقَاطِرَةٍ وَزَفَرَاتٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَقَدْ حَجَبَ الدَّمْعُ طَرْفِي عَن النَّظَر، فَلَما رَقَاتِ الْعَبْرَةُ وَانْقَطَعَ النَّحِيبُ وَفَتَحْتُ بَصَرِي وَإِذَا أَنَا بِشَيْخ قَدِ انْحَنَى صُلْبُهُ وَتَقَوَّسَ مَنْكِبَاهُ وَثَفِنَتْ جَبْهَتُهُ وَرَاحَتَاهُ، وَهُوَ يَقُولُ لِآخَرَ مَعَهُ عِنْدَ الْقَبْر : يَا ابْنَ أخ، فَقَدْ نَالَ عَمُّكَ شَرَفاً بَمَا حَمَلَهُ السيّدانِ مِنْ غَوَامِض الْغُيُوبِ وَشَرَائِفِ الْعُلُوم الَّتِي لَمْ يَحْمِلْ مِثْلَهَا إِلَّا سَلْمَانُ، وَقَدْ أَشْرَفَ عَمُّكَ عَلَى اسْتِكْمَالِ المُدَّةِ وَانْقِضَاءِ الْعُمُرِ، وَلَيْسَ يَجِدُ فِي أَهْل الْوَلَايَةِ رَجُلاً يُفْضِي إِلَيْهِ (5)، قُلْتُ: يَا نَفْسُ لَا يَزَالُ

ص: 145


1- الغيبة للطوسي (ص 208 / ح 178).
2- في النسخة المطبوعة: (الكافي) وهو سهو، والصحيح ما أثبتناه.
3- عبارة: (محمّد بن) ليست في المصدر.
4- في المصدر: (بحر) بدل (يحيى).
5- في المصدر: (يُفضي إليه بسره).

الْعَنَاءُ وَالمَشَقَّةُ يَنَالَانِ مِنْكِ بإتعَابِي الخُفَّ وَالْحَافِرَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَرَعَ سَمْعِي مِنْ هَذَا الشَّيْخ لَفْظُ يَدُلُّ عَلَى عِلْمٍ جَسِيمٍ وَأَمْرٍ عَظِيم.

فَقُلْتُ: أَيُّهَا الشَّيْخُ وَمَن السيّدانِ؟ قَالَ: النَّجْمَانِ الْمُغَيِّبَانِ فِي الثَّرَى بِسُرَّ مَنْ رَأى، فَقُلْتُ: إِنِّي أُقْسِمُ بِالْمَوَالاَةِ وَشَرَفِ مَحَلَّ هَذَيْن السيّدينِ مِنَ الْإِمَامَةِ وَالْورَاثَةِ أَنِّي خَاطِبٌ عِلْمَهُما وَطَالِبٌ آثَارَهُمَا وَبَاذِلٌ مِنْ نَفْسِي الْأَيْمَانَ الْمُوَكَّدَةَ عَلَى حِفْظِ أَسْرَارِهِمَا، قَالَ: إِنْ كُنْتَ صَادِقاً فِيمَا تَقُولُ فَأَحْضِرْ مَا صَحِبَكَ مِنَ الْآثَارِ عَنْ نَقَلَةٍ أَخْبَارِهِمْ، فَلَا فَتَّشَ الْكُتُبَ وَتَصَفَّحَ الرَّوَايَاتِ مِنْهَا قَالَ: صَدَقْتَ، أَنَا بِشْرُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّخَاسُ مِنْ وُلْدِ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ أَحَدُ مَوَالِي أَي الحَسَن وَأَبِي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَجَارُهُمَا بِسُرَّ مَنْ رَأى، قُلْتُ: فَأَكْرمُ أَخَاكَ بِبَعْض مَا شَاهَدتَ مِنْ آثَارِهِمَا، قَالَ: كَانَ مَوْلَايَ أَبو الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقْهَني فِي عِلْم الرَّقِيقِ، فَكُنْتُ لَا أَبْتَاعُ وَلَا أَبيعُ إِلَّا بِإِذْنِهِ، فَاجْتَنَبْتُ بِذَلِكَ مَوَارِدَ الشُّبُهَاتِ حتّى كَمَلَتْ مَعْرِفَتِي فِيهِ، فَأَحْسَنْتُ الْفَرْقَ فِيمَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالحَرَامِ، فَبَيْنَا أَنَا ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي مَنْزِلِي بِسُرَّ مَنْ رَأَى وَقَدْ مَضَى هَوِيٌّ مِنَ اللَّيْلِ إِذْ قَدْ قَرَعَ الْبَابَ قَارِعٌ، فَعَدَوْتُ مُسْرِعاً، فَإِذَا بِكَافُورٍ الْخَادِم رَسُولِ مَوْلَانَا أَبِي الحَسَن عَلِيّ بْن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يَدْعُونِي إِلَيْهِ، فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَرَأَيْتُهُ يُحَدِّثُ ابْنَهُ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأُخْتَهُ حَكِيمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْر، فَلَها جَلَسْتُ قَالَ: «يَا بِشْرُ، إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الْأَنْصَارِ، وَهَذِهِ الْوَلَايَةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرتُهَا خَلَفٌ عَنْ سَلَفِ، وَأَنْتُمْ ثِقَاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ»... وَسَاقَ الْخَبَرَ نَحْواً مِمَّا رَوَاهُ الشَّيْخُ إِلَى آخِره(1).

بيان: (يباري السماء) : أي يعارضها ويقال: برح به الأمر تبريحاً جهده وأضرَّ به. وأوعز إليه في كذا أي تقدَّم وانكفأ أي رجع.

ص: 146


1- كمال الدِّين (ج 2 ص 417 / باب ما روي في نرجس / ح 1).

[14/14]: كمال الدين : [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[14 / 14] كمال الدِّين: ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ محمّد بْن إِبْرَاهِيمَ الْكُوفِيُّ، عَنْ محمّد بْن عَبْدِ اللّه المُطَهَّري (1)، قَالَ: فَصَدْتُ حَكِيمَةَ بنتَ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ مُضِي أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَسْأَها عَن الحجّة وَمَا قَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ النَّاسُ مِنَ الخَيْرَةِ الَّتِي(2) فِيهَا، فَقَالَتْ لي: اجْلِسُ، فَجَلَسْتُ، ثمّ قَالَتْ لي: يَا محمّد، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا يُخلِّي الْأَرْضَ مِنْ حُجَّةٍ نَاطِقَةٍ أَوْ صَامِتَةٍ، وَلَمْ يَجْعَلْهَا فِي أَخَوَيْن بَعْدَ الحَسَن وَالْحُسَيْن تَفْضِيلاً لِلْحَسَن وَالحُسَيْن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وَتَمييزاً لَهما (3) أَنْ يَكُونَ فِي الْأَرْضِ عَدِيلُهُمَا، إِلَّا أَنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى خَصَّ وُلْدَ الحُسَيْنِ بِالْفَضْل عَلَى وُلْدِ الحَسَن كَمَا خَصَّ وَلْدَ هَارُونَ عَلَى وُلْدِ مُوسَى وَإِنْ كَان مُوسَى حُجَّةٌ عَلَى هَارُونَ وَالْفَضْلُ لِوُلْدِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَلَا بُدَّ لِلأُمَّةِ مِنْ حَيْرَةِ يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ وَيَخْلُصُ فِيهَا الْمُحِقُونَ، لِئَلَّا (4) يَكُونَ لِلنَّاسِ (5) عَلَى اللّه حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُل، وَإِنَّ الخَيْرَةَ لَا بُدَّ وَاقِعَةٌ بَعْدَ مُضِي أَبِي محمّد الْحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِ هَلْ كَانَ لِلْحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلَدٌ؟ فَتَبَسَّمَتْ ثمّ قَالَتْ: إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَقِبٌ فَمَن الحجّة مِنْ بَعْدِهِ؟ وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ [أَنَّ الْإِمَامَةَ لَا تكُونُ لِأَخَوَيْن (6) بَعْدَ الحَسَنِ وَالحُسَيْن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)].

[ فَقُلْتُ : يَا سَيِّدَتِي، حَدِّثِيني بِوِلَادَةِ مَوْلَايَ وَغَيْبَتِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ). [قال]: قَالَتْ: نَعَمْ، كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ يُقَالُ هَا: نَرْجِسُ، فَزَارَني ابْنُ أَخِي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَأَقْبَلَ يُحِدُّ النَّظَرَ إِلَيْهَا، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سيّدي لَعَلَّكَ هَويتَهَا، فَأُرْسِلُهَا إِلَيْكَ؟ فَقَالَ: «لَا يَا عَمَّةٌ

ص: 147


1- في المصدر: (الطهري) بدل (المطهَّري).
2- في المصدر إضافة (هم).
3- في المصدر: (وتنزيهاً لهما).
4- في المصدر: (كيلا).
5- في المصدر : (للخلق) بدل (للناس).
6- في المصدر: (لا إمامة لأخوين) بدل (الإمامة لا تكون لأخوين).

لَكِنِّي أَتَعَجَّبُ مِنْهَا، فَقُلْتُ: وَمَا أَعْجَبَكَ؟ فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «سَيَخْرُجُ مِنْهَا وَلَدٌ كَرِيمٌ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ) الّذي يَمْلَأُ اللّه بِهِ الْأَرْضَ عَدْلاً وَقِسْطاً كَما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلما»، فَقُلْتُ: فَأَرْسِلُهَا إِلَيْكَ يَا سيّدي؟ فَقَالَ: «اسْتَأْذِي فِي ذَلِكَ أَبي»، قَالَتْ: فَلَبِسْتُ ثِيَابِي وَأَتَيْتُ مَنْزلَ أبي الحسن، فَسَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ، فَبَدَأني (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: «يَا حَكِيمَةُ، ابْعَثِي بِنَرْجِسَ إِلَى ابْنِي أَبِي محمّد، قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا سيّدي، عَلَى هَذَا فَصَدْتُكَ أَنْ أَسْتَأذِنَكَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: «يَا مُبَارَكَةُ، إِنَّ اللّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَحَبَّ أَنْ يَشْرَكَكِ فِي الْأَجْر وَيَجْعَلَ لَكِ فِي الخَيْر نَصِيباً»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ رَجَعْتُ إِلَى مَنزلي وَزَيَّنَتُهَا وَوَهَبْتُهَا لِأَبِي محمّد، وَجَمَعْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي مَنزلي، فَأَقَامَ عِنْدِي أَيَّاماً، ثمّ مَضَى إِلَى وَالِدِهِ، وَوَجَّهْتُ بِهَا مَعَهُ.

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبو الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَجَلَسَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مَكَانَ وَالِدِهِ، وَكُنْتُ أَزُورُهُ كَمَا كُنْتُ أَزُورُ وَالِدَهُ، فَجَاءَتْنِي نَرْجِسُ يَوْماً تَخْلَعُ خُفِّي وَقَالَتْ: يَا مَوْلَاتِي نَاوِلْنِي خُفَّكِ، فَقُلْتُ: بَلْ أَنْتِ سَيِّدَتِي وَمَوْلَاتِي، وَاللّه لَا دَفَعْتُ إِلَيْكِ خُفِّي لِتَخْلَعِيهِ وَلَا خَدَمْتِيني (1)، بَلْ أَخْدُمُكِ (2) عَلَى بَصَرِي، فَسَمِعَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذَلِكَ فَقَالَ: «جَزَاكِ اللّه خَيْراً يَا عَمَّةٌ، فَجَلَسْتُ عِنْدَهُ إِلَى وَقْتِ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَصِحْتُ بِالجَارِيَةِ وَقُلْتُ: نَاوِلِيني ثِيَابِي لِأَنْصَرفَ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّتَاهُ بِيتِيَ اللَّيْلَةَ عِنْدَنَا فَإِنَّهُ سَيُولَدُ اللَّيْلَةَ المَوْلُودُ الْكَرِيمُ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ) الّذي يُحْيِي اللّه (عَزَّوَجَلَّ) بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا».

قُلْتُ: عَنْ يَا سيّدي وَلَسْتُ أَرَى بَنَرْجِسَ شَيْئاً مِنْ أَثَرِ الْحَمْل؟ فَقَالَ: «مِنْ نَرْجِسَ لَا مِنْ غَيْرَهَا»، قَالَتْ: فَوَثَبْتُ إِلَى نَرْجِسَ فَقَلَبْتُهَا ظَهْراً لِبَطْنِ فَلَمْ أَرَ بِهَا أثراً مِنْ جَبَلٍ، فَعُدْتُ إِلَيْهِ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا فَعَلْتُ، فَتَبَسَّمَ ثمّ قَالَ لِي: «إِذَا كَانَ وَقْتُ

ص: 148


1- في المصدر: (ولا لتخدميني).
2- في المصدر: (بل أنا أخدمك).

الْفَجْر يَظْهَرُ لَكِ بِهَا الْخَبَلُ، لِأَنَّ مَثَلَهَا مَثَلُ أُمَّ مُوسَى لَمْ يَظْهَرْ بِهَا الخَبَلُ وَلَمْ يَعْلَمْ بهَا أَحَدٌ إِلَى وَقْتِ وِلَادَتِهَا، لِأَنَّ فِرْعَوْنَ كَانَ يَشُقُ بُطُونَ الحَبَالَى فِي طَلَبِ مُوسَى وَهَذَا نَظِيرُ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)(1)».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرْقُبُهَا إِلَى وَقْتِ طُلُوعِ الْفَجْر وَهِيَ نَائِمَةٌ بَيْنَ يَدَيَّ لَا تَقْلِبُ جَنْباً إِلَى جَنْبِ، حتّى إِذَا كَانَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ وَقْتَ طُلُوعِ الْفَجْر وَثَبَتْ فَرْعَةٌ، فَضَمَمْتُهَا إِلَى صَدْرِي وَسَمَّيْتُ عَلَيْهَا، فَصَاحَ (2) أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: «اقْرَئِي عَلَيْهَا: «إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ»»، فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأ عَلَيْهَا، وَقُلْتُ لَهَا: مَا حَالُكِ؟ قَالَتْ: ظَهَرَ (3) الْأَمْرُ الّذي أَخْبَرَكِ بِهِ مَوْلَايَ، فَأَقْبَلْتُ أَقْرَأْ عَلَيْهَا كَمَا أَمَرَنِي، فَأَجَابَني الجنينُ مِنْ بَطْنِهَا يَقْرَأُ كَمَا أَقْرَأُ، وَسَلَّمَ عَلَىَّ، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَفَزِعْتُ لِمَا سَمِعْتُ، فَصَاحَ بِي أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لَا تَعْجَبِي مِنْ أَمْرِ اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، إِنَّ اللّه تبَارَكَ وَتَعَالَى يُنْطِقُنَا بِالْحِكْمَةِ صِغَاراً وَيَجْعَلْنَا حُجَّةٌ فِي أَرْضِهِ كِبَاراً»، فَلَمْ يَسْتَتِمَّ الْكَلَامَ حتّى غِيبَتْ عَنِّي نَرْجِسُ فَلَمْ أَرَهَا كَأَنَّهُ ضُرِبَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَعَدَوْتُ نَحْوَ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَأَنَا صَارِخَةٌ، فَقَالَ لِي: «ارْجِعِي يَا عَمَّهُ فَإِنَّكِ سَتَجِدِيهَا فِي مَكَانِهَا»، قَالَتْ: فَرَجَعْتُ فَلَمْ أَلْبَتْ أَنْ كُشِفَ الْحِجَابُ (4) بَيْني وَبَيْنَهَا، وَإِذَا أَنَا بِهَا وَعَلَيْهَا مِنْ أَثر النُّورِ مَا غَشِيَ بَصَرِي، وَإِذَا أَنَا بِالصَّبِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَاجِداً عَلَى وَجْهِهِ، جَاثِياً عَلَى رُكْبَتَيْهِ، رَافِعاً سَبَّابَتَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، وَهُوَ يَقُولُ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ، وَأَنَّ جَدِّي رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وَأَنَّ

ص: 149


1- في المصدر إضافة: (قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها، فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً).
2- في المصدر إضافة: (إلىَّ) بين معقوفتين.
3- في المصدر إضافة: (بي) بين معقوفتين.
4- في المصدر: (الغطاء الّذي كان) بدل (الحجاب).

أبي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ...»، ثمّ عَدَّ إِمَاماً إِمَاماً إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «اللّهمَّ أَنْجِزْ لِي وَعْدِي، وَأَتْمِمْ لِي أَمْرِي، وَثَبِّتْ وَطَأَتِي، وَامْلًا الْأَرْضَ بِي عَدْلاً وَقِسْطاً».

فَصَاحَ أَبو محمّد الحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، تَنَاوَلِيهِ فَهَاتِيهِ»، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَتَيْتُ بِهِ نَحْوَهُ، فَلَمَّا مَثَلْتُ بَيْنَ يَدَيْ أَبِيهِ وَهُوَ عَلَى يَدَيَّ سَلَّمَ عَلَى أَبيهِ، فَتَنَاوَلَهُ الحَسَنُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَالطَّيْرُ تُرَفُرفُ عَلَى رَأْسِهِ (1)، فَصَاحَ بِطَيْرِ مِنْهَا، فَقَالَ لَهُ: «احْمِلْهُ وَاحْفَظْهُ وَرُدَّهُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ يَوْماً»، فَتَنَاوَلَهُ الطَّائِرُ وَطَارَ بِهِ فِي جَوِّ السَّمَاءِ وَأَتْبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ، فَسَمِعْتُ أَبَا محمّد يَقُولُ: «أَسْتَوْدِعُكَ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى (2)»، فَبَكَتْ نَرْجِسُ، فَقَالَ لَهَا: «اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ ثَدْيِكِ، وَسَيْعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلَى أُمِّهِ، وَذَلِكِ قَوْلُهُ (عَزَّوَجَلَّ): «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أمّه كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ» [القصص: 13]».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَقُلْتُ: مَا هَذَا الطَّائِرُ؟ قَالَ: «هَذَا رُوحُ الْقُدُسِ المُوَكَّلُ بالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يُوَفِّقُهُمْ وَيُسَدِّدُهُمْ وَيُرَبِّيهِمْ بِالْعِلْم».

قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَلَا أَنْ كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً رُدَّ الْغُلَامُ، وَوَجَّهَ إِلَى ابْنُ أَخِي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَدَعَانِي، فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيٌّ مُتَحَرِّكُ يَمْشِي بَيْنَ يَدَيْهِ، فَقُلْتُ: سيّدي هَذَا ابْنُ سَنَتَيْن، فَتَبَسَّمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قَالَ: «إِنَّ أَوْلَادَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْصِيَاءِ إِذَا كَانُوا أَئِمَّةً يَنْشَئُونَ بِخِلَافِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُهُمْ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا إِذَا أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ كَانَ كَمَنْ يَأْتِي (3) عَلَيْهِ سَنَةٌ، وَإِنَّ الصَّبِيَّ مِنَّا لَيَتَكَلَّمُ في بَطْن أمّه وَيَقْرَأ الْقُرْآنَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ (عَزَّوَجَلَّ) وَعِنْدَ الرَّضَاعَ تُطِيعُهُ المَلائِكَةُ وَتَنْزِلُ عَلَيْهِ [كُلَّ ] صَبَاح [وَ] مَسَاء (4)».

ص: 150


1- في المصدر إضافة (وناوله لسانه فشرب منه، ثمّ قال: «امضي به إلى أمّه لترضعه ورديه إليَّ»، قالت: فتناولته أمّه فأرضعته فرددته إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) والطير ترفرف على رأسه).
2- في المصدر: (موسى).
3- في المصدر: (أتى).
4- في المصدر: (وتنزل عليه صباحاً ومساءً).

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَلَمْ أَزَلْ أَرَى ذَلِكَ الصَّبِيَّ كُلّ أَرْبَعِينَ يَوْماً إِلَى أَنْ رَأَيْتُهُ رَجُلاً قَبْلَ مُضِي أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأيَّامٍ قَلائِلَ فَلَمْ أَعْرِفُهُ، فَقُلْتُ لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَنْ هَذَا الّذي تَأْمُرُنِي أَنْ أَجْلِسَ بَيْنَ يَدَيْهِ ؟ فَقَالَ: «ابْنُ نَرْجِسَ، وَهُوَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي، وَعَنْ قَلِيلِ تَفْقِدُونَّي، فَاسْمَعِي لَهُ وَأَطِيعِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَمَضَى أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأيَّامٍ قَلَائِلَ، وَافْتَرَقَ النَّاسُ كَمَا تَرَى، وَوَاللّه إِنِّي لَأَرَاهُ صَبَاحاً وَمَسَاءً، وَإِنَّهُ لَيُنْبِئُنِي عَمَّا تَسْأَلُونِّي عَنْهُ فَأَخْبِرُكُمْ، وَوَاللّه إِنِّي لَأُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَن الشَّيْءِ فَيَبْدَأُني بِهِ، وَإِنَّهُ لَيَرُدُّ عَلَى الْأَمْرَ فَيَخْرُجُ إِلَيَّ مِنْهُ جَوَابُهُ مِنْ سَاعَتِهِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَتِي، وَقَدْ أَخْبَرَنِي الْبَارِحَةَ بِمَجِيئكَ إِلَيَّ، وَأَمَرَنِي أَنْ أُخْبِرَكَ بِالْحَقِّ.

قَالَ محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه: فَوَ اللّه لَقَدْ أَخْبَرَتْنِي حَكِيمَةُ بِأَشْيَاءَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا أَحَدٌ إِلَّا اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ صِدْقٌ وَعَدْلٌ مِنَ اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، وَأَنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) قَدِ اطَّلَعَهُ عَلَى مَا لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَداً مِنْ خَلْقِهِ (1).

بیان: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): (وثبِّت وطأتي): الوطئ الدوس بالقدم، سُمِّي به الغزو والقتل لأنَّ من يطأ على الشيء برجله فقد استقصى في هلاكه وإهانته، ذكره الجزري (2)، أي أحكم وثبت ما وعدتني من جهاد المخالفين واستيصالهم.

[15/ 15]: كمال الدين: (... وأمّه ريحانة...)

[15/15] كمال الدِّين: الطَّالَقَانِيُّ، عَن الحَسَنِ بْن عَلِيّ بْن زكريّا، عَنْ محمّد بْن خَلِيلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ غِيَاثِ بْن أَسَدٍ، قَالَ : وُلِدَ الخَلَفُ (3) المهديّ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وأمّه رَيْحَانَةٌ، وَيُقَالُ لَهَا : نَرْجِسُ، وَيُقَالُ: صَقِيلُ، وَيُقَالُ: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ لِسَبَبِ الحُمْل : صَقِيلُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لِثَمَانِ لَيَالِ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سِتَّ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ،

ص: 151


1- كمال الدِّين (ج 2 ص 426 / باب ما روي في ميلاد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح 2).
2- النهاية (ج 5 / ص 200).
3- في المصدر: (أسيد) بدل (أسد).

فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ أَوْصَى إِلَى ابْنِهِ أَبِي جَعْفَرٍ محمّد بْن عُثْمَانَ، وَأَوْصَىٰ أَبُو جَعْفَرِ إِلَى أبِي الْقَاسِم الحُسَيْن بْن رُوحٍ، وَأَوْصَى أَبُو الْقَاسِم إلى أبي الحسن علي بن محمّد السَّمُرِي (رضیَ اللّهُ عنهُم)، فَلَمَّا حَضَرَتِ السَّمُريَّ (رضیَ اللّهُ عنهُ) الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: للّه أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، فَالْغَيْبَةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ السَّمُري (رَحمهُ اللّه) (1).

بيان: قوله : (إلَّا أنَّه قيل لسبب الحمل) : أي إنَّما سُمِّي صقيلاً لما اعتراه من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر، يقال: صقل السيف، وغيره أي جلاه، فهو صقيل. ولا يبعد أن يكون تصحيف الجمال.

ص: 152


1- كمال الدِّين (ج 2 / ص 432 / باب ما روي في ميلاد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح 12).

[20 / 20]: كمال الدين: (... لم يُر بأمّه دم في نفاسها...)

[20/20] كمال الدِّين: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَنْ محمّد بْن عُثْمَانَ الْعَمْرِي (قَدَّسَ اللّه رُوحَهُ)، أَنَّهُ قَالَ: وُلِدَ السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) تَحْتُونَا، وَسَمِعْتُ حَكِيمَةَ تَقُولُ: لَمْ يُرَ بِأُمِّهِ دَمٌ فِي نِفَاسِهَا، وَهَذَا سَبِيلُ أُمَّهَاتِ الأئمّة (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ) (1).

ص: 153


1- كمال الدِّين (ج 2 / ص 433 / باب ما روي في ميلاد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح 14).

[23/23]: كمال الدين: (... وهو حجة اللّه في أرضه...)

[23/23] كمال الدِّين : عَلِيُّ بْنُ محمّد بْن حُبَابِ، عَنْ أَبِي الْأَدْيَانِ (1)، قَالَ: قَالَ عَقِيدٌ الخَادِمُ: قَالَ أَبُو محمّد ابْنُ خَيْرَوَيْهِ الْبَصْرِيُّ (2)، وَقَالَ حَاجِرٌ الْوَشّاءُ كُلُّهُمْ حَكَوْا عَنْ عَقِيدٍ، وَقَالَ أَبُو سَهْلِ بْنُ نَوْبَخْتَ : قَالَ عَقِيدٌ: وُلِدَ وَليُّ اللّه الحجّة بْنُ الحَسَن بْن عَلِيّ بْن محمّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بْن محمّد بْن عَليَّ ابن الحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبي طَالِبٍ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ) لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ شَهْرٍ رَمَضَانَ (3) مِنْ سَنَةِ أَرْبَعِ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن للّهجْرَةِ، وَيُكَنَّى أَبَا الْقَاسِم، وَيُقَالُ: أَبو جَعْفَرٍ، وَلَقَبُهُ المهديّ، وَهُوَ حُجَّةُ اللّه فِي أَرْضِهِ (4)، وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ في ولادَتِهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَظْهَرَ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَمَ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَى عَنْ ذِكْر خَبَرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْدَى ذِكْرَهُ، وَاللّه أَعْلَمُ (5).

ص: 154


1- أبو الأديان - كما في ريحانة الأدب (ج 7 / ص 8) - هو : عليّ البصري من مشاهير الصوفيّة تُوفي أواخر القرن الثالث الهجري، وكنيته أبو الحسن وقيل له: (أبا الأديان) لأنَّه كان يناظر في جميع الأديان.
2- في المصدر: (التستري) بدل (البصري).
3- في المصدر: (ليلة الجمعة غرَّة شهر رمضان).
4- في المصدر إضافة: (على جميع خلقه، وأمّه صقيل الجارية، ومولده بُسرَّ من رأى في درب الراضة).
5- كمال الدِّين (ج 2 / ص 474 / ضمن الحديث 25).

[25/25] الغيبة للطوسي : [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[25/25] الغيبة للطوسي : ابْنُ أَبِي جَيّدٍ، عَن ابْنِ الْوَلِيدِ، عَنِ الصَّفَّار، عَنْ محمّد بْن عَبْدِ اللّه المُطَهَّريّ (1)، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ محمّد بْن عَلى الرِّضَا، قَالَتْ: بَعَثَ إِلَيَّ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن فِي النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اجْعَلِي اللَّيْلَةَ إِفْطَارَكِ عِنْدِي، فَإِنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) سَيَسُرُّكِ بِوَلِيهِ وَحُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي»، قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَتَدَاخَلَنِي لِذَلِكَ سُرُورٌ شَدِيدٌ، وَأَخَذْتُ ثِيَابِي عَلَيَّ، وَخَرَجْتُ مِنْ سَاعَتِي حتّى انْتَهَيْتُ إِلَى أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَهُوَ جَالِسٌ فِي صَحْن دَارِهِ وَجَوَارِيهِ حَوْلَهُ، فَقُلْتُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ يَا سيّدي، الخَلَفُ منْ هُوَ؟ قَالَ: «مِنْ سَوْسَنَ»، فَأَدَرْتُ طَرْفِي فِيهِنَّ، فَلَمْ أَرَ جَارِيَةٌ عَلَيْهَا أَثرٌ غَيْرَ سَوْسَنَ، قَالَتْ حَكِيمَةُ : فَلَمَّا أَنْ صَلَّيْتُ المَغْربَ وَالْعِشَاءَ الْآخِرَةَ أَتَيْتُ بِالمَائِدَةِ، فَأَفْطَرْتُ أَنَا وَسَوْسَنُ، وَبَايَتُهَا فِي بَيْتِ وَاحِدٍ، فَغَفَوْتُ غَفْوَةً (2)، ثمّ اسْتَيْقَظتُ، فَلَمْ أَزَل مُفَكَّرَةً فِيمَا وَعَدَنِي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنْ أَمْر ولي اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقُمْتُ قَبْلَ الْوَقْتِ الّذي كُنْتُ أَقُومُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِلصَّلَاةِ، فَصَلَّيْتُ صَلَاةَ اللَّيْل حتّى بَلَغْتُ إِلَى الْوَتْرِ، فَوَثَبَتْ سَوْسَنُ فَزِعَةٌ، وَخَرَجَتْ وَأَسْبَغَتِ الْوُضُوءَ، ثمّ عَادَتْ فَصَلَّتْ صَلَاةَ اللَّيْلِ وَبَلَغَتْ إِلَى الْوَتْرِ، فَوَقَعَ فِي قَلْبِي أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ قَرُبَ، فَقُمْتُ لأَنظُرَ

ص: 155


1- في المصدر : (عن أبي عبد اللّه المطهَّري).
2- غفا يغفو غفواً: نام، وقيل: نعس وقيل نام نومة خفيفة.

فَإِذَا بِالْفَجْرِ الْأَوَّلِ قَدْ طَلَعَ، فَتَدَاخَلَ قَلْبِي الشَّكُ (1) مِنْ وَعْدِ أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَنَادَانِي مِنْ حُجْرَتِهِ: «لَا تَشُكّي، وَكَأَنَّكِ بِالْأَمْرِ السَّاعَةَ قَدْ رَأَيْتِهِ إِنْ شَاءَ اللّه».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَمِمَّا وَقَعَ فِي قَلْبِي، وَرَجَعْتُ إِلَى الْبَيْتِ وَأَنَا خَجِلَةٌ، فَإِذَا هِيَ قَدْ قَطَعَتِ الصَّلَاةَ وَخَرَجَتْ فَرْعَةً، فَلَقِيتُهَا عَلَى بَابِ الْبَيْتِ، فَقُلْتُ: بِأَبِي أَنْتِ وَأُمِّي، هَلْ تَحِسِّينَ شَيْئًا؟ قَالَتْ: نَعَمْ يَا عَمَّةُ، إِنِّي لأَجِدُ أَمْراً شَدِيداً، قُلْتُ: لَا خَوْفَ عَلَيْكِ إِنْ شَاءَ اللّه، وَأَخَذْتُ وسَادَةً فَأَلْقَيْتُهَا فِي وَسَطِ الْبَيْتِ وَأَجْلَسْتُهَا عَلَيْهَا وَجَلَسْتُ مِنْهَا حَيْثُ تَقْعُدُ المَرْأَةُ مِنَ المَرْأَةِ لِلْوِلَادَةِ، فَقَبَضَتْ عَلَى كَفِّى وَغَمَزَتْ غَمْزَةٌ شَدِيدَةً، ثمّ أَنَّتْ أَنَّةً وَتَشَهَّدَتْ، وَنَظَرْتُ تَحْتَهَا فَإِذَا أَنَا بِوَلِيٍّ اللّه (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) مُتَلَقِّياً الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، فَأَخَذْتُ بِكَتِفَيْهِ فَأَجْلَسْتُهُ فِي حَجْرِي، وَإِذَا هُوَ نَظِيفٌ مَفْرُوعٌ مِنْهُ، فَنَادَانِي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يَا عَمَّةُ، هَلُمِّي فَأتِيني بابني»، فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَتَنَاوَلَهُ، وَأَخْرَجَ لِسَانَهُ فَمَسَحَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ فَفَتَحَهَا، ثمّ أَدْخَلَهُ فِي فِيهِ فَحَنَّكَهُ، ثمّ أَدْخَلَهُ فِي أُذُنَيْهِ وَأَجْلَسَهُ فِي رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، فَاسْتَوَى وَليُّ اللّه جَالِسًا، فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَالَ لَهُ: «يَا بُنَيَّ، انْطِقُ بِقُدْرَةِ اللّه، فَاسْتَعَاذَ وَليُّ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّحِيمِ، وَاسْتَفْتَحَ: «بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص: 5 و 6]...، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللّه وَعَلَى أمير المؤمِنِينَ وَالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَاحِداً وَاحِداً حتّى انتهى إلى أَبِيهِ، فَنَاوَلَنِيهِ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَقَالَ: يَا عَمَّهُ، رُدِّيهِ إلَى أمّه حتّى تَقَرَّ عَيْنُها وَلَا تَحْزَنَ، وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّه حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ»(2)، فَرَدَدْتُهُ إِلَى أمّه

ص: 156


1- فتداخلني الشكُّ (خ).
2- مقتبس من سورة (القصص: 13).

وَقَدِ انْفَجَرَ الْفَجْرُ الثَّانِي، فَصَلَّيْتُ الْفَرِيضَةَ وَعَقَبْتُ إلى أَنْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ، ثمّ وَدَّعْتُ أَبَا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَانْصَرَفْتُ إِلَى مَنزلي، فَلَما كَانَ بَعْدَ ثَلَاثَ اشْتَقْتُ إِلَى وَلي اللّه، فَصِرْتُ إِلَيْهِمْ، فَبَدَأتُ بالحُجْرَةِ الَّتِي كَانَتْ سَوْسَنُ فِيهَا، فَلَمْ أَرَ أثراً وَلَا سَمِعْتُ ذِكْراً، فَكَرِهْتُ أَنْ أَسْأَلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَاسْتَحْيَيْتُ أَنْ أَبْدَأَهُ بِالسُّؤَالِ فَبَدَأَنِي، فَقَالَ: «يَا عَمَّةٌ فِي كَنَفِ اللّه وَحِرْزِهِ وَسَتْرِهِ وَعَيْنِهِ (1) حتّى يَأْذَنَ اللّه لَهُ، فَإِذَا غَيَّبَ اللّه شَخْصِي وَتَوَفَّانِي وَرَأَيْتَ شِيعَتِي قَدِ اخْتَلَفُوا فَأَخْبِري الثَّقَاتَ مِنْهُمْ، وَلْيَكُنْ عِندَكِ وَعِنْدَهُمْ مَكْتُوماً، فَإِنَّ وَليَّ اللّه يُغَيِّبُهُ اللّه عَنْ خَلْقِهِ وَيَحْجُبُهُ عَنْ عِبَادِهِ، فَلَا يَرَاهُ أَحَدٌ حتّى يُقَدِّمَ لَهُ جَبْرَئِيلُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَرَسَهُ، «لِيَقْضِيَ اللّه أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً» [الأنفال: 42]» (2).

[26/26] الغيبة للطوسي: [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[26/26] الغيبة للطوسي : أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ بن سَمِيع بن بُنَانِ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٌّ بن أبي الدَّارِي، عَنْ أَحْمَدَ بْن محمّد، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَبْدِ اللّه، عَنْ أَحْمَدَ بْن رُوحٍ الْأَهْوَازِيِّ، عَنْ محمّد بْن إِبْرَاهِيمَ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْل مَعْنَى الحَدِيثِ الأَوَّلِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: قَالَتْ : بَعَثَ إِلَيَّ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَيْلَةَ النَّصْفِ مِنْ شَهْرٍ رَمَضَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، قَالَتْ: وَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه مَنْ أُمُّهُ؟ قَالَ: «نَرْجِسُ»، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ اشْتَدَّ شَوْقِي إِلَى وَلَي اللّه، فَأَتَيْتُهُمْ عَائِدَةً، فَبَدَأتُ بالحُجْرَةِ الَّتِي فِيهَا الْجَارِيَةُ، فَإِذَا أَنَا بِهَا جَالِسَةً في تجلس المَرْأَةِ التَّفَسَاءِ وَعَلَيْهَا أَثْوَابٌ صُفْرٌ وَهِيَ مُعَصَّبَةُ الرَّأس، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهَا، وَالْتَفَتُّ إِلَى جَانِبِ الْبَيْتِ وَإِذَا بِمَهْدِ عَلَيْهِ أَنْوَابٌ خُضْرٌ، فَعَدَلْتُ إِلَى المَهْدِ وَرَفَعْتُ عَنْهُ الْأَنْوَابَ، فَإِذَا أَنَا بِوَلِيٍّ اللّه نَائِمٌ عَلَى قَفَاهُ غَيْرَ مَحْزُومٍ وَلَا مَقْمُوطٍ، فَفَتَحَ عَيْنَيْهِ وَجَعَلَ يَضْحَكُ وَيُنَاجِينِي بِإِصْبَعِهِ، فَتَنَاوَلْتُهُ وَأَدْنَيْتُهُ إلَى فَمِى لأقبلَهُ، فَشَمَمْتُ مِنْهُ

ص: 157


1- في المصدر: (وغيبه) بدل (وعينه).
2- الغيبة للطوسي (ص 234 / 204).

رَائِحَةٌ مَا شَمَمْتُ قَطُّ أَطْيَبَ مِنْهَا، وَنَادَانِي أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّتِي، هَلُمَّي فَتَايَ إِلَيَّ»، فَتَنَاوَلَهُ، وَقَالَ: «يَا بُنَيَّ، انْطِقُ».... وَذَكَرَ الحَدِيثَ.

قَالَتْ: ثمّ تَنَاوَلَهُ مِنْهُ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا بُنَيَّ، أَسْتَوْدِعُكَ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى! كُنْ فِي دَعَةِ اللّه وَسَتْرِهِ وَكَنَفِهِ وَجِوَارِهِ، وَقَالَ: «رُدِّيهِ إِلَى أمّه يَا عَمَّهُ، وَاكْتُمِي خَبَرَ هَذَا المَوْلُودِ عَلَيْنَا، وَلَا تُخْبِرِي بِهِ أَحَداً حتّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ»، فَأَتَيْتُ أمّه وَوَدَّعْتُهُمْ...، وَذَكَرَ الحَدِيثَ إِلَى آخِره (1).

بیان: حزمه يحزمه شدَّه.

[27/27] الغيبة للطوسي: عن حكيمة بمثل ذلك

[27/27] الغيبة للطوسي : أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ ابْن زكريّا، قَالَ: حدَّثني الثَّقَةُ، عَنْ محمّد بْن عَلِيِّ بْن بِلَالٍ، عَنْ حَكِيمَةَ بِمِثْل ذَلِكَ (2).

وفي رواية أخرى: [حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

وَفِي ِروَايَةٍ أُخْرَى عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الشُّيُوخِ أَنَّ حَكِيمَةَ حَدَّثَتْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ كَانَ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، وَأَنَّ أمّه نَرْجِسُ.... وَسَاقَتِ الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهَا: فَإِذَا أَنَا بِحِسِّ سيّدي وَبِصَوْتِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَهُوَ يَقُولُ: «يَا عَمَّتِي، هَاتِي ابْنِي إِلَيَّ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سيّدي، فَإِذَا هُوَ سَاجِدٌ مُتَلَقِّياً الأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ وَعَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَن مَكْتُوبٌ : «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً» [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوعَاً مِنْهُ، فَلَفَفْتُهُ فِي ثَوْبٍ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...، وَذَكَرُوا الْحَدِيثَ إِلَى قَوْلِهِ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَنَّ محمّداً رَسُولُ اللّه، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا...»، ثمّ لَمْ يَزَلْ يَعُدُّ السَّادَةَ الْأَوْصِيَاءَ إِلَى أَنْ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَجِ عَلَى يَدَيْهِ، ثمّ أَحْجَمَ. وَقَالَتْ: ثمّ رُفِعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَي محمّد كَالْحِجَابِ، فَلَمْ أَرَ سيّدي، فَقُلْتُ لِأَبِي محمّد:

ص: 158


1- الغيبة للطوسي (ص 238 / ح 206).
2- الغيبة للطوسي (ص 238 / ذيل الحديث 206).

يَا سيّدي، أَيْنَ مَوْلَايَ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ مِنْكِ وَمِنَّا».... ثمّ ذَكَرُوا الحَدِيثَ بِتَمَامِهِ وَزَادُوا فِيهِ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ عَلَى أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا مَوْلَانَا الصَّاحِبُ يَمْشِي فِي الدَّارِ، فَلَمْ أَرَ وَجْهاً أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ، وَلَا لُغَةٌ أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ أَبو محمّد: «هَذَا المَوْلُودُ الْكَريمُ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ)»، فَقُلْتُ: سيّدي، أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى وَلَهُ أرْبَعُونَ يَوْماً ؟ !، فَتَبَسَّمَ وَقَالَ: «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعَاشِرَ الأئمّة نَنشَأُ فِي الْيَوْم مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ؟»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأْسَهُ وَانْصَرَفْتُ، ثمّ عُدْتُ وَتَفَقَدْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِأَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَا فَعَلَ مَوْلَانَا؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْ أُمُّ مُوسَى» (1).

[28/28] الغيبة للطوسي: [ حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

[28/28] الغيبة للطوسي : أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ، عَنْ حَنْظَلَةَ ابْن زكريّا، قَالَ: حدَّثني أَحْمَدُ بْنُ بِلَالِ بْن دَاوُدَ الْكَاتِبِ، وَكَانَ عَامِّيَّا بِمَحَلٌ مِنَ النَّصْبِ لِأَهْل الْبَيْتِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) يُظْهِرُ ذَلِكَ وَلَا يَكْتُمُهُ، وَكَانَ صَدِيقاً لِي يُظْهِرُ مَوَدَّةً بِمَا فِيهِ مِنْ طَبْع أَهْل الْعِرَاقِ، فَيَقُولُ كُلَّمَا لَقِيَنِي: لَكَ عِنْدِي خَبَرٌ تَفْرَحُ بِهِ وَلَا أُخْبِرُكَ بِهِ، فَأَتَغَافَلُ عَنْهُ إِلَى أَنْ جَمَعَنِي وَإِيَّاهُ مَوْضِعُ خَلْوَةٍ فَاسْتَقْصَيْتُ عَنْهُ وَسَأَلْتُهُ أَنْ يُخْبِرَني بِهِ، فَقَالَ: كَانَتْ دُورُنَا بِسُرَّ مَنْ رَأَى مُقَابِلَ دَار ابن الرِّضَا - يَعْنِي أَبَا محمّد الْحَسَنَ بْنَ عَلَيَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، فَغِبْتُ عَنْهَا دَهْراً طويلاً إِلَى قَزْوِينَ وَغَيْرهَا، ثمّ قَضَى لي الرُّجُوعُ إِلَيْهَا، فَلَمَّا وَافَيْتُهَا وَقَدْ كُنْتُ فَقَدْتُ جَمِيعَ مَنْ خَلَّفْتُهُ مِنْ أَهْلِي وَقَرَابَاتِي إِلَّا عَجُوزاً كَانَتْ رَبَّتْنِي وَلَهَا بِنْتُ مَعَهَا، وَكَانَتْ مِنْ طَبْعِ الأولِ مَسْتُورَةٌ صَائِنَةٌ لَا تُحْسِنُ الْكَذِبَ، وَكَذَلِكَ مُوَالِيَاتٌ لَنَا بَقِينَ في الدّار، فَأَقَمْتُ عِنْدَهُمْ أَيَّاماً، ثمّ عَزَمْتُ [ عَلَى ] (2) الخُرُوج، فَقَالَتِ الْعَجُوزُ : كَيْفَ تَسْتَعْجِلُ الْإِنْصِرَافَ وَقَدْ غِبْتَ زَمَاناً؟ فَأَقِمْ عِنْدَنَا لِنَفْرَحَ بِمَكَانِكَ، فَقُلْتُ لَهَا عَلَى جِهَةِ الهُزْءِ: أُرِيدُ أَنْ أَصِيرَ إِلَى

ص: 159


1- الغيبة للطوسي (ص 239 / ح 207).
2- كلمة (على) ليست في المصدر.

كَرْبَلَاءَ، وَكَانَ النَّاسُ لِلْخُرُوج فِي النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ لِيَوْمٍ عَرَفَةَ، فَقَالَتْ: يَا بُنَيَّ، أُعِيدُكَ بِاللّه أَن تستهيني بما [تَسْتَهِينَ مَا ] ذَكَرْتَ، أَوْ تَقُولَهُ عَلَىٰ وَجْهِ الْهُزْءِ، فَإِنِّي أُحَدِّثُكَ بِمَا رَأَيْتُهُ، يَعْنِي بَعْدَ خُرُوجِكَ مِنْ عِنْدَنَا بِسَنَتَيْن.

كُنتُ في هَذَا الْبَيْتِ نَائِمَةٌ بِالْقُرْبِ مِنَ الدَّهْلِيز، وَمَعِيَ ابْنَتِي، وَأَنَا بَيْنَ النَّائِمَةِ وَالْيَقْظَانَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، نَظِيفُ الشَّيَابِ، طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، فَقَالَ: يَا فُلَانَهُ، يَحِيتُكِ السَّاعَةَ مَنْ يَدْعُوكِ في الجيران، فَلَا تَمتَنِعِي مِنَ الذَّهَابِ مَعَهُ وَلَا تَخَافِي، فَفَزِعْتُ، وَنَادَيْتُ ابْنَتِي وَقُلْتُ هَا: هَلْ شَعَرْتِ بِأَحَدٍ دَخَلَ الْبَيْتَ؟ فَقَالَتْ: لَا، فَذَكَرْتُ اللّه وَقَرَاتُ وَنَمْتُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ بِعَيْنِهِ وَقَالَ لِي مِثْلَ قَوْلِهِ، فَفَزِعْتُ وَصِحْتُ بِابْنَتِي، فَقَالَتْ: لَمْ يَدْخُل الْبَيْتَ، فَاذْكُري اللّه وَلَا تَفْزَعِي فَقَرَاتُ وَنَمْتُ، فَلَا كَانَ فِي الثَّالِثَةِ جَاءَ الرَّجُلُ وَقَالَ: يَا فَلَانَةُ، قَدْ جَاءَكِ مَنْ يَدْعُوكِ وَيَقْرَعُ الْبَابَ، فَاذْهَبِي مَعَهُ، وَسَمِعْتُ دَقَّ الْبَابِ، فَقُمْتُ وَرَاءَ الْبَابِ وَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: افْتَحِي وَلَا تَخَافِي، فَعَرَفْتُ كَلَامَهُ وَفَتَحْتُ الْبَابَ، فَإِذَا خَادِمٌ مَعَهُ إِزَارٌ، فَقَالَ: يَحْتَاجُ إِلَيْكِ بَعْضُ الجِيرَان حَاجَةٍ مُهِمَّةٍ فَادْخُلِي، وَلَفٌ رَأْسِي بِالمُلَاءَةِ وَأَدْخَلَنِي الدَّارَ وَأَنَا أَعْرِفُهَا، فَإِذَا بِشِقَاقٍ مَشْدُودَةٍ وَسَطَ الدَّارِ وَرَجُلٌ قَاعِدٌ بِجَنْبِ الشَّقَاقِ، فَرَفَعَ الْخَادِمُ طَرَفَهُ، فَدَخَلْتُ وَإِذَا امْرَأَةٌ قَدْ أَخَذَهَا الطَّلِّقُ وَامْرَأَةٌ قَاعِدَةٌ خَلْفَهَا كَأَنها تَقْبَلُهَا، فَقَالَتِ المَرْأَةُ: تُعِينُنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، فَعَالَجَتُهَا بِمَا يُعَالَجُ بِهِ مِثْلُهَا، فَمَا كَانَ إِلَّا قَلِيلاً حتّى سَقَطَ غُلَامٌ، فَأَخَذْتُهُ عَلَى كَفِّي وَصِحْتُ غُلَامٌ غُلَامٌ، وَأَخْرَجْتُ رَأْسِي مِنْ طَرَفِ الشَّقَاقِ أُبَشِّرُ الرَّجُلَ الْقَاعِدَ، فَقِيلَ لي: لَا نَصِيحِي، فَلَمَّا رَدَدْتُ وَجْهِي إِلَى الْغُلَام قَدْ كُنْتُ فَقَدْتُهُ مِنْ كَفِّي، فَقَالَتْ لِي المَرْأَةُ الْقَاعِدَةُ: لَا تَصِيحِي، وَأَخَذَ الْخَادِمُ بِيَدِي وَلَفَّ رَأْسِي بِالْمَلَاءَةِ وَأَخْرَجَنِي مِنَ الدَّارِ وَرَدَّنِي إِلَى دَارِي وَنَاوَلَنِي صُرَّةٌ، وَقَالَ لي: لَا تُخبري بِمَا رَأَيْتِ أَحَداً.

ص: 160

فَدَخَلْتُ الدَّارَ وَرَجَعْتُ إِلَى فِرَاشِي فِي هَذَا الْبَيْتِ وَابْنَتِي نَائِمَةٌ بَعْدُ، فَأَنْبَهْتُهَا وَسَأَلْتُهَا : هَلْ عَلِمْتِ بِخُرُوجِي وَرُجُوعِي؟ فَقَالَتْ: لَا، وَفَتَحْتُ الصُّرَّةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا فِيهَا عَشَرَةُ دَنَانِيرَ عَدَداً، وَمَا أَخْبَرْتُ بِهَذَا أَحَداً إِلَّا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمَّا تَكَلَّمْتَ بِهَذَا الْكَلَام عَلَى حَدَّ الهُرهِ، فَحَدَّثْتُكَ إِشْفَاقاً عَلَيْكَ، فَإِنَّ هِؤُلَاءِ الْقَوْمِ عِنْدَ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) شَأناً وَمَنْزلَةٌ، وَكُلُّ مَا يَدَّعُونَهُ حتّى [حَقٌّ]، قَالَ: فَعَجِبْتُ مِنْ قَوْلِهَا وَصَرَفْتُهُ إِلَى السُّخْرِيَّةِ وَالهُزءِ، وَلَمْ أَسْأَلُها عَن الْوَقْتِ، غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ يَقِيناً أَنِّي غِبْتُ عَنْهُمْ فِي سَنَةِ نَيِّفٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَرَجَعْتُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى فِي وَقْتٍ أَخْبَرَتْنِي الْعَجُوزُ بهَذَا الْخَبَر فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ فِي وِزَارَةِ عُبَيْدِ اللّه بن سُلَيْمانَ لَمَّا قَصَدْتُهُ.

قَالَ حَنْظَلَةُ: فَدَعَوْتُ بِأَي الْفَرَج المظفّر بْن أَحْمَدَ حتّى سَمِعَ مَعِي (1) هَذَا الخبر (2).

بیان :قوله: (من طبع الأول): أي كانت من طبع الخلق الأول هكذا، أي كان مطبوعاً على تلك الخصال في أوّل عمره والشقاق جمع الشقّة بالكسر، وهي من الثوب ما شقّ مستطيلاً.

[29/29] الغيبة للطوسي: (... كانت لها جارية ربتها تُسمّى: نرجس...)

[29 / 29] الغيبة للطوسي: رُويَ أَنَّ بَعْضَ أَخَوَاتِ أَبِي الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ رَبَّتْهَا تُسَمَّى نَرْجِسَ فَلَمَّا كَبِرَتْ دَخَلَ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَقَالَتْ لَهُ: أَرَاكَ يَا سيّدي تَنظُرُ إِلَيْهَا، فَقَالَ: «إِنِّي مَا نَظَرْتُ إِلَيْهَا إِلَّا مُتَعَجِّباً، أَمَا إِنَّ المَوْلُودَ الْكَرِيمَ عَلَى اللّه يَكُونُ مِنْهَا»، ثمّ أَمَرَهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَبَا الْحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي دَفْعِهَا إِلَيْهِ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا بِذَلِكَ (3).

ص: 161


1- في المصدر إضافة: (منه).
2- الغيبة للطوسي (ص 240 / 208).
3- الغيبة للطوسي (ص 244 / ح 210).

[35/35] كشف الغمّة : (... وأمّه أم ولد تُسمّى صقيل...)

[35/ 35] كشف الغمّة: قَالَ الشَّيْخُ كمال الدِّين بنُ طَلْحَةَ: مَوْلِدُ الحجّة ابْن الحَسَن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بِسُرَّ مَنْ رَأى فِي ثَالِثٍ وَعِشْرِينَ رَمَضَانَ سَنَةً ثَمانٍ وَخَمْسِينَ وَمائتين، وَأَبُوهُ أَبو محمّد الْحَسَنُ، وأمّه أُمُّ وَلَدٍ تُسَمَّى صَقِيلَ، وَقِيلَ: حَكِيمَةَ، وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ، وَكُنيتُهُ أبو الْقَاسِمِ، وَلَقَبُهُ الحجّة وَالخَلَفُ الصَّالِحُ، وَقِيلَ: المتنظَرُ (1).

ص: 162


1- کشف الغمة (ج 3 / ص 347/ باب ذكر الإمام الثاني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ)).

[36/36] الإرشاد: (... وأمّه أم ولد يقال لها: نرجس...)

[36/36] الإرشاد: كَانَ مَوْلِدُهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لَيْلَةَ النَّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ خَمْس وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وأمّه أُمُّ وَلَدٍ يُقَالُ لهَا: نَرْجِسُ، وَكَانَ سِنُّهُ عِنْدَ وَفَاةِ أَبِيهِ خَمْسُ سِنِينَ آتَاهُ اللّه فِيهِ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ وَجَعَلَهُ آيَةٌ لِلْعَالَمِينَ وَآتَاهُ الْحِكْمَةَ كَما آتَاهُ يَحْيَى صَبيَّا، وَجَعَلَهُ إِمَاماً كَمَا جَعَلَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ في المَهْدِ نَبِيًّا، وَلَهُ قَبْلَ قِيَامِهِ غَيْبَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْأُخْرَى جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَخْبَارُ، فَأَمَّا الْقُصْرَى مِنْهَا فَمُنْذُ وَقْتِ مَوْلِدِهِ إِلَى انْقِطَاعِ السَّفَارَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ شِيعَتِهِ وَعَدَمِ السُّفَرَاءِ بالْوَفَاةِ، وَأَمَّا الطُّولَى فَهِيَ بَعْدَ الأُولَى وَفِي آخِرهَا يَقُومُ بِالسَّيْف (1).

[ 37/37] كشف الغمّة: «... يُقال لأمّه صقيل...»

[37/37] كشف الغمّة : قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ : حدَّثني أَبُو الْقَاسِم طَاهِرُ بْنُ هَارُونَ بْن مُوسَى الْعَلَوِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ سيّدي جَعْفَرُ بْنُ محمّد : «الخَلَفُ الصَّالِحُ مِنْ وُلْدِي، وَهُوَ المهديّ، اسْمُهُ (م ح م د)، وَكُنْيَتُه أَبو الْقَاسِم، يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، يُقَالُ لِأُمِّهِ: صَقِيلُ»، قَالَ لَنَا أَبُو بَكْرِ الدَّارِعُ (2): وَفِي ِروَايَةٍ أَخْرَى بَلْ أمّه حَكِيمَةُ، وَفِي ِروَايَةٍ ثَالِثَة: يُقَالُ لَهَا نَرْجِسُ، وَيُقَالُ: بَلْ سَوْسَنُ، وَاللّه أَعْلَمُ بِذَلِكَ.

وَيُكَنَّى بأبي الْقَاسِمِ، وَهُوَ ذُو الْإِسْمَيْن: خَلَفٍ وَمحمّد، يَظْهَرُ فِي آخِر الزَّمَان وَعَلَى رَأْسِهِ غَمَامَةٌ تُظِلُّهُ مِنَ الشَّمْس تَدُورُ مَعَهُ حَيْثُمَا دَارَ، تُنَادِي بِصَوْتٍ فَصِيح : هَذَا المهديّ.

حدَّثني محمّد بْنُ مُوسَى الطُّوسِيُّ، قَالَ: حدَّثنا أَبُو مِسْكِينٍ، عَنْ بَعْض أَصْحَابِ التَّاريخ أَنَّ أُمَّ المُنتظَر يُقَالُ لَهَا: حَكِيمَةُ (3).

أقول: سيأتي بعض الأخبار في (باب) من رآه) (4).

ص: 163


1- الإرشاد للمفيد (ج 2 / ص 339)
2- في المصدر: (الذارع) بدل (الدارع).
3- كشف الغمّة (ج 2 / ص 475 / باب في ما روي في أمر المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)).
4- (باب 18 / ص 589).

وقال ابن خلكان في تاريخه: (... واسم أمّه خمط...)

وقال ابن خلِّكان في تاريخه: هو ثاني عشر الأئمّة الاثنا عشر على اعتقاد الإمامية المعروف بالحجّة، وهو الّذي تزعم الشيعة أنَّه المنتظر والقائم والمهديّ، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسُرَّ من رأى كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين، ولمَّا تُوفّي أبوه كان عمره خمس سنين، واسم أمّه خمط وقيل: نرجس والشيعة يقولون: إنَّه دخل السرداب في دار أبيه وأمّه تنظر إليه، فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين ومأتين، [وعمره يومئذٍ تسع سنين، وذكر ابن الأزرق في تاريخ ميافارقين أنَّ الحجّة المذكور وُلِدَ تاسع شهر ربیع الأوَّل سنة ثمان وخمسين ومأتين ] (1)، وقيل : في ثامن شعبان سنة ستّ وخمسين، وهو الأصحُّ، وإنَّه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل: خمس سنين، وقيل: إنَّه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومأتين وعمره [ سبع ] عشر سنة، واللّه أعلم (2).

أقول [ العلامة المجلسي]: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا رواية هذه صورتها: «... فرأيت جارية من جواريهن قد زُيّنت تُسمّى نرجس...»

أقول: رَأَيْتُ فِي بَعْض مُؤَلَّفَاتِ أَصْحَابِنَا (3) روَايَةٌ هَذِهِ صُورَتُهَا، قَالَ: حدَّثني هَارُونُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعْدَانَ الْبَصْرِي وَمحمّد بْن أَحْمَدَ الْبَغْدَادِي وَأَحْمَدَ ابْن إِسْحَاقَ وَسَهْل بن زِيَادِ الْآدَمِيٌّ وَعَبْدِ اللّه بْن جَعْفَرٍ، عَنْ عِدَّةٍ مِنَ المَشايخ وَالثَّقَاتِ، عَنْ سيّدينَا أَبي الحَسَن وَأَبِي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، قَالَا: «إِنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ الْإِمَامَ أَنْزَلَ قَطْرَةً مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ فِي المَزْن، فَتَسْقُطُ فِي ثَمَرَةٍ مِنْ ثِمار الجنَّةِ، فَيَأْكُلُهَا الحجّة في الزَّمَان (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا اسْتَقَرَّتْ فِيهِ فَيَمْضِي لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً سَمِعَ الصَّوْتَ، فَإِذَا آنَتْ لَهُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَدْ حُمِلَ كُتِبَ عَلَى عَضُدِهِ الْأَيْمَن: «وَتَمَّتْ

ص: 164


1- ما بين المعقوفتين من المصدر، وكذا ما يأتي.
2- وفيات الأعيان (ج 4 / ص 176 / الرقم 562).
3- لم نتحقَّق اسم المصدر.

كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» :[الأنعام: (115]، فَإِذَا وُلِدَ قَامَ بِأَمْرِ اللّه وَرُفِعَ لَهُ عَمُودٌ مِنْ نُورٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَنْظُرُ فِيهِ إِلَى الخَلَائِقِ وَأَعْمَالِهِمْ، وَيَنْزِلُ أَمْرُ اللّه إِلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَمُودِ وَالْعَمُودُ نُصْبُ عَيْنِهِ حَيْثُ تَوَلَّى وَنَظَرَ».

قَالَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «دَخَلْتُ عَلَى عَمَّاتِي، فَرَأَيْتُ جَارِيَةً مِنْ جَوَارِيهِنَّ قَدْ زُيِّنَتْ تُسَمَّى : نَرْجِسُ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهَا نَظَراً أَطَلْتُهُ، فَقَالَتْ لي عَمَّتِي حَكِيمَةُ: أَرَاكَ يَا سيّدي تَنْظُرُ إِلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ نَظَراً شَدِيداً، فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَمَّةُ، مَا نَظَري إِلَيْهَا إِلَّا نَظَرَ التَّعَجُبِ مِما للّه فِيهِ مِنْ إِرَادَتِهِ وَخِيَرَتِهِ، قَالَتْ لِي: أَحْسَبُكَ يَا سيّدي تُريدُهَا، فَأَمَرْتُهَا أَنْ تَسْتَأْذِنَ أَي عَلِيَّ بْنَ محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي تَسْلِيمِهَا إِلَيَّ، فَفَعَلَتْ، فَأَمَرَهَا (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِذَلِكَ، فَجَاءَتْنِي بِهَا».

قال الحسين بن حمدان: [ حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]

قَالَ الحُسَيْنُ بْنُ حَمْدَانَ وَحدَّثني مَنْ أَثْقُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَشَايخ، عَنْ حَكِيمَةَ بِنْتِ محمّد بْن عَلى الرّضَا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قَالَ: كَانَتْ تَدْخُلُ عَلَى أَي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَتَدْعُو لَهُ أَنْ يَرْزُقَهُ اللّه وَلَداً، وَأَنَّهَا قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ كَمَا أَقُولُ وَدَعَوْتُ كَمَا أَدْعُو.

فَقَالَ: «يَا عَمَّةُ، أَمَا إِنَّ الّذي تَدْعِينَ اللّه أَنْ يَرْزُقَنِيهِ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ»، وَكَانَتْ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ سَنَةَ سَبْع وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، «فَاجْعَلِي إِفْطَارَكِ مَعَنَا»، فَقُلْتُ: يَا سيّدي مِمَّنْ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ الْعَظِيمُ؟ فَقَالَ لي (عَلَيهِ السَّلَامُ): مِنْ نَرْجِسَ يَا عَمَّهُ».

قَالَ: فَقَالَتْ لَهُ (1): يَا سيّدي مَا فِي جَوَارِيكِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَا، وَقُمْتُ وَدَخَلْتُ إِلَيْهَا، وَكُنْتُ إِذَا دَخَلْتُ فَعَلَتْ بي كَمَا تَفْعَلُ، فَانْكَبَيْتُ عَلَى يَدَيْهَا فَقَبَّلْتُهُما وَمَنَعْتُهَا مِمَّا كَانَتْ تَفْعَلُهُ، فَخَاطَبَتْنِي بِالسَّيَادَةِ، فَخَاطَبْتُهَا بِمِثْلِهَا، فَقَالَتْ لِي: فَدَيْتُكِ، فَقُلْتُ هَا: أَنَا فِدَاكِ وَجَمِيعُ الْعَالَمِينَ، فَأَنْكَرَتْ ذَلِكِ، فَقُلْتُ لَهَا: لَا تُنْكِرينَ

ص: 165


1- كذا والظاهر (قالت: فقلت له).

مَا فَعَلْتُ، فَإِنَّ اللّه سَيَهَبُ لَكِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ غُلَاماً سَيْداً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَهُوَ فَرَجُ الْمُؤْمِنِينَ، فَاسْتَحْيَتْ.

فَتَأَمَّلْتُهَا فَلَمْ أَرَ فِيهَا أَثَرَ الْحَمْل، فَقُلْتُ لِسيّدي أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): مَا أَرَى بها حَمْلاً، فَتَبَسَّمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الْأَوْصِيَاءِ لَسْنَا نُحْمَلُ فِي الْبُطُونَ وَإِنَّمَا نُحْمَلُ فِي الجُنْبِ، وَلَا نَخْرُجُ مِنَ الْأَرْحَامِ وَإِنَّمَا نَخْرُجُ مِنَ الْفَخِذِ الْأَيْمَن مِنْ أُمَّهَاتِنَا، لأنَّنا نُورُ اللّه الّذي لَا تَنَالُهُ الدَّانِسَاتُ»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سيّدي، قَدْ أَخْبَرْتَنِي أَنَّهُ يُولَدُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَفِي أَيِّ وَقْتِ مِنْهَا؟ قَالَ لي: «في طُلُوعِ الْفَجْر يُولَدُ الْكَريمُ عَلَى اللّه إِنْ شَاءَ اللّه».

قَالَتْ حَكِيمَةُ: فَأَقَمْتُ، فَأَفْطَرْتُ، ونمْتُ بِقُرْبِ مِنْ نَرْجِسَ، وَبَاتَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي صُفَّةٍ فِي تِلْكَ الدَّارِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا، فَلَا وَرَدَ وَقْتُ صَلَاةِ اللَّيْلِ قُمْتُ وَنَرْجِسُ نَائِمَةٌ مَا بِهَا أَثَرُ ولَادَةٍ، فَأَخَذْتُ فِي صَلَاتِ ثمّ أَوْتَرْتُ فَأَنَا فِي الْوَتْرِ حتّى وَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ وَدَخَلَ قَلْبِي شَيْءٌ، فَصَاحَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مِنَ الصُّفَّةِ: «لَمْ يَطْلُعِ الْفَجْرُ يَا عَمَّةُ».

فَأَسْرَعْتُ الصَّلَاةَ، وَتَحَرَّكَتْ نَرْجِسُ، فَدَنَوْتُ مِنْهَا وَضَمَمْتُهَا إِلَى وَسَمَّيْتُ عَلَيْهَا، ثمّ قُلْتُ لهَا: هَلْ تَحِسِّينَ بِشَيْءٍ ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، فَوَقَعَ عَلَى سُبَاتٌ لَمْ أَتَمالَكَ مَعَهُ أَنْ نَمْتُ، وَوَقَعَ عَلَى نَرْجِسَ مِثْلُ ذَلِكَ وَنَامَتْ، فَلَمْ أَنْتَبِهُ إِلَّا بِحِسٌ سيّدي المهديّ وَصَيْحَةِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «يَا عَمَّةُ، هَاتِي ابْني إِلَيَّ فَقَدْ قَبلْتُهُ»، فَكَشَفْتُ عَنْ سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا أَنَا بِهِ سَاجِداً يَبْلُغُ الْأَرْضَ بِمَسَاجِدِهِ، وَعَلَى ذِرَاعِهِ الْأَيْمَنِ مَكْتُوبٌ : «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً» [الإسراء: 81]، فَضَمَمْتُهُ إِلَيَّ، فَوَجَدْتُهُ مَفْرُوغاً مِنْهُ، وَلَفَفْتُهُ فِي ثَوْبِ وَحَمَلْتُهُ إِلَى أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَأَخَذَهُ فَأَقْعَدَهُ عَلَى رَاحَتِهِ الْيُسْرَى، وَجَعَلَ رَاحَتَهُ الْيُمْنَى عَلَى ظَهْرِهِ، ثمّ أَدْخَلَ لِسَانَهُ في فِيهِ، وَأَمَرَّ بِيَدِهِ عَلَى ظَهْرِهِ وَسَمْعِهِ وَمَفَاصِلِهِ، ثمّ قَالَ لَهُ: «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ».

ص: 166

فَقَالَ: «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه، وَأَشْهَدُ أَنَّ محمّداً رَسُولُ اللّه، وَأَنَّ عَلِيًّا أَمِيرَ المؤمِنينَ وَليُّ اللّه...»، ثمّ لَمْ يَزَلْ يُعَدِّدُ السَّادَةَ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) إِلَى أَنَّ بَلَغَ إِلَى نَفْسِهِ، وَدَعَا لِأَوْلِيَائِهِ بِالْفَرَجِ عَلَى يَدِهِ، ثمّ أَجْحَمَ. قَالَ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «يَا عَمَّةُ، اذْهَبِي [بِهِ] إِلَى أمّه لِيُسَلَّمَ عَلَيْهَا وَأتِينِي بِهِ»، فَمَضَيْتُ، فَسَلَّمَ عَلَيْهَا وَرَدَدْتُهُ، ثمّ وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ أَبي محمّد لا كَالْحِجَابٍ، فَلَمْ أَرَ سيّدي، فَقُلْتُ لَهُ: يَا سيّدي، أَيْنَ مَوْلَانَا ؟ فَقَالَ: «أَخَذَهُ مَنْ هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْكِ، فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ السَّابِعُ فَأَتِينَا».

فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ السَّابع جِنْتُ فَسَلَّمْتُ ثمّ جَلَسْتُ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «هَلُمَّي ابْنِي، فَجِئْتُ بِسيّدي وَهُوَ فِي ثِيَابٍ صُفْرٍ، فَفَعَلَ بِهِ كَفِعَالِهِ الْأَوَّلِ، وَجَعَلَ لِسَانَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فِي فِيهِ، ثمّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «تَكَلَّمْ يَا بُنَيَّ»، فَقَالَ عَلَيْا : «أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللّه...»، وَثَنَّى بالصَّلَاةِ عَلَى محمّد وَأَمِير المُؤمِنينَ وَالأئمّة حتّى وَقَفَ عَلَى أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قَرَأَ ««بِسْمِ اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ» [القصص: 5 و 6]»، ثمّ قَالَ لَهُ: «اقْرَأ يَا بُنَيَّ مَا أَنْزَلَ اللّه عَلَى أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ»، فَابْتَدَأَ بِصُحُفِ آدَمَ فَقَرَأَهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَكِتَابِ إِدْرِيسَ، وَكِتَابِ نُوحٍ، وَكِتَابِ هُودٍ، وَكِتَابِ صَالِحٍ، وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، وَتَوْرَاةِ مُوسَى، وَزَبُور دَاوُدَ، وَإِنْجِيل عِيسَى، وَفُرْقَان جَدِّي رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ قَصَّ قِصَصَ الْأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ إِلَى عَهْدِهِ، فَلَما كَانَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً دَخَلْتُ دَارَ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَإِذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَان يَمْشِي فِي الدَّارِ، فَلَمْ أَرَ وَجْهَا أَحْسَنَ مِنْ وَجْهِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وَلَا لُغَةٌ أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَقَالَ لي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «هَذَا المَوْلُودُ الْكَريمُ عَلَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ)»، قُلْتُ لَهُ: يَا سيّدي، لَهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً وَأَنَا أَرَى مِنْ أَمْرِهِ مَا أَرَى، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «يَا عَمَّتِي، أَمَا عَلِمْتِ أَنَّا مَعْشَرَ الْأَوْصِيَاءِ نَنْشَأُ فِي الْيَوْم مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي الجُمْعَةِ، وَیَنْشَأْ فِي

ص: 167

الجُمْعَةِ مَا يَنْشَأُ غَيْرُنَا فِي السَّنَةِ؟»، فَقُمْتُ فَقَبَّلْتُ رَأَسَهُ فَانْصَرَفْتُ، فَعُدْتُ وَتَفَقَّدْتُهُ فَلَمْ أَرَهُ، فَقُلْتُ لِسيّدي أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مَا فَعَلَ مَوْلَانَا ؟ فَقَالَ: «يَا عَمَّهُ، اسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى (عَلَيهِ السَّلَامُ)»، ثمّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «لَمَّا وَهَبَ لِي رَبِّي مَهْدِيّ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْسَلَ مَلَكَيْن فَحَمَلَاهُ إِلَى سُرَادِقِ الْعَرْشِ حتّى وَقَفَا [به] بَيْنَ يَدَى اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، فَقَالَ لَهُ: مَرْحَباً بِكَ عَبْدِي لِنُصْرَةِ دِينِي وَإظْهَارِ أَمْرِي وَمَهْدِي عِبَادِي، آلَيْتُ أَنِّي بِكَ أَخُذُ وَبِكَ أُعْطِي وَبكَ أَغْفِرُ وَبكَ أُعَذِّبُ، ارْدُدَاهُ أَيُّهَا الملكان رُدَّاهُ رُدَّاهُ عَلَى أَبِيهِ رَدًّا رَفِيقاً وَأَبْلِغَاهُ، فَإِنَّهُ فِي ضَمَانِي وَكَنَفِي وَبِعَيْنِي إِلَى أَنْ أُحِقَّ بِهِ الحَقَّ وَأَزْهِقَ بِهِ الْبَاطِلَ، وَيَكُونَ الدِّينُ لِي وَاصِباً».

ثُمَّ قَالَتْ: لَمَّا سَقَطَ مِنْ بَطْن أمّه إِلَى الْأَرْضِ وُجِدَ جَائِباً عَلَى رُكْبَتَيْهِ رَافِعاً بِسَبَّابَتَيْهِ، ثمّ عَطَسَ فَقَالَ: «الْحَمْدُ اللّه رَبِّ الْعالَمينَ، وَصَلَّى اللّه عَلَى محمّد وَآلِهِ عَبْداً دَاخِراً غَيْرَ مُسْتَنْكِفٍ وَلَا مُسْتَكْبِر، ثمّ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «زَعَمَتِ الظُّلَمَةُ أَنَّ حُجَّةَ اللّه دَاحِضَةٌ، لَوْ أَذِنَ لِي لَزَالَ الشَّكُ».

وَعَنْ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبِ أَبِي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَنَّهُ قَالَ: وَجَّهَ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَبو الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِأَرْبَعَةِ أَكْبُشِ، وَكَتَبَ إِلَيَّ: «بِسْم اللّه الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ، [عُقَّ] هَذِهِ عَن ابني محمّد المهديّ، وَكُلْ هَنَّأَكَ وَأَطْعِمْ مَنْ وَجَدْتَ مِنْ شِيعَتِنَا» (1).

أقول [ العلامة المجلسى]: وقال الشهيد (رَحمهُ اللّه) في الدروس: (... وأمّه صقيل...)

أقول: وقال الشهيد (رَحمهُ اللّه) في الدروس ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسُرَّ من رأى يوم الجمعة ليلاً خامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين، وأمّه صقيل، وقيل: نرجس :وقيل: مريم بنت زيد العلويَّة (2).

ص: 168


1- لم نعثر على هذا الكتاب.
2- الدروس الشرعية (ج 2 / ص 16).

[7/66] الغيبة للطوسى: «... بأبي ابن خيرة الإماء»

[7/66] الغيبة للطوسي: سَعْدٌ، عَن الْيَقْطِينِيِّ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْن أَبَانِ، عَنْ

ص: 169

عَمْرو بن شِمْرٍ، عَنْ جَابِرِ الجُعْفِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «سَايَرَ (1) عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ : أَخْبِرْنِي عَن المهديّ مَا اسْمُهُ؟ فَقَالَ: أَمَّا اسْمُهُ فَإِنَّ حَبِيبي عَهِدَ (2) إِليَّ أَنْ لَا أُحَدِّثَ بِاسْمِهِ حتّى يَبْعَثَهُ اللّه، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ صِفَتِهِ، قَالَ: هُوَ شَابٌ مَرْبُوعٌ، حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الشَّعْرِ، يَسِيلُ شَعْرُهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَنُورُ وَجْهِهِ يَعْلُو سَوَادَ الحِيَتِهِ وَرَأْسِهِ، بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ» (3).

الغيبة للنعماني: عن عمرو بن شمر، مثله (4).

ص: 170


1- في المصدر: (سأل) بدل (ساير).
2- في المصدر: (شهد).
3- الغيبة للطوسي (ص 470 / ح 487).
4- لم نعثر عليه في كتاب الغيبة هذا.

[82 / 23] الغيبة للنعماني: «... ابن ستّة وابن خيرة الإماء»

[23/82] الغيبة للنعماني: بِهَذَا الْإِسْنَادِ، عَن الحُسَيْن بْن أَيُّوبَ، عَنْ عَبْدِ اللّه الخَنْعَمِيُّ، عَنْ محمّد بْن عَبْدِ اللّه، عَنْ وُهَيْبِ بْن حَفْصٍ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: قَالَ أَبو جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أَوْ أَبو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) - الشَّكُ مِن ابْن عِصَام -: «يَا بَا محمّد، بِالْقَائِم عَلَامَتَان شَامَةٌ فِي رَأْسِهِ، وَدَاءُ الْخَزَازِ بِرَأْسِهِ، وَشَامَةٌ بَيْنَ كَيْفَيْهِ، مِنْ جَانِبِهِ الْأَيْسَر تَحْتَ كَيْفَيْهِ وَرَقَةٌ مِثْلُ وَرَقَةِ الْآس (1)، ابْنُ سِتَّةِ، وَابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ».

بيان: لعلَّ المعنى ابن ستَّة أعوام عند الإمامة، أو ابن ستَّة بحسب الأسماء فإن أسماء آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ) محمّد وعلي وحسين وجعفر وموسى وحسن ولم يحصل ذلك في أحد من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) قبله، مع أنَّ بعض رواة تلك الأخبار من الواقفيّة ولا تُقبل رواياتهم فيما يوافق مذهبهم (2).

[24/83]: الغيبة للنعماني: «... من أمة سوداء...»

[24/83] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ محمّد بْن الْفَضْل بن قَيْسِ وَسَعْدَانَ بْن إِسْحَاقَ بْن سَعِيدٍ وَأَحْمَدَ بْن الْحَسَن (3) بْن عَبْدِ المَلِكِ وَمحمّد بْن الحَسَنِ الْقَطَوَانِيِّ جَمِيعاً، عَن ابْن مَحْبُوبِ، عَنْ هِشَامِ بْن سَالِمٍ، عَنْ زَيْدٍ الْكُنَاسِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ محمّد بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ

ص: 171


1- الغيبة للنعماني (ص216).
2- ولعلَّ الصحيح أنَّه (ابن ستَّة)، وهو عبارة أخرى عن كونه (عَلَيهِ السَّلَامُ) (أزيل)، يعني: متباعداً ما بين الفخذين كما مرَّ في الحديث (19/78)، وقد صححه الفاضل القمي المعروف ب_(أرباب) في نسخة المصدر ب_(ابن سبية)، لكنه لا يوافق مع الحديث (26/85) والحديث (27/86).
3- في المصدر: (الحسين) بدل (الحسن).

فِيهِ شَبَهُ مِنْ (1) يُوسُفَ مِنْ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يَصْلُحُ اللّه لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ (2)، يُريدُ بِالشَّبَه مِنْ يُوسُفَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الغيبة (3).

[25/84]: الغيبة للنعماني: «بأبي ابن خيرة الإماء...»

[25/84] الغيبة للنعماني: عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عَبْدِ اللّه، عَنْ أَحْمَدَ بْن محمّد بْن رَبَاحٍ، عَنْ أَحْمَدَ بْن عَلِيُّ الْحِمْيَرِيُّ، عَن الحَكَم بن عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِير، قَالَ: قُلْتُ لأَبي جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ): قَوْلُ أمير المؤمِنِينَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «بأبي ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ» أَهِيَ فَاطِمَةُ؟ قَالَ: «فَاطِمَةُ خَيْرُ الْحَرَائِر»، قَالَ: «المبدح [المُدَبَّحُ] بَطْنُهُ، المُشْرَبُ عُمْرَةً، رَحِمَ اللّه فلاناً» (4).

[26/85]: الغيبة للنعماني: «... خرج يزعم أنّه ابن ستّة...»

[26/85] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَن الْقَاسِمِ بْن محمّد بْنِ الحُسَيْن، عَنْ عُبَيْس بن هِشَامٍ، عَن ابْن جَبَلَةَ، عَنْ عَلِيٍّ بن المغيرَةِ، عَنْ أَبِي الصَّباح، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَقَالَ: «مَا وَرَاءَكَ؟»، فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدِ خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سِتَّةِ (5)، وَأَنَّهُ قَائِمُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ، فَقَالَ: «كَذَبَ لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ» (6).

بيان: لعلَّ زيداً أدخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عداد الآباء مجازاً فإنَّ العم قد يُسمَّى أباً، فمع فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ستّة من المعصومين.

[27/86]: «... لو تعلمون أنّه ابن ستّة»

[27/86] الغيبة للنعماني: ابْنُ عُقْدَةَ، عَنْ عَلِيّ بْن الْحُسَيْن، عَنْ محمّد وَأَحْمَدَ ابْنَا الحَسَن، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ ثَعْلَبَةَ بن مِهْرَانَ، عَنْ يَزِيدَ بْن حَازِمٍ (7)، قَالَ:

ص: 172


1- في المصدر: (ابن) بدل (من).
2- في المصدر إضافة: (واحدة).
3- الغيبة للنعماني (ص 228).
4- المصدر السابق.
5- في المصدر: (سبية).
6- الغيبة للنعماني (ص 228).
7- في المصدر : (عن يزيد بن أبي حازم).

خَرَجْتُ مِنَ الْكُوفَةِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ المَدِينَةَ دَخَلْتُ عَلَى أَبي عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَسَأَلَنِي: «هَلْ صَاحَبَكَ أَحَدٌ؟»، فَقُلْتُ: نَعَمْ (1) صَحِبَنِي رَجُلٌ مِنَ الْمُعْتَزَلَةِ، قَالَ: «فِيمَا (2) كَانَ يَقُولُ»، قُلْتُ : كَانَ يَزْعُمُ محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بْنِ الْحَسَنِ يُرْجَى هُوَ الْقَائِمُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ اسْمَهُ اسْمُ النَّبِيِّ وَاسْمَ أَبِيهِ اسْمُ أَبي النَّبِيِّ، فَقُلْتُ لَهُ في الجواب: إِنْ كُنْتَ تَأخُذُ بِالْأَسْمَاءِ فَهُوَ ذَا فِي وُلْدِ الحُسَيْن محمّد بْنُ عَبْدِ اللّه بن عَلَى، فَقَالَ لي: إِنَّ هَذَا ابْنُ أَمَةٍ يَعْنِي محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بْن عَلِيٍّ، وَهَذَا ابْنُ مَهِيرَةٍ يَعْنِي محمّد بْنَ عَبْدِ اللّه بن الحسن بن الحَسَن، فَقَالَ لَي أَبو عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «فَما رَدَدْتَ عَلَيْهِ؟»، قُلْتُ: مَا كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أَرُدُّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «لَوْ تَعْلَمُونَ (3) أَنَّهُ ابْنُ ستَّه (4)»، يَعْنِي الْقَائِمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5).

ص: 173


1- في المصدر إضافة (فقال: أكنتم تتكلَّمون؟ قلت: نعم).
2- في المصدر : (فما) بدل (فيما).
3- في المصدر : (أو لم تعلموا) بدل (لو تعلمون).
4- في المصدر: (أنَّه ابن سبية).
5- الغيبة للنعماني (ص 229).

[205/ 4]: المقتضب لابن العيّاش: «بأبي أنت يا أبا ابن خيرة الإماء»

[4/205] كِتَابُ المُقْتَضَبِ لابْن الْعَيَّاش: قَالَ: حدَّثني الشَّيْخُ الثَّقَةُ أَبو الحُسَيْن بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ بْن عَلَى فِي سَنَةِ خَمْسٍ وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْن عِنْدَ عُبَيْدِ بن كَثِير، عَنْ نُوح بن دَرَّاجِ، عَنْ يَحْيَى، عَن الْأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْن وَهْبٍ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ وَالْحَارِثِ بْن عَبْدِ اللّه الهَمْدَانِيِّ وَالْحَارِثِ بْن شَرب كُلِّ حدَّثنا أَنَّهُمْ كَانُوا عِنْدَ عَلى عَلِيّ ابْن أَبي طَالِب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَكَانَ إِذَا أَقْبَلَ ابْنُهُ الحَسَنُ يَقُولُ: «مَرْحَباً بِابْن رَسُولِ اللّه»، وَإِذَا أَقْبَلَ الحُسَيْنُ يَقُولُ: «بِأَبي أَنْتَ يَا أَبَا ابْن خِيَرَةِ الْإِمَاءِ»، فَقِيلَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا بَالُكَ تَقُولُ هَذَا لِلْحَسَن وَهَذَا لِلْحُسَيْنِ؟ وَمَن ابْنُ خِيَرَةِ الْإِمَاءِ؟ فَقَالَ: «ذَاكَ الْفَقِيدُ الطَّرِيدُ الشَّريدُ (م ح م د) بنُ الحَسَن بن عَلِيَّ بْن محمّد بْن عَلِيَّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرِ بْن محمّد بْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن هَذَا»، وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأس الحُسَيْن (1).

ص: 174


1- مقتضب الأثر (ص (31).

[23/224] نهج البلاغة في بَعْض خُطَبِهِ (عَلَيهِ السَّلَامُ): «فَلَبِثْتُمْ بَعْدَهُ - يَعْنِي نَفْسَهُ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) - مَا شَاءَ اللّه حتّى يُطْلِعَ اللّه لَكُمْ مَنْ يَجْمَعُكُمْ، وَيَضُمُّ نَشْرَكُمْ...» (2) إِلَى آخِر مَا مَرَّ فِي كِتَاب الْفِتَن.

ص: 175


1- عبارة: (يعني نفسه (عَلَيهِ السَّلَامُ)) ليست في المصدر.
2- نهج البلاغة (ص 145 / الخطبة 100).

اللّه أَنْتُمْ بِأَحْلَامِكُمْ، كُفُّوا أَلْسِنَتَكُمْ، وَكُونُوا مِنْ وَرَاءِ مَعَايِشِكُمْ فَإِنَّ الْحِرْمَانَ سَيَصِلُ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ صَبَرْتُمْ وَاحْتَسَبْتُمْ وَاسْتَيْقَتَتُمْ أَنَّهُ طَالِبٌ وَتَرَكُمْ وَمُدْرِكُ آثَارَكُمْ وَآخِذُ بِحَقِّكُمْ، وَأُقْسِمُ بِاللّه قَسَماً حَقًّا إِنَّ اللّه مَعَ الّذينَ اتَّقَوْا وَالّذينَ هُمْ مُحْسِنُونَ».

أقول [ (المجلسي (رَحمهُ اللّه)) قال ابن أبي الحديد... «بأبي ابن خيرة الإماء...»

أَقُولُ: وَقَالَ ابْنُ أَبي الحَدِيدِ فِي شَرْح خُطْبَةٍ أَوْرَدَهَا السيّد الرَّضِيُّ فِي نَهْج الْبَلاغَةِ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى ذِكْر بَنِي أُمَيَّةَ هَذِهِ الخُطْبَةُ ذَكَرَهَا جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِ : السِّيَرَ، وَهِيَ مُتَدَاولَةٌ مَنْقُولَةٌ مُسْتَفِيضَةٌ، وَفِيهَا أَلْفَاظٌ لَمْ يُوردُهَا الرَّضِيُّ.

ثُمَّ قَالَ: وَمِنْهَا: «فَانْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَإن لَبَدُوا فَالْبَدُوا وَإنْ اسْتَنْصَرُوكُمْ فَانْصُرُوهُمْ، لَيَفْرِجَنَّ (1) اللّه بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ، بِأَبِي ابْن خِيَرَةِ الْإِمَاءِ، لَا يُعْطِيهِمْ إِلَّا السَّيْفَ هَرْجاً هَرْجاً، مَوْضُوعاً عَلَى عَاتِقِهِ ثَمَانِيَةٌ (2)، حتّى تَقُولَ قُرَيْضٌ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا، فَيُغْرِيهِ اللّه بِبَني أُمَيَّةَ حتّى يَجْعَلَهُمْ حُطَاماً وَرُفَاتاً، «مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا تُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتَّلُوا تَقْتِيلاً * سُنَّةَ اللّه فِي الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّه تَبْدِيلاً» [الأحزاب: 61 و 62]»(3).

ثُمَّ قال ابن أبي الحديد: فإن قيل من هذا الرجل الموعود؟ قيل: أمّا الإماميَّة فيزعمون أَنَّه إمامهم الثاني عشر وأنَّه ابن أمة اسمها نرجس، وأما أصحابنا فيزعمون أنه فاطمي يُولد في مستقبل الزمان لأم ولد وليس بموجود الآن.

ص: 176


1- في المصدر: (فليفرُ جنَّ).
2- في المصدر: (ثمانية أشهر).
3- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد (ج 7 / ص 58).

[ 227 / 1] كمال الدين «... ابن سيدة الإماء...»

[1/227] كمال الدِّين : المُظَفَرُ الْعَلَوِيُّ، عَن ابْن الْعَيَّاشِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَبْرَئِيلَ بْن أَحْمَدَ، عَنْ مُوسَى بْن جَعْفَرِ الْبَغْدَادِي، عَن الحَسَن بن محمّد الصَّيْرَفي، عَنْ حَنَان بن سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ سَدِير بن حُكَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبي سَعِيدٍ عقيصاء [عَقِيصَى]، قَالَ: لَمَّا صَالَحَ الحَسَنُ بْنُ عَلِيَّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَلَامَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : «وَيُحكُمْ مَا تَدْرُونَ مَا عَمِلْتُ، وَاللّه عَلي الّذي عَمِلْتُ خَيْرٌ لِشِيعَتِي مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ أَوْ غَرَبَتْ، أَلَا تَعْلَمُونَ أَنَّني إمَامُكُمْ مُفْتَرَضُ الطَّاعَةِ عَلَيْكُمْ وَأَحَدُ سيّدي شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِنَصِّ مِنْ رَسُولِ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟»، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّ الخَضِرَ لَمَّا خَرَقَ السَّفِينَةَ وَقَتَلَ الْغُلَامَ وَأَقَامَ الجِدَارَ كَانَ ذَلِكَ سَخَطاً مُوسَى بْن عِمْرَانَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إِذْ خَفِيَ عَلَيْهِ وَجْهُ الْحِكْمَةِ فِيهِ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللّه حِكْمَةً وَصَوَاباً؟ أَمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمُ الّذي يُصَلِّي رُوحُ اللّه عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ؟ فَإِنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) تُخْفِي وَلَادَتَهُ وَيُغَيِّبُ شَخْصَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ، ذَاكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الحُسَيْن ابْن سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يُطِيلُ اللّه عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ، ثمّ يُظهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةٍ شَابٌ ابْن دُون أَرْبَعِينَ سَنَةً، ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (1).

الاحتجاج عن حنان بن سدير، مثله (2).

ص: 177


1- كمال الدِّين (ج 1 ص 315 / باب ما أخبر به الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)/ ح 2).
2- الاحتجاج (ج 2 ص 67 و 68 / ح 157).

[265/ 15] كمال الدين : «... ذلك ابن سيدة الإماء...»

[15/265] كمال الدِّين: الدَّقَّاقُ، عَن الْأَسَدِيُّ، عَن النَّخَعِيُّ، عَن

ص: 178

النَّوْفَلِيُّ، عَن ابْن الْبَطَائِنِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ سُنَنَ الْأَنْبِيَاءِ (عَلَيهِم السَّلَامُ) مَا وَقَعَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغَيْبَاتِ جَارِيَةٌ (1) فِي الْقَائِم مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ حَذْوَ النَّعْل بِالنَّعْل وَالْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ»، قَالَ أَبُو بَصِيرٍ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُولِ اللّه، وَمَن الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ؟ فَقَالَ: «يَا بَا بَصِير، هُوَ الْخامِسُ مِنْ وُلْدِ ابْنى مُوسَى، ذَلِكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يَغِيبُ غَيْبةً يَرْتَابُ فِيهَا المُبْطِلُونَ، ثمّ يُظْهِرُهُ اللّه (عَزَّوَجَلَّ)، فَيَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا، وَيَنْزِلُ رُوحُ اللّه عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَيُصَلِّي خَلْفَهُ، وَتُشْرِقُ الْأَرْضُ بِنُور رَبِّهَا، وَلَا تَبْقَى فِي الْأَرْضِ بُقْعَةٌ عُبدَ فِيهَا غَيْرُ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) إِلَّا عُبدَ اللّه فِيهَا، وَيَكُونُ الدِّينُ كُلُّهُ اللّه وَلَوْ كَرَهَ المُشْرِكُونَ» (2).

بیان: قال الجزري: القذَّة: ريش السهم، ومنه الحديث: «لتركبنَّ سَنَن من كان قبلكم حذو القَّذة بالقذَّة»، أي كما يقدر كلُّ واحدة منهما على قدر صاحبتها وتقطع، يضرب مثلاً للشيئين يستويان ولا يتفاوتان(3).

ص: 179


1- في المصدر : (بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم).
2- كمال الدِّين (ج 2 / ص 345 / باب ما أخبر به الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح 31).
3- النهاية (ج) 4 ص (28).

[ 277 / 2] كمال الدين: «... ذاك ابن سيدة الإماء...»

[2/277] كمال الدِّين : الْهَمْدَانِيُّ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ محمّد بْن زِيَادٍ

ص: 180

الْأَزْدِيِّ، قَالَ: سَأَلْتُ سيّدي مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عَنْ قَوْلِ اللّه (عَزَّوَجَلَّ): «وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً» [لقمان: (20]، فَقَالَ: «النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ الْإِمَامُ، الظَّاهِرُ، وَالْبَاطِنَةُ الْإِمَامُ الْغَائِبُ»، فَقُلْتُ لَهُ: وَيَكُونُ فِي الأئمّة مَنْ يَغِيبُ؟ قَالَ: «نَعَمْ، يَغِيبُ عَنْ أَبْصَار النَّاسِ شَخْصُهُ، وَلَا يَغِيبُ عَنْ قُلُوبِ المُؤمِنينَ ذِكْرُهُ، وَهُوَ الثَّانِي عَشَرَ مِنَّا يُسَهِّلُ اللّه لَهُ كُلَّ عَسِيرٍ، وَيُذَلِّلُ لَهُ كُلَّ صَعْب، وَيُظْهِرُ لَهُ كُنُوزَ الْأَرْضِ، وَيُقَرِّبُ لَهُ كُلَّ بَعِيدٍ، وَيُبيرُ بِهِ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدِ، وَيُهْلِكُ عَلَى يَدِهِ كُلَّ شَيْطَانٍ مَريدِ، ذَاكَ ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، الّذي يَحْفَى عَلَى النَّاس ولَادَتُهُ، وَلَا يَحِلَّ هُمْ تَسْمِيَتُهُ، حتّى يُظْهِرَهُ [اللّه] (عَزَّوَجَلَّ)، فَيَمْلَا بِهِ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلماً».

قال الصدوق (رَحمهُ اللّه) : لم أسمع هذا الحديث إلا من أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني، عند منصر في من حج بيت اللّه الحرام، وكان رجلاً ثقةً ديناً فاضلاً (رحمة اللّه عليه ورضوانه).

كفاية الأثر محمّد بن عبد اللّه بن حمزة، عن عمه الحسن، عن عليٍّ، عن أبيه، مثله (1).

ص: 181


1- كفاية الأثر (ص 266).

[13/309] كفاية الأثر : «... لما حملت جارية أبي محمد...)

[13/309] كفاية الأثر : أبو المَفَضَّل الشَّيْبَانِيُّ، عَن الْكَلَيْنيِّ، عَنْ عَلان الرَّازِي، قَالَ: أَخْبَرَنِي بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَمَّا حَمَلَتْ جَارِيَةُ أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قَالَ: «سَتَحْمِلِينَ ذَكَراً، وَاسْمُهُ (م ح م د)، وَهُوَ الْقَائِمُ مِنْ بَعْدِي»(1).

ص: 182


1- كفاية الأثر (ص 290).

[319/ 8] كمال الدين: «... ابن أمة سوداء...»

[8/319] كمال الدِّين : عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ محمّد، عَنْ أَبِي عُمَيْرِ اللَّيْثي (1)، عَنْ محمّد بْن مَسْعُودٍ، عَنْ محمّد بْن عَلِيٍّ الْقُمِّيِّ، عَنْ محمّد بْن يَحْيَى، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بن هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي أَحْمَدَ الْأَزْدِيُّ، عَنْ ضُرَيْسِ الْكُنَاسِي، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يَقُولُ: «إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الْأَمْرِ فِيهِ سُنَّةٌ مِنْ يُوسُفَ ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللّه أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ» (2).

الغيبة للنعماني: ابن عقدة، عن محمّد بن المفضّل وسعدان بن إسحاق

ص: 183


1- في المصدر: (الكني) بدل (الليثي).
2- كمال الدِّين (ج 1 / ص 329 / باب ما أخبر به الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح12).

وأحمد بن الحسن (1) جميعاً، عن ابن محبوب، عن هشام بن سالم عن الكناسي مثله (2).

بیان: قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): (ابن أمّة سوداء) يخالف كثيراً من الأخبار التي وردت في وصف أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ظاهراً إلَّا أنْ يُحمل على الأُمّ بالواسطة أو المربيّة.

ص: 184


1- في المصدر: (ومحمّد بن أحمد بن الحسن).
2- الغيبة للنعماني (ص 163).

[332/ 3] الخرائج و الجرائح: (.... دخلت على أبي محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد أربعين يوماً من ولادة نرجس...)

[3/332] الخرائج و الجرائح: رُويَ عَنْ حَكِيمَةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أَبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْماً مِنْ وَلَادَةِ نَرْجِسَ، فَإِذَا مَوْلَانَا صَاحِبُ الزَّمَان يَمْشِى في الدار، فَلَمْ أَرَ لُغَةٌ أَفْصَحَ مِنْ لُغَتِهِ، فَتَبَسَّمَ أَبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَقَالَ: «إِنَّا مَعَاشِرَ الأئمّة نَنْشَأُ فِي يَوْمٍ كَمَا يَنْشَأْ غَيْرُنَا فِي سَنَةٍ»، قَالَتْ: ثمّ كُنْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَسْأَلُ أَبَا محمّد عَنْهُ، فَقَالَ: «اسْتَوْدَعْنَاهُ الّذي اسْتَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى وَلَدَهَا» (1).

ص: 185


1- الخرائج والجرائح (ج 1 / ص /466 فصل في معجزات صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ح 12).

ذكْرُ أَمْر أَبِي الْحَسَن عَلِيّ بْن محمّد السمري بعد الشيخ أبي الْقَاسِمِ الْحُسَيْنِ بن رَوْح وَانْقِطاع الأعلام بِهِ وَهُمُ الْأَبْوَابُ:

قال: ولد الخلف... وأمّه ريحانة، ويُقال لها نرجس

أَخْبَرَنِي جَمَاعَةٌ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ محمّد بْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْن مُوسَى بْن بَابَوَيْهِ، قَالَ : حدَّثنا محمّد بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْحَاقَ، عَن الْحَسَن بْن عَلِيّ بْن زكريّا بِمَدِينَةِ السَّلَام، قَالَ: حدَّثنا أَبُو عَبْدِ اللّه محمّد بْنُ خَلِيلَانَ، قَالَ: حدَّثني أَبِي، عَنْ جَدِّهِ عَتَّاب - مِنْ وُلْدِ عَتَّاب بن أَسِيدٍ، قَالَ : وُلِدَ الخَلَفُ المهديّ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وأمّه رَيْحَانَةُ، وَيُقَالُ لَهَا: نَرْجِسُ، وَيُقَالُ لَهَا: صَقِيلُ، وَيُقَالُ هَا: سَوْسَنُ، إِلَّا أَنَّهُ قِيلَ بِسَبَبِ الحَمْلِ : صَقِيلُ، وَكَانَ مَوْلِدُهُ لِثَمَانِ خَلَوْنَ مِنْ شَعْبَانَ

ص: 186

سَنَةَ سِتٌ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وَوَكِيلُهُ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ، فَلَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ أَوْصَى إِلَى أَبي جَعْفَرٍ محمّد بْن عُثمانَ، وَأَوْصَى أَبُو جَعْفَرٍ إلى أبي الْقَاسِم الحسين بن رَوْح، وَأَوْصَى أبو الْقَاسِم إِلَى أَبي الحَسَن عَلِيّ بْن محمّد السَّمُري (رضیَ اللّهُ عنهُ)، فَلَمًا حَضَرَتِ السَّمُريَّ (رضیَ اللّهُ عنهُ) الْوَفَاةُ سُئِلَ أَنْ يُوصِيَ، فَقَالَ: اللّه أَمْرٌ هُوَ بَالِغُهُ، فَالْغَيْبَةُ التَّامَّةُ هِيَ الَّتِي وَقَعَتْ بَعْدَ مُضِي السَّمُري (قدّس سِرُّه) (1).

ص: 187


1- الغيبة للطوسي (ص 393 / ح 362).

[14/428] الغيبة للطوسي ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ)... وأمّه صقيل

[14/428] الغيبة للطوسي: أَحْمَدُ بنُ عليٍّ الرَّازِيُّ، عَنْ محمّد بْن عَليٍّ، عَنْ عُبَيْدِ (1) اللّه بن محمّد بن جَابَانَ (2) الدَّهْقَان، عَنْ أَبِي سُلَيْمانَ دَاوُدَ (3) بْن غَسَّانَ الْبَحْرَانِيّ، قَالَ: قَرَأَتُ عَلَى أَي سَهْل إِسْمَاعِيلَ بن على النَّوْبَخْتِيّ، قَالَ: مَوْلِدُ (م ح م د) (4) بن الحسن بن على بن محمّد بْن على الرّضَا بن مُوسَى بْن جَعْفَر الصَّادِقِ بْن محمّد الْبَاقِرِ بن عَلِيِّ ب ْنِ الْحُسَيْن بْن عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ)، وُلِدَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بِسَامَرَّاءَ سَنَةَ سِتْ وَخَمْسِينَ وَمِائَتَيْن، وأمّه صَقِيلُ، وَيُكَنَّى أَبَا الْقَاسِم بهَذِهِ الْكُنْيَةِ أَوْصَى النَّبِيُّ أَنَّهُ قَالَ: «اسْمُهُ كَاسْمِي [وَ] (5) كُنيتُهُ كُنيتي»، لَقَبهُ المهديّ، وَهُوَ الحجّة، وَهُوَ المنتظر، وَهُوَ صَاحِبُ الزَّمَان (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قال إسماعيل بن علي : (... ثم جاءت صقيل الجارية أم الخلف (عَلَيهِ السَّلَامُ)...)

قَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ علىٍّ (6): دَخَلْتُ عَلَى أَبِي محمّد الحَسَن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في :

ص: 188


1- في المصدر: (عبد).
2- في المصدر: (خاقان).
3- في المصدر: (داد).
4- في المصدر: (محمّد) بدل (م ح م د).
5- حرف (و) ليس في المصدر.
6- قال النجاشي: إسماعيل بن عليّ بن إسحاق بن أبي سهل بن نوبخت كان شيخ المتكلِّمين من أصحابنا وغيرهم، له جلالة في الدنيا يجري مجرى الوزراء. وعنونه الشيخ في الفهرست وكنَّاه بأبي سهل.

المَرْضَةِ الَّتِي مَاتَ فِيهَا، وَأَنَا عِنْدَهُ إِذْ قَالَ لِحَادِمِهِ عَقِيدٍ - وَكَانَ الْخَادِمُ أَسْوَدَ نُوبيًّا (1) قَدْ خَدَمَ مِنْ قَبْلِهِ عَلِيَّ بْنَ محمّد وَهُوَ رَبَّى الحَسَنَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) -، فَقَالَ لَهُ: يَا عَقِيدُ، أَغْل لي مَاءً بِمُصْطَكِي فَأَغْلَ لَهُ، ثمّ جَاءَتْ بهِ صَغِيلُ الجَارِيَةُ أمُّ الخَلَفِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فَلَا صَارَ الْقَدَحُ فِي يَدَيْهِ وَهَمَّ بِشُرْبهِ فَجَعَلَتْ يَدُهُ تَرْتَعِدُ حتّى ضَرَبَ الْقَدَحُ ثَنَايَا الْحَسَن فَتَرَكَهُ مِنْ يَدِهِ، وَقَالَ لِعَقِيدٍ : «ادْخُلِ الْبَيْتَ فَإِنَّكَ تَرَى صَبِيًّا سَاجِداً فَائتني (2) بِهِ»، قَالَ أَبُو سَهْل : قَالَ عَقِيدٌ: فَدَخَلْتُ أَتَخَرَّى، فَإِذَا أَنَا بِصَبِيَّ سَاجِدٍ رَافِعٌ سَبَّابَتَهُ نَحْوَ السَّمَاءِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَأَوْجَزَ فِي صَلَاتِهِ، فَقُلْتُ: إِنَّ سيّدي يَأْمُرُكَ بِالْخُرُوجِ إِلَيْهِ، إِذْ جَاءَتْ أمّه صَقِيلُ فَأَخَذَتْ بِيَدِهِ وَأَخْرَجَتْهُ إِلَى أَبِيهِ الحَسَن (عَلَيهِ السَّلَامُ).

قَالَ أَبُو سَهْل فَلَمَّا مَثْلَ الصَّبِيُّ بَيْنَ يَدَيْهِ سَلَّمَ، وَإِذَا هُوَ دُرِّيُّ اللَّوْن، وَفِي شَعْر رَأْسِهِ قَطَطٌ، مُفَلَّجُ الْأَسْنَان، فَلَمَّا رَآهُ الْحَسَنُ بَكَى وَقَالَ: «يَا سَيِّدَ أَهْلِ بَيْتِهِ، اسْقِنِي المَاءَ فَإِنِّى ذَاهِبٌ إِلى رَبِّي»، وَأَخَذَ الصّبي ال المَغلي بالمضطكِي بِيَدِهِ ثمّ لا حَرَّكَ شَفَتَيْهِ ثمّ سَقَاهُ، فَلَا شَرِبَهُ قَالَ: «هَيُؤُونِي (3) لِلصَّلَاةِ»، فَرحَ في حَجْرهِ مِنْدِيلٌ، فَوَضَّأَهُ الصَّبِيُّ وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَمَسَحَ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدَمَيْهِ، فَقَالَ لَهُ أَبُو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ): «أَبْشِرُ يَا بُنَيَّ، فَأَنْتَ صَاحِبُ الزَّمَان وَأَنْتَ المهديّ، وَأَنْتَ حُجَّةُ اللّه عَلَى أَرْضِهِ، وَأَنْتُ وَلَدِي وَوَصِي وَأَنَا وَلَدْتُكَ، وَأَنْتَ (م ح م د) (4) بْنُ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيّ بْن محمّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَر بن محمّد بْن عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْن بْن عَلِيٍّ بن

ص: 189


1- النوب والنوبة: جيل من السودان الواحد نوبي (الصحاح).
2- في المصدر: (فأتني).
3- في المصدر: (هيئوني).
4- في المصدر : (محمّد) بدل (محمّد).

أبي طَالِب، وَلَدَكَ رَسُولُ اللّه، وَأَنْتَ خَاتِمُ (1) الأئمّة الطَّاهِرينَ، وَبَشَّرَ بكَ رَسُولُ اللّه وَسَمَّاكَ وَكَنَّاكَ، بِذَلِكَ عَهِدَ إِلَيَّ أَبي عَنْ آبَائِكَ الطَّاهِرينَ، صَلَّى اللّه عَلَى أَهْل الْبَيْتِ رَبُّنَا إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وَمَاتَ الْحَسَنُ بْنُ عليٍّ مِنْ وَقْتِهِ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمْ أجمعين) (2).

ص: 190


1- في نسخة من المصدر إضافة (الأوصياء).
2- الغيبة للطوسي (ص 271 – 273 / ح 237).

[55/468] كمال الدين : (... فوجّه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي...)

[54/468] كمال الدِّين: حدَّثنا أَبو الأديان (1)، قَالَ: كُنْتُ أَخْدُمُ الحَسَنَ ابْنَ عَلِيّ بْن محمّد بْن عَلِيّ بْن مُوسَى بْن جَعْفَرَ بْن محمّد بْن عَلى بن الحُسَيْن بْن عَلَى ابْن أَبِي طَالِب (عَلَيهِم السَّلَامُ) وَأَحْمِلُ كُتبهُ إِلَى الْأَمْصَار، فَدَخَلْتُ إِلَيْهِ (2) فِي عِلَّتِهِ الَّتِي تُوُفِّيَ فِيهَا (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ)، فَكَتَبَ مَعِي كُتُباً وَقَالَ: «تَمْضِي (3) بِهَا إِلَى المَدَائِنِ، فَإِنَّكَ سَتَغِيبُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً، فَتَدْخُلُ إِلَى سُرَّ مَنْ رَأَى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ، وَتَسْمَعُ الْوَاعِيَّةَ فِي دَارِي وَتَجِدُنِي عَلَى الْمُغْتَسَل».

قَالَ أَبُو الْأَدْيَان: فَقُلْتُ: يَا سيّدي، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ فَمَنْ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَبَكَ بِجَوَابَاتِ كُتُبِي فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي، فَقُلْتُ: زِدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ يُصَلِّي عَلَيَّ فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»، فَقُلْتُ: زِدْنِي، فَقَالَ: «مَنْ أَخْبَرَ بِمَا فِي الهِمْيَان فَهُوَ الْقَائِمُ بَعْدِي»،

ص: 191


1- في المصدر: (وحدَّث أبو الأديان)، وقبل هذا الموضوع: (وقال أبو الحسن علي بن محمّد بن حباب : حدَّثني أبو الأديان)، علماً بأنَّ الحديث هذا قد ذكره المصنِّف نقلاً عن كمال الدِّين في (ج) /50 ص 332) من المطبوعة.
2- في المصدر: (عليه).
3- في المصدر: (امض).

ثُمَّ مَنَعَتْنِي هَيْبتُهُ أَنْ أَسْأَلَهُ مَا فِي الهِمْيان، وَخَرَجْتُ بِالْكُتُبِ إِلَى المَدَائِن وَأَخَذْتُ جَوَابَاتِهَا وَدَخَلْتُ سُرّ مَنْ رَأى يَوْمَ الْخَامِسَ عَشَرَ كَمَا قَالَ لي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فَإذَا أَنَا بِالْوَاعِيةِ في دَارِهِ (1)، وَإِذَا أَنَا بِجَعْفَر بن عليٌّ أَخِيهِ بِبَابِ الدَّار وَالشَّيعَةُ حَوْلَهُ يُعَزُّونَهُ، وَيُهنئُونَهُ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي : إِنْ يَكُنْ هَذَا الْإِمَامَ فَقَدْ حَالَتِ (2) الْإِمَامَةُ، لِأَنِّي كُنْتُ أَعْرِفُهُ بِشُرْبِ (3) النَّبِيذ، وَيُقَامِرُ فِي الْجُوْسَقِ (4)، وَيَلْعَبُ بِالطَّنُّبُور.

فَتَقَدَّمْتُ فَعَزَّيْتُ وَهَنَّيْتُ، فَلَمْ يَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ، ثمّ خَرَجَ عَقِيدٌ فَقَالَ: يَا سيّدي، قَدْ كُفِّنَ أَخُوكَ فَقُمْ لِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عَلى وَالشَّيعَةُ مِنْ حَوْلِهِ يَقْدُمُهُمُ السَّمَانُ وَالحَسَنُ بْنُ عليٍّ قَتِيلُ المُعْتَصِم المَعْرُوفُ بِسَلَمَةَ.

فَلمَّا صِرْنَا فِي الدَّارِ إِذَا نَحْنُ بِالحَسَن بن عليّ (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ) عَلَى نَعْشِهِ مُكَفِّناً، فَتَقَدَّمَ جَعْفَرُ بْنُ عليٍّ لِيُصَلِّي عَلَى أَخِيهِ، فَلَمَّا هَمَّ بِالتَّكْبِير خَرَجَ صَبِيٌّ بِوَجْهِهِ سُمْرَةٌ، بِشَعْرِهِ قَطَطٌ بِأَسْنَانِهِ تَفْلِيجُ (5)، فَجَبَذْ ردَاءَ جَعْفَر بن علي، وَقَالَ: «تَأَّخَرُ يَا عَمِّ فَأَنَا أَحَقُّ بِالصَّلَاةِ عَلَى أَبِي»، فَتَأَخَّرَ جَعْفَرٌ وَقَدِ ارْبَدَّ وَجْهُهُ (6)، فَتَقَدَّمَ الصَّبِيُّ فَصَلَّى عَلَيْهِ، وَدُفِنَ إِلَى جَانِبِ قَبْر أَبِيهِ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

ثُمَّ قَالَ: «يَا بَصْرِيُّ، هَاتِ جَوَابَاتِ الْكُتُبِ الَّتِي مَعَكَ»، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، وَقُلْتُ فِي نَفْسِي: هَذِهِ اثْنَتَانِ (7) بَقِيَ الحِمْيَانُ، ثمّ خَرَجْتُ إِلَى جَعْفَر بن عليٍّ وَهُوَ

ص: 192


1- في المصدر :إضافة: (وإذا به على المغتسل).
2- في المصدر: (بطلت).
3- في المصدر: (يشرب).
4- الجوسق: اسم مكان في سامرَّا كانوا يتنادمون فيه، وورد ذكره في الشعر... في الجوسق المتهدِّم.
5- أي تباعد ما بين الثنايا والرباعيَّات في الأسنان.
6- في المصدر إضافة: (واصفر).
7- في المصدر : (بيِّنتان).

يَزْفِرُ، فَقَالَ لَهُ حَاجِزُ الْوَشَّاءُ: يَا سيّدي، مَن الصَّبِيُّ ؟ - لِيُقِيمَ عَلَيْهِ الحجّة (1) -، فَقَالَ : وَاللّه مَا رَأَيْتُهُ قَطُّ وَلَا عَرَفْتُهُ.

فَنَحْنُ جُلُوسٌ إِذْ قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ ثمّ فَسَأَلُوا عَن الحَسَن بن علي (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِ)، فَعَرَفُوا مَوْتَهُ، فَقَالُوا: فَمَنْ [نُعَزّني ] (2)؟ فَأَشَارَ النَّاسُ إِلَى جَعْفَرِ بْنَ عَلِيٍّ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ وَعَزَّوْهُ وَهَنَّئُوهُ وَقَالُوا: مَعَنَا كُتُبُ وَمَالٌ فَتَقُولُ مِمَّن الْكُتُبُ وَكَم المالُ؟ فَقَامَ يَنْفُضُ أَثْوَابَهُ، وَيَقُولُ: يُريدُونَ (3) مِنَّا أَنْ نَعْلَمَ الْغَيْبَ، قَالَ: فَخَرَجَ الْخَادِمُ فَقَالَ: مَعَكُمْ كُتُبُ فَلَانٍ وَفُلَانٍ، وَهِمْيَانٌ فِيهِ أَلْفُ دِينَارٍ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ مِنْهَا مُطَلَّسَةٌ (4)، فَدَفَعُوا (5) الْكُتُبَ وَالمَالَ وَقَالُوا: الّذي وَجَّهَ بِكَ لِأَجل (6) ذَلِكَ هُوَ الإمام.

فَدَخَلَ جَعْفَرُ بْنُ عَلى عَلَى المُعْتَمِد وَكَشَفَ لَهُ ذَلِكَ، فَوَجَّهَ المُعْتَمِدُ خَدَمَهُ فَقَبَضُوا عَلَى صَقِيلَ الْجَارِيَةِ وَطَالَبُوهَا بِالصَّبِيِّ، فَأَنْكَرَتْهُ وَادَّعَتْ حَمْلاَ (7) بِهَا لِتُغَطَّيَ عَلَى حَالَ الصَّبِيِّ، فَسُلَّمَتْ إِلَى ابْن أَبي الشَّوَارِبِ الْقَاضِي، وَبَغَتَهُمْ مَوْتُ عُبَيْدِ اللّه بْن يَحْيَى بْن خَافَانَ فَجْأَةً، وَخُرُوجُ صَاحِبِ الزَّنْج بِالْبَصْرَةِ، فَشُغِلُوا بِذَلِكَ عَن الجَارِيَةِ، فَخَرَجَتْ عَنْ أَيْدِيهِمْ، وَالْحَمْدُ اللّه رَبِّ الْعَالَمينَ لَا شَريكَ لَهُ (8).

ص: 193


1- في المصدر: (لنقيم الحجّة عليه).
2- من المصدر.
3- في المصدر: (تريدون).
4- أي ممحوة نقشها، وفي المصدر: (مطلية).
5- في المصدر إضافة: (إليه).
6- في المصدر: (الأخذ).
7- في المصدر: (حيلاً).
8- كمال الدِّين (ج 2 / ص 475 و 476 / باب 43/ ذيل الحديث 25).

بيان: (الجوسق) القصر. و (جبذ) : أي جذب. وفي النهاية: أربد وجهه، أي تغيّر إلى الغبرة، وقيل: الربدة لون بين السواد والغبرة (1).

ص: 194


1- النهاية (ج 2 ص 183).

الامام المهدیّ في بجار الأنوار (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

إشارة:

الجامعة لدرر أخبار الائمّة الأطهار (عَلَيهِم السَّلَامُ)

الجزءُ الثّاني

العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدّس سِرُّه)

اعْدَاد

الشيخ ياسر الصَّالِحَي

ص: 195

الامام المهدیّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في بجار الأنوار / ج 2

تأليف: العلّامة الشيخ محمّد باقر المجلسي (قدّس سِرُّه)

إعداد: الشيخ ياسر الصالحي

الناشر : بيت الثقافة المهدويَّة

الطبعة الثانية: 1442ه_

عدد النُّسَخ.

النجف الأشرف

جميع الحقوق محفوظة للناشر

ص: 196

[ 750/ 109] الغيبة للنعماني: (... ويُستخلف ابن الستّة...)

[ 109/750] الغيبة للنعماني: أَحْمَدُ بْنُ هَوْدَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْن إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللّه بن حَمَّادٍ، عَن ابْن (1) أَبي مَالِكِ، عَنْ محمّد بْن أَبي الحَكَم عَنْ عَبْدِ، اللّه بن عُثْمَانَ، عَنْ حُصَيْنٍ (2) المكيّ، عَنْ أَبِي الطَّفَيْلِ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْن الْيَمَان، قَالَ: يُقْتَلُ خَلِيفَةٌ مَا لَهُ فِي السَّمَاءِ عَاذِرٌ، وَلَا فِي الْأَرْضِ نَاصِرٌ، وَيُخْلَعُ خَلِيفَةٌ حتّى يَمْشِيَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَيْسَ لَهُ مِنَ الْأَمْرِ (3) شَيْءٌ، وَيَسْتَخْلِفُ ابْنَ السِّتَّةِ(4)،

ص: 197


1- كلمة (ابن) ليست في المصدر.
2- في المصدر: (أسلم).
3- في المصدر: (الأرض).
4- هذا هو الصحيح، لأنَّ ابن الستَّه أو ابن السنة على اختلاف ذُكِرَ في (ج 1 / باب صفاته وعلاماته (عَلَيهِ السَّلَامُ) / ص 75) من أوصافه المعروفة عند الأصحاب في الصدر الأول. راجع: (ج 51 / ص 34 - 44) من المطبوعة. وأمّا ما في الأصل المطبوع: (يمشي على وجه الأرض ليس له من الأرض يستخلف من السنة)، وفي المصدر: (ليس من الآخر شيء، ويستخلف ابن السبية) فكلاهما مصحَّفان، وقد ذُكِرَ في (ج 1 / ص 75) في ذيل الكلام أنَّ (ابن السبية) من تصحيح الفاضل القمي مصحِّح كتاب الغيبة للنعماني، والنسخة على ما نقله المصنِّف (رَحمهُ اللّه) كان (ابن الستَّة)، راجع: (ج 51 / ص 41) من المطبوعة.

[ قَالَ] (1) : فَقَالَ أَبُو الطَّفَيْلِ : [يَا ابْنَ أَخِي لَيْتَنِي أَنَا وَأَنْتَ مِنْ كُورَةِ، قَالَ: قُلْتُ: وَلِمَ تَتَمَنَّى يَا خَالَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ حُذَيْفَةَ] حدَّثني أَنَّ المُلْكَ يَرْجِعُ فِي أَهْل النُبُوَّة (2).

ص: 198


1- ما بين المعقوفتين من المصدر، وكذا ما يأتي.
2- الغيبة للنعماني (ص 268 باب 14 / ح 39).

[3/817] الاحتجاج : «... ابن سيدة الإماء...»

[3/817] الاحتجاج : حَنَانُ بْنُ سَدِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ سَدِير بن حُكَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَقِيصَا (1)، عَن الحَسَن بن علي (صَلَوَاتُ اللّه عَلَيْهِمَا)، قَالَ: «مَا مِنَّا أَحَدٌ إِلَّا وَيَقَعُ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ لِطَاغِيَةِ زَمَانِهِ إِلَّا الْقَائِمَ الّذي يُصَلِّي خَلْفَهُ رُوحُ اللّه عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ، فَإِنَّ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) يُخْفِي وَلَادَتَهُ وَيُغَيِّبُ شَخْصَهُ، لِئَلَّا يَكُونَ لِأَحَدٍ فِي عُنْقِهِ بَيْعَةٌ إِذَا خَرَجَ، ذَلِكَ التَّاسِعُ مِنْ وُلْدِ أَخِي الحُسَيْن، ابْن سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يُطِيلُ اللّه عُمُرَهُ فِي غَيْبَتِهِ ثمّ يُظهِرُهُ بِقُدْرَتِهِ فِي صُورَةٍ شَابٌ ذو أَرْبَعِينَ سَنَةٌ، ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أنَّ اللّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» (2).

ص: 199


1- في المصدر: (عقیصی)، واسمه دینار، قال الفيروزآبادي وعقيصى مقصوراً لقب أبي سعيد التيمي التابعي. (القاموس المحيط: ج 2 / ص 320).
2- الاحتجاج (ج 2 / ص 68 / ح 156).

[29/27] كمال الدين: «... ابن سيدة الإماء...»

[29/927] كمال الدِّين : الهُمَدَانِيُّ، عَنْ عليٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيّ بْن مَعْبَدٍ، عَن الحُسَيْن بن خَالِدٍ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ مُوسَى الرّضَا (عَلَيهِ السَّلَامُ): «لَا دِينَ لمَنْ لَا وَرَعَ

ص: 200

لَهُ، وَلَا إِيمَانَ لَمِنْ لَا تَقِيَّةَ لَهُ، إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللّه (عَزَّوَجَلَّ) أَعْمَلُكُمْ بِالتَّقِيَّة (1) قَبْلَ خُرُوج قَائِمِنًا، فَمَنْ تَرَكَهَا قَبْلَ خُرُوج قَائِمِنًا فَلَيْسَ مِنَّا». (2)

فَقِيلَ لَهُ: يَا ابْنَ رَسُول اللّه، وَمَن الْقَائِمُ مِنْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ قَالَ: «الرَّابِعُ مِنْ وُلْدِي ابْنُ سَيِّدَةِ الْإِمَاءِ، يُطَهِّرُ اللّه بِهِ الْأَرْضَ مِنْ كُلِّ جَوْرِ، وَيُقَدِّسُهَا مِنْ كُلِّ ظلم، وَهُوَ الّذي يَشْكُ النَّاسُ فِي وَلَادَتِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ الْغَيْبَةِ قَبْلَ خُرُوجِهِ، فَإِذَا خَرَجَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُور رَبِّهَا (3)، وَوَضَعَ مِيزَانَ الْعَدْلِ بَيْنَ النَّاسِ، فَلَا يَظْلِمُ أَحَدٌ أَحَداً.

وَهُوَ الّذي تُطْوَى لَهُ الْأَرْضُ وَلَا يَكُونُ لَهُ ظِلٍّ، وَهُوَ الّذي يُنَادِي مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ بِاسْمِهِ، يَسْمَعُهُ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ بِالدُّعَاءِ إِلَيْهِ، يَقُولُ: أَلَا إِنَّ حُجَّةَ اللّه قَدْ ظَهَرَ عِنْدَ بَيْتِ اللّه فَاتَّبِعُوهُ، فَإِنَّ الْحَقِّ مَعَهُ وَفِيهِ، وَهُوَ قَوْلُ اللّه (عَزَّوَجَلَّ): «إِنْ نَشَأْ نُنَزِّل عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ» [الشعراء: 4]» (4).

إعلام الورى: عن عليَّ، مثله (5).

ص: 201


1- في المصدر : (فقيل له: يا ابن رسول اللّه إلى متى؟ قال: «إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم خروج قائمنا أهل البيت، فمن ترك التقيَّة...»).
2- عبارة: (فمن تركها قبل خروج قائمنا) ليست في المصدر.
3- في المصدر: (بنوره).
4- كمال الدِّين (ج 2 / ص 371 و 372 / باب 35 ح 5).
5- إعلام الورى (ج 2 / ص 241).

ص: 202

عوالم العلوم - الشيخ عبد اللّه البحراني : الجزء الأوّل

إشارة:

عوالم العلوم والمعارف والأحوال

مِنَ الآیات والأخبار و الأقوال

في أحوال الأمام الحجّة بنِ الحَسن المَهدىّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

للمُحدِّث الكَبير المُتَتَبِّع الخبير

الشيخ عبد اللّه البحرانيّ الأصفهاني

ومستدركاتها

للسیّد محمّد باقر المُوحّد الأبطحي الأصفهاني

ص: 203

سرشناسه : بحرانی اصفهانی، شیخ عبداللّه

عنوان و نام پدیدآورنده : عوالم العلوم والمعارف والأحوال الامام الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) ج 26/1 بحرانی اصفهانی

مشخصات نشر : قم عطر عترت 1390

مشخصات ظاهری : 560 ص

شابک : 85000 ريال 4-001-243- 600 - 678 دوره 7 - 000-243- 600-978

وضعیت فهرست نویسی : فيا

موضوع : محمّد بن حسن، امام دوازدهم، امام زمان (عَلَيهِ السَّلَامُ).

موضوع : محمّد بن حسن، زندگینامه، فضائل

موضوع : محمّد بن حس، سیره، علائم ظهور، حکومت.

رده بندی کنگره : 6 م / 35 / 51 BP

رده بندی دیویی : 959 / 297

هوية الكتاب

الكتاب : عوالم العلوم والمعارف والأحوال من الآيات والأخبار في أحوال الإمام الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) الجزء 26/1

المؤلِّف : العلّامة الشيخ عبداللّه بن نور اللّه البحراني (رَحمهُ اللّه) من أعلام تلامذة شيخ الاسلام العلّامة المجلسي (قدّس سِرُّه)

المستدركات : السماحة السيّد محمّد باقر الموحّد الابطحي الاصفهاني

التحقيق: مؤسسة الامام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - قم المقدسة (عش آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ))

الناشر: عطر عترت

صف الحروف : ظریف / محمّدی

الطبعة : الأولى - شعبان - 1432

العدد: 2000 نسخة

السعر الدورة : 40000 تومان

حق الطبع محفوظ لمؤسسة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 204

2 - أبواب أحوال أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ) /

1 - باب اسم أمّه (صلوات اللّه عليهما)

الرواة (1).

[75] 1 - كمال الدِّين الطالقاني، عن الحسن بن علي بن زكريّا، عن محمّد بن خلیلان قال: حدَّثني أبي، عن أبيه، جدّه عن غياث بن أُسيد (2)، قال: عن ولد الخلف المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوم الجمعة، وأمّه ريحانة.

ويقال لها: نرجس. ويقال: صقيل.

ويقال: سوسن، إلّا أنّه قيل لسبب الحمل (3): «صقيل» الخبر (4).

ص: 205


1- المعروف أن طريقة المؤلِّف في هذا الكتاب هو ترتيبه للأحاديث حسب تسلسلها التاريخي أي ما روي عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ الصحابة والتابعين ثمّ الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)... . وعلى هذا فإنّ هذا الحديث يكون في آخر الباب بعنوان «غير الأئمّة» أو «الأخبار، الأصحاب» وأبقيناه هنا حفظاً للأمانة.
2- كذا في «م». وفي «ع» أسد. وكذا في بعض المواضع التالية، ولكن في أكثر الأسانيد التي جمعناها في كتابنا معجم الرواة عن كتب الصدوق له وغيره «عتاب بن أسيد». وفي غيبة الطوسيّ «393 ح 263» نقلاً عن الصدوق هكذا: محمّد بن خليلان: قال: حدَّثني أبي، عن جدّه عتّاب من ولد عتاب بن أسيد - وعلى هذا ففيه سقط (عن) قبل قوله : عتّاب، وكذلك (عن أبيه) بعد قوله: أبي ولك أن ترجع إلى كتابنا الرجالي المذكور والمحصل فيه «محمّد بن خليلان (بن عليّ العبّاسي) قال: حدَّثنا أبي «خليلان» عن أبيه، عن جدّه، عن عتّاب بن أسيد من ولد عتّاب بن أسيد...». وهو الّذي أسلم يوم الفتح. واستعمله النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قاضياً على مكّة.
3- أي إنّما سمّيت صقيلاً، لما اعتراها من النور والجلاء بسبب الحمل المنوّر، ويقال: صقل السيف وغيره أي جلّاء. فهو صقيل، ولا يبعد أن يكون [أي الحمل] مصحف الجمال. (منه (رَحمهُ اللّه)). قال ابن الأثير في النهاية : 42/3 في حديث أم معبد: «ولم تزر به صقلةٌ» أي دقة ونحول. يقال: صقلت الناقة إذا أضمرتها. وقيل: أرادت أنّه لم يكن منتفخ الخاصرة جدّاً ولا ناحلاً جدّاً. انتهى. ومعروف أن آثار الحمل لم تظهر على أمّ الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ). وكان مثلها كمثل أم موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).
4- يأتي بتمامه في ح 121 مع كامل تخريجاته.

الأئمّة، الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ).

[76] 2 - كشف الغمّة: قال ابن الخشّاب : حدَّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه عن جدّه قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :

الخلف الصالح من ولدي وهو المهديّ، اسمه: «م ح م د».

وكنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمّه: صقيل.

قال لنا أبو بكر الذارع: (1)

وفي رواية أخرى، بل أمّه حكيمة.

وفي رواية ثالثة، يقال لها: نرجس.

ويقال: بل سوسن، واللّه أعلم بذلك.

ويكنى ب_«أبي القاسم» وهو ذو الإسمين: «خلف» و«م ح م د».

يظهر في آخر الزمان، على رأسه غمامة تظلّه من الشمس، تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح هذا المهديّ.

حدَّثني محمّد بن موسى الطوسي، قال حدَّثنا أبو السكين (2)، عن بعض أصحاب التاريخ، أنّ أمّ المنتظر يقال لها: حكيمة. (3)

ص: 206


1- هو أحمد بن نصر الذارع بغدادي مشهور، روى عن الحارث بن أبي أسامة، ومن في طبقته. ترجم له في لسان الميزان: 317/1 تاریخ بغداد: 184/5 رقم 2632. وفي «الذراع». وفي ع. ب «الدارع». وفي بعض المصادر: «الزارع، الدراع» كلّها مصحّفة.
2- أثبتناء من كشف الأستار. والظاهر أنّه زكريّا بن يحيى بن عمر بن حصين أبو السكين الطائي الكوفي، قال عنه ابن حجر: صدوق. توفّي سنة (252). ترجم له في تاريخ بغداد: 456/8، وتقريب التهذيب: 263/1 رقم 64. وفي م. ع. ب «أبو مسكين».
3- 475/2 إثبات الهداة: 193/7 و 194 - 49 و 51، والبحار: 24/51 ح 37، وأمهات الأئمّة: 107، ورواه في تاریخ مواليد الأئمّة ووفياتهم عنه كشف الأستار 69، وفي مقصد الراغب 196، عنه إثبات الهداة: 237/7 ح 179، وفي أربعين أبي نعيم، عنه ينابيع المودة: 491، وحلية الأبرار: 466/5 (مثله)، يأتي ح 202.

الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

(3) غيبة الطوسي: (بإسناد يأتي ح 82) - في حديث - قالت:

أنا «مليكة» بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم.

العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ):

(4) مشارق أنوار اليقين: (بإسناد يأتي: ح116) عن حكيمة - في حديث - قالت:

وأمّه «نرجس» بنت ملك الروم.

(5) بعض مؤلفات أصحابنا: (بإسناد يأتي : ح 84) - في حديث - عن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: فرأيت جارية من جواريهنّ قد زيّنت - تسمّى نرجس -.

(6) ومنه (بإسناد يأتي: ح 97) عن حكيمة قالت:

فقلت ياسيّدي ممّن يكون هذا الولد العظيم ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من نرجس يا عمّة.

(7) إثبات الرجعة: (بإسناد يأتي: 977) عن محمّد بن عبد الجبار، عن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال: قلت: ممّن هو يا بن رسول اللّه؟

قال : من ابنة قيصر ملك الروم.

(8) غيبة الطوسي: (بإسناد يأتي: ح 94) عن حكيمة - في حديث – قالت:

قلت له يابن رسول اللّه من أمّه ؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): «نرجس».

(9) شواهد النبوة: (بإسناد يأتي: ح 117) عن حكيمة، عن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال: يا عمّة، مَثَلُ «نرجس» مَثَلُ أم موسى.

(10) غيبة الطوسي: (بإسناد يأتي: ح93) عن حكيمة - في حديث - قالت:

فقلت: جعلت فداك يا سيّدي، الخلف ممّن هو ؟

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من «سوسن» إلى أن قالت : فلما كان بعد ثلاث إشتقت إلى ولىّ اللّه، فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت «سوسن» فيها.

(11) فصل الخطاب (بإسناد يأتي: ح118) عن حكيمة - في حديث - قالت :

ص: 207

وقت الفجر اضطربت «نرجس».

(12) كمال الدِّين: (بإسناد يأتي: ح 91) عن حكيمة قالت:

كانت لي جارية يقال لها: «نرجس».

(13) مشارق أنوار اليقين (بإسناد يأتي: ح116) عن حكيمة، قالت:

امه نرجس بنت ملك الروم.

(14) كمال الدِّين (بإسناد يأتي ح 125) عن عقيد الخادم قال:

... أمّه صقيل الجارية.

(15) ومنه (بإسناد يأتي: ح 86 و 105) عن أبي عليّ قال:

اسم أمّ السيّد: «صقيل».

[77] (16) غيبة الطوسي: روي أن بعض أخوات أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت لها جارية ربّتها تسمّى «انرجس»... . (1)

الكتب

[78] 17- إرشاد المفيد وأمّه أم ولد، يقال لها: «نرجس». (2)

[79] 18- كشف الغمّة: قال الشيخ كمال الدِّين بن طلحة: أبوه أبو محمّد الحسن؛ وأمّه أمّ ولد تسمّى «صقيل»، وقيل: حكيمة»، وقيل: غير ذلك. (3)

[80] 19 تاريخ ابن خلكان: [هو ] ثاني عشر الأئمّة... واسم أمّه خمط؛

وقيل: نرجس (4).

[81] 20 - الدروس وأمّه صقيل. وقيل: نرجس، وقيل: مريم بنت زيد العلويّة (5).

ص: 208


1- يأتي في ح 85 بتمامه.
2- يأتي الحديث كاملاً مع تخريجاته في ح 249.
3- 437/2 عنه البحار 23/51 ج 35. وأورد (مثله) في مقصد الراغب: 176 (مخطوط). وفي مطالب السؤول: 89 عنه إحقاق الحقّ 89/13.
4- يأتي ح 250.
5- 155، عنه البحار: 28/51. وأمهات الأئمّة: 107.

(21) ينابيع المودة: نقلاً من كتاب فصل الخطاب (يأتي: ح143) وفيه: أمّه أمّ ولد، يقال لها: نرجس.

(22) مرآة الأسرار : (يأتي: ح139) أمّه كانت أمّ ولد اسمها نرجس.

(23) نزهة الجليس - في حديث - (يأتي: ح 140)... اسم أمّه «نرجس».

2 - باب أن أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ) سيّدة الإماء وخيرة الإماء

الأئمّة، أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ)

(1) ينابيع المودة: (بإسناد يأتي: ح 830) عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال : ذلك أمر اللّه وهو كائن وقتاً مريحاً، فيا ابن خيرة الإماء، متى تنتظر؟

(2) مقتضب الأثر: (بإسناد يأتي: ح 805) عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال للحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ): بأبي أنت وأمي يا أبا ابن خيرة الإماء.

(3) شرح النهج: (بإسناد يأتي ذح (821) - في حديث - عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : بأبي ابن خيرة الإماء.

غيبة النعماني: (بإسناد يأتي: ح 825) عن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (مثله).

الباقر، عن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

(4) غيبة الطوسي: (بإسناد يأتي: ح212) عن الباقر، عن عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) - في حد حديث - قال: ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبى ابن خيرة الإماء.

(5) غيبة النعماني: (بإسناد يأتي: ح213) عن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ):

«بأبي ابن خيرة الإماء، أهي فاطمة؟ فقال: فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خيرة الحرائر.

الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ)

(6) كمال الدِّين: (بإسناد يأتي: ح 901) عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال:

ص: 209

هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء.

(7) غيبة النعماني: (بإسناد يأتي: ح243) عن الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال: وإنّه قائم هذه الأمة، وإنَّه ابن خيرة الإماء.

الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ)

(8) کمال الدین: (بإسناد يأتي: ح928) عن الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في حديث - قال: الاهلية ذلك ابن سيّدة الإماء، الّذي تخفى على الناس ولادته.

3- باب بعض أحوال أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وتزويجها بأبي محمّد الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام، ووصولها بخدمته في اليقظة

أصحاب الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)

[82] 1 - غيبة الطوسي: أخبرني جماعة، عن أبي المفضّل الشيباني، عن أبي الحسين محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيّ الرهني، قال: قال بشر بن سليمان النخّاس وهو من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) و جارهما بسرّ من رأى أتاني كافور الخادم فقال: مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يدعوك إليه، فأتيته، فلما جلست بين يديه قال لي:

يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها الشيعة في الموالاة بها، بسرّ أطلعك عليه، وأُنفذك في ابتياع أمة.

فكتب كتاباً لطيفاً بخط رومي ولغة روميّة، وطبع عليه خاتمه.

وأخرج شقيقة (1) صفراء، فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال:

ص: 210


1- الشقة: ما شقّ من توب أو نحوه، تصغيرها «شقيقة».

خذها وتوجّه بها إلى بغداد، واحضر معبر الفرات ضحوةً يوم كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وترى الجواري فيها ستجد طوائف المبتاعين من وكلاء قوّاد بني العبّاس، وشرذمة من فتيان العرب؛

فإذا رأيت ذلك، فأشرف من البعد على المسمّى «عمر بن يزيد النخّاس» عامة نهارك إلى أن تبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا، لابسة حريرين صفيقين (1)، تمتنع من العرض ولمس المعترض والانقياد لمن يحاول لمسها،

وتسمع صرخةً روميّة من وراء ستر رقيق فاعلم أنها تقول: «وا هتك ستراه» ! فيقول بعض المبتاعين عليَّ ثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبةً ! فتقول له بالعربيّة: لو برزت في زيّ سليمان بن داود وعلى شبه ملكه ما بدت لي فيك رغبة فاشفق على مالك !

فيقول النخّاس: فما الحيلة ولابد من بيعك؟ فتقول الجارية :

وما العجلة ولابدّ من اختيار مبتاع يسكن قلبي إليه وإلى وفائه وأمانته.

فعند ذلك قم إلى عمر بن يزيد النخاس وقل له: إنّ معي (2) كتاباً ملصقاً (3) لبعض الأشراف كتبه بلغة روميّة وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمّل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيله في ابتياعها منك.

قال بشر بن سليمان فامتثلت جميع ما حده لي مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء ًشديداً؛

وقالت لعمر بن يزيد يعني من صاحب هذا الكتاب !

ص: 211


1- ثوب صفيق: كتيف نسجه.
2- «معك» م. ع. ب مصحف، وما أثبتناه موافق لما في بعض المصادر.
3- «ملطفة» ع. ب. وفي دلائل الإمامة «لطيفاً».

وحلفت بالمحرجة والمغلّظة (1) أنه متى امتنع من بيعها منه، قتلت نفسها ! فما زلت أشاحه في ثمنها حتّى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدنانير.

فاستوفاه مني، وتسلمت الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى الحجيرة التي كنت آوي إليها ببغداد، فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولانا (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها، وهي تلثمه وتطبقه على جفنها، وتضعه على خدّها وتمسحه على بدنها؛

فقلت تعجّباً منها تلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟

فقالت: أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني(2) سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة (3) بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمّي من ولد الحواريّين، تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبنك بالعجب:

إنّ جدّي قيصر أراد أن يزوّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريّين من القسّيسين والرهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار منهم سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقواد العسكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وأبرز من بهي ملكه عرشاً مصنوعاً (4) من أصناف الجوهر إلى صحن القصر، ورفعه فوق أربعين مرقاة،

فلمّا صعد ابن أخيه وأحدقت [به](5) الصلب، وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل، تسافلت الصُلب من الأعلى، فلصقت بالأرض وتقوّضت أعمدة العرش فانهارت إلى القرار، وخرّ الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي:

ص: 212


1- غلّظ اليمين: أكّدها. ويقال: حلف بالمحرّجات، أي بالأيمان التي تضيّق مجال الحالف.
2- 2- أعرني من الإعارة أي أعطني سمعك عاريةً.
3- «ملكية» م.
4- «مصاغاً» ع.
5- أضفناها. وهو الموجود في روايتي الصدوق والطبري، والصلب والصلبان: جمع صليب.

أيّها الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال دولة هذا الدين المسيحي، والمذهب الملكاني (1).

فتطيّر جدّي من ذلك تطيراً شديداً، وقال للأساقفة:

أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان، وأحضروا أخا هذا المدبّر العاثر (2) المنكوس جدّه (3)، لأزوجه هذه الصبية، فيدفع نحوسه عنكم بسعوده.

فلمّا فعلوا ذلك حدث على الثاني مثل ما حدث على الأوّل، وتفرّق الناس، وقام جدّي قيصر مغتمّاً، فدخل منزل النساء، وأُرخيت الستور.

وأريتُ في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدّة من الحواريّين قد اجتمعوا في قصر جدّي ونصبوا فيه منبراً من نور يباري السماء (4) علوّاً وارتفاعاً في الموضع الّذي كان نصب جدّي فيه عرشه،

ودخل عليهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، و ختنه (5) ووصيّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعدة من أبنائه (عَلَيهِم السَّلَامُ).

فتقدم المسيح إليه فاعتنقه، فيقول له محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): يا روح اللّه، إنّي جئتك خاطباً من وصيّك شمعون فتاته مليكة لابني هذا وأومأ بيده إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون، وقال له:

قد أتاك الشرف، فصل رحمك برحم آل محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ).

قال: قد فعلت فصعد ذلك المنبر، فخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وزوّجني من ابنه وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وشهد أبناء محمّد والحواريّون.

فلما استيقظت أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدّي مخافة القتل فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم.

ص: 213


1- الملكاتبة : أصحاب ملكا الّذي ظهر بأرض الروم واستولى عليها ومعظم الروم ملكانية (الملل والنحل: 222/1).
2- «العاهر» ع. ب. مصحّف.
3- 3- أي حظّه وبخته.
4- أي يعارضها.
5- أي زوج ابنته.

وضرب صدري بمحبة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حتّى امتنعت من الطعام والشراب فضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً؛

فما بقي في مدائن الروم طبيب إلا أحضره جدي وسأله عن دوائي.

فلمّا برّح (1) به اليأس قال: يا قرة عيني وهل يخطر ببالك شهوة فأزودّكها في هذه الدنيا؟ فقلت: يا جدّي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقةً؛

فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الأغلال، وتصدّقت عليهم، ومنّيتهم الخلاص رجوت أن يهب لي المسيح وأمّه عافية، فلما فعل ذلك، تجلّدت في إظهار الصحة من بدني قليلاً، وتناولت يسيراً من الطعام، فسر بذلك، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزازهم.

فاُريت [أيضاً] بعد أربع عشرة ليلة كأنّ سيّدة نساء العالمين، فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) قد زارتني، ومعها مريم ابنة عمران، وألف من وصائف الجنان؛

فتقول لي مريم (عَلَيهَا السَّلَامُ): هذه سيدة نساء العالمين (عَلَيهَا السَّلَامُ) أُمّ زوجك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)

فأتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من زيارتي.

فقالت سيدة النساء (عَلَيهَا السَّلَامُ): إن ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة باللّه على مذهب النصارى، وهذه أختي مريم بنت عمران تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك؛ فإن مِلْتِ إلى رضى اللّه تعالى ورضى المسيح ومريم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وزيارة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إيّاك، فقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وأن أبي محمّداً رسول اللّه، فلما تكلمت بهذه الكلمة، ضمتني إلى صدرها سيدة نساء العالمين (عَلَيهَا السَّلَامُ) وطيّبت نفسي وقالت: الآن توقّعي زيارة أبي محمّد، فإنّي منفذته إليك. فانتبهت وأنا أقول (2): [واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد] (3) وأتوقع لقاء أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما كان في الليلة القابلة، رأيت

ص: 214


1- ويقال: برح به الأمر تبريحاً: جهده وأضر به. (منه (رَحمهُ اللّه)).
2- كذا، وفي ب_«أنول». ونالت المرأة بالحديث أو الحاجة نوالا: سمحت أو همت.
3- من روايتي الصدوق والطبراني.

أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكأنّي أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبّك.

فقال: ما كان تأخّري عنك إلا لشركك، فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه تعالى شملنا في العيان.

فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر: فقلت لها: وكيف وقعت في الأسارى (1)؟

فقالت: أخبرني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)- ليلة من الليالي - أنّ جدّك سيسيّر جيشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا وكذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكّرة في زيّ الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت ذلك، فوقعت علينا طلايع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وشاهدت وما شعر بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية أحد سواك، وذلك بإطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ - الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة - عن اسمي، فأنكرته، وقلت: نرجس.

فقال: اسم الجواري، قلت: العجب، إنّك رومية ولسانك عربي؟ قالت: نعم، [بلغ ] (2) من ولوع جدّي وحمله إيَّاي على تعلم الآداب، أن أوعز (3) إلى امرأة ترجمانة له (4) في الإختلاف إليّ، وكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتّى استمر لساني عليها واستقام قال بشر فلما انكفأت (5) بها إلى «سر من رأى» دخلت على مولاي أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال : كيف أراك اللّه عزّ الإسلام وذل النصرانيّة، وشرف محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ)؟

قالت: كيف أصف لك يابن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني ؟! قال: فإنّي أحبّ (6)أن أكرمك، فأيّما (7) أحب إليك عشرة آلاف دينار، أم بشرى لك بشرف الأبد؟

ص: 215


1- في كمال الدِّين «الأسر».
2- أضفناها من روايتي الصدوق والطبراني للزومها.
3- أوعز إليه في كذا أي تقدم.
4- لي. م.
5- انكفأ أي رجع. (منه (رَحمهُ اللّه)).
6- أحببت، م.
7- فما، م.

قالت: بشرى بولد لي قال لها: أبشري بولدٍ يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً. قالت: ممن؟ قال:

ممّن خطبك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) له ليلة كذا في شهر كذا من سنة كذا بالرومية.

[قالت: من المسيح ووصيه ؟] قال لها ممّن زوجك المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) ووصيه ؟

قالت: من ابنك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ فقال: هل تعرفينه؟

قالت: وهل خلت ليلة لم يرني (1) فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيّدة النساء (صلوات اللّه عليها). قال: فقال مولانا: ياكافور أُدع أُختي حكيمة.

فلمّا دخلت، قال لها ها هيه فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً؛

فقال لها أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )، خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد، وأمّ القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)(2).

[83] 2 - کمال الدین محمّد بن علي بن حاتم، عن أحمد بن عيسى الوشاء، عن أحمد بن طاهر القمي، عن أبي الحسين محمّد بن بحر (3) الشيبانيّ قال:

وردت كربلاء سنة ستّ وثمانين ومائتين وزرت قبر غریب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر قريش، في وقت قد تضرمت الهواجر (4)، وتوقدت السمائم (5).

ص: 216


1- «ب، ع» يزرني.
2- 208 ح 178، عنه البحار: 6/51 ج 12 إثبات الهداة: 221/9 ج 17، وص 298 ح 37 وعن كمال الدِّين: 417 ج 1 [الحديث التالي ]. ورواه في دلائل الإمامة: 489 ح 488 بإسناده إلى محمّد بن بسحر الشيبانيّ (مثله). وأورده في روضة الواعظين: 298، ومناقب آل أبي طالب: 440/4 مرسلاً (مثله). وأخرجه في حلية الأبرار 142/5 ضمن ح 1. عن الإكمال والدلائل وفي مدينة المعاجز : 514/7 ضمن ح 2505، ومستدرك الوسائل: 13/367 ح 1 عن الإكمال.
3- هو محمّد بن بحر الرهني، أبو الحسين الشيبانيّ كان من المتكلمين وعالماً بالأخبار فقيهاً. ترجم له النجاشيّ في رجاله 384 رقم 1044، والشيخ في الفهرست: 599.
4- الهواجر : جمع هاجرة، وهي شدّة الحر.
5- سمائم: جمع سموم وهي الريح الحارة.

فلمَّا وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة وزفرات متتابعة، وقد حجب الدمع طرفي عن النظر؛

فلمّا رقأت العبرة، وانقطع النحيب، فتحت بصري، فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه وتقوّس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر:

يابن أخي لقد نال عمّك شرفاً بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرف عمّك على استكمال المدّة، وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه.

قلت: يا نفس، لا يزال العناء والمشقة ينالان منك ياتعابي الخفّ والحافر (1) في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثر عظيم فقلت: أيها الشيخ ومن السيّدان؟ قال: النجمان المغيّبان في الثرى بسرّ من رأى.

فقلت: إنّي أقسم بالموالاة، وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة، أنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان الموكّدة على حفظ أسرار هما (2).

قال: إن كنت صادقاً فيما تقول، فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم. فلمّا فتّش الكتب وتصفّح الروايات منها قال:

صدقت، أنا بشر بن سليمان النخاس، من ولد أبي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن، وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وجارهما بسرّ من رأى.

قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما؛

قال: كان مولانا أبو الحسن عليّ بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقّهني في أمر (3) الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلّا بإذنه فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى

ص: 217


1- كتابة عن الجمل والفرس.
2- «آثار هما» ع.
3- «علم» ع. ب.

کملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى، وقد مضى هويّ (1) من الليل، إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً، فإذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يدعوني إليه فلبست ثيابي، ودخلت عليه؛

فرأيته يحدث ابنه أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأخته حكيمة من وراء الستر.

فلمّا جلست قال: يا بشر، إنّك من ولد الأنصار، وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، وأنتم ثقاتنا أهل البيت... .

وساق الخبر نحواً ممّا رواه الشيخ إلى آخره. (2)

4 باب زفافها (عَلَيهَا السَّلَامُ)

الأئمّة، الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

[84] 1 - في بعض مؤلفات الأصحاب: قال أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

دخلت على عمّاتي فرأيت جارية من جواريهن قد زيّنت تسمّى نرجس فنظرت إليها نظراً أطلته، فقالت لي عمّتي حكيمة أراك يا سيّدي، تنظر إلى هذه الجارية نظراً شديداً، فقلت لها: يا عمّة ما نظري إليها إلا نظر التعجّب مما للّه فيها من إرادته وخيرته فقالت لي: أحسبك يا سيّدي، تريدها؟

قلت: بلى فأمرتها أن تستأذن لي أبي علي بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في تسليمها إليّ، ففعلت فأمرها (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك فجاءتني بها. (3)

[85] 2- غيبة الطوسي: روي أن بعض أخوات أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت لها جارية ربّتها، تسمى نرجس فلما كبرت دخل أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فنظر إليها؛

ص: 218


1- يعني زماناً غير قليل.
2- تقدّم في الحديث السابق مع تخريجاته.
3- أورده الحضيني في الهداية الكبرى: 354 والمجلسي (رَحمهُ اللّه) في البحار: 25/51 مرسلاً عن أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقالت له: أراك يا سيّدي تنظر إليها؟

فقال: إنّي ما نظرت إليها إلا متعجباً ؛

أما إنّ المولود الكريم على اللّه تعالى يكون منها.

ثم أمرها أن تستأذن أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دفعها إليه، ففعلت، فأمرها بذلك. (1)

5 - باب ماورد في وفاتها (عَلَيهَا السَّلَامُ)

الأصحاب

[86] 1- كمال الدِّين: ماجيلويه عن محمّد العطار، عن أبي علي الخيزراني؛ عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدار، جاءته فارّةً من جعفر، فتزوّج بها.

قال أبو عليّ: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأنّ اسم أمّ السيّد: صقيل، وأن أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدّثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعو اللّه عزّ وجل لها أن يجعل منيتها قبله.

فماتت في حياة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه :

«هذا قبر أم محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)» الخبر. (2)

***

ص: 219


1- 244 ح 210، عنه إثبات الهداة: 310/6 - 53 والبحار: 22/5 ح 29، وأورده في إثبات الوصية: 248 وعيون المعجزات: 138 مرسلاً (مثله).
2- يأتي بتمامه ح 105 مع تخريجاته.

وحده عن أمير المؤمنين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

[212] 24- غيبة الطوسي: سعد، عن اليقطيني، عن إسماعيل بن أبان، عن عمرو ابن شمر عن جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: سأل عمر بن الخطاب، أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟

قال: أمّا اسمه فإنّ حبيبي عهد إلي أن لا أحدّثَ باسمه حتّى يبعثه اللّه. قال: فأخبرني عن صفته. قال: صفته قال هو شابّ مربوع حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبى ابن خيرة الإماء.

إرشاد المفيد: عن عمرو بن شمر (مثله) (1).

[213] 25 - غيبة النعماني عبد الواحد بن عبد اللّه، عن أحمد بن محمّد بن رباح عن أحمد بن عليّ الحميري عن الحكم عن (2) عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ): قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ): «بأبي ابن خيرة الإماء»، أهي فاطمة؟ فقال: فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خيرة الحرائر (3)، ذاك المبدح بطنه، المشرب حمرةً، رحم اللّه فلانا (4). (5)

ص: 220


1- 281 - 487، أورده في الخرائج والجرائح: 1152/3 ضمن ح 58، وفي عقد الدرر: 41. وفي منتخب الأنوار المضيئة: 56 مرسلاً (مثله). وفي غالية المواعظ ومصباح المتعظ والواعظ : 83/1. عنه ملحقات إحقاق الحق: 326/13.
2- «بن» ب. مصحف، وعبد الرحيم هذا له ذكر في طريق الصدوق (رَحمهُ اللّه) في باب غسل الجمعة من كتاب من لا يحضره الفقيه. وقال (رَحمهُ اللّه) في مشيخته : عبد الرحيم القصير الكوفي الأسدي، وقيل له : الأسدي لأنه مولى بني أسد. وعدّه الشيخ في رجاله: 128 رقم 12 من أصحاب الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ). والحكم هو بن سعد الأسدي أخو مشمعل الأسدي الناشري. رجال النجاشي: 420 رقم 1125.
3- «خير الحرائر، قال» ع. ب.
4- يأتي بيانها في الحديث التالي: رحم اللّه موسى.
5- 228 ح 9، عنه إثبات الهداة: 76/7 ح 496 وفيه «رحمه اللّه فلاناً»، والبحار: 42/51 ح 25.

[243] 23 ومنه: ابن عقدة عن القاسم بن محمّد بن الحسن، عن عبيس بن هشام، عن ابن جبلة، عن علي بن أبي المغيرة، عن أبي الصباح، قال:

دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي : ما وراءك ؟

فقلت: سرور من عمّك زيد، خرج يزعم أنه ابن سبيّة (1) وأنه قائم هذه الأمّة، وأنّه ابن خيرة الإماء. فقال: كذبٌ (2) ليس هو كما قال إن خرج قتل (3).

ص: 221


1- «ابن ستّة» ع. ب. لعل زيداً أدخل الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عداد الآباء مجازاً، فإنّ العمّ قد يسمى أباً، فمع فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ستّة من المعصومين (منه (رَحمهُ اللّه)).
2- أي زعمه هذا كذب فيكون ذلك انتفاء لصدقه وواقعه، كما أنَّه إذا أخبر عن الشيء على خلاف ماهو به كان ذلك انتفاء للصدق فيه، ولذلك قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ليس هو كما قال إن خرج قتل بمعنى أن القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن السبيّة، ابن خيرة الإماء إذا خرج يحيي الأرض ويقتل الظالمين ولا يُقتل، وقد أخرج السيّد الخوئي (رَحمهُ اللّه) هذه الرواية عن غيبة النعماني في رجاله: 351/7، وقال: الرواية ضعيفة بجهالة القاسم بن محمّد، وأن في عليّ بن أبي المغيرة كلاماً يأتي (أنظر بيان الزمخشري في الفائق: 250/3 حول كلمة : كذب).
3- 2345 ح 10. عنه إثبات الهداة: 425/5 ح 167. والبحار: 42/51 ح 26.

ص: 222

كشف الحق أو الأربعون - محمّد صادق الخاتون آبادي

أشارة:

سلسلة التراث المهدوي

كشف الحق أو الأربعون

تأليف

العالم الجليل محمّد صادق الخاتون آبادي (رَحمهُ اللّه)

1207-1272ه_

ترجمة وتحقيق

السيّد ياسين الموسوي

ص: 223

مركز الدراسات التخصصية

في الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

النجف - الأشرف - شارع الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) _ محلة الحريش

رقم الزقاق: 54 رقم الدار: 2

هاتف: 332811 و 332813

ص.ب 588

www.m-nmahdi.com.

mmahdi@m-mahdl.com

كشف الحق أو الأربعون

العالم الجليل محمّد صادق الخاتون آبادي (رَحمهُ اللّه)

ترجمة وتحقيق

السيّد ياسين الموسوي

تقديم

مركز الدراسات التخصصية

في الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الطبعة الأولى: شعبان 1436 ه_

النجف الأشرف

العدد: 3000 نسخة

السعر: 1200 دينار

جميع الحقوق محفوظة للمركز

ص: 224

الحديث الأول: في بيان ولادته، ووالدته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

قال أبو محمّد بن شاذان عليه الرحمة :

حدَّثنا محمّد بن عبد الجبار قال: «قلت لسيّدي الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ): یا بن رسول اللّه جعلني اللّه فداك أحبُّ أن اعلم أن الإمام، وحجة اللّه على عباده من بعدك؟

قال (عَلَيهِ السَّلَامُ): انّ الإمام مِن بَعْدِي ابني؛ سميُّ رسول اللّه، وكنّيه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؛الّذي هو خاتم حجج اللّه، وآخر خلفائه.

فقلت: ممَّنْ يتولد هو يا بن رسول اللّه ؟

قال من ابنة قيصر ملك الروم؛ ألا أنّه سيولد، فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر، ويقتل الدجال ؛ فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً و ظلماً؛ فلا يحلّ لِأحَدٍ أن يسمّيه، أو يكنيه قبل خروجه (صلوات اللّه عليه)».

ص: 225

الحديث الثاني: [إخبار الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ]

قال أبو محمّد بن شاذان (رَحمهُ اللّه):

حدَّثنا محمّد بن حمزة بن الحسن بن عبد اللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب (صلوات اللّه عليه) قال: سمعت أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول:

«قد ولد ولي اللّه، وحجته على عباده، وخليفتي من بعدي مختوناً، ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أول مَنْ غسله رضوان خازن الجنان مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل، ثمّ غَسَّلته عمتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). قال: أمّه مليكة التي يقال لها بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها».

ص: 226

إحقاق الحقّ: الجزء الثالث عشر – السیدّ شهاب الدين المرعشي

إشارة:

إحقاق الحقّ

وازهاق الباطل

تألیف

العلّامة في العلوم العقلية والنقلية

متكلم الشيعة نابغة الفضل والادب

القَاضِي السيّد نوراللّه الحسيني المرعشى التُستريّ

الشهيدُ

في بلاد الهندسنة 119

الجزء الثالث عشر

مع تعليقات نفيسة هامة

للعلّامة الحجّة اية اللّه العُظمى

السیدّ شهاب الدين الحُسیني المرعشي النَجفي (دامَ ظِلّه)

باهتمام السيّد محمود المرعشى

ص: 227

من منشورات مكتبة آية اللّه العطى المرعشي النجفي

قم - ایران

ص: 228

العلامة الحمويني في فرائد السمطين: «... أمّه جارية اسمها نرجس...»

و منهم العلّامة الحمويني في «فرائد السمطين» (مخطوط)

روی باسناده عن محمّد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني (رضى اللّه عنه) قال حدَّثنا الحسن بن إسماعيل قال حدَّثنا أبو عمر سعيد بن محمّد بن نصر القطان قال حدَّثنا عبيد اللّه بن محمّد السلمي قال حدَّثنا محمّد بن عبد الرحيم قال حدَّثنا محمّد بن سعيد بن قد قال حدَّثنا العبّاس بن أبي عمر عن صدقة بن أبي موسى عن أبي نضرة قال : لما احتضر أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عليه عند الوفاة دعا بابنه الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليعهد إليه عهداً وقال له أخوه زيد بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لو امتثلت في تمثال الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) الرجوت أن لا تكون أتيت منكراً فقال له يا أبا الحسين انّ الأمانات ليس بالمثال ولا العهود بالسوم و إنما هي امور سابقة عن حجج اللّه تبارك وتعالى ثمّ دعا بجابر بن عبداللّه فقال له يا جابر حدَّثنا بما عاينت من الصحيفة فقال له جابر نعم يا ابا جعفر دخلت على مولاتي فاطمة بنت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) لأهنّيها بمولد الحسين فإذا بيدها صحيفة من درّة بيضاء، فقلت ياسيدة البتول ما هذه الصحيفة التي أراها معك؟ قال فيها أسماء

ص: 229

الولاة من ولدى، فقلت لها ناولينى لأنظر فيها، قالت ياجابر لولا النهى لكنت أفعل لكنَّه نهي أن يمستها إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ أو أهل بيت نبيّ ولكنّه مأذون لك أن تنظر إلى بطنها من ظاهرها، قال جابر فقرأت فإذا أبو القاسم محمّد بن عبد اللّه المصطفى وأمّه آمنة، وأبو الحسن عليّ بن ابيطالب المرتضى أمّه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، أبو محمّد الحسن بن عليّ و أبو عبد اللّه الحسين بن عليّ التقي أمّهما فاطمة بنت محمّد، عليّ بن الحسين العدل أمّه شاه بانونه بنت يزدجرد بن شاهنشاه، أبو جعفر محمّد ابن علي الباقر أمّه امّ عبداللّه بنت حمد الحسن بن عليّ بن ابيطالب، أبو عبد اللّه جعفر ابن محمّد الصادق أمّه امّ فروة بنت القاسم بن محمّد بن أبي بكر، أبو إبراهيم موسى بن جعفر الثقة أمّه جارية اسمها حميدة، أبو الحسن علي بن موسى الرضا أمّه جارية إسمها نجمة، أبو جعفر عبد بن عليّ الزكيّ أمّه جارية إسمها خيزران، أبو الحسن عليّ ابن محمّد الأمين أمّه جارية إسمها سوسن، أبو عمد الحسن بن عليّ الرفيق أمّه جارية إسمها سمانة، أبو القاسم محمّد بن الحسن هو حجة اللّه القائم أمّه جارية إسمها نرجس صلوات اللّه عليهم أجمعين.

ص: 230

تاريخ ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ)

رواه جماعة من أعلام القوم: كمال الدين محمد بن طلحة في مطالب المسؤول: (... وأمّه أمّ ولد تُسمّى صقيل...)

رواه جماعة من أعلام القوم :

ومنهم العلّامة كمال الدِّين محمّد بن طلحة الشامى الشافعى فى «مطالب السؤول (س) 89 ط طهران قال :

الباب الثانى عشر في أبي القاسم محمّد بن الحسن الخالص بن عليّ المتوكّل بن محمّد القائع بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن حمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين الزكي بن عليّ المرتضى بن أبيطالب المهديّ الحجّة الخلف الصالح المنتظر (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) ورحمة اللّه بركاته.

فهذا الخلف الحجّة قد أيّده اللّه***هذا منهج الحقّ و آتاه سجاياه

و اعلى في ذري العلياء بالتأييد مرقاه***و آتاه على فضل عظيم فتحلّاه

و قد قال رسول اللّه قولاً قد رويناه***و ذو العلم بما قال إذا أدرك معناه

ص: 231

يرى الأخيار في المهدى جائت بمسمّاه***و قد أبداه بالنسبة والوصف وسمّاه

و يكفى قوله منى لاشراق محياه***و من بضعته الزّهراء مرساه و مسراه

ولن يبلغ ما اوتيه امثال و اشباه فمن قالوا هو المهدى مامانوا بما فاهو

وقد رتع من النّبوة في أكناف عناصرها ورضع من الرّسالة اخلاف اواصرها وترع من القرابة بسجال معاصرها و برع في صفات الشرف فعقدت عليه بخياصرها فاقتنى من الأنساب شرف نصابها واعتلى عند الانتساب على شرف احسابها واجتنى الهداية من معادنها واسبابها فهو من ولد الطهر البتول المجزوم بكونها بضعة من الرسول فالرسالة أصلها وانها لأشرف العناصل والاصول.

فأمّا مولده فبسر من رأى في ثالث وعشرين شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وماتين للّهجرة.

و أمّا نسيه أباً واماً فأبوه محمّد الحسن الخالص بن عليّ المتوكل بن محمّد القائع ابن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن حمد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين الزكي بن علي المرتضى أمير المؤمنين.

وأمّه أمّ ولد تسمى صقيل وقيل حكيمة وقيل غير ذلك.

وأما اسمه محمّد وكنيته أبو القاسم ولقبه الحجّة والخلف الصالح وقيل المنتظر.

ص: 232

سبط ابن الجوزي في تذكر الخواص: (... أمّه أمّ ولد يقُال لها صقيل...)

ومنهم العلّامة سبط ابن الجوزى فى «تذكرة الخواص» (ص 204 ط طهران) قال :

محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن ابيطالب وكنيته أبو عبد اللّه وأبو القاسم وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان القائم والمنتظر و التالي وهو آخر الأئمّة.

و قال :

ويقال له ذو الأسمين محمد وأبو القاسم قالوا: أمّه أمّ ولد يقال لها سيقل.

ابن الصباغ في الفصول المهمة: (... وأمّا أمّه فأمّ ولد يقال لها: نرجس...)

ومنهم العلّامة ابن الصباغ المصرى فى «الفصول المهمة» (ص 274 ط النرى) قال :

ولد أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين للهجرة.

و أمّا نسبه أباً واماً فهو أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر ابن علي زين العابدين بن الحسين بن عليّ بن ابيطالب صلوات اللّه عليهم أجمعين.

و أمّا أمّه فامّ ولد يقال لها : نرجس خير أمة وقيل : اسمها غير ذلك.

و أمّا كنيته فأبو القاسم.

و أمّا لقبه فالحجّة والمهدى والخلف الصالح والقائم المنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدى.

ص: 233

العارف عبد الرحمن في مرآة الأسرار : (... أمّه كانت أم ولد اسمها نرجس...)

ومنهم العارف عبد الرحمان من مشايخ الصوفية في «مرآة الاسرار» (ص 31 ط).

قال ما ترجمته بالعربية : ذكر شمس الدين والدولة هادي الملة والدولة : من هو القائم في المقام المطّهري الأحمدي الإمام بالحق أبو القاسم محمّد بن الحسن المهدى (رضي اللّه عنه)، وهو الامام الثاني عشر من أئمة أهل البيت، أمّه كانت أمّ ولد اسمها نرجس ولادته ليلة الجمعة خامس عشر شهر شعبان سنة خمس وخمسين ومأتين وعلى رواية شواهد النبوّة أنّها في ثلاث وعشرين من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين في سرّ من رأى المعروفة بسامرّأء، وافق رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) في الاسم والكنية، وألقابه المهديّ و الحجّة والقائم والمنتظر و صاحب الزمان و خاتم الاثنى عشر و صاحب الزمان، كان عمره عند وفاة عند وفاة أبيه خمس سنين وجلس على مسند الامامة ومثله مثل يحيى بن زكريّا حيث أعطاه اللّه في الطفولية الحكمة و الكرامة، و مثل عيسى بن مريم حيث أعطاه اللّه النبوة في صغر سنه كذلك المهديّ جعله اللّه اماماً في صغر سنّه، وماظهر له من خوارق العادات كثير لا يسعها هذا المختصر.

السيد عباس بن علي المكي في نزهة الجليس: (... واسم أمّه نرجس)

ومنهم العلّامة السيّد عباس بن على المكي فى «نزهة الجليس» (ج 2 ص 128 ط- القاهرة) قال :

ص: 234

ترجمة الإمام المهديّ المنتظر أبي القاسم محمّد بن الحسن العسكريّ بن عليّ الهادي بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن على بن أبي طالب (عَلَيهِم السَّلَامُ).

هو القائم المنتظر على رأي الإماميّة، و هو صاحب السّرداب و قد تقدّم ذكر السرداب في اوائل الكتاب، وللاماميّة فيه أقوال كثيرة وهم ينتظرون خروجه آخر الزمان، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومأنين ولمّا توفّى أبوه وقد تقدّم ذكره كان عمره خمس سنين واسم أمّه نرجس.

«إلى أن قال» : والصحيح ان ولادته في ثامن شعبان سنة ست وخمسين ومأتين و دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومأتين وعمره سبع عشرة سنة، واللّه الموفق للصواب وإليه المآب.

ص: 235

نبذة مما ورد فيه من عليّ بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)

إشارة:

و تروى عنه أحاديث :

الاول: مارواه القوم : منهم العلّامة القندوزى فى «ينابيع المودة» (ص 438 ط اسلامبول)

قال :

عن الحسن بن خالد قال : قال علي بن موسى الرضا (رضي اللّه عنه) : لادين لمن لا ورع له و إنّ أكرمكم عند اللّه أتقاكم أي أعملكم بالتّقوى ثمّ قال : إنّ الرابع من ولدى ابن سيدة الاماء يطهّر اللّه به الأرض من كل جور و ظلم وهو الّذي يشكّ الناس في ولادته و هو صاحب الغيبة فاذا خرج أشرقت الأرض

ص: 236

بنور ربّها و وضع ميزان العدل بين الناس فلا يظلم أحد أحداً الناس فلا يظلم أحد أحداً و هو الّذي تطوى له الأرض ولا يكون له ظلّ و هو الّذي بنادى مناد من السماء يسمعه جميع أهل الأرض ألا إن حجّة اللّه قد ظهر عند بيت اللّه فاتّبعوه فإنّ الحقّ فيه و معه و هو قول اللّه عزّ وجلّ إن نشأ ننزل عليهم آية من السماء فظلت أعناقهم لها خاضعين -. وقول اللّه عزّ وجلّ : يوم ينادى المنادى من مكان قريب ويوم يسمعون الصّيحة بالحقّ ذلك يوم الخروج أى خروج ولدي القائم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 237

ص: 238

مُلحقات الإحقاق - الجزء التاسع والعشرون - السیّد شهاب الدين مرعشي

إشارة:

مُلحقات الإحقاق

تالیف

لمرجع الديني كبير العلّامة الحجّة

آية اللّه العظمی السیّد شهاب الدين مرعشي النجفي

اَعْلَى اللّه مَقَامَهُ الشريف

المجلد التاسع والعشرون

باهتمام

السيّد محمود المرعشي

ص: 239

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

* کتاب : ملحقات احقاق الحق

* تأليف : آية اللّه العظمى المرعشي النجفي (رَحمهُ اللّه)

* نشر : مكتبة اية اللّه المرعشي النجفي (رَحمهُ اللّه)

* الفلم و الزنگ : تیزهوش

* طبع : حافظ - قم

* الطبعة : الأولى

* العدد : 1000

* التاريخ : 1415ه_

* المجلد التاسع والعشرون

ص: 240

ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) و نسبه الشريف ق

د تقدم نقل ما يدل عليه عن أعلام العامة في ج 13 ص 88 إلى ص 97 و ج 19 ص 632 إلى ص 646، و نستدرك هيهنا عن الكتب التي لم نرو عنها فيما سبق :

ص: 241

الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (... وأمّه أم ولد يُقال لها نرجس)

ومنهم الشريف علي فكري الحسيني القاهري في «أحسن القصص» (ج 4 ص 307 ط بيروت) قال :

نسبه : هو سيدنا محمّد بن الحسن الخالص بن علي الهادي بن محمّد الجواد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي زين العابدين ابن الحسين بن علي بن أبي طالب (رضي اللّه عنهم).

و أمّه أمّ ولد يقال لها : نرجس، وقيل : صقيل، وقيل : سوسن.

ص: 242

الأمام المهديّ عند أهل السُّنّة - مهدى الفقيه ايماني : المجلد الثاني

إشارة:

الأيام المهديّ

عند أهل السُّنّة

يتضَمَّن رَسائل عُمْرَدَة وَفصُولا وابحاناً

افتطفناها من مؤلّفات ائمّة الحديث وأعلام التاريخ

ورجالات العلم من اهل السُّنّة

خلال اثني عشر قرنا

المجلد الاول - قسم المطبوعات

ربها وقدّم لها مهدى الفقيه ايماني

ص: 243

الكتاب الامام المهديّ عند أهل السنّة

الموضوع: رسائل وفصول مختارة حول المهديّ

المؤلِّف: مهدي الفقيه الايماني

نشر : مكتبة الامام أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأصفهان

طبع: دار التعارف للمطبوعات بيروت

الطبعة الثانية

1402 ه_

ص: 244

تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي

إشارة:

تذكرة الخواص

للعلّامة سبط ابن الجوزي المتوفى سنة 654 ه_

المعروف - : (تذكرة خواص الأمة)

(في خصائص الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ))

تأليف

يوسف بن فرغلي بن عبد اللّه البغدادي - سبط الحافظ

أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي - الحنفي

المولود سنة 581 والمتوفى 654 ه_

قدم له

العلّامة الكبير السيّد محمّد صادق بحر العلوم

طبع على نفقة

(محمّد كاظم الحاج محمّد صادق المكتبي)

صاحب المكتبة والمطبعة الحيدرية في النجف الأشرف

منشورات المطبعة الحيدرية ومكتبتها في النجف الاشرف

1383 ه_ - 1964م

ص: 245

(ذكر أولاده منهم محمّد الامام) / فصل في ذكر الحجّة المهدى

هو محمّد بن الحسن بن على بن محمّد بن على بن موسى الرضا بن جعفر بن محمّد ابن على بن الحسين بن على بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكنيته أبو عبد اللّه وأبو القاسم وهو الخلف الحجّة صاحب الزمان، القائم والمنتظر، والتالى، وهو آخر الأئمّة أنبأنا عبد العزيز بن محمود بن البزاز عن أبن عمر قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) يخرج في آخر الزمان رجل من ولدى أسمه كأسمى وكنيته ككنيتى یملأ الأرض

ص: 246

عدلا كما ملئت جوراً. فذلك هو المهدى، وهذا حديث مشهور.

وقد اخرج أبو داود والزهري عن على بمعناه وفيه لو لم يبق من الدهر إلا يوم واحد لبحث اللّه من أهل بيتي من يملأ الأرض عدلا، وذكره في روايات كثيرة ويقال له ذو الاسمين محمّد وأبو القاسم قالوا أمّه أم ولد يقال لها صيقل.

ص: 247

وفيات الأعيان وانناء ابناء الزمان / ابن خلّگان

إشارة:

وفيات الأعيان

وانناء ابناء الزمان

لأبي العب من شمس الّذين يحمد بن محمّد بن أبي بكر بن خلّگان

(608 – 681 ه_)

حققه

الدكتور احسان عباس

المجلّد الرّابع

دار صادر

بیروت

213

ص: 248

أبو القاسم المنتظر

أبو القاسم المنتظر (1)

أبو القاسم محمّد بن الحسن العسكريّ بن علي الهادي بن محمّد الجواد المذكور قبله ؛ ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الامامية، المعروف بالحجّة، وهو الّذي تزعم الشيعة أنّه المنتظر والقائم والمهديّ، وهو صاحب السرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرة، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزمان من السرداب بسر من رأى. كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه - وقد سبق ذكره (2) - كان عمره خمس سنين، واسم أمّه خمط، وقيل نرجس، والشيعة يقولون : إنه دخل السرداب في دار أبيه وأمّه تنظر إليه، فلم يعد يخرج إليها، وذلك في سنة خمس وستين ومائتين، وعمره يومئذٍ تسع سنين.

وذكر ابن الأزرق في «تاريخ ميّافارقين»: أن الحجّة المذكور ولد تاسع شهر ربيع الأول سنة ثمان وخمسين وماقتين، وقيل في ثامن شعبان سنة ست وخمسين، هو الأصح، وأنه لما دخل السرداب كان عمره أربع سنين، وقيل خمس سنين، وقيل إنه دخل السرداب سنة خمس وسبعين ومائتين وعمره سبع عشرة سنة، واللّه أعلم أي ذلك كان، رحمه اللّه تعالى.

ص: 249


1- انظر الأئمّة الاثنا عشر : 117 و الصفحة المقابلة.
2- انظر ج 1 : 94.

الفُصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) / ابن الصبّاغ

الفُصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) / ابن الصبّاغ

الكتاب الّذي يعطيك صورة صادقة عن سيرة الأئمّة الأثنى عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ) باسلوب رهمين محكم وضبط وتحقيق تسالم الفريقان على صحته وتأييده فهو خير مصدر يرجع اليه و يعول عليه ؟

تأليف

الشيخ الإمام العلّامة والبحر الفهامة على بن محمّد ابن احمد المالكي المكي الشهير بابن الصباغ المتوفّى 855

مطبعة العدل في النجف

من نشريات مكتب دار الكتب التجارية في النجف الأشرف

ص: 250

وأما أمّه فأمّ ولد يقال لها نرجس خير أمة وقيل اسمها غير ذلك

ولد أبو القاسم محمّد بن الحجّة بن الحسن الخالص بسر من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للهجرة. وأما نسبه ابا وامّا فهو ابو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بن على الهادي ابن محمّد الجواد بن على الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ابن محمّد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن ابى طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين. وامّا أمّه نام ولد يقال لها نرجس خير أمة وقيل اسمها غير ذلك.

ص: 251

الأئمّة الإثنا عشر - شمس الدين محمّد بن طولون

إشارة:

الأئمّة الإثنا عشر

تأليف

مؤرخ دمشق

شمس الدين محمّد بن طولون

953 ه_ - 1546 م

تحقيق

الدكتور صلاح الدين المنجد

دار بیروت للطباعة والنشر - دار صادر للطباعة والنشر

بیروت

1377 ه_ - 1958م

ص: 252

كانت ولادته، (رضي اللّه عنه) (1): يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين، ولما توفي أبوه المتقدّم ذكرُه، (رضي اللّه عنهما)، كان عمره خمس سنين.

واسم أمّه خمط وقيل نرجس

واسم امّه خمط، وقيل نرجس (26 ب).

والشيعةُ يقولون إنه دخل السرداب في دار أبيه وأمّه تنظر إليه فلم يعد يخرج إليها. وذلك في سنة خمس وستين ومائتين، وعمره يومئذٍ تسع سنين.

ص: 253


1- ص «الرضي».

ص: 254

الأمام المهديّ عند أهل السنة - مهدى الفقيه ايماني - المجلّد الثاني

إشارة:

الأمام المهديّ

عند أهل السُنّة

یتضَمَّن رسائل مفردة وفصُولاً وابحاثا اقتطفناها من مؤلّفات ائمّة الحديث وأعلام التاريخ ورجالات العلم من اهل السُنَّة خلال اثنى عشر قرنا

المجلّد الثاني - قم مطبوعات

رتّبها وقدّم لها

مهدى الفقيه ايماني

ص: 255

كتاب نور الأبصار في مناقب آل بيت

النبي المختار للعالم الفاضل

الشيخ الشبلنجي

المدعوّ بمؤمن

نفع اللّه به آمین

«وبهامشه كتاب اسعاف الراغبين في سيرة المصطفى وفضائل»

«أهل بيته الطاهرين تأليف علامة زمانه الأستاذ»

«الشيخ محمّد الصبان عليه الرحمة والرضوان»

اذا استعرت کتابی و انتفعت به * فاحذر وقبت الردى من أن تفسيره

وارد د ملی سالما انی شغفت به * لولا مخافة كتم العلم لم تره

«وهذه الطبعة قوبلت على نسخة المؤلِّف بخط».

ص: 256

فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص

فصل في ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص بن على الهادي بن محمّد الجواد بن على الرضاين. موسى الكاظ ابن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب (رضي اللّه عنهم) أمّه أم ولد يقال لها نرجس وقيل صقيل وقبل و سنّه وكنيته أبو القاسم ولقبه الامامية بالحجّة والمهدى والخلاف الصالح والقائم والمنتظر وصاحب الزمان وأشهرها المهدى.

ص: 257

فيضُ القدير / للعلّامة المناوي : الجزء السادس

إشارة:

فيضُ القدير

شرح الجامع الصغير

للعلّامة المناوي

وهو شرح نفيس للعلّامة المحدث

محمّد المدعو بعبد الرؤف المناوى

على كتاب و «الجامع الصغير»، من أحاديث البشير النذير

للحافظ جلال الدين عبد الرحمن السيوطي

نفعنا اللّه بعلومهما

الجزء السادس

صحت هذه الطبعة وقوبلت على عدة نسخ من أهمها نسخة نفيسة مخطوطة في سنة 1093 ه_ وعلق عليها تعليقات قيمة نخبة من العلماء الأجلاء

جميع حقوق التعليق والنقل محفوظة

قد جعلنا متن الجامع الصغير بأعلى الصفحات، والشرح بأسفلها

منصولا بینهما بجدول

واتمام الفائدة قد ضبطنا الأحاديث بالشكل الكامل

1391 ه_ - 1972م

الطبعة الثانية

دار المعرفة

للطباعة والنشر

بيروت - لبنان

ص: 258

... وأمّا أمّه فاسمها نرجس من أولاد الحواريين

924 - المَهْدِى مِنْ عِترتي، مِن وَلَد فَاطِمَة - (ده ك) عن أم سلمة - (صح)

(المهدى من عترتى من ولد فاطمة) لا يعارضه مايجيء عقبه أنه من ولد العبّاس الحمله على أنه شعبة منه (تنبيه) قال العارف البسطامي في الجفر هذه الدرة اليتيمة والحكمة القديمة ستدخل فى باب السبب إلى مكتب الأدب ليقرأ لوح الوجود ثمّ يخرج منه ويدخل إلى مكتب التسليم ليطالع لوح الشهود وقيل يولد في فارس وهو خماسي الفد عقيقي الخد وقد آتاه اللّه في حال الطفولية المحكمة وفصل الخطاب و أما أمّه فاسمها ترجس من أولاد الحواريين.

ص: 259

العطر الوردي بشرح القطر الشهدي / محمد البلبيسي بن محمد ي بن محمد الشافعي المصري

هذه الرسالة تشتمل على منظومة وشرحها لرجلين معاصرين أما المنظومة فهي المسماة ب_«القطر الشهدي في اوصاف المهدي» وتحتوي على خمسة وخمسين بيتا حول اوصاف الحجّة الامام المهديّ المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) مأخوذة من الاحاديث الواردة في الصحاح والمسانيد.

نظمه شهاب الدین احمد بن اسماعيل الحلواني الخليجي الشافعي المصري (1249 - 1308)

كان عالماً شاعراً من أدباء مصر مولده ووفاته في بلدة رأس الخليج قرب دمياط من اعمال الغربية بمصر.

وله : «الاشارة الاصفية، فيما لا يستحيل بالانعكاس في صورة الرسمية ط»، «البشرى باخبار الاسراء والمعراج الأسرى»، «الجمال المبين على الجوهر

ص: 260

الثمين في الصلوة على أشرف المرسلين»، «القصيدة الحلواء في مدح بني الزهراء» (1).

واما الشرح فهو كتاب «العطر الوردي بشرح القطر الشهدي» للأديب المحدث الفاضل محمّد البلبيسي بن محمّد بن احمد الحسيني الشافعي المصري، كان من الفضلاء المعروفين ومسؤول تصحيح قسم العلوم بدار الطباعة ببولاق مصر، ولم نجد فيها بأيدينا من كتب التراجم عنواناً للشارح، وشرحه هذا للمنظومة - كما ترى - يكفينا ويكفي كل قارى لبيب للوقوف على طول باع الشارح وسعة اطلاعه ومقامه في الأدب والحديث.

وقد إشتبه علي الزركلي في الاعلام (265,7) حيث نسب «العطر الوردي» الى محمّد بن محمّد بن علي البلبيسي المتوفي (749) وكذا البغدادي في ايضاح المكنون (102,2) في نسبة الكتاب الى الشيخ محمّد بن الياس البلبيسي المصري المتوفى (749) فإن ما ذكرت من اسم المؤلِّف الشارح هو مكتوب في أول الكتاب كما تراه ويضاف اليه أن الشاعر قد توفي في (1308) والشارح الف شرحه هذا اللأشعار بعد هذا التاريخ كما هو مكتوب ايضاً في اوله وآخره والخطب سهل.

ص: 261


1- اكتفاء القنوع 467 - 468، ايضاح المكنون 2/ 230، 234، الاعلام للزركلي 89/1، معجم المطبوعات 791 - 793 معجم المؤلِّفين 146/1.

خمس رسائل / أحمد بن اسماعيل الحلواني

(خمس رسائل)

تأليف الاستاذ الكبير والعلّامة التحرير ت

شهاب الدين أحمد بن أحمد بن اسمعيل

الحلواني بلغه اللّه والمسلمين

الأماني ونفع به

آمین

(احداها) قطع اللعاج فى الاجاج

(الثانية) حلاوة الرز فى حل اللغز

(الثالثة) الناغم من الصادح والباغم

(الرابعة) منظومة القطر الشهدى في أوصاف المهدى

(الخامسة) قصيدة الحلواء في مدح بني الزهراء

(حقوق الطبع محفوظة للمؤلف)

(الطبعة الاولى)

بالمطبعة الاميرية ببولاق مصر الحمية

سنة 1308

هجرية

ص: 262

شرح البلبيسي: (... وللعباس فيه ولادة من جهة أنّ في أمهاته عباسية وأنّ أباه حسني وأمّه حسينية...)

القطر الشهدى فى أوصاف المهدى نظم الاستاذ العلّامة الشيخ الحلواني بشرحه المسمى بالعطر الوردى.

للعالم الفاضل السيّد محمّد البلبيسي أحد مصححى المطبعة الاميرية

ولما اطلع حضرة الناظم حفظه اللّه على هذا الشرح فرظه بقوله

قوله قد لذأى صار لذيذ اشيها وقوله اذ لربه بضم اللام وتشديد الزاى أى قرن به اه_ مصححه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )

قد لذلك القطر الشهدى***اذ لربه العطر الوردى

فالعطر أطاب حلاوته***وأفاح به عرف المهدى

وأنار الحق لطالبه***وهدى من أصبح يستهدى

معنی صاف كالروح صفت***فى الجسم الصافي بالزهد

لفظ يتمنى القند حلا***مفا أحلى ذوق القند

عطر بشناه مدراكنا***تهدى للبغية بل تهدى

عطر فى الكون يفوح شذا ***فيفوق الورد على الخدّ

عطر أذكاء البلبيسي***طيب الاطياب أبو الحمد

تفخر الاشراف ذوى الاشرا*** ف على أطراف علا الجدّ

بدر النجباء سنا العلما***ذرا العلياء حمي المجد

مولى حاز الجوزا همما***فلذا أضحى سامى البند

بحر لشطوط مكارمه***ترد الكرماء وتستهدى

والبشر انساب بغرّته***من شمس ذكاه لكي يهدى

حبر الفصول بلاغته***تعنو البلغاء وتستهدى

علم فى العلم له علم***ينسيك علا العلم السعدي

أفق لدراريه تسمو***أبصار بغاة سنا الرشد

كم صحيح واطر باسفرا***بالطبع ونظم من عقد

يلهو بالمشكل يوضحه***فیجي المشكل بالجدّ

بردی ما یعبس مبتسما***با عنتر عبس كم تردی

لازلت لهذا الكون سمّا***فنكا في النعمة بالحمد

ص: 263

حسنى سبط الحسين أو العك_ ص وسبط العبّاس فهو أصيل

السبط بكسر السين وسكون الموحدة قيل ولد الرجل وقيل ولد ولده وقيل ولد بنته كذا في النهاية والمراد أنه من ذرية سيدنا الحسن بن على (رضى اللّه عنهما) فى أكثر الروايات وأصحها واذا قدم، وأنه سبط سيدنا الحسين بن على (رضى اللّه عنهما) أى ابن بنته فقد ورد أنه من ذريته وبذا جمع بعضهم وهو الراجح وقال ابن حجر فى الصواعق روى أبو داود أنه من ولد الحسن وكان سره ترك الحسن الخلافة للّه (عزّ وجلّ) شفقة على الامة فعل اللّه القائم بالخلافة الحق عند شدة الحاجة اليها من ولده ليملأ الأرض عدلا ورواية كونه من ولد الحسين واهية جدا ومع ذلك لا حجة فيه لما زعمته الرافضة أن المهديّ هو أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن العسكريّ وممّا يرد عليهم ما صحّ أن اسم أبي المهديّ يوافق اسم أبي النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) واسم أبي محمّد الحجّة لا يوافق ذلك ويرده أيضا قول على كرم اللّه وجه مولد المهديّ بالمدينة ومحمّد الحجّة هذا انما ولد بسر من رأى سنة خمس وخمسين وماتين إلى آخر ما أطال به فى الرد عليهم فانظره وقوله أو العكس أى أنه من ذرية الحسين وسبط الحسن وقيل انه سبط العبّاس عم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وجاء بكل أحاديث في أبي داود وغيره قال ابن حجر ويمكن الجمع أى على تقدير استواء الروايات في الصحة بأنه لا مانع من أن يكون من ذريته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وللعباس فيه ولادة من جهة أن في أمهاته عباسية وأن أباء حسني وأمّه حسينية قال ولعل هذا أقرب ولا مانع من اجتماع ولادة المتعددين في شخص واحد من جهات مختلفة اه وفي حواشي سنن ابن ماجه اختلاف في أن المهدى من بنى الحسن أو من بني الحسين ويمكن أن يكون جامعا بين النسبتين والاظهر أنه من جهة الاب حسني ومن جهة الام حسيني.

ص: 264

غالية المواعظ ومصباح المتعظ / خير الدين أبي البركات نعمان أفندي آلوسي: الجزء الأول

(الجزء الاول)

من كتاب غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقيس الواعظ للعالم العلّامة الحبر البحر الفهامة خاتمة المحققين والمدققين السيّد الشيخ خير الدين أبي البركات نعمان افندی آلوسي زاده این السيّد الشيخ محمود افندى المفتى ببغداد الشهير بآلوسي زاده نفعنا اللّه به والمسلمين أجمعين آمين

يطلب من مكتبة المثنى بغداد

(الطبعة الأولى).

بالمطبعة المیرية بیولاق مصر الحمية

سنة 1301 هجرية

ص: 265

(.... قيل وأمّه من أولاد العباس...)

واختلف في نسبه فقيل من أولاد العبّاس بن عبد المطلب وقيل من أولاد الحسن والاصح أنه من أولاد الحسين قبل وأمّه من أولاد العبّاس

ص: 266

معجم أحاديث الأمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)- مؤسسة المعارف الإسلامية : الجزء الرابع

إشارة:

معجم أحاديث الأمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

تأليف ونشر

مؤسسة المعارف الإسلامية

الجزء الرابع

أحاديث الإمام علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)

ص: 267

معجم أحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) / تأليف ونشر مؤسسة المعارف الإسلامية

قم: بنیاد معارف اسلامی، 1386 / 8ج.

(دوره) 6- 63 - 7777 -964-978 : ISBN

(ج 4) 4 - 67 - 7777 -964-978 :ISBN

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فیبا.

کتابنامه بصورت زیرنویس.

1 - محمّد بن حسن، امام دوازدهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، 255 ق. - احاديث - فهرستها.

2 - محمّد بن حسن، امام دوازدهم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، 255 ق، احادیث اهل سنت.

الف. هیئت علمی بنیاد معارف اسلامی. ب. عنوان.

6م / 51/35 B 959 / 297

1386

اسم الكتاب...معجم أحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) / ج 4

تأليف...الهيئة العلميَّة في مؤسسة المعارف الإسلامية

الناشر...مؤسسة المعارف الإسلامية - مسجد جمكران المقدس

الطبعة...الثانية 1428 ه_.ق

المطبعة...عترت

العدد...3000

ISBN ... 4 - 67- 7777 - 964-978

ردمك... 4 - 67- 7777 - 964-978

طبعة جديدة منفحة مع إجراء بعض التعديلات والإضافات

حقوق الطبع محفوظة لمؤسسة المعارف الإسلامية

قم المقدسة - تلفون 7732009 ص ب 718 / 37185

www.maaref islami.com

E-mail : info@maarefislami.com

ص: 268

الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) شبيه يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)

[771] - إِنَّ صَاحِبَ هَذَا الأمْرِ فِيهِ شَبَةٌ مِنْ يُوسُفَ ابْنُ أَمَةٍ سَوْدَاءَ، يُصْلِحُ اللّه لَهُ أَمْرَهُ فِي لَيْلَةٍ».

المصادر

غيبة النعماني: ص 166 ب 10 ح 3 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد، قال: حدَّثنا محمّد ابن المفضل وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين ومحمّد بن أحمد بن الحسن القطواني، جميعاً، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم الجواليقي، عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول:

وفي: ص 233 ب 13 ح 8 - أخبرنا أحمد بن محمّد بن سعيد بن عقدة، قال: حدَّثنا محمّد ابن المفضّل بن قيس بن رمانة الأشعري وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين

ص: 269

ابن عبد الملك ومحمّد بن الحسن القطواني، قالوا جميعاً : حدَّثنا الحسن بن محبوب الزراد، عن هشام بن سالم، عن يزيد الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ): - كما في روايته الأولى، بتفاوت يسير، وفيه: «... لَيْلَة واحدة... يُرِيدُ بالشَّبَه من يوسف الغيبة».

* : كمال الدِّين ج 1 ص 329 ب 32 ح 12 - حدَّثنا عبد الواحد بن محمّد بن عبدوس (رضیَ اللّهُ عنهُ) قال: حدَّثنا أبو عمرو الكشي، قال: حدَّثنا محمّد بن مسعود قال: حدَّثنا علي بن محمّد القمّي، عن محمّد بن أحمد بن يحيى، عن إبراهيم بن هاشم، عن أبي أحمد الأزدي، عن ضريس الكناسي، قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : - كما في رواية النعماني الثانية. وفيه: «سُنّةٌ» بدل «شَبَه».

* : إثبات الهداة : ج 3 ص 469 ب 32 ف 5 - 135 - عن كمال الدِّين، وليس فيه: «سَوداء». وفي سنده: (أبي عمر الليثي» بدل «أبو عمرو الكشي)

* : وفي ص 538 ب 32 ف 27 ح 495 - عن رواية النعماني الثانية، بتفاوت يسير، وليس في سنده: «وسعدان بن إسحاق بن سعيد وأحمد بن الحسين بن عبد الملك ومحمّد بن الحسن القطواني».

* : البحار: ج 51 ص 41 - 42 ب 4 - 23 - عن رواية النعماني الأولى.

وفي: ص 218 ب 13 ح 8 - عن كمال الدِّين وأورد عن النعماني بسنده، مثله.

* : منتخب الأثر: ص 300 ف 2 ب 38 - 3 - عن كمال الدِّين، وليس فيه: «ابْنُ أَمَة سَوْدَاء».

وقال: «وروى النعماني في غيبته بسنده عن أبي جعفر نحوه».

ملاحظة: «الظاهر أن كلمة سوداء في نسخة النعماني زائدة حيث اتفقت الروايات على أن أم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) روميّة أو مغربيّة، وليست سوداء. ولا يبعد أن يكون الشبه المقصود في الحديث مفسّراً بقوله: ابْنُ أمة يُصلحُهُ اللّه في لَيْلَةٍ، فيكون المعنى أنّ فيه شبهاً من يوسف من جهتين بكونه ابن أمة، وبأن اللّه تعالى يحدث تطوّرات سياسية في العالم دفعة واحدة تمهد لبداية أمره وظهوره».

***

ص: 270

له [الإمام المهدي] (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) غيبة

[1218] 2 - «بِأَبِي ابْنُ خِيرَةِ الإِمَاءِ ابْنُ النُّوبيَّةِ الطَّيِّبَةِ الفَمِ، المُتَجَبَةِ الرَّحِمِ، وَيْلَهُمْ لَعَنَ اللّه الأَعَيْسَ وَذُرِّيَّتَهُ، صَاحِبَ الْفِتْنَةِ، وَيَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وَشُهُوراً وأَيَّاماً، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، وَيُسقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةٌ، وَهُوَ الطَّرِيدُ الشَّرِيدُ الْمَوْتُورُ بِأَبِيهِ وَجُدِّهِ، صاحِبُ الْغَيْبَةِ يُقَالُ: مَاتَ أَوْ هَلَكَ، أَيَّ وَادٍ

ص: 271

سَلَكَ؟ (قال الرضا) أَفَيَكُونُ هَذَا يَا عَمُ إِلَّا مِنِّي؟ فقلت: صَدَقْت جعلت فداك».

المصادر

* : الكافي: ج 1 ص 322 - 323 ح 14 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، وعلي بن محمّد القاساني جميعاً، عن زكريّا بن يحيى بن النعمان الصيرفي :قال: سمعت علي بن جعفر يحدث الحسن بن الحسين بن علي بن الحسين فقال: واللّه لقد نصر اللّه أبا الحسن الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فقال له الحسن : اي واللّه جعلت فداك لقد بغى عليه إخوته، فقال علي بن جعفر : أي واللّه ونحن عمومته بغينا عليه، فقال له الحسن: جعلت فداك كيف صنعتم فإني لم أحضر كم ؟ قال: قال له إخوته ونحن أيضاً : ما كان فينا أمام قط حائل اللون، فقال لهم الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ): هو ابني، قالوا : فإن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد قضى بالقافة، فبيننا وبينك القافة، قال: ابعثوا أنتم إليهم فأما أنا فلا، ولا تعلموهم لما دعوتموهم ولتكونوا في بيوتكم. فلما جاؤوهم أقعدونا في البستان واصطف عمومته واخوته وأخواته، وأخذوا الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وألبسوه جية صوف وقلنسوة منها ووضعوا على عنقه مسحاة وقالوا له : ادخل البستان كأنك تعمل فيه، ثمّ جاؤوا بأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقالوا : ألحقوا هذا الغلام بأبيه، فقالوا : ليس له ههنا أب ولكن هذا عم أبيه، وهذا عم أبيه، وهذا عمه، وهذه عمته، وإن يكن له ههنا أب فهو صاحب البستان، فإن قدميه وقدميه واحدة، فلما رجع أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالوا : هذا أبوه قال علي بن جعفر : فقمت فمصصت ريق أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قلت له : أشهد أنك إمامي عند اللّه، فبكى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ قال يا عم، ألم تسمع أبي وهو يقول : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) :

* : الإرشاد: ص 317 - كما في الكافي، بتفاوت بسنده إلى الكليني ثمّ بسنده، وفيه. ... يكون من ولده الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده...».

* : إعلام الورى: ص 330 ف 2 - كما في الإرشاد، عن محمّد بن يعقوب.

* : كشف الغمّة: ج 3 ص 141 - كما في الإرشاد، عن المفيد.

* : حلية الأبرار: ج 2 ص 391 ب 2- كما في الكافي، بتفاوت يسير، عن محمّد بن يعقوب. وفيه ...فمضضت ريق».

ص: 272

* : البحار: ج 50 ص 21 ب 3 7- عن إعلام الورى، والارشاد.

* : منتخب الأثر: ص 172 ف 2 ب 1 ح 95- عن الإرشاد.

ملاحظة : المقصود ب_«إبن خيرة الاماء النوبية : الإمام محمّد الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي ورد في صفته أنه يميل إلى السمرة، والمقصود بالطريد الشريد صاحب الغيبة الّذي يكون من ولده الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد وردت الأحاديث من طرق الفريقين أنه شبيه جده النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وورد من طرقنا أن أمّه من الروم أو المغرب».

ص: 273

أمّ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من نسل الحواريّين

[1255] 1- «يَا بِشْرُ إِنَّكَ مِنْ وُلْدِ الأَنْصَارِ وَهذِهِ الوِلايَةُ لَمْ تَزَلْ فِيكُمْ يَرِثُها خَلَفٌ عَنْ سَلَفٍ، فَأَنْتُمْ ثُقاتُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ، وَإِنِّي مُزَكِّيكَ وَمُشَرِّفُكَ بِفَضِيلَةٍ تَسْبِقُ بِمَا شَأْوَ الشَّيعَةِ فِي الْمُوالاة بها: بِسِرٌ أُطلِعُكَ عَلَيْهِ، وَأَنْفِذُكَ في ابتياع أمَةٍ، فكتب كتاباً ملصقاً بخط روميّ ولغة روميّة، وطبع عليه بخاتمه، وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً فقال: خُذْهَا وَتَوَجَّهُ بِها إِلى بَغْدَادَ، وَاحْضَرْ مِعْبَرَ الْفُرَاتِ صَحْوَةَ كَذَا، فَإِذَا وَصَلَتْ إِلى جَانِبكَ زَوارِقُ السَّبَايَا وَبَرَزْنَ الْخَوارِي مِنْهَا، فَسَتُحدِقُ بِهِمْ طَوائِفُ المُبْتَاعِينَ مِنْ وُكَلاءِ قُوَّادِ بَنِي العبّاس وَشَراذِمُ مِنْ فِتْيانِ الْعِرَاقِ، فَإِذَا رَأَيْتَ ذَلِكَ فَأَشْرِفْ مِنَ الْبُعْدِ عَلَى الْمُسَمَّى عُمَرَ بْنِ يَزِيدِ النَّخَاسِ عَامَّةَ نَهَارِكَ إِلى أَنْ يُبْرِزَ لِلْمُبْتَاعِينَ جَارِيةٌ صِفَتُهَا كَذَا وَكَذَا، لَابِسَةً حَرِيرَتَيْنِ صَفِيقَتَيْنِ، تَمَتَنِعُ مِنَ السُّفُورِ وَلَمْسِ الْمُعْتَرِضِ، وَالانْقِيادِ لِمَنْ يُحَاوِلُ لَمْسَهَا وَيَشْغَلُ نَظَرهُ بِتَأمُّلِ مَكاشفها مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ الرَّقِيقِ، فَيَضْرِبُها النَّخَاسُ فَتَصْرُخُ صَرْخَةٌ رُومِيَّةٌ، فَاعْلَمْ أَنها تَقُولُ : وَاهَتْكَ سِتْرَاهُ، فَيَقُولُ بَعْضُ المُبْتَاعِينَ : عَلَيَّ بِثَلاثِمَائَةِ دِينَارٍ فَقَدْ زَادَنِي الْعَفَافُ فِيهَا رَغْبَةً، فَتَقُولُ بِالْعَرَبِيَّةِ : لَوْ بَرَزُتَ فِي زَيِّ سُلَيْمَانَ وَعَلَى مِثْلِ سَرِيرِ مُلْكِهِ مَا بَدَتْ لِي فِيكَ

ص: 274

رَغْبَةٌ فَأَشْفِقْ عَلَى مَالِكَ، فَيَقُولُ النَّخّاسُ : فَمَا الحيلَةُ وَلا بُدَّ مِنْ بَيْعِكِ؟ فتَقُولُ الجَارِيَةُ : وَمَا الْعَجَلَهُ وَلا بُدَّ مِن اخْتِيَارِ مُبْتَاعَ يَسْكُنُ قَلْبِي (إِلَيْهِ و). إِلَى أَمَانَتِهِ وَدِيَانَتِهِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ قُمْ إِلَى عُمَرِ بْنِ يَزِيدِ النَّخَاسِ وَقُلْ لَهُ : إِنَّ مَعِيَ كِتاباً مُلْصَقاً لِبَعْضِ الأَشْرَافِ كَتَبَهُ بِلُغَةٍ رُوميَّةٍ وَخَطٍّ رُومِيٍّ، وَوَصَفَ فِيهِ كَرَمَهُ وَوَفاهُ وَتُبْلَهُ وَسَخَاءَهُ، فَنَاوِلها لِتَتَأَمَّلَ مِنْهُ أَخْلاقَ صَاحِبِهِ، فَإِنْ مَالَتْ إِلَيْهِ وَرَضِيتُهُ، فَأنا وَكِيلُهُ فِي ابْتِياعِها مِنْكَ.

قال بشر بن سليمان النخّشاس : فامتثلت جميع ما حدَّه لي مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاء شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخّاس: بعني من صاحب هذا الكتاب، وحلفت بالمحرِّجة المغلّظة إنه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحّه في ثمنها حتّى استقرَّ الامر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه منّي وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفنها وتمسحه على بدنها، فقلت تعجباً منها: أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه ؟ قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك : أنا مليكة بنت يشوعا ابن قيصر ملك الرُّوم، وأمّي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبتك العجب العجيب، إن جدي قيصر أراد

ص: 275

أن يزوِّجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرُّهبان ثلاثمائة رجل ومن ذوي الأخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الأجناد وقوَّاد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف، وأبرز من بهو ملكه عرشاً مصوغاً من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه وأحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكّفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض، وتقوّضت الأعمدة فانهارت إلى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيّرت ألوان الأساقفة، وارتعدت فرائصهم.

فقال كبيرهم لجدِّي: أيها الملك أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالّة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة : أقيموا هذه الأعمدة، وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدير العاثر المنكوس جدّه لأزوِّج منه هذه الصبيّة فيدفع نحوسه عنكم بسعوده، فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأوَّل، وتفرَّق الناس وقام جدّي قيصر مغتمّاً ودخل قصره وأرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوّاً وارتفاعاً في الموضع الّذي كان جدي نصب فيه عرشه، فدخل عليهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع فتية وعدَّة من بنيه فيقوم إليه المسيح

ص: 276

فيعتنقه فيقول: يا روح اللّه إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأومأ بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له: قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوَّجني وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهد بنو محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحواريّون، فلمّا استيقظت من نومي أشفقت أن أقصَّ هذه الرُّؤيا على أبي وجدِّي مخافة القتل، فكنت أسرُّها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمّد حتّى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الرُّوم طبيب إلّا أحضره جدِّي وسأله عن دوائي، فلما برح به اليأس قال: يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدُّنيا؟ فقلت: يا جدي أرى أبواب الفرج عليَّ مغلقة فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال، وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمّه لي عافية وشفاء، فلما فعل ذلك جدّي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام فسر بذلك جدِّي، وأقبل على إكرام الأُسارى وإعزازهم فرأيت أيضاً بعد أربع ليال كأَنَّ سيّدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان فتقول لي مريم: هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فأتعلّق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي،

ص: 277

فقالت لي سيدة النساء (عَلَيهَا السَّلَامُ): إنَّ ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة باللّه وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا اللّه (عَزَّوَجَلَّ) ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إياك فتقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أنَّ - أبي - محمّداً رسول اللّه فلما تكلّمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها فطيبت لي نفسي، وقالت: الآن توقعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذته إليك، فانتبهت وأنا أقول واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد، فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامي فرأيته كأني أقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك؟ قال: ما كان تأخيري عنك إلّا لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة، إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان، فما قطع عني زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال بشر فقلت لها : وكيف وقعت في الأسر؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أنَّ جدّك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا، ثمّ يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زيِّ الخدم مع عدَّة من الوصائف من طريق كذا، ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين، حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحدٌ [بي]. بأني ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطّلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته، وقلت نرجس فقال: اسم الجواري، فقلت : العجب إنك رومية ولسانك عربيٌّ ؟ قالت بلغ

ص: 278

من ولوع جدّي وحمله إياي على تعلّم الآداب أن أوعز إلىَّ إمرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساءً، وتفيدني العربية حتى استمرَّ عليها لساني واستقام.

قال بشر : فلمّا انكفأت بها إلى سرَّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لها : كَيْفَ أَرَاكِ اللّه عِزَّ الإسلام وَذُلَّ النَّصْرانِيَّةِ، وَشَرَفَ أَهْلِ بَيْتِ محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قالت: كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي ؟ قال : فَإِنِّي أريدُ أنْ أُكْرِمَكِ فَأَيُّمَا أَحَبُّ إِلَيْكِ عَشَرَةُ آلافِ ِدِرْهَم؟ أمْ بُشْرَى لَكِ فِيها شَرَفُ الأبَدِ؟ قالت: بَلِ الْبُشْرَى قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ): فَأَبْشِرِي بِوَلَدٍ يَمْلِكُ الدُّنْيا شَرْقاً وَغَرْباً وَيَمْلوُ الأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً، قَالَتْ: مِمَنْ؟ قَالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : مِمَّنْ خَطَبَكِ رَسُولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مِنْ لَيْلَةِ كَذَا مِنْ شَهْرٍ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا بِالرُّومِيَّةِ، قَالَتْ: مِنَ الْمَسِيحِ وَوَصِيَّه ؟ قال : فَمِمَّنْ زَوَّجَكِ الْمَسِيحُ وَوَصِيَّهُ؟ قَالَتْ : مِنْ ابْنِكَ أَبِي محمّد ؟ قال: فَهَلْ تَعْرِفِينَهُ ؟ قَالَتْ: وَهَلْ خَلَوْتُ لَيْلَةٌ مِنْ زِيارَتِهِ إِيَّايَ مُنْذُ اللَّيْلَةِ الَّتِي أَسْلَمْتُ فِيهَا عَلَى يَدِ سَيِّدةِ النِّساءِ أُمِّهِ؟ فَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يَا كَافُورُ ادْعُ لِي أُخْتِي حَكِيمَةَ، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ قالَ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها: هَا هِيَهْ فَاعْتَنقَتْها طَوِيلاً وَسُرَّتْ بِها كَثِيراً، فَقَالَ لَهَا مَوْلانا: يَا بِنْتَ رَسُولِ اللّه أَخْرِجِيهَا إِلى مَنْزِلِكِ، وَعَلّمِيها الْفَرائِضَ وَالسُّنَنَ، فَإِنَّها زَوْجَةُ أَي محمّد وَأُمُّ الْقَائِمِ (عَلَيهِ السَّلَامُ)».

ص: 279

المصادر

* : كمال الدِّين: ج 2 ص 417 ب 41 ح 1- حدَّثنا محمّد بن علي بن حاتم النوفلي قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغداديُّ قال: حدَّثنا أحمد بن طاهر القمّي قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ قال: وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غریب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ انكفأت إلى مدينة السلام متوجّهاً إلى مقابر قريش في وقت قد تضرّمت الهواجر وتوقّدت السمائم، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرَّحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة، وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلمّا رقأت العبرة وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوَّس منكباه، وثفنت جبهته وراحتاه، وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن أخي لقد نال عمّك شرفاً بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلّا سلمان، وقد أشرف عّمك على استكمال المدّة وانقضاء العمر، وليس يجد في أهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسره قلت يا نفس لا يزال العناء والمشقة ينالان منك بإتعابي الخفّ والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدلُّ على علم جسيم وأثر عظيم، فقلت : أيها الشيخ ومن السيّدان ؟ قال: النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى فقلت : إنّي أقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما، وطالب آثارهما، وباذل من نفسي الأيمان المؤكدة على حفظ أسرارهما، قال: إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الكتب وتصفّح الروايات منها قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس من ولد أبي أيوب الأنصاري أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وجارهما بسرّ من رأى قلت : فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما قال كان مولانا أبو الحسن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقّهني في أمر الرقيق، فكنت لا أبتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه، فأحسنت الغرق فيما بين الحلال والحرام، فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسر من رأى وقد مضى هوي من الليل إذ قرع الباب قارع فعدوت مسرعاً فإذا أنا

ص: 280

بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلما جلست قال:

* : دلائل الإمامة: ص 262 (489 - 488ط ج) - حدَّثنا المفضل محمّد بن عبد عبد اللّه بن المطلب الشيبانيّ سنة خمس وثمانين وثلاثمائة قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن يحيى الذهبي الشيبانيّ قال كما في كمال الدِّين بتفاوت.

* : غيبة الطوسيّ : ص 208 ح 178 - كما في كمال الدِّين بتفاوت بإسناده عن بشر بن سليمان النخاس وفيه «... كتاباً لطيفاً... شقيقه... من فتيان العرب... من العرض... وعلى شبه ملكه... من نسل الحواريّين من ألف سنة... مصنوعاً... على زوال دولة هذا الدين المسيحي... فقام مغتماً فدخل منزل النساء... منبراً من نور... النبي وختنه ووصيه... وروّجني من ابنه منيتهم... فرأيت بعد أربع عشر ليلة... فلا تكلمت... منفذته... بعد أن أتلفت نفسي معالجة حبك سيسير جيشاً..

* : روضة الواعظين: ج 1 ص 252 - كما في كمال الدِّين بتفاوت يسير، مرسلاً.

* : مناقب ابن شهر اشوب: ج 4 ص 440- عن بشر بن سليمان النخاس مختصراً.

* منتخب الأنوار المضيئة ص 51 ف 5- كما في كمال الدِّين عن الشيخ محمّد بن علي بن بابويه.

* نوادر الأخبار: ص 209 - 214 - 1- عن كمال الدِّين.

* : إثبات الهداة : ج 3 ص 363 ب 29 ف 2 ح 17 - عن كمال الدِّين.

* :وفي ص 365 قال: «ورواه الشيخ في الغيبة».

وفي: ص 408 ب 31 ف 1 ح 37- عن كمال الدِّين.

وفي: ص 409 «قال ورواه الشيخ في كتاب الغيبة».

وفي: ص 49 ب 32 ف 5 ح 253 - عن كمال الدِّين مختصراً.

* : حلية الأبرار: ج 5 ص 141 ب 1 ح -1- كما في كمال الدِّين، عن ابن بابويه، ومسند فاطمة.

* : البحار ج 51 ص 6 ب 1 ح 12- عن غيبة الطوسي.

وفي: ص 10 ب 1 ح 12- عن كمال الدِّين.

***

ص: 281

ص: 282

منتخب الأثر في الإمام الثّاني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ) - لطف اللّه الصافي : الجزء الثاني

إشارة:

موسوعة الإمام المهديّ (عج)

منتخب الأثر في الإمام الثّاني عشر (عَلَيهِ السَّلَامُ)

سماحة آية اللّه العظمى الشيخ

لطف اللّه الصافي الگلپايگاني

ص: 283

دار المرتضى

طباعة نشر توزيع

بيروت لبنان ص.ب 25/155 الغبيري

تلفاكس: 009611840392

خليوي: 0096170950412

E-mail:mortada14@hotmail.com

جميع حقوق الطبع والاقتباس محفوظة ولا يحق لأي شخص أو مؤسسة طباعة او ترجمة الكتاب أو جزء منه إلا بإذن خطي من المؤلِّف والناشر

DAR AL-MORTADA

Printing - publishing - Distributing Lebanon - Beirut

PO Box: 155/25 Ghobiery

Tel-Fax: 009611840392

Mobile: 0096170950412

E-mail:mortada14@hotmail.com

Printed In Lebanon

الطبعة الثالثة 1429 هجرية 2008 ميلادية

ص: 284

الفصل الأول: في ثبوت ولادته وكيفيّتها وتاريخها، وبعض حالات أمّه واسمها (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وفيه 426 حديثاً

786 - 1- كتاب فضل بن شاذان : حدَّثنا محمّد بن علي بن حمزة بن (1).

ص: 285


1- كفاية المهتدي (الاربعين): ص 116 ح 30 ؛ كشف الحقّ (الاربعين): ص 24 ح 2 وفيه : «صقيل» بدل «صيقل»، وفيه: «حمزة بن الحسن» بدل «حمزة بن الحسين»، وفي كتب الرجال أيضاً «الحسن» ؛ إثبات الهداة : ج 3 ص 570 ب 32 ح 683. اقول: قال المحدّث النوري - رحمه اللّه - في «النجم الثاقب» بالفارسيّة ما هذه ترجمته: «ومن هذا الخبر يظهر وجه الاختلاف في اسم أمّه المعظَّمة»، وأنها تسمّى بكل واحد من هذه الاسماء الخمسة، انتهى». والفضل بن شاذان توفَّي بعد ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقبل وفاة والده أبي محمّد الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (بين سنة 255ه_ إلى 260ه_)، وقال النجاشي: كان ثقة أحد أصحابنا الفقهاء والمتكلمين، وله جلالة في هذه الطائفة، وهو في قدره أشهر من أن نصفه». وذكر الكشي انه صنف مائة وثمانين كتاباً، وذكر اسماء ما وقع إليه من كتبه، ممّا يدلّ على تبحّره في العلوم الإسلامية وما اختلف فيه أهل المذاهب، سيّما علوم العقائد والتوحيد والإمامة والفرائض وغيرها. وعدّه الشيخ في رجاله تارة في أصحاب الهادي وأخرى في أصحاب العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وقال: الفضل بن شاذان النيشابوري فقيه متكلّم جليل القدر له كتب ومصنّفات منها... الخ، ومن كتبه كتاب الملاحم، وكتاب القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكتاب الإمامة. وامّا محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال النجاشي: ابو عبداللّه ثقة عين في الحديث، صحيح الاعتقاد، له رواية عن أبي الحسن وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وايضاً له مكاتبة، وفي داره حصلت أم صاحب الامر (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاة الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ). ثمّ اعلم ان الاشهر بل المشهور أن ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) اتّفقت كما في هذا الحديث الشريف الصحيح في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للّهجرة (869م). قال المفيد في الإرشاد: «كان الإمام بعد أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابنه المسمى باسم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) المكنّى بكنيته ولم يخلف ابوه ولداً ظاهراً ولا باطناً غيره، وخلفه غائباً مستتراً على ما قدمنا ذكره، وكان مولده (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليلة النصف من شعبان سنة (255ه_)، وأمّه أم ولد يقال لها : نرجس، وكان سنّه عند وفاة أبيه خمس سنين آتاه اللّه فيها الحكمة كما آتاها يحيى صبياً، وجعله إماماً في حال الطفولية الظاهرة كما جعل عيسى بن مريم في المهد نبياً، وقد سبق النص عليه في ملة الإسلام من نبي الهدى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ من أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ونص عليه الأئمّة واحداً بعد واحد إلى أبيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ونص أبوه عليه عند ثقاته وخاصة شيعته، وكان الخبر بغيبته ثابتاً قبل وجوده وبدولته مستفيضاً قبل غيبته، وهو صاحب السيف من ائمة الهدى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والقائم بالحق المنتظر لدولة الإيمان، وله قبل قيامه غيبتان، إحداهما أطول من الأخرى كما جاءت بذلك الأخبار فاما القصرى منهما فمنذ وقت مولده إلى انقطاع السفارة بينه وبين شيعته، وعدم السفراء بالوفاة، وأما الطولى فهي بعد الأولى، وفي آخرها يقوم بالسيف... الخ». وقال الكليني في الكافي : «ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وروي ذلك عن الكراجكي في كنز الفوائد والشهيد في «الدروس»، وقال الشيخ في «مصباح المتهجّد»: «في هذه اليلة ولد الخلف [الحجّة-خ] صاحب الأمر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويستحبّ أن يدعى فيها بهذا الدعاء، ثمّ ذكر دعاء: اللّهم بحقّ ليلتنا هذه ومولودها... إلى آخره»، وقال الشيخ البهائي في توضيح المقاصد: فيه يعني في اليوم الخامس عشر ولد الإمام ابو القاسم محمّد المهديّ صاحب الزمان صلوات اللّه عليه وعلى آبائه الطاهرين، وذلك بسر من رأى سنة (255 ه_)»، وقال الطبرسي في إعلام الورى : «ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسرّ من رای ليلة النصف من شعبان سنة (552 ه_)»، وعيّن الشيخ في المصباحين، والسيّد في الإقبال وسائر مؤلفي كتب الدعوات على ما في البحار والمفيد في مسار الشيعة ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) في النصف من شعبان. وصرح بذلك جماعة من أعلام العامة، قال ابن الصبّاغ المالكي في الفصول المهمة : «ولد أبو القاسم محمّد الحجّة بن الحسن الخالص بسرّ من رأى ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين للّهجرة... إلى أن قال: وأما أمّه فأم ولد يقال لها: نرجس خير أمة، وقيل: اسمها غير ذلك»، وقال ابن خلكان في وفيات الاعيان: «كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين ولما توفّي ابوه - وقد سبق ذكره - كان عمره خمس سنين، واسم أمّه خمط، وقيل : نرجس»، وفي روضة الصفا نقل عن ترجمة المستقصى بالفارسية ما هذا حاصله : «كانت ولادة الإمام المهديّ المسمّى باسم الرسول والمكنّى بكنيته بسرّ من رأى في ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين وكان عمره وقت وفاة أبيه خمس سنين آتاه اللّه الحكمة كما آتاها يحيى صبيّاً، وجعله في الطفولية إماماً كما جعل عيسى نبياً»، وصرح به أيضاً السيّد محمّد خواجه پارسا صاحب «روضة الاحباب» وغيرهم.

ص: 286

ص: 287

الحسين بن عبيد اللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليه، قال : سمعت أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : قد ولد ولي اللّه، وحجته على عباده وخليفتي من بعدي مختوناً ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين عند طلوع الفجر، وكان أول من غسله رضوان خازن

ص: 288

الجنّة مع جمع من الملائكة المقربين بماء الكوثر والسلسبيل، ثمّ غسلته عمتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، فسئل محمّد بن علي بن حمزة – (رضي اللّه عنه) - عن أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : أمّه مليكة التي يقال لها بعض الايام : سوسن وفي بعضها ريحانة، وكان صيقل ونرجس أيضاً من أسمائها.

787 - (1) - كمال الدِّين : حدَّثنا محمّد بن الحسن بن الوليد - (رضي اللّه عنه) - قال : حدَّثنا محمّد بن يحيى بن يحيى العطار، قال : حدَّثنا أبو عبداللّه الحسين بن رزق اللّه، قال : حدَّثني موسى بن محمّد بن القاسم ابن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) قال حدثتني حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِمُ السَّلَامُ)، قالت : بعث اليَّ أبو محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقال : يا عمّة اجعلي إفطارك [هذه] الليلة عندنا، فإنّها ليلة النصف من شعبان، فإنّ اللّه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجّة، وهو حجته في أرضه قالت فقلت :له ومن أمّه ؟ قال لي: نرجس قلت له : جعلني اللّه فداك ما بها أثر فقال : هو ما أقول لك، قالت : فجئت فلمّا سلّمت وجلست جاءت تنزع خفي وقالت لي: يا سيدتي [ وسيّدة

ص: 289


1- كمال الدِّين : ج 2 ص 424 ب 42 ح 1 ؛ غيبة الشيخ : ص 234 - 237 ح 4 20 بسنده عن أبي عبد اللّه المطهري عن حكيمة نحوه، وفيه : «بعث إليَّ أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) سنة خمس وخمسين ومائتين في النصف من شعبان... الحديث، وفيه حديث آخر ح 205 بمثل حديثه الأول مع زيادة، وحديث آخر ح 206 و 207 ص 237 - 240 يؤيد بعضها بعضاً ؛ ينابيع المودّة» : ص 449 - 451 ب 79 ح 1 روى الحديث بطرق كثيرة، إثبات الوصيّة : ص 218 - 220 مثله في المعنى ؛ إعلام الورى : ر4 ب 1 ف 2 البحار ج 51 ب 1 ح 3.

أهلي] كيف أمسيت؟ فقلت : بل أنت سيّدتي وسيّدة أهلي قالت: فأنكرت قولي وقالت ما هذا ياعمّة؟! قالت: فقلت لها : يابنية إنَّ اللّه تعالى سيهب لك في ليلتك هذه غلاماً سيّداً في الدنيا والآخرة، قالت: فخجلت واستحيت فلما أن فرغت من صلاة العشاء الآخرة أفطرت وأخذتُ مضجعي فرقدتُ، فلما أن كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة، ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادث، ثمّ جلست معقّبة، ثمّ اضطجعت، ثمّ انتبهت فزعة وهي راقدة ثمّ قامت فصلّت ونامت.

قالت حكيمة : وخرجت أتفقد الفجر، فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان وهي نائمة فدخلني الشكوك، فصاح بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المجلس فقال : لا تعجلي ياعمة فهاك الأمر قد قرب قالت فجلست وقراتُ الم السجدة، ويس، فبينما أنا كذلك إذ انتبهت فزعة، فوثبتُ إليها، فقلت : اسم اللّه عليك، ثمّ قلت لها : أتحسين شيئاً؟ قالت : نعم ياعمة فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك، قالت : فاخذتني فترة وأخذتها فترة فانتبهت بحس سيّدي، فكشفت الثوب عنه فإذا أنا به (عَلَيهِ السَّلَامُ) ساجداً يتلقّى الأرض بمساجده، فضممته إلى فإذا انا به نظيف متنظف فصاح بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : هلمي إلي ابني ياعمة ! فجئت به إليه، فوضع يديه تحت البتيه وظهره ووضع قدميه على صدره ثمّ أدلى لسانه في فيه وأمر يده على عينيه وسمعه ومفاصله، ثمّ قال : تكلّم يابنيَّ، فقال : اشهد ان لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّداً رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ صلّى على امير المؤمنين وعلى الأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ)، إلى أن وقف على أبيه ثمّ أحجم، ثمّ قال أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ياعمة ! اذهبي به إلى أمّه ليسلم عليها وائتيني به،

ص: 290

فذهبت به فسلَّم عليها ورددته فوضعته في المجلس، ثمّ قال : ياعمَّة! إذا كان يوم السابع فأتينا ؛ قالت حكيمة : فلمّا أصبحت جئت لاسلّم على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكشفت الستر لا تفقَّد سيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فلم أره فقلتُ: جعلت فداك ما فعل سيّدي ؟ فقال : ياعمة ! استودعناه الّذي استودعته أم موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت حكيمة: فلما كان في اليوم السابع جئت فسلَّمتُ وجلست، فقال: هلمي إليَّ ابني، فجئت بسيّدي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو في الخرقة، ففعل به كفعلته الأولى، ثمّ أدلى لسانه في فيه كانه يغذيه لبناً أو عسلاً، ثمّ قال : تكلَّم يابني، فقال: أشهد أن لا إله إلا اللّه، وثنّى بالصلاة على محمّد وعلى أمير المؤمنين وعلى الأئمّة الطاهرين صلوات اللّه عليهم اجمعين حتّى وقف على أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ تلا هذه الآية : «بسم اللّه الرحمن الرحيم، ونُريد أن ثمن على الّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ ونَجْعَلَهُم أَئِمَّةً ونَجْعَلهم الوَارِثِينَ، ونُمَكّنَ لَهُمْ في الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَونَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُم مَا كَانُوا يَحذَرُونَ» (1).

قال :موسی سالت عقبة الخادم عن هذه، فقالت : صَدَقَت حكيمة.

ص: 291


1- القصص: 5.

792 - (1) - كمال الدِّين : حدَّثنا محمّد بن محمّد بن عصام – (رضي اللّه عنه) - قال : حدَّثنا محمّد بن يعقوب الكليني، قال: حدَّثني علان الرازي، قال: أخبرني بعض أصحابنا انّه لمّا حملت جارية أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : ستحملين ذكراً، واسمه محمّد، وهو القائم من بعدي.

ص: 292


1- كمال الدِّين ج 2 ص 408 ب 38 ح 4 ؛ كفاية الأثر : ص 489 و 490 ب 39 ح 2 ؛ إثبات : الهداة : ج 3 ص 481 ب 32 ف 5 ح 185 ؛ البحار : ج 51 ص 161 ب 9 ح 13.

797 - (1)- كمال الدِّين: حدَّثنا محمّد بن علي ماجيلويه – (رضي اللّه عنه) - قال : حدَّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال حدَّثني أبو علي الخيزراني، عن جارية له كان أهداها لابي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارةً من جعفر فتزوج بها، قال أبو علي: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأنّ اسم أمّ السيّد صقيل، وأنَّ أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدثها بما يجري على عياله، فسألته أن يدعو اللّه عزوجل لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر أم محمّد.

قال أبو علي : وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده، ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك، فضحك ثمّ قال : تلك ملائكة نزلت للتبرّك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج.

ص: 293


1- کمال الدین : ج 2 ص 431 ح 7 ب 42 ؛ البحار : ج 51 ص 5 ب 1 ح 10 ؛ تبصرة الولي : ص 45 - 46 ح 12. اقول: كون موتها (عَلَيهَا السَّلَامُ) قبل وفاة الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) - كما في هذا الخبر - مخالف لغيره من الاخبار مثل الخبر 804 وسيأتي تمام الكلام هناك.

803 - (1) - کمال الدین : قال : وبهذا الإسناد (يعني الإسناد المذكور في الحديث الثامن من بابنا هذا) عن محمّد بن عثمان العمري - قدّس اللّه روحه - أنَّه قال : ولد السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مختوناً، وسمعت حكيمة تقول : لم يُرَ بأمه دمّ في نفاسها، وهكذا سبيل أمهات الأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ).

ص: 294


1- كمال الدِّين : ج 2 ص 433 ب 42 ح 14؛ إثبات الهداة : ج 3 ص 484 ب 32 ح 201؛ البحار : ج 51 ص 16 ب 1 ح 20.

804 - (1)- غيبة الشيخ أحمد بن علي الرازي عن محمّد بن علي عن عبد اللّه بن محمّد بن خاقان الدهقان، عن أبي سليمان داود بن غسان البحراني، قال: قرأت على أبي سهل إسماعيل بن علي النوبختي مولد محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي الرضا بن موسى بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب صلوات اللّه عليهم أجمعين ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بسامراء سنة ست وخمسين ومائتين، أمّه : صقيل، ويُكنّى: أبا القاسم، بهذه الكنية أوصى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إنّه قال : اسمه كاسمي، وكنيته كنيتي لقبه المهديّ، وهو الحجّة. وهو المنتظر، وهو صاحب الزمان.

قال إسماعيل بن علي : دخلت على أبي محمّد الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المرضة التي مات فيها، وأنا عنده إذ قال الخادمه عقيد - وكان الخادم أسود نوبياً قد خدم من قبله علي بن محمّد، وهو ربّي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) - فقال : يا عقيد، اغل لي ماءً بمصطكي، فأغلى له، ثمّ جاءت به صقيل الجارية أمّ الخلف (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما صار القدح في يديه وهم بشر به فجعلت يده ترتعد حتّى ضرب القدح ثنايا الحسن، فتركه من يده وقال لعقيد : ادخل البيت فإنّك ترى صبياً ساجداً فاتني به، قال أبو سهل : قال

ص: 295


1- غيبة الشيخ : ص 271 - 273 ح 237 فصل اخبار بعض من رآه. أقول هذا الخبر يدل على انّ ابا سهل النوبختي كان يرى أنّ ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقعت في سنة ست وخمسين ومائتين، ومثله خبر ابي هارون (كمال الدِّين : ج 2 ص 432 ب 42 ح 9). البحار ج 52 ص 16 و 17 ب 18 ح 14، تبصرة الولي : ص 164، 166 ح 69 ؛ إثبات : الهداة : ج 3 ص 415 ب 31 ح 55 مختصراً وفي ص 509 ح 325 ب 32 اخرج صدره وذيله.

عقيد فدخلت اتحرّى، فإذا أنا بصبيٍّ،ساجد، رافع سبابته نحو السماء، فسلَّمت عليه فأوجز في صلاته، فقلت : إنَّ سيّدي يأمرك بالخروج إليه، إذ جاءت أمّه صقيل (1) فاخذت بيده وأخرجته إلى أبيه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال أبو سهل : فلما مثل الصبي بين يديه سلَّم وإذا هو درّي اللون، وفي شعر رأسه قطط، مفلَّج الاسنان، فلما رآه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بكي، وقال : ياسيد أهل بيته اسقني الماء فإنّي ذاهب إلى ربي وأخذ الصبي القدح المغلي بالمصطكي بيده، ثمّ حرك شفتيه ثمّ سقاه، فلما شربه قال : هيِّئوني للصلاة، فطرح في حجره منديل، فوضَّاه الصبي واحدة واحدة، ومسح على رأسه

ص: 296


1- اعلم أنه اختلفت الروايات في نهاية حال أمّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ففي بعضها أنّها حصلت بعد وفاة الإمام أبي محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دار محمّد بن علي بن حمزة بن الحسن بن عبيد اللّه بن العبّاس بن مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وصفوه بأنه ثقة عين في الحديث صحيح الاعتقاد، له كتاب)، وفي بعضها أنها طلبت من الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يدعو لها بالموت قبل وفاته (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستجيب دعاؤه، وفي بعضها أنها كانت حاضرة عند وفاة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) (وهو هذا الخبر) وفي بعضها أنها هاجرت إلى مكة المكرمة في حياة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع ابنه الحجّة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بأمر الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكما ترى أكثر هذه الروايات قد دل على حياتها بعد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والظاهر الارجح حياتها بعد وفاة الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) والشاهد على ذلك وقوع قبرها خلف قبر الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). وعلى كل حال لا يضر مثل هذه الاختلافات مانحن بصدده فإن اعتمادنا في هذا الكتاب على ماتواترت به الاحادیث او استفاضت به في الاقل دون أخبار الآحاد، فالاخبار يؤيد بعضها بعضاً فيما اتفقت عليه. ولا يخفى عليك أن مثل هذه الاختلافات الفرعية ق-د وقعت في تواريخ السائرين من الأئمّة والانبياء ورجالات التاريخ، وكيفيات وقوع الحوادث المهمة المقطوع باصلها عند الكل دون أن يصير ذلك سبباً للشك في أصل وجود الاشخاص، وأحوالهم المعلومة، والحوادث التاريخيَّة المشهورة هذا مضافاً إلى أن الظروف والاحوال التي كان عصر الإمام أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى بعد وفاته محفوقاً بها ربما تقتضي خفاء مثل هذه الأمور الجزئية.

و قدميه، فقال له أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابشر يابنيَّ، فانت صاحب الزمان، وأنت المهديّ، وانت حجَّة اللّه على ارضه، وأنت ولدي ووصيي وأنا ولدتك، وأنت محمّد بن الحسن بن علي بن محمّد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، ولدك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وأنت خاتم الأئمّة الطاهرين، وبشر بك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وسماك وكناك بذلك، عهد إلي أبي عن آبائك الطاهرين صلى اللّه على أهل البيت ربنا إنّه حميد مجيد، ومات الحسن بن علي من وقته صلوات اللّه عليهم أجمعين. (1)

ص: 297


1- إثبات الوصية : ص 194 - 195؛ عيون المعجزات : ص 138 نحوه عن احمد بن مصقلة، وليس فيه خروج الصاحب (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع أمّ الإمام ابي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلى مكة، فلفظه هكذا «ثمّ سلّم الاسم الاعظم والمواريث والسلاح إلى القائم الصاحب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وخرجت أمّ أبي محمّد إلى مكّة». اقول : من المحتمل كون احمد بن مصقلة المذكور في عيون المعجزات احمد بن عبداللّه بن عیسی بن مصقلة بن سعد الاشعري القمي، منسوباً إلى جده الأعلى، كما اتفق ذلك في اسناد كثير من الروايات وعليه يكون هو من ابناء عمومة احمد بن إسحاق بن عبداللّه بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري ابي علي القمي، الّذي روى عن أبي جعفر الثاني وأبي الحسن، وكان خاصة أبي محمّد (عَلَيهِمُ السَّلَامُ)، ورأى صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ). وأمّا احمد بن عبد اللّه، فقال النجاشي: «ثقة، له نسخة عن أبي جعفر الثاني (عَلَيهِ السَّلَامُ)»، وعلى هذا كان معاصراً لابن عمه احمد بن إسحاق، وأدرك الإمام أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان حياً إلى بعد سنة ستين ومائتين. وأما احتمال اتحاد احمد بن عبداللّه وأحمد بن إسحاق فلا شاهد له غير انتهاء نسبهما إلى سعد، وغير اتحاد اسم جد احمد بن إسحاق مع اسم والد احمد بن عبداللّه، واحتمال سقوط «إسحاق عن نسبة احمد بن عبداللّه وعيسى بن مصقلة عن نسبة أحمد بن إسحاق، فكان النسبة هكذا: «أحمد بن إسحاق بن عبداللّه بن عيسى بن مصقلة بن سعد بن مالك بن الأحوص الأشعري»، ولعلك تجد لهذا الاحتمال - مع بعده في نفسه بعض الشواهد عندما راجعت تراجم سائر رجال هذا البيت، كما انه يحتمل ان يكون أحمد بن إسحاق ابن اخ احمد بن عبداللّه. هذا كله ولكنّ الاقرب إلى الاعتبار تعدّدهما. نعم احتمال كون أحمد بن مصقلة هو أحمد بن عبداللّه بن عیسی بن مصفلة قويّ جدّا. إثبات الهداة : ج 3 ص 579 ب 32 ف 56 ح 750 مختصراً عن المسعودي.

806 - (1) - غيبة فضل بن شاذان : حدَّثنا محمّد بن عبد الجبار، قال : دبن عبدالجبار

قلت لسيّدي الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك أحب أن أعلم من الإمام وحجة اللّه على عباده من بعدك؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إن الإمام وحجة اللّه من بعدي ابني، سمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلّم وكنيَّه، الّذي هو خاتم حجج اللّه، وآخر خلفائه، فقلت : ممن يتولّد يا ابن رسول اللّه؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم ؛ الا

ص: 298


1- كفاية المهتدي (الأربعين) : ص 104 ح 28 ؛ الاربعين الموسوم بكشف الحق: ص 8 ح 1 وص 136 و 137 ح 22 ؛ إثبات الهداة : ج 3 ص 569 ب 32 ف 44 ح 680.

إنّه سيولد فيغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر ويقتل الدجّال، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً، فلا يحلّ لاحدٍ أن يسمِّيه أو يكنِّيه قبل خروجه صلوات اللّه عليه (1).

807 - (2) - كمال الدِّين : حدَّثنا محمّد بن علي بن حاتم النوفلي قال : حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشاء البغدادي قال: حدَّثنا أحمد بن طاهر القمي، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيباني، قال: وردت كربلاء سنة ست وثمانين ومائتين، قال: وزرت قبر غریب رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ثمّ انكفات الى مدينة السلام متوجهاً إلى مقابر

ص: 299


1- قال الشيخ المفيد – (رضوان اللّه عليه) - في الفصول العشرة في الغيبة ص 9 : «والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت بأوكد ما يثبت به انساب الجمهور من الناس، إذ كان النسب يثبت بقول القابلة، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهنّ بحضور ولادة النساء وتولّي معونتهن عليه وباعتراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الاب بنسب الابن منه. وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي انه اعترف بولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وآذنهم بوجوده، ونصّ لهم على إمامته من بعده، وبمشاهدة بعضهم له طفلاً، وبعضهم له يافعاً وشاباً كاملاً وإخراجهم إلى شيعته بعد أبيه الاوامر والنواهي والأجوبة عن المسائل، وتسليمهم له حقوق الأئمّة من أصحابه. وقد ذكرت أسماء جماعة ممن وصفت حالهم من ثقات الحسن بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وخاصته المعروفين بخدمته والتحقيق به وأثبت مارووه عنه في وجود ولده، ومشاهدتهم من بعده، وسماعهم النصّ بالإمامة عليه، وذلك موجود في مواضع من كتبي، وخاصة في كتابي المعروف احدهما بالإرشاد في معرفة حجج اللّه على العباد، والثاني الإيضاح في الإمامة والغيبة، ووجود ذلك فيما ذكرت يغني تكلف إثباته في هذا الكتاب».
2- كمال الدِّين : ج 2 ص 417 - 423 ب 41 ح 1؛ غيبة الشيخ : ص 208 - 214 ح 178 نحوه البحار عن غيبة الشيخ : ج 51 ص 6 - 10 ح 12 ب 1 ؛ وعن كمال الدِّين: ح 13 ص 10 - 11 إثبات الهداة : ج 3 ص 363 - 365 ب 29 ف 2 ح 17، وفي ص 408 - 409 ب 31 ف 1 ح 37 مختصراً.

قريش، في وقت قد تضرّمت الهواجر، وتوقدت السمائم، فلما وصلت منها إلى مشهد الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) واستنشقت نسيم تربته المغمورة من الرحمة، المحفوفة بحدائق الغفران أكببت عليها بعبرات متقاطرة وزفرات متتابعة وقد حجب الدمع طرفي عن النظر، فلما رقات العبرة، وانقطع النحيب فتحت بصري فإذا أنا بشيخ قد انحنى صلبه، وتقوس منكباه وثفنت جبهته وراحتاه وهو يقول لآخر معه عند القبر : يا ابن اخي! لقد نال عمّك شرفاً بما حمله السيّدان من غوامض الغيوب، وشرائف العلوم التي لم يحمل مثلها إلا سلمان، وقد أشرف عمّك على استكمال المدة وانقضاء العمر، وليس يجد في اهل الولاية رجلاً يفضي إليه بسرّه، قلت : يانفس! لايزال العناء والمشقة ينالان منك باتعابي الخف والحافر في طلب العلم، وقد قرع سمعي من هذا الشيخ لفظ يدل على علم جسيم وأثرعظيم، فقلت: أيها الشيخ! ومن السيّدان؟ قال : النجمان المغيبان في الثرى بسرّ من رأى فقلت: إنّي أقسم بالموالاة، وشرف محلّ هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إنّي خاطب علمهما، وطالب آثارهما وباذل من نفسي الايمان المؤكدة على حفظ أسرارهما :قال إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الكتب وتصفّح الروايات منها :قال: صدقت أنا بشر بن سليمان النخّاس، من ولد ابي أيوب الأنصاري، أحد موالي أبي الحسن وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وجارهما بسر من رأى قلت: فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما :قال : كان مولانا ابو الحسن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقهني في أمر الرقيق فكنت لا ابتاع ولا أبيع إلا بإذنه، فاجتنبت بذلك موارد الشبهات حتّى كملت معرفتي فيه فاحسنت الفرق [فيما] بين الحلال

ص: 300

والحرام. فبينما أنا ذات ليلة في منزلي بسرّ من رأى وقد مضى هويٌّ من الليل إذ قرع الباب قارع، فعدوت مسرعاً فاذا أنا بكافور الخادم رسول مولانا أبي الحسن علي بن محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) يدعوني إليه، فلبست ثيابي ودخلت عليه فرأيته يحدّث ابنه أبا محمّد وأخته حكيمة من وراء الستر، فلمّا جلست قال : يابشر ! إنّك من ولد الانصار وهذه الولاية لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف، فانتم ثقاتنا أهل البيت، وإنّي مزكيك ومشرّفك بفضيلة تسبق بها شاو الشيعة في الموالاة بها، بس أطلعك عليه، وأنفذك في ابتياع أمة فكتب كتاباً ملصقاً بخطّ رومي ولغة رومية، وطبع عليه بخاتمه وأخرج شستقة صفراء فيها مائتان وعشرون ديناراً، فقال: خذها وتوجه بها إلى بغداد واحضر معبر الفرات ضحوة كذا، فإذا وصلت إلى جانبك زواريق السبايا وبرزن الجواري منها فستحدق بهم طوائف المبتاعين من وكلاء قواد بني العبّاس وشراذم من فتيان العراق، فإذا رأيت ذلك فأشرف من البعد على المسمّى عمر بن يزيد النخّاس عامة نهارك، إلى أن يبرز للمبتاعين جارية صفتها كذا وكذا لابسة حريرتين صفيقتين تمتنع من السفور ولمس المعترض، والانقياد لمن يحاول لمسها ويشغل نظره بتأمل مكاشفها من وراء الستر الرقيق فيضربها النخاس فتصرخ صرخة رومية، فاعلم أنّها تقول : واهتك ستراه فيقول بعض المبتاعين : علي بثلاثمائة دينار فقد زادني العفاف فيها رغبة، فتقول بالعربية : لو برزت في زي سليمان وعلى مثل سرير ملکه ما بدت لي فيك رغبة فأشفق على مالك، فيقول النخّاس : فما الحيلة ولابد من بيعك، فتقول الجارية: وما العجلة ولابد من اختيار مبتاع يسكن قلبي [إليه و] إلى أمانته وديانته، فعند ذلك قم الى عمر بن يزيد النخاس وقل له : إن معي كتاباً ملصقاً لبعض الاشراف كتبه بلغةٍ روميّة وخطّ روميّ،

ص: 301

ووصف فيه كرمه ووفاه ونبله وسخاءه، فناولها لتتأمل منه أخلاق صاحبه فإن مالت إليه ورضيته فأنا وكيلا في ابتياعها منك

قال بشر بن سليمان النخاس : فامتثلت جميع ماحده في مولاي أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر الجارية، فلما نظرت في الكتاب بكت بكاءً شديداً، وقالت لعمر بن يزيد النخاس يعني من صاحب هذا الكتاب وحلفت بالمحرجة المغلظة أنّه متى امتنع من بيعها منه قتلت نفسها، فما زلت أشاحه في ثمنها حتّى استقر الأمر فيه على مقدار ما كان أصحبنيه مولاي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من الدنانير في الشستقة الصفراء، فاستوفاه مني وتسلّمت منه الجارية ضاحكة مستبشرة، وانصرفت بها إلى حجرتي التي كنت آوي إليها ببغداد فما أخذها القرار حتّى أخرجت كتاب مولاها (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها وهي تلثمه وتضعه على خدها، وتطبقه على جفنها، وتمسحه على بدنها فقلت تعجباً منها : أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه؟ قالت : أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الانبياء، أعرني سمعك، وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين، تُنسب إلى وصي المسيح شمعون، أنبئك العجب العجيب، إن جدي قيصر أراد أن يزوجني من ابن أخيه وأنا من بنات ثلاث عشرة سنة، فجمع في قصره من نسل الحواريين ومن القسيسين والرهبان ثلاثمائة رجل، ومن ذوي الاخطار سبعمائة رجل، وجمع من أمراء الاجناد وقواد العساكر ونقباء الجيوش وملوك العشائر أربعة آلاف وأبرز من بهو ملكه عرشاً مسوغاً [مصوغا –ظ] من أصناف الجواهر إلى صحن القصر فرفعه فوق أربعين مرقاة، فلما صعد ابن أخيه واحدقت به الصلبان وقامت الأساقفة عكفاً ونشرت أسفار الإنجيل تسافلت الصلبان من الأعالي فلصقت بالأرض

ص: 302

وتقوّضت الأعمدة فانهارت الى القرار، وخرَّ الصاعد من العرش مغشياً عليه، فتغيرت ألوان الاساقفة وارتعدت فرائصهم، فقال كبيرهم لجدّي : أيها الملك اعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني، فتطير جدّي من ذلك تطيّراً شديداً، وقال للأساقفة أقيموا هذه الأعمدة وارفعوا الصلبان وأحضروا أخا هذا المدير العاثر المنكوس جدَّه لأزوج منه هذه الصبية فيدفع نحوسه عنكم بسعوده فلما فعلوا ذلك حدث على الثاني ما حدث على الأول، وتفرق الناس وقام جدّي قيصر معتماً ودخل قصره وأرخيت الستور، فأريت في تلك الليلة كان المسيح والشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدِّي، ونصبوا فيه منبراً يباري السماء علوا وارتفاعاً في الموضع الّذي كان جدي نصب فيه عرشه فدخل عليهم محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مع فتية وعدة من بنيه، فيقوم إليه المسيح فيعتنقه، فيقول: ياروح اللّه إنّي جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكة لابني هذا، وأوما بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب، فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، قال: قد فعلت فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوجني وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهد بنو محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحواريون، فلما استيقظت من نومي أشفقت أن أقص هذه الرؤيا على أبي وجدي مخافة القتل، فكنت أسرها في نفسي ولا أبديها لهم، وضرب صدري بمحبة أبي محمّد حتّى امتنعت من الطعام والشراب، وضعفت نفسي، ودق شخصي ومرضت مرضاً شديداً، فما بقي من مدائن الروم طبيب إلا احضره جدّي وسأله عن دوائي، فلما برح به الياس قال : ياقرة

ص: 303

عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا؟ فقلت: ياجدي! أرى أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عمّن في سجنك من أسارى المسلمين، وفككت عنهم الاغلال، وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمّه لي عافية وشفاء، فلما فعل ذلك جدي تجلّدت في إظهار الصحة في بدني، وتناولت يسيراً من الطعام، فسر بذلك جدي، وأقبل على إكرام الأسارى وإعزاز هم فرأيت أيضاً بعد اربع ليال كان سيدة النساء قد زارتني ومعها مريم بنت عمران وألف وصيفة من وصائف الجنان، فتقول لي مريم : هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي فقالت لي سيّدة النساء (عَلَيهَا السَّلَامُ) إن ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة باللّه وعلى مذهب النصارى، وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك، فإن ملت إلى رضا اللّه عزّ وجلّ ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إيّاك فتقولي : أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن - أبي - محمّداً رسول اللّه فلما تكلّمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها، فطيبت لي نفسي وقالت الآن توقعي زيارة أبي محمّد إيّاك فإنّي منفذه إليك، فانتبهت وأنا أقول واشوقاه إلى لقاء أبي محمّد! فلما كانت الليلة القابلة جاءني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامي فرأيته كاني اقول له: جفوتني يا حبيبي بعد أن شغلت قلبي بجوامع حبّك ! قال : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك، وإذ قد أسلمت فإنّي زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان، فما قطع عنّي زيارته بعد ذلك إلى هذه الغاية.

قال :بشر : فقلت لها وكيف وقعت في الاسر؟ فقالت : أخبرني أبو محمّد ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشاً إلى قتال المسلمين يوم كذا،

ص: 304

ثم يتبعهم، فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم مع عدة من الوصائف من طريق كذا ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحدٌ [بي] بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سالني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فانكرته وقلت نرجس، فقال : اسم الجواري.

فقلت : العجب ! إنّك روميّة ولسانك عربي؟ قالت بلغ من ولوع جدّي وحمله إيّاي على تعلّم الآداب أن أوعز إلى امرأة ترجمان له في الاختلاف إليَّ، فكانت تقصدني صباحاً ومساء، وتفيدني العربية حتّى استمر عليها لساني واستقام.

قال :بشر : فلما انكفأت بها إلى سرّ من رأى دخلت على مولانا أبي الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لها : كيف أراك اللّه عزّ الإسلام وذل النصرانية، وشرف أهل بيت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )؟ قالت : كيف أصف لك يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني ؟ قال : فإني أريد أن أكرمك، فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم، أم بشرى لك فيها شرف الابد؟ قالت بل البشرى قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجوراً، قالت: تمن؟ قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : ممن خطبك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) له من ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا بالرومية؟ قالت : من المسيح ووصيه قال: فممن زوجك المسيح ووصيه؟ قالت من ابنك أبي محمّد، قال: فهل تعرفينه؟ قالت وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمه؟

فقال أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) يا كافورا ادع لي أختي حكيمة، فلما

ص: 305

دخلت عليه قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها هاهي، فاعتنقتها طويلاً، وسرّت بها كثيراً، فقال لها :مولانا يابنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). ويدل عليه بالمطابقة أو الالتزام، وبتفسير سائر الروايات الأحاديث 1 إلى 309، 549،547،545،544،543 إلى 558، 560 إلى 574، 574، 575، 580، 581، 589، 590، 608، 612، 614، 808 إلى 862، 864، 866 إلى 1870، 873، 878، 881 إلى 899.

مضافاً إلى أن مقتضى الاحاديث المتواترة القطعية الدالة على انحصار الخلفاء في ساداتنا الأئمّة الاثني عشر (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) والاحاديث الصحيحة الواردة في أنّ الأرض لا تخلو من حجة، مع اليقين بوفاة الإمام الحسن العسكريّ والد الحجّة (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هو القطع واليقين بولادة مولانا صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 306

الفصل الثالث والعشرون: في أنَّه ابن سيدة الإماء وخيرتهنّ وفيه 11 حديثاً

572 - (1)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قال : ومنها (يعني من خطبته التي ذكر بعضها الرضي (قدّس سرّه)) : فانظروا أهل بيت

ص: 307


1- شرح نهج البلاغة : ج 2 ص 179 ينابيع المودة: ص 498 ب 96. قال ابن أبي الحديد في شرحه : فإن قيل: فمن يكون من بني أمية في ذلك الوقت موجوداً حتّى يقول (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمرهم ماقال من انتقام هذا الرجل منهم حتّى يودوا لو أن علياً (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان المتولي لأمرهم عوضاً عنه؟ قيل : اما الإمامية فيقولون بالرجعة، ويزعمون أنه سيعاد قوم باعيانهم من بني أمية وغيرهم إذا ظهر إمامهم المنتظر، وأنه يقطع ايدي اقوام وارجلهم، ويسمل عيون بعضهم، ويصلب قوماً آخرين، وينتقم من أعداء آل محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) المتقدمين والمتأخرين. ثمّ رد ابن ابي الحديد هذا الإشكال على مذهب اصحابه - بعد التصريح بأنّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) من ولد فاطمة، ويملا الارض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً، وينتقم من الظالمين وينكل بهم أشدّ النكال وأنّه ابن أم ولد كما قد ورد في هذا الاثر وغيره، وأن محمّد - بأنه إنما يظهر بعد أن يستولي على كثير من الاسلام ملك من أعقاب بني أمية وهو السفياني الموعود به في الخبر الصحيح من ولد أبي سفيان بن حرب بن أمية، وان الإمام الفاطمي يقتله ويقتل أشياعه من بني أمية وغيرهم، وحينئذ ينزل المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) من السماء، وتبدو اشراط الساعة، وتظهر دابة الارض... الخ. غيبة النعماني : ص 229 ب 12 ح 11 نحوه البحار ج 51 ص 121 ذیل ح 23.

نبيّكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصر وكم فانصروهم، فليفرّجنّ اللّه الفتنة برجل منّا أهل البيت، بأبي ابن خيرة الإماء، لا يعطيهم إلّا السيف هرجاً هرجاً موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر حتّى تقول قريش : لوكان هذا من ولد فاطمة، لرحمنا يغريه اللّه ببني أمية حتّى يجعلهم حطاماً ورفاتاً «مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الّذينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا».

573-(1) - ينابيع المودّة: روى المدائني في كتاب صفِّين، قال: خطب عليٌّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد انقضاء أمر النهروان، فذكر طرفاً من الملاحم، وقال ذلك أمر اللّه، وهو كائن وقتاً مريحاً فيا ابن خيرة الإماء، متى تنتظر؟ ابشر بنصر قريب من ربٍّ رحيم، فبأبي وأمّي من عدّة قليلة أسماؤهم في الأرض مجهولة، قد دنا حينئذ ظهورهم، يا عجباً كل العجب بين جمادى ورجب، من جمع اشتاتٍ، وحصد نباتٍ، ومن اصوات بعد أصوات ثمّ قال : سبق القضاء سبق.

قال رجلٌ من أهل البصرة الى رجل من أهل الكوفة في جنبه : أشهد أنَّه كاذب، قال الكوفي : واللّه مانزل عليٌّ من المنبر حتّى فلج الرجل فمات من ليلته.

ولو أردنا استقصاء أخباره عن الغيوب الصادقة التي شاهدوا صدقها عياناً لبلغ كراريس كثيرة، انتهى الشرح.

574 - (2) - كمال الدِّين: حدَّثنا احمد بن زياد بن جعفر الهمداني – (رضي اللّه عنه) - قال : حدَّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه، عن أبي

ص: 308


1- ينابيع المودة : ص 512 ب 99.
2- كمال الدِّين: ج 2 ص 268 و 369 ب 34 ح 6، كفاية الأثر : ص 266 ب ماجاء عن موسی بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ح 3 عن محمّد بن عبداللّه بن حمزة عن عمّه الحسن بن حمزة عن علي بن إبراهيم بن هاشم البحار ج 51 ص 150 و 151 ح 2 ب 7.

أحمد محمّد بن زياد الأزدي، قال سالت سيّدي موسى بن جعفر (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن قول اللّه عزّ وجلّ : وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : النعمة الظاهرة الإمام الظاهر، والباطنة الإمام الغائب، فقلت له : ويكون في الأئمّة من يغيب؟ قال : نعم، يغيب عن أبصار الناس شخصه ولا يغيب عن قلوب المؤمنين ذكره، وهو الثاني عشر منا، يسهل اللّه له كل عسيرٍ، ويذلل له كل صعب، ويُظهر له كنوز الأرض، ويقرب له كل بعيد، ويبير به [ يتبر - خ، يفني به من - خ] كلّ جبار عنيد ويهلك على يده كل شيطان مريد ذلك ابن سيدة الإماء الّذي تخفى على الناس ولادته، ولا يحلّ لهم تسميته حتّى يظهره اللّه عزّ وجلّ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.

575 - (1) - كمال الدِّين : حدَّثنا علي بن أحمد بن عمران - رضي اللّه عنه - قال : حدَّثنا محمّد بن عبداللّه الكوفي، قال: حدَّثنا موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي، عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن أبي بصير قال سمعت ابا عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول : إن سنن الانبياء (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) بما وقع بهم من الغيبات حادثة في القائم منا أهل البيت حذو النعل بالنعل، والقذّة بالقذَّة (2)، قال

ص: 309


1- كمال الدِّين : ج 2 ص 345 و 346 ح 31.
2- اخرج الحاكم في المستدرك في كتاب الإيمان : ج 1 ص 37 بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): «لتتبعنّ سنن من كان قبلكم باعاً فباعاً، وذراعاً فذراعاً، وشبراً فشبراً، حتّى لو دخلوا جحر ضبّ، قال: لدخلتموه معهم، قال : قيل : يارسول اللّه، اليهود والنصارى، قال فمن إذن». (قال الحاكم :) هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه بهذا اللفظ، انتهى. اقول: روي هذا الحديث بالفاظ مختلفة في كتب الفريقين.

أبو بصير : فقلت يا ابن رسول اللّه، ومن القائم منكم أهل البيت؟ فقال : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ذلك ابن سيدة الإماء، يغيب غيبة يرتاب فيها المبطلون، ثمّ يظهره اللّه عزّ وجلّ فيفتح اللّه على يده مشارق الأرض ومغاربها، وينزل روح اللّه عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيصلي خلفه، وتشرق الأرض بنور ربها، ولا تبقى في الارض بقعة عبد فيها غير اللّه عزّ وجلّ إلّا عُبد اللّه عزّ وجلّ فيها، ويكون الدين كلّه للّه ولو كره المشركون.

576 - (1) - غيبة النعماني: أخبرنا عبدالواحد بن عبداللّه بن يونس قال: حدَّثنا أحمد بن محمّد بن رباح الزهري، قال: حدَّثنا احمد بن علي الحميري قال : حدَّثنا الحكم أخو مشمعلّ الأسدي، قال: حدَّثني عبد الرحيم القصير، قال: قلت لأبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قول أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) «بأبي ابن خيرة الإماء» أهي فاطمة؟ فقال : إنَّ فاطمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) خيرة الحرائر، ذاك المبدح بطنه (2)، المشرب حمرة، رحم اللّه فلاناً.

577 - (3) - غيبة الشيخ: سعد بن عبداللّه، عن محمّد بن عيسى بن :

ص: 310


1- غيبة النعماني : ص 228 و 229 ب 13 ح 9.
2- أي واسعه وعريضه.
3- غيبة الشيخ : ص 281 فصل في ذكر طرف من صفاته ح 5، البحار ج 51 ص 36 ب 4 ح 6 عن النعماني والشيخ وفيه: «عهد»، كمال الدِّين : ج 2 ص 468 ب 56 ح 3 اخرج صدره مع بعض الاختلاف في اللفظ، إعلام الورى ص 434، الخرائج : ج 3 ص 1152 مختصراً، الإرشاد للمفيد : ص 363، كشف الغمّة : ج 2 ص 464 وفيه : «عهد» بدل «شهد» روضة الواعظين : ج 2 ص 266 وفيه أيضاً «عهد»، إثبات الهداة : ج 3 ص 730 ب 34 ف 6 ح 71 وفيه: «عهد». واعلم أنه لا منافاة بين مثل هذا الحديث والأحاديث الكثيرة الدالة علي طول عمره (عَلَيهِ السَّلَامُ) فالجمع أنّه كناية عن زهر لونه وحسن منظره وأنّه بحالة الشباب ونشاط الشابّ، وصورته لا يهرم بمرور الأيام.

عبید، عن إسماعيل بن أبان عن عمرو بن شمر عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: سال عمر بن الخطاب أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : أخبرني عن المهديّ ما اسمه؟ فقال: اما اسمه فإنّ حبيبي شهد إلىَّ أن لا أحدِّث باسمه حتّى يبعثه اللّه قال : فاخبرني عن صفته؟ قال: هو شابّ مربوع، حسن الوجه، حسن الشعر، يسيل شعره على منكبيه، ونور وجهه يعلو سواد لحيته ورأسه، بأبي ابن خيرة الإماء.

ويدلّ عليه أيضاً الروايات : 539، 553، 554، 568، 651.

ص: 311

ص: 312

تاريخ الغیبة الصغری - السيد محمد الصدر

إشارة:

موسوعة الامام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الكتاب الأوّل

تاريخ الغيبة الصغرى

يتكفّل بالبحث والتحليل بأُسلوب جديد وعميق تاريخ الإمامين العسكريّين والإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وسفرائه في غيبته الصغرى

تأليف

محمّد الصدر

دار التعارف المطبوعات

بيوت - لبنان

ص: 313

حقوق الطبع محفوظة

1412 ه_ - 1992 م

دار التعارف للمطبوعات

المكتب : شارع سوريا - بناية درويش - الطابق الثالث

الادارة والمعرض : حارة حريك - المنشية - شارع دكاش - بناية الحسنين

تلفون : 837857 - 823010 - 823685

صندوق البريد : 8601-11 - 643 - 11

ص: 314

ام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) :

يحسن بنا، وقد عرفنا تفاصيل ابيه وجده (عَلَيهَا السَّلَامُ). ان نحمل فكرة كافية عن أمّه الراضية المرضية المجاهدة، كما وردت في التاريخ بشكل عام وفي مصادر الخاصة بشكل خاص.

كانت (رضي اللّه عنها) قبيل حملها بولدها المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أمّه مملوكة

- 241 - موسوعة الامام المهديّ (16)

ص: 315

جلبت بواسطة الفتح الاسلامي الّذي كان جارياً على قدم وساق في تلك العصور من بعض مدن الكفر إلى سامراء، ودخلت في ملكية بعض أفراد اسرة الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

أسباب تعدّد أسماء السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

إشارة:

وكانت تسمى في ذلك المجتمع باسماء مختلفة، فهي : ريحانه ونرجس وسوسن وصقيل. وان كان الغالب عليها بين أفراد العائلة : نرجس. ويعود تعدد اسمائها إلى احد أسباب :

السبب الأول: صلة الحب والرحمة بالجارية من قبل مالكها

السبب الاول: صلة الحب والرحمة بالجارية من قبل مالكها. فهو يناديها بافضل الأسماء لديه واجملها في ذوقه. ولذا كان جملة منها من أسماء الأزهار. لكن لا على أن يكون كل ذلك اسمها الحقيقي.. بل على أساس ان يحتفظ بالاسم الحقيقي في نفسه ويناديها بأي اسم شاء توددا واستلطافا.. وهي تعتاد أن تجيب مالكها عن أي اسم وقع اختياره عليه. واذ تسامع الناس باختلاف النداء زعموا ان لها أسماء كثيرة، ووردنا في التاريخ ذلك.

كذلك كان حال الجواري الحضيات عند مواليهن... ولعله يكون منطبقاً على أم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

السبب الثاني: عدم شعور المالك بشخصية العبد، والأمة، عجز نطق المالك عن نطق الاسم الأصلي كونه أجنبياً

السبب الثاني : ان المجتمع في ذلك الحين، إذ كان يجلب العبد أو الأمة بطريق السبي من البلاد البعيدة التي لا يحمل عنها وعن لغتها أي فكرة محددة... ويكون للمالك حق التصرف فيه، يستخدمه ويبيعه ويشتريه.. ولا يشعر بوجود شخصية هذا العبد أو ارادته، أو أن يكون في مستقبل الدهر علماً من الاعلام.. لكي يجب أن يحدد أسمه

ص: 316

ويرسم معالم شخصيته لكي تبقى واضحة المعالم في اذهان مؤرخيه. بل ان العبد حين يجلب، يعجز العربي عن نطق اسمه الأصلي غالباً، لقيامه على لغة اجنبية لا يقوى على تلفظ كلماتها.. وهو لا يهتم بان يصنع لعبده أو امته أسماً معيناً، وانما حسبه ان يدعوه باللغة العربية بأي لفظ جرى على لسانه.

ومن هنا تكونت عادة في ذلك المجتمع، باسباغ عدة اسماء على العبيد.. فكان ان اخذت اسرة الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بهذه العادة و اسبغت على هذه الجارية عدة اسماء حتّى اننا رأينا الاسرة اذ وجدت ان اثر الحمل لا يظهر عليها، على ما سنسمع، لم تتحاش عن إسباغ اسم جديد عليها، هو صقيل.

السبب الثالث: أنها السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) عاشت تخطيطاً خاصاً في تبديل اسمها من آونة لأخرى

السبب الثالث : انها رضوان اللّه عليها عاشت تخطيطاً خاصاً، في تبديل اسمها بين آونة واخرى، ودعائها بعدة اسماء في وقت واحد أو في اوقات مختلفة.. عاشت ذلك منذ دخلت هذه العائلة الكريمة، لأنها ستصبح أما للمهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وسترى المطاردة والاضطهاد من قبل السلطات وستعيش في السجن مدة من الزمن... اذن فيجب القيام بهذا المخطط تجاهها إمعاناً في الحذر وزيادة في التوقي عليها وعلى ابنها، ولاجل أن يختلط في ذهن السلطات ان صاحبة أي من هذه الاسماء هي المسجونة وأي منها هي الحامل وأي منها هي الوالدة وهكذا... حيث يكون المفهوم لدى السلطات كون الأسماء لنساء كثيرات، ويغفلون عن احتمال تعددها في شخص امرأة واحدة.

ص: 317

وهذا الاحتمال الثالث، هو - بلا شك - الاحتمال الراجح في ام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

فرضيّتان في معرفة مالك السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

إشارة:

وإذ نريد ان نعرف أول مالك لهذه الجارية من اسرة الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ).. تواجهنا فرضيتان، باعتبار اختلاف الأخبار الواردة عن ذلك، احداهما : انها كانت ملكاً للامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). وثانيتهما : انها كانت ملكة الحكيمة اخت الهادي (رضى اللّه عنها). ولكل من الفرضيتين خبر وقصة..

الفرضية الأولى دخولها في ملكية الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أولاً

الفرضية الاولى : انها دخلت أولاً في ملكية الامام على الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). وهو الّذي قام بتزويجها لابنه العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

سرد قصة السيدة نرجس

وذلك : ان الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين يريد ان يحصل على زوجة ابنه : ام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف). يدعو نخاساً من بائعي العبيد موالياً له قد علمه أحكام الرقيق وفقهه في تجارته، يدعى بشر بن سليمان النخاس... يدعوه فيأمره بالسفر من سامراء إلى بغداد ويحدد له الزمان والمكان والبائع، ويصف له الجارية وبعض سلوكها. فمن ذلك : انها تمتنع من السفور ولمس من يحاول لمسها. وإذ يضر بها النخاس، تصرخ بالرومية صرخه. قال الامام : فاعلم انها تقول : واهتك ستراه !.. ومن ذلك : انها تنطق العربية بطلاقة ويعطيه الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) صرة من النقود وكتاباً ملصقاً بخط رومي ولغة رومية ومختوم مخاتمه الخاص.

ويذهب بشر النخاس إلى بغداد ويشاهد كل ما حدده له الامام، ورآها تدفع عن نفسها المشترين بضراوة، قائلة لأحدهم : لو برزت في

ص: 318

زي سليمان وعلى مثل سرير ملكه ما بدت في فيك رغبة.. فاشفق على مالك. فيقول بائعها النخاس : فما الحيلة ولا بد من بيعك. فتقول الجارية : وما العجلة، ولا بد من اختيار مبتاع يسكن قلبي إلى أمانته. وهنا يقوم بشر إلى بائعها ويقدم له الكتاب ويأمره بدفعه إلى الجارية قائلاً : انه لبعض الاشراف كتبه بلغة رومية وخط رومي، ووصف فيه كرمه ووفاءه ونبله وسخاءه. فناولها لتتأمل منه اخلاق صاحبه فان مالت اليه ورضيت به فانا وكيله في ابتياعها منك. وقد جرى كل ذلك بحسب وصف الامام وامره وتخطيطه.

وإذ تقرأ الكتاب، ينقلب منها الحال انقلاباً عجيباً، فتبكي بكاء شديداً، وتقول لبائعها : يعني من صاحب هذا الكتاب، فان امتنعت قتلت نفسي، وتحلف بالايمان المحرجة المغلظة على ذلك. واذ يرى بائعها ذلك يطلب من بشر النخاس ثمناً كبيراً، فتطول المعاملة بينهما حتّى يستقر الثمن على مقدار ما في الصرة التي حملها من الامام، فيعطيه للبائع ويستلم الجارية. ويذهب بها إلى الحجرة التي كان يأوي اليها في بغداد.

وإلى هنا رأينا في هذه الجارية أربعة أوصاف يندر وجود واحد منها فضلا عن المجموع في جارية مسبية حديثة العهد بهذا المجتمع. وكل منها جار على خلاف السلوك الاعتيادي للعبيد، فهي : أولا : تنطق العربية بطلاقة. وثانياً : تمتنع من السفور وتتحاشى يد اللامس. وثالثاً : ترفض أي مشتر يتقدم لشرائها، وتقترح على بائعها أن تعين

ص: 319

هي مشتريها لأجل أن يسكن قلبها إلى امانته. ورابعا : انها رعبت رغبة شديدة بالامام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وبكيت وهددت بالانتحار إذا لم يبعها منه. فماذا قرأت فى الكتاب وكيف حصل لها معه هذه الرابطة القوية والرغبة الأكيدة ؟!.

كل ذلك يراقبه بشر النخاس ويعجب منه. وتتولد في ذهنه علامات استفهام كبيرة ! وتتأكد هذه العلامات وضوحاً حين رآها انها بمجرد إن استقر بها المقام في غرفته في بغداد.. اخرجت كتاب الامام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من جيبها وصارت تلثمه وتضعه على خدها وتطبقه على جفونها وتمسحه على بدنها. فيقول لها متعجباً منها : اتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه؟!.

وإذ تجيبه عن سؤاله.. نراها تعطيه بياناً ضافياً، عن تاريخها وأحوالها، يفسر كل تصرفاتها الحالية.. نلخص منه المهم فيا يلي :

انها مليكة بنت يشوعاء بن قيصر ملك الروم. وامها من ولد أحد الحواريين المنتسب إلى وصي المسيح شمعون.

ويحدث في يوم من الأيام ان يحاول جدها القيصر تزويجها من ابن اخيه، فيعقد لذلك أعظم مجالسه ابهة وجلالة واكثرها من حيث عدد الحاضرين وأسخاها من حيث الذهب والجواهر الموزعة على أطراف المكان وعلى العرش الموضوع هناك المهيء للعريس الجديد.. فبينما يصعد ابن اخيه على هذا العرش تتساقط الصلبان وتنهار الاعمدة ويخر الصاعد على العرش مغشياً عليه. ويتشائم القيصر والاساقفة، ويبادره كبير هم قائلاً : ايها الملك اعفنا من ملاقات هذه النحوس الدالة على زوال

ص: 320

هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني.

وعلى أي حال.. فهي ترى في تلك الليلة فيما يرى النائم انه انعقد في قصر جدها القيصر مجلس متكون من المسيح وشمعون وعدة من الحواريين. ويدخل محمّد صلى اللّه عليه وآله وجماعة معه وعدد من بنيه فيخف المسيح لاستقباله معتنقاً له فيقول له نبي الاسلام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : يا روح اللّه اني جنتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكه لابني هذا. تقول : وأو مى بيده إلى ابي محمّد صاحب هذا الكتاب. فنظر المسيح إلى شمعون فقال : قد اتاك الشرف، تصل رحمك برحم رسول اللّه صلوات اللّه وسلامه عليه قال : قد فعلت فصعدوا ذلك المنبر وخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوجني من ابنه.. وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهد بنو محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والحواريون.

وعلى اثر هذا الحلم يعلق في نفسها حب الامام العسكريّ ابي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بالرغم من انها تخاف ان تقص هذه الرؤيا على ابيها وجدها مخافة القتل. ثمّ انها تصاب على اثر حرمانها من حبيبها بمرض شديد، ويحضر لها جدها كل الأطباء فلا يفهمون من دائها شيئاً. ويطول بها الداء.. فيقترح عليها جدها ان تقترح عليه شيئاً ترغبه لكي ينفذ لها رغبتها عسى أن تحس بالسعادة في مرضها. فتقول له : يا جدي أرى أبواب الفرج على مغلقة، فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من اسارى المسلمين وفككت عنهم الاغلال وتصدقت عليهم ومنيتهم بالخلاص.. رجوت أن يهب المسيح وأمّه في عافية وشفاء. فينفذ لها جدها القيصر رغبتها.. فتتجلد في إظهار الصحة وتتناول يسيراً من

ص: 321

الطعام فيسر جدها بتحسن حالتها ويزيد في اكرام الاسارى واعزازهم.

ثمّ انه يزورها في المنام بعد أربع ليال : مريم بنت عمران وفاطمة بنت محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). فتقوم العذراء بتعريف الزهراء لمليكه قائلة : هذه سيدة النساء أم زوجك ابي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). وإذ تعرفها مليكة تتعلق بها وتبكي وتشكو اليها امتناع ابي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من زيارتها فتجيبها الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ان ابني ابي محمّد لا يزورك وانت مشركة باللّه على دين مذهب النصارى. ثمّ تأمرها بأن تشهد الشهادتين، فيدفعها الحب والشوق إلى امتثال هذا الأمر. وتدخل في الاسلام في عالم الرؤيا. واذ تسمع منها الزهراء (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك، تضمها إلى صدرها وتعدها بزيارة ابي محمّد لها.

وبعد ذلك يبدأ أبو محمّد بزيارتها كل ليلة، بدون استثناء. قائلاً لها : ما كان تأخيري عنك إلا لشركك، وإذ قد اسلمت فاني زائرك كل ليلة.. إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان.

ثم ان أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يخبرها في بعض زياراته، بان جدها سيجرد جيشاً لقتال المسلمين في موعد حدده لها. وأمرها أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) - وهو يريد ان يخطط لها طريق الاجتماع به في العيان - أمرها ان تتنكر في زي الخدم وتخرج من طريق معين لتلحق بطلائع الجيش الأسلامي ليأسروها وينقلوها إلى بلادهم. ففعلت ذلك حتّى وصلت إلى بشر النخاس. وانكرت في غضون ذلك شخصيتها، ولم تخبر أحداً بانتسابها إلى قيصر الروم، وإذيساً لها مالكها عن اسمها تدعي ان اسمها : نرجس اذن فهي التي

ص: 322

اختارت لنفسها هذا الاسم.

وإذ تنتهي الجارية في قصتها إلى هذا الحد.. يستطيع بشر النخاس ان يفسر كل تصرفاتها، ما عدا معرفتها للغة العربية. فيسألها عن ذلك فتخبره بانه بلغ من ولوع جدها وحمله اياها على تعلم الآدب ان عين لها امرأة ترجمان تزورها صباحا ومساء وتفيدها اللغة العربية حتّى استمر عليها لسانها واستقام.

ويذهب بها بشر النخاس إلى سامراء ويدخلها على الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). فيقول لها : كيف أراك اللّه عز الاسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ). قالت : كيف اصف يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني.

ثم يتصدى الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لامتحانها وسبر اغوار ايمانها ومعرفة درجة اخلاصها. فانظر كيف يخيرها بين العاجل والآجل.. بين الدنيا والدين.. إذ يقول لها : فاني اريد أن أكرمك : فأيها احب اليك عشرة آلاف درهم أم بشرى لك بها شرف الابد. قالت : بل الشرف. واذ وجدها الامام واعية لموقفها مضحية في سبيله بكل عال ورخيص قال لها : فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجوراً. قالت: ممن؟. قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) متسائلاً: ممن خطبك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ) ؟ - وعين لها الوقت - قالت : من المسيح ووصيه. قال : فممن زوجك المسيح وصيه ؟ قالت من ابنك ابي محمّد. قال : فهل تعرفينه. قالت : فهل خلوت ليلة من

ص: 323

زيارته اياى منذ الليلة التي اسلمت فيها على يد سيدة نساء العالمين، امه. وعندئذ يستدعي الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، اخته حكيمة ويأمرها بأن تأخذ نرجس إلى منزلها وتعلمها أحكام الاسلام. ويقول : فانى قد زوجت ابي محمّد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1).

وأود ان اعلق على هذا الخبر بعدة تعليقات :

التعليق الأول: إمكان تعيين تاريخ شراء السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

التعليق الأول : اننا نستطيع أن نعين تاريخ شراء الجارية وزواج الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بها. فانه كان في زمان الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد أراد ان يزوج ابنه الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل ان يتوفى عام 254. ليولد من هذه المرأة الجليلة مهدي هذه الامة القائم بدولة الحق. وسياتي ان ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت بعد وفاة جده الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). فإذا استطعنا ان نعرف انه لم يمر زمان طويل بين زواجها وولادتها، أكثر من المقدار الضروري للحمل والولادة، عرفنا ان زواجها كان في نفس هذا العام : 254.

التعليق الثاني: الاعتراض على هذا الخبر

التعليق الثاني : انه قد يورد على هذا الحديث بعض الاعتراضات التي يمكن الجواب عنها على أصولنا الأعتقادية، ويبقى الجواب عنها عند من لا يؤمن بهذه الأصول معلقاً على التسليم بها. على اننا سنقول اننا غير ملزمين باعتبار هذا الخبر إثباتاً تاريخياً كافياً.

الاعتراض الأول: أنّ الإمام الهادي اللّه يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلّا اللّه

الاعتراض الأول : انه متضمن لعلم الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأمور

ص: 324


1- انظر اكمال الدِّين للشيخ الصدوق (نسخة مخطوطة). وانظر الغيبة للشيخ الطوسيّ ص 124 وما بعدها المناقب ج 3 ص 38 د وما بعدها.

غائبة غير منظورة. في حين ان الغيب لا يعلمه إلا اللّه تعالى.

الجواب: الإمامة والمصلحة تقتضي أن يكون له ملهماً من اللّه

والجواب على ذلك : انه بعد فرض ثبوت امامته، يكون ذلك ممكناً في حقه. ونحن لا ندعي عامه بالغيب مباشرة كعلم اللّه عز وجل. وانما ندعي ان الامام إذا أراد أن يعلم شيئاً اعلمه اللّه تعالى اياه، كما نطقت بذلك بعض الأخبار.

والمصلحة الرئيسية من الناحية الاجتماعية، في ذلك هي ان الامام قائداً لأمة ورئيس لدولة وموكول اليه تطبيق العدل الاسلامي الالهي على البشرية. فاحسن طريق لنجاح عمله وقيادته، من الناحيتين النظرية والعملية معاً، هو ان يكون ملهما مسدداً موفقاً من قبل اللّه تعالى. وكيف لا، وهو منصوب لتطبيق أعلى أهداف الاسلام وممثل لأحد أيام اللّه الكبرى التي اخذها اللّه تعالى بنظر الاعتبار في كونه.

الاعتراض الثاني: الإيمان بالأحلام خرافة من الخرافات

الاعتراض الثاني : ان الايمان بمضمون هذا الحديث، متوقف على الايمان بالاحلام. وهو خرافة من الخرافات

الجواب على ذلك بأمور ثلاثة

إشارة:

والجواب عن ذلك : يكون باحد أمور ثلاثة :

أولاً: الخرافة هي الإيمان بصدق جميع الأحلام

اولاً : ان ما هو الخرافة، هو الايمان المطلق بصدق جميع الاحلام، وهذا لم يقل به مفكر، ولا هو الّذي ندعيه ولا يتوقف عليه صحة هذا الحديث. وانما الشيء الّذي لا شك فيه هو صحة بعض الاحلام وتحققها في الواقع. وهذا أمر ضروري لمن راجع حوادث الحياة ونظر في الكتب المؤلِّفة في ذلك كدار السلام للحاج ميرزا حسين النوري والاحلام للدكتور على الوردي. وغيرها.

ص: 325

اذن فمن الممكن أن يكون هذا المذكور في الحديث أحد الاحلام المطابقة للواقع، وخاصة بعد ان اتصف بحوادث ومميزات لا تعدو عالم الحياة والعيان. فلو صلحت هذه الرواية للاثبات التاريخي لم تكن هذه الجهة موجبة لضعفها أو الطعن فيها.

ثانياً: رؤية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) في الأحلام لا يمكن أن تكون كاذبة

ثانيا : ان هناك فكرة تقول : بان رؤية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمّة المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام لا يمكن أن تكون كاذبة. لأن المنام الكاذب من الشيطان والشيطان لا يمكن أن يتصور بصورة النبي أو الامام. ويستشهد لذلك بما نسب إلى النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) من قوله : من رآنا فقد رآنا ويقول الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأحد أصحابه في المنام أيضاً: وأعلم ان كلامنا في النوم مثل كلامنا في اليقظة (1).

فإذا تمت هذه القاعدة - واللّه العالم بحقيقتها - لم يكن بالامكان ان يقال : بان ذلك الحلم الّذي وجد فيه رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) والأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) بما فيهم الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أو هو مستقلاً حين كان يأتيها كل ليلة... حلم كاذب.

ثالثاً: عدم الالتزام بحرفية الرؤيا، بل الحمل على الرمزية

ثالثا : اننا غير مضطرين لأن نلتزم من هذا الحديث بحر فيه الرؤيا. بل يمكننا ان نحمله على نحو من الرمزية ونقول : ان أم المهديّ عليه وعليها السلام، كانت وهي في بلادها الأولى كانت ملهمة بشكل غامض بعض خطوط مستقبلها والحنين اليه، بمقدار - بحيث انها حين واجهت هذا المستقبل احبته واخلصت له.

ص: 326


1- المناقب ج 3 ص 534.

وهذه مصلحة الهية عظيمة، باعتبار ما يعلمه اللّه تعالى من كونها اما للمهدي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وما سوف ترى في سبيل ذلك من الضغط والمطاردة والعذاب. اذن فهي تحتاج إلى الهام خاص - ولو بشكل لا شعوري غامض - يوجب تربيتها وتوجيه عواطفها بالشكل المخلص المؤمن. فانها، لو كانت مجردة عن هذا الالهام وكانت مشتراة من السوق من دون اخلاص سابق وتربية داخلية لأمكن لها ان تجزع من التعذيب فتبوح بأمر ولدها، ويؤدي الحال إلى القاء القبض عليه وقتله. وهو ما لا يريده اللّه تعالى أن يكون.. كيف ؟. وقد ذخره اللّه عز وجل بقدرته الكبرى لمستقبل الاسلام وارساء قواعد الحق.

أما انكار وجود الالهام كحقيقة كونية الهية، تتحقق بارادة اللّه تعالى عند وجود المصلحة.. فهذا تكذيب للقرآن إذ ينسب الالهام إلى النحل قائلاً : واوحى ربك إلى النحل ان اتخذي من الجبال بيوتاً ومن الشجر ومما يعرشون. ثمّ كلي من كل الثمرات، فاسلكي سبل ربك ذللا (1). وينسب عز وجل هذا الالهام ببعض مراتبه إلى الانسان إذ يقول عز من قائل : فمن يرد اللّه ان يهديه يشرح صدره للاسلام، ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كانما يصعد في السماء (2).

اذن فلتكن الظاهرة التي احست بها وعاشتها ام المهديّ، شكلا من اشكال الالهام.

ص: 327


1- السورة 16 / 68 - 19.
2- السورة 6/ 125.

الاعتراض الثالث: لا شرعية للإسلام والزواج إذا كانا في الرؤيا

الاعتراض الثالث : ان هذا الحديث دال على ان اسلامها وزواجها كان في عالم الرؤيا. وهو مما لا يمكن ان يعترف بشرعيته وقانونيته.

الجواب عليه إسلامها كان إمّا في حال اليقظة أو حين قالت للإمام الهادي» يا ابن رسول أو حين علمتها حكيمة تعاليم الإسلام

والجواب عليه : ان هذا الحديث وان كان دالا على ذلك، إلا اننا لا ندعي الاكتفاء به بطبيعة الحال. وانما اصبحت مسلمة في عالم اليقظة والعيان... أما حال وجودها في بلادها الاولى بعد ان اعتقدت بصحة الطيف ومطابقته للواقع، فاستيقظت معتقدة للاسلام. أو انها اسلمت حين قالت للامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن رسول اللّه.. فان هذا الوصف متضمن للاعتراف بالاسلام بكل وضوح، أو انها اصبحت مسلمة حين علمتها حكيمة تعاليم الإسلام امتثالاً لامر اخيها (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلى أي حال فقد تم اسلامها قبل زواجها من الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

واما ما قد يخطر على البال من انها إذا كانت قد بقيت غير مسلمة فى عالم اليقظة والعيان حتّى حين وصولها إلى سامراء، فكيف زارها الامام أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام.. فجوابه : ان هذا كلام من يؤمن بالاحلام.. وأما من لا يؤمن بها لا يعتبر الزيارة في عالم الرؤيا شيئاً يؤخذ بنظر الاعتبار. ومعه فنقول للمؤمن بالاحلام المتكلم بهذا الكلام ان زيارة الامام في المنام يكفي فيها الاسلام في المنام ! وأما لقاء العيان واليقظة فيحتاج إلى اسلام حقيقي في عالم اليقظة.

وأمّا زواجها فقد تم بإنشاء الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعقد الزواج

وأما زواجها، فلم يكن ما وقع منه في المنام كافياً أيضاً، وانما تم بانشاء الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعقد الزواج حين قال : - كما نطق الحديث - : فإني قد زوجت ابا محمّد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 328

بعد ان احرز رضاها ورضاه. وهو وليهما وولي المؤمنين.

الاعتراض الرابع: دلالة الحديث على تساقط الصلبان من دون سبب ظاهر

الاعتراض الرابع : أن هذا الحديث دال على تساقط الصلبان وانهيار الاعمدة، من دون سبب ظاهر. فكيف كان ذلك ؟

الجواب: ما حدث هو معجزة إلهية تستنكر المسيحية وتستنكر زواج السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) من ابن عمّها

والجواب عن ذلك : انه مما لا شك فيه، من الناحية الاسلامية، ان ما يعتقده المسيحيون أصبح بعد بعثة نبي الاسلام (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، باطلاً والمقيم عليه ضالاً مضلاً. وان مقتضي الهداية إلى الصراط المستقيم هو الاهتداء بنور الاسلام والاعتقاد بعقائده والالتزام بعدله.

فمن الممكن القول : ان هذا الّذي حدث، هو معجزة الهية حدثت للتوصل إلى غرضين : احدهما : استنكار بقاء هؤلاء على المسيحية مع امكانهم الدخول في الاسلام ومعرفتهم بوجوده، فان الأولى بمصالحهم ان ان يعتنقوه لا ان يحاربوه ؛ ثانيهما : استنكار زواج هذه الامرأة من ابن عمها، فانها مقدرة في علم اللّه الأزلي لأن تكون زوجة للامام العسكريّ واما للمهدي. لا ان تكون كما يشاء جدها زوجة لأبن اخيه. بحدوث هذه المعجزة يحصل في قلوبهم تشاؤم من حصول هذا الزواج، فلا يقومون به. كما قد أعرضوا عنه فعلاً.

الاعتراض الخامس: تنافي الحديث في تحديد صاحب الكتاب الذي حمله بشر النخّاس

الاعتراض الخامس: ان هذه الرواية تدل على شيئين متنافيين. فبينما ننص في أولها على ان الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الّذي كتب الكتاب الّذي حمله بشر النخاس إلى الجارية... نراها تدل بعد ذلك على ان كاتبه هو الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). كقولها : وأوما بيده إلى أبي محمّد صاحب هذا الكتاب. وقولها : يعنى على صاحب هذا الكتاب

ص: 329

الجواب: التوهّم أنّ العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو صاحب الكتاب لا ينافي كون أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو من كتب الكتاب

والجواب عن ذلك : ان الرواية دلت على ان كاتب الكتاب هو الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). إلا انها دلت في عين الوقت ان هذه الجارية كانت تتوهم ان كاتبه هو فتى احلامها وزوج مستقبلها الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وليس بين الأمرين أي تنافي. ولا نعلم ان ما في الكتاب يدل على تحديد شخصية كاتبه حتّى تعرفه بذلك.

الاعتراض الوحيد الذي يمكن صدقه هو ضعف الحديث من ناحية إثباته التاريخي

اذن فليس شيء من هذه الاعتراضات وارد على هذا الحديث ومضعف الدلالته وما يعرب عنه من حديث وتاريخ. وانما الاعتراض الوحيد الّذي يمكن صدقه هو ان هذا الحديث ضعيف من ناحية اثباته التاريخي باعتبار كونه مجهول الرواة ضعيف السند.

التعليق الثالث: الرواية مهملة من حيث تاريخ شراء السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

التعليق الثالث : الّذي تعلقه على هذه الرواية :

ان هذه الرواية مهملة من حيث التاريخ. ونحن وان استطعنا ان نعرف وقت شراء الجارية إلا أنه لا يمكن تحديد وقت هذا القتال الّذي وقع بين الروم والمسلمين. ذلك القتال الّذي أصبحت مليكة نتيجة له اسيرة للمسلمين. كما انه لا يمكن تحديد مكانه على وجه التعيين، فان سائر أطراف الدولة الاسلامية كانت مسرحاً لحروب ومناوشات وفتوحات في ذلك العصر. وأغلبها كان بين الروم والمسلمين.

فان لفظ الروم كان يستعمله العرب في ذلك الحين بشكل مجمل واسع المعنى. فانهم كانوا يصطلحون بهذا اللفظ على كل بلاد مسيحية خارج حدود بلاد الاسلام. وهذا معنى شامل لكثير من مناطق الأرض. فهو يشمل سوريا ولبنان وتركيا قبل فتحها الاسلامي، ثمّ

ص: 330

يستمر إلى ما وراءها شمالاً مما هو الآن تحت حكم الاتحاد السوفييتي. وقد دخل قسم منه في الاسلام وبقى الكثير منه مسيحياً إلى حد الآن. كما يمتد هذا اللفظ غرباً ليشمل اوروبا كلها بما فيها اليونان وايطاليا وفرنسا واسبانيا وصقلية وغيرها مما كان معروفاً يومذاك. وكانوا إذا أرادوا التدقيق في التعبير عن أوروبا، قالوا : الفرنجة أو الافرنج، تمييزاً لها عن سائر بلاد الروم. وهو أيضاً لفظ مجمل يشمل كل أقطار اوروبا تقريباً.

لا يستثنى من لفظ الروم، بحسب اصطلاحهم.. من وجه العالم المعروف يومئذٍ، إلا ما كان في شرق بلاد الاسلام : كالهند والصين وما كان في جنوبها كافريقيا.

والصحيح تاريخياً ان الروم هم شعب دولة روما، التي هي الآن عاصمة ايطاليا، وكان الاسم الرسمي للملك عندهم هو القيصر. وهي دولة استطاعت ان تسيطر على رقعة ضخمة من العالم... من حوض البحر الأبيض المتوسط. كالشمال الافريقي واليونان وتركيا وسوريا ولبنان وفلسطين، حتّى كانت تسمى كل هذه المناطق بدولة الروم، ومن هنا وقع الاجمال والاختلاط في معناه لدى الناس في تلك العصور... وحتى كانت العاصمة لهذه الدولة الجبارة هي القسطنطينية، وهي ليست في ايطاليا، وغير قريبة من روما ! وانما تقع في الجزء الاوروبي من تركيا فعلاً. وتسمى اليوم باستانبول. وكان لسقوطها بايدي الجيش الاسلامي من الاهمية و (الاستراتيجية) الشيء الكثير. اذ يعني

ص: 331

انحسار الحكم الرومي عن بلاد الشرق وانكماشه في داخل اوروبا المسيحية.

وعلى أي حال، فانه يمكن ان يفهم من هذه الرواية ان الملك نفسه كان خارجاً مع جيشه للحرب، وهو ما كان يحدث فعلا في الحروب المهمة الواسعة. فبذلك يمكن أن نلتفت إلى الحادثة التي ينقلها التاريخ العام في سنة 249، حيث نزل ملك الروم بنفسه إلى الحرب مع خمسين الفا، وحصل بينه وبين المسلمين قتال شديد، قتل فيها من الفريقين خلق كثير (1). فالمظنون ان هذه هي الحادثة المشار اليها في الحديث.

وكان الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في هذا العام، عمره سبعة عشر عاماً، يعيش تحت ظل ابيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ أن ام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد أن سبيت في الحرب بقيت عند مالكها حتّى عام 254 حين أراد بيعها، فاشتراها الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ليزوجها من ابنه (عَلَيهِ السَّلَامُ). والرواية على أي حال، لا تدل على سرعة بيعها بعد الاسر، وان كان المفهوم منها بشكل عام، هو ذلك. واللّه العالم.

***

الفرضية الثانية: أن مالك السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) هو السيدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)

الفرضية الثانية : ان المالك لهذه الجارية من اسرة الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو حكيمة اخت الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وهذه فرضية بسيطة ومختصرة، تكفينا في الاثبات التاريخي ان لم تكفنا الفرضية الأولى، ولم نقتنع بمدلول ذلك الخبر. والخبر الوارد في هذه الفرضية يهمل بالكلية التعرض لأصل هذه الجارية أو ترجمة

ص: 332


1- الكامل ج 5 ص 312.

حياتها أو تاريخ ورودها إلى بلاد الإسلام أو تاريخ شرائها.

سرد قصة زواج السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) بلسان المصنف

وانما يبدأ الحديث انه في يوم من الايام يزور الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمته حكيمة (رضى اللّه عنها)، فيرى جاريتها فيحد النظر اليها. فتقول له : يا سيّدي لعلك هوتها أفارسلها اليك. فينفى الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) الهوى الجنسي عن نفسه، فانه مناف لمقام الامام وعصمته، ويعطي السبب المنطقي الصحيح لعمله. وذلك انه اجاب عمته قائلا لا يا عمة، ولكني اتعجب منها. فقالت له : وما اعجبك ؟. فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سيخرج منها ولدكريم على اللّه عز وجل الّذي يملا اللّه به الأرض وعدلاً وقسطا كما ملئت ظلما وجوراً. فقالت له : فارسلها اليك يا سيّدي. فيوقف الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك على اذن ابيه، قائلاً : استاذني في ذلك ابي.

قالت : فلبست ثيابي واتيت منزل ابي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلمت عليه وجلست. فبدأني وقال : يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني ابي محمّد. قالت : فقلت : يا سيّدي على هذا قصدتك.. ان نستأذنك في ذلك. فقال لي : يا مباركة، ان اللّه تبارك وتعالى أراد أن يشركك في الاجر ويجعل لك في الخير نصيباً.

وتبادر العمة إلى الرجوع إلى منزلها، وتقوم بتزيين نرجس وتهبها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ). وتجمع بينه وبينها في منزلها. فيقيم الامام عندها اياما، حتّى يتوفى والده (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ايام، فينتقل الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع زوجته إلى دار ابيه (1) .

ص: 333


1- انظر اكمال الدِّين.. نسخة مخطوطة.

وهذه الرواية تتفق مع سابقتها على عدة خصائص، منها : ان ام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت جارية مملوكة، وان اسمها نرجس وان زواج الامام العسكريّ كان في حياة ابيه واذنه. ولذا نستطيع ان نعتبر اتفاقها على ذلك اثباتاً تاريخياً كافياً له إلا ان هذه الرواية تعين وقوع الزواج في الأيام الاخيرة من حياة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). ولم يكن هذا واضحاً من الرواية السابقة.

وليس على هذه الرواية من اعتراض من الناحية الشكلية، إلا اعتراض واحد، وهو ان الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حين زار عمته كيف جاز له ان يحد النظر إلى جاريتها مع انها ليست زوجته ولا مملوكته في ذلك الحين. ويأتي الجواب واضحاً بسيطاً، وهو انه نظر اليها باذن مالكتها. والمالك إذا اذن لشخص في النظر إلى مملوكته جاز للماذون له النظر شرعاً في حدود اذن المالك.

وهذا وان لم يذكر في الرواية إلا انه أخذ مفروض التحقق في الرواية، للتسالم الواضح في المجتمع المسلم على عدم جواز النظر إلى مملوكة الغير إلا باذنه. لذا كان من الواضح في ذهن الراوي ان السامع المسلم سوف يفهم تلقائياً وجود الاذن في النظر... ومن هنا اهمله من سرده من لفظ الرواية.

ص: 334

ولادة الامام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

ص: 335

ومهما يكن من أمر، فالمهم الآن ان نحمل فكرة عما تدلنا عليه الروايات من حوادث ولادة الامام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) :

سرد قصة الولادة بلسان المصنف

ان الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تزوره عمته حكيمة في يوم من الأيام، وتبقى عنده إلى المساء. وحين تريد ان تنصرف يرجوها الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ان تبيت في داره هذه الليلة، فانه سيولد فيها المولود الكريم على اللّه عز وجل، حجة اللّه في أرضه. فتسأله العمة : ومن أمه.؟ فيقول الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) : نرجس ! فتنفي العمة أن يكون بنرجس اثر للحمل. فيؤكد لها الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك قائلا : هو ما أقول لك فتفحصها العمة جيد أو تقلبها ظهراً لبطن فلا تجد أثر الحمل. فتعود فتخبره تارة اخرى فيبتسم الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويعطيها الحجّة الواضحة والمبرر الالهي الصحيح في ذلك، قائلا : إذا كان وقت الفجر يظهرلك الحبل.. لأن مثلها كمثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها، لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ). وهذا نظير موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 336

بيان المعجزة في إخفاء الحمل

والمعجزة في اخفاء الحمل يكون - في الأرجح - على هذا الترتيب: وهو ان النطفة خلال مدة الحمل تنمو ببطء شديد أو لا تنمو على الاطلاق. ثمّ انها قبل الولادة بوقت قصير قد لا يزيد على دقائق، تنمو بسرعة حتّى يكتمل الجنين، ويكون قابلا للميلاد، في الجو السري

ص: 337

الخاص البعيد عن أعين السلطات.

وبذلك لا يتمكن أحد من الفاحصين حتّى القوابل، خلال المدة الاعتيادية للحمل.. من التعرف على وجوده. فضلا عن مجرد النظر. وذلك : لأن الطب إلى يومنا الحاضر عاجز عن التعرف إلى الحمل في شهره الأول، فكيف بالعصور السابقة عصور الخلافة العبّاسية. فلو يقي الجنين، بارادة اللّه تعالى، على شكله في الشهر الأول طيلة مدة الحمل، لم يتمكن أحد ان يخمن وجود الحمل على الاطلاق، في تلك العصور.

ولا يخفانا أيضا، ما في التوقيت في الفجر، من اهمية خاصة في زيادة الحذر والخفاء، فان هذه العائلة كانت في ذلك الوقت في يقظة. وكل من يتولى السلطة والتجسس يغط في نوم عميق.

ثم ان حكيمة إذ تسمع تأكيد الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، تعود إلى نرجس فتخبرها بما قال وتسألها عن حالها. فتقول نرجس : يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا. ثمّ ان نرجس نامت واشتغلت حكيمة بالصلاة، لكي تؤدي صلاة الليل، وجلست للدعاء عقيب الصلاة، وهي في كل ذلك ترقب نرجس فلا تجد عليها إلا النوم الهادي لا تقلب جنباً عن جنب. وهناك من الأخبار ما يدل على أن نرجس نفسها قامت من نومتها فادت صلاة الليل ثمّ نامت مرة اخرى. وهي لا تحس بشيء.

حتى إذا كان وقت طلوع الفجر، وثبت نرجس من نومها فزعة فضمتها حكيمة إلى صدرها. وقالت لها : اسم اللّه عليك، هل تحسين

ص: 338

بشيء. قالت : نعم يا عمه أقول : نعرف من ذلك ان جنينها قدكبر واكتمل. وتم هذا في دقائق أو أقل. وهذا يفسر لنا وثوبها من نومها فزعة.

وهنا يأمر الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ) حكيمة بأن تقرأ عليها سورة الدخان التي تبدأ بقوله تعالى : «بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * حَم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ» ولا يخفى ما في قراءة هذه الآيات من المناسبة لمقتضى الحال.

وحينما يحين وقت الولادة، يحدث نوع من الغموض بين الأمرأتين بحيث لا تطلع حكيمة على نرجس، وقد عبر عن ذلك في بعض الروايات بالفترة.. وهي نوع من الغفلة أو النعاس.. أصابتهما معاً. وعبر عنه في رواية أخرى، بقول حكيمة : حتّى غيبت عني نرجس فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب. والمعنى المفهوم منها واحد والغرض منه هو عدم الاطلاع على نرجس حين خروج الامام (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 339

ص: 340

موسوعة الأمام المهديّ - عرفان محمود: الجزء 3

إشارة:

موسوعة

الأمام المهديّ

وِلادة

الأمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

في

كُتُبِ الْفَرِيقَيْنِ

نشر الفقاهة

ص: 341

محمود عرفان ولاده الامام المهدى (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في كتب الفريقين / عرفان محمود

نشر الفقاهة. 1390. 353 ص 1 ISBN: 978 - 964 - 7911 - 93

فهرستنویسی بر اساس اطلاعات فيبا، موضوع: محمّد بن حسن (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

امام دوازدهم 255 ق.میلاد مهدویت احادیث

رده بندی کنگره: 1389 8 و 334 م / 51 BP رده بندی دیویی: 959 - 297

موسوعة

الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) (3)

ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في كتب الفريقين

تأليف : عرفان محمود

تحقیق: لجنة التحقيق

اشراف : أبو الفضل الإسلامي

موضوع : کلام و تاريخ

الطبعة : الأولى

المطبعة: مؤسسة النشر الاسلامي

الكمية: 1000

صف الحروف : الطالبي

التاريخ : 1432 ه_

«نشر الفقاهة» - قم

شابك : 1 - 93 - 7911 - 964 - 978

ISBN: 978-954-7911-93 - 1

ص: 342

الفَصِّلُ الثَّانِي : روايات قصة الولادة / مصادر الروايات

نتناول في هذا الفصل بمعونة اللّه تبارك وتعالى جملة من الروايات الواردة بشأن كيفية وقصة ولادة الإمام المهديّ من الحسن العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وهي مروية في المصادر المعتبرة لقدماء كبار علماء الإمامية أمثال أبي جعفر الطبري الإمامي والفضل بن شاذان المعاصر لولادة المهديّ عجل اللّه فرجه والحسين بن حمدان المعاصر للولادة أيضاً والشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشيخ الطوسيّ وغيرهم، ومن هذه الروايات ذوات الأسانيد الصحيحة والعالية - أي قليلة الوسائط بين الراوي الأخير والراوي المباشر للحادثة - كما صرح بذلك المحدّث الخبير آية اللّه النوري في كتابه القيم النجم الثاقب (1).

كما أن هذه الروايات منقولة في كتب عدد من علماء أهل السنة - كما سنرى - وقد تلقاها ناقلوها بالقبول والتأييد، لذلك فهي من مرويات الفريقين أيضاً

ص: 343


1- النجم الثاقب : 1 / 141 من الترجمة العربية.

ولذلك ولصحة أسانيد جملة من هذه الروايات فهى تشكل دليلاً مستقلاً آخر على ولادة الإمام المهديّ عجَّل اللّه فرجه خاصةً وأنها تتحدّث عن رعاية رعاية إلهية خاصّة في كيفية الولادة وعلامات في الوليد وفيها تصريح واضحٌ بإمامته و مهدويته كما سنشير لذلك فى نهاية الفصل.

قصة مجيء والدة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) / رواة قصة مجيئها

نبدأ أولاً بما روي بشأن والدته (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) الّتي عرفنا في الفصل السابق أنها رومية من عائلة قيصر الروم، وقد تحدّثت رواية طويلة عن أسرها من جيش رومي في معركة مع المسلمين وعن هداية إلهية خاصة لنقلها إلى عائلة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإعدادها لحضانة وولادة المهديّ الموعود عجّل اللّه فرجه، وإذا كانت في الرواية بعض الأمور الإعجازية الكاشفة عن التدبير الإلهي المباشر لأمر هذه المرأة فإنّ الاستغراب منها يزول إذا راجعنا القرآن ورأينا أن تدبير اللّه تبارك وتعالى لأمر أم موسى على نبينا و آله وعليه السَّلام قد بلغ مرتبة الإيحاء إليها فيما يرتبط بتوفير الأمور اللازمة لحفظ وليدها، فلا استبعاد أن تقتضي الحكمة الإلهية تكرار طريقة ولادة وحفظ نبيه موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبأساليب أخرى تناسب اختلاف الظروف، مع وليه الإمام المهديّ عجّل اللّه فرجه وهو المكلف بالمهمة الإصلاحية الكبرى التي تحقق جميع أحلام الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) على الصعيد العالمي.

رواة قصة مجيئها :

وقد روى هذه الرواية مجموعة من العلماء الثقات، أمثال الفضل بن شاذان في كتاب الغيبة، ومحمّد بن هبة اللّه الطرابلسي في كتابه الغيبة، والشيخ الصدوق في كمال الدِّين والشيخ الطوسيّ في كتاب الغيبة، والشيخ الطبري في دلائل

ص: 344

الإمامة (1)، بألفاظ مختلفة ومعاني متقاربة. ننقل هنا رواية الطبري وهو أشمل الروايات، قال (رَحمهُ اللّه):

ص: 345


1- النجم الثاقب : 1 / 136.

تعلیقتان مهمّتان / تعليقة السيّد الميلاني

وقد تناول عدد من العلماء رواية وصول والدة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) المتقدمة بالبحث والتعليق والإجابة على الاعتراضات التي يمكن أن ترد عليها نختار منها تعليقتين اثنتين من العلماء المجتهدين هما : آية اللّه السيّد محمّد هادي الميلاني وآية اللّه السيّد محمّد الصدر.

تعليقة السيّد الميلاني :

يقول السيّد الميلاني في كتابه «قادتنا كيف نعرفهم ؟» و تحت عنوان : العناية الإلهية في إختيار أمّ الإمام:

وإذ ندقّق النظر في هذه الرواية نجد في هذه الجارية التي أراد اللّه لها أن تكون

ص: 346

أماً للإمام الثاني عشر أربعة أوصاف يندر وجود واحد منها فضلاً عن المجموع في جارية مسبية لا تعرف من الإسلام شيئاً، وهذه الصفات هي :

1 - تنطق العربية جيداً.

2 - تمتنع من السفور، ولا ترضى بأن يلمسها أحد.

3 - لا توافق على بيعها من أي مشتركان، بل تطلب من البائع أن يكون لها حقّ اختيار المشتري حتّى يسكن قلبها إلى أمانته وديانته.

4 - أنها رغبت في الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأصرت على ذلك، وهدّدت بقتل نفسها إن لم يبعها منه.

وأعجب من هذا كله أنها بعد أن يستقر بها المقام في بغداد تخرج كتاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتضعه على خدّها و تمسح به على عينيها، فيستغرب بشر النخّاس من عملها هذا ويقول لها : أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟!

كلّ هذا وسائر ما ورد في القصة يدلنا على عناية إلهية خاصة في هذا الشأن. حيث يختار اللّه تعالى الوعاء الطاهر للذرية المباركة، فصلوات اللّه عليهم أجمعين

متى وقعت الحرب؟

قد يذهب بعض المعاندين إلى التشكيك في هذه الحوادث بنفي وقوع حرب بين المسلمين والمشركين في الأزمنة المعاصرة لولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ). وليس ذلك إلّا لجهلهم بالتاريخ، مضافاً إلى العناد والعداء للحق، فمن المسلم به أن حرباً عظيمة وقعت بين المسلمين والمشركين في الأندلس (وكانت جزء من الروم، في ذلك التاريخ) سنة (251ه_) كان نتيجتها قتل عدد كبير من المشركين وأسر آخرين منهم.

ص: 347

وحيث دلّت الرواية على أن سبي ابنة يشوعا ابن ملك الروم حصل في حياة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهو الّذي بعث بشراً النخاس لشراء الجارية المسبية مع الأوصاف المتقدّمة، وزوجها من ابنه الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإذا علمنا أن وفاة الإمام علي الهادي كانت سنة (254ه_) اتّضح جليّاً التطابق الزمني بين هذه الرواية والتاريخ المذكور.

فمن المحتمل وصول هذه الوجبة من الأسرى إلى بغداد سنة (252ه_) وتزويج الإمام الهادي مليكة (أو نرجس) من ابنه الإمام الحسن العسكريّ في تلك السنة أو بعدها، وولادة المهديّ عجّل اللّه فرجه في (255ه_).

قال ابن الأثير فى الكامل في حوادث سنة (251ه_):

ذكر غزو الفرنج بالأندلس : في هذه السنة سير محمّد بن عبدالرحمن الأموي صاحب الأندلس جيشاً مع ابنه المنذر إلى بلاد المشركين في جمادى الآخرة، فساروا وقصدوا الملّاحة، وكانت أموال لُذريق بناحية ألبة والقلاع، فلمّا عمّ المسلمون بلدهم بالخراب والنهب جمع لذريق عساكره، وسار يريدهم، فالتقوا بموضع يقال له فج المركوين، وبه تعرف هذه الغزاة، فاقتتلوا، فانهزم المشركون إلا أنهم لم يبعدوا واجتمعوا بهضبة بالقرب من موضع المعركة فتبعهم المسلمون وحملوا عليهم، واشتدّ القتال فولّى الفرنج منهزمين لا يلوون على شيء، وتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون.

وكانت هذه الوقعة ثاني عشر رجب، وكان عدد ما أخذ من رؤوس المشركين ألفين وأربعمائة واثنين وتسعين رأساً، وكان فتحاً عظيماً وعاد المسلمون (1).

ص: 348


1- قادتنا كيف تعرفهم ؟ : 206/7 - 208 ولاحظ الكامل في التاريخ : 7 / 163.

الواقع التأريخي ومضمون الرواية

1 - إنّ الواقع التأريخي المدوّن لا يتنافى مع مضمون الرواية فيما يرتبط بانتقال والدة الإمام المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إلى بلاد المسلمين بل يؤيدها، سواء أخذنا برواية الحرب بين الروم والمسلمين التي نقلها السيّد الميلاني أو التي نقلها السيّد الصدر، وإن كانت رواية السيّد الصدر أكثر رجحاناً لخروج ملك الروم في الحرب المذكورة فيها الأمر الّذي يسهل خروج السيّدة والدة الإمام مع سائر أفراد العائلة المالكة في الجيش الرومي، يُضاف إلى ذلك أنّ عدم خروج الملك

ص: 349

وحاشيته مع الجيش يجعل عليها من الصعب الخروج مع الجيش بسبب الرقابة التى كانت تُفرض على أفراد العائلة الملكية عادةً.

سرّ اختيار «مليكة» الرومية أُمّاً للمهدي الموعود

2 - من الملاحظ في هذه الرواية أنها تتحدث عن رعاية إلهية واضحة لهذه السيّدة الجليلة واختيارها لتكون أماً للمهدي الموعود عجّل اللّه فرجه الّذي يحقق اللّه على يديه أحلام الأنبياء جميعاً ويظهر الإسلام على الدين كله فيقيم الدولة الإلهية العادلة فى كلّ الأرض. على ضوء هذا الدور التأريخي الخاص بالإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمكن أن نفهم سرّ اختيار امرأة رومية بل من بطن عاصمة الروم لتكون أُمّاً لهذا القائد التأريخي المنتظر، ثمّ نفهم سرّ إحاطتها بكلّ هذه الرعاية والإعداد التربوي الخاص لهذه الأمومة.

العلاقة بين هذا الاختيار وصلاة عيسى خلف المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) :

إن من المعلوم أن الديانة المسيحية هي الديانة السماوية الأولى في العالم من جهة كثرة أتباعها، لذلك فإنّ من الضروري إيجاد عوامل معينة لمناصرة أتباعها للمهدي المنتظر عجل اللّه فرجه عند ظهوره، ولذلك لاحظنا في التخطيط الإلهي لنجاح مهمّة الإمام المهديّ عجّل اللّه فرجه ادّخاره نبيّ اللّه عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) للنزول عند ظهور الإمام المهديّ لكي يصلي خلفه ويكسر الصليب ويرفع النصاري عن انحراف القول بتأليهه ويهديهم لاتّباع خاتم أوصياء نبي الشريعة الخاتمة النبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ويصبح وزيراً للمهدي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) التي صرّحت بذلك الكثير من الأحاديث الشريفة المروية في صحاح أهل السنّة - وقد نقلنا نماذج منها في الكتاب الثاني من هذه الموسوعة - وكذلك في الأحاديث الشريفة المروية من طرق أهل

ص: 350

البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ)، يُضاف إلى ذلك إيمان النصارى أنفسهم بعودة المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) في آخر الزمان، وواضحٌ أن الهدف من دور عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو مناصرة المهديّ عجّل اللّه فرجه ليلتحق به أتباع أكبر الديانات بأقل مقدار ممكن من الخسائر والمعارضة وأكبر حجم ممكن من حجج الإقناع والهداية.

وفي إطار هذا التخطيط الإلهي وللّهدف نفسه جاء اختيار والدة المهديّ المنتظر عجّل اللّه فرجه من قلب أصل رومي ومن قلب العاصمة الرومية التي تحظى باحترام خاص لدى النصارى وتضم مقرّ زعامتهم الروحية «الفاتيكان»، إذ أنّ من الواضح أن هذا الاختيار يوجد لدى النصارى إحساساً بانتماء المهديّ المنتظر (عَلَيهِ السَّلَامُ) إليهم بسبب هذه الوشيجة الناتجة من رومية أُمّه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، ولهذا الإحساس دور مؤثّر ومعروف في المساعدة في استجابتهم لمهمته الإصلاحية الكبرى، يُضاف إلى العوامل الأخرى فهو يبعث حالة التعاطف الفطري مع من ينتمي إليه برحم، وفي حالات زواج الرسول الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) النظائر مشابهه في أهدافها لهذا الهدف.

نقطة أخيرة من الضروري الإشارة إليها هنا وهي أن الأصل الرومي لوالدة الإمام المهديّ عجل اللّه فرجه منصوص عليه في أحاديث أخرى غير الرواية المتقدمة.

علّة التعدّد المتعمد لأسماء أُمّ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ):

3 - ورد في بعض الروايات الشريفة ذكر عدة أسماء لوالدة الإمام المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، منها حديث رواه الفضل بن شاذان في كتاب الغيبة، سيأتي نصّه في روايات قصة الولادة لاحقاً وفيه يذكر الإمام العسكريّ ولادة ابنه المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ يقول : أمّه مليكة يُقال لها بعض الأيام سوسن، وفي بعضها

ص: 351

ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها. ويعلّق آية اللّه الشيخ النوري على هذا الحديث بقوله : ومن هذا الخبر يتبين وجه الاختلاف في أسمها سلام اللّه عليها فهي تسمّى بجميع هذه الأسماء الخمسة (1).

وهذا النصّ يفسّر بوضوح اختلاف الروايات في ذكر اسمها لتعدّده في الواقع، فلا يمكن القدح في هذه الروايات بسبب ذلك، إلّا أنّ الأمر المهمّ هنا هو معرفة سبب هذا التعدّد، فالّذي يبدو أن ثمة حكمة خاصة فيما يرتبط بهذه السيّدة الجليلة بحكم كونها ستصبح أماً للإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي كانت السلطات العبّاسية تسعى لمنع ولادته أو مطاردته وقتله بعد ولادته، فجاء التخطيط لإطلاق عدة أسماء عليها وتبديلها بين الحين والآخر للتعمية على السلطات العبّاسية جواسيسها، ولأجل أن يختلط في ذهن السلطان أمر معرفة والدة المهديّ الحقيقية فتتوهّم أنّ تعدد الأسماء يعني تعدّد صاحباتها. وعليه يتضح وهن استناد بعض المنكرين لأمر ولادة الإمام المهديّ عجّل اللّه فرجه على ادّعاء اختلاف الروايات في اسم والدته (2).

رواية ثانية مكملة لمضمون الرواية السابقة

وثقة رواية أخرى تكمل مضمون الرواية السابقة وتتحدث عن كيفية انتقال والدة الإمام المهديّ إلى والده الإمام العسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهي تشتمل على عرض لقصة الولادة وقد رواها الطبري في دلائل الإمامة والشيخ الصدوق في كمال الدین، ننقل هنا رواية الطبري ثمّ ننقل رواية الصدوق ضمن رواياته عن كيفية الولادة.

ص: 352


1- النجم الثاقب : 1 / 135 من الترجمة العربية.
2- راجع أيضاً تأريخ الغيبة الصغرى: 242 - 243.

2 - روى الطبري في دلائل الإمامة قال: أخبرني أبو الحسين محمّد بن هارون قال : حدَّثني أبي قال : حدَّثنا أبو علي محمّد بن همام قال : حدَّثنا جعفر بن محمّد قال : حدَّثنا محمّد بن جعفر عن أبي نعيم عن محمّد بن القاسم العلوي قال : دخلنا جماعة من العلوية على حكيمة بنت محمّد بن علي بن موسى فقالت : جئتم تسألوني عن ميلاد ولی اللّه ؟ قلنا : بلى واللّه.

قالت : كان عندي البارحة وأخبرني بذلك وأنه كانت عندي صبية يقال لها : نرجس وكنت أربيها من بين الجواري ولايلى تربيتها غيري، إذ دخل أبو محمّد عليّ ذات يوم فبقي يلح النظر إليها، فقلت : ياسيّدي هل لك فيها من حاجة ؟ فقال : إنا معشر الأوصياء لسنا ننظر نظر ريبة ولكنّا ننظر تعجّباً أن المولود الكريم على اللّه يكون منها. قالت : قلت : ياسيّدي فأروح بها إليك ؟ قال : استأذني أبي في ذلك.

قصرت إلى أخي، فلما دخلت عليه تبسّم ضاحكاً وقال : يا حكيمة جنت تستأذنيني في أمر الصبية ؟ ابعثي بها إلى أبي محمّد فإن اللّه عزّوجلّ يحبّ أن يشركك في هذا الأمر. فزينتها وبعثت بها إلى أبي محمّد، فكنت بعد ذلك إذا دخلت عليها تقوم فتقبل (فأقبل ظ) رأسها وتقبل يدي وأقبل رجلها وتمدّ يدها الى خفّي لتنزعه فأمنعها من ذلك فأُقبل يدها إجلالاً وإكراماً للمحلّ الّذي أحلّه اللّه فيها، فمكث بعد ذلك إلى أن مضى أخي أبو الحسن فدخلت على أبي محمّد ذات يوم فقال : يا عمّتاه فإنّ المولود الكريم على اللّه ورسوله سيولد ليلتنا هذه، فقلت : ياسيّدي في ليلتنا هذه ؟ قال : نعم.

فقمت إلى الجارية فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها حملاً، فقلت : ياسيّدي ليس بها حمل، فتبسّم ضاحكاً وقال : يا عمتاه إنا معاشر الأوصياء ليس يحمل لنا في

ص: 353

البطون ولكنا نحمل في الجنوب، فلمّا جنّ الليل صرت إليه فأخذ أبو محمّد محرابه فأخذت محرابها فلم يزالا يُحييان الليل وعجزت عن ذلك مرّة أنام ومرّة أُصلي إلى آخر الليل، فسمعتها آخر الليل لما انفتلت من الوتر مسلّمة صاحت : يا جارية الطست فجاءت بالطست فقدّمت إليها فوضعت صبياً كأنه فلقة على ذراعه الأيمن مكتوب «جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً» وناغاه ساعة حتّى استهلّ وعطس وذكر الأوصياء قبله حتّى بلغ إلى نفسه ودعا لأوليائه على يده بالفرج، ثمّ وقعت ظلمة بيني وبين أبي محمّد فلم أرّه.

فقلت : يا سيّدي أين الكريم على اللّه ؟ قال : أخذه من هو أحقّ به منكِ، فقمت وانصرفت إلى منزلي فلم أرَه، وبعد أربعين يوماً دخلتُ دار أبي محمّد فإذا أنا بصبيٍّ يدرج في الدار، فلم أرَ وجهاً أحسن من وجهه ولا لغةً أفصح من لغته ولا نغمة أطيب من نغمته فقلت : ياسيّدي من هذا الصبي ؟ ما رأيت أصبح وجهاً ولا أفصح لغة منه ولا أطيب نغمة منه، قال : هذا المولود الكريم على اللّه، قلت : ياسيّدى وله أربعون يوماً وأنا لا أرى منه أمره هذا. قالت : فتبسّم ضاحكاً وقال : يا عمتاه أما علمت أنا معشر الأوصياء ننشأ في الشهر ما ينشأ غيرنا في السنة. فقمت فقبلت رأسه وانصرفت إلى منزلي، ثمّ عدت فلم أرَه.

فقلت : يا سيّدي يا أبا محمّد لست أرى المولود الكريم على اللّه قال : استودعناه مَن استودعته أُمّ موسى، وانصرفت وماكنت أراه إلّا كل أربعين يوماً (1).

ص: 354


1- دلائل الإمامة: 269.

توقیت اقتران والدي المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمان أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)

توقيت اقتران والّذي المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في حياة جدّه (عَلَيهِ السَّلَامُ):

إذاً، يتضح أنّ هذه الرواية مؤيدة للرواية الأولى واتفاقهما يكفي في الإثبات التأريخي لقصة اقتران والّذي الإمام المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كما تقدم، والتأريخ المستفاد من الرواية الثانية للاقتران المبارك هو الأيام الأخيرة من حياة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي في سنة (254ه_). ولهذا التأريخ أهمية خاصة، إذ أنّ من المعلوم أن اهتمام السلطة العبّاسية كان منصباً على مراقبة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) والتضييق عليه لأنّ الإمامة كانت له واهتمام السلطة كان ينصب على زعيم أهل البيت في كل

ص: 355

عصر، لذلك فإن مراقبتها للإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت أقل في حياة أبيه خاصّة وإن الواقع التأريخي يشهد بأن هوية الإمام بعد الإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لم تكن معروفة بل إنّ معظم الأنظار كانت متوجهة إلى العبد الصالح السيّد الجليل محمّد بن علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كخليفة لوالده.

وقد كان الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) يوليه اهتماماً خاصاً جعل الكثيرين يتوهمون أنه هو الإمام بعد أبيه، والهدف من ذلك صرف الأنظار عن الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حفظاً لحياته وحفظاً لبقاء نسل الإمامة في بقية اللّه ابن الحسن العسكريّ المهديّ المنتظر عجّل اللّه فرجه، ولذلك لم ينص الإمام الهادي على إمامة ولده العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إلّا في الأيّام الأخيرة من حياته الشريفة ولخواصّ أصحابه كما هو مسجّل في التأريخ، حتّى أن بعض الشيعة ظلوا مترددين في إمامته حتّى بعد وفاة أبيه الإمام الهادي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) (1).

ولكن إيجاد هذه الحالة من التردّد كان أهون وأقل ضرراً بالنسبة لحفظ الإسلام - بحفظ استمرار نسل الإمامة - من توجيه الأنظار نحو الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وتعريضه لخطر المراقبة والمضايقة التصفوية من قبل السلطات العبّاسية، ونلاحظ هنا أن السيّد محمّد بن علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد توفّي في حياة أبيه بعد أن توجّهت الأنظار كخليفةٍ له وبملاحظه صغر سنه عند وفاته، لا يستبعد أن تكون وفاته غير طبيعية وبفعل دس السم إليه من قبل السلطات العبّاسية، فتكون شهادته - بناءً على هذا الاحتمال - قرباناً لحفظ حياة أخيه العسكريّ وابنه المهديّ لاحقاً (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) جميعاً.

ص: 356


1- راجع التحقيق التأريخي الّذي أورده في هذا المجال الشيخ محمّد جواد الطبي حياة الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) : 217 وما قبلها وما بعدها.

الاختلاف في اسم والدته

والأمر نفسه يصدق على الاختلاف في اسم والدته، فهذا الأمر حاصل من عدد من الأئمّة قبله كالإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) الي الّذي اختلف المؤرخون في اسم والدته، وغيره كثير من رجالات الإسلام، دون أن يستدلّ به أحد - حتّى هؤلاء الّذين أنكروا ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - على إنكار ولادات رجال الإسلام، فلماذا يستدلّون به على إنكار ولادة المهديّ عجّل اللّه فرجه ؟!

على أننا عرفنا في بداية الفصل الخامس أن ثمة حكمة إلهية في تعدّد أسماء والدة الإمام المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ترتبط بدفع شرور السلطات العبّاسية عنها وعن وليدها المرتقب، وأنّ هذه الأسماء المتعدّدة كانت لها جميعاً ولا تعني تعدّد

ص: 357

الشخصيات وأنّ الهدف كان إيهام السلطات العبّاسية بتعدد الشخصيات من خلال تعدّد الأسماء لإخفاء هوية الوالدة الحقيقية للإمام (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

ص: 358

المعجم الموضوعي الاحاديث الاسم المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) / الشیخ علي الكوراني العاملي

إشارة:

ص: 359

المعجم الموضوعي

لأحاديث الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

بقلم

علي الكوراني العاملي

الطبعة الثانية 1427

ص: 360

الإمام المهديّ ابن خيرة الإماء وكذا جده الإمام الجواد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)

ورد تعبير (ابن خيرة الإماء) عن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في حق الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وفي حق جده الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمّه أمّةٌ نوبية سوداء (رضي اللّه عنها) ولذا كان أسمر شديد السمرة، فاستغلت ذلك السلطة زمن هارون للنيل من الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) قبل أن يجبره المأمون أن يكون ولي عهده، وأشاعت أن ولده الوحيد محمّد الجواد ليس ابنه لأنه ليس أبيض مثله ! وجاؤوا بالقافة فحكم القافة بأنه ابنه قنصره اللّه على الكذابين ! (قال عمه علي بن جعفر في قصة حكم القافة وتكذيبهم ادعاء المفترين: فقمت فمصصت ريق أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قلت له: أشهد أنك إمامي عند اللّه ! فبكى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال: يا عم ! ألم تسمع أبي وهو يقول: قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): بأبي ابن خيرة الإماء، ابن النوبية الطيبة الفم، المنتجبة الرحم، وَيلَهم، لعن اللّه الأعَيبس وذريته صاحب الفتنة، ويقتلهم (ابنه ابن خيرة الإماء) سنين وشهوراً وأياماً يسومهم خفاً ويسقيهم كأساً مصيرة، وهو الطريد الشريد الموتور بأبيه وجده صاحب الغيبة، يقال: مات أو هلك أي واد سلك؟! أفيكون هذا يا عم إلا مني؟ فقلت: صدقت جعلت فداك). الكافي: 322/1، والإرشاد /317، وإعلام الورى/330 والبحار: 21/50.

فالمهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن خيرة الإماء وجده الجواد ابن خيرة الإماء، والمهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو الطريد الشريد صاحب الغيبة، وهو المعني بكلام النبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأنه المنتقم من خط الضلال الّذي أسسه بنو أمية ومشى عليه بنو الأعيبس أي العبّاس.

ويظهر أن قول النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): (بأبي ابن خيرة الإماء) كان معروفاً حتّى ادعى بعضهم انطباقه على زيد الشهيد (رَحمهُ اللّه)، ففي النعماني / 229، عن أبي الصباح قال: دخلت على أبي عبد اللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لي: ما وراءك؟ فقلت: سرور من عمك زيد، خرج

ص: 361

يزعم أنه ابن سبية وهو قائم هذه الأمة وأنه ابن خيرة الإماء، فقال: كذب ليس هو كما قال، إن خرج قتل). والبحار: 42/51

أقول: التكذيب هنا لادعاء من ادعى أن زيداً هو المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وقد وردت أحاديث صحيحة عن الإمام الصادق وغيره من الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) في مدح زيد الشهيد وعلو مقامه وأنه دعا إلى مقاومة الظلم وإمامة الرضا من آل محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ).

ص: 362

أم الإمام المهديّ (رضي اللّه عنها) حفيدة قيصر الروم

كمال الدِّين: 431/2، عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارةٌ من جعفر فتزوج بها، قال أبو على: فحدثتني أنها حضرت ولادة السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأن إسم أم السيّد صقيل، وأن أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو اللّه عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله ! فماتت في حياة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) و على قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر

ص: 363

أم محمّد، قال أبو علي وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك فضحك ثمّ قال: تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج). وثاقب المناقب / 254، والصراط المستقيم: 234/2، وإثبات الهداة: 668/3، وتبصرة الولي / 764، والبحار : 5/51.

***

غيبة الطوسيّ / 147: وروي أن بعض أخوات الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت لها جارية ربتها تسمي نرجس فلما كبرت دخل أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فنظر إليها فقالت له أراك يا سيّدي تنظر إليها؟ فقال: إني ما نظرت إليها إلا متعجباً، أما إن المولود الكريم على اللّه تعالى يكون منها ثمّ أمرها أن تستأذن أبا الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في دفعها إليه ففعلت فأمرها بذلك). وروضة الواعظين: 257/2، وثاقب المناقب /84، والعدد القوية /72، وإثبات الهداة: 365/3.

***

كمال الدِّين: 433/2، عن محمّد بن عثمان العمري قدس اللّه روحه أنه قال ولد السيّد مختوناً، وسمعت حكيمة تقول: لم ير بأمه دم من نفاسها وهكذا سبيل أمهات الأئمّة. وعنه حلية الأبرار: 543/2، والبحار: 16/51.

***

المجموعة النفيسة / 200، ابن الخشاب: وحدَّثني الجراح بن سفيان قال: حدَّثني أبو القاسم طاهر بن هارون بن موسى العلوي، عن أبيه هارون، عن أبيه موسى قال: قال سيّدي جعفر بن محمّد: الخلف الصالح من ولدي المهديّ، اسمه محمّد كنيته أبو القاسم، يخرج في آخر الزمان، يقال لأمه صيقل. قال لنا أبو بكر الزارع: وفي رواية أخرى ، بل أمّه حكيمة. وفي رواية أخرى ثالثة: يقال لها: نرجس. ويقال: بل سوسن واللّه أعلم بذلك. يكنى بأبي القاسم، وهو ذو الاسمين: خلف ومحمّد يظهر في آخر الزمان، على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار، تنادي بصوت فصيح هذا المهدي). وعنه كشف الغمّة : 265/3، وإثبات الهداة: 597/3 و 618،

ص: 364

والبحار : 24/51.

وتقدم بسند صحيح من كشف الحق / 33، أنها كانت تسمى مليكة وفي بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضاً من أسمائها). وهو يدل على اضطرار الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) لتغيير إسمها، ليضيعه على جاسوسات السلطة.

ص: 365

كمال الدِّين: 426/2، عن محمّد بن عبد اللّه الطهوي قال: قصدت حكيمة بنت محمّد بعد مضي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي هم فيها فقالت لي: أجلس فجلست، ثمّ قالت: يا محمّد إن اللّه تبارك وتعالى لا يخلي الأرض من حجة ناطقة أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين تفضيلاً للحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وتنزيهاً لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلا أن اللّه تبارك وتعالى خص ولد الحسين بالفضل على ولد الحسن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كما خص ولد هارون على ولد موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وإن كان موسى حجة على هارون والفضل لولده إلى يوم القيامة، ولابد للأمة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقون كي لا يكون للخلق على اللّه حجة. وإن الحيرة لا بد واقعة بعد مضي أبي محمّد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)! فقلت: يا مولاتي هل كان للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد؟ فتبسمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عقب فمن الحجّة من بعده وقد أخبرتك أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فقلت: يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟ قالت نعم كانت لي جارية يقال لها: نرجس فزارني ابن أخي فأقبل يحدق النظر إليها فقلت له: يا سيّدي لعلك هويتها فأرسلها إليك؟ فقال لها: لا يا عمة ولكني أتعجب منها فقلت: وما أعجبك؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سيخرج منها ولد كريم على اللّه عز وجل الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت:

ص: 366

فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: إستأذني في ذلك أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت: فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلمت وجلست فبدأني (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: يا حكيمة إبعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد قالت: فقلت: يا سيّدي على هذا قصدتك على أن أستأذنك في ذلك ، فقال لي: يا مباركة إن اللّه تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً، قالت حكيمة: فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) و جمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً، ثمّ مضى إلى والده (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ووجهت بها معه. قالت حكيمة: فمضى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجلس أبو محمد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكان والده وكنت أزوره كما كنت أزور والده، فجاءتني نرجس يوماً تخلع خفي، فقالت يا مولاتي ناوليني خفك فقلت: بل أنت سيدتي ومولاتي واللّه لا أدفع إليك خفي لتخلعيه ولا لتخدميني، بل أنا أخدمك على بصري، فسمع أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ذلك فقال: جزاك اللّه يا عمة خيراً، فجلست عنده إلى وقت غروب الشمس فصحت بالجارية وقلت: ناوليني ثيابي لأنصرف فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): لا، يا عمتا بيتي الليلة عندنا، فإنه سيولد الليلة المولود الكريم على اللّه عز وجل الّذي يحيي وجل به الأرض بعد موتها فقلت ممن يا سيّدي ولست أرى بنرجس شيئاً من أثر الحبل ؟ فقال: من نرجس لا من غيرها، قالت: فوثبت إليها فقلبتها ظهراً لبطن فلم أر بها أثر حبل فعدت إليه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأخبرته بما فعلت فتبسم ثمّ قال لي: إذا كان وقت الفجر يظهر لك بها الحبل لأن مثلها مثل أم موسى لم يظهر بها الحبل ولم يعلم بها أحد إلى وقت ولادتها لأن فرعون كان يشق بطون الحبالى في طلب موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهذا نظير موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ). قالت حكيمة: فعدت إليها فأخبرتها بما قال وسألتها عن حالها فقالت: يا مولاتي ما أرى بي شيئاً من هذا، قالت حكيمة فلم أزل أرقبها إلى وقت طلوع الفجر وهي نائمة بين يدي لاتقلب جنباً إلى جنب، حتّى إذا كان آخر الليل وقت طلوع الفجر وثبت فزعة فضممتها إلى صدري وسميت عليها فصاح أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: إقرئي عليها إنا أنزلناه في ليلة القدر، فأقبلت أقرأ عليها وقلت لها:

ص: 367

ما حالك؟ قالت: ظهر الأمر الّذي أخبرك به مولاي فأقبلت أقرأ عليها كما أمرني، فأجابني الجنين من بطنها يقرأ مثل ما أقرأ وسلم علي قالت حكيمة: ففزعت لما سمعت، فصاح بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) لا تعجبي من أمر اللّه عز وجل إن اللّه تبارك وتعالى ينطقنا بالحكمة صغاراً ويجعلنا حجة في أرضه كباراً، فلم يستتم الكلام حتّى غيبت عني نرجس فلم أرها كأنه ضرب بيني وبينها حجاب فعدوت نحو أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنا صارخة فقال لي: إرجعي يا عمة فإنك ستجديها في مكانها. قالت: فرجعت فلم ألبث أن كشف الغطاء الّذي كان بيني وبينها وإذا أنا بها وعليها من أثر النور ما غشى بصري وإذا أنا بالصبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ساجداً لوجهه جائياً على ركبتيه رافعاً سبابتيه، وهو يقول: أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لاشريك له وأن جدي محمّداً رسول اللّه وأن أبي أمير المؤمنين، ثمّ عد إماماً إماماً إلى أن بلغ إلى نفسه. ثمّ قال: اللّهم أنجز لي ما وعدتني وأتمم لي أمري وثبت وطأتي، وأملأ الأرض بي عدلاً وقسطاً. فصاح بي أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال: يا عمة تناوليه وهاتيه، فتناولته وأتيت به نحوه فلما مثلت بين يدي أبيه وهو على يدي سلم على أبيه فتناوله الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) منى وناوله لسانه فشرب منه ثمّ قال: إمضي به إلى أمّه لترضعه ورديه إلى قالت: فتناولته أمّه فأرضعته، فرددته إلى أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) والطير ترفرف على رأسه فصاح بطير منها فقال له أحمله واحفظه ورده إلينا في كل أربعين يوماً، فتناوله الطير وطار به في جو السماء وأتبعه سائر الطير، قسمعت أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقول: أستودعك اللّه الّذي أودعته أم موسى موسى فبكت نرجس فقال لها: أسكتي فإن الرضاع محرم عليه إلا من ثديك وسيعاد إليك كما رد موسى إلى أمّه وذلك قول اللّه عز وجل: «فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أمّه كَيْ تَقَرَّ عَيْنهَا وَلا تَحْزَنَ». قالت حكيمة فقلت: وما هذا الطير؟ قال: هذا روح القدس الموكل بالأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) يوفقهم ويسددهم ويربيهم بالعلم. قالت حكيمة: فلما كان بعد أربعين يوماً رد الغلام ووجه إلى ابن أخي (عَلَيهِ السَّلَامُ) فدعاني، فدخلت عليه فإذا أنا بالصبي متحرك يمشي بين يديه، فقلت يا سيّدي هذا ابن سنتين؟ فتبسم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثمّ قال:

ص: 368

إن أولاد الأنبياء والأوصياء إذا كانوا أئمة ينشؤون بخلاف ما ينشؤ غيرهم، وإن الصبي منا إذا كان أتى عليه شهر كان كمن أتى عليه سنة، وإن الصبي منا ليتكلم في بطن أمّه ويقرأ القرآن ويعبد ربه عز وجل، وعند الرضاع تطيعه الملائكة وتنزل عليه صباحاً ومساء. قالت حكيمة فلم أزل أرى ذلك الصبي في كل أربعين يوماً إلى أن رأيته رجلاً قبل مضي أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بأيام قلائل فلم أعرفه، فقلت لابن أخي (عَلَيهِ السَّلَامُ) من هذا الّذي تأمرني أن أجلس بين يديه؟ فقال لي: هذا ابن نرجس وهذا خليفتي من بعدي، وعن قليل تفقدوني فاسمعي له وأطيعي. قالت حكيمة قم- فمضى أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد ذلك بأيام قلائل، وافترق الناس كما ترى وواللّه إني لأراه صباحاً ومساء وإنه لينبئني عما تسألون عنه فأخبركم وواللّه إني لأريد أن أسأله عن عن الشئ فيبدأني به وإنه ليرد علي الأمر فيخرج إلي منه جوابه من ساعته من غير مسألتي. وقد أخبرني البارحة بمجيئك إلي وأمرني أن أخبرك بالحق. قال محمّد بن عبد اللّه: فواللّه لقد أخبرتني حكيمة بأشياء لم يطلع عليها أحد إلا اللّه عز وجل، فعلمت أن ذلك صدق وعدل من اللّه عز وجل، لأن اللّه عز وجل قد أطلعه على ما لم يطلع عليه أحداً من خلقه).

كمال الدِّين: 498/2: سعد بن عبد اللّه وحدَّثني أبو جعفر المروزي: عن جعفر بن عمرو قال: خرجت إلى العسكر وأم أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الحياة، ومعي جماعة فوافينا العسكر فكتب أصحابي يستأذنون في الزيارة من داخل باسم رجل رجل فقلت لا تثبتوا إسمي فإني لا أستأذن فتركوا إسمي فخرج الإذن: أدخلوا ومن أبي أن يستأذن) ومثله غيبة الطوسيّ /208، والخرائج: 1131/3، وعنه إثبات الهداة: 676/3، وعنهما البحار: 293/51، و 334. والمرجح عندي أن أمّه توفيت في حياة أبيه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وأن أمّه في هذه الرواية هي الجارية المؤمنة صقيل التي كانت أمه تسمى باسمها وقد حبسوها مدة. وقد تقدمت بعض أخبارها رحمها اللّه بمناسبتها في الفصول السابقة.

ص: 369

ص: 370

الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) – الشیخ علی الکوراني

إشارة:

الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

والد الإمام المهديّ الموعود (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

علی الکوراني العاملي

ص: 371

الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

والد الإمام المهديّ الموعود (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

بقلم

علی الکوراني العاملي

الطبعة الأولى 1435ه_ - 2014م

ص: 372

الفصل الثاني عشر : زوجة الإمام العسكريّ ووالدة الإمام المهديّ (عَلَيهِم السَّلَامُ)

حفيدة قيصر الروم

صحت الرواية عندنا أن اللّه تعالى جعل أم الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) حفيدة قيصر الروم، وأن أمها من ذرية شمعون الصفا وصي عيسى (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

وشمعون هو بطرس، الّذي يقول المسيحيون إنه قُتل في روما، وعلى قبره أقيمت كنيسة القديس بطرس ومركز الفاتيكان.

وتقول روايتنا إنه بقي مع قومه في المنطقة، وكان يتنقل بين طبرية وصور وأنطاكية وبابل، واستشهد في هذه المنطقة، لكن لا نعلم أين بالتحديد، ويوجد قبر في جنوب لبنان يسمى شمع، يقال إنه قبره (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وقد سافر بطرس (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى روما مرات، وبقي ذات مرة سنوات، وآمنت على يده زوجة قيصر، لكنه رجع وبقي مع قومه، وليس عندنا رواية عن أولاده ومن بقي منهم في روما وصار من أهلها.

وقد روى في إثبات الهداة (569/3) عن الفضل بن شاذان (رَحمهُ اللّه) في كتابه إثبات الرجعة: (عن محمّد بن عبد الجبار قال: قلت لسيّدي الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ) : يا ابن رسول اللّه جعلني اللّه فداك أحب أن أعلم من الإمام وحجة اللّه على عباده من بعدك ؟ فقال: إن الإمام وحجة اللّه من بعدي ابني سميُّ رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وكنيُّه، الّذي هو خاتم حجج اللّه وآخر خلفائه. قلت: ممن هو يا ابن رسول اللّه؟ قال من ابنة ابن قيصر ملك الروم. ألا إنه سيولد ويغيب عن الناس غيبة طويلة، ثمّ يظهر).

ص: 373

أقول : سند الرواية صحيح بامتياز، لأن الفضل بن شاذان الثقة يرويها عن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بواسطة واحدة، هو محمّد بن عبد الجبار، وهو ثقة

وهذا يدل على أن والدة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) مليكة أو نرجس من ذرية شمعون الصفا، وصي عيسى، سلام اللّه عليهما، وهي تقوي صحة الرواية المفصلة التالية.

كيف جاء اللّه بمليكة إلى الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟

الرواية المعتمدة عندنا في قصتها رواها الصدوق (قدّس سِرُّه) في كمال الدِّين (417/2): عن محمّد بن بحر الشيبانيّ قال: وردت كربلا سنة ست وثمانين ومائتين

ص: 374

ملاحظات

1. راوي هذه الرواية العالم المؤلِّف الأديب محمّد بن بحر الشيبانيّ (رَحمهُ اللّه)، وقد تقدم توثيقه، وأن الصدوق (رَحمهُ اللّه) استشهد على عقائد المذهب بفقرات من كتبه. أما سيدنا الخوئي (قدّس سِرُّه) قد فطبق منهجه المتشدد، وَضَعَّفَ الرواية ! قال (224/4): (لكن في سند الرواية عدة مجاهيل، على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه). يقصد بذلك قول الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لبشر بن سليمان الأنصاري: فأنتم ثقاتنا أهل البيت. ويقصد أن ذلك لا يثبت وثاقة سليمان، لأنه هو الّذي رواه.

ص: 375

لكنا لا نقول بصحتها بسبب هذه الفقرة بل بسبب رواية محمّد بن عبد الجبار الصحيحة المتقدمة، وبسبب وثاقة الشيباني، وبسبب ارتضاء الصدوق والقميين لها رغم تشددهم. ولأن دواعي الوضع هنا منتفية.

بل يكفينا لتصحيحها رواية ابن عبد الجبار المتقدمة، ومبنى الشيخ الأنصاري الّذي صحح به رواية استشارة عمر لأمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الفتوحات وإذنه بها. قال (قدّس سِرُّه) في المكاسب (243/2): «والظاهر أن أرض العراق مفتوحة بالإذن كما يكشف عن ذلك ما دل على أنها للمسلمين. وأما غيرها مما فتحت في زمان خلافة الثاني، وهي أغلب ما فتحت، فظاهر بعض الأخبار كون ذلك أيضاً بإذن مولانا أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأمره، ففي الخصال في أبواب السبعة في باب أن اللّه تعالى يمتحن أوصياء الأنبياء في حياة الأنبياء في سبعة مواطن، وبعد وفاتهم في سبعة مواطن.. الى أن قال: فإن القائم بعد صاحبه، يعني عمر بعد أبي بكر، كان يشاورني في موارد الأمور فيصدرها عن أمري، ويناظرني في غوامضها فيمضيها عن رأيي، لا أعلم أحداً ولا يعلمه أصحابي يناظر في ذلك غيري... ثمّ قال: وفي سند الرواية جماعة تُخرجها عن حد الإعتبار، إلا أن اعتماد القميين عليها وروايتهم لها، مع ما عُرف من حالهم لمن تتبعها من أنهم لا يخرجون في كتبهم رواية في راويها ضعف إلا بعد احتفافها بما يوجب الإعتماد عليها جابرٌ لضعفها في الجملة).

فهذا كافٍ في تصحيح رواية مليكة رضي اللّه عنها. فكيف إذا أضفنا اليه الصحيحة المتقدمة عن محمّد بن الجبار، وهي بنفسها كافية لتصحيحها.

ص: 376

2. تدل رواية مليكة على المستوى العلمي والعقلي الجيد لبشر الأنصاري (رَحمهُ اللّه) لأنه لم يحدث الشيبانيّ حتّى امتحنه واطمأن الى أنه عالم موال (قال: إن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، فلما فتش الكتب وتصفح الروايات منها :قال: صدقت. أنا بشر بن سليمان..).

3. ما وصفته مليكة من سقوط الزينة والصلبان والعريس من المنصة، وتكرار ذلك مع العريس الثاني الّذي أرادوها لها، كان آية ربانية لقيصر ليفهم أن هذا العمل نحسٌ فيتركه، وقد فَهم ذلك وتركه. وقد رأيتُ بعض النواصب يسخر من قصة نرجس (رضي اللّه عنها)، وفي نفس الوقت يؤمن بكرامات لابن تيمية أعظم منها، ويأتمُّ بمن لا يعقل الخطاب والجواب !

4. كانت تسمى مليكة، ونرجس، وسوسن، وريحانة، وصقيل. (كشف الحق / 33). وسبب هذا التعدد أن الخليفة وظف جاسوسات يأتينه بأخبار بيت الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن هي حامل من نسائه. وقد زادت رقابتهم على الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) لما اقترب الأمر من الإمام الثاني عشر، لأنه الموعود (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي يُنهي دولة الظالمين.

السيّدة حكيمة تروي ولادة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)

1. اتفقت الروايات على أن وصول نرجس الى الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان محفوفاً بالكرامات، وكذا زواجه بها، وحملها وولادتها الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

وقد حفظ اللّه وليه من تجسس الخليفة المشدد، وروت عمته حكيمة بنت الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ) بروايات متعددة.

ص: 377

الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا. قالت حكيمة دخلت على أبي محمّد بعد أربعين يوماً من ولادة صاحب الأمر، فإذا مولانا الصاحب (عَلَيهِ السَّلَامُ) يمشى في الدار فلم أر لغة أفصح من لغته، فتبسم أبو محمّد: إنا معاشر الأئمّة ننشأ في يوم كما ينشأ غيرنا في السنة. قالت : ثمّ كنت أسأل أبا محمّد عنه بعد ذلك فقال: استودعناه الّذي استودعت أم ولدها).

طلبت والدة الإمام المهديّ أن تموت قبل زوجها !

روى في كمال الدِّين: 431/2: (عن أبي علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلما أغار جعفر الكذاب على الدار جاءته فارّةً من جعفر فتزوج بها، قال أبو علي : فحدثتني أنها حضرت ولادة السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأن إسم أم السيّد صقيل، وأن أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو اللّه عز وجل لها أن يجعل منيتها قبله ! فماتت في حياة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه: هذا قبر أم محمّد. قال أبو علي: وسمعت هذه الجارية تذكر أنه لما ولد السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) التي رأت له نوراً ساطعاً قد ظهر منه وبلغ أفق السماء، ورأيت طيوراً بيضاء تهبط من السماء وتمسح أجنحتها على رأسه ووجهه وسائر جسده ثمّ تطير، فأخبرنا أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بذلك فضحك ثمّ قال: تلك الملائكة نزلت للتبرك بهذا المولود، وهي أنصاره إذا خرج).

أقول: يتضح بهذا الطلب شفافية روح والدة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعمق مشاعرها، فاختارت أن يميتها اللّه تعالى في حياة زوجها الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لأنها لا تتحمل وحشية السلطة التي أخبرها بها الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وأرادت أن تتشرف بصلاته عليها ودفنها بيده، لتكون أمامه في الآخرة.

ص: 378

بُحُوث علميّة في القضيّة المهدويَّة – الشیخ نجم الدین طبسي

إشارة:

بُحُوث علميّة في القضيّة المهدويَّة

دراسة تحليليَّة جدیدة

في مَوضُوعَاتِ خَاصَّةٍ بقضيَّةِ الإِمَامِ المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الجزء الأول

بحوث في شخصيَّةِ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وَعَصْرِ الغيبة

تأليف

آية ا... الشيخ نجم الدين الطبسي

مراجعة

الشيخ صفاء الدين الخزرجي، الشيخ محسن المحقق

إصدارات مؤسسة الدليل

للدراسات والبحوث العقدية

ص: 379

هويّة الإصدار

اسم الإصدار: بحوثٌ علميةٌ في القضيّة المهدويَّة ج1

المؤلِّف: الشيخ نجم الدين الطبسي

الإشراف العلميّ: المجلس العلميّ في مؤسسة الدليل

الدعم الفنّيّ: شعبة العلاقات العامّة والإعلام في مؤسّسة الدليل

التقويم اللغويّ: علي گيم

تصميم الغلاف: محمّد حسن آزادگان

الإخراج الفنّيّ: فاضل السوداني

المطبعة: دار الوارث للطباعة والنشر / كربلاء المقدسة

الطبعة: الثانية

سنة النشر: 2019

الناشر: مؤسسة الدليل للدراسات والبحوث العقديّة

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق الوطنيّة العراقيّة 458 لسنة 2018

حقوق الطبع والنشر محفوظة لدى مؤسّسة الدليل

Al-Daleel Foundation

http://aldaleel-inst.com www.facebook.com/aldaleel.ins

ص: 380

الفصلُ الثَّالِثُ:تحقيق حول والدة الإمام صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

اشارة

ص: 381

المدخل

يحاول البعض التشكيك في العقيدة المهدويَّة من خلال التشكيك في بعض ما يرتبط بها من أحداث وتفاصيل من قبيل قضية أم الإمام صاحب العصر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) السيّدة نرجس وانتقالها من بلاد الروم إلى العراق، والرواية الّتي تتحدّث عن السيّدة نرجس من الروايات الشائعة كثيرًا، وفي البداية سوف ننقل لهذه الرواية من مصادرها الرئيسة، ثمّ نقوم بتحقيقٍ حول شخصَيْن كان لهما دورٌ أساسٌ في نقل هذه القصة، وفي نهاية المطاف نحاول أن نجيب عن بعض الإشكالات السندية والدلالية الّتي قد ترد على هذه الرواية.

ص: 382

تحقيق في المصادر التي نقلت هذه الرواية

1 - الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)

إِنَّ أَوّل مَن نقل هذه الرواية هو الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه) في كتاب (كمال الدِّين وتمام النعمة)، والظاهر أنَّ نقل الشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه) متقدّمٌ على نقل الآخرين، وقد نقلها بهذا السند : «حدَّثنا محمّد بن عليٍّ النوفليّ، قال: حدَّثنا أبو العبّاس أحمد بن عيسى الوشّاء البغداديّ، قال: حدَّثنا أحمد بن طاهر القمّي، قال: حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ...» (1).

2 - ابن جرير الطبري الإمامي (رَحمهُ اللّه)

إنَّ المصدر الثاني الّذي أورد هذه الرواية هو كتاب (دلائل الإمامة) لمحمّد بن جرير الطبريّ الإماميّ لكن مع تفاوتٍ بين سنده وسند (كمال الدِّين).

يقول الطبريّ: «حدَّثنا المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطّلب الشيبانيّ سنة خمسٍ وثمانين وثلاثمئةٍ، قال حدَّثنا أبو الحسين محمّد بن يحيى الذهبيّ الشيبانيّ، قال: وردتُ كربلاء سنة ستٍّ وثمانين ومئتين» (2).

ص: 383


1- المصدر السابق.
2- دلائل الإمامة ص 262، الإمام العسكريّ، خبر أم القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

والملاحظ هنا أنَّ تأريخ نقل هذه القصة كما ذكر في (دلائل الإمامة) كان قرابة المئة سنة بعد تأريخ سماع الشيبانيّ هذا الأمر من بشر بن سليمان؛ لذا يأتي هذا السؤال: هل أنَّ محمّد بن يحيى الذهبي الشيبانيّ هو محمّد بن بحرٍ الشيبانيّ نفسه الّذي ورد في كتاب (كمال الدِّين)، أو أنَّهما مختلفان؟ وبعبارة أخرى: هل هما متَّحدان أو ليسا كذلك؟

ثمرة البحث: بناءً على القول باتّحاد الرجلَيْن، وأنَّ هذين الاسمين هما إشارةٌ إلى واحدٍ، فهذا معناه أنَّ الطبريّ قد نقل القصة بواسطة واحدة عن هذا الرجل، وهذا الأمر بعيد؛ لأنّه في هذه الصورة سيكون أحدهما - أي المفضّل أو محمّد بن يحيى - من المعمّرين وهم الّذين عمّروا طويلا جدًّا كما هو حال كثيرٍ من المعمِّرين المعروفين في كتب الرجال والتراجم

طبعًا لا يمكن القطع بعدم الاتحاد بينهما والقول بأنَّ محمّد بن يحيى ليس محمّد بن بحر نفسه الوارد في سند كتاب (كمال الدِّين)، أو أنَّ المفضّل لا يمكن أن ينقل عنه بدون واسطة كيف وهناك أناس كانوا من المعمرين وأدركوا أجيالا عديدة وعاصروا أبناء الأبناء! وكمثال على ذلك نحاول أن نذكر بعضا منهم.

نماذج من المعمرين
أ - حبابة الوالبيّة

عاشت حُبابة الوالبيّة في حياة أمير المؤمنين (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبقيت على قيد الحياة حتّى زمن الإمام زين العابدين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وكان عمرها في زمن الإمام الرابع

ص: 384

حوالي 11 عامًا، وقصتها معروفةٌ، إذ رجعت شابّةً بإشارةٍ من الإمام السجاد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ بقيت إلى أيام الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعاد شبابها مرّةً ثانيةً بإعجاز منه، ما يعني أنّها عمّرت وعاشت ما يقارب 235 عامًا أو أكثر (1).

ب - جابر بن عبد اللّه الأنصاري

ذلك الصحابي الجليل القدر الّذي صحب النبي الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعمّر إلى زمان الإمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كما أن أباه عبد اللّه عاش أكثر من مئتي سنةٍ (2).

ج - عامر بن واثلة

كان من أصحاب النبي الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وعمَّر أكثر من مئة عامٍ (3).

وهناك الكثير غيرهم، لا سيما من صحابة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكانوا من المُعمِّرين وتوفّوا عن أعمارٍ طويلةٍ.

ص: 385


1- انظر الكافي: ج 1، ص 346 - 347، كتاب الحجّة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والباطل في أمر الإمامة، ح 3 مرآة العقول: ج 4، ص 78 - 82 كتاب الحجّة، باب ما يفصل به بين دعوى المحق والباطل في أمر الإمامة ذيل ح 3؛ تنقيح المقال (الطبعة الحجريّة): ج 3 ص 75 الفصل الرابع في ذكر النساء، ترجمة حبابة بنت جعفر الأسديّة الوالبيّة.
2- مستدركات علم رجال الحديث ج 2، ص 99 - 101، ترجمة جابر بن عبد اللّه بن عمروٍ الأنصاريّ، رقم 2397؛ وانظر كمال الدِّين: ج 1، ص 305 الباب :37: ما روي عن سيّدة نساء العالمين (عَلَيهَا السَّلَامُ)، ح 1.
3- مستدركات علم رجال الحديث: ج 4، ص 324، ترجمة عامر بن واثلة بن الأصقع، رقم 7357 ؛ سير أعلام النبلاء : ج 3 467 - 468، ترجمة أبي الطفيل، رقم 97.

والجدير بالذكر هنا هو أنَّ هذا الرجل (الشيباني) لم يذكر في المعمرين ولم يعدّ في الكتب من جملتهم ؛ لذا فمن المحتمل أن يكون هناك أفرادٌ ورواةٌ بين المفضّل محمّد بن عبد اللّه بن المطلب الشيباني، وبين محمّد بن يحيى الذهبي الشيبانيّ قد سقطوا من السند فلم ترد أسماؤهم هنا.

والحقيقة أن المتتبع لا يعثر على أي إشارة إلى أن هناك أسماء رواةٍ قد سقطت من السند.

إشكال وفائدة

حينما نراجع كتاب (الغيبة) للنعماني فإنّنا لا نجد أثرًا لهذه الرواية، والسؤال الّذي يطرح نفسه هنا: هل يمكن أن يُستنتج ضعف هذه الرواية بسبب عدم إيراده لها في كتابه؟

فنقول في الجواب: بالنظر إلى مقدّمة النعمانيّ في كتاب (الغيبة) يُعلم أنّه لم يقصد من وراء تأليف كتابه هذا أن يجمع جميع الروايات الخاصة بالمقام كافةً، فقد صرّح بنفسه بأنَّ الروايات التي أوردها في كتابه لا شيء مقايسةً بتلك التي لم ينقلها، والأمر المسلّم أنَّ النعمانيّ إنّما كان بناؤه على نقل الروايات المتعلقة بموضوع الغَيبة فقط، حيث قال: وقد جمعت في هذا الكتاب ما وفّق اللّه لجمعه من الأحاديث التي رواها الشيوخ عن أمير المؤمنين والأئمّة الصادقين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في الغيبة وغيرها مما سبيله أن يضاف إلى ما روي فيها بحسب ما حضر في الوقت ؛ إذ لم يحضرني جميع ما رويته في ذلك

ص: 386

لبعده عنّي، وأنّ حفظي لم يشمل عليه. والّذي رواه الناس من ذلك أكثر وأعظم ممّا رويته، ويصغر ويقلّ عنه ما عندي» (1).

3 - الشيخ الطوسيّ (رَحمهُ اللّه)

إنَّ المصدر الثالث الّذي يمكن أن نجد فيه هذه الرواية هو كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسيّ (رَحمهُ اللّه)، إذ تقلت الرواية في هذا الكتاب بشكل دقيق تماما كما نُقلت في كتاب (كمال الدِّين) للشيخ الصدوق (رَحمهُ اللّه)، لكنّ سند کتاب (الغَيْبة) يتفاوت مع سند رواية كتاب (كمال الدِّين) (2).

4 - ابن فتال النيشابوريّ (رَحمهُ اللّه)

إنَّ كتاب (روضة الواعظين) لابن فتال النيشابوري (المتوفّى 508 ه_) هو أحد الكتب الّتي نجد فيها هذه الرواية أيضًا، إذ يقول: «أخبرني جماعةٌ...»(3).

ويُلاحظ هنا - في هذا الكتاب - أنّه أورد اسم أبي المفضّل، لكنّه في كتاب (الدلائل) وردّ بعنوان المفضّل، حيث قال: «نقل أبو المفضّل الشيبانيّ عن محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيّ....» وبناءً عليه يكون محمّد بن بحر هنا مشتركا مع الرجل في سند (كمال الدِّين)، وهو ينقل القصّة أيضًا عن بشر بن سليمان.

ص: 387


1- الغَيْبة (للنعماني) ص 29 مقدّمة المؤلِّف.
2- الغَيْبة (للطوسيّ): ص 208 - 214، الفصل الأول، الكلام في الغيبة معجزات الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح 178.
3- روضة الواعظين: ج 1، ص 252 - 255، مجلس في ذكر ما روي في نرجس أم القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
5- ابن شهر آشوب (رَحمهُ اللّه)

من المصادر الناقلة لهذه الرواية أيضًا هو كتاب (مناقب آل أبي طالب) للعلّامة ابن شهر آشوب (رَحمهُ اللّه) (المتوفّى 588 ه_)، حيث نقل هذه الرواية عن بشر بن سليمان، ثمّ أوردها بشكلٍ مختصرٍ (1).

6- عبد الكريم النيليّ (رَحمهُ اللّه)

عبد الكريم النيلي (المتوفّى في القرن التاسع الهجري) في كتاب (منتخب الأنوار المضيئة) نقل هذه الرواية عن كتاب (كمال الدين) للشيخ الصدوق (2).

7 - السيّد هاشم البحراني (رَحمهُ اللّه)

كذلك في كتاب (حلية الأبرار) للسيّد هاشم البحرانيّ، فقد نقل هذه الرواية بسندين: أحدهما عن مسند فاطمة لمحمّد بن جريرٍ بن جرير الطبريّ وثانيهما عن كتاب (كمال الدِّين) (3).

ص: 388


1- مناقب آل أبي طالب: ج 4، ص 440 و 441، باب إمامة أبي محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فصلُ في آبائه (عَلَيهِم السَّلَامُ).
2- منتخب الأنوار المضيئة: ص 105 - 116، الفصل الخامس في ذكر والدته وولادته رواية بشر النخّاس في والدته.
3- حلية الأبرار: ج 5، ص 141 - 149 المنهج الثالث عشر في الإمام الثاني عشر، الباب الأوّل، في ذكر أم القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 1.
8 - الحُر العاملي (رَحمهُ اللّه)

نقل الشيخ محمّد بن الحسن المعروف بالحرّ العاملي في كتاب (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) هذه الرواية في أكثر من موضع لكنّ سندها يرجع إلى ما في (الغيبة) للشيخ الطوسيّ أو إلى (كمال الدِّين) (1).

9 - العلّامة المجلسيّ (رَحمهُ اللّه)

ذكر هذه الرواية العلّامة محمّد باقر المجلسي في (بحار الأنوار)، ونقلها تارةً عن كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسيّ (رَحمهُ اللّه)، وأخرى عن كتاب (كمال الدِّين) (2).

تحقيقٌ في سند هذه الرواية

إشارة:

أمّا في مجال التحقيق السندي لهذه الرواية فنكتفي بتحقيق حال رجُلين مهمَّين ذُكرا في سندها ونستغني عن الأسماء الأخرى؛ حيث إنَّ عمدة الإشكالات متوجّهةً إلى هذين الرجُلَين:

ص: 389


1- إثبات الهداة : ج 3، ص 363 - 365 الباب :29 معجزات أبي الحسن الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، الفصل 2، ح 17 ص 408 و 409، الباب :31 معجزات أبي محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فصل 1، ح 37؛ ص 495 الباب :32 النصوص على إمامة صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، فصل 5، ح 253.
2- بحار الأنوار: ج 51، ص 6 - 11، تاريخ الإمام الثاني عشر الباب 1: ولادته وأحوال أمّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 12 و 13. ومن أجل تفصيل أوسع يمكن الرجوع إلى الجزء الخامس من كتاب معجم أحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
الأوّل: بشر بن سليمان النخّاس
1- رأي السيّد الخوئيّ (رَحمهُ اللّه)

قال السيّد الخوئي (رَحمهُ اللّه): «بشر بن سليمان النخاس: من ولد أبي أيوب الأنصاري، روى الصدوق في (كمال الدِّين)... روايته عن أبي الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما يرجع إلى نرجس أمّ القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، وفيها قوله (عَلَيهِ السَّلَامُ): أنتم ثقاتنا أهل البيت وإنّي مُزكِّيك ومُشرفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة... لكنّ في سند الرواية عدّة مجاهيل على أنك قد عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه» (1).

وهذا يعني أنّه حتّى لو سلمنا حل الإشكال في محمّد بن بحرٍ وبشر بن سليمان، لكن يبقى أنَّ في طريق الشيخ الطوسيّ (رَحمهُ اللّه) أفرادًا آخرين مجهولين.

كما أنَّ الإمام الخميني (رَحمهُ اللّه) يرى هذا المبنى أيضًا، وحاصله : أنَّ نقل الوثاقة من الراوي نفسه هو سببٌ لسوء الظنّ به. ولهذا نص عبارته (رَحمهُ اللّه) نقلا عن الأستاذ الشيخ جعفر سبحاني: «إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوي، فإنّ ذلك يُثير سوء الظنّ؛ حيث قام بنقل مدائحه وفضائله في الملإ الإسلاميّ» (2).

ص: 390


1- معجم رجال الحديث : ج 3، ص 316، ترجمة بشر بن سليمان، رقم 1744. وقد أشار العلّامة الحلّي إلى هذا المبنى أيضًا. [انظر: تذكرة الفقهاء: ج 3، ص 39، کتاب الصلاة، الفصل السادس الأذان والإقامة، ذيل المسألة 153].
2- كليّاتُ في علم الرجال: ص 152 الفصل الخامس، التوثيقات الخاصة، الأول: نصّ أحد المعصومين (عَلَيهِم السَّلَامُ).

والحاصل : أنَّ للسيّد الخوئيّ (رَحمهُ اللّه) مع إشكالين على السند:

الأوّل: أنَّ في طريق الشيخ الطوسيّ وسنده عدة مجاهيل.

الثاني: أنَّ وثاقة بشرٍ غير محرزةٍ، كيف وهو الراوي لوثاقة نفسه، ولهذا ما يستلزم الدور.

2- رأي المحقق التستريّ (رَحمهُ اللّه)

نقل المحقَّق الشيخ محمّدتقي التستري في (قاموس الرجال) كلام الوحيد البهبهانيّ عن بشرٍ، وحاصله أنه من ولد أبي أيّوب الأنصاريّ، وكان من محبّي الإمامين الهادي والعسكريّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وقد أعطاه الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أمرًا بشراء أمّ القائم السيّدة نرجس (رضیَ اللّهُ عنهَا)، وقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) له: «أنتم ثقاتنا أهل البيت...».

ثمّ يقول التستري بعد نقل هذا المطلب: «الأصل فيما قال خبر الإكمال [ أي كتاب كمال الدِّين ]... إلّا أنَّ صحته غيرُ معلومةٍ؛ حيث إنّ في أخبار أخر أنّ أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت وليدة بيت حكيمة بنت الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ)» (1).

وقفة مع المحقق التستري (رَحمهُ اللّه)

نحاول هنا أن نوجه هذا السؤال إلى المحقق التستري (رَحمهُ اللّه) فنقول : أنتم لم تقبلوا هذه الرواية، فهل ذلك بسبب وجود روايةٍ ثانيةٍ معارضة فاخترتم ترجيح الرواية الثانية، أو أنّكم حقّقتم سند الرواية الثانية المعارضة؟ وهل

ص: 391


1- قاموس الرجال : ج 2، ص 330، ترجمة بشر بن سليمان، رقم 1120.

هذه الرواية تصلح لمعارضة الرواية الّتي هي محلّ بحثنا أو لا؟

إنَّ الرواية التي أوردها المحقق التستري (رَحمهُ اللّه) بعنوان المعارض لتلك الرواية، قد وردت في (بحار الأنوار) نقلًا عن كتاب (كمال الدِّين)، حيث ذكر العلّامة المجلسيّ (رَحمهُ اللّه) روايةً عن محمّد بن عبد اللّه المطهريّ جاء فيها: «عن محمّد بن إبراهيم الكوفيّ، عن محمّد بن عبد اللّه المطهّري قال: قصدتُ حكيمة بنت محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) بعد مضيّ أبي محمّد (عَلَيهِم السَّلَامُ) أسألها عن الحجّة وما قد اختلف فيه الناس من الحيرة التي فيها فقالت لي اجلس فجلستُ، ثمّ قالت لي: يا محمّد إنَّ اللّه - تبارك وتعالى - لا يخلي الأرض من حجة ناطقة، أو صامتة، ولم يجعلها في أخوين بعد الحسن والحسين؛ تفضيلا للحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وتمييزا لهما أن يكون في الأرض عديلهما، إلّا أنَّ اللّه - تبارك وتعالى - خصَّ ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالفضل على ولد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، كما خصَّ ولد هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ) على ولد موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وإن كان موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) حجةً على هارون (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والفضل لولده إلى يوم القيامة.

ولا بدَّ للأمّة من حيرة يرتاب فيها المبطلون ويخلص فيها المحقّون ؛ لئلا يكون للناس على اللّه حجّةٌ بعد الرسل، وإنَّ الحيرة لا بدَّ واقعةٌ بعد مضيّ أبي محمّد الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقلتُ: يا مولاتي، هل كان للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد؟

فتبسمت ثمّ قالت: إذا لم يكن للحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) عقبٌ فمَن الحجّة من بعده؟ وقد أخبرتك.

فقلتُ : حدّثيني بولادة مولاي وغيبته (عَلَيهِ السَّلَامُ).

ص: 392

قالت : نعم، كانت لي جاريةٌ يقال لها: نرجس فزارني ابنُ أخي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأقبل يحدّ النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي، لعلّك هويتها، فأرسلها إليك؟ فقال: لا يا عمّة لكنّي أتعجب منها! فقلتُ وما أعجبك؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): سيخرج منها ولدٌ كريمٌ على اللّه عزّ وجلّ، الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورًا وظلمًا. فقلتُ: فأرسلها إليك يا سيّدي؟ فقال: استاذني في ذلك أبي.

قالت: فلبست ثيابي واتيت منزل أبي الحسن فسلمت وجلست فبدأني (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقال: يا حكيمة، ابعثي بنرجس إلى ابني أبي محمّد.

قالت: فقلتُ: يا سيّدي، على هذا قصدتك أن أستاذنك في ذلك. فقال: يا مباركة، إنَّ اللّه - تبارك وتعالى - أحبّ أن يشركك في الأجر، ويجعل لك في الخير نصيباً.

قالت حكيمة فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزيَّنتها ووَهَبْتها لأبي محمّد، وجمعتُ بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أيامًا ثمّ مضى إلى والده ووجهت بها معه...». (1)

أقول: وهنا لا بدَّ أن نحدد عمّن جاءتنا هذه الرواية؟

ص: 393


1- كمال الدِّين : ج 2، ص 426 و 427، الباب :42: ما روى في ميلاد القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 2؛ الغيبة (للطوسيّ) ص 244 الفصل الثاني الكلام في ولادة صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 210؛ بحار الأنوار: ج 51، ص 11 تاريخ الإمام الثاني عشر الباب : ولادته وأحوال أمّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ج 14؛، : : معجم أحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف): ج 6، ص 216 - 218، توقيعات الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ما ورد عن عمّته حكيمة في ولادته (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 5/1353.

قال البعض: إنّها عن الزهري، والبعض الآخر قال: إنّها عن محمّد بن عبد اللّه الطهويّ، وثالثً اعتقد أنَّ الرواية عن محمّد بن عبد عبد اللّه الظهريّ، ورابعٌ قال: المطهّريّ.

وكيف كان، وأيًّا كان اسم الراوي لها، فلا يوجد ضمن أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) شخص بهذه الأسماء المذكورة يسأل السيّدة حكيمة، ثمّ يأخذ عنها لهذه الأجوبة الخاصّة بأمَّ الإمام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

نعم، ذكر شخص بهذا الاسم ضمن أصحاب الإمام الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، لكنه ليس من أصحاب الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ). وبناءً عليه يُردُّ الإشكال على المحقَّق التستريّ؛ لأنَّ الرواية المعارضة لمحل البحث التي يرجِّحها (رَحمهُ اللّه) مخدوشةٌ سندًا كما تبين ذلك، ولكن لا ينافي قبول مضمون الرواية الدالة على ولادة المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وبشهادة حكيمة؛ وذلك لأن هذا المضمون ورد عن حكيمة بطرقٍ متعدّدة لعلها تصل إلى أكثر من اثني عشر طريقًا.

والجدير بالذكر أن المحقق التستريّ (رَحمهُ اللّه) في كتاب (قاموس الرجال) قد أورد في قصّة السيّدة حكيمة أنّه : «اختلف الخبر في أم الحجّة»، ويؤيد هذا الكلام بأنّ أمّ الحجّة كانت خادمةً للسيّدة حكيمة، ثمّ ولأجل إقامة الدليل يقول: «واختلف الخبر في أمّ الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) علم هل كانت من جواريها وأنّها ربتها وأهدتها إلى ابن أخيها العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، أو من أُسراء الروم

ص: 394

التي اشتراها الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لابنه؟ والمفهوم من إثبات المسعوديّ (1) أنَّ الأوّل الثبت، حيث اقتصر على خبره ومال الإكمال إلى الثاني، حيث إنّه وإن روى الأوّل إلّا أنّه قال: "ما روي في نرجس أمّ القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، واسمها مليكة بنت يوشعا بن قيصر الملك"، وروى خبره، وهو المفهوم من أخبار عبّر فيها بأنَّ الحجّة ابن سبيّة، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّها أعّم من أن تكون بلا واسطةٍ» (2).

3 - رأي المحقق النمازي (رَحمهُ اللّه)

قال عن بشرٍ: «من ولد أبي أيوب الأنصاري مولى أبي الحسن وأبي محمّد (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، علمه مولانا أبو الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) شراء الرقيق، وشرَّفه بشراء أمّ مولانا القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، وفيه قوله له: أنتم ثقاتنا أهل البيت وإنّي مزكّيكَ ومُشرّفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة...» (3).

المستفاد من كلام المحقق النمازي (رَحمهُ اللّه) و أنّه يمدح بشر بن سليمان هذا، لكنّه لا يبدي أي ملاحظة أخرى، ومن هنا نفهم نفهم أنَّ النمازي يقبل رواياته وأخباره.

ص: 395


1- المراد به كتاب (إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)) لعلي بن الحسين المسعوديّ.
2- قاموس الرجال : ج 12، ص 239 ترجمة حكيمة بنت أبي جعفر الثاني رقم 81.
3- مستدركات علم رجال الحديث : ج 2، ص 31، ترجمة بشر بن سليمان النخاس، رقم 2119.
4- رأي الشيخ أبي على الحائريّ (رَحمهُ اللّه).

نقل الشيخ محمّد بن إسماعيل الحائريّ في (منتهى المقال) كلام الوحيد البهبهانيّ من دون زيادة أو توضيح أو بيانٍ (1)، ولعلّه أيضًا يقبل الرواية المذكورة عن بشر هذا ويرتضيها.

5- رأي العلّامة المامقانيّ (رَحمهُ اللّه)

يقول في (تنقيح المقال) بعد أن ينقل كلام الوحيد البهبهاني: «فالرجل حينئذٍ من الثقات، والعجب من إهمال الجماعة ذكره. إهمال الجماعة ذكره مع ما هو عليه من الرتبة» (2).

هذا هو حاصل كلام الأعلام في الراوي الأول (بشر بن سليمان).

الثاني: محمّد بن بحر الشيبانيّ
إشارة:

إنَّ هذا الرجل هو الّذي سمع رواية أم الحجّة من بشر بن سليمان ونقلها عنه.

وفي المقام توجد عدة إشكالات ترد عليه أهمّها: أنَّ هذا الشخص هو من الغُلاة، لكنّ المتأخرين لم يقبلوا هذا المعنى للغلو، بل لعله بذلك الوصف تثبت جلالته ومنزلته.

ص: 396


1- منتهى المقال : ج 2،152 ترجمة بشر بن سليمان النخاس، رقم 456.
2- تنقيح المقال : ج 12، ص 271 و 272، ترجمة بشر بن سليمان النخاس، رقم 3055.

نعم لا بدَّ من البحث عن معنى الغُلوّ، وكيف يتحقق؟ ومتى يكون الغالي غاليًا؟ وبأي معنى أطلقوا تسمية الغُلوّ على الغالي؟

حيث كان الالتزام ببعض العقائد في السابق يُعدّ غلوا مع أنّها اليوم تُعدّ من مسلمات العقائد عندنا بل وأصولها؛ لذا لا بدَّ من توضيح هذا المطلب، وبيان بعض ما يتعلّق به.

1- رأي الشيخ النمازي (رَحمهُ اللّه)

قال في مستدركه: «محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، كان من المتكلمين، وكان عالمًا بالأخبار فقيها، إلّا أنّه متهمٌّ بالغلق. وله كتبٌ ومصنّفاتٌ تقرب من خمسمئةٍ ؛ ولا تهامه بذلك رمي بالضعف، وقول البعض: إنّه من علماء العامة غلطٌ محضٌ، كما هو واضح مما سيأتي من الأخبار التي تدلّ على حسنه وكماله... وروى الصدوق بسنده عنه، عن أحمد بن مسرور، عن سعد بن عبد اللّه القمّي حديثه المفصّل في تشرفه بلقاء العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسؤالاته المفصّلة عن مولانا ولي العصر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، وفيها دلالاتٌ بيّناتٌ على حُسنه وكماله وصحّة عقيدته، بل يظهر ذلك من جميع ما تقدم» (1).

ص: 397


1- مستدركات علم رجال الحديث ج،6، ص 477، ترجمة محمّد بن بحر بن سهل الشيبانيّ، رقم 12767.
2- رأي العلّامة المامقانيّ (رَحمهُ اللّه)

رأي العلّامة المامقانيّ (1) (رَحمهُ اللّه

قال الشيخ الطوسيّ في رجاله إنّ محمّد بن بحر: «يُرمى بالتفويض» (2)، كما أنّه نقل هذا الكلام عن الشيخ الطوسيّ في فهرسته، حيث قال: «محمّد بن بحرٍ الرهنيّ، من أهل سجستان، كان متكلّماً عالمًا بالأخبار فقيها، إلّا أنّه متّهمٌ بالغلوّ. وله نحوٌ من خمسمئة مصنّفٍ ورسالةٍ، وكتبه موجودةُ، أكثرها موجودٌ بخراسان» (3).

وينقل العلّامة المامقانيّ عن النجاشيّ قوله : «قال بعض أصحابنا : إنّه كان في مذهبه ارتفاعٌ وحديثه قريبٌ من السلامة، ولا أدري من أين قيل ذلك ؟!» (4)

ثمّ يذكر المامقانيّ أنَّ العلّامة الحلّى قد أورد اسمه في القسم الثاني من (خلاصة الأقوال) أيضًا حيث قال: «والّذي أراه التوقف في حديثه» (5).

ثمّ يقول المامقاني: «لا شبهة في كون الرجل إماميا، وما عن بعض الفضلاء من أنّه من أعاظم علماء العامة غلطٌ محضٌ، وكيف يلائم كونه

399

ص: 398


1- تنقيح المقال (الطبعة الحجرية): ج 2 ص 85 و 86، ترجمة محمّد بن بحر الرهني، رقم 10434.
2- رجال الطوسيّ ص 510، باب ذكر أسماء من لم يرو عن الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، رقم 106.
3- الفهرست ص،208 ترجمة محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، رقم 13/598.
4- رجال النجاشيّ: ص 384، ترجمة محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، رقم 1044.
5- خلاصة الأقوال : ص 396، ترجمة محمّد بن بحر بن سهل الشيباني، رقم 26/160، وقد ذكر العلّامة الحلّيّ الرواة الضعاف في القسم الثاني.

عاميًا كونه غالياً؟! ولعلّ منشأ اشتباه البعض ما رآه في كلام الكشّيّ من كلمة "الحنفيَّين" فزعم أنَّ المراد به النسبة إلى مذهب أبي حنيفة، وليس كذلك، بل هو نسبة إلى حنيفة أثال بن لجيم... وإذ قد كان إماميًا نقول: إنَّ صريح الشيخ أنّ القول بالتفويض والغلوّ بالنسبة إليه ليس محقّقا، بل هي تهمةٌ، والظاهر أنَّ منشأ التهمة قول ابن الغضائري، وقد نبَّهنا غير مرّة أنه لا وثوق بتضعيفاته، لا سيّما إذا كان منشؤها الرمي بالغلو، لا سيّما والنجاشيّ أنكر ذلك عليه هنا بقوله : حديثه قريبٌ من السلامة» (1).

ولم أعثر على صاحب التضعيف الّذي عبّروا عنه بكلمة «قيل»، وإذا لم يثبت غلوه، بل كان المظنون حدوثه من روايته في الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) بعض ما هو اليوم من ضروريات مذهب الشيعة كما سمعت من الشيخ من كونه عالمًا بالأخبار فقيهًا، وما سمعته من النجاشيّ من كون حديثه قريبا من السلامة مدحًا مُدْرجًا له في الحسان؛ فالأظهر كون الرجل من الحسان دون الضعفاء، واللّه العالم.

ولقد أجاد الحائري (رَحمهُ اللّه) حينما قال: «وليت شعري! إذا كان الرجل بنفسه متكلَّمًا عالمًا فقيهًا، وحديثه قريبًا من السلامة، وكتبه جيّدةٌ مفيدةٌ حسنةٌ، فما معنى الغلوّ الّذي يرى به؟! وليس العجب من غضّ [ابن الغضائري] وكشّ [ الكشّيّ] ؛ لأنّ كافّة علمائنا (رضیَ اللّهُ عنهُم) عدا الصدوق وأضرابه عند

ص: 399


1- تنقيح المقال : ج 2، ص 85 و 86 ترجمة محمّد بن بحر الرهني، رقم 10434.

أضرابهما غلاة، لكنّ العجب ممّن يتّبعهما في الطعن والرمي بالغلوّ ! فما في الوجيزة من أنه ضعيفٌ، ضعيفٌ» (1).

3- رأي السيّد الخوئيّ (رَحمهُ اللّه)

يقول السيّد الخوئي (رَحمهُ اللّه) : الرجل وإن لم يثبت ضعفه، فإنا ذكرنا غير مرّة أنَّ الكتاب المنسوب إلى ابن الغضائري لم تثبت نسبته إليه، إلّا أنَّ وثاقته أيضًا غير ثابتة وما ذكره النجاشيّ من أنَّ حديثه قريب من السلامة، يريد به أنّه لا غلوّ في أحاديثه، فلم يثبت حسنه أيضًا. إذن هو مجهول الحال» (2).

هذا حاصل ما أردنا ذكره وإيراده من كلمات الأعلام عن محمّد بن بحرٍ الشيباني، والنتيجة التي يمكن أن نصل إليها بعد النظر في كلمات العلماء هي أنَّ الرجل يُعدُّ من جملة الرواة الحسان ولهذه الاتّهامات حوله ليست صحيحةً، خاصةً إذا اعتمدنا في إثباتها على كلمات ابن الغضائري، والّذي يقوى في نظرنا ونرجّحه هو رأي الحائري (رَحمهُ اللّه).

ص: 400


1- منتهى المقال : ج 5، ص 378 و 379، ترجمة محمّد بن بحر الرهني، رقم 2504؛ وانظر: قاموس الرجال: ج 9، ص 131 ترجمة محمّد بن بحر، رقم 6479.
2- معجم رجال الحديث ج 15، ص 124، ترجمة محمّد بن بحر الرهني، رقم،10297 وقال، الحموي: المحمّد بن بحر، معروف بالفضل والفقاهة... قال بعض أصحابنا: إنَّه كان في مذهبه ارتفاع وحديثه قريب من السلامة» [معجم الأدباء ج 9، ص 27، ترجمة محمّد بن بحر الرهنيّ].

الإشكالات الواردة على هذه الرواية

إشارة:

هذا البحث نحاول أن نذكر جملة من الإشكالات ومن ثمّ نناقشها بما يناسب المقام.

الإشكال الأول: عدم وجود مناوشات وحروب بين الروم والمسلمين

إنَّ قصّة شراء السيّدة نرجس أم الإمام صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) قد حدثت بعد عام 242 ه_، والحال أنّه لم تقع في هذه السنة المذكورة وما بعدها أي مناوشةٍ وحرب مهمّةٍ بين المسلمين والروم حتّى تقع السيّدة نرجس أسيرةً بيد المسلمين (1).

الجواب: وجود حروب ومناوشات بين الروم والمسلمين

ويرد عليه وجود حروب ومناوشات وأسر في ذلك التاريخ وتلك الأيام.

قال الذهبي: «وأقبلت الروم في ثلاثمئة مركب فكبسوا دمياط، وسبوا ستمئة امرأة، وأحرقوا وردّوا مسرعين فحصنها المتوكل. وفي سنة 239 غزا يحيى بن علي الأرمنيّ بلاد الروم حتّى قرب من القسطنطينية، وأحرق ألف قرية، وسبى عشرين ألفًا، وقتل نحو العشرة آلافٍ» (2).

ثم إن ولادة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كانت عام 212 ه_ أو 214 ه_، وكانت شهادته

ص: 401


1- تاریخ سیاسی غیبت امام دوازدهم [المصدر باللغة الفارسية ] : ص 115 الفصل الثالث رأى، الإمامية حول والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
2- سير أعلام النبلاء: ج 12، ص 36 و 37، ترجمة المتوكّل، رقم 7.

عام 254 ه_، وأمّا مدّة إمامته فكانت ثلاثا وثلاثين سنةً، منها عشرون سنةً في سامراء، وهذا ما يدل على أن الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عام 239 ه_، كان متواجدًا في سامراء، وهو العام الّذي أسر فيه المتوكّل العبّاسي الآلاف من الروم بعد معركة طاحنة بينهم وبين المسلمين.

وقال الذهبيّ في تاريخ الإسلام أيضًا : «أغارت الروم على من بعين زربة...» (1). وفي محلٍّ آخر يقول : «افتتح بغا حصنًا من الروم يقال له: صملّة» (2).

أمّا العظيمي فيقول: «غزا بُغا من طرسوس، ثمّ إلى ملطية، وظفر بطلائع الروم» (3).

إذن هناك شواهد كثيرةً جدًّا على أنَّ حروبًا وصداماتٍ وقعت بين المسلمين والروم في تلك الفترة وما بعدها، والمتتبع لذلك يجد بعض النماذج من تلك الحروب في كثيرٍ من الكتب التاريخيَّة (4).

ص: 402


1- تاريخ الإسلام ج 18، ص 6، حوادث سنة 241، غارة الروم على عين زربة.
2- المصدر السابق ص 12 حوادث سنة 244، فتح حصن للروم.
3- المصدر السابق الهامش، نقلا عن (تاريخ حلب) للعظيميّ.
4- تاريخ الأمم والملوك : ج 5، ص 321 و 322 و 327 و 328 و 332، حوادث سني 241 و 244 و 245 و 321 و 246؛ الكامل في التاريخ: ج 4، ص 334 و 335 و 337 و 339 و 341، حوادث سني 241 و 242 و 244 و 245 و 246؛ نهاية الأرب: ج،22، ص 289 حوادث سنة 4241 النجوم الزاهرة: ج 2، ص 318 حوادث سنة 232، ذكر ولاية عيسى بن منصور الرافقي، الثانية، السنة الرابعة من ولايته.

وبناءً عليه نقول : ليس من الضروري أن يكون المراد بالحرب هنا حربًا شاملةً واسعة النطاق شارك فيها قيصر الروم بشخصه ومعه بعض أعضاء أسرته؛ لأنَّ ما ورد في الرواية هو أنَّ السيّدة نرجس قد رافقت الجنود والمقاتلين متخفّية بلباس الخدم بأمر من الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

الإشكال الثاني: الاهتمام بالرواية لغرض إثبات المقام للسيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

هذا الإشكال في الحقيقة هو إشكالٌ فنيٌّ وليس إشكالا علميًّّا، بل نستطيع القول: إنَّ في هذا الإشكال جنبةً تخريبيّةً وإثارةً للتساؤل والتشكيك لا أكثر.

وحاصل هذا الإشكال هو : هل تعلمون لماذا اهتمّ البعض بهذا الخبر ولم يشكلوا على دلالته وقبلوه من دون تردّدٍ؟ لأنّهم أرادوا بواسطة هذا الخبر أن يثبتوا للسيّدة نرجس مقامًا عاليًا من خلال انتسابها إلى نسب شريف ؛ فمن ناحية الأب تنتسب إلى قيصر ملك الروم، وأما من ناحية الأم فهي تنتسب إلى شمعون أحد أصحاب السيّد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وبالتالي ينسبون الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من طرف الأمِّ والأب معاً إلى عائلتين شريفتين (1).

الجواب: المستشكل تحامل على علماء الشيعة ونسبهم إلى الأمية من دون النظر إلى أصولهم ومبانيهم واتّهمهم بالانتهازية

نقول إنَّ هذا الإشكال والنقد في الحقيقة يرجع على المستشكل نفسه؛ لأنه تحاملٌ على علماء الشيعة؛ إذ وجّه إليهم التهم ونسبهم إلى الأميّة والجهل دون

ص: 403


1- انظر تاریخ سیاسی غیبت امام دوازدهم [المصدر باللغة الفارسيّة]: ص 115، الفصل الثالث، رأى الإمامية حول والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

النظر إلى أصولهم ومبانيهم وبصراحةٍ أنَّ هذا المستشكل قد اتهم علماء الطائفة بأنّهم انتهازيون، وذلك قوله: إنّهم إنّما قبلوا هذه القصّة من أجل مصلحتهم ومصلحة الشيعة من دون النظر إلى الموازين العلميَّة والفنيّة وعليه فإنّنا نقول له: إنّ كلامكم هذا مرفوض جملة وتفصيلا، فإذا كان قصدكم أنَّ نقل مثل هذه القضيّة بتفاصيلها وفي مثل ذلك العصر هي أشبه شيءٍ بالقصص الأسطورية منها إلى الحقيقة والواقع، فنقول في الجواب: إنَّ هذا لا يمكن أن يكون دليلا وسببًا لرفض الرواية، كيف ونحن بحثنا في سندها فلم نجد إشكالًا أساسيًّا فيه، والأوضاع التاريخيَّة لذلك الزمان تشير إلى إمكان وقوع مثل هذه الحادثة وعليه فما المشكلة في أن تكون هذه القصّة قد وقعت فعلا وبجميع تفاصيلها ؟ هذا بالإضافة إلى وجود روايات كثيرة عندنا قد تحدثت عن قضايا أكثر تفصيلا من هذه الرواية.

ثمّ إنَّ هذين الإشكالين هما عمدة الإشكالات، وهناك إشكالاتٌ أخرى قد تعرّضنا لها وللجواب عنها في بحوثنا خارج المهدويَّة (1).

الإشكال الثالث : عدم نقل هذه الرواية من المعاصرين للشيباني

إذا كانت هذه الرواية صحيحةً فلماذا لم ينقلها بعض المعاصرين للشيبانيّ، أمثال : النوبختيّ وابن الخزّاز القمّيّ والكلينيّ والمسعوديّ (2)؟

ص: 404


1- وهو الآن على موقعنا وقريبًا يطبع وينشر في الأسواق إن شاء اللّه.
2- تاریخ سیاسی غیبت امام دوازدهم [المصدر باللغة الفارسية] ص 115 الفصل الثالث رأى الإمامية حول والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
الجواب : عدم النقل لا يدل على الضعف

عدم نقل هؤلاء الأعلام لهذه الرواية ليس دليلا على ضعف سندها أو على عدم اعتبارها نعم، يمكن أن يكون عدم نقل الرواية دليلا على ضعفها فيما إذا كان المقام مقام استقصاء للروايات المعتبرة وإفرازها عن غيرها فيورد الأعلام المعتبر منها ولا ينقلون الضعيف ولكن في هذا المقام ليس كذلك، فطريقة عملهم لم تكن قائمةً على هذا الأساس؛ فالمسعودي في إثبات الوصية - مثلا - قد أورد الأخبار المتعلقة بغيبة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في أربع صفحات ونصف فقط (1)

إذا قلتم : إنَّ المسعوديّ نفسه قال: «أنا أنقل عن الثقات».

نقول: إنّ هذا القول لا يحلُّ المشكلة؛ لأنه ليس في مورد استقصاء الروايات المعتبرة. ولو فرضنا أنّه كذلك، وأنّ الشيبانيّ خاصّةً قد ضعف الرواية، ففى قباله الكثير من الآراء المعتبرة لعلماء الرجال المخالفة لرأيه.

وربّما يكون هناك سببٌ آخر لعدم نقله لهذه الرواية، وهو احتمال عدم اطلاعه على هذه القصّة؛ وذلك لأنّ الارتباط والتبادل الثقافي في تلك الأزمنة لم يكن سهلا، بل كان ضعيفًا وصعبًا مقارنة بزماننا اليوم، وعليه فاحتمال عدم وقوع هذه الرواية في متناول يده ليس ببعيدٍ.

ص: 405


1- إثبات الوصية ص 227 - 232، غيبة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).
الإشكال الرابع : اتّهام الكشي والنجاشي وابن داود للشيباني بالغلو

إنَّ الكشّيّ كان معاصرًا للشيبانيّ، وكان يقول عنه: «الشيبانيّ غالي. واتّهمه النجاشيّ وابن داود بالغلوّ أيضًا. وبناءً عليه يكون سند هذه الرواية غير معتبرِ» (1).

الجواب النجاشي لم ينسب التهمة إلى نفسه، وابن داود اكتفى بنقل رأي الطوسي وابن الغضائري والنجاشي فقط

لقد ذكرنا في مقام البحث عن أحوال هذا الرجل وأنَّ المامقانيّ قد نقل عن النجاشيّ ولم ينسب الرأي إلى نفسه بل قال: «قال بعض أصحابنا»؛ لذا فاتّهام الشيبانيّ بالغلوّ ليس رأي النجاشيّ ولا قوله، بل إنَّ النجاشيّ قال

عنه وحديثه قريب من السلامة».

أما قولكم: إنَّ ابن داود قال: «الشيبانيّ غال». فأقول: قد نقله العلّامة الحلّى في القسم الثاني من رجاله (2) وتوقف فيه، وأما ابن داود فاكتفى بنقل

ص: 406


1- انظر تاریخ سیاسی غیبت امام دوازدهم [المصدر باللغة الفارسيّة] ص 115 الفصل الثالث، رأى الإمامية حول والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، أمّ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف). وهناك إشكالاتٌ أخرى وإجاباتٌ ذكرت في هذا الكتاب للسيّد الصدر (رَحمهُ اللّه)، ونحن لم نذكرها رعايةً للاختصار. [انظر: تاريخ الغيبة الصغري ص 250، القسم الأول، تاريخ الإمام العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، الفصل الرابع في تاريخ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في حياة أبيه].
2- قال في بيان الفرق بين الخلاصة وكتاب ابن داود: إنّ القسم الأول من الخلاصة مختص بمَن يعمل بروايته، والثاني بمن لا يعمل بروايته، حيث قال الأول فيمَن اعتمد على روايته أو ترجح عندي قبول قوله الثاني: فيس تركت روايته أو توقفت فيه؛ ولأجل ذلك يذكر في الأول الممدوح لعمله بروايته، كما يذكر فيه فاسد المذهب إذا عمل بروايته كابن بكير وعلي بن فضال. وأمّا الموثقون الّذين ليسوا كذلك فيعنونهم في الجزء الثاني لعدم عمله بخبرهم هذا. والجزء الأول من كتاب ابن داود في من ورد فيه أدنى مدح - ولو مع ورود ذمومٍ كثيرة أيضًا فيه - ولم يعمل بخبره، والجزء الثاني من كتابه في من ورد فيه أدنى ذمّ - ولو كان أوثق الثقات - وعمل بخبره؛ ولأجل ذلك ذكر بُرَيْدًا العجلي مع جلالته في الثاني، كما ذكر هشام بن الحكم فيه أيضًا لأجل ورود ذمّ ما فيه أعني كونه من تلاميذ أبي شاكر الزنديق [كليّاتٌ في علم الرجال : ص 130 و 131، الفصل الرابع المصادر الثانوية، الأصول الرجاليّة الأربعة، خلاصة الأقوال في علم الرجال الفروق بين رجالي العلّامة وابن داود].

رأى الطوسيّ وابن الغضائري والنجاشيّ فقط. إذن لا يمكن نسبة لهذا الكلام إلى ابن داود هذا بالإضافة إلى أنّ جمعًا من العلماء قد ارتضوا بهذا الرجل وقوّوه وردّوا تهمة الغلوّ عنه، وقد أشرنا إلى بعض كلماتهم في الدفاع عنه.

تأييد العلّامة المامقانيّ (رَحمهُ اللّه)

قال العلّامة المامقانيّ (رَحمهُ اللّه) عن محمّد بن بحر الشيبانيّ هذا: «ممّا يكذّب نسبة الغلوّ إليه أنَّ الصدوق نقل في (كمال الدِّين) عن كتاب الرجل في تفضيل الأنبياء والأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) على الملائكة فصلا طويلا، ختامه أنَّ محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أفضل المخلوقات من الجن والإنس والملائكة، وفيه تصريح بأنّ محمّدا (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) مخلوقٌ من المخلوقات كغيره بنحو لا يشتبه على من طالعه وتصفّحه، وفيه شهادةً على عدم غلو نحو ما يقوله الغلاة من القدم والحلول فلم يبقَ إلا بمعني المبالغة في تفضيل الحجج على غيرهم وعلوّ رتبتهم، وذلك

ص: 407

اليوم من ضروريات المذهب، فنسبة الغلو الفادح في الراوي غلطٌ بحسب الظاهر، والعلم عند اللّه» (1). ويؤيد كلامه في تفضيل الأئمّة ما روي عن فرات بن إبراهيم قال: «حدَّثني جعفر بن محمّد الفزاريّ، معنعناً عن أبي جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) في قوله : «يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبَّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا»،...يا خيثمة، سيأتي على الناس زمان لا يعرفون [اللّه] ما هو [و] التوحيد حتّى يكون خروج الدجّال، وحتّى ينزل عيسى بن مريم من السماء ويقتل اللّه الدجال على يده، ويصلّي بهم رجلٌ منا أهل البيت ألا ترى أنَّ عيسى يصلّي خلفنا وهو نبيٍّ؟ ألا ونحن أفضل منه» (2).

أقول: لنا روايات أخرى تؤيد هذه الرواية السابقة عن أمّ الإمام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف):

-1 عن أبي سعيد عقيصا قال: «لمّا صالح الحسن بن عليّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) معاوية بن أبي سفيان دخل عليه الناس، فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): ويحكم ! ما تدرون ما عملتُ واللّه الّذي عملتُ خيرٌ لشيعتي ممّا طلعت عليه

ص: 408


1- تنقيح المقال (الطبعة الحجريّة) : ج 3، ص 86، ترجمة محمّد بن بحر الرهني، رقم 10434.
2- تفسير فرات الكوني: ص 138 و 139، سورة الأنعام، ذيل الآية 158؛ بحار الأنوار: ج 14، ص،348 كتاب النبوّة، أبواب قصص عيسى وأمّه وأبوبها، الباب 24 ما حدث بعد 2 رفعه وزمان الفترة بعده ونزوله من السماء، ح 10؛ معجم أحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف): ج 7، ص،154 سورة الأنعام، عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) يصلّي خلف الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ح 1524.

الشمس أو غربت، ألا تعلمون أنّني إمامكم مفترض الطاعة عليكم، وأحد سيّدي شباب أهل الجنة بنصٍّ من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) عليٍّ؟ قالوا: بلى... [إلى أن قال (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): ].. أما علمتم أنه ما منا أحد إلا ويقع في عنقه بيعةً لطاغية زمانه إلا القائم الّذي يصلّي روح اللّه عيسى بن مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) خلفه، فإنّ اللّه - عزّ وجل - يخفي ولادته، ويغيِّب شخصه؛ لئلا يكون لأحدٍ في عنقه بيعة إذا خرج، ذلك التاسع من ولد أخي الحسين، ابن سيدة الإماء، يطيل اللّه عمره في غيبته، ثمّ يظهره بقدرته في صورة شاب دون الأربعين سنةً ؛ ذلك ليعلم أنَّ اللّه على كلّ شيءٍ قدير» (1).

2- عن محمّد بن عبد الجبار، قال: «قلتُ لسيّدي الحسن بن عليٍّ (عَلَيهِ السَّلَامُ): يا بن رسول اللّه، جعلني اللّه فداك! أحبُّ أن أعلم من الإمام وحجّة اللّه على عباده من بعدك ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): إنَّ الإمام وحجّة اللّه من بعدي ابني، سمّي رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، وكنيّه، الّذي هو خاتم حجج اللّه، وآخر خلفائه. قال: ممّن هو يا بن رسول اللّه؟ قال : من ابنة ابن قيصر ملك الروم، إلّا أنّه سيولد ويغيب عن الناس غَيْبةً طويلةً ثمّ يظهر» (2).

ص: 409


1- كمال الدِّين: ج 1، ص 315 و 366، الباب :29 ما أخبر به الحسن بن علي له من وقوع الغيبة، ح 2.
2- إثبات الهداة : ج 3 ص 569، الباب :32 في النصوص على إمامة المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، الفصل 44 ح680 ؛ معجم أحاديث الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف): ج 4، ص 240.

النتيجة الإشكالات غير واردة على الرواية احتمال صدور الرواية يصل إلى حد الظن بالصدور

إلى هنا قد بينا وأجبنا عن بعض الإشكالات التي وردت على هذه الرواية، وبعد التحقيق والبحث السندي الّذي تعرّضنا له من جهة، وعدم الإشكال الدلالي من جهةٍ ثانيةٍ تبيّن أنَّ هذه الإشكالات غير واردة عليها ؛ لذا لا يمكننا أن نرفض هذه الرواية ونردّها كأنها لم تكن، بل إنَّ احتمال صحّة هذه الرواية وهذه القضية أكبر وأكثر واقعيةً من أخبار وروايات أخرى تحدّثت عن أحوال السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)، بل يصل إلى حد الظنّ بالصدور، واللّه العالم بحقائق الأمور.

ص: 410

الرواية المهدويَّة من خلال كتاب إكمال الدِّين وإتمام النعمة – أطروحة الدکتوراه للطالب أحمد عبد اللّه حميد العلیاوي

إشارة:

جمهورية العراق

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي

الجامعة المستنصرية

كلية التربية - قسم التاريخ

الرواية المهدويَّة من خلال كتاب إكمال الدِّين وإتمام النعمة للشيخ الصدوق

ت 381 ه

دراسة تحليلية مقارنة

أطروحة تقدم بها الطالب

أحمد عبد اللّه حميد العلياوي

إلى مجلس كلية التربية - الجامعة المستنصرية وهي جزء من متطلبات نيل درجة الدكتوراه آداب في فلسفة التاريخ الإسلامي

بإشراف

أ. د. سامي حمود الحاج جاسم

144ه_ بغداد 2018م

ص: 411

المبحث الثاني : السيرة المباركة للسيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) والدة الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

سنطرح مجمل مضمون قصة والدة الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ثمّ سنحاول مناقشة فقراتها بعد طرحها بمقاطع منها لطول ورود القصة في الكتاب وقد أفردنا لها مبحثاً خاصاً وذلك لما اكتنف قصتها بعض الغموض يحتاج إلى عدة نقاشات ومقارنتها بما طرحه الصدوق من روايات أو ما تفرد بذكره في كتابه دون غيره.

وأشهر أسمائها المباركة التي عرفت بها وذكرت في أغلب المصادر التاريخيَّة والتي نقلها الشيخ الصدوق في رواياته يذكرها بهذه الأسماء وهي: مليكة (1)، ونرجس (2)، وصقيل (3)، وريحانة (4)، وسوسن (5) (عَلَيهَا السَّلَامُ) (6).

ص: 412


1- تعني الصحيفة، وقيل انه اسم، ينظر : ابن منظور، لسان العرب، ج 13 1، ص 184.
2- بالكسرة من بالكسرة من الريايحين، وهو نبات طيب الرائحة، ينظر : ابن منظور، لسان العرب، ج 14، ص 102، الحتي، حنا نصر، قاموس الأسماء العربية والمعربة وتفسير معانيها، ط 3، دار الكتب العلميَّة، (بيروت، 2002م)، ص 41.
3- من الصقل والصقلة الخاصرة ليست منتفخة ولا تحيفة وكذلك تدعى الأنثى صقلة وجمعها صقال، وقيل ان الصقيل هو احد اسماء السيف، ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج 7، ص 377 - 1378 السيوطي، المزهر في علوم اللغة وانواعها، تحقيق : محمّد احمد جاد واخرون، د، ط، منشورات المكتبة العصرية، (بيروت 19860م) ج 1 ص 410.
4- ريحانة مفرد كلمة الريحان وتجمع رياحين قبل انه كل بقل طيب او أطراف كل بقلة طيبة وقيل انه كل نبت طيب الريح من أنواع المشموم و وعرفت الريحانة بأنها الطاقة والريحان اسم جامع للرياحين الطيبة الريح والريحان الرزق نظر ابن منظور، لسان العرب، ج 5، ص 358.
5- سوسن أو السوسن نبت أعجمي وهو معروف وأجناسه كثيرة وأطيبه الأبيض، ينظر : ابن منظور، لسان العرب، ج 6، ص 430.
6- الصدوق، اكمال الدِّين، ج 2، ص 383، ص 395 - 396 : (المؤرخين التالية أسماؤهم يذكرون أسماءها بتفاوت فمنهم من يذكر لها اسمين او ثلاث) الاسكافي، منتخب الانوار، ص 91؛ الطوسيّ : الغيبة، ص 238، ص 235، ص 1244 الطبري، دلائل الإمامة، ص 425 ؛ النجفي، منتخب الأنوار، ص 110، ص 114 ؛، الذهبي، سیر اعلام النبلاء، ج 12، ص 121؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 15 ؛ آبادي، كشف الحق، ص 21، ص 24، ص 28؛ النوري، النجم الثاقب، ج 1، ص 135.

ينقل الصدوق روايته بسندها عن أبي الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ (1) عن بشر بن سليمان (2) النخاس (3)، أحد موالى الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وجارهما في مدينة سامراء وقد تفقه على يد الإمام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) في أمر بيع وشراء الرقيق (4)، فكان لا يبيع ولا يبتاع إلا بأذن الإمام ويقول : حتّى كملت معرفتي فيه فأحسنت الفرق فيما بين الحلال والحرام (5).

ثم يقول أن الإمام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد أرسل يطلبه في احد الليالي / ولما مثل أمامه امتدحه الإمام واخبره انه من ثقاتهم وبعدها أراد منه أن يذهب إلى بغداد ليشتري له جارية، وكتب له كتاباً ملصقاً بخط رومي (6)، وأعطاه مبلغاً قدره مائتان وعشرون دينار وأخبره بصفاتها وملبسها والنخاس الّذي عنده هي وامتناعها عمن يحاول لمسها واحتشامها واخبره

ص: 413


1- من سكنة أرض كرمان له العديد من الكتب على نحو خمسمائة مصنف يقال عنه أن حديثه قريب من السلامة كان عالماً فقيهاً متكلماً بالأخبار، ينظر : النجاشي، رجال النجاشي، ص 367 ؛ الطوسي، الفهرست، ص 132، الحائري، مد، محمّد بن علي الأردبيلي الغروي، جامع الرواة وازاحة الاشتباهات عن الطرق والاسناد، ط 1، الناشر : مكتبة السيّد المرعشي، (قم، 1983م) ج 2، ص 79.
2- هو بشر بن سليمان البجلي الكوفي من ولد أبي أيوب الانصاري (لم اعثر على ترجمه له أكثر من هذه)، الصدوق، اكمال الدِّين، ج 2، ص 384؛ ابن داوود، تفي الدين الحسن بن علي الحلي، (ت : بعد سنة 707 ه_ / 1307م)، رجال ابن داوود، تحقیق: محمّد صادق بحر العلوم، د. ط، الناشر : المطبعة الحيدرية، (النجف 1972 م) ص 52 : ابن حجر، شهاب الدين أبي الفضل احمد بن علي العسقلاني (ت: 852 ه_ / 1448م)، لسان الميزان، د تحقيق، ط 2، موسسة الاعلمي، (بيروت، 1971م) ج 2، ص 24؛ الخوئي، ابو القاسم الموسوي، معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة، ط 5، الناشر: مؤسسة الامام الخوئي الاسلامية، (د، م، 1991م) ج 4، ص 224.
3- يقال هذا لمن يبيع الغلمان والجواري، ينظر: السمعاني، أبي سعد عبد الكريم بن محمّد بن منصور التميمي، (ت: 562 ه_ / 1166م)، الأنساب، تحقيق : عبداللّه عمر البارودي، ط 1، دار الجنان، (بيروت، 1988م) ج 5 ص 470.
4- وهو المملوك وسمي العبيد رقيقاً لانهم يرقون لمالكهم ويذلون ويخضعون وقيل رقيقة تعني إماء والرقيق مفردها رق والرقيق نقيض الغليظ وقيل أن المراد من الرقيق هم العبيد المخصوصين، للمزيد ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج 5، ص 287 – 289.
5- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 384.
6- جيل من الناس معروف واحد هم يسمى رومي ينتمون الى عيصو بن نبي اللّه اسحاق (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويسمون ايضاً بالرومان ويقال ان رومان اسم رجل وقيل سموا بالروح نسبة الى بلادهم وقد اسلم قسم منهم اما بالسبي او الاختبار للمزيد ینظر: السمعاني، الانساب، ج 3، ص 104: ابن منظور، لسان العرب، ج 5، ص 378. مروج الذهب ومعادن الجودر، ج 1، ص 64: الصدوق، اكمال الدِّين، ج 1، ص 50؛ المفيد : مسار الشيعة ل، ص 141 ابن الأثير، الكامل في التاريخ، تحقيق: أبي الفداء عبداللّه القاضي، ط1، دار الكتب العلميَّة، (بیروت، 1987م)، ج 1، ص 1244 المجلسي، قصص الانبياء، ص 697: المجلسي، بحار الانوار، ج 25 ص 186، ج 39 ص 165، ج 45 ص 204 الأميني، محمّد باقر، نرجس والدة الامام المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ترجمة زهراء الموسوي طا، دار النبلاء، (بيروت 2004 م) ص 19 - 22 ويذكره احد المتأخرين بانه شمعون وصي عيسى ويسمى أيضاً بطرس ويتريوس باليونانية تعني الصخرة ولد بطرس في بيت صيدا في مصب نهر الأردنوكان من تلاميذ يحيى وثم عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وكان عمره ثلاثاً وأربعين سنة حين رفع عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويكبر عيسى بعشرين سنة، وقيل أنه نصبه في الثامن عشر من ذو الحجّة وأن ام مليكه أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من ذريته قتل في عام 68م. ينظر: الكوراني، علي، شمعون الصفا وصي عيسى وجد الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) لأمه، ط 1، د. دار، (د.م، 2014م) ص 113 - 115، ص 217، ص 173. (ما ذكره الكوراني في كتابه باعتماده على عدد من المصادر المسيحية لم أتمكن من الحصول عليها).

قد اجتمعوا في القصر ونصبوا منبراً فدخل عليهم النبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ومعه فتية فيقول : يا روح اللّه إني جئتك خاطباً من وصيك شمعون فتاته مليكه لابني هذا واوما بيده إلى أبي محمّد... فنظر المسيح إلى شمعون فقال له : قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : قد فعلت، فصعد ذلك المنبر وخطب محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وزوجني وشهد المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشهد بنو محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )... (1).

وبعدها تسترسل بالحديث وتقول أنها أسرت هذه الرؤيا ولم تقصها على احد مخافة القتل وثم أصابها ضعف ومرض بما أصابها بمحبة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد امتنعت عن الطعام وقد احضر لها جدها العديد من الأطباء فعجزوا عنها إلى أن حدثها جدها وقال لها : يا قرة عيني فهل تخطر ببالك شهوة فأزودكها في هذه الدنيا ؟ فقلت : ياجدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة فلو كشفت العذاب عمن في سجنك من أسارى المسلمين وفككت عنهم الأغلال وتصدقت عليهم ومننتهم بالخلاص لرجوت أن يهب المسيح وأمّه لي عافية وشفاء فلما فعل جدي تجلدت في أظهار الصحة في بدني وتناولت يسيراً من الطعام فسر ذلك جدي وأقبل على إكرام الأسرى وإعزازهم ... (2).

ص: 414


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 385 – 386.
2- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 3، ص 387.

ثم تقول بعد أربعة أيام رأت في المنام السيّدة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ومعها مريم (عَلَيهَا السَّلَامُ) حتّى خاطبتها وقالت لها : " هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فاتعلق بها وأبكي وأشكو إليها امتناع أبي محمّد من زيارتي فقالت لي سيدة النساء (عَلَيهَا السَّلَامُ) إن ابني أبا محمّد لا يزورك وأنت مشركة باللّه (1) وعلى مذهب النصارى وهذه أختي مريم تبرأ إلى اللّه تعالى من دينك فإن ملت الى رضا (عزّوجلّ) ورضا المسيح ومريم عنك وزيارة أبي محمّد إياك فتقولي: أشهد أن لا إله إلا اللّه وأشهد أن أبي محمّداً رسول اللّه، فلما تكلمت بهذه الكلمة ضمتني سيدة النساء إلى صدرها قطيبت لي نفسي وقالت : الآن توقعي زيارة أبي محمّد إياك فإني منفذته إليك... فلما كانت أليلة القابلة جاءني أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) في منامي... قال: ما كان تأخيري عنك إلا لشركك وإذ أسلمت فأني زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع اللّه شملنا في العيان (2).

ثم يسألها بشر عن كيفية وقوعها في الأسر فقالت : " أخبرني أبو محمّد [(عَلَيهِم السَّلَامُ)] ليلة من الليالي أن جدك سيسرب جيوشاً الى قتال المسلمين يوم كذا ثمّ يتبعهم فعليك باللحاق بهم متنكرة في زي الخدم... ففعلت فوقعت علينا طلائع المسلمين حتّى كان من أمري ما رأيت وما شاهدت وما شعر أحدٌ بي بأني ابنة ملك الروم... ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن اسمي فأنكرته وقلت "نرجس عندها يتساءل بشر فقال : العجب انك رومية ولسانك عربي قالت : بلغ من ولع جدي وحمله إياي على تعلم الآداب أن أوعز إلى إمرأة ترجمان له في الاختلاف الي فكانت تقصدني صباحاً ومساءً وتفيدني العربية حتّى استمر عليها لساني واستقام (3).

ص: 415


1- من المحتمل هذا ان لفظة " وأنت مشركة باللّه " لعله من باب قوله تعالى : «إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ...» سورة آل عمران، جزء من الآية [19] اذ ورد في تفسيرها قبل التسليم اللّه ولأوليائه وهو التصديق وعن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : " ان اللّه فضل الإيمان على الإسلام بدرجة، ينظر : تفسير القمي، ج 1، ص 199 وقوله تعالى : «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامُ دِينَاً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ»، سورة آل عمران، آية [85]، أي من يتخذ غير الاسلام ديناً فلن يقبل أن يقبل منه بل يعاقب عليه، ينظر: الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 272، فعليه يمكن القول أن السيّدة نرجس يجب ان تكون مصداقاً لهذا القول أن تكون مؤمنة مسلمة اللّه والتسليم لأوليائه فهي التي ستكون اماً للحجة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) والّذي على يديه سيعم العدل والمساواة على وجهة البسيطة بالاسلام.
2- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 287.
3- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 387.

ويقول بشر لما عدت بها إلى سامراء ودخلت على مولانا أبي الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال لها : " كيف أراك اللّه (عزّوجلّ) الإسلام وذل النصرانية وشرف أهل بيت محمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) ؟ قالت : كيف أصف يا ابن رسول اللّه ما أنت أعلم به منّي ؟ قال : فأني أريد أن أكرمك فأيما أحب إليك عشرة آلاف درهم ؟ أم بشرى لك فيها شرف الأبد ؟ قالت البشرى، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) فأبشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً... قالت ممن ؟ قال : (عَلَيهِ السَّلَامُ) ممن خطبك رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) له.. قالت : من المسيح ووصيه ؟ قال فممن زوجك المسيح ووصيه، قالت : من ابنك أبي محمّد ؟ قال فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النساء أمّه " بعدها قام الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) باستدعاء السيّدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) وقال لها : " ها هيا فاعتنقتها طويلاً وسر بها كثيراً فقال لها مولانا : يا بنت رسول اللّه أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فإنها زوجة أبي محمّد وأم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1).

واخرج خبر وثاقة بشر واعتمد الرواية عدد من المصنِّفين بما أوصاه به الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) في إيفاده لشراء جارية (2)، بنفس مقالة الشيخ الصدوق والآن سنحاول مناقشة الرواية من عدة جوانب :

مناقشة الرواية من عدة جوانب / الجانب الأول وثاقة الرواية

وثاقة الرواية من خلال من حدثه بها محمّد بن بحر الشيبانيّ وهو من الثقات المذكورين في كتب الرجال وينقلها له عن بشر سليمان ويعتبر من ثقات الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وكونه من المتفقهين على يد الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يكون الأنسب في هذه المهمة وبالرغم من كل ذلك أن الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) يحيط المهمة بشيء من السرية بكتابة الكتاب باللغة

ص: 416


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج2، ص 388.
2- ينظر : الطوسي، الغيبة، ص 208 - 114؛ الطبري، دلائل الإمامة، ص 489 - 496 : النجفي، بهاء الدين علي بن عبد الكريم بن عبد الحميد النيلي (ت : 803 ه_ / 1400 م)، منتخب الأنوار المضيئة، تحقيق: لجنة التحقيق في مؤسسة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ماء الناشر: مؤسسة الامام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، (قم 2000م)، ص105 - 115 ؛ النيسابوري، محمّد بن القتال، (ت 508ه_ / 1114م)، روضة الواعظين، تحقيق : غلام حسين المجيدي و مجتى الفرجي، طا، مؤسسة دليل، (قم، 2003م)، ج 1، ص 567 - 575 المازندرانی، مناقب آل أبي طالب، تحقيق: يوسف البقاعي، ط 2، دار الأضواء، (بيروت، 1991م)، ج 4، ص 472 - 481: ج4 472-481 بحار الانوار، ج 51، ص 6 - 11؛ النوري النجم الثاقب، ج 1، ص 136 -140.

أن ينظر إليها من بعيد وأنها تمتنع من أن يبيعها صاحبها بشتى الطرق فعندها يأمره الإمام إذا وجدها بهذه الصفة فتقدم نحو النخاس واشتريها منه بعد أن تعطيها الكتاب ويقول بشر أنه امتثل إلى الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وبكل ما أوصاه به ويقول حتّى بكت الجارية بكاء شديد بعد أن أعطيتها الكتاب وحلفت إلا أن يبيعها له حتّى تم شراؤها بمقدار ما كان معه من المال يعني مائتين وعشرين ديناراً (1).

ويقول بشر بعد أن اشتريتها وذهبت بها إلى حجرتي التي كنت أوي إليها في بغداد فقامت بإخراج الكتاب الّذي أعطيتها لها من الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأخذت تقبله وتمسح به وجهها وبدنها فيقول بشر تعجبت منها فقلت : " أتلثمين كتاباً ولا تعرفين صاحبه ؟ قالت : " بها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء أعرني سمعك وفرغ لي قلبك أنا مليكه بنت يشوعاً (2)، بن قيصر ملك الروم (3). ثمّ بعدها تسرد له قصة طويلة عندما أراد جدها أن يزوجها من أبن أخيه وعمرها ثلاث عشرة سنة بحضور جمع غفير من الناس وأصحاب السلطة فحصل أن ارتج القصر المعد للزواج فتشائم الحاضرون وجدها من هذا الزواج النحس والغي ثمّ أراد أن يزوجها من الثاني فحصل نفس الأمر فتفرق الناس واغتم جدها من الأمر إلى أن تقول أنها رأت في المنام أن المسيح (عَلَيهِ السَّلَامُ) والشمعون وصي عيسى (4)،

ص: 417


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج2، ص 384 – 385.
2- لم أعثر على ترجمة.
3- غير معلوم من هو القيصر حينها، لأن كل ملوك الرومان الكبار يسمون ويلقبون بالقيصر، ينظر : ابن الجوزي، اي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمّد، ت: (597 ه_ / 1200م)، المنتظم في تاريخ الملوك والامم تحقيق : محمّد عبد القادر عطا، ط ا، دار الكتب العلميَّة، (بيروت، 1992م)، ج 2، ص 45؛ ولم تذكر السنة التي فيها الحادثة هذه فلم اتمكن من الترجمة له وسنحاول إثبات اسمه بتحليل بعض الروايات في الجوانب التي ستناقش هذه الرواية لاحقاً في هذا المبحث.
4- ويسمى شمعان بالعربية، شمعون بالسريانية الصفا بن حمون وصي عيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومن خواص أصحابه وقيل انه كان نبياً، وبقي في قومه إلى بعث اللّه يحيى بن زكريّا (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو ابن عمة مريم (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقيل انه ابن عمها ويقال له بطرس وقد رافق عيسى وأمّه (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) منذ طفولته ووقف الى جانبهما، وذكر أن نصب وصياً لعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الثامن عشر من ذو الحجّة وقتل في الليلة التي استشهد فيها الحسين بن على (عَلَيهِ السَّلَامُ)[ ليس في سنة (61ه_) بل في سنة أخرى فقط انه صادف في نفس الّذيئة وقتل وصلب منكماً، لم أعثر له على ترجمة خاصة في كتب التراجم وأغلب مصادرنا تذكره باختصار)، ينظر : اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر بن وهب ابن واضح، (ت: 293 ه_ /904م)، تاريخ اليعقوبي، د. تحق، ط 2، دار صادر، (بيروت : 2010م)، ج، ص 177 المسعودي.

الرومية حتّى لأيتمكن بشر ولا غيره من الاطلاع على الكتاب ومضمونه ونوع المهمة الا الشخصية المرسل اليها الكتاب وهو عند الصدوق ثقة اذ انه افرد هذا الباب في ذكر ام الإمام القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) برواية واحده ولم يذكر لها عدة طرق كما هو حاصل في أسلوبه في باقي الأبواب أي انه اعتمد على هذا السند للرواية اعتماداً قطعياً، ونلاحظ أن هناك من ينقل هذه الرواية ولا يختلف عنها بشيء كما وردت في الإكمال (1).

ولا يمكن القول ان بشراً أو أن ابن بحر أو حتّى الصدوق في نقله لهم مصلحة في وضع هذا الخبر إلا أنه محاط بشيء من الحذر حفاظا على هذه القضية وحتى سر القضية إن بشر النخاس لم يتحدث به إلا سنة (286 ه_ / 899 م) حينما قصها على ابن بحر الشيبانيّ (2) [ويكفي لهذا سنة واحدة بين زواج السيّدة نرجس من الامام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الى ولادتها للامام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ومن المرجح أن مهمة الشراء والزواج كانت في سنة (254ه_ / 868م ] وهي سنة استشهاد الإمام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3)، قبل ولادة الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وهذا واضح من خلال الرواية حينما وصلت الى سامراء وامر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) عمته تعليمها الفرائض والسنن من ضمن ما قاله لها " فإنها زوجة أبي محمّد وأم القائم". (4)، أي ان بشر تحدث به بعد (32) سنة وقد كان محتفظاً (32) سنة وقد كان محتفظاً بسر تلك الحادثة طوال هذه المدة وقد أعطى السبب في ذلك من خلال ما قاله هو وذلك مما دار حديث بينه وبين محمّد بن بحر الّذي كان يرتحل في طلب العلم، إذ ذكر الصدوق وقلة ابن بحر وهو يستمع احد المشايخ والمقصود منه بشر في مشهد الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (5) از سمعه يقول لشخص معه : "... يا ابن أخي لقد نال عمك شرفاً ما حمله السيّدان من غوامض الغيوب وشرائف العلوم... وقد اشرف عمك على استكمال المدة وانقضاء العمر وليس يجد من أهل الولاية، رجلا يفضي إليه بسره" (6).

ص: 418


1- ينظر : الطوسي، الغيبة، ص 208 - 114 : الطبري، دلائل الإمامة، ص 489، - 496: المجلسي، بحار الانوار، ج 51، ص 6 - 111 الدوري، النجم الثاقب، ج 1، ص 136 - 140.
2- اكمال الدِّين، ج 2، ص 383.
3- الطبرسي، سيرة المعصومين، ص 352؛ المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج 4 ص 433.
4- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 388.
5- هذا يدل على وجود بناء على قبر الإمام الكاظم (عَلَيهِ السَّلَامُ) في العصر العبّاسي.
6- إكمال الدِّين، ج 2، ص 383.

يلاحظ من كلامه أن بشراً النخاس كبر سنه ويخاف على نفسه من الموت فيضيع ما يحمله من خبر وسر وفضيلة السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) واخبار عن الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وهو لا يجد من يبوح له بسر هذا الأمر فينقل بمقتضاه إلى مواليهم وعلموا بخيرهم.

وهنا يبادر ابن بحر بطرح سؤاله - على الشيخ : " فقلت أيها الشيخ من السيّدان ؟ فقال : النجمان المغيبان في الثرى بسر من رأى، فقلت : إني اقسم بالموالاة وشرف محل هذين السيّدين من الإمامة والوراثة إني خاطب علمهما وطالب أثارهما وبإذن من نفسي الإيمان المؤكد على حفظ إسرارهما" (1).

الملاحظ هنا أن ابن بحر عندما علم بان هذا الشيخ يحمل إسراراً وأخباراً من الإمامين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) حينها يقدم نفسه للشيخ انه من طالب علومهم ويقسم له على ذلك وانه قادر على حفظ أسرارهم ويريد أن يعرف ما عنده من خبر هنا يبادر بشر لاختباره فيقول : " أن كنت صادقاً فيما تقول فأحضر ما صحبك من الآثار عن نقلة أخبارهم، لما فتش الكتب وتصفح الروايات منها قال : صدقت أنا ببشر بن سليمان النخاس..." لما يحمله من أخبار وكتب تخص الأئمّة، فقال له ابن بحر:" فأكرم أخاك ببعض ما شاهدت من آثارهما " (2).

هنا أراد بشر النخاس على أن يطمئن أن ابن بحر من الموالين من خلال الإطلاع على ما يحمله من كتب وأخبار تخص الأئمّة وقد تأكد من ذلك وهو بهذا يعتبر كاختبار مفاجئ من دون مناسبة مابين بشر وابن بحر فوجد أنه يحمل من أخبار الأئمّة حينها يصدقه ويسرد له القصة كاملاً، فلو كان بشر النخاس غير صادق لما بادر إلى اختبار ابن بحر ليسرد له الحديث كاملاً خوفه من ضياع ما يحمله من خبر وبهذا لم تذكر الرواية إلا عن طريق ابن بحر ومن بشر مباشرة فمن المحتمل أن الصدوق يعتبره خبراً موثوقاً إذ ليس له طريق آخر إذا لاحظنا أن جميع من نقل هذا الخبر كلهم يرفعون سنده إلى ابن بحر إذا لم يحدث به بشر غيره، وإن الخبر هذا كان في زمن الغيبة الصغرى (899/286

ص: 419


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 384.
2- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 384.

م) لان الغيبة الكبرى وقعت سنة (329ه_ / 940م) (1)، إي أن الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) موجود أي أن بين الخبر والغيبة الكبرى (43) سنة وقد تم نقله إلى إن رواه الصدوق وقت تأليف كتابه فمن المحتمل أن تكون وصلت إلى مسامع الإمام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) فمن غير المعقول أن يصدر هكذا موضوع حتّى وان قلنا بغير صحته بوجود الإمام ويتم نقله من غير أن يصدر منه شيء بطريقة أو بأخرى لينكر الخبر المفترى على أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ) وحديث جده (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع بشر النخاس إلا أننا لم نجد أي اعتراض تذكره مصادر المتقدمين للإمام (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أو لمؤلفي تلك المصادر.

اما ضعف الرواية فنجد رأياً واحداً للمحقق الخوني، اذ يقول عن الرواية: في سند الرواية عدة مجاهيل (2) على انك عرفت فيما تقدم أنه لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه" (3)، ولوجود مجاهيل في الرواية هذا لا يعني نفيها وبنفس الوقت لا يوجد من يطعن أو يجرح بشخصية بشر او الطعن بوجودها من السابقين وقد اعتمد روايته كبار مؤرخي الشيعة وأولهم شيخ المحدثين الصدوق ومن بعده الطوسيّ اعتمدوا على نقل الرواية عن طريق راويها محمّد بن بحر الشيبانيّ (4) وهو من معتمدي رجال الحديث عند الشيعة إذ ترجم للشيباني النجاشيّ والطوسي، وأيضاً ترجم له المحقق الخوئي في رجاله بأنه كثير الأدب والحديث ولم يطعن بوثاقته (5)

ويقول احد المتأخرين : " يكفي في توثيق الشيبانيّ ارتضاء الصدوق... وان دواعي الوضع هنا منتفية" (6)، وبهذا يمكن القول بصحة الرواية من ناحية السند عن

ص: 420


1- الطوسي، الغيبة، ص 394.
2- المجهول من ألفاظ الجرح والدم في الجرح والتعديل والمجهول من حكم علماء الرجال عليه بالجهالة، ينظر : الاسترابادي، محمّد باقر (ت: 1631/81041م)، الروائح السماوية تحقيق نعمة اللّه الجليلي وغلا محسين، ط1، دار الحديث، (قم 14220ه_)، ص 103، جاسم، سامي حمود الحاج، المنهج التاريخي في كتابي ابن مظهر وابن داود الحليين في علم الرجال، ط 1، دار الشؤون الثقافية العامة، (بغداد، 2014م)، ص 94.
3- معجم رجال الحديث، ج4، ص 224.
4- رجال النجاشي، ص 367 ؛ الفهرست، ص 132.
5- معجم رجال الحديث، ج 16، ص 132.
6- الكوراني، شمعون الصفا، ص 226.

محمّد بن بحر الشيبانيّ كونه لا غبار عليه من قبل مؤرخي الرجال الشيعة وأن من حدثه بها بشر النخاس الّذي تعد وثاقته من باب حفظه للسر حتّى أنه أحس بقرب اجله وكبر سنه فأراد أن يودع سره عند من يحرز وثافته وولائه لحفظها عنه فقصها على الشيبانيّ

الجانب الثاني : ضجة وارتجاج القصر أثناء مراسيم التزويج

قضية محاولة جدها تزويجها من ابن أخ القيصر وما هو سر الضجة وارتجاج القصر أثناء مراسيم التزويج حتّى تشاءم الحاضرون والقيصر من هذا الزواج فمنعوه فهذا الأمر لا يعد من الغرابة بشيء فالتخطيط الرباني وما أراده اللّه لهذا الغرض أن تكون السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) زوجة للإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأما للإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وان هذا ليس بغريب فما حصل لجده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) يوم ولادته (1)، ممكن أن يكون ويتحقق له، فعن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : " الأئمّة بمنزلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) إلا أنهم ليسوا بأنبياء ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) فأما ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) (2)، فإرادة اللّه (عزّوجلّ) شاءت ذلك.

ومما قيل بهذا الصدد أن الّذي حدث لعله معجزة إلهية حدثت للتوصل إلى غرضين : أحدهما هو استنكار بقاء هؤلاء على المسيحية مع إمكانهم الدخول في الإسلام ومعرفتهم بوجوده فأن الأولى بمصالحهم أن يعتنقوه لا أن يحاربوه، والثانية : استنكار زواج هذه المرأة فأنها مقدرة في علم اللّه لان تكون زوجة للإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) واماً للمهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) لا ان تكون كما يشاء جدها زوجة لابن أخيه وبحدوث هذه المعجزة يحصل في قلوبهم تشاؤم من حصول الزواج لا يقومون به كما قد أعرضوا عنه فعلاً (3).

ص: 421


1- لما ولد رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) أصاب الناس زلزلة عمت جميع الدنيا وزال كل شيء يعبد دون اللّه (عزّوجلّ) عن موضعه وزلزل ایوان کسری فسقطت منه ثلاث عشرة شرفة وحمدت نار فارس وظهرت الكثير من العلامات، للمزيد ينظر : اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 7 - 14.
2- الكليني، الكافي، ج 1، ص 161.
3- الصدر، موسوعة الإمام المهديّ، ج 1، 255.

ربما سائل يسأل أن الّذي حصل هذا ليس بولادة الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) حتى يرتج القصر وتحصل المعجزات كما حصل في ولادة رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإنما حصل هذا عندما اراد القيصر جد نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) تزويجها من ابن أخيه، فالجواب هنا يكون أنها ام المولود الّذي سيأتي بما أراد اللّه لينتصر به لدينه ويتم به رسالة جده رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بما ورد من الإخبار، عن تفسير قوله (عزّوجلّ): «يُرِيدُونَ لِيُطْفِعُوا نُورَ اللّه بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللّه مُتِمُّ نُورِهِ، وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ» (1)، فعن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : " بالقائم من آل محمّد (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) حتّى إذا خرج يظهره اللّه على الدين كله حتّى لا يعبد غير اللّه " (2)، في قوله تعالى : «هُوَ الَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ» (3)، سال احد أصحاب الإمام موسى ابن جعفر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن معنى هذه الآية فقال: " هو الّذي أمر رسوله بالولاية لوصيه والولاية هي دين الحق، «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّين كُلِّهِ» قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم..."(4)، وجاء في تفسير الكوفي عن هذه الآية عن أبي عبداللّه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : "إذا خرج القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...." (5)، وعن الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : " ذلك يكون عند خروج المهديّ من آل محمّد صلوات اللّه عليه فلا يبقى أحد إلا أقر بمحمّد (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ) وسلم. "(6).

ص: 422


1- سورة الصف، آية : 8.
2- القمي، ابو الحسن علي بن ابراهيم، من (اعلام القرنين 3 و 4 الهجريين)، تفسير القمي، تحقيق : طيب الموسوي الجزائري، ط 3، مؤسسة دار الكتاب للطباعة، (قم، 1984م)، ج 2، ص 365.
3- الصف، آية : 9.
4- الكافي، الكليني، ج 1، ص 273؛ القزويني، الامام المهديّ من المهد الى الظهور، ص 156 الكلبايكاني، منتخب الأثر، ص 299.
5- ابو القاسم فرات بن ابراهيم (ت : 352ه_ / 963 م)، تفسير فرات الكوفي، تحقيق : محمّد كاظم، ط 2، مؤسسة الطاعة والنشر في وزارة الثقافة، (طهران، 1995 م)، ص 481.
6- العياشي، محمّد بن مسعود بن عياش السلمي السمرقندي، (ت: 320 ه_ 932م)، تفسير العياشي، تحقيق : هاشم المحلاتي، د. ط، الناشر، المكتبة العلميَّة الإسلامية، (طهران، د ت)، ج 2، ص 87، البحراني، هاشم، (ت: 1109ه_ / 1697م)، المحجة فيما نزل في القائم الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، تحقيق محمّد منير الميلاني، طا، مؤسسة النعسان، (بيروت، 1992م) ص 78.

وهذا كله بأراده اللّه لإتمام حجته على الخلق بالإمام القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) فلعل الحادثة المذكورة في عرقلة الزواج المراد للسيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) من ضمن التخطيط الإلهي المحدد فإبقائها اللّه لما أراده لها أن تكون زوجة للإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأم الامام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) المؤمل لإقامة الحق ونشر وبسط العدل ومتمماً لرسالة (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) بحكمة اللّه وقدرته

الجانب الثالث : واقعية رؤيا السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

موضوع الرؤيا (1)، وكيف يمكن الاعتقاد بها بكونها واقعاً مبنياً عليه صحة الرواية والحديث أعلاه، كون نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) قد رأت النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام وأهل بيته (عَلَيهِم السَّلَامُ) ومن معهم فاثبات ذلك يدعونا للنظر بالنص القرآني والأخبار الواردة بهذا الجانب وخاصة من القرآن الكريم نأخذ منها مثالين، قال تعالى : «فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعَى قَالَ يا بُنَى إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا تَأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللّه مِنَ الصَّابِرِينَ» (2)، «إذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَى لَا تَقْصُصْ رُحْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيدَاً إنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَنِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ» (3).

من خلال الآيات المباركة أن الرؤيا واردة بالنص القرآني واعتمدت تطبيقها وتحقيقها وخاصة منها أن يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يقص روياه على أبيه حينها يأمره بكتمانها خوفاً عليه من أن تحدق به مخاطر أو أذى من قبل إخوته (4)، ومن جانب آخر هو في قصة

ص: 423


1- يقال حلم ورؤيا فقيل أن الرؤيا من اللّه والحلم من الشيطان، فهما عبارة عما يراه النائم في نومه من أشياء، للمزيد ينظر : ابن منظور، لسان العرب، ج 3، ص 304.
2- سورة الصافات، الآية : 102 ان إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) رأى في المنام أن يذبح ابنه اسحاق وقيل إسماعيل وقد حكي القصة لابنه حتّى قال له ابنه امض الى ما أمرك اللّه : للمزيد ينظر: القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 224 – 225.
3- سورة يوسف، الآية : 102 ؛ يذكر أن يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد رأى في المنام في ليلة وافقت ليلة القدر أن أحد عشر كوكباً نزلن من السماء وسجدن له ومعهما الشمس والقمر فقص تلك الرؤيا على أبيه وقد أمره أبيه على أن لا يقصها على أخوته، للمزيد بنظر : الطبرسي، مجمع البيان، ج5، ص279.
4- وهنا يعطى يعقوب تأويل الرؤيا لابنه يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ) ويأمره بالكتمان، ينظر: القمي، تفسير القمي، ج 1، ص 340 الراوندي، قصص الأنبياء، ص 126.

نبي اللّه إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورؤيا لذبح ابنه حتّى أقدم على ذبحه بالرغم من كونها رؤيا اي انه يريد أن يطبق ما رأه حينها يجزيه (1)، بعدها يخاطبه اللّه (عزّوجلّ) : «قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ» (2)، ثمّ يقول تعالى : «وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيم» (3).

ومن خلال ذلك نطرح ثلاثة استنتاجات، أولها أن القرآن الكريم يصرح بأن الرؤيا هي شيء واضح التطبيق وممكن أن يتحقق في الواقع، وثانيها أن القصتين المذكورتين أعلاه وبتفسيرهما ومن قبل اثنين من الأنبياء (عَلَيهِم السَّلَامُ) وقد أعطوا تأوليهما للرؤيا بكونها ستحقق وبواقع عملي كما فعل إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أنه أراد أن يطبق رؤياه في الواقع حتّى جاء أمر اللّه بالمنع، والثالث أن الرؤيا لايمكن إنكارها وذلك لورود ما يدل عليها في القرآن الكريم.

بقي عندنا كيف يتم معرفة الاعتقاد بالرؤيا من عدمها وهل هي صالحة من اللّه أمّ من الشيطان وذلك لإثبات حجية روايتنا المطروحة من خلال الروايات، روي عن رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال : " الرؤيا الصالحة من اللّه والحلم من الشيطان..." وقال " من رأني في المنام فقد رأني فإن الشيطان لا يتخيل بي ورؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزاً من النبوة " وقال: " من رآني فقد رأى الحق فإن الشيطان لا يتكونني " (4) وعنه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قال:"من رآني في النوم فقد رآني إنه لا ينبغي للشيطان أن يتمثل في صورتي "(5).

ص: 424


1- في التفسير هي إشارة واضحة ان رؤيا نبي اللّه ابراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يذبح ابنه اسماعيل (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام وليس في اليقضه، ينظر: الطبرسي، مجمع البيان، ج، 244 الراوندي، قصص الأنبياء ، ص 108.
2- سورة الصافات الآية : 105: أي أنها صدقا الرؤيا وسلما أمرهما إلى اللّه، للمزيد ينظر : القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 225 – 226.
3- سورة الصافات، الآية : 107؛ ثمّ أمر إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يندي ابنه أن يذبح كبش، للمزيد ينظر: القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 225 – 226.
4- البخاري. صحيح البخاري، ص 1238؛ الطهطاوي، علي أحمد عبد العال، تفسير الأحلام من كلام الأئمّة والإعلام (محمّد بن سيرين البخاري، ابن حجر)، ط 2، دار الكتب العلميَّة، (بيروت 2005م) ص 47.
5- مسلم، صحیح مسلم، ج2، ص 361 : ابن ماجة، سنن ابن ماجة، ص 642.

من خلال الأحاديث السابقة يمكن أن نرجح عدة استنتاجات منها تشير الأحاديث إلى صدق رؤية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وان الرؤيا صادقة بشهادة الحديث النبوي المبارك وإنها صادقة من اللّه وتعد حجة حسب الحديث وبالتالي أن النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) قد أعطى رؤيته بصدق بصورة عامة ولم يخصصها للمسلمين فقد بل قال " من رأني فقد رأني " فتعتبر رؤية السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) جائزة له وقد شملها تفسير الأحاديث، ومن باب آخر أن من يرافق النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وعيسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) وشمعون في الرؤيا بشملهم صدق الرؤيا باعتبارهم مرافقين له

ويسال سائل كيف عرفتهم السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) من هم هؤلاء الّذين رأتهم في الرؤيا، فمن المحتمل أنها عرفتهم من خلال محادثتهم في الرؤيا فيما بينهم أو كونها سمعت بهم من أسرى المسلمين والدليل هو إشفاقها على الأسرى وطلبها من جدها إطلاق سراحهم وبهذا يمكن أن نحكم بصدق رؤيتها وكون باقي ما رأته من منامات من رؤية الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) ومريم (عَلَيهَا السَّلَامُ) والإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هي أيضا رؤيا صادقة كونهم حاضرين في أولها عند رؤية النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وان كل ما قامت به لعلها مأمورة أن تقوم به من إخفاء الرؤية وخروجها مع الجيش حرصاً عليها بعد أن قلنا بصدق الرؤيا وتعتبر بشارة لها وما يدل على ذلك هو زواجها من الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بعد، أما سر كتمان الرؤية فقد أوضحته هي قولها : " مخافة القتل". (1).

اما قضية إسلامها فأن أسلمنا لقول صدق الرؤية فإن إسلامها قد صح فمن المحتمل أنها أسلمت باليقظة بعد أن عرفت الطريقة أو الشهادة أما من خلال الرؤية أو انه احتمال سمعتها بطريقة أو بأخرى وان قلنا خلاف ذلك فنقول أنها أسلمت بعد أن ذهبت إلى سامراء على يد الإمام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثم سلمها لأخته حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) لتعلمها الإحكام والفرائض، بالرغم من أنها أخبرت الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وصولها لسامراء حينما سأنها عن الإمام الحسن العسكريّ " فهل تعرفينه ؟ قالت : وهل خلوت ليلة من زيارته إياي منذ الليلة التي أسلمت فيها على يد سيدة النسا [عَلَيهَا السَّلَامُ)] امه. (2)، وهذا ما يثير الشك أنها لها

ص: 425


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 387.
2- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 388.

علم بكل هذا وما سيحصل فيما بعد وأنها حقا مسلمة هو امتناعها من أن يلمسها احد في السوق وتقف محتشمة وتقبيلها للكتاب الّذي أعطاه لها بشر وكأنها تعرف صاحب الكتاب واستغراب بشر من ذلك ولعل تعلمها للعربية قبل ذلك هو لغرض ما أو لأمر خفي عن الناس وهي تعرفه دون غيرها أي أنها مهيأة لهذا الأمر قبل أسرها.

أما روايتها لما حصل لها كله قالته لبشر ولم تحدث به غيره باعتبار ان الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) لهم علم به وأخبرا حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهُ) بكل ذلك كون الأئمّة يعرفون كل شيء بإذن اللّه، فقد سأل احد أصحاب الإمام الصادق (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن الإمام يعلم الغيب ؟ فقال : لا ولكن إذا أراد أن يعلم الشيء أعلمه اللّه ذلك " وعنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال : " أعطينا علم ما كان وما هو كائن حتّى تقوم الساعة وقد ورثناه من رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وراثة " (1).

وأخبرت بشر بالقصة كلها لتأكدها من وثاقة حمل معه من كتاب لها يرشدها إلى ما تنتظره ولعل الكتاب فيه ما يطمئنها بوثاقة بشر وفيه أمر القدوم معه وفيه الكثير من التفاصيل التي تشير الى ما يجب عليها من فعله وقوله حينها فأخبرته بذلك وخاصة أن بشراً لايفهم ما فيه كونه مكتوباً بلغة رومية، وممكن ان يقال أن السيّدة نرجس بالحكمة الإلهية كان لها إيحاء والهام (2) بمقتضى المصلحة العامة كون أن اللّه يعلم بها انها أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وما سوف ترى من ضغط ومطاردة وعذاب فهي تحتاج إلى الهام ولو بشكل خاص يوجب تربيتها وتوجيه عواطفها بالشكل المخلص المؤمن فأنها لو كانت مجردة عن هذا الإلهام وكانت مشتراة من السوق من دون إخلاص سابق وتربية داخلية لامكن لها أن تجزع من التعذيب فتبوح بأمر ولدها ويؤدي الأمر إلى مخاطر عليه وهذا ما لا يريده اللّه أن يكون، قال تعالى في كتابه الكريم : «وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الجَبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ» (3)، سُئل الأمام الباقر (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن قوله تعالى: «وَأَوْحَى

ص: 426


1- الكليني، الكافي، ج 1، ص 153 – 155.
2- الالهام ما يلقى في الروع ويستلهم اللّه الرشاد وألهم اللّه فلان وهنا الالهام أن يلقي اللّه في النفس أمراً يبتغيه على الفعل او الترك وهو نوع من الوحي يخص اللّه به من يشاء من عباده، ينظر: ابن منظور، لسان العرب، ج 12، ص 346.
3- سورة النحل، الآية : 68.

رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ» قال : إلهام" (1)، لذا لا يمكن إنكار وجود الإلهام كحقيقة كونية إلهية تتحقق بإرادة اللّه تعالى عند وجود المصلحة فإنكار الإلهام هو تكذيب للقرآن الكريم (2)

ومن هذا يمكن القول انها (عَلَيهَا السَّلَامُ) ممكن ان يكون حصل لها نوع من الإلهام فالإنسان أكرم على اللّه من سائر مخلوقاته فليس النحل أكرم على اللّه من السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)، الا أنه ما يجهل تفسيره في هذه القصة هو من القيصر المقصود هنا وحتى شمعون لم تعط مصادرنا ما يكفي عنه الا ما ذكرنا في ترجمته سابقاً فيها ومن هي الحرب التي كانت بين المسلمين والروم وهربت فيها حيث أهملت الرواية ذكر أي تاريخ يدل عليها للتمحص أكثر بالرواية إلا أن الرواية مسلم بها بالإجماع والاعتقاد الامامي على الأغلب كما ذكر رواتها سابقاً.

الجانب الرابع : تعيين سنة شراء السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) و تشخيص القيصر

محاولة استنتاج من هو القيصر المقصود في الرواية وسنة شرائها من قبل بشر النخاس، بعد ان اشرنا سابقاً بحسب الرواية أنها أسرت بعد إحدى الحروب الحاصلة بين الروم والمسلمين وأن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان استشهاده (254ه_ / 868م) (3) بعد الزواج بايام بحسب ما أشارت الرواية أنهم أقاموا أياماً عند السيّدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) ثمّ مضى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) في عهد المعتز العبّاسي (252ه_ /866م – 255 ه_ / 869م) (4)، ومن خلال ذلك يمكن الاستنتاج من الروايات في الحروب هذه الحاصلة في هذه المدة او الأقرب إلى هذا التاريخ ومن هو القيصر المقصود وسنة الشراء في الرواية.

ص: 427


1- العياشي، تفسير العياشي، ج 2، ص 263.
2- الصدر، موسوعة الإمام المهديّ، ج 1، ص 253.
3- المسعودي، اثبات الوصية، ص 257 الذهبي ابو عبداللّه محمّد بن احمد بن عثمان (ت : 748ه_ / 1347م) العبر في خبر من غير تحقيق محمّد السعيد بسيوني، ط ا، دار الكتب العلميَّة، (بيروت، 1985م)، ج 1، ص 364.
4- هو الزبير بن جعفر بن المتوكل يلقب بالمعتز باللّه وأمّه تسمى قبيحة تسلم السلطة سنة (252 ه_ /866م) وله من العمر ثماني عشرة سنة خلعه الأتراك من السلطة ثمّ قتل في شهر رجب لثلاثة بقين منه سنة (255 ه_/869م)، ينظر : المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج 4، ص 159، الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 14، ص 124.

بعد الرجوع للمصادر وملاحظة الحوادث الواقعة والأقرب مابين سنتي (250ه_ 255 ه_ / 864 - 869م)، لم نجد ما يشير إلى وقوع حرب بين الروم والمسلمين خلال هذه المدة، ثمّ رجعنا إلى ما قبل هذه المدة وجدنا أن أقرب الحروب الحاصلة قبل هذه المدة هي مابين ما بين سنتي (248 ه_ - 249ه_ / 862 م - 863م) وقد حصل فيها تبادل أسرى مابين المسلمين والروم لكثرة أعداد الأسرى بين الجانبين (1) وكان الحاكم العبّاسي حينها هو المستعين (52480 / 862 م - 252ه_ / 866م) (2)، وكان الملك الروماني في هذه الحقبة هو القيصر ميخائيل بن تيوفيل إذ يذكر انه تسلم حكم الإمبراطورية الرومانية بعد وفاة والده هو وأمّه سنة (228ه_ 842م) وكان عمره ثماني وعشرين سنة وكانت الحروب بين الروم والمسلمين مستمرة في عهده إلا أنه قتل أمّه سنة (233ه_ / 849م) وبقي يحكم لوحده (3)، أي أنه معاصرة لزمن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي تسلم الإمامة بعد استشهاد الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مابين سنتي (225ه_ - 254ه_ / 839 م - 868م) (4)، اي ان عملية شراء الجارية كانت خلال حكم ميخائيل إذ انه بدأ يحكم سنة (228ه_ / 842م) ولمدة ثمان وعشرين سنة حتّى قتل سنة (253ه_ / 867 م) (5) اي قبل استشهاد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (254ه_ / 868م) بسنة واحده (6)، في عصر المعتز العبّاسي (252 ه_ / 866م - (255ه_ / 869م) (7)، وحكم بعد ميخائيل شخص يدعى بسيل الصقلبي /86/255)

ص: 428


1- للمزيد أكثر حول هذه الحروب ينظر : الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 9، ص 240 - 21، ص: ابن الجوزي 21، المنتظم، ج 12، ص 13 ابن الأثير، الكامل، ج 6، ص 146، ص 24 - 249 ابن كثير، البداية والنهاية، تحقيق: عبداللّه عبد المحسن التركي، ط1، دار هجر، (القاهرة، 1998م)، ج 14، ص 460، ص 468.
2- هو احمد بن محمّد بن المعتصم تسلم السلطة سنة (248ه_) ويكنى أبي العبّاس انه متلبية بقي في السلطة مدة ثلاث سنين وثمانية أشهر وكانت وفاته سنة (252ه_)، ينظر المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 139.
3- المسعودي، مروج الذهب، ج 1، ص 298 ابن العبري، ريغوريوس أبي الفرج بن أهرون الطبيب، (ت : 685 ه_ / 1286م، تاريخ مختصر الدول، تحقيق : أنطوان صالحاني اليسوعي، ط 2، دار الرائد اللبناني (بیروت 1983م)، ص 243، ص 247.
4- الطيرسي، سيرة المعصومين، ص 351 – 352.
5- المسعودي، التنبيه والاشراف، د. تحق، د. ط، مطابع بيرل، (لیدن، 1893م)، ص 171.
6- الطبرسي، سيرة المعصومين، ص 354.
7- الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 1، ص 124.

وعرف باسم براكنميس من سنة (253ه_ / 1867) وبقي في الحكم عشرين سنة (1)، وعند مراجعة التاريخ في السنين التي حكم فيها هذا القيصر من سنة (253ه_ / 867م) الى سنة ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) لم تحصل حروب بين المسلمين والروم او تبادل اسری (2).

وربما سائل يسأل ان تيوفيل والد ميخائيل هذا أيضاً عاصر الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ثلاث سنين (225ه_ - 228ه_ / 839م - 842م) قبل أن يتسلم السلطة ولده ميخائيل بن تيوفيل فاحتمال أن يكون الشراء حصل في هذه السنين، فالجواب هنا انه ليس من المعقول ان السيّدة نرجس بقيت في بيت حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) من سنة (225 ه_/ 839م) أوالسنتين التي بعدها إلى سنة (254 ه_ / 868م) أي ما يقارب الثلاثين سنة فقط لتعلمها الفرائض والسنن وهذا ما لا يحتاج إلى تلك المدة هذا فضلاً أنها كان عمرها ثلاث عشر سنة ونقول مابين سنة الحرب والأسر ثمّ شرائها سنة واحدة يعني (14) سنة فيكون عمرها حين الزواج ازيد من ثلاث وأربعين وهي بهذا تكون حتّى أكبر من زوجها الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) لانه استشهد وعمره 28 سنة (3)، فالمرجح أن شراؤها كان في في زمن تلك الحروب التي حصلت في عهد ميخائيل في السنة الأخيرة من حياة جدها القيصر الّذي خاض حروباً كثيرة مع المسلمين في سنة (249ه_ / 863م) ويعد هذا في زمن الإمام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) (225ه_ - 254ه_ / 839 م - 868 م) وعصر المستعين العبّاسي (248ه - 862 م / 252ه_ - 866م)، سيما وأن السنين التي تلت عصر ميخائيل لم يكن فيها حروب على الأقل الى سنة ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، فيكون عمرها حين وصلت سامراء (14) سنة وبقائها عند حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) بحدود (6) سنوات إلى وقت زواجها سنة (254ه_ / 868م) وعمرها (20) سنة وهو عمر مقبول للزواج والإنجاب

وربما يقال أن القيصر هو تيوفيل بن ميخائيل بن تيوفيل والّذي كان في عصر المعتز العبّاسي، الا أن هذا القيصر لم تكن في عصره حروب مع المسلمين لانه حكم

ص: 429


1- المسعودي، التنبيه والاشراف، ص 172 – 173.
2- للمزيد ينظر: الطبري، تاريخ الرسل والملوك، ج 9، ص 373 - 437.
3- الطبرسي، سيرة المعصومين، ص 362.

بعد سنة (253ه_ / 867م) ولم يبق مدة طويلة في الحكم اذ استولى على الحكم شخص ليس من سلالة العائلة المالكة (1)، والرواية تقول أنها بنت ابن قيصر الروم، فالمرجح هو ميخائيل بن تيوفيل المعاصر للإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومعاصر لحكم المستعين (248ه_ - 620 م / 252ه_ - 866م) الّذي كانت في عصره حروب مع الروم.

الجانب الخامس : رواية أخرى مؤكدة لقصة السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) البحث حول وفاتها (عَلَيهَا السَّلَامُ)، الكلام حول قبر السيدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)

ذكر الصدوق رواية اخرى وهي عن السيّدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ) تقول : " كانت لي جارية يقال لها نرجس فزارني ابن اخي فأقبل يحدق النظر إليها، فقلت له: يا سيّدي لعلك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال لها : لا ياعمة ولكني أتعجب منها، فقلت : وما أعجبك منها ؟ فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سيخرج منها ولد كريم على اللّه (عزّوجلّ) الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً، فقلت : فأرسلها إليك يا سيّدي ؟ فقال : استأذني في ذلك أبي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت : فلبست ثيابي وأتيت منزل أبي الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) فسلمت وجلست فبدأني وقال : يا حكيمة إبعثي نرجس الى ابني أبي محمّد قالت: فقلت يا سيّدي على هذا قصدتك على أن استأذنك في ذلك فقال لي : يا مباركة إن اللّه تبارك وتعالى أحب أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً، قالت حكيمة : فلم ألبث أن رجعت إلى منزلي وزينتها ووهبتها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجمعت بينه وبينها في منزلي فأقام عندي أياماً ثمّ مضى إلى والده (عَلَيهِ السَّلَامُ) ووجهت بها معه. وقالت حكيمة فمضى أبو الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجلس أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) مكان والده " (2) وأخرج الرواية هذه عدد من المصنِّفين باختلاف السند والتقارب مع نص الرواية بالمضمون دون الإخلال بالمعنى للرواية (3).

ص: 430


1- المسعودي، مروج الذهب، ج 1، ص 299.
2- اكمال الدِّين، ج 2، ص391.
3- ينظر : الخصيبي، الهداية الكبرى، ص 4354 النيشابوري، روضة الواعظين، ج 2، ص 16 المجلسي، بحار الأنوار، ج 51، ص 12: النوري، النجم الثاقب، ج 1، ص 142 آبادي، كشف الحق، ص 26 : الشيرازي، مرتضى، السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) مدرسة الاجيال، طاء مركز الرسول الأعظم للتحقيق والنشر، (بيروت، 1997م) ص 93.

من خلال هذه الرواية يمكن القول أنها تأكيداً على الرواية الأولى بما تم طرحه في نهاية الرواية الأولى فمن يقول أنها جارية لحكيمة وذلك عندما تم حديث الإمام على الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) مع نرجس بعد أن وصلت الى سامراء حينها استدعى السيّدة حكيمة وقال لها: أخرجيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن فأنها زوجة أبي محمّد وأم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)" (1).

وبقيت السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) عندها إلى وقت الزواج ويمكن أن تكون مكتت لمدة طويلة أو قصيرة حتّى تمكنت من تعلم الفرائض الواجبة عليها على يد حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) فهي على هذا الحال بقيت أمانة عند حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) بصفة جارية حتّى عندما تسأل حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) عنها تقول جارية والدليل أن الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عندما زار عمته طلب منها أن تستأذن من أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فذهبت واستأذنت في ذلك بأن ترسلها لولده، هذا من جانب أو أن الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهبها الحكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) كجارية حتّى تهبها للإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فيما بعد لتكون بمأمن من أي خطر محتمل والاستئذان الّذي حصل هو من باب الطاعة للإمام وأنه هو صاحب التخطيط لهذا الأمر منذ لحظة شراء الجارية حتّى وصولها الى بيت حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) وبدليل ما اخبرها به في الرواية الأولى عندما أمرها بتعليمها الفرائض " فأنها زوجة أبي محمّد وام القائم " أي اعلمها بالسر بغية الحرص والحفاظ عليها إلى وقت الزواج فتقول حكيمة حينها ووهبتها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) (2).

ويذكر المسعودي في مجمل روايته التي ذكرها بنفس الموضوع في خبر الولادة عندما تسأل حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)"ممن يكون هذا المولود يا سيدفقال : من جاريتك نرجس" (3)، وما يدل على أمر الحرص وتأمين سلامتها هو أن الزواج في بيت حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) وبقاء الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وزوجته في بيت عمته أياماً إلى وقت استشهاد الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) وآل الأمر له، وهذا هو المرجح في الأمر هو بقاؤها عند حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) بهذه الصفة كجارية، ومن المرجح أن كلا الروايتين صحيحتان

ص: 431


1- الصدوق، اكمال الدِّين، ج 2 ص 388.
2- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 391.
3- اثبات الوصية، ص 272.

وهذه الرواية تتفق مع الرواية السابقة بعدة أمور منها أن أم الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) كانت جارية مملوكة، وأن اسمها نرجس وأن زواج الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) كان في حياة أبيه وبأذنه ولذا نستطيع أن نعتبر اتفاقهما على ذلك إثباتا تاريخياً كافياً له، إلا أن هذه الرواية تعين وقوع الزواج في الأيام الأخيرة من حياة الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يكن هذا واضحاً في الرواية السابقة ولا يوجد اعتراض على الرواية الثانية هو كيف جاز للإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن ينظر إليها وهنا بأنه نظر إليها بأذن مالكتها ويحق للإنسان النظر إلى المرأة التي يريد الزواج منها بحكم ما أقره الشرع إلى ما هو مسموح به (1)، هذا فضلاً عن أن الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) إمام معصوم يعرف تكليفه وحدود الشرع ونواهيه وفوق هذا هو معرفته بأنها زوجته المستقبلية وأم الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ، وليس النظر المقصود به ما هو عند باقي الناس وإنما بتعجب وليس أكثر من ذلك حينما، قال : " سيخرج منها ولد كريم على اللّه (عزّوجلّ): (2).

ومما يذكر في خبر وفاتها ينقل الصدوق ثلاثة أخبار منها ما نقلته إحدى الجواري كانت في دار الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت : " أن اسم ام السيّد صقيل وأن أبا محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) حدثها بما يجري على عياله فسألته أن يدعو اللّه (عزّوجلّ) لها أن يجعل منيتها قبله، فماتت في حياة أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر أم محمّد... (3)، ان هذه الرواية تجهل ذكر تاريخ الوفاة مع وجود روايات أخرى تناقضها ولعل الجارية التي نقلت هذه الحادثة لم تتقن النقل لها أو لم تفهمها أو لماذا لم يكتب على القبر أحد أسمائها للدلالة على قبرها، أو لعل المخاطبة حينها غير ام الإمام بهدف حماية السيّدة نرجس وولدها من أي خطر خلال هذه المدة من خلال نشر خبر يبعد الخطر عنهم والدليل أن هذه الجارية حدثت بهذا الخبر بعد استشهاد زوجها الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟

ص: 432


1- الصدر، موسوعة الإمام المهديّ، ج 1، ص 660 : الشيرازي، السيّدة نرجس، ص 94 – 95.
2- الصدوق : إكمال الدِّين، ج 2، ص 391.
3- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، 395 الطبري، دلائل الإمامة، ص 1425 العاملي، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، تحقيق شهاب الدين تقديم : شهاب الدين المرعشي،، منشورات الاعلمي (بيروت، 2004م)، ج 5، ص 21 – 22.

وفي رواية أخرى ينقل أنها كانت موجودة في نفس الليلة التي استشهد بها الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في الثامن من شهر ربيع الأول من سنة مائتين وستّين (1)، في رواية ثالثة أنها كانت على قيد الحياة بعد وفاة الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، بعد أن صلى الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) على والده ودفنه إلى جانب أبيه إلى أن وشى جعفر بن الامام علي الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالموضوع بعد أن امتنع جماعة ينقلون الأموال إلى الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولم يعلموا بوفاته فامتنعوا من أعطائها لجعفر فأخبر بذلك المعتمد العبّاسي (256ه_ - 279ه_ / 869م - 892م) (2)، حينها أمر بالقبض عليها بحثاً عن الوليد والتي قالت حين أنها حامل ولم تولد بعد لتغطي على حال الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ووضعت تحت المراقبة مع نساء الخلافة والجواري يتعاهدن أمرها في كل وقت في عهد القاضي ابن أبي الشوارب (3)، إلى أن شغلت العبّاسيين بعض المشاكل التي لاقتهم (4)، وانشغلوا عنها وخرجت من أيديهم (5)، ووردت مثل تلك الرواية في مصادر أخرى (6).

وبهذا يمكن القول بأنها كانت حاضرة وقت استشهاد الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أثناء مدة حكم المعتمد العبّاسي مابين سنتي (256 ه_ - 279ه_ / 869 م - 892م) وان اعتقالها لم يكن قبل وفاة الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) فليس من المعقول ان تعتقل ام الإمام في حياته ويبقى ساكتاً أو لم يحتج بطريقه او بأخرى أو لم يحدث بها أصحابه ولم تذكرها المصادر اما بعد

ص: 433


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 426.
2- هو أحمد بن جعفر بن المتوكل تسلم السلطة سنة مائتين وست وخمسين وقبض سنة مائتين وتسع وسبعين ينظر : المسعودي، مروج الذهب، ج، ص 189.
3- ابو محمّد الحسن بن المحدث محمّد بن عبد الملك تولى القضاء في زمن المعتمد سنة (240ه_ - 854م) ومات في سنة (261ه_ / 856 م) بمكة، للمزيد ينظر: الطبري، تاريخ الطبري، ج 9، ص 515؛ الذهبي، سير أعلام، النبلاء، ج 12، ص 518.
4- وكان أهم ما شغل العبّاسيين في تلك المدة هي حركة صاحب الزنج والتي بدأت في البصرة وتمكن من الاستيلاء على عدد من المدن الواقعة تحت سلطة الدولة العبّاسية حتّى كادت حركته أن تطيح بالدولة العبّاسية واستمرت حركته للفترة الممتدة ما بين (255ه_ - 8270 / 8690م – 883 م)، للمزيد ينظر : الطبري، تاريخ الرسل والملوك ج 9، ص 431 - 437، ص 666 - 666، ص 628 – 661.
5- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، ص 477.
6- ينظر: الطبري، دلائل الإمامة، ص 1220، الصافي، حسين الموسوي، أمهات الأئمّة المعصومين دراسة تاريخية تحليلية، ط 1، الناشر : قسم الشؤون الفكرية في العتبة الحسينية المقدسة، (كربلاء، 2015)، ج 2، ص 260.

استشهاده فمن الممكن ذلك لأنه من ضمن التخطيط لحماية الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) فهدف السلطة هو القبض عليه بالضغط على والدته وإبداعها الحبس أو المراقبة ويمكن أن نقول انه بعد أن تبين لهم أنها غير حامل اطلق سراحها.

ولم نعثر على ما يدل سنة وفاتها إلا ما أشار إليه الذهبي ليس على وجه التحديد بان صقيل (عَلَيهَا السَّلَامُ) كما يذكرها في الرواية سجنت في زمن المعتضد العبّاسي (279ه _- 289 / 892 م - 901 م) (1)، بعد نيف (2) وعشرين سنة من موت سيدها إلى أن ماتت في دولة المقتدر (295ه_ - 320ه_ / 907م - 932م) (3)، في قصره، ونجد رواية تشير إلى اعتقال جواري وحلائل الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد وفاته الا أن رواتها يذكروها بصورة عامة (4) وقيل أن حبس الجواري كان بوشاية جعفر للتأكد من الحمل ومعرفة من هي التي تحمل ولد أخيه (5) ، ويذكر الأربلي ان اعتقال وحبس الجواري وحلائل الإمام العسكريّ(6) بعد استشهاده بانتظارهم لولده (7)، ولعل السيّدة نرجس من ضمنهن وهذا يعطينا إشارة من المحتمل أنها كانت حية بعد استشهاد الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) الا أنه بقي تاريخ وفاتها مجهولاً في جميع المصادر.

وفي رأي لأحد المتأخرين أن المقصود الأساسي من حجزها ومراقبتها ليس البحث عن جنينها أو انتظار ولادتها ويكفي عدة شهور للتأكد من ذلك وإنما المقصود اضطهادها وعزلها عن المجتمع واحتمال اتصال ولدها بها خلال هذه المدة (8).

ص: 434


1- احمد بن طلحة المعتضد باللّه من أم رومية بويع سلة (279ه_ / 892م) وتوفي سنة (289ه_ / 901م)، ينظر : المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 216.
2- يقال ان كل مابين العقدين يدعى نيقاً ينظر ابن فارس أبو الحسن احمد بن زكريّا، (ت : 395 ه_ /4 100م ، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمّد، هارون، د. ط، الناشر: مكتب الإعلام الإسلامي، (قم، 1984م) ج 6، ص 374.
3- جعفر بن احمد المقتدر باللّه وأمّه تدعى شغب بويع سنة (295 ه_ / 907م) قتل سنة (320ه_ / 932م)، المسعودي، مروج الذهب، ج 4، ص 272.
4- سير أعلام النبلاء، ج 13، ص 121؛ الأميني، نرجس والدة الإمام المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ص 90.
5- الارشاد، ص 439؛ المازندراني، مناقب آل ابی طالب، ج 4، ص 455.
6- المفيد، المسائل العشرة في الغيبة، ص 57.
7- كشف الغمّة، ج 3، ص 211.
8- الصدر، موسوعة الإمام المهديّ، ج 1، 329.

هذا كله يعطينا دلالة على أن السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) كانت على قيد الحياة الى ما بعد استشهاد الامام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وأنها بقيت تحت المراقبة والاعتقال وبعيدة عن ولدها ومن المحتمل أن هدف السلطة من وضعها تحت المراقبة لعل ولدها (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) يتصل وهذا. كانت تطمح إليه السلطة العبّاسية إلا أن المصادر أغفلت ذكر تاريخ اعتقالها او وفاتها بالتحديد، ولم نجد عند الصدوق خبر يوضح أو يشير الى موضع قبرها (عَلَيهَا السَّلَامُ) الا ما أشار له أنها توفيت في حياة الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وعلى قبرها لوح مكتوب عليه هذا قبر ام محمّد (1).

ولم يرد في الرواية هل ان هذا القبر في سامراء ام خارجها، ومن المرجح أن القبر الّذي في سامراء المجاور لضريحي الأمامین العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هو قبر السيّدة حديث (عَلَيهَا السَّلَامُ) (2) والدة الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) (3)، هذا بحسب الرواية التي تقول أن السيّدة حديث (عَلَيهَا السَّلَامُ) ام الامام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصت أن تدفن في دار الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولعله حصل خلط في هذا الأمر وذلك لوجود تشابه بين أسماء السيّدة حديث والسيّدة نرجس، إذ من أسماء السيّدة حديث هو سوسن وريحانة كما هي أسماء السيّدة نرجس (4) والّذي يدعونا هي للشك هنا بأنه قبر السيّدة حديث جدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) وليست أمّه نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) وذلك حين ماتت الجدة أم الحسن أمرت أن تدفن في الدار وكان لجعفر اعتراض على الأمر وقال: هي داري لا تدفن فيها، فخرج (عَلَيهِ السَّلَامُ) فقال : يا جعفر أدارك هي؟ ثمّ غاب عنه فلم يره

ص: 435


1- الصدوق، إكمال الدِّين، ج 2، 1395 الطبري، دلائل الإمامة، ص 425: العاملي، إثبات الهداة، ج 5 ص 21 ؛ وقد عاين الباحث مكان القبر المشار اليه بتاريخ 13 ذو القعدة 1439ه_ وهو جوار قبري الامامين العسكريّن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ثمّ قبر السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) مما يلي قبر الإمام العسكر (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومكتوب عليه نرجس خاتون ومليكة ام الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ويقع بالقرب من نهاية مدفن العسكريّن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عند نهاية رجليهما قبر السيّدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ).
2- وتسمى سوسن وسلسل وريحانة من النساء العارفات الصالحات دقت بجانب ضريحي المامين العسكريّن (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في سامراء، ينظر: الكليني الكافي، ج 1، ص 222 ؛ عبد الوهاب، حسين، (من اعلام القرن الخامس الهجري). عيون المعجزات، تحقيق : فلاح الشريفي، د. ط، الناشر : مؤسسة بضعة الرسول (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، (د.م، 2001م) ص 334 : الصافي، امهات المعصومين (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ص 214، (لم تحدد المصادر معلومات كثيرة عنها).
3- الكليني، الكافي، ج 1، ص 322.
4- الكليني، الكافي، ج 1، ص 322؛ البخاري، سر السلسلة العلوية في انساب السادة العلوية، ص 39 و الطبري، دلائل الإمامة، ص 220؛ ابن الجوزي تذكرة الخواص، ص 362.

بعد ذلك" (1)، وحسب الروايات لا يوجد أثر لقبرين أحدهما للسيّدة نرجس والآخر للسيّدة حديث بل هناك قبر واحد فقط جوار قبر العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فعلى ضوء وصية الجدة ام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) واحتجاج الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) على جعفر فالمرجح أن القبر المشار إليه هو للسيّدة حديث ام الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) تحت قبة الإمامين العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) بجوار قبر زوجها وولدها، ومن المحتمل أن يكون أن السيّدة نرجس والسيّدة حديث وكذلك السيّدة حكيمة انهن دفن في هذه البقعة المباركة قرب قبر العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) إلا أن معالم أحد قبورهن لم يبرز أو اخفي مع قبر آخر من تلك القبور فصار هذا الخلط بين القبور ولعل قبر السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) اخفي لحكمة ما تتعلق بالإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

وقد مال بعض الباحثين الى الرأي القائل بان القبر المنسوب الى السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) الموجود تحت قبة العسكريّين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) هو قبر ام الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أي انه قبر السيّدة حديث (عَلَيهَا السَّلَامُ) استناداً الى وصيتها بان تدفن في الدار (2) وترجح هذا الرأي.

ص: 436


1- الراوندي، الخرائج والجرائح، ج 2، ص 1960 المجلسي، بحار الأنوار، ج 52 ص 42.
2- التستري، محمّد تقي، قاموس الرجال، نشر وتحقيق : مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، (اقم 14190ه_)، ج 12، ص 239 : الصافي، امهات المعصومين، ص 215.

معارف مهدوية - الشيخ حيدر السندي الأحسائي: الجزء الثاني

إشارة:

الشيخ حيدر السندي الأحسائي

معارف مهدوية

مطارحاتّ علميّة حول الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الجزء الثاني

ص: 437

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

ص: 438

اسطورية شخصية أم الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها)

تعتمد هذه الشّبهة على وجود اختلاف كبير في أسماء أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها) ويمكن أن تُبيّن هذه الشّبهة ضمن مقدّمتين، وهما:

المقدّمة الأولى تعدّد الأقوال في اسمها (رضیَ اللّهُ عنها).

الملاحظ للرّوايات والأقوال الموجودة في اسم أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها) يجدُ خلافاً، وتنقل بعض الروايات في ذلك:

الرواية الأولى: ما نقلها الشيخ الصدوق (قدّس اللّه سِرُّه) في (كمال الدِّين وتمام النّعمة): «عن أبي الحسين محمّد بن بحر الشيبانيّ أنه قال - في وصف حال أم الامام (عَلَيهَا السَّلَامُ): وردت كربلاء سنة ستٍّ وثمانين ومائتين - وساق قصّة طويلةً ترتبط بشراء أمّ الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، ثمّ قال في بيان ما وقع في طريقه إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - : فلما أخذها القرار، حتّى أخرجت كتاب مولاها (عَلَيهِ السَّلَامُ) من جيبها، وهي تلثمه وتضعه على خدّها، وتطبقه على جفنها، وتمسحه على بدنها، فقلتُ تُعجبًا منها: أتلثمين كتابًا ولا تعرفين صاحبه؟ قالت: أيّها العاجز الضعيف المعرفة بمحلّ أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرّغ لي قلبك أنا مليكة بنت يوشعا، بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريّين، تنسب

ص: 439

إلى وصيّ المسيح شمعون» (1)، فهذه الرواية تدلُّ على أنَّ اسمها مليكة.

الرّواية الثانية: ما رواه الشيخ الصدوق (قدّس اللّه سِرُّه)- أيضاً - في (كمال الدِّين وتمام النّعمة)، أنَّ السيّدة الجليلة حكيمة بنت الإمام الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) قالت: «بعث إليَّ أبو محمّد الحسن بن علي فقال : يا عمّة، اجعلي إفطارك هذه الليلة عندنا، فإنَّها ليلة النصف من شعبان، فإن اللّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) سيظهر في هذه الليلة الحجّة وهو حُجّته في أرضه، قالت: فقلتُ له: ومَن أمّه قال لي: نرجس» (2)، وهذه الرّواية تدلّ على أن اسمها (رضیَ اللّهُ عنها) نرجسٌ.

الرواية الثالثة: ما رواه الشيخ الصّدوق (قدّس اللّه سِرُّه) - أيضاً - في (كمال الدِّين وتمام النّعمة): (حدَّثنا محمّد بن على ماجيلويه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال : حدَّثنا محمّد بن يحيى العطار، قال: حدَّثنا أبو علي الخيزراني عن جارية له كان أهداها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فلمّا أغار جعفر الكذّاب على الدار، جاءته فارّةً من جعفر فتزوج بها، قال أبو علي فحدّثتني أنّها حضرت ولادة السيّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)- أي: ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) -، وأنّ اسم أم السيّد صقيل» (3)، وهذه الرّواية تدلّ على أن اسمها (رضیَ اللّهُ عنها) صقيلٌ.

الرّواية الرّابعة: ما رواه الشيخ الصّدوق (قدّس اللّه سِرُّه)- أيضاً - في (كمال الدِّين وتمام النّعمة): «بسنده عن غياث بن أسيد قال ولد الخلف المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) يوم الجمعة، وأمّه ريحانة، ويقالُ لها نرجس، ويقال صقيل، ويقال سوسن» (4)، وهذه الرواية تدلّ على أنَّ مِن أسمائها (رضیَ اللّهُ عنها) ريحانة وسوسن.

ص: 440


1- ج 2، باب ما روي في نرجس أمّ القائم (رضیَ اللّهُ عنها) و اسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك، ح 1.
2- ج 2، باب ما روي في ميلاد القائم صاحب الزمان حجّة اللّه ابن الحسن..، ح 1.
3- ج 2، باب ما روي في نرجس أم القائم (رضیَ اللّهُ عنها) واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك، ح7.
4- ج 2، باب ما روي في ميلاد القائم صاحب الزّمان حجة اللّه ابن الحسن...، ح 12.

الرواية الخامسة: ما في (كشف الغمّة في معرفة الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)) للإربلي: «حدَّثني محمّد بن موسى الطوسي، قال: حدَّثنا أبو مسكين عن بعض أصحاب التواريخ، أن أم المنتظر يقالُ لها حكيمة پ» (1).

وهذه الرواية تدلُّ على أن اسمها (رضیَ اللّهُ عنها) حكيمةٌ.

الرواية السادسة : ما نقله الشهيد الأول (قدّس اللّهُ سِرُّه): «ولد بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلاً، وقيل ضُحى الخامس عشر شعبان سنة خمس وخمسين ومائتين أمّه صقيل ، وقيل نرجس، وقيل مريم بنت زيد العلويّة» (2)، ونقل هذه العبارة العلّامة المجلسي في «بحار الأنوار» (3)، وهذه الرّواية تدلّ على أنّه قيل بأنَّ اسمها (رضیَ اللّهُ عنها) مريم.

الرواية السابعة: ما نقله العلّامة المجلسي (قدّس اللّهُ سِرُّه) في (بحار الأنوار): عن ابن خلكان صاحب (وفيات الأعيان) أنّه قال: «هو ثاني عشر الأئمّة الاثني عشر على اعتقاد الإماميّة، المعروف بالحجّة، وهو الّذي تزعم الشّيعة أنَّه المنتظر والقائم المهديّ، وهو صاحب السّرداب عندهم، وأقاويلهم فيه كثيرةٌ، وهم ينتظرون ظهوره في آخر الزّمان من السّرداب بسرّ من رأى، كانت ولادته يوم الجمعة منتصف شعبان سنة خمسٍ وخمسين ومائتين، ولمّا توفي أبوه كان عمرُه خمسَ سنين، واسم أمّه خمط، وقيل نرجس» فهذه الرّواية تدلُّ على أنَّ اسمها (رضیَ اللّهُ عنها) خمط» (4).

وفي هذه الروايات التي نقلتُها أسماءٌ ثمانية.

ص: 441


1- ج 4، وقال ابن الخشاب (رَحمهُ اللّه): ذكر الخلف الصّالح (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ص 199.
2- الدروس الشّرعيّة في فقه الإمامية، ج 2، كتاب المزار، ص 16.
3- ج 51، باب ولادته وأحوال أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ص 28.
4- بحار الأنوار، ج 51، باب ولادته وأحوال أمّه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح37.

المقدمة الثانية تعدّد الأسماء دالّ على بطلان القضيّة المهدويَّة؟

وجود هذا الاختلاف الكبير في اسم أمّ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في الرّوايات والأقوال يدلّ على أنَّ قضية الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) بحسب المعتقد الشيعي قضيّةٌ خرافيّةٌ، فقد قال صاحب هذه الشبهة: «وبعد فإنّ القارئ لهذه الروايات ليكادُ عجبه لا ينتهي أمام هذا الاختلاف الصارخ في اسم أمّ المهديّ، والّذي لا مُبرّر له سوى اضطراب مفتعلي هذه الأكاذيب وتنوّع مشاربهم وتباعد أماكنهم وتخالف غاياتهم»، فالمشكل يرى أنّ هذا الاختلاف الكبير في اسم أمّ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) يدلُّ على عدم وجود أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها)، وبالتالي عدم وجود الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) عماله، فليست القضية بحسب نظره إلّا قضيَّة مكذوبةً ومفتعلة.

مناقشة الشبهة: التعليق الأوّل: احتمال تعدد الأسماء واقعاً.

في مقام التعليق على هذه الشبهة أذكر بعض التّعليقات:

التعليق الأوّل: احتمال تعدّد الأسماء واقعاً.

إنّه لا يوجد أيُّ تنافٍ بين هذه الروايات المتعدّدة في ذكر اسم أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها) لأنّه من المحتمل أن يكون هذا التعدّد ليس من جهة تعارض الرّوايات وإنّما بسبب أنَّ أسماءها في الواقع مُتعدّدة، فهناك فرق بين أن يكون لها اسم واحدٌ ووقع فيه الاختلاف وبين أن يُقال إنه لها أسماء متعدّدة، وهذه الرّوايات تنقل هذه الأسماء المُتعدّدة، فهذا أمرٌ مُحتمل، وغاية ما في الأمر هو تعدّد الروايات في ذكر الأسماء الثّابتة.

و تعدّد الأسماء ثابت في جملة من الشخصيات التي عرفت بأكثر من اسم ومنها النّبي الأكرم (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، فقد روى القومُ عن جبير بن مطعم قال: «قال رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ): لي خمسةُ أسماءٍ: أنا محمّدٌ، وأحمد، وأنا الماحي الّذي يمحو اللّه بي الكفر، وأنا

ص: 442

الحاشر الّذي يحشر الناس على قدميه، وأنا العاقب» (1).

وأخرجه مسلم في (كتاب الفضائل)(2)، وتوجد بعض الرّوايات التي تدلّ على تعدّد أسماء أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها)، وبالتالي فلا تكون هذه الروايات والأقوال متنافيةً فيما بينها، لأنَّ أمّ الإمام الحجّة (رضیَ اللّهُ عنها) اسمها مليكة، وسوسن، ونرجس، وصقيل، فلا يوجد أي تناف وتعارض، وتوجد روايات تؤيد هذه المحتمل، ومنها:

الرواية الأولى: ما رواه المحدث الشيخ النوري (قدّس اللّهُ سِرُّه) في كتابه «النجم الثاقب في أحوال الإمام الحجّة الغائب».

فقد نقل الأقوال في سنة ولادة الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ورجح أنّها سنة مائتين وخمسة وخمسين، حيثُ قال : «ولكنَّ أقوى الأقوال هو الأول، وذلك للرواية الصّحيحة التي رواها الشيخ الثّقة الجليل أبو محمّد الفضل بن شاذان، الّذي كان موجودًا بعد ولادة الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وتوفي قبل وفاة الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في كتابه الغيبة، قال: حدَّثنا محمّد بن حمزة بن الحسن بن عبد اللّه بن العبّاس بن علي بن أبي طالب، قال: سمعت أبا محمّدٍ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، يقول : قد ولد وليّ اللّه، وحجته على عباده، وخليفتي من بعدي، مختونا ليلة النصف من شعبان سنة خمس وخمسين ومئتين عند طلوع الفجر، وكان أوّل من غسله رضوان خازن الجنان، مع جمع من الملائكة المقربين، بماء الكافور والسلسبيل، ثمّ غسلته عمّتي حكيمة بنت محمّد بن علي الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ثمّ سأله الراوي عن أم صاحب الأمر (رضیَ اللّهُ عنهَا)، فقال : أمّه مليكة، التي يُقال لها بعض الأيام سوسن، وفي بعضها ريحانة، وكان صقيل ونرجس أيضًا من أسمائها» (3).

ص: 443


1- صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ )، ح3532.
2- صحيح مسلم، کتاب الفضائل، بابٌ في أسمائه، ح2354.
3- ج 1، اختلاف الأقوال في سنة ولادته والقول المُرجّح، ص 135.

فهذه الرواية تدلّ على أنَّ كل هذه أسماءٌ لها (رضیَ اللّهُ عنهَا)، وهي تطلق عليها.

الرواية الثانية: ما رواه الشيخ الصدوق له في «كمال الدِّين وتمام النعمة» - تقدمت فيما سبق - : «بسنده عن غياث بن أسيد قال: ولدَ الخلفُ المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) يوم الجمعة، وأمّه ريحانة، ويقال لها نرجس، ويقال صقيل، ويقال سوسن

إذن، يوجد في بعض الرّوايات ما يدلُّ على احتمال أنَّ لها (رضیَ اللّهُ عنهَا) أكثر من اسم والرّوايات المتعدّدة إنّما اختلفت فيها الأسماء بسبب أنَّ كلَّ مؤرخ إمّا وقف على اسم واحد أو أكثر فنقله، أو هو اكتفى بنقل اسم واحد من أسمائها (رضیَ اللّهُ عنهَا)، ولم يكن بصدد استقراء الجميع.

سبب تعدد أسمائها (رضیَ اللّهُ عنهَا):

وقد يطرح هذا السؤال: لماذا يكون للسيّدة الجليلة أم الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنهَا) أكثر من اسم؟

وفي مقام الجواب نقول: إنّه يُحتمل في وجه ذلك أسبابٌ مُتعدّدة، نعرضُ لثلاثة منها:

السبب الأول: مراعاةٌ الوضع الأمني.

إنَّ أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنهَا) هي أمّ خليفة اللّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، الّذي سيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورًا، فهي أمّ الإنسان الّذي بيده تزول الأنظمة الظالمة، فإذا كانت الدُّولة العبّاسيّة على دراية بهذه الحقيقة كما تدلّ على ذلك جملةٌ من الرّوايات فمن الطبيعي أن القائمين عليها سوف يراقبون الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ويراقبون جواريه حتّى يتخلّصوا من أي مولود يولد له خصوصا مع ظهور العقيدة الإمامية التي تستند إلى وجود اثني عشر إمامًا، وأنَّ آخرهم هو المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، وأنَّ الإمام

ص: 444

العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو الإمام الحادي عشر، فمن الطبيعي أن يحاولوا مراقبة وملاحظة الإمام وبيت الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ)، حتّى يقضوا على الشخص الّذي يعتقد الشيعة أنَّ على يده زوال الأنظمة الجائرة بما في ذلك نظام بني العبّاس، وهذا كما وقع في زمن نبي اللّه موسى (على نبيّنا وآله وعليه أفضل التحيّة والسّلام)، فقد نقلت الروايات أن فرعون كان على دراية بأنَّ زوال حكمه سوف يكون على يد مولود من بني إسرائيل، ولهذا أخذ يذبح أبناءهم ويستحبي نساءهم.

والأمر كذلك وقع في زمن الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولهذا كان زمان الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) زمان تقيّة، وهنا أنقل بعض الروايات التي تبيّن شدة الخوف في زمن الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والتفات بني العبّاس إلى أن عقيدة الشيعة تقوم على أنَّ للإمام العسكريّ ولداً، وهو الّذي يزيل الأنظمة الظالمة، وهذا ما حمل بني العبّاس على مراقبة الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ومراقبة جواريه :

الرواية الأولى ما في كتاب (الغيبة) للشيخ الطوسيّ (قدّس اللّهُ سِرُّه)، حيث ذهبت السيّدة حكيمة (رضیَ اللّهُ عنهَا) بعد ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) إلى حجرة السيّدة نرجس (رضیَ اللّهُ عنهَا)، فلم تجد الإمام الحجّة (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، فبيّنت هذا الأمر وذكرت ما قاله لها الإمام الحسن العسكريّ في ذلك، فقالت (رضیَ اللّهُ عنهَا): «فلمّا كان بعد ثلاث اشتقتُ إلى ولي اللّه، فصرت إليهم، فبدأت بالحجرة التي كانت سوسن فيها، فلم أرَ أثرًا ولا سمعت ذكرًا، فكرهت أن أسأل، فدخلت على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) فاستحييت أن أبدأه بالسؤال، فبدأني فقال: هو يا عمّة، في كنف اللّه، وحرزه، وستره، وغيبه حتّى يأذن اللّه له، فإذا غيّب اللّه شخصي وتوفّاني، ورأيت شيعتي قد اختلفوا فأخبري الثّقات منهم، وليكن عندك وعندهم مكتومًا، فإنَّ ولي اللّه يغيّبه اللّه عن خلقه، ويحجبه عن عباده، فلا يراه أحد حتّى يقدّم له جبريل

ص: 445

(عَلَيهِ السَّلَامُ) فرسه، ليقضي اللّه أمرًا كان مفعولاً) (1).

الرواية الثانية: ما رواه الأعلام (2) بسند معتبر عن عبد اللّه بن جعفر الحميريّ، عن محمّد بن عثمان العمريّ أنَّ عبد اللّه سأله: «... فقلت له: أنت رأيت الخلف من أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) ؟ فقال : إي واللّه، ورقبته مثل ذا، وأومأ بيديه، فقلت له: فبقيت واحدة، فقال لي هات قلت فالاسم؟ قال: محرّم عليكم أن تسألوا عن ذلك ولا أقول هذا من عندي فليس لي أن أحلل ولا أحرم، ولكن عنه (عَلَيهِ السَّلَامُ) فإنَّ الأمر عند السلطان أنَّ أبا محمّد مضى ولم يخلف ولدًا، وقسم ميراثه، وأخذه من لا حق له، وصبر على ذلك وهو ذا عياله يجولون وليس أحد يجسر أن يتعرّف إليهم أو ينيلهم شيئاً، وإذا وقع الاسم وقع الطلب، فاتَّقوا اللّه وأمسكوا عن ذلك، يقول الحرّ العامليّ (قدّس اللّهُ سِرُّه) معلّقاً على هذه الرواية: «أقول: هذا أوضح دلالة في أنَّ وجه النهي التقيّة والخوف»(3)، أي أنَّ وجه النّهي عن ذكر اسم الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو التقيّة؛ لأنَّ الوضع السياسي في ذلك الزمان كان وضعًا تُحيفًا يُخشى منه على الإمام بقية اللّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

الرواية الثالثة: ما رواه في (إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات) : «حدَّثنا عبد اللّه بن الحسين بن سعد الكاتب، قال: قال أبو محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) : قد وضع بنو أمية وبنو العبّاس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما؛ أنهم كانوا يعلمون أنه ليس لهم في الخلافة حق، فيخافون من ادعائنا إياها، وتستقرّ في مركزها، وثانيتهما: أنهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أنَّ زوال ملك الجبابرة والظلمة على يد القائم منا، وكانوا لا

ص: 446


1- فصل فأما الكلام في ولادة صاحب الزمان وصحّتها...، ص 142.
2- بحار الأنوار، ج 51، باب أحوال السفراء الّذين كانوا في زمن الغيبة الصغرى، وسائط بين الشيعة وبين القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ص 348، الكافي، ج 1، باب في تسمية من رآه (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ح 1.
3- وسائل الشيعة، ج 16، باب تحريم تسمية المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وسائر الأئمّة وذكرهم وقت التقيّة وجواز ذلك مع عدم الخوف، ح 8.

يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة، فسعوا في قتل أهل بيت رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) وإبادة نسله، طمعا منهم في الوصول إلى منع تولّد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) أو قتله، فأبى اللّه أن يكشف أمره لواحد منهم، إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون»(1).

الرواية الرابعة: ما روي في «كمال الدِّين وتمام النعمة» : (قال هشام بن الحكم لشاميّ كان يناظره : كفعل فرعون في قتل أولاد بني إسرائيل للذي قد كان ذاع منهم وانتشر بينهم من كون موسى (عَلَيهِ السَّلَامُ) بينهم وهلاك فرعون ومملكته على يده، وكذلك كان فعل نمرود قبله في قتل أولاد رعيّته وأهل مملكته في طلب إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ)، زمان انتشار الخبر بوقت ولادته، وكون هلاك نمرود وأهل مملكته ودينه على يده، كذلك طاغية زمان وفاة الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، والد صاحب الزمان (عَلَيهِ السَّلَامُ)، وطلب ولده، والتوكيل بداره و حبس جواريه و انتظاره بهنَّ وضع الحمل الّذي بهنَّ»(2).

فالعبّاسيّون كانوا يعلمون بقضية الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) في عقيدة الشيعة، وأنه ابن الإمام الحسن العسكريّ، ولهذا شدّدوا المراقبة وأرادوا أن يقتلوا الإمام الحسن العسكريّ، أو يقتلوا الجارية التي تحمل له بولد، أو يقتلوا الولد فيما إذا ولد حتّى يقطعوا الطّريق على الشيعة نحو إيجاد ثورة بقيادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) على حكمهم الظّالم والجائر.

الرواية الخامسة: ما رواه الشيخ الصّدوق (قدّس اللّهُ سِرُّه) في (كمال الدِّين وتمام النعمة): قال: حدَّثنا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن محمّد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، قال: سمعت أبا الحسين الحسن بن وجناء، يقول: حدَّثنا أبي، عن

ص: 447


1- ج 5، باب النصوص على إمامة صاحب الزمان القائم المنتظر محمّد بن الحسن المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وولادته وغيبته وظهوره الفصل الرابع والأربعون، ح 684.
2- ج 1، جواب عن اعتراض، ص 76.

جدَّه أنه كان في دار الحسن بن علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فكبستنا الخيل وفيهم جعفر بن عليٍّ الكذّاب أي: هجمت الخيل على بيت الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ، وفيهم جعفر الكذاب أخو الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - واشتغلوا بالنّهب والغارة، وكانت همتي في مولاي القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال: فإذا أنا به قد أقبل، وخرج عليهم من الباب وأنا أنظر إليه، وهو (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن ستّ سنين، فلم يره أحدٌ حتّى غاب» (1).

فإذا كان الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد سنة مائتين وخمس وخمسين، ووالده توفّي في سنة مائتين وستين، فتكون هذه الهجمة والغارة على بيت الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) قد وقعت بعد سنة من وفاة الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فهم كانوا يشدّدون المراقبة، ويهجمون على بيت الإمام العسكريّ حتّى بعد وفاته بسنة - بحسب هذه الرواية الأمر الّذي يدلُّ على أنَّ الوضع الأمني كان مخيفاً جداً على الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف).

وتوجد روايةٌ تدلُّ على أنَّ جلاوزة بني العبّاس هجموا على بيت الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وسحبوا جاريةً له تُكنّى بأم عبد اللّه وخفروها إلى بغداد لتجلس بين يدي السّلطان (2).

وهذا الوضع الأمني يتطلّب أن يقوم الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعدة خطوات للحفاظ على الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ومن هذه الخطوات أنَّ يُغيّر اسم أمّ الإمام حتّى لا تُطلب، فيقول في وقت من الأوقات: إن هذه الجارية اسمها سوسن، ثمّ يقول في وقت آخر: إن اسمها نرجس، ثمّ يقول في وقت ثالث: إن اسمها صقيل وهكذا حتّى تتعدّد الأسماء، وبتعدد الأسماء لا يتمكن الظالمون من تحديد هويّة وشخصيّة أمّ الإمام، وبالتالي لا يتمكنون من قتلها.

ص: 448


1- ج 2 باب ذكر من شاهد القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ) ورآه وكلمه، ح 24.
2- إثبات الهداة: ج 3 ص 676.

لقد استطاعت السيّدة الجليلة والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، ومن خلال تغيير اسمها وتبديله أن تقوم برعاية وكفالة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) على أكمل وجه، ولهذا ورد في زيارتها (رضیَ اللّهُ عنها): (أشهد أنك أحسنت الكفالة، وأدّيت الأمانة، واجتهدت في مرضاة اللّه وصبرت في ذات اللّه وحفظت سرّ اللّه، وحملت وليّ اللّه وبالغت في حفظ حجّة اللّه، ورغبت في وصلة أبناء رسول اللّه، عارفةً بحقهم، مؤمنةً بصدقهم معترفة بمنزلتهم مستبصرةً بأمرهم، مشفقةً عليهم، مؤثرةً هواهم» (1) فهي (رضیَ اللّهُ عنها) بالغت في حفظ ولي اللّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)، وكيف تبالغ في حفظ ولي اللّه (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) إذا كانت قد كشفت عن هويتها؟!

ومن المشاهد والمعروف أنَّ من أهم الخطوات العقلانية، للحفاظ على شخص مُعيّن مطلوب ومستهدف؛ إخفاء هويته بجعل اسم آخر مُستعار.

السبب الثاني: قلة المعلومات المتوفّرة للرواة.

إنَّ شدّة وخطورة الوضع الأمني كما أوضحناه في السبب الأول- تقتضيان الكتمان والتستّر، وهذا ما يجعل المعلومات المتسربة حول الإمام العسكريّ وأمّ الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) معلومات محدودة، فكما أن هذا الوضع جعل رواة الشيعة الأوائل يتكتمون فلا يذكرون اسم الإمام المهديّ وأمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ) بصراحة؛ فإنّه قلّة يوجب المعلومات المتدفقة إلى عامة الناس، فلا يصل إلا ذكر أسماء متعددة وأحداث مختلفة غير واضحة، وهذا ما يُفسّر اختلاف بعض الرّوايات المرتبطة بشخصية أمّ الإمام (رضیَ اللّهُ عنها)

ص: 449


1- المزار الكبير القسم الثامن في زيارات الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ)، الباب (3) زيارة أم القائم (عَلَيهِ السَّلَامُ).

السبب الثالث: تعدّد أسماء الجواري لكثرة تنقلهنَّ.

كانت أم الإمام الحجّة (عَلَيهِ السَّلَامُ) جارية، وقد تنقلت عند أكثر من مالك، وفي أكثر من بيت، ففي رواية إن بشر بن سليمان النّخاس وبأمر من الإمام عليّ الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) اشترى أم الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ونقل بشر أن نرجس تعمدت إخفاء هويتها، وقالت لمن اشتراها استما غير اسمها فاسمها مليكة، ولكنها لما انتقلت إلى من باعها إلى بشر وسألها عن اسمها، وأرادت هي أن تخبره عن اسمها، فلم تقل اسمها الأول، وإنّما أخبرته باسم آخر، ففي الرّواية قالت: «وما شعر أحدٌ بي، بأنّي ابنة ملك الروم إلى هذه الغاية سواك، وذلك باطلاعي إيّاك عليه، ولقد سألني الشيخ الّذي وقعت إليه في سهم الغنيمة عن إسمي، فأنكرته، وقلتُ: نرجس» (1).

ولعلّه هو الّذي باعها على بشر، أو لعله مالكٌ سابق، فيكون اسمها نرجس إلى أن اشتراها بشرٌ، ثمّ تذكر الرّواية أنه لما جاء بها بشر إلى الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ)، جعلها الإمام (عَلَيهِ السَّلَامُ) عند أخته السيّدة الجليلة حكيمة (رضیَ اللّهُ عنها) فقال أبو الحسن :(عَلَيهِ السَّلَامُ) يا كافور ادعُ لي أختي حكيمة، فلمَّا دخلت عليه، قال (عَلَيهِ السَّلَامُ) لها: ها هي، فاعتنقتها طويلا، وسُرّت بها كثيرًا، فقال لها :مولانا يا بنت رسول اللّه، أخرجيها إلى منزلك، وعلّميها الفرائض والسنن، فإنّها زوجة أبي محمّد، وأمّ القائم» (2)، ومن المحتمل أنَّ السيّدة الجليلة حكيمة (رضیَ اللّهُ عنها) قد جعلت لها اسماً عندما نقلتها إلى بيتها، ثمّ لمّا انتقلت إلى بيت الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) جعل لها اسما جديدا، وبهذا تكّثرت الأسماء.

ص: 450


1- كمال الدِّين وتمام النعمة، ج 2، باب ما روي في نرجس أم القائم (رضیَ اللّهُ عنها) واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك، ح 1.
2- كمال الدِّين وتمام النعمة، ج 2، باب ما روي في نرجس أم القائم (رضیَ اللّهُ عنها) واسمها مليكة بنت يشوعا بن قيصر الملك، ح1.

وهذا السببُ مُحتملٌ جداً، حيث إنَّ العبيد والجواري تتعدّد أسماؤهم بتعدد البيوت التي ينتقلون إليها، لأنَّ كلّ مالك يريد أن يُطلق اسما مقرباً إليه، فقد يكون هذا هو السبب وراء تعدّد أسماء أمّ الإمام المهديّ (عَلَيهَا السَّلَامُ).

التعليق الثاني: الاختلاف في اسم أمّ الإمام المهديّ لا يضر بأصل القضية المهدويَّة.

ذكر صاحب هذه الشبّهة أنَّ اختلاف الروايات في تحديد هوية أم الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) يدل على أن قضية المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) بحسب المعتقد الشيعي خرافةٌ، لأنَّ الاختلاف دليلٌ على عدم صحتها.

وفي مقام التعليق نقول:

لو سلّمنا - وأطبقنا العين عن التعليق الأوّل السابق وقلنا بأنَّ الروايات الواردة في اسم أمّ الإمام المهديّ (عَلَيهَا السَّلَامُ) المتعارضة، فإنّ ذلك لا يضر بأصل المهدويَّة الخاصة التي يعتقد بها الشيعة، ويتضح عدم الضرر إذا التفتنا إلى أمرين :

الأمر الأوّل: قد تقدّم في الفصل الثالث وجود أنواع متعدّدة من الأدلة، وهي بأجمعها تثبت المهدويَّة الخاصة، ومنها: الروايات المتواترة التي تنص على هوية الإمام وولادته، وأنَّه القائم المنتظر (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) ، وهذه الأدلة بأنواعها المتعدّدة تفيد القطع واليقين سواءٌ وجدت روايات تبين اسم أمّ الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أم لم توجد، فوجودُ روايات في اسم أمّ الإمام المهديّ متعارضة لا يوجب رفع اليد عن الأدلّة القطعية؛ إذ هذا التعارض في شأن تفصيليٍّ، وهو اسم أم الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

الأمر الثاني: هو إنّنا لو لاحظنا روايات اسم أمّ الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، نجد فيها مدلولين:

ص: 451

المدلول الأوّل: إنَّ للإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) أماّ قد ولدته.

المدلول الثاني: أن لأم الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنها) اسماً.

ولو سلمنا بوجود تعارض في المدلول الثاني، فهذا لا يسري إلى المدلول الأوّل، ففي المدلول الثاني - وبسبب التعارض - ترفع اليد، ونقول: إنه لم يثبت عندنا اسم خاص، لأمّ الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولكن في المدلول الأوّل المشترك والّذي لا تعارض فيه لا معنى لرفع اليد، بل سيكون هذا المدلول مُعاضداً وداعماً لأدلة العقيدة المهدويَّة الخاصة، والتي منها ولادة الإمام المهديّ، وأنه الإمام بعد الإمام العسكريّ.

ص: 452

الإمام المهديّ من المهد الى الظهور - السيد محمّد كاظم القزويني

إشارة:

ص: 453

الطَّبْعَة الأولى

كافَةِ الحقوق محفوظة وَمُسجّلة 1405 هجرية - 1985 ميلادية

مؤسسة الوفاء

تلفون : 386868 – صَ بَ : 1475 - بيروت - لبنان

ص: 454

ترجمة حَيَاةِ السيّدةِ نَرْجِسٌ (عَلَيهَا السَّلَامُ)

وهنا يُناسب أن نذكر شيئاً من ترجمة حياة السيّدة نرجس والدة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وقد ذَكَرْنا - فيما مضى - بعض كلمات الأئمّة (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) التي عبرت عن السيّدة نرجس ب_(خيرة الإماء) أو (سيدة الإماء).

والآن - وقبل كلِّ شيء - نذكر أسماءها، فقد ذَكَرَ المحدثون لها ثمانية أسماء : نَرْجِس، سَوْسَن، صَيْقل أو صقيل، حديثة، حكيمة، مليكة، ريحانة، وخَمط.

وأَشْهَرُ أسمائها : نَرْجِسٌ... وكُنيَتُها : أم محمّد.

وقد ذكرنا - في أوائل الكتاب - أن تعدُّد الأسماء لا يَدلُّ على تعددِ المُسَمّى، وذَكَرْنا أَنَّ السيّدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) كانت لها أسماء عديدة لأسباب ومناسبات متنوعة، وهكذا الكلام هنا هنا، فإن نرجس : إسم لبعض الأزهار العَطِرة، والخَمْط : نوع من شجر الأراك له حمل وثَمَرٌ يُؤْكَل قال تعالى : «ذَواتي أُكُلٍ خَمطٍ» (1) وسَوْسَن : أيضاً من أنواع الأزاهير ذات الرائحة الطيبة والفوائد الكثيرة المذكورة في كُتُب

ص: 455


1- سورة سبأ آية 16.

الطب، والصقيل : هو الشيء الأملس، فلا مانع من أنْ تسمّى المرأة بأسماء متعدَّدة لمناسبات مختلفة، ولعلّ هناك أسباب وحِكَم ومصالح سياسية أو إجتماعية قد خفيت علينا.

ص: 456

الرؤيا الصادقة حقيقة ثابتة في القرآن والسُنَّة، وإستيعاب هذا البحث يحتاج الى تأليف خاص، كما فعل ذلك شيخنا النوري (عليه الرحمة) في كتابه : (دار السلام) ويمكن أنْ نُلخِّص القول فيما يلي :

ص: 457

لقد ذَكَرَ اللّه تعالى في القرآن الكريم منامات عديدة للأنبياء وغيرهم، فذَكَرَ في سورة الصافات رؤيا النبي إبراهيم (عَلَيهِ السَّلَامُ) (1) وفي سورة يوسف تجد أربع منامات أحَدُها ليوسف بن يعقوب (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) وإثنين للشابين اللذين دخلا معه السجن، ورؤيا للملك يومذاك، وكانت هذه الأحلام والمنامات صادقة، فقد تحقق تأويلها وتعبيرها في الخارج (2).

وفي الأحاديث النبوية وأحاديث أئمة أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلَامُ) تجد كميَّة كثيرة من المنامات والأحلام الصادقة التي تحقق تأويلها وتعبيرها، فلقد رأى رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام : أنَّ رجالاً يَنْزُون على منبره نَزْوَ القردة، ويردُّون الناس على أعقابهم القهقرى، فأستوى رسولُ اللّه جالساً والحُزْنُ يُعرَفُ في وجهه، فأتاه جبرئيل بهذه الآية : «وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ، والشَجَرَةَ المَلعُونَة فِي القُرآنِ، ونُخَوِّفُهُم فَمَا يَزِيدُهُم إِلَّا طُغيَانَاً كَبِيرَاً» يعني بني أميَّة (3).

ورأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) منامات أخرى وفَسَّرَها فكانت كما أخبر بها، تجد التفاصيل في الكتب التي تتحدث عن سيرته (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ)

والسيّدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) رأت أباها رسول اللّه في المنام في

ص: 458


1- سورة الصافات / آية 102.
2- تجد ذلك في سورة يوسف آية 4، 36 - 37، 40، 42.
3- بعض مصادر الحديث : السيوطي في (الدر المنثور) في تفسير الآية، مقدمة الصحيفة السجادية، البيهقي في (الدلائل)، وابن عساكر، والألوسي في تفسيره (روح البيان) ج 15 ص 100، وابن كثير في تفسيره ج 3 ص 49، والفخر الرازي في تفسيره.

يوم وفاتها، فقال لها النبي (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) : أنتِ الليلة عندي فتُوفِّيَتْ (عَلَيهَا السَّلَامُ) في ذلك اليوم، وكذلك الإمام علي أمير المؤمنين والإمام الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) كلُّ منهما رأى رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ ) في المنام. فأخبر النبي كلا منهما باقتراب شهادته وتعيين يومها.

فالرؤيا الصادقة تُعتبر للإنسان الرائي مُكاشَفَة ومُكالمة ومخابرة من عالم ما وراء الطبيعة، ولقد ثبت في الأحاديث الصحيحة كلام رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ ) حيث قال : «من رآني فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثَّل بي» ورُويَ الحديث أيضاً هكذا : «مَن رأنا فقد رآنا».

لقد كانت رؤيا السيّدة نرجس رؤ يا صادقة، بل تُعتبر رؤياها نوعاً من المكاشفة، فقد خَطَبها رسولُ اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في عالم الرؤيا، وأسْلَمتْ في عالم الرؤيا بعد أنْ لَقّنتها السيّدة فاطمة الزهراء (عَلَيهَا السَّلَامُ) كلمة الشهادتين، وكانت السيّدة نرجس ترى الإمام الحسن العسكريّ في منامها في كل ليلة، وأخيراً أخبرها الإمام بأن جدها قيصر ينوي محاربة المسلمين، وأمرها أنْ تجعل نفسها مع الوصائف والخدم وترافق الجيش ليكون ذلك وسيلة لوصولها الى البلاد الإسلامية، ثمّ تحظى بشرف المثول والحضور عند الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

كل هذه الأشياء تعتبر من الأمور الممكنة، وقد وقعت أمثالها بكثرة على مرَّ التاريخ. واختَصَّ اللّه تعالى السيّدة نَرجس بهذا الشرف الأرفع الخالد، بعد أن خلق فيها المؤهلات والمواهب من : نفسية شريفة، وفضائل شخصية، ومزايا جَمَّة، كالحياء والعِفَّة، وقوَّة الشخصية، والإيمان والأصالة

ص: 459

وغيرها، وهذه الفضائل والإمتيازات قد أهَّلتها لتكون والدة لسيِّدنا صاحب الزمان الحجّة بن الحسن، المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) فإنَّ الوراثة لها كلُّ الأثر في الطفل... وإلا فما هي الدوافع والدواعي لأن يخطبها رسول اللّه (صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَ آلِهِ وَسَلَّمَ ) في المنام وهي في بلاد الروم ؟؟

أما وَجَدَ الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في البلاد الإسلامية إمرأةً مسلمة يتزوّجها، أو جارية مسلمة يشتريها ؟؟. فلماذا هذه المقدمات الطويلة العريضة، وهذه التشريفات الخاصة العجيبة ؟

من الواضح أننا لا نستطيع الإحاطة والإطِّلاع بصورة مفصَّلة عن حياة السيّدة نرجس من حيث نفسيتها الممتازة وشخصيتها المثالية !

وأمّا الحديث الآخر الّذي يترجم حياة السيّدة نرجس فهو كما يلي :

روى الشيخ الصدوق في (إكمال الدِّين) بأسناده عن محمّد بن عبد اللّه المطهَّري قال : قصدتُ حكيمة بنت محمّد الجواد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد مُضي - أي : بعد وفاة - أبي محمّد الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسألها عن الحجّة وما أختلف فيه الناس من الحيرة التي فيها... الى أن يقول : فقلتُ يا مولاتي هل كان للحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) وَلَد ؟.

فتبسَّمَتْ... ثمّ قالت : إذا لم يكن للحسن عَقِبُ فَمَن الحجّة من بعده ؟ وقد اخبرتُكَ أنه لا إمامة لأخوين بعد الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)(1).

ص: 460


1- وفي نسخة : ان الإمامة لا تكون لأخوين بعد الحسن والحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ). والمقصود من كلامها : أنها تنفي إمامة جعفر الكذّاب الّذي إدعى الإمامة بعد أخيه الامام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقلتُ : يا سيدتي حدثيني بولادة مولاي وغيبته (عَلَيهِ السَّلَامُ)؟.

قالت : نعم. كانت لي جارية يُقال لها (نَرجس)، فزارني إبن أخي، فأقبل يحدق النظر اليها. فقلت له : ياس. سيّدي لعلك هويتها فأرسلها إليك ؟ فقال : لا يا عمَّه، ولكنني اتعجَّب منها. فقلت : وما أعجَبَكَ منها ؟ (1) فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ) : سيخرج منها وَلَدٌ كريمٌ على اللّه عزَّ وجل، الّذي يملأ اللّه به الأرض عدلاً وقسطاً. فقلت : فأرسلها اليك يا سيّدي ؟ فقال : إستأذني في ذلك أبي.

قالت حكيمة : فلبست ثيابي وأتيتُ منزل أبي الحسن، فسلّمتُ وجلست، فبدأني (عَلَيهِ السَّلَامُ) : وقال : يا حكيمة إبعثي نرجس الى إبني أبي محمّد. فقلت : يا سيّدي على هذا قصدتك : على أن أستأذنك في ذلك فقال : يا مباركة إن اللّه تبارك وتعالى أحبّ أنْ يُشرككِ في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً.

قالت حكيمة : فلم البَثْ أن رجعت الى منزلي وزيّنتُها ووهبتها لأبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) وجمعتُ بينه وبينها في منزلي، فأقام عندي أيّاماً ثمّ مضى الى والده (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) ووجهت بها معه... إلى آخر الحديث» (2).

ص: 461


1- يُقال : أَعجَبَه : أي حمله على العَجَب منه : فيكون المعنى : أي شيء عجيب رأيتَ منها ؟.
2- اكمال الدِّين للصدوق ج 2 ص 427 طبع طهران سنة 1395 ه_.

أقول : هذا الحديث - كما تراه - لا يَذْكُرُ شيئاً من أصل السيّدة نرجس، وترجمة حياتها، سوى أنها كانت جارية للسيّدة حكيمة ورآها الإمام الحسن العسكريّ، ولا يذكر هذا الحديث كيفية وصولها الى سامراء والى السيّدة حكيمة بصورة خاصة. ولقد حاول بعض المعاصرين أن يجمع بين هذين الحديثين فقال : «لقد مرَّ في الحديث السابق أنَّ الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) قال لأخته حكيمة : يا بنت رسول اللّه خُذيها إلى مَنزِلكِ وعَلِّمِيها الفرائض والسُنَن فإنها زوجة أبي محمّد وأمّ القائم. فكانت نرجس عند حكيمة حتّى إشتهرت ب_(جارية حكيمة) .

فلعلّ الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) رآها في بيت عمَّته بعد ذلك، وجَعَلَ يُحدِق النظر إليها، ولا مانع من ذلك فهي زوجته» إنتهى.

ولكن المشكلة أنَّ كلمات هذا الحديث لا تساعد على هذا التأويل والتوجيه، فقول السيّدة حكيمة : «كانت لي جارية يُقال لها : نرجس» يدل على أن نرجس كانت ملكاً للسيّدة حكيمة، وكذلك قولها : «وَوَهَبْتُها لأبي محمّد» يُنافي كلام الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) - في الحديث السابق - «فإنَّها زوجة أبي محمّد».

وبعد تضعيف نظرية الجمع والتوجيه يأتي سؤال وهو : كيف جاز للإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أن يحدق النظر إلى إمرأة لا تحلّ له ؟.

والجواب : يجوز النظر الى جارية الغير إذا أذِنَ مالِكُها ذلك، ومن المستحيل أن ينظر الإمام العسكريّ الى إمرأة لا يحل له النظر اليها لأنه خلاف العصمة... وبعد هذا فإن هذا الحديث الثاني مروي عن محمّد بن عبد اللّه

ص: 462

المطهَّري أو الطهوي، وهو مجهول، ومعنى ذلك ان هذا الخبر ضعيف، والإعتماد على الحديث الأول أولى وأنسب، واللّه العالم.

ص: 463

ص: 464

فارس الزمن الغائب - كمال السيّد

إشارة:

ص: 465

فارس الزمن الغائب

كمال السيّد

كافة حقوق الطبع محفوظة

ومسجلة للناشر ومكتبة فدك

الناشر :باقيات

الكمية: 1500نسخة

المطبعة: وفا

الطبعة: الأولى

تاريخ الطبع 2008م - 1439 ه_.ق

القطع وعدد الصفحات: رقعي - 284 صفحة

شابك: 5-10-5026-600-978

عنوان الناشر ایران - قم - شارع معلم - رقم 44 تلفون: 7743900

مركز التوزيع : ایران - قم - مجمع الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) - الطابق الأرضي رقم 116،117 - تلفون: 7833624

مکتبة فدك

ص: 466

أميرةٌ فِي بَغداد

ص: 467

أميرة في بغداد

حادثة في القسطنطينية

في عام 227ه_ - 841م توفي الإمبراطور تيوفثيل أحد أباطرة الأسرة العمورية الحاكمة ليخلفه على العرش ابنه القاصر ميخائيل (6 سنوات) فتألف مجلس للوصاية برئاسة والدة ميخائيل «تيودورا» وخاله «قیصر باراداس».

وانفردت تيودورا بالحكم وخاضت حروباً مدمّرة مع الدولة الإسلامية واستمرت في تربعها على العرش 14 سنة وقد اتهمت بارتكاب مذبحة مروعة بحق الأسرى المسلمين راح ضحيتها 12000 أسير.

وفي عام 856م 242ه_ قام أخوها قيصر باراداس باعتقالها وإجبارها على دخول الدير فأصبح بذلك الإمبراطور الفعلي لدولة الروم.

نحن الآن في عام 867م - 253ه_ حيث قام باسيل المقدوني بالتسلل إلى غرفة نوم قيصر باراداس وقتله، ثمّ خنق ميخائيل الثالث الّذي لم يبلغ الثلاثين من العمر، وبهذه العملية الانقلابية انتهى إلى الأبد حكم الأسرة العمورية.

ص: 468

وقد قام باسيل وهو شخصية انتهازية دموية بتصفية جميع أفراد الأسرة فشتت الأسرة وفرّت بعض الأميرات وتوارين عن الأنظار وخلال فترة التصفيات الدموية اغتيلت الإمبراطورة تيودورا في الدير وهكذا بدأ عهد جديد في إمبراطورية الروم البيزنطيين، هو عهد الأسرة المقدونية.

سامراء 253ه_. 867م

كانت سياسة المعتز تتركّز في انتهاج سياسة القمع التي قادها والده المتوكل، وقد أصبحت والدته التي عرفت باسم «قبيحة» هي الحاكم الفعلي يعاونها رئيس الوزراء الّذي اعتنق الإسلام مؤخراً «ابن إسرائيل» إضافة إلى شخصيات من حكومة المتوكل

وقد قام المعتز بترقية ضباط الشرطة من غير الأتراك وجعلهم عماد الحرس الخاص.

وقد شنّت الدولة حملة اعتقالات في سامراء وبغداد طالت عشرات العلويين وممن تشم فيهم رائحة الولاء لهم وفي طليعة من اعتقل في بغداد أبو هاشم الجعفري وذلك بأوامر شخصية من المعتز بذريعة أن الخليفة يفكر في إرساله إلى طبرستان شمال إيران للتفاوض مع مؤسس الدولة العلوية هناك «الحسن بن زيد».

ص: 469

وكانت خزانة الدولة عاجزة بسبب الفوضى عن سد نفقات الشرطة والجيش التي بلغت ميزانيتهم 200.000.000 دينار سنوياً وهو ما يساوي إيراد الدولة مدّة عامين!

وقد أدّى توقف صرف المرتبات إلى اندلاع حوادث شغب نفذها عسكريون

وقد لقي الضابط التركي وصيف مصرعه بأيدي الغاضبين، ولكن ابنه صالح بن وصيف استطاع أن يقمع تلك الحركة ما استدعى من المعتز إلى أن يمنحه جميع امتیازات وصلاحيات والده.

وفى تلك الأجواء المشحونة بالقلق والاضطراب سُمع الإمام الهادي يقول: «إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يُظن بأحد سوءً حتّى يُعلم ذلك منه، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه».

في تلك الليلة الخريفية

كان قد مضى شطر من الليل عندما أرسل الإمام الهادي كافور الخادم إلى منزل بشر بن سليمان النخاس تاجر الرقيق الّذي اكتسب سمعة طيبة في تجارة الرقيق، أنه يعتمد مبادئ

ص: 470

أخلاقية وشرعية دقيقة في هذه التجارة ولا يتورط في أيّة صفقات مشبوهة خاصة بعدما تورطت الدولة في حروب الأطفال داخلية وكان الجيش الحكومي لا يتورع عن سبي والنساء المسلمات!!

كانت رياح كانون تهب في أزقة سامراء والأبواب موصدة ومن بعيد كان يأتي عواء الذئاب ليختلط مع سنابك خيول يمتطيها جنود أتراك.

عندما وصل بشر إلى منزل الإمام لم يكن يعرف دوافع هذا اللقاء قبيل منتصف الليل.

جلس بشر متأدباً في حضرة الإمام الّذي أسرع الشيب إلى رأسه ولحيته رغم أنه لم يبلغ الأربعين بعد.

ابتسم الإمام لضيفه وقال بودِّ.

- يا بشر إنك من ولد الأنصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت وأنى مزكيك ومشرفك بفضيلة تسبق بها سائر الشيعة بسر أطلعك عليه.

كان الإمام قد أعد رسالة باللغة الرومية فختمها وسلّمه حقيبة صفراء اللون فيها 220 ديناراً وقال:

- خذها وتوجه إلى بغداد إلى معبر الصراة وانتظر قدوم زوارق السبايا.. فإذا رأيت بين الجواري فتاة ترتدي قميصاً

ص: 471

حريرياً وترفض أن تسفر عن وجهها فهي التي أريد.

في صباح اليوم التالي كان بشر في طريقه إلى شارع الخليج حيث ترسو السفن والقوارب القادمة من بغداد أو التي تنتظر المسافرين لنقلهم إلى بغداد.

كانت الشمس قد أشرقت فوق ذرى النخيل على امتداد شاطئ النهر عندما انسابت السفينة تحملها أمواج دجلة وفي الضحى وصلت السفينة «معبر الشماسية» وقد لاحت جذوع النخيل المحترقة في الحرب الأهلية قبل أكثر من عام.

كانت آثار الحرب ما تزال واضحة في ضفاف دجلة وبقايا السور الطويل الّذي كان الخط الدفاعي الأوّل في صد هجوم الجيش التركي القادم من سامراء، كما بدت بعض الدور المهدّمة في معبر الصراة. وقف بشر النخاس ينتظر وقد شعر بالدفء تحت أشعة شمس كانون.

وعلى مقربة من النهر ينهض سوق للرقيق وقد تشكل وفقاً لمتطلبات هذه التجارة فهناك دكة ينادي عليها النخاس ومكان لعرض الفتيات من وراء ستارة شفافة أما إذا كان الرقيق من الغلمان فأنّهم يقفون بالقرب من التاجر.

وبدأت الحركة في السوق مع وصول قوارب تحمل سبايا الاشتباكات الأخيرة مع دولة الروم.

وبدأ أحد النخاسين بإطلاق أولى نداءات البيع.

ص: 472

- حسناء تجيد طهي الطعام وتحسن شيئاً من الغناء وتحفظ أخباراً مليحة.

قال رجل :

- كم عمرها؟

عشرون سنة.

ونادى النخّاس:

- خیزران!

ونهضت فتاة عليها ملامح سكان أرمينيا.

وحضر رجال يبدو عليهم أنهم موظفون في الدولة، كما تجمع شبان جاءوا للنظر فقط.

وقف بشر قرب دكّة عمر بن يزيد النخّاس وهو التاجر المطلوب. كان التاجر قد باع جاريتين وكان ينادي على الثالثة فيما كانت فتاة رابعة تختبئ كانت في السادسة عشرة من العمر.

نادی النخّاس:

- عمرها أربعة عشرة سنة تحسن العربية

صاح شاب متهكماً:

- لكننا لا نرى شيئاً.

أزاح النخّاس الستر جانباً وأراد أن يمسك بردن الفتاة لكنها جذبته وندّت منها صرخة بلغة رومية.

علق شاب آخر :

ص: 473

- كيف تريدنا أن نبتاع هكذا.

لوّح النخّاس بسوطه فتراجعت الفتاة.. آه ما أسوأ أن يباع الإنسان في الأسواق.

وانفضّ الناس بعد عجز النخاس عن بيع الفتاة وهنا تقدم بشر بعد أن رأى أن الفتاة ترفض كل عرض بالشراء من إنسان لا تطمئن إليه قال بشر لتاجر الرقيق :

- أن معي رسالة مختومة لبعض الأشراف كتبها بلغة رومية وخط رومي وهو رجل نبيل فلتقرأ الفتاة الرسالة فإن رضيت فأنا وكيله في إتمام الصفقة.

هزَّ التاجر رأسه موافقاً فناول بشر الرسالة إلى الفتاة فتحت الفتاة الشابة الرسالة وراحت تقرأ وقد تألق وجهها فرحاً ثمّ التفتت إلى التاجر وقالت بعني إلى صاحب الرسالة.

قال التاجر:

- لن أبيعها بأقل من ثلاثمائة دينارا!

هذا ثمن باهض.

صاحت الفتاة

- سأقتل نفسي إذا رفضت!

قال بشر

- أن معي هذه الحقيبة وهي لصاحب الرسالة وفيها مئتان وعشرون ديناراً لا تزيد ولا تنقص.

ص: 474

سكت التاجر لحظات ثمّ قال:

- هاتها.

على بركة اللّه.

وأمضى الرجلان وثيقة البيع.

أما الفتاة فقد قبلت الرسالة ووضعتها على عينيها وكان بشر ينظر إلى ما تفعل متعجباً.

أن ما يره لا يجد له تفسيراً فهذه الفتاة الرومية تقبل رسالة لا تعرف صاحبها فتساءل:

- أتلثمين كتاباً لا تعرفين صاحبه ؟!!

سكتت الفتاة ثمّ قالت:

- أعرف أنك أمين وأن من أرسلك قد ائتمنك على سرّ لم يطلع أحداً عليه وأنا أستودعك سراً لم أطلع أحداً عليه!!

وسكتت لحظات وارتدى وجهها وقاراً وألقاً من النور وهي تقول:

أنا «مليكا» بنت يشوعا بن قيصر وأُمّي من ولد الحواريين من ذرية شمعون.

مشاهد من الذاكرة

في المركب الشراعي المتّجه صوب سامراء، جلست الفتاة تنظر إلى النخيل وقد غمرته شمس الأصيل بأشعته

ص: 475

الذهبية.

واشتعلت في ذاكرتها تلك الرؤيا العجيبة.. كان عرشاً من نور والسيّد المسيح جالس على العرش يدخل رجل مهيب الطلعة يرتدي زياً عربياً شعره متموج كبحيرة رقراقة ... سوالفه تتلألأ وابتسامة تشرق في وجهه المضيء.. وينهض السيّد المسيح ليعانقه.. أنه أحمد الّذي بشر به الإنجيل.

قال :أحمد يا روح اللّه جئتك خاطياً من وصيّك شمعون ابنته لابني هذا وأوماً إلى فتى أسمر.. عيناه النجلاوان تشعان بالصفاء وابتسم شمعون ومعه الحواريون.. عندما انتبهت وجدت نفسها بين أيدي الراهبات وكان جبينها يلتهب من الحمى وجاء جدها قيصر لزيارتها فقال لها:

- هل تشتهين شيئاً؟

قالت :

- يا جدي أرى أبواب الفرج علي مغلقة، فلو كشفت العذاب عن أسرى المسلمين وفككت عنهم الأغلال... لرجوت أن يهبني المسيح وأمّه لي الشفاء.

ووعدها الجد بذلك.. وظلت مليكا تحت تأثير الرؤيا وما تزال صورة الفتى العربي الأسمر تتألق في وجدانها.

في مساء اليوم الثالث رأت مليكا حلماً آخر، تمثلت لها السيّدة مريم والى جانبها سيدة وجهها يزهر نوراً، على رأسها

ص: 476

إكليل من أحد عشر كوكباً وقد أشرقت فوق رأسها شمس بهية وقمر منير وتحفها حوريات الجنة.

قالت :مریم

- هذه سيدة النساء... فاطيما..

وتهيأت الفتاة لتعانق سيدة النساء وتهب من نومها تفكر في أمرها!! وكيف مال قلبها إلى أن تتعلم العربية منذ نعومة أظفارها.. عندما سمعت بأن المسلمين الأسرى اختاروا الموت ورفضوا التخلي عن دينهم ومنذ أن رأت تلك الرؤيا وهي تفكر كيف تعبر الحدود لتلتقي فتى الأحلام.

وفيما هي تخطط للالتحاق بالجبهة بذريعة التمريض وقعت حادثة الانقلاب العسكريّ بقيادة باسيل المقدوني الّذي شتت الأسرة العمورية وفي غمرة تلك الفوضى تمكنت أن تحقق فكرتها فالتحقت بالجبهة للتمريض ووقعت في أسر المسلمين فكانت في سهم شيخ مسلم سألها عن اسمها فقالت على الفور :

- نرجس

قال الشیخ:

- أنه اسم يطلق على الجواري. وهكذا أخذت طريقها مع السبايا إلى مدينة بغداد حيث تزدهر تجارة الرقيق بسبب الحروب الداخلية والخارجية.

ص: 477

اللقاء

قبيل الغروب وصل بشر النخاس «محل درب الحصا» حيث تقع دار الإمام الهادي وكانت جارية تتبعه وعيناها تشرقان بالأمل.

احتفى الإمام الهادي بالفتاة التي وصلت على قدر...

كان المنزل تغمره سكينة الغروب.. ولم يكن في منزل الإمام أحد سوى بعض الجواري وكان كافور جالساً قرب الباب الرئيسية وكأنه ينتظر قدوم ضيف كريم.

قال الإمام لكافور:

- أدع لي أختي حكيمة

وانطلق كافور بعد أن نشرت ظلمة الغروب ستائرها الشفافة... جلست الفتاة في حضرة الرجل الّذي بلغ الأربعين وقد غادر بشر المنزل بعد أن ودع الإمام الّذي نظر إليه وكأنه يؤكد عليه أن يبقى كل شيء سراً مستوراً.

وصلت حكيمة لرؤية الفتاة التي اختارها القدر لتكون أمّاً للصبي الموعود، قال الإمام لأخته:

- ها هي!

وهبّت المرأة لتعانق الفتاة وانحنت مليكا فقبلت يد السيّدة المباركة.

ص: 478

قال الإمام للفتاة:

- كيف أراك اللّه عزَّ الإسلام وذل النصرانية؟

قالت الفتاة بأدب:

- كيف أصف لك يا بن رسول اللّه ما أنت أعلم به مني!

قال الإمام وهو يغمرها بنظرات تفيض رحمة وحناناً:

- أريد أن أكرمك.. فأيهما أحب إليك عشرة آلاف درهم؟ أم بشرى لك بشرف الأبد؟

- بل البشرى يا سيّدي!

قال الإمام وهو يبشر بميلاد الطفل الموعود :

- فابشري بولد يملك الدنيا شرقاً وغرباً، ويملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا!

أطرقت الفتاة برأسها حياءً وقد تورد وجهها وكأنها تريد أن تعرفه ويطمئن قلبها ثمّ نظرت إليه نظرة تساؤل.

لهذا قال الإمام:

- ممن خطبك رسول اللّه له

والتفت الإمام إلى أخته قائلاً:

- يا بنت رسول اللّه خذيها إلى منزلك وعلّميها الفرائض والسنن ونهضت السيّدة حكيمة مصطحبة معها الفتاة الكريمة التي ستعرف بعدة أسماء: فهي «ريحانة» و «سوسن» ونرجس و «حديثة» أما أسمها الحقيقي «مليكا» فسيبقى

ص: 479

مستوراً مع جذورها وسرها المكنون.

وانتقلت «مليكا» إلى منزل السيّدة حكيمة لتعيش هناك مدّة من الزمن.

حوادث سنة 254ه_. 868م

* تمرد أحد كبار القادة الأتراك (بغا الشرابي) وفشل الحركة التي انتهت بإلقاء القبض عليه وإعدامه.

* قيام دولة بني طولون في مصر وانفصالها عن الدولة المركزية.

* ثورة في الأندلس.

* قيام الدولة الصفارية وامتداد نفوذها إلى إقليم سيستان وكرمان في إيران.

* تدهور صحة الإمام علي الهادي حزيران سنة 868 جمادي الثانية سنة 254ه_.

زواج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) [الإمام العسکري (عَلَيهِ السَّلَامُ)]

كان الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) الّذي تجاوز العشرين من عمره في منزل عمته وهناك وقعت عيناه على فتاة يراها لأول مرة فظل ينظر إليها لحظات وكأنه يعرفها من قبل.

وأدركت السيّدة حكيمة أن اللّه سبحانه هو مقلب القلوب وبيده مصائر الخلق من أجل هذا انطلقت لتطلع هذا انطلقت لتطلع أخاها على

ص: 480

رغبة الحسن في الزواج من الفتاة كان قلبها مفعماً بفرحة لا توصف سوف تزف لابن أخيها فتاة طاهرة كأنها قطرة ندى وسيكون ثمرة هذا الزواج صبى تتحقق على يديه آمال البشرية

ما إن دخلت السيّدة حكيمة حتّى بادرها الإمام قائلاً:

- يا حكيمة ابعثي نرجس إلى ابني أبي محمّد

قالت السيّدة :

- يا سيّدي من أجل هذا جئتك أردت أن أستأذنك في ذلك.

قال الإمام

يا مباركة إن اللّه تبارك وتعالى أراد أن يشركك في الأجر ويجعل لك في الخير نصيباً.

وعادت السيّدة حكيمة إلى منزلها لتجهز العروس في إحدى حجرات البيت ليكون عشاً دافئاً لأسرة طاهرة.. أسرة سيكون لها مجد رفيع.

وهكذا جمع اللّه بين قلبين طاهرين ينبضان بالحب والخير لكل الناس.

ورفرفت طيور السعادة في سماء حياتها ولكن رحيل الإمام الهادي، ذلك القلب الكبير المفعم بالسلام نشر الحزن كغيمة داكنة حجبت نور الشمس كان الحسن قد انتقل إلى

ص: 481

منزله ومعه زوجته قبل وفاة والده وسرعان ما تدهورت صحته بشكل خطير وتبادل الناس همسات في الخفاء حول دسّ السم في طعامه وقد واجه الحسن هذه الفاجعة بثبات الجبال.

وكان أخوه محمّد قد توفي في مدينة «بلد» أثناء عودته إلى المدينة المنورة لهذا لم يبق إلى جانبه أحد، لقد بقي وحيداً في مواجهة المحن، أما شقيقه جعفر فقد انصرف إلى مرافقة أصدقاء السوء ولم يكن ليفكر في شيء سوى اللهو.

ولم يكن يوم وفاة الإمام الهادي يوماً عادياً فقد تعطلت الحياة في سامراء، وجاء أخو الخليفة الّذي عرف بالموفق ممثلاً رسمياً عن شخص الخليفة ليقدّم التعازي للإمام الحسن بهذه المناسبة الأليمة.

لقد كان يوم 25 جمادى الثانية يوماً لا ينسى في ذاكرة سامراء.

ص: 482

بانتظار الذي یأتي -كمال السيّد

إشارة:

ص: 483

بانتظار الّذي يأتي

كمال السيّد

كافة حقوق الطبع محفوظة

و مسجلة للناشر ومكتبة فدك

الناشر: باقيات

الكمية: 2000 نسخة

المطبعة: وفا

الطبعة: الأولى

تاريخ الطبع 2008 م - 1439 ه_. ق

القطع وعدد الصفحات: وزيري. 356 صفحة

شابك : 9-12-5126 - 600-978

عنوان الناشر ایران - قم - شارع معلم - رقم 44 تلفون: 7743900

مركز التوزيع : ایران - قم - مجمع الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) - الطابق الأرضي

رقم 117، 116 - تلفون: 7833624

ص: 484

أُمّ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) / العوامل التي أدّت إلى اختلاف أسمائها

ذكرت لأم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) أسماء عديدة من بينها : نرجس، صقيل، ريحانة، سوسن، مريم، ويعود هذا الاختلاف إلى جملة من العوامل :

الأول: تعدّد الجواري اللاتي كن في منزل الإمام الحسن العسكري (عَلَيهِ السَّلَامُ)

الأول : تعدّد الجواري اللاتي كن في منزل الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ).

عن حكيمة عمته، قالت : «انتهيت إليه وهو جالس في حصن داره وجواريه حوله فقلت : جعلت فداك يا سيّدي، الخلف ممّن هو ؟

قال : من سوسن» (1).

وفي رواية أخرى : عن حكيمة أيضاً تقول : «دخلت عليه، فقلت له كما أقول، ودعوت كما أدعو، فقال : يا عمّة، أما إن الّذي تدعين اللّه أن يرزقنيه يولد في هذه الليلة.. فاجعلي إفطارك معنا.

فقلت : يا سيّدي، ممّن يكون هذا الولد العظيم ؟

فقال (عَلَيهِ السَّلَامُ): من نرجس، يا عمّة» (2).

ص: 485


1- الغيبة / الطوسيّ : 235، الحديث 204. بحار الأنوار: 17/51.
2- كمال الدِّين : 424/2، الحديث 1 و 426، الحديث 2. بحار الأنوار: 17/51.

وهناك روايات أخرى ترد فيها أسماء أخرى وكلها تدلل على أن له جواري عديدات.

الثاني: خطورة الظروف المحيطة بميلاد الإمام المهدي (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)

الثاني: كما أشير سابقاً أن الظروف التي تحيط ميلاد الإمام كانت خطيرة، فكل المؤشرات كانت تؤكد توجس السلطات من قرب ولادته، ولذا أحاطوا حياة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بالجواسيس، بل تعدّت المراقبة لتشمل كلّ بيوت بني هاشم والقبض على كل صبيّ في المهد.

وبعد التأكيد على هذين العاملين ينبغي القول : إنّ اللّه سبحانه قد قدّر ولادته رغم كلّ الظروف الخانقة، وكانت إرادته الغالبة ولا رادّ لأمره، وهناك مؤشرات لليد الغيبية التي أمدّته بأسباب البقاء :

- لم تظهر على والدته آثار الحمل حتّى ليلة المخاض

لم يذكر الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) اسم والدته لأحد مبالغة في الاحتياط.

لم يشهد الولادة أحد سوى عمة الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) السيّدة حكيمة وبعض الجواري.

وهكذا تمّ أمر اللّه، ففي قلب الظلام من ليلة النصف من شعبان ولد الصبي الموعود في جو يسوده الحذر والكتمان.

وتمرّ الأيام، ولا يشعر أحد بذلك ؛ لهذا ثار جدل حول الموضوع، وأنكر الكثير من أصحاب الإمام موضوع ولادته، كما ثار خلاف لدى المؤمنين حول اسم والدته، فمن قائل أنها نرجس، أو صقيل، أو أنها ريحانة أو سوسن حتّى ان السيّدة حكيمة ولكي يبقى الموضوع خافياً - كانت تقول مرّة إن نرجس هي أمّ المهديّ، ومرّة أخرى تصرّح أنّها سوسن. وبالطبع لا تخفى المصلحة في هذا الاختلاف ودوره في حفظ الصبيّ من الأخطار المحدقة.

عن أحمد بن إبراهيم، قال : دخلت على حكيمة بنت محمّد بن علي

ص: 486

الرضا (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في سنة اثنتين وستين ومائتين بالمدينة، فكلّمتها من وراء حجاب وسألتها عن دينها، فسمت لي من تأتم به، ثمّ قالت : فلان بن الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ)، فسمّته.

فقلت لها : جعلني اللّه فداك، معاينة أو خبراً.

فقالت : خبراً عن أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) كتب به إلى أمه.

فقلت لها : فأين المولود؟

فقالت: مستور.

فقلت : فإلى من تفزع الشيعة ؟

فقالت : إلى الجدة أم أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ).

فقلت : أقتدي بمن وصيته إلى المرأة ؟

فقالت : اقتداء بالحسين بن علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلَامُ)، إن الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) أوصى إلى أُخته زينب بنت عليّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) في الظاهر، وكان ما يخرج عن علي بن الحسين بن علي (عَلَيهِم السَّلَامُ) من علم ينسب إلى زينب بنت علي تستّراً على عليّ بن الحسين (عَلَيهِمَا السَّلَامُ).

ثمّ قالت : إنّكم قوم أصحاب أخبار، أما رويتم أنّ التاسع من ولد الحسين (عَلَيهِ السَّلَامُ) يقسم ميراثه وهو في الحياة» (1).

وفي هذه الرواية نجد أن السيّدة حكيمة كتمت شيئاً ونسبت ولادة المهديّ إلى والده الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، في حين نراها في رواية أخرى تفصل الموضوع وتكون هي الشاهد الأساس في ولادته، وأنها تحدثت مع المهديّ في صباه أكثر من مرّة. وتقول : «واللّه إني لأراه صباحاً ومساءً، وانه لينبئني عمّا تسألون عنه» (2).

وهناك حادث له دلالته، فقد نشب خلاف في إرث الإمام الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) بين أخيه

ص: 487


1- كمال الدِّين: 501/2، الحدیث 27.
2- كمال الدِّين : 429/2.

وأمُّه، ولا يستبعد أن يكون الحادث قد تمّ بتحريض «جعفر» المعروف بالكذّاب وكان على صلات وثيقة بالسلطة من أجل إثارة خلاف يمكن أن يكون عاملاً في الكشف عن وجود ابن للإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)، ولقد كانت الخلافة العبّاسية تتوجّس من وجود الصبي الّذي سيكون بقاؤه سبباً في زوالها.

يذكر الصدوق في كتابه كمال الدِّين»: «قدمت أمّ أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المدينة واسمها (حديث) حين اتصل بها الخبر إلى «سرّ من رأى»، فكانت لها أقاصيص يطول شرحها مع أخيه جعفر ومطالبته إيّاها بميراثه وسعايته بها إلى السلطان، وكشفه ما أمر اللّه عزّ وجلّ بستره، فادعت عند ذلك (صقيل) أّنها حامل، فحملت إلى دار المعتمد، فجعل نساء المعتمد وخدمه، ونساء الموفق وخدمه، ونساء القاضي ابن أبي الشوارب يتعاهدن أمرها في كل وقت ويراعينها إلى أن دهمهم أمر الصفاّر وموت عبد اللّه بن يحيى بن خاقان بغتة، وخروجهم من (سرّ من رأى) وأمر صاحب الزنج بالبصرة، وغير ذلك فشغلهم ذلك عنها» (1).

ومن المحتمل أن تكون الأسماء التي وردت حول أمّه تعود إلى جارية واحدة هي أمّه، فمن عادة العرب آنذاك مناداة من يكرمونه بعدة أسماء، وهناك رواية تعضد هذا الاحتمال أوردها الشيخ الصدوق في كتابه «کمال الدین»، بسنده عن غياث أنه قال : «ولد الخلف المهديّ صلوات اللّه عليه يوم الجمعة، وأمّه ريحانة، ويقال لها : نرجس، ويقال لها : صقيل، ويقال لها : سوسن، إلّا أّنه قيل لسبب الحمل صقيل» (2).

وفي الختام : إنّه بالرغم من وجود اختلاف في اسم الأم إلّا أن هذا لا يخدش في أصل الموضوع، فقد تضافرت الروايات والأخبار حول ولادته، خاصّة وقد أكّدت

ص: 488


1- كمال الدِّين: 474/2، الحديث 25.
2- كمال الدِّين : 432/2، الحديث 12. بحار الأنوار: 15/51، الحديث 15.

السيّدة حكيمة ذلك مرات عديدة، وهي امرأة جليلة القدر، موثوقة الرواية، إضافة إلى كثير ممن رأوا الصبيّ فيما بعد في منزل والده.

ص: 489

ص: 490

الفهرس

مقدمة المركز...1

مختصر إثبات الرجعة – الفضل بن شاذان...7

الحديث الحادي عشر : وسُئل الإمام محمّد بن علي (عَلَيهِمَا السَّلَامُ) عن أمّه، قال: «وأمّه مليكة...»...9

الغيبة - ابن أبي زينب النعماني...11

[164 / 3]: «... ابن أمة سوداء...»...13

تعليق الشيخ النعماني (رَحمهُ اللّه)...15

[5/265] هامش وما زاد في المطبوع الحجري وبحار الأنوار من زيادة: (ابن ستة وابن خيرة الإماء...)...16

كونه (عَلَيهِ السَّلَامُ) ابن سبية، ابن خيرة الإماء / [8/268]: «... ابن أمة سوداء...»... 18

[9/269]: «... بأبي ابن خيرة الإماء...»...19

[ 270/ 10]: «... خرج يزعم أنه ابن سبية...»...19

[11/271]: «بأبي ابن خيرة الإماء»...20

[ 12/272] : «... أو لم تعلموا أنه ابن سبية...»..20.

[345 / 39]: (... ويُستخلف ابن السبية...)...23

كمال الدِّين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: الجزء الأول...25

فممّا رُوي في صحة وفاة الحسن بن علي بن محمّد العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...27

فذكر بعضهنّ أنّ هناك جارية بها حمل...30

[1/204]: «... أمّه جارية اسمها نرجس...»... 31

[ 2/210]: «... من ولد أخي الحسن ابن سيدة الإماء...34

ص: 491

[12/236]: «... ابن أمة سوداء...»...35

كمال الدِّين وتمام النعمة - الشيخ الصدوق: الجزء الثاني...37

[31/272]: «... ذلك ابن سيدة الإماء...»...39

[6/302] «... ذلك ابن سيدة الإماء...»...41

[ 307/ 5] «... ابن سيدة الإماء...»...43

[ 4/338]:... أخبرني بعض أصحابنا أنه لما حملت جارية أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 44

[ 1/369] [قصة السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)]...45

[1/370] [رواية في ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...53

[371 / 2] [رواية أخرى في ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...55

[376/ 7] «... وأن اسم أم السيّد صقيل...»...60

[12/381]: «... وأمّه ريحانة، ويُقال لها نرجس...»...61

[13/383]: «... لم يُر بأمه دمّ في نفاسها...»...62

[24/410]: «... ولم يحضره في ذلك الوقت إلّا صقيل الجارية...»... 63

وقال لي عباد في هذا الحديث: (... فادعت عند ذلك صقيل أنها حامل...»... 64

وقال أبو سهل بن نوبخت: قال عقيد الخادم: (...وأمّه صقيل الجارية...»... 65

وحدّث أبو الأديان: (... فقبضوا على صقيل الجارية...)...65

كتاب الغيبة - الشيخ الطوسي...69

178 - [ قصة السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)]...71

204 - [ رواية ولادة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...78

205 - بمثل معنى الحديث الأول إلّا أنّه قال...81

206 - بمثل معنى الحديث الأول إلّا أّنه قال...81

207 - بهذا الحديث...82

ص: 492

208 – (... فدخلت فإذا امرأة أخذها الطلق...)...83

210 - كانت لها جارية ربتها تُسمى: نرجس...87

237 - (... أمّه صقيل، ويكنى أبا القاسم...)...88

قال إسماعيل بن علي : (... ثمّ جاءت به صقيل الجارية...)... 89

ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح (رضیَ اللّهُ عنهُ)، وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب... 90

362 – (... وأمّه ريحانة...)... 90

487 – «... بأبي ابن خيرة الإماء»...91

المزار الكبير - أبو عبد اللّه محمّد بن جعفر المشهدي...93

الباب (3): زيارة أمّ القائم (عَلَيهَا السَّلَامُ)...94

مطالب السؤول في مناقب آل الرسول - محمّد بن طلحة الشافعي...97

الباب الثاني عشر: في أبي القاسم (عَلَيهِ السَّلَامُ)...99

(... وأمّه أمّ ولد تسمى صقيل...)...100

منتخب الأنوار المضيئة - السيّد بهاء الدين على النيلي النجفي...101

وأما ما ورد عن أمير المؤمنين علي (عَلَيهِ السَّلَامُ)...103

قال: «... بأبي ابن خيرة الإماء»... 104

وأمّا والدته [قصة السيّدة نرجس]...105

وأما خبر ولادته [حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...116

وبالطريق المذكور : (... حكت لي الحكاية المذكورة بعينها وزادت عليها...)... 120

مختصر كفاية المهتدي - السيّد محمّد مير لوحي الأصفهاني...123

الحديث الثامن والعشرون: المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ولد ابنة قيصر ملك الروم......125

الإمام المهديّ في بحار الأنوار - العلّامة المجلسي: الجزء الأول...133

ص: 493

[2 / 2] كمال الدِّين: لمّا حملت جارية أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ)...135

[3 / 3] كمال الدِّين: [حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...135

[10/10] كمال الدِّين: (... و أنّ أمّ السيّد صقيل...)...138

[12/12]: الغيبة للطوسي: [قصة السيّدة نرجس]...139

[13/13] كمال الدِّين: [قصة السيّدة نرجس]...145

[14/14]: كمال الدِّين : [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...147

[15/ 15]: كمال الدِّين: (... وأمّه ريحانة...)...151

[20 / 20]: كمال الدِّين: (... لم يُر بأمّه دم في نفاسها...)...153

[23/23]: كمال الدِّين: (... وهو حجة اللّه في أرضه...)...154

[25/25] الغيبة للطوسي : [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]... 155

[26/26] الغيبة للطوسي: [ حديث ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...157

[27/27] الغيبة للطوسي: عن حكيمة بمثل ذلك...158

وفي رواية أخرى: [حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]... 158

[28/28] الغيبة للطوسي: [ حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...159

[29/29] الغيبة للطوسي: (... كانت لها جارية ربتها تُسمّى: نرجس...).... 161

[35/35] كشف الغمّة : (... وأمّه أم ولد تُسمّى صقيل...)... 162

[36/36] الإرشاد: (... وأمّه أم ولد يقال لها: نرجس...)...163

[ 37/37] كشف الغمّة: «... يُقال لأمّه صقيل...»...163

وقال ابن خلكان في تاريخه: (... واسم أمّه خمط...)...164

أقول [ العلّامة المجلسي]: رأيت في بعض مؤلفات أصحابنا رواية هذه صورتها: «... فرأيت جارية من جواريهن قد زُيّنت تُسمّى نرجس...»...164

قال الحسين بن حمدان: [ حديث آخر في ولادة القائم (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)]...165

ص: 494

أقول [ العلّامة المجلسى]: وقال الشهيد (رَحمهُ اللّه) في الدروس: (... وأمّه صقيل...)....168

[7/66] الغيبة للطوسى: «... بأبي ابن خيرة الإماء»...169

[82 / 23] الغيبة للنعماني: «... ابن ستّة وابن خيرة الإماء»...171

[24/83]: الغيبة للنعماني: «... من أمة سوداء...»...172

[25/84]: الغيبة للنعماني: «بأبي ابن خيرة الإماء...»... 172

[26/85]: الغيبة للنعماني: «... خرج يزعم أنّه ابن ستّة...»...172

[27/86]: «... لو تعلمون أنّه ابن ستّة»...172

[205/ 4]: المقتضب لابن العيّاش: «بأبي أنت يا أبا ابن خيرة الإماء»... 174

أقول [ (المجلسي (رَحمهُ اللّه)) قال ابن أبي الحديد... «بأبي ابن خيرة الإماء...»...176

[ 227 / 1] كمال الدِّين «... ابن سيدة الإماء...»...177

[265/ 15] كمال الدِّين : «... ذلك ابن سيدة الإماء...»...178

[ 277 / 2] كمال الدِّين: «... ذاك ابن سيدة الإماء...»...180

[13/309] كفاية الأثر : «... لما حملت جارية أبي محمّد...)...182

[319/ 8] كمال الدِّين: «... ابن أمة سوداء...»...183

[332/ 3] الخرائج و الجرائح: (.... دخلت على أبي محمّد (عَلَيهِ السَّلَامُ) بعد أربعين يوماً من ولادة نرجس...)...185

ذكر أمر أبي الحسن علي بن محمّد السمري بعد الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح وانقطاع الأعلام به وهم الأبواب...186

قال: ولد الخلف... وأمّه ريحانة، ويُقال لها نرجس...186

[14/428] الغيبة للطوسي ولد (عَلَيهِ السَّلَامُ)... وأمّه صقيل...188

قال إسماعيل بن علي : (... ثمّ جاءت صقيل الجارية أم الخلف (عَلَيهِ السَّلَامُ)...)...188

ص: 495

[55/468] كمال الدِّين : (... فوجّه المعتمد خدمه فقبضوا على صقيل الجارية وطالبوها بالصبي...)...191

الإمام المهديّ في بحار الأنوار - الشيخ المجلسي: الجزء الثاني...203

[ 750/ 109] الغيبة للنعماني: (... ويُستخلف ابن الستّة...)...197

[3/817] الاحتجاج : «... ابن سيدة الإماء...»...199

[29/27] كمال الدِّين: «... ابن سيدة الإماء...»...200

عوالم العلوم - الشيخ عبد اللّه البحراني: الجزء الأول...203

2 - أبواب أحوال أمّه / 1 - باب اسم أمّه...205

2 - باب أنّ أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ) سيدة الإماء وخيرة الإماء...209

3 - باب بعض أحوال أمّه (عَلَيهَا السَّلَامُ)، وتزويجها بأبي محمّد الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في المنام، ووصولها بخدمته في اليقظة...210

4 - باب زفافها (عَلَيهَا السَّلَامُ)...218

5 - باب ما ورد في وفاتها...219

كشف الحق أو الأربعون - محمّد صادق الخاتون آبادي...223

الحديث الأول فى بيان، ولادته ووالدته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...225

الحديث الثاني: إخبار الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) عن ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...226

إحقاق الحق: الجزء الثالث عشر - السيّد شهاب الدين المرعشى...227

العلّامة الحمويني في فرائد السمطين: «... أمّه جارية اسمها نرجس...»... 229

تاريخ ولادته (عَلَيهِ السَّلَامُ)...231

رواه جماعة من أعلام القوم: كمال الدِّين محمّد بن طلحة في مطالب المسؤول: (... وأمّه أمّ ولد تُسمّى صقيل...)...231

سبط ابن الجوزي في تذكر الخواص: (... أمّه أمّ ولد يقُال لها صقيل...)...233

ص: 496

ابن الصباغ في الفصول المهمة: (... وأمّا أمّه فأمّ ولد يقال لها: نرجس...)...233

العارف عبد الرحمن في مرآة الأسرار : (... أمّه كانت أم ولد اسمها نرجس...)...234

السيّد عباس بن علي المكي في نزهة الجليس: (... واسم أمّه نرجس)...234

نبذة ممّا ورد فيه عن على بن موسى الرضا (عَلَيهِ السَّلَامُ)...236

الأول: ما رواه القوم منهم العلّامة القندوزي في ينابيع المودة) : «... ابن سيدة الإماء...»...236

ملحقات الإحقاق: الجزء التاسع والعشرون - السيّد شهاب الدين المرعشي... 239

ولادة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) ونسبه الشريف...241

الشريف علي فكري الحسيني القاهري في أحسن القصص (... وأمّه أم ولد يُقال لها نرجس)...242

الإمام المهديّ عند أهل السنة - مهدي الفقيه إيماني: المجلد الأول...243

تذكرة الخواص / سبط ابن الجوزي...245

ذكره أولاده منهم محمّد الإمام / فصل في ذكر الحجّة المهديّ...246

وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان / ابن خلّگان...248

أبو القاسم المنتظر...249

الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمّة (عَلَيهِم السَّلَامُ) / ابن الصبّاغ...250

وأما أمّه فأمّ ولد يقال لها نرجس خير أمة وقيل اسمها غير ذلك....251

الأئمّة الاثنا عشر / شمس الدين محمّد بن طولون...252

واسم أمّه خمط وقيل نرجس...253

الإمام المهديّ عند أهل السنة - مهدي الفقيه إيماني: المجلد الثاني...255

نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار / الشيخ الشبلنجي...256

فصل ذكر مناقب محمّد بن الحسن الخالص...257

ص: 497

فيض القدير / العلّامة المناوي: الجزء السادس...258

... وأمّا أمّه فاسمها نرجس من أولاد الحواريين...259

العطر الوردي بشرح القطر الشهدي / محمّد البلبيسي بن محمّد ي بن محمّد الشافعي المصري...260

خمس رسائل / أحمد بن إسماعيل الحلواني...262

شرح البلبيسي: (... وللعباس فيه ولادة من جهة أنّ في أمهاته عباسية وأنّ أباه حسني وأمّه حسينية...)... 263

غالية المواعظ ومصباح المتعظ / خير الدين أبي البركات نعمان أفندي آلوسي: الجزء الأول...265

(.... قيل وأمّه من أولاد العبّاس...)...266

معجم أحاديث الإمام المهديّ - مؤسسة المعارف الإسلامية: الجزء الرابع... 267

الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) شبيه يوسف يوسف (عَلَيهِ السَّلَامُ)...269

له [الإمام المهدي] (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) غيبة...271

أم الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) من نسل الحواريين...274

منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر - الشيخ لطف اللّه الصافي: الجزء الثاني... 283

الفصل الأول: في ثبوت ولادته وكيفيتها وتاريخها، وبعض حالات أمّه واسمها (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)، وفيه 426 حديثاً...285

الفصل الثالث والعشرون في أنه ابن سيدة الإماء وخيرتهن، وفيه (11) حديثاً...307

تاريخ الغيبة الصغرى - السيّد محمّد الصدر...313

أم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...315

أسباب تعدّد أسماء السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...316

ص: 498

السبب الأول: صلة الحب والرحمة بالجارية من قبل مالكها...316

السبب الثاني: عدم شعور المالك بشخصية العبد، والأمة، عجز نطق المالك عن نطق الاسم الأصلي كونه أجنبياً...316

السبب الثالث: أنها السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) عاشت تخطيطاً خاصاً في تبديل اسمها من آونة لأخرى...317

فرضيّتان في معرفة مالك السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...318

الفرضية الأولى دخولها في ملكية الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) أولاً.......318

سرد قصة السيّدة نرجس...318

التعليق الأول: إمكان تعيين تاريخ شراء السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...324

التعليق الثاني: الاعتراض على هذا الخبر...324

الاعتراض الأول: أنّ الإمام الهادي اللّه يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلّا اللّه...324

الجواب: الإمامة والمصلحة تقتضي أن يكون له ملهماً من اللّه... 324

الاعتراض الثاني: الإيمان بالأحلام خرافة من الخرافات...325

الجواب على ذلك بأمور ثلاثة...325

أولاً: الخرافة هي الإيمان بصدق جميع الأحلام...325

ثانياً: رؤية أهل البيت (عَلَيهِم السَّلَامُ) في الأحلام لا يمكن أن تكون كاذبة... 326

ثالثاً: عدم الالتزام بحرفية الرؤيا، بل الحمل على الرمزية... 326

الاعتراض الثالث: لا شرعية للإسلام والزواج إذا كانا في الرؤيا... 328

الجواب عليه إسلامها كان إمّا في حال اليقظة أو حين قالت للإمام الهادي» يا ابن رسول أو حين علمتها حكيمة تعاليم الإسلام...328

وأمّا زواجها فقد تم بإنشاء الإمام الهادي (عَلَيهِ السَّلَامُ) لعقد الزواج...328

ص: 499

الاعتراض الرابع: دلالة الحديث على تساقط الصلبان من دون سبب ظاهر....329

الجواب: ما حدث هو معجزة إلهية تستنكر المسيحية وتستنكر زواج السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) من ابن عمّها...329

الاعتراض الخامس: تنافي الحديث في تحديد صاحب الكتاب الّذي حمله بشر النخّاس...329

الجواب: التوهّم أنّ العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) هو صاحب الكتاب لا ينافي كون أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ) وهو من كتب الكتاب...330

الاعتراض الوحيد الّذي يمكن صدقه هو ضعف الحديث من ناحية إثباته التاريخي...330

التعليق الثالث: الرواية مهملة من حيث تاريخ شراء السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...330

الفرضية الثانية: أن مالك السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) هو السيّدة حكيمة (عَلَيهَا السَّلَامُ)...332

سرد قصة زواج السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) بلسان المصنِّف...333

ولادة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...335

سرد قصة الولادة بلسان المصنِّف...336

بيان المعجزة في إخفاء الحمل...337

موسوعة الإمام المهديّ - عرفان محمود الجزء 3...341

الفصل الثاني: روايات قصة الولادة / مصادر الروايات...343

قصة مجيء والدة المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) / رواة قصة مجيئها...344

تعلیقتان مهمتان / تعليقة السيّد الميلاني...346

متى وقعت الحرب؟...347

الواقع التاريخي ومضمون الرواية...349

سر اختيار (مليكة) الروميّة أمّاً للمهدي الموعود...350

ص: 500

العلاقة بين هذا الاختيار وصلاة عيسى خلف المهديّ (عَلَيهِمَا السَّلَامُ)...350

علّة التعدّد المتعمّد لأسماء أمّ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 351

رواية ثانية مكملة لمضمون الرواية السابقة...352

توقيت اقتران والديّ المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) في زمان أبيه (عَلَيهِ السَّلَامُ)...355

الاختلاف في اسم والدته...357

المعجم الموضوعي لأحاديث الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف) - الشيخ علي الكوراني... 359

الإمام المهديّ ابن خيرة الإماء وكذا جده الجواد...361

أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنهُما) فيدة قيصر الروم...363

الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) - الشيخ علي الكوراني...371

الفصل الثاني عشر : زوجة الإمام العسكريّ ووالدة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...373

حفيدة قيصر الروم...373

كيف جاء اللّه بمليكة إلى الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)374

ملاحظات...375

السيّدة حكيمة تروي ولادة الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)...377

طلبت والدة الإمام المهديّ أن تموت قبل زوجها...378

بحوث علمية في القضية المهدويَّة - الشيخ نجم الدين الطبسي...379

الفصل الثالث: تحقيق حول والدة الإمام صاحب الزمان (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...381

المدخل... 382

تحقيق في المصادر التي نقلت هذه الرواية...383

1 - الشيخ الصدوق/ 2 - ابن جرير الطبري الإمامي...383

نماذج من المعمّرين: أ - حبابة الوالبية...384

ب - جابر بن عبد اللّه الأنصاري / ج_ - عامر بن واثلة...385

ص: 501

إشكال وفائدة...386

3 - الشيخ الطوسيّ / 4 - ابن فتّال النيسابوري...387

5 - ابن شهر آشوب / 6 - عبد الكريم النيلي / 7 - السيّد هاشم البحراني... 388

8 - الحر العاملي/ 9 - العلّامة المجلسي / تحقيق في سند هذه الرواية...389

الأول: بشر بن سليمان النخّاس / 1 - رأي السيّد الخوئي...390

2 - رأي المحقق التستري/ وقفة مع المحقق التستري...391

3 - رأي المحقق النمازي 4 - رأي الشيخ أبي علي الحائري/ 5 - رأي العلّامة الماماقاني...396

الثاني: محمّد بن بحر الشيباني...396

1 - رأي الشيخ النمازي...397

2- رأي العلّامة الماماقاني...398

3- رأي السيّد الخوئي...400

الإشكالات الواردة على هذه الرواية...401

الإشكال الأول: عدم وجود مناوشات وحروب بين الروم والمسلمين...401

الجواب: وجود حروب ومناوشات بين الروم والمسلمين...401

الإشكال الثاني: الاهتمام بالرواية لغرض إثبات المقام للسيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...403

الجواب: المستشكل تحامل على علماء الشيعة ونسبهم إلى الأمية من دون النظر إلى أصولهم ومبانيهم واتّهمهم بالانتهازية...403

الإشكال الثالث : عدم نقل هذه الرواية من المعاصرين للشيباني...404

الجواب: عدم النقل لا يدل على الضعف...405

الإشكال الرابع: اتّهام الكشي والنجاشيّ وابن داود للشيباني بالغلو...406

ص: 502

الجواب النجاشيّ لم ينسب التهمة إلى نفسه، وابن داود اكتفى بنقل رأي الطوسيّ وابن الغضائري والنجاشيّ فقط...406

تأييد العلّامة الماماقاني...407

النتيجة الإشكالات غير واردة على الرواية احتمال صدور الرواية يصل إلى حد الظن بالصدور...410

الرواية المهدويَّة من خلال كتاب إكمال الدِّين وإتمام النعمة - أطروحة الدكتوراه للطالب أحمد عبد اللّه حميد العلياوي...411

المبحث الثاني: السيرة المباركة للسيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) والدة الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)... 412

مناقشة الرواية من عدة جوانب / الجانب الأول وثاقة الرواية....416

الجانب الثاني: ضجة وارتجاج القصر أثناء مراسيم التزويج...421

الجانب الثالث: واقعية رؤيا السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...423

الجانب الرابع: تعيين سنة شراء السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) و تشخيص القيصر...427

الجانب الخامس: رواية أخرى مؤكدة لقصة السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ) البحث حول وفاتها (عَلَيهَا السَّلَامُ)، الكلام حول قبر السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...430

معارف مهدوية - الشيخ حيدر السند الأحسائي: الجزء الثاني...437

أسطورية شخصية أمّ الإمام المهديّ (رضیَ اللّهُ عنهُما)...439

المقدمة :الأولى : تعدّد الأقوال في اسمها (رضیَ اللّهُ عنهُما)...439

المقدمة الثانية: تعدّد الأسماء دال على بطلان القضية المهدويَّة...442

مناقشة الشبهة / التعليق الأول: احتمال تعدّد الأسماء واقعاً...442

سبب تعدد أسماءها (عَلَيهَا السَّلَامُ) / السبب الأول: مراعاة الوضع الأمني...444

السبب الثاني: قلة المعلومات المتوفّرة للرواة...449

السبب الثالث: تعدّد أسماء الجواري لكثرة تنقّلهن...450

ص: 503

التعليق الثاني: الاختلاف في اسم أمّ الإمام المهديّ لا يضر بالقضية المهدويَّة... 451

الإمام المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) من المهد إلى الظهور - السيّد محمّد كاظم القزويني...453

ترجمة حياة السيّدة نرجس (عَلَيهَا السَّلَامُ)...455

فارس الزمن الغائب - كمال السيّد...465

أميرة في بغداد...467

حادثة في القسطنطينية 227ه_. 841م...468

سامراء 253ه_. 867م...469

في تلك الليلة الخريفية...470

مشاهد من الذاكرة...475

اللقاء...478

حوادث سنة 254ه_. 868م...480

زواج الحسن (عَلَيهِ السَّلَامُ) [الإمام العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)]...480

بانتظار الّذي يأتي - كمال السيّد...483

أم المهديّ (عَلَيهِ السَّلَامُ) / العوامل التي أدّت إلى اختلاف أسمائها...485

الأول: تعدّد الجواري اللاتي كن في منزل الإمام الحسن العسكريّ (عَلَيهِ السَّلَامُ)... 485

الثاني: خطورة الظروف المحيطة بميلاد الإمام المهديّ (عَجَّلَ اللّهُ تَعَالَي فَرَجَهُ الشَریف)...486

الفهرس... 491

ص: 504

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.