البحوث الهامة في المکاسب المحرمة المجلد 5

هوية الكتاب

سرشناسه : خرازی ، سیدمحسن ، ‫1315 -

عنوان قراردادی : المکاسب.شرح

عنوان و نام پديدآور : ‫البحوث الهامه فی المکاسب المحرمه [ مرتضی انصاری ] ‫/ تالیف محسن الخرازی .

مشخصات نشر : قم : موسسه در راه حق ‫، 1423 ق . ‫= 1381 -

مشخصات ظاهری : ‫7ج.

شابک : ‫ج. 6 ‫ 978-964-5515-01-5 : ؛ ‫ج. 7 ‫ ‮ 978-600-5515-04-6 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : ج.4 (چاپ ؟: 13).

يادداشت : ‫ج. 7 (چاپ اول: 1390) (فیپا).

یادداشت : کتابنامه .

موضوع : انصاری ، مرتضی بن محمدامین ، 1214-1281ق . المکاسب -- نقدو تفسیر

موضوع : ‫معاملات (فقه)

کسب و کار حرام

شناسه افزوده : انصاری ، مرتضی بن محمدامین ، 1214-1281ق . المکاسب . شرح

شناسه افزوده : موسسه در راه حق

رده بندی کنگره : ‫ BP190/1 ‫ /‮الف 8م 702143 1381

رده بندی دیویی : ‫ 297/372

شماره کتابشناسی ملی : ‫ م 81-45244

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

محرر الرقمي: میثم الحیدري

ص: 1

اشارة

* العنوان... البحوث الهامّة في المكاسب المحرّمة ج 5

* الموضوع... فقه

* تأليف... آية الله السيّد محسن الخرّازي

* باهتمام... السيّد علىّ رضا الجعفري

* نشر...

* التنضيد و الاخراج الفنى...

* الطبعة... الاُولى

* المطبعة...

* العدد... 1000

* التاريخ... 1428

ص: 2

بسم الله الرحمن الرحيم

ص: 3

ص: 4

1

تتمة المسألة الثانية و العشرين

«في الربا»

2

المقام الثاني في الربا القرضي

اشارة

3

ويقع الكلام في امور:

4

الامر الاول: في الترغيب نحو القرض

في الترغيب نحو القرض

و كفى في ذلك ما في القرآن الكريم

من أنّ القرض يوجب التكفير و الغفران و تضاعف الأجر و الثواب الجزيل و قال الله تعالى (إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ اَلصَّلاٰةَ وَ آتَيْتُمُ اَلزَّكٰاةَ وَ آمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَ عَزَّرْتُمُوهُمْ وَ أَقْرَضْتُمُ اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئٰاتِكُمْ وَ لَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنّٰاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا اَلْأَنْهٰارُ)(1)

و قال سبحانه و تعالى (إِنْ تُقْرِضُوا اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً يُضٰاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اَللّٰهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ )(2)

**********

(1) المائدة / 14.

(2) التغابن / 17.

ص: 5

و قال تبارك و تعالى (وَ أَقِيمُوا اَلصَّلاٰةَ وَ آتُوا اَلزَّكٰاةَ وَ أَقْرِضُوا اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً وَ مٰا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اَللّٰهِ هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً)(1) و لعلّ المراد من الإقراض في الايات أعم من القرض العرفي، قال المحقق الاردبيلي في تفسير قوله (إِنْ تُقْرِضُوا اَللّٰهَ قَرْضاً حَسَناً يُضٰاعِفْهُ لَكُمْ ) أي أن تصرفوا المال حسبما أمر الله به صرفا حسنا مقرونا بالإخلاص و طيب النفس من غير ان يتبعه منة و اذى يضاعفه لكم بالاجر العظيم و الثواب الجزيل.(2) نعم في موثقة ابراهيم بن عبدالحميد انه قال الصادق عليه السلام في ذيل قوله تعالى (لاٰ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوٰاهُمْ إِلاّٰ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاٰحٍ بَيْنَ اَلنّٰاسِ ) المعروف القرض.(3) و كيف كان فقد تظافرت النصوص على ذلك:

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: مكتوب على باب الجنة الصدقة بعشرة و القرض بثمانية عشر.(4)

و منها: موثقة فضيل بن يسار قال قال ابوعبدالله عليه السلام: ما من مؤمن أقرض مؤمنا يلتمس به وجه الله عزّوجل الا حسب له أجره بحساب الصدقة حتى يرجع اليه ماله.(5)

و منها: ما في ثواب الاعمال عن رسول الله صلى الله عليه وآله: و من أقرض اخاه المسلم كان له بكل درهم اقرضه وزن جبل احد (و حرا و ثُبير) و جبل رضوى و طور سيناء حسنات فان

**********

(1) المزمل / 20.

(2) زبدة البيان / ص 573.

(3) جامع الاحاديث / ج 18، ص 285.

(4) المصدر نفسه.

(5) المصدر نفسه.

ص: 6

رفق به في طلبه بعد اجله جاز على الصراط كالبرق الخاطف اللامع بغير حساب و لاعذاب، و من شكا اليه اخوه المسلم فلم يقرضه حرّم الله عليه الجنة يوم يجزى المحسنين.(1)

و منها: ما رواه ابن عباس عنه صلى الله عليه وآله: من أقرض ملهوفا فأحسن طلبته استأنف العمل و اعطاه الله بكل درهم الف قنطار من الجنة.(2)

ثم لايخفى عليك ان المترائى من موثقة اسحاق بن عمار ان الصدقة على كل حال لايزيد على العشرة و القرض على كل حال لايزيد على الثمانية عشر ولكن مقتضى الجمع بينها و بين سائر الاخبار الدالة على تضاعف ثواب القرض او الصدقه بأكثر ذلك، هو ان يقال - كما في الجواهر - أنّ الترجيح المذكور بين طبيعتهما، و الاّ فكل منهما قد يقترن بما يتضاعف ثوابه الى مالا يحصيه الا الله، و عليه فدعوى أن القرض على كل حال لايزيد على الثمانية عشر واضحة البطلان.(3)

ثم إنّ وجه الفضيلة - كما في بعض الاخبار - هو أنّ ما كلّ من ياخذ الصدقة له بها حاجة و الذى يستقرض لايكون الاّ عن حاجة فالصدقة قد تصل الى غير المستحق و القرض لايصل الاّ الى المستحق و لذا صار القرض افضل من الصدقة.(4)

5

الامر الثاني: في عدم جواز اشتراط النفع

إنّ شرط حلية القرض هو الاقتصار على ذكر ردّ العوض فقط فلايجوز ان يشترط

**********

(1) جامع الاحاديث / ج 18، ص 288.

(2) المصدر/ ص 289.

(3) الجواهر / ج 25، ص 4.

(4) جامع الاحاديث / ج 18، ص 288.

ص: 7

فيه النفع بلاخلاف بل الاجماع منا بقسميه عليه; لأن شرط النفع ممنوع شرعا.

ويدلّ عليه الروايات المتعددة:

منها: موثقة اسحاق بن عمار قال قلت لابى ابراهيم عليه السلام: الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل لايدخل على صاحبه منفعة فيثيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية ان يأخذ ماله حيث لايصيب منه منفعة أيحلّ ذلك ؟ قال: لابأس اذا لم يكن بشرط. و رواه الصدوق باسناده عن اسحاق بن عمار الا انه قال: لاباس اذا لم يكن شرطاه(1) و من المعلوم ان مفهوم قوله: لابأس اذا لم يكن بشرط هو البأس اذا كان شرط في ذلك، و البأس هو العقوبة.

و منها: صحيحة الحلبى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستقرض من الدراهم البيض عددا ثم يعطي «يقضي» سودا «وزنا» و قد عرف ايها اثقل مما اخذ و تطيب به نفسه ان يجعل له فضلها فقال: لابأس به اذا لم يكن فيه شرط و لو وهبها كلها صلح(2) و هي تدل على جواز الوفاء بالاكثر مع عدم الشرط و اشار بقوله عليه السلام: و لو وهبها الخ الى جواز هبة الزيادة كلها ايضا، و كيف كان يدلّ على الحرمة عند اشتراط الزيادة.

و منها: صحيحة الحلبى ايضا عن أبي عبدالله عليه السلام قال: اذا اقرضت الدراهم ثم اتاك بخير منها فلابأس اذا لم يكن بينكما شرط.(3)

يدلّ هذا الخبر بمفهومه على الحرمة عند اشتراط الزيادة.

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 13.

(2) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 2.

(3) المصدر/ ح 3.

ص: 8

و منها: صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يقترض من الرجل الدراهم فيردّ عليه المثقال أو يستقرض المثقال فيردّ عليه الدراهم فقال: اذا لم يكن شرط فلابأس و ذلك هو الفضل، إن أبي عليه السلام رحمه الله كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال فيقول: يا بني ردّها على الذي استقرضتها منه فأقول: يا أبه إن دراهمه كانت فسولة و هذه خير «اجود» منها فيقول: يا بنى ان هذا هو الفضل فاعطه اياه(1) و هذا الخبر يدلّ بمفهومه على الحرمة فيما اذا اشترط الزيادة.

و منها: خبر خالد بن الحجاج قال: سألته عن الرجل كانت لى عليه مأة درهم عدداً قضانيها مأة وزنا قال: لاباس ما لم يشترط. قال: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط.(2) يدلّ هذا الخبر على ان الاشتراط يوجب الحرمة و الفساد بناء على رجوع الضمير في قوله: (يفسده) الى القرض، و اما بناء على رجوعه الى الربا فلايدلّ الاعلى فساد نفس الربا.

و منها: خبر علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السلام قال: و سألته عن رجل اعطى رجلا مأة درهم على ان يعطيه خمسة دراهم او اقل او أكثر قال: هذا الربا المحض(3) و هو يدلّ على ان اشتراط الزيادة يوجب الربا المحض فيكون محرما.

و منها: صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أقرض رجلا ورقا فلايشترط إلامثلها فان جوزي اجود منها فليقبل و لاياخذ احد منكم ركوب دابة او

**********

(1) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 7. الجلال عظيم القدر و الشأن: الفسول جمع الفسل و هو درهم مسترذل ردىّ .

(2) المصدر.

(3) الوسائل الباب 19 من ابواب الدين و القرض / ح 18.

ص: 9

عارية متاع يشترط من اجل قرض ورقة(1) و يدلّ هذا الخبر على حرمة المأخوذ عند الاشتراط.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا و يعطيه الرهن اما خادما و اما آنية و اما ثيابا فيحتاج الى شيء من منفعته (امتعته) فيستأذن له قال: اذا طابت نفسه فلاباس قلت: انّ من عندنا يروون انّ كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد فقال: أوَ ليس خير القرض ما جرّ منفعة ؟(2) اذ مفهومه انه اذا لم تطب نفسه بأن كان ملزما بالشرط ففيه باس و عقوبة.

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلم في بيع لاتمر عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير او عشرين دينارا قال: لايصلح اذا كان قرضا يجرّ شيئا فلايصلح. قال: و سألته عن رجل يأتي حريفه و خليطه فيستقرض منه الدنانير فيقرضه و لو لا ان يخالطه و يحارفه و يصيب عليه لم يقرضه فقال: ان كان معروفا بينهما فلاباس و ان كان انما يقرضه من اجل انه يصيب عليه فلايصلح(3) و يدلّ على الحرمة بناء على حمل «لايصلح» على الحرمة لاالكراهة و حمل قوله: (من اجل انه يصيب عليه) الخ على الشرط. و الاّ فلايدلّ إلا على كراهة القرض بداعي معاملة السلم أو بداعي الاصابة المذكورة. هذا كله فيما اذا كان الشرط من ناحية المقرض.

و منها: موثقة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الرجل يأتيه النبط بأحمالهم

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 18.

(2) المصدر/ ح 4.

(3) المصدر / ح 9.

ص: 10

فيبعها لهم بالأجر فيقولون له: اقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنّا نخصّك بأحمالنا من اجل أنك تقرضنا، فقال: لابأس به انما يأخذ دنانير مثل دنانيره و ليس بثوب ان لبسه كسر ثمنه و لادابّة ان ركبها كسرها و انما هو معروف يضعه اليهم.(1) بناء على ان المراد من قوله: (و انما هو معروف يضعه اليهم) انه ان كان متعارفا فلابأس، فمفهومه انه ان لم يكن متعارفا ففيه باس.

6

الامر الثالث: في تبرع المقترض بزيادة العين او الصفة

هو ان المقترض لو تبرع بزيادة العين او الصفة لم يحرم، و تدل عليه الروايات:

منها خبر يونس بن يعقوب عن أبي مريم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكون عليه الثني فيعطي الرباع(2) و ظاهره عدم الشرط. و المراد من الثني لعلّه هو الابل الذي دخل في السنة السادسة، و من الرباع هو الذي دخل في السنة السابعة. و قيل ايضا الثني من الابل هو البكر من الابل بمنزلة الفتى من الناس، و الرباعي من الابل هو الذي القى رباعيته و هي السنّ التي بين الثنية و الناب و هو الذي استكمل ست سنين و دخل في السابعة. روى ابو رافع انه قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل بكراً فجاءته ابل الصدقة فامرني ان اقضي الرجل بكرا فقلت: لم اجد في الابل الاّ جملا خيارا رباعيا فقال النبى صلى الله عليه وآله: اعطه اياه فانّ خيركم احسنكم قضاء.(3)

و منها: خبر أبي الربيع قال: سئل ابوعبدالله عليه السلام عن رجل أقرض رجلا دراهم فردّ عليه أجود منها بطيبة نفسه و قد علم المستقرض و القارض انه انما أقرضه ليعطيه اجود

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 10.

(2) الكافي / ج 5، ص 254.

(3) الفقه الاسلامى و ادلته / ج 4، ص 726.

ص: 11

منها، قال: لابأس اذا طابت نفس المستقرض(1) قوله عليه السلام: (اذا طابت) يدلّ على الصحة اذا لم يكن الزام و التزام في البين. فقوله: و قد علم الخ محمول على الداعي لاالشرط و لاالتباني.

و منها: موثقة يعقوب بن شعيب قال: سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يقرض الرجل الدراهم الغلة فيأخذ (منها منه) الدراهم الطازجية طيبة بها نفسه فقال: لابأس به و ذكر ذلك عن علي عليه السلام(2) و لايخفى عليك ان الدراهم الطازجية خالصة و عليه فإعطائها يوجب الزيادة على الغلة التى لها الخليط ولكن لامانع منه; اذ لاالزام و لاالتزام حتى يلزم الربا.

و منها: مرسلة جميل بن دراج عن رجل قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام اصلحك الله...

الى ان قال: و سئل ابوجعفر عليه السلام عن الرجل يكون له على الرجل الدراهم و المال فيدعون الى طعامه او يهدى له الهدية قال: لابأس(3) و ظاهره ان الدعوة المذكورة ليست مما الزم عليها بل تقع بطيبة نفسه.

و منها: صحيحة اسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته عن رجل يرهن العبد او الثوب او الحلّي او المتاع من متاع البيت فيقول صاحب الرهن للمرتهن: انت في حلّ من لبس هذا الثوب فالبس الثوب و انتفع بالمتاع و استخدم الخادم قال: هو له حلال اذا احلّه و ما احبّ له ان يفعل(4) و الضمير في قوله «له» يرجع الى المرتهن.

**********

(1) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 4.

(2) المصدر / ح 5.

(3) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 17.

(4) المصدر / ح 15.

ص: 12

و منها: خبر ابن محبوب عن هذيل بن حيان اخي جعفر بن حيان الصيرفي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام اني دفعت الى اخي جعفر مالاً كان لي فهو يطعيني ما انفق و احج منه و اتصدق و قد سألت من قبلنا فذكروا ان ذلك فاسد لايحل و انا احب ان انتهي الى قولك فقال لي: كان يصلك قبل ان تدفع اليه مالك ؟ قلت: نعم قال: خذ منه ما يعطيك فكل منه و اشرب و حجّ و تصدّق فاذا قدمت العراق فقل جعفر بن محمّد افتانى بهذا(1) و يدلّ هذا الخبر على عدم الاشكال في الزيادة المقارنة.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضا و يعطيه الرهن إما خادما و إما آنية و إما ثيابا فيحتاج الى شى من منفعته (امتعته) فيستاذن فيه فيأذن له قال: اذا طابت نفسه فلابأس قلت: ان من عندنا يروون ان كل قرض يجر منفعة فهو فاسد فقال: او ليس خير القرض ما جرّ منفعة(2)

يظهر من صدر الرواية ان المراد من خير القرض ما جرّ منفعة هو ما اذا لم تكن المنفعة مورد الاشتراط بل طابت نفس المعطي لاعطائها، فالزيادة المذكورة لابأس بها كما ان الرواية تدل على أنّ النبوي المنقول مورد انكار الائمة عليهم السلام و يشهد له عدم رواية بهذا المضمون في طرقنا.

و منها: موثقة ابن بكير عن محمّد بن عبده قال: سألت اباعبدالله عليه السلام عن القرض يجرّ المنفعة قال: خير القرض الذى يجر المنفعة(3) و هذه محمولة على ما اذا لم يكن شرط في البين.

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 2.

(2) و المصدر / ح 4 و 5.

(3) المصدر.

ص: 13

و منها: موثقة ابن أبي عمير عن بشربن مسلمة و غير واحد عمن اخبرهم عن أبي جعفر عليه السلام: خير القرض ما جرّ منفعة(1) و هى ايضا محمولة على ما اذا لم يكن شرط في البين.

و بالجملة فالمستفاد من الاخبار المذكورة ان التبرع بالزيادة لايكون حراما بل مقتضى تعليق الحرمة على صورة الشرط ان اخذ الزيادة بنحو الداعي ليس بحرام و عليه يحمل ما يكون ظاهره الحرمة في صورة الداعي على الكراهة كخبر الصيرفي و صحيحة يعقوب بن شعيب و غيرهما الدالة على عدم صلاحية القرض من اجل المنفعة فلاتغفل.

7

الامر الرابع: في صحة اصل القرض و عدمها

في صحة اصل القرض و عدمها. و لايخفى عليك انه استدل في الجواهر بصحيحة الحلبي: اذا اقرضت الدراهم ثم جاءك بخير منها فلابأس اذا لم يكن بينكما شرط، على فساد اصل القرض ايضا بهذا الشرط لاالشرط خاصة، فيكون الشرط في صحة القرض عدم هذا الشرط، كما هو ظاهر صحيح محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام: من أقرض رجلا ورقا فلايشترط الامثلها فان جوزي باجود منها فليقبل و لايأخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترطه من اجل قرض ورقه ضرورة ظهور النهي في الشرطية كما في نظائره، مضافا الى النبوي: كل قرض يجرّ منفعة فهو حرام المراد منه - بقرينة غيره - صورة الشرط المنجبر بكلام الاصحاب، بل قيل: انه اجماع، بل في المختلف: الاجماع على انه اذا اقرضه و شرط عليه أن يردّ خيرا مما اقترض كان حراما و بطل القرض، فحرمة القرض منه حينئذ ظاهرة في فساده و انه لم يفد الملك فيحرم على

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 6.

ص: 14

المستقرض التصرف فيه و هو مضمون عليه لكونه مقبوضا على ذلك، و لأنّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده. فما عن أبي حمزة من انه امانة ضعيف، و اضعف منه توقف المحدث البحرانى في ذلك مدعيا انه ليس في شيء من نصوصنا ما يدلّ على فساد العقد بذلك بل اقصاها النهي عن اشتراط الزيادة، و الخبر النبوي ليس من طرقنا... الى ان قال: صاحب الجواهر قدس سره: و مما قدّمنا يظهرلك ما فيه كما انه يظهر الوجه فيما دل من النصوص على ان خير القرض ما جرّ نفعا... اذ من الواضح ارادة صورة عدم الشرط.(1)

و فيه نظر; لأنّ الاخبار على طوائف، منها: الأخبار الدالة على ثبوت البأس مع الشرط و تحقق الربا و الربا هو الزيادة على العوض الاعم من المثل و القيمة، و لايستفاد من هذه الطائفة فساد القرض بل غايته هو حرمة الزيادة كموثقة اسحاق بن عمار الدالة على ثبوت البأس في الزيادة عند اشتراطها، و صحيحة الحلبى الدالة على أن اعطاء الزيادة بعنوان الوفاء حرام عند الاشتراط، و هكذا صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج تدل على حرمة اعطاء الفضل عند الاشتراط. و لعلّ من هذا الباب ما استدل به على الفساد من الصحيحة الاخرى من الحلبي: اذا اقرضت الدراهم ثم اتاك بخير منها فلاباس اذا لم يكن بينكما شرط; لاحتمال رجوع البأس و العقوبه الى الخير و هو الزيادة عند الاشتراط لا الى اصل القرض، و الاستدلال مبني على رجوع البأس و العقوبة الى نفس القرض و هو غير ظاهر، فانّ قوله: فلابأس في تقدير: فلابأس به، و الضمير فيه محتمل الرجوع الى الخير و مع هذا الاحتمال لايصح الاستدلال به لبطلان اصل القرض.

و منها: الاخبار الدالة على اشتراط المماثلة في القرض كصحيحة محمّد بن قيس قال عليه السلام: من أقرض رجلا ورقا فلايشترط الاّ مثلها الحديث و هي التي استدل بها على

**********

(1) الجواهر / ج 2، ص 7.

ص: 15

فساد القرض من اصله بتقريب ان المفروض بحسب هذه الرواية هو النهي عن اشتراط الزيادة في القرض و اعتبار المماثلة في صحته، فالرواية دالة على اعتبار المماثلة في صحة الفرض و مانعية الزيادة عن صحتها.

و يمكن الجواب عنه بما في جامع المدارك من انه يشكل استظهار حرمة القرض منه من جهة الفرق بين هذا الشرط المذكور و سائر الشروط المذكورة في المعاملات كشرط عدم الغرر و غيره، حيث ان سائر الشروط لااثر لها الاّ صحة المعاملة معها و عدم صحتها مع انتفائها و اما اشتراط الزيادة فالظاهر حرمته مع قطع النظر عن اشتراط صحة القرض بعدمه نظير حرمة الكتابة و الشهادة في الربا(1)

و عليه فالاخذ بها لحرمة اصل القرض محتاج الى احراز كونه من هذه الجهة ايضافي مقام البيان و هو غير محرز.

و بعبارة اخرى: لو لم تدل سائر الشروط على فساد المشروط عند الاخلال بها كان الامر بها و النهي عن عدمها لغوا، اذ لااثر لها الا ذلك، و هذا بخلاف اشتراط الزيادة فانه حرام تكليفى كحرمة كتابة الربا و الشهادة على الربا، و عليه فحمل الرواية على ان المقصود منها هو بيان الحكم التكليفي لاالوضعي لايستلزم اللغوية. و لعلّ اشتراط المماثلة لئلا يبتلي بالحرام التكليفى. و عليه فدعوى ظهوره في اشتراط صحة اصل القرض بالمماثلة غير ثابت

هذا مضافا الى ان تخصيص الحرمة في ذيل الرواية المذكورة باخذ الزيادة لااصل القرض يصلح لتعيين المراد من اشتراط المماثلة و لااقل من الشك، فلايدلّ على اعتبار عدم شرط الزيادة في صحة اصل القرض.

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 329.

ص: 16

و قال شيخنا الاستاذ الاراكي: و أمّا قوله: من أقرض رجلا ورقا فلايشترط الامثلها فلايستفاد منه سوى ان هذا الاشتراط محرم و لايستفاد منه الحكم الوضعي، و يدلّ على كونه بصدد المنع التحريمى ذيله و هو قوله: و لايأخذ احد منكم الخ.(1) و عليه فاشتراط المماثلة لئلا تقع الزيادة و توجب الحرمة.

و منها: الاخبار الدالة على افساد الشروط كخبر خالد بن الحجاج قال: سألته عن الرجل كانت لي عليه مأة درهم عدداً قضانيها مأة وزناً قال: لابأس ما لم يشترط قال: جاء الربا من قبل الشروط، انما يفسده الشروط.

و فيه: ان الخبر مضافا الى ضعفه و عدم نهوضه للحجية ان الاستدلال المذكور مبني على رجوع الضمير في قوله: انما يفسده الشروط، الى القرض، و هو غير ثابت، لاحتمال رجوعه الى الربا فيدل على فساد الربا لااصل القرض كما لايخفى.

و دعوى ان قوله: جاء الربا من قبل الشروط ناظر الى نفس الربا و يدلّ على حكمه من الحرمة و الفساد، و قوله: انما يفسده الشروط ناظر الى نفس القرض و يدلّ على فساده.

مندفعة بأنّ من المحتمل ان يكون قوله: انما يفسده ايضا ناظر الى الربا و يدلّ على فساد نفس الربا، و مع هذا الاحتمال بطل الاستدلال.

و منها: النبوي صلى الله عليه وآله: كل قرض يجر منفعة فهو حرام المحمول على صورة الاشتراط، بتقريب ان الحرمة ترجع الى نفس القرض و حرمة المعاملة و هي القرض، فهي ظاهرة في فسادها، و يويده ما روي من: أن كل قرض يجر منفعة فهو فاسد.

و فيه ان النبوي المذكور الذى يكون المحمول فيه إما هو الحرمة و إما هو الفساد ليس

**********

(1) المكاسب المحرمة لشيخنا الاستاذ / ص 13.

ص: 17

في طرقنا بل رواه البيهقي في السنن الكبرى عن ابن مسعود و ابي بن كعب و عبدالله بن سلام و ابن عباس موقوفا عليهم و رواه الحرث بن أبي اسامة من حديث على عليه السلام بلفظ: ان النبى صلى الله عليه وآله نهى عن قرض جرّ منفعة، و في رواية: كل قرض جرّ منفعة فهو ربا. ثم قال: و في اسناده سوار بن مصعب و هو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم يصح فيه شيء و وهم امام الحرمين و الغزالي فقالا: انه صح، و لاخبرة لهما بهذا الفن.(1)

و الظاهر من هذه الكلمات ان الحديث المذكور ليس له سند معتبر عند العامة ايضا فراجع.

و المذكور في طرقنا هو: خير القرض الذي يجر منفعة كما في موثقة ابن بكير عن محمّد بن عبده، و خير القرض ما جرّ منفعة كما في موثقة ابن أبي عمير عن بشر بن مسلمة، و خير القرض ما جرّ المنفعة كما في موثقة الحسن بن علي بن فضال عن بشير (بشر) بن سلمة (مسلمة).

هذا مضافا الى ظهور بعض الاخبار في انكاره كما في صحيحة محمّد بن مسلم حيث قال:... قلت لأبي عبدالله عليه السلام ان من عندنا يروون ان كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد، فقال: او ليس خير القرض ما جرّ منفعة.(2)

و دعوى ان الخبر يدلّ على تخصيص النبوي - بقرينة صدره الدال على جواز اخذ الزيادة من دون اشتراط - بما اذا اشترط الزيادة و مع التخصيص فالمروي عن العامة مقبول و مع مقبوليته يدلّ على الفساد فيما اذا كانت المنفعة مشروطة.

مندفعة بأنّ لسان قوله او ليس خير لقرض ماجر منفعة لسان الانكار لاالتخصيص،

**********

(1) نيل الاوطار للشوكانى / ج 4، ص 351.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 4 و 5 و 6 و 8 و 9.

ص: 18

و ان كان حاصل الاخبار - بعد المنع من الشرط في القرض و تجويز اخذ الزيادة من دون الشرط - هو التفصيل في القرض الذى يجرّ نفعاً بين ما اذا لم يشترط فيه فهو خير و ما اشترط فيه فلاخير، فانّ المحصّل من الاخبار ليس مفاد الحديث المذكور من حرمة القرض أو فساده مع الشرط كما يدلّ عليه المنقول عن العامة بل هو حرمة الزيادة و حليتها فتدبر جيّدا.

فتحصل انه ليس في نصوصنا شيء يدلّ على فساد اصل القرض و عليه فالمسألة مبتنية على مفسدية الشرط الفاسد و عدمها، و حيث ان المقرّر في محله ان الشرط الفقهي و هو الالتزام في ضمن الالتزام لو كان فاسدا لايوجب فساد الالتزام الاخر; لانه لم يعلق بالالتزام الفاسد; اذ الشرط شرط فقهي لاشرط اصولي، و عليه فمع قصد الزيادة كان قصد الزيادة فاسدا دون اصل القرض نعم لو كان الالتزام الاول مقيداً بالالتزام الثاني بنحو الشرط الاصولي كان فساد الثاني موجبا لفساد الاول بناء على ما ذهب اليه المشهور من كون الشرط قيداً للهيئة; اذ مقتضاه تعليق انشاء القرض بالشرط الفاسد و هو موجب للبطلان. و اما على المختار من أن الشروط قيود للمادة لاللهيئة و الشروط ملحوظة مفروضة الوجود و الحكم في فرض وجود الشروط فعلي و ان كان فاعليته منوطة بوجود الشروط في الخارج، فلاتعليق حينئذ للالتزام الاول في الشرط الاصولي ايضا فتدبر جيّدا.

و اما قاعدة ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده فهي لامورد لها في المقام; لان المفروض هو صحة اصل القرض فيضمن بالضمان الواقعي و هو المثلي ان كان مثليا و القيمي ان كان قيميا.

فالاقوى هو صحة اصل القرض و ان كانت الزيادة محرمة، و مقتضى الحرمة فيها هو

ص: 19

الفساد كما يدلّ عليه النهي عن التصرف فيها بمثل قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس: و لايأخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من اجل قرض و رقة.(1)

8

الامر الخامس: في اشتراط ما لم يكن منفعة محضة

انه لااشكال في حرمة اشتراط الزيادة و المنفعة المحضة من دون فرق بين أن يشترط الزيادة بالحمل الأولي أو بالحمل الشايع الصناعي، و عليه فالقرض بشرط البيع مثلا محاباة مصداق لشرط الزيادة و المنعفة و يكون حراماً و لاينبغي الكلام فيه; لأنّه شرط زيادة و نفع بحمل الشايع الصناعي.

و انما الكلام في اشتراط ما لم يكن منفعة محضة كاشتراط السلم في القرض مع ثمن المثل حيث انّ الظاهر من الجواهر ميله الى جوازه و استدل بالتعليل المذكور في موثقة أبي بصير بقوله: لابأس به انما ياخذ دنانير مثل دنانيره و ليس بثوب ان لبس كسر ثمنه و لادابة ان ركبها كسرها و انما هو معروف يصنعه اليهم، بعد السئوال منه عن الرجل يأتيه النبط بأحمالهم فيبيعها لهم بالاجر فيقولون له اقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك و لكنا نخصّك باحمالنا من اجل انك تقرضنا(2) هذا مضافا الى تصريحه في ذيل صحيحة يعقوب بن شعيب، و هو انه: «سألته عن الرجل يسلم في بيع او تمر عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير او عشرين دينارا قال: لايصلح اذا كان قرضا يجر شيئا و لايصلح» بأنّ صدر الخبر خارج عما نحن فيه بناء على عدم قدح مثله و لو بصورة الشرط; لرجوعه الى القرض بشرط السلم و هو مع عدم المحاباة فيه يمكن منع حرمته.(3)

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 11.

(2) الوسائل / الباب 9 امن ابواب الدين و القرض، ح 10.

(3) الجواهر / ج 25، ص 8-9.

ص: 20

و قال ايضا: ضرورة عدم صدق جرّ النفع في شرط البيع بثمن المثل و ان اتفق احتياجه اليه.(1)

و يمكن ان يقال: ان الاخبار تدلّ على النهي عن الشرط و هو مطلق يشمل غير المنفعة المحضة ايضا، و مجرد كون موردها هو المنفعة المحضة لايوجب تخصيصه بها; اذ العبرة بعموم او اطلاق الوارد لابخصوصية المورد، فلاوجه لرفع اليد عن اطلاق قوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس: فلايشترط الامثلها من جهة اختصاص ذيلها بالمنفعة المحضة خصوصا مع ذكره بصورة التفريع على الاطلاق حيث قال: فان جوزي....

و ايضا القدر المتيقن في محل التخاطب لايوجب رفع اليد عن الاطلاق كما قرّر في محله. هذا مضافا الى قوله عليه السلام في خبر خالد بن الحجاج: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط، بناء على كونه جملة على حدّة من دون صدرلها.

اللّهمّ الا ان يقال: فرق بين ان يقال لابأس اذا لم يشترط المذكور و بين ان يقال لابأس ان لم يكن شرط، و الروايات الواردة في المقام من قبيل الاول. و عليه فخصوصية المورد منظورة و معه لاوجه لدعوى الاطلاق او العموم.

هذا مضافا الى موثقة أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له الرجل يأتيه النبط باحمالهم فيبعهما لهم بالاجر فيقولون له اقرضنا دنانير فانا نجد من يبيع لنا غيرك ولكنّا نخصّك باحمالنا من اجل انك تقرضنا فقال: لابأس به انما يأخذ دنانير مثل دنانيره و ليس بثوب ان لبسه كسر ثمنه و لادابة ان ركبها كسرها و انما هو معروف يصنعه اليهم.(2) لإيمائها الى انّ شرط الاجارة او حق العمل بالقيمة المتعادلة في عقد القرض جائز; لعدم

**********

(1) المصدر / ج 25، ص 13.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 10.

ص: 21

كونه منفعة محضة و لايزيد شىء بذلك على دنانيره التى اقرضها حتى يكون الشرط شرط المنفعة.

ثم ان خبر خالد بن الحجاج ضعيف فلايصلح للاستدلال، هذا مع احتمال ان يكون مرتبطا مع صدر الرواية و لايكون جملة على حدّة، فلااطلاق له.

ولكن الانصاف ان الروايات لاتكون منحصرة فيما ذكر من قوله: لابأس اذا لم يشترط المذكور، بل هنا روايات اخرى تدل على عدم البأس فيما اذا لم يكن شرط كصحيحة الحلبي حيث قال: لابأس به اذا لم يكن فيه شرط(1) و صحيحة الحلبي ايضا حيث قال: اذا اقرضت الدراهم ثم اتاك بخير منها فلابأس اذا لم يكن بينكما شرط(2) و صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج حيث قال: اذا لم يكن شرط فلابأس(3) ففي هذه الروايات ليس ضمير راجع الى موردها حتى يمنع عن عمومها فخصوصية موردها لايمنع عن عمومها، فالشرط و ان لم يكن شرط منفعة محضة مشمول للادلة; لعدم تقيد الشرط بشرط المنفعة.

و اما موثقة أبي بصير فيحتمل ان يكون المراد منه بنحو الداعي لاالاشتراط، او يحتمل ان يكون المراد شرط القرض في عقد الاجارة. و كيف كان فمقتضى اطلاق الشرط او عمومه هو ممنوعية كل شرط و لو لم يكن منفعة.

و مما ذكر يظهر الاشكال في جواز القرض مع اشتراط معاملة فيه بالثمن المتعارف، فانه و ان صدق عليه انه ياخذ دراهم مثل دراهمه من دون زيادة ولكنه يخالف اطلاق

**********

(1) المصدر/ الباب 12 من ابواب الصرف، ح 2.

(2) المصدر / ح 3.

(3) المصدر/ ح 7.

ص: 22

الدليل الذى دلّ على عدم جواز الشرط في عقد القرض، و عليه فيشكل شرط مثل الكتابه و الكفيل او الرهن او الاشهاد او غير ذلك ايضا سواء كان على القرض او دين اخر، لامن جهة رجوع الشرط الى المال و ان لم يكن بنفسه شرط مال بل من جهة ممانعة الادلة الدالة على عدم اشتراط شيء في العقد نعم لو ورد دليل على جواز بعض الامور المذكورة لامانع منه كما وردت الاخبار بالنسبة الى اشتراط التسليم في بلد اخر.

قال شيخنا الاستاذ الاراكي قدس سره: صرّحوا بالجواز في كل شرط ليس فيه نفع لاحد الطرفين مثل اشتراط البيع او الاجارة بالثمن و الاجرة المتعارفين; لصدق أنّ المقرض ياخذ دراهم مثل دراهمه.

لكن يمكن الاشكال في صورة كون الشارط هو المقرض، فان العهدة حق له يمكنه مطالبتها من المقترض و ليست عهدة خالية عن المال بل يستخرج منها المال، غاية الامر بالقيمة المتعارفة. و من هنا يعرف الاشكال في شرط الكتابة و الكفيل او الرهن او الاشهاد سواء كان في مال القرض ام في دين آخر; لانه عهدة يتوسل بوساطتها الى المال، لانها وسيلة الى ما هي وسيلة الى المال. نعم قد استثني من هذا الباب اشتراط التسليم في بلد اخر و ان كان النفع فيه للمقرض للاخبار المستفيضه المعتبرة الدالة عليه.(1)

و قد عرفت ان ملاك الاشكال هو مخالفة الشروط المذكورة لاطلاق او عموم الادلة الدالة على عدم الاشتراط مطلقا، لارجوع الشروط المذكورة الى المال و ان لم يكن بنفسها شرط مال، و عليه فلايجوز شرط في ضمن القرض سواء كان منفعة محضة او لم يكن و سواء كان راجعا الى المال او لم يرجع، نعم لو اشترط المقرض شيئا مثل الدعاء لحقّ والده لم يبعد جوازه; لانصراف الدليل عنه، بخلاف ما اذا اشترط اداء صلاة قضاء

**********

(1) المكاسب المحرمة لشيخنا الاراكى/ ص 15-16.

ص: 23

عن والده فانه مشمول لاطلاق الدليل او عمومه الذى يمنع عن الشرط كما لايخفى.

فتحصل ان ملاك الربا في القرض هو الشرط مطلقا و لو لم يكن نفعا ولكن الظاهر من صحيحة محمّد بن مسلم(1) ان المعيار في الجواز هو عدم الازدياد على رأس المال و مقتضاه هو الجواز فراجع و تأمل.

ثم ان اشتراط الزيادة الوصفية الغير الراجعة الى الكم كاشتراط الزيادة العينية في الاحكام، و يدلّ عليه ايضاً اطلاق اشتراط المماثلة في صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: من أقرض رجلا ورقا فلايشترط الا مثلها فان جوزي اجود منها فليقبل الحديث(2) خصوصا مع قوله: فان جوزي اجود منها فليقبل، فانه يدلّ على ان اخذ الاجود بدون الشرط لاحرمة له بخلاف ما اذا شرط ذلك، فيستفاد من التفرع المذكور ان قوله: فلايشترط الا مثلها يشمل الزيادة الوصفية ايضا كما لايخفى، و عليه فمنع الاطلاق و دعوى الانصراف عن الزيادة الوصفية لامحل له.

و يدلّ عليه ايضا اطلاق لفظ الشرط في الاخبار فانه باطلاقه يشمل الزيادة الوصفية، و قد عرفت ان المورد لايوجب تخصيص الشرط بل يؤخذ باطلاقه او عمومه.

بل يصرح خبر داود الابزاري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لايصلح ان تقرض ثمرة و تاخذ أجود منها بأرض اخرى غير التي اقرضت فيها(3) على عدم جواز خصوص اشتراط الزيادة الوصفية بناء على انّ المراد من قوله «لايصلح» هو الحرمة و كون الرواية متعرضة لمورد الشرط كما لعلّ اليه او مأ قوله «و تاخذ اجود» فان اخذ المقرض لأجود

**********

(1) الوسائل / الباب 7 من ابواب احكام الصلح، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 11.

(3) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 10.

ص: 24

لايمكن الاّ عند الاشتراط و الاّ فليس له اخذ الاجود و هكذا دلّت صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج الواردة في الدراهم الغسولة و الجياد(1) على ان اخذ الجمودة و اعطائها من دون شرط فضل و مع الشرط يكون كالزيادة الكمية.

و في قبالها موثقة عبدالملك بن عتبة عن العبد الصالح عليه السلام قال: قلت له الرجل يأتينى يستقرض منّي الدراهم فاوطن نفسي على ان أؤخره بها شهراً اللذى يتجاوز به عنّي فانه يأخذ مني فضة تبر على ان يعطيني مضروبة إلاّ أنّ ذلك وزنا بوزن سواء، هل يستقيم هذا إلاّ إني لااسمي له تاخيرا انما اشهد لها عليه فيرضى ؟ قال: لااحبّه(2)

و استدل بها لجواز اشتراط الزيادة الوصفية بدعوى ان قوله «ياخذ مني فضة تبر على ان يعطيني مضروبة الا ان ذلك وزنا بوزن سواء» يدل على جواز اشتراط الزيادة الوصفية في القرض لان لفظة «على ان يعطيني» ظاهر في الاشتراط.

و معه يقدم على الاطلاقات الدالة على المنع لأنّ النسبة بينهما الاطلاق و التقييد هذا مع امكان دعوى انصراف الاطلاقات الى الزيادة الكلية.(3)

يمكن أن يقال: ان دلالته على جواز الاشتراط المذكور للمقرض غير واضحة مع ان الظاهر من قوله «ياخذ مني» ان الاشتراط المذكور من ناحية المقترض لا من ناحية المقرض و لاقرينة في الرواية على ان المقرض شرط ذلك و عليه فهو خارج عن محل الكلام اذ البحث في اشتراط المقرض و لعل اشتراط المقترض اوجب توطين نفس القرض من دون اشتراط على ان يوخر في اجل القرض الاخر من دون ذكر و اشتراط في

**********

(1) المصدر/ ح 7.

(2) تهذيب / ج 7، ص 115.

(3) راجع المكاسب المحرمة لشيخنا الاستاذ الاراكى / 11-12.

ص: 25

عقد القرض فاشتراط الوصف من طرف واحد لا من الطرفين و لااقل بين الاحتمال فلايصح معه الاستدلال.

هذا مضافا الى أنّ دعوى الانصراف في الاطلاقات ممنوعة اذ لاوجه له خصوصا بعدتفريع قوله عليه السلام فلايشترط إلاّ مثلها في صحيحة محمد بن قيس بقوله فان جوزى اجود منها الخ بعنوان مصداق من موارد عدم المماثلة على ان التقديم على الاطلاقات فيما اذا لم يكن مبتلى بالمعارض و قد عرفت دلالة صحيحة عبدالرحمن و خبر داود الابزارى بل صحيحة محمد بن قيس باعتبار التفريع المذكور على عدم جواز اشتراط الزيادة الوصفية و مع التعارض إمّا نقول بترجيح هذه الصحاح فلاكلام و إمّا نقول بعدم الترجيح فمقتضى القاعدة إما هو التنجيز في الاخذ بينهما او التساقط و الرجوع الى الاطلاقات الدالة على المنع عن اشتراط الزيادة الوصفية فتدبر جيّدا.

و كيف كان فالاقوى - كما في الجواهر - هو المنع من اشتراط النفع عينا او منفعة او صفة كما هو واضح(1) و اما استثناء اشتراط التسليم في بلد اخر و ان كان فيه نفع فلموثقة السكونى عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال اميرالمؤمنين عليه السلام: لابأس بان يأخذ الرجل الدراهم بمكّة و يكتب لهم سفاتج ان يعطوها بكوفة.(2)

و يمكن أن يقال: ان الشرط المذكور هنا من ناحية المقترض لامن المقرض و لااشكال في جواز شرط المقترض و انما الكلام في جواز شرط المقرض.

و لموثقة أبي الصباح عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يبعث بمال الى أرض فقال: للذي يريد ان يبعث به أقرضنيه و أنا أوفيك اذا قدمت الارض قال: لابأس.(3)

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 11.

(2) الوسائل / الباب 14 من ابواب الصرف، ح 3.

(3) المصدر / ح 2.

ص: 26

و فيه ايضا ان الشرط من ناحية المقترض لاالمقرض، و مما ذكر يظهر ما في الجواهر من الاستدلال به(1)

اللّهمّ الا أن يقال: ان الظاهر ان الشرط من الطرفين; لأنّ من يريد البعث بالمال الى ارض لايمكن ان يكون غير شارط.

و لموثقة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بارض اخرى و يشترط عليه ذلك قال: لابأس(2) و اسلف فلانا مالاً أي أقرضه و استسلف أي اقترض.

و لموثقه ابان بن عثمان عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يسلف الرجل الدراهم ينقدها اياه بارض اخرى قال: لابأس به.(3)

و لموثقة اسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت يدفع الى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض اخرى سوداً بوزنها و اشترط ذلك عليه قال: لابأس.(4)

و لموثقة زرارة عن احدهما عليهم السلام في الرجل يسلف الرجل الورق على ان ينقدها اياه بارض اخرى و يشترط ذلك قال: لابأس(5) و غير ذلك من الاخبار، و عليه فيرفع اليد عن اطلاق الانصراف الى بعد القرض بالاشتراط المذكور، و قد صرّح العلامة في محكي

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 11.

(2) الوسائل / الباب 14 من ابواب الصرف، ح 1.

(3) المصدر / ح 4.

(4) المصدر/ ح 5.

(5) المصدر/ ح 6.

ص: 27

القواعد و غيرها بذلك بعد التصريح بانصراف الاطلاق الى بعد القرض، بل قال: فيها سواء كان في حمله مؤنة اولا.

و مبنى الجواز - كما عرفت - هو النصوص المذكورة فانها مقدمة على الاطلاقات الدالة على عدم جواز الشروط في القروض; لأن النسبة بينهما هي العموم و الخصوص او الاطلاق و التقييد.

و دعوى ان الاخبار ليست ظاهرة في خصوص القرض و انما تشملها باطلاقها، و عليه فالتعارض بينها و بين ما يمنع بالاطلاق عن الشروط بالعموم من وجه، و مقتضى القاعدة بعد تساقط الاخبار بالمعارضة هو الرجوع الى عمومات نفوذ المعاملات.

مندفعة أوّلاً: بان الاخبار الأخيرة ظاهرة في القرض; لان اسلاف المال هو القرض. هذا مضافا الى «اقرضنيه» في موثقة أبي الصباح، و عليه فيكون النسبة بينها و بين الاخبار المانعة عن الشروط هي العموم و الخصوص. و مما ذكر يظهر ما في الجواهر فراجع.(1)

وثانياً: بما في الجواهر من انه و ان كانت النسبة بينهما بالعموم من وجه الا انه لااشكال في رجحان تلك الاخبار على المطلقات من حيث الدلالة و غيرها، خصوصا بعد اعتضادها بفتوى من تعرض له من الاصحاب(2) و لعلّ وجه الرجحان هو ذكر خصوص اشتراط التسليم في ارض اخرى في الاخبار الواردة في المقام; فان أخصية هذه الاخبار توجب قوة دلالتها بالنسبة الى المطلقات فافهم.

9

الامر السادس: في الشرط للمقترض

انه لو كان الشرط للمقترض لاالمقرض كما اذا اشترط اعطاء الغلة عوض الصحاح

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 12.

(2) المصدر.

ص: 28

او اشترط عليه ان يقرضه شيئا اخر و نحو ذلك، فقد صرّح في الجواهر بالجواز بلاخلاف و لااشكال، و احتمل في محكي الدروس المنع في الثاني فيما اذا كان ذلك نفعا في حق المقرض كما اذا كان الزمان زمان نهب او غرق و هو جيد; لان اطلاق الشرط المنهي كقوله عليه السلام: «اذا لم يكن شرط فلا بأس» يشمله.

و مما ذكر يظهر ما في الجواهر حيث قال: ان مثله غير قادح لااقل من الشك في اندراج مثله تحت ادلة المنع و الله اعلم هذا(1) اذ مع اطلاق الشرط المنهي لامجال للشك في الاندراج كما لايخفى.

و يمكن الاستيناس للأوّل - مضافا الى قصور الادلة عن شموله; لأن الظاهر هو شرط المقرض لاشرط المقترض - بصحيحة يعقوب بن شعيب انه سأل اباجعفر عليه السلام عن الرجل يكون لي عليه جلّه من بسر فآخذ منه جلة من رطب مكانها و هي اقل منها قال: لابأس، قال: قلت فيكون لى جلة من بسر فآخذ مكانها جلّة من تمر و هي أكثر منها قال: لابأس اذا كان معروفا بينكما(2) بتقريب ان عدم تقييد عدم البأس في الصورة الاولى التى يكون النفع للمقترض، مع تقييده عليه السلام في الصورة الثانية التي يكون النفع فيها للمقرض بقوله: اذا كان معروفا بينكما مشعر بجواز الشرط للمقترض بالاطلاق و الاّ قيده بعدم صورة الشرط كما لايخفى.(3)

و مما ذكر يظهر حكم البرات فانه اعطاء مقدار من المال و اخذ الحوالة من المدفوع اليه بالأقل منه في مكان اخر و من المعلوم انه لااشكال فيه.

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 13.

(2) الوسائل / الباب 9 من ابواب السلف، ح 7.

(3) المكاسب المحرمة لشيخنا الاستاذ الاراكى قدس سره / ص 15.

ص: 29

10

الامر السابع: في كون احد الطرفين زيادة كمية و الآخر زيادة وصفية

انه لو كان في احد الطرفين زيادة كميّة و في الاخر زيادة وصفية تقابل الكمية فأقرض الاقل مع زيادة وصفية فهل يجوز ان يجعل عوضه الاكثر من دون وصف مذكور بحيث يعادل مع الاقل المذكور و يندرجان في المثلين اولا يجوز؟

قال شيخنا الاستاذ الاراكى قدس سره: قوّى الاستاذ دام ظله العدم; اذ لايصدق على درهمين انهما مثل الدرهم و لو كان فيه مايساوي الدرهم الاخر و ان كان لايمكن التمسك بما نهى عن الأجود و الخير، اذ يصدق في المقام ان احد الطرفين ليس بأجود و لاخير من الاخر هذا.(1)

و لايخفى عليك انه ان اريد من المماثلة في مثل صحيحة محمّد بن قيس: فلايشترط الاّ مثلها، المماثلة المقدارية و الوصفية فما حكاه شيخنا الاستاذ عن شيخه الاستاذ قدس سره صحيح; لصدق الزيادة، و ملاحظة القيمة خارجة عن مفاد المماثلة. و اما اذا كان المراد من المماثلة المذكورة هي المماثلة المالية فما ذكر محل تأمل و نظر; لأن القرض حينئذ قرض المالية فاذا كان في طرف زيادة كمية و في آخر زيادة وصفية بمقدار المالية في طرف آخر بحيث صارت متساوية و متماثلة للمالية في الاخر، فالشرط و هو المماثلة حاصل و لايصدق الزيادة كما لايصدق الاجود و الخير، و مقتضى عدم صدق الزيادة و الاجود و الخير هو الجواز; لاندراجهما حينئذ في المثلين.

ولكن ذلك - مضافا الى انه خلاف الظاهر من الرواية - لايساعد مع ذيل صحيحة محمّدبن قيس من قوله «فان جوزى أجود منها فليقبل و لاياخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من اجل قرض و رقة» فانه يصلح للشهادة على ان المراد من المماثلة هي المماثلة المقدارية و الوصفية لاالمالية.

**********

(1) المصدر / ص 13.

ص: 30

و دعوى ان المراد منها هو الاعم و تفرع الذيل من باب احد المصاديق لااختصاص المماثلة به، فلا وجه لرفع اليد عن اطلاق الصدر.

مندفعة بانّ الظاهر من المماثلة فيما اذا كان مورد القرض هو الاعيان هي المقدارية و الوصفية و حمله على المالية خلاف الظاهر، نعم لو كان مورد القرض هو قرض المالية امكن القول بالجواز فتأمل و المسألة مشكلة.

11

الامر الثامن: في اخذ النفع و الزيادة في القرض بدون الشرط

ان اخذ النفع و الزيادة في القرض و ان كان جائزا بدون الشرط ولكنه مكروه، و استدّل له بروايات منها: صحيحة اسحاق بن عمار عن العبد الصالح عليه السلام قال: سألته عن رجل يرهن العبد أو الثوب او الحلي او المتاع من متاع البيت فيقول صاحب الرهن للمرتهن: انت في حلّ من لبس هذا الثوب فالبس الثوب و انتفع بالمتاع و استخدم الخادم قال: هو له حلال اذا احلّه و ما احب له ان يفعل.(1) بدعوى ظهور قوله عليه السلام «و ما احب له ان يفعل» في كراهة الافعال المذكورة من اللبس و الانتفاع و الاستخدام.

هذا بناء على ان الرواية مربوطة بباب الدين و القرض; اذ الرهن لايكون إلاّ وثيقة على الدين بحسب ما يظهر من كلمات الاصحاب. و اما اذا قلنا بأن الرهن لايختص بما اذا كان وثيقة على الدين بل يصدق على ما اذا كان وثيقة على الضمانات او العمل بالتعهدات، فالرواية مربوطة بالرهن و مفادها كراهة تصرف المرتهن في الرهن ولو مع اجازة الراهن، و هو يشمل مورد القرض ولكن بعنوان احد مصاديق الرهن فتأمل.

و على تقدير ارتباطها بباب الدين فاطلاقها يشمل ما اذا لم يكن من نية المقرض اخذ ذلك من اول الامر، و انما حدثت له الحاجة في الاخذ المذكور فتدل على الكراهة سواء نوى من اول الامر ام لم ينو ذلك.

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 15.

ص: 31

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يسلم في بيع او تمر عشرين دينارا و يقرض صاحب السلم عشرة دنانير او عشرين دينارا قال: لايصلح، اذا كان قرضا يجر شيئاً فلايصلح. قال: و سألته عن رجل يأتي حريفه و خليطه فيستقرض منه الدنانير فيقرضه و لو لا ان يخالطه و يحارفه و يصيب عليه لم يقرضه فقال: ان كان معروفا بينهما فلابأس، و ان كان انما يقرضه من اجل انه يصيب 7 عليه فلايصلح.(1) بدعوى ارادة الكراهة من قوله: لايصلح لعدم الشرط كما في الجواهر، ولكنها مخصوصة بما اذا نوى الزيادة، و لعلّ مفهوم قوله: و ان كان انما يقرضه من اجل انه يصيب عليه فلايصلح هو عدم الكراهة اذا لم ينو الزيادة حال القرض، و به يقيد اطلاق صحيحة اسحاق بن عمار على تقدير ارتباطها بالمقام، كما لاكراهة فيما اذا لم يكن للقرض مدخلية في النفع بل كان من مقارناته كما يشير اليه خبر هذيل، و هو ما رواه في الكافي عن حسب بن محبوب عن هذيل بن حيّان اخي جعفر بن حيّان الصيرفي قال: قلت لابي جعفر عليه السلام (أبي عبدالله خ ل) انّي دفعت الى اخي جعفر مالا كان لي فهو يعطيني ما انفق و احج منه و اتصدق و قد سألت من قبلنا فذكروا ان ذلك فاسد لايحل و انا احب ان انتهى الى قولك (فما تقول) فقال لي: أكان يصلك قبل ان تدفع اليه مالك قلت: نعم قال: خذ منه ما يعطيك فكل منه و اشرب و حجّ و تصدّق فاذا قدمت العراق فقل جعفربن محمّد افتاني بهذا(2) و حسن بن محبوب من اصحاب الاجماع، و عليه لايضر جهالة هذيل بوثاقة الرواية.

و عليه فمقتضى هذه الروايات هو اختصاص الكراهة بما اذا كان نية الأخذ من اول

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 9.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين، ح 2.

ص: 32

الأمر من دون شرط و البناء عليه، و لذلك خصّهما في الدروس بما اذا كان ذلك من نيتهما و لم يذكراه لفظا على ما حكى عنه في الجواهر(1) و دعوى منافاة النصوص المذكورة الدالة على الكراهة مع النصوص الدالة على ان خير القرض ما جرّ نفعا، بدعوى ظهورها في عدم كراهة ما جرّ القرض من دون اشتراط، سواء نوى المقرض اخذ الزيادة من اول الامر او لم ينو فتكون الاخبار متعارضة.

مندفعة اوّلاً: بانّ النسبة بينهما هو الاطلاق و التقييد، فانّ قوله: و ان كان انما يقرضه من اجل انه يصيب عليه فلايصلح يخرج صورة نية المقرض اخذ الزيادة من اول الامر، فيحمل ما دلّ على ان خير القرض ما يجرّ نفعا على ما اذا لم ينو المقرض ذلك جمعاً بينهما.

وثانياً: بمنع اطلاق بعض الروايات الدالة على ان خير القرض ما يجر نفعا، كصحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يستقرض من الرجل قرضاً و يعطيه الرهن اما خادما و اما آنية و اما ثيابا فيحتاج الى شيء من منفعته (امتعته) فيستأذن له قال: اذا طابت نفسه فلابأس قلت: ان من عندنا يروون ان كل قرض يجرّ منفعة فهو فاسد فقال: او ليس خير القرض ما جرّ منفعة(2); اذا المفروض ان الحاجة حدثت بعد القرض فاستاذن المقرض الراهن فاذن له، و هذا يناسب عدم نية المقرض اخذ الزيادة من اول الامر، و عليه فاطلاقه بالنسبة الى ما اذا نوى المقرض اخذ الزيادة من اول الامر محل اشكال و تأمل.

اللّهمّ الا ان يكتفى في الاطلاق بالروايات الاخرى كموثقة ابن بكير عن محمّد بن عبده: و خير القرض ما جرّ منفعة، و موثقة ابن أبي عمير عن بشر بن مسلمة: و خير

**********

(1) ج 25، ص 9.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 4.

ص: 33

القرض ما جرّ المنفعة، و موثقة الحسن بن فضال عن بشير (بشر) بن سلمة (مسلمة): خير القرض ما جرّ المنفعة بناء على كفاية نقل ابن بكير و ابن أبي عمير في الوثوق، فلايضر جهالة محمّد بن عبده و بشر بن مسلمة فتدبر.

و ثالثا بانّه يمكن الجمع بين النصوص بحمل اخبار خير القرض ما جرّ المنفعة على انه خير في الدنيا و الاخبار الدالة على الكراهة على انه مكروه في الاخرة.(1)

ولكنه محل تامّل; لعدم شاهد على هذا الجمع بل هو جمع تبرعي، بخلاف ما اذا لم يكن له نية ذلك من اول الامر، و لامنافاة بين الكراهة في المورد المذكور و ما دل على رجحان دفع الزيادة تحصيلا لحسن القضاء; لجواز اختلاف الاحكام باختلاف الموضوع.

لايقال: ينافي الكراهة خبر أبي الربيع قال: سئل ابوعبدالله عليه السلام عن رجل أقرض رجلا دراهم فردّ عليه اجود منها بطيبة نفسه و قد علم المستقرض و القارض انه انما اقرضه ليعطيه اجود منها قال: لابأس اذا طابت نفس المستقرض(2) بدعوى ان الرواية تدل على عدم الباس فيما اذا نوى المقرض من اول الامر فلاموجب للحكم بالكراهة.

لأنّا نقول - كما في الجواهر - بانها لاتنافي الكراهة بعد ارادة الجواز من قوله: لابأس لانفى الكراهة.(3)

و عليه ففصّل بين ما اذا كان له نية ذلك من اول الامر فهو مكروه و بين ما اذا لم يكن من نية المقرض اخذ الزيادة و اتفقت الحاجة فلايكون مكروها. نعم يستحب له ان يحتسب الهدية من الدين كما يدلّ عليه موثقة غياث بن ابراهيم عن أبي عبدالله عليه السلام قال:

**********

(1) المكاسب المحرمة لشيخنا الاستاذ / ص 23.

(2) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 4.

(3) الجواهر / ج 25، ص 9.

ص: 34

ان رجلا اتى عليا عليه السلام فقال: ان لي على رجل دينا فاهدى الىّ هدية قال: احسبه من دينك عليه.(1)

قال في الجواهر - بعد تخصيص الكراهة بما اذا كان نية الاخذ من اول الامر -: و الذي دعانا الى ذلك كله ظهور بعض النصوص بعدم الكراهة فيه كالاخبار الدالة على ان خير القرض ما جرّ نفعا و غيرها، و ظهور آخر في تحققها فيه، و من هنا احتملنا التنزيل المزبور. و قد يحتمل تفاوتهما شدة و ضعفاً، و على كل حال فالامر في ذلك كله سهل بعد معلومية التسامح في السنن.(2)

و قد عرفت كيفية الجمع بين الاخبار; لأنّ مع كون النسبة بينهما هي الاطلاق و التقييد لاموجب للحمل على التفاوت شدة و ضعفا; اذ التصرف في المادة مقدم على التصرف في الهيئة فتدبر جيّدا.

12

الامر التاسع: في استحباب اداء القرض بالزيادة

انه يستحب للمقترض ان يؤدي ما عليه بازيد، و يمكن الاستدلال عليه بخبر يونس بن يعقوب عن أبي مريم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يكون عليه الثني فيعطي الرباع.(3)

و فيه - مضافا الى ضعفه بابي مريم الانصاري - أنه لايدلّ على الاستحباب; اذ الاقل لايدلّ الاّ على الجواز. نعم رواه العامة عن أبي رافع قال: استسلف رسول الله صلى الله عليه وآله من رجل بكراً فجاءته ابل الصدقة فامرني ان اقضي الرجل بكرا فقلت: لم اجد في الابل الاّ

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 1.

(2) الجواهر / ج 25، ص 9-10.

(3) الكافي / ج 5، ص 254.

ص: 35

جملا خياراً رباعيا فقال النبي صلى الله عليه وآله: و هو يدلّ على الاستحباب باعتبار قوله فان خيركم احسنكم قضاء.

و يمكن الاستدلال ايضاً بخبر جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال كان لي على رسول الله صلى الله عليه وآله حق فقضاني و زادني(1) اعطه اياه فان خيركم احسنكم قضاء.(2)

و فيه ان هذه الرواية - مضافا الى ضعفها - لاتدل ايضا الاّ على الجواز، اللّهمّ الا أن يقال: ان تكرر الفعل يحكي عن كون سيرته صلى الله عليه وآله على اداء الزيادة، و من المعلوم حينئذ امكان استفادة المطلوبية و الاستحباب من السيرة فتامل.

و يصح الاستدلال عليه بصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج قال: سألت اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يقترض من الرجل الدراهم فيردّ عليه المثقال او يستقرض المثقال فيرد عليه الدراهم فقال: اذا لم يكن شرط فلابأس و ذلك هو الفضل، إنّ أبي عليه السلام رحمه الله كان يستقرض الدراهم الفسولة فيدخل عليه الدراهم الجياد الجلال فيقول يا بني ردّها على الذي استقرضتها منه فاقول يا أبه انّ دراهمه كانت فسولة و هذه خير «اجود» منها فيقول يا بني ان هذا هو الفضل فاعطه اياه(3) بدعوى ان قوله: و ذلك هو الفضل بعد الحكم بعدم البأس في حكم التعليل لعدم البأس، و لايعلّل الحكم بنفسه بل بأمر اخر، و لعله اشارة إلى قوله تعالى: (وَ لاٰ تَنْسَوُا اَلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )(4) أي لاتنسوا أن يتفضل بعضكم على بعض. و يؤيده ايضاً ما حكاه من فعل ابيه عليهم السلام مع تعليله به ايضاً، فالرواية بصدرها و ذيلها بل الآية الكريمة تدل على فضيلة ذلك و هو كاف في

**********

(1) نيل الاوطار / ج 5، ص 231.

(2) نيل الاوطار / ج 5، ص 230 و الموطأ / ج 2، ص 168.

(3) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 7.

(4) البقرة / 237.

ص: 36

الاستحباب، هذا مضافا الى التسامح في ادلة السنن على تامل فيه.

13

الامر العاشر: في عدم الفرق في الحرمة بين ان يشترط النفع في عقد القرض و بين ان يشترط في عقد آخر

انه لافرق في اشتراط النفع بين أن يكون في عقد القرض او في عقد لازم آخر; لإطلاق المنع عن الشرط و عدم تقييده بكونه في متن القرض كموثقة اسحاق بن عمار قال: قلت لابي ابراهيم عليه السلام الرجل يكون له عند الرجل المال قرضا فيطول مكثه عند الرجل لايدخل على صاحبه منفعة فينيله الرجل الشيء بعد الشيء كراهية ان ياخذ ماله حيث لايصيب منه منفعة أيحل ذلك ؟ قال: لابأس اذا لم يكن يشرط(1) اي اذا لم يكن النيل المذكور مشروطاً سواء كان في عقد القرض او غيره.

و نحوها صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يستقرض من الدراهم البيض عددا ثم يعطي (يفضي) سودا (وزنا) و قد عرف أنها اثقل مما اخذ و تطيب به نفسه ان يجعل له فضلها فقال: لابأس به اذا لم يكن فيه شرط(2) أي اذا لم يكن في اعطاء الفضل شرط سواء كان في عقد القرض او غيره و هكذا صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج و غيرها من الاخبار; إذ لاتقييد فيها بكون الشرط في نفس القرض.

هذا مضافا الى ما افاده شيخنا الاستاذ الاراكي قدس سره من ان المستفاد من ظاهر الاخبار ان مناط الحرمة و الجواز هو كون المقترض ملتزما بالدفع غير مختار و كونه مختارا طيب النفس، و لم يصرح في شيء منها باعتبار كون الالتزام مستفادا من الشرط في ضمن عقد القرض لاعقد اخر، و على هذا فلو شرط في بيع او صلح او غيرهما النفع في القرض كان حراما و دخل في الشرط الفاسد و هذا لااشكال فيه.(3)

**********

(1) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 13.

(2) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 2.

(3) المكاسب المحرمة / ص 16.

ص: 37

و لو شرط غير المقرض على المقترض في عقد اخر غير عقد القرض ان يقضي دينه للغير مع اضافة و فضل فالظاهر انه غير مشمول للادلة الناهية عن شرط الزيادة; لأن المتصرف منها هو شرط المقرض لاغيره، سيما اذا كان عنوان المشروط هو الاحسان فتدبر. نعم لو شرط غير المقرض في عقد اخر ان يقرض زيد مثلا للغير قرضا ربوياً كان الشرط فاسدا فلاتغفل.

14

الامر الحادي عشر: في حرمة اشتراط القرض في ضمن البيع المحاباتى و عدمها

ان المحكي عن شيخ الاستاذ قدس سره حرمة اشتراط القرض في ضمن البيع المحاباتي او الاجارة المحاباتية بدعوى ان الشرط ليس المراد به معناه المتعارف الآن في الألسنة، بل المراد في عرفهم مطلق الالتزام و التعهد و لو لم يكن بلفظ الشرط بل كان بلفظ البيع، و حينئذ نقول في القرض جاء التزام المقترض بدفع الزيادة(1)

من قبل أمرين: احدهما البيع و الثاني عمل المقرض بشرطه من الإقراض، فانه لو لم يف به لم يكن المقترض ملتزما; لتمكنّه من الفسخ بخيار تخلف الشرط لكن بعد الوفاء يبقى بلااختيار و ملزما بدفع الزيادة فيصدق على هذه الزيادة إنها زيادة اعطيت بواسطة منشأية القرض لها في حال كونها ملتزما بها لامحيص للفرار عنها.

و ان شئت قلت: الزيادة المشترطة في عقد القرض نفسه زيادة اوجبها القرض بواسطة حكم الشارع «المؤمنون عند شروطهم» و الزيادة المشترطة على هذا الوجه زيادة اوجبها القرض ايضا بواسطة حكم الشارع «اوفوا بالعقود».

هذا محصّل ما ذكره شيخ الاستاذ قدس سره ولكن اورد عليه الاستاذ قدس سره بأنّ : ولي فيه نظر; اذ

**********

(1) المقترض هو من باع او اجار محاباة، و المراد من دفع الزيادة هو الاخذ بالاقل من القيمة و الاجارة.

ص: 38

غاية ما يستفاد من الاخبار انّ الزيادة التي تدفع بعنوان الخروج عن عهدة القرض و ما يتعلق به من الشرط المشترط في ضمنه محرمة، و الزيادة هنا ليست كذلك; لانها بعنوان الوفاء بعقد البيع و لامساس له بالقرض و ما يتعلق به، فان القرض من متعلقات البيع فالوفاء به وفاء بالبيع لاالعكس هذا.

لكن قد يستانس لما ذكره شيخنا بذيل ما رواه محمّد بن يعقوب عن محمّد بن يحيى عن احمد بن محمّد عن علي بن حديد عن محمّد بن اسحاق بن عمار قال: قلت لابى الحسن عليه السلام ان سلسبيل [سلسيل] طلبت منّي مائة الف درهم على ان تربحنى عشرة الاف فاقرضها تسعين الفا و ابيعها ثوبا و شيئا يقّوم بالف درهم بعشرة آلاف درهم قال: لابأس. قال الكليني: و في رواية اخرى لابأس به اعطها مائة الف و بعها الثوب بعشرة آلاف و اكتب عليها كتابين.(1)

بدعوى أنّ التعبير بقوله: و اكتب عليها بالكتابين مشعر بأنّ الجواز منوط بمااذا كانت المعاملتان منفصلتين و غير مرتبطتين، فلايجوز اشتراط احدهما في ضمن الاخر فاشتراط المعاملة المذكورة في ضمن القرض ربا محرم و اشتراط القرض في ضمن المعاملة المذكورة ايضا ممنوع و هو مفروض المقام.(2)

و فيه: اوّلا: انّ الخبر ضعيف; لجهالة علي بن حديد. وثانياً: انّ الرواية الاخرى التي اشار اليها في الكافي مرسلة لااعتبار بها. هذا مضافا الى معارضتها مع سائر الروايات الواردة في العينة فان مقتضاها هو جواز اشتراط القرض في ضمن المعاملة المذكورة و قد مرّ التفصيل في المسألة في الجهة الثالثة عشر.

**********

(1) الوسائل / الباب 9 من ابواب احكام العقود، ح 1.

(2) راجع المكاسب المحرمة / ص 16-17.

ص: 39

فتحصل ان الشرط اللبى المذكور خارج عن مدلول الادلة العامة في باب الربا القرضي، و صدق جرّ النفع بالنسبة الى القرض من دون اشتراط في متن القرض لايفيد الحرمة، و المقروض انه لم يشترط شيء في متن القرض لالفظاً و لالبّاً. و عليه فلاوجه لتحريم البيع المحاباتي او الاجارة المحاباتية; لأن الممنوع هو شرط المقرض الزيادة في متن القرض، و في المقام لايشترط النفع كذلك و انما يترتب لزوم المعاملة بسبب الوفاء بالشرط و هو اعطاء القرض فتدبر جيدا.

و عليه فلو باع المقترض من القرض مالاً بأقل او اجاره داراً بأقل من أجرة المثل و شرط عليه ان يقرضه مبلغا معيّنا فلابأس به.

و اذا اراد جمع تأسيس شركة و طلبوا من البنك الحكومى القرض و شرط البنك عليهم في اعطاء القرض ان يسهموا في الشركة بالسهام المتساوية فقد صرّح سيدنا الامام المجاهد قدس سره بانه لامانع منه.(1)

و لعله لانصراف الادلة المانعة عن الشرط في ضمن القرض عن مثل هذا الشرط، ولكن عرفت سابقا ان الادلة مطلقة و لاوجه للانصراف، و لذا اشكل في شرط الرهن و الكتابة، نعم يجوز الشرط بعد التسليم لما ورد فيه الرواية.

اللّهمّ الا ان يكون المقصود من الشرط المذكور هو ان يؤسس الجمع المذكور الشركة و يسهموا بالسهام المتساوية ابتداء، فالشرط المذكور يكون كشرط صلح او هدية مقدمة لأن يترتب عليه القرض، و الممنوع هو الابتداء بالقرض مع الشرط لاالشرط و ترتب القرض، فالشرط المذكور لايوجب اشكال من ناحية المقرض كما لايخفى مادام لم يكن حيلة للربا.

**********

(1) استفتاءات / ج 2، ص 292.

ص: 40

و اذا شرط لبنك الحكومي في مقابل اعطاء القرض و تضميناته و دعمها للشركة المنتجة بانه اذا مات احد الشركاء قام مقامه المتقاضي الاخر مع الاستجازة من البنك و اعطى سهم الميت بواسطة المتقاضي الجديد الى وارثه، ففيه ان الشرط في مقابل اعطاء القرض مشمول للأدلة الناهية عن الشرط في ضمن القرض. هذا مضافا الى ان الوارث بعد موت مورّثه يصير مستحقا يعين تركته فكيف يجوز اخراجه من الشركة من دون اجازة منه او وليه او وصيّه ؟

و ان شرط المقرض على المقترض بانه لو تعلق - بسبب من الاسباب كحلول سنة الخمس - خمس بالمال المقروض أدّاه المقترض فهو لايصح; لانه شرط ربوي.

و اذا شرط البنك اعطاء نقد بعنوان القرض الى مدة معيّنة حتى يعطي مثلاه بعد مضي المدة بعنوان القرض و قبل المعطي ذلك و اشترط على البنك اعطاء مثليه عند مضي المدة فالمعاملة فاسدة; لأن شرط اعطاء مثلي ما اعطاه بعنوان القرض شرط نفع في مقابل اعطاء القرض، كما ان اعطاء القرض الى مدة معينة لإعطاء القرض المضاعف هو ايضا شرط نفع في القرض المضاعف. نعم لو لم يشترط ذلك بل كان بنحو الداعي فلااشكال فيه.

و كيف كان فمع حرمة المعاملة المذكورة لحرمة الزيادة الحكمية لايكون اصل القرض محكوما بالبطلان بل القرض الاول و القرض المضاعف كل واحد منهما صحيح بناء على ما مر من صحة اصل القرض.

15

الامر الثاني عشر: في عدم جواز اخذ شى بعنوان المضاربة و صرفه في غير التجارة

انه لو اقترض تاجر من شخص للتجارة لم يجزله ان يأخذ من آخر شيئا لأداء دينه الاول بعنوان المضاربة; اذ ليس ذلك بمضاربة بل يؤدي به دينه الذي للتجارة، فلو اخذ

ص: 41

كذلك بقي المأخوذ على ملك مالكه و التصرف فيه عدواني، و لم يكن قرضا ايضا; اذ لم يقصدا من الاخذ قرضا.

و مما ذكر يظهر عدم جواز اخذ شيء من البنوك بعنوان ان يكون البنك شريكا له في العمل او العرصة او الدار و يعطيه أجرة سهمه ولكن في قصده ان يصرف المأخوذ في غير ذلك من اداء ديونه و نحوه; لأن الشركة غير مقصودة كما ان القرض ايضا ليس بمقصود، و لو علم البنك و الآخذ ان الشركة صورية كان الاخذ المذكور قرضا فلو اشترط فيه زيادة كان محكوما بالربا.

16

الامر الثالث عشر: في حرمة تأخير الدين الحال بزيادة

انه لو اخّر الدين الحال بزيادة فيه لم تثبت الزيادة و لاالاجل بل هو الربا المحرم بلاخلاف و لااشكال.(1)

اما عدم ثبوت الزيادة و الاجل فلعدم الدليل عليه، و اما حرمتها فلأنّ ابقاء الدين كحدوثه في عدم جواز جعل الزيادة في قباله; اذ جعل الزيادة حينئذ ازدياد على رأس المال و هو منهي عنه باطلاق قوله عزوجل (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ )(2)

و يشهد لحرمة ذلك اخبار العينّة; لانه لو جاز التراضي على التأجيل بزيادة لم يكن داع الى التوصل بامثال تلك الحيل من اشتراء شيء بازيد من قيمته و شرط التأجيل في ضمن الاشتراء. و ايضا لو كان التراضي المذكور جايزاً لما حكم في صحيحة محمّد بن

**********

(1) كما في الجواهر / ج 25، ص 34.

(2) البقرة / 278-279.

ص: 42

مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سئل عن الرجل يكون عليه الدين الى اجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول له انقدني من الذي لي كذا و كذا او اصنع لك بقيته او يقول انقدني بعضا و امدّ لك في الاجل فيما بقي عليك قال: لاارى به باساً ما لم يزدد على رأس ماله شيئا يقول الله: (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ ).(1)

بانه لو ازداد على رأس ماله لم يجز التراضي على التأخير و كان ربا كما افاده شيخنا الانصارى قدس سره. و لذلك قال شيخنا الاعظم قدس سره: لاخلاف على الظاهر من الحدائق المصرح به في غيره في عدم جواز تأجيل الثمن الحال بل مطلق الدين بازيد منه; لانه ربا; لأن حقيقة الربا في القرض راجعة الى جعل الزيادة في مقابل امهال القرض و تأخيره المطالبة الى اجل فالزيادة الواقعة بازاء تأخير المطالبة ربا عرفا، فانّ اهل العرف لايفرّقون في اطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليه في اول المدينة كأن يقرضه عشرة باحد عشر الى شهر و بين ان يتراضيا بعد الشهر الى تأخيره شهراً آخر بزيادة واحد و هكذا بل طريقة معاملة الربا مستقرة على ذلك.

بل الظاهر من بعض التفاسير ان صدق الربا على هذا التراضي مسلّم في العرف و انّ مورد نزول قوله تعالى في مقام الردّ على من قال انما البيع مثل الربوا، (وَ أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا) هو التراضي بعد حلول الدين على تأخيره الى اجل بزيادة فعن مجمع البيان عن ابن عباس انه كان الرجل من اهل الجاهلية اذا حلّ دينه على غريمه فطالبه قال المطلوب منه: زدني في الاجل ازدك في المال فيتراضيان عليه و يعملان به فاذا قيل لهم: ربا قالوا: هما سواء يعنون بذلك ان الزيادة في الثمن حال البيع و الزيادة فيه بسبب

**********

(1) الوسائل / الباب 7 من ابواب احكام الصلح، ح 1.

ص: 43

الاجل عند حلول الدين سواء فذمّهم الله و ألحق بهم الوعيد و خطّأهم في ذلك بقوله تعالى (وَ أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا).(1)

فتحصل انه كما لايجوز جعل الزيادة عند حدوث القرض فكذلك لايجوز في مقابل إبقاء الدين و إمهاله بعد حلول الدين، و لافرق في ذلك بين ان يكون اشتراط الزيادة المذكورة في ضمن عقد آخر اولا يكون بما مرّ من حرمة الاشتراط المذكور و لو في عقد اخر قضاءً لاطلاق النهي عن شرط الزيادة في القرض.

و العجب من بعض الاعلام حيث ذهب الى جواز شرط خسارة التأخير في عقد خارج لازم، و ذلك لأن اشتراط الخسارة اشتراط الزيادة في القرض و هو محرم و لو كان في معاملة اخرى، و ان اراد من الخسارة هي التي ترد من ناحية التضحم ففيه انّ مع عدم ملاحظة التضحم في العرف العام فالشرط المذكور لايخرجه عن اشتراط الزيادة، فيشمله ادلة حرمة الربا و لو كان في عقد خارج لازم. نعم لو كان التضحم عرفيا فلاحاجة الى اشتراطه في عقد خارج بل لعله كذلك و لو اشترط في نفس عقد القرض، لانه يرجع الى اشتراط اعطاء المثل من جهة قدرته الشرائية فتامل. هذا اذا كان الاشتراط مرتبطا بالقرض، و اما اذا لم يكن كذلك بل هو شرط مستقل فلم يكن مشمولاً لأدلة حرمة الربا.

و اما ما يقال من جواز اشتراط الزيادة بعنوان شرط الجريمة على التأخير كالكفارة على اتيان الحرام بحيث لايرجع الى الاذن في التأخير و تأجيل الحال في مقابل الزيادة بل هو جريمة على التأخير الغير المجاز حتى يوجب ذلك عدم التأخير.

ففيه انه يشكل ذلك من جهة صدق شرط النفع عليه و لو كان بعنوان الجريمة على

**********

(1) المكاسب لشيخنا الانصارى / ص 306 ط قديم.

ص: 44

التأخير الغير المجاز فلاتغفل. على ان الجريمة لاتصدق فيما اذا لم يكن التأخير عن اختيار كما لايخفى.

و ربما يقال ان اشتراط الزيادة في مقابل التأخير إن كان ممنوعاً لزم منه تأخير المديونين و اختل أمر الديون. ولكن يمكن التقضي عنه بأخذ الرهن أو ضمانة المعتبرين أو ما أشير اليه في أخبار العينة من بيع الديون من الدائن شيئاً بأقل من قيمته أو شرائه من الدائن شيئاً بأكثر من قيمته مع شرط الإمهال ما لم يكن ذلك حيلة للربا و الاّ فهو محل تأمل و اشكال.

17

الامر الرابع عشر: في بيع شى بثمن حال و بازيد منه مؤجلا

انه لو باع شيئا بثمن حالاً و بأزيد منه مؤجّلاً قال شيخنا الاعظم قدس سره: ففي المبسوط و السرائر و عن أكثر المتأخرين انه لايصح، و علّله في المبسوط و غيره بالجهالة، كما لو باع إما هذا العبد و إما ذاك، و يدلّ عليه ايضا ما رواه في الكافي انه عليه السلام قال: من ساوم بثمنين احدهما عاجلا و الاخر نظرة فليسم احدهما قبل الصفقة(1) و يؤيده ما ورد من النهي عن شرطين في بيع و عن بيعين في بيع(2) بناء على تفسيرهما بذلك الى ان قال: الا أنّ في رواية محمّد بن قيس المعتبرة انه قال اميرالمؤمنين عليه السلام: من باع سلعة و قال ثمنها كذا و كذا يداً بيد و كذا نظرة فخذها بأيّ ثمن شئت و جعل(3) صفقهما واحدة فليس له الاّ اقلّهما و ان كانت نظرة(4) و في رواية السكوني عن جعفر عن ابيه عن آبائه ان عليا عليه السلام قضى في

**********

(1) الوسائل / الباب 2 من ابواب احكام العقود، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 2 من ابواب احكام العقود، ح 3 و 4 و 5.

(3) و في نسخة التهذيب و اجعل.

(4) الوسائل / الباب 2 من ابواب احكام العقود، ح 1.

ص: 45

رجل باع بيعا و اشترط شرطين بالنقد كذا و بالنسية كذا فاخذ المتاع على ذلك الشرط فقال: هو بأقل الثمنين و أبعد الاجلين يقول ليس له الا اقل النقدين الى الاجل الذى اجّله بنسية.(1)

و عن ظاهر جماعة من الاصحاب العمل بهما و نسب الى بعض هولاء القول بالبطلان إلى ان قال: و قال: في المختلف - بعد تقوية المنع -: و يمكن إن يقال ان رضي بالثمن الأقل فليس له الاكثر في البعيد و الاّ لزم الربا; اذ يبقى الزيادة في مقابل تأخير الثمن لاغير فاذا صبر الى البعيد لم يجب له الاكثر من الاقل انتهى.

و في الدروس: انّ الأقرب الصحة و لزوم الاقل و يكون التأخير جايزاً من طرف المشتري لازما من طرف البايع; لرضاه بالاقل، فالزيادة رباً و لذا ورد النهي عنه و هو غير مانع من صحة البيع انتهى.

أقول: لكنه مانع من لزوم الاجل من طرف البايع; لانه في مقابل الزيادة الساقطة شرعا، إلاّ أن يقال ان الزيادة ليست في مقابل الاجل بل هي في مقابل اسقاط البايع حقه من التعجيل الذى يقتضيه العقد لو خلّي و طبعه.

الى أن قال: و قد تخلص من جميع ما ذكرنا ان المعاملة المذكورة في ظاهر متن الروايتين لااشكال و لاخلاف في بطلانهما بمعنى عدم مضيهما على ما تعاقدا عليه، و اما الحكم بامضائهما - كما في الروايتين - فهو حكم تعبدي مخالف لأدلة توقف حل المال على الرضا و طيب النفس و كون الاكل لاعن تراض كلاً للباطل فيقع الاشكال في نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للاصل.(2)

**********

(1) الوسائل / الباب 2 من ابواب احكام العقود، ح 2.

(2) المكاسب / ص 304-305 ط قديم.

ص: 46

و يمكن أن يقال: انّ مع القول بالصحة و العمل بالروايتين - كما في الدروس - فالثمن هو الاقل و لايجوز اعطاء الزيادة; لانه تقع في مقابل تأخير الثمن و هو الأقل و هو ربا محرم. و اما ما افاده الشيخ قدس سره من ان الزيادة في مقابل الاسقاط فهو بعيد غاية البعد عن مفروض الرواية و اما الروايات الناهية عن شرطين في بيع واحد فهي محمولة على الكراهة او الحرمة التكليفية او على غير ذلك فتدبر جيّدا. كما ان اشكاله من جهة نهوض الروايتين لتأسيس هذا الحكم المخالف للقاعدة محل منع بعد تمامية النصوص من جهة السند و الدلالة; إذ لااباء للقاعدة عن التخصيص بالدليل الشرعي تعبداً، هذا مضافاً الى انه لايكفي في سقوط الربا.

و عليه فالأقوى صحة المعاملة نقدا و عدم جواز اخذ الزيادة في مقابل التأخير و ان أخّر الثمن الى البعيد; لأن الزيادة تكون في مقابل تأخير الثمن و هو ربا محرم. ثم ان هذه المسالة تكون من متفرعات الامر السابق و من المصاديق الخفية للربا.

18

الامر الخامس عشر: في ا داء الدين و الحطيطة

في تعجيل اداء الدين و الحطيطة قال في الجواهر قدس سره: يصح تعجيله لو كان مؤجلا باسقاط بعضه مع التراضي بلاخلاف و اشكال، كما تقدم في بحث النقد و النسيئة; للنصوص المتقدمة، بل ربما استظهر منها الاكتفاء بالتراضي من غير حاجة الى الإبراء او الصلح.

و تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام انه سأل عن الرجل يكون عليه الدين الى اجل مسمّى فيأتيه غريمه فيقول: انقدني من الذي لي كذا و كذا واضع لك بقيته، او يقول: انقدلي بعضا و أمرّلك في الاجل فيما بقي عليك قال: لاارى به بأسا ما لم

ص: 47

يزدد على رأس ماله شيئا يقول الله (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ ).(1)

و صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن رجل اشترى جارية بثمن مسمّى ثم باعها فربح فيها قبل ان ينقد صاحبها الذي له، فأتاه صاحبها يتقاضاه و لم ينقد ماله فقال صاحب الجارية للذين باعهم: اكفونى غريمي هذا و الذي ربحت عليكم فهو لكم قال: لابأس(2) و اطلاق الرواية يشمل ما اذا اشترى الجارية هذا و باعها نقدا.

قال في الجواهر قدس سره: بناء على انه قد باعهم مؤجلا و ان كان لامانع ايضا من بيعهم حالاًّ و الصلح معهم باسقاط البعض; اذ هو صلح الحطيطة الذي يقوم مقام الابراء و لاربا فيه و ان قلنا لعمومه للمعاوضات، و من هنا اطلق الاصحاب جوازه بتعجيل البعض باسقاط الباقي من غير فرق بين المجانس و المخالف بل ظاهر الجميع كونه بالمجانس، على انه يمكن ان لايكون ابراء محضاً لأن الوضع في مقابلة الاجل، بل يمكن خروجه بذلك عن المجانس و ان كان ذلك كله لايخلو من نظر.

و الاولى الاستناد للنص المعتضد بفتوى الاصحاب، بل لم أجد احداً منهم او مأ الى احتمال الربا فيه سوى الفاضل في القواعد و غيرها، بل ظاهره في صلح الاولى (أى القواعد) البطلان على تقدير عموم الربا للمعاوضات قال: و لو صالح على عين باخرى في الربويات ففي الحاقه بالبيع نظر، و كذا في الدين بمثله فان الحقناه فسد، كما لو صالح في الف بخمسائة حال، و لو صالح من الف حال بخمسائة مؤجلّ فهو ابراء على اشكال و يلزم التأجيل.

**********

(1) الوسائل / الباب 7 من ابواب احكام الصلح، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 4 من ابواب احكام الصلح، ح 1.

ص: 48

و سوى الشهيد في الدروس حيث قال: و لو صالح على المؤجل باسقاط بعضه حالاّ صحّ اذا كان بغير جنسه، و اطلق الاصحاب الجواز إمّا لأنّ الصلح هنا ليس معاوضة له، او لانّ الربا يختص بالبيع، او لأنّ النقيصة في مقابلة الحلول.

الى ان قال صاحب الجواهر قدس سره: قلت أقواها الاول، اذ الثاني منظور فيه بأن الاصح عموم الربا و قد صدر ذلك ممن يقول بعمومه، و اما الثالث ففيه أوّلا: انه لايكفي في سقوط الربا وثانياً: قد عرفت ان الاقوى الصحة في الحالّين ايضا فله ان يصالح عن الزائد الحال بالناقص كذلك; لقيامه مقام الابراء بخلاف البيع فانه لايقوم مقامه.(1)

فتحصّل أنّ مقتضى اطلاق النصوص هو جواز الابراء و الصلح المفيد للابراء من دون فرق بين المجانس و المخالف، و حيث عرفت اطلاق الرواية بالنسبة الى الحالّين فلا يكون النقيصة في مقابل الحلول بنحو المعاوضة بل هو ابراء، و لعلّ هو المراد من قول صاحب الجواهر و ان كان ذلك كله لايخلو من نظر.

و كيف كان فلااشكال في جواز الحطيطة عن صاحب الدين بالنسبة الى المديون; لما عرفت من انه في حكم الابراء و ورد فيه النصوص فلاتغفل.

و اما اذا باع دينه على الغير من شخص آخر بالاقل فهو خارج عن مورد النصوص المذكورة، و حينئذ يمكن ان يقال ان مقتضى القواعد هو الصحة و جواز اخذ المشتري الزيادة من المديون بعد حلول الاجل; لان الدين قابل للمعاملة فاذا اشتراه شخص بالاقل ملكه بالاشتراء و جاز اخذه ممن عليه عند الحلول من دون نقيصة.

نعم لو لم يشتره و انما اعطى الى صاحب الدين شيئا اقل من الدين بعنوان القرض نقداً لأن يأخذ الاكثر من الديون كان محرما; لانه ربا، و لايجب على المديون اعطاء الزائد

**********

(1) راجع الجواهر / ج 25، ص 37.

ص: 49

له بل اللازم هو اعطائه لصاحب الدين، و هكذا لو كان العوضان متجانسين امكن القول بفساد صلح الزائد بالاقل من مثله; لأن الصلح في المقام ليس بابراء بل هو معاملة، و مقتضى ما مرّ سابقاً من حرمة جميع المعاملات الربويه هو حرمة المعاملة المذكورة.

بل يمكن القول: بالبطلان بالنسبة الى الزائد مطلقا و لو لم يكن المعاملة بين المتجانسين; للأخبار منها: ما رواه في الكافي عن احمد بن محمّد عن الحسن بن علي عن محمّد بن الفضيل عن أبي حمزة قال: سألت اباجعفر عليه السلام عن رجل كان له على رجل دين فجاءه رجل فاشتراه منه [بعرض] ثم انطلق الى الذي عليه الدين فقال له: اعطني مالفلان عليك فاني قد اشتريته منه كيف يكون القضاء في ذلك ؟ فقال ابوجعفر عليه السلام: يرد عليه الرجل الذى عليه الدين ما له الذى اشتراه به من الرجل الذي له الدين.(1)

اذ يدلّ هذا الخبر على عدم لزوم دفع الغريم أكثر مما دفع المشتري مع انه اشتراه بعرض لابمثل الدين.

و منها: ما رواه في الكافي عن محمّد بن يحيى و غيره عن محمّد بن احمد عن محمّد بن عيسى عن محمّد بن الفضيل ايضا قال: قلت للرضا عليه السلام رجل اشترى ديناً على رجل ثم ذهب الى صاحب الدين فقال له ادفع الي مالفلان عليك فقد اشتريته منه قال: يدفع اليه قيمة ما دفع الى صاحب الدين و برئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه(2) يظهر من قوله عليه السلام يدفع اليه قيمة ما دفع اليه ان الاشتراء يكون بعرض و يدلّ الخبر على عدم استحقاق المشتري للزايد على ما دفعه.

اورد عليهما بضعف السند و عدم الجابر من جهة عدم عمل المشهور بهما و مخالفتهما

**********

(1) الكافي / ج 5، ص 100.

(2) المصدر.

ص: 50

مع القواعد و الاصول و قد يحملان على الضمان، و فيه أوّلاً: ان ضعف السند يمكن رفعه بعمل مثل الشيخ و ابن البراج، هذا مضافا الى ان المحكي عن الشيخ المفيد في رسالة الرد على اصحاب اورد ان محمّد بن الفضيل بن كثير الازدي الصيرفي من الاعلام الرؤساء المأخوذ عنهم الحلال و الحرام و الفتيا و الاحكام الذين لايطعن عليهم و لاطريق الى ذم واحد منهم، و هم اصحاب الاصول المدوّنة و المصنفات المشهورة، و عليه فتضعيف الشيخ اياه بالغلو لايعارض المحكي عن الشيخ المفيد، و ان ذهب في معجم الرجال الى المعارضة; لأن الغلوّ يجتمع مع كونه من الثقات كمالا يخفى.

وثانياً: انّ دعوى المخالفة للقواعد و الاصول من جهة انّ الدين قابل للمعاملة بغير الجنس. مندفعة بانه اجتهاد في مقابل النصوص.

وثالثاً: انّ الحمل على الضمان بعيد جداً; لأنّ ارادة الضمان من لفظ الاشتراء في الروايتين لايساعدها ظهور لفظ الاشتراء في البيع و الشراء، و عليه فللعمل بهما وجه، ولكن اعراض المشهور عنهما يمنع عن العمل بهما.

اللّهمّ الاّ ان يقال: ان الاعراض مع عمل الشيخ و ابن البراج لايجتمعان; اذ كيف عمل الشيخ بما اعرض عنه الاصحاب، و عليه فيمكن ان يكون الاعراض اجتهادياً.

فالمسألة مشكلة و الاحوط هو اجتناب المشتري عن مطالبة الزيادة عن المديون مطلقا سواء كان الدين من الربوبات او غيرها الاّ اذا كان مع المساواة فان الخبرين لايشملانهما، لظهورهما بقرينة قوله عليه السلام: و برئ الذي عليه المال من جميع ما بقى عليه.

و ايضاً بقرينة اختصاص المردود بالمال الذى اشترى به في قوله عليه السلام: يرد عليه الرجل الذي عليه الدين ماله الذى اشتراه به الخ.

في ان الشراء بالاقل، و حيث ان النسبة بين هذين الخبرين و عمومات النقود هو نسبة العموم و الخصوص فهذان الخبران يقدّمان على العمومات.

ص: 51

و مما ذكر يظهر ما في الجواهر حيث قال: و ظاهر الدروس العمل بهما إلاّ انهما كما ترى ضعيفتان و لاجابر لهما بل شهرة الاصحاب بقسميها على خلافها، مخالفتان لاصول المذهب و قواعده و ليس في ثانيهما (أي الرواية الاولى) ان الثمن اقل فيمكن حمله على المساوى، و إلاّ فاطلاقه مما لايقول به احد، كاطلاق سئوال الاول (أي الرواية الثانية) فالواجب حينئذ طرحهما او حملهما و كلام الشيخ كما قيل على الضمان، و ان كان فيه عدم معهودية استعمال لفظ الشراء فيه و لو مجازا، و انهما ظاهران في عدم علم المديون بذلك فلارجوع عليه، و ليس في الثاني (أي الخبر الاول) تصريح بانه ادّى الى صاحب الدين كي يستحق الرجوع على المديون، بل فيه انه اشترى بعرض فكيف يجامع الضمان ؟ بل دفع القيمة في الاول (أي الخبر الثاني) ظاهر في العرض، اللّهمّ الا ان يراد منها المقدار او يقال بكون المراد على هذا التقدير تأدية الضامن عروضا ضمنه فكان له المطالبة بالقيمة، لكن على كل حال لاريب في بُعد الحمل المزبور، و أبعد منه حملها على الشراء الفاسد و انّ صاحب الدين قد اذن للمشتري ان يقبض من المديون مقدار ما أدّى و يبقى الباقي لصاحب الدين فيكون المراد من البراءة في الاول (أى الخبر الثاني) بالنسبة الى المشتري; اذ هو كماترى.

و لعلّ الاقرب منهما حملها على الشراء للمديون نفسه و لو بصيغة الصلح باذن من المديون او باجازة لاحقة فيكون من صلح الحطيطة اذا فرض كون العوض من الجنس.(1)

و ذلك لما عرفت من ان مخالفة القواعد و الاصول لامانع فيها بعد صحة ما ورد على خلافها لان نسبة المخالف بالنسبة الى القواعد الاصول نسبة الخاص مع العام و المفروض

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 60-61.

ص: 52

ان العام لايكون آبيا عن التخصيص و له نظائر في الفقه الاترى ان الحكم بالنكاح المؤبد عند نسيان المتعاقدين لذكر المدّة يخالف قاعدة ما قصد لم يقع و ما وقع لم يقصد ثم ان لفظ الاشتراء مع اسناده الى المتكلم ظاهر في الشراء لنفسه و حمله على الضمان او على شرائه للمديون خلاف الظاهر فتدبر جيّدا.

و دعوى ان الاعراض عن الروايتين يكفى في سقوطهما عن الجمله. مندفعة بانه غير ثابت مع ان عمل مثل الشيخ ابن البراج من القدماء يقوى احتمال ان يكون عدم الاستناد اليهما من باب الاجتهاد الاستنباط لاالاعراض.

و ايضا حمل المشترى على الوكيل في الشراء عن المديون خلاف الظاهر كما لايخفى فالاحوط ان لم يكن الاقوى هو الاجتناب عن بيع الدين المؤجل بالاقل و لو بغير المتجانس او المعدودات من الشخص الثالث بطلب الزيادة فتدبر.

ثم لايذهب عليك ان المستفاد من الخبرين هو فساد المعاملة بالنسبة الى الزيادة و اما اصل المعاملة بين الدائن و الشخص الثالث بالاقل فهو صحيح و يوجب براءة ذمّة المديون مما بقى فلايجوز مطالبته بعد المعاملة لامن الدائن و لا من الشخص الثالث.

19

الامر السادس عشر: في اخذ شي في القرض بعنوان اجرة الكتابة

في جواز جعل الاجرة لمن يكتب و يصدر الاوراق و الاسناد للقرض و نحوها، و جواز البيع لنفس الاوراق المذكورة و عدمه في الصناديق الخيرية او غيرها، و لايخفى عليك انه ان أقرض شيئا بشرط اعطاء الاجرة لمن يصدر الامور المذكورة او بشرط البيع المذكور فهو ربا محض; لانه قرض بشرط النفع، و لافرق بين ان يكون الشرط المذكور بنفع المقرض او بنفع غيره; لاطلاق الادلة المانعة عن الشرط في ضمن القرض بل و لو كانت المعاملة مع القيمة المتعادلة، فالمسألة محل خلاف و اشكال و الاحوط هو

ص: 53

الاجتناب; لامكان دعوى شمول الاطلاقات الدالة على ممنوعية الشروط في ضمن القرض لذلك ايضا.

و ان شرط القرض في ضمن عقد الاجارة لصدور الاوراق المذكورة او في ضمن بيع نفس الاوراق المذكورة فالاقرب انه جايز; لما مرّ من ان الالزام بالعمل بالشرط من آثار الوفاء بالشرط و لامساس له بالقرض، خلافا لما ذهب اليه شيخنا الاستاذ تبعاً لاستاذه المحقق الحاج الشيخ قدس سره كما مرّ في الامر الحادى عشر بيان كلامهما و نقدهما فراجع.

ولكن اللازم في الاجارة هو عدم كون الاجرة أكثر مما اعطى الاخير كما سيأتى ان شاء الله بيانه. نعم لو قلنا بعدم جواز شرط القرض في ضمن عقد الاجارة كما لايجوزالعكس فاللازم في التفصّي عن اشكال الربا هو ان تجعل المعاملتان مستقلتين بأن يستاجر شخصا للكتابه و صدور الاوراق المذكورة من دون شرط و تبان عليه، و ان يستقرض شيئا من دون شرط و تبان عليه.

لايقال: لاداعي للاستجارة المستقلة اللازمة; لامكان امتناع البنك او الصندوق عن اعطاء القرض بعد الاستجارة.

لأنا نقول: نمنع عدم الداعي مع العلم باعطاء البنك او الصندوق للقرض، هذا مضافا الى امكان جعل الخيار في عقد الاجارة بحيث لو لم يعطه القرض فسخ العقد أي عقد الاجارة، و مع وجود حق الفسخ لايمتنع عن الاجارة المستقلة بداعي اخذ القرض.

و ربما يفصل في الجواز و عدمه بين ان يكون صندوق قرض الحسنة مالكا للمال المعطى بعنوان القرض او شريكاً فيه فلايجوز شرط الاجارة في ضمن القرض، فانه شرط زيادة و نفع للمقرض و هو الربا المحض، و بين ان لايكون مالكا بل يكون وكيلا من ناحية الاشخاص فيجوز له حينئذ اخذ الاجرة او المخارج، و لعلّ وجه ذلك هو ان

ص: 54

الممنوع هو شرط النفع و الزيادة للمقرض لالغيره، فاذا كان الصندوق غير مالك فالشرط لايكون للمقرض بل يكون لغيره.

و فيه - كما مرّ - انّ الشرط مطلقا سواء كان للمقرض او غيره يكون ممنوعا; لاطلاق قوله: اذا لم يكن شرط بينهما، نعم مورد بعض هذه الاخبار يكون الشرط للمقرض ولكن العبرة باطلاق الوارد لابخصوصية المورد.

اللّهمّ الا أن يقال: ان شرط الاجارة ليس من قبل المقرض بل هو من ناحية الواسطة و هو الصندوق بعنوان حق العمل لنفسه او المخارج فلااشكال فيه مع ثبوت الفرض المذكور من عدم كون الصندوق مالكا او شريكا، نعم ذلك فرض بعيد; لأن الصناديق اخذوا من اهل الخير ريالاتهم ليقرضوها ولكن لم يجعلوها بعينها في محل بعنوان الامانة حتى يقرضوها بل ياخذونها لضمان و هو في الحقيقة قرض، و عليه فيقرضون ما ملكوه، و عليه فما اقرضوه كان ملكا لهم، فاذا كان كذلك يكون شرط الاجرة او البيع من المالك فتدبر.

ربما يقال باستحقاق الصناديق لاجرة المثل لفعل المقدمات بامر المقترض و طلبه، فان اعطاء القرض اذا كان متوقفا على عمل له المالية عرفا كالكتابة و حفاظة الاسناد و المدارك و اتى الصندوق بهذه المقدمات بامر المقترض و طلبه استحق الصندوق أجرة المثل لمثل هذه المقدمات.

و فيه ان ذلك فيما اذا لم يكن الظاهر من حالهم هو اتيان المقدمات مجاناً كما لعله الظاهر من بعض الصناديق و الاّ فامر المقترض و طلبه لايوجب الاستحقاق; لانه مبني على الشرع، هذا مضافا الى ان أجرة المثل للعمل المذكور لايساوي احيانا ما عينّه بعض الصناديق، فلايجوز اخذ الزيادة عن أجرة المثل، نعم لايجوز ان يهب مقدارا قبل القرض بشرط ان يقرضه المتهب كذا و كذا و لااشكال فيه ما لم يكن ذلك حيلة ربوية و إلا فقد

ص: 55

مرّ الاشكال فيها. و الذى يسهل الخطب ان المقصود من الهبة في مثل الصناديق الخيرية ليس حيلة ربوية كما هو واضح.

20

الامر السابع عشر: في تعميم حرمة الربا بالنسبة الى الاشخاص الحقوقية

في ان حرمة الربا هل تختص بالاشخاص الحقيقية او تعم الاشخاص الحقوقية ايضا؟ ربما يتوهم الاول بسبب اختصاص أكثر الادلة بالاشخاص الحقيقية كقوله تعالى (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اَللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ )(1)

اذ المخاطب للاية الكريمة المؤمنون كما يشهد له قوله: (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا) و قوله: (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) و الفعل ملحوظ بعنوان فعلهم كما يدلّ عليه قوله تعالى: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اَللّٰهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ ) الاية و رأس المال ملحوظ لاشخاصهم كما يشيراليه (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ ) الآيه.

و كقوله عليه السلام في صحيحة محمّد بن قيس: من أقرض رجلا الخ او قوله عليه السلام فيها: و لايأخذ احد منكم ركوب دابة او عارية متاع يشترط من اجل قرض ورقة(2) اذ مفروض الكلام هو من أقرض رجلا هذا مضافا الى قوله عليه السلام: و لايأخذ احد منكم الخ و هما ظاهران في الاشخاص الحقيقية و قوله عليه السلام في صحيحة الحلبي: اذا اقرضت الدراهم ثم اتاك بخير منها فلابأس اذا لم يكن بينكما شرط(3) لأن المفروض هو

**********

(1) البقرة / 278-279.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 11.

(3) الوسائل / الباب 12 من ابواب الصرف، ح 3.

ص: 56

اقراض المخاطب و هو من الاشخاص الحقيقية و قوله عليه السلام اذا طابت نفسه فلابأس(1) و من المعلوم ان طيب النفس من الاشخاص الحقيقة لاالحقوقية و غير ذلك من الموارد المختصّة بالاشخاص الحقيقية.

و يمكن دفع التوهم

أوّلاً: بانّ المستظهر من الادلة ان نفس الربا هو المحرم و ان كان بعض الخطابات مختصة بالاشخاص الحقيقية فالموارد المذكورة و غيرها من باب خصوصيات المورد و من المعلوم ان خصوصيات المورد لاتوجب رفع اليد عن اطلاق حرمة نفس الربا كقوله تعالى (وَ أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا)(2) و كقوله تعالى (وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ اَلرِّبٰا)(3) كما ان البيع لايختص بالاشخاص الحقيقية بل يعم بيع الاشخاص الحقوقية فكذلك حرمة الربا.

و كقوله تعالى (يَمْحَقُ اَللّٰهُ اَلرِّبٰا وَ يُرْبِي اَلصَّدَقٰاتِ وَ اَللّٰهُ لاٰ يُحِبُّ كُلَّ كَفّٰارٍ أَثِيمٍ )(4) و النظر فيه الى نفس الربا كما ان النظر في قوله: و يربي الصدقات الى نفسها لا الى فاعلها.

و كقوله عليه السلام في صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: درهم ربا اشدّ عندالله من سبعين زنية كلها بذات محرم(5) و في صحيحة سعيد بن يسار: درهم واحد ربا اعظم عندالله من عشرين زنية كلها بذات محرم.(6)

**********

(1) الوسائل/ الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 4.

(2) البقرة / 275.

(3) البقرة / 278.

(4) البقرة / 276.

(5) جامع الاحاديث / 18 الباب 1 من ابواب الربا، ح 3.

(6) جامع الاحاديث / 18 الباب 1، من ابواب الربا، ح 7.

ص: 57

اللّهمّ الا أن يقال: ان هذه الاطلاقات لم تكن في مقام بيان خصوصيات المرابي; اذ مقتضى التشبيه ان الربا أثم كالزنا و هو لايتحقق الا من الاشخاص الحقيقية.

و في معتبرة أبي جميلة عن سعد بن طريف عن أبي جعفر عليه السلام قال: اخبث المكاسب كسب الربا.(1)

و معتبرة عمروبن خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وآله الربا و آكله و [موكله] و بائعه و مشتريه و كاتبه و شاهديه.(2) و المستفاد منه هو ان جنس الربا مورد اللعن و التنفر.

اللّهمّ الا أن يقال: ان مفروض الكلام فيما اذا كان بائعه ملعونا و هو ليس الاّ اذا كان شخصا حقيقياً.

و في صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن البيضة بالبيضتين قال: لابأس به، و الثوب بالثوبين قال: لابأس به، و الفرس بالفرسين فقال: لابأس به ثم قال: كل شى يكال او يوزن فلايصلح مثلين بمثل اذا كان من جنس واحد فاذا كان لايكال و لايوزن فليس به بأس اثنان بواحد.(3)

و الحديث وارد في الربا البيعي و المعاملي و دلّ على حرمة التفاضل في المعاملة اذا كان الجنس واحدا من دون نظر الى ان المعاملة وقعت من الاشخاص الحقيقية أو الحقوقية.

و في صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام قال: الحنطة و الشعير راساً برأس لايزاد واحد منهما على الاخر.(4)

**********

(1) المصدر/ ح 22.

(2) المصدر/ ح 42.

(3) المصدر الباب 5 من ابواب الربا / ح 1.

(4) جامع الاحاديث / 18 الباب 6 من ابواب الربا، ح 4.

ص: 58

و في خبر خالد بن الحجاج: جاء الربا من قبل الشروط انما يفسده الشروط.(1)

و في خبر علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: و سألته عن رجل اعطى رجلا مأة درهم على ان يعطيه خمسة دراهم او اقل او أكثر قال: هذا الربا المحض(2) اذ قوله: هذا الربا المحض بمنزلة تطبيق الكبرى على المورد، فالعبرة بالكبرى لابالمورد.

و فيه نظر، و غير ذلك من الاخبار الكثيرة الدالة على ممنوعية نفس الربا و حرمة الازدياد في القرض او بيع المتجانسين من دون تقييد صدورهما من الاشخاص الحقيقة او الحقوقية.

وثانياً: بأن الأدلة المذكورة و ان سلّمنا قصورها بالنسبة الى الاشخاص الحقوقية; لاختصاص موضوعها بالاشخاص الحقيقية، و عن كونها في مقام البيان من هذه الناحية، ولكن تعم الاشخاص الحقوقية ايضا بعموم الحكمة المنصوصة في الاخبار; لما مرّ من انّ الحكم المنصوصة كالعلة المنصوصة في التعميم و ان افترقت عنها في التخصيص اذ; العلة معممة و مخصّصة و الحكمة معممة لامخصصة، و الوجه فيه واضح فانّ العلة علة منحصرة و الحكمة ليست بمنحصرة و عليه ففقدانها لايوجب ارتفاع الحكم، ولكن وجه إنهايستلزم تشريع الحكم لأنّ هذه الحِكم موجبات مستقلة للاحكام، و عليه فكل خبر يدلّ على ان حرمة الربا من جهة ترك اصطناع المعروف كقوله عليه السلام في وجه تحريم الربا: لئلاّ يتمانع الناس المعروف(3) او من جهة الاكل بالباطل و فساد الاموال كقوله عليه السلام و علة تحريم الربا لما نهى الله عزوجل عنه و لما فيه من فساد الاموال، لانّ

**********

(1) الوسائل/ الباب 12 من ابواب الصرف، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 19 من ابواب الدين و القرض، ح 18.

(3) جامع الاحاديث / 18 الباب 1 من ابواب الربا ج 32 و ح 36 و 37 و 38.

ص: 59

الانسان اذا اشترى الدرهم بالدرهمين كان ثمن الدرهم درهما و ثمن الاخر باطلا، الى ان قال: فحرّم الله عزوجل على العباد الربا لعلة فساد الاموال(1) او من جهة ترك التجارات، يدلّ على حرمته بالنسبة الى الاشخاص الحقوقية ايضا بعموم الحكمة المنصوصة.

لايقال: ان تسرية التكليف من الاشخاص الحقيقية الى الحقوقية لامعنى لها بعد عدم امكان توجه الخطاب التكليفى نحو الجهات العامة; اذ لايصح المخاطبة مع مالا شعورله

لأنّا نقول: التكليف المتوجه اليها يتوجه في النهاية الى وليّها و متصديها، فبهذا الاعتبار لايكون لغوا.

و يشكل ذلك بأنّ التكليف اذا لم يكن معقولا بالنسبة الى الجهات العامة فلاتكليف بالنسبة الى متصديها; لأن تكليفه ناش من الجهات العامة و مع عدم امكان تكليف الجهات العامة كيف يتوجه التكليف الناشى من قبلها الى متصديها؟ و التكاليف الواردة في مثل بيت المال كتعلق الدية فيما اذا لم يعلم القاتل على بيت المال هي تكاليف وضعية او تكاليف الولي.

ويمكن الجواب أولاً: بأن مع فرض صحة المعاملات بالنسبة الى الجهات و الشخصيات الحقوقية فالتكاليف بالنسبة الى مراعاة الشرائط و عدم وجود الموانع متوجهة الى الجهات باعتبار متصديها، كما ان التكاليف متوجهة الى المجانين و الصغار باعتبار اوليائهم.

وثانياً: بأنه و ان سلمنا ان التكاليف غير متوجهة بالنسبة الى الجهات العامة الا ان ادلة حرمة الربا دلّت على أمرين: احدهما الحرمة التكليفية و ثانيهما الحكم الوضعي من عدم صحة النقل و الانتقال، و الاول منهما و ان لم يكن ممكناً بالنسبة الى الجهات العامة

**********

(1) جامع الاحاديث / 18 الباب 1 من ابواب الربا، ح 35.

ص: 60

ولكن الثاني منهما معقول، و لااشكال في تبعيض الحجية بالنسبة الى الدلالة المطابقيه و الدلالة الالتزامية، فاذا سقطت الدلالة المطابقية اي الحرمة التكليفية فلاوجه لسقوط الدلالة الالتزامية و هي عدم نفوذ المعاملات الربوية، و لذا نقول بنفي الثالث في الخبرين المتعارضين مع سقوط الدلالة المطابقية بالتعارض، و عليه فمقضى مبغوضية الربا بما هو ربا هو عدم صحة المعاملة و نفوذها اذا وقعت بين الجهات العامة و الاشخاص الحقيقية او الحقوقية، كما لاتكون نافذة اذا وقعت بين الاشخاص الحقيقية فعلى الولي ان يمتنع من هذه المعاملات فانها غيرنا فذة كما لايخفى، و لو وقعت المعاملة كانت مبغوضة و يجب ردّ الربا الى من اعطاه كما لايخفى.

لايقال: ان البنوك الحكومية ليست للاستثمار بل اسست للضرورات الاجتماعية فقرار الربا من البنوك الحكومية لايحتوي مفاسد الربا الشايع بين الناس، هذا مضافا الى ان ذخائر البنوك يكون من بيت المال و هو للناس فاعطاء الربا من البنوك أو اخذه بمنزلة اخذ مال من كيس و وضعه في كيس اخر من شخص واحد.

على ان المستفاد من قوله 7: ليس بين الرجل و ولده و بينه و بين عبده و لابينه و بين اهله ربا انما الربا فيما بينك و بين ما لاتملك، ان المالكية تمنع عن تحقق الربا و الدولة حاكمة و مالكة لامور الناس، فكما ان الربا بين الرجل و ولده و اهله منفي لمالكية امورهم فكذلك الربا منفي بين الدولة و الرعية حرفا بحرف.

لأنّا نقول أوّلاً: أن البنوك اسست للربح و الربا و الاستثمار و لامنافاة بينه و بين تامين الضرورات الاجتماعية فكل واحد منهما من اغراض تأسيس البنوك، و عليه فمادام عملت البنوك على نظام الربح و الربا ترتبت عليه مفاسد الربا; اذ لاسترباح المذكور لايخلو عن مفاسد الربا كما لايخفى فمع اخذ الربح و الربا من الرعية و ايجاد

ص: 61

الفقر فيهم لامجال للتنظير المذكور فان التنظير صحيح اذا كان عائدات البنك راجعة اليهم مع انه ليس كذلك، هذا مضافا الى ان التنظير قياس.

وثانياً: ان الرواية المذكورة ضعيفة; لاشتمالها لياسين الضرير و هو غير موثق، هذا مضافا الى ان الرواية المذكورة مشتملة على ما لم يعمل به الاصحاب من عدم جواز الربا بين المسلمين و المشركين و هو خلاف صريح الاخبار الاخرى و الفتاوى، حيث قال الراوى بعد التعليل المذكور قلت: فالمشركون بيني و بينهم ربا؟ قال: نعم قلت: فانهم مماليك فقال: انك لست تملكهم انما تملكهم مع غيرك، انت و غيرك فيهم سواء و الذى بينك و بينهم ليس من ذلك، لأن عبدك ليس مثل عبدك و عبد غيرك.(1)

هذا مضافا الى ان المعلل هو ملكية الاحاد للاحاد و التسري منها الى ملكية الشخصيات الحقوقية اسراء حكم من موضوع الى موضوع اخر و هو قياس.

21

الامر الثامن عشر: في حرمة الاستغلال بما ادّى قرضا

ان الاستغلال بما ادّى قرضا لايصح عقلا و منطقا; لانّ بعد تمليك عين بعنوان القرض و خروجه عن ملك المالك الاول لاترتبط العين بما لك الاول حتى يصح الاستغلال به، و عليه فكل شيء يوخذ في قباله فهو الربا المحرم.

ولكن ربما يقال بانّه لامانع من اخذ شيء في مقال الإقراض بمعناه المصدري و هو حبس المال في ذمة المقترض كما يمكن اخذ شيء في قبال اعمال خيار او اسقاطه، و الإقراض عمل من الاعمال له قيمته; اذ المقترض يملك بوسيلة الإقراض كما ان المقرض يخلص من مشكلات حفظ ماله او نقله و انتقاله و هو نظير الهبة المعوضة فكما ان حقيقة الهبة تابى عن اخذ العوض في مقابل الموهوب به ولكن مع ذلك

**********

(1) التهذيب / ج 7، ص 17 و الكافي / ج 5، ص 147.

ص: 62

لااباءلها عن اخذ العوض في مقابل عمل الهبة، فكذلك في المقام يجوز اخذ العوض في مقابل عمل القرض، و هو أشبه باجرة العمل لاالربا، و المرابي يأخذ الربا في مقابل نفس المال الذي اخذ قرضا لافي مقابل عمل القرض بل سيرى الربا ثمرة نفس المال، و لذا يأخذ في مقابل تأخير الاداء و يزيد في الربا بحسب زمان التأخير فانه يشهد على أن الربا في مقابل نفس المال و الاّ فعمل القرض وقع في الابتداء و لاتكرار و لاتأخير فيه.

قال الاستاد العلامة الشهيد المطهرى قدس سره: لايعلم حرمة اخذ شي في مقابل عمل القرض و لو قام دليل على حرمته لكان الدليل الدال عليه غير الدليل الدال على حرمة الربا نعم لايبعد التحريم من ناحية الشرع لحفظ حريم حرمة الربا بمعنى ان الشارع حرّم اخذ العوض في مقابل عمل القرض لئلا يأخذ المرابون بهذا النحو الربا.(1)

و فيه: ان موضوع الربا و ان لم يشمله كما ذكر ولكن يشمله بعموم الحِكم المنصوصة كما مرّ مرارا و لولا ذلك فلادليل للتحريم، و التحريم من باب الحريم فرع ورود النهي عنه و المفروض هو العدم.

22

الامر التاسع عشر: في بيع الدين بالاقل من الشخص الثالث

اذا قلنا بصحة بيع الدين بالاقل من الشخص الثالث، فاذا اشتراه الثالث فان ضمن البايع ما اشتراه الثالث فعند عدم تمكن المشتري من الوصول يرجع الى البايع قضاء لضمانه بناء على مشروعية الضمان المذكور; لبناء العقلاء عليه و شمول عمومات اوفوا بالعقود له; لأن الضمان المذكور هو التعهد الفعلي بالوفاء ان لم يف المديون مع المشتري لاضم ذمة الى الذمة حتى يكون مخالفا للمذهب من انتقال الذمة الى الذمة، و لاكلام فيه

**********

(1) مسألة ربا تأليف الشهيد المطهرى / ص 186-189.

ص: 63

بالنسبة الى اصل الدين و انما الكلام في الزيادة; اذ المشتري اشترى الدين بالأقل لأن يأخذ من المديون دينه و هو الاكثر، فاذا لم يف المديون فهل يجب لا على البايع الذي ضمن اعطاء الاكثر او الاقل الذى اشترى به ؟

يمكن أن يقال: ان مقتضى ضمانه لدين المديون هو اعطاء الاكثر، و مما ذكر يظهر حكم امضاء الدائن في ظهر السفتج و بيعه من الثالث بالأقل، فان امضائه في ظهر السفتج ضمان، و قد عرفت ان المشترى يجوز له الرجوع الى البايع قضاء لضمانه، و حيث ان الضمان راجع الى جميع الدين جاز له اخذ الاكثر.

هذا كله بناء على صحة بيع الدين بالأقل من الشخص الثالث و الاّ فقد عرفت في الامر الخامس عشر ان مقتضى بعض الروايات هو المنع عن جواز اخذ الزيادة عما دفعه الى البايع، و عليه فالضمان بالنسبة الى الزيادة يكون ضمانا بالنسبة الى مالا ثبوت له فلاينفذ، و انما الثابت هو مقدار الاقل بناء على ما مرّ من صحة المعاملة بالنسبة الى الأقل، و عليه فلايجوز للمشتري أن يطالب الزيادة لامن المديون و لا من البايع الضامن فتدبّر جيدا.

23

الامر العشرون: فى عدم الفرق بين الفرض الاستهلاكى وبين الفرض

في انه لافرق في حرمة الربا القرضي بين القرض الاستهلاكي و القرض التوليدي; لاطلاق الادلة الدالة على حرمة الربا في القرض.

و القول بأنّ الشايع في زمان صدور الحكم هو الاستهلاكي لاالقرض التوليدي

مردود أوّلاً: بأن شيوع قسم من اقسام القرض لايمنع عن شمول المطلق لغير الشايع.

وثانياً: بأن طبع السوق كان يقتضي شيوع القرض التوليدي ايضا; اذ كثير من قرض بعض اهل الاسواق عن بعض للتجارة و التوليد.

وثالثاً: بانّ القضايا الشرعية ليست قضايا خارجية بل هي القضايا الحقيقية و

ص: 64

مقتضاها هو شمول ما يصدق عليه الموضوع في مستقبل الزمان و ان لم يكن له مصداق في مضى من الزمان.

لايقال: ان الحِكم المذكورة في حرمة الربا غير جارية في القرض التوليدي، و مقتضى ذلك هو عدم حرمة القرض التوليدي; لانّه لايمنع عن اصطناع المعروف و عن التجارات بل هو موجب لشيوع التجارة، و لايوجب القرض التوليدي ضغطاً على طبقة المحرومين، فهذه الحِكم المنصوصة توجب محدودية الربا المحرم في الربا الاستهلاكي، اذ الربا المذكور يمنع عن اصطناع المعروف بالنسبة الى المحتاج و يوجب ترك التجارات لا الربا التوليدي.

لأنّا نقول: ان الحِكم المنصوصة لاتوجب التخصيص; اذ فرق بينها و بين العلل المنصوصة كما عرفت، هذا مضافا الى ما افاده الاستاذ الشهيد المطهرى قدس سره من انه لافرق بين القرض التوليدي و الاستهلاكي في طبيعة القرض من جهة الحقوق فكما انه لافرق في طبيعة الاجارة من ناحية الحقوق بين كون الاجارة ممن يكون عينا و بين كونها ممن لايكون عينا فكذلك لافرق بين قسمي القرض من جهة الحقوق; اذ عين المال بالقرض تصير ذميا و اعتباريا و الوجود الاعتباري لاربح فيه و لاخسارة و لذا لاتلف و لااتلاف بالنسبة اليه، و عليه مطالبة الربح بعد قرض العين غلط; اذ الريح اثر العين لا الذمة(1) و لعلّ مراده ان البيان المذكور يصلح لخروج مطلق القروض الربويه عن عمومات ادلة نفوذ المعاملات و لو لم يثبت النهي المطلق عن مطلق القروض الربوية، و هذا الكلام لايخلو عن تأمل ولكن لاحاجة اليه بعد ما ذكرناه.

**********

(1) مسألة الربا / ص 46-50.

ص: 65

24

خاتمة: في أحكام البنوك و أقسامها

اشارة

25

والكلام في ذلك يقع في مقامات:

26

المقام الأوّل: في أنواع البنوك

تنقسم البنوك إلى داخلية و خارجية.

فالبنوك الداخلية: هي التي تقوم بتأسيسها دولة إسلامية، و تسمى بالحكومية، أو التي يقوم بتأسيسها بعض المسلمين، و تسمى بالأهلية.

و لافرق في ذلك بين دولة إسلامية و اُخرى، فكلّها تشترك في إطلاق الداخلية على بنوكها; إذ الدول الإسلامية وطن واحد.

و كذا لافرق بين كون بعض أفراد المسلمين منتمياً إلى هذه الدولة أو تلك; لأنّ المسلمين ملّة واحدة. فبنوك أفراد المسلمين بنوك أهلية، و بنوك الدول الإسلامية بنوك حكومية، و كلّها داخلية.

والبنوك الخارجية: هي التي تؤسّسها دولة كافرة حربية، أو التي يؤسّسها بعض الكفار ممن لايكون من أهل الذمة و لامن أهل المعاهدة من الحربيّين.

ص: 66

و عليه، فالبنوك التي تؤسّسها الدول الاستعمارية أو بعض أفراد الكفار في الممالك الإسلامية من دون قبول ذمة أو التزام بمعاهدة تعدّ بنوكاً خارجية و إن اُسّست في داخل البلد الإسلامي.

نعم، لو أسّس بعض الكفار من أهل الذمة بنكاً في خارج الدولة الإسلامية أو داخلها فلايعد من البنوك الخارجية، بل لعلّه يلحق بالداخلية. فالبنوك الخارجية مختصة بالحربيّين، سواء كانت في داخل الدولة الإسلامية أو خارجها، و سواء كانت حكومية أو أهلية.

ثمّ إنّ تعاطي الربا أخذاً و عطاءً مع البنوك محرّم، سواء كانت البنوك داخلية أو خارجية; حكوميةً أو أهلية. و أمّا أخذ الربا من البنوك الحربية أهليةً كانت أو حكوميةً فلاحرمة فيه و إن كان إعطاء الربا حراماً.

و بالجملة، فالمستثنى هو أخذ الربا من الكفار الحربيين، فمع صدق الحربي يجوز ذلك، من غير فرق بين كون بنوكهم حكومية أو أهلية. و لو شك في كونها حربية أو لا، فمقتضى الأصل (عموم حرمة الربا) هو حرمة أخذ الربا كإعطائه، فلاتغفل.

ولو اشتركت مجموعة من الدول في تأسيس بنوك، فإن كانت تلك الدول إسلامية فهي داخلية، و إن كانت حربية فهي خارجية.

ولو اشتركت دول إسلامية مع دول حربية في التأسيس، ففي أخذ الربا من تلك البنوك إشكال; لاشتراك الدول الإسلامية في ذلك. اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّه جائز بنسبة أسهم الدول الحربية في البنك الدولي. ولو دعت الضرورة إلى أخذ القرض ممن لايعطي إلاّ بالربا، فإن أمكن إعمال الحيل الربوية فاللازم مراعاتها، و إلاّ فيجوز أخذ القرض بلا نية إعطاء الربا و إن علم بأنّه يؤخذ منه ذلك قهراً. و لافرق في ذلك بين كون الضرورة فردية أو حكومية.

ص: 67

27

المقام الثاني: في أنه لافرق فى ترتب الاحكام على البنوك

بين أنواع البنوك سواء كانت داخلية أو خارجية; حكومية أو أهلية.

و لايخفى أنّ مقتضى القواعد العامة كقوله عزّوجلّ : (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ )،(1) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) هو جواز جميع المعاملات المحللة مع البنوك سواء كانت أهلية أو حكومية، كما أنها تكون جائزة مع أفراد المسلمين. نعم، إذا كانت المعاملة مع الكفار الحربيين سبباً لتقويتهم أو لنفوذهم في الممالك الإسلامية كانت محرمة من هذه الجهة.

و كيف كان، فإذا كانت المعاملات المحللة مع البنوك صحيحة جاز التصرف فيما يؤخذ منها، كما يجوز التصرف في المأخوذ من ذوي الأيادي من أرباب التجارات و الصناعات و غيرها. و لافرق في ذلك بين البنوك عدا ما تقدّم من جواز أخذ الربا من البنوك الحربية دون غيرها.

نعم، الشبهة قائمة في البنوك الحكومية من حيث كونها غير مالكة حتى تصح المعاملات المحللة معها، و عليه، فتُعامل البنوك معاملة مجهول المالك بعد اختلاط الأموال فيها و عدم تشخيص أعيان أموال الناس المودعة فيها.

و هذه الشبهة ناشئة عن الشبهة في مالكية الجهات العامة أو الخاصة من الشخصيات الاعتبارية، و الشبهات المطروحة في مالكية الجهات تنشأ من عدّة اُمور:

منها: أنّ من شرائط المالك العقل و البلوغ، و الجهات المذكورة فاقدة لهما.

و يمكن الجواب عنه: بأنّ العقل و البلوغ من شرائط العاقد لاالمالك; و لذا يملك المجنون و الصبي و يجوز لوليّهما أن يعقد لهما، كما لايخفى.

**********

(1) البقرة / 275.

(2) المائدة/ 1.

ص: 68

و يشهد لذلك أيضاً: معهودية مالكية الأعيان الخارجية كالكعبة بالنسبة لثوبها و نحوه، و المعابد و المساجد بالنسبة لأموالها، و مالكية العناوين العامة كعنوان الفقراء و سائر الجهات المذكورة للمصرف في الزكاة، و مالكية عنوان المسلمين بالنسبة للأراضي المفتوحة عنوة، و مالكية منصب الإمامة للأنفال و نحوها مع أنّ الأعيان أو العناوين أو المناصب العامة لاتتّصف بالبلوغ و العقل.

و منها: أنّ الجهات مطلقاً قاصرة عن التصرف فيما ملكته، مع أنّ المالك هو الذي يتسلط على ماله بالتصرف فيه، كما يشير إليه قوله صلى الله عليه وآله: «الناس مسلَّطون على أموالهم».(1)

و يمكن الجواب عنه: بأنّ القصور عن التصرف المباشر لايمنع من المالكية; إذ يكفيه إمكان التصرف في أموالها ولو بواسطة وليّها أو المتصدّي لها، كما أنّ قصور الأطفال و المجانين لايمنع من تملّكهم للأشياء بل يتصرف أولياؤهم فيها إذا كان التصرف في مصلحتهم، ففي الجهات يتصرف الحاكم الإسلامي أو المتولي فيها.

و قوله صلوات الله عليه و آله لايدل على حصر المالكية في الناس; إذ إثبات الشيء لايدل على نفي ما عداه، بل يكون في مقام تشريع السلطنة و تعميمها للناس المالكين، فتدبر جيّداً.

و منها: أنّ ملكية الجهات و الشخصيات الاعتبارية من المستحدثات و لاسابقة لها في زمان الشارع، و عليه، فاعتبار المالكية لها في زماننا هذا لايفيد مع عدم إمضاء الشارع لها، كما لايخفى. فاللازم حينئذ التفصيل في البنوك بين الحكومية و الأهلية التي تكون مالكيتها للأفراد.

**********

(1) عوالي اللآلئ/ 1، 222، 457، 20.

ص: 69

و يمكن الجواب عنه: بأنّنا نمنع كون ملكية الجهات و الشخصيات الاعتبارية من المستحدثات; لأنّ مالكية بعض الأعيان و العناوين العامة و الجهات العامة و الخاصة معهودة كما ذكرنا، ألاترى أنّ المعابد و الكنائس و المساجد و المزارات قبل الإسلام و بعده تُعَدّ عند الناس مالكة لأموالها؟! و قد كان ذلك في مرأى و مسمع من الشارع، وهو لم يردع عنه; ممّا يدلّ على إمضائه لذلك. و حيث إنّ هذه المذكورات لاخصوصية لها عندهم، بل يعتبرون المالكية لها من باب كونها من الجهات والشخصيات الاعتبارية، فعدم ردع الشارع فيها يرجع بالتبع إلى عدم الردع بالنسبة إلى مرتكز العرف; و هو مالكية الجهات و الشخصيات الاعتبارية.

لايقال: نعم، ولكن هذه الاُمور كلها أجنبية عن مالكية الدولة و الكلام فيها.

لأنّا نقول: نحن نمنع الاختصاص بالاُمور المذكورة، و يشهد لذلك العقود و المعاملات المتبادلة بين الدول على طول الزمان، فإنّها كانت واقعة بينها لابين الأفراد، و لذا كانوا يعتبرونها صحيحة و لو مع موت الوالي أو سقوطه، و هذا شاهد على أنّ العقود و المعاملات واقعة لجهة الحكومة لالشخص الحاكم و الوالي، ولو تتبّعنا هذا الأمر تاريخياً لوجدنا أنّه كان قائماً و مستمراً إلى عصر الشارع و أنّه قد أمضاه و لم يردع عنه، بل اتّبع الشارع نفسه في إدارة الحكومة الطريقة التي اتّبعتها سائر الحكومات مع إصلاح بعض الشرائط أو المباني، و النصوص في ذلك كثيرة جداً، و إليك بعضها:

منها: موثقة عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل وجد مقتولا لايدرى من قتله، قال: إن كان عرف له أولياء يطلبون ديته اُعطوا ديته من بيت مال المسلمين، و لايبطل دم امرئ مسلم; لأنّ ميراثه للإمام، فكذلك تكون ديته على الإمام، و يصلّون عليه و يدفنونه».

ص: 70

قال: «وقضى في رجل زحمه الناس يوم الجمعة في زحام الناس فمات: أنّ ديته من بيت مال المسلمين».(1)

و المستفاد منها هو مالكية الإمام بما هو إمام، و اشتغال عهدته بالدية، و تفرغ تلك العهدة بأدائها من بيت المال.

و منها: خبر مسعدة بن زياد عن جعفر عليه السلام قال: «... فأمّا إذا قُتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال».(2)

و منها: موثقة أبي عبيدة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن أعمى فقأ عين صحيح ؟ فقال: «إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ; هذا فيه الدية في ماله، فإن لم يكن له مال فالدية على الإمام، و لايبطل حق امرئ مسلم».(3)

و منها: خبر أبي مريم عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أميرالمؤمنين عليه السلام: أنّ ما أخطأت به القضاة في دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين».(4)

و هو يدل على أنّ عهدة بيت المال مشغولة بالدية. و حيث إنّ الراوي عنه هو يونس بن يعقوب و هو من أصحاب الإجماع فالرواية معتبرة عندنا.

و أمثال هذه الروايات كثيرة جداً.(5)

و النصوص المذكورة تدل على أنّ بيت المال أو عنوان الإمامة ضامن لدية الأفراد

**********

(1) وسائل الشيعة / ج 29، ص 145، ب 6 من دعوى القتل و ما يثبت به، ح 1.

(2) المصدر السابق/ ص 153، ب 9 من دعوى القتل و ما يثبت به، ح 6.

(3) المصدر السابق/ ص 89، ب 35 من القصاص في النفس، ح 1.

(4) المصدر السابق/ ص 147، ب 7 من دعوى القتل و ما يثبت به، ح 1.

(5) لمزيد الاطلاع يراجع على سبيل المثال كتاب الحكومة الإسلامية (من منشورات مؤسّسة «في طريق الحق» بقم المشرّفة)، فهو يحوي جملة من الروايات في هذا المضمار.

ص: 71

المذكورين، و عهدة الضمان على الشخصيات الاعتبارية تشهد على اعتبار هذه الشخصيات عند الشارع كاعتبار الشخصيات الحقيقية، و هذا أمر عقلائي أمضاه الشارع، كما هو واضح.

إن قلت: إنّا نسلّم ملكية الدولة بالنسبة للأنفال و المساجد فيما يتعلّق بالموقوفات، و عنوان الفقراء بالنسبة للزكاة، و غيرها من الجهات و العناوين، ولكن لانسلّم وجود إطلاقات تدل على ثبوت غير الملكية من الحقوق للجهات المذكورة كثبوتها للشخصيات الحقيقية.

و عليه، فلاكلام في كلّ ما ورد فيه النص من الموارد الخاصة، كصحة الوقف للمساجد و صحة مالكية الدولة و بيت المال أو الإمام، و أمّا في غيره مما لم يرد فيه نص و إطلاق كهبة شيء أو استقراض أو إقراض للدولة أو المساجد أو عنوان الفقراءفلادليل على صحة هذه الاُمور و نحوها.

قلت: لاخصوصية لبحث الملكية عند العرف; إذ هذا الإمضاء يدل على اعتبار الشخصية الاعتبارية للدولة أو المسجد أو عنوان الفقراء و نحوها، و مع عدم خصوصية الملكية فلاوجه للاقتصار عليها; إذ لافرق بينها و بين سائر الاُمور من الهبة و الصلح و الاستقراض و الإقراض و البيع و الشراء و المعاهدات و غير ذلك، فلاحاجة إلى إطلاق دليل يدل بإطلاقه على ذلك بعد عدم خصوصية الملكية.

هذا، مضافاً إلى أنّ هذه الاُمور هي شأن الدول على طول التاريخ; إذ كل دولة و لو كانت صغيرة تحتاج إلى الاقتراض و الإقراض و الهبة و الاتّهاب و المعاملات و المعاهدات، و غير ذلك من الاُمور التي تقتضيها الروابط الداخلية و الخارجية، و مع ذلك لم يردع عنها الشارع، بل أمضى ما بنى عليه العقلاء من الحكومة و الولاية.

ص: 72

و مضافاً إلى ما قيل: من أنّ الارتكاز العقلائي يحكم بعدم الانفكاك بين الأحكام أو الحقوق التي تكون له أو عليه، فكل شيء يقبل الملكية يقبل الاقتراض و غيره، فالتفكيك بين حق و آخر لايقبله الارتكاز. فإذا صحّ قبول الدولة أو بيت المال أو عنوان الإمام للملكية، فسائر الاُمور من الاقتراض و الإقراض و الهبة و الاتّهاب تكون صحيحة من الجهات المذكورة; بالارتكاز العقلائي على عدم الانفكاك بين الحقوق أو الأحكام.

إن قلت: إنّ ما ذكر يتم بالنسبة للجهات و الشخصيات الموجودة في عصر الشارع، و أمّا غيرها من الجهات و الشخصيات المستحدثة كالبنوك و المؤسسات الخيرية و نحوها فلادليل على اعتبار الملكية أو سائر الحقوق لها من الشرع.

قلت: أوّلا: إنّه لاخصوصية للجهات الموجودة في عصر الشارع، و قد تقدّم أنّ إمضاء الشارع للشخصيات الاعتبارية يرجع إلى إمضاء المرتكز عند العرف من اعتبار الملكية و سائر الحقوق للشخصيات الاعتبارية أيّاً ما كانت.

وثانياً: إنّ القضايا الدالة على نفوذ المعاملات من البيع و الصلح و القرض و الهبة و غيرها ظاهرة في القضايا الحقيقية، و حملها على القضايا الخارجية خلاف الظاهر ويحتاج إلى قرينة. و عليه، فشمول تلك الأدلّة تابع لصدق عناوين المعاملات، و مع صدقها على المعاملات البنكية أو المؤسسات فمقتضى الأدلّة المذكورة هو صحتها و نفوذها; أخذاً بإطلاق أدلّة النفوذ و الصحة.

فمثلا: إذا اُبرم بيعٌ أو شراء أو اقتراض أو إقراض أو هبة أو مصالحة أو غير ذلك مع بعض المؤسسات، فإنّ عناوين تلك المعاملات تصدق حقيقةً ، و حيث إنّ موضوعات تلك الأدلّة مأخوذة بنحو القضية الحقيقية فالأدلّة المذكورة تشملها، فمقتضى إطلاق

ص: 73

(أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ )(1) أو عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) و «المؤمنون عند شروطهم»(3) هو الصحة و النفوذ و إن لم يكن لتلك المؤسسات و البنوك سابقة.

و بالجملة، يكفي في المقام الإطلاق اللفظي لأدلّة المعاملات و المعاهدات بعد صدق موضوعاتها، و لاحاجة في الحكم بصحة سائر المعاملات بعد صدق موضوع أدلّة سائر المعاملات إلى دعوى عدم التفكيك بين الحقوق من ناحية الارتكاز العقلائي.

و أيضاً لاوقع لما قيل: من أنّه يحتمل أنّ الشارع يخالف العرف في هذه الاُمور و لم يرَ البيع و نحوه من هذه المؤسسات بيعاً و معاملةً حقيقةً . و مع هذا الاحتمال لامجال للأخذ بالإطلاق; فإنّ الشك حينئذ ليس في التخصيص أو التقييد، بل الشك في تحقق الموضوع في هذه الأدلّة; إذ المقصود من البيع في قوله تعالى: (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ ) هو البيع الشرعي، و هو غير معلوم الصدق في أمثال المقام(4); و ذلك لأنّ الموضوع في مثل (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ ) و غيره عرفي و ليس بشرعي; و لذا لو شُكّ في اعتبار شيء عند الشارع يُتمسك بالإطلاق، و إلاّ فلامجال للأخذ بالإطلاق مطلقاً عند الشك في اعتبار شيء شرعاً، كما لايخفى. و عليه، فاحتمال تخطئة العرف فيما يراه لايضرّ; فإنّه محكوم بالعدم بالإطلاق المقامي; إذ لو كان كذلك لبان و شاع، و حيث لم يرد شيء دلّ على أنّ المراد من الموضوعات في أدلّة المعاملات هي الموضوعات العرفية، فلاوجه لرفع اليد عما يراه العرف موضوعاً. فإذا عرفت أنّ الموضوع في مثل (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ ) عرفي فهو يشمل كلّ ما تحقق و صدق عليه العنوان.

**********

(1) البقرة / 275.

(2) المائدة/ 1.

(3) عوالي اللآلئ/ ج 1، ص 218.

(4) انظر/ مجلة فقه أهل البيت، العدد 36/21.

ص: 74

و دعوى: أنّ الإطلاق المقامي متصوّر بالنسبة للعرف المعاصر لزمان المعصوم لاسائر الأعصار; فشمول العنوان لسائر الأعصار يحتاج إلى توسعة الارتكاز، و هو باطل.

مندفعة: بأنّ الإطلاق المقامي يفيد أنّ الموضوع ليس بشرعي، بل هو ما يراه العرف صادقاً، و حيث إنّ الموضوع العرفي في المقام كسائر المقامات مأخوذ بنحو القضية الحقيقية لاالخارجية، فهو بنفسه يشمل ما يصدق عليه عنوان الموضوع في كل عصر و زمان عرفاً من دون حاجة إلى إحراز توسعة الارتكاز. و عليه، فالإطلاق المقامي يدل على أنّ الموضوع هو الموضوع العرفي، و الموضوع العرفي بإطلاقه اللفظي شامل لما يصدق عليه العنوان في كل زمان و مكان، فتدبر جيداً.

لايقال: إنّ المستفاد من قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ )(1) هو لزوم التراضي في صحة المعاملة، و هو غير ممكن في الجهات.

لأنّا نقول: أوّلا: يكفي الرضا من قِبل المتصدّي للجهات في صدق التجارة عن تراض.

وثانياً: إنّ قصور دلالة هذه الآية لايمنع عن شمول غيرها، ك - (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ ).

و بالجملة، فقد انقدح مما ذكرناه أنّ الجهات العامة كالحكومة و الدولة كانت قائمة و مستمرة في أدوار التاريخ، و كان بناء العقلاء على التعامل معها باعتبارها المالكية للأشياء التي كانت تحت سلطة الحكومة، كدار العمارة و بيت المال و غيرهما، و لم يردع عنه الشارع، فهو كاف في مقام الإثبات، و البنك من شؤون الدولة و الحكومة، و مالكيته هي مالكية الدولة.

**********

(1) النساء / 29.

ص: 75

هذا، مضافاً إلى ثبوت سيرتهم أيضاً على اعتبار الملكية في العناوين الانتزاعية التي ليس لها مصاديق موجودة في الخارج، ككلّي الفقراء و الطلاب، و عنوان المسلمين في الأراضي المفتوحة عنوة.

و مضافاً إلى إمكان الاستدلال بالإطلاقات لنفوذ المعاملات مع الجهات العامة و الخصوصية، فلاينبغي الإشكال في المالكية و نحوها بالنسبة للجهات العامة والعناوين الانتزاعية الكلية.

هذا، مضافاً إلى أنّ القول بعدم المالكية و مجهولية الأموال في مثل البنوك يوجب الحرج، و هو منفي في الإسلام. و كيف كان، فلاإشكال في المسألة بحمد الله.

نعم، هناك إشكال في معاملات الدولة من جهة عدم القيمومة الشرعية فيما لو كان متصدّوها غير واجدين للشرائط; لأنّ تصرفاتهم فيها تكون فضولية، و هي محتاجة إلى إجازة الواجد للشرائط بحسب القاعدة، إلاّ ما دلّت عليه الروايات تسهيلا، كجواز أخذ الصدقات و المقاسمات و الجوائز من السلطان الجائر.

و كيف كان، فهذا الإشكال غير وارد في مثل زماننا هذا بالنسبة للجمهورية الإسلامية في إيران; لأنّ الأمر بيد المجتهد الجامع للشرائط، فلايحتاج إلى تصحيح غيره; بناءً على عموم الولاية و النيابة للفقيه الجامع للشرائط في زمان الغيبة.

28

المقام الثالث: في أحكام المعاملات البنكية

اشارة

تنقسم معاملات البنوك إلى أنواع:

29

النوع الأول: الحساب الجاري
اشارة

و هو إيداع مال لدى البنك ليتيسر لصاحب المال حفظه و صرفه كيفما شاء و ذلك

ص: 76

عن طريق سحب الشيكات. و التعبير بالإيداع مسامحة، و الواقع أنّه قرض، و يكشف عنه تمليكه بضمان مثله.

و لاإشكال في جوازه و مشروعيته; لأنّ عنوان البنك الحكومي هو من قبيل العناوين الاعتبارية كما تقدّم، فله شخصية اعتبارية، فيصح أن يتملك و يملك و يقرض و يقترض، و غير ذلك من أنواع المعاملات.

و عليه، فالبنك في الفرض المذكور نظير التاجر الثقة الذي يودعه بعض الناس المال و يقول له: تصرَّف فيه كيف شئت و ادفع إليّ مثله إذا احتجت إليه، فكما أنّ التاجر يتملك المال بالضمان فكذلك البنك يتملك بالضمان، و من المعلوم أنّ التملك بضمان المثل في الذمة ليس هو إلاّ القرض، فيؤول إيداع المال عند البنك إلى القرض.

و إذا لم يكن القرض المذكور مع شرط شيء من الربح فلاشك في صحته و جوازه، و لاإشكال في تصرف البنك فيه بضروب المعاملات; لأنّ المال بعد صيرورته مضموناً بمثله يكون ملكاً للبنك، و تكون عوائده له لاللمودع.

و حينئذ، فلو أعطى البنك شيئاً للمودع ترغيباً في الإيداع من دون شرط من ناحية المودع فلاإشكال فيه، بخلاف ما إذا كان الإيداع مبنياً على إلزام البنك بذلك، فإنّه يكون ربا; لأنّ الإيداع كما ذكرنا يرجع في الحقيقة إلى القرض.

نعم، لو كان بناء البنك على إعطاء شيء و لم يشترط المودع ذلك و لم يكن هناك اتفاق بينه و بين البنك حتى مع افتراض أنّ داعي المقرض هو ذلك فلاإشكال; لأنّ الداعي ليس بمشروط، كما لايخفى.

ثمّ إنّ البنك ربما يثق بالمودع و صاحب الحساب الجاري على نحو يسمح له بأن يسحب عليه مبالغ أزيد مما أودعه في البنك، فإن كان سحْبه بمقدار وديعته فلاإشكال

ص: 77

فيه; لأنّه أخذ ما ملكه في ذمّة البنك، و أمّا سحب الزائد عليه; فإن لم يكن بينه و بين البنك شرط زيادة فلاإشكال فيه أيضاً; لأنّ المودع في الحقيقة استقرض من البنك من دون شرطِ ربح فيه.

نعم، لو كان بشرط الربح أو مبنياً عليه فهو ربا محض.

30

فروع:
الأول: في عدم جواز سحب الشيك عند عدم شي في الحساب

الأوّل: لايجوز لصاحب الحساب الفاقدة ذمّته للاعتبار أن يسحب الشيكات نقداً إلاّ إذا كان له في الحساب الجاري بمقدار ما سحبه، و إلاّ فالزائد عليه لايصلح لأن يتعامل به; إذ لاواقعية له مع فرض عدم اعتبار ذمّته، و المعاملة حينئذ ترجع إلى أكل المال بالباطل، فلايمكن له أن يتملك ما اشتراه به، و لايجوز التصرف فيه; لبطلان المعاملة بالنسبة لمقابل الزائد.

نعم، لو كانت ذمّته معتبرة فاشترى شيئاً بذمته فلامانع منه; لأنّ ذمّته لها واقعية، فلاتكون المعاملة من دون عوض. و لافرق في ذلك بين أن تكون المعاملة على وجه النقد أو على وجه النسيئة، و الشيكات حينئذ تكون أسناداً لما في ذمته لالما في الحساب الجاري; حتى لاتكون حاكية عن شيء بالنسبة للزائد.

الثانى: في حكم ما اذا سمع البنك ان يسحب صاحب الشيك ازيد مما لهم في حسابهم

31

الثاني: ربما يسمح البنك لبعض ذوي الاعتبار أن يسحبوا مبالغ أزيد مما لهم في حسابهم، و حينئذ، إن اشتروا شيئاً بالشيكات قبل أن يدفع البنك مبالغها إليهم لم تقع المعاملة; إذ المفروض أنّه لم يكن شيء له في الحساب الجاري و لم يأخذ من البنك ما سحبه حتى يشتري به، و كذلك لم تكن ذمة البنك مشغولة به حتى يجعل ذمة البنك في مقابل المثمن.

نعم، لو كان معتبر الذمّة عند البائع أيضاً بقرينة من القرائن و اشترى في الذمة، فالمعاملة صحيحة من جهة صحة مقابلة ذمته مع المثمن، كما لايخفى.

ص: 78

الثالث: في جواز ترخيص البنك لصاحب الحساب في الشراء بذمة البنك و عدمه

32

الثالث: هل يجوز للبنك الترخيص لصاحب الحساب الجاري في الشراء بذمة البنك، أو لايجوز؟

فيه و جهان، الوجه الثاني: أنّ حقيقة البيع هو أن يخرج الثمن من كيس من يدخل المثمن في كيسه، و حيث إنّ المفروض عند الترخيص المذكور خلافه فلايصح.

و الوجه الأوّل: أنّ المعيار هو صدق البيع، و هو حاصل و إن خرج الثمن من كيس من لم يدخل المثمن في كيسه; إذ بعد الصدق تشمله العمومات الدالّة على نفوذ البيع و العقود; و لولا الإجماع لم يبعد الوجه الأخير.

الرابع: في عدم جواز تأخير البنك في دفع مبالغ الشيكات

33

الرابع: لايجوز للبنك التأخير في دفع مبالغ الشيكات مع وصول مبالغها; لأنّ كل ما لديه من أصحاب الحسابات الجارية يُعَدّ قرضاً، و حيث إنّه لاأجل في القرض المذكور لزم عليه الدفع عند مطالبة المقرضين.

نعم، لو تخلّف عصى، ولكن لايستحق أصحاب الشيكات على البنك شيئاً بعنوان الربح; لأنّ الربح على القرض ربا محرم، و جعل الغرامة على التأخير محل إشكال; لصدق شرط النفع عليه و لو لم يرجع إلى الإذن في التأخير.

و أمّا أرباح المعاملات الواقعة على الأموال فهي أرباح لأموال البنك بعد صيرورة أعيان الأموال ملكاً للبنك بضمان المثل في القرض.

نعم، لو كانت أعيان الأموال وديعة بمعناها الاصطلاحي من دون إذن في تصرّف البنك فيها، فكل معاملة وقعت عليها تكون فضولية، فيمكن حينئذ لأصحابها أن يجيزوا تلك المعاملات، و تختص الأرباح بهم، كما لايخفى.

الخامس: في حكم فقدان الشيكات اعتبارها بسبب مضي زمان طويل و نحوه

34

الخامس: إذا فقدت الشيكات اعتبارها بسبب مضي زمان طويل و نحوه، فإن كانت تلك الشيكات حوالة فلايجب على صاحب الحساب الجاري دفع مبالغها، و إلاّ فإن كان

ص: 79

المبلغ المذكور فيها من باب الدين وجب على صاحب الحساب الجاري أو ورثته أو المحال عليه وفاء الدين المذكور; لأنّ الدين باق و لايزول بزوال السند، و إن لم يكن ديناً بل كان هبة أو نحوها من التبرّعات، فلايستحق من بيده الشيكات شيئاً، فيجوز لصاحب الحساب أو ورثته الامتناع عن تعويضها أو إبدالها بشيكات اُخرى معتبرة، أو الامتناع عن دفع مبالغها; إذ غايته هو الوعد بدفع المبالغ المذكورة فيها، و لاملزم بالوفاء بالوعد و إن اشترى من بيده الشيك به شيئاً; لأنّ المبلغ قبل القبض لم ينتقل إليه حتى يكون شراؤه صحيحاً.

نعم، لو أباح صاحب الحساب ذمة البنك لآخذ الشيك بأن يشتري بها شيئاً، فعند الشراء تصير ذمة البنك ملكاً لآخذ الشيك، و يقع الشراء في ملكه، فمع التصرف في الذمة لامجال لرجوع صاحب الحساب إلى ذمة البنك; لأنّ المفروض أنها منتقلة إلى غيره، فتدبر.

السادس: في كون الشيكات أسنادا للديون

35

السادس: لو فُقدت الشيكات، فإن كانت أسناداً للديون وجب على صاحب الحساب تجديدها، أو دفع المبالغ المذكورة فيها بعنوان الديون; فإنّ أداء مبالغ الشيكات إنّما هو أداء للأسناد و ليس أداء للديون، فمع الفقدان تبقى الديون على حالها و يجب على المدين أداء دينه. و إن قلنا بأنّ أداء الأسناد حوالة و تبرأ ذمة المحيل بالحوالة، وجب عليه أيضاً تجديد الأسناد; لأنّ المحتال لايتمكن من أخذ الحوالة إلاّ به.

نعم، لو لم تكن أسناداً للديون بل كانت بعنوان الهبة أو الصدقات و غير ذلك من التبرعات، فلايجب تجديدها; لما تقدّم من أنّه في حكم الوعد، و لاملزم بالوفاء بالوعد إلاّ إذا أباح التصرف في ذمة البنك المشغولة لصاحب الحساب و التي تصرَّف فيها المباح له بالشراء و نحوه، كما عرفت.

ص: 80

السابع: في ضمان البنك و عدمه فى الشيك المسروق

36

السابع: لو سُرق الشيك المحرّر لأمر حامله، فدفع البنك مبلغه للمتقدّم به، فلاضمان على البنك; لاشتراطه على صاحب الحساب أو الذي بيده الشيك بأن البنك يحقّ له دفع مبلغه للذي يتقدّم به فيما لو كان محرّراً لأمر حامله، و حيث إنّ الاشتراط المذكور في ضمن الإيداع الذي يؤول إلى القرض يعتبر شرطاً في ضمن عقد لازم، فيكون لازماً، و عليه، فلاضمان على البنك و إن دفع مبلغه لمن أتى به.

و أمّا صاحب الحساب فهو بريء الذمة بنفس الحوالة بناءً على اعتبار الشيكات حوالة، كما هو الظاهر.

نعم، لو كان إعطاء الشيك للدائن توكيلا له لأخذ ما للمدين من البنك، لم تبرأ ذمة صاحب الحساب بمجرد إعطاء الشيك، فمع عدم تفريط الدائن فله أخذ حقه من صاحب الحساب بعد امتناع البنك عن دفع المبلغ له بسبب شرطه. و كذا إن قلنا بأنّ السحب من البنك هو اقتراض جديد من البنك ينشأ بسببه دينان متقابلان فيتهاتران; فإنّ إعطاء الشيك حينئذ لايوجب براءة ذمة صاحبه; إذ ليس هو حوالة، بل هو اقتراض جديد، و ما لم يقبض مبلغ الشك لم يصح القرض، كما لايخفى. ولكن الذي يسهل الخطب أنّ الظاهر أنّ إعطاء الشيك هو من باب الحوالة، فتترتب عليها أحكامها، فتدبر جيداً.

الثامن: في عدم جواز سحب الشيكات في الموارد التي منع منها البنك

37

الثامن: لايجوز سحب الشيكات في الموارد التي منع منها البنك، كإصدار الشيك موقّعاً من دون ذكر مبلغ، أو من دون ذكر تاريخ، أو بعنوان سند الديون كالكمبيالات، و غير ذلك من الموارد الممنوعة، و كل ذلك بناءً على أنّ المنع المذكور مشروط في ضمن الإيداع الذي مرجعه إلى القرض و الاقتراض، أو في ضمن جعل الاُجرة على الخدمات. ثمّ مع التخلف يستحق المؤاخذة، بل عليه الغرامة إن اشترطت في ضمن العقد، و لاإشكال فيه; لأنّه شرط للمقترض لاللمقرض.

ص: 81

التاسع: في جواز الايداع في البنك مع العلم بانه يصرف في الحرام و عدم جوازه

38

التاسع: لايُعتبر الإيداع في البنك بعنوان الحساب الجاري مع العلم بحرمة جملة من المعاملات الجارية فيه إعانةً على الإثم ما دمنا لانعلم بأنّ ما نودعه يصرف في الحرام، و أمّا مع العلم بذلك فقد يقال إنّه إعانة على الإثم و محرم.

و فيه: أنّه مبني على عدم اعتبار قصد التوصل إلى الحرام في حقيقة الإعانة، و هو محل كلام و منع; فإنّ إعانة شخص على شيء عبارة عن مساعدته عليه و كونه ظهيراً للفاعل، و هو إنّما يصدق فيما إذا ساعده في توصله إلى ذلك الشيء، و هو متوقف على قصده لذلك، و إلاّ فلاتصدق الإعانة، ألاترى أنّ من يريد بناء مسجد أو مدرسة يصدق على كلّ من أوجد مقدمة من مقدماته لأجل التوصّل إلى القصد المذكور أنّه يعينه و يساعده على البناء؟! بخلاف من يبيعه الأشياء و المواد اللازمة من الجصّ و غيره بغرض التجارة; إذ لايصدق على البيع المذكور أنّه إعانة; لأنّ البائعين لايقصدون من البيع إلاّ المبادلة.

نعم، لو كان تمكين الغير بالتمليك و غيره لافائدة له إلاّ الحرام عرفاً، لايبعد صدق الإعانة على التمكين المذكور; و لذا تصدق «الإعانة على الإثم» على إعطاء العصا لمن يطلبها لضرب مظلوم; فإنّ تملكها للانتفاع بها في هذا الزمان تنحصر فائدته في الحرام عرفاً، و كذا تصدق على تمليك العصير النجس لمن يستحله حال النجاسة; فإنّ فائدته منحصرة في الانتفاع به في هذه الحالة، و غير ذلك من الموارد. ولكن تمليك مثل العنب ممن يعلم أنّه يستعمله في الحرام ليس كذلك; لعدم انحصار فائدته في الحرام، فلايحرم التعامل به مع من يعلم أنّه يستعمله في الحرام من دون قصد التوصل إليه.

نعم، لو كان التمليك أو التمكين موجباً لسلطة الكفار أو تقويتهم فهو محرم; لامن باب حرمة الإعانة بل للنهي عن تقوية الكفار أو التولي لهم.

ص: 82

و كذا لو كان امتناع البائع عن البيع علة تامة لعدم وقوع الحرام كما إذا انحصر العنب عنده فالأقوى هو وجوب الترك; لامن باب حرمة الإعانة بل من باب وجوب الردع عن المعصية عقلا و نقلا، كما ذهب إليه شيخنا الأنصاري قدس سره.(1)

ثمّ على فرض صدق الإعانة على الإيداع في الحساب الجاري مع العلم بأنّه يصرف في الحرام و كون ذلك موجباً للحرمة التكليفية، فلايوجب ذلك حرمة المأخوذ من البنك بدلا عمّا أودعه فيه; لعدم الحكم بكونه من الأموال المحرمة، و الأصل يقتضي حلية المأخوذ، كما لايخفى.

العاشر: في حكم الامهال عند عدم تمكن صاحب الحساب من أداء المبلغ

39

العاشر: لو لم يتمكن صاحب الحساب الجاري من أداء المبلغ المحرّر في الشيك، فالواجب هو الإمهال كسائر موارد الديون، كما قال عزّوجلّ : (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ وَ أَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ).(2)

قال في زبدة البيان: «أي إن وقع و ثبت غريم ذو عسرة، ف - «كان» تامة. و حاصله: إن كان غريم من غرمائكم: أي الذي عليه حق و مال، ذا عسرة: أي فقر و عديم المال. و الجملة شرطية، و الجزاء (فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ) أي: فالواجب أو فعليكم أو فلتكن نظرة. و النَّظِرة: التأخير، و هو اسم قائم مقام المصدر; أي الإنظار، و مثله كثير. و الميسرة و الميسور: بمعنى اليسار و الغنى و السعة. كذا في مجمع البيان».(3)

و لايجوز حبس المعسر; لأنّ المفروض أنّه غير متمكن من الأداء و لم يكن من الخائنين، فالواجب في حقه هو الإمهال، و التصدق مستحب.

**********

(1) راجع المكاسب المحرمة (الطبعة القديمة) / ص 19.

(2) البقرة / 280.

(3) زبدة البيان/ 449، ط المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية.

ص: 83

نعم، لو كان له نيّة سوء كما إذا كانت ذمّته فاقدة للاعتبار و لم يكن له رصيد في الحساب الجاري و مع ذلك تعدّى و أصدر شيكاً بلا رصيد و اشترى به شيئاًفلاإشكال في حرمة ذلك; لأنّه تصرف عدواني في أموال الناس، و يؤول إلى أكل المال بالباطل; لأنّ ما اشتراه به لامقابل له و شراءه بلا ثمن، و هو حرام و باطل، فلاينتقل إليه شيء، و يجب عليه ردّ أعيان أموال الناس إن كانت محفوظة، و غرامتها إن لم تكن محفوظة، و يستحق بذلك المؤاخذة و التعزير، بل الحاكم الشرعي يأخذه بأشق الأحوال بحسب ما يراه من المصلحة العامة; لأنّه مخلّ بالنظام، و على الإمام أن يحفظ النظام الإسلامي في البلاد بين الرعية، فكل من يخلّ بالنظام بالتعدي و الفساد و المزاحمة فعلى الحاكم تأديبه و تعزيره، كما عليه سيرة النبي صلى الله عليه وآله و الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بحسب ما ورد عنهم في زمان حكومتهم.

هذا، مضافاً إلى دلالة موثقة سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام قال: «إنّ لكل شيء حداً، و من تعدّى ذلك الحدّ كان له حدّ».(1)

نعم، الأحوط الاقتصار في الحبس على مقدار لايصل التضييق الحاصل منه إلى التضييق الوارد عليه بالحد الشرعي; لأنّ الحبس في المورد المذكور من باب التعزير.

ثمّ إنّه يجوز للحاكم أن يحبس المتهم حتى يتضح الحال; حفظاً للنظام، و يؤيده ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنّه حبس رجلا اتّهم بسرقة بعير، و لمّا ظهر فيما بعد أنّه لم يسرقه أخلى الرسول صلى الله عليه وآله سبيله.(2)

**********

(1) وسائل الشيعة / ج 28، ص 17، ب 3 من مقدمات الحدود، ح 2.

(2) راجع سنن الترمذي / ج 2، ص 435، أبواب الديات ب 19، ح 1437.

ص: 84

و ما روي عن أبي جعفر عليه السلام أنّ عليّاً عليه السلام قال: «إنّما الحبس حتى يتبيّن للإمام، فما حبس بعد ذلك فهو جور».(1)

و ما رواه السكوني بسند موثق عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: «إنّ النبي صلى الله عليه وآله كان يحبس في تهمة الدم ستة أيّام، فإن جاء أولياء المقتول بثبت(2) و إلاّ خلّى سبيله».(3)

و مورد بعض الروايات و إن كان تهمة الدم، ولكن يمكن أن يقال إنّه من باب دخالته في حفظ النظام; إذ يلزم من القول بعدم جواز حبس المتهم إضاعة الحقوق و الأموال واختلال النظام; و عليه، فلاوجه لتخصيص جواز حبس المتهم بمورد الرواية، بل يستفاد منه جواز ذلك في كل مورد يختلّ النظام بعدم جوازه.

نعم، حيث كان جواز الحبس في مورد الاتهام خلاف الأصل فاللازم الاقتصار فيه على مورد تكون الملازمة بين عدم جوازه و اختلال النظام أمراً بيّناً، كما لايخفى.

و هل يجوز اشتراط الحبس عند التخلّف بين البنك و صاحب الحساب في ضمن معاملة من المعاملات، أو لايجوز؟

يمكن أن يقال بالثاني; لأنّه شرط أمر غير مشروع; إذ لاتسلب الحرّية من الحرّ. اللّهمّ إلاّ أن يقال: ليس الشرط سلباً للحرية حتى يكون خلاف الشرع، بل الشرط هو ألاّ يستفيد الحرّ من حريته باختياره في مدة الاشتراط، و كم من فرق بينهما! ولكن مع ذلك يشكل; لأنّ الحبس قد يفضي إلى هتكه في بعض الأحيان، و لااختيار للإنسان في هتك نفسه بالشرط أو بغيره.

**********

(1) سنن البيهقي/ ج 6، ص 53.

(2) بثبت أي بحجة و بيّنة.

(3) و سائل الشيعة/ ج 29، ص 161، ب 12 من أبواب دعوى القتل، ح 1.

ص: 85

و أمّا جعل غرامة نقدية في مقابل التخلف من قِبل الحكومة الشرعية بعنوان التعزير، فلامانع منه فيما إذا رآه الحاكم الشرعي حفظاً للنظام. و أمّا جعلها من قِبل غير الحاكم الشرعي كالبنوك الأهلية فلاملزم له إلاّ إذا كان في ضمن عقد لازم.

نعم، لو جعل الحاكم الشرعي غرامة نقدية للمتخلف حتى التخلف في البنوك الأهلية فالحكم فيه حكم البنوك الحكومية، كما لايخفى.

و أمّا كيفية أخذ الغرامة فتكون باختيارهما، فلو اشترط البنك على صاحب الحساب الجاري أن يستقطعها بنفسه من حسابه أو سائر ما عنده بأمانة أو غيرها، و قبله صاحب الحساب، جاز للبنك أخذ ما استحقه على ما اشترط من دون حاجة إلى الترافع، أو التراضي طبقاً لشرطه عليه في ضمن المعاملة.

و بالجملة، يجوز الاشتراط في كيفية الأخذ على نحو لايحتاج فيه إلى الرجوع إلى المحاكم الشرعية.

الحادى عشر: في حكم وصول مبلغ عن طريق الخطاء في الحساب الجارى

40

الحادي عشر: لو افتُرض أن و صل مبلغ إلى أحد الحسابات عن طريق الخطأ، فهل يتعلق شيء بعهدة صاحب الحساب غير أصل المبلغ المذكور، أو لايتعلق إلاّ أصل المبلغ ؟

الظاهر هو الثاني; إذ لاوجه لأخذ الزائد; فلايجوز للبنك أن يأخذ من صاحب الحساب شيئاً غير أصل المبلغ الواصل خطأً إلى حسابه، و هذا المبلغ ليس بقرض حتى يقال إنّ أخذ الزائد على الأصل ربا محرم، بل لاموجب لأخذ الزيادة.

و أمّا جعل غرامة في هذه الصورة على صاحب الحساب مع أنّه لم يتخلف، فكما ترى; لأنّ الغرامة فيما إذا تخلف عالماً و عامداً، و المفروض عدمه. و عليه، فما يقال من أنّه إذا أخذ شخص مبلغَ حوالة خطأً أو وصل إليه مبلغ عن طريق حسابه الجاري تؤخذ

ص: 86

خسارة التأخير من هذه المبالغ بمقدار معيّن من زمن الاستفادة علاوة على أخذ المبلغ المذكور(1) منظور فيه; لأنّ المبلغ المذكور باق على ملك مالكه، فإن تعامل به كانت المعاملة فضولية، ولو أجازها فجميع أرباحها لصاحبه، و إن لم يتعامل به أو لم يربح فلاوجه لأخذ الخسارة، كما لايخفى.

الثانى عشر: في حكم افتتاح الحساب المشترك بين عدة اشخاص

41

الثاني عشر: لو افتتح عدّة أشخاص حساباً مشتركاً، لزم ذكر الأسهم في قسيمة الاشتراك; حتى تتعين الأسهم و يقسم الموجود في الحساب بين الشركاء بنسبة أسهمهم عند الموت أو الحجر و الإفلاس، ولو لم تُذكر الأسهم فقد يقال إنّه يقسم بينهم بالسوية. و لعله هو مقتضى كون الحساب تحت أيديهم، و اليد أمارة الملكية.

ثمّ إنّ البنك مكلّف بإعطاء المبالغ من الحساب الجاري المشترك حسب اتفاقهم، فإن اشترطوا لزوم توقيع جميع الشركاء في جواز الإعطاء فلايجوز للبنك التخلف عنه، و إن أجازوا إعطاء المبالغ بتوقيع بعضهم فلاإشكال في وجوب الإعطاء على البنك كما اشترطوا، و يكون البنك ضامناً في صورة التخلف و تلف المال.

و إن تعلّقت جوائز بذلك الحساب الجاري المشترك فهي حلال إن لم يكن شرط في البين، و تقسم الجوائز بينهم بالنسبة. و إن اشترطها بعضهم كانت محرمة عليه بخصوصه دون الآخرين; لأنّها ربا محرم، و تردّ على البنك.

ثمّ لو سمح البنك لأصحاب الحساب المشترك أن يسحبوا مبالغ أزيد مما لهم في الحساب، كان ذلك أيضاً بينهم بالنسبة; فلايجوز لكل واحد من الشركاء أن يستفيد منه أزيد من نصيبه بحسب سهمه.

الثالث عشر: في حكم افتتاح الحساب الجارى لاموال الصغار او المجانين

42

الثالث عشر: لايجوز افتتاح الحساب الجاري بأموال الصغار أو المجانين من دون

**********

(1) مجلة تازه هاى اقتصاد (\ الجديد في الاقتصاد) / العدد 56، ص 41.

ص: 87

إذن أوليائهم من الأب و الجد من ناحية الأب و الوصي و الحاكم الشرعي، و لاولاية للاُم و لالأبويها.

و مما ذكر يظهر عدم صحة بعض البنود المدرجة في لوائح بعض البنوك من جواز افتتاح الاُم حساباً جارياً للصغار و التصرف فيه حتى يبلغوا; لما ذكرنا من أنّه لاولاية لها بالنسبة للصغار.

نعم، لو افتتحت الاُم بأموالها الخاصّة حساباً باسم الصغار بعنوان الهديّة، فلامانع منه; لبقاء الأموال المذكورة على ملك الاُم قبل قبض الأولياء، و لايلزم منه التصرف في ملك الصغار. و إذا قبضها الأولياء ولو بإجازة افتتاح الحساب فلايجوز للاُم أن تتصرف فيها بدون إذن الأولياء، و لايجوز للبنك أن يعطيها من دون إذن الأولياء، كما لايخفى.

ولو توقف حفظ أموال الصغير على افتتاح حساب و لم يُقدم الولي على ذلك، وجب على الآخرين أمره بذلك، و لو لم يُجْدِ الأمر فهل يجوز للآخرين ذلك أم لا؟

يمكن أن يقال: لادليل على جواز التصرف في مال الصغار مع وجود الولي.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ وجوده كعدمه، و مقتضاه هو تكليف الآخرين بذلك، و مع الامتناع تصل النوبة إلى الحاكم الشرعي. نعم، مع فقد الولي و الحاكم و الوصي يجوز ذلك للآخرين.

و إذا بلغ الصغار أو أفاق المجانين و عُلم رشدهم جاز لهم التصرف في أموالهم من دون حاجة إلى إذن أوليائهم في حال الصغر أو الجنون. و البلوغ الشرعي بحسب السن: هو إتمام تسع سنين في الإناث و إتمام خمس عشرة سنة في الذكور. و الرشد: هو أن يصل البالغ إلى حدّ يتمكّن معه من إصلاح ماله و التجنّب من صرفه في الوجوه غير اللائقة بأفعال العقلاء. و عليه، فلايجوز للبنك الامتناع عن إعطاء أموالهم إليهم و إن لم يبلغ سنهم الثامنة عشرة.

و مما ذكر يظهر أيضاً حكم افتتاح الحساب بعنوان الادخار و نحوه.

ص: 88

ثمّ إنّه لاكلام في أنّ العمى و العجز عن الكتابة لايعدّان من أسباب الحجر، بل يجوز لمن هذه صفته أن يفتتح حساباً جارياً. نعم، للبنك أن يشترط عليهما تعريف وكيل معتمد للتوقيع من قبلهما; لئلا يقع الخلط و الاشتباه، فلاتغفل.

الرابع عشر: في حكم جوائز البنك

43

الرابع عشر: تقدّم أنّ ما يودع في الحساب الجاري يعدّ قرضاً للبنوك، فلايجوز جعل الربح من ناحية المقرضين عليه; لأنّه ربا محرم، ولكن يجوز للبنوك منح الجوائز من دون شرط بين البنك و صاحب الحساب الجاري، سواء كانت الجوائز نقدية، أو عينية، أو كانت تخفيضاً في أخذ اُجرة الخدمات، أو حق التقدم في الاستفادة من التسهيلات البنكية، أو غير ذلك.

الخامس عشر: في حكم ضمان البنك بالنسبة الى الامانات المودعة عنده

44

الخامس عشر: لو فُرض أن يكون ما في الحساب الجاري في البنك أمانة مع تخويل البنك في تبديل الأمانة بأمثالها، فيترتب على ما في الحساب الجاري حكم الأمانات; فلايضمن البنك ما لم يفرّط في حفظها.

و لايجوز للبنك التعامل بها; لعدم تخويله في ذلك، و كذا لايجوز أي تصرف آخر فيها.

و يستحق البنك الاُجرة بحسب طبيعة الأخذ و الحفظ و النقل من مكان إلى آخر، و غير ذلك من الخدمات المستحقة للاُجرة ما لم يتبرع بها.

السادس عشر: في حكم مضى عشر سنوات من تأريخ اصدار الشيكات

45

السادس عشر: ممّا جاء في قانون الشيكات الإيرانية أنّ كلّ من استلم شيكاً في المعاملات و غيرها يحقّ له المطالبة بالمبلغ الحالّ المذكور فيه، و ليس له مدّة زمنية محدّدة. ولكن جاء في قرار لاحق صادر عن هيئة النظارة على البنوك المؤرخ في (1376/7/23 ش) و المُبلغ بالرقم (25/3187) أنّ تسليم مبالغ الشيكات الماضي عليها عشر سنوات من تاريخ إصدارها منوط بالتأييد المجدّد من صاحب الحساب.(1)

**********

(1) ماهنامه بانك سپه (\ مجلّة بنك سبه الشهرية) / العدد 12، ص 39.

ص: 89

و عليه، فيكون التأييد المذكور شرطاً أضافته الهيئة المذكورة للإعطاء، و لابأس به، فلاإلزام عليه بعد الاشتراط المذكور بالإعطاء من دون التأييد المذكور قضاءً للاشتراط المذكور; إذ لافرق بين الشرط المذكور و سائر الشروط التي اشترطها البنك على صاحب الحساب من أوّل الأمر; لأنّ خدمات البنك تبرعية; فله أن يمتنع عنها في أي وقت كان، إلاّ إذا قلنا بكونها محكومة بحكم حكومي على الإتيان بالخدمات، ولكن الحكم الحكومي يكون مع ملاحظة المقررات لابدونها، أو افتراض وقوع معاملة بين البنك و صاحب الحساب بالنسبة للخدمات، و المفروض هو العدم.

و كيف كان، فلايوجب ذلك إسقاط السندية من الشيكات بالنسبة لآخذيها في قبال المعاملات و الديون، بل هي باقية على اعتبارها و إن كان للبنوك عدم تسليم مبالغها بعد الاشتراط المذكور إلاّ مع التأييد المجدد.

ثمّ إنّ المقرّر في المادة (315) من قانون التجارة الإيراني أنّه يلزم المطالبة بمبلغ الشيك في مدّة أقصاها (15) يوماً إن كان حسابه في المدينة التي صدر فيها الشيك، و في مدّة أقصاها (45) يوماً إن كان في مدينة اُخرى. ولو تخلّف عن ذلك لم تُسمع دعواه في المحاكم القضائية ضدّ مصدّره أو المظهِّر له.(1)

ولكن هذه المقررات لاتوجب سقوط حقّه، بل هو باق شرعاً على ذمة مصدّر الشيك أو المظهِّر له.(2)

و بعبارة اُخرى: إنّ هذه المقررات مختصّة بالحكم الجزائي لاالحقوقي، فتدبر.

السابع عشر: في حكم مطل المديون في أداء دينه

46

السابع عشر: إذا ماطل المديون في أداء دينه، فاضطرّ الدائن إلى مراجعة المحاكم

**********

(1) المصدر السابق.

(2) المصدر السابق.

ص: 90

الشرعية أو توكيل محام عنه لانتزاع حقه منه، فهل تكون الخسائر المترتبة على ذلك مضمونة على المديون، أم لا؟

يمكن القول بالأوّل; لأنّه في صورة انحصار انتزاع الحق في المراجعات المذكورة يكون المماطل هو السبب في ذلك، و السبب المذكور محكوم عند العقلاء بالضمان، و لم يردع عنه الشارع.

هذا، مضافاً إلى إمكان الاستدلال بحديث نفي الضرر و الضرار; فإنّ مقتضى عدم جواز إيجاد الضرر و نفي طبيعته هو الضمان، و المفروض أنّ المماطل هو الموجِد للضرر، فتدبر.

نعم، لو لم يكن التأخير في الأداء عن تقصير و عمد فلااستناد للضرر إلى المديون، و معه فلاوجه للضمان في صورة مراجعة الدائن للمحاكم الشرعية و توكيل محام عنه، بل لايجوز له إجبار المديون على بيع المستثنيات لأداء ديونه، بل يجب عليه أن يمهل المعسر حتى يتيسّر له الأمر بنص قوله تعالى: (وَ إِنْ كٰانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلىٰ مَيْسَرَةٍ ).(1)

الثامن عشر: في ان السحب من الحساب الجارى استيفاء لااقتراض

47

الثامن عشر: الظاهر كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره أنّ السحب من الحساب الجاري استيفاء لااقتراض فيما إذا كان للساحب رصيد مالي عند البنك، و عليه، فيمكننا أن نفهم الشيك الذي يدفعه المدين إلى الدائن بوصفه حوالة من المدين إلى دائنه على البنك الذي يملك المدين في ذمته قيمة و دائعه المتحركة، فتكون من حوالة دائنه على مدينه، و تصح شرعاً، و تحصل بها براءة ذمة المحيل تجاه المستفيد من الشيك، و براءة ذمة البنك تجاه المحيل بمقدار قيمة الشيك.(2)

**********

(1) البقرة / 280.

(2) راجع البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 93.

ص: 91

و حصول البراءة من جهة تحقق الحوالة بالرضا من المحيل و المحتال من دون حاجة إلى رضا المحال عليه فيما إذا لم يكن المحال عليه بريئاً أو كانت الحوالة بغير جنس ما عليه، و إلاّ فيحتاج إلى رضا المحال عليه أيضاً، فإذا رضي المحيل و المحتال و المحال عليه حصلت البراءة، لتمامية الحوالة، كما لايخفى.

48

النوع الثاني: حساب القرض الحسن
اشارة

و هو حساب يفتتحه العميل، و يخوّل البنك بإقراض المبالغ التي يودعها فيه من دون أخذ فوائد. و هذه العملية تتصور على قسمين:

أحدهما: أن تكون أعيان الأموال محفوظة عند البنك و يكون البنك وكيلا في إقراضها، و لازمه عدم ضمان البنك عند تلفها ما لم يفرّط في حفظها. و مرجع هذا القسم إلى أنّ البنك أمين، و لاضمان على الأمين عند التلف لو لم يكن مفرّطاً كما لايخفى. ولكن المعهود في الخارج ليس كذلك; إذ البنك لايحفظ أعيان الأموال لأصحابها بل يتصرف فيها بضمان.

وثانيهما: أن يكون الإيداع بنحو تمليك الأعيان بالضمان، و هو في الحقيقة قرض للإقراض و ليس بأمانة، و إنّما سمي ذلك أمانة من جهة أنّ هذا الإقراض ليس لمصلحة البنك فقط، بل ربما يكون لمصلحة المقرض أيضاً; فإنّ البنك يحفظ المال من السرقة و التلف بضمانه في الذمة.

و كيف كان، فاشتراط الفوائد في الصورة الثانية محرّم; لأنّه ربا محض، و أمّا في الصورة الاُولى فاشتراط الفوائد بين البنك و المودعين لابأس به; لأنّه يرجع إمّا إلى اشتراطها لصالح الأمين باعتباره حافظاً لأعيان الأموال، أو إلى اشتراطها لصالح المودعين ترغيباً لهم في الإكثار من الإيداع.

ص: 92

و أمّا اشتراطها بين البنك و المقترضين فلعله أيضاً لامانع منه; لأنّ البنك وكيل في الإقراض و ليس بمقرض، فجعل الفائدة للواسطة في الإقراض لادليل على حرمته. نعم، لو اشترط المقرضون الفائدة على المقترضين من دون واسطة فهو عين الربا.

ثمّ إنّ تمليك الأعيان بالضمان ربما يكون من أوّل الأمر، و قد عرفت أنّ مرجعه إلى القرض، و ربما ينتهي إليه، كما إذا قصد الإيداع و الأمانة ولكن أذن صاحب المال بأن يتصرف الأمين في المال تصرفاً ناقلا; فإن قلنا بعدم صحة دخول المعوض في ملك غير مالك العوض بالارتكاز، فمقتضى دلالة الاقتضاء هو انتقال المال قبل التصرف الناقل إلى الأمين، و معناه هو القرض قبل النقل. و أما إن قلنا بصحة دخول المعوض في ملك غير مالك العوض، فالمال المودع عند الأمين يبقى على ملك مالكه، و التصرف فيه تصرفاً ناقلاً لايوجب دخوله في ملك الأمين قبل المعاملة إلاّ إذا أنشأ المالك وكالة للأمين لنقل المال منه إلى نفسه قبل التصرف الناقل، فتدبر جيداً.

و ربما يتوهم: أنّ المال المودع لدى البنوك هو من قبيل العارية الشرعية، فحينئذ يجوز التصرف فيها للمستعير، و لاتكون الفوائد التي يعطيها المستعير للمعير محكومة بالربا، بل هي من قبيل الهبة.

و يدفع هذا التوهم: بأنّ العارية مشروطة ببقاء العين و كون التصرفات غير ناقلة، و إلاّ فتخرج عن العارية; لعدم بقاء العين كما لايخفى.

فإذا عرفت أنّ الإيداعات التي لدى البنوك من الأوراق النقدية ترجع إلى القرض، فاعلم أنّ اللازم هو الاجتناب عن شرط الزيادة و المنفعة في ضمن القرض و لو كانت بمثل الجوائز; لأنّه ربا محض كما لايخفى.

ص: 93

49

مسائل:
اشارة

50

المسألة الاُولى: في حكم اشتراط المقرض في ضمن عقد القرض ان يصرفه في جهة خاصة

لو شرط المقرض في ضمن عقد القرض أن يصرفه المقترض في جهة خاصة كالنكاح أو شراء دار أو تأسيس مستشفى و غير ذلك وجب مراعاة ذلك على المقترض، فلو تخلف كان للمقرض فسخ العقد قبل الموعد إن كان القرض مؤجلا، و أمّا إذا لم يفسخ فيبقى المال المقترض على ملك المقترض.

ولو شرط في ضمن العقد أن ليس للمقترض سلطة على صرف ما يملكه بالقرض في غير جهة النكاح مثلا، ففيه إشكال; من جهة أنّ الشرط المذكور مخالف لمقتضى العقد; فإنّ المقترض يملك العين المقترضة، و مقتضى قوله صلى الله عليه وآله: «الناس مسلّطون على أموالهم»(1) كون المقترض مسلطاً على ماله في صرفه كيفما شاء، فالاشتراط المذكور مخالف لمقتضى الملكية، بخلاف ما إذا كان الشرط شرط فعل; فإنّه لاإشكال فيه كما عرفت.

اللّهمّ إلاّ إن يقال: إنّ الشرط المذكور أيضاً يخالف إطلاق السلطة لاأصلها، فلاإشكال بعد شمول أدلّة نفوذ الشروط.

و الفرق بينهما واضح; فإنّ التخلف في شرط الفعل محرّم تكليفاً، و لاأثر للحكم الوضعي فيه إلاّ خيار التخلف، و هذا بخلاف شرط عدم السلطة على صرف ماله في غير الجهة التي عُيّنت; فإنه يوجب عدم الانتقال إلى غير الجهة المشروطة.

ولو شرط إعطاء الغرامة التهديدية عند التخلف، ففيه إشكال إن رجعت الغرامة إلى المقرض; فإنّه يصدق عليه شرط المنفعة، و من المعلوم أنّه محرم في عقد القرض.

**********

(1) انظر عوالي اللآلي/ ج 1، ص 222، ح 99. بحار الأنوار / ج 2، ص 272، ح 7.

ص: 94

نعم، لو شرط إعطاء الغرامة التهديدية لأجنبي أمكن أن يقال إنّه صحيح; لعدم صدق شرط المنفعة لصالحه، مع أنّ الأدلّة ظاهرة في أنّ المنهي عنه هو شرط شيء يكون لصالح المقرض. ولكنه مع ذلك يكون مشكلاً; لإطلاق النهي عن الشرط.

ثمّ إنّ مقتضى شرط الفعل هو أنّ تخلفه يوجب العصيان، و أمّا الحكم الوضعي من النقل و الانتقالات فلايمنع عنه شيء; لأنّ النهي التكليفي لايدلّ على الفساد.

51

المسألة الثانية: في حكم اقراض بنك حكومى للدولة او بالعكس

لو أقرض بنك حكومي بنكاً أهلياً أو أقرض أشخاصاً، فالواجب مراعاة عدم الوقوع في الربا و الاجتناب عن شرط المنفعة بأية صورة كانت، كما هو واضح.

و أمّا إذا قام بنك حكومي بإقراض الدولة أو بالعكس، أو أقرض بنك حكومي بنكاً مثله، ففي حرمة شرط الزيادة في ضمن القرض إشكال; من جهة أنّ البنوك الحكومية لامغايرة لها مع الدولة و لابعضها مع البعض; لأنّه يصدق على الجميع بيت المال، فهي كالشيء الواحد، فحينئذ لايصدق شرط المنفعة; لأنّ المشروط خارج عمّا يدخل فيه.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ كل شعبة من الشعب الحكومية تكون مالكة لممتلكاتها; و لذا يصدق عنوان القرض على إعطاء شعبة لشعبة اُخرى; لصدق سائر المعاملات على التبادلات الواقعة بينها، و لايضر بذلك كون جميع الشعب من أجزاء دولة واحدة أو بيت مال واحد; فكما أنّ مع صدق المعاملات تكون مراعاة شرائطها لازمة فكذلك في القرض يلزم مراعاة شرائطه التي منها خلوّه من شرط المنفعة، و حمل جميع المعاملات الواقعة بينها على صورة المعاملات، بعيد، فتأمل.

52

المسألة الثالثة: في حكم اقراض البنك شخصا بعنوان خاص

لو أقرض البنك شخصاً معنوناً بعنوان خاص كالسيد أو الطالب، فإن كان المعنون

ص: 95

المذكور سيداً أو طالباً فلاإشكال، و أمّا إذا لم يكن كذلك فلايجوز له التصرف فيه; لأنّ القرض لايشمله، بل هو خارج عن مورد عقد القرض.

نعم، لو أقرض أحداً بتوهم كونه سيداً أو طالباً و لم يكن كذلك واقعاً، كان القرض صحيحاً و جاز للشخص المذكور التصرف فيه، ولكن يكون للمقرض خيار تخلف العنوان و الوصف بعد كشف الخلاف. و نظير ذلك في مسألة الاقتداء بالإمام، فإنّه لو اقتدى شخص بزيد فبان أنّه عمرو بطل اقتداؤه، بخلاف ما إذا اقتدى بأحد بتخيل أنّه زيد ثمّ بان أنّه عمرو فإنّ جماعته صحيحة.

53

المسألة الرابعة: في حكم اشتراط البنك في ضمن عقد القرض اعطاء اجرة الخدمات

إذا شرط البنك في ضمن عقد القرض إعطاء اُجرة الخدمات، كان رباً محرماً; لأنّه شرط منفعة لصالح البنك. وإن عكس الأمر; بأن أعطى المقترض اُجرة الخدمات وشرط في ضمنه إعطاء القرض، فالأظهر الصحة.

و القول: بأنّ إعطاء القرض يوجب لزوم عقد الإجارة، ولزومه يكون بنفع المقرض، فيصدق حينئذ أنّ القرض يجرّ نفعاً، غير سديد; لأنّ الموجب للّزوم هو العمل بالشرط لاالقرض، فالنفع عائد إليه من ناحية الوفاء بالشرط لامن ناحية اشتراط المنفعة في القرض، فتدبر جيداً.

و يلحق به اشتراط إعطاء الاُجرة في أوّل شهر من كلّ سنة من سنوات الإجارة، فإنّه شرط في ضمن عقد الإجارة. و كذا لامانع من أن يؤدي المقترض مبلغاً بعنوان اُجرة الخدمات مقارناً لأخذ القرض مع استقلال كل واحد منهما عن الآخر; إذ مع الاستقلال لايكون القرض بشرط المنفعة.

نعم، هنا إشكال آخر من ناحية الإجارة، وهو أنّ اللازم في عقد الإجارة هو أن تكون الاُجرة المأخوذة في مقابل العمل مساوية لما أعطاه البنك للموظفين أو أقل منه،

ص: 96

فلايجوز أخذ الأكثر منه، كما هو الحكم في البيوت والحوانيت، ويدل على ذلك حسنة أبي الربيع عن أبي عبدالله عليه السلام: «انّ فضل الأجير والبيت حرام»(1)، وحسنة أبي المغرا عنه عليه السلام «إنّ فضل الحانوت والأجير حرام»(2). وعليه، فلايجوز للبنك أن يأخذ في مقابل الخدمات التي يقدّمها للموظفين أكثر ممّا يعطيهم كما لايخفى.

نعم، يجوز للبنك أن يؤجر نفسه للقيام بالخدمات من دون قيد المباشرة، فيأخذ ما يشاء في مقابلها ثم يقوم بإنجازها. وممّا يشهد على كونه كذلك أنّ المقترضين يتعاملون مع البنك لامع الموظفين، والعمل عندما يكون معلوماً تقع الاُجرة في قباله. و يصحّ أيضاً أن تجعل جعالة للقيام بالعمليات البنكية، كما لايخفى.

لايقال: كيف يمكن التعامل مع البنك مع أنّه من الجهات التي لايمكن لها تكفل الاُمور بالمباشرة ؟!

لأنّا نقول: يكفي اعتبار العقلاء بكون العمل على ذمة البنك كالديون، ولايلزم في صحة الإجارة إمكان المباشرة، بل يكفي فيها تسليم العمل بواسطة الموظفين كما لايخفى.

و الأولى أن يعطي المقترض ابتداءً مبلغاً بعنوان الهبة ليقرضه البنك بدلاً من إعطاء الاُجرة على الخدمات، وأولى منه إعطاء مبلغ قربةً إلى الله تعالى من دون طلب شيء في قباله، فيقرضه البنك قربةً إلى الله تعالى.

و يجوز للبنك أن يأخذ اُجرة المثل على الخدمات التي يقدّمها بعد طلب المقترضين، وبما أنّ المعاملة واقعة مع البنك لاالموظفين فلامانع من أن تكون اُجرة المثل أكثر مما يعطيه البنك لهم.

**********

(1) وسائل الشيعة / ج 19، ص 125، ب 20 من أحكام الإجارة، ح 2.

(2) المصدر السابق / ح 4.

ص: 97

54

المسألة الخامسة: في حكم اشتراط البنك في ضمن عقد القرض ان نظر البنك هو فصل الخطاب

لو شرط البنك في ضمن عقد القرض أن إظهار نظر البنك و تشخيصه في ميزان المطالبات و الديون الناشئة من عقد القرض، أو في التخلف و عدمه، و غير ذلك من الاُمور متبع، و على المقترض قبول ذلك و لاحق له في الاعتراض، ففي ذلك إشكال; من ناحية أنّ بعض هذه الشروط تُعَدّ من شروط المنفعة في ضمن القرض، مع أنّ مفاد صريح الأخبار هو المنع من شرط المنفعة في ضمن القرض.

و الأشكل من ذلك هو ما إذا شرط في ضمنه أن يكون كل ما أنفق البنك في سبيل وصول طلبه على المقترض، فإن شرط المنفعة يصدق عليه بوضوح; لزيادة ذلك على رأس المال، و اللازم هو عدم اشتراط هذه الاُمور.

نعم، يمكن القول بالضمان ولو لم يشترط أصلا فيما إذا كان المقترض سبب الخسارة، كما إذا كان استيفاء الدين منحصراً في إنفاق تلك المبالغ بعد امتناع المقترض من الأداء من دون إعسار; لبناء العقلاء عليه، و عدم الردع عنه.

55

المسألة السادسة: في حكم اشتراط البنك الغرامة

إذا شرط البنك في ضمن عقد القرض أنه يتوجب على المقترض الالتزام بالمقررات المذكورة في العقد، فلو أقدم المقترض على أمر يؤدي إلى توقف إجراء عملية الإقراض فعليه أن يدفع للبنك معادل ما أخذه مجّاناً و بلا عوض، كان في ذلك إشكال; من جهة أنّ هذا الشرط و إن كان بعنوان الغرامة التهديدية لكنه شرط منفعة، فيكون محرّماً بالنصوص.

نعم، لو شرط البنك على المقترض ألاّ يكون مقترضاً من محل آخر و إلاّ (عند انكشاف الخلاف) صار القرض المؤجل حالاّ، صح ذلك، قضاءً للشرط المذكور في ضمن عقد القرض، و عدم لزوم زيادة على رأس المال.

ص: 98

56

المسألة السابعة: في حكم اشتراط البنك حلول الاجل في عقد القرض لو اخر المقترض بعض الاقساط

لو شرط البنك في عقد القرض الذي هو من العقود اللازمة أنّه لو أخّر المقترض دفع بعض الأقساط عن وقتها لصار القرض المؤجل حالاّ، كان ذلك صحيحاً; لأنّه شرط مشروع في عقد لازم، ويشمله قوله صلى الله عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم».

و لايصدق على هذا الشرط أنّه شرط منفعة; إذ لايزيد به رأس المال، كما تدل عليه صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام في الرجل يكون عليه دين إلى أجل مسمّى، فيأتيه غريمه فيقول: أنقدني من الذي لي كذا و كذا و أضع لك بقيّته، أو يقول: أنقدني بعضاً و أمدّ لك في الأجل فيما بقي ؟ فقال: «لاأرى به بأساً ما لم يزد على رأس ماله شيئاً; يقول الله عزوجل (فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوٰالِكُمْ لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ )».(1)

نعم، لو شرط البنك على المقترض أنّه في صورة التأخير يحقّ للبنك أخذ سائر المطالبات أو أخذ الخسارات، فهو محلّ إشكال; لصدق عنوان شرط المنفعة عليه كما لايخفى.

و يظهر مما ذكر حكم ما لو شرط البنك على المقترض أنّه لو أخّر دفع الأقساط عن موعدها المقرّر فعليه أن يدفع مبلغاً يعادل مثلاً 12 زائداً على الأقساط، فإنّ هذا الشرط إن كان مرجعه إلى الإذن في التأخير مع أداء المبلغ المذكور فهو عين الربا و يكون محرماً، و إن لم يكن كذلك بل كان غرامة تهديدية على التأخير حتى يلتزم بدفع الأقساط في مواعيدها، فهو و إن أمكن أن يقال إنّه خارج عن كونه زيادة في مقابل الإمهال ما دام لم يكن ذلك حيلة ربوية، إلاّ أنّه مشكل; من جهة صدق شرط المنفعة على الشرط المذكور ولو كان بعنوان شرط الغرامة التهديدية، و عليه فتشمله الأدلّة الناهية عن

**********

(1) المصدر السابق / ج 18، ص 376، ب 32 من أحكام الصلح، ح 1.

ص: 99

اشتراط المنفعة في عقد القرض; إذ لايمتنع اجتماع عنوان شرط المنفعة مع شرط الغرامة التهديدية.

57

المسألة الثامنة: في عدم الفرق في حرمة اشتراط المنفعة بين التصريح او كون العقد مبنيا عليه

لافرق في اشتراط المنفعة في ضمن عقد القرض بين التصريح به عند الإقراض و بين إيقاع العقد مبنيّاً عليه، فلو كان قانون البنك إعطاء النفع في القرض و أقرضه مقرض مبنياً عليه كان محرماً، و الزيادة المأخوذة لاتكون قابلة للانتقال بل ترد إلى البنك.

و لو فرض في مورد لايكون الإقراض بشرط النفع أو مبنياً عليه و أعطى المقترض الزيادة عن طيب نفس، جاز أخذ الزيادة. و من ذلك يظهر أنّ الجوائز التي يعطيها البنك للبعض عن طريق القرعة ترغيباً لهم في الإيداع و القرض و نحوهما هي محلّلة و لامانع منها.

ولو شرط المقرض الزيادة و لم ينوِ المقترض إلاّ نفس القرض، فأصل القرض صحيح; لأنّ الشرط شرط فقهي لااُصولي، و عليه فلايتقيد أصل القرض بالشرط. ولو أجبره المقرض على دفع الزيادة كان ذلك محرماً، و لم تنتقل الزيادة إليه; لأنّ شرط الزيادة ربا محرم، و يلزم ردّ الزيادة إلى المقترض إن كان معلوماً، و إلاّ فيتصدق عن صاحبه لغير السادة بإذن الحاكم.

58

المسألة التاسعة: في حكم اشتراط القرض في عقد القرض بالمثل او الازيد

لايجوز للمقرض أن يشترط على المقترض في عقد القرض بأن يقرضه مبلغاً مماثلاً للمبلغ الذي أقرضه إياه، فضلاً عن اشتراط الضعف; لصدق شرط المنفعة على ذلك كلّه، و هو محرّم بالنص الدالّ على النهي عن مطلق الشرط بين المقرض و المقترض.

نعم، لو لم يشترط المقرض ذلك و كان داعيه من الإقراض هو ذلك فلابأس به، كما إذا

ص: 100

علم أنّ المقترض يُقرض من يقرضه ضعف ما اقترضه منه، فيعمد إلى إقراضه بداعي ذلك من دون شرط أو بناء عليه.

و عليه، يحرم ما هو متعارف من قيام البعض بإقراض البنك قرضاً طويل الأمد بشرط أن يقرضه البنك ضعف ذلك.

و مما ذكر يظهر ما في «البنك اللاربوي» حيث قال ما محصّله -: يجوز للبنك أن يشترط على كل مقترض أن يقرضه لدى الوفاء مقداراً يساوي مجموع ما يعطيه البنك من الاُجور بعنوان التأمين على القرض الذي يدفعه إلى العميل و ما يعطيه اُجرة لكتابة الدين و نحوها بأجل يمتدّ إلى خمس سنوات مثلا، بدعوى أنّه ليس في ذلك أي مانع شرعي، لأنّه ليس من الربا.

و يمكن إنجاز الشرط بصورة يصبح فيها ملزماً للمشترط عليه، و بذلك يحصل البنك على كمية مساوية لما ألغاه من عناصر الفائدة الربوية، ولكنه لايعتبر نفسه مالكاً لها بدون مقابل، و إنّما هو مدين بها لعملائه، غير أنّه دين لايطالب به إلى أجل طويل. و هذا يتيح للبنك اللاربوي أن يودع تلك الكمية في البنوك التي يسوّغ لنفسه أخذ الفائدة منها و يتقاضى الفوائد عليها من تلك البنوك طيلة خمس سنوات مثلا، و كلما حلّ الأجل المحدد سحبه و أعاده إلى العميل الذي أخذه منه وفاءً لدينه.(1)

و ذلك لأنّ شرط القرض المذكور في ضمن عقد القرض هو شرط منفعة في نفسه، و يشمله عموم المنع من مطلق الشرط بين المقرض و المقترض كما لايخفى.

ثمّ إنه إذا فرضت الزيادة بإزاء نفس الإقراض لافي مقابل المال المقترض، أمكن أن يقال: إنّ الزيادة تخرج بذلك عن كونها ربا.

**********

(1) انظر البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 71، 72.

ص: 101

و أشكل عليه الشهيد الصدر قدس سره قائلاً: «إنّ الارتكاز العقلائي قائم على كون الدرهم (الزائد) في مقابل المال المقترض، لافي مقابل نفس الإقراض و جعله بإزاء عملية الإقراض مجرد لفظ».(1)

ثمّ إذا جعلت الزيادة بعنوان الجعالة بإزاء تسديد الدين، فإن كان التسديد المذكور مشتملاً على جهد زائد على مجرد دفع المال إلى الدائن كما إذا احتاج إلى إرسال المبلغ إلى بلد آخر فلاإشكال، و إلاّ فقد أشكل عليه الشهيد الصدر قدس سره: بأنّ تسديد الدين ليس له مالية إضافية وراء مالية نفس المال الذي دفعه بعنوان الوفاء، فلايتحمل البنك ضماناً آخر لنفس عملية التسديد، فإذا لم يتصور الضمان لم تصح الجعالة.(2)

و فيه تأمل; لعدم لزوم المالية الإضافية في مورد الجعالة، بل يكفي أن يكون العمل أمراً عقلائياً.

59

المسألة العاشرة: في حكم اشتراط البنك على المصنع في ضمن عقد القرض انه ان مات احد الشركاء قام مقامه شخص آخر

إذا اشترط البنك على المصنع في ضمن عقد القرض أنّه إن مات أحد الشركاء قام مقامه شخص آخر مع الاستجازة من البنك و إعطاء سهم الميت لوارثه، ففي ذلك إشكال; من أنّه شرط منفعة في عقد القرض، و يشمله عموم الأدلّة الناهية عن الشرط في ضمن القرض.

هذا، مضافاً إلى أنّ الوارث بعد موت مورثه يصير مستحقاً لعين تركته، فكيف يجوز شرط انتقاله إلى الغير من دون إجازة من الورّاث أو وليّهم أو وصيّهم ؟!

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إن ذلك مشروط على الميت في زمان حياته، ولكنه لايخلو من

**********

(1) انظر المصدر السابق/ ص 165.

(2) انظر المصدر السابق/ ص 171.

ص: 102

إشكال; لأنّ المالك له التصرف في مدّة حياته، و أمّا بعد صيرورة الشيء ملكاً للورثة فليس له التصرف فيه، فتأمل.

نعم، لو اشترك البنك مع الشركاء ارتفع إشكال الربا، ولكن تبقى سائر الإشكالات، فلاتغفل.

و أمّا توهم حق الشفعة فلامجال له بعد اختصاصه بباب البيع كما هو واضح.

60

المسألة الحادية عشرة: في اشتراط تحمل دفع كل ما يتعلق بالمال المقترض في الشرع او العرف

إذا اشترط البنك أو أيّ مقرض آخر على المقترض أن يتحمّل دفع كل ما يتعلق بالمال المقترض من رسوم أو ضرائب أو وجوه شرعية، ففي ذلك إشكال; لأنّه شرط ربوي تشمله الأدلّة الناهية عن الربا كما لايخفى.

61

المسألة الثانية عشرة: في حكم الامهال في اداء القرض و الديون بشرط الزيادة

لايجوز للبنك الإمهال في أداء القروض و الديون الحالّة بشرط الزيادة، فلو أمهل كذلك كان محرّماً، و لاتثبت الزيادة و لاالأجل; لأنّ تأجيل الثمن الحالّ بل مطلق الدين بأزيد منه، ربا عرفاً; فإنّ أهل العرف لايفرقون في إطلاق الربا بين الزيادة التي تراضيا عليها عند المداينة كأن يقرضه عشرة بأحد عشر إلى شهر و بين أن يتراضيا بعد الشهر إلى تأخيره شهراً آخر بزيادة.

و لذلك ادّعى في الجواهر عدم الخلاف في أنّه لم تثبت الزيادة و لاالأجل، بل هو الربا المحرم.(1)

62

المسألة الثالثة عشرة: في حكم النقل و الانتقال بالنسبة الى المتيازات خصصها البنك لبعض اصحاب الحساب الجارى

يجوز النقل و الانتقال بالنسبة إلى الحقوق العقلائية، و من ذلك ما إذا أودع شخص في

**********

(1) جواهر الكلام/ ج 25، ص 34.

ص: 103

البنك مبلغاً من دون شرط إلى مدّة، فإنّ له أخذ ضعف ما أودعه فيه بحسب ما بنى عليه البنك، فيجوز له أن يأخذ شيئاً في قبال هذا الحق، و ينتقل إلى الغير إن لم يكن الأخذ المذكور حقاً مباشرياً.

بخلاف ما إذا كان الحق المذكور من جهة الاشتراط في ضمن القرض، فإنّه لاتجوز المعاملة عليه بعد كون الحق المذكور مصداقاً للربا، و قد عرفت أنّ الزائد لااعتبار له شرعاً و إن كان معتبراً عرفاً.

و من ذلك أيضاً ما إذا كان صاحب الحساب الجاري مستقيماً في معاملاته و ملتزماً بأداء ديونه بشكل منتظم، فيقوم البنك بتقديم امتيازات خاصّة له يتمكن من خلالها أن يأخذ من البنك مبالغ معيّنة بعنوان القرض، فإن كانت هذه الامتيازات مختصة به بحيث لاتقبل الانتقال فلاتصح المعاملة على هذا الحق; لكونه مما لاينتقل، كحق المضاجعة، و إن لم تختص به و كانت قابلة للانتقال فتجوز المعاملة عليها بالمراضاة; فإنّه من الحقوق.

لكن بعد أخذ الامتيازات لايجوز نقلها إلى الغير بزيادة فيما إذا كان الانتقال بعنوان القرض; لكونه ربا محرّماً، كما أنّه ليس للبنك أخذ الزيادة بعد إعطاء الامتيازات; لأنّه قرض.

نعم، لو كان إعطاء الامتيازات بعنوان المشاركة و نحوها فلاإشكال في أخذ الربح بحسب النسبة في الشركة كما لايخفى.

63

المسألة الرابعة عشرة: في صحة اصل القرض في القروض الربوية

الأقوى صحّة أصل القرض في القروض الربوية; لأنّ المحرم هو الزيادة; إذ لادليل على فساد أصل القرض، فالمسألة مبتنية على مفسدية الشروط الفاسدة. و حيث إنّ المقرر في محلّه أنّ الشرط الفقهي هو الالتزام في ضمن الالتزام، فهو لايوجب فساد

ص: 104

الالتزام الذي في ضمنه; لعدم تعليق الالتزام المذكور على الشرط الفاسد، و إلاّ كان الشرط شرطاً اُصولياً، و المفروض أنّ الشرط شرط فقهي; لأنّ إنشاء المشروط فيه مفروغ عنه، و لايكون معلقاً على الشرط حتى يكون شرطاً اُصولياً، و عليه، ففساد الشرط لايستلزم فساد المشروط فيه كما لايخفى.

ثم إنّه لاخيار للمقرض; لتخلف شرطه; لأنّ الشرط محرم، و الشرط المحرم لايوجب الخيار. و أمّا الزيادة فهي محرمة و لايجوز التصرف فيها; لقوله تعالى: (أَحَلَّ اَللّٰهُ اَلْبَيْعَ وَ حَرَّمَ اَلرِّبٰا)، هذا مضافاً إلى النصوص التي منها صحيحة محمّد بن قيس: «و لايأخذ أحد منكم ركوب دابة أو عارية متاع يشترط من أجل قرض ورقه».(1)

هذا كله على المشهور من أنّ الشرط الاُصولي يوجب التعليق، و أمّا على القول بكون الشروط في القضية الشرطية مفروضة الوجود و إن كانت اُصولية، فيكون الحكم فعلياً أيضاً، فلاتعليق على هذا المبنى كما لايخفى.

64

المسألة الخامسة عشرة: في حكم الاوراق القرضية

في حكم الأوراق المسماة بالأوراق القرضيّة: لايخفى عليك أنّ الحكومة قد تقوم بإصدار مثل هذه الأوراق من جهة قلّة النقود الموجودة في بيت المال، فإن كان ذلك من دون اشتراط ربح في مقابله فهي من القرض الحسن، وإلاّ فهي محكومة بالحرمة; لاشتراط الزيادة فيها كما لايخفى.

و مما ذكر يظهر حكم التعامل بالأوراق القرضية بشرط المشاركة فإنّه محرم; لأنّ شرط المشاركة في ضمن القرض شرط منفعة، فيشمله أدلّة حرمة الربا.

و أمّا أوراق الأسهم المتداولة في الشركات و الأبنية و المعامل و غيرها فلاإشكال

**********

(1) وسائل الشيعة/ ج 18، ص 357، ب 19 من الدين و القرض، ح 11.

ص: 105

فيها إذا كانت حاكية عن الشركة الحقيقية. نعم، لايجوز مطالبة الربح قبل حدوثه، ولكن يجوز إعطاء الشركة مبلغاً في كل شهر بعنوان على الحساب و القرض الحسن حتى يعلم مقدار الربح، فيؤخذ القرض منه بحسابه.

و مقتضى الشركة هو تقسيم الربح و الخسارة بمقدار كل سهم، ولكن يجوز شرط زيادة الربح أو شرط كون الخسارة على أحدهما; لأنّه لايخالف مقتضى العقد بل يخالف مقتضى إطلاق العقد، فيعمه «المؤمنون عند شروطهم».

65

المسألة السادسة عشرة: في حكم ضمانة الضامن عند الاقتراض
اشارة

في التعهد و الضمان: إذا اقترض شخص ثمّ ضمنه ضامن، فلاإشكال في جواز رجوع البنك إلى الضامن إن ضمنه ضماناً شرعياً و انتقلت ذمّة المدين إلى ذمّة الضامن بالضمان الشرعي; فإنّ المدين حينئذ يكون هو الضامن لاغير.

و أمّا إن ضمنه ضماناً عرفياً و تقبّل مسؤولية الأداء مع اشتغال ذمة المدين، فيتخيّر البنك في أخذ حقّه بين الرجوع إلى أيّ واحد منهما أو إلى كليهما معاً; قضاءً لعقد الضمان; لكونه واجب الوفاء بأدلّة نفوذ العقود و العهود، و الرجوع إلى أحدهما لايمنع من الرجوع إلى الآخر.

نعم، لو ضمنه ضماناً عرفياً و تقبّل مسؤولية الأداء في صورة عدم أداء المدين، فلايجوز الرجوع إلى الضامن إلاّ في فرض عدم أداء المدين; قضاءً للاتفاق و الضمان. و قد صرح بذلك في تحرير الوسيلة، فراجع.(1)

هذا كلّه فيما إذا كان الضمان بعد ثبوت الدين. و أمّا إذا كان قبل ثبوت الدين كما إذا حصل الضمان قبل أخذ القرض و اشتغال ذمّة المقترض ففيه إشكال إن اُريد بالضمان

**********

(1) تحرير الوسيلة الإمام الخميني قدس سره / ج 2، ص 739.

ص: 106

الضمان الشرعي، و وجه الإشكال هو اعتبار ثبوت الدين في صحّة الضمان الشرعي; و لذا حكي عن التذكرة الإجماع على بطلان الضمان لو لم يكن ثابتاً، حيث قال في المحكي عنه: «و لو قال لغيره: ما أعطيت فلاناً فهو عليَّ ، لم يصح... عند علمائنا أجمع».(1)

و السرّ في ذلك أنّ الضمان الشرعي هو إشغال ذمّة الضامن بما اشتغلت به ذمّة المضمون عنه، و الإشغال المذكور يتم بانتقال ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن، فإذا لم تكن ذمة المضمون عنه مشغولة بشيء حال الضمان فكيف تصير ذمة الضامن مشغولة ؟! و لذا لايتحقق قصد الضمان بالنسبة إلى الضمان الشرعي، و لامجال للأخذ بعمومات الضمان بعد عدم تحقق موضوعه.

نعم، لو اُريد من الضمان معناه العرفي بمعنى قبول مسؤولية الأداء للمضمون له في فرض عدم أداء المضمون عنه الدين الآتي فلاإشكال في إمكانه و وقوعه، ويصح الاستدلال له بالعمومات الدالّة على نفوذ العقود، كقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ); لأنّه عقد بين الضامن و المضمون له; إذ الضمان العرفي ليس موضوعه ضمان ما ثبت حتى يشكل فيه بأنّه في حال الضمان لاثبوت لشيء، بل هو بمعنى التعهد للأداء بالنسبة إلى مطلق الدين و لو الدين الذي سيوجد، و حيث إنّه عهد و عقد و شرط، فيمكن التمسك بعموم وجوب الوفاء بالعقود أو العهود أو الشروط.

قال السيد المحقق اليزدي قدس سره في الضمان قبل ثبوت الدين: «و يمكن أن يقال بالصحة إذا حصل المقتضي للثبوت و إن لم يثبت فعلا بل مطلقاً; لصدق الضمان، و شمول العمومات العامة و إن لم يكن من الضمان المصطلح عندهم».(2)

**********

(1) تذكرة الفقهاء / ج 2، ص 89، السطر 17 (الطبعة الحجرية).

(2) العروة الوثقى/ ج 2، ص 762.

ص: 107

لايقال: إنّ الضمان العرفي المذكور هو ضمان تعليقي، إذ هو معلق على عدم وفاء الضامن، و هو باطل، كما هو الظاهر من التذكرة حيث قال: «يشترط في الضمان التنجيز، فلو علقه بمجيء الشهر أو قدوم زيد لم يصح... و لو قال: إن لم يؤدّ إليك غداً فأنا ضامن، لم يصح عندنا، و به قال الشافعي; لأنّه عقد من العقود، فلايقبل التعليق كالبيع و نحوه».(1)

لأنّا نقول: كما أفاد السيد المحقق اليزدي في ضمان العروة: «(الشرط) السابع: لادليل عليه (أي اعتبار التنجيز) بعد صدق الضمان و شمول العمومات العامّة إلاّ دعوى الإجماع في كلي العقود على أنّ اللازم ترتب الأثر عند إنشاء العقد من غير تأخير، أو دعوى منافاة التعليق للإنشاء.

و في الثاني ما لايخفى (ضرورة صحّة الإنشاء المعلق في جملة من الموارد; كالوصية التمليكية و النذر المعلّق على شرط، فلامنافاة بين التعليق و الإنشاء).

و في الأوّل منع تحققه في المقام».(2) و توضيح ذلك: أنّ الإجماع دليل لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن. هذا مضافاً إلى أنّ أثر العقد هو التعهد بالمال و كون مسؤوليته عليه، و هو حاصل بنفس العقد، و لايضر بفعلية المسؤولية تعليق الوفاء على عدم وفاء المضمون له، و لاينافي ذلك ما عليه المذهب من أنّ الضمان هو نقل الذمة إلى اُخرى لاضمّ الذمّة إلى الذمة; لأنّ ما عليه المذهب هو الضمان الاصطلاحي، و أمّا العرفي فلايمنع عنه مانع بعد شمول العمومات و الإطلاقات.

و الضمان العرفي شائع; فإنّ أصحاب الجاه و الشأن يضمنون المجاهيل من الناس من

**********

(1) تذكرة الفقهاء/ ج 2، ص 85-86 ما بين السطر الأخير و السطر الثاني (الطبعة الحجرية).

(2) العروة الوثقى / ج 2، ص 587-588، ط مكتب وكلاء الإمام الخميني قدس سره، بيروت.

ص: 108

دون أن يقصدوا بذلك انتقال المال بالفعل إلى ذممهم، بل يريدون بذلك تعهدهم و قبول مسؤولية المال عند تخلف المضمون عنه عن أدائه.(1)

66

فروع:
اشارة

67

الأول: في حكم عدم معلومية مقدار الدين و الجنس في الضمان

الأوّل: لاإشكال في الضمان فيما إذا كان مورد الضمان و مدته معلومين. و أمّا إذا لم يكن مقدار الدين و جنسه معلومين فالأقوى أنّ مقتضى العمومات هو الصحة; حيث لم يعتبر فيها كون مقدار الدين و جنسه معلومين. و يؤيده ما رواه فضيل و عبيد عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لمّا حضر محمّد بن اُسامة الموت دخل عليه بنو هاشم، فقال لهم: قد عرفتم قرابتي و منزلتي منكم، و عليَّ دين، فاُحبّ أن تقضوه عني. فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): ثلث دينك عليَّ . ثمّ سكت و سكتوا، فقال علي بن الحسين (عليهما السلام): عليَّ دينك كلّه. ثمّ قال علي بن الحسين (عليهما السلام): أما إنّه لم يمنعني أن أضمنه أوّلا إلاّ كراهة أن يقولوا: سبقنا».(2)

و ربما يتوهم اعتبار العلم بمقداره و جنسه مع الاستدلال بنفي الغرر و الضرر.

ولكن فيه كما أفاد السيد المحقق اليزدي قدس سره: أنّه مردود بعدم العموم في الأوّل; لاختصاصه بالبيع أو مطلق المعاوضات، و بالإقدام في الثاني. و هو جيد.

ثمّ فصّل السيد اليزدي قدس سره بعد ذلك بين الضمان التبرعي و الإذني; فيعتبر في الثاني دون الأوّل; إذ ضمان علي بن الحسين (عليهما السلام) كان تبرعياً، و اختصاص نفي الغرر بالمعاوضات ممنوع، بل يجري في مثل المقام الشبيه بالمعاوضة إذا كان بالإذن مع قصد الرجوع على الآذن. و هذا التفصيل لايخلو عن قرب.

**********

(1) انظر مباني العروة الوثقى/ ص 112-114.

(2) وسائل الشيعة / ج 18، ص 424، ب 3 من أحكام الضمان، ح 1.

ص: 109

و يمكن أن يقال: إنّه لاعموم للنهي عن الغرر، كما أنّ حديث «لاضرر» لايشمل المقام; لأنّ الحديث وارد مورد الامتنان، و عليه فمورده هو ما إذا لم يقدم على الضرر، و موارد الضمان مما قد أقدم عليها الضامن و إن كان إذنيّاً; إذ له أن يسأل عن مقداره و جنسه، فإذا لم يسأل عنهما فقد أقدم عليه بنفسه. و عليه فلافرق بينهما في خروجهما عن عموم نفي الضرر و نفي الغرر، فلامجال للتفصيل بين كون الضمان تبرعياً أو إذنيّاً.(1)

الثانى: في حكم الضمان العرفي

68

الثاني: يجوز التعهد بالضمان العرفي في مدة معينة، كما يجوز أن يتعهد من دون تعيين مدّة، كأن يقول الضامن: إني متعهد و مسؤول بالنسبة إلى ديون زيد من أي ناحية كانت في مدة معاملاته مع البنك; إذ لادليل على تعيين المدة، بل اللازم هو ألاّ يكون التعهد بالضمان سفهياً.

الثالث: في حكم اشتراط كيفية الرجوع في عقد الضمان

69

الثالث: يجوز اشتراط كيفية الرجوع في عقد الضمان و التعهد; فإن اشترط أنّه بالخيار في الرجوع بين المتعهد و المدين فله ذلك. و إن اشترط الرجوع إلى المتعهد على تقدير عدم تمكن المدين من الأداء فليس له إلاّ ذلك. و إن اشترط أخذ الدين من الودائع التابعة للمتعهد جاز له ذلك. و إن اشترط إدامة الضمان مع تغيير أفراد الشركة أو الاكتفاء بما يعيّنه البنك في المحاسبات من دون حاجة إلى تفحّص الضامن و تحقيقه و غير ذلك من الاُمور، فيلزم مراعاتها بحسب ما اشترطت في ضمن عقد التعهد و الضمان. كل ذلك لعموم أدلّة النفوذ، كقوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، و قوله صلى الله عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم».

الرابع: في عدم بطلان تعهد الضمان بموت المدين

70

الرابع: لايبطل التعهد المذكور بموت المدين أو حجره أو إفلاسه، بل اللازم على المتعهد أن يبقى على تعهده حتّى أداء ديون المدين.

**********

(1) انظر مباني العروة الوثقى/ ص 125.

ص: 110

الخامس: في عدم جواز نقض عهد الضمان

71

الخامس: لايجوز بعد عقد التعهد و الضمان نقض العقد أو إبرام عهد آخر مع شرائط تنافي التعهد الأوّل، و إلاّ فالثاني محكوم بالبطلان; إذ الوفاء بالأوّل يمنع من شمول العموم للثاني.

السادس: في حكم اشتراط الزيادة في مقابل تأخير المضمون عنه

72

السادس: لايجوز للبنك أن يشترط على المتعهد و الضامن إعطاء شيء في مقابل تأخير المضمون عنه في الأداء; فإنّه شرط منفعة في القرض; إذ لافرق في ذلك بين أن يكون الشرط المذكور على المقترض أو المتعهد; لأنّه على كلّ تقدير يرجع إلى شرط المنفعة المنهي عنه في القرض أو الدين الملحق به. و تسمية ذلك بشرط الغرامة التهديدية بدعوى أنّ المقصود منه هو ردع المقترض عن التأخير لاتجويز التأخير لاتنافي صدق عنوان شرط المنفعة عليه أيضاً كما مرّ مراراً. و عليه، فيشمله إطلاق أو عموم ما دل على أنّ حلّية القرض مشروطة بما إذا لم يكن فيه شرط منفعة لصالح المقرض، و لاينافي ذلك ما في بعض الروايات من أنّ حلّية القرض مشروطة بما إذا لم يكن بينهما شرط; بدعوى أنّ الممنوع هو الشرط بين المقرض و المقترض لامطلق الشرط; لما عرفت من تقييد الحلية في بعض آخر منها بنفي مطلق الشرط. و عليه فإنّ بعض الروايات يدلّ على إثبات الربا بمطلق الشرط، و بعض آخر منها يدلّ على إثبات الربا بشرط بينهما، و حيث إنّ كلا القسمين مثبت للحكم و لم تثبت وحدة الحكم فيكون مقتضى القاعدة هو إثبات الربا في كليهما، فلاتغفل.

السابع: في حكم موت الضامن

73

السابع: إذا مات الضامن، فبناءً على الضمان الشرعي و هو نقل ذمّة المضمون عنه إلى ذمّة الضامن فالضامن مدين، و على الورثة أداء ديونه، بل تحلّ ديونه المؤجلة بالموت، فيجب أداؤها.

و أمّا إذا كان الضمان عرفياً، فبموت الضامن مع بقاء المضمون عنه لايصير الدين

ص: 111

المؤجل حالاّ، بل يبقى المؤجل مؤجلا. و هل يجب على الورثة أداء الديون من مال الميت عند عدم أداء المضمون عنه أم لا؟ يمكن القول بالأوّل; لأنّه في صورة عدم أداء المضمون عنه يصدق عليه الدين، و مقتضى قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ) أنّ الإرث بعد أداء الدين. وعليه، فإذا مات الضامن و لم يؤدِّ المضمون عنه الدين إلى المضمون له، فتبقى ذمة الضامن الميت مشغولة بدين المضمون عنه، فيشمله مثل قوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهٰا أَوْ دَيْنٍ ). وعدم صدق الدين بالفعل عليه عند الموت فيما إذا كان الدين مؤجلا لايضر مع صدقه عليه عند عدم أداء المضمون عنه; فإن صدقه عند عدم الأداء يكفي في شموله.

هذا، مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ مع عدم الأداء واقعاً في وقته يصدق الدين عليه في الواقع عند الموت أيضاً و إن لم يعلم به، إلاّ إذا لم يؤدِّ الدين في وقته، فعدم أداء المضمون عنه يكشف عن دين الميت حين الموت، بل مع العلم بعدم الأداء أيضاً يصدق الدين حين الموت.

و يؤيد ما ذكرناه من أنّ الضمان في تركة الميت: وضوح الحكم بالضمان فيما إذا مات الغاصب و كان الوارث بصدد ردّ المغصوب من دون إفراط أو تفريط فتلف المغصوب، فإنّ مقتضى قوله صلى الله عليه وآله: «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» هو ضمان الغاصب الميت لتلف المغصوب، فضمان المغصوب يكون في تركة الغاصب، و لايضر بذلك عدم صدق العدوان على يد الوارث; فإنّ الضمان ليس عليه بل على مورثه و هو الغاصب.

و يؤيد ما ذكرناه أيضاً: وضوح الحكم بالضمان في تركة الميت فيما إذا باع شخص بعض الأشياء مع ضمانها إلى مدة ثمّ مات ثمّ حدث موجب الضمان; فضمانه يكون في تركة الميت، و يجب على الورثة أداء ذلك من تركة الميت.

ص: 112

نعم، لو جعل الضمان العرفي مقيداً بزمان حياة الضامن، فإن الضمان يرتفع بالموت بلا كلام، و لم أجد المسألة معنونة في كلمات الأصحاب، و الله العالم.

الثامن: في حكم موت المدين المضمون عنه بالضمان العرفي

74

الثامن: إذا مات المدين المضمون عنه بالضمان العرفي، صار دينه المؤجل حالاّ بالموت، فيقع الكلام حينئذ في أنّ الضامن هل يجب عليه أداء دينه عند الموت، أو له أن يؤخر الأداء إلى وقت الأجل ؟ المذكور في بعض الكتب المتعرّضة للعمليات البنكية أنّ مقتضى المادّة (405) من قانون التجارة (الإيراني) هو عدم لزوم الأداء على الضامن عند حلول الدين بالموت أو الإفلاس، بل له أن يؤخر إلى وقت الأجل.(1)

و لايخفى عليك أوّلا: أنّ الضمان تابع لكيفية التعهد في عقد الضمان، فإن تعهد بالأداء عند وقت الأجل فله ذلك، و إن تعهد بالأداء عند حلول الدين في أي وقت كان فمقتضى التعهد المذكور هو أداؤه عند حلوله بالموت، و لايجوز له التأخير عن وقت الحلول. و عليه، فإطلاق القول بجواز تأخير الأداء غير سديد.

و ثانياً: أنّ حلول الدين بالموت صحيح، ولكن لايحلّ الدين بالإفلاس، فما وقع في المادة المذكورة من حلول الدين بالإفلاس كما ترى.

قال في تحرير الوسيلة: «يحل الدين المؤجل بموت المديون قبل حلول أجله إلى أن قال: لايلحق بموت المديون تحجيره بسبب الفلس، فلو كان عليه ديون حالّة و ديون مؤجلة يقسم ماله بين أرباب الديون الحالّة، و لايشاركهم أرباب المؤجلة»;(2) لما عرفت من توسعة معنى الضمان; فإنّه ليس إلاّ التعهد و إدخال الشيء في العهدة، سواء كان الشيء مالاً أو عملاً، و هو اعتبار عقلائي يشمله عمومات نفوذ العقود و العهود، و إطلاق «المؤمنون عند شروطهم»، و غير ذلك.

**********

(1) عمليات بانكي داخلي (بالفارسية) / ج 2، ص 251.

(2) تحرير الوسيلة الإمام الخميني قدس سره / ج 2، ص 649، المسألة 6 من أحكام الدين.

ص: 113

التاسع: في حكم انواع الضمانات العرفية

75

التاسع: لافرق في الضمان بين أن يكون: ضمان الشركة في المناقصة أو المزايدة، أو ضمان حسن العمل بالتعهد، أو ضمان إتمام العمل، أو ضمان استرداد ما يعطيه المؤجر قبل العمل، أو ضمان استرداد النسبة المتبقية لدى صاحب العمل من مبلغ الضمان، أو ضمان ترخيص البضائع من الجمرك، أو ضمان أداء الديون في وقتها، أو غيرها من موارد الضمانات; لأنّها جميعاً ضمانات عرفية; إذ الضمان كما ذكرنا آنفاً ليس إلاّ التعهد و إدخال الشيء في العهدة، و هو اعتبار يقره العقلاء، و يشملها عمومات نفوذ العقود، و «المؤمنون عند شروطهم».

و توضيح ذلك: أنّ المراد من ضمان الشركة في المناقصة أو المزايدة: هو ضمان يُرفق مع طلب المشاركة في المناقصة أو المزايدة، و يعطيه المتقدم بالطلب لصاحب العمل أو البضاعة عند طلب المشاركة فيهما، ففي صورة ردّ طلبه يُردّ الضمان إلى البنك للإبطال، و أمّا إذا قُبل طلبه فالضمان يبقى إلى أن يبرم العقد النهائي، و يُبدل بضمان آخر هو ضمان حسن العمل بالتعهد، و يكون هذا الإبدال إلزامياً، و نسبة مبلغ ضمان حسن العمل بالتعهد إزاء أصل مبلغ التعهد هي الربع. و يبطل ضمان حسن العمل بالتعهد أيضاً عقيب تأييد صاحب العمل للعمل المنجز و كونه مطابقاً للمواصفات المتفق عليها ولو لم يحضر المتقدّم بالطلب للمشاركة في المناقصة أو المزايدة بعد قبول طلبه فعليه ما قرر في الضمان.

و المراد من ضمان إتمام العمل: هو الضمان الذي يتعهّد به العامل بعد إتمام العمل لكي يطمئن صاحب العمل و غيره بإتقان عمله.

و المراد من ضمان الاسترداد: هو ضمان استرداد ما يعطيه المؤجر قبل العمل لتجهيز المعمل و تقوية بنية مالية العامل و توفير ما يتطلّبه العمل من موادّ و أدوات و ما يحتاجه العامل من أموال خلال العمل، فلو لم يتمكن العامل من العمل بحسب ما اشترط عليه

ص: 114

صاحب العمل استردّ الأخير ما أعطاه للعامل قبل العمل، و أما لو أتى بالعمل طبق الاتّفاق الواقع بينهما فيُخصم ذلك من حساب العامل.

و المراد من ضمان استرداد النسبة المتبقية من مبلغ الضمان: هو ضمان البنك استرداد ما تبقى لدى صاحب العمل كعشر المبلغ المتفق عليه عقيب إتمام العمل و الاطمئنان بجودة العمل المنجز من قِبل العامل.

و المراد من ضمان الترخيص واضح; فإنّ البنك يعطي حق الجمرك و يرخص البضاعة، ثمّ يأخذ ما ضمنه و أعطاه للجمرك عن صاحب البضاعة بحسب الاتفاق الواقع بينهما. و ربما يضمن بنك بنكاً آخر; سواء كان بنكاً داخلياً أو خارجياً.(1)

بل يجوز تعلق الضمان بنفس العمل، كما إذا ضمن البنك أو شخص ثالث القيام بالعمل عند عدم قيام العامل به.

العاشر: في حكم جواز جعل شى في قبال عملية الضمان

76

العاشر: لاإشكال في جواز جعل شيء في قبال ضمان الديون بعنوان الاُجرة على عملية الضمان، مضافاً إلى حساب التكاليف الاُخرى المترتبة عليه من اُجور التسجيل و المطالبة و الإبلاغ و غير ذلك; فإن عملية الضمان عملية مرغوبة و قابلة لجعل شيء بإزائها، كما أنّ التسجيل و المطالبة و الإبلاغ هي من الاُمور التي تعطى الاُجور بإزائها، و للبنك أن يأخذ في مقابلها شيئاً بناءً على ما مرّ من أنّ الأعمال المذكورة لم يعتبر فيها المباشرة، و عليه، فالبنك طرف للحساب و ليس موظفي البنك، و لايلزم الربا من اعتبار شيء في مقابل هذه الاُمور; لأنّ المأخوذ ليس في قبال القرض، بل في قبال القيام بعملية الضمان و بإزاء التسجيل و المطالبة و الإبلاغ.

**********

(1) انظر عمليات بانكي داخلي (بالفارسية) / ج 2، ص 255-258، و بانكداري داخلي (بالفارسية) / ج 1، ص 236-240.

ص: 115

نعم، لو شرط أداء مبلغ ما كعشرة بالمئة مثلاً فيما لو تأخر المضمون عنه عن أداء ما ضمنه البنك له عن وقته، أمكن الإشكال فيه كما مرّ مراراً; فإنّه وإن سلمنا كونه من باب الغرامة التهديدية ولكن يصدق على هذه الغرامة أنّها شرط منفعة في مقابل الدين، و مقتضى إطلاق ممنوعية شرط النفع في قبال القرض و الدين هو عدم جوازه، فلاتغفل.

فيتحصل: أنّ المأخوذ عند الضمان إزاء نفس الضمان و العمليات الجارية عليه لاحرمة فيه، و الضمان عمل عقلائي يرغبه الناس لحلّ مشاكلهم، و هو ليس إقراضاً بل هو قبول مسؤولية الشيء أو العمل في وقته، و هذه المسؤولية مرغوبة عند العقلاء، و يعطى المال بإزائها.

فإذا اتضح ذلك في ضمانات البنوك، أمكن القول بجواز جعل شيء في مقابل ضمان الأفراد أيضاً، فتدبر جيداً.

ثمّ إنّ ما يأخذه البنك أو أحد الأشخاص في مقابل الضمان إنّما يأخذه من المقترض إن كان الضمان من قِبل البنك الوسيط للقرض، أو العامل إن كان الضمان من قِبل البنك الوسيط لصاحب المال.

ولذا قال السيد الشهيد الصدر قدس سره في المضاربة: «و عميل البنك اللاربوي يدفع هذه الزيادة في مقابل ما وفّره له البنك من ضمان لرأس المال و تحمل لتبعات الخسارة».(1)

و يجوز للبنك أن يطالب عميله الذي يطلب الاقتراض منه بضمان من شركة التأمين، و هو كما في البنك اللاربوي طلب مستساغ; لأنّ صاحب المال من حقه أن يمتنع عن الإقراض ما لم يأتِ الآخر بالكفيل الذي يقترحه صاحب المال، و لايدخل هذا في الامتناع عن الإقراض بدون زيادة ليكون من الربا المحرم.

**********

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 48-49.

ص: 116

و نظراً إلى أنّ العميل هو المؤمّن لاالبنك، فهو الذي يدفع اُجور التأمين إلى شركة التأمين مباشرة أو بتوسط البنك.(1)

النوع الثالث: حساب الذخيرة

77

من الواضح أنه لو كان ما يدفعه العميل إلى البنك بعنوان الوديعة و الأمانة حقيقةً و لم يأذن في التصرف فيه، وجب على البنك حفظ عينه، و لايجوز له التصرف فيه، ولو تصرف فيه كان ضامناً، ولو تعامل عليه لم يصح إلاّ بإجازة صاحبه.

ولو أذن في التصرف فيه جاز التصرف فيه لمالكه فيما إذا لم يرجع الإذن في التصرف الناقل إلى التمليك بالضمان، و إلاّ فيصير قرضاً، و مع كونه قرضاً لايجوز اشتراط شيء من النفع; لأنه ربا محرم.

و الظاهر كما أفاد سيدنا الإمام المجاهد قدس سره أن ودائع البنك (قبل الثورة الإسلامية في إيران) من هذا القبيل، فما سمي وديعة و أمانة فهو قرض واقعاً، و يحرم اشتراط النفع فيه. نعم، لو أعطى البنك شيئاً من دون شرط جاز أخذه، بل لو التزم البنك بأن يعطي شيئاً ولكن لم يشترط عليه المقرض و لم يبنِ على شرطه، جاز له أخذ الجوائز و نحوها و إن كان داعيه هو ذلك. و سرّ ذلك أن شرط المقرض يوجب الحرمة، و المفروض أن المقرض لم يشترط. ثم إنه لامدخلية للتبعية و الأصلية في ذلك; إذ المعيار في الجواز هو الداعي، و المعيار في الحرمة هو الشرط.

و مما ذكر يظهر ما في بعض كلمات الأعاظم حيث قال: لاإشكال في أخذ الجوائز سواء كان عن طريق القرعة أو غيرها، لكن بشرط عدم كون الداعي إلى أخذ الجوائز مقدماً

**********

(1) المصدر السابق/ ص 69-70.

ص: 117

على الداعي إلى الادّخار; و ذلك لأن الأصلي و الفرعي لاتأثير لهما في الجواز و الحرمة، و إنما المعيار هو الشرط و عدمه. و المراد من الشرط هو الإلزام و الالتزام بين الطرفين، فالأولى أن يقال: لاإشكال في أخذ الجوائز إن لم يكن بينهما شرط و التزام، و إلاّ فأخذ الزيادة محرم و لو كان الإلزام و الالتزام بمثل القرعة لأخذ الجوائز.

و ربما يقال: بأن تعهد البنك بدفع الجوائز يكون من قبيل الشرط الضمني ولو لم يكن طرف آخر مصرحاً بقبول ذلك الشرط.

و فيه: أن المراد إن كان صورة بناء المقرض على تعهد البنك و إن لم يصرح بذلك فهو، و أما إذا لم يكن بانياً عليه بل كان تعهد البنك داعياً إلى افتتاح الحساب فلاإشكال; لأن المضرّ هو شرط المقرض، و المفروض هو العدم.

و لافرق في صورة الاشتراط بين أن تكون مدّة الادخار قصيرة أو طويلة أو متوسطة; إذ اشتراط الزيادة في جميع الصور هي زيادة في القرض، و هي ربا محرم.

و ربما يقال: إن حساب الادخار لايدخل فيه الربا المحرم; لأن مناط حرمة الربا هو الاستغلال، و صاحب المال بافتتاحه الحساب لايستغل البنك، فليس في هذا القسم من الودائع ما يوجب الحرمة.

و أجاب عنه بعض الأعلام: بأن ما ذكر في الروايات من المفاسد المترتبة على الربا إنما هو من باب حكمة تحريم الربا لاعلته، و الحكم لايدور مدار الحكمة، و عليه فالقرض مع الشرط ربا محرم سواء ترتب عليه شيء من المفاسد أم لا.(1)

**********

(1) أحكام البنوك (لآية الله العظمى الشيخ مكارم الشيرازي) و هو بحث نشرته مجلة فقه أهل البيت / العدد 7، ص 68-69.

ص: 118

78

النوع الرابع: حساب الادخار للعمليات التجارية و غيرها
اشارة

و يسمّى بالودائع الثابتة، و هو حساب يفتتحه البنك للعميل لإيداع رؤوس الأموال فيه، و يخوّل العميل البنكَ في التصرف فيها و القيام بالمعاملات المشروعة; من المضاربة أو الجعالة أو الإجارة بشرط التمليك أو المشاركة أو المزارعة أو المساقاة أو غيرها. فالمدَّخر في البنك هو رؤوس أموال أصحابها، و يكون البنك في حكم الوكيل عنهم، فلايصدق على الادخار في زماننا هذا (بعد انتصار الثورة الإسلامية و تعديل قوانين البنوك إلى قوانين إسلامية) أنه قرض.

و مقتضى تعدد المدخرين هو حصول الشركة في المدخرات كل بحسب حصته، و يتقسط الربح و الخسارة بينهم بمقدار حصصهم، و سيأتي إن شاء الله تعالى حكم ضمان الربح أو ضمان الخسارة من ناحية البنك أو الشخص الثالث، فانتظر.

79

مسائل:
الاولى: في جواز افتتاح حساب الادخار لكل من تتوفر فيه الاهلية

80

الاُولى: يجوز افتتاح حساب الادخار لكل من تتوفر فيه الأهلية سواء كان شخصاً حقيقياً أو معنوياً، و أما الصغار و السفهاء و المجانين فلايجوز لهم ذلك; لمحجوريّتهم، كما يدل عليه في الجملة قوله تعالى: (وَ اِبْتَلُوا اَلْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا اَلنِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ )،(1) و قوله عليه السلام: «و الغلام لايجوز أمره في الشراء و البيع، و لايخرج من اليتيم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك».(2)

هذا مضافاً إلى قوله عليه السلام: «عمد الصبي و خطؤه واحد»(3) بناءً على عدم اختصاصه

**********

(1) النساء / 6.

(2) وسائل الشيعة / ج 12، ص 268، ب 14 من عقد البيع و شروطه، ح 1.

(3) المصدر السابق / ج 19، ص 307، ب 11 من العاقلة، ح 2.

ص: 119

بباب الجنايات، فتأمل.. إلى غير ذلك من الأخبار.

و عليه، فلايجوز لغير البالغ الرشيد أن يفتتح حساباً; لأنه تصرف مالي و هو محجور. نعم لو تصدى لذلك وليّه كالأب و الجد و الوصي و الحاكم الشرعي فلاإشكال في جوازه و نفوذه.

ويدل عليه روايات متعددة:

منها: موثقة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال «في الرجل يتصدق على ولده و قد أدركوا: إذا لم يقبضوا حتى يموت فهو ميراث، فإن تصدق على من لم يدرك من ولده فهو جائز; لأن والده هو الذي يلي أمره».(1) ولكن شمول الوالد للجد محل تأمل و نظر.

و منها: رواية عبدالله (عبدالملك خ. ل) بن الصلت قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، لها أمر إذا بلغت ؟ قال: «لا، ليس لها مع أبيها أمر»;(2) لعموم قوله: «ليس لها مع أبيها أمر»، و لايخصص بالمورد، نعم تختص بولاية الأب.

هذا، مضافاً إلى ما في سندها من الترديد بين أن يكون عبدالله بن الصلت أو عبدالملك.

و منها: صحيحة عبدالرحمان بن الحجاج الواردة في وصية أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «و إن حدث بالحسن و الحسين حدث فإن الآخر منهما ينظر في بني علي; فإن وجد فيهم من يرضى بهديه و إسلامه و أمانته فإنه يجعله إن شاء الله، و إن لم يرَ فيهم بعض الذي يريد فإنه يجعله إلى رجل من آل أبي طالب يرضى به، فإن وجد آل أبي طالب قد ذهب

**********

(1) المصدر السابق / ج 13، ص 297-299، ب 4 من الوقوف و الصدقات، ح 1 و 5.

(2) المصدر السابق / ج 14، ص 207، ب 6 من عقد النكاح و أولياء العقد، ح 3.

ص: 120

كبراؤهم و ذوو آرائهم فإنه يجعله إلى رجل يرضى به من بني هاشم...».(1)

فإن ظاهره هو الإذن في الإيصاء، و هو يكشف عن ولاية الجد بالنسبة إلى ذراريه; لأن علياً عليه السلام من أجدادهم. و أيضاً يدل على ولاية الوصي، و إلاّ لم يتحقق منه الإيصاء، كما لايخفى.

و منها: معتبرة محمد بن سنان; أن علي بن موسى الرضا عليه السلام كتب إليه في جواب مسائله: «و علة تحليل مال الولد لوالده بغير إذنه و ليس ذلك للولد - لأن الولد مولود للوالد في قول الله عزّوجلّ : (يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ اَلذُّكُورَ)(2) مع أنه المأخوذ بمؤونته صغيراً و كبيراً و المنسوب إليه أو المدعو له; لقول الله عزّوجلّ -: (اُدْعُوهُمْ لِآبٰائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اَللّٰهِ )،(3) و قول النبي صلى الله عليه وآله: أنت و مالك لأبيك. و ليس للوالدة كذلك; لاتأخذ من ماله إلاّ بإذنه أو بإذن الأب; لأن الأب مأخوذ بنفقة الولد، و لاتؤخذ المرأة بنفقة ولدها».(4)

و منها: صحيحة علي بن جعفر في مورد نكاح الصغيرة: «لأنها و أباها للجد».(5)

و الظاهر من هذه الأخبار هو شمولها للكبير من الأولاد، ولكنها تختص بصورة الاضطرار و الحاجة; جمعاً بينها و بين الأخبار الدالة على التقييد بصورة الاضطرار و الحاجة، كموثقة الحسين بن أبي العلا قال: قلت: ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال:

**********

(1) الكافي/ ج 7، ص 49-50.

(2) الشورى / 49.

(3) الأحزاب / 5.

(4) عيون أخبار الرضا/ ج 27، ص 96.

(5) وسائل الشيعة / ج 14، ص 219، ب 11 من عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8.

ص: 121

«قوته (قوت خ. ل) بغير سرف إذا اضطر إليه...».(1)

و خبر أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام: «ان رسول الله صلى الله عليه وآله قال لرجل: أنت و مالك لأبيك ثم قال أبو جعفر عليه السلام: ما أحب أن يأخذ من مال ابنه إلاّ ما احتاج إليه مما لابد منه; إن الله لايحب الفساد».(2)

و ربما يدعى الانصراف عن الكبير; لمعهودية استقلال المكلف في نفسه و ماله و عدم سلطنة الغير حتى الأب عليهما، بل هو كالضروري، فتنصرف الأدلة عنهما، فحينئذ ليس خروج أمواله و نفسه حال كبره من قبيل التقييد حتى يتوهم أنه من التقييد الأكثري.(3)

و فيه نظر; لأن الانصراف بدوي، و عليه فالأخبار المذكورة شاملة للكبير أيضاً، ولكنها مقيدة بصورة الحاجة و الاضطرار فيما إذا كان التصرف لنفسه لاللولد.

اللّهمّ إلاّ أن يستبعد أن يكون للأب و الجد حق التصرف في مال أولادهما - بالبيع و الشراء و نحوهما من دون موافقة الأولاد مع كونهم كباراً، إذ لم ينقل تجويز ذلك من أحد من العلماء، فلم يعمل الأصحاب بإطلاق الروايات حتى في مثل البيع و الشراء و نحوهما، فتأمل.

و كيف كان، فقد استُشكل على الأخبار التي ورد فيها «أنت و مالك لأبيك» بأن المستفاد من بعض الأخبار أنه حكم أدبي خُلُقي، كصحيحة الحسين بن أبي العلا المروية في الكافي عن محمد بن يحيى، عن عبدالله بن محمد، عن علي بن الحكم، عن الحسين بن أبي العلا قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: «ما يحل للرجل من مال ولده ؟ قال: «قوته (قوت

**********

(1) المصدر السابق / ج 12، ص 196، ب 78 مما يكتسب به، ح 8.

(2) المصدر السابق/ ح 2.

(3) كتاب البيع (للإمام الخميني) / ج 2، ص 438-439.

ص: 122

خ. ل) بغير سرف إذا اضطر إليه». قال: فقلت له: فقول رسول الله صلى الله عليه وآله للرجل الذي أتاه فقدّم أباه فقال له: «أنت و مالك لأبيك»؟ فقال: «إنما جاء بأبيه إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: يا رسول الله، هذا أبي و قد ظلمني ميراثي من اُمي، فأخبره الأب أنه قد أنفقه عليه و على نفسه، فقال: أنت و مالك لأبيك، و لم يكن عند الرجل شيء، أفكان رسول الله يحبس الأب للابن ؟!».(1)

حيث تدل الرواية على أن قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنت و مالك لأبيك» ليس حكماً كلياً فقهياً، بل هو حكم أدبي خُلُقي مذكور في واقعة خاصة لدفع مزاحمة الولد لوالده. و معناه أنه لولاأبوك لما كنت موجوداً، فأنت و مالك من أبيك، فلايصلح التعرض له و إن ظلمك في التصرف في مالك، و عليه فلاينافي هذا الحكم الخُلُقي مع ما ذكر في صدر الرواية من اختصاص حلية مال الولد بالقوت.

هذا، مضافاً إلى أنه لامعنى لكون الابن ملكاً للأب و الجد بحيث يُعامل معاملة العبد المملوك فلايباع و يتصرف فيه كما يتصرف في العبد المملوك، و هو شاهد على عدم كون الإضافة في قوله: «مالك لأبيك» إضافة ملكية.

و يمكن الجواب عنه كما أفاد سيدنا الإمام المجاهد قدس سره بأن: «ما ورد هذه الجملة فيها روايات كثيرة صحيحة السند لايمكن رفع اليد عنها بمثل هذا الإشعار الضعيف، مع أن عدم قبول دعوى الولد دليل على أن قوله صلى الله عليه وآله ليس موعظة، بل الحكم الشرعي يقتضي ذلك في مورد الإنفاق على نفسه و ولده، و لم يتضح أن دعوى الولد كانت غير ما أقرّ الوالد به; و لهذا لم ينكر عليه بأنه صرفه في غير نفقتي و نفقته، تأمل».(2)

**********

(1) الكافي/ ج 5، ص 136.

(2) كتاب البيع (للإمام الخميني) / ج 2، ص 441.

ص: 123

و حاصله: أن هذه الصحيحة لاتنافي الحكم الفقهي، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنها لاتنافيه لولاالذيل، و أما معه فيستفاد أنه لاحق للأب في التصرف في الزائد على القوت، ولكن لايحسن حبس الأب للابن، فقوله: «أنت و مالك لأبيك» مقول لإفادة عدم حسن حبس الأب، و هو حكم خُلُقي، فتأمل.

نعم، مع الشك في معنى الصحيحة فلاوجه لرفع اليد عن الأخبار الموثقة الدالة على أن قوله صلى الله عليه وآله: «أنت و مالك لأبيك» يفيد الحكم الفقهي; لعدم سراية الإجمال من المنفصل إلى تلك الأخبار. بل لو سلمنا ظهور هذا الخبر في الحكم الخُلُقي فهو لايقاوم ظهور سائر الأخبار في كونه حكماً فقهياً، فلايصلح لرفع اليد عنها; لقوة ظهور تلك الأخبار في الحكم الفقهي. و عليه فتحمل هذه الرواية على استفادة الحكم الخُلُقي من الجملة الصادرة لإفادة الحكم الفقهي.

و أما الإشكال في سند هذه الرواية من جهة الحسين بن أبي العلا و عبدالله بن محمد، ففيه: أن نقل مثل صفوان و ابن أبي عمير و البزنطي عن الحسين بن أبي العلا يكفي في و ثاقته; لأنهم لايروون و لايرسلون إلاّ عن الثقة.

و أيضاً عبدالله بن محمد كما صرح به بعض الأعلام هو أخو أحمد بن محمد بن عيسى، و يلقب ببنان، و روى عنه محمد بن يحيى بلا واسطة، و هو ممن لم يستثنِه ابن الوليد، و فيه إيماء إلى وثاقته.

ثم إن المراد من ملكية الولد ليست هي نوع ملكية العبيد، بل هي الملكية التي اُشير إليها في قوله تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ إِنٰاثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشٰاءُ اَلذُّكُورَ)،(1) ومن المعلوم أنه كناية عن ولاية الأب على الابن.

**********

(1) الشورى / 49.

ص: 124

وكيف كان، ففيما ذكر غنى و كفاية في إثبات ولاية التصرف في أموال الصغير و المجنون و السفيه، و هم: الأب، و الجد للأب، و وصيهما، و الحاكم الشرعي، و من يجعله قيّماً، فلاتغفل.

الثانية: في سلطنة الوالد على مال الولد

81

الثانية: إن مقتضى المطلقات المتقدمة الظاهرة في سلطنة الوالد على الولد و ماله - كما أفاد شيخنا الأعظم قدس سره هو جواز تصدي الأب و الجد مع عدم الفساد; إذ ماله كمالهما; فكما أن لهما التصرف في مالهما ما لم يلزم منه المفسدة، فكذلك لهما ذلك في مال الولد، فلايشترط في جواز التصرف أن يكون ذا مصلحة، بل اللازم هو خلوّه عن المفسدة.

و بعبارة اُخرى: هذا القول المبارك يعيّن الأولى في قوله: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ )،(1) فلاتغفل.

و عموم قوله تعالى: (وَ لاٰ تَقْرَبُوا مٰالَ اَلْيَتِيمِ إِلاّٰ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ )(2) الشامل للجد، قابلٌ للتخصيص بما ورد في جواز تصدي الجد بما ليس فيه المفسدة، و حينئذ فيجوز للجد التصرف بما لايكون مفسدة، ولو سلمنا عدم التخصيص وجب الاقتصار عليه في حكم الجد، فيكون تصرفه منوطاً بالمصلحة، بخلاف الأب; فإن التصرف منه يجوز فيما لاتكون مفسدة.

و دعوى عدم القول بالفصل ممنوعة، و المفروض أن الآية لاتشمل الأب، و إلاّ فلايصدق اليتم، كما لايخفى.(3)

الثالثة: في ان الجد و ان علا يشارك الاب في السلطنة المذكورة

82

الثالثة: لاخلاف ظاهراً كما أفاد شيخنا الأعظم قدس سره في أن الجد و إن علا يشارك الأب

**********

(1) الأنفال / 75.

(2) الأنعام / 152.

(3) راجع المكاسب (للشيخ الأنصاري) / ص 152.

ص: 125

في الحكم، و يدل عليه ما دل على أن الشخص و ماله الذي منه مال ابنه - لأبيه، و ما دل على أن الولد و والده لجده.(1)

و لو فُقد الأب و بقي الجد، فهل أبوه وجدّه يقومان مقامه في المشاركة أو يختصّ هو بالولاية ؟ قولان: من ظاهر أن الولد و والده لجده و هو المحكي عن ظاهر جماعة - و من أن مقتضى قوله تعالى: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ ) كون القريب أولى بقريبه من البعيد، فتنتفي ولاية البعيد، خرج منه الجد مع الأب وبقي الباقي.

و ليس المراد من لفظة (أولى) التفضيل مع الاشتراك في المبدأ، بل هو نظير قولك: «هو أحق بالأمر من فلان» و نحوه، و هذا محكي عن جامع المقاصد و المسالك و الكفاية.(2)

و لايخفى عليك أن المستفاد من قوله عليه السلام: «لأنها و أباها للجد»،(3) و قوله صلى الله عليه وآله: «أنت و مالك لأبيك» الظاهرين في الكبرى الكلية أن الأجداد كالجد القريب في المشاركة، فكما إن القول المذكور كناية بحسب فهم العرف - عن ثبوت الولاية للأب بل أحقيته بالنسبة إلى ابنه، فكذلك يكون بالنسبة إلى الأجداد، فهم مقدّمون فضلاً عن اشتراكهم.

و حيث إن النسبة بين هذا القول و قوله تعالى: (وَ أُولُوا اَلْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ ) هي نسبة العموم و الخصوص، فيقدم القول المذكور بمعناه على عموم الآية الكريمة، فالجد مقدّم على الأب، وجد الجد مقدّم على الجد و الأب. ولكن النسبة بين

**********

(1) وسائل الشيعة / ج 14، ص 219، ب 11 من عقد النكاح و أولياء العقد، ح 8. و رواها أيضاً علي بن جعفر في كتابه، و العبارة هكذا «لأنها و أباها للجد».

(2) راجع المكاسب (للشيخ الأنصاري) / ص 152-153.

(3) وسائل الشيعة / ج 14، ص 219، ب 11 من عقد النكاح و أولياء، ح 8.

ص: 126

قول رسول الله صلى الله عليه وآله: «أنت و مالك لأبيك» و الآية الكريمة هي نسبة العموم من وجه، و مقتضى التعارض في مادة الاجتماع هو الرجوع إلى أصالة عدم ترتب الأثر ما لم تكن مصلحة، فتدبر جيداً.

الرابعة: في عدم ولاية الامهات

83

الرابعة: لاولاية للاُمهات بالنسبة إلى أموال المحجور عليهم المذكورين، فلايجوز لهن افتتاح حساب بأموالهم للتجارات من دون إذن أوليائهم، كما لايجوز بعد افتتاح الحساب أخذ ما فيه بدون إذن أوليائهم أيضاً. و لايكفي في ذلك العلم بالرضا; لعدم كفايته في التصرفات المعاملية و إن اكتفي به في غيرها.

الخامسة: في محجورية الصغار قبل البلوغ و حصول الرشد

84

الخامسة: إن مقتضى ما مرّ من محجورية الصغار قبل البلوغ و حصول الرشد هو عدم جواز تصرفهم في أموالهم ولو بافتتاح الحساب; لأنه أيضاً تصرف، فاللازم حينئذ أن يكون التصرف المذكور بإذن أوليائهم.

و مما ذكر يظهر ما في قانون البنك الإيراني المصادق عليه في مطلع سنة (1357 ه -. ش = 1978 م) و القاضي بأنّ الأطفال إذا بلغوا سنّ الثانية عشرة جاز لهم الإقدام على افتتاح الحساب للادخار لأنفسهم، و ينحصر حق الأخذ من الحساب المذكور لصاحب الحساب، و إذا أتموا الخامسة عشرة جاز لهم أخذ ما ادخروه في الحساب المذكور.(1)

و ذلك لما عرفت من أن افتتاح الحساب تصرف، و لايجوز ذلك من دون إذن الأولياء. هذا مضافاً إلى أن الحكم بحصر جواز أخذ المدَّخر لصاحب الحساب مع أن حق الأخذ لأوليائهم، كما ترى.

على أن تحديد وقت جواز الأخذ بخمس عشرة سنة في غير الذكور منظور فيه من جهة أن وقت بلوغ الإناث أقل من ذلك. هذا مضافاً إلى أن عدم تقييده بحصول الرشد لايخلو عن إشكال.

**********

(1) بانك داري داخلي (بالفارسية) / ج 1، ص 85.

ص: 127

السادسة: في اشتراط البنك على المدخرين اعلام البنك عند فقدان وثيقة الحساب

85

السادسة: لو شرط البنك على المدخرين للتجارة أنه يتحتم عليهم عند فقدان وثيقة الحساب إعلام البنك بذلك، وجب على المدخرين الالتزام بذلك; لأنّه شرط في ضمن عقد من العقود، كالمضاربة و الجعالة و الشركة و الوكالة، و لايضر بالوجوب المذكور كون العقود المزبورة من العقود الإذنية; للزوم مراعاة الشروط المذكورة في العقود و إن كانت إذنية ما دامت العقود باقية.

نعم، إذا فسخت العقود المذكورة ارتفع وجوب مراعاة الشرط بتبع ارتفاع العقود الإذنية.

و كيف كان، فلو لم يعلم المدخرون بفقدان الوثيقة المذكورة و حصلت الخسارة فلاضمان على البنك; لأن يد البنك يد أمانة، و ليس على الأمين إلاّ اليمين، و المفروض أن سبب الخسارة المدخرون أنفسهم، و لاإفراط و لاتفريط من ناحية البنك، كما لايخفى.

السابعة: في مصالحة البنك مع المدخرين رأس المال للتجارة على اعطاء شى عند كذا و كذا

86

السابعة: لو وقعت المصالحة بين البنك و مدخري رأس المال للتجارة بتعهد البنك في صورة ادخار المدخرين مبلغاً في كل شهر طيلة ثلاث أو خمس سنوات للتجارة و عدم أخذهم شيئاً من رأس مالهم و أرباحه على أن يعطيهم شهرياً بعد ثلاث سنوات نصف ما كانوا يدفعونه في كل شهر، أو يعطيهم شهرياً بعد خمس سنوات مثل ما كانوا يدفعونه في كل شهر ما داموا على قيد الحياة، صحت المصالحة المذكورة.

و إذا أراد المدخرون فسخ المصالحة المذكورة ردّ إليهم ما ادّخروه مع أرباحه إلى زمان الفسخ، فهذه المصالحة وقعت بين المدخرين على ألاّ يأخذوا ما ادخروه للتجارة و أرباحه إلى ثلاث أو خمس سنوات، و بين البنك على أن يعطيهم شهرياً نصف ما كان يدفع في كل شهر أو تمامه. و مقتضى هذه المصالحة هو بقاء ما ادخره المدخرون على ملكيتهم، و كذلك حصة ربحهم من المضاربة و نحوها، و يكون إعطاء البنك في مقابل استدامة المضاربة و نحوها.

ص: 128

و مثل المصالحة ما لو جعل الإعطاء المذكور شرطاً في المضاربة أو الجعالة أو نحوهما، أو شرطاً في ضمن عقد خارج لازم آخر; لصحة الشرط المذكور.

لايقال: إن شرط دفع مبلغ ما دامت الحياة شرط غرري في نفسه، فيكون فاسداً; للنهي الشرعي عنه.

لأنا نقول: لادليل على ممنوعية الغرر في غير البيع فضلاً عن الشرط; لاختصاص قوله عليه السلام: «نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر» بخصوص باب البيع و ما يلحق به، و لاإشكال بعد اختصاص النهي عن الغرر بالبيع.

و دعوى إلغاء الخصوصية عن البيع و التعدي إلى سائر المعاملات، مندفعة:

أوّلاً: بمنع إلغاء الخصوصية مع احتمال اختصاص ذلك بباب البيع و ما يلحق به.

وثانياً: إنّ غايته هو التعدي إلى المعاملات المستقلة لاالشرط الذي لااستقلال له في نفسه، و لامجال أيضاً لدعوى بناء العقلاء على ممنوعية الغرر في مطلق المعاملة حتى الشرط; و ذلك لإقدامهم على جملة من المعاملات الغررية فضلاً عن الشروط الغررية.

و دعوى أن جهالة الشرط تستلزم في العقد دائماً مقداراً من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين كما في مكاسب شيخنا الأنصاري قدس سره(1) - صحيحةٌ في خصوص البيع و ما يلحق به مما يفسده الغرر إذا كان الشرط من أوصاف العوضين و شؤونهما; فإن الجهالة حينئذ ترجع إلى جهالة أحد العوضين، و أما إذا لم يكن الشرط من أوصاف العوضين فلايلزم من جهالة الشرط جهالة العوضين.

لايقال: إن الالتزام المعاملي مقيد بالشرط المذكور، فمع انتفائه ينتفي الالتزام المعاملي.

لأنا نقول: إن ذلك في الشرط الاُصولي لاالشرط الفقهي; لأن نسبة العقد إلى الشرط

**********

(1) المكاسب (للشيخ الأنصاري) / ص 282.

ص: 129

حينئذ تكون كنسبة الظرف إلى المظروف ليكون الشرط خارجاً عن الشروط الابتدائية، فهو التزام في ضمن التزام، و من المعلوم أن الجهالة في الالتزام المظروفي لاترتبط بالالتزام الظرفي; إذ المفروض أن الشرط شرط فقهي لاشرط اُصولي بحيث يتوقف الالتزام الظرفي على الالتزام المظروفي، فلاتغفل.

و هذا الذي ذكرناه طريق لتصحيح حساب الادخار لرأس المال و أخذ شيء مستمر و مستديم باستدامة الحياة بالشرط الذي عرفته.

ولكن المذكور في بعض القوانين البنكية غير هذا الطريق. و الطريقة التي يعتمدها بنك «سبه» أحد البنوك الإيرانية هي أن ما أودعه المدخرون خلال فترة ثلاث أو خمس سنوات إنما هو رأس المال، و الأرباح المجتمعة في تلك السنوات تبقى محفوظة تحت عنوان الربح التجميعي طيلة مدة الادخار، و هذا الربح لايعطى للمدخرين حتى انتهاء السنوات الثلاث أو الخمس، فإذا انتهت تلك السنوات حُسب ربح رأس المال و الأرباح المجتمعة خلال تلك السنين، و يعطي البنك في كل شهر مبلغاً للمدخرين بعنوان ربح المجموع من رأس المال و الأرباح المجتمعة في تلك السنوات، ولكن تعيين هذا المبلغ ليس تعييناً نهائياً، بل هو موقت حتى تتم المحاسبة النهائية عند الموت أو عند غلق الحساب و التسوية.

و إذا انكشف عند التسوية أن الربح أقلّ ، اُخذ المقدار الناقص من الأرباح المجتمعة أثناء مدة الادخار بعنوان الربح التجميعي، و لايتحمل البنك شيئاً من الخسارة.

و لو ظهر وقوع خسارة بأصل رأس المال حين الردّ، جُبر ذلك أيضاً من الربح المجتمع خلال مدة الادخار، و لاتتعلق الخسارة برأس مال البنك أو رأس مال سائر المدخرين.

و الظاهر أن هذه الطريقة أيضاً لابأس بها إن كان تعيين المبلغ بعنوان على الحساب و

ص: 130

المضاربة واقعة بينهما بالشراكة بنسبة معينة ولو بجعل المبلغ المذكور مرآة لها; و إلاّ فالمضاربة محل إشكال، ومع فساد المضاربة فالربح عائد للمدخرين، و البنك يستحق اُجرة المثل. اللّهمّ إلاّ أن يوكَّل البنك من قِبل المدخرين في المصالحة في نهاية الأمر بينهم و بين البنك فيما يتعلق باُجرة عمل البنك بما يراه صالحاً، فلاتغفل.

الثامنة: في حكم ادخار تدريجى

87

الثامنة: لو كان ادّخار المدخر في البنك بشكل تدريجي لأجل إعداد رأس مال لتأمين معيشته في المستقبل مع ترخيص البنك في المضاربة بما ادخره طيلة السنوات المعهودة بينهما، جاز ذلك إن تمت شرائط المضاربة، كتعيين حصص الربح بالنسبة، و إلاّ فالمضاربة باطلة و إن كانت المعاملات الواقعة على رأس المال صحيحة; لكونها مأذونة بالإذن في المضاربة; و ذلك لأن اللازم في المضاربة هو تعيين الربح بالنسبة، و لايكفي فيها تعيين النسبة بالقياس إلى أصل رأس المال كما هو المتعارف في البنوك; فإن النسبة بالقياس إلى رأس المال غير النسبة قياساً إلى الربح، و الفرق بينهما واضح، فإن كانت النسبة هي الخمس مثلاً فلاتكون مقصودة بالقياس إلى الربح بل إلى رأس المال، لأنّها ليست بشيء يقصد; إذ خمس الربح قليل، اللّهمّ إلاّ أن يكون المقصود هو احتساب نسبة المبلغ الحاصل من النسبة المفروضة على رأس المال قياساً إلى مجموع الربح العائد للبنك فيعطيه بتلك النسبة، و لاإشكال فيه حينئذ ما دام يبقى شيء للعامل، و إلاّ فتخرج هذه المعاملة عن المضاربة، كما لايخفى.

نعم، لو وكل صاحب المال البنكَ في المصالحة بعد إتمام العمل بين البنك و الموكل بما يراه صالحاً فلاإشكال، و إن فرض بطلان المضاربة.

ثم إنه لو مات صاحب المال خلال المدة المعينة انفسخت المضاربة; لأنها من العقود الإذنية، و يردّ رأس المال إلى الورثة مع حصّة ربحه التجميعي إلى حين الموت.

ص: 131

لكن لو فرض كون العقد الحاصل بينه و بين البنك عقد مضاربة فيترتب على ذلك أن يفقد كل المال أو بعضه عند تعرّض البنك للخسارة أو المال للتلف.

و يمكن التخلص من هذه المشكلة بالتأمين على المال ليدفع البنك المال مع أرباحه في الأحوال الاعتيادية، و تدفع شركة التأمين المال المؤمَّن عليه عند تعرّضه للخسارة أو التلف. ولافرق في ذلك بين أن يكون التأمين بين البنك و شركة التأمين أو بين صاحب المال و شركة التأمين، بناءً على صحة عقد التأمين كما قررناه في محله.

التاسعة: في جواز اخذ رأس المال في اى وقت كان

88

التاسعة: يجوز لمن يدخر رأس المال أن يأخذ رأس ماله في أي وقت كان; لأن الوكالة و المضاربة و الجعالة و الشركة و نحوها من العقود الإذنية، كما فصلناه في محله.

نعم، لو شرط بقاء جميع المال أو بعضه في مدة معلومة في ضمن عقد خارج لازم، لم يجز الاسترداد قبل حلول المدة المذكورة; قضاءً للشرط.

و كذا لو صرف البنك الوكيل من قِبل صاحب رأس المال ذلك المال في شراء دار و إجارتها بشرط التمليك لايجوز له فسخ البيع و لاالإجارة; لأنهما من العقود اللازمة، و المفروض أنهما وقعا مع الإذن.

و كيف كان، ففي موارد جواز الرجوع لايستحق من الأرباح إلاّ حصة رأس ماله من الربح إلى زمان الرجوع ما لم يشترط في ضمن عقد خارج لازم ألاّ يأخذ حصته أو بعضها عند الرجوع، و إلاّ فلايجوز له أن يأخذ ذلك، كما لايخفى.

العاشرة: في انواع الادخار

89

العاشرة: الادخار تارة يكون بنحو الودائع الثابتة مع اشتراط إبقائها لدى البنك مدة معينة كستّة أشهر مثلاً في ضمن عقد لازم، و اُخرى يكون بنحو ودائع التوفير مع عدم اشتراط إبقائها لديه مدة معينة بل يمنح أصحاب ودائع التوفير الحق في سحب أموالهم متى شاؤوا، و من هذه الناحية تكون و دائع التوفير هذه شبيهة بالحساب الجاري; أي

ص: 132

الودائع المتحركة، و من ناحية اُخرى هي شبيهة بالودائع الثابتة من حيث التعامل بها في مجال المعاملات من قبيل المضاربة و نحوها.

و غير خفي أن البنك حينئذ يواجه طلبات السحب من الموفرين في ودائع التوفير من ناحية، و من ناحية اُخرى يكون ملتزماً بتوظيف هذه الودائع في مجال المعاملات، و هذا أمر يتوقف على القدرة على ذلك، و لذا قال الشهيد الصدر قدس سره: «يستطيع البنك أن يقدر النسبة التي تسحب فعلاً من مجموع ودائع التوفير، فإذا فرضنا أنها كانت لاتزيد في العادة على 10 فسوف يعتبر عشر كل وديعة من ودائع التوفير وديعة متحركة (كالحساب الجاري)، و لايدفع عنها أي فائدة أو ربح، بل يحتفظ بها كقرض في حالة كاملة من السيولة النقدية لمواجهة طلبات السحب من الموفرين الذين يشترط عليهم البنك ألاّ يطالبوا إلاّ بقيمة الوديعة».(1)

الحادية عشرة: في عدم اشتراط مدة معينة في حساب الادخار

90

الحادية عشرة: لايشترط في حساب الادخار لرأس المال مدة معينة، و إنما تتعيّن المدة بالتوافق بين صاحب رأس المال و البنك، فإن عيّنا مدة فلايجوز للبنك تمديدها من دون إذن صاحب رأس المال إلاّ إذا وكله المالك عند افتتاح الحساب للتمديد مرة أو مرّات.

ثم إن تقسيم الأرباح بين البنك و صاحب رأس المال يكون بحسب ما توافقا عليه في بداية الأمر، ولكن لاإشكال في تغيير ذلك بالنسبة لما سوف يأتي في الأثناء، كما إذا توافقا على الأكثر أو الأقل; و ذلك لأن عقد المضاربة من العقود الجائزة، فما توافقا عليه في بداية الأمر مختص بما قبل التوافق الأخير. ولو تعامل البنك من دون تمديد كان عادياً و لم يستحق شيئاً من الحصة و إن أجاز صاحب المال المعاملات بعد الاطلاع على المعاملات

**********

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 64-65.

ص: 133

الواقعة عليه، و مجرد العلم بالرضا لايكفي في جواز المعاملات و إن اكتفي به في التصرفات الفعلية.

الثانية عشرة: في جواز دفع البنك اموال المحجورين بعد دفع الحجر و صدور الحكم من المحاكم الشرعية

91

الثانية عشرة: يجوز للبنك أن يدفع أموال المحجور عليهم بعد رفع الحجر عنهم، ولكن رفع الحجر يفتقر إلى صدور الحكم من المحاكم الشرعية. إلاّ أنه و طبقاً لقوانين البنوك أيضاً يحظر الدفع إليهم مطلقاً إلاّ بعد رفع الحجر و الجنون عن طريق المحاكم الصالحة، و لعل هذا هو حكم حكومي (ولائي) لتجنب المنازعات المحتملة في المستقبل.

الثالثة عشرة: في كيفية ردّ رأس المال بعد موت صاحبه الى الوراث

92

الثالثة عشرة: يرد رأس المال بعد موت صاحبه إلى وراثه بعد تعيينهم بالعلم أو البينة، و لايجوز التصرف فيه من دون إذن الوراث الكبار و أولياء الصغار، فيجب على البنك عند الاطلاع على موت صاحب المال وضع أموال الوراث في الأمانات حتى يمكنهم التصرف فيها بعد حصر الورثة و تعيينهم.

نعم، لو أذن الكبار باستدامة المعاملات فلابأس، و كذا لو عيّن صاحب رأس المال البنكَ بعنوان القيّم في مال صغاره و خوّله في العمل به، فالوصية مجوزة لبقاء المعاملات في أموال الصغار، كما تدل عليه الأخبار التي منها: معتبرة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام أنه سئل عن رجل أوصى إلى رجل بولده و بمال لهم، و أذن له عند الوصية أن يعمل بالمال و أن يكون الربح بينه و بينهم ؟ فقال: «لابأس به; من أجل أن أباه قد أذن له في ذلك و هو حي».(1)

ثم اعلم ان العمليات الواردة على رأس المال في حساب الادخار متعددة و مختلفة و حيث أن احكامها مختلفة فالاولى ان يبحث عن كل واحدة منها عليحده و

**********

(1) وسائل الشيعة / ج 13، ص 478، ب 92 من الوصايا، ح 1.

ص: 134

لذا نبحث ان شاء الله تعالى عن بعض احكام المعاملات مثل المضاربة و الشركة و الاجارة و غيرها و نبتدأ بالمضاربة كمايلى:

93

حقيقة المضاربة:

إنّ المضاربة هي: أن يدفع الإنسان أو شخصية حقوقية إلى الغير مالاً ليتّجر به على أن يكون الربح بينهما و الوضيعة على المال. و يشترط في المضاربة الإيجاب و القبول; لأنّها عقد من العقود. و يكفي فيهما كلّ دالّ قولاً أو فعلاً، و لادليل على اعتبار خصوص اللفظ.

و عليه، فالمراد من الدفع هو الأعمّ من الدفع الإنشائي الحاصل باللفظ و الدفع الخارجي، فكما أنّ الدفع الإنشائي مع قبول العامل يحقّق المضاربة فكذلك الدفع الخارجي و قبوله بقصد الإنشاء يحقّق ذلك، كما لايخفى.

إذ لافرق عند العقلاء في تحقق المضاربة بين الدفع الإنشائي و الدفع الخارجي; لأنّ المعيار هو الاعتبار النفساني و إبرازه بمبرز في الخارج، و هو حاصل في كليهما. و هذا البناء العقلائي في معرض رؤية الشارع، و لم يردع عنه.

و مع صحة المضاربة بالدفع الانشائي و الدفع الفعلي فلاوجه للإشكال في الدفع الفعلي بأنّ مقتضى الأصل هو تبعية الربح لأصل المال; لأنّ حقيقة المضاربة متقوّمة بكون الربح بينهما، و المفروض أنّ المضاربة صادقة على الدفع المعاطاتي، فتشمله الأدلّة الخاصة الواردة في المضاربة كموثّقة إسحاق عمّار قال: سألته عن مال المضاربة ؟ قال: «الربح بينهما و الوضيعة على المال»(1) و غيرها. هذا، مضافاً إلى العمومات منها قوله

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 22، ب 3 من المضاربة، ح 5.

ص: 135

تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ )(1) حيث تقع حصة من الربح في مقابل عمل العامل.

و عليه، فالأقوى هو جواز الاكتفاء في إنشاء المضاربة بالدفع الفعلي المعاطاتي، و لاموجب لاعتبار الإنشاء اللفظي.

94

أهمّ شروطها و أحكامها

95

ونتعرّض هنا لعدّة مسائل:
اشارة

96

المسألة الاُولى: في جواز تضمين الخسارة في المضاربة و الشركة و الجعالة

هل يجوز تضمين الخسارة في المضاربة و الشركة و الجعالة أو لايجوز؟

ذهب السيد المحقّق اليزدي قدس سره إلى الأوّل في كتاب المضاربة حيث قال: «أقواهما الأوّل; لأنّه ليس شرطاً منافياً لمقتضى العقد كما قد يتخيّل، بل إنّما هو مناف لإطلاقه، إذ مقتضاه كون الخسارة على المالك و عدم ضمان العامل إلاّ مع التعدّي أو التفريط».(2)

و يشكل ذلك بأنّ العامل أمين، و مقتضى ما دلّ على أنّ الأمين لايضمن هو عدم الضمان. و عليه، فشرط ضمان العامل هو شرط ضمان الأمين، و هو مخالف لما دلّ على أنّ الأمين ليس عليه إلاّ اليمين.

هذا، مضافاً إلى صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام في حديث: «إنّ علياً عليه السلام قال: من ضمّن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله، و ليس له من الربح شيء».(3)

**********

(1) النساء / 29.

(2) العروة الوثقى / ج 5، ص 162، المضاربة م 4.

(3) الوسائل / ج 19، ص 22، ب 4 من المضاربة، ح 1.

ص: 136

فإنّ المستفاد منها أنّ تضمين العامل يوجب بطلان المضاربة و صيرورتها قرضاً. و عليه، فشرط الضمان عن صاحب رأس المال ينافي قوله عليه السلام: «ليس على الأمين إلاّ اليمين»،(1) مضافاً إلى منافاته لما ورد في المضاربة بالخصوص من أنّ التضمين للعامل يوجب صيرورة المضاربة قرضاً.

ويمكن الجواب عنه:

أمّا أوّلاً: فلعدم منافاته مع قوله عليه السلام: «ليس على الأمين إلاّ اليمين»; لأنّه من باب عدم الاقتضاء، فلاينافي ما اقتضاه عموم: «المؤمنون عند شروطهم»،(2) كما في المستمسك.(3)

و القول بأنّ مقتضى قوله: «ليس على الأمين إلاّ اليمين» هو عدم ضمان الأمين سواء اشترط ذلك عليه أم لم يشترط فينافي عموم «المؤمنون عند شروطهم»، كما في مباني العروة الوثقى.(4)

غير سديد; لعدم كون قوله عليه السلام «ليس على الأمين إلاّ اليمين» ناظراً إلى صورة الاشتراط، و إلاّ فلامورد لتقديم «المؤمنون عند شروطهم» على المطلقات الواردة في الموارد المختلفة.

هذا، مضافاً إلى أنّ الضامن ربّما يكون شخصاً ثالثاً، فلايكون رأس المال في يده حتى يكون أميناً و مشمولاً لقوله عليه السلام: «ليس على الأمين إلاّ اليمين».

و دعوى: أنّ شرط التدارك ضمان، و الضمان لايصح إلاّ بالنسبة إلى الذمم لاالأعيان.

**********

(1) رواية مشهورة بين الفقهاء انظر شرائع الإسلام/ ج 2، ص 412.

(2) الوسائل / ج 21، ص 276، ب 20 من المهور، ح 21.

(3) انظر مستمسك العروة الوثقى / ج 12، ص 70-71.

(4) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 50.

ص: 137

مندفعة: بأنّه لادليل على الاختصاص المذكور في الضمان العرفي، و مع صدق الضمان تشمله العمومات.

ثمّ إنّه لافرق في الضمان بين أن يضمنه البنك بنفسه أو يجعل رأس المال في التأمين بقرار و تعهّد بينه و بين المؤمِّن من دون أخذ شيء من المدّخرين.

وأمّا ثانياً: فلعدم منافاته أيضاً مع ما ورد في خصوص تضمين العامل و التاجر الدالّ على أنّ التضمين يوجب انقلاب عقد المضاربة قرضاً فيكون جميع الربح للعامل، و لايكون للمالك إلاّ رأس ماله; و ذلك بأن يقال: إنّ الظاهر من صحيحة محمّد بن قيس هو تضمين نفس المال، بمعنى شرط عروض خسارته على عهدة العامل. و من المعلوم أنّ ذلك مع عدم مالكية العامل غير معقول، و المعقول فيه أن يرجع التضمين المذكور إلى صيرورة رأس المال ملكاً في ذمّة العامل بمثله، و هو لايكون إلاّ قرضاً، و حيث لايكون قصده ذلك فالنص الدالّ على أنّ الربح للعامل يدلّ على الانقلاب المذكور، ولكن هذا النص لايشمل فرض بقاء ملكية المالك و شرط التدارك على العامل; فإنّ الخسارة حينئذ على المالك، و إنّما يجب على العامل تدارك الخسارة الواردة على المالك بسبب اشتراط تداركه في العقد. و لاأقلّ من الشك في شمول النص المذكور لصورة اشتراط التدارك و عدمه، فمقتضى القاعدة هو الأخذ بعموم «المؤمنون عند شروطهم»; لأنّ العام هو المرجع في الشبهات المفهومية.

و أمّا ما أفاده في مباني العروة من أنّ صحيحة محمّد بن قيس غير واردة في المضاربة، و إنّما هي واردة في التضمين الفعلي من أوّل الأمر المساوق للقرض; فإنّه جعل المال المعيّن بعينه في ذمّة الآخر و أين ذلك من اشتراط الضمان عند التلف ؟!.(1)

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 51.

ص: 138

ففيه ما لايخفى; فإنّ صدر الصحيحة يشهد على أنّها واردة في المضاربة، و إليك الصحيحة بتمامها: روى محمّد بن يعقوب عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن ابن أبي نجران عن عاصم بن حميد عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين صلوات الله عليه: من أتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فليس عليه ضمان.

و قال: من ضمّن تاجراً فليس له إلاّ رأس ماله، و ليس له من الربح شيء».(1)

فإنّ المراد من الصدر هو المضاربة بالحمل الشائع الصناعي لتنصيف الربح و الحكم بعدم الضمان; فإنّه ليس بقرض، و إلاّ فالربح له بتمامه، و يكون ضمان المال بمثله.

و بالجملة قوله: «من ضمّن تاجراً... الخ» بعد هذا الصدر ظاهر في تضمين مال المضاربة، لافي القرض من أوّل الأمر، كما يشهد له أيضاً ما رواه الشيخ بسند صحيح عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى علي عليه السلام في تاجر اتّجر بمال و اشترط نصف الربح، فليس على المضارب ضمان. و قال أيضاً: من ضمّن مضاربه فليس له إلاّ رأس المال، و ليس له من الربح شيء».(2)

و عليه، فالرواية تدلّ على أنّ اشتراط عروض الخسارة على العامل يوجب انقلاب المضاربة إلى القرض تعبّداً. هذا بخلاف ما إذا اشترط تدارك ما عرض على المالك; فإنّه لايوجب الانقلاب، و لاينافي عقد المضاربة، و لاالرواية.

لايقال: إنّ الظاهر من صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام: «المال الذي يعمل به مضاربة له من الربح، و ليس عليه من الوضيعة شيء إلاّ أن يخالف أمر صاحب المال»(3)

**********

(1) الكافي / ج 5، ص 240، ح 3.

(2) التهذيب / ج 7، ص 188، ح 830.

(3) الوسائل / ج 19، ص 16، ب 1 من المضاربة، ح 4.

ص: 139

هو اختصاص ضمان العامل للوضيعة بصورة المخالفة مع أمر صاحب المال. و عليه فاشتراط تدراك خسارة رأس المال مخالف للحصر المستفاد من هذه الصحيحة، فلايكون نافذاً; لكونه مخالفاً للسنّة.

لأنّا نقول: إنّ المنصرف من الصحيحة أنّها في مقام نفي الضمان من جهة الجعل الشرعي لاالجعل المالكي، كما هو مورد الكلام. و عليه، فلايمنع عن نفوذ الاشتراط المذكور بعموم أدلّة نفوذ الشروط. فتحصّل: أنّ الأقوى هو التفصيل بين صورة اشتراط عروض الخسارة على العامل فيحكم بانقلاب المضاربة قرضاً تعبّداً، و بين صورة اشتراط التدارك فيحكم بصحة المضاربة و الشرط.

ثمّ إنّ صحيحة محمّد بن قيس على فرض تمامية دلالتها تختص بالمضاربة و اشتراط العامل للمالك، فلاتشمل تضمين الشخص الثالث; لأنّه شرط صحيح من ثالث لامن عامل، و هو يفيد ضمان الخسارة الواردة على المالك.

و هذا الشرط لاينافي المضاربة; لأنّه شرط التدارك، لاشرط عدم عروض الخسارة، و يصح من البنك; لأنّه كثيراً ما يكون واسطة بين المقرض و المقترض.

و أوضح من ذلك ما إذا لم يكن شرط في البين، بل ضمنه العامل بنفسه من دون شرط.

هذا، مضافاً إلى أنّ الرواية لم تتعرّض لشرط عروض الخسارة في الشركة و الجعالة على الشريك و طرف الجعالة.(1)

و ممّا ذكر يظهر حكم اشتراط هبة الربح عند عدم كون المعاملات ذات ربح; فإنّه شرط سائغ و لاإشكال فيه.

و لامجال لتوهّم الربا; لأنّ مال المضاربة ليس بقرض بل للتجارة.

**********

(1) راجع الملحق رقم (1).

ص: 140

و هكذا لو شرط المالك مع العامل أنّه لو أخّر في تصفية الحسابات و تحويل رأس المال أدّى إلى المالك قبال كلّ مئة مبلغاً معيّناً فلاإشكال; لأنّ الشرط ليس في مقابل الدين، بل هو في مقابل تأخير تحويل العين.

هذا كلّه فيما إذا لم يكن اشتراط التدارك أو هبة الربح مخلاًّ بالنظام الاقتصادي العامّ و إلاّ فهو محلّ منع، كما لايخفى.

97

المسألة الثانية: في شرطية كون رأس المال في المضاربة عينا

إنّ من جملة الشرائط المذكورة في المضاربة هو أن يكون رأس المال عيناً، فلاتصح بالمنفعة و لابالدين. و عليه، فلو كان له دين على أحد لم يجز أن يجعله مضاربة إلاّ بعد قبضه ولو أذن للعامل في قبضه ما لم يجدّد العقد بعد القبض.

نعم، لو وكّله على القبض و الإيجاب من طرف المالك و القبول منه بأن يكون موجباً قابلاً صحّ .

و كذا لو كان له على العامل دين لم يصح جعله قراضاً إلاّ أن يوكّله في تعيينه ثمّ إيقاع العقد عليه بالإيجاب و القبول بتولّي الطرفين.

و قد ادّعى في التذكرة عدم الخلاف في عدم جواز القراض على الديون،(1) و قال الشهيد الثاني: «اشتراط ذلك أي كونه عيناً موضع وفاق».(2)

و استدلّ له في الرياض(3) بأنّه القدر المتيقّن في الخروج عن أصالة عدم ترتّب الأثر، بل أصالة كون الربح للمالك.

**********

(1) التذكرة/ ج 2، ص 231 (حجري).

(2) المسالك / ج 4، ص 355.

(3) انظر الرياض / ج 9، ص 84-85 و 96.

ص: 141

و لامجال للتمسّك بعموم الوفاء بالعقود في المقام; لمنع الأصل المذكور; لاختصاصه بالعقود اللازمة. كما لامجال للتمسّك بإطلاقات المضاربة; لعدم ورودها في مقام البيان من هذه الجهة. فينبغي الاقتصار على المتيقّن من النص و الفتوى.

و لعلّ وجه اختصاص قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(1) بالعقود اللازمة هو منافاة وجوب الوفاء العملي بالعقد مع الحكم بجواز الفسخ، فلايشمل المضاربة التي تكون من العقود الإذنية.

و كيف كان فيمكن أن يقال: إنّه يكفي في صحة المضاربة بالدين و المنفعة إطلاق صحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فليس عليه ضمان»;(2) لأنّ الديون و المنافع من الأموال عند العرف، و الرواية في مقام بيان حكم الاتّجار بالمال بعنوان المضاربة، وحيث إنّ إطلاق الموضوع يشمل الديون و المنافع فلاإشكال، و إلاّ لزم تقييده بغيرهما.

و خبر إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن مال المضاربة ؟ قال: «الربح بينهما، و الوضيعة على المال»;(3) إذ إطلاق مال المضاربة و ترك الاستفصال فيه يوجب شموله للديون و المنافع بناء على صدق المضاربة بالاتّجار بهما، كما لعلّه الظاهر.

و دعوى: أنّ الظاهر من نصوص المضاربة أنّ موضوعها إعطاء المالك ماله للعامل كي يعمل به على أن يكون رأس المال محفوظاً و الربح بينهما على حسب ما يتّفقان عليه، و هو لاينطبق على المنافع حيث إنّها غير قابلة للبقاء; نظراً إلى أنّها تتلف بنفسها. و من هنا

**********

(1) المائدة / 1.

(2) الوسائل / ج 19، ص 21، ب 3 من المضاربة، ح 2.

(3) المصدر السابق/ ج 22، ب 3 من المضاربة، ح 5.

ص: 142

فكلّ ما يكون في قبالها يكون بأجمعه ربحاً; و لذا قالوا في باب الخمس: إنّ كلّ ما يقع بازاء المنافع سواء الأعيان و غيرها يكون متعلّقاً للخمس، و ليس ذلك إلاّ لكونه بأجمعه ربحاً، لاأنّ الأصل محفوظ و الباقي ربح. إذن فما ذكره المشهور من عدم صحة المضاربة بالمنفعة إن لم يكن أقوى فهو أحوط.(1)

مندفعة: إذ يمكن أن يقال: إنّ رأس المال لايكون بعينه محفوظاً في الأعيان لتعويضه بالمعاملة بشيء آخر، فالمقصود من البقاء هو أن يقوم مقامه شيء مثله في المالية و إن لم يحفظ عينه، و هذا المعنى يتصوّر بالنسبة إلى مالية المنافع و الديون أيضاً، فإنّ ماليتهما محفوظة في المعاوضات، فإذا تعامل العامل بالمنافع أو الديون بعنوان المضاربة أخذ مكانهما الأعيان المالية، و كانت المنافع و الديون باقية بماليتهما ما دامت المضاربة باقية، و صدق الربح على ما يكون في قبال المنافع في باب الخمس لايستلزم عدم صدق رأس المال عليه في باب المضاربة، فتدبّر.

و إن أراد من عدم قابلية المنافع أنّها تزول بمضيّ الوقت، فلو أخّر العامل معاملتها لجهة من الجهات حتى يمضي وقتها فلابقاء لها ففيه: إنّ بعض الأعيان أيضاً كذلك لابقاء لها و تزول بمضي الأوقات كالجمد و العطور و نحوهما، على أنّ التأخير في المعاملة بالمنفع يوجب زوالها لازوال معاملة المضاربة، و إلاّ فمع معاملة المضاربة بقت مالية المنافع كما ذكرناه.

هذا، مضافاً إلى موثّقة أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يقول للرجل: أبتاع لك متاعاً و الربح بيني و بينك ؟ قال: «لابأس»;(2) إذ أنّ ابتياع المتاع بإطلاقه

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 19-20.

(2) الوسائل / ج 19، ص 20، ب 3 من المضاربة، ح 1.

ص: 143

يشمل ما إذا كان الابتياع بالديون أو المنافع بناء على صحة البيع عرفاً بإعطاء المنافع.

نعم، يمكن تقييد إطلاق الأخبار بالنسبة إلى الديون بمعتبرة السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل له على رجل مال فيتقاضاه و لايكون عنده، فيقول: هو عندك مضاربة ؟ قال: لايصلح حتى تقبضه منه»،(1) ولكنّه مختصّ بالدين الذي على العامل، فلايشمل غيره من الديون.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ المستفاد من قوله: «حتى تقبضه» أنّ المعيار في الممنوعية هو عدم قبض الدين ولو من غير العامل، فلو لا الإجماع أمكن التفصيل بين الديون و المنافع، ولكن لايترك الاحتياط بعد نقل الإجماع.

نعم، يمكن القول بجواز ذلك بعنوان آخر كالجعالة أو التجارة عن تراض; أخذاً بإطلاق قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ).(2)

و دعوى: أنّه لامجال للتمسّك بعموم قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) و نحوه في نفي اعتبار ما يحتمل اعتباره بالنسبة إلى العقد; من جهة:

«أنّ العقد الواقع في الخارج قد يكون من قبيل البيع و الإجارة و نحوهما ممّا يكون التمليك من كلّ من الطرفين للآخر تمليكاً لما يملكه.

و فيه: لامانع من التمسّك بعمومات التجارة، و قد تمسّكنا بها لإثبات صحة المعاملة المعاطاتية.

و قد لايكون كذلك بألاّ يكون فيه تمليك من أحد الطرفين ماله للآخر كالمضاربة و المزارعة و المساقاة حيث لايملّك المالك العامل إلاّ حصّة من الربح و هي غير متحقّقة بالفعل; لأنّه لايملك إلاّ أصل ماله، فكيف يصح تمليكها لغيره ؟!

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 23، ب 5 من المضاربة، ح 1.

(2) النساء / 29.

ص: 144

و فيه: فالقاعدة تقتضي البطلان، و لاعموم يقتضي صحّته، و عليه فيكون تمام الربح للمالك; نظراً لتبعية المنافع للأصل، و كون بعضه للعامل رأساً و ابتداء على خلاف القاعدة في العقود; إذ مقتضاها كون العوض لمن له المعوّض، فمن يبذل المثمن له الثمن، و العكس بالعكس. فلاوجه لكون بعضه للعامل.

و انتقاله آناً ما إلى ملك المالك، و من ثمّ إلى العامل و إن كان معقولاً إلاّ أنّه على خلاف قانون المضاربة و المزارعة و المساقاة.

على أنّه من تمليك ما لايملك فعلاً; إذ ليس له الآن السلطنة عليه; و لذا لم يستشكل أحد في بطلان العقد إذا لم تكن حصّة العامل من ربح ما يتّجر به... إلى أن قال: إنّ الصحة في هذه الموارد التي ليس فيها شيء مملوك للمملك بالفعل يملّكه لغيره تحتاج إلى دليل خاصّ ، فإن كان فهو، و إلاّ فالقاعدة تقتضي البطلان... إلى أن قال: فإنّها غير مشمولة لأدلّة التجارة عن تراض».(1)

مندفعة: بأنّ المضاربة من سنخ المعاوضات و التمليك فيها في فرض حصول الربح فعلي، قال في المستمسك: «إنّ المضاربة لمّا كانت من سنخ المعاوضة; لأنّ الحصّة من الربح في مقابل العمل، فالمراد من دخول حصّة الربح في ملك العامل أنّ ذلك بعد أن يدخل في ملك المالك عملاً بمقتضى المعاوضة ليكون ضمان عمل العامل بمال المالك في ظرف أنّه مال المالك. و لابدّ أن يكون ذلك بعد الدخول في ملك لمالك».(2)

و عليه، فتكفي مالكية العين لاعتبار ملكية الربح على تقدير وجوده و نقله إلى العامل بعد دخوله في ملك المالك، فالمعاوضة متصورة، و المعاوضة التعليقية أيضاً

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 17-18.

(2) المستمسك / ج 12، ص 243.

ص: 145

معاوضة فيشملها عموم قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) و لو لم تتمّ شرائط المضاربة; لصدق التجارة عليه عرفاً، و التجارة ليست تجارة إصلاحية، كما لايخفى.

98

المسألة الثالثة: في شرطية كون رأس المال من الذهب او الفضة المسكوكين و عدمها

إنّ من جملة الشرائط المذكورة في المضاربة هو أن يكون رأس المال من الذهب و الفضّة المسكوكين بسكّة المعاملة بأن يكون درهماً أو ديناراً، فلاتصحّ بالفلوس و لابالعروض، و ادّعي على ذلك عدم الخلاف بينهم و الإجماع بقسميه عليه.

و اُورد عليه: بأنّ الإجماع قائم على صحة المضاربة بالدراهم و الدنانير، لاعلى بطلانها في غيرهما.(1)

**********

(1) و لابأس بذكر جملة من أقوال القدماء من الأصحاب:

1 - قال في الخلاف [459/3]: «لايجوز القراض إلاّ بالأثمان التي هي الدراهم و الدنانير... إلى أن قال: دليلنا أنّ ما اخترناه مجمع على جواز القراض به، و ليس على جواز ما قالوه - أي أبو حنيفة و مالك و الشافعي و غيرهم - دليل».

و قال في النهاية [428]: «و إذا أعطى الإنسان غيره ثوباً أو متاعاً و أمره أن يبيع فإن ربح كان بينهما، و إن نقص ثمنه عمّا اشتراه لم يلزمه شيء ثمّ باع فخسر لم يكن عليه شيء و كان له أُجرة المثل، و إن ربح كان صاحب المتاع بالخيار بين أن يعطيه ما وافقه عليه و بين أن يعطيه اُجرة المثل».

2 - قال في نكت النهاية [239/2] في شرح العبارة السابقة: «الفرق إنّ هاهنا جعل الثوب رأس مال المضاربة، و هي لاتصح إلاّ بالذهب و الفضّة... إلى آخره».

3 - قال في جواهر الفقه [124]: «إذا دفع إنسان إلى حائك غزلاً فقال له: انسج ثوباً أو إزاراً على أن يكون الفضل بيننا، هل يكون ذلك مضاربة صحيحة أم لا؟

الجواب لايكون ذلك مضاربة صحيحة; لأنّ المضاربة لاتكون إلاّ بالأثمان التي هي الدنانير و الدراهم و يختلط المالان. و إنّما قلنا هذا; لأنّه لاخلاف في أنّ ما ذكرناه مضاربة صحيحة، و ليس كذلك ما يخالفه.

ص: 146

و عليه فلاموجب لرفع اليد عن الاطلاقات الدالّة على اعتبار المال في المضاربة حيث لم يثبت تقييدها بكونه من الدراهم أو الدنانير. و عنوان المال كما يصدق عليهما فكذلك يصدق على غيرهما من الأثمان و العروض; لأنّ جميعها مال، و لذا يصدق على بيعها مبادلة مال بمال، مع أنّ أحد الطرفين أو الطرفين من العروض أو الأثمان.

و أمّا تخصيص عنوان المال في قول السائل: «سألته عن مال المضاربة» أو قوله عليه السلام: «من اتّجر مالاً... الحديث» بالأثمان و هي الأموال المتمحّضة في المالية بدعوى أنّ الربح و الخسران إنّما يلاحظان بالنسبة إلى ما هو متمحّض في المالية و هي الأثمان التي يتحفّظ بها أوّلاً ثمّ يلاحظ ربحها و خسارتها، كما في مباني العروة الوثقى.(1)

**********

( و إذا دفع هذا الانسان إلى الحائك ما تضمّنت هذه المسألة ذكره كان له اُجرة مثله على ما عمله، و يكون الثوب أو الإزار لصاحب الغزل; لأنّه عين ماله».

4 - قال في الغنية [266]: «و من شرط صحة ذلك - أي المضاربة - أن يكون رأس المال فيه دراهم أو دنانير معلومة مسلّمة إلى العامل، و لايجوز القراض بالفلوس و لابالورق المغشوش; لأنّه لاخلاف في جواز القراض مع حصول ما ذكرناه، و ليس على صحته إذا لم يحصل دليل».

5 - قال في الوسيلة [264]: «فالصحيح [من المضاربة] ما اجتمع فيه شروط ثلاثة العقد على الأثمان من الدنانير و الدراهم غير المغشوشة، و الإطلاق في المدّة من غير تعيّنها إلاّ مدّة الابتياع، و تعيين مقدار المال».

6 - قال في المهذّب [460/1]: «و إن دفع إنسان إلى حائك غزلاً و أمره بأن ينسجه ثوباً على أن يكون الفضل بينهما كان ذلك قراضاً باطلاً; لأنّ القراض إنّما يصح بأن يتصرّف العامل في رقبة المال و يقلّبها و يتجر فيها، فإذا كان غزلاً كان ذلك نفس المال و عينه، و يكون ذلك لصاحب المال و للعامل أُجرة مثله».

7 - قال في الجامع للشرائع [314]: «المضاربة عقد جائز من الطرفين، و إنّما تصح بالأثمان الخالصة من الغش بشرط ذكر حصّة مشاعة من الربح معلومة».

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 21.

ص: 147

ففيه: أنّه لادليل له بعدما عرفت من صدق المال على العروض و إمكان ملاحظة الربح و الخسران بالنسبة إليها أيضاً و لو بتقدير الأثمان فيها كما هو المتعارف بين التجّار عند محاسبة أموالهم و ملاحظة ربحها و خسارتها مع أنّها كثيراً ما تكون أعياناً.

هذا، مضافاً إلى صدق الربح و الخسران بالنسبة إلى بعض الأعيان بزيادتها أو نقصانها في بعض الأحيان.

نعم، الغالب هو ملاحظتهما بالنسبة إلى المتمحّض في المالية من الأثمان.

ولكن الغلبة الخارجية لاتوجب الانصراف.

ثمّ إنّ دعوى: أنّه لامجال للتمسّك بإطلاقات المضاربة; لعدم و رودها في مقام البيان من هذه الجهة، فينبغي الاقتصار على المتيقّن من النصّ و الفتوى، و هو خصوص النقدين، كما في المستمسك.(1)

مندفعة: بأنّ الروايات في مقام بيان أحكام المضاربة لموضوعها، و هو مال المضاربة، و عليه فترك الاستفصال في السؤال عن مال المضاربة أو ترك التقييد بالنقدين في موضوع المضاربة يكفي في عدم اعتبار شيء غير عنوان مال المضاربة.

و دعوى: اختصاص مورد السؤال أو موضوع الحكم بالمتعارف في ذلك الزمان و هو النقدان دون غيرهما كما في المستمسك.(2)

مندفعة: بأنّ القضايا حيث كانت بنحو القضية الحقيقية لاالخارجية; لعدم اختصاص الأحكام بعصر خاصّ ، و لامقتضي لهذا التخصيص، فالموضوع هو المال، أي كلّ ما وجد و صدق عليه المال سواء كان من النقدين أو الأوراق النقدية أو غيرهما من الأثمان أو من العروض أو غيرها.

**********

(1) المستمسك / ج 12، ص 242.

(2) المستمسك / ج 12، ص 243.

ص: 148

و عدم وجود الأوراق النقدية في هذا الزمان لايضرّ إذا كان الموضوع مفروضاً بنحو القضية الحقيقية، كما لايضرّ ذلك في جواز بيع العملة بالعملة.

فتحصّل: أنّ شرط صحّة المضاربة هو أن يكون رأس المال مالاً سواء كان من النقدين أو الأثمان كالأوراق النقدية أو العروض أو الحقوق.

فلو قال مالك السلعة للعامل: بع هذه السلعة وخذ ثمنها قراضاً صحّ ذلك، خلافاً لما ذهب إليه السيد المحقّق اليزدي قدس سره من عدم الصحة حيث قال: «و لو قال للعامل: بع هذه السلعة و خذ ثمنها قراضاً لم يصح إلاّ أن يوكّله في تجديد العقد عليه بعد أن نضّ ثمنه».(1)

و ليس وجهه مع اعترافه بشمول العمومات إلاّ ما أشار إليه في المضاربة بغير الدراهم و الدنانير بقوله من أنّه لايبعد تحقّق الإجماع، فلايترك الاحتياط في غير الدراهم و الدنانير.

ولكن عرفت أنّ الإجماعات في مقام تعيين مورد القدر المتيقَّن، لانفي غير الدراهم و الدنانير. هذا مضافاً إلى أنّها بعد تسليم وجودها محتملة المدرك، فلاتصلح للاستدلال و إن كان الأحوط مراعاتها.

و لقد أفاد و أجاد سيدنا الامام قدس سره حيث قال: «لم يثبت الاجماع في المسألة; لعدم تعرّض كثير من القدماء لها. و يظهر من الخلاف و الغنية أن المسألة ليست إجماعية; لتمسّكهما بعدم الدليل على الصحة دون الإجماع، و إنّما ادّعيا الإجماع و عدم الخلاف في الصحة مع الدرهم و الدينار، بل يظهر من العلاّمة أيضاً بعد نسبة القول بالبطلان إلى علمائنا أنّ الدليل عليه كونها على خلاف القاعدة، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن، و إنّما ادّعى الاجماع صاحب جامع المقاصد و تبعه بعض آخر، بل حجية الاجماع في تلك

**********

(1) العروة الوثقى / ج 5، ص 148.

ص: 149

المسألة التي ادّعى الأعاظم كون الصحة فيها خلاف القواعد ممنوعة أو مشكلة. و لو فرض صحّة الإجماع و ثبوته فالقدر المتيقّن هو عدم الجواز في غير الأثمان أي العروض منه، و أمّا في مثل الدينار العراقي و الاسكناس من الأثمان غير الذهب و الفضة فغير ثابت. و عليه فصحتها بمثلها لايخلو من قوة; للعمومات، و كون المعاملة عقلائية، و عدم غرريتها، بل عدم ثبوت البطلان بمثل ذلك. هذا، مع أنّه لايبعد إطلاق بعض أدلّة الباب.(1)

فتحصّل: أنّ مقتضى العمومات و إطلاق أدلّة الباب هو الجواز في العروض أيضاً. و ممّا ذكر يظهر وجه ضعف قول من تمسّك لعدم الجواز بعدم الدليل على الصحة. و الإجماع كما عرفت لايدلّ على عدم جواز غير الدراهم و الأثمان، بل يدلّ على صحة المضاربة فيهما من باب القدر المتيقّن.

و عليه فمقتضى الاطلاقات هو الصحة في العروض فضلاً عن الأثمان و إن كان الأحوط الترك في غير الدراهم و الدنانير بعنوان المضاربة و الإتيان بعنوان الجعالة.

المسألة الرابعة: في جواز عقد المضاربة

99

و لايخفى عليك أنّ المشهور أنّ المضاربة جائزة من الطرفين، فيجوز لكلّ منها فسخها، كما صرّح بذلك في النهاية و الغنية و الوسيلة، و محكيّ الخلاف و المبسوط و السرائر، و قد حكى في مفتاح الكرامة عن المسالك و الكفاية عدم الخلاف في أنّ المضاربة عقد جائز من الطرفين، بل الظاهر عن محكيّ بداية المجتهد أنَّ ذلك من الاتّفاقيات في الجملة.

و عليه، فالمضاربة و إن كانت عندنا من العهود و المعاوضات، و مقتضى عموم

**********

(1) راجع العروة الوثقى / ج 5، ص 147، التعليقة.

ص: 150

(أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هو لزومها، ولكن مع قيام الإجماع و الاتّفاق يرفع اليد عن عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و يحكم بجواز المضاربة.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق كلماتهم أنّه لافرق في جواز الفسخ بين أن يكون قبل الشروع في العمل أو بعده و قبل حصول الربح أو بعده و قبل إنضاض المال أو بعده.

ولو اشترط في عقد المضاربة الأجل و كان معناه تعيين أمد المضاربة لاشرط عدم الفسخ فلاإشكال أيضاً في جواز الفسخ قبل الأجل.

و إن شرط عدم الفسخ قبل حلول الأجل فقد يقال بعدم نفوذ الشرط المذكور بتوهّم مخالفته مع دليل جواز عقد المضاربة.

و فيه منع; لأنّ شرط عدم الفسخ لاينافي جواز العقد، كما أنّ شرط إسقاط الخيار لاينافي كون البيع خيارياً، هذا، مضافاً إلى أنّ دليل جاز عقد المضاربة هو الإجماع المذكور، و لانظر له إلى صورة اشتراط عدم الفسخ.

و عليه، فليس الإجماع المذكور مانعاً عن اشتراط عدم الفسخ، و لاأقلّ من الشك، فالقدر المتيقّن هو ذلك، فلامانع من نفوذ الشرط المذكور من ناحية عموم «المؤمنون عند شروطهم».

لايقال: إنّ الشرط في العقد الجائز جائز و ليس بلازم.

لأنّا نقول: إنّ لزوم الشرط المذكور ليس من ناحية جواز عقد المضاربة حتى يشكل اجتماع لزوم الشرط مع جواز العقد، بل لزوم الشرط من ناحية عموم (المؤمنون عند شروطهم)، و لادخل لعقد المضاربة إلاّ في تحقّق موضوع الشرط; لأنّ الشرط هو الالتزام في ضمن الالتزام، و المضاربة التزام و لو كانت محكومة بالجواز، و هذا يكفي في صدق الشرط.

ص: 151

هذا، مضافاً إلى أنّ جواز الشرط معلّلاً بكون العقد جائزاً لاينسجم مع كلمات الأصحاب في أمثال الشروط المذكورة في العقود الجائزة مثل الشركة و العارية و غيرهما لبنائهم على صحة الشروط و لزومها في بعض مواردها.

فلو كان وجه المسألة هو عدم لزوم الوفاء بالشرط باعتبار جواز العقد فلامجال لتصحيح بعض الشروط و نفوذه في بعض الموارد معلّلاً بلزوم الوفاء بالشروط.

ربما يقال: إنّه لو لزم الالتزام بالشرط مع عدم الالتزام بالعقد فاللازم منه هو الالتزام بالشرط و لو مع فسخ العقد، و لاقائل به.

اُجيب عليه: بأنّ دليل لزوم الشرط يختصّ بما كان في العقد، فإذا فسخ العقد ارتفع الشرط الذي هو موضوع اللزوم.(1)

فالأقوى أنّه لو شرط الأجل بمعنى عدم الفسخ أو شرط عدم الفسخ إلى زمان خاص كان الشرط صحيحاً و لايجوز فسخها قبله; لوجوب الوفاء بالشرط لما عرفت من عدم منافاته مع دليل الجواز بل لاينافي مقتضى العقد الذي عرفت أنّه معاوضة عرفاً، و إنّما يرفع اليد عن لزومه من جهة قيام الإجماع.

قال في جامع المدارك: «إذا اشترط فيه الأجل لم يلزم... و يمكن القول بالصحة و اللزوم; لأنّه بعد ما لم يكن الشرط منافياً لمقتضى العقد و لم يعلم مخالفته للكتاب و السنّة فهو محكوم بالصحّة.

أمّا عدم المنافاة مع مقتضى العقد فمعلوم، بل لو لا الإجماع كان مقتضى القاعدة اللزوم.

و أمّا الحكم بالصحّة مع عدم إحراز المخالفة فللتقريب المذكور في أمثال المقام حيث

**********

(1) المستمسك / ج 12، ص 268.

ص: 152

إنّ الباقي تحت العام ليس هو الشرط الغير المخالف حتى يستشكل من جهة عدم جريان الأصل، بل الباقي شرط و لم تكن مخالفة بنحو التركيب كاعتبار عدم زيادة الركوع في الركعة حيث إنّ الشاك في زيادة الركوع يجري في حقه أصالة عدم الركوع الزائد، فإن كان المعتبر الركوع بقيد الوحدة لزم البطلان لعدم إثبات الأصل، إلاّ أن يدّعى الانصراف في دليل الاستصحاب عن أمثال المقام.

و لايتوجّه الإشكال بأنّه بعدما كان الشرط تابعاً للعقد فمع عدم لزوم العقد كيف يلزم الشرط من جهة أنّ المعروف عدم وجوب الوفاء بالشرط إذا لم يكن في ضمن عقد، بل هو وعد لايجب الوفاء به و إن التزم بعض الأعاظم قدس سره بلزوم الوفاء به أيضاً، بل قد ينكر صدق الشرط على مثله.

و أمّا إذا كان الشرط في ضمن عقد سواء كان العقد لازماً أو جائزاً يكون مشمولاً لعموم (المؤمنون أو المسلمون عند شروطهم) فيجب الوفاء به، غاية الأمر وجوب الوفاء ما دام الشرط باقياً، فمع انفساخ العقد و ارتفاعه لاشرط حتى يجب الوفاء به».(1)

و أمّا إذا كان الشرط المذكور في عقد المضاربة هو لزوم هذا العقد الذي كان الشرط في ضمنه قال في جامع المدارك: «فمع صحته لزم العقد، و مع لزوم العقد لامجال لارتفاع الشرط».(2)

و ظاهره هو عدم الجزم بصحته حيث قال: فمع صحته لزم العقد... الخ.

و كيف كان فوجه عدم صحة الشرط المذكور، أي شرط اللزوم: إنّ شرط اللزوم - كأن يقال قارضتك سنة على ألاّ أملك منعك فيها أو لاأملك الفسخ فيها أو يكون العقد لازماً ينافي مقتضى عقد المضاربة، فلايكون مع المنافاة نافذاً.

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 407-408.

(2) جامع المدارك / ج 3، ص 408.

ص: 153

يمكن أن يقال: إنّ الجواز و اللزوم من أحكام العقود، فكما يجوز اشتراط الخيار في العقود اللازمة، فكذلك يجوز اشتراط اللزوم في العقود الجائزة، و لم يحرز مخالفة الشرط المذكور مع عقد المضاربة الذي عرفت أنّ مقتضى القاعدة هو لزوم المضاربة، و إنّما يرفع اليد عن ذلك لقيام الإجماع، و هو غير واضح الشمول لصورة الشرط، و لم يحرز أيضاً مخالفة الشرط مع دليل اللزوم أو الجواز بعد احتمال كون الحكم بالجواز أو اللزوم غير ناظر إلى صورة الشرط، خصوصاً في مثل المقام الذي عرفت أنّ دليل الجواز لبّي و هو الاجماع وله القدر المتيقّن.

و إليه أشار في الجواهر في ضمن بعض المناقشات في المسألة حيث قال: «و لاريب في عدم منافاة اللزوم لعقد المضاربة; إذ هو كالجواز في العقد اللازم الذي لاإشكال في صحة اشتراطه.

و من هنا كان له شرطه أي اللزوم في العقد الجائز بعقد لازم آخر و لو أنّه من المنافي لمقتضاه لم يصح ذلك; إذ هو كاشتراطه عدم الملك في البيع، و نظيره هنا عدم ملك العامل الحصّة من الربح، لااشتراط اللزوم في المضاربة».(1)

و لايخفى عليك أنّ ظاهر شرط اللزوم هو شرط الحكم الوضعي لاالتكليفي; لأنّ موضوع الحكم التكليفي هو الفعل كعدم الفسخ لااللزوم.

و ممّا ذكر يظهر ما في كلام السيد المحقّق الخوئي قدس سره حيث قال: «فإن كان الشرط هو عدم الفسخ خارجاً تمّ ما أفاده قدس سره نظراً لكون فعله سائغاً فيجب العمل بالشرط; لقوله صلى الله عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم» لكن يبقى هذا الوجوب تكليفياً محضاً; و لذا لو عصى و فسخ لكان فسخه نافذاً و إن ثبت بذلك للشارط الخيار في العقد اللازم الآخر لتخلّف الشرط.

**********

(1) جواهر الكلام / ج 26، ص 341-342.

ص: 154

و إن كان الشرط هو لزوم المضاربة و عدم مالكيته للفسخ فهو باطل; لكونه مخالفاً للسنّة حيث إنّ عقد المضاربة جائز، فلاينقلب بالشرط إلى اللزوم فإنّ الحكم الشرعي لايتغيّر به، و حينئذ فهل يسري فساده إلى العقد أم لا؟ فيه خلاف. و الصحيح عندنا هو الثاني، فيبقى العقد و يبطل الشرط».(1)

و ذلك لما عرفت من أنّ القدر المتيقّن أنّ الجواز و المالكية للفسخ ممّا تقتضيه السنّة فيما إذا لم يكن شرط في البين، و عليه فلاينافي اللزوم و عدم المالكية بالشرط، فكما أنّ لزوم العقد ممّا يقتضيه السنّة في مثل البيع و مع ذلك يجوز اشتراط الخيار فيه فكذلك في مثل المقام حرفاً بحرف، فتدبّر جيّداً، خصوصاً في المقام حيث إنّ مقتضى القاعدة في المضاربة هو الحكم باللزوم و القدر المتيقّن من الحكم بالجواز بالاجماع هو صورة عدم الاشتراط. و أمّا مع الاشتراط فمقتضى القاعدة لزومها; لعدم ثبوت دليل على رفع اليد عن مقتضى القاعدة.

نعم، لو ثبت إطلاق الإجماع على الجواز بالنسبة إلى حال الشرط فلاإشكال حينئذ في كون الشرط مخالفاً للسنّة، ولكن لادليل عليه، نعم، المستفاد من مفتاح الكرامة أنّ المشهور ذهبوا إلى بطلان العقد فيما إذا اشترط لزوم المضاربة إلى أجل أو مطلقاً حيث قال: «قد صرّح ببطلان العقد... في المبسوط و جامع الشرائع و الشرائع و التذكرة و الايضاح و جامع المقاصد و المسالك. و في الروضة أنّه المشهور... إلى أن قال: و في التحرير و اللمعة أنّه لايصح اشتراط اللزوم، و لعلّهما أرادا أنّه لايجب الوفاء بالشرط. و حاصله أنّه يفسد الشرط و يصح العقد، و عبارة اللمعة كادت تكون صريحة في ذلك، و قد يكونان موافقين للجماعة كما احتمله في الروضة من عبارة اللمعة... إلى أن قال: و لولا

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 45-46.

ص: 155

اتّفاق الكلمة هنا على بطلان الشرط لأمكن القول بصحته، و لانسلّم منافاته لمقتضى العقد، فليتأمّل».(1)

و لايخفى أنّ دعوى شهرة القدماء على بطلان العقد أو الشرط مع خلوّ أكثر عبارات القدماء لاتوجب رفع اليد عمّا ذكر من صحة الشرط و العقد. ولكن مع ذلك لايترك الاحتياط في شرط اللزوم.

100

المسألة الخامسة: في ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره
اشارة

ذهب المشهور إلى أنّ العامل يملك حصّته من الربح بمجرّد ظهوره من غير توقّف على الانضاض أو القسمة لانقلاً و لاكشفاً.

و استدلّ له بوجوه منها: انّ مقتضى اشتراط كون الربح بينهما أن يكون ملكاً لهما بدعوى أنّ زيادة القيمة السوقية في الأموال التي تعدّ للتجارة تعتبر ربحاً لدى العقلاء سواء بيع المتاع أو لم يبع; و لذا ذهب جماعة من الأصحاب إلى وجوب خمسها و لو قبل الانضاض.(2)

و أورد عليه في الجواهر بأنّ «الربح حقيقة ما زاد على عين الأصل الذي هو رأس المال، و قيمة الشيء أمر وهمي لاوجود له ذمّة و لاخارجاً، و إنّما هو من فروض الذهن، و بذلك افترقت عن الدين الذي هو و إن كان كلّياً إلاّ أنّه مال شرعاً و عرفاً موجود في الذمّ ، بخلاف قيمة الشيء و عدم انحصار المال في النقد، بل هو و العرض مال لايقتضي تحقّق الربح حقيقة بعدما عرفت أنّه حقيقة الزائد على عين رأس المال المتوقّف على تحقّق رأس المال في الخارج. و لايكفي فيه كون الشيء يساوي مقدار رأس المال; ضرورة عدم صيرورته بذلك عين رأس المال.

**********

(1) مفتاح الكرامة / ج 7، ص 425-426.

(2) ذكر السيد المحقق اليزدي قدس سره تفصيل ذلك في مسألة 174 من كتاب المضاربة، فراجع.

ص: 156

نعم، قد يطلق على مثل ذلك أنّه ربح تسامحاً بناء على أصل السلامة. و إمكان الانضاض في سائر الأوقات و نحو ذلك ممّا يخرجه من القوة إلى الفعل و حيث كانت قريبة إليه اُطلق عليه اسم الربح... إلى أن قال: نعم، لابأس أن يقال: إنّه بالظهور ملك العامل أن يملك بمعنى أنّ له الإنضاض و لو قدر رأس المال، فيتحقق الربح حينئذ و يتبعه تحقّق الملك و به يورث و يضمن التالف له و غير ذلك».(1)

و لازم ما ذهب إليه صاحب الجواهر من أنّ صدق الربح مسامحي أنّه لاوجه لوجوب الخمس أيضاً مع ارتفاع القيمة السوقية، قبل البيع; لعدم صدق الفائدة و عدم صدق التكسّب حقيقة قبل الانضاض.

و لذلك قال في جامع المدارك: «فمع منع صدق الفائدة هناك كيف يسلم في المقام صدق الربح و شركة العامل في العين الموجودة، و لازم الشركة في المقام شركة صاحب الخمس هناك إن قلنا في باب الخمس بالشركة أو بنحو الكلّي في المعيّن، كما أنّه لم يظهر الفرق في باب الخمس بين اشتراء الشيء بقصد التجارة و ارتفاع القيمة و بين الاشتراء بقصد الاقتناء و ارتفاع قيمته في صدق الفائدة... إلى أن قال: فيمكن المناقشة بمنع صدق الربح قبل الانضاض كما منع في باب الخمس»(2).

و جعل في المستمسك عدم صدق الربح قبل الانضاض ممّا يقتضيه العرف و اللغة في الجملة، و قال: «و لذلك كان المعروف بينهم عدم وجوب الخمس في ارتفاع القيمة»(3).

ولكن يمكن أن يقال: إنّ الربح بمعنى ازدياد المالية عند ارتفاع القيمة في الأموال المعدّة

**********

(1) جواهر الكلام / ج 26، ص 375.

(2) جامع المدارك / ج 3، ص 414.

(3) المستمسك / ج 12، ص 337.

ص: 157

للتجارات صادق عند العقلاء و معتبر و إن لم يصدق الربح بالمعنى الذي ذكره في الجواهر، و مقتضى صدق الربح هو شركة العامل فيه إلاّ أن شركته ليست في نفس العين، بل تكون في مالية العين.

و لعلّ إليه يؤول ما في المستمسك حيث قال: «إنّ المراد من الربح في باب المضاربة الذي يشترك فيه المالك و العامل الحصّة من العين الزائدة على مقدار رأس المال ماليةً ، لاالربح بالمعنى اللغوي و العرفي كما يقوله في الجواهر كي يتوجّه عليه ما ذكره من الإشكال...

و الشاهد على ذلك أنّه لايجوز للمالك عندهم أن يفسخ المضاربة عند ظهور الربح، و يستقلّ بالعين و يطرد العامل محتجاً بعدم حصول الربح، بل يرون أنّ العامل شريك في العين على حسب حصته من المالية، و ظنّي أنّ ذلك واضح»(1).

و كيف كان فتوضيح ذلك أنّ الصفات الذاتية للشيء توجب رغبة الناس نحوها، فإذا كان الشيء كثيراً بحيث يمكن تناوله لكلّ أحد فلايحتاج النيل إليه إلى بذل مال بازائه. و أمّا إذا كان الشيء قليلاً أو كثرت رغبة الناس إليه بحيث لايمكن تناوله لكلّ أحد اعتبر له عند العقلاء المالية بمعنى أنّه يبذل بازائه مال، و هذه المالية اعتبارية فعلية عند العقلاء و ناشئة عن الامور الذاتية ورغبة الناس، و تختلف باختلاف مقدار التنافس و الرغبات و هي فعلية لابالقوة.

و عليه، فالربح بمعنى ازدياد مالية رأس المال حاصل بالفعل و إن لم يكن الربح بالمعنى اللغوي و العرفي بمعنى ازدياد عين رأس المال حاصلاً إلاّ بالانضاض و عليه فإن كان مقصود المشهور هو الاشتراك في المالية لاالاشتراك في العين فهو صحيح و يمكن

**********

(1) المستمسك/ ج 12، ص 339.

ص: 158

الاستدلال له مضافاً إلى إطلاقات «و الربح بينهما» في صحيحة بن أبي عمير عن محمّد بن ميسر (قيس) قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: رجل دفع إلى رجل ألف درهم للمضاربة فاشترى أباه و هو لايعلم فقال: «يقوّم فإن زاد درهماً واحداً انعتق و استسعى في مال الرجل»(1) لحكمه بالعتق قبل الانضاض بمجرّد تقويم المالية مع أنّه لاعتق إلاّ في ملك فعلم منه أنّ الاشتراك حاصل بازدياد المالية قبل الانضاض، و هو يكفي في صحة الانعتاق، و لاحاجة في الاشتراك إلى الانضاض كما لايخفى.

لايقال: الاشتراك في المالية من دون الاشتراك في العين لايكفي في صحة الانعتاق; لعدم ملكية العين.

لأنّا نقول: اكتفى الشارع بملكية المالية ترجيحاً لجانب العتق.

و يؤيّد ما ذكرناه: الحكم بضمان القيمة في القيميات عند الإتلاف مع تعذّر أداء الشيء التالف بعينه و مثله; فإنّه شاهد على كون القيمة ليست أمراً وهمياً، و إلاّ فلاوجه للحكم بضمانها مع كونها أمراً وهمياً، بل اللازم هو اشتغال ذمّته بالعين حتى يتمكّن من أدائها.

و أيضاً يؤيّد ما ذكره حكمهم بعدم جواز أن يفسخ المالك المضاربة عند ظهور الربح و ازدياد المالية و يستقلّ بالعين و يطرد العامل محتجّاً بعدم حصول الربح، بل يرون العامل شريكاً في المالية على حسب حصته كشركة الزوجة في مالية الأعيان غير المنقولة.

ثم إنّ مقتضى ما ذكر هو وجوب الخمس أيضاً بارتفاع القيمة و ازدياد المالية عند حلول حول الخمس ولو قبل البيع و حصول ازدياد عين رأس المال; لصدق زيادة مالية العين عند العقلاء و إن لم تزد عين رأس المال; و لذا حكم العرف بصيرورة الفقير غنياً بازدياد مالية العين من دون انتظار الانضاض، و هذا أمر عليه بناء العقلاء في كلّ عصر

**********

(1) الوسائل/ ج 19، ص 26، ب 8 من المضاربة، ح 1.

ص: 159

و زمن، و حيث إنّه في مرأى و منظر الشارع كان سكوت الشارع عن ردعه تقريراً لذلك، فتدبّر جيداً.

و ممّا ذكر يظهر إمكان أن يقال: لو لم يكن الاجماع على الخلاف بضمان ارتفاع القيمة في الأعيان المغصوبة كما إذا ارتفعت قيمة المغصوب في حال الغصب ثمّ انخفضت فردّه الغاصب بدعوى أنّ القيمة الزائدة هو مال أتلفه الغاصب، فيشمله قوله عليه السلام: «من أتلف مال الغير فهو ضامن». و لايكفي مجرّد ردّ العين.

ولكن الظاهر من كلمات الأصحاب أنّه لايكون ضامناً، و ربّما يعلّل ذلك بأنّ المال هو العين، و لايشمل ارتفاع القيمة، ولكنّه كما ترى في مثل مال التجارة; لأنّ المال صادق على ارتفاع القيمة الذي اعتبر أمراً حاصلاً بالفعل، كما يشهد له تعلّق الخمس.

و دعوى: أنّ المال في قوله: من أتلف مال الغير فهو ضامن عنوان مشير إلى ذات المال، و لانظر له إلى المالية.

مندفعة: بأنّ الحمل على العنوان المشير خلاف الظاهر، و لو سلّم ذلك فلاخصوصية للذات، و يمكن التعدّي عنه، ولكن المسألة محلّ تأمّل، و بقية الكلام في باب الغصب.

ثمّ إنّه لايذهب عليك أنّ قولنا بأنّ العامل يصير بظهور الربح شريكاً في المالية لاعين رأس المال يرفع الاشكال الذي ورد على القول بشركة العامل في العين بظهور الربح و هو أنّ مقتضى الشركة في العين هو أن يكون العامل سهيماً في الربح الآتي بنسبة سهمه من رأس المال زائداً على سهمه من الربح من جهة المضاربة في سهم صاحب رأس المال مع أنّهم لايلتزمون به.

و هكذا للزم الشركة في العين بظهور الربح هو أن تكون الخسارة الواردة على العين مشتركة بين المالك و العامل; لأنّ العامل حينئذ يكون شريكاً في عين المال مع أنّهم لايلتزمون به، فالشركة في العين بظهور الربح أمر خلاف القاعدة.

ص: 160

مع أنّ المضاربة من المعاملات العقلائية الرائجة، و حيث إنّهم لم يجعلوا العامل سهماً في الربح الآتي بنسبة سهمه من ارتفاع قيمة رأس المال بعد حصول الربح و لم تقسّم خسارة العين بينه و بين المالك فانكشف أنّ الشركة ليست إلاّ في المالية بحسب ارتفاع القيمة.

ثم إنّ مقتضى الشركة في ارتفاع القيمة و إن كان هو الملكية بالنسبة إلى سهمه من الارتفاع، ولكن هذه الملكية تكون متزلزلة; لكون الربح بالمعنى المذكور وقاية لرأس المال.

و مقتضى ذلك: أنّه لو عرض بعد ذلك خسران أو تلف يجبر به إلى أن تستقرّ ملكيته، و الاستقرار لايحصل إلاّ بالانضاض و الفسخ و القسمة، و لعلّ وجه عدم الاستقرار قبل هذه الاُمور كما في مباني العروة الوثقى «أنّ المجعول في عقد المضاربة للعامل ليس هي الحصة من الربح في كلّ معاملة بعينها، و إنّما هي الحصة من الربح من حيث مجموع التجارات. و عليه، فما دامت التجارة باقية و مستمرة يكون الخسران بأجمعه وارداً على الربح السابق عليه و منجبراً بالذي يحصل بعده; نظراً لعدم صدق ربح مجموع التجارة من حيث إنّه مجموع على الزائد قبل ذلك، كما هو واضح.

و من هنا فلاحاجة في الحكم إلى الدليل الخاص; إذ يكفي فيه كونه مقتضى عقد المضاربة بحدّ ذاته».(1)

ثمّ لاتنافي الملكية المتزلزلة مع صحة تصرّفات العامل في سهمه من الربح أي ارتفاع القيمة كالبيع أو الصلح أو نحوهما و تعلّق الإرث و تعلّق الخمس و حصول الاستطاعة للحج و تعلّق حق الغرماء به و وجوب صرفه في الدين مع المطالبة إلى غير ذلك; إذ لايشترط في صحة هذه التصرّفات الاستقرار، بل يجوز للعامل أن يطالب بالقسمة و إن كانت موقوفة على رضا المالك، كما لايخفى.

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 107.

ص: 161

101

تنبيه: في ان المضاربة تارة تقوم على اساس صفقة تجارية خاصة و اخرى على اساس انشاء مشروع كامل

قال الشهيد الصدر قدس سره: «المضاربة التي تتمّ بواسطة البنك تارة تقوم على أساس صفقة تجارية خاصّة و اُخرى تقوم على أساس إنشاء مشروع كامل. فعلى الحالة الاُولى يكون المال موظّفاً في عملية محدودة و عادة تكون قصيرة، أي تظهر نتائجها في فترة قصيرة، و إذا لم تظهر نتائجها في بداية تاريخ تسديد البنك لحساباته فيكفي أن تظهر خلال الفترة التي تمرّ بين تسديد الحسابات و ظهور الميزانية و إكمالها.

و إذا افترضنا أنّ بعض المضاربات التي تمّت قبيل اختتام السنة المالية لم تظهر نتائجها حتى في هذه الفترة فيمكن للبنك التحديد التقديري للربح; لأنّه يعرف كما تقدّم نوع العملية و يملك فكرة عن سيره إلى ذلك الحين، فيستطيع أن يقدّر نتائجها و يتصرّف على أساس هذا التقدير.

و أمّا الحالة الثانية فيمكن للبنك أن يفرض على المشروع القائم على أساس المضاربة التي تمّت على طريقة أن تتوافق سنته المالية مع السنة المالية للبنك.

و هناك حالات لايمكن للبنك فيها إلزام المؤسسة الطالبة للتمويل بالالتزام بسنته المالية كما إذا كان المشروع قائماً و له سنة مالية تختلف عن سنة البنك ويصعب عليه تغييرها أو حين يكون المشروع موسمياً و متخصّصاً بصنع و بيع مادة شديدة الموسمية و كان اختتام السنة المالية للبنك يتّفق مع الذروة في أعمال المشروع.

و العلاج في هاتين الحالتين هو أنّ الأرباح التي ستظهر في ميزانيات هذه المشاريع ستحسب ضمن أرباح السنة التي ظهرت فيها الميزانيات. و هذا لن يسبّب سوءً في التوزيع إلاّ في السنة الاُولى، و أمّا بقية السنين فإنّه ستتعادل بصورة تقريبية الأرباح التي ستحسب خلال السنة القادمة و هي تعود لهذه السنة مع الأرباح التي احتسبت ضمن

ص: 162

أرباح هذه السنة و هي تعود للسنة الماضية، و أمّا العميل المودع (المضارب) إمّا ينتظر إلى السنة القادمة أو يتصالح المودع مع البنك على مبلغ معيّن كمقابل للربح المحتمل ظهوره في السنة القادمة من هذه المشاريع».(1)

المسألة السادسة: في اشتراط ان يكون الاسترباح في المضاربة بالتجارة

102

إنّه قد اشترطوا في المضاربة أن يكون الاسترباح بالتجارة، و أمّا إذا كان الاسترباح بغيرها كأن يدفع إلى العامل ليصرفه في الإنتاج أو بناء المساكن أو تعبيد الطرق ونحوها فلاتصح المضاربة; لاختصاص أدلّتها على ما يستفاد منها بالاسترباح بالتجارة.

أورد عليه بعض الأعلام بأنّه لادليل لذلك إلاّ الأخذ بالقدر المتيقّن، مع أنّه لاوجه له بعد كون الدليل دليلاً لفظياً لالبّياً وله الإطلاق، مضافاً إلى إمكان الاستدلال بالعمومات الدالّة على وجوب الوفاء بالعقود، فإنّ مقتضاها هو صحة جميع العقود العقلائية إلاّ ما خرج بالدليل، فلو لم تشمل أدلّة المضاربة هذه الصورة كفت العمومات في صحتها سواء اُطلق عليها المضاربة أو لا.(2)

و فيه:

أوّلاً: منع إطلاق الأدلّة الواردة في المضاربة بحيث يشمل جميع الموارد المذكورة; لأنّ عنوان التاجر في مثل قوله: «من اتّجر مالاً... الخ» و هو الذي يبيع و يشتري لايشمل مثل المزارعة و المساقاة و الإجارة لتعبيد الطرق و نحو ذلك، لأنّ الظاهر من معنى التاجر المأخوذ في المضاربة أنّ عمله هو البيع و الشراء، فالمعاملات المذكورة و إن لم تخل عن البيع و الشراء، ولكنّها ليست بتجارة بالمعنى الأخص للذي يكون عمله منحصراً في التجارة.

**********

(1) البنك اللاربوي في الاسلام/ ص 54-56.

(2) راجع مجلّة فقه أهل البيت / عدد 7 من السنة الثانية أحكام البنوك، ص 69.

ص: 163

و عليه، فلايشمل عنوان المضاربة بالمعنى المذكور مثل شراء المواد الغذائية و طبخها و تركيبها و بيعها أو شراء الآلات و الأدوات و المواد و تركيبها و إنتاج أشياء كالسيارات و نحوها و بيعها; و ذلك لأنّ الظاهر من كلمة الذي يبيع و يشتري في تفسير التاجر هو الذي يكون عمله البيع و الشراء من دون احتياج إلى توليد و تركيب و إعمال عمل آخر.

لايقال: لايمكن الالتزام بذلك مع تفسير التجارة في قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) بأرباح المكاسب من أيّ طريق، و لذا ذهبوا إلى وجوب الخمس فيها، و لاتُحمل التجارة في الآية الكريمة على التجارة بالمعنى الأخص و غلبة وجود التجارة بنفس البيع و الشراء لاتوجب الانصراف. هذا، مضافاً إلى إمكان منع الغلبة، كما لايخفى.

لأنّا نقول: استعمال التجارة في الآية في الأعمّ بقرينة كونها في مقام بيان الأسباب الباطلة و الأسباب الصحيحة لايكون موجباً لرفع اليد عن ظهور المضاربة في التاجر الذي يكون عمله البيع و عليه و الشراء، فمثل قوله عليه السلام في صحيحة محمد بن قيس: «من اتّجر مالاً و اشترط نصف الربح فليس عليه ضمان»(1) لايصدق على مطلق الاتّجار بالمال سواء كان ذلك بمجرّد البيع و الشراء أو مع ضميمة إعمال عمل أو إنتاج، بل المراد هو الذي يكون البيع و الشراء عمله و حرفته.

و لذا ذهب السيد المحقّق الخوئي قدس سره إلى اختصاص المضاربة على ما يستفاد من نصوصها بالاسترباح بالتجارة.(2)

ثمّ إنّ المحكيّ عن العلاّمة الحلّي في التذكرة أنّه قال: «شرط العمل في المضاربة أن

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 21، ب 3 من المضاربة، ح 2.

(2) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 29.

ص: 164

يكون تجارة، فلاتصح على الأعمال كالطبخ و الخبز و غيرهما من الصنائع; لأنّ هذه أعمال مضبوطة يمكن الاستئجار عليها، فاستغني بها عن القراض فيها، و إنّما يسوغ القراض فيما لايجوز الاستئجار عليه، و هو التجارة التي لايمكن ضبطها و لامعرفة قدر العمل بها و لاقدر العوض و الحاجة داعية إليها و لايمكن الاستئجار عليها، فللضرورة مع جهالة العوضين شرّع عقد المضاربة».(1)

ولكن لايخلو ذلك عن الإشكال; فإنّ عدم جواز المضاربة في الأعمال لما ذكرناه من اختصاصها بالتجارة بالمعنى الأخص، و هو الذي يكون عمله البيع و الشراء، لالما أشار إليه من أنّ هذه الأعمال مضبوطة و المضاربة فيما إذا لم تكن الأعمال مضبوطة، و إلاّ فهو قابل للمنع; لجواز المضاربة أيضاً فيما إذا كان نوع التجارة و العمل فيها مضبوطاً، و لادليل على انحصار المضاربة في غير المضبوطة من الأعمال.

و ثانياً: إنّ التمسّك بمثل قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الدالّ على وجوب الوفاء بالعقد في المقام محلّ نظر و إشكال; فإنّ المضاربة من العقود الجائزة، فلايصلح الاستدلال عليه بما يدلّ على اللزوم و الوجوب.

نعم، يمكن الاستدلال بمثل قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) فإنّ التجارة بالمعنى الأعمّ تصدق على المذكورات ولو لم تشملها الأدلّة الخاصّة الواردة في المضاربة، و مقتضى شمولها للمقام هو الحكم بالصحة و إن لم تكن بمضاربة اصطلاحية.

و لذلك لم يستبعد السيد المحقق اليزدي قدس سره في الشرط التاسع من شروط المضاربة شمول العمومات للاسترباح بغير التجارة بالمعنى الخاص، كأن يدفع إلى العامل ليصرفه في الزراعة مثلاً و يكون الربح بينهما، فراجع.(2)

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 29.

(2) العروة الوثقى / ج 5، ص 150.

ص: 165

ولكن أورد عليه السيد المحقق الخوئي قدس سره بأنّ الأخذ بالعمومات بعيد; لعدم تمامية العمومات و احتياج الحكم بالصحة في هذه المعاملات الى الدليل الخاص، و حيث إنّه مفقود فالقاعدة تقتضي البطلان.(1)

و ذكر في وجه البطلان بحسب القاعدة و بُعد الأخذ بالعمومات أمرين، حيث قال: و الذي ينبغي أن يقال: إنّ العقد الواقع في الخارج قد يكون من قبيل البيع و الإجارة و نحوهما ممّا يكون التمليك من كلّ من الطرفين للآخر تمليكاً لما يملكه.. و فيه لامانع من التمسّك بعمومات التجارة، و قد تمسّكنا بها لإثبات صحة المعاملة المعاطاتية.

و قد لايكون كذلك، بألاّ لايكون فيه تمليك من أحد الطرفين ماله للآخر كالمضاربة و المزارعة و المساقاة حيث لايملّك المالك العامل إلاّ حصة من الربح، و هي غير متحققّة بالفعل; لأنّه لايملك إلاّ أصل ماله، فكيف يصح تمليكها لغيره، و فيه فالقاعدة تقتضي البطلان، و لاعموم يقتضي صحته. و عليه، فيكون تمام الربح للمالك; نظراً لتبعية المنافع للأصل.

و كون بعضه للعامل رأساً و ابتداء(2) على خلاف القاعدة في العقود; إذ مقتضاها كون العوض لمن له المعوّض، فمن يبذل المثمن له الثمن و العكس بالعكس، فلاوجه لكون بعضه للعامل.

و انتقاله آناً ما إلى ملك المالك و من ثمّ إلى العامل و إن كان معقولاً إلاّ أنّه على خلاف قانون المضاربة و المزارعة و المساقاة(3)... إلى أن قال: و الحاصل إنّ الصحة

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 29.

(2) . أي بدون الحاجة إلى تمليك المالك.

(3) بل هو مقتضى الجمع بين البيع و المضاربة، كما صرّح به نفسه في المباني (12/3).

ص: 166

في هذه الموارد تحتاج إلى دليل خاص، فإن كان فهو، و إلاّ فالقاعدة تقتضي البطلان، نظير ما تقدّم في إجارة الأرض بحاصلها أو بيع ما سيرثه من مورّثه; فإنّها غير مشمولة لأدلّة التجارة عن تراض، و صحتها على خلاف القاعدة، فلابدّ لإثباتها من دليل خاص. على أنّ المضاربة تزيد على غيرها في الإشكال بأنّها لاتنحصر غالباً بالتجارة مرّة واحدة، بل تكون من التجارة المستمرّة و المتعدّدة.

و على هذا، فلو فرض أنّ رأس المال مئة دينار و كان للعامل نصف الربح، فاتّجر العامل به و اشترى سلعة بمئة دينار ثمّ باعها بمئتي دينار كان مقتضى العقد اختصاص المالك بمئة و خسمين ديناراً و اختصاص العامل بخمسين ديناراً فقط، فلو اشترى بعد ذلك شيئاً بمئتي دينار ثمّ باعه بأربعمئة دينار، فمقتضى العقد أن يكون للعامل مئة و خمسون ديناراً و للمالك مئتان و خمسون ديناراً فقط، و هو مخالف للقاعدة، حيث إنّ المئتي دينار الحاصلة من التجارة الثانية إنّما هي ربح لمجموع خمسين ديناراً (حصّة العامل) و مئة و خمسين ديناراً (حصّة المالك)، و مقتضى القاعدة أن يكون ربع هذا المبلغ له و الثلاثة أرباع الباقية بينه و بين المالك. و هذا يعني أن يكون للعامل من مجموع الأربعمئة مئة و خمسة و سبعون ديناراً و للمالك منه مئتان و خمسة و عشرون ديناراً فقط.

و الحال إنّه لايأخذ إلاّ مئة و خمسين ديناراً، و لازمه أن يكون ربح العامل أيضاً مناصفة بينه و بين المالك، و هو على خلاف القاعدة; حيث إنّ المالك لم يعمل فيه شيئاً، بل ذلك المال حصّة العامل بتمامه و العمل فيه من العامل، فلاوجه لأن يكون للمالك نصف ربحه.

و من هنا فلو كنّا نحن و القاعدة و لم يكن هناك دليل على الصحة لالتزمنا بفساد عقد

ص: 167

المضاربة بقول مطلق، و إنّما قلنا بالصحة فيها للنصوص الخاصة... الخ».(1)

و يمكن أن يقال:

أوّلاً: إنّ التمليك الفعلي معتبر في البيع لافي المضاربة; إذ حقيقتها عند العقلاء هو تمليك الربح على تقدير وجوده، لاتمليك الملك الفعليّ الوجود، و تمليك الربح على تقدير وجوده في مقابل عمل العامل يكون من التجارات بالمعنى الأعم.

و عليه، فلامانع من الأخذ بعموم قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ )، و مع دلالة العموم و شموله للمقام لامجال للأخذ بمقتضى القاعدة و الحكم بالبطلان، كما لايخفى.

وثانياً: إنّ ما ذكره السيد المحقّق الخوئي قدس سره من أنّ مناصفة ربح سهم العامل في المعاملات الثانية و الثالثة... بين العامل و المالك مع أنّ المالك ليس له عمل يستحق ذلك خلاف القاعدة، و مع كونها خلاف القاعدة يحتاج نفوذها إلى دليل خاص، فلايكفي فيه الأخذ بالعمومات.(2)

منظور فيه; لإمكان أن يقال: إنّ سهم العامل في المعاملة الاُولى من الربح متزلزل و معلّق على عدم حصول ربح في المعاملة الثانية، فإذا حصل ربح في المعاملة الثانية تبدّل سهم العامل منه إليه كأنّه لم يقع ربح في المعاملة الأولى، و عليه ففي المثال المذكور كان رأس المال في المعاملة الاُولى مئة دينار، فإذا باع ما اشتراه بها بمئتين كان سهم العامل هو خمسون ديناراً، فإذا اشترى بمئتين شيئاً و باعه بأربعمئة صار سهمه من الربح الأول كأن لم يكن، و يحتاج حينئذ إلى ملاحظة مجموع الربح في المعاملات المتتالية، و المجموع من

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 17-18.

(2) انظر مباني العروة الوثقى (المضاربة) / ص 18-19.

ص: 168

الربح بالنسبة إلى أصل رأس المال هو ثلاثمئة دينار، فيكون نصفها للعامل، و هو مئة و خمسون ديناراً، و هكذا في المعاملات التي وقعت بعدها.

و عليه، فكلّ ربح سابق صار بالنسبة إلى ربح لاحق كأن لم يكن حتى تنتهي مدّة المضاربة، فيلاحظ الربح الأخير و يقسّم بين العامل و المالك على ما عقدا عليه، و يعبّر عنه بالملكية المتزلزلة، و نظيره هو الخمس، فإنّ الخمس بمجرّد ظهور الربح واجب، و إنّما أرفق الشارع في أدائه إلى آخر السنة، و مع ذلك لم يجعل مستحقّي الخمس شركاء في المعاملات الواقعة أثناء السنة إلى آخرها، و لاتحتاج المعاملات إلى إمضائهم أو إجازة الحاكم، و ليس ذلك إلاّ لتبدّل سهمهم من السابق إلى اللاحق و صيرورة السابق كأن لم يكن.

كما أنّ الأمر أيضاً كذلك بالنسبة إلى الخسارات الواردة، فإنّ الأرباح العائدة في طول السنة في باب المضاربة و في باب أرباح المكاسب وقاية لرأس المال، و معنى الوقاية أنّ ملكية تلك الأرباح بالنسبة إلى العامل أو مستحق الخمس ملكية متزلزلة، فإذا حصلت الخسارة نقصت من الأرباح و تدارك نقص رأس المال إلى آخر السنة، فإن زاد شيء بعد جبران رأس المال فهو يقسّم بين العامل و المالك طبقاً للعقد و يكون خمسه لأرباب الخمس.

ثمّ لافرق في ذلك بين ما ذهب إليه المشهور من أنّ العامل صار شريكاً في العين بظهور الربح و بين ما ذكرناه من إمكان أن يكون العامل شريكاً في المالية; لجواز أن يجاب عن إشكال خلاف القاعدة بكون الملكية ملكية متزلزلة في مثل المضاربة و الخمس، و الملكية المتزلزلة أمر اعتبرها العقلاء كسائر الاعتبارات، و مع كونها معتبرة عندهم فلاوجه لإنكار شمول العمومات للمقام بدعوى أنّها خلاف القاعدة.

ص: 169

و لافرق في الملكية المتزلزلة بين أن تكون الملكية بالنسبة إلى العين أو المالية; لأنّ الملكية بالنسبة إلى المالية أيضاً تحتاج إلى تبدّل شركتها في المالية من المعاملة الاُولى إلى المعاملة الثانية، و هكذا إلى أن تنتهي المعاملات بانقضاء وقت المضاربة.

و من الجدير بالذكر أنّه لايرد على الشركة في المالية ما يرد على الشركة في العين; لأنّ العين للمالك، و لاسهم للعامل فيها، كما لايخفى.

ولكن الإنصاف أنّ المضاربة في الأحكام المذكورة خلاف القواعد، و لابناء من العقلاء على المضاربة بهذه الكيفية، و التمسّك بالعمومات فيها مشكل.

نعم، لابأس بالتمسّك بالعمومات في المضاربة العرفية إن كانت، و الحكم بالصحة من باب مطلق التجارة، لامن باب المضاربة الشرعية و التجارة بمعناها الأخص.

و عليه، فالمضاربة العرفية لاتوجب عند العقلاء الشركة بظهور الربح ولو بالنسبة إلى المالية، بل الشركة بعد حصول الربح و كسر الخسارة.

و المضاربة العرفية كالضمان العرفي عقد، و هو غير المضاربة الشرعية. و عليه، فلايترتّب عليه أحكام المضاربة الشرعية; لعدم انطباقها مع القاعدة، فتأمّل فإنّ المسألة مشكلة.

المسألة السابعة: في لزوم كون الربح في المضاربة مشاعا بين العامل و المالك

103

إنّ المستفاد من الأدلّة الواردة في المضاربة هو لزوم كون الربح مشاعاً بينهما، فلو جعل لأحدهما مقداراً معيّناً و البقية للآخر أو البقية مشتركة بينهما لم تصح; لظهور النصوص في كون الربح بينهما على وجه الاشتراك بنحو الإشاعة.

و عليه، فجعل مقدار معيّن يكون منافياً لمفهوم عقد المضاربة بحسب ما ورد في الأخبار، منها صحيحة محمّد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يعطي

ص: 170

المال مضاربة و ينهى أن يخرج به فخرج ؟ قال: «يضمن المال و الربح بينهما».(1) و نحوها صحيحة الحلبي(2) و صحيحة الكناني(3) و صحيحة جميل.(4)

و موثّقة إسحاق بن عمّار عن أبي الحسن عليه السلام قال: سألته عن مال المضاربة ؟ قال: «الربح بينهما، و الوضيعة على المال»(5) و غير ذلك من الأخبار.

و في قبالها ما رواه في قرب الإسناد عن عبدالله بن الحسن عن عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل أعطى عبده عشرة دراهم على أن يؤدّي إليه العبد كلّ شهر عشرة دراهم ؟ قال: «لابأس».(6) ولكن الرواية ضعيفة و لم يعمل بها أحد.

و كيفما كان فظاهر هذه الأخبار هو أنّ ربح المال يكون بينهما، و مقتضى إطلاق اسم الجنس هو أنّ الربح بجميعه يكون كذلك، و عليه فلايجوز تعيين مقدار معيّن لأحدهما و البقية للآخر أو البقية مشتركة بينهما; لأنّ ذلك ينافي كون ربح المال بجميعه بينهما.

و ممّا ذكر يظهر ضعف ما في مباني العروة الوثقى حيث قال: «لايستفاد من أدلّة المضاربة كون كلّ جزء من الربح مشتركاً بينهما كما قيل، و إنّما المستفاد منها أنّ مجموع الربح يكون بينهما في قبال اختصاص أحدهما به، و هو صادق في المقام أيضاً إذا استثنى المالك لنفسه عشرة دنانير مثلاً على أن يكون باقي الربح بينهما مناصفة كان مرجع ذلك

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 15، ب 1 من المضاربة، ح 1.

(2) المصدر السابق / ح 2.

(3) المصدر السابق/ ص 17، ح 6.

(4) المصدر السابق/ ص 18، ح 9.

(5) الوسائل / ج 19، ص 22، ب 3 من المضاربة، ح 5.

(6) الوسائل / ج 19، ص 18، ب 1 من المضاربة، ح 12.

ص: 171

إلى المضاربة بالمال على أن يكون للعامل نصف الربح إلاّ خمسة دنانير، و هو لامحذور فيه مع الوثوق بزيادة الربح على عشرة دنانير; لصدق كون الربح بينهما مشتركاً و مشاعاً».(1)

و ذلك لما عرفت من أنّ ظاهر قوله عليه السلام: «الربح بينهما» أنّ جنس الربح يكون بينهما، و هو ظاهر في إشاعة كلّ جزء جزء من الربح، و لايتناسب مع استثناء جزء من الربح لصاحب المال، و اعتبار المجموع في قوله: «الربح بينهما» خلاف ظاهر الإطلاق، و يحتاج إلى مؤونة زائدة.

و ممّا ذكرنا يظهر الإشكال في جعل مقدار معيّن من أصل المال ك - (20) للمالك بعنوان الربح في المضاربة; فإنّ هذا مضافاً إلى كونه من أصل المال لامن الربح - تعيين سهم المضارب من الربح مقطوعاً مهما كان مقدار الربح، و قد عرفت أنّ المستفاد من الأخبار هو أنّ الربح بجميعه يكون مشاعاً بينهما.

و دعوى: أنّه يمكن تصحيح المضاربة إذا كانت على المقدار المعيّن للمضارب بتوكيل المضارب العامل في تعيين أيّ سهم مشاع أراده لنفسه و بتوكيله العامل بعد ذلك في المصالحة على السهم المعيّن الذي يؤدّيه إلى المضارب شهرياً مثلاً، و حينئذ يجوز أخذ المضارب المقدار المعيّن أو الأقلّ منه من العامل قبل حصول الربح دفعة، بمعنى أنّه يأخذه قرضاً حتى حين حصول الربح ثمّ ينقص منه المقدار المأخوذ و يصالح عليه.

مندفعة: بأنّ لازم ذلك أنّ المضاربة لم تقع حين التوكيل، بل غايته هو الوعد بوقوعها بتعيين الوكيل، و هو كما ترى.

فالأولى هو أن يقال في مقام التصحيح: إنّ تعيين المقدار المعيّن حين المضاربة طريق

**********

(1) مباني العروة الوثقى/ ج 3، ص 26.

ص: 172

إلى سهمه الكسريّ الذي يعادله واقعاً من الربح و يكشفه العامل بتوكيل المضارب إيّاه، و الغرر و إن كان لازماً حين المضاربة، ولكنّه ليس بمنهيّ عنه في جميع المعاملات، فتدبّر جيّداً.

المسألة الثامنة: في اشتراط البنك على المودعين ان يتازلوا عما يزيد من حصتهم الواقعية عن الحصة التى تقررلهم بموجب كون الاستثمار في اوقات مختلفة

104

إذا افترضنا أنّ البنك يستثمر الودائع الثابتة جميعاً في وقت واحد بحيث تظلّ جميعاً فترة معيّنة قيد الاستثمار جاز تحديد نصيب كلّ وديعة من مجموع الربح بنسبة كمّيتها إلى مجموع الودائع الثابتة المستثمرة خلال العام، و لاإشكال فيه إلاّ أنّ هذا الافتراض نادر جدّاً; لأنّ البنك لايجمع الودائع الثابتة كلّها و يدفع بها إلى مجال الاستثمار في وقت واحد بل في أوقات مختلفة.

فاللازم هو الكلام في الشائع، فإن قلنا بأنّ النصيب ملحوظ من لحظة الإيداع إلى لحظة السبح بحساب نسبته إلى الربح، قال الشهيد الصدر قدس سره: «إنّ هذا يبعدنا عن فكرة المضاربة الإسلامية; لأنّ الدخل القائم على أساس المضاربة ينتج عن استثمار المال و الاسترباح به، و هو بهذا يختلف عن الربوي القائم على أساس القرض باسم الفائدة، فإذا أدخلنا اليوم الأوّل لإيداع الوديعة الثابتة في حساب الأرباح بالرغم من أنّ الوديعة في هذا اليوم لم يطرأ عليها أيّ استثمار كان معنى هذا أنّا اقتربنا من طبيعة الدخل القائم على أساس الفائدة و ابتعدنا عن طبيعة الدخل القائم على أساس المضاربة الإسلامية.

و لهذا نقترح أن يقيّم البنك حساباته على افتراض أنّ كلّ وديعة ثابتة تدخل خزائنه سوف يبدأ استثمارها فعلاً بعد شهرين من زمن الإيداع مثلاً ولن تستثمر قبل ذلك.

و التخريج الفقهي لذلك: أن يشترط البنك على المودعين أن يتنازلوا عمّا يزيد من حصّتهم الواقعية عن الحصّة التي تقرّر لهم بموجب ذلك الافتراض، فإذا كانت هناك و

ص: 173

ديعة ل - (زيد) استثمرت فعلاً من بداية الشهر الثاني إلى نهاية السنة و وديعة اُخرى مماثلة ل - (خالد) استثمرت من بداية الشهر الرابع إلى نهاية السنة و افترضنا أنّ الربح الذي نتج عن استثمار وديعة (زيد) كان أكبر من الربح الذي نتج عن استثمار وديعة (خالد) بالرغم من تساوي الكميتين في مثل هذا الفرض تكون حصّة وديعة (زيد) من الربح أكبر من حصّة وديعة (خالد) في الواقع، فلكي يتاح للبنك أن يساوي بين الوديعتين في الربح يشترط على كلّ مودع أن يتنازل عن القدر الزائد منه بالطريقة التي تصحّح للبنك طريقته في توزيع الأرباح على الودائع، فالأرباح يجب أن توزّع على الودائع حسب أحجامها و مدد إيداعها مطروحاً منها الفترة التي يقدّر بشكل عام أنّها تسبق الاستثمار، و قد افترضنا أنّها شهران مثلاً».(1)

و لايخفى عليك إمكان تشريك المتأخّر مع المتقدّم بنحو الشركة العقدية بمجرّد الإيداع كما ورد في التشريك بعض الأخبار، و سيأتي إن شاء الله تعالى الإشارة إليه في بحث الشركة.

و عليه، فلامانع من شركة المتأخّر مع المتقدّم في مال المضاربة، و من المعلوم أنّ الشريك ينتفع من لدن تحقّق الشركة، فتدبّر جيّداً.

المسألة التاسعة: في صورة فساد المضاربة فالربح للمالك

105

من الواضح أنّه إذا فرض فساد المضاربة فالربح للمالك سواء كان العامل و المالك جاهلين بالفساد أو عالمين به أو أحدهما عالماً دون الآخر; إذ المعاملات الصادرة عن العامل كالبيع و الشراء واقعة للمالك; لأنّ المضاربة تستلزم الإذن في التجارة و إن كانت المضاربة باطلة، فإذا كانت المعاملة واقعة مع إذن المالك كانت صحيحة.

**********

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 57-59.

ص: 174

لايقال: إنّ اللازم في صحة المعاملات هو إظهار الرضا، و لايكفي مجرّد الرضا الباطني، و الإظهار مفقود في المقام.

لأنّا نقول: إظهار الرضا بالمضاربة مع عدم تقيّد رضاه بها إظهار لرضاه بالمعاملات الاُخرى، و ليس ذلك مجرّد الرضا، كما لايخفى.

نعم، لو كان الإذن مقيّداً بالمضاربة توقّفت صحة المعاملات على إجازته، و إلاّ فالمعاملات الواقعة باطلة; لعدم الإذن و لاالإجازة.

ثمّ بناءً على عدم تقييد الإذن بالمضاربة و بطلانها يستحق العامل مع جهلهما أو جهل العامل لاُجرة عمله; لأنّ المفروض أنّ المعاملات مأذونة و لم يقصد العامل التبرّع، و عليه فتكون اُجرة عمله مضمونة على من استوفاه، و المفروض أنّ المالك مستوف لعمله بعد عدم تقييد إذنه بالمضاربة، و بطلان المضاربة لايضرّ بذلك.

و أمّا إن كان المالك و العامل عالمين بالفساد أو كان العامل عالماً دون المالك فقد صرّح السيد المحقّق اليزدي قدس سره بأنّه لااُجرة له; لإقدامه على العمل مع علمه بعدم صحة المعاملة.

ولكن أورد عليه في المستمسك بأنّ «العلم بعدم صحة المعاملة شرعاً لايقتضي الإقدام على التبرّع الموجب لعدم الاستحقاق، و كذلك الغاصب إذا اشترى بالمال المغصوب إنّما يقصد الشراء، و لايقصد أخذ المال مجّاناً، و البائع إذا كان عالماً بالغصب إنّما يقصد البيع، و لايقصد التمليك المجّاني; و لذلك يصح البيع بالإجازة من المالك، و لو لم يكونا قصدا البيع لم يصح بالإجازة».(1)

و إليه يؤول ما في مباني العروة الوثقى حيث قال: «إنّ العلم بالفساد شرعاً لايلازم

**********

(1) المستمسك / ج 12، ص 391-392.

ص: 175

الإتيان بالعمل مجّاناً وبغير عوض، فإنّ العامل قاصد للعوض و إن كان يعلم بأنّ الشارع لم يمضه، و مقتضى السيرة العقلائية القطعية اقتضاء استيفاء عمل الغير الصادر عن أمره للضمان مطلقاً علم العامل بالفساد أو جهل، فإنّ العبرة في عدم الضمان إنّما هو بالتبرّع به، و هو غير متحقّق».(1)

و أمّا احتمال استحقاق العامل حصّته من الربح من باب الجعالة في صورة علمهما بفساد المضاربة بدعوى القصد إلى الجعالة; لكون المضاربة مركّبة من الوكالة و الجعالة أو الوكالة مع الإجارة.

ففيه منع; لأنّ المضاربة كالمصالحة أمر بسيط، و تحليلها إلى الاُمور المذكورة لايخرجها عن البساطة، و عليه فالقصد لايتعلّق بالجعالة، فمع عدم قصد الجعالة فلاوجه لاستحقاق العامل حصّته من الربح من باب الجعالة. هذا كلّه مع عدم تقييد الإذن بخصوص المضاربة.

و أمّا مع تقييد الإذن و الإجازة اللاحقة فلاوجه لاستحقاق العامل للربح و لالاُجرة المثل; إذ المالك كما هو المفروض لم يأمره بعمل بعد كون إذنه مقيّداً بالمضاربة، و لم يستوفِ من عمله شيئاً، و إجازة المعاملات بعد وقوعها ليست استيفاء كما صرّح به السيد المحقّق الخوئي قدس سره في مباني العروة الوثقى.(2)

نعم، لو أمره المالك بالمعاملات في هذا الفرض بتخيّل صحتها لزم عليه اُجرة المثل و لو لم يجز المعاملات بعد علمه بفسادها; لأنّ عمل العامل محترم، و المفروض أنّه أمره بها، فتدبّر جيّداً.

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 161.

(2) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 160.

ص: 176

و ممّا ذكر يظهر إمكان تصحيح المعاملات البنكية فيما إذا لم تكن المضاربة صحيحة; لما عرفت من عدم تقييد الإذن بالمضاربة نوعاً. نعم، لايستحق البنك في مقابل عمله إلاّ اُجرة المثل، و لاسهم له من الربح; لعدم صحة المضاربة.

و عليه، فإن وقع الصلح بين العامل و المالك بمقدار الربح المذكور في المضاربة فلاإشكال فيه، و إن لم تقع المصالحة فاللازم هو إعطاء اُجرة المثل.

و لابأس بتوكيل البنك في تعيين حقّه من اُجرة المثل بازاء المعاملات الواقعة على مال المضاربة التي فرض أنّها غير صحيحة.

و ينقدح أيضاً ممّا ذكر حكم ما إذا أذن المضارب بأنواع المعاملات الاُخرى كالمساقاة و المزارعة و الإنتاج و الشركة و غير ذلك; لأنّ المفروض أنّ العامل وكيل في الإتيان بأيّ نوع من أنواع المعاملات، و لاكلام في صحة المعاملات; لصراحة الإذن بجميع أنواع المعاملات، و إنّما الكلام في حقّ العامل; إذ حقّه في غير المضاربة غير معيّن، فإن أعطاه الوكالة في تعيين حقّه من اُجرة المثل أو المصالحة على شيء فهو، و إلاّ فاللازم على المالك إعطاء اُجرة المثل; لأنّ عمله محترم و وقع مع الإذن و الأمر، كما لايخفى.

المسألة العاشرة: فيما اذا اخذ شخص مقدراً بعنوان المضاربة و لم يضارب به

106

إذا أخذ شخص من البنك مقداراً بقصد أن يضارب به ولكن لم يضارب به بل صرفه في أداء ديونه أو في بناء مسكنه أو تعميره أو سائر حوائجه عصى و تجاوز و استحقّ التأديب و التعزير و ضمن المال بالتصرّف فيه و إتلافه، ولكن ليس للبنك المطالبة بالزيادة على المأخوذ بعنوان الربح; إذ المفروض أنّ الآخذ لم يضارب به، و لاضمان على الآخذ بالنسبة إلى الربح; لأنّ الربح ليس موجوداً حتى يضمنه الآخذ المتجاوز، بل هو أمر يمكن تحصيله بالمضاربة مع المال، و المفروض أنّه لم يحصّله.

ص: 177

نعم، إن أعطى الآخذ شيئاً إلى البنك بطيب نفسه فلاإشكال; إذ ليس في البين قرض و لاشرط حتى يكون الربح المذكور موجباً للربا، و إنّما هو هبة في الحقيقة، و لايجوز إجبار الآخذ على إعطائه شيئاً بعنوان الهبة إلاّ أن يشترط ذلك بعنوان الغرامة للتقصير و التعدّي عن القرار في عقد خارج لازم. و من المعلوم أنّ الغرامة المشروطة في المقام لاتندرج في شرط الزيادة في القرض، بخلاف شرط الغرامة في باب القرض فإنّه يصدق عليه شرط النفع، كما لايخفى. هذا كلّه فيما إذا صرف المأخوذ في حوائجه و أتلفه.

و أمّا إذا صرفه في المزارعة أو المساقاة أو مشروع إنتاجي و نحوها ممّا هو خارج عن مورد المضاربة، فإن كان إذن البنك غير مقيّد بخصوص المضاربة فالمعاملات الواقعة بعين المأخوذ صحيحة; لكونها مأذونة، ولكن ربحها للبنك، و استحق العامل اُجرة المثل; لأنّ عمله مع عدم اختصاص الإذن بخصوص المضاربة مأذون فيه. و يمكن للبنك أن يصالح العامل فيما استحقّه العامل من اُجرة المثل بالنسبة إلى عمله في المعاملات المذكورة.

و أمّا إذا كان إذن البنك مقيّداً بخصوص المضاربة فالمعاملات الواقعة بعين المأخوذ محكومة بالبطلان إلاّ إذا أجازها، و مع الإجازة استحق البنك ربحها، و لااستحقاق للعامل; لأنّ عمله ليس مأذوناً فيه و المفروض أنّ البنك لم يستوفه; إذ أنّ إجازته و إن أوجبت الصحة بالنسبة للمعاملات التي أوقعها ولكنها ليست باستيفاء لعمل العامل، فتدبّر جيّداً.

نعم، لو أتى الآخذ بسائر المعاملات لنفسه و في ذمّته و جعل المأخوذ في أداء ديونه كانت المعاملات الواقعة لنفسه صحيحة، و لااستحقاق للبنك بالنسبة إلى أرباحها، و إنّما استحق المطالبة بالمأخوذ دون الزيادة إلاّ إذا اشترط في ضمن عقد لازم الزيادة عند

ص: 178

التخطّي عن القرار بعنوان الغرامة، فلاتغفل.

المسألة الحادية عشرة: في بطلان المضاربة بالموت او الجنون

107

تبطل المضاربة بعروض الموت أو الجنون من أحد الطرفين; لأنّها من العقود الجائزة و الإذنية، و لاإذن للميت و لاللمجنون.

و ألحق بعض الفقهاء السفاهة بهما، و لعلّه المراد من لفظة (الجنون) بعد اشتراط البلوغ و العقل و الاختيار في عبارة العروة الوثقى، و إلاّ لزم ذكر الجنون أن يكون مستدركاً. و لم يتعرّض لذلك أكثر الفقهاء، و إنّما اقتصروا على ما ذكروه في باب الحجر من أنّ السفيه محجور عليه في ماله.

و كيفما كان فقد قال في مباني العروة الوثقى: «اعتباره أي عدم السفاهة - بالنسبة إلى المالك ممّا لاخلاف فيه; فإنّه ليس للسفيه أن يعقد المضاربة مع العامل، لكونه محجوراً عن التصرّف في أمواله.

و أمّا اعتباره بالنسبة إلى العامل فلاوجه له; إذ لايعتبر قبول ذلك منه تصرّفاً في أمواله كما هو واضح، بل و لا [تصرّفاً في] عمله الذي هو بحكم المال; و ذلك لأنّ العامل لايملّك المالك عمله، و إنّما المضاربة عقد شبيه بالوكالة كما عن المحقّق - أو الجعالة.

و عليه، فلاوجه لاعتبار عدم السفه فيه، فإنّه غير ممنوع منهما، بل ذكر غير واحد منهم أنّ له أخذ عوض الخلع; لكونه من تحصيل المال، لاالتصرّف في أمواله».(1)

و يمكن أن يقال: إنّ المضاربة من سنخ المعاوضة; لأنّ الحصّة من الربح في مقابل العمل، و العمل في مقابل الحصّة، و مقتضى المعاوضة هو التمليك من الطرفين.

و عليه، فالعامل يملّك عمله للمالك مع أنّه سفيه و محجور في أمواله، و العمل الذي

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 16.

ص: 179

يملكه بمنزلة ماله; و لذا ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم صحة إجارة العمل من السفيه في كتاب الإجارة، هذا بخلاف الجعالة و الوكالة فإنّه لاتمليك فيهما بالنسبة إلى العمل، بل الجعالة من الإيقاعات و المضاربة من العقود، فلاتقاس المضاربة بالوكالة أو الجعالة.

وعليه، فعدم السفاهة يعتبر بالنسبة إلى العامل أيضاً.

هذا، مضافاً إلى إمكان أن يقال: إنّ قوله تعالى: (وَ لاٰ تُؤْتُوا اَلسُّفَهٰاءَ أَمْوٰالَكُمُ )(1) يدلّ على منع إعطاء مالهم إليهم، فكيف يصح قبول العمل الذي يكون بمنزلة المال منهم ؟!

ثمّ ينقدح ممّا ذكر حكم الإغماء، فإنّ الإذن يبطل بالإغماء، فكما أنّ الوكالة تبطل بالإغماء فكذلك إذن صاحب المال بالمضاربة في ماله يبطل بالإغماء، فتدبّر.

108

المسألة الثانية عشرة: في وجوب ما تعهد به العامل للمالك

كلّ ما تعهّد به العامل للمالك في ضمن عقد المضاربة يجب العمل به ما دام عقد المضاربة باقياً، بل مطلقاً لو تعهّد به في ضمن عقد خارج لازم كالصلح، فلو تعهّد العامل مثلاً بتأمين المال وجب عليه تأمين المال، وإن جعل تدارك خسارته عليه في صورة عدم التأمين لزم تداركه عليه.

ولاينافي ذلك ما ورد من أنّ الوضيعة على المال; لأنّ الشرط المذكور هو تدارك الوضيعة، لاشرط الوضيعة على العامل.

ولو تعهّد العامل للمالك بشراء مال المضاربة من المالك عند انقضاء مدّتها أو فسخ المضاربة بقيمته يوم الانقضاء أو يوم الفسخ أو بما توافقا عليه وجب عليه شراؤه طبقاً لما شرط وتعهّد، كما لايخفى.

المسألة الثالثة عشرة: في توكيل العامل البنك في ملاحظة مال المضاربة

109

**********

(1) النساء / 5.

ص: 180

لو وكّل العامل البنك في زمان حياته في ملاحظة مال المضاربة في محلّه و إخراجه عن المحلّ و بيعه عند اللزوم و تسهيم الربح و إعطاء سهم العامل جاز ذلك بلا إشكال; قضاء للوكالة.

و ليس معنى ذلك فسخ المضاربة، بل المضاربة باقية، و إنّما فعل البنك ذلك من قبل العامل بعنوان الوكالة عنه و إن كان المال مال المالك، كما لايخفى.

بل لو أوصى العامل للبنك أن يفعل تلك الاُمور بعد موته و انفساخ المضاربة كان ذلك جائزاً; لأنّه وصية بأداء الأمانات، و لاإشكال في لزومه على الوصي.

نعم، لزم أن يستأذن البنك من الورثة في الدخول في محلّ البضائع و نقل أمواله جمعاً بين الأدلّة الدالّة على نفوذ الوصية و الأدلّة الدالّة على أنّه لايجوز التصرّف في مال الغير إلاّ بإذنه. هذا فيما إذا لم يقدّر للدخول و الخروج شيء من المالية، و إلاّ فهو داخل في الوصية بالثلث، و لاحاجة فيه إلى الاستئذان.

بيد أنّه، يلزم الاستئذان في بيع البضائع بناء على شركة العامل فيها بنسبة سهمه من الربح; لانتقال ذلك السهم إلى الورّاث.

110

المسألة الرابعة عشرة: في جواز فسخ المضاربة الا اذا شرط عدمه في ضمن عقد لازم

يجوز فسخ المضاربة من ناحية المالك أو العامل إلاّ إذا شرط في ضمن عقد خارج لازم عدم الفسخ إلى مدّة معيّنة، فلايجوز الفسخ حينئذ قضاء للشرط.

و دعوى أنّه تحريم للحلال كما ترى; لأنّه شرط ما له الخيار فيه من الفعل أو الترك، و شرط الفعل أو الترك شرط ما يجوز، و ليس بتحريم الحلال، كما لايخفى.

و لو عصى و فسخ بطلت المضاربة; لأنّ الشرط المذكور لايفيد الحكم الوضعي، و ليس الفسخ من الحقوق حتى يسقطه بالشرط كالخيار في البيع; فإنّه لايؤثّر الفسخ بعد شرط إسقاط حق الفسخ، بل الفسخ من الأحكام الشرعية، فشرط عدم الفسخ

ص: 181

لايوجب إلاّ حكماً تكليفياً.

ثمّ إذا فسخت المضاربة خلال المدّة لزم أن يتصالحا بالنسبة إلى حق العامل إن لم يمكن تعيين مقداره، و لايتبدّل حق العامل باُجرة المثل، كما صرّح به في بعض القوانين و المقرّرات; إذ لاموجب له. و اُجرة المثل مخصوصة بما إذا لم تكن الاُجرة المسمّاة، و في المقام الاُجرة المسمّاة موجودة.

111

المسألة الخامسة عشرة: في انه لافرق في المضاربة بين ان تكون فردية او اشتراكية

لافرق بين المضاربة الفردية و المضاربة المشتركة في الأحكام المذكورة، و المقصود من المضاربة المشتركة: هي المضاربة التي يعهد فيها مستثمرون عديدون معاً أو بالتعاقب إلى شخص حقيقي أو معنوي باستثمار أموالهم مع الإذن له صراحة أو ضمناً بخلط أموالهم بعضها ببعض أو بماله.

و في المضاربة المشتركة المستثمرون بمجموعهم هم أرباب المال، و العلاقة بينهم هي المشاركة بنسبة مالهم، و المتعهّد باستثمار أموالهم هو العامل سواء كان شخصاً حقيقياً أو معنوياً مثل البنوك أو المؤسسات المالية، و العلاقة بين العامل و أرباب المال هي المضاربة.

و يجوز اشتراك العامل معهم في رأس المال، و عليه فالعامل شريك بنسبة ماله معهم و عامل لهم بالنسبة إلى غير سهمه من سائر السهام.

و في المضاربة المشتركة لامانع من خلط أموال أرباب المال بعضها ببعض أو بمال العامل; لأنّ ذلك يتمّ برضاهم صراحة أو ضمناً.

و لايخشى الإضرار ببعضهم دون بعض بعد تعيّن نسبة كلّ واحد في رأس المال و قيام العامل بالمضاربة و تنظيم الاستثمار و تقسيم الأرباح بنسبة سهم كلّ واحد من الشركاء، فالضرر و الخسارة على جميع أرباب المال بنسبة سهامهم، و هكذا النفع لهم

ص: 182

بتلك النسبة بعد كون أموالهم مختلطة.

و اللازم في تسهيم المنافع هو ملاحظة مدّة بقاء سهم كلّ واد في الاستثمار، فإنّ أموال المستثمرين ساهمت كلّها في تحقيق العوائد حسب مقدارها و مدّة بقائها، فاستحقاقها حصّة متناسبة مع المبلغ و الزمن هو أعدل الطرق لإيصال حقهم إليهم، و أمّا غيره ممّا يتعذّر الوصول إليه فالظاهر من إقدامهم على المضاربة المشتركة هو التوافق الضمني على إبرائه.

و عليه، فلو انفصل أحد المستثمرين في وسط العمل فيحسب ربحه بنسبة سهمه إلى ذلك الزمان، و لايلاحظ فيه الخسران المحتمل في بقية المدّة، و عليه، فبعد المصالحة و التوافق المذكور لايرجع إلى المستثمر المنفصل عند عروض الخسارة; فإنّ المصالحة من العقود اللازمة إلاّ أن يشترط الرجوع إلى الخسران بالنسبة فلاإشكال في جواز الرجوع حينئذ، كما لايخفى.

و لاإشكال في جواز تأليف لجنة متطوّعة تختار من أرباب المال لحماية حقوقهم على العامل و مراقبة تنفيذ شروط المضاربة المتّفق عليها، ولكن بشرط ألاّ تتدخّل تلك اللجنة في قراراته الاستثمارية، نعم، لابأس بكونهم طرفاً للمشاورة من دون أن يلزموا العامل بالعمل بآرائهم.

و ممّا ذكر يظهر أيضاً أنّه لاإشكال في تعيين أمين الاستثمار ليكون مؤتمناً على الأموال و ليمنع العامل من التصرّف فيها بما يخالف شروط المضاربة ليكون المساهمون على بيّنة، ولكن بشرط ألاّ يتدخّل أمين الاستثمار في القرارات، و يقتصر عمله على الحفظ و التثبّت من مراعاة قيود الاستثمار الشرعية و الفنّية.

هذه جملة من أحكام المضاربة الفردية و المشتركة.

تبصرة: في وساطة البنك بين المالك و العامل

112

ص: 183

صرّح الشهيد الصدر قدس سره بأنّ البنك في عقد المضاربة ليس هو صاحب المال و لاصاحب العمل أي المستثمر و إنّما يتمركز دوره في الوساطة بين الطرفين، فبدلاً من أن يذهب رجال الأعمال إلى المودعين يفتّشون عنهم واحداً بعد آخر و يحاولون الاتّفاق معهم يقوم البنك بتجميع أموال هؤلاء المودعين ويتيح لرجال الأعمال أن يراجعوه و يتّفقوا معه مباشرة على استثمار أي مبلغ تتوفّر القرائن على إمكان استثماره بشكل ناجح.

و هذه الوساطة التي يمارسها البنك تعتبر خدمة محترمة يقدّمها البنك لرجال الأعمال و من حقه أن يطلب مكافأة عليها على أساس الجعالة، و الجعالة التي يتقاضاها البنك كمكافأة على عمله و وساطته تتمثّل في أمرين:

الأوّل: أجر ثابت على العمل يمكن أن يفرض مساوياً لمقدار التفاوت بين سعر الفائدة التي يعطيها البنك الربوي و سعر الفائدة التي يتقاضاها مطروحاً منها زيادة حصّة المودع من الربح على سعر فائدة الوديعة.

و هذا المقدار بقطع النظر عن الطرح منه هو الذي يمثّل الإيراد الإجمالي الربوي للبنوك; فإنّ إيرادها الربوي يتمثّل في الفارق بين الفائدة التي تدفعها للمودع والفائدة التي يتقاضاها لدى تسليف الودائع.

غير أنّ البنك اللاربوي الذي نبحث عن صيغته الإسلامية لايكفي أن يحصل على هذا القدر; لأنّ هذا البنك يختلف عن البنوك الربوية في نقطة جوهرية هي أنّ ضمان رأس المال المتكّون من الودائع يقع على عهدته هو، بينما لاتتحمّل البنوك الربوية شيئاً من الخسارة في نهاية الشوط. و إنّما الذي يتحمّلها رجل الأعمال المقترض من البنك; و لهذا يجب أن يزيد الجعل الذي يتقاضاه البنك لقاء عمله على المقدار الذي يحصل عليه البنك الربوي من التفاوت بين سعر الفائدتين، كما سنرى.

ص: 184

الثاني: (أي العنصر الثاني من الجعالة المفروضة للبنك) أن يكون للبنك زائداً على ذلك الأجر الثابت جعالة مرنة على العامل المستثمر (أو على المالك المضارب بتعبير فقهي أصح; لأنّ المالك المضارب (المودع) هو المالك في الأصل للربح، فيمكن للبنك أن يلزمه بشرط شرعي مثلاً بأن يتنازل عن نسبة معيّنة من أرباحه عند ظهورها، و عدم كون مقدار النسبة محدّداً لايضرّ بصحة الشرط، وكما يمكن هذا يمكن أيضاً من الناحية النظرية فقهياً أن يفرض كون حصة العامل من الربح مشتملة على تلك النسبة التي يتوقعها البنك و يلزم البنك حينئذ العامل بملزم شرعي بالتنازل عن تلك النسبة من حصته عند ظهور الأرباح) تتمثّل في إعطاء البنك الحق في نسبة معيّنة من حصة العامل في الربح، ويمكن أن تقدّر هذه النسبة بطريقة تقريبية تجعلها مساوية للفرق الذي ينعكس في السوقين النقدي الربوي و التجاري بين اجرة رأس المال المضمون و اجرة رأس المال المخاطَر به; فإنّ رأس المال المضمون تتمثّل اجرته في الأسواق الربوية في مقدار الفائدة التي يتقاضاها البنك الربوي من مؤسسات الأعمال التي تقترض منه و رأس المال المخاطر به تتمثّل اجرته في الأسواق التجارية في النسبة المئوية التي تعطى عادة لرأس المال إذا اتّفق صاحبه مع عامل يستثمره على أساس المضاربة.

و في العادة تكون النسبة المئوية التي تعطى لرأس المال في حالة المخاطرة بدرجة يتوقّع لها أن تكون أكبر من الفائدة التي يتقاضاها رأس المال المضمون عن طريق القرض، و هذا الفارق بين الاجرتين يجعل للبنك كجعالة على عمله و وساطته [البنك اللاربوي في الإسلام: 41-43].

قال الشهيد الصدر قدس سره: «إنّ عامل المضاربة قد يتلاعب على البنك فيدّعي تلف المال أو عدم الربح كذباً; و لهذا اقترحنا أن يسير البنك معه بموجب أصل عام يقرّر أنّ

ص: 185

المفروض بقاء رأس المال و حدّ أدنى من الربح ما دام لم يثبت الخلاف بالقرائن المعيّنة.

إنّ هذا الأصل على خلاف قاعدة قبول قول الأمين فيما جعله المالك تحت يده من مال و أذن له بالاتّجار به.

و على هذا لابدّ أن نخرّج هذا الأصل إمّا بنحو شرط الفعل في ضمن عقد يشترط فيه البنك على العامل أن يدفع من المال ما يعادل المقدار الذي يدّعي خسارته في حالة عدم إقامة القرائن المحدّدة من قبل البنك على الخسارة.

و إمّا بنحو الجعالة، و ذلك بأن يجعل العامل للبنك جعلاً على تحصيل رأس مال له للمضاربة عليه، و الجعل عبارة عن مقدار يساوي قيمة رأس المال مع الحدّ الأدنى من ربحه المفروض... إلى أن قال: أو يقيم القرائن المحدّدة على خسارته».(1)

و قال الشهيد الصدر قدس سره أيضاً: «إنّ الحصّة المحدّدة بنسبة مئوية من الربح التي فرضناها للبنك اللاربوي لايمكن أن تكون بمقتضى عقد المضاربة; لأنّ عقد المضاربة لايقتضي إلاّ فرض حصّة من الربح للعامل من مجموع الربح الذي هو ملك لمالك المال بمقتضى طبعه الأوّلي، والبنك في المقام ليس هو عامل المضاربة، بل العامل هو التاجر الذي يأخذ مالاً من البنك.

و لايمكن فرض مضاربتين إحداهما بين المودع و البنك و الاُخرى بين البنك و التاجر بناء على أنّ عامل المضاربة يمكنه أن يضارب بدوره عاملاً آخر، و تكون الحصّة التي يأخذها البنك قائمة على أساس كونه عاملاً في المضاربة الاُولى.

و الوجه في عدم إمكان افتراض مضاربتين كذلك هو: إنّ لازم جعل البنك عاملاً في

**********

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 209.

ص: 186

المضاربة مع المالك عدم إمكان تحميله ضمان المال بناء على ما تقدّم من أنّ عامل المضاربة لايضمن، فلابدّ من جعل البنك شخصاً أجنبياً عن المضاربة لكي يمكن أن يتحمّل ضمان المال و يكون دوره في العقد دور الوسيط فحسب».(1)

و لايخفى عليك ما فيه، فإنّ المنع عن تضمين العامل إن كان راجعاً إلى شرط عروض الخسارة على عهدة العامل من أوّل الأمر فهو صحيح، وحيث إنّ الشرط المذكور مع عدم مالكية العامل غير معقول فهذا الشرط في المضاربة يرجع تعبّداً إلى انقلاب عقد المضاربة إلى القرض كما يشهد له صحيحة محمّد بن قيس، فتبطل المضاربة.

و إن كان تضمين العامل راجعاً إلى شرط التدارك على العامل، فلامورد للمنع و البطلان، كما فصّلنا ذلك في المسألة الاُولى من مسائل المضاربة.

و عليه، فيمكن فرض مضاربتين إحداهما بين المودع و البنك و الاُخرى بين البنك و التاجر بشرط أن يعمل المضارب الأوّل عملاً ما، ويمكن تضمين العامل الأوّل أو الثاني بتدارك الخسارة، و لاإشكال من هذه الناحية.

و عليه، فللبنك أن يجعل لنفسه نسبة مئوية من الفوائد بمقتضى عقد المضاربة بحيث يجبر شرط تدارك الخسارة أيضاً.

113

حقيقة الجعالة و شروطها و أحكامها
اشارة

و هي لغة كما في الجواهر ما يجعل للانسان على شيء يفعله، و شرعاً إنشاء الالتزام بعوض على عمل محلّل مقصود بصيغة دالّة على ذلك، و المراد ما يعتبر فيها شرعاً، كما في

**********

(1) البنك اللاربوي في الإسلام/ ص 205.

ص: 187

غيرها من العقود و الايقاعات; إذ لاحقيقة لها في الشرع غير ما في اللغة، كما ذكرناه.(1)

و ممّا ذكر يظهر أنّها من الايقاعات; لعدم توقّفها على القبول.

مشروعيتها: و يدلّ على صحتها مضافاً إلى عدم الخلاف بين المسلمين في مشروعيتها:

114

أ) الآيات، و هي:

1 - قوله تعالى: (وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ )(2) بناء على حجية مثله ما لم يعلم نسخه، قال المحقق الأردبيلي: «فيها إشارة ما إلى مشروعية الجعل».(3) و لو شك في بقاء الحكم المذكور يستصحب، كما لايخفى.

2 - و قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ).(4)

3 - و قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(5) بناء على إرادة العهود منها وأنّ القبول في العهود ليس كالقبول في العقود حتى يلزم أن يتصل بالايجاب.

و لعلّ إليه يرجع ما روي عن الامام الجواد عليه السلام: «أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله عقد عليهم لعليّ بالخلافة في عشرة مواطن ثم أنزل الله (يٰا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) التي عقدت عليكم لأمير المؤمنين عليه السلام».(6)

ولكن لايخفى عليك أنّ التمسّك بقوله: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) في العقود الجائزة لايخلو عن إشكال كما مرّ في المضاربة، فراجع.

**********

(1) جواهر الكلام / ج 15، ص 187.

(2) يوسف / 72.

(3) زبدة البيان / ص 458، ط - المكتبة المرتضوية.

(4) النساء / 29.

(5) المائدة / 1.

(6) تفسير القمي / ج 1، ص 160.

ص: 188

115

ب) الروايات:

و أيضاً يدلّ على صحتها الروايات المستفيضة أو المتواترة من الطرفين:

1 و 2 - كخبر وهبة بن وهب عن الصادق عليه السلام: سألته عن جعل الآبق و الضالّة ؟ قال: «لاباس»،(1) و نحوه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه.(2)

3 - و كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً؟ قال: «لابأس به».(3)

4 - و كصحيحة محمد بن مسلم أيضاً قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يرشو الرجل الرشوة على أن يتحوّل من منزله فيسكنه ؟ قال: «لابأس به».(4)

5 - و كصحيحة عبدالله بن سنان قال: سمعت أبي يسأل أبا عبدالله عليه السلام و أنا أسمع فقال: ربما أمرنا الرجل فيشتري لنا الأرض و الدار و الغلام و الجارية و نجعل له جعلاً؟ قال: «لابأس».(5)

6 - و كخبر مسمع عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «إنّ النبي صلى الله عليه وآله جعل في جعل الآبق ديناراً إذا أخذه في مصره، و إن أخذه في غير مصره فأربعة دنانير».(6)

و إلى غير ذلك من الأخبار.

**********

(1) الوسائل/ ج 25، ص 466، ب 21 من اللقطة، ح 6.

(2) الوسائل/ ج 23، ص 189، ب 1 من الجعالة، ح 1.

(3) الوسائل / ج 17، ص 278، ب 85 ممّا يكتسب به، ح 1.

(4) الوسائل/ ج 17، ص 278، ب 85 ممّا يكتسب به، ح 2. قال في الوسائل: «الظاهر أنّ المراد المنزل المشترك بين المسلمين كالأرض المفتوحة عنوة أو الموقوفة على قبيل، و هما منه» فالرشوة تقع في مقابل رفع اليد عمّا استحقه.

(5) الوسائل/ ج 23، ص 191، ب 4 من الجعالة، ح 1.

(6) التهذيب/ ج 6، ص 398، ح 1203.

ص: 189

و بالجملة: لاإشكال في مشروعية الجعالة و صحتها.

إنشاؤها:

ثم لايخفى عليك أنّ صيغة الجعالة هي كلّ لفظة دالّة على الإذن في الفعل بعوض من غير فرق بين لفظة «من ردّ» و «و إن رددت» و غيرهما من الألفاظ.

و لادليل على كون الصيغة بنحو الماضي، بل يكفي الجملة الاسمية كما في قوله تعالى: (وَ لِمَنْ جٰاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ).(1)

و يجوز تقييد الجعل بزمان أو مكان أو حال، بل لايلزم فيها اللفظ; لجواز الاكتفاء بالمعاطاة فيها; و لذا قال في الجواهر: «معاطاتها ما دلّ على ذلك من الأفعال بكتابة و غيرها».(2)

ثم إنّ الجعالة من الايقاعات، و لايفتقر إلى القبول، و استشهد في الجواهر على عدم كونها من العقود بصحة عمل المميّز بدون إذن وليّه بعد وضع الجعالة، بل قيل في غير المميّز و المجنون و جهان، و من المعلوم عدم صحة ذلك مع فرض اعتبار القبول فيها و لو فعلاً; لسلب قابلية الصبي و المجنون قولاً و فعلاً عن ذلك، و لذا لايجوز معه عقد من العقود الجائزة.

و استشهد أيضاً بصحتها من غير مخاطب خاص مع أنّ العقد يقصد فيه التعاقد من الطرفين، و ليس هنا.

و على كلّ حال فوجهه صدق عنوان الجعالة مع فرض كون الصيغة تشمل العامل مع قصده الرجوع، فالمقتضي حينئذ موجود و المانع مفقود.

**********

(1) يوسف / 72.

(2) جواهر الكلام/ ج 35، ص 189.

ص: 190

و دعوى اعتبار قصده بالعمل جواباً لايجابه في الرجوع بالعوض لادليل عليها، بل مقتضى إطلاق الأدلّة خلافها.

هذا مضافاً إلى عدم اعتبار المقارنة بين الايجاب و القبول ممّا يعتبر في العقود.

ثم إنّ صاحب الجواهر بعد أن نفى كون الجعالة من العقود بالشواهد المذكورة ذهب إلى القول بأنّ القوي «في الظنّ أنّ الجعالة على نحو التسبيب الصادر من الشارع نحو (من فعل كذا فله كذا) المعلوم كونه غير عقد. و إطلاق اسم العقد عليها... يمكن حمله على إرادة العهد منه، بل ينبغي الجزم به; لصدوره ممّن ظاهره أو صريحه الايقاعية.

و خبر علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن رجل قال لرجل: اعطيك عشرة دراهم و تعلمني عملك و تشاركني، هل يحلّ ذلك له ؟ قال: «إذا رضي فلابأس».(1)

لايراد منه القبول العقدي، بل المراد منه عدم البأس مع تراضيهما على ذلك، و يؤيده زيادة على ما ذكرنا ترتّب أثرها على من لم يرد الفعل أولاً ثم أراد و فعل حتى لو تلبّس بالعمل ثم رفع يداً عنه ثم عاد إليه و إن توقّف فيه بعضهم، بل بناء على العقدية و الايقاعية، لكن التحقيق صحته; للصدق، و ليس ذلك إلاّ لأنّها من باب التسبيب، و إلاّ فمع فرض كونها ذلك فسخاً أو كالفسخ لابدّ من إيجاب جديد... إلى أن قال و بالجملة: فالتأمل التام خصوصاً بعدما تسمعه من الأحكام التي لاتوافق قواعد العقود العامة مع فرض عدم دليل مخرج لها يقتضي أنّها بالتسبيب أشبه... إلى أن قال: و على كلّ حال فالأصح عدم اعتبار ما يعتبر في العقود المصطلحة في الجعالة، بل تصح بدون ذلك و إن كان له فعلها بكيفية العقد، بل لايبعد اعتبار ما يعتبر فيه حينئذ».(2)

**********

(1) الوسائل / ج 23، ص 193، ب 6 من الجعالة، ح 1.

(2) جواهر الكلام/ ج 35، ص 190-191.

ص: 191

و لايخفى ما فيه; فإنّ التسبيب الشرعي بعيد; لظهور الروايات و الكلمات في أنّ الجعالة من الانشاءات و الايقاعات العقلائية، و فسخ العامل لايضرّ بايقاع الجاعل، و حمل الجعالة بعد فرض بطلانها على كونها من أسباب الضمان كما ترى; لأنّ لازمه هو القول بأجرة المثل لاالمسمّى.

فالأقوى انّ الجعالة من الايقاعات، و لاتبطل بردّ العامل أو ترديده، فتدبّر جيداً.

116

وهنا مسائل:
اشارة

117

المسألة 1: في عدم اشتراط ان يكون المجعول له فردا خاصا

لايشترط في الجعالة أن يعيّن الجاعل فرداً خاصاً، و عليه فلو جعل الجعالة بنحو عام بمثل من ردّ دابتي فله كذا، وردّه من سمع ذلك و لو بوسائط صحت الجعالة و استحق العامل الجعل المذكور.

و لو عيّن الجعالة لواحد فلايستحق غيره للجعل لو ردّه بلا خلاف; لأنّه كالمتبرّع.

و عن المسالك: «هذا إذا شرط على المجعول له العمل بنفسه أو قصد الرادّ العمل لنفسه أو أطلق، أمّا لو ردّه نيابة عن المجعول له حيث يتناول الأمر النيابة [فلايضيع عمله]، و كان الجعل لمن جعل له».(1)

أورد عليه في الجواهر بأنّ فيه: «انّ قصد النيابة مع عدم أمر من المنوب عنه و لاعمل في ذمته لايجعله نائباً; للأصل، بل لو ردّه عبد المجعول له لم يكن نائباً عنه».(2)

118

المسألة 2: في جواز ان يكون العمل مجهولا في الجعالة

قال في الجواهر: «يجوز أن يكون العمل مجهولاً في الجعالة; لأنّه عقد جائز كالمضاربة

**********

(1) مسالك الافهام / ج 11، ص 155.

(2) جواهر الكلام/ ج 35، ص 197.

ص: 192

التي بناء مشروعيتها على جهالة العمل، كما أنّ الغرض من شرعية الجعالة تحصيل الأعمال المجهولة غالباً كردّ الآبق و الضالّة و نحوهما ممّا لاتعلم مسافته مع مسيس الحاجة إليه، بل لعلّه موضع وفاق...

و ما عن الوسيلة من أنّه يشترط تعيين العمل و الاجرة يمكن إرادته إخراج المجهول من كلّ وجه بحيث لايصح الجعل فيه عرفاً، لاالمجهول في الجملة كعمل ردّ الآبق و الضالّة الذي يصدق عليه كون العمل معيّناً بالمعنى المزبور، بل جواز الجعالة على مثله من قطعيات الفقه».(1)

ثم إنّ مقتضى جواز كون العمل مجهولاً في الجعالة هو جواز كون العمل معلوماً، فيجوز أن يجعل العمل خياطة معلومة و يقول: من خاط ثوبي هذا فله كذا.

خلافاً لما عن الشافعية من اشتراط الجهالة في الجعالة معلّلاً بأنّ الثابت من شرعيتها هو ذلك، فلايصح على المعلوم.

و لايخفى ما فيه; فإنّ تحصيل الأعمال المجهولة حكمة جعل الجعالة لاعلّيتها، فيجوز أن يكون العمل معلوماً، هذا مضافاً إلى أنّه مقتضى إطلاقات الأدلّة الخاصة و العامة مثل قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ )(2) و صحيحة عبدالله بن سنان التي لم يفصّل فيها بين المعلوم و المجهول.

ثم إنّ الجهالة لو كانت بنحو لايتمكن العامل من تحصيله توجب البطلان، كما لو قال: من ردّ ما ضاع منّي فله كذا، و لم يعيّن ذلك بوجه، بل يذكره بنحو الإجمال.

نعم، لايبعد القول في صورة بطلان الجعالة باستحقاق اجرة المثل; لأنّه أتى بالعمل

**********

(1) جواهر الكلام/ ج 35، ص 192-193.

(2) النساء / 29.

ص: 193

بأمر الجاعل و إن كانت الجعالة باطلة، و المفروض أنّ العمل محترم، و الأمر به موجب للضمان، فلاتغفل.

المسألة 3: في اشتراط ان يكون العوض معلوما

119

يشترط في الجعالة أن يكون العوض معلوماً بالكيل أو بالوزن أو العدد إن كان ممّا جرت العادة بعدّه على المشهور، كما حكي عن المسالك و الكفاية و المفاتيح، كما يشترك ذلك في عوض الاجارة.

و استدلّ له بالنهي عن الغرر، و هو كما يقتضي البطلان في الاجارة و البيع فكذلك في سائر المعاملات و منها الجعالة.

و فيه: أنّه لم يثبت النهي عن الغرر في غير البيع و الاجارة الملحقة به بالاجماع، و عليه فلاوجه لرفع اليد عن المطلقات العامة و الخاصة.

و لذا قال في الجواهر: «إقامة الدليل على [اعتبار المعلومية] في غاية الصعوبة; لاطلاق الادلّة، و لأنّ مبنى الجعالة على الجهالة في أحد العوضين قطعاً فصار أمرها مبنياً على احتمال الغرر، فكما تمسّ الحاجة إلى جهالة العمل تمسّ الحاجة إلى جهالة العوض بأن لايريد بذل شيء آخر غير المجعول عليه; إذ قد يتفق ذلك بأن يريد تحصيل الآبق ببعضه و عمل الزرع ببعضه و نحو ذلك.

و دعوى عدم الرغبة في مثل ذلك في العادة مخالفة للوجدان; فإنّها مطردة بالرغبة في اعمال كثيرة مجهولة بجزء منها:.. إلى أن قال: فتحصّل من مجموع ما ذكرناه عدم اعتبار المعلومية في العوض كالاجارة و البيع».(1)

و يشكل ذلك بأنّ مقتضى ذلك صحة الجعل المجهول و الرجوع إلى مسمّاه في مثل

**********

(1) جواهر الكلام / ج 35، ص 194-195.

ص: 194

الثوب و العبد و نحوهما، مع أنّه لم يقل به أحد على ما صرّح به في محكي الدروس حيث قال: «لو كان مجهولاً فأجرة المثل قولاً واحداً».(1)

و لذلك ذهب في الجواهر إلى عدم الاكتفاء بالمطلق ذي الأفراد المختلفة كالثوب و الدابة و نحوهما، و خصوصاً مثل الشيء و المال، فيرجع فيه إلى اُجرة المثل، بخلاف ما إذا كان الشخص مجهولاً فإنّه يرجع فيه إلى المسمّى كجزء العبد الآبق.(2)

و لولا الاجماع لأمكن القول بالصحة في المطلق ذي الأفراد المختلفة أيضاً; لشمول العمومات كقوله عزّوجلّ : (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاض)(3) و لشمول الأدلّة الخاصة كقوله عليه السلام في صحيحة عبدالله بن سنان:(4) «و نجعل له جعلاً» أو قوله في صحيحة محمد بن مسلم: «فيأخذ عليه جعلاً»(5) و غيرهما من الأخبار الخاصة، فإن ثبت الاجماع فهو، و إلاّ فيمكن القول بالصحة في مثله، فيرجع فيه إلى المسمّى، لاأجرة المثل.

ثم لايذهب عليك أنّه قال في الجواهر: «و يلحق [بالشخص المجهول] جعل ما زاد على المقدار المعين إن قلنا بصحة الجعالة فيه; للنصوص، و قد تقدّم في بحث المرابحة تمام الكلام فيه، فلاحظ و تأمّل».(6)

و مراده من النصوص صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال في رجل

**********

(1) الدروس 99/3. انظر جواهر الكلام / ج 35، ص 193.

(2) انظر جواهر الكلام / ج 35، ص 195.

(3) النساء / 29.

(4) الوسائل / ج 23، ص 191، ب 4 من الجعالة، ح 1.

(5) الوسائل / ج 17، ص 278، ب 85 مما يكتسب به، ح 1.

(6) جواهر الكلام / ج 35، ص 195.

ص: 195

قال لرجل: بع ثوبي هذا بعشرة دراهم فما فضل فهو لك، فقال عليه السلام: «ليس به بأس».(1)

و مثله صحيحة زرارة قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ما تقول في رجل يعطي المتاع فيقول: ما ازددت على كذا و كذا فهو لك ؟ فقال: «لابأس».(2)

و حيث إنّ جعل ما زاد من الربح جعلاً خلاف القاعدة; لعدم تموّل الربح للمالك حين الجعل يقتصر فيه على مورد النصوص المذكورة، و لذلك قال في الجواهر: (باب المرابحة): «و ينبغي الجمود على ما فيها من ابتداء التاجر الدلاّل، أمّا العكس فلادلالة في النصوص حينئذ فيبقى على القواعد من استحقاق اُجرة المثل».

ولكن المحقق الحلّي لم يعمل بتلك النصوص مطلقاً، و حكم بأجرة المثل سواء ابتدأ التاجر أو الدلاّل. و لذلك عدل صاحب الجواهر عمّا اختاره ابتداء، و قال: «لايخفى عليك ممّا ذكرنا أنّ الأقوى ما ذكره المصنّف [\ المحقق] و الفاضل في جملة من كتبه من وجوب اُجرة المثل في مفروض المسألة; لما عرفت من بطلان ذلك إجارة و جعالة، و النصوص و إن كثرت و صحّ جملة منها و تعاضدت إلاّ أنّ إعراض المعظم عنها مع ذكرهم لها يذهب الوثوق بها، و العامل بها بظنّ أنّها جعالة ليس عملاً بها حقيقة، بل هو توهم أنّ مفروضها كذلك، و قد عرفت فساده..».(3)

فتحصّل: أنّ الأظهر هو عدم إلحاق جعل ما زاد على المقدار المتيقّن بالشخص المجهول; لما عرفت من إعراض الأصحاب.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الإعراض اجتهادي، و لعلّه من جهة مخالفة تلك النصوص

**********

(1) الوسائل / ج 18، ص 56، ب 10 من أحكام العقود، ح 1.

(2) المصدر السابق/ ج 57، ح 2.

(3) جواهر الكلام / ج 23، ص 326-327.

ص: 196

للقاعدة، و هو لايضرّ، فتأمَل، أو من جهة توهّم معارضتها مع قوله عليه السلام: إنّ رسول الله نهى عن ربح ما لم يضمن»(1) مع إمكان الجمع بينه و بين ما دلّ على الصحة بالتقييد أو بحمل النهي على الكراهة، فتأمّل.

ثم لادليل على عدم صحة جعل من لامال له، بل يجوز له جعل الجعل، فمن جعل اشتغل ذمة الجاعل به، فيجب عليه أداؤه عند الإمكان، بل يصح لو جعل جعلاً زائداً على قدرته ما لم يكن الجعل المذكور سفهياً.

بل يمكن القول بالصحة حتى فيما إذا كان الجعل المذكور سفهياً إذا تمشّى منه قصد الانشاء، لعدم دليل على بطلان المعاملات السفهية; لاختصاص الدليل ببطلان معاملات السفيه.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ أدلّة الباب قاصرة عن شمول المعاملات السفهية.

لايقال: إنّ القدرة على التسليم معتبرة في البيع فكذلك في الجعالة، لأنّا نقول: اعتبار القدرة على التسليم في الأعيان لافي الذمم، و دليل اعتبارها هو النهي عن الغرر، و الكلام في المقام في اشتغال الذمة بما لايقدر على التسليم. هذا مضافاً إلى جواز جعل الآبق أو الضالّة مع أنّه ممّا لايقدر على التسليم. و أيضاً يختص النهي عن الغرر بالبيع و الاجارة، و لاعموم له بالنسبة إلى المقام.

120

المسألة 4: في عدم اعتبار الجعل ممن له العمل

لايعتبر أن يكون الجعل ممّن له العمل، فيجوز أن يجعل شخص جعلاً من ماله لمن خاط ثوب زيد أو ردّ دابته; و ذلك لعموم الأدلّة العامة كقوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً

**********

(1) الوسائل / ج 18، ص 58، ب 10 من أحكام العقود، ح 5 و 6 و 8.

ص: 197

عَنْ تَرٰاضٍ )،(1) و إطلاق الأدلّة الخاصة كصحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً؟ قال: «لابأس به»،(2) إذ لم يستفصل الامام عليه السلام بين أن يكون أخذ الجعل من المرضى أو غيرهم، مع أنّ جعل الجعل من غير المرض أمر شائع.

121

المسألة 5: في اعتبار اهلية الاستئجار في الجاعل

يعتبر في الجاعل أهلية الاستئجار، فلاينفذ جعل الصبي و المجنون و السفيه و المحجور عليه لفلس و المكره و غير القاصد; و ذلك للأدلّة العامة على اشتراط البلوغ و العقل و الرشد و القصد و الاختيار و عدم الحجر في المعاملات، و المفروض أنّ الجعالة منها، قال في الجواهر: «و لانعلم فيه خلافاً، قلت: بل و لاإشكال، لما عرفته مكرّراً في كلّ عقد و ايقاع ممّا يدلّ على عدم صحة شيء منهما من هؤلاء».(3)

و أمّا العامل فلايعتبر فيه إلاّ إمكان تحصيل العمل، فإن لم يمكن تحصيل العمل له لم يصح الجعل له، كما لايصح استئجاره.

و لافرق في ذلك بين أن لايكون ممكناً عقلاً أو شرعاً; لأنّ المانع الشرعي كالمانع العقلي، فلايجوز جعل الجعل على الحرام; لأنّه أكل المال بالباطل، قال في الجواهر: «فلو قال من استوفى ديني على المسلم فله كذا لم يدخل الذمي».(4)

نعم لايعتبر في العامل نفوذ التصرّف; ضرورة عدم الدليل على اعتباره بعدما عرفت

**********

(1) النساء / 29.

(2) الوسائل / ج 17، ص 278، ب 85 ممّا يكتسب به، ح 1.

(3) جواهر الكلام / ج 35، ص 196.

(4) جواهر الكلام/ ج 35، ص 196.

ص: 198

من أنّ الجعالة ليست بعقد، و عليه فيجوز أن يكون العامل صبياً مميّزاً ولو بغير إذن الولي، بل ولو كان غير مميّز أو مجنون، ولكن يشكل في الأخيرين من جهة عدم القصد إلى العوض و إن حصل الغرض، نعم لو استخدمهما كان مستوفياً لعملهما و موجباً للضمان، فتأمل.

122

المسألة 6: في جواز الجعاله على كل عمل محلل مقصود للعقلاء

قال في الجواهر: «تصح [الجعالة] على كلّ عمل [محلّل] مقصود للعقلاء على وجه يخرج عن كونه سفهاً كالاجارة... نعم لابدّ من إرادة المعنى الأعم من المحلّل ليشمل المباح و المندوب و المكروه، كما هو مقتضى إطلاق الأدلّة أو عمومها، لاخصوص المباح منه، نعم لاتصح على الحرام بل و لاعلى الواجب، كما صرّح به هنا غير واحد حتى انّهم قالوا: لو قال: (من دلّني على مالي فله كذا) فدلّه من كان المال في يده لم يستحق الجعل، لأنّ ذلك واجب عليه بالشرع، فلايجوز أخذ العوض عليه، بخلاف ما لو دلّه من لم يكن في يده فإنّه يستحق; لعدم وجوبه و خصوصاً إذا لحقه بالبحث عنه مشقّة».(1)

و لايخفى عليك أنّ عدم الصحة على مطلق الواجب لايخلو عن إشكال و نظر; لما يقال من أنّ الأصل هو جواز أخذ العوض على الواجب خصوصاً الجعل إلاّ ما خرج بدليل من إجماع و غيره كالواجبات العينية من العبادات، و إلاّ فالوجوب من حيث كونه وجوباً لاينافي تناول العوض عن الواجب كما في الكفائيات، و عليه فلامانع من جواز الاجارة أو الجعالة فيه، ولكن المسألة لاتخلو عن تأمّل لازم. و بقية الكلام في المكاسب، فراجع.

ثم إنّه لادليل على بطلان المعاملات السفهية; لاختصاص دليل البطلان بمعاملات

**********

(1) جواهر الكلام/ ج 35، ص 192.

ص: 199

السفيه، نعم لو قلنا بعدم إطلاق أدلّة نفوذ الجعالة و انصراف العمومات عن مثلها فلادليل على نفوذه.

اللّهمّ إلاّ أن يتمسك بصحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أكل و أصحاب له شاة، فقال: إنّ أكلتموها فهي لكم و إن لم تأكلوها فعليكم كذا و كذا؟ فقضى فيه: إنّ ذلك باطل، لاشيء في المؤاكلة من الطعام ما قلّ منه و ما كثر و منع غرامته منه».(1) بدعوى أنّ صدر الحديث يدلّ على صحة جعل الجعل في المؤاكلة ولو كانت المؤاكلة سفهية.

يمكن أن يقال: إنّ الرواية على فرض دلالتها على صحة الجعالة ناظرة إلى منع جعل الغرامة، و لانظر لها إلى خصوصيات جعل الجعل في المؤاكلة، و عليه فلاإطلاق لهذه الرواية بالنسبة إلى الجعالة السفهية، فتأمل.

هذا مضافاً إلى أن مورد الرواية المذكورة مورد المراهنة من الطرفين الذي يلحق بالقمار في الحرمة، و هو أجنبي عن مورد الجعالة الذي يكون القرار المالي فيه من طرف واحد.

و قد نسب الحرمة في المراهنة على اللعب بغير الآلات المعدّة للقمار كالمراهنة على حمل الحجر الثقيل و على المصارعة و على الطيور و على الطفرة إلى عدم الخلاف. و لافرق فيه بين أن يترتّب عليه الغرض العقلائي أو لم يترتّب.

و يدلّ على حصر المراهنة في ثلاثة، أي الخفّ و الحافر و الريش، و إلحاق غيرها بالقمار في الروايات، و بقية الكلام في محلّه.(2)

**********

(1) الوسائل / ج 23، ص 192، ب 5 من الجعالة، ح 1.

(2) راجع المكاسب (الأنصاري) / ص 48.

ص: 200

فتحصّل أنّ الجعالة على الامور التي لاتترتّب عليها الأغراض العقلائية لادليل على صحتها.

123

المسألة 7: في عدم تعيين المدة في الجعالة بل هى تابعة لجعل الجاعل

لامدّة في الجعالة، بل هي تابعة لجعل الجاعل فإن عيّن مدّة خاصة فالجعالة محدودة بالمدة المذكورة، فلو أتى العامل بالعمل بعد مضية المدة فلايستحق شيئاً، و لافرق فيه بين أن يشرع في العمل قبل مضي المدة أو لم يشرع فإنّ الملاك هو الإتيان بالشيء قبل مضي المدة، و المفروض أنّه لم يأت به في تلك المدة فلايستحق شيئاً.

ثم لو أطلق الجاعل و لم يعيّن مدة فلو أتى العامل بالشيء بعد مضي سنوات استحق الاجرة; لأنّ طول الزمان لايوجب بطلان إنشاء الجعالة ما دام لم يفسخها، و لو شك في بقاء الانشاء فمقتضى الاستصحاب هو بقاؤه.

و لو عيّن مدة خاصة و حلّت المدة فالتمديد يحتاج إلى إنشاء جديد من الجاعل، و لايكفي تمديد العامل من قِبل نفسه من دون وكالة من ناحية الجاعل.

فما في بعض المواد من القرارات البنكية من أنّ للبنك تمديد المدة إذا ما رأى الضرورة في التمديد و ازدياد الجعل و لااعتراض للجاعل بالنسبة إلى البنك الذي يكون عاملاً.

منظور فيه إن لم يوكّله الجاعل في إنشاء الجعالة بعد مضي المدة و لزوم التمديد. اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ إمضاء القرار المذكور هو وكالة معاطاتية، فتأمل.

124

المسألة 8: في انه ليس على الجاعل غير ما جعله على نفسه في انشاء الجعالة

ليس على الجاعل غير ما جعله على نفسه في إنشاء الجعالة، و عليه فالمصارف اللازمة في العمل تكون بعهدة العامل، و لايجوز له مطالبة الجاعل بشيء منها، نعم لو التزم الجاعل من ابتداء الأمر بعضها كمواد الخياطة و نحوها فلاإشكال في أنّه عليه;

ص: 201

بناء على شمول العمومات لمثل ذلك، و يجوز للعامل مطالبته بما التزم به لو صرفه بإذنه كما لايخفى.

و عليه فاطلاق ما ورد في بعض القرارات البنكية من أنّه يجوز للبنك الذي يكون عاملاً أن يرجع إلى الجاعل في المصارف التي أنفقها ولو كانت المصارف المذكورة غير مترقّبة محلّ إشكال بل منع لو لم يشترط ذلك في الجعالة.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ إمضاء القرار المذكور بمعنى قبول الشرط، فتأمّل.

125

المسألة 9: في عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد العمل

إنّ العامل لايستحق الجعل إلاّ بعد العمل، فقبل العمل لايجوز له المطالبة بالجعل ولو بعضه.

و عليه فما ورد في بعض القرارات البنكية من جواز تقسيط الجعل بأقساط مساوية إن اريد منه تقسيط الجعل بعد العمل بتمامه و كماله فلاكلام، و إن اريد منه التقسيط قبل العمل و اداء بعض اقساطه فهو محلّ إشكال بل منع; لأنّ العامل لايستحق الجعل إلاّ بالعمل.

و ليست الجعالة كالاجارة حتى يمكن اشتراط تقديم اداء الاجارة قبل استيفاء منفعة مورد الاجارة كالدار; لأنّ بالاجارة يملك المستأجر المنفعة، فيجوز للمؤجر أن يشترط عليه اداء الاجرة قبل الاستيفاء، ولكن الجعالة لاتكون عقداً حتى يكون عمل العامل ملكاً للجاعل، و يمكن اشتراط اداء مقابله و هو الجعل قبل العمل.

و عليه فالأقساط المذكورة لاتصح بعنوان الجعل، نعم لابأس بذلك بعنوان القرض حتى يتم العمل.

126

المسألة 10: في ان الجعالة من العقود الجائزة

إنّ الجعالة كما أفاد في الجواهر جائزة من الطرفين سواء قلنا بكونها عقداً أو ايقاعاً بلا

ص: 202

خلاف، و لافرق فيه بين تلبّس العامل بالعمل و شروعه فيه و بين عدمه; و ربما يوجّه ذلك بأنّ المستفاد من أدلّتها كونها بمنزلة أمر للغير بعمل له اُجرة، فلايجب المضيء فيه من الجانبين، فإذا فسخ الجاعل تنفسخ الجعالة.

و لافرق في ذلك بين علم العامل بذلك و عدمه، و التفصيل بين العلم و عدمه في الوكيل لايجري هنا; لاختصاص دليله بالوكالة، نعم لو شرط في عقد خارج لازم أن لايفسخ عقد الجعالة فلايجوز له الفسخ قضاء للشرط.

قال في الجواهر: «إن كانت الجعالة على عمل لايتجزّأ كالردّ و نحوه أو يتجزّأ ولكن قصد الجعل عليه من حيث تماميته فلاشيء للعامل إذا لم يكن الفسخ من قِبل الجاعل; للأصل وغيره، و إن كان بفسخ من قِبله استحق اُجرة المثل على ما وقع منه من مقدّمات العمل، خصوصاً إذا كان بعضه الذي هو مقدمة أيضاً لتمامه; لقاعدة الغرور و احترام عمل المسلم و نفي الضرر، كما في عامل القراض، بل لعلّ الحكم كذلك في صورة الانفساخ بموت الجاعل و نحوه فضلاً عن فسخه، ولو قصد توزيع الجعل على العمل ذي الأجزاء على نحو الاجارة اتجه حينئذ الحكم بالتقسيط كما في الاجارة، بل لافرق في ذلك بين الفسخ من قبل الجاعل و العامل. و مع الاطلاق فالظاهر [هو] الأول في الجعالة».(1)

و توضيح ذلك: إنّ الفسخ إن كان من ناحية العامل بعد التلبّس بالعمل و كان العمل ممّا لايتجزّأ كالرد و نحوه أو ممّا يتجزّأ ولكن قصد الجعل عليه من حيث تماميته فلاشيء للعامل إذا لم يكن فسخ من قِبل الجاعل; و ذلك للأصل.(2)

هذا بخلاف ما لو قصد توزيع الجعل على العمل ذي الأجزاء على نحو الاجارة فإنّ

**********

(1) جواهر الكلام / ج 35، ص 200.

(2) راجع جواهر الكلام / ج 35، ص 200.

ص: 203

المتّجه حينئذ كما في الجواهر هو الحكم بالتقسيط كما في الاجارة من دون فرق في ذلك بين كون الفسخ من قِبل الجاعل و العامل.

نعم، مع الاطلاق فالظاهر هو الأول، أي عدم التوزيع، و مقتضاه هو عدم استحقاق شيء للعامل; لعدم قصد التوزيع و عدم الاتيان بالعمل المقصود.(1)

هذا كلّه فيما إذا كان الفسخ بعد الشروع في العمل، و أمّا إذا كان الفسخ قبل الشروع فلاوجه للاستحقاق أصلاً سواء كان الفسخ من الجاعل أو من العامل; لأنّ المفروض هو عدم العمل.

و إذا كان الفسخ من ناحية الجاعل فمع عدم التلبّس فلاإشكال في عدم الاستحقاق كما عرفت.

و أمّا مع التلبّس فالظاهر من الجواهر أنّ المجعول له استحق اُجرة المثل على ما وقع منه من مقدمات العمل، خصوصاً إذا كان بعضه الذي هو مقدّمة أيضاً لتمامه، و استدلّ له بقاعدة الغرور و احترام عمل المسلم و نفي الضرر، كما في عامل القراض، و ألحق به صورة الانفساخ بموت الجاعل و نحوه.

هذا فيما إذا لم يقصد توزيع الجعل على العمل ذي الأجزاء، و إلاّ اتجّه حينئذ الحكم بالتقسيط، كما في الاجارة.(2)

و حاصله: هو التفصيل بين قصد توزيع الجعل و استحقاق المسمّى بالنسبة و عدم قصد التوزيع و استحقاق اُجرة المثل بالنسبة إلى المقدّمات.

و يشكل ذلك بأنّ قاعدة الغرور أخص، فإنّ العامل كثيراً ما يعلم أحكام الجعالة فمع

**********

(1) راجع جواهر الكلام / ج 35، ص 200.

(2) راجع جواهر الكلام / ج 35، ص 200.

ص: 204

العلم بالأحكام لاغرور حتى يستحق المسمّى بالنسبة أو اُجرة المثل، و هكذا لامجال للتمسك بقاعدة لاضرر مع إقدامه عليه لو سلّمنا شمولها لمثل المقام.

ولكن يمكن الجواب عن الثاني بما مرّ في مسائل المضاربة(1) من أنّ العلم بعدم الصحة الشرعية لايقتضي الإقدام على التبرّع الموجب لعدم الاستحقاق; لعدم الملازمة بينهما، فإنّ العامل كثيراً ما يكون قاصداً للعوض و إن كان يعلم بأنّ الشارع لم يمضه، و مقتضى السيرة القطعية العقلائية في العمل المأمور به هو الاستحقاق ما لم يتبرّع، فمع عدم التبرّع فمقتضى الأمر بالعمل و إتيانه به هو الاستحقاق، فتدبّر جيداً.

نعم، لو لم يقصد العامل إلاّ العوض اللازم من بقاء الجعالة فلاموجب للاستحقاق بعد فسخ الجعالة من الجاعل، كما لايخفى.

ثم إنّه إذا كان العامل متعدّداً و فسخ الجاعل فهل يجب إرضاء كلّ واحد أو يعيّن المستحق بالقرعة أو يستحق السابق أو يقسّط حق العامل منهم ؟ فكلّ محتمل.

أمّا الأول فلأنّه مقتضى العلم الاجمالي بوجود ذي حق بينهم، و لذلك ذهب السيد الخوئي قدس سره إلى وجوب الاحتياط في نظائر المقام مثل مسالة (30) من كتاب الخمس: إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور، و هكذا في مسألة (31) منه: إذا كان حق الغير في ذمته لافي عين ماله و علم جنسه و مقداره و علم صاحبه في عدد محصور.(2)

و دعوى انّ الاحتياط المزبور بإرضاء الجميع يستلزم الضرر، فلايجب بمقتضى دليل نفي الضرر.

**********

(1) انظر بحث المضاربة، المسائل [8].

(2) مستند العروة الوثقى، الخمس (الخوئي) / ج 150، ص 153.

ص: 205

مندفعة بأنّ حديث نفي الضرر و إنّما يتكفّل بنفي الضرر الناشىء من قبل الحكم بنفسه، لاالضرر الناشىء من إحراز الامتثال، كما في المقام.

و أمّا الثاني فلعموم القرعة لكلّ أمر مشكل.

ولكن اورد عليه بأنّ مع حكم العقل بوجوب الاحتياط بالارضاء لايبقى موضوع للقاعدة، و هكذا مع وجود قاعدة اخرى لامجال لقاعدة القرعة.

و أمّا الثالث فلاوجه له; لأنّ السبقة إلى المقدمات لاتوجب الأولوية، و لذا لو سبق أحد في المقدمات ولكن تأخّر عن الآخر في نفس المجعول فيه فلاحقّ له. نعم، السبقة الموجبة للتقدّم هي السبقة بالنسبة إلى نفس ذي المقدمة و المجعول فيه، و المفروض أنّ العاملين لم يأتوا بالمجعول فيه.

و أمّا الرابع فلما يظهر من بعض من قاعدة العدل و الانصاف، قال السيد الخوئي قدس سره: «هي من القواعد العقلائية، و قد أمضاها الشارع في جملة من الموارد كما إذا تداعى شخصان في مال و كان تحت يدهما أو أقام كلّ واحد منهما البينة أو لم يتمكنا من البينة و حلفا أو نكلا فيحكم بتنصيف المال بينهما في جميع هذه الصورة و هذه القاعدة مبنية على تقديم الموافقة القطعية في الجملة مع المخالفة القطعية كذلك على الموافقة الاحتمالية في تمام المال، فانه لو اعطي تمام المال في هذه الموارد لأحدهما للقرعّة مثلاً احتمل وصول تمام المال إلى مالكه و يحتمل عدم وصول شيء منه إليه، بخلاف التنصيف فإنّه عليه يعلم وصول بعض المال إلى مالكه جزماً و لايصل إليه بعضه الآخر كذلك فيكون التنصيف مقدمة لوصول بعض المال إلى مالكه و يكون من قبيل صرف مقدار من المال مقدمة لايصاله إلى مالكه الغائب حسبة إلاّ انّه من باب المقدمة الوجودية و المقام من باب المقدمة العلمية».(1)

**********

(1) مصباح الاصول / ج 2، ص 62.

ص: 206

و لعلّه لذلك ورد النص فيما إذا كان لأحد درهم عند الودعي و للآخر درهمان عنده فسرق أحدهما يعطى لصاحب الدرهمين درهم واحد و لصاحب الدرهم نصف.(1)

و اعتمد عليها صاحب العروة وبعض المحشين كالسيد المحقق البروجردي قدس الله أسرارهم في المسألتين المذكورتين من كتاب الخمس.

و من المعلوم أنّ مع هذه القاعدة لايجب الاحتياط; لأنّها طريق عقلائي للتخلّص، و قد اكتفى الشارع به.

ولكن أورد عليه السيد الخوئي في كتاب الخمس بعدم تمامية القاعدة المزبورة في نفسها; إذ لم تثبت السيرة العقلائية و لاالشرعية عليها، و الروايات خاصة بمواردها، فلايمكن التعدّي عنها، و قياس المقام بمثال الودعي مع الفارق; إذ لاضمان في الودعي لأنّه أمين بخلاف المقام فإنّ ضمان أحد النصفين باق على حاله; لعدم الموجب لسقوطه بعد عدم الوصول إلى مالكه.(2)

و على فرض عدم تمامية قاعدة العدل و الانصاف فمع إمكان الاحتياط أو التصالح و التراضي فلامجال للقرعة، و أمّا مع عدم إمكان الاحتياط أو التصالح و التراضي فلامانع من التمسك بقاعدة القرعة لكلّ أمر مشكل; لصدق موضعها بعد عدم ثبوت قاعدة العدل و الانصاف، فتأمل.

127

المسألة 11: في جواز انشاء عقد الجعالة للعامل مع اخر

يجوز للعامل في الجعالة أن يجعل مع آخر بشرط أن يعمل فيه شيئاً من العمل، مثلاً: إذا أعطى زيد مالاً لعمرو بنحو الجعالة بأن يتجر به و يكون ربحه بينهما فأعطاه عمرو

**********

(1) انظر المصدر السابق/ ص 61.

(2) مستند العروة الوثقى، الخمس / ص 151.

ص: 207

لغيره بنحو الجعالة أيضاً لابأس بذلك مطلقاً فيما إذا لم يربح فيه و لم يشترط فيه المباشرة، و أمّا إذا ربح فلايجوز إلاّ إذا عمل عمرو فيه شيئاً من العمل، كما يدلّ عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) انّه سئل عن الرجل يتقبل بالعمل فلايعمل فيه و يدفعه إلى آخر فيربح فيه ؟ قال: «لاإلاّ أن يكون قد عمل فيه شيئاً».(1)

هذا إذا كانت الجعالة محققة مع طرف خاص كالفرض المزبور.

و أمّا إذا كانت الجعالة عامة، كما إذا قال الجاعل: (من ردّ عبدي فله كذا) جاز لكلّ أحد سمع ذلك أن يعمل فيه، فإذا أقدم على ذلك جماعة فاستحق الجعل من سبق منهم بردّه.

ثم هل يجوز لغير الجاعل في هذه الصورة أن يجعل لردّ العبد المذكور جعلاً بأن يقول هو أيضاً: (من ردّ عبد فلان فله كذا) أو لايجوز؟

و الأقرب هو الجواز، فإذا ردّ العبد إليه لزم عليه أن يعطي الرادّ ما جعله له، و له حينئذ أن يردّه على الجاعل الأول بما جعل لردّ عبده، و ليس ذلك بلا فائدة، بل ربما يكون ما أعطاه الجاعل الثاني أقلّ ممّا أعطاه الجاعل الأول فيربح في الزيادة، كما لايخفى.

128

المسألة 12: في جواز استنابة العامل غيره بنحو الوكالة او الاجارة

يجوز للعامل أن يستنيب غيره في العمل بنحو الوكالة، أو بنحو الاجارة لو لم يشترط معه المباشرة.

و هل يجوز للعامل استنابة نفس الجاعل أو لايجوز؟

فالظاهر هو الجواز; لأنّ الجاعل حينئذ يعمل العمل بعنوان النيابة عن العامل و يستحق الاجرة مع عدم قصد المجانية، و لايشترط فيه أنّ يعمل العامل شيئاً من العمل;

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 132، ب 23 من الجعالة، ح 1.

ص: 208

لأنّ المفروض هو الاستنابة، لاالجعالة حتى يكون مشمولاً لصحيحة محمد بن مسلم المتقدمة، بل يعمل الجاعل بعنوان النيابة عن العامل، و لايجعل العامل جعلاً للجاعل، بل استنابه، و الفرق بينهما واضح.

بل يشكل ذلك بأنّه لامعنى لجعل العامل الجعل للجاعل في مثل التجارة مع أنّ المال لنفس الجاعل وليس للعامل، و هكذا لامعنى لجعل العامل الجعل للجاعل في غير التجارة كعمل من أعماله كبناء داره أو خياطة ثوبه.

ولكن يمكن أن يقال: حيث يجوز في الجعالة أن يجعل شيء بالنسبة إلى عمل الغير ما لم يكن واجباً عينياً أو كفائياً إذا كان الداعي العقلائي في مثل ذلك موجوداً، فلامانع من أن يجعل العامل الجعل للجاعل في تجارة الجاعل في ماله أو في عمل من أعماله كبناء داره أو خياطة ثوبه، فإذا اتجّر الجاعل و حصل المقصود أو عمل الجاعل العمل المطلوب أعطى العامل للجاعل ما جعله بعنوان الجعل و طلب من الجاعل ما جعله الجاعل له من الجعل، و ربما كان الثاني أزيد ممّا أعطاه للجاعل، فهو زيادة عائدة للعامل.

و لايقال: إنّ ذلك لغو، لإمكان أن يكون ذلك موجباً للتسهيلات، كما إذا كان الجاعل لامال له فبعد أن يجعل مع مثل البنك في بناء الطابق الثاني شيئاً و جعل البنك معه جعالة تمكن من بناء الطابق الثاني من داره بإعداد مالي أو جنسي من البنك.

نعم هنا إشكال آخر، و هو قصور الأدلّة الخاصة بالجعالة عن شمول هذا الفرض.

ولكن يمكن الذبّ عنه بكفاية الأدلّة العامة لذلك مثل قوله تعالى: (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) أو قوله عزّوجلّ : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على إشكال في الاستدلال بالثاني.

و عليه فلو جعل مع البنك في بناء الطابق الثاني من داره بأن يبني البنك بإنفاقه و

ص: 209

يعطيه مبلغ كذا ثم جعل البنك مع صاحب الدار بناء الطابق الثاني بأن يبني ذلك باعداد مالي أو جنسي من البنك و يعطيه كذا و كذا صحت الجعالة.

إلاّ أنّ مقتضى صحيحة محمد بن مسلم المذكورة آنفاً هو لزوم أن يعمل العامل شيئاً حتى تصح جعالته.

و دعوى اختصاصها بباب الاجارة لاوجه له بعد إطلاق العبارة و شمولها لمثل الجعالة، فلاتغفل.

ثم إنّ تسمية استنابة العامل للجاعل بقرض الجعالة غلط; لعدم القرض في هذا الفرض; إذ مالك الدار يجاعل مع البنك إن بنى له الطابق الثاني له مثلاً أعطاه كذا و كذا فقبل البنك هذه الجعالة ثم استناب نفس الجاعل للبناء و أعطاه مالاً لأن ينفق في ذلك، فهذا المال ليس بقرض، بل هو مال للعامل و ينفقه لانجاز الجعالة المذكورة، فتدبر جيداً.

129

المسألة 13: لايجوز اخذ الزيادة من الجاعل لو اخّر في اداء الجعل

لايجوز أخذ الزيادة من الجاعل من جهة التأخير في اداء الجعل بعد إتمام العمل; فإنّ الجعل المذكور من الديون، و أخذ الزيادة في مقابل إمهالها ربا محرّم، و قد وردت النصوص فيه.

و لايجدي تغيير عنوان الزيادة بشرط الغرامة بدعوى أنّه لم يكن في مقابل الامهال، بل هو غرامة على تقدير التأخير; و ذلك لأنّ شرط النفع في القرض ممنوع مطلقاً، و هو صادق على شرط الغرامة في القرض، و إبقاء الدين كالقرض الحادث، و لافرق بينهما.

فما ذكر في بعض القرارات البنكية من لزوم تأدية الزيادة في فرض التأخير في إعطاء الجعل محل إشكال بل منع.

130

المسألة 14: في فرض جعالة للمودع زائدا على النسبة المقررة من الربح

قال الشهيد الصدر قدس سره: «و كلّما أحس البنك بالحاجة الملحة إلى جذب و دائع أكثر

ص: 210

لقوة حركة الاستثمار و نشاطها و زيادة الطلب من المستثمرين أمكنه أن يستعمل طريقة لجذب تلك الودائع، و هي فرض جعالة للمودع زائداً على النسبة المقرّرة له من الربح، و صورة الجعالة أن يفرض البنك لكلّ من يودع لديه وديعة ثابتة و يجعله وكيلاً عنه في المضاربة عليها مع أي مستثمر يشاء و بأيّ شروط يقترحها هو جعالة خاصة على أساس أنّ توكيل المودع المضارب للبنك عمل يخدم البنك و له قيمة مالية، فيصح أن يضع البنك جعالة عليه، و نظراً إلى أنّ قيمة التوكيل تزداد كلّما ازداد المبلغ الموكّل عليه فبالامكان فرض الجعالة، بنحو يتناسب مع كمية المبلغ المودع، و يتحمّل البنك دفع هذه الجعالة و يغطي كلفتها من الاجور الثابتة التي يتقاضاها من كلّ مستثمر لقاء توسطه لديه...

و ليست هذه الجعالة رباً; لأنّها ليست شيئاً يدفعه المدين إلى الدائن لقاء الدين، نظراً إلى أنّ الودائع الثابتة ديناً على البنك للمودع لكي يكون ما يدفعه إليه في مقابل القرض، و إنّما هي باقية على ملكية أصحابها المودعين لها، و الجعالة إنّما هي على التوكيل بوصفه عملاً ذا قيمة مالية بالنسبة إلى البنك ممّا يتيح له من فرصة اختيار المستثمر».(1)

**********

(1) البنك اللاربوي/ ص 62-63.

ص: 211

الإجارة في المعاملات البنكية

اشارة

131

حقيقة الإجارة

المعروف أنّ الإجارة: هي تمليك المنفعة بعوض و معلوميتهما من جهة المقدار و الزمان و غيرهما من شرائط صحّة الإجارة.

أورد عليه السيّد المحقّق البروجردي قدس سره: أنّ الإجارة بمعناها الاسمي إضافة خاصّة يعتبرها العقلاء في العين المستأجرة بالنسبة إلى المستأجر مستتبعة لملكه أو استحقاقه لمنفعتها أو عملها، و تسلّطه عليها بتلك الجهة، و لذلك لاتستعمل إلاّ متعلّقة بالعين.(1) و عليه، فتمليك المنفعة ليس مفاداً أوّليّاً للإجارة، بل مفادها الأوّلي آجرتك الدار أو أكريتك إيّاها.

و ربّما تفسّر الإجارة بأنّها تسليط على العين لينتفع بها في مقابل العوض، معتضداً بأنّ الإجارة تتعلّق بنفس العين بدون تقدير المضاف.

**********

(1) العروة الوثقى / ج 5، ص 7، التعليقة.

ص: 212

اورد عليه: إنّ هذا التعريف لايصحّ في إجارة الأحرار، و لذا قال في جامع المدارك: «إنّ الحرّ غير قابل لهذا المعنى، و لذا لو حبس الحرّ لايضمن منافعه بخلاف حبس العبد أو التسلّط على الأعيان الخارجيّة فإنّ الاستيلاء عليها موجب للضمان، و اختلاف الحقيقة باختلاف المتعلّق بعيد».(1)

يمكن أن يقال: إنّ التسليط الممنوع في الحرّ هو الذي لايكون بالاختيار و الرضا، و أمّا مع الرضا، و الاختيار فلا منع عنه، بل هو مؤكّد للحرّية في الأحرار، بل لعلّه قابل للاعتبار العقلائي، و لعلّ لذلك عبّر عنه بالتأييد في جامع المدارك، فتدبّر.

يمكن أن يقال: إنّ التسليط من آثار الإجارة و الأحكام المترتّبة عليها بعد انعقادها، حيث يجب على الموجر تسليم العين، لاأنّه مساوق لمفهومها، فهذا التفسير لايمكن المساعدة عليه; لأنّه تفسير بلازمها، فالأقرب في تفسيرها هو الذي عرفت من السيّد المحقّق البروجردي قدس سره و تبعه سيّدنا الإمام المجاهد و السيّد الفقيه الگلبايگاني قدس سرهما.

و كيفما كان فعقد الإجارة لازم من الطرفين، و لاخلاف فيه، و يدلّ عليه العمومات، من قوله عزّ وجلّ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)(2) وقوله صلى الله عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم»(3) بناءً على أنّ الشرط هو الالتزام في مقابل الالتزام لاالالتزام في ضمن التزام آخر. هذا مضافاً إلى صحيحة علي بن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السلام عن الرجل يكتري السفينة سنةً أو أقلّ أو أكثر، قال: «الكراء لازم إلى الوقت الذي اكتراه إليه، و الخيار في أخذ الكرى إلى ربّها إن شاء أخذ و إن شاء ترك».(4)

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 453.

(2) المائدة / 1.

(3) مستدرك الوسائل / ج 13، ص 301، ب 5 من خيار الشرط، ح 7.

(4) الكافي / ج 5، ص 292، ح 1.

ص: 213

132

هنا مسائل

اشارة

133

المسألة الاُولى: الاجارة بشرط التمليك

تجوز الإجارة بشرط تمليك العين المستأجرة بعد ختام مدّة الإجارة و إعطاء أقساط الإجارة; لأنّ الإجارة المذكورة تشملها أدلّة نفوذ الإجارة كما أنّ الشرط مشمول لأدلّة نفوذ الشروط و حيث لاجهالة في العين و لافي الأقساط و لافي الشرط فلا مانع من النفوذ و الصحّة.

ثمّ إنّ هذا الشرط أعني شرط التمليك شرط الفعل و لاإشكال في جوازه، و إنّما الكلام في شرط النتيجة، كما إذا آجر العين بشرط ملكيّتها عند ختام مدّة الإجارة و إعطاء أقساط الإجارة، و الأقوى أنّها صحيحة; لعدم قيام دليل على توقّف الملك على أسباب خاصّة، فيجوز بشرط حصوله في عقد الإجارة.

و تفصيل ذلك - كما أفاد شيخنا الأعظم قدس سره - أنّه «إن دلّ الدليل الشرعي على عدم تحقق تلك الغاية إلاّ بسببها الشرعي الخاص كالزوجية و الطلاق و العبودية و الانعتاق و كون المرهون بيعاً عند انقضاء الأجل و نحو ذلك كان الشرط فاسداً; لمخالفته للكتاب و السنّة كما أنّه لو دلّ الدليل على كفاية الشرط فيه كالوكالة و الوصاية و كون مال العبد و حمل الجارية و ثمر الشجرة ملكاً للمشتري فلا إشكال. و أمّا لو لم يدلّ دليل على أحد الوجهين كما لو شرط في البيع كون مال خاص غير تابع لأحد العوضين كالأمثلة المذكورة ملكاً لأحدهما أو صدقة أو كون العبد الفلاني حرّاً و نحو ذلك ففي صحة هذا الشرط إشكال من أصالة عدم تحقق تلك الغاية إلاّ بما علم كونه سبباً لها، و عموم المؤمنون عند شروطهم و نحوه لايجري هنا; لعدم كون الشرط فعلاً يجب الوفاء به و من أنّ الوفاء لايختص بفعل ما شرط، بل يشمل ترتيب الآثار عليه، نظير الوفاء بالعهد.

ص: 214

و يشهد له تمسّك الإمام بهذا العموم في موارد كلّها من هذا القبيل كعدم الخيار للمكاتبة التي أعانها ولد زوجها على أداء مال الكتابة مشترطاً عليها عدم الخيار على زوجها بعد الانعتاق، مضافاً إلى كفاية دليل الوفاء بالعقود في ذلك بعد صيرورة الشرط جزء للعقد.

و أمّا توقّف الملك و شبهه على أسباب خاصة فهي دعوى غير مسموعة مع وجود أفراد اتفق على صحتها كما في حمل الجارية و مال العبد و غيرهما.

و دعوى تسويغ ذلك لكونها توابع للمبيع مدفوعة; لعدم صلاحية ذلك للفرق، مع أنّه يظهر من بعضهم جواز اشتراط ملك حمل دابّة في بيع اُخرى... إلى أن قال: و كيف كان فالأقوى صحة اشتراط الغايات التي لم يعلم من الشارع إناطتها بأسباب خاصة، كما يصح نذر مثل هذه الغايات بأن ينذر كون المال صدقة أو الشاة اُضحية أو كون هذا المال لزيد، و حينئذ فالظاهر عدم الخلاف في وجوب الوفاء بها بمعنى ترتب الآثار».(1)

134

المسألة الثانية: في اشتراط عدم الغرر

هل يجوز شرط ملكية العين في الاجارة مع الجهالة، كأن يوجر العين بشرط ملكية العين عند إعطاء تمام مال الإجارة قبل الأجل أو حاله من دون تعيين الوقت أو لايجوز؟ و حيث إنّ الاجارة ملحقة بالبيع في اشتراط عدم الغرر فاللازم هو ملاحظة حكم الشرط المجهول في البيع.

ذهب شيخنا الأعظم قدس سره إلى أنّ من شروط صحة الشرط أن لايكون الشرط مجهولاً جهالة توجب الغرر في البيع; لأنّ الشرط في الحقيقة كالجزء من العوضين، كما سيجيء بيانه. و قال العلاّمة في التذكرة: «و كما أنّ الجهالة في العوضين مبطلة فكذلك في صفاتهما و

**********

(1) المكاسب (الانصاري) / ج 6، ص 59-62.

ص: 215

لواحق المبيع، فلو شرط شرطا مجهولاً بطل البيع»(1) و قد سبق ما يدلّ على اعتبار تعيين الأجل المشروط في الثمن.

بل لو فرضنا عدم سراية الغرر في البيع كفى لزومه - الغرر - في أصل الشرط بناء على أنّ المنفي مطلق الغرر حتى في غير البيع، و لذا يستندون إليه في أبواب المعاملات حتى الوكالة، فبطلان الشرط المجهول ليس لإبطاله البيع المشروط به، و لذا قد يجزم ببطلان هذا الشرط مع الاستشكال في بطلان البيع، فالعلاّمة في التذكرة ذكر في اشتراط عمل مجهول في عقد البيع أنّ في بطلان البيع وجهين مع الجزم ببطلان الشرط.(2)

لكن الانصاف أنّ جهالة الشرط تستلزم في العقد دائماً مقداراً من الغرر الذي يلزم من جهالته جهالة أحد العوضين.

و من ذلك يظهر وجه النظر فيما ذكره العلاّمة في مواضع من التذكرة من الفرق في حمل الحيوان و بيض الدجاجة و مال العبد المجهول المقدار بين تمليكها على وجه الشرطية في ضمن بيع هذه الامور بأن يقول: بعتكها على أنّها حامل أو على أنّ لك حملها، و بين تمليكها على وجه الجزئية بأن يقول: بعتكها و حملها، فصحّح الأوّل لأنّه تابع، وأبطل الثاني لأنّه جزء.

لكن قال في الدرو س: «لو جعل الحمل جزء من البيع فالأقوى الصحة; لأنّه بمعنى الاشتراط، و لاتضر الجهالة; لأنّه تابع»،(3) و قال في باب بيع المملوك: «و لو اشتراه و

**********

(1) التذكرة / ج 10، ص 99.

(2) انظر التذكرة / ج 10، ص 99.

(3) الدروس الشرعية / ج 3، ص 216.

ص: 216

ماله صح، و لم يشترط علمه و لاالتفصّي من الربا إن قلنا إنّه يملك، و لو أحلناه اشترطنا».(1)

و المسألة محل إشكال و كلماتهم لايكاد يعرف التئامها حيث صرّحوا بأنّ للشرط قسطاً من أحد العوضين و أنّ التراضي على المعاوضة وقع منوطاً به، و لازمه كون الجهالة فيه قادحة.

و الأقوى اعتبار العلم; لعموم نفي الغرر إلاّ إذا عدّ الشرط في العرف تابعاً غير مقصود بالبيع كبيض الدجاج.(2)

و حيث كانت الاجارة ملحقة بالبيع إجماعاً فما ذكره الشيخ الأعظم يأتي في الاجارة أيضاً.

يمكن أن يقال: إنّ الدليل الناهي عن الغرر مختص بما إذا كان العوضان غرريين; لظهور قوله عليه السلام: «نهى النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر» في النهي عن بيع العوضين مع الغرر، و لم يحك عنه صلى الله عليه وآله النهي عن نفس البيع الغرري، و فرق واضح بين النهي عن بيع الغرر و النهي عن البيع الغرري، و عليه فإذا لم يكن الشرط وصفاً للعوضين، بل التزام في ضمن التزام البيع، فلا وجه لبطلانه و إن كان غررياً; لعدم سراية الغرر منه الى العوضين بعد عدم كونه من أوصاف العوضين، و أمّا تقييد الالتزام البيعي بالالتزام الشرطي الغرري فلا يوجب إلاّ غررية نفس الالتزام البيعي لاغررية العوضين و لانهي عن نفس الالتزام الغرري بعدما عرفت من اختصاص النهي عن الغرر بالعوضين.

**********

(1) اى ولو قلنا باستحالة ملكية العبد اشترط العلم بالمقدار و التفصّى من الربا لأنّ المال المذكور ليس تابعاً للعبد المصدر السابق / ج 3، ص 226.

(2) المكاسب (الانصاري) / ج 6، ص 51-53.

ص: 217

ثم إنّ دعوى أنّ الشرط بمنزلة الجزء ممنوعة; بأنّه لو كان كذلك لزم أن ينقص من الثمن إذا لم يفِ بالشرط، كما إذا نقص أحد العوضين ينقص ما يقابله، كما افاد في جامع المدارك.(1)

و عليه فإلحاق الشرط بالجزء لبّي، و لايجعله جزءاً للعوض في البيع أو الاجارة، فالفرق بين تمليك المجهولات بنحو الجزئية أو بنحو الشرطية كما يظهر من العلاّمة صحيح. و لعلّ مراد صاحب الدروس ممّا مرّ أنّ الجزئية ربما تكون في حكم الشرطية و الجهالة فيها لاتضر، و لابأس بذلك فيما إذا كانت الجزئية كذلك. نعم، لو سرت الجهالة من الشرط الى العوضين كما إذا كان من أوصاف العوضين كان فيهما باعتبار جهالة العوضين لاجهالة الشرط كما يظهر من عبارة الشيخ الاعظم قدس سره.

و بالجملة فلا دليل على النهي عن غررية نفس البيع و لاعلى النهي عن غررية نفس الشرط، بل يختص الدليل بغررية العوضين، فلا تغفل.

135

المسألة الثالثة: في اجارة الكلى

هل يجوز أن يؤجر الكلي مع أوصاف التعيين أو لايجوز؟

الظاهر من الجواهر أنّ إجارة الكلي المذكور جائزة حيث قال: «(إذا استأجر دابّة) معينة (اقتصر على مشاهدتها، فإن لم تكن مشاهدة) بل غائبة أو كانت كلية (فلابدّ من ذكر جنسها) كالإبل (و وصفها) على وجه به يرتفع معه الغرر في الاجارة بذكر النوع من العرابي و البخاتي... الخ».(2)

و ما ذكره قدس سره مطابق للقاعدة فيما إذا اعتبر الكلي في الذمّة.

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 154.

(2) الجواهر / ج 27، ص 282-283.

ص: 218

و دعوى لزوم الملكية قبل الاجارة مندفعة; لصحة بيع السلف مع أنّ ملكية الكلي فيه مقارنة مع البيع، فاللازم هو اعتبار ملكية الكلي حال المعاملة، و هو حاصل فيما إذا كانت ذمّة البائع أو المؤجر ذات اعتبار، و لادليل على تقدّم الملكية، كما أنّ الأمر كذلك في شرط القدرة، فتدبّر جيّداً.

نعم، لايجوز إجارة العين الخارجية قبل تملّكها; إذ لااعتبار للملكية قبل تملك العين الخارجية.

و لعلّه لذا صرّح في الوسيلة(1) و تحريرها(2) بجواز كون العين المستأجرة كلية، فراجع باب الاجارة فيهما.

و لافرق بين أن تكون الاجارة المذكورة مشروطة بشرط التمليك أو لم تكن، و عليه فلا إشكال في اشتراط التمليك أو الملكية في إجارة الكلّي مع توصيفه بأوصاف معينة.

و لاإشكال فيه، و إنّما الكلام في إجارة الفرد المردّد، صرّحا في إجارة الوسيلة و تحريرها و غيرهما بعدم الجواز; و لعلّ المانعين ألحقوا الإجارة بالبيع، ذهب الشيخ الاعظم قدس سره في المكاسب - في مسألة بيع بعض من جملة متساوية الأجزاء - الى عدم الجواز في الفرض المذكور مستدلاًّ بفهم الأصحاب مع اعترافه بعدم الدليل عليه في صورة تساوي الأجزاء حيث قال: «يتصور ذلك على وجوه... إلى أن قال: الثاني أن يراد به بعض مردّد بين ما يمكن صدقه عليه من الأفراد المتصورة في المجموع، نظير تردّد الفرد المنتشر بين الافراد، و هذا يتضح في صاع من الصيعان المتفرّقة، و لاإشكال في بطلان ذلك مع اختلاف المصاديق في القيمة كالعبدين المختلفين; لأنّه غرر، لأن المشتري لايعلم بما يحصل في يده منهما.

**********

(1) وسيلة النجاة / ص 397.

(2) تحرير الوسيلة / ج 1، ص 524.

ص: 219

و أمّا مع اتفاقهما في القيمة كما في الصيعان المتفرّقة فالمشهور أيضاً - كما في كلام بعض - المنع، بل في الرياض نسبته إلى الأصحاب، و عن المحقق الأردبيلي قدس سره أيضاً نسبة المنع عن بيع ذراع من كرباس مشاهد من غير تعيين أحد طرفيه إلى الأصحاب.

و استدلّ على المنع بعضهم(1) بالجهالة التي يبطل معها البيع إجماعاً.

و آخر بأنّ الإبهام في البيع مبطل له، لامن حيث الجهالة، و يؤيّده أنّه حكم في التذكرة مع منعه عن بيع أحد العبدين المشاهدين المتساويين بأنّه لو تلف أحدهما فباع الباقي و لم يدر أيّهما هو صحّ خلافاً لبعض العامة.

و ثالث بلزوم الغرر.

و رابع بأنّ الملك صفة وجودية محتاجة إلى محل تقوم به كسائر الصفات الموجودة في الخارج، و أحدهما على سبيل البدل غير قابل لقيامه به; لأنّه أمر انتزاعي من أمرين معيّنين.

و يضعف الأوّل بمنع المقدّمتين; لأنّ الواحد على سبيل البدل غير مجهول، إذ لاتعيّن له في الواقع حتى يجهل، و المنع عن بيع المجهول و لو لم يلزم غرر - أي الخطر و الضرر - غير مسلَّم.

نعم، وقع في معقد بعض الاجماعات ما يظهر منه صدق كلتا المقدّمتين:

ففي السرائر - بعد نقل الرواية التي رواها في الخلاف على جواز بيع عبد من عبدين - قال: إنّ ما اشتملت عليه الرواية مخالف لما عليه الامّة بأسرها مناف لاصول مذهب أصحابنا و فتاويهم و تصانيفهم; لأنّ المبيع إذا كان مجهولاً كان البيع باطلاً بغير خلاف.(2)

**********

(1) جامع المقاصد / ج 4، ص 150.

(2) السرائر / ج 2، ص 350.

ص: 220

و عن الخلاف في باب السلم أنّه: اذا قال: اشتريت منك أحد هذين العبدين بكذا أو أحد هؤلاء العبيد الثلاثة بكذا لم يصح الشراء... دليلنا: أنّ هذا بيع مجهول، فيجب أن لايصح، و لأنّه بيع غرر لاختلاف قيم العبيد، و لأنّه لادليل على صحة ذلك في الشرع، و قد ذكرنا هذه المسألة في البيوع، و قلنا: إنّ أصحابنا رووا جواز ذلك في العبدين، فإن قلنا بذلك تبعنا فيه الرواية، و لم يقس غيرها عليها(1)... إلى أن قال الشيخ الأعظم قدس سره: و سيأتي أيضاً في كلام فخر الدين: انّ عدم تشخيص المبيع من الغرر الذي يوجب النهي عنه الفساد إجماعاً.(2)

و ظاهر هذه الكلمات صدق الجهالة، و كون مثلها قادحة اتفاقاً مع فرض عدم نص، بل قد عرفت ردّ الحلي للنص المجوّز بمخالفته لاجماع الامّة.

و ممّا ذكرنا من منع كبرى الوجه الأوّل - أي من عدم الدليل على البطلان - يظهر حال الوجه الثاني من وجوه المنع، أعني كون الإبهام مبطلاً; لعدم ثبوت الاجماع على بطلان الإبهام.

و أمّا الوجه الثالث، فيردّه منع لزوم الغرر مع فرض اتفاق الافراد في الصفات الموجبة لاختلاف القيمة، و لذا يجوز الإسلاف في الكلّي من هذه الأفراد مع أنّ الانضباط في السلَم آكد، و أيضاً فقد جوّزوا بيع الصاع الكلّي من الصبرة، و لافرق بينهما من حيث الغرر قطعاً. و لذا ردّ في الايضاح(3) حمل الصاع من الصبرة على الكلّي برجوعه إلى عدم تعيين المبيع الموجب للغرر المفسد إجماعاً.

**********

(1) الخلاف / ج 3، ص 217.

(2) المكاسب (الانصاري) / ج 4، ص 247-250.

(3) ايضاح الفوائد / ج 1، ص 430.

ص: 221

و أمّا الرابع، فبمنع احتياج صفة الملك إلى موجود خارجي; فإنّ الكلّي المبيع سلَماً أو حالاً مملوك للمشتري، و لاوجود لفرد منه في الخارج بصفة كونه مملوكاً للمشتري.

فالوجه إنّ الملكية أمر اعتباري يعتبره العرف و الشرع أو أحدهما في موارده، و ليست صفة وجودية متأصّلة كالحموضة و السواد، و لذا صرّحوا بصحة الوصية بأحد الشيئين بل بأحد الشخصين و نحوهما.

فالانصاف - كما اعترف به جماعة أوّلهم المحقق الأردبيلي - عدم دليل معتبر على المنع من بيع الفرد المردّد، قال في شرح الارشاد - على ما حكي عنه بعد أن حكى عن الأصحاب المنع عن بيع ذراع من كرباس من غير تقييد كونه من أيّ الطرفين - قال: و فيه تأمّل; إذ لم يقم دليل على اعتبار هذا المقدار من العلم، فإنّهما إذا تراضيا على ذراع من هذا الكرباس من أيّ طرف أراد المشتري أو من أيّ جانب كان من الأرض فما المانع بعد العلم بذلك ؟(1)

فالدليل عليه هو الاجماع لو ثبت، و قد عرفت من غير واحد نسبته إلى الأصحاب.

قال بعض الأساطين - في شرحه على القواعد بعد حكم المصنف بصحة بيع الذراع من الثوب و الأرض الراجع إلى الكسر المشاع - قال: و إن قصدا معيّناً من عين أو كلّياً لاعلى وجه الإشاعة بطل; لحصول الغرر بالابهام في الأوّل، وكونه بيع المعدوم، و باختلاف الأغراض في الثاني غالباً فيلحق به النادر، و للاجماع المنقول فيه... إلى أن قال: و الظاهر بعد إمعان النظر و نهاية التتبع أنّ الغرر الشرعي - أي مجرّد الجهل - يستلزم الغرر العرفي و بالعكس، و ارتفاع الجهالة في الخصوصية - فيما إذا تساوت الأفراد - قد لايثمر مع حصولها في أصل الماهية - كالفرد المردّد - و لعلّ الدائرة في الشرع أضيق و إن

**********

(1) مجمع الفائدة / ج 8، ص 182.

ص: 222

كان بين المصطلحين عموم و خصوص من وجهين، و فهم الأصحاب مقدّم; لأنّهم أدرى بمذاق الشارع، و الله أعلم.

و لقد أجاد حيث التجأ إلى فهم الأصحاب فيما يخالف العمومات».(1)

حاصل كلام الشيخ الأعظم قدس سره: أنّه لادليل على اعتبار عدم وجود الابهام أو الجهل في المتساويين في القيمة و الخصوصيات، إلاّ الاعتماد على الإجماع المنقول الدالّ على أنّ الأصحاب فهموا من النهي عن الغرر النهي عن الجهل أو الابهام أيضاً و لو لم يكن موجباً للضرر و الخطر.

ثم إنّ كلام الشيخ و إن كان في مورد البيع، ولكن يجري في الاجارة بعد كونها ملحقة بالبيع، و لعلّه لذا قال السيد المحقق اليزدي قدس سره مسألة (4) من شرائط العوضين في الاجارة: «لابدّ من تعيين العين المستأجرة، فلو آجره أحد هذين العبدين أو إحدى هاتين الدارين لم يصح».(2)

قال في المستمسك: «هذا إذا كان على وجه الترديد; لأنّ المردّد لاوجود له في الخارج فلا تصح إجارته، أمّا إذا كان على وجه الكلّي في المعيّن فلا بأس بإجارته كما لابأس ببيعه، كما أنّه إذا كان أحد العبدين معيّناً في نفسه مردّداً عندهما أو عند أحدهما مثل الأكبر أو الأصغر فالبناء على البطلان فيه مبني على مانعية الجهل، و إلاّ فلا مانع عنه عقلاً و لاعرفاً، و الأدلّة المطلقة تقتضي الصحة، و أدلّة نفي الغرر قد عرفت الاشكال فيها مع أنّه قد لايكون غرر، كما إذا كان العبدان لايختلفان بالصفات التي تختلف بها الرغبات أو المالية، فالعمدة في وجه البطلان ظهور التسالم عليه».(3)

**********

(1) المكاسب (الانصاري) / ج 4، ص 252.

(2) العروة الوثقى / ج 5، ص 14.

(3) مستمسك العروة الوثقى / ج 12، ص 13-14.

ص: 223

و لقد أفاد و أجاد بالنسبة إلى بيان عدم المانع من صحة الاجارة كالبيع فيما إذا لم يكن غرر و ضرر و بالنسبة إلى عدم دليل على مانعية الجهل و لو لم يكن غرراً و ضرراً.

ولكن تخصيص ذلك بالكلّي و الحكم ببطلان الفرد المردّد مطلقاً لايخلو عن تأمّل و نظر; لأنّ الفرد المردّد مردّد بحسب المفهوم، و أمّا بحسب معنونه في الخارج فهو متشخّص و متعيّن، و الذي ليس له وجود في الخارج هو مفهوم الفرد المردّد لامعنونه، و الفرد المردّد عنوان للمتعيّنات، و المفهوم و إن كان مبهماً و لاتعيّن فيه ولكن معنونه من المتعيّنات.

و قول الشيخ الاعظم قدس سره «إنّ الواحد على سبيل البدل غير مجهول; اذ لاتعيّن له في الواقع حتى يجهل»(1) منظور فيه بعد كون معنون الفرد المردّد من المتعيّنات.

و عليه فلا مانع من صحة بيعه أيضاً فيما إذا كان أطراف الفرد المردّد متساوية في الصفات التي تختلف بها الرغبات أو المالية.

و أمّا فهم الأصحاب في إلحاق الابهام في المتساويين بالغرر لو ثبت فلا يكون دليلاً إذا كان مستنداً إلى الوجوه المذكورة الضعيفة; اذ فهم الأصحاب كالاجماع، فكما أنّ الاجماع مع احتمال المدرك لايكشف عن رأي المعصوم، فكذلك فهم الأصحاب، اللهم إلاّ أن يكون الفهم المذكور كالاجماع متصلاً إلى زمان المعصوم و لم يردعهم المعصوم عليه السلام فيما فهموه فإنّه يكشف حينئذ عن رضا الشارع به و تقريره إيّاه، و إلاّ لردعهم عن ذلك و وصل إلينا، و المفروض هو العدم.

و العمدة انّ الاجماع و فهم الأصحاب في إلحاق الابهام في المتساويين بالغرر غير ثابت في البيع فضلاً عن الاجارة، خصوصاً مع تصريح الشيخ في الخلاف(2) في وجه

**********

(1) المكاسب (الأنصاري) / ج 4، ص 249.

(2) الخلاف / ج 3، ص 217.

ص: 224

البطلان بالغرر باختلاف قيمتي العبدين; إذ المعلوم منه أنّ الكلام في غير المتساويين، ففي المتساويين لم يثبت الاجماع أو فهم الأصحاب، فمقتضى إطلاق الأدلّة هو الصحة كما ذهب إليه السيد المحقق الخوئي قدس سره،(1) فالأقوى هو صحة إجارة أحد هذين العبدين أو أحد هاتين الدارين فيما إذا كانا متساويين في الصفات التي تختلف بها الرغبات خلافاً لما ذهب إليه الشيخ الأعظم و السيد المحقق اليزدي و وفاقاً لما تأمّل فيه المحقق الأردبيلي قدس سره و ذهب اليه السيد المحقق الخوئي قدس سره.

ثم بناءاً على تقدير إمكان بيع أو إجارة الفرد المردّد كالفرد الخارجي فإنّ تعيين مورد البيع أو الاجارة يحتاج إلى توافق البائع و المشتري أو المؤجر و المستأجر، و ليس هو مثل الكلّي حتى يكون تعيينه في الخارج بيد البائع، بل هو من التعيّنات الخارجية، فيكون كما إذا اختلطت المملوكات من الملاك فكما أنّ تعيين ملك كلّ فرد يحتاج إلى التوافق و التراضي فكذلك في المقام بعد صحة بيع الفرد المردّد أو إجارته.

ثم إنّه لو تأخّر وقت التحويل عن وقت المعاملة و كان لبعض الأفراد نتاج أو منفعة مستوفاة و صار ذلك منشأ للتشاح بين المشتري و البائع أو المؤجر و المستأجر، أمكن القول بالقرعة لرفع التشاح، ولكن مع إمكان التصالح و التراضي لايبقى موضوع لقاعدة القرعة، فتدبّر.

و ممّا ذكر يظهر أنّه لاإشكال في جواز جعل المؤجر تعيين مورد الاجارة على المستأجر في العين المستأجرة إذا كانت مورد الاجارة بنحو الكلّي أو بنحو الفرد المردّد; فإنّ التعيين في الكلّي بيد المؤجر، و لاإشكال في جواز جعل تعيينه بيد المستأجر مع رضاه، كما أنّ التعيين في الفرد المردّد بيدهما، و لامانع من جواز توافقهما بأن يكون ذلك بيد المستأجر، فلا تغفل.

**********

(1) انظر كتاب الاجارة / ج 1، ص 62.

ص: 225

136

المسألة الرابعة: في جواز اجارة المستأجر للغير

إنّه لو لم يشترط المؤجر في الاجارة بشرط التمليك مباشرة المستأجر بخصوصه جاز للمستأجر أن يؤجر ما استأجره للغير مطلقاً أو بشرط التمليك إذا لم يكن مبلغ الاجارة أزيد ممّا أعطاه للمؤجر; للعمومات و اختصاص أدلّة المنع بغيره، نعم مع اشتراط المباشرة في الاجارة لايجوز ذلك.

و حينئذ فإن كانت الاجارة مع شرط التمليك فالمستحق للشرط المذكور هو المستأجر الثاني، و إلاّ فالمستحق له هو المستأجر الأوّل، كما هو واضح.

و أمّا إذا كان مبلغ الاجارة أزيد، فمع عدم اشتراط المباشرة و إن كان مقتضى القاعدة هو الصحة; لأنّ المستأجر مالك للمنفعة المطلقة غير المقيّدة بالمباشرة، ولكن دلّت النصوص في الدور و الأجير على عدم جواز ذلك، إلاّ إذا أحدث فيها شيئاً:

منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «لو أنّ رجلاً استأجر داراً بعشرة دراهم فسكن ثلثيها و آجر ثلثها بعشرة دراهم لم يكن به بأس، و لايؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إلاّ أن يحدث فيها شيئاً».(1)

و منها: معتبرة أبي المغرا عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يؤاجر الأرض ثم يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها؟ قال: «لابأس، إنّ هذا ليس كالحانوت و لاالأجير، إنّ فضل الحانوت و الأجير حرام».(2)

و منها: موثقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه (عليهما السلام) انّ أباه كان يقول: «لابأس أن يستأجر الرجل الدار أو الأرض أو السفينة ثم يؤاجرها بأكثر ممّا استأجرها به إذا أصلح

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 129-130، ب 22 من أحكام الاجارة، ح 3.

(2) الوسائل / ج 19، ص 125، ب 20 من أحكام الاجارة، ح 4.

ص: 226

فيها شيئاً»;(1) لدلالتها بالمفهوم على ثبوت البأس إذا لم يصلح.

و لاتضرّ دلالة معتبرة أبي المغرا على جواز الزيادة في الأرض; لإمكان الجمع بينهما بالحمل على الكراهة بالنسبة الى الأرض و بقي الباقي على عدم الجواز; لعدم قرينة على رفع اليد عمّا يقتضيه النهي فيه. و لايلزم من ذلك استعمال النهي في الكراهة; لما قرّر في محلّه من أنّ الوجوب و الحرمة و الكراهة ليست داخلة في معنى الأمر و النهي.

و منها: خبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يتقبّل الأرض من الدهاقين ثم يؤاجرها بأكثر ممّا تقبّلها به يقوم فيها بحظّ السلطان، فقال: «لابأس به، إنّ الأرض ليست مثل الأجير و لامثل البيت، إنّ فضل الأجير و البيت حرام».(2)

ولكن الخبر ضعيف من ناحية أبي الربيع، و وجوده في أسناد تفسير علي بن إبراهيم لايكون من شواهد التوثيق.

و أمّا استفادة عدم الجواز في البيت من إطلاق الأخبار الواردة في الدار بدعوى أنّ الدار قد لايكون لها إلاّ بيت واحد فمحلّ تأمّل; لأنّ الدار في اللغة هي المحلّ الذي يجمع البناء و العرصة، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إنّ الدار مشتمل على البيت، و هو المسكن، و شمولها لأمر زائد و هو العرصة لايمنع عن شمولها للبيت. و بقية الكلام في محلّه.

و ممّا ذكرنا يظهر قوة القول بعدم الجواز في صورة زيادة الاُجرة من دون تغيير في الموارد المذكورة، و عليه فما يظهر من العروة من الاحتياط في تلك الموارد لاوجه له بعدما عرفت من قوة دلالة الأدلّة على الحرمة.(3)

**********

(1) الوسائل / ج 19، ص 129، ب 22 من احكام الاجارة، ح 2.

(2) الوسائل / ج 19، ص 125، ب 20 من احكام الاجارة، ح 3.

(3) العروة الوثقى / ج 5، ص 12 (الاجارة) فصل من أحكام الاجارة، م 1.

ص: 227

137

السلف في المعاملات البنكية

اشارة

138

حقيقة السلف

السلف هو ابتياع المضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر، و هو قسم من البيع، و لابدّ فيه من الإيجاب و القبول، و ينعقد بلفظ بعت و قبلت. و الظاهر انعقاده بالمعاطاة كسائر أقسام البيع.

139

شروطه

اشارة

ثم بعدما عرفت من كون السلف من أقسام البيع لابدّ فيه من مراعاة شروط البيع، و هي اُمور:

منها: ذكر الجنس أي الحقيقة النوعية، و منها: ذكر الوصف و تقدير المبيع بالكيل أو الوزن و نحوهما ممّا له مدخلية في المعرفة بالمبيع لفساد البيع الغرري هذا، مضافاً إلى اشتراط قبض الثمن قبل التفرّق.

ولو قبض بعض الثمن ثم افترقا صح في المقبوض و بطل في غيره كما ادّعي عليه الإجماع.

ص: 228

ثم لو كان الثمن ديناً على البائع فالمشهور البطلان مستدلاًّ بأنّه بيع دين بمثله، فيشمله خبر طلحة بن زيد(1) عن الصادق عليه السلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «لايباع الدين بالدين»،(2) و الرواية موثّقة.

و يناقش فيه كما في جامع المدارك بمنع تناول النهي عن بيع الدين بمثله لما صار ديناً بالعقد، بل المراد ما كان ديناً قبله، و السلم فيه من الأول لاالثاني، هذا، مضافاً إلى دلالة خبر إسماعيل بن عمر على الجواز حيث قال: «إنّه كان له على رجل دراهم فعرض عليه الرجل أن يبيعه بها طعاماً إلى أجل فأمر إسماعيل من يسأله ؟ فقال: لابأس بذلك، قال: ثم عاد إليه اسماعيل فسأله عن ذلك و قال: إنّي كنت أمرت فلاناً فسألك عنها فقلت لابأس فقال: ما يقول فيها من عندكم قلت يقولون فاسد قال لاتفعله فإنّي أوهمت».(3)

و لايقدح ما في ذيله بعد معلومية كونه على فرض الصدور تقية.(4)

و عليه فعلى فرض شمول قوله لايباع الدين بالدين لما صار ديناً بالعقد يمكن الجمع بينه و بين خبر إسماعيل بحمله على الكراهة فيما إذا كان الثمن ديناً على البائع ولكنّه ضعيف.

فلا مناص في الجواز إلاّ عن المنع من تناول النهي عن بيع الدين بمثله لما صار ديناً بالعقد.

**********

(1) الوسائل / ج 18، ص 347، ب 15 من الدين، ح 1.

(2) و قد ورد في بعض نسخ الكافي (ج 5، ص 100، ح 1) طلحة بن يزيد، و لعلّه خطأ; لأنّ صاحب الوسائل نقل عن الكافي و التهذيب عن طلحة بن زيد، هذا مضافاً إلى أنّه لم يكن في الرجال ذكر لطلحة بن يزيد.

(3) التهذيب / ج 7، ص 43-44، ح 74.

(4) جامع المدارك / ج 3، ص 317-318.

ص: 229

ولكن يشكل ما ذكر من ناحية أنّ الموانع كالشرائط، فكما أنّ المقرّر في محلّه هو كفاية تقارن الشرائط ولو بنفس البيع فكذلك يكفي تقارن المانع في المنع عن البيع.

اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ التعميم المذكور غير محرز، و معه يرجع إلى عمومات الصحة.

و ممّا ذكر يظهر حكم جعل الثمن كلّياً; لعدم إحراز شمول قوله عليه السلام: «لايباع الدين بالدين» لمثله. نعم، يجب قبضه قبل التفرّق، فتدبّر.

و منها: تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة و النقصان; و ذلك لدفع الغرر، قال في الجواهر: «(الشرط الخامس: تعيين الأجل) أي الأجل المتعيّن; ضرورة عدم اختصاص السلم بكون الأجل متعيّناً، (ف -) - إنّه (لو ذكر أجلاً مجهولاً) فيه أو غيره من العقود التي يشترط فيها المعلومية (كأن يقول متى أردت أو يذكر أجلاً يحتمل الزيادة و النقصان كقدوم الحاج) أو نحو ذلك ممّا يؤدّي إلى الجهالة كالدياس و الحصاد (كان باطلاً) بلا خلاف أجده بيننا».(1)

140

المسألة الأولى: في عدم جواز بيع السلم قبل حلوله

لايجوز بيع السلم قبل حلوله; و ذلك كما في الجواهر ليس لعدم الملكية قبل الأجل; ضرورة عدم مدخلية الحلول فيها; إذ العقد هو السبب في الملك، و الأجل إنّما هو لوقت المطالبة، و هكذا ليس ذلك لعدم القدرة على التسليم; إذ يكفي فيها وجود القدرة عند الأجل، و لالغير ذلك من الامور.

بل للإجماع المحكي في كلمات الأعلام كالتنقيح و ظاهر الغنية و جامع المقاصد و كشف الرموز، و لولاالاجماع المذكور لأمكن القول بالجواز قبل الحلول; لأنّه قبل حلول الأجل ملكه، فيشمله عمومات البيع و نحوها.(2)

**********

(1) جواهر الكلام / ج 24، ص 299.

(2) راجع جواهر الكلام / ج 24، ص 319-320.

ص: 230

و ممّا ذكر يظهر أنّه لاإشكال أيضاً في جواز بيع السلم بعد تحويل السلم قبل حلول الأجل أو بعد صيرورة السلم قابلاً للتحويل قبل حلول الأجل ولو قبل القبض; و ذلك لأنّ دليل المسألة هو الإجماع، و هو دليل لبّي، فيقتصر فيه على القدر المتيقّن، و يرجع في غيره إلى مقتضى العمومات و القواعد، و قد عرفت أنّ السلم ملك، و مع الملكية يشمله العمومات، و لاوجه للمنع عن بيعه.

141

المسألة الثانية: في جواز البيع بعد حلول الاجل و لو مع عدم القبض

إنّه لاخلاف و لاإشكال في جواز البيع بعد حلول الأجل و إن لم يقبضه من دون فرق بين بيعه على من هو عليه و بين بيعه على غيره; و ذلك لعموم الأدلّة أو إطلاقها.

و إنّما الكلام في جواز بيعه بجنس الثمن بالأقلّ أو الأكثر.

صرّح في الجواهر بالجواز حيث قال: «الأقوى الجواز... بجنس الثمن و مخالفه بالمساوي له أو بالأقلّ أو بالأكثر ما لم يستلزم الربا سواء كان المسلم فيه طعاماً أو غيره مكيلاً أو موزوناً أو معدوداً أو غيره; لإطلاق الأدلّة و عمومها و خصوص مرسل ابان عن الصادق عليه السلام في الرجل يسلف الدراهم في الطعام إلى أجل فيحلّ الطعام فيقول: ليس عندي طعام ولكن انظر ما قيمته فخذ منّي ثمنه ؟ فقال: «لابأس بذلك».(1)

و موثّق ابن فضّال كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام: الرجل يسلفني الطعام فيجيء الوقت و ليس عندي طعام، أُعطيه بقيمته دراهم ؟ قال: «نعم»(2)».

و لايخفى عليك أنّ كلام السائل يحتمل فيه أن يكون إعطاء الدراهم بعنوان البيع أو بعنوان الوفاء، و مقتضى ترك الاستفصال أنّ الجواب بقوله عليه السلام «نعم» يشمل كلا الاحتمالين.

**********

(1) الوسائل / ج 18، ص 305، ب 11 من السلف، ح 5.

(2) التهذيب / ج 7، ص 30، ح 15.

ص: 231

و هكذا مقتضى إطلاقه هو عدم الفرق بين أن يكون ما أعطاه بعنوان القيمة مساوياً مع رأس المال الذي أدّاه أو أزيد أو أنقص.(1)

ولكن الإطلاق الأخير ينافيه جملة من الأخبار، منها:

1 - صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام: من اشترى طعاماً أو علفاً إلى أجل فلم يجد صاحبه و ليس شرطه إلاّ الورق، فإن قال: خذ مني بسعر اليوم ورقاً فلا يأخذ إلاّ شرطه طعامه أو علفه، فإن لم يجد شرطه و أخذ ورقاً لامحالة قبل أن يأخذ شرطه فلا يأخذ إلاّ رأس ماله لاتظلمون و لاتظلمون».(2)

2 - صحيحة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السلام في رجل أعطى رجلاً ورقاً في وصيف إلى أجل مسمّى، فقال له صحابه: لانجد لك وصيفاً خذ منّي قيمة وصيفك اليوم ورقاً قال: فقال: لايأخذ إلاّ وصيفه أو ورقه الذي أعطاه أول مرة لايزداد عليه شيئا».(3)

3 - صحيحة الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سئل عن الرجل يسلم في الغنم ثنيّان(4) و جذعان(5) و غير ذلك إلى أجل مسمّى ؟ قال: لابأس إن لم يقدر الذي عليه الغنم على جميع ما عليه ان يأخذ صاحب الغنم نصفها أو ثلثها أو ثلثيها و يأخذوا رأس مال ما بقي من الغنم دراهم و يأخذوا دون شرطهم، و لايأخذون فوق شرطهم و الأكسية أيضاً مثل الحنطة و الشعير و الزعفران و الغنم».(6)

**********

(1) جواهر الكلام / ج 24، ص 320.

(2) التهذيب / ج 7، ص 32، ب 3 من بيع المضمون، ح 22.

(3) الكافي / ج 5، ص 220، ح 2.

(4) الثنيّ في الغنم ما كان في السنة الثالثة، و في الإبل ما كان في السنة السادسة.

(5) الجذع / ما قبل الثنيّ .

(6) الكافي/ ج 5، ص 221، ح 8.

ص: 232

4 - صحيح يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يسلف في الحنطة و التمر بمئة درهم فيأتي صاحبه حين يحلّ له الذي له فيقول: و الله ما عندي إلاّ نصف الذي لك فخذ منّي إن شئت بنصف الذي لك حنطة و بنصفه ورقاً فقال: لابأس إذا أخذ منه الورق كما أعطاه».(1)

و أُجيب عن هذه الأخبار بالجمع بينهما كما في الجواهر بحمل صحيحي محمد بن قيس على فسخ العقد، و من المعلوم أنّ مع الفسخ لايستحق إلاّ رأس ماله، و حينئذ يجب عليه أن يأخذ المساوي للثمن لاالزائد و إلاّ كان ربا محرّماً، و ليس المراد هو البيع; إذ لايتصور ترتّب الربا عليه بعد أن كان في ذمّة المسلم إليه الحنطة و التمر أو غير ربوي كالإبل و نحوها، لاالدراهم التي هي ثمنها.

و منه يعلم أنّه لاوجه للإشارة بآية الربا إلى ذلك في الخبر الأول و هو قوله تعالى: (لاٰ تَظْلِمُونَ وَ لاٰ تُظْلَمُونَ )(2) وأنّه لابدّ من حمله على ما قلنا.

و هكذا صحيح يعقوب بن شعيب يحمل على إرادة السؤال عن جواز الفسخ في البعض و لو مع التراضي فأجابه بأنّه لابأس إذا أخذ منه كما أعطاه حتى لايترتّب عليه الربا.

فهذه الروايات لاتنهض للمعارضة مع الأصل و العمومات الدالّة على جواز البيع.(3)

و عليه فالبيع و لو مع التفاوت جائز، و الأخبار المانعة لانظر لها إلى البيع بل النظر فيها إلى الفسخ.

**********

(1) التهذيب / ج 7، ص 32، ب 3 من بيع المضمون، ح 23.

(2) البقرة / 279.

(3) راجع جواهر الكلام/ ج 24، ص 324.

ص: 233

أورد عليه في جامع المدارك بأنّ حمل الصحاح على خصوص الفسخ لاوجه له بعد إمكان أن يكون من باب الوفاء أو البيع أيضاً، بل ظاهر قوله عليه السلام لاأجد لك وصيفاً خذ منّي قيمة وصيفك اليوم... الخ و قوله خذ منّي بسعر اليوم ورقاً... الخ أنّ النظر إلى أخذ الطرف الورق لابعنوان الفسخ بل بعنوان الوفاء أو البيع فإنّ الفسخ لايوجب إلاّ ردّ مثل ما أعطى أولاً لاأزيد و لاأنقص.(1)

و مع ظهور الروايات في البيع تصلح هذه الروايات للمعارضة، و لعلّ الإشارة إلى آية الربا من باب التنظير و الشباهة باعتبار أنّ عوض العوض عوض.

نعم، لايبعد أن يقال كما في جامع المدارك: «إن تمّ الاستدلال بالأخبار السابقة من جهة السند خصوصاً بملاحظة موثّق ابن فضّال و شملت البيع و الوفاء فالأخبار الظاهرة في المنع الشاملة لصورة البيع و الوفاء محمولة على الكراهة جمعاً بين الطرفين.

و أمّا احتمال تقييد تلك الأخبار بخصوص صورة التساوي مع القيمة السابقة فبعيد جدّاً; لغلبة التفاوت و ترك الاستفصال».(2)

و يؤيّد ذلك موثّقة إسماعيل بن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يجيء إلى صيرفي و معه دراهم يطلب أجود منها فيقاوله على دراهم فيزيده كذا و كذا بشيء و قد تراضينا عليه ثم يعطيه بعد بدراهمه دنانير ثم يبيعه الدنانير بتلك الدراهم على ما تقاولا عليه مرة قال: أليس ذلك برضاهما جميعاً؟ قلت: بلى، قال: لابأس»;(3) لظهورها في أنّ المعاملة الجديدة وقعت مع الزيادة على الثمن، و هذه الرواية و إن لم ترد في السلم

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 322.

(2) راجع جامع المدارك / ج 3، ص 322.

(3) الوسائل / ج 18، ص 180، ب 6 من الصرف، ح 6.

ص: 234

ولكن بعد كون الكلام في المقام بعد الحلول لافرق بين موردهما، كما لايخفى و بذلك يتصرّف في القيمة دون المادة.

لايقال: إنّ التصرّف في المادة مقدّم على التصرّف في الهيئة; لأنّ الثاني مجاز دون الأول، لأنّ التصرّف فيه في أصالة الجدّ لافي الكلمة.

لأنّا نقول: إنّ التصرّف في الهيئة لايوجب المجاز أيضاً; لأنّ الوجوب و الحرمة ليسا داخلين في الهيئة، بل مفاد الهيئة ليس إلاّ البعث و الزجر، و العقلاء حيث يرون أنّ البعث أو الزجر لم ينسجم مع الترخيص يحكمون بالوجوب أو الحرمة، و عليه فالتصرّف يقع في حكم العقلاء، لافي الكلمة حتى يوجب المجاز.

و عليه فلا وجه لتقديم أحد التصرّفين على الآخر إلاّ قوة ظهور أحدهما على الآخر، ففي المقام حيث إنّ التفاوت يكون غالباً أو تكون الرواية في مورد التفاوت فالتصرّف في الهيئة أولى، كما لايخفى.

و قد عولجت بعض جوانب البحث في بحث الحيلة الربوية، فراجع.(1)

142

المسألة الثالثة: في جواز اعطاء التسهيلات بالشراء بنحو السلف

يجوز للبنوك إعطاء التسهيلات للمعامل بشراء محصولاتهم بنحو السلف و تحويل أثمانها إليهم بالفعل لتتمكّن المعامل من تهيئة المواد و التوليد. ثم إنّ التسهيلات حيث كانت بيد البنوك فيجوز لهم تخصيص المعاملة مع المعامل الخاصّة كالتي يكون توليدها الوسائط النقلية الثقيلة أو القطعات الخاصة ممّا يكون مورد الحاجة.

و إذا اشترطت البنوك مع المعامل أمراً خاصّاً في ضمن الشراء بنحو السلم كان ذلك واجب المراعاة، و لايجوز التخلّف عنه قضاء لقوله صلى الله عليه وآله: «المؤمنون عند شروطهم».

**********

(1) انظر مجلّة فقه أهل البيت: / العددين 27 و 28.

ص: 235

ثم إنّ أمر البيع و الشراء بيد المتعاملين، و لذا يجوز تخصيص البنوك معاملاتهم في السلف ببضائع خاصة مثل ما لايكون سريع الفساد أو ما يكون بيعه سهلاً أو ما كان التأمين فيه حاصلاً من ناحية البائع أو غير ذلك من الامور.

143

المسألة الرابعة: في اشتراط كون وجود السلم وقت حلول الاجل عاما

اشترط بعض الفقهاء في السلم أن يكون وجود السلم فيه عامّاً وقت حلوله ولو كان معدوماً وقت العقد.

ولكنّه لادليل له بالخصوص كما في جامع المدارك، إلاّ من جهة القدرة على التسليم وقت لزومه المعتبرة في كلّ بيع، بل ذكر في مقامه كفاية إمكان التسلّم ولو لم يكن البائع قادراً على التسليم، و لعلّ إليه يشير صحيح ابن الحجّاج «سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل يشتري الطعام من الرجل ليس عنده فيشتري منه حالاًّ؟ قال: ليس به بأس. قلت: إنّهم يفسدونه عندنا! قال: فأيّ شيء يقولون في السلم ؟ قلت: لايرون به بأساً، يقولون هذا إلى أجل فإن كان إلى غير أجل و ليس هو عند صاحبه فلا يصلح، فقال عليه السلام: إذا لم يكن أجل كان أحقّ به، ثم قال: لابأس أن يشتري الرجل الطعام و ليس عند صاحبه إلى أجل أو حالاًّ لايسمّى له أجلاً إلاّ أن يكون بيعاً لايوجد مثل العنب و البطيخ و شبهه في غير زمانه، فلا ينبغي شراء ذلك حالاًّ».(1)

و الظاهر منه هو الصحة ولو كان معدوماً وقت المعاملة، خلافاً للعامّة(2) فيجوز بيع ما يقدر على تسليمه ولو لم يكن عامّ الوجود.

144

المسألة الخامسة: في اشتراط كون مورد السلم مولدا بسبب البايع

لادليل على اعتبار أن يكون مورد السلم مولداً بسبب البائع، بل له أن يشتري من

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 320.

(2) نفس المصدر.

ص: 236

آخر عند حلول الأجل و يقبضه لمشتريه، نعم، للبنوك أن لايأذنوا بالسلم إلاّ إذا كان مورد السلم مولداً بسبب البائع، و إذا اشترط البنك ذلك في بيع السلم كان ذلك لازم المراعاة، و لو تخلّف البائع كان الخيار ثابتاً للمشتري.

145

المسألة السادسة: في اشتراط تعيين الاجل

لابدّ في السلم من تعيين الأجل بما يرفع احتمال الزيادة و النقصان.

و وجهه واضح بناء على أخذ تأجيل الثمن في حقيقة السلف، كما يدّعى أنّه هو الظاهر من كلمات كثير; لأنّ الأجل المأخوذ فيه إذا لم يكن معيّناً لزم الغرر، و الغرر منهيّ في كلّ بيع، كما لايخفى.

و دعوى صحة البيع بلفظ السلم مع كون البيع حالاًّ مجازفة.

و هذا شاهد على أنّ الأجل مأخوذ في حقيقة السلف، كما لايخفى.

بل لو قلنا بعدم أخذ التأجيل في حقيقة السلف و كان من الشرائط لزوم ذكره عند قصد الأجل; و لذا قال في الجواهر: «و لو قصد الأجل اشترط ذكره فيبطل العقد بدونه، و لو أطلقا العقد حمل على الحلول».(1)

146

المسألة السابعة: في اشتراط معلومية مورد السلم جنسا و وصفا و مقدارا

و قد عرفت أنّه يشترط في صحة السلم أن يكون مورد السلم معلوماً من جهة الجنس و الوصف و المقدار.

و وجهه واضح بعد كون السلم من اقسام البيع; لأنّ اللازم حينئذ هو مراعاة شروط البيع، و منها ذكر الجنس أي الحقيقة النوعية و الوصف و المقدار، و إلاّ لزم الغرر، و هو موجب لفساد البيع.

**********

(1) جواهر الكلام / ج 24، ص 302.

ص: 237

هذا، مضافاً إلى روايات خاصة، منها صحيحة زرارة عن الباقر عليه السلام قال: «لابأس بالسلم في المتاع إذا وصفت الطول و العرض و في الحيوان إذا وصفت أسنانه».(1)

147

المسألة الثامنة: في وجوب قبض رأس المال قبل التفرق

يجب قبض رأس المال قبل التفرّق و لو قبض بعض الثمن ثم افترقا صح في المقبوض فقط.

قال في جامع المدارك: «ادّعي الإجماع على شرطية القبض، و الظاهر أنّه لانصّ في المقام، و لذا يتوقّف من يتوقّف في المسائل التي لادليل فيها غير الإجماع».(2)

و لايخفى عليك أنّه لاوجه للتوقّف لو لم يدلّ دليل غير الإجماع; لأنّ الإجماع على هذا المبنى ليس بدليل، و عليه فمقتضى العمومات هو صحة المعاملة و لو مع عدم القبض.

و أمّا ما في الجواهر من احتمال القول بأنّ أصالة عدم النقل و الملك قبل القبض متحقّقة و لو للشك في تسبيب العقد هنا للملك للاتّفاق المزبور و لأنّ الأمر بالوفاء بالعقد أعمّ منه، بل قد يقال باعتبار تسليم الثمن في حقيقة السلم و أنّه بدونه منتف حقيقة السلم.(3)

ففيه ما لايخفى; فإنّ مع إطلاق قوله تعالى: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لامجال لأصالة عدم النقل و الملك قبل القبض، و الاتّفاق المزبور إن كان دليلاً أوجب تقييد إطلاق الآية الكريمة، و إلاّ فلا يكون دليلاً، و لاوجه لرفع اليد عن الإطلاق بما ليس بدليل مع أنّ الإطلاق منعقد.

و ممّا ذكر يظهر ما في قوله أيضاً من أنّ الأمر بالوفاء العقد أعمّ منه، فإنّه ناش عن عدم

**********

(1) الفقيه / ج 3، ص 265، باب السلف في الطعام و الحيوان، ح 953.

(2) جامع المدارك / ج 3، ص 317.

(3) جواهر الكلام / ج 24، ص 289.

ص: 238

إطلاق الآية، و أمّا مع ثبوت الإطلاق فلا وجه لتوقّف وجوب الوفاء على شيء آخر، و هو القبض مع أنّه لادليل له.

و دعوى اعتبار تسليم الثمن في حقيقة السلم و أنّه بدونه منتف حقيقة السلم غير ثابتة. و المعروف في التعريف أنّه ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر و الحاضر أعمّ من المقبوض قبل التفرّق.

و المقصود من ذكره هو نفي النسيئة.

و لعلّ لذلك قال في الجواهر: «إلاّ أنّ الإنصاف كون العمدة الإجماع المزبور و إنّما الكلام في المراد من معقده».(1)

148

المسألة التاسعة: في حكم قبض بعض ثمن المسلم فيه

لو أخذ بعض ثمن المسلم فيه. و بقي الباقي لوقت التحويل كما هو المتعارف في زماننا هذا بالنسبة إلى بيع بعض السيارات من معاملها كانت المعاملة باطلة.

و الصحيح هو أن يضاربا في بعض الثمن إلى وقت التحويل ثم يوقع البيع في ذلك الوقت أو يشاركا في المعامل إلى وقت التحويل ثم يوقع البيع عند ذاك برأس ماله و فوائده الموجودة في العمل.

و المنقول عن المعامل أنّهم جعلوا الأفراد قبل حلول وقت التحويل شركاء في معاملهم بمقدار ما أخذوا منهم.

149

المسألة العاشرة: في اشتراط كون المسلم فيه دينا

يشترط في السلم أن يكون المسلم فيه ديناً; لأنّه موضوع لفظ السلم لغة و شرعاً، كما في الدروس.(2)

**********

(1) نفس المصدر.

(2) الدروس الشرعية / ج 3، ص 254.

ص: 239

و قد عرفت أنّ السلم هو ابتياع مال مضمون إلى أجل معلوم بمال حاضر. و المضمون هو الدين، و عليه فلو أسلم في عين لايشمله السلف، فإنّ العين ليست بدين، نعم، هو بيع و يترتّب عليه أحكام مطلق البيع، لاأحكام خصوص السلف، كما لايخفى.

و الظاهر عدم الفرق في الدين بين أن يكون كلّياً في الذمّة أو كلّياً في المعيّن; لأنّ الكلّي في المعيّن أيضاً ذمّي.

لايقال: إنّ المضمون يصدق على العين أيضاً; فإنّ البائع ضامن لتحويلها.

لأنّا نقول: وجوب التحويل لايوجب كون العين مضمونة في الذمّة، و التعبير بالضامن مسامحة.

إن قيل: إنّ الدين يصدق عليها المضمونة فيما إذا أخذها الغاصب بقوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّيه».(1)

قلت: إطلاق الضمان عليها تعليقي، بمعنى أنّه إن تلفت فعلى الآخذ ضمانها، و البحث في الضمان الفعلي لاالتقديري بالمعنى المذكور، فتأمّل.

**********

(1) مستدرك الوسائل / ج 17، ص 88، ب 1 من الغصب ح 4.

ص: 240

150

المزارعة و شروطها و أحكامها

اشارة

المزارعة معاملة على الارض بحصة من حاصلها، و المعاملة في التعريف بمنزلة الجنس، فيشمل الاجارة و المساقاة و غيرهما، و بقوله: «على الارض» تخرج المساقاة، فانها معاملة على الاصول بحصة منها و إن كانت الارض تابعة، و بقوله «بحصة من حاصلها» تخرج الاجارة، لعدم صحتها بحصة من النماء، للاجماع مضافا إلى استدلالهم بالروايات مع الغمض عما فيها من المناقشات.

ثمّ انّ الظاهر انّ الحصة من حاصلها هي العوض. و دعوى أنّ المزارعة معاوضة بين عمل العامل و منفعة الارض أو بدلها و تكون الحصة من قبيل الشرط فيها، مندفعة بما في المستمسك من أنّ الارتكاز العرفي لايساعد عليه.(1)

و بالجملة كما في الجواهر: المراد من هذا التعريف في كلامهم هو التصوير و التمييز في

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 277.

ص: 241

الذهن في الجملة، فلايناسب الاطناب في بيان فقده لوازم التعريف من الطرد و العكس و غيرهما كما هو واضح.(1)

ثمّ انه لاإشكال في مشروعيتها و كون حالها حال سائر العقود كالبيع في اتصافها بالاحكام الخمسة بلحاظ الطوارىء.

و دعوى استحبابها مستدلاً بما دلّ على استحباب الزراعة بدعوى كونها أعم من المباشرة و التسبيب، ففي خبر الواسطي قال: سألت جعفر بن محمّد (عليهما السلام) عن الفلاّحين، قال: هم الزارعون كنوز الله في ارضه و ما في الاعمال شيء أحب إلى الله من الزراعة و ما بعث الله نبيّاً الا زارعا الا ادريس فإنّه كان خياطا.(2)

مندفعة كما أفاد السيد المحقّق الخوئى قدس سره بأنّ هذه الدعوى عهدتها على مدعيها، فانّ الظاهر من حكمة الزراعة انما هو الفعل الخارجى بنفسه بحيث يباشر المكلف الاتيان به، و من هنا فإثبات كون الإتيان بسببه محبوبا أيضاً يحتاج إلى الدليل و هو مفقود.

نعم لايبعد دعوى استحبابه من باب كونه مقدمة لأمر مستحب في نفسه و إعانة عليه، فيدخل في قوله تعالى (وَ تَعٰاوَنُوا عَلَى اَلْبِرِّ وَ اَلتَّقْوىٰ ) إلاّ أنه خارج عن محلّ الكلام، فانّ الكلام انما هو في استحبابه بعنوان المعاملة و المزارعة لااستحبابه مطلقا و تحت اى عنوان كان، و لو كان ذلك هو عنوان الإعانة على أمر محبوب و مرغوب عند الشارع الأقدس.(3)

و أمّا ما قيل من أنّ خبر سيابة انه سأله رجل فقال له: جعلت فداك أسمع قوما يقولون

**********

(1) الجواهر / ج 27، ص 2.

(2) الوسائل / الباب 10 من أبواب مقدمات التجارة، ح 3.

(3) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 279-281.

ص: 242

أن المزارعة مكروهة، فقال: ازرعوا فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ و لاأطيب منه، يكفى في الاستحباب، لأنّ المستفاد من هذا الخبر أنّ الزراعة أعمّ من المباشرة و التسبيب ففيه - كما في مباني العروة الوثقى - ان الرواية ضعيفة السند، لعدم و ثاقة السيابة.

هذا مضافا إلى أن الموجود في الكتب الثلاثة: اسمع قوما يقولون ان الزراعة مكروهة، بدلاً عن: اسمع قوما يقولون ان المزارعة مكروهة(1) و عليه فيكون حال هذا الخبر حال سائر النصوص الواردة في المقام من حيث الدلالة على استحباب الزراعة بمعنى مباشرة الانسان للفعل بنفسه.(2)

ولكن مع ذلك يمكن أن يقال: انه كما يصدق «ازرعوا» على من استأجر الافراد للزراعة فكذلك يصدق على من زارع مع غيره، هذا مضافا إلى امكان استفادة استحباب المزارعة من عموم التعليل في مثل قوله عليه السلام: ان الله اختار لانبيائه الحرث و الزرع كيلا يكرهوا شيئا من قطر السماء(3) و فيه: انه ضعيف من جهة الارسال، اللّهمّ الاّ أن يتسامح في أدّلة السنن.

و كيف كان فالمزارعة من العقود اللازمة المحتاجة إلى الايجاب و القبول سواء كانا باللفظ او بالفعل و لاخلاف في ذلك، و يدلّ عليه ما دلّ على اللزوم في عامة العقود.

و لاتبطل بالموت، لعدم موجب له بعد وقوع العقد صحيحا كسائر العقود اللازمة، و إن وقع الخلاف في عقد الاجارة، لما عرفت من ان المزارعة ليست باجارة و إن أفادت خاصية الاجارة.

**********

(1) الوسائل / الباب 3 من أبواب المزارعة، ح 1.

(2) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 281-282.

(3) الوسائل / الباب 2 من أبواب أحكام المزارعة، ح 3.

ص: 243

و عليه فاذا مات ربّ الارض انتقل حكم العقد إلى وارثه، و إذا مات العامل قام وارثه مقامه او استؤجر من ماله و لو الحصة المزبورة على إتمام العمل كما في الجواهر.(1)

و لايجبر الوارث على العمل، اذ المنتقل اليه هو ماللميّت لا ما عليه، و حينئذ ان اختار العمل بنفسه او بالاستيجار فهو، و الا فيستاجر الحاكم من تركته من يباشره إلى بلوغ الزراعة، ثمّ يقسم بينه و بين المالك كما صرح بذلك في المساقاة.

نعم لو شرط المالك على العامل العمل بنفسه فالمزارعة تبطل بموت العامل، و هكذا لو شرط الخيار في العقد جاز الفسخ لمن شرط له الخيار كما هو مقتضى عموم المؤمنون عند شروطهم.

و أيضاً يجوز التقايل، لما عليه العقلاء في العقود اللازمة و لم يظهر خلاف فيه بين الأصحاب.

151

و يشترط فيها امور:

منها ان يكون النماء مشتركا بينهما

منها: أن يكون النماء مشتركاً بينهما، فلو جعل الكل لأحدهما لم يصح المزارعة.

و منها ان يكون النماء المشترك مشاعا بينهما

152

و منها: أن يكون النماء المشترك مشاعا بينهما، فلو شرط اختصاص أحدهما بنوع كالذي حصل أولاً و الآخر بنوع آخر أو شرطا أن يكون ما حصل من هذه القطعة من الارض لأحدهما و ما حصل من القطعة الآخرى للاخر لم يصح.

و منها ان يكون الحصة المشاعة متعينة

153

و منها: ان يكون الحصة المشاعة متعينة، فلو قال ازرع هذه الأرض على أن يكون لك أول شى من حاصلها بطل، و يدل عليه بعض الصحاح كصحيحة عبدالله الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: لابأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس(2) لظهورها في تقوّم

**********

(1) جواهر / ج 27، ص 7.

(2) الوسائل / الباب 8 من أبواب أحكام المزارعة و المساقاة، ح 7.

ص: 244

المزارعة بالاشتراك بنحو الاشاعة مع معلومية مقدارها، اللّهم إلاّ ان يقال: ان هذه الرواية لاتدل إلاّ على جواز ذلك لااعتبار ذلك.

و منها تعيين المدة بالاشهر و السنين

154

و منها: تعيين المدة بالأشهر و السنين، فلو أطلق بطل، و استدلّ له في الجواهر - بعد عدم الخلاف و دعوى الإجماع - بعموم النهى عن الغرر و وروده على أدّلة المقام و لو لرجحانه عليها لكون المزارعة كالاجارة في المعنى، لاكالقراض الّذي هو عقد جائز لافائدة لضرب الأجل فيه بالنسبة إلى جواز الفسخ، و إحتمال المزارعة الغرر بالنظر إلى الحصة لايقتضي احتمالها إياه من غير هذه الجهة، و كون الزرع له أمد لايكتفى به في تعيين الأجل بعد فرض اعتباره كما في غيرها من الاجارة و نحوها.(1)

و أورد عليه في المستمسك بأنّ الثابت هو نهي النبي صلى الله عليه وآله عن بيع الغرر لا النهي عن الغرر و هو لايشمل المقام، و الاستدلال بأنّ المزارعة أشبه بالاجارة كماترى لايرجع إلى دليل.(2)

و مما ذكر يظهر ما في المحكي عن المحقّق من أن الأشبه أن المزارعة عقد لازم كالاجارة فيشترط فيه تعيين المدة رفعاً للغرر.

و ربما يستدل بخبر أبي الربيع الشامي عن أبي عبدالله عليه السلام سألته عن أرض يريد رجل ان يتقبلها فأي وجوه القبالة أحلّ؟ قال: يتقبل الارض من أربابها بشيء معلوم إلى سنين مسمّاة فيعمّر و يؤدّى الخراج، فان كان فيها علوج فلايدخل العلوج في قبالة الارض، فان ذلك لايحلّ (3) بناءً على ارادة المزارعة من القبالة فيه او الاعم منها و من الاجارة.

**********

(1) الجواهر / ج 27، ص 14.

(2) المستمسك / ج 13، ص 287.

(3) الوسائل / الباب 18 من ابواب احكام المزارعة، ح 5.

ص: 245

و بصحيح الحلبى عنه عليه السلام: ان القبالة أن تأتي الارض الخربة فتقبلها من أهلها عشرين سنة أو أقل من ذلك او أكثر فتعمّرها و تؤدّي ما خرج فلابأس به.(1)

و أورد عليه بأنّ الظاهر من القبالة غير المزارعة.(2)

و يمكن أن يقال: أنه لاوجه للاستظهار المذكور بعد كون معنى التقبل هو الالتزام بعقد، فإنّه صادق على المزارعة أيضاً كما يصدق على الاجارة، و يشهد على أنّ القبالة تطلق على المزارعة صحيحة الحلبي عن أبى عبدالله عليه السلام: لاتقبل الارض بحنطة مسمّاة ولكن بالنصف و الثلث و الربع و الخمس لابأس به، الحديث.(3) لأنّ اجارة الأرض بالنصف و نحوه من حاصلها لاتصح، بخلاف المزارعة فإنّها صحيحة فتدبّر جيداً.

نعم أورد عليه في جامع المدارك بانه يشكل الأخذ بظاهرهما من جهة أن السنة في لسان العرب محمولة على القمرية و المعتبر في الزراعة العام الشمسي، فمع اشتراط زمان ادراك الزرع - بل يقال هو بمنزلة الركن - كيف يكتفى بالعام القمرى، و حمل السنة على الشمسية من جهة ذكر تقبل الارض بعيد.

ولكن أجاب عنه بلفظه: الا ان يقال: ان اللازم تعيين مدة يدرك فيه الزرع بحسب الغالب، سواء كان بالسنة القمرية او الشمسية، و الاختلاف اليسير لايضر، فإنّه مع تعيين السنة الشمسية أيضاً قد لايدرك الزرع و يجيء فيه البحث عن حكمه: هل للمالك إلزام الزارع بقلعه أو للزارع إبقاؤه حتى يدرك مع الاجرة أو بلا اجرة.(4)

**********

(1) الوسائل / الباب 18 من أبواب أحكام المزارعة، ح 4.

(2) المستمسك / ج 13، ص 287.

(3) الوسائل / الباب 16 من أبواب احكام المزارعة، ح 10.

(4) جامع المدارك / ج 3، ص 422.

ص: 246

و كيف كان فمقتضى الروايتين هو لزوم تعيين المدة لاقتصارهما في تعريف القبالة بما إذا كانت مع تعيين المدّة.

ثمّ انّه لو لم يتعين نوع الزرع و مدته بطل العقد، لما عرفت من اعتبار التعيين، قال في مباني العروة الوثقى: بطل العقد، لأن الأدلة قاصرة عن شمول مالا تعيين فيه بحيث يدور امره بين الأقل و الأكثر من حيث نوع الزرع و مدته، اذ لايمكن الحكم بصحة عقد يكون متعلقه فاقدا للتعيين في الواقع، فانّ الالتزام بمجهول لا واقع له حتى في علم الله باطل بطبعه و لاتشمله أدّلة المزارعة.(1)

و فيه: انّ الاستدلال بما ذكر لامجال له بعد ما عرفت من دلالة دليل اعتبار تعيين المدة على البطلان فإنّه مقدم عليه و لاحاجة اليه، هذا مضافا إلى إمكان المناقشة فيما ذكر بإمكان التعيين بنحو آخر كتعيينه بإدراك الثمرة في سنة واحدة او بمدة حياة الطرفين أو طرف واحد أو بغير ذلك، فالعمدة هو روايات القبالة.

و هكذا لو لم يعيّن سنة المزارعة بعد معلومية نوع الزرع بطل العقد، فانّ الواجب على العامل القيام بالمزارعة في إحدى تينك السنتين مع كون الخيار له في التعيين، و الواجب على المالك تسليم أرضه للزراعة في إحدى السنتين مع كون الخيار في التعيين له أيضاً، فلايجب على أحدهما إطاعة الآخر في ما عيّنه و يحكم بفساده لامحالة.(2)

و قد عرفت انّ الاخبار تدّل على لزوم تعيين نهاية المدة أو تعيين السنة أيضاً، و معه لاحاجة إلى الاستدلال بما ذكر.

نعم لو عيّن المزروع و مبدأ الشروع في الزرع ذهب صاحب العروة إلى أنه لايبعد

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 90.

(2) مباني العروة / ج 3، ص 291.

ص: 247

صحته، اذ بانتهاء الزرع و حصول النتاج يقسّم الحاصل بينهما على ما اتّفقا عليه بالنسبة، و تلغى الفترة الزائدة قهرا، و لايبقى حق للعامل في التصرف في الارض بعد ذلك، لانتهاء أمد المزارعة، ولكنه محل تأمل و نظر بعد ما عرفت من دلالة أخبار القبالة على اعتبار التعيين.

و دعوى انّه لادليل على اعتبار التعيين تعبّدا، و القدر المسلّم من الإجماع على تعيينه ما هو غير هذه الصورة كماترى، لدلالة أخبار القبالة على اعتبار التعيين فلاتغفل.

و منها: أن تكون الارض قابلة للزرع و لو بالعلاج، لأنّ مفهوم المزارعة متقوّم بقابلية الأرض للمزارعة، ولكن لايشترط في المزارعة كون الارض ملكاً للمزارع، بل يكفي كونه مسلّط عليها بوجه من الوجوه، كأن يكون مالكاً لمنفعتها بالاجارة أو الوصية أو للوقف عليه أو مسلطاً عليها بالتولية، كمتولّي الوقف العام أو الخاص أو الوصي أو كان له حق اختصاص بها، كمثل التحجير و السبق و نحو ذلك لو كان مالكاً للانتفاع بها، كما إذا أخذها بعنوان المزارعة فزارع غيره أو شارك غيره و ذلك واضح، لعدم الدليل على اعتبار الملك، بل يدلّ على بعض ما ذكر معتبرة محمّد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن رجل استاجر ارضا بألف درهم ثمّ آجر بعضها بمأتي درهم، ثمّ قال له صاحب الارض الّذي آجره: أنا أدخل معك بما استأجرت فننفق جميعاً فما كان من فضل بيني و بينك قال: لابأس بذلك.(1)

و منها تعيين الارض

155

و منها: تعيين الأرض و هو مبني على ثبوت النهي عن مطلق الغرر، فلو لم يعيّنها و قال: زارعتك بإحدى هذه القطعات بطل مع اختلافها، للزوم الغرر.

و أورد عليه في مباني العروة بأنّه لاوجه للبطلان بعد البناء على صحة المزارعة في

**********

(1) الوسائل / الباب 15 من أبواب احكام المزارعة، ح 2.

ص: 248

الكلي في المعين أو الكلي في الذمة أخذاً بإطلاق مثل قوله عليه السلام في صحيحة الحلبى «و لابأس بالمزارعة بالثلث و الربع و الخمس» من جهة وقوع العقد على العين الخارجية او الكلي، فانّ مورد البحث يكون من مصاديقه، فانّ عنوان احدى هذه القطعات كلي قابل للانطباق على كل واحد منها.

و دعوى لزوم الغرر مدفوعة بأنّه انما يكون فيما إذا كان العوض أمراً معلوماً و معيناً، بخلاف مثل المقام حيث يكون العوض هي النسبة المعينة من الحاصل من الارض التّي يعمل فيها، فإنّه لاغرر فيه على الاطلاق و لايكون إقدام العامل عليه إقداماً غرريا، فإنّه سيأخذ الحصة المعيّنة ممّا اخرجه الله تبارك و تعالى من الارض.(1)

بل مقتضى ما ذكر هو صحة المزارعة لو وقع العقد على العين الخارجية بنحو الفرد المردّد، كأن زارع على إحدى القطعتين المختلفتين في الصفات بنحو الفرد المردّد، إذ لافرق بينه و بين ما وقع العقد على الكلي، و ذلك لما عرفت من انّ الجهل بشخص القطعة لايوجب غرراً بعد كون كل من القطعات تعطي النسبة المجعولة و ان كانت خصوصيات كل قطعة مختلفة، حيث يكون العوض هي النسبة المعينة من الحاصل من الأرض التي يعمل فيها، و لاغرر فيه و لايكون الإقدام عليه إقداماً غررياً.

و القول بأنّ الفرد المردّد لاخارجية له كى يكون موضوعا للاحكام(2) ممنوع، بعد كون المراد من الفرد المردّد هو مفهوم ينطبق على التعينات الخارجية لاالمردّد الخارجي، حتى لايكون معقولا، لأنّ الهوية الخارجية متعينة و الفرد المردّد كعناوين الكسور التسعة الدالّة على الاشاعة، و هذه العناوين ليست لها مصداق في الخارج بحيث يكون

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 294.

(2) المستمسك / ج 13، ص 290.

ص: 249

فيه الإشاعة، اذ الخارج مفروز و متعين و إنما الاشاعة من خواص المفهوم، و هكذا المردّدية من خواص المفهوم لاالخارج، فتردّد مفهوم الفرد المردّد لاينافي تعين مصداقه من جهة الهوية الخارجية.

و ارجاع عنوان إحدى القطعات إلى الكلي القابل للانطباق على كل منها.(1) غير لازم، بعد ما عرفت من معقولية الفرد المردّد أيضاً، فلاموجب لحمله على المفهوم الكلي بل هو مفهوم مردّد يحكي عن الخارجيات المتعينة كما ذهب اليه شيخنا الاراكي قدس سره تبعا لشيخه الاُستاد التابع لسيده الاستاد السيد محمّد الفشاركي قدّس الله أسرارهم.

هذا ولكن لايخفى عليك انّ مع اطلاق النهي عن الغرر يشكل الفرد المرددّ مع اختلاف القطعات في الحاصل و سهولة الحاصل و عدمها، اذ المراد من الغرر هو الجهل على ما قرّر في المكاسب و فهمه الاصحاب، نعم لامانع منه عند تساوي القطعات.

هذا كله مع ممنوعية الغرر في المزارعة أيضاً، و أمّا إذا قلنا باختصاص الممنوعية بباب البيع فلا إشكال أصلاً سواء كان بنحو الكلي او الفرد المردّد.

ثمّ لو لم يعيّن مقدار الارض بحيث كان مردّداً بين الأقل و الأكثر فقد ذهب السيد المحقّق الخوئي قدس سره إلى بطلانه بدعوى انّ المردّد بين الأقل و الأكثر غير قابل للتمليك، لعدم التعيين له في الواقع و نفس الامر، فلو قال المالك: زارعتك على مقدار من الارض من غير تحديد لم تصح، فانّ المزارعة تشتمل على حقين: حق المالك و حق العامل، فلابدّ فيها من التعيين في الواقع بحيث يتعلق التزام كل منهما بأمر له واقع، و الاّ فلايقبل التمليك و التملك.(2)

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 294.

(2) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 296.

ص: 250

و لقائل أن يقول: انّ ذلك يتم فيما إذا كان عنوان المردّد بين الأقل و الأكثر عنواناً كليا، و أمّا إذا كان بنحو الفرد المردّد بين الأقل و الأكثر فلاوجه للاشكال، لأنّ مفهوم الفرد المردّد يحكي عن التعينات الخارجية و لامعنى للقول بانه لاتعين له في الواقع و نفس الامر، اللّهمّ إلاّ ان يقال: انّ مع اختلاف المقدار يصدق الغرر، نعم لامانع منه فيما إذا قلنا باختصاص ممنوعية الغرر بباب البيع.

و منها تعيين البذر على أىّ منهما و كذا سائر اللوازم

156

و منها: تعيين كون البذر على أىّ منهما و كذا سائر المصارف و اللوازم إذا لم يكن هناك انصراف مغن عنه و لو بسبب التعارف، و مقتضى اشتراط التعيين في فرض عدم الانصراف هو البطلان عند عدم التعيين.

ثمّ انّه حكي عن العلامّة انّه قال في القواعد: انّ الاطلاق يقتضي كون البذر على العامل و لعلّ وجهه - كما في المتسمسك - انّ المزارعة تقتضي لزوم العمل على الفلاح بنحو الواجب المطلق المقتضي وجوب مقدماته، و منها البذر كالعوامل و آلات الحرث و نحو ذلك، كما ان اطلاق الاجارة على الخياطة يقتضي كون الخيوط على الأجير لاعلى المستأجر.(1)

حاصله: انّ عند دوران الأمر في الواجب بين أن يكون مطلقاً أو مشروطاً كان مقتضى القاعدة هو حمله على المطلق، لأنّه أخف مؤنة.

و أورد عليه في مباني العروة بأنّ الظاهر عدم تمامية كون البذر عند الاطلاق على العامل، و ذلك لأن الواجب على العامل بمقتضى عقد المزارعة هو العمل خاصة، و أمّا مقدماته فإثبات كونها عليه أيضاً يحتاج إلى الدليل و هو مفقود، و ما نحن فيه أشبه شييء بالبناء حيث لايجب على العامل الا العمل بالمواد دون تحصيلها(2)

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 291.

(2) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 298-299.

ص: 251

و توضيح ذلك - كما أفاده في كتاب الاجارة مسألة 22 من فصل إجارة الارض لزرع الحنطة أو الشعير - انّه لابدّ من التفصيل بين مقدمة العمل و موضوعه، بيان ذلك: انّ العمل المستأجر عليه على ضربين: فتارة لايحتاج إلى تحققه إلى أىّ موضوع مفروض الوجود خارجاً، و انما هو عمل بحت قائم بشخص الاجير، غاية الامر انّ لهذا العمل كسائر الاعمال مقدمات وجودية يتوقف تحققه على تحصيلها، و في مثله لم يكن بُد للأجير نفسه من التصدي لتحصيلها، مقدمة لإيجاد ما يتوقف عليها الّذي وجب عليه الخروج من عهدته بمقتضى عقد الايجار

إلى ان قال: و تارة اخرى يكون للعمل موضوع في الخارج و قد وقعت الاجارة على ايجاد هيئة من الهيئات في هذا الموضوع، كما في إجارة شخص للبناية أو الخياطة أو الكتابة أو الصباغة و نحوها من الاعمال القائمة بالموضوع و الحادثة في محل مخصوص، فانّ إحضار الموضوع و ما هو مفروض للعمل في عهدة المستأجر و خارج عن شوؤن الاجير بما هو أجير.

و الضابط ان كل ما كان من قبيل الموضوع لايجب تحصيله، و ما كان من قبيل المقدمة يجب، كل ذلك بشرط عدم وجود قرينة على التعيين.(1)

حاصله انّ بين المتعلق و متعلق المتعلق و هو الموضوع فرق، فما هو دخيل في تحقق نفس المتعلق فاطلاق العقد يقتضى وجوبه على الاجير و العامل كما حكي عن القواعد، و ما هو دخيل في نفس الموضوع و متعلق المتعلق فليس هو الاّ على المستأجر و المالك.

و مما ذكر يظهر ان التمسك بأنّ اطلاق الواجب يقتضي كون المقدمات على الأجير أو الزارع يصح في نفس المتعلق دون موضوعه و متعلقه، و المقام من قبيل الثّاني، لأنّ البذر و نحوه ممّا يكون دخيلا في موضوع الزرع.

**********

(1) مستند العروة كتاب الاجارة / ص 399-400.

ص: 252

ولكن لايخفى عليك ان مقتضى التفصيل المذكور هو الحكم بكون البذر على المالك لاالحكم بالبطلان عند الاطلاق، نعم لابأس بالحكم بالبطلان فيما إذا لم يعلم انّه من اىّ منهما و المسألة محل تأمل.

و المصنف و ان ذهب في المقام إلى البطلان عند الاطلاق في المقام، ولكن اختار كون المقدمات عليهما في باب المساقاة، و ان اورد عليه بأنّ المشاركة فرع لزوم العقد و صحته و هو اول الكلام، اذ لو لم يعيّن إنّ المقدّمات على أي منهما كان العقد مبهما و لايشمله أدّلة النفوذ، اذ لامعنى للإلزام مع إبهام الأمر كما لايخفى.

ثمّ ان جعل البذر على المالك بالاطلاق او الاشتراط لاينافي صحيحة يعقوب بن شعيب الدالة على انّ النفقة على العامل و منها البذر، فانّها محمولة على التعارف في ذلك الوقت فلامانع من جعلها على المالك بالاطلاق أو الاشتراط.

157

هنا مسائل

المسألة 1: يجوز للمزارع ان يعطي العامل قبل ظهور الحاصل مبلغاً نقديا بعنوان القرض

158

المسألة 1: يجوز للمزارع ان يعطي العامل قبل ظهور الحاصل مبلغاً نقديا بعنوان القرض، و لاإشكال فيه لو لم يشترط في مقابله شيئا و الاّ كان القرض ربويا كما لايخفى، و يجوز أن يعامل المزارع مع العامل معاملة السلف مع تعيين المسلف فيه و بذل تمام الثمن.

المسألة 2: يجوز للعامل أن يستأجر الغير للزراعة، و مقتضى جواز ذلك هو جواز تسليم الارض اليه

159

المسألة 2: يجوز للعامل أن يستأجر الغير للزراعة، و مقتضى جواز ذلك هو جواز تسليم الارض اليه ليتصرف فيه الاجير، و لاإشكال فيه عند اطلاق المزارعة و عدم اشتراط المباشرة، بل إذا شرط المزارع مباشرة العامل في المزارعة فان كان المقصود من هذا الشرط هو عدم تسليم الارض إلى الغير و لو كان أجيرا فلايجوز تسليم الارض اليه الاّ باذن مالكها.

ص: 253

و ان كان المقصود هو ان لايزارع مع غيره فلايمنع ذلك الشرط عن جواز الاستيجار و تسليم الارض اليه، اذ أخذ الاجير لاينافي اختصاص المزارعة به كما لايخفى.

المسألة 3: قال السيد المحقّق اليزدى في المسألة 13: يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته او يزارعه في حصته

160

المسألة 3: قال السيد المحقّق اليزدى في المسألة 13: يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته أو يزارعه في حصته من غير فرق بين أن يكون البذر منه أو من المالك، و لايشترط فيه اذنه، نعم لايجوز تسليم الارض إلى ذلك الغير الاّ باذنه و الاّ كان ضامناً كما هو كذلك في الاجارة أيضاً.

و أورد عليه في مباني العروة الوثقى بأنّ المراد من مشاركته مع غيره في مزارعته ان كان نقل ماله من الحصة إلى غيره - على نحو ما سيجىء منه بعد هذا - فهو في حيز المنع، فإنّه ليس لأحد نقل الزرع قبل ظهوره و تحققه، على انه لادليل على ملكية العامل لشيء قبل ظهور الحاصل، فإنّه انما يملك الحصة المعينة له منها، فلا شيء له قبل ظهور الزرع، نعم فيما كان البذر له لم يجر هذا الاشكال بخصوصه.

و ان كان المراد به هي المزارعة في حصته فهو عين الشق الثّاني في كلامه قدس سره و ليس قسيما له اذن، فالصحيح انه ليس في المقام إلاّ قسم واحد و هو مزارعة العامل لغيره في حصته و لاخلاف فيه بل كاد ان يكون اجماعا، و ذلك لما عرفته هنا من انّ عقد المزارعة يجعل لكل من الطرفين حقا في الزام صاحبه بما عليه، فللعامل الزام المالك بتسليم الارض و للمالك الزام العامل بالعمل، و لذا صح ان يقوم ورثتهما مقامهما عند موتهما من دون حق الاعتراض للطرف الآخر فاذا كان هذا الحق قابلا للانتقال بالارث كان قابلاً للانتقال بالمعاملة أيضاً.(1)

ثمّ انّ هذا الحق لايختص بما إذا كان البذر له بل هو ثابت حتى في صورة كون البذر

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 2، ص 343-345.

ص: 254

للمالك، بل يجوز للعامل المزارعة في حصته و لو مع اشتراط المباشرة عليه، لعدم المنافاة بين الاشتراط المذكور و كون المزارعة لغيره، فينقل حصته إلى الغير ولكن يبقى هو العامل في الارض في صورة اشتراط المباشرة، و يشتركان في الانفاق على الزرع كما لايخفى.

و أمّا عدم جواز تسليم الارض بدون اذن المالك فهو صحيح لو لم تقتض المزارعة الاذن في ذلك، و الاّ فمع اطلاق المزارعة كما انّ المزارعة تقتضي الاذن في أخذ الاجير فكذلك تقتضى الاذن في تسليم الارض اليه، اذ لايتمكن من الانتفاع من الاجير الاّ بذلك، بل الامر كذلك عند الاطلاق في جواز المزارعة مع الغير في حصته، فيجوز له أن يزارع غيره في حصته.

ولكن يمكن أن يقال: لاملازمة بين جواز المزارعة مع الغير في حصته و تسليم الارض اليه، لجواز أن يكون الارض بيده.

اللّهمّ إلاّ ان يقال: - كما في مبانى العروة -: انّ يد العامل يد أمانة فلاتضمن إذا سلّمها إلى أمين مثله، اذ الاستئمان لايقتضي بوجه مباشرة الامين للسلطنة على المال و وضع اليد عليه، فانّ تسليمه إلى أمين مثله يعدّ من شئون الامانة و من أنحاء المحافظة على المال.

و لايخفى ما فيه لاختلاف الافراد في الاستئمان، فللمالك أن لايستأمن بامين الامين كما لايخفى.

هذا كله مع كون المزارعة مطلقة من حيث المباشرة و التسبيب و أمّا مع اشتراط المباشرة فلايجوز تسليم الارض بدون اذن المالك و ان زارع مع الغير في حصته، فتدبّر جيّدا.

ص: 255

المسألة 4: في حكم تبيّن بطلان العقد

161

المسألة 4: إذا تبيّن بطلان العقد فان كان قبل الشروع في العمل فلابحث و لاإشكال، اذ لم يفُت شى من أحد و لم يرد ضرر من أحدهما على الآخر.

و إن كان التبين بعد العمل ببعض المقدمات فقد صرّح السيد المحقّق اليزدى قدس سره في مسألة 14 من كتاب المزارعة بأنه لايستحق شيئا مثل صورة تبيّن البطلان قبل الشروع.

و أورد عليه في مباني العروة الوثقى بأنّ الاقوى هو ثبوت اجرة مثل عمله له على المالك إن كان البذر للمالك، لقاعدة احترام عمل المسلم، فانّ عمله بعد صدوره عن أمر الغير بتبع أمره باصل العمل لابقصد التبرع مجانية لايذهب هدراً سواء استفاد المالك من العمل ام لا.

هذا إذا كان البذر للمالك و أمّا إذا كان البذر للعامل فلاوجه للضمان، حيث انّ المالك لم يلتزم له على نفسه بشيء عدا تسليمه للارض و تسليطه عليها، بل العامل هو الّذي قد التزم للمالك بالحصة المعينة من ماله الناتج بازاء زرعه في أرضه.(1)

و فيه تأمل، لأنّ المالك بانشاء عقد المزارعة يطالب العامل الزرع، و معنى ذلك هو مطالبة العمل و لو كان البذر للعامل، و مقتضى ذلك هو ان لايذهب عمله المأمور به هدراً كالفرض السابق.

هذا كله في ما إذا لم يحصل بسبب عمل العامل ببعض المقدمات وصف في الارض يقابل بالعوض و أمّا إذا حصل الوصف المذكور في الارض من جهة حفر النهرلها أو إزالة الموانع عنها فمع تبيّن البطلان صرّح السيد المحقّق اليزدى قدس سره بانه كان للعامل قيمة ذلك الوصف، انتهى و هو المحكي عن الشهيد الثّاني في المسالك و عن شيخ مشايخنا الحاج الشيخ الحائرى قدّس الله اسرارهم في مسألة خيار الغبن.

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 347.

ص: 256

ولكن أورد عليه السيد المحقّق الخوئى قدس سره بأنّ الاوصاف لاتقابل بالقيمة مطلقا و لااستقلالية لها في المالية، فليست هي مالاً في قبال مالية الموصوف، و انما المالية لنفس الموصوف بلحاظ وجود الوصف و عدمه، و عليه فليس الحال في الأوصاف هو الحال في المنافع حيث تعتبر أموالاً في قبال مالية العين تبذل بازائها المال مستقلاً، و انما هي امور تؤثر في زيادة قيمة الموصوف و نقصانها من دون أن تقابل هي بشيء منها، و من هنا فليس الوصف مملوكاً للعامل كي يصح رجوعه على المالك بقيمته، فإنّه و على ضوء ما بينّاه لم يأت إلا بعمل يوجب زيادة قيمة مال المالك و من دون أن يكون له شيء منه.

نعم حيث يكون عمله صادراً عن أمره لابقصد المجانية فلايذهب هدراً فيستحق عليه اجرة مثله، ساوت الزيادة الحاصلة في الارض بسبب العمل أم زادت عليها أم نقصت.(1)

و يمكن أن يقال: أنّ ما ذكره السيد المحقّق الخوئي و غيره من الأعلام مخصوص بما إذا لم يكن المالك متعددا، كما في صورة بيع الموصوف بوصف كذا، فانّ المالك هو البايع و هو واحد و المبيع هو ذات الموصوف، و الوصف غير ملحوظ في الثمن، و لذا لايتقسط الثمن عليه بل هو من مزيدات قيمة ذات الموصوف.

و أمّا إذا كان المالك متعددا كما في موارد الفسخ أو التفاسخ أو الاقالة أو الشفعة فالوصف حادث بفعل المشتري قبل فسخ البايع أو التفاسخ أو الاقالة، فهو من آثاره و فعله، و كل انسان مالك لفعله و آثاره، فلادليل حينئذ لعدم ملاحظة الوصف الّذي حدث في ملكه مع ان له قيمة عند العقلاء.

و عليه فالوصف يعتبر مستقلا عند الفسخ أو التفاسخ أو عند الاقالة في البيع أو عند

**********

(1) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 348.

ص: 257

الشفعة أو عند رجوع عين المال عن المفلس، و يكون باقيا في ملك المالك القبلي، لأنّه أثره، و هذا امر عقلائي، بل لافرق فيه عندهم بين أن يكون حدوثه بفعله أو بفعل الله تعالى، لأن الملاك هو حدوثه في ملكه.

و بالجملة فلااعتبار للوصف المذكور قبل الفسخ أو التفاسخ و الشفعة و الاقالة، ولكن بعد حدوث هذه الامور و تعدّد المالك يعدّ الوصف منفكاً عن الموصوف في اعتبار الملكية و يكون الذات لغير من يكون الوصف له، إذ بالفسخ و نحوه لم يعد الاّ ما انتقل عنه، و هو نفس الذات، لانّ المفروض انّ الزيادة الحكمية حصلت في زمان الانتقال عنه كما لايخفى.

و دعوى ان تلك الاوصاف لاتعتبر عند العقلاء ملكاً و لا مالاً و إن توجب زيادة المالية في العين.(1) مندفعة بأنّ المشهود هو الخلاف، فانّهم يحكمون بملكية الاوصاف الحادثة في الملك عند عروض الفسخ و نحوه من الامور المذكورة، و لذا حكى شيخنا الاستاذ الاراكي قدس سره عن شيخه الاستاذ الحاج الشيخ الحائرى قدس سره انه قال في ما إذا فسخ البايع المغبون و تغيّرت العين بالزيادة الحكمية، كما لو نسج الغزل أو قصّر الثوب أو خبز الدقيق فالظاهر هو انتقال الذات معرّاة عن الهئية و الوصف إليه فتبقى الهئية و الوصف لمحدثها، و وجه ذلك انه كما أنّ وجود الهيئة في الخارج وجود مندك في وجود المحل فكذلك عرض المالية مندك في مالية المادة، و كما قد يجزّء في الذهن وجود الهئية عن المادة فيقع مستقلا تحت الحكم، كذلك قد يعرضه التفكيك في الاعتبار فحينئذ يصير مالا مستقلا، و من جملة ما يساعد الاعتبار على التفكيك أمثال هذه الموارد، فانّ العرف يعتبرون انتقال المادة المنفكة المجزأة عن الهيئة إلى مالكها، و بعد هذا الاعتبار تصير الهيئة قهراً مستقلة

**********

(1) كتاب البيع لسيدنا الامام المجاهد / ج 4، ص 345.

ص: 258

بالاعتبار، و المفروض انّ لها المالية كالوجود فتصير مالاً مستقلاً فاذا اعتبرت منفكة تبقى لامحالة على ملك من أحدثها.(1)

لايقال: فعلى هذا يلزم من ذلك أن يصح للمالك نقل المادة منفكة عن الهئية إلى غيره و بقيت الهيئة على ملكه، غاية الامر إن لم يكن ذلك صحيحاً في البيع أمكن القول بالصحة بعنوان الصلح.

لانّا نقول: انّ ما ذكرنا فيما إذا حصل التفكيك قهراً، كما إذا فسخ البايع المغبون و صارت العين منتقلة اليه، اذ الهئية أو الوصف العارضين حال ملكية المشترى بقيتا على ملكه و حصل التفكيك قهراً، و أمّا بدون التفكيك المذكور فالوصف لم يلاحظ الاّ بعنوان المزيد لمالية العين، و الّذي نقل في المعاملة بيعاً كان أو صلحاً هو الذات و الثمن في قباله، و الأوصاف لاتقابل بالأعواض عند العقلاء.

لايقال: لازم ما ذ كر انّه لو أحدث الغاصب على ملك الغير وصفاً أو هيئة كان مالكاً لما أحدثه و هو مما لم يقل به أحد.

لانّا نقول: فرق بين المقام و مورد الغصب، فانّ في المقام أحدث المالك في ملكه وصفاً أو هيئة و هو مالك لأثره، و بقي في ملكه عند عود الملكية إلى المالك بنحو من الانحاء من الفسخ أو التفاسخ أو الشفعة أو الاقالة، هذا بخلاف الغاصب فإنّه لم يحدث الا في ملك الغير من دون رضاية، فالغاصب ظالم و ليس لعرقه حق و لم يعتبر العقلاء لفعله شيئاً بل هو هدر.

لايقال: انّ المقام و هو المزارعة ليس فيه العامل مالكاً للأرض فكيف يكون مستحقا للوصف العارض على الارض بفعله عند بطلان المزارعة ؟

**********

(1) الخيارات لشيخنا الاستاذ الاراكي / ص 215.

ص: 259

لانّا نقول: العامل و ان لم يكن مالكاً للعين ولكنه مالك للانتفاع، ولكنه يشكل ذلك بأنّ المزارعة ان كانت صحيحة فلايستحق العامل شيئا الاّ الحصة المسمّاة في عقد المزارعة، و ان كانت فاسدة فليس العامل مالكاً للانتفاع كما لايكون مالكا للعين، اللّهم إلاّ ان يكتفى في استحقاق الوصف و الهيئة بكون العين مأذونة في يده، إذ لاإشكال في انّ الارض تكون في يده باذن مالكها.

و لقائل أن يقول - مضافا إلى منع المأذونية، لأنّها متفرعة على تخيّل الصحة - انّ المقصود من المزارعة هو العمل لا الوصف الحادث بعمله، فلايستحق العامل عند ظهور بطلان المزارعة الاّ اجرة المثل لعمله، هذا بخلاف عمل المالك في ملكه قبل الفسخ أو التفاسخ و نحوهما، فلايقاس المقام بتلك الموارد، و عليه فيمكن الاشكال على السيد الفقيه اليزدى بأنّ قياس المقام بموارد الغبن و التفليس و التفاسخ و نحو ذلك قياس مع الفارق و ان كان ما ذكر في تلك الموارد أمراً صحيحاً في نفسه.

و ممّا ذكر يظهر الجواب عمّا يرد في المقام من انّ اللازم مما ذكر هو أن يصير الاُجراء بالاجارة الفاسدة شركاء مع مُلاّك المواد في الاوصاف المحدثة بأفعال الاُجراء، فانّ الأوصاف و الهيئات العارضة تحدث بأفعالهم، فاذا بان فساد الاجارة ظهر استحقاقهم بالنسبة إلى الأوصاف المذكورة و المفروض أنهم مأذونون في التصرف في المواد.

و ذلك لان المُلاّك لم يرضوا بايجاد أوصاف و هيئات في أموالهم بحيث يصير الاُجَراء شركائهم، بل رضوا بأن يفعلوا في أموالهم أفعالاً في مقابل الوجه المسمّى في عقد الاجارة، فاذا ظهر بطلان الاجارة استحقوا بالنسبة إلى افعالهم اجرة المثل، لأنهم عملوا بأوامر المّلاك.

نعم لو كانت الاجارة لايجاد وصف أو هيئة في العين و بان فساد الاجارة بعد ايجاد

ص: 260

الوصف صحّ قياس المقام بموارد إحداث الأوصاف أو الهيئات في ملكه فتامل.

و بالجملة فما ذكروه في باب المفلس و غيره صحيح و لاإشكال فيه.

و دعوى صاحب الجواهر انه لايعقل ملكية استقلالية للوصف بل هو من توابع المملوك.

مندفعة بإمكان ذلك و وقوعه عند العقلاء و الملكية التبعية فيما إذا لم يكن مالك العين و مالك الوصف متعددا، و أمّا مع التعدد فكل مالك يملك ملكه، و لذا صرح المحقّق الحلّي في متن الشرائع بانه لو نسج المشتري الغزل أو قصّر الثوب أو خبز الدقيق لم يبطل حق البايع من العين قطعا، لعدم خروجها بذلك عن الوجود و كان للغرماء مازاد.

فالعين ترد من المفلس إلى مالكها و مازاد فيها بفعل المشترى المفلس ملك المفلس و يرد قيمتها إلى سائر الغرماء.

و أمّا قول صاحب الجواهر انه لو ألحقنا الصفة بالعين المتولدة من العين كان للأجير على الطحن و القصارة حبس الدقيق و الثوب لاستيفاء الاجرة، كما ان للبائع حبس المبيع لاستيفاء الثمن.(1)

فهو منظور فيه بعد ما عرفت من اختصاص ما ذكر بما إذا كان مالكاً للعين حين حدوث الهيئة أو الوصف، و عليه فلايقاس باب الاجارة و المزارعة بتلك الموارد، و قد عرفت أن الاجير في باب الاجارة لاينظر إلى أثر فعله، بل نظره إلى نفس الفعل و العمل و لذا لايستحقق الاّ اجرة نفس الفعل كما لايخفى.

هذا كله فيما إذا ظهر البطلان قبل الزرع و بعد العمل ببعض المقدمات، و أمّا إذا كان تبين البطلان بعد الزرع فالزرع لصاحب البذر، فان كان هو مالك الارض فعليه اجرة

**********

(1) الجواهر / ج 25، ص 316.

ص: 261

العمل للعامل، و ان كان هو العامل فعليه اجرة الارض، و إن كان من ثالث فعليه اجرة العمل و اجرة الارض.

ثمّ انّ هذا كله مع الجهل بالبطلان و ظهوره بعد العمل، و أمّا مع العلم بالبطلان من اول الامر فقد صرّح السيد المحقّق اليزدى قدس سره بأنّه ليس للعامل منهما الرجوع على الآخر بعوض أرضه أو عمله، لأنّه هو الهاتك لحرمة ماله أو عمله، فكأنّه متبرّع به و ان كان الآخر عالما بالبطلان.

و أورد عليه في المستمسك بأنّه لما كان العمل بقصد الجري على مقتضى المعاملة و المعاوضة لايكون تبرّعا و لا هو هاتك لحرمة عمله أو ماله.(1)

و قال في مباني العروة الوثقى أيضاً: لاأثر للعلم بالفساد و الجهل به في استحقاق اجرة المثل، لأنّه لايلزم هتك حرمة المال أو العمل و التبرع به، بل العامل مُقدِم على العمل بازاء العوض لامجانا، و ان علم أنّ الشارع لم يمضه، فعلمه بذلك شيء و كون إقدامه بازاء العوض شيء آخر.(2)

المسألة 5: الظاهر أنّ الارض لاموضوعية لها بخصوصها، فلو فرض سفينة بحرية أو فضائية يمكن الزرع فيها صحت المزارعة بالنسبة اليها

162

المسألة 5: الظاهر أنّ الارض لاموضوعية لها بخصوصها، فلو فرض سفينة بحرية أو فضائية بحيث يمكن ان يزرع فيها صحت المزارعة بالنسبة اليها، لصدق المزارعة عليها أيضاً و لادليل على اعتبار خصوصية نفس الارض، فالمراد من الارض، في تعريفهم للمزارعة - بأنّها معاملة على الارض بحصة من حاصلها - هو المحل الّذي يمكن ان يزرع فيه سواء كان ذلك هو الارض أو السفينة أو غيرهما.

المسألة 6: يعتبر في المزارعة أربعة امور: الارض و البذر و العمل و العوامل

163

المسألة 6: يعتبر في المزارعة أربعة امور: الارض و البذر و العمل و العوامل، و يصح

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 341.

(2) مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 349.

ص: 262

أن يكون من أحدهما أحد هذه الامور و من الآخر البقية، و يجوز ان يكون من كل منهما اثنان منها، بل يجوز أن يكون لأحدهما بعض أحدها و من الآخر البقية، كما يجوز الاشتراك في الكل، و كل ذلك لصدق المزارعة عرفا على كل واحد من هذه الصور، هذا مضافا إلى انه مقتضى الجمع بين الاخبار، و تعيين صورة خاصة يحتاج إلى الدليل و المفروض هو العدم.

نعم ربما يتمسك بصحيحة يعقوب بن شعيب عن أبى عبدالله عليه السلام قال: و سألته عن المزارعة فقال: النفقة منك و الارض لصاحبها، فما أخرج الله من شيء قسم على الشطر، و كذلك أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله خيبرا حين أتوه فأعطاهم إياها على أن يعمروها و لهم النصف مما اخرجت.(1) على تعيين بعض الصور، بدعوى أنّ ظاهرها هو اختصاص المزارعة بما إذا كان النفقة - و منها البذر - من العامل، و هي تصلح لتقييد المطلقات الواردة في المزارعة بناء على تقدير وجودها.(2)

و فيه: أنّ مقتضى الجمع بين هذه الصحيحة و صحيحة سماعة قال: سألته عن مزارعة المسلم المشرك، فيكون من عند المسلم البذر و البقر، و يكون الارض و الماء و الخراج و العمل على العلج(3) قال: لابأس به(4) هو حمل صحيحة يعقوب بن شعيب على إنها بيان لما تعارف في ذلك الوقت، فلاينافي صدق المزارعة على غيره أيضاً، و أمّا حمل صحيحة

**********

(1) الوسائل / الباب 10 من ابواب كتاب المزارعة، ح 2.

(2) راجع المستمسك / ج 13، ص 331.

(3) العلج بالكسر و سكون اللام: الرجل القوي الضخم من كفار العجم، و بعض العرب يطلق العلج على الكافر مطلقا.

(4) الوسائل / باب 12 من ابواب كتاب المزارعة، ح 1.

ص: 263

سماعة على معاملة مستقلة غير المزارعة فلاتدل على الجواز فيما نحن فيه فهو بعيد جداً، مع تصريح السائل بكون تلك المعاملة وقعت بعنوان المزارعة و تقرير الامام إياه كما لايخفى.(1)

و أيضاً تشهد على ذلك صحيحة اخرى عن سماعة قال: سألته عن المزارعة قلت: الرجل يبذر في الارض مأة جريب أو أقل أو أكثر طعاماً أو غيره فيأتيه رجل فيقول: خذ منّي نصف ثمن هذا البذر الّذي زرعته في الارض و نصف نفقتك علي و أشركني فيه، قال: لابأس.(2)

لأنّ هذه الرواية أيضاً تدّل على أنّ المزارعة لاتختص بما في صحيحة يعقوب بن شعيب، اذ صرّح في هذه الصحيحة بجواز كون نصف البذر من مالك الارض بعنوان المزارعة، مع أنّ مقتضى صحيحة يعقوب بن شعيب أنّ اللازم هو أن يكون تمام البذر بعهدة العامل، و عليه فاللازم هو الجمع بين الاخبار الثلاثة بأنّ المزارعة أعم من كل واحد من هذه الموارد.

لايقال: انّ صحيحة سماعة واردة في جواز ذلك بعد الزرع.

لانّا نقول: - كما أفاد السيد المحقّق الخوئى قدس سره - لاضير فيه، لأنّ ذلك إذا أجاز بعد الزرع أجاز قبله بطريق اولى.

164

المساقاة و شروطها و أحكامها

اشارة

و هي معاملة على اصول ثابتة بحصة معينة من ثمرها، و هذه المعاملة معاملة متعارفة

**********

(1) راجع مباني العروة الوثقى / ج 3، ص 338.

(2) الوسائل / الباب 13 من أبواب احكام المزارعة، ح 1.

ص: 264

عند العقلاء و لم يردع الشارع ايّاها و هو يكفى في مشروعيتها، هذا مضافا إلى امضائها في الشرع، و مما يدّل على امضائها النصوص الواردة في المقام، منها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يعطي الرجل أرضه و فيها ماءٌ أو نخل أو فاكهة و يقول: اسق هذا من الماء و اعمره و لك نصف ما اخرج الله عزوجلّ منه، قال: لابأس.(1)

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام: أنّ أباه حدّثه أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أعطى خيبر بالنصف أرضها و نخلها.(2)

ثمّ انّ الاصول الثابتة و إن لم تشمل أصل اليقطين و البطّيخ و أمثالها ولكن صرّح السيد في العروة بأنّه لايبعد الجواز للعمومات و ان لم يكن من المساقاة المصطلحة، بل لايبعد الجواز في مطلق الزرع كذلك، فانّ مقتضى العمومات الصحة بعد كونه من المعاملات العقلائية و لايكون من الغررية عندهم، غاية الامر إنها ليست من المساقاة المصطلحة.(3)

و أورد عليه في الجواهر بأنّ قوله (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قوله عزوجل (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) لايثبت بهما شرعية الأفراد المشكوكة من المعاملة المعهودة التي لها أفراد متعارفة، و انما المراد من الأوّل بيان اللزوم، و من الثّاني عدم أكل المال بالباطل إذا كان بالتجارة المتعارفة، لا أنّ المراد شرعية كل عقد و كل تجارة يقع الإتفاق عليها من المتعاقدين.

**********

(1) الوسائل / الباب 9 من أبواب أحكام المزارعة والمساقاة، ح 2.

(2) الوسائل / الباب 9 من أبواب احكام المزارعة و المساقاة، ح 1.

(3) كتاب المساقاة / مسألة 3.

ص: 265

و يمكن الجواب عنه بأنّ مدلول الآيتين و إن كان هو اللزوم في الأوّل و أنه خلاف الباطل في الثّاني ولكن ذلك لاينافي الاستدلال بهما على كل معاملة متعارفة يصدق عليها العقد و التجارة عرفا، و لاحاجة لإثبات أنّ المعاملة المبعوثة عنها كانت من الأفراد المتعارفة في الزمان السابق، لأنّ العقد و التجارة أمران عرفيّان لاشرعيّان، و هما مأخوذان بنحو القضية الحقيقية و ليسا مأخوذين بنحو القضية الخارجية كما لايخفى.

هذا مضافا إلى ما في المستمسك من أنّ كون محل الكلام خلاف المتعارف غير ظاهر، مضافا إلى إمكان دخول المقام في صحيح يعقوب بن شعيب و إن كان الاصطلاح خاص بغيره.(1)

و لايخفى عليك أنّ مجرد كونه غير ظاهر لايفيد، و أمّا وجه دخول المقام في صحيح يعقوب بن شعيب فلعلّه من جهة اطلاق الفاكهة، فإنّه يشمل مثل الخيار و نحوه من الفواكه.

و مما ذكر يظهر أيضاً صحة المعاملة على الأشجار التّي لا ثمر لها بحصة من ورقتها أو زهرتها كشجر الحنّاء أو السدر و نحوهما، كما ذهب اليه السيد الفقيه اليزدى في مسألة 2 من كتاب المساقاة من العروة.

و دعوى أنّ العمومات المذكورة أي قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قوله عزوجلّ (إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ ) لاتشمل المعاملات التّي تتضمن تمليك المعدوم، فإنّه أمر غير جايز، و لذا لاتعهد فقيها يلتزم بصحة ذلك في غير المضاربة و المزارعة و المساقاة، و من هنا فلامجال للتمسك بها و لابدّ في الحكم بالصحة من التمسك بالدليل الخاص.(2)

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 399.

(2) مباني العروة / ص 11.

ص: 266

مندفعة بأنّ التمليك الفعلى لشيء موجود و لو بوجود ذهنى معتبر في البيع و أمّا في مثل المساقاة و المزارعة و المضاربة فلادليل على اعتباره، لكفاية تمليك الثمرة أو الربح على تقدير الوجود في مقابل عمل العامل، و هذا التمليك و التملك عقد و تجارة عرفا، و بعد صدقهما عليه عرفا فلامانع من شمول الآيتين و لادليل على حصر العقد و التجارة في التمليك الفعلي لشيء موجود كما لايخفى.

ثمّ ان المساقاة كالمزارعة في الشرائط عدى بعضها، و لابأس بالاشارة إليها في الجملة في ضمن المسائل الآتية:

165

هنا مسائل:

الاولى: في حكم المساقاة بعد ظهور الثمرة

الاولى: أنه لاإشكال في صحة المساقاة قبل ظهور الثمرة، و أمّا بعد ظهور الثمرة فقد يقع فيه التردّد من جهة الشك في شمول (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و من جهة أنّ صحيح ابن شعيب و قصة خيبر ظاهران في ما قبل الخروج، ولكن يمكن أن يقال: كما في جامع المدارك من انه لايبعد الأخذ بترك الاستفصال في خبر يعقوب بن شعيب، حيث لم يستفصل فيه أنّ المعاملة قبل ظهور الثمرة أو بعدها.(1)

لايقال: أنّ قوله في صحيح ابن شعيب: «و لك نصف ما أخرج الله عزوجل منه» ظاهر في قبل الخروج.

لانّا نقول: المراد هو الخروج الكامل الّذي به يكون قابلاً للتقسيم، و عليه فهو صحيح بعد ظهور الثمرة و قبل صيرورته كاملا، هذا مضافا إلى منع الشك في شموله قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لما عرفت آنفا من تمامية الاستدلال به في أمثال المقام.

الثانية: في حكم المساقاة في الاشجار التى لاتحتاج الى السقى

166

الثانية: قال السيد الفقيه اليزدى في العروة: مسألة 4 لابأس بالمعاملة على أشجار

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 429.

ص: 267

لاتحتاج إلى السقي، لاستغنائها بماء السماء، أو لمصّ اصولها من رطوبات الارض و ان احتاجت إلى أعمال اخر، و لايضر عدم صدق المساقاة حينئذ، فان هذه اللفظة لم ترد في خبر من الاخبار و انما هي اصطلاح العلماء... و هذا التعبير منهم مبني على الغالب، و لذا قلنا بالصحة إذا كانت المعاملة بعد ظهور الثمر و استغنائها من السقي و ان ضويق نقول بصحتها و ان لم تكن من المساقاة المصطلحة.

و لايخفى ما فيه - كما أفاد في مباني العروة - بعد ما عرفت من قوله عليه السلام في صحيحة يعقوب بن شعيب من: اسق هذا الماء و اعمره.

إلا أنّ ذلك لاينافي القول بالجواز في المقام، فانّ المتفاهم العرفي من هذه الكلمة إنها مقدمة لتحصيل المطلوب، فالمعاملة في الحقيقة انما هي لأجل العمران و تهية مقدمات حصول الثمر، و ليس السقي إلا كمقدمة من تلك المقدمات و الا فلاخصوصية له بذاته، و لذا لايحكم بالبطلان فيما إذا كانت محتاجة إلى السقي قبل المعاملة ثمّ ارتفع الاحتياج بعدها لكثرة المطر و نحوها.(1)

الثالثة: في جواز المساقاة على فسلان مغروسة

167

الثالثة: ان مقتضى اطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب جواز المساقاة على فسلان(2) مغروسة و ان لم تكن مثمرة الا بعد سنوات، بشرط تعيين مدة تصير مثمرة فيها و لو خمس سنين أو أزيد، إذ لم يفرض في الصحيحة كون الشجر مثمرا في سنة العقد، و مقتضى ترك الاستفصال هو جواز المساقاة في الأشجار و لو لم تكن الأشجار مثمرة في سنة العقد.

الرابعة: في لزوم المساقاة من الطرفين

168

الرابعة: المساقاة لازمة من الطرفين لاتبطل إلا بالتقايل أو الفسخ بخيار الشرط أو

**********

(1) مباني العروة / ص 20.

(2) فسلان جمع الفسيلة وهى النخلة الصغيرة.

ص: 268

تخلّف بعض الشروط أو بعروض مانع عام موجب للبطلان أو نحو ذلك و يدلّ عليه عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

الخامسة: في ذكر المدة و تعيينها

169

الخامسة: ذكر صاحب العروة انّ من الشرائط تعيين المدة بالأشهر و السنين و كونها بمقدار يبلغ فيه الثمر غالباً، ثمّ استدرك من ذلك جواز المساقاة في العام الواحد إلى بلوغ الثمر من غير ذكر الأشهر، و علّله بأنّه معلوم بحسب التخمين و يكفى ذلك في رفع الغرر، مع انه الظاهر من رواية يعقوب بن شعيب المتقدمة.

و لايخفى عليك ما في كلامه من دعوى ظهور الرواية في المساقاة في العام الواحد، مع انه لاموجب لهذا الظهور، قال في المتسمسك يظهر من كلامه اعتبار أمرين:

الأوّل: انه يجب أن تذكر المدة فيها، فلاتجوز المساقاة دائما فإنّه يبطل العقد قولاً واحداً، لأنّ عقد المساقاة لازم و لامعنى لوجوب الوفاء به دائما، كذا في المسالك.

ثمّ أجاب عنه في المستمسك بأنّه لامانع من وجوب الوفاء به دائما مادام الموضوع، فيدخل تحت اطلاق الصحيحة المذكورة من جهة ترك الاستفصال.

الثّاني: انه يجب تعيين المدة بالشهور و السنين، فلايجوز تقديرها بما يحتمل الزيادة و النقصان مثل قدوم الحاج، و في المسالك نسبه إلى المشهور و استدل له بقوله: «وقوفاً في ما خالف الاصل و احتمل الغرر و الجهالة على موضع اليقين».

ثمّ أجاب عنه في المستمسك بانه أيضاً يدخل في اطلاق صحيحة يعقوب بن شعيب(1) و عليه فلولا الإجماع أمكن منع اعتبار تعيين المدة أخذاً باطلاق الصحيحة، فيجوز إنشاء المساقاة من دون تعيين المدة.

اللّهمّ إلاّ ان يقال: مالا تعيين له في الواقع لامعنى لوجوب الوفاء به، اذ لايمكن الالزام أو الالتزام به فإنّه غير قابل له.

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 392.

ص: 269

ولكن يمكن أن يقال: - كما في جامع المدارك - ان قوله لامعنى لوجوب الوفاء لايوجب تعيين المدة بالنحو المعروف، بل بنحو آخر كأن يعيّن بادراك الثمرة في سنة واحدة مع الاختلاف بحسب اختلاف السنين، أو عيّن بمدة حياة الطرفين أو طرف واحد، أو مادامت الاصول باقية ثابتة، بل لو اُطلقت المساقاة من دون تعيين مدة تنتهي بخروج الاصول عن الأثمار فلاموضوع حتى يقال لامعنى لوجوب الوفاء دائما.(1)

السادسة: في حكم صورة عدم تعيين جملة من الأعمال من جهة أنها على العامل أو على المالك

170

السادسة: انه لو لم يعيّن في عقد المساقاة جملة من الأعمال من جهة أنها على العامل أو على المالك، فقد ذكروا: إنّ ما يتكرّر منها في كل سنة يكون على العامل و مالايتكرر نوعاً و إن عرض له التكرار أحيانا يكون على المالك، ولكنه لادليل عليه لإمكان أن يكون ما يتكرّر مربوطاً بالموضوع و هو الأرض، فلاوجه لأن يكون على العامل.

قال في العروة الوثقى: انه إن كان هناك انصراف في كون شيء على العامل أو المالك فهو المتبع و لاكلام فيه، و إن لم يكن انصراف لزم ذكر ما يكون دخيلا في رفع الغرر.

و فيه: انه لادليل لاعتبار عدم مطلق الغرر في غير البيع و ملحقاته، نعم لايقدم العقلاء على ما فيه الغرر الموجب للخطر و التشاح، و ان لم يكن انصراف و كانت المعاملة خطرية لزم ذكر ما يكون دخيلا في رفع الخطر كما أفاد السيد قدس سره. ثمّ انّ مع عدم الانصراف و عدم لزوم الغرر أفتى السيد في العروة بأنّ ما شك في كونه على العامل أو المالك يكون عليهما، و علّله بما في الجواهر من أن المال مشترك بينهما فيكون ما يتوقف عليه تحصيله عليهما.

و أورد عليه في المستمسك بأنه لامأخذ لذلك، اذ لايجب على الشركاء في أمرفعل ما يقتضي حصوله أو بقاؤه، فإنّ الشركاء في دار لايجب عليهم تعميرها، و الشركاء في

**********

(1) جامع المدارك / ج 3، ص 430.

ص: 270

شجر أو حيوان لايجب عليهم تنميته، فانما وجب العمل في المقام باعتبار أنّ العقد اقتضى لاحدهما على الآخر حق العمل، لا أنّه اقتضى الاشتراك و الاشتراك اقتضى العمل.

بل مقتضى الاطلاق هو أن ليس على المالك الاّ دفع الاصول، كما أنّ في المزارعة يكون كذلك و دلّ عليه بعض النصوص كصحيح يعقوب بن شعيب.(1)

و لايخفى ما فيه، اذ ليس المراد من قول صاحب الجواهر من أن المال مشترك إرادة حقيقة الشركة بل هو تنظير من بعض الجهات، قال في مباني العروة: مراد صاحب الجواهر أنّ العقد لمّا كان لازما وجب الوفاء به على كل منهما، بحيث لابدّ لهما من الالتزام به و إنهاءه، فاذا كان متوقفا على شيء نسبته اليهما على حد سواء وجب عليهما تحصيله تحقيقا للوفاء بالعقد و انهاءه.

و من هنا فلايرد عليه ما في بعض الكلمات من أنّ الالزام ليس من آثار الشركة و لذا لايجب على الشركاء في دار فعل ما يقتضي بقاؤها من تعمير و نحوه، فانّ ما ذهب اليه في الجواهر ليس من باب الشركة و انما هو من باب لزوم العقد و وجوب الوفاء به، نعم يرد عليه انه فرع اللزوم و وجوب الوفاء بالعقد و هو اول الكلام، فإنّه انما هو في ما التزما به خاصة دون غيره، فلايشمل ما نحن فيه، فانّ المالك قد فعل ما التزم به بتسليم الارض و الأشجار للعامل ليعمل فيها، و كذلك العامل فعل ما عليه بالسقي و الرعاية، و أمّا الباقي كتهيئة المقدمات و نحوها فلم يلتزم كل منهما بشيء منهما، و من هنا فلاوجه لالتزامهما بها و إجبارهما عليها، فالصحيح في المقام هو الحكم بالبطلان مع عدم التعيين، لعدم إمكان الزام كل منهما بها كما التزم به الماتن في نظير المقام من المزارعة.(2)

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 405-406.

(2) مباني العروة / ص 25.

ص: 271

و الاولى هو التفصيل بين ما يكون دخيلا في نفس المتعلق فيجب على العامل، لأنّ المزارعة أو المساقاة تقتضي لزوم العمل على الفلاح بنحو الواجب المطلق، و هو يقتضي وجوب مقدماته، و اطلاق العقد يحمل على الواجب المطلق، لأنّه أخف مؤونة من الواجب المشروط.

و بين ما يكون دخيلا في الموضوع فيجب على المالك و يكون الواجب على العامل هو الواجب المشروط، بمعنى انّ واجبه متوقف على إحضار الموضوع حتى يعمل فيه، و إحضار الموضوع بعهدة المالك، و عليه فالحكم بالبطلان مطلقا كماترى.

و دعوى انّ كل واحد من المالك أو العامل قد فعل ما التزم به خاصة و لم يلتزما بغيره.

مندفعة بما عرفت من التزام العامل بالمتعلق و المالك بالموضوع، و مقتضى التزامهما بهما هو الالتزام لما يرتبط بهما. نعم لابأس بالحكم بالبطلان فيما إذا لم يعلم انه دخيل في نفس المتعلق أو متعلق المتعلق، فان المبهم لايكون مشمولا لأدلة النفوذ، اذ لامعنى للالزام مع إبهام الامر فتأمل.

السابعة: ان الظاهر من البنوك انها ليست إلاواسطة في المساقاة و نحوها بين المالك و العامل

171

السابعة: ان الظاهر من البنوك إنها ليست إلاواسطة في المساقاة و نحوها بين المالك و العامل و لم تكن طرف المعاملة و إن جاز لها أن تقبل بنفسها، فلها أن تعمل بنفسها أو تستنيب المالك عن نفسها فلاتغفل.

172

حقيقة الشركة في الاموال و أحكامها

اشارة

و لايخفى عليك ان الشركة العقدية هي إنشاء مفهوم الشركة توسط المتعاقدين سواء كان المال من أحد الشخصين فيشرك الآخر فيه، أم كان المال من كل من الشخصين

ص: 272

فيشرك كل منهما صاحبه، فيقول أحدهما مثلاً: اشتركنا و يقول الآخر: قبلت، و هو عقد من العقود العقلائية و لم يردع عنه الشارع بل يدلّ على إمضائه قوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) هذا مضافا إلى الروايات الخاصة مثل صحيحة على بن رئاب قال ابوعبدالله عليه السلام: لاينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمي و لايبضعه و لايودعه وديعة(1) فإنّه يدل على مشروعية أصل الشركة، كما يدل على مشروعية المضاربة و ايداع الودائع، و مثل صحيحة هشام بن سالم عن أبى عبدالله عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشارك في السلعة قال: ان ربح فله و ان وضع فعليه(2)

و مثل صحيحة الحلبي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها فاتى رجل من أصحابه فقال: يا فلان اُنقدعني ثمن هذه الدابة و الربح بيني و بينك فنقد عنه فنفقت الدابة قال: ثمنها عليهما، لأنّه لو كان ربح فيها لكان بينهما(3)

ثمّ لايخفى عليك أنّ العلامّة قدس سره اشترط في صحة الشركة مزج المالين و عدم الامتياز بينهما و نسبه إلى علماء الامامية.

و أورد عليه في المستمسك بأنّ المستفاد من الخلاف هو الإجماع على الصحة في المختلطين الذين أذن كل واحد من الشريكين لصاحبه في التصرف فيه من باب القدر المتيقن، لاعلى اشتراط الاختلاط في الصحة و البطلان في غير المختلطين حيث قال: دليلنا انّ ما اعتبرناه مجمع على انعقاد الشركة به...(4)

**********

(1) الوسائل / الباب 2 من أبواب كتاب الشركة، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 1 من أبواب كتاب الشركة، ح 1.

(3) الوسائل / الباب 1 من أبواب كتاب الشركة، ح 2.

(4) المستمسك / ج 13، ص 255.

ص: 273

و عليه فلم يثبت اجماع القدماء على الاشتراط المذكور، و ظاهر كلمات المتأخرين و إن كان هو التسالم على اعتبار المزج في صحة الشركة ولكنه مع عدم ثبوت اجماع المتقدمين ليس بدليل كما لايخفى.

هذا مضافا إلى دعوى ان النصوص صريحة في حصول الشركة بقول مالك العين للاخر: شاركتك و قول الآخر: قبلت من دون حاجة إلى ضم المزج، فاذا قال احد المالكين للعينين: شاركتك و قال الآخر: قبلت حصلت الشركة في عينه أيضاً، فتكون شركة في العينين، و مثله أن يقول احدهما: تشاركنا في مالينا فيقول الآخر: قبلت

و دعوى انه لايحصل الشركة إلا بشرط الامتزاج ترجع إلى نفي سببية الشركة العقدية و هو كماترى.

و أمّاما في المستمسك من أن الشركة العقدية على قسمين: الأوّل مجرد عقد شركة بين المالكين في المالين فقط، و هذه لم يقم دليل على اعتبار المزج فيها، و الثّاني عقد شركة بين المالكين في ماليهما مع الاذن في التصرف منهما لهما، و هى التي يعتبر فيها المزج بين المالين على نحو لايتميز احدهما عن الآخر بناء على الإجماع المتقدم في كلامهم بل هناك قسم ثالث يكون في المال الّذي يشرك مالكه فيه كما تضمنته النصوص فانّ الشركة فيه عقدية في مال واحد.(1)

ففيه ما مرّ من أنّ الإجماع قام على الصحة في الفرض المذكور لاعلى اشتراط الاختلاط في الصحة و البطلان في غير المختلطين بالنحو المذكور، و صاحب المستمسك صرّح بذلك بنفسه، و لعلّ مقصوده هنا هو المماشاة مع من يدّعي الإجماع على ذلك كما يشعر به قوله «بناء على الإجماع المتقدم في كلامهم...»

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 256.

ص: 274

ثمّ ان النصوص لاتختص بالقسم الاخير بل صحيحة على بن رئاب تدل على الأعم هذا مضافا إلى ما في مبانى العروة الوثقى من عدم تعرّض أكثر القدماء من الاصحاب لهذه المسألة بالمرّة، اذ لم يرد في كلمات كثير منهم ذكرلها، نعم تعرّض لها جملة منهم إلا أن عباراتهم قاصرة عن اثبات الإجماع على اعتبار الامتزاج، فقد ذكر القاضي في الجواهر ان صحة الشركة مع الامتزاج اجماعي و لااجماع على صحتها مع عدمه.(1)

و مما ذكر يشكل الاعتماد على من اشترط الامتزاج و ادّعى عليه الإجماع كابن حمزة في الوسيلة على المحكي عنه، لاحتمال ان يكون مقصوده انّ مع وجود المزج قام الإجماع على صحته لاقام الإجماع على اشتراط المزج، و على فرض ادعاء الإجماع على اشتراط المزج فهو اجماع منقول يعارضه ما حكي عن الشيخ من انّ مع المزج مجمع على انعقاده، فلايثبت اجماع على الاشتراط كما لايخفى.

و بالجملة فاذا لم يتم دليل على اشتراط المزج فعدم اعتباره في الشركة العقدية أقوى، عملاً بالعمومات و الاطلاقات كقوله تعالى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قوله صلى الله عليه وآله المؤمنون عند شروطهم، و لاوجه - بعد ما عرفت من عدم ثبوت الإجماع - لما ذكره السيد الفقيه اليزدى قدس سره من أنه: بل لولا ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج امكن منعه مطلقا عملا بالعمومات(2) لما عرفت من عدم ظهور الإجماع على اعتبار الامتزاج، بل الإجماع على فرض ثبوته قام على صحة الشركة مع الامتزاج لااشتراط الامتزاج في الصحة.

و لقد أفاد و أجاد في جامع المدارك حيث قال: ان الشركة حاصلة بقول: اشتركنا، و معناها هو نقل حصة مشاعة من ماله إلى الشريك بحصة مشاعة من ماله، كما لو ملكا

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 254.

(2) كتاب الشركة من العروة الوثقى مسألة 4.

ص: 275

بالوراثة أو بالاشتراء، فأيّ حاجة إلى المزج و جعله شرطاً في صحة الشركة، و لاإشكال في أنه مع الاذن يترتب احكام الشركة حيث انه مع المعاملة يكون الربح بينهما و الخسران عليهما.

إلى أن قال: و كيف كان فهذا النحو من الشركة لاإشكال في صحته، حيث انّه المتعارف بين الناس و لم يردع عنه الشارع، بل يظهر من بعض الاخبار الامضاء كالموثقة المذكورة و صحيحة هشام بن سالم و صحيحة على بن رئاب.(1)

ثمّ انّ الشركة العقدية كما تحصل بقول: اشتركنا و قبول الطرف الآخر هكذا تحصل بالفعل، كإعطاء ماله بقصد تحقق الشركة و قبول الطرف ذلك منه، فالاعطاء و القبول شركة معاطاتية و يصير ماليهما مشاعا بينهما بذلك و لايحتاج إلى مزج، لما عرفت آنفا من انه لادليل على اعتباره.

و مما ذكر يظهر ان كل ما اعطي للبنوك بعنوان الشركة و قبلته البنوك بعنوان الوكالة عن الذين اشتركوا قبلا صار ذلك موجباً لكون ما اعطي أخيراً مشاعا بين الشركاء الذين سبقوا و بين الشريك الجديد، كما ان أموال الشركاء السابقين يصير أيضاً مشاعة بينهم و بين الشريك الجديد.

ثمّ يقع الكلام في أنّ مع تحقق الشركة العقدية أو المعاطاتية هل يحتاج جواز التصرف المعاملي في مال الشركة إلى الاذن أو لايحتاج ؟ و الظاهر هو الثّاني فى ما إذا قامت القرنية على ان المقصود من الشركة العقدية هو المعاملة بماليهما، لوضوح دلالتها حينئذ على الإذن في التصرفات المعاملية، و لافرق فيه بين أن يكون المال من أحد الشخصين فيشرك الآخر فيه، أم يكون المال من الشخصين فيشرك كل منهما صاحبه، فيقول

**********

(1) راجع جامع المدارك / ج 3، ص 401-402.

ص: 276

أحدهما مثلاً: اشتركنا و يقول الآخر: قبلت، و لعلّ اطلاق الاخبار ناظر إلى الصورة المذكورة كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال سألته عن الرجل يشارك في السلعة قال: إن ربح فله و إن وضع فعليه.(1)

و صحيحة الحلبي عن أبي جعفر عليه السلام قال: سألته عن الرجل يشتري الدابة و ليس عنده نقدها، فاتى رجل من أصحابه فقال: يا فلان انقد عني ثمن هذه الدابة و الربح بيني و بينك فنقد عنه فنفقت الدابة قال: ثمنها عليهما، لأنّه لو كان ربح فيها لكان بينهما.(2)

و صحيح على بن رئاب قال ابوعبدالله عليه السلام: لاينبغي للرجل المسلم أن يشارك الذمّي و لايبضعه و لايودعه وديعة.(3)

ثمّ لو لم تقم قرينة على الاذن في التصرف المعاملي فاللازم بعد حصول الشركة هو ضميمة الاذن في جواز المعاملات، و أمّا حمل عقد الشركة على انّه يفيد إنشاء الاذن في التصرف فقط في المال الّذي اجتمعت الحقوق فيه بنحو الإشاعة - كما يظهر من الحدائق و المسالك - ففيه ما لايخفى، فإنّه و إن ساعده تعريف عقد الشركة بأنه عقد ثمرته جواز تصرف الملاّك للشيء الواحد على سبيل الشياع، ولكنه كماترى، إذ الشركة عند العقلاء تحصل بانشاء عقد الشركة كما إنها تحصل بحكم الشارع في الميراث مع تعدد الوارث و في الحيازة مع تعدد الحائز. و قد دلّت الأخبار على صحة الشركة العقدية كما عرفت. نعم تفسير الشركة العقدية بانه عقد ثمرته جواز تصرف الملاّك في الشيء الواحد على سبيل الشياع يصح في الموارد التّي سبقت الشركة بنحو الاشاعة قهراً بالارث أو الحيازة،

**********

(1) الوسائل / الباب 1 من ابواب كتاب الشركة ح 1.

(2) الوسائل / الباب 1 من ابواب كتاب الشركة، ح 2.

(3) الوسائل / الباب 2 من أبواب كتاب الشركة، ح 1.

ص: 277

فالقول بمثل: اشتركنا في هذه الصورة لايفيد الاّ أحكام الشركة من جواز التصرف و نحوه فتدبّر جيّدا.

173

تذنيب في ان الشركة الواقعية هل تحصل بالمزج بين الاموال ام لا

هل تحصل الشركة الواقعية بالمزج بين الاموال أم لا؟ تفصيل ذلك أن يقال: إن كان الامتزاج على نحو يصير الممتزجان شيئاً واحداً عقلاً، و أمراً ثالثاً مغايراً للموجودين السابقين - كما لعلّه كذلك في بعض التركيبات الكيميائية - فلاإشكال في أنه موجب للشركة الواقعية حقيقة، فانّ الموجود الجديد متولد و متكوّن من ماليهما فيكون ملكا لهما معا، و لاموجب لاختصاص أحدهما به كمالا موجب لاختصاص غيرهما به، بل الامر كذلك في ما إذا كانت الوحدة وحدة حقيقية عرفيه و إن لم تكن الوحدة وحدة عقلية، فالمعيار هو صدق الوحدة حقيقة، لاعدم امكان انفصال الاجزاء بعضها من بعض و عدم بقاء الامتياز، فاختلاط المايعات سواء كانت من جنس واحد أو من جنسين ربما يوجب الوحدة و معه محكوم بالشركة الواقعية.

ثمّ لو شك في الوحدة العرفية و عدمها فمقتضى القاعدة هو بقاء كل واحد على ملك مالكه و لاوجه للشركة الواقعية، لعدم الدليل عليها، و مما ذكر يظهر حكم الجامدات الناعمة كالدقيق، فإن علم الوحدة فيها فهو و الاّ فلاوجه للشركة الواقعية، اللّهم الا أن يدّعى بناء العقلاء على الشركة الظاهرية فيها بمعنى ترتّب حكم الشركة عليه و ان لم تكن وحدة و كان الامتزاج بنحو يكون الموجود بالفعل عبارة عن موجودات متعددة عرفا ولكنها غير قابلة للتميز خارجا، كما في مزج الدراهم بمثلها، فلادليل لحصول الشركة اصلا، لأنّ كل درهم موجود مستقل عن الآخر و محفوظ في الواقع.

و لعل مزج الحنطة بالحنطة يكون من هذا القبيل، لأن كل حبة باقية على ملك مالكها و لاموجب للشركة بعد عدم صيروتهما وجوداً آخر بحيث يراه العرف موجودا واحداً في

ص: 278

قبال الموجودين السابقين، ففي فرض عدم اعتبار العرف وحدة يبقى كل من المالين في ملك مالكه، و حينئذ فلابدّ في مقام التمييز من الرجوع إلى الصلح أو القرعة(1)

و إن شك في مورد أنه من القسم الأوّل أو القسم الثّاني فمقتضى الاصل و القاعدة هو الرجوع إلى الصلح القهري أو القرعة، إذ لاموجب للشركة.

ثمّ انّ مقتضى الشركة الواقعية أنّ الخسارة عليهما، كما انّ المنافع بينهما بنسبة قيمة مال كل واحد من الشركاء.

ثمّ انّ جواز المعاملة بالمال المشترك المذكور الّذي لم يحصل الشركة فيه بالعقد محتاج إلى الاذن، و بدونه لايجوز المعاملة به، فاذا ضمّ هذه الشركة بالاذن جازت المعاملة بالمال المشترك كما لايخفى.

ثمّ لايذهب عليك إنّ الشركة قد تكون واقعية قهرية كما في المال أو الحق الموروث، و قد تكون واقعية اختيارية من غير استناد إلى عقد كما إذا احيى شخصان أرضاً مواتاً بالاشتراك أو حفرا بئراً أو اغترفا ماءً أو اقتلعا شجراً ففي هذه الصور جواز المعاملة و التصرف فيه محتاج أيضاً إلى الاذن كما لايخفى.

174

الشركة في الديون و في المنافع

المشهور انّه لاتصح الشركة العقدية إلا في الأموال بل الأعيان، فلا تصح في الديون، فلو كان لكل منهما دين على شخص فأوقعا العقد على كون دين كل منهما بينهما لم يصح، و كذا لاتصح في المنافع بأن يكون لكل منهما دار مثلاً و أوقعا العقد على أن يكون منفعة كل منهما بينهما بالنصف مثلاً.

**********

(1) راجع مباني العروة / ج 3، ص 235.

ص: 279

و استدلّ لذلك بأنّ الامتزاج من شرائط الشركة العقدية و هو متعذر في الدّيون، و كذا في المنافع، فإنّ كل منهما مستقل في الوجود و منحاز عن الآخر فلايمكن الامتزاج فيهما.

ولكن عرفت أنه لادليل على اعتبار الامتزاج في صحة الشركة العقدية، و الإجماع المستدل به في المقام دليل لبىّ و القدر المتيقن منه هو الإجماع على صحة ما فيه الامتزاج و لايستفاد منه اعتبار الامتزاج.

و عليه فالشركة العقدية متصورة في الديون و المنافع أيضاً، لإمكان تمليك كل من المتعاقدين حصة مماله في ذمة مدينه للآخر بازاء تمليكه له حصة من ماله في ذمة مدينه.

و هكذا في منفعة العين يمكن تمليك كل منهما الحصة من منفعة داره لصاحبه بإزاء تمليك صاحبه الحصة من منفعة داره له، نعم لابدّ أن تكون المدة في المنفعة معلومة حتى لايلزم الغرر و الخطر.

ولكن لقائل أن يقول: انّ الشركة عقد جائز و مع الجواز لايلزم الغرر و الخطر، و النهي عن الغرر مختص بباب البيع و ما يلحق به من الإجارة.

ولكن ذهب السيد المحقّق الخوئى قدس سره إلى بطلان الشركة العقدية في الديون من ناحية نهي النبى صلى الله عليه وآله عن بيع الدين بالدين بدعوى أنّ المنصرف منه هو النهي عن المعاملة بالدين مطلقا و من غير اختصاص بعنوان البيع، كما يشهد له ما ورد في جملة من النصوص من النهي عن قسمة الدين بأن يجعل تمام ما في ذمة المدين الأوّل لأحد الورثة في قبال كون تمام ما في ذمة المدين الثّاني للوارث الآخر، فإنّها تؤكّد منع الشارع المقدّس عن تعويض الدين بالدين و مبادلته بمثله تحت أي عنوان من العناوين كان.(1)

**********

(1) مبانى العروة / ج 3، ص 242-243.

ص: 280

و لايخفى ما فيه، فإنّ المنهىّ عنه هو بيع الدين بالدين، و دعوى انصرافه إلى مطلق المعاوضة كماترى، و عليه فلايجوز التعدي عن قوله صلى الله عليه وآله: لايباع الدين بالدين إلى مطلق المعاوضة.

و أمّا النصوص الواردة في قسمة الدين فهي و إن كانت ظاهرة في عدم تحقق القسمة ولكنها مختصة بصورة هلاك بعض الدين، فلاتدلّ على ممنوعية القسمة عند عدم هلاك بعض الدين فضلا عن سائر المعاملات، و إليك بعض هذه النصوص:

منها: معتبرة محمّد بن مسلم قال: سئل ابوجعفر عليه السلام عن رجلين بينهما مال منه بأيديهما و منه غائب عنهما فاقتسما الّذي بأيديهما و أحال كل واحد منهما نصيبه الغائب فاقتضى أحدهما و لم يقتض الآخر قال: ما اقتضى أحدهما فهو بينهما و ما يذهب بينهما.(1)

و منها: موثقة ابن سنان قال: سألت أباعبدالله عليه السلام عن رجلين بينهما مال، منه دين و منه عين فاقتسما العين و الدين فتوى الّذي كان لأحدهما من الدين أو بعضه و خرج الّذي للآخر أيردّ على صاحبه ؟ قال عليه السلام نعم ما يذهب بماله، و نحوهما صحيحة سليمان بن خالد و خبر غياث و مرسل أبى حمزة(2) و عليه فلادليل للمنع من الشركة في الديون.

و مما ذكر يظهر أنه لاوجه لبطلان الشركة في المنافع بناء على أنّ المراد من الشركة هي الشركة العقدية في نفس المنافع بأن يملك كل منهما الحصة من منفعة داره لصاحبه بإزاء تمليك صاحبه الحصة من منفعة داره، و دعوى اعتبار المزج مندفعة بما عرفت من أنّه لادليل على اعتباره.

**********

(1) الوسائل / الباب 6 من أبواب احكام الشركة، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 6 من أحكام الشركة، ح 2.

ص: 281

لايقال: تمليك اجرة المنفعة الحاصلة من استيفاء منفعة كل عين الآخر تمليك المعدوم، حيث لايملك كل منهما الاجرة بالفعل و هو باطل، و لايفيد كون مفاد الشركة هو الاشتراك في الأجر بعد ما يدخل في ملك الآخر بحيث يخرج من ملك المالك إلى ملك الشريك، فإنّه لايخرجه عن تمليك المعدوم.

لانّا نقول: هذا على تقدير صحته انما يكون فيما إذا فرضت الشركة في الاُجرة، و أمّا إذا فرضت الشركة في نفس المنفعة أعني قابلية الدار للسكنى التّي هى موجودة بالفعل، و كان زمان تمليك المنفعة محدوداً و معينا فلاوجه لبطلانه، لأنّه يرجع إلى تمليك كل منهما الحصة من منفعة داره لصاحبه في مدة معينة، بإزاء تمليك صاحبه الحصة من منفعة داره له في مدّة معينة.

و لم يحرز إجماع على عدم صحة ذلك، لاحتمال أن يكون الإجماع في المقام راجعاً إلى الإجماع المدعى على اعتبار المزج، و قد عرفت عدم ذلك الإجماع و أنّ الثابت أنّ مورد المزج مجمع عليه و هو غير اعتبار المزج، فالاقوى في الفرض المزبور هو الصحة.

بل يمكن القول بالصحة و لو مع عدم تحديد المدة، لأنّ الغرر بمعنى الجهالة ليس منهيّا إلا في باب البيع و ما يلحق به، و الغرر بمعنى الخطر لايلزم مع كون الشركة عقداً جايزاً، اللّهمّ إلاّ ان يقال: انّ حكم الجواز يتدارك الخطر لا أنّه يمنع عن كون العقد خطرياً فتأمل.

175

شركة الأبدان

و مما تقدم يظهر حكم الشركة في الأعمال التّي قد تسمّى بالشركة في الأبدان، لأنّها راجعة إلى الشركة في المنفعة، اذ المراد بها هو أن يوقعا العقد على أن يكون نصف خياطته أو طبابته في الايام المعينة أو مطلقا لصاحبه، في قبال تمليك صاحبه نصف خياطته أو

ص: 282

طبابته في تلك الايام أو مطلقا، و قد عرفت أنّه لادليل على بطلانها عدى دعوى الإجماع على اعتبار المزج، و لم يثبت الإجماع على المذكور، و انما الثابت أنّ مورد المزج مجمع عليه.

و ذهب الشيخ الطوسى قدس سره في الخلاف إلى البطلان و قال: دليلنا على البطلان اجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضاً العقود الشرعية تحتاج إلى دلالة شرعية و ليس في الشرع ما يدلّ على صحة هذه الشركة، و أيضاً نهى النبى صلى الله عليه وآله عن الغرر و هذا غرر بدلالة أنّ كل واحد منهما لايدري أيكسب صاحبه شيئا أم لايكسب و كم مقدار ما يكسبه ؟(1) و يمكن الجواب عن كله، أمّا عن الاجماع فبما مرّ من احتمال أن يكون هذا الإجماع راجعاً إلى الإجماع المدّعى على اعتبار المزج، و قد عرفت أنّ ذلك الإجماع غير ثابت، و انما الثابت هو ان مورد المزج مجمع على صحته و هو غير اعتبار المزج بالاجماع فتأمل.

و أمّا عن الاخبار فبأنّي لم اعثر عليها لافي باب الشركة و لا في غيرها، و أمّا عن انه ليس في الشرع دلالة شرعية لهذه العقود فبأنّ العمومات تكفي لإثبات شرعية الشركة و لاحاجة إلى دلالة خاصة بل يكفي بناءُ العقلاء و عدم الردع عنها، و أمّا عن النهي عن الغرر فالثابت هو النهي عن بيع الغرر لامطلق الغرر و الخطر لايلزم في العقود الجائزة، و الشاهد له هو إقدام العقلاء على مثله كالمضاربة و الجعالة مع عدم العلم بوجود الربح و مقداره و عدم العلم بتحصيل ما يريده الجاعل، هذا مضافا إلى أنّ مورد الشركة هي المنفعة و هي موجودة، اذ العمل كمنفعة الدار و الشركة تكون فيها، فلايرد عليه اشكال الغرر اصلا، نعم لو كان مورد الشركة هو اجرة العمل يرد عليه - مضافا إلى الغرر - أنّ جعل الاجرة لغير العامل بعقد الشركة خلاف مقتضى دليل صحة الاجارة، اللّهمّ الاّ ان

**********

(1) الخلاف / ج 1، ص 645.

ص: 283

يراد من الشركة في الاجرة الشركة بعد ما يدخل في ملك العامل منهما بحيث يخرج من ملك العامل إلى ملك الشريك، فلايكون مخالفا لمقتضى الدليل.

176

شركة الوجوه

و أمّا شركة الوجوه فهي - كما في العروة - أن يشترك اثنان وجيهان لامال لهما بعقد الشركة على أن يتباع كل منهما في ذمته إلى أجل و يكون ما يبتاعه بينهما، فيبيعان و يؤديّان الأثمان و يكون ما حصل من الربح بينهما.

و قيل: هي أن يتباع وجيهٌ في الذمة و يفوّض بيعه إلى حامل و يشترطا أن يكون الربح بينهما.

أو هي - كما عن الشيخ الطوسي - أن يتباع كل من الشركين لنفسه بثمن في ذمته على أن يكون الربح بينهما. و المحكي عن الشهيد بعد ذكر تفسيرات شركة الوجوه: و الكل عندنا باطل خلافا لابن الجنيد، فإنّه جوّزها بالمعنى الأوّل، و لأبي حنيفة مطلقا.

ثمّ انّه استدلّ الشيخ الطوسى على البطلان بأنّه غرر عظيم و هو منهي.

و يمكن أن يقال: لو لاالإجماع أمكن الجواب عن الغرر بما عرفت من أن الغرر بمعنى الجهالة لادليل له في غير البيع، و الغرر بمعنى الخطر لامصداق له في المقام، فمع وجود بناء العقلاء عليه يكفيه عدم الردع فضلاً عن وجود العمومات.

و أمّاما في مباني العروة من أنّ مثل هذا العقد داخل في تمليك المعدوم و هو غير جائز(1) ففيه أنّ التمليك هنا كتمليك الحصة في المضاربة و نحوها، فكما أنّ الحصة غير موجودة في تلك العقود و مع ذلك كانت المضاربة و نحوها صحيحة عند العقلاء و

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 245.

ص: 284

الشرع امضاها فكذلك في المقام، هذا مضافا إلى أن المجعول بينهما في الصورة الاولى هو المبيع و هو موجود، بل يمكن أن يقال: انّ التمليك في مثل هذه الامور فعلي و المملوك استقبالي و هو في ظرف فرضه موجود فتامّل.

و القول بأنّ مثل المضاربة ورد فيها الدليل الخاص غير سديد بعد شمول الأدلة العامة، اذ لافرق بين الدليل الخاص و الدليل العام في إثبات الشرعية.

و أمّا ما في المستمسك من أن المراد من هذه الشركة لو كان الابتياع لهما و الثمن في ذمة المبتاع المباشر فالمعاملة في نفسها باطلة، بناء على المشهور من وجوب دخول كل من العوضين في ملك من خرج منه الآخر، فانّ الابتياع إذا كان لهما فقد دخل في ملك كل واحد منهما نصف المبيع، فيجب أن يخرج من كل منهما نصف الثمن، و لازمه كون نصف الثمن في ذمة أحدهما و النصف الآخر في ذمة الآخر، لا أن يكون تمام الثمن في ذمة أحدهما المباشر.

فالجواب عنه هو الّذي أفاد في المستمسك من أنّ اللازم في صدق المعاوضة أن يدخل العوض في ملك مالك المعوّض و لايلزم العكس كما هو الظاهر، و هو حاصل في المفروض و معه تصح المعاملة و لاموجب للبطلان الا الإجماع.(1)

هذا مضافا إلى إمكان أن يقال: لايلزم في صدق المعاوضة ذلك أيضاً، لصدقها و لو دخل العوض في ملك غير مالك العوض، فالعمدة هو الإجماع.

ثمّ إنّه أورد في المستمسك على الإجماع بعدم تحصل معقد الإجماع، اذ شركة الوجوه قد فسّرت بمعان أربعة أظهرها أو أشهرها ما ذكره المصنف رحمه الله، و في القواعد فسّرها بأن يبيع الوجيه مال الخامل بزيادة ربح ليكون له بعضه، و خصه بالبطلان، و هذا المعنى ذكره في ا لتذكرة آخر المعاني الاربعة.

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 249.

ص: 285

و ذكر قبله أن يشترك وجيه لامال له و خامل ذو مال ليكون العمل من الوجيه و المال من الخامل و المال في يده لايسلّمه إلى الوجيه و الربح بينهما.

و ذكر قبلهما أن يتباع وجيه في الذمة و يفوض بيعه إلى خامل و يكون الربح بينهما عكس المعنى المذكور في القواعد.

و يظهر منهم أنّ معقد الإجماع مردّد بين هذه المعاني، فهو واحد منها مردّد بينها، كما يظهر أيضاً من الاقتصار على واحد منها في كلام بعضهم أنّ الإجماع لم يكن على البطلان في الجميع.

و حينئذ كيف يعتمد على مثل هذا الإجماع المردّد معقده ؟ و لاسيّما بملاحظة أنّ المعنى الثالث نوع من المضاربة الصحيحة لايختلف عنها الاّ في خصوصية الوجاهة و الخمول، و من المعلوم ان هذين القيدين لايوجبان اختصاصه بالبطلان.

و لم يذكر الاصحاب في شروط صحة المضاربة إنتفاء القيدين المذكورين.

نعم المعنى الّذي ذكره في القواعد و عكسه من قبيل الجعالة لكنها لاتصح فيها، لما تقدم من الاشكال في شركة الأبدان من أنّ عقد الشركة لايصلح لتشريع المشروع.(1)

و لايخفى ما فيه، فأنّ مع العلم بوجود الإجماع و ترديد معقده بين معان أربعة لزم الاحتياط في الأربعة عدى ما يعلم من الخارج أنه لاإشكال فيه كالمعنى الثالث فلايلزم محذور.

اللّهمّ الا أن يكون مقصوده أنّ عبارة المجمعين متناقضة ظاهر بعضها أنّ معقد الإجماع مردّد بين هذه المعاني، و ظاهر بعضها أنّ الإجماع ليس مردّداً في جميع هذه المعاني.

ولكن لقائل أن يقول: بعد معلومية أصل الإجماع لايضرّه مناقضة العبائر بعضها مع

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 250.

ص: 286

البعض في مورده، فإنّ بعد معلومية أصل الإجماع لزم الاحتياط في أطراف المحتمل، و لاتفيد عبائر القوم بعد تعارضها شيئاً في تعيين مورد الإجماع، و لعلّ المتيقن من أطراف المحتمل هي الصورة الاولى، لإمكان جعل البقية من المضاربة أو الجعالة.

و دعوى أنّه لاتصح جعل غير الصورة الاولى من قبيل المضاربة أو الجعالة، لأنّ جعل الربح منتقلا إلى العامل من أول الامر من دون فرض انتقاله أوّلاً إلى المالك ثمّ إلى العامل خلاف مقتضى المعاوضة و أدلتها.

مندفعة - مضافا إلى أنهما من مصاديق المضاربة و الجعالة - بما مرّ من صدق المعاوضة و لو لم ينتقل إلى المالك، سواء كان ذلك في طرف الثمن أو في طرف المثمن، إذ يكفي في صدق المعاوضة عدم كون الانتقال مجانا.

ثمّ ان الصور المحتملة ليست بأربعة بل هي خمسة، لأنّ الشيخ قال في الخلاف: صورتها أن يكون رجلان وجيهان في السوق و ليس لهما مال فيعقدان الشركة على أن يتصرف كل واحد منهما بجاهه في ذمته و يكون ما يرتفع بينهما(1) و هي الصورة الخامسة، و حيث إنها وقعت في كلام الشيخ و أسند الخلاف إلى الشافعي و أبي حنيفة و أستدل بلفظ دليلنا.... الخ تكون هذه الصورة من الموارد المتيقنة من الإجماع، كما ان الصورة الاولى التّي ذكرها صاحب العروة أيضاً تكون أيضاً من الموارد المتيقنة للاجماع، لإسناد هذه الصورة في المسالك و التذكرة إلى الأشهر، و أمّا بقية الموارد فلاشاهد لكونها من موارد الإجماع مع كونها من موارد المضاربة أو الجعالة، شركة و عليه فلاوجه للتشكيك في معقد الإجماع بل اللازم هو الاجتناب عن الشركة في الصورتين المذكورتين، بل هما قريبتان من حيث المعنى و لعلّهما واحدة، و بالجملة فلاوجه لرفع اليد عن الإجماع مع كونه متصلا إلى زمان المعصوم عليه السلام.

**********

(1) الخلاف / ج 1، ص 45.

ص: 287

177

شركة المفاوضة

اشارة

و أمّا شركة المفاوضة و هي أن يشترك اثنان أو أزيد على أن يكون كل ما يحصل لأحدهما من ربح تجارة أو زراعة أو كسب آخر أو إرث أو وصية أو نحو ذلك مشتركا بينهما و كذا كل غرامة ترد على أحدهما تكون عليهما، فقد ادّعى في الجواهر الإجماع بقسميه على فسادها(1) و في محكي مفتاح الكرامة اجماعا كما في السرائر و الايضاح و شرح الارشاد لولد المصنف و المهذب البارع و التنقيح و جامع المقاصد و غيرها.

قال الشيخ - بعد تخصيص الخلاف بالعامة -: دليلنا أنّه لادليل على صحة ذلك و انعقاد الشركة حكم شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية... إلى أن قال: و أيضاً روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه نهى عن الغرر و هذا الغرر (غرر خ) لأنّه يدخل في العقد على أن يشاركه في جميع مايكسبه و ما يضمنه بعدُ من غصب و ضمان و كفالة، و قد يلزمه غرامة فيحتاج أن يشاركه فيها على حسب ما دخل عليه في العقد و هذا غرر عظيم.(2)

و لايخفى عليك أنّ العمدة هو الإجماع على البطلان، و أمّا ما ذكره في الخلاف فهو منظور فيه، إذ الغرر بمعنى الجهالة لادليل على النهي عنه في غير البيع و ما يلحق به، و الغرر بمعنى الخطر حيث يكون احتماله في كل طرف فهو كالعدم، و لعل ضمان الجريرة مثله، و هي أن يقول من لاوارث له: عاقدتك على أن تنصرني و تمنع عنّي و تعقل عنّي و ترثني و يقول الآخر: قبلت(3) مع انه غرري و خطري، إذ الخطر المذكور متدارك باحتمال الارث، أو يكون ذلك من الطرفين فيما إذا كانا معا لاوارث لهما، فلو كان بناء من العقلاء

**********

(1) الجواهر / ج 26، ص 298.

(2) الخلاف / ج 1، ص 644.

(3) الجواهر / ج 39، ص 255.

ص: 288

على المفاوضة لايمنع عنه الغرر، كما انّ النباء يكفي في شرعية ذلك مع عدم الردع عنه.

نعم يرد عليه اوّلاً: بأنّها تمليك ما قد يملكه في المستقبل و هو معدوم و يكون باطلا(1)

اللّهم إلاّ ان يقال: إنّ التمليك في المضاربة يكون كذلك و مع ذلك كان صحيحا عند العقلاء، و هو يكفى في إمكان الثبوت هذا مضافا إلى أنّ التمليك في مثل هذه الامور فعلي و المملوك يكون استقباليا و موجودا في ظرف فرضه، و التمليك متعلق بالشيء الموجود على تقدير الوجود و كم له من نظير فتدبّر.

وثانياً: أنّ الربح يكون لصاحبه بدليله، فانتقال بعضه إلى غير صاحبه خلاف ذلك الدليل، و كذلك الغرامة تكون على صاحبها بدليل فثبوتها لغيره خلاف ذلك الدليل.

و من ذلك يظهر الاشكال في ما بعض الحواشي(2) من انه يمكن تصحيح ذلك بالاشتراط في ضمن عقد آخر، إذ بناء على ما ذكرنا يكون مخالفا لمقتضى الكتاب فلايصح.(3)

اللّهمّ إلاّ ان يقال: إذا كان الشرط المذكور بعد دخول الربح في ملك المشروط له لاقبله، نظير اشتراط أن يدخل الربح في ملك العامل بعد أن يدخل في ملك المالك لاقبله فلايلزم المخالفة مع مقتضى الأدلة.(4)

ولكن يرد عليه حينئذ انه تمليك المعدوم، اللّهمّ إلاّ ان يقال: إنّ المملوك موجود في ظرف فرض وجوده فتدبّر.

**********

(1) راجع المبانى العروة / ج 3، ص 246.

(2) للمحقّق النائينى قدس سره حيث قال في تعليقته على العروة ذيل مسألة 1 شركة المفاوضة: و يمكن تصحيح ذلك كله بالاشتراط في ضمن عقد لازم اخر.

(3) المستمسك / ج 13، ص 252.

(4) راجع المستمسك / ج 13، ص 252.

ص: 289

فاتضح من جميع ذلك: أنّ العمدة هو الإجماع المتصل إلى زمان المعصوم عليه السلام فإنّه يكشف عن تقرير المعصوم عليه السلام لما ذهبوا اليه و لو كان مستندهم غير صحيح و كان الإجماع مدركياً كما قرّرناه في الاصول.

178

وهنا مسائل:

اشارة

179

المسألة الاُولى: في حكم المصالحة في الديون

ثمّ اعلم ان بناءً على عدم صحة الشركة في الديون أمكن المصالحة بينهما بعد عدم دليل على ممنوعية مطلق المعاوضة في معاملة ا لدين بالدين، و أمّا مع ممنوعية مطلق المعاوضة أمكن مصالحة نصف الدين بعين دينار في قبال مصالحة الآخر على نصف دينه بذلك الدينار، و هكذا بناءً على عدم صحة الشركة في المنافع أمكن المصالحة على نصف منفعة داره بنصف منفعة دار الآخر، أو المصالحة على نصف منفعة داره بدينار مثلاً في قبال مصالحة الآخر نصف منفعة داره بذلك الدينار، و أيضاً بناءً على عدم صحة شركة الأعمال أمكن المصالحة بينهما بنصف منفعة معيّنة أو منافعه إلى مدّة كذا في مقابل نصف منفعة أو منافع الاخر أو المصالحة على نصف منفعته بعوض معين في قبال مصالحة الاخر على نصف منفعته بذلك العوض.

و أيضاً مع بطلان شركة الوجوه فإن ارادا ذلك على الوجه الصحيح و كّل كل منهما الآخر في الشراء فاشترى لهما في ذمتهما.

و أمّا مع بطلان شركة المفاوضة فإن ارادا ذلك أمكن المصالحة بينهما على أخذ نصف الارباح المحتملة بازاء إعطاء شيء معلوم، أو المصالحة على إعطاء نصف الغرامة بإزاء أخذ شيء معلوم، و هكذا أمكن تصحيح ذلك بالاشتراط في ضمن عقد لازم آخر غير الشركة كمصالحة شيء بشيء و اشتراط المفاوضة فيها كما ذهب اليه المحقّق النائيني في تعليقته على شركة العروة.

و أورد عليه بأنّ الشرط المذكور مخالف لمقتضى الكتاب

ص: 290

و اجيب عنه بأنّه مخالف للإطلاق، و يؤيده الصحيح عن أبي عبدالله عليه السلام في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه ربحاً و كان من المال دين و عليهما دين فقال احدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى فقال: لابأس إذا اشترطا، فاذا كان شرطا يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجل.(1)

و من المعلوم أنّ شرط كون تمام الربح و التوى على الشريك شرط يخالف مع مقتضى الشركة، و مع ذلك صرح بصحته و لم يجعله مخالفا للكتاب فتدبّر جيّدا.

و ذهب في المستمسك - بعد الاشكال في الشرط المذكور بانه مخالف للكتاب - إلى إمكان تصحيحه بما إذا كان الشرط اشتراط شيء من الربح فيه بعد أن يدخل الربح في ملك المشروط له بعد أن يدخل في ملك المشروط عليه لاقبل ان يدخل، نظير اشترط شيء من الربح للعامل في المضاربة، فانّ المراد به اشتراط أن يدخل الربح في ملك العامل بعد أن يدخل في ملك المالك لاقبله ليكون خلاف الأدلة الأولية.(2)

و اشكل عليه بانه تمليك ما قد يملكه في المستقبل و هو باطل جزماً.

ولكن يمكن الجواب عنه بما مرّ من أنّ المضاربة تكون كذلك، فصحّة المضاربة دليل على إمكان ذلك ثبوتا، و مع الامكان الثبوتى يشمله اطلاق أدّلة نفوذ الشروط فتدبّر جيّداً.

180

المسألة الثانية: في ان الشركة اما بنحو الاشاعة و اما بنحو الكلى في المعين

الظاهر من عبارة السيد الفقيه اليزدى قدس سره في المقام ان الشركة بحسب الكيفية إمّا تكون بنحو الإشاعة و إمّا بنحو الكلي في المعين، و اليه ذهب في الجواهر حيث قال:

**********

(1) التهذيب / ج 2، ص 65.

(2) المستمسك / ج 13، ص 252.

ص: 291

لاإشكال في صدق الشركة مع الكلي في المعين و لااشاعة، اللّهمّ إلاّ أن يراد منها عدم التعيين.(1)

و أورد عليه بأنّ الفرض خارج عن موضوع الشركة، فانها انما تتحقق في ما إذا كان المال الواحد مملوكاً لشخصين أو أكثر على نحو الاشاعة، بأن يكون لكل منهما حصة في كل جزء من ذلك المال، لا ما إذا كان مال كل منهما مستقلا عن مال الآخر و إن كانا بحسب الوجود واحدا.

و اجيب عنه بأنّ العبرة في تحقق الشركة إنما هي بوحدة الوجود في الخارج بنظر العرف و هي متحققة في ما نحن فيه، حيث لايكون وجود الكلي منحازاً في الخارج عن وجود الفرد الخارجي، بل الكلي موجود بوجود الفرد. و من هنا فالموجود الواحد في الخارج بالفعل مضاف إلى مالكين ولكن بنحو من الاضافة، فإنّه بلحاظ الأفراد مملوك بتمامه للمالك، و بلحاظ الكلي الّذي هو الثّاني موجود بوجود الأفراد مضاف و مملوك للمشتري. و الحاصل ان الوجود الواحد لما كان مضافا إلى شخصين تحققت الشركة بينهما فيه و ان اختلفت نحو الاضافة اليهما.(2)

و يمكن أن يقال: ان اعتبار الملكية في الكلي سواء كان مطلقاً أو في المعين ليس بملاحظة وجوده الخارجي بل بملاحظة وجوده الذهنى، كما أنّ عروض الأحكام يكون كذلك، و لذا نقول: انّ ظرف الاحكام هو الذهن لاالخارج، و عليه فمملوك المشتري مغاير مع مملوك البايع، لأنّ مملوك المشتري ذهني و مملوك البايع خارجي و الكلي في المعين قبل تعينه ليس هو الكلي الطبيعي المنطبق على الفرد الخارجي بل يتعين بتعيين

**********

(1) الجواهر / ج 26، ص 286.

(2) مباني العروة / ج 3، ص 238.

ص: 292

المالك البايع، نعم هو قابل للانطباق و لاينطبق إلاّ بتعيين مالك الصبرة، هذا بخلاف ما لو كان مملوك المشتري هو الفرد المردّد فانّ المملوك حينئذ يكون مملوكا خارجيا و يصحّ ما ذكر.

ولكن تحديد دائرة الانطباق يدل على أنّ الخارج مورد لحق مالك الكلي في المعين كما انه ملك لمالك الصبرة، و لعلّه يكفي في الاشتراك، فانّ الخارج مجمع ملكية المالك، و حق مالك الكلي في المعين، و عليه يجري أحكام الشركة عليه، بمعنى انّ مالك الكلي في المعين شريك مع مالك العين في منافع العين و خسرانها، فلو ربح في بيع العين كلها كان مالك الكلي في المعين شريكا في الربح بمقدار سهمه من الكلي في المعين لو أجاز المعاملة، و إن خسر بعد الاجازة كان مالك الكلي في العين شريكا أيضاً في الخسران.

و قد صرح السيد الفقيه اليزدي باشتراك الفقراء في الربح عند اجازة الحاكم، مع انّ ملكيتهم للزكاة تكون عند السيد بنحو الكلي في المعين قال في مسألة 33 من زكاة الغلات: إذا اتجر بالمال الّذي فيه الزكاة قبل ادائها يكون الربح للفقراء بالنسبة و إن خسر يكون خسرانها عليه، انتهى. بناء على أنّ المقصود أنّ الربح للفقراء بالنسبة مع اجازة ولي امر الزكاة، و أمّا بدون الاجازة ففيه إشكال و إن وردت به رواية مرسلة كما صرّح به السيد المحقّق البروجردي قدس سره.

و أمّا وجه كون الخسران على التاجر لاعلى مستحق الزكاة فلأنّ ولي الامر لم يجز المعاملة حين ما إذا رأى أنّ المعاملة ذات خسران، لأنّها حينئذ ليست بمصلحة الفقراء، نعم لو أجاز بعد وضوح كون المعاملة بمصلحة الفقراء ثمّ عرض الخسران فالخسران يكون على مستحق الزكاة أيضاً بالنسبة.

والحاصل أنّ السيد الفقيه اليزدي مع ذهابه إلى أنّ الزكاة متعلقة بالعين لاعلى وجه

ص: 293

الاشاعة بل على وجه الكلي في المعين كما اشار اليه في مسألة 31 من زكاة الغلات صرّح بشركة الفقراء في الربح عند الاتجار بالمال الزكوي لو أجاز ولي أمر الزكاة.

و مما ذكر يظهر أنّ الشركة في الخسران يمكن تصورها أيضاً فيما إذا أجاز مالك الكلي في المعين في التجارة فاتجر مالك العين بجميع المال، فانّ مالك الكلي و مالك العين يشتركان حينئذ في الربح و الخسران ولكن يتفرع ذلك على بيع تمام العين.

181

المسألة الثالثة: في حكم الشركة مع من يعتقد بوجوب الخمس ولكن لم يؤده

ذهب بعض الأعلام إلى عدم جواز الشركة أو إبقائها مع من يعتقد بوجوب الخمس ولكن لم يؤده بناء على تعلق الخمس بالأموال بنحو الاشاعة و كون الشركة على نحو الاشاعة و الوجه فيه واضح، لأنّ الشركة مع من لم يؤدّ الخمس يوجب التصرف في عين المال المشترك بينهم و بين أرباب الخمس من دون إذنهم و هو لايجوز.

و مما ذكر يظهر الاشكال في المشاركة مع البنوك فان المشاركين فيها ممن اعتقد بالخمس ولكن لم يؤده، فالتصرف يصير محرّما، و لافرق في ذلك بين أن يكون الشركة في خصوص المضاربة أو تكون الشركة في جميع المعاملات المشروعة.

و يمكن التخلص من ذلك بوجوه:

منها: أن يجيز الحاكم الاسلامي المعاملات الواردة على أعيان سهام أرباب الخمس عند ما يرى المصلحة في ذلك، و لو كانت المصلحة هي ازدياد سهامهم و إحتمال أداء بعض من لم يؤدّ الخمس بعد التوبة، إذ الاجازة حينئذ تكون بنفع أرباب الخمس، و أمّا مع عدم الاجازة و وقوع المعاملات على الأعيان فالتصرف فيها محرّم، بل إفراز السهام محتاج إلى إذن الامام، و الأرباح المتعلقة بسهام أرباب الخمس مع عدم الاجازة و عدم العلم بمالكيها تكون مجهولة المالك و يحتاج في تفكيكها إلى إذن الحاكم أيضاً.

ص: 294

و منها: أن يوقعوا المعاملات في ذممهم لا بأعيان الأموال المجتمعة، كما لعلّه كذلك في عمليات البنوك، إذ الأعيان تصير سببا للاعتبار في الآحاد و الأفراد أو الجهات فيتعاملون بالاعتبار، و عليه فلايلزم من الشركة التصرف في الاعيان إلا عند إفراز السهام و تحويل أعيان أموالهم، فانّ اللازم حينئذ إذن الحاكم بعنوان أنه وليّ الخمس.

و بالجملة انّ الشركة ترجع إلى اجتماع عدة للمعاملات بالمباشرة أو بالتوكيل، فكل معاملة تقع عن هذه الشركة تقع بذممهم على نسبة سهامهم، و الربح و الخسارة عائدة لكل ذي سهم بمقدار سهمه، و لايتوهم انه ينتهي إلى شركة الوجوه و هي ممنوعة بالاجماع، لأنّ في المقام و إن عامل كل واحد من الافراد بذمته ولكن يكون ربح كل واحد و خسارته لنفسه و لاشركة في الربح، بخلاف شركة الوجوه فإنّها على ما فسّره الشيخ الطوسي هي أن يتباع كل من الشريكين لنفسه بثمن في ذمته على ان يكون الربح بينهما و لو اختلفا في النفع و الفرق واضح، و هكذا الامر في تفسير المشهور فراجع.

هذا كله بناء على تعلق الخمس بنحو الاشاعة، و أمّا إذا قلنا بأنّ الخمس متعلق بنحو الحق لظهور قوله تعالى: غنتم في كون جميع المال مما يغنمه المخاطبون، إذ لو كان تعلق الخمس بنحو الاشاعة فلاوجه لنسبة الغنيمة إلى جميع المال، بل اللازم هو نسبتها إلى اربعة أسهم منه.

فالتصرف في عين المال المشترك و إن كان حراماً من جهة كونه متعلقا لحق أرباب الخمس ولكن لو عصى و تصرف لايلزم منه اشتراك ارباب الخمس أيضاً في المال المشترك، و أمّا إذا قلنا بأنّ الخمس متعلق بنحو الكلي في المعين فلايجوز التصرف في تمام العين، فإنّه ينافي الكلي في المعين الّذي يكون ملكا لأرباب الخمس، فإن أجاز الحاكم الشرعي ذلك فلاإشكال في صيرورة أرباب الخمس من الشركاء حينئذ، و إن لم يجز

ص: 295

الحاكم المعاملات بقي مقدار حقهم على حاله و كانت المعاملة بمقداره باطلة، و إعطائه للغير و أخذ مال في مقابله تصرف غير مجاز بل إفراز السهام يحتاج إلى اذن الحاكم.

ولكن تعلق الخمس بنحو الكلي في المعين لايساعد نسبة جميع الغنيمة إلى المخاطبين في قوله تعالى: غنمتم، إذ مقدار الكلي لأرباب الخمس، و بقية الكلام في محله.

ثمّ انّ الاستدلال باخبار تحليل الخمس للدلالة على جواز الشركة مع من لم يؤدّ الخمس مشكل، و اليك بعض هذه الاخبار:

منها: صحيحة الحارث بن المغيرة النضري عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له انّ لنا أموالا من غلاّت و تجارات و نحو ذلك و قد علمنا انّ لك فيها حقا قال فلِمَ أحللنا إذاً لشيعتنا إلاّ لتطيب ولادتهم ؟ و كل من و الى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب.(1)

و منها: صحيحة الفضلاء عن أبى جعفر عليه السلام قال: قال اميرالمؤمنين عليه السلام: هلك الناس في بطونهم و فروجهم لأنّهم لم يؤدّوا إلينا حقّنا ألا و إنّ شعيتنا من ذلك و آباؤهم في حلّ .(2)

وجه الاشكال امور:

منها: انّ أخبار التحليل معارضة مع ما دل على وجوب الخمس و الترجيح مع الثّاني، لإعراض الاصحاب عن الأوّل.

منها: انّ أخبار التحليل محمولة على الحكم السلطاني الموقت.

و منها: ان الاخبار المذكورة في مقابل العامة الذين لايعتقدون بالخمس، فشمولها بالنسبة إلى المعتقدين الذين لم يؤدوا الخمس غير واضح.

**********

(1) التهذيب / ج 1، ص 391.

(2) التهذيب / ج 1، ص 391.

ص: 296

اللّهمّ الا أن يستفاد من الاطلاق في صحيحة الحارث النضري و قوله عليه السلام في خبر يونس بن يعقوب: ما أنصفناكم إن كلّفناكم ذلك اليوم، و قوله عليه السلام: الا لتطيب ولادتهم، أنّ الائمة (عليهما السلام) لم يريدوا وقوع الشيعه في عدم الطهارة و الكلفة و التضييقات الواردة من ناحية خمس الآخرين، و عليه فمن أعطى الخمس بنفسه فهو في حلّ بالنسبة إلى الشركة مع من لم يؤدّ الخمس و لو كان شيعياً كما افتى به السيد المحقّق الخوئي و من تبعه في حاشية التوضيح فتدبّر.

182

المسألة الرابعة: في حكم اشتراط زيادة احد الشريكين في الربح

يتساوى الشريكان في الربح و الخسران مع تساوي المالين كما هو مقتضى اصالة تبعية الربح لأصل المال، و المفروض انّ نسبة الربح أو الخسران إلى المالين المتساويين على حدّ واحد.

و مع زيادة أحد المالين على الآخر فبنسبة الزيادة ربحاً و خسراناً سواء كان العمل من أحدهما أو منهما مع التساوي فيه أو الاختلاف او من متبرع أو أجير، هذا مع الاطلاق.

و الوجه في ذلك هو ما عرفت في صورة التساوي، لأنّ الربح تابع لأصل المال فإذا كانت النسبة في اصل المال مختلفة فالربح و الخسران يتبعانه و لادخل في ذلك للعمل مطلقا.

و لو شرطا في عقد الشركة زيادة لأحدهما فإن كان للعامل منهما أو لمن عمله أزيد فلاإشكال و لاخلاف على الظاهر عندهم في صحته.

و لعلّ وجه ذلك هو رجوعه إلى اشتراط عقد المضاربة في ضمن عقد الشركة و هو لامحذور فيه.

ص: 297

و استشكل فيه بعدم قصد القراض أولاً، و بعدم اعتبار ما يعتبر في صحة القراض من كونه نقداً ثانياً.(1)

و يمكن الجواب عنه أولاً بأنّ عدم قصد عنوان القراض بالحمل الاوّلي لاينافي قصده في ضمن المجموع و لو بنحو الحمل الشائع الصناعي، فإنّ جعل الزيادة في مقابل العمل أو العمل الزائد المتعلق برأس المال مما يصدق عليه المضاربة.

لايقال: لادليل على إفادة الشرط للمضاربة، لأنّ لها سبب خاص و هو عقدها.

لانّا نقول: يمكن ارادة جعل الزيادة في مقابل العمل أو زيادته من الشرط و عليه فهو مضاربة فتأمل.

و لو شرط الزيادة للطرف من دون قصد تقابلها للعمل أو زيادته فلاإشكال، لأنّه شرط زيادة محضة.

و ثانيا بما مرّ من أنه لادليل على اعتبار النقدين في القراض فراجع.

هذا مضافا إلى ما في المباني من أن اعتبار النقدقى المضاربة إنما كان للاجماع و هو مفقود في المقام، بل الإجماع قائم على عدم اعتبار النقد في المقام، و اعتبار كون رأس المال من النقدين انما يعتبر في المضاربة المستقلة دون ما كان في ضمن عقد الشركة.(2)

و لو سلّم عدم صحة المضاربة لاعتبار النقدين فيها أمكن الجعالة فيه.

و أمّا لو شرطا في عقد الشركة زيادة لغير العامل منهما أو لغير من عمله أزيد ففي صحة الشرط و العقد و بطلانهما و في صحة العقد و بطلان الشرط فيكون كصورة

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 259.

(2) المباني / ج 3، ص 257.

ص: 298

الاطلاق أقوال:

أولها: هو ما ذهب اليه العلامّة في محكي جملة من كتبه و السبزواري في محكي الكفاية و صاحب الجواهر و السيد الفقيه اليزدي قدّس الله أرواحهم.

و استدلّ لذلك بعموم المؤمنون عند شروطهم، و أورد عليه بأنّه مخالف لمقتضى العقد، و اجيب عنه بأنّه مخالف لمقتضى اطلاق العقد، و اجيب عنه بأنّه مخالف للسنة، لأنّ عقد الشركة أجنبي عن الربح بالمرّة، فان مقتضاه الاشتراك في المالين بنسبتهما إلى المجموع فقط، فلو اشترطا خلاف ذلك بأن يكون لأحدهما ثلثا المجموع و للاخر الثلث مع تساويهما في المالين حكم ببطلان الشركة، لمخالفة الشرط المذكور مع مقتضى عقد الشركة.

و أمّا الربح فعقد الشركة أجنبي عنه تماما و تساويهما فيه بالنسبة انما ثبت بدليل خارجي، و هو ما دلّ على تبعية النماء لاصل المال في الملكية لابعقد الشركة، و من هنا فان كانت هناك مخالفة في الشرط فهى مخالفته للسنة لالمقتضى العقد كى يقال انه ليس مخالفا له و انما هو مخالف لإطلاقه.(1)

و لقائل أن يقول: انّ ما ورد في السنة أيضاً يقتضى ذلك باطلاقه، فيمكن اشتراط خلاف إطلاقه، و نظير ذلك قوله عليه السلام: الناس مسلّطون على أموالهم، فهذا الخبر يدلّ على تسلط المالك على ماله، و مع ذلك يصح الشروط مع إنها تمنع عن سلطنته، و لم أجد أحداً يقول ببطلان الشروط لأنها مخالفة مع السنة، نعم لو كانت السنة دالة على شيء مطلقا سواء شرط او لم يشترط فالشرط مخالف له فتدبّر جيّدا.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 258.

ص: 299

هذا مضافا إلى أنّ ما دلّ على التبعية خصّص بمثل المضاربة، لأنّ منافع المال تابع لاصل المال و مع ذلك يجعل بعضها للعامل في المضاربة و لم يقل أحد بأنّ هذا مخالف للسنّة.

اللّهمّ إلاّ ان يقال: ان ذلك هناك بدليل خاص و يمكن ان يتمسك في المقام أيضاً بصحيح الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه و كان من المال دين و عليهما دين فقال احدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى فقال: لابأس اذا اشترطا فاذا كان شرطا يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ الى كتاب الله عزوجل(1) اذ من المعلوم ان الربح و الخسران تابع لراس المال بحسب السنة و مع ذلك صرّح في الرواية المذكورة بصحة اشتراط خلافه في عقد الشركة.

و حمل قوله: اذا اشترطا على التراضي الواقع في عقد آخر لازم بعيد، بل الظاهر هو وقوع الاشتراط في نفس عقد الشركة، فهذا نظير أن يسئل إذا باع الانسان هل له الفسخ ؟ فيجاب: لابأس إذا اشترطا، فهل يحمل على الاشتراط في عقد آخر؟(2) لايقال: انّ قوله: فربحا فيه و كان المال دين و عليهما دين فقال احدهما... يدل على ان تلك المقالة بعد وقوع الشركة و المعاملة لا حال الشركة، لانّا نقول: نعم ولكن الامام عليه السلام قيّد تأثير تلك المقالة بما إذا اشترطا حين العقد كما لايخفى.

هذا كله إذا كان الشرط هي ملكية أحدهما الزيادة ابتداء و بنفس العقد بحيث ينتقل ذلك المقدار من الربح اليه بالشرط.

و أمّا إذا كان الشرط هو تملك الشريك ذلك المقدار بعد تملكه هو له، بحيث يكون

**********

(1) الوسائل / الباب 4 من أبواب أحكام الصلح، ح 1.

(2) راجع جامع المدارك / ج 3، ص 396.

ص: 300

انتقاله منه إليه لا من المشتري مباشرة فلامانع من صحته، لعدم مخالفته للسنة، نظرا لعدم منافاته لقانون تبعية الربح لأصل المال في الملكية، فانّ كلا منهما يملك من الربح بنسبة ماله إلى المجموع ثمّ ينتقل ما اشترط من الزيادة من المشروط عليه إلى المشروط له.

نعم أورد عليه بأنه مخالف للكتاب و السنة أيضاً حيث يتضمن تمليك المعدوم بالفعل و هو غير جائز، فإنّه ليس للانسان أن يملّك غيره مالايملكه بالفعل و بذلك يكون اشتراطه من اشتراط امر غير جائز فيحكم بفساده لامحالة، لأنّ أدلته ليست بمشرّعة.(1)

و يمكن الجواب عنه بما مرّ مراراً من أنّ الاشكال إن كان ثبوتيا فيكفيه المضاربة و نحوها، فان التمليك فيها يكون تمليك ما قد يملكه في المستقبل و هو معدوم بالفعل، فاذا صحّت تلك المضاربة علم أنّه لاإشكال في امكان التمليك المذكور، فيشمله العمومات مثل قوله عليه السلام: المؤمنون عند شروطهم، هذا مضافا إلى أنّ تمليك أمر استقبالي شائع عند العقلاء، و هو في الحقيقه يرجع إلى تمليك بالفعل بالنسبة إلى أمر استقبالي على تقدير وجوده، و من المعلوم انه ليس بتمليك المعدوم.

ثمّ إنّ المحكي عن جامع المقاصد انه استشكل في صحة الشركة المشروطة فيها الزيادة من دون مقابلة الزيادة مع العمل أو زيادته بأنّ العقد المذكور أكل مال بالباطل، لأنّ الزيادة ليس في مقابلها عوض، لأنّ الفرض إنها ليست في مقابل عمل و لاوقع اشتراطها في عقد معاوضة لتضم إلى أحد العوضين و لااقتضى تملكها عقد هبة، و الأسباب المثمرة للملك معدودة و ليس هذا أحدها.

و أورد عليه في المستمسك بأنّ اكل مال الغير باذنه أو بتمليكه ليس من الأكل بالباطل ضرورة، كما انه لاتنحصر صحة التملك بالمعاوضة و الهبة، إذ لادليل على ذلك

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 260.

ص: 301

بل هو خلاف عموم صحة الشروط المقتضية للملك المجاني، هذا مضافا إلى أنّ بطلان الشرط لايقتضي بطلان العقد، و عدم التراضي بالعقد الا على تقدير الشرط، ممنوع، فانّ الرضا بالعقد و الشرط كان على نحو تعدد المطلوب.(1)

و مما ذكرنا من صحة العقد و الشرط يظهر انه لاوجه للقولين الآخرين، أي بطلان العقد و الشرط و بطلان الشرط و صحة العقد.

ثمّ انه لو شرط تمام الربح لأحدهما ذهب السيد الفقيه اليزدى في العروة إلى بطلان العقد معلّلاً بأنّه خلاف مقتضاه، بخلاف ما لو شرط كون تمام الخسارة على أحدهما حيث ذهب فيه إلى أنّ الظاهر هو الصحة معلّلاً بأنّه غير مناف للعقد.

و أورد عليه أولاً كما في المستمسك بانه لم يتضح وجه الفرق بين تمام الربح و بعضه في كون شرط الأوّل مخالف لمقتضى العقد دون الثّاني(2) و ذلك لأنّ الشرط المذكور مخالف لاطلاق العقد، كما ان شرط بعض النفع أيضاً كذلك و دعوى انّ مفهوم الشركة أجنبي عن الربح و الخسران فلاينافي شرط تمام الربح أو تمام الخسارة مع عقد الشركة، بل ينافي الكتاب و السنة، فإنّ كون خسارة مال أحد و تلفه على غيره من غير ما يوجب الضمان من تلف أو إتلاف يحتاج إلى الدليل و هو مفقود.(3)

مندفعة بما مرّ من أنّ الشرط المذكور ينافي أيضاً اطلاق الكتاب و السنة و معه لاوجه للبطلان، و مما ذكر يظهر وجه صحة اشتراط كون تمام الخسارة على احدهما أيضاً.

اللّهمّ إلاّ ان يقال: إنّ شرط تمام الربح للآخر أو تمام الخسران على طرف آخر ينافي

**********

(1) المستمسك/ ج 13، ص 262.

(2) المستمسك / ج 13، ص 265-266.

(3) مباني العروة / ج 3، ص 263.

ص: 302

السنة بل ينافي عقد الشركة، إذ لاخاصية حينئذ لعقد الشركة، نعم لو شرط تمليك سهمه من الربح أو تحمل خسارة الآخر من ماله فلاإشكال، لعدم منافاته مع السنة أو عقد الشركة.

ولكن يمكن أن يقال: إنّ المنافاة لاتكون إلاّ مع الاطلاق و قد عرفت انه لامانع منه، و أمّا عدم الخاصية ففيه منع، لإمكان أن يكون هنا غرض عقلائي لذلك، مثل أن يشتغل العامل بشغل التجارة أو يكون رأس المال مورد التصرف و التبديل حتى لايتعلق به الزكاة، هذا مضافا إلى ما مرّ من صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام في رجلين اشتركا في مال فربحا فيه و كان من المال دين و عليهما دين فقال أحدهما لصاحبه: أعطني رأس المال و لك الربح و عليك التوى فقال: لابأس إذا اشترطا فاذا كان شرطاً يخالف كتاب الله عزوجل فهو ردّ إلى كتاب الله عزوجلّ (1) فإنّ فيه جمع بين تمام الربح و تمام الخسارة.

و يدّل عليه أيضاً صحيحة رفاعة قال سألت اباالحسن موسى عليه السلام عن رجل شارك رجلا في جارية و قال: إن ربحنا فيها فلك نصف الربح، و إن كانت وضيعة فليس عليك شيء فقال: لاأرى بهذا بأساً(2) فظهور قوله: لاأرى بهذا بأساً في أنّ عقد الشركة المذكورة لابأس بها.

و دعوى أنّ إرادة ذلك ينافي مع قوله عليه السلام: إذا طابت نفس صاحب الجارية، فإنّه يكون لغواً، لأنّ المفروض أنّه هو الّذي طلب من الآخر ذلك، بل المشاراليه بأداة الاشارة انما هو نتيجة الشرط أعني احتساب تمام الوضيعة على نفسه و عدم تحميل صاحبه شيئا،

**********

(1) الوسائل / الباب 4 من ابواب احكام الصلح، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 1 من أبواب أحكام الشركة، ح 8.

ص: 303

و من هنا تكون الرواية دالّة على فساد الشرط، إذ لولاه لكان مجبورا على ذلك سواء طابت نفسه به ام لا.(1)

مندفعة بأنّ ما ذكر بعيد جدا، و المراد من الشرط المذكور هو اشتراط الرضاية عند حدوث الشرط و الاحتراز عن صورة الاكراه و نحوه فلاتغفل.

فتحصّل أنّ شرط زيادة النفع أو تمامها أو شرط قلة الخسارة أو تمامها يجوز من الشركاء بعضهم لبعض، و عليه فما يرى من تضمين الخسارة من البنوك أو تضمين النفع لاإشكال فيه، سواء كانت البنوك من الشركاء أو كانت وكلاء عنهم، بل يجوز تضمين النفع أو الخسارة بواسطة ثالث شخصياً كان أو حقوقيا كالمؤسسات التأمينية كما لايخفى.

ثمّ إنّه ربما يقال: إنّ العمل بالشرط المذكور غير لازم، لانّه في عقد جائز.

و اجيب عنه أولاً بانه مشترك الورود، إذ لازمه عدم وجوب الوفاء به في صورة العمل أو زيادته.

و ثانيا بأنّ غاية الامر جواز فسخ العقد فيسقط وجوب الوفاء بالشرط، و المفروض في صورة عدم الفسخ، فما لم يفسخ يجب الوفاء به، و ليس معنى الفسخ حلّ العقد من الأوّل بل من حينه فيجب الوفاء بمقتضاه مع الشرط إلى ذلك الحين.(2)

و ثالثاً بما في المستمسك من أن عقد الشركة تارة يراد به عقد التشريك في الملك و اخرى عقد التشريك في العمل و الإذن في التصرف لهما، و هو بهذا المعنى كان من العقود الجائزة، و حينئذ فالشرط المذكور إن كان شرطاً في الشركة بالمعنى الأوّل فهو شرط في عقد لازم، و لاينافي لزومه بطلان الشركة بالقسمة كما لاينافي لزوم البيع بطلانه بالاقالة.

**********

(1) المباني / ج 3، ص 260-261.

(2) راجع العروة كتاب الشركة مسألة 5.

ص: 304

و إن كان شرطاً في الشركة بالمعنى الثّاني كان شرطاً في عقد جائز لالازم، لكن عرفت سابقا الإشكال في كون الشركة بهذا المعنى من العقود، لأنّ الاذن في التصرف منهما كالاذن من احدهما من قبيل الايقاع الّذي لايصح فيه الشرط، نعم يصح الشرط في الاذن على معنى كونه عوض الاذن، فيكون الشرط مقّوما للعقد لاشرطا في العقد بأن يقول الشريك لشريكه: انت ماذون في العمل وحدك في المال المشترك على أن يكون لي ثلاثة أرباع الربح، فيقبل الشريك ذلك لما يترتب على ذلك من الأغراض العقلائية، ولكن الشرط بهذا المعنى ليس بالمعنى المصطلح في معنى الشرط في العقد بأن يكون إنشاء في ضمن إنشاء بل يكون قيداً مقوّما للعقد و لامجال للتمسك فيه بقوله عليه السلام المؤمنون عند شروطهم بل يتمسك فيه بمثال أوفوا بالعقود.(1)

و لايخفى ما فيه، فإنّ الاذن في المقام ناش عن الشركة العقدية و هي في قوة الوكالة و يكون من العقود و ليست بايقاع فتامل.

183

المسألة الخامسة: في كون الشركة من العقود الجائزة

قال السيد المحقّق اليزدي: عقد الشركة من العقود الجائزة فيجوز لكل من الشريكين فسخه، لابمعنى أن يكون الفسخ موجبا للانفساخ من الأوّل أو من حينه بحيث تبطل الشركة، إذ هي باقية ما لم تحصل القسمة، بل بمعنى جواز رجوع كل منهما عن الاذن في التصرف الّذي بمنزلة عزل الوكيل عن الوكالة أو بمعنى مطالبة القسمة، و إذا رجع أحدهما عن إذنه دون الآخر في ما لو كان كل منهما مأذونا لم يجز التصرف للاخر و يبقى الجواز بالنسبة إلى الأوّل....(2)

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 262-263.

(2) العروة الوثقى / مسألة 8 من كتاب عقد الشركة.

ص: 305

و استدل لجواز عقد الشركة بالاجماع كما عن الغنية و التذكرة و بالسيرة القطعية العقلائية و المتشرعية المتصلة بعهد المعصوم عليه السلام و كيف كان فقد قال في الجواهر: و لكل من الشركاء الرجوع في الاذن الّذي هو كالتوكيل و المطالبة بالقسمة، لأنها غيرلازمة على وجه يجب الاستدامة عليها، إذ «الناس مسلطون على اموالهم» بأنواع التسلط الّذي منه افرازه عن غيره.

إلى أن قال: صراحة كلامهم في ان ذلك كله من احكام الاذن التّي هى ليست من العقود نحو الاذن في دخول الدار و أكل الطعام، بل لو جعلت عقدا فليست الاّ وكالة لاشركة، نعم بناء على ما ذكرنا من العقدية يراد بجوازها عدم وجوب الاستدامة عليها و إبطال كونها شركة بالقسمة كما هو واضح.

هذا ولكن ينبغي ان يعلم انه بناء على ثبوت عقد الشركة للاذن في التصرف يتجه انفساخه بقول احدهما: فسخت الشركة، لأنّه عقد جائز فيرتفع العقد حينئذ من اصله بذلك، بخلاف ما لو قال أحدهما للآخر: اعزلتك، فانها لاتنفسخ بذلك و إن انعزل المعزول بذلك، إلاّ أنّ العازل يبقى على الاذن له في التصرف، لاشتمال الشركة على ما هو كالوكالتين و وقوع العزل عن أحدهما لايقتضي العزل من الآخر.

و لعله إلى ذلك أشار في التذكرة بالفرق بين قول أحدهما: فسخت العقد و قوله: عزلتك، فما وقع عن بعضعهم من التأمل زاعماً عدم الفرق بينهما في غير محلّه، و ذلك لوضوح الفرق باعتبار اقتضاء الفسخ رفع العقد من أصله، بخلاف العزل و نحوه الّذي هو كالمانع من اقتضاء العقد اثره، و كذا لو وقع المنع عن التصرف لم يحتج إلى عقد جديد للشركة بخلاف ما لو فسخه، فتأمل جيدا و الله العالم.(1)

**********

(1) الجواهر / ج 26، ص 306-307.

ص: 306

و لايخفى عليك ان الشركة إما تكون غير عقدية كما إذا اختلطت الاموال أو ورثوا شيئا، فجواز التصرف حينئذ محتاج إلى الاذن، فإن أذن كل واحد من الشركاء لكل واحد منهم بانشاء الاذن من دون عقد فيجوز التصرف لكل واحد منهم، و يجوز الرجوع عن هذا الإذن لكل واحد منهم، و إذا رجع أحدهم عن إذنه لايجوز لغيره التصرف، و إذا رجع كل واحد منهم لايجوز التصرف لكل واحد من الشركاء كما لايخفى. و أمّا أصل الشركة الحاصلة بالاختلاط أو الارث فهي باقية على حالها حتى تفرز بالقسمة.

و إما تكون الشركة عقدية كما إذا حصلت بقولهم: اشتركنا في أموالنا و قبلنا فهذه الشركة شركة تمليكية و الفسخ فيها بمعنى رفع هذه الشركة من حين الفسخ، و لايصح تفسيره بجواز الرجوع عن الاذن في التجارة، بل معناه هو فسخ الشركة الاشاعية الحاصلة في أموالهم بمثل: اشتركنا و قبلنا، فإن كانت أموالهم غير ممزوجة صارت بالفسخ مفروزة كما كانت قبل الشركة. و ان كانت أموالهم ممزوجة في الخارج فبالفسخ ترتفع الشركة العقدية و تبقى الشركة المزجية و لاترتفع المزجية إلاّ بالقسمة.

نعم لو اريد من إنشاء الشركة العقدية إفادة خصوص الإذن في التجارة بعد وجود الشركة المالية بسبب من الأسباب القهرية أو الاختيارية كان معنى الفسخ حينئذ هو الرجوع عن الاذن، ولكن تبطل الشركة العقدية المفيدة للاذن بمثل: فسخنا أو بقول احدهم: فسخنا بخلاف ما إذا قال احدهم: عزلت كما حكي عن العلامّة قدس سره، لما عرفت من أن عزل طرف لايستلزم رفع اليد عن عقد الشركة المفيدة للاذن، لأنّه في قوة الوكالتين.

و أمّا ما في المستمسك من أنّ الاذن إيقاع و ليس بعقد حتى يتصور فيه الفسخ.

ففيه أنّه خلاف المفروض من حصول الإذن من قولهم: اشتركنا و قبلنا، فإنّه عقد و إن

ص: 307

كان مساويا مع الاذن المجرّد الّذي يكون من الايقاعات في إفادة جواز التصرف.

و عليه فلاوجه لبقاء الاذن مع رجوع أحدهم، لأن الرجوع المذكور فسخ للشركة العقدية المفيدة لمجرّد الاذن كما اوضح ذلك في الجواهر بناء على ثبوت عقد الشركة من الإذن في التصرف بالعبارة المذكورة.

و مما ذكرنا يظهر ما في اطلاق كلام السيد الفقيه اليزدي حيث ذهب إلى بقاء الاذن لمن رجع عن إذنه لغيره، مع انك عرفت عدم بقائه إن كان الرجوع فسخا للشركة العقدية المفيدة للجواز فتدبّر جيّدا.

184

المسألة السادسة: في حكم ذكر الاجل في عقد الشركة

انه لو ذكر في عقد الشركة أجلاً ذهب السيد الفقيه اليزدي قدس سره إلى انه لايلزم، فيجوز لكل منهما الرجوع قبل انقضائه، إلا أن يكون مشروطا في ضمن عقد لازم فيكون لازما، قال في المستمسك: الظاهر انه لاإشكال في الحكم المذكور عندهم، و علّلوه بأنّ الشركة من العقود الجائزة فلاتلزم بالشرط، و الاشكال فيه ظاهر، إذ لم يثبت أن الشركة التجارية من العقود فضلا عن أن تكون جائزة، و لو سلّم فلامانع من صحة شرط اللزوم و عدم الفسخ إلى أجله في العقود الجائزة كما تقدم من المصنف في أوائل المضاربة، اللّهمّ إلاّ ان يكون جوازها اقتضائيا فيكون الشرط مخالفا للكتاب، لكن بناء على هذا لايصح و إن كان في عقد لازم.

إلى أن قال: فالتحقيق أنّ الوجه فيه أنّ الشركة التجارية ليست الاّ إيقاع الاذن من الشركاء، و الاذن لايقبل اللزوم ضرورة، فيجوز للآذن العدول عن إذنه ما لم يكن سبب ملزم.(1)

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 271-272.

ص: 308

و لايخفى ما فيه، فإنّ التعبير بالايقاع في الشركة التجارية - مع إنها تتقوم بالطرفين - ليس في محله، فلاوجه لعدّها من الايقاعات، و لعلّ سبب هذا التوهم هو أنّ الشركة المذكورة تفيد فائدة الاذن ولكنه كما ترى.

قال في مباني العروة - في وجه عدم لزوم عقد الشركة بذكر الأجل - إنّ الشركة من العقود الاذنية و لاملزم للشريك للبقاء على إذنه، بل له رفع اليد عنه متى شاء كما هو الحال في الوكالة، و تعيين الأجل في العقد الاذني يرجع إلى تعيين الأجل للاذن، و لاريب في عدم لزومه فيجوز الرجوع قبل انقضائه الا ان يكون مشروطا فى عقد لازم فيكون لازما، لكونه حينئذ من توابع العقد و شئونه فيلزم بلزومه، و معه فلااثر لرجوع المالك عن اذنه.(1)

و لايذهب عليك أيضاً أنّ ارجاع شرط الأجل إلى تعيين الأجل للاذن خلاف الظاهر، لأنّ المستفاد من الشرط المذكور هو شرط عدم إعمال الرجوع مع أنّ العقد من العقود الاذنية، فحينئذ ان قلنا بأنّ الشركة التجارية الدالّة على الاذن من العقود فمقتضى القاعدة هو ان الشرط المذكور في ضمنها أو في ضمن عقد خارجي يوجب عدم جواز إعمال الرجوع.

و دعوى انه شرط مخالف للكتاب و السنة، لكون الجواز في العقود الاذنية اقتضائي.

مندفعة بأنّه لادليل على كون الجواز اقتضائيا، و لو شك فيه فالاصل هو العدم، هذا مضافا إلى أنّه لو كان كذلك لزم ان لايجوز شرط خلافه في عقد خارج لازم آخر أيضاً فتدبّر جيّدا.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 268.

ص: 309

185

المسألة السابعة: في اشتراط كون العمل من احدهما او منهما مع الاستقلال او مع الانضمام

إذا اشترطا في ضمن العقد كون العمل من أحدهما أو منهما مع استقلال كل منهما أو مع انضمامهما فهو المتبع و لايجوز التعدى.

و ان لم يشترطا ذلك في ضمن الشركة التمليكية العقدية لم يجز لواحد منهما التصرف إلاّ باذن الآخر، و مع الاذن بعد العقد أو الاشتراط فيه فان كان مقيّدا بنوع خاص من التجارة لم يجز التعدى عنه، و كذا مع تعيين كيفية خاصة، لاختصاص الاذن بالنوع الخاص أو الكيفية الخاصة.

و إن كان الاذن مطلقا فاللازم هو الاقتصار على المتعارف من حيث النوع أو الكيفية و ذلك للانصراف اليه عند عدم التعيين.

و إن تعدّى عمّا عيّن له أو عن المتعارف فقد ذهب السيد الفقيه اليزدي قدس سره في المسألة السادسة إلى انه ضمن الخسارة و التلف ولكن يبقى الاذن بعد التعدّي ايضاً، إذ لاينافي الضمان بقائه.

و أورد عليه في مباني العروة بأنّ مع التلف لاينبغي الاشكال في ضمانه، فإنّه و بتصرّفة تصرفاً غير مأذون فيه يكون متعدياً و متلفاً لمال الغير، فيضمنه لامحالة و معه لامجال لبقاء الاذن على حاله، لارتفاعه بارتفاع موضوعه، أعني تلف المال.

و أما مع الخسارة فلاوجه لضمانه لها بالمرة، فان العقد الصادر على خلاف ما عيّن له أو المتعارف لمّا لم يكن عقدا ماذونا فيه كان عقدا فضوليا لامحالة، و معه فيتخير المالك الشريك بين إجازته و قبض الثمن المسمّى خاصة، و بين ردّه و المطالبة بماله على تقدير كونه موجوداً، و بدله على تقدير تلفه، و على كلا التقديرين فلايضمن الشريك البايع الخسارة.

ص: 310

نعم ضمان العامل للخسارة في فرض التعدي حكم ثابت في المضاربة على خلاف القاعدة، للنصوص الخاصة حيث دلّت على صحة المعاملة عند مخالفة العامل المضارب لصاحب المال فيما اشترط عليه، مع كون الربح على تقديره بينهما و الخسارة عليه خاصة، إلاّ أنّ التعدي عنها إلى كل مورد يتصرف فيه أحد في مال غيره بغير إذنه يحتاج إلى الدليل و هو مفقود.(1)

و فيه أولا أنّه لاوجه لنفي الضمان للخسارة بالمرّة، لأنّ الخسارات الناشئة من المقدمات كالحمل و النقل و ما أخذه الدلاّل بعهدة الشريك المتعدي لو لم يجز الشريك الآخر المعاملات الفضولية و طالب عين ماله إن كان موجودا أو بدله إن كان تالفا، فلامجال لقوله: و على كلا التقديرين فلايضمن الشريك البايع الخسارة، هذا مضافا إلى أنّ النقص في العين المشتركة يوجب الضمان مع التعدي.

و ثانياً أنّ قدرة شراء المال لو نقصت بالتعدى أمكن القول بضمان الشريك البايع المتعدي بمقدار النقصية المذكورة، لأنّه ضرر.

و ثالثاً أنّ ارتفاع الاذن بالتلف من ناحية ارتفاع الشي بارتفاع موضوعه صحيح فيما إذا تلف جميع مال الشركة، و أمّا مع تلف بعضه فموضوع الاذن بالنسبة إلى غير التألف باق.

و رابعاً أنّ ارتفاع الاذن بالتلف فيما إذا كان الاذن و الشركة متقيدين بشخص المال، و أمّا إذا كانا غير متقيدين بذلك بحيث إذا بدّل شخص المال بشي آخر بقي الاذن و الشركة في البدل و هكذا، فلاوجه لدعوى ارتفاع الاذن بالتلف من ناحية ارتفاع الشي بارتفاع موضوعه فلاتغفل.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 263-264.

ص: 311

186

المسألة الثامنة: في حكم ادعاء احد الشريكين على الاخر الخيانة او التفريط

انه لو ادّعى أحدهما على الآخر الخيانة أو التفريط في الحفظ فأنكر الآخر لزم عليه الحلف مع عدم اقامة المدعي البينة و ذلك واضح، فإنّ مقتضى قواعد الدعوى هو ان المدعي يلزم بالبينة و مع عدم اقامته إياها فليس على المنكر الاّ اليمين، هذا كما أفاده في مباني العروة.(1)

ولكن استدل في المستمسك على ذلك بانه أمين و ليس على الامين إلا اليمين، و لعلّ هذه القاعدة موردها هو ما إذا ادّعى الامين شيئا فقوله مقبول و لو باليمين، و المفروض في المقام انه منكر و ليس بمدع وان لزم عليه الحلف، نعم لو كان مورد هذه القاعدة أعم كانت هذه القاعدة مع قاعدة البينة على المدعي و اليمين على من أنكر متوافقين.

187

المسألة التاسعة: في دعوى العامل التلف

إذا ادعى العامل التلف قُبل قوله مع اليمين، لأنّه أمين كما هو المشهور، و هذا تخصيص لعموم البينة على المدعي و اليمين على من أنكر.

و ادعي عليه الإجماع المنقول و المحصل بل المحكي عن أبي علي و أبي الصلاح انه لايمين عليه إلا مع التهمة، للمرسل: لايمين عليه إذا كان ثقة غير مرتاب، بل عن الصدوق و الشيخ في النهاية و ابن حمزة انه لايمين عليه مطلقا، و ذهب في الجواهر إلى لزوم اليمين مطلقا، لقاعدة انحصار ثبوت الدعوى بالبينة و اليمين.(2)

و كيف كان فالظاهر من العبائر أنه لاضمان على الامين سواء قلنا بلزوم اليمين أم لم نقل، و سواء كان متهما أم لم يكن.

**********

(1) ج 3، ص 268.

(2) الجواهر / ج 27، ص 147-148.

ص: 312

ولكن قال السيد المحقّق الخوئي قدس سره: إنّ مقتضى النصوص الواردة في دعوى الامين التلف هوالتفصيل بين كونه متهما و عدمه، ففي الاولى يلزم بالبدل ما لم يقم البينة على العدم في حين يقبل قوله في الثّاني مع يمينه ما لم يقم المدعي البينة.(1)

و يمكن أن يقال: ان النصوص المشار اليها مختصة بباب الاجارة و لاتشمل سائر الموارد منها الشركة، و امّا قوله عليه السلام في صحيحة أبي بصير «و على نحو من العامل إن كان مأمونا فليس عليه شيء و ان كان غير مأمون فهو ضامن»(2) فهو مسبوق بالسئوال عن رجل استأجر جمالاً فيكسر الّذي يحمل أو يهريقه، فشموله لغير مورد الاجارة محل تأمل.

هذا مضافا إلى أنّ الأصحاب لم يفتوا بضمان الامين و لو كان متهماً، و يؤيد ذلك بعض المرسلات:

منها: ما عن المقنع عن الصادق عليه السلام عن المودع إذا كان غيرثقة هل يقبل قوله ؟ قال: نعم و لايمين عليه.

و منها: ما روي عن أبي جعفر عليه السلام: لم يخنك الأمين ولكن ائتمنتَ الخائن، بناء على أنّ المراد من هذا و شبهه الحكم شرعاً بعدم خيانة كل أمين لك، و انه متى ائتمنت كان غير خائن لك شرعاً.

و منها: ما روي عن الصادق عليه السلام: ليس لك أن تأتمن من خانك و لاتتهّم من ائتمنت، و غير ذلك من الاخبار الدالّة على قبول قول الأمين، و من المعلوم أنّ مع قبول قوله لاضمان و الاّ فهو مناف لقبول قوله كما لايخفى.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 269.

(2) الوسائل / الباب 29 من أبواب احكام الاجارة، ح 11.

ص: 313

188

المسألة العاشرة: في بطلان الشركة بالموت

تبطل الشركة بالموت، لانتقال المال إلى الوارث فلايجوز التصرف بغير اذنه، و كذا الحال فيما لو كان عقد الشركة مع ولي شريكه فإنّ موته يمنعه من جواز التصرف في المال المشترك ما لم يأذن الولي الجديد في ذلك، فإنّ إذن الولي الأول يسقط بانتهاء دور ولايته.

و هكذا تبطل الشركة بعروض الفلس، فانّ مع حجر الحاكم صارت الاموال تحت سلطان الحاكم الشرعي، فلايجوز التصرف فيها بغير إذنه.

و لايخفى عليك أنّ المراد من عدم جواز التصرف بدون اذن الوراث أو الولي و نحوهما كالوصي هو عدم جواز التصرف المعاملي، إذ بدون إذنهم يكون المعاملات فضوليا. نعم يمكن دعوى حلّية التبدلات مع إحراز رضاية الوارث أو الاولياء، لأنّ التصرف في الأعيان مع إحراز الرضاية جايز، ولكن يبقى المعاملات فضولياً حتى يستأذن منهم و يأذنوا، لعدم كفاية الرضاية في صحة المعاملات كما لايخفى.

ثمّ انّ السيد الفقيه اليزدى قدس سره ألحق الجنون و الإغماء و السفة بالموت في بطلان الشركة، ولكن أورد عليه في المستمسك بأنّ ذلك غير ظاهر لو لاظهور الإجماع، و كما أنّ الاذن لايبطل بالنوم لايبطل عرفاً بالإغماء و الجنون و السفه، و إذا شك فالاستصحاب كاف في ترتيب الاحكام.(1)

و أجاب عنه في مباني العروة بأنّ حكم المجنون حكم الحيوانات من حيث فقدانه للأهلية، و حيث إنّ جواز التصرف متوقف على الإذن بقاءً و هو منتف في المقام - نظراً لانعدام أهليته - فلامحيص عن الالتزام ببطلان الشركة و عدم جواز تصرف الآخر في

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 272.

ص: 314

المال المشترك... إلى أن قال في الاغماء: انه ملحق بالمجنون، فإنّه لايقاس بالنائم على ما هو المتسالم عليه بينهم، فإنّ إلاذن السابق لاأثر له و اللاحق ساقط الاعتبار لانتفاء اهلية المجيز... إلى أن قال في السفه: يظهر وجهه مما تقدم، فانّ جواز الاذن متوقف على صلاحية الآذن و أهليته للقيام بذلك التصرف مباشرة، و حيث انه مفقود في المقام فلااعتبار باذنه.

و بعبارة اخرى: انّ العقود الجائزة متقومة بالاذن حدوثاً و بقاءً ، فتنتفي بمجرد انتفائه، و حيث انّ المحجور عليه (بالسفه) ليس له التصرف في ماله فليس له حق الاذن في ذلك فعلاً بقاءً أيضاً، و معه فلايجوز للمأذون سابقاً التصرف فيه، لانتفاء الاذن الفعلي و عدم تأثير الاذن السابق.(1)

و لقد أفاد و أجاد في المجنون و السفه، لوضوح فقدان أهليتهما بمجرد عروض الجنون و السفاهة، و أمّا الاغماء فما ذكره في المستمسك فيه قوي، لأنّ الأهلية فيه كالنائم باقية و لو في حال الإغماء، كبقاء أهلية النائم في حال النوم، بخلاف المجنون و السفيه، و مع الشك بستصحب بقاء الأهلية في المغمى عليه.

189

المسألة الحادية عشرة: في الفرق بين الشركة المفيدة للاذن و الشركة الحاصلة بالمزج في البطلان و عدمه بعروض احد الامور المذكورة على بعض الشركاء

إذا بطلت الشركة المفيدة للإذن بعروض أحد الأمور المذكورة على بعض الشركاء لاتبطل الشركة الخارجية الحاصلة بالمزج أو الارث أو غيرهما فانها باقية على حالها، نعم ما قرّراه في ضمن عقد الشركة من زيادة أحدهما في النماء بالنسبة إلى ماله أو نقصان الخسارة فهو باطل، لأنّه من توابع الاذن السابق و المفروض هو انتفاء الاذن السابق بعروض فقدان الامور المذكوره.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 269-270.

ص: 315

190

المسألة الثانية عشرة: في بطلان الشركة المفيدة للاذن من ناحية فقدان شروط العاقد

إذا تبين بطلان الشركة المفيدة للإذن في التصرف من ناحية فقدان شروط العاقد من العقل و البلوغ و عدم المحجورية من ناحية الفلس و عدم السفاهة فالمعاملات الواقعة في تلك الحال محكومة بالبطلان، سواء كانت واقعة قبل تبيّن البطلان أو بعده لفقدان شرائط الصحة، اذ لاعبرة بإذن المجنون أو الصغير أو المحجور عليه، فالعقد من هولاء الاشخاص كالعدم، لفقدان الإذن فيه.

و أمّا إذا تبيّن البطلان من ناحية فقدان شرائط عقد الشركة أمكن القول بصحة المعاملات الواقعة، فانّ صحة تلك المعاملات لاتتوقف على صحة عقد الشركة بل متوقفة على تحقّق الاذن، و المفروض أنّ الإذن موجود فيما إذا لم يكن الإذن متقيدا بصحة عقد الشركة، بل مقتضى ما ذكر صحة المعاملات و لو بعد تبيّن البطلان، لأنّ المعيار في الصحة هو صدورها مع إذن المالك، و المفروض أنّ الإذن موجود قبل تبيّن البطلان و بعده، بناء على انه لامنافاة بين العلم بالفساد و بقاء الاذن، لأنّ الفساد المعلوم هو فساد عقد الشركة لافساد المعاملات، و يجتمع الاذن بالمعاملة مع العلم بفساد عقد الشركة.

191

المسألة الثالثة عشرة: في استحقاق العامل للاجرة في الشركة و عدمه

هل يستحق العامل اجرة في الشركة او لايستحق ؟ الظاهر هوالأوّل مع عدم قيام قرينة على أنّ العمل على سبيل المجّان و التبرع إذا اتى بالعمل مع اذن الآخر و امره به، فانّ العمل محترم و صدر عن أمره لاعلى سبيل المجّان و التبرّع.

و دعوى انّ بناء العقلاء على المجّان و التبرّع في الشركة مندفعة بعدم ثبوت ذلك بل لعل الامر على الخلاف.

ثمّ لو جعل الزيادة في الربح للعامل لم يكن ذلك بنفسه قرينة على أنّ العمل مجّان و

ص: 316

تبرّع، نعم لو قامت قرنية على ذلك فهو، و كيف كان فإن ذكر المسمّى للاجرة فهو مورد الاستحقاق و الا فاجرة المثل.

هذا كله بالنسبة إلى الشركة الصحيحة، و أمّا الشركة الباطلة فالعامل يستحق اجرة المثل إذا كان سبب البطلان فقدان شروط الشركة لاشروط العاقد، فانّ العمل مسبوق بالاذن في صورة فقد ان شروط الشركة، و المفروض انه لم يأت بالعمل على سبيل المجّان، سواء علم بفقدان الشرائط أو لم يعلم، اذ مع العلم بنقصان الشرائط لم يقصد المجانية أيضاً.

و حيث انّ الاذن مع بطلان الشركة موجود فالعامل يستحق اجرة المثل و لو كانت زائدة على المقدار الّذي جعل للعامل في عقد الشركة زائدا على سهمه من الربح، فانّ المجعول المذكور لايكون قرينة على ارادة المجان، نعم حيث كان العقد فاسداً لم يستحق الزيادة المجعولة، بخلاف اجرة المثل فان مع عدم قصدا لمجّان يستحقها و لو كانت زائدة على الزيادة المجعولة.

و أمّا ما في مباني العروة من أنّ في فرض اشتراط الزيادة فهو انما يستحق اجرة المثل فيما إذا لم تزد الزيادة التّي كانت له على تقدير الصحة و الاّ فلايستحق الزائد عنها، لإقدامه على عدم استحقاقه و التبرع بهذا المقدار، فهو في الحقيقه انما يستحق أقل الامرين من الزيادة و اجرة المثل.(1)

فهو منظور فيه لما عرفت من أنّ الجعل المذكور لايلزم التبرع بالنسبة إلى العمل، هذا مضافا إلى أنّه لو سلّمنا ذلك فهو متقيد بتوهّم الصحة و مع البطلان فهو مستحق لاجرة المثل، و لذا أفتى الاصحاب باستحقاق اجرة المثل عند ظهور بطلان الاجارة في سائر المقامات و لم يلتزم أحد بأقل الامرين من المسمى و اجرة المثل فتدبّر جيدّا.

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 274.

ص: 317

192

المسألة الرابعة عشرة: في حكم اختلاف الشريكين في اشتراء شىء كما اذا ادعى انه اشتراه لنفسه و ادعى الاخر انه اشتراه بالشركة

إذا اشترى احد الشريكين متاعا و ادّعى أنّه اشتراه لنفسه و ادّعى الآخر انه اشتراه بالشركة قال السيد الفقيه اليزدى قدس سره: فمع عدم البينة القول قول المشتري مع اليمين، لأنّه أعرف بنيته.

و وجّهه في المستمسك بقوله: يشير هذا التعليل إلى القاعدة المشهورة في كلام الأصحاب من قبول قول من لايعرف المقول إلاّ من قبله و يظهر إنها من القواعد المعوّل عليها عند العقلاء، و لولاها يلزم تعطيل أحكام القول، اذ لاطريق إلى اثبات موضوعها، و يقتضيها قاعدة من ملك شيئا ملك الاقرار به المدّعى عليها الاجماع في كلام الاصحاب.(1)

و ربما يقال: انّ وجه تقديم قول المشتري هو كونه منكراً و الشريك الآخر مدعياً لأنّ قول المشتري موافق للاصل و هو ظاهر العقد و اطلاقه، بخلاف قول الشريك فإنّه تقييد زائد و يحتاج إلى مؤونة زائدة.

و لعل اليه يؤول ما في مباني العروة حيث قال في وجه تقديم قول العاقد المشتري ذيل قول السيد الفقيه اليزدي: القول قوله مع اليمين لأنّه أعرف بنيته، بل لظهور اطلاق البيع و العقد و بطبعه الاولي في كونه للعاقد نفسه، و كونه للغير تقييد يحتاج إلى مؤونة زائدة، و من هنا فعلى مدّعيه الاثبات و إلا فالأصل عدمه.(2)

ولكنه محل تأمل، لأن العقد السببي لو استمعه الشريك و غيره لأمكن الاستدلال بظاهر اطلاقه على أن يكون العقد لنفسه، و أمّا إذا فرض انه لم يستمعه أحد و إنما ادعى

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 275.

(2) مباني العروة / ج 3، ص 274.

ص: 318

العاقد بنفسه أنّه أوقعه كذا فلامجال للاستدلال بظاهر اطلاقه، فإنّه فرع استماعه و المفروض عدمه، فالأولى هو الاستدلال بما استدل به السيد الفقيه اليزدي من ان الفاعل أعرف بنيته و هو الّذي عليه بناء العقلاء، و حكمة اعتبار قوله هو الانسداد، إذ لو لم يعتبر قوله لزم تعطيل أحكام القول، اذ لاطريق إلى اثبات موضوعها كما أفاد في المستمسك.

193

المسألة الخامسة عشرة: في عكس المسألة السابقة

إذا اشترى أحدهما متاعا و ادعى أنه اشتراه بالشركة و قال الآخر انه اشتراه لنفسه قال السيد الفقيه اليزدي قدس سره: فمع عدم البينة القول قوله مع اليمين، لانّه أعرف و لانّه أمين. و لاإشكال في الاستدلال الأوّل و هو قوله: لأنّه اعرف، ولكن أورد عليه في المستمسك من جهة استدلاله الثّاني حيث قال: لايظهر دليل على كلية سماع قول الأمين إلاّ في حال الإخبار عن وقوع الفعل المؤتمن عليه، كما إذا اخبرت الجارية بغسل الثوب الّذي كلّفت بغسله، ثمّ قال: فكان الأولى للمصنف رحمه الله أن يقول: لأنّه أمين على أداء الفعل الّذي أخبر عن وقوعه(1) و عليه أن يعلل بأنّه أخبر عن وقوع الفعل المؤتمن عليه، ولكن لايخفى عليك أن المقام من موارد سماع قول الأمين، لأنّه إخبار عما و كّل فيه بحمل الشايع الصناعي، فإنّه أخبر عن فعل نفسه، و في كون الفعل لنفسه لاوجه للتعليل بأنّه امين، بخلاف المقام فإنّه إخبار عمّا و كّل فيه من الفعل المؤتمن عليه و التعليل بأنّه أمين مناسب له أيضاً، و لذا أضاف السيد الفقيه اليزدى رحمه الله هنا قوله: و لأنّه أمين بخلاف المسألة المتقدمة.

قال في مباني العروة في وجه المسألة: بل للسيرة العقلائية و المتشرعية القطعية على قبول قول الوكيل فيما هو وكيل فيه و دخوله تحت قاعدة «من ملك شيئا ملك الإقرار به»

**********

(1) المستمسك / ج 13، ص 275.

ص: 319

التّي ارسلت في كلماتهم ارسال المسلمات. نعم لو ادعى الشريك كذبه في ذلك كان له إحلافه على ما تقتضيه قواعد الدعوى.(1)

و لايخفى ما في الإضراب بعد إفادة عبارة السيد ذلك أيضاً بقوله: و لأنّه أمين، إذ المراد منه أنّ المشتري أمين و ادّعى وقوع الفعل المؤتمن عليه، فقوله مقبول عند العقلاء، اللّهمّ إلاّ أن يكون النظر من الإضراب أنّه لايلزم الحلف إلا عند ادعاء الشريك كذبه في ذلك، و الاّ فالبناء ثابت على قبول قول الأمين فيما و كّل فيه من دون حاجة إلى الحلف فتدبّر جيّدا.

194

الحوالة و أحكامها و شروطها

اشارة

195

تعريف الحوالة

الحوالة عقد مشروع بالنص و إجماع الامة بل عليها بناء العقلاء. قال السيد الفقيه اليزدي في العروة: و هي عندهم تحويل المال من ذمة إلى ذمة، و الأولى أن يقال: إنها إحالة المديون داينه إلى غيره، أو احالة المديون دينه من ذمته إلى ذمة غيره، و على هذا فلاينتقض فيه طرده بالضمان، فإنّه و إن كان تحويلا من الضامن للدين من ذمة المضمون عنه إلى ذمته الا انه ليس فيه الإحالة المذكورة، خصوصا إذا لم يكن بسئوال من المضمون عنه.

و لقد أفاد و أجاد قدس سره، اذ الفرق بين الضمان و الحوالة واضح، فانّ المعاملة في الأوّل - أي الضمان - بين الدائن و الاجنبي، فاذا لم تكن المعاملة بين الدائن و المدين فلاإحالة من ناحية المدين أيضاً، نعم يستلزم المعاملة المذكورة نقل ما في ذمة المدين

**********

(1) مباني العروة / ج 3، ص 274-275.

ص: 320

إلى ذمة الأجنبي، و المعاملة في الثّاني بين الدائن و المدين بالإحالة، و يستلزم الاحالة نقل ما في ذمة المدين إلى ذمة غيره لو كان بريئاً، أو يستلزم قبول ذمة الغير مكان ذمة المدين لو كان مشغولاً ذمته به، و عليه فالاحالة ليست الا في الثاني و هو الحوالة. و كيف كان فالمحكي عن الشرائع في تعريف الحوالة: إنها عقد شرّع لتحويل المال من ذمته إلى ذمة مشغولة بمثله.

196

التحويل أعم من الحوالة

اشارة

و أورد عليه أولاً بما عرفت من أن التحويل أعم من الحوالة. و ثانياً بأنّ اللازم من التعريف المذكور هو خروج الحوالة على البريء بناء على صحتها، فاللازم هو إلغاء قيد شغل الذمة. ثمّ انّ ظاهر قول السيد الفقيه اليزدي: و هي عندهم... انّ التعريف المذكور تعريف المشهور، مع انه ليس كذلك بل هو كما أفاد في المستمسك تعريف العلامّة فتدبّر.

197

شروط الحوالة

و هى البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد و غيرها

و هى إما البلوغ و العقل و الاختيار، و الظاهر من عبارة السيد الفقيه اليزدي هو اعتبارها في المحيل و المحال و المحال عليه.

و أورد عليه السيد المحقّق الخوئي قدس سره بأنّ هذه الشروط انما تعتبر فيمن يكون طرفاً للعقد خاصة و لاتعتبر في الاجنبي عنه، و عقد الحواله قائم بين المحيل و المحال اى الدائن و المدين فقط و أمّا المحال عليه في فرض إشتغال ذمته أجنبي عنها بالمرة، فلاوجه لاعتبار هذه الشروط فيه، فإنّه لامانع من الحوالة على الصغير و المجنون و من لم يرض بها أي المكره - إذ لمن يملك المال في ذممهم أن يملّكه لغيره و ينقله اليه كيف ما يشاء ببيع. أو صلح أو حوالة أو غيرها، و من دون أن يكون لمن عليه الحق أىّ اعتراض في ذلك، فإنّه لايعتبر رضاه به جزماً باعتبار كونه أجنبيا عن المعاملة، و على تقدير إحتمال اعتباره - و إن كان بعيداً جداً - فهو أمر خارجي لامحالة و ليس من الرضا المعاملي في شيء كي يعتبر في صاحبه الشروط المذكورة.

ص: 321

نعم لو كانت الحوالة على البريء وجب توفر الشروط المذكورة في المحال عليه أيضاً لكونها غير ملزمة بالنسبة اليه، إذ المفروض أن المحيل لايستحق عليه شيئا، و من هنا فلابدّ في صحتها من رضى المحال عليه و قبوله لانتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمته.(1)

و لايخفى عليك أنّ التفصيل المذكور صحيح في ما إذا لم تكن قرينة على اشتراط الأداء إلى نفس المدين و إلاّ فلاتصح الحوالة بدون الرضا في من اشتغل ذمته أيضاً فلاتغفل.

و يعتبر أيضاً الرشد و هو واضح بالنسبة إلى المحيل إذا أراد الإحالة على مشغول الذمة به، إذ ليس للسفيه التصرف في أمواله الموجودة بالفعل و منها دينه الثابت في ذمة المحال عليه، و يعتبر أيضاً عدم المحجورية بالفلس بالنسبة إلى المحيل في ما إذا كان المحال عليه مشغول الذمة به، لأن المحجور عليه بالفلس ليس له التصرف في أمواله الموجودة و منها دينه الثابت في ذمة المحال عليه، و أمّا إذا أراد المحيل السفيه أو المفلس الاحالة على البريء فلادليل على اعتبار الرشد و عدم المحجورية با، الفلس، لأنّ التصرف ليس بإشغال ذمتهما بل هو إشغال ذمة الغير و إسقاط ما ثبت في ذمتهما فلايشمله دليل المنع، إذ الممنوع هو التصرف في أموالهما و إشغال ذمتهما بشيء، و المفروض في المقام هو إشغال ذمة الغير و إسقاط ما ثبت في ذمتهما.

فتحصل أنّ اعتبار الرشد و عدم المحجورية بالفلس في المحيل مختص بما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة، و أمّا إذا كانت الحوالة على البريء فلادليل على اعتبارهما، نعم يعتبر حينئذ في المحيل كما عرفت البلوغ و العقل و الاختيار، إذ لااثر لعقد الصغير و المجنون و المكره.

**********

(1) مباني العروة / ص 241-243.

ص: 322

هذا كله في اعتبار الرشد و عدم المحجورية بالفلس بالنسبة إلى المحيل، و يعتبر الرشد و عدم الحجر من جهة الفلس في المحال بلاإشكال، لأنّ قبول الحوالة تصرف و يتوقف صحته على رضاه و يعتبر فيه توفّر الشروط بأجمعها، إذ لاأثر لرضى الصغير و المجنون و المكره و غير الرشيد و المفلس بالنسبة إلى ماله الموجود بالفعل كما أفاد السيد المحقّق الخوئى قدس سره تبعا للسيد الفقيه اليزدى قدس سره.(1)

اللّهمّ إلاّ ان يقال: في المفلس المحيل إذا قلنا بصحة الحواله على البريء أمكن القول بصحتها من المفلس على غير البريء - أي مشغول الذمة - إذ ليس من لوازم التحويل التصرف في ماله، بل من الجائز صحة الحوالة و كون ماله الّذي في ذمة المحال تحت سلطان الغرماء، إذ هو بمنزلة الاقتراض كما ذكر، فكما يجوز اقتراض المفلس من البريء يجوز اقتراضه من المديون، و كما يجوز للمفلس التحويل على البريء يجوز له التحويل على غير البريء و يكون المال في ذمة المحيل للمحال عليه بعد دفعه الحوالة(2) ولكنه خروج عن محل البحث، لأن البحث فيما إذا أراد بالحوالة تبديل ذمته للغير بذمة الغير للمحيل و هو تصرف مالي في ماله الّذي على الغير.

و أمّا اعتبار عدم السفه و عدم الفلس بالنسبة إلى المحال عليه ففيه تفصيل، فان كان المحال عليه مشغول الذمة به فلايعتبر فيه عدم الحجر لامن جهة السفه و لامن جهة الفلس، إذا التصرف في الحوالة ليس من ناحية السفيه أو المفلس بل التصرف من ناحية المحيل، و لااعتبار لرضاية المحال عليه فيه، اللّهمّ الا أن يشترط عند تعلق ذمته بمال بأن يؤدي دينه إلى نفس المحيل.

**********

(1) راجع المباني / ص 244.

(2) المستمسك / ج 11، ص 334-335.

ص: 323

و ان كان المحال عليه بريئاً و كان نفوذ الحوالة منوطاً برضايته اعتبر فيه عدم الحجر من ناحية السفيه، لأنّه تصرف مالي دون عدم الحجر من ناحية الفلس، لأنّ اشتغال ذمته بشيء لايشمله أدّلة حجر المفلس، لاختصاصه بالتصرف في أمواله الفعلية و لو كانت ذمية، و عليه فرضايته بذلك لايستلزم التصرف في الاموال التّي تكون حقاً للغرماء، خصوصا أنّ الدائن الجديد لايشارك الغرماء السابقين في أمواله، لاختصاص أمواله بالغرماء حين الحجر دون غيرهم.

يشترط في الحوالة مضافا الى الشرائط العامة المذكورة امور اخرى

اشارة

198

قال في العروة: يشترط في الحوالة مضافا إلى الشرائط العامة المذكورة اُمور:

الاول: الايجاب و القبول

199

الأوّل الايجاب و القبول على ما هو المشهور بينهم حيث عدّوها من العقود اللازمة، فالايجاب من المحيل و القبول من المحال، و أمّا المحال عليه فليس من أركان العقد و إن اعتبرنا رضاه مطلقا، أو إذا كان بريئاً، فانّ مجرد اشتراط الرضا منه لايدلّ على كونه طرفاً و ركناً للمعاملة.(1)

و يحتمل أن يقال: يعتبر قبوله أيضاً فيكون العقد مركباً من الايجاب و القبولين، و على ما ذكروه يشترط فيها ما يشترط في العقود اللازمة من الموالاة بين الايجاب و القبول و نحوها، فلاتصح مع غيبة المحال أو المحال عليه أو كليهما بأن أوقع الحوالة بالكتابة.

ولكن الّذي يقوى عندي كونها من الإيقاع، غاية الامر اعتبار الرضا من المحال أو منه و من المحال عليه، و مجرّد هذا لايصيّره عقداً، و ذلك لأنها نوع من وفاء الدين و ان كانت توجب انتقال الدين من ذمته إلى ذمة المحال عليه، فهذا النقل و الانتقال نوع من الوفاء و هو لايكون عقدا و ان احتاج إلى الرضا من الآخر، كما في الوفاء بغير الجنس فإنّه يعتبر فيه رضى الداين و مع ذلك ايقاع.

**********

(1) كإجازة الأب و الجد في نكاح الباكرة الرشيدة مع أنهما ليسا من أطراف عقد النكاح.

ص: 324

و من ذلك يظهر أنّ الضمان أيضاً من الايقاع، فإنّه نوع من الوفاء.

و على هذا فلايعتبر فيهما شيء مما يعتبر في العقود اللازمة و يتحققان بالكتابة و نحوها، بل يمكن دعوى أنّ الوكالة أيضاً كذلك، كما ان الجعالة كذلك، و ان كان يعتبر فيها الرضا من الطرف الآخر، ألا ترى انه لافرق بين أن يقول: «أنت مأذون في بيع داري» او قال: «أنت وكيل» مع أن الأوّل من الإيقاع قطعا، انتهى.

و في كلامه مواقع للنظر: منها: ما أفاده في المستمسك من أنّ الفرق بين الايقاع و العقد أنّ الأوّل يكفي في حصوله إعمال سلطنة سلطان واحد، و الثّاني يتوقف حصوله على إعمال سلطنة سلطانين و لايكفى في حصوله إعمال سلطنة واحدة... إلى أن قال: فكل تصرف لايتحقق إلا بإعمال سلطنة شخصين فهو عقد، و كل تصرف يتحقق بإعمال سلطنة شخص واحد فهو إيقاع... إلى أن قال: و على هذا يمتنع أن تكون الحوالة إيقاعاً، لأنها تصرف في مال المحال الّذي هو تحت سلطانه و في ذمة المحال عليه التّي هي تحت سلطانه، فيجب أن تكون بقبولهما معا و لاتكون بايقاع المحيل فقط لتكون ايقاعا.(1)

و لايخفى عليك أنّ ما ذكره في المستمسك من بيان الفرق بين الإيقاع و العقد في الأحكام صحيح في الجملة، لأنّ الايقاع لايتوقف على رضى الغير كالطلاق و العتاق بخلاف العقود فإنها موقوفة على رضى الطرفين، و الحوالة تكون كذلك بالنسبة إلى المحال، نعم لاتتوقف الحوالة على رضى المحال عليه فيما إذا كانت ذمته مشغولة، لأنّ التصرف في ذمته ليس تصرفاً في ما تحت سلطان المحال عليه بل هو تصرف المحيل في ما له و تحت سلطنته، فالاولى هو بيان الفرق الجوهري.

و منها: ما أفاده في مباني العروة من أنّ مبناه - أي السيد الفقيه اليزدى قدس سره - فاسد، فانّ

**********

(1) المستمسك / ج 11، ص 336.

ص: 325

النقل من ذمة إلى اخرى ليس وفاءاً للدين على الاطلاق، و إنما هو تبديل لمكان الدين و ظرفه لاأكثر، إذ المحيل ينتقل ما في ذمته للمحال إلى ذمة المحال عليه.(1)

و منها: أن الوفاء بغير الجنس معاوضة أيضاً و ليس بوفاء مجرّد حتى يكون إيقاعاً، قال في مباني العروة: عدّ الوفاء بغير الجنس من الإيقاع فاسد قطعا، لرجوعه إلى تبديل المال الثابت في ذمته بالمال الجديد و المعاوضة بين المالين و هو من العقود جزماً.(2)

و منها: أن الضمان تبديل المال الثابت في ذمة المضمون عنه بالمال الجديد في ذمة الضامن، و من المعلوم أنّ المعاوضة بين المالين من العقود جزماً.

و منها: أن الوكالة - كما أفاد في مباني العروة - غير الإذن، لأنّ الثّاني ترخيص محض ممّن بيده الامر في متعلقه من الامور التكوينية، كالأكل، أو الاعتبارية كالبيع، بخلاف الوكالة فانها سلطنة اعتبارية يمنحها الموكل إلى غيره و لابدّ من قبوله، كما و لابدّ من تعلقها بالامور الاعتبارية، إذ لامعنى للتوكيل في الامور التكوينية كالأكل و الركوب و ما شاكلهما، نعم يستثنى من ذلك القبض حيث يصح فيه التوكيل، فيكون قبض الوكيل قبضاً للموكل.(3)

و منها: أنّ الفرق بين أن يقول: أنت مأذون في بيع دارى و قوله: أنت وكيلي واضح، فإنّ الأوّل ترخيص محض و الثّاني إعطاء سلطنة اعتبارية.

و أيضاً يرتفع الوكالة بفسخ الوكيل، فإنها عقد جايز و يصح للوكيل فسخه، بخلاف

**********

(1) مباني العروة / ص 247.

(2) مباني العروة / ص 247.

(3) مباني العروة / ص 249.

ص: 326

الاذن، لأنّه لايرتفع من قِبل المأذون، لعدم توقفه على قبول المأذون كما أفاد في مباني العروة.(1)

و منها: نفوذ تصرف الوكيل حتى مع ظهور عزله عن الوكالة حين صدوره منه ما لم يبلغه الخبر، على ما دلّ عليه النصّ الصحيح، بخلاف تصرف المأذون بغير سلطنة اعتبارية كما أفاد في مباني العروة.(2)

و منها: ما أفاده أيضاً في مباني العروة من أن الوكالة قد تكون لازمة بالعرض بحيث لايكون للموكّل رفع اليد عن توكيله، كما إذا أخذت شرطاً في ضمن عقد لازم، حيث تكون لازمة بتبع العقد باعتبار انه انما يكون لازما بجميع شئونه و توابعه و منها الوكالة، بخلاف الإذن حيث لايمكن فرضه لازماً و غير قابل للرفع حتى و لو أخذ في ضمن عقد لازم، فإنّه أمر تكويني يرتفع برفعه من قبل الآذن وجداناً، غاية الأمر ثبوت الخيار للمأذون في العقد الّذي أخذ شرطاً في ضمنه لتخلف الشرط.(3)

و ظاهره هو عدم ارتفاع الوكالة بالعزل في ما إذا كانت مشروطة في ضمن عقد لازم و إن عصى بالعزل، دون الإذن فإنّه يرتفع بالرجوع و العصيان، و لابأس بذلك في غير النكاح، فإنّ الوكالة بلاعزل تنافي اختصاص الزوج بحق الطلاق فتدبّر.

و منها: أنّ الظاهر من عبارة السيد قدس سره أنّ الحوالة لو كان عقداً لم يتحقق بالكتابة، لعدم حصول الموالاة بين الايجاب و القبول، و حيث إنّهم ذهبوا إلى تحققها بها ظهر إنها ليست بعقد عندهم بل هي ايقاع.

**********

(1) مباني العروة / ص 251.

(2) مباني العروة / ص 251.

(3) مباني العروة / ص 250-251.

ص: 327

و فيه انّ تحقق الحوالة مع الكتابة كما أفاد في مباني العروة لازم أعم، إذ يمكن أن يقال: انّه لادليل على اعتبار الموالاة في الحوالة حتى بناء على كونها عقدا، و عليه فتصح الحوالة بالكتابة سواء كانت عقداً أو ايقاعاً.

فتحصّل أن الحوالة هي نقل ما في ذمة المحيل للمحال إلى ذمة المحال عليه بمعاوضتها مع ما في ذمة المحال عليه في ما إذا كانت ذمة المحال عليه مشغولة للمحيل، أو بإشغال ذمة المحال عليه مع رضاه في ما إذا لم تكن ذمته مشغولة به له، و من المعلوم انّ نقل ما في ذمته للمحال إلى ذمة اُخرى عقد يحتاج إلى إيجاب المحيل و قبول المحال، و لامجال لإهمال سلطنة المحيل بلاقبول المحال عليه، و دعوى كون ذلك من باب الايقاع و الوفاء كماترى.

ثمّ انّه يقع الكلام في أنّ الحوالة هل تحتاج إلى قبول المحال عليه في ما إذا اشترط رضايته في نفوذ الحوالة أم لا؟

احتمل السيد الفقيه اليزدي قدس سره الأوّل: مستدلاً باشتراط رضاية المحال عليه.

و فيه: انّ اشتراط رضايته لايستلزم كونه من أطراف العقد و لااقل من الشك، فمقتضى جريان حديث الرفع لرفع الجزئية أو الشرطية في أمثال المقام هو إمكان القول بعدم كونه معتبراً بعنوان طرف من اطراف العقد عند الشرع، ولكن ذلك متفرعٌ على عدم دخالة المحال عليه في تحقق العقد عند العقلاء فتدبّر جيّدا.

الثانى: التنجيز

200

الثّاني: التنجيز بناء على ظاهر المشهور، فلاتصح مع التعليق على شرط أو وصف، ولكن الاقوى عدم اعتباره كما مال اليه بعض متأخري المتأخرين.

قال في المستمسك: العمدة في اعتباره الإجماع المدّعى على اعتباره في كلية العقود، و إلاّ فلم يذكر هذا الشرط هنا في جملة من الكتب كالشرائع و القواعد و غيرهما و لم يتعرض له في ما وقفت عليه من شروحهما.(1)

**********

(1) المستمسك / ج 11، ص 339.

ص: 328

و فيه: إنّ الإجماع دليل لبّي، ففي كل موردتم الإجماع على اعتباره فهو، و الاّ فلاموجب للالتزام باعتباره. قال في مباني العروة: لم يتم الإجماع على اعتبار التنجيز في الحوالة كما يشهد له عدم تعرّض جملة ممن ذكروه شرطاً في باقي العقود له إلى اعتباره فيها، فلاموجب لاعتباره و يكفينا في ذلك الشك في تحقق الإجماع.(1)

الثالث: هو ثبوت المحال به في ذمة المحيل

201

الثالث: أن يكون المال المحال به ثابتاً في ذمة المحيل، سواء كان مستقراً أو متزلزلاً، فلاتصح في غير الثابت سواء وجد سببه، كمال الجعالة قبل العمل و مال السبق و الرماية قبل حصول السبق، أو لم يوجد سببه أيضاً كالحوالة بما يستقرضه، هذا هو المشهور بل عليه دعوى الإجماع، لكن قال السيد الفقيه اليزدى قدس سره: لايبعد كفاية حصول السبب كما ذكرنا في الضمان، بل لايبعد الصحة مع عدم حصول السبب، كما إذا قال: أقرضني كذا و خذ عوضه من زيد فرضي و رضي زيد أيضاً، لصدق الحوالة و شمول العمومات، فتفرغ ذمة المحيل و تشتغل ذمة المحال بعد العمل و بعد الاقتراض.

و أورد عليه بأنّ الإحالة الفعلية لايتحقق بدون إشتغال ذمة المحيل، لتوقفها على وجود شيء في ذمة المحيل حتى يمكن انتقاله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه و المعدوم لايقبل الانتقال إلى وعاء اخر.

و دعوى صدق الحوالة الفعلية مع عدم ثبوت شيء في الذمة، ممنوعة، كما أنّ الضمان الفعلي بلامضمون عنه و لامضمون له أمر غير معقول، إذ المعدوم لايعقل الانتقال إلى ذمة الضامن.

و يمكن أن يقال: انّ الضمان الاستقبالي بمعنى تعهد شخص بالفعل لآخر بأمر استقبالي معقول، كما إذا انشأ بالفعل انتقال المال من ذمة المضمون عنه إلى ذمة الضامن في

**********

(1) مباني العروة / ص 252.

ص: 329

ظرفه و بعد ثبوته، فلايكون حينئذ من انتقال المعدوم من ذمة إلى ذمة اخرى، نعم ليس من الضمان الاصطلاحي الفعلي، و هكذا يمكن تصور الحوالة الاستقبالية على نحو الواجب المعلّق، سواء حصل السبب أم لم يحصل، و بعد إمكان ذلك و تعارفه يشمله العمومات و إن لم تكن حوالة اصطلاحية، و دعوى عدم التعارف ممنوعة.

و أماما قيل من أنّ العمومات لاتشمل الحوالة الاستقبالية، نظراً إلى ظهورها في ترتب الأثر على العقد بالفعل و من حين الانشاء، فلاتشمل العقود المقتضية لترتب الأثر عليها بعد مرور فترة من وقوعها إلا ما خرج بالدليل كالوصية.

ففيه أنّ الاثر تابع للعقد، فإن كان أثره فعلياً ترتّب الأثر عليه، و الاّ ففي ظرف حصوله، ألا ترى أنّ اجارة عين بعد مضي سنة تصح مع أنّ استحقاق تحويل العين أو أخذ الاجرة في مقابل منفعة العين لايترتب إلا بعد حلول السنة، هذا مضافا إلى ترتب أثر اللزوم عليه من حين العقد، فإنّ مثل الاجازة المذكورة عقد لازم، فاذا أنشأ الاجارة و حصل الايجاب و القبول كانت لازمة و لايجوز فسخها، و هكذا في الحوالة العرفية فتدبّر جيّدا.

الرابع: كون المال المحال به معلوما

202

الرابع: أن يكون المال المحال به معلوما جنساً و قدراً للمحيل و المحال، فلاتصح الحوالة بالمجهول على المشهور، للغرر، ولكن قال السيد في العروة: و يمكن أن يقال بصحته إذا كان آئلاً إلى العلم، كما إذا كان ثابتاً في دفتره على حدّ ما مرّ في الضمان من صحته مع الجهل بالدين.

بل لايبعد الجواز مع عدم أوله إلى العلم بعد إمكان الأخذ بالقدر المتيقن، بل و كذا لو قال: كلما شهدت به البيّنة و ثبت خذه من فلان.

نعم لو كان مبهماً - كما إذا قال: أحد الدينين اللذين لك علّي خذه من فلان - بطل، و كذا لو قال: خذ شيئاً من دينك من فلان هذا.

ص: 330

و لو أحال الدينين على نحو الواجب التخييري أمكن الحكم بصحته، لعدم الإبهام فيه حينئذ، انتهى كلام السيد الفقيه اليزدى قدس سره.

أمّا الصحة مع الجهل فهو لعدم دليل على اعتبار نفي الغرر مطلقا في جميع المعاملات بل الثابت هو اعتباره في البيع و الاجارة.

و أمّا بطلان الإبهام فلأنّ المبهم لاواقع له في الخارج و لو في علم الله تبارك و تعالى، و ما هو كذلك لايقبل النقل من ذمته إلى ذمة غيره، لأنّ اللازم في الثابت في الذمة هو التعين، و المفروض هو العدم، نعم يمكن المناقشه في المثال الّذي ذكره للمبهم، إذ عنوان أحد الدينين مردّد عنواناً و متعين خارجاً كما قرّر في محله.

و أمّا صحة الحوالة بنحو الواجب التخييري فإن كان المقصود منه هو حوالة المتعين الخارجي كأن يقول: أحلتُك في هذا أو ذاك إلى ذمة فلان فهي فى محلها، لما عرفت من عدم الاشكال من ناحية الترديد في المفهوم و نحوه مع التعيين الخارجي، و من المعلوم انّ المراد من الواجب التخييري هو كل واحد من المتعينات كالخصال الثلاث في الكفارة مثلاً، لا أمر مردد بينها، و لذلك ذهب في المستمسك تبعاً لمتن العروة إلى الصحة أخذاً بعمومات صحة العقود و فقد الابهام المانع عقلاً من الصحة(1) و الوجوب التخييري نحو وجوب خاص مع تعيّن ما يتعلق به الوجوب.

ولكن فصّل في مباني العروة بين ما إذا تساوى الدينان كماً و كيفاً كما لو كان المحيل مديناً لزيد بعشرة دنانير عن ثمن مبيع اشتراه منه، و بعشرة اخرى عن دين استقرضه منه، فأحاله على عمرو بعشرة دنانير خاصة، فإنها محكومة بالصحة جزماً، حيث لاخصوصية في الدين من حيث سببه و أنّه بسبب القرض أو الشراء، فتكون الحوالة

**********

(1) المستمسك / ج 11، ص 345.

ص: 331

متعلقة بالجامع قهراً. و بعبارة اخرى: انّ الحوالة في هذا الفرض متعلقة بالمعيّن دون المردّد، فإنّها إحالة للمحال على المحال عليه بنصف ماله عليه (المحيل).

و أمّا إذا اختلف الدينان فالفرض عين فرض الدين مبهماً و مجهولاً و ليس هو شيئاً آخر في قباله، فإنّه مبهم و مردّد و لاواقع له حتى في علم الله عزوجل و معه، فلاوجه للحكم بصحتهما.(1)

و لايخفى عليك أنّ عدم التساوي المذكور لايستلزم الإبهام حتى يلحق هذا الفرض بالمبهم، اذ غايته هي الجهالة، و قد مرّ جواز إحالة المجهول، حوالة هذا أو ذاك مع الاشارة إلى الخارجيات المتعينة لايرجع إلى حوالة المبهم كما لايخفى، لأنّ الترديد في ناحية المفهوم لايسري إلى الخارج و المفروض أنّ الخارج متعين، و عنوان أحدهما مشير إلى أحد المتعينين في الخارج كما قرّر في محله.

و أيضاً لاوجه لارجاع صورة التساوي إلى الجامع مع إمكان أن يكون الحواله فيها إلى الخارج، بل الظاهر هو ذلك و الإرجاع إلى الجامع تكلّف لاحاجة اليه فلاتغفل.

الخامس: تساوى المالين، أي المحال به و المحال عليه جنساً و نوعاً و وصفاً على ما ذكره جماعة خلافاً للآخرين.

قال السيد الفقيه اليزدي قدس سره: و هذا العنوان و إن كان عاما إلا أنّ مرادهم بقرنية التعليل بقولهم: تفصيّا من التسلط على المحال عليه بما لم تشتغل ذمته به، إذ لايجب عليه أن يدفع إلاّ مثل ما عليه في ما كانت الحوالة على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول الذمة به، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير بأن يدفع بدل الدنانير دراهم، فلايشمل ما إذا أحال من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير (لأنّه ليس

**********

(1) مباني العروة / ص 259.

ص: 332

بمشغول الذمة) أو على مشغول الذمة بالدنانير، بأن يدفع الدراهم (مع قطع النظر عن إشتغال ذمته بالدنانير فيكون الحوالة بالجنس) و لعلّه لأنّه وفاء بغير الجنس برضا الدائن(1) فمحل الخلاف ما إذا أحال على من عليه جنس بغير ذلك الجنس.

و الوجه في عدم الصحة ما اشير اليه من أنه لايجب عليه أن يدفع الاّ مثل ما عليه، و أيضاً الحكم على خلاف القاعدة، و لااطلاق في خصوص الباب و لاسيرة كاشفة و العمومات منصرفة إلى العقود المتعارفة.

و وجه الصحة انّ غاية ما يكون أنه مثل الوفاء بغير الجنس و لابأس به، و هذا هو الأقوى.

تفصيل الكلام:

اشارة

203

و تفصيل الكلام أنّ صور المسألة ثلاثة:

احدها: هو ما اذا احال المحيل من له عليه الدراهم على البريء

204

احدها: ما إذا أحال المحيل من له عليه الدراهم على البريء بأن يدفع الدنانير، فهذه الصورة لاإشكال فيها مع رضاية المحال و المحال عليه بها كما هو المفروض و محكومة بالصحة، فإنّها ترجع إلى مبادلة بين الدائن المحال و المدين المحيل أولاً بتبديل ما في ذمته للمحال بالجنس الجديد، ثمّ إحالته به على المحال عليه البريء مع رضايته بها، فيكون الحوالة بالجنس الّذي له عليه، و لامحذور في هذه الصورة من جهة اخرى، إذ لامنافاة لها مع سلطنة المحال أو المحال عليه بعد فرض رضايتهما بذلك.

نعم لو أحال في هذه الصورة بغير الجنس أمكن ان يقال - كما في المستمسك - انّه أحال بما ليس ثابتا في ذمة المحيل، لأنّ ما هو الثابت في ذمة المحيل هو الدراهم لاالدنانير، فالإحالة على الدنانير إحالة بما ليس ثابتا في ذمته، و لعل عدم تعرضهم لهذه المسألة

**********

(1) و الظاهر ان الضمير في قوله: لعله راجع إلى محلّ الخلاف، و هو ما إذا كانت الحوالة على مشغول الذمة بغير ما هو مشغول الذمة به.

ص: 333

لوضوح حكمها و هو بطلان الحوالة لفقد الشرط المذكور، اللّهم إلاّ ان يكتفى بثبوت ما عليه و تبديله بما رضي المحال عليه أن يدفعه، إذ الشرط المذكور أعني الثبوت في الذمة في مقابل ما لم يثبت أصلا، أمّا الثابت و لو كان بغير جنس فلايشمله الشرط المذكور.

ثانيها: ما إذا أحال المحيل من له عليه الدراهم على مشغول الذمة بالدنانير

205

ثانيها: ما إذا أحال المحيل من له عليه الدراهم على مشغول الذمة بالدنانير بأن يدفع الدراهم، و هذه الصورة صحيحة ايضاً مع رضاية المحيل و المحال عليه بتبديل ما للمحيل على المحال عليه بالجنس الجديد الّذي للمحال على المحيل أولاً، ثمّ إحالة المحال بذلك عليه فتكون الحوالة بالجنس الذي له عليه لامحالة.(1)

و أمّا إذا أحاله من دون تبديل أولاً فالإحالة هي إحالة بما ليس ثابتا في الذمة، و قد عرفت إشكال المستمسك في الصورة المتقدمة من جهة عدم ثبوت شيء في الذمة.

ولكن لقائل أن يقول: انّه ليس إحالة بما ليس ثابتا في الذمة لا في هذه الصورة و لا في الصورة المتقدمة، لأنّ المفروض هو ثبوت شيء في ذمة المحيل، و هو يكفي لصدق الثبوت في الذمة، هذا مضافا إلى ما مرّ في اعتبار هذا الشرط فراجع.

و بالجملة لاكلام في الصورتين المذكورتين، لأنّ الحوالة بعد المعاملة المذكورة تكون بين المتساويين جنساً و نوعاً و وصفاً لابين المختلفين في الامور المذكورة، و انما الكلام في الصورة الثالثة.

ثالثها: ما إذا أحال على مشغول الذمة بغيرما هو مشغول الذمة به، كأن يحيل من له عليه دراهم على من له عليه دنانير بأن يدفع بدل الدنانير دراهم.

و قد وقع الخلاف في هذه الصورة و ذهب جماعة من المتقدمين إلى البطلان، و استدلّ له بأنّه لايجب عليه أن يدفع إلاّمثل ما عليه، هذا مضافا إلى أنّ الحكم على خلاف

**********

(1) كما في مباني العروة / ص 260.

ص: 334

القاعدة و هي اصالة عدم الانتقال من ذمة إلى ذمة، و لااطلاق في خصوص الباب و لاسيرة كاشفة عن صحته، و أمّا العمومات فهي منصرفة إلى العقود المتعارفة.

و ذهب جماعة من المتأخرين إلى صحته بدعوى أنّه لامجال للإشكال المذكور مع التراضي لأنّ التسليط يكون حينئذ بسلطنة المحال عليه، و لاينافي ذلك عدم وجوب الدفع عليه الاّ بمثل ما عليه، فإنّه ما لم يرض بدفع الغير، و أمّا مع الرضاية فلايلزم سلنطة الغير عليه، و أمّا الانصراف فلاوجه له، لما عرفت مراراً من أنّ الموضوعات مأخوذة بنحو القضية الحقيقية و التعارف في زمان الصدور كالمورد، فلايوجب قصور الاطلاق و لاتخصيص العمومات.

قال في المستمسك: إنّ الحوالة المذكورة هي انتقال الدين إلى ذمة المحال عليه مع رضايته، و أمّا كون المدفوع بدلا عمّا للمحيل في ذمة المحال عليه فأمر خارج عن التحويل قد اُنشىء في ضمنه (بدلالة الاقتضاء مع الالتفات بعدم صحة كونه وفاء مع مغايرته مع ما اشتغل ذمته به) فالمحيل قصد إنشاء نقل الدين في ذمته إلى ذمة المحال عليه كما قصد إنشاء كون المدفوع من المال عوضاً عمّا له في ذمته، فالقبول من المحال عليه قبول للأمرين معاً، و هذه البدلية الانشائية ظاهرة في محل الكلام من اختلاف الجنسين، أمّا مع اتحادهما فيمكن أن يقصد إنشاء البدلية و يمكن أن لايقصد ذلك بل تكون البدلية قهرية بنحو التهاتر، و صحة الجميع موافقة لمقتضى القواعد العامة من دون معارض و لامقيد.(1)

و لايخفى عليك ان دلالة الاقتضاء موقوفة على الالتفات و على عدم صحة الوفاء بغير الجنس، و إلا فمع عدم الالتفات فلايصدر الانشاء، لكونه أمرا قصديا، و أيضاً مع

**********

(1) المستمسك / ج 11، ص 348-349.

ص: 335

صحة الوفاء بغير الجنس لايحتاج إلى إنشاء البدلية. نعم يمكن أن يقال: أنّه لادليل على صحة الوفاء بغير الجنس، ولكن لايبعد دعوى صحته عند العقلاء في أداء الديون كما أنّ التعويض عند العقلاء أمر معقول في الأعيان، و لعلّه لذلك ذهب السيد المحقّق إلى جعل محلّ الخلاف من باب الوفاء بغير الجنس فتدبّر جيدا.

و مع إمكان ذلك فالحوالة بغير الجنس لاإشكال فيه و تكون مشمولة لعمومات الأدلة مثل قوله عزوجل «إلاّ ان يكون تجارة عن تراض منكم» و إن كانت أدّلة الحوالة الاصطلاحية قاصرة عن شمولها، و بذلك ينقدح صحة الصورة الثالثة أيضاً.

206

هنا مسائل

اشارة

207

المسألة الاولى: في عدم الفرق في المال المحال به بين ان يكون عينا في الذمة او منفعة او عملا

أفاد في العروة أنّه لافرق في المال المحال به بين أن يكون عيناً في الذمة أو منفعة أو عملاً لايعتبر فيه المباشرة و لو مثل الصلاة و الصوم و الحج و الزيارة و القراءة، سواء كانت على البريء أو على مشغول الذمة بمثلها، و أيضاً لافرق بين أن يكون مثلياً كالطعام أو قيميّا كالعبد و الثوب، و القول بعدم الصحة في القيمي للجهالة ضعيفٌ ، و الجهالة مرتفعة بالوصف الرافع، انتهى.

و ذلك لعدم تقييد المحال به في النصوص بكونه عيناً في الذمة، بل عبرّ عنه بالمال و هو بإطلاقه تشمل المقام، هذا مضافا إلى إمكان دعوى قيام بناء العقلاء عليه، فيمكن القول بالصحة، و الجهالة لاتقدح في الحوالة كما عرفت، نعم لو كان إبهام فلايجوز إلا إذا ارتفع بالتوصيف، و مما ذكر يظهر صحة الحوالة في الحقوق أيضاً إذا لم تكن متقيدة بالمباشرة فلاتغفل.

ص: 336

208

المسألة الثانية: في براءة ذمة المحيل عند تحقق الحواله

إذا تحققت الحوالة برئت ذمة المحيل و إن لم يبرءه المحتال، إذ لازم نقل الدين عن ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه هو فراغ ذمة المحيل، و عليه فلاحاجة إلى إبراء المحال بعد تحقق النقل و الانتقال بل هو لغو كما لايخفى.

نعم تدلّ على اعتبار إبراء المحال معتبرة زرارة عن أحدهما عليهماالسلام في الرجل يحيل الرجل بمال كان له على رجل آخر، فيقول له الّذي أحال: برئت مما لي عليك فقال: إذا أبرأه فليس له أن يرجع عليه، و إن لم يبرأه فله أن يرجع على الّذي أحاله.(1)

ولكنها معارضة بما دلّ على عدم الاعتبار، مثل صحيحة أبي أيوب أنه سأل اباعبدالله عليه السلام عن الرجل بحيل الرجل بالمال أيرجع عليه ؟ قال: لايرجع عليه أبدا إلا أن يكون قد أفلس قبل ذلك(2)، إذ تدّل هذه الرواية على انحصار حق الرجوع على المحيل بفرض الإفلاس، سيما مع تأكيد ذلك بقوله عليه السلام «أبدا» و مثلها صحيحة منصور بن حازم.(3)

و حينئذ كما أفاد في مباني العروة تتعارض الصحيحتان مع معتبرة زرارة الدالة صريحاً على جواز الرجوع قبل الإبراء، و عندئذ يكون التقدم معهما، لرجحانهما عليها بموافقتهما للكتاب العزيز، حيث انّ مقتضى عمومات الوفاء بالعقود الحكم باللزوم و عدم جواز رجوع المحال على المحيل ثانيا(4) و عليه فيحمل المعتبرة على محامل، منها: أنّ

**********

(1) الوسائل / الباب 11 من أبواب احكام الضمان، ح 2.

(2) الوسائل / الباب 11 من أبواب الضمان، ح 1.

(3) الوسائل / الباب 11 من أبواب الضمان، ح 3.

(4) مباني العروة / ص 266.

ص: 337

المراد من الإبراء هو إنشاء قبول الحوالة لااعتبار البراءة بعد القبول، و هو ما ذهب اليه الامامية في الحوالة فتدبّر جيدا.

209

المسألة الثالثة: في عدم وجوب قبول الحوالة على المحال

لايجب على المحال قبول الحوالة و إن كانت على ملىّ و ذلك واضح، لأنّ ما في ذمة المحيل يكون للمحال، و نقله و تبديله بما في ذمة المحال عليه معاملة و لانفوذ لها الاّ بالتراضي.

210

المسألة الرابعة: في لزوم الحوالة

الحوالة لازمة، فلايجوز فسخها بالنسبة إلى كل من المحيل و المحال و يدلّ عليه - مضافا إلى أصالة اللزوم و عمومات صحة العقد - صحيحة أبي ايوب أنّه سأل اباعبدالله عليه السلام عن الرجل يحيل الرجل بالمال أيرجع عليه ؟ قال: لايرجع عليه أبدا إلا ان يكون قد أفلس قبل ذلك.(1) و مثلها صحيحة منصور بن حازم(2) حيث دلّتا على عدم جواز رجوع المحال على المحيل بعد تمامية الحوالة.

نعم يستثنى من ذلك ظهور الافلاس قبل ذلك، كما تدل عليه صحيحة أبي ايوب و صحيحة منصور بن حازم، و حيث أنّ الروايتين مطلقتان من جهة الحجر و عدمه فالعبرة بنفس الإفلاس و لايعتبر فيه كونه محجورا بحجر الحاكم.

و المراد من الإفلاس أو الإعسار - كما أفاد في العروة - هو أن لايكون له ما يوفي دينه زائداً على مستثنيات الدين، و عليه فالإفلاس أخص من الفقر بمعنى عدم وجدان مؤونة السنة، لإمكان أن لايكون مفلسا و مع ذلك يكون فقيراً، فلايجوز حينئذ الرجوع و إن

**********

(1) الوسائل / الباب 11 من أبواب أحكام الضمان، ح 1.

(2) الوسائل / الباب 11 من أبواب أحكام الضمان، ح 3.

ص: 338

كان فقيراً، لانّ الرجوع مختص بالمفلس و هو الّذي لايتمكّن من أداء الديون. ثم انّ المناط: الإعسار و الإيسار حال الحوالة و تماميتها، و التعبير بقبل ذلك في الصحيحتين مبني على الغالب، لندرة المقارنة بينهما حدوثاً.(1)

ثم إنّ قوله عليه السلام في الصحيحتين: لايرجع عليه أبدا إلاّ أن يكون قد أفلس قبل ذلك مطلق، و مقتضاه هو عدم فورية الخيار، و هذا الإطلاق يقدّم على إطلاقات و عمومات اللزوم، و لاوجه للرجوع إليها مع إطلاق دليل المخصص كما لايخفى: نعم مع عدم إطلاق المخصص يدور الأمر بين الأخذ بالعمومات و استصحاب حكم المخصّص، و الاول متعين إن كان الزمان بالنسبة الى أفرادها مفرّدا، و إلا فمع كون الزمان ظرفا - كما هو الظاهر - فيؤخذ باستصحاب حكم المخصص، و بقية الكلام في محله.

ثمّ إنّه لو تمكّن بعد إعساره حال الحوالة فقد ذهب السيد في العروة إلى سقوط الخيار للانصراف، على إشكال.

و أورد عليه في مباني العروة بأنّ الاشكال قوىّ جداً و وجهه ظاهر، فان الانصراف إنما يوجب رفع اليد عن الحكم في غير المنصرف اليه في ما إذا كان الكلام مجملاً أوله ظهور عرفي في المنصرف اليه، و إلاّ بأن كان الكلام مطلقا و غير ظاهر في المنصرف اليه فالتمسك بالانصراف لايعدو الاستحسان العقلي المحض.

و حيث أنّ الاطلاق في المقام ثابت فإنّ مقتضى قوله عليه السلام (الا إذا كان قد أفلس قبل ذلك) كون إفلاس المحال عليه حين الحواله موجبا لتخيير المحال، سواء تمكن بعد ذلك أم لا، فالتمسك بالانصراف للحكم بعدم ثبوت الخيار عند التمكن من الأداء بوجه بعد

**********

(1) كما في المستمسك / ج 11، ص 355.

ص: 339

الإفلاس حين العقد من التمسك بالاستحسان لاالإنصراف(1) و عليه فمع بقاء خياره يجوز له أن يرجع إلى المحيل أو إلى المحال عليه.

211

المسألة الخامسة: في وجوب الدفع على الوكيل او الامين بمجرد الاحالة

إذا كان له عند وكيله أو أمنيه مال معين خارجي فأحال دائنه عليه ليدفع اليه بما عنده فقبل المحال وجب على الوكيل أو الامين الدفع اليه لوجوب تسليم المال إلى المحتال كما يجب عليه تسليمه إلى نفس المحيل، نعم يجوز للمحال أن لايقبل الرجوع إلى غير المدين و يطلب المال من شخص المدين.

ثمّ ان هذا ليس بحوالة اصطلاحية لعدم انتقال الدين من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، بل المحيل يبقى بنفسه مشغول الذمة للمحال إلى حين وصول حقه منه مباشرة أو تسبيبا من وكيله أو أمينه.

و عليه فلو لم يدفع الوكيل أو الامين فللمحال الرجوع إلى المحيل لبقاء شغل ذمته به كما لايخفى.

212

المسألة السادسة: في حوالات البلاد

في حوالات البلاد، قد يريد شخص أن يحصل على مبلغ في بلدة اخرى غير البلدة التّي يكون فيها فيدفع المبلغ نقداً إلى البنك في البلدة التّي يكون فيها لأن يتسلّمه منه في البلدة الاُخرى.

فالبنك المذكور صار مديناً بتسلّم المبلغ المذكور و هو إمّا يحيل دائنه على فرعه في البلدة الاُخرى فهو يرجع إلى وفاء دينه في تلك البلدة فليس بإحالة اصطلاحية، و إمّا يحيل على بنك آخر في بلد آخر فهو حوالة، لأنّ البنك محيل، و المحال هو الّذي دفع المبلغ

**********

(1) مباني العروة / ص 270.

ص: 340

إلى البنك، و المحال عليه هو البنك الآخر، فان كان البنك الآخر مديناً للبنك المحوّل كانت حوالة على مدين و إلاّ فهي حوالة على البريء.

و يشكل في جميع الصور بأنّ اشتراط أداء المبلغ المذكور في بلد آخر مع فرض كون المبلغ المدفوع إلى البنك قرضاً يوجب الربا، لأنّ ذلك زيادة حكمية.

و يمكن الجواب عنه بأنّ ذلك جايز بنص الاخبار: منها: صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: يدفع إلى الرجل الدراهم فاشترط عليه أن يدفعها بأرض اخرى سوداً بوزنها و اشترط ذلك عليه قال: لابأس.(1)

و منها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت: يسلف الرجل الورق على أن ينقدها إياه بأرض اخرى و يشترط عليه ذلك قال: لابأس(2) يسلف الرجل الورق أي يقرضه إياها.

و منها: صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله عليه السلام في الرجل يبعث بمال إلى ارض فقال للذي يريد أن يبعث به: أقرضنيه و أنا اُوفيك إذا قدمت الارض قال: لابأس(3) و رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد عن علي بن النعمان مثله.

و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) في الرجل يسلف الرجل الورق على ان ينقدها إياه بأرض اخرى و يشترط ذلك قال: لابأس(4) و غير ذلك من الاخبار.

و العجب من السيد الفقيه اليزدي قدس سره أنه بعد ما صرّح بقوله: لايبعد الجواز كما هو

**********

(1) الوسائل / الباب 14 من أبواب الصرف، ح 5.

(2) الوسائل / الباب 14 من أبواب الصرف، ح 1.

(3) الوسائل / الباب 14 من أبواب الصرف، ح 2.

(4) الوسائل / الباب 14 من أبواب الصرف، ح 6.

ص: 341

مذهب جماعة، لقيام الاخبار الخاصة، و إن كان مقتضى عموم ما دلّ على أنّ كل قرض يجرّ نفعاً هو المنع، ذهب إلى الاحتياط و قال: لكن لايترك الاحتياط من جهة ضعف هذه الأخبار و إن كانت أخص من العمومات.(1)

و ذلك لأنّ الأخبار صحاح و دلالتها تامة و لاموجب لتضعيف الأخبار الخاصة، فيجوز اشتراط أداء القرض في بلد آخر.

ثمّ يقع الكلام في أنّه هل يجوز أن يقرض المبلغ الكامل للبنك ليتسلم منه المبلغ بنقيصة في بلد آخر أو لايجوز؟ الظاهر هو الجواز، لأنّ النفع عائد للمقترض لاللمقرض، كما يجوز للبنك أن يطالب الاجرة لقاء قبوله بالدفع في مكان اخر، أو يجوز أن يبيع المبلغ بأقل للبنك ليتسلّم منه في بلد آخر، لأنّ المبلغ من المعدودات.

قال الشيخ حسين الحلى قدس سره: و يجوز أن يبيع المبلغ الّذي دفعه إلى البنك بمبلغ أقل يأخذه في البلدة الاُخرى و لامانع منه، لأنّ مورد البيع ليس من المكيل أو الموزون ليتحقق الربا في هذه المعاملة البيعية، و يجوز أن يكون ذلك التحويل منزّلا على القرض، كأن يقرض البنك المبلغ المدفوع في النجف مثلاً كاملاً ليتسلم وفاء عنه المبلغ بنقيصة معينة، و هذا أيضاً لاإشكال فيه، لعدم تحقق الربوية في ذلك، لأن الربا هو الزيادة التّي يأخذها الدائن من المديون لاالزيادة التّي ياخذها المديون من الدائن، و في هذه الصورة كان الشخص الآخر هو المدين و المكلّف بإيصال المبلغ إلى بغداد مثلاً، أمّا الّذي دفع الزيادة فهو الدائن و قد استوفاها المدين، فلايكون هذا القرض ربويا، و قد قلنا فيما تقدم: إنّ الفقهاء اشترطوا في تحقق القرض أن يكون ذلك القرض قد جرّ نفعاً إلى

**********

(1) السئوال و الجواب للسيد الفقيه اليزدى / ص 231-232.

ص: 342

المقرض، و القرض المذكور في صورتنا قد جرّ نفعاً للمقرض له و هو المديون و لاشبهة فيه.(1)

و قد يأخذ من البنك مبلغاً كالمائة دينار في بلد و يحوّله على تسلّم المبلغ مع زيادة في بلد آخر فيدفع البنك المبلغ ليتسلّم منه المبلغ مع زيادة في بلد آخر.

و هل يجوز للبنك ان يأخذ زيادة اولا يجوز؟ قال الشيخ حسين الحلّى قدس سره: فان نزّلنا هذه المعاملة على البيع فلامانع فيها حيث يبيع المائة الموجودة بمائة و زيادة أو يبيع المائة بمائة مع اشتراط دفع الزيادة المذكورة، و السبب في عدم المنع هو أن الدينار ليس من المكيل و لاالموزون فلاربوية في هذا البيع.

و أمّا لو نزّلنا هذا التحويل على القرض جاءت شبهة الربا، لأنّ الزيادة خرجت في الصورة من المدين و هو الشخص المستلم إلى الدائن و هو البنك، لأنّ المفروض أنّ البنك قد أقرضه المبلغ فكان دافع الفرق هو القابض للمبلغ و هو مدين، فكان هذا القرض ممّا جرّ نفعاً إلى الدائن و لذلك فهي معاملة ربوية.(2)

213

عملية محرّر الشيكات

اشارة

و لايخفى عليك ان سحب الشيكات على أقسام:

القسم الأوّل: هو أن يكون لمحرّر الشيك مال في ذمة البنك و يحيل محاله على البنك

214

القسم الأوّل: هو أن يكون لمحرّر الشيك مال في ذمة البنك و يحيل محاله على البنك فيكون السحب من الحساب الجاري حوالة من المحرّر للشيك على البنك المدين.

ففي هذا الفرض يكون الشيك الذي يدفعه المدين إلى الدائن حوالة منه إلى دائنه على

**********

(1) البحوث الفقهية / ص 84.

(2) البحوث الفقهية / ص 84-85.

ص: 343

البنك الّذي يملك المدين في ذمته قيمة ودائعه المتحركة، و تصح هذه الحوالة و تحصل بها براءة ذمة المحيل في مقابل دائنه، كما تحصل براءة ذمة البنك في قبال المحيل بمقدار قيمة الشيك، ففي هذه الصورة لايجوز للبنك أخذ اجرة على وفاء دينه إلا إذا شرط أن لاينقل الدين عن طريق الحوالة الاّ باذنه، ففي هذه الصورة يجوز للبنك أخذ الاجرة في مقابل قبول الحواله و اسقاط شرطه، ولكنه خلاف المفروض، فانّ إعطاء الشيكات للعميل لأن يسحبها معناه اجازة الحوالة كما لايخفى.

القسم الثّاني: ان يكون السحب على أساس انّه اقتراض جديد من البنك

215

القسم الثّاني: ان يكون السحب على أساس انّه اقتراض جديد من البنك الّذي يكون لمحرر الشيك مال عنده، فينشأ بسببه دينان متقابلان، ولكن المعتبر في صحة القرض هو القبض، و حيث لم يتحقق القبض فلايقع القرض، فمع عدم وقوع القرض لاتبرأ ذمة محرّر الشيك في قبال دائنه بمجرد تحرير الشيك الاّ إذا وكّله في القبض من البنك و إعطائه لنفسه فيصح القرض حينئذ و تبرأ ذمته بالنسبة إلى دائنه.

و أمّا البنك فإن كان ما أدّاه بمقدار ما أخذه من الساحب فقد برأت ذمته و الاّ فبمقدار ما أخذ و بقي الباقي كما لايخفى.

القسم الثالث: أن لايكون لمحرّر الشيك رصيد في البنك و يحرّر الشيك لدائنه و يحيله

216

القسم الثالث: أن لايكون لمحرّر الشيك رصيد في البنك و يحرّر الشيك لدائنه و يحيله إلى البنك، فالشيك حوالة من المدين لدائنه على البنك و المحوّل عليه ليس مدينا للمحيل، فهذه الحوالة تكون حوالة على البريء، فإن قبل البنك هذه الحوالة اشتغلت ذمته للمحال بقدر ما أحاله عليه و تبرأ ذمة المحيل المدين، و يصبح المحيل مدينا للبنك المحوّل عليه بقيمة الحوالة، ففي هذه الصورة يجوز للبنك أن لايقبل الحوالة إلاّ باخذ اجرة و ليس ذلك من الفائدة التي يتقاضاها الدائن من المدين في قبال ما أعطاه، لأنّ الأجر هنا يتقاضاه البنك في مقابل قبوله للحوالة و بأن يصبح مدينا لدائن المحيل فلاإشكال في أخذ الاجرة

ص: 344

من المحيل لذلك و إن صار المحوّل عليه بعد قبول الحوالة دائنا للمحيل، لأنّ ذلك بالأمر منه.

قال الشهيد الصدر قدس سره: و هكذا يتضح أنه يصح استعمال الشيكات على البنك كأداة وفاء على أساس الحوالة سواء كان لمحرّر الشيك رصيد دائن في حسابه الجاري أو كان حسابه الجاري على المكشوف، و هناك قيود مدينة يجزيها البنك دون تفويض من العميل، كالعمولات المختلفة و اجرة البريد و الرسم الدوري لكشوف الحسابات البيانية.

و كل هذا صحيح، لأنّ العميل تشتغل ذمته باجرة المثل للبنك لقاء الخدمات المصرفية بما فيها كشوف الحسابات البيانية و اجرة البريد التّي يتكلّفها البنك بأمر صريح أو ضمني موجب للضمان من العميل، و بموجب المقاصة القهرية بين الدينين يقوم البنك بخصم (اى كسر) قيمة هذه الاجور من الرصيد الدائن لعميله.(1)

و لايخفى عليك ان بناء البنوك في قبول حوالات الشيك على المجّان، و عليه فلاموجب للضمان فتدبّر جيدا.

القسم الرابع: هو أن يسحب الشيك لاستيفاء قيمة الشيك من دينه على البنك

اشارة

217

القسم الرابع: هو أن يسحب الشيك لاستيفاء قيمة الشيك من دينه على البنك لنفسه، و تحرير الشيك حينئذ بمنزلة إعطاء السند في مقابل ما استوفاه من البنك.

و لايجوز للبنك في هذه الصورة أن يأخذ شيئا بعنوان الاجرة في مقابل عمله، لأنّ ذلك أداء ما اقترضه بعنوان الحساب الجاري من عملائه.

218

هنا فروع
الفرع الأوّل: في جواز شراء الدائن بضاعة بما يملكه من دين في ذمة مدينه كالبنك

219

الفرع الأوّل: انه يجوز شراء الدائن بضاعة بما يملكه من دين في ذمة مدينه كالبنك

**********

(1) البنك اللاربوي / ص 95.

ص: 345

إذا لم تكن البضاعة المشتراة مؤجلة و الاّ بطل الشراء، كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره، لأنّه يكون من بيع الدين بالدين و هو باطل.(1)

و فيه تأمل، لانصراف النهي عن بيع الدين بالدين إلى ما يكون دينا قبل المعاملة لا ما يصير دينا بالمعاملة.

220

الفرع الثّاني: أنه لايجوز التعامل بالشيك كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة إذا كان السحب بالشيك من دون رصيد دائن للساحب

الفرع الثّاني: أنه لايجوز التعامل بالشيك كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة إذا كان السحب بالشيك من دون رصيد دائن للساحب، فانّ نفس الشيك لامالية له و لايوجد للساحب شيء حقيقي يملكه في ذمة البنك حتى يمكن له أن يشتري به بضاعة، و الشيك المذكور و إن كان معتبراً عند البنك و يعطيه قيمته بعنوان القرض ولكن الساحب لايملكه قبل القبض فلامعنى للتعامل به كما لايخفى.

و مما ذكر يظهر أن إعطاء الاعتبارات ما لم يأخذها عملاء البنوك لايكفي في تصحيح المعاملات ثمّ ان الظاهر ان الشيكات التضمينية من الأوراق النقدية و لو احتاجت إلى توشيح من المشتري، لأن الامضاء لسدّ احتمال فساد الشيك، و عليه فيجوز التعامل بها كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة كسائر الاوراق النقدية.

الفرع الثالث: فيما إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلاً

221

الفرع الثالث: أنه إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلاً، و المطالب بتحصيل قيمة ذلك الشيك هو فرع نفس البنك في الموصل مثلاً، فهل بإمكان الفرع في الموصل أن يتقاضى اجرة على تحصيل قيمة الشيك ؟

و الجواب كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره ان الفروع تمثل وكلاء متعددين لجهة واحدة و هي أصحاب البنك، فكل فرع هو وكيل للجهة العامة التّي تملك البنك، و كل رصيد دائن في فرع من فروع البنك هو في الحقيقة دين على تلك الجهة العامة.

**********

(1) البنك اللاربوي / ص 100.

ص: 346

فصاحب الشيك على فرع البنك في البصرة هو دائن لتلك الجهة بحكم إيداعه مبلغاً معيناً من النقود لدى فرع البصرة و فتحه حساباً جارياً عنده، فاذا سحب شيكاً على فرع البصرة لصالح دائنه فقد حوّل في الحقيقة دائنه على الجهة العامة التّي تمثلها الفروع جميعا و هو من الحوالة على مدين.

ولكن تلك الجهة العامة غير ملزمة بدفع الدين إلى المستفيد الا في نفس المكان الّذي وقع فيه عقد القرض بين الساحب و بينها أي البصرة، لأن المفروض أنّ الحساب الجاري للساحب مفتوح مع فرع البصرة فلايلزم على الجهة التّي تمثّلها كل فروع البنك أن تسدد الدين المحوّل عليها إلا في نفس مكان الفرع الّذي وقع فيه القرض، أي الايداع و فتح الحساب الجاري.

و على هذا الاساس يصبح بامكان البنك إذا طولب فرعه في الموصل بخصم (كسر) قيمة الشيك المسحوب من عميله على فرعه في البصرة، أن يطالب بعمولة و اجرة لقاء تسديد الدين في غير المكان الّذي وقع فيه عقد القرض (الايداع) بينه و بين العميل الساحب للشيك(1)

و دعوى استقلال كل فرع بالنسبة إلى الجهة العامة كاستقلال الجهات بعضها مع البعض مندفعة بأنّها تنافي وكالة كل فرع عن الجهة العامة، فانّ مقتضى الوكالة انّ عقد القرض يكون بين الساحب و بين الجهة العامة، نعم لاملزم على الجهة أن تسدّد الدين في أيّ مورد يريد الساحب، بل اللازم هو تسديد الدين في المكان الّذي وقع فيه القرض الا إذا اشترطا عند القرض تسديد الدين في أيّ محل يريده الساحب فتدبّر جيّدا.

**********

(1) البنك اللاربوي / ص 110-111.

ص: 347

222

الشيكات المصرفية من البنك

قال الشهيد الصدر قدس سره كما قد يسحب العميل صاحب الحساب الجاري عند البنك شيكا عليه، كذلك قد يسحب البنك نفسه شيكا على مراسله في بلد آخر لمصلحة عميله، فيتقدم العميل إلى البنك المسحوب عليه الشيك لصرف قيمته و تخصم قيمة الشيك من حساب البنك الساحب لدى البنك المسحوب عليه.

و العميل المستفيد من الشيك المصرفي

إمّا ان يكون له رصيد دائن بالعملة الداخلية

و إمّا ان يكون الشيك المصرفي تسهيلا مصرفيا له دون غطاء...

ففي الحالة الاولى يمكن تكييف الشيك المصرفي فقهيّاً بأحد الاوجه التالية:

فهو إما تفويض من البنك المدين الساحب الشيك لعميله الدائن المستفيد من الشيك، بأن يتسلم قيمة الشيك من البنك المراسل كوفاء لما يملكه في ذمة البنك الساحب و يعتبر من الوفاء بغير الخبس، لأنّه وفاء بعملة اخرى و هو جائز برضا الدائن

و إمّا حوالة من البنك الساحب لدائنه المستفيد على البنك المراسل، و تكون هذه الحوالة مسبوقة ضمناً بعقد بيع يحوّل فيه المستفيد و البنك دينهما من العملة الأهلية إلى العملة الأجنبية لكي يتاح للبنك أن يحيل المستفيد على البنك المراسل المدين له.

و إما انّ الشيك يقوم على أساس بيع الدين، بمعنى أن البنك يبيع في حدود قيمة الشيك العملة الاجنبية التى يملكها في ذمة البنك المراسل بما يساوي قيمتها من العملة الداخلية التي يملكها المستفيد في ذمته.

و في الحالة الثانيه يعتبر الشيك أمراً من البنك الساحب للبنك المسحوب عليه باقراض العميل المستفيد قيمة الشيك مع ضمان البنك الساحب للقرض، أو أمراً له بدفع

ص: 348

قرض للمستفيد من رصيده الدائن لدى البنك المسحوب عليه، أو قائما على أساس عقد بيع يبيع بموجبه البنك الساحب في حدود قيمة الشيك ما يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه من عملة أجنبية بسعر في ذمة المستفيد مقدّر بالعملة الداخلية، و كل ذلك جائز شرعاً و أخذ العمولة جائز شرعاً، لإمكان تخريجه في كلتا الحالتين بشكل من الاشكال.(1)

و لا يذهب عليك أن اللازم في البيع المذكور أن لايكون الثمن مؤجلا و إلاّ يشمله النهي عن يبع الدين بالدين، اللّهمّ إلاّ أن يقال: إن النهي المذكور منصرف عما يصير ديناً بالعقد فتأمل.

ثمّ انّ أخذ العمولة لاوجه له في الفرض الثالث من الحالة الاولى و الثانية فانّ بعد بيع الدين أى العملة الخارجية بما يساوي مع العملة الداخلية كانت العملة الخارجية ملكا للعميل و يأخذها بنفسه، فلا عمل للبنك بعد البيع المذكور حتى يتقاضى العمولة عليه.

نعم لو شرط في عقد البيع أن يعطي المشتري ما أنفقه البايع من الخدمات و نحوها لزم عليه ذلك، لأنّه شرط سائغ.

و أيضاً أخذ العمولة في الفرض الثّاني من الحالة الثانية مع ان البنك هو المقرض و ليس وسيطا للاقراض لايخلو عن إشكال، لأنّه يرجع إلى أخذ زيادة في مقابل القرض و دعوى انه في مقابل القرض بمعناه المصدرى أي الإقراض بعيدة عن الاذهان.

اللّهمّ الا ان يكون الاجرة في مقابل الخدمات التّي أتى بها البنك في أمره للبنك الخارجي بإعطاء قرض من رصيده عنده للمستفيد فتدبّر جيداً.

**********

(1) البنك اللاربوي / 142-144

ص: 349

223

عملية المستفيد من الشيكات

و لايخفى أنّ المستفيد من الشيك ما لك لقيمة الشيك في ذمة البنك المسحوب عليه بموجب إحالة محرّر الشيك المدين له على ذلك البنك، فلو رجع المستفيد المذكور بنفسه إلى البنك المسحوب عليه فلا كلام.

و أمّا إذا اختار أن يرجع إلى بنك آخر و وضعه في الحساب لتحصيل قيمة الشيك بدلاً عن الذهاب إلى البنك المسحوب عليه المدين ابتداء فهو على وجوه:

منها أن يطلب من البنك تحصيل قيمة الشيك، بمعنى انه يطلب منه الاتصال بالبنك المسحوب عليه الشيك و تكليف البنك المسحوب عليه الشيك بأن يحوّل على البنك المكلف بتحصيل قيمة الشيك الدين الذي يملكه المستفيد في ذمته.

و عليه فهنا حوالتان: إحداهما الحوالة التّي يمثّلها الشيك هي حوالة ساحب الشيك على البنك المسحوب عليه. و الاخرى حوالة البنك المسحوب عليه دائنه، أي المستفيد على البنك المحصل.

و يجوز كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره حينئذ للبنك المحصّل أن ياخذ عمولة بازاء قبوله بالاتصال بالبنك المسحوب عليه و تكليفه بالتحويل عليه(1) و هكذا له أن يأخذ اجرة سائر الخدمات لو لم يلاحظها في عمولة قبوله بالاتصال.

و منها أن يبيع المستفيد الدين الّذي يملكه بموجب الشيك في ذمة البنك الآخر من البنك المحصل، و البنك المحصل يشتري منه هذا الدين بقيمته نقداً و يصبح هو بدوره دائنا للبنك المسحوب عليه الشيك بمقدار قيمته، و في هذا الفرض كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره ليس للبنك المحصل أن ياخذ من المستفيد بالشيك اجرة على تحصيل قيمة

**********

(1) البنك اللاربوي / 215

ص: 350

الشيك من البنك المحسوب عليه ذلك الشيك، لأنّه بعد أن يشتري الدين من المستفيد يصبح هو المالك للدين فيحصله لنفسه لا للمستفيد، فلامعنى لمطالبته من المستفيد باجرة على ذلك، ولكن صحة هذا البيع مشروطة ببيع الدين بالمساوي لقيام الدليل على عدم جواز بيع الدين بأقل منه.

نعم لو شرط البنك المشتري على المستفيد أن يحصّل له الدين من البنك المسحوب عليه بنفسه أمكن للبنك المشتري أن يرفع يده عن المطالبة بالشرط المذكور بازاء مال معين.(1)

و لايخفى عليك ان الدليل في بيع الدين من غير من عليه الدين لايدلّ على فساد البيع بالأقل، بل يدلّ على عدم جواز أخذ الزائد ممّن عليه الدين بعد حلول الاجل ثم انّ الظاهر انّ اللازم أن يكون بيع الدين بالأقل أو المساوي النقدي لاالمؤجّل و الاّ لشمله قوله عليه السلام: لايباع الدين بالدين فتأمل.

و منها: أن يوكل المستفيد البنك في تحصيل قيمة الشيك المسحوب على بنك آخر و قبضها، و لا إشكال في ذلك و يجوز أن لا يقبل البنك ذلك الاّ باجرة، و لا يصبح البنك المكلف بالتحصيل حينئذ مدينا للمستفيد و لا دائنا للبنك المسحوب عليه، بل هو وسيط بينهما لتسلم المبلغ نقداً من المدين، و بعد ذلك فاذا كان المستفيد قد تسلّم مبلغاً يساوي قيمة الشيك من البنك المحصّل قبل أن يحصل هذا البنك على قيمة الشيك قال الشهيد الصدر قدس سره: يمكن أن يعتبر هذا المبلغ إقراضاً من البنك المحصل للمستفيد و يستوفي البنك المحصل دينه هذا من قيمة الشيك التّي يحصل عليها من البنك المسحوب عليه.

و لا يعتبر أخذ البنك المحصل للاجرة فائدة على ذلك القرض، لكي يصبح ربويا، و

**********

(1) البنك اللاربوي / 217

ص: 351

انما هي اجرة على تحصيل الدين لصاحب الشيك كما عرفت(1) و الحاصل ان أخذ البنك المحصل للاجرة على تحصيل الدين لصاحب الشيك أمر غير أخذ الفائدة على ذلك القرض.

و منها: أن يقترض المستفيد من البنك غير البنك المسحوب عليه ذلك الشيك ما يساوي قيمة الشيك المذكور

و يصبح المستفيد بذلك مدينا بهذه القيمة للبنك الّذي اتصل به ثمّ يحوّله حوالة على البنك المسحوب عليه، فهذه الصورة مركّبة من إقراض و حوالة

و في هذه الصورة هل يجوز للبنك المذكور أخذ اجرة في قبال تنازله عن المطالبة بالوفاء النقدي و قبوله بالتحويل او لايجوز؟ قال الشهيد الصدر قدس سره: و أخذ البنك للعمولة في هذا الفرض جائز، لأنّه بإقراضه لصاحب الشيك أصبح دائناً له و صاحب الشيك يريد أن يحيله على البنك المسحوب عليه، و هو(2) بوصفه دائنا غير ملزم بقبول هذه الحوالة، بل له أن يطالب صاحب الشيك بالوفاء نقداً، فيمكن و الحالة هذه أن يجعل صاحب الشيك له عمولة و مبلغاً خاصا لقاء تنازله عن المطالبه و قبوله بالتحويل، و ليس هذا من قبيل ما يأخذه الدائن بإزاء إبقاء الدين و تأجيله ليكون ربا، فانّا نفرض أنّ الدائن في المقام لا يطالب بمال بازاء بقاء الدين في ذمة المدين و انّما يطالب بمال لكي يقبل بانتقال هذا الدين من ذمة إلى ذمة اخرى بالحوالة.(3)

هذه وجوه اربعة بالنسبة إلى الشيكات الموضوعة في الحساب الحاكية عن الذمم، و

**********

(1) البنك اللاربوي / 217-218

(2) اى البنك المقرض

(3) البنك اللاربوي / 218.

ص: 352

أمّا الشيكات التضمينية التّي كانت بنفسها مالاً فوضعها في الحساب لتبديلها بالأوراق النقدية لايكون من باب الحوالة، إذ لااشتغال بها في الذمة كما لااشتغال بها في الاوراق.

نعم يمكن ان يوكّل المستفيد البنك في تبديلها بالأوراق النقدية و له عمولة في مقابل التبديل المذكور، و يمكن ان يبيعها بالأوراق النقدية بالأقل و لا مانع منه، لأن المعاملة بين المعدودات الخارجية و لا تكون مشمولة للنهي عن بيع الدين بالدين.

و يمكن ان يقترض من البنك و يعطيه الشيك التضميني من دون زيادة و لكن للبنك أن ياخذ عمولة في مقابل تبديل الشيك المذكور بالأوراق النقدية و أخذها من جهة تسديد دينه

هذا بالنسبة إلى الشيكات التضمينية التي لم يبدّلها بالأوراق النقدية الاّ بعض النبوك، و أمّا الشيكات التضمينية التي يبدّلها كل بنك فهي كالأوراق النقدية من دون فرق و لايحتاج إلى تبديل و لا إلى تحصيل و لا يتصور فيها الوجوه المذكورة في غيرها من الشيكات كما لا يخفى.

224

عملية التحويل بأمر العميل

و لايذهب عليك انه إذا اتفق أنّ شخصاً في بلد أصبح مدينا لشخص في بلد آخر أمكن له إرسال شيك اليه بالبريد حتى يستفيد منه دينه.

و أمكن له بدلاً عن ذلك أن يستعمل طريقة الحوالة المصرفية - و هي كما في البنك اللاربوي - عبارة عن أمر كتابي يصدره العميل المدين إلى البنك لدفع مبلغ من النقود إلى شخص آخر في جهة اخرى فيتولى البنك المأمور الاتصال بفرعه أو مراسله في الجهة المحددة لتنقيذ أمر عميله.

ص: 353

و يتصل الفرع أو البنك المحمول اليه حينئذ بالمستفيد طالباً منه الحضور إلى البنك لتسلم قيمة الحوالة أو يقوم البنك بنفسه بتقييد المبلغ في الحساب الجارى للمستفيد اذا كان هذا الحساب موجوداً و إرسال اشعار بذلك إلى المستفيد

و يمكن تكييف هذا التحويل من الناحية الفقهية على عدة أوجه:

أولها: أن يطلب العميل من البنك أن يوفي الدين الّذي عليه بتسديد الدين الّذي على العميل عن طريق دفع قيمته إلى المحوّل اليه الدائن للمحوّل لكي تبرأ بهذا الدفع ذمة البنك تجاه المحوّل و ذمة المحوّل تجاه المحوّل اليه.

وثانيها: أن يطلب العميل من البنك تسديد الدين الثابت للمحوّل إليه على المحوّل عن طريق الاتصال بفرعه أو مراسله و أمره بدفع قيمة ذلك الدين، فحينئذ يصير الآمر ضامناً للبنك قيمة الدين الّذي سدّده عنه و تحصل المقاصة بين دائنية البنك للآمر بالتحويل نتيجة لتسديد دينه و دائنية الآمر للبنك المتمثلة في رصيده الدائن.

وثالثها: و هو الشايع و هو عبارة عن أن االآمر بالتحويل مدين و المستفيد من الحوالة دائن فذاك يحيل هذا على البنك المأمور بالتحويل، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للمستفيد، و هو بدوره قد يحيل المستفيد على بنك آخر مراسل له في البلد الّذي يقيم فيه المستفيد، فتتم بذلك حوالة ثانية يصبح بموجبها البنك المراسل مديناً للمستفيد، و قد يكون الأوّل فرع بمثله في بلد اقامة المستفيد فيتصل به و يأمره بالدفع و لا يكون هذا حوالة ثانية، لأن الفرع ممثّل للبنك المدين و ليس له ذمة اخرى ليحال عليها الدين من جديد.

ورابعها: انّ البنك الّذي مدين للآمر بالتحويل يحيل الآمر بالتحويل على مراسله في بلد إقامة المستفيد فيصبح البنك المراسل هو المدين للآمر بالتحويل، فيقوم الآمر

ص: 354

بالتحويل بدوره بإحالة دائنه المقيم في بلد البنك المراسل على ذلك البنك، و يكلّف البنك الّذي يتعامل معه بتبليغه ذلك. هذا في ما إذا لم يكن البنك المراسل فرعاً و إلاّ فلا معنى لأن يحوّل البنك المامور بالتحويل دائنه عليه، لأنّه يرجع إلى إحالة الدائن إلى نفسه فتدبّر جيّدا.

ثمّ انّه يحوز أن ياخذ البنك عمولة و اجرة في مقابل عملية التحويل في الوجه الأوّل، لأنّ البنك و ان كان مدينا للآمر بالتحويل و المدين ملزم بتسديد دينه دون عوض و لكنه غير ملزم بالدفع في أيّ مكان يقترحه الدائن، فاذا أراد الدائن منه أن يسدّد دينه في مكان معين غير المكان الطبيعي للوفاء كان من حق البنك أن يتقاضى اجرة على ذلك.

و أيضاً يحوز أخذ الاجرة في الوجه الثّاني في قبال خدمة يؤدّيها البنك لعميله، و قيمة هذه الخدمة تتعيّن بالمسمّى أو اجرة المثل، و ليست هذه الاجرة زيادة في القرض حتى يكون قرضاً ربويّاً، بل هو في مقابل تسديد دينه في بلد آخر باعطاء القرض له فتدبّر جيّدا.

و أمّا إذا كانت عملية التحويل تقوم على أساس الحوالة و هو الوجه الثالث فقد جاز للبنك أخذ العمولة و الاجرة في قبال دفع المال في بلد آخر، لعدم كونه ملزماً بقبول الدفع في مكان آخر، و لافرق في ذلك بين كون رصيد للآمر بالتحويل عند البنك و عدمه و يكون البنك بريئاً و الحوالة حوالة على البريء.

و أمّا إذا تقدم الآمر بالتحويل بالمبلغ فعلاً إلى البنك فقد قال الشهيد الصدر قدس سره: فهذا يعني انّ عقد القرض سوف ينشأ فعلا و يصبح البنك بموجبه مديناً و الآمر بالتحويل دائناً لكي يتاح له توجيه الامر إلى البنك.

و في هذه الحالة يمكن للبنك أن يشترط في عقد القرض على الآمر بالتحويل أن لا

ص: 355

بحيل الآمر دائنه عليه الاّ باذنه أو إلا إذا دفع اليه عمولة معينة و هو شرط سائغ، لأنّه لمصلحة المدين على الدائن لا العكس.

و أمّا على الوجه الرابع فيجوز للبنك أن ياخذ الاجرة و إن كان مديناً، لأن المدين غير ملزم بهذا النوع من الوفاء بل يمكنه تسديد الدين بدفعه نقداً، فاذا أراد الدائن منه هذا النوع الخاص من الوفاء أمكنه الامتناع ما لم تدفع اليه اجرة خاصة.(1)

و ممّا ذكر يظهر حكم الحوالات المصرفية الصادرة، لإمكان تكييفه فقهيّاً بأحد الأوجه الأربعة التي تقدمت لتكييف الحوالات الداخلية مع أخذ عامل واحد للفرق بين الحوالة الداخلية و هذا التحويل الخارجى بعين الاعتبار، و هو - كما أفادا الشهيد الصدر قدس سره: أن القيمة التّي يملكها الآمر بالتحويل في الحوالات الداخلية على ذمة البنك و قيمة الدين الّذي يريد تسديده لدائنه عن طريق هذا التحويل كلتاهما بالعملة الداخلية، و أمّا هنا فالعميل الطالب للتحويل المصرفي الخارجي له رصيد دائن في البنك يمثّل على الأغلب ديناً له على البنك بالعملة الداخلية، و أمّا الدين الّذي يريد العميل تسديده للمصدر الاجنبي فهو بالعملة الاجنبية.

و على هذا الاساس إذا فسرنا التحويل بأنه محاولة لتسديد البنك الدين الّذي لعميله عليه عن طريق وفاء دين العميل فهو من الوفاء بغير الجنس، و يجوز شرعاً مع رضا الدائن، و إذا فسّرنا التحويل بأنه حوالة من العميل لدائنه على البنك فهي هنا حوالة على بريء، لأن البنك غير مدين بعملة أجنبية للعميل بينما هي هناك في الحوالات الداخلية تكون حوالة على مدين.

نعم إذا سبقها عقد بيع و شراء اشترى العميل الطالب للتحويل بموجبه عملة أجنبية

**********

(1) راجع البنك اللاربوي / 117

ص: 356

في ذمة البنك بما يعادل قيمتها من العملة الداخلية التي يملكها العميل في ذمة البنك و يتمثل فيها رصيده الدائن كان البنك مديناً حينئذ للعميل و يكون تحويل المصدر الاجنبي عليه من الحوالة على مدين

و هكذا لو باع البنك ما يملكه من عملة أجنبية في ذمة البنك المراسل في الخارج لقاء ما يعادل قيمتها من العملة الأهلية التّي يملكها العميل في ذمته كان العميل بذلك دائنا للبنك المراسل، فجاز له إحالة دائنه إلى البنك المراسل، فيكون التحويل المصرفي الخارجي مزدوجاً من بيع الدين و حوالة الدين و هو جائز في ما إذا كان الثمن في بيع الدين نقداً.

و يجوز أخذ العمولة في الموارد التي جاز ذلك في الحوالات الداخلية. و مما ذكر ينقدح حكم الحوالات المصرفية الواردة، فإنّ هذه الحوالات المصرفية ترد إلى الفرع أو المراسل المحوّل عليه، و البنك المذكور يدفع قيمة التحويل نقداً إلى المستفيد أو يقيدها في حسابه الجاري أو يحوّلها لحسابه في بنك اخر حسب طلب المستفيد، و كل ذلك جائز مادام بالإمكان تخريج الحوالة المصرفية على أساس الحوالة الفقهية التى يصبح المصدر بموجبها دائناً للبنك المراسل الذي ترده الحوالة بمجرد قبوله (أي المصدر) لها، فيكون بإمكانه أن يتخذ تجاه دينه الذي يملكه على البنك المراسل أىّ قرار بحلوله.

و أمّا إذا كانت الحوالة المصرفية مجرّد أمر بالدفع فلا يصبح المصدر بذلك مالكاً لقيمة التحويل في ذمة البنك المراسل الّذي ترده الحوالة ما لم يتسلم المبلغ أو يقبضه شخص آخر أو جهة اُخرى و حتى البنك نفسه نيابة عنه، فلا يمكن للمصدر بدون تسلّم للمبلغ أن يأمر بقيده في الحساب الجاري أو تحويله إلى حسابه في بنك آخر.(1)

**********

(1) راجع البنك اللاربوي/ 139-142

ص: 357

225

تعزيز الشيكات بتوقيع البنك

ربما يحاول ساحبوا الشيكات مع البنك على أن يقبل أن يعزّزها بتوقيعه و تحمل مسؤوليتها أمام من سوف يستلمها كوفاء لدينه تسهيلا لتداولها، و هذا القبول يرجع إلى استعداد البنك لقبول حوالة صاحب الشيك عليه، قال الشهيد الصدر قدس سره: هو إمّا أن يتجه إلى مستفيد معين و إمّا أن لايتجه إلى مستفيد معين، كما اذا وقّع البنك الشيك قبل ان يحرّره صاحبه لأيّ شخص، فان اتجه إلى مستفيد معين كان معناه التعهد بدين ساحب الشيك تجاه ذلك المستفيد المعين، و يكون نظير قبول الكمبيالة البنك و ينتج نفس الأثر شرعاً.

و أمّا إذا لم يتوجه إلى مستفيد معين فهو تعهد غير محدّد، و لهذا لايعتبر ملزماً للبنك بتحمل المسؤولية.

و ربما يقبل البنك للشيك بالمعنى الّذي لا يُحَمَّل البنك أيّ مسؤولية، و انما يعني تأكيد البنك على وجود رصيد دائن للساحب و استعداده لخصمه قيمة الشيك إذا قدّم اليه من ذلك الرصيد، و هذا جائز سواء اتجه إلى مستفيد معين أولا، و هو لايعدو مجرّد الإخبار الضمني عن مركز العميل في البنك.

و يمكن للبنك أن يتقاضى عمولة على قبول الشيك كما يتقاضى عمولة على قبول الكمبيالات.(1)

و الظاهر من قبول المسؤولية بقرنية تنظيره بقبول المسؤولية في الكمبيالة هو استعداده لقبول الحوالة او الوفاء لو لم يف ساحب الشيك.

بل يجوز للبنك أن ياخذ في قبال التأييد و التأكيد اجرة العمولة لأنّه عمل محترم كما لايخفى.

**********

(1) البنك اللاربوي / 123

ص: 358

226

مسأله خلق الإئتمان

يجوز للبنك خلق الإئتمان بدرجة أكبر من كميّة الودائع، و لعلّ مصلحة خلق الإئتمان هو الازدياد في التسهيلات و الخدمات البنكية، و كيف كان فقد أفاد السيّد الشهيد الصدر قدس سره في بيانه انّه كما إذا نفترض أنّ كمية الودائع الموجودة لدى البنك مثلاً 1000 دينار، فتتقدم إليه حوالتان من شخصين ليس لهما أيّ رصيد لديه، كل منهما يحوّل دائنه على البنك ب - 1000 دينار، و البنك يعرف أنه إذا قبل الحوالتين معا فسوف لن يتعرض لخطر المطالبة ب - 2000 دينار، لأنّ الدائنين سوف لن يسحبا دينهما في وقت واحد، و على هذا الاساس يتقبل البنك كلتا الحوالتين فيصبح بذلك دائناً لكل من المحوّلين ب - 1000 دينار.

و في هذه الحالة نشأت دائنية البنك ب - 2000 دينار للمحوّلين من قبوله بحوالتيهما لامن عقد القرض، و الحوالة صحيحة شرعاً، فيعتبر البنك دائنا ب - 2000 دينار للمحوّلين و مديناً في نفس الوقت ب - 2000 دينار لدائني المحوّلين.

و هو أمر جائز إذا وجد السبب الشرعي، و المفروض انّ الحوالة سبب شرعي (و لاتشترط بالقبض) و لا يصحّ ذلك بالإقراض إذا لم يتوفر فيه قبض المقرض المبلغ، كما يتقدم اليه شخصان يطلب كل واحد منهما قرضا قدره 1000 دينار و هو يوافق لإنه يعلم أنهما سوف يودعان ما يقترضانه لديه مرة اُخرى، و سوف لن يسحبا و دائعهما معاً في وقت واحد، فهو يرى أنه بامكانه أن يلتزم لكلّ واحد منهما بقرض قدره 1000 دينار و بذلك يعتبر نفسه دائنا ب - 2000 دينار بينما ليس لديه في خزائن و دائعه إلا 1000 دينار.

و ذلك لأن مع عدم القبض لم يتحقق السبب الشرعي، فلا مبرّر للدائنية، فانّ مجرّد

ص: 359

التزام البنك ب - 2000 دينار لكل من الشخصين و تقييد المبلغ في الرصيد المدين لحسابه الجاري في سجلاته الخاصة لا يخلق ديناً و دائناً و مديناً، نعم لو قبض الّذي يطلب القرض هذا المبلغ ثمّ يودعه في حسابه الجاري في البنك يكون القرض صحيحا، لأنّه قرض مقبوض، و مع صحة القرض يخلق الدين و الدائنية و المدينية.

و هكذا يصح القرض إذا تقدّم شخص طالباً قرضاً قدره 1000 دينار فيقرضه البنك المبلغ المطلوب وَ يَتَسلّفه(1) المقترض و يدفعه إلى دائنه وفاء لدينه فيتسلمه الدائن و يودعه بدوره في البنك، فيتقدم شخص آخر طالباً اقتراض 1000 دينار من البنك فيقرضه و يدفع إليه المبلغ و بذلك يصبح البنك دائنا ب - 2000 دينار بينما لم يكن لديه في خزانة ودائعه إلاّ 1000 دينار.

ثمّ لا يخفى عليك أنّا لانريد بالقبض فصله نهائياً عن البنك المقرض، بل بإمكان العميل الّذي يطلب قرضاً قدره ألف دينار مثلاً أن يقبض هذا المبلغ ثمّ يودعه في حسابه الجاري في البنك و يكون القرض في هذه الحالة صحيحاً لأنّه قرض مقبوض.(2)

لا يقال: انّ تفسير القبض بإمكان أن يقبض لا يخلو عن إشكال، لأن القبض ظاهر في فعلية الأخذ و إمكان القبض لا يوجب صدق القبض بالفعل

لانّا نقول: لعلّ المراد من هذا التفسير بيان أن القبض أي الأخذ بمعنى الاستيلاء، و هو معنى واحد يختلف باختلاف الموارد كما أفاد شيخنا الاعظم قدس سره حيث قال: و قد ظهر مما ذكرنا أن لفظ القبض الظاهر بصيغته في فعل المشتري يراد به الاستيلاء على المبيع سواء في المنقول و غيره، لانّ القبض لغة الأخذ مطلقا أو باليد أو بجميع الكف على

**********

(1) أي يأخذه.

(2) راجع البنك اللاربوي / 102-105

ص: 360

اختلاف التعبيرات، فإن اُريد الأخذ حسّاً باليد فهو لا يتاتى في جميع المبيعات، مع ان أحكامه جارية في الكل، فاللازم أن يراد به في كلام اهل اللغة و في لسان الشرع الحاكم عليه بأحكام كثيرة في البيع و الرهن و الصدقة و تشخيص ما في الذمة: أخذ كل شيء بحسبه و هو ما ذكرنا من الاستيلاء و السلطنة.

و أمّا ما ذكره بعضهم من اعتبار النقل و التحويل فيه، بل ادعى في الغنية الإجماع على أنه القبض في المنقول الّذي لايكتفى فيه بالتخلية فهو لايخلو عن تامل، و إن شهد من عرفت بكونه موافقاً للعرف في مثل الحيوان، لأنّ مجرد إعطاء المقود للمشتري أو مع ركوبه عليه قبض عرفا على الظاهر... إلى أن قال: و كيف كان فالاولى في المسألة ما عرفت من أن القبض له معنى واحد يختلف باختلاف الموارد، و إنّ كون القبض هو الكيل أو الوزن خصوصاً في باب الصدقة و تشخيص ما في الذمة مشكل جداً، لأنّ التعبد الشرعي على تقدير تسليمه مختص بالبيع إلا ان يكون إجماع على اتحاد معنى القبض في البيع و غيره.(1)

و عليه يتحقق الاستيلاء بتقييد المبلغ في الرصيد المدين لحسابه الجاري في سجلاته الخاصة بحيث يمكن له الأخذ من حسابه و إيداعه فيه، ولكن يشكل ذلك من جهة انّ صدق استيلاء الفرد الأوّل على ما في خزانة البنك يمنع عن صدقه بالنسبة إلى الفرد الثّاني، اذ لايجتمع الاستيلائان المستقلان في الشيء الواحد الخارجي.

اللّهمّ إلاّ أن يقال: انّ بقاء ما في خزانة البنك بعد استيلاء الفرد الأوّل يكون قرضاً للبنك، فيجوز للبنك أن يفعل بالثاني ما فعله بالأول، و عليه فالقرض كالحوالة في خلق الائتمان فلاتغفل.

**********

(1) مكاسب شيخنا الاعظم / ص 310-311، ط تبريز.

ص: 361

227

تحصيل الكمبيالات

اشارة

قال الشهيد الصدر قدس سره: يقوم البنك أيضاً بخدمة اُخرى من خدمات التحصيل و هي استحصال قيمة الكمبيالة لحساب عميله، إذ يقوم عادة قبل حلول موعد استحقاق الكمبيالة ببضعة أيام لإرسال إخطار للمدين يوضّح فيه رقم الكمبيالة و تاريخ استحقاقها و قيمتها، و بعد الحصول على قيمتها من الدين يقيدها في الرصيد الدائن للمستفيد من الكمبيالة بعد خصم المصاريف

و هذه الخدمة جائزة شرعاً إذا افتصرت على تحصيل نفس قمية الكمبيالة و لم تمتّد إلى تحصيل فوائدها الربوية

و أخذ العمولة جائز شرعاً أيضاً سواء تمّ التحصيل عن طريق تسلّم المبلغ نقداً او عن طريق ترحيل قيمة الكمبيالة من الرصيد الدائن لمحرّر الكمبيالة في البنك إلى الرصيد الدائن للمستفيد.

و معنى هذا الترحيل هو حوالة محرّر الكمبيالة دائنه على البنك.(1)

228

وهنا مسائل

اشارة

229

المسألة الاولى: في التعليق في باب الحوالة

لو أحال محرّر الكمبيالة دائنه على البنك معلّقاً على حلول أجل الاستحقاق فالظاهر انه لابأس به، لما مرّ من عدم الاشكال في التعليق في باب الحوالة خلافاً لما يظهر من المشهور و وفاقاً للسيد الفقيه اليزدى قدس سره، لعدم ثبوت الإجماع على اعتبار التنجيز في الحوالة قال الشهيد الصدر قدس سره: و من هذا القبيل: الكمبيالة التي تقدم إلى البنك و هي تحمل

**********

(1) البنك اللاربوي / 120.

ص: 362

توقيع العميل و موضع أعلاه صراحة بتقديمها إلى البنك عند الاستحقاق لمصرف قيمتها من حسابه الجاري لدى البنك، فإنّ هذا يعني انّ محرّر الكمبيالة أي المدين قد أحال دائنه على البنك غير انّها حوالة معلّقة على حلول أجل الاستحقاق و لابأس بذلك شرعاً.

و يتم تحصيل البنك لهذه الكمبيالة المحوّلة عليه بخصم قيمتها من حساب محرّرها و قيدها في حساب المستفيد أو دفعها اليه نقداً إذا طلب المستفيد ذلك.

و في هذه الصورة فالبنك يصبح بتحويل محرّر الكمبيالة عليه مديناً للمستفيد بقيمة الكمبيالة بدون حاجة إلى قبوله، لأنّ المحرّر له رصيد دائن في البنك و التحويل من الدائن على مدينه ينفذ دون حاجة إلى قبول المدين، و إذا أصبح البنك مديناً فلا مبرّر لأخذه عمولة على وفاء دينه، هذا بخلاف أن يتقدم المستفيد إلى البنك بكمبيالة غير محوّلة ابتداء على البنك و يطلب منه تحصيلها، فإنّه يجوز للبنك حينئذ أخذ عمولة لقاء اتصاله بالمدين و مطالبته بالوفاء الّذي سوف يتم إمّا بتسليم المبلغ نقداً أو بترحيل الحساب... إلى أن قال: و هكذا يتضح أنّ تحصيل الكمبيالة يمكن للبنك أن ياخذ عليه عمولة إذا لم تكن محولة على البنك.

و أمّا الكمبيالة التّي يحوّلها محرّرها على رصيده الدائن في البنك فلا يمكن لذلك البنك أن ياخذ عمولة على تحصيل قيمتها للمستفيد إلا في حالة اشتراط البنك على عملائه الدائنين منذ البدء أن لايحوّلوا عليه بدون إذنه، فيمكنه حينئذ أن يتقاضى عمولة لقاء إسقاط هذا الشرط.(1)

230

المسألة الثانية: في كيفية استحقاق البنك للجعل

أنّ التحقيق كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره أنّ استحقاق البنك للعمولة بمجرّد المطالبة أو

**********

(1) راجع البنك الللاربوي / 120-121.

ص: 363

توقف الاستحقاق على تحصيل المبلغ فعلاً ليس مبنياً على كون المقام من باب الجعالة أو من باب الاجارة بل على تشخيص ما انيط به الجعل أو الاجرة.

و تحقيق ذلك: ان تحصيل الدين إمّا ان يفرض كونه مقدوراً للبنك و لو عن طريق الإلحاح في المطالبة أو الرجوع إلى القضاء و نحو ذلك.

و إمّا ان يفرض كون البنك عاجزاً عن التحصيل إذا لم تنفع المطالبة الابتدائية في تحصيله، فإن فرض تمكّن البنك من التحصيل فكما يمكن لدائن أن يجعل له جعلا على تقدير التحصيل، كذلك يمكنه أن يستأجره على تحصيل الدين بالفعل.

و تتفق حينئذ الجعالة و الاجارة معاً في عدم استحقاق البنك للعمولة بمجرّد المطالبة إذا لم يترتب عليها التحصيل و كان متوقفاً على مواصلة العمل من البنك، لأنّ الجعل و الأجر وقعا في مقابل التحصيل لامجرّد المطالبة.

و إذا لم يفرض كون البنك قادراً على تحصيل الدين بالفعل و إنّما يفرض قدرته على المطالبة به فحسب، فكما يمكن للدائن أن يستاجر البنك على مجرّد المطالبة كذلك يمكنه أن يضع له جعلاً على مجرّد المطالبة و تتفق حينئذ الجعالة و الإجارة معاً في استحقاق البنك للعمولة بمجرّد المطالبة، لأنّ الجعل و الأجر وقعا في مقابل المطالبة لاالتحصيل الفعلي للدين.

فاتضح أن الجعل في الجعالة يمكن تصويره بنحو لايكون مستحقاً إلا بالتحصيل، كما أنّ الاجرة في الاجارة يمكن تصويرها بنحو لايكفي في استحقاقها مجرد المطالبة.(1)

231

المسألة الثالثة: في توقف صحة الاجارة على مقدورية العمل

أن صحة الإجارة متوقفة على كون الفعل المستأجر عليه مقدوراً اللأجير و إلاّ كانت

**********

(1) البنك اللاربوي / 223-224

ص: 364

الإجارة باطلة و ذلك لكون صحة الاجارة فرع كون الموجر مالكاً للمنفعة ليمكن له تمليكها للمستاجر بعقد اجارة.

و عليه - كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره في البنك اللاربوي - فلايصح للدائن أن يستأجر شخصاً لتحصيل دينه من المدين و تسليمه له إلاّ إذا كان التحصيل و التسليم مقدوراً للأجير، بأن فرض استعداد المدين للدفع عند المطالبة، و أمّا إذا لم يكن المدين مستعداً للدفع عند المطالبة و لم يكن الأجير قادراً على إخباره على الدفع فلا يكون تحصيل الدين من المدين و تسليمه إلى الدائن مقدوراً للاجير فتبطل الاجارة الواقعة عليه. هذا بخلاف الجعالة حيث انّها لاتتكفّل تمليك الجاعل منفعة الفاعل، فلا يأتي هنا ما ذكرناه في الاجارة... و على هذا الاساس فلادليل على اشتراط قدرة المجعول له على العمل في الجعالة إلا كونها غير عقلائية و سفهائية مع فرض عجز المجعول له عن العمل، و هذا المحذور انما هو في فرض العلم بالعجز، و امّا مع احتمال القدرة فتكون الجعالة عقلائية و لا مانع من نفوذها.

و بناء على ذلك يمكن للدائن في المقام أن يجعل للبنك جعلاً على تحصيل الدين بالفعل و تسليمه إليه أو إلى من يحب ولو مع الشك في قدرة البنك على التحصيل.(1)

232

المسألة الرابعة: في كفاية القدرة واقعا و عدمها

إذا شك في قدرة الأجير على العمل كما إذا شككنا في استعداد المدين للدفع إذا طولب، و هذا يوجب الشك في قدرة الأجير على تحصيل الدين و تسليمه إلى الدائن... فهل تبطل الإجارة الواقعة على عمل يشك في قدرة الأجير عليه مطلقا، أو تتبع صحةً و بطلاناً واقع الامر؟ فإن كانت القدرة موجودة عند الأجير صحّت الاجارة،

**********

(1) البنك اللاربوي/ 223-229

ص: 365

لأنّ الاجير يكون مالكاً في الواقع للفعل فينفذ تمليكه له، و إن لم تكن القدرة ثابتة للأجير في الواقع يطلت الاجارة، لأنّ الاجير قد ملك ما ليس من منافعه المملوكة له، و الظاهر - كما أفاد في البنك اللاربوي - هو الثّاني.

و دعوى انّ قدرة الأجير على الفعل معتبرة في صحة الاجارة بملاكين:

أحدهما بلحاظ دخلها في مالكية الأجير للمنفعة التّي يملكها للمستأجر في عقد الإجارة، إذ لو لم تكن قادراً على الخياطة مثلاً فلايكون مالكاً لهذه المنفعة فلا يصحّ منه تمليكها.

و الآخر بلحاظ أنّ الاجارة يشترط فيها القدرة على التسليم حتى إذا وقعت على منافع الأموال فعجز الأجير عن العمل المستأجر عليه يوجب الإخلال بشرط القدرة على التسليم لما ملكه بالعقد، و على هذا الأساس فوجود القدرة واقعاً مع الشك فيها ظاهراً انما ينفع في نفي الملاك الأول للبطلان، لأنّ القدرة الواقعية تكفي لصيرورة الأجير مالكاً في الواقع للمنفعة و صحة الإجازه تتوقف على كون الموجر مالكاً للمنفعة لاعلى كونه عالماً بانّه مالك لها و انّ الملاك الثاني للبطلان فلايزول بفرض القدرة الواقعية مع الشك فيها، لأنّ مدرك اشتراط القدرة على التسليم هو الغرر، و الغرر لاينتفي إلاّ مع العلم بالقدرة على التسليم.

و الحاصل أنّ القدرة الواقعية تكفي في مالكية الأجير للمنفعة، بخلاف القدرة على التسليم، فإنّ القدرة الواقعية لاترفع الغرر الموجود بسبب الشك في القدرة.

مندفعة بما أفاده الشهيد الصدر قدس سره من أنّ القدرة على التسليم على فرض القول باشتراطها في صحة الاجارة و بطلان الاجارة بدونها فليس المدرك في ذلك النهي عن الغرر، لقصوره عن إثبات المطلوب سنداً و دلالة كما هو محقق في محلّه، بل بالإجماع، و القدر المتيقن منه فرض انتفاء القدرة واقعا.(1)

**********

(1) البنك اللاربوي / ص 225-228.

ص: 366

و الوجه في قصور النهي عن الغرر بحسب الدلالة انّ الغرر هو الخطر لامجرّد الجهل و لاخطر في المقام بوجه، لاستلام المنفعة على تقدير حصولها و استرداد الاجرة على تقدير الاخر، فلامخاطرة غايته هو الجهل و لادليل على قدحه في مثل المقام كما لايخفى.

و دعوى انّ هذا من التعليق و هو موجب للبطلان في الاجارة.

مندفعة أيضا بما أفاد الشهيد الصدر قدس سره من أنّا نمنع ذلك أمّا اوّلاً فلإمكان فرض تمليك المنفعة بعوض منجّز و فعلي من قبل الأجير، لأنّ شكّه في كونه مالكاً للمنفعة الفلانية لأجل شكه في القدرة عليها لايمنع عن صدور إنشاء يملك تلك المنفعة بعوض منه على منجز، نظير من يشك في أنّ عيناً من الأعيان ملكه و يبعها مع هذا بيعاً منجزاً، فالتعليق في المقام انما هو تعليق للحكم بصحة الاجارة للمنشأ المجهول من قبل الأجير و المستأجر في عقد الاجارة.

و ثانياً لو سلّم سريان التعليق الى نفس المنشأ المجعول منهما فليس هذا من التعليق الباطل، لأنه من التعليق على تمامية أركان صحة العقد و ليس من التعليق على أمر خارجي من قبيل رجوع الحجاج أو نزول المطر الذي هو المتيقن من الاجماع على مبطلية التعليق.(1)

و الوجه في كون التعليق على تمامية أركان صحة العقد هو دخالة القدرة على التسليم في تحقق الملكية أو تعذر التسليم مانع عن صدق عنوان التمليك المتعلق بالمنفعة المأخوذة في مفهوم الاجارة.

ثمّ انّه لا يذهب عليك انّ السيد المحقّق الخوئي قدس سره استشكل في اجارة المشكوك

**********

(1) البنك اللاربوي / ص 225-226.

ص: 367

فيه القدرة حيث قال: فإن وقعت الإجارة مطلقة من غير تقييد بالقدرة على الاستيفاء خارجاً فلاينبغي الشك في فسادها حينئذ، إذ ما لم تثبت القدرة على التسليم لم ينتزع عنوان الملكية بالاضافة إلى المنفعة الواقعة في حيّز الإجارة، فطبعاً يكون مورد الإجارة مردّداً بين المال و ما لا مالية له المستلزم لوقوع الاجرة حينئذ بلا عوض، و ما هذا شأنه محكوم بالفساد، لعدم إحراز المبادلة و المعاوضة المعتبرة في مفهوم الاجارة.

و أمّا تخصيص الصحة بفرض القدرة بمعنى أنّ الإجارة و إن انشئت مطلقة إلا أنّ صحتها مراعى بإمكان الاستيفاء، فان تمكّن من استيفاء المنفعة خارجا صحّت و إلاّ فلا، فهو و إن كان ممكناً ثبوتاً إلاّ أنّ الدليل على الصحة قاصر إثباتاً، نظراً إلى أنّ أدّلة النفوذ و الامضاء تتبع كيفية الانشاء سعة وضيقاً بمناط تبعية العقود للقصود، و المفروض في المقام تعلق الا نشاء بالاجارة على صفة الاطلاق و من غير تقييد بالقدرة، فما قصده المتعاملان غير قابل للإمضاء و النفوذ، و ما هو قابل غير مقصود، فلامناص من الالتزام حينئذ بالفساد.(1)

233

تعزيز الكمبيالات

غير خفي أنّ المدين المحرّر لكمبيالة قد يحاول أن يعزّز تلك الورقة التجارية عن طريق الحصول على قبول البنك و توقيعه على تلك الورقة

و هذا القبول - كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره - على قسمين:

الأوّل: القبول الذي يتحمل فيه البنك مسؤولية أمام المستفيد من الورقة التجارية.

والثّاني: القبول الّذي لايتحمل البنك فيه ايّ مسؤولية للوفاء أمام المستفيد، و انما يعني تأكيد البنك على وجود رصيد دائن لمحرّر الورقة التجارية لديه صالح لأن تخصم

**********

(1) مستند العروة / 40-41

ص: 368

منه قيمة تلك الورقة.

أمّا الأوّل فهو جائز شرعاً لا على أساس عقد ضمان الدين بمعناه الفقهى المعروف من نقل الدين من ذمة الى ذمة و لابمعنى ضمّ ذمة إلى ذمة.

بل على أساس انه تعهد بوفاء المدين بدينه بمعنى أنّ المدين مسؤول و مشغول الذمة بذات المبلغ، و الضامن مسؤول عن أداء ذلك المبلغ، أي انّه مسؤول عن خروج المدين عن عهدة مسؤوليته و تفريغ ذمته.

و عليه فليس للدائن أن يرجع ابتداء إلى الضامن و يطالبه بالمبلغ، لأنّه ليس مسؤولا مباشرة عن المبلغ، بل هو مسؤول و متعهد بأداء المدين للدين و خروجه عن عهدة ذلك المبلغ.

و مثل هذا التعهد من الضامن إنما ينتهي إلى استحقاق الدائن للمطالبة من ذلك الضامن في ما إذا امتنع المدين عن الوفاء، فانّ معنى هذا الامتناع أنّ ما تعهد به الضامن - و هو أداء المدين للدين - لم يتحقق، و لمّا كان الأداء بنفسه ذا قيمة مالية، و المفروض أنّه تلف على الدائن بامتناع المدين عنه قصوراً أو تفصيراً فيصبح مضموناً على من كان متعهداً به و تشتغل ذمة الضامن حينئذ بقيمة الأداء التّي هى قيمة الدين.

و هذا المعنى للضمان صحيح شرعا بحكم الارتكاز العقلائي أولاً و للتمسك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ثانياً بناء على عقدية هذا النحو من التعهد و الضمان، أي كون إيجاده المعاملي متقوماً بالتزامين من الطرفين (كما هو الظاهر).

و أمّا الروايات الّتي دلّت على أنّ عقد الضمان ينتج نقل الدين من ذمة إلى ذمة فلا يمكن الاستدلال بها في المقام على إبطال الضمان الّذي تصورناه، لعدم كونه منتجاً لنقل الدين من ذمة إلى ذمة، و الوجه في عدم إمكان الاستدلال بتلك الروايات على ذلك أنّ تلك الروايات انما تنظر إلى عقد يتكفل ضمان نفس الدين لاضمان الأداء، فلا يمكن إبطال

ص: 369

هذا المعنى من الضمان بلحاظ تلك الروايات.

فاذا ظهرت مشروعية ذلك الضمان فانّ تخلّف المدين عن الوفاء أمكن أن يرجع المستفيد من الكمبيالة إلى البنك المتعهد لقبض قيمتها، و أمّا إذا كان المدين مستعداً للوفاء فلا يجوز لدائنه أن يرجع على البنك المتعهد رأساً و يلزمه بأداء الدين.

و أمّا الثّاني أي قبول البنك للكمبيالة بالمعنى الّذي لا يتحمل فيه البنك مسؤولية الوفاء أمام المستفيد منها، و انما يقصد به أن يؤكّد البنك وجود رصيد لمحرّر الكمبيالة يسمح بخصم قيمتها منه و استعداده لدفع قيمة الكمبيالة من ذلك الرصيد فهو جائز أيضاً و ليس فيه أيّ إلزام إضافي للبنك.

ثمّ لايخفى عليك انه لما كان قبول البنك يكسب ذمة محرّر الكمبيالة اعتباراً و يعزّز الثقة بها فبإمكان البنك أن ياخذ جعالة و عمولة على هذا القبول بوصفه عملاً مفيدا لمحرّر الكمبيالة على أيّ حال، سواء ترتب عليه بعد ذلك وفاء البنك أولا.(1)

234

الكمبيالات الصورية

اشارة

قال الشيخ حسين الحلى قدس سره: الكمبيالات الصورية حيث لايكون لأحد الطرفين قرض بذمة الآخر بل قد تعارف أن يكتب أحد الطرفين إلى الآخر ورقة - كمبيالة - تفيد بأن احد الطرفين مدين إلى الآخر بمبلغ مائة دينار و أنّ المدين مستعد للدفع في الموعد المحدّد و لذا اطلقوا عليها (كمبيالة المجاملة). و لذلك كانت المداينة صورية بينهما

و بعد تمامية هذه المداينة الصورية يأخذ الدائن ورقة الكمبيالة ليدفعها إلى البنك فيستقطع البنك مبلغاً معيناً و يدفع البنك ما تبقّى إليه، و عند حلول الموعد يتولّى البنك

**********

(1) راجع البنك اللاربوي / 121-122 و 230-234

ص: 370

مطالبة المدين بالمبلغ المذكور كاملاً... إلى ان قال: و في مقام تصحيح هذا النوع من الكمبيالات يمكن تصوير تنزيلها عند الشخص الثالث على نحوين:

تارة تكون على نحو البيع و الشراء

و اخرى تكون على نحو القرض

أمّا لو كان التنزيل فيها على نحو البيع فالمتصور هنا صورتان:

الصورة الاولى: أن يكون توقيع - الكمبيالة - من قبل المدين الصوري

235

الصورة الاولى: أن يكون توقيع - الكمبيالة - من قبل المدين الصوري و الاعتراف منه بأنه مدين إلى الآخر بالمبلغ لينزّلها عند الشخص الثالث راجعاً إلى المدين بهذه العملية قد و كّل الدائن - المجير - بأن يوقع المعاوضة مع الشخص الثالث على مبلغ قدره ثمانية و تسعين ديناراً من ذلك الشخص في قبال مائة دينار مؤجلة لثلاثة أشهر في ذمة المدين، و يدفع الكمبيالة إلى الشخص الثالث ليقبض المائة دينار من المدين عند الاستحقاق، و يستلم الدائن المبلغ المذكور ليدفعه إلى المدين، و بذلك تنتهي المعاملة البيعية و يكون المدين الصوري مشغول الذمة إلى ذلك الشخص الثالث بالمائة دينار و لايكون في البين شيء من الربا.

و في هذه الصورة لو أراد الدائن أن يستفيد هو بالمبلغ و إن كان ملكاً للمدين فعليه أن يجري معاملة جديدة مع المدين فيشتري المبلغ المذكور و هو ثمانية و تسعون ديناراً نقدية بمائة دينار مؤجلة لثلاثة اشهر مثلاً، و بذلك تتم هذه المعاملة و يكون المدين الصورى، مدينا للبنك أو الشخص الثالث بمائة دينار، و الدائن مديناً للمدين بمائة دينار و لاربوية في البين.

الصورة الثانية: هي أن يجري الدائن الصوري في الكمبيالة معاملة لنفسه مع الشخص الثالث

236

الصورة الثانية: هي أن يجري الدائن الصوري في الكمبيالة معاملة لنفسه مع الشخص الثالث فيشتري هذا الشخص الثالث من الدائن مبلغاً قدره مائة دينار مؤجلة

ص: 371

لثلاثة أشهر بثمانية و تسعين نقدية، و حيث تكمل هذه المعاملة البيعية بين الطرفين يحوّل الدائن الشخص الثالث باستلام المائة دينار عند الاستحقاق من المدين، و لايمكن للمدين التخلف عن هذه الحوالة، لأنّ المفروض قبوله لها، لتوقيعه - الكمبيالة - و الاعتراف بأنّه مدين إلى الآخر بهذا المبلغ و هو مائة دينار.

و هذا المبلغ لو أراد الدائن أن يتصرف فيه فهو ملكه و يكون مشغول الذمة بمأة دينار إلى المدين حيث يدفع عنه إلى الشخص الثالث ما حوّل عليه.

و أمّا لو أراد المدين أن يتصرف بالمبلغ كان عليه أن يجري معاملة بيعية جديدة مع الدائن، فيشتري منه ثمانية و تسعين ديناراً نقدية بمائة دينار مؤجلة.(1)

و الاولى هو ان يقال مكان قوله: «فيشتري هذا الشخص الثالث من الدائن مبلغاً» فيبيع هذا الشخص الثالث من الدائن مبلغاً قدره ثمانية و تسعون نقدية بمأة دينار مؤجلة لثلاثة أشهر.

و كيف كان فلايخفى عليك انّ مجرد التوقيع لايدلّ على الرضاية بالحوالة، فإنّه فرع الالتفات إليها، و المعتبر في الحوالة على البري هو الرضاية، نعم لو التفت المدين الصوري بأنّ الدائن أراد الحوالة رضي بها كما هو الغالب، ولكنه كالوعد و لا دليل على إلزامه بذلك الا أن يبقى على رضايته بعد تحقق الحوالة فتدبّر جيّدا.

ثمّ انّ قوله: «و يكون مشغول الذمة بمائة دينار إلى المدين حيث يدفع عنه إلى الشخص الثالث ما حوّل عليه» لايساعد مع ما مرّ منه في مبحث خلق الائتمان من أنّ صحة الحوالة و أثرها لاتتوقف على القبض، بل الدائنية نشأت من قبول الحوالة بخلاف القرض، فإنّ الدائنية تتوقف فيه على القبض، و عليه فمع قبول الحوالة يصير المدين

**********

(1) بحوث فقهية / 90-92.

ص: 372

الصوري مديناً واقعاً بالنسبة إلى الشخص الثالث، و حيث أنّ إشتغال الذمة ليس تبرعياً يصير الدائن الصوري مديناً واقعاً بالنسبة إلى المدين الصوري بنفس الحوالة، لاستيفاء المحيل مال المحال عليه بإشغال ذمته لافراغ ذمة نفسه، نعم يمكن منع جواز مطالبة المحال عليه من المحيل قبل الأداء، ولكن الأداء ليس لمصلحة المحيل بل هو لمصلحة المحال عليه، و إن شئت المزيد فراجع مسألة 10 من مسائل الحوالة المذكورة في كتاب العروة.

و الصورة الثالثة: و هي - كما أفادها سيدنا الامام المجاهد قدس سره في تحرير الوسيلة - ما اذا اجرى الدائن الصورى المعاملة مع الشخص الثالث من جانب المدين الصورى بتوكيله

237

والصورة الثالثة: و هي - كما أفادها سيدنا الامام المجاهد قدس سره في تحرير الوسيلة - ما إذا أجرى الدائن الصوري المعاملة مع الشخص الثالث من جانب المدين الصوري بتوكيله كما مرّ في الصورة الاولى مع ضمان الدائن الصوري للشخص الثالث بأن ينقل ذمة المدين الصوري إلى ذمته في فرض عدم الأداء، و هذا أيضاً له وجه صحة و إن لايخلو من إشكال.(1)

هذا كله فيما إذا لم تكن هذه الصور وسيلة لتداول الربا و الاّ فمحلّ إشكال، لما قرّر في محله من الإشكال في الحيل الربوية.

ثمّ انه لو استقرض الدائن الصوري لنفسه من الشخص الثالث مبلغاً قدره ثمانية و تسعون ديناراً نقداً بمائة دينار مؤجلة، و بعد اكتمال المعاملة القرضية حوّل الشخص الثالث على المدين الصوري ليقبض منه هذا المبلغ عند الاستحقاق فلا إشكال في حرمة ذلك، لان دفع الدائن الصوري الزيادة إلى الشخص الثالث ولو بطريق الحوالة ربا محرّم.

و هكذا يحرم أن يستقرض للمدين الصوري من الشخص الثالث بالنحو المذكور، لأنّه أيضاً ربا محرم بل يتحقق الربا من جهتين إذا استقرض بعد ذلك من المدين الصوري

**********

(1) راجع التحرير 739/2

ص: 373

الثمانية و التسعين ديناراً على أن يدفع له بعد ثلاثة أشهر مائة دينار.

238

تبصرة في الفرق بين البرات و الكمبيالة

و لايخفى عليك ان البرات مكتوب من الدائن الحقيقى لإحالة أداء دينه المعين على شخص حقيقي أو حقوقي في تاريخ معين، و هو في الحقيقة حوالة، و عليه فالبرات يتقوم بثلاث نفرات و هم المحيل و المحال عليه و المحال له، هذا بخلاف الكمبيالة فانها تتقوم بالدائن و المدين، فانّها حاكية عن دين من يصدر الكمبيالة لمن يستفيد منها.

و يتفرع على ذلك أن البرات يتوقف على اشتغال ذمة المحال عليه أو وجود الاعتبار عنده و إلاّ لما تحققت الحوالة و البرات، و لايلزم ذلك في الكمبيالة لتقوّمها بالدائن و المدين لا غيرهما.

و اللازم في الحوالة و البرات بعد ما عرفت من تقوّمها بثلاث نفرات هو ذكر المحال له بعنوانه، هذا بخلاف الكمبيالة، لعدم تقوّمها بذكر العنوان و إمكان أن تكون صادرة بعنوان الحامل.

ثمّ انّ الحوالة أو البرات بنفسها معاملة لازمة دون الكمبيالة فانها بنفسها ليست الاّ سنداً للدين.

و عليه فما اشترطه المحيل أو المحال في الحوالة أو البرات فهو لازم الوفاء، بخلاف ما اشترط عند إعطاء الكمبيالة.

و هل يجوز لمن له البرات أو المحال له أو المستفيد من الكمبيالة أخذ الخسارة ممن كتب على ظهر الكمبيالة أو البرات تضمين ذلك ؟ و لاإشكال فيه عند شرط ذلك مع كون الكتابة المذكورة بمنزلة التضمين بالنسبة إلى أصل الدين عند عدم أداء الدين كما لايخفى.

239

معاملة أوراق المشاركة

ص: 374

و لايخفى عليك أنّ أوراق المشاركة تكون حاكية عن جزء من رأس مال الشركة المساهمة و الشركة المساهمة إما هي شركة في النقود للتجارة بحيث لايكون لهم غيرها بل استأجروا المكان و الهاتف و غير ذلك، فلا إشكال في هذه الصورة في بيع السهام بناء على جواز بيع النقود، إذ الأوراق المالية حاكية عنها.

و إمّا الشركة شركة في مجموع النقود و الأعيان و اللوازم كالشركات التوليدية، و لاإشكال في ذلك أيضاً إن حوسب المجموع من حيث المجموع، و عيّن كل سهم بنسبة قيمة المجموع ولو لم يكن خصوصيات الآحاد معلومة، لانّ تعيين قيمة المجموع مع تعيين نسبة السهم بالنسبة اليها يكفي في رفع الغرر، لأن الملحوظ في البيع هو مالية المجموع

و يويّد ما ذكر صحيحة محمّد بن الحسن الصفار انه كتب إلى أبي محمّد عليه السلام في رجل اشترى من رجل أرضاً بحدودها الأربعة و فيها زرع و نخل و غيرها من الشجر و لم يذكر النخل و لا الزرع و لا الشجر في كتابه، و ذكر انه قد اشتراها بجميع حقوقها الداخلة فيها و الخارجة منها أيدخل النخل و الأشجار في حقوق الارض أم لا؟ فوقّع عليه السلام: إذا ابتاع الأرض بحدودها و ما اغلق عليه بابها فله جميع ما فيها إن شاء الله تعالى(1) وجه التعبير بالتأتيد ان الصحيحة مربوطة ببيع المجموع لا بالسهام المشاع و لكن المسألة واضحة

قال المحقّق في المختصر النافع: و يجوز ابتياع جزء مشاع بالنسبة من معلوم و ان اختلفت اجزاؤه.

قال في جامع المدارك: من غير فرق بين أن يكون الجملة التّي ينسب الجزء اليها متساوية الأجزاء من حيث الذات و الوصف أو مختلفة الأجزاء كنصف العبدين مع

**********

(1) التهذيب 155/2 و 160

ص: 375

اختلافهما وصفاً و قيمة، و لامجال للاشكال في الصورة الثانيّة بأنه لابدّ في نسبة الجزء إلى الكل من وجود مركّب حقيقي أو اعتباري باعتبار العقلاء، و فيها لاتركيب إلاّ صرف فرض غير معتبر عند العقلاء.

فإنّه لامانع من اعتبار البايع و المشتري في مقام المعاملة و إن لم يكن عند العقلاء في غير صورة المعاملة اعتبار تركيب.(1)

ثمّ لايذهب عليك - كما أفاد السيد المحقّق الخوئى قدس سره - أنه إذا كانت معاملات الشركة المساهمة ربوية فلا يجوز شراؤها بغرض الدخول في تلك المعاملات فإنّه غير جائز و إن كان بنحو الشركة(2)

240

معاملة السندات

و لايخفى انّ السند صكّ يمثّل جزءاً من قروض الحكومة أو الهيئات الرسمية أو غير الرسمية فيما إذا لم يكن جزءاً من رأس المال، بل هو من الأوراق المالية التي تصدر بقيمة اسمية محدودة و تتغير أسعارها بعد ذلك كسائر السلع، و يقبل الناس على شرائها بغرض الاستثمار و الربح من الفرق بين قيمة الشراء و قيمة البيع، و البنك نفسه يمارس شراء و بيع الأوراق المالية نظراً لما تدرّ عليه من أرباح مجزية إلى جانب سيولتها النسبية و هو ما يسمّى بعمليات المحفظة الخاصة و يأتي الحديث عنه عند التكلم عن استثمار البنك

و أمّا هنا فنقتصر في الحديث على الجانب الذي يمثل الخدمة المصرفية بهذا الشأن، و هو توسط البنك في بيع و شراء الاوراق المالية تنفيذاً لأوامر عملائه في البيع

**********

(1) جامع المدارك 105/3-106

(2) منهاج الصالحين 411/1

ص: 376

و الشراء فانّ العملاء الذين يرغبون في التعامل في الاوراق المالية يسلمون أوامر البيع و الشراء إلى البنك، و بعد أن يتأكد البنك من سلامة الأوامر و صحة التوقيعات و وجود أرصدة دائنه أو اعتمادات مدينه في حساباتهم تسمح بتنفيذ تلك الأوامر، يبدأ بالاتصال بالبورصة للوقوف على سير الأسعار و إنجاز الشراء أو البيع إذا كان السعر بالنحو المرغوب فيه للعميل عن طريق سماسرة الأوراق المالية أو ممثل خاص للبنك

و هذا الدور الذي يقوم به البنك في التوسط في بيع و شراء الأوراق المالية يرتبط بنفس بيع و شراء تلك الأوراق، فاذا كان بيع و شراء تلك الأوراق جائزاً شرعاً أمكن التوسط لإنجاز عمليات البيع و الشراء و أخذ عمولة على ذلك، لأنّها اجرة على عمل سائغ، و أمّا إذا لم يكن بيع و شراء تلك الأوراق مسموحاً به شرعاً فيتعبر التوسط في ذلك توسطاً في أمر غير جائز و لايجوز أخذ العمولة عليه

و أمّا الحكم على نفس عملية بيع و شراء الأوراق المالية و تقييمها من الناحية الشرعية فهذا ما سوف يأتي في استثمارات البنك إن شاء الله تعالى، لأنّ البنك كما قد يتوسط في إنجاز هذه العمليات لعملائه يمارس نفسه هذه العمليات لحسابه كما اشرنا اليه سابقا و يدخل ذلك في الاستثمار.(1)

و جعل الشهيد الصدر قدس سره القسم الثالث من وظائف البنك الاستثمار و قال: يقصد بالاستثمار توظيف البنك لجزء من أمواله الخاصة أو الاموال المودعة لديه في شراء الأوراق المالية و التي تكون غالباً على شكل سندات توخّياً للربح و حفاظاً على درجة من السيولة التي تتمتّع بها تلك الأوراق المالية، لإمكان تحويلها السريع إلى نقود في أكثر الاحيان.

و اتجار البنك بالسندات يعتبر من الناحية الفقهية كاتجار أيّ شخص آخر بشراء و

**********

(1) البنك اللاربوي / 123-125

ص: 377

بيع تلك السندات... إلى أن قال.

و أمّا من وجهة النظر الفقهيه فيمكن تكييف تعاطى السندات على أساسين:

الأوّل: أن نفسّر العملية على أساس عقد القرض، فالجهة التي تصدر السند بقمية اسمية نفرضها 1000 دينار و تبيع السند ب - 950 دينار مؤجلة إلى سنة هي في الواقع تمارس عملية اقتراض، أي انها تقترض 950 دينار من الشخص الّذي يتقدم لشراء السند و تدفع اليه دينه في نهاية المدة المقررة، و تعتبر الزيادة المدفوعة و هى 50 ديناراً في المثال الذي فرضناه فائدة ربوية على القرض.

الثّاني: أن نفسر العملية على أساس عقد البيع و الشراء بأجل...

فالجهة التّي تصدر السند في المثال السابق تبيع 1000 دينار مؤجلة الدفع إلى سنة ب - 950 دينار حاضرة، و لابأس بأن يختلف الثمن عن المثمن في عقد البيع و يزيد عليه و لو كانا من جنس واحد ما لم يكن هذا الجنس الواحد مكيلاً أو موزوناً.

و الواقع أنّ تفسير العملية على أساس بيع ليس الاّ مجرد تغطية لفظية للعملية التي لايمكن إخفاء طبيعتها بوصفها قرضاً مهما اتخذت من تعبير، لأن العنصر الاساسي في القرض هو أن يملك شخص مالاً من شخص آخر و تصبح ذمته مثقلة بمثله له، و هذا هو تماماً ما يقع في عمليات شراء السندات و تمليك الجهة المصدرة للسندات 950 دينار حاضرة و تصبح ذمتها مثقلة بالمبلغ مع زيادة.

فالعملية إذن عملية إقراض من البنك و لاتختلف من الناحية الفقهية عن إقراض البنك لأيّ عميل من عملائه الذين يتقدمون إليه بطلب قروض، و الزيادة التي يحصل عليها البنك نتيجة للفرق بين القيمة الاسمية للسند و القيمة المدفوعة فعلاً من قِبل البنك هي ربا.

ص: 378

و على هذا فانّ البنك اللاربوي لايتعاطى هذه العملية الربوية إلا بالنسبة إلى سندات تصدرها الحكومة أو جهة من الجهات التي يسمح البنك اللاربوي لنفسه أن ياخذ الفائدة منها وفقاً للنقطة الرابعة من المعالم الرئيسية لسياسة البنك اللاربوى التي تقدمت في الفصل الأوّل.(1)

و قال في الفصل المذكور: و رابعاً: البحث عن متنفّس للبنك اللاربوي يستطيع عن طريقه أن يمارس عمله الفريد النبيل في الاقتراض بلا فائدة في عالم يسوده نظام الربا و القروض بفوائد من أقصاه إلى أقصاه، و تقوم الفكرة في هذا التنفس على تمييز البنك اللاربوي في تعامله بين الجهات التي صنعت ذلك الوضع الشاذ الربوي في العالم و غيرها، فبينما يحجم البنك اللاربوي عن إقراض الأشخاص و الهئيات بفائدة تعففاً عن الربا يسمح لنفسه أن يودع بفائدة في بنوك أشخاص لايومنون بالاسلام أو بنوك حكومات لاتطبق الاسلام، فالبنك كمقرض لايأخذ فائدة من المقترض ولكنه كمودع في تلك البنوك يمكنه أن ياخذ الفائدة، و المبرّر الواقعى لذلك هو أنّ الوضع الفعلي لهذه البنوك هو المسؤول عن الحرج الّذي يلقاه البنك المؤمن في ممارسة نظامه اللاربوى.(2)

وفيه اوّلاً: انّ وحدة نتيجة البيع مع القرض لاتوجب وحدة حكمهما مع اختلاف حقيقتهما و تعلق القصد بهما، هذا مضافاً إلى أنّ السندات يمكن أن تكون سند الشركة في أموال الجهة المصدرة للسند.

وثانياً: ان الحرج و ان كان موجباً لجواز المعاملات الربوية و لكن لايؤثر في النقل و الانتقال، نعم لو أراد من الايداع عند الكفار بفائدة هو الايداع عند أشخاص من الكفار

**********

(1) البنك اللاربوي / 161-163

(2) البنك اللاربوي / 13.

ص: 379

الحربيين أوالدول الحربية فلا إشكال في جواز أخذ الرباعنهم و لو لم يكن حرج مادام لم يستلزم مخدورا آخر و حصل النقل و الانتقال، و أمّا إذا كان المقصود هو الايداع عند غير الحربيين فلا يجوز مع التمكن من أخذ طريق آخر لاينجّر الى أخذ الربا و ان انحصر الامر في ذلك، فاللازم هو الاكتفاء بالايداع من دون شرط ولو مع العلم بأنهم يعطون الزيادة بأن تكون الزيادة داعية و ليست بمشروطة حتى تكون ربا فتدبّر جيّدا.

241

خطابات الضمان

تعريف ذلك - كما أفادا الشهيد الصدر قدس سره - انّ خطاب الضمان هو طلب تعهد من البنك بقبول دفع مبلغ معين لدى الطلب إلى المستفيد في ذلك الخطاب نيابة عن طالب الضمان عند عدم قيام الطالب بالتزامات معينة قبل المستفيد

و تصنف خطابات الضمان إلى قسمين:

ابتدائية و نهائية:

فالابتدائية هي تعهدات موجّهة إلى المستفيد من هيئة حكومية أو غيرها لضمان دفع مبلغ من النقود من قيمة العملية التي يتنافس طالب خطاب الضمان للحصول عليها، و يستحق الدفع عند عدم قيام الطالب باتخاذ الترتيبات اللازمة عند رسو العملية عليه

و النهائية هي تعهدات للجهة الحكومية أو غيرهالضمان دفع مبلغ من النقود يعادل نسبة اكبر من قيمة العملية التي استقرت على عهدة العميل، و يصبح الدفع واجبا عند تخلف العميل عن الوفاء بالتزاماته المنصوص عليها في العقد النهائي للعملية بين العميل و الجهة التي صدر خطاب الضمان لصالحها

و تقوم الفكرة الأساسية في خطابات الضمان على حاجة الجهة الحكومية التي تحاول

ص: 380

إجراء المناقصة على مشروع أو المزايدة على تصريف أشياء معينة إلى ضمان جدّية عرض كل شخص من المشتركين في المناقصة أو المزايدة أوّلاً، ثمّ ضمان عدم التورط في مضاعفات أو خسائر عند الاتفاق مع أحدهم و رسو العملية عليه إذا تخلف عن الوفاء بالتزاماته...

و لأجل ذلك تتجه الجهات التي تقوم بالمناقصة أو المزائدة إلى مطالبة المشترك - أىّ مشترك - أوّلاً، و مطالبة من ترسو عليه العملية و يبرم معه العقد ثانياً بتقديم تأمينات نقدية تبلغ نسبة معينة من قيمة العملية على أن تصبح هذه التأمينات من حق الجهة التي قدّمت لصالحها في حال عدم اتخاذ الشخص الإجراءات اللازمة لرسو العملية عليه أو تنفيذ العقد، ولكن بدلاً عن تكليف الشخص بتقديم هذه التأمينات و تجميد مبلغ نقدي من المال لذلك يتقدم الشخص إلى البنك طالباً خطاب الضمان، فيكون هذا الخطاب بمثابة تأمين نقدى، و إذا تخلف الشخص عن الوفاء بالتزاماته اضطر البنك إلى دفع القيمة المحددة في خطاب الضمان، و يرجع في استيفائها على الشخص الذي صدر خطاب الضمان إجابة لطلبه.

و سوف نتحدث الآن عن الحكم الشرعي لخطابات الضمان النهائية ثمّ نعقب ذلك بالحديث عن حكم الخطابات الابتدائية.

242

حكم خطابات الضمان النهائية:

في حالة صدور خطاب ضمان نهائي يكون هناك عقد قائم بين الجهة المستفيدة من خطاب الضمان و الشخص الذي طلب إصدار الخطاب من البنك

و هذا العقد ينصّ على شرط على الشخص المقاول لصالح الجهة التّي تعاقد معها

ص: 381

و هذا الشرط هو أن تتملك هذه الجهة نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف الشخص المقاول عن الوفاء بالتزأماته، و يعتبر هذا الشرط سائغاً و ملزماً مادام واقعاً في عقد صحيح كعقد الايجار مثلاً، و يصبح للجهة المتفقة مع المقاول الحق في أن تملك نسبة معينة من قيمة العملية في حالة تخلف المقاول.

و هذا الحق قابل للتوفيق و التعهد من قبل طرف آخر، فكما يمكن أن يتعهد طرف آخر للدائن بوفاء المدين لدينه كذلك يمكن أن يتعهد لصاحب الحق بوفاء المشروط عليه بشرطه، و على هذا الاساس يعتبر خطاب الضمان من البنك تعهداً لوفاء المقاول بالشرط و ينتج عن هذا التعهد نفس ما ينتج عن تعهد طرف ثالث بوفاء المدين للدين.

فكما يرجع الدائن على هذا الثالث إذا امتنع المدين عن وفاء دينه كذلك يرجع صاحب الحق بموجب الشرط إلى البنك المتعهد إذا امتنع المشروط عليه من الوفاء بالشرط، و لما كان تعهد البنك و ضمانه للشرط بطلب من الشخص المقاول فيكون الشخص المقاول ضامناً لما يخسره البنك نتيجة لتعهده، فيحق للبنك أن يطالبه بقيمة ما دفعه إلى الجهة التي وجّه خطاب الضمان لفائدتها، و يصح للبنك أن ياخذ عمولة على خطاب الضمان هذا، لأنّ التعهد الذي يشتمل عليه هذا الخطاب يعزّز قيمة التزامات الشخص المقاول، و بذلك يكون عملاً محترماً يمكن فرض جعالة عليه أو عمولة من قِبل ذلك الشخص انتهى.(1)

و لايخفى ان الضمان كما تصور بالنسبة إلى الجهة فكذلك يتصور بالنسبة إلى المقاول في ما تعهد له الجهة، و كان عليه أن يشير اليه

**********

(1) البنك اللاربوي / 128-131

ص: 382

243

حكم خطابات الضمان الابتدائية

أمّا خطاب الضمان الابتدائى فيجوز للبنك اصداره و الوفاء بموجبه ولكنه غير ملزم له لأنّ طالب الضمان الابتدائي لم يرتبط بعد بعقد مع الجهة التي تجري المناقصة أو المزايدة ليمكن إلزامه بشرط في ذلك العقد لكي يتاح للبنك أن يضمن وفائه بشرطه.

فاذا فرضنا ان الشخص التزم للجهة التي فتحت المناقصة مثلاً بأن يدفع كذا مقداراً إذا لم يتخذ الاجراءات اللازمة حين ترسو العمليه عليه فهو وعد ابتدائي غير ملزم و بالتالي لايكون تعهد البنك ملزماله أيضا.(1)

و لايذهب عليك ان ما اختاره من عدم الالزام في الصورة المذكورة هو المشهور بين الاصحاب، لاختصاص الشرط بالالتزام في ضمن الالتزام، ولكن لقائل أن يقول بالالتزام في هذه الصورة أيضاً بناء على عدم اختصاص الشرط بذلك، لتقومه بكون الالتزام في مقابل الالتزام، و في المقام يكون كذلك، لان ثبت اسم من طلب الشركة في المناقصة التزام من ناحية الجهة في مقابل التزام من أراد الشركة بأداء مبلغ لو انصرف، و سياتي بقية الكلام.

244

توضيح في المراد من التخلف في الضمان النهائي

قال في البنك اللاربوي: ان في الموارد المذكورة التي يصدر فيها البنك خطاب الضمان لعميله يكون العميل قد ارتبط في عقد بجهة معينة، و اشترط عليه ضمن ذلك العقد أن يدفع كذا مقداراً في حالة التخلف

و هذا الشرط صحيح في نفسه إذا لم يكن التخلف يعنى بطلان اصل العقد

**********

(1) البنك اللاربوي / 128-131

ص: 383

نعم لو كان العقد عقد إجارة و كان مورد الاجارة المنفعة الخارجية لا المنفعة الذمية و انكشف عقيب العقد أن الاجير عاجز عن ممارسة العمل المطلوب، فمعنى هذا بطلان نفس الاجارة، لانكشاف عدم كون تلك المنفعة من منافع الأجير فيبطل بالتبع الشرط المفروض في عقد الاجارة أيضاً، فلابدّ احتياطاً لمثل هذه الحالة من فرض الشرط بنحو آخر لكى يكون ملزما.

245

توضيح في نفس الشرط

ثمّ ان هذا الشرط أي شرط الضمان يتصور صياغته بأحد انحاء ثلاثة:

الأوّل: أن يكون بنحو شرط النتيجة بحيث تشترط الجهة الخاصة على المقاول أن تكون مالكة لكذا مقداراً في ذمته إذا تخلف عن تعهداته.

الثّاني: أن يكون بنحو شرط الفعل، و الفعل المشترط هو ان تُمَلَّك الجهة الخاصة كذا مقداراً.

الثالث: ان يكون بنحو شرط الفعل، و الفعل المشترط هو ان يملِّك المقاول تلك الجهة كذا مقداراً.

و الفرق بين هذا النحو و سابقه مع أن الشرط في كل منهما شرط الفعل هو أن الشرط في هذا النحو فعل خاص و هو تمليك المقاول مالاً للجهة الخاصة و أمّا في النحو السابق فالمشترط و إن كان هو عملية التمليك أيضاً ولكن المراد بها جامع التمليك القابل للانطباق على تمليك نفس المقاول و على تمليك غيره.

و الثمرة بين هذين النحوين تظهر في إمكان تبرع شخص آخر بالقيام بالشرط على القاعدة بدون حاجة إلى أمر أو توكيل من المقاول... إلى أن قال: و بايجاده يحصل الوفاء

ص: 384

و لايعود المقاول مطالباً بشىء و يكون من قبيل تمكّن الغير من وفاء دين المدين.

و لايتوهم أن الشرط على المقاول يجب أن يكون خصوص الحصة الصادرة منه لاأوسع من ذلك، إذ لامعنى لأن يشترط على شخص إلاّ فعله، لأنّ هذا التوهم يندفع بأنّ الاشتراط يقنضي كون متعلقه مقدوراً للمشروط عليه بحيث يمكن أن يدخل في عهدته و مسؤوليته، و من المعلوم ان الجامع بين فعله و فعل غيره مقدور له، و لهذا يقال في باب الاحكام التكليفية: انه يعقل تعلق الامر بالجامع بين فعل المكلف و فعل غيره بنحو صرف الوجود.

إذا اتضحت هذه الانحاء الثلاثة للشرط فنقول: ان النحو الأوّل (أي شرط النتيجة) غير صحيح في المقام، لأنّ النتيجة المشترطة في المقام و هي اشتغال ذمة المقاول بكذا درهماً ابتداءً (أي من دون معاملة و إن كان الشرط في ضمن عقد لازم) ليس في نفسه من المضامين المعاملية المشروعة، و أدلة نفوذ الشرط ليست مشرّعة لأصل المضمون، و انما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لأن تنشأ به المضامين المشروعة في نفسها... و أمّا النحو ان الآخران من الشرط فهما معقولان إلى ان قال.

و كما انّ وقوع العين المغصوبة في عهدة الغاصب يعني كونه مسؤولاً عن نفس العين، أي تسليم العين إلى المالك مادامت موجودة، و إذا تلفت العين تتحول العهدة إلى إشتغال الذمة بقيمتها على تفصيل و تحقيق لايسعه المقام، كذلك العهدة الجعلية في محلّ الكلام (أي تعهد البنك الضامن بأداء الدين و أداء الشرط) فانها تعني كون البنك مسؤولاً عن تسليم ماوقع في العهدة الجعلية و هو اداء الدين أو الشرط بوصفه فعلاً له مالية (لانفس الدين).

و كما إذا تلفت العين المغصوبة تتحول العهدة القهرية إلى إشتغال الذمة بقيمة العين،

ص: 385

كذلك إذا تلف أداء الدين أو اداء الشرط على الدائن و المشترط بسبب امتناع المدين و المشروط عليه عن الاداء الذي يعتبر نحو تلف للفعل على مستحقه عرفاً تحوّلت العهدة الجعلية إلى إشتغال الذمة بقيمة ذلك الفعل، أي بقيمة أداء الدين أو أداء الشرط، لان اشتغال الذمة بقيمة المال عند تلفه من اللوازم العقلائية لمعنى دخول ذلك المال في العهدة، فأيّ مال دخل في العهدة سواء كان عيناً أو فعلاً له مالية، و سواء كانت العهدة قهرية كعهدة الغاصب أو جعلية بسبب اشتغال ذمّة صاحب العهدة بقيمته عند تلفه، فبعد فرض إمضاء العهدة الجعلية عقلائياً و شرعاً يترتب عليها لازمها من إشتغال الذمة بالقيمة على تقدير التلف.

ثمّ يتصوّر وجها آخر للضمان و هو أن يقال: إنّ العهدة الجعلية التي جعلناها معنى ثالثاً للضمان هي عبارة عن تحمّل تدارك الشيء بقيمته إذا تلف، فهذا التحمل بنفسه هو معنى التعهد بذلك الشيء الممضى في الارتكاز العقلائي، فيكون اشتغال الذمة بالقيمة عند التلف هو مدلول هذا التعهد ابتداء، ففي المقام تعود خطابات الضمان إلى تعهدات من قِبل البنك بالشروط المأخوذة على المقاولين، و تعهد البنك بالشرط بوصفه فعلاً له مالية يعنى اشتغال ذمته بقيمة هذا الفعل اذا تلف بامتناع المقاول عن أداء الشرط.

و الفرق بين تفسير المعنى العقلائي للعهدة الجعلية بهذا الوجه و تفسيره بالوجه المتقدم: أنّ صاحب الشرط ليس له بناء على هذا الوجه مطالبة البنك بإقناع المقاول بالأداء، و إنّما له على تقدير امتناع المقاول ان يغرّم البنك قيمة ما تعهد به.(1)

و لايخفى عليك مواقع النظر منها ماذكره بالنسبة إلى النحو الأوّل أي شرط النتيجة فإنّ شرط الملكية بنحو شرط النتيجة للجهة أو غيرها لم يجعل له سبب خاص و لم يمنع

**********

(1) البنك اللاربوي / 235-241

ص: 386

عنه دليل شرعي، و لو شك في كونه مخالفا للكتاب و السنة أولا أمكن الأخذ بأصالة عدم كونه مخالفاً للكتاب و السنة، فاذا ثبت مشروعية شرط الملكية بنحو شرط النتيجة يشمله أدلة نفوذ الشروط، و بالجملة حيث لم يجعل للمكية سبب خاص حتى يقال بدونه لايتحقق الملكيه، و أدلة الشروط لاتثبت المشروعية بل اللازم هو ثبوت المشروعية من خارجها، فهي متحققة بمثل الشرط و يشمله عموم أدلة نفوذ الشروط كما لايخفى.

و منها: أنّ جواز التبرع لايختص بصورة ثانية بل يجوز ذلك حتى فيما إذا اشترط تمليك المقاول، لعدم خصوصية كما لايخفى.

و منها: انّ تفسير التعهد لايختص بالوجهين، لإمكان تفسيره بالتعهد بما اشتغل به المشروط عليه طولاً، بمعنى أنّه التزم بما التزم به المشروط عليه عند عدم أدائه.

و منها: أنّه لايلزم التكلّف في تفسير التعهد بالضمان بالنسبة إلى نفس الفعل و هو الأداء بدعوى اعتبار المالية لنفس الأداء بوصفه فعلاً، مع انّ الأداء بما هو أداء لاقيمة له، اذ القيمة للمؤدّى، بل الذي عليه الارتكاز هو الضمان عند عدم أداء المضمون عنه و هو الضمان الطولي و هو امر عقلائي و يشمله عمومات الأدلة و عليه بناء العقلاء.

و منها: ما عرفت من أن عدم الملزمية في الضمان الابتدائي محل تامل في ما إذا كان مقابلا مع التزام اخر، إذ الشرط يصدق عند وقوعه قبال امر آخر ككتابة اسمه في زمرة الذين طلبوا المشاركة في المناقصة أو المزايدة، و مع صدقه يشمله عموم أدلّة نفوذ الشروط و يحكم باشتغال الذمة، فلا إشكال حينئذ، لتعلق الضمان به بعد اشتغال الذمة به.

لايقال: ان في بعض كتب اللغة كالقاموس: ان الشرط إلزام الشيء و التزامه في البيع و

ص: 387

نحوه، و مقتضاه هو انحصار الشرط في الالتزام في ضمن الالتزام فلا يشمل الالتزام المقابل للالتزام الآخر.

لانّا نقول: لايستفاد منه أزيد من بيان أن البيع و نحوه مصداق من الالزام و الالتزام، إذ البيع إلزام و التزام و شرط بمعناه اللغوي، و ليس المراد منه هو إفادة أن الشرط هو خصوص الالزام و الالتزام الواقع في البيع و نحوه، هذا مضافاً إلى صدق الشرط على الالتزام في مقابل الالتزام عرفاً، و يشهد له قوله عليه السلام في دعاء الندبة: و شرطت عليهم الزهد في هذه الدنيا الدنية و علمت منهم الوفاء... و من المعلوم ان هذا الشرط لم يقع في ضمن التزام اخر، و لعلّه يكفي مع عدم ظهور مناف له في اللغة فتأمل.

246

الاعتمادات المستندية

الاعتماد السندي - كما أفادا الشهيد الصدر قدس سره - يعتبر من أهمّ وسائل الدفع و أكثرها انتشاراً في عمليات التجارة الخارجية، و هو يعنى تعهداً من قبل البنك للمستفيد و هو البائع، بناء على طلب فاتح الاعتماد و هو المشتري و يقرّر البنك في هذا التعهد أنه قد اعتمد تحت تصرف المستفيد (البايع) مبلغاً من المال يدفع له مقابل مستندات محدّدة تبيّن شحن سلعة معينة خلال مدة معينة.

247

أقسام الاعتماد

و يقسم الاعتماد إلى اعتماد استيراد و اعتماد تصدير، فاعتماد الاستيراد هو الذي يفتحه المستورد لصالح المصدّر بالخارج لشراء سلعة أجنبية.

و اعتماد التصدير هو الذي يفتحه المشتري الاجنبي في الخارج لصالح المصدّر

ص: 388

بالداخل لشراء ما يبيعه هذا المصدّر من بضائع محلية.

و لايخلتف أحدهما عن الآخر، فان الاعتماد دائماً هو تعهد مصرفي للبائع بالثمن يتقدم بطلبه من البنك المشتري، و تقسيمه إلى اعتماد استيراد و تصدير قائم على أساس اعتباري.

و دور البنك في الاعتماد المستندي هو في الواقع دور التعهد بوفاء دين المشتري الذي يستحقه عليه البائع لقاء البضاعة التي صدرها اليه.

و هذا التعهد يكسب المشتري قوة و يعزّز اعتباره وثقة البائع به.

و يقوم البنك على أساس هذا التعهد بتسلّم مستندات البضاعة من المصدّر و دفع قيمة البضاعة له بمجرّد تسلّم تلك المستندات إذا كانت شروط الدفع التي سبق أن تمّ الاتفاق عليها بين المصدّر و المستورد بالاطلاع.

و أمّا إذا كان الاعتماد بالقبول فإنّ البنك غير مسؤول عن دفع القيمة بمجرّد وصول المستندات اليه و انما تبدأ مسئوليته في ذلك حين قبول المستورد لتلك المستندات.

و قيام البنك بهذا الدور و فتح الاعتمادات المستندية و التعهد للبائعين بتسديد الثمن المستحق لهم على المشترين لدى وصول المستندات اليه أو قبول المستورد لها عمل جائز شرعاً.

كما أنّ تسديده فعلاً للثمن عن المشتري جائز أيضاً سواء سدّده من رصيد المشترى الموجود لديه أو سدّده من ماله الخاص.

و في هذه الحالة يصبح المشتري مدينا للبنك بقيمة البضاعة التي سدّدها.

و أمّا الفوائد التي يحصل عليها البنك من فتح الاعتماد المستندي و قيامه بهذه العملية فهى على قسمين:

أحدهما ما يعتبر أجراً على نفس ما قام به البنك من تعهد بدين المشتري و اتصال

ص: 389

بالمصدر و مطالبته بمستندات الشحن و إيصا لها إلى المشتري.... و نحو ذلك من الخدمات العملية، و هذا الاجر جائز شرعاً.

و القسم الآخر ما يعتبر فائدة على المبلغ غير المغطّى من قيمة البضاعة التي دفعها البنك إلى المصدّر على أساس أنّ هذا المبلغ غير المغطّى يعتبر قرضاً من البنك، فيتقاضى عليه فائدة يحدّدها الزمن الذي يتخلّل بين دفع ذلك المبلغ و تسديد المشتري للبنك قيمة البضاعة. و هذه فائدة ربويه محرمة شرعاً و يجب استبدالها بالسياسة العامة التي وضعنا ها للبنك اللاربوى في القروض.

و هناك فوائد يحمّلها بنك البلد المصدّر على بنك البلد المستورد و يحمّلها الأخير على المستورد نفسه، و هي فوائد على المبالغ المستحقة طيلة الفترة التي تسبق تحصيلها في الخارج من قبل البنك المراسل، و يمكن تخريج هذه الفوائد و تفسيرها فقهياً على أساس الشرط في عقد البيع، بمعنى أنّ المصدّر في عقده مع المستورد يشترط عليه دفع مبلغ معين من المال عن كل يوم يسبق تحصيل الثمن، فيصبح المستورد و البنك الممثّل له ملزماً بدفع المشترط، و ليس ذلك من الزيادة الربوية المحرّمة، لأنّ الالزام بدفع ذلك المبلغ إنما هو بحكم عقد البيع لابحكم عقد القرض، و ما هو المحرّم جعل شيء في مقابل تأجيل القرض حدوثاً أو بقاء، لاالالزام بدفع شيء بحكم الشرط في ضمن عقد البيع.(1)

و لايخفى ما فيه، فان الشرط المذكور شرط الزيادة إن كان في مقابل الإمهال و هو محرّم سواء كان في عقد القرض أو غيره من العقود، نعم لو لم يرتبط بالإمهال اصلا فلا إشكال.

ثمّ انه يمكن أن يقال: - كما في بحوث فقهية - أنّ ما نحن فيه ليس من قبيل الإقراض،

**********

(1) البنك اللاربوي / 131-134.

ص: 390

بل هو أداء لدين التاجر من مال البنك نفسه و إن كان مضمونا على التاجر(1) و لعلّ وجه ذلك أنّ الاداء المذكور في حكم الإتلاف، و حيث كان بأمر التاجر يكون مضموناً عليه، ولكن ذلك لايصحّح أخذ الزيادة.

نعم يمكن تخريج الفائدة المذكورة على المبلغ غير المغطّى على أساس البيع، بمعنى أنّ البنك يبيع كذا مقداراً من العملة الأجنبية في ذمته بكذا مقداراً من العملة الداخلية، و حينئذ يضيف إلى ما يساوي العملة الأجنبية من العملة الداخلية مقدار الفائدة.

و لما كان الثمن و المثمن مختلفين في النوعية و الجنس فمظهر البيع أقرب إلى القبول مما إذا كان من جنس واحد...(2)

و لايخفى أنّ البيع في الجنس الواحد أيضاً يكون صحيحا، هذا مضافاً إلى إمكان ذلك بنحو الجعالة كأن يقول: إذا أدىّ عني ديني أدفع له أصل المال مع الزيادة المقرّرة(3) ولكن كلّ هذه التخريجات مورد الاشكال من جهة انها من الحيل الربوية التّي يصار اليها في غير حال الضرورة.

ثمّ نقل الشهيد الصدر قدس سره عن بعض انه قال: إنّ دفع البنك لدين التاجر المستورد إذا كان بملاك القرض فلا يجوز أخذ الفائدة و لا العمولة.

و أورد عليه بانه غير تام إذا كان المقصود بذلك حرمة أخذ كل منهما في نفسه، لأنّ معنى الالتزام بحرمة كل من الفائدة و العمولة في نفسها - على فرض قرضية المعاملة - انه كما أنّ أخذ الفائدة يوجب ربوية القرض كذلك أخذ العمولة. مع ان الامر ليس كذلك، بل

**********

(1) البحوث الفقهية / ص 103.

(2) البنك اللاربوي / 245

(3) كما في بحوث فقهيه / ص 101.

ص: 391

يجوز للبنك أن ياخذ العمولة، و مجرّد أخذها لايوجب ربويّة القرض، لوضوح أن البنك إذا كان يقرض التاجر المستورد قيمة البضاعة ثمّ يسدّد دينه على هذا الاساس فمن حقه أن يأخذ عمولة على استخدام مبلغ القرض الذي أقرضه للتاجر المستورد في وفاء دينه المستحق عليه للمصدّر، لأنّ البنك إذ يقرض التاجر من المال لايجب عليه أن يمتثل أوامر مدينه في كيفية التصرف في ذلك المبلغ و لا أن يحقق رغبته في طريقة إنفاقه...

فاذا كلّفه التاجر المستورد المدين بأن يسدّد من هذا المبلغ بشكل من الأشكال دينه المستحق عليه للمصدّر في الخارج كان للبنك المقترض أن ياخذ اجرة على ذلك، و المدين لايرى من مصلحته الامتناع عن تقديم هذا الأجر، لأنّه لو أخذ مبلغ القرض نقداً من هذا البنك و ذهب إلى بنك آخر و طلب منه التحويل فان البنك الاخر سوف يطالبه بالأجر أيضاً، و هكذا نجد ان أخذ العمولة لايصير القرض ربويا(1) و لايخفى ان القرض و إن تحقّق بنفس التسديد فلا يجوز أخذ العمولة للتسديد، لأنّه عين القرض و ليس عملاً ورائه، نعم لو تحقق القرض قبل التسديد فالعمولة للتسديد لاإشكال فيه.

248

خطابات الاعتماد الشخصية

قال الشهيد الصدر قدس سره: خطابات الاعتماد الشخصية هي خطابات يفوّض فيها البنك عميله الذي أصدر الخطاب لصالحه بالسحب على حسابه لدى مراسليه الذين يحدّدهم على ظهر تلك الخطابات، و تطالب البنوك في الغالب بكامل قيمة خطابات الاعتماد الشخصية من العملاء عند استصدارها و تتقاضى عمولة خاصة على الخطاب.

و هذا الخطاب يعتبر من الناحية الفقهية بالنسبة إلى المستفيد الدائن الذي كان له

**********

(1) البنك اللاربوي / 245-246

ص: 392

رصيداً في ذلك البنك أو أوجد له رصيداً كذلك عند طلب الحصول على خطاب الاعتماد لتغطية الطلب، إنّ هذا الخطاب بالنسبة اليه يعتبر إمّا توكيلا لذلك المستفيد الدائن في استيفاء دينه من حساب البنك لدى البنوك المراسلة في الخارج، و يعتبر هذا الاستيفاء من الاستيفاء بغير الجنس، و هو جائز شرعاً مع رضا الدائن.

و إمّا تفويضاً له (أي المستفيد) بنقل دينه على البنك متى شاء من العملة الداخلية إلى العملة الاجنبية التي تمثل نفس القيمة... و بقبول التحويل بتلك العملة الاجنبية على أي بنك من البنوك التي يحدّدها خطاب الاعتماد.

و إمّا يبيع البنك منه بالفعل مقداراً محدداً من العملة الاجنبية بما يساوي قيمته فعلا من العملة الداخلية و يفوض العميل المستفيد من خطاب الاعتماد بقبول الحوالة بذلك المقدار على اى بنك من البنوك المحددة في نفس الخطاب.

و يمكن للبنك أن يتقاضى عمولة على اصدار خطابات الاعتماد الشخصية بأحد الأوجه الآتية:

أوّلاً: إذا كان البنك مديناً للعميل الطالب للحصول على الخطاب (أي انّ الخطاب كان مغطّى) فهو يأخذ العمولة إتجاه قبوله بالوفاء في مكان اخر.

وثانياً: إذا كان خطاب الاعتماد غير مغطّى و كان البنك متجهّاً إلى إقراض قيمة الخطاب لطالب الحصول عليه كتسهيلات مصرفية، فهو قرض يتم في الخارج، لأنّ القرض يتم بالقبض و يصبح المستفيد بقبض المبلغ في الخارج مديناً للبنك.

و يمكن للبنك إلزام المدين في عقد القرض بأن يقوم بالوفاء في نفس المكان الذي تسلّم فيه المبلغ المقترض.

و نظراً إلى أنّ المستفيد لايلائمه ذلك بل هو يريد الوفاء في بلده لا في بلد تسلّم

ص: 393

القرض، فيجوز للبنك أن يطالب المستفيد بمال لقاء عدم إلزامه بالوفاء في نفس مكان قبض المبلغ المقترض.

و من ناحية اخرى فإنّ المستفيد يعتزم تسديد الدين بغير جنسه، لأنّه سوف يقبض عملة أجنبية و يسدّد دينه للبنك بعد ذلك بعملة داخلية، و يمكن للبنك أن لايقرّ هذا النوع من الوفاء إلاّ لقاء مبلغ معين من المال.(1)

قال الشهيد الصدر قدس سره في الملحق 12: و بما ذكرناه يظهر أن أخذ البنك للعمولة لايتوفف جوازه على أن يصبح البنك مدينا كما ذكر ذلك بعض الاعلام، إذ أفاد أن المراجع للبنك إذا كان يدفع اليه المبلغ نقداً ثمّ يتسلّم منه خطاب الاعتماد فهو يصبح دائناً للبنك بقيمة المبلغ الذي دفعه إليه و يكون البنك مديناً له، فيجوز للبنك و الحالة هذه أن ياخذ العمولة، لأنها نفع يحصل عليه المدين لا الدائن، و الحرام هو أن يحصل الدائن على نفع من ناحية القرض.

و التحقيق ان أخذ العمولة جائز كما عرفت في الاطروحة ولو فرض أن البنك هو الدائن، لأنّ المحرّم أخذه على الدائن هو الشيء في مقابل المال المقترض، و لايحرم على الدائن أن ياخذ شيئاً في مقابل عمل من أعماله أو في مقابل تنازل عن حق خاص غير حق المطالبة، و في المقام إذا فرضنا أن البنك أصدر خطاب الاعتماد لعميله و فوّضه بتسلّم مبلغ كذا من وكيله في الخارج دون أن يتسلم منه شيئا، فهذا معناه الاذن بالاقتراض من وكيله في الخارج ضمن حدود القيمة المسجّلة في خطاب الاعتماد.

و من حق البنك في حالة اقتراض عميله المزوّد بالخطاب من وكيله في الخارج أن يلزمه بالوفاء في نفس مكان القرض أي في الخارج.

**********

(1) البنك اللاربوي / 144-146

ص: 394

و نظراً إلى أنّ العميل لا يلائمه الوفاء إلاّ في بلده لا في الخارج فيدفع مبلغاً من المال للبنك الدائن الّذي زوّده بالخطاب لا في مقابل المبلغ المقترض ليكون فائدة ربوية، بل في مقابل عدم مطالبته البنك الدائن بالوفاء في خصوص المكان الّذي وقع فيه القرض.(1)

و مما ذكر يظهر حكم البطاقات الإئتمانية بانواعها في السفر و الحضر في أقسام المعاملات و الخدمات السائغة من الناحية الشرعية، فإنّه يجوز للجهة المصدّرة مطالبة العمولة لقاء قيامها بتزويد العميل بالبطاقة، إذ لايجب عليها القيام بها مجانا، فإن توافقوا على مقدار فهو و إلاّ استحقت الجهة المصدّرة لاُجرة المثل حيث كان التزويد المذكور بأمر العميل و طلبه.

ثمّ ان ما أخذته الجهة المصدّرة لقاء خدمتها ليست فائدة على الدين، بل هي اجرة لما قدّمته من الخدمة له كما لايخفى.

249

الخدمات البنكية بالنسبة الى الأوراق المالية

قال الشهيد الصدر قدس سره: و الحفاظ على الاوراق المالية أمر جائز و يمكن للبنك أن يتقاضى اجرة عليه، و أمّا القيام بخدمة تلك الاوراق فيعني التأمين على المستندات و صرف المستهلك منها و استبدال الأوراق المجدّد إصدارها، و كل ذلك جائز و يمكن للبنك أخذ جعالة على هذه الخدمات.

و من الخدمات تحصيل كوبوناتها نيابة عن العملاء، و جواز هذه الخدمة و أخذ الجعالة أو الاجرة عليها مرتبط بمشروعية الربح، فإن كان الربح ربحاً تجارياً كربح الاسهم جاز ذلك، و إن كان ربحاً ربوياً كفوائد القروض التي تمثّلها السندات فلا يجوز.

**********

(1) البنك اللاربوي / 247-248

ص: 395

و كما يقوم البنك بتحصيل قيمة كوبونات الأوراق المالية نيابة عن عملائه كذلك يقوم بدفع قيمة الكوبونات نيابة عن الشركات، فانّ بعض الشركات قد تعهّد إلى البنك بعملية صرف أرباحها للمساهمين، و تقوم بدفع قيمة الكوبونات التي تقرّر توزيعها نقداً إلى البنك، او تفوّضه بخصم قيمة الكوبونات من حسابها الدائن لديه.

و قيام البنك بدفع قيمة الكوبونات نيابة عن الشركة جايز شرعاً إذا كان الربح مشروعا كقيامه بتحصيل قيمة الكوبون نيابة عن العميل المودع لأوراقه المالية لدى البنك، و يجوز للبنك أن ياخذ عمولة على قيامه بتوزيع الأرباح نيابة عن الشركة.

و ذلك لأن البنك إمّا يكون مديناً للشركة برصيد دائن في حسابها الجاري لديه فتحيل الشركة أصحاب الاسهم عليه ليسدّد إليهم أرباحهم.

و إمّا أنّ الشركة تدفع اليه بالفعل قيمة الكوبونات و تكلّفه بتوزيعها.

و إمّا ان تطلب منه إقراضها و توزيع الأرباح مع تقييدها في رصيدها المدين من الحساب الجاري.

فان كان البنك مديناً للشركة برصيد دائن فلا يجوز له أن ياخذ عمولة على مجرد دفع الأرباح إلى المساهمين الا إذا كان قد اشترط البنك منذ البدء على دائنيه أن لايحوّل عليه إلا باذنه فيأخذ عمولة لقاء إسقاط هذا الشرط.

و يجوز له أن يأخذ العمولة لقاء القيام بإخبارهم و طلب الحضور منهم، لأنّه بوصفه مديناً للشركة مكلّف بالدفع و غير مكلّف بالإخبار و طلب الحضور.

و إن كان البنك يقوم بالنيابة عن الشركة في توزيع الأرباح على أساس أنّ الشركة تدفع اليه فعلاً قيمة تلك الارباح لكي ينوب عنها في التوزيع، فبإمكانه أن ياخذ عمولة على تسلّم المبلغ و دفعه إلى المساهمين إذا كان المفروض دفع نفس المبلغ الذي يتسلّمه من الشركة.

ص: 396

و أمّا إذا كان المفروض أن يدفع قيمته لانفسه كما هي العادة فالمبلغ يعتبر قرضاً من الشركة للبنك، و بإمكان البنك أن لايوافق على أن يصبح مديناً إلا لقاء عمولة.

و إن كان البنك مطالبا من الشركة بإقراضها قيمة الارباح ثمّ توزيعها فيمكنه أن يأخذ عمولة أيضاً، لأنّه بعد أن يخصص مبلغاً معينا للشركة كقرض يقوم بتوزيعه على المساهمين.

و واضح أن الدائن غير ملزم بأنّ ينفذ تعليمات مدينه في كيفية صرف المبلغ الذي اقترضه منه، فاذا كلّفه المدين بذلك استحق عمولة لقاء تنفيذ أوامره في طريقة الصرف.(1)

250

عملية الإكتتاب

قال الشهيد الصدر قدس سره: قد يقوم البنك بدور الوسيط في عمليات اكتتاب الأسهم لبعض الشركات، فإنّ الشركة المصدّرة للأسهم قد تتفق مع البنك على أن يتولى نيابة عنها إصدار أسهمها و يقوم الاتفاق بين الشركة و البنك على أساس احد الطريقتين التاليتين:

الاولى: إصدار الأوراق بدون ضمان، و في هذه الحالة لايكون البنك مسؤولا عن تغطية الإصدار كاملا و إنما يتقاضى عمولة فقط لقاء ما استطاع تصريفه من أسهم.

الثانية: إصدار الاوراق بضمان، و في هذه الحالة يكون البنك ملزما بأن يشتري لحسابه الخاص الأوراق التي لم يتم الاكتتاب فيها.

و كل هذا جايز شرعاً إذا كان تركيب الشركة صحيحا من الناحية الشرعية، و

**********

(1) البنك اللاربوي / 125-127

ص: 397

يكون البنك في الحالة الاولى مجرد وكيل في تصريف الأسهم، و يكون بامكانه أخذ اجرة أو جعالة لقاء عمله الذي و كلته الشركة فيه.

و في الحالة الثانيّة يمكن أن يفترض كون البنك أجيرا من الشركة على ممارسة عمليات الاكتتاب مع شرط في عقد الايجار يفرض على البنك أن يشتري ما يتبقى من أسهم عند غلق الاكتتاب، و هو شرط جائز و نافذ و إن لم يكن لدى الطرفين في البداية فكرة محددة عن عدد ما يتبقى من الاسهم دون تصريف.(1)

251

الودائع الحقيقية و تخزينها

و هي عبارة عن ايداع اشياء معينة عند البنك ليحتفظ من مخاطر السرقة و الحريق و الضياع.

و يقوم البنك لهذا الغرض بإعداد خزائن خاصة و يجوز له أن يوجر الخزائن أو يأخذ الاجرة في مقابل عمل التحصين و التحفيظ.

قال الشهيد الصدر قدس سره: يقوم البنك في بعض الحالات بتخزين البضائع داخل و خارج المنطقة الكمركية، و قد تخصص بعض البنوك مخازن كبيرة لهذه العملية التي يمارسها البنك في حالة وصول البضاعة قبل أن يتسلّم المستوردون المستندات الخاصة بتلك البضاعة، لتأخرهم عن تسلّمها أو امتناعهم عن ذلك، فانّ البنك يقوم في هذه الحالة بتخزين البضاعة حرصاً على مصلحة مراسليه و انتظاراً لتعليماتهم لما يتخذ بشأن البضاعة من إجراء.

و كذلك يقوم البنك بعملية التخزين بالنسبة إلى البضائع التي تعهد بدفع قيمتها عند تسلّم مستندات الشحن الخاصة بها إذا وصلت تلك البضائع، و لكن البنك يقوم بتخزين

**********

(1) البنك اللاربوي / 127-128

ص: 398

البضاعة في هذه الحالة على حساب المستورد لا المراسل الذي انقطعت صلته بالموضوع بتسليم المستندات و تسلّم القيمة.

و تخزين البنك البضاعة لصالح المراسل في الحالة الاولى جائز شرعاً، و له أن يأخذ عليه عمولة إذا كان البنك يمارس على أساس طلب صريح أو ضمني من المراسل، كما انّ تخزين البنك البضاعة لصالح المستورد في الحالة الثانية جائز، و يمكن للبنك أخذ عمولة عليه من المستورد إذا كان التخزين بطلب منه أو كان قد شرط عليه ولو بصورة ضمنية عند فتح الاعتماد أن يتولّى البنك تخزين البضاعة عند وصولها و يرجع عليه بالاجرة.(1)

و يجوز للبنك ان يشترط مع المستوردين الوكالة في بيع البضائع عند عدم إقدامهم على تحويلها و أخذ مطالباتهم منها.

فلو تخلّف صاحب البضائع عن تسلّمها بعد إنذاره من قبل البنك جاز للبنك بيعها و استيفاء ما دفعه من البايع إلى المصدّر، لأنّه وكيل عن صاحب البضائع، و هكذا يجوز أيضاً شراء هذه البضائع عن البنك عند جواز البيع للبنك كما لايخفى.

قال السيد المحقّق الخوئى قدس سره: انّ البنك قد يقوم ببيع البضاعة عند تخلف أصحابها عن تسلّمها بعد إعلان البنك و إنذاره، و يقوم بذلك لاستيفاء حقه من ثمنها، فهل يجوز للبنك القيام ببيعها؟ و هل يجوز لآخر شراؤها؟ الظاهر الجواز، و ذلك لأنّ البنك في هذه الحالة يكون وكيلا من قِبل أصحابها بمقتضى الشرط الضمني الموجود في أمثال هذه الموارد، فاذا جاز بيعها جاز شراؤها أيضاً.(2)

**********

(1) البنك اللاربوي / 134-135

(2) منهاج الصالحين 410/1

ص: 399

252

التطوير المصرفي لتأدية الديون

استطاعت البنوك أن تسهّل أمر تأدية الديون و الطلبات التي تكون بين أفراد من دولتين اللتين لكل منهما عملتها الخاصة بأن تحلّ محلّ تجّار الصرف و سماسرته و تسلّط على عمليات الصرف.

قال الشهيد الصدر قدس سره: انّ تأدية الديون و الطلبات على أساس التطوير المصرفي لها أصبح بالامكان أن تتمّ دون نقل أي نقد من مكان إلى مكان، و ذلك عن طريق الاوراق التجارية التي يصدرها البنك.

فالمستورد العراقي إذا اصبح مديناً بالف روبية لمصّدر هندي لقاء بضاعة معينة يمكنه أن يسدّد دينه عن طريق ورقة تجارية كالشك مثلاً بأنّ يستحصل من بنك في العراق شيكاً مسحوباً على بنك في الهند بقيمة الدين بالروبيات، كما يمكنه ان يجد شخصاً عراقياً آخر دائناً لمستورد هندي بالف روبية، و قد حصل على شيك مسحوب من المستورد الهندي على بنك في الهند بقيمة الدين، فيشتري المدين العراقي من الدائن العراقي هذا الشيك و يرسله إلى دائنه الهندي تسديداً لدينه.

و في كلتا الحالتين لايوجد نقل مادّي للنقد من مكان إلى مكان، و التسديد في الحالة الاولى يمكن تفسيره على أساس حوالتين:

إحداهما حوالة المستورد العراقي دائنه الهندي على بنك عراقى مدين للمستورد، فيصبح الهندي مالكا قيمة البضاعة في ذمة ذلك البنك.

و الاخرى حوالة البنك العراقي دائنه الهندي على بنك هندي له حساب جار لديه، و كلتا الحوالتين صحيحة.

و أمّا التسديد في الحالة الثانية فيتكون من شراء و حوالة، فالمستورد العراقي يشتري

ص: 400

من المصدر العراقي الدين الذي يملكه في ذمة المستورد الهندي، و بذلك يصبح مالكاً لقيمة الدين في ذمة المستورد الهندي، و بعد ذلك يحوّل المستورد العراقي دائنه أي المصدر الهندي على المستورد الهندي فيتقاضى منه قيمة دينه، و كل من الشراء و الحوالة صحيح و جائز شرعاً.(1)

و لايخفى عليك أنّ اللازم في شراء الدين هو ان لايكون بالأقل و إلا فليس له أن ياخذ إلا بمقدار ما أعطاه و قد اعترف الشهيد الصدر بذلك.

253

بيع و شراء العملات الاجنبية

و مما تهتمّ البنوك بيع و شراء العملات الاجنبية ليتحصل قدر كاف منها لرفع حاجة عملائها، و لأجل تحصيل الربح في ما إذا كانت أسعار الشراء أقل من أسعار البيع، هذا مضافاً إلى أن مع تساوى القيمة بين أسعار البيع مع أسعار الشراء يتوفر للبنك فرصة الشراء بدون خصم على أقل تقدير.

و لهذا كما أفاد الشهيد الصدر قدس سره تقوم البنك بشراء و بيع العملات الاجنبية التي يحملها السيّاح الأجانب أو السيّاح العائدون من الخارج، و إذا اريد شراء العملة الاجنبية بالعملة المحلية حوّلت قيمة الكمية المطلوب شراؤها إلى العملة المحلية بالسعر الرسمي السائد في ذلك التاريخ، و عمليات البيع و الشراء هذه جائزة شرعاً، سواء كانت حاضرة او لأجل، فإن البنوك كما تمارس البيع و الشراء الحاضر كذلك تمارس العقود الآجلة.

اذ قد تقوم بالتعاقد مع جهة اُخرى على شراء و بيع النقد الاجنبي لأجل، و هذا

**********

(1) البنك اللاربوي / 136-137

ص: 401

يتفق حين يستورد عميل البنك بضاعة أجنبية بسعر مؤجّل إلى شهر و محدد بعملة البلد المصدّر، و يخشى أن تختلف أسعار الصرف لغير صالحه، فبينما يساوي ذلك المقدار المحدّد من عملة البلد المصدّر ألآن ألف دينار، قد يساوى في موعد التسليم أكثر من ألف دينار، و في مثل هذه الحالة يعمد العميل إلى البنك الذي يتعامل معه طالباً منه التعاقد نيابة عنه مع البنك المركزي على شراء آجل لعملة البلد المصدّر بالكمية التي وقع الاتفاق عليها بين المصدر و المستورد لقاء ألف دينار لكي يضمن المستورد بذلك عدم اضطراره إلى دفع ما يزيد على ألف دينار مهما اختلفت أسعار الصرف بعد ذلك.

و هذا جائز أيضاً من الناحية الشرعية ما لم يكن الثمن الذي اشترى به البنك العملة الأجنبية الآجلة مؤجلا أيضاً في نفس عقد الشراء

و أمّا إذا كان كذلك فيصبح من بيع الدين بالدين و هو باطل شرعاً، و إذا اريد تأجيل الثمن فيمكن الاتفاق على ذلك خارج نطاق عقد الشراء.(1)

و يمكن أن يقال: انّ قوله عليه السلام لايباع الدين بالدين منصرف إلى ما كان ديناً قبل البيع و الشراء لا ما بصير كذلك بالبيع و الشراء، و المقام من الثاني فتأمل.

254

جوائز البنك

قد يقوم البنك بعملية القرعة بغرض الترغيب على وضع أموالهم لديه، و يدفع لمن أصابته القرعه مبلغاً من المال بعنوان الجائزة، فان كان ذلك في مقابل القرض كالحساب الجاري مع اشتراط العميل عليه ذلك كان رباً محرماً، هذا بخلاف ما إذا لم يشترط عليه

**********

(1) البنك اللاربوي / 138-139

ص: 402

العميل فإنّه جائز شرعاً، و ان لم يكن في مقابل القرض، كما إذا كان في مقابل حساب الذخيرة لرأس المال و الشركة و المضاربة و نحوهما من المعاملات الشرعية فلا إشكال و إن اشترط العميل عليه ذلك، لأنّه ليس في مقابل القرض فلاتغفل، هذه عمدة المسائل المربوطة بالبنك و الله هو الهادي.

ولله الحمد أولاً و آخراً

السيد محسن الخرازي

ربيع الثّاني من سنة 1424 ه -.

ص: 403

الفهرس

(1) * تتمة المسألة الثانية و العشرين (في الربا)... 5

(2) * المقام الثاني في الربا القرضي... 5

(3) * و يقع الكلام في امور:... 5

(4) * الامر الاول: في الترغيب نحو القرض... 5

(5) * الامر الثاني: في عدم جواز اشتراط النفع... 7

(6) * الامر الثالث: في تبرع المقترض بزيادة العين او الصفة... 11

(7) * الامر الرابع: في صحة اصل القرض و عدمها... 14

(8) * الامر الخامس: في اشتراط ما لم يكن منفعة محضة... 20

(9) * الامر السادس: في الشرط للمقترض... 28

(10) * الامر السابع: في كون احد الطرفين زيادة كمية و الآخر زيادة وصفية... 30

(11) * الامر الثامن: في اخذ النفع و الزيادة في القرض بدون الشرط... 31

(12) * الامر التاسع: في استحباب اداء القرض بالزيادة... 35

(13) * الامر العاشر: في عدم الفرق في الحرمة بين ان يشترط النفع في عقد القرض و بين ان يشترط في عقد آخر... 37

(14) * الامر الحادي عشر: في حرمة اشتراط القرض في ضمن البيع المحاباتى و عدمها... 38

(15) * الامر الثاني عشر: في عدم جواز اخذ شى بعنوان المضاربة و صرفه في غير التجارة... 41

ص: 404

(16) * الامر الثالث عشر: في حرمة تأخير الدين الحال بزيادة... 42

(17) * الامر الرابع عشر: في بيع شى بثمن حال و بازيد منه مؤجلا... 45

(18) * الامر الخامس عشر: في ا داء الدين و الحطيطة... 47

(19) * الامر السادس عشر: في اخذ شي في القرض بعنوان اجرة الكتابة... 53

(20) * الامر السابع عشر: في تعميم حرمة الربا بالنسبة الى الاشخاص الحقوقية... 56

(21) * الامر الثامن عشر: في حرمة الاستغلال بما ادّى قرضا... 62

(22) * الامر التاسع عشر: في بيع الدين بالاقل من الشخص الثالث... 63

(23) * الامر العشرون: فى عدم الفرق بين الفرض الاستهلاكى وبين الفرض... 64

(24) * خاتمة: في أحكام البنوك و أقسامها... 66

(25) * و الكلام في ذلك يقع في مقامات:... 66

(26) * المقام الأوّل: في أنواع البنوك... 66

(27) * المقام الثاني: في عدم الفرق بين انواع البنوك فى ترتب الاحكام... 68

(28) * المقام الثالث: في أحكام المعاملات البنكية... 76

(29) * النوع الأول: الحساب الجاري... 76

(30) * فروع: الأول: في عدم جواز سحب الشيك عند عدم شي في الحساب الجارى... 78

(31) * الثانى: في حكم ما اذا سمع البنك ان يسحب صاحب الشيك ازيد مما لهم في حسابهم... 78

(32) * الثالث: في جواز ترخيص البنك لصاحب الحساب في الشراء بذمة البنك و عدمه... 79

(33) * الرابع: في عدم جواز تأخير البنك في دفع مبالغ الشيكات... 79

ص: 405

(34) * الخامس: في حكم فقدان الشيكات اعتبارها بسبب مضي زمان طويل و نحوه... 79

(35) * السادس: في كون الشيكات أسنادا للديون... 80

(36) * السابع: في ضمان البنك و عدمه فى الشيك المسروق... 81

(37) * الثامن: في عدم جواز سحب الشيكات في الموارد التي منع منها البنك... 81

(38) * التاسع: في جواز الايداع في البنك مع العلم بانه يصرف في الحرام و عدم جوازه... 82

(39) * العاشر: في حكم الامهال عند عدم تمكن صاحب الحساب من أداء المبلغ... 83

(40) * الحادى عشر: في حكم وصول مبلغ عن طريق الخطاء في الحساب الجارى... 86

(41) * الثانى عشر: في حكم افتتاح الحساب المشترك بين عدة اشخاص... 87

(42) * الثالث عشر: في حكم افتتاح الحساب الجارى لاموال الصغار او المجانين... 87

(43) * الرابع عشر: في حكم جوائز البنك... 89

(44) * الخامس عشر: في حكم ضمان البنك بالنسبة الى الامانات المودعة عنده... 89

(45) * السادس عشر: في حكم مضى عشر سنوات من تأريخ اصدار الشيكات... 89

(46) * السابع عشر: في حكم مطل المديون في أداء دينه... 90

(47) * الثامن عشر: في ان السحب من الحساب الجارى استيفاء لااقتراض... 91

(48) * النوع الثاني: حساب القرض الحسن... 92

(49) * مسائل:... 94

(50) * المسألة الاُولى: في حكم اشتراط المقرض في ضمن عقد القرض ان يصرفه في جهة خاصة... 94

(51) * المسألة الثانية: في حكم اقراض بنك حكومى للدولة او بالعكس... 95

(52) * المسألة الثالثة: في حكم اقراض البنك شخصا بعنوان خاص... 95

ص: 406

(53) * المسألة الرابعة: في حكم اشتراط البنك في ضمن عقد القرض اعطاء اجرة الخدمات... 96

(54) * المسألة الخامسة: في حكم اشتراط البنك في ضمن عقد القرض ان نظر البنك هو فصل الخطاب... 98

(55) * المسألة السادسة: في حكم اشتراط البنك الغرامة... 98

(56) * المسألة السابعة: في حكم اشتراط البنك حلول الاجل في عقد القرض لو اخر المقترض بعض الاقساط... 99

(57) * المسألة الثامنة: في عدم الفرق في حرمة اشتراط المنفعة بين التصريح او كون العقد مبنيا عليه... 100

(58) * المسألة التاسعة: في حكم اشتراط القرض في عقد القرض بالمثل او الازيد... 100

(59) * المسألة العاشرة: في حكم اشتراط البنك على المصنع في ضمن عقد القرض انه ان مات احد الشركاء قام مقامه شخص آخر... 102

(60) * المسألة الحادية عشرة: في اشتراط تحمل دفع كل ما يتعلق بالمال المقترض في الشرع او العرف... 103

(61) * المسألة الثانية عشرة: في حكم الامهال في اداء القرض و الديون بشرط الزيادة... 103

(62) * المسألة الثالثة عشرة: في حكم النقل و الانتقال بالنسبة الى المتيازات خصصها البنك لبعض اصحاب الحساب الجارى... 103

(63) * المسألة الرابعة عشرة: في صحة اصل القرض في القروض الربوية... 104

(64) * المسألة الخامسة عشرة: في حكم الاوراق القرضية... 105

(65) * المسألة السادسة عشرة: في حكم ضمانة الضامن عند الاقتراض... 106

ص: 407

(66) * فروع:... 109

(67) * الأول: في حكم عدم معلومية مقدار الدين و الجنس في الضمان... 109

(68) * الثانى: في حكم الضمان العرفي... 110

(69) * الثالث: في حكم اشتراط كيفية الرجوع في عقد الضمان... 110

(70) * الرابع: في عدم بطلان تعهد الضمان بموت المدين... 110

(71) * الخامس: في عدم جواز نقض عهد الضمان... 111

(72) * السادس: في حكم اشتراط الزيادة في مقابل تأخير المضمون عنه... 111

(73) * السابع: في حكم موت الضامن... 111

(74) * الثامن: في حكم موت المدين المضمون عنه بالضمان العرفي... 113

(75) * التاسع: في حكم انواع الضمانات العرفية... 114

(76) * العاشر: في حكم جواز جعل شى في قبال عملية الضمان... 115

(77) * النوع الثالث: حساب الذخيرة... 117

(78) * النوع الرابع: حساب الادخار للعمليات التجارية و غيرها... 119

(79) * مسائل:... 119

(80) * الاولى: في جواز افتتاح حساب الادخار لكل من تتوفر فيه الاهلية... 119

(81) * الثانية: في سلطنة الوالد على مال الولد... 125

(82) * الثالثة: في ان الجد و ان علا يشارك الاب في السلطنة المذكورة... 125

(83) * الرابعة: في عدم ولاية الامهات... 127

(84) * الخامسة: في محجورية الصغار قبل البلوغ و حصول الرشد... 127

(85) * السادسة: في اشتراط البنك على المدخرين اعلام البنك عند فقدان وثيقة الحساب... 128

ص: 408

(86) * السابعة: في مصالحة البنك مع المدخرين رأس المال للتجارة على اعطاء شى عند كذا و كذا... 128

(87) * الثامنة: في حكم ادخار تدريجى... 131

(88) * التاسعة: في جواز اخذ رأس المال في اى وقت كان... 132

(89) * العاشرة: في انواع الادخار... 132

(90) * الحادية عشرة: في عدم اشتراط مدة معينة في حساب الادخار... 133

(91) * الثانية عشرة: في جواز دفع البنك اموال المحجورين بعد دفع الحجر و صدور الحكم من المحاكم الشرعية... 134

(92) * الثالثة عشرة: في كيفية ردّ رأس المال بعد موت صاحبه الى الوراث... 134

(93) * حقيقة المضاربة... 135

(94) * أهمّ شروطها و أحكامها... 136

(95) * و نتعرّض هنا لعدّة مسائل:... 136

(96) * المسألة الاُولى: في جواز تضمين الخسارة في المضاربة و الشركة و الجعالة... 136

(97) * المسألة الثانية: في شرطية كون رأس المال في المضاربة عينا... 141

(98) * المسألة الثالثة: في شرطية كون رأس المال من الذهب او الفضة المسكوكين و عدمها... 146

(99) * المسألة الرابعة: في جواز عقد المضاربة... 150

(100) * المسألة الخامسة: في ان العامل يملك حصته من الربح بمجرد ظهوره... 156

(101) * تنبيه: في ان المضاربة تارة تقوم على اساس صفقة تجارية خاصة و اخرى على اساس انشاء مشروع كامل... 162

(102) * المسألة السادسة: في اشتراط ان يكون الاسترباح في المضاربة بالتجارة... 163

ص: 409

(103) * المسألة السابعة: في لزوم كون الربح في المضاربة مشاعا بين العامل و المالك... 170

(104) * المسألة الثامنة: في اشتراط البنك على المودعين ان يتازلوا عما يزيد من حصتهم الواقعية عن الحصة التى تقررلهم بموجب كون الاستثمار في اوقات مختلفة... 173

(105) * المسألة التاسعة: في صورة فساد المضاربة فالربح للمالك... 174

(106) * المسألة العاشرة: فيما اذا اخذ شخص مقدراً بعنوان المضاربة و لم يضارب به... 177

(107) * المسألة الحادية عشرة: في بطلان المضاربة بالموت او الجنون... 179

(108) * المسألة الثانية عشرة: في وجوب ما تعهد به العامل للمالك... 180

(109) * المسألة الثالثة عشرة: في توكيل العامل البنك في ملاحظة مال المضاربة... 180

(110) * المسألة الرابعة عشرة: في جواز فسخ المضاربة الا اذا شرط عدمه في ضمن عقد لازم... 181

(111) * المسألة الخامسة عشرة: في انه لافرق في المضاربة بين ان تكون فردية او اشتراكية... 182

(112) * تبصرة: في وساطة البنك بين المالك و العامل... 183

(113) * حقيقة الجعالة و شروطها و أحكامها... 187

(114) * أ) الآيات:... 188

(115) * ب) الروايات:... 189

(116) * و هنا مسائل:... 192

(117) * المسألة 1: في عدم اشتراط ان يكون المجعول له فردا خاصا... 192

(118) * المسألة 2: في جواز ان يكون العمل مجهولا في الجعالة... 192

ص: 410

(119) * المسألة 3: في اشتراط ان يكون العوض معلوما... 194

(120) * المسألة 4: في عدم اعتبار الجعل ممن له العمل... 197

(121) * المسألة 5: في اعتبار اهلية الاستئجار في الجاعل... 198

(122) * المسألة 6: في جواز الجعاله على كل عمل محلل مقصود للعقلاء... 199

(123) * المسألة 7: في عدم تعيين المدة في الجعالة بل هى تابعة لجعل الجاعل... 201

(124) * المسألة 8: في انه ليس على الجاعل غير ما جعله على نفسه في انشاء الجعالة... 201

(125) * المسألة 9: في عدم استحقاق العامل للجعل الا بعد العمل... 202

(126) * المسألة 10: في ان الجعالة من العقود الجائزة... 202

(127) * المسألة 11: في جواز انشاء عقد الجعالة للعامل مع اخر... 207

(128) * المسألة 12: في جواز استنابة العامل غيره بنحو الوكالة او الاجارة... 208

(129) * المسألة 13: لايجوز اخذ الزيادة من الجاعل لو اخّر في اداء الجعل... 210

(130) * المسألة 14: في فرض جعالة للمودع زائدا على النسبة المقررة من الربح... 210

(131) * حقيقة الإجارة... 212

(132) * هنا مسائل... 214

(133) * المسألة الاُولى: الاجارة بشرط التمليك... 214

(134) * المسألة الثانية: في اشتراط عدم الغرر... 215

(135) * المسألة الثالثة: في اجارة الكلى... 218

(136) * المسألة الرابعة: في جواز اجارة المستأجر للغير... 226

(137) * السلف في المعاملات البنكية... 228

(138) * حقيقة السلف... 228

ص: 411

(139) * شروطه... 228

(140) * المسألة الأولى: في عدم جواز بيع السلم قبل حلوله... 230

(141) * المسألة الثانية: في جواز البيع بعد حلول الاجل و لو مع عدم القبض... 231

(142) * المسألة الثالثة: في جواز اعطاء التسهيلات بالشراء بنحو السلف... 235

(143) * المسألة الرابعة: في اشتراط كون وجود السلم وقت حلول الاجل عاما... 236

(144) * المسألة الخامسة: في اشتراط كون مورد السلم مولدا بسبب البايع... 236

(145) * المسألة السادسة: في اشتراط تعيين الاجل... 237

(146) * المسألة السابعة: في اشتراط معلومية مورد السلم جنسا و وصفا و مقدارا... 237

(147) * المسألة الثامنة: في وجوب قبض رأس المال قبل التفرق... 238

(148) * المسألة التاسعة: في حكم قبض بعض ثمن المسلم فيه... 239

(149) * المسألة العاشرة: في اشتراط كون المسلم فيه دينا... 239

(150) * المزارعة و شروطها و أحكامها... 241

(151) * و يشترط فيها امور: منها ان يكون النماء مشتركا بينهما... 244

(152) * و منها ان يكون النماء المشترك مشاعا بينهما... 244

(153) * و منها ان يكون الحصة المشاعة متعينة... 244

(154) * و منها تعيين المدة بالاشهر و السنين... 245

(155) * و منها تعيين الارض... 248

(156) * و منها تعيين البذر على أىّ منهما و كذا سائر اللوازم... 251

(157) * هنا مسائل... 253

(158) * المسألة 1: يجوز للمزارع ان يعطي العامل قبل ظهور الحاصل مبلغاً نقديا بعنوان القرض... 253

(159) * المسألة 2: يجوز للعامل أن يستأجر الغير للزراعة، و مقتضى جواز ذلك هو جواز تسليم الارض اليه... 253

ص: 412

(160) * المسألة 3: قال السيد المحقّق اليزدى في المسألة 13: يجوز للعامل أن يشارك غيره في مزارعته او يزارعه في حصته... 254

(161) * المسألة 4: في حكم تبيّن بطلان العقد... 256

(162) * المسألة 5: الظاهر أنّ الارض لاموضوعية لها بخصوصها، فلو فرض سفينة بحرية أو فضائية يمكن الزرع فيها صحت المزارعة بالنسبة اليها... 262

(163) * المسألة 6: يعتبر في المزارعة أربعة امور: الارض و البذر و العمل و العوامل... 262

(164) * المساقاة و شروطها و أحكامها... 264

(165) * هنا مسائل: الاولى: في حكم المساقاة بعد ظهور الثمرة... 267

(166) * الثانية: في حكم المساقاة في الاشجار التى لاتحتاج الى السقى... 267

(167) * الثالثة: في جواز المساقاة على فسلان مغروسة... 268

(168) * الرابعة: في لزوم المساقاة من الطرفين... 268

(169) * الخامسة: في ذكر المدة و تعيينها... 269

(170) * السادسة: في حكم صورة عدم تعيين جملة من الأعمال من جهة أنها على العامل أو على المالك... 270

(171) * السابعة: ان الظاهر من البنوك انها ليست إلاواسطة في المساقاة و نحوها بين المالك و العامل... 272

(172) * حقيقة الشركة في الاموال و أحكامها... 272

(173) * تذنيب في ان الشركة الواقعية هل تحصل بالمزج بين الاموال ام لا... 278

(174) * الشركة في الديون و في المنافع... 279

(175) * شركة الأبدان... 282

ص: 413

(176) * شركة الوجوه... 284

(177) * شركة المفاوضة... 288

(178) * و هنا مسائل:... 290

(179) * المسألة الاُولى: في حكم المصالحة في الديون... 290

(180) * المسألة الثانية: في ان الشركة اما بنحو الاشاعة و اما بنحو الكلى في المعين... 291

(181) * المسألة الثالثة: في حكم الشركة مع من يعتقد بوجوب الخمس ولكن لم يؤده... 294

(182) * المسألة الرابعة: في حكم اشتراط زيادة احد الشريكين في الربح... 297

(183) * المسألة الخامسة: في كون الشركة من العقود الجائزة... 305

(184) * المسألة السادسة: في حكم ذكر الاجل في عقد الشركة... 308

(185) * المسألة السابعة: في اشتراط كون العمل من احدهما او منهما مع الاستقلال او مع الانضمام... 310

(186) * المسألة الثامنة: في حكم ادعاء احد الشريكين على الاخر الخيانة او التفريط... 312

(187) * المسألة التاسعة: في دعوى العامل التلف... 312

(188) * المسألة العاشرة: في بطلان الشركة بالموت... 314

(189) * المسألة الحادية عشرة: في الفرق بين الشركة المفيدة للاذن و الشركة الحاصلة بالمزج في البطلان و عدمه بعروض احد الامور المذكورة على بعض الشركاء... 315

(190) * المسألة الثانية عشرة: في بطلان الشركة المفيدة للاذن من ناحية فقدان شروط العاقد... 316

(191) * المسألة الثالثة عشرة: في استحقاق العامل للاجرة في الشركة و عدمه... 316

ص: 414

(192) * المسألة الرابعة عشرة: في حكم اختلاف الشريكين في اشتراء شىء كما اذا ادعى انه اشتراه لنفسه و ادعى الاخر انه اشتراه بالشركة... 318

(193) * المسألة الخامسة عشرة: في عكس المسألة السابقة... 319

(194) * الحوالة و أحكامها و شروطها... 320

(195) * تعريف الحوالة... 320

(196) * التحويل أعم من الحوالة... 321

(197) * شروط الحوالة و هى البلوغ و العقل و الاختيار و الرشد و غيرها... 321

(198) * يشترط في الحوالة مضافا الى الشرائط العامة المذكورة امور اخرى... 324

(199) * الاول: الايجاب و القبول... 324

(200) * الثانى: التنجيز... 328

(201) * الثالث: هو ثبوت المحال به في ذمة المحيل... 329

(202) * الرابع: كون المال المحال به معلوما... 330

(203) * تفصيل الكلام:... 333

(204) * احدها: هو ما اذا احال المحيل من له عليه الدراهم على البريء... 333

(205) * ثانيها: ما إذا أحال المحيل من له عليه الدراهم على مشغول الذمة بالدنانير... 334

(206) * هنا مسائل... 336

(207) * المسألة الاولى: في عدم الفرق في المال المحال به بين ان يكون عينا في الذمة او منفعة او عملا... 336

(208) * المسألة الثانية: في براءة ذمة المحيل عند تحقق الحواله... 337

(209) * المسألة الثالثة: في عدم وجوب قبول الحوالة على المحال... 338

(210) * المسألة الرابعة: في لزوم الحوالة... 338

ص: 415

(211) * المسألة الخامسة: في وجوب الدفع على الوكيل او الامين بمجرد الاحالة... 340

(212) * المسألة السادسة: في حوالات البلاد... 340

(213) * عملية محرّر الشيكات... 343

(214) * القسم الأوّل: هو أن يكون لمحرّر الشيك مال في ذمة البنك و يحيل محاله على البنك... 343

(215) * القسم الثّاني: ان يكون السحب على أساس انّه اقتراض جديد من البنك... 344

(216) * القسم الثالث: أن لايكون لمحرّر الشيك رصيد في البنك و يحرّر الشيك لدائنه و يحيله... 344

(217) * القسم الرابع: هو أن يسحب الشيك لاستيفاء قيمة الشيك من دينه على البنك... 345

(218) * هنا فروع... 345

(219) * الفرع الأوّل: في جواز شراء الدائن بضاعة بما يملكه من دين في ذمة مدينه كالبنك... 345

(220) * الفرع الثّاني: أنه لايجوز التعامل بالشيك كموضوع ينصب عليه العقد مباشرة إذا كان السحب بالشيك من دون رصيد دائن للساحب... 346

(221) * الفرع الثالث: فيما إذا كان المسحوب عليه الشيك فرع البنك في البصرة مثلاً... 346

(222) * الشيكات المصرفية من البنك... 348

(223) * عملية المستفيد من الشيكات... 350

(224) * عملية التحويل بأمر العميل... 353

(225) * تعزيز الشيكات بتوقيع البنك... 358

(226) * مسأله خلق الإئتمان... 359

ص: 416

(227) * تحصيل الكمبيالات... 362

(228) * و هنا مسائل... 362

(229) * المسألة الاولى: في التعليق في باب الحوالة... 362

(230) * المسألة الثانية: في كيفية استحقاق البنك للجعل... 363

(231) * المسألة الثالثة: في توقف صحة الاجارة على مقدورية العمل... 364

(232) * المسألة الرابعة: في كفاية القدرة واقعا و عدمها... 365

(233) * تعزيز الكمبيالات... 368

(234) * الكمبيالات الصورية... 370

(235) * الصورة الاولى: أن يكون توقيع - الكمبيالة - من قبل المدين الصوري... 371

(236) * الصورة الثانية: هي أن يجري الدائن الصوري في الكمبيالة معاملة لنفسه مع الشخص الثالث... 371

(237) * و الصورة الثالثة: و هي - كما أفادها سيدنا الامام المجاهد قدس سره في تحرير الوسيلة - ما اذا اجرى الدائن الصورى المعاملة مع الشخص الثالث من جانب المدين الصورى بتوكيله... 373

(238) * تبصرة في الفرق بين البرات و الكمبيالة... 374

(239) * معاملة أوراق المشاركة... 374

(240) * معاملة السندات... 376

(241) * خطابات الضمان... 380

(242) * حكم خطابات الضمان النهائية... 381

(243) * حكم خطابات الضمان الابتدائية... 383

(244) * توضيح في المراد من التخلف في الضمان النهائي... 383

ص: 417

(245) * توضيح في نفس الشرط... 384

(246) * الاعتمادات المستندية... 388

(247) * اقسام الاعتماد... 388

(248) * خطابات الاعتماد الشخصية... 392

(249) * الخدمات البنكية بالنسبة الى الأوراق المالية... 395

(250) * عملية الإكتتاب... 397

(251) * الودائع الحقيقية و تخزينها... 398

(252) * التطوير المصرفي لتأدية الديون... 400

(253) * بيع و شراء العملات الاجنبية... 401

(254) * جوائز البنك... 402

ص: 418

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.